

دليل الكتاب
دليل الكتاب.................................................................... ٥
مقدّمة المركز.................................................................... ٩
الإهداء....................................................................... ١١
لمحة مختصرة عن حياتي وسبب استبصاري......................................... ١٣
المقدّمة........................................................................ ٢٥
تمهيد......................................................................... ٣٣
الدليل الأوّل : حديث الدار وآية الإنذار.......................................... ٣٩
ملاحظات هامة................................................................ ٤٦
وقفة تأمّل مع ماجاء في النصوص السابقة......................................... ٥٠
دور من دوره التكذيب......................................................... ٥١
الدليل الثاني : آية الولاية........................................................ ٥٣
الشبهات الواردة وردّها......................................................... ٦٣
الدليل الثالث : الأمر الإلهي بتبليغ الولاية......................................... ٦٩
الفرق بين المؤمن والمنافق........................................................ ٨٧
وقفة تدبّر حول النصوص السابقة................................................ ٩٢
محاولات لردّ حديث الغدير..................................................... ٩٧
أحاديث أُخرى تدلّ على الولاية............................................... ١٠٢
الدليل الرابع : آية إكمال الدين................................................ ١٠٧
الدليل الخامس : حديث السفينة............................................... ١١٥
الدليل السادس : الأمر بالكون مع أهل البيت عليهمالسلام.............................. ١٢٣
الدليل السابع : ( علي خير البرية ) بالنصّ القرآني............................... ١٢٩
القسمة الضيزى.............................................................. ١٣٢
وقفه قصيرة مع ما ورد في النصّ السابق......................................... ١٤٠
نوع من البهتان.............................................................. ١٤٤
الدليل الثامن : آية الذكر...................................................... ١٤٩
شبهة وردود................................................................. ١٥٣
قالوا عن أنفسهم............................................................. ١٥٩
وقالوا في الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهمالسلام.................................... ١٦٣
قال الأئمة الأربعة عن أنفسهم................................................. ١٨٤
وقفة ضمير.................................................................. ١٨٧
الدليل التاسع : حديث المنزلة.................................................. ١٨٩
الشاهد في هذه النصوص...................................................... ١٩٦
جريمة لا تغفر................................................................ ١٩٩
كذبة مفضوحة............................................................... ٢٠٧
الدليل العاشر : حديث النجوم................................................. ٢١١
محاولة تحريف الكلم عن مواضعه............................................... ٢١٢
الدليل الحادي عشر : علي مع الحق............................................ ٢٢٣
المعيار والموازنة............................................................... ٢٢٣
وقفة مع بعض العبارات في النصوص السابقة.................................... ٢٢٩
الدليل الثاني عشر : آية المباهلة................................................. ٢٣٣
وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه................................... ٢٤٢
الدليل الثالث عشر : آية التطهير............................................... ٢٤٩
قصّة المؤامرة على أطهر خلق الله................................................ ٢٦١
شبهتان وحل................................................................. ٢٦٩
الدليل الرابع عشر : أجر الرسالة مودّة القربى.................................... ٢٧١
تكذيب كذّاب............................................................... ٢٧٦
الدليل الخامس عشر : آية الشراء............................................... ٢٨٥
ظلم وافتراء.................................................................. ٢٨٩
الدليل السادس عشر : سورة الدهر............................................ ٢٩٣
موقف الذين في قلوبهم مرض.................................................. ٢٩٥
الدليل السابع عشر : حديث الطير............................................. ٢٩٩
محاولة فاشلة................................................................. ٣٠٣
الدليل الثامن عشر : حديث مدينة العلم........................................ ٣٠٧
أحاديث أخرى تؤيّد صحة هذا الحديث........................................ ٣٠٩
أحاديث مجعولة ومحرّفة........................................................ ٣١١
الدليل التاسع عشر : وجوب طاعة أولي الأمر................................... ٣١٩
من هم أُولو الأمر المعنيّون في الآية الشريفة؟..................................... ٣٢١
الدليل العشرون : المؤاخاة..................................................... ٣٢٣
أحاديث أُخرى في أخوّة علي والرسول عليهماالسلام................................... ٣٢٥
من موبقات معاوية............................................................ ٣٢٨
الدليل الواحد والعشرون : ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله في الغزوات والحروب
لعلي عليهالسلام. ٣٤١
أوّلاً : حديث الراية المشهور................................................... ٣٤١
الشاهد في النصوص.......................................................... ٣٥٠
ثانياً : قول الرسول صلىاللهعليهوآله للإمام علي عليهالسلام لما قدم عليه لفتح
خيبر................. ٣٥٢
ثالثاً : قوله صلىاللهعليهوآله : ( ضربة علي يوم
الخندق أفضل من عبادة الثقلين )............. ٣٥٣
رابعاً : هاتف من السماء هتف : ( لا فتى إلا علي ولا سيف إلا
ذو الفقار )........ ٣٥٤
مغالطة ابن تيمية.............................................................. ٣٥٥
حوار مؤلم................................................................... ٣٥٨
شبهات بعض الصديقات...................................................... ٣٥٩
الدليل الثاني والعشرون : حديث الثقلين........................................ ٣٦٣
اقتران حديث الثقلين بأحاديث أُخرى.......................................... ٣٦٥
مسك الختام................................................................. ٣٧٣
المصادر...................................................................... ٣٧٥
مقدّمة
المركز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة
والسلام على خاتم
المرسلين محمّد وآله
الميامين
من الثوابت المسلّمة في عملية البناء
الحضاري القويم ، استناد الأُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصيلة ، والأمر
الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحدّيات والتهديدات
التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة
باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.
وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من
الدقّة والتأمّل ، نلحظ أنّ المرجعيّة الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع
الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف؟! وهي التي تعكس
تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليهمالسلام بأبهى صورها وأجلى
مصاديقها.
هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله
العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني ـ مدّ ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار
الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك الخطوات المؤثّرة والتزمت
برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحول الله تعالى.
ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من
المشاريع المباركة الذي أُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت عليهمالسلام وتعاليمه الرفيعة.
ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب
أهل البيت عليهمالسلام
على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار
ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى
مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم.
وهذا المؤلّف ـ ( ولاية أهل البيت عليهم
السلام في القرآن والسنّة ) ـ الذي يصدر ضمن ( سلسلة الرحلة إلى الثقلين ) مصداق
حيّ وأثر عملي بارز يؤكد صحة هذا المدّعى.
على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد
العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والأساليب ، مضافاً
إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين وتدوينها في ( موسوعة من حياة
المستبصرين ) التي طبع منها عدّة مجلّدات لحدّ الآن ، والباقي تحت الطبع وقيد
المراجعة والتأليف ، سائلين المولى تبارك وتعالى أنّ يتقبّل هذا القليل بوافر لطفه
وعنايته.
ختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى
كلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب ، ونخصّ بالذكر فضيلة الشيخ عبد الله الخزرجي
الذي قام بمراجعة هذا الكتاب وإعداده للطبع ، والحمد لله ربّ العالمين.
|
محمّد الحسّون
مركز الأبحاث العقائدية
٢٤ صفر ١٤٢٩ هـ
الصفحة على الإنترنيت : site.aqaed.com / mohammad
البريد الإلكتروني : com. muhammad@aqaed
|
الإهداء
أهدي ثواب هذا الجهد المتواضع إلى
مولاتي سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام
بنت سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله
وإلى أُمّها خديجة الطاهرة ، وابنتها عقيلة بني هاشم ، وحفيدتها فاطمة المعصومة
عليهنّ السلام ، أرجو أنّ يكون محلاً للقبول والرضى.
ثمّ إلى والديَّ الحبيبين اللذين زرعا
في قلبي بذرة حبّ العلم ، وحبّ أهل البيت فنمت هذه البذرة مع الأيام حتّى صارت
يقيناً لا يتزعزع أبداً إن شاء الله تعالى ، أسأل المولى تعالى لي ولهما شفاعة
محمّد وآله الطاهرين في الدنيا والآخرة.
|
أم محمّد صادق
حسينة حسن الدريب
اليمن ـ الجوف
|
لمحة مختصرة
عن حياتي وسبب استبصاري
عزيزي القارئ بين يديك صفحات تتحدّث عن
قصّة تتعلّق بالدين والمعتقد ، والبحث والحيرة ، والوصول إلى الحقّ ، بعد طول
البحث والتحقيق.
لقد نشأت في أسرة متديّنة ـ والحمد لله
تعالى ـ وهي على المذهب الزيدي الشيعي ، ووالدي ـ حفظه الله تعالى ـ يحبّ هذا
المذهب حبّاً شديداً ، ومنذ صغرنا كان يعلّمنا الصلاة والأحكام كلّها على أسس
المذهب الزيدي ؛ لكي لا نتأثّر بالمعلّمات والمجتمع من حولنا ، والحمد لله وبفضل
الله وجهود الوالد العظيمة لم نتأثّر بأيّ فكر مخالف لأهل البيت عليهمالسلام ـ حسب عقيدة
الزيدية ـ وكنت أحبّ العلم والمتعلّمين ، أي : أصحاب الشهادات العلياً ، ولا أفرّق
بين طالب المعهد الديني وغيره ، إلّا أنّني كنت أحس بمحبّة خاصّة لمن يتّصفون بحسن
الخلق والصدق والأمانة ونحوها من الأخلاق الفاضلة.
ومرّت الأيام وبدأت الوهابية تنتشر بشكل
كبير في منطقتنا ، وكان والدي ـ حفظه الله تعالى ـ دائماً يحذّرنا منهم ، ويبيّن
لنا حقائقهم ، ويغرس في قلوبنا حبّ الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام ، وأئمة الزيدية ، والإمام
الخميني ( قدس سره ) وثورته المباركة ، وخليفته القائد المعظّم ـ حفظه الله وسدّد
خطاه ـ ، فنشأنا على ذلك ، حتّى في المدرسة عندما كنّا صغاراً كان الأستاذ يقول
لنا : اقرأوا حديث كذا ، وهو في الكتاب هكذا : ( عن معاوية رضي الله عنه ). فكنّا
نرفض الترضّي عنه ،
ونقول للأستاذ : إنّ
والدنا قال لنا إنّه حارب الإمام عليّاً عليهالسلام
، وقتل الإمام الحسن عليهالسلام
، ونحو ذلك كثير.
ولشدّة حبيّ للعلم وميلي لأهل العلم
والأخلاق ومجالسهم كنت أحضر لاستمع محاضرات أستاذة وهابية بجوار منزلنا ، وأقول
لنفسي : أنا آخذ منها الكلم الطيّب ، وأترك الخبيث ، وكنت أُلاحظ في محاضراتها
أشياء كثيرة ، مثلاً : تريد أنّ تمدح عائشة ، فتذكر غيرتها من بقية نساء النبي صلىاللهعليهوآله ، وتآمرها عليهن ، ونحو
ذلك مما تريد به المدح ، وهو في الواقع ذمّ ، وكانت تعلّم الصلاة والأحكام على
الطريقة الوهابية ، وتتكلّم عن الصحابة ، ومرّة تريد تمدح عمر فتضحّي بأبي بكر ، وكذا
العكس ، وهكذا.
فمن فكّر في كلامهم وجد فيه التخبّط
والتناقض الكثير ، فكنت أقف ضدّها لأجل أنّ أنبّه الأخوات على خطئها ، ولكن للأسف
لم يكن عندي علم لأُناقشها به إنّما حبّي لأهل البيت عليهمالسلام
، وكره أعدائهم ، وبعض المعلومات البسيطة حول تخبّطهم قد غرسها الوالد ـ حفظه الله
تعالى ـ في قلبي ، ولكن لم يكن كافياً للرد على الشبهات ونحوها ، فقلت في نفسي : وإن
كنت واثقة من نفسي أنّني لن أتأثّر بها فسوف يتأثّر بها غيري ، فلابدّ من حلّ ، فأرسلت
إلى أحد معلّمي الدين في المذهب الزيدي في منطقتنا ، والحمد لله فقد استجاب ذلك
المعلّم الديني لدعوتنا ، وأتى إلى منزلنا ، وأبدى استعداده لتدريسنا ، فحدّدنا
موعداً للدراسة ، وبالطبع بدأنا الدراسة بكلّ همّة وجدّية ، ولقد أحببت الدراسة من
أعماق قلبي ، ولشدّة حبّي لها صرت محل ثقة عند ذلك الأستاذ ، فما مرّت سنة كاملة
حتّى طلب منّي ومن أختي وإحدى زميلاتي أنّ نساعده في تدريس بعض المسائل العقائدية
وغيرها ، كالطهارة والصلاة والتجويد ، فكنّا نجدول وقتنا معه
للتدريس وللدراسة
عنده ، واستمرّيت أَدرس وأُدرّس بكلّ جهد وإخلاص لمدّة أربع سنوات تقريباً ، وكنّا
في دراستنا نتعلّم النحو والفقه وعلوم القرآن ، ونبحث في التوحيد والعدل والإمامة
والتشبيه والقضاء والقدر في عقائد الوهابية ، والردّ عليهم ، وغير ذلك ، وأمّا
الجعفرية وأهل السنّة من غير الوهابية فلم نتطرّق إليهم إلّا بشيء بسيط.
وكان لنا بعض النشاطات التبيليغية
بالإضافة إلى التدريس ، فكنّا نقوم ببعض المحاضرات والمجالس الدينية ، كموالد
الخمسة أصحاب الكساء عليهمالسلام
، والإمام زيد رضوان الله عليه ، وكذا وفاتهم ، والهجرة النبوية ، و ...
وكذا قمنا بالتعاون لنشر مجلة اسميناها
( مجلة الزهراء ) ، وكنت مديرة التحرير ، وبإشراف معلّمنا القدير ، ومعاونه السيّد
يحيى طالب مشاري ، وغيرهما ممن كانوا يوجّهوننا ويشرفون علينا ، وقبل تأسيس المجلة
كنّا قد عملنا جمعية خيرية باسم ( جمعية النساء الخيرية ) ، شكّلتها طالبات العلم
الشريف في الجوف
، وكنت أنا الأمينة العامّة لها ، وكنّا نطبع المجلة على حساب الجمعية ، علماً
أنّني خلال دراستي لم أكن أتعرّض لسبّ الجعفرية ، لأنّي كنت أحس كأنّنا وايّاهم
شيء واحد ، وحتّى في الانتخابات عندما كنّا نرشّح أحد الشخصيات الاثني عشرية في
حزب الحقّ ( حزب زيدي ) ، وكنت رئيسة اللجنة النسائية في الانتخابات في المنطقة ، فوقفت
معه رغم أنّي أعلم أنّه جعفري ، وأكثر الزيدية لم يرشّحوه ، لكنّي كنت أحس أنّ
المذهب الجعفري أخو المذهب الزيدي ، ولا يصح أنّ نفرّق بينهما وهذا ما أعتقده ، لأنّ
المذهبين كلاهما شيعي ، والتفاهم
__________________
بينهما ممكن لأنّهما
متحدّان في الولاء لأصحاب الكساء.
ومن المواقف التي حرّكت تفكيري ، أنّني
ذات يوم كنت في الدرس فسألت أحد كبار الزيدية حول أهل البيت عليهمالسلام ، وذكرت أنّني من
شيعتهم عليهمالسلام
، فقال لي : أنتم أهل البيت ، أنتم أشراف
، ونحن شيعتكم. فتعجّبت وتساءلت : أنحن الأمان لأهل الأرض؟! أنحن السفينة؟! أنحن ..؟!
ومرّة كنّا في مجلس عزاء فتطرّقت للآية ( فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )
، فقالت إحدى الأخوات الداعيات من الحركة الزيدية : نعم ، اسألوا أهل الذكر ، هذه
هي أهل الذكر ( تقصدني ). لقد هزّني ذلك ، إذ لم يكن العلماء أهلاً لذلك ، فكيف
بي؟! ـ لأنّ مشكلة الزيدية الخلط بين مفهوم السيّد ومفهوم أهل البيت ـ فبقيت
متحيّرة لم أجد من أُناقشه في ذلك لتذهب تلك الحيرة.
المهمّ أنّني وبعد أربع سنوات من دراستي
وتدريسي في تلك الفترة ، تقدّم لخطبتي أحد أقاربي ، وقد شاع الخبر أنّه جعفري ، وترقّبت
الفرصة في أيام الانتخابات ـ إذ كان يأتي لأخذ بعض التقارير لصالح حزب الحقّ
الزيدي ، وكنّا نعمل لصالح ذلك الحزب ؛ لأنّه أقرب حزب لمنهج أهل البيت عليهمالسلام ـ فسألته : سمعت
أنّك لم تعد زيدياً؟ فقال : بلى ، أنا زيدي ، وأكّد لي ذلك بعد سؤالي وتكراري ، فأثبت
لي أنّه زيدي.
وبعد فترة تزوّجنا في ١٢ ذي الحجة ١٤١٨
هـ الموافق ٦ / ٤ / ١٩٩٨ م ، وبعد خمسة أشهر سافرنا إلى إيران الإسلامية تلك
الدولة التي طالما حدّثني
__________________
والدي ـ حفظه الله ـ
عنها ، وطالما
اشتقت أنّ أشمّ رائحة ترابها ، وطالما استمعت إلى برامجها ، وراسلتها بالبريد ، وكنت
انتظر جوابها فيأتيني ، فأرتاح لهديتهم البسيطة ، كمجلة أو كتاب ، ونحوهما ، وقد
أحببت إيران حبّاً شديداً لما كان يبث في برامجها من معارف وعلوم دينية وثقافية
وعلمية و ... لا توجد في أيّ دولة أخرى ، فجئت إلى إيران وأنا لا أصدّق نفسي من
الفرح ، صحيح أنّي حزنت لفراق أهلي ووطني ، فالوطن عزيز ومحبوب ، وترابه ذهب كما
يقال ، إلّا أنّني تغرّبت في بلاد الأهل من ناحية الدين والعقيدة ، و( إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ
__________________
إِخْوَةٌ
... )
.
وبعد وصولي إلى إيران بشهر تقريباً
اكتشفت أنّ زوجي جعفري المذهب ، وكان يشير لي تدريجياً حتّى صرّح لي بذلك ، وكانت
طامة كبرى ، وصدمة عظيمة ، وخاصمته كثيراً ، وقلت : لماذا أخبرتني أنّك زيدي؟!
فقال : أنا لم أكذب ، إنّني أعتقد أنّ من يسمّون أنفسهم زيدية الأتباع الحقيقيين
لزيد رضوان الله عليه ، فما انتسابهم إليه إلّا لأنّه يقول بالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ، والعدل ، والتوحيد ، وأنّ زيداً إمام جهاد ، وعالم من ذرية العترة ، وغير
معصوم ، ونحن الجعفرية نقول بذلك ، فنحن زيدية ، أو بالأصح زيدي جعفري ؛ إذ إنّه
تعلّم عن يد أبيه وأخيه الإمام الباقر عليهالسلام
، وما يعتقده الجعفرية هو ما يعتقده زيد وأخوه الإمام الباقر عليهالسلام ، فنحن أولى به
منهم ، إذ هو لم يخالف الباقر والصادق عليهماالسلام
، بينما الزيدية لم يأخذوا عن زيد رضوان الله عليه إلّا القليل من الفروع ، وأمّا
الأصول فلا يجوز التقليد فيها ، إذ الإمام عندهم مجتهد يجوز الأخذ برأيه وتركه ، فليس
تقليده واجباً لا في الأصول ولا في الفروع ، وهذا ما أقصده من كوني زيدياً.
ومع هذا فقد خاصمته بعد ذلك لمدّة شهر
تقريباً ، وأصررت على أنّ يرجعني إلى أهلي ، ولكنه تعامل معي بكلّ صبر وتأنٍ وحلم
وعقل وهدوء مقابل انفعالي وإصراري ، وأكّد لي أنّه لم يتّبع المذهب الجعفري إلّا
لأدلّة وجدها أقنعته ، وحلف لي إذا رددت عليه بأدلّة ثابتة صحيحة فسيرجع إلى
المذهب الزيدي ، فصرت على أمل أنّ أرجعه إلى الزيدية لأنّي عرفت أنّه جادّ في
كلامه ، وهو
__________________
إنسان مؤمن ، وليس
من أهل الدنيا ، وهذا ما جعلني أصدّقه.
ولكن لم أجد ما أقول له إلّا أنّ أوجّه
له أسئلة ، مثل : لماذا اتّبعتهم؟ وما أدلّتهم؟! فقال : إنّ أشد خلاف بين البشر هو
الخلاف على الولاية ، أو العلوم في الأرض
، وقال لي : إنّ المسلمين مجمعون على أنّ من صحّت أصوله يتّبع في فروعه ، أنّ
الخلاف بين الزيدية والجعفرية أهمّه في الإمامة ، فالجعفرية تقول : إنّ الأئمة
اثنا عشر إماماً ، فقلت : وما دليلهم؟
قال : الحديث الموجود في كتب الزيدية ، والسنّة
، وإجماع الجعفرية ، فقلت : ائتني بمصدر واحد يذكر ذلك ، فقال : بل آتيك بمصادر لا
مصدر واحد ، فأتى بصحيحي البخاري ومسلم وغيرها من الصحاح الستة ، وعندما قرأتها
تحيّرت ، فلأوّل مرّة أعرف أنّ هذا الحديث موجود في صحاح أهل السنّة ، لكنّي كابرت
في البداية وقلت : أريد مصادر زيدية لا حاجة لي بمصادر أهل السنّة ، وما كان منه
إلّا أنّ أتى بكتب أئمة الزيدية وكبار علمائهم ، مثل التحف شرح الزلف ، ولوامع
الأنوار ، وسير بعض أئمة الزيدية ، وكتاب الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية ،
والشافي ، والبحر الزخار ، وتحرير الأفكار ، وغيرها.
عندها صممت أنّ لا أقبل شيئاً من
المذاهب إلّا بدليل ، فبدأت بمذهب أهل السنّة وإذا به ينهار في أيام قليلة ؛ لأنّ
الروايات ثابتة في كتبهم بولاية أهل البيت عليهمالسلام
، والتناقض الكبير في ولاية غيرهم ، فلم أجد ما أتمسّك به من مذهبهم ، فانتقلت
للزيدية فوجدتها تدرّس الناس وتبلّغهم عن أهل البيت بشيء
__________________
ليس له تطبيق في
الواقع
، طبعاً فترة البحث والحيرة استمرت لمدّة ثلاث سنوات ، حتّى وصلت إلى النتيجة
المقنعة ، ثمّ ـ بحمد الله ـ صرّحت بالحقّ وأعلنته ، وأكثر ما دعاني للشك والبحث
هي الإمامة والولاية ؛ لأنّ الروايات عند الزيدية ثابتة بوجوب إمام لكلّ عصر ، والقول
بأنّ أهل البيت عليهمالسلام
هم الأمان والسفينة و .. ، فإنّ الزيدية تؤمن بها وتعتقدها وتحتجّ بها على أهل
السنّة ، ولكن عندما فكّرت في تطبيقها وجدت أنّه لا يمكن انطباقها إلّا على أناس
معصومين ، وهذا ما جعلني أُصمم على البحث والمناقشة وتذكّرت الأسئلة وحيرتي في
جوابها ، فبدأت أطرح تلك الأسئلة على نفسي ومع الكتب.
وخلال عدّة مرّات وأنا أذهب إلى اليمن ،
التقيت بأستاذي وخالي ووالدي ، وحاولت أنّ أستفيد منهم إلّا أنّهم كانوا يتعصّبون
، وخفت أنّ يتهمونني بأنّني جعفرية ، فسكت ، وسألت الأستاذ : لماذا لم تناقش
السيّد ( زوجي ) وقد أتى يناقشك؟ فقال : قولي له يأتي أُناقشه وأنت حكم بيننا.
ولكن للأسف كان يوم الغد هو يوم سفرنا إلى إيران ، فتمنّيت لو كنت طرحت له الموضوع
قبل ذلك ، ومن ثمّ سالته بعض الأسئلة حول الجعفرية ، وللأسف لم يجبني إجابات علمية
، فسكت ؛ لأنّ الوقت كان ضيقاً فقد كنّا على وشك سفر ، والأخوات اللواتي جئن معي
لزيارته كنّ في عجلة من أمرهن ، فذهبنا من دون نتيجة ، إلّا أنّني واصلت بحثي مع
كتب أئمة الزيدية المخطوطة.
وكان لي بعض التساؤلات والمناقشات مع
بعض الأخوات المثقفات ، فذات يوم قلت لإحدى صديقاتي وزميلاتي التي قامت بالتدريس
بعدي : يا أختي
__________________
أنصحك أنّ لا ترهقي
نفسك بتدريس النحو والتجويد ونحوها من الدروس ، تريدين بهذا مداراة وجذب الطالبات
لكي يدخلن في المذهب ، ولكن من لم تكن مخلصة سوف تتعلّم ، ثمّ تصبح وهابية ، بل
يجب عليك أنّ تدرّسي العقائد والأحكام بأدلّتها وبالنقاش العلمي ، لكي تكون لديهنّ
خبرة عن المذهب الزيدي وبالمذاهب الأُخرى.
فقالت لي : يا أختي نحن الزيدية ليس
عندنا عقائد ولا أحكام ، وإنّما نأخذ ديننا من هنا وهناك.
قالت هذا وهي تبدو جادّة في كلامها ، وكأنّها
تشكي لي نقطة ضعف تعاني منها ، فسكتُ ولم أجبها ؛ لأنّها قالت : ما كنت أتوقّع أن
تجيبني به بصفتي صديقة وهي لم تشك في مخالفتي لها في العقيدة ، فزادتني حيرة إلى
حيرتي.
وأنا الآن أقول لها بصفتها من يهمّها
أمري أنّ تُفكّر جيّداً لوجه الله فلعلّها تهدي نفسها ومن تحب إلى طريق يرفع لها
كلّ الإشكالات ، وتجد فيه كلّ الحلول إن شاء الله تعالى ، فما هي للمذهب الزيدي
أشدّ منّي حبّاً وتمسّكاً ، ولكن عندما وجدت من ينبّهني بدأت أشك ، فبدأت أبحث ، فوصلت
إلى اليقين.
وأنا الآن أُحمّل كلّ قُرّاء كتابي هذا
، أمانة البحث ليثبت على يقين ، أو يتحوّل إلى اليقين.
وفي الليل سألت والدتها عن الإمام في
هذا العصر ، إذ إنّ كلّ الروايات تقول : إنّه لابدّ من إمام ، ومن لم يعرف إمام
زمانه مات ميتة جاهلية ، وأنّ الإمام هو الحجّة والأمان لأهل الأرض و ...
فقالت : سيّدي مجد الدين المؤيدي هو
حجّة العصر.
فقلت لها : ولكنّه لم يدع إلى نفسه ، إذ
من شروط الإمام عند الزيدية هو
الدعوة والقيام.
فقالت : إنّه قد دعى إلى نفسه في عصر آل
حميد الدين قبل الثورة في اليمن.
فسكت وبقيت أفكّر كيف يدعو إلى نفسه في
زمن إمامة الإمام يحيى أو الإمام أحمد حميد الدين؟! الذين هم أئمة الزيدية ، وذكرهم
مجد الدين في كتابه ( التحف ) ، ولا يجوز له أنّ يدعو إلى نفسه في هذه الحالة ، كما
ذكر السيّد مجد الدين المؤيدي نفسه في كتابه التحف : أنّه إذا دعى إمام إلى نفسه
في وجود إمام آخر قتل المتأخر منهما. وفي مكان آخر : فإنّه ملعون .
وهنّ عندما يقرأن كلامي هذا لن يكذّبنه
؛ لأنّه حقيقة واضحة ، وإن شاء الله يكون فاتحة خير لهن بالبحث والوصول للحقّ.
وأذكر مرّة في صنعاء دعينا للغداء من
قبل أحد علماء الزيدية الكبار ، وكان من خلف الباب يوصيني أنّ لا أتأثّر بالجعفرية.
فقلت له : ما هو عيبهم؟
قال : والله إنّهم أحسن من الزيدية في
كلّ شيء إلّا أنّهم يقولون : يا حسين ، ويا علي ، ويا فلان .. ، وهذا شرك.
فأجابه السيّد : أنّهم يعتقدون أنّ
عليّاً ، أو الحسين ، أو حتّى رسول الله صلىاللهعليهوآله
لا حول لهم ولا قوّة إلّا بإذن الله ، وإنّما هم يتوسّلون بهم إلى الله ، ولا تجد
جعفري يقول : إنّ أهل البيت لهم حول بدون إذن الله ، ومن قال بهذا فهو مشرك بالله.
فقال : هذا جيّد ، ثمّ ذهب ولم يقل
شيئاً.
ثمّ سافرنا إلى إيران ، واستمريت في
البحث في الكتب ، ولم أستفد من
__________________
شخصيات علمية في
اليمن ، وقد كنت أظن أنّها ستفيدني في البحث والنقاش ، ولم تحن الفرصة إلّا لبضعة
تساؤلات لم تجد لها جواباً مقنعاً ، والتساؤلات والبحث والتحقيق والمقارنة بين كلّ
حديث وآخر استمر سنوات عبر الكتب المعتبرة عند الزيدية ، حتّى أعلنت لزوجي حقيقة
مذهبي وإيماني به ، رغم أنّه لم يشدّد عليّ ، بل كان يقول لي : إن كان عندك ما
يفيدني فسأكون لك شاكراً ، لكنّي صرت في حرب مع نفسي ؛ إذ إنّني لم أجد ما أفيد به
نفسي ، فصممت على التصريح بالحقّ ، ولا أخاف في الله لومة لائم ، رغم خوفي الشديد
من والدي الكريم ـ حفظه الله ـ الذي أكنّ له الاحترام والتقدير ، وهو يحترمني فوق
ما استحق بكثير ، ولي في قلبه مكانة عالية ولله الحمد ، وهذا يعود إلى أنّي أحترم
رأيه ، وأهتم بالجانب الديني ، وكنت أعمل بحركة وجدّية ، وهو يشجّعني ، كثيراً فوق
ما استحق ولله الحمد.
وأيضاً كنت أفكّر في والدتي وبقية
الأقارب والصديقات والزميلات وطالباتي الذين طالما حدّثتهم عن الزيدية ولو أنّي ما
كنت أُناقش المسائل مناقشة علمية ، وإنّما كانت أطروحات ، من قبيل : أنّ عقيدتنا
هي الحقّ لوجود الأحاديث الواردة في وجوب التمسّك بأهل البيت عليهمالسلام ، ولكن من دون
تطبيق الأحاديث أو مطابقتها على مصاديقها.
ومن قبيل : أنّ الوهابية مجسّمة
ومجـبّرة و ...
لقد فكّرت في هؤلاء جميعاً ماذا سيقولون
عنّي؟ ولكن قلت لنفسي : إن كنت أنتقد الوهابية وغيرهم من أهل السنّة ؛ إذ لم
يتّبعوا الحقّ ويبحثوا عنه ، فها أنا أرى الحقّ ولكنّي أخشى الناس ، وتذكّرت الآية
الكريمة : ( وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ
أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ )
نعم ، لابدّ
أنّ أعلن الحقّ ولا أخشى إلّا الله تعالى ، ولعلّ الله يهديهم ، فيصلوا للحقّ كما
وصلت إليه ، وكاتم الحق شيطان أخرس.
نعم ، قد يقال : إنّ في كلّ مذهب نقاط
ضعف لو جمعت لوجدت كثيرة ، والجواب : نعم ، هذا صحيح ، ولكن الفرق بين المذهب
الشيعي الإمامي وغيره : أنّ الإمامية لا يختلفون في عدد الأئمة ، والقول بعصمتهم ،
ووجوب امتثال أمرهم ، ولا يختلف أئمتهم في رأي أبداً ، فإذا وُجدَتْ روايتان
مختلفتان فحتماً هناك مشكلة في السند أو في الدلالة أنّهم عليهمالسلام اختلفوا بالفعل ، وأمّا
ما يحصل من اختلاف بين مراجع الشيعة فهو بسبب أنّ أحدهم مثلاً يرى أنّ الحديث يدلّ
على مفهوم معـيّن ، والآخر يراه يدلّ على غير ذلك المفهوم ، أو تثبت لأحدهم رواية
، والآخر لم تثبت له تلك الرّواية عن المعصوم ، وأمّا إذا ثبتت فلا يخالفها المرجع
أبداً ؛ لأنّه مجتهد في الروايات عن المعصوم ، وليس مجتهداً برأيه مقابل رأي
المعصوم ؛ لأنّهم لا يعتقدون أنّ الإمام عليهالسلام
مجتهد يخطأ ويصيب ، إنّما هم سفينة النجاة وباب علم الرسول صلىاللهعليهوآله و ...
وأمّا باقي المذاهب الأخرى التي ترى
عدالة الصحابة جميعاً فالاختلاف بين نفس الصحابة وليس فقط بين علمائهم ، فالفرق
كبير وشاسع بينهم.
__________________
المقدّمة
الحمد لله الذي جعلنا من أمّة نبيّه
محمّد صلىاللهعليهوآله
، وهدانا بالرجوع إلى أُمنائه المعصومين ، وأُصلّي وأُسلّم عليهم ما دامت الدنيا
باقية ببقائهم وثابتة بوجودهم.
وبعد ، يسرّني في هذا البحث المتواضع
أنّ أكتب عن الإمامة الخاصّة لأهل البيت عليهمالسلام
، وأُ ثبت ذلك من الكتاب والسنّة ، مخاطبة بذلك المنصفين الذين يشهدون بالحقّ ولو
على أنفسهم والأقربين ، وبما أنّني في كتابي ( وعرفت من هم أهل البيت عليهمالسلام ) كان أكثر خطابي
للزيدية ، وإثبات حقيقة المذهب الجعفري ، وإثبات الإمامة في اثنى عشر خليفة من
مصادرهم الموثوقة ، فقد جعلت خطابي في هذا الكتاب لمن يُسمّون بأهل السنّة ، أو من
هو حيران لا يدري إلى من ينتمي ، أو من هو جاهل لا يعرف التشيع إلّا من لسان
أعدائه أو مخالفيه لسبب ما.
نعم ، أنا لا أدّعي أنّني جئت بما لم
يجئ به من قبلي ، فقد كتب العلماء والمحقّقون والفضلاء الشيعة من شيخنا المفيد إلى
شيخنا الأميني إلى شيخنا الكوراني إلى غيرهم ، ممن كتبوا الكثير حول الولاية ، وأثبتوها
بالنصوص القاطعة ، إلّا أنّ ما دفعني لكتابة هذا البحث عدّة أسباب ، منها : أنّني
أعرف أخاطب مربيّات الأجيال ومخرّجات الرجال بطريقتهنّ الخاصّة ، ولأنّي قد
وُجّهَت إليّ بعض الأسئلة ممن قد لمست منهنّ البراءة وصدق السؤال ، لهذا
لخّصت حواري معهنّ
حول ماقد دار بيننا ، وماهو محور النقاش الذي أُواجهه في أكثر من مكان ، ومع أكثر
من أخت ، ولم تسمح الظروف بالجواب الكافي مع مصدره ، والآن وبحمد الله تعالى
تيسّرت الظروف بأن أكتب هذا البحث المتواضع علّه يكون فاتحة خير لنا بالثواب ولهنّ
بالهداية ، ومضمون كلامي في هذا البحث لهنّ ولكلّ منصف هو الآتي :
١ ـ جواب على ما رأيته من تساؤلات بعض
العيون الحائرة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفرق والأحزاب : ( كلّ
حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )
تلك العيون
الحائرة الباحثة عن الحق لاتدري أين هو؟! ولو عرفته لاتّبعته ، وليس المتعصبة عن
جهل أوعن علم فهي تدري بالحق ولكن تحرّفه على هواها كما فعله من كان قبلهم : ( مِنَ
الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) .
نعم ، فقد قرأت البراء ة والحيرة في
عيون كثيرة ، وواجهت الكثير من الأسئلة البريئة التي لم تحن الفرصة للوفاء بحقّها
، فأنا هنا أردت أنّ أُبيّن لهم أسباب تعدد الفرق والأحزاب وأُبيّن الفرقة الناجية من بينها ، وأثبت
ذلك بالعقل والنقل ـ إن شاء تعالى ـ علماً أنّ بحثي كلّه من الصحاح والمسانيد
والكتب السنيّة المعتبرة ، ولا يعني أنّ كتبهم معتبرة عندنا ، إنّما نحاججهم بما
__________________
يعتبروه هم صحيح.
٢ ـ جواب لكلّ منصف حيران لا يدري أين
الحق هل هو مع السنّة أم هو مع الشيعة؟ فأنا في هذا البحث وضعت أصبعي على نقطة
الخلاف ، وهي الولاية لأهل البيت عليهمالسلام
فإنّ ثبتت ثبت مذهب أتباعهم ( الشيعة ) ، وإن لم تثبت فالحقّ مع غيرهم ، ولكن
سنثبت إن شاء الله تعالى من الكتاب والسنّة أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله ترك أُمّته على
المحجّة البيضاء ليلها كنهارها ، ولم يذهب عن الدنيا إلّا بعد الوصيّة الصريحة
بخلافة أهل بيته عليهمالسلام
في أُمّته ، وجعلهم الفرقة الناجية ، المنجية كما سنبيّن ذلك إن شاء الله تعالى.
٣ ـ وأُثبت من الكتاب والسنة أنّ الشيعة
ليسو مغالين كما يزعم البعض بأنّهم هم أتباع أهل البيت وأنّ الشيعة مغالون! بل إنّ
ما تعتقده الشيعة في أهل البيت عليهمالسلام
وارد فيهم حقّاً ، وأنّ المغالي ماهو إلّا من قال فيهم مالا يستحقّون ، والشيعة
تكفّر الغلاة وتتبراء منهم ، أمّا من قال واعتقد في أهل البيت عليهمالسلام بماجاء به القرآن
الكريم والسنّة الصحيحة فهو متبّع ومسلّم للسنّة النبوية وللأمر الإلهي ، ونحن
نسرد أدلّتنا على وجوب الولاية من الصحاح والمسانيد ، ونقول : أتلوا كتبكم لعلّكم
تهتدون.
٤ ـ وأُثبت بالدليل أنّ الفرق والأحزاب
الموجودة الآن ما هي إلّا نتيجة السقيفة ، وتدبير من خالفوا النصّ الواضح الصريح في
الأمر الإلهي بالولاية لأهل البيت عليهمالسلام
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِين )
واجتهدوا في
دين الله بالهوى ، وغلبهم حبّ السلطة والتسلّط في الأرض ، فكان نتيجة ذلك تعدد
الفرق والمذاهب والأحزاب إلى يومنا هذا ، وقد اعترف بذلك الصحابة والتابعين
وتابعيهم ، فالحقّ يظهر مهما سعى الأعداء في إخفائه ، فإنّ الله يظهره على ألسنتهم
ليكون حجّة عليهم ، كما قال تعالى لأهل الكتاب : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا
كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .
ولكنهم يحرفونه حسب أهوائهم والله تعالى
يخاطبهم بأن يقرأوا كتبهم لتشهد عليهم ( قُلْ فَأْتُوا
بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .
ويدّعون أشياء كاذبة بدون دليل فيقول
لهم المولى عزّ وجلّ : ( قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
.
والشيعة دائماً تقول لمن يفترون عليهم :
هاتوا صحاحكم ، هاتوا مسانيدكم وكتبكم المعتبرة لديكم لنرى من الصادق في مدّعاه؟!
فإنّ صحاحكم تثبت صدق مدّعانا.
ولكن كما لجأ أهل الكتاب إلى تحريف
كتبهم فكذلك حصل للطبعات الأخيرة من الصحاح والمسانيد وغيرها ، ولكن بقي رغم كلّ
جهد بُذل في
__________________
إخفاء الحقيقة مع
مرور الأزمان وتعدد الأيدي والأهداف ما يثبت مدّعانا ، ونحن نطلب النقاش العلمي
لعلّ الله يهدي بأيدينا بعضاً من تلك العيون المتحيّرة والقلوب الصافية المنصفة ،
( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أنّ يكون لك حمر النعم ) .
٥ ـ وبيّنت أنّ الولاية صمّام الأمان في
كلّ مجتمع ، ولسبب جهلها أو سوء الاستفادة منها وجدنا مجتمعاتنا تزرع ولا تجني
الثمر ، وفي فشل مستمر كما بيّن ذلك علماء السياسة والتأريخ.
٦ ـ وبيّنت أنّ الفرق والأحزاب قد ظهرت
في المجتمع الإسلامي بعد رحيل مؤسس الدولة الإسلامية وواضع منهجها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والسبب هو عدم
التزام الناس بالقيادة العلياً المنصوبة من قبل الله تعالى على لسان نبيه صلىاللهعليهوآله : ( إنّي تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي .. )
، وأنّ سبب كلّ هذه الحيرة والضباب والتفرق ما هو إلّا نتيجة السقيفة ، ثمّ
المناهج الأموية ، ثمّ العباسية ، ثمّ تداول الأيدي الحليفة لها أو اللامبالية في
دينها ، حتّى وصل الأمر إلى أنّ الطالب العربي أو المسلم في الدول الإسلامية ـ باستثناء
إيران الإسلامية الشيعية أو من درس في المعاهد الشيعية الخاصّة ـ يكمل الجامعة وهو
يعتقد أنّ خولة بنت الأزور بطلة النساء ، ولا يعرف عن بطلة كربلاء شيئاً!! وأنّ
عائشة أفضل النساء وأحبّهنّ إلى قلب رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا يعرف عن قرّة عين
__________________
الرسول صلىاللهعليهوآله وبضعته إلّا
اليسير!!
وأنّ أبا بكر أفضل الصحابة ، ولا يعرف
عن نفس الرسول وحبيبه ووصيّه إلّا اليسير!!
وأنّ خالد بن الوليد هو البطل الضرغام ،
وصلاح الدين الأيوبي الفاتح الناصح ، ولا يعرف عن بطل كربلاء شيئاً!!
وأنّ معاوية حليم العرب وعمرو بن العاص
داهيتهم ، ولا يعرف عن حليم آل البيت شيئاً!!
وهذا ما أنا متأكّدة منه في مناهجنا
الدراسية الأكاديمية ، ولا يعرف الحقيقة إلّا من درس في المعاهد الدينية الشيعية ،
أو ذهب إلى إيران الإسلامية ، أو من قرأ كتب الشيعة وتابع علماءهم ولو عبر
الفضائيات ونحوها ، وأنا في هذا البحث أُثبت بالعقل والنقل أنّ في مناهجنا
الدراسية الكثير من الظلم لأهل بيت النبوّة صلىاللهعليهوآله
في كتمان فضلهم ، ونشر فضل أعدائهم.
وأنصح كلّ مؤمن منصف يخاف أنّ يظلم
محمّد صلىاللهعليهوآله
في أهله أنّ يقرأ هذا البحث وغيره ، ممن بحث هذه المسألة بانصاف حتّى يعرف الحق
وأهله ويتّبعه ، ويعلن أمام الورى ظلم الأمّة لأهل بيت نبيها صلوات الله عليهم
أجمعين.
٧ ـ بيّنت أنّ ماعند الفرق الإسلامية من
بضاعة في موضوع الإمامة أو الخلافة إلى وقتنا الحاضر يؤكّد أنّ أهل السنّة يخلطون
بيّن الإمامة والحكم ، وأنّهم استخدموا اصطلاح الإمامة حيناّ والخلافة حيناً آخر
للتعبير عن معنى واحد هو رئاسة الدولة ، لكننا لا نقف على شيء من هذا الخلط عند
الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً ، فكلّما اطّلعت أكثر على عقائدهم كلّما اطمأننت
أنّ الحقّ معهم ، وأنّهم سفينة النجاة وأمان لأهل الأرض ، وأنّ تفرّق وتشعّب الفرق
المخالفة للشيعة
سببه الحكومات التي
حكمتنا باسم الإسلام ، وسياسة مبرمجة لإبقاء هذا الجمهور معصوب العينين ، حتّى لا
يفهم شيئاً عن حقائقهم المخزية ، ولكن لابدّ من يوم أنّ تظهر فيه الحقيقة ، ويتولّى
الحقّ أهله ، ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ
بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) .
٨ ـ ذكرت بعض القصص الواقعيّة والحوارات
الحديثة كشاهد حي يصدقه من شهده ، ويحسّ بصدقه من قرأه ؛ لأنّه حقيقة معاشه
وملموسه في واقعنا المعاصر.
٩ ـ من خلال بحثي لما جاء من الأدلّة
لإثبات وصيّة رسول الله صلىاللهعليهوآله
أُمّته باتباع أهل بيته عليهمالسلام
مطلقاً أجبنا على بعض الشبهات والتحريفات حول فضائل أهل البيت عليهمالسلام التي حاول البعض
أنّ يحرّفها أو يسرقها لغيرهم أو يكذّبها ؛ لأنّها تدلّ على إمامتهم ، ووجوب
موالاتهم ، وأنّه لا يخلو زمن منهم.
ومن هنا رأيت أنّ أدع هذا الكتاب يجد
طريقه إلى المنصفين علّه يكون بداية وفاتحة خير ، وجواب لتلك الأسئلة والحائرة
التي قرأتها في تلك العيون المتحيّرة ، ووحدة إسلامية تحت ظل ولي أمرهم ، ومن الله
تعالى نستمد السداد والتوفيق.
|
المؤلّفة
حسينة حسن الدريب
|
__________________
تمهيد
هل يصدّق عاقل أنّ الصحابة قد أحسّوا
بأهميّة إدارة الأُمّة فأجمعوا فشكّلوا اجتماع السقيفة لاختيار مدير لها ، وأدركوا
الحاجة إلى الدولة والنظام ، ولم يدرك ذلك الله ورسوله؟! ـ معاذ الله ـ وهو الذي
بلّغ الحجّة على أنّ النعمة قد تمّت ، وأنّ الدين قد اكتمل : ( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإسلام دِينا )
وأنّه مابقي
شيء مما يهم الإنسانية في أمور دينها ودنياها إلّا في كتابه العزيز : ( ومَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ )
.
بل نقول : إنّ القيادة هي أهم أمر شدّد
عليه الإسلام ، وكرّره الرسول صلىاللهعليهوآله
في أكثر من موقف ابتداءً بحديث الدار عند نزول آية الإنذار وحتّى حديث الغدير ، بل
حتّى أنّ طلب الرسول صلىاللهعليهوآله
أنّ يؤتى بدواة وقرطاس يكتب لأُمّته كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً ، وهذا الكتاب
الذي أراد أنّ يكتبه ويبيّنه هو مفاد حديث الثقلين المشهور والمتواتر بأنّ أهل
البيت والقرآن لا يضلّ من تمسك بهما أبداً ، والوصيّة لأهل البيت عليهمالسلام حتّى آخر الحجج
المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ).
لشدّة أهميّة الخلافة الإسلامية ، والقيادة
الحكيمة ، وضرورة وحدة القيادة جعل بدوره من ينوب عنه في غيبته لكي لا يسود الهرج
والمرج في الأُمّة ، فصدر
__________________
التوقيع من الإمام
المهدي ( عجل الله فرجه ) ، والذي يقول فيه : ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا
فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم ) فهم سلام الله عليهم يهتمّون بأمر
القيادة اهتماماً كبيراً لأنّ وحدة القيادة حتمية عقلاً ونقلاً.
بل إنّ الخلفاء أنفسهم أوصى بعضهم لبعض
، كما يقولون إنّ أبا بكر أوصى لعمر ، وعمر أوصى لستة ـ بغضّ النظر عن التخبّط
الكبير في موضوع الخلافة ، وهل كانت شورى أو بالنصب ـ بحجّة أنّ القائد الكفوء
لابدّ من تعيينه من قبل أهل الخبرة ، فنحن نرى أنّ الله تعالى هو الخبير البصير
أخبر رسوله صلىاللهعليهوآله
عن القادة على أُمّته وهم أهل بيته ، وأهل بيته اختاروا من ينوب عنهم في الغيبة
الكبرى ؛ لأنّ القيادة لابدّ أنّ تكون بأمر الله تعالى وبأمر من أمر الله بطاعته
وقيادته.
بل حتّى ابن تيميّة اعتبر الولاية من
أعظم واجبات الدين فقد قال : ( إنّ ولاية أمر الناس أعظم واجبات الدين ، بل لا
قيام للدين إلّا بها ، فإنّ بني آدم لا تتم مصالحهم إلّا بالاجتماع لحاجة بعضهم
إلى البعض ، ولابدّ لهم عند الاجتماع من رأس ، حتّى قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إذا خرج ثلاثة في
سفر فليؤمّروا أحدهم .. فالواجب اتّخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرّب بها إلى الله ،
فإنّ التقرّب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات ) .
ولكن لا فرق عنده بين الرئيس وحاكم
الجور ، وبين الأئمة الذين أمرنا الله
__________________
تعالى بطاعتهم ، وبين
القيادة العامّة ، فتأريخنا ينبغي أنّ نحلله وفق مبادئ الإسلام نفسه ، وقواعده
التي وضعها ، ونفرّق بين الحكّام الذين أخذوا الحكم بالسيف والجور ، وبين من نصبهم
الله تعالى أماناً للأُمّة من الاختلاف والهلاك ، ونخرّب ما بنته أيدي الحكّام
الظلمة ، ثمّ تداولته عقول مغفّلة في زمن الحكم المخالف لسفينة النجاة.
والآن ونحن في زمن الغيبة الكبرى ، وتحت
ظلّ الثورة الإسلامية الإيرانية حفظها الله تعالى التي قام بها الشعب الإيراني
المسلم البطل بقيادة إمام المسلمين ومكسّر أصنام المستعمرين سماحة آية الله العظمى
الإمام المجاهد السيّد روح الله الموسوي الخميني ( قدس سره ) ـ يتمتع المسلم
الشيعي بإبداء رأيه ، وأفكاره ، وعقيدته ، ومناقشة أبناء المذاهب والأديان الأُخرى
بعدما كانوا يضطرّون للتقيّة في أكثر العصور ، فهذه الحكومة الإسلامية التي حققها
هذا الشعب البطل ، وبها ثبت أنّ الإسلام قادر على إدارة البلاد والعباد في هذا
الزمن الذي يدعوا فيه أعداء الدين إلى فصل الدين عن السياسة.
فإيران الإسلامية تمثّل أعظم دولة في
السياسة والعدل ، بل الديمقراطية والحرية في إطار الإسلام ، وإعطاء كلّ ذي حق حقّه
عملاً وتطبيقاً لا شعاراً برّاقاً ، وطبّقت ولاية الفقية ، وأخرجتها من دفّات
الكتب ، إذ في تأريخ الفكر الشيعي فكرة ولاية الفقيه ثابتة ، لكنها في دفّات الكتب
فقط ؛ لأنّها نادت بذلك وهي خارج السلطة ، أمّا الإمام الخميني ( قدس سره ) فقد
أثمرت فكرته ؛ لأنّه تمكّن من إقامة نظام جديد ، أمسك فيه بعنان الحكم ، ومن ثمّ
اكتسبت أفكاره قوّة من قوّة الحاكم المسلم الشيعي الذي ينهج نهج أمير المؤمنين عليهالسلام
وولاية الفقيه تعني أنّ الفقيه المجتهد
الجامع للشروط نائب الإمام المعصوم
في حال غيبته ، وهو
الحاكم والرئيس المطلق .
له ما للإمام في الفصل في القضايا
والحكم بين الناس ، وإنّ ما اتّفق عليه علماء الطائفة الحقّة ، وأثبتوه بالأدلّة
والبراهين أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، من إمام ظاهر معلوم أو باطن مستور ، لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، ولو خليت الأرض لساخت
بأهلها ، ولأصبح أعاليها أسافلها ، فصلاحها من الله تعالى بالإمام ، ولو لم يبق في
الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة كما في الأخبار ، ولذلك انتجب المولى تعالى بحكمته
أنبياءه ورسله ، واختارهم أُمناء على وحيه ، وقواماً على خلقه ، وشهداء يوم حشره ،
( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )
بالحجج والآيات ، حتّى خاتمهم محمّد صلىاللهعليهوآله
سيّد الكائنات.
ولما كانت نبوّات الأنبياء السابقين مختصّة
بأزمانهم وأجيالهم ، اقتضت الحكمة أنّ تكون معاجزهم محدودة الأجل ، لتكون حجّة على
من رآها ، وحجّة على من سمع بها بالتواتر ، ولابدّ للرسالة الخالدة أيضاً من حجّة
خالد ة إلى يوم يبعثون ، ليسير الثقلان جنباً لجنب ، وهذا ما جاء في حديث الثقلين
المتواتر ؛ لأنّ أمد الرسول صلىاللهعليهوآله
وأجله معلوم ، فترك في أُمّته ثقلين ليكونا للأُمّة أمانين من الاختلاف ، الثقل
الأوّل ، القرآن الكريم ، وهو حمّال ذو وجوه ( مِنْهُ آيَاتٌ
__________________
مُحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ )
، والثقل
الثاني : هم عترته ، ومن عندهم علم الكتاب.
ولكن البعض لم يقبلوا بالثقل الثاني
فنشأت الخلافات ، وبرز الشقاق فاستغلّها أهل الفسوق والنفاق ، في فتن دامسة ، فتركوا
الناس فيها تائهون حائرون ، فلو تمسّكوا بالثقل الثاني ، لركبوا سفينة النجاة ، ولأمنوا
من دمس الجهل واختلاف الرأي ؛ لأنّهم عليهمالسلام
سفينة النجاة من الغرق في بحر الاختلاف.
ونحن في هذا البحث نثبت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نصبهم أولياء للناس
، ووصفهم بقرناء القرآن ، وسفينة النجاة ، وأمان أهل الأرض وغيرها من الأوصاف ، ولنا
أدلّة كثيرة على ذلك من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة.
__________________
الدليل الأوّل
: حديث الدار وآية الإنذار
قال الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوآله : ( وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين )
.
إنّ هذا دليل نقلي صحيح متواتر عند نقلة
التأريخ والأثر ، حيث إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد أوصى إلى علي في مبدأ الدعوة الإسلامية ، حين أنزل الله سبحانه : ( وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين )
ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيّته إليه ، ويؤكّدها المرّة بعد المرّة ، حتّى قوله صلّى
الله عليه وآله : ( ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ) ، فتنازعوا ولا
ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ، فقال لهم : ( قوموا عنّي ) فاكتفى بعهوده اللفظية التي سوف نسردها
من كتب التأريخ والحديث والتفسير السنيّة نصّاً صريحاً يصدّق بعضه بعضاً ويشد أزر
بعضه بعضاً كالقرآن الكريم يردّ متشابهه لمحكمه ، فيفهمه من أراد فهمه ، ويبقى من
في قلبه مرض يتخبّط في لجاجته وعناده.
نصّ ماجاء في السيرة النبوية
لابن كثير :
وقال الحافظ أبو بكر البيهقى في الدلائل
: ( أخبرنا ) محمّد بن عبد الحافظ ، حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، حدّثنا
أحمد بن عبد الجبّار ، حدّثنا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : فحدّثني
من سمع عبد الله بن الحارث بن
__________________
نوفل ، واستكتمني
اسمه ، عن ابن عباس ، عن على بن أبى طالب ، قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ، ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ
لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين ).
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( عرفت أنّي إن
بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره ، فصمت. فجاءني جبريل عليهالسلام فقال : يا محمّد إن
لم تفعل ما أمرك به ربّك عذّبك بالنار ).
قال : فدعاني فقال : ( يا علي إنّ الله
قد أمرني أنّ أنذر عشيرتي الأقربين ، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام ، وأعدّ
لنا عس لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب. ففعلت ، فاجتمعوا له يومئذ ، وهم أربعون
رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو
لهب الكافر الخبيث. فقدّمت إليهم تلك الجفنة ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم منها حذية فشقّها
بأسنانه ، ثمّ رمى بها في نواحيها وقال : ( كلوا بسم الله ).
فأكل القوم حتّى نهلوا عنه ، ما نرى
إلّا آثار أصابعهم ، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( اسقهم يا علي )
، فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل ليشرب
مثله. فلمّا أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أنّ يكلّمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا ، ولم
يكلّمهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فلمّا كان من الغد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( عد لنا مثل
الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب ، فإنّ هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت
قبل أنّ أكلّم القوم ).
ففعلت ، ثمّ جمعتهم له ، وصنع رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
كما صنع بالأمس ، فأكلوا حتّى نهلوا منه ، وأيّم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( اسقهم يا علي ) ، فجئت بذلك القعب ، فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً ، وأيم الله
إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله أنّ يكلّمهم ، بدره أبو لهب
لعنه الله إلى الكلام فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا ، ولم يكلّمهم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم.
فلمّا كان من الغد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( يا علي عد لنا
بمثل الذى كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب ، فإنّ هذا الرجل قد بدرني إلى ما
سمعت قبل أنّ أكلّم القوم ). ففعلت ، ثمّ جمعتهم له ، فصنع رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما صنع بالأمس ، فأكلوا
حتّى نهلوا عنه ، ثمّ سقيتهم من ذلك القعب حتّى نهلوا ، وأيّم الله إن كان الرجل
ليأكل مثلها وليشرب مثلها. ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً من العرب جاء قومه بأفضل مما
جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ).
هكذا رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير
، عن ابن إسحاق ، عن شيخ أبهم اسمه ، عن عبد الله بن الحارث به.
وقد رواه أبو جعفر بن جرير ، عن محمّد
بن حميد الرازي ، عن سلمة بن الفضل الأبرش ، عن محمّد بن إسحاق ، عن عبد الغفار
أبو مريم بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس ،
عن علي ، فذكر مثله.
وزاد بعد قوله : ( وإنّي قد جئتكم بخير
الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر
على أنّ يكون أخي وكذا وكذا ... ).
قال : فأحجم القوم
عنها جميعاً ، وقلت ولأنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأخمشهم
ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتى فقال : ( إن هذا أخي وكذا
وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا ). قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد
أمرك أنّ تسمع لابنك وتطيع .
وفـي مسند أحمد ما هذا نصّه
:
حدّثنا عبد الله ، ثنا أبي ، ثنا أسود
بن عامر ، ثنا شريك عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي
رضي الله عنه قال : لمّا نزلت هذه الآية ( وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين )
، قال : ( جمع النبي صلىاللهعليهوسلم
من أهل بيته فاجتمع ثلاثون ، فأكلوا وشربوا. قال : فقال لهم : من يضمن عني ديني
ومواعيدي ، ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي في أهلي ، فقال رجل لم يسمّه شريك :
يارسول الله أنت كنت بحراً من يقوم بهذا؟ قال : ثمّ قال الآخر : قال : فعرض ذلك
على أهل بيته فقال علي رضي الله عنه : أنا ) .
ونصّ ماجاء في تاريخ الطبري
:
( حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة
قال : حدّثني محمّد بن إسحاق ، عن عبد الغفّار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن
عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، عن عبد الله بن عباس ، عن
علي بن أبى طالب قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ( وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين )
، دعاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فقال لي : يا علي إنّ الله أمرني
__________________
أن أنذر عشيرتي
الأقربين فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ،
فصمت عليه حتّى جاءني جبريل فقال : يا محمّد إنّك إلّا تفعل ما تؤمر به يعذّبك
ربّك.
فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه
رحل شاة ، واملأ لنا عساً من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم
وأبلّغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً
يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب.
فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذى صنعت لهم فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة ، ثمّ قال : ( خذوا
بسم الله ). فأكل القوم حتّى مالهم بشيء حاجة ، وما أرى إلّا موضع أيديهم ، وأيّم
الله الذي نفس علي بيده ، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم. ثمّ
قال : اسق القوم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً ، وأيّم
الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ يكلّمهم بدره
أبو لهب إلى الكلام ، فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ، ولم يكلّمهم
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فقال : الغد يا علي ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرّق
القوم قبل أنّ أكلّمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم إليّ.
قال : ففعلت ، ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني
بالطعام ، فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ، ثمّ
قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ثمّ تكلّم رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
، فقال : يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل
مما قد
جئتكم به ، إنّي قد
جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنّ أدعوكم إليه ، فأيّكم
يؤازرني على هذا الأمر على أنّ يكون أخى ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال : فأحجم القوم
عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم
ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي
ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي
طالب قد أمرك أنّ تسمع لابنك وتطيع.
حدّثنى زكرياء بن يحيى الضرير ، قال : حدّثنا
عفان بن مسلم ، قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبى صادق ، عن
ربيعة بن ناجد ، أنّ رجلاً قال لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن
عمّك دون عمّك؟ فقال علي : هاؤم! ثلاث مرّات ، حتّى اشرأبّ الناس ، ونشروا آذانهم.
ثمّ قال : جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ـ أو دعا رسول الله ـ بني عبد المطلب منهم رهطه ، كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ،
قال : فصنع لهم مُدّاً من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وبقي الطعام كما هو كأنّه لم
يمس. قال : ثمّ دعا بغُمَر فشربوا حتّى رووا ، وبقي الشراب كأنّه لم يمس ولم
يشربوا. قال : ثمّ قال : يا بني عبد المطلب ، إنّي بعثت إليكم بخاصّة ، وإلى الناس
بعامّة ، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم ، فأيّكم يبايعني على أنّ يكون أخي
وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ـ وكنت أصغر القوم ـ قال : فقال : اجلس
، قال : ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه ، فيقول لي اجلس ، حتّى كان في
الثالثة ، فضرب بيده على يدي. قال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي ) .
__________________
ونصّ ماجاء في نظم درر
السمطين :
( ... وفي رواية فأيّكم يبايعني على أنّ
يكون أخي وصاحبي ووليي قال : فلم يقم إليه أحد منهم ، قال علي : فقمت إليه ـ وكنت
اصغر القوم ـ فقال : اجلس ، ثمّ قال ذلك ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي
: اجلس ، حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.
وفي رواية لهم من يؤاخيني ، ويؤازرني ، ويكون
وليي وصاحبي ، ويقضي ديني ، فسكت القوم ، وأعاد ذلك ثلاثاً ، كلّ ذلك يسكت القوم ،
ويقول علي : أنا ، فضرب يده على يدي فقال : أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب :
أطع ابنك فقد أمّر عليك ) .
ونصّ ماجاء في كنز العمّال :
( .. ثمّ تكلّم النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا بني عبد
المطلب إني والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به ، إنّي قد
جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على
أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سنّا وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً :
أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي فقال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي
فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنّ
تسمع وتطيع لعلي ) .
ولنا ملاحظات نقف معها للتدبّر حول
النصوص السابقة ، ليترك القارئ
__________________
المنصف مجالاً لفكره
وعقله ابتغاء الرؤية المنصفة لرؤية الحق ، والعزم على اتّباعه مهما كلّف ذلك من
ثمن.
ملاحظات
هامة :
١ ـ عبارة ابن كثير : ( أخى وكذا وكذا )
تدلّ على أنّ هناك كلاماً قد حذف ، فلا يمكن أنّ يقول الرسول صلىاللهعليهوآله : ( كذا وكذا ) وهو
في حال تبليغ رسالته السماوية ، ثمّ إنّه قد وردت نصوص ذكرناها تبيّن ماهي العبارة
التي قال عنها : ( كذا وكذا ).
٢ ـ عبارة مسند أحمد هي : ( ويكون
خليفتي ) ، وهذا لفظ صريح في الخلافة.
٣ ـ عبارة تاريخ الطبري وكنز العمال
صرّحت بالخلافة والوصيّة. فلم يعد هناك أيّ غموض إلّا لمن تعامى عن ضوء الشمس فلم
يراها رغم شدّة شعاعها ، فليفتح عينيه كلّ من هو منصف حقّاً وليس متعصباً ؛ لأنّه
إن تعصّب فهو على الله ورسوله ، وحسابه سيكون عسيراً فليتق الله ، ولا يزكّي إلّا
من زكاه الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله.
٤ ـ العبارة : ( بم ورثت ابن عمّك دون
عمّك ) ، إنّ ابن العم لا يرث مع وجود العم.
٥ ـ نص ما جاء في نظم درر السمطين : ( أنّ
يكون أخي وصاحبي ووليي ) لفظ وليي هنا يفسّره حديث الغدير وغيره مما سيأتي إن شاء
الله تعالى.
٦ ـ الأمر الصريح بالطاعة المطلقة : ( إنّ
هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ).
٧ ـ استدلال الأمير عليهالسلام بهذا الحديث.
لا أدري هل لم يفهموا لفظ ( خليفتي فيكم
فاسمعو له وأطيعوا )؟! فمن لم يفهم فليقرأ اللغة العربية علّه لا يعرف العربيه أو
يغسل لبّه أربعين يوماً بالذكر والاستغفار والدعاء عندها ستنكشف الغشاوة عن بصيرته
فيبصر مالم يبصره من قبل.
ولا أدري عندما يقول الراوي : ( فلان ) وهو
يعرف من هو ألا يخاف أنّ يكون كاتماً للحق ومائلاً للهوى؟! ثمّ ألا يدري أنّه
سيذكره غيره؟!
كذلك عبارة ( كذا وكذا ) هل الراوي يعرف
النصّ ويكتمه؟ ألا يعرف جريمة كاتم الحق؟! بل وصل الحد بهم إلى أنّ البعض ذكره في
أحد كتبه ، ثمّ كتمه في آخر ، وذكره آخر في طبعة وحذف من أخرى!! كالطبري الذي يروي
هذا الحديث في تاريخه وفيه عبارة : ( الوصي والخليفة ) لكنّه حذفها في تفسيره
وأبدلها بعبارة : ( يكون أخي وكذا وكذا )
، وربما كان هذا من النسّاخ للتفسير أو كان من الطبّاعين ، والله العالم.
المهم أنّ هذا الأسلوب لا يصح شرعاً.
وفي كتاب حياة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لمحمّد
حسنين هيكل ، أورد قصّة الإنذار بالتفصيل ، وقال : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم : ( ...فأيّكم
يؤازرني على هذا الأمر ، وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي ) ، ولكنّه حذفها في الطبعة الثانية .
__________________
وهذا أيضاً يعدّ تصرفاً شنيعاً في النص
، فقد حذف من الحديث جملة : ( ويكون أخي ووصيي وخليفتي ) فكلّ زيادة أو نقصان في
النص يعدّ تصرفاً ، فليحكم القارئ العزيز بعقله وضميره وتفكيره بما شاء ، والله من
وراءذلك كلّه.
وعليك أيّها الباحث المنصف بقية النقد
والتعليق ؛ لأنّي أرى أنّه لا غموض ، وكلّ عاقل يصل بنفسه للنتيجة ، ولا أنسى أنّ
أُضيف لك أنّ هناك روايات كثيرة تكررت فيها الوصيّة ، وليس فقط حديث الدار ، وهذا
يوصل للنتيجة بشكل أسرع وأنصع ، ومن تلك الروايات :
١ ـ خطبة أبي ذر الغفاري ( رضي
الله عنه ) :
قال : ( أيّها الناس من عرفني فقد عرفني
، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ، ( إنّ الله
اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرّية بعضها من بعض والله
سميع عليم )
محمّد
الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من
محمّد ، إنّه أشرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة
وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري
، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجرة الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمّد
وارث علم آدم وما فضلت به النبيّون ، وعلي بن أبي طالب وصي محمّد ووارث علمه
أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر
الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من
__________________
فوق رؤوسكم ومن تحت
أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في
حكم الله إلّا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأمّا إذ فعلتم ما
فعلتم فذوقوا وبال أمركم ( وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ) .
٢ ـ رواية سلمان ( رضي الله
عنه ) :
أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده
عن أبي سعيد الخدري عن سلمان قال : ( قلت : يا رسول الله لكلّ نبي وصي ، فمن
وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : يا سلمان ، فأسرعت إليه قلت : لبيك
، قال : تعلم من وصي موسى قلت : نعم ، يوشع بن نون قال : لم؟ قلت : لأنّه كان
أعلمهم قال : فإنّ وصيي ، وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي
ديني علي بن أبي طالب ) .
٣ ـ رواية أنس :
وفي المناقب للخوارزمي ، عن أنس قال : قال
لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( يا أنس ، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب
إمام المتقين ، وسيّد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ، وقائد الغر
المحجّلين. قال أنس : فجاء علي ، فقام إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، مستبشراً
فاعتنقه ، وقال له : أنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه
من بعدي ) .
__________________
٤ ـ رواية أبي أيوب الأنصاري
:
أخرج الطبراني في المعجم الكبير
بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاري ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : ( يا فاطمة ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطلّع على أهل الأرض فاختار منهم
أباك فبعثه نبياً ، ثمّ اطلّع الثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ ، فأنكحته
واتّخذته وصيّاً ) .
وقفة
تأمّل مع ماجاء في النصوص السابقة :
أ ـ ( إنّ الله اصطفى آدم
ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
محمّد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة
الهادية من محمّد.
ب ـ وعلي بن أبي طالب وصي محمّد ووارث
علمه أيّتها الأمّة المتحيرة أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ،
وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم .. ، وغيرها من العبارات.
هنا نقف ويقف كلّ عاقل متدبّر نتأمّل في
العبارات المشتملة على ألفاظ الوصاية والاصطفاء والوراثة والتقدّم من قبل الله
بالولاية والوراثة ، ولفظ بعدي بلا فصل ( وخير من أترك بعدي ) وليس الرابع ، ولفظ
( واتخذته وصيّا ).
وهناك ملاحظات كثيرة ، وأخبار أخرى لم
نحصها مراعاةً للاختصار ، أتركها على من أراد التأمّل والانصاف.
__________________
دور
من دوره التكذيب :
نعم ، إنّ هذا الرجل المسمى بابن تيميّة
، اذا لم يقدر أنّ يأوّل الرواية بما يتناسب مع هواه ، يكذبها مهما بلغت صحّتها ، فهو
يكذّب حديث الدار ، إذ يقول : إن من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب.
ويقول : بأنّ رجال قريش في ذلك العهد لم
يكونوا يبلغون الأربعين.
وأيضاً : إنّه يُشكل على هذا الخبر بأنّ
العرب لم يكونوا أكّالين بهذا المقدار ، بحيث إنّ هؤلاء أكلوا وشبعوا والطعام
كفاهم كلّهم ، فهذا دليل على كذب هذا الخبر .
والجواب :
١ ـ ان الغرض والهدف هو إظهار معجزة
الرسول صلىاللهعليهوآله
إذ فخذ شاة ، وعس من لبن كفاهم كما في الروايات ، فالغرض إظهار المعجزة التي يجب
على كلّ مسلم أنّ يعتقد بها ، وله معجزات كثيرة ذكرها العام والخاص ، مثل : إنّ
الماء ينبع من يديه ، ويتوضّأ كلّ من معه ، وانشقاق القمر ، وغير ذلك مما ورد من
معجزات الرسول صلىاللهعليهوآله
، فهل ابن تيميّه يستبعد المعجزة للنبي كما هي عادته القول بمثل ذلك.
إنّه يكذّب كلّ من أورد الخبر من علماء
ومفسري أهل السنّة وليس الشيعة فقط ، كأحمد بن حنبل ، ومحمّد بن جرير الطبري ، وغيرهم
من كبار علمائهم وأعلام محدّثيهم الذين يروون ذلك ، فهل ليس لديهم أدنى شيء من
المعرفة في نظره؟! فأسلوب ابن تيميّة ليس علمياً وإنّما هو تكذيب مالا يحبّ ولو
أجمع عليه
__________________
كلّ المسلمين ، وهذا
أسلوب إنسا ن متعصّب لا يريد الحق ، ولن يضرّ إلّا نفسه يوم يكون الخصيم محمّد صلىاللهعليهوآله.
نضيف لدليل النقل دليلاً عقلياً يقبله
كلّ ذي لبّ ، وهو على صيغة سؤال : هل يصح أن نصدّق أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ترك أُمّته سدى ، وفي
فوضوية لاحدّ لها يختلفون ويتقاتلون ، وتراق آلاف الدماء المسلمة ، فلو صدّقنا ذلك
لكذّبنا عقولنا وتفكيرنا ، فإنّ الإسلام جاء رحمة لينقذ العالم من الهمجية
والجاهلية الأولى ، فإنّ من كان كذلك لابدّ أنّ يكون أعظم سياسي في العالم كلّه ، فلا
يخفى عليه مثل هذا الأمر العظيم لصلاح العالم بأسره مدى الدهر ، أو يعلم به ولا
يضع له حدّاً فاصلاً؟!
وهل يرضى لنفسه عاقل يتولّى شؤون بلده
فضلاً عن أُمّتة ، أنّ يتركها تحت رحمة الأهواء واختلاف الآراء ولو لأمد محدود ، وهو
قادر على إصلاحها ، حاشا نبيّنا الأكرم صلىاللهعليهوآله
من جاء رحمة للعالمين ، ومتمماً لمكارم الأخلاق ، وخاتماً للنبيين ، وقد قال الله
تعالى على لسانه بعد حجّة الوداع : ( اليوم أكملت لكم
دينكم )
، وهو من
ثيت عنه أنّه لا يترك المدينة المنوّرة إذا خرج لحرب أو غزاة ، من غير أمير يخلفه
عليها ، فكيف نصدّق عنه أنّه أهمل أمر هذه الأمة بعده إلى آخر الدهر ، من دون
تعيين خلف بعده يرجعون اليه عند اشتباه الأمور؟! حاشا رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ يترك أمّته
كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها ، فالعقل لا يصغي
إلى إنكار الوصيّة مهما بلغ الإنكار ، وأيّاً كان منكره.
__________________
الدليل الثاني
: آية الولاية
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ والذينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .
بعد أنّنا قرأنا حديث الدار وفيه قوله صلىاللهعليهوآله إنّ علياً عليهالسلام وزيره ووصيّه
ووليّه ، فلنقرأ معاً تفسير وسبب نزول هذه الآية الشريفة ، ونضمّ ما قرأناه إلى ما
سنقرؤه حول الولاية ، وسنخرج بنتيجة مقنعة بوجوب ولاية أمير المؤمنين وسيّد
الوصيين عليهالسلام
، فلنقرأ بتأمّل وإنصاف فإنّ هدفنا الأوّل والأخير هو مرضاة الله تعالى بولاية من
افترض علينا ولايته ، وأوجب علينا طاعته.
ونبدأ بنقل قصّة التصدّق حال الركوع عن
الدرّ المنثورلجلال الدين السيوطي ، وهذا نصّه : ( وأخرج الخطيب في المتّفق عن ابن
عباس قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم
للسائل : من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل الله : ( إنّما
وليّـكم الله ورسوله ).
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن
جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( إنّما وليّـكم الله
ورسوله )
الآية. قال : نزلت في علي بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه
عن عمّار بن ياسر قال : وقف
__________________
بعليّ سائل وهو راكع
في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعلمه ذلك ، فنزلت
على النبي صلىاللهعليهوسلم
هذه الآية : ( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )
، فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوآله
على أصحابه ، ثمّ قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من
عاداه ).
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن
أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
في بيته : ( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا ) إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخل المسجد ـ وجاء
الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم ـ يصلّي فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك
أحد شيئاً؟ قال : لا إلّا ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن
عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إنّما
وليّـكم الله )
الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : ( إنّما
وليّـكم الله ورسوله )
الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم
مثله ) .
وفي مناقب الخوارزمي :
( عن علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه
الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّما وليّـكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
__________________
الزكاة
وهم راكعون )
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ودخل المسجد ، والناس يصلّون ما بين راكع
وقائم ، وإذا سائل ، قال له : يا سائل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال : لا ، إلّا هذا
الراكع ـ لعلي ـ أعطاني خاتماً ) .
وفي تفسير الثعالبي :
( ... ولكن اتّفق مع ذلك أنّ علي بن أبي
طالب رضي الله عنه أعطى خاتمه وهو راكع ) .
وفي مجمع الزوائد :
عن عمّار بن ياسر قال : وقف على علي بن
أبي طالب رضي الله عنه سائل وهو راكع في تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فأعلمه بذلك ، فنزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
هذه الآية : ( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )
، فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، ثمّ قال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) .
وفي جامع البيان لابن جرير
الطبري :
( حدّثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله
بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا )
يعني : أنّه من أسلم تولّى الله ورسوله.
__________________
وأمّا قوله : ( والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ
به ، فقال بعضهم : عُني به علي بن أبي طالب. وقال بعضهم : عّني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك : حدّثنا محمّد ابن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا
أسباط ، عن السديّ ، قال : ثمّ أخبرهم بمن يتولّاهم ، فقال : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي
طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتمه.
حدّثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا عبدة
، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر ، قال : سألته عن هذه الآية : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين
آمنوا! قلنا : بلغنا أنّها نزلت في علي بن أبي طالب ، قال : علي من الذين آمنوا.
حدّثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ،
عن عبد الملك ، قال : سألت أبا جعفر ، عن قول الله : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله )
، وذكر نحو حديث هناد عن عبدة.
حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي ، قال
: ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا )
قال : علي بن أبي طالب.
حدّثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال
: ثنا غالب بن عبيد الله ، قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله .. )
الآية ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع ) .
__________________
وفي أحكام القرآن للجصّاص :
( قال الله تعالى : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) روي عن مجاهد والسديّ وأبي جعفر وعتبة
بن أبي حكيم : أنّها نزلت في علي بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع ... وقوله
تعالى : ( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدل على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛
لأنّ علياً تصدّق بخاتمه تطوّعاً وهو نظير قوله تعالى : ( وما آتيتم
من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) .
وفي أسباب النزول للنيسابوري
:
( قوله تعالى : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا )
قال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول
الله إنّ قوماً من بني قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا ، وأقسموا أنّ لا
يجالسونا ، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل ، وشكى ما يلقى من اليهود ، فنزلت
هذه الآية ، فقرأها عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فقال : رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.
ونحو هذا قال الكلبي وزاد : أنّ آخر
الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنّه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في
الصلاة.
( أخبرنا ) أبو بكر التميمي قال : ( أخبرنا
) عبد الله بن محمّد بن جعفر قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن أبي هريرة قال : حدّثنا
عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدّثنا محمّد الأسود ، عن محمّد بن مروان ، عن محمّد
السائب ، عن أبي صالح ،
__________________
عن ابن عباس قال : أقبل
عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا ، فقالوا : يا رسول الله إنّ منازلنا
بعيدة ، وليس لنا مجلس ولا متحدّث ، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله ورسوله
وصدّقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أنّ لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا ، فشقّ
ذلك علينا ، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله والذين آمنوا )
الآية ، ثمّ إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فنظر سائلاً فقال : هل أعطاك أحد شيئاً؟
قال : نعم ، خاتم من ذهب ، قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك القائم ، وأومأ بيده إلى
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : على أيّ حال أعطاك؟ قال : أعطاني وهو راكع
، فكبرّ النبي صلىاللهعليهوسلم
، ثمّ قرأ : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب
الله هم الغالبون )
) .
وفي شواهد التنزيل للحاكم
الحسكاني :
( عن ابن عباس : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا )
قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليهالسلام.
و ( أخبرنا ) قراءة قال : حدّثنا أحمد
بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق التنوخي قال : حدّثنا
ابن حميد ، قال : حدّثنا علي بن أبي بكر ، قال : حدّثنا موسى مولى آل طلحة عن
الحكم عن المنهال عن محمّد بن الحنفية ، قال : جاء سائل فلم يعطه أحد ، فمرّ بعلي
وهو راكع في الصلاة فناوله خاتمه فأنزل الله : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله )
الآية.
وعن عبد الله بن محمّد بن الحنفية عن
أبيه قال : فلم يعطه أحد شيئاً ، فمر
__________________
بعلي وهو راكع فسأله
، فناوله يده ، فأخذ خاتمه ، ثمّ أتى النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) فأخبره قال : أتعرف الرجل؟ قال : لا ، فأرسل معه من يتعرّفه ، فإذا هو علي [ بن
أبي طالب ] ، فأنزل الله : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) .
وفي تفسير القرطبي :
( المسألة الثانية : وذلك أنّ سائلا سأل
في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان علي في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم ، فأشار إلى
السائل حتّى أخذه. قال الكيا الطبري : وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل
الصلاة ، فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ، ولم تبطل به
الصلاة.
وقوله : ( ويؤتون الزكاة وهم
راكعون )
يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ، فإنّ علياً تصدّق بخاتمه في الركوع ، وهو
نظير قوله تعالى : ( وما آتيتم من زكاة
تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ).
وقد روي أنّ علي بن أبي طالب رضي الله
عنه أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة ، وقد يجوز أنّ تكون هذه صلاة تطوّع ، وذلك
أنّه مكروه في الفرض. ويحتمل أنّ يكون المدح متوجّهاً على اجتماع حالتين ، كأنّه
وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة ، فعبرّ عن الصلاة بالركوع ، وعن الاعتقاد
للوجوب بالفعل ، كما تقول : المسلمون هم المصلّون ، ولا تريد أنّهم في تلك الحال
مصلّون
__________________
ولا يوجّه المدح حال
الصلاة ، فإنّما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده ) .
وفي تفسير ابن كثير :
( وأمّا قوله : ( وهم
راكعون ).
فقد توهّم بعض الناس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله : ( ويؤتون
الزكاة )
أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من
غيره ؛ لأنّه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة
الفتوى ، وحتّى أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت
فيه ، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه.
وقال ابن أبي حاتم : حدّثنا الربيع بن
سليمان المرادي ، حدّثنا أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي حكيم في قوله : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا )
قال : هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب.
وحدّثنا أبو سعيد الأشج ، حدّثنا الفضل
بن دكين أبو نعيم الأحول ، حدّثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق
علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ).
وقال ابن جرير : حدّثني الحارث ، حدّثنا
عبد العزيز ، حدّثنا غالب بن عبد الله سمعت مجاهداً يقول في قوله : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله )
الآية ، نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.
وقال عبد الرزاق : حدّثنا عبد الوهاب بن
مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في
__________________
قوله : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله )
الآية ، نزلت في علي بن أبي طالب. عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتجّ به.
ورواه ابن مردويه عن طريق سفيان الثوري
عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ
سائل وهو راكع ، فأعطاه خاتمه ، فنزلت : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله )
الآية ، الضحاك لم يلق ابن عباس.
وروى ابن مردويه أيضاً من طريق محمّد بن
السائب الكلبي ـ وهو متروك ـ عن أبي صالح عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المسجد
والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أعطاك
أحد شيئاً؟ قال : نعم ، قال : من؟ قال : ذلك الرجل القائم ، قال : على أي حال
أعطاكه؟ قال : وهو راكع ، قال : وذلك علي بن أبي طالب ، قال : فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك وهو يقول ( من يتول
الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ) وهذا إسناد لا يقدح به.
ثمّ رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي
طالب رضي الله عنه نفسه وعمار ابن ياسر وأبي رافع ، وليس يصح شيء منها بالكليّة لضعف
أسانيدها ، وجهالة رجالها.
ثمّ روى بإسناده عن ميمون بن مهران عن
ابن عباس في قوله : ( إنّما وليّكم الله
ورسوله )
نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أوّلهم.
وقال ابن جرير حدّثنا هناد ، حدّثنا
عبدة عن عبد الملك عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية : ( إنّما
وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين
آمنوا.
قلنا : بلغنا أنّها
نزلت في علي بن أبي طالب ، قال : علي من الذين آمنوا.
وقال أسباط عن السدي : نزلت هذه الآية
في جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه
خاتمه ) .
وقال الآلوسي : ( غالب الأخباريين على
أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه ) .
__________________
الشبهات
الواردة وردّها
١ ـ شبهة ابن كثير وغيره ، وهي كما في
النصّ السابق : ( فقد توهم بعض الناس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله ( ويؤتون
الزكاة )
أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من
غيره؛ لأنّه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى
، وحتّى إنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه ، وذلك
أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه ).
٢ ـ وقال بعضهم : إنّ الآية نزلت في
عبادة بن الصامت.
٣ ـ هناك من أشكل في معنى الولي ، وقال
: إنّ الولاية في الآية بمعنى النصرة ، كالفضل بن روز بهان.
٤ ـ هناك من قال باحتمال أنّ تكون الواو
في ( وهم راكعون ) واو عاطفة لا واو حالية.
٥ ـ يقال : كيف الإمام علي عليهالسلام يسمع صوت السائل ، ويلتفت
إليه ، ويشير إليه ، ويومي بالتقدّم نحوه ، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من إصبعه
وهذا كلّه انشغال بأمور دنيوية ، وعدول عن التكلم مع الله سبحانه وتعالى؟!
٦ ـ افتراء ابن تيمية وهو أنّه : ( قد
وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لما تصدّق بخاتمه في
الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن ، وأجمع أهل العلم بالنقل
على أنّها لم تنزل في علي
بخصوصه ، وأنّ علياً
لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في
ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر ) .
٧ ـ البعض أشكل بأنّ علياً مفرد ، فلماذا
جاءت الألفاظ في الآية بصيغة الجمع؟
الجواب :
١ ـ نقول وبالله التوفيق : لا نصدّق ابن
كثير بضعف الرواة لقوّة ما ورد من روايات في ولاية أهل البيت عليهمالسلام وبالأخص الإمام علي
عليهالسلام
، كما سنبيّن ذلك في حديث الغدير ونحوه من الأحاديث المتواترة الدالّة على وجوب
الولاية لأهل البيت عليهمالسلام
، بالإضافة إلى الأدلّة الثابتة في نزول هذه الآية في علي عليهالسلام ، وكلّ من كذّب أو
لفّق أو دسّ أو حذف أو أنكر أو تأوّل نجيبه من ألسنة قومه الذين ذكروا أنّ علياً عليهالسلام تصدّق وهو راكع أي
: حال ركوعه ، ونزلت الآية فيه ، وقد نقلنا نصوص كافية في ذلك ، بل نقل ابن كثير
نفسه من عدّة طرق أنّها نزلت في علي بن أبي طالب عندما مرّ به سائل وهو راكع في
المسجد فأعطاه خاتمه.
٢ ـ أمّا من قال : إنّ الآية نزلت في
عبادة بن الصامت.
فنقول له : إنّ هذه رواية شاذّة مقابل
رواية نزولها في الإمام علي عليهالسلام
التي أخرجها وصحّحها علماء الحديث والتفسير.
فليراجع كلّ باحث عن الحق هارب من أنّ
يجحف بحقّ أهل بيت نبي الله عليهالسلام
، الكتب التي استوفت ذلك وما أكثرها ، وما لم نف به هنا فسوف نفصّل
__________________
فيه أكثر في حديث
الغدير وغيره مما يشتمل أيضاً على لفظ الولاية ، فتابع معنا.
ونختم بقول حسّان بن ثابت :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي
|
|
وكلّ بطئ في الهدى ثابت ومسارع
|
أيذهب مدحيك المحبر ضائعا
|
|
وما المدح في ذات الإله بضائع
|
فأنت الذي أعطيت إذا أنت راكع
|
|
فدتك نفوس القوم يا خير راكع
|
فأنزل فيك الله خير ولاية
|
|
فأثبتها في محكمات الشرائع
|
٣ ـ لفظ ( ولي ) هنا إنّما هو الأولى
بالتصرّف ، كما في قولنا : فلان ولي القاصر ، وقد صرّح اللغويون بأن كلّ من ولي
أمر أحد فهو وليّه ، فيكون المعنى أنّ الذي يلي أموركم يكون أولى بها منكم ، وهو
الله عزّ وجلّ ورسوله وعلي ، لأنّه هو الذي اجتمعت به هذه الصفات ، الإيمان وإقامة
الصلاة ، وإيتاء الزكاة في حال الركوع ، وقد أثبت الله في الآية الولاية لنفسه
تعالى ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد ، وولاية الله عزّ وجلّ عامّة مطلقة ، وكذا
ولاية النبي والولي مثلها ؛ إذ لم تقيّد.
وهذا يتّضح اكثر عندما نرجع للآية
الكريمة : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ )
، فهنا جعل
الله تعالى الولاية للنبي على الناس أولى منهم لأنفسهم ثمّ النبي صلّى الله عليه
وآله ، أكّد لعموم المسلمين بقوله : ( ألست أولى بكم من أنفسكم )؟ ثمّ قال صلّى
الله عليه وآله : ( فمن كنت مولاه فعلي مولاه ). يعني : أنّ المقام الذي تعترفون
به بالنسبة إلي فهو حق ثابت لعلي عليه السلام ، فبايعه المسلمون على ذلك منذ عيّنه
الرسول صلّى الله عليه وآله ، فجعلوا يباركون لعلي
__________________
بإمرة المؤمنين ، فقال
عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .
والنصرة ما هي إلّا أحد معاني لفظ
الولاية كما في الكتب اللغوية
، ولا يجوز عقلاً ـ بغض النظر عن النقل ـ أنّ يكون معنى الولي هنا بمعنى النصير أو
المحب أو نحوهما ؛ لأنّه لا يبقى لهذا الحصر وجه ، حيث إنّه تعالى نفى أنّ يكون
وليّاً غير الله ورسوله والذين آمنوا بلفظة ( إنّما ) ، وهي تفيد حصر الصفة على من
ذكر ، ونفيها عمّن لم يذكر.
فهل يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع
هذه القرائن على النصرة؟! وهل كان من شك في كون علي ناصراً للمؤمنين؟! وهو المعروف
بصاحب الراية ، وفاتح خيبر ، وقاتل ابن عبد ود ، وصاحب ذا الفقار ، و .. إذن ، فالولاية
المقصودة من هذه الآية ما ذهب إليه شيعة أهل البيت ، ولهم أدلّه أخرى تؤيّد ما
ذهبوا إليه ، كحديث الغدير ونحوه حيث كرر صلىاللهعليهوآله
لفظ الولاية للإمام علي عليهالسلام
أكثر من مرّة وبتعابير مختلفة فمرّة يعبرّ الرسول صلىاللهعليهوآله
أنّ الإمام علي عليهالسلام
منه ، ومرّة نفسه ، ومرّة خليفته ، ومرّة أخيه ، ومرّة ولي كلّ مؤمن بعده ، وهذا
ما سنبحثه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
فثبت أنّ للإمام علي عليهالسلام من الولاية المطلقة
كما لرسول الله صلىاللهعليهوآله
لأنّ ولايته اقترنت بولاية الله ورسوله صلىاللهعليهوآله
بلا استثناء ولا قيد.
٤ ـ أمّا الواو فهي حالية ، كما جاء في
النصوص السابقة أنّ الإمام علي عليهالسلام
__________________
أعطى الخاتم حال
كونه راكعاً.
٥ ـ أمّا قولهم : كيف ينشغل في حال
صلاته بأمور دنيوية؟
فنقول : فلو كان لهذا الإشكال أدنى مجال
لما عدّ فعله هذا من مناقبه عليهالسلام
ثمّ إنّ هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة
في ضمن عبادة ، ومن اعترض فإنّما يعترض على الله تعالى ؛ لأنّ ما ثبت بالنص لا
مجال للنقاش فيه بالعقل ، وتصدّق الإمام علي عليهالسلام
ثبت بالنص القرآني ، وأكّدته السنة المطهّرة ، ورواه الفريقين.
يقول الآلوسي : قد سئل ابن الجوزي هذا
السؤال ، فأجاب بشعر :
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
|
|
عن النديم ولا يلهو عن الناس
|
أطاعه سكره حتّى تمكّن من
|
|
فعل الصحاة فهذا واحد الناس
|
٦ ـ أمّا ابن تيمية فهو لم يكذّب الشيعة
فقط ، بل كذّب المحدّثين ، والمفسّرين ، ومن نقل ذلك من كتب أهل السنّة المعتبرة
التي بيّنت نزول الآية المباركة في الإمام علي عليهالسلام
في القصة المشهورة ، ولا عجب إذ عادته تكذيب صحاحه وبهتان الناس بالكذب والشرك ، ولا
ندري من يقصد من أهل العلم والإجماع؟! هل يعني رأيه ورأى الذين يقولون برأيه ، فيدّعي
إجماع أهل الحديث وأهل النقل؟!
على كلّ حال ، فهذه القضية واردة في
كتبهم المعتبرة لديهم مع إجماع الشيعة.
٧ ـ أمّا قولهم : أنّ علياً مفرد ، فلماذا
جاءت الألفاظ بصيغة الجمع؟
فنقول : أن هناك آيات ، كآية المباهلة
أيضاً وردت بصيغة الجمع ، إلّا أنّ رسول الله جاء بعلي ، مع أنّ اللفظ لفظ جمع ( أنفسنا
وأنفسكم )
، وجاء
بفاطمة وحدها والحال
أنّ اللفظ لفظ جمع ( النساء ).
بل إنّ علماءهم ردّوا على هذا الاعتراض
، كالزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة قال ما ملخّصه : بأنّ الفائدة في مجئ
اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين ، لينبّه
أنّ سجيّة المؤمنين يجب أنّ تكون على هذا الحد من الحرص على الإحسان إلى الفقراء
والمساكين ، يكونون حريصين على مساعدة الفقراء وإعانة المساكين ، حتّى في أثناء
الصلاة ، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين ، ولذا جاءت الآية بصيغة الجمع .
وفي القرآن الكريم ، والسنّة النبوية ، والاستعمالات
العربية أنّ اللفظ يأتي بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد ، ثمّ إن الروايات المعتبرة
دلّت على أنّ المراد هنا خصوص علي عليهالسلام
، فمن أنكر هذا ولو جاء اسم علي في القرآن لأنكره ، وأوّله بدون شك ؛ لأنّ هذه
أدلّة في ولاية علي عليهالسلام
كالشمس في رابعة النهار ، وهاهم يؤوّلونها ويصرفونها عن محلّها ما استطاعوا ، ولكن
الله متمّ نوره ولو كره الكافرون.
__________________
الدليل الثالث
: الأمر الإلهي بتبليغ الولاية
قال الله تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )
قد بيّنا بالأدلّة حديث الدار ، وفيه
قول الرسول صلىاللهعليهوآله
لعلي عليهالسلام
إنّه وليّه وخليفته ووصيّه ، ثمّ بيّنا بالأدلّة أيضاً أنّ الإمام علي عليهالسلام تصدّق حال ركوعه ، ونزلت
الآية بأنّ الله ورسوله والمؤمن الذي زكّى راكعاً هم أولياء للمؤمنين ، وهنا في
هذا الأمر الإلهي الآخر أمر بتبليغ ولاية علي عليهالسلام
، ومن تأمّل الآية : ( بلّغ ، من ربّك ، فما
بلّغت ، والله يعصمك من الناس ).
يتبيّن له عظمة الأمر ، وخصوصاً أنّ الروايات تقول : أنّ الآية نزلت في حجّة
الوداع ، يعني : بعد ما بلّغ الرسول صلىاللهعليهوآله
كلّ شيء من الإسلام ، ولم يعد يخاف من أحد ، فالكلّ دخل في دين الله طائعاً أو
طليقاً ، فكيف يأمره تعالى بالتبليغ؟ وما هو هذا الشيء المهم الذي لو لم يبلّغه
فكأنّه لم يبلّغ شيء؟ بل وعده تعالى بعصمته من الناس ، ومن هم الناس الذين يعده
الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوآله
بعصمته منهم ، وقد أصبحوا كلّهم مسلمين طوعا أو كرها؟
إنّ العقل يقول : إنّه أمر سيعترض عليه
بعض المسلمين أنفسهم ، وهذا ما سنبحثه في هذه النصوص إن شاء الله تعالى.
__________________
نصّ ماجاء في مسند أحمد :
( ... عن البراء بن عازب ، قال : كنّا
مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
في سفر ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تحت شجرتين ، فصلّى
الظهر وأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه فقال : ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا
: بلى ، قال : فأخذ بيد علي فقال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من
والاه ، وعاد من عاداه ) ، قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئاً يا ابن أبي
طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة ) .
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا ابن
نمير ، ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي ، عن زاذان بن عمر ، قال : سمعت
علياً في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يوم غدير خم وهو يقول ما قال ، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
وهو يقول : ( من كنت مولاه فعلي مولاه )
لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي ، قال : وقال له رسول الله : أنت وليي في كلّ
مؤمن بعدي. وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب علي ، فقال : فيدخل المسجد جنباً
وهو طريقه ليس له طريق غيره. قال : وقال : من كنت مولاه فإنّ مولاه علي ) .
__________________
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا
محمّد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن ميمون عن أبي عبد الله ، قال : ( كنت عند زيد بن
أرقم فجاء رجل من أقصى الفسطاس فسأله عن ذا ، فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ألست أولى
المؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال ميمون : فحدّثني
بعض القوم عن زيد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : ( اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ) .
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا
الفضل بن دكين ، ثنا ابن أبي عيينة عن الحسن ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن
بريدة قال : غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة ، فلمّا قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكرت علياً
فتنقّصته ، فرأيت وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يتغير فقال : يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال
: ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا أبو
معاوية ، ثنا الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : ( بعثنا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
في سرية ، قال : لمّا قدمنا ، قال : كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال : فإمّا شكوته أو
شكاه غيري ، قال : فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً قال : فإذا النبي صلىاللهعليهوسلم قد احمرّ وجهه ، قال
: وهو يقول : من كنت وليّه فعلي وليّه ) .
__________________
عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : (
بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال :
إذا التقيتم فعلي على الناس ، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده ، فلقينا بني
زيد من أهل اليمن ، فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة
وسبينا الذرية ، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه ، قال بريدة : فكتب معي خالد بن
الوليد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يخبره بذلك ، فلمّا أتيت النبي صلىاللهعليهوآله
دفعت الكتاب فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : يا رسول
الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أنّ أطيعه ففعلت ما أرسلت به ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وإنّه منّي وأنا منه ، وهو
وليّكم بعدي ) .
حدّثني أبي ، ثنا أسود بن عامر ، أنا
أبو إسرائيل ، عن الحكم عن أبي سلمان ، عن زيد بن أرقم قال : ( استشهد علي الناس ،
فقال : أنشد الله رجلاً سمع النبي صلىاللهعليهوسلم
يقول : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، قال
: فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا )
حدّثني أبي ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا حنش
بن الحرث بن لقيط النخعي الاشجعي ، عن رياح بن الحرث ، قال : ( جاء رهط إلى علي
بالرحبة فقالوا : السلام عليك يا مولانا ، قال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟
قالوا :
__________________
سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم غدير خم يقول :
من كنت مولاه فإنّ هذا مولاه ... ) .
نص ماجاء في كتاب خصائص أمير
المؤمنين للنسائي :
أخبرنا أحمد بن المثنى ، قال : حدّثنا
يحيى بن معاذ ، قال : ( أخبرنا ) أبو عوانة ، عن سليمان قال : حدّثنا حبيب بن أبي
ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال : ( لمّا رجع النبي صلىاللهعليهوسلم من حجّة الوداع
ونزل غدير خمّ أمر بدوحات فقممن ، ثمّ قال : كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم
الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني
فيهما فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. ثمّ قال : إنّ الله مولاي وأنا ولي
كلّ مؤمن. ثمّ إنّه أخذ بيد علي رضي الله عنه ، فقال : من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهم
وال من والاه ، وعاد من عاداه. فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : إنّه ما
كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنيه.
أخبرنا أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي
، قال : حدّثنا أبو معاوية ، قال : حدّثنا الأعمش ، عن سعيد بن عمير ، عن ابن
بريدة عن أبيه قال : ( بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
واستعمل علينا علياً ، فلمّا رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا
وإمّا شكاه غيري. فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً ، وإذا وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد احمرّ ، فقال : من
كنت وليّه فعلي وليّه ).
أخبرنا محمّد بن المثنى ، قال : حدّثنا
أبو أحمد ، قال : ( أخبرنا ) عبد الملك بن
__________________
أبي عيينة ، عن
الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : حدّثني بريدة قال : ( بعثني النبي صلىاللهعليهوسلم مع علي رضي الله
عنه إلى اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فلمّا رجعت شكوت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فرفع رأسه إليّ
وقال : يا بريدة ، من كنت مولاه فعلي مولاه ).
أخبرنا أبو داود ، قال : حدّثنا أبو
نعيم ، قال : حدّثنا عبد الملك بن أبي عيينة ، قال : ( أخبرنا ) الحكم ، عن سعيد
بن جبير ، عن ابن عباس ، عن بريدة ، قال : ( خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن ،
فرأيت منه جفوة ، فقدمت على النبي صلىاللهعليهوسلم
فذكرت علياً فتنقّصته ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يتغيّر وجهه ، فقال : يا بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى يا
رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ).
أخبرنا زكريا بن يحيى ، قال : حدّثنا
نصر بن علي ، قال : حدّثنا عبد الله بن داود ، عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه ، أنّ
سعداً قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( من كنت مولاه فعلي مولاه ).
أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدّثنا
ابن أبي عدي ، عن عوف عن ميمون أبي عبد الله قال : قال زيد بن أرقم : ( قام رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟
قالوا : بلى ، نشهد لأنت أولى بكلّ مؤمن من نفسه. قال : فإنّي من كنت مولاه فهذا
مولاه. وأخذ بيد علي ).
أخبرنا محمّد بن يحيى بن عبد الله
النيسابوري ، وأحمد بن عثمان بن حكيم ، قالا : حدّثنا عبد الله بن موسى ، قال : ( أخبرنا
) هانئ بن أيوب ، عن طلحة ، قال : ( حدّثنا ) عميرة بن سعد ( أنّه سمع علياً رضي
الله عنه وهو ينشد في
الرحبة : من سمع
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه؟ ) فقام ستة نفر فشهدوا.
أخبرنا محمّد بن المثنى ، قال : حدّثنا
محمّد ، قال : حدّثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : حدّثني سعيد بن وهب ، قال : ( قام
خمسة أو ستة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فشهدوا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ).
أخبرنا علي بن محمّد بن قاضي المصيصة ، قال
: حدّثنا خلف ، قال : حدّثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : حدّثني سعيد بن وهب : ( أنّه
قام صحابة ستة ، وقال زيد بن يثيغ : وقام مما يلي المنبر ستة فشهدوا أنّهم سمعوا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ).
أخبرنا أبو داود ، قال : حدّثنا عمران
بن أبان ، قال : حدّثنا شريك ، قال : حدّثنا أبو إسحاق ، عن زيد بن يثيغ قال : ( سمعت
علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول على منبر الكوفة : إنّي أنشد الله رجلاً ـ ولا
يشهد إلّا أصحاب محمّد ـ سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.
فقام ستة من جانب المنبر الآخر فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ذلك ).
قال شريك : فقلت لأبي إسحاق : هل سمعت
البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟
قال : نعم.
قال أبو عبد الرحمن : عمران بن أبان
الواسطي ليس بقوي في الحديث .
__________________
قول النبي صلىاللهعليهوسلم
: ( علي ولي كلّ مؤمن بعدي ).
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
قتيبة بن سعيد ، قال : حدّثنا جعفر ، يعني : ابن سليمان ، عن يزيد ، عن مطرف بن
عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : ( جهّز رسول الله صلىاللهعليهوسلم
جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه ،
وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
إذا بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أخبرناه ما صنع.
وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤا
برسول الله صلىاللهعليهوسلم
فسلّموا عليه فانصرفوا إلى رحالهم. فلمّا قدمت السرية سلّموا على النبي صلىاللهعليهوسلم فقام أحد الأربعة
فقال : يا رسول الله ، ألم تر أنّ علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟! فأعرض عنه رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
، ثمّ قام الثاني وقال مثل ذلك ، ثمّ الثالث فقال مقالته ، ثمّ قام الرابع فقال
مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم
والغضب يُبصر في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي؟ إنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو
ولي كلّ مؤمن بعدي ).
قوله صلىاللهعليهوسلم
: ( ( علي وليّكم من بعدي ) ).
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
واصل بن عبد الأعلى الكوفي عن ابن فضيل ، عن الأجلح ، عن عبد الله بن بريدة ، عن
أبيه قال : ( بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
إلى اليمن مع خالد بن الوليد ، وبعث علياً رضي الله عنه على جيش آخر ، وقال : إن
التقيتما فعلي كرّم الله وجهه على الناس ، وإن تفرّقتما فكلّ
__________________
واحد منكما على جنده.
فلقينا بني زبيد من أهل اليمن وظفر المسلمون على المشركين ، فقاتلنا المقاتلة
وسبينا الذرّية ، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي ، وكتب بذلك خالد بن الوليد إلى
النبي صلىاللهعليهوسلم
، وأمرني أنّ أنال منه. قال : فدفعت الكتاب إليه ، ونلت من علي رضي الله عنه ، فتغيّر
وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وقال : لا تبغضن يا بريدة لي علياً ، فإنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي
).
قول النبي صلىاللهعليهوسلم
: ( ( من سبّ علياً فقد سبّني ) ).
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا
العبّاس بن محمّد الدوري ، قال : حدّثنا يحيى بن زكريا ، قال أخبرنا إسرائيل ، عن
أبي إسحاق عن أبي عبد الله الجدلي قال : ( دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيسب رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
فيكم؟ قلت : سبحان الله أو معاذ الله. قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من سبّ
علياً فقد سبّني ).
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى الكوفي ، قال : جعفر بن عون ، عن سعد بن أبي عبد
الله قال : حدّثنا أبو بكر بن خالد بن عرفطة قال : ( رأيت سعد بن مالك بالمدينة ، فقال
: ذكر لي أنّكم تسبّون علياً. قلت : قد فعلنا. قال : لعلّك سببته؟ [ قلت : معاذ
الله. قال : لا تسبّه فإن وضع المنشار على مفرقي على أنّ أسبّ علياً ما سببته ] بعد
ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ما سمعت ).
الترغيب في موالاته والترهيب
عن معاداته.
أخبرنا أحمد بن شعيب قال : أخبرني هارون
بن عبد الله البغدادي الحبّال ، قال : حدّثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدّثنا فطر
بن خليفة ، عن أبي الطفيل.
وأخبرنا أبو داود ، قال : حدّثنا محمّد
بن سليمان ، قال : حدّثنا فطر ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : ( جمع علي
الناس في الرحبة ، فقال لهم : أنشد بالله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول يوم غدير خمّ
: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهو قائم ، ثمّ أخذ بيد علي فقال :
من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ).
قال أبو الطفيل : فخرجت وفي نفسي منه
شيء ، فلقيت زيد بن أرقم و( أخبرنا ) فقال : تشك؟! أنا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم واللفظ لأبي داود.
أخبرنا أحمد بن شعيب ، أخبرني أبو عبد
الرحمن زكريا بن يحيى السجستاني ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الرحيم ، قال : ( أخبرنا
) إبراهيم ، قال : حدّثنا معن ، قال : حدّثني موسى بن يعقوب ، عن المهاجر بن مسمار
، عن عائشة بنت سعد وعامر بن سعد ، عن سعد : ( أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب فقال : أمّا
بعد أيّها الناس فإنّي وليّكم. قالوا : صدقت ، ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، ثمّ قال :
هذا وليّي والمؤدّي عنيّ ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).
أخبرنا أحمد بن عثمان البصري أبو
الجوزاء ، قال : حدّثنا ابن عثمة ، عن سعد قال : ( أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيد علي فخطب ، فحمد
الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ألم تعلموا أنّي أولى بكم من انفسكم؟ قالوا : نعم ، صدقت
يا رسول الله. ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، فقال : من كنت وليّه فهذا وليّه وان الله
ليوالي من والاه ، ويعادي من عاداه ).
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
زكريا بن يحيى ، قال : حدّثنا يعقوب ابن جعفر بن أبي كثير ، عن مهاجر بن مسمار ، قال
: أخبرتني عائشة بنت سعد ،
عن سعد قال : ( كنّا
مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بطريق مكّة وهو متوجّه إليها ، فلمّا بلغ غدير خم وقف للناس ، ثمّ ردّ من تبعه ، ولحقه
من تخلّف ، فلمّا اجتمع الناس إليه قال : أيّها الناس من وليّكم؟ قالوا : الله
ورسوله ، ثلاثاً. ثمّ أخذ بيد علي فأقامه ، ثمّ قال : من كان الله ورسوله وليّه
فهذا وليّه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).
دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم
لمن أحبّه ودعاؤه على من أبغضه.
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : حدّثنا
إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، قال : ( أخبرنا ) النضر بن شميل ، قال : ( أخبرنا ) عبد
الجليل عن عطية ، قال : حدّثنا عبد الله بن بريدة ، قال : حدّثني أبي ، قال : ( لم
أجد من الناس أبغض عليّ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حتّى أحببت رجلاً من
قريش ، ولا أحبّه إلّا على بغض علي ، فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ، ما أصحبه
إلّا على بغض علي ، قال : فأصبنا سبياً ، قال : فكتب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أنّ ابعث إلينا من
يخمسه. فبُعث علياً ، وفي السبي وصيفة من أفضل السبي ، فلمّا خمّسه صارت في الخمس
، ثمّ خمّس فصارت في أهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم
، ثمّ خمّس فصارت في آل علي. فأتانا ورأسه يقطر ، فقلنا : ما هذا؟ فقال : ألم تروا
إلى الوصيفة؟ فإنّها صارت في الخمس ، ثمّ صارت في أهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ صارت في آل
علي ، فوقعت بها. قال : فكتب وبعثني مصدّقاً لكتابه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم مصدّقاً لما قال
علي ، فجعلت أقرأ عليه ويقول : صدقاً ، وأقول : صدق. قال : فأمسك بيدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا بريدة
أتبغض علياً؟ قلت : نعم. فقال : لا تبغضه ، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّاً فوالذي
نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ).
فما كان أحد من
الناس بعد قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أحبّ إليّ من علي رضي الله عنه.
قال عبد الله بن بريدة : والله ما في
الحديث بيني وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم
غير أبي.
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
الحسين بن حريث المروزي ، قال : ( أخبرنا ) الفضل بن موسى ، عن الأعمش ، عن أبي
إسحاق ، عن سعيد بن وهب قال : قال علي كرّم الله وجهه في الرحبة : أنشد بالله من
سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يوم غدير خم يقول : أنّ الله ورسوله وليّ المؤمنين ، ومن كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهم
وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره.
قال : فقال سعيد : قام إلى جنبي ستة ، وقال
زيد بن يثيع : قام عندي ستة ، وقال عمرو ذو مرّ : أحبّ من أحبّه ، واُبغض من أبغضه
) ، وساق الحديث. رواه إسرائيل عن إسحاق عن عمرو ذي مر.
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
علي بن محمّد بن علي ، قال : حدّثنا خلّف بن تميم ، قال : حدّثنا إسرائيل ، قال : حدّثنا
ابو إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ قال : ( شهدت علياً بالرحبة ينشد أصحاب محمّد : أيّكم
سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول يوم غدير خم ما قال؟ فقام أُناس فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من كنت
مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض
من أبغضه ، وانصر من نصره ).
حب علي يفرّق بين المؤمن
والكافر.
أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : ( أخبرنا )
أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي ،
قال : حدّثنا أبو
معاوية ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زرّ بن حبيش ، عن علي كرّم الله وجهه
قال : والله الذي خلق الحبّة ، وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي صلىاللهعليهوسلم : إنّه لا يحبّني
إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق ) .
نصّ ماجاء في فيض القدير شرح
الجامع الصغير :
أخرج أحمد من طريق الأجلح الكندي عن ابن
بريدة عن أبيه قال : ( بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بعثين إلى اليمن على أحدهما علي والآخر خالد ، فقال : إذا التقيتما فعلي على الناس
، وإن افترقتما فكلّ منكما على حده. فظهر المسلمون فسبوا ، فاصطفى علي امرأة من
السبي لنفسه ، فكتب خالد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم
بذلك ، فلمّا أتيته دفعت الكتاب فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجهه فقلت : يا رسول
الله هذا مكان العائذ بك ، فقال : لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم
بعدي ).
قال جدّنا للأم الزين العراقي : الأجلح
الكندي وثّقه الجمهور ، وباقيهم رجاله رجال الصحيح.
وروى الترمذي والنسائي من حديث عمران بن
الحصين في قصّة طويلة مرفوعاً : ( ما تريدون من علي إنّ علياً منّي وأنا من علي ، وهو
وليّ كلّ مؤمن بعدي ) .
نصّ ماجاء في السنن الكبرى للنسائي
:
ذكر
قول النبي صلىاللهعليهوسلم : علي ولي كلّ مؤمن
بعدي.
__________________
( ٨٤٧٤ ) ( أخبرنا ) قتيبة بن سعيد ، قال
: حدّثني جعفر ، يعني : ابن سليمان ، عن يزيد ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن
حصين ، قال : ( بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم
جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه ،
وتعاقدوا أربعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
إذا لقينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أخبرناه بما صنع. وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلّموا عليه ثمّ
انصرفوا إلى رحالهم. فلمّا قدمت السرية سلّموا على النبي صلىاللهعليهوسلم فقام أحد الأربعة
فقال : يا رسول صلىاللهعليهوسلم
، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟! فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ قام ، يعني :
الثاني فقال مثل ذلك ، ثمّ قام الثالث فقال مثل مقالته ، ثمّ قام الرابع فقال مثل
ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم
والغضب في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي؟ إن علياً منّي وأنا منه ، وهو ولي كلّ
مؤمن من بعدي ).
ذكر قوله صلىاللهعليهوسلم
: عليّ وليّكم بعدي.
( ٨٤٧٥ ) أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ، عن
ابن فضيل ، عن الأجلح ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : ( بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن مع خالد
بن الوليد ، وبعث علياً على جيش آخر ، وقال : إن التقيتما فعلي على الناس ، وإن
تفرّقتما فكلّ واحد منكما على حدته. فلقينا بني زبيد من أهل اليمن وظهر المسلمون
على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرّية ، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي
، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم
،
وأمرني أنّ أنال منه.
فقال : فدفعت الكتاب إليه ، ونلت من علي ، فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : هذا مكان
العائذ بك ، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته ، فبلّغت ما أرسلت به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تقعن يا بريدة
في علي ، فإنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ).
ذكر قول النبي صلىاللهعليهوسلم
: من سبّ علياً فقد سبّني.
( ٨٤٧٦ ) أخبرنا العباس بن محمّد ، قال
: حدّثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الله
الجدلي ، قال : ( دخلت على أم سلمة فقالت : أيسب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيكم؟. فقلت : سبحان
الله أو معاذ الله ، قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : من سبّ علياً فقد سبّني ).
( ٨٤٧٧ ) أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن
عبد الأعلى قال : حدّثنا جعفر ابن عون ، عن شقيق بن أبي عبد الله ، قال : حدّثنا
أبو بكر بن خالد بن عرفطة ، قال : ( رأيت سعد بن مالك بالمدينة ، فقال : ذكر أنّكم
تسبّون علياً ، قلت : قد فعلنا. قال : لعلّك سببته؟ قلت : معاذ الله. قال : لا
تسبّه فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّ علياً ما سببته بعدما سمعت من رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
ما سمعت ).
الترغيب في موالاة علي رضي
الله تعالى عنه ، والترهيب من معاداته.
( ٨٤٧٨ ) أخبرني هارون بن عبد الله ، قال
: حدّثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدّثنا فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل.
وأخبرنا أبو داود ، قال حدّثنا محمّد بن
سليمان قال حدّثنا فطر ، عن أبي
الطفيل عن عامر بن
واثلة ، قال : ( جمع علي الناس في الرحبة ، فقال : أنشد بالله كلّ امرئ سمع رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
يقول يوم غدير خم ما سمع ، فقام أناس فشهدوا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوم غدير خم : ألستم
تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهو قائم ، ثمّ أخذ بيد علي ، فقال : من
كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).
قال أبو الطفيل : ( فخرجت وفي نفسي منه
شيء ، فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته ، فقال : أوما تنكر؟ أنا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ).
واللفظ لأبي داود :
( ٨٤٧٩ ) أخبرني زكريا بن يحيى ، قال : حدّثني
محمّد بن عبد الرحيم ، قال حدّثنا إبراهيم ، قال : حدّثنا معن ، قال : حدّثني موسى
بن يعقوب ، عن المهاجر ابن مسمار ، عن عائشة بنت سعد وعامر بن سعد ، عن سعد : ( أنّ
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
خطب الناس فقال : أمّا بعد ، أيّها الناس فإنّي وليّكم. قالوا : صدقت ، ثمّ أخذ
بيد علي فرفعها ، ثمّ قال : هذا وليّي والمؤدّي عنّي ، اللهم وال الله من والاه ، وعاد
من عاداه ).
( ٨٤٨٠ ) أخبرنا أحمد بن عثمان أبو
الجوزاء ، قال : ( حدّثنا ابن عثمة ، قال : حدّثنا موسى بن يعقوب ، عن المهاجر بن
مسمار ، عن عائشة بنت سعد ، قالت : ( أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بيد علي فخطب ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من
أنفسكم؟ قالوا : نعم ، صدقت يا رسول الله. ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، فقال : من كنت
وليّه فهذا وليّه ، وإنّ الله يوالي من والاه ، ويعادي من عاداه ).
( ٨٤٨١ ) أخبرني زكريا بن يحيى ، قال : حدّثنا
محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير ، عن مهاجر بن مسمار ، قال
: أخبرتني عائشة بنت سعد ، عن سعد ، قال : ( كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بطريق مكّة وهو
موجّه إليها ، فلمّا بلغ غدير خم وقٌف الناس ، ثمّ رد من مضى ، ولحقه من تخلّف ، فلمّا
اجتمع الناس إليه ، قال : أيّها الناس هل بلغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ـ
ثلاث مرات يقولها ـ ثمّ قال : أيّها الناس من وليّكم قالوا الله ورسوله ، ثلاثاً.
ثمّ أخذ بيد علي فأقامه ، ثمّ قال : من كان الله ورسوله وليّه فهذا وليّه ، اللهم
وال من والاه ، وعاد من عاداه ). الترغيب في حبّ علي ، وذكر دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم لمن أحبّه ، ودعائه
على من أبغضه.
( ٨٤٨٢ ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال
: ( أخبرنا ) النضر بن شميل ، قال : حدّثنا عبد الجليل بن عطيّة ، قال : حدّثنا
عبد الله بن بريدة ، قال : حدّثني أبي ، قال : ( لم يكن أحد من الناس أبغض إليّ من
علي بن أبي طالب حتّى أحببت رجلاً من قريش لا أحبّه إلّا على بغضاء علي ، فبعث ذلك
الرجل على خيل فصحبته ، وما أصحبه إلّا على بغضاء علي ، فأصاب سبياً ، فكتب إلى
النبي صلىاللهعليهوسلم
أنّ يبعث إليه من يخمسه ، فبعث إلينا علياً ، وفي السبي وصيفة من أفضل السبي ، فلمّا
خمّسه صارت الوصيفة في الخمس ، ثمّ خمّس فصارت في أهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ خمّس فصارت
في آل علي. فأتانا ورأسه يقطر ، فقلنا : ما هذا؟ فقال : ألم تروا الوصيفة؟ صارت في
الخمس ثمّ صارت في أهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم
، ثمّ صارت في آل علي ، فوقعت عليها. فكتب ، وبعثني مصدّقاً لكتابه إلى النبي صلّى
الله عليه
وسلّم مصدّقاً لما
قال علي ، فجعلت أقول : عليه ويقول صدق ، وأقول ويقول : صدق. فأمسك بيدي رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
وقال : أتبغض علياً؟ فقلت : نعم ، فقال : لا تبغضه ، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّاً
، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ). فما كان أحد بعد رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
أحبّ إليّ من علي.
قال عبد الله بن بريدة : والله ما في
الحديث بيني وبين النبي صلىاللهعليهوسلم
غير أبي.
( ٨٤٨٣ ) أخبرنا الحسين بن حريث ، قال :
حدّثنا الفضل بن موسى ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب ، قال : قال
علي في الرحبة : ( أنشد بالله من سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يوم غدير خم يقول : إنّ الله وليي وأنا ولي ، المؤمنين ، ومن كنت وليّه فهذا وليّه
، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ).
قال : فقال سعيد : قام إلى جنبي ستة ، وقال
زيد بن يثيع : قام عندي ستة.
وقال عمرو ذو مرّ : ( أحبّ من أحبّه ، وأبغض
من أبغضه ). وساق الحديث. رواه إسرائيل ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن عمرو ذي مرّ
: ( أحبّ ... ).
( ٨٤٨٤ ) أخبرنا علي بن محمّد بن علي ، قال
: حدّثنا خلف ، قال : حدّثنا إسرائيل ، قال : حدّثنا أبو إسحاق ، عن عمرو ذي مر
قال : ( شهدت علياً بالرحبة ينشد أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم
، أيّكم سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول يوم غدير خم ما قال؟ فقام أناس فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
يقول : من كنت مولاه فإنّ علياً مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ
من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، واُنصر من نصره ).
الفرق
بين المؤمن والمنافق :
( ٨٤٨٥ ) أخبرنا محمّد بن العلاء ، قال
: حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زرّ بن حبيش ، عن علي قال
: ( والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة لعهد النبي الأمي صلىاللهعليهوسلم إليّ لا يحبّني
إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق ).
( ٨٤٨٦ ) أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ، قال
: حدّثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زرّ بن حبيش ، عن علي قال : ( عهد
إليّ النبي صلىاللهعليهوسلم
أنّ لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق ).
( ٨٤٨٧ ) أخبرنا يوسف بن عيسى ، قال : (
أخبرنا ) الفضل بن موسى ، قال : ( أخبرنا ) الأعمش ، عن عدي ، عن زرّ قال : قال
علي : ( إنّه لعهد النبي الأمي صلىاللهعليهوسلم
إليّ إنّه لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق ).
ذكر المثل الذي ضربه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي بن أبي طالب
( ٨٤٨٨ ) أخبرنا محمّد بن عبد الله بن
المبارك ، قال : حدّثنا يحيى بن معين ، قال : حدّثنا أبو حفص الأبّار ، عن الحكم
بن عبد الملك ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، عن علي قال
: قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: يا علي فيك مثل من عيسى مثل أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه
وأحبّته النصارى
حتّى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به .
ذكر
منزلة علي بن أبي طالب ، وقربه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولزوقه به ، وحبّ
رسول الله صلىاللهعليهوسلم له.
( ٨٤٨٩ ) أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال
: حدّثنا خالد عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن العلاء قال : ( سأل رجل ابن عمر عن
عثمان قال : كان من الذين تولّوا يوم التقى الجمعان ، فتاب الله عليه ، ثمّ أصاب
ذنباً فقتلوه. وسأله عن علي فقال : لا تسأل عنه ، ألا ترى منزله من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟! ).
( ٨٤٩٠ ) أخبرني هلال بن العلاء بن هلال
، قال : حدّثنا حسين ، قال : حدّثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن العلاء بن عرّار قال
: ( سألت عبد الله بن عمر قلت : ألّا تحدّثني عن علي وعثمان؟ قال : أمّا علي فهذا
بيته من بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، ولا أحدّثك عنه بغيره. وأمّا عثمان فإنّه أذنب يوم أحد ذنباً عظيماً ، فعفا الله
عنه ، وأذنب فيكم صغيراً فقتلتموه ) .
نصّ ماجاء في كنز العمّال
للمتقي الهندي :
عن عمران بن حصين قال : ( بعث رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
سرية
__________________
واستعمل عليهم علياً
فغنموا ، فصنع علي شيئاً أنكروه. وفي لفظ : فأخذ علي من الغنيمة جارية ، فتعاقد
أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أنّ يعلموه ، وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلّموا عليه
ونظروا إليه ثمّ ينصرفون إلى رحالهم ، فلمّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقام أحد الأربعة
فقال : يا رسول الله! ألم تر أنّ علياً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه ، ثمّ
قام الثاني فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه ،
ثمّ قام الرابع فأقبل إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يعرف الغضب في وجهه فقال : ما تريدون من علي؟ علي منّي وأنا من علي ، وعلي ولي كلّ
مؤمن بعدي ) .
نصّ ماجاء في سنن البيهقي :
( ... قال : ( بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم علياً رضي الله عنه
إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه ليقبض الخمس ، فأخذ منه جارية ، فأصبح ورأسه يقطر
قال خالد : لبريدة ألا ترى ما يصنع هذا؟ قال : وكنت أبغض علياً رضي الله عنه ، فذكرت
ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فقال : يا بريدة أتبغض علياً؟ قال : قلت نعم. قال : فأحبّه فإنّ له في الخمس
أكثر من ذلك ) .
نصّ ماجاء في مسند أبي يعلى
:
__________________
عن عمران بن حصين قال : ( بعث رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، قال له : يا علي السرية. قال عمران : كان
المسلمون إذا قدموا من غزوة أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قبل أنّ يأتوا رحالهم فأخبروه مسيرهم ، قال : فأصاب علي جارية ، فتعاقد أربعة
فأخبروه بمسيرهم فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ، وأصاب علي جارية ، فأعرض
عنه ، ثمّ قام الثاني فقال : يا رسول الله صنع علي كذا وكذا ، فأعرض عنه ، ثمّ قام
الثالث فقال : يا رسول الله صنع علي كذا وكذا ، فأعرض عنه ثمّ قام الرابع فقال يا
رسول الله : صنع كذا وكذا ، قال فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم
مغضباً الغضب يعرف في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي؟ علي منّي وأنا منه ، وهو
ولي كلّ مؤمن بعدي ) .
نص ماجاء في صحيح ابن حبّان
:
عن عمران بن حصين قال : ( بعث رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
سرية واستعمل عليهم علياً ، قال : فمضى علي في السرية فأصاب جارية فأنكر ذلك عليه
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فقالوا : إذا لقينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أخبرناه بما صنع علي. قال عمران : وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤا برسول الله
صلىاللهعليهوسلم
فسلّموا عليه ونظروا إليه ، ثمّ ينصرفون إلى رحالهم. فلمّا قدمت السرية سلّموا على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله : ألم تر أنّ علياً صنع كذا
__________________
وكذا ، فأعرض عنه ، ثمّ
قام آخر فقال : يا رسول الله ألم تر أنّ علياً صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه ، ثمّ قام
آخر فقال : يا رسول الله ألم تر أنّ علياً صنع كذا وكذا ، فأقبل إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم والغضب يعرف في
وجهه ، فقال : ما تريدون من علي؟ ثلاثاً إنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو ولي كلّ
مؤمن بعدي ).
ذكر
البيان بأنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان ناصر كلّ ما ناصره رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أخبرنا محمّد بن طاهر بن أبي الدميك ، حدّثنا
إبراهيم بن زياد ، حدّثنا أبو معاوية ، حدّثنا الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن
بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( من كنت وليّه فعلي وليّه ).
ذكر
دعاء المصطفى صلىاللهعليهوسلم بالولاية لمن ولي
علياً ، والمعادة لمن عاداه.
أخبرنا عبد الله بن محمّد الأزدي ، حدّثنا
إسحاق بن إبراهيم ، ( أخبرنا ) أبو نعيم ويحيى بن آدم ، قالا : حدّثنا فطر بن
خليفة ، عن أبي الطفيل ، قال : قال علي : أنشد الله كلّ امرئ سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول يوم غدير خم
لما قام ، فقام أناس فشهدوا أنّهم سمعوه يقول : ألستم تعلمون أنّي أولى الناس
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله : قال : من كنت مولاه فإنّ هذا
مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء ، فلقيت
زيد بن أرقم فذكرت ذلك له ، فقال : قد سمعناه من رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم يقول ذلك
.
نصّ ماجاء في صحيح البخاري :
حدّثنا على بن سويد بن منجوف ، عن عبد
الله بن بريدة ، عن أبيه رضى الله عنه قال : ( بعث النبي صلىاللهعليهوسلم علياً إلى خالد
ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا
قدمنا على النبي صلىاللهعليهوسلم
ذكرت ذلك له ، فقال : يا بريدة أتبغض علياً؟ قلت : نعم ، قال : لا تبغضه فإنّ له
في الخمس أكثر من ذلك ) .
وقفة
تدبّر حول النصوص السابقة :
١ ـ الرواية عن زيد بن أرقم وغيره من
الصحابة ، وفي صحاح ومسانيد وسنن معتبرة عند أهل السنّة.
٢ ـ والدليل على أنّ هذه الآية نزلت في
حجّة الوداع ماجاء في نصوص كثيرة منها قال : ( لمّا رجع النبي صلىاللهعليهوسلم من حجّة الوداع
ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ، ثمّ قال : كأنّي دعيت فأجبت ... ).
وفي رواية : قال زيد بن أرقم : ( قام
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قالوا : بلى ، نشهد لأنت أولى بكلّ مؤمن من نفسه. قال : فإنّي من كنت مولاه فهذا
مولاه. وأخذ بيد علي ).
وفي رواية : ( فلمّا بلغ غدير خم وقف
للناس ، ثمّ ردّ من تبعه ، ولحقه من
__________________
تخلّف ، فلمّا اجتمع
الناس إليه ، قال : أيّها الناس من وليّكم؟ قالوا : الله ورسوله ، ثلاثاً. ثمّ أخذ
بيد علي فأقامه ، فقال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).
وفي رواية أخرى : ( ألستم تعلمون أني
أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى. قال : فأخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه ، فعلى
مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. قال : فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً
يا ابن أبى طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة ).
٣ ـ والنصوص دليل على وجوب التمسّك
بالكتاب والعترة : ( وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله
وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فانهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ
الحوض ).
٤ ـ فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : وإنّه ما
كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنيه.
٥ ـ التأمّل في هذه العبارة : ( فذكرت
علياً فتنقّصته ).
( وإذا وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد احمرّ ).
( من كنت وليّه فعلي وليّه ).
( فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتغيّر وجهه ).
فقال : يا بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ).
( فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ قام الثاني
وقال مثل ذلك ، ثمّ الثالث فقال : مقالته ، ثمّ قام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل
إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم
والغضب يبصر في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي؟ إنّ علياً منّي وأنا منه ، وهو
ولي كلّ مؤمن بعدي ).
( لا تبغضن يا بريدة لي علياً ، فإنّ
علياً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ).
( من سب علياً فقد سبّني ).
( لا تبغضه ، وإن كنت تحبّه فازدد له
حبّا ).
( فرأيت الغضب في وجهه ).
( فقال : لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا
منه ).
( من يتنقص علياً فقد تنقّصني ، ومن
فارق علياً فقد فارقني ).
رغم أنّه قد حصل بعض التلاعب أوالتحريف
: فبعضهم لم يذكر قوله : ( تنقّصت علياً عند النبي ). ولا قوله : ( أمرني خالد ).
ولا : ( علي منّي وأنا من علي ). ولا : ( وهو وليّكم من بعدي ). ولا عبارة : ( ولي
كلّ مؤمن بعدي ) جدّاً مهمّة ، وجديرة بالتأمّل ، وخاصة لفظ ( مؤمن ) ولفظ ( بعدي
).
٦ ـ مناشدة الإمام علي عليهالسلام للصحابة في الرحبة
، وشهادتهم بذلك.
٧ ـ خالد يأمر بريدة أنّ ينال من علي عليهالسلام.
٨ ـ حدّثنا عبد الله بن بريدة ، قال : حدّثني
أبي ، قال : لم أجد من الناس أبغض عليّ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حتّى
أحببت رجلاً من قريش ، ولا أحبّه إلّا على بغض علي ، فبعث ذلك الرجل على خيل
فصحبته ، ما أصحبه إلّا على بغض علي.
( ياترى من هو هذا الرجل من قريش )؟!
٩ ـ تهنئة عمر لعلي بن أبي طالب بالولاية.
١٠ ـ عبارتهم : ( وثّقه الجمهور وباقيهم
رجاله رجال الصحيح ).
١١ ـ ( وقّف الناس ثمّ ردّ من مضى ، ولحقه
من تخلّف فلمّا اجتمع الناس إليه ، قال : أيّها الناس هل بلّغت قالوا : نعم ، قال
: اللهم اشهد ، ثلاث مرّات يقولها. ثمّ
قال : أيّها الناس
من وليّكم؟ قالوا : الله ورسوله ، ثلاثاً. ثمّ أخذ بيد علي فأقامه ثمّ قال : من
كان الله ورسوله وليّه فهذا وليّه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).
والعاقل يفهم أهمية الموضوع الذي لأجله
أوقف الرسول صلىاللهعليهوآله
الناس وردّ من مضى منهم ، وأشهدهم ثلاثاً أنّه بلّغ.
١٢ ـ وأمّا عثمان فإنّه أذنب يوم أُحد
ذنباً. فماهو الذنب ياترى؟!
جواباتها متروكة للقارئ المنصف بعد
التدبّر وإخلاص النية.
محاولات لردّ
حديث الغدير
١ ـ يقول بعضهم : ( لا نسلّم بصحّة هذا
الحديث ). ومن هؤلاء الفخر الرازي بدعوى أنّ الإمام علي عليهالسلام لم يكن في حجّة
الوداع ، بل كان في اليمن في ذلك الوقت.
الجواب :
أ ـ إنّ الرازي كذّب كلّ حديث ورد فيه
أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله
أخذ بيد علي ، وجعل يعرّفه إلى الناس ويقول : ( فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ).
ب ـ لقد ردّ عليه قومه ، كما يقول ابن
حجر الهيتمي في الصواعق : ( ولا التفات لمن قدح في صحّته ، ولا لمن ردّه بأنّ
عليّاً كان باليمن ، لثبوت رجوعه منها ، وإدراكه الحجّ مع النبي ) .
٢ ـ يقول ابن حزم الأندلسي وبعض أتباعه
، ويقول الشيخ سليم البشري المالكي في مراجعته للسيّد شرف الدين ، ( الشيعة
متّفقون على اعتبار التواتر فيما يحتجّون به على الإمامة ؛ لأنّها عندهم من أصول
الدين ، فما الوجه في احتجاجكم بحديث الغدير مع عدم تواتره عند أهل السنّة؟ وإن
كان ثابتاً من طرقهم الصحيحة )؟
__________________
الجواب :
لا ريب في تواتره من طريق أهل السنّة ، فممن
اعترف بتواتره الحافظ الذهبي ، وشمس الدين الجزري ، والسيوطي ، والملا علي القاري
، والألباني ، وغيرهم.
فقال الذهبي معقّباً على أحد طرق : ( من
كنت مولاه فعلي مولاه ) : ( هذا حديث حسن عال جدّاً ، ومتنه متواتر ) .
وقال أيضاً : ( فهذا ما يسّر الله تعالى
جمعه من طرق هذا الحديث ، وأفادنا ذلك العلم بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال ذلك ) .
وقال شمس الدين الجزري حول أحد الطرق :
( هذا حديث حسن من هذا الوجه صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي ، وهو
متواتر أيضاً عن النبي صلىاللهعليهوآله
) .
وقال الألباني في تصحيحه للحديث ( من
كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) : ( وجملة القول أنّ
حديث الترجمة حديث صحيح بشرطه ، بل الأوّل منه متواتر عنه صلىاللهعليهوآله كما يظهر لمن تبع
أسانيده وطرقه ) .
لكن الذين في قلوبهم مرض مهما أتيت لهم
بدليل لا يقنعون ، فمثلاً : عندما فشلوا في ردّ الحديث قالوا : لو سلّمنا أنّ حديث
الغدير ينصّ على إمامة علي عليهالسلام
__________________
فهذا يعني بعد
عثمان!
نقول : إنّ مفاد حديث الغدير أنّ علياً
أولى بعثمان من نفسه ؛ لأنّ عمر ممن هنّأه بالولاية على كلّ مؤمن ومؤمنة ، والروايات تقول : من بعدي ، لا من
بعد الثالث.
٣ ـ قال بعضهم : نعم ، إنّ حديث الغدير
يدلّ على إمامة علي ، لكن الإمامة تنقسم إلى قسمين ، هناك إمامة باطنية هي الإمامة
في عرف المتصوّفة ، فعلي إمام المسلمين بعد رسول الله بلا فصل ، لكن هو إمام في
المعنى ، إمام في القضايا المعنوية ، إمام في الأمور الباطنيّة ، والمشايخ الثلاثة
هم أئمّة المسلمين في الظاهر ، ولهم الحكومة.
نقول
لهم :
ماهو الدليل على هذا التقسيم؟ والرسول صلىاللهعليهوآله جعل ولاية الإمام
علي عليهالسلام
مطلقة ، بدون استثناء ، من دون قيد.
وقد هنّأه عمر وقال : ( بخ بخ لك يا بن
أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ) .
ولكن حبّ الرئاسة والملك ، كما قال
الغزالي : ( ولكن أسفرت الحجّة بوجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته صلىاللهعليهوآلهوسلم في يوم غدير
خم ، باتّفاق الجميع وهو يقول : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ). فقال عمر : بخ بخ لك
يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن
__________________
ومؤمنة. فهذا تسليم
ورضا وتحكيم.
ثمّ بعد هذا غلب الهوى بحبّ الرئاسة ، وحمل
عمود الخلافة ، وعقود البنود ، وخفقان الهواء في قعقعة الرايات ، واشتباك ازدحام
الخيول ، وفتح الأمصار ، وسقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأوّل ، فنبذوا
الحق وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً ) .
فلابدّ من التسليم والاعتراف بأنّ أهل
البيت عليهمالسلام
ظُلموا وأُخذ حقّهم ، وإلّا فسوف يكون العناد اتّباع للهوى ، فلا فرق بين من ظلم
أهل البيت عليهمالسلام
ذلك الزمان ومن أعان عليه الآن.
٤ ـ يقول الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب
كتاب التحفة الاثني عشرية : بأنّ لفظة ( مولى ) لا تجيء بمعنى الأولى بإجماع أهل
اللغة.
نقول
في الجواب :
أولاً : هناك قاعدة في علم الحديث
يعبّرون عنها بقاعدة الحديث يفسّر بعضه بعضاً ، ونحن لاحظنا هذين اللفظين ( من كنت
مولاه فإنّ علياً مولاه ) ، ( من كنت وليّه فهذا وليّه ) ، فلو كان هناك إبهام في
معنى كلمة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى الأولى ، فإنّ اللفظ الأوّل يفسّر اللفظ
الثاني.
ثانياً : الرواية التي أوردناها سابقاً
تقول : ( من كان الله ورسوله وليّه فهذا وليّه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه
). فلفظ وليّه جاء لله وللرسول ، فولاية علي سواءً قال مولاه أو وليّه فهي شبيهة
بولاية الله ورسوله ، فهي مطلقة ولم تقيّد.
__________________
ثالثاً : الآية الكريمة في سورة الحديد
: ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )
، ( هي مولاكم
) يفسرون
الكلمة بـ ( هي أولى بكم ) .
رابعاً : الأشعار العربية الفصيحة ، وكلمات
اللغويين تدلّ أنّه لا فرق بين لفظ ( مولاه ) ( ووليّه ) كما في تاج العروس ما هذا
نصّه : ( الولي ) الذي يلي عليك أمرك ، وهما بمعنى واحد ، ومنه الحديث : ( أيما
امرأة نكحت بغير إذن مولاها ) ، ورواه بعضهم : بغير إذن وليّها وروى ابن سلام عن
يونس : ( أنّ المولي ، في الدين هو الولى وذلك قوله تعالى : ( ذلك بأنّ
الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ) ، أي : لا وليّ لهم ، ومنه الحديث : ( من
كنت مولاه فعلي مولاه ) أي : من كنت وليّه ) .
خامساً : كثيراً ما كرر رسول الله صلىاللهعليهوآله الولاية للإمام علي
عليهالسلام
، مثل : ( أنت ولي كلّ مؤمن بعدي ) ، ( إنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ) ،
( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، وغيرها مما سنسردها في محلّها إن شاء الله تعالى.
سادساً : لقد خاطب النبي صلىاللهعليهوآله الناس بأنّه أولى
بهم من أنفسهم ، وجعل هذه الولاية لعلي عليهالسلام
بدون استثناء شيء من تلك الولاية ، فلو كان هناك استثناء لوضّحها صلىاللهعليهوآله لأنّه يعلم بولايته
المطلقة للناس ولكنّه لم يستثني شيئاً منها ، بل سأل الناس هل هو أولى بهم من
أنفسهم؟ فلمّا قالوا : نعم ، أثبت لهم أنّ علي مولى لمن والاه بدون استثناء شيء من
معاني الولاية المطلقة للنبي صلىاللهعليهوآله.
__________________
بعد هذا السرد تبيّن للقارئ العزيز أنّ
هذا الحديث قد بلغ حدّ التواتر ، وصار قطعي الصدور من الرسول صلىاللهعليهوآله رغم ما بذل في سبيل
عدم تدوينه والتحدّث به ؛ لأنّ الله متمّ نوره ولو كره الكارهون ، وصار بمنزلة آية.
يقول الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب
كتاب التحفة الاثنى عشرية : ( إنّ الحديث إذا وصل حدّ التواتر وأصبح قطعي الصدور
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
كان بمنزلة آية قرآنية ، فكما أنّ القرآن الكريم مقطوع الصدور من الله سبحانه
وتعالى ، ولا ريب في أنّ هذا القرآن مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى ، ولا ريب
في هذا القرآن وفي ألفاظه ووصول القرآن الكريم إلينا بالتواتر القطعي ، فكلّ حديث
يروى عن رسول الله ، ويصل إلينا بأسانيد تفيد القطع واليقين يكون هذا الحديث بحكم
الآية القرآنية ، وبمثابة القرآن الكريم ) .
إذن أصبح قوله صلىاللهعليهوآله : ( من كنت مولاه
فهذا علي مولاه ... ) بمثابة آية قرآنية من حيث إنّه مقطوع الصدور عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فمن كذّبه فكأنّه
كذّب آية من القرآن الكريم ، فهل يجرؤ مسلم على ذلك؟
أحاديث
أُخرى تدلّ على الولاية :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( اللهم من آمن
بي وصدّقني فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّ ولايته ولايتي ، وولايتي ولاية الله
تعالى ). وقال صلىاللهعليهوآله
: ( من أحب أنّ يحيا حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ
ربّي عزّ وجلّ غرس قضبانها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من
__________________
هدى ، ولن يدخلكم في
ضلالة ) .
وقال صلىاللهعليهوآله
: ( من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال
علياً من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا
من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي فويل للمكذّبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي
، لا أنالهم الله شفاعتي ) .
وقال صلىاللهعليهوآله
في أهل بيته ما يدل على توليّهم والالتفاف حولهم : ( ... فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا
تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) .
وقال ابن حجر في قوله صلىاللهعليهوآله : ( فلا تقدموهم
فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) . دليل على أنّ من تأهل منهم للمراتب
العلية ، والوظائف الدينية كان مقدّماً على غيره ... ) .
وقال صلىاللهعليهوآله
: ( معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحبّ آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية
لآل محمّد أمان من العذاب ) .
وقال صلىاللهعليهوآله
: ( فلو أنّ رجلاً صفن ـ صفّ قدميه ـ بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، وهو مبغض
لآل محمّد دخل النار ) .
__________________
وكما في مسند أحمد قوله صلىاللهعليهوآله عن سورة براءة : عن
زيد بن يثيع ، عن أبي بكر : ( أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
بعثه ببراءة لأهل مكّة لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل
الجنّة إلّا نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم
مدّة فأجله إلى مدّته ، والله بريء من المشركين ورسوله ، قال : فسار بها ثلاثاً ، ثمّ
قال لعلي رضي الله تعالى عنه : الحقه ، فردّ علي أبا بكر ، وبلّغها أنت ، قال : ففعل
، قال : فلمّا قدم على النبي صلىاللهعليهوسلم
أبو بكر قال : يا رسول الله ، حدث فيّ شيء؟ قال : ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أمرت
أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي ) .
حدّثنا عبد الله ، قال : حدّثني أبي ، قال
: ثنا محمّد بن جعفر .. قال : ( فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف ، وقعوا في رجل له
عشر ، وقعوا في رجل ، قال له النبي صلىاللهعليهوسلم
: لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله ، قال : فاستشرف لها من
استشرف ، قال : أين علي؟ قالوا : هو في الرحل يطحن ، قال : وما كان أحدكم ليطحن؟
قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر ، قال : فنفث في عينيه ، ثمّ هزّ الراية ثلاثاً
، فأعطاها إيّاه ، فجاء بصفية بنت حيي ، قال : ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة ، فبعث
علياً خلفه فأخذها منه ، قال : لا يذهب بها إلّا رجل منّى وأنا منه ، قال : وقال :
لبني عمّه أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال : وعلي معه جالس ـ فأبوا ، فقال :
علي أنا أواليك في الدنيا والآخرة ، قال : أنت وليى في الدنيا والآخرة ، قال : فتركه
، ثمّ أقبل على رجل منهم ، فقال : أيّكم يوالينى في الدنيا والآخرة؟ فأبوا ، قال :
فقال : علي أنا أواليك في الدنيا والآخرة ، فقال : أنت
__________________
وليي في الدنيا
والآخرة ، قال : وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة ) .
لاحظ : لماذا ردّ علي عليهالسلام أبا بكر ، أجب ، لكن
بأمانة وإنصاف ، وتأمّل وتدبّر في معاني هذه العبارات : ( وليقتد بأهل بيتي من
بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذّبين
بفضلهم فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم
أعلم منكم ).
( معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحبّ
آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب ).
فمن تدبرّ وأنصف وأخلص عمله لوجه الله ،
وترك ماعليه آباؤه الأوّلين تيقّن أنّ أهل البيت عليهمالسلام
أشخاص معدودين تجب معرفتهم ومحبّتهم وموالاتهم على كلّ مكلّف ، لا يتقدّمهم ولا
يتأخّر عنهم إلّا ضال مضل ، فليقرأ القارئ هذه الروايات وهو جامع كلّ حواسّة ليفهم
معانيها ومضامينها ، ويعاهد ربّه ونفسه وضميره أن يقرأ بأمانة وإنصاف ، ويتمعّن في
كلّ حديث ليرى هل يمكن أن ينطبق على ما تعتقده الشيعة الإمامية أم على ما يعتقده
غيرهم؟ ثمّ يحكم بالحق ، والله خير الحاكمين.
وأخيراً مع شاعر الرسول المعروف حسّان
بن ثابت الذي استأذن الرسول صلىاللهعليهوآله
بعد إتمام الولاية فأذن له ، فتقدم وقال :
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
|
|
بخمّ وأسمع بالنبيّ مناديا
|
وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه
|
|
بأنّك معصوم فلا تك وانيا
|
__________________
وبلّغهم ما أنزل الله ربّهم إليك
|
|
ولا تخش هناك الأعاديا
|
فقام به إذ ذاك رافع كفّه
|
|
بكفّ عليّ معلن الصوت عاليا
|
فقال فمن مولاكم ووليّكم؟
|
|
فقال ولم يبدوا هناك تعاميا
|
إلهك مولانا وأنت ولينا
|
|
ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
|
فقال له قم يا علي فإنني
|
|
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
|
فمن كنت مولاه فهذا وليّه
|
|
فكونوا له أنصار صدق مواليا
|
هناك دعا اللهم وال وليّه
|
|
وكن للذي عادى علياً معاديا
|
فيا ربّ انصر ناصريه لنصرهم
|
|
إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
|
ومع شاعر أهل البيت الكميت ( رضي الله
عليه ) في قوله :
ويوم الدوح دوح غدير خم
|
|
أبان له الولاية لو أطيعا
|
ولكن الرجال تدافعوها
|
|
فلم أر مثلها خطراً منيعا
|
__________________
الدليل الرابع
: آية إكمال الدين
قال تعالى : ( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فإنّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم ٌ )
.
نصّ ماجاء في شواهد التنزيل
للحاكم الحسكاني :
حدّثني أبو زكريا ابن أبي إسحاق قال : (
أخبرنا ) عبد الله بن إسحاق ، قال حدّثنا الحسن بن علي العنزي قال : حدّثني محمّد
بن عبد الرحمن الذارع ، قال : حدّثنا قيس بن حفص الدارمي ، قال : حدّثني علي بن
الحسين أبو الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : ( أنّ النبي
( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعيه فرفعهما ، ثمّ لم يتفرّقا حتّى نزلت هذه الآية : ( اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )
فقال رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي ، ثمّ
قال للقوم : من كنت مولاه فعلي مولاه ).
تفسير ابن كثير :
عن أبي سعيد الخدري : ( إنّها نزلت على
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يوم غدير خم حين قال لعلي : من كنت مولاه فعلي مولاه ). ثمّ رواه عن أبي هريرة ،
__________________
وفيه أنّه اليوم
الثامن عشر من ذي الحجة ) .
تاريخ بغداد :
عن أبي هريرة ، قال : ( من صام يوم ثمان
عشرة من ذي الحجّة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ لمّا أخذ النبي صلىاللهعليهوسلم بيد علي بن أبي
طالب فقال : ألست اولي بالمؤمنين؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه
فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى
كلّ مسلم ، فأنزل الله : ( اليوم أكملت لكم
دينكم )
.
المناقب للخوارزمي :
وأخبرني سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار
بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليّ من همدان ، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن
عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة [ أخبرنا الشريف أبو طالب المفضّل بن الجعفري
بأصبهان ، أخبرني الحافظ أبو بكر ابن مردويه إجازة ، حدّثني جدّي ] ، حدّثني عبد
الله بن إسحاق البغوي ، حدّثني الحسن بن عليل الغنوي ، حدّثنا محمّد بن عبد
الرحمان الذراع ، حدّثنا قيس ابن حفص ، حدّثني علي بن الحسن العبدي ، عن أبي هارون
العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : ( إنّ النبي صلّى الله عليه وآله يوم دعا الناس في
غدير خمّ ، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ وذلك يوم الخميس ، ثمّ دعا الناس
إلى علي فأخذ بضبعه فرفعها حتّى نظر الناس إلى إبطه ثمّ لم يتفرّقا حتّى نزلت : ( اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .
__________________
تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر
:
عن أبي هريرة قال : ( من صام يوم ثماني
عشرة من ذي الحجّة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ ، لمّا أخذ النبي ( صلىاللهعليهوسلم ) بيد علي ابن أبي
طالب فقال : ألست ولي المؤمنين؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه
فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى
كلّ مسلم ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( اليوم أكملت لكم
دينكم ).
عن أبي هريرة قال : لمّا أخذ رسول الله
( صلىاللهعليهوسلم
) بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال
: فأخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال له عمر بن
الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم قال : فأنزل الله
عزّ وجلّ ( اليوم أكملت لكم دينكم ) قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خمّ ، من
صام يعني ثمانية عشر من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهراً.
وأخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا
أبو الحسين بن النقور ، أنا محمّد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا أحمد بن عبد
الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري البزاز إملاء لثلاث
بقين من جمادى الأخرة سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ، نا علي بن سعيد الشامي ، نا ضمرة
بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : ( من
صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ
لمّا أخذ رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست مولى المؤمنين؟ قالوا : نعم يارسول الله ، فأخذ
بيد علي بن أبي طالب ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال له عمر بن الخطاب : بخ
بخ يا ابن أبي طالب ، أصبحت
مولاي ومولى كلّ
مسلم. قال فأنزل تبارك وتعالى ( اليوم أكملت لكم
دينكم ).
عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن
عمر بن الخطاب قال : قال : رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ).
عن أبي سعيد الخدري قال : ( لمّا نصب
رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) علياً بغدير خمّ فنادى له بالولاية ، هبط جبرئيل عليه السلام عليه بهذه الآية ( أليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .
وممّا يؤيّد ويؤكّد حديث الغدير وآية
إكمال الدين قصّة الرجل الذي دعا على نفسه إن كانت ولاية علي عليهالسلام من عند الله تعالى
: فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم : ( سأل سائل
بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع )
، ونزلت فيه آيات بينات ذكرها الكثير من أبناء السنّه منهم :
١ ـ الزرندي :
ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي ( رحمه
الله ) في تفسيره ( أنّ سفيان بن عيينة ( رحمه الله ) سأل عن قول الله : ( سأل سائل
بعذاب واقع )
فيمن نزلت؟ فقال للسائل : سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك.
حدّثني أبي ، عن جعفر بن محمّد ، عن
آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
لمّا كان بغدير خمّ نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال : من كنت مولاه فعلي
مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ،
__________________
فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله على ناقة له ، فنزل
بالأبطح عن ناقته وأناخها ، فقال : يا محمّد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله
إلّا الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا ان نصلّي خمساً فقبلنا منك ، وأمرتنا
بالزكاة فقبلنا منك ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا منك ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا
منك ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك تفضّله علينا وقلت : من كنت مولاه
، فعلي مولاه فهذا منك أم من الله؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.
فولّى الحارث بن النعمان وهو يريد
راحلته ويقول : اللهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّ فأمطر علينا حجارة من السماء أو
ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إلى راحلته حتّى رماه الله تعالى بحجر ، فسقط على
هامته وخرج من دبره ، وأنزل الله ( سأل سائل بعذاب واقع
للكافرين ليس له دافع )
.
٢ ـ الحاكم الحسكاني :
عن سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمّد ،
عن أبيه ، عن علي قال : ( لمّا نصب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
علياً يوم غدير خمّ فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه. طار ذلك في البلاد ، فقدم على
رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا عن الله أنّ نشهد أنّ لا إله
إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصلوة والزكاة والصوم
فقبلناها منك ، ثمّ لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فهذا مولاه.
فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟
__________________
قال : أمر من عند الله.
قال : الله الذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله؟ قال : الله الذي لا إله إلّا هو
إن هذا من الله. قال : فولّى النعمان وهو يقول : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك
فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم. فرماه الله بحجر على رأسه فقتله
، فأنزل الله تعالى ( سأل سائل ) ).
و ( رواه أيضاً ) في ( التفسير ) العتيق
( قال ) : حدّثنا إبراهيم بن محمّد الكوفي ، قال : حدّثني نصر بن مزاحم ، عن عمرو
بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن محمّد بن علي قال : أقبل الحارث بن عمرو الفهري إلى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقال : ( إنّك أتيتنا بخبر السماء فصدّقناك وقبلنا منك. فذكر مثله إلى قوله : فارتحل
الحارث ، فلمّا صار ببطحاء مكّة أتته جندلة من السماء فشدخت رأسه ، فأنزل الله ( سأل سائل
بعذاب واقع للكافرين )
بولاية علي عليه السلام ).
عن حذيفة بن اليمان قال : ( لمّا قال
رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلي : من كنت مولاه فهذا مولاه. قام النعمان بن
المنذر الفهري فقال : هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربّك؟ قال : لا بل
أمرني به ربّي. فقال : اللهم أنزل علينا حجارة من السماء. فما بلغ رحله حتّى جاءه
حجر فادماه فخر ميتاً ، فأنزل الله تعالى ( سأل سائل بعذاب واقع
للكافرين ليس له دافع ).
عن أبي هريرة قال : ( أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعضد علي
ابن أبي طالب يوم غدير خمّ ، ثمّ قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. فقام إليه أعرابي
فقال : دعوتنا أنّ نشهد أنّ لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله فصدّقنا ( ك ) ، وأمرتنا
بالصلاة والصيام فصلّينا وصمنا ، وبالزكاة فأدّينا فلم تقنعك إلّا أنّ تفعل هذا؟!
فهذا عن الله أم عنك؟! قال : عن الله لا عنيّ. قال : الله الذي لا إله
إلّا هو لهذا عن
الله لا عنك؟!! قال : نعم ، ثلاثاً. فقام الأعرابي مسرعاً إلى بعيره وهو يقول : ( اللهم
إن كان هذا هو الحق من عندك ) الآية ، فما استتم الكلمات حتّى نزلت نار من السماء
فأحرقته ، وأنزل الله في عقب ذلك ( سأل سائل ـ إلى ( قوله
) ـ دافع )
.
٣ ـ تفسير القرطبي :
وقيل : ( إنّ السائل هنا هو الحارث بن
النعمان الفهري. وذلك أنّه لما بلغه قول النبي صلىاللهعليهوسلم
في علي رضي الله عنه : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ركب ناقته فجاء حتّى أناخ
راحلته بالأبطح ثمّ قال : يا محمّد ، أمرتنا عن الله أنّ نشهد أنّ لا إله إلّا
الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، ونزكّي أموالنا
فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كلّ عام فقبلناه منك ، وأن نحجّ فقبلناه منك
، ثمّ لم ترض بهذا حتّى فضلت ابن عمك علينا! أفهذا شيء منك أم من الله؟! فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم
: ( والله الذي لا إله إلّا هو ما هو إلّا من الله ). فولّى الحارث وهو يقول : اللهم
إن كان ما يقول محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم.
فوالله ما وصل إلى ناقته حتّى رماه الله بحجر ، فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله
، فنزلت : ( سأل سائل بعذاب واقع ) الآية ) .
إذن أصبحت ثلاث آيات بيّنات مبيّنات ، أحدها
: تأمر النبي بتبليغ الولاية ، والثانية : تخبر باكمال الدين وإتمام النعمة
بالولاية ، والثالثة : معجزة ظاهرة لأولي
__________________
الألباب في قصّة
السائل للعذاب ، وما يأتي متمم للحجّة.
وأنّه عزّ وجلّ لا يترك أرضه بغير قيّم
ليكون حجّة على خلقه ، ولكن من نهج نهج من لم يسلّم لحجّة الله ، وقال : أنا خير
ممن اخترت ، وهبط عمله بعد عبادة ألف سنة ، لحسده وكبره يتّبعه كلّ من انقلب على
عقبيه ، ولم يسلّم لأمر الرسول في أهل بيته ، وقال : أنا خير منهم ، لسنّي وشهرتي
، فحبط عمله ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وهو الخاسر ، فيحمل وزره
ووزر من نهج نهجه إلى يوم القيامة ، والعاقبة للمتّقين.
الدليل الخامس
: حديث السفينة
إنّ الرسول صلىاللهعليهوآله مرّة يعلن للورى
أنّ الإمام علي عليهالسلام
هو وليّهم من بعده كما في حديث الغدير ونحوه ، ومرّة يعلن الولاية لأهل بيته عليهمالسلام مثل : حديث الثقلين
والسفينة ونحوهما ، ففي حديث الثقلين جعل أهل بيته عليهمالسلام
قرناء القرآن لا يفترقان حتّى يردا عليه ، وهنا مثّلهم بسفينة نوح التي كلّ من قرأ
القرآن عرف أنّ من ركب مع نوح في السفينة نجا من الغرق ، ومن لم يركب هلك وغرق ، فمن
لم يتمسّك ، أي : يتّبع أهل البيت عليهمالسلام
فهو غارق هالك في بحر الاختلافات المذهبية ، وستؤدّي به إلى هلاك الآخرة إن لم
يدرك نفسه ويتّبع من أُمر باتّباعه.
وقد بيّن صلىاللهعليهوآله
من هم أهل بيته عليهمالسلام
في حديث الكساء وغيره ، فقد بلّغ ونصح وأسمع كلّ ذي بصيرة ، ونحن بدورنا ننقل لمن
كان قاصراً فلم تبلغه الحجّة ، ولا عذر لمعتذر في زمن كهذا ، كلّ سبل البحث
متوفّرة فليقرأ وليتأمّل ويدقّق ، فإنّ الرسول صلىاللهعليهوآله
لا ينطق عبثاً ، فعندما يقول : أهل بيتي فيكم كسفينة نوح. فإنّ كلامه وحي يوحى
وماينطق عن الهوى ، فليتّق الله كلّ منصف في وصيّة رسول الله فلا يخالفها ، ولا
يعين على خلافها ، بل يقرأ ويقرأ ، ويسمع ويسمع حتّى يصل للنتيجة التي يقتنع بها
عن علم ، ويعلّم من لم يعلم لينال ثواب إبلاغ وصيّة الرسول في أهل بيته لمن لم
تصله ، لينال أجرعمله وأجر من اهتدى بسببه إلى يوم القيامة.
وهذا الحديث الذي نحن بصدده جاء في كثير
من كتب أهل السنّة المعتبرة ، منها مايلي :
مستدرك الحاكم النيسابوري :
أخبرنا ميمون بن إسحاق الهاشمي ، ثنا أحمد
بن عبد الجبار يونس بن بكير ، ثنا المفضّل بن صالح ، عن أبى إسحاق ، عن حنش
الكناني قال : ( سمعت أباذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة : أيّها الناس من عرفني فأنا
من عرفتم ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : مثل
أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ).
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
مجمع الزوائد للهيثمي :
عن أبي سعيد الخدري قال : ( سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : إنّما مثل
أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنّما مثل
أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ) .
المعجم الصغير للطبراني :
حدّثنا الحسين بن أحمد بن منصور سجّادة
البغدادي ، حدّثنا عبد الله بن داهر الرازي ، حدّثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن
الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن حنش بن المعتمر : ( أنّه سمع أبا ذر الغفاري يقول : سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن
__________________
تخلّف عنها هلك ، ومثل
باب حطة بني إسرائيل ) .
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حمّاد المقري
، عن أبي سلمة الصائغ ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد الخدري : ( سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنّما
مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، وإنّما مثل
أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ) .
المعجم الكبير للطبراني :
( ٢٦٣٦ ) عن سعيد بن المسيب ، عن أبي ذر
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومن
قاتلنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجال ).
( ٢٦٣٧ ) حدّثنا الحسين بن أحمد بن
منصور سجّادة ، ثنا عبد الله بن داهر الرازي ، ثنا عبد الله ، بن عبد القدوس ، عن
الأعمش ، عن أبي إسحاق عن حنش ابن المعتمر قال : ( رأيت أبا ذر أخذ بعضادتي باب
الكعبة وهو يقول : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف
عنها هلك ، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل ).
( ٢٦٣٨ ) حدّثنا علي بن عبد العزيز ، حدّثنا
مسلم بن إبراهيم ، ثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي الصهباء ، عن سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من
__________________
ركب فيها نجا ، ومن
تخلّف عنها غرق ).
( ٢٦٣٩ ) حدّثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل ، ثنا يحيى بن معين ، ثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الله بن سليمان النوفلي ، عن
محمّد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( أحبوا الله لما
يغذوكم من نعمه ، وأحبّوني لحبّ الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي ).
( ٢٦٤٠ ) حدّثنا محمّد بن عبد الله
الحضرمي ، ثنا جندل بن والق ، ثنا محمّد ابن حبيب العجلي ، عن إبراهيم بن الحسن ، عن
زياد بن المنذر ، عن عبد الرحمن ابن مسعود العبدي ، عن عليم ، عن سلمان قال : ( أنزلوا
آل محمّد صلىاللهعليهوسلم
بمنزلة الرأس من الجسد ، وبمنزلة العين من الرأس ، فإنّ الجسد لا يهتدي إلّا
بالرأس ، وإن الرأس لا يهتدي إلّا بالعينين ) .
الجامع الصغير لجلال الدين
السيوطي :
( إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح
، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ) .
كنز العمّال للمتقي الهندي :
( أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني
بحبّ الله وأحبّوا أهل بيتي لحبّي ).
عن ابن عباس ( مثل أهل بيتي مثل سفينة
نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ) .
__________________
فيض القدير شرح الجامع
الصغير للمنّاوي :
( إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح
، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ) .
الدر المنثور لجلال الدين
السيوطي :
( أخرج ابن أبي شيبة ، عن علي بن أبي
طالب قال : إنّما مثلنا في هذه الأمّة كسفينة نوح وكباب حطّة في بني إسرائيل ).
وأخرج الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه
قال : ( سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول مثل : أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ) .
الصواعق المحرقة لابن حجر :
( جاء من طرق عديدة يقّوي بعضها بعضاً :
( إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ) .
أحاديث أخرى تدلّ على وجوب
معرفة أهل البيت عليهمالسلام والتمسّك بهم
:
إنّ للحديث قرائن كثيرة من الروايات ، ومن
تلك القرائن ما نقل عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : ( النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل
بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب
إبليس ) .
__________________
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من أحبّ
أنّ يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ، ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوالي
علياً بعدي ، وليعاد عدّوه ، وليأتم بالأئمّة الهداة من ولده ، فإنّهم خلفائي
وأوصيائي ، وحجج الله على خلقه من بعدي ، وسادات أمّتي ، وقادات الأتقياء إلى
الجنّة حزبهم حزبي ، وحزبي حزب الله ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان ) .
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( لو أنّ عبداً
عبد الله سبعة آلاف سنة وهو عمر الدنيا ، ثمّ أتى الله عزّ وجلّ يبغض علي بن أبي
طالب جاحداً لحقّه ناكثاً لولايته لأتعس الله خيره وجدع أنفه ). وذكره القرشي في
شمس الأخبار ، ص ٤٠ .
وأخرج الخوارزمي في ( المناقب ) ، عن
النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال لعلي : ( يا علي لو أنّ عبداً عبد الله عزّ
وجلّ مثل ما قام نوح في قومه ، وكان له مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ، ومدّ
في عمره حتّى حجّ ألف عام على قدميه ، ثمّ قتل بين الصفا والمروة مظلوماً ، ثمّ لم
يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنّة ولم يدخلها ) .
وقال : ( من سرّه أنّ يحيا حياتي ، ويموت
مماتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد
بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل
للمكذّبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) .
__________________
ياله من تشبيه لهم عليهمالسلام أوّلاً قرناء
القرآن ، ثمّ سفينة النجاة ، ثمّ التشيبه بالنجوم ، ثمّ الرأس من الجسد ، ثمّ
العينين من الرأس .. بعد كلّ ما أنزل الله تعالى من آيات تنصّ على وجوب ولاية أهل
البيت عليهمالسلام
وبعد كلّ مابيّن الرسول ، صلىاللهعليهوآله
وأوصى مراراً وتكراراً ، فحتّى لو جاء اسم علي والحسن وبقيّة أهل البيت في القرآن
لما سلّم من في قلبه مرض : ( وَلَوْ نَزَّلْنَا
عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .
__________________
الدليل السادس
: الأمر بالكون مع أهل البيت عليهمالسلام
قال تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .
نصّ ماجاء في نظم درر
السمطين :
وعن مجاهد : ( في قوله تعالى : ( أفمن
وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه )
قال : نزلت في علي وحمزة ، و( كمن متّعناه متاع
الحياة الدنيا )
أبو جهل ).
وعن أسماء بنت عميس ( رضي الله عنها ) قالت
: ( سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقرأ هذه الآية : ( وان تظاهرا عليه فإنّ الله هو موليّه وجبريل
وصالح المؤمنين )
قال : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
).
وعن ابن عباس في قوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ) علي بن أبي طالب وأصحابه ).
وعن محمّد بن سيرين ( رحمه الله ) في
قوله تعالى : ( وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً
وصهراً )
أنّها نزلت في النبي صلىاللهعليهوآله
وعلي بن أبي طالب عليهالسلام
هو ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة عليهاالسلام
فكان نسباً وصهراً.
وعن ربيعة بن ماجد قال : ( سمعت علياً عليهالسلام يقول : فيّ نزلت
هذه الآية : ( ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون ).
وروى عكرمة عن ابن عباس ( رضي الله عنه
) قال : ( نزلت هذه الآية :
__________________
( أفمن كان مؤمناً كمن
كان فاسقاً لا يستوون )
في علي بن أبي طالب والوليد ابن عقبة ).
وقال ابن عباس : ( رضي الله عنه ) قال
الوليد بن عقبة : أنا أحدّ منك سناناً ، وأبسط منك لساناً وأملأ حسراً للكتيبة منك
، فقال له علي ( رضي الله عنه ) : إنّما أنت فاسق. فنزلت : ( أفمن كان
مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون )
، يعني بالمؤمن علي بن أبي طالب ، وبالفاسق الوليد بن عقبة.
( وعن مكحول ، عن علي في قوله تعالى : ( وتعيها
أذن واعية )
قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله
: سألت الله أن يجعلها أذنك ففعل ، فكان علي عليهالسلام
يقول : ما سمعت من نبي الله صلىاللهعليهوآله
كلاماً إلّا وعيته وحفظته فلم أنسه ) .
شواهد التنزيل :
( قوله عزّ وجلّ : ( يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ).
أخبرنا أبو الحسن الفارسي ، قال : ( أخبرنا
) أبو بكر ابن الجعابي ، قال : حدّثنا محمّد بن الحرث ، قال : حدّثنا أحمد بن حجاج
، قال : حدّثنا محمّد بن الصلت ، قال : حدّثني أبي ، عن جعفر بن محمّد ، في قوله :
( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال : محمّد وعلي ).
( أخبرونا عن أبي بكر محمّد بن الحسين بن
صالح السبيعي ، قال : حدّثنا علي ابن محمّد الدهان ، والحسين بن إبراهيم الجصاص
قالا : حدّثنا حسين بن الحكم ، قال : حدّثنا حسن بن حسين ، عن حبّان بن علي ، عن
الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين )
: نزلت في
__________________
علي بن أبي طالب
خاصّة ).
( ورواه بإسناد آخر عن الكلبي ، عن أبي
صالح ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )
، قال : مع علي وأصحاب علي ).
وله طرق عن الكلبي في [ التفسير ] العتيق.
وقال : حدّثنا علي بن العباس المقانعي ،
[ قال : ] حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا أحمد بن صبيح الأسدي ، قال
: حدّثنا مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ [ و ] هو الباقر عليه السلام ـ في
قوله : ( وكونوا مع الصادقين ) قال : مع آل محمّد عليهم السلام.
( وقال أبو سعيد البلخي : عن مقاتل بن
سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : ( وعظ قوما ) من الأنصار أنّ يكونوا مع
علي في الحرب كيلا يقتل ، ويتأدّبوا بأدبه ونصيحته لله ولرسوله ، فأخبرهم نبي الله
صلىاللهعليهوسلم
بأسمائهم ).
حدّثنا علي بن غراب ، عن أبان بن تغلب ،
عن أبي جعفر [ في قوله تعالى ] : ( اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين )
قال : ( مع علي بن أبي طالب ).
فرات [ بن إبراهيم ] قال : حدّثني محمّد
بن أحمد بن عثمان بن ذليل ، قال : حدّثنا أبو صالح الخزاز ، عن مندل بن علي العنزي
، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قول الله تعالى : ( اتقوا
الله وكونوا مع الصادقين )
قال : ( مع علي وأصحاب علي ).
و [ رواه أيضاً ] عتاب بن حوشب ، عن
مقاتل بن سليمان مثله.
أخبرنا عقيل ، قال : ( أخبرنا ) علي ، قال
: ( أخبرنا ) محمّد ، قال : حدّثنا أبو
علي الحسن بن عثمان
الفسوي بالبصرة ، قال : حدّثنا يعقوب بن سفيان الفسوي ، قال : حدّثنا ابن قعنب ، عن
مالك بن أنس ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر [ في قوله تعالى ] : ( اتقوا
الله )
قال : ( أمر الله أصحاب محمّد بأجمعهم أنّ يخافوا الله ، ثمّ قال لهم : ( وكونوا مع
الصادقين ).
يعني محمّداً وأهل بيته ) .
الدرّ المنثور :
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله
: ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال : ( مع علي بن أبي طالب ).
وأخرج ابن عساكر ، عن أبى جعفر في قوله
: ( وكونوا مع الصادقين ) قال : مع علي بن أبي طالب ) .
تذكرة الخواص :
( وقال علماء السير : معناه كونوا مع
علي عليه السلام وأهل بيته. قال ابن عباس : وعلي عليه السلام سيّد الصادقين ) .
دليل لا يدل :
قال الفخر الرازي في قوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) : ( واعلم أنّه تعالى لما حكم بقبول
توبة هؤلاء الثلاثة ، ذكر ما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى ، وهو التخلّف عن رسول
الله في الجهاد ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله ).
في مخالفة أمر الرسول ( وكونوا مع الصادقين )
__________________
يعني : مع الرسول
وأصحابه في الغزوات ، ولا تكونوا متخلّفين عنها وجالسين مع المنافقين في البيوت ، وفي
الآية مسائل :
المسألة
الأولى : إنّه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع
الصادقين ، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كلّ وقت ، وذلك
يمنع من إطباق الكلّ على الباطل ، ومتى امتنع إطباق الكلّ على الباطل ، وجب إذا
أطبقوا على شيء أنّ يكونوا محقيّن. فهذا يدل على أنّ إجماع الأمّة حجّة ) .
الجواب :
لقد اعترف الرازي بدلالة الآية على وجود
الصادقين في كلّ وقت ، وبدلالة الآية على العصمة إلّا أنّه قال بحجّية الأمّة ، أي
: عصمة الأمّة.
ونحن نتّفق معه على أنّه لابدّ من وجود
صادقين في كلّ وقت ، ولكن نختلف معه في أنّه ليس كلّ الأمّة ، بل من جعلهم الله
قرناء القرآن ، وسفينة النجاة ، وذلك للسنّة الرافعة للخلاف والمعيّنة للقول بأنّ
الإمام المعصوم هو علي والأئمة من العترة. وأمّا قول الرازي : فلا دليل عليه ، فهو
اجتهاد في مقابل النصّ الصريح.
__________________
الدليل السابع
: ( علي خير البرية ) بالنصّ القرآني
قال تعالى : ( إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة ) .
نظم درر السمطين :
وعن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : ( لما
نزلت هذه الآية : ( إنّ الذين امنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية )
قال : لعلي هو أنت وشيعتك ، تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويأتي
عدوّك غضابا مقحمين ) .
جامع البيان :
حدّثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن
فرقد ، عن أبي الجارود ، عن محمّد بن علي ( أولئك هم خير البرية ) فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ( أنت يا علي
وشيعتك ) .
شواهد التنزيل :
( ومما يدّل على صدق هذا المعنى ما رواه
أبو نعيم ـ كما في الفصل : (٢١) من خصائص الوحي المبين ( ص ١٣١ ) والحديث ٧٧ من
كتاب النور المشتعل ( ص ٢٧٧ ) قال : وفيما أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن المروزي ، قال
: حدّثني
__________________
عبد الحكيم بن ميسرة
، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث قال : قال لي علي عليه السلام :
نحن أهل بيت لا نقاس ( بالناس ).
فقام رجل فأتى عبد الله بن عباس ( فذكر
له ما سمعه من علي عليه السلام ) فقال ابن عباس : صدق علي أو ليس كان النبي صلّى
الله عليه وآله لا يقاس بالناس؟ ثمّ قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في علي : ( إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) ).
الدرّ المنثور :
أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال :
( أتعجبون من منزلة الملائكة من الله؟ والذى نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند
الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملك ، واقرؤا ان شئتم ( إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ).
وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة قالت : قلت
: يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟
قال : يا عائشة أما تقرئين ( إنّ الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ).
وأخرج ابن عساكر ، عن جابر بن عبد الله
قال : ( كنّا عند النبي صلىاللهعليهوسلم
فأقبل علي فقال النبي صلىاللهعليهوسلم
والذى نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت ( إنّ الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) فكان أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم إذا أقبل علي قالوا
: جاء خير البرية ).
وأخرج ابن عدى وابن عساكر ، عن أبى سعيد
مرفوعاً ( علي خير البرية ).
وأخرج ابن عدي ، عن ابن عباس قال : ( لما
نزلت ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية )
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
لعلى : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ).
وأخرج ابن مردويه ، عن علي قال : قال لي
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ألم تسمع قول الله ( إنّ الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية )
أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب تدعون غراً محجّلين ) .
المناقب للخوارزمي :
عن جابر قال : ( كنّا عند النبي صلّى
الله عليه وآله فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله : قد أتاكم أخي ، ثمّ
التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم
الفائزون يوم القيامة ، ثمّ قال : إنّه أوّلكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم
بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية ، قال :
وفي ذلك الوقت نزلت فيه : ( إنّ الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ).
قال : ( وكان أصحاب النبي صلّى الله
عليه وآله إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية ) .
أيضاً عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب
علي عليهالسلام
قال : ( سمعت علياً يقول : حدّثني رسول الله وأنا مسنده إلى صدري ، فقال : أي علي
ألم تسمع قول
__________________
الله تعالى : ( إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )؟ أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض
إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين ) .
القسمة
الضيزى :
وما وصلنا إليه خلال بحثنا لهذه الآية
الكريمة وتفسيرها هو : أنّ الإمام علي عليهالسلام
خير من كلّ من صدق عليه أنّه من البرية ، أي : من الخلق ، بل هناك حديث يصرّح أنّ
من لم يرض بفضل علي على البرية فقد كفر ، كما قال الرسول صلىاللهعليهوآله : ( علي خير البشر
فمن أبى فقد كفر ) .
فثبت أنّه عليهالسلام
أفضل الخلق بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ووصلنا إلى أنّ الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله قد بيّن لأصحابه
بأنّه ستكون للإمام علي عليهالسلام
شيعة خاصّة به ، وأنّ علياً وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
إلّا أنّ من القسمة الضيزى أن تقسّم
الفرق الإسلامية حالياً إلى سنة وشيعة ، وكأنّ مخالفين أهل البيت عليهمالسلام تبعوا سنّة النبي صلىاللهعليهوآله!! والصحيح أنّ
الشيعة هم أهل السنّة ، لأنّهم أتباع أهل البيت عليهمالسلام
وأهل البيت هم أعلم بسنّة النبي من
__________________
غيرهم ، وهم من أمر
الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله
باتّباعهم.
فيكون التقسيم الصحيح للفرق الإسلامية
إلى : شيعة أهل البيت وشيعة السقيفة ، أو أن يقسّموا بأهل سنة أهل البيت وأهل سنة
السقيفة ، هذا هو التقسيم الصحيح ؛ لأنّ أهل البيت عليهمالسلام
هم نفس رسول الله صلىاللهعليهوآله
وسنّتهم سنّته ، وشيعتهم شيعته ، وهم أولى باسم أهل السنّة بمعنى أتّباع سنّة
النبي صلىاللهعليهوآله
، وأمّا بمعنى سنّتهم التي تعني اتّباع معاوية الذي سمّى فرقته بالسنّة والجماعة ،
فإنّ هذا اللقب قد وضع في زمان معاوية ، وأرادوا بالسنّة سنّة معاوية من سبّ علي
عليه السلام على المنابر ، وبالجماعة جماعته ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام
فرقة وقهر وجبر وغلبة ، والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة
منصباً قيصرياً ، كما قال الجاحظ في رسالته النابتة :
( فعندها استوى معاوية على الملك ، واستبدّ
على بقية الشورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمّوه
( عام الجماعة ) ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام
الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة منصباً قيصرياً ، ولم يعد ذلك
أجمع الضلال والفسق ، ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا ، وعلى منازل ما رتّبنا
، حتّى ردّ قضية رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ردّاً مكشوفاً ، وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش وما يجب للعاهر ، مع إجماع
الأمّة ... ) .
وجاء في تاريخ دمشق ما هذا نصّه : ( قال
: ثمّ قتل علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين ، وصالح الحسن بن علي معاوية
بن أبي سفيان ، وسلّم
__________________
له الأمر ، وبايعه
الناس جميعاً فسمّي عام الجماعة ، واستعمل معاوية المغيرة بن شعبة تلك السنة على
الكوفة على صلاتها وحربها ، واستعمل على الخراج عبد الله ابن دراج مولاه ) .
وفي الاصابة : ( .. لما صالح الحسن ، واجتمع
عليه الناس ، فسمّي ذلك العام عام الجماعة ) .
وفي البداية والنهاية : ( .. وذلك سنة
أربعين ، فبايعه الأمراء من الجيشين ، واستقل بأعباء الأمّة ، فسمّي ذلك العام عام
الجماعة ، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد ) .
وفي سير أعلام النبلاء : ( وصالح الحسن
بن علي معاوية ، وبايعه ، وسمّي عام الجماعة ) .
ذكرنا هنا الصلح بين الإمام الحسن عليهالسلام ومعاوية ( لعنه
الله ) في تأسيس اسم أهل السنّة والجماعة ، وحيث تطرّقنا لذكر الصلح لابدّ أن نذكر
نبذة مما ذكره أهل السنّة حول أسباب الصلح ، وأنّه ليس كما يتصوّر البعض أنّ
الإمام الحسن عليهالسلام
رضي وبايع لمعاوية كخليفة ، وأنّه مخالف لأخيه الحسين عليهالسلام إذ الإمام الحسين عليهالسلام جاهد بني أميّة ، والإمام
الحسن عليهالسلام
لم يجاهد ، ولكن الصحيح أنّهما إمامان قاما أو قعدا ، وأنّهما خط الرسالة ، فالإمام
الحسين عليهالسلام
دعوه وحمّلوه الحجّة فذهب استجابة لدعوتهم ، فخانوه ولم يف له إلّا القليل ، أمّا
__________________
الإمام الحسن عليهالسلام فقد بيّن أمره في
قوله : ( وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حقّ كان لي ، فتركته له ، وإنّما
فعلت ذلك لحقن دمائكم ، وتحصين أموالكم ) .
نعم ، أنّما أراد الإمام الحسن عليه
السلام الإصلاح ؛ لأنّه عرف أنّ معاوية لن يتركه يتولّى ، لهذا رأى أن يشترط عليه
شروطاً رآها أنفع لشيعته من الحرب التي كان لابدّ منها لولا تنازله عليهالسلام ، وأنا أنقل نصاً
حول صلح الإمام الحسن عليهالسلام
عن ترجمة الإمام الحسن عليهالسلام
لابن عساكر ، وهذا هو النصّ :
أخبرناه أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة
السلمي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت ، و( أخبرنا ) أبو القاسم إسماعيل
بن أحمد ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، قالا : أنبأنا أبو الحسين محمّد بن
الحسين ، أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن جعفر ، أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان ، أنبأنا
الحجاج ، حدّثني جدي ، عن الزهري قال : ( فكاتب الحسن لما طعن معاوية ، وأرسل يشرط
شرطه ، فقال : إن أعطيتني هذا فإنّي سامع مطيع ، وعليك أنّ تفي به. فوقعت صحيفة
الحسن في يد معاوية ، وقد أرسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها ، وكتب
إليه أنّ اشترط في هذه ما شئت ، فما اشترطت فهو لك.
فلمّا أتت حسناً جعل يشترط أضعاف الشروط
التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده ، وأمسك معاوية صحيفة الحسن التي كتب إليه
يسأله ما
__________________
فيها. فلمّا التقيا
وبايعه الحسن ، سأل حسن معاوية أنّ يعطيه الشروط التي اشترط في السجل الذي ختم
معاوية على أسفله ، فأبى معاوية أنّ يعطيه ذلك ، وقال : لك ما كنت كتبت إليّ
تسألني أنّ أعطيك ، فإنّي قد أعطيتكها حين جاءني. فقال له الحسن : وأنا قد اشترطت
عليك حين جاءني سجلّك ، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه. فاختلفا في ذلك ، فلم
ينفّذ [ معاوية ] للحسن من الشرط شيئاً ) .
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله وأبو
غالب أحمد بن الحسن وأبو محمّد عبد الله بن محمّد ، قالوا : أنبأنا أبو محمّد
الجوهري ، أنبأنا أبو بكر بن مالك ، أنبانا عبد الله ، حدّثني أبي ، أنبأنا محمّد
بن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن أنس ـ يعني : ابن سيرين ـ قال : ( قال الحسن بن علي
يوم كلّمه معاوية : ما بين جابرس وجابلق رجل جدّه نبي غيري ، وإنّي رأيت أنّ أصلح
بين أمة محمّد صلىاللهعليهوسلم
، وكنت أحقّهم بذلك ، ألا وإنّا قد بايعنا معاوية ، ولا أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع
إلى حين ).
__________________
قال : وحدّثني أبي ، نا يحيى بن سعيد ، عن
صدقة بن المثني ، حدّثني جدّي أنّ الناس اجتمعوا إلى الحسن بن علي بالمدائن بعد
قتل علي ، فخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ( أما بعد ، إنّ كلّ ما هو
آت قريب ، وإنّ أمر الله واقع إذ لا له دافع وإن كره الناس ، وإنّي والله ما أحببت
أنّ ألي من أمر أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم
ما يزن مثقال حبّة خردل تهراق فيها محجمة من دم ، فقد عقلت ما ينفعني مما يضرّني ،
فالحقوا بمطيتكم ) .
وهذا الحديث رواه أيضاً المصنّف في
ترجمة أبي الأعور السلمي عمرو بن سفيان من تاريخ دمشق ، قال :
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنبأنا
الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين
بن الفهم ، أنبأنا محمّد بن سعد ، أنبأنا يزيد بن هارون ، أنبأنا حريز بن عثمان ، أنبأنا
عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال : ( لما بايع الحسن بن علي معاوية قال له عمرو
بن العاص وأبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان : لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلّم
عيي عن المنطق فيزهد فيه الناس ، فقال معاوية : لا تفعلوا ، فوالله لقد رأيت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
يمصّ لسانه وشفته ، ولن يعي لسان مصّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أو شفتان. فأبوا على معاوية فصعد معاوية المنبر ، ثمّ أمر الحسن فصعد ، وأمره أنّ
يخبر الناس أنّي قد بايعت معاوية.
فصعد الحسن المنبر فحمد الله وأثنى عليه
، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ الله هداكم
__________________
بأوّلنا ، وحقن
دماءكم بآخرنا ، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أنّ يعدل فيكم وأن يوفّر عليكم
غنائمكم ، وأن يقسم فيكم [ فيئكم ].
ثمّ أقبل على معاوية فقال : [ أ ] كذاك؟
قال : نعم. ثمّ هبط من المنبر وهو يقول : ـ ويشير بإصبعه إلى معاوية ـ وإن أدري
لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. فاشتدّ ذلك على معاوية فقالا : لو دعوته فاستنطقته!
فقال : مهلاً. فأبوا فدعوه ، فأجابهم
فأقبل عليه عمرو بن العاص ، فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فيك رجلان : رجل
من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك فلا أدري أيهما أبوك!
وأقبل عليه أبو الأعور السلمي ، فقال له
الحسن : ألم يلعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
رعلا وذكوان وعمرو بن سفيان؟! ثمّ أقبل عليه معاوية يعين القوم فقال له الحسن : أما
علمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
لعن قائد الاحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبو سفيان ، والآخر أبو الأعور السلمي؟!
حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي ، حدّثنا
محمّد بن بشّار بن بندار ، حدّثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ، حدّثنا عمران بن
حدير ـ أظنّه عن أبي مجلز ـ قال : قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية : (
إن الحسن بن علي رجل عي ، وإنّ له كلاماً ورأياً ، وإنّا قد علمنا كلامه فيتكلّم
كلاماً فلا يجد كلاما [ فمره فليصعد المنبر وليتكلّم ] فقال : لا تفعلوا ، فأبوا
عليه. فصعد عمرو المنبر فذكر علياً ووقع فيه ، ثمّ صعد المغيرة بن شعبة [ المنبر ]
فحمد الله وأثنى عليه ثمّ وقع
__________________
في علي رضي الله عنه!
ثمّ قيل للحسن بن علي : أصعد. فقال : لا أصعد ولا أتكلّم حتّى تعطوني إن قلت حقّاً
أنّ تصدّقوني وإن قلت باطلاً أنّ تكذّبوني ، فأعطوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه فقال : بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لعن الله
السائق والراكب أحدهما فلان؟ [ يعني أبا سفيان ، والآخر معاوية ] قالا : اللهم نعم
بلى قال : أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعن عمرا بكل قافية
قالها لعنة؟ قالا : اللهم نعم. قال : أنشدك الله يا عمرو ، وأنت يا معاوية بن أبي
سفيان أتعلمان أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
لعن قوم هذا؟ قالا : اللهم بلى ، قال الحسن : فإنّي أحمد الله الذي وقعتم فيمن
تبرأ من هذا ).
وأيضاً قال الطبراني في الحديث الأخير
من الترجمة : حدّثنا محمّد بن عوف السيرافي ، حدّثنا الحسن بن علي الواسطي ، حدّثنا
يزيد بن هارون ، حدّثنا حريز ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف قال : قال عمرو
بن العاص وأبو الأعور السلمي لمعاوية : إن الحسن بن علي رضي الله عنه رجل عي! فقال
معاوية : لا تقولان ذلك فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قد تفل في فيه ومن تفل رسول الله [ صلىاللهعليهوسلم
] في فيه فليس بعي فقال الحسن بن علي : أما أنت يا عمرو فإنه تنازع فيك رجلان ، فانظر
أيّهما أباك؟! وأمّا أنت يا [ أ ] با الأعور فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعن رعلاً وذكوانا
وعمرو بن سفيان ).
أقول : ورواه ابن عساكر بهذا السند ، وبأسانيد
أخر في ترجمة أبي الأعور السلمي من تاريخ دمشق : ج ٤٢ ، ص ٤٥ [ ج ٤٦ ، ص ٥٩ ].
ورواه أيضاً في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص
١٧٨ ، وقال : رواه الطبراني عن
شيخه محمّد بن عون
السيرافي ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات.
أقول : لعن رسول الله صلّى الله عليه
وآله رعلاً وذكوان وبني لحيان. رواه البخاري بطرق في باب : ( غزوة الرجيع ورعل
وذكوان ) من صحيحه : ج ٥ ص ١٣٢. ورواه أيضاً ابن الأثير في ترجمة عاصم بن ثابت من
أسد الغابة ، وببالي أنّه مذكور أيضاً في صحيح مسلم ) .
وقفه
قصيرة مع ما ورد في النصّ السابق :
١ ـ خيانة معاوية العهد المتفق عليه
بينهما.
٢ ـ طرده وكلاء وعمّال الإمام الحسن عن
بلدتي ( فسا ) و( دارا بجرد ).
٣ ـ اعترافه بسبّ أمير المؤمنين عليه
السلام في جميع الأرجاء الإسلامية ، واستمرت هذه السنة الإلحادية إلى تمام ملك بني
أمية عدا سنوات من ملك عمر ابن عبد العزيز.
٤ ـ تعرّضه للإمام عليهالسلام وشيعته.
٥ ـ سمّ الإمام الحسن عليهالسلام.
٦ ـ قتل حجر بن عدي والأخيار من أصحابه
بالإفك والتزوير والغدر والنفاق.
٧ ـ خالف قاعدة الشورى المرتكزة عليها
السقيفة بترشيح ابنه الماجن للأمارة على المسلمين وقيادتهم.
٨ ـ قال الحسن بن علي يوم كلّم معاوية :
ما بين جابرس وجابلق رجل جده
__________________
نبي غيري ، وإنّي
رأيت أنّ أصلح بين أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم
، وكنت أحقّهم بذلك.
٩ ـ قول معاوية : لا تفعلوا ، فوالله
لقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يمصّ لسانه وشفته ، ولن يعي لسان مصّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
١٠ ـ قول الإمام الحسن عليهالسلام : أيّها الناس إنّ
الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أنّ يعدل
فيكم ، وأن يوفّر عليكم غنائمكم ، وأن يقسم فيكم [ فيئكم ]. ثمّ أقبل على معاوية
فقال : [ أ ] كذاك؟ قال : نعم. ثمّ هبط من المنبر وهو يقول : ـ ويشير بإصبعه إلى
معاوية ـ ( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ).
١١ ـ فاشتدّ ذلك على معاوية فقالا : لو
دعوته فاستنطقته ، فقال : مهلاً ، فأبوا فدعوه ، فأجابهم فأقبل عليه عمرو بن العاص
، فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فيك رجلان : رجل من قريش وجزار أهل المدينة
فادعياك فلا أدري أيّهما أبوك! وأقبل عليه أبو الأعور السلمي ، فقال له الحسن : ألم
يلعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
رعلاً وذكوان وعمرو بن سفيان؟! ثمّ أقبل عليه معاوية يعين القوم ، فقال له الحسن :
أما علمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
لعن قائد الاحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبو سفيان ، والآخر أبو الأعور السلمي.
١٢ ـ بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة
تعلمان أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : لعن الله السائق والراكب أحدهما فلان؟ [ يعني أبا سفيان ، والآخر معاوية ] قالا
: اللهم نعم بلى ، قال : أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعن عمراً بكلّ
قافية قالها لعنة؟ قالا : اللهم نعم.
١٣ ـ فقال معاوية : لا تقولان ذلك فإنّ
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قد
تفل في فيه ومن تفل
رسول الله [ صلىاللهعليهوسلم
] في فيه فليس بعي.
هذه النكات التي هي من كتبهم غنيّة
بنفسها عن التعليق.
نعود إلى موضوعنا وهو الكلام حول السنة
والجماعة ، مخاطبين كلّ ذي لب بسؤالنا له في من يستحق أن يسمى أهل سنّة رسول الله
صلّى الله عليه وآله؟
ونقول في الجواب : ماجاء من كلام الأمير
عليهالسلام
عندما سئل صلوات الله عليه مَن أهل السنّة ، ومن أهل الجماعة ، ومن أهل البدعة؟
فقال : ( أمّا أهل السنة فالمستمسكون بما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وان
قلوا ، وأما أهل الجماعة فأنا ومن اتّبعني وإن قلّوا ، وأمّا أهل البدعة
فالمخالفون لأمر الله عزّ وجلّ وكتابه ورسوله والعاملون بآرائهم وأهوائهم في دينه
، المبتدعون ما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله صلّى الله عليه وآله ) .
ولي جواب وصلت إليه بعد طول البحث
والتحقيق
وهو : أنّ أهل السنّة والجماعة من كان معتقداً بإمامة إمام زمانه صلوات الله عليه
يأخذ عنه ويطيعه كما أمر الله جلّ ذكره ، ولا يموت موتة جاهلية ، إذ من مات ولم
يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية كما صحّ عند الفريقين .
بل هناك جواب من أصدق القائلين بقوله :
( .. ألاومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات
على حبّ آل محمّد
__________________
مات على السنّة
والجماعة ... ) .
ولنعم ما قال الشاعرفيهم :
لجماعة سمّوا هواهم سنّة
|
|
وجماعة حمر لعمري موكفة
|
قد شبّهوه بخلقه فتخوفوا
|
|
شنع الورى فتستروا بالبلكفة
|
ونعم ما قال الإمام الشافعي :
ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهم
|
|
مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
|
ركبت على اسم الله في سفن النجا
|
|
وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
|
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم
|
|
كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل
|
إذا افترقت في الدين سبعون فرقة
|
|
ونيف كما جاء في محكم النقل
|
ولم يك ناج منهم غير فرقة
|
|
فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل
|
__________________
|
|
فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل
|
أفي الفرق الهلاك آل محمّد؟!
|
|
أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي
|
فإنّ قلت في الناجين فالقول واحد
|
|
وإن قلت في الهلاك حفت عن العدل
|
نوع
من البهتان :
إنّ من جملة ادّعاءات شيعة معاوية أنّ
شيعة أهل البيت عليهمالسلام
مغالون ، وأنّهم هم أتباع أهل البيت عليهمالسلام
الحقيقيّون!
نقول لهم : إنّ الإنصاف أنّ المسلم الذي
يجعل الزهراء عليهاالسلام
من أقرب المقرّبين إلى الرسول ، فلو حصل لأولادها وزوجها ماحصل فمن الطبيعي أنّه
سيتألّم لما حصل لهم ويغضب ، ويعتقد أنّ ماحصل يغضب الزهراء عليهاالسلام وكل من قرأ التاريخ
وجد أنّ الإمام الحسن مات مسموماً على يد معاوية ، فهل من أحبّ معاوية يحبّ
الزهراء عليهاالسلام
وهو يعلم انه قتل فلذة كبدها ، وذلك سيغضبها ، وغضبها يغضب الله تعالى.
وكذلك بالنسبة لإيذاء زوجها وغصب إرثها
فعلى من أنكر مافعل بها أن يراجع التاريخ ، وقد أوردنا في هذا الكتاب ما فيه
الكفاية لكلّ منصف وباحث عن الحق ، ومن أراد المزيد فليقرأ ، وسوف يوصله بحثه
لليقين الذي لا شك فيه بصحّة ما نقول ، ومن أبى فعليه الدليل ليرضي ضميره ولا
يوالي إلّا من والاه الله
__________________
ورسوله ، ولا يعادي
إلّا من ثبت له حقاً أنّه يجب أن يعاديه ، ولا تأخذه هواده بأحد في دين الله تعالى
، ولا يكون رعاع معاع تباع كلّ ناعق ، ولابد من الولاية والبراءة ؛ لأنّ الأمّة في
كلّ زمن منقسمة إلى جيش الحسين عليهالسلام
وجيش يزيد لعنه الله ، ولا يجوز التفرّج فلابدّ من الوقوف في أيّ من الصفّين
دفاعاَ بلسانه أو قلمه أو يده حسب مايملي له تكليفه الشرعي قدر استطاعته.
ونقول : إنّنا نعتقد نحن الشيعة أنّنا
لسنا مغالين ، بل إنّ ما نعتقده في أهل البيت عليهمالسلام
وارد فيهم حقّاً من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة ، وأورده العام والخاص ، وأنّ
المغالي ماهو إلّا من قال فيهم مالا يستحقّون وبالغ في حقّهم مما ليس في الكتاب
الكريم ولا في السنّة الشريفة ، والشيعة تتبرأ من الغلاة وتلعنهم ، وتقول كما جاء
في كتبهم المعتبرة أنّهم فرقة ضالّة ، وهم عدّة فرق العلياوية والغرابية والبزيعية
والمخمسة ، والخطابية ، وقد أفتى الشيعة بكفرهم ونجاستهم كما في عقائد الإمامية
للشيخ المظفر ، وغيره.
وفي المقالات والفرق لسعد الأشعري عرّف
الغلاة أنّهم من ألّهوا أهل البيت ، وأنّ الشيعة منهم براء.
والشيعة لا تقول في أهل البيت عليهمالسلام إلّا ما أوردته كتب
الحديث الشريف والتاريخ الإسلامي ، كما أثبتوا ذلك بالأدلّة القاطعة.
ومن البهتان العظيم قول البعض : إنّ
شيعة أهل البيت هم الذين قتلوهم!! كما يردد ذلك في بعض الكتب والإنترنيت وغيرها ، وخاصّة
في كتاب ( لله ثمّ
للتاريخ ) .
فنجيبهم : أنّ من خرج على أهل البيت عليهمالسلام بسيفه فقد خرج عن
التشيّع ولو كان من قبل شيعياً لأنّ الشيعة ليست قبيلة فلان لا يخرج عن اسم قبيلته
ولو عاداها ، وأنّما لفظة ( شيعي ) تطلق على من اتّبع أهل البيت عليهمالسلام ـ كما في اللغة
والمصطلحات العربية ـ فمن خرج لحربهم فهو عدّوهم ، وليس من شيعتهم ولو كان من قبل
شيعيّاً ، فالشيعي هو من تبع وتابع ونصر كما في كتب اللغة ، قال ابن خلدون : ( اعلم
أنّ الشيعة لغة هم الأصحاب والأتباع. ويقال في عرف الفقهاء والمتكلّمين من الخلف
والسلف على أتباع علي وبنيه ) .
وقال ابن الأثير : ( وقد غلب هذا الاسم
على كلّ من يزعم أنّه يتولّى علياً رضي الله عنه وأهل بيته ) .
وقال الفيروز آبادي في القاموس : ( أشياع
وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره .. وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يتولّى علياً وأهل
بيته حتّى صار اسم خاصّاً لهم ، جمعه : أشياع وشيع ) .
وكلمة شيعة مصطلح قرآني كما في قوله
تعالى : ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم ) .
__________________
وقال تعالى : ( وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي
مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) .
وهناك كثير من الروايات تدلّ على أنّ
لفظة ( شيعي ) استخدمت في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله
كما أوردناه سابقاً في ذيل الآية : ( إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )
فالنصوص الشرعية الواردة في القرآن والروايات التي اشتملت على كلمة ( شيعة ) ومشتقاتها
تبيّن أنّ شيعة أهل البيت عليهمالسلام
هم من نصروهم بالمال والروح واللسان ، ووقفوا معهم موقف المحبّ لا موقف المحارب
ولا المنافق ولا الرعاع ، فمن أحبّهم لا يحبّ من قتلهم وأخذ حقّهم ، وهذا من
بديهيات الأمور في أنّ من أحبّ شخصاً لا يحبّ قاتله وظالمه.
ولكن سيأتي يوم يتبرّأ المتبوع من
التابع : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار ) .
__________________
الدليل الثامن
: آية الذكر
قال تعالى : ( وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أهل
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون )
.
إنّ هذه الآية قد نزلت لتعرّف بمقام أهل
البيت عليهمالسلام
وهم : محمّد صلىاللهعليهوآله
وعلي وفاطمة والحسنين عليهمالسلام
وذلك في عهد النبوّة ، أمّا بعد ذلك وحتّى قيام الساعة فهؤلاء الخمسة المذكورين
أصحاب الكساء يضاف إليهم الأئمة التسعة من ذرية الحسين عليهالسلام الذين عيّنهم رسول
الله في عدّة مناسبات ، وسمّاهم بسفينة النجاة ، وباب حطّة ، وأمان أهل الأرض ، وقرناء
القرآن ، ووصفهم بأنّهم رزقوا علمه وفهمه وغيرها من الأوصاف والروايات في ذلك
ثابتة صحيحة وبعضها متواترة منذ الطبقة الأولى وحتّى اليوم .
وهذه الآية الكريمة مما اختصّ به أهل
البيت عليهمالسلام
، وقد أخرجها بعض علماء أهل السنّة ومفسّريهم معترفين بنزولها في أهل البيت عليهمالسلام ، ومايلي بعض ماجاء
في كتبهم المعتبرة :
نصّ ما جاء في شواهد التنزيل
:
قوله تعالى : ( وما
أرسلنا من قبلك إلّا رجالاً نوحي إليهم فسألوا أهل
__________________
الذكر
إن كنتم لا تعلمون ).
أخبرنا عقيل بن الحسين ، قال : ( أخبرنا
) علي بن الحسين ، قال : حدّثنا محمّد ابن عبيد الله ، قال : حدّثنا عبدويه بن
محمّد بشيراز ، قال : حدّثنا سهل بن نوح بن يحيى أبو الحسن الحبابي ، قال : حدّثنا
يوسف بن موسى القطان ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن الحارث قال : ( سألت
عليّاً عن هذه الآية : ( فأسألوا أهل الذكر ) فقال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن
أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل ، ولقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : أنا
مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه ) .
وذكر محقق كتاب ( شواهد التنزيل ) الشيخ
محمّد باقر المحمودي : ( قال الحارث : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه
الآية : ( فاسألوا أهل الذكر ) ، قال : والله إنّا أهل الذكر [ و ] نحن
أهل العلم ، [ و ] نحن معدن التأويل والتنزيل ).
قال السيوطي في تفسير آية التطهير من
تفسير الدّر المنثور : وحدث الضحاك ابن مزاحم أنّ نبي الله كان يقول : نحن أهل بيت
طهّرهم الله ، من شجرة النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ،
ومعدن العلم.
وقال المتقي في كنز العمّال ، ج ٦ ص ١٥٦
، ما محصّله : وأخرج الديلمي ، عن سلمان ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : أعلم أُمّتي من بعدي علي بن أبي طالب.
وقال أيضاً : أخرج أبو نعيم ، عن علي بن
أبي طالب.
__________________
وقال أيضاً : أخرج أبو نعيم ، عن علي عليهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : علي
بن أبي طالب أعلم الناس بالله والناس.
وروى ابن سعد في ترجمة المصفح العامري
في طبقات الكوفيين الذين رووا عن علي من كتاب الطبقات الكبرى ، ج ٦ ص ١٦٧ ، وفي ط
بيروت ص ٢٤٠ قال : ( أخبرنا ) يزيد بن هارون ، قال : ( أخبرنا ) فضيل بن مرزوق ، عن
جبلة بنت المصفح ، عن أبيها قال : قال لي علي عليه السلام : يا أخا بني عامر سلني
عما قال الله ورسوله ، فإنا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله. قال [ ابن
سعد ] : والحديث طويل.
وقال المتقي في كنز العمّال : أخرج عبد
الغني بن سعد في إيضاح الإشكال ، عن أبي الزعراء قال : كان علي بن أبي طالب يقول :
إنّي وأطائب أرومتي وأبرار عترتي أحلم الناس صغاراً ، وأعلم الناس كباراً ، بنا
ينفي الله الكذب ، وبنا يعقر الله أنياب الذئب الكلب ، وبنا يفك الله عنوتكم وينزع
ربق أعناقكم ، وبنا يفتح الله ويختم.
وروى أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام من كتاب حلية الأولياء ، ج ١ ، ص ٦٨ قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد
بن جعفر ، حدّثنا أحمد بن محمّد الحبال ، حدّثنا أبو مسعود ، حدّثنا سهل بن عبد
ربه ، حدّثنا عمرو بن أبي قيس ، عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن التميمي ، عن
ابن عباس قال : كنّا نتحدّث أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره.
ورواه أيضاً الكنجي الشافعي بسند ينتهي
إلى عبد الله بن محمّد بن جعفر في الباب : (٧٣) من كتاب كفاية الطالب ص ٢٩١.
وأيضاً رواه أبو نعيم في ترجمة محمّد بن
حمّاد من تاريخ أصبهان : ج ٢ ص ٢٥٥ قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا محمّد بن
سهل بن الصباح الأصبهاني ، حدّثنا أحمد بن الفرات الرازي ، حدّثنا سهل بن عبد ربه ...
ورواه أيضاً ابن عساكر في الحديث : ( ١٠٢٩
) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج ٣ ص ٤٩٩ ط ٢ .
عن محمّد بن علي قال : لما نزلت هذه الآية
: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) قال علي عليه السلام : ( نحن أهل الذكر
الذي عنانا الله جلّ وعلا في كتابه ) .
وذكر محقق كتاب ( شواهد التنزيل ) الشيخ
محمّد باقر المحمودي : ( ورواه الثعلبي أيضاً في تفسير الآية الكريمة من تفسير
الكشف والبيان كما رواه عنه ابن البطريق في الفصل : (٢٢) من كتاب خصائص الوحي
المبين ، ص ٢٢٩ ط ٢.
وقال الطبري في تفسير الآية الكريمة من
تفسيره : ج ١٤ / ١٠٨ : حدّثنا ابن وكيع ، قال : حدّثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن
جابر ، عن أبي جعفر [ في قوله تعالى ] : ( فأسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون )
قال : نحن أهل الذكر .
عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر في
قوله تعالى : ( فأسألوا أهل الذكر )
__________________
قال : ( هم الأئمة من
عترة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وتلا ( وأنزلنا عليكم ذكراً رسولاً ) .
جامع البيان للطبري :
( حدّثنا به ابن وكيع ، قال : ثنا ابن
يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر : ( فاسئلوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون )
قال : نحن أهل الذكر ) .
تفسير القرطبي :
قال جابر الجعفي : ( لما نزلت هذه الآية
قال علي رضي الله عنه : نحن أهل الذكر ) .
تفسير الثعلبي :
قال : جابر الجعفي : ( لما نزلت هذه
الآية قال علي : نحن أهل الذكر ) .
شبهة
وردود :
وقد يُشكل بأنّ أهل الذكر في ظاهر الآية
هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
والجواب
:
أنّه لا يمكن أن يكونوا المقصودين لعدّة
أسباب ، منها :
__________________
أوّلاً
: لأنّ القرآن الكريم ذكر في العديد من الآيات بأنّهم حرّفوا كلام الله وكتبوا
الكتاب بأيديهم ، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، فلا يمكن أنّ
يأمر المسلمين بأن يرجعوا إليهم لجهلهم وخيانتهم.
ثانياً
: روى البخاري ، عن ابن عباس قال : ( يا معشر المسلمين ، كيف تسألون أهل الكتاب عن
شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيّكم صلىاللهعليهوسلم
أحدث الأخبار بالله محضاً لم يُشب ، وقد حدّثكم الله أنّ أهل الكتاب قد بدّلوا من
كتب الله وغيّروا ، فكتبوا بأيديهم وقالوا : هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمناً
قليلاً. أوَلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟! فلا والله ما رأينا رجلاً
منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم ) .
ثالثاً
: أنّ أهل الكتاب من النصارى يدّعون بأنّ عيسى عليه السلام هو إله ، واليهود
يكذّبونهم ولا يعترفون به حتّى نبّياً ، وكلاهما يكذّب بالإسلام ونبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله ويقولون عنه : كذاب
ودجّال ، فلا يمكن أن يأمرنا الله بمسألتهم وهم لا يعترفون بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله.
رابعاً
: قد ثبت أنّها نازلة في أهل بيت النبوّة عليهم السلام بإجماع الشيعة وكثير من
مصادر السنة ، ولذلك قرائن كثيرة كحديث السفينة : والنجوم ، والثقلين ، ونحوها
كقول رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ( من أراد أن يدخل الجنّة التي غرسها ربّي فليوال علياً من بعدي وليوال وليّه
وليقتدي بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا علمي وفهمي ،
فويل للمكذّبين بفضلهم من
__________________
أُمتي ، القاطعين
فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ).
وقال صلىاللهعليهوآله
في أهل بيته عليهم السلام : ( فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ،
ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) ، وقال ابن حجر : وفي قوله صلىاللهعليهوآله : ( فلا تقدموهما
فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ). دليل على
أنّ من تأهّل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدّماً على غيره .
تأمّل وتدبرّ هذه الألفاظ : ( رزقوا
علمي وفهمي ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ).
خامساً
: أنّ أهل البيت عليهمالسلام
في كلّ عصر كلّ منهم أعلم أهل زمانه ، فالتاريخ يسطّر رجوع الخلفاء للإمام علي عليهالسلام ، ورجوع أبي حنيفة
للإمام الصادق عليهالسلام
والمأمون للرضا عليهالسلام
وهكذا ، أفلا يكونوا مع كلّ هذا أهل الذكر؟!
وهل غيرهم يقول عن نفسه كما قال الإمام
علي عليهالسلام
: ( تالله لقد علمت تبليغ الرسالات ، وإتمام العدّات ، وتمام الكلمات ، وعندنا أهل
البيت أبواب الحكم وضياء الأمر )
، وقال عليهالسلام
: ( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنّ
رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى
العمى. إنّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا
تصلح الولاة من غيرهم ) .
__________________
وقال عليهالسلام
أيضاً : ( نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلّا من
أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً.
فيهم كرائم القرآن ، وهم كنوز الرحمن ، إن
نطقوا صدقوا ، وإنّ صمتوا لم يُسبقوا ) .
وقال عليهالسلام
: ( هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا
يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد
الحقّ في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين
عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل ) .
وقال عليهالسلام
أيضاً : ( عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ،
وبسقت في كرم ، لها فروع طوال ، وثمرة لا تنال ) .
وقال عليهالسلام
: ( نحن شجرة النبوّة ، ومحطّ الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع
الحكم ، ناصرنا ومحبّنا ينتظر الرحمة ، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة )
وقال عليهالسلام
: ( فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ،
فأين يُتاه بكم؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم؟
__________________
وهم أزمّة الحقّ ، وألسنة
الصّدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.
أيّها الناس ، خذوها من خاتم النبيين صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إنّه
يموت من مات منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال ) ، فلا تقولوا بما لا
تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجّة لكم عليه وأنا هو ، ألم
أعمل فيكم بالثقل الأكبر ، وأترك فيكم الثقل الأصغر ، وركزت فيكم راية الإيمان )
وقال عليهالسلام
أيضاً : ( اُنظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من
هدى ، ولن يعيدوكم في ردىً ، فإنّ لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا
تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا ) .
وقال الإمام علي عليهالسلام : ( سلوني قبل أن
لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي ) .
وقال عليهالسلام
: ( سلوني ، والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلّا أخبرتكم ، سلوني
عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم
في جبل ) .
__________________
وقال عليهالسلام
: ( إنّ هاهنا لعلماً جمّا ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ) .
ومن تتبع أقوال الأئمة من بنيه ، أمثال
الإمام الحسن ، والإمام الحسين ، وزين العابدين ، وجعفر الصادق ، والإمام الرضا ، وبقية
الأئمة عليهمالسلام
لوجدهم يؤكّدون أنّهم هم أهل الذكر وحملة العلم ، وأنّ الواجب الأخذ عنهم ، وأهل
البيت عليهمالسلام
واحد بعد آخر أبلغوا الناس أنّهم هم حجّة الله في أرضه ، كما جاء في تفسير ابن
كثير عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر قال : ( نحن أهل الذكر ) .
وقال أبو جعفر عليهالسلام : ( وإنه لذكر
لك ولقومك وسوف تسألون )
، قال : رسول الله : صلىاللهعليهوآله
( وأهل بيته أهل الذكر وهم المسؤولون ) .
وقال في قول الله تعالى : وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ، قال : إنّما عنانا
بها ، نحن أهل الذكر ، ونحن المسؤولون ) .
وعن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله تعالى
: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، قال : هم آل محمّد ، فذكرنا له حديث
الكلبي أنّه قال : هي في أهل الكتاب ، قال فلعنه وكذّبه ) .
وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : ( إنّ
من عندنا يزعمون أنّ قول الله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون )
، أنّهم
__________________
اليهود والنصارى ، قال
: إذاً يدعونهم إلى دينهم ، ثمّ أشار بيده إلى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن
المسؤولون ) .
وعن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله تعالى
: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، قال : ( كتاب الله الذكر ، وأهله آل
محمّد الذين أمر الله بسؤالهم ، ولم يؤمروا بسؤال الجهّال ... ) .
قال : ( نحن أهل الذكر. قال أبو زرعة : صدق
محمّد بن علي ، ولعمري إنّ أبا جعفر لمن أكبر العلماء ) .
هذه نبذة مختصرة من أقوال الإمام علي
وأبنائه عليهمالسلام
عن أنفسهم.
وأمّا أقوال الصحابة وأصحاب الأئمة كعمر
وأبي حنيفة وغيرهم عن أنفسهم ، واعترافهم بأنّ الإمام علي وأولاده أعلم منهم فهي
كما يلي :
قالوا
عن أنفسهم :
١ ـ قال أبو بكر :
عن الترمذي قال : قال ( أبو بكر : أقيلوني
فإنّ علياً أحقّ منّي بهذا الأمر. وفي رواية كان الصديق يقول ثلاث مرّات : أقيلوني
أقيلوني ، فإنّي لست بخيركم وعلي فيكم ) .
__________________
وفي رواية : ( لما سئل أبو بكر عن قول
الله تعالى : ( وفاكهة وأبا ) فقال : أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض
تقلّني أنّ أقول في كتاب الله بما لا أعلم ) .
( وسئل أبو بكر عن الكلالة فقال : إنّي
سأقول فيها برأيي ، فإنّ كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان ) .
٢ ـ قال عمر : ورد أنّ عمر بن الخطاب
تلا هذه الآية : ( فأنبتنا فيها حبّا وعنباً وقضباً وزيتوناً
ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبّا )
قال : ( فكلّ هذا قد عرفناه فما الأب؟ ثمّ نفض عصا كانت في يده ، فقال : هذا لعمر
الله التكلّف! اتّبعوا ما تبيّن لكم هداه من هذا الكتاب ) .
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب
التيمم بأربعة طرق : ( أنّ رجلاً أتى عمر ، فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماءً ، فقال
: لا تصلّ. فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا
فلم نجد ماءً ، فأمّا أنت فلم تصلً ، وأمّا أنا فتمعّكت في التراب وصلّيت ) .
وجاء عن جهلهم أيضاً : ( خطب عمر بن
الخطاب الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإنّه
لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) أو سيق إليه ، إلّا جعلت
__________________
فضل ذلك في بيت
المال ، ثمّ نزل ، فعرضت له امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين أكتاب الله
تعالى أحق أنّ يتبع أو قولك؟ قال : بل كتاب الله ، فما ذاك؟ قالت : نهيت الناس
آنفاً أنّ يغالوا في صداق النساء ، والله تعالى يقول في كتابه : ( وآتيتم
إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا )
فقال عمر : كلّ
أحد أفقه من عمر. مرّتين أو ثلاثاً ).
وفي رواية قال عمر : ( امرأة أصابت ورجل
أخطأ ).
وفي رواية أخرى قال : ( كلّ أحد أعلم من
عمر ).
وفي أخرى قال : ( إن امرأة خاصمت عمر
فخصمته ) .
وجاء أيضاً : ( أتي عمر بن الخطاب
بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور ، فأمر برجمها ، فتلقّاها علي ، فقال : ما بال هذه؟
فقالوا : أمر عمر برجمها ، فردّها علي وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما
في بطنها؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها؟ قال : قد كان ذلك. قال : أوما سمعت رسول الله
( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) قال : ( لا حد على معترف بعد بلاء. إنّه من قيّد أو حبس أو تهدد فلا إقرارله ).
وخلّى سبيلها ، ثمّ قال : عجزت النساء أنّ تلدن مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي
لهلك عمر ) .
__________________
وفي حادثة مشابهة لهذه ، قال عمر : ( كلّ
أحد أفقه منّي ، ثلاث مرّات ) .
وعن مجاهد قال : ( قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من
أهل الذمّة فهمّ أنّ يقيده ، فقال له زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك؟ فجعله عمر
دية ) وأخرج
البيهقي : ( إن عثمان بن عفان أتى بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أنّ ترجم ،
فقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : ليس ذلك عليها ، قال الله تبارك وتعالى :
( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ، وقال : ( وفصاله في عامين ) ، وقال ( والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين )
فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً ، والحمل ستة أشهر ، فأمر بها عثمان أنّ ترد ، فوجدت
قد رجمت ) .
وقول عمر في أكثر مرّة : لولا علي لهلك
عمر ) .
وقوله : ( اللهم لا تبقني لمعضلة ليس
لها ابن أبي طالب ) .
وقوله : ( لا أبقاني الله بأرض لست فيها
أبا الحسن ) .
وقوله : ( لا أبقاني الله بعدك يا علي )
.
وقال سعيد بن المسيب : ( كان عمر يتعوّذ
من معضلة ليس بها أبو الحسن ) .
__________________
وقالوا
في الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهمالسلام
:
١ ـ إنّ أوّل مادح لعلي عليهالسلام هو الله تعالى
ورسوله صلىاللهعليهوآله
، كقوله تعالى : ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية )
، وقوله صلىاللهعليهوآله
: ( علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ) .
٢ ـ لم يذكر أنّ الإمام علي عليهالسلام أو بنيه قالوا بجهل
أنفسهم ، وإنّما تجد تضرّعهم ، ودموعهم ، واستصغارهم ، وتحقير أنفسهم عندما يناجوا
الله عزّ وجلّ ، أمّا أمام أصحابهم فهم يقولون : نحن حجّة الله عليكم ، نحن أهل
الذكر اسألونا ، وممّا صحّ عن علي قوله عليهالسلام
: ( والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي ) .
٣ ـ كلام الإمام السبط الحسن عليهالسلام في خطبة له يمدح
أبيه عليهمالسلام
: ( لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون بعلم ) .
٤ ـ ابن عباس حبر الأمة ، قال : ( قال
رسول الله صلّى الله عليه وآله : لو أنّ الغياض أقلام ، والبحار مداد ، والجن
حسّاب ، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل
__________________
علي بن أبي طالب
عليه السلام ) .
عن ابن عباس : ( والذي نفس عبد الله بن
العباس بيده ، لو كانت بحار الدنيا مداداً ، والأشجار أقلاماً ، وأهلها كتاباً ، فكتبوا
مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وفضائله ما أحصوها ) .
وعن ابن عباس قال : ( والله لقد أعطي
علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيّم الله لقد شارككم في العشر العاشر ) .
وقال أيضاً : ( ما علمي وعلم أصحاب
محمّد صلىاللهعليهوسلم
في علم علي رضي الله عنه إلّا كقطرة في سبعة أبحر ) .
وقال أيضاً : ( العلم ستة أسداس ، لعلي
من ذلك خمسة أسداس ، وللناس سدس ، ولقد شاركنا في السدس حتّى لهو أعلم به منّا ) .
وقال أيضاً : ( ليس من آية في القرآن ( يا أيّها
الذين آمنوا )
إلّا وعلي رأسها وأميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) في القرآن
وما ذكر علياً إلّا بخير ) .
وقال : ( ما نزل في أحد من كتاب الله
تعالى ما نزل في علي ) .
وقال : ( إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف
، ما منها حرف إلّا له ظهر وبطن ،
__________________
وإنّ علي بن أبي
طالب علم الظاهر والباطن ) .
وقال : ( أعطي علي عليهالسلام تسعة أعشار العلم ،
وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي ) .
وكانت الصحابة يرجعون إليه ـ أي : إلى
علي عليه السلام ـ في أحكام الكتاب ، ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب
في عدّة مواطن : ( لولا علي لهلك عمر ) .
وعن شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ، عن
ابن عباس المسمّى بحبر الأمّة لغزارة علمه أنّه قيل له : ( أين علمّك من علم ابن
عمك علي؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط ) .
وعن كتاب ( شفاء الصدور ) للنقاش ما
يرويه عن ابن عباس ، أيضاً قال : ( إنّ علياً علّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله
، ورسول الله علّمه الله ، فعلم النبي من علم الله ، وعلم علي من علم النبي ، وعلمي
من علم علي ، وما علمي وعلم أصحاب محمّد في علم علي إلّا كقطرة من سبعة أبحر ).
ورواه القندوزي الحنفي في ( ينابيع
المودّة ) عن الكلبي ، عن ابن عباس .
وروى المحبّ الطبري في ( ذخائر العقبى )
عن ابن عباس أنّه سئل عن علي
__________________
( رضي الله عنه ) فقال
: ( رحمة الله على أبي الحسن ، كان ـ والله ـ علم الهدى ، وكهف التقى ، وطود النهى
، ومحل الحجى ، وغيث الندى ، ومنتهى العلم للورى ، ونوراً أسفر في الدجى ، وداعياً
إلى المحجّة العظمى ، مستمسكاً بالعروة الوثقى ، أتقى من تقمّص وارتدى ، وأكرم من
شهد النجوى بعد محمّد المصطفى ، وصاحب القبلتين ، وأبو السبطين ، وزوجته خير
النساء ، فما يفوقه أحد ، ولم تر عيناي مثله ، ولم أسمع بمثله ) .
٥ ـ محمّد بن أبي بكر ، ( كتب إلى
معاوية فيما كتب : يا لك الويل ، تعدل نفسك بعلي؟! وهو وارث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ووصيّه ) .
٦ ـ ابن مسعود ، قال : ( قسّمت الحكمة
عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءً واحداً ، وهو أعلم بالعشر الباقي
) .
وقال : ( أعلم أهل المدينة بالفرائض علي
بن أبي طالب ) .
وقال : ( كنا نتحدّث أنّ أقضى أهل
المدينة علي ) .
وقال : ( أفرض أهل المدينة وأقضاها علي
) .
وقال : ( إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف
، ما منها حرف إلّا وله ظهر
__________________
وبطن ، وإنّ علي بن
أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن ) .
وروى القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة
) عن ( مودّة القربى ) للشافعي ، عن ابن مسعود أنّه قال : ( قرأت سبعين سورة من في
رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقرأت البقية على أعلم هذه الأمّة بعد نبيّها
صلّى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ) .
وروى نحوه الخوارزمي الحنفي .
وروى القندوزي أيضاً في ينابيعه ، عن ( فرائد
السمطين ) للحمويني بسنده ، عن ابن مسعود أنّه قال : ( نزل القرآن على سبعة أحرف ،
وله ظهر وبطن ، وإنّ عند علي علم القرآن ظاهره وباطنه ) .
٧ ـ عدي بن حاتم ، قال في خطبة له : ( والله
لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة إنّه ـ يعني علياً ـ لأعلم الناس بهما ، ولئن
كان إلى الإسلام إنّه لأخو نبي الله ، والرأس في الإسلام ، ولئن كان إلى الزهد
والعبادة ، إنّه لأظهر الناس زهداً ، وأنهكهم عبادة ، ولئن كان إلى العقول
والنحائز ، إنّه لأشد الناس عقلاً ، وأكرمهم نحيزة ) .
٨ ـ عائشة ، قالت في علي عليه السلام :
( هو أعلم الناس بالسنّة ) .
__________________
وفي رواية قالت في علي : ( ذلك خير
البشر لا يشك إلّا كافر ) .
٩ ـ عمر بن الخطاب ، قال : ( والله لولا
سيفه ـ يعني علياً ـ لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمّة ، وذو سابقتها
وذو شرفها ) .
وقال : ( لقد أعطي علي بن أبي طالب
ثلاثاً لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم : زوجته فاطمة بنت رسول الله ، وسكناه
المسجد ، يحلّ له ما يحلّ لرسول الله ، والراية يوم خيبر ) . وقال : ( أقضانا علي بن أبي طالب ) .
١٠ ـ معاوية ، أنّه قال : ( إن علياً
كان رسول الله يغرّه العلم غرّاً .. وكان عمر إذا أشكل عليه أمر شيء يأخذ منه ).
وروايات أخذ عمر والصحابة العلم منه عليهالسلام مستفيضة .
وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج ، عن
محفن ابن أبي محفن الضبي ، لما قال لمعاوية : ( جئتك من أبخل الناس ـ يعني علياً
ـ!! فقال معاوية : ويحك! كيف تقول إنّه أبخل الناس؟! وهو الذي لو ملك بيتاً من تبر
وبيتاً من تبن لأنفق بيت
__________________
تبره قبل تبنه ، وهو
... ) .
ولمّا قال له : ( جئتك من عند أعيا
الناس!! قال له معاوية : ويحك! كيف يكون أعيا للناس؟ فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش
غيره ) .
وروى ابن الصباغ المالكي في ( الفصول
المهمة ) ، وابن الجوزي ، وغيرهما من مؤرّخي أهل السنة والجماعة : ( أنّ ضرار بن
ضمرة دخل على معاوية ، فقال له : صف لي علياً. فقال : أوتعفني؟ قال : لا أعفيك.
فقال ضرار : أما إذا كان لا بد ، فكان ـ
والله ـ بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من
جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس الليل وظلمته.
كان ـ والله ـ غزير الدمعة ، كثيرة
الفكرة ، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.
كان ـ والله ـ كأحدنا ، يجيبنا إذا
سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن ـ والله ـ مع قربه منّا ودنوّه إلينا لا
نكلّمه هيبة له ، ولا نبتديه لعظمته ، فإنّ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا
يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض
مواقفه ليلة ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على
لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول :
__________________
( يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرّضت ، أم
إليّ تشوقت؟! هيهات قد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي منك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك
كبير ، آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ).
قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته ، فلم
يملك ردّها ، وهو ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء.
ثمّ قال معاوية : رحم الله أبا الحسن ، فقد
كان ـ والله ـ كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ،
فلا ترق عبرتها ، ولا يسكن حزنها ) .
وذكر أصحاب السير والتواريخ ، منهم : الخوارزمي
الحنفي في مناقبه : ( أنّ معاوية كتب إلى عمرو بن العاص كتاباً حتّى أراد إغواءه ،
والانضمام إليه لحرب الإمام عليّ عليه السلام ، فأجابه عمرو بكتاب طويل ، يذكر فيه
فضائل علي ومناقبه ، ومما جاء فيه ، قال : ( فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة
الإسلام من عنقي ، والتهوّر في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط
السيف في وجه علي ( رضي الله عنه ) وهو أخو رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيّه ووارثه ، وقاضي
دينه ، ومنجز وعده.
ثمّ صار يعدد كلمات رسول الله صلىاللهعليهوآله في حقّ علي ، كأقواله
صلىاللهعليهوآله
في غدير خمّ ، وحديث الطير ، وحديث الثقلين ، وغيرها.
__________________
ثمّ قال لمعاوية : وكتابك يا معاوية
الذي هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل أو دين ) .
اُنظر إلى إقرار هذا الماكر المخادع ، واعترافه
بالحقّ المغتصب مع إصراره على الباطل ، وخروجه على إمام زمانه علي عليهالسلام!! بل الأعجب من ذلك
أنّه يوجد من يسمّي هذا الماكر بـ ( داهية العرب ) ، ورأيت كثيراً من المسلسلات
عندنا تتكلّم عن حلم الصحابة فتظهر صورة من صور مكر معاوية فتسمّيه حلم! وخبث عمرو
بن العاص فتسمّيه دهاء.
أورد القندوزي الحنفي في ( ينابيع
المودّة ) عن ابن الجوزي ، عن القاضي أبي يعلى في كتابه قال ـ بعد ذكر موبقات يزيد
ـ : ( إنّ معاوية بن يزيد لمّا ولي العهد صعد المنبر ، فقال : إنّ هذه الخلافة حبل
الله تعالى ، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منه ، علي بن أبي
طالب ( رضي الله عنه ) ). ثمّ ذكر اغتصاب أبيه الحقّ من الحسين عليه السلام ) .
وروى الدميري في حياة الحيوان ، قال : (
إنّ معاوية بن يزيد قال على المنبر في مجتمع أهل الشام : ألا إنّ جدّي معاوية قد
نازع في هذا الأمر من أولى به منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله صلّى الله عليه
وآله وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدراً ، وأشجعهم قلباً ، وأكثرهم علماً ،
وأوّلهم إيماناً ، وأشرفهم منزلة ، وأقدمهم صحبة ، ابن عمّ رسول الله صلّى الله
عليه وآله وصهره وأخوه ، زوّجه ابنته فاطمة ، وجعله لها بعلاً ، باختياره لها ، وجعلها
له زوجة باختيارها له ، أبو
__________________
سبطيه سيّدي شباب
أهل الجنّة ، وأفضل هذه الأمّة ، تربية الرسول ، وابني فاطمة البتول ، من الشجرة
الطيبة الطاهرة الزكية ... ) .
وروى الخوارزمي عن عمر بن عبد العزيز ، أنّه
قال : ( ما علمنا أنّ أحداّ من هذه الأمّة بعد رسول الله أزهد من علي بن أبي طالب
، ما وضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ) .
وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح
النهج ) خبر المحاكمة الشهيرة التي وقعت عند عمر بن عبد العزيز في امرأة حلف زوجها
عليها بالطلاق : في أنّ علياً خير هذه الأمّة ، وأفضلها بعد نبيّها صلّى الله عليه
وآله ، وادعى أبوها أنّها قد طلقت منه.
فجمع عمر بن عبد العزيز الهاشميين
والأمويين عنده ، وعرض عليهم الحكم ، فقام هاشمي من بني عقيل ، وقال : ( برّ قسمه
ولم تطلق زوجته ، ثمّ احتجّ على ذلك بما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله من
تفضيله لعلي عليه السلام على سائر الأمّة ، فقال عمر : صدقت وبررت يا عقيلي.
ثمّ قال : والله يا بني عبد مناف ما
نجهل ما يعلم غيرنا ، وما بنا إلّا عمى في ديننا ) .
نكتفي بما مرّ من أقوال الصحابة ، ونأتي
بنبذة من كلام التابعين وتابعيهم :
١ ـ خليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي
الشهير ، قال في شأن الإمام عليهالسلام
:
__________________
( احتياج الكلّ إليه
واستغناؤه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ ).
وقال في حقّه عليهالسلام لما قيل له : لم لا
تمدح علياً؟ قال : ( كيف أقدم في مدح من كتم أحباؤه فضائله خوفاً ، وأعداؤه حسداً
، وظهر بين الكتمانين ما ملأ الخافقين ) .
٢ ـ عن سليمان بن مهران ، عن المنصور ، أنّه
حدّثه بكرامات جليلة لعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام ، والحديث طويل جدّاً وفي
آخره : أنّ سليمان قال للمنصور : لي الأمان؟ فقال : لك الأمان. فقال : ما تقول
فيمن يقتل هؤلاء؟ قال المنصور : في النار ، لا أشك في ذلك. قال : فما تقول فيمن
قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟ قال : فنكس المنصور رأسه ، ثمّ قال : يا سليمان الملك
عقيم ) .
٣ ـ أحمد بن حنبل ، وإسماعيل القاضي ، والنسائي
، وأبو علي النيسابوري : ( لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر
مما جاء في علي ) .
وقال الحاكم في المستدرك في ذيل حديث
وراثته عليهالسلام
للنبي دون عمه العباس ما نصّه : ( لا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العم لا يرث مع
العم ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ علياً ورث العلم من النبي دونهم ) .
__________________
ولنا سؤال نوجّهه لأحمد بن أحمد وهو : لماذا
يعد الخلفاء الثلاثة أفضل من الإمام علي؟!
ويحكى عن الشافعي أنّه سُئل عن الإمام
علي بن أبي طالب ، فقال : ماذا أقول في رجل أسر أولياؤه مناقبه تقية ، وكتمها
أعداؤه حنقاً وعداوة ومع ذلك قد شاع منه ما ملأ الخافقين ) .
ولقد أنصف الشافعي في مدح أهل بيت رسول
الله صلّى الله عليه وآله بقوله :
يا أهل بيت رسول الله حبّكم
|
|
فرض من الله في القرآن أنزله
|
كفاكم من عظيم الفخر أنّكم
|
|
من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
|
وقوله :
يا راكبا بالمحصب من منى
|
|
اهتف بساكن خيفها والناهض
|
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى
|
|
فيضاً كملتطم الفرات الفائض
|
إن كان رفضاً حبّ آل محمّد
|
|
فليشهد الثقلان أنّي رافضي
|
وقوله :
إذا في مجلس ذكروا علياً
|
|
وسبطيه وفاطمة الزكية
|
برئت إلى المهيّمن من أناس
|
|
يرون الرفض حبّ الفاطمية
|
على آل الرسول صلاة ربي
|
|
ولعنته لتلك الجاهلية
|
__________________
وكما شهد التاريخ لأميرالمؤمنين عليهالسلام فإنّه يشهد لبقيّة
الأئمة الطاهرين من أبنائه المعصومين عليهمالسلام
، وينقل لنا أقوال أصحابهم وأهل زمانهم في كلّ عصر ، وإليك نبذة مما جاء فيهم عليهمالسلام :
جاء في حلية أبي نعيم ، وتاريخ النسائي
، عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري : ( ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين
ولا أفقه منه ).
( ورأى عليهالسلام
الحسن البصري عند الحجر الأسود يقصّ ، فقال عليهالسلام
: يا هذا أترضى نفسك للموت؟ قال : لا ، قال : فعلمك للحساب؟ قال : لا ، قال : فثمّ
دار العمل؟ قال : لا ، قال : فللّه في الأرض معاذ غير هذا البيت؟ قال : لا ، قال :
فلم تشغل الناس عن الطواف؟ ثمّ مضى ، قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات
من أحد قط أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا : هذا زين العابدين ، فقال الحسن : ذرية بعضها
من بعض ).
( وقال عليهالسلام
في قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ) ( لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن
إلى يوم القيامة ). وسفيان بن عيينة يقول عنه : ( ما كان أكثر مجالستي مع علي بن
الحسين ، وما رأيت أحداً أفقه منه ).
وحدّث عبد الله محمّد القرشي ، قال : ( كان
علي بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يغشاك؟ فيقول :
أتدرون لمن أتأهّب للقيام بين يديه ).
( وقال الزهري : قدمت على عبد الملك بن
مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته ، فقال لي : إنّه قد جاءني في يوم فقدوه
الأعوان ، فدخل علي فقال : ما أنا وأنت؟! فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحبّ ثمّ
خرج فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين ليس
علي بن الحسين حيث
تظن إنّه مشغول
بنفسه ، فقال : حبّذا شغل مثله فنعم ما شغل به. قال : وكان إذا ذكر علي بن الحسين
يبكي ويقول : زين العابدين ) .
ووصفه النبي صلىاللهعليهوآله بزين العابدين ، والحديث
متّفق عليه ، ومن رواته الحافظ ابن عساكر .
وقال يحيى بن سعيد : ( هو أفضل هاشمي
رأيته في المدينة ) .
وللشاعر المشهور ( الفرزدق ) قصيدة في
حقّه معروفة ومشهورة ، راجعها ، فقد اشتهرت بحيث قلّ ما تجد مترنّم لا يترنّم بها
؛ لشهرتها .
وكذلك الإمام الباقر عليهالسلام : أعلم الناس
وأفضلهم بعد أبيه عليهالسلام
ولذا لقّبه النبي صلىاللهعليهوآله
بالباقر ؛ لأنه بقر العلم ، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريح والأوزاعي
والزهري وغيرهم ، وهؤلاء أئمة أهل السنة في ذلك العصر.
وقال ابن حبان : ( من سادات أهل البيت
فقهاً وعلماً وفضلاً ).
وكان جابر إذا حدّث عن الباقر يقول : ( حدّثني
وصي الأوصياء ) .
ونقل القندوزي عن ( فصل الخطاب ) لمحمّد
خواجة البخاري عند ذكره للإمام الصادق عليهالسلام
: فبعد الثناء العاطر عليه ، ووصفه بالعلم الغزير ، قال : إنّ المنصور قال : ( إئتني
بجعفر الصادق حتّى أقتله. قال : قلت : هو رجل أعرض
__________________
عن الدنيا ، وتوجّه
لعبادة المولى فلا يضرّك. قال المنصور : إنّك تقول بإمامته ، والله إنّه إمامك
وإمامي ، وإمام الخلائق أجمعين ، والملك عقيم فاتني به ... ) .
وفي ينابيع المودّة أيضاً بسنده إلى
جابر بن عبد الله الأنصاري قوله للإمام الباقر عليهالسلام
: ( يا مولاي إنّ جدّك رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال لي : إذا لقيته فأقرأه منّي السلام وقد أخبرني أنّكم الأئمّة الهداة من أهل
بيته بعده ، أحكم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ، وقال : لا تعلّموهم فإنّهم أعلم
منكم ) .
وعن كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) في
أحوال الإمام الصادق عليهالسلام
عن مسند أبي حنيفة ، قال : قال الحسن بن زياد : ( سمعت أبا حنيفة ، وقد سئل من
أفقه من رأيت؟ قال : جعفر بن محمّد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال : يا أبا
حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من مسائلك الشداد ، فهيّأت
له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة ، فأتيته فدخلت عليه ، وجعفر
جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت
عليه ، فأومأ إلي ، فجلست ثمّ التفت إليه فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.
قال : نعم ، أعرفه. ثمّ التفت إلي ، فقال : يا أبا حنيفة الق على أبي عبد الله من
مسائلك. فجعلت ألقي عليه ، ويجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا ،
__________________
وأهل المدينة يقولون
كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا ، وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً ، حتّى
أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخل منها بشيء ثمّ قال أبو حنيفة : أليس إن أعلم
الناس ، أعلمهم باختلاف الناس ) .
وعن كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) في
أحوال الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّه روي عن الإمام مالك بن أنس أنّه قال :
( ما رأت عين ، ولا سمعت أذن ، ولاخطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق ، فضلاً
وعلماً وعبادة وورعاً ) .
وقد اشتهر عن أبي حنيفة قوله : ( جعفر
بن محمّد أفقه من رأيته ) وأخذ العلوم عنه.
ثمّ مالك أخذ العلوم عن كتب أبي حنيفة
ثمّ الشافعي أخذ عن مالك ودرس عليه.
ونقل القندوزي الحنفي في ينابيعه عن
كتاب ( فصل الخطاب ) لمحمّد خواجة البخاري عند تعداد مناقب الأئمة من أهل البيت
واحداّ بعد واحد ، وذكر فضائلهم الجمّة ، وعلومهم الغزيرة حتّى جاء إلى ذكر الإمام
الكاظم عليه السلام ، فقال ـ بعدما ذكر علمه وحلمه وفضله وورعه وشيئاً من مناقبه
وكراماته ـ : روى المأمون ، عن أبيه الرشيد أنّه قال : لبنيه في حقّ موسى الكاظم :
( هذا إمام الناس ، وحجّة الله على خلقه ، وخليفته على عباده ، أنا إمام الجماعة
في الظاهر والغلبة والقهر ، وأنّه والله لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه
وآله منّي ، ومن الخلق جميعاً ، ووالله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه
عيناه ،
__________________
فإنّ الملك عقيم ).
وقال الرشيد للمأمون ـ كما ذكره في نفس
الباب ـ : ( يا بني هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر ، إن أردت العلم
الصحيح تجده عند هذا ... ) .
وقال عنه الذهبي : ( موسى الكاظم الإمام
القدوة ).
وقال أبو حاتم : ( ثقه صدوق إمام من
أئمة المسلمين ).
وقال ابن الجوزي : ( ويدعى بالعبد
الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل ).
وقال الحافظ ابن حجرالعسقلاني : ( مناقبه
كثيرة ).
وقال ابن حجر المكي الهيتمي : ( كان
أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم وقالوا إنّه كان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء
الحوائج عند الله ).
وقد ذكرت له كرامات كثيرة ذكرها ابن
الجوزي في صفوة الصفوة.
وقال ابن طلحة في الإمام الصادق عليهالسلام : ( هو من عظماء
أهل البيت وساداتهم ، وذو علوم جمّة ، وعبادة معروفة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة
بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبع معاني القرآن الكريم ، ويستخرج من بحره جواهره ...
__________________
الاقتداء بهديه يورث
الجنّة ).
ونقل ابن حجر الهيتمي : ( نقل الناس عنه
من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان ) .
وأمّا الإمام الرضا عليهالسلام ذكر أنّه كان يجلس
في المسجد النبوي ويفتي الناس وهو ابن اثنين وعشرين سنة.
وقال الذهبي عنه : ( كان سيّد بني هاشم
في زمانه وأجلهم وأنبلهم و ... ).
وقال ابن حجر : ( قال الحاكم : سمعت أبا
بكر بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة
وعديله أبي علي الثقفي مع جماعه من مشايخنا ، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر
علي بن موسى الرضا بطوس ، فرأيت من تعظيمه ـ أي : تعظيم خزيمة ـ لتلك البقعة
وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا ).
وروى القندوزي الحنفي في ينابيعه ، كتاب
المأمون إلى العباسيين حين حاولوا صرفه عن تولية ولاية العهد للإمام الرضا ، وهو
طويل مذكور في كتب كثيرة نذكر لك نبذة منها ، قال ـ بعد ذكر فضل علي عليه السلام
وجملة من مناقبه ، وأنّه أوّل من أسلم ، وأفقههم في دين الله ـ : ( وهو صاحب
الولاية في حديث الغدير ، وهو نفس النبي صلّى الله عليه وآله يوم المباهلة ، والله
جمع المناقب والآيات المادحة فيه ، ثمّ نحن وبنو علي عليه السلام كنّا يداً واحدة
حتّى قضى الله
__________________
الأمر إلينا ، ضيّقنا
عليهم وقتلناهم أكثر من بني أمية إياهم ) .
وأمّا الإمام الجواد عليهالسلام فقال الذهبي عنه :
( من سادات أهل بيت النبوّة ).
وقال الصفدي ذلك.
وفي تاريخ الخطيب ما يفيد أنّه كان يرجع
اليه في معاني الأخبار وحقائق الأحكام.
وله مناظرات معروفة مع يحيى بن أكثم
وغيره.
وكما وجّهت له الكثير من الأسئلة بعد
رحلة والده عليهالسلام
فأجاب عليها إجابات حاسمة بهتت المخالف والمؤالف ) .
نعم ، إنّ التاريخ لم يذكر كثيراً من
فضائله ، ولا من بعده من الأئمة عليهمالسلام
بسبب الحصار الذي كان من قبل أعداء آل محمّد عليهمالسلام
فمثلاً : المأمون لمّا رأى من فضل الإمام الجواد عليهالسلام
على صغر سنّه حبس علومه عن الناس لكي لا يفتنوا به ، ولكن لم يستطيعوا إخماد نور
الله ، فإمامتهم ثبتت رغم كلّ المحاولات ، فحديث الاثنى عشر ذاع وانتشر رغم خطورته
على مناصب السلف والخلف المخالف للذريّة الطاهرة ، ويؤيّد ذلك الأخبار الواردة عند
__________________
السنة ، بل وردت
أحاديث تذكرهم بصفاتهم وأسمائهم .
ونحن قبل أن نناقش مسألة أنّه هل يمكن
أن يأخذ الإمام منصب الإمامة في الصغر أم لا؟ لابدّ أن نثبت أنّ الإمامة منصب إلهي
كالنبوّة ، فإذا اقتنع المخالف بذلك ، فسنقول له كذلك أوتي يحيى وعيسى الحكم
والنبوّة في صغرهما كما بيّن ذلك القرآن الكريم ، واذا لم يقتنع بذلك فلا داعي
للمناقشة في مسألة متفرّعة على الإيمان بذلك الأصل.
وقد أثبت المحققون والمؤلّفون الشيعة
بأدلّة كافية أنّ ولاية أهل البيت عليهمالسلام
منصب إلهي وأمر سماوي لاسلطة للبشر فيه ، وهم الأئمة الاثنى عشر عليهمالسلام.
وقلنا إنّ الأئمة عليهمالسلام حوصروا من قبل
الحكّام كالإمام الهادي عليهالسلام
وشهد بذلك المؤرّخون من أبناء السنّة كالخطيب في تاريخه قال : ( أشخصه جعفر
المتوكل من مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى بغداد ، ثمّ إلى سرّ من رأى ، فقدمها وأقام فيها عشرين سنة وتسعة اشهر ولذا
عرف بالعسكري ) .
ورغم كلّ ذلك فقد بزغ نور النبوّة ولو
كره الكارهون ، وشهد أعلام أهل السنة بذلك ، واعترفوا بفقهه وعبادته وزهده ، قال
اليافعي : ( كان الإمام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً ).
__________________
وقال ابن كثير : ( كان عابداً زاهداً ) .
وقد ظهرت منزلته العلمية في قضية اتّفقت
للمتوكل ، عجز العلماء عن إعطاء الرأي الصحيح فيها ، فحلّها الإمام عليهالسلام ، وقد ذكر القصّة
الخطيب البغدادي في تاريخه .
والإمام العسكري عليهالسلام الذي كان أكثر عمره
الشريف تحت النظر والحصار ، وممنوع من الالتقاء به ونشر علمه ، ومع ذلك فقد ظهرت
منه فوائد وكرامات نقلت عنه في كتب أهل السنّة .
وقد عرف الإمامان الهادي والعسكري عليهماالسلام بالعسكريين لحصرهما
في المعسكر العباسي ، ورغم ذلك فهم لم يستطيعوا أن يطفؤوا نور الله ، ولم ولن
يستطيع من كان قبلهم ولا من أتى بعدهم.
ثمّ بعده الإمام الثاني عشر محمّد بن
الحسن المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ) ، وفيه بحث خاص حول وجوده الشريف ، وغيبته
، وما يتعلّق بذلك بالأدلّة الوثيقة من كتب الزيدية والسنة ، وذلك في كتابي ( وعرفت
من هم أهل البيت عليهمالسلام
) فراجع.
وبعد أن سردنا بالدليل أقوال أئمة أهل
البيت عليهمالسلام
في أنفسهم ، وأقوال من خالفهم فيهم وفي أنفسهم نسرد بالدليل أيضاً أقوال الأئمة
الأربعة في أنفسهم
__________________
لنرى الفرق بين من
يقول : ( اسألوني قبل أن تفقدوني ).
( ونحن حجج الله وبيّناته ). وبين من
يقول : ( أقيلوني فلست بخيركم ).
( ونقول القول ونرجع عنه غداً ). و( قولنا
هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا
... )
هذه الاقوال وعليكم التحليل وأخذ
النتيجة.
قال
الأئمة الأربعة عن أنفسهم :
١
ـ أبو حنيفة :
( لا يحلّ لأحد أنّ يأخذ بقولنا ما لم
يعرف من أين أخذناه ).
وفي رواية : ( لا ينبغي لمن لم يعرف
دليلي أنّ يفتي بكلامي ). وزاد في رواية : ( فإنّنا بشر نقول القول ونرجع عنه غداً
).
قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ،
فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا ).
وقيل لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة هذا
الذي تفتي فيه هو الحق الذي لا شك فيه؟ فقال : ( لا أدري ، لعله الباطل الذي لا شك
فيه ).
وقال زفر : ( كنّا نختلف إلى أبي حنيفة
ومعنا أبو يوسف ومحمّد بن الحسن فكنّا نكتب عنه ، فقال يوماً لأبي يوسف : ويحك
يعقوب! لا تكتب كلّ ما تسمعه منّي ، فإنّي قد أرى الرأي اليوم فأتركه غداً ، وأرى
الرأي غداً فأتركه بعد غد ) .
__________________
٢
ـ مالك بن أنس :
( إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا
في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكلّ ما لا يوافق الكتاب والسنة
فاتركوه ) .
قال ابن حزم : ( فهذا مالك ينهى عن
تقليده ، وكذلك أبو حنيفة ، وكذلك الشافعي ، فلاح الحق لمن لم يغش نفسه ، ولم تسبق
إليه الضلالة ، نعوذ بالله منها ).
وقال الشوكاني : ( ولا يخفى عليك أنّ
هذا تصريح منه بالمنع من تقليده ).
وقال مالك أيضاً : ( ليس لأحد بعد النبي
( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) إلّا ويؤخذ من قوله ويترك إلّا النبي ).
وذكر الطبري في كتاب تهذيب الآثار ، بإسناده
إلى مالك ، قال : قال مالك : ( قبض رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) وقد تمّ هذا الأمر واستكمل ، فإنّما ينبغي أنّ تتبع آثار رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) ، ولا
تتبع الرأي ، فإنّه متى اتّبع الرأي جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك فاتبعته ، فأنت
كلّما جاء رجل عليك اتّبعته ، أرى هذا لا يتم ) .
__________________
وقال القعنبي : ( دخلت على مالك في مرضه
الذي مات فيه ، فسلّمت عليه ، فرأيته يبكي ، فقلت : يا أبا عبد الله ما الذي
يبكيك؟ فقال لي : يا ابن قعنب ومالي لا أبكي! ومن أحقّ بالبكاء منّي! لوددت أنّي
ضربت سوطاً وقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه ، وليتني لم أفت بالرأي ). يقول ابن
حزم : ( فهذا رجوع منه عن كلّ ما أفتى منه برأي ، وهذا ثبت عنه ).
وروي أنّ مالكاً أفتى في طلاق البتة ـ أي
: الطلاق الذي لا رجعة فيه ـ أنّها ثلاث ، فنظر إلى أشهب قد كتبها ، فقال : امحها
، أنا كلما قلت قولاً جعلتموه قرآناً! أما يدريك! لعلّي سأرجع عنها غداً فأقول : هي
واحدة ) .
٣
ـ الإمام الشافعي :
قال حرملة بن يحيى : قال الشافعي : ( ما
قلت وكان النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) قد قال بخلاف قولي ، فما صحّ من حديث النبي أولى ولا تقلّدوني ).
وقال : ( كلّ مسألة صحّ فيها الخبر عن
رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي ).
قال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي
يقول : ( إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) فقولوا بها ودعوا ما قلت ) .
__________________
٤
ـ أحمد بن حنبل :
( لا تقلّدني!! ولا تقلّد مالكاً!! ولا
الشافعي!! ولا الأوزاعي! ولا الثوري! وخذ من حيث أخذوا ).
وقال : ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي
سفيان كلّه رأي ، وهو عندي سواء ، وإنّما الحجّة في الآثار ).
وقال : ( اُنظروا في أمر دينكم فإنّ
التقليد لغير المعصوم مذموم ، وفيه عمى للبصيرة ) .
وقفة
ضمير :
بعد كلّ هذه الأخبار عن سلفكم وأئمتكم
وعلمائكم ، هل يصح الإعراض عن أهل البيت عليهمالسلام
القائلين : نحن حجج الله عليكم ، نحن قرناء القرآن؟!
وبعد شهادة سلفكم ( الصحابة ) وأئمتكم (
الأئمة الأربعة ) في حقّ أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين الميامين عليهمالسلام هل يبقى شك في وجوب
اتّباع سفينة النجاة؟! سؤال موجّه إلى كلّ ذي ضمير حي لا يقلّد في دينه أحد فإنّ
كان شكّه في الدليل فها هو ، وان كان شكّه في المصدر فليبحث بنفسه ، ويتأكّد من
صدق
__________________
أدلّتنا بانصاف
وأمانه وتعقّل ، وليس كغيره ممن يفضّلون الخلفاء الثلاثة على الإمام عليهالسلام بلا دليل وبرهان.
ولكن هذا من هوان الدنيا على الله أن
يصبر على كثير من الناس وهو يراهم يعرضون عن أوليائه ، وقد بيّن لهم السبيل ، وهداهم
لأوليائه.
نعم ، قد يقال : إنّ اسم أهل البيت عليهمالسلام لم يصرح به في
القرآن الكريم ، وهذا السؤال كثيراً ما سمعته أجيب من واجهني بالسؤال أو تسائل عبر
الفضائيات أو عبر أيّ وسيلة أو حتّى مع نفسه بما يلي :
إنّ القرآن الكريم قال : أقيموا الصلاة
، ولم يبيّن أنّ عدد ركعات الظهر كذا والعصر كذا.
وكذلك قال : آتوا الزكاة ، ولم يبيّن
مقدارها.
وقال : جاهدوا في سبيل الله ، لكنه ترك
تعيين وقت الجهاد على ولي الأمر في كلّ عصر ، فكذلك الإمامة قال تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ )
، فقد قرن
الله تعالى طاعته بطاعة رسوله وأولي الأمر من بعده ، إذن كلّ مسلم لابدّ أن يعرف
من هم أولي الأمر الذين قرن الله سبحانه طاعتهم بطاعته بدون استثناء ، هنا ترك
الجواب للرسول صلىاللهعليهوآله
، كما ترك تبيين عدد الركعات وتفصيل الصلاة التي هي عمود الدين إليه.
وفي هذا الكتاب بحثنا هذه الآية بحثا
وافياً ، وعرفنا من هم أولي الأمر الذين تجب طاعتهم على كلّ مكلّف ، فتابع.
__________________
الدليل التاسع
: حديث المنزلة
سوف نبيّن فيما يأتي مامعنى المنزلة
وأهميتها ، ولكن نبدأ بمصادرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنة ، وأهمّها صحيح
البخاري ، فقد جاء فيه ما يلي :
حدّثنا محمّد بن بشار ، حدّثنا غندر ، حدّثنا
شعبة ، عن سعد قال : سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [ أي سعد بن أبي وقاص ] قال : قال
النبي صلىاللهعليهوآله
لعلي : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ) .
قال : وحدّثنا مسدد ، حدّثنا يحيى ، عن
شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب ـ مصعب بن سعد بن أبي وقاص ـ عن أبيه : ( إن رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج إلى تبوك
فاستخلّف علياً فقال : أتكلّفني بالصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أنّ تكون منّي
بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه ليس بعدي نبي ) .
صحيح مسلم :
حدّثنا محمّد بن المنكدر ، عن سعيد بن
المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي : ( انت منّى بمنزلة
هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداً فلقيت
سعداً فحدّثته بما حدّثنى عامر ، فقال : أنا سمعته ، فقلت : أنت
__________________
سمعته؟ فوضع إصبعيه
على أذنيه فقال : نعم ، وإلاّ فاستكّتا.
وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا
غندر ، عن شعبة ح ، وحدّثنا محمّد بن المثنى وابن بشار قالا : حدّثنا محمّد بن
جعفر حدّثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن سعد بن أبي وقاص
قال : ( خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال
: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ).
حدّثنا عبيد الله بن معاذ ، حدّثنا أبي
حدّثنا شعبة في هذا الإسناد.
حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمّد بن عباد ( وتقاربا
في اللفظ ) قالا : حدّثنا حاتم ( وهو ابن إسماعيل ) عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن
سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن
تسبّ أبا التراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلن أسبّه لأن تكون
لي واحدة منهن احبّ إلى من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول له خلفه في
بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
: أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي وسمعته
يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا
لها فقال : ادعوا لي علياً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ففتح
الله عليه. ولمّا نزلت هذه الآية ( فقل تعالوا ندع
ابناءنا وابناءكم )
دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي ).
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا
غندر ، عن شعبة ح ، وحدّثنا محمّد بن
المثنى وابن بشار
قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمعت إبراهيم بن سعد
، عن سعد ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم
أنّه قال لعلي : ( أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ).
حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا يعقوب ( يعني
: ابن عبد الرحمن القاري ) عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين
هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب : ما
أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ ، قال : فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ، قال : فدعا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
على بن أبي طالب فاعطاه إياها ، وقال : امش ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك ، قال :
فسار علي شيئاً ، ثمّ وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال
: قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، فإذا فعلوا
ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله ).
حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا عبد
العزيز ( يعني : ابن أبي حازم ) عن أبي حازم عن سهل ح ، وحدّثنا قتيبة بن سعيد ( واللفظ
هذا ) حدّثنا يعقوب ( يعني : ابن عبد الرحمن ) عن أبي حازم ، أخبرني سهل بن سعد
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله
ويحبّه الله ورسوله قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، قال : فلمّا
أصبح الناس غدوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
كلّهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يارسول الله
يشتكي عينيه ، قال : فارسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عينيه ، ودعا له
فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع ، فاعطاه الراية ، فقال علي : يارسول الله أقاتلهم
حتّى يكونوا مثلنا ،
فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما
يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن
يكون لك حمر النعم ).
حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا حاتم ( يعني
: ابن إسماعيل ) عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : ( كان علي قد
تخلّف عن النبي صلىاللهعليهوسلم
في خيبر ، وكان رمداً ، فقال : أنا أتخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟! فخرج علي فلحق
بالنبي صلىاللهعليهوسلم
، فلمّا كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لأعطين الراية أو
ليأخذن بالراية غداً رجل يحبّه الله ورسوله ، أو قال : يحبّ الله ورسوله يفتح الله
عليه. فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الراية ، ففتح الله
عليه ) .
سنن الترمذي :
حدّثنا قتيبة ، ( أخبرنا ) حاتم بن
إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ( أمر
معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أنّ تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ;
ثلاثاً قالهن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لعلي : وخلفه
في بعض مغازيه؟ فقال له : يارسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
: أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدى.
__________________
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية
رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي
علياً ، قال : فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينه ، فدفع الراية إليه ، ففتح الله عليه
، وأنزلت هذه الآية : ( ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم )
الآية ، دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي )
حدّثنا علي بن المنذر ، ( أخبرنا ) ابن
فضيل ، عن سالم ابن أبي حفصة ، عن عطية عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي : ( يا علي لا
يحلّ لأحد أنّ يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر : قلت لضرار بن
صرد : ما معنى هذا الحديث؟ قال : لا يحلّ لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك به ).
حدّثنا القاسم بن دينار الكوفي ، ( أخبرنا
) أبو نعيم ، عن عبد السلام بن حرب ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن
سعد بن أبي وقاص : ( أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).
هذا حديث حسن صحيح.
حدّثنا محمود بن غيلان ، ( أخبرنا ) أبو
أحمد الزبيري ، عن شريك ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله : (
أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ) .
فضائل الصحابة :
أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ، قال
: أنا أبو نعيم ، قال ثنا عبد السلام ،
__________________
عن يحيى بن سعيد ، عن
سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
قال لعلي : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).
أخبرنا علي بن مسلم ، قال : ثنا يوسف بن
يعقوب الماجشون أبو سلمة ، قال : أخبرني محمّد بن المنكدر ، عن سعيد بن المسيب قال
: ( سألت سعد بن أبي وقاص فهل سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس معي أو بعدي نبي؟ قال : نعم
سمعته. قلت : أنت سمعته؟ فأدخل إصبعيه في أذنيه قال : نعم وإلا فاستكتا ).
أخبرنا محمّد بن المثنى ومحمّد بن بشار
قالا : أنا محمّد ، قال : أنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : خلف
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟
فقال : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ).
أخبرنا محمّد بن بشار ، قال : أنا محمّد
، قال أنا : شعبة ، عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت إبراهيم بن سعد يحدّث عن أبيه عن
النبي صلىاللهعليهوسلم
أنّه قال لعلي : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ).
أخبرنا عمرو بن علي ، قال : أنا يحيى بن
سعيد ، قال : أنا موسى الجهني قال : دخلت على فاطمة بنت علي فقال لها رفيقي : عندك
شيء عن والدك مثبت قالت : حدّثتني أسماء بنت عميس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعلي : ( أنت
منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ) .
__________________
مسند أحمد :
( ... فقال له علي : أخرج معك؟ قال : فقال
له نبي الله : لا ، فبكى علي ، فقال له : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من
موسى إلّا أنّك لست بنبي ، إنّه لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي. قال : وقال
له رسول الله : أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي. وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب علي
فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره قال : وقال : من كنت مولاه
فإنّ مولاه علي ) .
المستدرك للحاكم النيسابوري
:
الحسن بن محمّد بن إسحاق الأسفراييني ، ثنا
عمير بن مرداس ، ثنا عبد الله ابن بكير الغنوي ، ثنا حكيم بن جبير ، عن الحسن بن
سعد مولى على عن علي رضي الله عنه : ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أراد أن
يغزو غزاة له قال : فدعا جعفراً فأمره أن يتخلّف على المدينة ، فقال : لا أتخلّف
بعدك يا رسول الله أبداً ، قال : فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله فعزم على
لما تخلّفت قبل أن أتكّلم ، قال : فبكيت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما
يبكيك يا علي؟ قلت : يا رسول الله يبكيني خصال غير واحدة ، تقول قريش غداً : ما
أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، ويبكيني خصلة أخرى كنت أريد أن أتعرّض للجهاد
في سبيل الله ؛ لأنّ الله يقول : ( ولا يطئون موطئاً
يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً )
إلى آخر الآية ، فكنت أريد أن أتعرّض لفضل الله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه
وآله : أمّا قولك تقول قريش ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، فإنّ لك بى
__________________
أسوة قد قالوا : ساحر
وكاهن وكذّاب أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لانبي بعدي؟
وما قولك أتعرّض لفضل الله فهذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت
وفاطمة حتّى يأتيكم الله من فضله ، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ).
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
طبقات ابن سعد :
عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا
: ( لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم ) لعلي بن أبي طالب
: إنّه لابدّ أنّ أقيم أو تقيم فخلّفه. فلمّا فصل رسول الله غازياً قال ناس ما
خلّف علياً رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) إلّا لشيء كرهه منه ، فبلغ ذلك علياً ، فأتبع رسول الله حتّى انتهى إليه ، فقال
له : ما جاء بك يا علي؟ قال : لا يا رسول الله ، إلّا أنيّ سمعت ناساً يزعمون أنّك
إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي ، فتضاحك رسول الله وقال : يا علي أما ترضى أنّ
تكون منّي كهارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : فإنّه
كذلك ) .
الشاهد
في هذه النصوص :
١ ـ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون
من موسى.
٢ ـ رجلاً يحبّ الله ورسوله.
٣ ـ يفتح الله على يديه.
__________________
٤ ـ قال عمر بن الخطاب : ما أحببت
الإمارة إلّا يومئذٍ قال : فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها. قال : فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم علي بن أبي طالب
فاعطاه اياها.
٥ ـ لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي.
٦ ـ قال له رسول الله أنت وليي في كلّ
مؤمن بعدي.
٧ ـ وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب
علي ، فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.
٨ ـ قال ناس ما خلّف علياً ما خلفه رسول
الله ( صلىاللهعليهوسلم
) إلّا لشيء كرهه منه.
٩ ـ فإنّ لك بي أسوة قد قالوا : ساحر
وكاهن وكذّاب.
١٠ ـ إنّه لابدّ أنّ أقيم أو تقيم.
١١ ـ تمنّي سعد خصلة من خصال علي.
١٢ ـ معاوية يأمر الصحابة بسبّ علي.
عندما يمتنع الصحابة عن سبّ علي ، عليهالسلام ويستدلون بحديث
المنزلة على فضله ، بل ويتمنّون ذلك فيهم ، فهذا دليل على أهمية هذه المنزلة فلو
كانت أمراً عادياً كما يزعم البعض ـ أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله
خلّف الإمام عليهالسلام
في تلك الفترة ، وليس هو خليفة بعده لما تمنّاها سعد ، وامتنع عن سبّ الإمام عليهالسلام لسبب سماعها من
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حقّ علي عليهالسلام.
بل يعترف بهذه المنزلة ويتمنّاها حتّى
أعدائه ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، كما في تاريخ دمشق والصواعق المحرقة وغيرهما
: ( أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عنها علياً فهو أعلم ، قال الرجل : جوابك
فيها أحبّ إليّ من
جواب علي ، قال
معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم ) يغرّه بالعلم
غرّا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ، وكان
عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ) .
وفي الرواية مقاطع تدلّ على أهميتها ، منها
قوله صلىاللهعليهوآله
: ( إنّه لابدّ أنّ أقيم ). وبقوله : ( لا ينبغى أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي ).
وهذا يدلّ على أنّه لو لم يبق علي عليهالسلام
لبقي هو ، وأنّه يرى علياً كنفسه ، فلا يبقى مجال لمن ادّعى أنّ الخلافة فقط في
تلك الفترة كما كان هارون خليفة موسى عندما ذهب لمناجاة ربّه.
ويبيّن ذلك قوله صلىاللهعليهوآله لله أنت وليي في
كلّ مؤمن بعدي ، يعني بعد موتي ويبيّن ذلك منازل هارون عليهالسلام من موسى عليهالسلام وهي : الوزارة
والخلافة.
ويؤيدّ ذلك أنّ حديث المنزلة تكرر في
أكثر من مرّة ، وليس في استخلافه صلىاللهعليهوآله
له عليهالسلام
في غزوة تبوك.
وكذلك أخبار كثيرة كحديث الغدير الذي
فيه : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ). وغيره من الأحاديث والأيات التي أوردت لفظ ( خليفة
) أو ( ولي ) بعد الرسول ، كما سنفصّل فيما بعد ان شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ منازل هارون من موسى ليست
منحصرة في الخلافة عندما ذهب موسى يناجي ربّه ، بل هي أكثر من ذلك كما بيّن لنا
القرآن الكريم ، ومنها :
١ ـ الأخوّة : قال تعالى : ( وَوَهَبْنَا
لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) .
__________________
٢ ـ الخلافة : ( وَقَالَ
مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ
سَبِيلَ الْمُفْسِدِين )
.
٣ ـ شدّ الأزر : ( واجعل لي
وزيراّ من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) .
٤ ـ الوزارة : ( وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ) .
فالإمام عليه السلام ليس خليفة النبي
عندما ذهب للغزو فقط ؛ لأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله
قد بيّن أنّه لا نبي بعده ، وله عليهالسلام
جميع المنازل التي كانت لهارون إلّا النبوّة ، ومن ألمنازل التي كانت لهارون
الخلافة ، فيكون هذا الحديث نصّاً في الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وتترتب على ذلك : وجوب
الطاعة والانقياد المطلق.
وليس هذا هو الحديث الوحيد الذي بيّن
فيه النبي صلىاللهعليهوآله
أنّ علياً خليفته ووصيّه ، بلّ إنّ هناك أحاديث كثيرة سنذكرها فيما بعد إن شاء
الله تعالى.
جريمة
لا تغفر :
إنّه يوجد من يجهل ما جاء في وجوب
اتّباع أهل البيت عليهمالسلام
، ويوجد من هو يعرف لكنه لايفهم معنى الولاية والبراءة ، ويفكّر أنّ الحبّ في
القلب ممكن لهم ولعدوهم في نفس الوقت ومع ذلك قد تناله شفاعة ، وقد يغفر ويكّفر
ذنبه
__________________
حسب مابذل من جهد
للمعرفة ، وقد وقد ...
ولكن الجريمة التي لا تغفر هي جريمة من
يتعمد التحريف والتزييف والتضعيف ونصب العداء لاهل بيت النبوّة عليهمالسلام بطمس فضائلهم ، بل
قد وصل الأمر إلى أنّ البعض من النواصب بعد أنّ عرفوا أنّ لا جدوى في المكابرة في
أسانيد الحديث حرّفوه لفظيا!! ولكن ما أشنعها وأقبحها من صنيعه ، كما في ترجمة
حريز بن عثمان من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وأيضاً في كتاب تهذيب التهذيب
لابن حجرالعسقلاني ، يروون عن حريز قوله : ( هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال لعلي : أنت
منّي بمنزلة هارون من موسى ، هذا حقّ ، ولكن أخطأ السامع. يقول الراوي : قلت : ما
هو؟ قال : إنّما هو : أنت منّي بمنزلة قارون من موسى ، قلت : عمن ترويه؟ قال : سمعت
الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر ) .
و حريز هذا من رجال الصحاح سوى مسلم ، وكلّهم
يعتمدون عليه وينقلون عنه ويصححون خبره!! فكيف تكون صحاح وهي تنقل عمن يقول ذلك في
حقّ علي بن أبي طالب الصحابي الجليل والخليفة الشرعي والرابع في نظرهم ، وهم
يكّفرون من سبّ معاوية الطليق ، ويعتبرون رواياته غير مقبولة؟!
وعن أحمد بن حنبل أنّه عندما سئل عن هذا
الرجل قال : ثقة ثقة ثقة. وفي ترجمة هذا الرجل : أنّه كان يشتم علياً ، ويتحامل
عليه بشدّة ، ونصّوا على أنّه كان ناصبياً ، وأنّه كان يقول : لا أحبّ علياً قتل
آبائي ، وكان يقول : لنا إمامنا ـ يعني : معاوية ـ ولكم إمامكم ـ يعني : علياً ـ وكان
يلعن علياً بالغداة سبعين مرّة ،
__________________
وبالعشي سبعين مرّة
، ومع ذلك يصححون خبره ، ويروون عنه ويوثّقوه!!
ومن هنا يمكن للباحث الحر أنّ يعرف
موازين هؤلاء ومعاييرهم في تصحيح الحديث وتوثيق الراوي وحتّى لا تكن من هؤلاء
أيّها القارئ المنصف عليك أن تحكّم عقلك ، ولا تكن ممن يبرر لنفسه حبّهم أو
التكتّم عليهم بحجّة من الحجج ، كمن قال عن قتلة أهل البيت عليهمالسلام إنّه ليس منافقاً ،
وإنّما اجتهد فأخطأ ، كما برروا لقادة الجمل وصفين وكربلاء!!
ولكننا نلفت أذهان القرّاء الكرام أن
يستخدموا مشاعرهم وعقولهم في أنّه هل هذا عذر مقبول أم لا؟ فهذا نتركه على عاتق
الباحث المنصف ليصل هو للجواب السليم.
وعلى ذكر كلمة طليق أنقل كلام سمعته
لأحد قابلته القناة التلفزيونية الفضائية المسمّاة بـ ( المستقلة ) في أوائل عام ٢٠٠٧
م قال : إنّه لا يوجد في كلام الرسول صلىاللهعليهوآله
لآل أبي سفيان : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ). حتّى يدلّ على أنّهم لم يكونوا مسلمين
قبل عام الفتح ، بل هم أسلموا وحسن إسلامهم وأبلوا في سبيل الله تعالى بلاءً حسناً
قبل عام الفتح!!
ونحن نترك جوابه على الذهبي في تعريفه
للطلقاء بقوله : ( الطلقاء هم كّفار قريش الذين جمعهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بعد فتح مكّة ، وقال
لهم : ما تظنون أنّي فاعل بكم؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا
فأنتم الطلقاء ) .
وقال ابن قتيبة في تعريف الطلقاء أيضاً
: ( طليق ، يعني : من الطلقاء الذين
__________________
قال لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكّة
اذهبوا فأنتم الطلقاء )
..
وذكر الطبري : ( .. ثمّ تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ( يا أيها
الناس إنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند
الله أتقاكم )
الآية ، يا
معشر قريش ، ويا أهل مكّة ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ
كريم ، ثمّ قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد كان الله
أمكنه من رقابهم عنوة ، وكانوا له فيأً ، فبذلك يسمّى أهل مكّة الطلقاء ، ثمّ
اجتمع الناس بمكّة لبيعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم
على الإسلام ) .
وفي تاريخ ابن خلدون : ( ... ثم تلا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
( يأيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى ) إلى خبير ، يا معشر قريش ، ويا أهل
مكّة ما ترون أنّي فاعل فيكم؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، ثمّ قال : اذهبوا فأنتم
الطلقاء ، وأعتقهم على الإسلام ، وجلس لهم فيما قيل على الصفا فبايعوه على السمع
والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ) .
وفي تاريخ ابن خلدون أيضاً : ( ...
واستغلظت رياسة بني أمية في قريش ، ثمّ استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في
بدر ، وهلك فيها عظماء بنى عبد شمس عتبة وربيعة والوليد وعقبة بن أبي معيط وغيرهم
، فاستقل أبو سفيان
__________________
بشرف بني أمية
والتقدّم في قريش ، وكان رئيسهم في أحد ، وقائدهم في الأحزاب وما بعدها ، ولمّا
كان الفتح قال العباس للنبي صلىاللهعليهوسلم
ـ لما أسلم أبو سفيان ليلتئذ كما هو معروف ، وكان صديقاً له ـ : يا رسول الله إنّ
أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له ذكراً فقال : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ثمّ
منّ على قريش بعد أنّ ملكهم يومئذٍ وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء وأسلموا ) .
نكات مهمّة وردت في هذه النصوص
يجب الالتفات إليها :
١ ـ الطلقاء هم كّفار قريش.
٢ ـ اذهبوا فأنتم الطلقاء.
٣ ـ وأعتقهم على الإسلام.
٤ ـ لمّا أسلم أبو سفيان.
وليت كلّ منصف يسمع كلام هذا الرجل الذي
يدافع عن أبي سفيان ، ويفكر في معركة بدر وأُحد ، ثمّ الجمل وصفين ، ثمّ وكربلا كم
جرت فيها من دماء بسبب من يصفهم أنّهم أبلوا في سبيل الله.
نعم ، إنّهم عندما يحسّوا بقوّة الدليل
يقولون : لا يجوز ذكر مساوئهم ، بل لهم ما كسبوا ولنا ما كسبنا ، ويستدلون بقوله
تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا
كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
على أنّه لا يجوز ذكر الماضين بسوء ، ويقرءون ( تسألون ) بفتح التاء ، أي : لا
تسألوا أنتم عن عملهم ، والآية واضحة أنّها بضم التاء ، أي : أنّ الله لا يسألكم
عن عملهم ،
__________________
أي : لا يؤاخذكم
بذنبهم ، فلن يأمرنا أن لا نسأل عن عمل الماضيين وهو تعالى قد حثّنا في القرآن
الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة لنستخلص منها العبر ، فقد حكى الله لنا عن
فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم ، وذلك لا للتسلية ولكن
ليعرفنا الحق من الباطل ، ولكي نعرف أولياء الله فنواليهم ، ونعرف أعداؤه تعالى
فنعاديهم ، وهذا ما طلبه منا القرآن الكريم ، بل نحن نرى ونسمع من خطابات القوم
ومواعظهم ودروسهم ذكر أعمال أصحاب موسى وعيسى ، فلم عندما يصل الدور إلى أصحاب
نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله
هنا لا يجوز ذكر أعمالهم غير الصالحة أمّا مدحهم فهو ثواب عظيم؟! فالآية واضحة
أنّها تعني أنّ الله تعالى لا يسأل قوم عن عمل آخرين ، أي : لا يؤاخذهم بذنوبهم ، وهذا
مصداق لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ
مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىُ )
.
وأنقل نصّاً عن تفسير الشيخ الطوسي ( رحمه
الله ) : ( قوله تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ
خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ )
، المعنى : قيل : في تكرار قوله ( تلك أمّة قد خلت ) قولان :
أحدهما : أنّه عني بالأوّل : إبراهيم
ومن ذكر معه من الأنبياء.
والثاني : عنى به أسلافهم من آبائهم
الذين هم على ملّتهم.
والقول الثاني : إنّ الجواب إذا اختلفت
أوقاته فكان الثاني في غير موطن الأوّل ، وكان بعد مدّة من وقوع الأوّل بحسب ما
اقتضاه الحال لم يك ذلك معيباً
__________________
عند أهل اللغة ولا
عند العقلاء ، والاعتراض عليهم بقوله : ( تلك أمّة قد خلت ) أنّه إذا لم تشكوا أنّ يكون فرضهم غير
فرض الأمّة التي قد خلت قبلكم ، ولا تحتجّوا بأنّه لا يجوز أنّ يخالفوا عليه ، ولو
سلم لكم أنّهم كانوا على ما تذكرونه ما جاز لكم أنّ تتركوا ما نقل لكم الله عنه
على لسان رسوله محمّد صلّى الله عليه وآله ، إذ لله تعالى أن ينسخ من الشريعة ما
شاء على ما يعلم في ذلك من وجوه الحكمة ، وعموم المصلحة.
وقيل : أن ذلك ورد مورد الوعظ لهم بأنّه
: إذا كان لا يؤخذ الإنسان إلّا بعمله فينبغي أن تحذروا على أنفسكم ، وتبادروا بما
يلزمكم ، ولا تتكلوا على فضائل الأباء والأجداد ، فإنّ ذلك لا ينفعكم إذا خالفتم
أمر الله فيما أوجب عليكم.
والمعني بقوله : ( تلك أمّة
قد خلت )
على قول قتادة والربيع : إبراهيم عليه السلام ومن ذكر معه.
وعلى قول الجبائي ، وغيره : من سلف من
آبائهم الذين كانوا على ملّتهم اليهودية والنصرانية.
وقد بيّنا فيما مضى أنّ الأمّة : الجماعة
التي تؤم جهة واحدة كأمّة محمّد صلّى الله عليه وآله التي تؤم العمل على ما دعا
إليه ، وكذلك أمم سائر الأنبياء صلّى الله عليه وعليهم.
والخلاء الفراغ يقال : فرغ من عمله ، وفرغ
من مكانه. وإنّما قيل لما مضى : خلا ؛ لأنّه خلا منه مكانه.
والكسب : الفعل الذي يجرّ لفاعله نفعاً
أو يدفع به ضرراً. وإنّما قيل : كسب السيئة ؛ لأنّه أجلب النفع عاجلاً.
وقوله : ( ولا تسألون ) معناه لا تطالبون. والسؤال الطلب. وهو
أيضاً الإخبار الذي اقتضاه ما تقدّم من الكلام ، أي : لا يقال لكم : لم عصي
آباؤكم؟ وإنّما يقال لكم : لم عصيتم ولم ظلمتم )؟ .
نعود لحديث المنزلة الذي هو محور هذا
البحث بعد أن نقلنا نصوصه من الكتب المعتبرة ، وبيّنا بعضاً مما يجب تبيينه وأمّا
من حيث السند فنقول :
كلّ ذي اطّلاع ومطالعة يعلم بأنّ
المشهور بين إخواننا من أهل السنّة قطعية أحاديث الصحيحين ، لكن البعض منهم لم
يلتزموا بهذه القاعدة ؛ لأنّهم يناقشون في سند حديث المنزلة فلم يسلّموا بصحته رغم
أنّه في الصحاح ، فيظهر أنّه ليس هناك قاعدة يلجؤون إليها ويلتزمون بها دائماً ، وإنّما
هي أهواء يسمونها قواعد وأسس ، فيطبقونها متى ما شاؤا ويتركونها متى ما شاؤا!!
ورواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من
ثلاثين ، وربما يبلغون الأربعين رجل وامرأة.
وأقرّ بصحته وتواتره أعلامهم ، يقول ابن
عبد البر في الاستيعاب عن هذا الحديث : ( هومن أثبت الأخبار وأصحّها. قال : وطرق
حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً. فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث ، ثمّ
قال : وجماعة يطول ذكرهم ). ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد
أنّ يذكر أسامي عدّة من الصحابة ، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول : ( وقد استوعب
طرقه ابن عساكر في ترجمة علي ) .
__________________
فهذا الحديث مضافاً إلى أنّه متواتر عند
أصحابنا الإمامية هو من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنة ، بل هو
من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك.
يقول الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث
دخل في حدّ التواتر ) .
كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الأزهار المتناثرة في الأخبار
المتواترة ، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار
المتواترة.
كذبة
مفضوحة :
١ ـ إنّهم لم يكتفوا بحذف وتضعيف ماجاء
في أهل بيت النبوّة عليهمالسلام
بل عمد بعضهم إلى وضع حديث المنزلة للشيخين ، فروى عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( أبو
بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى ) .
ونقول
في الجواب :
ما أسرع ما ينقض الكذب نفسه أو يفضحه
أبناء جنسه ، فلقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في العلل المتناهية في الأحاديث
الواهية ، وقال : ( حديث لا يصح ) .
ويقول الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال : ( هذا حديث منكر )
__________________
وقال في مكان آخر :
( خبر كذب ) .
وابن حجر العسقلاني أيضاً يكذّب هذا الحديث في لسان الميزان .
فهذا الحديث الموضوع الذي شيعة أبي بكر
أنفسهم ينصّون على عدم صحّته ، بالاضافة أنّه غير موجود في شيء من الصحاح
والمسانيد والسنن ، ويفهم حتّى الطفل أنّه وضع مقابل حديث المنزلة الذي ذكرنا
مصادره آنفا ، فماذا يسمى هذا أيّها الأحرار في دينكم وضمائركم؟!
٢ ـ قالوا : إنّ هارون لم يخلف موسى
إلّا في فترة ذهابه فقط ، فكذا علي خلفه في فترة غيابه صلىاللهعليهوآله في غزوة تبوك.
والجواب :
١ ـ لقد بيّنا آنفاً منازل هارون من
موسى ، وكلّها ثابتة للإمام علي عليهالسلام
بالنصّ إلّا النبوّة فقد استثنيت ولم يستثنى غيرها من المنازل.
٢ ـ لقد كرر رسول الله صلىاللهعليهوآله حديث المنزلة في
موارد عديدة ، منها :
أ ـ غزوة تبوك ، على ما مرّ تفصيله.
ب ـ يوم غدير خمّ ، كما بيّنا في حديث
الغدير.
ج ـ يوم المؤاخاة ، كما أخرجه أحمد
بإسناده عن محدوج بن زيد الباهلي قال : ( آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين
المهاجرين والأنصار فبكى علي عليه السلام ، فقال رسول الله : ما يبكيك؟ فقال : لم
تواخ بيني وبين أحد ، فقال :
__________________
إنّما ادخرتك لنفسي
ثمّ قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ) .
د ـ عندما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله في دار أم سلمة ، إذ
أقبل علي يريد الدخول على النبي صلىاللهعليهوآله
فقال : ( يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟ قالت : نعم. قال : هذا علي سيط لحمه بلحمي
ودمه بدمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ) .
وعن ابن عباس أنّه قال : سمعت عمر وعنده
جماعة ، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام ، فقال عمر : ( أمّا علي ، فسمعت رسول الله
صلّى الله عليه وآله يقول فيه ثلاث خصال ، لوددت أنّ تكون لي واحدة منهن ، كانت
أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه ، إذ
ضرب النبي صلّى الله عليه وآله على منكب علي فقال له : يا علي أنت أوّل المؤمنين
إيماناً ، وأوّل المسلمين إسلاماً ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ) .
وقوله صلىاللهعليهوآله
كما في حديث الدار : ( فأيّكم يوآزرني على أمري هذا؟ قال علي : أنا يا نبي الله
أكون وزيرك عليه ، فقال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعواً.
وفي رواية : ( وزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من
__________________
بعدي ).
وعن أسماء بنت عميس قالت : ( سمعت رسول
الله ( صلىاللهعليهوسلم
) يقول : اللهم إنّي أقول كما قال أخي موسى : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي أخي
علياً ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنّك
كنت بنا بصيراً ) .
٣ ـ إنّ خليفة موسى هو يوشع ؛ لأنّ
هارون مات في زمن موسى.
والجواب :
إنّ الرسول صلىاللهعليهوآله بيّن أنّ منزلة علي
منه هي منزلة هارون من موسى ، ولم يقل إنّ ما يحصل لهارون يحصل لعلي.
__________________
الدليل العاشر
: حديث النجوم
إنّ حدبث النجوم وحديث السفينة وحديث
الثقلين وغيرها كلّها تؤكد أنّ أهل البيت عليهمالسلام
هم الفرقة الناجية من بين (٧٣) فرقة ؛ لأنّ لفظ ( من ركبها نجا ) ، ولفظ ( لن
تضلّوا ما ان تمسكتم بهما أبداً ) ولفظ ( أمان لأهل الأرض ) كلّها تدلّ بوضوح
أنّهم الفرقة الناجية من الضلال والانحراف.
وفيها دلالة على العصمة ؛ إذ إنّهم أمان
فمن تبعهم أمن على دينه ونفسه ، وهذا لا يكون إلّا مع معصومين لا يخالفون الحق ولا
يختلفون فيه ، وقد بيّنا في آية التطهير وغيرها من هم أهل البيت عليهمالسلام أكثر فكن معنا.
وأمّا
نصوص حديث النجوم من كتب أهل السنة المعتبرة :
الصواعق
لابن حجر :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( النجوم أمان
لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من
العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) .
__________________
كنز
العمّال :
( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل
بيتي أمان لامتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب
إبليس ).
( النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت
أتاها ما يوعدون ، وأنا أمان لأصحابي ما كنت فيهم ، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون ، وأهل
بيتي أمان لأمّتي ، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون ) .
المستدرك
على الصحيحين :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( النجوم أمان
لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من
العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) .
قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد
ولم يخرجاه ).
محاولة
تحريف الكلم عن مواضعه :
١ ـ قال ابن حجر : ( قال بعضهم : يحتمل
أنّ المراد بأهل البيت ـ الذين هم أمان ـ علماؤهم ؛ لأنّهم الذين يهتدى بهم
كالنجوم ، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون ) .
أقول : يكفي من ابن حجر وأمثاله
الاعتراف بهذا الحديث ، أمّا محاولته
__________________
صرف الحديث عن
المعصومين عليهمالسلام
وجعله عام في العلماء ، فهذا لايجد له مجالاً في عقول أهل العلم والتحقيق والإنصاف
؛ لأنّ علماءهم مختلفون إلى مذاهب شتّى فأيّهم الأمان من الضلال؟!
أمّا من هم أهل البيت الذين يعنيهم
الحديث؟ فالجواب في حديث الكساء ، ذلك الحديث الذي أكثر طرقه عن أم سلمة ، حيث
أرادت الدخول مع الخمسة عليهمالسلام
تحت الكساء ، فجذب رسول الله صلىاللهعليهوآله
الكساء ، ولم يأذن لها بالدخول ، وقال لها : ( وإنك على خير أو إلى خير ) والحديث
أيضاً وارد عن عائشة.
أخرج الترمذي عن عمرو بن أبي سلمة ، قال
: لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلىاللهعليهوسلم
: ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، في بيت أم سلمة ؛ فدعا فاطمة وحسناً
وحسيناً ، فجللهم بكساء ، وعلي خلف ظهره ، فجلله بكساء ، ثم قال : ( اللهم هؤلاء
أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وظهّرهم تطهيراً ) ، قالت أمّ سلمة : وأنا معهم يا
رسول الله؟ قال : ( أنت على خير ) .
وقال الألباني : ( صحيح ) .
٢ ـ هناك حديث يروونه وهو : أنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال : ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ).
الجواب :
__________________
إنّ مصير محاولاتهم الفشل ؛ لأنّهم
يكذّب بعضهم بعضاً ، وأمّا أهل البيت عليهمالسلام
فيدعم بعضهم بعضاً.
ولقد ضعّف حديث أصحابي كالنجوم أعلامهم
ومفسّريهم ومحدّثيهم ، كالحافظ الدارقطني ، إذ أخرجه في كتابه ( غرائب مالك ) ، ذكر
ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وكذّبه ابن حزم وحكم ببطلانه وكونه
موضوعاً.
وذكر ذلك جماعة ، منهم : أبو حيّان حيث
قال عند ذكره هذا الحديث : ( قال الحافظ أبو محمّد بن أحمد بن حزم في رسالته في ( إبطال
الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ) ما نصّه : ( وهذا خبر مكذوب موضوع
باطل لم يصح قط ) .
وضعّف حديث أصحابي كالنجوم الحافظ
البيهقي في كتابه ( المدخل ) على ما نقل عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني .
وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر ما
نصّه : قد روى أبو شهاب الحناط ، عن حمزة الجزري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم.
وهذا إسناد لا يصح ، ولا يرويه عن نافع
من يحتج به.
وقد روى في هذا الحديث إسناد غير ما ذكر
البزار عن سلام بن سليم قال :
__________________
حدّثنا الحارث بن
غصين ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أصحابي كالنجوم
بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
قال أبو عمرو : هذا إسناد لا تقوم به
حجّة ، لأنّ الحارث بن غصين مجهول .
وصرّح بضعف حديث أصحابي كالنجوم الحافظ
ابن عساكر.
وقال الحافظ ابن الجوزي ما نصّه : روى
نعيم بن حماد ، قال : نا عبد الرحيم ابن زيد العمي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب
، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: سألت ربّي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي ، فأوحى إليّ يا محمّد : إنّ أصحابك
عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض ، فمن أخذ بشيء مما عليه من
اختلافهم فهو على هدى.
وقال يحيى بن معين : عبد الرحيم كذّاب .
قدح الحافظ ابن دحية في حديث أصحابي
كالنجوم ونفى صحتّه ، فقد قال الحافظ الزين العراقي ما نصّه : ( وقال ابن دحية ـ وقد
ذكر حديث أصحابي كالنجوم ـ حديث لا يصح .
وقال الحافظ أبو محمّد بن أحمد بن حزم
في رسالته ( إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ) ما نصّه : وهذا
خبر مكذوب عن النبي صلىاللهعليهوسلم
مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أنّه قال : إنما مثل أصحابي كمثل النجوم ـ أو كالنجوم ـ بأيّها اقتدوا اهتدوا.
__________________
وهذا كلام لم يصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، رواه عبد الرحيم
بن زيد العمى ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
وإنّما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد
الرحيم ، لأنّ أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه.
والكلام أيضاً منكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يثبت ، والنبي صلىاللهعليهوسلم لا يبيح الاختلاف
من بعده من أصحابه.
قال ابن معين : عبد الرحيم بن زيد كذّاب
ليس بشيء ، وقال البخاري : هو متروك.
وقدح شمس الدين ابن القيم الجوزية في
حديث النجوم ، حيث قال في ردّ المقلّدين وأدلّتهم :
الوجه الخامس والأربعون : قولهم : يكفي
في صحة التقليد الحديث المشهور : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
جوابه
من وجوه :
أحدها : إنّ هذا الحديث قد روي من طريق
الأعمش عن أبي سفيان بن جابر ، ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر ، ومن طريق
حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر ، ولا يثبت شيء منها.
قال ابن عبد البر : حدّثنا محمّد بن
إبراهيم بن سعيد : إنّ أبا عبد الله بن مفرح حدّثهم ثنا محمّد بن أيوب الصّموت قال
: قال لنا البزار : وأمّا ما يروى عن النبي
صلىاللهعليهوسلم
أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلىاللهعليهوسلم .
وقال الحافظ الزين العراقي ما نصّه : ( حديث
أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم : رواه الدارقطني في ( الفضائل ) وابن عبد
البر في ( العلم ) من طريقه من حديث جابر وقال : هذا إسناد لا تقوم به حجّة ، لأنّ
الحارث بن غصين مجهول.
ورواه عبد بن حميد في ( مسنده ) من
رواية عبد الرحيم بن زيد العمي ، عن أبيه ، عن ابن المسيب ، عن ابن عمر. قال
البزار : منكر لا يصح.
ورواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية
حمزة بن أبي حمزة النصيبي ، عن نافع ، عن ابن عمر بلفظ : فأيّهم أخذتم بقوله ـ بدل
اقتديتم ـ وإسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتّهم بالكذب.
ورواه البيهقي في ( المدخل ) من حديث
عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ، ومن وجه آخر مرسلاً وقال : متنه مشهور وأسانيده
ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد.
قال البيهقي : ويؤدّي بعض معناه حديث
أبي موسى : النجوم أمنة لأهل السماء ـ وفيه ـ : أصحابي أمنة لأمّتي الحديث.
والدارقطني في ( المؤتلف ) من رواية
سلام بن سليم ، عن الحارث بن غصين ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعاً ،
وسلام ضعيف.
__________________
وأخرجه في ( غرائب مالك ) من طريق حميد
بن زيد ، عن مالك ، عن جعفر ابن محمّد ، عن أبيه ، عن جابر في أثناء حديث وفيه : فبأيّ
قول أصحابي أخذتم اهتديتم ، إنما مثل أصحابي مثل النجوم من أخذ بنجم منها اهتدى ، وقال
: لا يثبت عن مالك ، ورواته دون مالك مجهولون.
ورواه عبد بن حميد والدارقطني في ( الفضائل
) من حديث حمزة الجزري ، عن نافع ، عن ابن حمزة. وحمزة اتّهموه بالوضع.
ورواه القضاعي في ( مسند شهاب ) من حديث
أبي هريرة ، وفيه جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي ، وقد كذّبوه.
ورواه ابن طاهر من رواية بشر بن الحسن ،
عن الزبيري عدي ، عن أنس ، وبشر كان متّهماً أيضاً.
وأخرجه البيهقي في ( المدخل ) من رواية
جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس. وجويبر متروك ، ومن رواية جويبر عن جوّاب بن
عبيد الله مرفوعاً. وهو مرسل.
قال البيهقي : هذا المتن مشهور وأسانيده
كلّها ضعيفة.
وروى في ( المدخل ) أيضاً عن ابن عمر : سألت
ربّي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي ، فأوحى إليّ يا محمّد أصحابك عندي بمنزلة
النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو
عندي على هدى. وفي إسناده عبد الرحيم بن زيد العمي. وهو متروك .
__________________
وقال القاضي الشوكاني في مبحث الإجماع :
وهكذا حديث أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، يفيد حجّية قول كلّ واحد منهم.
وفيه مقال معروف ، لأنّ في رجاله عبد
الرحيم العمي عن أبيه ، وهما ضعيفان جدّاً ، بل قال ابن معين : إنّ عبد الرحيم
كذّاب ، وقال البخاري : متروك ، وكذا قال أبو حاتم.
وله طريق آخر فيه : حمزة النصيبي وهو
ضعيف جدّاً ، قال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن معين : لا يساوي فلساً ، وقال
ابن عدي : عامّة مروياته موضوعة.
وروى أيضاً من طريق : جميل بن زيد ، وهو
مجهول .
وما ذكرناه كان على سبيل المثال ، إذ
إنّ هناك علماء كثيرين غيرهم يصرّحون بضعف حديث أصحابي كالنجوم ، فراجع .
هذه نبذة من أقوالهم في ردّ حديث أصحابي
كالنجوم وتضعيفه والحكم بوضعه ، فثبت أنّه مجعول لأغراض سياسية ، ( وَأَنَّ
اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ).
بل إنّه لا يمكن أن يكون كلّ الصحابة أمان لمن تبعهم ؛ لأنّه صحب الرسول حتّى
المنافقين ، كعبد الله بن أبي ومعاوية وامثالهم وممن انقلبوا من بعد الرسول صلىاللهعليهوآله على أعقابهم خاسرين
فقد ورد في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من تبيين حال بعض الصحابة ماهذا نصّه : ( وإنّ
أناساً من أصحابي
__________________
يؤخذ بهم ذات الشمال
، فأقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم
) .
وفي موضع آخر : ليرفعن رجال منكم ، ثمّ
ليختلجن دوني فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
وفي موضع آخر : أقول : إنّهم منّي ، فيقال
: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول : سحقاً لمن غيّر بعدي .
وفي آخر : فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول
: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.
وفي آخر : بينا أنا قائم إذا زمرة حتّى
إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلمّ ، فقلت : أين؟ قال : إلى النار
والله ، قلت : وما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه
يخلص منهم إلا مثل همل النعم .
قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري في
هذا الحديث : همل ، بفتح الهاء والميم : ضوال الإبل ، واحدها : هامل ، أو : الإبل
بلا راع ، ولا يقال ذلك في الغنم ، يعني : أنّ الناجي منهم قليل في قلّة النعم
الضالّة ، وهذا يشعر بأنّهم صنفان كفّار وعصاة.
نعم ، إنّ الصحابة لا يصح أن يكونوا
كلّهم أمان ونجاة لمن اقتدى بهم ،
__________________
للأسباب التالية :
١ ـ لبطلان الحديث ، كما صرّح به
أعلامهم.
٢ ـ كما نقلنا عن الصحاح : أنّ الصحابة
منهم من ارتدّ على عقبيه ، ومنهم من غيّر وبدّل وأحدث بعد رحيل الرسول ، ومنهم من
آذى الرسول صلىاللهعليهوآله
في أهل بيته ، ومنهم ...
٣ ـ ما كان من الشجار بين الصحابة
الموجب للتباغض ، وحصل بينهم التشاتم
والمقاتلة والاختلافات القاضية بخروج إحدى الفريقين عن حيّز العدالة ، كما تشهد
بذلك السقيفة وصفين والجمل و ...
٤ ـ لما أثبتنا من عدم كفاءتهم ، فراجع
آية الذكر وحديث الثقلين ومدينة العلم.
٥ ـ ما أثبتنا من أدلّة في أنّ أهل
البيت عليهمالسلام
هم الأمان وسفينة النجاة وباب حطّة : ( وَادْخُلُوا الْبَابَ
سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ ).
٦ ـ بل إنّ القرآن الكريم قد أخبر بوجود
منافقين في حياة النبي صلىاللهعليهوآله
قال تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ
مُنَافِقُونَ وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ
نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثمّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ
عَظِيمٍ ).
وأخبر القرآن بأنّ البعض قد ينقلب على
عقبيه : ( وَمَا محمّد إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ).
__________________
الدليل الحادي
عشر : علي مع الحق
إنّ هذا الحديث القاضي بأحقيّة علي عليهالسلام على لسان أصدق
البشر يقتضي بطلان كلّ من تنازع معه في أيّ أمر.
أمّا صحّة هذا الحديث عن أصدق الخلق صلىاللهعليهوآله فكالعادة نستدل بها
من كتب المخالف.
المعيار
والموازنة :
( ... قالت لها أم سلمة : يا بنت أبي
بكر أبدم عثمان تطلبين؟ فوالله إن كنت لأشدّ الناس عليه وما كنت تدعينه إلّا
نعثلاً ، أم على علي بن أبي طالب تنقمين وقد بايعه المهاجرون والأنصار ، أذكّرك الله
وخمساً سمعتهن أنا وأنت من رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قالت : وما هنّ؟ قالت
: [ أتذكرين ] يوم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن معه حتّى إذا هبط من (
قديد ) مال الناس ذات اليمين وذات الشمال ، فأقبل هو وعلي بن أبي طالب يتناجيان ، فأقبلت
على جملك فنهيتك ، وقلت : رسول الله صلىاللهعليهوسلم
مع ابن عمّه ولعل لهما حاجة ، فعصيتيني ، فهجمت عليهما ، فلم تلبثي أنّ رجعت تبكين
، فقلت لك : قد نهيتك ، فقلت : والله ما جرّأني على ذلك إلّا أنّه يومي من رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
، فقلت لك : ما أبكاك؟ فقلت : هجمت عليهما ، فقلت : يا علي إنّما لي من رسول الله
صلّى الله عليه من تسعة أيام يوم ، فلا تدعني ويومي؟ فأقبل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
غضباناً محمّراً
وجهه ، فقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج من الإيمان ، وإنّه
مع الحق والحق معه. أتذكرين هذا؟ قالت : نعم.
قالت : ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنت تغسلين رأسه
وأنا أحيس [ له ] حيساً وكان يعجبه فرفع رأسه إليّ فقال : يا بنت أبي أمية أعيذك
بالله أنّ تكوني منبحة كلاب الحوأب ، وأنت يومئذٍ ناكبة عن الصراط ، فرفعت يدي من
الحيس فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ إحداكن يفعل
هذا.
أتذكرين هذا؟ قالت : نعم.
قالت : ويوم كنّا أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بيت حفصة بنت
عمر فتبدّلنا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم
، ولبست كلّ امرأة منّا ثياب صاحبتها ، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى جلس إلى جنبك
وكنت تعجبينه فقال ـ وضرب بيده على ظهرك ـ : أترين يا حميراء أنّي لا أعرفك أنّ
لأمّتي منك يوماً مرّاً. أتذكرين هذا؟ قالت : نعم.
قالت : ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض أسفاره وكان
علي يتعاهد ثياب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ونعله ، فإذا رأى ثوبه قد توسّخ غسله ، وإذا رأى نعله قد نقبت أو رثّت خصفها ، فأقبل
علي يوماً فأخذ نعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فخصفها في ظل سمرة ، فأقبل أبوك وعمر فاستأذنا ، فقمنا إلى الحجاب فدخلا ، ثمّ
قالا : يا رسول الله ، إنّا والله ما ندري ما قدر ما تصحبنا ، أفلا تعلمنا خليفتك
فينا فيكون مفزعنا إليه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: أما أنّي قد أرى مكانه ولو فعلت لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن
عمران.
فلمّا أن خرجا ، خرجت أنا وأنت فقلت له
: يا رسول الله من كنت مستخلفاً عليهم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : خاصف النعل ، قال
: فنظرت إلى علي بن أبي طالب فقلت : يا رسول الله ما أرى إلّا علي بن أبي طالب ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: هو ذاك. أتذكرين هذا؟ قالت : نعم.
قالت : ويوم جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أزواجه عند موته ، فقال
: يا نسائي ، اتّقين الله وقرن في بيوتكن ولا يستفزنكن أحد. أتذكرين هذا؟ قالت : نعم.
فخرجت من عندها وقد ضعفت عزيمتها ، وفترت
عن الخروج ، وأمرت مناديها فنادى بمكة : ألا إنّ أم المؤمنين قد بدا لها من الخروج.
فاجتمع عليها طلحة والزبير ، ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ، فقلبوا رأيها
وموهوا الأمور عليها ، واستغلطوها واستغفلوها ... ) .
( ... فلمّا سمع الناس قول عمار بن ياسر
عرجوا عن أبي موسى وقالوا : يا أبا اليقظان ، إنّك كنت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمكان الذي تعلم
، فنسألك بحقّ الله وحقّ رسوله هل سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يذكر هذه الفتنة؟ فقال عمار : أشهد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أمرنا بقتال الناكثين والقاسطين ، وأمرنا بقتال المارقين من أهل النهروان بالطرقات
، وسمعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : علي مع الحق والحق مع علي لا يفترقان حتّى يردا علي الحوض يوم القيامة.
فقبل الناس قول عمار بن ياسر واستجابوا له .
__________________
تاريخ بغداد للخطيب :
حدّثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج
، حدّثنا عبد السلام بن صالح ، حدّثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي
سعيد التميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : ( دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي
وتذكر علياً ، وقالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة )
.
مجمع الزوائد :
( ... فإنّي سمعت : رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : علي مع الحق
، أو : الحق مع علي حيث كان. قال : من سمع ذلك؟ قال : قاله في بيت أم سلمة ، قال :
فأرسل إلى أم سلمة فسألها ، فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي ، فقال الرجل لسعد
: ما كنت عندي قط ألوم منك الآن ، فقال ولم؟ قال : لو سمعت هذا من النبي صلىاللهعليهوسلم لم أزل خادماً لعلي
حتّى أموت ) .
( وعن أم سلمة أنّها كانت تقول : كان
علي على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهد معهود قبل يومه
هذا ) .
الإمامة والسياسة :
__________________
( ... فدخل [ محمّد بن أبي بكر ] على
أخته عائشة ، قال لها : أما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : علي مع
الحق والحق مع علي ) .
ربيع الأبرار للزمخشري :
( استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة
رضي الله عنها فقالت : مرحباً بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب
مطائرها؟ قال : تبع علي بن أبي طالب. قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ
الحوض ) .
تفسير الرازي :
( وأمّا أنّ علي بن أبي طالب رضي الله
عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد
اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار ) .
مناقب ابن مردويه :
__________________
( عن أبي ذر أنّه سئل عن اختلاف الناس
فقال : عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : علي مع الحق
والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي ) .
ولا عجب أن يكون الحقّ معه يدور حيثما
دار ، وهو من وصفه رسول الله صلىاللهعليهوآله
بأنّه بمنزلة رأسه من بدنه وأنّه كنفسه ، وأنّه معيار الحقّ ولو كان لوحده وكلّ
الناس في صفّ آخر و ...
قال صلىاللهعليهوآله
: ( علي منّي بمنزلة رأسي من بدني ) .
وقوله صلىاللهعليهوآله
: ( والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي
أو كنفسي ... فأخذ بيد علي فقال هو هذا ) .
وقال صلىاللهعليهوآله
: ( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي
، ودع الناس ، فإنّه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من
__________________
هدى ) .
وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً
قد سلك وادياً .. ، يا عمار ، إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزّ
وجلّ.
وفي رواية : ( يا عمار إذا رأيت علياً
قد سلك وادياً .. ، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدّوه ، قلّده الله يوم
القيامة وشاحين من در ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو علي عليه ، قلّده الله يوم
القيامة وشاحين من نار ، فقال علقمة والأسود لأبي أيوب : يا هذا حسبك! حسبك رحمك
الله! حسبك رحمك الله ) .
هذه كلمات عربية يفهمها كلّ من عرف
العربية ، وهي عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى ، فلابدّ من أخذ كلامه صلىاللهعليهوآله بجدّية وتدبّر ؛
لأنّه كلام مرشد الأمّة.
وقفة
مع بعض العبارات في النصوص السابقة :
١ ـ قول عائشة : فأقبل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم غضباناً محمرّاً وجهه
، فقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي وغيرهم إلّا خرج من الإيمان ، وإنّه مع
الحق والحق معه.
٢ ـ قوله صلىاللهعليهوآله
: ( أعيذك بالله أن تكوني منبحة كلاب الحوأب ).
٣ ـ أترين يا حميراء أنّي لا أعرفك إن
لأمتي منك يوماً مراً.
__________________
٤ ـ أما أنّي قد أرى مكانه ولو فعلت
لنفرتم عنه كما نفرت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران.
٥ ـ شهادة أم سلمة وعمار وسعد و ...
بمقام علي عليهالسلام.
٦ ـ ألا وأنّه ليس أحد أفقه في دين الله
، ولا أعلم بكتاب الله ، ولا أقرب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم
من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فانفروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ...
٧ ـ لو سمعت هذا من النبي صلىاللهعليهوسلم لم أزل خادماً لعلي
حتّى أموت.
٨ ـ قوله صلىاللهعليهوآله
: علي مع الحق.
علي مع القرآن.
علي نفسي.
علي بمنزلة رأسي من بدني.
يا عمار ، إذا رأيت علياً قد سلك وادياً
وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي.
طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة
الله ...
إذن ثبت أنّ علياً عليهالسلام هو ممثل الحق ، وفرقته
هي صاحبة الحق في كلّ عصر ، وقد بيّنا أنّ أتباعه من نصروه في الجمل وصفين
والنهروان ، ومن وفى له في ذريته في كربلاء وغيرها ، ومن نهج نهجه ، وأخذ عنه ومنه
، وتمسّك بحبله عبر الخط الرسالي المستمر في ذرّيته الذين لا تخلو الأرض من حجّة
منهم كي لا تبطل
حجج الله وبيّناته :
( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ
وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم ) .
__________________
الدليل الثاني
عشر : آية المباهلة
قوله تعالى : ( فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) .
المباهلة : مفاعلة من البهلة ، وهي : اللعنة
، ومأخذها من الإبهال ، وهو : الإهمال والتخلية ؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من
واد واحد ، ومعنى المباهلة أنّ يجتمعوا إذا اختلفوا ، فيقولوا بهلة الله على
الظالم منّا ) .
بهل : أصل البهل كون الشيء غير مراعى ، والباهل
البعير المخلى عن قيده أو عن سمة أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة : أتيتك
باهلاً غير ذات صرار ، أي : أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم استأثر بشيء دونه ، وأبهلت
فلاناً خليته وإرادته تشبيهاً بالبعير الباهل.
والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال
فيه والتضرّع ، نحو قوله عزّ وجلّ : ( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة
الله على الكاذبين )
، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن ، قال
الشاعر : نظر الدهر إليهم فابتهل ، أي : استرسل فيهم فأفناهم ) .
__________________
قصّة المباهلة :
نصّ
ماجاء في معرفة علوم الحديث للنيسابوري :
حدّثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى
الدهقان بالكوفة ، قال : حدّثنا الحسين ابن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن
الحسين العرني ، قال ثنا حبّان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن
عباس ، وفي قوله عزّ وجلّ : ( قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم )
إلى قوله ( الكاذبين ) نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى نفسه ، ونساءنا
ونساءكم في فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم في حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت
في العاقب والسيّد وعبد المسيح وأصحابهم.
قال الحاكم : وقد تواترت الأخبار في
التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثمّ قال هؤلاء
أبناءنا وأنفسنا ونساءنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ، ثمّ نبتهل فنجعل
لعنة الله على الكاذبين ) .
أحكام
القرآن للجصّاص :
ونصّه مايلي : ( مطلب : في المباهلة وما
رواه أصحاب السير في شأنها.
قوله تعالى ( فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) الاحتجاج المتقدّم لهذه الآية على
النصارى في قولهم : إنّ المسيح هو ابن الله ، وهم وفد نجران ، وفيهم السيّد
والعاقب قالا للنبي صلىاللهعليهوسلم
: هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فأنزل الله تعالى ( إن مثل عيسى عند الله
__________________
كمثل
آدم )
، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة.
وقال قبل ذلك فيما حكي عن المسيح ( ولأحلّ
لكم بعض الذي حرم عليكم )
إلى قوله تعالى : ( إنّ الله ربي وربكم فاعبدوه ) ، وهذا موجود في الإنجيل ؛ لأنّ فيه :
( إنّي ذاهب إلى أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم ). والأب السيّد في تلك اللغة ألا تراه
قال : ( وأبي وأبيكم ) فعلمت أنّه لم يرد به الأبوّة المقتضية للبنوّة فلمّا قامت
الحجّة عليهم بما عرفوه واعترفوا به وأبطل شبهتهم في قولهم : إنّه ولد من غير ذكر
بأمر آدم عليه السلام ، دعاهم حينئذ إلى المباهلة ، فقال تعالى : ( فمن حاجك
فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، فنقل رواة السير ونقلة الأثر
لم يختلفوا فيه : ( أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ثمّ دعا النصارى الذين حاجّوه
إلى المباهلة ، فأحجموا عنها ، وقال بعضهم لبعض : ( إن باهلتموه اضطرم الوادي
عليكم ناراً ، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة ).
وفي هذه الآيات دحض شبه النصارى في أنّه
إله أو ابن الإله ، وفيه دلالة على صحّة نبوّة النبي صلىاللهعليهوسلم
لولا أنّهم عرفوا يقيناً أنّه نبي ما الذي كان يمنعهم من المباهلة؟ فلمّا أحجموا
وامتنعوا عنها دلّ أنّهم قد كانوا عرفوا صحّة نبوّته بالدلائل المعجزات ، وبما
وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدّمين.
وفيه الدلالة على أنّ الحسن والحسين
ابنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال : ( تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم )
ولم يكن هناك للنبي صلىاللهعليهوسلم
بنون غيرهما ، وقد
روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال للحسن رضي
الله عنه : ( إن ابني هذا سيّد ). وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : ( لا
تزرموا ابني ). وهما من ذريته أيضاً ، كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم
عليهما السلام بقوله تعالى : ( ومن ذريته داود
وسليمان )
إلى قوله تعالى : ( وزكريا ويحيى وعيسى ) وإنما نسبته إليه من جهة أمّه ؛ لأنه
لا أب له.
مطلب : في أنّ ولد البنت هل ينسب إلى
قوم أبيه أو قوم أمّه.
ومن الناس من يقول : إنّ هذا مخصوص في
الحسن والحسين رضي الله عنهما أنّ يسمّيا ابني النبي صلىاللهعليهوسلم
دون غيرهما ، وقد روي في ذلك خبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم
يدلّ على خصوص إطلاق اسم ذلك فيهما دون غيرهما من الناس ؛ لأنه روي عنه أنّه قال :
( كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي ). وقال محمّد فيمن أوصى لولد
فلان ولم يكن له ولد لصلبه وله ولد ابن وولد ابنة : ( إنّ الوصيّة لولد الابن دون
ولد الابنة ). وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنّ ولد الابنة يدخلون فيه.
وهذا يدّل على أنّ قوله تعالى وقول النبي صلىاللهعليهوسلم
في ذلك مخصوص به الحسن والحسين في جواز نسبتهما على الإطلاق إلى النبي صلىاللهعليهوسلم دون غيره من الناس
لما ورد فيه من الأثر ، وأنّ غيرهما من الناس إنّما ينسبون إلى الآباء وقومهم دون
قوم الأم ، ألا ترى أنّ الهاشمي إذا استولد جارية رومية أو حبشية أنّ ابنه يكون
هاشمياً منسوباً إلى قوم أبيه دون أمّه ، وكذلك قال الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا
|
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
|
فنسبة الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى
النبي صلىاللهعليهوسلم
بالبنوة
على الإطلاق مخصوص
بهما لا يدخل فيه غيرهما ، هذا هو الظاهر المتعارف من كلام الناس فيمن سواهما ) .
شواهد
التنزيل :
ونصّه ما يلي : ( قوله عزّ اسمه : ( فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ
أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ).
حدّثني الحاكم الوالد رحمه الله ، عن
أبي حفص بن شاهين في تفسيره ، [ عن ] موسى بن القاسم ، [ عن ] محمّد بن إبراهيم بن
هاشم ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني أبو عبد الله محمّد بن عمر بن واقد
الأسلمي ، عن عتبة بن جبيرة ، عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن سعد بن معاذ قال
قدم وفد نجران العاقب والسيد فقالا : يا محمّد إنك تذكر صاحبنا؟ فقال النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) : ومن
صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن مريم. فقال النبي : هو عبد الله ورسوله. قالا : فأرنا
فيمن خلق الله مثله وفيما رأيت وسمعت. فأعرض النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) عنهما يومئذ ونزل [ عليه ] جبرئيل [ بقوله تعالى ] : ( إن مثل
عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب )
الآية.
فعادا وقالا : يا محمّد هل سمعت بمثل
صاحبنا قط؟ قال : نعم. قالا : من هو؟ قال : آدم ، ثمّ قرأ رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) : ( إن مثل
عيسى عند الله كمثل آدم )
الآية. قالا : فإنّه ليس كما تقول. فقال لهم رسول الله [ صلّى
__________________
الله عليه وآله وسلم
] : ( تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، فأخذ رسول الله بيد علي ومعه
فاطمة وحسن وحسين [ و ] قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا. فهمّا أنّ يفعلا ، ثمّ
إنّ السيّد قال للعاقب : ما تصنع بملاعنته؟ لئن كان كاذباً ما تصنع بملاعنته ، ولئن
كان صادقاً لنهلكن!! فصالحوه على الجزية ، فقال النبي [ صلىاللهعليهوآلهوسلم ] يومئذ : والذي
نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد ... ) .
فتح
الباري :
( ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي
وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسب أبا تراب؟ قال : أما
ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فلن أسبّه ، فذكر هذا الحديث [ حديث المنزلة ] وقوله : لأعطين الراية رجلاً يحبّه
الله ورسوله ، وقوله لما نزلت : ( فقل تعالوا ندع
ابناءنا وابناءكم )
دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي ... ) .
تفسير
ابن كثير :
( ... قال : ( والذي بعثني بالحق لقد
أتوني المرّة الأولى وإنّ إبليس لمعهم ) ، ثمّ سألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم
المسألة حتّى قالوا له : ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرّنا
إن كنت نبيّا أنّ نسمع ما تقول فيه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتّى
__________________
أخبركم بما يقول لي
ربّي في عيسى ).
فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية : ( إنّ مثل
عيسى عند الله كمثل آدم ـ إلى قوله ـ الكاذبين ) فأبوا أنّ يقرّوا بذلك.
فلمّا أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغد بعد ما أخبرهم
الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة
وله يومئذ عدّة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : لقد علمتما أنّ الوادي إذا اجتمع
أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عن رأيي ، وإنّي والله أرى أمراً ثقيلا ، والله
لئن كان هذا الرجل مبعوثاً فكنّا أوّل العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا
يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتّى يصيبنا بجائحة وأنا لأدنى العرب منهما
جواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منّا على وجه الأرض
شعر ولا ظفر إلّا هلك ، فقال صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال : أرى أنّ
أحكمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً ، فقالا له : أنت وذاك.
قال : فتلّقى شرحبيل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له : إنّي قد
رأيت خيراً من ملاعنتك فقال : ( وما هو )؟ فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى
الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( لعلّ وراءك أحداً يثرب عليك )؟ فقال شرحبيل : سل صاحبي ، فسألهما فقالا : ما
يرد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يلاعنهم حتّى
إذا كان من الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب
النبي صلىاللهعليهوسلم
لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كلّ ثمرة وكلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل
عليهم وترك ذلك كلّه
لهم على ألفي حلّة ، في كلّ رجب ألف حلّة ، وفي كلّ صفر ألف حلة. وذكر تمام الشروط
وبقية السياق.
والغرض أنّ وفودهم كان في سنة تسع لأنّ
الزهري قال : كان أهل نجران أوّل من أدّى الجزية إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وآية الجزية
إنّما أنزلت بعد الفتح وهي قوله تعالى : ( قاتلوا الذين لا
يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر )
الآية.
وقال أبو بكر بن مردويه : حدّثنا سليمان
بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن
دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قدم على النبي صلىاللهعليهوسلم العاقب والطيّب
فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على أنّ يلاعناه الغداة. قال : فغدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ بيد علي
وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أنّ يجيبا ، وأقرّا له بالخراج.
قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( والذي بعثني بالحق لو قالا : لا ، لأمطر عليهم الوادي ناراً ).
قال جابر : وفيهم نزلت ( ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) قال جابر ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلي بن أبي طالب ،
( وأبناءنا ) الحسن والحسين ( ونساءنا ) فاطمة.
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ، عن علي
بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن الأزهري ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن
داود بن أبي هند به بمعناه. ثمّ قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا ) .
__________________
جامع البيان ، الطبري :
عن قتادة في قوله : ( فمن حاجّك
فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أنّ نبي الله صلىاللهعليهوآله خرج ليلاً عن أهل
نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا. قال معمر ، قال قتادة : لما أراد
النبي صلىاللهعليهوآله
أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : ( اتّبعينا ) ، فلمّا رأى ذلك أعداء
الله رجعوا.
حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : ( أخبرنا
) عبد الرزاق ، قال : ( أخبرنا ) معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن
عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبي صلىاللهعليهوآله
لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.
حدّثنا أبو كريب ، قال : ثنا زكريا ، عن
عدّي قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله.
حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال
: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ( والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلّا أهلك الله
الكاذبين ).
حدّثني يونس ، قال : ( أخبرنا ) ابن وهب
، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآله
: لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت ( أبناءنا وأبناءكم )؟ قال : ( حسن وحسين ).
حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو
بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال :
لما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم )
الآية ، أرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود
:
ويحكم أليس عهدكم
بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فانتهوا ) .
صحيح
مسلم :
( ... ولما نزلت هذه الآية ( فقل
تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم )
دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي ) .
وقفة
مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه :
١ ـ عبارة : ( الدلالة على أنّ الحسن
والحسين ابنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال تعالوا : ندع أبناءنا
وأبناءكم ، ولم يكن هناك للنبي صلىاللهعليهوسلم
بنون غيرهما ).
٢ ـ عبارة : ( وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال للحسن رضي
الله عنه : إنّ ابني هذا سيّد وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : لا تزرموا ابني.
وهما من ذريته أيضاً كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام ).
٣ ـ قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسبّ
أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلن أسبّه ( معاوية
يأمر بسبّ علي ، وعليك التعليق ).
٤ ـ ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلي بن أبي
__________________
طالب ( وأبناءنا ) الحسن والحسين ( ونساءنا ) فاطمة.
٥ ـ فقال اللهم هؤلاء أهلي.
٦ ـ عبارة : ( وفاطمة تمشي عند ظهره
للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ).
٧ ـ لو لم يكن من دليل إلّا احتجاج أمير
المؤمنين عليهالسلام
في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من احتجاجه آية المباهلة ،
وهذه القصّة مشهورة ، وكلّهم أقروا بما قال أمير المؤمنين عليهالسلام وصدقوه في ما قال ،
وهذا الاحتجاج في الشورى مروي من طرق السنة أنفسهم ، كما في الصواعق المحرقة لابن
حجر : ( أخرج الدارقطني ان علياً يوم الشورى احتجّ على أهلها ، فقال لهم : أنشدكم
بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الرحم منّي ، ومن جعله صلىاللهعليهوآله
نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا : اللهم لا ) .
وكذلك هناك روايات كثيرة في احتجاج
أبناء الإمام علي عليهالسلام
، ومن ذلك ما روي أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا عليهالسلام بقوله : هل لك دليل
من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضلية علي؟ فذكرله الإمام عليهالسلام آية المباهلة ، واستدل
بكلمة : ( وأنفسنا ) ، كما جاء في الفصول المختارة للشيخ
المفيد ما هذا نصّه.
وحدّثني الشيخ أدام الله عزّه أيضاً قال
: قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه
السلام يدلّ عليها القرآن قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ،
قال الله جلّ جلاله : ( فمن حاجّك فيه من
بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
__________________
ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذببن ) ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآله الحسن والحسين
عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ،
ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنّه ليس أحد
من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأفضل فوجب أنّ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلىاللهعليهوآله
بحكم الله عزّ وجلّ.
قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر
الله الأبناء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله
ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله ابنته وحدها ، فلم
لا جاز أنّ يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا
يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال : فقال له الرضا عليه
السلام : ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ؛ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً
لغيره ، كما يكون الآمرآمراً لغيره ، ولا يصح أنّ يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما
لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله صلىاللهعليهوآله رجلاً في المباهلة
إلّا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في
كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال
) .
٨ ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من طبيعته
تكذيب فضائل أهل البيت عليهمالسلام
ـ بعدم خروج أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية المباهلة غير هؤلاء
__________________
الأربعة إلّا أنّه
يقول بأن عادة العرب في المباهلة كانت أنّ يخرجوا الأقرب نسباً وإن لم يكن ذا
فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإن لم يكن ذا منزلة خاصّة أو مرتبة عند الله سبحانه
وتعالى. لكنه يعترض على نفسه ويقول : إن كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمه معه ، والعباس
أقرب إلى رسول الله من علي؟ ويقول في الجواب على نفسه : بأنّ العباس لم يكن في تلك
المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضية ، فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة .
ونجيبه على قوله : إنّ العرب تأخذ
الأقرب في المباهلة بقولنا :
أوّلاً
: أنّ الرسول هو القدوة الحسنة لكلّ مسلم ، وكلامه وفعله ليس عن الهوى ، ولا يقلّد
العرب ، ولا غيرهم في شيء ، وأنّ كلامه وأفعاله ما هي إلّا وحي يوحى.
ثانياً
: أنّ العباس ( رضي الله عنه ) هو أقرب من علي عليهالسلام
، إذ بالإجماع أنّ العم أقرب من ابن العم ، فلِمَ لم يأخذ إلّا علي عليهالسلام؟ وقد اعترف بذلك
بنفسه.
ثالثاً
: أنّ الإمام علي عليهالسلام
له فضائل ودلائل غير آية المباهلة تدلّ على أولويته بالخلافة ، بل ثبت وجوب
اتّباعه من الصحاح والمسانيد والتفاسير السنية المعتبرة ، مضافاً إلى اجماع الشيعة.
رابعاً
: يعترض ابن تيمية بقوله : ( لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة
والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختص هذه الفضيلة بعلي ).
نقول : إنّ البحث لم يكن في تفضيل علي
على فاطمة والحسنين عليهم
__________________
السلام ، وهل
الحسنان وفاطمة يدّعون التقدّم على علي؟ بل الكلام في تفضيل علي على أبي بكر وعمر
وعثمان ، وقد أثبتنا من الصحاح والمسانيد والتفاسير المعتبرة أنّ علياً عليهالسلام لا يقاس به أحد من
الصحابة ، فهو أفضلهم مطلقاً.
نعم ، هناك حديث في السيرة الحلبية بلا
سند ، يضيف عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وأنّهما خرجتا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله للمباهلة .
وفي كتاب تاريخ المدينة المنوّرة لابن
شبّه أنّه كان مع هؤلاء ناس من الصحابة .
وفي رواية في ترجمة عثمان بن عفان من
تاريخ ابن عساكر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده .
والجواب :
إنّ هذه الروايات التي تضيف غير الخمسة
أهل الكساء عليهم السلام باطلة لعدّة أسباب ، منها :
١ ـ إنّها مقابل ما ذكرنا من الكتب
المشهورة المعتبرة ، بل الصحيحة عند أهل السنّة ، كما نقلنا نبذة منها ، ومنها
صحيح مسلم ومسند أحمد ، ولم يضيفوا أحد مع الخمسة أهل الكساء عليهمالسلام فهل يتّهم الحنابلة
إمامهم أو من يدّعون عصمة الصحاح يتّهمونها بالزيادة أو النقصان؟! إذن لذهبت
حرمتها ، ولم يعد عليها اعتماد بينهم.
__________________
٢ ـ إنّ الروايات التي أضافت غير الخمسة
عليهمالسلام
روايات آحاد.
٣ ـ إنّ الروايات التي اضافت غير الخمسة
عليهمالسلام
روايات متضاربة فيما بينها ، فبعضها يقول : عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وبعضها
يقول : ناساً من الصحابة ، وبعضها يقول أبا بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده
، وهكذا.
٤ ـ إنّ الروايات التي أضافت غير الخمسة
عليهمالسلام
روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتّفق عليها ، وبعضها ليس لها
أسانيد ، وبعضها أسانيدها ضعيفة.
وأمّا من فسّرها في علي وفاطمة وابنيهما
فقد نقلنا من النصوص من الصحاح والمسانيد ما يوجب عدم الشك في ذلك.
سؤال وهو : لماذا اختار الرسول صلىاللهعليهوآله هؤلاء بالذات؟ وما
هي الفضيلة في ذلك؟
والجواب :
هذه الآية تشير إلى فضائل ، منها :
١ ـ إنّ أهل بيت الرسول عليهمالسلام أحبّ خلق الله عند
النبي صلىاللهعليهوآله
، ولذا يقول البيضاوي في تفسيره : ( أي : يدع كلّ منّا ومنكم نفسه ، وأعزّ أهله ، وألصقهم
بقلبه إلى المباهلة ) .
٢ ـ إنّ أمر المباهلة أمر حسّاس وخطير ،
ويحتاج إلى دعاء ، فاختيار النبيّ صلى الله عليه وآله هؤلاء لأمر المباهلة بنفسه
يدلّ على أفضليتهم.
__________________
٣ ـ حتّى نصارى نجران أدركوا وجود هذه
الفضيلة فيهم ؛ فلذا انصرفوا عن المباهلة ، وقال أسقفهم : ( إنّي لأرى وجوهاً لو
طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله ) .
٤ ـ هذه الآية تدلّ على وجود فضيلة
خاصّة لأمير المؤمنين عليهالسلام
، وهو أنّه أفضل من جميع الأنبياء إلّا النبي محمّد صلىاللهعليهوآله
؛ وذلك بمقتضى كونه نفس النبي صلىاللهعليهوآله.
__________________
الدليل الثالث
عشر : آية التطهير
نصّ ما جاء في صحيح مسلم :
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمّد بن
عبد الله بن نمير ( واللفظ لأبي بكر ) قالا : حدّثنا محمّد بن بشر ، عن زكرياء ، عن
مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبه قالت : قالت عائشة : خرج النبي صلىاللهعليهوسلم غداة وعليه مرط
مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن على فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل معه ، ثمّ جاءت
فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء علي فأدخله ، ثمّ قال إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) .
نصّ ما جاء في مسند أحمد بن
حنبل :
حدّثنا عبد الله ، حدثنى أبي ، ثنا أبو
النضر هاشم بن القاسم ، ثنا عبد الحميد يعني : ابن بهرام ، قال : حدّثني شهر بن
حوشب ، قال : ( سمعت أم سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم
حين جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق فقالت : قتلوه قتلهم الله ، غرّوه
وذلّوه لعنهم الله
، فإنّى رأيت رسول الله صلّى الله
__________________
عليه وسلّم جاءته
فاطمة غديّة ببرمة قد صنعت له فيها عصيدةً تحمله في طبق لها حتّى وضعتها بين يديه
، فقال لها : أين ابن عمّك؟ قالت : هو في البيت ، قال : فاذهبي فادعيه وائتني
بابنيه ، قالت : فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد وعلي يمشي في إثرهما حتّى
دخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فأجلسهما في حجره ، وجلس علي عن يمينه ، وجلست فاطمة عن يساره ، قالت أم سلمة : فاجتبذب
من تحتي كساء خيبرياً كان بساطاً لنا على المنامة في المدينة فلفّه النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم جميعاً فأخذ
بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربّه عزّ وجلّ. قال : اللهم أهلى أذهب
عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ، اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً
اللهم أهل بيتى أذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ، قلت : يا رسول الله ، ألست من
أهلك؟ قال : بلى ، فادخلي في الكساء ، قالت : فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه
لابن عمّه علي وابنيه وابنته فاطمة رضي الله عنهم .
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا أبو
أحمد الزبيري ، ثنا سفيان ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم جلل على علي وحسن
وحسين وفاطمة كساء ، ثمّ قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، اللهم أذهب عنهم
الرجس وطهرّهم تطهيراً ، فقالت أم سلمة : يارسول الله ، أنا منهم؟ قال : إنّك إلى
خير ) .
وفي مسند أحمد أيضاً :
__________________
( ... وقعوا في رجل قال له النبي صلىاللهعليهوسلم : لأبعثن رجلاً لا
يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله قال : فاستشرف لها من استشرف ، قال : أين علي؟
قالوا : هو في الرحل يطحن ، قال وما كان أحدكم ليطحن. قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد
يبصر ، قال : فنفث في عينيه ، ثمّ هزّ الراية ثلاثاً ، فأعطاها إياه ، فجاء بصفية
بنت حيي ، قال : ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة ، فبعث علياً خلفه ، فأخذها منه ، قال
: لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه ، قال : وقال لبني عمّه : أيّكم يواليني في
الدنيا والآخرة ، قال وعلي معه جالس فأبوا ، فقال علي : أنا أواليك في الدنيا
والآخرة ، قال : أنت وليي في الدنيا والآخرة ، قال : فتركه ، ثمّ أقبل على رجل
منهم ، فقال : أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا قال : فقال علي : أنا أواليك
في الدنيا والآخرة ، فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة ، قال : وكان أوّل من أسلم
من الناس بعد خديجة ، قال : وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، وقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ( أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي ) .
وفي مسند أحمد أيضاً :
حدّثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أسود
بن عامر ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس بن مالك : ( أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يمر ببيت فاطمة
ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله
__________________
ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) .
وفي مسند أحمد أيضاً :
حدّثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا
محمّد بن مصعب ، قال : ثنا الأوزاعي ، عن شداد أبي عمار ، قال : ( دخلت على واثلة
بن الاسقع وعنده قوم فذكروا علياً ، فلمّا قاموا ، قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، قلت بلى ، قال : أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي ، قالت : توجّه
إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فجلست أنتظره حتّى جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم ، آخذ كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل ، فأدنى
علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه ، ثمّ
لفّ عليهم ثوبه أو قال : كساء ، ثمّ تلا هذه الآية ( إنّما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتى وأهل
بيتى أحق ) .
ملاحظات هامة في النصوص :
١ ـ إنّ عائشة الراوية للحديث ـ كما ذكر
مسلم ـ لم تدع أنّها من أهل الكساء عليهمالسلام
وهي المعروفة بذكر فضائل نفسها ، فلا يمكن أن تغفل عن ذلك لولا أنّها متأكّده
أنّها ليست ممن طهّروا تطهيراً.
٢ ـ ما أكثر ما يكررون لفظ ( فلان ) عندما
لا يريدون ذكر من يزعمون تقديسه ، ولكن نسو أنّهم في أماكن أخرى يذكرون هذا الفلان
باسمه ، كما في
__________________
مسند أحمد قال : ( ثمّ
بعث فلاناً بسورة التوبة ، فبعث علياً خلفه ، فأخذها منه ، قال : لا يذهب بها إلّا
رجل منّي وأنا منه ).
٣ ـ قال : لا يذهب بها إلّا رجل منّي
وأنا منه ، ( ففلان ليس من النبي ، ولا هو منه ، ولم يؤتمنه على تحمّل مسؤولية
إبلاغ سورة ، فكيف بأمَّة )؟!
٤ ـ وقعوا في رجل قال له النبي صلىاللهعليهوسلم : ( لأبعثن رجلاً
لا يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله ) قال : فاستشرف لها من استشرف ، قال : ( أين
على ).
٥ ـ قال : فنفث في عينيه ، ( وهذا دليل
على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
يستشفى بريقه ).
٦ ـ قال : أنت وليي في الدنيا والآخرة.
( راجع لفظ ( ولي ) و( مولى ) في حديث الغدير ).
٧ ـ إنّه لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت
خليفتي ، ( فكيف يذهب عن الدنيا بلا خليفة )؟!
٨ ـ كان أوّل من أسلم من الناس بعد
خديجة ، قال : من الناس ، ولم يقل من الصبيان.
٩ ـ أنت وليّ في كلّ مؤمن بعدي. ( بعدي
وليس الرابع ).
١٠ ـ أكثر طرق الحديث عن أم سلمة ، وأنّها
أرادت الدخول مع الخمسة عليهمالسلام
تحت الكساء ، وقالت : أنا منهم؟ قال : إنّك إلى خير.
١١ ـ كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا
خرج إلى الفجر ، فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهّركم تطهيراً.
( لماذا كان يمرّ؟
الجواب واضح إنّه يريد أن يُعرّف للملاء من هم أهل بيته ).
١٢ ـ يوجد الحديث في صحيح مسلم ومسند
أحمد ، ويوجد في تفسير الطبري ، وأسباب النزول ، وغيرها ، وبألفاظ متعددة والمصب والمضمون واحد
، وهو نزولها في الخمسة عليهمالسلام
، وأنّها دالة على عصمتهم.
__________________
نعم ، إنّ العصمة لا تعني الجبر على ترك
الذنب ، بل إنّ المعصومين عليهمالسلام
انكشفت لهم الحقائق ، فهم يرونها رأي العين ، فمثلاً : المسلم العاقل لا يمكن ان
يخرج إلى الشارع عريان ؛ لأنّه يعلم بقبح ذلك شرعاً وعقلاً.
والمعصومون عليهمالسلام يرون قبح أدنى خطأ
ذنباً كبيراً ؛ لهذا تنزهوا عن فعل الذنوب كبيرها وصغيرها بشهادة القرآن الكريم
والسنة الصحيحة ؛ ورسول الله صلىاللهعليهوآله
أمر فاطمة عليهاالسلام
بأنّ تأتي هي وزوجها وولداها ، ولم يأمرها بأن تدعو أحداً غير هؤلاء ، وكان له
أقرباء كثيرون ، وأزواجه في البيت عنده ، بل لم يأذن لأم سلمة أنّ تدخل معهم تحت
الكساء ، كما روته أم سلمة نفسها ، فالرسول صلىاللهعليهوآله
عندما لم يأذن لأم سلمة أنّ تدخل معهم تحت الكساء دليل على أنّ لهذه القضية شأن
ومقام يختص بمن هم ورثته على أمّته ، وهم : الإمام علي والحسن والحسين عليهمالسلام وأم الأئمة البتول
الزهراء عليهاالسلام
فقط ، ولا عبرة لمن قال : إنّها نازلة في نسائه كالضحاك وعكرمة وأمثالهما ، ونبطل
قول من قال : إنّها في نسائه بحجّة إنّها في سياق آيات تتحدث عن نساء النبي صلىاللهعليهوآله بما يلي :
١ ـ إنّها تعارض ما روته الصحاح والسنن
والمسانيد عن ابن عباس ، وجابر ابن عبد الله ، وعن زيد بن أرقم ، وأم سلمة ، وعائشة
وغيرهم : أنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء عليهمالسلام
فقط وفقط ، وبيّنوا من هم أهل الكساء عليهمالسلام.
٢ ـ إنّ أم سلمة وعائشة من جملة
القائلين باختصاص الآية المباركة بالخمسة أهل الكساء عليهمالسلام
، وإنّهن لسن منهم.
٣ ـ وممن قال إنّها في نساء النبي : عكرمة
، وقوله هذا غير منقول عن أحد من الصحابة ، وهو كان من دعاة الخوارج كما قال
الذهبي ، وقد نصّ كثير من أئمّة القوم على أنّه كان كذّاباً.
٤ ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من عادته
تكذيب الواضحات في فضل أهل البيت عليهمالسلام
ـ بنزول الآية في أهل البيت واختصاصها بهم .
٥ ـ لا أحد يدّعي العصمة لزوجات النبي صلىاللهعليهوآله والآية صريحة
بالعصمة ؛ لأنّ الله تعالى طهرهم من الرجس كلّه كبيره وصغيره ، إذ التطهير مطلق
غير مقيّد ، ونساء النبي ورد في الصحاح وغيرها الكثير من أعمالهن غير الصالحة ، بل
آيات تؤنّبهن ، كما في قوله عزّ من قائل : ( وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )
، وقوله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ
يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ
تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارا )
، ( إِنْ تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) .
فهذه الآيات أمر إلهي بأن لا يخرجن
للقتال ونحوه ، وتهديدهما بالطلاق ووصفهما بالمؤامرة على النبي صلىاللهعليهوآله ، وغير ذلك مما هو
ثابت ، ولا ينكره المخالف ، وإنّما المخالف يحاول تبرير ما اقترفاه من موبقات
كالجمل وسفك الدماء وأنهما ندما على ما فعلاه ، وحتّى لو فرضنا صحّة الندم ، فهل
الندم يكفّر عن ذنب قتل سبعة عشر ألف ممّن قتلوا في معركة الجمل المعروفة ، مضافاً
الى ألف من أصحاب الإمام عليهالسلام؟!
كما جاء في نهج البلاغة للامام علي عليهالسلام
ما
__________________
هذا نصّه : ( كنتم
جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم
شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص
عنكم متدارك برحمة من ربّه كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من
فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها ). ويقول محمّد عبده في شرحه : ( ومجمل القصّة
أنّ طلحة والزبير بعد ما بايعا أمير المؤمنين فارقاه في المدينة وأتيا مكّة
مغاضبين ، فالتقيا بعائشة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم
فسألتهما الأخبار ، فقالا : إنّا تحمّلنا هرباً من غوغاء العرب بالمدينة ، وفارقنا
قومنا حيارى لا يعرفون حقّاً ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم ، فقالت : ننهض
إلى هذه الغوغاء أو نأتي الشام. فقال أحد الحاضرين : لا حاجة لكم في الشام قد
كفاكم أمرها معاوية فلنأت البصرة فإنّ لأهلها هوى مع طلحة ، فعزموا على المسير ، وجهّزهم
يعلى بن منبه ، وكان والياً لعثمان على اليمن ، وعزله علي كرّم الله وجهه ، وأعطى
للسيّدة عائشة جملاً اسمه عسكر ، ونادى مناديها في الناس بطلب ثأر عثمان ، فاجتمع
نحو ثلاثة آلاف ، فسارت فيهم إلى البصرة ، وبلغ الخبر علياً ، فأوسع لهم النصيحة
وحذّرهم الفتنة ، فلم ينجح النصح ، فتجهّز لهم وأدركهم بالبصرة ، وبعد محاولات
كثيرة منه يبغي بها حقن الدماء نشبت الحرب بين الفريقين واشتّد القتال ، وكان
الجمل يعسوب البصريين قتل دونه خلق كثير من الفئتين ، وأخذ خطامه سبعون قرشياً ما
نجا منهم أحد ، وانتهت الموقعة بنصر علي كرّم الله وجهه بعد عقر الجمل. وفيها قتل
طلحة
والزبير ، وقتل سبعة
عشر ألفاً من أصحاب الجمل ، وكانوا ثلاثين ألفاً. وقتل من أصحاب علي ألف وسبعون ) .
فمن المسؤول عن قتل هؤلاء الذين كانوا
يشهدون الشهادتين؟!
وقد تنّبأ النبي صلىاللهعليهوآله بمعركة الجمل كما
قال في معجم البلدان : وقال أبو منصور : الحوأب : موضع بئر نبحت كلابه على عائشة
عند مقبلها إلى البصرة ...
وفي الحديث : إنّ عائشة لما أرادت المضي
إلى البصرة في وقعة الجمل مرّت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب فقالت : ما هذا
الموضع؟ فقيل لها : هذا موضع يقال له : الحوأب : فقالت : إنّا لله ما أراني إلّا
صاحبة القصّة!! فقيل لها : وأيّ قصة؟ قالت : سمعت رسول الله يقول ـ وعنده نساؤه ـ
: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة!! وهمّت بالرجوع
فغالطوها وحلفوا لها أنّه ليس بالحوأب ) .
وروى أحمد بن حنبل عن قيس قال : ( لما
أقبلت عائشة وبلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب. قالت : أيّ ماء هذا؟ قالوا : ماء
الحوأب ، قالت : ما أظنني إلّا أنّي راجعة فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك
المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال لها ذات يوم : كيف بإحداكّن تنبح عليها كلاب الحوأب ) .
__________________
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : ( حدّثنا
أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقي المكي ، حدّثنا مسلم بن خالد ، حدّثني زياد بن
سعد ، عن محمّد بن المنكدر ، عن عائشة قالت : ( ياليتني كنت نباتاً من نبات الأرض
ولم أكن شيئاً مذكوراً )
، وعن عمارة بن عمير قال : ( كانت عائشة إذا قرأت هذه الآية : ( وقرن في
بيوتكن )
بكت حتّى تبل خمارها ) .
لكن السؤال هو : هل يبرر ذنب قتل
الصحابة أنّ عائشة خدعوها بأنّها ليس هذا المكان هو الحوأب؟! وعلى فرض صحّة ذلك ، فهي
تعرف من هو علي ومنزلته من رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وتعرف أنّه مع الحق والحق معه ، ومن نازعه فهو على باطل كائناً من كان.
وإن فرضنا صحّة توبتها فهي لمّا أقدمت
على حرب أمير المؤمنين تعرف من هو علي ، وماذا قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وتعلم انه سيكون
قتلى فهل ينفع الندم لو صح ( إنّما التوبة على
الله للذين يعملون السؤ بجهالة ثمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيما * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حتّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ
قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ .. )
.
فهل تقاس من تمنّت أنّها لم تكن شيئاً
مذكوراً بمن قال عندما ضُرب : ( فزت ورب الكعبة )؟!
فالنفس المطمئنة ترجع إلى ربها راضية
مرضية ، وأمّا غير المطمئنة فهي تندم
__________________
على ما قدّمت
وتتمنّى أن تكون تراباً.
ومما أوردت الصحاح من معضلات عائشة
وحفصة قصة احتيالهن أو تظاهرهن كما وصفه القرآن الكريم على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ونزول الآية
فيهما : ( إِِنْ تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) .
فجاء في صحيح البخاري :
حدّثنا سفيان ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، قال
: سمعت عبيد بن حنين ، يقول : سمعت ابن عباس يقول :
( أردت أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين
تظاهرتا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فمكثت سنة فلم أجد له موضعاً حتّى خرجت معه حاجّاً ، فلمّا كنّا بظهران ذهب عمر
لحاجته ، فقال : أدركني بالوضوء ، فأدركته بالإداوة ، فجعلت أسكب عليه ، ورأيت
موضعاً ، فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا ، قال ابن عباس : فما
أتممت كلامي حتّى قال عائشة وحفصة ) .
وفي صحيح مسلم :
( ... ونزلت هذه الآية آية التخيير ( عسى ربّه
إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ )
( وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل
وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير )
، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على
__________________
سائر نساء النبي صلىاللهعليهوسلم ... ) .
قصّة
المؤامرة على أطهر خلق الله :
إنّ القصّة جاء بها القرآن فلا مجال
للتشكيك فيها ، وذكرت الصحاح من هي المرأتان اللتان تظاهرتا ، وإنّما الاختلاف في
من هي المرأة التي حسدنها ، فالبعض قال : حسدن زينب ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآله شرب عندها عسل ، وأخرى
حسد لأم سلمة ، وأخرى : لمارية ، والمهم أنّ الروايات كلّها تتضمّن حسدهما ، وغيرتهما
، والقصّة طويلة لم أذكرها مراعاة للاختصار ، فراجع الصحاح إن شئت .
وروى الطبري في تفسيره بسنده عن ابن
عباس قوله تعالى : ( إِنْ تَتُوبَا إلى
اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللَّهَ هُوَ
مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ
ظَهِيرٌ )
، قال : ( صغت قلوبكما ) قد أثمت قلوبكما.
وعن مجاهد أنّ ابن عباس يقرأ : قد زاغت
قلوبكما ، وهكذا عن سفيان.
وعن عبيد الله قال : إنّ الضحاك يقول : ( صغت
قلوبكما )
أي : مالت قلوبكما .
__________________
وقال الزمخشري : ( وفي طي هذين
التمثيلين ـ يعني : بامراة نوح ولوط ـ تعريض بأمي المؤمنين المذكورين في أوّل
السورة ، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلىاللهعليهوآله
بما كرهه ، وتحذيره لهما على أغلظ وجه وأشدّه ، لما في التمثيل من ذكر الكفر ، ونحوه
في التغلظ قوله تعالى : ( ومن كفر فإنّ الله
غني عن العالمين )
، إشارة إلى أنّ من حقّهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين
، وان لا تتكلا على أنّهما زوجا رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فإنّ ذلك الفضل لا ينفعهما إلّا مع كونهما مخلصتين ... ) .
وللإمام علي عليهالسلام فضيلة عظيمة في طي هذا
التوبيخ لقائدة معركة الجمل ، وهي أنّ الله عزّ وجلّ وصفه بأنّه صالح المؤمنين ، وان
الله جلّ جلاله وجبرئيل وعلي كافيين لمناصرة الرسول صلىاللهعليهوآله
إن تظاهرتا عليه كما في تفسير الآلوسي :
( لما نزل قوله تعالى : ( وإن
تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : صالح
المؤمنين علي ابن أبي طالب ، فلمّا أخبر الله فيما أنزله على رسوله أنّ ناصره هو
الله وجبريل وعلي ، ثبتت صفة الناصرية لعلي فأثبتها النبي صلىاللهعليهوسلم اقتداء بالقرآن
الكريم في إثبات هذه الصفة له ) .
ومما جاء عن أخلاق عائشة عن عائشة نفسها
قالت : ( كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم
لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء
__________________
عليها ، فذكرها
يوماً من الأيام ، فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلّا عجوزاً فقد أبدلك الله
خيراً منها ، فغضب
، ثمّ قال : لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني
إذ كذّبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها أولاداً إذ
حرمني أولاد النساء ، قالت عائشة : فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبداً .
وعن عائشة قالت : ( استأذنت هالة بنت
خويلد أخت خديجة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك ، وقال : اللهم هالة ، فغرت ، فقلت : ما تذكر من
عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر ، وأبدلك الله خيراً منها .
__________________
وفي رواية عن عائشة قالت : ( كان رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
إذا ذبح الشاة يقول : أرسلوا إلى أصدقاء خديجة. قالت عائشة : فذكرت له يوماً ، فقال
: إنّي لأحب حبيبها ) .
ومن أخلاقها حسدها وغيرتها من أسماء بنت
النعمان ومليكة بنت كعب وغيرهما ، فمثلاً : دخلت عائشة على مليكة ، فقالت لها : أما
تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ، فاستعاذت من رسول الله فطلقها .
ومن أخلاقها أنّها كانت تحدّث الرجال
بما جرى بينها وبين النبي صلىاللهعليهوآله
مما يقبح ذكره ، كالتقبيل
، ومص اللسان
، ونحو ذلك.
وبعد كلّ هذا فيأتي علماء السنة ويقولوا
: إنّ أحبّ نساء رسول الله صلىاللهعليهوآله
إليه عائشة.
وأنا أعتقد أن ليس كلّ ما في الصحاح
صحيح ، ولكن أهل السنّة تقول ذلك.
فنقول لهم : إمّا أن تقبلوا أنّ كلّ ما
جاء فيها عن عائشة وأبيها وحفصة وأبيها و .. ، صحيح أوينقض عصمة الصحاح ، ويعترف
أنّ فيها روايات مدسوسة دسّت لأهداف سياسية ، أهمّها طمس فضائل أهل البيت عليهمالسلام ، ودسّ فضائل لمن
أخذوا الخلافة وهي ليست لهم ، ومن أراد أن يعرف ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من
كلام بذيء فليراجع الصحاح ففيها
__________________
العجب العجاب ، فهل يقال إنّ عائشة وحفصة من أهل
الكساء المطهّرين من الرجس تطهيراً بعدما أثبتنا كلّ هذه عنهما؟! وبعد إثبات عدم
اجازة الرسول لأحد حتّى أم سلمة سلام الله عليها التي روت القصّة ، والآية نزلت في
بيتها ولم تقل آيات ، يعني : أنّها ليست آيات ، بل آية فقط ، ولم يجيز لها صلىاللهعليهوآله أن تدخل معهم تحت
الكساء ؛ لأنّه يعلم الهدف الذي لأجله أدخلهم تحت الكساء ؛ ذلك ولأجل أن لا يكون
معهم غيرهم ، حتّى لا تثبت هذه الفضيلة العظيمة لغير الداخلين تحت الكساء.
إذن ثبت أنّ الآية إنّما وضعت في سياق
آيات نساء النبي صلىاللهعليهوآله
حسب ترتيب القرآن الكريم ، ولكنها نزلت وحدها كما تكرر عن أم سلمة ( رضي الله عنها
) ، ( نزلت الآية في بيتي ) كما في مسند أحمد وغيره ، ولم تقل : الآيات ، فهي ليست
في سياق الآيات عند النزول ، وإنّما وضعت في سياقها في الترتيب ، كما في الروايات
التي ذكرنا أنّها نزلت وحدها في الخمسة أهل الكساء صلوات الله عليهم أجمعين ، ولم
يجز الرسول لأم سلمة الدخول معهم ، وللآية قرائن كثيرة تدلّ على عصمة الخمسة أهل
الكساء عليهمالسلام
، منها : ما بيّناه ومنها : ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
٦ ـ ما روي عن سعد بن أبي وقاص : ( أنّ
معاويه أمر سعداً فقال : ما
__________________
يمنعك أنّ تسبّ أبا
تراب؟ ـ يعني علياً عليهالسلام
ـ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله فلن أسبّه لأن يكون لي واحدة منها
أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول له وخلّفه في بعض مغازيه : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة
بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : سأعطي الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه
الله ورسوله ، ولما نزلت : ( إنّما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، دعا رسول الله علياً وفاطمة والحسن
والحسين فقال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ) .
٧ ـ إنّ المسلمين مجمعون على أنّ ترتيب
القرآن الكريم ليس كما نزل ، ولا يعني هذا تحريف القرآن بزيادة أو نقصان ، وإنّما
هو أنّ ترتيب السور لم يكن على حسب نزولها ، كما أنّنا نعلم أنّ سورة القلم والنصر
من أوائل السور في النزول وهي الآن مرتبة في أواخرها ، وأمثلة ذلك كثير ، فمن أراد
الاطّلاع فليراجع كتب علوم القرآن ، وما ينص عليه علماء علوم القرآن في كتبهم
كجلال الدين السيوطي في كتابه الإتقان ، حيث يذكر أسامي السور بحسب نزولها فهذا
يؤكّد قولنا : إنّ الآية ليست في سياق آيات زوجات النبي صلىاللهعليهوآله.
٨ ـ عائشة من آل أبي بكر ، وليست من آل
النبي ، عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : ( ألا وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله عزّ وجلّ هو حبل الله من
اتّبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة ، ثمّ قال : وأهل بيتي أذكّركم
الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم
__________________
الله في أهل بيتي ، فقلنا
: من أهل بيته نساؤه؟ قال : لا وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر
، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة
بعده ) .
٩ ـ قال الفخر الرازي في تفسيره : ( وأنا
أقول : آل محمّد صلّى الله عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان
أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين
كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا
كالمعلوم بالنقل المتواتر ، وجب أنّ يكونوا هم الآل ... ) .
١٠ ـ ما ثبت عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنّه كان
يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : ( الصلاة يا أهل البيت ، إنّما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) .
أمّا دليلنا على أنّ آية التطهير تصدّق
على أهل البيت عليهمالسلام
جميعهم ، أي : المعصومين غير أهل الكساء هو : أنّ من يصدق عليهم لفظ أهل البيت عليهمالسلام فإنّ الآية تشمله ،
كما في الخطاب القرآني للمؤمنين ( يا أيّها الذين آمنوا
) ، في حال
نزوله يخاطب المؤمنين المعاصرين للنزول ، ولكن الحكم يعمّ كلّ المؤمنين إلى يوم
القيامة إلّا ما نسخ منه ، فكذلك آية التطهير نزلت في الخمسة عليهمالسلام ، ولكن كلّ من صدق
عليه أهل البيت الذين هم الأمان من الضلال ، وسفينة النجاة ، وقرناء
__________________
القرآن و .. ، فهو
من مصاديق الآية الكريمة.
وحول أهل البيت المعصومين غير أهل
الكساء راجع كتابي ( وعرفت من هم أهل البيت ) ، فقد خصّصته للأئمة الاثني عشر
جميعاً ؛ لأنّه خطاب للزيدية التي تقول بالإمامة ووجوب اتّباع أهل البيت إلّا
أنّهم يتخبّطون في ذلك ، فكان كتابي هو في إثبات الروايات القائلة باتّباع أهل
البيت الاثني عشر وليس كما تعتقد الزيدية.
وأمّا هذا الكتاب فهو يتحدّث عن الخمسه
أهل الكساء ؛ لأنّه خطاب لمن ينكر ولاية الإمام علي عليهالسلام
، ويثبت خلافة الخلفاء الأربعة.
وسنثبت في هذا البحث إن شاء الله تعالى
أنّ أهل البيت عليهمالسلام
باقون ما بقي الدهر ، وأنّ وجودهم أمان لأهل الأرض ، ولا تخلو الأرض منهم ، وأنّهم
أحد الثقلين ، وسفينة النجاة ، وقرناء القرآن ، ولولاهم لساخت الأرض بأهلها و .. ،
فتابع معنا.
شبهتان وحل
الشبه الأوّلى :
أ ـ قد يقال : إنّ القرآن الكريم ذكر
الزوجة من أهل الرجل كقوله تعالى :
خطابه تعالى لزوجة النبي إبراهيم عليهالسلام : ( رحمة الله
وبركاته عليكم أهل البيت )
.
ب ـ وقوله تعالى على لسان موسى عليهالسلام : ( فقال
لأهله امكثوا ... )
.
ج ـ كذلك قد يحتجّ بكلام العرب وأنّها
تطلق الأهل على الزوجة.
الجواب :
١ ـ قال الزبيدي : إنّ كلمة أهل البيت
في الأصل أو كلمة أهل ، تطلق على أقرباء الرجل ، العصبة ، فإذا أطلقت على المرأة
فتحتاج إلى قرينة .
٢ ـ إنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يأذن لزوجته أم
سلمة ( رضي الله عنها ) بالدخول تحت الكساء.
٣ ـ النبي صلىاللهعليهوآله
حصر دائرة أهل البيت في كثير من المواقف ، ومنها : إدخالهم تحت الكساء ، والدعاء
بالتطهير.
٤ ـ لو كانت عائشة ممن عنتهم آية
التطهير لتفاخرت بها ، فهي تتفاخر حتّى
__________________
بأدنى شيء ، بل بما
لا يصح ذكره ، فهل كانت تسكت عن هذه الفضيلة وهو التطهير بشهادة القرآن الكريم؟!
بل هي من الراويات للآية في الخمسة فقط ، ولم تدّع أنّها منهم.
٥ ـ يقول الرسول صلىاللهعليهوآله : ( أوّل من يلحقني
من أهلي أنت يا فاطمة ، وأوّل من يلحقني من أزواجي زينب ) ، هنا فصل النبي صلىاللهعليهوآله بين الأهل والأزوج.
الشبهة الثانية :
لفظ التطهير جاء ليعم كلّ المؤمنين في
قوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد
ليطهّركم وليتم نعمته )
. فهل كلّ
المؤمنين طاهرين ، أي : معصومين.
الجواب :
أوّلاً : أنّ عصمة كلّ المؤمنين لا يقول
به أحد وعصمة أهل البيت أجمع عليه الشيعة مع أدلة من كتب أهل السنّة.
ثانياً : أن معنى الآية هو أنّ الدين
ليس أن يكلّف الإنسان بمالا يطيق ، فهو مجرد تطهير للإنسان من الكفر والشرك ، فمن
لا يقدر أن يتوضأ فلا يحرج نفسه فليتيمم وهكذا في كلّ الأحكام ، فلا حرج في دين
الله تعالى.
ثالثا : لا تستفاد العصمة فقط من لفظ
التطهّير ، بل من ليذهب عنكم الرجس.
__________________
الدليل الرابع
عشر : أجر الرسالة مودّة القربى
قال الله تعالى : ( قُلْ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ
يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) .
إنّ نزول هذه الآية في آل محمّد عليهم السلام
وإيجاب مودتهم بها أجمع عليه المسلمون إلّا شرذمة من حملة الروح الأموية نظير ابن
تيمية وابن كثير ، ونحيلهم إلى أعلامهم وأئمتهم وصحاحهم ، كالبخاري والطبري وأحمد
وغيرهم.
صحيح البخاري :
( ...عن شعبة ، حدثني عبد الملك ، عن
طاووس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إلّا المودّة في القربى قال : فقال سعيد بن
جبير : قربى محمّد صلىاللهعليهوسلم
... )
حدّثنا محمّد بن بشار ، حدّثنا محمّد بن
جعفر ، حدّثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووساً عن ابن عباس رضي
الله تعالى عنهما أنّه سئل عن قوله : إلّا المودّة في القربى فقال سعيد بن جبير :
( قربى آل محمّد صلىاللهعليهوسلم
) .
جامع البيان لابن جرير
الطبري :
( ... محمّد بن عمارة ، قال : ثنا
إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى
__________________
المري ، عن السدي ، عن
أبي الديلم قال : لما جئ بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيراً ، فأقيم على درج
دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قربى
الفتنة ، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن؟ قال : نعم ، قال : أقرأت
آل حم؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت قل لا أسألكم عليه أجراً
إلّا المودّة في القربى؟ قال : وإنّكم لأنتم هم؟ قال : نعم )
معاني القرآن للنحاس :
( ... وروى قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد
بن جبير ، عن ابن عباس قال لما نزلت ( قل لا أسألكم عليه
أجراً إلّا المودّة في القربى )
قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال : علي وفاطمة وولدها ) .
تفسير القرطبي :
( عن ابن عباس أنّه سئل عن قوله تعالى :
( إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمّد ، فقال
ابن عباس : عجلت ، إنّ النبي صلىاللهعليهوآله
لم يكن بطن من قريش إلّا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلّا أن تصلوا ما بينكم من
القرابة فهذا قول.
وقيل : القربى قرابة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أي : لا أسألكم
أجراً إلّا أنّ تودّوا قرابتي وأهل بيتي ، كما أمر بإعظامهم ذوي القربى. وهذا قول
علي بن
__________________
حسين وعمرو بن شعيب
والسدي.
وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ، لما
أنزل الله عزّ وجلّ : ( قل لا أسألكم عليه
أجراً إلّا المودّة في القربى )
قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما.
ويدل عليه أيضاً ما روي عن علي رضي الله
عنه قال : شكوت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم
حسد الناس لي. فقال : أما ترضى أنّ تكون رابع أربعة أوّل من يدخل الجنة أنا وأنت
والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرّيتنا خلف أزواجنا.
وعن النبي صلىاللهعليهوسلم
: حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من
ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة ).
قوله تعالى : ( وهو الذي
يقبل التوبة عن عباده )
قال ابن عباس : ( لما نزل قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه
أجراً إلّا المودة في القربى )
قال قوم في نفوسهم : ما يريد إلّا أنّ يحثّنا على أقاربه من بعده ، فأخبر جبريل
النبي صلىاللهعليهوسلم
، وأنّهم قد اتّهموه فأنزل : ( أم يقولون افترى على
الله كذباً )
) .
مجمع الزوائد للهيثمي :
( ... ثمّ قال من عرفني فقد عرفني ، ومن
لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد صلىاللهعليهوسلم
، ثمّ تلا هذه الآية قول يوسف : ( واتبعت ملة آبائي
إبراهيم وإسحق ويعقوب ).
ثمّ أخذ في كتاب الله ، ثمّ قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن
__________________
النذير ، وأنا ابن
النبي ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي
أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم
تطهيراً وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجلّ مودّتهم وولايتهم فقال فيما
أنزل على محمّد صلىاللهعليهوسلم
( قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في
القربى )
) .
تفسيرالنيسابوري :
عندتفسير قوله تعالى : ( قل لا
أسئلكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) قال : ( كفى شرفاً لآل رسول الله صلّى
الله عليه وآله وفخراً ختم التشهّد بذكرهم ، والصلاة عليهم في كلّ صلاة ).
الصواعق المحرقة :
( وروي عن علي عليه السلام قال : ( فينا
آل حم آية ، لا يحفظ مودّتنا إلّا كلّ مؤمن ، ثمّ قرأ : ( قل لا
أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) ) .
وفيها أيضاً : أخرج الديلمي عن أبي سعيد
الخدري أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولاية علي
). وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى : ( وقفوهم
إنّهم مسؤولون )
أي : عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ الله أمر نبيه صلّى الله عليه وآله أنّ يعرف
الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلّا المودّة في القربى ، والمعنى
أنّهم يسألون :
__________________
هل والوهم حقٌ
المولاة ، كما أوصاهم النبي صلّى الله عليه وآله أم أضاعوها وأهملوها؟! فتكون
عليهم المطالبة والتبعة ) .
تفسير الثعلبي :
وعن ابن عباس في قوله تعالى : ( ومن يقترف
حسنة نزد له فيها حسناً )
، قال : المودّة لآل محمّد ) .
تاريخ مدينة دمشق :
عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول
الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى ، وخلقني من شجرة
واحدة ، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها وأشياعها
أوراقها ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى ، ولو أنّ عبداً عبد
الله بين الصفا والمروة ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ لم يدرك
محبّتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثمّ تلا : ( قل لا
أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) ) .
المستدرك على الصحيحين :
( ... وإنّا من أهل البيت الذي كان
جبرئيل عليه السلام ينزل ألينا ويصعد من عندنا ، وإنّا من أهل البيت الذين افترض
الله تعالى مودّتهم على كلّ مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وآله : ( قل لا
أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى ) ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، فاقتراف
الحسنة مودّتنا أهل
__________________
البيت ) .
نعم ، إنّ الإعلام كان بيد أعداء الدين
، ولم يكن آنذاك فضائيات وإنترنيت وغيرهما كي يسمع ويرى الناس الحقيقة ؛ لهذا جهل
ذلك الرجل وأمثاله إمام عصرهم والحجّة على العالمين الإمام السجاد عليهالسلام فسيق أسيراً مع
نسائه ، وأنّه من هوان الدنيا أن يأخذ ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإمام الأمّة أسيراً إلى يزيد الطليق ابن الطليق ، وأمّا الآن فلا عذر لأحد أنّ
يجهل حجج الله وبيّناته ، إذ وسائل البحث مهيّأة لكلّ باحث عن الحق.
تكذيب
كذّاب :
لقد كذّب ابن كثيروابن تيمية كعادتهما
آية المودّة في أنّها تعني أهل البيت عليهمالسلام
بدليل اختلقاه وهو : ان هذه الآية في سورة الشورى وهي مكّية بلا ريب ، نزلت قبل
أنّ يتزوّج علي بفاطمة ، وقبل أنّ يولد له الحسن والحسين إلى أن قال : ( وقد ذكر
طائفة من المصنّفين من أهل السنة والجماعة والشيعة ، من أصحاب أحمد وغيرهم حديثاً
عن النبي صلىاللهعليهوسلم
: أنّ هذه الآية لما نزلت قالوا : يا رسول الله؟ من هؤلاء؟ قال : علي وفاطمة
وابناهما. وهذا كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث ، ومما يبيّن ذلك أنّ هذه الآية
نزلت بمكة باتّفاق أهل العلم ، فإنّ سورة الشورى جميعها مكّية ، بل جميع آل حميم
كلّهن مكيات ) .
الجواب :
__________________
أنّه من عادتهما التكذيب لكلّ ما أورده
أهل الحديث حتّى من أسلافهما ، فلا أدري من أيّ فرقة هما؟! وهذا افتراء منهما ، اذ
لم يصرّح أحد بأنّ الآية مكّية ، ودعوى كون جميع سورة الشورى مكّية تكذّبها نصوص
القرطبي في تفسيره ، والنيسابوري في تفسيره ، والخازن في تفسيره ، والشوكاني في ( فتح
القدير ) وغيرهم عن ابن عباس وقتادة ، على أنّها مكّية إلّا أربع آيات أوّلها : ( قل لا
أسألكم عليه أجراً )
.
إذن بعد قراءة الأدلة وإرجاع بعضها إلى
بعض من آية الإنذار إلى التطهير إلى القربى والى ما سيأتي يثبت إن شاء الله تعالى
من هم أهل البيت عليهمالسلام
، وما هو تكليف كلّ مكلّف نحوهم ، وكنت قد بحثت بحثاً خاصّاً بعنوان ( وعرفت من هم
أهل البيت ) وبيّنت فيه كيف عرفت من هم أهل البيت المطهّرين المعصومين ، وبحثته من
كتب الزيدية والسنة ، والكتاب مطبوع بحمد الله ، وليكن الكتابان كتكملة لبعضهما ، إلّا
أنّي هنا أبحث بشكل أعم وأوسع كما مرّ ، وأضيف فاقول :
أهل البيت لهم معنى عام أو معنى لغوي أو
معنى عرفي : وهو : كلّ من حرّمت عليهم الزكاة ، وهم آل عقيل وآل عباس وآل علي ، وهؤلاء
لا يمكن أن نطبّق ماجاء في أهل البيت ـ من أنّهم سفينة النجاة والثقل الثاني كما
في حديث الثقلين ، ومن رزقوا علم وفهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ومن أمر كلّ مسلم بالأخذ عنهم وإطاعتهم كما في آية أولي الأمر ، وغير ذلك من
الأدلّة التي هي محور هذا
__________________
الكتاب ـ عليهم.
إذن لابدّ أن نبحث عن من يمكن عقلاً
ونقلاً أن يكون مصداقاً للآيات والروايات التي توجب معرفة أهل البيت عليهمالسلام ، فآل عباس وآل
عقيل وآل علي لا يمكن أن يكونوا كلّهم أهل البيت بالمعنى الشرعي والمقصود النبوي ؛
لأنّه حصل بينهم الحروب والاختلافات ، ولا زالت بين ذريّاتهم حتّى بين ذرّية
الحسنين عليهماالسلام
، فمنهم وهابي وزيدي وجعفري ، بل وكافر وفاسق و ...
إذن علينا أن نبحث بأمانة علمية في
التاريخ ، ونحقق بكلّ إنصاف لنعرف من هم أهل البيت المطهّرين وقرناء القرآن ، وسفينة
النجاة ، وأولي الأمر ...
ولهم معنى خاص وشرعي وهو : من خصّهم
المشرع الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله
بالدخول تحت الكساء ، ومن وصفهم بأنّهم رزقوا علمه وفهمه ، والذين أجر الرسالة هي
مودّتهم ، والذين هم سفينة النجاة ، وأُمناء أهل الأرض ، والثقل الثاني و ... .
قال الفخر الرازي في تفسيره : وأنا أقول
: آل محمّد صلّى الله عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكلّ من كان أمرهم
إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان
التعلّق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم
بالنقل المتواتر ، فوجب أنّ يكونوا هم الآل .
__________________
وهم من وجبت عليهم الصلاة كلّما صلى
المسلم على النبي صلىاللهعليهوآله
، قال ابن حجر : وصحّ عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت هذه الآية ، قلنا : يا رسول
الله ، قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلي عليك ، فقال : ( قولوا : اللهم صلّ
على محمّد وعلى آل محمّد ) .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي أمير
المؤمنين عليه السلام : كلّ دعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد. وقال
الحافظ الهيثمي : رجاله ثقات .
وأخرج القاضي عياض عن عمر أنّه قال : ( الدعاء
والصلاة معلّق بين السماء والأرض لا يصعد إلى الله منه شيء حتّى يصلّى عليه صلّى
الله عليه وآله وعلى آل محمّد ) .
وروى الطبري عن جابر كان يقول : ( لو
صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل ) .
وأخرج القاضي عياض في الشفا عن ابن
مسعود : ( من صلّى صلاة لم يصلّ عليّ فيها وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ) .
ونختم المطاف بهذه الأبيات :
قال ابن عربي :
رأيت ولائي آل طه فريضة
|
|
على رغم أهل البعد يورثني القربا
|
__________________
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى
|
|
بتبليغه إلّا المودّة في القربى
|
وذكر ابن الصباغ المالكي في
الفصول لقائل :
هم العروة الوثقى لمعتصم بها
|
|
مناقبهم جاءت بوحي وإنزال
|
مناقب في شورى وسورة هل أتى
|
|
وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي
|
وهم آل بيت المصطفى فودادهم
|
|
على الناس مفروض بحكم وإسجال
|
وذكر لآخر :
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا
|
|
تمسك في أخراه بالسبب الأقوى
|
هم القوم فاقوا العالمين مناقبا
|
|
محاسنهم تجلى وآثارهم تروى
|
وروي عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال مخاطباً
المهاجرين الذين احتجّوا على الأنصار بأنّهم أولى بالخلافة منهم :
فإنّ كنت بالشورى ملكت أمورهم
|
|
فكيف بهذا والمشيرون غيب
|
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم
|
|
فغيرك أولى بالنبي وأقرب
|
وقال الكميت :
فإنّ هي لم تصلح لخلق سواهم
|
|
فإنّ ذوي القربى أحقّ وأوجب
|
وقال العجلوني :
__________________
لقد حاز آل المصطفى أشرف الفخر
|
|
بنسبتهم للطاهر الطيّب الذكر
|
فحبّهم فرض على كلّ مؤمن
|
|
أشار إليه الله في محكم الذكر
|
ومن يدّعي من غيرهم نسبة له
|
|
فذلك ملعون أتى أقبح الوزر
|
وقول الشافعي المشهور :
يا أهل بيت رسول الله حبّكم
|
|
فرض من الله في القرآن أنزله
|
كفاكم من عظيم الفخر أنّكم
|
|
من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
|
وبعد أن ثبت أنّ الآية نازلة في أهل
البيت عليهمالسلام
، وبعد أن تبيّن من هم أهل البيت عليهمالسلام
ثبت وجوب مودّتهم واتّباعهم ، ولكن لا كما يقول البعض : نحن نحبّ أهل البيت
ونودّهم ولكنه لا يتبرّأ ممن ظلمهم وأخذ حقّهم!! فقد سمعت كثيراً من الأخوات تقول
: ليس الواجب أن أذكر ما فعل ومن فعل سوءً بأهل البيت عليهمالسلام
فقلت لها : إنّ المحب من أحبّك وأحبّ
محبّك ، وأبغض مبغضك ، وهذا شيء بديهي من فطرة الإنسان أنّه إذا أحبّ أحداً تبعه
وأحبّ حبيبه ، وأبغض مبغضه ، فالإنسان المؤمن المتدين يحبّ في الله ويبغض في الله
؛ لأنّ الأخوّة في الله من أقوى الروابط والأواصر بين المؤمنين.
فأهل البيت عليهمالسلام ثابت أنّهم أفضل
الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
وحبّهم واجب مفروض على كلّ مسلم ، وقد ثبت ظلم بعض الصحابة لهم ، وهناك
__________________
معارك مشهورة ، وأخذ
حقّهم الخاص كالإمامة ، وقتلهم ، وأخذ إرثهم وادّعى أنّه أعلم منهم بالشريعة
كالخليفة أبا بكر الذي تأوّل الآية فأسقط سهم ذي القربى بعد رحلته صلىاللهعليهوآله ، كما في الصحاح
وغيرها : ( أنّ فاطمة سألت ميراثها من رسول الله صلىاللهعليهوآله
مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فأبى أبو بكر أنّ يدفع إلى
فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى
توفّيت ، وعاشت بعد النبي صلّى الله عليه وآله ستّة أشهر فلمّا توفّيت دفنها زوجها
علي ليلاً بوصية منها ، كي لا يحضرها الشيخين ، وماتت وهي غاضبة عليهما ، هاجرة
لهما ) .
وفي صحاحهم أنّ الله يغضب لغضب الزهراء عليهاالسلام كما أخرج البخاري :
قال : حدّثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن
مخرمة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : ( فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني ) .
وإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يغضب لغضب بضعته
الزهراء عليهاالسلام
، ويتأذّى بأذاها ، فمعنى ذلك أنّها معصومة عن الخطأ وإلّا لما جاز للنبي صلىاللهعليهوآله أنّ يقول
__________________
مثل هذا ؛ لأنّ
الشرع الإسلامي لا يراعي قريباً ولا بعيداً ،
وإذا كان الأمر كذلك فما بال أبي بكر
يؤذي الزهراء عليهاالسلام
بل ويغضبها حتّى تموت وهي واجدة عليه ، بل ومهاجرته فلم تكلّمه حتّى توفيت ، وهي
تدعو عليه في كلّ صلاة تصليها.
وأقول : لو سكتنا عمّا فعل فلن يسكت
المخالف ، فهو يبثّ فضائل لا تحصى ولا تعدّ ، ويأخذ ويعطي ماشاء لمن شاء من
الفضائل ، ويخبطون ويتخبّطون ، فيجب علينا أن نرد الإنسان لعقله ولتأريخه ، ونقول
له : اقرأ الواقع بنفسك ، واحكم بعقلك بعد تحقيق وعلم ، واعرف الحقيقة لكي لا تسكت
وأنت تسمع وترى معركة كربلاء عبر الإنترنيت والفضائيات ، فكلّ يوم كربلاء ، وكلّ
يوم عاشوراء.
ولابدّ من تحديد موقفنا ، وأنّنا من أيّ
الفريقين ، ومن سكت فهو كمن سكت في يوم عاشوراء وهو يرى ابن بنت رسول الله عليهالسلام يداس بالخيول.
وأقول أيضاً : إنّ المؤمن لو أراد أن
ينصف أهل البيت عليهمالسلام
، ولا يشترك في ظلمهم فأقل شيء أن يتصوّر أبيه أو أخيه يقتل ويقطع رأسه ويداس
بالخيول جسده ، وأمّه أو أخته تؤخذ أسيرة مكشوفة الرأس بين الأعداء ، كما فعل
بأبناء الزهراء عليهاالسلام
وبناتها ( سلام الله عليهم ) ، أو يرى وقع ذلك بجاره أو صديقه أو وقع بعالم دين
معروف بالتدّين ، فماذا سيكون ردّة الفعل؟! فليكن هذا الرد على الأقل بالنسبة
لأبناء وبنات الزهراء وأنصارهم كعمار ومحمّد بن أبي بكر وميثم وغيرهم ، و .. ، ما
هو موقفك أيّها المنصف مع الوصي والبتول فيما جرى لهم؟!
وأقول أيضاً : إنّ حبّ الزهراء عليهاالسلام ومن قتلوا أبنائها
وسبوا بناتها وأخذوا حقٌ زوجها لا يجتمعان في قلب واحد ، ومن أحبّ من أخذ حقّ أهل
البيت أو
من ظلمهم أو أساء
إليهم فهو ليس محبّ لهم إذ هو لا يغضب لهم ممّن ظلمهم في حال إن لو فعل بصديقه أو
أخيه ما فعل بالذريّة الطاهرة لغضب لهم!! فالمؤمن لا يؤمن حتّى يحبّ أهل بيت النبي
صلىاللهعليهوآله
أكثر من أهله وأقاربه ، كما في الروايات .
والمؤمن لابدّ أن يكون له موقف من أعداء
أهل البيت عليهمالسلام
، ولا يضل من الرعاع أتباع كلّ ناعق ، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فيكون
حينئذٍ عن الحوض عند الورود من المبعدين.
__________________
الدليل الخامس
عشر : آية الشراء
قال الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ
بِالْعِبَادٍِ )
.
إنّ قصّة الشراء قصّة مشهورة وهي معروفة
بليلة المبيت ، وهي فداء أعظم صاحب ، وأعظم مؤامرة في التاريخ أجراها أخبث قريش
وأنذلهم وأشقاهم ضدّ الرحمة للعالمين الصادق الأمين ، ففداه ابن عمّه ، وتغطّى
بغطاه فداءً لأعظم خلق الله وهو الرسول محمّد صلىاللهعليهوآله
، والقصّة أترك تفصيلها على كتب أهل السنة ، فلنقرأ معاً هذه القصّة ، ولكن ليس
للتسلية ، وإنّما للتدبّر والتأمّل والتعلّم.
إنّ النبي صلّى الله عليه وآله لما أمر بالهجرة
عند اجتماع الملأ من قريش على قتله ، ولم يتمكّن من مظاهرتهم بالخروج عن مكّة
وتعمية خبره عنهم ليتم له الخروج على السلامة منهم ، ألقى خبره إلى ابن عمّه علي
عليه السلام ، واستكتمه إياه ، وكلّفه الدفاع عنه بالمبيت على فراشه من حيث لا
يعلمون أنّ علياً البائت على الفراش ويظنون أنّه النبي عليه السلام.
فوهب أمير المؤمنين نفسه لله وبذلها دون
نبيه وابن عمّه ، وبات علي على فراش النبي ص مستتراً بإزاره ، وجاء القوم الذين
تآمروا على قتله ، وقد مكروا فيما بينهم أن يكون قتلته من كلّ قبيلة ليتفرّق دمه
بين القبائل ، فيذهب دمه بين
__________________
جميع القبائل ، ولا
يمكن لبني هاشم الأخذ بثأره من جميع أولئك.
فإنّ قريشاً لم تزل تخيل الآراء ، وتعمل
الحيل في قتل النبي صلّى الله عليه وآله ، حتّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك ، يوم
الدار ـ دار الندوة ـ وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف.
وأحدقوا بأجمعهم به وعليهم السلاح
يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ، فلمّا أصبح القوم وأرادوا الفتك به ثار إليهم ، فتفرّقوا
عنه حين عرفوه وانصرفوا ، وقد بطلت حيلتهم وانتقض ما بنوه من التدبير.
ثمّ إنّهم سألوه عن النبي : أين هو؟ قال
: في حفظ الله. وفي رواية قال : لا أدري ، أو رقيب كنت عليه؟! أمرتموه بالخروج
فخرج.
ثمّ أقام ثلاثة أيام بمكة يجهّز عيال
رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ويرد ودائعه ، ويسدّ مسدّه ، وكان رسول الله عليه
السلام قد استخلفه لردّ الودائع ، فلمّا أدّاها أقام على الكعبة ثلاثة أيام ونادى
بصوت رفيع : يا أيها الناس ، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وديعة؟ هل من صاحب عدّة
قبل رسول الله؟ وأقام بمكّة وحده مراغماً لأهلها حتّى أدّى إلى كلّ ذي حقّ حقّه ،
وجهّز عيال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، مع عظيم فعله مع المشركين ، وأنّه
فوّتهم غرضهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ومعلوم أنّ من فوّت أحداً غرضه ازداد عليه حنقاً وبغضاً ، لا سيما قد فوّتهم
شيئاً عظيماً ، وهو مع ذلك ظاهر بينهم ثابت الجنان قوي القلب واللسان ، مع خذلان
البشر له وقلّة الأعوان ، وثبوته في ذلك الوقت الهائل والزلزال الذاهل اشبه ما
يكون باستسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليهما السلام ، وإقدامه على المبيت أعظم من
المبارزة في الجهاد ، وبين الحالين فرق ؛ لأنّ المحارب يجوز النجاة والعطب لنفسه ،
فحاله مترددة بين الحالتين والأمرين ،
وحالة مبيته ليست
مترددة بين الحالتين ، وإنّما صبر نفسه للقتل والأسر حتّى استحق أن يباهي به الله
ملائكته المكرّمين.
نصّ ما جاء في مناقب
الخوارزمي :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( نزل عليّ
جبرئيل صبيحة يوم فرحاً مستبشراً ، فقلت : حبيبي مالي أراك فرحاً مستبشراً؟ فقال :
يا محمّد وكيف لا أكون كذلك وقد قرت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيك وإمام أمتك
علي بن أبي طالب ، فقلت : وبم أكرم الله أخي وإمام أمتي؟ قال : باهى بعبادته
البارحة ملائكته وحملة عرشه وقال : ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي بعد نبيّي ، فقد
عفّر خدّه في التراب تواضعاً لعظمتي ، أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى بريّتي ) .
وجاء في تفسير الثعلبي :
( إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أراد الهجرة
خلف علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بمكّة ، لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت
عنده ، فامره ليلة الخروج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أنّ ينام على فراشه صلىاللهعليهوآله فقال له : يا علي
اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، ثمّ نم على فراشي ، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن
شاء الله ، ففعل ذلك علي فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرائيل وميكائيل إنّي قد آخيت
بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا
كلاهما الحياة ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب
آخيت بينه وبين محمّد فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى
الأرض فاحفظاه من عدّوه ، فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل
__________________
عند رجله ، فقال
جبرائيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله
تعالى على رسوله ـ وهو متوجّه إلى المدينة ـ في شأن علي بن أبي طالب ( ومن الناس
من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله )
) .
جاء في مسند أحمد :
عن ابن عباس ويقول : أف وتف وقعوا في
رجل له عشر ...
قال : وشرى علي نفسه لبس ثوب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ نام مكانه ، قال
: وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه ) .
وجاء في المستدرك للحاكم
النيسابوري :
( قال ابن عباس : وشرى علي نفسه فلبس
ثوب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ثمّ نام مكانه ، قال ابن عباس : وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه
وآله ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه وعلي نائم قال : وأبو بكر يحسب أنّه رسول الله
صلّى الله عليه وآله قال فقال : يا نبي الله ، فقال له علي : إنّ نبي الله صلّى
الله عليه وآله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه
الغار ، قال : وجعل علي رضي الله عنه يرمى بالحجارة كما كان يرمى
__________________
نبي الله صلّى الله
عليه وآله وهو يتضوّر ، وقد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتّى أصبح ، ثمّ كشف عن
رأسه ) .
وقال الإمام علي عليهالسلام عند مبيته على فراش
رسول الله صلىاللهعليهوآله
شعرا :
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا
|
|
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
|
رسول إله خاف أن يمكروا به
|
|
فنجاه ذو الطول الإله من المكر
|
وبات رسول الله في الغار آمنا
|
|
موقى وفي حفظ الإله وفي ستر
|
وبت أراعيهم وما يثبتونني
|
|
وقد وطنّت نفسي على القتل والأسر
|
ظلم
وافتراء :
١ ـ إنّ من الظلم والافتراء ما ذكره فضل
بن روزبهان من أنّ أكثر المفسّرين يقولون : إنّ الآية قد نزلت في الزبير والمقداد
، حيث أرسلهما النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) إلى مكّة لينزلا خبيب بن عدي عن الخشبة التي صلب عليها ، وكان حول خشبته أربعون
من المشركين ، فخاطرا بأنفسهما حتّى أنزلاه ، فأنزل الله الآية.
نعم ، إنّه ظلم لمن فداه بنفسه ، وتغطى
ببرد الموت منتظره ، وافتراء على الله أن يحرّفا كلام الله عن موضعه وأهله وعلى
كلّ حال هناك كثير من السنة ممن ذكرناهم ، ومنهم : أحمد بن حنبل أوردوها في الإمام
عليهالسلام
، ويذكر العلاّمة المظفر أنّ المفسّرين لم يذكروا ذلك ، حتّى السيوطي ، والرازي ، والكشاف
مع أنّ الرازي
__________________
قد جمع في تفسيره
كلّ أقوالهم ، والسيوطي جمع عامّة روايتهم.
٢ ـ ابن تيمية الذي من عادته إنكار
فضائل أمير المؤمنين علي عليهالسلام
قال : كذب باتّفاق أهل العلم بالحديث والسيرة وقال : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم
، فلم يكن فيه فداء بالنفس ، ولا إيثار بالحياة. والآية المذكورة في سورة البقرة ،
وهي مدنية باتّفاق. وقد قيل : إنّها نزلت في صهيب ( رضي الله عنه ) لما هاجر.
الجواب :
١ ـ إنّنا لم نجد أحداً صرّح بكذب هذه
الرواية سوي ابن تيمية ، بل جاء بها إمام الحنابلة في مسنده أو ليس بثقة عنده؟!
٢ ـ قد صحح الحاكم والذهبي نزولها في
علي عليهالسلام.
٣ ـ ذكرنا طائفة من الذين رووه من كبار
العلماء والحفاظ ، من دون غمز فيه أو لمز.
٤ ـ إن كانت الآية مدنية بالنسبة إلى
علي عليهالسلام
، فهي أيضاً مدنية بالنسبة إلى صهيب ، فما يقال هناك يقال هنا.
٥ ـ إنّ نزول الآية لو سلّم أنّه كان في
نفس ليلة المبيت ، فمن الواضح أنّ النبي ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) كان حينئذٍ في الغار ولم يكن ثمة مجال للإعلان بنزول الآية إلّا بعد وصوله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) إلى
المدينة ، ولا مانع أنّ تعدّ بهذا الاعتبار مدنية ، وتجعل في سورة البقرة التي كان
نزولها في مطلع الهجرة كما هو معلوم.
هذا بالإضافة إلى أنّ وجود آية مكّية في
سورة مدنية ليس بعزيز.
٦ ـ قوله : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم
، فلم يكن فيه فداء بالنفس ،
ولا إيثار بالحياة ،
أجاب عنه الإسكافي المعتزلي على دعوى الجاحظ ، فقال : هذا هو الكذب الصراح ، الإدخال
في الرواية ما ليس منها.
هذا ، وإنّما قال النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : إنّه لا يصل إليه
شيء يكرهه بعد مبيته على الفراش ، وذلك حينما التقى معه في الغار ، وأمره بردّ
ودائعه ، وأن ينادي في مكّة بذلك ، وطمأنه أنّ نداءه هذا لن يتسبب له بمتاعب وليس
المقصود : أنّه لن يناله مكروه من أيّ مشرك من جميع الأحوال والأزمان.
ويدلّ على أنّه كان موطناً نفسه على
القتل قوله عليهالسلام
في شعره المتقدّم :
وبت أراعيهم متى يثبتونني
|
|
وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
|
الدليل
السادس عشر : سورة الدهر
بسم الله الرحمن الرحيم
( هَلْ أَتَى عَلَى
الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * ...يُوفُونَ
بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا
نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ... ) إلى آخر سورة الدهر.
إنّ هذه الآيات من سورة الدهر قد أجمع
أصحاب التفسير على نزولها في الإمام علي وفاطمة عليهماالسلام
عندما أطعما المسكين واليتيم والأسير ، ولم ينكر ذلك إلّا من في قلبه مرض ، وخالف
الإجماع ، وشذّ برأيه كابن تيمية.
نصّ ما جاء في الكشاف وغيره
:
( عن ابن عباس أنّ الحسن والحسين مرضا ،
فعادهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم
في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة ، وفضّة
جارية لهما ان برآ مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض
علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً ، واختبزت خمسة
أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام
عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد
الجنة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء ، وأصبحوا صياماً ، فلمّا أمسوا
ووضعوا الطعام بين أيديهم ، وقف
عليهم يتيم فآثروه ،
ثمّ وقف عليهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلمّا أصبحوا أخذ علي رضي الله
عنه الحسن والحسين ، وأقبلوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوؤني ما
أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت
عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل الله جبريل وقال : يا محمّد ، هنّأك الله في أهل بيتك ،
فأقرأه السورة ).
وفي رواية : ( أنّ عبد الله بن العباس
قال في قول الله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون
يوماً كان شره مستطيراً )
مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وهما صبيان ، فعادهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ناس معه ، فقالوا
: يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك نذراً ، فقال علي : إن برآ مما بهما صمت لله
عزّ وجلّ ثلاثة أيام شكراً ، قالت فاطمة : وأنا أيضاً أصوم ثلاثة شكراً ، وقال
الصبيان : ونحن نصوم ثلاثة أيام ، وقالت جاريتهما فضّة : وأنا أصوم ثلاثة أيام
شكراً ، فألبسهما الله العافية ، فأصبحوا صياماً ، وليس عندهم طعاماً فانطلق علي
إلى جار له من اليهود ـ يقال له شمعون ـ يعالج الصوف ، وقال له : هل لك أنّ تعطيني
جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمّد بثلاثة آصع من شعير؟ فأعطاه ، فجاء بالصوف
والشعير فأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت ، ثمّ غزلت ثلث الصوف ، وأخذت صاعا من الشعير
فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص لكلّ واحد قرص ، وصلّى علي المغرب مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ أتى منزله
فوضع الخوان فجلسوا ، فأوّل لقمة كسرها علي رضي الله عنه ، إذا مسكين واقف على
الباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمّد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني
مما تأكلون ، أطعمكم الله من موائد الجنة ، فوضع علي رضي
الله عنه ، اللقمة
من يده ، ثمّ قال :
فاطمة ذات المجد واليقين
|
|
يا بنت خير الناس أجمعين
|
أما تري ذا البائس المسكين
|
|
جاء إلى الباب له حنين
|
... فلمّا رآها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضمها إليه ، وقال :
واغوثاه ، فهبط جبريل عليه السلام ، وقال : يا محمّد ، خذ ضيافة أهل بيتك ، قال : وما
آخذ يا جبريل ، قال : ( ويطعمون الطعام على
حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً )
إلى قوله تعالى : ( وكان سعيكم مشكوراً ) .
موقف
الذين في قلوبهم مرض :
إنّ موقف الذين في قلوبهم مرض هو اتّباع
ما تشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، ومن هؤلاء :
١ ـ ابن تيمية الذي موقفه دائماً هو
مخالفة إجماع المسلمين ، والتكذيب بكلّ ما ورد بحقّ أهل البيت عليهمالسلام في القرآن الكريم ،
كآيات سورة الدهر التي أجمع
__________________
أصحاب التفسير على
أنّها نزلت فيهم عليهم السلام ، قال ابن تيمية : ( إنّ هذا الحديث من الكذب
الموضوع باتّفاق أهل المعرفة بالحديث ، الذين هم أئمّة هذا الشأن وحكّامه ، وقول
هؤلاء هو المعوّل في هذا الباب ، ولهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي
يرجع إليها في النقل ، لا في الصحاح ، ولا في المسانيد ، ولا في الجوامع ، ولا
السنن ، ولا رواه المصنّفون في الفضائل ، وإن كانوا قد يتسامحون في رواية أحاديث
ضعيفة. وإن الدلائل على كذب هذا كثيرة ، منها : أنّ علياً إنّما تزوج فاطمة
بالمدينة ، وسورة هل أتى مكّية باتّفاق أهل التفسير والنقل ، لم يقل أحد منهم
أنّها مدنية ) .
الجواب :
أوّلاً : بالنسبة لسبب النزول : فقد
أوردنا مصادر كافية من أقوال المفسّرين والمحدّثين مافيه الكفاية ، بل وصف بعضهم
الخبر في شأن نزولها بالشهرة.
ثانياً : وبالنسبة لمكان النزول ففي
تفسير البغوي ما نصّه : ( سورة الإنسان ، مدنية ، وآياتها إحدى وثلاثون ) ، بل هو
قول الجمهور كما قال الآلوسي والشوكاني.
لكن ابن تيمية كعادته يكذّب الخبر مهما
كانت شهرته بدون دليل علمي ، ومهما جيء له بدليل من صحاحهم ومسانيدهم لا يلتفت
لأحد ، ولا يقف عند حد!
٢ ـ ابن الجوزي أدرجه في ( الموضوعات ) موهماً
أن لا سند له ، وقال : وهذا الحديث لا يشك في وضعه.
الجواب :
__________________
لقد ذكرنا عدّة مصادر موثوقة من كتبهم
تصرّح بنزول الآيات من سورة الدهر في فاطمة وزوجها وابنيها لإطعامهم المسكين
واليتيم والأسير ، ولا يصح نقل الخبر بسند من أسانيده والطعن في أصل الخبر بسبب
ذلك السند ، وسبب الطعن في السند هو أنّ في السند شيعي ، وكلّ من تكلّم فيه فلكون
من في السند شيعي.
ولن يضر من حاول سلب أو تكذيب فضائل أهل
البيت عليهمالسلام
إلّا نفسه ؛ لأنّه قد صرّح حتّى أحمد بن حنبل إمام ابن تيمية ـ إذا كان امامه
حقّاً ـ بأنّه لم يكن لأحد من الصحابة ما للإمام علي عليهالسلام
من الفضل ، وأورد الكثير من فضائله.
الدليل السابع
عشر : حديث الطير
إنّ في حديث الطير دلالة عظيمة جاءت على
لسان أعظم خلق الله ، منها : أنّ أحبّ خلق الله من جاء وأكل معه من ذلك الطير ، والنبي
صلىاللهعليهوآله
جاء لهدف رسالي تشريعي ؛ لأنّه لا ينطق ولا يعمل إلّا لحكمة وهدف تبليغي وتعليمي
وتشريعي ، فهو ليس إنساناً عادياً يمدح إنساناً اليوم ويسبّه غداً لغرض شخصي ، فهو
لا يمدح مثل هذا المدح ، وخصوصاً أن يقول : فلان أحبّ الخلق إلى الله ورسوله.
هذا لفظ له وزن خاص عند من قال ومن سمع
وإلاّ لما اضطر أنس أن يردّ علياً مراراً.
ونترك التحليل بعد قراءة النص ، وليحلل
القاريء ما شاء ، فالنص غني عن أيّ غموض ، ويفهمه كلّ متدبّر منصف يهمّه معرفة
الحق واتباعه.
سنن الترمذي :
أخبرنا عبيدالله بن موسى عن عيسى بن عمر
عن السدي عن أنس بن مالك قال : كان عند النبي صلىاللهعليهوسلم
طير فقال : ( اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معى هذا الطير فجاء علي فأكل معه )
.
مجمع الزوائد :
عن أنس بن مالك قال : ( اُهدي لرسول
الله صلىاللهعليهوسلم
أطيار ، فقسّمها بين نسائه ، فأصاب كلّ امرأة منها ثلاثة ، فأصبح عند بعض نسائه
صفية
__________________
أو غيرها ، فأتته
بهن ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معى من هذا ، فقلت : اللهم اجعله
رجلاً من الأنصار ، فجاء علي رضى الله عنه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا أنس ، انظر من
على الباب؟ فنظرت فإذا علي ، فقلت : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
على حاجة ، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فقال : انظر من على الباب؟ فإذا علي حتّى فعل ذلك ثلاثاً فدخل يمشي وأنا خلفه ، فقال
النبي صلىاللهعليهوسلم
: من حبسك رحمك الله؟ فقال : هذا آخر ثلاث مرّات يردّني أنس ، يزعم أنّك على حاجة
، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ما حملك على ما صنعت؟ قلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك ، فأحببت أنّ يكون من
قومي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: إنّ الرجل قد يحبّ قومه ، إنّ الرجل قد يحبّ قومه ، قالها ثلاثاً ) .
وعن سفينة ، وكان خادماً لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : أهدي لرسول
الله صلىاللهعليهوآله
طوائر ، فصنعت له بعضها ، فلمّا أصبح أتيته به ، فقال : من أين لك هذا؟ فقلت : من
التي أتيت به أمس ، فقال : ألم أقل لك لا تدخرن لغد طعاماً ، لكل يوم رزقه ، ثم قال
: اللهم أدخل عليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فدخل علي رضي الله عنه
، فقال : اللهم وإليّ.
رواه البزار والطبراني باختصار ، ورجال
الطبراني رجال الصحيح ، غير فطر ابن خليفة ، وهو ثقة.
مناقب علي لأحمد بن حنبل :
عن سفينة خادم رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم ) الذي هو أحد رواة
هذا
__________________
الحديث يقول : ( أهدت
امرأة من الأنصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين ، فقدّمت إليه الطيرين ، فقال صلىاللهعليهوسلم : اللهم ائتني
بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، ورفع صوته ، فقال رسول الله : من هذا؟ فقال : علي ) .
مسند أبي يعلى :
حدّثنا قطن بن نسير ، حدّثنا جعفر بن
سليمان الضبعي ، حدّثنا عبد الله بن مثنى ، حدّثنا عبد الله بن أنس ، عن أنس قال :
( أهدي لرسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) حجل مشوي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام ، فقالت عائشة : اللهم
اجعله أبي ، وقالت حفصة : اللهم اجعله أبي ، قال أنس : فقلت أنا : اللهم اجعله سعد
بن عبادة ، قال أنس : سمعت حركة الباب ، فإذا علي ، فسلّم ، فقلت : إن رسول الله
على حاجة ، فانصرف ، ثمّ سمعت حركة الباب ، فسلّم علي ، فسمع رسول الله صوته ، أي
: رفع علي صوته ، فسمع رسول الله صوته ، فقال : انظر من هذا؟ فخرجت ، فإذا علي ، فجئت
إلى رسول الله فأخبرته ، فقال : ائذن له ، فأذنت له ) .
السنن الكبرى للنسائي :
( إنّ النبي ( صلىاللهعليهوسلم ) كان عنده طائر ، فقال
: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ
جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له ) .
__________________
محاولة فاشلة
أوّلاً
الطعن في الحديث :
١ ـ قد حاول بعضهم أن يمسّ بوثاقة أحد
رجال هذا السند ، وهو السدي.
والجواب
:
إنّ أحمد وغيره من كبار العلماء يقولون
في ترجمته : ( ثقة ). وابن عدي يقول : هو مستقيم الحديث صدوق ، بل إنّه من مشايخ
شعبة ، ومن رجال مسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة. وممن يعترف بهذا
المعنى هو ابن تيمية ، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الأسقام .
٢ ـ ردّ الحديث بدون دليل لأنّ قلوبهم
لا تقبله!!
ومن هؤلاء الذين قلوبهم لا تقبله ابن
كثير حيث يذكر في تاريخه حديث الطير ، ويرويه عن الترمذي ، وعن أبي يعلى ، وعن
الخطيب البغدادي ، وعن الذهبي ، وعن غيرهم ، إلى أنّ قال : وقد جمع الناس في هذا
الحديث مصنّفات مفردة ، منهم : أبو بكر بن مردويه ، والحافظ أبو طاهر محمّد بن
أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي يقول : ورأيت مجلداً في جمع
طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ ، ثمّ وقفت على مجلد
كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلّم.
ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث
قائلاً : وبالجملة ، ففي القلب من
__________________
صحّة هذا الحديث نظر
وإن كثرت طرقه.
يعني لم يجد مناقشة علمية لردّ الحديث
فرفضه قلبه ، كما أنّ قلب أبي جهل يساعد على قبول القرآن.
وكذا الذهبي الذي يقول في تلخيصه
للمستدرك في ذيل إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا
رسول الله ، فمحبّونا؟ قال : من ورائكم. قال : الحديث منكر من القول ، يشهد القلب
بوضعه.
فلم يناقشا في سند الحديث أو شيء علمي
آخر ، وإنّما شهد قلبهم بوضعه!
وعلى القارئ نقدهما وبكلّ بساطة.
ثانياً : محاولة صرفه عن
موضعه :
١ ـ لقد حملوا لفظ الحديث الذي يقول : (
اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ) ، على أنّ المراد اللهم ائتني بمن هو من
أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، فحينئذٍ لا إشكال ؛ لأن مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً
، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه .
الجواب :
أنّه خلاف ظاهر اللفظ ، إذ اللفظ صفة
أفعل بـ ( أحب ) وليس تبعيض بـ ( من ) ، وهذا كلام لا يقبله عاقل ، وإلاّ لتلاعب
كلّ إنسان بالنصوص على هواه.
٢ ـ قال صاحب التحفة الاثني عشرية : ( إنّ
القضية إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة ، فلذا لم يحضرا
فحضر علي ) .
__________________
الجواب :
كما في حديث النسائي : ( إنّه جاء أبو
بكر فردّه ، جاء عمر فردّه. وفي مسند أبي يعلي : أنّ حفصة وعائشة دعتا أن يكون
أحبّ الخلق إلى الله أباهما ، فلو كانا غائبين ما دعتا.
وحتّى لو فرضنا غيابهم فالرسول صلىاللهعليهوآله أطلق الصفة فجعله
أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ورسول الله صلىاللهعليهوآله
، ويعلم أنّهما غائبان لِمَ يستثنهما أو يؤجّل الدعاء حتّى يأتيا ، وهو يعلم
بأهمية كلامه ، وأنّه حجّة الله ، وأنّه يسجّل أقواله وأفعاله في التاريخ. إلى أنّ
هناك روايات كثيرة تكررت فيها عبارات فيها لفظ : ( أنّ علياً أحبّ الخلق عند الله
تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله
) ، منها :
ما رواه المسعودي في مروج الذهب عن كتاب
الأخبار لأبي الحسن علي بن محمّد بن سليمان النوفلي بإسناده عن العباس بن عبد
المطلب قال : ( كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب
فلمّا رآه أسفر في وجهه فقلت : يا رسول الله ، إنّك لتسفر في وجه هذا الغلام. فقال
: يا عم رسول الله ، والله لله أشدّ حبّا له منّي ، ولم يكن نبي إلّا وذريته
الباقية بعده من صلبه ، وإنّ ذريتي بعدي من صلب هذا ، إنّه إذا كان يوم القيامة
دعا الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلّا هذا وشيعته فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء
آبائهم لصحة ولادتهم ) .
ومنها قوله صلىاللهعليهوآله : ( ...لأعطين
الراية غدا رجلاً يحبه الله ورسوله ) وهذا الحديث وغيره سنبحثه فيما ياتي ان شاء
الله تعالى.
__________________
الدليل الثامن
عشر : حديث مدينة العلم
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( أنا مدينة
العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ).
إنّ هذا الحديث من الأحاديث الثابتة لدى
أرباب الحديث وأصحاب السير ، وقد تواتر نقله عن الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام
على اختلاف طبقاتهم وتوالي العصور والأزمنة.
نصّ ماجاء في المستدرك
للحاكم النيسابوري :
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( أنا
مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ). هذا حديث صحيح الإسناد
ولم يخرجاه ...
المعجم الكبير للطبراني :
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنا مدينة العلم
وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ) .
روح المعاني للآلوسي :
يسمّي علياً عليه السلام بباب مدينة
العلم .
__________________
صحّة السند :
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ عن صحيح
الحافظ السمرقندي ، ثمّ قال : هذا الحديث صحيح.
وقال مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروز
آبادي في كتابه ( النقد الصحيح ) قال : ( ولم يأت من تكلّم على حديث أنا مدينة
العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين ، والحكم بالوضع عليه باطل
قطعاً ، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن أنّ يكون موضوعاً ).
والسيوطي ذكره في ( الجامع الصغير وفي
غير واحد من تآليفه ، وحسّنه في كثير منها ، ثمّ حكم بصحته في جمع الجوامع فقال :
( كنت أجيب بهذا حسن الحديث ـ يعني حسن الحديث ـ دهراً إلى أن وقفت على صحيح ابن
جرير ، فجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة والله أعلم ).
والقندوزي ذكره بطرق كثيرة ، نقلاً عن
جمع من الحفاظ والأعلام تنتهي إسنادهم إلى أمير المؤمنين ، وابن عباس ، وجابر بن
عبد الله ، وحذيفة بن اليمان ، والحسن بن علي ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وعبد
الله بن عمر.
والمولوي حسن الزمان ذكره في القول
المستحسن في فخر الحسن ، وعدّه من المشهور الصحيح وقال : ( صححه جماعات من الأئمة
، وعدّ منهم : ابن معين ، والخطيب ، وابن جرير ، والحاكم ، والفيروز آبادي في
النقد الصحيح ) .
__________________
أحاديث
أخرى تؤيّد صحة هذا الحديث :
قوله صلىاللهعليهوآله
: ( أنا دار الحكمة وعلي بابها ) .
و( أنا دار العلم وعلي بابها ) .
و( أنا ميزان العلم وعلي كفتاه ). و( أنا ميزان الحكمة وعلي لسانه ). و( أنا
المدينة وأنت الباب ، ولا يؤتى المدينة إلّا من بابها ). و( أنا مدينة الفقه وعلي
بابها ). و( ما علمت شيئاً إلّا علمته علياً فهو باب مدينة علمي ). و( علي باب
علمي ، ومبيّن لأمتّي ، ما أرسلت به من بعدي ). و( أنت باب علمي ). و( يا أم سلمة
، اشهدي واسمعي هذا علي أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وعيبة علمي ، وبأبي الذي
أوتى منه ) .
وفي فيض القدير : ( علي عيبة علمي ). أي
: ( مظنة استفصاحي وخاصّتي ، وموضع سرّي ، ومعدن نفائسي ، والعيبة ما يحرز الرجل
فيه نفائسه قال ابن دريد : وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في
إرادة اختصاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره ، وذلك غاية في مدح علي
، وقد
__________________
كانت ضمائر أعدائه
منطوية على اعتقاد تعظيمه ) .
وفي كنز العمال عن علي عليهالسلام قال : ( علمني رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب ) .
وفيه عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال
: ( إن علياً خطب الناس ، فقال : يا أيها الناس ما هذه المقالة السيئة التي تبلغني
عنكم؟ والله لتقتلن طلحة والزبير ولتفتحن البصرة ، ولتأتينكم مادة من الكوفة ستة
آلاف وخمسمائة وستين أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين ، قال ابن عباس : فقلت : الحرب
خدعة ، قال : فخرجت فأقبلت أسأل الناس : كم أنتم؟ فقالوا : كما قال ، فقلت : هذا
مما أسره إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، إنّه علّمه ألف كلمة ، كلّ كلمة تفتح ألف ألف كلمة ) .
وفي تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير
قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل
عمران على العالمين )
قال : ( قال علي عليه السلام : علّمني رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ألف
باب من العلم ، واستنبطت من كلّ باب ألف باب ) ثمّ قال : ( فإذا كان حال المولى هكذا
فكيف حال النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ).
وفي ترجمة الإمام علي عليهالسلام من تاريخ مدينة
دمشق أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال في مرضه : ( ادعوا لي أخي ، فدعي له علي بن أبي طالب ، فستره بثوب وانكب عليه
،
__________________
فلمّا خرج من عنده
قيل له : ما قال النبي لك؟ قال : ( علّمني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب ).
وفي الاستيعاب وغيره عن ابن عباس قال :
( والله لقد أعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد
شارككم في العشر العاشر ) .
أحاديث
مجعولة ومحرّفة :
١ ـ جعل البعض حديثاً في مقابل حديث
مدينة العلم المشهور الذي لا يحتاج إلى تعريف فهو كالنار على علم ، لكن من في قلبه
مرض لا يسلّم ويلجأ لأيّ وسيلةٍ لتضعيف ماجاء في أهل البيت عليهمالسلام أو وضع ما يقابلها
لسواهم ولو كان جعلاً مفضوحاً كما عن ابن حجر فإنّه بعد أن منع صحّة الحديث قال :
( وعلى تسليم صحّته أو حسنه فأبو بكر محرابها ) ، ولم يعلم أنّ المدينة لا ينسب
إليها المحراب ، وإنّما ينسب إلى المسجد.
ثمّ قال : ( ورواية فمن أراد العلم
فليأت الباب لا تقتضي الأعلمية ، فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة
الإيضاح والبيان والتفرّغ للناس بخلاف الأعلم ، على أنّ تلك الرواية معارضة بخبر
الفردوس : أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي
بابها ، فهذه صريحة في أنّ أبا بكر أعلمهم ، وحينئذٍ فالأمر بقصد الباب إنّما هو
لنحو ما قلناه لا لزيادة
__________________
شرفه على ما قلته ، لما
هو معلوم ضرورة أنّ كّلاً من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب ).
الجواب :
أ ـ قد بيّنا نصوص العلماء على صحّة
حديث : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ). وأنّها لم تذكر أحداً غيره عليهالسلام ، وأنّ الحديث قد
ورد بطرق كثيرة عن كثير من الصحابة ولم يذكروا فيها أبا بكر ولا غيره ، فقد أخرجه
الحاكم في المستدرك وصححه ، والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب والعقيلي
وابن عدي وابن حيان وغيرهم كثير .
وأمّا ما ذكره من رواية الفردوس فلا
يختلف اثنان في ضعفها ، وابن حجر نفسه من أولئك الذين زيّفوه ، وحكموا عليه بالضعف
، كما في كتابه الفتاوى الحديثية ، فقال : حديث ضعيف ، ومعاوية حلقتها فهو ضعيف
أيضاً.
وقال العجلوني : روى الديلمي في ( الفردوس
) بلا إسناد عن ابن مسعود : أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان
سقفها ، وعلي بابها ). وروى أيضاً عن أنس مرفوعاً : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، ومعاوية
حلقتها.
قال في المقاصد : وبالجملة فكلّها ضعيفة
، وألفاظ أكثرها ركيكة.
وقال السيّد محمّد درويش الحوت : أنا
مدينة العلم ، أبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها. وذلك لا ينبغي ذكره في كتب العلم ، لا
سيما مثل ابن حجر الهيتمي
__________________
ذكر ذلك في الصواعق
والزواجر ، وهو غير جيّد من مثله .
ب ـ ولا يخفى أنّ الحيطان حاجبة ، والمدينة
لا سقف لها ، والأساس هو الأصل ، فيكون علم أبي بكر أقوى وأثبت من علم النبي صلىاللهعليهوآله.
ت ـ قول صاحب ( الوشيعة ) : ( كان عمر
أفقه الصحابة وأعلم الصحابة في زمنه على الإطلاق ، وإنّما كان أعرف الفقهاء بمواقع
السنن والقرآن الكريم ، وكان مدّة عمره في جميع أموره يعمل بالكتاب والسنة ، وكان
يعرف مواقع السنن ، ويفهم معاني الكتاب ).
والجواب :
إنّ لعمر أقوالاً كثيرة ، منها : لولا
علي لهلك عمر.
وقوله : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها
أبو الحسن.
وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى
ربّات الحجال .
ث ـ أمّا ابن تيمية فلا عجب من تضعيفه
أو تكذيبه لشيء مما جاء في أهل بيت النبوّة عليهمالسلام
لأنّ هذا هو منهاجه المعروف ، فقد قال كما هي عادته : ( وحديث أنا مدينة العلم
وعلي بابها أضعف وأوهى ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات ) .
والجواب :
أنّ هذا الحديث من رواته : يحيى بن معين
، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والبزار وابن جرير الطبري ، والطبراني ، والحاكم ، وابن
مردويه ، وأبو نعيم ،
__________________
والبيهقي ، وابن
الأثير ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي ، وابن حجر المكي ، والمناوي ، وغيرهم ، وقد
صححه غير واحد من هؤلاء الأئمة.
هناك حديث ينسبونه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ( ما صب
الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر ).
والجواب :
أ ـ إنّ آثار الاختلاق على هذا الحديث
ظاهرة ؛ لأنّ مفاده المساواة بين رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأبي بكر في جميع العلوم ، وهذا مما يقطع ببطلانه كلّ مسلم.
ب ـ تصريح العلماء ببطلانه ووضعه ، كابن
الجوزي ، والطيّبي ، وابن قيم الجوزية ، والفيروزآبادي ، والشوكاني ، وغيرهم ، قال
القاري نقلاً عن ابن القيم : ( ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضل الصدّيق
حديث : إنّ الله يتجلّى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة. وحديث : ما صبّ
الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر. وحديث : كان إذا اشتاق إلى الجنّة
قبّل شيبة أبي بكر ).
وعدّه الفيروزآبادي في خاتمة ( سفر
السعادة ) من أشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر.
ج ـ شهد هو بجهله عندما سئل عن قوله
تعالى : ( وفاكهة وأباً ) فقال : أيّ سماء تظلّني؟ أو أي أرض
تقلّني؟ إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟
قال الحافظ النووي في كتاب تهذيب
الأسماء واللغات حيث يترجم لعلي عليهالسلام
: ( ... ونقلوا عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أنّ أقضى المدينة علي.
قال ابن المسيب : ما كان أحد يقول : سلوني
غير علي.
وقال ابن عباس : أعطي علي تسعة أعشار
العلم ، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي.
قال ابن عباس : وإذا ثبت لنا الشيء عن
علي لم نعدل إلى غيره.
ثمّ يقول النووي : وسؤال كبار الصحابة
ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات ، مشهور ) .
وقول ابن حزم : ( ووجدناهم ـ أي : الصحابة
ـ يقرّون ويعترفون بأنّهم لم يبلغهم كثير من السنن ، وهكذا الحديث المشهور عن أبي
هريرة يقول : إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإنّ إخواني من
الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم ، وعلي ما شغله الصفق في الأسواق ، ولم
يشغله القيام بأمواله ، وإنّما لازم رسول الله ليلاً ونهاراً.
ويقول ابن حزم أيضاً : وهذا أبو بكر لم
يعرف فرض ميراث الجدّة ، وعرّفه محمّد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة ، وهذا أبو بكر
سأل عائشة في كم كفن كفّن رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
)؟
ثمّ يقول : وهذا عمر يقول في حديث
الاستئذان : خفي عليّ ، ألهاني الصفق في الأسواق ، وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة
وعرّفه غيره ، وغضب على عيينة ابن حصن حتّى ذكره الحر بن قيس ، وخفي عليه أمر رسول
الله بإجلاء اليهود ، وخفي على أبي بكر قبله ، وخفي على عمر أمره بترك الإقدام على
الوباء وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف ، وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به
رسول الله في صلاتي الفطر والأضحى ، هذا وقد صلاّهما رسول الله أعواماً كثيرة.
__________________
عجيب : صلّى رسول الله الفطر والأضحى
أعواماً كثيرة ، وعمر جهل أنّ رسول الله أيّ سورة كان يقرأ في هاتين الصلاتين ، وسأل
أبا واقد الليثي!!
ثمّ يقول ابن حزم : ولم يدر [ أي : عمر
] ما يصنع بالمجوس حتّى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول الله ، ونسي قبوله الجزية من
مجوس البحرين وهو أمر مشهور ، ولعله قد أخذ من ذلك المال حظّاً كما أخذ غيره ، ونسي
أمره بتيمم الجنب فقال : لا يتيمم أبداً ، ولا يصلّي ما لم يجد الماء ، وذكّره
بذلك عمار ، وأراد قسمة مال الكعبة حتّى ذكّره بعض الصحابة.
ثمّ ينتقل ابن حزم إلى عثمان وغيره
فيقول : وهذا عثمان .. ، وهذه عائشة .. ، وهذه حفصة .. ، وهذا ابن عمر .. ، وهذا
زيد بن ثابت .. ، وليس ولا مورداً واحداً يذكره كشاهد على جهل علي بمسألة فيكون
محتاجاً إلى غيره ليسأله عن تلك المسألة ) .
ونختم هذا المطاف بكلام مولانا أمير
المؤمنين علي عليهالسلام
، وهو يذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة.
( قد علمتم موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآله بالقرابة القريبة ،
والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه
، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ، ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة
بقول ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلىاللهعليهوآله
من لدن أنّ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق
العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كلّ يوم
من أخلاقه علماً ،
__________________
ويأمرني بالاقتداء
به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد
يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ
ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه ، فقلت : يا رسول الله ،
ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان أيس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى
إلّا أنّك لست بنبي ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير ) .
__________________
الدليل التاسع
عشر : وجوب طاعة أولي الأمر
قال الله تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُم )
.
إنّ هذا هو الأمر إلهي للمؤمنين بطاعة
أولي الأمر ، ولكن ليس كما يزعم البعض أنّ أولي الأمر هم كلّ من تسلّطوا على رقاب
الناس ولو بالسيف ، فإنّ أولي الأمر لابدّ أن يكونوا معصومين وإلاّ كيف تقرن
طاعتهم بطاعة الله ورسوله بدون استثناء ولا قيد؟! وهذا ما سنبحثه هنا ان شاء الله
تعالى ولنبدأ بذكر المصادر ، ثمّ نشخّص من هم مصاديق الآية الشريفة.
شواهد التنزيل :
عن علي قال : قال رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) : ( شركائي
الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم : ( يا أيّها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول )
الآية ، فإنّ خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول وأولي الأمر ، قلت : يا
نبي الله ، من هم؟ قال : أنت أولهم ).
عن مجاهد في قوله تعالى : ( يا أيـّها
الذين آمنوا )
يعني : صدّقوا بالتوحيد ، ( أطيعوا الله ) يعني : في فرائضه ، ( وأطيعوا
الرسول )
يعني : في سنته ، ( وأولي الأمر منكم ) قال : ( نزلت في أمير المؤمنين حين
خلّفه رسول الله
__________________
بالمدينة ، فقال : أتخلّفني
على النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال
له : اخلفني في قومي وأصلح. فقال الله : ( وأولي الأمر منكم ) قال : علي بن أبي طالب ولاّه الله
الأمر بعد محمّد في حياته حين خلّفه رسول الله بالمدينة ، فأمر الله العباد بطاعته
وترك خلافه ).
عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ، أنّه سأله
عن قول الله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولى الأمر منكم )
قال : نزلت في علي بن أبى طالب. قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أنّ يسمّي
علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إنّ الله أنزل على رسوله
الصلاة ولم يسم ثلاثاً ولا أربعاً حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل
الحج فلم ينزل طوفوا سبعاً حتّى فسّر ذلك لهم رسول الله. وأنزل : ( أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي إنّي سألت الله أنّ لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما
عليّ الحوض فأعطاني ذلك ).
عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن
أبيه قال : ( لما نزل رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) الجرف لحقه علي بن أبي طالب يحمل سلاحاً ، فقال : يا رسول الله ، خلفتني عنك ولم
أتخلّف عن غزوة قبلها ، وقد أرجف المنافقون بى إنّك خلّفتني لما استثقلتني!! قال
سعد : فسمعت رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) يقول : يا علي ، أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي
بعدي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ) .
__________________
مناقب
علي بن أبي طالب لابن مردويه :
عن عبد الغفار بن القاسم قال : سألت
جعفر بن محمّد عن أولي الأمر في هذه الآية؟ فقال : ( كان والله علي منهم ) .
من
هم أُولو الأمر المعنيّون في الآية الشريفة؟
آراء
المفسرين في ذلك :
١ ـ رأي الشيعة أنّ أولي الأمر هم أهل
البيت عليهمالسلام
لما جاء من الآيات والروايات التي تبيّن عصمتهم ووجوب اتّباعهم وكذلك ماورد من
النصوص في خصوص الآية بأهل البيت عليهمالسلام.
٢ ـ قال عليهالسلام
بعض : قال إنّ أولي الأمر هم الحكّام ولو أهل الجور والبغي.
٣ ـ قال بعض : أهل الحل والعقد.
٤ ـ قال بعض : الخلفاء.
٥ ـ قال بعض : علماء الدين.
وقد لخصّ الرازي هذه الآراء بقوله : ( الآراء
المأثورة عن علماء التفسير في أولي الأمر ، وهي أربعة :
الخلفاء الراشدون.
أمراء السرايا ، وهم قوّاد العسكر ، خاصة
عند عدم خروج الإمام على رأس العسكر.
علماء الدين الذين يفتون ويعلّمون الناس
دينهم.
__________________
الأئمة المعصومون ( أئمة أهل البيت عليهمالسلام ).
ويذهب الرازي إلى أنّ حمل أولو الأمر
على الأمراء والسلاطين أولى.
ونحن قد بيّنا في عدة مواضع أنّ أولي
الأمر الذين هم ثقل القرآن ، وسفينة النجاة ، وأمناء أهل الأرض ، وغير ذلك مما ورد
في الأحاديث الصحيحة لابدّ وأن يكونوا لا يختلفون فيما بينهم ؛ لأنّهم القدوة ، ولا
يتقاتلون ولا يتنافسون ؛ لأنّ الناس سينقسمون بين فريقين ، وخصوصاً فيمن يقتتلان ،
كما حصل في الجمل وصفين وكربلاء وغيرها من المعارك المشهورة بين فرقتين مسلمتين ، فهذا
يدل على أنّ الشهادتين لابدّ معها من ولاية أهل الحقّ ومعرفتهم والانقياد تحت رايتهم
لنصرة المظلوم وإعانته على من أخذ حقّه أو ظلمه ، ولا يمكن أن يكون يحمل السلاح
بعضهم على الآخر وكلاهم على الحق ؛ لأنّ فيه قتل النفس المحرمة.
إذن فلا يمكن أن يشمل سائر الخلفاء
لدلالة الآية على صحة أولي الأمر ، وهؤلاء ليسوا كذلك بالضرورة والإجماع ، فيتعيّن
أن يراد بأولي الأمر عليّ وأبناؤه الأطهار.
الدليل
العشرون : المؤاخاة
جاء في كتب السير والأخبار عن المؤاخاة
ما ملّخصه : ان المؤاخاة الأولى كانت في مكّة قبل الهجرة حيث آخى رسول الله صلىاللهعليهوآله بين المهاجرين
خاصّة ، والمؤاخاة الثانيةكانت في المدينة بعد الهجرة ، حيث آخى بين المهاجرين
والأنصار ، وفي كلتا المرّتين يصطفى لنفسه منهم علياً ، فيتّخذه من دونهم أخاه
تفضيلاً له على من سواه ، فيالها من مفخرة وفضيلة ، وما يلي نذكر بعضاً من تلك
الأخبار.
نصّ ماجاء في فرائد السمطين
:
( عن ابن عمر قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله آخى بين أصحابه ، فآخى
بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، فقال
علي : يا رسول الله ، إنّك قد آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ فقال رسول الله صلّى الله
عليه وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة ) .
وفي السيرة النبوية :
( آخى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أصحابه
من المهاجرين والأنصار فقال : تواخوا في الله أخوين ، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب
فقال : هذا أخي. فكان رسول الله وعلي أخوين ) .
__________________
مناقب علي لأحمد بن حنبل :
فقال علي : ( يا رسول الله ، لقد ذهب
روحي ، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإنّ كان هذا من سخط
عليّ فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير
أنّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، فقال : وما أرث منك؟ قال : ما ورث الأنبياء
من قبلي ، كتاب ربّهم وسنة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت
أخي ورفيقي ، ثمّ تلا صلّى الله عليه وآله ( إخواناً على سرر
متقابلين )
.
وعن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب
قالا : ( إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
آخى بين أصحابه فبقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وأبو بكر وعمر وعلي ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وقال لعلي : أنت أخي وأنا أخوك ، فإنّ
ناكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب ).
وفي رواية أُخرى فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّما تركتك
لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك فإنّ حاجّك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا
يدّعيها بعدك إلّا كذّاب ) .
البداية والنهاية لابن كثير
:
__________________
( وآخى رسول الله بين أصحابه من
المهاجرين والأنصار ، فقال : فيما بلغنا ونعوذ بالله أنّ نقول عليه ما لم يقل
تآخوا في الله أخوين أخوين ، ثمّ أخذ بيد علي ابن أبي طالب فقال : هذا أخي. فكان
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من
العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين ) .
أحاديث
أُخرى في أخوّة علي والرسول عليهما السلام :
عن أمير المؤمنين قال : قال له رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
: ( أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنّة ).
وعن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال صلىاللهعليهوسلم لعلي رضي الله عنه
: ( أنت أخي وصاحبي ).
وقال ابن عباس في حديث احتجاجه على
الرجل الشامي وهو حديث طويل ، ومنه قال رسول الله : ( يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟!
قالت : نعم ، هذا علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: نعم ، هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا
أنّه لا نبي بعدي ، يا أم سلمة ، هذا علي سيّد مبجل ، ومأمل المسلمين ، وأمير
المؤمنين ، وموضع سرّي وعلمي ، وبابي الذي يؤوى إليه ، وهو الوصي على أهل بيتي
وعلى الأخيار من أمتي ، وهو أخي في الدنيا والآخرة.
وقد مرّ قوله صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام في حديث الدار : ( أنت
أخي ووصيي
__________________
وخليفتي من بعدي ).
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( مكتوب على باب الجنة : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي أخو رسول
الله قبل أنّ تخلق السماوات والأرض بألفي عام ).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : طلبني النبي صلىاللهعليهوسلم فوجدني في حائط
نائماً فضربني برجله وقال : ( قم فوالله لأرضينك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على
سنتي ).
وفي مناقب أحمد قال : ( ... ثمّ ينادي
منادي من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي ).
وأخرج أبو يعلى في مسنده بإسناده عن علي
عليه السلام قال : طلبني رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فوجدني في جدول نائماً فقال : ( قم ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب ، فرآني كأنّي
وجدت في نفسي من ذلك ، فقال : قم والله لأرضينك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل عن
سنتي ، وتبريء عن ذمتّي ، من مات في عهدي فهو كنز الله ، ومن مات في عهدك فقد قضى
نحبه ، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن
مات يبغضك مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الإسلام ).
وأخرج ابن عساكر بإسناده عن سماك بن حرب
قال : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم علي بن أبي طالب.
قال : وما عسيت أنّ تشتمه به؟ قال : أكنيه بأبي تراب ، قال : فوالله ما كانت لعلي
كنية أحبّ إليه من أبي تراب ، إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم
آخى بين الناس ولم يواخ بينه وبين أحد فخرج مغضباً حتّى أتى كثيباً من رمل فنام
عليه فأتاه النبي فقال : ( قم يا أبا
تراب ، أغضبت أنّ
آخيت بين الناس ولم أؤاخ بينك وبين أحد؟ قال : نعم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنت أخي وأنا
أخوك ).
وهناك صحيحة أخرجها في مسلم والبخاري في
موضعين في باب مناقب أمير المؤمنين ، كتاب الصلاة في باب نوم الرجل في المسجد قلت
لسهل بن سعد : إنّ بعض أمراء المدينة يريد أنّ يبعث إليك تسبّ علياً فوق المنبر ، قال
: أقول ماذا؟ قال : تقول : لعن الله أبا تراب ، قال : والله ما سماه بذلك إلّا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قال : قلت : وكيف ذاك يا أبا العباس؟ قال : دخل علي على فاطمة ، ثمّ خرج من عندها
فاضطجع في فئ المسجد ، قال : ثمّ دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم
على فاطمة فقال لها : أين ابن عمك؟ فقالت : هو ذاك مضطجع في المسجد ، قال : فجاءه
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فوجده قد سقط رداؤه على ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول
: اجلس أبا تراب ، فوالله ما سماه به إلّا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، ووالله ما كان له اسم أحبّ إليه منه ).
وفي لفظ البيهقي : ( استعمل على المدينة
رجل من آل مروان فدعا سهل بن سعد فأمره أنّ يشتم علياً رضي الله عنه قال : فأبى
سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب ، فقال سهل : ما كان لعلي
رضي الله عنه اسم أحبّ إليه من أبي تراب ، وإن كان ليفرح إذا دعي بها ، فقال له :
( أخبرنا ) عن قصّته لم سمي أبا تراب؟ الحديث.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : كان
بنو أمية تنقص علياً عليه السلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويلعنوه على
المنبر بعد
الخطبة مدّة ولايتهم
، وكانوا يستهزؤون به ، وإنّما استهزؤوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى : ( قل أبالله
وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) الآية.
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة : والذي
ذكره الحاكم صحيح ، فإنّهم ما كانوا يتحاشون من ذلك بدليل ما روى مسلم عن سعد بن
أبي وقاص : أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أنّ تسب أبا تراب؟
فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فلن أسبّه لأن تكون لى واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول له خلّفه في
بعض مغازيه ، فقال له علي : يارسول الله ، خلّفتني مع النساء والصبيان ، فقال له
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية
رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا
لي علياً فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ولما
نزلت هذه الآية ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم علياً وفاطمة
وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء اهلي ...
من
موبقات معاوية :
ومن سنة معاوية الذي كان يأمر بلعن أهل
بيت النبوّة من على المنابر ، ويعمل جاهداً للتزوير والدس ضدّهم ، وتحريف فضائلهم
إلى غيرهم كما جاء في الروايات : أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم
ليروي أنّ قوله
تعالى : ( ومن الناس
من يشري نفس ابتغاء مرضات الله ).
نزلت في ابن ملجم. وقوله تعالى : ( ومن الناس من يعجبك
قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) ، نزلت في علي أمير المؤمنين ، فلم
يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم ، فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل.
وأخرج الطبري من طريق عمر بن شبة قال :
( مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له ، فأقرّ سمرة على البصرة ثمانية عشر
شهراً. قال عمر : وبلغني عن جعفر الضبعي قال : أقرّ معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر
، ثمّ عزله ، فقال سمرة : لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية
ما عذّبني أبداً.
وروي : أنّ معاوية أراد أنّ يلعن علياً
على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقيل له : إنّ ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه.
فأرسل إليه فذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لأخرجن من المسجد ، ثمّ لا أعود إليه.
فأمسك معاوية عن لعنه حتّى مات سعد ، فلمّا مات لعنه على المنبر وكتب إلى عمّاله :
أنّ يلعنوه على المنابر ، ففعلوا فكتبت أم سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوآله إلى معاوية : إنّكم
تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك إنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا
أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله. فلم يلتفت إلى كلامها.
وقال الجاحظ في كتاب الرد على الإمامية
: إنّ معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللهم إنّ أبا تراب الحد في دينك ، وصدّ عن
سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذبه عذاباً أليماً ، وكتب ذلك إلى الآفاق فكانت
هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز ، وإنّ قوماً من بني
أمية قالوا لمعاوية : يا أمير
المؤمنين إنّك قد
بلغت ما أملت ، فلو كففت عن هذا الرجل ، فقال : لا والله حتّى يربو عليه الصغير
ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكرله ذاكر فضلاً.
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار : إنّه
كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه
لهم معاوية من ذلك.
وما فعله معاوية ليس بجديد على أمير
المؤمنين فقد أخبر به في نهج البلاغة بقوله : ( أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب
البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا
وإنّه سيأمركم بسبّي والبرائة منّي ).
وفي ذلك يقول العلاّمة الشيخ أحمد
الحفظي الشافعي في أرجوزته :
وقد حكى الشيخ السيوطي إنّه
|
|
قد كان فيما جعلوه سنّة
|
سبعون ألف منبر وعشرة
|
|
من فوقهن يلعنون حيدره
|
وهذه في جنبها العظائم
|
|
تصغر ، بل توجّه اللوائم
|
فهل ترى من سنّها يعادي
|
|
أم لا وهل يستر أو يهادي؟
|
أو عالم يقول : عنه نسكت؟
|
|
أجب فإنّي للجواب منصت
|
وليت شعري هل يقال : اجتهدا
|
|
كقولهم في بغيه أم ألحدا؟
|
أليس ذا يؤذيه أم لا؟ فاسمعن
|
|
إنّ الذي يؤذيه من ومن ومن؟
|
بل جاء في حديث أم سلمة
|
|
هل فيكم الله يسبّ مه لمه؟
|
عاون أخا العرفان بالجواب
|
|
وعاد من عادى أبا تراب
|
ومن موبقات معاوية قتله لعظماء الصحابة
، كما روى ابن سعد في طبقاته
بسنده عن أم سلمة
قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : تقتل عماراً الفئة الباغية ، قال عوف ( راوي الحديث ) : ولا أحسبه إلّا قال
: وقاتله في النار.
ونقل ابن سعد أيضاً قول الإمام علي عليهالسلام حين قتل عمار : إنّ
امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر ، وتدخل به عليه المصيبة الموجعة لغير
رشيد ، رحم الله عماراً يوم أسلم ، ورحم الله عماراً يوم قتل ، ورحم الله عماراً
يوم يبعث حياً ، لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أربعة إلّا كان
عمار رابعاً ، ولا خمسة إلّا كان خامساً وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشك أنّ عماراً قد
وجبت له الجنّة في غير موطن ولا اثنين ، فهنيئاً لعمار بالجنّة ، ولقد قيل : إنّ
عماراً مع الحق ، والحق معه ، يدور عمّار مع الحق أينما دار ، وقاتل عمّار في
النار.
وعن جابر عن ابي الزبير قال : أتى حذيفة
بن اليمان رهط من جهينة فقالوا : يا أبا عبد الله ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، استجار من أنّ
تصطلم أمته فأجير من ذلك ، واستجار من أنّ يذوق بعضها بأس بعض فمنع من ذلك. قال
حذيفة : إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يقول : إنّ ابن سمية لم يخيّر بين أمرين قط إلّا اختار أرشدها ـ يعني عماراً ـ فالزموا
سمته.
وأخرج ابن الأثير بسنده عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: أبشر يا عمار ، تقتلك الفئة الباغية.
وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن عمرو
بن ميمون قال : أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار ، قال : فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمرّ به
ويمر يده على رأسه
فيقول : يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار ، كما كنت على إبراهيم ، تقتلك الفئة
الباغية.
وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن هنى
مولى عمر بن الخطاب قال : كنت أوّل شيء مع معاوية على علي ، فكان أصحاب معاوية
يقولون : لا والله لا نقتل عماراً أبداً إن قتلناه فنحن كما يقولون [ أي : الفئة
الباغية ] ، فلمّا كان يوم صفين ذهبت أنظر في القتلى ، فإذا عمار بن ياسر مقتول ، فقال
هني : فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره ، فقلت : أبا عبد الله ، قال : ما
تشاء ، قلت : انظر أكلّمك ، فقام إليّ ، فقلت : عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: تقتلك الفئة الباغية ، فقلت هوذا والله مقتول ، فقال : هذا باطل ، فقلت : بصر
عيني به مقتول ، قال : فانطلق فأرنيه ، فذهبت به فأوقفته عليه ، فساعة رآه امتقع
لونه ، ثمّ أعرض في شق ، وقال : إنّما قتله الذي خرج به .
نعم ، إنّ من مشى على سنّة معاوية سيأتي
يوماً يتمنى فيه أنّه بعرة تدوسها
__________________
الأقدام وتشيلها
الرياح ، كما تمنّى عمرو بن العاص أنّه بعرة أو أنّه مات قبل صفين ، كما في
الروايات أنّه لما حضرته الوفاة قال لابنه : لود أبوك أنّه كان مات في غزاة ذات
السلاسل ، إنّي قد دخلت في أمور لا أدري ما حجّتي عند الله فيها.
ثمّ نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا
ليته كان بعراً ، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه
وأفسدت ديني ، آثرت دنياي وتركت آخرتي ، عمي علي رشدي حتّى حضرني أجلي ، كأنّي
بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي.
وقال ابن عبد البر : دخل ابن عباس على
عمرو بن العاص في مرضه فسلّم عليه وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال : أصبحت
وقد أصلحت من دنياي قليلاً ، وأفسدت من ديني كثيراً ، فلو كان الذي أصلحت هو الذي
أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ، ولو كان ينفعني أنّ أطلب طلبت ، ولو كان
ينجيني أنّ أهرب هربت ، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض ، لا أرقى بيدين ولا أهبط
برجلين.
وقال عبد الرحمن بن شماسة : لما حضرت
عمرو بن العاص الوفاة بكى ، فقال له ابنه عبد الله : لم تبكي؟ أجزعاً من الموت؟
قال : لا والله ولكن لما بعده ، فقال له : قد كنت على خير. فجعل يذكره صحبة رسول
الله صلّى الله عليه وآله وفتوحه الشام ، فقال له عمرو : تركت أفضل من ذلك : شهادة
أنّ لا إله إلّا الله ، إنّي كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبق إلّا عرفت نفسي فيه
، كنت أوّل شيء كافراً فكنت أشد الناس على رسول الله صلّى الله عليه وآله فلو متّ
يومئذٍ وجبت لي النار ، فلمّا بايعت رسول الله صلّى الله عليه وآله كنت أشدّ الناس
حياء منه فما ملأت عيني من رسول الله صلّى الله عليه وآله حياء منه ، فلو متّ
يومئذٍ قال
الناس : هنيئاً
لعمرو أسلم وكان على خير ، ومات على خير أحواله فترجى له الجنّة.
ثمّ بليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا
أدري أعليّ أم لي؟ فإذا متّ فلا تبكين عليّ باكية ، ولا يتبعني مادح ولا نار ، وشدوا
علي إزاري فإنّي مخاصم ، وشنّوا علي التراب فإنّ جنبي الأيمن ليس بأحقّ بالتراب من
جنبي الأيسر .
نعم ، هذا هو من يسمّوه الداهية ؛ لأنّه
مكر على إمام زمانه ، فكانت عاقبته أنّه تمنى لو أنّه بعرة ؛ وذلك من خوف الورود
على الحوض عندما يُسأل ما خلّف رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الثقل الثاني؟ فيقول : يا ليتني كنت تراباً : ( إنَّا
أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ
يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا ) .
وهذا هو معاوية الصحابي الذي يعدّه
البعض خليفة المسلمين ، ولا يجوز ذكره بسوء ، بل إنّه اجتهد وأخطاء فله أجر !! يعني : من لعن وأمر بلعن من
__________________
أوجب الله مودّتهم فله
أجر!! يعني : من قاد معركة صفين ، وقتل الصحابة فله أجر ، ومن قتل محمّد بن أبي
بكر ( رض ) وحجر بن عدي ( رض ) فله أجر ، بل من قتل فلذة كبد الزهراء عليهاالسلام ، وبضعة الرسول صلىاللهعليهوآله ، وقرة عينه الإمام
الحسن عليهالسلام
بالسم فله أجر.
نعم ، قتل الإمام الحسن عليهالسلام الذي قال فيه رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وفي أخيه الحسين : ( الحسنان إمامان قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما ).
وقال : ( من أحبّ الحسن والحسين فقد
أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للحسن
والحسين : ( من أحبّهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله
جنّات النعيم ، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن
أبغضه الله أدخله عذاب جهنم ، وله عذاب مقيم ).
ومن موبقاته تولية يزيد الفاسق السكّير
على رقاب المسلمين ، الذي قتل الحسين بن علي عليهما السلام ، وأحدث واقعة الحرة ، وغير
ذلك من الموبقات. فعن خالد بن عرفطة قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( إنّكم ستبتلون في
__________________
أهل بيتي من بعدي ).
وفي المعجم الكبير في حديث أم الفضل
قالت : ( بينا أنا قاعدة عند رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو مريض فبكيت ، فقال : ما يبكيك؟ فقلت : أخشى عليك ، فلا ندري ما نلقى بعدك من
الناس ، قال : أنتم المستضعفون بعدي ).
وقال صلىاللهعليهوآله
: ( الحسنان إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما ).
قال الفخر الرازي : وقول الرسول صلّى
الله عليه وآله : ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ) ، كما عن ابن عباس
وبريدة ، وفي رواية أخرى بزيادة : ( وأبوهما خير منهما ) ، كما عن ابن عمر وابن
مسعود. هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الأمّة الإسلامية أجمع.
وقوله صلىاللهعليهوآله
: ( حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ).
وعندما قتل الإمام الحسين مطرت السماء
دماً كما قال ابن عباس : هذه الحمرة التي في السماء ظهرت يوم قتله ، ولم تر قبله.
وفي رواية : لما جيء برأس الحسين بين
يدي عبيد الله بن زياد شوهدت حيطان دار الإمارة تسايل دماً. وفي رواية : لما قتل
الحسين مكثت السماء أياماً مثل العلقة.
وفي رواية : لما قتل الحسين مكث الناس
سبعة أيام إذا صلّوا العصر نظروا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف
المعصفرة ، والكواكب كأنّها تضرب بعضها ببعض.
وفي رواية : لما قتل الحسين عليه السلام
مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس.
وفي أخرى : لما قتل الحسين صار الورس
الذي في العسكر رماداً ، ونحروا ناقة فكانوا يرون في لحمها المرار.
وفي أخرى : أظلمت الدنيا ثلاثة أيام بعد
قتل الحسين ، ثمّ ظهرت هذه الحمرة في السماء ، ولم يمس أحد من زعفران قوم الحسين
شيئاً فجعله على وجهه إلّا احترق.
وفي أخرى : لم تبك السماء على أحد بعد
يحيى بن زكريا إلّا على الحسين ، وبكاء السماء أنّ تحمر.
وفي أخرى : انكسفت الشمس حين قتل الحسين
كسفة بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظن الناس أنّها هي.
وفي أخرى : ما رفع حجر من الدنيا يوم
شهادة الحسين إلّا وتحته دم عبيط.
وفي أخرى : ما رفع حجر بالشام يوم قتل
الحسين إلّا عن دم.
وقال فيهم الرسول صلىاللهعليهوآله لما غشاهم بالكساء
: ( أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وعدو لمن عاداهم ).
وأخذ بيد الحسن والحسين وقال : ( من
أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ).
وروى الحاكم عن أبي هريرة قال : خرج علينا
رسول الله ومعه الحسن والحسين ، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرّة
وهذا مرّة ، حتّى انتهى إلينا ، فقال له رجل : يا رسول الله ، إنّك تحبّهما؟ فقال
: ( نعم ، من أحبّهما
فقد أحبّني ، ومن
أبغضهما فقد أبغضني ).
نعم ، هذا هو مقام علي وولديه ، وهذا هو
معاوية الملطّخة يده بدماء الأبرياء.
فيا أخوتنا من أهل السنة اقرؤوا كتب
وأقوال أئمّتكم وعلمائكم فكلّ ماذكرته فهو من كتبكم .
__________________
فهل من خطاب أنصف من ذلك؟! وهل من متعقّل
للأمور يا أولي الألباب؟! فلا ندري بأيّ لغة كانوا يريدون الله ورسوله أن يخاطبهم
، فالله يقول لنبيه : ( بلغ ما أنزل إليك من
ربك )
، والرسول يقول ( علي ولي كلّ مؤمن بعدي ) ، ورواها العام والخاص ، وهي دالة على
الولاية ، ولكن جعلوا أبا بكر خليفة!! الرسول صلىاللهعليهوآله
يقول : ( علي خير البشر ) ، وهم يقولون : أفضل الصحابة أبو بكر فعمر فعثمان!!
ألا يخافوا من دعاء الرسول صلىاللهعليهوآله : ( اللهم عاد من
عاداه ، واخذل من خذله )؟! وأيّ خذلان أشدّ من قتاله وقتل ذريّته؟!
أيّها المغرر بك ، فق لنفسك وتمعن النظر
في النصوص الصريحة باللغة الفصيحة ، فإنّك إن تأمّلت الروايات بتعقّل وأمانة
وإنصاف لا تستمع للقول بعدالة الصحابة ، والتشنيع على الشيعة أنّهم يسبّونهم ، إنّ
الشيعة تنقل الآيات فيما حصل للأنبياء من قومهم ونسائهم ، وماحصل للنبي صلىاللهعليهوآله من قومه ، وماحصل
لأهل بيته من صحابته ، فهم ينقلون التاريخ لا يدّعون عصمة وعدالة إلّا فمن ثبت
بالدليل عصمته وعدالته.
فما عليك حينئذٍ إلّا إعادة النظر
والتأمّل في النصوص الواردة في حق أهل البيت عليهمالسلام.
الدليل الواحد
والعشرون :
ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله في الغزوات والحروب لعلي عليهالسلام
إنّ كلّ غزوة وسرية ومعركة تسجّل للإمام
علي عليهالسلام
فضيلة أو فضائل ، وتسجّل لمن تقدّموا عليه هزيمة أو رذيلة ، بل رذائل ، وهذا ما
أوردته كتب التاريخ والسيرة المعتبرة لدى أهل السنة.
أوّلاً
: حديث الراية المشهور :
كما أورده أحمد بن حنبل والبخاري
وغيرهما ماهذا نصّه :
فضائل
الصحابة للنسائي :
عن عمران بن حصين أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : ( لأعطينّ
الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، أو قال : يحبّه الله ورسوله ، فدعا علياً وهو
أرمد ، ففتح الله على يعني يديه ).
أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : ثنا يعلى
بن عبيد ، قال ثنا يزيد بن جلس ، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله :
( لأدفعنّ الراية اليوم إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، فتطاول
القوم ، فقال : أين علي؟ قالوا يشتكي عينيه ، فدعا به فبزق نبي الله صلىاللهعليهوسلم في كفيّه ، ثمّ مسح
بهما عيني علي ، ودفع إليه الراية ، ففتح الله عليه يومئذٍ ) .
__________________
مسند
أحمد :
حدّثني أبي ، ثنا وكيع ، عن ابن أبي
ليلى ، عن المنهال ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ( كان أبي يسمر مع علي ، وكان
علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء ، وثياب الشتاء في الصيف ، فقيل له : لو سألته ، فسأله
فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر ، فقلت : يا رسول الله ، إنّي أرمد العين ، قال
: فتفل في عيني ، وقال : اللهم اذهب عنه الحر والبرد ، فما وجدت حراً ولابرداً منذ
يومئذٍ ، وقال : لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ليس
بفرار ، فتشرّف لها أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم
فأعطانيها ) .
حدّثني أبي ، ثنا وكيع ، عن هشام بن سعد
، عن عمر بن أسيد ، عن ابن عمر قال : كنّا نقول في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم رسول الله خير
الناس ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي
واحدة منهن أحبّ إلى من حمر النعم ، زوّجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم
ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر ) .
حدّثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
يوم خيبر : ( لأدفعنّ الراية إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله عليه ) قال
فقال عمر فما أحببت الإمارة قبل يومئذٍ ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أنّ يدفعها
إليّ ، فلمّا كان الغد دعا علياً عليه السلام فدفعها إليه ، فقال : ( قاتل ولا
__________________
تلتفت حتّى يفتح
عليك ، فسار قريباً ، ثمّ نادى يا رسول الله ، أعلام أقاتل؟ قال : حتّى يشهدوا أنّ
لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوسلم
) .
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا
معصب بن المقدام وحجين بن المثنى ، قالا : ثنا إسرائيل ، ثنا عبد الله بن عصمة
العجلي قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : ( إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ الراية فهزّها
، ثمّ قال : من يأخذها بحقّها ، فجاء فلان فقال : أنا ، قال : امط ، ثمّ جاء رجل
فقال : امط ، ثمّ قال النبي صلىاللهعليهوسلم
: والذى كرّم وجه محمّد لأعطينّها رجلاً لا يفر ، هاك يا علي ، فانطلق حتّى فتح
الله عليه خيبر ) .
( ... قال سلمة : ثمّ إنّ نبى الله صلىاللهعليهوسلم أرسلني إلى علي ، فقال
لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله ، أو يحبّه الله ورسوله ، قال : فجئت
به أقوده أرمد ، فبصق نبي الله صلىاللهعليهوسلم
في عينه ، ثمّ أعطاه الراية ، فخرج مرحب يخطر بسيفه ، فقال :
قد علمت خيبر أنّي مرحب
|
|
شاكي السلاح بطل مجرب
|
إذا الحروب أقبلت
تلهب
فقال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
|
|
كليث غابات كريه المنظرة
|
أوفيهم بالصاع كيل
السندرة
__________________
ففلق رأس مرحب
بالسيف وكان الفتح على يديه ) .
أخبرني سهل بن سعد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوم خيبر : ( لأعطينّ
هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله
ورسوله ) ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا
على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
كلّهم يرجو أنّ يعطاها ، قال فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقال : هو يا رسول الله
يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عينيه ، ودعا له
فبرأ حتّى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلهم
حتّى يكونوا مثلنا ، فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى
الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً
واحداً خير لك من أنّ يكون لك حمر النعم .
صحيح
البخاري :
حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن
أبيه ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم
يقول يوم خيبر : ( لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه ، فقاموا يرجون لذلك
أيّهم يعطى ، فغدوا وكلّهم يرجو أن يعطى ، فقال : أين علي؟ فقيل : يشتكى عينيه ، فأمر
فدعى له ، فبصق في عينيه ، فبرأ مكانه حتّى كأنّه لم يكن به شيء ، فقال : نقاتلهم
حتّى يكونوا مثلنا ، فقال ) .
__________________
حدّثنا قتيبة ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل
، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كان علي رضي الله
عنه تخلّف عن النبي صلىاللهعليهوسلم
في خيبر ، وكان به رمد ، فقال : أنا أتخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرج علي فلحق
بالنبي صلىاللهعليهوسلم
، فلمّا كان مساء الليلة التى فتحها في صباحها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( لأعطينّ الراية
، أو قال : ليأخذن غداً رجل يحبّه الله ورسوله ، أو قال : يحبّ الله ورسوله ، يفتح
الله عليه ، فإذا نحن بعلى وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ففتح الله عليه )
.
أبي حازم ، قال : أخبرني سهل رضي الله
عنه قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم
يوم خيبر : ( لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه
الله ورسوله ، فبات الناس ليلتهم أيّهم يعطى ، فغدوا كلّهم يرجوه ، فقال : أين
علي؟ فقيل : يشتكي عينيه ، فبصق في عينيه ، ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه
الراية ) .
عن سهل بن سعد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوم خيبر : ( لأعطينّ
هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله
، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
كلّهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقيل : هو يا رسول الله يشتكى
عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ،
__________________
فأتي به ، فبصق رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
في عينيه ، ودعا له ، فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ) .
صحيح
مسلم :
( ... فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وأنا أبكي فقلت : يا
رسول الله ، بطل عمل عامر قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: من قال ذلك؟ قال : قلت : ناس من أصحابك ، قال : كذب من قال ذلك ، بل له أجره
مرّتين ، ثمّ أرسلني إلى علي وهو أرمد ، فقال : ( لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله
ورسوله ، أو يحبّه الله ورسوله ، قال : فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد حتّى
أتيت به رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فبصق في عينيه فبرأ ، واعطاه الراية ، وخرج مرحب فقال :
قد علمت خيبر أنّي مرحب
|
|
شاكي السلاح بطل مجرب
|
إذا الحروب أقبلت
تلهب
فقال علي :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
|
|
كليث غابات كريه المنظرة
|
أوفيهم بالصاع كيل
السندرة
قال : فضرب رأس مرحب فقتله ، ثمّ كان
الفتح على يديه ) .
عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال
: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ( ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال : أما
ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلى من حمر
__________________
النعم ، سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
يقول له وخلّفه في بعض مغازيه ، فقال له علي يارسول الله ، خلّفتني مع النساء
والصبيان؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية
رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا
لي علياً فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية : ( فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم )
دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي ).
حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا يعقوب ( يعني
ابن عبد الرحمن القاري ) عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين
هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب : ما
أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ ، قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ، قال : فدعا رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
علي بن أبي طالب ، فأعطاه إياها ، وقال : امش ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك ، قال
: فسار علي شيئاً ثمّ وقف ولم يلتفت ، فصرخ يا رسول الله ، على ماذا أقاتل الناس؟
قال : قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، فإذا
فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله.
حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا عبد
العزيز ( يعني ابن أبى حازم ) عن أبي حازم ، عن سهل ح ، وحدّثنا قتيبة بن سعيد ( واللفظ
هذا ) حدّثنا يعقوب ( يعني ابن عبد الرحمن ) عن أبي حازم ، أخبرني سهل بن سعد أنّ
رسول الله
صلىاللهعليهوسلم
قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله
ويحبّه الله ورسوله ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، قال : فلمّا
أصبح الناس غدوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
كلّهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يارسول الله
يشتكى عينيه ، قال فأرسلوا إليه ، فأتي به فبصق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عينيه ، ودعا له
فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال علي يارسول الله ، أقاتلهم
حتّى يكونوا مثلنا ، فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام
، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً
خير لك من أن يكون لك حمر النعم ).
حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا حاتم ( يعني
ابن إسماعيل ) عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : كان علي قد تخلّف عن
النبي صلىاللهعليهوسلم
في خيبر وكان رمداً فقال : أنا أتخلّف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، فخرج علي فلحق بالنبي صلىاللهعليهوسلم
، فلمّا كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ( لأعطين الراية
، أو ليأخذن بالراية غداً رجل يحبّه الله ورسوله ، أو قال : يحبّ الله ورسوله ، يفتح
الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الراية ، ففتح الله
عليه ) .
سنن
ابن ماجة :
عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قدم معاوية
في بعض حجّاته ، فدخل عليه
__________________
سعد ، فذكروا علياً
، فنال منه ، فغضب سعد ، وقال : تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : ( من كنت
مولاه فعلي مولاه ).
وسمعته يقول : ( أنت منّي بمنزلة هارون
من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ).
وسمعته يقول : ( لأعطين الراية اليوم
رجلاً يحبّ الله ورسوله ) .
سنن
الترمذي :
حدّثنا قتيبة ، ( أخبرنا ) حاتم بن
إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر
معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أنّ تسبّ أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ;
ثلاثاً قالهنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلىّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لعلى وخلّفه
في بعض مغازيه ، فقال له : يارسول الله ، تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ).
وسمعته يقول يوم خيبر : ( لأعطين الراية
رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ). قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا
لي علياً ، قال : فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينه ، فدفع الراية إليه ، ففتح الله
عليه ).
وأنزلت هذه الآية : ( ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم )
الآية ، دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : ( اللهمّ هؤلاء أهلي ).
__________________
هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه.
حدّثنا عبد الله بن أبى زياد ، ( أخبرنا
) الأحوص بن جواب ، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : بعث
النبي صلىاللهعليهوسلم
جيشين ، وأمرّ على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الآخر خالد بن الوليد وقال : ( إذا
كان القتال فعلي ، قال فافتتح علي حصناً ، فأخذ منه جارية ، فكتب معي خالد كتاباً
إلى النبي صلىاللهعليهوسلم
يشي به ، قال : فقدمت على النبي صلىاللهعليهوسلم
فقرأ الكتاب ، فتغيّر لونه ، ثمّ قال : ما ترى في رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه
الله ورسوله؟! قال : قلت : أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ) .
تفسير
الرازي :
قال علي بن أبي طالب : والله ما قلعت
باب خيبر بقوّة جسدانية ولكن بقوّة ربانية .
الشاهد
في النصوص :
١ ـ إنّ الإمام عليهالسلام يحبّ الله ورسوله ،
ويحبّاه.
٢ ـ جبن وضعف من رجع مهزوماً.
٣ ـ شجاعة وقوّة الإمام علي عليهالسلام ، حتّى أنّ قوّته
كانت معجزة ، إذ قلع باب خيبر ولا يقدر على تحريكه أربعون رجلاً.
__________________
٤ ـ تنبّؤ النبي صلىاللهعليهوآله بالفتح على يد
الإمام علي عليهالسلام
، وهذا من علمه بالمغيبات : ( لأعطين الراية غداً ... ).
٥ ـ لفظ ( كرّار غير فرار ) صيغة ( فعّال
) أي : دائماً وابداً لا يفر من العدو كما فر غيره.
٦ ـ فتطاول القوم لها ، وكلّهم يرجوها ،
لماذا يرجوها لولا أهميتها.
٧ ـ قول عمر : فما أحببت الإمارة إلّا
يومئذٍ ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أنّ يدفعها إليّ ، فلمّا كان الغد دعا علياً.
٨ ـ أمر معاوية بسبّ علي ، فما حكم من
أمر بسبّ صحابي وخليفة؟!
٩ ـ قول ابن عمر : كنّا نقول في زمن
النبي صلىاللهعليهوسلم
: خير الناس ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون
لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم. زوّجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ابنته وولدت له ، وسدّ
الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر.
١٠ ـ أبا سعيد الخدري يقول : إنّ رسول
الله صلىاللهعليهوسلم
أخذ الراية فهزّها ، ثمّ قال : من يأخذها بحقّها فجاء فلان ، فقال : أنا قال : امط
، ثمّ جاء رجل ، فقال : امط ، ثمّ قال النبي صلىاللهعليهوسلم
: والذي كرّم وجه محمّد لأعطيّنها رجلاً لا يفر ، هاك يا علي.
١١ ـ فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم
يعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
كلّهم يرجو أنّ يعطاها ، قال : فقال : أين علي بن أبي طالب؟
١٢ ـ فكتب معي خالد كتاباً إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يشي به ، قال :
فقدمت على النبي صلىاللهعليهوسلم فقرأ الكتاب ، فتغيّر
لونه ، ثمّ قال ما ترى في رجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.
ثانياً
: قول الرسول صلىاللهعليهوآله
للإمام علي عليهالسلام
لما قدم عليه لفتح خيبر
( لولا أنّ تقول فيك طائفة من أمّتي ما
قالت النصارى في المسيح عليه السلام لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأ إلّا أخذوا
التراب من تحت قدمك ، ومن فضل طهورك يستشفون به ، ولكن حسبك أنّ تكون منّي وأنا
منك ، ترثني وأرثك ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ، وأنّك
تبرئ ذمتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنّك غداً في الآخرة أقرب الناس منّي ، وأنّك
أوّل من يرد عليّ الحوض ، وأوّل من يكسى معي ، وأوّل داخل في الجنّة من أمّتي ، وأن
شيعتك على منابر من نور ، وأنّ الحق على لسانك وفي قلبك ، وبين عينيك ) .
وقفة
تأمّل :
١ ـ لا تمر بملأ إلّا أخذوا التراب من
تحت قدمك ، ومن فضل طهورك يستشفون به. ( وهذا دليل على أنّ التقرّب بالأولياء
تقرّب إلى الله ، وليس شركاً كما زعم البعض ).
٢ ـ ولكن حسبك أنّ تكون منّي وأنا منك.
( إنّ هذا التعبير لا يقوله إنسان عادي لآخر إلّا إذا كان له منزلة خاصّة وعالية
عنده ، فكيف والقائل هو رسول الله صلىاللهعليهوآله
الذي لا ينطق عن الهوى ).
__________________
٣ ـ ترثني وأرثك. ( ماذا يرث ابن العم
من ابن عمّه إنّه ليس بوارث ثروته ، وإنّما هذا يؤكّد أنّه وارثه على أمته ).
٤ ـ وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى
إلّا أنّه لا نبي بعدي.
٥ ـ وأنّ شيعتك على منابر من نور.
ثالثاً
: قوله صلىاللهعليهوآله
: ( ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين )
:
ملخص
القصّة :
برز الإمام علي عليهالسلام لقتل عمرو بن عبدود
ذلك الذي هابه كلّ الصحابة ، كما في السير والتاريخ أنّ عمر بن ود كان يرتجز ويقول
: هل من مبارز؟ وكرر ذلك مرّات ولم يقم في كلّ مرّة إلّا الإمام علي عليهالسلام ، فلمّا يئس الرسول
صلىاللهعليهوآله
من صحابته أذن للامام عليهالسلام
بالمبارزة ، فتقدّم الإمام ، فقال الرسول صلىاللهعليهوآله
: ( برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه وقال : ربّ لا تذرني فرداً ، اللهم احفظه من
بين يديه ... ) ، وبعد أن قتله الإمام عليهالسلام
قال الرسول صلىاللهعليهوآله
: ( ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ).
نفهم
من هذا النص ما يلي :
١ ـ إنّ ضربة الإمام علي عليهالسلام في ذلك اليوم أفضل
من عمل أمتي إلى يوم القيامة.
٢ ـ شجاعة الإمام عليهالسلام على كلّ الصحابة في
كلّ المعارك والغزوات ، ومنها : قدومه على ابن ود العامري الذي يقال عنه : إنّه
تخاف قريش من ظلّه.
__________________
٣ ـ إنّ علي هو الإيمان كلّه.
رابعاً
: هاتف من السماء هتف : ( لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار )
:
لما قتل علي بن أبي طالب يوم أحد أصحاب
الألوية أبصر رسول الله صلّى الله عليه وآله جماعة من مشركين قريش فقال لعلي : أحمل
عليهم ، فحمل عليهم ففرّق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ، قال : ثمّ أبصر
رسول الله صلّى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : احمل عليهم ، فحمل
عليهم ففرّق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك ، فقال جبريل : يا رسول الله ، إنّ هذا
للمواساة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّه منّي وأنا منه ، فقال جبريل
: وأنا منكما. قال فسمعوا صوتاً :
لا سيف إلّا ذو الفقار
|
|
ولا فتى إلّا علي
|
عن علي عليهالسلام
أنّ جبريل أتى النبي صلّى الله عليه وآله فقال : إنّ صنماً في اليمن معفراً في
الحديد فابعث إليه فادققه وخذ الحديد ، قال : فدعاني وبعثني إليه ، فدققت الصنم
وأخذت الحديد ، فجئت به إلى رسول الله ، فاستطرب منه سيفين ، فسمّى واحداً ذا
الفقار ، والآخر مخذما ، فقلّد رسول الله ذا الفقار ، وأعطاني مخذماً ثمّ أعطاني
بعد ذا الفقار ، ورآني رسول الله وأنا أقاتل دونه يوم أحد فقال :
لا سيف إلّا ذو الفقار
|
|
ولا فتى إلّا علي
|
__________________
وفي تذكرة سبط ابن الجوزي : ذكر أحمد في
الفضايل أيضاً أنّهم سمعوا تكبيراً من السماء في ذلك اليوم ( يوم خيبر ) وقائلاً
يقول :
لا سيف إلّا ذو الفقار
|
|
ولا فتى إلّا علي
|
فاستأذن حسان بن ثابت رسول الله صلّى
الله عليه وآله أنّ ينشد شعراً فأذن له فقال :
جبريل نادى معلناً
|
|
والنقع ليس بمنجلي
|
والمسلمون قد أحدقوا
|
|
حول النبي المرسل
|
لا سيف إلّا ذو الفقار
|
|
ولا فتى إلّا علي
|
مغالطة
ابن تيمية :
قال ابن تيمية في جواب العلاّمة الحلي
حول شجاعة علي : ( هذا كذب ، فأشجع الناس رسول الله ) .
فنقول : ما كان من شك في أشجعية رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، وإنّما الكلام بين علي وأبي بكر ، كلامنا في الإمامة والخلافة بعد الرسول وإننا
نورد في كثير من مصادرنا قول الإمام علي عليهالسلام
لشخص غلا فيه : ( ويحك إنّما أنا عبد من عبيد محمّد ) .
وقول علي عليهالسلام
: ( كنّا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتّقينا برسول الله
__________________
صلّى الله عليه وآله
فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه ) .
يفضلّهم عليه عليهالسلام وقد فرّوا في أكثر
من غزوة ، ولم ينقل التاريخ أنّهم قتلوا ولا واحداً في سبيل الله تعالى قال ابن
تيمية : ( وكذلك سائر المشهورين بالقتال من الصحابة ، كعمر والزبير وحمزة والمقداد
وأبي طلحة والبراء بن مالك وغيرهم ، ما منهم من أحد إلّا قتل بسيفه طائفة من
الكفار ).
فإذا سئل ابن تيمية : أين الطائفة؟
يقول في الجواب : ( القتل قد يكون باليد
كما فعل علي وقد يكون بالدعاء .. ، القتال يكون بالدعاء كما يكون باليد ).
فابن تيمية يعترف أنّ عمر لم يقتل إلّا
بالدعاء الذي هو سلاح العجائز والضعفاء في الجهاد!! أمّا الشجاع فهو يدعو الله
تعالى بالتوفيق والنصر ويقدم للمعركة.
وأمّا إذا سئل عن شجاعة أبي بكر ، يقول
في الجواب : ( إذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة شجاعة القلب ، فلا ريب أنّ أبا
بكر كان أشجع من عمر ، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير ، وكان يوم بدر مع
النبي في العريش ) .
إذن يجيب ابن تيمية أنّ عمر قاتل
بالدعاء ، وأبا بكر شجاع بقوّة القلب.
ثمّ لو كانا واجدان لقوّة القلب ـ كما
يقول ابن تيميّة ـ فلماذا فرّا؟ لا ريب في أنّهما قد فرّا في أُحد ، وقد روى الخبر
أئمّة القوم : منهم :
__________________
١ ـ أبو داود الطيالسي.
٢ ـ ابن سعد صاحب الطبقات.
٣ ـ أبو بكر البزّار.
٤ ـ الطبراني.
٥ ـ ابن حبّان.
٦ ـ الدارقطني.
٧ ـ أبو نعيم.
٨ ـ ابن عساكر.
٩ ـ الضياء المقدسي.
وغيرهم من الأئمّة الأعلام .
أمّا في خيبر ، فقد روى فرارهما :
١ ـ أحمد.
٢ ـ ابن أبي شيبة.
٣ ـ ابن ماجة.
٤ ـ البزّار.
٥ ـ الطبري.
٦ ـ الطبراني.
٧ ـ الحاكم.
٨ ـ البيهقي.
__________________
٩ ـ الضياء المقدسي.
١٠ ـ الهيثمي.
وجماعة غيرهم.
راجعوا أيضاً كنز العمال ، يروي عن كلّ
هؤلاء .
وأمّا في حنين ، فالذي صبر مع رسول الله
صلىاللهعليهوآله
هو علي فقط ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس ، وهذا الحديث في المستدرك .
حوار
مؤلم :
في ختام مطاف هذا البحث أذكر حوار دار
بيني وبين إحدى الأخوات اليمنيات اللاتي التقينا بها في محافظة قزوين الإيرانية ، وملخص
الحوار هو ما يلي :
تكلّمنا حول خلافة الخلفاء الثلاثة وعن
معاوية حتّى وصل بها إلى إنّ قالت : إنّ علي بن أبي طالب ضعيف ، وليس عنده مؤهلات
للسياسة وإلاّ لما تغلّبوا عليه.
قلت لها وبكلّ ألم : إنّ الإمام علي عليهالسلام أشجع الصحابة
وأعلمهم وأقضاهم ، وأعدلهم وأن رسول الله صلىاللهعليهوآله
انتخبه من بينهم للخلافة
، واختيار رسول الله صلىاللهعليهوآله
لن يكون إلّا لشخص يعرفه تمام المعرفة أنّه أهل للمسؤولية ، وأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله لا يفعل إلّا ما يأمره
به الله عزّ وجلّ لأنّه صلىاللهعليهوآله
لا ينطق عن الهوى
__________________
إن هو إلّا وحي يوحى
، ولولا جدارة علي عليهالسلام
لما اختاره أفضل الخلق عن طريق ربّ الخلق.
وآخر جواب لها ولمن شاكلها على لسان
أمير المؤمنين عليهالسلام
: ( والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من
أدهى الناس ، ولكن كلّ غدرة فجرة ، وكل فجرة كفرة ، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم
القيامة ، والله ما استغفل بالمكيدة ، ولا استغمز بالشديدة ) .
شبهات
بعض الصديقات :
كثيراً ما سمعت من بعض الأخوات يقلن : إنّ
التشيّع حزب جديد وليس مذهباً معترفاً به ، وأنّ المذاهب الأصيلة هي الأربعة فحسب.
وأُخريات يقلن : إنّ الإمام علي عليهالسلام لم يدع أنّه أعلم
أو أفضل من الشيخين ، بل هو جندي من جنودهما ، إذ قد بايعهما.
وأُخريات يقلن : لماذا اسماء أبناء
الإمام علي عليهالسلام
عمر وأبو بكر وعثمان ، أليس هذا دليلاً على أنّ الإمام علي يحبّ الشيخين؟
وأخريات يقلن : لولا محبّته لعمر لما
زوّجه ابنته أم كلثوم.
فأجبتهنّ : أن يقرأن ما قاله أبو حاتم
الرازي : ( إنّ أوّل اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة ، وكان لقباً لأربعة من
الصحابة أبو ذر وعمار والمقداد وسلمان ، بعد صفين اشتهر موالو علي بهذا اللقب ).
ويقرأن ما ذكرناه حول ما كرره الرسول صلىاللهعليهوآله من لفظ ( أنت
وشيعتك ).
__________________
وأقول لكلّ من عنده تسائل حول أسماء
أبناء الإمام عليهالسلام
: أنّ هذه الأسماء كانت متداولة بين الصحابة ، ولم ترمز أنذاك إلى أعداء الإمام
علي عليهالسلام.
وبالنسبة لجعل اسم عثمان على ابنه ، فقد
جعله تأسياً بعثمان بن مظعون لا عثمان بن عفان .
وأقول بخصوص الزواج المذكور :
إنّ أم كلثوم المدّعى الزواج بها ، فيها
كثير من الغموض ، في أصول وجودها ، ومقدار عمرها ، ومن هم أزواجها؟ وكيفية خطبة
عمر لها؟ ومن كان وليّها الذي تولّي تزويجها؟ وهل الزواج وقع عن رغبة أو رهبة؟ وهل
حقّاً أنّها بنت علي أم ربيبته؟ ولو كانت بنته فهل هي من فاطمة أو من أم ولد؟
فالقضية من البدء إلى الخاتم محل نقض وإبرام.
ونرجع الأخوة والاخوات إلى كتاب للسيّد
علي الشهرستاني في هذا الموضوع ، حيث قسّم الأقوال في هذا الزواج إلى ثمانية ، منها
:
١ ـ عدم وقوع التزويج بين عمر وأم كلثوم.
٢ ـ وقوع التزويج لكنّه كان عن إكراه.
٣ ـ إنّ المتزوّج منها هي ربيبة الإمام
لابنته.
٤ ـ إنّ أم كلثوم لم تكن من بنات فاطمة
عليها السلام ، بل كانت من أم ولد.
٥ ـ القول بتزويجها من عمر لكن عمر مات
ولم يدخل بها .
وأمّا قول الأخت ومن قال بقولها إنّ
الإمام علي عليهالسلام
بايعهما : فنجيبها من
__________________
نهج البلاغة للإمام
علي عليهالسلام
في خطبة له المعروفة بالشقشقية : ( أما والله لقد تقمصها فلان [ يعني : أبا بكر ]
، وإنّه ليعلم أنّ محلي منها [ من الخلافة ] محل القطب من الرحى ، ينحدر عنّي
السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت
أرتئي بين أنّ أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب
فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه.
فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت
وفي العين قذىً ، وفي الحلق شجاً أرى تراثي نهباً حتّى مضى الأوّل لسبيله ، فأدلى
بها إلى فلان بعده. ثمّ تمثّل بقول الأعشى.
شتّان ما يومي على كورها * ويوم حيّان
أخي جابر.
فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ
عقدها لآخر بعد وفاته ـ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ـ فصيّرها في حوزة خشناء ، يغلظ
كلمها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة
، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن
واعتراض.
فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتّى
إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم. فيا لله وللشورى متى اعترض الريب
فيّ مع الأوّل منهم ، حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكنّي أسففت إذ أسفّوا ، وطرت
إذ طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن.
إلى أنّ قام ثالث القوم ، نافجاً حضنيه
بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه
يخضمون مال الله
خضمة الإبل نبتة الربيع ... ) .
وقال ابن ابي الحديد : ( وعمر هو الذي
شيّد بيعة أبي بكر ، وقمع المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرّده ، ودفع في
صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعداً ، قتل الله
سعداً ، وحطّم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها
المرجب.
وتوعّد من لجأ إلى دار فاطمة عليها
السلام من الهاشميين ، وأخرجهم منها ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ، ولا قامت له
قائمة ، إذن أخذت
البيعة بالإكراه ، والبيعة المأخوذة بالإكراه لا عبرة بها بالإجماع.
__________________
الدليل الثاني
والعشرون : حديث الثقلين
عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل
بيتي ).
وفيه أيضاً عن زيد بن أرقم قال : قال
رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) : ( إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب
الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ
الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ) .
وصححه السقّاف ، وكذا الألباني .
وقال ابن حجر الهيتمي : ( اعلم أنّ
لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة ، وردت عن نيف وعشرين صحابياً ).
ولذا حكم غير واحد من أهل العلم بتواتره
، منهم : الشيخ أبو المنذر ، وأبو الفتوح التليدي ، وغيرها.
لقد عمدت أن يكون حديث الثقلين آخر
البحث رغم أنّه أهم حديث يدلّ على الولاية ؛ لأنّه يبيّن أنّ أهل البيت والقرآن لا
يفترقان ، وإنّما أخّرته لأنّي بدأت
__________________
بالإنذار أوّل وصية
، وأحببت أن أختم بحديث الثقلين الذي هو آخر وصية ( ائتوني بدواة وقلم ) ، ولو
أنّه كُرر في أكثر من موقف إلّا أنّه آخر وصية للنبي لأُمّته هو التمسّك بالثقلين
، وقد ورد في الحديث لفظ ( التمسك ) و( الأخذ ) و( الاعتصام ) ، ومعنى التمسّك هنا
هو الاتّباع ، وحديث الثقلين ورد بلفظ الخليفتين أيضاً ، كما في المسند وغيره.
ولفظ ( التمسّك ) ولفظ ( الأخذ ) ولفظ (
الاتبّاع ) و( الاعتصام ) ونحو ذلك يدلّ على الإمامة والخلافة ووجوب الاتّباع
والانقياد والإطاعة.
يقول المنّاوي : في هذا الحديث تصريح
بأنّهما ـ أي : القرآن والعترة ـ كتوأمين خلّفهما وأوصى أمّته بحسن معاملتهما ، وإيثار
حقّهما على أنفسهم ، والاستمساك بهما في الدين .
ويقول القاري في شرح الحديث : معنى
التمسّك بالعترة محبّتهم ، والاهتداء بهداهم وسيرتهم .
ويقول الزرقاني المالكي : وأكّد تلك
الوصيّة وقوّاها بقوله : فانظروا بم تخلّفوني فيهما بعد وفاتي ، هل تتبعونهما
فتسّروني أو لا فتسيئوني .
ويقول ابن حجر المكي : حثّ ( صلىاللهعليهوسلم ) على الاقتداء
والتمسّك بهم والتعلّم منهم .
__________________
اقتران
حديث الثقلين بأحاديث أُخرى :
لقد اقترن حديث الثقلين في كثير من
ألفاظه وموارده بأحاديث أُخرى ، وتلك الأحاديث هي بدورها من الأدلة المعتبرة على
الإمامة.
ففي بعض الألفاظ عن ابن جرير الطبري ، وابن
أبي عاصم ، وأمالي المحاملي الذي هو محدّث كبير عند القوم ، وقد صحح المحاملي هذا
الحديث ، ويرويه عنهم صاحب كنز العمّال : قال رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم ) ، وهو آخذ بيد
علي عليهالسلام
في يوم الغدير : ( أيّها الناس ألستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم ،
وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كان الله ورسوله مولاه فإنّ هذا
مولاه ، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وأهل بيتي ).
فاقتران حديث الثقلين بحديث الغدير
المتواتر الدال على إمامة أمير المؤمنين ومجيؤهما في سياق واحد ، يدلّ على دلالة
حديث الثقلين أيضاً على نفس مدلول حديث الغدير.
ومن مصادر اقتران الحديثين : المعجم
الكبير للطبراني ، ومسند ابن راهويه ، والمستدرك ، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي ،
والإصابة ، وأسد الغابة ، والسيرة الحلبية .
ولقد اقترن حديث الثقلين بحديث الغدير
وحديث المنزلة أيضاً ، فأصبح
__________________
ثلاثة أحاديث في
سياق واحد ، في رواية ابن حجر في كتاب الفتاوى الفقهية ، وكلّ منها يدلّ على إمامة
أمير المؤمنين بالاستقلال .
ولقد كرر النبي صلىاللهعليهوآله الوصيّة بالكتاب
والعترة في عدّة مواطن :
المورد الأوّل : عند انصرافه ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) من الطائف
، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة ، وعنه ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة .
المورد الثاني : في حجّة الوداع ، وفي
عرفة بالذات ، وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة كما في كنز العمال ، والترمذي في
صحيحه ، والطبراني في المعجم الكبير ، وابن الأثير في جامع الأصول ، وغيرهم .
المورد الثالث : في يوم غدير خم ، وقد
أخرج هذا الحديث أحمد في المسند ، والدارمي في السنن ، والبيهقي في السنن الكبرى ،
وابن كثير في تاريخه ، وغيرهم .
المورد الرابع : في مرضه ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) الذي توفي
فيه ، قاله وقد امتلأت الغرفة أو الحجرة بالناس ، أخرجه ابن أبي شيبة ، والبزار ، وابن
حجر المكي
، وغيرهم.
__________________
واعلم أنّ حديث الثقلين ( كتاب الله
وعترتي ) لم يضعّفه أحد قبل أبي الفرج ابن الجوزي ، وتضعيفه مردود حتّى من قبل
علمائهم.
مضافاً إلى أنّ هذا الحديث موجود في
صحيح مسلم وفي سنن الترمذي ، وفي صحيح ابن خزيمة الملّقب عندهم بإمام الأئمة ، وفي
صحيح أبي عوانة ، وفي الجمع بين الصحيحين ، وفي تجريد الصحاح ، وقد صححه الحاكم ، ومحمّد
بن إسحاق ، والبغوي ، والنووي ، والمزي ، والذهبي ، وابن كثير ، والهيثمي ، والسيوطي
، والقسطلاني ، وابن حجر المكي ، والمنّاوي وغيرهم.
مضافاً إلى أنّ أبا الفرج ابن الجوزي
معروف عندهم بالتسرّع في الحكم بالوضع أو الضعف ، ومعروف عندهم بالتعصّب ، وكلّهم
قالوا : قد أخطأ ابن الجوزي ، وحذّروا من الاغترار بفعله ، حتّى أنّ بعضهم يقول : وإيّاك
أنّ تغترّ بما صنع.
ومنهم من نسب إلى أحمد بن حنبل نسبة
كاذبة ، وأنّه حكم بنكارة المتن ، لكن هذه نسبة مفضوحة ؛ لأنّ أحمد يروي هذا
الحديث في مسنده ، وفي كتاب فضائل الصحابة بأسانيد كثيرة عن عدّة من الصحابة.
ومنهم من حرّف الحديث ، وهذا ما صنعه
مسلم في صحيحه ، وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي يقول : ( أخبرنا ) المطين ، حدّثنا
نصر بن عبد الرحمن ، حدّثنا زيد بن الحسن ، عن معروف ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة
بن أسيد : أنّ رسول الله ( صلىاللهعليهوسلم
) قال : ( يا أيّها الناس إنّي فرط لكم ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنّي سائلكم
حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب سبب
طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ،
فاستمسكوا به ولا
تضلّوا ولا تبدّلوا ) انتهى الحديث.
وهذا الحديث بنفس السند ، أي : عن طريق
نصر بن عبد الرحمن ، عن زيد ابن الحسن ، عن معروف ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة ، وبنفس
اللفظ موجود في المصادر ، مثلاً : في نوادر الأصول للترمذي : ( إنّي فرطكم على
الحوض ، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما : الثقل
الأكبر كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ، ولا
تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن
يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ).
فهذا كتاب نوادر الأصول ، وهذا كتاب
تاريخ بغداد ، وكلاهما موجودان بين أيدي الناس ، وهل المتصّرف بالحديث هو الخطيب
نفسه أو النسّاخ أو الناشرون؟ الله أعلم.
ومنهم من سعى أن يجعل لحديث الثقلين
أحاديث معارضة ، من أهمّها : حديث الاقتداء بالشيخين ، يروونه عن رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) أنّه قال
: ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ).
هذا الحديث موجود في بعض كتبهم ، فإذا
كان حديث الثقلين ، أي : الوصيّة بالكتاب والعترة ، دالاً على وجوب الاقتداء
بالقرآن والعترة ، فهذا الحديث يدلّ على وجوب الاقتداء بالشيخين ، إذن يقع التعارض
بين الحديثين.
ومنها : حديث الثقلين والوصيّة بالكتاب
والسنة ، قال رسول الله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم
) : ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنّتي ) ، فحديث الوصيّة بالكتاب والعترة
يدلّ على وجوب الاقتداء بالكتاب والعترة والأخذ والتمسّك بهما ، وهذا الحديث يقول
بوجوب الأخذ والتمسّك بالكتاب والسنة ، إذن يقع
التعارض بين
الحديثين.
والجواب :
وقد طعن في حديث الاقتداء كبار القوم ، منهم
: ابو عيسى الترمذي حيث قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا
نعرفه إلّا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ، يحيى بن سلمة يضعّف في الحديث .
ومنهم : الذهبي حيث قال : أحمد بن صليح
، عن ذي النون المصري ، عن مالك ، عن ابن عمر بحديث : اقتدوا باللذين من بعدي.
وهذا غلط ، وأحمد لا يعتمد عليه .
وغيرهم كثير. هذا من حيث السند.
وأمّا من حيث الدلالة :
٤ ـ إنّ الشيخين قد اختلفا في كثير من
الأمور ، فمثلاً : أنّ أبا بكر سبى أهل الردة ، وردّهم عمر أحراراً. وأشار عمر على
أبي بكر بعزل خالد وقتله ؛ لأنّه زنا بالمحصنة وقتل مالك بن نويرة ، فأبى أبو بكر
عليه. وحرّم عمر المتعة ، ولم يفعل ذلك أبو بكر. ووضع عمر ديوان العطية ، ولم
يفعله أبو بكر ، واستخلّف أبو بكر ، ولم يفعل ذلك عمر.
ثمّ عثمان خالف الشيخين في كثير من
الأمور. فبأيّهم نقتدي؟!
٢ ـ قد ذكرنا في آية الذكر ، وحديث مدينة
العلم ، وغيرهما مصادر أقوالهم عن جهلهم بكثير من المسائل الإسلامية ، فكيف يقتدى
بمن هو جاهل؟! وهل
__________________
يأمر النبي صلىاللهعليهوآله بالاقتداء المطلق
لمن هذه حاله ؟!
وأمّا حديث ( كتاب الله وسنّتي ) فقد
ورد في عدّة كتب ، عمدتها الموطّأ والمستدرك ، والحديث المذكور في الموطّأ لا سند
له ، قال السيوطي بشرحه : ( وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو
بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه ). وكثير بن عبد الله منكر الحديث ، كما ذكر ابن حجر
العسقلاني.
وأمّا الخبر في المستدرك فالمدار في
روايته عن ابن عباس على إسماعيل بن أبي أويس وهو مخلّط ويكذب كما ذكر ابن حجر
العسقلاني .
وإن صحّ حديث ( كتاب الله وسنتي ) فهو
يعني الرجوع إلى أهل البيت عليهمالسلام
ليعلموننا السنّة ؛ لأنّهم أعلم بسنته من غيرهم ، وقد جعلهم باب مدينة العلم
وسفينة النجاة و .. ، فكتاب الله وحده لا يكفي للهداية ، فكم من فرقة تحتج بكتاب
الله وهي في ضلال مبين ، فكتاب الله فيه المحكم والمتشابه ، ولا بدّ لفهمه من
الرجوع إلى الراسخين في العلم ، ولا مناص لمن يريد الإسلام الذي أمر الله تعالى به
غير هذا الطريق ، وهو طريق أهل البيت المطهّرين بشهادة القرآن الكريم من الرجس ، فإلى
متى هذا التنكّر والمراوغة والحق واضحة آياته ، ظاهرة بيّناته؟!
نعم ، علينا أن لا نهتم بقداسة الصحبة
ونترك قرابة النبي ، وندخل في ضمن من تعجّب من فكرهم الإمام عليهالسلام بقوله : ( واعجباه!
أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالقرابة ) ؟!
__________________
والعجب ممن يضعّف حديث ( كتاب الله
وعترتي ) ويأخذ بحديث ( كتاب الله وسنّتي ) يجعل عمر بن الخطاب خليفة ومقتدى له
والحال أنّ عمر نفسه قال : حسبنا كتاب الله ، وخالف وصية النبي. فانظر ما ورد في
صحيح البخاري : عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم
: ( هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ) ، فقال عمر : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قد غلب عليه الوجع
، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.
فاختلف أهل البيت ، فاختصموا ، منهم من
يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي صلىاللهعليهوسلم
كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول : ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف
عند النبي صلىاللهعليهوسلم
، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: قوموا.
قال عبيد الله : وكان ابن عباس يقول : ان
الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس ، قال : لما
حضر رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم
: ( هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده ) ، فقال عمر : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد غلب عليه الوجع
، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.
فاختلف أهل البيت ، فاختصموا ، فمنهم من
يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول
__________________
الله صلىاللهعليهوسلم كتاباً لن تضلّوا
بعده ، ومنهم من يقول : ما قال عمر فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قوموا.
قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إنّ
الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم
وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ) .
وفي مسند أحمد : ( حدّثني أبي ، حدّثني
وهب بن جرير ، ثنا أبي قال : سمعت يونس يحدّث عن الزهري ، عن عبيدالله بن عبد الله
، عن ابن عباس قال : لما حضرت رسول الله صلىاللهعليهوسلم
الوفاة ، قال : هلّم أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ، وفى البيت رجال فيهم عمر بن
الخطاب ، فقال عمر : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، قال : فاختلف أهل البيت ، فاختصموا
، فمنهم من يقول : يكتب لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم
أو قال : قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم
، ومنهم من يقول : ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف وغُمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : قوموا عنّي.
فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين أنّ يكتب لهم
ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ).
وفيه أيضاً : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( ائتوني بالكتف
والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يهجر ) .
__________________
إذن ، لا سبيل للنجاة إلا بالاقتداء
والتمسّك بأهل البيت عليهمالسلام
، وبالتعلّم منهم.
مسك
الختام :
وفي الختام أرجو أن أكون قد وفّقت في
هذا الكتاب للبحث عن أهمّ المسائل التي تشكلّ محوراً خلافياً بين المسلمين ، وفي
رفع سوء الفهم والتباس الأمر الذي اكتنف هذه المسائل لفترات طويلة :
كما أرجو من العلي القدير أنّ أكون قد
أسهمتُ ولو بشيء يسير في تحقيق الوحدة الإسلامية التي هي رمز القوّة والنصر
والعزّة ، وفي المساهمة ولو بشيء بسيط في توعية جيل يبذلوا كافّة الجهود بما
يمكنهم في العمل على تهيئة المناخ المناسب من أجل قيام وحدة إسلامية شاملة ينضوي
تحت لوائها جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حتّى تحقق الأمّة أهدافها
المصيرية ، وتستعيد أمجادها التي تحطّمت على صخور الفرقة ، وذلك لن يحصل إلّا
بالتمسّك بالثقلين ، فلابدّ أن يكون حديث الثقلين هو الأساس الذي يبنى عليه الوحدة
الإسلامية.
وأسأل الله تعالى أنّ يوفّق كلّ من يريد
معرفة الحق ، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم ، ونسأله عزّ وجلّ أنّ يزيدنا علماً
وبصيرة وفهماً ودقة وتأمّلاً في القضايا العلمية والتحقيقية وخاصّة العقائدية منها
، فإنّ الإنسان إن فارق هذه الدنيا وهو على شك من دينه ولم يكن على ثقة بما يعتقد
به ، فإنّه سيحشر مع من لا اعتقاد له ، وقد تقرر أنّ لا تقليد في الأصول العقائدية
لأنّ الأصول الاعتقادية لابدّ فيها من القطع واليقين ، وقد عرفنا أنّ القطع
واليقين إنّما يتحققان ويحصلان عن طريق القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة ، ونحن
أثبتنا سابقاً بما لا
يبقى معه مجال للشك
أنّ أدلة الشيعة كالشمس في رابعة النهار في ثبوتها ودلالتها.
وأقول في الختام وأنا أعبّر عمّا في
ضميري لإخواني الذين حرموا لذّة الولاية : ( وجاء من أقصى المدينة
رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون * وما
لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا
تغن عنّي شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون * إنّي إذاً لفي ضلال مبين * إنّي آمنت بربكم
فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من
المكرمين )
.
نعم ، ياليت القوم يعلمون ما علمت من
لذّة الولاية واطمئنان في العقيدة ، والحمد لله أوّلاً وآخراً ، ونسأل الله تعالى
أنّ يوحّد صفوف المسلمين ، ويعيد للأمّة الإسلامية عزّها ومجدها في ظل الكتاب
العزيز والسنة الشريفة ، إنّه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
__________________
المصادر
* القرآن الكريم.
[ أ ]
* الإحكام في أصول الأحكام ، علي بن حزم
الأندلسي الظاهري ، ت ٤٥٦ هـ ، دار الجيل ـ بيروت ، ١٤٠٧ هـ.
* أحكام القرآن ، أحمد بن علي الرازي
الجصّاص ، ت ٣٧٩ هـ ، تحقيق : عبد السلام محمّد علي شاهين ـ الدار العلمية ، بيروت
ـ الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ.
* الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد
، الشيخ المفيد٤١٣ هـ ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ـ دار المفيد ، بيروت ـ الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ.
* أسباب نزول الآيات ، علي بن أحمد
الواحدي النيسابوري ، ت ٤٦٨ هـ ، مؤسسة الحلبي وشركاءه ، القاهرة ـ سنة الطبع ١٣٨٨
هـ.
* الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ابن عبد
البر ، ت ٤٦٣ هـ ، تحقيق : علي محمّد البجاوي ـ دار الجيل ـ بيروت ـ الطبعة الأولى
١٤١٢ هـ.
* أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن
أبي طالب ، شمس الدين الجزري ـ مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام العامة ـ إصفهان.
* الإصابة في تميز الصحابة ، أحمد بن
علي بن حجر العسقلاني ، ت ٨٥٢ هـ ، تحقيق وتعليق : عادل أحمد عبد الموجود وعلي
محمّد معوض ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ
الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ.
* الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة
الدينوري ، ت ٢٧٦ هـ ، تحقيق : طه محمّد الزيني ـ مؤسسة الحلبي وشركاءه.
* أنساب الأشراف ، أحمد بن يحيى
البلاذري ، ت ٢٧٩ هـ ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ـ مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ
الطبعة الأولى ١٣٩٤ هـ.
[ ب ]
* بصائر الدرجات ، محمّد بن الحسن
الصفار ، ت ٢٩٠ هـ ، تحقيق : حسن كوجة باغي ـ منشورات الأعلمي ـ طهران ـ سنة الطبع
١٤٠٤ هـ.
[ ت ]
* تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد
مرتضى الواسطي الزبيدي ، ت ١٢٠٥ هـ ، دار الفكر ـ بيروت ـ سنة الطبعة ١٤١٤ هـ.
* تاريخ ابن خلدون ، ابن خلدون ، ت ٨٠٨
هـ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة.
* تاريخ الأمم والملوك المشهور بـ ( تاريخ
الطبري ) ، محمّد بن جرير الطبري ، ت ٣١٠ ، تحقيق : نخبة من العلماء الأجلاّء ـ
مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة ١٤٠٣ هـ.
* تاريخ بغداد ، أحمد بن علي الخطيب
البغدادي ، ت ٤٦٣ هـ ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت
ـ الطبعة الأولى ١٤١٧ هـ.
* تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر ، ت ٥٧١
هـ ، تحقيق : علي شيري ـ دار الفكر ـ
بيروت ـ سنة الطبع ١٤١٥
هـ.
* تاريخ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب
المعروف باليعقوبي ، ت ٢٨٤ هـ ، دار صادر ـ بيروت.
* التبيان في تفسير القرآن ، أبو جعفر
محمّد بن الحسن الطوسي ، ت ٤٦٠ هـ ، تحقيق : أحمد حبيب قصير العاملي ـ دار إحياء
التراث العربي ـ الطبعة الأولى ١٤٠٩ هـ.
* تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص
الأئمة ، سبط ابن الجوزي ، ت ٦٥٤ هـ ، تحقيق : حسين تقي زاده ـ المجمع العالمي
لأهل البيت عليهمالسلام
ـ الطبعة الأولى ١٤٢٦ هـ.
* ترجمة الإمام الحسن عليهالسلام لابن عساكر ، ت ٥٧١
هـ ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ـ مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر ـ بيروت ـ
الطبعة الأولى ١٤٠٠ هـ.
* تفسير البيضاوي ، البيضاوي ، ت ٦٨٢ هـ
، دار الفكر ـ بيروت.
* تفسير الثعالبي المسمّى بـ ( الجواهر
الحسان في تفسير القرآن ) ، عبد الرحمن بن محمّد الثعالبي المالكي ، ت ٨٧٥ هـ ، تحقيق
: علي محمّد معوض ، عادل أحمد عبد الموجود ، عبد الفتاح أبو السنة ـ دار إحياء
التراث العربي ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ.
* تفسير الثعلبي ، الثعلبي ، ت ٤٢٧ هـ ،
تحقيق : أبو محمّد بن عاشور ، مراجعة : نظير الساعدي ـ دار إحياء التراث العربي ـ
بيروت ـ الطبعة الأولى ١٤٢٢ هـ.
* تفسير القرآن العظيم ، إسماعيل بن
كثير الدمشقي ، ت ٧٧٤ هـ ، تقديم : يوسف عبد الرحمن المرعشي ـ دار المعرفة ـ بيروت
ـ سنة الطبع ١٤١٢ هـ.
* التفسير الكبير ، فخر الدين الرازي ، ت
٦٠٦ هـ ، الطبعة الثالثة.
* تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، ت
٥٢٨ هـ ، دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ١٤٠٤ هـ.
* تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، أبو
الحجاج يوسف المزي ، ت ٧٤٢ هـ ، تحقيق : بشار عواد معروف ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت
ـ الطبعة الرابعة ١٤٠٦ هـ.
[ ج ]
* جامع بيان العلم وفضله ، ابن عبد البر
، ت ٤٦٣ هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ سنة الطبع ١٣٩٨ هـ.
* جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، محمّد
بن جرير الطبري ، ت ٣١٠ هـ ، ضبط وتوثيق : صدقي جميل العطار ـ دار الفكر ـ بيروت ـ
سنة الطبع ١٤١٥ هـ.
* الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير
، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، ت ٩١١ هـ ، دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى
١٤٠١ هـ.
* الجامع لأحكام القرآن المعروف بـ ( تفسير
القرطبي ) ، محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، ت ٦٧١ هـ ، تصحيح : أحمد عبد العليم
البردوني ـ دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
[ ح ]
* حياة محمّد ، محمّد حسنين هيكل ـ دار
الكتب المصرية ـ الطبعة الأولى ـ الطبعة الثانية ١٣٤٥ هـ ، الطبعة الثالثة ١٣٥٨ هـ.
[ خ ]
* خصائص الأئمة ، الشريف الرضي ، ت ٤٠٦
هـ ، تحقيق : محمّد هادي الأميني ـ مجمع البحوث الإسلامية ـ مشهد ـ إيران١٤٠٦ هـ.
* خصائص أمير المؤمنين عليهالسلام ، أحمد بن شعيب
النسائي ، ت ٣٠٣ هـ تحقيق : محمّد هادي الأميني ـ مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.
[ د ]
* الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، جلال
الدين السيوطي ، ت ٩١١ هـ ، دار المعرفة ـ بيروت.
[ ر ]
* رسالة طرق حديث من كنت مولاه فهذا علي
مولاه ، شمس الدين محمّد الذهبي ، ت ٧٤٨ هـ ، تحقيق : السيّد عبد العزيز
الطباطبائي ، ت ١٤١٦ هـ ، إعداد : مكتبة المحقق الطباطبائي ـ انتشارات دليل ـ
الطبعة الأولى ١٤٢١ هـ.
* رسالة في حديث الوصيّة بالثقلين ( ضمن
الرسائل العشر ) ، السيّد علي الميلاني ـ الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ.
* روح المعاني ـ الآلوسي ، ت ١٢٧٠ هـ.
* الرياض النضرة في مناقب العشرة ـ أحمد
بن عبد الله الطبري ، ت ٦٩٤ هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
[ ز ]
* زواج أم كلثوم ، السيّد علي
الشهرستاني ـ مركز الأبحاث العقائدية ـ الطبعة الأولى ١٤٢٥ هـ.
[ س ]
* سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ، أبو
حامد محمّد الغزالي ، ت ٥٠٥ هـ ، تحقيق : أيمن عبد الجبّار البحيري ـ دار الآفاق
العربية ـ الطبعة الأولى ١٤٢١ هـ.
* سلسلة الأحاديث الصحيحة ، محمّد ناصر
الدين الألباني ـ مكتبة المعارف ـ الرياض ـ سنة الطبع ١٤١٥ هـ.
* سنن الترمذي ، محمّد بن عيسى الترمذي
، ت ٢٧٩ هـ ، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف ـ دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الثانية
١٤٠٣ هـ.
* سنن الدارمي ، عبد الله بن بهرام
الدارمي ، ت ٢٥٥ هـ ، مطبعة الحديث ـ دمشق ـ سنة الطبع ١٣٤٩ هـ.
* السنن الكبرى ، أحمد بن الحسين بن علي
البيهقي ، ت ٤٥٨ هـ ، دار الفكر.
* السياسة الشرعية ، ابن تيمية ، ت ٧٢٨
هـ ، دار المتنبي.
* سير أعلام النبلاء ، للحافظ الذهبي ، ت
٧٤٨ هـ ، تحقيق : نذير حمدان ، إشراف وتخريج : شعيب الأرنؤوط ـ مؤسسة الرسالة ـ
بيروت ـ الطبعة التاسعة ١٤١٣ هـ.
* السيرة النبوية ، إسماعيل بن كثير ، ت
٧٤٧ هـ ، تحقيق : مصطفى عبد الواحد ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ١٣٩٦ هـ.
* السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية
، أحمد زيني دحلان ، ت ١٣٠٤ هـ ، المطبعة البهية بمصر.
[ ش ]
* شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار
، القاضي النعمان المغربي ، ت ٣٦٣ هـ ، تحقيق : السيّد محمّد الحسيني الجلالي ـ
مؤسسة النشر الإسلامي.
* شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ت
٦٥٦ هـ ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ـ دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى
١٣٧٨ هـ.
* شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات
النازلة في أهل البيت ، عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني ، ت ـ ق ٥ هـ ،
تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ـ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ الطبعة الأولى
١٤١١ هـ.
[ ص ]
* صحيح ابن حبّان ، ابن حبّان ، ت ٣٥٤ هـ
، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ـ مؤسسة الرسالة ـ الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ.
* صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل
البخاري ، ت ٢٥٦ هـ ، دار الفكر ـ سنة الطبع ١٤٠١ هـ.
* صحيح سنن الترمذي ، الألباني ، ت ١٤٢٠
هـ ، مكتبة المعارف ـ الرياض.
* صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج
النيسابوري ، ت ٢٦١ هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
* الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي ، ت
٩٧٣ هـ ، تحقيق : عبد الرحمن بن عبد الله التركي ، كامل محمّد الخرّاط ـ مؤسسة
الرسالة ـ الطبعة الأولى ١٤١٧ هـ.
[ ط ]
* الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد ، ت ٢٣٠
هـ ، دار صادر ـ بيروت.
[ ع ]
* عقائد الإمامية ، محمّد رضا المظفر ، ت
١٣٨٣ هـ ، مركز الأبحاث العقائدية ـ سنة الطبع ١٤٢٢ هـ.
[ غ ]
* الغدير ، الأميني ، ت ١٣٩٢ هـ ، دار
الكتاب العربي ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة ١٣٩٧ هـ.
[ ف ]
* الفائق في غريب الحديث ، جار الله
محمود بن عمر الزمخشري ، ت ٥٨٣ ، وضع حواشية : إبراهيم شمس الدين ـ دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ١٤١٧ هـ.
* الفتاوى الكبرى ، ابن تيمية ، ت ٧٢٨ هـ
، طبع السعودية ـ سنة الطبع ١٤٠٥ هـ.
* فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن
حجر العسقلاني ، ت ٨٥٢ هـ ، دار المعرفة ـ بيروت ـ الطبعة الثانية.
* الفصول المختارة ، الشيخ المفيد ، ت ٤١٣
هـ ، تحقيق : السيّد علي مير شريفي ـ دار المفيد ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ.
* فيض القدير شرح الجامع الصغير ، محمّد
عبد الرؤوف المناوي ، ت ١٠٣١ هـ ، تصحيح : أحمد عبد السلام ـ دار الكتب العلمية ـ
بيروت ـ الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ.
[ ق ]
* القاموس المحيط ، الفيروزآبادي ، ت ٨١٧
هـ.
[ ك ]
* كمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ
الصدوق ، ت ٣٨١ هـ ، تحقيق : علي أكبر
الغفاري ـ مؤسسة
النشر الإسلامي ـ سنة الطبع ١٤٠٥ هـ.
* كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ،
علاء الدين علي المتقي الهندي ، ت ٩٧٥ هـ ، ضبط وتفسير : الشيخ بكري حياني ، تصحيح
وفهرسة : الشيخ صفوة السقا ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ سنة الطبع ١٤٠٩ هـ.
[ ل ]
* لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني ، ت
٨٥٢ هـ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ١٤١٦ هـ.
[ م ]
* المباهلة ، السيّد عبد الله السبيتي ،
تقديم : السيّد صدر الدين شرف الدين الموسوي ـ مكتبة النجاح ـ طهران ـ الطبعة
الثانية ١٤٠٢ هـ.
* مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، نور
الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ، ت ٨٠٧ هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ سنة الطبع
١٤٠٨ هـ.
* المراجعات ، السيّد عبد الحسين شرف الدين
، تحقيق : حسين الراضي ـ المجمع العالمي لأهل البيت عليهمالسلام
ـ الطبعة الأولى ١٤٢٢ هـ.
* المستصفى في علم الأصول ، أبو حامد
محمّد الغزالي ، ت ٥٠٥ هـ ، تصحيح : محمّد عبد السلام عبد الشافي ـ دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ سنة الطبع ١٤١٧ هـ.
* مسند أبي يعلى الموصلي ، ت ٣٠٧ هـ ، تحقيق
: حسين سليم أسد ـ دار المأمون للتراث ـ دمشق ـ بيروت.
* مسند أحمد بن حنبل ، ت ٢٤١ هـ ، دار
صادر ـ بيروت.
* المصنّف ، ابن أبي شيبة ، ت ٢٣٥ هـ ، تحقيق
: سعيد اللحام ـ دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ١٤٠٩ هـ.
* مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهمالسلام ، محمّد بن طلحة
الشافعي ، ت ٦٥٢ هـ ، تحقيق : ماجد بن أحمد العطية.
* معجم البلدان ، ياقوت بن عبد الله
الحموي ، ت ٦٢٦ هـ ، دار إحياء التراث
العربي١٣٩٩ هـ.
* المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد
الطبراني ، ت ٣٦٠ هـ ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ـ دار إحياء التراث العربي
ـ بيروت ـ الطبعة الثانية.
* معرفة علوم الحديث ، محمّد بن عبد
الله النيسابوري ، ت ٤٠٥ هـ ، تحقيق : لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق ، تصحيح
: السيّد معظّم حسين ـ دار الآفاق الحديث ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة ١٤٠٠ هـ.
* مفردات غريب القرآن ، الراغب
الاصفهاني ، ت ٥٠٢ هـ ، دفتر نشر الكتاب ـ الطبعة الثانية ١٤٠٤ هـ.
* المناقب ، الموفّق الخوارزمي ، ت ٥٦٨
هـ ، تحقيق : الشيخ مالك المحمودي ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ.
* مناقب آل أبي طالب ، ابن شهرآشوب ، ت
٥٨٨ هـ ، تحقيق : لجنة من أساتذة النجف الأشرف ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف
ـ سنة الطبع ١٣٧٦ هـ.
* ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، الذهبي
، ت ٧٤٨ هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٦ هـ.
[ ن ]
* نظم درر السمطين ، جمال الدين محمّد
الزرندي الحنفي ، ت ٧٥٠ هـ ، الطبعة الأولى ١٣٧٧ هـ.
* النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير
، ت ٦٠٦ هـ ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، محمود محمّد الطناحي ـ مؤسسة إسماعيليان
ـ قم ـ الطبعة الرابعة ١٣٦٤ش.
* نهج البلاغة ، للإمام علي عليهالسلام ، جمع : الشريف
الرضي ، تعليق : صبحي الصالح ، تحقيق : فارس تبريزيان ـ مؤسسة دار الهجرة ـ الطبعة
الأولى ١٤١٩ هـ.
[ ي ]
* ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي
الحنفي ، ت ١٢٩٤ هـ ، تحقيق : علي جمال أشرف الحسيني ـ دار الأسوة ـ الطبعة الأولى
١٤١٦ هـ.
|