
تقديم
:
|
بقلم
: جعفر السبحاني
|
بسم
الله الرحمن الرحيم
الشريعة
الاسلامية
أو
رجة
البعث في الحياة البشرية
بعث النبي الأكرم
صلىاللهعليهوآلهوسلم بكتاب مبين ، وسنة زاهرة ، وشريعة جامعة ، فأخدت رجة في الكافة جوانب الحياة
الانسانية ، ولم يبق مظهر للحياة إلا اهتز وظهرت معالم التطور فيه.
كانت الشريعة الاسلامية
زلزالا في حقل الدين والعقيدة فعصفت بالشرك وجعلت من الانسان المشرك ، موحدا ضحى بنفسه
ونفيسه في سبيل التوحيد ومكافحة الوثنية.
كانت زلزالا في
جانب العادات والتقاليد والآداب والأخلاق ، فقد أبادت الرسوم الجاهلية وذهبت بأعرافها
فأصبح الانسان العاكف للخرافات الموروثة من الآباء الجاهلين ، فردا موضوعيا رافضا لما
يخالف الفطرة والعقل السليم.
كانت هزة عنيفة
في مجال العلم والمعرفة بعالم الوجود وفسيح الكون وقد دعت إلى النظر في بديع الصنع
وخاطبت الانسان بقوله : « قل
انظروا ماذا في السماوات والأرض » ( يونس ـ ١٠١ ) ، فعاد الجاهل عالما بالسنن الكونية ، سابحا في بحار المعرفة
بتأسيسه علوما وفنونا لم يكن لها مثيل ، كما أكمل فنونا موروثة من المتقدمين.
ومن أعجب ما أحدثته
في الحياة الانسانية تشريع أسس ونظم في حقل التكاليف والحقوق مبنية على الفطرة والخلقة
البشرية لا تحيد عنها قيد شعرة ، ولم يرتحل صاحب الدعوة وحامل الشريعة حتى أرسى دعائم
أعظم حضارة عرفتها البشرية فكان رائدها وموجدها حيث لم ير التاريخ مثلها فيما عبر وغبر
في الشمولية والعمومية. فصارت الشريعة الاسلامية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وصار المسلمون مراجع في الكلام والعقيدة ، وأساتذة في
الأخلاق وعباقرة العلوم ، وعلماء شامخين في الوظائف والحقوق ، استغنوا في ظل التشريع
الاسلامي عن أي تشريع سواه. ومن مميزاتها البارزة شموليتها وعموميتها بحيث لم يبق موضوع
إلا وتناولته تشريعا وتقنينا ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الشريعة الاسلامية
ليست وليدة الفكر البشري المتناهي وإنما هي أثر العلم والقدرة الواسعين غير المتناهيين.
حفاظ الشريعة وحملتها :
لبى النبي الأكرم
صلىاللهعليهوآلهوسلم دعوة ربه وترك كنزين ثمينين ووديعتين كريمتين عرفهما في حديثه الخالد المعروف
بحديث الثقلين وقال : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي فكان الكتاب شمسا ساطعة
، والعترة الطاهرة أقمارا منيرة أناروا الطريق للمهتدين.
ومن حسن الحظ أنّ
جيلا كبيراً من الأمة الإسلامية قد استضاءوا وبنورهم ووصلوا القمة في مجال العلم والعمل،
ومعالم الفقه الفقه ومكارم الأخلاق ، فصاروا نجوماً
في سماء العلم يهتدي بهم الناس في حياتهم فحملوا الشريعة دقيقها وجليلها إلى لا الآخرين
إلى أن تواصلت حلقات العلم والحديث والتفسير والفقه إلى العصر الحاضر.
فسلام الله على
العترة الطاهرة حملة السنة النبوية وحفظة الشريعة ، وعلى أصحابهم المتربين في حجورهم
الطاهرة ، الحافظين لعلومهم وأسرارهم ، والناقلين لأمانتهم إلى الأجيال اللاحقة ، فهم
كما قال رسول الله : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف
الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد
ولو عرضنا أسماء
من تخرجوا من مدرستهم في القرون الاسلامية الأولى وبالأخص في
__________________
القرن الثاني والثالث لطال بنا الكلام وطال موقفنا مع القراء الكرام ، وبما
أن مولف هذا الكتاب من أبطال القرن السادس ومن كبار المجتهدين على مذهب العترة الطاهرة
في ذلك العصر ، نذكر أسماء مشاهير فقهاء ذلك القرن من الامامية بوجه موجز مقتصرا على
اسمهم وعصرهم ، كي يفف القاريء الكريم على أنّ الفقه الشيعي الإمامي قد بلغ القمة في
تلك العصور ونبغ فيها فطاحل القفه وأبطال الاجتهاد عندما تجمد الفقه وانحسر على التطور
في مذهب الجمهور ، فلو كان القرن السادس والسابع عصر ازدهار الفقه الشيعي وتطوره ،
وقد كثر الفقهاء والمحققون في الفقه فيهما ، كما كثر التأليف أيضاً بمختلفون الألوان
وشتى الوجوه ، وإليك قائمة مشاهير الفقهاء في القرن السادس :
١ ـ الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي
المجاز عن والده شيخ الطائفة في سنة ٤٥٥ ه. الراوي عن والده وعن سلار الديلمي ( ت
٤٦٣ ه ) ويروي عنه جمع كثير ، منهم : أبو الرضا فضل الله بن علي الراوندي وكان حيا
عام ٥١٥ ه.
٢ ـ الامام فضل الله بن علي بن هبة
الله المعروف بالسيد الامام ضياء الدين أبي الرضا الحسني الراوندي الكاشاني ، جمع مع
علو النسب ، كمال الفضل والحسب ، وكان أستاذ أئمة عصره ، كان حيا سنة ٥٤٨ ه.
٣ ـ الإمام الطبرسي : الفضل بن الحسن
بن الفضل ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ ه ) صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن وهو غني عن التعريف وآراؤه
في الفقه معروفة.
٤ ـ الحسين بن علي بن محمد جمال الدين
أبو الفتوح النيسابوري الخزاعي ، نزيل الري صاحب التفسير الكبير باسم روض الجنان من
مشايخ ابن شهرآشوب وكان حيا عام ٥٥٢ ه.
٥ ـ الامام قطب الدين سعيد بن هبة الله
الراوندي مولف فقه القرآن المتوفى ٥٧٣ ه.
٦ ـ عبد الله بن حمزة بن عبد الله حمزة
أستاذ مولف هذا الكتاب قطب الدين الكيدري ، وستوافيك اجازته للمترجم.
٧ ـ عبد الله بن علي بن زهرة أخو أبي
المكارم صاحب الغنية ( ٥٣١ ـ ٥٨٠ ه ) له التجريد لفقه الغنية عن الحجج والأدلة وغيره.
٨ ـ الشيخ الامام رشيد الدين محمد بن
علي بن شهرآشوب ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ ه )
صاحب المناقب والمتشابهات.
٩ ـ حمزة بن علي بن زهرة المعروف ب
ابن زهرة ( ٥١١ ـ ٥٨٥ ه ) له غنية النزوع في علمي الأصول والفروع فقيه شهير.
١٠ ـ محمد بن المنصور المعروف ب ابن
إدريس العجلي ( ٥٤٣ ـ ٥٩٨ ه ) صاحب كتاب السرائر والحاوي لتحرير الفتاوي ، أحد الفقهاء
الكبار المعروف بالجرأة على الخلاف.
١١ ـ سديد الدين محمود بن علي بن الحسن
، علامة زمانه في الأصولين ، له المصادر في أصول الفقه توفي سنة ٦٠٠ ه.
١٢ ـ علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي
مولف كتاب إشارة السبق المحقق المنتشر أخيرا. هؤلاء نماذج من مشاهير فقهاء القرن السادس
الذي نبغ فيه شيخنا المؤلف قطب الدين الكيدري البيهقي ، وإليك ترجمته حسب ما وقفنا
عليه في كتب التراجم وغيرها.
الإقليم الخصب بالمواهب والصلاحيات
:
إن إقليم خراسان
إقليم خصب ، بالمواهب والاستعدادات ، وتربة طيبة صالحة لانبات الأشجار اليانعة والأزاهير
المتفتحة ، والمزارع الباهرة ، ولم تقتصر قابليتها على انتاج المواهب الطبيعية ، بل
كانت ولم تزل تربي في أحضانها رجالا كبارا وأدمغة جبارة كانوا مصادر العلم والحديث
، ومفاتيح الخطابة والمحاضرة ، ومعاقل الفكر والتيارات الكلامية.
ولقد كانت هذه المنطقة
في القرن السادس ولا سيما منطقة بيهق بيئة شيعية ، خرج منها أفذاذ من الفقهاء والعلماء
منهم الشيخ قطب الدين البيهقي الذي نحن بصدد ترجمته.
قال في معجم البلدان
: وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء ومع ذلك
والغالب على أهلها مذهب الرافضية .
حياة المؤلف ومشايخه ومؤلفاته
:
هو أبو الحسن محمد
بن الحسين بن تاج الدين الحسن بن زين الدين محمد بن الحسين بن أبي المحامد البيهقي
النيسابوري.
__________________
كل من ذكر شيخنا
المترجم له فقد أطراه وأثنى عليه ، وإن كان ما ذكر في حقه من الكلمات لا تستطيع أن
ترسم لنا حياته من شبابه إلى شيخوخته ، أو تحدد ميلاده ووفاته ، أو تضبط مشايخه في
الرواية والدراسة ، وتلامذته والرواة عنه ، ومع هذا النقص الذي ابتلى به كثير من
أكابر الطائفة نذكر ما عثرنا عليه من الكلمات في حقّه :
١ ـ قال الشيخ الحر العاملي : الشيخ
قطب الدين محمد بن الحسين بن أبي الحسين القزويني فقيه صالح ، قاله منتجب الدين .
٢ ـ قال السيد بحر العلوم : محمد بن
الحسين بن أبي الحسين بن أبي الفضل القزويني المعروف ب قطب الدين القزويني ، فقيه
فاضل من أهل بيت العلم والفقه ، ذكره الشيخ منتجب الدين وذكر أباه وأخويه ـ إلى أن
قال : ـ ولعل الشيخ قطب الدين محمد بن الحسين القزويني المذكور ، هو الشيخ قطب الدين
الكيدري المشهور أحد الفضلاء الاعلام والفقهاء المنقول عنهم الاحكام .
وهذان النصان مأخوذان
من عبارة الشيخ منتجب الدين وإليك نصه :
المشايخ : قطب الدين
محمد ، وجلال الدين محمود ، وجمال الدين مسعود ، أولاد الشيخ الامام أوحد الدين ، الحسين
بن أبي الحسين القزويني كلهم فقهاء صلحاء .
غير أن في انطباق
ما ذكره الشيخ منتجب الدين على شيخنا الكيدري شكا ، وذلك من جهتين :
١ ـ أنه منسوب إلى بيهق وكيدر من مضافاته
، وكلاهما في منطقة خراسان المعروف اليوم بسبزوار وبيهق وأين هما من بلدة قزوين الواقعة
في غرب طهران وبين البلدين بعد المشرقين.
٢ ـ أن الشيخ الفقيه عبد الله بن حمزة
من أساتذة شيخنا وقد أجاز له وذكر اسمه في إجازته هكذا : محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري
البيهقي ، كما سيوافيك ، وهو يغاير الموجود في فهرست منتجب الدين. كل ذلك يورث الظن
القوي بأن المترجم في الفهرست ، غير شيخنا الكيدري.
__________________
نعم قال الحموي
في معجم البلدان :
كندر : موضعان :
أحدهما : قرية من نواحي نيسابور من أعمال طريثيث والثاني : قرية قريبة من قزوين .
ولعل صاحب المعجم
لم يقف على كيدر بتاتا ، ولأجل ذلك لم يذكره في معجم البلدان وإنما ذكر كندر.
واحتمال أن كيدر
مصحف كندر والمترجم من منطقة كندر في قزوين حتى ينطبق عليه ما ذكر في الفهرست بعيد
جدا ، كيف وقد وصفه أستاذه ابن حمزة المشهدي بالكيدري لا بالكندري؟! كما أن العلامة
الحلي أكثر عنه النقل في مختلف الشيعة وأسماه بقطب الدين الكيدري.
كل ذلك يدل على
أن عبارة منتجب الدين في فهرسته لا تمت بالمترجم بصلة فلا محيص لنا من التتبع في سائر
المعاجم حتى نقف على ترجمته.
٣ ـ وصفه شيخه عبد الله بن حمزة في
إجازته له بقوله : الامام الاجل ، العالم الزاهد ، المحقق المدقق ، قطب الدين تاج الاسلام
فخر العلماء ومرجع الأفاضل محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي وفقه الله لما
يتمناه في دنياه وعقباه .
٤ ـ قال صاحب الروضات ( ت ١٣١٣ ه )
:
كان من أكمل علماء
زمانه في أكثر الأفنان ، وأكثرهم إفادة لدقائق العربية في جموعه الملاح الحسان .
٥ ـ وقال المحدث النوري نقلا عن صاحب
الرياض : إن قطب الدين يطلق على جماعة كثيرة : الأول : على قطب الدين الراوندي.
والثاني : على الشيخ
أبي الحسن قطب الدين محمد بن الحسن بن الحسين الكيدري السبزواري صاحب مناهج النهج بالفارسية
وغيره .
__________________
٦ ـ وقال شيخنا
الطهراني : محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي الشيخ قطب الدين أبو الحسن النيسابوري
الشهير ب قطب الدين الكيدري شارح نهج البلاغة سنة ٥٧٦ ه ، ثم ذكر تآليفه .
٧ ـ وقال المحدث القمي : أبو الحسن
محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري الامامي الشيخ الفقيه ، الفاضل الماهر
والأديب الأريب ، البحر الزاخر صاحب الاصباح في الفقه ، وأنوار العقول في جمع أشعار
أمير المؤمنين ـ عليهالسلام وشرح النهج .
٨ ـ وذكر شيخنا المدرس في ريحانته قريبا
مما ذكر .
مشايخه :
روى عن جمع من مشايخ
الامامية وإليك أسمائهم :
١ ـ الشيخ الامام نصير الدين أبو طالب
عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي الشارحي المشهدي وعرفه منتجب الدين في فهرسته
بقوله : فقيه ، ثقة ، وجه .
٢ ـ المفسر الكبير الفضل بن الحسن الطبرسي
( ٤٧١ ـ ٥٤٨ ه ) قال شيخنا الطهراني : يظهر نقله عنه من أثناء كتابه هذا ( أنوار العقول
) عند ذكر الحرز المشهور عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام في قوله : ثلاث عصى طفقت بعد خاتم .
٣ ـ الإمام أبو الرضا فضل الله بن علي
بن هبة الله المعروف بضياء الدين أبي الرضا الحسني الراوندي الكاشاني ذكر العماد الكاتب
الأصفهاني في خريدة القصر أنه رآه في كاشان سنة ٥٣٣ ه وهو يعظ الناس في المدرسة المجدية.
نقل شيخنا المجيز
الطهراني رواية الكيدري عنه وأنه يروي عنه بغير واسطة وربما يروي عنه بواسطة أستاذه
الشيخ عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي ولعل الثاني أقرب.
__________________
٤ ـ محمد بن سعيد
بن هبة الله الراوندي المعروف به ظهير الدين ( ت ٥٧٣ ه ) فقد ترجمه منتجب الدين في
فهرسته وقال : فقيه ثقة ، عدل ، عين. ذكر شيخنا الطهراني أن صاحب الترجمة يروي عنه
في كتابه بصائر الانس بحظائر القدس نقله البياضي في الصراط المستقيم .
تآليفه :
إن لشيخنا الكيدري
تآليف في موضوعات مختلفة يظهر أنه كان ميالا لأكثر من فن واحد ، نذكرها حسب ترتيب حروف
الهجاء :
١ ـ إصباح الشيعة بمصباح الشريعة :
وهذا هو الكتاب الذي يزفه الطبع إلى القراء وسوف نبرهن على أنه من تأليفه ، لا من تأليف
الفقيه الصهرشتي.
٢ ـ أنوار العقول من أشعار وصي الرسول
: وهو ديوان أشعار منسوبة إلى الامام أمير المؤمنين ـ عليهالسلام مرتبة قوافيها ترتيب حروف الهجاء ، قال شيخنا الطهراني : من جمع قطب الدين الكيدري
أوله : الحمد لله لانت لعزته الجبابرة ، وتضعضعت دون عظمته الأكاسرة ذكر في أوله أنه
جمع أولا خصوص أشعاره المشتملة على الآداب والحكم والمواعظ والعبر وسماه الحديقة الأنيقة
، ثم جمع أشعاره ـ عليهالسلام جمعا عاما في هذا الكتاب الذي سماه أنوار العقول .
٣ ـ البراهين الجلية في إبطال الذوات
الأزلية : ذكره صاحب الروضات وشيخنا الطهراني في الذريعة .
٤ ـ بصائر الانس بحظائر القدس .
٥ ـ تنبيه الأنام لرعاية حق الامام
: ذكره المؤلف في كتاب إصباح الشيعة .
٦ ـ حدائق الحقائق في فسر دقائق أفصح
الخلائق : شرح على كتاب نهج البلاغة وفرغ منه عام ٥٧٦ ه ، ذكر صاحب الروضات أنه وجد
في آخر نسخة عتيقة من الشرح المذكور صورة خط لبعض أعاظم فضلاء عصر الشارح المعظم ،
بهذه الصورة : وافق الفراغ من
__________________
تصنيف الامام العالم الكامل المتبحر الفاضل قطب الدين نصير الاسلام مفخر العلماء
مرجع الأفاضل محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي تغمده الله تعالى برضوانه في
أواخر الشهر الشريف شعبان سنة ست وسبعين وخمسمائة وقد ألفه بعد شرح ظهير الدين البيهقي المعروف بابن فندق ٤٩٣
ـ ٥٦٥ وقد أسماه معارج
نهج البلاغة طبع عام ٩٠٤١ بتحقيق محمد تقي دانش پژوه ونشرته مكتبة السيد المرعشي في
قم ، وشرح شيخه قطب الدين الراوندي ، وقد أسمى شرحه بمنهاج البراعة ، وطبع بتحقيق المحقق
العطاردي عام ١٤٠٣ ثم أعيدت طبعته في ثلاثة أجزاء عام ١٤٠٦ بتحقيق السيد عبد اللطيف
القرشي.
وقد ذكر صاحب الروضات
ملامح الكتاب وقد نقل شيئا من مقدمة الكتاب وأنه قال في ديباجته :
أنه كامل بإيراد
فوائد على ما فيهما ( يريد كتابي المنهاج لابن فندق والمعارج لأستاذه قطب الدين الراوندي
) زوائد ، لا كزيادة الأديم ، بل كما زيد في العقل من الدرر اليتيم ، ومتمم ما تضمناه
بتتمة لا تقصر في الفضل دونهما ، إن لم ترب عليهما ، وأنه قد اندرج فيه من علوم نوادر
اللغة والأمثال ، ودقائق النحو وعلم البلاغة ، وملح التواريخ والوقائع ، ومن غوامض
الكلام لمتكلمي الاسلام ، وعلوم الأوائل ، وأصول الفقه والاخبار ، وآداب الشريعة وعلم
الأخلاق ومقامات الأولياء ، ومن علم الطب والهيئة والحساب ، على ما اشتمل عليه المعارج
، كل ذلك لا على وجه التقليد والتلقين ، بل على وجه يجدي بلج اليقين .. .
وقد نقل عنه المحقق
ابن ميثم في شرحه على نهج البلاغة في تفسير الخطبة الشقشقية .
وقد نقل عنه العلامة
المجلسي في بحاره في أجزاء السماء والعالم .
__________________
٧
ـ الحديقة الأنيقة : وقد مضى أنه ألفه
قبل تأليف أنوار العقول.
٨ ـ الدرر في دقائق علم النحو
: ذكره شيخنا المدرس في موسوعته .
٩ ـ شرح الايجاز في النحو
: لاحظ مجلة تراثنا العدد ٣٩ / ٣٠٢.
١٠ ـ شريعة الشريعة : ذكره في حدائق الحقائق : ٣ / ١٤٥١.
١١ ـ كفاية البرايا في معرفة
الأنبياء : ذكره شيخنا الطهراني
في الذريعة قال : وقد نقل جملة من عباراته شيخنا النوري في خاتمة المستدرك .
١٢ ـ لب الألباب في بعض مسائل
الكلام : ذكره الطهراني في الذريعة ، والمدرس في موسوعته .
١٣ ـ مباهج المهج في مناهج الحجج (
بالفارسية ) : ذكر شيخنا الطهراني أن له منتخبا فارسيا باسم بهجة المناهج في فضائل
النبي والأئمة ومعجزاتهم .
وذكر السيد المحقق
الطباطبائي في مذكراته أن منه نسخة في مكتبة المسجد الأعظم في قم المشرفة ذكرت في فهرستها
ص ٣٨٣ ، ومخطوطة أخرى في مكتبة مدرسة السيد الگلپايگاني في قم رقم ٢١٢٥ ذكرت في فهرستها
: ٣ / ١٦٩.
إصباح الشيعة من مؤلفات الكيدري
:
إن هذا الكتاب الذي
يزفه محققه إلى طلاب الفقه وأساتذة الفن من تأليف شيخنا المحقق الكيدري بلا ريب ، وإن
نسبته إلى الشيخ سليمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي خطأ ، وذلك بالأدلة التالية :
أولا
: أن الشيخ منتجب الدين الذي قام في فهرسته بترجمة علماء الإمامية
من بعد عصر الشيخ إلى زمانه ( ٤٦٠ ـ ٦٠٠ ه ) ترجم شيخنا الصهرشتي وذكر تآليفه ولم
يذكر له ذلك
__________________
الكتاب وقال : الشيخ الثقة أبو الحسن سليمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي فقيه
، وجه ، دين ، قرأ على شيخنا الموفق أبي جعفر الطوسي وجلس في مجلس درس سيدنا المرتضى
علم الهدى ( ره ) وله تصانيف ، منها : كتاب النفيس ، كتاب التنبيه ، كتاب النوادر ،
كتاب المتعة أخبرنا بها الوالد عن والده عنه ولو كان له ذلك الكتاب الرائع لما غفل عن ذكره.
وثانيا
: أن العلامة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه ) قد نقل عن ذلك الكتاب
شيئا كثيرا ونسبه إلى المحقق الكيدري ، وذلك في مواضع كثيرة والنصوص المنقولة موجودة
في هذا الكتاب .
وثالثا
: أن نفس الكتاب ينفي أنه تأليف الصهرشتي الذي هو من تلاميذ
المرتضى والشيخ الطوسي ويبدو أنه قد توفي في أواخر القرن الخامس وكان حياته بين ( ٤٠٠
ـ ٥٠٠ ه ) وذلك لأنه ينقل في ذلك الكتاب
السيد الجليل حمزة بن علي
بن زهرة المعروف ب ابن زهرة المشهور بكتابه غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع وقد
ولد كما في نظام الأقوال في رمضان ٥١١ وتوفي سنة ٥٨٥ ه ، فكيف يمكن أن يكون الكتاب
أثرا للصهرشتي الذي أجازه النجاشي سنة ٤٤٢؟!
قال صاحب الرياض
: إن الشيخ الصهرشتي قال في أواخر قبس المصباح : فصل : أخبرنا الشيخ الصدوق أبو الحسن
أحمد بن علي بن أحمد النجاشي والصيرفي المعروف ب ابن الكوفي ـ يعني النجاشي صاحب الرجال
ـ ببغداد في آخر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وكان شيخا ، بهيا ، ثقة
، صدوق اللسان عند الموالف والمخالف رضي الله عنه ، ثم ذكر رواياته عن أبي يعلى محمد
بن الحسن بن حمزة الجعفري المتوفى عام ٤٦٣ ه وغيره .
ورابعا
: أن من سبر الكتاب يقف على أن المؤلف سار على ضوء كتاب الغنية
، ترتيبا للكتب ، تبويبا للأبواب غالبا ، وربما يستخدم من عباراتها شيئا في طرح المسائل
وشرحها.
وهذه الوجوه تثبت
بوضوح أنه من تأليف شيخنا المؤلف الذي بخس التاريخ حقه ، إذ
__________________
مضافا إلى أنه لم يذكر من حياته إلا شيئا قليلا ، وقد أعار أثره النفيس لغيره.
ثم إن أول من نسب
الكتاب إلى الشيخ الصهرشتي هو شيخنا العلامة المجلسي عند ذكر مصادر بحار الأنوار حيث
قال : وكتاب قبس المصباح من مؤلفات الشيخ الفاضل أبي الحسن سليمان بن الحسن الصهرشتي
من مشاهير تلامذة شيخ الطائفة ـ إلى أن قال : ـ وكتاب إصباح الشيعة بمصباح الشريعة
له أيضا .
ولما كان ذلك العزو
غير مرضي عند صاحب الرياض قال : ونسبه الأستاذ الاستناد في البحار إليه وينقل عنه فيه
، والذي يظهر من كتب الشهيد ، أن الاصباح المذكور من مؤلفات قطب الدين الكيدري ، لان
العبارات التي ينقلها عن القطب المذكور هي مذكورة في الاصباح المزبور .
وتبع صاحب البحار
، شيخنا المجيز الطهراني في طبقات أعلام الشيعة في ترجمة شيخنا الصهرشتي وقال : وله
إصباح الشيعة بمصباح الشريعة كذا في فهرست منتجب ابن بابويه .
وما نسبه إلى فهرست
منتجب ليس بموجود فيه إذ لم يذكر الكتاب في ترجمة الصهرشتي .
ومنهم : السيد الأمين
فقد تبع صاحب الذريعة فنسب الاصباح إلى الصهرشتي .
ولم يبق في المقام
سوى احتمال أن المؤلفين الجليلين ألفا كتابين مسمين باسم إصباح الشيعة بمصباح الشريعة
، غير أنه وصل إلينا أحدهما دون الآخر ، وقد عرفت أن الواصل إلينا ليس إلا تأليف الشيخ
الكيدري.
نعم اشترك المؤلفان
في اسم كتاب آخر وهو التنبيه غير أن ما ألفه الصهرشتي أسماه تنبيه الفقيه وما ألفه شيخنا المؤلف أسماه ب تنبيه الأنام لرعاية حق الامام.
__________________
إجازة
شيخه ابن حمزة للمؤلف :
إن شيخنا المؤلف
لما فرغ من كتاب حدائق الحقائق الذي ألفه شرحا لنهج البلاغة ، على غرار ما ألفه ابن
فندق البيهقي ، وشيخه قطب الدين الراوندي ، عرضه على أستاذه الشيخ عبد الله بن حمزة
، استحسنه وكتب تقريظا له ، وأجازه فيه أن يروي عنه ما صحت له روايته ونص الإجازة موجودة
على ظهر مصورة كتاب إصباح الشيعة بمصباح الشريعة في مكتبة المرعشي المسجل برقم ١٢٧
واليك نصها :
هذا الكتاب الموسوم
بحدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة كتاب جامع لبدائع الحكم ، وروائع الكلم ، وزواهر
المباني وجواهر المعاني ، فائق ما صنف في فنه من الكتب ، حاو في فنون من العلم لباب
الألباب ، ونكت النخب ، ألفاظه رصينة متينة ، ومعانيه واضحة مستبينة ، فبالحري أن يمسي
لكلام أفصح العرب بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شرحا ، ويقابل بالقبول والاقبال ، ولا يعرض عنه صفحا ، وصاحبه الامام الاجل
العالم الزاهد ، المحقق المدقق ، قطب الدين تاج الاسلام ، مفخر العلماء ، مرجع الأفاضل
، محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي ، وفقه الله لما يتمناه في دنياه وعقباه
، قد عب في علوم الدين من كل بحر ونهر ، وقلب كل فن مما انطوى عليه الكتاب بطنا لظهر
، ولم يأل جهدا في اقتناء العلوم والآداب ، وأدأب نفسه في ذلك ، غاية نهار عمره كل
الآداب ، حتى ظفر بمقصوده ، وعثر على منشوده ، وها هو منذ سنين يقتفي آثاري ويعشو إلى
ضوء ناري ، يغتذي ببقايا زادي ، ويطأ مصاعد جوادي. وقد صح له وساغ رواية جميع ما سمعته
وجمعته من الكتب الأصولية والفروعية والتفاسير والاخبار والتواريخ وغير ذلك على ما
اشتمل عليه فهارس كتب أصحابنا وغيرهم ، من مشايخي المشهورة لا سيما الكتاب الذي شرحه
هو ، وهو نهج البلاغة.
وله أن يرويه بأجمعه
عني ، عن السيد الشريف السعيد الاجل أبي الرضا فضل الله بن علي الحسين الراوندي ، عن
مكي بن أحمد المخلطي ، عن أبي الفضل محمد بن يحيى الناتلي ، عن أبي نصر عبد الكريم
بن محمد الديباجي ، المعروف بسبط بشر الحافي ، عن السيد الشريف الرضي ـ رضي الله عنه
، وعن غير هؤلاء من مشايخي.
وهو حري بأن يؤخذ
عنه ، وموثوق بأن يعول عليه. وهذا خط العبد المذنب المحتاج إلى رحمة الله عبد الله
بن حمزة بن عبد الله الطوسي في شهر رمضان عظم الله بركته سنة ست وتسعين وخمسمائة.
وأظن أن التسعين
مصحف السبعين ، لمقاربتهما كتابة ، ويبدو أن المؤلف لما فرغ من شرحه على النهج عام
٥٧٦ ه ، عرض على أستاذه في هذه السنة أو وقف أستاذه عليه عفوا ، ومن البعيد أن يقف
عليه بعد الفراغ بعشرين سنة ، أو يعرضه عليه مؤلفه الكتاب بعد تلك الفترة من تأليفه.
فالإجازة دليل على
حياة ابن حمزة في تلك السنة ، كما هي دالة على أن شيخنا المؤلف كان أحد المؤلفين الأفذاذ
الكبار في ذلك العصر.
ثم إن شيخنا قطب
الدين المجاز صرح بقراءته على أستاذه ابن حمزة في بعض كتبه الذي ألفه عام ٥٧٣ ه قال
المحدث النوري : قال محمد بن الحسين القطب الكيدري تلميذه في كتاب كفاية البرايا في
معرفة الأنبياء والأوصياء : حدثني مولاي وسندي الشيخ الأفضل ، العلامة ، قطب الملة
والدين نصير الاسلام والمسلمين ، مفخر العلماء ، مرجع الفضلاء ، عمدة الخلق ، ثمال
الأفاضل عبد الله بن حمزة بن عبد الله بن حمزة الطوسي أدام ظل سموه وفضله للأنام ،
وأهله ممدودا ، وشرع نكته وفوائده لعلماء العصر مشهودا قراءة عليه بساتر واربهق في شهور سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة .
وفاته :
لم تحدد وفاته بالضبط
لكنه كان حيا في سنة ٦١٠ لأنه كتب في هذا التاريخ إجازة على ظهر كتاب الفائق لمن قرأه
عليه ، أورد ابن الفوطي صورتها في ترجمة الكيدري .
كلمة في الكتاب ومؤلفه ومحققه
:
١ ـ إن مؤلفنا الجليل ينقل في كتابه
هذا عن كتاب المبسوط والنهاية لشيخ الطائفة وكتاب المراسم لسلار الديلمي ، والغنية
لابن زهرة ، وكثيرا ما ينقل آراء السيد المرتضى وابن البراج الطرابلسي ولا يذكر مصادر
رأيهما وقد استخرج محققنا الفاضل مصادر رأيهما في التعليق.
__________________
٢ ـ إن المعروف
أن القرن السادس قرن الجمود والتقليد لما ورث الفقهاء من الآراء عن الشيخ الطوسي ـ
قدسسره ـ وأن أول من نهض لرفض الجمود هو الشيخ محمد بن إدريس الحلي ( ت ٥٩٨ ه ) ولكن
ذلك زعم غير صحيح ، وهذا هو الشيخ ابن البراج الطرابلسي ( ٤٠٠ ـ ٤٨١ ه ) قد خالف في
كتابه المهذب آراء أستاذه أبي جعفر الطوسي ، وقد ذكرنا بعض مناظراته الفقهية مع الشيخ
الطوسي في تقديمنا لذلك الكتاب.
والنموذج البارز
لبطلان ذلك العزم هو كتاب إصباح الشيعة لشيخنا الكيدري ، فمع أن الرأي المنقول عن الشيخ
، والموجود في كتابه النهاية في فريضة الخمس هو دفنه أو الوصاية حيث قال : ولو أن إنسانا
استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما
.
مع أن هذا كان هو
رأي شيخنا الطوسي لكن يتراءى أن مؤلفنا أبدى بشجاعة علمية خاصة رأيا خاصا وألف كتابا
فيه ، وقال : فأما ما عدا ذلك من أخماسهم ، فلا يجوز لاحد التصرف فيه ، وحكمه في أيدي
شيعتهم ومن اشتغل به ذمتهم ، حكم ودائع المسلمين وأماناتهم. وقد أمليت في ذلك مسألة
مستوفاة مستقصاة وسميتها تنبيه الأنام لرعاية حق الامام يطلع بها على ثنايا هذه المسألة
وخباياها
يا حبذا لو أطلعنا
على هذا الكتاب حتى نتعرف على ما في ثناياه ، فلعل فيها ، شيئا على خلاف ما ذهب إليه
الشيخ في النهاية.
٣ ـ إن شيخنا ( محقق الكتاب ) قد أخذ
مصورة مكتبة المرعشي برقم ١٢٧ والذي جاء اسمه في الجزء الأول ص ١٢٣ من فهرست المصورات
، أصلا في التحقيق والتعليق ، ويرجع تاريخ كتابتها إلى سنة ٦٤٥ ه قريبا من عصر المؤلف
، ولم يكن خاليا من سقط وتصحيف ، ومع ذلك فلها قيمتها الخاصة ، وبما أن إصباح الشيعة
قد طبع مبعضا وموزعا على الكتب الفقهية في الموسوعة : سلسلة الينابيع الفقهية ، اتخذه
المحقق نسخة ثانية وأشار إليها برمز س ومع التقدير لجهود جامعها : العلامة الشيخ علي
أصغر مرواريد ـ دام مجده ـ لم تكن المطبوعة في الموسوعة خالية عن السقطات الكثيرة والأغلاط
المغيرة للمعنى وقد أشار المحقق إلى لفيف منها في التعليقة وأعرض عن كثير. وهذا يفرض
على مدونها ، إعادة النظر في تصحيحها وتحقيقها خصوصا أن الموسوعة ، أصبحت ، أوسع موسوعة
فقهية شيعية في العالم الاسلامي.
__________________
٤ ـ لم يكن كتاب
إصباح الشيعة كتابا مهجورا عند العلماء كيف وقد نقل عنه لفيف من المتأخرين منهم شيخنا
صاحب الجواهر في مبحث الأقارير المبهمة بسو الفاضل الهندي في كشف اللثام في مبحث آداب الخلوة كما نقل عنه المتقدمون عليهما كالعلامة في المختلف كما نقل
غيره.
٥ ـ بما أن المؤلف في كتابه هذا سار
على ضوء المبسوط لشيخ الطائفة وغنية النزوع لابن زهرة فقد استعان شيخنا المحقق في تصحيح
بعض الكلمات غير المقروءة أو المطموسة بكتابي المبسوط والغنية ولأجل الايعاز إلى هذا
، ربما ينقل نص المبسوط والغنية في التعليق ليعلم مصدر التصحيح.
٦ ـ قد سبق أن شيخنا المؤلف كان له
شجاعة أدبية في التعبير عن آرائه وكان لا يأبه بالمخالفة للمشهور ، نرى أنه ربما يفتي
بخلاف المشهور ، فقد أفتى في صلاة الاحتياط بالتخيير بين قراءة الحمد والتسبيح مع أن المشهور بين الفقهاء قراءة الحمد.
٧ ـ وفي نهاية المطاف نتقدم بالشكر
إلى الفاضل المحقق والمجاهد المخلص الشيخ إبراهيم البهادري ـ دامت إفاضاته ـ حيث قام
بتصحيح الكتاب والتعليق عليه وأتعب نفسه في ذلك المجال ولا يقوم به إلا بغاة العلم
وعشاق الفضيلة فشكر الله مساعيه الجميلة ، وليس هذا أول كتاب قام بتحقيقه ، فقد كرس
حياته الثمينة ، في هذا المجال مضافا إلى دراساته العلمية وتآليفه الثمينة ، وإليك
فهرس ما حققه من الكتب.
١ ـ عمدة عيون صحاح الاخبار
: لابن البطريق ( ٥٢٣ ـ ٦٠٠ ه ) في الفضائل والمناقب وطبع
في جزئين ، وقد حققه وصححه مع زميله الحجة الشيخ مالك المحمودي ـ حفظه الله ـ.
٢ ـ جواهر الفقه : للقاضي ابن البراج ( ٤٠٠ ـ ٤٨١ ه ) وقد طبع في جزء واحد.
٣ ـ الاحتجاج : للشيخ الطبرسي في جزئين ، وقد تحمل عبأ كثيرا مع زميله الشيخ محمد هاديبه ـ
حفظهما الله في ارجاع مراسيله إلى المسانيد ، وبذلك أضفيا على الكتاب ثوبا جميلا.
٤ ـ إشارة السبق : تأليف الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل بن أبي
__________________
المجد الحلبي ، وقد طبع في جزء واحد.
٥ ـ الرسائل الاعتقادية : للشيخ الطوسي.
٦ ـ المسائل الميافارقية : للسيد المرتضى ، وقد طبعت الرسالتان في ذيل جواهر الفقه.
وشيخنا المحقق بعد
جاد في عمل التصحيح ، وساع في ميدان التحقيق ، وهو الآن مشغول بتحقيق كتاب غنية النزوع
لشيخنا ابن زهرة ـ قدسسره ـ.
أرجو من الله سبحانه
أن يوفقه لإحياء التراث أزيد مما سبق ، ويرحم الله الماضين من علمائنا ويحفظ الله الباقين
منهم.
مؤسسة الإمام الصادق
ـ عليهالسلام إذ تنشر هذا الكتاب تتقدم بالشكر للمحققين والعاملين فيها والمشرفين على إخراج
هذا الكتاب إخراجا فنيا رائعا.
|
قم
ـ مؤسسة الإمام الصادق ـ عليهالسلام ـ
جعفر
السبحاني
ذي
الحجة الحرام
من
شهور عام
١٤١٥
|
مصادر
الترجمة :
قد راجعنا في ترجمة
المؤلف إلى المصادر التالية :
١ ـ أعيان الشيعة : ٨ / ٢٤٥ و ٤٥١.
٢ ـ أمل الآمل : ٢ / ٢٦٦.
٣ ـ بحار الأنوار : ٥٥ / ٢٧٩ ( ط. بيروت
).
٤ ـ الذريعة في مختلف أجزائها.
٥ ـ روضات الجنات : ٦ / ٢٩٥.
٦ ـ ريحانة الأدب : ٦ / ٤٧٣.
٧ ـ سفينة البحار : ٢ / ٤٣٧.
٨ ـ شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ١
/ ٢٦٩.
٩ ـ طبقات أعلام الشيعة ( سادس القرون
) : ٢٥٩.
١٠ ـ الغدير : ٤ / ٣٢١.
١١ ـ فهرست منتجب الدين : برقم ٤٨٩.
١٢ ـ الفوائد الرجالية لبحر العلوم
: ٣ / ٢٤٠.
١٣ ـ قصص العلماء ( للتنكابني ) : ٤٣٤.
١٤ ـ الكنى والألقاب : للمحدث القمي
: ٣ / ٧٤.
١٥ ـ ( لغت نامه دهخدا ) : ٣٧ / ٣٥١.
١٦ ـ مجلة تراثنا : العدد ٣٧ و ٣٩.
١٧ ـ مستدرك سفينة البحار : ٨ / ٥٤٧.
١٨ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٤٤٨ ، ٤٧٢.
١٩ ـ معجم البلدان : ٤ / ٤٨٢.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد الله الذي
ألهمنا أن نحل
معاقد الحق ، فنحل بحلها مقاعد الصدق ، وأمدنا بإمداد التوفيق حتى تحرينا سواء
الطريق ، وتنزهت عقائدنا في الدين عن الأهواء المضلة وآراء المرتدين ، وقابلنا بالإقبال
والقبول مراسم العترة الطاهرين من آل الرسول ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ، فاتخذناهم
في تتبع الشرائع قدوة ، وفي التطلع على ثنايا الحقائق أسوة ، وجعلنا عتبتهم الشريفة
باب حطة ، يفزع إليها من كل معضلة وحطة ، لا نبغي مدى الأعمار عنهم حولا ولا نرضى بمن في الأقطار منهم ، فلله جل اسمه الحمد على ما
توالت من نعمة التي لا تحصى ولا تعد ، وتلألأت من آلائه التي لا توصف ولا تعد ، حمدا
على صفايا المحامد يرتضيه ، ومن صحائف الكتبة الكرام يصطفيه.
ثم أفضل الصلاة
والتحية على محمد المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى وصيه الذي هو في
__________________
غوامض العلم باب مدينته.
أما بعد : فإن درة
يتيمة من الصدف النبوي. وثمرة ذات قيمة عظيمة من الشجر العلوي ، قد أنتج من خاطره اللطيف
، وخرج من لطيفه الشريف فرط عنايته وشدة تشوفه
إلى كتاب بديع في فقه الفرقة المتسمية بالشيعة الإمامية الموسومين
بفضل اختصاص بأهل البيت من بين الفرق الإسلامية ، على آنق ترتيب وتهذيب ، وأرشق تفضيل وتبويب ، قد أقتصر على محض الأصول
، وجرد عن فضول الفصول ، يشتمل على فوائد المجلدات ، ويندرج لخفة حجمه في سلك المختصرات
، من أتقنه تيقن أن الحق مغزاه وفحواه.
فحداني عالي همته
وحتم إشارته على تصنيف هذا الكتاب ، الذي برز بفنون من الفضل على أكثر كتب الأصحاب
، يشهد بصحته العقل وملهمه والعاقل ومعلمه
ويرتع في رياضة العالم
البصير ، ويسبح
في حياضه المتبحر النحرير
، وما ذلك ، ـ بعد توفيق الله عز اسمه ـ إلا بيمن نفسه وعلو همته ، أرجو أن يقع فيما
يرضاه من مبتدأة إلى منتهاه ، فيكون شكرا مني لبعض نعمائه.
وسميته « إصباح
الشيعة بمصباح الشريعة » جعله الله للمتفقهة مصباحا ، وليل حيرتهم صباحا ، والله أعتد
وإياه أستعين ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
__________________
كتاب
الطهارة
الطهارة أما بالماء
أو بالتراب ، فالتي بالماء الوضوء والغسل ، والتي بالتراب التيمم.
الفصل
الأول
الماء كله طاهر
ما لم تحصل فيه نجاسة ، والطاهر قد يكون غير مطهر كما استخرج من جسم أو اعتصر منه والمرقة
وغير ذلك مما لا يطلق عليه اسم الماء.
ومطهر الماء ما
عدا ذلك وهو إما راكد أو جار ، والجاري إذا خالطه نجاسة غيرت لونه أو طعمه أو رائحته
فهو نجس لا يطهر إلا بزوال ذلك التغير بتكثير الماء ، وماء المطر الجاري من الميزاب
وإن خالطه نجاسة وماء الحمام مع المادة كالجاري كلاهما.
والراكد إما أن
يكون في بئر له نبع أو لا يكون كذلك ، فماء البئر ينجس بما يقع فيه من النجاسة قليلا
كان أو كثيرا ، ثم إن تغير إحدى صفاته بالنجاسة نزح إلى أن يزول ذلك التغير [ إن تعذر
نزح الكل ]
وإن لم يتغير نزح الكل.
إذا وقع فيها مسكر
أو فقاع أو مني أو دم حيض أو استحاضة أو نفاس أو
__________________
مات فيها بعير ، فإن تعذر نزح الكل تناوب في نزحه أربعة رجال من الغداة إلى
الرواح.
وإن مات فيها حمار
أو بقرة أو دابة أو ما هو في قدر جسمها نزح منه كر ، وإن مات فيها إنسان كبير أو صغير
، نزح سبعون دلوا ، وإن وقع فيها دم كثير أو عذرة رطبة ، نزح خمسون دلوا ، وإن مات
فيها كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو سنور أو شاة أو غزال أو ما أشبهها أو بال فيها
رجل أو امرأة أو وقع فيها ماء نجس فأربعون دلوا.
وإن وقع فيها دم
قليل أو عذرة يابسة فعشرة دلاء ، وإن وقع فيها كلب وخرج حيا أو مات فيها حمامة أو دجاجة
وما أشبههما ، أو فأرة تفسخت فيها أو وزغة ماتت فيها وتفسخت ، أو بال فيها صبي أو ارتمس
جنب فسبع دلاء ، وإن وقع فيها ذرق الدجاج فخمس دلاء.
وإن مات فيها فأرة
ولم تتفسخ أو حية أو وزغة أو عقرب فثلاث دلاء ، وإن مات فيها عصفور وما أشبهه أو بال
فيها رضيع لم يأكل الطعام فدلو واحد ، والاعتبار بالدلو المعتادة.
والأولى أن يكون
بين البئر والبالوعة سبع أذرع إذا كانت البئر تحتها أو الأرض رخوة ، وإن كانت في الصلبة
أو فوقها مما يكون نبع الماء من جهته فخمسة أذرع ، وكل نجاسة لم يرد في النزح منها
نص ، وجب نزح الجميع من ذلك احتياطا.
وأما ماء غير البئر
: فإن كان كرا فحكمه حكم الماء الجاري ، والكر ما يكون ثلاثة أشبار ونصفا طولا وعرضا
وعمقا ، أو ألفا ومائتي رطل بالعراقي ، وقيل : بالمدني ،
فإن تغير بالنجاسة بحيث يسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله
، وإن
__________________
نقص عن كر نجس بما يقع فيه من النجاسة قليلة [ كانت ] أو كثيرة إلا ما تعذر التحرز منه ، كرؤوس الإبر من الدم وغيره
، فإنه معفو عنه.
فإن تمم كرا بطاهر
أزال التغير طهر ، وكذلك إن كان الكر النجس في موضعين فجمع بينهما مع فقد التغير ،
وقيل : لا يطهر في المسألتين بذلك ، بل إنما يطهر بطريان كر طاهر عليه إن زال به التغير
، وإن لم يزل فبزيادته إلى أن يزول.
إذا جمع بين طاهر
غير مطهر ومطهر فالحكم للأغلب ، فإن تساويا ، قيل : يطهر لأن الأصل الإباحة. وقيل : لا يطهر بدليل الاحتياط [ وفقد إطلاق اسم الماء ]
وقيل : يطهر إن أطلق اسم الماء.
وسؤر الكلب والخنزير
والكافر ومن في حكمه وجلال الطيور والبهائم وما في منقاره أثر دم يأكل الميتة من الطيور
كل ذلك نجس. وسؤر
الحائض المتهمة والدجاج غير الجلال والبغال والحمير مكروه.
وما استعمل في غسل
الجنابة والحيض يجوز استعماله إذا لم يكن بها نجاسة إلا في رفع الحدث به خاصة وما استعمل
في إزالة النجاسة نجس.
ويكره الطهارة بالشمس
، ولا يجوز الطهارة بالمائع غير الماء ولا إزالة النجاسة وقيل : يجوز إزالة النجاسة
والمعول على الأول
، ويكره استعمال ماء
__________________
مات فيه الوزغة والعقرب من الماء القليل. ولا يجزي الطهارة بالماء المغصوب.
الماء النجس لا
يجوز استعماله إلا في الشرب عند الخوف من الهلاك.
لو شك في الماء
أهو طاهر أو نجس؟ لم يلتفت إلى الشك إذ الأصل الطهارة.
اشتبه إناءان أحدهما
طاهر ماؤه والآخر نجس لم يجز استعمالهما ، وإن كان أحدهما طاهرا غير مطهر والآخر مطهرا
استعملهما معا ، وإن أخبره رجلان بتعيين ذلك لم يجب عليه القبول لفقد الدليل ، وقيل
: يجوز قبول قول عدلين في ذلك.
يجب غسل الإناء
من النجاسة ، ثلاث مرات بالمطلق ، وروي مرة واحدة ، والأول أحوط ، ومن الخمر والمسكر وموت الفأرة سبع مرات ،
ومن ولوغ الكلب والخنزير ثلاث مرات أولهن بالتراب إن وجد.
إذا غسل مرة أو
مرتين فوقع فيه نجاسة أخرى ، استأنف الغسل ثلاثا ولا يعتد بالسالف ، وقيل : لا يستأنف.
ما كان قرعا
أو خشبا من إناء الخمر لا يطهر بالغسل ، وقيل : إن النهي
عن استعمال ذلك محمول على الكراهية دون الحظر.
لا يجوز الاستقاء
للطهارة بالدلو المأخوذة من جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي.
__________________
الفصل
الثاني
مقدمة الوضوء ضربان
: مفروض ومسنون.
والمفروض
: ترك استقبال القبلة واستدبارها في حال البول والغائط ، إلا
في موضع لا يمكن الانحراف ، وغسل مخرج النجو أو مسحه بالحجر حتى ينقى إن لم يتعد النجاسة
موضعها ، أو بما يزيل العين كالحجر والمدر والخرق إن كان طاهرا ، وغسل مخرج البول بالماء
لا غير ، وأقله مثلا ما عليه ، وعند ضرورة حرج وفقد ماء ينشفه بالمدر والخرق.
ولا يستنج مع الاختيار إلا باليسار ولا يستنج بالروث ولا بما لا يزيل العين كالعظم والحديد ، ولا استعمال
الأحجار التي استعملت في الاستنجاء.
والمسنون
: التستر عن الناس عند الحاجة ، وتقديم الرجل اليسرى عند دخول
الخلاء ، واليمنى عند الخروج ، والتسمية والتعوذ من الشيطان عند دخول الخلاء ، وتغطية
الرأس ، وترك استقبال القمرين بالحدثين ، والريح بالبول ، ومسقط الثمار ، وحيث يتأذى
المسلمون بنجاسته فيه ، والمياه الجارية والراكدة.
ولا يبول في حجرة
الحيوان ، ولا في الأرض الصلبة ، ويقعد على أرض مرتفعة عند البول ، ولا يطمح
ببوله في الهواء ، ولا يستنج وفي إصبعه خاتم ، نقش فصه اسم
الله تعالى أو أسماء خيرته من بريته ، أو فصه حجر له حرمة كحجر زمزم.
__________________
ولا يقرأ القرآن
حال الغائط إلا آية الكرسي ، ولا يأكل ولا يشرب ولا يستاك ولا يتكلم مختارا ، ويدعوا
بالأدعية المشهورة.
وإذا بال مسح من
عند المقعد إلى أصل القضيب ثلاثا وينتر القضيب ثلاثا ، ولا يضره ما يرى بعده من البلل ، وإن لم يفعل ذلك ورأى بللا بعد الوضوء انتقض
، وأن يجمع بين الحجر والماء وأن يستعمل ثلاثة أحجار وإن نقي بواحد.
الفصل الثالث
الوضوء إما واجب وهو ما تستباح به الصلاة
أو الطواف بالبيت ، وإما ندب كما يقصد به مس المصحف أو كتابته ، أو الدخول إلى موضع شريف ، أو للنوم ، أو
لما ندب إليه من الكون على الطهارة ، ثم هو يشتمل على واجب وندب :
فالواجب
: أن ينوي به رفع الحدث واستباحة الصلاة ، أو الطواف متقربا
إلى الله تعالى ، وإن نوى استباحة صلاة بعينها جاز أن يستبيح به سائر الصلوات نفلا
كان أو فرضا ، وأن لا ينتقل من تلك النية إلى نية ترفع حكمها وينافيها.
ويتعين وجوبها عند
غسل الوجه ، وهي بالقلب لا علقة بها
باللسان ، وأن يغسل وجهه
بكف من الماء من قصاص شعر الرأس إلى محادر
الذقن طولا في عرض ما دارت عليه الإبهام والوسطى ، فإن غسل
من المحادر إلى القصاص لا يجزئه لأنه خلاف المأمور به ، وقيل : يجزئه لأنه يكون غاسلا
ويغسل بكف
__________________
أخرى يده اليمنى ، من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وإن ابتدأ من رءوس الأصابع
إلى المرفق لا يجزئه ، وقيل : يجزئه لأنه غاسل ويغسل المرفق أيضا ثم يغسل يسراه كذلك.
ومقطوع اليد دون
المرفق يغسل ما بقي ، وفوق المرفق لا غسل ، والزائد من اليد والإصبع دون المرفق يجب
غسله وفوقه لا يجب ، وأن يمسح ببقية النداوة رأسه ، ولا يستأنف للمسح ماء جديدا ، فإن
لم يبق نداوة أخذ من أشفار عينيه وحاجبيه ولحيته ، فإن لم يكن استأنف الوضوء ، ولا
يمسح إلا مقدم الرأس مقدار ما يقع عليه اسم المسح.
ولا يستقبل شعر
الرأس ، فإن خالف أجزأه لأنه ماسح ، وقيل : لا يجزئه ، ويجوز أن يمسح على شعر رأسه ويمسح الرجلين من رءوس الأصابع
إلى الكعبين وإن عكس جاز ، والكعب العظم الناتي في وسط القدم عند معقد الشراك.
ومقطوع الرجل إلى
الكعبين لا يلزمه مسح ، ولا يجوز المسح على حائل بين العضو والمسح لا في الرأس ولا
في الرجل مختارا.
وأقل ما يجزي من
الماء في الوضوء ما يكون به غاسلا ولو كالدهن بشرط أن يجري على العضو ، والإسباغ في
مد من الماء ، وأن يبدأ بغسل الوجه ثم باليد اليمنى ثم باليسرى ثم بمسح الرأس ثم بمسح الرجلين ، ولا يجب الترتيب في الرجلين ، وقيل : يقدم اليمنى
على اليسرى ، وأن لا يؤخر غسل عضو من عضو
__________________
إلى أن يجف ما تقدم مع اعتدال الهواء ، وأن يوصل الماء إلى ما تحت الخاتم ونحوه
، ويمسح على خرقة الجرح والجبائر إن تعذر نزعها وإن أمكنه وضع ذلك العضو في الماء وضعه
، ولا يمسح عليه ولا يوضئه غيره مختارا.
وأما الندب : فأن
يغسل يده من النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين قبل إدخالهما الإناء ، ويتمضمض ثلاثا
ويستنشق ثلاثا بغرفة أو غرفتين أو ثلاث ، وأن يغسل وجهه ويديه ، [ ثانيا وقيل : الغسلة
الثانية بدعة وما عليه معول ] ، ويبتدئ الرجل في الغسلة الأولى بظاهر يديه ، وفي الثانية
بباطنها ، والمرأة بالعكس ، وأن يمسح الرأس بمقدار ثلاثة أصابع مضمونة ، وأن تضع المرأة
قناعها لمسح الرأس في المغرب والغداة خاصة ، ويمسح الرجل بكفه كلها ، وأن يقدم الاستنجاء
على الوضوء ، ولا يستعين بغيره بصب الماء عليه ، ولا يتمندل ، ويأتي في خلال ذلك بالأدعية
المشهورة.
من تيقن الحدث وشك
في الوضوء أو تيقنهما معا ولم يدر أيهما سبق ، أو شك في الوضوء وهو على حاله ، أو ترك
عضوا من أعضاء الطهارة متعمدا أو ناسيا إلى أن لم تبق معه نداوة ، أعاد في جميع ذلك
الوضوء والصلاة إن صلاها ، وكذلك من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا ، ومن شك في بعض أعضاء
الوضوء وهو على حاله أعاد عليه وعلى ما بعده ، ومن ترك الاستنجاء أو الاستبراء متعمدا
أو ناسيا وصلى أعاد ذلك مع الصلاة دون الوضوء.
ومن توضأ وصلى الظهر
ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر ثم ذكر أنه أحدث عقيب إحدى الطهارتين قبل أن صلى ، أو ذكر
أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة ولا يدري من أي الطهارتين كان وقد أحدث فيما بينهما
، أعاد الوضوء والصلاتين
__________________
في المسألتين لأنه ما أدى واحدة منهما بيقين.
ومن توضأ لكل صلاة
من الخمس وضوءا على حدة ثم ذكر أنه أحدث عقيب واحدة من هذه الطهارات لا غير ، ولا يدري
ما هي ، توضأ وأعاد الصلوات كلها لأنه لا يقطع على أنه صلى واحدة منها بيقين ، فإن لم يحدث عقيب واحدة إلا أنه ذكر أنه ترك عضو من أعضاء
طهارة لا يتعين له ، أعاد الصلاة الأولى لا غير ، لأن المشكوك هي الأولى تعلق الشك
بها أو لا.
الفصل الرابع
ما ينقض الطهارة على ثلاث أضرب :
ضرب ينقضها ويوجب
الوضوء لا غير ، وهو البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع والبصر ، وكل ما
يزيل العقل والتمييز ، من الإغماء والجنون والسكر وغيرها.
وضرب ينقضها ويوجب
الغسل ، وهو خروج المني على كل حال ، والتقاء الختانين ، والحيض والنفاس ، ومس الميت
من الناس بعد البرد بالموت قبل الغسل ، ومس قطعة قطعت من حي أو ميت من الناس وفيها
عظم.
وضرب ينقضها ويوجب
الوضوء في حال والغسل في أخرى ، وهو دم الاستحاضة وما يخرج من الجوف من بول أو غائط
إن كان دون المعدة ينقض الطهارة ، وإن كان فوقها فلا ينقض ، ولا ناقض سوى ذلك.
__________________
الفصل
الخامس
الغسل
: إما واجب كما لاستباحة الصلاة أو الطواف ، أو لدخول المساجد
، أو مس كتابة المصحف أو اسم من أسماء الله تعالى أو أسماء أنبيائه وحججه ـ عليهمالسلام ـ ، وإما ندب كما سيأتي ، ومن الواجب تغسيل الميت من الناس وغسل من مسه ، وقيل
: إنه ندب
والأشهر الأول.
الفصل السادس
الجنابة
تكون بشيئين : بإنزال الماء الدافق ، وبالجماع في الفرج وإن لم ينزل ، وحد
الجماع التقاء الختانين وغيبوبة الحشفة ، ويجب [ الغسل ] على الرجل والمرأة بأحد هذين أعني الجماع المذكور وخروج المني
، والجماع في الدبر من غير إنزال هل يوجب الغسل عليهما؟ فيه روايتان ، وإن أولج في
فرج بهيمة ولم ينزل يجب الغسل احتياطا ، وقيل : لا يجب لفقد الدليل ، والأصل براءة
الذمة.
من وجد في ثوبه
منيا ولم يعلم متى خرج ، فإن كان الثوب يستعمله هو وغيره لا يجب عليه الغسل وإن كان فعله أولى احتياطا ، وإن لم يستعمله غيره اغتسل وجوبا
ويعيد كل صلاة صلاها فيه من آخر نومة نام فيه إن لم يغتسل بعدها بما يرفع الحدث ، وقيل : [ لا إعادة ] لفقد الدليل ، ويغسل الثوب ويعيد
__________________
كل صلاة لم يخرج وقتها.
يحرم على الجنب
خمسة أشياء : قراءة العزائم ، وهي الم تنزيل وحم السجدة ، وو النجم واقرأ ، ومس كتابة
المصحف وشيء عليه اسم الله أو نبي أو وصي أو إمام ، ودخول المساجد إلا عابر سبيل ووضع
شيء فيها ، ويكره له الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق ، والنوم إلا بعد الوضوء
والخضاب.
ويجب الاستبراء
بالبول والاجتهاد عند الغسل على الرجل ، فإن لم يفعل ورأى بللا بعد الغسل أعاد ، ويغسل
يديه إن نجستا وجوبا وإلا فاستحبابا ثلاثا
ويتمضمض ويستنشق ثلاثا
ثلاثا ندبا ، وينوي رفع الحدث واستباحة ما يستبيح به من القرب متقربا إلى الله تعالى
أعني : رضاه وثوابه واجبا ، ويقرن النية بحال غسل الرأس أو غسل اليدين.
ويجب استدامة حكم
النية إلى حين الفراغ عن الغسل بأن لا ينتقل منها إلى نية تنافيها ، فإن فعل ذلك في
خلال الغسل ثم تممه لم يرتفع حكم حدثه لنقضه النية ، فإن عاد إلى النية بنى على ما
غسل سواء جف ما سبق أو لا إذ الموالاة غير واجبة في الغسل وإن نوى مع رفع الحدث التبرد
جاز لأنهما لا يتنافيان ، ثم يغسل رأسه ، ثم ميامنه ، ثم مياسره بحيث يصل الماء إلى
أصول الشعر وظاهر جميع البدن.
والترتيب المذكور
فيه واجب لا يجزي فيه خلافه ، وإن غسل رأسه بكرة وجسده ظهرا جاز ما لم يحدث ناقضا للوضوء
، فإن أحدث وجب الاستئناف ولم يجز البناء وقيل : يبني ويتوضأ لاستباحة الصلاة ، وهو
اختيار المرتضى.
__________________
وأقل ما يجزي من
الماء في الغسل ما يجزي على البدن ولو كالدهن ، والإسباغ بتسعة أرطال ، ويسقط الترتيب
بالارتماس في الماء والوقوف تحت المجرى أو المطر والغسل بذلك ، وقيل : يترتب حكما. وبمجرد غسل الجنابة خاصة تستباح الصلاة من غير وضوء ، وقران
الوضوء [ مع الغسل ] بدعة.
الفصل السابع
دم الحيض أسود حار ، يحرم به ما يحرم على الجنب والصلاة والصوم والاعتكاف والطواف
بالبيت والجماع ، ويجب عليها الغسل عند انقطاع الدم وقضاء الصوم دون الصلاة ، ويجب
على زوجها إن وطأها حائضا متعمدا التعزير ، وعليها أيضا إن طاوعته ، وعلى الزوج بالوطء
في أول الحيض تصدق دينار وفي وسطه نصف وفي آخره ربع.
وهل ذلك واجب أو
ندب؟ فيه روايتان ، واختار الشيخ القول بالندبية.
ويكره لها قراءة
ما عدا العزائم ومس المصحف وحمله والخضاب ، ولا يصح منها الوضوء والغسل لرفع الحدث
ولا يصح طلاقها.
ولا يكون الحيض
قبل تسع سنين ولا بعد خمسين سنة ، وروي أنه في القرشيات يمتد إلى ستين
، ولا يكون للحامل المستبين حملها ، وأقل مدة الحيض ثلاثة
أيام متواليات ، وقيل : ثلاثة في جملة العشرة ، وأكثر ذلك عشرة وما بينهما بحسب عادة النساء ، فأول ما ترى المرأة الدم يجب
أن تمتنع من الصوم والصلاة ،
__________________
فإن استمر بها ثلاثة أيام متواليات قطعت على أنه دم حيض وإلا فلا ، وقضت الصوم
والصلاة ، وعلى الرواية الأخرى إذا رأته في جملة العشرة ثلاثة أيام لزم قضاء الصوم دون الصلاة ، وأقل مدة الطهر
بين الحيضتين عشرة أيام ولا حد لكثيره.
والصفرة والكدرة
في أيام الحيض حيض ، وما بعد انقضاء أكثر أيام الحيض يكون [ دم الاستحاضة ، وما بعد
انقضاء أيام الطهر يكون ]
حيضا مستأنفا ، والمبتدأة
إذا اختلطت أيامها كلما رأت الدم تركت الصوم والصلاة ، وكلما طهرت صامت وصلت إلى أن
تستقر عادتها بتقضي شهرين أو ثلاثة ترى فيها الدم أياما معلومة أو أوقاتا معينة فتعتمد
عليها.
ويتميز دم الحيض
من دم العذرة بأن القطنة تخرج منغمسة بدم الحيض ، ومتطوقة بدم العذرة ، ودم القرح يخرج
من جانب الأيمن ودم الحيض من الأيسر ، ويتميز من دم الاستحاضة بالصفة.
إذا انقطع الدم
فيما دون العشرة ولم تعلم أهي بعد حائض أم لا؟ أدخلت القطنة ، فإن خرجت وعليها دم وإن
كان قليلا ، فهي بعد حائض ، وإلا فلا.
وتتوضأ الحائض في
كل وقت صلاة وتجلس في مصلاها مستقبلة القبلة ذاكرة لله تعالى مقدار الصلاة ندبا ، وإذا
طهرت جاز للزوج وطؤها قبل الغسل بعد غسل فرجها ، وغسل الحيض كغسل الجنابة ، ولا يجوز
به استباحة الصلاة من دون الوضوء ، وقيل : يجوز والأول أشيع.
إذا دخل عليها وقت
صلاة ومضى منه مقدار ما يمكنها أداؤها ولم تفعل ثم
__________________
حاضت ، يجب عليها قضاؤها ، وإن طهرت في وقت الصلاة وأخذت في تأهب الغسل من غير
توان فخرج الوقت ، فلا قضاء عليها ، وإن توانت وجب عليها القضاء ، وإذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما تصلي فيه خمس ركعات تقضي الظهر والعصر ندبا
، فإن أدركت مقدار فرد ركعة إلى أربع لزمها العصر لا غير ، وإذا طهرت بعد مغيب الشمس
إلى نصف الليل ، قضت العشاءين وجوبا ، وإذا طهرت إلى قبيل الفجر مقدار ما تصلي فيه
أربع ركعات ، تقضيهما ندبا ، وإن لم تدرك أكثر من مقدار ثلاث ركعات أو أقل ، لم يلزمها سوى العشاء الآخرة ، وإذا
طهرت قبل طلوع الشمس
مقدار ما تصلي فيه ركعة تقضي الفجر وجوبا ، وإلا فلا.
إذا أصبحت صائمة
ثم حاضت أفطرت وقضت ، وإذا حاضت بعد العصر ، أو كانت حائضا فطهرت خلال النهار أمسكت
بقية النهار ندبا وقضت وجوبا.
الفصل الثامن
الغالب على دم الاستحاضة الرقة والبرودة
والاصفرار ، وعلى دم الحيض الغلظة
والحرارة والتدفق والحمرة المائلة إلى الاسوداد ، وما زاد على أكثر أيام الحيض أو النفاس
وهو عشرة أيام فهو استحاضة وإن لم يكن بالصفة المذكورة.
وإذا استمر الدم
بالمستحاضة المبتدئة فلها أربعة أحوال :
أولها : أن يتميز
لها الدم بالصفة ، فما رأته بصفة الحيض حيض
بشرط أن
__________________
لا يخرج من حدية ، وما رأته بصفة الاستحاضة استحاضة.
وإذا رأت المبتدئة
ثلاثة أيام [ دم الحيض وثلاثة أيام ] دم الاستحاضة وأربعة أيام كدرة كان الكل من الحيض ، وإنما يحكم بالطهر إذا جاوز العشرة ،
وإن رأت ثلاثة أيام دم الاستحاضة ثم ثلاثة دم الحيض ثم دم الاستحاضة وجاوز العشرة ،
فما هو بصفة دم الحيض حيض وما هو بصفة دم الاستحاضة طهر ، تقدم ذلك أو تأخر ، إذ ليست
الثلاثة المتقدمة أولى بالإضافة إلى الحيض [ من المتأخرة ، فسقطا وعملت على التعيين
فيما بصفة دم الحيض ]
وكذلك إن رأت دم الاستحاضة
خمسة ثم رأت باقي الشهر دم الحيض ، فأول ما رأته بصفة الحيض حيض إلى تمام العشرة وما
بعدها استحاضة ، فإن استمر ذلك جعلت بعد الحيضة الأولى عشرة أيام طهرا ، وما بعدها
استيناف حيضة ثانية ، وإن رأت ثلاثة عشر يوما دم الاستحاضة. ثم رأت الحيض واستمر بها
، كان ثلاثة من الأول حيضا ، والعشرة طهرا ، وما بعدها حيضة ثانية.
وثانيها : أن لا
يتميز لها وهو أن ترى الدم أقل من ثلاثة أيام دم الحيض وبعدها دم الاستحاضة إلى آخر
الشهر ، فيجب أن ترجع إلى عادة نسائها من أهلها.
وثالثها : أن لا
تكون لها نساء أو كن مختلفات العادة ، فلترجع إلى لداتها
من بلدها.
ورابعها : أن لا
يكون لها لدات أو كن في العادة مختلفات ، فلتترك الصلاة
__________________
والصوم في الشهر الأول ثلاثة أيام ، وفي الثاني عشرة أيام ، أو في كل شهر سبعة
أيام ، مخيرة في ذلك.
أما المعتادة فعلى
أربعة أقسام :
الأول : من لها
عادة بلا تميز ،
مثال ذلك : أن جرت عادة
حيضها في الخمسة الثانية من الشهر ، فرأت الدم من أول الشهر واستمر بها ، تجعل ابتداء
حيضها من الخمسة الثانية ، وإذا كانت عادتها خمسة أيام في كل شهر فرأت الدم قبلها أو
بعدها بخمسة ولم ترفيها شيئا ، كان حيضا
قد تقدم أو تأخر ، وإن
اعتادت الدم في أول كل شهر خمسة فرأت ذلك في بعض الشهور على العادة وطهرت عشرة أيام
ثم رأت دما ، فإن انقطع دون أكثر مدة الحيض كانت حيضة ثانية ، وإن استمر كذلك عملت
على عادتها في الخمسة الأولى وجعلت الباقي استحاضة.
والثانية : من لها
عادة وتميز كأن اعتادت الحيض من أول كل شهر خمسة أيام فرأت في شهر عشرة أيام دم الحيض
، ثم رأت [ بعدها ]
دم الاستحاضة واتصل ، يكون
حيضها عشرة أيام ، اعتبارا بالتميز ، وكذا إذا اعتادت ثلاثة أيام من كل شهر ، فرأت
ستة أيام في أول الشهر دما أحمر وأربعة أيام دما أسود واتصل ، أو اعتادت خمسة من أول
الشهر فرأت في أول الشهر ثلاثة أيام دما أحمر وثلاثة أسود وأربعة أحمر واتصل ، كان
حيضها في المسألتين الدم الأسود اعتبارا بالتميز وإن عملت في هذه المسائل على العادة
دون التميز لقولهم ـ عليهمالسلام ـ : المستحاضة ترجع إلى عادتها ولم يفصلوه كان قويا.
__________________
والثالثة : التي
لها تميز ونسيت عادتها أو اختلطت عليها فيجب أن ترجع إلى صفة الدم وتعمل على التميز.
والرابعة : التي
لا تميز لها بصفة الدم وأطبق عليها الدم وقد نسيت عادتها فإنها تترك الصلاة والصوم
في كل شهر أياما مخيرة في أول الشهر أو وسطه أو آخره وللباقي حكم الاستحاضة.
وللمستحاضة ثلاثة
أحوال :
أحدها : أن ترى
دما
لا يرشح على القطنة ، فعليها
تجديد الوضوء عند كل صلاة ، وتغيير القطنة والخرقة.
وثانيها : أن يرشح
على الكرسف ولا يسيل ، فعليها غسل لصلاة الغداة ، وتجديد الوضوء لباقي الصلوات مع تغيير
القطنة والخرقة.
وثالثها : أن يرشح
ويسيل ، فعليها غسل للظهر والعصر ، وغسل للعشاءين ، وغسل الصلاة الليل والفجر وتجمع
بين كل صلاتين ، فإذا فعلت ما ذكرناه من الغسل وتجديد الوضوء لم يحرم عليها ما يحرم على الحائض ، ويجوز لزوجها وطؤها ،
ولم يجب عليها قضاء ما صامت في تلك الأيام ، فإن لم تفعل ذلك وصلت وصامت فعليها القضاء
ولا يجوز لها أن تجمع بين الفرضين بوضوء واحد.
والاستحاضة حدث
ينقض به الوضوء ، فإن كان دمها متصلا فتوضأت ثم ينقطع قبل الشروع في الصلاة ، استأنفت
الوضوء لا محالة ، لا إذا انقطع في أثناء الصلاة ، وإذا توضأت قبل دخول الوقت وصلت
في الوقت ، أو توضأت في الوقت وصلت في آخر الوقت ، لم يصح وضوءها ولا صلاتها ، لأن
عليها أن تتوضأ وتصلي عقيبه بلا فصل.
__________________
الفصل
التاسع
النفاس هو دم عقيب
الولادة ، ولا حد لقليله إذ من الجائز أن يكون لحظة ثم ينقطع ، فيجب على المرأة الغسل
في الحال ، ومتى ولدت ولم يخرج منها دم أصلا لم يتعلق بها حكم النفاس ، وأكثره عشرة
، وقيل : ثمانية عشر يوما.
إذا ولدت ولدين
وخرج معهما جميعا الدم ، كان أول النفاس من الولد الأول وآخره يستوفي من وقت الولادة
الآخرة ولاء إلى أكثر أيامه إن امتد خروجه ولم ينقطع قبل ذلك ، وإن رأت الدم ساعة ثم
انقطع ثم عاد قبل انقضاء العشرة ، كان الكل نفاسا ، وإن لم يعاودها حتى تمضي عشرة أيام
طهر ، كان ذلك من الحيض لا من النفاس ، والحيض لا يتعقب النفاس بلا طهر بينهما ، وإذا
رأت الدم بعد مضي الطهر عقيب النفاس أقل من ثلاثة ، لم يكن ذلك دم حيض ، بل يكون ذلك
دم فاسد
وكل أحكام النفساء كأحكام
الحائض
سوى حد القليل.
الفصل العاشر
يجب غسل الموتى والقتلى وأبعاضهما إلا المقتول بين يدي الإمام أو نائبه المحمول عن المعركة بلا رمق ، وإن كان جنبا فإنه يدفن بما
أصابه دمه من لباسه إلا الخفين ففيهما قولان ، والكافر باغيا كان أو غيره ، والمرجوم والمقتول قودا
إلا أنهما يؤمران بالاغتسال والتحنط والتكفن قبل الحد ، والسقط الذي لم يبلغ أربعة
أشهر ، فإنه يلف في خرقة ويدفن بدمه ، والرجل الذي مات بين نساء بلا رجل مسلم
__________________
ولا محرم له فيهن يدفن بثيابه ، وكذا المرأة بين الرجال ، وكل قطعة من ميت لم
تكن موضع الصدر ولا فيها عظم ، وكل مخالف لا تقية في ترك غسله ، ومن بجسده آفة يخاف
من صب الماء عليه تقطعه فإنه ييمم ، ومن لم يتمكن من الماء في غسله ، أو منع من غسله
مانع برد أو غيره ولم يتمكن من إسخان الماء في غسله ، أو منع من غسله مانع من أصحاب
الماء ، والخنثى المشتبه إذا مات بعد البلوغ ييمم.
والفرض في الغسل
أن يغسل ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة ، وكيفيته : مستور العورة ، أولها بماء السدر
والثاني بماء جلال
الكافور والثالث بالماء
القراح ، وقيل : الواجب تغسيله مرة بماء القراح.
وأن يعقد الغاسل
النية لغسله ويكون توجيهه إلى القبلة في حال الغسل ، ووقوف الغاسل على جانب يمينه ،
وغمز بطنه في الغسلتين الأوليين ، والذكر والاستغفار عند الغسل ، وأن يجعل لمصب الماء
حفيرة يدخل فيها ، وأن يغسل تحت سقف.
وينبغي أن يغسله
أولى الناس به ، وأن يوضع على ساجة أو سرير مستقبل القبلة ، فيجعل باطن قدمي الميت
إليها على وجه لو جلس لكان مستقبل القبلة ، ولا يسخن الماء لغسله إلا لبرد شديد ، ويفتق
جيب قميصه وينزع من تحته ويترك على عورته ما يستره ، ويلين أصابعه إن أمكن ، ويلف الغاسل
على يده اليسرى خرقة نظيفة ويغسل فرجه أولا بماء السدر والحرض ثلاثا ، ويغسل رأسه بالسدر والخطمي
ويغسله برفق يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ، وهكذا في البدن
،
__________________
ويصب الماء عليه من قرنه إلى قدمه متواليا ، في كل غسلة يبدأ بغسل فرجه ثلاثا
، وقيل : يغسله بكل واحد من المياه الثلاث ثلاث غسلات ، والغاسل يغسل بعد كل غسلة يديه إلى المرفقين ، والإجانة بماء القراح ، ولا يركب الميت في حال غسله ولا يقعده ، وقد روي أنه يوضئه
قبل الغسل
، وروي أنه لا يوضئه وعلى
هذا عمل الطائفة لأنه كغسل الجنابة ، ومن عمل بالأول جاز ، هكذا قال الشيخ أبو جعفر
، ولا يقص شيء
من أظفاره ولا شعره ولا يسرح رأسه ولحيته ، وإن سقط شيء من ذلك في حال غسله جعل في
كفنه ، ويكثر الغاسل من ذكر الله تعالى وطلب العفو للميت ، ثم ينشفه بثوب طاهر ، ويكره
أن تصب الغسالة إلى الكنيف ، وإذا لم يوجد سدر ولا كافور غسل بماء القراح ، وإذا خرج
منه نجاسة بعد الغسل ، غسل ذلك الموضع فقط ، وإن أصاب الكفن قرض ذلك القدر.
الفصل الحادي عشر
إذا لم يوجد للرجل من يغسله من الرجال المسلمين
غسلته زوجته أو ذوات أرحامه ، فإن لم يوجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه مغمضات ، وكذلك الحكم في المرأة
إذا ماتت بين الرجال ، وقيل : إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء وللمرأة إلا
الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل ، والأول أحوط.
__________________
والصبي والصبية
إذا بلغا ثلاث سنين ، فحكمهما حكم الكبار ، وفيما دون ذلك يجوز غسل الرجل الصبية والمرأة
الصبي.
إذا مات الولد في
بطن أمه ولم تمت الام ولم يخرج الولد أدخلت القابلة يدها في فرجها وقطعت الصبي وأخرجته
قطعا ، وغسل وحنط وجهز ، وبالعكس يشق جانب الأم ويخرج ، ويغسل الشهيد إذا حمل من المعركة
وبه رمق ثم مات.
وغسل الميت وتكفينه
والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية.
الفصل الثاني عشر
من لمس جسد آدمي برد بالموت أو قطعة من حي
قطعت وفيها عظم ـ ولم يغسل بعد
ـ وجب عليه الغسل ، فإن مسه قبل برده غسل يده لا غير ، ولا بد مع هذا الغسل من الوضوء
لمستبيح الصلاة ، وقال المرتضى ـ رضياللهعنه ـ : الأقوى أن هذا الغسل سنة وعمل الطائفة وفتواهم على الأول.
الفصل الثالث عشر
المحتضر يجب أن يوجه إلى القبلة ، بأن يضجع على ظهره بحيث تكون رجلاه تلقاءها ، حتى لو وقف
لكان متوجها إليها توجيهه في الصلاة ، وندب إلى أن يحضر بالقرآن وإذا تعصب عليه خروج نفسه نقل إلى مصلاه ، ويلقن الشهادتين
وأسماء الأئمة ـ عليهمالسلام ـ وكلمات الفرج ، وتغمض عيناه ، وإذا قضى نحبه أطبق فوه ومد يداه وساقاه وشد
لحية ، وغطي بثوب ، وإن كان ليلا أسرج
__________________
عنده مصباح إلى الصباح ، ويهتم بالأخذ في أمره ، ويمنع الجنب والحائض من الدخول
عليه ، ولا يترك وحده ، ولا يوضع على بطنه حديد.
الفصل الرابع عشر
وإذا غسل ، كفن ، وفي التكفين فرض ونفل.
فالفرض
: تكفينه في ثلاثة أثواب مع القدرة : مئزر وقميص وإزار ، وإمساس
شيء من الكافور مساجده إن وجد.
وأما
الندب : فأن يوضع على فرجيه قطن عليه ذريرة
، ثم يشد بخرقة إلى وركيه ، وقيل : يعدله مقدار رطل من القطن
ليحشى به المواضع التي يخشى خروج شيء منها
، ويكثر ذلك لقبل المرأة
، وتزاد للرجل لفافتان ويعمم بعمامة ، ويشد ثديا المرأة إلى صدرها بخرقة ، ويكون طول
ما يشد به الفخذان ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر ، وإحدى اللفافتين حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب أو الحرير ، ويزاد للمرأة لفافتان
والزائد على ذلك سرف ، وعند الضرورة يكفي ما يستره.
ولا يجوز الكفن
في الحرير المحض ولا بالمصبغ وبما فيه ذهب ، ويكره فيما خلط فيه الغزل بالإبريسم ،
وفي الكتان وفي السواد ، ولا بأس بالقميص المخيط إذا فقد غيره ، ويقطع أزراره دون أكمامه
، وإنما يكره الأكمام فيما يبتدأ به منه.
وتفرش الحبرة وفوقها
الإزار وفوق الإزار القميص ، وينثر على كل واحد شيء
__________________
من الذريرة المعروفة بالقمحة ، ويكتب على ثلاثتها وعلى العمامة الشهادتان والإقرار
بالأئمة الحجج من آل محمد بتربة الحسين ـ عليهمالسلام ـ ، وإن لم توجد فبالإصبع لا بالسواد ، وإذا لم يوجد الحبرة أبدل منها لفافة
أخرى.
ويكره قطع الكفن
بالحديد بل يخرق ويخاط بخيوط منه ولا يبل بالريق.
ويعد من الكافور
الذي لم تمسه النار ثلاثة عشر درهما وثلث أو أربعة مثاقيل أو درهم ، وإن لم يوجد أصلا
دفن بغيره ، ولا يخلط بالكافور شيء من الطيب
وخاصة المسك ، وتؤخذ جريدتان خضراوان من النخل ، وإلا فمن
السدر ، وإلا فمن الخلاف ، وإلا فمن شجر آخر رطب بقدر عظم الذراع ، ويلف عليهما شيء
من القطن ، ويكتب عليهما ما كتب على الكفن.
وينبغي أن يكون
الإزار عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين ، ويسحق الغاسل الكافور بيده لا بغيرها ، ويضعه على مساجده ، وجبهته ، وباطن كفيه ، يمسح
به راحتيه ، وأصابعهما ، وعيني ركبتيه ، وظاهر أصابع قدميه ، دون سمعه وبصره وفيه ،
فإن فضل شيء جعله على صدره.
ويضع إحدى الجريدتين
من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده ، والأخرى من الأيسر ما بين القميص والإزار
، ثم يأخذ وسط العمامة فيلفها على رأسه بالتدوير ويحنكه بها ، ويطرح طرفيها جميعا على
صدره ، ولا يعممه عمة الأعرابي بلا حنك ، ثم يلفه في اللفافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن ، وجانبها الأيمن
على جانبها الأيسر وكذلك يصنع بالحبرة ، ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه ، ولا يقرب
المحرم الكافور.
__________________
الفصل
الخامس عشر
إذا كفن وصلى عليه دفن فرضا ، ويجب أن يوضع على جانبه الأيمن
، موجها إلى القبلة.
والندب أن يتبع
الجنازة أو بين جنبيها ، وأن توضع الجنازة عند رجل القبر إن كان رجلا ، وقدامه مما
يلي القبلة إن كانت امرأة ، ويؤخذ الرجل من قبل رأسه والمرأة بالعرض.
وأن يكون القبر
قدر قامة أو إلى الترقوة ، واللحد أفضل من الشق ، وأن يكون اللحد واسعا ، مقدار ما
يجلس فيه الجالس ، والذكر عند تناوله وعند وضعه في اللحد ، ويكره الركوب خلف الجنازة
مختارا.
وندب المشيع أن
يحمل الميت من أربع جوانبه يبدؤه بمقدم السرير الأيمن يمر معه ، ويدور من خلفه إلى
الجانب الأيسر ، فيأخذ رجله الأيسر ، ويمر معه إلى أن يرجع إلى المقدم دور الرحا ،
ويكره الإسراع بالجنازة بلا عذر ، ولا يفدح
في القبر دفعة واحدة بل
يجاء به إلى شفيره بثلاث دفعات.
وينزل إلى القبر
الولي أو من يأمره ، ولا ينزل إلى قبر المرأة إلا زوجها أو ذو رحم لها إن وجد ، وإلا
فمؤمن آخر ، ومع فقد القرابة
نزول امرأة أولى ، وينزل
حاسرا متحفيا محلول الأزرار ، ويحل عقد الأكفان ويضع وجهه على التراب ، ويضع شيئا من
تربة الحسين ـ عليهالسلام ـ معه ، ويلقنه الشهادتين والإقرار بالنبي
__________________
والأئمة ـ عليهمالسلام ـ ، ويشرج اللبن ويخرج من قبل رجل القبر ، ويطمه ويرفعه من الأرض مقدار أربع أصابع ، ويهيل
التراب عليه بظهور
الأكف ثلاثا من عدا ذوي الأرحام ، ولا يطرح في القبر من غير ترابه ، ويسويه ويربعه
ويصب الماء عليه من عند رأسه ، ثم يدور عليه حتى يعود إلى موضع الرأس ، ويصب الفاضل
على وسطه ، ويضع عند رأسه لبنة أو لوحا ، ويضع اليد عليه ويترحم عليه ، ويلقنه بعد
انصراف الناس عنه وليه.
وإذا ماتت ذمية
مع جنين من مسلم ، دفنت في مقبرة المسلمين لحرمة ولدها ، واستدبرت بها القبلة ليكون
ولدها مستقبلها ، ومن مات في السفينة ولم يقدر على الشط ثقل وطرح في البحر ، ليرسب
إلى قرار الماء بعد فعل ما يجب فعله.
ويكره التابوت ،
ويكره تجصيص القبر والبناء عليه ، ويكره نقل الميت من متوفاه إلى بلد آخر إلا إلى بعض
المشاهد فإنه مستحب ما لم يدفن ، وبعد الدفن فلا ، ويكره تجديد القبر بعد اندراسه.
الفصل السادس عشر
الأغسال
المسنونة اثنان وثلاثون : غسل يوم الجمعة ، وليلة النصف من رجب ، وليلة السابع والعشرين
منه ، ويومها ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من شهر رمضان ، وفي صبيحتها ، وليلة
النصف منه ، وليلة سبع عشرة منه ، وليلة تسع عشرة منه ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة
ثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، ويوم
__________________
الفطر ، ويوم الأضحى ، وغسل الإحرام ، وعند دخول الحرم ، وعند دخول مكة ، وعند
دخول مسجد الحرام ، وعند الوقوف بعرفات ، وعند دخول الكعبة ، وعند دخول المدينة ، وعند
دخول مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعند زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة ـ عليهمالسلام ـ ، ويوم الغدير ، ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرين من ذي الحجة ، وعند صلاة
الحاجة ، وعند صلاة الاستخارة ، وغسل من تاب وأسلم من الكفر وإن كان قد أجنب في حال
كفره فالغسل واجب عليه ، وغسل قاضي صلاة الكسوف أو الخسوف إذا احترق القرص كله وتركها
متعمدا ، وغسل من يسعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام لرؤيته ، وغسل المولود حين ولد.
ومن اجتمع عليه
أغسال مفروضة ومسنونة أجزأ عنها غسل واحد إذا نواها ، وإن نوى به الواجب أجزأ عن المسنون
، وأما بالعكس فلا ، ويجب الوضوء مع جميع الأغسال ، لاستباحة
الصلاة إلا الجنابة.
الفصل السابع عشر
التيمم
: طهارة ضرورة لا يجوز إلا مع عدم الماء مع
الطلب ، أو عدم ما يتوصل
إليه من ثمن أو آلة ، أو خوف على النفس ، أو مرض يضربه أو أن يشينه أو يشوه به ، أو برد شديد يخاف معه التلف ، أو
لحوق مشقة عظيمة.
ويجب طلب الماء
قبل تضيق وقت الصلاة في رحله ومن أربع جوانبه مقدار رمية في الحزن ورميتين في السهل
إلا عند الخوف ، وإن تيمم قبل الطلب لا يعتد به ، ومن نسي
الماء في رحله وتيمم وصلى أعاد الصلاة بالوضوء إن كان فرط
__________________
بالطلب ، وإلا فلا ، ومتى كان معه ماء يسير يحتاج إليه للشرب أو كان لا يكفيه
للوضوء أو الغسل تيمم ، ويجب عليه شراء الماء بأي ثمن كان إذا لم يضربه ، وييمم الميت
أيضا عند بعض الأعذار ثم يتيمم من ييممه.
وإذا اجتمع جنب
وحائض وميت ومحدث ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ولم يكن ملكا لأحدهم ، فهم بالخيار
في الاستعمال من يشاء ذلك منهم ، وإن كان ملكا لأحدهم كان أولى به ، ومن كان في بعض
جسده أو بعض أعضاء طهارته جراح أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه دون الباقي جاز له
التيمم ، والأحوط أن يغسل الأعضاء الصحيحة ويتيمم ، والعاصي بسفره إذا تيمم لفقد الماء
وصلى فلا إعادة عليه ، وكذلك كل من صلى بتيمم ، إلا من تعمد الجنابة على نفسه فإنه
يصلي بتيمم ثم يعيد الصلاة.
ولا يجوز التيمم
إلا في آخر الوقت عند الخوف من فوت الصلاة فإن قدمه على ذلك لم تصح صلاته به ، ويجوز
أن يصلي بتيمم واحد صلوات كثيرة ، فرضا ونفلا ، ابتداء وقضاء بجمع أو تفريق ، ولا تنافي
بين المسألتين فإن التيمم
لا يجوز أن يؤدى به صلاة
فريضة إلا بأن يفعل في أضيق وقت أداء فريضة يخشى فوتها إن لم يشرع فيها ، وسواء ابتدأ
فعله على هذا الوجه أو استمر من حالة إلى أخرى بعد أن يكون قد فعل في الأصل على الوجه
المذكور ، وعلى هذا يجوز أن يؤدي صلاة يوم وليلة بتيمم واحد بأن يتيمم عند تضيق صلاة الفجر ثم يبقى على تيممه يؤدي صلاة كل وقت
عند التضيق إلى أن يؤدي العشاء الآخرة في آخر وقتها
، ولا يلزم على هذا أن يتيمم لأداء نافلة أو قضاء فرض ثم
يستمر على تيممه فيؤدي به
__________________
فريضة عند تضيقها لما سبق ، من وجوب حصول التيمم عند تضيق أداء فرض ، إما مبتدء
أو مستمرا عليه ، هكذا ذكر المرتضى ـ رضياللهعنه ـ وقال الشيخ أبو جعفر : متى تيمم في غير وقت فريضة حاضرة لصلاة نافلة أو لقضاء
فريضة ويصلي به فريضة إذا دخل وقتها جاز لعموم الأخبار في جواز الصلوات الكثيرة بتيمم
واحد.
وكل ما يستباح بالطهارة
بالماء يستباح بالتيمم سواء ، ولا ينتقض تيممه بخروج الوقت ، ولا يجب استئنافه لكل
صلاة ، والأفضل أن يجدد لكل صلاة.
ولا يجوز التيمم
إلا بما يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق إذا كان طيبا ، ترابا كان أو مدرا أو حجرا أو
حصى ، كان عليه تراب أو لا ، ويستحب أن يكون من عوالي الأرض دون مهابطها ، ويكره بالرمل
والسبخة ، ولا يجوز بالرماد والزرنيخ وغيرهما ولا من المعادن
كلها ، وإذا اختلط التراب بالذريرة أو الكحل أو النورة أو المائع غير الماء ونحو ذلك
لم يجز به التيمم
لأنه ليس بتراب ولا أرض
مطلق إلا أن يكون قدرا مستهلكا ، وقال المرتضى ـ رضياللهعنه ـ : يجوز التيمم بالجص والنورة ولا يجوز بالزرنيخ من المعادن.
وإذا أصاب الأرض
بول وجففتها الشمس خاصة جاز التيمم بها.
إذا فقد الماء والتراب
نفض ثوبه أو لبد دابته أو عرفها وتيمم بغبرته ، وإذا لم
__________________
يجد إلا الوحل ضرب يديه عليه وفركهما وتيمم به ، فإن لم يجد إلا الثلج يعتمد
عليه حتى تتندى يده ويتطهر ، فإن لم يتمكن من ذلك أخر الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب.
ويبدأ قبل التيمم
بالاستنجاء والاستبراء وينشف مخرج البول بالأحجار أو الخرق وما يشبه ذلك ، وإذا لم
يجد ما يزيل به النجاسة عن بدنه تيمم وصلى وأعاد ، ولا ينوي بالتيمم رفع الحدث لأنه
لا يرفعه فإن نوى ذلك لم يجز له الدخول به في الصلاة ـ كذلك ذكره الشيخ ـ
بل ينوي به استباحة الصلاة ، وإذا تيمم الجنب بنية أنه يتيمم
بدلا من الوضوء لم يجز له الدخول في الصلاة ، لأن النية الواجبة ما حصلت فيه.
وكيفيته أن يضرب
يديه على الأرض مفرجا أصابعه ، وينفضهما ويمسح إحداهما بالأخرى ، ثم يمسح بهما وجهه
من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ، ثم يضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى ويمسح بها من
الزند إلى أطراف الأصابع ، ثم يضع بطن اليمنى على ظهر اليسرى كذلك ، هذا إذا كان بدلا
من الوضوء ، وإن كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين واحدة للوجه والأخرى لليدين ، والباقي
سواء ولا تكرار فيه ، قال المرتضى ـ رضياللهعنه ـ : وقد روي أن الضربة الواحدة للوجه واليدين تجزي في كل حدث.
ويجب فيه الترتيب
والموالاة. والتيمم مع ترك شيء من موضع المسح قليلا كان أو كثيرا لا يجزي ، ويسقط
فرض التيمم من مقطوع اليدين من الذراعين ، ويستحب له مسح ما بقي.
__________________
ونواقضه نواقض الوضوء
سواء ، والتمكن من استعمال الماء فإن المتيمم إذا وجد الماء ولم يتوضأ ثم عدمه وأراد
الصلاة استأنف التيمم وإن لم يحدث عن الأول ، فإن وجد الماء بعد الشروع في الصلاة بتكبيرة
الإحرام مضى فيها ولا يجب الرجوع عنها ، ويستحب الرجوع قبل الركوع ، فأما بعده فلا
يجوز.
إذا وجد الماء وهو
في الصلاة فلما فرغ من الصلاة فقد الماء ، استأنف التيمم لما يستأنف من الصلاة احتياطا
، لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة.
إذا تيمم من الجنابة
ثم أحدث بما ينقض الوضوء ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء أعاد التيمم ولم يتوضأ.
ومن احتلم في المسجد
الحرام أو مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يخرج منهما ألا بعد أن يتيمم ، ويجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء.
المسافر إذا جامع
زوجته ولم يجد من الماء ما يغسلان به الفرج تيمما وصليا ولا إعادة عليهما ، لقوله تعالى
( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ). ولم يفصل ، والأحوط وجوب الإعادة عليهما.
الفصل الثامن عشر
النجاسات : هي الدم
إلا دم البق والبرغوث
والسمك ، والبول ، والغائط
مما لا يؤكل لحمه ، والمسكر ، والفقاع ، والمني من سائر الحيوان ، وذرق الدجاج ، وبول
الخفاش
خاصة من الطيور ، ولعاب
الكلب والمسوخ والمسوخ أنفسها
__________________
كلها ، والكلب والخنزير والثعلب ، والأرنب والوزغة والعقرب والفأرة ، والكافر ومن
هو في حكمه ، والميت إلا ميتة ما لا نفس له سائلة ، وعرق الجنب من الحرام ، وعرق الإبل الجلالة ، وعظم نجس
العين خاصة كالكلب والخنزير ، وكل ماء ناقص عن كر غسلت به النجاسة أو لاقاه نجس ، وكل
مائع لاقاه نجس.
أما الدم فثلاثة
:
أحدها : يجب إزالة
قليله وكثيره ، وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس.
والثاني : لا يجب
إزالة قليلة ولا كثيرة ، وهو دم البق والبرغوث والسمك والجروح اللازمة والقروح الدامية.
والثالث : يجب إزالته
إذا بلغ مقدار درهم واف وهو المضروب من درهم وثلث فصاعدا دون ما نقص منه ، وهو دم سائر
الحيوان سواء كان في موضع أو في مواضع ، وإن قلنا : إذا كان جميعه لو جمع كان مقدار
الدرهم وجب إزالته ، كان أحوط للعبادة.
وكل مسكر والفقاع
والمني من كل حيوان والبول والغائط إلا ما يؤكل لحمه سوى ذرق الدجاج يجب إزالة قليل
ذلك وكثيره.
وما يكره لحمه يكره
بوله وروثه كالبغال والحمير والدواب وقيل : بنجاستها أيضا
.
وبول الطيور كلها
معفو عنه سواء أكل لحمها أو لا ، إلا بول الخفاش فإنه نجس.
__________________
وبول الصبي قبل
أن يطعم يكفي أن يصب الماء عليه ، بخلاف بول الصبية إذا لا بد من غسله كبول غيرها.
ولعاب الكلب والمسوخ
مما يجب إزالة قليله وكثيره ، وما مسه الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة
بسائر أبدانها إذا كانت رطبة أو أدخلت أيديها وأرجلها في الماء ، وجب غسل الموضع وإراقة
ذلك الماء ، ولا يراعى في غسله العدد لأن العدد يختص الولوغ ، وإن كان يابسا رش الموضع
بالماء ، فإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش ، وكذا من مس أحد هذه الأشياء بيده
رطبا وجب غسل يده ، وإن كان يابسا مسحه بالحائط أو التراب ، وقد رويت
رخصة في استعمال ما شرب منه سائر الحيوان في البراري سوى
الكلب والخنزير ، وما شربت منه الفأرة في البيوت والوزغ أو وقعا فيه فخرجا حيين ، لأنه
لا يمكن التحرز من ذلك ، وحكم الذمي والمحكوم بكفره والناصب المعلن بذالك حكم الكلب.
وإن أصاب ثوبه جيفة
إنسان قبل الغسل وجب غسل ذلك الموضع ، فإن لم يتعين غسل الكل ، وإن مسحه بيده أو قطعة
منه وفيه عظم قبل الغسل وجب الغسل كما سبق ، وإن لم يكن في القطعة عظم أو كان الميت
من غير الناس غسل ما مسه به لا غير ، وما عرق فيه الجنب من حرام يجب غسله ، وعرق الإبل
الجلال يجب إزالته.
والماء الذي ولغ
فيه الكلب والخنزير إذا أصاب الثوب وجب غسله ، وإن أصابه من الماء الذي يغسل به الإناء
لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية ، وإن قلنا إنه يغسل من الغسلة الأولى
كان أحوط ، وإذا أصاب الثوب أو البدن نجاسة يابسة لم يجب الغسل ، وإنما ندب إلى مسح
اليد بالتراب أو نضح الثوب.
__________________
إذا أصاب الأرض
أو الحصير أو البارية
خاصة بول وجففته الشمس
طهر وجاز السجود عليه والتيمم منه ، وإن جفف بغير الشمس لم يجز.
وما لا نفس له سائلة
من الحيوان لا ينجس الثوب والبدن والمائع والماء بموته فيه وإن تغير أوصاف الماء به
سوى الوزغ والعقرب فإنه يستحب إراقة ما يموتان فيه.
ويستحب إزالة الطين
الذي أتى عليه ثلاثة أيام في الطريق ولم يعلم فيه نجاسة.
وما يستنجى به من
الماء أو يغتسل به من الجنابة إذا رجع إلى الثوب لا يجب إزالته إلا إذا كان رجوعه بعد
وقوعه على نجاسة.
وما استعمله شارب
مسكر أو فقاع ولم يعلم أنه أصابه شيء من ذلك ندب إلى غسله. إذا شك هل حصل النجاسة
أم لا ولم يتحقق فالأصل الطهارة.
إذا صب الماء على
ثوب نجس وتحته إجانة فجرى الماء إليها لا يجوز استعماله.
إزالة المذي والوذي
ندب غير واجب ، وقيل : إن القيء والقيح والصديد نجس. والظاهر الشائع بخلافه.
وما لا يتم الصلاة
فيه منفردا كالخف والجورب والتكة والقلنسوة لم يجب
__________________
إزالة النجاسة منه للصلاة وإن كان ذلك أفضل.
ومربية الصبي إذا
لم تملك إلا ثوبا واحدا فينجس ولا يمكنها التحرز منه غسلته كل يوم مرة وصلت فيه ، وقال
صاحب المراسم : غسل الثوب من ذوق الدجاج وعرق الجلال من الإبل وعرق الجنب من حرام ندب
وقد قال الشيخ أبو جعفر ـ رضياللهعنه ـ في هذا الأخير : يقوى في نفسي أن ذلك تغليظ في الكراهية دون فساد الصلاة لو
صلى فيه.
إذا جبر عظم بعظم
حيوان نجس العين خاصة ، كالكلب والخنزير يجب قلعه إن لم يؤد إلى مشقة عظيمة أو خوف
على النفس ، فإن لم يقلعه وصلى بطلت صلاته لأنه حامل النجاسة ، وإن أدى إلى ذلك لم
يجب قلعه ، ولا يجوز أن يحمل في الصلاة قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس.
جلد الميتة
لا ينتفع به قبل الدباغ ولا بعده ، سواء كان جلد ما يوكل
لحمه أو لا يؤكل ، وما لا يؤكل لحمه إذا ذكي لا ينتفع بجلده إلا بعد الدباغ إلا الكلب
والخنزير فإنهما لا يطهران ، ولا يجوز الانتفاع بهما وإن ذكيا ودبغا.
والشعر والصوف والوبر
من الميتة طاهر إذا جز ، وشعر الكلب والخنزير لا ينتفع به ولا يطهر بالغسل وغيره.
__________________
كتاب
الصلاة
الصلاة في الشرع
أفعال مخصوصة ، من قيام وركوع وسجود ، مع أذكار مخصوصة ، ولها مقدمات يجب على المكلف
بها معرفتها وهي الطهارة ، وأعداد الصلاة ، والوقت ، والقبلة ، واللباس ، والمكان ،
والمسجد ، وستر العورة ، وتطهير الثوب والبدن ، والمندوب من المقدمة ، الأذان والإقامة.
الفصل الأول
الصلاة ضربان مفروض ومسنون ، فالمفروض قسمان : ما يجب بإطلاق الشرع ، وما يجب عند سبب
، إما من جهة المكلف كصلاة النذر ، وإما غير متعلق به كصلاة الكسوف والعيدين ، وما
يجب بالإطلاق فالصلوات الخمس وشرائط وجوبها البلوغ وكمال العقل. لأن غير البالغ لا
تجب الصلاة عليه وإنما يؤخذ به بعد ست سنين تمرينا وتعليما ، وغير كامل العقل لا تجب
الصلاة عليه وإن بلغ.
ومن شرط وجوبها
على المرأة أن تكون طاهرا من حيض.
__________________
الفصل
الثاني
الصلاة قسمان :
سفري وحضري.
ففرائض الحضر سبع
عشرة ركعة : الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، كل واحدة أربع ، والمغرب ثلاث ، والفجر
ركعتان ، ونوافل الحضر أربع وثلاثون : ثمان للظهر ، وثمان للعصر ، وأربع للمغرب ، وركعتان
من جلوس للعشاء الآخرة ، وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل ، وركعتان للفجر.
وفرائض السفر إحدى
عشرة ركعة ، كل واحد من الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتان ، والباقي كما في الحضر
، ونوافل السفر سبع عشرة ركعة ، يسقط ما للظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وللصلاة أقسام
أخر تأتي بعد.
الفصل الثالث
لوقت كل صلاة أول وهو وقت من لا عذر له ،
وآخر وهو وقت من له عذر ، والعذر إما سفر ، أو مطر ، أو مرض ، أو شغل يضر تركه دينا أو دنيا ، أو ضرورة
كالكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت والمجنون أو المغمى عليه إذا أفاق.
إذا زالت الشمس
فقد دخل وقت فريضة الظهر ، ويختص به مقدار أداء أربع ركعات ، ثم يشترك بينه وبين العصر
إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، وروي : حتى يزيد
الظل على أربعة أقدام ، وهو أربعة أسباع الشخص المنتصب ،
ثم يختص بالعصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وحينئذ فات وقت العصر للمختار ، فأما
للمضطر فمشترك فيه إلى أن يبقى من النهار مقدار [ أداء ] أربع
__________________
ركعات فحينئذ اختص بالعصر.
وقيل : إن هذا أيضا
وقت المختار . فإن لحق ركعة من العصر قبل غروب الشمس لزمه العصر كلها ويكون مؤديا لجميعها
، وقيل : يكون قاضيا لجميعها ،
وقيل : يكون قاضيا لبعضها
، والأول الظاهر من المذهب.
وإن لحق أقل من
ركعة يكون قاضيا بلا خلاف ، وإذا لحق من النهار مقدار ما يصلي فيه خمسة ركعات يجب عليه
الصلاتان معا ، فإن لحق أقل من خمسة
لم يلزمه إلا العصر ، وينبغي
أن يلحق زائدا على ذلك مقدار ما يمكنه الطهارة ، فإن لحق مقدار ما يتطهر فيه من غير
تفريط فيخرج الوقت لم يلزمه القضاء.
ويعتبر زيادة الفيء
من الموضع الذي انتهى إليه الظل دون أصل الشخص ، فأما حيث لا ظل للشخص فيه أصلا مثل
مكة وما أشبهها فإنه يعتبر الزوال بظهور الفيء ، فإذا
ظهر دل على الزوال ، فإن كان حيث للشخص فيه فيء فيعرف الزوال
بأن ينصب الشخص ، فإذا ظهر له ظل في أول النهار فإنه ينقص مع ارتفاع الشمس إلى نصف
النهار ، فإذا وقفت وقف الفيء. فتعلم على الموضع ، فإذا زالت رجع الفيء إلى الزيادة
، وقد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على حاجبه الأيمن
علم أنها زالت ، فأما اعتبار الذراع والقدم والقامة وما أشبه ذلك من الألفاظ المروية فإنما
هي لتقرير النافلة ، فإن النافلة يجوز تقديمها هذا المقدار ، فإذا بلغ ذلك القدر كانت
البدأة بالفرض أولى.
وأول وقت المغرب
غيبوبة الشمس بأن يراها غابت عن العين والسماء
__________________
مصحية ولا حائل بينه وبينها ، وفي أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من ناحية المشرق وهو أحوط ، فإذا غابت عن البصر ورأى ضوءها على جبل يقابلها
أو مكان عال كمنارة الإسكندرية مثلا فإنه يصلي على القول الأول ، ولا يجوز على الثاني
حتى تغيب في كل موضع ، وآخره غيبوبة الحمرة من ناحية المغرب للمختار ، ووقت الضرورة
يمتد إلى ربع الليل.
وأول وقت العشاء
الآخرة غيبوبة الحمرة من المغرب ، وآخره ثلث الليل للمختار ، وللمضطر نصف الليل ، وقيل
: إلى طلوع الفجر
وقيل : إذا غابت الشمس
يختص المغرب مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات ، وما بعده مشترك بينه وبين العشاء الآخرة
إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات ، فيختص بالعشاء الآخرة
، والأول أظهر وأحوط.
وأول وقت صلاة الصبح
إذا طلع الفجر الثاني المعترض في أفق السماء ، وآخره طلوع الحمرة من ناحية المشرق للمختار
، وطلوع الشمس للمضطر.
ووقت نوافل الزوال
من بعد الزوال إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلى فيه فريضة الظهر ، ووقت نوافل
العصر ما بين الفراغ من فريضة الظهر إلى خروج وقته للمختار ، ولا يجوز تقديم نوافل
النهار قبل الزوال إلا يوم الجمعة ، ووقت نوافل المغرب عند الفراغ من فريضته ، ووقت
الوتيرة بعد الفراغ من فريضة العشاء الآخرة ، ويختم الصلاة بالوتيرة ، ووقت صلاة الليل
بعد انتصاف الليل إلى
__________________
طلوع الفجر الثاني ، ورخص لصاحب العذر في تقديمها أول الليل ، والقضاء أفضل
من ذلك ، ووقت ركعتي الفجر طلوع الفجر الأول إلى طلوع الحمرة من ناحية المشرق.
ويكره ابتداء النوافل
بعد فريضة الغداة ، وعند طلوع الشمس ، وعند قيامها نصف النهار إلى أن تزول إلا في يوم
الجمعة ، وبعد فريضة العصر ، وعند غروب الشمس ، فأما النافلة التي لها سبب كقضاء النوافل
، وصلاة الزيارة ، وتحية المسجد ، وصلاة الإحرام والطواف ، فإنه لا يكره على حال.
والصلاة بعد وقتها
قضاء ، وفي وقتها أداء ، وليس لها قبل وقتها إجزاء ، وأول الوقت أفضل مما بعده ، وقيل
: إن الفرض متعلق بأوله ، ومن أخره لغير عذر أثم غير أنه قد عفي عنه
، والأول أمتن. .
من فاتته صلاة فريضة
فوقتها حين يذكرها ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وكذلك قضاء النافلة ما لم يدخل وقت
فريضة ، وصلاة الكسوف وصلاة الجنازة وركعتا الإحرام وركعتا الطواف كذلك.
من شرع في الصلاة
قبل دخول وقتها على ظن دخول ثم دخل وهو في الصلاة أجزأه ، وإن دخل بعد فراغه منها أعاد
، ولا يجوز لغير ذي العذر قبول قول الغير في دخول الوقت ، ويجوز لذي العذر ، إلا أنه
إذا قبل ثم علم أنه فرغ قبل دخوله أعاد.
الفصل الرابع
من كان مشاهدا للكعبة بأن يكون في المسجد
الحرام ، أو في حكم المشاهد
__________________
بأن يكون ضريرا ، أو يكون بينه وبين الكعبة حائل ، أو يكون خارج المسجد بحيث لا تخفى عليه جهة
القبلة ، يلزمه التوجه إلى نفس الكعبة ، ومن كان مشاهدا للمسجد أو في حكم المشاهد ممن
كان في الحرم يلزمه التوجه إلى نفس المسجد ، ومن كان خارج الحرم أو نائيا عنه يلزمه
التوجه إلى الحرم.
وأهل العراق يتوجهون
إلى الركن العراقي ، وأهل اليمن إلى الركن اليماني ، وأهل المغرب إلى الغربي ، وأهل
الشام إلى الشامي ، ويلزم أهل العراق التياسر قليلا استظهارا لأن الحرم عن يمين الكعبة
أربعة أميال وعن يسارها ثمانية ، ويعرف أهل العراق ومن يصلي إلى قبلتهم من أهل الشرق
قبلتهم بكون الجدي خلف المنكب الأيمن لمستقبلها ، أو بكون الفجر موازيا لمنكبه الأيسر ، أو بكون الشفق موازيا لمنكبه الأيمن ، أو بكون
عين الشمس عند الزوال على حاجبه الأيمن ، فإن فقد هذه الأمارات
أو اشتبه عليه ذلك صلى الصلاة الواحدة أربع مرات إلى أربع جهات ، ومع الضرورة إلى جهة واحدة أيتها شاء.
وقد تعلم القبلة
بالمشاهدة ، أو بخبر عن مشاهدة توجب العلم ، أو بأن نصبه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بعض الأئمة ـ عليهمالسلام ـ ، أو علم أنهم صلوا إليها ، ومن لا يحسن الاستدلال بالأمارات أو كان أعمى
جاز له أن يرجع في معرفة القبلة إلى قول عدل ، فإن فقد العدل فحكمه حكم فاقد الأمارات.
ومن كان في جوف
الكعبة صلى إلى أي جهة شاء ، وكذا إن كان فوقها وقف حيث شاء إلا على طرف الحائط بحيث لا يبقى بين يديه جزء من
البيت ، فإن
__________________
صلاته حينئذ لا يجوز لأنه يكون مستدبر القبلة ، ويجوز أن يصلي مستلقيا متوجها
إلى البيت [ المعمور ] ومتى انهدم البيت جاز الصلاة إلى عرضته ، وإن وقف في عرصته جاز إلا إذا لم يبق
بين يديه جزء من أساسه.
وبالجملة فرض المتوجه
العلم بجهة القبلة
فإن تعذر العلم قام الظن
مقامه ، ولا يجوز الاقتصار على الظن مع إمكان العلم ، ولا على الحدس مع إمكان الظن
، فمن فعل ذلك فصلاته باطلة وإن أصاب بتوجهه جهة القبلة لأنه ما فعل التوجه على الوجه
المأمور به ، فيجب أن يكون غير مجز .
ومن توجه مع الظن
ثم تبين أن توجهه كان إلى غير القبلة أعاد الصلاة إن كان وقتها باقيا ، ولم يعد إن
كان قد خرج ، إلا أن يكون استدبرها ، فإنه يعيد على كل حال ، ولا يصلي إلى أربع جهات
إلا من لم يعلم جهة القبلة ولا ظنها ، ومن عدا أهل العراق أماراتهم غير هذه الأمارات
بل يكون على حسب ما يناسب أركانهم .
الفصل الخامس
يجوز الصلاة في كل لباس إلا ما كان نجسا
، أو إبريسما محضا للرجال
بالاختيار ، أو ممنوعا من التصرف فيه شرعا ، أو شعر ما لا يؤكل لحمه سوى الخز الخالص
، أو كان ذهبا ، طرازا كان أو خاتما أو غير ذلك ، وجلد ما لا يؤكل لحمه
__________________
سوى الكلب والخنزير ـ إذا ذكي ودبغ يجوز لبسه في غير حال الصلاة ، فأما في الصلاة
فلا ، ويجوز الصلاة في السنجاب والحواصل خاصة.
وتكره الصلاة في
الثوب المكفوف بالحرير للرجال ، وفي خلاخل من ذهب لها صوت للمرأة ، وفي خاتم الحديد
، وفي التكة والجورب والقلنسوة المعمول من وبر ما لا يؤكل لحمه ما لم يكن هو أو المصلي
رطبا ، أو المعمول عن حرير محض ، وذكر أن الصلاة في ثوب يكون تحت وبر الثعلب أو فوقه
مكروهة غير محظورة ، وفي الثوب أو الخاتم الذي فيه تمثال أو صورة ذي روح خاصة ، ومع
اللثام والنقاب للمرأة ، أو يكون مشدود الوسط ، أو في قباء مشدود إلا في الحرب ، وفي
الثياب السود ما عدا العمامة
والخف فإنه لا بأس بهما
، وفي الثياب المفدمة
يكون مكروها ، أو يكون
مؤتزرا فوق القميص ، أو مشتملا للصماء وهو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه جميعا من تحت
يديه ويجعلهما على منكب واحد فعل اليهود ، وفي عمامة لا حنك لها وبغير رداء للإمام
، وفي ثوب شاف لا مئزر تحته ، وفي الشمشك
، والنعل السندي ، ومع الحديد المشهر ، سكينا كان أو سيفا أو مفتاحا أو دراهم سودا ، وفي ثوب
شارب الخمر ومستحل شيء من النجاسات وإن لم يعلم أن عليه نجاسة ، ويكره وصل الشعر بشعر
الغير من الرجل والمرأة جميعا.
__________________
الفصل
السادس
العورة التي لا
يجوز الصلاة إلا بسترها من الرجل سوأتان ومن المرأة من فوقها إلى قدمها إلا الوجه والكفين
وظهر القدمين
وإن كان الأفضل منها ستر
ما سوى الوجه ، والأمة يجوز أن تصلي مكشوفة الرأس إلا المكاتبة غير المشروط عليها وقد
انعتق بعضها بأداء شيء ، أو كان بعضها حرا فهي إذا كالحرة سواء ، والفضل للرجال في
ستر ما بين السرة إلى الركبة مع الركبة ، وأفضل منه أن يصلي في ثوب صفيق ورداء ، والأمة
إذا أعتقت وهي في الصلاة حاسرة سترت الرأس إن أمكن ، وإلا أتمت الصلاة ولا شيء عليها
، وحكم الصبية دون تسع سنين حكم الأمة ، وإن بلغت خلال الصلاة بما لا ينقض الوضوء فكما
في عتق الأمة.
الفصل السابع
ما لا يجوز عليه الصلاة من المكان هو المغصوب
والنجس ، سواء كان المصلي
هو الغاصب أو غيره ، فإنه لا يجزيه صلاته فيه إلا مضطرا ، وإذا دخل ملك غيره وعلم بشاهد
الحال أن صاحبه لا يكره الصلاة فيه وصلى جاز.
من كان في ملك غيره
بإذنه فأمره بالخروج عند تضيق وقت صلاة فتشاغل بالخروج وصلى في طريقه جاز ، لأنه متشاغل
بالخروج وإنما قدم فرض الصلاة على فرض غيره ، وإن لم يتضيق لم يجزه.
ولا يجوز أن يصلي
الرجل وامرأة تصلي متقدمة له أو محاذية لجهته سواء كانت مقتدية به أو لا ، فإن فعلا
بطلت صلاتهما إلا إذا كان
بينهما عشر أذرع فصاعدا
،
__________________
أو كانت هي غير مصلية ، وإن صلت بجنب الإمام بطلت صلاتها وصلاة الإمام ولا تبطل
صلاة المأمومين ، وإن صلت خلفه في صف بطلت صلاة من عن يمينها وشمالها ومن يحاذيها من
خلفها لا غير ، وحمل المرتضى ـ رضياللهعنه ـ ذلك على الكراهة.
وتكره الصلاة في
وادي ضجنان ، ووادي الشقرة ، والبيداء ، وذات الصلاصل ، وهي أربعة مواضع في طريق مكة
، وفي قرى النمل ، وجوف الوادي ، والحمام سوى المسلخ ، وبين
المقابر إلا إذا كان بينه وبين القبر عشر أذرع
__________________
من جهاته سوى خلفه.
والنافلة إلى قبور
الأئمة مرخص فيها ، وفي أرض الرمل والسبخة إذا لم يتمكن من السجود عليهما وفي جواد
الطرق
سوى الظواهر بينها ، وفي
معاطن الإبل خاصة ، وفي البيع والكنائس وبيوت النيران ، وبيوت المجوس إلا إذا رش الموضع
بالماء وجف ، وفي بيت فيه مجوسي ، وفي موضع ينز حائط قبلته من بول أو قذر ، وحيث يكون
في قبلته نار في مجمرة أو قنديل
أو سيف مشهر إلا عند الخوف
من العدو ، أو يكون في قبلته أو يمينه أو شماله صور وتماثيل إلا أن يغطيها أو كانت
الصورة تحت رجليه ، وأن يكون بين يديه مصحف مفتوح أو شيء مكتوب ، لأنه يشغله عن الصلاة
، وأن يصلي الفرض خاصة في جوف الكعبة مختارا ، ومن كان موضع سجوده طاهرا وعلى باقي
مكانه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه أجزأت صلاته سواء تحركت بحركته أو لم تتحرك بأن تكون
النجاسة في أطرافه.
الفصل الثامن
لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته
الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس على مجرى العادة بعد أن كان ملكا ، أو في حكم الملك ، وخاليا من النجاسة ، ولا يجوز على ما هو
بعضه كاليد ، ولا على المعادن كلها ، ولا على الكحل والزرنيخ والنورة ، ولا على القير
مختارا ، ولا على الزجاج والرماد والصهروج
، ومن وقع في أرض
__________________
رمضاء سجد على ثوب يتقي به الحر ، فإن فقد الثوب فعلى كفه ، وكذلك يسجد على
الثوب من كان في موضع قذر ولم يتمكن من غيره.
ويكره السجود على
القرطاس المكتوبة لمن يحسن القراءة خاصة ، ومن
وقع في الثلج ولم يجد ما يسجد عليه دق الثلج بحيث يتمكن من
السجود [ عليه ]
وسجد عليه ، وإذا عملت
سجادة بسيور ظاهرة تقع الجبهة عليها لم يجز السجود عليها ، وإذا أصاب شيئا مما عمل
من نبات الأرض سوى القطن والكتان نجاسة مانعة وجففتها الشمس خاصة جاز السجود عليه ،
وكذا الأرض ، وإذا صار الميت رميما واختلط بالتراب لم يجز السجود على ذلك التراب لأنه
نجس.
الموضع الذي أصابه
البول تزول نجاسته بإحدى ستة أشياء : إما بأن يكثر عليه الماء حتى يستهلكه ولا يرى
له لون ظاهر ولا رائحة ، أو بأن يمر عليه سيل أو ماء جار ، أو بأن يحفر الموضع في حال
رطوبته فينتقل ترابه جميع الأجزاء الرطبة ، أو يحفر الموضع فينقل ترابه حتى يغلب على
الظن أنه نقل جميع الأجزاء النجسة ، أو بأن يجيء عليه مطر أو سيل فيقف فيه بمقدار ما يكاثره من الماء ، أو
بأن يجف الموضع بالشمس دون غيرها.
وحكم الخمر حكم
البول إلا في تجفيف الشمس فإنه لا يطهره ، ولا يحكم بطهارة الموضع مع بقاء لون الخمرة
أو رائحتها لأن بقاء ذلك يدل على بقاء العين إلا أن يظن أن رائحته بالمجاورة فحينئذ
يحكم بطهارته.
والجامد من النجاسة
كالعذرة والدم إذا كان العين قائمة وكانت يابسة فأزيلت عن مكانها فالمكان طاهر ، وإن
بقيت لها رطوبة بعد الإزالة فتلك الرطوبة
__________________
بمنزلة البول ، وإن كانت العين مستهلكة فإنما يجوز السجود على ذلك الموضع إما
بقلع التراب حتى يتحقق أنه لم يبق من النجاسة شيء ، وإما بأن يطين المكان بطين طاهر
، فإن ضرب منه لبن لم يجز السجود عليه ، فإن طبخ آجرا طهرته النار.
الفصل التاسع
الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في الفرائض
الخمس خاصة للمنفرد ، وواجبان في الجماعة بها ، وروي أنهما يجبان على الرجال في كل صلاة جماعة سفرا
وحضرا ، ويجبان عليهم جماعة وفرادى سفرا وحضرا
في الفجر والمغرب والجمعة
، والإقامة دون الأذان يجب عليهم في باقي الفرائض ، ومن قال بالندبية جعلهما في هذه
المواضع أوكد
، ومن صلى جماعة بغير هما
فاتته فضيلة الجماعة وأجزأته الصلاة.
ولا يجوزان في النوافل
، ولا في صلاة الكسوف والعيدين بل يقال فيهما : الصلاة الصلاة ، وإذا شرع المنفرد الصلاة
بغير هما رجع إليهما واستأنف ندبا إلا إذا كان ركع ، ومن
جمع بين صلاتين لا يؤذن بينهما ، ومن أذن وأقام ليصلي وحده فجاءه قوم وأرادوا الجماعة
أعادهما ، وإذا دخل قوم وقد صلى الإمام جماعة ، فأرادوا الجماعة صلى بهم أحدهم بلا
أذان وإقامة ما لم ينفض الجمع ، فإن انفض أعادهما ،
__________________
وإذا أتت النساء بهما لم يسمعن الرجال.
وإذا سمع الأذان
امتنع من الكلام ندبا ولو عن القرآن ، والترتيب في فصولهما واجب ، وندب المؤذن إلى
أن يأتي بهما على طهارة ، ويكون مستقبل القبلة ، ولا يتكلم في خلالهما ، ويكون قائماً
مع الاختيار ، ولا يكون ماشيا ولا راكبا ، ويرتل الأذان ويحدر الإقامة ، ولا يعرب أواخر
الفصول ، ويفصل بينهما بجلسة ، أو سجدة ، أو خطوة ، أو نفس ، أو ركعتين نافلة إلا في
المغرب فإنه لا يأتي فيه بالركعتين ولا بالسجدة.
ومن شرط صحتهما
دخول الوقت ، وإن تكلم أو أحدث في خلال الأذان بنى على ما سبق بعد أن توضأ من الحدث
، وفي الإقامة استأنف ، والسكوت الطويل بين فصول الأذان يبطل حكمه.
ويجوز أذان الصبي
والمرأة والأعمى إذا سدد وعرف الوقت ، والتثويب بدعة ، وهو قول « الصلاة خير من النوم
».
وفصول الأذان أربع
تكبيرات ، ثم الإقرار بالتوحيد مرتين ، ثم الإقرار بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مرتين ، ثم الدعاء إلى الصلاة مرتين ، ثم إلى الفلاح مرتين ، ثم إلى خير العمل
مرتين ، ثم تكبيرتان ، ثم تهليلتان.
والإقامة يسقط من
أولها التكبير دفعتين ، ويزاد بعد « حي على خير العمل » ، « قد قامت الصلاة » دفعتين
، ويسقط التهليل مرة واحدة ، ولا بأس أن يقتصر في السفر وحال الضرورة على مرة مرة فيهما
، ولا يجوز الأذان للصلاة قبل دخول وقتها وقد روي جواز ذلك في الفجر خاصة
.
__________________
الفصل
العاشر
ما يقارن حال الصلاة على ضربين مفروض ومسنون ، وكل واحد منهما ينقسم
قسمين : فعل وكيفية.
والمفروض من الأفعال
في الركعة الأولى أربعة عشر فعلا : القيام مع القدرة أو ما يقوم مقامه مع العجز عنه
، والتوجه إلى القبلة ، والنية ، وتكبيرة الإحرام ، والقراءة ، والركوع ، والتسبيح
فيه ، ورفع الرأس منه ، والسجود الأول ، والتسبيح فيه ، ورفع الرأس منه ، والسجود الثاني
، والذكر فيه ، ورفع الرأس منه.
والمفروض من الكيفيات
في هذه الركعة ثلاث وعشرون كيفية : مقارنة النية لتكبيرة الإحرام ، واستدامة حكمها
إلى عند الفراغ من الصلاة ، والتلفظ بـ « الله أكبر » ، وقراءة الحمد وسورة أخرى معها
في الفرائض مع القدرة والاختيار ، وفي النوافل الحمد وحدها مجز ، والجهر بالقراءة فيما
يجهر فيه وهو الغداة والمغرب والعشاء الآخرة ، والإخفات فيما يخافت فيه وهو الظهر والعصر
، والانحناء في الركوع بمقدار ما يتمكن من وضع الكفين على الركبتين ، والتسبيح فيه
وفي كل واحد من السجدتين مرة مرة ، والطمأنينة في الركوع ، والطمأنينة إذا انتصب منه
، والسجدة على سبعة أعظم : الجبهة واليدين والركبتين وأطراف
أصابع الرجلين ، والطمأنينة في السجدة الأولى ، والطمأنينة إذا انتصب منها والطمأنينة
في السجدة الثانية.
والترتيب في الصلاة
، وهو أن يبدأ بالقيام ، والتوجه إلى القبلة ، ثم النية ، ثم تكبيرة الإحرام ، ثم القراءة
، ثم الركوع ، ثم السجود ، يكون جميع الأفعال والكيفيات في الركعة الأولى سبعة وثلاثين
فعلا وكيفية.
__________________
وفي الركعة الثانية
مثلها إلا تجديد النية وكيفيتها ، وتكبيرة الإحرام وكيفيتها ، وهي أربعة
وينضاف إلى ذلك في الثانية ستة أشياء : الجلوس للتشهد ، والطمأنينة
فيه ، والشهادتان ، والصلاة على النبي ، والصلاة على آله ، يصير الجميع ستة وسبعين
فعلا وكيفية.
فإن كانت صلاة الفجر
انضاف إلى ذلك التسليم على قول بعض أصحابنا وعلى قول الباقين هو سنة.
وإن كانت المغرب
انضاف إلى ذلك في الركعة الثالثة مثل ما في الثانية وصار التسليم في آخرها.
وإن كانت الصلاة
رباعية انضاف إلى ما في الركعتين مثل ذلك إلا الأربعة المذكورة ويحول التسليم إلى آخرها
فمن ترك شيئا من هذه الفرائض أو قدم شيئا منها على شيء متعمدا بطلت صلاته ، وإن كان
ناسيا بطلت في موضع دون موضع ، إلا القيام والتوجه إلى القبلة فإنه لا يترتب أحدهما
على الآخر وجوبا بل يجوز أن يقدم أيهما شاء ، أو يقعا منه في حالة واحدة.
وتنقسم هذه المفروضات
قسمين : أحدهما يسمى ركنا ، والآخر لا يسمى ذلك ، والركن هو ما إذا تركه عامدا أو ناسيا
بطلت صلاته ، وما ليس بركن إذا تركه عامدا بطلت صلاته ، وإذا تركه ناسيا لم تبطل صلاته
وله حكمه ،
فالأركان خمسة : القيام
مع القدرة ، والنية ، وتكبيرة الإحرام ، والركوع ، والسجود.
وأما الأفعال المسنونة
وكيفيتها
فسيأتي شرحها بعون الله
تعالى.
__________________
الفصل
الحادي عشر
من الندب أن ينظر
المصلي في حال القيام إلى موضع سجوده ، ويفرق بين قدميه بمقدار أربع أصابع إلى شبر
، ويضع يديه على فخذيه محاذيا لعيني ركبتيه ، والمرأة تجمع بين قدميها وتضم ثديها إلى
صدرها.
والنية بالقلب ولا
اعتبار فيها باللسان ، ولا بد فيها من التعيين ، مثاله أن يخطر بباله : أني أصلي فريضة
الظهر أداء قربة إلى الله تعالى ، لا يجزي أقل منه ، فينوي الصلاة ليتميز مما ليس بصلاة
، وينوي الظهر ليتميز من العصر ونحوه ، وينوي الفرض ليتميز من الندب ، وينوي الأداء
ليتميز من القضاء ، وينوي القربة ليتميز مما يراءى به ، ووقتها حين استفتاح الصلاة
، وما تقدم عزم لا اعتبار به.
ومعنى استدامة حكم
النية أن لا ينقض نيته إلى أن يفرغ من الصلاة بنية ترفع حكمها ، كأن ينقلها من القربة
إلى الله إلى القربة إلى غير الله أو من الفرض إلى النفل ، أو نوى بالقيام أو الركوع
لغير الصلاة ، فأما إذا دخل في الصلاة بنية النفل ثم نذر إتمامها خلال الصلاة فقد انعقد
نذره ووجب عليه إتمامها
، ومتى نوى الكلام في الصلاة
أو الخروج منها أو الحدث ، فقد أثم ولم تبطل صلاته إلا بعد فعل ذلك.
ومن ذكر وهو في
الصلاة أن عليه فائتة نقل النية إلى الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة ، فإن نقل مع
التضيق ، أو نقل نيته من الفريضة إلى النافلة أو من النافلة إلى الفائتة بطل كلاهما
ولم يجزه عن واحد منهما ، وكذا إن نوى الظهر والعصر
__________________
[ معا ] لم يجز عن واحدة لأنهما لا يتداخلان.
وقيل : إن كيفية
النية أن يريد فعل الصلاة المعينة لوجوبها ، أو لكونها ندبا على الجملة ، أو للوجه
الذي له كانت كذلك على التفصيل ، إن عرفه طاعة لله وقربة إليه أي إلى ثوابه.
ويجب مقارنة النية
آخر جزء منها لأول جزء من تكبيرة الإحرام ، ولا بد من التلفظ بـ « الله أكبر » ، ولا
يقوم مقامها لفظة أخرى مثل « الله الأكبر » و « الله الكبير » وغير ذلك ، ومن لم يتأت
له التلفظ بالتكبير بالعربية جاز أن يقول معناه بلغته.
ورفع اليدين بتكبيرة
الإحرام وغيرها إلى حذاء شحمة الأذن ، مضمومتي الأصابع ، موجهتي الراحة نحو القبلة
، ثم إرسالهما على الفخذ حيال الركبة سنة.
وندب إلى التوجه
بسبع تكبيرات معهن ثلاثة أدعية في سبعة مواضع : [ أول كل فريضة ] ، وأول ركعة من نوافل الظهر ، وأول ركعة من نوافل المغرب
، وأول الوتيرة ، وأول ركعة من صلاة الليل ، وفي أول الوتر ، وفي ركعتي الإحرام ، والواجب
من هذه التكبيرات ما نوى به الدخول في الصلاة أيها كانت والباقي ندب.
إذا كبر بعد تكبيرة
الإحرام تكبيرة أخرى ونوى بها الافتتاح بطلت صلاته ، لأن الثانية غير مطابقة للصلاة
، فإن كبر ثالثة ونوى بها الافتتاح انعقدت صلاته ، وعلى هذا أبدا ، وإن لم ينو بالثانية
الافتتاح صحت صلاته.
__________________
الفصل
الثاني عشر
التعوذ قبل القراءة
في الركعة الأولى خاصة ندب ولا يجهر به ، و
« بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
» آية من كل سورة ، وحكمها
حكم السورة في الجهر بها والإخفات ، ويستحب الجهر بها فيما يخافت فيه بالقراءة ، ومن
قدم بعض آي الحمد على بعض متعمدا استأنف الصلاة ، إذ الترتيب واجب فيها ، وإن كان ساهيا
أتى بها مرتبة ولا شيء ، ولا يقوم مقام الحمد غيرها في الأوليين ، ومن لا يحسنها أو
لا يحسن بعضها قرأ ما يحسن منها أو غيرها ، وإن لم يحسن شيئا من القرآن سبح أو هلل
بدله ثم تعلمه إن أمكن ، ومن ترك تشديدة من الحمد متعمدا فلا صلاة له لقوله ـ عليهالسلام ـ : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ».
وذلك يفيد قراءة جميعها والتشديد حرف منها ، وكذا إن لحن
متعمدا أو مع التمكن من تعلمه سواء أحال المعنى أو لا ، ولا شيء على الناسي.
وقراءة من لا يقدر
على القراءة أن يحرك لسانه ، ولا يجوز أن يقرأ القرآن بغير لغته ، ولا يجزي من القراءة
ما لا يسمعه نفسه
فيما يخافت ، وفيما عدا
الأوليين هو مخير بين الحمد وبين قول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر » ثلاثا ، وإن لم يقل « الله أكبر » إلا في المرة الثالثة جاز ، وإن نسي القراءة
في الأوليين استحب له القراءة في الأخريين ، وروي أنها تعينت له حينئذ.
إذا قرأ مع الحمد
في الأوليين بعض سورة أو قرن بين سورتين معهما لم يحكم ببطلان صلاته وإن كان ذلك غير
جائز ، ويجوز ذلك في حال الضرورة.
__________________
والضحى وأ لم نشرح
سورة واحدة ، وكذا الفيل والإيلاف ، ولا يبعضان في الفريضة ،
ويجوز الانتقال من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز نصفها إلا
الإخلاص والجحد فإنه لا ينتقل عنهما إلا في الظهر يوم الجمعة ، فإنه يجوز الانتقال
عنهما إلى الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصفها ، فإن تجاوز أتم ركعتين واحتسبهما
نافلة واستأنف الفرض بهما.
ولا يقرأ في الفريضة
سورة طويلة يفوت بقراءتها وقت الصلاة ولا العزائم الأربع ، فإن اتفق ذلك فلا يقرأ موضع
السجود ، وأفضل ما يقرأ في الفرض بعد الحمد ، القدر والإخلاص والجحد ، وهو مخير فيما
سوى ذلك ، وإن قرأ في النافلة موضع سجدة واجبة سجد فإذا ارتفع قام [ عن السجود ] بالتكبير فتمم السورة ، وإن كانت السجدة آخر السورة قام عن
السجود بالتكبير وقرأ الحمد ثم ركع عن قراءة.
الفصل الثالث عشر
ومن الندب أن يكبر قبل الركوع ، ويمد عنقه
فيه ، ويسوي ظهره ، ولا يدلي
رأسه ، ولا يرفع ظهره ولا يجعله كسرج ، ويرد ركبتيه إلى خلفه ولا يقوسهما ، والمرأة
تضع يديها على فخذيها ، وقيل : إن تكبير الركوع واجب.
ومن التكبيرات تكبير
للقنوت ، [ وتكبير للركوع ] ، وتكبير للسجود ، وآخر للارتفاع منه ، وتكبير للسجود الثاني
، والآخر للارتفاع منه ، ومن أصحابنا من أسقط تكبير القنوت وجعل بدله تكبير القيام
من التشهد الأول ، والأول أظهر
__________________
وأشهر ، والزائد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود إلى الثلاث أو الخمس
أو السبع ندب.
وينظر في حال الركوع
إلى ما بين رجليه ، ويكره أن تكون يده تحت ثيابه حال الركوع ، بل الندب أن تكون بارزة
أو في كمه ، ويتلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه للسجود ، ويرغم بأنفه ، وقيد السيد المرتضى
ـ رضياللهعنه ـ إرغام الأنف بطرفه الذي يلي الحاجبين
وموضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة ، أي موضع وضع
على الأرض منه أجزأه ، ومن منعه مانع من السجود على الجبهة سجد على أحد جانبيه فإن
لم يتمكن فعلى ذقنه.
وكشف الجبهة ووضعها
على المسجد بلا حائل واجب ، ولا يجوز أن يكون مسجده أرفع من مقامه إلا بما لا يعتد
به كقدر لبنة ، ومن ترك تسبيح الركوع أو السجود ناسيا حتى رفع رأسه فلا شيء عليه.
ومن الندب أن يكون
متخويا
في السجود لا يضع شيئا
من جسده على شيء ، ولا ساقيه على الأرض ، ويضع يديه حذاء منكبيه وشحمتي أذنيه ، ويضم
أصابع يديه ، ويوجهها إلى القبلة ، ولا يحدودب
، ويفرج بين فخذيه ، وينظر
في السجود إلى طرف أنفه ، والمرأة تقعد ثم تسجد لاطئة بالأرض.
ومن الندب جلسة
الاستراحة بين السجدتين ، ويتورك فيها ولا يقعي وكذا بعدهما ، وإذا قام إلى الثانية
رفع ركبتيه قبل يديه بخلاف المرأة فإنها لا تعتمد على يديها. ويرفع يديه بعد القراءة
في الثانية بالتكبير للقنوت إلى حذاء شحمتي أذنيه
__________________
موجها راحتيه نحو السماء ، ويقنت بكلمات الفرج أو يسبح ثلاثا ، أو يدعو بما
شاء لدينه ودنياه بالعربية فإن لم يحسنها فبلغته ، ثم يرد بطن راحتيه تلقاء ركبتيه
على تمهل ويكبر ويركع.
ومن الندب أن يجلس
في التشهد على وركعة الأيسر ويضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويضع يديه
على فخذيه محاذيا لعيني ركبتيه مضمومتي الأصابع مبسوطتين وينظر إلى حجره ، والمرأة
تجلس على أليتيها مضمومة الفخذين رافعة ركبتيها من الأرض ، وأن يأتي بما زاد على الشهادتين
والصلاة من الألفاظ المروية.
والإمام والمنفرد
يسلم تجاه القبلة ، والمأموم إن كان على يساره أحد سلم تسليمتين
يمينا وشمالا وإلا سلم يمينه مرة ، يكبر ثلاثا رافعا بها يديه إلى حذاء شحمتي أذنيه
ثم يعقب بما شاء من الدعاء ، ولا يدعن تسبيح الزهراء ـ عليهاالسلام ـ وهي أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة وإن قدم
التسبيح على التحميد
جاز ، وإذا فرغ سجد سجدة
الشكر لاطئا بالأرض ، يسجد ثم يضع خده الأيمن على الأرض ثم
الأيسر ثم يسجد أخرى ويأتي فيهما بما روي من الأذكار ، فإذا ارتفع كبر وأمر يده على
مسجده ومسح بها وجهة وصدره ثلاثا وعلى علته إن كانت ، ثم ينصرف على اليمين.
__________________
الفصل
الرابع عشر
كل ما ينقض الوضوء
إذا عرض في الصلاة يبطل الصلاة عمدا كان أو سهوا ، ومن الأفعال ما إذا حصل عمدا قطع
الصلاة وإن حصل سهوا أو للتقية فلا ، وذلك وضع اليمين على الشمال ، وقول « آمين » آخر
الحمد ، والالتفات بالكلية إلى وراء ، والتكلم بما ليس في الصلاة ، والفعل الكثير الذي
ليس من أفعال الصلاة ، والأنين بحرفين ، والتأفف بحرفين ، والقهقهة ، وأن يصلي الرجل
معقوص الشعر متعمدا ، ومن سلم في الأوليين ناسيا ثم تكلم عمدا على ظن أنه فرغ من الصلاة
ثم ذكر أنه صلى ركعتين قيل : يجب أن يستأنف ، وقيل : لا يجب
، وهذا أصح.
والفعل الكثير إن
كان يتعلق بالصلاة أو كان من جملة العبادة لم يفسد الصلاة ، كأن يرتدي بردائه إذا سقط
، أو يسوى حصى مسجده ، أو يعد التسابيح بالحصى ، أو يحمد الله تعالى بعد العطسة ، أو
يقول للمسلم : سلام عليكم ، ولا يجوز أن يقول : وعليكم السلام ، أو قرأ آية رحمة فسأل
منها أو آية عذاب فاستعاذ منه ، أو يبكي من خشية الله ، وإن بكى لأمر دنياوي قطع الصلاة
، أو رعف فمشى إلى الماء وغسل ما أصابه الدم من ثوبه أو بدنه يبني على صلاته ما لم
ينحرف عن القبلة أو لم يتكلم متعمدا بما يفسد الصلاة.
وتكره قراءة القرآن
في الركوع والسجود والتشهد ، والالتفات إلى اليمين أو الشمال ، والتثاؤب ، والتمطي
، والفرقعة بالأصابع ، والعبث باللحية أو بشيء من
__________________
الجوارح ، والتأوه بحرف واحد ، والنفخ في موضع السجود ، والإقعاء بين السجدتين
، ومدافعة الأخبثين ، والتنخم ، والتبصق ، ومن عرضه شيء من ذلك يأخذه بثيابه أو يرمي به تحت رجليه أو يمينا أو شمالا ، ولا يرميه تجاه
القبلة.
ومن الندب أن يجعل
بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة
أو لبنة ، فإن لم يجد خط
في الأرض بين يديه خطا ، ويجوز شرب الماء في النافلة ، وتنبيه الغير بتكبير أو إيماء
أو ضرب حائط أو تصفيق يد ، وقتل العقرب والحية إذا خاف منهما إن لم يؤد إلى فعل كثير.
الفصل الخامس عشر
لا حكم للشك مع غلبة الظن لأنها تقوم مقام
العلم في وجوب العمل عليه ، وإنما الحكم لما تتساوى فيه الظنون أو كان شكا محضا ، وجميع أحكام الشك والسهو
يقع في مائة موضع من الصلاة تنقسم خمسة أقسام.
أحدها : يوجب إعادة
الصلاة وذلك في ثلاثين موضعا : من سها فصلى بلا طهارة ، أو تطهر بماء نجس ثم صلى وقد
سبق علمه بذلك ، خرج الوقت أو لا ، أو صلى قبل دخول الوقت ، أو صلى مستدبر القبلة بقي
الوقت أو لا ، أو صلى إلى يمينها أو شمالها مع بقاء الوقت ، أو صلى في ثوب نجس ، أو
سجد على شيء نجس وكان قد سبق علمه بذلك ، أو صلى في ثوب مغصوب أو مكان مغصوب ، مع
تقدم علمه بذلك مختارا ، أو ترك النية ، أو لم يدر فرضا نوى أو نافلة ، أو ترك
__________________
تكبيرة الإحرام ، أو ترك الركوع حتى يسجد بعده فيما عدا الأخريين من الرباعيات
، أو ترك السجدتين فيما ذكرناه حتى يركع وكذا إذا ترك ركوعا أو سجدتين في ركعة واحدة ولا يدري في أيها ، أو زاد ركوعا
أو سجدتين في ركعة من الركعات المذكورة ولا يدري في أيها زاد ، أو زاد في الصلاة ركعة
فصاعدا أو نقص ركعة فصاعدا ولم يذكر حتى تكلم ، أو استدبر القبلة ، وقيل : لا يعيد
بل يبني على صلاته سواء كان ذلك في الثنائي أو الرباعي ، لأن الفعل الذي وقع منه بعد
ذلك كان في حكم السهو ، واختار هذا الشيخ أبو جعفر ـ رضياللهعنه ـ ، أو شك في الأوليين من كل رباعية ، أو في المغرب كلها ، أو في الغداة ، أو الجمعة
، أو فرض السفر ولا يدري كم صلى ، أو أتم حيث يجب فيه التقصير ساهيا وذكر والوقت باق ، أو شك فلم يدر
كم صلى.
وثانيها : يوجب
التلافي إما في الحال أو بعدها وذلك في ثلاثين موضعا : من شك في النية ولم ينتقل من
حالها ، أو في تكبيرة الإحرام وهو في حالها نوى وكبر ، أو في القراءة أو شيء منها
وهو قائم لم يركع وقرأ ، فإن ذكر أنه قرأ فلا شيء عليه أو سها عن القراءة أو شيء
منها حتى كاد يركع فذكر أنه لم يقرأ ، قرأ ثم ركع ، أو سها عن قراءة الحمد حتى قرأ
سورة أخرى قرأ الحمد ثم السورة [ فلا شيء عليه ]
أو شك في الركوع وهو قائم ركع ، فإن ذكر أنه ركع لا يرفع
رأسه فإن لم يذكر حتى يرفع رأسه حذف الركوع الزائد إن كان في الأخريين ، وإن كان غيرهما
أعاد كما مضى ، أو شك في تسبيح الركوع أو سها عنه فذكر وهو راكع سبح ، أو ترك الركوع
ناسيا وقد هوى إلى السجود فذكر قبل أن يسجد ، رجع فركع ، فإن لم يذكر حتى
__________________
سجد السجدتين حذف السجدتين وأعاد الركوع إن كان في الأخريين ، وفيما عدا هما
يعيد ، أو نسي السجدتين وعاد إلى القراءة ثم ذكر وهو قائم لم يركع سجد هما ، فإن لم
يذكر حتى ركع حذف الركوع وسجد السجدتين إن كان في الأخريين ، أو شك في السجدتين أو
واحدة منهما قبل أو يقوم سجدهما أو إحداهما ، أو شك في تسبيح السجود وهو ساجد أو سها
عنه وذكر قبل رفع رأسه سبح ، أو رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام ناسيا
ثم ذكر عاد إليه ، أو ترك السجدة الواحدة وقام ثم ذكر قبل الركوع ، رجع فسجد من أي
ركعة كانت ، فإن لم يذكر حتى ركع مضى في صلاته وقضاها بعد التسليم ، وكذا إن نسي في
كل ركعة سجدة واحدة أو نسي التشهد الأول حتى قام ثم ذكر قبل الركوع رجع فتشهد ، فإن
لم يذكر حتى ركع مضى وقضاه إذا سلم بلا تسليم.
وإن نسي التشهد
الأخير حتى يسلم ثم ذكر ، قضاه بتسليم بعده ، ومن نسي ركعتين من صلاة الليل أو أكثر
، ثم ذكر بعد أن أوتر صلى ما نسي وأوتر بعده خرج الوقت أو لا ، ومن نسي التشهد في النافلة
وذكر في الركوع بعده أسقط ذلك وجلس وتشهد وسلم ثم استأنف ما كان يصلي.
وثالثها : ما لا
حكم له وذلك أيضا في ثلاثين موضعا : من شك في شيء وقد انتقل إلى حالة أخرى ، كأن شك
في النية أو في تكبيرة الإحرام وهو في حال القراءة ، أو في
القراءة وهو في الركوع ، أو في الركوع وهو في السجود ، أو في السجود وهو قائم ، أو
في تسبيح الركوع أو السجود وقد ارتفع منه ، أو في التشهد الأول وقد قام إلى الثالثة
، أو سها عن القراءة حتى ركع ، أو نسي الجهر أو الإخفات في موضعيه ، أو نسي التسبيح
في الركوع أو السجود حتى ارتفع ، أو نسي رفع الرأس من الركوع ، أو الطمأنينة بين السجدتين
، أو زاد سجدة واحدة في أي ركعة كانت ،
__________________
أو صلى إلى يمين القبلة أو شمالها ولم يذكر حتى يخرج الوقت ، أو سها وتواتر
سهوه ، وقيل : إن حد ذلك أن يسهو ثلاث مرات متواليات ، أو سها في سهو ، أو سها فوضع اليمين على الشمال ، أو قال
: « آمين » آخر الحمد ، أو التفت إلى ورائه ، أو أن أنينا بحرفين ، أو قهقه قهقهة ،
أو تأفف بحرفين ، أو فعل فعلا كبيرا ليس من أفعال الصلاة ما لم يكن من نواقض الطهارة
، أو سها فلم يمكن جبهته على الأرض في السجود ، أو سها في النافلة سوى ما سبق ، أو
سها الإمام وقد حفظ عليه المقتدون ، أو سها المقتدون وقد حفظ عليهم الإمام ، وإن سها
كلهم أو أكثرهم فيما يوجب الاستئناف أعادوا احتياطا.
ورابعها : ما يوجب
الاحتياط وذلك في خمسة مواضع :
من شك فلا يدري
كم صلى ثنتين أم ثلاثا في الرباعيات وقد تساوت ظنونه ، بنى على الثلاث وتمم ، فإذا
سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، بالحمد وحدها أو ما يقوم مقامها من التسبيح
، فإن كان صلى أربعا كانت الركعة من قيام أو الركعتان من جلوس نافلة ، وإن كان صلى
ثلاثا كان ذلك تمام الصلاة.
وكذا من شك بين
الثلاث والأربع بنى على الأربع ، وسلم وصلى ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام وإن شك
بين الثنتين والثلاث والأربع ، بنى على الأربع فإذا سلم ، صلى ركعتين من قيام ، وركعتين
من جلوس ، فإن كان صلى ثنتين كانت الركعتان من قيام تمام الصلاة والركعتان من جلوس
نافلة ، وإن كان صلى ثلاثا كانت الركعتان من جلوس تمام الصلاة والركعتان من قيام نافلة
، وإن صلى أربعا كان كلاهما نافلة.
__________________
ومن شك بين الثنتين
والأربع بنى على الأربع ، فإذا سلم صلى ركعتين من قيام.
ومن شك في النافلة
فلا يدري كم صلى بنى على الأقل وإن بنى على الأكثر جاز.
وخامسها : ما يوجب
الجبران بسجدتي السهو وذلك في خمسة مواضع : إن تكلم في الصلاة ناسيا ، أو سلم في غير
موضعه ناسيا ، أو نسي التشهد الأول حتى ركع في الثالثة وقضاه بعد التسليم ، أو نسي
سجدة واحدة حتى ركع فيما بعدها ثم قضاها بعد التسليم ، أو شك بين الأربع والخمس بنى
على الأربع فإن ذكر أنه صلى خمسا أعاد ، وفي أصحابنا من قال : تجب سجدتا السهو في كل
زيادة أو نقصان على سبيل النسيان بعد التلافي.
وتكون سجدتا السهو
بعد التسليم يكبر ويسجد ويقول : [ فيه ]
: « بسم الله وبالله ،
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » أو غير ذلك من ذكر الله تعالى ، ثم يرفع
رأسه بالتكبير ثم يعود إلى السجدة الثانية بالتكبير ، ويفعل كما فعل في الأولى ، ويجلس
ويتشهد تشهدا خفيفا ، يتضمن الشهادتين والصلاة على النبي وآله ـ عليهمالسلام ـ ، ويسلم بعده.
وهما واجبتان فمن
تركهما كانتا في ذمته ويجب عليه الإتيان بهما ولو بعد حين ، لكن لا يجب بتركهما إعادة
الصلاة ، فمن شك فيهما أو في إحداهما قبل الانتقال إلى حالة أخرى أتى بهما احتياطا
وبعد الانتقال لا ، ومن سها سهوين أو أكثر مما يوجب سجدتي السهو سجدهما لكل سهو بانفراده
احتياطا ، وقيل : ليس عليه أكثر من سجدتين ، لأن زيادته يحتاج إلى دليل.
__________________
الفصل
السادس عشر
صلاة الجمعة لا تصح ولا تنعقد إلا بحضور السلطان العادل أو من يأمره هو ، واجتماع
سبعة نفر وجوبا وخمسة ندبا ، وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال وهي فرسخ واحد فصاعدا
، وأن يخطب خطبتين ، ولا تجب إلا على كل ذكر حر بالغ ، كامل العقل ، غير مريض ولا أعمى
ولا أعرج ، ولا شيخ لا حراك به ، ولا مسافر ، ولا من بينه وبين مصلى الجمعة ما زاد
على فرسخين ،
ولا بد أن يكون مسلما حتى
تصح منه العبادة.
والعبد والمسافر
والمرأة إذا صلوها سقط عنهم فرض الظهر وإن كان لم يجب عليهم ولم ينعقد بهم ، والمريض والأعمى والأعرج ومن كان على أكثر من فرسخين أو حضروا
الجمعة وتم بهم العدد وجب عليهم الدخول فيها وانعقدت بهم وإن كان لم تجب عليهم.
والكافر تجب عليه
ولا تنعقد به ، لأنه مخاطب أي مكلف بالعبادات ، ولا يصح ذلك منه كافرا.
ومن كان بينهم وبين
الجمعة فرسخان إلى فرسخ وفيهم العدد الذي ينعقد به الجمعة ، أقاموها إن شاءوا أو حضروا
البلد للجمعة ، فإن لم يكن فيهم العدد لزمهم حضورها ما لم تتجاوز المسافة فرسخين ،
فإن تجاوزت فعليهم الظهر لا غير.
إذا صليت الجمعة
في موضعين بينهما أقل من فرسخ في حالة واحدة بطلتا ، وعليهما الجمعة في موضع واحد إن
بقي الوقت وإلا فالظهر أربعا ، وإن تقدمت إحداهما لزمت المتأخرة الظهر لا غير ، فإن
لم تعلم السابقة أو لم تتعين بطلتا معا ،
__________________
والسبقة تحصل بمقدار تكبيرة الإحرام.
والمسافر إذا نوى
مقام عشرة أيام لزمته الجمعة ، ومن لزمه الجمعة فصلى الظهر عند الزوال أربعا لم يجز
عن الجمعة ، فإن لم يحضرها حتى خرج الوقت قضاها أربعا ، وإن صلى الظهر في أول الوقت
من فرضه الأربع منفردا أو في جماعة ثم حضر الجمعة لم يجب عليه الدخول فيها ، والأفضل
الدخول.
يتعمم الإمام ويتردى
ببرد يمنية أو عدني ، شاتيا كان أو قائظا
، ولا تصح الجمعة من دون الخطبة ، ومن شرطها أن يأتي بها
قائماً ، ويفصل بين الخطبتين بجلسة وقراءة سورة خفيفة ، والكلام فيهما وبينهما مكروه
غير محظور ، ويعتمد على سيف أو عصى أو قوس ، فإن خطب جالسا بلا عذر ، بطلت صلاة من
علم دون من لم يعلم ، ومن شرط الخطبة الطهارة ، وأقل ما تكون الخطبة حمد الله تعالى
والثناء عليه والصلاة على النبي وعلى الأئمة من آله ـ عليهمالسلام ـ ، والدعاء للمؤمنين ، والوعظ والانذار ، وقراءة سورة خفيفة بين الخطبتين ،
ويقتصد في الخطبة ولا يطول لئلا تفوته فضيلة أول الوقت.
يأخذ الإمام في
الخطبة بقدر ما إذا فرغ منها زالت الشمس ، فإذا زالت نزل وصلى بالناس ، وإذا أخذ في
الخطبة فليس لأحد أن يصلي أو يتكلم بل يصغي إلى الخطبة ، ومن دخل في خلال الخطبة لا
يسلم ، والأذان يوم الجمعة مرة واحدة والثاني مكروه ، وأدنى ما يلحق الجمعة أن يدرك
الإمام راكعا في الركعة الثانية ، فإن وافق تكبيرة الإحرام حال رفع رأس الإمام منه
فقد فاته الجمعة وعليه الظهر أربعا ، وإذا أدرك مع الإمام ركعة صلى أخرى إذا سلم الإمام.
ويستحب للإمام الجهر
بالقراءة في الجمعة ، ويقنت قنوتين : أحد هما في الركعة الأولى قبل الركوع ، والآخر
في الثانية بعد الركوع ، ومن صلى يوم الجمعة
__________________
أربعا يستحب له الجهر أيضا ، ولا بأس أن يجمع المؤمنون في زمان التقية بحيث
لا ضرر عليهم فيصلوا جماعة بخطبتين ركعتين ، وأبى ذلك صاحب المراسم ، وأراه آخذا بزمام الاحتياط.
ومن وكيد السنن
غسل يوم الجمعة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال ، وكلما قرب من الزوال كان أفضل ،
فإن فاته قضاه بعد الزوال أو يوم السبت ، وإذا خاف فقد الماء قدمه يوم الخميس.
ويستحب تقديم النوافل
للظهر والعصر يوم الجمعة خاصة قبل الزوال ، وأن يزاد فيها أربع ركعات ، ويجمع بين الفريضتين
بلا توسط أذان بينهما ، وإن صلى ست ركعات من النوافل بين الفرضين جاز ، فإن لم يتفق
تقديمها أخرها إلى بعد العصر ، فإن الجمع بين الفرضين في أول الوقت [ كان ] أفضل على كل حال ، ويحرم البيع يوم الجمعة حين يقعد الإمام
على المنبر بعد الأذان على من وجبت عليه الجمعة خاصة.
الفصل السابع
عشر يكره تعلية المساجد بل تبنى جما وسطا ، ويكره أن تكون مظللة ، ويستحب أن تكون مكشوفة ، ولا يجوز أن تكون مزخرفة أو مذهبة
أو مصورا عليها ، ولا تعلى المنارة على حائط المسجد ، وتكره المحاريب الداخلة في الحائط
، ولا يجوز نقض المسجد إلا إذا استهدم ، ولا يؤخذ شيء منه في ملك ولا في طريق ، ويكره
أن
__________________
يتخذ طريقا ، ويجنب البيع والشراء ، والمجانين والصبيان ، وإقامة الحدود ، وإنشاد
الشعر والضالة ورفع الأصوات ، وعمل الصنائع ، ويكره سل السيف فيه.
ولا يجوز إزالة
النجاسة فيه ، ولا دخول مشرك فيه ذميا كان أو غيره ، ولا يبصق ولا يتنخم فيه ، ولا
يقصع القمل
، ولا تكشف العورة ، ولا
يدخله من أكل الثوم والبصل ونحوهما نيا حتى تزول رائحته ، ويكره النوم فيه ، ولا يجوز
الدفن فيه ، ومن أراد دخوله تعاهد نعله احترازا من النجاسة ويقدم الرجل اليمنى على
اليسرى ، وإذا خرج فبالعكس.
الفصل الثامن عشر
الجماعة فيما عدا الجمعة من الفرائض سنة
مؤكدة ، وأقل من تنعقد به اثنان ، ولا تنعقد إلا بتقديم الأذان والإقامة ، وقيل : إن ذلك من الفضل دون الوجوب
، ولا ينبغي أن يترك الجماعة مختارا ، ولا يجوز أن يقف المأموم
قدام الإمام ، ومن كان بينه وبين الصفوف حائل يمنع من مشاهدتها لم يجز له الاقتداء
، وينبغي أن يكون بين الصفين مربض غنم ، ويكره وقوف الإمام في المحراب الداخل في الحائط
، ولا يجوز أن يكون الإمام على مثل دكة عالية أو سقف والمقتدون أسفل منه ، ويكره أن
يقف المأموم وحده وفي الصفوف فرجة.
ويجب أن يكون الإمام
مؤمنا معتقدا للحق من القول
بالتوحيد والعدل والنبوة
وإمامة الاثني عشر ـ عليهمالسلام ـ والبراءة من أعدائهم ، وأن يكون عدلا
__________________
مرضيا ، ولا يجوز إمامة المخالف في شيء من ذلك ولا الموافق إذا لم يكن عدلا
مرضيا ، ومن صلى خلف إمام ثم تبين أنه كان فاسقا أو كافرا لم يجب عليه الإعادة ولا
عليهما إذا تابا.
ويقدم في الجماعة
أقرأهم ، ويعتبر في القراءة ما يحتاج إليه في الصلاة ، فإن تساووا فأفقههم ، فإن تساووا
فأشرفهم ، فإن تساووا فأقدمهم هجرة ، فإن تساووا فأسنهم
في الإسلام ، وإن تساووا فأصبحهم وجها ، والهاشمي المستجمع
للصفات أولى من غيره.
ولا يجوز أن يؤم
أمي بقارئ ، ولا عبد بحر ، ولا أعرابي بمهاجر ، ولا مقيد بمطلق ، ولا قاعد بقائم ،
ولا مجذوم ولا أبرص ولا محدود ولا مفلوج بمن ليس كذلك ويجوز بمثلهم ، ولا يجوز إمامة
ولد الزنا ، ولا عاق والديه ، ولا قاطع رحم ، ولا سفيه ، ولا أغلف ، ولا أن تؤم امرأة
بخنثى ويجوز بالعكس ، ويجوز أن يؤم الأعمى بالبصير إذا كان معه من يوجهه إلى القبلة.
ويكره الاقتداء
بمن يبدل حرفا بحرف ولا يأتي بالحروف على البيان والصحة أو لا يفصح بالقراءة لعجمة
أو غيرها ، أو غيرها ، أو يلحن في القراءة ، إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، فإن أحسن وتعمد
اللحن بطلت صلاته وصلاة من اقتدى به إن علموا بذلك ، فإن لم يعلموا فلا شيء عليهم
، ولا يتقدمن أحد على غيره في مسجده ولا في منزله ولا في إمارته إلا بأمره وإذنه.
ويكره للرجل أن
يصلي بقوم وهم له كارهون ، ويكره أن يؤم المتيمم بالمتوضىء ، والمسافر بالحاضر ، فإن
فعل فإنه إذا أتم صلاته يقدم من يصلي بهم تمام الصلاة ، ولا يمكن الصبيان والعبيد من
الصف الأول. وإذا
صلى في مسجد
__________________
جماعة كره أن يصلى تلك الصلاة فيه دفعة أخرى جماعة ، فإن حضر قوم صلوها فرادى
، وروي : أنه يجوز إلا أنهم لا يؤذنون ولا يقيمون ما لم تنفض الصفوف ، فإذا انفضت أذنوا وأقاموا ثم صلوها جماعة.
ويجوز أن يأتم المتنفل
بالمفروض وأن يؤم به ، اختلف الفرضان أو اتفقا ، كمن صلى وحده ثم ائتم بغيره أو أم
به معيدا تلك الصلاة ثانية تطوعا ، ويجوز أن يقتدي المؤدي بالقاضي وإن اختلف الفرضان
، ولا يجوز لمن لم يصل الظهر أن يصلي مع الإمام العصر ، فإن صلى ظهره مع عصر الإمام
جاز ، ولا يجوز الاقتداء بمن اقتدى بغيره.
وإن صلى اثنان كل
واحد منهما على عزم أنه مأموم بطلت صلاتهما ، وعلى عزم أنه إمام صحت ، ومن فارق الإمام
لا لعذر بطلت صلاته ، فإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته.
من كبر تكبيرة الإحرام
قبل الإمام لم يصح ووجب عليه أن يقطعها بتسليمة ثم يستأنف الصلاة معه أو بعده بتكبيرة
الإحرام ، ولا يجوز أن يقرأ خلفه سواء كانت الصلاة يجهر فيها بالقراءة أو لا يجهر ،
بل ينصت إلى القراءة فيما يجهر ويسبح الله مع نفسه فيما لا يجهر ، وروي استحباب قراءة
الحمد وحدها فيما لا يجهر فيه ،
وإذا خفي قراءة الإمام
على المأموم فيما يجهر قرأ لنفسه ، فإن سمع همهمة فهو بالخيار ، وإذا صلى خلف من لا
يقتدى به متقيا أجزأه
من القراءة كحديث النفس
، وإن قرأ الحمد وحدها جاز ، وإن قرأ الإمام سجدة العزائم ولم يسجد أومأ هو بالسجود.
__________________
ومن أدرك من الركوع
مع الإمام مقدار أن يسبح تسبيحة فقد أدرك تلك الركعة ، فإن خاف فوت الركوع أجزأه تكبيرة
واحدة للافتتاح والركوع وينوي به الافتتاح لا غير ، ولا بأس أن يأتي ببعض التكبير منحنيا
، ومن خاف فوت الركوع أحرم وركع ومشى في ركوعه حتى يلحق بالصف ، والأفضل أن يسجد موضعه
ثم يلحق معه في الركعة الثانية.
من فاته ركعة مع
الإمام جعل ما يلحق معه أول صلاته ، فإذا سلم الإمام قام فتمم ما فاته ، ويقرأ مع الإمام
الحمد وسورة إن أمكن وإلا فالحمد وحدها.
وإذا جلس لا في
وقت جلوسه مع الإمام حمد الله وسبحه ، ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه التكبيرات كلها
، وقول : سمع الله لمن حمده ، والشهادتين ، ولا يجوز للمأموم أن يرفع رأسه من الركوع
أو السجود قبل الإمام ، فإن فعله ناسيا عاد إليه ، وإن كان عامدا لم يعد بل يقف حتى
يلحقه الإمام ، هذا للمقتدي ، وغير المقتدي لا يجوز له العود مطلقا.
إذا حدث الإمام
حدث يجب أن يستخلف غيره ليتمم الصلاة بهم ، ويستحب أن لا يستخلف إلا من شهد الإقامة
، فإن استخلف من فاته بعض الصلاة صلى بهم تمام صلاتهم ، ويومىء إليهم ليسلموا ويقوم
هو فيتمم صلاة نفسه ، وإذا مات الإمام فجأة نحى عن القبلة من غير أن يباشر جسمه ، ويقدم
من يتمم بهم الصلاة.
ولا يجوز الجماعة
في النوافل إلا صلاة الاستسقاء ، ولا يبرح الإمام مكانه حتى يتم صلاته من فاته شيء
منها.
الفصل
التاسع عشر
يجب التقصير في
الصلاة والصوم في كل سفر بلغ ثمانية فراسخ ، بريدين ، أربعة وعشرين ميلا ، إلا إذا
كان السفر معصية فإنه لا يجوز فيه ، وذلك مثل اتباع السلطان الجائر في طاعته من غير
ضرورة ، وطلب الصيد للهو والبطر لا لنفقة العيال ، فأما للتجارة فروي : أنه يتم الصلاة
ويفطر الصوم ،
وإذا كانت المسافة أربعة
فراسخ وأراد الرجوع من يومه قصر ، وإن لم يرد ذلك وكان أربعة فصاعدا
ولم يبلغ الثمانية فهو مخير بين الإتمام والتقصير في الصلاة دون الصوم ، وإن نقص عن
أربعة لم يجز التقصير في الصلاة أيضا ، ومع ما ذكرنا لا يجوز التقصير إلا بعد أن يخرج
ويتوارى عنه جدران بلده ، أو يخفى عليه أذان مصره ، والمسافة في البحر كهي في البر
في ذلك ، وإذا ردت الريح السفينة فوقفت لذلك كان الفرض التقصير ، لأنه لم ينو المقام.
المكاري والملاح
والراعي والبريد والبدوي ، والذي لم يكن له دار مقام ، والوالي الذي يدور في ولايته
، والذي يدور في جبايته ، والدائر في تجارته من سوق إلى سوق ، ومن كان سفره أكثر من
حضره ، لا يجوز لهؤلاء التقصير إلا إذا كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيام ، فحينئذ يجب
التقصير ، وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيام قصروا الصلاة بالنهار وتمموها بالليل
، ولا يحتاج إلى نية التقصير ، بل ينوي فرض الوقت فحسب.
ومن خرج بنية السفر
ثم بدا له وهو في الصلاة تمم ، وإذا خرج من منزله وقد دخل وقت الصلاة وجب عليه التمام
إذا بقي من الوقت ما يفي به ، فإن تضيق
__________________
الوقت قصر ، وكذا إذا قدم وقد بقي وقت التمام تمم وإلا قصر.
قال المرتضى ـ رضياللهعنه ـ
: الأظهر أنه يصلي بحسب
حاله وقت الأداء فيتمم الحاضر ويقصر المسافر ما داما في وقت من الصلاة وإن كان أخيرا
، فإن خرج الوقت لم يجز إلا قضاؤها بحسب حاله عند دخول أول وقتها ، ومن دخل عليه الوقت
وهو مسافر فنوى المقام قبل خروج الوقت لزمه. وكل من تعلق عزمه بعزمه التمام ، وفإن
غير نيته عن المقام بعد أن صلى على التمام ولو واحدة لم يجز له التقصير إلا بعد الخروج
، وإن غير نيته قبل أن يصلي شيئا على التمام قصر ما بينه وبين شهر ، فإذا مضى شهر لم
يجز له التقصير ولو صلاة واحدة.
ومن دخل في الصلاة
بينة القصر ثم عن
له المقام عشرا تمم ، وكذا
إذا دخل بنية المقام [ عشرا ]
ثم عن له الخروج تمم لا
غير.
إذا مال في سفر
التقصير إلى الصيد لهوا أو بطرا تمم إلى أن يعود إلى السفر.
إذا مر في طريقة
بضيعة له أو ملك له أو حيث له فيه قرابة فنزل ثم طرح ولم ينو المقام ، فإن كان قد استوطنه
ستة أشهر فصاعدا تمم وإلا قصر.
إذا خرج في طلب
غريم هرب أو عبد آبق على عزم أن يرجع حيث يجده لم يقصر ، لأنه شاك في المسافة ما لم
يسرها ، فإذا بدا له الرجوع عن بعض الطريق كان في حكم سفر مستأنف ويعتبر المسافة.
ومن خرج إلى مسافة
فرسخ بنية أن ينتظر الرفقة ولم ينو المقام قصر إلى شهر ثم تمم ، فإن عن لبعضهم حاجة
في البلد فعاد إليه قصر في الطريق ، فإذا حضر
__________________
بلده وحضرت الصلاة تمم لأنه في مقامه وإن أراد الخروج بلا فصل ، وإن عاد في طريقه
إلى بلد غير بلده وكان قد نوى فيه مقام عشرة لحاجة ، قصر فيه لأنه لم يعد إلى وطنه
، ومن أتم في السفر ناسيا ثم علم به لم تلزمه الإعادة إلا إذا بقي الوقت ، وإن أتم متعمدا أعاد إلا إذا لم يكن
عالما بوجوب التقصير.
من قصر مع الجهل
بجواز التقصير بطلت صلاته ، لأنه صلى صلاة على غير بصيرة من صحتها ، ومن سافر إلى بلد
له طريقان : أحدهما فيه مسافة التقصير دون الآخر ، فسلك الأبعد لغير غرض لزمه التقصير
لأن ما دل على وجوب التقصير عام ، وقال ابن البراج : لم يقصر.
ويستحب الإتمام
في السفر في أربعة مواطن : مكة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، والحائر ، وروي : في حرم
الله وحرم الرسول وحرم أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ وحرم الحسين ـ عليهالسلام ـ فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف ، وعلى الأول لا
يجوز إلا في نفس المسجد.
وقال المرتضى ـ
رضياللهعنه ـ : لا تقصير في مكة ومسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومشاهد الأئمة القائمين مقام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويستحب للمسافر
أن يعقب كل فريضة « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » ثلاثين مرة
جبرانا للصلاة.
__________________
الفصل
العشرون
يجب التقصير في
الصلاة عند الخوف من العدو سفرا كان أو حضرا ، وقيل : لا يقصر إلا بشرط السفر.
إذا كان العدو في
غير جهة القبلة بحيث لا يتمكن من الصلاة إلا أن يستدبر القبلة ، أو يكون على يمينها
، أو شمالها ، ولا يأمن المسلمون مكرهم ، وخافوا إن يتشاغلوا بالصلاة هجموا عليهم ،
وكان في المسلمين كثرة بحيث يمكن أن تقاوم فرقة منهم
العدو ، فحينئذ يفرقها الإمام فرقتين إحداهما توازي العدو
والأخرى يصلون معه ، فإذا قاموا إلى الثانية طول الإمام قراءته وهم يتممون الصلاة وينوون
الانفراد بها ويسلمون ويمضون إلى العدو ، وتجيء الفرقة الأخرى ويصلي بهم الإمام الركعة
الثانية ، ويطول التشهد حتى يتموا
صلاتهم فيسلم بهم.
وإن كانت صلاة المغرب
صلى بأي الفرقتين شاء من الأولى والأخرى ركعة ، وبالثانية ركعتين ، وأن يصلي بالأولى
ركعة وبالثانية ركعتين فأفضل.
وينبغي أن يكون
سلاحهم الذي يصلون معه خاليا من النجاسة إلا ما لا يتم الصلاة فيه منفردا ، كالسيف
والسكين والقوس والسهم والرمح ، فإن صلى الإمام مرتين بالفرقتين وتكون الأخرى نفلا
له جاز.
إذا سها الإمام
في الركعة الأولى بما يوجب سجدتي السهو كان عليه وعلى الفرقة الأولى سجدتان ، وإن سها
في الثانية كان عليه وعلى الفرقة الثانية ، وإن سهت الفرقتان فيما انفردوا به فعليهم
دون الإمام.
__________________
إذا صلى كل واحد
منهم منفردا بلا جماعة بطل حكم التقصير إلا في السفر.
إذا اشتد الخوف
فلم يتمكنوا من الصلاة كذلك صلى كل واحد منهم إيماء بحسب الإمكان راكبا كان أو ماشيا
، فإن لم يمكنه استقبال القبلة استقبلها بتكبيرة الإحرام ، ويسجد على الأرض أو على
قربوس سرجه إن أمكن ، وإلا فبالإيماء يكون سجوده أخفض من ركوعه ، فإن لم يمكنه الإيماء
أجزأه عن كل ركعة مرة « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ».
ومن صلى مع شدة
الخوف ركعة ثم أمن نزل وتمم صلاته على الأرض إن لم يستدبر القبلة ، فإن استدبرها استأنف
، وكذا إن صلى ركعة على الأرض آمنا فلحقه شدة الخوف ركب وتمم إيماء ، ويجوز صلاة شدة
الخوف إذا خاف من سيل يلحقه ، أو عدو يأخذه ، أو سبع يفترسه ، ولم يقدر على التحرز
منه.
إذا رأى سوادا فظن
أنه عدو فصلى صلاة شدة الخوف ثم تبين أنه لم يكن عدوا فلا إعادة عليه.
إذا كان العدو في
جهة القبلة لا يسترهم شيء ، ولا يخاف من جنبتهم وبالمسلمين كثرة فلا صلاة خوف ، ويجوز
أن يصطف المسلمون خلف الإمام صفين فيركعوا جميعا ، ثم يسجد الإمام مع الصف الأول ،
والصف الأخير قيام يحرسونه ، فإذا فرغوا من السجود سجد الصف الأخير ، ثم يتأخر الصف
الأول ويتقدم [ أول ]
الأخير إلى مقام الأول
، ثم يركع الإمام مع الصفين ، ثم يسجد مع الصف الذي يليه ، والصف الأخير قيام يحرسونه
، فإذا جلس الإمام والصف الأول ، سجد الأخير ، ثم يسلم بهم جميعا.
__________________
الفصل
الحادي والعشرون
راكب السفينة يستقبل
القبلة ويدور مع السفينة كيف ما دارت متوجها إليها ، فإن تعذر استقبلها بتكبيرة الإحرام
ثم صلى كيف ما دارت ، فإن لم يتمكن من الصلاة قائماً صلى جالسا ، فإن لم يجد ما يسجد
عليه وكان خشب السفينة مقيرا غطاه بثوب وسجد عليه ، فإن لم يجد سجد على القير وقد أجزأه
، والنافلة تصلي إلى صدر السفينة إذا عجز عن التوجه.
الفصل الثاني والعشرون
من زال عقله بجنون أو إغماء سقط عنه فرض
ما تقضى وقته دون ما أفاق في وقته ، والمريض الثابت العقل يصلي قائماً ، فإن عجز اعتمد على عصا أو حائط ، فإن عجز
صلى جالسا ، والإنسان على نفسه بصيرة ، وروي : أنه إذا لم يقدر على الوقوف أو المشي
مقدار زمان صلاته ، صلى جالسا ، فإن صلى جالسا وقدر أن يقوم فيركع فعل ، فإن لم يقدر
على السجود ، رفع إليه ما يسجد عليه ، فإن عجز عن الصلاة جالسا صلى مضطجعا على يمينه
ويسجد ، فإن عجز عن السجود أومأ به ، فإن لم يتمكن من الاضطجاع فمستلقيا إيماء ، يغمض
عينيه للركوع وللسجود ويفتحهما للارتفاع ، فإن عرض له في أثناء الصلاة تمكن أو عجز
عمل على مقتضاه بانيا على ما سبق منه ، [ و ]
من عجز عن الوقوف لقراءة
سورة طويلة لمرض أو ضعف جاز أن يقعد ، سواء كان منفردا أو مع الإمام ، وإذا صلى المريض
جالسا جلس لما عدا التشهد متربعا أو مفترشا ، وللتشهد متوركا ، والمريض في
__________________
السفر يصلي الفرض على ظهر الدابة حسب الطاقة إن لم يقدر على النزول.
إذا حدث بالمبطون
وهو في الصلاة ما ينقض وضوءه أعاد الوضوء وبنى على صلاته ، وكذلك سلس البول إذا استبرأ
، ندب إلى ألف خرقة على ذكره لئلا تتعدى النجاسة ، ولا يلزمه تجديد الوضوء عند كل صلاة.
والمقيد والأسير
في الكفار والمصلوب ، يصلون إيماء إذا عجزوا عن شرائط الصلاة ، وإذا تضيق وقت الصلاة
على الموتحل
والغريق والسابح ولم يتمكنوا
مما يصلون عليه أو فيه صلوا إيماء ، سجودهم أخفض من ركوعهم ، مستقبلي القبلة مع الإمكان ، والعريان إذا فقد ما يستر به عورته من ثوب أو
حشيش أو غيره
ـ وكان وحده آمنا من اطلاع
بشر ـ صلى قائماً ، وإن لم يأمن ووجد نقبا صلى فيه قائماً ، وإلا فجالسا ، وإن كانوا
جماعة عراة وأرادوا الجماعة صلوا من جلوس صفا واحدا لا يتقدمهم الإمام إلا بركبتيه
، ويكون ركوعه وسجوده إيماء ، سجوده أخفض من ركوعه ، والمقتدون يركعون ويسجدون على
الأرض جلاسا ، ولا يمكن أن تصلي معهم النساء إلا خلف
حائل أو منفردين.
الفصل الثالث والعشرون
من فاته صلاة لم يكن مخاطبا بها ، كالمجنون
، والمغمى عليه ، والزائل العقل بسبب من الله تعالى ، لم يلزمه قضاؤها إلا إذا أفاق وقد بقي من وقتها مقدار أدائها أو مقدار ركعة
منها ، ويستحب له قضاء ثلاثة أيام ، وأقله يوم وليلة ، وكافر الأصل لا يلزمه أيضا قضاء
ما فاته في حال كفره.
__________________
وأما من كان كامل
العقل ، بالغا ، وعلى ظاهر الإسلام أي نحلة كانت ، فإنه يجب عليه قضاء ما فاته بمرض
أو كسل أو سكر أو تناول مرقد أو نوم ، وإذا استبصر مخالف
الحق لم يجب عليه إعادة ما صلاه قبل استبصاره ، ووقت الصلاة الفائتة وقت ما ذكرها ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ، ومتى شرع في الفريضة الحاضرة
في أول وقتها ثم ذكر أن عليه فائتة ، عدل بنيته إلى الفائتة ثم استأنف الحاضرة ، وينبغي
أن يقضى الفوائت كما فاتته أولا فأولا ، فإن خالف لم يجزه ، فإذا تضيق وقت الحاضرة قطع الفائتة وصلى الحاضرة ، وإن صلى
الحاضرة في أول الوقت قبل علمه بأن عليه فائتة أجزأته ، وبعد علمه فلا يجزئه ، ومن
فاتته صلاة واحدة من الخمس ولا يدري أيها هي؟ صلى أربعا وثلاثا وثنتين ، ينوي بالأربع
أما الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ، وبالثلاث المغرب ، وبالثنتين الغداة ، وقال
صاحب الغنية : من فاتته صلاة من الخمس غير معلومة له بعينها لزمه أن يصلي الخمس بأسرها
وينوي لكل صلاة منها قضاء الفائتة ، بدليل الإجماع وطريقة الاحتياط.
من فاتته صلاة بعينها
مرات ولا يحصيها صلى إلى أن يغلب على ظنه أنه أتى عليها أو زاد ، فإن لم يعلمها بعينها
صلى في كل وقت من كل صلاة إلى أن يغلب على ظنه أنه قضى ما عليه ، ولا يجوز نقل النية
من النافلة إلى الفرض ، بل يجب استئناف الفائتة ، ويقضي في الحضر ما فاته في السفر
مقصورا ، وفي السفر ما فاته في الحضر تاما.
__________________
ومن وجب عليه صلاة
وأخرها عن وقتها حتى مات قضاها عنه وليه كما يقضى عنه حجة الإسلام والصيام ببدنه ،
وإن تصدق بدله عن كل ركعتين بمد أجزأه ، فإن لم يقدر فلكل أربع مد ، فإن لم يقدر فمد
لصلاة النهار ومد لصلاة الليل ، والصلاة أفضل ، هكذا ذكره المرتضى ـ رضياللهعنه ـ في العليل
وصاحب الغنية عاما ، لا
يقال : كيف يكون فعل الولي تلافيا لما فرط فيه المتوفى وكان متعلقا في ذمته وليس للإنسان
إلا سعيه وقد انقطع بموته عمله؟! لأنا نقول : إن الله تعالى تعبد الولي له بذلك ، والثواب
له دون الميت ، وسمى به قضاء عنه من حيث حصل عند تفريطه ، وتعويلنا في ذلك على إجماع
الفرقة المحقة وطريقة الاحتياط ،
ومما يمكن التمسك به في
ذلك عموم قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فدين الله أحق أن يقضى.
المرتد الذي يستتاب
يقضي ما فاته من الصلاة والصوم والحج والزكاة في حال الردة وقبلها إذا تاب ، وكذا إذا
أخل العاقل بعبادة ثم زال عقله ببلاء من الله تعالى يجب عليه قضاء ذلك إذا أفاق ، فإن
لم يفق وجب على وليه. ومن ترك الصلاة وقال : لا اعتقد وجوبها علي ، فهو مرتد يجب قتله
، وإن قال : هي واجبة إلا أني ما فعلتها لكسل أو نحوه ، أنكر عليه وأمر بالقضاء. فإن لم
يفعل عزر ، وإن ترك ثلاث صلوات عزر ثلاث مرات واستتيب في الرابعة ، فإن تاب وإلا قتل
، ويجزي عليه حكم المسلم لا المرتد.
ومن فاته شيء من
النوافل المرتبة في اليوم والليلة قضاه متى شاء ما لم يكن
__________________
وقت فريضة [ حاضرة ] وإن كانت كثيرة ولم يتمكن من قضائها تصدق عن كل ركعتين بمد من الطعام ، وإلا فعن كل يوم بمد ليحوز به فضلا ، ويجوز قضاء صلاة الليل
متى شاء ولو بعد الغداة أو العصر ، ومن فاتته صلاة الجمعة قضى الظهر أربعا.
الفصل الرابع والعشرون
يجب ركعتا الطواف خلف مقام إبراهيم ـ عليهالسلام
ـ يقرأ في الأولى بعد الحمد
الإخلاص وفي الثانية الجحد ندبا ، فإن نسيها صلاتها ثم يعيد فإن لم يتمكن من الرجوع
إليه صلاها حيث يذكر.
الفصل الخامس والعشرون
ومن نذر صلاة على صفة أو في مكان أو زمان
مخصوص لزمه فعلها على ما نذر ، فإن خالف لم يجزه
ولزمه الإعادة ، وإن كان
ما علقها به من الزمان لا مثل له فأخل بها فيه مختارا لزمه الكفارة على ما سيأتي.
الفصل السادس والعشرون
صلاة العيدين لا تجب إلا على من تجب عليه
الجمعة ، وشروطها شروطها
، ولا قضاء فيها ، ومن لم يحضر لمنع ، صلاها في منزله سنة كما يصلي مع الإمام ، وروي
جواز أن يصليها أربعا ، والغسل فيه ندب ، ووقتها عند انبساط الشمس إلى
__________________
زوالها وتفوت إذا زالت ، ووقت الغسل بعد طلوع الفجر إلى أن تصلى صلاة العيد ، ويأتي بصلاة
الفطر في أوائل الوقت ندبا بخلاف الأضحى ، ويطعم قبل صلاة الفطر حلاوة بخلاف الأضحى
فإنه يطعم بعد الصلاة فيه من الشواء لا قبلها ، وهي في الصحراء أفضل مع الإمكان إلا بمكة فإنه يصلى في المسجد الحرام
، ويتعمم الإمام شاتيا أو قائظا ، ويخرج حافيا على سكينة ووقار غير راكب مع التمكن
ندبا ، والأذان والإقامة فيهما بدعة بل يقول المؤذن : الصلاة ، ثلاثا ، ولا يسجد إلا على الأرض ندبا ، ولا
يصلى يوم العيدين
قبل الزوال نافلة لا ابتداء
ولا قضاء إلا بالمدينة فإنه يصلى فيه في مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ركعتين قبل الخروج إلى المصلى [ ندبا ] وفي المسجد الحرام ندبا.
وإذا اجتمعت صلاة
عيد وجمعة في يوم واحد ، فمن شهد صلاة العيد سقط عنه فرض الجمعة وكان مخيرا في حضورها
، ويكره السفر بعد طلوع الفجر في يوم العيد حتى يصلي صلاته ، والمسافر والعبد ندب إليهما
وإن لم يجب عليهما ، ولا يجوز الخروج إليها لذوات الجمال من النساء دون العجائز.
وهي ركعتان بتسع
تكبيرات زائدة فيها على المعتاد في سائر الصلوات ، خمس في الأولى ، وأربع في الثانية
، فيرفع يديه مع كل تكبيرة ويقنت ويدعو بعدها في المأثور والقراءة في الأولى بعد الحمد
سورة الأعلى ، وفي الثانية والشمس وضحاها ، والتكبيرات بعد القراءة ، ولا يجوز الخطبة
فيها إلا بعد الصلاة ، ويحث الإمام الناس في الخطبة على الفطرة في الفطر ، وعلى الأضحية
في الأضحى ندبا.
__________________
ومن حضر صلاة العيد
وصلاها كان مخيرا في سماع الخطبة ، ويخطب على منبر
من الطين ولا ينقل من موضعه ، ومن نسي التكبيرات حتى يركع
مضى ولا شيء عليه ، وإن كبر قبل القراءة ناسيا أعادها بعد القراءة ، وإن فعل ذلك تقية
فلا شيء عليه ، وإن شك في عددها بنى على اليقين احتياطا ، وإن أدرك مع الإمام بعضها
تممها مع نفسه ، وإن خاف فوت الركوع قضاها بعد التسليم ، ويكبر في الفطر عقيب أربع
صلوات : المغرب ، والعشاء الآخرة ليلة الفطر ، والغداة ، وصلاة العيد ، وفي الأضحى
إن كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة : أولاها الظهر من يوم النحر وأخراها الفجر من رابع
النحر ، وفي غير منى عقيب عشر من ظهر يوم النحر إماما كان أو مأموما أو منفردا ، كل
ذلك ندبا ، ومن نسي صلاة منها إلى انقضاء أيام التشريق قضاها وكبر بعدها ، ويرجع في
صلاة العيد من غير الطريق الذي جاء منه ندبا.
الفصل السابع والعشرون
صلاة الكسوف فريضة على الرجال والنساء والعبيد
والمسافر أيضا مع التمكن ، عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل المتواترة والرياح المخوفة والظلمة الشديدة
، والجماعة فيها ندب ، وكذا الإتيان بها تحت السماء ، ومن تركها متعمدا وقد احترق القرص
كله وجب قضاؤها مع غسل ، وإن لم يحترق كله قضاها بلا غسل ، وإن تركها ناسيا وقد احترق
القرص كله وجب قضاؤها ، وإن احترق بعضه فلا قضاء ، ووقتها إذا ابتدأ في الانكساف ،
وإذا ابتدأ في الانجلاء فقد مضى وقتها ، وإذا
فرغ منها قبل الابتداء
في الانجلاء أعادها ندبا ، ومن لم يمكنه النزول من الدابة صلى على ظهرها ، ويجوز تقديمها
على فريضة الوقت إذا لم يتضيق وقت
__________________
تلك الفريضة ، وقد روي : أنه يقدم فرض الوقت على كل حال ولا يقدم النافلة عليه ، وإذا اجتمع صلاة الكسوف وصلاة الميت
بدأ بصلاة الميت.
وهذه الصلاة عشر
ركعات بأربع سجدات وتشهد واحد ، يفتتح الصلاة ويقرأ الحمد وسورة ثم يركع ، فإذا رفع
رأسه كبر وعاد إلى القراءة ثم يركع هكذا خمسا ، ويقول بعد الخامس : « سمع الله لمن
حمده » ثم يسجد سجدتين ، ثم يقوم فيفعل كذلك مرة أخرى ، ويقنت قبل كل ركوعين ، أعني
: قبل الركوع الثاني ، ثم قبل الرابع ثم السادس ثم الثامن ثم العاشر ، وإن اقتصر على
القنوت في العاشر جاز ، ويجعل مقدار قيامه في الصلاة مقدار الكسوف ، ومقدار ركوعه مقدار
قراءته ، ويقرأ السور الطوال ، ويجهر بالقراءة ، كل ذلك ندبا ، فإن قرأ في الأولى مع الحمد بعض سورة وأراد قراءة باقيها
في الثانية لم يلزمه قراءة الحمد ، فإن أراد قراءة سورة أخرى قدم الحمد عليها.
الفصل الثامن والعشرون
يجب الصلاة على كل ميت مظهر للشهادتين ومن كان بحكمهم من المجانين والأطفال الذين بلغوا ست سنين
فصاعدا ، ويصلى على من لم يبلغ ذلك ندبا ، وهي فرض على الكفاية ، وأولى الناس بالصلاة
على الميت بعد الإمام العادل الولي أو من يقدمه الولي ، ويستحب له أن يقدم هاشميا إن
حضر ، وإذا اجتمع جماعة من الأولياء فأولاهم به أولاهم بميراثه ، فإن كانوا في درجة
قدم الأقرأ ، ثم الأفقه ، ثم الأسن ، فإن تساووا أقرع بينهم ، والولي الذكر أولى من
الأنثى ، والحر أولى من المملوك ، والزوج أحق بالصلاة على المرأة من كل أحد.
__________________
ويجوز فيها الجماعة
والإفراد ، وإذا اجتمع جنازة رجل وصبي ابن ست سنين وخنثى وامرأة قدم المرأة إلى القبلة
، ثم الخنثى ، ثم الصبي ، ثم الرجل ، ويقف الإمام عنده ، وإن لم يبلغ الصبي ستا قدم
هو أولا ، ثم المرأة ، والأفضل أن يصلي عليهم فرادى ، وإذا
كان المصلي اثنين وقف الثاني خلف الإمام لا عن يمينه بخلاف
الجماعة.
يقف الإمام حذاء
وسط الرجل وصدر المرأة ، ولا يبعد عن الجنازة ، وإذا لم يوجد ما يستر به الميت وضع
في القبر وغطيت سوأته بالتراب ثم يصلى عليه.
ليس من شرط هذه
الصلاة الطهارة وإن كانت من فضلها ، فإن فاجأته جنازة يتيمم ندبا ، ويجوز هذه الصلاة
من الجنب والحائض بلا غسل ، والفضل في أن يتيمما إن لم يغتسلا ، ويتحفى الإمام من النعلين
دون الخف والشمشك ، وهذه الصلاة خمس تكبيرات بعدها أذكار وأدعية يرفع يديه بكل تكبير
والأفضل أن يرفعهما إلا مع الأولى ، وإذا فرغ لا يبرح حتى
ترفع الجنازة.
من فاته شيء من
التكبيرات أتمها عند فراغ الإمام متتابعة ، وإن رفعت الجنازة كبر عليها ، وإن بلغت إلى القبر كبر على القبر إن شاء ، ومن كبر قبل الإمام
أعاد معه.
من فاتته الصلاة
على الجنازة جاز أن يصلي على القبر يوما وليلة لا غير ، ويكره أن يصلي الإنسان على
جنازة واحدة مرتين ، وإذا تضيق وقت فريضة بدئ بها ثم بالصلاة على الميت إلا أن يخاف
ظهور حادثة به.
إذا كبر الإمام
على جنازة بتكبيرة أو تكبيرتين ثم أحضرت جنازة أخرى كان
__________________
مخيرا بين أن يتم خمس تكبيرات على الأولى ثم استأنف على الأخرى ، وبين أن يكبر
خمسا من حيث انتهى إليه ، وقد أجزأه عن الصلاة عليهما ، ومتى صلى على جنازة ثم بان
أنها كانت مقلوبة سويت وأعيدت الصلاة عليها ما لم يدفن ، وليس في هذه الصلاة قراءة
ولا تسليم.
الفصل التاسع والعشرون
صلاة الاستسقاء ندب عند قلة المطر والجدب
، يأمر الناس الإمام بصيام
ثلاثة أيام : السبت والأحد والإثنين ، أو غيرها من الأيام إلا أن الأفضل ذلك ، ثم يبرز
بهم اليوم الثالث إلى الصحراء ، ويقدم المؤذنين ويخرج على أثرهم بسكينة ووقار ، ثم
يصلي بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة على ترتيب صلاة العيد ، ولا يصلي في المسجد إلا
بمكة ، فإذا فرغ استقبل القبلة وكبر الله مائة ، ثم التفت بيمينه فسبح مائة ، ثم التفت
بيساره
فهلل مائة ، ثم استقبل
الناس وحمد الله مائة ، رافعا بجميع ذلك صوته هو والناس جميعا ، ثم يدعو ويخطب بالمأثور.
ويستحب إخراج الشيوخ
الكبار ، والصبيان الصغار ، والبله ، والعجائز دون الشواب ، ويخرج البهائم في ذلك ، ويكره إخراج أهل الذمة.
ويستحب للإمام والمأموم
تحويل الرداء من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين دفعة واحدة ، رجاء أن ينقلب
الجدب خصبا ، ويجوز الاستسقاء لنضوب
ماء العيون والآبار. ومن
نذر صلاة الاستسقاء يلزمه الوفاء بنفسه.
واعلم أن فيما عدا
ما ذكرناه من النوافل المرغب فيها ، المتعلقة بالأوقات والأحوال كثيرة فالرأي أن نحيل
بها على كتب العمل إيثارا للاختصار.
__________________
كتاب
الزكاة
الزكاة إخراج بعض
المال لينمو الباقي بالبركات ويزيد لصاحبه من الدرجات ، ويطهر هو من الحرام وصاحبه
من الآثام. ويحتاج فيها إلى معرفة سبعة أشياء : أقسامها وما يجب فيه ، وشرائط وجوبها
، وصحة أدائها ، ومقدار الواجب منها ، ومن المستحق لها ، ومقدار ما يعطى منها ، وأحكام
ذلك.
أما
أقسامها فضربان : مفروض ومسنون.
فالمفروض : زكاة الأموال وزكاة الرؤوس.
وزكاة الأموال تجب
في تسعة أشياء : الذهب والفضة والخارج من الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وفي
الإبل والبقر والغنم. ولا تجب في ما عدا ذلك.
وشرائط وجوبها في
الذهب والفضة : البلوغ ، وكمال العقل ، وبلوغ النصاب ، والملك له ، والتصرف فيه بالقبض
أو الإذن ، وحؤول الحول عليه وهو كامل في الملك لم يتبدل أعيانه ولا دخله نقصان ، وأن
يكونا مضروبين دنانير ودراهم
__________________
منقوشين أو سبائك فر بسبكها من الزكاة.
وفي الأربعة الأصناف
من الغلات شرطان : الملك ، وبلوغ النصاب.
وفي الأصناف الثلاثة
من المواشي أربعة شروط : الملك والحول والسوم وبلوغ النصاب.
وشرائط صحة أدائها
: الإسلام ، والبلوغ ، وكمال العقل ، والنية ، ودخول الوقت في أدائها على جهة الوجوب
، ومقدار الواجب من الزكاة.
وأما الذهب فلا
شيء فيه
حتى يبلغ عشرين مثقالا
، فإذا بلغها وتكاملت الشروط وجب فيه نصف مثقال ، ثم لا شيء فيما زاد عليه حتى تبلغ
الزيادة أربعة مثاقيل ، ففيها عشر مثقال ، وهكذا في كل عشرين مثقالا نصف مثقال وفي
كل أربعة بعد العشرين عشر مثقال.
وأما الفضة فلا
شيء فيها حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغها وتكاملت الشروط وجب فيها خمسة دراهم ، ثم
لا شيء في الزائد حتى تبلغ أربعين درهما ففيها درهم واحد ، ثم على هذا الحساب.
وأما الغلات فالواجب
في كل صنف منها إن كان سقيه سيحا أو بعلا أو بماء السماء العشر ، وإن كان بالغرب والدوالي
والنواضح
نصف العشر ، وإن كان السقي
بالأمرين معا كان الاعتبار بالأغلب من المدتين فإن تساوى زكى النصف بالعشر والنصف بنصف
العشر ، هذا إذا بلغ بعد إخراج المؤن وحق المزارع ،
__________________
خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد بالعراقي ، والمد رطلان وربع.
وما زاد على النصاب قل أو كثر فبحسابه بالغا ما بلغ.
وأما الإبل فلا
شيء فيها حتى تبلغ خمسا ، وفيها إذا تكاملت الشروط شاة.
وفي عشر شاتان ،
وفي خمس عشرة ، ثلاثة شياه. وفي عشرين أربعة شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه. وفي ست
وعشرين ، بنت مخاض وهي ما لها حول كامل ، وفي ست وثلاثين ، بنت لبون وهي التي لها حولان
ودخلت في الثالث. وفي ست وأربعين ، حقة وهي التي لها ثلاث أحوال ودخلت في الرابع. وفي
إحدى وستين ، جذعة وهي التي لها أربعة أحوال ودخلت في الخامس. وفي ست وسبعين بنتا لبون
وفي إحدى وتسعين حقتان ، وإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين فصاعدا سقط هذا الاعتبار ووجب
في كل أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة. ولا شيء فيما بين النصابين.
وأما الواجب في
البقر ففي كل ثلاثين ، تبيع
حولي أو تبيعة وهو الجذع
منها. وفي كل أربعين مسنة وهي الثنية فصاعدا. ولا شيء فيما دون الثلاثين ولا فيما
بين النصابين ، وحكم الجاموس حكم البقر.
وأما الواجب من
الغنم ففي كل أربعين منها شاة. وفي كل مائة وإحدى وعشرين ، شاتان. وفي مائتين وواحدة
، ثلاث شياه. وفي ثلاثمائة وواحدة ، أربع
__________________
شياه وإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار وأخرج عن كل مائة ، شاة ولا شيء فيما
دون الأربعين ولا في ما بين النصابين ، والمأخوذ من الضأن الجذع ومن المعز الثني ،
ولا يؤخذ دون الجذع ولا يلزم فوق الثني.
وأما المستحقون
فالفقير الذي له دون كفايته والمسكين الذي لا شيء له ، وقيل بالعكس منه
والعامل عليها الساعي في جبايتها والمستمال للجهاد والمكاتب
والعبد المبتلى بالضر والشدة ، ويجوز أن يشترى من مال الزكاة ويعتق ويكون ولاؤه لأرباب
الزكاة ، والذي ركبه الدين في غير معصية ، وفي الجهاد وغيره من مصالح المسلمين ، كعمارة
الجسور والسبل وفي الحج والعمرة وتكفين أموات المؤمنين وقضاء ديونهم.
وأما ابن السبيل
فهو المنقطع به وإن كان غنيا في بلده [ وروي أنه الضيف النازل بالإنسان وإن كان في
بلده غنيا ]
ويعتبر فيمن عدا الساعي
في جباية الزكاة والمستمال للجهاد الإيمان والعدالة ، وأن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب
لما يكفيه ، وأن لا يكون ممن يجب
على المرء نفقته وهم الأبوان
والجدان والولد والزوجة والمملوك ، وأن لا يكون من بني هاشم المستحقين للخمس المتمكنين
من أخذه فإن كان غير متمكن من أخذه أو كان المزكي هاشميا مثله جاز دفع الزكاة إليه.
وأما أقل ما يعطى
للفقير الواحد ما يجب في النصاب الأول فإن كان من
__________________
الدنانير فنصف دينار وإن كان من الدراهم فخمسة دراهم وكذا في الأصناف الباقية.
وقد روي أن الأقل من ذلك ما يجب في أقل نصاب الزكاة وذلك من الدنانير عشر مثقال ومن
الدراهم درهم واحد ، ويجوز أن يدفع إليه منها الكثير وإن كان فيه غناه.
الفصل الأول
لا اعتبار في الذهب والفضة بالعدد وإنما
يراعى الوزن.
وزن أهل الإسلام
كل درهم ستة دوانيق وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل.
إذا كان
معه دراهم جيدة الثمن ودراهم دونها في القيمة ومثلها في العيار
، ضم بعضها إلى بعض وأخرج منه الزكاة والأفضل أن يخرج من كل جنس ما يخصه وكذا حكم الدنانير
، والدراهم المحمول عليها لا يجب فيها الزكاة إلا أن يبلغ ما فيها من الفضة نصابا وحينئذ
لا يجوز أن يخرج دراهم مغشوشة بل يجب دراهم فضة خالصة. وإن لم يكن معه إلا المغشوش
وأحاط علمه بقدر ما فيها من الفضة أخرج منها مقدار ما يكون فيه من الفضة بمبلغ ما يجب
عليه فيه من الزكاة ، كأن يكون معه ثلاث مائة درهم مغشوشة وهو يعلم أن فيها مائتي درهم
فضة أخرج من جملة ذلك سبعة دراهم ونصف درهم ، وقد أجزأه لأنه أخرج الواجب والجمل زائدة
وإن لم يحط علما بما فيها من الفضة ، صفاها حتى يعرف مقدار خالصها ، وأعطى زكاة ذلك
أو أعطى ما يقطع منه أنه أخرج قدر الواجب استظهارا وكذا في الدنانير المغشوشة.
__________________
ويجوز إخراج الزكاة
من غير الجنس بالقيمة إذا لم يكن مما فيه ربا. فإن كان مما فيه ربا وأخرج مثلا بمثل
ترك الاحتياط ، بعدوله عن الجنس الذي يجب فيه.
وسبائك الذهب والفضة
لا يجب فيها الزكاة وإن مضت عليها أحوال كثيرة إلا إذا قصد به صاحبه الفرار من الزكاة فحينئذ يجب
، وكذا في الحلي والأواني والمراكب وغير ذلك ، أو كان مجرى في السقوف المذهبة ، لا
فرق في ذلك بين الحلي المباح والمحظور ، كحلي الرجال للنساء أو بالعكس.
الفصل الثاني
من وجبت عليه بنت مخاض ، وليست عنده ، وعنده
بنت لبون ، أخذت منه وأعطي شاتين أو عشرين درهما.
وإن وجبت عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض ، أخذت منه مع شاتين أو عشرين
درهما. وبين بنت لبون وحقة من التفاوت في القيمة ما بين بنت لبون وبنت مخاض. وكذا ما
بين الحقة والجذعة.
وإن وجبت عليه بنت
مخاض أو جذعة أو غيرهما ، وليس معه إلا فوق الجذعة أو دون بنت مخاض من الأسنان ، فلا
شيء مقدر فيه إلا أنه يقوم ويترادان الفضل.
ويجوز النزول من
الجذعة إلى بنت مخاض والصعود من بنت مخاض إلى جذعة بما سومه من التفاوت.
وإن اجتمع عدد يمكن
أن يخرج كل واحد منه على الانفراد ، كان مخيرا في إخراج أي ذلك شاء ، كأن يكون مائتين
فإنه يخرج أربع حقاق أو خمس بنات لبون غير أن الفضل إخراج أربع الأسنان. وكذا في البقر
لا يؤخذ
ما دون التبيع
__________________
والتبيعة ولا ما فوق المسنة من الأسنان ولا الذكر إلا بالقيمة.
الغنم إن كان كله
فوق السن الواجب فيها أو دونها جاز أن يؤخذ بالقيمة.
إذا كان المال ضأنا
وما عزا وبلغ النصاب أخرج من أيهما شاء رب المال ، لعموم اسم الغنم. وكذا أعطى بدل
الذكر الأنثى أو بالعكس أخذ.
إذا كانت الأمهات
من الغنم والذكور من الظباء فالأولى وجوب الزكاة فيها ، لتناول اسم الغنم لذلك ، وإن
كان بالعكس من ذلك فلا يجب.
ولا يؤخذ في الزكاة
ذات عوار ولا هرمة ولا مهزولة إلا إذا كانت كلها كذلك فيؤخذ من وسطها ، ولا يؤخذ السمينة
في الغاية إلا إذا تبرع بها صاحبها فإن تشاح [ حينئذ ]
رب المال والساعي أقرع بين المال ويقسم إلى أن لا يبقى إلا
الواجب فيخرجه.
إذا كان النصاب
مختلفا كأن يكون بعض الغنم ضأنا وبعضها [ ماعزا وبعض البقرة جواميس وبعضها نبطيا ]
أو بعض الإبل بختيا
وبعضها لوكا
يؤخذ من كل جنس ما يكون قيمته مقدار ما يجب فيه على قدر قيمة
المال ، وكذا الغلات إذا اختلفت أجناسها.
من كان له نصاب
في البلدين من أي جنس كان لم يسقط عنه الزكاة وإذا ملك من أجناس ما تجب فيه الزكاة
ما يكون بمجموعه أكثر من نصاب إلا أنه
__________________
لا يبلغ كل جنس منه نصابا لا تجب فيه الزكاة إلا إذا قصد به الفرار منها فإذا
تجب فيه.
الفصل الثالث
إذا كانت الماشية نصابا ومعلوفة مدة الحول
أو في أكثره فلا زكاة فيها وإن كانت سائمة في أكثر الحول ، تجب الزكاة. فإن تساوت المدتان ، زكى منها احتياطا
، ومن استأجر أجيرا ليرعى له أربعين شاة بشاة معينة منها حولا ، لم يجب فيه الزكاة
، وإن لم يعينها ، بل جعلها في ذمته وجب فيها الزكاة. ومن اشترى نصابا ولم يقبضها حتى
حال عليها الحول فإن كان متمكنا من قبضها متى شاء ، كان عليه الزكاة وإلا فلا. وهكذا
في الدين إذا كان معه بعض النصاب والبعض الآخر دينا يتمكن من أخذه متى شاء ، تجب الزكاة
منها ، وإن لم يتمكن من أخذ البعض الآخر متى شاء فلا.
وزكاة مال القرض
على المستقرض إلا إذا ضمنها المقرض.
ومن كان عنده نصاب
فغصب منه أو غاب عنه أو ضل ولا يتمكن منه ثم عاد إليه في أثناء الحول استأنف به الحول
غير معتد بما سبق ، وكذا إذا مات المالك وانتقل إلى الوارث ، استأنف الحول ، إذا بادل
جنسا بجنس مخالف له استأنف الحول بالبدل إلا إذا فر به من الزكاة أو كانت المبادلة
فاسدة ، وإن بأدلة بجنس موافق له لم يستأنف.
من باع نصابا قبل
حؤول الحول بشرط الخيار مدة فحال الحول في مدة الشرط فإن كان الشرط للبائع أو لهما ،
فعليه الزكاة ، لأن ملكه لم يزل
وإن كان للمشتري استأنف
الحول.
__________________
من باع نصابا قبل
إخراج الزكاة منه انعقد البيع في حقه دون حق المساكين لأن حقهم تعلق بالعين لا بالذمة
وللمشتري رده بالعيب إلا أن يقيم مقام حق المساكين من غيره. ولا يسقط الدين عن صاحب
المال ، الزكاة ، لأنها تتعلق بالمال ، والدين يتعلق بالذمة.
إذا كان معه مائتا
درهم فقال : لله علي أن أتصدق بمائة درهم ، وحال الحول على المائتين وجب فيها الزكاة.
وإن كان قال : بمائة درهم من جملة المائتين فلا ، لأن ملكه زال عن مائة قبل حؤول
الحول وكذا إن هلك بعض النصاب قبل الحول.
لا يقف وجوب الزكاة
مع حصول شرائطها على إمكان الأداء فمتى أمكنه الإخراج ولم يخرج فهلك ، ضمن. فالإمكان
شرط في الضمان لا في الوجوب.
ووقت وجوب الزكاة
في الحبوب إذا اشتدت. وفي الثمار إذا بدأ صلاحها.
ووقت إخراجها إذا
ديس الحب ونقي
وصفي وجففت الثمرة وشمست
فإن أراد صاحبها جذاذها
رطبا خرصت عليه ما يكون تمرا. إذا وقفت على جماعة ضيعة فأخرجت
الغلة وبلغت النصاب حصة كل واحد منهم كان عليهم الزكاة وإن نقص فلا. وإن وقف على إنسان
أربعون شاة وحال عليها الحول فلا زكاة فيها لأنها غير مملوكة بخلاف المسألة الأولى لأن الغلة
هناك [ مملوكة ] فإن نتجت وحال على أولادها الحول فكانت نصابا ففيها الزكاة إلا إذا شرط الواقف أن يكون الولد أيضا وقفا.
__________________
من استأجر أرضا
فزرعها فالزكاة عليه في زرعه دون مالك الأرض ، لأنه يأخذ الأجرة. ولا تجب الزكاة في
الأجرة وكذا إن استأجرها بغلة من [ غير ]
تلك الأرض ، [ فإن استأجرها بغلة من تلك الأرض بطلت ] الإجارة ، والغلة للزارع وعليه أجرة المثل ، والزكاة عليه
أيضا.
الفصل الرابع
حكم غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم حكم
أموال البالغين في وجوب الزكاة ، ويتولى إخراج ذلك الولي أو الوصي لا غير ، فإن قصر في إخراجها حتى هلك المال
فالضمان على الولي لا
في مال الصبي ، وما كان
من الدراهم والدنانير لهؤلاء ، فلا تتعلق به الزكاة ، ومن اتجر بما لهم نظرا لهم ،
أخرج منه الزكاة ندبا ، وإن اتجر به لنفسه فالزكاة [ عليه ] والمكاتب المشروط عليه وغير المشروط [ عليه ] إن لم يؤديا شيئا لا زكاة عليهما في ما لهما ولا على سيدهما ، لأنه ليس بملك لهما ، إذا العبد
لا يملك شيئا ، ولا لسيدهما ملكا صحيحا ، لأنه لا يملكه إلا بعد عجز العبد عن أداء
مال المكاتبة ، وإذا أخذ السيد المال استأنف به الحول من يوم أخذه ، وكذا المكاتب إذا
أدى المال استأنف بما بقي الحول ، وغير المشروط عليه إذا تحرر منه أعطى الزكاة بحساب
حريته إذا بلغ ما يصيبه بالحرية النصاب.
لا يجب على العبد
الزكاة بتمليك المولى إياه النصاب ، وإنما يجب على المولى ، لبقاء ملكيته بعد وإن جاز
للعبد التصرف فيه ، وأما فاضل الضريبة وأرش
__________________
الجناية في نفسه فقيل : يملكه ، وقيل : لا يملكه ، وهو الصحيح فتكون زكاته على المولى أيضا.
والمرتد إذا كان
له مال
يعتبر فيه الحول وقد حال
عليه أخذ منه الزكاة.
إذا استهل الشهر
الثاني عشر فقد وجبت الزكاة فيما يراعى فيه الحول ويجب إخراجها على الفور. فمن لم يخرجها
مع الإمكان ، كان ضامنا إن كان من أهل الضمان. وما لا يراعى فيه الحول تجب الزكاة فيه
إذا بدا صلاحه.
لا يجوز تقديم الزكاة
قبل محلها إلا على وجه القرض ، فإذا دخل الوقت وكان الدافع والمدفوع إليه على ما يعتبر
من الصفة أو مات المدفوع إليه احتسب به من الزكاة وإلا استردها.
إذا عجل زكاته ثم تغير حال المدفوع [ إليه ]
بغني أو ردة أو فسق استردها إذا أعطاه مقيدا بأن قال : هذه
زكاتي عجلتها لك . وإن أعطاه مطلقا فلا. وإن كان المعطي الوالي جاز له استرجاعها
مقيدا أو مطلقا.
إذا أطلق الزكاة لمسكين قبل الحول ، ثم حال وقد أيسر من هذا المال
بأن كانت ماشية فتوالدت أو مالا فاتجر به وربح فلا يجوز له استرجاعها ، وإن كان أيسر
من غيره استرجعها أو أخرج عوضها.
__________________
الفصل
الخامس
النية المعتبرة
في الزكاة نية المعطي مالكا كان أو وكيله أو وليه ، وينبغي
أن يقارن حال الإعطاء وينوي الزكاة أو صدقة القرض ، ولا يحتاج
أن ينوي أن هذا زكاة مال معين ، ومن كان له [ مال غائب يمكنه التصرف فيه فأخرج زكاته
وقال : إن كان ]
سالما فهذه زكاته أجزأته
إن سلم وإن تلف لم يجز.
ولم يجز أن ينقله
إلى زكاة مال سواه لفوات وقت النية وهو حال الإعطاء ، ولا
بد من نية الموكل والوكيل ، لأن نية الوكيل بانفرادها لا تجزئ ، لأنه ليس برب المال ، ونية رب المال بانفرادها لا تجزئ
لأنها تقدمت حال الإعطاء.
الفصل السادس
من يقدر على أن يكسب ما يقوم بأوده وأود عياله أو يكون له ضيعة أو عقار ترد عليه كفاية وكفاية من يلزمه
نفقته ، تحرم عليه الزكاة وإن كانت لا ترد عليه ذلك حلت له ويجوز أن يعطاها من له مملوك
يخدمه أو دار يسكنها فأما إذا كانت دار غلة تكفيه وعياله على الاقتصاد فلا.
__________________
ومن ادعى أنه يحتاج
إلى الصدقة لا يقبل إلا ببينة ، ويجوز أن يعطى [ المستحق ] الزكاة أو يقاصه من دين له عليه وإن لم يعلمه ذلك. ويجوز أن يعطى أطفال المؤمنين دون المشركين
، ومن أعطي زكاة ليفرقها وكان محتاجا إليها جاز أن يأخذ منها بمثل ما يعطي غيره إلا
إذا عين لها قوم مخصوص فحينئذ لا يجوز.
وسهم المؤلف
القلب وهو الكافر المستمال للجهاد والإسلام بشيء من المال
، لا يجوز دفع ذلك إليه إلا للنبي أو الإمام القائم مقامه.
ومن وجب عليه عتق
رقبة في كفارة ولا يقدر عليه جاز أن يعتق عنه من سهم الرقاب. والمكاتب لا يعطى من الزكاة
إلا إذا فقد ما وجب عليه من مال الكتابة أو حل به نجم [ وليس معه ما يكفيه لنجمه ، وإن لم يحل عليه نجم ] جاز أن يعطى إن لم يكن معه [ ما يكفيه لنجمه فإن لم يحل عليه
نجم جاز أن يعطى إن لم يكن معه ] شيء.
الغارم إذا كان
استدان في معصية وقد تاب عن ذلك وكان فقيرا أعطي لفقره وإلا فلا ، وإن صرف الغارم ما
أخذه في غير قضاء الدين لم يسترجع منه ، وقضاء الدين عن الميت داخل في سبيل الله سواء
كان الميت ممن يجب عليه نفقته في حياته أو لا.
__________________
العاصي بسفره لا
يستحق شيئا من سهم ابن السبيل ، وكذا المنشئ للسفر من بلده إلا أن يكون فقيرا فيعطى
من سهم الفقير لا غير ، ومتى أعطي ابن السبيل بقدر كفايته لذهابه ومجيئه فبدا له من
السفر وأقام أسترجع منه ، وإذا اجتمع لشخص واحد سببان
أو أكثر مما استحق بكل واحد الصدقة جاز أن يأخذ بجميع ذلك.
الساعي للصدقة والغازي
والمؤلف والغارم المصلحة ذات البين وابن السبيل فهؤلاء يأخذون الصدقة مع الغنى والفقر.
والفقير والمسكين والرقبة والغارم لمصلحة نفسه لا يأخذونها إلا مع الفقر ، ومن عدا المؤلف القلب من المستحقين إنما يستحق
الزكاة بشرط الإيمان والعدالة ، وكل من يجب على المزكي نفقته إن كان
من العاملين أو الغانمين أو الغارمين أو الرقاب أو الغزاة
أو المؤلفة جاز أن يعطى من سهم هؤلاء دون سهام المساكين والفقراء.
وابن السبيل إن
كان ممن يجب على المزكي نفقته جاز أن يدفع إليه قدر حاجته للحمولة دون النفقة ، وتحرم الصدقة الواجبة على ولد هاشم مع تمكينهم
من خمسهم ويحل لهم إذا كانوا ممنوعين من الخمس ، وأما الصدقة المندوبة أو صدقة بعضهم
على بعض فلا تحرم عليهم مع تمكنهم من الخمس ، وأجرة الكاتب والحاسب والكيال والوزان
تكون من سهم العامل إن احتيج إليهم ، وفي حال غيبة [ الإمام يسقط سهم العاملين والغزاة
والمؤلفة ، ومن نقل الزكاة من بلد إلى آخر ]
__________________
مع وجود المستحق فيه ووصل إلى المستحق أجزأه وإن هلك في الطريق كان ضامنا ،
قريبا كان ذلك البلد أو بعيدا ، وإن نقلها مع فقد المستحق فهلك فلا ضمان عليه ، وزكاة
الفطرة تفرق في بلد صاحبها ، لأنها تتعلق بالأبدان لا بالأموال.
ويجوز وضع الزكاة
في صنف واحد من أربابها مع وجود الباقين ، والأفضل أن يجعل لكل صنف منهم سهما إن وجد
، والأقارب الحضر أولى من الأجانب ، يجوز أن يشرك بين الجماعة فيما يجب في نصاب المواشي
، والأفضل أن يعطى كل مستحق ما يجب في نصاب.
إذا دفع زكاة ماله
إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه كان غنيا ، أو إلى من ظاهره الإسلام أو الحرية ، أو
الصلاح ثم بان أنه كان بخلاف ذلك ، أو كان هاشميا ، فإن كان الأخذ قد مات أو لم يبق
معه شيء فلا ضمان على المعطي ، وإن كان قد أعلمه حال الدفع انه صدقة واجبة فله استرجاعه
إن بقي أو أخذ قيمته إن تلف.
من لم يجد المستحق
لزكاته ولا الإمام وجب أن يعزلها من ماله وانتظر به وجود المستحق أو حضور الإمام فإن
حضرته الوفاة وصى بذلك ، فإن مات والحال هذه وجب أن تخرج الزكاة من ما له وصى أو لم
يوص إن كانت معلومة الوجوب والمقدار كالدين. ومن دفع الزكاة إلى سلطان الجور أو أخذها
منه متغلب لم يجزه ولا تحل ، وروى أنه يجزيه
والأول أحوط ، والمخالف إذا أعطى الزكاة لأهل نحلته ثم اعتقد
الحق أعادها.
الفصل السابع
كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال
كان ملكا لهم إذا قاموا بعمارتها ، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر عند اجتماع الشروط ، فإن تركوها
__________________
خرابا كان للإمام أن يقبلها ممن يعمرها بما يراه ، وعلى المتقبل إذا بقي له
النصاب بعد إخراج حق القبالة ومئونة الأرض العشر أو نصف العشر ، ويعطي الإمام أربابها
حق الرقبة أي طسق الأرض ، وكل أرض صالح أهلها عليها يلزمهم ما صالحهم الإمام عليه لا
غير ، ويكون ذلك للمجاهدين في سبيل الله ويصرفها لأهلها وللإمام أن يزيد وينقص مال الصلح بعد انقضاء مدته ، فإذا
أسلموا فحكم أرضهم حكم القسم الأول يسقط عنهم مال الصلح ، لأنه جزية وعليهم العشر أو
نصفه.
وكل أرض أخذت بالسيف
عنوة فهي للمسلمين قاطبة للمقاتلة وغيرهم يقبلها الإمام ممن يقوم بعمارتها بما يراه
، وعلى المتقبل فيما يفضل له بعد إخراج مال القبالة وحق الرقبة إذا بلغ نصابا العشر
أو نصفه ، فلا يصح التصرف في هذا النوع بالبيع والوقف وغير ذلك ، وللإمام التصرف فيه
حسب ما يراه من مصلحة المسلمين وأن ينقله من متقبل إلى آخر إذا انقضت مدة زمانه وارتفاع
ذلك يصرف إلى المسلمين ومصالحهم ، وأراضي الأنفال تذكر بعد.
الفصل الثامن
وأما المسنون من الزكاة ففي أموال التجارة
إذا طلب برأس المال أو الربح ، وفي كل ما يخرج من الأرض مما يكال أو يوزن سوى ما تقدم ، وفي الحلي المحرم لبسه
، وسبائك الذهب والفضة والأواني المصاغة منهما إذا لم يفر بذلك من الزكاة ، والمال
الغائب الذي لا يتمكن مالكه من التصرف فيه إذا قدر عليه وقد مضى عليه حول أو أحوال
زكاة لحول ، والمال الصامت
لمن ليس بكامل العقل إذا
اتجر به
__________________
الولي تكرما لهم.
وفي الإناث من الخيل
في كل رأس من العتاق ديناران ، ومن البراذين دينار واحد. وشرائط الاستحباب كشرائط الوجوب
، ويسقط في الخيل اعتبار النصاب ، والمقدار المستحق إخراجه مثل المقدار الواجب إلا
في الخيل ، ويستحب أيضا في المنازل والدكاكين والعقار وغيرها إذا كانت للغلة.
وقال بعض أصحابنا
: إذا طلب مال التجارة برأس المال أو الربح
يجب فيه الزكاة. إذا اشترى سلعة بمائتين فأقامت عنده حولا
فباعها بألفين زكى المائتين بحوله
ويستأنف لزكاة الفائدة
الحول من حين ظهورها. إذا اشترى سلعة فحال عليه الحول فحولها حول
الأصل لأنها مردودة إليه بالقيمة ولا يستأنف ، وإن كان اشتراها بعرض للقنية استأنف
بها الحول والزكاة تتعلق بقيمة التجارة لا بها بعينها.
إذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقط زكاتها وإن
كانت للقنية فنوى بها التجارة لا تصير تجارة حتى يتصرف فيها للتجارة وما لزم في رأس
مال المضاربة من الزكاة به على رب المال وما لزم في الربح كان بينهما.
الفصل التاسع
زكاة الرؤوس هي زكاة الفطرة وتجب على كل
حر بالغ مالك للنصاب يجب فيه الزكاة
مسلما كان أو كافرا غير أنه لا يصح من الكافر إخراجها إلا بعد الإسلام ، ولا يضمن إلا
بشرط الإسلام ، فمن وجبت عليه يلزمه أن يخرجها عن نفسه وجميع من يعوله من والد وولد
وزوجة ومملوك غائبا كان أو حاضرا أو ضيف مسلما كان
__________________
أو ذميا ، وعن المدبر والمكاتب المشروط عليه وغير المشروط عليه إذا لم يتحرر
منه شيء فإن تحرر بعضه لزمه بحساب ذلك إن لم يكن ممن يعوله [ فإن كان ممن يعوله ] لزمه كمال فطرته ، وكذا غير المكاتب إن كان بعضه ملكا له
، والعبد المغصوب لا يلزم الغاصب فطرته ولا المغصوب منه ، ومن ولد له مولود أو ملك
عبدا قبل هلال شوال ولو بلحظة لزمته فطرتهما وإن كان بعد هلاله قبل صلاة العيد استحب
ذلك وأما بعدها فلا شيء.
من ملك نصابا من
الأموال الزكوية قبل أن يهل بشوال ولو بلحظة وجب عليه الفطرة ، وكذا إذا أسلم قبل الهلال
وإن كان بعد ذلك وقبل الصلاة فندب .
والمرأة إذا كانت
مطلقة طلاقا يملك رجعتها إذا أهل شوال لزم الزوج فطرتها ، فإن لم يملك [ رجعتها أو
كانت ناشزة فحينئذ فلا.
ومن لا يملك ]
نصابا لا يجب عليه الفطرة بل يستحب له ذلك ، وإن أراد فقراء
أهل بيت فضيلة الفطرة ترادوا فطرة رأس واحد ثم أخرجوها إلى خارج ، وقيل : تجب الفطرة
على الفقير وإن لم يملك النصاب ، وليس بصحيح.
والمرأة الموسرة
إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزمها فطرة نفسها ، وكذا الأمة الموسرة تحت معسر أو
مملوك ، لأن بالتزويج سقط عنها فطرتها ونفقتها وسقط عن الزوج أيضا لإعساره.
__________________
ويخرج في الفطرة
التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن أيها شاء إلا أن الأفضل
التمر أو الزبيب أو ما هو أعلى من قوته ، والأصل أن يخرج ما هو أغلب على قوته ، يخرج
عن كل رأس صاعا واحدا ، وهو تسعة أرطال بالعراقي أو ستة بالمدني ، إلا اللبن فإنه يجزي
منه ستة أرطال بالعراقي أو أربعة بالمدني.
ويجوز إخراج القيمة
من أي جنس كانت ، ولا يجوز إخراج صاع واحد من جنسين
إلا على جهة القيمة.
ووقت وجوب الفطرة
حين استهل هلال شوال ، فإن قدمها على جهة القرض جاز ، وآخر وقتها حين الفراغ من صلاة
العيد ، فإن لم يجد المستحق قبل الصلاة عزلها عن ماله ثم يسلمها بعده ، فإن هلكت فلا
ضمان عليه ، وإن وجد المستحق قبل الصلاة ولم يدفعها إليه وهلكت فعليه الضمان ، وإن
قصر في إخراجها حتى صليت صلاة العيد فعليه قضاؤها ، وقيل : وقت وجوبها من طلوع الفجر
من يوم العيد إلى قبيل صلاته.
فإن أخر إخراجها
إلى بعد الصلاة لغير
عذر أخل بواجب وسقط وجوبها
وجرت إن أخرجها مجرى ما يتطوع به من الصدقات ، وإن كان عزلها عن ماله انتظار لمستحقها
فهي مجزية عنه ، ومستحقها مستحق زكاة الأموال الجامع بين الفقر والإيمان والتنزه عن
الكبائر.
ويجوز إعطاؤها أطفال
المؤمنين ومن كان بحكمهم من مجانين أهل الإيمان والبله منهم ، فإن فقد المستحق في البلد
جاز أن يعطي المستضعفين من غيرهم.
__________________
ولا يجوز حملها
من بلد إلى بلد آخر ، ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له إلا
عند التقية أو عدم المستحق ، فالأفضل ألا يعدل بها عن الأقارب إلى الأباعد وعن الجيران
إلى الأقاصي
، وأقل ما يعطى الفقير
منها صاع واحد ، وقد روي أنه إذا حضر جماعة وليس هناك من الأصواع ما يصيب كلا منهم
صاع جاز أن يفرق عليهم
ولا يجوز مع الاختيار ويجوز
أن يعطى الواحد أصواعا.
الفصل العاشر في الخمس :
الخمس يجب في كل
ما يغنم من دار الحرب ما يحويه العسكر وما لم يحوه ، ما يمكن نقله إلى دار الإسلام
وما لا يمكن من الأموال والذراري والأرض والعقار والسلاح والكراع وغير ذلك مما يصح
تملكه وكانت في أيديهم من غير جهة الغصب لمسلم.
وفي المعادن كلها
ما ينطبع منها كالذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص ، وما لم ينطبع كالكحل
والزرنيخ والياقوت والزبرجد والبلخش والفيروزج والعقيق والقير والنفط والزئبق والكبريت والملح
والمومياء والمن والعسل الذي يوجد في الجبال ، وكل ما يخرج بالغوص من البحر أو يوجد
على رأس الماء ، وفي العنبر ، وفي أرباح التجارات والمكاسب كلها ، وفيما يفضل من الغلات
المذكورة عن قوت السنة له ولعياله ، وفي الكنوز التي توجد في دار الحرب من الذهب والفضة
والدراهم والدنانير كان عليها أثر الإسلام أو لا ، وفيما يوجد
__________________
منها في بلاد الإسلام ولم يكن عليها أثر الإسلام أو كان عليها أثر الجاهلية
هذا إذا لم يعرف لها أهل ، وفي ما اختلط الحلال بالحرام من المال ولم يتميزا.
وفي المعدن الخمس
وإن كان للمكاتب أو كان العامل فيه عبدا ، وما يجب فيه الخمس لا يعتبر فيه الحول ،
ويجب في قليله وكثيرة إلا الكنوز ومعادن الذهب والفضة فإنها لا يجب فيها الخمس إلا
إذا بلغت النصاب الذي فيه الزكاة.
والغوص لا يجب فيه
الخمس إلا إذا بلغ قيمته دينارا ، ولا خمس فيما يصطاد من حيوان البحر. والغلات والأرباح
يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السلطان ومئونة الرجل ومئونة عياله لسنته على الاقتصاد.
والكنوز والمعادن
يجب فيها الخمس بعد إخراج مؤنها.
والخمس نصفه للإمام
القائم مقام الرسول والنصف الآخر يقسم ثلاثة أقسام : قسم ليتامى آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقسم لمساكينهم وقسم لأبناء سبيلهم لا غير ، يقسمه الإمام بينهم على قدر كفايتهم في السنة على الاقتصاد ، ولا
يخص فريقا منهم بذلك
دون فريق ، وليسوي بين
الذكر والأنثى
والصغير والكبير ، فإن
فضل شيء كان له خاصة ، وإن نقص كان عليه إتمامه من حصته. واليتامى وأبناء السبيل يعطيهم
مع الفقر والغنى لأن الظاهر يتناولهم.
ومستحق الخمس من
يحرم عليه الزكاة الواجبة من بني هاشم ، ولا يستحقه من كانت أمه هاشمية دون أبيه وإن
كان بالعكس منه جاز ، ولا يخص بالخمس الأقرب ولا يفضل بعضهم على بعض ، ولا يعطي إلا
من كان مؤمنا أو بحكم الإيمان من الأطفال والمجانين ، ويكون عدلا مرضيا ، فمن فرق في
الفساق
__________________
فلا ضمان عليه لأن الاسم يتناولهم ، ولا يحمل الخمس من بلد إلى غيره مع وجود
مستحقه إلا بشرط الضمان ، وإذا لم يوجد إلا صنف أو صنفان جاز أن يفرق فيهم ولا ينتظر
غيرهم.
الفصل الحادي عشر في الأنفال
:
الأنفال : كل أرض
خربة باد أهلها وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وهي ما انجلى أهلها ، وكل أرض
أسلمها أهلها بغير قتال ، ورءوس الجبال وبطون الأودية ، والآجام والأرضون الموات التي
لا أرباب لها ، وصواف الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم لا على وجه الغصب ، وميراث
من لا وارث له ، ومن الغنائم قبل القسمة الجارية الحسناء والفرس الفارة والثوب المرتفع
، وما لا نظير له من رقيق أو متاع ما لم يجحف ذلك بالغانمين ولم يستغرق الغنيمة
وما غنم من أهل الحرب بغير إذن الإمام كان كل هذا للإمام
القائم مقام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمن تصرف فيه بغير إذنه كان غاصبا
وما يحصل من الفوائد يكون
للإمام دونه ، وقد وردت الرخصة عن الأئمة ـ عليهمالسلام ـ بشيعتهم خاصة أن يتصرفوا في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بد منه
من المساكن والمتاجر والمناكح دفعا للحرج عنهم وتطييبا لولادتهم ، فأما ما عدا ذلك
من أخماسهم فلا يجوز لأحد التصرف فيه ، وحكمه في أيدي شيعتهم ومن اشتغل به ذمتهم حكم
ودائع المسلمين وأماناتهم.
وقد أمليت في ذلك
مسألة مستوفاة مستقصاة وسميتها « تنبيه الأنام لرعاية حق الإمام » يطلع بها على ثنايا
هذه المسألة وخباياها
وبالله التوفيق.
__________________
كتاب
الصوم
الفصل الأول
الصوم إمساك مخصوص على وجه مخصوص في وقت
مخصوص من ذي وصف مخصوص.
أعني : الإمساك
عن الطعام والشراب وغيرهما مما نذكر بعد ، على وجه العمد دون النسيان ، في النهار
دون الليل ، ممن كان طاهرا ليس بجنب ولا حائض ، ومؤمنا ليس
بكافر ، مقيما ليس بمسافر.
ومن شرط انعقاده
النية المقارنة له فعلا أو حكما كالنائم طول شهر رمضان والمغمى عليه فإنه لا نية لهما
وقد صح صومهما.
ومن شرط وجوبه كمال
العقل والطاقة
والبلوغ ، وليس من شرط
الوجوب الإسلام لأن الكافر متعبد بالشرائع إلا أنه لا يلزمه القضاء إذا أسلم ، لأن
القضاء فرض ثان ، ومن صام غير عارف بالحق ثم استبصر فلا إعادة عليه ، والمرتد إذا أسلم
يلزمه قضاء ما فاته في حال الارتداد ولا يبطل صومه بنفس الارتداد ما لم يفعل ما يفطره
، وأما زوال العقل ، إن كان بما يفعله
المكلف بنفسه على وجه يرجى
زواله بمجرى العادة كالسكر وغيره ، فإنه يلزمه قضاء ما فاته حينئذ من
__________________
العبادات ، وإن زال عقله بجناية على وجه لا يعود ، كأن صار مجنونا مطبقا أو
بفعل من قبل الله تعالى فلا قضاء ، فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى عليه
أو مجنون أو نائم وبقي كذلك أياما ـ أفاق في بعضها أو لا ـ فلا قضاء عليه إلا لما أفطر
فيه ، أو طرح في حلقه دواء وهو مفيق.
وحد البلوغ الاحتلام
في الرجال ، والحيض في النساء ، والإنبات فيهما ، أو كمال خمس عشرة سنة في الرجال وفي
النساء عشر سنين ، ويستحب أخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه من تسع سنين تمرينا له.
الفصل الثاني
الصوم على خمسة أقسام : مفروض ، ومسنون ،
وصوم إذن ، وصوم تأديب ، وصوم قبيح.
فالمفروض
ضربان : مطلق من غير سبب ، وواجب عند السبب.
فالمطلق صوم شهر
رمضان ، وشرائط وجوبه ستة : البلوغ ، وكمال العقل ، والصحة ، والإقامة أو حكمها ، والطهارة
من الحيض وغيره ، ومن شرط صحة الأداء الإسلام ، وشرائط وجوب القضاء ثلاثة : البلوغ
، وكمال العقل ، والإسلام.
والواجب عند سبب
ضربان : ما كان سببه تفريطا أو عصيانا ، أو ما لم يكن كذلك.
فالأول ستة : صوم
كفارة الظهار ، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، وكفارة من أفطر يوما يقضيه
من شهر رمضان بعد الزوال ، وكفارة القتل عمدا ، وجزاء الصيد ، وكفارة اليمين.
__________________
والثاني ستة أنواع
: قضاء ما فات من شهر رمضان لعذر من مرض أو سفر أو حيض ، وصوم النذر ، وصوم كفارة أذى
حلق الرأس ، وصوم دم متعة الحج ، وصوم الاعتكاف ، وكفارة قتل الخطاء.
وتنقسم هذه الواجبات
ثلاثة أقسام : مضيق ومخير ومرتب.
فالمضيق خمسة :
صوم شهر رمضان ، وقضاء ما فات منه ، وصوم النذر ، وصوم كفارة قتل العمد ، وصوم الاعتكاف.
والمخير أربعة :
صوم كفارة أذى حلق الرأس ، وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، على خلاف فيه
بين الطائفة في كونه مخيرا أو مرتبا ، وصوم كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد
الزوال متعمدا بلا عذر ، وصوم جزاء الصيد.
والمرتب أربعة :
صوم كفارة اليمين ، وصوم كفارة قتل الخطاء ، وصوم كفارة الظهار ، وصوم دم الهدي.
وينقسم الواجب قسمين
آخرين : أحدهما يتعلق بإفطاره متعمدا بلا ضرورة قضاء وكفارة وهو أربعة : صوم شهر رمضان
، وصوم النذر المعين بزمان ، وصوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال ، وصوم الاعتكاف
، والثاني
لا يتعلق به كفارة وهو
ما عدا ما ذكرناه. وينقسم الواجب أيضا قسمين آخرين : أحدهما يراعى فيه التتابع ، والآخر
لا يراعى.
فالأول ضربان :
منه ما إذا أفطر
في حال دون حال بنى ، وهو سبعة : من وجب عليه صوم شهرين متتابعين إما في قتل العمد
أو قتل الخطاء أو الظهار أو إفطار يوم من شهر
__________________
رمضان. أو نذر معين بيوم ، أو وجب عليه صوم شهرين متتابعين بنذر غير معين ،
فمتى أفطر في الشهر الأول أو قبل أن يصوم من الثاني شيئا ولو يوما واحدا بلا عذر من
مرض أو حيض استأنف ، وإن كان إفطاره بعد أن صام من الثاني ولو يوما واحدا ، أو كان
إفطاره في الشهر الأول لمرض أو حيض بنى على كل حال ، وكذا من أفطر يوما من شهر نذر صومه متتابعا ، أو وجب
عليه ذلك في كفارة قتل الخطاء أو الظهار لكونه مملوكا قبل أن يصوم خمسة عشر يوما بلا
عذر من مرض أو حيض [ استأنف ، وإن كان بعد أن صام خمسة عشر يوما أو كان إفطاره قبل
ذلك لمرض أو حيض ] بنى ، وصوم ثلاثة أيام لدم المتعة فإن صام يومين ثم أفطر بنى ، فإن صام يوما
ثم أفطر أعاد.
ومنه ما يوجب الاستئناف
على كل حال وهو ثلاثة مواضع : صوم كفارة اليمين ، وصوم الاعتكاف ، وصوم كفارة من أفطر
يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
والقسم الثاني وهو
ما لا يراعى فيه التتابع ، أربعة مواضع : السبعة الأيام في دم المتعة ، وصوم النذر
إذا لم يشرط التتابع ، وصوم جزاء الصيد ، وصوم قضاء شهر رمضان لمرض أو سفر أو حيض ،
وإن كان التتابع فيه أفضل.
ولا يجوز الصوم
الواجب في السفر ، ولا في يوم العيدين ،
ولا لمن كان بمنى في أيام
التشريق ، إلا القاتل في الأشهر الحرم فإنه يجب عليه صوم شهرين متتابعين من الأشهر الحرم وإن دخل
فيه صوم يوم العيدين والتشريق ، ومن وجب
__________________
عليه صوم شهرين متتابعين في أول شعبان تركه إلى انقضاء شهر رمضان ، فإن صام
شعبان وشهر رمضان لم يجز إلا أن يكون قد صام من رجب شيئا مع شعبان فيكون قد زاد على الشهر فيبني عليه بعد رمضان.
وأما الصوم المسنون
فجميع أيام السنة إلا ما يحرم فيه الصوم إلا أن فيها ما هو أشد تأكيدا على ما عد في
كتب العبادات.
وأما صوم الإذن
فثلاثة : لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها فإن صامت بغير إذنه لم ينعقد صومها وكان
له تفطيرها ، ولا المملوك إلا بإذن سيده ، ولا الضيف إلا بإذن مضيفه ، كل ذلك في التطوع
خاصة.
وأما صوم التأديب
فخمسة : المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر ، والحائض إذا طهرت ، والمريض إذا برأ ، والكافر
إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ ، كل منهم يمسك بقية نهاره أدبا.
وأما الصوم القبيح
فعشرة : يوم الشك على أنه من شهر رمضان ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وثلاثة أيام التشريق
لمن كان بمنى ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الصمت ، وصوم الوصال. وهو أن يجعل عشاءه سحوره
أو يطوي يومين من غير أن يفطر بينهما ، وصوم الدهر ، لأنه يدخل فيه العيدان ، والتشريق.
الفصل الثالث
علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البينة
برؤيته دون العدد ، فمن لم يره وقد
رئي في البلد رؤية شائعة وجب عليه الصوم ، وكذا إن كان في السماء غيم أو
__________________
غبار وشهد عدلان مسلمان برؤيته من أهل البلد أو من خارجه وجب الصوم ، ومع فقد
العلة لا يقبل إلا بشهادة خمسين رجلا من البلد أو الخارج ، ومتى لم ير في البلد ورئي في بلد آخر أو في
البراري وجب العمل به إذا كان البلد الذي رئي فيه بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة لرئي في الموضعين معا لتقاربهما ، وأما إذا
بعدت فلكل بلد حكم نفسه ، ولا يجب على أهل أحدهما العمل بما رئي في الآخر ، ولا يقبل
شهادة النساء في رؤية الهلال لا على الانفراد ولا مع الرجال ، ولا شهادة الفساق والصبيان
والكفار إلا إذا بلغت حد التواتر ، ومتى غم هلال رمضان عد شعبان ثلاثين يوما وصام بعده بنية رمضان ، فإن غم شعبان
أيضا عد رجبا ثلاثين وصام فرضا بعد الستين ، فإن رئي هلال شوال ليلة تسع وعشرين من
رمضان قضى يوما واحدا بدله لا غير ، لأن الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوما ، فإن
لم يتحقق هلال شهر من شهور السنة سوى الأول نظر اليوم الذي صام من السنة الماضية وعد
خمسة أيام وصام اليوم الخامس لأن شهور السنة لا يكون كلها تامة.
ولا اعتبار بتطوق
الهلال أو غيابه بعد الشفق أو رؤيته قبل الزوال أو بعده بل يجب العمل بالرؤية ، ويوم
الشك يصومه على أنه من شعبان وقد أجزأه وإن كان من رمضان ، وإن صامه بنية رمضان بلا
إعادة ، يجب عليه قضاؤه متى صح أنه كان من رمضان ، ويجوز أن ينوي الفرض إن كان من
رمضان والنفل إن كان من شعبان غير قاطع على أحدهما ، ومتى عد شعبان ثلاثين يوما وصام
بعده
__________________
ثم قامت البينة بأنه رئي الهلال قبله بيوم قضى يوما بدله لا غير ، ومتى قامت
البينة على هلال شوال بعد الزوال في الليلة الماضية وجب الإفطار.
ومن كان أسيرا أو
محبوسا بحيث لا يهتدي إلى العلم بشهر رمضان فليتوخ شهرا وليصمه
بنية القربة ، فإن وافق شهر رمضان فقد أجزأه ، وكذا إن كان
بعده كان قضاء ، وإن كان قبله فعليه القضاء.
الوقت الذي يجب
فيه الإمساك عن الطعام والشراب هو طلوع الفجر الثاني ، فإن طلع وفي فيه طعام أو شراب
لفظه وتم صومه ، فإن شك في الفجر فأكل
وبقي على شكه فلا شيء
، فإن علم بعد أنه كان طالعا فعليه القضاء.
ويجوز الجماع إلى
أن يبقى إلى طلوع الفجر قدر إمكان الغسل ، فإن جامع بعده فعليه القضاء والكفارة ، وإن
جامع ظانا امتداد الوقت إلى الفجر فطلع وهو مجامع امتنع واغتسل وقد صح صومه ، وإن تحرك حركة تعين على الجماع
لا على الامتناع فقد أفطر ، وكذا إن غلب في ظنه أن الفجر قد قرب أو علم ذلك وأقدم على
الجماع فطلع عليه مجامعا فعليه القضاء والكفارة ، ووقت الإفطار أول وقت المغرب وقد
مر.
الفصل الرابع
صوم شهر رمضان يكفي فيه نية القربة ولا يحتاج
في انعقاده إلى نية التعيين ، ونية القربة أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى الله تعالى ، ونية التعيين أن يعين
أنه يصوم شهر رمضان والجمع بينهما أفضل ، وإذا كان من نيته أنه
يصوم الشهر إذا حضر
__________________
ولم يجددها عند دخول الشهر لسهو أو نوم أو إغماء صح صومه ، ويجوز في نية القربة
أن تكون متقدمة ، والأفضل أن تكون مقارنة يأتي بها ليلة الشهر من أولها إلى آخرها متى شاء ، ويجزيه أن ينوي ليلة الشهر
صوم الشهر كله ، والأفضل أن يجددها كل ليلة ، ومتى نوى بصوم شهر رمضان النذر أو القضاء
أو نفلا لم يقع إلا عن رمضان.
إذا صام الشاك أول
الشهر بنية النفل أجزأه ، وأما بنية الفرض فلا ، فإن لم ينو إلى قبيل الزوال لسهو أو
فقد علم بدخول الشهر صح ، وكذا في غير رمضان من الصوم المفروض ، وإن أخر النية إلى بعد الزوال في رمضان لعدم علمه بدخوله جددها
وقضى إن كان أصبح بنية الإفطار ، وإن كان صائما بنية النفل يجزئه متى جددها ، وإن أصبح
بنية الإفطار مع العلم بأنه من الشهر ثم جدد النية لم ينعقد وعليه القضاء.
ومن هو في سفر التقصير
إذا صام بنية رمضان لم يجزه
وبنية التطوع يجزئ ، ومن
نذر أياما فوافق شهر رمضان فصام عن أيهما شاء حاضرا فقد أجزأه عن كليهما ، وإن كان
مسافرا وكان قد نذر أنه يصوم مسافرا كان أو حاضرا فذلك للنذر وعليه القضاء لرمضان
، وإن لم يكن قيد النذر لم يجز عن أحدهما لأن ما عداه من
واجب الصوم لا يصح في السفر ، وما عدا ما ذكرناه من مفروض الصوم ومسنونة لا يجزئ فيه
نية القربة عن التعيين.
ووقت النية في ذلك
ليلة الصوم من أولها إلى طلوع الفجر الثاني لا تجزئ
__________________
المتقدمة عليه ، ويجوز تجديدها إلى الزوال فإن زالت فقد فات الوقت إلا في النوافل
، إذ قد روي تجديد النية فيها إلى أن يبقى من النهار ما يمكن أن يكون صوما ، ويصح من الصبي نية الصوم.
لا يؤثر في الصوم
المنعقد نية الإفطار حتى يتناول مفطرا ولا كراهة الامتناع من الأشياء المخصوصة. ونية
الصوم يجب أن يتعلق بكراهة المفطرات من حيث كانت إرادة ، والإرادة تتعلق بحدوث الشيء
ولا تتعلق بأن لا يفعل الشيء وليس هناك إلا الكراهة وقيل : إنما هي تتعلق بإحداث توطين
النفس وقهرها على الامتناع بتجديد الخوف من العقاب والرجاء للثواب وغير ذلك.
الفصل الخامس
ما يجب على الصائم الإمساك عنه ضربان : واجب
وندب ، والواجب ضربان : أحدهما
فعله يفسد الصوم ، والآخر لا يفسده. وما يفسده إما أن يقع في صوم شهر رمضان والنذر
المعين بزمان مخصوص ، أو في غيرهما مما لا يتعين ، فما يقع فيهما ضربان : أحدهما يوجب
القضاء والكفارة ، والآخر يوجب القضاء دون الكفارة. فما يوجبهما جميعا تسعة : الأكل
والشرب لكل ما يكون به آكلا وشاربا ، والجماع في الفرج أنزل أو لا قبلا كان أو دبرا
فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة ، وقد روي أن الوطء في الدبر بلا إنزال لا ينقض
الصوم وأن المفعول به لا ينقض صومه بحال ،
والأول أظهر وأحوط ، وإنزال
الماء الدافق متعمدا ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة ـ عليهمالسلام ـ متعمدا مع العلم بأنه كذب ، والارتماس في
__________________
الماء ، وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق كغبار الدقيق والتراب ونحوهما ، وفي
أصحابنا من قال : إن الارتماس والكذب المذكور لا يفطران وإن الغبار يوجب القضاء دون الكفارة ، والبقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر متعمدا بلا ضرورة ،
ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر متعمدا.
والكفارة عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدان وأقله مد مخيرا في ذلك
، وروي أنها مرتبة ،
والتخيير أظهر وأشيع ،
وروي أنه إذا أفطر يوما من رمضان بمحظور كالخمر والزنا لزمه الجمع بين هذه الكفارات
الثلاث.
ومن أفطر يوما معينا نذر
صومه فحكمه حكم رمضان ، وروي أن عليه كفارة اليمين ، وذلك محمول على من لا يقدر إلا
عليها ، وروي أنه لا شيء عليه ، وذلك محمول على من لا يقدر أصلا.
__________________
وتكرار الفعل يوجب
تكرار الكفارة سواء كان ذلك في يومين أو في رمضانين ، وسواء كفر عن الأول أو لا. وإذا
تكرر في يوم واحد ففي وجوب التكرار قولان ، والأظهر أنه يتكرر ، وإذا طاوعت المرأة
زوجها في جماعها في نهار شهر رمضان كان عليها أيضا القضاء والكفارة ويضرب كل واحد منهما
خمسة وعشرين سوطا ، وإن أكرهها الزوج فعليه كفارتان ويضرب خمسين سوطا.
ومن وجبت عليه الكفارة
ولم يقدر على شيء منها صام ثمانية عشر يوما ، وكذا من وجب عليه صوم شهرين متتابعين
بنذر أو غيره ، فإن عجز عن ذلك استغفر الله ولم يعد ، ومن وجبت عليه كفارة فتبرع عنه
إنسان بها جاز ، ومن أفطر في شهر رمضان متعمدا بلا عذر وقال : لا حرج علي في ذلك ،
وجب قتله ، فإن قال : علي فيه حرج ، عزره الإمام مغلظا فإن عاد ثالثا
بعد تعزيره دفعتين قتل.
فأما ما يوجب القضاء
دون الكفارة فثمانية عشر شيئا : الإقدام على الأكل والشرب والجماع وإنزال الماء [ الدافق
] قبل أن يرصد الفجر مع القدرة عليه ويكون طالعا ، وترك القبول
عمن قال : إن الفجر قد طلع وكان طالعا ، والإقدام على ما مر أو على الجماع ونحوه ،
وتقليد الغير في أن الفجر لم يطلع مع القدرة على مراعاته ، [ والإقدام على ما سبق وقد
طلع الفجر ، وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على مراعاته ] والإقدام على الإفطار بدخوله ولم يدخل ، وكذا الإقدام على
الإفطار لما يعرض في السماء من ظلمة بلا احتياط ثم تبين أن الليل لم يدخل ، ومعاودة
النوم بعد انتباهة واحدة على الجنابة ولم ينتبه حتى يطلع الفجر ، ووصول
__________________
الماء إلى الحلق من غير قصد إليه للتبرد به دون المضمضة ، والنظر إلى ما لا يحل بشهوة حتى أنزل ، وتعمد القيء وابتلاع
ما يحصل في فيه من قيء ذرعه ولم يتعمده مع الاختيار ، وابتلاع ما يخرج من بين أسنانه بالتخلل متعمدا ، وابتلاع
ما ينزل من رأسه من الرطوبة أو ما يصعد إلى فيه من صدره من النخامة والدم وغيرهما مع
إمكان التحرز ، وابتلاع ما وضعه في فيه من خرز وذهب وغيرهما بلا حاجة إليه ناسيا ، وابتلاع الريق الذي انفصل من الفم ، والسعوط
الذي يصل إلى الحلق ، والاحتقان بالمائعات ، وصب الدواء في
الإحليل حتى وصل إلى الجوف ، واستجلاب ما له طعم ويجري مجرى الغذاء كالكندر في إحدى
الروايتين ، وفي الأخرى أنه لا يفطر ، قال الشيخ : والأول هو الاحتياط . ومتى وقع شيء
من ذلك في غير ما ذكرناه من الصوم أبطله ويوجب القضاء إن كان فرضا.
وإن وقع في قضاء
شهر رمضان بعد الزوال فعليه مع صيام يوم بدله إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام
متوالية ومن فعل شيئا من جميع ذلك ناسيا في أي صوم كان فلا شيء عليه وصح صومه ، وإن
فعل شيئا من ذلك ناسيا في صوم معين ثم اعتقد أن ذلك يفطر فأكل أو شرب أو أتى بمفطر آخر فعليه القضاء والكفارة ،
وقيل : عليه القضاء لا غير.
وأما ما يجب الإمساك
عنه وإن لم يفسد الصوم فجميع المحرمات والقبائح سوى ما سبق.
__________________
وما يكره للصائم
فعله اثنا عشر شيئا : السعوط الذي لم ينزل إلى الحلق سواء بلغ الدماغ أو لا ، والكحل
الذي فيه شيء من المسك والصبر ، وإخراج الدم على وجه يضعفه ، ودخول الحمام المؤدي إلى الضعف
، وشم الرياحين كلها ، وأشدها كراهة
النرجس ، واستدخال الأشياف
الجامدة
، وتقطير الدهن في الأذن
، وبل الثوب على الجسد ، واستنقاع المرأة في الماء إلى الحلق ، والقبلة ، وملاعبة النساء
المحللات ، ومباشرتهن ما لم يؤد شيء من ذلك إلى الإمناء ، ولا بأس أن يزق الصائم الطائر
أو يمضغ الطعام للصبي أو يذوق المرقة إذا لم يبلع شيئا.
الفصل السادس
من نذر أن يصوم شهرا بعينه لزمه الوفاء سواء
كان تاما أو ناقصا ، وإن علقه بوقت قدوم
زيد مثلا فوافق بعض الشهر لزمه أن يصوم ثلاثين يوما ، وإن أطلق النذر ولم يعينه كان
مخيرا بين أن يصوم شهرا بين هلالين أو ثلاثين يوما ، وكذا إذا نذر أن يصوم شهرين أو
أكثر ، وإن نذر أن يصومه مسافرا كان أو حاضرا لزمه صومه ، وإن كان مسافرا فوافق ما
نذر صومه
معينا يوم العيد أفطر وقضى
، وإن علق صومه بيوم العيدين أفطر ولا قضاء لأنه نذر في معصية ، وإن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا
أو نهارا بعد أن أفطر فلا شيء عليه ، وإن قدم قبل الزوال لم يفطر جدد النية وصام ،
وإن نذر صوما وعلقه بشرط فلم يعين مقدار الصوم صام أقل ما يكون به صائما إذا حصل الشرط
وهو يوم واحد ، والزمان خمسة أشهر ، والحين ستة أشهر. ومن نذر أن يصوم ببلد بعينه شهرا
وجب عليه أن يحضره
__________________
ويصوم ، فإن حضره وصام بعضه ثم لم يمكنه المقام خرج وقضى الباقي إذا عاد إلى
أهله أو حيث عزم المقام فيه عشرة أيام فصاعدا. ومتى عجز عن صيام ما نذر فيه تصدق عن
كل يوم بمد من الطعام. ومن نذر أن يصوم غدا وكان يوم الأضحى ولم يعلم ، أفطر ولا قضاء ، والأفضل أن يقضيه.
ومن نذر أن يصوم لا على وجه القربة بل على وجه التمرين ومنع النفس لم ينعقد نذره. ومن صام بنية التطوع جاز له أن يفطر متى
شاء إلا بعد الزوال فإنه مكروه إلا أن يدعوه إلى ذلك أخ مؤمن فحينئذ الإفطار أفضل.
الفصل السابع
كل سفر يجب فيه قصر الصلاة يجب فيه الإفطار
، والشرائط هنا كهي ، ثم
ومتى كان السفر أربع فراسخ ولم يرد الرجوع من يوم لم يجز له الإفطار ، ومن صام في السفر
الذي يجب فيه الإفطار
فعليه الإعادة إذا كان
عالما بوجوب الإفطار وإلا فلا.
من بيت للسفر
وخرج قبل الزوال أفطر وقضى ، وإن خرج بعد الزوال لم يفطر
وقضى ، وإن لم يبيت النية للسفر وتجدد له رأى فيه ، أتم ذلك اليوم ولا قضاء ، فإن جامع
وأفطر فيه فعليه القضاء والكفارة ، ولا يجوز الإفطار بعد تكامل الشروط إلا بعد أن يخرج
وتتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان مصره.
وواجب الصوم لا
يجوز في السفر إلا النذر المقيد صومه بحال السفر وصوم الأيام الثلاثة لدم المتعة ،
وصوم التطوع مكروه فيه. ويكره للمختار إنشاء السفر في
__________________
رمضان إلا بعد مضي ثلاثة وعشرين يوما منه.
وإذا قدم المسافر
أهله نهارا وقد أكل في صدره أمسك عما يفطر بقية النهار أدبا ويقضي ، وكذا إذا ورد بلدا
يريد فيه المقام عشرا ، وإن دخله ولم يفطر في صدر النهار وجب عليه أن يمتنع ويجدد النية
إن كان قبل الزوال ولا قضاء ، وإن كان بعد الزوال أمسك وقضى ، والأفضل لمن يعلم وصولة
إلى البلد أن يبيت صوم يومه ذاك.
الفصل الثامن
كل مرض لا يقدر صاحبه على الصوم أو يخاف
الزيادة في مرضه يجب معه الإفطار ولو كان قبل الغروب بساعة ، فإن صام والحال هذه أعاد واجبا ، وإن برأ وسط النهار
وكان قد تناول مفطرا أمسك بقية النهار أدبا وقضى ، وإن لم يتناول جدد النية قبل الزوال
، وإن كان بعد الزوال قضى تناول أو لا ، والحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا
أضر بهما الصوم وخافتا على الولد أفطرتا وتصدقتا
عن كل يوم بمدين من طعام فإن لم تقدرا فبمد ثم تقضيانه ،
وكذا من به عطاش يرجى زواله ، وأما من لم يرج زوال عطاشه والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة
إذا عجزوا عن الصوم أفطروا وتصدقوا بما مر ولا قضاء. وكل من أبيح له إفطار لا ينبغي
أن يتملأ من الطعام ويروى من الشراب ولا يجوز له أن يجامع.
ومن كان مفيقا في
أول الشهر ونوى الصوم ثم أغمي عليه أياما فلا قضاء عليه ما لم
يفطر ، وكذا إن كان مغمى عليه في أول الشهر لأن النية المتقدمة كافية.
ومن جن أياما متوالية
ثم أفاق فلا قضاء عليه ـ وإن أفطر ـ لأنه ليس بمكلف ،
__________________
ومن بقي نائما قبل دخول الشهر أو بعده أياما وقد سبقت منه نية القربة فلا قضاء
عليه ، وكذا من أصبح صائما ثم جن في بقية يوم أو أغمي عليه.
الفصل التاسع
من فاته شيء من شهر رمضان لمرض واستمر به
المرض إلى رمضان آخر صام الحاضر وتصدق عن الأول ولا قضاء ، وكذا حكم ما زاد على رمضانين. وإن برأ من مرضه قبل لحوق رمضان
آخر وجب عليه القضاء ، فإن لم يقض ثم مات قضى عنه وليه وهو أكبر أولاده الذكور ، فإن
كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به بعضهم فيسقط عن الباقين ، فإن لم يخلف من الأولاد
إلا الإناث لم يلزمهم القضاء وكان الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين من طعام وأقله
مد ، فإن لم يمت وفي عزمه القضاء من غير توان ويجيئه رمضان آخر صام الحاضر وقضى الأول ولا كفارة ، وإن أخره توانيا
صام الحاضر وقضى الأول وتصدق عن كل يوم بما مر ، وإذا لم يبرأ
ومات صام عنه وليه ندبا.
وكل من مات وقد
فاته صوم واجب وتمكن منه فلم يصمه يصوم عنه وليه أو يتصدق عنه من أصل تركته إذا لم
يكن له ولي ، وإن كان قد اجتمع على الميت الصوم والكفارة صام الولي وتصدق من تركته
بما مر ، فإن لم يكن له ولي فلكل يوم كفارتان ، وكذا حكم المرأة الحائض إذا طهرت في
بعض النهار أمسكت أدبا وقضت ، سواء أفطرت أو لا ، والأفضل أن يقضي ما فاته من صيام
رمضان متتابعا ، وإن تتابع ستة أيام أو ثمانية وفرق الباقي جاز ، والأول أحوط.
__________________
ولا يجزي قضاء فائت الصوم الواجب في سفر يجب فيه التقصير ، ومن أفطر يوما يقضيه
من شهر رمضان بعد الزوال قضاه وكفر بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ، وروي أن
عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان والصحيح الأول ، وروي أن لا شيء عليه ، [ وذلك ] محمول على من لا يتمكن ، وأما قبل الزوال فلا شيء عليه.
ومن أصبح جنبا عامدا
أو ناسيا فلا يصم ذلك اليوم لا قضاء ولا تطوعا ، ومن أجنب في الأول الشهر ونسي الغسل
ثم ذكر [ الغسل ] اغتسل وقضى ما أتى به بينهما من الصلاة والصوم ، وإن اتفق له بينهما غسل يرفع
الحدث قضى ما سبق ذلك الغسل.
ومن كان عليه قضاء صوم واجب لم يجز له أن يتطوع بالصيام. وما ندب
إليه من صيام ثلاثة أيام في كل شهر أربعاء بين خمسين يجوز ـ لمن لا يقدر عليه ـ تأخيره
من شهر إلى آخر ومن الصيف إلى الشتاء وقضاه ، فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بدرهم أو
مد من طعام وإلا فلا شيء.
الفصل العاشر
الاعتكاف هو اللبث للعبادة ، وشروطه أن يكون المعتكف مسلما بالغا عاقلا ، وأن ينوي ثلاثة
أيام لا يصح أقل منها ، وأن يكون صائما مدة اعتكافه ، وأن
__________________
يعتكف في مسجد صلى فيه نبي أو إمام عادل جمعة بشرائطها ، ولا يكون ذلك إلا أحد
المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة. والمرأة في ذلك كالرجل.
والاعتكاف إما واجب
وهو ما يوجبه الإنسان على نفسه بالنذر أو العهد ، وإما مندوب ، ومتى شرط المعتكف على
ربه أنه متى عرض له عارض رجع فيه ، كان له الرجوع إلا إذا مضى يومان فإن عليه إتمام
الثلاثة إذا ، وإن لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه إتمام ثلاثة ، ولا يصح الاعتكاف ممن
عليه ولاية كالزوجة والعبد والأجير والضعيف إلا بإذن من له الولاية من الزوج والسيد
والمستأجر والمضيف ، وحكم المدبر والمكاتب حكم العبد إذا لم تستكمل حريته ، ومن أذن
له الولي مدة معينة لم يكن له فسخه عليه إلا بعد مضيها ، فإن كان أطلق في الإذن لم
يلزمه الصبر عليه أكثر من ثلاثة أيام وهو أقل مدة الاعتكاف.
يجوز الاعتكاف في
جميع أيام السنة إلا ما لا يصح صومه كالعيدين ، وأفضل أوقاته العشرة الأخيرة من شهر
رمضان. ولا حد لأكثر أيامه ، فإن زاد على الثلاثة
يومين لزمه إتمام ثلاثة أيام أخر ، ومتى نذر أن يعتكف يوما
أو يومين لم ينعقد نذره. ويصح الاعتكاف في الأيام مفردة عن الليالي ولا يصح بالعكس لأنه لا يصح إلا مع الصوم.
وإذا نذر الاعتكاف
شهرا ولم يشرط التتابع
جاز له التفريق غير أنه
لا يكون كل فرق أقل من ثلاثة أيام ، وإن شرط التتابع لزمه ذلك ، فإن فرق يجب
__________________
عليه الاستئناف ، فإن كان معلقا بوقت فخالفه وخرج بطل مقدار ما خرج دون ما اعتكف إذا لم ينقص عن ثلاثة ، فإن نقص بطل الجميع.
ولا يجب الاعتكاف باليمين ومنع النفس إلا إذا تقرب به إلى الله تعالى.
ويحرم على المعتكف
الوطء وسائر ضروب المباشرة والقبلة والملامسة ، واستنزال الماء بجميع أسبابه ، والبيع
والشراء ، والخروج من حيث اعتكف فيه إلا لضرورة كالبول والغائط والغسل من الاحتلام
، أو لأداء فريضة أو قربة وعبادة ، كحضور جنازة وعيادة مريض وقضاء حاجة مؤمن غير أنه
لا يمشي تحت الظلال ولا يجلس حيث يدخله ولا يصلي إلا حيث اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يجوز
أن يصلي في أي بيوتها شاء ، وإذا تعينت عليه إقامة شهادة خرج لإقامتها ولا يجلس حتى
يعود إليه ، ويجوز أن ينكح وينكح ويشم الطيب ويأكل لحم الصيد وينظر في أمر معيشته ويتحدث بما شاء من الكلام المباح ، وإن
انهدم المسجد كله أتم اعتكافه في عرصته ، وحكم الليل حكم النهار إلا في الصوم.
الخروج من المسجد
بغير عذر وطاعة يفسد الاعتكاف ، ويفسده السكر ، وكذا الجماع والمباشرة المؤدية إلى
الإنزال عمدا ، ويجب بهذين القضاء والكفارة ، وقيل : يجب بما عدا الجماع القضاء دون
الكفارة.
ومتى جامع نهارا لزمته
كفارتان ، وأما ليلا فواحدة ، ومن أكره امرأته على الجماع وهي معتكفة بأمره نهارا لزمته أربع
كفارات ، وليلا كفارتان على قول بعض أصحابنا ، وإن كان
__________________
اعتكافها بغير إذنه لم يلزمه إلا كفارة نفسه ، والكفارة هي التي تجب في إفطار
يوم من شهر رمضان على خلاف في كونها مخيرة أو مرتبة.
ومتى وطأ ليلا أو
نهارا أو أكل نهارا أو خرج من المسجد ساهيا لم يفسد اعتكافه ، ومتى خرج المعتكف لعذر
من مرض أو خوف أو نحو ذلك عاد إذا زال عذره ، وبنى عليه إن كان خروجه بعد مضي أكثر
مدة الاعتكاف ، وإن كان قبل ذلك استأنفه واجبا كان الاعتكاف أو ندبا ، ومن خرج من الاعتكاف بلا عذر
وجب عليه قضاؤه واجبا كان أو ندبا ، ومن مات قبل انقضاء مدة اعتكافه قيل : يقضي عنه
وليه أو يخرج من ماله إلى من ينوب عنه قدر كفايته ، ولا ينعقد البيع والشرى في حال الاعتكاف ، ولا يفسد الاعتكاف
جدال وسباب ، والنظر في العلم ومذاكرة أهله في حال الاعتكاف أفضل من الصلاة تطوعا.
__________________
كتاب
الحج
الحج قصد بيت الحرام
لأداء مناسك مخصوصة ، يتعلق بزمان مخصوص ويحتاج إلى معرفة أقسامه وشروطه وكيفية فعله
وما يفسده وأحكامه.
الفصل الأول
أما أقسامه فثلاثة : متمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد ، فالتمتع أن تقدم على
أفعال الحج عمرة يتحلل منها ويستأنف الإحرام للحج ، والقرآن أن يقرن بإحرام الحج سياق
الهدي ، والإفراد أن يفرد الحج من الأمرين.
والتمتع
فرض من لم يكن من أهل مكة وحاضريها ـ وهم من كان بينه وبينها
اثنا عشر ميلا فما دونها ـ لا يجزيهم مع التمكن من حجة الإسلام سواه.
وأما أهل مكة وحاضروها
ففرضهم القران والإفراد ولا يجزيهم في حجة الإسلام سواه.
__________________
والحج ضربان : مفروض
ومسنون ، فالمفروض : حج الإسلام وحج النذر والعهد وحج الكفارة ، والمسنون ما عدا ذلك ، ويفارق الواجب في أنه
لا يجب الابتداء به ويساويه بعد الدخول فيه في وجوب المضي فيه وفي سائر أحكامه إلا
وجوب القضاء له إذا فات.
الفصل الثاني
وأما شروطه فضربان : شرائط الوجوب وشرائط صحة الأداء ، فشرائط الوجوب
في حج الإسلام
: [ الحرية ] والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة تكون بالصحة والتخلية وأمن
الطريق ووجود الزاد والراحلة والكفاية له ولمن يعوله والعود إلى كفاية
من صناعة أو غيرها ، وشرائط صحة الأداء : الإسلام وكمال العقل
والوقت والنية والختنة.
الفصل الثالث
أفعال الحج هي : الإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر
الحرام ونزول منى والرمي والذبح والحلق.
__________________
الفصل
الرابع
الإحرام ركن من
أركان الحج من تركه متعمدا فلا حج له ، ولا يجوز إلا في شوال وذي القعدة وتسع من ذي
الحجة ، فمن أحرم قبل ذلك لم ينعقد إحرامه.
ومعقد الإحرام لم
حج على طريق المدينة ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة ، ولمن حج على طريق الشام الجحفة ،
ولمن حج على طريق العراق بطن العقيق وأوله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق ، ولمن
حج على طريق اليمن يلملم ، ولمن حج على طريق الطائف قرن المنازل لا يجوز إلا كذلك.
ومن تجاوز الميقات
بلا إحرام متعمدا ولم يتمكن من الرجوع إليه كان عليه إعادة
الحج من قابل ، وإن كان ناسيا أحرم من موضعه ويجوز أن يحرم من منزله دون الميقات ،
وإحرامه من الميقات أفضل ، وميقات المجاور ميقات أهل بلده ، فإن لم يتمكن فمن خارج
الحرم ، فإن لم يقدر فمن المسجد الحرام.
ويستحب لمريد الإحرام
قص أظفاره وإزالة الشعر عن إبطيه وعانته والغسل ويجب عليه لبس ثوبي إحرامه ، يأتزر
بأحدهما ويرتدي بالآخر ، ولا يجوز أن يكونا مما لا تجوز الصلاة فيه ، ويكره أن يكونا
مما يكونا مما تكره الصلاة فيه ، ويجزي مع الضرورة ثوب واحد ، ويستحب أن يصلي صلاة
الإحرام ويذكر ما أراده من التمتع والقران والإفراد.
ويجب عليه أن ينوي
للإحرام ويعقده بالتلبية الواجبة وهي : لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك لبيك.
__________________
ولا ينعقد الإحرام
إلا بها أو بما يقوم مقامها من الإيماء ممن لا يقدر على الكلام ومن التقليد أو الإشعار للقارن ويذكر زائدا على ذلك من ألفاظ التلبية ما ورد به الرسم ندبا
ويقول إن كان متمتعا : لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج لبيك.
ولا يقول : لبيك
بعمرة وحجة تمامها عليك ، لأن ذلك يفيد بظاهره تعليق نية الإحرام بالحج والعمرة معا وذلك لا يجوز ، وإن كان قارنا أو مفردا
قال : لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك ، وإن كان نائبا عن غيره قال : لبيك عن فلان ابن
فلان
لبيك.
وأوقات التلبية
أدبار الصلوات وحين الانتباه من النوم وبالأسحار وكلما علا نجدا أو هبط غورا أو رأى راكبا ، ويستحب رفع الصوت بها للرجال وأن لا يفعل إلا على طهر ،
وآخر وقتها للمتمتع إذا شاهد بيوت مكة ، وحدها من عقبة المدنيين إلى عقبة ذي طوى ،
وللقارن والمفرد إذا زالت الشمس من يوم غرفة ، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا وضعت الإبل
أخفافها في الحرم ، وإن كان المعتمر خارجا من مكة فإذا شاهد الكعبة.
والمتمتع إذا لبى
بالحج متعمدا بعد طواف العمرة وسعيها وقبل التقصير بطلت متعته وصار ما هو فيه حجة مفردة
، وإن لبى ناسيا لم يبطل ، وإذا انعقد إحرامه يحرم عليه أن يجامع أو يستمني أو يقبل
أو يلامس بشهوة ، وأن يعقد نكاحا
__________________
لنفسه أو لغيره أو يشهد عقدا ، فإن عقد فالعقد فاسد ، وأن يلبس مخيطا إلا سراويل
عند الضرورة عند بعض أصحابنا ، وعند بعضهم لا يلبسه حتى يفتق ويصير كالمئزر وهو أحوط.
وأن يلبس ما يستر
ظاهر القدم من خف أو غيره ، وأن تلبس المرأة القفازين وأن يغطي الرجل رأسه والمرأة وجهها ، وأن يستظل وهو سائر
بحيث يكون الظلال فوق رأسه كالقبة ، وأما إذا نزل فلا بأس بجلوسه تحت الظلال من خيمة
أو غيرها ، وأن يرتمس في الماء ، وأن يصطاد أو يذبح صيدا أو يدل على صيد أو يكسر بيضة
، وأن يأكل لحمه وإن صاده المحل ولم يكن منه دلالة عليه. وأن يدهن بما فيه طيب أو يأكل
مما فيه ذلك وأن يتطيب بالمسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران ، وقد الحق
بذلك الورس والفسق وهو الكذب على الله تعالى أو على رسوله أو على أحد الأئمة من آله
، والجدال وهو قول : « لا والله » و « بلى والله » ، وأن يقطع شيئا من شجر الحرم الذي
لم يغرسه في ملكه وليس من شجر الفواكه والإذخر
[ وأن يجز حشيشه ، فأما
شجر الفواكه ]
والإذخر ، وما غرسه الإنسان
في ملكه فيجوز قطعه وكذا رعي الحشيش ، وأن يزيل شيئا من شعره أو يقص شيئا من أظفاره
وأن يتختم للزينة أو يدمي جسده بحك أو غيره ، وأن يزيل القمل عن نفسه أو يسد أنفه من الرائحة
الكريهة ، وأن يلبس سلاحا أو يشهره إلا لضرورة ، وأن يقتل شيئا من الجراد أو الزنابير
مختارا.
فأما البق والبراغيث
فلا بأس أن يقتل في غير الحرم ولا بأس بقتل ما
__________________
يخافه من الحيات والعقارب والسباع في الحرم وغيره ، وأن يمسك ما كان معه من صيد قبل
الإحرام ، وأن يخرج شيئا من حمام الحرم منه وأن لا يرده بعد إخراجه وأن يمسك ما يدخل به إلى الحرم من الطير.
الفصل الخامس
ويمضي المحرم على حاله حتى يشاهد بيوت مكة
فيقطع التلبية إن كان متمتعا
، ومن الندب أن يكثر حمد الله على بلوغها ، ويغتسل إذا انتهى إلى الحرم ويدخله ماشيا
بسكينة ، ويدخل مكة من أعلاها ويغتسل قبل دخولها ويدعو بما رسم ويغتسل قبل دخول المسجد ويدخله من باب بني
شيبة ويقبل الحجر الأسود ويمسحه بيده ثم ينوي للطواف وجوبا ويطوف.
والطواف على ضربين
: مفروض ومسنون ، فالمفروض ثلاثة : طواف المتعة وطواف الزيارة
ـ وهو طواف الحج ـ وطواف النساء وما عدا ذلك مسنون ، ومن الندب على ما روي أن يطوف
مدة مقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا [ فإن لم يتمكن طاف ] ثلاثمائة وستين شوطا.
ووقت طواف المتعة
للمختار من حين يدخل مكة إلى أن تغيب الشمس من يوم التروية وللمضطر إلى أن يبقى من
غروب الشمس ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها ، فمن فاته مختارا بطل حجه متمتعا وكان
عليه قضاؤه من قابل إن كان فرضا وصار ما هو فيه حجة مفردة ولم يجز عنه طواف الحج.
__________________
ومن فاته طواف المتعة
مضطرا قضاه بعد فراغه من مناسك الحج ولا شيء عليه ، وطواف الزيارة ركن من تركه متعمدا
فلا حج له ، وإن تركه ناسيا قضاه إذا ذكره ، فإن لم يذكره حتى عاد إلى بلده لزمه قضاؤه
عن قابل بنفسه ، فإن لم يستطع استناب من يطوفه ، ووقته للمتمتع من حين يحلق رأسه من
يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ، ويجوز للمضطر والمعذور بعد ثلاثة ، وأول وقته للقارن
والمفرد من حين دخول مكة وإن كان ذلك قبل الموقفين.
ووقت طواف النساء
من حين الفراغ من سعي الحج إلى آخر أيام التشريق ، فمن تركه متعمدا أو ناسيا حتى عاد
إلى أهله لم يفسد حجه لكنه لا يحل له النساء حتى يطوفه أو يطاف عنه ، والواجب في الطواف
النية ومقارنتها واستمرار حكمها ، والطهارة من الحدث والنجس وستر العورة والبداءة بالحجر
الأسود والختام به ، وأن يكون سبعة أشواط ، وأن يكون البيت عن يسار الطائف
وأن يكون خارج الحجر ، وأن يكون بين البيت والمقام ، فمن
ترك شيئا من ذلك لم يجزه الطواف ، ويستلم الأركان كلها ندبا ويلصق بطنه وخده بالمستجار
في الشوط السابع.
ولا يجوز قطع الطواف
إلا لصلاة فريضة أو لضرورة ، فإن قطعه للصلاة بنى على ما طاف ولو كان شوطا واحدا ،
وإن قطعه لضرورة أو سهو بنى على ما طاف إن كان أكثر من النصف ، وإن كان أقل منه استأنف
، ويستأنفه إن قطعه مختارا على كل حال ، ويستأنفه إن شك وهو طائف فلم يدر كم طاف أو
شك بين ستة وسبعة ، فإن شك بين سبعة وثمانية قطعه ولا شيء عليه وهكذا لو ذكر وهو في
بعض الثامن أنه طاف سبعة ، فإن ذكر بعد أن تممه أضاف إليه ستة أخرى وصار له طوافان ولزمه لكل طواف ركعتان
، ولا يجوز له الطواف راكبا إلا لضرورة.
__________________
الفصل
السادس
فإذا أراد السعي
ندب إليه أن يأتي
الحجر الأسود فيستلمه
، ويأتي زمزم ويشرب من مائها ويغتسل منه إن تمكن أو يصب على بعض جسده من الدلو
المقابل للحجر الأسود ويخرج إلى السعي من الباب المقابل له.
الفصل السابع
السعي ركن وهو ضربان : سعي المتعة وسعي الحج ، وأول وقت سعي المتعة
حين يفرغ من طوافها ، وأول وقت سعي الحج حين الفراغ من طوافه ، وحكمه في جواز التقديم
للضرورة حكم الطواف ويمتد كل واحد منهما بامتداد وقت الطواف ، وحكم كل واحد منهما في
الإخلال به اختيارا أو اضطرار
ما سبق من حكم المخل بالطواف.
والمفروض في السعي
النية ومقارنتها واستدامة حكمها والبداية بالصفا والختام بالمروة ، وأن يكون سبعة أشواط
، والمسنون فيه أن يكون على طهارة وأن يصعد الصفا ويستقبل الكعبة ويكبر الله ويحمده
ويهلله سبعا سبعا ويصلي على محمد وآله ويقرأ إنا أنزلناه وإذا بلغ المنارة هرول الرجل
دون المرأة ، فإذا وصل إلى سوق العطارين قطع الهرولة ومشى إلى المروة وصعد عليها وأتى
بالتكبير والتحميد والتهليل والصلاة على محمد وآله كما قال على الصفا ، وإذا انحدر
عائدا إلى الصفا فعل في كل موضع كما فعل أولا ، هكذا يكمله سبعة أشواط ، وحكم قطع السعي
__________________
والسهو فيه والشك حكم ذلك في الطواف ، ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة ويجوز
الوقوف عند الإعياء والجلوس على الصفا والمروة ويجوز السعي راكبا والمشي أفضل.
الفصل الثامن
فإذا فرغ من سعي المتعة قصر واجبا وهو أن يقص شيئا من أظفاره وأطراف شعر رأسه ولحيته أو من
أحد ذلك ، وقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا الصيد لكونه في الحرم ، والأفضل له أن يتشبه
بالمحرمين إلى أن يحرم بالحج [ فإن نسي التقصير حتى أحرم بالحج ] فعليه دم شاة ، والإحرام بالحج ينبغي أن يكون عند زوال الشمس
من يوم التروية في المسجد الحرام ، وأفضل ذلك تحت الميزاب أو عند المقام ، ويصنع فيه
كما صنع في الإحرام الأول من الغسل ولبس ثوبيه والصلاة والدعاء والنية ، وعقد بالتلبية
الواجبة إلا أنه لا يذكر في الدعاء إلا الحج فقط ولا يرفع صوته بالتلبية ، ثم يخرج
متوجها إلى منى قارئاً إنا أنزلناه ، فإذا بلغ إلى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية الواجبة والمندوبة ويقول
: « لبيك بحجة تمامها عليك » ويبيت بمنى ندبا ويصلي بها العشائين والفجر لتكون الإفاضة
منها إلى عرفات ، ولا يفيض منها الإمام حتى تطلع الشمس ويلبي بالواجبة والمندوبة رافعا
بهما صوته ويقرأ إنا أنزلناه حتى يأتي عرفات.
__________________
الفصل
التاسع
الوقوف بعرفة ركن
، وأول وقته حين تزول الشمس من اليوم التاسع وآخره للمختار إلى غروبها وللمضطر إلى طلوع
الفجر يوم النحر ، فمن فوته مختارا بطل حجه ، وإن كان مضطرا فأدرك المشعر الحرام فحجه
ماض ، وندب لمن أتى عرفات أن يضرب خباءه بنمرة ، وهي بطن عرنة وأن يغتسل إذا زالت الشمس
ويجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وأن يكون وقوفه في ميسرة الجبل وأن يدعو
في حال الوقوف.
والواجب في الوقوف
النية ومقارنتها واستدامة حكمها وأن لا يكون تصعيده في الجبل إلا لضرورة ولا في نمرة ولا ثوية ولا ذي مجاز ولا تحت أراك
، وأن يكون إلى غروب الشمس ، فإن أفاض قبل الغروب متعمدا ، عالما بأن ذلك لا يجوز فعليه
بدنة ، وكيفية الوقوف أن يتوجه إلى القبلة فيسبح الله ويحمده ويهلله ويكبره ويصلي على
محمد وآله مائة مائة ، ويأتي بعد ذلك من الآيات والأذكار والأدعية بما هو مذكور في
مظانه.
الفصل العاشر
فإذا غربت الشمس أفاض منها إلى المشعر فإذا
وصل إليه نزل به ، وحده ما بين المأزمين
إلى الحياض وإلى وادي محسر.
__________________
الفصل
الحادي عشر
الوقوف بالمشعر
ركن ، ووقته للمختار من طلوع الفجر إلى ابتداء طلوع الشمس ، ويمتد للمضطر إلى الليل
كله ، فمن فاته حتى طلعت الشمس فلا حج له.
والواجب في الوقوف
النية ومقارنتها واستدامة حكمها وأن لا يرتفع الواقف إلى الجبل إلا لضرورة من ضيق أو
غيره ، والدعاء بأقل ما يسمى به المرء داعيا عند بعض أصحابنا.
والمستحب أن يطأ
المشعر وأن يكبر الله ويسبحه ويحمده ويهلله مائة مائة ويصلي على محمد وآله وأن يجتهد
في الدعاء والمسألة إلى ابتداء طلوع الشمس ، فإذا طلعت أفاض من المشعر ، ولا يجوز للمختار
أن يخرج منه قبل طلوع الفجر ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس ، [ ولا يخرج الإمام
من المشعر حتى تطلع الشمس ]
ويجوز للنساء إذا خفن مجيء
الدم الإفاضة ليلا وإتيان منى والرمي والذبح والتقصير ودخول مكة للطواف والسعي ، ولا
يجوز أن يصلى العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتها بخروج وقت المضطر ، ويستحب
الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وأن يسير ـ إذا أفاض من المشعر إلى منى ـ ذاكرا لله
تعالى ومستغفرا له وأن يقطع وادي محسر بالهرولة ويجزئه أن يهرول فيه مائة خطوة وإن
كان راكبا حرك فيه راحلته.
الفصل الثاني عشر
من السنة المبيت بمنى ليلة عرفة ، ونزولها يوم النحر لقضاء المناسك بها من
__________________
رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير ، ونزولها أيام التشريق للرمي ، والمبيت
بها ليالي هذه الأيام إلى حين الإفاضة ، وحد منى من طرف وادي محسر إلى العقبة ، فإن ترك المبيت بها مختارا
بلا عذر ليلة فعليه دم ، فإن ترك ليلتين فدمان ، فإن ترك الثالثة فلا شيء عليه ، لأن
له أن ينفر في النفر الأول وهو يوم الثاني من أيام التشريق ، فإن لم ينفر فيه حتى غربت
الشمس فعليه المبيت الليلة الثالثة ، فإن نفر ولم يبت فعليه دم ثالث.
ومن أصاب النساء
أو شيئا من الصيد أو كان صرورة
فليس له أن ينفر في النفر
الأول بل يقيم إلى النفر الأخير وهو اليوم الثالث من أيام التشريق ، ويجوز لمن عدا
من ذكرناه أن ينفر في الأول ، وتأخير النفر إلى [ النفر ] الأخير أفضل له ، ومن أراد النفر في الأول فلا ينفر حتى تزول
الشمس إلا لضرورة فإنه يجوز معها قبل الزوال ، ومن أراد النفر في الأخير جاز له ذلك
بعد طلوع الشمس متى شاء ، ومن أراد المقام بها جاز له ذلك إلا الإمام وحده فإن عليه
أن يصلي الظهر بمكة.
الفصل الثالث عشر
لا يجوز الرمي إلا بالحصى ، ولا يجوز بالحصى المأخوذ من غير الحرم ولا بالمأخوذ من المسجد
الحرام أو من مسجد الخيف ، ولا بالحصى الذي قد رمي به مرة أخرى ، سواء كان هو الرامي
به أو غيره ، ومقدار الحصاة كرأس الأنملة وأفضله الملتقط من المشعر الحرام البرش منه ثم البيض والحمر ، ويكره السود
__________________
ويكره أن يكسره ، وهو سبعون حصاة يرمي يوم النحر جمرة العقبة وهي القصوى بسبع
ويرمي كل يوم بعد [ ه ] الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة ، ووقت الاستحباب لرمي الجمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم
النحر ، ووقت الإجزاء من طلوع الفجر مع الاختيار.
فمن رمى قبل ذلك
لم يجزه إلا لضرورة ، ووقت الرمي في أيام التشريق كلها بعد الزوال ، ومن فاته رمي يوم
حتى غربت الشمس قضاه في اليوم الثاني في صدر النهار ، ومن فاته الرمي بخروج أيام التشريق
قضاه من قابل أو استناب من يرمي عنه ، ويجب أن يبدأ بالجمرة الأولى وهي العظمى وهي
التي إلى منى أقرب ثم الوسطى ثم العقبة وهي التي إلى مكة أقرب ، فإن خالف الترتيب استدركه.
ويستحب أن يقف عند
الأولى والثانية ويكبر مع كل حصاة ولا يقف عند الثالثة وأن يكون الرامي على طهارة وأن
يقف من قبل وجه الجمرة ولا يقف من أعلاها وأن يكون بينه وبينها قدر عشرة أذرع إلى خمسة
عشر ذراعا وأن يقول والحصاة في يده : اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.
وأن يرمي حذفا وهو
أن يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها
بظاهر مسبحته وإذا نسي
فرمى الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخريين على التمام ثم ذكر استأنف رمي الجمرات
الثلاث من أوله ، فإن كان رمى الأولى بأربع تمم رميها بثلاث حصيات ولم يعد الرمي على
الجمرتين الأخريين ، وهكذا حكمه
إذا نسي فرمى الوسطى بثلاث
أو أربع ورمى الثالثة على التمام ، وإذا علم أنه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمرات
هي ، رمى كل جمرة بحصاة ، وإذا رمى حصاة
__________________
فوقعت في محمل أو على ظهر بعير ثم سقطت على الأرض أجزأت وإلا فعليه أن يرمي
عوضا عنها.
الفصل الرابع عشر
الذبح على ضربين : مفروض ومسنون ، فالمفروض في هدي النذر وهدي الكفارة وهدي
التمتع وهدي القرآن بعد التقليد أو الإشعار ، والمسنون في هدي القرآن قبل التقليد أو
الإشعار والأضحية ، وهدي النذر يلزمه في صفته وسياقه ، وتعيين موضع
ذبحه أو نحره ما يشترط الناذر ، وإن نذر هديا بعينه لم يجزه
غيره ، وإن نذر مطلقا ولم يعين شيئا مما ذكرناه فعليه أن يهدي إما من الإبل أو البقر
أو الغنم وأن ينحره أو يذبحه بمكة قبالة الكعبة ، ولا يجوز أن يكون الهدي إلا ما ذكرناه
، وهدي النذر مضمون على الناذر يلزمه عوض ما انكسر منه أو فات أو ضل ولا يحل له الأكل
منه.
وأما هدي الكفارة
فيختلف اختلاف الجنايات كما سبق [ ويلزمه سياق ما وجب عن قتل الصيد من حيث حصل القتل
إن أمكن ولا يلزم سياق ]
ما وجب عما عدا ذلك من
الجنايات
ويذبح أو ينحر إن كان لتعد
في إحرام المتعة
أو العمرة المفردة بمكة
قبالة الكعبة ، وفي إحرام الحج بمنى وحكمه في الضمان وتحريم الأكل حكم هدي النذر.
وأما هدي التمتع
فأعلاه بدنه وأدناه شاة ويذبح أو ينحر بمنى وكذا
__________________
هدي القرآن ويلزمه سياقه بعد التقليد أو الإشعار ، وإن كان ابتدأه تطوعا.
والتقليد أن يعلق
عليه نعل أو مزادة. والإشعار أن يشق السنام
من الجانب الأيمن بحديدة
حتى يسيل الدم وسن
ذلك لكل من ساق هديا ،
ويجوز الأكل من هدي التمتع والقرآن ومن الأضحية ، وأفضل الهدي والأضاحي من الإبل والبقر
[ الإناث ، ومن الغنم الفحولة ، ولا يجوز من الإبل والبقر ]
والمعز إلا الثني وهو من الإبل الذي تمت له خمس سنين ودخل
في السادسة ومن البقر والمعز الذي تمت له سنة ودخل في السنة الثانية ، ويجزي من الضأن
الجذع وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية ، ولا يجوز مع الاختيار أن يكون ناقص الخلقة
ولا أعور بين العور ولا أعرج بين العرج ولا مهزولا ولا أخرم ولا أجدع وهو مقطوع الأذن
ولا خصيا ولا أعضب وهو مكسور القرن إلا أن يكون الداخل صحيحا والخارج مقطوعا فإنه جائز.
ولا يجوز التضحية
بمنى إلا بما قد أحضر عرفات سواء أحضره هو أو غيره ، ولا يجزي الهدي الواحد في الواجب إلا عن واحد
مع الاختيار ومع الضرورة [ تجزي ] البدنة والبقرة عن خمسة وعن سبعة.
وأما المتطوع به
فيجوز اشتراك الجماعة فيه مع الاختيار إذا كانوا أهل خوان واحد ، وإن لم يكونوا كذلك
فاشتراكهم جائز مع الاضطرار ، ومن السنة أن يتولى
__________________
المهدي الذبح أو النحر بنفسه أو يشارك الفاعل لذلك وأن ينحر ما ينحر وهو قائم معقول اليد اليسرى من الجانب الأيمن
من اللبة ولا يجوز أن يعطى الجزار شيئا من الهدي ولا من جلده على جهة الأجر ويجوز على وجه الصدقة.
وأيام الذبح بمنى
أربعة : يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي سائر الأمصار ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده.
ويجوز ذبح هدي المتمتع طول ذي الحجة ، ومن لم يجده ووجد ثمنه تركه عند من يثق به ليشتريه
في العام المقبل ويذبح عنه ، فإن لم يقدر على الثمن صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع إلى أهله.
الفصل الخامس عشر
إذا ذبح الحاج هديه أو نحره فليحلق رأسه
، يجلس مستقبل القبلة ويأمر
الحلاق أن يبدأ بالناصية من الجانب الأيمن ويدعو ، والحلق نسك وليس إباحة محضة كاللبس والطيب ، ويجوز التقصير بدلا من الحلق ، وقد روي :
أن الصرورة لا يجزئه إلا الحلق ، وينبغي أن يكون الحلق بمنى فمن نسيه حتى خرج منها عاد إليها فحلق ، فإن لم يتمكن
حلق بحيث هو وبعث شعره ليدفن بها.
الفصل السادس عشر
ثم يدخل مكة من يومه أو من الغد لطواف الزيارة
وهو طواف الحج ،
__________________
وللسعي بين الصفا والمروة ولطواف النساء ، ويصنع قبل دخول مكة والمسجد وفي الطواف
والسعي مثل ما فعله أولا.
ثم يخرج
من يومه إلى منى للمبيت بها ورمي الجمار كما مر ، وإذا نفر
من منى ندب إلى أن يأتي مسجد الخفيف فيصلي فيه ست ركعات عند المنارة التي في وسطه ويسبح
تسبيح الزهراء ـ عليهاالسلام ـ ويدعو ، وأن يحول وجهه إلى منى إذا جاوز جمرة العقبة ويدعو ، وأن يدخل مسجد
الحصباء إذا بلغ إليه ويصلي فيه ويستريح بالاستلقاء على ظهره ، فإذا أراد المسير من
مكة استحب أن يطوف بالبيت طواف الوداع وأن يدخله ويصلي في زواياه وعلى الرخامة الحمراء
ويكثر من التضرع والدعاء ، وأن يأتي زمزم فيشرب من مائها ويصلي عند المقام ركعتين ويدعو.
الفصل السابع عشر
وحكم النساء حكم الرجال إلا في النحر والإحرام
والحلق وعليهن كشف الوجوه والتقصير ، ولا يستحب لهن رفع الصوت بالتلبية ولا الهرولة بين الميلين ، وتؤدي الحائض والنفساء
جميع المناسك إلا الطواف فإنها تقضيه إذا طهرت ، وليس وجود المحرم شرطا في وجوب الحج
على المرأة في صحة الأداء.
الفصل الثامن عشر
شروط التمتع ستة : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، ويحج من سنته ، ويحرم بالحج
من جوف مكة ، ولا يكون من حاضري المسجد الحرام ، ويحرم بعمرته من الميقات ، والنية
، والأفضل أن تكون مقارنة للإحرام ، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل.
__________________
وشرائط القارن والمفرد
أن يحرم في أشهر الحج ، وأن يحرم من ميقات أهله إن لم يكن
مكيا ، وإن كان فمن دويرة أهله ، وأن يحج من سنته ، والنية.
والمفروض من أفعال
الحج ضربان : ركن وغير ركن ، فأركان المتمتع عشرة : النية والإحرام من الميقات في وقته
، وطواف العمرة ، والسعي بين الصفا والمروة لها ، والإحرام بالحج من جوف مكة ، والنية
له ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الزيارة ، والسعي للحج.
وغير الركن ثمانية
: التلبيات الأربع [ مع الإمكان ]
أو ما يقوم مقامها مع العجز
، وركعتا طواف العمرة ،
والتقصير بعد السعي ، والتلبية
عند الإحرام بالحج وما يقوم مقامها ، والهدي أو ما يقوم مقامه من الصوم مع العجز ،
وركعتا طواف الزيارة ، وطواف النساء ، وركعتا الطواف له.
وأركان القارن والمفرد
ستة : النية ، والإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الزيارة ، والسعي.
وغير الركن فيهما
أربعة : التلبية أو ما يقوم مقامها من تقليد أو إشعار ، وركعتا طواف الزيارة ، وطواف
النساء ، وركعتا الطواف له.
الفصل التاسع عشر
كيفية أفعال المتمتع أن يبدأ بوفر شعر رأسه
ولحيته
من أول ذي القعدة ولا يمس شيئا منهما ، فإذا انتهى إلى ميقات بلده أحرم بالحج متمتعا
ومضى إلى
__________________
مكة فإذا شاهد بيوت مكة قطع التلبية ، فإذا دخل المسجد الحرام طاف بالبيت سبعا
وصلى عند المقام ركعتين ، ثم خرج إلى السعي فسعى بين الصفا والمروة سبعا وقص من شعر
رأسه ، وقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا الصيد لكونه في الحرم.
فإذا كان يوم التروية
عند الزوال صلى الظهر والعصر وأحرم بالحج ومضى إلى منى وبات بها ، ثم غدا منها إلى
عرفات فيصلي
بها الظهر والعصر ووقف
إلى غروب الشمس ، ثم أفاض إلى المشعر الحرام فوقف بها تلك الليلة ، فإذا أصبح يوم النحر
غدا منها إلى منى وقضى مناسكه ثم يمضي يوم النحر أو من الغد لا يؤخر ذلك إلى مكة ويطوف
بالبيت طواف الحج ، ويصلي ركعتي الطواف ويسعى وقد فرغ من مناسكه كلها ، وحل له كل شيء إلا النساء والصيد ، ثم
يطوف طواف النساء متى شاء مدة مقامه بمكة ، فإذا طافه حلت له النساء ، وعليه هدي واجب
وهو نسك ليس يجبر أن ينحره بمنى يوم النحر ، فإن لم يتمكن منه صام ثلاثة أيام في الحج
وسبعة إذا رجع إلى أهله.
والقارن يحرم من ميقات أهله ، ويسوق الهدي يشعره من مواضع الإحرام يشق
سنامه ويلطخه بالدم ويعلق
في رقبته نعلا كان يصلي فيها ويسوق الهدي معه إلى منى ، ولا يجوز له أن يحل حتى يبلغ
الهدي محله ويجوز له أن يدخل مكة لكن لا يقطع التلبية [ وكلما طاف بالبيت تطوعا لبى
بعده ليعقد إحرامه بالتلبية ]
__________________
ثم يقضي مناسكه بالموقفين ومنى ، ثم يعود إلى مكة فيطوف بالبيت سبعا ويسعى بين الصفا والمروة كذلك ، ثم يطوف طواف النساء وقد أحل من
كل شيء [ أحرم منه ] وعليه العمرة بعد وهي تسقط عن المتمتع لدخولها في الحج ، ولا يجوز للقارن والمفرد
قطع التلبية إلا بعد الزوال من يوم عرفة ولا هدي عليهما وندبا إلى الأضحية.
الفصل العشرون
ما يلزم المحرم على جناياته ضروب :
منها
: ما يجب فيه بدنة
وهو أن يصيب نعامة
أو بيض نعامة يتحرك فرخها
وإن لم يتحرك أرسل فحولة
الإبل في إناثها وأهدى للبيت ما نتج منها ، أو يجامع في الفرج أو فيما دونه متعمدا
قبل الوقوف بالمزدلفة ويعيد الحج من قابل في الجماع في الفرج ، وكذا في حجة التطوع
وكذا على المرأة إن طاوعته وإن أكرهها فلا شيء عليها وعليه كفارتان ، أو يجامع متعمدا
بعد الوقوف بالمشعر ، أو يجامع محل مملوكته المحرمة بإذنه ، وبغير إذنه لا شيء ، أو
يأتي المرأة في دبرها أو الغلام أو البهيمة ، وفي فساد الحج بذلك إذا وقع قبل عرفة
أو قبل المشعر قولان.
أو يجامع قبل طواف
الزيارة أو قبل التقصير وهو قادر على البدنة أو قبل طواف النساء بعد المناسك أو يجامع محرم بعمرة مبتولة قبل أداء مناسكها ، ويقيم مع
ذلك بمكة ليعيد العمرة في الشعر الداخل ، أو يعبث بذكره فيمني يعيد
__________________
مع البدنة الحج من قابل إن كان قبل الوقوف بالمزدلفة ، وإن كان بعده فالبدنة
لا غير ، أو ينظر إلى غير أهله فيمني قادرا على البدنة ، أو ينظر إلى أهله فيمني ،
أو يلاعبها كذلك ، أو يعقد على امرأة لغيره ويدخل بها ، أو يجادل ثلاثا كاذبا ، أو
يقبل امرأته عن شهوة ، أو ينسى طواف الزيارة حتى يرجع إلى أهله يقضيه مع البدنة إن
تمكن ، أو يفيض من عرفات إلى المزدلفة قبل غروب الشمس متعمدا جاهلا بذلك ، أو يجامع
وهو في طواف الزيارة وعليه الإعادة ، أو يجامع في طواف النساء ولم يجز نصفه فإن جازه بنى عليه ، أو ينذر الحج ماشيا ويركب للعجز يقوم معها في المعابر ، أو يجامع بين السعي يتممه معها
وإن جامع لظنه أنه
تمم ، تمم ولا شيء ، وكل ما بلغ بدنة لا يجب فيه التضعيف وتكرار الوطء يوجب تكرار
الكفارة في مجلس واحد كان أم لا ، كفر عن الأول أم لا.
ومنها
: ما فيه بقرة وهو أن يصيب حمار وحش أو بقرة وحشية أو يجادل
مرتين كاذبا أو يقلع من شجرة الحرم ما لم يغرسه هو في ملكه ولا نبت في داره بعد بنائه لها إن كانت كبيرة ، أو لا يكون قادرا على البدنة الواجبة في الجماع قبل طواف الزيارة
أو في الإمناء من النظر إلى الأهل.
ومنها
: ما فيه كبش [ وهو أن يصيب أسدا إلا على سبيل الدفع عن النفس.
ومنها
: ما فيه شاة ] وهو أن يصيب ظبيا أو أرنبا أو ثعلبا أو نحو ذلك في
__________________
الحل ، أو يصيب طائرا من حمام الحرم أو يخرجه منه أو ينفره فيرجع ، فإن لم يرجع فعليه لكل طائر شاة ، أو يأكل جرادا كثيرا
أو يصيبه متمكنا من أن لا يصيبه.
أو يذبح محل طائرا
من الصيد في الحرم ، أو يصيب حجلة أو حمامة
أو شيئا من بيضهما وقد
تحرك فيه الفرخ فإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، والنتاج هدي
، أو يغلق محرم على حمام الحرم بابا فيهلك فلكل طير شاة ، أو لا يقدر على بدل البدنة
من البقرة في الموضعين ، أو يجادل ثلاثا صادقا أو مرة كاذبا.
أو يقبل زوجته بلا
شهوة ، أو يقلم أظفار يديه أو رجليه أو الجميع في مجلس واحد ، فإن قلم شيئا منها ناسيا
فلا شيء عليه ، أو يمس رأسه أو لحيته لا للطهارة فيسقط منه شعر كثير ، أو يقلع شجرة
صغيرة في الحرم بالصفة المذكورة ، أو يفتي غيره بتقليم ظفر فأدمى إصبعه ، أو يحلق رأسه
لأذى ، أو يظل على نفسه ، أو يستعمل دهنا فيه طيب ، أو يلبس أو يأكل ما لا يحل له ،
أو ينتف إبطيه جميعا ، أو يقلع ضرسا له ، أو يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر.
أو يلبس قميصا أو
ثيابا جماعة في مجلس واحد ، فإن لبسها منفردا فعليه لكل واحد شاة وينزع الثوب من قبل
رجليه ، أو يحلق رأسه متعمدا قبل يوم النحر ، أو ينسى التقصير حتى يهل بالحج
، أو يقبل زوجته قبل التقصير ، أو يترك الحلق والتقصير حتى يزور البيت ، أو يهل عليه المحرم ولم يكن صام الثلاثة
__________________
الأيام لدم المتعة ولا عوضها من ذي الحجة ، أو يبيت ليلة من ليالي التشريق بغير
مني ، أو يضرب بطائر الأرض في الحرم فيقتله ، وعليه مع الشاة قيمتان والتعزير ، أو
توقد جماعة [ نارا ] فيقع فيها طائر فعلى كل منهم الفداء إن قصدوا ذلك وإلا فعلى الجميع [ واحدا
].
وإذا اشترى محل
لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فعلى المحل لكل بيض درهم وعلى المحرم لكل منها
دم شاة ، وفي كل واحد من البط والإوز والكركي شاة وقيل : القيمة. ومن غلق على حمام بابا فهلك فرخها فلكل
فرخ حمل فطيم ، ومن أصاب قطاة أو قتل فرخا في الحل وكذلك في اليربوع جدي ، وكذا في القنفذ والضب وشبه ذلك.
[ الفصل الحادي
والعشرون ] [ واعلم ] ان من قتل صيدا له مثل [ وكان ] حرا كامل العقل محلا في الحرم أو محرما في الحل فعليه [ فداؤه بمثله من النعم
، وإن كان محرما في الحرام
__________________
فعليه ] الفداء والقيمة أو الفداء مضاعفا ، وإن كان مملوكا فكفارته على مالكه إن كان
إحرامه بإذنه ، وعليه إن كان بغير إذنه بالصوم ، وإن كان غير كامل العقل فعلى وليه
، وتكرار القتل يوجب تكرار الكفارة في الناسي ، وفي المتعمد قولان ، وفي شرب لبن ظبية في الحرم دم وقيمة اللبن ، وفي قتل المحرم
حمامة في الحرم دم وقيمة ، وفي إصابته بيض حمام في الحرم الجزاء والقيمة.
ومن أدخل الحرم
صيدا كان معه زال عنه ملكه ، فإن أخرجه وهلك فعليه فداؤه ، ومن دل على صيد فقتل فعليه
فداؤه
، وإذا قتل جماعة محرمون
صيدا معا فعلى كل منهم فداء ، وإذا اشتروا لحم صيد وأكلوه لزم كلا منهم فداء كامل ،
وإذا رمى اثنان صيدا فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر لزم كلا منهم الفداء ، وإذا قتل محرم ومحل صيدا في الحرم فعلى المحرم الفداء والقيمة
وعلى المحل القيمة ، وفي غير الحرم على المحرم خاصة الجزاء ، وكل ما يصيبه المحرم من
الصيد في الحل فعليه الفداء لا غير وما يصيبه في الحرم فعليه الفداء والقيمة معا ويرزم
المحل في الحرم القيمة ، وما لا دم فيه كالعصفور إذا أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان.
إذا قتل المحرم
صيدا في الحرم ثم يأكله فعليه فداءان ، ومن رمى صيدا ولم يعلم هل أثر فيه أم لا ، ومضى على وجهه ، لزمه
الفداء ، وإن أثر فيه ثم رآه وقد صلح ، فعليه ربع الفداء. وإذا رمى محل صيدا يؤم الحرم
فأصابه ودخل الحرم
__________________
ومات فيه ، كان لحمه حراما وعليه الفداء ، وروي : أن من أصاب صيدا فيما بين
البريد وبين الحرم فعليه الفداء ، وإن أصاب شيئا منه بأن فقأ عينيه أو كسر قرنه أو رجليه فعليه صدقة.
ومتى وقف صيدا بحيث
يكون بعضه في الحل وبعضه في الحرم فقتله محل ضمنه ، وإذا قتل محرم أو محل طائرا على
شجرة أصلها في الحرم وغصنها في الحل أو بعكس ذلك ضمنه ، وإذا رمى صيدا فقتله ونفذ السهم
إلى صيد آخر لزمه جزاءان ، وإن رمى طائرا فقتله واضطرب فقتل فرخا له أو كسر بيضه فعليه
ضمانه ، وإن قتل صيدا مكسورا أو أعور فالأحوط أن يفديه بصحيح وإن أخرج مثله جاز ، وإن
قتل ذكرا جاز أن يفديه بأنثى وكذا بالعكس ، وبمثله أفضل.
وإذا جرح ظبيا مثلا
ولم تسر الجراحة إلى نفسه أو لم يصر غير ممتنع ، قوم صحيحا ومعيبا وضمن ما بين القيمتين
من المثل وهو الشاة وكذا في غيره ، وإن صار غير ممتنع وكان لا يقدر على العدو والطيران
أو سرت الجراحة إلى نفسه لزمه جزاء مثله ، فإن غاب ولم يدر حاله لزمه الجزاء كملا.
وإذا كسر بيض طير لم ينص
عليه مما لا يؤكل لحمه
فعليه قيمته ،
وإن باض صيد في الحرم في
دار إنسان فنقل البيض من موضع إلى آخر فنفر الصيد فلم يحضنه فعليه ضمانه.
إذا ضرب صيدا حاملا
فألقت جنينا وماتا معا فعليه جزاء المثل عن
__________________
كل منهما ، وإن مات أحدهما فعليه مثله لا غير ، وإن أثر الضرب في الأم لزمه بحسب ذلك ، وإن ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فعليه في الجنين ما ينقص
من قيمة الأم بين كونها حاملا وحائلا بعد الإسقاط فيلزم ذلك في المثل.
إذا أمسك محرم صيدا
فذبحه محل في الحل فعلى المحرم الجزاء لا غير ، وإن ذبحه محرم آخر وكانا في الحرم فعلى كل منهما الجزاء والقيمة
، وإن أمسكه محل في الحرم فقتله محل فعلى كل منهما القيمة ، وإن كان الصيد ملك إنسان
فالجزاء والقيمة له. إذا رمى محل في الحل [ في الحرم فقتله لزمه جزاؤه ، وكذا إن رماه
في الحرم فقتله في الحل ].
إذا أشلا المحرم
كلبا معلما على
صيد فقتله ضمنه ، في الحل كان أو في الحرم ، فإن كان في الحرم زادت عليه الفدية ، وإن
كان في الحل أو كان محلا في الحرم لزمه جزاء واحد.
إذا نفر صيدا فهلك
من تنفيره أو أصابته آفة فأخذه جارح آخر لزمه ضمانه ، وكذا إن ركب المحرم دابة فرمحت
صيدا برجلها أو رفسته بيدها أو عضته ، وكذا إذا جرح صيدا فمات بعده أو قتله غيره.
__________________
كل صيد يكون في
البر والبحر معا ، فإن كان مما يبيض ويفرخ في البحر فلا بأس بأكله ، وإن كان يفعل ذلك
في البر لم يجز صيده ولا أكله.
المتولد بين جنسين
مختلفين يؤكل لحمهما وجب فيه الجزاء ، ويجوز للمحرم ذبح الدجاج الحبشي في الحرم وكذا
كل ما يؤكل من الحيوان الإنسي ولا جزاء.
إذا اضطر المحرم
إلى أكل الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ، فإن لم يتمكن من الفداء جاز له أكل الميتة.
إذا ذبح المحرم
صيدا في غير الحرم أو ذبحه محل في الحرم لم يجز أكله وكان بحكم الميتة.
إذا أخذ المحرم
جراد الحرم لزمه جزاؤه. إذا أمر محرم محلا أن يحلق رأسه فحلق فعلى المحرم الفداء.
ومن جعل في رأسه
زئبقا بعد الإحرام فقتل القمل لزمه الفداء ، وإن فعل ذلك قبل الإحرام وقتل القمل بعد
الإحرام فلا شيء عليه.
ومن لبس الخفين
أو الشمشك بلا ضرورة لزمه دم
، ومن لبس السواد لزمه
الفداء.
وإذا لبس المحرم
ثوبا لا يحل له لبسه لضرورة برد أو حر فلا شيء عليه ، ومن خضب رأسه أو طيبه أو غطاه بعصابة أو قرطاس أو حمل على رأسه شيئا يغطيه أو ارتمس
في الماء حتى غطى رأسه لزمه الفداء ، فإن غطاه بيده أو شعره فلا شيء ، وإذا غطاه لحر
أو برد فداه ولا إثم.
__________________
ومن تطيب بطيب من
الأجناس الستة المذكورة قبل ، أو أكل ما فيه شيء منه ، أو مس بيده شيئا منه رطبا ،
أو جعله في دواء من سعوط أو حقنة أو غير ذلك واستعمله فعليه الفداء ، وما عدا تلك الأجناس
من الطيب يكره استعماله ، ولا يجب فيه الكفارة إلا أن يتخذ منه الأدهان الطيبة فيدهن
بها فحينئذ تتعلق بها الكفارة.
إذا جمع المحرم
بين أجناس كاللبس والطيب والحلق والتقليم والقبلة ، لزمه
عن كل جنس فدية ، سواء كان في وقت واحد أو أوقات متفرقة ، وكذا إذا فعل جنسا واحدا
منه في أوقات متفرقة ولكل دفعة فدية سواء [ كان ] كفر عن الأول أو لا ، فأما إذا فعل جنسا واحدا في وقت واحد
فعليه فدية واحدة ، ويجب في كل صيد جزاء سواء كان في وقت واحد أو أكثر.
ما ينبت في المباح
من شجرة الحرم كلها مضمون إلا الإذخر والفاكهة ، ومن قلع شجرا من الحرم ثم ردها إلى
مكانها فعادت كما كانت فلا شيء وإن جفت ضمنها ، والشجرة إذا كان أصلها في الحل وفرعها
في الحرم أو بالعكس منه يستوي حكم الأصل والفرع في وجوب الضمان ، وفي قلع حشيش الحرم
قيمته ، وحد الحرم الذي لا يجوز قلع شجره بريد في بريد.
وما فيه القيمة
أن يصيب محرم بيض حمام في الحل ، لكل بيضة ربع درهم إلا أن
قيمة
__________________
الأهلي يتصدق بها على المساكين وقيمة الحرمي يشتري بها علفا لها ، أو يخرج طائرا
من الحرم ومات معه ، أو يقتل محرم أو محل صيدا في الحرم ويتضاعف على المحرم ، أو يفقأ عيني غزال وفي أحدهما نصف القيمة
وهكذا في اليدين والرجلين ، أو يكسر قرنيه فيهما نصف القيمة وفي الواحد الربع ، أو
يغلق محرم بابا على حمام الحرم حتى يهلك ومعها بيض ، فلكل بيض درهم ، وإن أغلق قبل
الإحرام فلكل طائر درهم ، ولكل فرخ نصف ولكل بيض ربع ، أو يقتل المحل فرخا في الحرم فعليه نصف درهم [ وفي قتل المحل
حمامة في الحرم درهم ] ، وفي قطع غصن من أغصان شجر الحرم القيمة.
وما فيه طعام :
من أصاب عصفورا
أو قنبرة أو نحوها تصدق بمد من طعام ، ومن نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين ، ومن مس
رأسه أو لحيته لا للطهارة فسقط به شعر تصدق بكفين من طعام وإن سقط في الوضوء فعليه
كف به
وقيل : لا شيء عليه.
ومن أصاب زنبورا
متعمدا أو رمى عن نفسه قملة أو قتلها فعليه كف من طعام ، ومن قلم ظفرا أو أكثر متعمدا
فعليه مد من طعام ، ومن نتف ريشة حمامة من حمام الحرم تصدق بتلك اليد ، ومن أصاب جرادة
تصدق بتمرة.
من لم يقدر على
البدنة قوم الجزاء وفض ثمنه على البر وأطعم ستين
__________________
مسكينا ، لكل واحد نصف صاع ، فإن زاد فله وإن نقص يجزئه ، وفي البقر فعلى ثلاثين ، وفي الشاة والحمل والجنين
عشرة ، فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع يوما ، فإن عجز صام عن البدنة ثمانية عشر يوما
وعن البقرة تسعة أيام وعن الشاة ثلاثة أيام.
ومن لم يقدر على
إرسال فحولة الإبل
في الإناث في بيض النعام
، فعليه عن كل بيضة شاة فإن عجز أطعم عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ، وفي حلق
الرأس دم شاة أو إطعام ستة مساكين
أو صيام ثلاثة أيام.
ما لا مثل له :
يقومه ويشتري به
طعاما ويتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما ، وما لم يكن منصوصا على قيمته يرجع فيه إلى قول عدلين.
ومن ربط صيدا بجنب الحرم فدخل الحرم حرم لحمه وثمنه ولم يجز له إخراجه.
ويجوز للمحرم الاحتجام
والافتصاد ودخول الحمام وإزالة الوسخ عن البدن والاغتسال بلا ارتماس ، ولا يلزمه بسقوط
الشعر في الغسل شيء.
ويكره للمحرم من
الطيب ما خالف الأجناس المذكورة وكذا الإكتحال والخضاب للزينة والنظر في المرآة ، وأما
الإكتحال بما فيه طيب فقيل : إنه مكروه وقيل : محظور.
__________________
الفصل
الثاني والعشرون
من مات وعليه حجة
الإسلام وجب إخراجها من أصل التركة سواء أوصى بها أو لا ، ويجوز الاستئجار للحج عن
الميت وعمن عجز عن القيام به بنفسه ، ثم إن مات المستأجر سقط عنه فرضه وإن صلح وجب
عليه القضاء بنفسه ، وإذا فعل الأجير ما يلزمه كفارة كان عليه في ماله ، فإن أفسد الحج
وجب عليه قضاؤه عن نفسه وكانت الحجة باقية عليه ، ثم إن كانت معلقة بتلك السنة ، انفسخت
الإجارة ، لفوات الوقت الذي عينه ، ولزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها ، وإن
لم تكن معينة
بل كانت في الذمة لم تنفسخ
الإجارة وعليه أن يحج منه حجة أخرى بعد قضاء ما أفسد عن نفسه ، ولم يكن للمستأجر فسخ
هذه الإجارة عليه.
وإذا مات الأجير
قبل الإحرام وجب على ورثته أن يردوا جميع ما أخذ ولا يستحق
شيئا منه لأنه لم يفعل شيئا من أفعال الحج ، هذا إذا استأجره أن يحج عنه مطلقا ، وإن
استأجره أن يحج من موضع مخصوص ويقطع المسافة إلى الميقات يستحق الأجرة بمقدار ما قطع من الطريق ، وإن مات بعد الإحرام لم يلزم الورثة
شيء وأجزأ عن المستأجر استوفى الأركان أو لا.
إذا استأجر أجيرا
ليحج عنه
بنفسه لم يكن للأجير أن
يستأجر غيره في تلك النيابة إلا إذا فوض الأمر إليه في ذلك ، وإذا أخذ حجة عن غيره
لم يجز له أن يأخذ الأخرى إلا بعد أن يقضي الأولى ، ومن حج عمن وجب عليه الحج بعد موته
__________________
تطوعا منه سقط بذلك فرضه عن الميت ، ومن كان عنده وديعة ومات صاحبها ولم يحج
حجة الإسلام وغلب على ظنه أن ورثته لا يقضونها عنه ، جاز له أن يحج بها عنه ويرد الباقي على الورثة ،
وإن غلب على ظنه أنهم يقضونها عنه لم يجز ذلك.
ولا يجوز لأحد أن
يحج عن مخالف له في الاعتقاد إلا أن يكون أباه ، وقد أبى ذلك ابن البراج أيضا ، ويجوز للرجل أن يحج عن المرأة وبالعكس ، ومن كان حجة الإسلام
واجبة عليه لا يجوز أن يحج عن غيره إلا بعد أن يحج عن نفسه.
الفصل الثالث والعشرون
لا يصح النذر بالحج والعمرة إلا من كامل
العقل حر ، ولا يراعى في صحة
النذر باقي الشروط ، ومن نذر أن يحج ولم يعتقد زائدا على حجة الإسلام [ ثم حج ]
بنية النذر أجزأته عن حجة الإسلام.
وإن نذر حجة زائدة
عليها ثم حج بنية إحديهما لم يجزه عن الأخرى ، فإن منع الناذر عن المضي فيما نذر وجب
فعله إذا زال المانع إلا أن يقيد نذره بسنة معينة فمنع فيها لم يلزمه في ما بعد إلا إذا قصر فيه فيلزمه بعد ذلك ، فإن كان المانع مرضا عرض له أوان الخروج
استناب من يحج عنه ، فإذا عوفي حج هو بنفسه وجوبا ، وإن مات في مرضه لم يلزم ورثته
شيء.
__________________
ومن نذر أن يحج
ماشيا قام في المعابر ، فإن عجز عن المشي ، ركب [ وساق بدنة
، وإن ركب ]
مع القدرة على المشي وجب
أن يعيد الحج يركب ما مشى ويمشي ما ركب ، ومن مات وعليه حجة الإسلام [ وحجة النذر ،
] أخرجت حجة بأحدهما حج حجة الإسلام [ وحج وليه حجة النذر ندبا
]
، ومن مات في طريق الحج
فإن كان موته بعد دخول الحرم أجزأه وإن كان قبله فعلى وليه القضاء عنه ، ومن مات وعليه
حج ودين ولم يسعهما المال قسم بينهما. وحج بما يخصه من حيث يمكن.
[ الفصل الرابع
والعشرون ] وجوب الحج والعمرة على الفور ، الصبي إذا بلغ أو العبد إذا أعتق أو المجنون
إذا رجع إليه العقل
، قبل أن يفوته الوقوف فوقف بها وأتى بباقي المناسك يجزئه عن حجة الإسلام ، ويعتبر
في الزاد نفقته ذاهبا وجائيا ونفقة من يخلفه ممن يجب عليه نفقته قدر كفايتهم ، ويفضل
معه ما يرجع إليه يستعين به على أمره إن كان صاحب تجارة وتصرف ، وإن كان ذا صناعة أو
حرفة رجع إليها ، وإن كان له ضياع يكون قدر كفايته لزمه الحج ولا يلزمه بيع مسكن يسكنه
وخادم يخدمه خاصة ، وإن كان عليه دين حال أو مؤجل بقدر ماله من المال لم يلزمه الحج
[ ومن وجب عليه الحج ] فحج مع غيره في نفقته أو آجر نفسه من غيره
__________________
ليخدمه ثم حج أجزأه عن [ حجة ] الإسلام.
ومن بذل له الاستطاعة
لزمه الحج ، إذا لم يكن
إلا طريق واحد وفيه عدو
أو لصوص ولا يقدر على دفعهم سقط الوجوب ، فإن لم يندفع العدو إلا بدفع [ مال ] أو خفارة فهو غير مخلى السرب فإن تحمل ذلك كان حسنا ، وإن تطوع غيره ببذله لزمه.
من مات قبل أن تنزاح
العلة لم يجب أن يحج عنه ، وإذا مضى من الزمان قدر ما يمكنه فيه الحج بعد الوجوب ، ولم يحج ثبت في ذمته وإن تلف ماله ويجب أن يحج عنه من أصل تركته ، فإن لم يخلف مالا حج عنه
وليه ندبا ، ومن حج بعد الاستطاعة بنية التطوع أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن حج عن نفسه
وعن غيره لم يجز عن أحدهما ولا يستحق على الغير الأجر لفقد النية.
[ الفصل الخامس
والعشرون ] من أحرم بحج أو عمرة فمنعه عدو من الوصول إلى البيت ولم يكن له طريق إلا
ما صد فيه فله أن يتحلل ، وإن كان له طريق آخر لا مانع منه يلزمه
__________________
سلوكه على إحرامه ، فإن فاته الحج لزمه القضاء في الواجب لا التطوع ، وإن حبس
بسبب خاص به كدين عليه أو غيره ، فإن قدر على قضائه لم يكن له التحلل ، وإن لم يقدر على قضائه
أو حبس ظلما كان له التحلل ، ومن له التحلل لا يجوز له إلا بعد هدي.
ومن صد عن البيت
وقد وقف بعرفة والمشعر ، تحلل ورمى وحلق وذبح إذا لحق أيام الرمي وإلا استناب في ذلك ، فإن تمكن أتى مكة وطاف طواف الحج وسعى وقد تم حجه ولا قضاء عليه ، هذا إذا
أقام على إحرامه حتى يطوف ويسعى وإلا حج من قابل ، وإذا طاف وسعى ومنع من المبيت بمنى
وعن الرمي تم حجة ، لأن ذلك ليس من الأركان ، فإن صد من الوقوف بالموقفين أو أحدهما
لا من المبيت جاز له التحلل ، فإن أقام على إحرامه حتى فاته الوقوف بها فقد فاته الحج.
إذا لم يجد المصدود
الهدي أو لا يقدر
على ثمنه ، فلا يجوز أن
يتحلل حتى يهدي وليس له الانتقال إلا ببدل من الصوم أو الإطعام ، ولا بد في التحلل من نيته.
إذا بذل لهم العدو
تخلية الطريق ، فإن كانوا معروفين بالغدر ، جاز لهم الانصراف ، وإن كانوا معروفين بالوفاء
لم يجز لهم التحلل ولا يلزم الحاج بذل ما يطلبه العدو من المال على التخلية قليلا كان أو كثيرا.
__________________
والمريض الذي لا
يقدر على العود
إلى مكة بعد إحرامه يبعث
بهديه إلى مكة ويجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله ، ومحله للحاج منى ،
وللمعتمر فناء
الكعبة ، فإذا بلغ محله
قصر من شعر رأسه وحل له كل شيء إلا النساء ، ويحج الصرورة من قابل وجوبا وغيره ندبا
ولم تحل له النساء إلا أن يحج في القابل.
ويستنيب المتطوع
لطواف النساء ، فإن وجد من نفسه خفة فأدرك مكة قبل نحر هديه قضى مناسكه وأجزأه ، وإلا
حج من قابل ، وإن ذبحوه فقد فاته الحج لأن الذبح لا يكون إلا يوم النحر وقد فاته الموقفان
، وإن لم يسق الهدي بعث قيمته وتواعد وقتا يشترى فيه ويذبح
عنه ثم يحل بعده ، فإن لم يجد الهدي وردوا عليه الثمن ، وقد أحل فلا شيء ، ويجب أن
يبعث به في العام المقبل ويمسك مما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه.
والمحصور إذا أحرم
بالحج قارنا لم يجز أن يحج في العام المقبل متمتعا ، ومن بعث هديا تطوعا اجتنب ما يجتنبه
المحرم إلا أنه لا يلبي فإن فعل شيئا مما يحرم عليه [ كانت عليه ]
الكفارة كما على المحرم.
[ الفصل السادس
والعشرون ] العمرة فريضة كالحج وشرائط وجوبهما واحدة ، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج سقط
منه فرضها ، وإن لم يتمتع بأن كان من حاضري المسجد الحرام أو منعه
__________________
ضرورة من التمتع فحج قارنا أو مفردا ، اعتمر بعد انقضاء [ الحج إما بعد انقضاء ] أيام التشريق أو في استقبال المحرم ، ويذكر في دعائه أنه
محرم بالعمرة المفردة ، وإذا دخل مكة طاف [ طوافا واحدا للزيارة ، وسعى وقصر وحلق ثم
طاف ] طواف النساء ولا
يجوز أن يعتمر في أقل من عشرة أيام ، وأفضلها ما يكون في رجب.
وإذا دخل مكة بالعمرة
المفردة في غير أشهر الحج لم يجز له أن يتمتع بها إلى الحج ، فإن أراد التمتع كان عليه
تجديد عمرة في أشهر الحج ، وإن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز أن يقضيها
ويخرج ، والأفضل أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة ، فإن دخلها بنية التمتع لم يجز أن يجعلها
مفردة وأن يخرج من مكة لارتباطه بالحج ، وأما الزيارات فشرحها
طويل ، ولها كتب مفردة ، وذكرها بكتب العمل أليق.
__________________
كتاب
الجهاد
الجهاد من فرائض
الإسلام ويحتاج فيه
إلى معرفة خمسة أشياء :
شرائط وجوبه ، وكيف يجب ، ومن يجب جهاده ، وكيفية فعله [ وأحكامه ] وأحكام الغنائم.
أما شرائط وجوبه
: فالحرية والذكورة والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة له بالصحة والقدرة عليه وعلى ما
يفتقر إليه فيه ، من ظهر ونفقة وأمر الإمام العادل به ، أو من ينصبه الإمام أو ما يقوم
مقام ذلك من حصول
خوف على الإسلام أو على
الأنفس والأموال.
ومتى اختل أحد هذه
الشروط سقط الوجوب ، وهو مع تكاملها فرض على الكفاية ، إذا قام به من فيه كفاية
سقط عن غيره.
وأما من يجب جهاده
: فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار ، ومن أظهر الإسلام وبغى على الإمام العادل
وخرج عن طاعته ، أو قصد إلى أخذ مال المسلم وما هو في حكمه من مال الذمي ، وشهر السلاح
في بر أو بحر أو سفر
__________________
أو حضر.
وكيفيته : أن يؤخر
لقاء العدو إلى أن تزول الشمس وتصلى الصلاتان ، وأن يقدم قبل الحرب الاعذار والانذار
والاجتهاد في الدعاء إلى الحق ، وأن يمسك عن الحرب بعد ذلك [ كله ]
حتى يبدأ بها العدو لتحق الحجة عليه ، ويتقلد بذلك البغي.
فإذا عزم أمير الجيش
عليها استخار الله تعالى في ذلك ورغب إليه في النصر ، وعبأ أصحابه صفوفا وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم
بالحرب ، وجعل لهم شعارا يتعارفون به ، وقدم الدارع أمام الحاسر ووقف هو في القلب ، وليجتهد في الوصية لهم بتقوى الله ، والإخلاص
في طاعته ، وبذل الأنفس في مرضاته ، ويذكرهم ما لهم في ذلك من الثواب في الآجل ، ومن
الفضل وعلو الكلمة في العاجل ، ويخوفهم الفرار ويذكرهم ما هم فيه من عاجل العار وآجل
النار.
وإذا أراد الحملة
أمر فريقا من أصحابه بها وبقي هو في فريق آخر ليكونوا فئة يتحيز
إليها ، فإذا تضعضع لهم العدو وزحف هو بمن معه زحفا ، يبعث
من أمامه على الأخذ بكظم القوم ، فإذا زالت صفوفهم عن أماكنهم حمل هو حملة واحدة.
ولا يجوز أن يبارز
أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه الإمام ، ولا يجوز أن يفر واحد من واحد ولا من اثنين
ويجوز من ثلاثة فصاعدا.
__________________
ويجوز قتال العدو
بكل ما يرجى به الفتح من نار ومنجنيق وغيرهما وإن كان فيما بينهم مسلمون ، إلا إلقاء
السم في ديارهم فإنه لا يجوز ، ولا يقاتل في الأشهر الحرم من يرى لها حرمة من الكفار
[ إلا أن يبدأوا فيها بالقتال.
وجميع من خالف الإسلام
من الكفار ]
يقتلون مقبلين [ مدبرين
] ويقتل أسيرهم ويجهز
على جريحهم ، وكذا حكم
البغاة على الإمام إن كان لهم فئة يرجعون إليها ، وإن لم يكن لهم فئة لم يتبع مدبرهم
ولم يجهز على جريحهم ولم يقتل أسيرهم.
وأسراء من عدا ما
ذكرناه من المحاربين على أخذ المال إن كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ، وإن أخذوا
مع القتل مالا صلبوا بعد القتل ، وإن تفردوا بأخذ المال قطعوا من خلاف ، وإن لم يقتلوا
ولا أخذوا مالا نفوا من الأرض بالحبس أو النفي من مصر [ إلى مصر ].
ومن لا كتاب له
من الكفار فلا يكف عن قتاله إلا بالرجوع إلى الحق ، وكذا حكم من أظهر الإسلام من البغاة
والمحاربين ، ومن له كتاب ـ وهم اليهود والنصارى والمجوس ـ يكف عن قتالهم إذا بذلوا
الجزية ودخلوا تحت شروطها.
ولا يجوز أخذ الجزية
من عباد الأوثان ولا من الصابئين ، والجزية ما يؤدونه في كل سنة مما يضعه الإمام على
رءوسهم أو على أرضهم ، وليس لها قدر معين بل ذلك راجع إلى ما يراه الإمام ، ولا يجوز أخذها إلا من الذكور البالغين
الكاملي العقول.
__________________
وإذا أسلم الذمي
وقد وجبت عليه الجزية بحؤول الحول سقطت عنه بالإسلام ، والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام
خاصة.
وشرائط الجزية :
إلا يجاهروا المسلمين بكفرهم ولا بتناول المحرمات في شريعة الإسلام ، ولا يسبوا مسلما
، ولا يعينوا على الإسلام ، ولا يتخذوا بيعة ولا كنيسة ، ولا يعيدوا ما استهدم من ذلك.
ويلزم نصرتهم والمنع منهم ما وفوا بهذه الشروط ، ومتى أخلوا
بشيء منها صارت دماؤهم هدرا وأموالهم وأهاليهم فيئا للمسلمين.
ويغنم من جميع من
خالف الإسلام من الكفار ما حواه العسكر وما لم يحوه ، من الأموال والأمتعة والذراري
والأرضين ، ولا يغنم ممن أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين إلا ما حواه العسكر من
الأموال والأمتعة التي تخصهم فقط ، من غير جهة غصب دون ما عداها.
وبعد إخراج الصفايا
والخمس من الغنيمة يقسم ما بقي مما حواه العسكر بين المقاتلة خاصة ، لكل راجل سهم ولكل
فارس سهمان ولو كان معه عدة أفراس ، ويأخذ المولود في دار الجهاد ، ومن أدرك المجاهدين
للمعونة لهم ، مثل ما يأخذ المقاتل ، وحكم غنيمة البحر كغنيمة البر ، وباقي أحكام الغنائم
قد مر.
وإذا بيعت أرض الجزية
من مسلم سقط خراجها وانتقلت الجزية إلى رأس بائعها.
ومن أخذ أسيرا قبل
أن تضع ( الْحَرْبُ أَوْزارَها
) وجب قتله ولم يجز للإمام استبقاؤه ، وإن أخذ بعد الفتح فالإمام مخير بين المن
عليه بالإطلاق أو المفاداة أو
__________________
الاستبعاد.
وإذا غلب الكفار
على شيء من أموال المسلمين وذراريهم ثم ظفر عليهم المسلمون فأخذوا ذلك ، فالذراري
خارجون من الغنيمة ، وما عداهم من الأمتعة والرقيق ، إن وجده صاحبه قبل القسمة أخذه
بلا عوض ، وإن وجده بعدها ، دفع الإمام إلى من وقع في سهمه قيمته من بيت المال لئلا
تنتقض القسمة.
[ فصل ] الزنديق
: وهو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام يقتل ولا تقبل
توبته ، ومن ارتد عن إيمان ولد عليه فإنه لا يستتاب ولا يقبل
منه الإسلام ، وإن رجع إليه يجب قتله في الحال ، ومن ارتد عن الإسلام سبقه كفر يستتاب فإن تاب وأسلم قبل إسلامه ، وإن لم يتب وجب قتله ،
والمرتدة
لا تقتل بل تحبس حتى تسلم
أو تموت في الحبس.
والارتداد : هو
أن يظهر الكفر بالله تعالى وبرسوله أو الجحد بما يعم فرضه
والعلم به من دينه بعد إظهار التصديق.
__________________
كتاب
السبق والرماية
روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر.
يجوز المسابقة على
الخيل والبغال والحمير والإبل والفيل لعموم الخبر ، وكذا على النشابة والسهم والمزاريق
والرماح والسيوف ، لتناول اسم النصل ذلك ، ولا يجوز على ما عدا ذلك ، ولا يجوز المسابقة
حتى يكون ابتداء الغاية وانتهاؤها
معلومين ، ومن شرط ذلك
أن تكون الغاية التي يجريان إليها واحدة ، ولا يكون إحدى الغايتين أبعد من الأخرى.
إذا قيل لاثنين
: من سبق فله عشرة ومن صلى
فله عشرة ؛ فسد ، لأن كلا
منهما لا يجتهد ، وإذا قيل لثلاثة : أيكم سبق وصلى فله عشرون ؛ صح لأن كلا [ منهم ]
يخاف أن يكون ثالثا لا يأخذ شيئا. وإن أخرج كل منهما عشرة
وقال : من سبق فله العشرون معا ؛ فإن لم يدخلا بينهما محللا فهو القمار بعينه ، وإن
أدخلا ثالثا لا يخرج شيئا وقالا : إن سبقت أنت فلك السبقان معا جاز ، وإن أدخلا بينهما
محللا ، فرسه دون فرسيهما فهو قمار ، وإن كان فرسه كفوا لفرسيهما جاز.
__________________
إذا سبق كل منهما
عشرة وأدخلا بينهما محللا لا يخرج شيئا وقالا : أي الثلاثة سبق فله السبقان ؛ فسبق
أحد المسبقين فله كلاهما ، وإن وصلوا معا فلكل منهما نصيبه ولا شيء للمحلل ، وكذا إن سبق
المسبقان معا وتأخر المحلل ، وإن سبق المحلل وحده أخذهما معا ، وإن سبق أحدهما والمحلل
فالمسبق السابق يأخذ عشرته ، والعشرة الأخرى بينه وبين المحلل بنصفين.
إذا تسابق الفرسان وكانا متساويين في الخلقة في القد وطول العنق ، فمتى
سبق أحدهما الآخر بالهادي
أو ببعضه أو بالكتد
فقد سبق ، وإن كانا مختلفين في الخلقة كأن يكون طول عنق أحدهما
ذراعا والآخر ذراعا وشبرا ، فإن سبق القصير الطويل بالهادي أو ببعضه فقد سبق ، وكذا
إن كان الرأسان سواء ، فإن سبق الطويل القصير ؛ فإن كان بقدر الزيادة في الخلقة لم
يكن سابقا ، لأن ذلك لطول خلقته لا لسرعة عدوه ، وإن كان بأكثر من ذلك كان سابقا.
[ فصل ] المناضلة
لا تصح إلا بعد معرفة الرشق وعدد الإصابة وصفتها والمسافة وقدر الغرض والسبق وشرط المبادرة
والمحاطة. أما الرشق فعدد الرمي وبالفارسية « دست » وعدد الإصابة كأن يقال : الرشق عشرون
والإصابة خمسة ، وصفة الإصابة كأن يقال : يصيب ما بين الغرض أو جانبيه أو يثبت في الغرض
أو لا يثبت فيه ، والسبق المال ، والمبادرة أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما
في عدد الرمي ،
__________________
كأن يشترطا الرشق عشرين والإصابة خمسة فرمى كل منهما عشرة وأصاب خمسة فقد تساويا ولا يرميان
ما بقي ، وإن أصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة فقد نضله.
والمحاطة أن يبادر
أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا ، كأن يرمي في الصورة
المذكورة كل منهما عشرة فأصاب خمسة تحاطا ذلك وأكملا الرشق ، وإن أصاب أحدهما سبعة
والآخر خمسة تحاطا خمسة بخمسة فيكملان.
والسبق والنضال
من العقود الجائزة كالجعالة أيهما أراد إخراج نفسه من السباق جاز له ذلك.
إذا قال : إرم بسهمك
هذا فإن أصبت فلك دينار ؛ صح لأنها جعالة فيما له فيه غرض صحيح ، وكذا إن قال : إرم
عشرين سهما فإن كان صوابك أكثر من خطائك فلك دينار ؛ صح ، وإن قال : إرم عشرين وناضل
نفسك فإن كان صوابك أكثر فلك كذا ؛ بطل ، لأنه لا يصح أن يناضل نفسه.
إذا شرطا نوعا من
القسي ، كالعربية والعجمية ، تعين ذلك النوع ، ولم يكن لأحدهما
العدول عنه ، وإن عين قوسا من النوع ، كان له العدول إلى غيرها ، وأما المسابقة فلا
تصح حتى تعين الفرس ، ومتى نفق لم يستبدل
صاحبه غيره ، بخلاف النضال فإن القوس متى انكسرت كان له أن
يستبدل وإن عين لأن المقصود من النضال الإصابة ومعرفة حذق الرامي ، وهذا لا يختلف لأجل
القوس والقصد في المسابقة معرفة السابق ويختلف الفرسان.
إذا قال : إن أصبت
ذلك فلك عشرة وإن أخطأت فعليك عشرة ؛ بطل.
__________________
كتاب
البيع
البيع عقد ينتقل
به عين مملوكة ، من شخص إلى غيره بعوض مثلها أو مخالف لها
في الصفة ، على وجه التراضي ، ولا بد من معرفة أقسامه ، وشروطه
، وأسباب الخيار فيه ، ومسقطاته ، وأحكامه.
وأقسامه أربعة :
بيع عين حاضرة مرئية ، وبيع خيار الرؤية في الأعيان الغائبة ، وبيع ما فيه الربا بعضه
من بعض ، وبيع موصوف في الذمة إلى أجل معلوم ، وهو السلم.
وأما شروطه فضربان
: أحدهما شرائط صحة انعقاده ، والثاني لزومه.
فالأول : ثبوت الولاية
في المعقود عليه ، وأن يكون معلوما مقدورا على تسليمه منتفعا
به منفعة مباحة ، وأن يحصل الإيجاب من البائع ، والقبول من المشتري بلا إكراه إلا في
موضع نذكره. ولبيع ما فيه الربا وبيع السلم شروط أخر تأتي بعد.
احترزنا بثبوت الولاية
من بيع من ليس بمالك للمبيع ، ولا في حكم المالك [ له ] وهم ستة : الأب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه والوكيل ، واشترطنا
أن
__________________
يكون المعقود عليه معلوما لأن العقد على المجهول باطل ، لأنه من بيع الغرر ،
واحترزنا بكونه مقدورا على تسليمه مما لا يمكن ذلك فيه ، كالسمك في الماء ، والطير
في الهواء ، فإنه لا يجوز بيعه ، لأنه من بيع الغرر. واحترزنا بكونه منتفعا به مما
لا منفعة فيه ، كالحشرات ، وقلنا : مباحة ، تحرزا من المنافع المحرمة والنجس إلا ما
يستثني بدليل.
واعتبرنا الإيجاب
والقبول ، تحرزا من القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري ، والإيجاب من البائع من
غير قبول ، وبالمعاطاة أيضا ، واشترطنا عدم الإكراه لأن حصوله مفسد للعقد
بلا خلاف إلا إكراه الحاكم على البيع ، لإيفاء ما يلزم من
حق ، لأنه يصح البيع معه.
والشروط المقترنة بعقد البيع ضروب :
أولها
: ما هو فاسد مفسد للعقد ، كأن يشرط في الرطب أن يصير تمرا
وفي الزرع أن يسنبل ، وكأن يسلف في زيت على أن يكون حادثا في المستقبل من شجر معين
، إذ هو غير مقدور على تسليمه.
وثانيها
: ما هو صحيح ، والعقد معه كذلك ، كأن يشرط في العقد ما يقتضيه
أو ما للمتعاقدين
مصلحة فيه ، كاشتراط القبض
، وجواز الانتفاع والأجل والخيار والرهن والكفيل ، أو كأن يشرط ما يمكن تسليمه ، كأن
يشتري ثوبا على أن يخيطه البائع أو يصبغه ، أو يبيعه شيئا آخر ، أو يبتاع منه ، وأن
يشترط البائع على المشتري كون المبيع له إن رد الثمن عليه في وقت كذا ، وأن يشترط على
مشتري العبد عتقه.
__________________
وثالثها
: ما هو فاسد غير مفسد للعقد كأن يشترط بائع العبد أن يكون
ولاؤه له إذا عتق. وأما شرائط لزومه فهي مسقطات الخيار في فسخه.
الفصل الأول
أسباب الخيار خمسة :
أحدها
: اجتماعهما في مجلس العقد ، وهو خيار المجلس.
والثاني
: اشتراط المدة.
والثالث
: أن لم يتقدم من المتبايعين أو من أحدهما رؤية ما يبيعه منه
في الحال غائبا.
والرابع
: ظهور عيب كان في المبيع قبل قبضه.
والخامس
: ظهور غبن لم تجر العادة بمثله ، ولم يكن المشتري من أهل الخبرة
، فإن فقد أحد الشرطين فلا رد.
أما خيار المجلس
فلا يسقط إلا بأحد أمرين : تفرق ، وتخاير. فالتفرق أن يفارق كل منهما صاحبه بخطوة فصاعدا
عن اختيار.
والتخاير ضربان : تخاير
في نفس العقد ؛ كأن يقول : بعتك بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس ، فيقول المشتري
: قبلت. وتخاير بعد العقد ؛ كأن يقول أحدهما لصاحبه في المجلس : اختر فيختار إمضاء العقد.
وأما الخيار باشتراط
المدة فينقطع بأحد ثلاثة أشياء : انقضاء المدة المضروبة له ، والتخاير في انتهائها
، والتصرف في المبيع ، وهو من البائع فسخ ومن المشتري
__________________
إجازة.
وأما خيار الرؤية
فينقطع بأحد أمرين : أحدهما : أن يرى المبيع على ما عين ووصف. الثاني : أن يرى بخلاف
ما وصف ويهمل الرد لأنه على الفور.
وأما خيار ظهور
عيب كان في المبيع قبل قبضه ، فلا ينقطع إلا بأحد أمور خمسة :
أحدها : اشتراط
البراءة عن العيوب حالة العقد.
وثانيها : تأخير
الرد مع العلم بالعيب ، لأنه على الفور.
وثالثها : الرضاء
بالعيب.
ورابعها : حدوث
عيب آخر عند المشتري.
وخامسها : التصرف
في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملك أو بإذن حاصل ، بعد العلم بالعيب أو قبل العلم
به وكان مما يغير المبيع بزيادة فيه كالصبغ للثوب أو نقصان منه ، كقطعة.
الفصل الثاني
وشروط جواز بيع بعض المكيل أو الموزون ببعض ـ إذا اتفق الجنس أو كان في حكم المتفق ، كالحنطة والشعير
ـ ثلاثة زائدة على ما سبق : الحلول النافي للنسيئة والتماثل في المقدار ، والتقابض
قبل الافتراق بالأبدان ، فإن اختلف الجنس سقط اعتبار التماثل.
__________________
ويصح البيع بدون
الآخرين وإن كان مكروها ، هذا إن لم يكونا ذهبا وفضة ، فإن كان أحدهما ذهبا أو فضة
والآخر مما عداهما سقط اعتبار الشروط الثلاثة.
وروي أنه إذا اتفق
كل واحد من العوضين في الجنس وأضيف إلى أحدهما ما ليس من جنسه سقط اعتبار التماثل في
المقدار ، كبيع دينار ودرهم بدينارين.
الفصل الثالث
وللسلم أربعة شروط تخصه ، زائدة على ما سبق وهي : ذكر الأجل ، وذكر موضع التسليم ،
وأن يكون رأس المال مشاهدا ، وأن يقبض في مجلس العقد.
الفصل الرابع
إذا قال المشتري للبائع : بعنيه بكذا ، فقال [ البائع ]
: بعتك ، لم يصح حتى يقول
المشتري بعده : اشتريت ، فعلى هذا كل ما يجري بين الناس إنما هي استباحة وتراض ، وليس
ذلك بيعا منعقدا ، ويصح من كل واحد من المتبايعين الرجوع.
من باع عينا غائبة
ولم يذكر الصفة والجنس أو أحدهما لم يصح البيع ، ولا يجوز بيع عين بصفة مضمونة كأن
يقول : بعتك هذا الثوب على أن طوله كذا وعرضه كذا ، فإن لم يكن كذا ، فعلي بدله بتلك
الصفة ، لأن العقد لم يقع على البدل ويحتاج فيه إلى استئناف عقد.
__________________
إذا ابتاع ثوبا
على حف نساج
وقد نسج بعضه ، على أن
ينسج الباقي ، بطل ، لاجتماع خيار الرؤية وانتفائها في شيء واحد.
إذا اشترى شيئا
مما يسرع إليه التلف ، كالفواكه ، بعد أن رآه بزمان يعلم أنه قد تلف فيه ، بطل.
كل ما يمكن اختباره
من المطعوم والمشروب من غير إفساد له ، لا يجوز بيعه بغير اختباره ، فإن تبايعا كانت
الصحة موقوفة على تراضيهما.
الفصل الخامس
يثبت في الحيوان الخيار ثلاثا للمشتري خاصة
شرطا أو لا ، وما زاد فبحسب الشرط
، فإن شرطا مدة معلومة ثم أوجبا البيع ، ثبت العقد وبطل الشرط المتقدم.
إذا ابتاع بشرط
الخيار ولم يسم وقتا ، بل أطلقه ، فله الخيار ثلاثا لا غير. وإذا ابتاع معينا وتفرقا
بلا تقابض ، فالمبتاع أحق به إلى ثلاثة أيام ، فإن مضت ولم يحضر الثمن ، فالبايع بالخيار
بين الفسخ والمطالبة بالثمن ، وإن هلك في مدة الثلاثة ، فهو من مال البائع.
إذا أراد انعقاد
ما يشتريه لولده من نفسه ، اختار لزوم العقد عند انعقاده ، أو يختار بشرط بطلان الخيار
على كل حال ، وقيل : ينتقل من مكان العقد.
بيع العين المشاهدة
يدخله خيار المجلس بإطلاق العقد ، وخيار الشرط
__________________
بحسب الشرط ثلاثا فصاعدا ، وبيع الحيوان يدخله خيار المجلس وخيار الثلاثة بإطلاق
العقد وما زاد فبالشرط ، وبيع خيار الرؤية يدخله الخياران معا ، وخيار الشرط إذا رآه.
وخيار الرؤية يكون
على الفور دون خيار المجلس ، وكذا بيع السلم ، الصرف يدخله خيار المجلس دون خيار الشرط
لأن من شرط صحته القبض.
وأما النكاح والطلاق
والخلع والعتق والوقف والصلح فلا يدخلها الخياران معا ، وكذا المكاتبة المطلقة إذا
أدى شيئا ، فإما المشروطة فللمولى خيار الشرط دون خيار المجلس ، وللعبد الخياران معا.
وأما الإجارة والمزارعة
والمساقاة والقسمة والسبق والرماية والحوالة والجعالة والقراض ، فلا يدخلها خيار المجلس
لأنه يختص البيع ، ولا مانع من دخول خيار الشرط. وأما الهبة فللواهب الخيار قبل القبض
وبعده ما لم يتعوض منها أو لم يتصرف فيها الموهوب له ولم يكن الهبة لولده الصغار.
والشفيع إذا ملك
الشقص بالثمن وانتزع من يد المشتري فليس له خيار المجلس ، والرهن بدين للراهن الخيار
بين أن يقبض أو لا ، فإن أقبض لزم من جهته ، وكان من جهة المرتهن جائزا إن شاء أمسك
أو فسخ ، قال الشيخ : والأحوط أن يقول : إن الرهن يلزم من قبل الراهن بالقول ، ويلزمه
إقباضه ، وأما من جهة المرتهن ، فهو جائز على كل حال.
وإن كان رهنا في
بيع كأن يقال : بعتك هذه الدار بألف على أن ترهن عبدك ، فالراهن بالخيار في مدة خيار
المجلس أو الشرط بين أن يقبض الرهن أو لا ، فإن أقبض لزم الرهن من جهته ، ولكل منهما
فسخ البيع في مدة الخيار ، فإن لزم بالتفرق
__________________
أو بانقضاء خيار الشرط فقد لزم الرهن على ما كان ، وإن فسخا أو أحدهما البيع
بطل الرهن ، وإن لم يقبض الرهن حتى لزم البيع بالتفرق أو بانقضاء مدة الخيار ، فالراهن
بالخيار بين أن يقبض أو لا ، فإن أقبض لزم الرهن من جهته وإن امتنع لم يجبر عليه وكان
البائع المرتهن بالخيار ، إن شاء أقام على البيع بلا رهن وإن شاء فسخ ، وعلى ما سبق
من لزوم الرهن بالقول من الراهن ولزوم الإقباض ، متى لزم البيع لزم إقباض الرهن.
خيار الشرط يورث
إذا مات أحد المتبايعين أو كلاهما يقوم الوارث مقامه.
وإن كان عبدا أو
مكاتبا قام مولاه مقامه ، وكذا إن جن أحدهما أو أغمي عليه في مدة الخيار قام الولي
مقامه ولا اعتراض له إذا أفاق.
يجوز التقابض في
مدة الخيارات الثلاث والخيار باق. ومبدأ خيار الشرط من حين التفرق بالأبدان لا من حين
العقد ، لأن الخيار يدخل بعد ثبوت العقد ، والعقد لا يثبت إلا بعد التفرق ، فإن شرطا
أن يكون من حين العقد ، أو يكون مدة أحدهما أقل من مدة الآخر ، صح ، ولكل منهما الفسخ
بالعيب ، والإمضاء قبل القبض وبعده ، ولا يحتاج إلى حضور صاحبه.
إذا باع وشرط الخيار
لأجنبي صح ، وإذا قال : بعتك
على أن استأمر فلانا في
الرد ، كان على ما شرط ، ولا حد لاستئماره إلا أن يذكر زمانا معينا.
إذا قال : بعتك
على أن تنقد لي الثمن إلى عشر مثلا فإن نقدتني ، وإلا فلا
بيع ، كان على ما شرط.
__________________
إذا باع عبدين وشرط
مدة الخيار في أحدهما ولم يعينه بطل البيع ، وإن عينه ثبت الخيار فيمن
عين لا غير.
إذا اشترى شاة وحبسها
ثلاثة أيام ، ثم أراد ردها ، رد معها ثلاثة أمداد من طعام
إن كان لها لبن وقد شربه ، وإلا فلا.
وروى أصحابنا أن
البيع بشرط يجوز وهو أن يقول : بعتك إلى شهر. قال الشيخ : والأحوط عندي أن يكون المراد
بذلك أن يكون للبائع خيار الفسخ دون أن يكون مانعا من انعقاد العقد.
كل تصرف لو وقع
من البائع كان فسخا ، ومتى وقع من المشتري ، كان إقرارا بالرضاء بالبيع ولزم العقد
من جهته.
الإكراه على التفرق
لا يبطل خيار المجلس.
إذا قال : بعتك
بشرط ، ولم يذكر مقدار الشرط ، كان البيع باطلا. وقيل : يصح البيع ويرجع ويثبت شرطا
فقط.
إذا باع بشرط الخيار
متى شاء ، فالبيع باطل لأنه مجهول.
إذا هلك المبيع
قبل القبض في مدة الخيار أو بعدها ، بطل البيع ، وهلك على البائع وبطل الثمن ، ورد
الثمن إن كان مقبوضا ، وسقط عن المشتري إن لم يكن
__________________
مقبوضا ، وإن هلك بعد القبض لم يبطل البيع وإن رده على البائع وديعة أو عارية.
الفصل السادس
الربا هو التفاضل بين شيئين من جنس واحد
من المكيل والموزون خاصة ، وذلك محظور غير سائغ ، لا نقدا ولا نسيئة ، ولا تفاوت في ذلك إن كان النقدان
من الذهب والفضة أحدهما مضروبا أو مصاغا ، أو لا يكون كذلك وإن كان المصاغ أكثر قيمة.
والمغشوش من الذهب
أو الفضة
لا يجوز بيعه بغير المغشوش
من ذلك الجنس ، لأن ما فيه من الذهب أو الفضة مجهول سواء كان الغش مستهلكا أو لا ،
فإن اشترى بالمغشوش ثوبا مثلا جاز ، وإن اشترى بالذهب المغشوش فضة أو بالعكس كان جائزا.
ويجوز بيع الذهب
بالفضة متفاضلا نقدا لا نسيئة ، وكذا في كل جنسين اختلفا مما يكال أو يوزن ، ولا يجوز فيه التفرق قبل القبض ، فإن فعلا بطل البيع.
إذا باع موزونا
أو مكيلا بجنس آخر منه غير الثمنين كبر بتمر مثلا ، أو مكيلا بموزون جاز التفاضل فيه
والتماثل ، فإن افترقا قبل القبض لم يبطل البيع ، والأحوط التقابض قبل التفرق. ويجوز
بيع جنس بجنس مثله متماثلا ، وأما متفاضلا فلا ، والأحوط أن يكون يدا بيد.
ما لا يكون فيه
الربا كالثياب والحيوان مثلا ، وما لا يكال ولا يوزن ، يكره
__________________
التفاضل فيه نسيئة ، كبيع ثوب بثوبين.
البر والشعير جنس
واحد في الربا ، وفي الزكاة جنسان.
بيع الرطب بالتمر
لا يجوز متفاضلا ومتماثلا.
ما يتداوى به من
الطين الأرمني وغيره مما يوزن ففيه الربا ، وأما الطين الذي يؤكل ، فحرام أكله وبيعه.
الماء لا ربا فيه
لأنه لا يكال ولا يوزن.
المماثلة المعتبرة في الربا عرف أهل الحجاز
على عهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
فما
كانت العادة فيه الكيل ، لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد
وكذا في الوزن.
والمكيال مكيال أهل المدينة
، والميزان ميزان أهل مكة.
وما لا تعرف له
عادة في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يحمل على عادة بلد ذلك الشيء.
بيع الحنطة بدقيقها
متماثلا نقدا جائز ، ولا يجوز نسيئة لا متماثلا ولا متفاضلا ، والأحوط في ذلك الوزن
، دون الكيل ، لأن الدقيق أخف وزنا من الحنطة.
ولا يجوز بيع لين
الخبز بيابسه لا متماثلا ولا متفاضلا ، إذا كان من جنسه ، وبغير جنسه يجوز متماثلا
ومتفاضلا ، كخبز الحنطة بخبز الذرة.
الأدهان إذا كانت
في الأصل واحدا ـ وإن اختلفت أسماؤها ـ لا يجوز التفاضل فيها ، كدهن الورد والنيلوفر
والياسمين والبنفسج ، إذ الأصل فيها دهن الشيرج.
يجوز بيع الشهد
بالعسل مثلا بمثل وإن كان في الشهد الشمع ، وكذا
__________________
الحبوب وإن كان في أحد المثلين قليل تبن ، أو زوان أو غيرهما.
لبن الغنم الأهلي
جنس غير لبن الغنم الوحشي وهو الظباء ، وكذا لبن البقر الأهلي خلاف لبن بقر الوحش ،
ولبن الإبل جنس آخر ، يجوز بيع جنس منها بجنس آخر متفاضلا ، وأما بجنسه فلا ، إلا متماثلا
، وكذا حكم ما يتخذ من اللبن كالسمن والزبد والجبن والأقط والمصل وغيرها.
واللحمان كالألبان
في اختلاف الأجناس وكذا الحيتان.
والطيور كل ما اختص
منها بصفة واسم فهو صنف غير الآخر ، لا يجوز بيع جنس منها بجنسه متفاضلا ، نيئا كان أحدهما والآخر
مشويا أو مطبوخا سمينا كان [ أحدهما ] والآخر مهزولا.
والشحم والألية
واللحم ليس بعضها جنسا لبعض.
بيع اللحم بحيوان
من جنسه لا يجوز ، كبيع لحم شاة بشاة ، وبغير جنسه يجوز ، وإن كان الحيوان غير مأكول
اللحم كالبغل والعير.
يجوز بيع دجاجة
فيها بيض ، بالبيض ، وشاة في ضرعها لبن باللبن.
وما يجري فيه الربا
، لا يجوز بيع بعضه ببعضه جزافا ، وكذا ما يباع عددا ، لا يجوز بيعه جزافا. ويجوز بيع
بعضه ببعض ، متفاضلا ومتماثلا ، كبيضة ببيضتين ،
__________________
وحلة بحلتين ، وحمار بحمارين. ويجوز بيع مد من بر ودرهم بمدي بر وبيع دينار وألف درهم بألف دينار ، وزيادة كل ذلك نقدا.
لا يجوز بيع التمر
بالتمر إذا كان خرصا بما يوجد منه.
ومن كان معه دراهم
أو دنانير محمول عليها ، لم يجز صرفها بالجياد إلا بعد بيانها وإن كانت صارت إليه بالجياد.
إذا اشترى سلعة
بدراهم أو دنانير معينة لم يجز تسليم غيرها إلا برضاء البائع.
إذا خرج المبيع
من غير جنس ما وقع عليه البيع ، بطل البيع ، وإن خرج بعض من غير جنسه دون الباقي ،
بطل البيع في ذلك البعض خاصة.
إذا اشترى دراهم
بدنانير بأعيانها ، فوجد ببعضها عيبا ، كان البيع صحيحا ، وللمشتري أن يرد المعيب بالعيب
، أو يفسخ البيع في الجميع ، وإن كان في الذمة بلا تعيين وأطلقا ، رجع الإطلاق إلى نقد البلد إن كان واحدا وإلى الغالب
من نقوده إن اختلفت ، وإن لم يكن غالب لم يصح البيع إلا إذا
وصف وذكر حال العقد.
ولا يجوز أن يتفرقا
حتى يتقابضا ، وإذا
وجد أحدهما بعد التقابض
عيبا من جنسه ، أو لا من جنسه قبل التفرق ، فله الإبدال ، وبعد التفرق إن كان العيب
لا من جنسه بطل الصرف ، لأنهما تفرقا من غير قبض ، لما تناوله العقد ، وإن كان العيب
في البعض ، بطل العقد في ذلك البعض لا غير ، وإن كان العيب من جنسه ،
__________________
بأن يكون الذهب خشنا أو سكة أحدهما مخالفة للسكة المعروفة وكان في الكل ، فله
إما الرد واسترجاع ثمنه ، أو الرضى أو إبداله ، وإن كان في البعض ، أبدل أو فسخ في
الجميع.
الأواني المصاغة
من الذهب والفضة معا ، إذا لم يمكن تخليص أحدهما من الآخر ، وكذا الدنانير المضروبة
منهما لم تبع إلا بالذهب ، إذا كان الغالب فيها الفضة ، أو بالفضة إذا كان الغالب الذهب
، فإن تساويا بيعت بالذهب والفضة معا ، والأحوط أن يجعل معهما شيء آخر.
جوهر الذهب والفضة
ومعادنهما لا يجوز بيعهما إلا بغير جنسهما ، ليؤمن فيه من
الربا. وجوهر الأسرب والنحاس والرصاص لا بأس بالإسلاف فيه وإن كان فيه ذهب يسير أو فضة قليلة.
إذا باع سيفا محلى
بفضة بدراهم أو سيفا محلى بذهب بدنانير وكان ما فيه من الذهب أو الفضة أقل من الثمن
في الوزن جاز ، وكان الفاضل من الثمن ثمن النصل والعلاقة ، فإن كان ما فيه من الذهب أو الفضة مثله أو أكثر منه لم يجز
إلا أن يستوهب السير
والنصل إذا كان مثله ،
فأما إذا كان أكثر فلا يجوز على حال ، ويجوز بيعه بغير جنس حليته أو بعوض.
إذا اشترى خاتم
فضة مع فصه بفضة جاز إذا كان الثمن أكثر مما فيه من الفضة.
__________________
من كان معه مائة
درهم صحاح ، يريد أن يشتري بها مكسرة أكثر منها وزنا ، فاشترى بصحاح ذهبا ، ثم اشترى
بالذهب دراهم مكسرة ، أكثر وزنا من الدراهم الصحاح ، جاز.
إذا تقابضا وافترقا
بالأبدان ، أو تخايرا إمضاء البيع بعد التقابض ، فإن تخايرا قبل التقابض ، بطل الصرف
، فأما إذا تقابضا قبل التفرق والتخاير ، لكنه اشترى منه بالذهب الذي قبضه ، دراهم
مكسرة ، صح الشرى ، لأن هذا تصرف منه ، والتصرف إمضاء للبيع ، وقطع للخيار ، فإذا باع
الصحاح بوزنها من المكسرة ووهب [ له ] الزيادة جاز ، وكذا إن ضم إلى الصحاح جنسا آخر يكون ثمنا
للزيادة.
إذا اشترى دينارا
بعشرين درهما ، ومعه تسعة عشر درهما ، فسلمها إليه ، ثم قبض الدينار منه ، ثم استقرض
منه درهما مما دفعه إليه وأعطاه في المجلس ، إتماما [ للعشرين ] جاز ، فإن لم يقرضه فاسخة الصرف ، واشترى منه من الدينار
، بقدر دراهمه التسعة عشر ، فيكون في يده جزء من عشرين جزءا من الدينار ، مقبوضا عن
وديعة ، والباقي عن الصرف ، فإن شاء استرجع ذلك الجزء منه ، أو وهبه له ، أو اشترى
به عوضا منه ، أو جعله ثمنا لموصوف في ذمته إلى أجل ، فيكون سلما.
وإن لم يفاسخه لكن
قبض الدينار وفارقه ليوفيه الدرهم انفسخ الصرف في قدر الدرهم دون الباقي ، فإن تصارفا
فلا بأس أن يطولا مقامهما
في مجلسهما ، أو أن يصطحبا
من مجلسهما إلى غيره ، ليوفيه ، لأنهما لم يتفرقا.
والتوكيل في القبض
، لا يكون قبضا ، بل يجب أن يقبض الوكيل قبل تفرقهما ، لأن قبض وكيله بمنزلة قبضه ،
ولا يجوز التفرق إلا بعد القبض أو المفاسخة ، لأنه ربا.
__________________
إذا اشترى عشرين
درهما بدينار فقال له آخر : ولني نصفها بنصف الثمن ، صح. والتولية بيع. وإن قال له
: اشتر عشرين درهما نقرة بدينار لنفسك ثم ولني نصفها بنصف الثمن لم يجز ، لأنه إذا
اشتراها لنفسه ثم ولاه كانت التولية بيعا من الغائب وذلك لا يجوز.
إذا كان له عند
صيرفي دينار فقبض منه الدراهم من غير أن يبتاع لم يكن ذلك صرفا وكان للصيرفي في ذمته
تلك الدراهم ، وله عند الصيرفي دينار ، ولا يجوز أن يتقاصا لأنهما جنسان مختلفان ،
فإن أبرأ كل منهما صاحبه مما له عليه فقد برأت ذمتهما.
من كان له على غيره
دنانير وأخذ منه الدراهم ثم تغيرت الأسعار ، كان له أن يسعر يوم قبض الدراهم.
إذا كان له على
صيرفي دنانير فقال له : حولها إلى الدراهم ، وساعره
على ذلك ، جاز وإن لم يوازنه ويناقده في الحال ، لأن النقدين
جميعا من عنده.
إذا قال لصائغ : صغ لي خاتما من فضة لأعطيك وزنها فضة وأجرتك للصياغة ،
فعمل لم يصح وكان الخاتم ملك الصائغ ، واحتاج في شرائه إلى عقد مستأنف.
ولا بأس بابتياع
درهم بدرهم ويشترط معه
صياغة خاتم أو غيره ، وكذا
لا بأس أن يشتري طعاما على أن يطحنه أو
دقيقا على أن يخبزه
أو ثوبا على أن يخيطه ونحو ذلك مما يكون في مقدوره ، فأما ما لا يكون في مقدوره من
الشرط كأن يشتري الزرع على أن يسلمه إليه سنبلا أو الرطب على أن يسلمه تمرا فلا يجوز.
__________________
ولا يجوز أن يبيع
ثوبا بمائتي درهم من صرف عشرين درهما بدينار ، لأن الثمن غير معين ولا موصوف بصفة يعلم
بها ، وكذا لا يصح أن يشتري ثوبا بمائتي درهم [ إلا ]
دينارا أو بمائة دينار إلا درهما ، لأن الثمن مجهول ، لا
يدرى إلا بالتقويم والرجوع إلى أهل الخبرة.
لا ربا بين الولد
ووالده لأن مال الولد في حكم مال الوالد ، ولا بين العبد وسيده لأن مال العبد لسيده
، ولا بين الرجل وأهله ، ولا بين المسلم والحربي ، لأنهم في
الحقيقة فيء للمسلمين ، وإنما لا يتمكن منهم ، ويثبت بين المسلم والذمي ، فمتى اشترى
المسلم من الحربي درهمين بدرهم جاز ، ولا يجوز أن يبيعه درهمين بدرهم.
من ارتكب الربا
جاهلا بتحريمه ثم علم به استغفر الله ولم يعد ، وإن كان عالما بتحريمه وجب عليه رد
كل ما جمع من الربا على صاحبه ، فإن جهل المقدار صالحه على ما يرضى به ، وإن لم يعرف
صاحبه تصدق به عنه ، فإن لم يعرف المقدار ولا الصاحب أخرج الخمس والباقي مباح له.
الفصل السابع : في أحكام العقود
من باع نخلا قد
أطلع ، فإن كان قد أبر ، فثمرته له وإلا للمشتري ، وكذا في وجوه التمليك ، وإن اطلعت النخلة في ملك المشتري ثم فلس بالثمن ،
__________________
رجع البائع عليه بالنخلة دون الطلع ، فإن أبر بعض دون بعض فثمرة المأبور للبائع
وثمرة غير المأبور للمشتري ، وإن هلكت الثمرة للمشتري في يد البائع قبل التسليم كان
للمشتري فسخ البيع وإجازته في الأصول بجميع الثمن ، أو بحصته من الثمن.
وإذا اشترى عبدا
فقطعت يده قبل القبض ، فالمشتري مخير بين فسخ البيع وإجازته بجميع الثمن لا غير ، لأن
الثمن لا ينقسم على الأطراف ، وينقسم على أصول النخل والثمرة.
إذا باع أرضا وفيها
القطن وقد خرجت جوزته ، فإن كان قد تشقق الجوزة فالقطن للبائع وإلا فللمشتري ، إلا
أن يقع الشرط بخلافه في الحالين ، وإن كان بدل القطن الحنطة ، أعتبر بإخراج السنابل.
يجوز بيع أصول القطن
دون الأرض
إذا كان مما يبقى فيحمل
سنتين فصاعدا.
ما لا يكون في الأكمام
من الثمرة كالعنب والتين والتفاح إذا بيع أصله وقد خرجت الثمرة فهي للبائع إلا بالشرط
، وإن خرجت في ملك المشتري فهي له.
وما يخرج من ثمرته
في أكمام ودونه قشر كالجوز واللوز إذا بيع الأصل وقد ظهرت
الثمرة فهي للبائع إلا بالشرط.
وإذا بيع شجر الورد
أو الياسمين أو النسرين أو البنفسج أو النرجس وغير ذلك مما يبقى أصله في الأرض ، ويحمل
حملا بعد حمل ، فإن كان تفتح ورده فللبائع وإلا فللمشتري.
__________________
إذا باع أصل التوت
وقد خرج ورقه فهو للمشتري تفتح أو لا ، لأن الورق من الشجر بمنزلة الأغصان وليس بثمر.
إذا باع نخلا على
أن يقطعه المشتري أجذاعا فتركه حتى أثمر ، فالثمرة للمشتري ، فإن كان البائع سقاه وراعاه
فله أجرة المثل.
إذا باع شجرة تين
وعليها تين ظاهر ولم يلقطه حتى حدث حمل آخر للمشتري ، فاشتبها سلم الجميع إلى المشتري
، أو يفسخ البيع إذ لا يمكن تسليم المبيع ، وكذا في الباذنجان والقثاء والبطيخ.
إذا قال : بعتك
هذه الأرض بحقوقها ، دخل البناء والشجر في البيع ، وإن لم يقل بحقوقها لم يدخل. واسم
البستان يشتمل على الأرض والشجر.
إذا قال : بعتك
هذه القرية بحقوقها ، لم يقع اسم القرية إلا على البيوت ، ولا يكون المزارع من حقوقها
، وإن كانت بين البيوت أشجار دخلت في البيع لأنها من حقوق القرية والبيوت.
إذا باع دارا دخل
في البيع الأرض والبناء والشجرة النابتة فيها والحيطان والسقوف والأغلاق والأبواب المنصوبة
والبئر وما فيها من الآجر والماء ، دون متاع البيت والأبواب المقلوعة وشبهها مما لا
يدخل تحت اسم الدار.
لا يصح بيع ماء
البئر لأنه إن باع الجميع فهو مجهول ، لأن له مددا ، وإن باع الموجود منها لم يمكن
تسليمه إلا بأن يختلط بغيره ، فإن باع منه أرطالا معلومة وعلم أن الماء أكثر منها جاز
، ويجوز بيع العين كلها أو سهم منها.
يباع معدن الذهب
والفضة بغير جنسه ليؤمن من الربا.
إذا باع أرضا وفيها
بذر لم ينبت بعد وكان بذرا لما يجز دفعة بعد أخرى ، كالقت
، أو لأصل يبقى لحمل بعد حمل كنوى التمر ، دخل في البيع ،
لأنه من
__________________
حقوقه ، وهكذا إذا غرس في الأرض غراسا وباع قبل أن ينبت الغراس ويرسخ عروقه ، دخل في البيع.
وإن كان بذرا لما
يحصد مرة واحدة كالحنطة ، فإن كان قد باع الأرض مطلقا ، لم يدخل البذر في البيع ، وللمشتري
الخيار بين الفسخ والإجازة إن لم يعلم ذلك ، وإن علم فلا وعليه تركه إلى أو ان الحصاد
، وإن كان باع الأرض مع البذر ، صح.
وحيث قلنا يترك
إلى أوان الحصاد ، إن حصده البائع قصيلا لم يكن له الانتفاع بالأرض إلى وقت الحصاد ، لأن الذي استحقه
هو تبقية الزرع الذي حصده.
إذا كان الزرع مما
يحصد مرة بعد أخرى وكان مجزورا دخلت العروق في بيع الأرض لأنها من حقوقه ، وإن لم يكن
مجزورا ، فالجزة الأولى للبائع لا غير ، إلا إذا شرطها المشتري ، وإن لم يشترط طالب
البائع بجزها في الحال لئلا يختلط حقهما ، ولا بأس ببيع الزرع قصيلا ، وعلى المبتاع
قطعه قبل أن يسنبل ، فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار بين أن يقطعه وأن يتركه ، فإن
تركه إلى أوان الحصاد ، كانت الغلة للمشتري وعليه خراج ذلك.
الفصل الثامن
بيع الثمرة دون الشجرة بعد بدو صلاحها جائز
، وأما قبل بدو صلاحها ،
فإن كان البيع سنتين فصاعدا جاز ، وإن كان سنة واحدة جاز بشرط القطع في
__________________
الحال ، وأما بشرط التبقية أو مطلقا بلا شرط فلا. وإن كان الأصل لواحد والثمرة
لآخر ، فباع الثمرة صاحبها من صاحب الأصل ، لم يصح ، كما لم يصح من غيره.
وبدو الصلاح في
النخل أن يتلون البسر ويصفر ، وفي الورد أن ينشر ورده
وتنعقد الثمرة ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وفي القثاء أن يتناهى عظم بعضه.
إذا كان في البستان
ثمار مختلفة وبدا صلاح بعضها ، جاز بيع الجميع ، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه ،
وأما البستانان ، فلكل واحد حكم نفسه.
بيع الحمل الظاهر
دون الأصل مثل القثاء
قبل بدو الصلاح مطلقا أو
بشرط التبقية إلى أو ان اللقاط ، لا يجوز ، ويجوز بشرط القطع ، وبعد بدو الصلاح يجوز
على الوجوه الثلاثة ، فإن اشتراه وتركه حتى اختلط بحمل حادث ولم يتميزا ، سلم البائع
الجميع إلى المشتري ، أو فسخ البيع.
يجوز أن يبيع الثمار
في بستان ، ويستثني منها أرطالا معلومة ، أو ثمار نخلات معينة ، واستثناء الربع أو
الثلث أحوط. واستثناء نخلة غير معينة لا يجوز ، لأن ذلك مجهول.
إذا أصاب الثمرة
جائحة
قبل التخلية بينها وبين
المشتري ، بطل البيع إن تلف الجميع ، وإن تلف البعض ، انفسخ في التالف لا غير ، وبعد
التسليم لا ينفسخ ، وكان من مال المشتري ، وإذا عجز البائع عن سقي الثمرة وتسليم الماء
، فللمشتري الخيار.
__________________
وحكم التلف
من جهة البائع ، كالتلف بالجائحة ، وأما التلف من جهة أجنبي
فالمشتري مخير بين فسخ البيع واسترداد الثمن وبين إجازته
، ورجوعه بالقيمة إلى الأجنبي ، هذا قبل القبض ، وأما بعده فمن ضمان المشتري ، وله
الرجوع بالقيمة إلى المتلف إن كان غير الله ، بائعا كان أو غيره.
لا بأس أن يبيع
ما ابتاعه من الثمرة بزيادة مما اشتراه ، وإن كان قائماً في الشجر.
لا يجوز بيع محاقلة
؛ ما انعقد فيه الحب واشتد من السنبل بحب من ذلك السنبل ، وأما
بحب سواه من جنسه فجائز ، وإن كان الأحوط أن لا يفعل ، تحرزا من الربا.
ولا يجوز بيع مزابنة
التمر على رءوس الشجر بتمر منه ، وأما بتمر على الأرض فلا بأس ، والأحوط أن لا يجوز ، لما سبق في السنبل.
ومن له نخلة في
دار غيره ويشق عليه الدخول إليها فيبيعها منه بخرصها تمرا جاز فيها ، لا غير ، أعني
: في النخلة خاصة.
وما فيه الربا لا
يجوز التفرق عن المكان قبل القبض ، والقبض فيما على النخلة ، التخلية ، وفي التمر ،
النقل.
إذا كان شجر بين
اثنين فقال أحدهما للآخر : أعطنيه بكذا رطلا ، أو : خذه مني به ، جاز ما اتفق.
__________________
الفصل
التاسع
يجوز بيع ما ابتاعه
قبل القبض إلا في الطعام ، وقبض ما لا ينقل كالعقار التخلية بينه وبين المبيع ، وفي
الحيوان أن يمشي به إلى مكان آخر ، وفي العبد أن يقيمه إلى موضع آخر ، وفيما يباع جزافا
، أن ينقله من موضعه ، وفيما يكال أن يكيله.
والقبض الصحيح أن
يسلم البائع المبيع باختياره ، وأن يكون الثمن مؤجلا أو حالا إلا أن يكون المشتري أوفاه
، فيصح قبضه بغير اختيار البائع ، فأما إذا كان حالا ولم يوفه فلا يصح قبضه بلا اختياره
، وللبائع مطالبته برد المبيع إلى استيفاء الثمن ، وإذا كان الثمن معينا جاز بيعه قبل
قبضه ، إلا إذا كان صرفا. ويجوز بيع صداق المرأة ومال الخلع للرجل قبل القبض.
إذا أسلم في طعام
ثم باعه من آخر ، لم يصح إلا أن يجعله وكيله في القبض.
إذا أسلم في طعام
معلم ، واستسلف من آخر مثله ، فلما حل عليه الأجل ، قال لمن أسلم إليه : امض
إلى من أسلمت إليه واكتل لنفسك ، لم يصح ، لأنه يكون قد باع طعاما قبل أن يكيله ، ويحتاج أن
يرد ما أخذه على صاحبه ، ويكتاله عن الآمر بقبضه بتوكيله إياه ، أو يكتاله الآمر ويقبضه
إياه بكيل مجدد ، إذا شاهده أو يصدقه فيه ، والأحوط للمشتري أن يكتاله بعد اكتيال الآمر.
إذا حل عليه الطعام
بعقد السلم فدفع
بدله إلى المسلم دراهم
، لم يجز ، لأن بيع المسلم فيه لا يجوز قبل القبض ، وإن قال : اشتر بها الطعام لنفسك
، لم يصح ، لأن الدراهم باقية على ملك المسلم إليه ، فلا يصح أن يشتري بها طعاما
__________________
لنفسه ، هذا إذا اشتراه بعينها ، وأما إذا اشتراه في الذمة ، ملك الطعام وضمن
الدراهم التي عليه ، فيكون للمسلم إليه في ذمته دراهم ، وله عليه الطعام الذي أسلم فيه.
من كان له على غيره
طعام من سلم ، ولذلك الغير على آخر طعام سلما أيضا ، فأحاله عليه لم يجز ، لأن بيع
المسلم فيه
لا يجوز قبل القبض ، فإن
كان أحد الطعامين أو كلاهما قرضا جاز.
من كان له على غيره
طعام فباع منه جنسا آخر من الطعام في الذمة ، وفارقه قبل القبض ، لم يجز ، لأنه بيع
دين بدين ، وأما من غير الطعام فيجوز ، وإن فارقه قبل القبض إذا كان معينا في الذمة.
إذا باع طعاما بعشرة
مؤجلة ، فلما حل الأجل ، أخذ بها طعاما مثل ما أعطاه ، جاز وأما
أكثر منه فلا ، وروى جوازه مطلقا.
إذا اشترى نخلا
حائلة ، ثم أثمرت في يد البائع ، كانت الثمرة للمشتري ، وهي أمانة في يد البائع ، فإن
هلكت الثمرة في يده ، لم يجب عليه ضمانها للمشتري ، إذا سلمت الأصول ، فإن هلكت الأصول
دون الثمرة ، انفسخ البيع ، وسقط الثمن عن المشتري ، وله الثمرة بلا عوض ، لأنه ملكها.
__________________
الفصل
العاشر : في العيوب
لا يجوز بيع المصراة
من الناقة والبقرة والشاة ، وهي التي لا تحلب يوما فصاعدا ، إذا أريد عرضها للبيع فيظنها
المشتري كثيرة الدر فيرغب في ابتياعها ، وذلك تدليس ، فمن اشتراها على غير بصيرة ثم
حلبها وأراد ردها ، رد معها صاعا من تمر ، أو بر ، فإن لم يجد ، فقيمة اللبن وجوبا
، ولا حكم للتصرية فيما عدا ما ذكرناه ، فإن صار لبن المصراة عادة ، لجودة المرعى ،
أو كان المشتري عالما بالتصرية وقت الابتياع ، فلا خيار له.
إذا ابتاع شاة محلوبة
حال البيع
وحلبها أياما ، ثم وجد
بها عيبا ، كان له ردها دون ما حلبه من لبنها ، لأنه حدث في ملكه.
يجب على بائع المعيب
أن يبين للمشتري عيبه ، أو يتبرأ إليه من العيوب ، فإن خالف ارتكب محظورا ، وإن وقف
المشتري على العيب بعد ، استرد الثمن ، ورد المعيب ، دون ما استفاد من نتاج ، أو ثمرة
، أو كسب ، لقوله ـ عليهالسلام ـ : الخراج بالضمان ،
فإن كانت الفائدة مما حصل
قبل القبض ، ردها مع المعيب.
من اشترى بهيمة
حائلا ، فحملت عنده ، ونقصت قيمتها بالولادة ، ثم اطلع على عيب كان بها ، فله الأرش
دون الرد ، لتعذر ردها كما أخذ ، وإن كان اشتراها حاملا ، والحال ما سبق ، ردها مع
الولد.
__________________
إذا اشترى أمة حائلا
، فولدت عنده عبدا مملوكا ، ثم وجد بها عيبا ، ردها دون الولد ، ما لم تنقص قيمتها
بالولادة ، فإن نقصت ، فله الأرش دون الرد ، كالبهيمة ، فإن كان وطأها فله أرش ما بين
قيمتها صحيحة ومعيبة لا غير ، وكذا في الجارية إذا وطأها ، وإن لم تلد ، بكرا كانت
أو ثيبا ، سواء كان العيب قبل البيع ، أو حدث بعده في يد البائع.
لا يصح شراء الجارية
، حتى ينظر إلى
شعرها ، لأنه مقصود ، ويختلف
الثمن باختلاف لونه ، من السواد والبياض والشقرة والجعودة والسبوطة ، فإن جعد شعرها
ثم بان سبوطته
فللمبتاع الرد ، لأنه عيب
، وكذا إذا أبيض وجهها ثم أسمر أو أحمر ثم اصفر. وإن قلنا : لا رد لفقد الدليل على
أنه عيب يوجب الرد ، كان قويا.
إذا رضي المشتري
بالعيب فلا خيار له ولا أرش.
إذا أجاز المشتري
البيع مع أرش العيب لم يجبر البائع
على بذل الأرش.
إذا اشترى اثنان
عبدا بعقد واحد ، فليس لهما الرد بالعيب إلا بالاتفاق ، فأما إذا اشترى كل منهما نصفه
بعقد على حدة ، فله رد نصيبه.
إذا اشترى جارية
بشرط البكارة ، فخرجت ثيبا ، فله الأرش ، لا الخيار.
إذا خرج العبد مخنثا
أو خصيا أو سارقا ، فله الخيار [ وإن شرط أن يكون خصيا فخرج فحلا فله الخيار أيضا لأنه
بخلاف الشرط ]
وكذا إذا كان مجنونا أو أبرص أو أجذم ، ويرد من هذه الأحداث الثلاثة إذا
ظهرت بعد البيع إلى سنة ،
__________________
و [ أما ] بعدها فلا.
إذا اشترى عبدا
بشرط الإسلام فخرج كافرا فله الخيار
وأما بالعكس فلا ، لقوله
ـ عليهالسلام ـ : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
إذا اشترى جارية
، لا تحيض
في ستة أشهر ، ومثلها تحيض
، فله الرد.
إذا اشترى شيئا
وباعه بعد علمه بالعيب ، فبيعه رضي ، وإن باعه قبل علمه ، فلا رد ، لزوال الملك ، ولا
أرش ، لرجاء الرد ، فإن رجع المبيع إليه برد أو بيع أو هبة أو إرث فله الرد أو أرش
العيب ، فإن هلك في يد المشتري الثاني ، أو حدث به عيب أو عتق أو وقف ، فللمشتري الأول
الأرش ، ليأسه من الرد.
إذا اشترى عبدا
فأبق وكان يأبق قبل البيع ، صبر ، فإن رجع ، رده ، وإن هلك في الإباق أخذ الأرش ، فأما
في الإباق الحادث عند المشتري ، فلا رد ولا أرش.
إذا اشترى عبدا
فوجده مأذونا في التجارة ، وعليه دين ، فلا خيار له. ودين التجارة في ذمة العبد ، وإن
كان مأذونا في الاستدانة ، فالدين في ذمة السيد الآذن.
إذا اشترى عبدا
فأعتقه أو وقفه أو قتله ، أو هلك ثم علم بعيبه ، فله الأرش ، فإن علم به بعد تدبيره
، أو هبته ، فله الرد أو الأرش لأن الرجوع هنا جائز.
__________________
إذا اشترى طعاما
فأكله ، أو ثوبا فقطعه ، أو صبغه ، ثم علم بالعيب ، فله الأرش ، أو يقبل البائع الثوب
مع العيبين ، أو يضمن قيمة الصبغ.
إذا حدث بالمبيع
عيب عند المشتري ، زائدا على ما كان عند البائع ، فله الأرش
دون الرد.
وكيفية الأرش أن
يقوم المبيع صحيحا ومعيبا ، فينظر ما نقص من القيمة ، ينقص بقدره من الثمن ، ويعتبر
التقويم في أقل الحالين قيمة من وقتي العقد والقبض.
يسقط الرد بالرضاء
بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب ، أو بحدوث عيب آخر عند المشتري ، أو تصرف منه
زاد به ثمنه ، أو نقص ، إلا أن يكون العيب من حبل في أمة وقد تصرف فيها بالوطء ، فعليه
ردها مع نصف عشر قيمتها ، للوطء [ إن كانت ثيبا فإن كانت بكرا فعليه عشر قيمتها للوطء
].
إذا اشترى عبدين
أو ثوبين أو درهمين أو زوجي خف أو مصراعي باب ونحو ذلك ، فوجد بأحدهما عيبا ، فله رد
الجميع ، أو أرش المعيب ، وليس له رد المعيب دون الصحيح ، وكذا إذا مات أحد العبدين
، لتعذر رد الجميع.
إذا اشترى ما يكون
مأكوله في جوفه بعد كسره
، كالجوز والبطيخ والرمان
ونحوها ، فكسره ، فوجده فاسدا ، فله الأرش دون الرد إلا أن يكون مما لا قيمة لفاسده
، كبيض الدجاج ، فيبطل بيعه.
يصح العقد مع البراءة
من العيوب ، وتصح هي ، سواء كان العيب معلوما أو مجهولا ، ظاهرا أو باطنا ، حيوانا
أو غيره ، فإن لم يبرأ من العيب ، ثم ظهر عيب
__________________
يوجب الرد ، فله الرد ، سواء كان ذلك في المبيع قبل البيع ، أو بعده قبل القبض
، فإن قبض المشتري بعض المبيع دون بعض وحدث العيب بما لم يقبض ، فكما سبق.
إذا جنى العبد جناية
فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه ، فلا يصح بيعه ، ويسترد إن كانت الجناية مما يوجب
القصاص ، وإن كانت مما يوجب الأرش ، صح بيعه إذا التزم مولاه الأرش.
إذا اشترى جارية
حاملا ولم يعلم بحملها ، فماتت من الطلق
في يده ، فله الأرش.
إذا كان العبد مستحقا
للقتل أو القطع في يد البائع ، فقتل ، أو قطع في يد المشتري ، ولم يعلم به حال الشرى
، يرجع على البائع في القتل ، بقيمة العبد ، وفي القطع ، مخير بين الفسخ والإمضاء ،
وإن علم قبل الشرى فلا شيء.
إذا اشترى زيتا
أو بذرا
، فوجد فيه درديا
ولم يعلم به حال الابتياع ، فله الرد ، وإن علم فلا.
إذا اختلف أهل الخبرة
في القيمة ، عمل
على أوسط ما ذكروه من القيم.
__________________
الفصل
الحادي عشر : في ابتياع الحيوان
لا يصح أن يملك
الإنسان أحد أبويه أو جديه وإن عليا ، ولا أولاده وإن نزلوا ، ولا إحدى المحرمات عليه
، كالأخت وبناتها وبنات الأخ وإن نزلن والعمة والخالة ، ويصح [ عليه ]
فيما عدا هؤلاء ، ومتى حصل أحدهم في ملكه ، انعتق في الحال.
ومن يحرم تملكه
من جهة النسب ، يحرم تملك مثله من جهة الرضاع.
ومن ملك ذا رحم
ندب إلى إعتاقه في الحال ، ولا يصح أن يملك أحد الزوجين الآخر ، فإن ملك بطل العقد
بينهما في الحال ، ولا يملك الكافر المسلم ولا يعتق بإعتاقه. وإذا اشترى الكافر أباه
المسلم لم يعتق عليه ، لأن الكافر لا يملك المسلم.
الفصل الثاني عشر
من باع عبدا له مال فالمال لمولاه إلا أن يشترط أنه للمشتري ، وروي أن البائع إذا علم أن له
مالا حال البيع فالمال للمشتري وإن لم يعلم فله. ويجوز أن يشتري عبدا آبقا مع شيء آخر ، وأما منفردا فلا.
ومن اشترى جارية
فهلكت ، أو عابت في [ يده ]
مدة الاستبراء ، فإن كان
المشتري
سلمها إلى العدل بعد القبض
، فمن ماله ، ولا خيار له إن هلكت ، وإن كان البائع سلمها إلى العدل قبل القبض ، بطل
البيع ، وإن عابت فالمشتري
__________________
بالخيار.
ومن اشترى رقبة
من سوق المسلمين فادعى الحرية لم يقبل إلا ببينة.
ولا يجوز التفرقة
بين الأطفال وأمهاتهم. إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن ، ولا بأس ببيع أمهات الأولاد بعد
موتهم ، فأما مع وجود الولد فلا ، إلا إذا كان ثمن رقبتهن دينا على مولاها ، ولا يقدر
على قضائه إلا ببيعها.
المملوكان إذا كانا
مأذونين في التجارة ، فاشترى كل منهما صاحبه من مولاه فالبيع للسابق منهما ، والآخر
مملوك فإن اتفق العقدان في حال واحدة أقرع بينهما ، وروي : بطلان العقدين ،
والأول أحوط.
من أتت جاريته بولد
من الزنا ، جاز له بيعهما معا. ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان ، ولا يجوز أن يشترى شيئا
من الحيوان من جملة قطيع ، على أن ينتقي خيارها لأن ذلك مجهول ، لكن يميز ويعين ما يشتري بالصفة.
إذا اشترك اثنان
في شراء حيوان ، وقال أحدهما : إن الرأس والجلد لي بمالي من الثمن ، بطل ، بل يقتسمان
على أصل المال بالسوية.
إذا باع حيوانا
واستثنى الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع فيه بما استثناه.
الفصل الثالث عشر : في البيع
بالنقد والنسيئة والوفاء
من باع شيئا ولم
يذكر لا نقدا ولا نسيئة ، كان الثمن عاجلا ، فإن ذكر أحدهما كان على ما ذكر ، ولو ذكر
أجلا مجهولا غير معين ، كقدوم الحاج وإدراك الغلات ، وهبوب الرياح ، أو باع نسيئة ولم
يذكر الأجل ، بطل البيع ، وإذا قال : ثمن هذا
__________________
المتاع مثلا عشرون إلى سنة ، وأربعون إلى سنتين ، ثم أمضى البيع كان له أقل
الثمنين وأبعد الأجلين.
إذا باع شيئا إلى
أجل فحل الأجل ، وليس ثمنه عند المشتري ، فأخذ منه المبيع ، بأنقص مما باعه ، لم يصح
، ولزمه الثمن ، وإن أخذه بما باعه سواء ، جاز ، وكذا إن أخذ منه متاعا يستوي
ماله عنده.
إذا أحضر المبتاع
الثمن قبل حلول الأجل ، فالبايع مخير في قبضه ، وكذا في المثمن.
لا يجوز تأخير الثمن
عن وقت وجوبه بزيادة فيه ، ولا بأس بتعجيله بنقصان منه ، ولا بأس أن يشتري حالا ما
ليس بحاضر في الحال ، إذا أمكن وجوده ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والثياب ، وأما
فيما لا يملك وجوده في الحال ، كالبطيخ والقثاء في أوان الشتاء فلا يجوز. وكذا لا يجوز
بيع ما لا يملك بعد لا حالا ولا نسيئة ليشتريها ويسلمها إلى المشتري.
إذا اشترى من غيره
متاعا أو حيوانا أو غير ذلك نقدا أو نسيئة ، ويشترط أن يسلفه منه البائع في مبيع ، أو يستسلف
منه في شيء ، أو يقرضه
شيئا معلوما إلى أجل ، أو يستقرض منه ، صح البيع ووجب الوفاء بالشرط ، وكذا إن اشترى
أرضا أو حيوانا أو غيرهما ، وشرط البائع أن يرد عليه ، بما اشتراه به من الثمن ، في
وقت معلوم ، صح البيع ، ولزمه الرد في الوقت ،
فإن مضى الوقت ولم يجيء البائع ، كان المشتري مخيرا بين
بيعه منه ، وإمساكه ، وإن هلك في مدة الأجل ، كان
__________________
من مال المشتري ، والمنافع له أيضا فيها.
من اشترى شيئا بحكم
نفسه
ولم يذكر الثمن بعينه ،
بطل البيع وإن هلك كان عليه قيمته يوم اشتراه ، إلا أن يحكم على نفسه بأكثر من ذلك
، فيلزمه ما حكم دون القيمة ، وإن كان المبيع قائماً بعينه ، فللبائع انتزاعه من يده
، وإن أحدث فيه ما نقص قيمته ، أخذ أرشه ، وإن زاد الحدث في قيمته ، رد عليه قيمة الزيادة
، وإن اشتراه بحكم البائع في ثمنه ، فحكم بأكثر من قيمته ، لم يكن له أكثر من القيمة
حال البيع ، إلا أن يتبرع المشتري بأكثر منه
وإن حكم بأقل مضى.
وإذا باع ملك غيره
والمالك حاضر ، فسكت ولم يطالب به ، ولا أنكر ذلك ، لم يدل ذلك على إجازته البيع ،
ولا على فقد تملكه ، وكان له المطالبة متى شاء.
من قال لغيره : اشتر لي هذا المتاع ، وأزيدك شيئا ، ففعل ، لم يلزم الآمر
أخذه ، ويكون مخيرا في اشترائه. ولا بأس أن يبيع متاعا بأكثر مما يسوى في الحال نسيئة
إذا كان المشتري من أهل المعرفة ، وإن لم يكن كذلك ، كان البيع مردودا.
إذا قال الواسطة
للتاجر : خبرني بثمن هذا المتاع ، واربح علي فيه كذا ، ففعل غير أنه لم يواجبه البيع
، ولا ضمن هو الثمن ، ثم باع الواسطة بزيادة على ذلك كان ذلك للتاجر ، وله أجرة المثل
لا أكثر ، فإن كان قد ضمن الثمن ، فله الربح الزائد ، وللتاجر ما قرر
معه من رأس المال لا غير.
ولا يجوز بيع المتاع
في أعدال محزومة وجرب مشدودة ، إلا أن يكون لهما
__________________
بارنامج ، يوقف منه على صفة المتاع في ألوانه وأقداره ، فحينئذ يجوز بيعه ، فإن وجد بخلاف
ما وصف ، بطل البيع.
الفصل الرابع عشر
يجوز بيع المرابحة إذا ذكر ما وزن من النقد
، وكيفية الصرف يوم وزن المال
، ومقدار ما يربح ، فإن كان رأس المال أو الربح مجهولا ، بطل البيع ، كأن يقول : بعتك
بربح عشرة ، ولم يذكر رأس المال ، أو يقول : رأس المال كذا ، والربح ما نتفق عليه.
ويكره بيع المرابحة
بالنسبة إلى أصل المال ، كأن يقول : بعتك بربح عشرة واحدا أو بربح « ده يازده أو ده
دوازده ».
إذا اشترى متاعا
بمائة ، ثم عمل فيه هو أو أحد من قبله ما أجرته عشرة ، لم يصح أن يقول : اشتريته بمائة
وعشرة أو رأس مالي فيه ، مائة وعشرة ، أو هو علي بمائة وعشرة ، لأن عمله على ماله لا
يقابله ربح ، بل يقول : هو علي بمائة وعملت فيه ما قيمته عشرة ، وبعتكه بمائة وعشرة
وربح درهم على كل عشرة ، ليصح على كراهة.
وإن لم يعمل هو
ولا غيره فيه ، فيقول مثلا : اشتريته بمائة وأبيعكه بمائة وعشرة صح.
إذا اشترى ثوبا
بخمسين ، فباعه من غلامه الحر ، بمائة بشرط ألا يبيعه إلا
__________________
منه ، ثم اشتراه بمائة وباعه من غيره مرابحة ، وأخبر بالثمن الثاني ، بطل ،
لأنه خيانة ، وللمشتري الخيار إذا علم به.
وما يحطه عن الثمن
في مدة الخيار ، يلحق العقد ، ويجب أن يحط عنه عند عقد المرابحة ، وإن كان الحط بعد
لزوم العقد ، كان ذلك هبة للمشتري ، والثمن ما عقد عليه ، ولم يجب حطه عند عقد المرابحة.
إذا اشترى سلعتين
صفقة واحدة ، لم يجز أن يبيع إحداهما مرابحة بتقويمه على نفسه
إلا أن يبين ذلك ، وكذا الحكم في بعض السلعة.
إذا اشترى ثيابا
فلا يجوز له أن يبيع خيارها
مرابحة ، لأن ذلك مجهول.
إذا اشترى سلعة
إلى أجل ثم باعها مرابحة في الحال ثم علم المشتري به ، كان مخيرا بين أخذه بالثمن حالا
، وبين رده بالعيب ، لأنه تدليس.
إذا قال : بعتكه
بمائة ووضيعة
درهم من كل عشرة ، صح ،
وكان الثمن تسعين.
إذا قال : اشتريته
بمائة وبعتك بربح درهم على كل عشرة لا بل اشتريته بتسعين ، صح البيع ، ولزمه من الثمن
تسعة وتسعون ، وإن قال : لإبل اشتريته بأكثر من مائة ، لم يقبل ، وإن أقام البينة ،
لأنه كذبها بالقول الأول ، وكان البيع الأول صحيحا.
إذا اشترى جارية
فولدت أو ماشية فنتجت أو شجرة فأثمرت ، وأراد بيعها مرابحة ، فعليه أن يخبر بما اشتراها
، ولا يطرح قيمة الفائدة ، لأنها تجددت في ملكه ،
__________________
فإن اشترى شجرة مثمرة ، فأكل الثمرة ، ثم أراد بيع الشجرة مرابحة ، وجب أن يضع
حصة الثمرة من الثمن ، ويخبر عن حصة الشجرة من الثمن الباقي ، لأنها أثمرت قبل أن يشتريها.
إذا اشترى عبدا
فجنى جناية يتعلق أرشها
برقبته ، ففداه سيده وأراد
بيعه مرابحة لم يجز أن يضم الفدية إلى ثمنه ، لأن إنما فداه لاستنقاذ ملكه ،
فإن جني على العبد فأخذ السيد أرشه ثم أراد بيعه مرابحة لم
يلزمه حط ذلك من ثمنه إلا أن تكون الجناية نقصت من ثمنه ، فحينئذ يلزمه أن يخبر بحاله.
الفصل الخامس عشر : في تفريق
الصفقة واختلاف المتبايعين
إذا باع شيئين صفقة
واحدة ينفذ في أحدهما البيع دون الآخر ، صح فيما ينفذ وبطل فيما لا ينفذ ، سواء كان
أحدهما مالا والآخر غير مال ، ولا في حكم المال ، كأن باع خلا وخمرا أو حرا وعبدا أو
شاة وخنزيرا ، أو كان أحدهما ماله والآخر مال غيره ، أو شيئا لا يجوز بيعه ، كوقف أو
أم ولد مع بقاء ولدها ، ويقسط الثمن على أجزائهما.
إذا أمسك المشتري
ما نفذ فيه البيع ، يأخذه بحصته من الثمن ، وإن شاء رده ، وإن أخذه بجميع الثمن ، فلا
خيار للبائع.
إذا باع ثمرة فيها
الزكاة ، بطل البيع في قدر الزكاة ، دون ما عداه.
إذا باع عبدين فمات
أحدهما قبل القبض ، بطل البيع في الميت لا غير ،
__________________
وللمشتري الخيار بين الإمساك بالحصة أو الرد ، ولا خيار للبائع إذا أمسكه المشتري بكل الثمن.
إذا باع شيئا من
غيره بثمن في الذمة ، وقال كل واحد منهما : لا أسلم حتى تسلم ، يجبر الحاكم البائع
أولا على تسليم المبيع ، ثم المشتري على تسليم الثمن ، لأن الثمن تابع للمبيع.
إذا باع عبدا بيعا
فاسدا وأقبضه ، لم يملكه المبتاع بالقبض ، ولم ينفذ عتقه ولا بيعه ولا هبته ولا وقفه
ويجب رده ورد ما كان من نمائه المنفصل منه ، وإن كان ناقصا كان عليه أرش ما نقص ، وإن
تلف في يده كان عليه أكثر ما كانت قيمته من وقت القبض إلى وقت التلف. وإن كان المبيع
جارية فوطأها فلا حد ، لأنه اعتقد أنه ملكها ، ويجب عليه المهر ، إن كانت بكرا فعشر
قيمتها ، وإن كانت ثيبا فنصف العشر ، فإن كان أحبلها ، كان الولد حرا للشبهة ، ولا
ولاء لأحد عليه ، ويجب على الواطئ قيمته يوم سقط حيا ، وإن سقط ميتا فلا شيء عليه.
وإن ماتت الجارية
من الولادة
لزمته قيمتها ، وإن سلمت
وجب ردها وما ينقص من قيمتها بالولادة ، وإن ردها حاملا ، وولدت في يد البائع ، لزمه
ما ينقص من قيمتها بالولادة ، وإن ماتت لزمته قيمتها ، لأنها تلفت بسبب من جهته ، وإن
ملكها بعد كانت أم ولده.
إذا اشترى عبدا
بشرط أن يعتقه ، صح البيع والشرط ، ويجب الوفاء ، فإن لم يف فالبايع بالخيار.
إذا باع شيئا بثمن
مؤجل ، وشرط أن يرهن عبدا بعينه ، فامتنع المشتري من ذلك ، فالبايع مخير بين فسخ البيع
وإجازته من غير رهن.
__________________
إذا باع دارا وشرط
سكناها لنفسه مدة معلومة ، أو باع دابة وشرط ركوبها مدة معلومة ، أو مسافة معلومة ،
صح.
إذا تلف المبيع
أو الثمن المعين قبل القبض ، بطل البيع.
إذا اشترى جارية
بشرط ألا خسارة عليه
أو بشرط ألا يبيعها ، أو
لا يعتقها
أو لا يطأها ، صح البيع
، وبطل الشرط.
كل شرط يوافق مقتضى العقد ، أو يتعلق به مصلحة العقد للمتعاقدين
، كالأجل والخيار والرهن والضمان والشهادة ، أو لا يتعلق به مصلحة العقد ، لكنه بني
على التغليب والسراية ، كشرط العتق ، فإنه جائز ، وما لا يتعلق به مصلحة العقد ولم
يبن على التغليب والسراية ، فهو باطل ، إلا أنه لا يفسد العقد ، إذ لا دليل عليه.
إذا اختلفا في الثمن
، فالقول قول البائع مع يمينه ، إذا بقيت السلعة ، وإن تلفت ، فقول المشتري مع اليمين
، وإن اختلفا في قدر الثمن ، فالقول قول البائع
مع يمينه ، وكذا إذا اختلفا في أصل الأجل أو قدره.
إذا قال : بعتك
بخمر ، وقال المشتري : بل بعتني بذهب ، فالقول قول من ينفي ما يفسد البيع ، وكذا إذا قال البائع
: تفرقنا عن فسخ ، وقال المشتري : بل عن تراض ، فالقول قول من يدعي الإبرام.
إذا قال : بعتك
هذا العبد بألف ، وقال ، المشتري : بل بعتني هذه الجارية
__________________
بألف ، ولا بينة فالقول قول البائع ، مع يمينه أنه ما باع الجارية ، وقيل :
قول المشتري ، مع يمينه أنه ما اشترى العبد.
الفصل السادس عشر : فيما يوزن
أو يمسح
إذا قال : بعتك
هذه الصبرة بعشرة دراهم أو نصفها أو ربعها ، لم يصح البيع ، لأنه جزاف.
يجوز أن يستثني
مدا أو قفيزا من الصبرة إذا كانت معلومة المقدار ، ويجوز بيع صبرة معلومة المقدار بمثلها
، والثمن في الظرف مفتوح الرأس ينظر إليه المتبايعان يجوز بيعه ، والنظر إليه كالنظر
إلى ظاهر الصبرة ، لتساوي أجزائه.
إذا باع ولم يذكر
نقدا معينا ، فله ما يجوز بين الناس في البلد من النقد ، فإن اختلف النقد بطل البيع.
ما تختلف قيمة أجزائه ، كالأرض والدار والثوب ، لا ينقسم الثمن على
أجزائه.
إذا قال : بعتك
نصيبا من هذه الدار ، أو نصيبين منها بكذا ، لم يجز ، لأنه مجهول.
إذا قال : بعتك
هذه الأرض على أنها كذا ذراعا ، فنقصت ، فالمشتري مخير بين فسخ البيع وإجازته بجميع
الثمن ، وإن زادت فللبائع ذلك الخيار بعينه ، وكذا في الثوب المنشور.
__________________
الفصل
السابع عشر
السلم والسلف : أن يسلف عوضا حاضرا أو في حكم الحاضر ، بعوض موصوف في الذمة إلى أجل معلوم.
ولا بد أن يذكر النوع وصفاته ومقداره وأجله وموضع تسليمه إذا كان لحمله مؤنة ، وأن يكون مأمون الانقطاع في
محله ، عام الوجود ، وأن يكون الثمن مشاهدا ، أو وصفه مع مشاهدته ، وأن يقبض الثمن
في مجلس العقد. فإن اختل شيء من هذه الشروط الثمانية بطل السلم ووجب على المسلف إليه
رد ما قبضه من الثمن إن بقي ، أو مثله إن تلف ، وإن اختلفا في المقدار فالقول قول المسلم
إليه مع يمينه
لأنه الغارم.
وإذا كان الثمن
جوهرا أو لؤلؤة مشاهدة ، لم يلزم ذكر الوصف ، لأنه ليس مما يكال أو يوزن أو يذرع.
من أسلم في الرطب
مثلا في أوانه إلى أجل ، فلم يتمكن من مطالبة المسلم إليه به ، لغيبة أحدهما ، فإذا
تحاضرا ، انقطع الرطب وفقد ، فالمسلف بالخيار بين فسخه وتأخيره إلى قابل.
كل حيوان يجوز بيعه
، يجوز السلم فيه ، إذا ذكر الجنس والأسنان والأوصاف بالشرائط المذكورة ، ما لم ينسب
إلى قطيع بعينه ، وكذا يجوز في الأثمان إذا كان ثمنها من غير جنسها ، وكذا في الغلات
ما لم تكن منسوبة إلى أراض معينة ، أو قرى
__________________
مخصوصة ، والفواكه إلى أشجار مسماة ، والأدهان إلى بزور معينة ، والثياب إلى
نساجة أشخاص مذكورة ، أو غزل شخص معين ، والشحوم والسمون والألبان إلى نعاج معروفة
، وكذا الأصواف والأوبار والأواني والأمتعة إلى صنعة صانع معين ، والآجر إلى ضرب المسلم إليه أو أحد سواه معين فمهما ذكر ذلك في حال
العقد لم ينعقد وكان المبيع غير مضمون.
وينبغي أن يذكر
في الثياب طولها وعرضها وغلظها ودقتها وجنسها ، ولا يجوز السلم فيما لا يتحدد بحد ولا
يتصف بصفة
يتميز بهما ؛ كروايا الماء
واللحم والخبز.
ولا يجوز أن يسلم
الجنس الواحد مما يدخله الربا بعضه ببعض وزنا إذا كان أصله الكيل ، ولا كيلا إذا كان
أصله الوزن ، لئلا يتفاضل لثقل أحدهما وخفة الآخر.
ولا يجوز أن يسلم
السمسم بالشيرج ولا الكتان بالبزر ، بل بثمن كلا منهما على حياله.
ولا بأس بالسلف
في جنسين مختلفين ، أو جنس واحد إلى أجلين أو أكثر.
والمختلط من الطيب
كالغالية
والند
والعود والمطر لا يجوز السلم
__________________
فيه ، لأن كل نوع منه مقصود ولا يعرف قدره ، فيكون سلما في مجهول ، وكذا لا يجوز السلم في متاع الصيادلة ، إذا كان مختلطا ، كالمعجونات ، أو كان جنسا مجهولا عند عدول
المسلمين ، وإن كان معروفا عند الأطباء من غيرهم.
ولا يجوز بيع الترياق
والسلف فيه ، لأنه يعمل من لحوم الأفاعي ، وهي نجسة إذا قتلت ، وكذا سموم الحيات كلها.
والسم النباتي ،
ما كان قليله وكثيره قاتلا ، لم يجز بيعه ، وما كان قليله نافعا وكثيره قاتلا ، كالسقمونياء
، يجوز بيع قليله وكثيره والسلف فيه ، ولا يجوز السلم في اللبن المشوب بالماء ، لأن
الماء قد أفسده ، وكذا المخيض ، لما فيه من الماء ، ولا في القز الذي فيه دود ، لأن
الدود ليس بمقصود ، ولا في النبل ، لأن فيه الخشب والريش والحديد والغراء والقشر ،
فلا يضبط بالصفة ، ولا في الجواهر التي يتحلى بها ، من لؤلؤ وياقوت وزبرجد وعقيق وفيروزج
وغيرها ، لأنها لا تنضبط بالصفة ، وتتباين تباينا عظيما ، ولا في نبات الأرض كالقثاء
والبطيخ والفجل
والبقول والفواكه عددا
، لتفاوتها إلا وزنا معلوما ، ولا في قصب السكر إلا وزنا بعد ما انقطع
أعلاه وأسفله ، وما لا حلاوة له ، ويطرح ما عليه من القشور
، وكذا القصب والقصيل.
وكل ما أنبتته الأرض
لا يسلم فيه إلا وزنا ، ويجوز في التين كيلا ووزنا من جنس معين ، وفي اللوز والفستق
والفندق لا يجوز [ فيه ] إلا كيلا أو وزنا ، ويجوز في البيض والجوز وزنا ، ولا يجوز في الرؤوس وجلود
الغنم ، لتفاوتها ، وتعذر ضبطها
__________________
بالصفة ، ولا فيما يتخذ منها من الخفاف والنعال وغيرهما ، وروي جوازه في الجلود
إذا شوهد الغنم والأول أحوط ، ويجوز في القرطاس إذا ضبط بصفته بالطول والعرض والرقة واللون
والوزن كالثياب ، ولا يجوز في العقار ، لأنه يختلف باختلاف الأماكن وإن عين الموضع
لم يصح ، لأن بيع العين بصفة مضمونة لا يصح.
ولا يجوز عقد السلم
بالسلم ، لوجوب قبض الثمن قبل التفرق ، حتى يصح السلم.
إذا أسلم مائة درهم
في كر من طعام ، وشرط خمسين نقدا وخمسين دينا له في ذمته ، صح في النقد بالحصة ، دون
الدين.
تصح الإقالة في
جميع المسلم فيه وفي بعضه ، وكذا في سائر البيوع ، والإقالة فسخ وليست ببيع ، ولذلك
لا يثبت حق الشفعة عندها.
إذا أقاله بأكثر
من الثمن ، أو أقل ، أو بجنس غيره في أنواع البيوع ، فسدت الإقالة ، والمبيع على ملك
المشتري ، وإذا حصلت الإقالة ، جاز أن يأخذ بدل ما أعطاه من غير جنسه.
إذا أسلف في شيء
لم يجز أن يشرك فيه غيره ولا أن يوليه
قبل القبض ، ويجوز ان بعده
، وروي : جواز الشركة في بيوع الأعيان قبل القبض.
__________________
إذا أتى المسلم
إليه بالمسلم فيه قبل محله ، لم يلزم المسلم قبوله ، وإذا قال المسلم إليه : زدني شيئا
وأقدم لك المسلم فيه قبل أجله ، لم يجز. وإذا لم يكن عنده ما باعه ، جاز للمسلم أن
يأخذ رأس ماله بلا زيادة.
إذا أخذ قيمة المسلم
فيه عند محل الأجل ، جاز ما لم يزد ثمنه على ما أعطاه ، فإن زاد وقد باعه بمثل ما اشتراه
من الجنس ، لم يجز بيعه. فإن اختلف الجنسان جاز.
إذا كان له عليه
طعام كيلا ، لم يجز أن يأخذه وزنا ، وكذا بالعكس.
إذا شرط مكان التسليم
حال البيع ، فبذله في غير موضعه ، لم يجبر على قبوله ، وإن بذل أجرة المثل بحمله.
إذا وجد المسلم
بالمسلم فيه عيبا ، فله الرد بالعيب والمطالبة بما في ذمة المسلم إليه فإن حدث عنده عيب آخر فيه ، فله الأرش دون الرد.
لا يجوز بيع مؤجل
لم يحل ، فإن حل جاز أن يبيعه من الذي عليه ، أو من غيره ، وإن باعه من غيره ، وأحال
عليه بالمتاع جاز وإن لم يقبض هو المتاع. ويكره ذلك فيما يكال أو يوزن. فإن وكل المبتاع منه بقبضه جاز. ويجوز أن يبتاع ما أكتاله
غيره ويصدقه إلا أنه لا يبيعه إلا بعد الكيل.
الفصل الثامن عشر : فيما يجوز
بيعه وما لا يجوز ووجوه المكاسب
ما يكال أو يوزن
أو يعد ، يبطل بيعه
جزافا ، فإن تعذر الوزن أو العد ، يوزن
__________________
مكيال أو يعد ويعتبر الباقي بحسابه كيلا كالجوز.
ولا يجوز بيع ما
لا يملكه في الحال ، ليشتريه ويسلمه إلى المشتري بعده ، ولا بيع الدابة على أنها تحمل
، لأنه غير معلوم ، فإن اتفق ذلك مضى البيع ، ولا خيار للمشتري ، وإن لم تحمل فله الخيار
، وإن اشترط أنها لبون جاز ، وإن شرط أنها تحلب كل يوم أرطالا لم يجز.
إذا باع بهيمة حاملا
أو جارية حاملا واستثنى حملها لنفسه لم يجز ، لأن الحمل كالعضو من الأم ، وإن باع جارية
حبلى بولد حر لم يجز ، لأن الحمل يكون مستثنى وهو يمنع من صحة البيع ، وبيع الحمل في
بطن أمه منفردا عن الأم لا يجوز ، ولا يجوز بيع عبد شائع من عبيد ، لأنه مجهول.
وبيض ما لا يؤكل
لحمه كلحمة في أن لا يجوز بيعه ، ويجوز بيع دود القز وبذره ، والنحل إذا حبسها في بيتها ورآها المشتري.
ولا يجوز بيع السمك
في الماء والطير في الهواء ، لفقد الملك ، وتعذر التسليم ، ويجوز بيع القصب في الآجام
مع ما فيها من السمكة. والحمامة الطيارة التي تأوي إلى البروج ، لا يجوز لأصحابها بيعها
إلا إذا كانت البروج مسدودة
لا طريق لها إلى الطيران
منها ، وكذا حكم السمك في الماء ، ويجوز تقبيل برك الحيتان إذا قبل الأرض والماء ،
فإن قبل السمك دون غيره لم يجز ، ولا يجوز أن يشترى من الصياد ما يضرب بشبكته ، لأنه
مجهول ، ومن دخل الماء أرضه فبقي فيها سمك فصاحب الأرض أحق به ، ولا يملك إلا بالأخذ
، وإن كان الأرض استأجرها غيره ، فالمستأجر أحق به.
__________________
وإذا عشش طائر في
دار إنسان أو أرضه ، وفرخ ، أو انكسرت رجل ظبي فيها أو خاض في الطين
فبقي فيها ، أو نزل الثلج فمكث ، فصاحب الأرض أحق بذلك ،
فإن أخذه غيره ملكه بالأخذ. ومن وقع طائر في شبكته ملكه ، وإن أخذه غيره وجب رده عليه.
ويجوز اكتراء شبكة
الصيد ، ولا يجوز بيع اللبن في الضرع ، ولا الصوف على الغنم ، إلا إذا باع معهما شيئا
آخر ، وإن حلب شيئا من اللبن واشتراه مع ما بقي في الضرع في الحال جاز ، وكذا لا يجوز
بيع ما في بطون الأنعام والطيور من الحمل والبيض وغيرهما ، منفردا ، لأنه مجهول ولا
يمكن تسليمه ، وله أن يبيعه مع شيء آخر ، فإن لم يحصل مما في البطون شيء كان الثمن
فيما معه.
ولا بأس أن يعطى
الإنسان الغنم والبقر بالضريبة مدة بالسمن والمصل ، وإعطاء ذلك بالذهب والفضة أحوط.
المسك طاهر يجوز
بيعه في فأره قبل أن يفتح ، والأحوط أن يباع بعد فتحه.
وإذا أتى بثوب في
ظلمة وقال : بعتكه بكذا فإذا لمسته وجب البيع ولا خيار بعده ،
لم يصح ، للجهل بالمبيع.
رجلان لكل منهما
عبد على حدة فباعاه من آخر بثمن واحد لم يجز ، لأن ثمن كل منهما مجهول ، فإن كانا شريكين
في العبدين جاز ، ولا يجوز بيعتان في بيعة واحدة كأن يقول : بعتك بألف درهم نقدا وبألفين
نسيئة بأيهما شئت
فخذه ، لأن الثمن
__________________
غير معين ، وكذا إذا قال : بعتكه بألف على أن تبيعني دارك بألف ، لم يصح ، لأنه
لا يلزمه بيع ذلك.
ولا يجوز أن يزيد
في ثمن سلعة
زيادة لا يشترى بها غير
راغب في شرائها بل ليقتدي به المستام.
إذا تبايع اثنان
سلعة وهما بعد في مجلس الخيار ، فجاء آخر يعرض على المشتري سلعة كسلعته ، بأقل منها
أو خيرا منها ، ليفسخ ما اشتراه ، أو يشتريها منه ، فقد فعل محظورا ، غير أنه ينفسخ
بفسخ المشتري ، ويصح شرى الثانية ، وكذا يحرم السوم على سوم أخيه إلا أن يكون المبيع
في المزايدة. ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد بأن يكون سمسارا له ، ولا يجوز تلقي الجلب
، فإن فعل واشترى صح البيع وللبائع الخيار إذا ورد السوق ، فإذا وردها ولم يشتغل بتعرف
السعر وتبين الغبن بطل خياره.
وحد التلقي المنهي
عنه أربع فراسخ فما دونها ، فإن زاد فلا بأس ، وكذا لا بأس إذا رجع من ضيعته فلقي جلبا فاشتراه.
الآدمي إذا كان
حرا أو مملوكا لكن موقوفا أو مكاتبا غير مشروط وقد أدى شيئا من مكاتبته أو أم ولد حي
لم يكن ثمنها باقيا في ذمة صاحبها ، فإنه لا يجوز بيع هؤلاء ، واللقيط كالحر.
وغير الآدمي من
الحيوان ضربان : نجس وطاهر. فالنجس
ضربان : نجس العين ونجس
الحكم.
__________________
فنجس العين
: الكلب والخنزير وجميع
المسوخ ، كالقردة والدببة وغيرهما من مسوخ الماء ، فلا يجوز بيع شيء من ذلك ، ولا
الانتفاع به إلا الكلب المعلم للصيد ، وكلب الماشية ، والحائط للزرع أو البيوت خاصة.
ونجس الحكم ضربان
: ما ينتفع به وما لا ينتفع به. فما ينتفع به يجوز تملكه وبيعه كالفهد والنمر والثعلب
والأرنب والسنور وجوارح الطير.
وما لا ينتفع به
لا يجوز بيعه ولا تملكه ، كالأسد والذئب والضبع والحدأة والنسر والرخمة
وبغاث الطير
وأنواع الغربان وسائر الحشرات من الحيات والعقارب والفأرة والجعلان والديدان.
وأما الطاهر من
الحيوان فيجوز بيعه وتملكه.
وغير الحيوان ضربان
: نجس وطاهر ، فالنجس ضربان : نجس العين ونجس الحكم.
فنجس العين لا يجوز
بيعه ولا الانتفاع به ، كالخمر وكل مسكر والفقاع والمني من كل حيوان ، والبول والعذرة
والسرقين مما لا
يؤكل لحمه ، وميتات كل ما له نفس سائلة ، وجلودها قبل الدباغ وبعده ، ودماؤها.
__________________
ونجس الحكم ضربان
: جامد ومائع. فالجامد إن كانت النجاسة على ظاهره ولم يختلط به غسل ، فإن تعذر الغسل
، أزيلت النجاسة ، وشيء مما حوله ، ثم يبيع ، وذلك
كالجمد والفواكه والخضر [ والبواري ] والثياب والأحجار وغيرها ، ومتى اختلطت النجاسة بالماء ،
ثم جمد
أو بالدقيق أو العجين ،
ثم خبز أو باللبن ثم اتخذ منه الجبن والأقط لم يجز بيعه بحال. والمائع من السمن والدهن واللبن
والعسل والخل إذا نجس لم يجز بيعه [ بحال ] وكذا الماء النجس لا يجوز بيعه قبل تطهيره ، ولا يمكن تطهير الدهن المائع إذا
نجس ، لأنه لا يمتزج بالماء فيطهر به ، ورخص في بيع الدهن [ النجس ] ممن يستصبح به تحت السماء ، ويجوز بيع لبن المرأة والأتان.
ولا يجوز بيع شعر
الإنسان وظفره وغيره مما ينفصل عنه لأنه لا ثمن له ، وأما عذرته وسرقين ما لا يؤكل
لحمه وخرء الكلاب والنعم فيجوز الانتفاع بها في الزرع وأصول الأشجار ، وإن لم يجز بيعها.
إذا باع مجوسي خمرا
أو خنزيرا ثم أسلم وقبض الثمن بعد الإسلام حل له ، ولا يجوز أن يبيع شيئا من ذلك بعد
الإسلام ، لأن تملكه قد زال ، وروي أنه إذا كان عليه دين جاز أن يبيعه عنه من ليس بمسلم
ويقضى بذلك دينه ولا يجوز أن يتولى ذلك مسلم.
__________________
ولا يجوز بيع أنواع
الملاهي ، كالطنابير والعيدان وغيرهما ، وكذلك عمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة وصور الحيوان محظور
بيعها وشراؤها ، ولا بأس باستعمالها في الفرش وما يوطأ بالأرجل.
واللعب بالشطرنج
والنرد وسائر أنواع القمار وبيعها وشراؤها محرم ، وكذلك معونة الظالمين وأخذ الأجرة
على ذلك ، وبيع السلاح لسائر الكفار ، وكسب المغنيات والنوائح بالأباطيل ، وأخذ الأجرة
على غسل الأموات وحملهم ودفنهم ، والتكسب بنسخ كتب الضلال وحفظها ، وأخذ الأجرة على
الأذان ، والصلاة بالناس ، وكسب الزواني
ومهور البغايا وتعلم السحر
والكهانة والقيافة والشعبذة والتكسب بها كلها وهجاء أهل الإيمان ومدائح أهل الضلال بلا ضرورة.
وأما أخذ الأجرة
على مدح
أهل الإيمان بالصدق ، وعلى
نسخ كتب الضلال وانتساخها ، لإثبات الحجج على الخصم والنقض ، فلا بأس به. وكذا أخذ
الأجرة على الخطبة في الأملاك وأجرة المغنية في الأعراس إذا لم تغن بالأباطيل ولا يدخلن على الرجال ، وعلى ختن الرجال
وخفض الجواري ، لا بأس بذلك.
ويحل كسب الماشطة
إذا لم تغش ، ولم تدلس في العمل ، بأن تصل شعر المرأة بشعر غيرها من النساء ، وتشم
الخدود وتستعمل ما لا يجوز في شريعة الإسلام ، ولا بأس أن تصل بشعر غير الناس ، ويحل
كسب القابلة ، وكذا كسب الحجام إذا
__________________
لم يشرط ، ويكره له الشرط ، والأفضل لذي المروءة أن ينزه نفسه عن أكل أجرة الحجام.
ولا بأس بأخذ الأجرة
والرزق على الحكم والقضاء بين الناس ، من السلطان العادل خاصة ، دون الظالم والتنزه
عنه أفضل ، ولا بأس بشراء المصاحف وبيعها غير أنه لا يباع المكتوب بل يباع الجلد والأوراق
، ولا بأس ببيع ما يكن به من آلة السلاح ، كالدروع والخفاف من الكفار ، والتنزه عنه
أفضل.
ولا يأخذ ما ينثر
في الأعراس والإملاكات إلا إذا علم من قصد صاحبه الإباحة ، ولا بأس بأخذ أجر العقارات
والدور والمساكن إلا إذا عمل فيها شيء من المحظورات باختياره ورضاه ، فإنه لا يجوز
إذا ، ولا بأس بأجرة السفن والحمولات ، إلا إذا علم أنه يحمل فيها أو عليها شيء من
المحرمات ، فإنه لا يجوز ، ولا بأس ببيع الخشب ممن ينحت منه الصنم أو الصليب أو شيئا
من الملاهي ، ولا بأس ببيع العنب والعصير ممن يجعله خمرا.
فأما إذا باع الخشب
على أن ينحت منه ذلك ، أو باع العنب على أن يجعله خمرا ، فلا يجوز ، ولا بأس ببيع عظام
الفيل ، واتخاذ المشط والمدهن وغير ذلك منها ، والتكسب بها ، ولا بأس ببيع جلود السباع
، كالأسد والنمر والفهد وغيرها ، إذا كانت مذكاة ومدبوغة.
ومن مر بالثمر
جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ، ولا يجوز حمل شيء منها
وإفساده.
ولا يجوز بيع السرقة
والخيانة وشراؤهما إذا عرفهما بعينهما ، فإن لم يعرفهما فلا بأس. ولا يجوز بيع تراب
الصياغة ، لأن له أربابا لا يتميزون ، فإن باعه ، تصدق به على الفقراء.
__________________
إذا انكسرت سفينة
في البحر ، فأخرج البحر بعض ما غرق وأخرج بعض بالغوص ، فما أخرجه البحر ، لأربابه ،
وما أخرج بالغوص لمن أخرجه.
ولا يجوز بيع الأرزاق
من السلطان ، لأن ذلك غير مضمون ، ولا يجوز شراء ما يعلمه غصبا ، فإن ألجأته الضرورة
إلى ذلك ، رده إلى صاحبه إن تمكن ، وإلا تصدق به عنه ، ولا بأس بشراء الأطعمة والحبوب
على اختلافها من سلاطين الجور ما لم يعلم شيئا من ذلك غصبا ، وإن علم فلا يجوز ، ويجوز
أخذ جوائزهم وشراء ما يأخذونه من الخراج والصدقات ، وإن لم يستحقوها ، إذا لم يعلمها
غصبا ، وكذا شراء ما يسبونه ، لأن الأئمة ـ عليهمالسلام ـ أحلوا لشيعتهم من ذلك.
ولا يجوز شراء الجلود
إلا ممن يثق به أنه لا يبيع إلا ذكيا فإن اشتراها ممن لا يثق به ، فلا يجوز أن يبيعها على أنها
ذكية ، بل يبيعها بلا ضمان.
ويكره استعمال الصروف
، لأن صاحبها لا يكاد يسلم من الربا ، وبيع الأكفان ، لأن صاحبها لا يسلم من تمني موت
الأحياء ، وبيع الطعام ، لأنه لا يسلم من الاحتكار ، وبيع الرقيق وشراؤهم ، وصنعة الذبح
والنحر ، لأن ذلك يسلب الرحمة من القلب ، وكل حرفة فيها استخراج نجاسة ومباشرتها ،
كالكناس والقصاب. ولا بأس بالنساجة والحياكة ، والتنزه عنه أفضل.
ويكره كسب الصبيان
، وأخذ الأجرة على تعليم القرآن ، ونسخ المصاحف ، إذا شرط المعلم أو الناسخ ، وإن لم
يشرط فلا بأس ، ويكره أن ينزي الحمير على الدواب ، ولا بأس بكسب صاحب الفحل من الإبل
والبقر والغنم إذا أقامها للنتاج ، ويكره عقد الإجارة على ذلك.
ينبغي أن يجتنب
مدح ما يبيعه ، وذم ما يشتريه ، واليمين على ذلك ، وكتمان
__________________
العيب فيما يبيعه ، وعرض الجيد دون الرديء ، وإذا قال له غيره : اشتر لي شيئا
، فلا يعطه من عنده ، وإن كان ما عنده خيرا إلا بعد إعلامه به ، وكذا إذا قال له : بعه لي ، فلا يشتره لنفسه ، وإن زاد في ثمنه ، إلا بإعلامه ، ولا يربح على المؤمن
إلا عند الضرورة ، ويقبل المستقبل ، ويسوى بين الصغير والكبير والساكت والمماكس والعارف
بالسعر والجاهل به في البيع أو الشراء ويكره الاستحطاط من الثمن بعد عقد البيع ، وقبض المبيع ،
ويجتنب مبايعة السفلة وذوي العاهات والمحارفين والأكراد ، ويكره السوم فيما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس. ولا يكونن أول من يدخل السوق.
الفصل التاسع عشر
أجرة المنادي على من أمر به ، وأجرة الكيال ووزان المتاع على البائع ، لأن عليه توفير المتاع
، وأجرة الناقد ووزان المال ، على المبتاع ، لأن عليه توفية المال ، ومن انتصب نفسه
للبيع والشراء للناس ،
فأجرة ما يبيعه على البائع ، وأجرة ما يشتريه على المبتاع.
من دفع متاعا إلى
السمسار ولم يأمره ببيعه ، فباعه ، أو أمره ببيعه ، ولم يذكر له لا نقدا ولا نسيئة
، فباع نسيئة ، أو أمره ببيعه نقدا فباعه نسيئة أو بالعكس منه ، كان مخيرا بين الفسخ والإمضاء ، وكذا إن باعه بأقل مما رسمه
نقدا أو نسيئة ،
__________________
فإن أمضاه كان له مطالبة الوسيط بتمام المال ، وإن باعه بأكثر مما سمى له ، كان ذلك لصاحب
المال إن لم يختر فسخ البيع ، لمخالفة الوسيط له.
إذا هلك المتاع
عند الواسطة بتفريط منه ، ضمن قيمته ، وأما بغير تفريط فلا ، ولا ضمان على الواسطة
فيما يغلبه عليه ظالم ، والدرك في جودة المبيع على البائع ، وفي جودة المال على المبتاع.
الفصل العشرون
يكره حبس الأقوات الستة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح ، إذا لم يوجد
ذلك إلا عند إنسان بعينه ، وأضر ذلك بالمسلمين ، ويجب إذا على السلطان إجبار صاحبه
على بيعه ، من غير تعيين سعر ، ولا يمكنه الإمام من حبسه في حال الغلاء وقلة الأطعمة
أكثر من ثلاثة أيام ، وفي الرخص والسعة أكثر من أربعين يوما.
ولا يكره حبس ما
عدا ما ذكرناه لا في الرخص ولا في الغلاء
ولا حبسها مع وجودها. ومن
كان عنده فاضل طعام في القحط ، وبالناس ضرورة ، وجب عليه بذله.
__________________
كتاب
إحياء الموات
فصل الموات من الأرض للإمام القائم مقام
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة ، لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنه ، ومن أحيى أرضا بإذن مالكها ، أو سبق
إلى التحجير عليها ، كان أحق بالتصرف فيها من غيره ، وليس للمالك أخذها منه ، إلا أن
لا يقوم بعمارتها ، ولا يقبل عليها ما يقبل غيره ، ولا يجوز لأحد أن يغير ما حماه النبي
عليهالسلام
من الكلاء ، لأن فعله حجة ، يجب الاقتداء به ، كقوله ، وللإمام
أيضا أن يحمي من الكلاء لنفسه ، ولخيل المجاهدين ونعم الصدقة والجزية والضوال ما يكون
في الفاضل عنه كفاية لمواشي المسلمين ، ولا اعتراض لأحد عليه ، ولا يجوز للإمام أن
يقطع شيئا من الشوارع والطرقات ورحاب الجوامع ، إذ لا يملكها واحد بعينه ، والناس فيها
مشتركون.
والماء المباح يملك
بالحيازة ، سواء حازه في إناء ، أو ساقه إلى ملكه في نهر ، أو قناة أو غلب بالزيادة فدخل إلى أرضه ، وهو أحق بماء البئر التي ملك التصرف
فيها بالإحياء ، وإذا كانت في البادية
فعليه بذل الفاضل عن حاجته
لغيره ، لنفسه وماشيته ، ليتمكن من رعي ما جاور البئر من الكلاء المشترك ، وليس عليه
بذله لزرعه ، ولا بذل آلة الاستقاء.
__________________
ولمن أحيى
البئر من حريمها ما يحتاج
إليه في الاستقاء من آلة ومطرح الطين ، وروي : أن حد ما بين بئر المعطن
إلى بئر المعطن أربعون ذراعا وما بين بئر الناضح إلى بئر
الناضح ستون ذراعا وما بين بئر العين وبئر العين في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع وفي
الرخوة ألف ذراع
وعلى هذا لو أراد غيره
حفر بئر
إلى جانب بئره ليسرق
منها الماء ، لم يكن له ذلك.
ولا يجوز له الحفر
إلا أن يكون بينهما الحد المذكور ، فأما من حفر بئرا في داره ، أو في أرض له مملوكة
، فإنه لا يجوز له منع جاره من حفر بئر أخرى في ملكه ، ولو كانت بئر بالوعة تضر به ، والفرق بينهما أن الموات
يملك التصرف فيه
بالإحياء ، فمن سبق إلى حفر البئر صار أحق بحريمه ، وليس كذلك الحفر في الملك ، لأن
ملك كل واحد منهما مستقر ثابت ، فجاز له أن يعمل فيه ما شاء.
ومن قرب إلى الوادي
، أحق بالماء المجتمع فيه من السيل ، ممن بعد عنه ، وقضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن الأقرب إلى الوادي يحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى أول الساق
وللزرع إلى أن يبلغ إلى الشراك ثم يرسله إلى من يليه ثم هكذا يصنع الذي يليه مع جاره ، ولو كان ذرع الأسفل يهلك
إلى أن يصل إليه الماء لم يجب على من فوقه أن يرسله إليه حتى يكتفى ويأخذ منه قدر المذكور.
__________________
كتاب
الشفعة
الشفعة عبارة عن
استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قيمته. وهي مأخوذة
من الزيادة ، لأن سهم الشريك يزيد بما ينضم إليه
فكأنه كان وترا ، فصار شفعا.
ويحتاج إلى معرفة
شروط استحقاقها وأحكامها.
أما الشروط فستة
وهي : أن يتقدم عقد بيع ينتقل معه الملك إلى المشتري.
وأن يكون الشفيع
شريكا بالاختلاط في المبيع أو في حقه من شربه أو طريقه.
وأن يكون واحدا.
وأن يكون مسلما
إذا كان المشتري كذلك.
وأن لا يسقط حق
المطالبة ، ولا يعجز عن الثمن.
اشترطنا تقدم عقد
البيع ، لأن الشفعة لا تستحق قبله ولا تستحق بما ليس ببيع ، من هبة أو صدقة أو مهر
زوجة أو مصالحة أو ما أشبه ذلك ،
واعتبرنا أن ينتقل الملك
معه إلى المشتري ، تحرزا من البيع الذي فيه الخيار للبائع أو له
__________________
وللمشتري معا ، فإن الشفعة لا تستحق ها هنا ، لأن الملك لم يزل عن البائع ؛
فأما ما لا خيار فيه ، أو فيه الخيار للمشتري وحده ، ففيه الشفعة لأن الملك قد زال
به عنه.
واشترطنا أن يكون
شريكا للبائع ، تحرزا من القول باستحقاقها بالجوار ، فإنها لا تستحق
بذلك.
واشترطنا أن يكون
واحدا ، لأن الشيء إذا كان مشتركا بين أكثر من اثنين ، فباع أحدهم لم يستحق شريكه
الشفعة عند أكثر أصحابنا ؛
وعلى هذا إذا كان الشريك
واحدا ، ووهب بعض السهم ، أو تصدق به ، وباع الباقي للموهوب له ، أو المتصدق عليه ،
لم يستحق [ فيه ]
الشفعة.
واشترطنا أن يكون
مسلما إذا كان المشتري كذلك ، تحرزا من الذمي لأنه لا يستحق على مسلم شفعة.
واشترطنا أن لا
يسقط
حق المطالبة ، لأنه أقوى
من قول من يذهب إلى أن حق الشفعة على الفور ، ويسقط بتأخير الطلب مع القدرة عليه لأن ذلك هو الأصل في كل حق عقلا وشرعا ، ولا يخرج منه إلا
ما أخرجه دليل قاطع.
واشترطنا عدم عجزه
عن الثمن ، لأنه إنما يملك الأخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذله للبائع فإذا تعذر عليه
ذلك سقط حقه من الشفعة ، سواء كان عجزه لكونه
__________________
معسرا ، أو لكون ما وقع عليه العقد أو بعضه غير معلوم القيمة ، وقد فقدت عينه
، وروى أصحابنا أن حكمه كذا ، متى لم يحضر الثمن من البلد الذي هو فيه حتى مضت ثلاثة
أيام ومتى ادعى إحضاره
من مصر آخر فلم يحضره حتى مضت مدة يمكن فيها وصول الثمن وزيادة ثلاثة أيام ، هذا ما
لم يؤد الصبر عليه إلى ضرر ، فإن أدى إلى ذلك بطلت الشفعة ، وإذا كان الثمن مؤجلا فهو
على الشفيع كذلك ، ويلزمه إقامة كفيل به إذا لم يكن مليا ، وهذا لا يتفرع على مذهب
من قال من أصحابنا : أن حق الشفعة لا يسقط بالتأخير.
وإذا حط البائع
من الثمن بعد لزوم العقد ، فهو للمشتري خاصة ولم يسقط عن الشفيع ، لأنه إنما يأخذ الشقص
بالثمن الذي انعقد البيع عليه ، وما يحط بعد ذلك هبة مجددة لا دليل على لحوقها بالعقد.
وإذا تكاملت شروط
استحقاق الشفعة ، استحقت في كل مبيع ، من الأرضين
والحيوان والعروض ، كان ذلك مما يحتمل القسمة أو لا ، ومن
أصحابنا من قال : لا يثبت حق الشفعة إلا فيما يحتمل القسمة شرعا من العقار والأرضين
لا فيما لا يحتملها كالحمامات والأرحية ، ولا فيما لا ينقل ولا يحول إلا على وجه التبع
لأرض ، كالشجر والبناء.
والشفعة مستحقة
على المشتري دون البائع ، وعليه الدرك للشفيع. وإن لم يقبض المشتري المبيع قبض الشفيع
، وكان قبضه بمنزلة قبض المشتري ، وإذا كان الشريك غير كامل العقل ، فلوليه أو الناظر
في أمور المسلمين المطالبة له بالشفعة ،
__________________
وإذا ترك الولي ذلك ، فللصغير إذا بلغ ، والمجنون إذا عقل المطالبة. وإذا غرس
المشتري وبنى ثم علم الشفيع بالشراء ، وطالب بالشفعة ، كان له إجباره على قلع الغرس
والبناء ، إذا رد عليه ما نقص من ذلك بالقلع ، وإذا استهدم المبيع لا بفعل المشتري
، أو هدمه هو قبل علمه بالمطالبة من ذلك بالشفعة ، فليس للشفيع إلا الأرض والآلات ،
وإن هدمه بعد العلم بالمطالبة فعليه رده إلى ما كان ، وإذا عقد المشتري البيع على شرط
البراءة من العيوب ، أو علم بالعيب ورضي به ، لم يلزم الشفيع ذلك ، بل متى علم بالعيب
رده على المشتري إن شاء ، وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في مبلغ الثمن ، وفقدت البينة ، فالقول قول المشتري
مع يمينه.
وحق الشفعة موروث
عند بعض أصحابنا
لعموم آيات الميراث ، وعند
بعضهم لا يورث.
لا شفعة في المعاوضة
عند أكثر أصحابنا.
وتثبت الشفعة للغائب. ومتى
ثبتت الشفعة للشفيع ولم يعلم بها إلا بعد ان استقال البائع المشتري البيع فأقاله كان للشفيع إسقاط الإقالة ورد الشقص إلى المشتري وأخذه
بالشفعة.
إذا اشترى شقصا
واستحق الشفيع الشفعة ، فأصابه نقص ، وهدم قبل أخذ الشفيع ، كان بالخيار بين أخذه ناقصا بكل الثمن ، وبين تركه
، إن كان ذلك
__________________
بآفة سماوية ، وإن كان بفعل آدمي ، أخذ الشفيع العرصة بحصتها.
إذا أخذ الشفيع
الشقص من المشتري فليس لهما خيار المجلس ، لأنه ليس ببيع. ومتى صالح المشتري الشفيع
، على ترك الشفعة بعوض بعد ثبوتها ، جاز.
إذا بلغ الشفيع
أن الثمن دنانير أو حنطة فعفا فكانت دراهم أو شعيرا أو غيرهما لم تسقط الشفعة.
إذا بيع بعض الدار
بدين ميت ، لم تثبت الشفعة لورثته ، لأن ملك الورثة كالمتأخر عن البيع ، لأنه حادث
بعد موته ، وكذا إذا أوصى ببيع بعض الدار والتصدق بثمنه ، فلا شفعة لورثته لذلك.
إذا كانت دار بين
ثلاثة شركاء أثلاثا ، فاشترى أحدهم نصيب أحد شريكيه ، فالمشتري والشريك الآخر في المبيع
شريكان ،
يملك المشتري نصفه بالبيع
، ويملك الآخر نصفه بالشفعة ، هذا على قول من يثبت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين
،
وإن كان المشتري أجنبيا
، استحق الشريكان ما اشتراه بالشفعة.
__________________
كتاب
الشركة
من شرط صحة الشركة
، أن تكون في مالين متجانسين ، إذا اختلطا اشتبه أحدهما بالآخر ، وأن يخلطا حتى يصيرا
مالا واحدا ، وأن يحصل الإذن في التصرف في ذلك ، وهذه الشركة هي التي تسمى شركة العنان.
ولا تصح شركة المفاوضة
، وهي أن يشتركا في كل ما لهما وعليهما ، وما لهما متميزان ، ولا شركة الأبدان ، وهي
الاشتراك في أجرة العمل ، ولا شركة الوجوه ، وهي أن يشتركا على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه ، لا برأس مال ، على أن يكون ما يحصل
من فائدة ، بينهما.
وإذا انعقدت الشركة
اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار رأس ماله ، وعليه من الوضيعة بحسب
ذلك ، فإن اشترطا تفاضلا في
__________________
الربح ، أو الوضيعة ، مع التساوي في رأس المال ، أو تساويا في كل ذلك مع التفاضل في رأس المال ، لم يلزم الشرط ، وكذا إن جعل أحد
الشريكين للآخر فضلا في الربح بإزاء عمله ، لم يلزم ذلك ، وكان للعامل أجرة مثله ، ومن الربح بحسب رأس ماله
، ويصح كل من ذلك بالتراضي ، ويحل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة ويجوز الرجوع بها
لمبيحها مع بقاء عينها.
والتصرف في مال
الشركة على حسب الشرط ، إن يشترطا أن يكون لهما معا على الاجتماع ، فلم يجز لأحدهما
أن ينفرد به ، وإن يشترطا أن يكون تصرفهما على الاجتماع والانفراد ، فهو كذلك ، وإن اشترطا التصرف لأحدهما
لم يجز للآخر إلا بإذنه ، وكذا القول في صفة التصرف في المال ، من السفر به والبيع
بالنسيئة والتجارة في شيء معين ، ومتى خالف أحدهما ما وقع عليه الشرط ، كان ضامنا.
والشركة عقد جائز
من كلا الطرفين ، يجوز فسخه لكل واحد منهما متى شاء ، ولا يلزم شرط التأجيل فيها.
والشريك المأذون
له في التصرف ، مؤتمن على مال الشركة ، والقول قوله ، فإن ارتاب به شريكه ، حلف على
قوله ، وإذا تقاسم الشريكان لم يقتسما الدين بل يكون الحاصل منه بينهما ، والمنكسر
عليهما ، ولو اقتسماه فاستوفى أحدهما ولم يستوف الآخر لكان له أن يقاسم شريكه على ما استوفاه.
__________________
وإذا باع من له
التصرف في الشركة ، وأقر على شريكه الآخر بقبض الثمن ، مع دعوى المشتري ذلك ، وهو جاحد
، لم يبرأ المشتري من شيء منه ؛ أما ما يخص البائع فلأنه ما اعترف بتسليمه إليه ،
ولا إلى من وكله على قبضه فلا يبرأ منه ، وأما ما يخص الذي لم يبع ، فلأنه منكر لقبضه
، وإقرار شريكه البائع عليه لا يقبل ، لأنه ووكيله ، وإقرار الوكيل على الموكل ، بقبض
الحق الذي وكله في استيفائه ، غير مقبول ، إذ لا دليل عليه ، ولو أقر الذي لم يبع ولا
أذن له في التصرف ، أن البائع قبض الثمن ، برئ المشتري من نصيب المقر منه.
ويكره شركة المسلم
للكافر.
إذا اشترك اثنان
في عمل شيء ، لم تنعقد الشركة ، وكان لكل منهما أجر عمله.
إذا شارك نفسان
سقاء ، على أن يكون من أحدهما دابة ومن الآخر راوية واستسقى السقاء فيها على الدابة ، لم تصح الشركة ، لفقد اختلاط
المال ، فيكون ثمن الماء للسقاء ، ويرجع الآخران عليه بمثل أجرة الدابة والراوية.
وإذا أراد الشريكان
مقاسمة ما في مقاسمته ضرر ، كجوهر
أو حمام أو حجر رحى أو ثوب ثمين يجبر على بيعه من امتنع منه.
وتنفسخ الشركة بموت
أحد الشريكين ، ولا يجوز للثاني التصرف في حصة الميت ، وللوارث أو الوصي أو الولي أن يطالب بالقسمة ، أو يبقى على الشركة ، فإن بقي عليها ،
استأنف الإذن في التصرف ، إلا إذا كان هناك دين.
__________________
كتاب
المضاربة
فصل
القراض والمضاربة
واحد ، وهو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر به ، على أن ما رزقه الله تعالى من
ربح ، كان بينهما على ما يشرطانه.
ومن شرط صحته ،
أن يكون رأس المال فيه ، دراهم أو دنانير معلومة مسلمة
إلى العامل ، ولا يجوز القراض بالفلوس ولا بالورق المغشوش.
وتصرف المضارب موقوف
على إذن صاحب المال ؛ إن أذن له في السفر به أو في البيع نسيئة ، جاز له ذلك ، ولا
ضمان عليه لما يهلك أو يحصل من خسران ، وإن لم يأذن له في البيع بالنسيئة ، أو في السفر
، أو أذن له فيه إلى بلد معين ، أو شرط ألا يتجر إلا في شيء معين ، ولا يعامل إلا
إنسانا معينا ، فخالف ، لزمه الضمان.
وإذا سافر بإذن
رب المال ، كانت نفقة السفر من المأكول والمشروب والملبوس من غير إسراف ، من مال القراض
، ولا نفقة للمضارب منه في الحضر ، وقيل : لا نفقة له حضرا ولا سفرا ، لأن المضارب
دخل على أن يكون له من الربح سهم معلوم فليس له أكثر منه إلا بالشرط .
__________________
وإذا اشترى العامل
من يعتق على رب المال بإذنه صح الشراء وعتق عليه ، وانفسخ القراض ، إذا كان الشراء
بجميع المال ، لأنه خرج عن كونه مالا ، وإن كان ببعض المال ، انفسخ من القراض بقدر
قيمة العبد ، وإن كان الشراء بغير إذنه وكان بعين المال ، فالشراء باطل ، لأنه اشترى
ما يتلف ويخرج عن كونه مالا عقيب الشراء ، وإن اشترى بثمن في الذمة ، صح الشراء ، ووقع
الملك للعامل ، ولا يجوز له أن يدفع الثمن من مال القراض ، فإن فعل لزمه الضمان ، لأنه
تعدى بدفع مال غيره في ثمن لزمه في ذمته ، وإذا اشترى المضارب من يعتق عليه قوم ، فإن
زاد ثمنه على ما اشتراه ، انعتق منه بحساب نصيبه من الربح ، واستسعي في الباقي لرب
المال ، وإن لم يزد ثمنه على ذلك ، أو نقص عنه ، فهو رق.
والمضاربة عقد جائز
من الطرفين ، لكل واحد منهما فسخه متى شاء ، وإذا بدا لصاحب المال من ذلك بعد ما اشترى
المضارب المتاع ، لم يكن له غيره ، ويكون للمضارب أجرة مثله.
والمضارب مؤتمن
لا ضمان عليه ، إلا بالتعدي ، فإن شرط عليه رب المال ضمانه ، صار الربح كله له
والخسران عليه ، دون رب المال ، ويكره أن يكون المضارب كافرا.
إذا دفع إلى حائك
غزلا وقال : انسجه لي ثوبا على أن يكون الفضل بيننا ؛ لم يصح ، لأن موضع القراض على
أن يتصرف العامل في رقبة المال ويتجر فيها ، فإذا يكون الكل لرب المال وللعامل الأجرة.
إذا سمى رب المال
النصف لنفسه ، وسكت ، يكون فاسدا ، لأن العامل لا يستحق شيئا إلا بالشرط.
__________________
إذا قارض غيره على
أن يكون له الثلث ، ولمملوكه ثلث ، وللعامل ثلث ، جاز ، سواء شرط عمل الغلام أو لا
، فإن شرط الثلث لمن لا يملكه ، لم يصح إلا بشرط العمل ، ولا يجوز أن يشترط المقارض
الانتفاع ببعض مال القراض ، كأن يشترط استخدام العبد إن كان فيه عبد.
إذا استأجر العامل
أجيرا يعمل فيه ما يعمله بنفسه ، كانت الأجرة من ضمانه ، لأنه أنفق المال في غير حقه.
إذا دفع إليه ألفين
متميزين ، وسمى لكل منهما ربح ألف معين ، لم يجز ، وإن كانا
مختلطين ، وقال : لكل منا ربح ألف ؛ جاز.
العامل في القراض
أمين فيما في يديه ، فمهما ادعى تلف المال ، كان القول قوله ، وإن ادعى رده إلى مالكه
قبل.
إذا قارض العامل
آخر بإذن رب المال ، على أن يكون الربح بينه وبين رب المال ، كما تقرر ، صح ، وإن شرط
لنفسه معهما شيئا من الربح ، لم يصح لأن الربح من القراض لا يستحق إلا بمال ، أو بعمل
وإن لم يسم للعامل الثاني شيئا ، وعمل فيه ، كان الربح كله
لرب المال ، وللعامل أجرة المثل ، وإن كان القراض مع العامل الثاني بغير إذن رب المال ، ولم يعلم
العامل الثاني فسد ، ويكون الربح كله لرب المال ، وللعامل
الثاني أجرة المثل ، ولا شيء للأول ، وعليه ضمان ما هلك ، لتعدية ، دون الثاني.
__________________
إذا كان له على
غيره مال قرض ، لم يجز أن يقارضه على ذلك ، إلا بعد قبض المال.
إذا دفع اثنان إلى
عامل
كل منهما مائة ، فاشترى
العامل بمال كل منهما جارية ، ثم اشتبهتا عليه ولم تتميزا ، تبايعان ، ويدفع إلى كل
منهما نصفه إذا لم يكن
في المال فضل ، فإن كان
فضل أخذ كل منهما رأس ماله ، واقتسموا الربح على الشرط وإن كان فيه خسران ، فالضمان
على العامل ، لتفريطه ، وإن استعمل القرعة جاز.
إذا دفع إلى عامل
مائة قراضا ، فخسر عشرة ، ثم أخذ رب المال عشرة ، ثم اتجر العامل وربح ، أفرد رأس المال
تسعين إلا درهما وتسع درهم ، وما حصل فهو بينهما على الشرط
، وذلك لأنه لم ينتقص القراض في الخسران ، لتمامه بالربح ، لكنه انتقص في العشرة التي أخذها رب المال ، انتقص في الخسران ما يخصه من العشرة ، فتوزع العشرة المأخوذة على تسعين ، يكون
لكل عشرة درهم وتسع درهم ، فيكون رأس المال ما بقي.
وإن أخذ رب المال
خمسة وأربعين بعد خسران العشرة انتقص القراض في المأخوذ وفي نصف الخسران ، وهي خمسة فيكون رأس المال بعد هذا خمسين ، والأصل
أن يجعل الخسران كالموجود فإذا انتقص في سهم من الموجود ، انتقص
__________________
بحصته من الخسران.
إذا اشترى العامل
جارية ، فليس له ولا لرب المال وطؤها ، كان في المال فضل أو لا ولا تزويجها إلا إذا اتفقا على التزويج ، ولا مكاتبتها إلا
باتفاقهما معا ، فإن عتق العبد وفي المال فضل ، فولاؤه بينهما على ما شرطا في الربح
، وإلا فلرب المال ، وإن لم يشترطا عليه
الولاء ، فولاؤه للإمام
إذا لم يتوال إلى أحد.
إذا قال لغيره :
اغرس أرضي هذه كذا ، على أن ما رزق الله من غرس فيها ، كان بيننا نصفين ، والأرض بيننا
نصفين ؛ لم يكن ذلك شركة ، لأن المالين لا يختلطان ، ولا قراضا ، لأن من العامل العمل
دون شيء من المال ، فإذن الأرض تكون لمالكها والغرس للعامل ، ولا يملك رب الأرض نصف
الغراس ، ولا العامل نصف الأرض ، لأن ذلك بيع معلوم بمجهول.
__________________
إذا وقع الفسخ منع العامل من الشراء دون البيع ، وإذا مات أحد المتقارضين انفسخ القراض ، ولورثة
رب المال استئناف العقد مع العامل إلا إذا كان المال عروضا ، فإنه لا يصح فيه ، لأن
عقد القراض على غير الأثمان لا يجوز.
__________________
كتاب
المساقاة والمزارعة
المساقاة أن يدفع النخل إلى غيره على أن يلقحه ويضرب جرائده
ويصلح الأجاجين
تحته ويسقيه ، أو يدفع
إليه الكرم على أن يعمل فيه ، فيقطع الشفش
ويصلح مواضعه ويسقيه ،
على أن ما رزق الله من ثمرة كانت بينهما ، على ما يشترطانه.
ولا يجوز ذلك
إلا فيما له ثمرة من الشجر ، ولا بد أن تكون مؤجلة بأجل معلوم ، ويكون قدر نصيب العامل
معلوما.
وإذا كانت له أنواع
نخل فساقاه بالنصف على البعض ، وبالربع على البعض ، أو أقل أو أكثر ، جاز إذا علم العامل
قدر كل صنف منها في الحائط ، وإن لم يعلم فلا ، لأنه غرر.
__________________
ولا يجوز أن يشترط
للعامل مثلا ألف رطل ، أو خمسمائة رطل بل ينبغي أن يشترط
له سهما من سهام الثمرة.
إذا ساقاه على أن
يكون له ثمرة نخلات بعينها ، بطل ، وكانت الثمرة لرب الأرض وللعامل أجرة المثل.
كل ما يستزاد به
في الثمرة ، فعلى العامل ، وكل ما فيه
حفظ الأصل فعلى رب المال
، وإن شرط أحدهما بعض ما يلزمه
على الآخر ، جاز
ما دام يبقى للعامل عمل ، وإلا بطلت المساقاة.
وينبغي أن تكون
المساقاة قبل ظهور الثمرة ، أو حين بقي للعامل عمل يستزاد به الثمرة ، كالتأبير والسقي
، فإن لم يبق إلا اللقاط والجذاذ فلا مساقاة.
وخراج الثمرة على
رب الأرض.
إذا ساقاه العامل
على أن يعمل معه
رب المال بطل ، وإن شرط أن يعمل معه غلام رب المال جاز ، لأنه ضم مال إلى مال ، ما
لم يكن العمل في ملك خاص للعامل ، ولا يكون نفقة الغلام على العامل إلا إذا شرط.
إذا قال للعامل
: ساقيتك على أن لك النصف من الثمرة ؛ صح ، ولو قال : ساقيتك على أن النصف لي من الثمرة ، لم يصح ، وللعامل أجرة المثل.
وتنفسخ المساقاة
بموتهما أو بموت أحدهما.
__________________
إذا ساقاه على أنه
إن ساقاها بماء السماء أو سيح فله الثلث ، وإن ساقاها بالنصح أو الغرب
فله النصف ، بطل ، لأنه عمل مجهول ، فالثمرة لرب النخل ،
وللعامل أجرة المثل.
فصل في المزارعة
المزارعة استكراء
الأرض ببعض ما يخرج فيها. ولا يصح على سهم معين ، كأن يكون الشتوي لأحدهما والصيفي
للآخر ، أو يكون لأحدهما أرطال معلومة ، وإنما يصح إذا زارعه على سهم مشاع ، كأن يجعل
له النصف ، أو الثلث [ أو الربع ]
أو أقل أو أكثر.
ويجوز إجارة الأرض
للزراعة بكل ما يجوز أن يكون ثمنا من الدراهم والدنانير والطعام وغير ذلك ، بعد أن يكون في الذمة ، ولا يكون من تلك
الأرض.
ويجوز أن يكتري
رب الأرض نصف عمل الأكار ونصف عمل آلته بشيء من الدراهم والدنانير ، ويكريه نصف أرضه
بمثله والبذر بينهما ، ويتقاصان في الأجرين.
إذا أكرى أرضا مدة
معلومة ، فأراد المكتري أن يزرعها ما لا يدرك في تلك المدة ، كان للمكري منعه من ذلك
في الحال ، فإن زرع فليس له المطالبة بالقلع إلا
__________________
بعد تقضي المدة ، فإن اتفقا على التبقية بإعارة أو إجارة إلى مدة معلومة جاز
، ولا يجوز أن يجعلها إلى الحصاد ، لأنه مجهول ، وإن زرع ما يبلغ في تلك المدة إلا
أنه تأخر إدراكه بسبب من قبل الله تعالى ، كاشتداد برد أو لاضطرار ماء فحينئذ لا يجبر على القلع ، بل يمهل إلى وقت الإدراك ، وعليه
أجرة المدة الزائدة.
إذا اكترى أرضا
لا ينالها إلا المطر ، أو أرضا لا يبلغها الماء إلا إذا زاد في النهر زيادة مفرطه نادرة
، جاز ، إذا ذكر ذلك أو أطلق العقد ، ولا يجوز المزارعة على الأرض التي لا ينحسر عنها
الماء في أغلب الأحوال.
إذا غرقت أرض المزارعة
عقيب العقد بطل العقد ، وإن غرقت بعد مدة
انفسخ فيما بقي دون ما
مضى ، وإن غرق بعضها انفسخ فيما غرق لا غير ، وله الخيار بين الرد والإمساك بحصته ،
وإن غصبت ومضت المدة في يد الغاصب لم ينفسخ ، وله الخيار ، إن شاء فسخ وإن شاء أمضى
ورجع على الغاصب بأجرة المثل.
إذا هلك الزرع بسيل
أو حريق أو جراد لم ينفسخ العقد ، لأنه فساد في الزرع لا في الأرض.
إذا اكتراها لزرع
الحنطة مثلا ، فزرع كتانا أو قطنا ، فللمكري الأجرة المسماة وقدر ما نقص من الأرض بالتعدي
، هذا إذا علم به ، وقد استحصد الزرع ، وإن علم به قبل إدراكه ، فله قلعه لأنه غير
مأذون له فيه ، كالغاصب ، فإذا قلعه وقد بقي من المدة شيء ، كان للمكتري أن ينتفع
بباقيها.
__________________
إذا اكترى أرضا
وأطلق لم يجز ، لأنها تصلح لمنافع مختلفة متباينة ، فلا بد من تعيين جنس منها.
إذا اكترى أرضا
سنة ليغرسها ، فانقضت المدة ، فله قلع ما غرس ، شرط عليه المكري
ذلك أو لا ، لأنه ملكه ، فإن لم يرد قلعه فالمكري بالخيار
بين أن يغرم قيمته ويجبر المكتري على ذلك ؛ وبين أن يجبر المكتري على قلعه بشرط أن
يغرم ما ينقص من الأرض بالقلع.
إذا اكترى أرضا
بشرط أن يزرعها بنفسه لم يجز أن يعطيها غيره ، ولا بأس أن يشارك غيره أو يقيم فيها من يقوم مقامه إذا زارعه مطلقا ، وإذا زارعها على النصف
أو الثلث جاز أن يؤجرها بأكثر من ذلك أو أقل.
وأما إن استأجرها
بالدراهم أو الدنانير ، فلم يجز أن يؤجرها بأكثر إلا بإحداث حدث يصلحها ، وإن شرط صاحب
الأرض على المزارع جميع مؤنة الأرض كان عليه والبذر منهما على ما شرطا ، وكذا إن شرطا
أن يكون
على المزارع خراج الأرض
ومؤنة السلطان جاز ، وما زاد من المؤنة من قبل السلطان لم يكن على المزارع ، وإن لم
يمكن صاحب الأرض المزارع من التصرف فيها إلى انقضاء المدة ، فلا شيء عليه ، فإن مكنه
بعد مضي بعض المدة فعليه أجرة ما تصرف فيها لا غيره.
والمزارعة لا تصح
إلا بأجل معلوم ، فإن لم يذكر الأجل ، فما خرج فلصاحب الأرض ، وللمزارع ما أنفق فيها
وأجرة المثل ، ومن زرع أرض غيره غصبا أو عمرها
__________________
وبنى فيها فله الغلة ، ولصاحب الأرض طسقها. .
من آجر أرضا ثم
باعها لم تبطل الإجارة ، سواء كان بحضرة المزارع أو لا ، وصح البيع ، وعلى المشتري
الصبر إلى انقضاء مدة المزارعة ، وكذا يصبر ورثة المشتري إن مات ، وتبطل المزارعة بموت
المؤجر أو المستأجر.
إذا اكترى شيئا
مدة معلومة فمضت وكان متمكنا منه استقرت عليه الأجرة ، سواء تصرف وانتفع أو لا.
__________________
كتاب
الإجارة
يستباح بعقد الإجارة
نفس الإنسان وعبده وثوبه وداره وعقاره ، وتفتقر صحتها إلى شروط :
منها
: ثبوت ولاية المتعاقدين ، فلا يصح أن يؤجر الإنسان ما لا يملك
التصرف فيه ، لعدم ملك أو إذن ، أو ثبوت حجر ، أو رهن ، أو إجارة متقدمة ، أو غير ذلك.
ومنها
: أن يكون المعقود عليه من الجانبين معلوما ، فلو قال : آجرتك
إحدى هاتين الدارين ، أو بمثل ما يؤجر به فلان داره ، لم يصح.
ومنها
: أن يكون مقدورا على تسليمه ، حسا وشرعا ، فلو آجر عبدا آبقا
أو جملا شاردا ، لا يتمكن من تسليمه ، أو ما لا يملك التصرف فيه ، لم يصح.
ومنها
: أن يكون منتفعا به ، فلو آجر أرضا للزراعة في وقت يفوت بخروجه
، والماء واقف عليها لا يزول في ذلك الوقت ، لم يصح ، لتعذر الانتفاع.
ومنها
: أن تكون المنفعة مباحة ، فلو آجر مسكنا ، أو دابة ، أو وعاء
في محظور ، لم يجز ، فإن كان المستأجر مسكنا ، احتيج مع ما تقدم من الشروط إلى تعيين
المدة ، وإن كان دابة ، افتقر إلى ذلك أيضا وإلى تعيين المسافة.
__________________
وإذا صح العقد استحقت
الأجرة عاجلا ، إلا أن يشترط التأجيل.
ويملك المؤجر الأجرة
والمستأجر المنفعة بنفس العقد ، حتى لو استأجر دابة ليركبها إلى مكان بعينه ، فسلمها
إليه ، فأمسكها مدة يمكنه المسير فيها ، فلم يفعل ، استقرت الأجرة عليه ، وإذا قال
: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا ؛ صح العقد ، وإن لم يعين آخر المدة ، ويستحق الأجرة
للزمان المذكور بالدخول فيه ، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني. ومن أصحابنا
من قال : لا يجوز أن يؤجر مدة قبل دخول ابتدائها لافتقار صحة الإجارة إلى التسليم ،
ومنهم من قال بجوازه ، وأن التسليم مقدور عليه حين استحقاق
المستأجر له ، وتعذره قبل ذلك ، لا ينافي عقد الإجارة.
ولا يجوز أن يؤجر
بأكثر مما استأجر به من جنسه ، سواء كان المستأجر هو المؤجر أو غيره ، إلا أن يحدث
فيما استأجره حدثا يصلحه به ، ولا بأس بذلك مع اختلاف الجنس ، كأن يستأجر بدينار فيؤجره
بأكثر من قيمته من العروض ، وإذا ملك المستأجر التصرف بالعقد ، جاز أن يملكه لغيره
، على حسب ما يتفقان عليه ، من زيادة أو نقصان ، إلا أن يكون استأجر الدار على أن يكون
هو الساكن ، والدابة على أن يكون هو الراكب ، فإذن لا يجوز إجارته لغيره.
والإجارة عقد لازم
من كلا الطرفين ، لا ينفسخ إلا بحصول عيب من قبل المستأجر ، نحو أن يفلس ، فيملك المؤجر
الفسخ ، أو من قبل المستأجر ، مثل انهدام المسكن ، أو غرقه على وجه يمنع من استيفاء
المنفعة ، فيملك المستأجر الفسخ ، وتسقط عنه الأجرة إلى أن يعيد المالك المسكن إلى
الحالة الأولى ، إلا أن يكون ذلك بتعدي المستأجر ، فيلزمه الأجرة والضمان.
__________________
وتنفسخ الإجارة
بموت أحد المتعاقدين ، ولا يملك المستأجر فسخ الإجارة بالسفر ، وإن كان ذلك بحكم حاكم
، ولا بغير ذلك ، من الأعذار المخالفة لما سبق ، كأن يستأجر جملا للحج ، فيمرض ، أو
يبدو له من الحج ، أو حانوتا ليتجر به ببيع البز فيه وشرائه ، فيحترق بزه أو يأخذ ماله اللصوص.
ولا تنفسخ الإجارة
بالبيع ، وعلى المشتري إن كان عالما بذلك الإمساك عن التصرف ، حتى تنقضي مدتها ، وإن
لم يكن عالما بذلك فله خيار الرد بالعيب
، ومتى تعدى المستأجر ما
اتفقا عليه من المدة أو المسافة
أو الطريق أو مقدار المحمول
أو عينه إلى ما هو أشق في الحمل ، أو المعهود في السير أو في وقته أو في ضرب الدابة
، ضمن الهلاك أو النقص ، ويلزمه أجرة الزائد على الشرط ، ولو رد الدابة إلى المكان
الذي اتفقا عليه بعد التعدي بتجاوزه ، لم يزل الضمان ، فإن ردها إلى البلد الذي استأجرها
منه إلى يد صاحبها ، زال ضمانه ، هذا إذا لم يكن معها صاحبها ، وإن كان معها صاحبها
، فلا ضمان.
والأجير ضامن لتلف
ما استؤجر فيه أو نقصانه ، إذا كان ذلك بتفريطه ، أو نقصان من صنعته ، سواء كان مستأجرا
لعمل في الذمة ، أو للعمل مدة معلومة.
إذا اختلف المؤجر
والمستأجر في قدر الأجرة ، أو المنفعة ، وفقدت البينة ، حكم بينهما بالقرعة ، فمن خرج
اسمه حلف وحكم له.
إذا كان العمل والمدة
معلومين ، لم تصح الإجارة ، كأن يقول : استأجرتك اليوم لتخيط ثوبي هذا ، لأنه يجوز
أن لا يتم ذلك آخر النهار ، ويجوز أن يفرغ منه
__________________
وسط النهار أيضا.
إذا استأجر عبدا
من مولاه فأبق ، انفسخ الإجارة ، كالدار إذا انهدمت ، وللمستأجر الخيار ، لأنه يرجو
رجوع الآبق قبل تقضي المدة ، فإن رجع انفسخ العقد فيما مضى من المدة دون ما بقي.
إذا اكترى دارا
ثم انهدم بعضها لم يجبر المكري على بناء ذلك وللمكتري الخيار بين الفسخ والإمضاء فيما
بقي من المدة ، فإن كان ذلك من قبل المكتري أو بتفريط منه ، كان ضامنا له ، وعليه مال
الإجارة ، وإذا انسدت البالوعة أو انطم الخلاء بعد الإجارة ، فعلى المكتري كنسها.
إذا استأجر دارا
فأسكنها حدادا أو قصارا وتقطع البناء بصناعتهما ، فلصاحبها الأجرة المسماة ، وأرش ما
نقص من قيمتها بالتعدي.
إذا آجر عبدا سنة
، فمات العبد قبل القبض أو بعده ، قبل الاستنفاع به ، انفسخ العقد ، وإن مات بعد الاستنفاع
به في أثناء السنة ، انفسخ العقد فيما بقي منها ، وله الأجرة بمقدار ما مضى من السنة
، وهكذا الدار إذا انهدمت.
إذا استأجر دابة
من موضعه إلى أخرى ثم تجاوز بها من حيث استأجرها إليه ، يلزمه الأجرة المذكورة وأجرة
المثل في المسافة الزائدة ، ويكون ضامنا لها إن لم يكن معها صاحبها ، للتعدي إلى أن يردها إلى صاحبها في الموضع الذي استأجرها فيه ، ومع
صاحبها لا ضمان.
إذا اكترى دابة
ليركبها هو ، لم يجز أن يركبها غيره ، فإن فعل فهلكت أو عابت فعليه الضمان أو أرش العيب
، ومتى هلكت الدابة بتعد من قبل المكتري لزمه قيمتها أكثر ما يكون من وقت تعديه إلى
حين هلكت.
__________________
إذا اكترى بهيمة
بذكر الجنس والصفة في الذمة ، فأتعبته بسيرها
فله ردها واستبدال غيرها ، وإن اكتراها بعينها فله الرد دون
الاستبدال.
ويلزم المكري أن
يبرك البعير لركوب المرأة والمريض ومن لا يقدر على ركوبه قائماً ، وكذلك لنزولهم ،
وكذلك يبرك للصلاة الفريضة ، ويوقف للفراغ منها ، وأما للنافلة والأكل والشرب فلا يلزم
إلا بعد الشرط.
ومتى نزل الأكراد
وغيرهم القرى والأراضي جاز ، يؤخذ منهم ما جرت به العادة من الأجرة والسخرة بعد الشرط عليهم ، ولا يجوز أخذه بلا شرط.
إذا قال : آجرتك
هذه الدار شهرا أو سنة ؛ ولم يقل من هذا الوقت لم يجز ، وكذا إذا آجره إياها في شهر
أو سنة مستقبلة لم يدخل بعد ، وأما إذا كانت المنفعة في الذمة ، فلا بأس ، بأن يكون
غير متصلة بحال العقد ، كأن يستأجر من يبني له حائطا أو يخيط له ثوبا.
يجوز عقد الإجارة
على غير العقار معينا وفي الذمة ، ولا بد في العقار من تعيين
موضعه.
إذا منعه ظالم من
التصرف في المستأجر وقد مكنه المؤجر لزمه الأجرة وله الرجوع على الظالم ، ولا يجوز
الاستيجار لحفر البئر حتى يكون المعقود عليه معلوما بتقدير المدة ، وتقدير نفس العمل
، كأن يقول : اكتريتك لتحفر لي بئرا يوما فصاعدا في هذه الأرض
، في عرض كذا ، وعمق كذا ذراعا ، فإن استقبله حجر ولم
__________________
يمكنه حفرة أو نقله ، انفسخ العقد فيما بقي دون ما حفر.
إذا استأجره ليحفر
له عشرة أذرع بعشرة دراهم ، فحفر بعضها ثم عجز عن إتمامها ، تقسم العشرة على خمسة وخمسين
جزءا فيكون للذراع الأولى جزء من الخمسة وخمسين وللثانية اثنان منها وللثالثة ثلاثة
، وعلى هذا الحساب فيكون للعاشر عشرة.
__________________
وإذا استأجره لحفر
عشرين بعشرة دراهم أو أقل أو أكثر ، قسم على مائة قسم وعشرة أقسام ، وذلك لأن حفر ما
قرب من الأرض أسهل ، لأنه يخرج التراب من قرب. وإذا استأجره لحفر الأنهار والقنى ،
جاز تقدير ذلك بالأيام والشهور وبالعمل ، ومتى قدره بالعمل أراه الأرض مقدار طولها
وعرضها وعمقها.
إذا استأجر امرأة
للرضاع مطلقا ، لم يلزمها مراعاة الصبي وتربيته إلا بالشرط ، ومن شرط صحة ذلك تقدير
المدة ، ومشاهدة الصبي ، وتعيين الأجرة ، فإن استأجرها بنفقتها وكسوتها ، لم يصح ،
لأنه مجهول.
إذا آجر عبدا مدة
، ثم أعتقه ، نفذ العتق ، وصح الإجارة ، وليس للعبد الرجوع على سيده بأجرة المثل ،
لما يلزمه من العمل في الإجارة بعد العتق.
إذا آجر الأب أو
الوصي الصبي أو شيئا من ماله صحت الإجارة ، فإن
بلغ الصبي قبل انقضاء المدة ، لم يكن له فسخها فيما بقي ،
ومتى تيقن الوصي ، أنه يبلغ قبل مضي المدة ، بطل إجارة ما زاد على وقت البلوغ.
إجارة المشاع جائزة
، ويقوم المستأجر مقام المالك ، ويجوز إجارة الدراهم والدنانير والحلي ، بشرط أن يعين
جهة الانتفاع بها ، فإن لم يعين فلا.
إذا تلف الشيء
في يد صانع بتعد منه ، فعليه ضمانه ، وأما بغير التعدي فلا ،
__________________
وكذا في الفساد والعيب.
وما ضاع في الحمام
، لا ضمان على الحمامي فيه.
الرائض
والراعي إذا خرجا من عادة الرياضة والرعاة في ضرب البهائم ، فعليهما ضمان التالف بذلك.
إذا تلف ما استؤجر
الصانع للعمل فيه ، بحضرة مالكه بعد الفراغ من العمل ، لم تسقط أجرته ، وإن لم يكن
بمحضر منه ، فعمل وتلف قبل التسليم ، لم يستحق الأجرة ، ولا يضمن الصانع إلا بالتعدي.
ومن استأجر غيره
لينفذه في حوائجه ، فنفقته عليه دون الأجير إلا بالشرط ، ولا يجوز للأجير أن يعمل لغير
من استأجره ، حين يكون أجيرا.
__________________
كتاب
القرض
القرض جائز من كل
مالك ، للتبرع ، فلا يجوز للولي أو الوصي
إقراض مال الطفل ، إلا أن يخاف ضياعه ، فيحتاط في حفظه بإقراضه.
ويكره للمرء أن يستدين ما هو غني عنه ، ويحرم ذلك عليه مع عدم القدرة على قضائه ، وزوال
الضرورة إليه. وكل ما يجوز السلم فيه ، يجوز إقراضه ، من المكيل والموزون والمزروع
والحيوان وغير ذلك ، وكل ما لا يصح ذلك فيه ، مما لا يتحدد بالصفة ، كالجواهر ، لا
يصح مداينته.
وهو مملوك بالقبض. ويجوز
أن يقرض غيره مالا ، على أن يأخذه في بلد آخر ، وعلى أن يعامله في بيع أو إجارة أو
غيرهما.
ويجوز أن يأخذ المقرض
خيرا مما كان فيه
من غير شرط ، سواء كان
ذلك عادة من المقترض أو لا. ويحرم اشتراط الزيادة فيما يقضى به ، سواء كانت في القدر
أو الصفة ، وكذا إذا كان فيما يدخله الربا لعموم الأخبار. وإذا كان للدين مثل ، بأن يكون مكيلا أو موزونا فقضاؤه بمثله
لا بقيمته ، وإذا كان مما لا مثل له ،
__________________
كالثياب والحيوان ، فقضاؤه برد قيمته.
ولا يحل المطل بالدين
بعد المطالبة به ، لغني ، ويكره لصاحبه المطالبة به مع الغنى
عنه ، وظن حاجة من هو عليه إلى الارتفاق به ، ويحرم عليه ذلك مع العلم بعجزه عن الوفاء
، ولا يحل له المطالبة على حال.
ويكره له النزول
عليه ، فإن نزل لم يجز له أن يقيم أكثر من ثلاثة أيام ، ويكره له قبول هديته لأجل الدين
، والأولى به إذا قبلها الاحتساب بها من جملة ما عليه.
ولا يجوز لصاحب
الدين المؤجل ، أن يمنع من هو عليه من السفر ، ولا أن يطالبه بكفيل ، ولو كان سفره
إلى الجهاد ، أو كانت مدته أكثر من أجل الدين ، ويكره استحلاف الغريم المنكر ، ومتى
حلف لم يجز لصاحب المال إذا ظفر بشيء من ماله ، أن يأخذ منه بمقدار حقه ، ويجوز له
ذلك إذا لم يحلف إلا أن يكون ما ظفر به وديعة عنده ، فإنه لا يجوز له أخذ شيء منها
بغير إذنه. ويصح الرجوع في القرض كما في الهبة.
إذا كان له على
غيره مال حال ، فأجله فيه ، لم يصر مؤجلا ، وإنما يستحب له الوفاء بما وعده ، وكذا
إن اتفقا على الزيادة لم يثبت ، وإن حط عنه بعضه أو كله صح.
ومن وجب عليه دين
، وغاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها ، وجب أن يعزل مقدار ذلك من ملكه ، فإن حضرته
الوفاة ، ولم يرجع صاحبه ، أوصى به إلى من يثق به ، فإن مات من له الدين سلمه إلى ورثته ، فإن لم يعرف له وارثا ، اجتهد في طلبه ، فإن
لم يجد له وارثا ، تصدق به عنه وبرئت ذمته.
__________________
وإذا استدانت المرأة
على زوجها ، في حال كونه غائبا عنها ، وجب عليه قضاء ما أنفقته
بالمعروف لا ما زاد عليه.
من مات حل ما عليه
من دين مؤجل ، ولا يحل ماله من دين
، وقد روي من طريق الآحاد
أنه يحل أيضا . ولا يثبت الدين في التركة إلا بإقرار جميع الورثة ، أو شهادة عدلين منهم ، أو
من غيرهم به ، مع يمين المدعي ، فإن أقر بعضهم ولم يكن على ما ذكرناه ، لزمه من الدين
بمقدار حقه من التركة ، ولم يلزم غيره.
ومتى لم يترك المقتول
عمدا ما يقضى به دينه ، لم يجز لأوليائه القود إلا أن يضمنوا قضاءه.
إذا استدان العبد
بغير إذن سيده ، فلا ضمان عليه ولا على السيد إلا أن يعتق فيلزمه الوفاء ، وروي أنه
يستسعي العبد في ذلك في حال العبودية.
__________________
كتاب
الرهن
الرهن جعل العين
وثيقة في دين وغيره ، وشروط صحته : حصول الإيجاب والقبول من جائزي التصرف
، وأن يكون المرهون عينا لا دينا ، وأن يكون مما يجوز بيعه
، وأن يكون المرهون به دينا لا عينا مضمونة ، كالمغصوب مثلا ؛ لأن الرهن إن كان على
قيمة العين إذا تلفت لم يصح ، لأن ذلك حق لم يثبت بعد ، وإن كان على نفس العين فكذلك
، لأن استيفاء نفس العين من الرهن لا يصح ، وأن يكون الدين ثابتا ؛ فلو قال : رهنت
كذا بعشرة تقرضنيها غدا ، لم يصح ، وأن يكون لازما ثابتا في الذمة ؛ كالقرض والثمن
والأجرة وقيمة المتلف
وأرش الجناية.
ولا يجوز أخذ الرهن
على مال الكتابة المشروطة ، لأنه غير لازم ، فأما القبض فشرط في لزومه من جهة الراهن
دون المرتهن ، وقيل : يلزم بالإيجاب والقبول لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )
والظاهر من المذهب المجمع
عليه ، هو الأول ، وظاهر الآية ، يترك للدليل ، واستدامة القبض في الرهن ليست بشرط.
ولا يجوز للراهن
أن يتصرف في الرهن بما يبطل حق المرتهن ، كالبيع والهبة
__________________
والرهن عند آخر ، والعتق ؛ فإن تصرف ، كان تصرفه باطلا ، ولم ينفسخ الرهن ،
وإنما ينفسخ الرهن إذا فعل ما يبطل به حق المرتهن منه بإذنه.
ويجوز له الانتفاع
بما عدا ذلك ، من سكنى الدار ، وزراعة الأرض ، وخدمة العبد ، وركوب الدابة ، وما يحصل
من صوف ، ونتاج ولبن ، إذا اتفق هو والمرتهن على ذلك ، وكذا يجوز للمرتهن الانتفاع
بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب والصوف واللبن ، إذا أذن له الراهن ، أو تكفل بمؤنة
الرهن ، والأولى أن يصرف قيمة منافعه من صوف ولبن في مؤنته ، وما فضل من ذلك كان رهنا
مع الأصل ، فإن سكن المرتهن الدار أو زرع الأرض بغير إذن الراهن ، أثم ولزمه أجرة الأرض
والدار ، وكان الزرع له ، لأنه عين ماله ، والزيادة حادثة فيه ، وهي غير متميزة منه.
ولا يحل للراهن
ولا المرتهن وطء الجارية المرهونة ، فإن وطأها الراهن بغير إذن المرتهن ، أثم ، وعليه
التعزير ، فإن حملت وأتت بولد ؛ فإن كان موسرا وجب عليه قيمتها [ و ] تكون رهنا مكانها لحرمة الولد ، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها وجاز بيعها في الدين ، فإن
وطأها بإذن المرتهن ، لم ينفسخ الرهن ، حملت أو لم تحمل ، فإن وطأها المرتهن بغير إذن
الراهن ، فهو زان ، وولده منها رق لسيدها ، ورهن معها ، فإن كان الوطء بإذن الراهن
وهو عالم بتحريم ذلك ، لم يلزمه مهر ، فإن أتت بولد ، كان حرا ، لا حقا بالمرتهن ولا
تجب قيمته ، ورهن المشاع جائز كالمقسوم.
ويجوز توكيل المرتهن
في بيع الرهن ، وإذا كان الرهن مما يسرع إليه الفساد ، ولم يشترط بيعه إذا خيف فساده
، كان الرهن باطلا ، لأن المرتهن لا ينتفع به والحال هذه ، وإذا أذن المرتهن للراهن
في بيع الرهن ، بشرط أن يكون ثمنه رهنا مكانه جاز ،
__________________
ولم يبطل البيع.
وإن قال له : بع
الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من ديني قبل محله ، صح البيع وكان الثمن رهنا إلى وقت المحل
، ولم يلزم الوفاء بتقديم الحق قبل محله.
والرهن أمانة في
يد المرتهن ، إن هلك
من غير تفريط فهو من مال
الراهن ، ولا يسقط بهلاكه شيء من الدين ، وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن ، كان القول
قوله مع يمينه ، سواء ادعى ذلك بأمر ظاهر أو خفي.
وإذا اختلف الراهن
والمرتهن في الاحتياط والتفريط ، وفقدت البينة ، فالقول قول المرتهن [ أيضا ] مع يمينه ، وإذا اختلفا في مبلغ الرهن أو مقدار قيمته ، فالقول
قول الراهن [ مع يمينه ]
وإذا اختلفا في مبلغ الدين
، أخذ ما أقر به الراهن وحلف على ما أنكره.
إذا مات المرتهن
قبل القبض ، لم ينفسخ الرهن ، ويجب على الراهن تسليم الرهن إلى ورثته ، وإن جن ، سلم
إلى وليه ، ويسقط الأجل بموت الراهن ويصير حالا ، ولا يسقط بموت المرتهن ، وينفسخ الرهن
بفسخ المرتهن دون الراهن.
ولا يجوز للمرتهن
أن يعير الرهن أو يكريه ، فإن أكراه كان الكراء للراهن دونه ، فإن اكترى شيئا ، ثم
ارتهن الرقبة ، ثم أكراه من الراهن أو أعاره منه جاز.
إذا رهن شيئا بدين
إلى شهر ، على أنه إن لم يقبض إلى محله ، كان مبيعا منه بالدين الذي له عليه ، لم يصح
الرهن ، ولا البيع.
ونفقة الحيوان على
الراهن دون المرتهن ، فإن أنفق المرتهن عليها ، كان له
__________________
ركوبها ، أو الانتفاع بها ، أو الرجوع على الراهن بما أنفق ، فإن احتاجت الماشية
إلى الرعي ، كان على الراهن رعيها بالنهار ، ثم يأوي بها إلى المرتهن بالليل.
إذا دبر عبده ثم
رهنه ، صح رهنه وبطل تدبيره.
إذا دبر عبده ثم
رهنه ، صح رهنه وبطل تدبيره.
إذا رهن عصيرا ،
ثم صار خمرا ، زال ملك الراهن ، وانفسخ الرهن ، فإن صار
بعده خلا ، عاد ملك الراهن كما كان ، وعاد الرهن بحاله.
لا يدخل الشجر والبناء
في رهن الأرض إلا بالشرط ، فإن رهن الأرض بحقوقها دخل فيها ذلك ، وإن رهن حيوانا حاملا
، لم يدخل الحمل في الرهن إلا بالشرط ، وإن حمل في حال الارتهان ، كان مع أمه رهنا.
إذا رهن نخلا مثمرا
أو مؤبرا أو دار غلة أو أرضا أو غنما أو غيرها ، لا يدخل الثمرة ولا الغلة ولا الأجرة
في الرهن إلا بالشرط.
إذا رهن أرضا بيضاء
وسلمها إلى المرتهن ، ثم نبت فيها شجر بإنبات الراهن ، أو حمل السيل إليها نوى فنبتت فيها ، لم يدخل في الرهن.
إذا وضعا الرهن
على يد عدل ، وشرطا أن يبيعه العدل وقت حلول أجل المال ، صح [ وكان ] توكيلا في البيع ، ولا ينعزل بعزل الراهن والمرتهن عن البيع
إذا كانت الوكالة شرطا في عقد الرهن ، ويجب على الوكيل ألا
يبيعه في المحل إلا بإذن المرتهن ومطالبته ، ولا يحتاج إلى إذن الراهن.
إذا امتنع الراهن
عن قضاء الدين في محله ، وعن بيع الرهن ، حبسه
__________________
الحاكم ، أو باع عليه الرهن وقضى من ثمنه دينه.
إذا مات الراهن
لم يكن لأحد من غرمائه أن يطالب بالرهن إلا بعد استيفاء المرتهن ماله على الرهن.
إذا سافر المرتهن
بالرهن ضمن ، ولا يزول ضمانه إلا بأن يسلمه الراهن إليه من الرأس ، أو يبرئه من الضمان.
إذا حدث بالرهن
عند المرتهن بعد القبض حدث ينقص به ثمنه ، لم يكن له رده.
من كان عنده رهن
ولا يدري لمن هو ولم يطالبه به أحد ، باعه وأخذ ماله عليه وتصدق بالباقي عن صاحبه.
__________________
كتاب
التفليس والحجر
المفلس من ركبته
الديون وماله لا يفي بقضائها. ويجب على الحاكم الحجر عليه بشروط أربعة :
أحدها : ثبوت إفلاسه.
والثاني : ثبوت
الديون عليه.
والثالث : كونها
حالة.
والرابع : مسألة
الغرماء الحجر عليه. فإذا حجر عليه تعلق بحجره أحكام ثلاثة :
أولها : تعلق ديونهم
بالمال الذي في يده.
وثانيها : منعه
من التصرف في ماله بما يبطل حق الغرماء ، كالبيع والهبة والإعتاق والمكاتبة والوقف
، ولو تصرف لم ينفذ تصرفه ، ويصح تصرفه فيما سوى ذلك ، من خلع ، وطلاق ، وعفو عن قصاص
، ومطالبة به ، وشراء بثمن في الذمة ، ولو جنى جناية توجب الأرش ، شارك المجني عليه
الغرماء بمقداره [ لأن ذلك حق ثبت على المفلس بغير اختيار صاحبه ]
، ولو أقر بدين وذكر أنه كان عليه قبل
__________________
الحجر ، قبل إقراره ، وشارك المقر له سائر الغرماء.
وثالثها : إن كل
من وجد عين ماله من غرمائه ، كان أحق بها من غيره إن وجد العين بحالها لم تتغير ، ولا
تعلق بها حق لغيره ، برهن أو كتابة ، فإن تغيرت لم يخل تغيرها إما أن يكون بزيادة أو
نقصان :
فإن كان بنقصان
، كان بالخيار بين أن يترك ويضرب بالثمن مع باقي الغرماء ، وبين أن يأخذ ، فإن أخذ
وكان نقصان جزء ، ينقسم الثمن عليه ، كعبدين تلف أحدهما ، أخذ الموجود ، وضارب الغرماء
بثمن المفقود ، وإن
كان نقصان جزء لا ينقسم
الثمن عليه ، كذهاب عضو من أعضائه ، فإن كان لا أرش له لكونه بفعل المشتري ، أو آفة
سماوية أخذ العين ناقصة من غير أن يضرب مع الغرماء بمقدار النقص ، وإن كان له أرش ،
لكونه من فعل أجنبي ، أخذه وضرب بقسط ما نقص بالجناية مع الغرماء.
وإن كان تغير العين
بزيادة ، لم يخل إما أن تكون متصلة أو منفصلة ، فإن كانت متصلة ، لم يخل إما أن تكون
بفعل المشتري أو بغير فعله ، فإن كانت بفعله ، كصبغ الثوب وقصارته ، كان شريكا للبائع
بمقدار الزيادة ، وإلا أدى إلى إبطال حقه ، وذلك لا يجوز ، وإن كانت بغير فعله كالسمن
والكبر وتعليم الصنعة ، أخذ العين بالزيادة ، لأنها تبع ، وإن كانت منفصلة كالثمرة
والنتاج ، أخذ العين دون الزيادة ، لأنها حصلت في ملك المشتري.
ولو كانت العين
زيتا ، فخلطه بأجود منه ، سقط حق بائعه من عينه ، لأنها في حكم التالفة ، بدلالة أنها
ليست موجودة مشاهدة ، ولا من طريق الحكم ، لأنه ليس له أن يطالب بقسمته.
__________________
ولا يجب على المفلس
بيع داره التي يسكنها ، ولا عبده الذي يخدمه ، ولا دابته التي يجاهد عليها ، ويلزمه
بيع ما عدا ذلك ، فإن امتنع باع الحاكم عليه ، وقسم الثمن بين الغرماء ، وإذا ظهر غريم
آخر بعد القسمة ، نقضها الحاكم وقسم عليه.
ولا تصير الديون
المؤجلة على المفلس حالة بحجر الحاكم عليه ، ويسمع البينة على الإعسار ، ويجب سماعها
في الحال ، ولا يقف ذلك على حبس المعسر.
وإذا ثبت إعساره
بالبينة أو صدقه في دعوى ذلك الغرماء لم يجز للحاكم حبسه ، ووجب عليه المنع من مطالبته
وملازمته إلى أن يستفيد مالا ، وليس للغرماء مطالبة المعسر ، بأن يؤجر نفسه ويكتسب
، لإيفائهم ، بل هو إذا علم من نفسه القدرة على ذلك ، وارتفاع الموانع عنه فعله ليبرئ
ذمته.
وعلى الحاكم إشهار
المفلس بذلك ، ليعرف ، ولا يعامله إلا من رضي بإسقاط دعواه عليه.
الفصل الأول
المحجور عليه ضربان : محجور عليه لحق غيره
، ومحجور عليه لحق نفسه.
فالأول ثلاثة :
المفلس ، وقد مر ، والمريض محجور عليه في الوصية بما زاد على الثلث من التركة ، لحق
ورثته ، والمكاتب محجور عليه فيما في يده لحق سيده.
والثاني أيضا ثلاثة
: الصبي والمجنون والسفيه.
ولا يرتفع الحجر
عن الصبي إلا بأمرين : البلوغ والرشد ، والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء : السن وظهور
المني والحيض والحلم والإنبات.
وحد السن في الغلام
خمس عشرة ، سنة ، وفي الجارية تسع سنين ، والرشد
__________________
يكون بشيئين : أن يكون مصلحا لماله ، وعدلا في دينه ، فإن اختل أحدهما استمر
الحجر [ عليه ] أبدا إلى أن يحصل الأمران ، فإن ارتفع الحجر باجتماع الأمرين ثم صار مبذرا مضيعا
أعيد الحجر عليه ، وإن عاد الفسق دون تبذير المال فالاحتياط يقتضي إعادة الحجر عليه.
ويصح طلاق المحجور
عليه ، للسفه ، وخلعه ، ولا تدفع المرأة بدل الخلع إليه ، ويصح مطالبته بالقصاص ، وإقراره بما يوجبه ، ولا يصح تصرفه
في أعيان أمواله ، ولا شراؤه بثمن في الذمة.
ولا يزول حجر [
السفيه إلا بحكم الحاكم ، وحجر المفلس لا يزول إلا بقسمة ماله بين الغرماء ، وحجر الصبي
يزول ببلوغه رشيدا ]
من كان للحاكم الحجر عليه
كالسفيه والمفلس ، فالناظر في ماله الحاكم ، ومن يصير محجورا عليه ، كالصبي والمجنون
، كان الناظر في ماله الأب أو الجد.
الفصل الثاني
لا يجوز التصرف لولي الطفل مع شيء من ملكه
إلا للغبطة والمصلحة له ، أو لحاجة شديدة من الطفل إلى نفقته وكسوته ، ولا وجه له سواه [ ويجوز له شراؤه
]
ويجوز له أن يتصرف في ماله
بالتجارة وشرى العقار نظرا له ، وإذا بلغ الصبي وقد باع وليه شيئا من أملاكه ، فادعى
أنه باعه بلا حاجة ولا غبطة ، فالقول قول الولي إن كان أباه أو جده ، وقول الصبي ،
إن كان الولي وصيا أو أمينا ، وعليهما
__________________
البينة ، ويقبل قول الأب أو الجد له أنه أنفق على الصبي أو على عقاره بلا بينة
، ولا يقبل من الوصي إلا ببينة ، ويستحق الولي أجرة مثله في القيام بأمر اليتيم.
ومتى تصرف الولي
على وجه لا حظ لليتيم فيه بطل ، ولم يستحق أجرا ، ولا يصح بيع الصبي وشراؤه إلا بعد
أن يبلغ عشر سنين فصاعدا ويكون رشيدا.
للأب الفقير أن
يأخذ من مال الولد الغني نفقته بلا إسراف ، إذا لم ينفق عليه الولد ، وإن كان منفقا
فلا يجوز إلا بإذنه ، وله أن يأخذ منه ما يحج به الفرض خاصة بلا إذنه ، ولا يجوز أن
يأخذ من مال ولده الصغير إلا قرضا ، ويجوز أن يقوم جارية ولده قيمة عادلة على نفسه
، ويضمنها ، ثم يطأها ما لم يطأها الولد ، ولا لامسها بشهوة ، ولا يجوز للولد أن يأخذ
من مال الوالدين
بلا إذن منهما إلا ما يمسك
به رمقه عند الخوف من تلف النفس ، ولا يجوز للمرأة أخذ مال زوجها بلا إذنه ، إلا المأدوم
على الاقتصاد.
__________________
كتاب
الصلح والقسمة
الصلح جائز ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو
تحريم حلال ، ولا يحل أن يأخذ
بالصلح ما لا يستحق ولا يمنع به المستحق وهو جائز مع الإنكار.
إذا صالح غيره على
نصيبه مما ورثاه بشيء معلوم جاز.
نفسان لكل منهما
حق عند صاحبه ، أحاط علما بمقداره أو لا ، فاصطلحا على أن يتتاركا ويتحللا جاز ، ولا
رجوع لأحدهما على الآخر إن كان بطيبة نفس منهما.
من كان له على غيره
ألفان فأبرأه من ألف وقبض الباقي ، فاستحقه آخر ورده على المستحق فلا رجوع له فيما
أبرأه لأنه لم يشترط
في الإبراء سلامة الباقي
له.
ادعى اثنان دارا
في يد آخر ، أنها بينهما نصفين ، وصدق المدعى عليه أحدهما ، وكذب الآخر ، يرجع المكذب
على المصدق بنصف ما صدق فيه ، فإن صالح المقر المقر له من القر به على مال بإذن صاحبه
صح ، وكان المال
بينهما نصفين ، وإن كان
بغير إذنه ، صح الصلح في حقه دون حق صاحبه.
__________________
إذا ادعى دارا في
يد آخر فأقر له بها وقال : صالحني منها على أن أسكنها سنة ثم أسلمها إليك ؛ جاز وله
الرجوع ، وإن لم يقر له بها ، ثم صالحه ذلك
فلا رجوع له فيه.
إذا صالح من الدراهم
على بعضها لم يجز ، لأنه ربا ، ولكن إن قبض بعضها وأبرأه من الباقي جاز.
الشوارع على الإباحة
، يجوز لكل أحد التصرف فيها بما لا يتضرر به المارة فإن أشرع جناحا
وكان عاليا لا يضر بالمجتازين
، ترك ما لم يعارض فيه أحد من المسلمين ، فإن عارض وجب قلعه.
والسكة غير النافذة
ملك لمن فيها طريق دورهم ، فلا يجوز لبعضهم فتح باب ولا إشراع جناح إلا برضا الباقين
ضر ذلك أو لا ،
ومتى أذنوا في ذلك كان
لهم الرجوع فيه ، لأنه إعارة ، ولو صالحوا له على ترك الجناح بعوض لم يصح ، لأن إفراد
الهواء بالبيع باطل.
ولا يجوز منعه من
فتح كوة في حائطه ، لأن ذلك تصرف في ملكه خاصة ، فإن تساوت الأيدي في التصرف في شيء
، وفقدت البينة حكم بالشركة ، أرضا كان ذلك ، أو دارا ، أو سقفا ، أو حائطا ، أو غير
ذلك.
فإن كان للحائط
عقد إلى أحد الجانبين ، أو فيه تصرف خاص لأحد المتنازعين ، كوضع الخشب ، فالظاهر أنه
لمن العقد إليه ، والتصرف له ، فيقدم
__________________
دعواه ، ويكون القول قوله مع يمينه ، وإنما كلفناه اليمين ، لجواز أن يكون هذا التصرف مأذونا فيه ، أو مصالحا عليه
، والحائط ملك لهما.
ويحكم بالخص لمن إليه معاقد القمط وهي مشاد الخيوط في القصب.
وإذا انهدم الحائط
المشترك ، لم يجبر أحد الشريكين على عمارته والإنفاق عليه ، وكذا القول في كل مشترك
، وكذا لا يجبر صاحب السفل على إعادته لأجل العلو.
وإذا أراد أحدهما
الانفراد بالعمارة ، لم يكن للآخر منعه ، فإن عمر متبرعا بالآلات القديمة ، لم يكن
له المطالبة لشريكه
بنصف النفقة ، ولا منعه
من الانتفاع [ به ] ، وإن عمر بآلات مجددة ، فالبناء له ، وله نقضه إذا شاء والمنع لشريكه من الانتفاع به ، وليس له سكنى السفل ولا منع شريكه
من سكناه ، لأن ذلك انتفاع بالأرض لا بالبناء.
ولا يجوز لأحد الشريكين
في الحائط أن يدخل فيه خشبة [ خفيفة ] لا تضر بالحائط ضررا كثيرا إلا بإذن الآخر ، ومتى أذن لشريكه في الحائط في وضع خشب عليه ، فوضعه ثم انهدم أو قلع ، لم
يكن له أن يعيده إلا بإذن مجدد.
__________________
وإذا تنازع اثنان
[ في ] دابة أحدهما راكبها
والآخر آخذ بلجامها وفقدت البينة ، فهي بينهما نصفين. ومن ادعى على غيره مالا مجهولا
فأقر له به وصالحه فيه على مال معلوم صح الصلح.
اثنان معهما درهمان
، ادعاهما أحدهما ، وادعى الآخر اشتراكهما فيهما ، أعطي من ادعاهما ، درهما لإقرار
صاحبه به ، وقسم الآخر بينهما إذا فقدت البينة ونكلا عن اليمين.
زيد دفع إليه عمرو
عشرين درهما وبكر ثلاثين ، فاشترى بكل منهما ثوبا ، ثم اشتبها عليه ، بيعا وقسم الثمن
على خمسة ، اثنان منها لعمرو وثلاثة لبكر.
استودعه رجل دينارين
، وآخر دينارا ، فضاع دينار ولم يتميز له ، أعطي صاحب الدينارين دينارا ونصفا ، وصاحب
الدينار نصف دينار.
لرجل خمسة أرغفة
ولآخر ثلاثة ، فآكلهما فيها آخر ، وأعطاهما بدل ما أكله ثمانية دراهم ، كان لصاحب الثلاثة
واحد ، والسبعة الباقية لصاحب الخمسة.
تنازع اثنان حائطا
بين ملكيهما ، ولا بينة ، فالجدار لمن حلف مع نكول صاحبه ، فإن حلفا أو نكلا فبينهما
نصفين ، واستعمال القرعة أحوط.
لا يجوز لأحد الشريكين في حائط أن يفتح فيه كوة للضوء
ولا أن يبني عليه ولا أن يدخل فيه خشبا ، أو يضع عليه جذوعا
، إلا بإذن صاحبه ، فإن أذن وفعل المأذون له ذلك ، فلا رجوع ، وإن لم يفعل ، فله الرجوع.
لرجل بيت وعليه
غرفة لآخر ، وتنازعا في حيطان البيت ، فالقول قول
__________________
صاحب البيت ، وإن تنازعا في حيطان الغرفة ، فالقول قول صاحبها والبينة على صاحب البيت ، فإن تنازعا في سقف البيت الذي عليه الغرفة
، ولا بينة لأحدهما ، حلف كل منهما على دعوى صاحبه ، فإذا حلفا أقرع بينهما وحكم لمن
خرج اسمه.
يجوز قسمة الحائط
المشترك طولا وعرضا ، وقسمة عرصته إذا انهدم ، ويجبر الممتنع على ذلك.
من دخل أغصان شجرة
جاره إلى داره ، فله أن يطالبه بإزالة ذلك ، لأن هواء داره ملكه ، على طريق التبع ،
فإن لم يزل فله أن يعطف الغصن ، أو يقطعه ويرد عليه ما قطع.
زقاق غير نافذ ليس فيه إلا داران لرجلين ، وباب دار أحدهما قريب
من أول الزقاق ، فليس له أن يؤخر بابه من حيث هو ، لأنه يزيد في حقه.
إذا أخرج من داره
روشنا إلى طريق المسلمين ، فإن كان عاليا لا يضربه المارة ، لم
يقلع
، وإن ضر وجب قلعه.
فصل
كل ما يصح قسمته بلا ضرر لأحد الشركاء ،
يقسم بينهم إذا طلبوا القسمة أو بعضهم ، ولا قسمة في ما لا يتجزأ على قدر أنصباء الشركاء.
دار بين شريكين
فاقتسماها ، وصار السفل لأحدهما والعلو لآخر ، جاز إذا لم
__________________
يكن [ فيه ] ظلم أو غبن ، فإن كان فيها ذلك وعلماه ورضيا به مضى القسمة ، فإن لم يعلما ولا
رضياه ، بطلت ووجب فسخها.
إذا قسموا دارا أو أرضا بشرط أن لا يكون لواحد منهم طريق إلى ذلك بطل
الشرط ، فإن جعلوا الطريق في نصيب أحدهم وللباقين المرور بالاقدام فيها بالتراضي صح.
إذا كان بين جماعة
دور فقال بعضهم : أريد أن آخذ حقي في كل دار ، وقال بعضهم : يجمع لكل واحد حقه في مكان واحد ، وكانت الدور معتدلة في بقاعها
وأحوالها ورغبة الناس فيها ، قسم لكل واحد حقه في مكان واحد ، وإن كانت مختلفة اختلافا
بينا قسمت لكل دار منها ناحية ، وأخذ كل منهم حقه منها.
إذا كانوا شركاء
في حوائط وأراضي في نواح متفرقة قريب بعضها من بعض ، وأراد كل واحد منهم أخذ نصيبه
في ناحية واحدة بقيمة عادلة جاز ، وإن كان ذلك لا ينقسم على الأنصباء وفي قسمته ضرر
على بعض الشركاء بحيث يخرج حقه بانفراده من الانتفاع به
، وجب أن يجمع حصة كل واحد من ناحيته بقيمة عادلة.
إذا كان بين قوم
دار وهي غائبة عنهم قد عرفها جميعهم ، جاز أن يقتسموها على الصفة التي عرفوها ، ويصير
لكل واحد منهم حقه بحسب ما عرفوها ، فإن لم يعرفوها أو عرفها بعضهم دون بعض ، لم يصح
قسمتها إلا بعد أن يحضروها أو من
__________________
يقوم مقامهم فيه ، وكذا الشجر والأرض.
إذا كان بينهم ساحة
وبيوت ، جاز أن يقسموا البيوت بالقيمة ، والساحة بالذراع
، ويترك من الساحة طريق لأصحاب البيوت.
إذا قسم العلو والسفل
كان سقف السفل على صاحب السفل ، ويكون كالأرض لصاحب العلو ، ولا يجوز لصاحب السفل هدمه
وإلزام صاحب العلو بتسقيفه ، بل إذا استهدم بلا جناية من صاحب العلو لزم صاحب السفل
عمله.
__________________
كتاب
الوديعة
المرء مخير في قبول
الوديعة وردها ، وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على المودع ، ويجب عليه حفظها بعد قبولها.
وهي أمانة لا يلزم
ضمانها إلا بالتعدي ، فإن تصرف فيها أو في بعضها ضمنها وما أربحت ، وكذا إن فك ختمها
أو حل شدها
أو نقلها من حرز إلى ما
هو دونه ، كان متعديا ويلزمه الضمان ، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة من خوف نهب أو غرق
أو غيرهما [ من الفساد فيها ]
فسافر بها أو أودعها أمينا
آخر وصاحبها حاضر ، أو خالف ما رسم صاحبها في كيفية حفظها ، وكذا لو أقر بها لظالم
يريد أخذها من دون أن يخاف القتل أو سلمها إليه بيده أو بأمره ، وإن خاف ذلك يجوز له
أن يحلف أنه ليس عنده وديعة إذا طولب بذلك ، وورى في يمينه بما يسلم به من الكذب. ولا
ضمان عليه إن هجم الظالم فأخذ الوديعة قهرا.
ولو تعدى المودع
ثم أزال التعدي ، مثل أن يردها إلى الحرز بعد إخراجها ، لم يزل الضمان ، ولو أبرأه
صاحبها من الضمان بعد التعدي فقال : قد جعلتها وديعة عندك من الآن ، برئ ويزول الضمان
بردها إلى صاحبها أو وكيله ، سواء أودعه إياها
__________________
مرة ثانية أم لا.
وإذا علم المودع
أن المودع لا يملك الوديعة لم يجز له ردها إليه مع الاختيار ، بل يلزمه رد ذلك إلى
مستحقه إن عرفه بعينه ، فإن لم يتعين له حملها إلى الإمام العادل ، فإن لم يتمكن لزمه
الحفظ بنفسه في حياته وبمن يثق إليه في ذلك بعد وفاته إلى حين التمكن من المستحق ،
ومن أصحابنا من قال : يكون والحال هذه في حكم اللقطة
والأول أحوط.
وإن كانت الوديعة
من حرام وحلال لا يتميز
أحدهما من الآخر ، لزم
رد جميعها إلى المودع متى طلبها
، ومتى ادعى صاحب الوديعة
تفريطا فعليه البينة ، فإن فقدت فالقول قول المودع مع يمينه ، وروي أنه لا يمين عليه
إن كان ثقة غير مرتاب به ، وإذا ثبت التفريط واختلفا في قيمة الوديعة ولا بينة فالقول
قول صاحبها مع يمينه ، ومن أصحابنا من قال : يأخذ ما اتفقا عليه ويحلف المودع على ما
أنكر من الزيادة.
وللمودع أن يسترد
الوديعة متى شاء ، وللمودع أن يردها كذلك ، ولا يبرأ ذمته بردها على غير صاحبها أو
وكيله من حاكم أو ثقة إلا لعذر ، وليس له دفنها إذا أراد سفرا إلا بإذن صاحبها.
من غصبه ظالم شيئا
ثم تمكن من ارتجاعه أو أخذ عوضه من ماله جاز له
__________________
أخذ قدره بلا زيادة ما لم يكن وديعة عنده للغاصب ، فإن الأخذ منها لا يجوز بلا
علم الغاصب.
من أودع وديعة بشرط
الضمان بطل الشرط ، إذا كانت الوديعة غير محرزة كدنانير في إناء مفتوح الرأس فأخذ منها
دينارا ضمن ما أخذ دون الباقي ، فإن رده بعينه إلى موضعه ، أو رد بدله ولم يخلطه بالباقي
ضمن ذلك القدر ، وإن خلطه بالباقي ضمن الكل للتصرف فيه ، وكذا إذا خلط الودائع بعضها
ببعض.
وإذا أودع حيوانا
وغاب صاحبه فلم يقم بسقيه والإنفاق عليه ضمن.
إذا أودعه وديعة
ولم يقل اجعلها في موضع كذا بل أطلق يلزمه أن يحفظها في حرز مثلها ، وإن قال : ضعها
في موضع كذا ، فخالفه بلا عذر ضمن.
إذا اتجر المودع
بمال الوديعة فالربح لصاحبها والخسران على المودع.
من أخذ الوديعة
من صبي فتلفت بلا تعد منه ضمن إذ لا حكم لإيداع الصبي وليس له الأخذ منه ولا يزول الضمان
بردها عليه ، بل عليه أن يردها على وليه.
إذا وجد في « روزنامچة
» ميت مكتوب : لفلان عندي كذا ، لم يلزم الورثة رد ذلك عليه بمجرد ذلك.
كتاب
العارية
العارية ضربان :
مضمونة وغير مضمونة ، فالمضمونة العين والورق
على كل حال وما عداهما بشرط التضمين أو التعدي أو التفريط
، وغير المضمونة ما عدا ذلك.
وإذا اختلف المالك
والمستعير في التضمين أو التعدي ، وفقدت البينة ، فعلى المستعير اليمين ، وإذا اختلفا
في مبلغ العارية أو قيمتها ، أخذ ما أقر به المستعير ، وكان القول قول المالك مع يمينه
فيما زاد على ذلك.
وإذا اختلف مالك
الدابة وراكبها فقال المالك : آجرتكها ، أو غصبتنيها ، وقال الراكب : بل أعرتنيها ،
فالقول قول الراكب مع يمينه ، وعلى المالك البينة ، وكذا إذا اختلف مالك الأرض وزارعها.
إذا استعار دابة
ليحمل عليها وزنا معينا ، فحمل أكثر منه ، أو ليركبها إلى مكان معين ، فتعداه ضمن ،
ولو ردها إلى المكان المعين.
إذا أذن مالك الأرض
للمستعير في الغراس
أو البناء ، فزرع جاز ،
ولا يجوز
__________________
بالعكس ، لأن ضرر الغراس والبناء أكثر ، والإذن في القليل لا يكون إذنا في الكثير
، وكذا لا يجوز له أن يزرع الدخن أو الذرة إذا أذن له في زرع الحنطة ، ويجوز [ له ] أن يزرع الشعير ؛ وإذا أراد مستعير الأرض للغراس والبناء
قلعه ، كان له ذلك ، لأنه عين ماله ، وإذا لم يقلعه وطالبه المعير بذلك بشرط ضمان أرش
النقص ، وهو ما بين قيمته قائماً ومقلوعا ، أجبر المستعير على ذلك.
وليس للمستعير أن
يطالب بالتبقية بشرط أن يضمن أجرة الأرض ، فإن طالبه المعير بالقلع من غير أن يضمن
أرش النقصان ، لم يجبر عليه ، فإذا أذن له إلى مدة معلومة ثم رجع قبل مضيها وطالب بالقلع لم يلزمه إلا بعد ضمان الأرش.
وإذا أعار شيئا بشرط الضمان ، فرده المستعير إليه أو إلى وكيله برئ
من ضمانه ، ولا يبرأ إن رده إلى ملكه ، كأن يكون دابة فيشدها
في إصطبل صاحبها.
ولا يجوز للمستعير
إعارة العارية ولا إجارتها ، ويجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها ، والجارية للخدمة
خاصة. وتقدير مدة العارية أولى وأحوط ، وإن لم يكن ذلك من شرطها.
__________________
كتاب
الحوالة
الحوالة تفتقر
في صحتها إلى شروط :
منها رضاء المحتال
والمحيل والمحال عليه
وأن يكون المحال عليه مليا
في حال الحوالة ، فإن رضي المحتال
بعدم ملائه
جاز.
وتصح الحوالة على
من ليس عليه دين إذا قبل الحوالة.
وإذا كان عليه دين
اعتبر شرطان آخران : اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة ، وأن يكون الحق مما يصح
أخذ البدل فيه قبل قبضه ، ولا يجوز الحوالة بالمسلم فيه ، ولا تصح الحوالة إلا في ذوات
الأمثال من الأموال.
وإذا صحت الحوالة
انتقل الحق إلى ذمة المحال عليه ، ولا يعود الحق إلى ذمة المحيل إذا جحد المحال عليه
الحق وحلف عليه أو مات مفلسا أو أفلس وحجر الحاكم عليه.
__________________
وإذا أحال المشتري
البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب بطلت الحوالة ، لأنها بحق البائع وهو الثمن وإذا
بطل البيع سقط الثمن فبطلت ، فإن أحال البائع على المشتري بالثمن ثم رد المبيع بالعيب
لم تبطل الحوالة ، لأنه تعلق به حق لغير المتعاقدين.
وإذا اختلفا فقال
المحيل : وكلتك بلفظ الوكالة ، وقال المحتال : بل أحلتني بلفظ الحوالة ، فالقول قول
المحيل لأنهما اختلفا في لفظه وهو أعرف به [ من غيره ]
ولو كان النزاع بالعكس كان القول قول المحتال ، لأن الأصل
بقاء حقه في ذمة المحيل.
إذا اتفقا على اللفظ
وأنه قال : أحلتك بمالي عليه من الحق ، ثم اختلفا فقال المحيل : أنت وكيلي في ذلك وقال
المحتال : بل أحلتني [ بلفظ الحوالة ]
لآخذ ذلك لنفسي ، فالقول
قول المحيل ، ويجوز الحوالة لمن لا حق له عنده ومتى أحال بدين مؤجل ، لم يحل الدين
بموت المحيل أو المحال له وإنما يحل بموت المحال عليه ، لأن الدين المؤجل يحل بموت
من هو عليه.
وتجوز الحوالة بما
لا مثل له من الثياب والحيوان إذا ثبتت في الذمة بالقرض ، وكذلك تجوز إذا كان الحيوان
ثابتا في الذمة بجناية كأرش الموضحة وغيرها ، ولا يجوز للسيد أن يحيل بمال المكاتبة
غريما له على مكاتبه لأنه ليس بثابت.
__________________
كتاب
الضمان والكفالة
من شرط صحة الضمان أن يكون الضامن مختارا غير مولى عليه مليا في حال الضمان
إلا أن يرضى المضمون له بعدم ملاءته فيسقط هذا الشرط.
وأن يكون إلى أجل
معلوم وأن يقبل المضمون له ذلك.
وأن يكون المضمون
حقا لازما في الذمة كمال القرض والأجرة وما أشبه ذلك.
ويصح ضمان مال الجعالة
بشرط أن يفعل ما يستحق به ، وليس من شرط صحته أن يكون المضمون معلوما ، بل لو قال :
كل حق ثبت
على فلان فأنا ضامنه ،
صح ولزمه ما يثبت بالبينة أو الإقرار ، وقد اشترطه بعض أصحابنا.
وليس من شرط صحته
رضي المضمون عنه ولا معرفته ومعرفة المضمون له. وإذا صح الضمان انتقل الحق إلى ذمة
الضامن وبرئ المضمون عنه منه ومن الطالبة به ، ولا يرجع الضامن على المضمون عنه بما
ضمنه إذا ضمن بغير إذنه ، فإن كان أذن له في الضمان رجع عليه ،
سواء أذن في الأداء أو لا ، ويصح ضمان الدين عن الميت
__________________
المفلس.
إذا كان الضامن
غير مليئ بما ضمن ولم يعلم بذلك المضمون له ، لم تبرأ ذمة المضمون عنه ، وإن علم بذلك
فقد برئت ، فإن ظن المضمون له ملائه في حال الضمان ثم ظهر خلاف ذلك فله الرجوع على
المضمون عنه ، وإن كان مليا في الحال ثم عجز فلا رجوع.
ولا يصح ضمان مال
ليس بلازم في الحال ، كنفقة المرأة إذا كانت مستقبلة ومال الكتابة ، وقد يصح الضمان
فيما لا يكون مستقرا في الحال ، غير أنه يسقط ببطلان أسبابه ، كثمن مبيع قبل التسليم
، أو أجرة قبل انقضاء مدتها أو مهر قبل الدخول.
ولا يصح ضمان مال
مجهول سواء كان واجبا أو غير واجب ، فالواجب مثل أن يقول : أنا ضامن لما يقضي لك به
القاضي أو يقوم لك البينة من المال على فلان أو ما تكون لك مثبتة في دفترك ، وعند بعض
أصحابنا يصح ضمان جميع ذلك دون ما يخرج به دفتر الحساب.
وغير الواجب كأن يقول : ضمنت لك ما تعامل فلانا.
إذا أبرأ المضمون
له المضمون عنه لم يبرأ الضامن ، لأنه إبراء من لا حق له عليه.
إذا ادعى على رجلين
ألف درهم بالسوية وأن كلا منهما ضمن عن صاحبه ما لزمه من نصف الألف بإذنه وأحدهما غائب
لم يكن له مطالبة الحاضر بالألف ، لأن ما يخصه من ذلك قد انتقل عنه إلى شريكه بإقراره.
__________________
فصل
ولا يجوز أن يتكفل
بمال مؤجل على غيره حالا ، ويجوز أن يتكفل به مؤجلا وهو حال.
لا يصح ضمان العبد
غير المأذون له في التجارة إلا بإذن سيده ، فإن أذن له في الضمان ، وأطلق الضمان ،
تعلق بكسبه ، وإن عين مال الضمان في كسبه أو في ذمته أو غير ذلك وجب فيما عين
وكذا الحر إذا عين ضمانه في مال ، لزمه قضاؤه منه ، ويصح
ضمان المأذون له في التجارة ، ويلزمه فيما في يده.
ولا يصح ضمان من
لا يعقل
ولا الضمان عنه. وكل مال
لا يكون مضمونا كالودائع ومال المضاربة في يد المضارب ، ومال الوصاية في يد الوصي ،
وغير ذلك ، لم يصح الضمان عنهم إلا أن يتلف في أيديهم بتفريط من قبلهم ، فصاروا ضامنين
له ، فحينئذ يصح ضمانه عنهم.
يصح ضمان النفوس
حالا ومؤجلا ، ولا يجوز ذلك إلا بإذن من تكفل عنه ، ومتى تكفل ببدن إنسان مطلقا ، كانت
الكفالة حالة ، وللمكفول له مطالبته بتسليمه في الحال ، وإذا تكفل به على أن يسلمه
في موضع بعينه فسلمه إليه في موضع آخر ، لم يلزمه قبوله ، إلا إذا تبرع بالقبول ، فيبرأ
الكفيل ، فإن لم يعين لتسليمه موضعا ، وجب تسليمه في موضع عقد الكفالة ، وإذا جاء المكفول
به إلى المكفول له وقال : سلمت نفسي إليك من كفالة فلان ، وأشهد على ذلك شاهدين بريء
الكفيل.
إذا أحضره الكفيل
للتسليم ، فلم يتسلمه مع التمكن ، فقد برئت ذمته.
__________________
إذا مات المكفول
به برئت ذمة الكفيل من الكفالة ولم يلزمه المال ، وروي أنه إذا قال الكفيل : ضمنت فلانا
إلى كذا إن لم آت به كان علي كذا ، وحضر الأجل ، لم يلزمه إلا إحضار الرجل ، وإن قال
: علي كذا إلى كذا إن لم أحضر فلانا ثم لم يحضره ، وجب عليه المال
[ ويصح ].
ومن خلي غريما لرجل
من يده إكراها ، ضمن ما عليه.
__________________
كتاب
الوكالة
لا تصح الوكالة
إلا فيما يصح دخول النيابة فيه ، مع حصول الإيجاب والقبول ممن يملك عقدها بالإذن فيه
، أو بصحة التصرف منه فيما هي وكالة فيه بنفسه. فلا تصح الوكالة في أداء الصلاة والصوم عن المكلف
بأدائهما من ذلك ، لأن ذلك مما لا تدخل النيابة فيه ، ولا يصح من محجور عليه أن يوكل
فيما قد منع من التصرف ، ولا تصح الوكالة من العبد وإن كان مأذونا له في التجارة ،
لأن الإذن له في ذلك ليس بإذن في الوكالة ، وكذا الوكيل لا يجوز له أن يوكل فيما جعل
له التصرف فيه إلا بإذن [ موكله ].
ولا يصح أن يتوكل
المسلم على تزويج المشركة من الكفار ، ولا أن يتوكل الكافر على تزويج المسلمة من المسلم
، لأنهما لا يملكان ذلك لأنفسهما ، ولا يجوز للمسلم أن يوكل الكافر ، ولا أن يتوكل
له على المسلم.
وتصح وكالة الحاضر
إلا في الطلاق ، ويلزم الخصم مخاصمة الوكيل ولا يعتبر رضاه بالوكالة ، وتصرف الوكيل
موقوف على ما يقع العقد عليه ، وإن
كان
__________________
مطلقا عمت الوكالة كل شيء إلا الإقرار بما يوجب حدا أو تأديبا ، فإن كان مشروطا
بشيء اختصت الوكالة به.
ومتى فعل الوكيل
ما لم يجعل له لم يصح ولزمه الدرك فيه ، ولو أقر الوكيل في الخصومة دون الإقرار بقبض
موكله الحق الذي وكله في المخاصمة عليه لم يلزمه إقراره إلا إذا أذن له في الإقرار
عنه.
والوكيل مؤتمن لا
ضمان عليه إلا أن يتعدى ، ومطلق الوكالة بالبيع يقتضي أن يبيع بثمن المثل من نقد البلد
حالا ، فإن خالف لم يصح البيع ، وإذا اشترى
الوكيل وقع الملك للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل ؛
ولهذا لو وكله على اشتراء عبد فاشترى الوكيل من يعتق عليه لم ينعتق.
والوكالة عقد جائز
من كلا الطرفين يجوز لكل واحد منهما فسخه ، فإذا فسخه الوكيل وعزل نفسه انفسخ ؛ سواء
كان موكله حاضرا أو غائبا ، ولم يجز له بعد ذلك التصرف فيما وكل فيه.
ومتى أراد الموكل
فسخه وعزل الوكيل ، افتقر ذلك إلى إعلامه إن أمكن ، فإن لم يمكن فليشهد به ، وإذا فعل ذلك انعزل الوكيل ، ولم ينفذ بعده شيء من تصرفه
، وإن اقتصر على عزله من غير إشهاد ، أو على الإشهاد من غير إعلام وهو متمكن لم ينعزل
، ونفذ تصرفه إلى أن يعلم.
فإن اختلفا في الإعلام
فعلى الموكل البينة به ، فإن فقدت فعلى الوكيل اليمين أنه ما علم بعزله ، فإن حلف مضى
ما فعله ، وإن نكل عن اليمين بطلت وكالته من وقت قيام البينة بعزله ، وتنفسخ الوكالة
بموت الموكل أو عتقه للعبد الذي وكل في بيعه ، أو بيعه له قبل بيع الوكيل.
__________________
إذا وكله في كل
قليل وكثير لم يصح ، لأن في ذلك غررا عظيما ؛ لأنه ربما يلزمه بالعقود ما لا يمكنه
الوفاء به ، فيؤدي إلى ذهاب ماله كله ، ولا يرضى بذلك إلا ذو سفه.
إذا وكل غريما له
في إبراء
غرمائه أو حبسهم ومخاصمتهم
لم يكن هو من جملتهم ؛ لأن المخاطب لا يدخل فيما أمره المخاطب في أمر غيره.
للمدعي عليه أن
يحضر مجلس الحكم وأن يوكل
غيره في الخصومة ، رضي
به المدعي أو لا ، وكذا له أن يوكل غيره في جواب خصمه مع حضوره ، وللوكيل أن يقبل الوكالة
في الحال أو يؤخر قبولها إلى وقت آخر ، وله القبول باللفظ أو الفعل وهو التصرف فيما وكل فيه.
ومتى وكله في تزويج
امرأة بعينها ، فزوجه غيرها ، لم يثبت النكاح ولزم الوكيل مهرها ، لأنه غرها ، وإن
عقد له على التي أمره ثم أنكر الموكل الأمر بذلك ، ولا بينة للوكيل ، لزمه أيضا مهر
المرأة ، ولا شيء على الموكل ، وللمرأة أن تتزوج بعده ، ويجب على الموكل طلاقها فيما
بينه وبين الله تعالى ، وتنفسخ الوكالة بالجنون.
ومن وكل وكالة مقيدة
لا يجوز له أن يوكل غيره فيها إلا بإذن موكله ، وكذا إذا كانت مطلقة إلا أن يكون المطلق
في عمل يترفع مثله عنه ولم تجر عادته بالابتذال به فجاز إذا
توكيله.
إذا ادعى الوكيل
تلف ما سلم إليه الموكل وأنكر الموكل فالقول قول الوكيل ، لأنه أمين.
__________________
إذا استرد الموكل
الوكيل المال قبل تصرفه فلم يرده بلا عذر فتلف ضمن ، وكذا إن تلف بعد زوال العذر وإمكان
الرد.
ولا يجوز لوكيل
واحد أن يتوكل للمتداعيين في الخصومة ليخاصم عنهما جميعا ، فيتضاد الغرضان في ذلك ،
وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع مال الموكل من نفسه ، ولا من ابنه الصغير ، ولا من عبده
المأذون له في التجارة ، لئلا تلحقه التهمة.
وإذا قال : وكلتك
في قبض حقي من زيد ، ثم مات زيد ، لم يكن له مطالبة الورثة
لأن اللفظ لم يتناول الورثة ، وإن قال : وكلتك في قبض حقي الذي على زيد ، كان له مطالبة
الورثة ، لأن ذلك من المطالبة بحقه الذي
كان على زيد.
إذا وكله في بيع
ماله فباعه من رجل يعلم بوكالته من موكله في ذلك ، كان للموكل والوكيل جميعا المطالبة
بالثمن ، ولا يكون الإبراء منه إلا للموكل.
وإذا اشترى لموكله
شيئا ، وذكر حال العقد ، أنه يشتريه لموكله ، كان للبائع مطالبة أيهما شاء بالثمن.
إذا وكل رجلين في
التصرف ، وصرح بجواز تصرف كل منهما بانفراده ، كان كل منهما وكيلا على حدة ، وإن صرح
بوكالة مشتركة بينهما ، أو أطلق الوكالة لهما لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف ، فإذا
مات أحدهما ، أو غاب ، أو عزل نفسه ، لم يكن للآخر التصرف إلا بعد تجديد توكيله.
وإذا اشترى الوكيل
غير ما سماه الموكل ، لم يصح الشرى في حق الموكل ، وصح في حق الوكيل إن اشتراه في الذمة
[ أو ]
مطلقا.
__________________
كتاب
اللقطة
من وجد في البرية حيوانا يستطيع الامتناع
من صغار السباع إما بقوته أو بسرعة
عدوه أو بطيرانه ، وكان مملوكا للغير ، فليس له أخذه لقوله
ـ عليهالسلام ـ : لا يؤوي الضالة
إلا ضال فإن أخذه ضمنه ولم يزل ضمانه إلا برده على صاحبه أو إلى الإمام
، وإن وجد فيها دابة في غير كلاء وماء قد خلاها صاحبها من جهد فله أخذها ولا نزاع لأحد
فيه ، وإن كانت في كلاء وماء فلا.
وإن وجد في البرية
ما لا يمتنع من صغار السباع ، فله أخذه لقوله ـ عليهالسلام ـ : خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ،
فإن أخذه فإما أن يأكله ويضمن قيمته لصاحبه إذا جاء [ وإن
كان مطعوما أكله وضمن قيمته عليه ]. أو ينفق عليه تطوعا ، أو يرفع خبره إلى الإمام أو الحاكم ، فإن أنفق عليه ولم
يتمكن من رفع خبره أو لم ينتفع منه بلبن أو ركوب أو خدمة ، رجع بذلك على صاحبه ، وإن
__________________
تمكن من ذلك أو انتفع فلا رجوع.
وإن وجد بهيمة في
العمران إلى نصف فرسخ منها فله أخذها ، ممتنعة كانت من السباع أم لا ، ثم هو مخير فيها
فيما سوى الأكل مما سبق ، فإن وجد من غير الحيوان ما كان هو أو قيمته دون درهم أو كان
في موضع خرب باد أهله وتنكر رسمه ، وإن كثر فله أخذه بلا ضمان وتعريف.
وما عدا ذلك يكره
أخذه ، فإن أخذه وكان مما يجوز البقاء عليه ، عرفه سنة فإن لم يجيء صاحبه حفظه عليه
، أو أنفقه على نفسه بشرط العزم على رد قيمته على صاحبه إن جاء ، وإن كان مطعوما أكله
وضمن قيمته لصاحبه أو سلمه إلى الحاكم ليبيعه ويعرف ثمنه ، فإن لم يجيء صاحبه رده
إلى الملتقط. وإن كان الحظ في تجفيفه دون بيعه أنفق الحاكم بعضه على تجفيفه ويدخر لمجيء
صاحبه أو يتصدق به.
واللقطة أمانة في
يد واجدها ويلزمه أن يعرفها سنة ثم إما أن يحفظها إلى مجيء صاحبها ، أو يتصدق بها
عن صاحبها خاصة بشرط الضمان إن لم يرض الصاحب ، أو يتصرف فيها وضمنها لصاحبها ، وإن
وجدها في الحرم يكون بعد التعريف سنة مخيرا فيما عدا التملك من الحظ والتصدق بشرط الضمان.
وإذا اتجر بها من
له التصرف فيها وربح لم يكن لصاحبها استرداد الربح إلا إذا كان ذلك قبل اختياره تملكها.
ويشهد على اللقطة وأجدها ندبا ، ولا يزول ضمان واجدها إلا بالرد على صاحبها.
وتعريفها ينبغي
أن يكون حين يراه الناس في المواسم والجمعات والمحافل وأبواب المساجد دون داخلها ،
وفي الأسواق وفي أول جمعة وأسبوع أصابها ، فإن عرف ستة أشهر ثم ترك ، جاز أن يبنى عليها إذ ليس من
شرطه التوالي ، ويجوز أن يستعين في التعريف بغيره ، أو يستأجر لذلك عنه غيره بماله
، ومتى أراد حفظ
__________________
اللقطة على صاحبها من حين وجدانها ، لم يلزمه تعريف سنة.
إذا ضاعت اللقطة
قبل التعريف ووجدها آخر ، كان الأول أولى بها ، لأنه لما وجدها استحق التعريف باليد.
واللقطة في يد واجدها أمانة وإن كان بعد الحول ما لم يختر
تملكها. فإن هلكت أو أبقت بتفريط من الواجد ضمن.
إذا وجد عبد اللقطة
لم يكن له أن يتملكها ، فإن تملكها كانت مضمونة في رقبته
يتبع به إذا أعتق ، هذا إذا لم يعلم به مولاه ، وإن علم به وتركه في يده وكان العبد
غير أمين ، كان في ضمان المولى ، وإن كان أمينا جاز وعلى المولى التعريف.
فإن كان أعتقه قبل
علمه باللقطة ، فله أخذها منه ، لأنها من كسبه ، وحكم العبد الصغير في اللقطة حكم المال
، وحكم الكبير المميز حكم الضوال ، يلتقط الأول دون الثاني ، بل يرفع حكم الثاني إلى
الحاكم إن أخذه.
من جاء ووصف لواجد
اللقطة عفاصها ووكاءها ووزنها وعددها وحليتها ، وغلب في ظنه أنه صادق ، جاز له أن يعطيها ، ولا يلزمه ذلك إلا ببينة.
من ابتاع بعيرا
أو بقرة أو شاة فوجد في جوفه ماله قيمة ، عرفه من ابتاعه منه ، فإن عرفه أعطاه ، وإلا
أخرج خمسه وله الباقي. وإن اشترى سمكة فوجد في جوفها درة ، أو نحوها ، أخرج الخمس وله
الباقي ، وكذا من ابتاع دارا فوجد فيها كنزا من دفن أهل الإسلام ، عرف البائع ، فإن
عرفه ، وإلا أخرج خمسه وله الباقي ، وإن كان
__________________
من دفن الجاهلية فلا تعريف.
ومن أودعه لص مغصوبا
، لم يجز له رده عليه ، فإن عرف صاحبه رده عليه ، وإلا فكاللقطة.
فصل
أخذ اللقيط فرض على الكفاية ، لأنه بمنزلة المضطر ، وإطعام المضطر واجب. ويملك الصبي المنبوذ
ما كان معه وعليه ، وإن لم يكن ملتقطة أمينا انتزعه الحاكم من يده ، وسلمه إلى أمين
، ونفقته من ماله إن كان له مال ، ولا ينفق الملتقط عليه ذلك إلا بإذن الحاكم ، وإن
أنفق عليه بغير إذن الإمام أو الحاكم ضمن ، فإن لم يكن إمام ولا حاكم وأنفق الأمين
عليه منه
لم يضمن ، لأنه موضع ضرورة
، وإن لم يكن للقيط مال ينفق عليه
من بيت المال ، فإن لم
يكن في بيت المال مال استعان بالمسلمين إلى أن يظهر في بيت المال مال ، فإن لم يعاون
أنفق عليه من مال نفسه بالمعروف ، ورجع بذلك على اللقيط إذا بلغ ، وإن كان يجد من يعينه
فلم يستعن فلا رجوع له. وإن ادعى أكثر من المعروف لم يقبل قوله في الزيادة ، وإن اختلفا
في قدر النفقة فالقول قول الملتقط. وإذا كان للقيط
مال ، وأنفقه عليه الملتقط ، وادعى عليه بعد البلوغ أنه لم
ينفق ماله عليه ، فالقول قول الملتقط مع يمينه.
لو وجد اثنان لقيطا
فتشاحا على حضانته وتربيته ، وقد تساويا في الحرية والإسلام والأمانة واليسار ، ولم
يتركه أحدهما للآخر ، أعطي أحدهما بالقرعة ، فإن
__________________
كان أحدهما فاسقا أو عبدا أو بدويا أو مسافرا أو كافرا ، أعطى من ليس كذلك.
واللقيط المحكوم عليه بالكفر ، يترك في يد ملتقطة الكافر ، بخلاف المحكوم عليه بالإسلام.
الطفل يحكم بإسلامه
إذا كان أحد أبويه أو كلاهما مسلما ، أو يكون من سباه مسلما إذا لم يكن معه أحدهما
، أو وجد لقيط في بلد إسلام أو بلد كفر ، فيه مسلم مستوطن ، أو أسارى مسلمون ، وإن
وجد في بلد كفر ليس فيه من ذكرناه ، حكم بكفره ، سواء كان الملتقط مسلما أو كافرا ،
بخلاف السابي ، فإن السابي الكافر ، يتبعه المسبي في الكفر حكما ، والمجنون يتبع والدية
في الإسلام حكما ، سواء بلغ مجنونا أو جن بعد البلوغ.
كتاب
الجعالة
الجعالة من العقود
الجائزة فيجوز أن يكون العمل والمدة مجهولين ، وأما العوض فلا بد أن يكون معلوما ،
والمجعول له بعد التلبس بالجعالة ، مخير بين الإتمام والرجوع. ولا رجوع للجاعل بعد
التلبس إلا أن يبذل أجرة ما عمل.
من جاء بضالة إنسان
أو بآبق أو بلقطة من غير جعل ولم يشرط فيه لم يستحق شيئا وجوبا ، وإنما يعطى من جاء بعبد أو بعير
إذا وجده خارج المصر أربعين درهما قيمتها أربعة دنانير ، وإن وجده في المصر فعشرة دراهم ندبا ، ولا موظف
فيما عدا ذلك بل بحسب العادة في مثله.
إذا قال : من جاء
بعبدي الآبق فله دينار ، فجاء به اثنان أو ثلاثة لم يستحقوا أكثر من دينار ، بخلاف
إن قال : من دخل داري فله دينار ، لأن لكل داخل من ذلك إذنا ، فإن شرط أجرة مجهولة لزم أجرة المثل.
إذا قال لكل واحد
من ثلاثة نفر : إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة ، فجاءوا به مجتمعين ، كان لكل منهم
ثلث العشرة ، وإن شرط لأحدهم عشرا وللآخر
__________________
عشرين وللثالث ثلاثين ، فجاءوا به ، كان لكل واحد منهم ثلث ما سماه ، فإن شرط
لواحد دينارا فجاء به هو وغيره ، فله نصف دينار [ وجوبا ] وللآخر نصف أجرة المثل ندبا ، ومتى هرب الآبق من المشروط
له في الطريق لم يستحق شيئا ، وإن شرط له دينارا إن جاء به من عشر فراسخ مثلا ، فجاء
به من خمس ، استحق نصف دينار.
ومتى اختلف في مقدار
الجعالة ، كان القول قول الجاعل مع يمينه ، ثم يستحق عليه المجعول له أجرة المثل ،
وإن اختلفا في نفس الشرط فقال المشروط له : شارطتني على جعل ، وأنكر الجاعل ، فقول
الجاعل مع اليمين.
__________________
كتاب
الإقرار
لا يصح الإقرار
إلا من مكلف غير محجور عليه لسفه أو رق ، فلو أقر المحجور عليه [ للسفه ]
بما يوجب حقا في ماله ، لم يصح ، ويقبل إقراره فيما يوجب
حقا على بدنه ، كالقصاص والقطع والجلد.
ولا يقبل إقرار
العبد على مولاه بما يوجب حقا في ماله من قرض
أو أرش جناية ، بل يلزمه
ذلك في ذمته يطالب به إذا أعتق ، إلا أن يكون مأذونا له في التجارة ، فيقبل فيما يتعلق
بها خاصة ، نحو أن يقر بثمن مبيع أو أرش عيب أو ما أشبه ذلك ، ولا يقبل إقراره بما
يوجب حقا على بدنه ، للإجماع
، ولأن فيه إتلافا لمال
السيد ، ومتى صدقه السيد قبل إقراره في كل ذلك.
ويصح إقرار المحجور
عليه لإفلاس ، وإقرار المريض للوارث وغيره ، ويصح الإقرار بالمبهم
كأن يقول : لفلان علي شيء.
ولا تصح الدعوى
المبهمة لأنا إذا رددنا الدعوى المبهمة كان للمدعي ما يدعوه إلى تصحيحها ، وليس كذلك
الإقرار ، لأنا إذا رددناه لا نأمن ألا يقر ثانيا ،
__________________
والمرجع في تفسير المبهم إلى المقر ، ويقبل تفسيره بأقل ما يتمول في العادة
، وإن لم يفسر جعلناه ناكلا ، ورددنا اليمين على المقر له فيحلف علي ما يقول ويأخذه ، فإن
لم يحلف فلا حق له.
إذا قال : له علي
مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير ، لم يقدر ذلك بشيء ، ويرجع في تفسيره إلى المقر
، ويقبل تفسيره بالقليل والكثير ، لأنه لا دليل على مقدار معين ، والأصل براءة الذمة
، وإذا أقر بمال كثير ، كان إقراره بثمانين ، لإجماع الطائفة. وروي في قوله تعالى ( فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ )
أنها كانت ثمانين موطنا.
إذا قال : له علي
ألف ودرهم ، لزمه درهم ويرجع في تفسير الألف إليه ، لأنها مبهمة ، والأصل براءة الذمة
، وكذا لو قال : ألف ودرهمان. فأما إذا قال : وثلاثة دراهم ، أو : ألف وخمسون درهما
، أو : خمسون وألف درهم ، أو ما أشبه ذلك ، فالظاهر أن الكل دراهم ، لأن ما بعده تفسير.
وإذا قال : له علي
عشرة إلا درهما ، كان إقرارا بتسعة ، فإن قال : إلا درهم ، بالرفع كان إقرارا بعشرة
، لأن المعنى غير درهم ، فإن قال : ماله علي عشرة إلا درهما ، لم يكن مقرا بشيء ،
لأن المعنى ماله علي تسعة ، ولو قال : ما له علي عشرة إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم
، لأن رفعه بالبدل من العشرة فكأنه قال : ما له علي إلا درهم.
وإذا قال : له علي
عشرة إلا ثلاثة إلا درهما ، كان إقرارا بثمانية ، لأن المراد إلا ثلاثة لا يجب إلا
درهما يجب من الثلاثة
، لأن الاستثناء من الإيجاب
نفي ، ومن
__________________
النفي إيجاب. واستثناء الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط ، ولا يجوز أن يرجع إلى
جميع ما تقدم لسقوط الفائدة ، وإذا كان الاستثناء الثاني معطوفا على الأول ، كانا جميعا
راجعين إلى الجملة الأولى ، فلو قال : علي عشرة إلا ثلاثة وإلا درهما ، كان إقرارا
بستة.
وإذا استثنى بما
لا يبقى معه من المستثنى منه شيء بطل ، لأنه بمنزلة الرجوع عن الإقرار فلا يقبل ،
وإن استثنى بمجهول القيمة كقوله : علي عشرة إلا ثوبا ، فإن فسر قيمته بما يبقى معه
من العشرة شيء صح ، وإلا بطل ، ويجوز استثناء الأكثر من الأقل وفي القرآن ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ
إِلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ )
وفيه ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.
إِلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )
فاستثنى من عباده الغاوين
مرة ، والمخلصين أخرى ، ولا بد أن يكون أحد الفريقين أكثر من الآخر.
إذا قال : له علي
كذا درهم ، بالرفع ، لزمه درهم واحد ، لأن التقدير هو درهم أي الذي أقررت به درهم.
وإن قال : كذا درهما ، فقيل : لزمه درهم واحد لأنه أخرجه مخرج التفسير
وقيل لزمه عشرون درهما ، لأن ذلك أقل عدد انتصب الدرهم بعده ، فيجب حمله عليه ، وإن
قال : كذا درهم ، بالخفض لزمه أقل من درهم ، فبأي قدر فسره قبل منه ، لأنه يحتمل أن
يريد بعض درهم ، لأن « كذا » عبارة
__________________
عن البعض وعن الجملة ، وقيل : لزمه مائة درهم ، لأن ذلك أقل عدد يخفض بعد الدرهم
، وقيل : يلزمه درهم
واحد ، ولي في جواز خفض المعدود بعد « كذا » وهل هو مستعمل أم لا ، نظر.
وإن قال : كذا كذا
درهما ، لزمه أحد عشر ، لأن ذلك أقل عددين ركبا وانتصب ما بعدهما. وإن قال : كذا وكذا
درهما ، كان إقرارا بأحد وعشرين ، لأن ذلك أقل عددين عطف أحدهما على الآخر ، وانتصب
الدرهم بعدهما.
إذا أقر بشيء وأضرب
عنه واستدرك غيره
فإن كان مشتملا على الأول
بأن يكون من جنسه وزائدا عليه وغير متعين ، لزمه دون الأول ، كقوله : علي درهم لا بل
درهمان ، وإن كان ناقصا عنه ، لزمه الأول دون الثاني ، كقوله : علي عشرة لإبل تسعة
، لأنه أقر بالعشرة ثم رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه ، ويفارق ذلك قوله : له علي عشرة
إلا درهما ، لأن عن التسعة عبارتين أحدهما لفظ التسعة ، والآخر لفظ العشرة ، مع استثناء
الواحد ، فبأيهما أتى فقد عبر عن التسعة.
وإن كان ما استدركه
من غير جنس الأول كقوله : علي درهم لإبل دينار ، أو قفيز حنطة لا بل قفيز شعير ، لزمه
الأمران معا ، لأن ما استدركه لا يشتمل على الأول ، فلا يسقط برجوعه عنه ، وإن كان
ما أقر به أولا وما استدركه متعينين بالإشارة إليهما أو بغيرهما مما يقتضي التعريف
، لزمه أيضا الأمران ، سواء كانا
__________________
من جنس واحد أو من جنسين أو متساويين في المقدار أو مختلفين ، لأن أحدهما ،
والحال هذه ، لا يدخل في الآخر ، فلا يقبل رجوعه عما أقر به أولا كقوله : هذا الدرهم
لفلان لا بل هذا الدينار ، أو هذه الجملة من الدراهم لا بل هذه الأخرى.
وإذا قال : له علي
ثوب في منديل ، لم يدخل المنديل في الإقرار ، لأنه يحتمل أن يريد في منديل لي ، ولا
يلزم من الإقرار إلا المتعين دون المشكوك فيه ، إذ الأصل براءة الذمة.
إذا قال : له علي
ألف درهم وديعة ، قبل منه ، لأن لفظة « علي » للإيجاب ، وكما يكون الحق في ذمته ، فيجب
عليه تسليمه
بإقراره ، كذلك
يكون في يده فيجب عليه رده وتسليمه إلى المقر له بإقراره ، ولو ادعى التلف بعد الإقرار
قبل ، لأنه لم يكذب إقراره ، وإنما ادعى تلف ما أقر به بعد ثبوته بإقراره ، بخلاف ما
إذا ادعى التلف وقت الإقرار بأن يقول : كان في علمي
أنها باقية فأقررت لك بها وكانت تالفة في ذلك الوقت ، فإن
ذلك لا يقبل منه ، لأنه يكذب إقراره المتقدم من حيث كان تلف الوديعة من غير تعد يسقط
حق المودع.
وإذا قال : له علي
ألف درهم إن شئت ، لم يكن إقرارا ، لأن الإقرار إخبار عن حق واجب سابق له ، وما كان
كذلك لم يصح تعليقه بشرط مستقبل.
وإذا قال : له من
ميراثي من أبي ألف درهم ، لم يكن إقرارا لأنه أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل له منه جزءا ولا يكون له جزء من ماله إلا على وجه
الهبة. ولو قال : له من ميراث أبي ألف ، كان إقرارا بدين في تركته ، ولو قال داري هذه لفلان ، لم يكن إقرارا لما سبق. ولو قال : هذه الدار
التي في يدي لفلان كان
__________________
إقرارا ، لأنها قد تكون في يده بإجارة أو عارية أو غصب.
ويصح الإقرار المطلق
للحمل ، إذ يحتمل أن يكون من جهة صحيحة ، كميراث أو وصية. ومن أقر بدين في حال صحته
ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه صح ، ولا يقدم دين الصحة على دين المرض إذا ضاق المال
عن الجميع ، بل يقسم على قدر الدينين.
فصل
لا يثبت النسب بالإقرار إلا بشروط ثلاثة
:
أن يمكن كون المقر
به ولدا للمقر بنقصان السن وهو خمس عشرة سنة ، وأن
يكون مجهول النسب ، وأن لا ينازعه فيه غيره ، لأن مع المنازعة
لا يثبت النسب إلا ببينة ، هذا في المقر به الصغير. وفي الكبير العاقل شرط رابع ، وهو
أن يصدقه المقر به في الإقرار. ومن ثبت
نسبه بذلك ، إذا بلغ وأنكر
أن يكون ولدا له ، لم يقبل منه ولم يسمع دعواه.
وثبوت النسب يحتاج
إلى الشروط المذكورة ، سواء أقر على نفسه بالنسب ، أو على غيره ، كأن يقر بأخ له أو
أخت أو عم أو خال ، ويراعى في ذلك إقرار رجلين عدلين أو رجل وامرأتين من الورثة ، ولا
يثبت إلا بذلك ، فإن كان المقر واحدا أو كانا غير عدلين ، يثبت له الميراث بقدر ما
يخص المقر مما في يده ، وإن كان المقر له أولى ، فله جميع ما في يد المقر.
ولو مات المقر له
لم يرثه المقر ، لأنه لم يثبت نسبه إلا أن يكون قد صدقه المقر له وكان عاقلا بالغا
، ولا يتعدى منهما إلى غيرهما إلا إلى أولادهما.
__________________
إذا مات وخلف ابنا فأقر بأخ ثم أقرا بثالث ثم أنكر الثالث الثاني
، سقط نسبه إذا لم يقر بنسبه اثنان من الورثة وإنما أقر به الأول فيكون المال بين الأول والثالث ، ويأخذ
الثاني من الأول ، ثلث ما في يده ، لأنه مقر به وبغيره.
إذا خلف ثلاث بنين ، فأقر اثنان بأخ آخر وجحد الثالث ؛ فإن كانا مرضيين
ثبت نسبه بإقرارهما ، وإن كانا غير عدلين لم يثبت ، وقاسم الاثنين على قدر حصتهما.
إذا أقر بوارثين
فصاعدا متساويين في استحقاق الميراث وتناكروهم ذلك النسب لم يلتفت إلى إنكارهم ، وقبل
إقراره لهم ، فإن أنكروا إقراره أيضا لم يكن لهم ميراث ، وإن أقروا له بمثل ما أقر
لهم به توارثوا بينهم إذا كان المقر له ولدا أو والدا ، وإن كان غيرهما من ذوي الأرحام
لم يتوارثوهم وإن صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم فيه مال الميت بحال.
ومتى أقر بوارث
أولى منه بالميراث وأعطاه ، ثم أقر بآخر أولى منهما ، لزمه أن يغرم له مثل المال ثم هكذا ، وإن
أقر بوارث مساو للمقر له في الميراث يغرم له مثل نصيبه.
إذا أقر بزوج للميتة
أعطى نصيبه ، فإن أقر بعده بزوج آخر بطل إقراره إلا أن يكذب نفسه في الإقرار الأول
، فحينئذ يغرم للثاني نصيبه بلا رجوع على الأول.
إذا أقر الولد بزوجة
للميت أعطاها ثمن ما في يده من التركة ، فإن أقر بأخرى أعطاها نصف الثمن ، فإن أقر
بثالثة أعطاها ثلث ثمن ذلك ، فإن أقر
__________________
برابعة أعطاها ربع ثمن ذلك ، فإن أقر بخامسة وقال : إن إحدى من أقررت لها ليست
بزوجة لأبي ، لم يلتفت إلى إنكاره ولزمه أن يغرم للمقر لها بعد ، وإن لم ينكر واحدة
من الأربع بطل إقراره بالخامسة.
إذا خلف زوجة وأخا
فأقرت الزوجة بابن للميت وأنكره الأخ ، لم يثبت نسبه ، إلا أنه يقاسمها ، فيأخذ منها
ما فضل من نصيبها ، وهو الثمن مع وجود الولد ، لأنها أقرت بابن لمورثها ، ومع فقد الولد
كان لها الربع ، فيكون ما في يدها من الربع بين الابن وبينها نصفين.
إذا خلف ابنين فأقر
أحدهما بأخ وجحد الآخر فإن نسب المقر به لا يثبت ، فإن مات الجاحد ورثه المقر والمقر
به ، وكان المال بينهما نصفين ، وإن كان الجاحد خلف ابنا فوافق عمه على إقراره ، ثبت
النسب والميراث وإن خالفه أو لم يفق فكما سبق ، وإن خلف كافر أو مسلم ابنين كافرا ومسلما
فالميراث للمسلم دون الكافر ، فإن أقر المسلم بأخ مسلم قاسمه ، ولا اعتبار بجحود الكافر
ولا بإقراره.
إذا أقر ببنوة صبي
لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه ، لأنه يحتمل أن يكون الولد من نكاح فاسد ، أو من وطء
شبهة.
إذا مات صبي وله
مال ، فأقر رجل بنسبه ثبت ، وورثه باعتبار الشروط السابقة ،
وكذا
إن كان الميت كبيرا ، ولا
يراعى هنا تصديقه.
__________________
كتاب
الغصب
من غصب ما له مثل
ـ وهو ما تساوت قيمة أجزائه ، كالحبوب والأدهان والتمور
وما أشبه ذلك ـ وجب عليه رده بعينه ، فإن تلف فعليه مثله
، فإن أعوز المثل أخذت القيمة ، فإن لم يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة ، اختلفت القيمة
فيها ، كان له المطالبة بالقيمة حين القبض ، لا حين الإعواز ، وإن كان قد حكم بها الحاكم
حين الإعواز.
وإن غصب ما لا مثل
له ـ ومعناه أن لا تتساوى
قيمة أجزائه ، كالثياب
والرقيق والخشب والحطب والحديد والرصاص والعقار وغير ذلك ـ وجب أيضا رده بعينه.
فإن تعذر ذلك بتلفه
، وجبت قيمته لأنه لا يمكن [ له ]
الرجوع فيه إلى المثل ،
لأنه إن ساواه في القدر خالفه في الثقل ، وإن ساواه فيهما ، خالفه من وجه آخر وهو
القيمة ، فإذا تعذرت المثلية كان الاعتبار بالقيمة. ومتى لم يعرف
__________________
صاحب المغصوب ، أودعه في بيت مال المسلمين ، حتى يحضر هو أو وارثه فيأخذه ،
فإن كان زمان سلاطين الجور تصدق به عنه ، فإن حضر ولم يرض بالصدقة ، عوضه عنه وتاب
منه.
ويضمن الغاصب ما
يفوت من زيادة قيمة المغصوب بفوات الزيادة الحادثة فيه لا بفعله ، كالسمن والولد وتعلم
الصنعة والقرآن ، سواء رد المغصوب أو مات في يده ، لأن ذلك حادث في ملك المغصوب منه
لم يزل بالغصب ، وإذا كان كذلك فهو مضمون على الغاصب ، لأنه حال بينه وبينه.
فإما زيادة القيمة
لارتفاع السوق ، فغير مضمونة مع الرد ، لأن الأصل براءة الذمة ، فإن لم يرد حتى هلكت
العين ، لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف.
وإذا صبغ الغاصب
الثوب بصبغ يملكه ، فزادت لذلك قيمته ، كان شريكا فيه بمقدار الزيادة فيه ، وله قلع
الصبغ ، لأنه عين ماله بشرط أن يغرم ما ينقص من قيمة الثوب ، لأن ذلك يحصل بجنايته.
ولو ضرب النقرة
دراهم ، والتراب لبنا ، ونسج الغزل ثوبا ، وطحن الحنطة ، وخبز الدقيق ، فزادت القيمة
بذلك كلم يكن له شيء ، لأن هذه آثار أفعال ، وليست بأعيان أموال ، ولا يدخل المغصوب
بشيء
من هذه الأفعال في ملك
الغاصب ، ولا يجبر صاحبه على أخذ قيمته.
ومن غصب زيتا فخلطه
بأجود منه فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك ، ويلزم المغصوب منه قبوله ، لأنه تطوع
له بخير من زيته ، وبين أن يعطيه مثله من غيره ، لأنه صار بالخلط كالمستهلك ، ولو خلطه
بأردأ منه ، لزمه أن يعطي
__________________
من غير ذلك ، مثل الزيت الذي غصبه ، ولا يجوز أن يعطيه منه بقيمة زيته الذي
غصبه ، لأن ذلك ربا ، وإن خلطه بمثله ، فالمغصوب منه شريكه فيه ، يملك مطالبته بقسمته.
ومن غصب حبا فزرعه
، أو بيضة فأحضنها ، فالزرع والفرخ لصاحبهما دون الغاصب ، لأن المغصوب لا يدخل في ملك
الغاصب بتغيره ، فإذا كان باقيا على ملك صاحبه ، فما تولد منه ينبغي أن يكون له دون
الغاصب ، ومن أصحابنا من اختار القول بأن الزرع والفرخ للغاصب وعليه القيمة لأن عين
الغصب تالفة ، وهو أبو جعفر وابن البراج
ـ رضياللهعنهما. والمذهب هو الأول.
ومن غصب ساجة فأدخلها في بنائه ، لزمه ردها ، وإن كان في ذلك قلع ما بناه
في ملكه ، لما سبق في ضرب النقرة ، وكذا لو غصب لوحا ، فأدخله في سفينة ولم يكن في
رده هلاك ما له حرمة ، وعلى الغاصب أجرة مثل ذلك من حين الغصب إلى حين الرد ، لأن الخشب
يستأجر للانتفاع به. وكل منفعة تملك بعقد الإجارة ، فإنها تضمن بالغصب أيضا.
وإذا غصب أرضا فزرعها
ببذر من ماله ، أو غرسها كذلك ، فالزرع والشجر له ، لأنه عين ماله ، وإنما تغيرت صفته
بالزيادة والنماء ، وعليه أجرة الأرض وأرش نقصانها.
ومتى قلع الشجر
فعليه تسوية الأرض
، وكذا لو حفر بئرا أجبر على طمها ، وللغاصب ذلك ، وإن كره مالك الأرض ، لما في تركه
من الضرر عليه لضمان
__________________
ما يتردى فيه.
ومن حل دابة فشردت
، أو فتح قفصا ، فذهب ما فيه ، لزمه الضمان ، سواء كان ذلك عقيب الحل والفتح ، أو بعد
أن وقفا ، لأن ذلك كالسبب في الذهاب ، ولولاه لما أمكن ، ولم يحدث بسبب آخر من غيره.
ولو حل رأس الزق فخرج ما فيه وهو مطروح ولا يمسك ما فيه غير الشد لزمه الضمان ، ولو
كان الزق قائماً مستندا وبقي محولا حتى حدث ما أسقطه من ريح أو زلزلة أو غيرهما ، فاندفق
ما فيه ، لم يلزمه الضمان ، لأنه قد حصل ها هنا مباشرة وسبب من غيره.
ومن غصب عبدا فأبق
، فعليه قيمته ، فإذا أحرزها صاحب العبد ملكها ، ولا يملك الغاصب العبد ، فإن عاد انفسخ
الملك عن القيمة ووجب ردها وأخذ العبد ، لأن أخذ القيمة إنما كان لتعذر أخذ العبد والحيلولة
بين مالكه وبينه ، ولم يكن عوضا عنه على وجه البيع ، لأنا بينا أن ملك القيمة بتعجيل
ها هنا ، وملك القيمة بدلا عن العين الفائتة بالإباق لا يصح على وجه البيع ، ولما ملكت
القيمة هنا والعبد آبق ولم يجز الرجوع بها مع تعذر الوصول إلى العبد ثبت أن ذلك ليس
على وجه البيع.
ومن غصب جارية بكرا
فوطأها ، عالمين بالتحريم وحملت ، حدا معا ، وعليه أرش البكارة عشر قيمتها ، ولا مهر
لها إلا أن تكون مكرهة ، ولا يلحق النسب ، لأنه عاهر والولد ملك لسيد الجارية ، فإن
نقصت بالولادة ، لزم الغاصب أرش النقصان ، فإن وضعت الولد ميتا لم يلزمه قيمته ، وإن
تلف الولد بعد الولادة ، ضمن أكثر قيمته من حين الوضع إلى حين التلف.
وإن كانا جاهلين
بالتحريم ، لقرب عهدهما بالإسلام ، لم يحرم الوطء وسقط الحد ووجب المهر مع أرش البكارة
، وأجرة مثلها من حين الغصب إلى حين الرد ،
__________________
والولد حر ، ويلزمه أرش ما نقصت بالوضع ، وقيمة الولد أيضا إن وضعته حيا ولا
يضمن الميت.
وإن كانت
الجارية عالمة ومكرهة ، والغاصب جاهلا ، فكما لو كانا جاهلين
، وإن كانت مطاوعة فكذلك ، إلا في سقوط الحد عنها والمهر عن الغاصب.
وإن كان عالما وكانت
جاهلة ، فكما لو كانا عالمين ، إلا في سقوط وجوب الحد عنها ، ووجوب المهر عليه.
فإذا باعها الغاصب
، فوطأها المشتري ، فعلى المشتري ما على الغاصب من الضمان ، وكل ما وجب بفعل المشتري
من أرش بكارة ونقصان ولادة وقيمتها إن تلفت وقيمة الولد والمهر والأجرة ، فللسيد أن
يرجع على من شاء منهما ، فإن رجع على المشتري ، لم يكن للمشتري أن يرجع على الغاصب
إذا كان قد على الغصب ، وإن لم يعلم رجع عليه بالمهر والأجرة وقيمة الولد ، لا بأرش
البكارة ، ونقصان الولادة ، وقيمة الجارية إن تلفت ، وإن رجع السيد على الغاصب ، رجع
الغاصب على المشتري بأرش البكارة ، ونقصان الولادة ، وقيمتها إن تلفت ، لا بقيمة الولد
والمهر والأجرة.
وإذا غصب عصيرا
فصار خمرا ، ثم صار خلا ، وكان قيمة العصير أكثر من قيمة الخل حين أراد رده ، لزمه
رد الخل مع قيمة ما نقص من ثمن العصير.
إذا اشترى جارية
بثمن معين في الذمة ، ثم أدى الثمن من مال مغصوب ، فالفرج له حلال ، وعليه وزر المال
، فإن حج بذلك المال لم يجز عن حجة الإسلام.
إذا غصب عبدا فرده
أعور ، ثم اختلفا ، فقال صاحبه للغاصب : عور العبد
__________________
عندك ، وقال الغاصب : بل عندك ، فالقول قول الغاصب لأنه غارم ، وإن اختلفا فيه
، وقد مات العبد ودفن ، فقول سيده ، لأنه إذا مات ودفن ، الأصل فيه السلامة ، وليس
كذلك حال حياته ، لأنه مشاهد عورة.
إذا غصب حرا صغيرا
فتلف في يده ، من غير تعد وسبب من قبله لم يضمن ، وإن كان عبدا ، ضمن على كل حال.
كتاب
الوقف
الوقف تحبيس الأصل
وتسبيل المنفعة. وشروط صحته :
أن يكون الواقف
مختارا مالكا للتبرع ، فلو وقف وهو محجور عليه لإفلاس ، لم يصح.
وأن يتلفظ بصريحه
، قاصدا له وللتقرب
به إلى الله تعالى.
والصريح من ألفاظه
: وقفت وحبست وسبلت ، وأما تصدقت وحرمت وأبدت فذلك يحتمل الوقف وغيره ، فلا يحمل عليه
إلا بدليل ، وقال بعض أصحابنا : لا صريح في الوقف إلا قوله : وقفت ، ولو قال : تصدقت ، ونوى به الوقف صح فيما بينه وبين الله
تعالى ، ولكن لا يصح في الحكم ، للاحتمال .
وأن يكون الموقوف
معلوما مقدورا على تسليمه ، ويصح الانتفاع به مع بقاء عينه في يد الموقوف عليه ، وسواء في
ذلك المنقول وغيره والمشاع والمقسوم ، ولا يجوز وقف الدراهم والدنانير ، لأن الموقوف
عليه لا ينتفع بها مع بقاء عينها في يده.
__________________
وأن يكون الموقوف
عليه غير الواقف ، فلو وقف على نفسه لم يصح ، فأما إذا وقف شيئا على المسلمين عامة
، جاز له الانتفاع به ، لأنه يعود إلى أصل الإباحة ، فيكون هو وغيره فيه سواء.
وأن يكون معروفا
متميزا ، ليصح التقرب إلى الله تعالى بالوقف عليه ، وهو ممن يملك المنفعة حالة الوقف
، فلا يصح أن يقف على شيء من معابد أهل الضلال ، ولا على مخالف الإسلام ، ولا على
معاند للحق إلا أن يكون ذا رحم له ، ولا على أولاده ولا ولد له ، ولا على الحمل قبل
انفصاله ، ولا على عبد.
ولو وقف على أولاده
وفيهم موجود صح ، ودخل في الوقف من سيولد له على وجه التبع
، لأن الاعتبار باتصال الوقف في ابتدائه بمن هو من أهل الملك
، ويصح الوقف على المساجد والقناطر وغيرهما لأن المقصود بذلك مصالح المسلمين وهم يملكون
الانتفاع.
وأن يكون الوقف
مؤبدا غير منقطع فلو قال : وقفت كذا سنة ، لم يصح. فأما قبض الموقوف عليه أو من يقوم
مقامه في ذلك ،
فشرط في اللزوم.
وإذا تكاملت هذه
الشروط ، زال ملك الواقف ، ولم يجز له الرجوع في الوقف ، ولا تغييره من وجوهه إلا على وجه نذكره.
وينتقل الملك إلى
الموقوف عليه ، ويجوز للموقوف عليه بيع الوقف إذا صار بحيث لا يجدي نفعا وخيف خرابه
وكانت بأربابه حاجة شديدة ودعتهم الضرورة إلى بيعه.
__________________
ويتبع في الوقف
ما يشرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى ، واشتراكهما ، أو تفضيل في المنافع ،
أو مساواة فيها ، إلى غير ذلك.
وإذا وقف على أولاده
وأولاد أولاده ، دخل فيهم ولد البنات ، لوقوع اسم الولد عليهن لغة وشرعا ، وكذا إذا
وقف على نسله أو عقبه أو ذريته.
وإن وقف على عترته
فهم
ذريته ، وإذا وقف على عشيرته
أو قومه ولم يعينهم بصفة ، عمل بعرف قومه في ذلك الإطلاق ، وروي أنه إذا وقف على عشيرته
كان ذلك على الخاص من قومه الذين هم أقرب الناس إليه في نسبه.
وإذا وقف على قومه
، كان ذلك على جميع أهل لغته ، من ذكور دون إناث ، وإذا وقف على جيرانه ولم يسمهم ،
كان ذلك على من يلي داره من جميع الجهات إلى أربعين ذراعا.
ومتى بطل رسم المصلحة
التي وقف عليها
أو انقرض أربابه ، جعل
ذلك في وجوه البر ، وروي : أنه يرجع إلى ورثة الواقف ،
والأول أحوط.
وإذا وقف على ولده
الصغار ، فالذي يتولى عنهم القبض ، هو لا غير. إذا علق الوقف بما ينقرض كأن يقول :
وقفته على أولادي وأولاد أولادي ، وسكت على ذلك ، قال بعض أصحابنا : إنه يصح ، وقال
الباقون : إنه يصح ويرجع الموقوف عند انقراض الموقوف عليه إلى الواقف إن كان حيا فإن
كان ميتا فإلى
__________________
ورثته.
وإذا وقف وقفا وشرط
أن يبيعه متى شاء أو أن يخرج من شاء [ من أرباب الوقف من بينهم ، أو يفضل بعضهم على
بعض ، أو أدخل فيهم من شاء ]
معهم ، بطل الوقف إلا فيما
سبق ، من ضم الولد الغير الموجود بعد إلى الموجود في الحال.
إذا وقف على قوم
وجعل النظر إلى نفسه أو إلى غيره ، كان كما جعل الوقف في المرض المخوف ، وصدقة التمليك
والهبة فيه ، روي أن ذلك من الثلث ، وروي أنه منجز في الحال.
إذا قال : إذا جاء
الشتاء أو دخل شهر كذا أو سنة كذا ، فقد وقفت هذه الدار على فلان ، لم يصح.
إذا وقف على ولده
ثم على الفقراء والمساكين بعد انقراضهم ، كان وقفا على أولاد صلبه دون ولد الولد وقيل
: إنه إذا وقف على ولده دخل فيه ولد الولد من البنين والبنات البطن الثاني والثالث
فما زاد عليه .
إذا وقف الكافر
على الفقراء ، مضى في فقراء أهل ملته لا غير. والله أعلم.
__________________
كتاب
الهبة
الهبة تفتقر صحتها
إلى الإيجاب والقبول. وهي ضربان : ما لا يجوز الرجوع فيه ، وما يجوز.
فالأول أن تكون
الهبة مستهلكة ، أو قد يعوض عنها ، أو تكون لذي رحم ويقبضها هو أو وليه ، سواء قصد
بها وجه الله تعالى أو لا ، أو يقبض وقد قصد بها وجه الله تعالى ، ويكون الموهوب له ممن يصح التقرب
إلى الله تعالى بصلته.
والثاني ما عدا
ذلك.
والهبة في المرض
المتصل بالموت ، محسوبة من أصل المال لا من الثلث ، وقيل : من الثلث. وهبة المشاع جائزة ، ولو قبض الهبة من غير إذن الواهب ، لم
يصح ولزمه الرد.
وإذا مات الواهب
قبل القبض بعد قبول الموهوب له الهبة ، لم يبطل عقد الهبة.
__________________
وإذا وهب المودع
للمودع وديعته لم يحتج الموهوب إلى إذن في قبضه ،
ويجوز هبة الجارية المزوجة والدار المستأجرة.
إذا كان له في ذمة
رجل مال فوهبه له ، كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ، ومن شرط صحته قبول الموهوب له ، فإن
لم يقبل لم يصح ، فأما إذا وهبه لغيره صح ، ولم يلزم إلا بالقبض.
من أخرج شيئا ليتصدق
به على مؤمن بعينه لله تعالى فلم يجده ، فليتصدق به على غيره ولا يرده في ماله.
من وهب له حيوان
فظهر بها في يده حمل ووضعت عنده ، أو كان شجرا فجنى ثمرته ، كان للواهب الرجوع في الأصل
دون الفرع ، ما لم يتصرف الموهوب له في ذلك ، بإجارة أو إعارة أو قصارة أو عتق أو تزويج
أو وطء وغير ذلك ،
فإن تصرف بطل حكم الرجوع.
ويجوز أن يهب شيئا ويشترط على الموهوب له عوضا معلوما أو مجهولا.
ومن منح غيره ناقة
أو بقرة أو شاة ، لينتفع بلبنها مدة معلومة ، لزمه الوفاء بذلك إذا قصد به وجه الله
تعالى ، وكان الغير ممن يصح التقرب إلى الله تعالى ببره ، ويضمن هلاك المنحة ونقصانها
بالتعدي ، وكذا لا يجوز الرجوع في السكنى والرقبى والعمرى ، إذا كانت مدتها محدودة
، وقصد بها وجه الله تعالى.
والرقبى والعمرى
سواء ، وإنما يختلفان في التسمية ، فالرقبى أن يقول : أرقبتك
__________________
هذه الدار مدة حياتك أو حياتي.
والعمرى أن يقول
: أعمرتك كذلك ، وقيل : إن الرقبى من رقبة العبد وهو أن يقول : جعلت لك خدمة هذا العبد
مدة حياتك.
وإذا علق المالك
ذلك بموته ، رجع إلى ورثته إذا مات ، فإن مات الساكن قبله ، فلورثته السكنى إلى أن
يموت المالك ، فإن علقة بموت الساكن رجع إليه إذا مات ، فإن مات المالك قبله ، فله
السكنى إلى أن يموت ، ومتى لم يعلق ذلك بمدة ، كان له إخراجه متى شاء ، ولا يجوز أن
يسكن من جعل ذلك له من عدا ولده وأهله إلا بإذن المالك ، ومن شرط صحة ذلك كله الإيجاب
والقبول.
وإذا حبس فرسه في
سبيل الله ، وغلامه وجاريته في خدمة البيت الحرام ، وبعيره في معونة الحاج والزوار
لوجه الله تعالى جاز ، ولم يجز له تغييره بعد ذلك.
وإذا قال : جعلت
خدمة عبدي لفلان ، مدة كذا ثم هو حر بعد ذلك ، جاز ، وصار حرا إذا خدام تلك المدة ،
فإن أبق العبد إلى انقضاء المدة فلا سبيل عليه للمستخدم ، وإن كان مالكه جعل خدمته
لنفسه قبل تحريره ، انتقض التدبير بإباقه
وصار ملكا.
ومن السنة الإهداء
وقبول الهدية إذا عريت من وجوه القبح ، ومتى قصد بها وجه الله تعالى وقبلت لم يجز الرجوع
فيها ولا العوض عنها ، وكذا إن قصد بها التكرم والمودة الدنيوية ، وتصرف فيها من أهديت
إليه ، وكذا إن قصد بها العوض عنها فدفع وقبله المهدي ، وهو مخير في قبول هذه الهدية
وردها ، ويلزم العوض عنها إذا
__________________
قبلت بمثلها ، والزيادة أفضل ، ولا يجوز التصرف فيها إلا بعد التعويض أو الغرم
عليه.
ومن أراد عطية أولاده
، فالأولى أن يسوي بينهم ، ولو كانوا ذكورا أو إناثا ، وإن فضل بعضهم على بعض جاز.
كتاب
الوصية
لا يجوز أن يوصي
المسلم لكافر حربي ولا ذمي ، لا رحم له منه ، ويجوز لغيرهما ، والوصية بأكثر من الثلث
لا تمضي إلا برضاء الورثة ، فإذا رضوا فلا امتناع لهم بعد ، ولو بعد وفاة الموصي.
ويجوز الوصية للحمل
المخلوق حال الوصية
إذا خرج حيا ، وإذا خرج
ميتا فلا تصح ، ويكون المال لورثة الموصي.
إذا أوصى لعبده
بثلث ماله ؛ فإن كانت قيمته أقل من الثلث أعتق وأعطي الباقي ، وإن كانت مثله ، أعتق
لا له ولا عليه ، وإن كانت أكثر منه ولم تبلغ ضعفي الثلث ، أعتق واستسعى في الباقي
، وإن كانت ضعفي الثلث بطلت الوصية.
إذا أوصى بعتق عبده
وعليه دين ؛ فإن كانت قيمة العبد ضعفي الدين استسعى في خمسة أسداس قيمته ، ثلاثة للديان
وسهمان للورثة ، وإن كانت أقل منه بطلت الوصية.
ومن أوصى لعبد أو
مكاتب لغيره ، لم يؤد
من مكاتبته شيئا ، مشروطا
كان
__________________
أو لا لم تصح ، وإن لم يكن مشروطا وقد أدى شيئا جازت له الوصية بمقدار ما أدى
لا غير.
وللإنسان أن يرجع
في وصيته ما دام حيا ، ويغير شرائطها ، وينقلها من شيء إلى شيء ، ومن شخص إلى آخر.
وتدبير العبد كالوصية في أنه من الثلث وصحة الرجوع فيه.
ومن شرائط الوصية
كون الموصي ثابت العقل حرا ، وابن عشر سنين إذا لم يضع الأشياء إلا في مواضعها أمضت
وصيته في وجوه البر لا غير ، وكذلك يجوز صدقته وهبته بالمعروف.
ومن أوصى بماله
في غير مرضات الله تعالى ، كان للوصي مخالفته في ذلك ، وصرفها فيما يرضاه الله تعالى
، وإذا جرح نفسه بما فيه هلاكها ، ثم أوصى لم يجز العمل على وصيته ، فإن أوصى ثم قتل
نفسه مضت وصيته.
إذا أوصى ثم قتل
أو جرح ، مضت وصيته في ثلث ماله وثلث ديته أو ثلث أرش جراحته.
وتنفذ وصية المرأة
ومنع غيرها
من التصرف في مالها ، إذا
كانت حرة عاقلة قد بلغت تسع سنين ، ولم تكن سفيهة ولا ضعيفة العقل.
ومن شرط الوصية
أن يشهد الموصي عليها عدلين ، فإن لم يشهد وأمكن الوصي إنفاذها جاز ذلك.
__________________
[ شرائط
الوصي ]
الفصل الأول
لا تصح الوصية إلا إلى من جمع خمس صفات : البلوغ وكمال العقل والإسلام والعدالة والحرية. وتبطل الوصية
باختلال إحداها ، إذ لا حكم لكلام الصبي والمجنون ولا الكافر ولا الفاسق لأنه لا أمانة
لهما ، والوصية أمانة ، والمملوك لا يملك التصرف ، وحكم المدبر وأم الولد والمكاتب
ومن انعتق بعضه حكم العبد ، ويعتبر هذه الصفات حال الوصية لا حال القبول وحال الوفاة
، لأنها حال التصرف.
ويصح وصية الكافر
إلى المسلم وإلى الكافر ذميا كان أو عابد وثن إلا أن يكون غير رشيد في ملته ، فإذا
لا تصح. وتصح الوصية إلى المرأة المتصفة بالصفات المذكورة.
وإذا تغير حال الوصي
بكبر أو مرض ، أضيف إليه أمين آخر ، ولا يخرج من يده ، وإن تغير بفسق أو ارتداد أخرجت
من يده.
إذا أوصى إلى رجلين
وجعل التصرف إليهما على الانفراد والاجتماع ، فاجتمعا على التصرف ، أو انفرد أحدهما
بذلك جاز ، ولم يضر تغير حال أحدهما بشيء [ مما سبق ] وإن أوصى إليهما مطلقا أو نهى كلا منهما على الانفراد بالتصرف
، رد
__________________
تصرف المنفرد إلا ما يعود بمصلحة الورثة ، فعلى الناظر في أمر المسلمين حملهما على الاجتماع أو الاستبدال بهما ، وكذا إن تغير حالهما
، وإن تغير حال أحدهما أقام الناظر مقامه آخر.
إذا تشاح الوصيان
وخالفا ، قسم بينهما التركة قسمة المقاربة لا قسمة العدل وجعل في يد كل منهما نصفه ليتصرف ، هذا في
الصورة التي أوصى إلى كل منهما مجتمعا ومنفردا خاصة.
ولا بأس أن يوصى
إلى عاقل وصبي ، ويجعل للعاقل النظر في الحال وللصبي إذا بلغ ، فإن مات قبل البلوغ
أو بلغ فاسد العقل ، أنفذها العاقل وإن أنفذها قبل بلوغه جاز ، ولم يكن للصبي إذا بلغ
النزاع فيه ، إلا أن يكون الكبير خالف شرط الوصية.
إذا أوصى إلى ورثته
الصغار والكبار ، كان للكبار إنفاذ الوصية ، إلا إذا اشترط الموصي إيقاف الوصية إلى
وقت بلوغ الصغار ، ويكون الموصى به مما يجوز تأخيره فإذن لا يجوز ، والوصي بالخيار
بين قبول الوصية وردها ، ولا يجوز له ترك القبول إذا بلغه ذلك بعد موت الموصي ولا ترك
القيام بما فوض إليه من ذلك إذا لم يقبل ورد فلم يبلغ الموصي ذلك حتى مات.
إذا أوصى إلى شخص
ولم يقل له : إذا مت فوض إلى غيرك ، هل يجوز له أن يوصى إلى غيره؟ فيه قولان.
ولا يجوز للوصي
صرف شيء من مال الوصية في غير الوجه المأمور به ، فإن فعل أو اختار ضمن المال ، وعلى
الناظر في أمر المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا
__________________
مقامه ، وكذا إن مات من غير وصية ، فعلى الناظر أن يقيم أمينا ينظر في مصلحة
ورثته ، وإن نظر في ذلك مؤمن من قبل نفسه ، واستعمل الأمانة مع فقد السلطان جاز ، وإذا
عجز الوصي عن القيام بتنفيذ الوصية ، أقام الناظر معه معينا أمينا ولم يعزله.
وإذا
أمره الوصي بأن يتصرف في تركته لورثته ويتجر لهم بها ويأخذ
نصف الربح جاز وحل له ذلك ، وإن كان للوصي على الميت مال لم يجز له أن يأخذه من تحت
يده بل عليه إقامة البينة بذلك.
ولا يصح أن يوصي
إلا على الأولاد الصغار مع عدم الأب والجد ، ومع وجودهما لا يوصي عليهم إلا في قدر
الثلث وقضاء الديون ، وكذلك لا يوصي على من عداهم إلا فيما ذكرناه. والأم لا تلي على
أطفالها إلا أن يكون الأب أوصى إليها. ولا يصح توصية المرأة إلى رجل أجنبي ، بالنظر في أموال أطفالها.
الفصل الثاني
من أوصى لغيره بمثل نصيب أحد ورثته ، كان
له نصيب أقلهم قسما ما لم يزد على الثلث ، فإن زاد عليه رد عليهم.
إذا قال : أوصيت
له بنصيب ابني ، بطل لأن نصيب ابنه لا يستحق غيره. إذا قال : له حظ من مالي أو نصيب
أو قيل ، يقال للورثة : أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك إلا أن يدعي الموصى له أكثر من ذلك
، أو يدعي عليهم بذلك ، فإذن القول قولهم مع يمينهم.
__________________
إذا قال له جزء
من مالي ، فله سبع ماله ، وروي عشر ماله ، ويؤول لفظ الكثير بثمانين ، والسهم بالثمن ، والشيء بالسدس. إذا قال : لزيد
ثلث مالي ، ولعمرو ربع مالي ، ولبكر نصف مالي ، في وصية واحدة وإجازته الورثة بدئ بالأول
فالأول ، ويدخل النقصان على الأخير ، وإن لم يجيزوه ففي الأول ثلثه وسقط الباقون.
إذا أوصى لرجل بثلث
ماله ، ثم أوصى لآخر بثلث ماله ، نسخت الثانية الأولى ، وعلى هذا إذا أوصى بوصية ثم
أوصى بأخرى ، فإن أمكن العمل بهما جميعا ، وجب العمل بها ، وإلا فبالأخير لا غير.
إذا أوصى بعتق جماعة
من عبيده دفعة واحدة ، وزادت قيمتهم على الثلث ، استخرج الثلث بالقرعة ، وأعتق. إذا
أوصى بعتق رقبة مؤمنة ، ولم يوجد كذلك ، جاز أن يعتق من لا يعرف بنصب ولا عداوة ، فإن
أعتقت نسمة على أنها مؤمنة ، ثم ظهر أنها لم تكن كذلك ، أجزأه عن الوصي.
إذا أوصى بعتق رقبة
بثمن معلوم فلم يوجد إلا بأقل منه ، اشترى وأعطى ما بقي من ثمنه وأعتق ، وإن لم يوجد
إلا بأكثر منه ، توقف فيه إلى وقت وجوده بالثمن المذكور أو أقل.
ويجوز الوصية بالحمل
، كأن يكون جارية حبلت من زوج شرط عليه استرقاق الولد ، أو حبلت من الزنا. إذا أوصى
لغيره بجارية فأتت بعد الوصية بولد مملوك إما من زنا أو من زوج شرط عليه ذلك ، فإن
كان قبل موت الموصي فالولد له ، وأما بعده فالولد مع أمه للموصى له.
__________________
إذا أعتق في مرضه
المخوف جارية حبلى ، ثم مات انعتقت الجارية وسرى العتق إلى الحمل ، لأنه كالجزء منها
إن خرجت من الثلث ، وإلا انعتق الثلث منهما ويقومان معا ، فإن كان الموصي أعتق الحمل
أولا ثم أمه ولم يخرجا من الثلث وكان قيمة الولد بقدر الثلث ، عتق الولد لا غير ، لأنه
أسبق في العتق ، وإن كانت أكثر من الثلث عتق بقدر ذلك ، وإن كانت أقل عتق الولد والأم
بقدر ما بقي من الثلث ، وإن أتت بتوأمين ولم يخرجوا من الثلث ولا الولدان
أخرج أحد الولدين بالقرعة وأعتق.
والقرعة : أن يكتب
رقعتان إحداهما بالحرية والأخرى بالرق ، أو ثلاث رقاع إحداهما بالحرية والباقي بالرق
، فمن خرج باسمه رقعة الحرية عتق.
إذا قال : أعتقوا
بثلث مالي موالي وموالي أبي ، ولم يبلغ الثلث ذلك ، كان النقصان داخلا على موالي أبيه.
إذا قتلت أم الولد
مولاها ، والولد باق انعتقت من نصيب ولدها ، وإن كان مولاها أوصى لها بشيء لم تمنع
لمكان القتل ، وكذا المدبر إذا قتل مولاه لم ينقض تدبيره ، لأن التدبير وصية ، والوصية
للقاتل جائزة ، ولا يجوز الوصية بجميع ما يملكه وإن كان لا يرثه أحد.
إذا أوصى ولم يملك
شيئا في الحال ، ثم ملك قبل الوفاة ، لزمت الوصية بالموت ، وكذا إذا زاد ماله بعد الوصاية
، لزم الوصية في الجميع.
إذا باع في مرضه
عبدا قيمته مائتان بمائة وبرأ ، لزم البيع ، وإن مات في مرضه صح إن خرج من الثلث على
إحدى الروايتين ، وإن لم يخرج لزم البيع في نصف العبد وفي ثلثه بالمحاباة ، ولم يلزم
في سدسه إلا بإجازة الورثة.
__________________
إذا أنفذ الوصي
الوصية من الشراء والبيع والعتق وغير ذلك ، ثم ظهر بعد ذلك دين على الموصي يحيط بجميع
التركة بطل جميع ما أنفذه ، لأن الوصية إنما تصح في الثلث فما دونه بعد قضاء الديون
، وأداء ما فرط فيه من الحج والزكاة والكفارة وغيرها من فرائض الشريعة المحتاج أداؤها
إلى المال.
إذا أوصى بحج مطلقا
، حج عنه من رأس ماله ، وإن أوصى به من الثلث ولم يبلغه الثلث حج
بالزيادة عليه ، هذا في حجة الإسلام خاصة ، فأما في التطوع
فإنه يحج من الثلث من حيث أمكن.
إذا أوصى بحجة الإسلام
وحجة التطوع وغيرهما من القربات ، حج عنه حجة الإسلام من أصل المال وما عداها من ثلث
ما بقي من التركة ، فإن لم يسع الثلث بذلك بدأ بحجة التطوع ثم بغيرها.
إذا قال : حجوا
عني بثلث مالي ، ولم يقل كم حجة ، يحج عنه ما يبقى من الثلث شيء ، ولا يجوز أن يستأجر
من يحج عنه بأكثر من أجرة المثل ، فإن فضل من الحج ما لا يمكن أن يحج به أخرى ، أعطي
الورثة أو صرف في وجوه البر.
إذا أوصى أن يحج
عنه في كل سنة من ارتفاع ضيعة بعينها على وجه التأبيد ، فلم يرتفع كل سنة مقدار ما
يحج به ، جاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلاث لسنة واحدة ، ويجوز أيضا أن يوصي بغلة داره
، أو ثمرة بستانه ، أو خدمة عبده المعين أبدا ، ما لم يتجاوز ثمن الملك والغلة ثلث
التركة في الحال ، وكذلك يجوز أن يوصي بذلك مدة معينة ، لكن ها هنا لا يقوم إلا المنفعة
، لأن الرقبة مردودة بعد انقضاء تلك المدة إلى الورثة.
إذا مات الموصي
ولزمت الوصية ثم مات الموصى له قبل قبوله ، قام ورثته مقامه في القبول ، والوصية بالثلث
المشاع جائزة.
__________________
إذا أوصى بثلث ماله
للفقراء صرف إلى فقراء ذلك البلد ، ويعم الكل استحبابا ، فإن خص بعضهم لم يجز أن ينقص
من أقل الجمع وهو ثلاثة نفر إذا أوصى لقرابته أو لذي رحمه دخل فيه كل من يتقرب إليه إلى
آخر أب وأم له في الإسلام ، وقيل
يصرف إلى من كان يعرف بثبوت
قرابة بينه وبين الموصي وارثا كان أو لا.
إذا أوصى الكافر
بشيء للفقراء ، كان لفقراء أهل ملته لا غير. إذا أوصى لأهل بيته أو ذريته ، فأهل بيته
هم الآباء والأجداد وبنوهم والأولاد ، وذريته أولاده وأولاد أولاده ، وأولاد الأولاد
يدخل في الولد.
إذا أوصى بصندوق
أو جراب معين وفيه مال ولم يستثن شيئا كان بما فيه للموصى له إن كان الموصي عدلا وإلا
فالثلث. إذا نسي الوصي بابا من أبواب الوصية صرف سهمه في وجوه البر.
تصرف الموصي في
الموصى به ، كالبيع والعتق والهبة وطهو الطعام
وعجن الدقيق ونحو ذلك رجوع
عن الوصية.
كل ما أوصى به لأولاده
ولم يذكر كيفية القسمة يستوي الذكر والأنثى فيه ، وما أوصى لأعمامه وأخواله روي : أن
للأعمام الثلثين وللأخوال الثلث .
من اعتقل لسانه
فكتب وصيته أو أومأ بما يفهم به غرضه أو قيل له : أتأمر بكذا وكذا؟ فأومأ برأسه أن
نعم ، وكان ثابت العقل صح جميع ذلك ، وإذا وجدت وصية بخط الميت ولم يكن أشهد عليها
ولا أقر بها قبل ذلك ، فالورثة بالخيار بين
__________________
العمل بها وردها ، فإن عملوا ببعضها لزمهم العمل بجميعها.
من كان عليه دين
فأقر بجميع ما يملكه لبعض ورثته ، لم يقبل إقراره إلا ببينة ، فإن لم يكن مع المقر
له بينة ، أعطي صاحب الدين حقه ، ويكون الباقي ميراثا. إذا قال : لزيد وعمرو لأحدهما
عندي ألف درهم ، ولم يبين ، كان لصاحب البينة منهما ، فإن فقداها كان بينهما نصفين.
أول ما يبدأ به
من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث.
إذا قال لوصيه :
اقض عني ديني ، وأعلمه بصاحب الدين ومقداره ولم يقضه مع التمكن وفقد الأعذار وهلك المال
، كان ضامنا له ولم يكن
للدائن على الورثة سبيل
، وإن كان عزله من الميراث ولم يتمكن من إعطائه الدائن وهلك بلا تفريط منه ، فللدائن
مطالبة الورثة بالدين.
والزكاة الواجبة
في ذمة الموصي بها ، يجب إخراجها من أصل المال ، لأنها كالدين ، ومن اجتمع عليه حجة
الإسلام والزكاة الواجبة ولم يف المال بذلك ، حج عنه من أقرب المواضع ويصرف الباقي
إلى الزكاة ، والوصية بقضاء ما عليه من حق واجب ديني أو دنياوي يخرج ذلك من أصل التركة
إن أطلق ولم يقيد بالثلث ، وأما الوصية المستحبة والمتبرع بها فمحسوبة من الثلث ، سواء
كانت في حال الصحة والمرض ، وتبطل فيما زاد عليه إلا بإجازة الورثة كما سبق.
ومن أوصى بثلث ماله
في أبواب البر ولم يفصل ، كان لكل باب منها مثل الآخر ، ومن أوصى بثلث ماله في سبيل
الله صرف في جميع مصالح المسلمين ، كبناء المساجد والقناطر والحج
والزيارة وما أشبه ذلك.
__________________
كتاب
الفرائض
الفرائض لا بد فيها
من معرفة ستة أشياء :
ما به يستحق الميراث.
وما به يمتنع.
ومقادير سهام الوراث.
وترتيبهم في الاستحقاق.
وتفصيل أحكامهم
مع الانفراد والاجتماع.
وكيفية القسمة عليهم.
أما ما به يستحق
فشيئان : نسب وسبب. والسبب ضربان : زوجية وولاء. والولاء ، ثلاثة : ولاء العتق ، وولاء
تضمن الجريرة ، وولاء الإمامة.
وأما ما به يمتنع
فثلاثة أشياء : الكفر والرق وقتل الموروث منه عمدا على وجه الظلم.
وأما مقادير السهام
فستة : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
فالنصف سهم أربعة
: سهم الزوج مع عدم الولد ، وولد الولد وإن نزلوا ،
__________________
وسهم البنت إذا لم يكن غيرها من الأولاد ، والأخت من الأب والأم ، والأخت من الأب إذا لم تكن أخت من أب وأم.
والربع سهم اثنين
: سهم الزوج مع وجود الولد أو ولد الولد وإن نزلوا ، وسهم الزوجة مع عدمهم.
والثمن سهم الزوجة
فقط مع وجود الولد وولد الولد وإن نزلوا.
والثلثان سهم ثلاثة
: سهم البنتين فصاعدا مع فقد الابن ، والأختين فما زاد من الأب والأم ، والأختين فصاعدا
من الأب إذا
لم تكن أخوات من
أب وأم.
والثلث سهم اثنين
: سهم الأم مع عدم الولد وولد الولد وعدم من يحجبها من الإخوة ، وسهم الاثنين فصاعدا
من كلالة الأم.
والسدس سهم خمسة
: سهم كل واحد من الأبوين مع وجود الولد أو ولد الولد وإن نزلوا ، وسهم الأم مع عدم
الولد ووجود من يحجبها من الإخوة ، وسهم الواحد من الإخوة أو الأجداد من قبل الأم.
الفصل الأول
وأما ترتيب الوراث فالواجب تقديم الأبوين والولد ، ولا يرث معهم ولا مع واحد
منهم من
عداهم إلا الزوج والزوجة
فإنهما يرثان مع جميع الوراث ، وحكم ولد الولد وإن نزلوا حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق
ومشاركة الأبوين وحجبهما عن أعلى السهمين وحجب من عداهما من الإرث جملة إلا من استثنيناه
، والأقرب من الأولاد أولى من الأبعد وإن كان الأقرب بنتا والأبعد ابن ابن ، فإن
__________________
عدم الأبوان والولد فالواجب تقديم الإخوة والأخوات والأجداد والجدات ، فلا يرث
مع جميعهم ولا واحدهم من عداهم إلا الزوج والزوجة.
وحكم أولاد الإخوة
والأخوات وإن نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق ومشاركة الأجداد وحجب من سواهم
واعتبار الأقرب منهم فالأقرب ، فإن لم يكن أحد من هؤلاء وجب تقديم الأعمام والعمات
والأخوال والخالات أو واحدهم على غيرهم من الوراث إلا من استثنيناه ، وحكم أولادهم
وإن نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم على ما سبق إلا في مشاركة
الأخوال والأعمام ، وفي أن ابن العم للأب والام أحق بالميراث من العم للأب ، فإن عدم
هؤلاء الوراث فالمستحق من له الولاء بالعتق أو تضمن الجريرة دون الإمام ، ويقوم ولد
المعتق الذكور منهم دون الإناث مقامه ، فإن لم يكن له ولد ، قام عصبته مقامهم.
الفصل الثاني : في تفصيل
أحكام الوراث مع الانفراد والاجتماع :
إذا انفرد الأبوان
من الولد كان المال كله لهما ، للأم الثلث والباقي للأب ، والمال كله لأحدهما إذا انفرد
، فإن كان معهما زوج أو زوجة فللأم الثلث من أصل التركة والباقي بعد سهم الزوج أو الزوجة
للأب ، وإن كان معهما أخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان لأب أو لأب وأم أحرار مسلمون
، فالأم محجوبة عن الثلث إلى السدس ، وللأبوين مع الولد سدسان بينهما بالسوية ، ولأحدهما
السدس واحدا كان الولد أو أكثر ذكرا كان أو أنثى إلا أنه إن كان ذكرا فله جميع الباقي
بعد سهم الأبوين ، وإن كان ذكرا وأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن كان أنثى فلها
النصف والباقي رد عليها وعلى الأبوين.
__________________
فإن كان معهما بنتان
فصاعدا كان لهما الثلثان وللأبوين السدسان ، ولأحد الأبوين معهما السدس والباقي رد
عليهم بحساب سهامهم ، فإن كان هناك إخوة يحجبون الأم لم يرد عليها شيء ، فإن كان مع
الأبوين والولد زوج أو زوجة كان للولد ما يبقى بعد سهم الأبوين والزوج أو الزوجة ،
واحدا كان الولد أو جماعة ، ذكرا أو أنثى ، وإن لم يف الباقي بالمسمى للبنت أو البنات
دخل النقص على البنت أو البنات دون الأبوين والزوج أو الزوجة.
الفصل الثالث
وإذا انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين
فله المال كله ، سواء كان واحدا
أو جماعة ذكرا أو أنثى ، فلا يرث مع البنت سوى من سبق عصبة كان أم لا ، بل النصف لها
بالتسمية والنصف الآخر بالرد بالرحم ، وولد الولد يأخذ ميراث من يتقرب به كابن بنت
وبنت ابن ، فلابن البنت الثلث ، ولبنت الابن الثلثان.
ويستحب أن يخص الأكبر
من الولد الذكور بسيف أبيه وبمصحفه وخاتمه إذا كان هناك تركة سوى ذلك ، وقيل
يحتسب بقيمة ذلك عليه من سهمه ، ليجمع بين ظاهر القرآن وما
اجتمعت عليه الطائفة ؛ وكذا قيل
فيما روي من أن الزوجة
لا ترث من الرباع والأرضين شيئا ، فحمل على أنها لا ترث من نفس ذلك بل من قيمته.
__________________
الفصل
الرابع
ولواحد الإخوة أو
الأخوات أو الأجداد أو الجدات إذا انفرد جميع المال من أي الجهات كان ، وإذا اجتمع
كلالة الأم مع كلالة الأب والأم ، كان للواحد من قبل الأم أخا كان أو أختا جدا أو جدة
السدس وللاثنين فصاعدا الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء ، وروي أن لواحد الأجداد من
قبل الأم الثلث نصيب الأم والباقي لكلالة الأب والأم أخا كان أو أختا
جدا أو جدة
، فإن كانوا جماعة ذكورا
وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا يرث أحد من الإخوة والأخوات من قبل الأب خاصة
مع وجود واحد منهم من الأب والأم أخا كان أم أختا.
ومتى اجتمع واحد
من كلالة الأم مع أخت أو أختين فصاعدا من الأب والأم ، كان الفاضل من سهامهم مردودا
على كلالة الأب والأم خاصة.
يختص بالرد كلالة الأب ، لأن النقص يدخل عليها خاصة إذا نقصت التركة
عن سهامهم لمزاحمة الزوج أو الزوجة ، ولا يدخل على كلالة الأم ولا على الزوج والزوجة
على كل حال .
وولد الإخوة والأخوات
وإن نزلوا يقومون عند فقدهم مقامهم في مقاسمة الأجداد وفي الحجب لغيرهم وكذا حكم الأجداد
والجدات وإن علوا ، والأدنى من جميعهم ـ وإن كان أنثى ـ أحق من الأبعد وإن كان ذكرا.
ويستحب إطعام الجد
أو الجدة من قبل الأب السدس من نصيب الأب إذا
__________________
كان حيا وسهمه الأوفر ـ يعني أكثر من السدس ـ وإن كان السدس فلا طعمة ، وكذا إن مات الأبوان ، فإن وجدا
معا فالسدس بينهما نصفان ، وقد قيل : إن هذا حكم الجد أو الجدة من قبل الأم معها .
الفصل الخامس
ويرث الأعمام والعمات والأخوال والخالات
مع فقد من ذكرنا ، ويجري الأعمام والعمات
من الأب والأم مجرى الإخوة والأخوات من قبلهما في كيفية الميراث ، وفي إسقاط الأعمام
والعمات من قبل الأب فقط ، ويجري الأخوال والخالات مجرى الإخوة والأخوات من قبل الأم
، لواحدهم إذا اجتمع مع الأعمام والعمات السدس ، ولمن زاد عليه الثلث ، الذكر والأنثى
فيه سواء ، والباقي للأعمام والعمات من قبل الأب والأم أو الأب إذا لم يكن واحد منهم
من قبل أب وأم ، للذكر من هؤلاء مثل حظ الأنثيين .
فإن اجتمع الأعمام
والعمات المتفرقون مع الأخوال والخالات المتفرقين ، كان للأعمام والعمات الثلثان ؛
لمن هو للأم من ذلك السدس والباقي لمن هو للأب والأم دون من هو للأب ، وللأخوال والخالات
الثلث ؛ لمن هو للأم منه السدس والباقي لمن هو للأب والأم دون من هو للأب ، ولا يقوم
ولد الأعمام والعمات مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأخوال والخالات ، ولا يقوم أيضا
ولد الخؤولة والخالات مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأعمام والعمات ، فلو ترك عمة
أو خالة مثلا مع ابن عم وابن خال ، لكانت كل واحدة من العمة والخالة أحق بالميراث منهما
، ولا يرث الأبعد من هؤلاء مع من هو أدنى منه إلا في مسألة ذكرناها.
__________________
الفصل
السادس
فإن لم يكن أحد
منهم ، كان ميراثه لمن أعتقه تبرعا لا في واجب ككفارة
سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، فإن لم يكن المعتق باقيا
فلولده الذكور منهم دون الإناث ، وقيل : إن ولد المعتقة لا يقومون مقامها في الميراث
ذكورا كانوا أو إناثا. فإن لم يكن للمعتق أولاد فالميراث لعصبته ، وأولادهم الإخوة
ثم الأعمام ثم بنو العم.
ومن زوج عبده لمعتقة
غيره ، فولاء أولادها لمن أعتقها ، فإن أعتق أبوهم انجر ولاء الأولاد إلى من أعتقه
ممن أعتق أمهم ، وإن أعتق جدهم من أبيهم مع كون أبيهم عبدا انجر ولاء الأولاد إلى من
أعتق جدهم ، فإن أعتق بعد ذلك أبوهم انجر الولاء ممن أعتق جدهم إلى من أعتق أباهم.
وحكم المدبر حكم
المعتق سواء ، ولا يثبت الولاء على المكاتب إلا بالشرط فإن لم يشرط ذلك كان سائبة.
الفصل السابع
فإن لم يكن أحدهم وكان الميت سائبة ـ بأن يكون معتقا في كفارة واجب ، أو معتقا تطوعا ، وقد تبرأ
معتقه من جريرته ـ أو مكاتبا غير مشروط عليه الولاء وقد توالى من ضمن جريرته كان ميراثه
له ، فإن مات بطل هذا الولاء ولم ينتقل إلى ورثته ، فإن عدم جميع هؤلاء الوراث فالميراث
للإمام
، فإذا مات انتقل إلى من
__________________
يقوم مقامه في الإمامة دون من يرث تركته ، وفي حال الغيبة يقسم في الفقراء إن
أمكن. وسهم الزوج والزوجة ثابت مع جميع ما ذكرناه.
إذا انفرد الزوج
بالميراث فله النصف بالتسمية والنصف الآخر بالرد ولا يرد على الزوجة ، وقيل : يرد.
الفصل الثامن
المسلم يرث الكافر وإن بعد نسبه ، أما بالعكس فلا كما مضى ، وإذا كان للكافر أولاد أصاغر ،
وقرابة مسلم أنفق عليهم من التركة حتى يبلغوا ، فإن أسلموا فالميراث لهم وإلا فللمسلم
، وإذا كان أحد أبوي الصغار مسلما ، قهروا على الإسلام إذا بلغوا ، وأعطوا الميراث
، فإن أبوا فحكمهم حكم المرتدين ، ولا يرث المرتد كافرا. وإذا أسلم الكافر أو أعتق
المملوك بعد القسمة أو بعد نقل المال إلى بيت المال لم يرث شيئا.
ومتى لم يكن للميت
إلا وارث مملوك ابتيع من التركة وأعتق وورث الباقي ، ويجبر المالك على بيعه ، هذا إذا
كانت التركة تبلغ قيمته فما زاد ، فأما إذا نقصت عن ذلك فلا يجب شراؤه ، وقيل : إذا
كان أقل منها استسعى في الباقي
، والأول أظهر.
__________________
وأم الولد إذا مات
سيدها وولدها حي جعلت في نصيبه وعتقت عليه ، فإن لم يخلف غيرها عتق منها نصيب الولد
واستسعيت في الباقي لغيره من الورثة ، فإن كان ثمنها دينا على سيدها قومت على ولدها
وتركت حتى يبلغ ، فإذا بلغ أجبر على قضاء ثمنها فإن مات قبل البلوغ بيعت لقضائه.
القاتل خطأ يرث
مقتوله مما عدا الدية المستحقة عليه ، ولا يورث من الدية أحد من كلالة الأم ، ويرثها
من عداهم من ذوي الأنساب والأسباب.
الفصل التاسع
إذا كان لرجل أربع نسوة فطلق إحداهن ثم تزوج
بالأخرى ، ثم مات ولم تتميز
المطلقة ، كان ربع ميراثهن للمزوجة أخيرا والباقي بين الأربعة المطلقة إحداهن.
والمطلقة في مرض
الوفاة ترث زوجها إلى سنة إلا إذا تزوجت أو زاد على سنة ولو يوم واحد ، سواء كان الطلاق
رجعيا أو بائنا ، وهو يرثها ما دامت في العدة ، إذا كان الطلاق رجعيا ، فإن صح من مرضه
ثم مات فلا ميراث لها إلا في الرجعي ، فإنها ترثه ما لم تخرج من العدة ، وإذا تزوج
المريض فإن دخل بها صح العقد وتوارثا ، فإن لم يدخل بها ومات بطل العقد.
وإذا تزوج امرأة
صحيحا أو في مرض برأ منه ثم طلقها قبل الدخول بها لم يتوارثا ، فإن مات قبل الطلاق
ورثته. والصبيان إذا زوجهما أبواهما ثم مات أحدهما ورثه الآخر ، فإن كان العاقد عليهما
غير الأبوين ، فلا توارث بينهما حتى يبلغا ويرضيا ، فإن ماتت الصبية قبل البلوغ وكان
الصبي قد بلغ ورضي بالعقد لم يرثها ، لأن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا بالعكس ، فإن
بلغ الصبي ورضي بالعقد ، ولم تبلغ
الصبية ومات الصبي ، عزل ميراث الصبية ، فإن بلغت ورضيت بالعقد ، حلفت بالله
أنها ما أظهرت الرضا بالعقد للطمع ، ثم سلم إليها حقها منه ، وكذا في الصبي.
الفصل العاشر
ويرث ولد الملاعنة أمه ومن يتقرب بها ، وترثه هي ومن يتقرب بها ، ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به
على حال ، ولا يرثه الولد إلا أن يقر به بعد اللعان.
وولد الزنا لا يرث
أبويه ولا من يتقرب بهما ، ولا يرثونه على حال ، لأنه ليس بولد شرعا ، لأن الولد للفراش
، وقيل : حكمه حكم الولد الملاعنة ، فإن كانوا توأمين لم يتوارثا على القول الأول ، وتوارثا بالأمومة
على الثاني.
ويعزل من التركة
مقدار نصيب الحمل ، والاستظهار يقتضي عزل نصيب ذكرين.
فإن ولد ميتا فلا
شيء له ، وإن ولد حيا ورث ، ويعلم حياته بالاستهلال أو الحركة [ الكثيرة التي لا تكون إلا من حي ، وإن ولد وله
ما للرجال وما للنساء اعتبرت حاله بالبول ]
فمن أي الفرجين خرج ورث
عليه ، فإن خرج منهما معا يعتبر بالسبق ، فمن أيهما سبق ورث عليه ، فإن تساوى خروجه
منهما اعتبر بانقطاعه ، فمن انقطع منه أولا ، ورث عليه ، فإن تساوى انقطاعه منهما ورث
نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء ، وقد روي : أنه يعد أضلاعه ، فإن
__________________
نقص أحد الجانبين ورث ميراث الرجال ، وإن تساويا ورث ميراث النساء.
فإن لم يكن للمولود
فرج ، استخرج بالقرعة ، ويكتب على سهم : عبد الله ، وعلى آخر : أمة الله ، ويخلطان
بالرقاع المبهمة ثم يستخرج واحد ، فما خرج ورث عليه.
ومتى ولد من له
رأسان أو بدنان على حقو واحد ، تركا حتى يناما ، ثم ينبه أحدهما ، فإن انتبها معا ،
ورث ميراث شخص واحد ، وإن انتبه أحدهما دون الآخر ، ورثا ميراث شخصين.
وإذا تعارف المجلوبون
من بلاد الشرك بنسب يوجب الموارثة بينهم ، قبل قولهم بلا بينة ، وورثوا عليه ، إلا
أن يكونوا معروفين بغير ذلك النسب ، أو قامت البينة بخلافه.
ويوقف نصيب الأسير
في بلاد الكفر ، إلى أن يجيء أو يصح موته ، فإن لم يعلم مكانه ، فهو مفقود ، وحكمه
أن يطلب في الأرض أربع سنين ، فإن لم يعلم له خبر في هذه المدة ، قسم ماله بين ورثته
، وقيل : لا يقسم مال المفقود حتى يعلم موته ، أو يمضي مدة لا يعيش مثله إليها.
ومن وطأ امرأته
أو جاريته ثم وطأها غيره في تلك الحال ، فجاءت بولد ، لم يلحقه بنفسه ، لكن عزل له
شيئا من ماله عند وفاته ، ولم يرث هو ذلك الولد ، وإذا وطأ نفسان فصاعدا جارية مشتركة
بينهم ، فجاءت بولد ، أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه الحق به ، وضمن لباقي الشركاء حصتهم
وتوارثا ، فإن وطأها نفسان في طهر واحد بعد انتقال الملك من أحدهما إلى الآخر ، كان
الولد لا حقا بمن عنده الجارية
__________________
فتوارثا.
ومن تبرأ عند السلطان
من جريرة ولده ومن ميراثه ، ثم مات الولد ، كان ميراثه لورثة أبيه ، دون أبيه إذا لم
يخلف غيرهم ، ودية الميت وما يجنى به عليه يتصدق بها عنه ولا يستحقها ورثته.
إذا مات اثنان فصاعدا
في وقت واحد ، وكانا ممن يتوارث بهدم أو غرق ولم يعلم أيهما مات قبل صاحبه ، ورث أحدهما من الآخر
من نفس تركته ، لا مما يرثه من صاحبه وأيهما قدم جاز ، وروي : أن الأولى تقديم الأضعف
في الاستحقاق وتأخير الأقوى.
ثم ينقل ميراث كل واحد
منهما من صاحبه إلى وارثه ، فإن كان أحدهما يرث صاحبه ، والآخر لا يرثه ، بطل هذا الحكم
، وانتقل [ ميراث ]
كل منهما إلى وارثه بلا
واسطة.
لأصحابنا في ميراث
المجوسي ثلاثة مذاهب :
أحدها : أنهم لا
يورثون إلا بسبب أو نسب يسوغ في الإسلام.
والثاني : أنهم
يورثون بالنسب على كل حال. وبسبب يجوز في الشرع لا غير.
والثالث : أنهم
يورثون بكلا الأمرين معا بالنسب والسبب جاز في الإسلام أو لا ما لم يسقط بعضه بعضا
، والأخير اختيار أبي جعفر . ومن عدا المجوس من الكفار إذا تحاكموا إلينا ، ورثناهم على شريعة الإسلام.
__________________
الفصل
الحادي عشر
في كيفية القسمة
على الوراث يحتاج إلى تصحيح السهام في قسمة الأرضين والرباع.
والوجه في ذلك أن
يضرب سهام المنكسر عليهم في أصل الفريضة ، فما بلغت إليه ، خرجت منه السهام صحاحا ،
وأصل الفريضة هو أقل عدد يخرج عنه السهام المسماة فيها صحاحا ، مثل أن يجتمع مع النصف
ثلث أو سدس فيكون أصلها من ستة ، فإن كان معه ربع ، فأصلها من أربعة ، فإن كان مع النصف
ثمن ، فأصلها من ثمانية ، فإن كان مع الثلاث ثلث أو سدس ، فأصلها من اثني عشر ، وإن
كان مع الثمن ثلثان أو سدس ، فأصلها من أربعة وعشرين.
مثال ما سبق في
تصحيح السهام أن نفرض أبوين وابنا وبنتا فأصل فريضتهم من ستة ، للأبوين سهمان ويبقى أربعة
تنكسر على الابن والبنت ، فتضرب سهامهما وهي ثلاثة ، للابن سهمان ، وللبنت سهم في أصل
الفريضة ، وهي ستة ، فيكون ثمانية عشر ، لكل واحد من الأبوين ثلاثة ، ويبقى اثنا عشر
، للابن منها ثمانية وللبنت أربعة ، وكذا لو كان مكان الابن والبنت ثلاث بنات فإنا
نضرب سهامهن ، وهي ثلاثة في أصل الفريضة ، فيكون للأبوين ستة ولكل واحدة من البنات
أربعة.
وإن كان في الفريضة
رد ينكسر ، فالوجه أن يجمع مخرج فرائض من يجب الرد عليه ، ثم يضرب في أصل الفريضة ،
ويقسم الجميع كفريضة الأبوين والبنت مثلا ، فإن أصلها من ستة ، للأبوين الثلث ، وللبنت
النصف ، ويبقى سهم ينكسر في الرد عليهم ، ومخرج الثلث من ثلاثة ، ومخرج النصف من اثنين
وذلك خمسة ، فنضرب في أصل الفريضة ، وهي ستة ، فيكون ثلاثين ، للأبوين عشرة ، وللبنت
خمسة عشر بالفرض ، وللأبوين من الباقي ، هو خمسة ، سهمان ، وللبنت ثلاثة بالرد.
__________________
الفصل
الثاني عشر
والوجه في تصحيح
المناسخات
، أن نصحح مسألة الميت الأول
ثم نصحح مسألة الميت الثاني ونقسم ما يختص بالميت الثاني من المسألة الأولى على سهام
مسألته ، فإن انقسم ، فقد صحت المسألتان مما صحت من مسألة الميت الأول ، كمن مات وخلف أبوين وابنين فأصلها
من ستة : للأبوين سهمان ولكل واحد من الابنين سهمان ، فإن مات أحد الابنين وخلف ابنين
، كان لكل واحد منهما سهم من هذين السهمين ، فقد صحت المسألتان من المسألة الأولى ،
وإن لم ينقسم الثانية من الأولى ، جمعنا سهام المسألة الثانية وضربناها في سهام المسألة
الأولى ، مثل أن يخلف أحد الابنين في المسألة المذكورة ابنا وبنتا ، فإن سهمه وهو اثنان
من ستة ينكسر عليهما ، فنضرب سهم الابن وهو اثنان ، وسهم البنت وهو واحد في أصل الفريضة
في المسألة
الأولى ، وهي ستة ، فيكون
ثمانية عشر ، للأبوين السدسان ستة ، ولكل واحد من الابنين ستة ، فيكون لابنه وبنته
اللذين خلفهما ، للذكر مثل حظ الأنثيين من غير انكسار.
وكذا الحكم لو مات
ثالث ورابع فما زاد ، فإنا نصحح مسألة كل ميت ، ونقسم ماله من مسائل من مات قبله من
السهام ، على سهام مسألته ، فإن انقسم ، فقد صحت المسائل ،
كلها ، وإن لم تصح ضربنا جميع مسألته فيما صحت من مسائل من مات قبله فما اجتمع صحت منه المسائل كلها.
__________________
كتاب
الصيد والذبائح
لا يجوز الصيد إلا
بالكلب المعلم خاصة ، ويعتبر في كونه معلما أن يرسله صاحبه فيسترسل ، ويزجره فينزجر
، ولا يأكل مما يمسكه ، ويتكرر هذا منه ، حتى يقال في العادة : إنه معلم ، وما هذه
حاله يحل أكل ما قتله إذا سمى صاحبه المسلم عند إرساله.
والتسمية شرط عند
إرسال الكلب والسهم وعند الذبح.
ولا يحل أكل الصيد
إذا أكل منه الكلب ، وكان أكله معتادا فإن كان أكله نادرا
لم يخرجه عن كونه معلما ، وكذا إن جرح الصيد فشرب من دمه لم يحرم أكله ، وكل صيد أخذ
حيا ولم تدرك ذكاته لا يحل أكله.
ولا يحل أكل ما
قتله غير كلب المسلم المعلم من الجوارح ، ولا ما قتله الكلب إذا انفلت من صاحبه ولم
يرسله ، أو كان المسمي عند إرساله غير صاحبه الذي أرسله ، أو شاركه في القتل غير واحد
من الكلاب المعلمة ، ولم يسم أحد أصحابها ، وكذا حكم كل صيد وجد مقتولا بعد ما غاب
عن العين ، أو سقط في ماء ، أو من موضع عال ، أو ضرب بسيف فانقطع نصفين ولم يتحرك واحد
منهما ، ولا سال منه دم ، ولا يحل أكل ما قتل من مصيد الطير بغير النشاب ، ولا به إذا
لم يكن فيه حديد.
__________________
الفصل
الأول
وإذا أرسل المسلم
آلته على صيد ، وأرسل ذمي [ آلته ] أو عابد وثن آلته أيضا عليه ، كأن أرسل كلبين أو سهمين ،
أو أرسل أحدهما كلبا ، والآخر سهما ، فأصاباه وقتلاه ، حرم أكله ، سواء وقع السهمان
دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر إذا كان القتل منهما ، فأما
إذا صيره الأول في حكم المذبوح ، كأن قطع الحلقوم والمريء والوجودين ، ثم رماه الآخر
، فالأول ذابح والآخر جارح ، فالحكم للأول ، فإن كان الأول هو المسلم حل أكله ، وإن
كان كافر فلا.
وإن كان مع مسلم
كلبان : معلم وغير معلم ، فأرسلهما معا فقتلا ، أو كان معه كلبان أرسل أحدهما واسترسل
الآخر بنفسه فقتلا ، حرم أكله.
ويجب غسل ما عضه
الكلب من الصيد احتياطا. ولو أرسل كلبا على صيد فغاب قبل أن يعقره الكلب فوجده قتيلا
لم يحل أكله ، وكذا لو عقره ولم يصيره في حكم المذبوح ، فإن عقره قبل أن يغيب عنه عقرا
صيره في حكم المذبوح ، كأن قطع حلقومه ومريئه أو أبان حشوته أو شق قلبه ثم تحامل الصيد
على نفسه فغاب فوجد ميتا ، حل أكله ، لأنه غاب بعد أن حصل مذكى.
وكل ما قتله بحده
، حديدا كان أو مروة
حادة أو خشبة حادة أو ليطة
ونحو هذا مما يخرق جاز أكله ، فأما ما قتل بثقله ، كالحجر والبندق
__________________
والمعراض فلم يجز.
إذا عقر الصيد بكلب
أو سهم ولم يصيره في حكم المذبوح بل وجده وفيه حياة مستقرة يعيش اليوم ونصف اليوم ،
واتسع الزمان لذكاته فلم يذكه ، لم يحل أكله ، عامدا ترك ذلك ، أو لعدم آلة ، وإن لم
يتسع الزمان لذكاته حل أكله.
إذا أرسل كلبه على
صيد أو رمى نحوه بسهم وسمى فقتل غيره جاز أكله لذكاته.
إذا أرسل الكلب
أو السهم وهو لا يرى
صيدا فإن أصاب صيدا فقتل
لم يحل أكله سمى عند إرساله أو لا ، وكذا لو استرسل الكلب بنفسه بلا إرسال ، أو رمى
سهما في الغرض ، فأصاب في طريقه صيدا ، أو نصب سكينا فانذبحت بها شاة.
إذا ضرب الصيد أو
طعنة فقده بنصفين ، ولم يتحرك واحد منهما ، وقد سمى ، حل أكلهما إذا خرج منه الدم ،
وإن كان النصف الذي مع الرأس أكبر وتحرك ، ولم يتحرك الباقي ، حل ما تحرك ورمى بما
لم يتحرك ، فإن عقره وأبان منه بعضه وكان الباقي على الامتناع فرماه ثانيا ، فقتله
حل أكله دون ما بان منه بالرمية الأولى ، وكذا إن أبان بعضه وأدركه ، وفيه حياة مستقرة
فذكاه ، أو تركه حتى مات ، حل أكله دون ما بان منه ، وكذا حكم قطعة أخذتها الحبالة
من الصيد.
ولو ترك التسمية
عند إرسال الكلب أو السهم ناسيا ، وكان معتقدا وجوب ذلك ، جاز أكل ما يقتله ، وإن تركه
متعمدا فلا. إذا أرسل وسمى غيره لم يجز أكل ما يقتله.
__________________
إذا صاد صيدا بسهمه
أو كلبه ، ثم وجده مقتولا وظن أن غير آلته قتله ، أو رمى طائرا في الهواء فسقط على
الأرض فوجده ميتا ولم يعلم سبب موته أو رمى صيدا فتدهده من جبل ، أو وقع في بئر أو ماء ، ثم مات
لم يجز أكله ، وإن كان جرح الصيد جرحا قاتلا حل أكله على كل حال.
لا يحل صيد الكافر
بكلب مسلم وإن كان معلما ، لأن الاعتبار بمن يرسل الكلب لا بالكلب نفسه ولا بمن علمه.
إذا توالى على الصيد
رميتان عن اثنين فإن كان الأول صيره في حكم المذبوح فقد ملكه وإن بقي بعد رميه على
حال الامتناع ثم رماه الثاني فقتله ، فقد ملكه ، وإن أثبته الأول ولم يصيره في حكم
المذبوح بل بقية الحياة مستقرة فيه ، فقد ملكه ، فإذا وجأه الثاني في الحلق ، حل أكله
، لأنه مقدور عليه ، وعليه ما نقص بالذبح ، وإن وجأه في غير الحلق وقتله حرم أكله وعليه
كمال قيمته.
إذا رمى صيدا بسهم
فأصابه وأصاب فرخا لم ينهض بعد ، فقتلهما جاز أكل الطير دون الفرخ ، لأنه ليس بصيد
، وإنما يكون صيدا إذا نهض وملك جناحيه.
إذا رمى شخصا قد
ظنه آدميا ، أو صيدا لا يؤكل ، فبان صيدا مأكولا قد قتله ، لم يحل أكله ، وكذا إذا
رمى سهما إلى فوق غير قاصد لصيد ، فأصاب طائرا فقتله ، أو أرسل كلبا في ظلمة الليل
لا على صيد ، فقتل صيدا.
ويكره صيد الوحش
والطير بالليل ، ويكره أخذ الفراخ من أعشاشهن.
الفصل الثاني
كل ما كان مقدورا عليه من الحيوان كالإنسي
، والوحشي إذا تأنس ، أو
كان
__________________
من الصيد ممتنعا فأخذته وهو نائم أو رميته فأثبته فوجدته والحياة فيه مستقرة ، فإن ذكاته في الحلق واللبة ، وما لم يكن مقدورا عليه إن
كان وحشيا فعقره في أي موضع كان هو ذكاته ، وإن كان إنسيا توحش فكذلك ، وكذا إذا تردى
أهلي في بئر فلم يقدر على الحلق واللبة أو استعصى فلم يقدر عليه فيؤخذ بالسيوف والحراب
ويذبح في غير المذبح كان ذكيا ، وكذا الطير الأهلي. وبالجملة
فما لم يقدر على ذكاته فعقره ذكاته.
من ترك التسمية
أو لم يستقبل بالذبيحة القبلة ناسيا ، يجوز أكل ذبيحته ، فأما عامدا فلا ، ولا يفصل
رأس الذبيحة من الجسد إلا بعد أن تسكن وتموت ، فإن تعمد ذلك مختارا لم يجز أكله ، وإن
سبقه السكين وأبان الرأس جاز إذا خرج الدم وإلا فلا.
ويكره الذباحة بالليل
إلا لضرورة ، وكذا قبل الزوال من يوم الجمعة ، وكذا يكره للإنسان أن يذبح بيده ما رباه.
والذابح يستحب أن
يكون مؤمنا عارفا بالحق ، ولا يجوز أكل ذبيحة الكافر ، يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا
أو عابد وثن ، سمى أو لا ، وكذا المجبرة والمشبهة والناصب لعداوة آل محمد ـ عليهالسلام ـ ، وإذا ابتاع اللحم في أسواق المسلمين ولم يفتش جاز ، ويجوز ذبح المرأة والغلام
غير البالغ إذا أحسنا ذلك.
إذا أدرك شاة وقد
جرحها سبع جراحة يجوز أن تموت منها وأن لا تموت ، وفيها حياة مستقرة ، فذبحها حل أكلها
، وكذا إن كانت جراحة تموت منها لا
__________________
محالة ، لكن فيها حياة مستقرة ، تعيش يوما فصاعدا ، كأن يشق جوفها وظهرت الأمعاء
ولم تنفصل ، وإن كان بحيث لم يبق فيها حياة مستقرة ، كأن تبين الحشوة وتنفصل ، أو كان
الجرح في اللبة ، فإنه لا تحل وإن ذكاة وفيه حياة وخرج الدم ، لأن الحركة إذا كانت
حركة المذبوح فلا يراعى ما وراء ذلك.
والنحر في الإبل
والذبح فيما عداها ، فإن خولف ذلك بلا ضرورة لم يحل الأكل ؛ يعقل يدي البعير ويطعنه
في لبته وهو بارك ، ويعقل يدي الغنم وأحد رجليه
، وإن كان من البقر عقل يديه ورجليه ، ويذبح الطير ويرسله
ولا يعقله.
ولا تكون الذكاة
صحيحة مبيحة للأكل إلا بقطع الحلقوم والودجين ، مع التمكن من ذلك بالحديد أو ما يقوم
مقامه في القطع عند فقده ، من زجاج أو حجر أو قصب ، مع كون المذكي مسلما ، ومع التسمية
واستقبال القبلة ، ولا يحل التذكية بالسن والظفر المتصلين ولا بالمنفصلين.
ولا يحل كل ذبيحة
تعمد فيها قلب السكين والذبح من أسفل إلى فوق ، أو سلخ جلدها قبل
أن يبرد بالموت ، أو لم يتحرك أو تحرك ولم يسل منها دم.
وذكاة ما أشعر وأوبر
من الأجنة ذكاة أمه ، إن خرج ميتا حل أكله وإن خرج حيا فأدركت ذكاته أكل وإلا فلا ،
وإن لم يكن أشعر وأوبر لم يحل أكله إذا خرج ميتا.
وذكاة السمك والجراد
صيد المسلم إياهما فقط ، وقيل : يجوز أن يصيدهما الكافر إذ ليس من شرطهما التسمية وإن كانت أولى إلا أنه لا يحل أكل شيء من
__________________
ذلك إذا لم يشاهد المسلم أخذ الكافر إياهما حيا ، والأول أحوط.
ولا يحل من السمك
إلا ما كان له فلس ، ولا يحل أكل الدبا من الجراد وهو الذي يقفز ولا يستقل بالطيران.
ولا يحل من السمك ما مات في الماء ولا من الجراد ما مات في الصحراء ، وكذا حكم ما مات
من السمك لذهاب الماء عنه ، وما مات من الجراد لوقوعه في ماء أو نار.
إذا صيد سمك وجعل في شيء وأعيد في الماء فمات فيه لم يحل أكله.
إذا اصطاد سمكة
فانفلتت من يده وبقيت فيها قطعة منها وذهب الباقي حيا حل أكله.
إذا اصطاد سمكة
وفي جوفها أخرى من جنس ما يؤكل حل أكلها.
إذا وثبت سمكة من
الماء فماتت ، فإن أدركها الإنسان وهي تضطرب جاز له أكلها وإلا فلا. ويكره صيد السمك
يوم الجمعة قبل الزوال.
__________________
كتاب
المأكول والمشروب
الفصل الأول الحيوان طير وغير
طير ،
الطير : بري وبحري
، والبري : وحشي وإنسي.
فالإنسي : مباح
ومكروه ومحظور.
فالمباح : الإبل
والبقر والغنم.
والمكروه : الخيل
والبغال والحمير ، وأشدها كراهة البغال ثم الحمير ثم الخيل.
والمحظور : الكلب
والهرة وغيرهما من سائر الحشرات والهوام.
فالمباح يؤكل ما
لم يمت ، أو كان جلالا ، فالميتة لا تحل إلا للمضطر الخائف من تلف النفس لا غير ، والجلال
ما يكون غذاؤه كله عذرة الإنسان ، لا يأكل سواها ، ولا يجوز أكله وشرب لبنه إلا أن
يستبرأ ، وهو أن يربط ويعلف علفه : الإبل أربعين يوما ، والبقر عشرين ، والغنم عشرة
أيام. وإن كان يأكل العذرة ويأكل معها علفه المعتاد ، كان مكروها غير محظور.
إذا شرب شيء من
ذلك خمرا ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد الغسل دون ما في بطنه ، وإذا رضع لبن خنزيرة أو شرب
منه حتى اشتد على ذلك لم يجز أكل لحمه
ولا ما كان من نسله ، فإن شرب منه دفعة أو دفعتين ، كان مكروها غير محظور ،
غير أنه يجب استبراؤه سبعة أيام ، وإن كان صغيرا لا يأكل العلف سقي لبن غيره سبعة أيام.
وإن شرب بولا ثم
ذبح ، لم يؤكل ما في بطنه إلا بعد غسله بالماء ، وإن شرب من لبن امرأة فاشتد ، فلحمه
مكروه غير محظور.
وما وطأه إنسان
حرم لحمه ولحم ما يكون من نسله ويحرق بالنار فإن اشتبه بغيره استخرج بالقرعة.
وأما الوحشي : فمباح
ومكروه ومحظور أيضا. فالمباح : الظبي والغزال والوعل والبقر.
والمكروه : الحمار
فقط.
والمحظور : الخنزير
والضبع والفيل والأسد والفهد والنمر والدب
والثعلب والأرنب وابن آوى
والقرد والسنور والسمور والسنجاب والخز والفنك وما أشبه ذلك
من السباع والمسوخ ـ ذا ناب كان أو لا ـ والسلحفاة والضب والوزغ والفأر واليربوع والحية
والعقرب والقنفذ والضفدع والخنفساء والجعل وبنات وردان والديدان والزنابير والنحل والبق
والبراغيث وغير ذلك من حشرات الأرض وهوامها.
وأما البحري : فمباح
ومكروه ومحظور.
__________________
فالمباح : كل سمكة
لها فلس.
والمكروه : الزهو
والزمار
منه ولا يجوز أن يقلى السمك حيا ، ويجوز أكل ما يقلى من صغار السمك من غير أن يلقى
رجيعه ، لأن رجيع ما يؤكل لحمه غير نجس ، ولا يجوز ابتلاع السمك قبل أن يموت ، ولا
أكل الجلال منه ، وهو ما يكون في ماء قذر إلا بعد أن يستبرأ يوما وليلة في ماء طاهر
يلقى إليه شيء طاهر.
والمحظور : ما لا
فلس له من السمك وحيوانات الماء ، المسوخ منها وغير المسوخ ، كالكلب والخنزير والحية
وكالسلحفاة والضفدع والسرطان والتمساح وما أشبهها.
وأما الطير : فبري
وبحري ، فالبري مباح ومكروه ومحظور.
فالمباح : كالحمام
إنسيا كان أو وحشيا ، وكل مطوق كالفواخت والقماري وكالورشان والدباسي والدراج والتذرج
والقبج والطيهوج والكراكي والقطا والبطاط وغراب الزرع والزاغ والعصافير وأشباه ذلك
مما يكون طيرانه دفيفا أو كان أكثره كذلك.
والمكروه : الحباري
والصرد والصوام والشقراق والهدهد والقنابر.
والمحظور : جميع
سباع الطيور ومسوخها كالنسر والعقاب والصقر والشاهين والبازي والباشق والرخمة والحدأة
، وكل ذي مخلب والطاوس والغراب الأبقع والأسود وما يأكل الجيف والخطاف والخشاف والصعوة
، وكل ما صف في طيرانه أو يكون صفيفه أكثر من دفيفه ، فإن لم يتميز بأن يوجد مذبوحا
أكل ماله قانصة أو حوصلة أو صيصية دون ما ليس له شيء من ذلك.
__________________
وأما طير الماء
فالمباح منه البط والإوز وغيرهما مما يدف في طيرانه ، أو
كان دفيفه أكثر ، وإن كان مذبوحا فالاعتبار كما في البري سواء. ولا مكروه فيه. ويؤكل
طير الماء بالاعتبار المذكور ، وإن كان مما يأكل السمك ، ولا يجوز أكل الجلال منه إلا
بعد استبرائه ؛ البطة وما أشبهها بخمسة أيام ، والدجاج وما أشبهها بثلاثة أيام.
الفصل الثاني
يحرم من المباح المذكى الدم والفرث والطحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه
والقضيب والأنثيان والنخاع والعلباء والغدد وذوات الأشاجع وهي الأوداج والحدق والخرزة
تكون في الدماغ ، ويكره الكليتان.
ويحل من الميتة
الصوف والوبر والشعر والريش إذا جز ، وأما إذا قلع فلا ، ويحل منه العظم والناب والسن
والظلف والقرن والإنفحة واللبن والبيض إذا اكتسى الجلد الفوقاني فإن لم يكتسه فلا.
وإذا علق الطحال المثقوب مع اللحم في التنور لم يؤكل ما تحته من اللحم وغيره ويؤكل
ما فوقه ، وغير المثقوب يؤكل ما تحته أيضا.
إذا وجد لحم لا
يدرى أذكي أم لا ، طرح على النار فإن انقبض ، فهو ذكي ، وإن انبسط فلا. إذا قطعت إليه
شاة وهي بعد حية لم يحل أكلها لأنها ميتة.
وأما البيض فلا
يحل منه إلا بيض ما يؤكل لحمه ، فإن اشتبه لا يؤكل إلا ما اختلف طرفاه.
وقد روي أنه يجوز
أن يتخذ من جلد الخنزير دلو يسقى بها الماء لغير الطهارة والشرب ، وتجنبه أفضل ، وكذا جلود الميتات ، وإن ألجأت الضرورة إلى
__________________
استعمال شعر الخنزير استعمل منه ما لم يبق فيه دسم ، ثم يغسل اليد للصلاة.
تحل الميتة وكل
محرم لمن يخاف تلف النفس ومن هو في معناه ، كمن يخاف المرض إن تركها ، أو كان في سفر
يمشي وعلم أنه إن لم يأكلها ضعف وانقطع عن الرفقة ، وما يسد به الرمق من ذلك يجب عليه
تناوله والزائد عليه حرام.
من لم يجد الميتة
ومع رفيقه ما يسد رمقه ولا يبيعه منه نقدا ولا نسيئة ولا يبذله وجب عليه قتاله إن قدر
، وإن قتله فدمه هدر ، وإن قتل المضطر فالقاتل ضامن لدمه. وجيفة الآدمي كغيره ، في
جواز تناول المضطر إياها ، عند فقد غيرها ، ولا تحل الميتة للخارج على الإمام العادل
، ولا لقاطع الطريق وإن كان مضطرين.
وقد جوز للمضطر
قتل من كان مباح الدم وأكله ، كالكافر الأصلي والمرتد المولود على الإسلام والزاني
المحصن وغيرهم.
إذا وجد المضطر
بولا وخمرا ، شرب البول لا غيره ، لأنه لا يسكر ولا حد فيه.
الفصل الثالث
كل طعام أو شراب حصل فيه أو أصابه شيء من
النجاسات قليلا كان أو كثيرا فإنه ينجس ويحرم أكله ، ثم إن كان جامدا والنجاسة على ظاهره ويمكن غسله غسل ، وإن
لم يمكن غسله كالدبس ونحوه أزيلت النجاسة منه ومما حولها وحل الباقي ، وإن كانت النجاسة
أصابت المائع قبل جموده ثم جمد ، أو الدقيق والعجين ثم خبزا ، أو اللبن ثم اتخذ منه
الجبن والأقط ونحو ذلك لم يجز أكله ، وجاز بيعه ممن يستحل الميتة والنجاسة.
إذا نجس الدهن المائع
، فلا يمكن تطهيره بالماء لأنه لا يمتزج بالماء امتزاج الخل ، والماء ورد النجس يطهر
به ، ويجوز الاستصباح به تحت السماء دون السقوف
__________________
وبيعه لذلك ، وحمل الشيخ أبو جعفر ـ رضياللهعنه ـ النهي الوارد عن الاستصباح به تحت السقف على الكراهية دون الحظر وقال : إن
دخانه ودخان كل نجس من العذرة وجلود الميتة إذا حرقت ليس بنجس وكذلك رماده لما روي
من جواز السجود على جص أو قد عليه بالنجاسة ، وقد روي جواز الاستصباح بالأدهان النجسة تحت الظلال لأن النار تأكل ما فيه.
كل دواء عمل بشيء
من المحرمات يحرم أكله والتداوي به ، كالترياق من لحوم الأفاعي ونحو ذلك ، والسم النباتي
الذي يقتل كثيرة وينفع قليله ، كالسقمونياء لا يحرم منه القدر النافع ، ويحرم ما يقتل
منه.
ولا يحل أكل ما
تولاه الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم إلا ما كان يابسا من الحبوب ونحوها ، ولا يجوز
مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها ، ولا يجوز استعمال
أواني المسكرات إلا بعد الغسل سبعا ،
وكذا كل مائع ماتت فيه
فأرة ، ويكره أكل سؤر الفأرة ، ولا يكره أكل ما أكل منه السنور أو شرب.
إذا أكل الكلب أو
الخنزير من الخبز أو شمه ترك الموضع وأكل الباقي ، ولا بأس بغيرهما من السباع والدواب.
إذا وقع ميتة ماله
نفس سائلة في قدر أهريق ما فيها ، وغسل اللحم وأكل ، وإن كان مما
لا نفس له سائلة يلقى هو ويستعمل الباقي إلا أن يكون من ذوات
السموم كالعظاية والعقرب ، فإنه لا يجوز أكل ما ماتا فيه للسم فإن أخرجا منه
__________________
حيين كره أكله.
إذا وقع في القدر
دم قليل ثم غلى جاز أكل ما فيها ، لأن النار تحيل الدم ، فإن كان كثيرا لا يؤكل ما
فيه إلا اللحم فإنه يؤكل بعد الغسل ، ويكره أكل ما عالجه الجنب والحائض من الطعام إذا
لم يتحفظ ، ويحرم إن علم أنه يفسد الطعام بالنجاسة ولا يحترز ، وإن كان مأمونا فلا بأس.
لا يجوز الأكل والشرب
في أواني الذهب والفضة ، ولا يصير المأكول ولا المشروب حراما بالأكل والشرب فيها وإنما حرم استعمالها في ذلك ، فإن كان قدحا مفضضا أو مذهبا
بعضه ، فأكل أو شرب متجنبا موضع الذهب والفضة ، فلا بأس.
ولا يجوز أكل الطين
إلا القليل من تربة الحسين ـ عليهالسلام ـ للاستشفاء خاصة دون الكثير.
ويكره الأكل والشرب
على الجنابة ، ويكره أكل اللحم نيا حتى تغيره النار أو الشمس.
ولا بأس أن يأكل
الإنسان من بيت من ذكره الله في قوله ( أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ
). الآية ،
بغير إذن صاحبه ولا يجوز
حمل شيء منه ولا إفساده.
والثمار في البساتين
ما لم يجنها صاحبها جاز للمارة أكل شيء منها بلا إذن صاحبها ، فأما الحمل منها فلا
، ومن وجد طعاما فليقومه على نفسه ، ثم يأكل منه ، فإذا جاء صاحبه رد عليه ثمنه.
__________________
الفصل
الرابع
الخمر وكل مسكر
حرام قليله وكثيره ، ولا يجوز شربه والتصرف فيه ، وكذا الفقاع ، ولا بأس بشرب العصير
وبيعه ما لم يغل ، فإذا غلى حرم شربه وبيعه ، وحد غليانه المحرم أن يصير أسفله أعلاه
، فإذا صار بعد ذلك خلا بنفسه ، أو ذهب ثلثاه على النار ، أو يخضب الإناء
فقد حل ، وقد روي أنه إذا ذهب على النار من كل درهم ثلث وربع
ثم برد فقد ذهب ثلثاه ،
ولا يجوز أن يؤتمن على
طبخ العصير من يستحل شربه على أكثر من الثلث.
رخص للمضطر في التداوي
بالمسكر للعين لا غير.
إذا صار الخمر خلا
جاز استعماله ، سواء كان ذلك من قبل نفسها أو بعلاج ، والأولى أن لا يعالج. ومتى صب
خمر في الخل لم يجز استعماله إلا بعد أن يصير الخمر خلا ،
ويعلم ذلك بأن يأتي عليه زمان يصير الخمر في مثله خلا ، فإن كان الخمر كثيرا والخل
قليلا ، يعلم ذلك ، بأن يتغير الخمر عن حالها إلى حال الخل في الطعم والشم.
لا بأس برب التوت
والرمان والسفرجل وإن شم منه رائحة المسكر ، لأن قليل ذلك وكثيره لا يسكر ، ويكره أن
يسقى البهائم شيء من المسكر ، ويكره الاستشفاء بالمياه الحارة في الجبال ، ولا بأس بشرب
أبوال الإبل والغنم والبقر والأتن للتداوي بها.
__________________
الفصل
الخامس
يستحب لمن حضر الطعام
أن يغسل يديه ، وإذا كانوا جماعة ابتدأ غسلها رب البيت ، ثم من عن يمينه إلى آخرهم
، ويجلس الآكل على وركه الأيسر ، ويسمي الله تعالى ، وإن سمى عند كل لون من ألوان ما
على الخوان كان أولى ، وإذا فرغ قال : الحمد لله.
وليكن صاحب الطعام
أول من يبدأ بالأكل وآخر من يترك ، ويبدأ بالملح ويختم به ، وروي الختم بالخل
، ويأكل بثلاث أصابع ، ويصغر اللقمة ويجيد المضغ ، ويقل النظر
في وجوه الناس ، ويأكل مما يليه ، ويلعق الإصبع ولا يمسحها بالمنديل ، ويمسك عن الطعام
وبه بعض الشهوة ، فإن كثرة الطعام والشراب ربما بلغ حد الحظر.
ويسمي الله عند
شرب الماء ويشرب بثلاثة أنفاس إلا إذا ناوله كوز له حر فليشرب بنفس واحد ، ويشرب بالرفق ، ويمص الماء ولا يعبه ويحمد الله
تعالى إذا فرغ من الشرب.
ويكره شرب الماء
من قيام بالليل خاصة ، ويكره الأكل والشرب بالشمال بلا عذر ، ويكره الشرب من عند العروة
ومن موضع الكسر ، واجتناب الأكل والشرب ماشيا أفضل ، ولا يأكل متكئا ولا منبطحا إلا إذا كان معلولا ، ولا يقطع الخبز واللحم على المائدة
بالسكين ، ولا يفرق اللحم عن العظم بالخبز ، ولا يمسح الأصابع بالخبز عن الفم ولا يأكل
اللحم غير نضيج ، ولا ينهك العظم ، ولا يأكل على مائدة يشرب عليها مسكر أو فقاع ، ولا
يجيب فاسقا إلى طعامه ، ولا يكثر الكلام عند أكل
__________________
الطعام ، ولا يسكت بمرة ، ولا يقرن بين نوعين من الفواكه ، ولا يأكل الجنب ، ولا يشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق
، ولا يأكل اللحم إلا في كل ثلاثة أيام ، ولا يترك أكله مختارا ، ولا يأكل الحار حتى
يبرد ، ولا يترك العشاء ولو بلقمة ، وكان عشاء الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بعد العتمة ، ولا يبيت المسن إلا ممتلئ الجوف من الطعام.
وفي الضيافة فضل
كثير وثواب جزيل ، ويكره أن يصوم المضيف تطوعا ، لئلا يحتشمه الضيف في الأكل ، وليقعد
الضيف حيث ينزله المضيف ، وليستقبله المضيف إذا دخل هنيئة ، وليمش إلى باب الدار إذا
خرج ، ولا يعاون الضيف على نقل الرحل من منزله إذا رحل ، ولا يستخدم الضيف ، وإذا وضع
الطعام دعي إليه من حضر مسلم أو لا.
ومن خصال الكرام
إكرام الضيف ، وإذا دعي إلى طعام فلا يستتبعن ولده وإلا أكل حراما ودخل غاصبا ، وإذا
فرغ الضيف من الطعام دعا للمضيف بالخير والبركة ويحمد الله جاهرا إذا فرغ ، ليذكر الحمد
من نسيه ، ثم يبدأ بغسل يد من على يمين
الباب أو يمين المضيف إلى
آخرهم ، ويكون هو آخرهم ، ويجمع الغسالة في إناء واحد ، ومن غسل يديه من الطعام مسح
بهما رأسه ووجهه قبل أن يمسحهما بالمنديل ، ثم يستعمل الخلال إن احتاج ، ويكسر من رأسه
شيئا بأسنانه
ويرمى بما يخرج بالخلال
، وأخرجه بلسانه ازدرده ، وروي أن من حق الضيف أن يعد له الخلال
، ولا يخلل بالطرفاء ولا بالريحان ولا بقضيب الرمان ولا بالقصب
والخوص والآس [ ولا بأس بالكتان ].
__________________
كتاب
النكاح
من قدر أن يتزوج
وبه شهوة يستحب له التزوج ، وليجتنب من لا أصل لها ولا عقل ولا دين ، ولا يجوز أن يتزوج بالناصبة
والمنحرفة عن الحق
، ولا بأس بالمستضعفة ومن
لا تعرف نصبا
، ولا يجوز تزويج المؤمنة
من مخالفها في الاعتقاد ، ويختار البكر والولود ويجتنب العقيم ، ويكره التزويج بالأكراد
والسودان إلا النوبة ، وبالمجنونة ، ويجوز أن يطأ جاريته المجنونة
إلا أنه لا يطلب ولدها ، ولا بأس أن يتزوج بالتائبة عن الفجور
، والكفاءة بالإيمان.
وراد المؤمن المرضي
غير المتهتك لفقر أو ضعة نسب عاص لله تعالى ، ويكره للرجل أن يزوج ابنته متظاهرا بفسق.
ومن أراد العقد
على امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وكفيها وإلى مشيها وجسدها من فوق ثيابها ، وإن
لم يرد العقد لم يجز ذلك ، وكذا إذا أراد شراء أمة جاز أن ينظر إلى محاسنها وشعرها
بلا ريبة وتلذذ ، والنظر إلى ما سوى الوجه والكفين
__________________
من الأجانب محظور إلا لضرورة ، كالطبيب ، ومتحمل الشهادة على امرأة والحاكم عليها ومعاملها يجوز أن يروها وجهها ، وكذا المرأة لا يجوز
لها أن تنظر إلى غير ذي محرم لها إلا لضرورة ، ويكره للرجل أن ينظر إلى فرج زوجته ،
وإذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا أو مجبوبا لم يصر محرما لها ولم يجز لها أن تخلو به
وتسافر معه ، والمراد بقوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ
) الإماء خاصة و [ المراد ] بـ : ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ
)
المعتوه الذي لا يدري ما
النساء ولا يريدهن ، على ما رواه أصحابنا.
الفصل الأول
التحريم في النكاح ضربان : تحريم أعيان وتحريم جمع.
والأول ضربان :
تحريم بنسب وتحريم بسبب.
أما النسب فسبع
: الأمهات وإن علون من قبل الأب والأم ، والبنت وبناتها وبنات بناتها وأبنائها وإن
نزلن ، وكذا بنات الابن وبنات بناته وأبنائه ، والأخوات لأب وأم كن
أو لأحدهما ، وبناتها وإن نزلن ، والعمات ، سواء كن عماته
أو عمات أبويه أو عمات أجداده وجداته من الجهتين وإن علون ، والخالات ، سواء كانت خالته
أو خالة أبيه أو أمه أو خالة جده أو جدته وإن علون ، وبنات الأخ وبنات الأخت لأبيه
وأمه أو لأحدهما ، وبنات بناته وأبنائه وإن سفلن وبنات الأخت وبنات بناتها وأبنائها
وإن سفلن ، سواء كانت الأخت لأبيه وأمه أو لأحدهما.
وأما السبب فضربان
: رضاع ومصاهرة.
فالرضاع : الأمهات
المرضعات ، والأخوات من الرضاعة.
__________________
والمصاهرة : أمهات
الزوجات ؛ وكل من يقع عليه اسم الأم تحرم وإن علت ، دخل بها الزوج أو لم يدخل ،
والربيبة وما كان من نسلها ، وكذا بنات الربيب ونسله ، يحرم
العقد عليهن
تحريم جمع ؛ فإن دخل بها
حرمن عليه تحريم تأبيد ، وحلائل الأبناء ، فإذا تزوج الرجل امرأة حرمت على والده بنفس
العقد وحدها دون أمهاتها وبناتها إذا لسن حلائله ، وزوجات الآباء يحرمن دون أمهاتهن
ودون نسلهن ، وهكذا من الرضاع سواء.
وأما تحريم الجمع
: فلا يجمع بين المرأة وأختها من أبويها كانت أو من أحدهما ، ولا بين المرأة وعمتها
ولا خالتها إلا برضاهما ، وإن علت العمة والخالة ، ولا بين المرأة وبنتها قبل الدخول
بها ، فمتى طلق واحدة حل له نكاح الأخرى إلا الربيبة فإنها تحرم على التأبيد إذا دخل
بأمها.
وكل من يحرم عينا
يحرم جمعا ، وكل من يحرم جمعا لا يحرم عينا إلا الربيبة ، فإنها تحرم عينا بعد الدخول
بأمها ، وجمعا قبل الدخول ؛ فإن طلقها قبل الدخول بها ، حل له نكاح الربيبة ، وكذا
من الرضاع ،
وحكم المتعة كالدوام في
المسألتين ، وكذا في ملك اليمين إذا وطأ جارية بملك اليمين ، حرم عليه وطء أمها وبناتها
بالملك والعقد ، ومتى لم يطأ الأم جاز أن يطأ البنت وإن لم يخرج الأم عن ملكه ، بخلاف
المعقود عليها ، لأنه وإن لم يدخل بالأم لم يجز له العقد على البنت إلا بعد مفارقتها.
ويحرم وطء جارية
ملكها الأب أو الابن إذا جامعها ، أو نظر منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه
، أو قبلها بشهوة ، على التأبيد ، ومتى لم يطأها الابن ولا
__________________
نظر منها إلى ما لا يحل لغير مالكها النظر إليه بشهوة ، فما دامت في ملكه فهي
حرام على الأب.
ومن زنى بامرأة
حرم عليه نكاح أمهاتها وبناتها من النسب والرضاع ، وروي أنه لا يحرم ،
وكذا يحرم على ابنه وأبيه العقد على من زنى بها ، فإن كانت
ذات زوج أو في عدة رجعية ، حرم على من زنى بها العقد عليها ، والوطء بالشبهة يحرم على
الواطئ نكاح بنات الموطوءة وإن نزلن وأمهاتها وإن علون.
البنت من زنا لا
تلحق بأحد الزانيين
ولا يحل للزاني أن يتزوج
بها ، لأنها بنته لغة. وإذا زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بنتها أبدا ، فإن كان الفجور
بها أو بغيرها
بعد العقد على البنت ،
لم تحرم بذلك عليه امرأته.
إذا فجر بغلام وأوقب
حرمت عليه بنته وأمه وأخته.
المباشرة بلا إيلاج
في فرج ، كالقبلة واللمس وغيرهما إن كان مباحا أو محظورا بشبهة المباح ، أو ملك يمين
، فإنه ينشر تحريم المصاهرة في أمها وإن علت ، وبنتها وإن نزلت ، وكذا النظر إلى فرجها
ينشر تحريم المصاهرة ، في أمها وإن علت ، وبنتها وإن نزلت ، وكذا النظر إلى فرجها ينشر
تحريم المصاهرة ، وإن كان المباشرة بغير شهوة أو بشهوة ، وكان محظورا كتقبيل الغلام
أو تقبيل امرأة الغير أو أمة الغير ، فإنه لا يحرم.
ومن لاعن امرأته
حرمت عليه أبدا ، وكذا المطلقة تسع تطليقات طلاق العدة ، وقد تزوجت بين ذلك زوجين.
ومن عقد على امرأة محرما ، عالما بتحريمه فرق بينهما. ولم تحل له أبدا ، فإن لم يكن
عالما [ بتحريمه ] استأنف العقد بعد
__________________
الإحلال. ومن قذف امرأته وهي صماء أو خرساء فرق بينهما ، ولم تحل له أبدا.
ومن تزوج بامرأة
في عدتها عالما بذلك أحدهما ، حرمت عليه أبدا دخل بها أو لا ، عدة الوفاة كانت أو عدة
الطلاق ، فإن لم يكونا عالمين به ثم علما قبل الدخول لم يدخل واستأنف العقد بعد تمام
العدة ، ويأخذ المهر من المزوجة في العدة إن لم يعلم ذلك ولم يدخل بها ، فإن دخل بها
، فلا يأخذ المهر منها ، ولم تحل له أبدا ، عالما بذلك كان أو جاهلا ، وعليها عدتان
، تمام العدة من الزوج الأول ، وعدة أخرى من الثاني.
من عقد على أختين
في حالة واحدة لم ينعقد ، وروي أنه مخير في إمساك أيتهما شاء
، وإن عقد عليهما بعقدين ، فسد الثاني ، وإن دخل بالثانية
فرق بينهما ولم يحل له الرجوع إلى الأولى حتى تخرج الموطوءة من العدة ، وكذا من عقد على أم زوجته أو أختها فوطأها.
ومن طلق امرأته
طلاقا رجعيا ، لم يجز له العقد على أختها حتى تنقضي عدتها ، بخلاف البائنة ، والمتمتع
بها كالمطلقة الرجعية ، في أنه لا يجوز العقد على أختها إذا انقضى أجلها إلا بعد العدة.
إذا ماتت الزوجة
جاز العقد على أختها في الحال.
يجوز الجمع بين
المرأة وزوجة أبيها إذا لم تكن أمها ، وكذا بين امرأة الرجل وبين بنت امرأة له أخرى
، ويجوز أن يتزوج بأخت أخيه إذا لم تكن أخته كأن يتزوج أبوه بامرأة ولها بنت فولد له
ابن منها ، وكان أخا لهذا الرجل فيتزوج
بنت زوجة
__________________
أبيه وكانت أختا لأخيه ، وهكذا له أن يتزوج بها إذا كانت أختا لأخيه من الرضاع.
كأن أرضعت أخاه
امرأة لها بنت.
من ملك أختين
فوطأ إحداهما لم يجز له وطء الأخرى إلا بعد خروج الأولى من
ملكه بعتق أو كتابة أو بيع أو هبة ، فإن وطأ الثانية عالما بتحريمها حرمت عليه الأولى
إلى أن تموت الثانية أو يخرجها من ملكه لا لأجل الرجوع إلى الأولى ، فإن فعل للرجوع
فلا رجوع ، وإن لم يكن عالما بالتحريم فله الرجوع إلى الأولى.
إذا وطأ أمته حرمت
عليه أمهاتها وجداتها ، من نسب كن أو رضاع وإن علون وابنتها وبناتها وإن سفلن تحريم
تأبيد ، ويحرم الجمع بينها وبين عمتها أو خالتها إلا برضاها ، والرضاع كالنسب في ذلك
، وإن تزوج بها
بغير رضاء أحدهما ، كانت
مخيرة بين إمضاء العقد والاعتزال ، فإن أمضت فلا فسخ لها بعد ، وإن اعتزلت اعتدت ثلاثة
أقراء وبانت بلا طلاق ، ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمة وعنده حرة إلا برضاها ، فإن
فعل فكالمسألة الأولى.
وكذا إذا عقد على
حرة وعنده أمة وهي لا تعلم ثم علمت ، فإن عقد عليهما معا مضى عقد الحرة دون الأمة ،
ولا يجوز للحر العقد على أكثر من أربع حرائر أو أمتين ، ولا بأس أن يجمع بين حرة وأمتين
، أو حرتين وأمتين بالعقد ، فأما بملك اليمين فله جمع ما شاء منهن مع العقد على أربع
حرائر.
من كان عنده ثلاث
نسوة وعقد على اثنتين في عقد واحد ، أمسك أيتهما شاء وخلي الأخرى ، وإن عقد عليهما
بلفظ واحد ، ثم دخل بإحداهما ثبت عقدها وخلي الأخرى ، وإن عقد عليهما بلفظين ثم دخل
بالتي ذكرها ثانيا بطل النكاح وعليها العدة.
__________________
والمملوك لا يجمع
بين أكثر من حرتين أو أربع إماء بالعقد ، ولا بأس أن يعقد على حرة وأمتين ، ولا يعقد
على حرتين وأمة.
ومن طلق واحدة من
أربع نسوة ، طلاقا رجعيا ، لم يجز له العقد على أخرى حتى تخرج هي من عدتها ، بخلاف
البائن إذ له العقد فيه في الحال على أخرى.
لا يحل نكاح عبدة
الأوثان والكواكب والمجوس وغيرهم من الكفار ، وفي تزويج حرائر اليهود والنصارى قولان
، ويجوز التمتع بالكتابية ، ورخص في المجوسية على كراهية بشرط أن تمنع من محرمات الشرع.
إذا ارتد أحد الزوجين
انفسخ العقد ، أما في غير المدخول بها ففي الحال ، وأما في المدخول بها فبعد انقضاء
العدة إن لم يرجع إلى الإسلام ، وكذا إذا كانا وثنيين أو مجوسيين فأسلم أحدهما.
متى كانت يهودية
تحت مسلم فانتقلت إلى دين آخر غير الإسلام ، فهي كالمرتدة ، ولا ينعقد النكاح على المرتدة
لمسلم ولا لوثني ولا لمرتد مثلها ، ولا لذمي ، لأنها لا تقر على ذلك.
لا يحل للمسلم نكاح
الأمة المشركة ، ولا للحر نكاح الأمة المسلمة ، إلا لعدم الطول وخوف العنت ، ومتى وجد
طولا لحرة لم ينكح أمة وجوبا ، وقيل ندبا.
من ملك عبده شيئا
فاشترى العبد جارية فأذن له صاحبه في وطئها ، فله ذلك. ويكره أن يعقد الرجل على قابلته
أو ابنتها ، وأن يزوج الرجل ابنه ببنت امرأة كانت زوجته ودخل بها ، وقد ولدت البنت
بعد مفارقته ، وإن كانت ولدتها قبل عقده عليها فلا بأس ، ويكره أن يتزوج بامرأة كانت
ضرة أمه مع غير أبيه.
__________________
الفصل
الثاني
المعتدة الرجعية
لا يحل لغير زوجها التعريض بخطبتها ولا التصريح ، أما المعتدة عن الوفاة والمعتدة بالفسخ
باللعان وبالرضاع وعن الطلاق الثالث فيجوز التعريض لها دون التصريح ، والتعريض ما يحتمل
النكاح وغيره كقوله : رب راغب فيك لا تبقين بلا زوج ونحو ذلك ، والتصريح ما لا يحتمل
غير النكاح ، والمواعدة بالسر تعريض مكروه ، وجواب المرأة عما خاطبها به الرجل في حكم
خطابه في الحرمة والحل.
الفصل الثالث
إذا كان المشرك متزوجا بأكثر من أربع نسوة
، فأسلم هو أو هن ، أو كن من اليهود
أو النصارى خاصة ، فأسلم هو دونهن ، لزمه أن يختار أربعا ويفارق البواقي ، أي أربع
شاء منهن ، سواء تزوج بهن بعقد واحد ، أو بواحدة بعد الأخرى ، وليس له اختيار الوثنية
أو المجوسية المقيمة على ذلك.
وإذا كان الزوجان
يهوديين أو نصرانيين أو أحدهما يهوديا والآخر نصرانيا ، أو كان الزوج وثنيا أو مجوسيا
، والزوجة يهودية أو نصرانية فأسلم الزوج فالنكاح باق بينهما ، وإن أسلمت الزوجة فسيأتي
، وإن كانا وثنيين أو مجوسيين ، أو أحدهما مجوسيا والآخر وثنيا ، فأسلم أحدهما قبل
الدخول ، انفسخ العقد في الحال ، وبعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، فإن أسلما معا
قبل انقضائها ، فالنكاح باق وإلا انفسخ ، وهكذا إذا كانا كتابيين ، فأسلمت الزوجة ،
لأن الكتابي لا يتمسك بعصمة مسلمة أبدا ، وقيل : لا ينفسخ نكاحها بإسلامها لكن لا يمكن
من الخلو بها.
__________________
ولا يتعلق فسخ النكاح
بين الزوجين باختلاف دارهما إلا مع استرقاق أحدهما.
إذا تزوج بأم وبنتها
في حال الشرك بعقد واحد أو بعقدين ، ثم أسلموا أمسك أيتهما شاء إذا لم يدخل بإحداهما
فأيتهما اختار حرمت عليه الأخرى أبدا إلا البنت فإنها لا تحرم على التأبيد إلا إذا
دخل بأمها ، وإن كان دخل بهما جميعا قبل الإسلام ثم أسلموا معا حرمتا عليه أبدا.
إذا نكح امرأة وعمتها
أو خالتها ثم أسلموا اختار أيتهما شاء وترك الأخرى ، دخل بها أو لا ، إلا أن ترضى العمة
أو الخالة ، فيجمع بينهما. إذا أسلم هو وأزواجه وبعضها أخت بعض ، اختار منهن واحدة
لا غير ، دخل بهن أو لا.
المجوسي إذا أسلم
هو وزوجته وكانت إحدى محرماته ، فرق بينهما في الحال. إذا كان عند الكافر أربع زوجات
: حرة واحدة وإماء ، فأسلموا معا ثبت نكاح الحرة ووقف نكاح الأمتين
على رضاها ، وكذا إن أسلمت الحرة قبل الإماء ، فإن أسلمن
قبل الحرة وأقامت على الشرك إلى انقضاء عدتها. بانت منه باختلاف
الدين ، وإن أسلمت قبل انقضائها ، ثبت نكاحها ، ووقف نكاح أمتين على رضاها.
إذا تزوج المملوك
المشرك ست زوجات : أمتين وكتابيتين ووثنيتين ، فأسلموا ، كان للحرائر أن يخترن فراق
الزوج بخلاف الأمتين.
إذا تزوج العبد
أربع إماء في حال الشرك ، فأسلمن دونه ثم أعتقن ، فلهن خيار الفسخ ، فإن اخترن الفسخ
، انقطعت عصمة الزوجية ، وعليهن عدة الحرائر ، وإن لم يخترنه وأقام الزوج على الشرك
إلى انقضاء عدتهن ، وقع الفسخ باختلاف الدين ، وكان ابتداء العدة من حين الفسخ ، وإن
أسلم الزوج واخترن المقام معه ،
__________________
فله أن يختار ثنتين منهن ، وينفسخ نكاح الباقيتين من حين الخيار ، والاختيار
يكون بالقول كأن يقول لهن : اخترتكن ، ويكون بالفعل كالوطء.
إذا ارتد أحد الزوجين
قبل الدخول ، وقع الفسخ في الحال ، فإن كان المرتد الزوج فعليه نصف المهر المسمى إن
كان المهر صحيحا ، ونصف مهر المثل إن كان فاسدا ، والمتعة إن لم يسم لها مهرا ، وإن
كان المرتد الزوجة فلا مهر ، وإن كان الارتداد بعد الدخول وقع الفسخ في الحال ولم يقف
على انقضاء العدة ووجب القتل في الحال ، هذا فيمن ولد على فطرة الإسلام ، وإن كان الارتداد
عن إسلام قبله شرك فإنهما يستتابان ، والحكم ما سبق.
أنكحة المشركين
صحيحة فإن تزوج مشرك بمشركة ثم طلقها ثلاثا ، لم تحل له إلا بعد زوج وإن كان مشركا.
كل فرقة كان موجبها اختلاف الدين فهو فسخ لا طلاق.
الفصل الرابع
يستباح وطء النساء بأربعة أشياء :
النكاح المستدام.
ونكاح المتعة ،
وهو أن يعقد على امرأة مدة معلومة بمهر معين ، فإن لم يذكر المهر أو كانت المدة مجهولة
لم يصح.
والنكاح بملك اليمين.
وتحليل الجارية
للغير بلا عقد على أحد القولين.
وأما ولي المرأة
فالأب والجد مع وجود الأب ، والثيب الكبيرة الرشيدة لا تزوج
__________________
إلا بإذنها ونطقها ، ولا ولاية للأب والجد ولا لغيرهما على الثيب البالغ الرشيدة
إلا أن تضع نفسها في غير كفوء ، فيكون لأبيها أو جدها فسخ العقد ، والثيب الصغيرة لوليها
أن يجبرها على التزوج سواء ذهبت عذرتها بوطء لا حرمة له كالزنا ، أو له حرمة ، أو بغير
وطء من علة أو نزوة أو سقطة.
والبكر الصغيرة
لأبيها وجدها وجد أبيها وإن علا أن يزوجها لا غير ، وكذا الكبيرة على أظهر الروايتين
، إلا أنه يستحب له أن يستأذنها ، وإذنها صماتها ، وإن لم يزوجها وليها بالأكفاء ،
كان لها أن تتزوج.
وغير الممنوعة من
الكفوء إن عقدت على نفسها بلا إذن الولي فالفسخ
والإمضاء إلى الولي إلا في المتعة فإنه ينعقد وإن لم يعلم
أبوها ، غير أن العاقد ليس له وطؤها في الفرج إلا بإذن. ولا ولاية لغير الأب والجد
على البكر من سائر العصبات ، ولا للجد مع عدم الأب.
البكر البالغة إذا
فقدت الأب فلها أن تتزوج بلا ولي وتوكل
من شاءت ، وإن كان لها
جد لم تعدل في التوكيل عنه ندبا ، فإن فقدت الجد فالأخ الكبير. إذا زوجها الأب من شخص
والجد من آخر ، فالسابق أولى ، فإن اتفقا معا ، فعقد الجد أولى ، والجد الأدنى أولى
من أب الجد ، وأب الجد أولى من جد الجد وهلم جرا.
إذا ردت أمرها إلى
أقاربها من لا ولي لها ، تعين عقد من سبق بالعقد ، فإن لم يسبق واحد وتشاحوا في ذلك
، أقرع بينهم أو تختار المرأة واحدا منهم.
__________________
لا ولاية للسلطان
على امرأة إلا إذا كانت غير رشيدة ، أو مولى عليها أو مغلوبا على عقلها.
للغائب وليها أن
تزوج نفسها أو توكل في ذلك.
وليس للسلطان تزويجها
إلا بوكالتها. إذا عقد أبوان على ولديهما قبل بلوغهما ، صح ، وللصبي الخيار إذا بلغ
دون الصبية ، وإن كان العاقد غير الأبوين أو الجد مع وجود الأب ، فلكل منهما الخيار
إذا بلغ.
من عقد على ابنه
الصغير وسمى مهرا ثم مات ، كان المهر من أصل التركة إلا أن يكون للصبي مال حال العقد
؛ فالمهر إذن منه.
إذا ولت المرأة
وليين ، فأيهما سبق بالعقد صح نكاحه ، فإن دخل بها الزوج
الثاني ، فعليه مهر مثلها ، فإن أتت بولد الحق بأبيه ، وتعتد منه ، فإذا خرجت من العدة
حلت للأول ، وإن دخلا بها جميعا استقر المهر المسمى على الأول ، ومهر المثل على الثاني
، فإن أتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهما ، أقرع بينهما وتعتد من الثاني وتحل
للأول.
وإذا لم يسبق أحد
النكاحين الآخر أو اشتبها بطلا جميعا ،
وإن ادعى كل واحد من الوليين
أن عقده لها سابق وأنها تعلم ذلك وأنكرت ، فالقول قولها مع اليمين ، فإن حلفت بطل النكاحان
معا ، وإن نكلت ردت اليمين عليهما ، فإن لم يحلفا أو حلفا بطل النكاحان ، وإن حلف أحدهما
حكم له ، فإن اعترفت المرأة بسبق واحد منهما بعينه حكم بذلك ، والأولى أن تحلف هي للثاني.
من كان له بنات
، فعقد لرجل على إحداهن ولم يعينها ، فإن كان الزوج راهن
__________________
كلهن ، فالقول قول الأب ، وإن لم يرهن بطل العقد متى عقد الأم لابنها على امرأة
، كان مخيرا بين القبول والامتناع منه ، فإن قبل لزمه المهر ، وإن أبى لزم الأم.
لا تبطل ولاية الولي
بفسقه ، وليس من شرط انعقاد النكاح حضور الشاهدين ، وإنما هو ندب.
إذا عرف ولي المحجور
عليه لسفه من حاله الحاجة إلى التزويج ، فعليه أن يزوجه ، وإلا فليس له ذلك ، فإن فوض
إليه ذلك جاز ، وإذا كان بالمجنون حاجة إلى النكاح ، بأن يتبع النساء ويحن إليهن
زوجه وليه ، ولا يصح أن يتولى ذلك المجنون بنفسه ، ولا يجوز
للعبد أن ينكح بغير إذن سيده فإن فعل كان موقوفا على إجازته ، بخلاف أن يزوج رجلا من
امرأة بلا أمرهما ، فإنه لا يصح ، ولا يكون موقوفا على إجازتهما.
إذا تزوج العبد
بإذن سيده وقبل أكثر من مهر المثل ، يكون ما زاد في ذمته يتبع به إذا أعتق ، ومهر المثل
في كسبه ويستوفي منه ، فإن أبق العبد لم يلزم مولاه نفقة زوجته وقد بانت منه وعليها
العدة ، فإن عاد قبل انقضاء العدة ، كان أملك برجعتها ، وبعد ذلك لا سبيل له عليها
، وللسيد أن يجبر عبده على النكاح ، صغيرا كان أو كبيرا ، أم ولد كان أو مدبرا ، بخلاف
المكاتب والمعتق بعضه ، وليس لأحد الشريكين إجبار العبد المشترك على التزويج إذا لم
يره الآخر.
إذن السيد العبد
في التزويج ، إذن له في اكتساب المهر والنفقة ، فإن تكفل السيد بذلك ، كان له حينئذ
استخدامه ، وإن كان العبد غير مكتسب ولا مأذون له في التجارة ، وجب المهر في ذمة السيد
، وهكذا من زوج ابنه الصغير فإن كان
__________________
للطفل مال كان المهر والنفقة في ماله ، وإن كان فقيرا وجب ذلك في ذمة أبيه.
إذا تزوج العبد
بغير إذن سيده ودخل بها ، فرق بينهما ، ولزم العبد المهر يتبع به إذا أيسر.
من كان له أمة كان
له إجبارها على النكاح ويسقط عنه نفقتها ، ويجب له المهر ، والولد له إن شرط.
وإذا زوج أمته فعليه
أن يرسلها إلى زوجها ليلا ، وله أن يمسكها لخدمته نهارا ، وله أن يسافر بها ، فأما
إذا زوج عبده ليس له أن يسافر به إلا إذا ضمن المهر والنفقة ، لأن ذلك قد تعلق بكسب
العبد.
متى طلق العبد زوجته
قبل الدخول بها وقد قبضت مهرها من سيده أو منه ، عاد نصف المهر إلى سيده ، فإن طلقها
بعد أن أعتقه سيده ، فالنصف للزوج لا غير ، لأنه من اكتسابه بعد عتقه ، وهكذا من زوج
ولده الصغير ، وأدى الصداق من عنده ، ثم كبر الولد وطلق الزوجة قبل الدخول ، فنصف الصداق
للولد ، لأنه من اكتسابه.
متى ملك أحد الزوجين
الآخر بأحد وجوه التمليكات ، انفسخ النكاح بينهما.
السلامة من العيوب
شرط في النكاح ، وكذلك اليسار ، وحده ما أمكن معه من القيام بنفقة الزوج لا أكثر ،
ومتى رضي الأولياء والزوجة بمن ليس بكفؤ ، ووقع العقد على من دونها في النسب والحرية
والصناعة واليسار والسلامة من العيوب ، صح العقد.
إذا رضيت المرأة
بأقل من مهر المثل ، فلا اعتراض للأولياء عليها ، ويلزمهم
__________________
أن يزوجوها بذلك من الكفؤ ، فإن منعوها لذلك ، فقد عضلوها ، وجاز لها خلافهم.
إذا كان للمرأة
ولي تحل له ، جاز أن يزوجها من نفسه بإذنها.
إذا كان للكافرة
وليان : مسلم وكافر ، يتولى الكافر تزويجها دون المسلم ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ
)
الفصل الخامس
ينبغي أن يعرف المنكوحة بعينها إما بالإشارة
إليها ، أو ذكر اسمها الخاص ، أو صفتها الخاصة المميزة لها ، ولا بد من النية ، وإن قال : زوجتك فلانة ، ولم
ينوها بطل. وإذا قال : زوجتك إحدى ابنتي ، أو قال : بنتي فقط ، وله بنتان بطل النكاح.
فإن نوى الكبيرة منهما مثلا ، فقبل الزوج ونواها هو أيضا واتفقا ، صح النكاح. وتزويج
الحمل لا يجوز.
ولا ينعقد النكاح
إلا بلفظ النكاح أو التزويج في الإيجاب والقبول ، وجاز أن يقع الإيجاب بأحد اللفظين
، والقبول بالآخر ، ولا ينعقد بما عدا ذلك من لفظ البيع والتمليك والهبة وغيرها ، إذا
تأخر الإيجاب وسبق القبول جاز وإن لم يعد الزوج القبول ، وكذا في البيع ، كأن يقول
: زوجنيها
قال : زوجتكها. وإن قال
: أتزوجنيها؟ قال : زوجتكها ، لم ينعقد ، لأن ما سبق استفهام لا قبول ، وكذا في البيع.
إذا عقد بالفارسية
مع القدرة على العربية لم ينعقد ، وأما مع العجز فينعقد ،
__________________
ولا يلزمه التعلم.
الأخرس يقبل النكاح
بالإيماء ، ولا يدخل خيار الشرط ولا خيار المجلس في عقد النكاح ، فإن شرط خيار الثلاث
بطل النكاح.
إذا
أوجب الولي عقد النكاح للزوج فزال عقله قبل القبول بالإغماء
وغيره ، بطل إيجابه ، ولم يكن للزوج القبول بعد ذلك إلا أن يجدد الولي الإيجاب ، فيقبله
على أثره ، والخطبة قبل العقد مسنونة.
الفصل السادس
من أراد العقد على أمة غيره ، فلا يعقد عليها
إلا بإذن سيدها وان يعطيه المهر
، وولده منها حر لا حق به
لا سبيل لسيدها عليه إلا إذا شرط استرقاقه ، ولا يبطل هذا العقد إلا بطلاق الزوج لها
، أو ببيع مولاها أو عتقها ، فإن باعها فالمشتري بالخيار بين إقرار العقد وفسخه ، فإن
أقره فلا خيار له بعد ، وإن أعتقها مولاها كانت مخيرة بين الرضاء بالعقد وبين فسخه
، سواء كان زوجها حرا أو عبدا ، فإن رضيت به بعد العتق فلا خيار لها بعد.
إذا عقد على أمة
بغير إذن مولاها ، بطل العقد وولده منها رق لمولاها ، وإن كان عقد عليها على ظاهر الحال بشهادة شاهدين بحريتها ، فأولاده
أحرار ،
وإن عقد عليها بظاهر الحال
ولم يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا ، كان أولادها لمولاها ، ويجب على
الزوج قيمة الولد لمولاها وليس له استرقاقهم ، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم
، فإن أبى ذلك فعلى الإمام قيمتهم من سهم
__________________
الرقاب ، ورجعت الأمة إلى مولاها ، وللزوج أن يرجع بما أعطاها من المهر على
مولاها ، لا عليها ، وعليه لمولاها عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإلا فنصف العشر ، ومتى
رضي المولى بالعقد كان رضاه كالعقد المستأنف ، ومن زوج أمته من غيره على أنها حرة فعلم
فله الرجوع عليه بالمهر والولد حر.
ولا يجوز للحرة
أن تتزوج بمملوك إلا بإذن مولاه ، فإن تزوجت بإذنه فالولد حر إلا أن يشرط
مولى العبد استرقاقه ، وكان الطلاق بيد الزوج دون مولاه ،
فإن باعه كان المشتري بالخيار بين إقرار العقد وفسخه ، فإن أقره فلا خيار له بعد. وإن
أعتق فلا اختيار للحرة عليه.
إذا عقد العبد على
حرة بغير إذن مولاه ، كان العقد موقوفا على رضاه ، فإن أمضاه مضى ، والطلاق بيد الزوج
ولا فسخ له بعد إلا أن يبيعه ، وإن فسخه وقد ولدت منه فإن كانت تعلم أن مولاه لم يأذن له في التزويج ، فالولد رق لمولى العبد
، وإن لم تعلم فحر ، وإذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها بعبد فالولد رق لمولييهما بالسوية ، إذا لم يؤذن العبد في التزويج ، فإن
أذن فيه فالأولاد لمولى الأمة.
من زوج جاريته من
عبده فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها ، والفراق بيده ، ولا طلاق للزوج ، بل
يقول السيد : فرقت بينكما ، أو يأمر أحدهما باعتزال الآخر ، وإن كان قد وطأها استبرأها
بحيضة أو خمسة وأربعين يوما ثم يطأها إن شاء ،
وإن لم يطأها العبد فله وطؤها في الحال ، فإن باعهما فالمشتري
بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه ، فإن رضي بالعقد فكالمولى الأول ، وإن أبى لم يثبت
بينهما
__________________
عقد على حال ، وإن باع أحدهما فقد فرق بينهما ولا عقد إلا أن يشاء المتبايعان
ثبات العقد بينهما ، فإن أبى أحدهما فلا عقد ، وأولادهما رق لمولييهما ، ومتى أعتقهما
جميعا فالمرأة بالخيار بين إمضاء العقد وإبائه.
وإذا مات من زوج
جاريته من عبده لم ينفسخ العقد ما رضي الورثة ، فإن أبوا انفسخ.
إذا عقد لعبده على
أمة غيره بإذنه جاز ، والطلاق بيد العبد لا المولى ، فإن باعه كان فراقا بينهما ، وكذا
إن باع الجارية مولاها ويكون كل واحد من مشترييهما مخيرا بين إقرار العقد وفسخه ، وإذا
أعتقت الجارية فلها الخيار ، وإذا أعتق العبد فلا خيار لمولى الجارية عليه ، فإن رزق
بينهما ولد فبين مولييهما على السواء إلا إذا كان بينهما شرط ، فحينئذ يكون على ما
شرطا.
إذا كانت جارية
بين شريكين فزوجها أحدهما خاصة من رجل ، لم يصح العقد إلا بعد رضاء الآخر ، إذا ورثت
الحرة زوجها المملوك أو اشترته انفسخ العقد ، فإن أرادته لم يجز لها ذلك إلا بأن تعتقه
أولا ثم تتزوج به ، وإن ورث الحر أو اشترى زوجته المملوكة فله وطؤها بملك اليمين.
يجوز للمرء أن يعتق
جاريته ويجعل عتقها مهرها ، ويقدم لفظ التزويج على لفظ العتق ، فإن عكس ذلك انعتقت
ولها الامتناع عن التزويج ، فإن طلقها بعد عتقها قبل الدخول بها رجع نصفها رقا واستسعيت
فيه ، فإن لم تسع كان له من خدمتها يوم
ولها من نفسها يوم ، وإن
كان لها ولد ذو مال ، ألزم أداء ذلك النصف عنها وتنعتق ، فإن كان لم يؤد ثمنها ، وتزوجها
كذلك ، ثم مات وترك مالا
__________________
يحيط بثمنها ، أدى عنه ومضى العقد والعتق ، ولو لم يترك غيرها فسد عتقها ، والأمة للمولى الأول ، وولدها رق له ، وكذلك حكم المدبرة والمعتقة بالصفة والمكاتبة وأم الولد.
إذا قالت الحرة
لمملوكها : أعتقتك على أن تتزوج بي ، أو قال العبد لها : أعتقيني على أن أتزوج بك ،
ففعلت انعتق
ولا يجب عليه أن يتزوج
بها.
لا يجوز أن يتزوج
الرجل بمكاتبة غيره قبل انقضاء مكاتبتها ، ولا بأس أن يطأ الرجل مملوكة عبده أو أمته
، لأن ملك مملوكه ملكه ، وأما تحليل الإنسان جاريته لغيره من غير عقد مدة ، فمختلف
في جوازه بين أصحابنا ، ومن أجازه فعلى قولين :
أحدهما : أنه تمليك
منفعة مع بقاء الأصل ، وهو اختيار الشيخ أبي جعفر ، وأجراه مجرى إسكان الدار وأعمارها
قال : ولهذا يحتاج إلى أن تكون المدة معلومة ، ويكون الولد لاحقا بأمه ويكون رقا إلا
أن يشترط الحرية ولو كان عقدا للحق بالحرية على كل حال ، لأن الولد عندنا يلحق بالحرية
من أي جهة كان.
وثانيهما : أنه
عقد والتحليل عبارة عنه وهو اختيار المرتضى ، والمرضي هو ما ارتضاه المرتضى. وعلى قول من أجازه إذا أحل له خدمتها لم يحل
له إلا استخدامها ، فإن وطأها فجاءت بولد كان غاصبا ، والولد رق لمولاها ولزمه عشر
قيمتها إن كانت بكرا ، وإلا فنصف العشر ، وإن كان في حل من وطئها وشرط
__________________
حرية الولد كان حرا ، وإن لم يشرط فالولد لمولاها ، وعلى الأب شراؤه إن كان ذا مال ، وإلا استسعى في ولده ، ويكره
الوطء إلا بشرط حرية الولد ، ولا يحل له أكثر مما حلله ولو يوما.
وإذا حلل أحد الشريكين
الآخر من وطء الجارية المشتركة جاز ، وإذا كان نصف الجارية حرا ، لم يجز لمالك النصف
وطؤها إلا بأن يعقد عليها عقد المتعة في يومها.
ومن زوج جاريته
من غيره أو أحله من وطئها لم يجز له وطؤها إلا بعد أن يفارقها الزوج [ أو يقضي مدة
الأجل ثم يستبرئ رحمها ]
أو تنقضي مدة الإحلال ثم
تستبرئ من زوجها ، ولا له النظر إليها بشهوة
في حال تزويجها ، ومن ملك جارية بوجه ما ، لم يجز له وطؤها
إلا بعد استبرائها بحيضة ، وإن لم تكن ممن تحيض ومثلها تحيض ، فبخمسة وأربعين يوما
، فإن لم تبلغ المحيض أو أيست منه فلا استبراء ، وكذا يستبرئ جارية قد وطأها إذا أراد
بيعها ، وإن قال البائع : استبرأتها ، وكان موثوقا به ، جاز أن لا يستبرئها المشتري
، وكذا إن اشتراها من امرأة ، والاستبراء أفضل.
وإذا استبرأ جارية
ثم أعتقها قبل الاستبراء جاز له العقد عليها ووطؤها ، والأفضل أن لا يطأها إلا بعد
الاستبراء ، ومتى أراد العقد عليها لغيره ، وكان قد وطأها بالملك قبل العتق ، لم يجز
إلا بعد العدة ثلاثة أشهر.
وإذا اشترى جارية
حائضا كفى في استبرائها ألا يطأها حتى تطهر ، وإن كانت حاملا لم يطأها إلا بعد وضع الحمل ، أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام
إلا
__________________
فيما دون الفرج ، وكذا في التي اشتراها ولم يستبرئها ، والتنزه أفضل.
ولا يحل لرجل وطء
جارية وطأها أبوه أو ابنه ، أو قبلاها بشهوة أو رأيا منها ما يحرم على غير مالكها رؤيته
، ويحرم بملك اليمين وطء كل محرمة ذكرناها بنسب أو بسبب.
من كان لولده الكبير
جارية لم يطأها ولا نظر إليها بخاص نظر المالك ، لم يجز له وطؤها إلا بإذنه ، وإن كانت
لولده الصغير لم يجز له وطؤها إلا بعد تقويمها على نفسه في ضمان ثمنها.
ويكره للرجل أن
يطأ جاريته الفاجرة ، ولا بأس أن يطأ أمة اشتراها من دار الحرب ، وكان لها زوج هناك
، وأن يشتري من الكافر بنته أو ابنه أو مما يسبيه الظلمة ، ويستحل فرج نسائهم إذا كانوا
مستحقين للسبي.
الفصل السابع
ما ينفسخ به العقد من عيوب الزوج : الجب والعنة والجنون ، وفي الزوجة :
الجنون والجذام والبرص
والرتق والقرن والإفضاء والعمى والعرج وكونها محدودة في الزنا ، ولا يحتاج مع الفسخ
إلى الطلاق ولا يحتاج في الفسخ إلى الحاكم.
إذا كان البرص والجذام
خفيا يمكن الاختلاف فيه ، فاختلف الزوجان ، فالقول قول المرأة مع اليمين إلا أن يقيم
المدعي البينة عدلين [ من ] مسلمين من ذوي الطب والمعرفة على صحة دعواه ، فيكون له الخيار
، والكثير والقليل فيهما سواء.
والجنون إذا كان
خنقا أو غلبة على العقل من غير حادث مرض ، ففيه
__________________
الخيار لصاحبه ، وكذا إن غلب على عقله بمرض إغماء ثم زال المرض وبقي الإغماء
، وإذا غلب على العقل مرض غير ذلك فلا خيار فيه ، لا سيما إذا برأ منه وزال الإغماء
، وقد روى أصحابنا أن جنون الرجل إذا عقل معه أوقات الصلاة فلا خيار لها.
والجب إن منع من
الجماع فلها الخيار ، وإن بقي ما يغيب منه في الفرج مقدار حشفة فلا خيار لها. ومن بان
خصيا أو خنثى فلها الخيار إلا إذا كانت عالمة بذلك فلا خيار لها. إذا وجدته خصيا أو
خنثى ورضيت بالمقام معه ، فلا خيار لها بعد ، وإن كانت مدخولا بها فلها الصداق ، وعلى
الإمام تعزيره.
إذا تزوج الرجل
امرأة خنثى مع الجهل ، فله الخيار.
والعنة يثبت بها
الخيار للمرأة ، ويمهل الرجل سنة ، فإن جامعها ولو مرة واحدة ، وإلا فرق بينهما فسخا
لا طلاقا ، وإذا تزوجت به على أنه عنين فلا خيار لها إذن ولا تبين إلا بالطلاق ، وإذا
اعترفت بأن العنة حدثت بعد الجماع ، فلا خيار لها ، وإذا كان صحيحا ، ثم جب فلها الخيار.
إذا اختلفا في الإصابة
فإن كانت ثيبا أمرت بأن تحشو قبلها خلوقا
ثم يطأها فإن تأثر ذكره
بالخلوق صدق في الإصابة وإلا فلا ، وإن كانت بكرا أريت أربع نساء عدول من القوابل ؛
فإن شهدن بالبكارة وكذبهن الزوج لم يسمع منه ، وإن صدقهن وقال : أزلت عذرتها ثم عادت
، فالقول قولها مع اليمين ، فإن حلفت فلها الخيار ، وكان بين الرضاء والفسخ ، وإن نكلت
حلف الزوج وكانا على النكاح.
__________________
وحد الإصابة غيبوبة
الحشفة في الفرج أو قدر الحشفة لمقطوعها لا غير ، لأن كل أحكام الوطء يتعلق بذلك.
والرتق المانع من
الدخول ، فيه الخيار ، فإن صلح بالدواء يسقط خياره.
وفي القرن الخيار
، وهو عظم في الفرج يمنع الجماع ، وقيل : هو حال يلحقها عند الولادة ينبت اللحم في
فرجها.
ومتى بانت عاقرا
فلا خيار له ، وإذا كان لكل من المتزاوجين عيب ، فلكل منهما الخيار ، فإن فسخت المرأة
سقط مهرها إن كان قبل الدخول ، وإن كان بعده سقط المهر المسمى ووجب لها مهر المثل ،
وإن كان الفاسخ الزوج سقط المهر إن كان قبل الدخول ، وإن كان بعده يلزمه مهر المثل
، ويرجع هو به على من دلس عليه العيب من الولي.
ثم إن كان الولي
ممن لا يخفى عليه العيب كالأب والجد ممن يخالطها ويعرفها فالرجوع عليه بالمهر ، لأنه
الذي غر ، وإن كان ممن يخفى عليه ، فإن صدقته المرأة أنه لا يعلم ، فالرجوع عليها ،
وإن خالفته فالقول قوله مع اليمين ، والرجوع عليها أيضا ، هذا إذا كان العيب موجودا
بأحدهما حال العقد ، وإن حدث بعده ، فلا يرد به الرجل إلا بالجنون الذي لا يعقل معه
أوقات الصلاة.
وإن كانت زوجة ،
فكلما يحدث بها بعد العقد من العيوب المذكورة فلزوجها الخيار ، ومتى دخل أحدهما مع
العلم بالعيب سقط الخيار ، وكل عيب يحدث بعد الدخول ، فالرضا بالعيب الأول لا يثبت
به الخيار.
والخيار بالعيب
على الفور. إذا تزوج الرجل بامرأة على أنها حرة ، فوجدها أمة ، أو تزوجته على أنه حر
، فوجدته عبدا ، فلكل منهما الرد والرضا بالعقد.
__________________
إذا تزوجها على
أنها حرة ، فبانت أمة فللزوج الرجوع بالمهر على من غره ، إما الوكيل أو الزوجة أو سيدها
، فإن كان الغرور من الزوجة كان المهر في ذمتها ، يتبعها به إذا أيسرت بعد العتق ،
وإن كان من السيد ، كان ذلك إقرارا لها بالحرية وسقط الخيار.
إذا تزوجها على
أنها بنت مهيرة ، فوجدها بنت أمة ، فله ردها ، فإن لم يدخل بها ، فلا شيء عليه ، والمهر
على أبيها على ما روى ، والأصل أنه غير واجب وإن دخل بها فعليه المهر بما استحل من
فرجها ، ثم إن رضي بالعقد سقط الخيار.
ومن كان له بنت
مهيرة وبنت أمة ، فعقد لرجل على بنت المهيرة ، ثم أدخلت عليه الأخرى ، فله ردها ، ولا
شيء عليه إن لم يدخل بها ، وإن دخل بها ، وقد أعطاها المهر فهو لها بما استحل من فرجها
، وعلى الأب أن يدفع إليه بنت المهيرة ، والمهر على الأب إن كان المهر الأول وصل إلى
الأولى ، وإن لم يصل إليها ، ولا دخل بها ، فالمهر في ذمة الزوج.
ومتى عقد رجلان
على امرأتين فأدخلت امرأة كل منهما على الآخر ، ثم علم ، ردت كل واحدة إلى صاحبها ما
لم يدخلا بهما ، فإن دخلا بهما ، فلكل واحدة منهما الصداق ، وعلى الولي غرامته إن تعمد
ذلك ، ولا يقرب كل منهما امرأته إلا بعد أن تعتد من الداخل بها.
فإن ماتتا قبل انقضاء
العدة ، فليرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثهما الرجلان ، وإن مات الرجلان
، وهما في العدة ترثانهما ، ولهما المهر المسمى ، وعليهما عدة المتوفى عنها الزوج ،
بعد الفراق من العدة الأولى.
ومتى أقام رجل بينة
على أنه تزوج بامرأة ، وأقامت أختها البينة بأنه عقد عليها دون أختها ، فالبينة بينة
الرجل ، ولم يلتفت إلى بينة المرأة إلا أن تقيم المرأة
__________________
البينة بأنه عقد عليها قبل عقده على أختها ، فحينئذ البينة بينتها دون بينة
الرجل.
إذا تزوج امرأة
على أنها من قبيلة كذا ، ولم تكن كذلك ، فله الخيار. إذا تزوجها
على أنها مسلمة ، فبانت كتابية ، بطل النكاح.
إذا أعتقت أمة غير
بالغ تحت عبد ، فلها الخيار ، وليس لوليها أن يختار من قبلها ،
والنفقة على الزوج إلى وقت بلوغها ، فإن اختارته وقت البلوغ ، ثبت النكاح ، وإن فسخت
انفسخ ، وإذا أعتق الزوج وكان تحته أمة ، فلا خيار له.
الفصل الثامن
نكاح المتعة لا بد فيه من ذكر الأجل وتعيينه
وذكر المهر ، فإن كانت المدة
مجهولة أو لم يذكر المهر ، لم يصح العقد ، وإن ذكره ولم يذكر المدة ، كان النكاح دائما
، ويلزمه النفقة والميراث ، ولا تبين إلا بالطلاق ، أو ما يجري مجراه ، وبهذين الشرطين
يتميز من نكاح الدوام.
والمدة ما تراضيا
عليه من الأيام والشهور والسنين ، قل أم كثر ، بشرط أن لا يكون مجهولا ، كهبوب الرياح
، ومجيء المطر ، وقدوم الحاج ، وإدراك الغلات ، وغيرها مما يجوز أن يتقدم أو يتأخر
أو لا يتفق ذلك ، وروي أنه يجوز أن يوقت بأن يواقعها مرة أو مرتين وذلك محمول على أن يسنده إلى يوم معلوم أو زمان معين ، فإن
لم يكن كذلك ، كان العقد دائما.
ويجوز أن يشرط عليها
أن يأتيها ليلا
أو نهارا ، أو في أسبوع
يوما بعينه ، أو يومين ، ومتى عقد عليها شهرا على الإطلاق ولم يعين ، ومضى عليها شهر
، فلا
__________________
سبيل له عليها.
إذا انقضى أجل المتعة
جاز له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا في الحال ، ومتى أراد أن يزيد في المدة قبل انقضائها
، لم يكن له ذلك إلا بعد أن يهب لها ما بقي من أجلها.
والمهر ما وقع عليه
الاتفاق بينهما قل أم كثر ، ولا بد أن يكون معلوما ، وإن لم يعطها في حال العقد ، وأقل
ما يجزي منه كف من طعام أو تمثال من سكر أو شبه ذلك.
ومتى أراد مفارقتها
قبل الدخول فليهب لها أيامها وقد انفسخ العقد بينهما ، وإذا فارقها بعد الدخول لم يحل
لغيره العقد عليها بمتعة أو دوام إلا بعد العدة.
وإن فارقها قبل
الدخول بها رجع عليها بنصف المهر ، وإن أخلت له بشيء من أيامه جاز له أن ينقصها بحساب
ذلك من المهر إلا أيام حيضها ، فإن تبين بعد الدخول بها ، أن لها زوجا ، وقد أعطاها
بعض مهرها ، لم يلزمه إعطاء ما بقي منه.
ومتى وهبت المرأة
مهرها لزوجها قبل مفارقته وكان قد أعطاها ، ثم وهب الزوج لها أيامها قبل الدخول بها
، كان له أن يرجع عليها بنصف مهرها.
ويستحب أن يذكر
أن لا نفقة لها ، ولا توارث بينهما ، وأنه تلزمها العدة ، وأن له أن يعزل عنها ، وليس
من شرطه الإشهاد والإعلان إلا عند خوف التهمة ، فحينئذ يستحب ذلك ولا توارث بينهما
إلا إذا شرطا ذلك ، وللرجل العزل وإن لم يشرط.
إذا شرط في حال
العقد أن لا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه ، فإن رضيت بعد العقد جاز ، ولا عدة
عليها إذا لم يطأها في الفرج وفارقها بغير الموت ، والشرط المؤثر للرجل هو ما يذكره
بعد العقد دون ما يتقدم العقد ، إلا أن يعيد ذكره بعد العقد.
__________________
يجوز أن يتمتع بمستضعفة
إذا لم يجد مؤمنة عفيفة مستبصرة معتقدة للحق ، ولا يجوز بالناصبة لعداوة آل محمد ـ
عليهمالسلام ـ ولا بأس باليهودية والنصرانية ويكره بالمجوسية والفاجرة ، فإن فعل منع المجوسية
من أكل المحرمات والفاجرة من الفجور.
لا يجب عليه أن
يسألها ألها زوج أم لا ، لتعذر قيام البينة بذلك ، هذا في المأمونة المعروفة بالديانة
والصيانة ، فأما المتهمة فليفتش عن أمرها احتياطا ، ولا بأس أن يتمتع ببكر لا أب لها
من غير ولي ، ويدخل بها إذا كانت بالغا ، وإن لم تبلغ ولها أب لم يجز العقد عليها إلا
بإذن أبيها ، وإن كانت بالغا ـ وهي التي لها تسع سنين ـ جاز أن يعقد عليها بلا إذن
أبيها إلا أنه لا يحل له أن يفضي إليها.
ويجوز التمتع بالأمة
بإذن سيدها ، وبأمة المرأة بغير إذن سيدتها ، ويجوز أن يزيد في التمتع على أربع نسوة
، والأحوط أن لا يزيد ، والولد لا حق بالرجل ، عزل أم لا.
ومن كانت عنده حرة
لا يتمتع بأمة إلا برضاها ، وإذا تمتع بإحدى الأختين وانقضى
أجلها ، لم يحل له التمتع بالأخرى إلا بعد انقضاء عدة الأولى كما في الدوام.
ومتى تزوجت امرأة
متعة سرا بغير إذن وليها ، على أنه لا يفضي إليها ، فزوجها الولي من رجل آخر علانية
، يجب عليها ألا تمكن الزوج من نفسها إلى انقضاء مدة متعتها ، ولا عدة عليها ، فإذا
دخل بها الزوج قالت له : قد زوجت منك بغير أمري وقد رضيت الآن فاستأنف العقد ، فإن
كانت المدة طويلة ولم يصبر الزوج فليتصدق المتمتع عليها بما بقي له من الأيام ، وليتق
الله تعالى في ذلك صيانة لنفسها ، وسترا عليها
لأنها قد ابتليت والدار
دار هدنة ، والمؤمنون في تقية ،
__________________
كذا جاء الأثر عن الرضا ـ عليهالسلام ـ أنه قال « لا تدع التمتع ولو بحبشية زرقاء فإنكم تحيون بذلك السنة ». من خاف في ذلك على نفسه أو ماله أو مذلة تلحقه وجب عليه ألا
يفعله.
الفصل التاسع
يصح عقد النكاح الدائم وإن لم يذكر المهر
، ويلزمه مهر المثل ، والمهر ما تراضى عليه الزوجان مما له قيمة ، ويحل تملكه قليلا كان أو كثيرا
، فإن عقد على مهر فاسد كالخمر والخنزير والميتة ، صح العقد وفسد المهر ، ويلزم مهر
المثل ، وقيل : لا ينعقد النكاح
، وإن كانا ذميين وأسلما
قبل الأداء فعليه قيمته عند مستحليه.
ويستحب أن لا يتجاوز
بالمهر السنة المحمدية وهو خمسمائة درهم ، ويجوز أن يصدقها تعليم شيء من القرآن أو
الحكم والآداب ، أو بناء دار أو خياطة ثوب ، وغير ذلك مما له أجرة ، سوى الإجارة مدة
، إذ هي كانت مختصة بموسى ـ عليهالسلام.
وإذا أصدقها تعليم
قرآن لم يجز حتى يكون مقداره معلوما معينا بالسور ، وإن كان تعليم آيات معدودة وجب
تعيينها ، لأنها تختلف ، فإن أصدقها تعليم سورة معينة وهو لا يحفظها وقال : علي أن
أحصل ذلك لك ، صح ، وإن أصدقها تعليم سورة [ معينة ]
فلقنها ، فلم تحفظ ، أو أصدقها عبدا فهلك قبل القبض ، فعليه
أجرة [ مثل ] تعليم تلك السورة أو قيمة العبد.
__________________
إذا أصدقها تعليم
سورة معينة ، ثم طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ، فعليه أن يلقنها نصف السورة ، وإن
طلقها بعد التعليم رجع إليها بنصف أجرة [ مثل ]
ما علمها. وكذا إذا وهبت
المرأة صداقها لزوجها ثم طلقها قبل الدخول ، فله أن يرجع إليها بنصف المهر.
إذا تزوج مسلم كتابية
على تعليم شيء من القرآن ، للتبصر والاهتداء به صح ، وإن كان تعليمها للمباهاة بحفظها
، لم يصح ، ويلزمه مهر المثل إذا دخل بها ، فإن تزوج مسلم كتابية ، أو مشرك مشركة على
تعليم شيء من التوراة ، كان المهر فاسدا ، لأنه منسوخ مغير مبدل ، وكذلك إن كان الصداق
هجوا أو فحشا من الشعر لم يصح ، وكان لها مهر مثلها ، وإن كان الشعر حكما وزهدا صح
، وإن كان الصداق خياطة ثوب معين ، فهلك الثوب ، فلها مثل أجره خياطة ذلك الثوب ، دون
مهر المثل ، وكذا في كل مهر معين ، وكل مهر فاسد يوجب مهر المثل كله بعد الدخول ونصفه
قبله ، والمرأة تملك الصداق بالعقد وكان الزوج ضامنا متى تلف في يده.
إذا أصدقها غنما
حاملا ، أو غيرها من الحيوان ، فولدت ثم طلقها قبل الدخول ، رجع في نصف الغنم ونصف
أولادها ، وإن حملت الغنم عندها ، فلا شيء له من الأولاد.
وإذا كان الصداق
مما له مثل ، كالأثمان والحبوب والأدهان ، فتلف ، وقد طلقها قبل الدخول فله نصف
مثله ، وإن لم يكن له مثل ، كالثوب والعبد ، فله
__________________
نصف قيمته ، وعليها أقل الأمرين بين قيمته يوم القبض ويوم العقد ، لأن ما زاد
بعد العقد يكون لها ، وإن لم يتلف لكن لو نقص نقصان عين لا نقصان قيمة : كأن يكون الحيوان
بصيرا فعمي أو صحيحا فمرض فكما في التالف.
وإن زاد زيادة متميزة
: كأن يكون بهيمة فنتجت ، أو جارية فولدت ، أو شجرة فأثمرت ، فإنها لها ، وإن كان غير
متميزة : كأن يكبر ، أو يسمن ، أو يتعلم العبد القرآن ، فهي بالخيار بين إعطاء النصف
بزيادته ونصف قيمته ، هذا كله إن كان بعد القبض.
وإن كان قبله ونقص
فلها الخيار بين قبض نصفه وأن تتركه ولها عليه نصف القيمة ، وإن زاد زيادة متميزة ،
فالزيادة له ولها نصف الأصل ، وإن كانت غير متميزة فكما كان بعد القبض.
إذا أصدقها شيئا
ثم ارتدت قبل الدخول عاد كله إليه إلا في الزيادة المتميزة ، فإنها لها ، وفي غير المتميزة
الزوج بالخيار بين رد الكل وبين رد مثله أو قيمته.
إذا أصدقها عبدا
مجهولا ، أو دارا مجهولة ، فلها عبد وسط ، أو دار وسط.
إذا عقدا النكاح
سرا بمهر ذكراه ، ثم عقدا في العلانية بأقل منه أو أكثر ، لم يلزم إلا الأول ، فإن
تواعدا بمهر
من غير عقد ، ثم عقد الزوج
بأكثر منه لزم ما وقع عليه العقد.
ومتى عقد على امرأة
وسمى المهر إلى أجل معلوم إن جاء به وإلا بطل العقد ، ثبت العقد ولزم المهر وإن تأخر
عن الوقت المذكور.
ومتى خلا الرجل
بامرأته فأرخى الستر ، ثم طلقها ، استقر عليه المهر على
__________________
ظاهر الحال ، وعلى الحاكم أن يحكم به ، وإن لم يدخل بها ، إلا أنه لا يحل للمرأة
أن تأخذ أكثر من نصف المهر ، فإن أقام الزوج البينة على أنه لم يدخل بها : بأن توجد
المرأة بكرا فلا يلزمه أكثر من نصف المهر.
ومتى مات الرجل
عن زوجته قبل الدخول بها ، وجب على ورثته أن يعطوها المهر كاملا ، ويستحب لها أن تترك
نصفه. وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها ، فلأوليائها نصف المهر ، وإن ماتت بعد الدخول
ولم تطالب بالمهر في حياتها ، كره لأوليائها المطالبة به ، هذا كله فيمن سمي مهرها.
فأما التي لم يسم
مهرها فلا يلزم لها بالعقد مهر ، لكن لها أن تطالبه بفرض مهرها ، فإن المهر يجب بفرضهما
، أو بفرض الحاكم ، أو بالدخول ، فإن طلقها قبل الفرض وقبل الدخول ، فلا مهر لها ،
لكن يجب لها المتعة ، وهي على الموسع خادم ، أو دابة ، أو ما أشبههما
وعلى المتوسط ثوب أو ما أشبهه وعلى الفقير خاتم أو نحوه ، وإن طلقها بعد الفرض وقبل الدخول ، فلها المطالبة بما اتفقا
عليه ، أو فرضه الحاكم.
وإذا مات أحدهما
قبل الفرض وقبل الدخول ، فلا مهر لها وورثه الآخر ، وعليها العدة ، وفرض السلطان يكون
بقدر مهر المثل ، أعني : مثل نسائها من الطرفين الأقرب فالأقرب ، وإن تجاوز خمسمائة
درهم لم يجب ، فإن دخل بها بعد أن أعطاها شيئا فليس لها سواه.
وإن تزوجها على
ما يحكم به أحدهما أو كلاهما من المهر ، فإن كان بحكم
__________________
المرأة ، وجب عليه الرضا بما حكمت ، ما لم تتجاوز السنة المحمدية ، وإن تزوجها على حكمه ، فما حكم به وجب عليها الرضاء به قل أو
كثر ، وإن كان بحكمهما فعلى ما اتفقا ، فإن مات أحدهما قبل الحكم ، فلها المتعة لا غير.
إذا تزوجها على
كتاب الله وسنة نبيه ، ولم يسم مهرا ، كان مهرها خمسمائة درهم لا غير ، ولا ينعقد التزويج
بهبة المرأة نفسها للرجل ، لاختصاص ذلك بالنبي ـ عليهالسلام ـ ، وإذا زوج أمته بعبده لم يجب المهر ، ويستحب أن يذكر مهرا ، لأنه من سنة
النكاح.
إذا زوج الأب أو
الجد من له إجبارها على النكاح من البكر ، صغيرة أو كبيرة بدون مهر المثل ، ثبت المسمى
دون مهر المثل.
للأب أو الجد مع
الأب أن يعفو عن بعض المهر لا عن كله ، وأما أب البكر أو الثيب التي جعلت الأمر إليه
إذا طلقها الزوج قبل الدخول ، فللأب أن يعفو عن مهرها ويبرئ ذمة الزوج من نصفه ، وكذا
الجد.
ويجوز للرجل قبض
مهر ابنته المولى عليها لصغر أو جنون أو سفه ، وأما الرشيدة غير المولى عليها فإن كانت
بكرا جاز له القبض ما لم تنهه عنه ، وإن كانت ثيبا فلا.
والصداق كالدين
في أنه يكون معجلا ومؤجلا ، وإطلاق العقد يفيد التعجيل ، فإن شرط التأجيل صح.
متى تزوجها على
أنها بكر ووجدها ثيبا جاز له أن ينقص من مهرها شيئا.
إذا أبرأت زوجها
عن مهرها في مرضها ولم تملك سواه ، لم يسقط عنه إلا
__________________
ثلثه. إذا أبرأت زوجها عن عين مهرها وكان مجهولا ، أو فاسدا كخمر ، لم يصح ، لأنها غير مملوكة ، وكذا إن أبرأت من لم يسم لها مهرا عن المهر قبل الفرض.
الفصل العاشر
نكاح الشغار باطل ، وهو أن يزوج الرجل غيره بنته أو أخته على أن يتزوج بنت المزوج
أو أخته على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهرا للأخرى
فجعل بضع البنت ملكا للرجل بالزوجية وملكا للبنت بالمهر.
فإن قال : زوجتك
بنتي على أن تزوجني بنتك على أن صداق كل واحدة منهما مائة ، أو صداق إحداهما مائة وصداق
الأخرى مائتان ، صح النكاح وبطل الصداق ، لأنه جعل التزويج مهرا ، لأنه ما رضي مهرا
لبنته إلا بشرط أن يحصل له نكاح بنت زوجها ، وهو شرط باطل لا يلزم الوفاء به فبطل صداق المائة ، وإذا بطل وجب أن يرد إلى المائة ما نقص من
الصداق لأجل الشرط ، وذلك القدر مجهول ، والمجهول إذا أضيف إلى معلوم صار الكل مجهولا
، فبطل الصداق وسقط ، فوجب مهر المثل ، ولا يفسد النكاح بفساد الصداق.
وإن قال : زوجتك
بنتي على أن تزوجني بنتك ، فجعل صداق كل منهما تزويج البنت ، صح النكاح وبطل الصداق
، ولها مهر المثل.
__________________
إذا عقد على امرأة
وشرط لها في الحال ما يخالف الكتاب والسنة ، كأن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى أو لا
يتزوج بعد موتها ، صح العقد وبطل الشرط ، فإن شرطت عليه في حال العقد ألا يفتضها بطل
النكاح ، وقيل : لم يبطل ولم يكن له وطؤها إلا إذا أذنته من بعد فيه.
وقيل : إن هذا يختص
عقد المتعة.
إذا شرط أن لا يطأها
ليلا ، أو أن لا يدخل عليها سنة ، صح العقد وبطل الشرط ، وإن شرط أن لا نفقة لها لزمته النفقة في الدوام دون المتعة.
إذا شرط في حال
العقد ألا يخرجها من بلدها لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها ، فإن شرط أنه إذا أخرجها
إلى بلده
كان عليه المهر مائة دينار
، وإن لم يخرج كان مهرها خمسين دينارا ، فمتى أراد إخراجها إلى بلد الشرك فلا شرط له
عليها ، ولزمه المهر كملا ، وليس عليها الخروج معه ، وإن أراد إخراجها إلى بلد الإسلام
، كان له ما اشترط عليها.
ومن أعتق عبده وشرط
عليه في حال العتق أن يزوجه جاريته فإن تسرى عليها أو تزوج ، لزمه شيء معين ، فتزوج
العبد أو تسرى عليها ، لزمه ما شرط عليه مولاه.
وأما النكاح الذي
يحلل المرأة للزوج الأول ، فهو المستدام الذي عقده عليها زوج بالغ ، ويكون قد دخل بها
، سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، ومتى كان النكاح متعة ، أو يكون الزوج غير بالغ ، أو
مع بلوغه لم يدخل بها ، أو كان الوطء بملك
__________________
اليمين ، لم تحل للأول ، وكذا إن تزوجها على أنه إذا حللها للزوج الأول ، لم
يكن بينهما نكاح ، أو متى يبيحها للأول بطل النكاح ولم تحل له بذلك ، ولا يتعلق به
طلاق وظهار وغيرهما من أحكام النكاح ، ويفرق بينهما ، وإن أصابها فلها مهر مثلها ،
وعليها العدة ولا نفقة وإن كانت حاملا ، وإن نكحها على أنه إذا أباحها للأول طلقها
، صح النكاح ، وبطل الشرط ، وتحللت المرأة للزوج الأول.
من وجد المطلقة
ثلاثا على فراشه وظنها زوجته أو أمته فوطأها لم تحل بذلك للأول ، لأنها لم تتزوج ،
وأقل ما يقع به التحليل من الوطء ما غاب به قدر الحشفة ، ويقع التحليل بالملوك الخصي
إذا أدخل والتذ ، وإن لم ينزل.
إذا قالت الغائبة
لمطلقها : قد اعتددت منك ، وتزوجت آخر ، ثم طلقني واعتددت منه ، قبل منها إن كانت مدة
الغيبة تحتمل ذلك ، وإلا فلا. إذا وطئها الثاني في الدبر لم يحلل.
البكر المطلقة ثلاثا
لا تحل للأول إلا بافتضاض الثاني.
والإحصان لا يحصل
إلا بأن تكون له زوجة يغدو إليها ويروح ، سواء كانت حرة ، أو أمة ، أو ملك يمين ، مسلمة
، أو ذمية ، والمتمتع بها لا تحصن ، وقيل : إن ملك اليمين لا تحصن ، وكذلك إذا كان أحد الزوجين كافرا.
الفصل الحادي عشر
يستحب أن لا تزوج الصغيرة إلا بعد تسع سنين
، فإن فعل لم يجز للزوج الدخول
حتى تبلغ ، فإن فعل فأفضاها ، لزمه المهر والدية كاملة ، ونفقتها ما دامت حية ، وإن
أفضاها بعد تسع سنين فلا عليه سوى المهر ، هذا إذا كانت في عقد
__________________
صحيح أو شبهة ، وإن كانت مكرهة يلزمه ديتها على كل حال ، ولا مهر لها.
وليجتنب العقد إذا
كان القمر في العقرب ، ويستحب فيه الإعلان والإشهاد والخطبة والوليمة عند الزفاف ،
وليجنب
مجلسه من المناكير ، كشرب
المحرمات وضرب المعازف ، فإن فعل ذلك لم يجز حضوره ، وكذلك إن كان فيه صور منصوبة لذوات
الأرواح لا يدخله.
وأخذ ما ينثر فيه
لا بأس به إذا علم من صاحبه إباحته.
ويستحب أن يكون
العقد والزفاف بالليل والإطعام بالنهار ، وإذا دخل على المرأة يستحب أن يكونا على وضوء
، وأن ينزع خفيها ، ويغسل رجليها في إناء ، ويصب الماء من باب الدار إلى أقصاها ، ويضع
يده على ناصيتها ، ويدعو بالمأثور.
ويكره الجماع ليلة
الخسوف ، ويوم الكسوف ، ومن غروب الشمس إلى مغيب الشفق ، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
، وفي الريح السوداء والصفراء ، وعند الزلازل ، وفي محاق الشهر ، وفي أول ليلة من كل شهر إلا شهر رمضان لقوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى
نِسائِكُمْ )
وفي ليلة النصف من كل شهر
، وفي ليلة الفطر ، وليلة الأضحى ، وفي ليلة الأربعاء ، وفي وجه الشمس ، وفوق السطوح
، وفي استقبال القبلة واستدبارها ، وفي السفينة ، وفي الليلة التي يريد في صبيحتها
السفر ، وفي الليلة التي قدم فيها أهله من السفر ، وفي حال كونه عريانا أو قائماً ،
وفي الهاجرة
، وبين الأذان والإقامة
، ويكره الكلام في حال الجماع بغير ذكر الله تعالى ، وكذا النظر في فرجها.
__________________
وإذا جامع مرة ،
أو احتلم ، وأراد أن يجامع مرة أخرى ، يستحب
أن يغتسل أو يغسل فرجه ، ويتوضأ وضوء الصلاة ، لا سيما إذا
كانت المرأة حاملا ، ويجوز أن يطوف على جماعة من الإماء له بغسل واحد ، دون الحرائر
، لوجوب القسم بين الحرائر.
ومن كان له حرتان
يكره أن يجامع إحداهما بحضرة الأخرى
ولا يجامع أهله في بيت
فيه غيره ، ولا بأس بالعزل عن الأمة ، مملوكة كانت أو مزوجة أذنت أو لا ، ولا يجوز
عن الحرة إلا بإذنها ، فإن عزل من غير إذنها ، وجب لها عشر دية الجنين : عشرة دنانير.
ووطء الزوجة في
الدبر مكروه ، ويتعلق به أحكام الوطء في الفرج ، من إفساد الصوم ، ووجوب الكفارة ،
والغسل ، ووجوب الحد إن لم تكن زوجته أو مملوكته ، وعليه المهر إن كانت مكرهة ، ويجب
به العدة في المزوجة إلا أنه لا يثبت به الإحصان والتحليل للزوج الأول ، وروي : أنه
لا يتعلق به نقض الصوم ووجوب الكفارة والغسل إلا إذا أنزل.
ووطء المرأة في
حال الحيض في الفرج محرم ، وتارك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر مأثوم ، والاستمناء
باليد محظور.
من كان عنده أربع
نساء لا يجوز أن يبيت عند إحداهن أكثر من ليلة واحدة إلا برضاء الباقية وتحليلهن إياه
، أو ترك إحدى الباقية ليلتها ، والتي وهبت ليلتها ليس لها عوضها من بعد.
من تزوج بأربع ابتداء
وقام بالنفقة والمهر والسكنى لهن ، فله أن لا يبيت
__________________
عندهن ، فإن بات عند إحداهن ، وجب عليه القسمة حينئذ ، والأحوط أن يستخرج بالقرعة من ابتدأ بها ، وهكذا
من بعدها ، فإن بات عند واحدة ليلتين ، قضى ذلك في حق الباقية ، ولا يلزم من تسوية
المبيت تسوية المقاربة ، وإن كان الأولى ذلك مع التمكن ، ويتعلق القسمة بالليل دون
النهار.
إذا كان بعض أزواجه
ذمية ، أو أمة مزوجة ، فلها ليلة ، وللمسلمة ليلتان ، ولا قسمة للمملوكة مع الحرة ، ولا قسمة للناشزة ، والمجنونة التي تخرق ثوب الزوج ، ولا الصغيرة غير
البالغة حد التمتع ، ويجب للحائض والنفساء والرتقاء والمحرمة والمظاهر منها والمولى
منها ، ويجب التسوية على العنين والمجبوب.
والمستحب في القسمة
ليلة ليلة وإن قسم مثنى أو ثلاث جاز ، وإن كان له زوجتان جاز أن يقسم لواحدة ثلاث ليال
، أو ليلتين وللأخرى واحدة ، وإن كن ثلاثا ، لم يقسم لواحدة أكثر من ليلتين.
وإذا تزوج ببكر
فله أن يخصها بسبعة أيام لا أكثر ، والثيب بثلاثة.
إذا أراد أن يسافر
بإحدى زوجاته ، فالأولى أن يخصها بالقرعة ، ولا قضاء عليه للباقية ، وإن أخرجها بلا
قرعة قضى للباقية بقدر الغيبة احتياطا.
ولا يسكن من له
أكثر من امرأة في بيت واحد ، إلا برضاهن به ، وللرجل أن يمنع زوجته من الخروج من بيته
، وإن كان لحضور المجالس والمآتم والأعراس ودخول الحمام وزيارة القبور ، ويستحب أن لا يمنعها
من حضور موت الوالدين وغيرهما من ذوي القربى والحقوق.
__________________
[ أحكام
الولادة ]
الفصل الثاني عشر لا يتولى أمر النساء في
الولادة إلا النساء مع التمكن ، ويغسل المولود ندبا ، ويؤذن في أذنه اليمنى ، ويقام في الأخرى ، ويحنك بماء
الفرات إن وجد ، وإلا فبماء عذب ، وإن لم يوجد إلا المالح مرس
فيه من التمر أو العسل
يحنك به ، ويستحب تحنيكه بتربة الحسين ـ عليهالسلام ـ ، ويسميه باسم حسن من أسماء الأنبياء والأئمة ، ويكنيه بكنية والده ، وإذا
سماه محمدا لا يكنيه أبا القاسم ، ويكره أن يسمي ابنه حكما أو حكيما أو خالدا أو مالكا
أو حارثا أو هماما أو مباركا أو ميمونا أو بشيرا أو شهابا.
ويعق عن ولده يوم
السابع بكبش عن الذكر ، وبشاة عن الأنثى من الضأن لا غير ، ندبا ، ويحلق رأسه ويتصدق
بوزن شعره ذهبا أو فضة مع العقيقة في موضعه ندبا ، ولا يجزي في العقيقة إلا ما يجزي
في الأضحية ، والحمل
الكبير يجزئ عن الكبش أو
الشاة عند فقد ذلك.
وإذا لم يتمكن من
العقيقة قضاها بعد ندبا ، ولا يقوم مقام العقيقة الصدقة بثمنها ، ومن لم يعق عنه والده
يعق عن نفسه إذا أدرك ندبا ، وتعطى القابلة ربع
__________________
العقيقة ، وإن كانت ذمية لا تعطى منها ، بل تعطى ربع ثمنها ، وإذا لم يكن للولد
قابلة ، أعطيت أمها الربع ، وتتصدق هي به ، ولا تأكل منه ، وإن كانت القابلة أم الرجل
، أو من هو في عياله ، لم يعط منها شيئا ، ولا يجوز أن يأكل منها أبواه.
ولا يكسر للعقيقة
عظم ندبا ، ويطبخ اللحم ويدعى عليه جمع من المؤمنين ، وإن فرق اللحم على الفقراء جاز ، وإن مات
المولود قبل الظهر من يوم السابع لم يعق عنه ، وإن مات بعد الظهر ، عق عنه ندبا.
والختان فرض لازم
، عند بلوغ الصبي ، وسنة قبل ذلك من حين ولادته ، ولا يؤخر عن اليوم السابع ندبا ،
وفي خفض الجواري فضل ، وليس بفرض.
والكافر غير المختون
إذا أسلم وجب ختانه وإن شاخ ،
ويكره أن يحلق من شعر رأس
الصبي ، ويترك بعض ، والرجل مخير بين حلق شعر الرأس وتركه ، وندب إلى إزالة جميع شعر
بدنه لا سيما شعر العانة والإبطين.
__________________
[ أحكام
الرضاع ]
الفصل
الثالث عشر
من وطأ امرأة وطأ
يلحق به النسب بنكاح صحيح ، أو فاسد ، أو وطء شبهة ، أو ملك يمين ، فحصل بينهما ولد
، ودر لبن غذائه ، كان لبنا للفحل ، لأنه ثار ودر بفعله ، فإذا رضع مولود من هذا اللبن
في مدة الحولين من الولادة خمس عشرة رضعة متوالية ، لم ترضعه أمه أو امرأة أخرى بينهما
، وقيل : عشر رضعات
وحد كل رضعة ما يروي الصبي
منه ويمسك عنه ، أو رضع يوما وليلة إذا لم ينضبط العدد ، [ فإذا وجد العدد ] أو رضع مقدار ما ينبت عليه اللحم والعظم ، ثبتت الحرمة بينه
وبينهما ، وانتشرت الحرمة من جهته إليهما ومنهما إليه.
أما منه إليهما
، فيتعلق به وبولده ، دون من هو في درجته من إخوته وأخواته أو أعلى منه من أمهاته وجداته
وأخواله وخالاته ، أو آبائه وأجداده وأعمامه وعماته ، فإن الرضاع فيهم كلا رضاع.
ويحل للفحل نكاح
أخت هذا المولود ، ونكاح أمهاته وجداته ، ويحل لأخ الرضيع نكاح هذه المرضعة. قال الشيخ
أبو جعفر
: وروى أصحابنا أن جميع
أولاد الفحل يحرمون على هذا المرتضع وعلى أبيه وعلى إخوته وأخواته.
__________________
وأما الحرمة من
جهتهما إليه ، فيتعلق بكل واحد منهما ، ومن كان من نسلهما ، ومن كان في درجتهما ، من
أخواتهما وإخوتهما ومن كان أعلى منهما ، من آبائهما وأمهاتهما.
ومتى كان لأمه من
الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع ، جاز أن يتزوجها ، لأن الفحل غير الأب ، واللبن
للفحل ، فإن كانت البنت من غير هذا الفحل ولادة ، لا رضاعا ، حرمت ، وأما زوج المرضعة
فهو أبوه رضاعا وأخوه عمه وأخته عمته وآباؤه أجداده ، وولده من غير هذه المرضعة إخوة
لأبيه ومنها إخوة لأبيه وأمه ، هذا معنى قوله ـ عليهالسلام ـ : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».
امرأة أرضعت صبيين
ولكل منهما إخوة وأخوات ولادة ورضاعا جاز التناكح بين إخوة وأخوات هذا و [ بين ] إخوة وأخوات ذلك ، ولا يجوز بينهما أنفسهما ، ولا بين إخوتهما
، من جهة لبن الرجل الذي رضعا من لبنه.
لا ينتشر الحرمة
برضاع من له أكثر من حولين ، ومتى وقع الرضاع المعتبر بعضه في الحولين ، وبعضه خارج
الحولين ، لم يحرم.
إذا التقم المولود
الثدي ثم أرسله لإعياء أو بتنفس أو انتقال إلى الثدي الأخرى
ثم عاد إليه في الحال ، كان الكل رضعة واحدة ، وإن قطع قطعا
بينا ، وطال الفصل بينهما ، فهما رضعتان.
لا يحصل التحريم
بأن يصب اللبن في فيه فيصل إلى حلقه. إذا حلبت مرضعة لبنها مرات في إناء ، ثم ماتت
فشرب الطفل ذلك ، عدد المرات المحرمة
__________________
لا يحرم. إذا رضع من لبن در لبكر أو لثيب غير مرضعة العدد المعتبر لم يحرم ،
وكذا لو در لرجل لبن فرضع منه ، أو رضع طفلان من لبن شاة أو بقرة ونحوها.
من كانت له امرأة
لها دون الحولين وكبيرة لها لبن من غيره ، فإن أرضعت الصغيرة انفسخ نكاحهما ، لجمعة
بين أم وبنتها ، وحرمت الكبيرة عليه أبدا ، وكذا الصغيرة إن كان دخل بالكبيرة ، وإلا
استأنف العقد على الصغيرة ، وعليه نصف مهر الصغيرة ويسقط مهر الكبيرة ، لحصول الفسخ
منها ، ويرجع الزوج بمهر الصغيرة على الكبيرة ، لأنها حالت بينهما ، وإن كان دخل بالكبيرة
لم يسقط شيء من مهرها ، وإن كانت المرضعة مكرهة على إرضاعها لم يلزمها شيء إذا كان
له أربع زوجات ، ثلاث لهن دون الحولين ، وكبيرة لها لبن من
غيره ، فأرضعت صغيرتين معا الرضعة الأخيرة ، كأن أرضعت كلا منهما الرضعات التي قبلها
، ثم سلمت إلى كل منهما ثديا ، فارتضعتا جميعا ، ورويتا معا في حالة واحدة ، انفسخ
نكاح الكبيرة والصغيرتين ، وحرمت الأم على التأبيد دخل بها أو لا ، وحرمت الصغيرتان
أبدا إن دخل بالأم ، وإلا حرمتا تحريم جمع ، وله استئناف النكاح على كل منهما ، وحكم
المهر ما مضى.
فإذا أرضعت الكبيرة
الصغيرة الثالثة ، وكان دخل بالكبيرة انفسخ نكاحها ، وحرمت أبدا ، وإن لم يدخل فنكاح الصغيرة بحاله ، وإن كانت الكبيرة أرضعت
إحداهن الرضعة الأخيرة فانفسخ نكاحهما [ معا ]
ثم أرضعت الثانية والثالثة معا انفسخ نكاحهما معا ، فإن كان
دخل بالكبيرة حرمتا أبدا ، وإلا فتحريم جمع ،
__________________
وله استئناف نكاح كل منهما ، وحكم المهر ما مضى ، وإن أرضعت واحدة الرضعة الأخيرة انفسخ نكاحهما جميعا
، والتحريم والمهر كما سبق ، ثم أرضعت الأخرى الرضعة الأخيرة ، فإن كان دخل بالكبيرة
انفسخ نكاح الثانية ، وإلا فلا ، ثم أرضعت الثالثة الرضعة الأخيرة صارت الثالثة أخت
الثانية من رضاع ، وينفسخ نكاحهما.
إذا كانت له زوجة
صغيرة حرة ، وأخرى أمة ، ولها لبن
من غيره فأرضعت الأمة الصغيرة
انفسخ نكاح الصغيرة إن كان وطأ الأمة وحرمت على التأبيد ، لأنها بنت موطوءته وإن لم
يطأها لم ينفسخ نكاح الصغيرة ، وحرمت الأمة أبدا ، لأنها أم زوجته.
وإن كانت له زوجة
صغيرة لها دون الحولين ، وكبيرة لها لبن من غيره فطلقهما معا فتزوج بهما آخر معا ،
ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاحهما معا ، وتحرم الكبيرة على الزوجين معا أبدا
، أما على الأول فلأنها الآن أم من كانت زوجته ، وعلى الثاني ، لأنها أم من هي زوجته
، وتحرم الصغيرة عليهما أبدا إن دخلا بالكبيرة وإلا فلا ، وإن دخل بها أحدهما فكما
مضى.
وكذا رجل له زوجة
كبيرة ، وآخر له زوجة لها دون الحولين ، فطلق كل منهما زوجته وتزوجهما الآخر ، فأرضعت
الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما جميعا أبدا ، ولا تحرم الصغيرة على كل منهما إن
لم يدخلا بالكبيرة.
إذا أتت المرأة
بولد ونفاه زوجها باللعان ، فأرضعت مولودا بلبن هذا الولد ، حصل التحريم بين الصبيين
دون الزوج ، ثم إن أقر به ثبت نسبه وتبعه حكم
__________________
الرضاع.
ولبن من أتت بولد
من الزنا لا يحرم ولا يثبت به رضاع.
رجل زوج أم ولده
من طفل حر له دون الحولين ، فأرضعته صار ولدها وولد سيدها ، وانفسخ نكاحها ، وحرمت
عليهما أبدا ، أما على السيد ، فلأنها حليلة ابنه ، وأما على الطفل ، فلأنها أمة رضاعا
وموطوءة أبيه.
إذا تزوج بزوجة
لها دون الحولين ، فأرضعتها من يحرم عليه نكاح ابنتها ، انفسخ نكاحها ، كأن ترضعها
أمه بلبن أبيه ، فهي أخته لأبيه وأمه ، وإن كان اللبن لغير أبيه ، فهي أخته لأمه ،
وإن أرضعتها جدته فهي خالته ، وإن أرضعتها بنته صارت بنت بنته
وإن أرضعتها أخته ، صارت بنت أخته ، وإن أرضعتها امرأة أخيه
بلبن أخيه فهو عمها. وإن كان اللبن لغير أخيه صارت ربيبة أخيه ، ونكاحها لا ينفسخ لأن له أن يتزوج بربيبة أخيه ، وإن أرضعتها امرأة أبيه بلبن
أبيه صارت أخته من أبيه ، وإن كان اللبن لغير أبيه صارت ربيبة أبيه ، والنكاح بحاله
، لأنه يجوز له أن يتزوج بربيبة أبيه ، فإن أرضعتها امرأة ولده بلبن ولده صارت بنت
ولده ، وإن كان بلبن غير ولده فهي ربيبة ولده والنكاح بحاله ، لأن له أن يتزوج بربيبة
ولده ، سواء كانت المرضعة محرما له من نسب أو رضاع ، فأما إذا أرضعتها من لا تحرم عليه
بنتها ، فالنكاح بحاله ، كأن أرضعتها عمته أو خالته أو امرأة عمه أو خاله ونحو ذلك.
لا يثبت الحكم بالرضاع
إلا بشهادة عدلين ولا يقبل الشهادة فيه مطلقا بلا شرح ، وشرحها أن يقول : أشهد أن فلانة
أرضعت فلانا خمس عشرة رضعة ، أو عشر رضعات ـ على القولين ـ غير متفرقات ، على ما مر
في مدة الحولين ، ولم يفصل
__________________
برضاع امرأة أخرى ، ووصل اللبن إلى جوفه على ظاهر الحال ، بأن شاهدت الصبي ملتقما
ثديها يمص اللبن ويحرك شفتيه ويبتلع ما كان يحصل في فيه.
إذا رأى الصبي داخلا
رأسه تحت ثياب المرضعة ، لم يجز له أن يشهد بالرضاع.
إذا ادعى الزوج
أنها تحرم له من رضاع ، قبل قوله فيما عليه ، ولا يقبل فيما له ، إلا ببينة ، ولزمه
المهر كملا إن دخل بها ، وإن علم من حالهما أن أحدهما أكبر من الآخر بما لا يمكن حصول
الرضاع بينهما ، لم يلتفت إلى دعواه.
الفصل الرابع عشر
مدة الرضاع الذي لا يجوز أكثر منها حولان
وشهران ، ولا يجوز أن ينقص
من الحولين أكثر من ثلاثة أشهر ، ولا يجوز إجبار الحرة على إرضاع ولدها ، إلا إذا لم
يكن له مال ولا والد وغيره ، ممن يجب عليه نفقته ، أو كان معسرا ، فحينئذ يجب عليها
إرضاعه ، وليس للزوجة إرضاع الولد إلا برضاء الزوج ، لأن له الاستمتاع بها ، والإرضاع
يخل بذلك.
لا يصح
أن يستأجر الرجل زوجته لرضاع الولد إلا إذا بانت منه.
إذا تطوعت البائنة
برضاع الولد ، أو رضيت بأجرة المثل ، فهي أحق به ، فإن طلبت أكثر من ذلك ، ووجد الأب من تتطوع بذلك أو ترضع بدونها فله
ذلك.
ومن شرط صحة الإجارة
أن تكون مدة الرضاع والأجرة وحال اللبن معلومة ، وأن تشاهد الصبي المرتضع ، ولا يصح
أن يستأجرها بنفقتها وكسوتها مطلقا ، إلا إذا عين مقدار النفقة والكسوة ، وجنسهما ،
ويبطل الإجارة بموت الصبي وكل واحد
__________________
من المتعاقدين.
والأمة تجبر على
إرضاع الولد
، ولا يسترضع المرأة إلا
عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة الوجه ، غير عمشاء ولا حمقاء ، ولا يجوز استرضاع الكافرة ،
فإن اضطر إلى ذلك ، فرخص في اليهودية والنصرانية خاصة ، بشرط أن يمنعها من أكل المحرمات
وشربها ، ولا يسلم الولد إليها تحمله إلى بيتها ، ولا يسترضع من ولد من زنى مختارا.
__________________
[ أحكام
الحضانة ]
الفصل
الخامس عشر
إذا افترق الزوجان
فالأم أحق بالطفل الصغير للتربية والحضانة من الأب ، ونفقته على الأب ، وإذا بلغ الطفل
حدا يميز بين ضره ونفعه في العادة ، وهو سبع سنين فصاعدا ، فالأب أحق به إن كان ذكرا
، والأم أولى بها إن كانت أنثى ما لم تتزوج ، وإن كان الولد عاقلا رشيدا فله الخيار
في المقام عند أيهما شاء ، ذكرا كان أو أنثى ، غير أنه يكره للبنت مفارقة أمها إلى
أن تتزوج.
إذا فسق الأب فالأم
أولى بها ، فإن فسقت هي أيضا ، سقطت حضانتها ، وكذا إن تركت الحضانة باختيارها ، فالأب
أولى به من أم الأم ، وإذا كان أحدهما مسافرا بقدر التقصير فالأب أحق به ، وإذا كان
أحدهما كافرا ، فالمسلم أولى به أيهما كان ، وإن كان أحدهما مملوكا ، فالحر أولى به
، وإن كان الولد مملوكا ، فسيده أولى به ، وبعد الأبوين فالأولى بميراث الولد أولى
به ، فإن تساووا أخرج بالقرعة ، ومن فسق
أو كفر أو غاب فكمن مات.
__________________
كتاب
النّفقة
يجب نفقة الولد
على والده في الفاضل عن قوت يومه بمال في يده أو قدرة على كسب ، إذا كان الولد صغيرا
أو معسرا ، والكبير الناقص الخلقة كالصبي والمعسر ، وذلك مثل الضرير
والزمن والمعضوب
والمجنون ، وإن كانا موسرين
، أو كان الكبير قادرا على كسب كفايته ، فلا يجب ، وإذا لم يكن له والد ، أو كان معسرا
، فنفقته على جده ، فإن فقد الجد أو كان معسرا ، فعلى أبي الجد ، وهلم جرا ، فإن فقد
الآباء ، أو أعسروا ، فعلى أمه ، وإن لم تكن ، أو كانت معسرة ، فعلى جدته وهكذا جدتها
وإن علت مع فقد القريبة أو إعسارها ، وكذا كل من وقع عليه اسم الأب أو الجد ، الأقرب
فالأقرب.
ونفقة الوالد على
ولده وكذا الجد وإن علا ، والأم وأمهاتها وأجدادها وإن علت ينفق عليهم من فاضل قوته
إذا كانوا فقراء ، غير قادرين على كسب ما يسد خلتهم ، ولا يجب على الولد إعفاف والده
بنكاح أو ملك يمين.
إذا كان له ولدان
، أو أب وابن ، ولا يسعهما فاضل قوته ، كان الفاضل بينهما ، وإذا كان له أب وجد ، أو
ابن وابن ابن ، ولا يسع الفاضل كليهما ، كان الأقرب أولى. إذا كان للمعسر أب وابن موسران
فنفقته عليهما بالسوية. إذا كان له زوجة
__________________
وذو رحم ، ولا يسعهما فاضل قوته ، فالزوجة أحق بذلك ، لأن نفقتها على سبيل المعاوضة
، ولا يتعلق بإيسار الزوج ، ويسقط نفقة الأقارب بفواتها ، بخلاف نفقة الزوجة فإنها
في الذمة.
من كان غنيا وله
أب معسر له زوجة معسرة ، وأطفال لا مال لهم ، فعليه نفقة والده وزوجة والده ، لأنها
من مؤنة والده ، دون نفقة إخوته ، ويستحب أن ينفق على من يرثه من الأقارب مع فقد الوالدين
والولد ، ويجب نفقة زوجة الولد على الوالد.
إذا تزوج العبد
القن أو المكاتب أو المدبر بحرة فأولدها ، كان الولد حرا ، وعليها حضانته ونفقته ،
دون العبد إلا إذا أعتق وأيسر.
الفصل السادس عشر
يجب على الرجل نفقة زوجته ، وليس عليه إخدامها إلا إذا كانت ممن يخدم مثلها في الشرف
والنسب ، وغير الشريفة تستحق الإخدام في حال مرضها خاصة ، ومن وجب عليه الإخدام ، مخير بين أن
يشتري خادما ، أو يكتري ، أو يخدمها بنفسه ، وإذا تكفلت خدمة نفسها لم يكن لها مطالبة الزوج بأجرة الخدمة.
ونفقة الزوجة على
الموسر مدان ، من غالب قوت البلد ، كل يوم ، وعلى المتوسط مد ونصف ، وعلى من دونه مد
، وكذا في مقدار الأدم والكسوة ، وإذا اتفقا على أخذ البدل عنها جاز ، وإن زاد لبعض
أزواجه على الواجب جاز ، وقد ترك الأفضل.
ووقت وجوب النفقة
لها ، حالة تمكينها إياه من الاستمتاع بها ، دون حال
__________________
العقد ، فإن تعللت في التمكين بطلب مسكن دون مسكن ، وبلد دون آخر ، سقط وجوب
النفقة ، وتجب النفقة بوجود التمكين لا بإمكانه ، فلو بقيا بعد العقد سنين ، ولم يطالبها
هو بالتمكين ، ولا طالبته هي بالنفقة ، لم تجب النفقة.
وتسقط نفقتها بالنشوز
وبمندوب الإحرام والصوم إذا كان بغير إذن زوجها ، بخلاف الواجب.
يجب على القن والمكاتب
والمدبر نفقة زوجاتهم مع التمكين ، والنفقة من كسب العبد إن أذن له مولاه في التزويج
، وإن لم يكن مكتسبا ، تعلقت برقبته ، وليس للسيد أن يسافر بعبده إلا بعد أن يضمن نفقة
زوجته.
للمطلقة طلاقا رجعيا
، النفقة ما دامت في العدة ، بخلاف البائنة بالطلقة الثالثة ، أو بالخلع ، فإنه لا
نفقة لها ولا سكنى ، إلا إذا كانت حاملا ، ولا نفقة في النكاح المفسوخ ، ولا للملاعنة
الحامل ، إلا أن يكذب الزوج نفسه ، فحينئذ لها النفقة ، ونفقة قدر ما انقطع عنها ،
ونفقة الحمل
إنما تجب للحامل لأجل الحمل
، ولا نفقة للمتوفي عنها زوجها في العدة من تركته ، فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب
حملها.
إذا تزوج حر بأمة
فأبانها ، وهي حامل ، وجب النفقة على سيد الأمة إذا اشترط استرقاق الولد ، فإن كان
الزوج مملوكا ، فالنفقة على سيد الولد ، فإن كانت الأم حرة ، والأب عبدا ، فالنفقة
على الأم إلا إذا أعتق وأيسر.
إذا أعسر الرجل
بنفقة زوجته ، فعليها النظرة إلى ميسرة ، ولا يفسخ الحاكم العقد بمطالبتها. ومتى استقرضت المرأة على زوجها في حال غيبته نفقتها بالمعروف
لزم الزوج قضاؤه.
__________________
الفصل
السابع عشر
العبد إن كان غير
مكتسب ، لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض ، فنفقته على سيده ، وإن كان مكتسبا فسيده
بالخيار بين أن ينفق عليه وأن يجعل نفقته في كسبه ، فإن زاد
كسبه على نفقته ، أو نقص عنه ، فلسيده أو عليه ، ومقدار النفقة قدر الكفاية لمثله في
العرف ، وجنسها غالب قوت البلد للمماليك ، وكذا في الكسوة ، ولا يعتبر في ذلك حال سيده
، ويسوى بين المماليك في الطعام والكسوة ، ويفرق بين السرية والخادمة ، ولا يجوز أن
يكلف العبد ما لا يطيقه ، ومتى تعطل عن الكسب ، كانت نفقته في مال مولاه.
الفصل الثامن عشر
من ملك بهيمة أو طيرا كان عليه نفقتها ،
سواء كانت مما يقع عليه
الذكاة أو لا ، ثم إن كانت البهيمة في جوف البلد ولم ينفق عليها صاحبها ، ألزمه السلطان النفقة عليها ، أو بيعها ،
أو ذبحها إن كانت مما يذبح ، وإن كانت في الصحراء ، أو كان لها في الكلاء كفاية فلا
[ شيء ]
عليه ، بل تركها لترعى
، وإن كانت لا تكفيها ، أو كانت مجدبة ، فكما في البلد ، وإن كان لها لبن وفق حاجة الولد ، فلا
يجوز أن يتعرض للبنها ، وإن كان أكثر من ذلك ، فله أخذ الفضل ، فإذا استغنى بالعلف
، أخذ كله.
__________________
كتاب
الطلاق
الطلاق ضربان :
طلاق السنة وطلاق العدة ، وكل منهما ثلاث ، فمن
طلق مدخولا بها ، جاز له أن يتزوجها بلا توسط نكاح الغير
، فإذا تزوجها ثانيا ، ثم طلقها بالشرائط ، فله الرجوع إليها قبل انقضاء العدة أو التزوج
بها بعد ذلك
فإذا تزوجها ثالثا ، ثم
طلقها ، لم يكن له الرجوع إليها في العدة ، ولا التزوج بها بعدها حتى تنكح زوجا غيره ، وطلاق العدة من ذلك ، هو ما يراجعها
الزوج بعده قبل انقضاء العدة. وطلاق السنة هو ما لم يراجعها حتى تخرج من العدة.
والطلاق إما واجب
، أو مندوب ، أو محظور ، أو مباح ، أو مكروه.
فالواجب طلاق المولي
بعد تربص أربعة أشهر ، أو الفئة.
والمندوب طلاق من
تعذر الاتفاق بينه وبينها ، وفسدت الحال بالشقاق.
والمحظور طلاق الحائض
بعد الدخول ، ولم يغب عنها شهرا ، أو في طهر قربها فيه بجماع قبل أن يظهر بها حمل.
ومتى لم تكن حائضا
، أو كانت وقد غاب عنها زوجها شهرا فصاعدا ، أو لم
__________________
يقربها في الطهر المذكور ، أو قربها فيه ، وهي حامل وطلقها ، كان الطلاق مباحا.
والمكروه طلاق من
كانت الحال بينها وبين الزوج عامرة ، وكل منهما يقدر على القيام بحق صاحبه.
الفصل الأول
شروط صحة الطلاق :
أن
يكون المطلق بالغا كامل العقل
غير مكره ولا غضبان ، بحيث لا يملك مع غضبه الاختيار.
وأن
يكون قاصدا إلى التحريم به ، غير حالف ولا ساه ولا حاك ولا لاعب
، متلفظا بصريحه.
وأن
يكون مطلقا من الاشتراط وموجها إلى معقود عليها.
وأن
يكون معينا لها ، ويعلقه بجملتها دون أبعاضها.
وأن
تكون هي طاهرا من الحيض والنفاس طهرا لم يقربها فيه بجماع إلا أن تكون حاملا ، أو ليست ممن
تحيض ، أو غير مدخول بها ، أو مدخولا بها ، وهي غائبة عن زوجها.
وأن
يكون بمحضر من شاهدي عدل.
من دام زوال عقله
في العادة واحتاج إلى الطلاق ، طلق عنه وليه ، فإن لم يكن له ولي ، فالإمام أو نائبه
، وإذا أشهد رجلين واحدا بعد الآخر ، ولم يشهدهما في مكان واحد لم يقع الطلاق ، وإذا
طلق ولم يشهد ثم أشهد بعد أيام وقع الطلاق من وقت الإشهاد وتعتد منه ، وإذا كتب بيده
أنه طلق زوجته وهو حاضر لم يقع
__________________
طلاقه ، وإن كتب ـ وهو غائب ـ بخطه : فلانة طالق ، وقع ، وإن قال لغيره : اكتب
إلى فلانة امرأتي بطلاقها ، لم يقع.
والأخرس يكتب الطلاق
بيده ، وإن لم يحسن ، أومأ إلى الطلاق بما يفهم منه ، كما يومئ إلى سائر أغراضه وقد
وقع ، وقد روي أنه يضع المقنعة على رأسها ويتنحى عنها ، وإذا راجعها أخذ المقنعة عن
رأسها .
ويجوز للغائب توكيل
الغير في الطلاق ، بخلاف الحاضر. إذا أراد عزل الوكيل ، فليعلمه إن أمكنه ، وإلا فليشهد
شاهدين. إذا وكل رجلين في طلاق امرأته ، لم يجز لأحدهما الانفراد ولم يقع الطلاق إلا
بعد اتفاقهما عليه ، ولا يصح أن يوكل امرأة في طلاق نفسها.
وإذا طلق غير مدخول
بها ، أو مدخولا بها قد غاب عنها زوجها شهرا فصاعدا ، وقع الطلاق في حال الحيض ، وإن
كان غاب تلك المدة ثم عاد وهي حائض ، لم يجز أن يطلقها حتى تطهر ، وإن لم يجامعها بعد
العود ، ولا يعتبر رضاء المرأة في طلاقها ، ولا في رجوع الزوج إليها.
الفصل الثاني
صريح الطلاق أن يقول : أنت أو هي أو فلانة
طالق ، أو ما يكون بمعناه بأي
لسان كان ، ولا يقع الطلاق بشيء من الكنايات نوى ذلك أو لا ، كقوله : أنت خلية أو
بريئة أو بتلة أو بائن أو حرام أو اذهبي أو الحقي بأهلك ، أو حبلك على غاربك أو فرجك
علي حرام. أو قال : سرحتك أو فارقتك أو أنت مفارقة ، وأراد الإخبار عن الماضي. أو قال
: أنت طالق طلاق الحرج ، أو جعل الأمر إليها ، فاختارت نفسها.
__________________
إذا قال : طلقتك
أو أنت مطلقة ، ونوى الطلاق ، وقع.
إذا قال : أنت الطلاق
، لم يقع ، لأنه ليس بصريح الطلاق. وإذا قال : أنت طالق ، ونوى أكثر من واحد ، لم يقع
إلا واحد ، والطلاق الثلاث في طهر واحد بلفظ واحد أو ثلاث مرات ، لا يقع منها إلا واحدة
في المدخول بها ، وغيرها.
إذا قيل له : طلقت
امرأتك؟ فقال : نعم ، لزمه في الحكم طلقة واحدة ، وإن ادعى أنه أراد طلاقا سابقا على
هذه الزوجية ، وصدقته المرأة ، صدق ، وإن كذبته فعليه البينة ، وإن فقدت البينة وادعى
علمها بذلك ، فأنكرت ، فالقول قوله مع اليمين.
وإذا قيل له : هل
لك زوجة؟ فقال : لا ، لم يكن طلاقا.
إذا قال : أنت طالق
غدا ، أو في غرة شهر كذا ، لم يقع شيء ، فإن جعل ذلك نذرا على نفسه وجب الوفاء [ به
]
إن لم يمنع منه مانع حيض
أو غيره.
إذا قال : أنت طالق
إن شاء الله ، لم يقع. ولا يقع طلاق المرأة قبل التزوج بها ، ومن يعتقد وقوع الطلاق
الثلاث والطلاق المشروط والطلاق قبل النكاح من المخالفين ، فطلق على بعض تلك الوجوه
، وقع بذلك الفرقة بخلاف معتقد الحق.
الفصل الثالث
من أراد أن يطلق زوجته طلاق العدة ، وقد دخل بها ، وهو غير غائب عنها ، فليطلقها في طهر لم يقربها
فيه بجماع ، أو قربها فيه وقد ظهر بها حمل ، بمحضر من شاهدي عدل ، ثم ليراجعها قبل انقضاء العدة ولو بيوم ، وليواقعها ثم يستبرئها
بحيضة ، فإذا طهرت فليطلقها ثانية كالأولى ، ثم يراجعها قبل انقضاء
__________________
العدة ، ويواقعها ثم يستبرئها بحيضة ثم يطلقها الثالثة ، وقد بانت منه في الحال ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره بعد العدة ، فإذا تزوجت بالغا غيره تزوج الدوام وقد دخل بها ثم طلقها أو مات عنها
واعتدت ، جاز أن ينكحها الأول بمهر وعقد جديدين.
فإذا طلقها ثلاثا
أخر كذلك ، ثم تزوجت بآخر ثم فارقها وتزوجها الأول ثم طلقها ثلاثا أخر تتمة تسع [ تطليقات
] كل ذلك على ما سبق ، لم تحل للأول أبدا ، ومتى راجعها لم
يجز له أن يطلقها طلاق العدة إلا بعد أن يواقعها ويستبرئها بحيضة ، فإن لم يواقعها
أو عجز عن وطئها وأراد طلاقها طلقها طلاق السنة ، فإن واقعها وارتفع حيضها استبرأها
بثلاثة أشهر ثم يطلقها إن شاء.
ويطلق الحبلى ومستبينة
الحمل متى شاء ، وهو أملك برجعتها ما لم تضع الحمل ، وإذا أراد أن يطلقها طلاق العدة
قبل وضع الحمل ، واقعها ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، ثم طلقها الثالثة ، لم تحل له حتى
تتزوج بآخر ، ولا يجوز لها التزوج حتى تضع الحمل ، فإن كانت حاملا باثنين بانت من الزوج
عند وضع الأول ، ولا تحل لغيره حتى تضع الثاني.
وأما طلاق السنة
فأن يطلق مدخولا بها غير غائب عنها في طهر لم يجامعها فيه ، أو جامعها بعد ظهور الحمل
، بحضرة شاهدين طلقة واحدة ، ثم يتركها حتى تخرج من العدة ، أو تضع الحمل ، ثم يتزوجها
ثانيا ، ثم يطلقها كمامر ، وتنقضي عدتها ، ثم يجدد العقد عليها ثالثا ، ثم يطلقها على
الشرائط طلقة ثالثة ، فإنها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإن تزوجت فيما بين التطليقات
، بالغا دائما ، ودخل بها ، هدم الطلاق السابق ، هكذا أبدا ، وللزوج الرجوع قبل تمام
العدة من الطلقتين
__________________
الأوليين.
ولزوج
غير المدخول بها أن يطلقها متى شاء ، حائضا كانت أو لا ،
صغيرة أو لا ، بلغت أو لا ، إذا اجتمعت الشروط الأخر ، وتبين بالطلاق في الحال ، فإن
تزوجها ثانيا ثم طلقها قبل الدخول ثم تزوجها ثالثا ثم طلقها قبل الدخول ، لم تحل له
حتى تنكح زوجا آخر.
ومن لم تبلغ تسع
سنين ، طلقها من دخل بها متى شاء ، وقد بانت في الحال ، وإن بلغت ذلك ، صبر عليها ثلاثة
أشهر ثم طلقها ، وحكم الآئسة من المحيض
ومثلها لا تحيض ـ وحد ذلك
خمسون سنة ـ حكم غير البالغة ، وإذا
أراد أن يطلق آيسة من المحيض
ومثلها تحيض ، استبرأها بثلاثة أشهر ثم طلقها ، وحد ذلك دون
الخمسين.
ومن غاب عن زوجته
وكانت حائضا أو في طهر لم يجامعها فيه فلا يطلقها حتى يمضى ما بين شهر إلى ثلاثة ،
فإذا طلقها كان أملك برجعتها ما لم يمض ثلاثة أشهر ، وهي عدتها ، إذا كانت ذات حيض
، فإذا راجعها أشهد على المراجعة ، فإن لم يشهد وبلغها الطلاق واعتدت فلا سبيل له عليها
، تزوجت أو لا ، وإن كان أشهد وقدمها وقد تزوجت ، فالزوجة زوجته وعلى الزوج الثاني
مهر المثل ، وعليها العدة منه ، وإن طلق امرأته غائبا وأشهد ثم قدمها ، وقاربها فأتت
بولد ، ثم ادعى الطلاق ، لم يقبل قوله ولا بينته ، والحق الولد به.
ومن طلق إحدى زوجاته
الأربع ، غائبا عنهن ، طلاقا رجعيا ، لم يجز أن يعقد
__________________
على الأخرى إلا بعد مضي تسعة أشهر مدة الأجلين : فساد الحيض ووضع الحمل ، وإن
لم يكن غائبا عنهن جاز أن يتزوج بأخرى بعد عدة المطلقة ، وفي الطلاق البائن يجوز أن
يتزوج بأخرى عقيب الطلاق.
ومن لا يصل إلى
زوجته
في بلده فهو كالغائب عنها
، يطلقها بعد مضي شهر إلى ثلاثة ، والمسترابة يطلقها بعد مضي ثلاثة أشهر.
والغلام ابن عشر
سنين يجوز طلاقه إذا أحسن ذلك ، وإن كان أقل سنا من ذلك ، أو لا يحسن الطلاق فلا ،
ولا يجوز لوليه أن يطلق عنه إلا أن يكون قد بلغ فاسد العقل.
وإذا كانت تحت حر
أمة فطلقها ثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ولا يحللها له وطء مولاها إياها ،
فإن اشتراها زوجها لم يكن له وطؤها ، حتى يزوجها من غيره ، ثم تفارقه وتعتد منه ، وطلاق
الحرة تحت العبد ثلاث ، وطلاق الأمة ثنتان ، تحت حر كان أو عبد.
الفصل الرابع
الطلاق البائن طلاق غير المدخول بها ، وطلاق المدخول بها وقد طلقت طلقتين ، والآئسة من المحيض ومثلها
لا تحيض ، ومن لم تبلغ المحيض ومثلها لا تحيض ، وهي من لم تبلغ تسع سنين ، والمخالعة
أي الطلقات الثلاث كان ، إلا إذا رجعت المرأة فيما بذلت من مالها قبل انقضاء العدة
، فللزوج إذن الرجوع إليها في الطلقة الأولى والثانية ، وأدنى ما يكون به المراجعة
أن ينكر طلاقها ، أو يقبلها ، أو يلمسها
يجوز للزوج أن يراجعها
وهي لا تعلم بذلك ، ويستحب الإشهاد على
__________________
المراجعة ، ويصح الرجعة ما بقي من العدة لحظة.
إذا قال : راجعتك
إن شئت ، لم يصح الرجعة ، إذ لا اعتبار بمشيتها في الرجعة.
إذا ادعت العدة
بعد مدة تحتمل ذلك ، وادعى مراجعتها قبل الانقضاء ، فالقول قولها مع اليمين ، لأنها
مؤتمنة على فرجها وانقضاء عدتها ، فإن كان الزوج سبقها بالدعوى وقد أشهد على الرجعة وادعت انقضاء العدة قبل مراجعته
، فالقول قوله مع يمينه ما لم يظهر انقضاؤها ، ويحلف على أنه لم يعلم بانقضائها قبل
المراجعة ، وإن اتفقت دعواهما في وقت واحد ، أقرع بينهما فمن خرجت عليه ، فالقول قوله
مع اليمين.
إذا طلقها طلاقا
رجعيا ثم ارتد وكان قد أسلم عن كفر ، استتيب ، فإن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة
ثلاثة أشهر ، كان أملك بها ، وبعدها لا شيء. وإذا ارتدت المرأة دون الزوج ، لا يصح
أن يراجعها الزوج في حال الردة ، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة فله الرجوع.
الفصل الخامس
الإيلاء أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته أبدا
أو مدة تزيد على أربعة أشهر ، فإن حلف لما نقص منها ، لم يوجب حكما ، وإن علقه بما زاد على المدة المذكورة
غالبا كخروج الدجال ونزول عيسى ـ عليهالسلام ـ ونحو ذلك ، أو أطلق ولم يعلقه بزمان ثبت الحكم.
ولا ينعقد الإيلاء
بغير اسم الله تعالى ، فشروط الإيلاء :
__________________
أن يكون الحالف بالغا كامل العقل.
وأن يكون المولى
منها زوجة دوام.
وأن يكون الحلف
بما ينعقد به الأيمان من أسماء الله تعالى خاصة.
وأن يكون ذلك مطلقا
من الشروط.
وأن يكون مع النية
والاختيار من غير غصب ملجئ ولا إكراه.
وأن يكون المدة
التي حلف ألا يطأها فيها ، أكثر من أربعة أشهر.
وأن تكون الزوجة
مدخولا بها.
وأن لا يكون إيلاؤه
في صلاحه
لمرض يضر به الجماع ، أو
في صلاح الزوجة أو حمل أو رضاع.
فمن آلى بهذه الشروط
فمتى جامع حنث ولزمته كفارة يمين ، وإن استمر اعتزاله لها فهي بالخيار بين الصبر عليه
وبين مرافعته إلى الحاكم ، فإن رافعته إليه أمره بالجماع والتكفير ، فإن أبى أنظره
أربعة أشهر من حين المرافعة لا من حين اليمين ليراجع نفسه ، فإن مضت هذه المدة ولم
يجب إلى ما أمره فعليه أن يلزمه الفئة أو الطلاق ، فإن أبى ضيق عليه في التصرف والمطعم
والمشرب حتى يفعل أيهما اختار ، ولا تقع الفرقة بانقضاء المدة وإنما تقع بالطلاق.
ومن آلى أن لا يقرب
زوجته المعقود عليها عقد متعة ، أو أمته ، لزمه الوفاء ، ومتى لم يف حنث وعليه الكفارة
، ولا حكم لها عليه إذا استمر على مقتضى الإيلاء.
إذا آلى العبد من
زوجته الأمة ثم اشتراها انفسخ النكاح ، فإن أعتقها ثم تزوجها لا يعود حكم الإيلاء ،
وكذا لو آلى من زوجته الحرة فاشترته ثم
__________________
أعتقته وتزوجت به.
إذا آلى من الرجعية
[ جاز و ]
صح الإيلاء لأنها في حكم
الزوجات وتحسب عليه المدة من وقت اليمين.
إذا آلى منها ثم
ارتد أحدهما أو كلاهما لم يحسب المدة عليه لأنها إنما يحسب إذا كان المانع من الجماع
اليمين ، وهاهنا المانع اختلاف الدين.
الفصل السادس
شروط صحة الظهار :
أن يكون المظاهر
بالغا كامل العقل مؤثرا له قاصدا به التحريم ، متلفظا بقوله : أنت علي كظهر أمي أو
إحدى المحرمات عليه
موجها ذلك إلى معقود عليها
، سواء كانت حرة أو أمة ، دائما نكاحها أو مؤجلا.
وأن يكون ذلك مطلقا
من الاشتراط على قول.
وأن يكون معينا
لها.
وأن يكون في طهر
لم يقربها فيه بجماع إلا أن تكون حاملا أو ليست ممن تحيض أو غير مدخول بها ، أو مدخولا
بها وهي غائبة عن زوجها.
وأن يكون بمحضر
من عدلين فإن فقد شيء من ذلك فلا حكم له.
وإذا تكاملت الشروط
حرمت الزوجة عليه ، فإن عاد لما قال بأن يريد استباحة الوطء ، لزمه أن يكفر قبله بعتق
رقبة ، فإن لم يجد ، صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع ، أطعم ستين مسكينا. وإذا جامع
المظاهر قبل التكفير فعليه
__________________
كفارتان : إحداهما للعود ، والأخرى عقوبة الوطء قبل التكفير ، ولا يصح الظهار ولا الكفارة من الكافر ، لأن الكفارة عبادة
تحتاج إلى نية والنية لا تصح من الكافر.
إذا قال لها : أنت
علي كيد أمي ، أو كرجلها ، أو نفسها ، أو رأسها ، أو شعرها ، أو شيء آخر من أعضائها
، وقصد بذلك الظهار لزمه حكمه. وإن قال : أنت علي كأمي ، وأراد مثلها في التحريم ،
كان ظهارا وإلا فلا.
إذا قال : أنت معي
أو عندي كظهر أمي ، ونحو ذلك ، كان ظهارا. إذا قال : أنت علي كظهر أختك أو عمتك أو
خالتك ، أو ذكر من بانت منه بثلاث تطليقات لم يكن ظهارا.
وإذا كان له أربع
زوجات فظاهر منهن بكلام واحد ، وقع الظهار منهن ، ووجب عليه أربع كفارات.
والظهار المعلق
بشرط لا يجب فيه الكفارة إلا بعد حصول الشرط ، فإذا حصل ووطأ قبل أن يكفر ، لزمته كفارتان
، ومتى كفر قبل الوطء عامدا ، لزمه إعادتها بعده ، أما ناسيا فلا.
إذا ظاهر منها وطلقها
وخرجت من العدة ، ثم استأنف عقدها فلا كفارة.
إذا ظاهر منها مرة
بعد أخرى ونوى بكل منهما الاستئناف دون التأكيد ، فعليه لكل مرة كفارة ، فإن عجز عن
ذلك فرق الحاكم بينهما ، وإن أراد التأكيد فللكل واحدة ، ومتى حلف بالظهار لم يلزمه
حكمه.
إذا قال : أنت علي
كظهر أمي إن دخلت الدار ، ففيه قولان ، والأقوى أن
__________________
الظهار المشروط يصح ، والمظاهر منها يحرم لمسها وتقبيلها ووطؤها فيما دون الفرج
، لتناول لفظ التماس ذلك.
إذا قال : أنت علي
كظهر أمي يوما أو شهرا أو سنة ، أو نحو ذلك لم يقع. إذا عجز عن الكفارة ورافعته إلى
الحاكم ، أجله ثلاثة أشهر ، فإن كفر فيها ، وإلا ألزمه الطلاق إن تمكن من ذلك ، وإلا
صام ثمانية عشر يوما ، وإن عجز عن ذلك ، حرم وطؤها حتى يكفر ، وإن لم يجد رقبة مؤمنة
جاز أن يعتق غير مؤمنة ، ولا يجزي في الكفارة إعتاق الأعمى والمقعد والزمن ، لأن بذلك
ينعتق العبد.
إذا شرع في الصوم
ثم قدر على الرقبة ترك الصوم وأعتق ندبا. والإطعام لكل مسكين نصف صاع بالعراقي ، وإذا
ظاهر العبد فكفارته صوم شهر واحد لا غير.
الفصل السابع
الخلع يكون مع كراهة الزوجة الرجل خاصة ،
وهو مخير في فراقها إذا
دعته
إليه حتى تقول له : لئن
لم تفعل لأعصين الله بترك طاعتك ، ولأوطئن فراشك غيرك ، أو يعلم منها العصيان في شيء
من ذلك ، فيجب عليه إذن طلاقها ، ويحل له أخذ العوض على ذلك ، سواء بذلته له ابتداء
أو بعد طلبه منها ، وسواء كان مثل المهر الذي دفعه إليها أو أكثر ، ولا يقع الخلع بمجردة
بل لا بد من التلفظ معه بالطلاق فيقول : قد خلعتك على كذا فأنت طالق.
إذا شرطت أن لها
الرجوع
فيما بذلته متى شاءت جاز
، ولها أيضا ذلك بدون الشرط ، قبل انقضاء العدة خاصة ، وليس للزوج الرجوع إليها في
العدة إلا بعد رجوعها فيما بذلته.
__________________
ولا يقع الخلع في
حال الحيض ولا بشرط ، ومتى كان البذل في الخلع خنزيرا أو خمرا أو ميتة بطل الخلع ،
ووقع الطلاق ، رجعيا.
إذا قال : خالعتك
على ما في هذه الجرة
من الخل ، فبان خمرا ،
كان له مثل تلك الجرة خلا.
إذا خالعها على
أن ترضع ولده حولين صح ، فإن جف اللبن أو مات الولد فله أجرة المثل لرضاع مثله في الحولين
، وإن كان ذلك بعد أن أرضعت سنة فله أجرة المثل لسنة.
التوكيل في الخلع
من الغائب جائز ، وإذا قدر المال للوكيل فخالفه لم يصح الخلع.
وأما طلاق المبارأة
فيكون مع كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه ، ويجوز للزوج أخذ البدل عليه إذا لم يزد
على ما أعطاها ، ولا يحل له أخذ الزيادة عليه ، يقول لها : قد بارأتك على كذا فأنت
طالق ، ويكون التطليقة بائنة لا رجعة فيها إلا إذا رجعت فيما بذلته قبل العدة ، فله
الرجوع إذن ، وأما بعد العدة فلا ، ويسقط السكنى والنفقة في الطلاق البائن.
الفصل الثامن
صحة اللعان بين الزوجين تقف على أمور :
منها أن يكونا مكلفين
سواء كانا أو أحدهما من أهل الشهادة أو لا.
وأن يكون النكاح
دواما.
__________________
وأن تكون الزوجة
مدخولا بها ، وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة كذلك.
وألا تكون صماء
ولا خرساء.
وأن يقذفها الزوج
بالزنا يضيفه إلى مشاهدته ، بأن يقول : رأيتك تزنين ، ولو قال : يا زانية ، لم يثبت
بينهما لعان ، أو ينكر حملها ، أو يجحد ولدها ولا يقيم أربعة من الشهود بما قذفها به.
وأن تكون منكرة
لذلك.
وصفة اللعان أن
يجلس الحاكم بينهما مستدبر القبلة ، ويوقفهما بين يديه ، المرأة عن يمين الرجل موجهين
إلى القبلة ، ويقول للرجل : قل أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة من الفجور
لمن الصادقين ، فإذا قال ذلك ، أمره أن يعيده تمام أربع مرات ، فإذا شهد الرابعة قال
له الحاكم : اتق الله عزوجل واعلم أن لعنة الله شديدة وعذابه أليم ، فإن كان حملك على ما قلت غيرة أو غيرها
، فراجع التوبة ، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة ، فإن رجع عن قوله جلده حد المفتري
وإن
أصر على ما ادعاه قال له
: قل : إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ، فإذا قالها أقبل على المرأة ، وقال لها
: ما تقولين فيما رماك به؟ فإن اعترفت رجمها ، وإن أقامت على الإنكار ، قال : قولي
: أشهد بالله إنه فيما رماني به لمن الكاذبين ، فإذا قالت ، طالبها بإتمام أربع شهادات
كذلك ، فإذا شهدت الرابعة وعظها كما وعظ الرجل ، فإن اعترفت رجمها ، وإن أصرت على الإنكار
، قال لها : قولي : إن غضب الله علي إن كان من الصادقين ، فإذا قالت ذلك ، فرق الحاكم
بينهما ولا تحل له أبدا.
إذا طلق امرأته
قبل الدخول بها ، فادعت أنها حامل منه
فإن أقامت البينة
__________________
أنه أرخى سترا أو خلا بها ، ثم أنكر الرجل الولد ، لاعنها وبانت منه ، ولزمه
المهر كملا ، وإن لم تقم البينة لزمه نصف المهر ، ووجب عليها مائة سوط ، بعد أن يحلف
الرجل أنه ما دخل بها ، ولا يصح اللعان من الأعمى بمطلق القذف ، لأن الاعتبار فيه بدعوى
المشاهدة ، وإنما يصح منه بنفي الولد.
من علم أن زوجته
زنت في طهر لم يقربها فيه بجماع ، وظهر بها حمل ، يجوز أن يكون من ذلك الزنا ، يجب
عليه قذفها ولعانها ونفي الولد ، وإلا فقد استلحق
نسبا ليس منه ، وذلك غير سائغ ، ولا يجوز نفي الولد لمخالفة
اللون ، ولا لاستعمال القيافة.
لو تزوج ابن أقل
من تسع سنين امرأة ، فأتت بولد ، فإن نسبه لا يلحقه لفقد جريان العادة بوجود الولد
من مثله في السن ، كما لو أتت بولد لأقل من ستة أشهر ، فإنه لا يلحقه ، وينتفي بلا لعان ، لأن اللعان إنما يستعمل حيث يمكن أن يكون الولد
منه ، ويلحق بابن عشر سنين ، لجواز البلوغ فيه ، وإن كان نادرا ، كما لو أتت بولد لستة
أشهر ، ولا فرق بين الغلام والجارية في إمكان بلوغهما في تسع سنين بالاحتلام ، والجارية
بالحيض.
لا يصح قذف الأخرس
ولعانه إلا إذا كان معقول الإشارة مفهوم الكناية ، كما في سائر عقوده.
ويتعلق باللعان
أربعة أحكام :
سقوط الحد.
وانتفاء الولد.
__________________
والتحريم المؤبد.
وزوال الفراش. وإذا
انطلق لسان الأخرس فأنكر اللعان قبل رجوعه فيما عليه من لزوم الحد وإلحاق النسب ، دون
ماله من زوال التحريم وعود الفراش.
الرجل إذا كذب نفسه
بعد اللعان ، أقيم عليه الحد ، والحق به النسب ، ويرثه الابن ولا يرث الابن ، ولا يزول
التحريم ، ولا يعود الفراش ، وإن اعترفت المرأة بالزنا بعد اللعان أربع مرات ، رجمت.
من قذف امرأة بانت
منه قذفا أضافه إلى حال الزوجية ، فليس له أن يلاعن إلا أن يكون هناك حمل فينفيه ،
ويلزم الأجنبي الحد بالقذف ، سواء كان الزوج نفى نسب ولدها أو لم ينف ، أو لم يكن لها
ولد.
إذا قذف زوجته برجل
بعينه ، لزمه الحد في حد الزوجة وفي حق المقذوف ، وله الخروج عن ذلك بالبينة أو اللعان.
إذا قذف زوجته ثم
مات أحدهما قبل اللعان ، فإن كان الميت الزوجة فليس له الملاعنة لنفي الزوجية لأنها
زالت بالموت ، ويرثها هو ، لأنها ماتت على حكم الزوجية ، فإن كان لها ولد فله أن يلاعن
لنفيه ، وإن كان بعد موته ، لأنه لا ينتفي عنه بالموت ، بخلاف الزوجية ، فإذا لاعن
ونفى نسب الولد لم يرثه ، وإذا لاعن لنفي النسب لم ينتف توارث الزوجين ، وإن لم يكن
[ له ]
ولد فعلى الزوج حد القذف
لورثتها ، فإن طالبوه به فله أن يلاعن لإسقاطه ، وروي أنه إن لم يلاعن ورثها وحد للقذف ، وإن لاعن لم يرث ولم يحد.
وإن كان الميت الزوج
فإرثها والنسب ثابت وليس لباقي الورثة أن ينفوا
__________________
نسبه باللعان لاستقراره بالموت.
ومن شرط صحة اللعان
الترتيب ، يقدم لعان الزوج على لعان الزوجة ، فإن خالف وحكم ، لم يعتد به ، ولم ينفذ
الحكم ، وكذا إن أخل أحدهما بترتيب اللعان ، فقدم اللعن على الشهادة ، أو أتى به في
أثنائها ، أو قال بدل الشهادة : أحلف بالله أو أقسم أو أولى لم يجزه. ويلاعن في أشرف
البقاع بكل صقع كالجامع ، إلا أن تكون المرأة حائضا ، والذميان يلاعن بينهما حيث يعتقدان
تعظيمه.
إذا جاء الزوج بثلاثة
شهود ، فشهدوا معه على المرأة ، رجمت بشهادتهم ، وروي : أن الزوج يلاعن ويحد الشهود
،
فأما إن قذفها ثم جاء بهم
فشهدوا عليها ، لم تقبل شهادتهم ، لأنهم قذفة إلا أن يلاعن هو.
من كان حاضرا متمكنا
من نفي الولد فلم ينف على الفور ، فليس له نفيه بعد ، فإن ادعى أنه لم يعرف أن له نفيه
وكان قريب عهد بالإسلام ، أو لم يخالط أهل الشرع ، قبل قوله مع اليمين ، وإلا فلا ،
وإن كان غير متمكن من النفي ، لعذر لم يبطل نفيه إن أشهد على إقامته على النفي ، وإن
لم يشهد بطل.
الفصل التاسع
العدة ضربان : عدة من طلاق وما يقوم مقامه
، وعدة من موت وما يجري مجراه ، والمطلقة ضربان : مدخول بها وغير مدخول بها ، وغير المدخول بها لا عدة عليها.
والمدخول بها إما حامل أو حائل ، فعدة الحامل وضع الحمل ، حرة كانت أو أمة. والحائل
إما أن تكون ممن تحيض أو لا ، فإن كانت ممن تحيض ، فعدتها إذا كانت حرة ثلاثة قروء
، وإن كانت أمة فقرءان ، فإن أعتقت في العدة تممتها عدة
__________________
الحرة ، والقرء المعتبر ، الطهر بين الحيضتين.
وإن كانت لا تحيض
، ومثلها تحيض ، فعدتها إن كانت حرة ثلاثة أشهر ، وإن كانت أمة فخمسة وأربعون يوما
، وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر ، وليس في سنها من تحيض ، فقيل : لا يجب عليها العدة
وقيل : يجب أن تعتد بالشهور ، وهو اختيار المرتضى ـ رضياللهعنه.
وأما ما يقوم مقام
الطلاق فانقضاء أجل المتمتع بها ، وعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض ، وخمسة وأربعون يوما
إن كانت ممن لا تحيض.
والمتوفى عنها زوجها
إن كانت حرة حائلا ، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، صغيرة كانت أو كبيرة مدخولا بها
أو لا وكذا المطلقة طلاقا رجعيا إذا توفي زوجها وهي في العدة ،
وهذه عدة المتمتع بها إذا توفي زوجها قبل انقضاء أيامها ، وعدة أم الولد بوفاة سيدها
، وعدتها لو زوجها سيدها وتوفي زوجها.
وإن كانت الوفاة
بعد ما انقضت أيام المتمتع بها فعدتها شهران وخمسة أيام ، سواء كانت في العدة أم لا
، وهذه عدة الزوجة إذا كانت أمة ، وروي : أن عدة الأمة المنكوحة كعدة الحرة في وفاة
الزوج
فإن أعتقت وهي في العدة
فعليها أن تكمل عدة الحرة [ وإن كانت المتوفى عنها زوجها حائلا فعليها أن تكمل عدة
الحرة ] وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا فعليها أن تعتد بأبعد الأجلين ، فإن وضعت
قبل انقضاء الأيام المعينة لها لم تنقض عدتها حتى تكمل تلك المدة ، وإن
__________________
كملت قبل وضع الحمل لم ينقض عدتها حتى تضع.
وأما ما يجري مجرى
الموت فشيئان :
أحدهما : غيبة الزوج
التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا ؛ فإنها إذا لم تختر الصبر على ذلك ورفعت أمرها إلى
الإمام ولم يكن له ولي يمكنه الإنفاق عليها فيلزمه الإمام ذلك حتى تجبر على الصبر ،
ينفق الإمام عليها من بيت المال ، ويبعث من يتعرف خبره في الآفاق ، فإن لم يعرف له
خبرا حتى انقضت أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام ، فرق الإمام بينهما وعليها
عدة المتوفى عنها زوجها ، فإن قدم زوجها قبل تزوجها كان أملك بها ، وإن تزوجت بعد خروجها
من العدة فقدم فلا سبيل له عليها.
والثاني : الارتداد
عن الإسلام على الوجه الذي لا يقبل التوبة منه ، وهو من كان مولودا على فطرة الإسلام
، فإنه إذا ارتد تبين زوجته في الحال منه ، ويقسم ميراثه بين ورثته ، ويجب قتله من
غير أن يستتاب ، فأما ما يصح التوبة منه فقد روي أن عدته
ثلاثة أشهر وهو أن يرتد عن الإسلام الذي حصل بعد كفر ، فإنه
يستتاب ، فإن أسلم ثم ارتد ثانية قتل بلا استتابة ، ومتى لحق بدار الحرب وعاد إلى الإسلام
وزوجته بعد في العدة ، فهو أملك بها.
إذا طلقها في طهر
لم يقربها فيه بجماع اعتدت ببقية ذلك الطهر ، ولو كانت بلحظة ، فأقل ما يمكن أن يكون
عدتها إذا كانت حرة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، وذلك إذا طلقها في آخر طهرها بلحظة ثم
رأت ثلاثة أيام دما وعشرة طهرا ، ثم ثلاثة أخرى دما ، وعشرة طهرا ، ثم رأت الدم وقد
خرجت من العدة ، هذا إذا كان مدخولا بها ذات حيض ، وأدنى ما يمكن أن ينقضي عدة الأمة
ثلاثة عشر يوما ولحظتان بمثل ذلك ، والمسترابة إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها
دما بانت
__________________
بالشهور ، وإن مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما ثم رأت الدم قيل : اعتدت بالأقراء
، وإن تأخرت عنها الحيضة الثانية فلتصبر من يوم طلقها إلى تمام تسعة أشهر ، فإن لم
تر دما فلتصبر بعد ذلك بثلاثة أشهر وقد بانت منه ، وإن رأت الدم ثانيا فيما بينها وبين
التسعة أشهر واحتبس عليها الدم الثالث فلتصبر تمام سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر تمام خمسة
عشر شهرا وقد بانت منه ، وأيهما مات ما بينه وبين الخمسة عشر شهرا ورثه صاحبه.
إذا حاضت المطلقة
حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها لعارض ، وعلمت أنها لا تحيض بعد أضافت إلى ذلك شهرين وتمت
عدتها ، والمستحاضة إن لم تعرف أيام حيضها تعتبر [ ذلك ]
بصفة الدم وإلا فبعادة نسائها في الحيض ، ثم تعتد بالأقراء
، فإن فقد ذلك فثلاثة أشهر ، ومن كانت لها عادة مستقيمة بالحيض ، فاضطربت أيامها فلتعتد
بالأقراء على سابق عادتها.
إذا جرت عادة المطلقة
بأنها لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو أربع مرة واحدة فلتعتد بثلاثة أشهر. الحامل باثنين
المعتبر أن لا تنقضي عدتها حتى تضعهما جميعا.
إذا ارتابت بالحمل
بعد الطلاق أو ادعت ذلك صبرت عليها تسعة أشهر ، ثم تعتد بثلاثة أشهر ، فإن ادعت بعدها
حملا لم يلتفت إلى دعواها.
إذا تزوجت قبل انقضاء
العدة ووطأها الزوج عالما بتحريم ذلك ، يلزمهما الحد ، ولا يلحق النسب ، ولا ينقطع
عدتها ،
وإن لم يعلم التحريم ،
أو جهل كونها معتدة يلحقه النسب ، وتصير المرأة فراشا للثاني وينقطع عدتها عن الأول
، فإذا فرق بينهما وكانت حاملا فعليها عدتان تعتد للأول ثم للثاني ، وإن أتت بولد لدون
أكثر زمان الحمل من وقت طلاق الأول ولدون ستة أشهر من وقت وطء الثاني ،
__________________
يلحق الولد بالأول ، واعتدت عنه بوضعه ، وتنتفي عن الثاني بغير لعان ، وما دامت
حاملا فهي معتدة منه يلزمه نفقتها وسكناها ، ويثبت له عليها الرجعة إن كان الطلاق رجعيا.
فإذا وضعت انقطع
عدتها من الأول وتستأنف للثاني ثلاثة أقراء ، وإن لم يمكن أن يكون الولد من أحدهما
بأن تولد لأكثر من أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول ولدون ستة أشهر من وقت وطء الثاني
، فإنه ينتفي عن الثاني بلا لعان ، وكذا عن الأول إن كان طلاقها بائنا ولا تعتد عن
واحد منهما ، وإذا وضعت اعتدت عن الأول كملا ثم عن الثاني ، وإن كان رجعيا يلحق الولد
بالأول ويلزمه النفقة والسكنى وتعتد عنه بوضعه ، فإذا اعتدت عن الأول استأنفت للثاني
ثلاثة أقراء ، وإن أمكن أن يكون الولد للثاني دون الأول ، كأن تأتي به لأكثر من أقصى
مدة الحمل من وقت طلاق الأول ولستة أشهر فصاعدا من وقت وطء الثاني ، فإن كان طلاق الأول
بائنا انتفى عنه بلا لعان ، والحق بالثاني وتعتد عنه ، فإذا وضعت أكملت
عدة الأول ، وإن كان الطلاق رجعيا فالولد يمكن أن يكون من
الثاني ، فإذا وضعت أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه الحق به ويلزمه النفقة والحضانة وأجرة
الرضاع والعدة بثلاثة أقراء.
وحكم العدة في الطلاق
الرجعي أن لا تخرج المرأة من بيت مطلقها إلا باذنه ، ولا يجوز له إخراجها منه إلا أن
تؤذيه أو تأتي فيه بما يوجب الحد فيخرجها لإقامته ويردها ، ولا تبيت إلا فيه ، ولا
يردها إذا أخرجها للأذى ، وروي أن أقل ما يحصل به الأذى أن تخاصم أهل الرجل.
وتجب النفقة في
عدة الطلاق الرجعي بخلاف البائن ، إلا أن تكون حاملا ،
__________________
فلها النفقة إذن ، ولا نفقة للمتوفي عنها زوجها إلا إذا كانت حاملا ، فينفق
عليها إذن من مال ولدها ، حتى تضع ، وتبيت هي حيث شاءت.
من وطأ امرأة على
ظن أنها أمته وبانت حرة أجنبية فلا حد فيه وعليه مهر المثل ، والنسب لاحق ، والولد
حر وعليها عدة الحرة ، وإن وطأها على ظن أنها زوجته فبانت أمة لغيره فكذلك إلا أن عليه
قيمة الولد لسيد الأمة ، ويعتبر بحال الوضع وعليها عدة الإماء.
إذا ساحق من قطع
ذكره بأسره زوجته وأنزل ، فحملت عنه ثم طلقها اعتدت عنه بوضع الحمل ، وإن لم تحمل اعتدت
بالشهور دون الأقراء ، لأن العدة بالأقراء إنما تكون عن طلاق بعد دخول والدخول من جهته
متعذر.
إذا شرعت الصغيرة
في الاعتداد بالشهور ثم رأت الدم قبل انقضاء العدة ، انتقلت إلى الاعتداد بالأقراء
، تعتد بما مضى من الزمان قرءا ، ولا تستأنف ثلاثة أقراء. إذا شكت المرأة أهي حائل
أو حامل قبل انقضاء العدة ، ونكحت زوجا على ارتيابها بطل النكاح ، وإن حدثت الريبة
بعد انقضاء العدة صح.
إذا اشترى من غيره
أمة في العدة عالما بذلك لم يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها ثم يستبرؤها ولا يدخل الاستبراء
في العدة ، لأنهما حقان مقصودان لآدميين ، منفصلان غير متداخلين.
إذا خلا بها ولم
يجامعها ثم طلقها فلا مهر لها كملا ولا عدة ، وقيل : يجب المهر والعدة ما لم يمنع من
الجماع مانع ،
هذا إذا كانت بكرا فيعلم
به عدم الوطء ، وإن كانت ثيبا حكم في الظاهر بالإصابة إلا أنه لا يحل لها جميع الصداق
إلا بالوطء.
__________________
إذا طلقها ثم راجعها
ثم خالعها قبل الدخول استأنفت العدة احتياطا ، وقيل : لا تستأنف ،
وإذا خالعها ثم تزوجها ثم طلقها قبل الدخول استأنفت.
لا عدة في النكاح
الفاسد والمفسوخ عليها إن لم يدخل بها فارقها بموت أو غيره ، وإن دخل بها فعليها العدة
إلا عدة الوفاة فلا تعتدها بحال.
من طلق امرأته طلاقا
رجعيا ثم مات عنها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وفي غير الرجعي عدة المطلقة.
إذا طلق إحدى زوجتيه
ولم يعينها ثم مات قبل التعين اعتدتا معا إن كانتا حائلين وكان الطلاق رجعيا بأربعة أشهر وعشرة أيام ، وكذا إن كانتا
غير مدخول بهما احتياطا ، وإن كانتا مدخولا بهما وحاملين فأقصى الأجلين ، وإن كان الطلاق
بائنا فعدة المطلقة.
الأمة إذا مات عنها
زوجها ثم عتقت أو كان يطأها بملك يمين فأعتقها بعد وفاته فعليها عدة الحرائر.
إذا طلق المرأة
زوجها الغائب عنها فلتعتد من يوم الطلاق لا يوم بلوغ الخبر ، إلا إذا علم الطلاق بلا
تعيين وقته ، فحينئذ تعتد من يوم بلوغ الخبر ، فأما من جاء نعي زوجها إليها فيجب عليها
أن تعتد من يوم بلوغ الخبر لا يوم الوفاة ، لأن عليها الحداد ، وعلى كل زوجة الحداد
، سوى المملوكة غير الزوجة.
والحداد هو تجنب
ما تشتهيه النفس من الطيب ولبس الثياب المطيبة واللباس الفاخر ، والحلي والثياب المصبوغة
بصبغ يتزين به ، والتدهن بالأدهان الطيبة في الرأس والبدن ، وشم الرائحة الطيبة ، وأكل
ما فيه طيب ، والاكتحال
__________________
بالسواد وبما فيه طيب ، فإن احتاجت إلى المداواة به اكتحلت به ليلا ومسحته نهارا
، فأما الأبيض منه كالتوتياء وغيره فلا بأس به ليلا ونهارا.
من اشترى أمة لم
يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء ، وكذا إن اشتراها من امرأة أو ممن زعم أنه استبرأها
، استبرأها احتياطا.
إذا اشترى جارية
، أو أوصي له بها فقبل الوصية واستبرأت بحيضة قبل القبض ، لم يعتد بذلك الاستبراء ،
فأما إذا ورثها واستبرأها قبل القبض ، فإنه يعتد بذلك ، لأن الموروث في حكم المقبوض.
أقل الحمل ستة أشهر
وأكثره تسعة وقيل : سنة ، وعلى هذا من طلق زوجته أو مات عنها فتزوجت وجاءت بولد لستة
أشهر فصاعدا ، من يوم دخل الثاني بها ، فهو لا حق به ، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر
، لحق بالأول إن كان مدة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونها ، وإن كانت أكثر من سنة
لم يلحق به ولا يحل للرجل الاعتراف بالولد حيث قلنا إنه لا يلحق به.
__________________
كتاب
العتق والتدبير والمكاتبة
لا يصح العتق إلا
من كامل العقل مالك لما يعتقه غير مولى على مثله مختار له ، قاصد إليه متلفظ بصريحه
مطلق له من الشروط ـ إلا في النذر ـ موجه به إلى مسلم أو من هو في حكمه ، متقرب به
إلى الله تعالى ؛ فلا يصح العتق من طفل ولا مجنون ولا سكران ولا محجور عليه ولا مكره
ولا ساه ولا حالف ، ولا بالكتابة أو الإشارة مع القدرة على النطق باللسان ، ولا بكنايات
العتق ،
كقوله : أنت سائبة ، أو
: لا سبيل لي عليك ،
ولا بقوله له : إن فعلت كذا فعبدي حر ، ولا بكافر ولا للأغراض الدنيوية
من نفع أو دفع ضرر أو إضرار.
يكره عتق المخالف
للحق.
المؤمن إذا بقي
في العبودية سبع سنين استحب عتقه وإن لم يملك أكثر منه ، ويستحب أن لا يعتق إلا من
قدر على اكتساب ما يقوم بأوده ، وإن فعل أعطاه ما يعينه على معيشته ، ولا يجوز التفرقة
بين والدة وولدها إلا أن يستغني عنها.
ومن ملك أحد أبويه
أو أجداده أو جداته وإن علوا ، أو أولاده وإن نزلوا ،
__________________
أو بعض المحرمات عليه من نسب أو رضاع انعتقوا في الحال ، وإن ملك من عداهم من
القرابات ، كالعم والخال وأولادهما وأولاد الخال والخالة الذكور والإناث والأخ وأولاده
الذكور وكذا أولاد الأخت الذكور خاصة لم ينعتقوا عليه ، بل يستحب له أن يعتقهم.
والمملوك إذا عمى
، أو جذم ، أو أقعد ، أو نكل به صاحبه ، أو مثل به ، انعتق في الحال ، ولا ينعتق العبد
المسلم بإعتاق الكافر ، لأنه لم يملكه.
إذا قال : كل عبد
أملكه في المستقبل فهو حر ، لا يقع به عتق وإن ملكه فيما بعد إلا أن يجعله نذرا على
نفسه.
إذا أعتق أحد الشريكين
في العبد نصيبه منه مضارة للآخر
ألزم شراء نصيب الآخر وإعتاقه
إن أمكن وإن لم يملك غير ما أعتقه بطل العتق ، وإن قصد بالعتق وجه الله تعالى لا المضارة يشتري الباقي ، ويعتق ندبا
لا وجوبا ، وإلا استسعى العبد في الباقي ، ولا يستخدم بالباقي إلا إذا امتنع من السعي.
من أعتق بعض مملوكه
انعتق الكل.
إذا أعتق مملوكه
وشرط عليه أنه متى خالفه في كذا رده في الرق ، أو كان له عليه مال معلوم ، لزم الشرط
بلا خلاف ، وإن شرط عليه خدمة مدة معلومة أو غير ذلك من الشروط لزمه ، فإن مات المعتق
كان خدمته لورثته ، وإن أبق إلى انقضاء المدة فلا سبيل للورثة عليه.
إذا أعتق عبدا معه
مال عالما به السيد ، فالمال للعبد ، فإن كان غير عالم ،
__________________
فللسيد ، فإن أراد أن يعتقه ويستثني ماله قال : لي مالك وأنت حر ، وإن بدأ بالحرية
لم يكن له المال. والعبد لا يملك إلا ما ملكه مولاه ، وإن أصيب بجناية في نفسه فله
أرش ذلك ، فإن اشترى من ذلك المال مملوكا وأعتقه مضى العتق ويكون سائبة ليس له أن يتوالى
معتقه ، لأنه عبد لا يملك جريرة غيره.
إذا نذر أن يعتق
أول مملوك يملكه ، فملك جماعة من العبيد في حال واحدة أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه أعتقه
، وروي أنه مخير في عتق أيهم شاء ، والأول أحوط.
إذا كانت له جارية
فنذر أنه متى وطأها كانت معتقة ، فوطأها في ملكه انعتقت ، فإن أخرجها من ملكه ثم اشتراها
أو ورثها لم تنعتق بذلك.
إذا نذر أن يعتق
مملوكا بعينه ، لم يجز أن يعتق غيره ، وإن كان كافرا أو مخالفا.
إذا زوج جاريته
وشرط أن يكون أول ما تلده حرا ، فولدت تو أمين ، كانا جميعا معتقين.
إذا قال : كل عبد
لي قديم فهو حر ، انعتق ما كان في ملكه ستة أشهر.
إذا اشترى جارية
نسيئة وأعتقها وتزوجها ثم مات ولم يخلف غيرها ، بطل العتق والنكاح ، وترد في رق البائع
، وإن حملت فالولد رق له كالأم ، وإن خلف ما يحيط بثمنها ، فعلى الورثة أداؤه إلى مولاها
، ومضى العتق والنكاح ، ولا سبيل لأحد عليها وعلى ولدها.
إذا أعتق عند موته
عبدا ، وعليه دين ، وكان ثمن العبد ضعفيه مضى العتق واستسعى العبد في قضاء الدين ،
وإن كان ثمنه
أقل من ذلك بطل
العتق.
إذا أعتق ثلث عبيده
استخرج ثلثهم بالقرعة.
__________________
إذا خلف مملوكا
وشهد بعض الورثة بعتقه ، وكان عدلا مرضيا ومعه آخر ، وكانا اثنين من الورثة عتق المملوك
، وإن فقد العدالة مضى العتق في حصة الشاهد الوارث واستسعى العبد في الباقي.
العتق في المرض
المخوف من أصل المال ، وقيل : من الثلث ،
فإن أعتق المريض شقصا من عبد وكان وفق الثلث نفذ فيه وحده
، ولم يقوم عليه نصيب شريكه ، وإن كان الشقص أقل من الثلث ، قوم عليه تمام الثلث ،
هذا على القول الثاني ، وعلى الأول فكالصحيح.
إذا أوصى بعتق شقص
من عبد ثم مات ، عتق ذلك الشقص ، ولم يقوم عليه نصيب شريكه ، لزوال ملكه عن ماله بالموت.
من أعتق مملوك ابنه
مضى العتق.
من أعتق جارية حبلى
من غيره تحرر حملها ، وإن استثناه لم يثبت رقه مع نفوذ الحرية في أمه ، ومن نذر أن
يعتق رقبة مؤمنة ، جاز أن يعتق صبيا لم يبلغ الحلم ، ويجوز أن يعتق في الكفارة الواجبة
عليه ، مملوكه الذي أبق ما لم يعرف موته.
يجوز من ابن عشر
سنين عتقه وصدقته إذا كان على جهة المعروف.
الاعتبار بقيمة
من أعتق في حال المرض يكون وقت الإعتاق ، وبقيمة من أوصى بعتقه يكون وقت الوفاة ، لأنه
وقت استحقاق المعتق ،
فمن أعتق عبدا
__________________
معينا في حال مرضه وأوصى بعتق آخر ، ولم يخرج من الثلث إلا أحدهما ، أعتق من
أعتقه في مرضه دون من أوصى بعتقه ، لأنها عطية منجزة وهذه مؤخرة ، فإن كان من أعتقه
أقل من الثلث ، عتق معه من العبد الآخر بقية الثلث ، وإن كان أكثر من الثلث ، بقي الزائد منه على الثلث رقا.
وإن لم يعين العبد
عين من يعتق بالقرعة.
وإذا أعتق في مرضه
ثلاثة مماليك ، ولا مال له غيرهم ، ثم مات أحدهم قبل موت المعتق ، أقرع بين الميت والحيين
، فإن خرجت القرعة بحرية الميت ، حكمنا بأنه مات حرا ، لأن القصد تحصيل الثواب بعتقه
، وقد حصل ، واعتبرناه من الثلث ، وإن خرجت قرعة الحرية على أحد الحيين ، حكمنا بأن
الميت مات رقيقا ، وأنه هلك من التركة ؛ فإن كان قيمة من عينه القرعة وفق الثلث عتق
وحده ، وإن كان أقل من الثلث عتق معه من الآخر تمام الثلث ، وإن كان أكثر من الثلث
بقي الزائد عليه رقا ، وكذلك إن مات العبد بعد وفاة المعتق وقبل قبض الوارث ، وإن مات
بعد وفاته وبعد قبض الوارث وخرجت قرعة الحرية على الميت ، فقد مات حرا من الثلث ، واعتبر
من التركة ، ويعتبر قيمته حين العتق.
الفصل الأول
من خلف جارية لها ولد منه ، جعلت في نصيب
ولدها وتنعتق عليه ، فإن لم يخلف غيرها
انعتق منها نصيب ولدها ، واستسعيت في الباقي لباقي الورثة ، وإن كان ثمنها دينا على
مولاها والحال هذه ، قومت على ولدها وأدى من ماله إن كان له مال ، وهكذا فيما لباقي
الورثة منها ، وإذا لم يكن ثمنها دينا على مولاها ولم يخلف
__________________
غيرها ، وللولد مال ، قضى الباقي منه ولا تستسعى الأم.
إذا وطأ أمة غيره
بشبهة فأتت بولد ، لم تصر أم ولده ، فإن ملكها بعد ، صارت أم ولده ، وكذا إن تزوج بأمة
فأحبلها ثم ملكها ، ولا يثبت للأم حكم الحرية لا في الحال ولا فيما بعده.
إذا أسلمت أم ولد
لذمي لا تعتق عليه وإنما تباع عليه.
إذا أعتق زيد عبدا
عن عمرو مثلا في حال حياته بإذنه ، وقع العتق عن الآذن
والولاء له ، وإن أعتقه بغير إذنه ، وقع العتق عن المعتق
دون المعتق عنه ، وإن أعتق بعد وفاته بإذنه ، وقع عن الآذن. وإن كان بغير إذنه فكان
تطوعا وقع عن المعتق ، وإن كان عن كفارة يكون سائبة لا ولاء لأحد عليه.
الفصل الثاني
المكاتبة أن يشترط المالك على عبده أو أمته
تأدية شيء معلوم يعتق
بالخروج منه إليه ، وهي بيع العبد من
نفسه.
وإذا رغب المملوك
في الكتابة أجابه السيد ندبا إذا علم تمكنه من أداء ثمنه بحرفة أو غيرها ، ولا يجوز
أن يكاتب إلا مؤمنا عاقلا بالغا ، ولا ينعقد إلا بأجل معين حسب ما يتفقان عليه ، ولا
بد أن يكون البدل معلوما معينا بالصفة.
إذا أطلق البدل
من جنس الأثمان ولم يضبطه ، ولم يكن للبلد غالب ، فقد بطل العقد ، ولا بد فيه من النية
، ولا يعتق بغيرها ، وكذا لا يعتق إلا بالأداء.
إذا كاتبه على خدمة
شهر ولم تصل المدة بالعقد
فيقول : من وقتي هذا ،
لم
__________________
يصح.
كل شرط يشرطه
المولى على مكاتبه يمضي ما لم يخالف الكتاب والسنة ، ويستحب
أن لا يشترط على مكاتبه بأكثر من ثمنه ، وأن يعينه على ذلك من سهم الرقاب.
إذا امتنع من الأداء
مع قدرته عليه ، فللسيد فسخ الكتابة.
والمكاتبة قد تكون
مشروطة ، وهي أن يقول لعبده في حال مكاتبته : متى عجزت عن أداء مالي فأنت رد في الرق
ولي جميع ما أخذت ، فمتى عجز عاد رقا.
وعلامة عجزه أن
يعلم من حاله أنه لا يقدر على أداء ثمنه ، أو يؤخر نجما إلى نجم ، فإن مات هو وخلف
مالا وأولادا ، كان الكل لمولاه ملكا ومماليك ، ولا يجوز لهذا النوع من المكاتب ، أن
يتزوج أو يعتق أو يهب المال ما بقي عليه شيء وإنما له البيع والشراء.
ومن اجتمع عليه
مع مال الكتابة دين لم يكن مأذونا له فيه ولم يف المال بهما ، قدم الدين ، لأنه يجبر
على قضائه ، ويصح ضمانه ، بخلاف مال الكتابة المشروطة ، ولا ترجيح في المطلقة إذا أدى
شيئا.
وغير المشروط عليه
إذا أدى شيئا من ماله انعتق بحسابه ، فإن مات وترك مالا
وأولادا ، ورثه مولاه بقدر عبوديته والباقي لأحرار ورثته
دون مولاه ، فإن ولد للمكاتب بعد الكتابة ولد من أمة له يسترق منه مولى أبيه بقدر ما
بقي له على أبيه ، فإن أدى الابن ذلك الباقي تحرر ، وإن لم يكن له مال استسعى فيه.
__________________
إذا أدت المكاتبة
بعض المال ، لم يجز لمولاها وطؤها بملك اليمين ، لأن بعضها تحرر ، ولا العقد عليها
، لأن بعضها ملك له ، فإن وطأها حد بقدر ما عتق منها لا غير ، وحدت هي أيضا إن طاوعته.
إذا وطأ مكاتبة
مشروطا عليها لم يحد ، لأن هناك شبهة يسقط بها الحد.
إذا تزوجت المكاتبة
بغير إذن مولاها بطل نكاحها ، وإن كان بإذنه وقد أدت بعض مكاتبتها ورزقت أولادا ، فحكمهم
حكمها يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ، ويعتق بحساب ما انعتق منها ، هذا إذا تزوجت
بمملوك ، فإن تزوجت بحر فالولد حر.
إذا عجز المكاتب
غير المشروط عليه عن توفية ثمنه ، فعلى الإمام أن يفك رقبته من سهم الرقاب.
إذا كاتب عبده ثم
جن وأدى المال مجنونا عتق ، لأنه وإن لم يكن من أهل الإقباض ، فإن سيده من أهل القبض.
إذا اشترى المكاتب
من ينعتق عليه بحق القرابة بغير إذن سيده بطل الشراء ، وبإذنه صح ، وكذا إن أعتق المكاتب
عبدا أو كاتبه.
الفصل الثالث
التدبير عتق بعد الوفاة.
ويفتقر صحته إلى
شروط العتق المنجز في الحياة ، ويخرج من الثلث ، فإن كان قيمة المدبر زائدة على الثلث
استسعى في الباقي ، وإن لم يكن للمولى مال سواه ، وكان عليه دين يزيد على قيمة العبد
أو مثله ، بيع في الدين ، وبطل التدبير. ويجوز للمدبر نقض التدبير والرجوع عنه ما دام
حيا ، ونقضه كعقده في اعتبار النية.
إذا ارتد المدبر
فالتدبير بحاله ، فإن لحق بدار الحرب بطل التدبير ، لما روي
أن إباق المدبر يبطل تدبيره.
من دبر جاريته حبلى
عالما بحبلها ، كان حملها مدبرا ، وإن لم يعلم بذلك كان الولد رقا ، فإن حملت بعد التدبير
بأولاد كانوا مدبرين ، فإن مات المدبر صاروا أحرارا من الثلث ، فإن زاد ثمنهم على الثلث
استسعوا في الباقي ، وله أن ينقض تدبير الأم دون الأولاد.
ومن أذن لمدبره
فاشترى أمة ووطأها فأتت بولد منه ، كان كأبيه مدبرا ، فإن مات المدبر قبل مولاه فماله
لمولاه دون ولده ، والولد على التدبير إلى أن يموت المولى.
من كان عليه دين
فدبر عبده فرارا من الدين ثم مات ، بطل التدبير ، وبيع العبد في الدين ، وللمولى التصرف
في مال المدبر.
إذا أبق المدبر
ورزق في حال إباقه مالا وولدا ثم مات هو ومولاه ، فماله لورثة مولاه وولده رق لهم.
إذا كان عبد بين
شريكين فقال كل واحد منهما : إذا متنا فأنت حر ، صح وكان كل منهما دبر نصيبه ، فإن
مات أحدهما عتق نصيبه من ثلثه ، وبقي النصف الآخر مدبرا إلى موت الثاني ، وما يكتسبه
بعد موت الأول يكون نصفه له ونصفه للثاني.
من جعل خدمة عبده
لغيره وقال له : متى مات من تخدمه كنت حرا ؛ صح ، فإن أبق إلى موت ذلك الغير تحرر.
من دبر في صحته
عبيدا وفي مرضه آخرين ، وأوصى بعتق آخرين بأعيانهم ، حكم بصحة الوصية الأولى إلى أن
يستوفي الثلث ، فإن نسي أو اشتبه الأمر فيه
__________________
استخرج بالقرعة.
تدبير ابن عشر سنين
صحيح ، كعتقه ، ودونه لا يصح ، وكذا تدبيره إذا كان غير مميز لا يصح.
يجوز تدبير المشرك
غير
المرتد ذميا كان السيد
أو حربيا ، كتابيا كان أو وثنيا ، وله الرجوع كالمسلم.
كل ما اكتسبه المدبر
قبل وفاة سيده فهو ملك لسيده ولورثته بعد وفاته من أي وجه اكتسبه ، ولا يجوز إعتاق
المدبر في كفارة واجبة إلا بعد نقض تدبيره
ورده إلى محض الرق.
__________________
كتاب
اليمين والنذر والعهد
في اليمين لا يمين شرعية إلا بالله تعالى أو اسم من أسمائه الحسنى ،
دون غيرها من كل مقسوم به.
واليمين المنعقدة
الموجبة للكفارة بالحنث ، هي أن يحلف العاقل المالك لاختياره أن لا يفعل في المستقبل
قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه ، أو أن يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر عليه في فعله ، مع عقد اليمين بالنية
، وإطلاقها من الاشتراط بالمشيئة فيخالف ما عقد عليه اليمين مع العمد والاختيار ، وما
عدا ذلك من اليمين لا ينعقد ، ولا كفارة فيها ، كأن يحلف على ما مضى إذ هو كاذب فيه ، أو يقول : لا والله ، وبلى والله ، من غير
أن يعقد ذلك بنية وهذه يمين اللغو ، أو أن يحلف أن يفعل أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى
واجبة أو مندوبا إليها ، أو يكون أصلح له في دنياه.
__________________
ولا يجوز اليمين
بالبراءة من الله ، أو من رسوله ، أو أحد الأئمة ـ عليهمالسلام ـ ، فإن فعل أثم ولزمه إن خالف ما علق البراءة به كفارة ظهار. والنية المعتبرة
نية المستحلف إن كان محقا ، وإن كان مبطلا فنية الحالف.
إذا حلف على غيره
فقال : أقسمت عليك ألا تفعل كذا ، أو : أسألك بالله ، أو : أتوسل إليك بالله إلا فعلت
كذا ، لم يكن يمينا ولم يلزم الغير بمخالفته كفارة.
إذا عقب اليمين
بمشيئة الله كأن يقول : والله لا أكلم زيدا إن شاء الله ، [ أو : والله لا كلمته اليوم
إن شاء الله ]
سقط حكمها ، ولم يحنث بالمخالفة
، ولا كفارة ، وإن عقب بها مفصولا عنها بزمان طويل ، فلا تأثير لها إلا أن يكون ذلك
لانقطاع نفس ، أو صوت أو تذكر ، ومجرد اعتقاد الاستثناء بالمشيئة لا يجزي حتى يقارنه النطق ، وكفارة اليمين لا تتعلق إلا بالحنث ،
فإن قدمها ، ثم حنث لم يجزه وعليه إعادتها ، ولا يجوز أن يحلف الإنسان إلا على ما يعلمه.
من حلف على الماضي
فقال : والله ما فعلت كذا ، وقد فعل ، أو قال : والله لقد كان كذا ، ولم يكن ، فقد
أثم وارتكب محظورا ، فليستغفر الله تعالى ، ولا كفارة عليه.
ولا يمين لولد مع
والده ، ولا لزوجة مع زوجها ، ولا لمملوك مع سيده ، فمتى حلف واحد منهم على شيء مما
ليس بواجب
ولا قبيح جاز للأب حمل
الولد على خلاف ما حلف عليه ، وكذا للزوج والسيد ، ولا كفارة.
ومن حلف أن لا يشرب
من لبن غزالة أو نحوه ، أو لا يأكل من لحمه ، فأكل وشرب مع فقد الحاجة إليه ، فعليه
الكفارة ، وأما مع الحاجة فلا.
__________________
فصل
: [ في العهود ]
من قال : علي عهد
الله ، أو : عاهدت الله أن أفعل كذا من الطاعات ، أو أترك كذا من المقبحات ، كان عليه
الوفاء ، فإن خالف لزمته الكفارة ، وكذا إذا
قال : لله علي كذا إن كان
كذا ، يلزم الوفاء متى حصل ما نذر فيه ، فإن لم يفعل لزمته الكفارة ، ومتى قال : علي
كذا إن كان كذا ، ولم يقل : لله ، أو قال : لله علي كذا ، ولم يقل : إن كان كذا ، لم
يكن ناذرا ولم يلزمه بالمخالفة كفارة ، وقيل : إن قوله : لله علي كذا ، بلا شرط كالعهد.
ولا ينعقد نذر المعصية
ولا النذر فيها.
الاعتقاد في ذلك
بلا قول ينعقد ، وبالعكس لا ينعقد.
ومتى نذر أو عهد
أن يخل بواجب أو مندوب ، أو يرتكب قبيحا فليخالف ، ولا شيء عليه ، وإنما الذي يجب
الوفاء به أن ينذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا أو مباحا قضى الله له حاجة كان لله عليه شيء معين من أفعال البر ، ومتى
عاهد الله تعالى أن يفعل فعلا كان الأولى تركه دينا أو دينا ، أو أن لا يفعل ما الأولى
فعله ، فليتحر الصواب ولا كفارة.
من نذر شيئا إن
عوفي ولده الغائب من مرضه ، فإن علم أن الولد قد برأ بعد
__________________
النذر ، وجب عليه الوفاء ، وإن برأ قبله فلا.
إذا نذر شيئا من
البر ولم يعينه ، أتى بشيء من الصيام أو الصدقة أو الصلاة أو غير ذلك من القربات.
إذا قال : متى كان
كذا فلله علي أن أهدي هذا الطعام إلى بيته ، لم يلزمه ذلك
، لأن الإهداء لا يكون إلا في الأنعام دون الطعام.
من نذر أن يصوم
شهرا أو سنة أو أياما ولم يعلقه بوقت معين ، وجب عليه الوفاء متى شاء ، والأحوط أن
يأتي به على الفور ، وإن أخره لم يلزمه كفارة وإن علقه بشرط أو وقت معين ، وجب بالتأخير
عنه الكفارة.
من نذر صوم يوم
بعينه ، فمرض فيه ، أو سافر ، أو كان يوم عيد فطر ، وجب قضاءه ، ولا كفارة.
من نذر صوم يوم
ـ مسافرا كان أو لا ـ وجب صومه ولو في السفر بخلاف صوم يوم العيد ، فإنه لا ينعقد صومه
ولو قيد النذر به لأنه نذر معصية.
إذا نذر أن يحج
ماشيا أو يزور أحد المشاهد كذلك ، فعجز عن المشي ، فليركب ولا كفارة عليه ، وإن ركب
بلا عجز أعاد ومشى ما ركب وركب ما مشى ، وليقم في المعابر ولا يجلس حتى يخرج منه.
من جعل جاريته أو
عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام ، أو لبعض مشاهد الأئمة ، فليصرف ثمنه في مصالح
ذلك وفي معونة الحاج والزوار ، وإذا نذر أنه متى رزق ولدا حج عنه أو به ، ثم مات حج
عنه أو به عن صلب تركته.
__________________
إذا نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه ، ثم خاف الضرر في ذلك ، فليقوم ذلك
، ثم ليتصدق بالتفريق.
إذا نذر أن يحرم
بحجة أو عمرة من موضع بعينه ، وجب الوفاء وإن كان قبل الميقات.
إذا نذر أن يحج
ولا مال له ، فحج
عن غيره وأجزأ عنهما معا.
إذا شرع في صيام
النذر ، ثم عرض له مرض ، أو حيض ، أفطر ، وقضى ، ولا شيء.
وإذا نذر أن يصوم
كل خميس مثلا فوافق ذلك شهر رمضان أجزأ عن رمضان دون النذر وإن نوى النذر.
إذا نذر صوم يوم
يقدم فيه فلان فقدم ليلا فلا شيء عليه ، وإن قدم في بعض النهار وبعد أن أفطر لم ينعقد
نذره ، فلا يلزمه صومه ولا صوم بدله ، لأنه نذر لا يمكنه الوفاء به ، لأن الصوم لا
يصح في بعض اليوم.
إذا نذر صوم يوم
بعينه فأفطر بلا عذر ، فعليه صوم يوم بدله وكفارة من أفطر يوما من رمضان متعمدا بلا
عذر ، ومن لم يتمكن بالوفاء بما نذر فلا شيء عليه.
__________________
كتاب
الكفارات
الكفارات أربعة
أقسام :
أولها : عتق رقبة
وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا يجب الجمع بينها
وذلك في قتل العمد.
وثانيها : أن يجب
الأول ، فإن عجز فالثاني ، فإن عجز فالثالث على الترتيب ، وذلك في الظهار وقتل الخطاء والبراءة من الله أو الرسول أو أحد الأئمة.
وثالثها : أن يجب
أحد هذه الثلاثة على التخيير ، وذلك في إفطار يوم من شهر رمضان بلا عذر ، وفي نقض النذر
أو العهد ، وفي من ضرب مملوكه حتى قتله ، وفي امرأة جزت شعرها في مصاب.
ورابعها : أن يجب
عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم على التخيير ، وذلك في اليمين والحلف بالبراءة
إذا عجز عن كفارة الظهار ، وفي الإيلاء وفيمن أفطر يوما من قضاء رمضان بعد الزوال على
قول ، وعليه كفارة النذر على قول
__________________
آخر. وفيمن شق ثوبه في موت ولده أو زوجته ، وفي امرأة خدشت وجهها في مصاب فأدمته
، فإن لم يقدر على واحد من ذلك صام ثلاثة أيام متتابعات ، فإن عجز عنه استغفر الله تعالى ولم يعد.
وحد العجز أن لا
يكون له ما يفضل عن قوته وقوت عياله. ويعتق من كان على ظاهر الإسلام أو بحكم الإسلام
بأن يكون غير بالغ أو عاقل ، ذكرا كان أو أنثى بأي سن كان ، ولا يعتبر الإيمان إلا
في القتل خاصة ، من أنواع الكفارات ، وإن كان المؤمن في غيره أفضل.
ولا يجوز أن يعتق
مكاتبا تحرر منه شيء ولا مدبرا إلا بعد نقض تدبيره ، ويجوز أن يعتق أم ولده ، ولا
بأس أن يعتق مملوكا قد أبق إذا لم يعرف منه الموت ، ولا بأس أن يكون أعور أو أعرج أو
أشل ، ولا يجوز أن يكون أعمى أو أجذم أو مقعدا لانعتاق العبد بذلك من غير إعتاق ، بخلاف
سائر العاهات والآفات والأمراض إلا المريض المدنف الذي أشرف على الموت ، فإنه لا يجزي.
إذا اشترى من يعتق
عليه بنية الكفارة لا يجزى عنها.
وفي التكفير بالطعام
في الكفارات كلها ، يطعم كل مسكين مدين ، فإن لم يقدر فبمد ، ويجوز أن يجمعهم ويطعمهم
ذلك القدر ، ويجوز أن يكون فيهم صغير ، ولا يجوز أن يكونوا كلهم صغارا ، وإن كانوا
كذلك احتسب كل اثنين بواحد.
ولا يطعم إلا فقراء
المؤمنين أو من كان بحكمهم ، فإن لم يجد تمام العدد منهم ، كرر على الموجودين وإن كان
واحدا ، إلى أن يستكمل العدد ، وإن لم يجد مؤمنا ولا ولد مؤمن ، أطعم مستضعفي المخالفين
، ولا يطعم الناصب بحال.
__________________
وأرفع ما يطعمهم
الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والخل والزيت ، وأدونه الخبز والملح ، ويجوز إخراج الحب
والدقيق والخبز وما كان من غالب قوت أهل البلد.
وإذا أراد الكسوة
أعطى كل مسكين ثوبين يوارى بهما جسده ، فإن لم يقدر اقتصر على واحد ، ويستحب أن يكون
جديدا ، فإن لم يكن فغسيلا ، فإن كان سحيقا لم يجزه ، لأن منافعه بطلت. ولا يجوز صرف
الكفارة إلى من يلزمه نفقته.
من يجوز له أخذ
الزكاة مع الغنى والفقر ، كالغازي والغارم وابن السبيل ، لا يعطى الكفارة إلا مع المسكنة
، ولا يعطى العبد لأنه غني بسيده ، وكذا المدبر والمكاتب وأم الولد.
من اجتمعت عليه
كفارات من جنس واحد أو أجناس مختلفة ، جاز أن يطعم عن بعض ، ويكسو عن بعض ويعتق عن
بعض ، وله أن يعين النية وأن لا يعينها بل يطلقها ، ووقت النية حال التكفير.
من عجز عن الكفارات
الثلاث في نقض النذر أو العهد صام ثمانية عشر يوما ، فإن لم يقدر على ذلك أطعم عشرة
مساكين أو كساهم ، فإن لم يقدر تصدق بما قدر ، فإن لم يستطع استغفر الله تعالى ولا
يعود.
ومن عجز عن صوم
يوم نذره أطعم مسكينا مدين ، ومن عجز عن صيام الشهرين صام ثمانية عشر يوما ، فإن عجز
تصدق عن كل يوم بمد من طعام ، فإن عجز استغفر الله تعالى ، ومن عجز عن كفارة اليمين
أو كفارة إفطار يوم يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال ، صام ثلاثة أيام.
من تزوج بامرأة
في عدتها فارقها وكفر عن ذلك بخمسة أصوع من دقيق ، ومن وطأ أمته حائضا أطعم ثلاثة مساكين
كل واحد مدا. ومن نام عن العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل ، قضاها إذا انتبه وأصبح صائما.
ومن ضرب عبده فوق الحد فكفارته أن يعتقه ، فإن قتله لزمه كفارة إفطار يوم من رمضان.
إذا لطمت المرأة
وجهها في مصاب ، استغفرت الله تعالى لا غير.
إذا سعى إلى مصلوب
بعد ثلاثة أيام ليراه ، استغفر واغتسل كفارة لسعيه.
إذا نام عن صلاة
الكسوف متعمدا وقد احترق القرص كله ، اغتسل ثم قضاها.
فرض العبد في الكفارات
الصوم ، مرتبة كانت أو مخيرا فيها ، لأن العبد لا يملك ، وإن كفر بغيره بإذن سيده أو
كفر عنه سيده جاز ، وإذا كان قد حلف وحنث بإذن سيده فليس له أن يمنعه من الصوم ، وإن
كانا لا بإذنه
لم يصم إلا بإذنه ، لأنه
ألزم نفسه صياما بغير إذنه ، كما لو نذر بغير إذنه ، وكذا إذا أذن له في اليمين دون
الحنث.
إذا حلف عبدا وحنث
حرا فعليه كفارة الحر.
إذا حنث وهو عبد
ثم أعتق قبل الصيام فهو حين الوجوب عبد وحين الأداء حر ، فله أن يكفر بالعتق أو الإطعام
أو الكسوة كالحر المعسر حين الوجوب لم يكن فرضه إلا الصوم ، فإن كفر بالمال فقد عدل
إلى الأفضل ، لأن المعتبر حال الإخراج ، فإذا كان موسرا في تلك الحال فعليه التكفير
بالمال ، وإن كان معسرا فعليه الصيام.
إذا حلف وحنث من
كان نصفه حرا ونصفه عبدا ، فإن كان موسرا بما فيه من الحرية ، صح منه العتق ، وإن كان
معسرا ففرضه الصيام ، وفرض الصوم عليه في كفارة الظهار وقتل الخطأ شهر واحد.
__________________
كتاب
الجنايات
الجناية ضربان :
قتل وغير قتل ، فالقتل ثلاثة أضرب :
عمد محض.
وخطأ محض.
وخطأ شبيه العمد.
فالعمد المحض ما
وقع من كامل العقل عن قصد إليه سواء كان بمحدد أو بقتل أو سم أو خنق أو تغريق أو تحريق.
والخطأ المحض ما
وقع من غير قصد إليه ، ولا إيقاع سببه بالمقتول ، كأن يرمي طائرا فيصيب إنسانا فيقتله.
والخطأ شبيه العمد
ما وقع من غير قصد إليه ، بل إلى إيقاع ما يحصل عنده مما لم تجر العادة بانتفاء الحياة
بمثله ، كأن يقصد تأديب من له تأديبه ، أو معالجة غيره بما جرت العادة بحصول النفع عنده من مشروب أو فصد أو غيرهما.
والضرب الأول من
القتل موجبه القود بشروط وهي :
__________________
أن يكون غير مستحق.
وأن يكون القاتل
بالغا كامل العقل ، فإن حكم العمد ممن ليست هذه حاله حكم الخطأ.
وأن لا يكون المقتول
مجنونا ولا يكون صغيرا.
وأن لا يكون القاتل
والد المقتول .
وأن لا يكون القاتل
حرا والمقتول عبدا ، سواء كان عبد نفسه ، أو عبد غيره.
وأن لا يكون القاتل
مسلما والمقتول كافرا ، سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا.
ويقتل الحر بالحرة
بشرط أن يؤدي أولياؤها إلى ورثته الفاضل عن ديتها من ديته ، وهو النصف ، ويقتل الجماعة
بالواحد بشرط أن يؤدي ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل عن دية صاحبه ، فإن اختار ولي الدم
قتل واحد منهم ، كان له ذلك ، ويؤدي المستبقون ما يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثة
المقاد منه.
ولا تجب الدية في
قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود ، فإن بذلها القاتل ورضي بها ولي الدم جاز
ذلك ، وسقط حقه من القصاص.
ومتى هرب قاتل العمد
ولم يقدر عليه حتى مات ، أخذت الدية من ماله ، فإن لم يكن له مال ، أخذت الدية من الأقرب
فالأقرب من أوليائه الذين يرثون ديته.
ويقتل الواحد بالجماعة
إن اختار أولياء الدم قتله ، ولا شيء لهم غيره ، فإن تراضوا بالدية فعليه من الديات
الكاملة بعدد من قتل ، وإن
أراد بعض الأولياء
__________________
القود وبعض الدية ، كان لهم ذلك ، وإن عفا بعضهم سقط حقه لا غير ، وبقي حق غيره
على مراده.
وإن كان المقتول
واحدا ، وأولياؤه جماعة ، فاختار بعضهم القود ، والبعض الدية والبعض العفو جاز قتله
، بشرط أن يؤدي من أراده إلى مريدي الدية أقساطهم منها ، أو إلى ورثة المقاد منه أقساط
من عفا.
ويجوز لأحد الأولياء
استيفاء القصاص من غير استئذان لشركائه فيه ، بشرط أن يضمن نصيبهم من الدية.
ويقتل الذمي بمن
قتله من المسلمين ويرجع على تركته وأهله بدية الأحرار
وقيمة الرقيق ، أو بما يلحقه من قسط ذلك إن كان مشاركا في
القتل.
وإذا قتل العبد
الحر وجب تسليمه إلى ولي الدم وما معه من مال وولد إن شاء قتله ويملك ماله وولده ، وإن شاء استرقه أيضا.
فإن كان العبد شريكا
للحر في هذا القتل ، واختار الأولياء قتل الحر ، فعلى سيد العبد لورثته نصف ديته ،
أو تسليم العبد إليهم يكون رقا لهم
، وإن اختاروا قتل العبد
، كان لهم ، وليس لسيد العبد على الحر سبيل ، وقيل : يؤدي الحر إلى سيد العبد نصف قيمته
. وإن اختاروا قتلهما جميعا كان لهم ذلك بشرط أن يردوا قيمة العبد إلى سيده.
وإذا قامت البينة
بالقتل على إنسان ، وأقر آخر بذلك القتل وبرأ المشهود
__________________
عليه منه ، فأولياؤه مخيرون بين قبول الدية منهما نصفين وبين قتلهما ورد نصف
ديته على ورثة المشهود
عليه دون المقر ببراءته ، وبين قتل المشهود عليه ، ويؤدي المقر إلى ورثته نصف ديته
، وبين قتل المقر ، ولا شيء لورثته على المشهود عليه ، وإذا لم يبرأ المقر للمشهود
عليه كانا شريكين في القتل ، متساويين فيما يقتضيه.
وإذا أقر إنسان
بقتل يوجب القود ، وأقر آخر بذلك القتل خطأ ، كان ولي الدم بالخيار بين قتل المقر بالعمد
، ولا شيء لهم على الآخر ، وبين أخذ الدية منهما نصفين ، والقود على المباشر للقتل
دون الآمر به أو المكره عليه ، وقد روي : أن الآمر إن كان سيد العبد وكان معتادا لذلك
، قتل السيد وخلد العبد الحبس ، وإن كان نادرا قتل العبد وخلد السيد الحبس.
وإذا اجتمع ثلاثة
في قتل فأمسك أحدهم وضرب الآخر وكان الثالث عينا لهم ، قتل القاتل وخلد الممسك الحبس
وسملت عينا الرقيب
، وإذا قتل السيد عبده
بالغ السلطان في تأديبه ، وأغرمه قيمته ، وتصدق بها ، فإن كان معتادا لقتل الرقيق ،
مصرا عليه قتل ، لفساده في الأرض لا على وجه القصاص ، وكذا
لو كان معتادا لقتل أهل الذمة ، ولا يستقيد إلا سلطان الإسلام
أو من يأذن له في ذلك ، وهو ولي من ليس له ولي من أهله ، يقتل بالعمد أو يأخذ الدية
ويأخذ دية الخطأ ، ولا يجوز له العفو كغيره من الأولياء ، ولا يستفاد إلا بضرب العنق
، ولا يجوز القتل بغير الحديد وإن كان هو فعل ذلك.
وقصاص الطرف يدخل
في قصاص النفس ، وكذلك ديته تدخل في دية
__________________
النفس ، وقيل : لا تدخل ، فإن من قطع يده أو قلع عينه ثم قتله بفعل آخر فعل به مثل ذلك ثم قتل ، لظاهر
قوله تعالى ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) ، وقوله ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) وأما الضربان الآخران من القتل ففيهما الدية على ما سيأتي.
وأما ما عدا القتل
من الجناية ، فيعتبر في القصاص منه مع الشروط المذكورة شرطان آخران :
أحدهما : أن يكون
ما فعله الجاني مما لا يرجى صلاحه ، كقطع اليد وقلع العين
وذهاب ضوئها ونحو ذلك.
والثاني : أن لا
يخاف بالاقتصاص به تلف نفس المقتص منه.
ومتى اقتص بجرح
أو نحوه قبل اليأس من صلاحه فبرأ أحدهما ولم يبرأ الآخر أعيد القصاص عليه إن كان بإذنه
، وإن كان بغير إذنه ، رجع المقتص منه على المعتدي دون المجني عليه.
وإذا لم يتعد المقتص
المشروع له ومات المقتص منه لم يكن عليه شيء ، فإن تعدى بما لا يقصد معه تلف النفس
كان ضامنا لما يفضل عن أرش الجناية عليه من ديته.
ومن قطع أصابع غيره
أو إحديها وقطع آخر يده من الزند أو المرفق أو
__________________
الإبط ، كان على الأول دية ما جناه ، وعلى الثاني دية ما بقي بعده ، وإن شاء
اقتص منهما ورد على الثاني دية ما جناه الأول ، وأخذ من الأول دية ما جناه فدفعها إلى
الثاني.
ومن قطع يمين غيره
ولا يمين له قطعت يساره ، فإن لم يكن له يسار قطعت رجله اليمنى ، فإن لم تكن فاليسرى
، وما لم تتكامل فيه الشروط التي معها يجب القصاص ففيه الدية.
فصل
يضمن الحر قيمة ما أفسده وأرش ما جناه عن
عمد أو خطأ أو قصد أو سهو ، وما يحصل من ذلك عند فعله ، أو فعل من يلي عليه ، فمن قتل حيوان غيره أو جرحه
أو كسر آلته أو مزق ثوبه أو هدم بناه ، ضمن ، وكذلك لو حصل شيء من ذلك بإحداثه في
طريق المسلمين أو في غيره من الملك المشترك أو ملك الغير الخاص ما لم يبح له ، ويضمن
ما يحصل بمداواته ، من فساد لم يبرأ إلى المداوي أو وليه منه.
أو بإرساله جمله
الهائج وكلبه العقور وسنورة المعروف بأكل الطيور أو بإرسال غنمه ليلا ، ولا يضمن ما
يجنيه نهارا إلا أن يكون أرسلها في ملك غيره.
ويضمن ما تجنيه
دابته بيدها إن كان راكبا لها أو قائدا ، ولا يضمن ما تجنيه برجلها إلا أن يؤلمها بسوط
أو لجام أو نحوه ، ويضمن كل ذلك إذا كان سائقا ، ولم يحذر ، أو حاملا عليها من لا يعقل
، ويضمن ما يفسده إذا نفرها إلا أن يكون قصد بذلك دفع أذاها عنه ، أو عمن يجري مجراه
، ويضمن جناية الخطإ عن رقيقه وعمن هو في حجره.
__________________
ومن هجمت دابته
على دابة غيره في مأمنها فقتلتها أو جرحتها ضمن ذلك ، وإن كانت هجمت المقتولة على القاتلة
فلا.
من أتلف ما لا يحل
تملكه للمسلم فلا شيء عليه إلا أن يكون للذمي وكان مما يحل أكله عندهم ، [ أو كان
مما لا يؤكل وقد أحرزه الذمي كالملاهي ] فإذن عليه قيمته ، ومن أتلف شيئا من الملاهي التي لا يجوز
تملكها ، كالطنبور والعود ونحو ذلك ، على مسلم ، فلا ضمان عليه ، وكذلك إذا أتلفه على
ذمي وقد أظهره ، وإن أتلفه في حرز للذمي ضمن [ وعلى صاحب الكلب العقور ضمان ما يتلفه
إذا لم يحفظه ، وكذا في السنور المعروف بآكل الطيور وغير ذلك والله أعلم بالصواب وعليه
التكلان ] .
__________________
كتاب
الديات
دية الحر المسلم
في قتل العمد مائة من مسان الإبل ، أو مائتا بقرة ، أو مائتا حلة ، أو ألف شاة ، أو ألف دينار
، أو عشرة آلاف درهم فضة جيادا ، حسب ما يملكه من يؤخذ منه ، ويجب في مال القاتل ويستأدى
في سنة.
ودية قتل الخطأ
شبيه العمد على أهل الإبل ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية
، كلها طروقة الفحل ، وروي : ثلاث وثلاثون بنت لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة وروي : ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة.
والأول أحوط لأن الأسنان فيه أعلى.
ويجب أيضا في مال
القاتل ، فإن لم يكن للقاتل مال استسعي فيها ، أو أنظر إلى حين اليسر ، فإن مات أو
هرب أخذت من أوليائه الذين يرثون ديته ، الأقرب
__________________
فالأقرب ، فإن لم يكن له أولياء أخذت من بيت المال ، وتستأدى هذه في سنتين.
ودية قتل الخطأ
المحض على أهل الإبل ثلاثون بنت لبون ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وروي :
أنها خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون
جذعة.
والأول أشيع.
وتجب هذه الدية
على العاقلة ، وتستأدى في ثلاث سنين ، وإذا لم يكن للعاقلة مال أو لم يكن له عاقلة
، وجبت في ماله ، فإن لم يكن له مال وجبت في بيت المال.
وعاقلة الحر المسلم
عصبته الذين يرثون ديته ، وعاقلة الرقيق مالكه ، وعاقلة الذمي الفقير الإمام ، ولا
تعقل العاقلة صلحا ولا إقرارا ولا ما وقع
من تعد كحدث الطريق ولا
ما دون الموضحة.
ودية رقيق المسلم
قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر المسلم و [ دية الأمة قيمتها ما لم يتجاوز
] قيمة الأمة دية الحرة فإن تجاوزت ذلك ردت إليه ، ودية اليهودي
والنصراني والمجوسي ثمانمائة درهم ، ودية رقيقهم
قيمته ما لم تتجاوز قيمة العبد دية الحر الذمي ، وقيمة الأمة
دية الحرة الذمية ، وإلا فترد إليها ، ودية المرأة نصف دية الرجل.
ويجب على القاتل
في الحرم أو في شهر حرام دية وثلث ، ومن قتل في غير الحرم ثم التجأ إليه ، ضيق عليه
في المطعم والمشرب حتى يخرج فيحد ، وكذا في مشاهد الأئمة ـ عليهمالسلام.
__________________
ومن أخرج غيره من
منزله ليلا ضمن ديته في ماله حتى يرده ، أو يقيم البينة بسلامته أو براءته من هلاكه
، وكذا حكم الظئر
مع الصبي الذي تحضنه.
وإذا وجد صبي في
بئر لقوم وكانوا
متهمين على أهله فعليهم
الدية ، وإن كانوا مأمونين فلا شيء عليهم.
والقتيل إذا وجد
في قرية ولم يعرف من قتله فديته على أهلها ، فإن وجد بين القريتين فالدية على أهل الأقرب
إليه منهما ، فإن كان وسطا ، فالدية نصفان ، وحكم القبيلة والمحلة والدرب والدار حكم
القرية.
ودية كل قتيل لا
يعرف قاتله ، ولا يمكن إضافته إلى أحد ، على بيت المال ، كقتيل الزحام ، والموجود بالأرض
التي لا مالك لها ، كالبراري والجبال.
ومن عزل عن زوجته
الحرة بغير إذنها ، لزمته دية النطفة : عشرة دنانير ، وإن كان ذلك بإفزاع غيره فالدية
لها عليه.
ومن جنى على امرأة
فألقت نطفة ، فعليه من ماله ديتها عشرون دينارا ، وإن تغيرت النطفة عن حالها أو صار
مقدار قطرة منها دما ، فاثنان وعشرون دينارا ، وفي مقدار قطرتين ، أربعة وعشرون دينارا
، وفي قدر ثلاث قطرات [ ستة وعشرون دينارا وفي قدر أربع قطرات ] ثمانية وعشرون ، وهكذا إلى أن يصير الكل دما فيكون علقة ،
وإن ألقت علقة ، وهي قطعة دم كالمحجمة فأربعون دينارا ، وإن ألقت مضغة ، وهي بضعة من
لحم فستون دينارا ، وإن ألقت عظما وهو أن يصير في المضغة سبع عقد فثمانون دينارا ،
وفيما بين كل حدين بحساب ذلك ، وإذا صار
__________________
مكسوا عليه اللحم خلقا سويا ، شق له العينان والأذنان والأنف قبل أن تلجه الروح ففيه مائة دينار.
وإذا ضرب بطن امرأة
فألقت جنينا كاملا فديته مائة دينار وكفارة ، وللجنينين مائتان وهكذا ، وإن كان الجاني أكثر من واحد فعلى الجميع الدية بالسوية
وعلى كل واحد كفارة ، وكمال الجنين يكون بإسلام أبويه أو أحدهما وبكونه حرا « أعني
: الولد » ويكون فيه تصوير ، كالإصبع والعين والظفر ، وإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية
كاملة ، وإن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية ، وتجب الدية للأم خاصة إن كان الزوج
هو الجاني ، وتجب للزوج خاصة إن كانت الجانية هي.
وإذا كان للحمل
حكم الرقيق أو أهل الذمة ففيه بحساب دياتهم وفي قطع رأس الميت عشر ديته ، وفي قطع أعضائه
بحساب ذلك ، ولا يورث ذلك بل يتصدق به عنه.
وقضى أمير المؤمنين
ـ عليهالسلام ـ في ستة غلمان كانوا يسبحون ، فغرق أحدهم فشهد منهم ثلاثة على اثنين بتغريقه
، وشهد الاثنان على الثلاثة بذلك : أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية ، وعلى الثلاثة
خمسي الدية.
وقضى ـ عليهالسلام ـ في أربعة تباعجوا بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان : أن على الباقيين دية
المقتولين ويقاصان منهما بأرش جراحهما وقضى في امرأة ركبت عنق أخرى فجاءت أخرى فقرصت المركوبة
__________________
فقمصت المركوبة فوقعت الراكبة فاندق عنقها : أن على القارصة ثلث الدية وعلى
المركوبة الثلث وأسقط الثلث ، وروي : أن الدية على الناخسة والقامصة نصفين.
وفي ذهاب العقل
الدية كاملة ، وفي شعر الرأس أو اللحية إذا لم ينبت ، الدية ، فإن نبت كان في شعر رأس
الرجل أو لحيته عشر الدية ، وفي شعر المرأة مهر مثلها ، وقيل : في اللحية إذا حلقت
فنبتت ثلث الدية.
وفي قلع العينين
أو ذهاب ضوئهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية ، ويعتبر [ بالفتح ]
في عين الشمس فإن أطرق حكم بالسلامة وإن لم يطرق حكم بذهاب
النور.
وفي قلع عين الأعور
ـ إذا كان عورة خلقة أو بآفة من قبل الله تعالى ـ الدية ، وإن كان بغير ذلك فنصف الدية.
وفي نقص البصر بحساب
ما ذكرناه ، ويقاس إحدى العينين بالأخرى ، والعينان بعيني من هو من أبناء سنه ، ويعتبر
مدى ما يبصر بها من أربع جهات ، فإن استوى ذلك صدق وإن اختلف كذب ، والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمى.
وفي شفر العين الأعلى
ثلث ديتها وفي الأسفل نصف ديتها ، والعين العمياء إذا كانت واقفة ففي خسفها ثلث ديتها
، وفي طبقها إذا كانت مفتوحة أو ذهاب سوادها ، ربع ديتها.
__________________
وفي ذهاب شعر الحاجبين
إذا لم ينبت ، الدية ، وفي إحديهما نصف الدية ، فإن نبت ففيه الأرش.
وقيل : في ذهاب
شعر الحاجبين : نصف الدية ، وفي إحديهما : ربعها
، [ فإن نبت ففيه الأرش ].
وفي قطع الأذنين
أو ذهاب السمع جملة الدية ، وفي إحديهما نصفها ، وفي نقصان السمع بحساب ذلك يقاس بالصوت
في الجهات ، كالقياس في العين بالبصر ، وفي قطع شحمة الأذن ثلث ديتها وكذا في خرمها.
وفي ذهاب الشم الدية
، ويعتبر في الشم بتقريب الحراق ، فإن دمعت العين ، فحاسة الشم سليمة وإلا فلا.
وفي استئصال الأنف
بالقطع الدية ، وكذا في قطع مارنها
، وفي قطع الأرنبة نصفها
، وفي إحدى المنخرين ربعها ، وفي النافذة في المنخرين ثلثها ، فإن كانت في إحديهما
فالسدس ، فإن صلحت الأولى والتأمت ففيها خمس الدية ، وإن التأمت الثانية ، ففيها العشر
، وفي كسره وجبره من غير عيب وعثم العشر أيضا.
وفي استئصال اللسان
بالقطع أو ذهاب النطق جملة الدية ، ويعتبر بالإبرة ، فإن لم يخرج دم أو خرج وكان أسود
فهو أخرس ، وإن خرج أحمر ، فهو صحيح ، وفي قطع بعضه بحساب الواجب في جميعه ويقاس بالميل
، وكذا الحكم في ذهاب بعض اللسان ، ويعتبر بحروف المعجم فما ذهب من المنطق منها
فعلى الجاني من الدية بعدده ، وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث
دية الصحيح.
__________________
وفي الشفتين الدية
، في العليا ثلثها وفي ثلثاها ، وقيل : في العليا : أربعمائة دينار ، وفي السفلى : ستمائة ، وفي
البعض منها بحساب ذلك ، وفي شق إحديها ثلث ديتها ، فإن التأمت فالخمس.
وفي الأسنان الدية
، وفي كل واحدة مما في مقاديم الفم ، وهي اثنتا عشرة ، نصف عشر الدية ، وفي كل واحدة
مما في مآخيره ، وهي ست عشرة ، ربع عشر الدية ، وفي السن الزائدة على هذا العدد الأرش
، وقيل : ثلث دية الأصلية .
وفي سن الصبي قبل
أن يثغر
عشر الدية وفي بعض السن بحساب ديتها ، وفي اسودادها ثلثا دية سقوطها
وكذا في انصداعها ، وفي قلعها بعد الاسوداد ثلث ديتها صحيحة ، وقيل : ربع ديتها. وفي إسقاط سن الصبي إذا لم ينبت بعد من ديته بحساب ما نقص
من قيمته لو كان عبدا.
وفي كسر العنق الدية
إذا صار منه أصور ، وفي الثديين الدية وفي إحداهما نصفها [ وفي جملة ثدي الرجل ثمن
ديته ].
وفي اليدين الدية
، وفي إحداهما نصفها ، وفي كل واحد من الساعدين أو العضدين نصف الدية ، وفي قطع اليد
الشلاء ثلث دية الصحيحة ، وكذا في
__________________
الرجل ، وفي ضرب اليد الصحيحة حتى شلت ، ولم ينفصل ، ثلثا دية انفصالها.
وفي كل إصبع عشر
الدية إلا الإبهام فإن فيها ثلث دية اليد ، وفي أنملة كل إصبع ثلث ديتها إلا الإبهام
، فإن في أنملتها نصف ديتها ، وفي قلع الظفر إذا لم يخرج ، أو خرج أسود ، عشرة دنانير
، فإن خرج أبيض ، فخمسة دنانير ، وفي كل إصبع زائدة ثلث دية الأصلية.
وحكم الفخذين والساقين
والقدمين وأصابعهما حكم اليدين.
وفي الصلب إذا كسر
الدية ،
فإن جبر وصلح من غير عيب
، فعشرها ، وقيل : في كسر الظهر إذا صلح ثلث الدية. وفي انقطاع النخاع الدية.
وفي كسر العصعص
أو العجان بحيث لا يملك بوله أو غائطه ، الدية ، وإن أصابه سلس البول
ودام إلى الليل فصاعدا ، ففيه الدية ، وإن كان إلى الظهر فثلثاها ، وإلى الضحوة ثلثها
ثم على هذا.
وما خالط القلب
من الأضلاع دية
كل واحد منها خمسة وعشرون دينارا ، ودية صدعه اثنا عشر دينارا ونصف. ودية نقل عظامه
سبعة دنانير ونصف. ودية
__________________
نقبه ربع كسره ، وما يلي العضدين منها دية كسر كل ضلع منها عشرة دنانير ، ودية صدعه
سبعة ودية نقل عظامه
خمسة.
وفي رض الصدر إذا
انثنى شقاه نصف الدية ، وإذا انثنى أحد شقيه فربع الدية ، وإذا انثنى الصدر والكتفان
فالدية ، وإذا انثنى أحد الكتفين مع شق الصدر
فنصف الدية ، ودية موضحة
الصدر أو الكتفين والظهر خمسة وعشرون دينارا ، فإن اعترى من ذلك صعر
ولا يقدر على الالتفات ، فنصف الدية ، ومن رعب قلبه فطار
ففيه الدية.
وفي قطع الحشفة
فما زاد من الذكر الدية ، وكذا في الأنثيين ، الدية ، وفي إحديهما النصف ، وروي : أن
في اليسرى منهما الثلثين وفي اليمنى الثلث.
وفي أدرة الخصيتين
أربعمائة دينار ، فإن فحج فلم يقدر على المشي أو لا ينتفع بمشيه فثمانمائة دينار ،
وفي ذكر العنين ثلث دية الصحيح ، وفي قطع فرج المرأة ديتها ، وفي إفضاء الحرة قبل تسع
سنين ديتها.
وفي الورك إذا كسر
فجبر بلا عثم خمس الدية ، فإن صدع فأربعة أخماس دية كسره ، ولنقل عظامه مائة وخمسة
وسبعون دينارا ، ولموضحتها خمسة وعشرون ، ولسفلها ثلاثون دينارا وثلث.
وفي الركبة إذا
كسرت فجبرت بلا عثم وعيب خمس دية الرجلين ، فإن انصدعت فأربعة أخماس كسرها ، وفي الساق
إذا جبرت بلا عيب خمس دية
__________________
الرجلين فإن عثمت فثلث دية النفس ، وإذا رض الكعب فجبر بلا عيب فثلث دية الرجلين ، وفي
كسر القدم إذا جبرت بلا عيب خمس دية الرجلين وفي ناتئة القدم ربع دية كسرها.
كل ما للحر فيه
الدية فللمملوك فيه القيمة ، ومن داس بطن غيره حتى يحدث فعليه ثلث الدية أو يفعل به
مثله ، ومن ضرب بطن امرأة فارتفعت حيضها لذلك ، فإن لم يرجع طمثها كما كانت إلى سنة
، فعليه ثلث الدية ، ومن ضرب رأسه فذهب عقله ومات إلى سنة ، قيد به الضارب ، وإن لم
يمت وبقي غير عاقل فعليه الدية ، وإن عقل فعليه أرش الضربة.
وفي كسر عظام العضو
خمس دية العضو ، فإن جبر فصلح بلا عيب فأربعة أخماس دية كسره ، وفي موضحة كل عضو من
البدن ربع دية كسره ، وفي رضه ثلث ديته ، فإن جبر فصلح بلا عيب فأربعة أخماس رضه ،
وكل عضو فيه مقدر إذا جني عليه فصار أشل وجب فيه ثلثا ديته.
وحكم الشجاج في الوجه حكمها في الرأس وهي ثمانية :
الحارصة : وهي الدامية
، وهي التي تقشر الجلد ويسيل الدم وفيها عشر عشر دية المشجوج .
والباضعة : وهي
التي تبضع اللحم وفيها خمس عشر دية.
__________________
والنافذة : وتسمى
المتلاحمة ، وهي التي تنفذ في اللحم وفيها خمس عشر وعشر عشر
.
والسمحاق : وهي
التي تبلغ القشرة التي بين اللحم والعظم ، وفيها خمسا عشر الدية.
والموضحة : وهي
التي توضح عن العظم ، وفيها نصف عشر الدية ، ويثبت في هذه الخمسة أيضا القصاص.
والهاشمة : وهي
التي تهشم العظم ، وفيها عشر الدية.
والمنقلة : وهي
التي تحوج مع كسر العظم إلى نقله من موضع إلى آخر ، وفيها عشر ونصف عشر.
والمأمومة : وهي
التي تصل إلى أم الدماغ وفيها ثلث الدية ، وليس في هذه الثلاثة قصاص ، وقيل : في جميع
ذلك القصاص إلا في المأمومة ، لأن فيها تغريرا بالنفس.
وأما الجائفة فليس
من الشجاج ، لأنها في البدن وهي التي تبلغ الجوف ، ولا قصاص فيها ، وفيها ثلث الدية.
وفي لطمة وجه الحر
إذا احمر موضعها دينار ونصف ، فإن أخضر أو أسود فثلاثة دنانير ، وقيل : إذا اسود أثرها
فستة دنانير وإن اخضر فثلاثة. وفي لطم الجسد النصف من لطمة الوجه.
والمرأة تساوي الرجل
في ديات الأعضاء والجوارح حتى تبلغ ثلث الدية ،
__________________
فإذا بلغت ذلك رجعت إلى النصف من ديات الرجل ، وديات ذلك في العبيد بحساب قيمتهم ما لم تزد على دية الحر ، فإن زادت فترد
إلى ذلك ، وديات ذلك في أهل الذمة بحساب ديات أنفسهم.
ولا دية للمستأجر
بما يحدث عليه في إجارته بفعله ، أو عند فعله.
ولا دية لمقتول
في الحدود
والآداب المشروعة ، ولا
للمدافعة عن النفس أو المال ، وما تسقط الدية فيه تسقط فيه قيمة المتلف وأرش الجناية.
حكم الميت حكم الجنين
وديته كديته سواء ، فمن فعل بميت ما لو فعله بحي ، كان فيه
تلف نفسه ، كان عليه مائة دينار ، وفيما يفعل به من كسر يده ، أو قطعها ، أو قلع عينه
، أو جراحه فعلى حساب ديته ، على عشر ديتها لو كان حيا ، إلا أن دية الميت يتصدق بها
عنه لا غير.
وفي جنين بهيمة
الغير عشر قيمتها ، وفيما دونه بحسابه.
ودية الكلب المعلم
أربعون درهما ، ودية كلب الحائط والماشية عشرون ، ودية كلب الزرع قفيز من طعام ، وفي فقء عين البهيمة ربع
قيمتها.
فصل
من قصد دم غيره أو ماله أو حريمه ، فله أن
يدفعه بما يمكن ، الأيسر فالأيسر ، فإن لم يندفع إلا بالسلاح ونحوه ، فأدى إلى قتل القاصد ، فدمه هدر ،
__________________
فإن ولى القاصد وانصرف وجب الكف عنه ، فإن ضربه بعد أن ولى فجرحه فعليه القصاص
، لأن الضرب بعد التولي محظور.
ومن اطلع غيره على
حريمه فرماه بشيء ، فذهبت عينه فلا شيء عليه ، وإن مات
منه فلا كفارة ، فإن رماه بعد الارتداع من الاطلاع ، كان
عليه القود أو الدية.
من وجد مع امرأته
رجلا يفجر بها ، وهما محصنان ، كان له قتلهما ، وكذا إن وجد مع جاريته أو غلامه.
من قال : إني سحرت
فلانا وقتلته عمدا فعليه القود.
والله أعلم.
__________________
كتاب
الحدود
لا يثبت الزنا حتى يثبت الجماع في الفرج
، على عاقلين مختارين ، من
غير عقد ولا شبهة عقد ولا ملك يمين ولا شبهة ملك ، ثبوتا شرعيا ، فهما زانيان ، يجب
عليهما الحد.
والزناة على ضروب
:
منهم من يجب عليه
القتل ، حرا كان أو عبدا ، محصنا أو غير محصن ، على كل حال ، وهو من زنى بذات محرم
له ، أو وطئها مع العقد عليها والعلم برحمها منه ، أو زنى بامرأة أبيه ، أو غصب امرأة
على نفسها ، أو زنى وهو ذمي بمسلمة ، أو زنى وهو حر بكر رابعة وقد جلد في الثلاثة قلبها
، أو زنى وهو عبد ثامنة وقد جلد فيما قبلها من المرات
، فإن لم يجلد في المرات السابقة فليس أكثر من جلد مائة.
ومنهم من يجب عليه
الجلد ثم الرجم ، وهو المحصن إذا كان شيخا أو شيخة .
ومنهم من يجب عليه
الرجم فقط ، وهو كل محصن ليس بشيخ ولا بشيخة ،
__________________
وقيل : يجب الجلد هنا مع الرجم ، والظاهر الأول.
ومنهم من يجب عليه
الجلد ثم نفيه
عاما إلى مصر آخر ، وهو
الرجل إذا كان بكرا.
ومنهم من يجب عليه
الجلد فقط ، وهو كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر ، والمرأة إذا زنت بكرة.
ومنهم من وجب عليه
جلد خمسين فقط ، وهو العبد أو الأمة ، سواء كانا محصنين أو لا ، شيخين أو لا ، وعلى
أي حال.
ومنهم من يجب عليه
من حد الحر ومن حد العبد بحساب ما تحرر منه وبقي رقا ، وهو المكاتب الذي قد تحرر بعضه.
ومنهم من يجب عليه
التعزير ، وهو الأب إذا زنى بجارية ابنه.
والإحصان الموجب
للرجم أن يكون الزاني بالغا كامل العقل ، له زوجة دوام أو ملك يمين ، سواء كانت الزوجة
حرة أو أمة ، مسلمة أو ذمية عند من أجاز نكاح الذمية ، ويكون قد وطئها ، ولا يمنعه
من وطئها مستقبلا مانع من سفر أو حبس أو مرض منها.
والبكر هو من ليس
بمحصن وقد أملك على امرأة ولم يدخل بها ، وحكم المرأة في ذلك كله حكم الرجل.
ويثبت حكم الزنا
إذا كان الزاني ممن يصح منه القصد إليه ، سواء كان مكرها أو سكران ، وقيل : لا حد مع
الإلجاء والإكراه.
__________________
وإن كان مجنونا
مطبقا لا يفيق فلا شيء عليه ، وإن كان يصح منه القصد إليه جلد مائة جلدة محصنا كان
أو غير محصن ، إذا ثبت فعله ببينة أو علمه الإمام ، ولا يعتد بإقراره.
وإن كان ممن يفيق
ويعقل ، كان حكمه في حال الإفاقة حكم العقلاء ، وسواء في ثبوت الحكم على الزاني كون
المزني بها صغيرة أو مجنونة أو ميتة ويسقط عنها إن كانت مكرهة أو مجنونة لا تفيق ، وإن كانت ممن
تفيق ، فحكمها في حال الإفاقة حكم العاقلة.
وإذا تاب أحد الزانيين
قبل القيام البينة عليه ، وظهرت توبته وصلاحه ، سقط الحد عنه ، وكذا إن رجع عن إقراره
بالزنا ، قبل إقامة الحد ، أو في حاله ، أو فر منه ، ولا تأثير لفراره إذا كان بعد
ثبوت الزنا عليه لا بإقراره ، وإن تاب بعد ثبوت الزنا عليه ، فللإمام العفو عنه ، وليس
ذلك لغيره.
ويحفر للمرجوم حفيرة
يجعل فيها ، ويرد التراب عليه إلى صدره ، ولا يرد التراب عليه إن كان رجمه بإقراره
، وروي : إن الرجل يدفن إلى حقويه والمرأة إلى صدرها وإذا اجتمع الجلد والرجم ، بدئ بالجلد وأمهل حتى يبرأ من
الضرب ثم رجم ، ويبدأ الإمام بالرجم فيما يثبت بعلمه أو بإقراره ، ويبدأ الشهود فيما
ثبت بشهادتهم ، وبعدهم الإمام ، وبعده من حضره من عدول المسلمين
وأخيارهم دون فساقهم.
ويتولى الإمام أو
من يأذن له الجلد إذا ثبت موجبه بعلمه أو بإقراره ، وإن
__________________
كان ثبوته بالبينة تولاه الشهود.
ويقام الحد على
الرجل على الهيئة التي رئي زانيا عليها من عري أو لباس ، ولا يقام الحد في القيظ في
الهواجر
ولا في زمان القر في السوابر
، ويضرب أشد الضرب على سائر بدنه ، سوى رأسه وفرجه ، ويجلد الرجل قائماً والمرأة جالسة وقد شدت عليها ثيابها ،
ويجوز للسيد إقامة الحد على من يملكه بغير إذن الإمام ، ولا يجوز لغير سيده ذلك إلا
بإذنه.
إذا زنى اليهودي
أو النصراني بأهل ملته ، كان الإمام مخيرا بين حده على مقتضى الإسلام ، وبين تسليمه
إلى أهل ملته ، ليحدوا على مذهبهم.
من عقد على امرأة
في عدتها ، ودخل بها عالما بذلك ، وجب الحد ، فإن كانت في عدة الطلاق الرجعي فعليها
الرجم ، وفي طلاق البائن وعدة الوفاة مائة جلدة ، ولم يصدقا في ادعائهما الجهل بتحريم
ذلك.
من افتض جارية بإصبعه
غرم عشر ثمنها ، وجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين
وإن كانت حرة غرم عشر عقرها وهو مهر نسائها.
من زنى في موضع
شريف أو وقت شريف عزر مع الحد.
الرجم بالأحجار
الصغار لا الكبار ، ويرجم من ورائه ، لئلا يصيب وجهه ، ولا يجلد العليل حتى يبرأ ،
فإن اقتضت المصلحة تقديم الحد عليه أخذ عرجون فيه مائة شمراخ أو ما ينوب منابه ، ويضرب
به ضربة واحدة.
__________________
من التجأ إلى حرم
الله أو الرسول أو أحد الأئمة ـ عليهمالسلام ـ لن يحد فيه بل ضيق عليه حتى يخرج منه فيحد ، فإن أحدث فيه ما يوجب الحد حد
لا محالة ، ولو فيه.
الحامل
لا تحد حتى تضع ولدها وترضعه وتخرج من نفاسها.
من استحق حدودا
منها القتل أخر القتل ، من استحق الحد
عاقلا ثم جن ، حد لا محالة
، من أقر على نفسه بحد ثم جحده ، لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم ، فإنه لا يرجم إذا
أنكر بعد الإقرار ويخلى ، إذا استحيضت المرأة وقد استحقت الحد لم تحد حتى ينقطع الدم.
ولا يثبت حكم الزنا
إلا بإقرار فاعله بذلك على نفسه ، مع كونه كامل العقل ، مختارا ، أربع مرات دفعة بعد
أخرى ، أو بشهادة أربعة شهود عدول أنهم شاهدوا ذلك منهما بلا عقد نكاح وشبهة أو بمشاهدة الإمام ذلك. وكذا في اللواط والسحق ، ويعزر من
وطأ بهيمة أو استمنى بيده.
الفصل الأول : في اللواط [والسحق
]
اللواط فجور الذكر
بمثله ، وهو ضربان : إيقاب وتفخيذ.
وفي الأول : إذا
ثبت الثبوت الشرعي ، قتل الفاعل والمفعول به.
وفي الثاني : جلد
كل واحد منهما مائة جلدة ، بشرط كونهما بالغين عاقلين مختارين ، ولا فرق في ذلك بين
المحصن والبكر ، والعبد والحر ، والمسلم والذمي ،
__________________
وقيل : على المحصن الرجم والإمام مخير في قتله إن شاء صبرا أو رجما أو تردية من علو أو إلقاء جدار عليه أو إحراقا بالنار.
إذا لاط غير البالغ
، أو مكن من نفسه حتى ليط به ، عزر.
إذا وجد رجلان أو
رجل وغلام في إزار واحد مجردين ، أو أقرا بذلك ، أو قامت عليهما البينة به ، عزرا من
ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين ، فإن عادا ثانيا ضربا كذلك ، فإن عادا ثالثا حد كل واحد
منهما مائة جلدة.
من تاب من اللواط
قبل قيام البينة به عليه ، سقط عنه الحد ، وإن تاب بعد شهادة الشهود بذلك ، وجب على
الإمام حده ، ولم يجز العفو.
ومن قبل غلاما ليس
بمحرم له ، وجب تعزيره ، ومن حد ثلاثا في اللواط قتل في الرابعة كالزنا [ وكذا في السحق
].
الفصل الثاني
والسحق فجور الأنثى بمثلها ، وفيه إذا ثبت جلد مائة لكل واحدة من الفاعلة والمفعولة بها
، بشرط البلوغ وكمال العقل والاختيار ، ولا فرق بين حصول الإحصان والحرية والإسلام
وارتفاع ذلك ، وروي : وجوب الرجم مع الإحصان ها هنا وفي القسم الثاني من اللواط ،
وحكم ذلك كله مع الجنون [ والإكراه ] أو التوبة قبل ثبوت الفاحشة وبعدها وفي الرجوع عن الإقرار
وفي كيفية الجلد ووقته وفي القتل في المرة الرابعة كما ذكرناه في الزنا.
__________________
إذا وجدت امرأتان
في إزار واحد مجردتين ، بلا ضرورة ولا رحم بينهما جلدت كل واحدة منهما من ثلاثين سوطا
إلى تسعة وتسعين.
الفصل الثالث : في القيادة
من جمع بين رجل
وامرأة أو غلام
أو بين امرأتين لفجور ،
فعليه جلد خمسة وسبعين سوطا ، رجلا كان أو امرأة ، حرا أو عبدا ، مسلما أو ذميا ، ويحلق
رأس الرجل ، ويشهر في المصر ، ولا يفعل ذلك بالمرأة.
وحكم الرجوع عن
الإقرار ، وحكم الفرار والتوبة قبل ثبوت ذلك وبعده ، وكيفية إقامة الحد ووقته ، ما
سبق.
ومن عاد ثانية جلد
ونفي عن المصر وروي : أنه إن عاد ثالثة جلد ، فإن عاد رابعة ، عرضت عليه التوبة ، فإن
أبى قتل ، وإن أجاب قبلت توبته وجلد ، فإن عاد خامسة بعد التوبة قتل من غير أن يستتاب.
[ والبينة في ذلك شهادة عدلين ، أو الإقرار بذلك ] .
الفصل الرابع
من قذف ـ وهو كامل العقل ـ حرا أو حرة بزنا أو لواط ـ حرا كان القاذف أو مملوكا ـ
رجلا أو امرأة ، فهو مخير بين العفو عنه وبين مطالبته بحق القذف ، وهو جلد ثمانين سوطا.
وإن كان القاذف
ذميا قتل ، بخروجه
من الذمة ، وسواء في ذلك
الصريح
__________________
من اللفظ والكناية المفيدة لمعناه ، فالصريح : لفظ الزنا واللواط ، والكناية
: كلفظ القحوبية والفسق والفجور والعلوقية والقرنية والدياثة ، وما أشبه ذلك مما يفيد في عرف القاذف معنى الصريح.
ومن قال لغيره :
زنيت بفلانة ، فهو قاذف لاثنين ، وعليه لهما حدان. وكذا لو قذف جماعة أفرد كل واحد
منهم بلفظ ، سواء جاءوا به على الاجتماع أو الانفراد ، أو قذفهم بلفظ واحد وجاء به
كل واحد منهم على الانفراد ، فإن جاءوا به مجتمعين ، حد لجميعهم حدا واحدا.
إذا كان القاذف
أو المقذوف غير بالغ ففيه التعزير ، وحد القذف موروث يرثه كل من يرث المال من ذوي الأنساب
دون الأسباب ، وإذا طالب أحدهم بالحد فأقيم له سقط حق الباقين ، وإذا عفا بعضهم كان
لمن لم يعف المطالبة باستيفاء الحد
، وإذا لم يكن للمقذوف
المتوفى ولي ، أخذ بحقه سلطان الإسلام ، ولم يجز له العفو.
ولا يسقط حد القذف
بالتوبة وإنما يسقط بعفو المقذوف أو وليه من ذوي الأنساب خاصة ، ويقتل القاذف في المرة الرابعة
إذا حد فيما قبلها من المرات.
ويقتل من سب النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم أو غيره من الأنبياء أو أحد الأئمة ـ عليهمالسلام ـ وليس على من سمعه فسبق إلى قتله من غير استئذان لصاحب الأمر سبيل.
إذا قال لغيره :
يا زاني ، مرات كثيرة ولم يحد فيما بينها ، لم يكن عليه أكثر من
__________________
حد واحد. وإذا تقاذف أهل الذمة أو العبيد أو الصبيان بعضهم بعضا فعليهم التعزير
دون الحد.
إذا قال لولد الملاعنة
: يا بن الزانية ، حد كملا ، وإن قال لولد الزنا الذي حدت أمه للزنا
: يا ولد الزنا ، فعليه التعزير دون الحد ، وإن كانت أمه
أظهرت التوبة فعليه تمام الحد.
ولا يكون حد القذف
في الشدة كما في شرب الخمر والزنا ، بل دون ذلك ، ويجلد من فوق الثياب ولا يجرد.
إذا قال لولده :
يا زاني ، فلا حد عليه ، فإن قال له : يا ابن الزانية ، ولم ينتف عنه فعليه الحد لأمه
، فإن كانت ميتة ، ولها ولد من غيره وقرابة ، فلهما المطالبة بالحد ، وليس لولدها منه
المطالبة به.
إذا تقاذف نفسان
بما يوجب الحد سقط عنهما الحد وعليهما التعزير. من قذف مكاتبا غير مشروط وقد أدى شيئا
، جلد بحساب ما عتق منه حد الحر وعزر بمقدار ما بقي رقا ، ومن قذف غيره بما هو مشهور
به ومعترف بفعله من سائر القبائح لم يستحق حدا ولا تعزيرا.
ويعزر المسلم إذا
عير مسلما بعمي أو عرج أو جنون أو جذام أو برص ، فإن كان كافرا فلا شيء عليه.
والتعزير بما يناسب
القذف من التعريض بما لا يفيد زنا ولا لواطا ، والنبز بالألقاب من ثلاثة أسواط إلى
تسعة وتسعين سوطا.
والحر المسلم إذا
قذف ولده أو عبده أو عبد غيره أو ذميا أو صغيرا أو مجنونا فإنه يعزر ، [ وروي : أنه
متى عزر المرء رابعة استتيب فإن أصر وعاد إلى ما يوجب
__________________
التعزير ضرب عنقه ] والبينة في القذف شهادة عدلين ، أو إقرار القاذف على نفسه مرتين.
الفصل الخامس
والحد في شرب قليل المسكر وكثيره وإن اختلفت أجناسه إذا كان شاربه كامل العقل ، حرا كان أو
عبدا ، رجلا أو امرأة ، مسلما أو كافرا ، متظاهرا بذلك بين المسلمين ، ثمانون جلدة
، ويقتل المعاود لشرب المسكر في الثالثة وقد حد فيما قبلها ، وحكم شارب الفقاع حكم
شارب الخمر ، وحكم التائب من ذلك قبل ثبوته أو بعده حكم التائب من الزنا وغيره ، مما
يوجب حدا لله تعالى ولا يتعلق به حق لآدمي وقد سبق ، ويضرب الرجل على ظهره وكتفيه وهو عريان والمرأة في ثيابها.
من استحل شيئا من
المحرمات وجب قتله ، فإن تناول شيئا من ذلك غير مستحل له عزر ، فإن عاد غلظ عقابه ،
فإن تكرر منه دفعات قتل.
إذا شرب المسكر
في موضع ، أو وقت شريف ، أدب بعد الحد.
والبينة في ذلك
شهادة عدلين أو الإقرار مرتين كما في القذف.
الفصل السادس
يجب القطع على من ثبت كونه سارقا بشروط ،
وهي :
__________________
أن يكون مكلفا.
وأن لا يكون والدا
من ولده ، وإن كان غنيا عن ماله ، ولا عبدا عن سيده.
وأن يكون مقدار
المسروق ربع دينار فصاعدا ، أو قيمة ذلك ، مما يتمول عادة وشرعا ، سواء ، كان محرزا
بنفسه ، وهو الذي إذا ترك لم يفسد ، كالثياب والحبوب اليابسة ، أو لم يكون كذلك ، كالفواكه
واللحوم ، وسواء كان أصله الإباحة ، كالخشب والقصب والطين وما يعمل
من الأواني ، وما يستخرج من المعادن ، أو لم يكن كذلك كالثياب
والأثاث.
وأن يكون المسروق
لاحظ ولا شبهة للسارق فيه.
وأن يكون مخرجا
من حرز. وروي : أن الحرز في المكان هو الذي لا يجوز لغير مالكه أو مالك التصرف فيه
دخوله إلا بإذنه .
والسارق وهو الأخذ
على جهة الاستخفاء والتفزع ، وعلى هذا ليس على المتنهب والمخالس والخائن في وديعة أو
عارية قطع.
وإذا تكاملت شروط
القطع ، قطعت يمين السارق أول مرة ، فإن سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ، فإن سرق ثالثة
خلد الحبس إلى أن يموت ، أو يرى ولي الأمر فيه رأيه ، فإن سرق في الحبس ضرب عنقه.
وإذا كان يمين السارق
شلاء قطعت ، ولم يقطع يساره ، وكذا إذا كانت رجله اليسرى شلاء قطعت ولم يقطع يمناه
، وموضع القطع من أصول الأصابع ، ويترك له الإبهام ، هذا في اليد ، وفي الرجل عند معقد
الشراك ، ويترك له مؤخر القدم والعقب.
__________________
وإذا سرق اثنان
فما زاد عليهما شيئا ، فبلغ نصيب كل واحد منهم قدر القطع ، قطعوا جميعا ، سواء كانوا
مشتركين في السرقة ، أو كان كل واحد منهم يسرق لنفسه ، وإن لم يبلغ نصيب كل واحد منهم
ذلك ولم يكونوا مشتركين فلا قطع على أحدهم ، وإن كانوا مشتركين في ذلك وفي إخراجه من
الحرز قطعوا جميعا بربع دينار ، وقيل : لا قطع على واحد منهم حتى يبلغ نصيبه مقدار
القطع على كل حال.
وتقطع الأم بالسرقة
من مال ولدها ، والولد بالسرقة من مال أحد الوالدين ، وكل واحد من الزوجين بالسرقة
من مال الآخر ، بشرط أن يكون المال المسروق محرزا ممن سرقه من هؤلاء ، وبذل ما يجب
من النفقة لمن يستحق منهم الإنفاق.
ويقطع الطرار من الجيب والكم من الثوب التحتاني ، ويقطع النباش إذا أخذ كل واحد منهما ما قيمته ربع دينار فصاعدا ، والغرم
لازم للسارق وإن قطع ، ومن أقر أو قامت عليه البينة بسرقات كثيرة قطع بأولها وأغرم
الباقي.
وإذا رجع المقر
بالسرقة عن إقراره ، لم يقطع ، وكذلك إن تاب وظهر صلاحه قبل أن يرفع خبره إلى ولي الأمر
، فإن تاب بعد ما ارتفع خبره إليه ، كان مخيرا بين القطع والعفو ، ولا خيار لغيره ،
وعليه رد ما سرقه إن بقي ، وغرم قيمته إن تلف.
وروي : أن الصبي
إذا سرق هدد ، فإن عاد ثانية أدب بحك أصابعه بالأرض ، حتى تدمى ، فإن عاد ثالثة قطعت
أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول ، فإن عاد رابعة قطعت من المفصل الثاني ، فإن
عاد خامسة قطعت من
__________________
أصولها.
وروي : أنه لا قطع
على من سرق في عام مجاعة.
من وجب قطع يمنى
يديه وليست له قطعت يسراه ، فإن لم يكن فرجله [ اليسرى ] فإن لم يكن فلا شيء عليه سوى تخليد الحبس.
من سرق حرا فباعه
وجب عليه القطع ، لأنه من المفسدين في الأرض.
المحتال على أموال
الناس بالمكر والخديعة وتزوير الكتب ، وشهادة الزور ، وغير ذلك ، يجب أن يؤدب ويعاقب
ويغرم ما أخذ بذلك ، ويشهر بالعقوبة ، وبالجملة يجب التعزير بفعل كل قبيح أو إخلال
بواجب لم يرد الشرع بتوظيف حد عليه ، أو ورد بذلك فيه ولم يتكامل شروط إقامته ، فيعزر
على مقدمات الزنا واللواط من النوم في إزار واحد ، والضم والتقبيل ، إلى غير ذلك على
حسب ما يراه أولي الأمر من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا.
[ ويعزر من وطئ
بهيمة ، أو استمنى بيده ، والبينة في هذين شهادة عدلين أو الإقرار مرتين ] .
ويعزر العبد إذا
سرق من مال سيده ، والوالد إذا سرق من مال ولده ، ومن سرق أقل من ربع دينار ، ومن سرقة
أكثر منه من غير حرز.
وروي : أنه متى
عزر المرء رابعة استتيب فإن أصر وعاد إلى ما يوجب التعزير ضرب عنقه والله أعلم.
__________________
كتاب
القضاء والبينة والدعوى
الحاكم يجب أن يكون
كاملا في الأحكام والخلقة ، وكمال الأحكام أن يكون بالغا عاقلا حرا ذكرا ، وكمال الخلقة
أن يكون بصيرا ولا يكون أعمى ، وينبغي أن يكون عارفا للكتاب والسنة والإجماع والاختلاف
ولسان العرب ، فيعرف العام والخاص ، والمحكم والمتشابه ، والمجمل والفصل ، والمطلق
والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ، والعموم والخصوص ، وفي السنة خاصة المتواتر والآحاد.
وأن يكون ثقة عدلا
حسن الرأي ذا حلم وورع وقوة على القيام بما فوض إليه ، ويتولى ذلك من قبل الإمام الظاهر
من قبل الله تعالى ، وفي حال الغيبة لفقهاء الشيعة أن يقضوا بالحق ما تمكنوا منه ،
ويجوز لهم التقية عند الاضطرار فيما لا يؤدي إلى قتل مؤمن.
ويجوز للحاكم
أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء من الأموال والحدود والقصاص
وغير ذلك ، وسواء في ذلك ما علمه في حال الولاية أو قبلها ، ويقضى بشهادة المسلمين
بشرط : الحرية والذكورة والبلوغ وكمال العقل والعدالة في جميع الأشياء ، وعن أمير المؤمنين
وإمام المتقين ـ عليه الصلاة والسلام ـ في تأويل قوله تعالى : ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ )
: أي من ترضون دينه وأمانته
وصلاحه وعفته
__________________
وتيقظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه.
ولا يقبل في الزنا
إلا شهادة أربعة رجال بمعاينة الفرج في الفرج مع اتحاد اللفظ والوقت ، ومتى اختلفوا
في الرؤية أو نقص عددهم أو لم يأتوا بها في وقت واحد حدوا حد الافتراء ، أو شهادة ثلاثة
رجال وامرأتين وكذا حكم اللواط والسحق ، ويقبل فيما عدا ذلك شهادة عدلين ، ويعتبر في صحتها اتفاق المعنى ومطابقة الدعوى
دون الوقت.
ولا يقبل شهادة
النساء فيما يوجب الحد لا على الانفراد من الرجال ولا معهم إلا في الزنا ، فإنه من
شهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان بالزنا وكان محصنا رجم ، وإن شهد عليه بذلك رجلان وأربع
نسوة لم يرجم ، بل جلد مائة ، فإن شهدت ست نسوة أو أكثر ورجل واحد لم يقبل وجلدوا حد
الفرية.
ولا تقبل شهادتهن
على حال في الطلاق ، ولا في رؤية الهلال ، ولا في النكاح والرضاع والعتاق والخلع والرجعة
والقتل الموجب للقود والوكالة والوديعة ، ولا في الشهادة على الشهادة ، وتقبل شهادتهن
على الانفراد من الرجال في الولادة والاستهلال والعيوب التي لا يطلع عليها الرجال كالرتق
والإفضاء ، وتقبل شهادة القابلة وحدها إذا كانت مأمونة ، وفي الولادة والاستهلال ،
ويحكم لأجلها بربع الدية والميراث ،
وتقبل شهادتهن فيما عدا
ذلك مع الرجال ، وتقوم كل امرأتين مقام رجل.
ويقضى بشهادة الواحد
مع يمين المدعي في الديون خاصة ، وقيل : كل ما كان مالا أو المقصود منه المال كالبيع
والصلح والإجارة والوصية ، فإنه يثبت باليمين والشاهد الواحد ، يقدم الشاهد ثم اليمين
، وما لا يكون مالا ولا المقصود
__________________
منه المال فلا يثبت بذلك ، كالنكاح والقذف والقتل الموجب للقود والعتق.
وتقبل شهادة كل
واحد من الولد والوالدين والزوجين للآخر ، وتقبل شهادة العبيد لكل واحد وعليه إلا في
موضع نذكره ، وتقبل شهادة الأخ لأخيه ، وشهادة الصديق لصديقه ، وإن كان بينهما ملاطفة
ومهاداة ، وتقبل شهادة الأعمى فيما لا يحتاج فيه إلى مشاهدة.
وتقبل شهادة الصبيان
في الشجاج والجراح خاصة إذا كانوا يعقلون ذلك ، ويؤخذ بأول كلامهم لا بآخره وتقبل شهادة القاذف إذا تاب وأصلح عمله ومن شرطه التوبة أن
يكذب نفسه.
ولا تقبل شهادة
الولد على والده ولا العبد على سيده فيما ينكرانه ، وتقبل عليهما بعد الوفاة ، ولا
تقبل شهادة ولد الزنا إلا إذا كانت في شيء حقير وكان على ظاهر العدالة ، ولا شهادة
العدو على عدوه ، ولا الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه ، ولا الأجير لمستأجره ، ولا
شهادة ذمي على مسلم إلا في الوصية في السفر خاصة ، بشرط عدم أهل الإيمان ، ولا تقبل
شهادة كل من يجر بشهادته نفعا إلى نفسه أو يدفع بها ضررا.
ولا يجوز قبول شهادة
أهل البدع والاعتقادات الباطلة ، وإن كانوا على ظاهر الإسلام والستر والعفاف ، ولا
شهادة المغني والضارب بالنأي والوتر والمرحبان والمستمع إلى شيء من ذلك ، ولا شهادة
السائل على الأبواب وفي الأسواق ، ولا شهادة من يأخذ الزكاة وهو عنها مستغن ، ولا من
يأخذ الأجرة على الأذان ويرتشي في الأحكام ، ولا شهادة اللاعب بالقمار أي نوع كان ،
ولا شهادة منشئ
__________________
الشعر الكذب أو هجو المؤمن ، ولا شهادة منشده ، ولا شهادة من ، يلوك القرآن ، ومن لا يأتي بحروفه على الصحة والبيان.
والقسامة يحكم بها
إذا لم يكن لأولياء الدم عدلان يشهدان بالقتل ، وتقوم مقام شهادتهما في إثباته ، والقسامة
خمسون رجلا من أولياء المقتول يقسم كل واحد منهم يمينا أن المدعى عليه قتل صاحبهم ،
فإن نقصوا عن ذلك كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين ، يمينا ، وإن لم يكن إلا ولي
الدم وحده أقسم خمسين يمينا ، فإن لم يقسم أولياء المقتول ، أقسم خمسون رجلا من أولياء
المتهم أنه بريء مما ادعي عليه ، فإن لم يكن له من يقسم حلف هو خمسين يمينا وبرئ.
والقسامة لا تكون
إلا مع التهمة بأمارات ظاهرة. والقسامة فيما فيه دية كاملة من الأعضاء ستة نفر ، وفيما
نقص من العضو بحسابه. وأدنى ذلك رجل واحد في سدس العضو ، وروي : أن القسامة في قتل
الخطأ خمسة وعشرون رجلا.
تحمل الشهادة وأداؤها
من فروض الكفاية ، وإذا كان في تحملها أو أدائها ضرر غير مستحق له أو لمؤمن لم يجز
له ذلك ، ومن سمع شيئا أو شاهد [ ه فهو مخير ]
بين تحمله وإقامته وترك
ذلك. ولا يجوز لأحد أن يتحمل شهادة إلا بعد العلم بما يفتقر فيها إليه ، ولا يجزيه
مشاهدة المشهود عليه ولا تخليته ولا تعريف من لا يحصل العلم بخبره ، ولا يجوز له أدائها
إلا بعد الذكر لها ، ولا يعول على وجود خطه ، وإذا شهد على من لا يعرفه فلا يشهد إلا
بتعريف عدلين بذلك ، [ ومن علم شيئا ولا يشهد عليه كان مخيرا في إقامتها إذا دعي إليه
] .
__________________
لا يحصل العلم بالمشهود
عليه إلا بمشاهدة أو سماع أو بهما معا.
والأول كالغصب والسرقة
والقتل والقطع والزنا واللواط وشرب الخمر والرضاع والولادة ، ولا يصح في شيء من ذلك
الشهادة على الشهادة.
والثاني النسب والموت
والملك المطلق يعلم ذلك بالاستفاضة.
والثالث العقود
ولا بد فيها من مشاهدة المتعاقدين وسماع كلامهما.
وتثبت شهادة الأصل
بشهادة عدلين وتقوم مقامها إذا تعذر حضور
الأصل لموت أو مرض أو سفر ، ويجوز ذلك في حقوق الناس كالديون
والأملاك والعقود ، ولا يجوز في حقوق الله تعالى كالحدود.
ولا يجوز شهادة
على شهادة على شهادة في شيء ما ، وإذا شهد اثنان على شهادة واحد ثم شهدا على شهادة
آخر ثبت شهادتهما.
ولا يحكم ببينة
المدعي بعد استحلاف المدعى عليه ، وللمدعي عليه رد اليمين على المدعي ، ولا يجوز الحكم
إلا بما قدمناه من علم الحاكم أو ثبوت البينة على الوجه الذي قرره الشرع أو إقرار المدعى
عليه أو يمينه أو يمين المدعي.
وتسمع بينة الخارج
وهو المدعي دون بينة الداخل وهو صاحب اليد ، وإن كان مع كل واحد منهما بينة ولا يد
لأحدهما ، حكم لأعدلهما شهودا ، فإن استويا في ذلك حكم لأكثرهما شهودا مع يمينه ، فإن
استويا أقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف وحكم له ، وإن كان لكل منهما يد ولا بينة لأحدهما
كان الشيء بينهما نصفين.
وإذا ثبت أن الشاهد
شهد بالزور عزر وشهر وأبطل الحاكم حكمه بها إن
__________________
كان حكم ، ورجع على المحكوم له بما أخذ إن أمكن وإلا على شاهد الزور ، وإن كان
ما شهد به قتلا أو جرحا أو حد اقتص منه ، وإذا رجع عن الشهادة بشبهة دخلت عليه ، لزمه
دية القتل أو الجرح ، ومثل العين المستهلكة بشهادته أو قيمتها إن يرضى المحدود بما
يتفقان عليه.
وينبغي للحاكم أن
يفرد الوقت الذي يجلس فيه للحكم له خاصة ولا يشوبه بأمر آخر سواه ، وألا يجلس وهو غضبان
ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بشيء ، ويجلس مستدبر القبلة بسكينة ووقار ، وينزه
مجلسه عن الدعابة والمجون ، ويوطن نفسه على إقامة الحق والقوة في طاعة الله ، ويسوي بين
الخصمين في المجلس واللحظ والإشارة ، ولا يبدأهما بخطاب إلا أن يطيلا الصمت فحينئذ
يقول لهما : إن كنتما حضرتما لأمر فاذكراه ، فإن أمسكا أقامهما. وإن ادعى أحدهما على الآخر لم يسمع دعواه إلا أن تكون مستندة
إلى علم كأن يقول : أستحق عليه ، أو ما أفاد هذا المعنى ،
ولو قال : أدعي عليه كذا أو أتهمه بكذا ، لم يصح ، وأن يكون ما ادعاه معلوما متميزا
بنفسه أو بقيمته ، فلو قال : أستحق عليه دارا أو ثوبا ، لم يصح للجهالة.
وإذا صحت الدعوى
أقبل الحاكم على الخصم فقال : ما تقول فيما ادعاه؟
فإن أقر به وكان
ممن يقبل إقراره للحرية والبلوغ وكمال العقل والإيثار للإقرار ، لزمه الخروج إلى خصمه
منه ، فإن أبى أمر بملازمته ، فإن آثر صاحب الحق حبسه حبسه ، وإن آثر إثبات اسمه في
ديوان الحكم أثبته ، إذا كان عارفا بعين المقر واسمه ونسبه ، أو قامت البينة العادلة
عنده بذلك.
وإن أنكر ما ادعى
عليه قال للمدعي : قد أنكر دعواك ، فإن قال : لي بينة ،
__________________
أمره بإحضارها ، فإن ادعى أنها غائبة ضرب له أجلا لإحضارها ، وفرق بينه وبين
خصمه. وله أن يطلب كفيلا بإحضاره إذا أحضر بينته ، يبرأ الكفيل من الضمان إذا انقضت المدة ولم يحضرها ، فإن أحضرها
وكانت مرضية حكم بها وإلا ردها.
وإن أحضر شاهدا
واحدا أو امرأتين قال له الحاكم : تحلف مع ذلك على دعواك ، فإن حلف ألزم خصمه ما ادعاه
وإن أبى أقامهما ، وإن لم يكن له بينة قال له : ما تريد؟ فإن أمسك أقامهما ، وإذا قال
: أريد يمينه ، قال : أتحلف؟ فإن قال : نعم ، خوفه الله تعالى من عاقبة اليمين الفاجرة
في الدنيا والآخرة.
فإن أقر بما ادعاه
عليه ألزمه به ، وإن أصر على اليمين عرض عليهما الصلح ، فإن أجابا أمر بعض أمنائه أن
يتوسط ذلك بينهما ، ولم يجز أن يلي هو ذلك بنفسه ، لأنه منصوب لبت الحكم وإلزام الحق
ـ ويستعمل الوسيط في الإصلاح ما يحرم على الحاكم فعله ـ وإن لم يجيبا إليه أعلم المدعي
أن استحلاف خصمه يسقط حق دعواه ويمنع من سماع بينة بها عليه ، فإن نزل عن استحلافه
أقامهما ، وإن لم ينزل واستحلفه سقط حق دعواه ، وإن نكل المدعى عليه عن اليمين ألزمه
الخروج إلى خصمه مما ادعاه ، وإن قال : يحلف ويأخذ ما ادعاه قال له الحاكم : أتحلف؟
فإن قال : لا ، أقامهما ، وإن قال : نعم ، خوفه الله ، فإن رجع عن اليمين أقامهما وإن
حلف استحق ما ادعاه.
من ادعى عند الحاكم
حقا على غائب وأقام البينة وبحث الحاكم عن العدالة ، وسأله المدعي أن يقضي له على الغائب
، أجابه إلى ذلك واستحلفه أن حقه الذي شهد أنه ثابت إلى وقتنا هذا ، وكتب به كتابا
هذا إذا كان الخصم ممتنعا عن الحضور أو غير مقدور على إحضاره
أو هرب عن مجلس الحكم.
واعلم أن الحقوق
ثلاثة أضرب : حق الله وحق الآدمي وحق الله تعالى يتعلق
__________________
به حق الآدمي.
فحق الله تعالى
كالزنا واللواط والخمر لا يقضى بها على الغائب ، لأن القضاء على الغائب احتياط ، وحقوق
الله لا يحتاط لها
لأنها مبنية على الإسقاط
والتخفيف ، بخلاف حقوق الآدمي ، وذلك كالدين ونحوه ، فإنه يقضى به على الغائب كما سبق
، وحق الله المتعلق بآدمي كالسرقة ، فإنه يقضى فيها على الغائب بالغرم دون القطع.
وإذا أراد الحاكم
أن يحلف الأخرس ، حلفه بالإشارة إلى أسماء الله تعالى ، ويوضع يده على اسم الله تعالى
في المصحف ، أو يكتب اسم الله ويوضع يده عليه إن لم يحضر المصحف ، ويعرف يمينه كما
يعرف إقراره وإنكاره ، ويحضر يمينه من يفهم أغراضه ، ولا يحلف أحد إلا بأسماء الله
وإن كان منكرا للوحدانية.
والأيمان كلها على
القطع إلا ما كانت على النفي من فعل الغير فإنها تكون على نفي العلم ، إذا حلف قبل
استحلاف الحاكم لم يعتد بها ويعاد عليه إذا طالبه الخصم بذلك.
المدعي في الشرع
من ادعى شيئا على غيره في يده أو في ذمته ، ولا يقال لمن يدعي ما في يده : إنه مدعي
، إلا تجوزا.
والمدعى عليه من
ادعي عليه شيء في يده أو في ذمته. وقد يجوز أن يكون كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه
، كأن يختلف المتبايعان في قدر الثمن ، فقال البائع للمشتري : بعتكه بألف مثلا ، وقال
المشتري : بعتنيه بخمسمائة لا بألف ، فإذن البينة بينة المدعي للزيادة يحقق بها ما
يدعيه ، واليمين حجة المدعي عليه
يحقق به ما ينفيه.
__________________
لا تصح الدعوى المجهولة إلا في الوصية ، إذا اختلف الزوجان في متاع البيت وادعى
كل منهما أن الجميع له ولا بينة لأحدهما ، فما يصلح للرجال يكون للرجل ، وما يصلح للنساء
يكون للمرأة ، وما يصلح لهما فبينهما بالسوية ، وروي : أن الكل للمرأة وعلى الرجل البينة
، لأن من المعلوم أن الجهاز من بيت المرأة ينقل إلى بيت الرجل ، والأول أحوط.
من كان له على غيره
حق لا يمكنه استيفاؤه منه بوجه ، وقدر أن يأخذ من ماله ، أخذ بقدر ذلك لا غير ، كان
له بذلك بينة أو لا ، إلا إذا كان وديعة عنده فإنه لا يجوز أخذه منها.
من حلف غيره على
مال فليس له أن يطالبه بعد بإقامة البينة ، ولا له أن يأخذ من ماله شيئا إن ظفر به
، وإن جاء الحالف تائبا وأعطاه ما حلف عليه ، جاز له قبضه ، فإن جامع المال بربحه فلا يأخذ إلا نصف الربح.
وفي آخر النسخة
المصورة ما هذا نصه :
تم الكتاب بعون
الله وحسن توفيقه يوم الثلاثاء لخمس ليال بقين من شهر شعبان الواقعة في سنة خمس وأربعين
وست مائة على يدي محمد بن الهادي حامدا لله ومصليا على نبيه محمد وأهل بيته الطاهرين.
« تم التصحيح والتعليق
بيد العبد : إبراهيم البهادري المراغي يوم عرفة تاسع ذي الحجة الحرام من شهور عام ١٤١٥.
والحمد
لله رب العالمين
__________________
الفهارس
الفنية للكتاب
١ ـ فهرس المطالب
والموضوعات.
٢ ـ فهرس الآيات.
٣ ـ فهرس الأحاديث.
٤ ـ فهرس أسماء
المعصومين ـ عليهمالسلام
ـ.
٥ ـ فهرس الأعلام.
٦ ـ فهرس الكتب.
٧ ـ فهرس الأماكن
والبلدان والنسب.
٨ ـ فهرس الجماعات
والقبائل.
٩ ـ فهرس الفرق
والمذاهب.
فهرس
المطالب والموضوعات
مقدمة سماحة الشيخ جعفر
السبحاني......................................................... ٣
كتاب الطهارة............................................................................. ٢٣
الفصل الأول : الماء كله
طاهر............................................................. ٢٣
الفصل الثاني : مقدمة الوضوء............................................................. ٢٧
الفصل الثالث : الوضوء
وكيفياته.......................................................... ٢٨
الفصل الرابع : ما ينقض
الطهارة.......................................................... ٣١
الفصل الخامس : الغسل وأقسامه.......................................................... ٣٢
الفصل السادس : الجنابة
تحصل بشيئين..................................................... ٣٢
الفصل السابع : دم الحيض
أسود.......................................................... ٣٤
الفصل الثامن : دم الاستحاضة............................................................ ٣٦
الفصل التاسع : دم النفاس................................................................ ٤٠
الفصل العاشر : غسل الأموات............................................................ ٤٠
الفصل الحادي عشر : حكم
فقد المماثل.................................................... ٤٢
الفصل الثاني عشر : غسل
مس الموتى...................................................... ٤٣
الفصل الثالث عشر : أحكام
المحتضر....................................................... ٤٣
الفصل الرابع عشر : في
التكفين........................................................... ٤٤
الفصل الخامس عشر : في
الدفن........................................................... ٤٦
الفصل السادس عشر : في
الأغسال المسنونة................................................ ٤٧
الفصل السابع عشر : في
التيمم............................................................ ٤٨
الفصل الثامن عشر : في
النجاسات........................................................ ٥٢
كتاب الصلاة............................................................................. ٥٧
الفصل الأول : في أقسام
الصلاة........................................................... ٥٧
الفصل الثاني : الصلاة
في السفر والحضر.................................................... ٥٨
الفصل الثالث : في وقت
الصلوات......................................................... ٥٨
الفصل الرابع : في القبلة.................................................................. ٦١
الفصل الخامس : في لباس
المصلي.......................................................... ٦٣
الفصل السادس : في ستر
العورة........................................................... ٦٥
الفصل السابع : في مكان
المصلي.......................................................... ٦٥
الفصل الثامن : في ما يسجد
عليه.......................................................... ٦٧
الفصل التاسع : في الأذان
والإقامة......................................................... ٦٩
الفصل العاشر : في ما يقارن
الصلاة........................................................ ٧١
الفصل الحادي عشر : في
النية وأحكامها................................................... ٧٣
الفصل الثاني عشر : في
القراءة............................................................ ٧٥
الفصل الثالث عشر : في
مندوبات الركوع والسجود........................................ ٧٦
الفصل الرابع عشر : في
مبطلات الصلاة................................................... ٧٩
الفصل الخامس عشر : في
أحكام الشك في الصلاة........................................... ٨٠
الفصل السادس عشر : في
صلاة الجمعة.................................................... ٨٥
الفصل السابع عشر : في
أحكام المسجد.................................................... ٨٧
الفصل الثامن عشر : في
صلاة الجماعة..................................................... ٨٩
الفصل التاسع عشر : في
صلاة المسافر...................................................... ٩٢
الفصل العشرون : في صلاة
الخوف........................................................ ٩٥
الفصل الحادي والعشرون
: الصلاة في السفينة.............................................. ٩٧
الفصل الثاني والعشرون
: في صلاة المغمى عليه والمريض...................................... ٩٧
الفصل الثالث والعشرون
: في قضاء الفائتة................................................. ٩٨
الفصل الرابع والعشرون
: في صلاة الطواف............................................... ١٠١
الفصل الخامس والعشرون
: في صلاة النذر................................................ ١٠١
الفصل السادس والعشرون
: في صلاة العيدين............................................. ١٠١
الفصل السابع والعشرون
: في صلاة الكسوف............................................ ١٠٣
الفصل الثامن والعشرون
: في صلاة الميت................................................. ١٠٤
الفصل التاسع والعشرون
: في صلاة الاستسقاء............................................ ١٠٦
كتاب الزكاة............................................................................ ١٠٧
وأقسامها وما تجب فيه ومن يستحق....................................................... ١٠٧
الفصل الأول : في حكم الدراهم
والدنانير المغشوشة........................................ ١١١
الفصل الثاني : تخيير المالك
في إخراج زكاة الأنعام في بعض الصور........................... ١١٢
الفصل الثالث : اعتبار
الحول والنصاب في وجوب الزكاة................................... ١١٤
الفصل الرابع : في حكم
غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم................................. ١١٦
الفصل الخامس : في اعتبار
النية في الزكاة................................................. ١١٨
الفصل السادس : شرائط المستحقين
للزكاة............................................... ١١٨
الفصل السابع : في أحكام
الأرضين...................................................... ١٢١
الفصل الثامن : في ما يستحب
إخراج الزكاة.............................................. ١٢٢
الفصل التاسع : في زكاة
الفطرة.......................................................... ١٢٣
الفصل العاشر : في الخمس.............................................................. ١٢٦
الفصل الحادي عشر : في
الأنفال......................................................... ١٢٨
كتاب الصوم............................................................................ ١٢٩
الفصل الأول : في حقيقة
الصوم وشرائط وجوبه........................................... ١٢٩
الفصل الثاني : في أقسام
الصوم.......................................................... ١٣٠
الفصل الثالث : فيما يثبت
به شهر رمضان............................................... ١٣٣
الفصل الرابع : في اعتبار
نية القربة في الصوم ووقتها........................................ ١٣٥
الفصل الخامس : في بيان
ما يمسك عنه وكفارة المبطلات.................................... ١٣٧
الفصل السادس : في صوم
النذر.......................................................... ١٤١
الفصل السابع : لا يصح
الصوم في السفر................................................. ١٤٢
الفصل الثامن : كل مرض
لا يقدر صاحبه على الصوم يجب معه الإفطار..................... ١٤٣
الفصل التاسع : في قضاء
الفائت من الصوم وما يتعلق به.................................... ١٤٤
الفصل العاشر : في الاعتكاف
وأحكامه.................................................. ١٤٥
كتاب الحج.............................................................................. ١٤٩
الفصل الأول : في أقسام
الحج........................................................... ١٤٩
الفصل الثاني : في شرائط
الحج........................................................... ١٥٠
الفصل الثالث : في أفعال
الحج........................................................... ١٥٠
الفصل الرابع : في الإحرام
والمواقيت...................................................... ١٥١
الفصل الخامس : في الطواف............................................................ ١٥٤
الفصل السادس : في مندوبات
السعي..................................................... ١٥٦
الفصل السابع : في أقسام
السعي وشرائطه................................................ ١٥٦
الفصل الثامن : في التقصير
بعد الفراغ من السعي.......................................... ١٥٧
الفصل التاسع : في الوقوف
بعرفة........................................................ ١٥٨
الفصل العاشر : الإفاضة
إلى المشعر....................................................... ١٥٨
الفصل الحادي عشر : في
الوقوف بالمشعر................................................. ١٥٩
الفصل الثاني عشر : في
المبيت بمنى....................................................... ١٥٩
الفصل الثالث عشر : في
الرمي.......................................................... ١٦٠
الفصل الرابع عشر : في
الذبح وأقسامه وأحكامه.......................................... ١٦٢
الفصل الخامس عشر : في
الحلق.......................................................... ١٦٤
الفصل السادس عشر : في
طواف الزيارة................................................. ١٦٤
الفصل السابع عشر : في
أحكام النساء................................................... ١٦٥
الفصل الثامن عشر : في
شروط التمتع.................................................... ١٦٥
الفصل التاسع عشر : في
كيفية أفعال المتمتع............................................... ١٦٦
الفصل العشرون : في كفارات
الإحرام................................................... ١٦٨
الفصل الحادي والعشرون
: في أحكام الصيد.............................................. ١٧١
الفصل الثاني والعشرون
: في الحج الاستيجاري............................................ ١٧٩
الفصل الثالث والعشرون
: في الحج الواجب بالنذر......................................... ١٨٠
الفصل الرابع والعشرون
: في فورية الحج والعمرة.......................................... ١٨١
الفصل الخامس والعشرون
: في أحكام المصدود والمحصور................................... ١٨٢
الفصل السادس والعشرون
: في أحكام العمرة المفردة....................................... ١٨٤
كتاب الجهاد وأحكامه.................................................................... ١٨٧
في فصل معنى الزنديق................................................................... ١٩١
كتاب السبق والرماية.................................................................... ١٩٣
فصل في المناضلة........................................................................ ١٩٤
كتاب البيع وأقسامه..................................................................... ١٩٧
الفصل الأول : في أقسام
الخيار.......................................................... ١٩٩
الفصل الثاني : في شرائط
بيع المكيل و ................................................... ٢٠٠
الفصل الثالث : في شرائط
السلم........................................................ ٢٠١
الفصل الرابع : لابد من
تقدم الإيجاب على القبول......................................... ٢٠١
الفصل الخامس : في خيار
الحيوان........................................................ ٢٠٢
الفصل السادس : في الربا............................................................... ٢٠٦
الفصل السابع : في أحكام
العقود........................................................ ٢١٣
الفصل الثامن : في بيع
الثمار............................................................ ٢١٦
الفصل التاسع : في القبض
وبيع ما لم يقبض............................................... ٢١٩
الفصل العاشر : في العيوب.............................................................. ٢٢١
معنى الحديث : « الإسلام
يعلو ولا يعلى عليه »........................................... ٢٢٣
الفصل الحادي عشر : في
تملك الإنسان أحد أبويه......................................... ٢٢٦
الفصل الثاني عشر : في
بيع العبيد والإماء................................................. ٢٢٦
الفصل الثالث عشر : في
النقد والنسيئة................................................... ٢٢٧
الفصل الرابع عشر : في
بيع المرابحة....................................................... ٢٣٠
الفصل الخامس عشر : في
تفريق الصفقة.................................................. ٢٣٢
الفصل السادس عشر : في
بيع ما يوزن أو يمسح........................................... ٢٣٥
الفصل السابع عشر : في
بيع السلم....................................................... ٢٣٦
الفصل الثامن عشر : في
وجوه المكاسب.................................................. ٢٤٠
الفصل التاسع عشر : في
أجرة المنادي والكيال و .......................................... ٢٤٩
الفصل العشرون : في الاحتكار.......................................................... ٢٥٠
كتاب إحياء الموات...................................................................... ٢٥١
فصل في شرائط الإحياء................................................................. ٢٥١
كتاب الشفعة.......................................................................... ٢٥٣
كتاب الشركة......................................................................... ٢٥٩
كتاب المضاربة......................................................................... ٢٦٣
فصل في معنى المضاربة وشرائطها......................................................... ٢٦٣
كتاب المساقاة والمزارعة.................................................................. ٢٦٩
في معنى المساقاة وشرائطها............................................................... ٢٦٩
فصل في المزارعة وشرائطها.............................................................. ٢٧١
كتاب الإجارة وشروطها وما
يتعلق بها.................................................... ٢٧٥
كتاب القرض............................................................................ ٢٨٣
كتاب الرهن............................................................................ ٢٨٧
كتاب التفليس والحجر................................................................... ٢٩٣
الفصل الأول : في بيان
أقسام المحجور..................................................... ٢٩٥
الفصل الثاني : في بيان
حكم تصرف الولي في مال الطفل................................... ٢٩٦
كتاب الصلح والقسمة................................................................... ٢٩٩
فصل : في بيان ما يصح القسمة.......................................................... ٣٠٣
كتاب الوديعة.......................................................................... ٣٠٧
كتاب العارية : أقسامها وأحكامها......................................................... ٣١١
كتاب الحوالة : شروطها وأحكامها........................................................ ٣١٣
كتاب الضمان والحوالة................................................................... ٣١٥
فصل في أحكام الكفالة................................................................. ٣١٧
كتاب الوكالة وأحكامها.................................................................. ٣١٩
كتاب اللقطة وأحكامها................................................................... ٣٢٣
فصل في أحكام أخذ اللقيط............................................................. ٣٢٦
كتاب الجعالة وأحكامها.................................................................. ٣٢٩
كتاب الاقرار............................................................................ ٣٣١
حكم الأقارير المبهمة................................................................... ٣٣٢
فصل : في شرائط ثبوت النسب......................................................... ٣٣٦
كتاب الغصب وأحكامه.................................................................. ٣٣٩
من غصب حبا فزرعه أو بيضة
فأحضنها.................................................. ٣٤١
إذا غضب عصيرا فصار خمرا
ثم صار خلا................................................. ٣٤٣
كتاب الوقف وأحكامه................................................................... ٣٤٥
كتاب الهبة وأقسامها وشرائطها وأحكامها.................................................. ٣٤٩
أحكام الرقبى والعمرى.................................................................. ٣٥٠
كتاب الوصية........................................................................... ٣٥٣
الفصل الأول : في شرائط
الوصي........................................................ ٣٥٥
الفصل الثاني : في أحكام
الوصية المبهمة................................................... ٣٥٧
كتاب الفرائض.......................................................................... ٣٦٣
الفصل الأول : في بيان
ترتيب الوراث.................................................... ٣٦٤
الفصل الثاني : في تفصيل
أحكام الوراث مع الانفراد والاجتماع............................. ٣٦٥
الفصل الثالث : في الحبوة............................................................... ٣٦٦
الفصل الرابع : في إرث
الإخوة والأخوات................................................ ٣٦٧
الفصل الخامس : في إرث
الأعمام والعمات والأخوال والخالات............................. ٣٦٨
الفصل السادس : في ميراث
الولاء........................................................ ٣٦٩
الفصل السابع : في أن الإمام
عليهالسلام وارث من لا وارث له................................... ٣٦٩
الفصل الثامن : المسلم
يرث الكافر....................................................... ٣٧٠
الفصل التاسع : حكم الطلاق
في مرض الموت............................................. ٣٧١
الفصل العاشر : في ميراث
ولد الملاعنة.................................................... ٣٧٢
في حكم من له رأسان أو
بدنان على حقو واحد........................................... ٣٧٣
الفصل الحادي عشر : في
كيفية القسمة على الوراث....................................... ٣٧٥
الفصل الثاني عشر : في
بيان تصحيح المناسخات........................................... ٣٧٦
كتاب الصيد والذباحة................................................................... ٣٧٧
الفصل الأول : ما يعتبر
في حلية الصيد.................................................... ٣٧٨
الفصل الثاني : في شرائط
والذبح والذابح................................................. ٣٨٠
كتاب المأكول والمشروب................................................................. ٣٨٥
الفصل الأول : في أقسام
الحيوان......................................................... ٣٨٥
الفصل الثاني : ما يحرم
من المذكى وأحكام المضطر......................................... ٣٨٨
الفصل الثالث : في أحكام
المتنجسات.................................................... ٣٨٩
الفصل الرابع : حرمة الخمر
والمسكر..................................................... ٣٩٢
الفصل الخامس : آداب الأكل
والشرب................................................... ٣٩٣
كتاب النكاح............................................................................ ٣٩٥
الفصل الأول : في أقسام
النكاح المحرم.................................................... ٣٩٦
الفصل الثاني : حكم التعريض
بخطبة المعتدة............................................... ٤٠٢
الفصل الثالث : حكم إسلام
أحد الزوجين................................................ ٤٠٢
الفصل الرابع : في أقسام
النكاح والأولياء................................................. ٤٠٤
الفصل الخامس : في صيغة
النكاح........................................................ ٤٠٩
الفصل السادس : في تزوج
العبد والأمة................................................... ٤١٠
الفصل السابع : في عيوب
الزوجين....................................................... ٤١٥
الفصل الثامن : في نكاح
المتعة وشرائطه................................................... ٤١٩
الفصل التاسع : في المهر
وما يتعلق به..................................................... ٤٢٢
الفصل العاشر : في نكاح
الشغار......................................................... ٤٢٧
الفصل الحادي عشر : في
آداب الخلوة.................................................... ٤٢٩
الفصل الثاني عشر : في
أحكام الولادة.................................................... ٤٣٣
الفصل الثالث عشر : في
أحكام الرضاع.................................................. ٤٣٥
الفصل الرابع عشر : في
مدة الرضاع..................................................... ٤٤٠
الفصل الخامس عشر : في
أحكام الحضانة................................................. ٤٤٢
كتاب النفقة............................................................................. ٤٤٣
الفصل الأول : في نفقة
الزوجة على الزوج................................................ ٤٤٤
الفصل الثاني : في نفقة
العبد على سيده................................................... ٤٤٦
الفصل الثالث : في نفقة
البهائم.......................................................... ٤٤٦
كتاب الطلاق وأقسامه................................................................... ٤٤٧
الفصل الأول : في شروط
صحة الطلاق.................................................. ٤٤٨
الفصل الثاني : في ألفاظ
الطلاق......................................................... ٤٤٩
الفصل الثالث : في المحلل
وطلاق الغائب.................................................. ٤٥٠
الفصل الرابع : في الطلاق
البائن......................................................... ٤٥٣
الفصل الخامس : في الإيلاء
وشروطه..................................................... ٤٥٤
الفصل السادس : في الظهار
وشروطه..................................................... ٤٥٦
الفصل السابع : في طلاق
الخلع والمباراة................................................... ٤٥٨
الفصل الثامن : في اللعان
وشرائطه....................................................... ٤٥٩
الفصل التاسع : في أقسام
العدة والمطلقة وأحكامها......................................... ٤٦٣
كتاب العتق والتدبير والمكاتبة............................................................. ٤٧١
الفصل الأول : إذا خلف
جارية لها ولد منه............................................... ٤٧٥
الفصل الثاني : حكم المكاتب............................................................ ٤٧٦
الفصل الثالث : في التدبير............................................................... ٤٧٨
كتاب اليمين والنذر والعهد............................................................... ٤٨١
كتاب الكفارات وأقسامها................................................................ ٤٨٧
كتاب الجنايات.......................................................................... ٤٩١
فصل : في ضمان الحر قيمة
ما أفسده ولو خطأ............................................ ٤٩٦
كتاب الديات وأقسامها.................................................................. ٤٩٩
فصل : فيمن لا حرمة لدمه............................................................. ٥١٠
كتاب الحدود........................................................................... ٥١٣
أقسام الزناة............................................................................ ٥١٣
الفصل الأول : في اللواط................................................................ ٥١٧
الفصل الثاني : في المساحقة.............................................................. ٥١٨
الفصل الثالث : في القيادة............................................................... ٥١٩
الفصل الرابع : في القذف............................................................... ٥١٩
الفصل الخامس : في حد المسكر.......................................................... ٥٢٢
الفصل السادس : في حد السرقة......................................................... ٥٢٢
كتاب القضاء والبينة والدعوى........................................................... ٥٢٧
تعريف المدعي والمدعى عليه............................................................. ٥٣٤
فهرس الآيات
سورة البقرة / ٢
١٩٤
|
( فَمَنِ
اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ )
|
٤٩٥
|
١٨٧
|
( أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ )
|
٤٣٠
|
٢٨٢
|
( مِمَّن
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ
)
|
٥٢٧
|
سورة المائدة / ٥
١
|
( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ )
|
٢٨٧
|
٦
|
( أَوْ
لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا )
|
٥٢
|
٤٥
|
( وَالْجُرُوحَ
قِصَاصٌ )
|
٤٩٥
|
سورة الأنفال / ٨
٧٣
|
( وَالَّذِينَ
كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
)
|
٤٠٩
|
سورة التوبة / ٩
٢٥
|
( في
مَواطِنَ كَثيرةٍ )
|
٣٣٢
|
سورة الحجر / ١٥
٤٢
|
( إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْغَاوِينَ )
|
٣٣٣
|
سورة النور / ٢٤
٣١
|
( أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ
)
|
٣٩٦
|
٦١
|
( أَوْ
بُيُوتِ آبَائِكُمْ )
|
٣٩١
|
سورة ص / ٣٨
٨٢
|
( فَبِعِزَّتِكَ
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِي
)
|
٣٣٣
|
٨٣
|
( إِلَّا
عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِي
)
|
٣٣٣
|
فهرس الأحاديث العامّة
أ
الإسلام يعلو
ولايعلى عليه
|
٢٢٣
|
خ
خذها فإنّهما هي
لك أو لأخيك أو للذئب
|
٣٢٣
|
الخراج بالضمان
|
٢٢١
|
د
ل
لا تدع التمتع ولو
بحبشية فانّكم تحيون بذلك السّنة
|
٤٢٢
|
لا سبق إلّا في
نصل أو خف أو حافر
|
١٩٣
|
لا يؤوي الضالة
إلّا ضالّ
|
٣٢٣
|
ى
يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب
|
٤٣٦
|
فهرس أسماء المعصومين
ـ عليهمالسلام
ـ
إبراهيم ـ عليهالسلام
ـ
|
١٠١
|
أمير المؤمنين ـ عليهالسلام
ـ
|
٩٤ ، ٥٠٢ ، ٥٢٧
|
الحسين ـ عليهالسلام
ـ
|
٤٥ ، ٤٦ ، ٣٩١ ، ٤٣٣
|
الرّضا ـ عليهالسلام
ـ
|
٤٢٢
|
الزهراء ـ عليهاالسلام
ـ
|
١٦٥
|
عيسى ـ عليهالسلام
ـ
|
٤٥٤
|
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
|
١٥٦ ، ١٥٨
|
موسى ـ عليهالسلام
ـ
|
٤٢٢
|
فهرس الأعلام
ابن البراج
|
٩٤ ، ١٨٠ ، ٣٤١
|
أبو جعفر الشيخ
الطوسي
|
٣٤ ، ٤٢ ، ٥٠ ، ٥٦ ، ٨١ ، ١٤٠ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ،
٣٤١ ، ٣٧٤ ، ٣٩٠، ٤١٣ ، ٤٣٥ ،
|
المرتضى ، السيد
علم الهدى ـ قدسسره ـ
|
٣٣ ، ٤٣ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٦٦ ، ٧٧ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ١٠٠
، ٤١٣ ، ٤٦٤
|
فهرس الكتب
ت
تنبيه الأنام
لرعاية الإمام للمؤلف
|
١٢٨
|
غ
الغنية ، لابن
زهرة الحلبي
|
٩٩ ، ١٠٠
|
م
المراسم ، لسلار
الديلمي
|
٥٦ ، ٨٧
|
فهرس الأماكن والبلدان
والنسب
أ
|
|
المدينة
٤٨ ، ٩٤ ، ١٥١ ، ٢٠٧
|
الإسكندرية
٦٠
|
|
مسجد
البصرة ١٤٦
|
ب
|
|
مسجد
الحرام ٤٨ ، ٥٢ ، ٦١ ، ١٠٢ ، ١٤٦ ، ١٥١ ، ١٥٧ ، ١٦٠، ١٦٧ ، ١٨٤
|
البيداء
٦٦
|
|
مسجد
الحنيف ١٦٠
|
البيع
٦٧
|
|
مسجد
الرسول ٩٤
|
ج
|
|
مسجد
الشجرة ١٥١
|
الجحفة
١٥١
|
|
مسجد
الكوفة ٩٤ ، ١٤٦
|
ذ
|
|
مقام
إبراهيم ١٠١
|
ذات
الصلاصل ٦٦
ذو
الحليفة ١٥١
|
|
مقبرة
المسلمين ٤٧
|
ش
|
|
مكة
٤٨ ، ٥٩ ، ٦٦ ، ٩٤ ، ١٠٢ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٦٢ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٨٣
، ١٨٤ ، ١٨٥ ، ٢٠٧
|
الشام
٦٢ ، ١٥١
|
|
مسجد
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ٤٨ ، ٥٢ ، ١٠٢ ، ١٤٦
|
ط
|
|
المشعر
١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦٨ ، ١٨٣
|
الطائف
١٥١
|
|
و
|
ع
|
|
وادي
الشقرة ٦٦
|
عدني
٨٦
عرفة
ـ عرفات ٤٨ ، ١٥٨ ، ١٦٨ ، ١٨٣
عراق
ـ العراقي ـ ٢٤ ، ٥٩ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ١٢٥ ، ١٥١ ، ٤٥٨
|
|
وادي
ضجنان ٦٦
|
ق
|
|
وادي
محسّر ١٥٨
|
قرن
المنازل ١٥١
|
|
ى
|
ك
|
|
يلملم
١٥١
|
الكعبة
٤٨ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٧ ، ١٥٦ ، ١٦٢
الكنائس
٦٧
|
|
اليمن
ـ اليمني ٦٢ ، ٨٦ ، ١٥١
|
م
|
|
|
المدني
٢٤ ، ١٢٥
|
|
|
فهرس الجماعات والقبائل
أ
|
٤٥ ، ١٢٧ ، ٣٨١ ، ٤٢١
|
آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
|
٤٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٦٢ ، ٦٧ ، ٨٦ ، ٩٤ ،
١٣٧ ، ٤٣٣ ، ٤٨٢ ، ٤٨٤ ، ٤٨٧ ، ٥٠٠ ، ٥١٧ ، ٥٢٠
|
الأئمة ـ عليهمالسلام
ـ
|
٣٩٤ ، ٤٣٣ ، ٥٢٠
|
الأنبياء ـ عليهمالسلام
ـ
|
٣٤
|
ق
|
٤٥ ، ١٢٧ ، ٣٨١ ، ٤٢١
|
القرشيات
|
٤٥ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٦٢ ، ٦٧ ، ٨٦ ، ٩٤ ،
١٣٧ ، ٤٣٣ ، ٤٨٢ ، ٤٨٤ ، ٤٨٧ ، ٥٠٠ ، ٥١٧ ، ٥٢٠
|
فهرس الفرق والمذاهب
م
|
|
المجبّرة
|
٣٨١
|
المجوس
|
٦٧ ، ٣٧٤ ، ٣٨١ ، ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، ٤٢١ ، ٥٠٠
|
المسلمون
|
٤٧
|
المشبّهة
|
٣٨١
|
ن
|
|
النصراني
|
٣٨١ ، ٤٠٢ ، ٤٢١ ، ٥٠٠
|
ى
|
|
اليهودي
|
٣٨١ ، ٤٠٢ ، ٤٢١ ، ٥٠٠
|
|