


مقدمة المركز
الحمد
لله الواحد الأحد الذي تطمئن القلوب بذكره ، والصلاة والسلام علىٰ أبي القاسم محمد أشرف أنبياء الله ورسله ، وعلىٰ آله المنتجبين ، المطهرين ، وبعد
.
سبق
لمركز الرسالة أن أصدر في شأن الأُسرة كتابين من سلسلته المستمرة «سلسلة المعارف الإسلامية» كان الأول تحت عنوان «تربية الطفل في الإسلام» وتناول الثاني «آداب الأُسرة في الإسلام» وقد حملا الرقمين «٨» و«٢١» علىٰ الترتيب ، ثمّ جاء كتابنا الثالث هذا ليعالج هذا الموضوع الحسّاس من جوانبه الأُخرى. تقديراً منّا للحاجة المستمرة إلىٰ رفع مستوىٰ الوعي الديني
والثقافي في شأن الأُسرة ، اللبنة الأساس في المجتمع ، ومدرسة الإعداد الأولىٰ والأهم
لأفراده .
وتقديراً
ـ من ناحية أخرىٰ ـ لأهمية الحديث عن الاُسرة اليوم في خضم الصراع الحضاري والثقافي الدائر بين الإسلام كدين ونظام للحياة والمجتمع وبين الأنظمة المادية ، سواء في الشرق أو الغرب ، التي جعلت تفكيك الاُسرة أو تهميش الروابط الاُسرية جزءاً لا يتجزء من صياغاتها النظرية وبرامجها العملية ، مع ما تمتلكه هذه
الأنظمة المادية اليوم من عناصر قوة تمكنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلامية التي افتقدت منذ زمن عنصر المبادرة ، بل افتقدت إلىٰ حدٍ كبير
القدرة علىٰ التحصن الثقافي ضد أي غزو أو اختراق من هذا النوع .
وإذا
كان الإسلام يتمتع بقدراته الذاتية الفائقة بما يتوفر عليه من نظم شاملة ومتماسكة فإن المسلمين بحاجة دائماً إلىٰ مزيد من الوعي الذي يرتفع بمعارفهم
الإسلامية إلىٰ مستوىٰ الثقافة العملية المعاشة في الواقع ، من أجل
تقليل الفجوة بين
واقعهم
العملي وبين ما يستندون إليه من رصيد عقيدي وفكري اثبتت وتثبت تجارب الاُمم انه الرصيد الأكمل والأعظم ، شمولاً وعمقاً وتماسكاً ، من أي رصيد آخر تستند إليه أُمّة من أُمم الأرض .
فها
نحن نشهد في عصرنا الحديث صرخات الكثير من المفكرين وعلماء الاجتماع الغربيين وهي تتوجع من نظام تفكيك الاُسرة ومخلفاته السيئة علىٰ الفرد
والمجتمع ، مشفوعة باحصاءات علمية تؤكد دعواهم المستمرة إلىٰ المحافظة
علىٰ نظام الاُسرة وصيانة كيانها ، بل قد ذاق المجتمع الغربي نفسه مرارة واقعه الاُسري المفكك فظهرت جمعيات خاصة لمقاومة اتجاه النساء إلىٰ العمل خارج المنزل ، واُخرىٰ تدعو إلىٰ العودة إلىٰ الأديان السماوية وتعاليمها في
شأن الاُسرة.. فيما خصصت احدىٰ الحكومات الاسكندنافية أخيراً مكافئات مالية مغرية للآباء أيام الاجازات ، ترغيباً لهم في أن يقضوا أوقاتاً أطول مع أبنائهم .
ولكن
مهما بلغت هذه الصرخات من قوة وقدرة علىٰ التأثير فإنها ستبقىٰ معالجات سطحية إذا ما قورنت بالنظام الاُسري في الإسلام الذي تتوزع أركانه
علىٰ المجتمع والاُسرة والفرد ، ليضمن تحقيق الاستعداد التام لتكوين الاُسرة السليمة ، منذ مقدماتها الاُولىٰ ، متابعاً مراحل نشأتها وتكوينها ونموها ، في ما هو
اُسري بحت ، وفي ما يتجاوز اطار الاُسرة إلىٰ المجتمع . الأمر الذي يتطلب تحقيق المستوىٰ الأفضل من الوعي برسالة هذا النظام والمعرفة بتفاصيله التي تنتظم
في نسق متكامل لا يستغني فيه بعضها عن بعض .
من
أجل ذلك كلّه يتبنّىٰ مركز الرسالة هذا الكتاب الذي نرجو له أن يسهم في تعضيد بناء الأُسرة المسلمة علىٰ الأُسس القويمة ، لتكون أكثر صلابة أمام التحديات المعاصرة ، وأكثر متانة في أداء رسالتها في المجتمع .
والله
من وراء القصد
مركز
الرسالة
المُقدَّمةُ
الحمدُ
لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً وجعل بيننا مودةً ورحمة. والصلاة والسلام علىٰ رسوله الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين..
وبعد..
فقد احتل موضوع الاُسرة مكانةً مرموقة في برنامج الإسلام التغييري الواسع النطاق ، لكونها تشكل اللّبنة الأساسية الاُولىٰ في صرحه الاجتماعي.
ولم
ينصبّ اهتمام الإسلام علىٰ مرحلة تشكيل الأُسرة وتكوينها فحسب ، بل أولىٰ عناية خاصة لمرحلة ماقبل التأسيس ، وذلك بترغيب الشباب من الجنسين علىٰ العيش المشترك ضمن إطار الاُسرة كمجتمع صغير. فقد أشار إلىٰ المعطيات
الإيجابية المترتبة علىٰ العُلقة الزوجية ونفّر أشد التنفير من العزوبة. كما
تعرّض بشيء من التفصيل للمقومات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الحياة الزوجية ، وتطرّق للاُسس السليمة التي تتم بموجبها عملية اختيار الشريك ، تلك الاُسس التي ترتكز علىٰ نظافة القصد وسلامة النية.
وكان
من الطبيعي أن يحث الإسلام علىٰ التساهل في قضية المهر وشروط الزواج ومقدماته ، ازدادت عنايته أكثر بالاُسرة في مرحلة النشأة والتكوين ، فقد عمل
علىٰ توثيق العلاقة الجديدة بين الزوجين علىٰ مختلف الأصعدة.
فعلىٰ
الصعيد النفسي ومن أجل الارتقاء الروحي والإيماني للزوجين أكّد علىٰ توثيق علاقتهما بالله تعالىٰ ، وهو أمر له مردود إيجابي علىٰ علاقتهما
فيما بينهما ، ولا يخفىٰ بان توثيق العلاقة مع الخالق ، يؤدي ـ بالملازمة ـ إلىٰ تقوية
العلاقة مع المخلوق.
وعلىٰ
الصعيد التربوي ، دعا الإسلام إلىٰ تأسيس اُسرة تقوم علىٰ أُسس من التفاهم والانسجام ، والحب المتبادل والمعاشرة بالمعروف ، والشعور بالمسؤولية
تجاه
العائلة ، وكذلك الإنصاف والعدل ، وتقسيم العمل وتوزيع الأدوار وعدم إلحاق الضرر بالطرف الآخر ، وما إلىٰ ذلك.
وعلىٰ
الصعيد الأخلاقي أكّد علىٰ التمسك بعرىٰ الصبر الجميل ، والابتعاد عن الخيانة الزوجية وعدم خلع حزام العفة ، وتجنب الطعن في الشرف من خلال القذف وما إلىٰ ذلك ، وأيضاً تجنب الغيرة التي تكون لها ـ في غالب الأحيان ـ آثار
تدميرية علىٰ الاُسرة ، زد علىٰ ذلك دعوة الإسلام الملحة إلىٰ تحصين
سياج الاُسرة من خلال رعاية جانب الآداب والأخلاق الإسلامية من قبل كلا الزوجين.
ولم
يكتف الإسلام ـ كرسالة شمولية ـ بالجانب الوعظي ، أو الإرشادي ، بل صبّ توصياته بخصوص الاُسرة في قوالب قانونية واضحة وملزمة ، حدَّد فيها الواجبات الملقاة علىٰ الزوجين تجاه بعضهما البعض ، وتجاه أولادهما ، كما بيّن الحقوق
المترتبة علىٰ كلِّ فرد في الاُسرة.
هذه
الخطوط الرئيسة سوف تجد تفاصيلها في هذا البحث الذي اتّبعنا فيه المنهج النقلي ، وأردنا من خلاله الكشف عن موقف الإسلام الأصيل الذي تمثله مدرسة أهل البيت عليهمالسلام من موضوع الاُسرة ، وهو
الموضوع الذي يتزايد بشأنه اهتمام الرأي العالمي نتيجة للدعوات المظلّلة التي تصدر من الغرب ، وتدعو الشباب إلى التمرد علىٰ نظام الاُسرة بغية تقويضه ، إما من خلال سلوك طريق الرّهبنة
والعزوف عن الزواج ، أو الانجراف مع تيار الإباحية العارم الذي يتنصّل للقيم ويسعىٰ
نحو تحطيم النظم التقليدية ومنها نظام الاُسرة.
وقد
قسّمنا البحث إلىٰ مقدِّمة وثلاثة فصول ، نتعرض في :
الفصل
الأول : إلىٰ الاُسرة قبل التكوين.
أما
الفصل الثاني : فيتكفل ببيان عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها.
أما
الفصل الثالث : فهو مقارنة بين المنهج الإسلامي والمادي في بناء الاُسرة وما يترتب علىٰ المنهجين من آثار اجتماعية وتربوية وأخلاقية.
ومن
الله تعالىٰ نستمد العون والتوفيق
الفصل
الأول الاُسرة قبل التكوين في المنهج الإسلامي
يطلق لفظ الأسرة في اللغة علىٰ عشيرة
الرجل ورهطه الأدنون وأهل بيته لأنه يتقوىٰ بهم .
أما في الاصطلاح فإنّ مفهوم الاُسرة
يتطور عبر الزمان ويتأثر بالمكان ، ويطلق في الإسلام علىٰ الجماعة المكونة من الزوج والزوجة وأولادهما غير المتزوجين الذين يقيمون معاً في مسكن واحد ، وعندما نقيّد الاُسرة بقولنا : الاُسرة المسلمة ، فلابدّ لأفرادها من أن يكونوا في أفكارهم وعواطفهم وسلوكهم من الملتزمين بأحكام الإسلام .
فالدين الإسلامي ـ باعتباره منهجاً
شاملاً لجميع جوانب الحياة الإنسانية ـ أولىٰ الاُسرة أهمية خاصة في مفردات منهجه المتكامل ، ذلك لما لها من دور فعال يسهم في بناء إنسان صالح يشارك في خدمة المجتمع ورقيه وتنمية قدراته.
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنَّ
الإسلام يقدّم نظرته المثلىٰ قبل تشكيل
________________
الاُسرة ، كخطوة
استباقية لما يجب أن تكون عليه الاُسرة المسلمة ؛ لكي لا تنحرف عن مسارها الذي رسمه لها كمؤسسة تربوية أساسية في المجتمع ، وسوف نتناول هذا الموضوع من خلال المباحث التالية :
المبحث
الأول
أساليب
الإسلام في التشجيع علىٰ الزواج
يمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع
علىٰ الزواج باعتباره النواة الاُولىٰ لتكوين الاُسرة المسلمة ، كم خلال أُسلوبي الترغيب علىٰ الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.
أولاً : أُسلوب الترغيب :
قال تعالىٰ : ( وَأَنكِحُوا
الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .
فهذه الآية تدل علىٰ أمرٍ إلهي في
التشجيع علىٰ الزواج والوعد بتذليل العقبات الاقتصادية التي تعتريه.
كما كشف لنا القرآن الكريم ـ وفي معرض
الامتنان علىٰ البشرية ـ عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانية التي تعمُّ جميع الناس ، سواء منهم المسلم أو الكافر ، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودة والرحمة ،
________________
فقال عزَّ من قائل : ( وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
.
وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ
الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
قد وضّح لنا الرغبة الالهية للبناء الاسري القائم علىٰ أساس الزواج ، وذلك بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلىٰ الله من التزويج »
.
وحرص صلىاللهعليهوآلهوسلم
علىٰ إبراز المعطيات الإيجابية للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوج ، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج.. »
.
وبصرف النظر عما ورد في النقل ـ من آيات
وروايات ـ بخصوص الترغيب في الزواج فإن العقل يحكم بضرورته لكونه السبب المباشر وراء تشكيل أول خلية اجتماعية ، هي الاُسرة ، التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال.
ومن هذه الجهة يكشف لنا الإمام الرضا عليهالسلام ضرورة الزواج
الاجتماعية ، التي يستقل بادراكها العقل بغض النظر عن الشرع ، فيقول عليهالسلام
: «
لو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة منزلة ولا سُنَّة متبعة ، لكان فيما جعل لله فيها من برّ القريب وتآلف البعيد ما رغب فيه العاقل اللبيب ، وسارع إليه الموفق المصيب... » .
________________
كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعية
التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلىٰ هذا اليوم ، وهو دليل علىٰ كونه سنة فطرية حافظت علىٰ بقاء
النوع الإنساني ؛ ذلك لأن الأنواع تبقىٰ ببقاء نسلها ، ناهيك عن أنّ الذكر
والاُنثىٰ مجهزان بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد.. وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء ، وإن زيدت الاُنثىٰ بجهاز الارضاع والعواطف الفطرية الملائمة
لتربية الأولاد ، وقد أودع تعالىٰ كلا الجنسين غرائز انسانية تنعطف إلىٰ محبة
الأولاد ورعايتهم ، وتنقضي بكون كلّ منهما مسكناً للآخر ، وبلزوم تأسيس البيت ، إذن فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح .
وممّا يدل علىٰ أن الزواج أمر
فطري ، قول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من أحبّ فطرتي ، فليستنَّ بسنتي ، ومن سنتي التزويج »
.
وعليه فالزواج يقف سداً منيعاً يحول دون
الانحراف الجنسي ، وهو من أفضل الوسائل الوقائية التي تحصن الناس من الانزلاق إلىٰ هاوية الرذيلة ، وبالتالي الوقوع في الفتنة.
روي عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه قال : «
نزل جبرئيل علىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقال : يا محمد إنّ ربّك يُقرؤك السلام ويقول : إنَّ الأبكار من النّساء بمنزلة الثمر علىٰ الشجر ، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلّا اجتنائه ، وإلّا أفسدته
الشمس ، وغيرته الرّيح ، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النّساء فلا دواء لهن إلّا البعول ، وإلّا لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المنبر ، فجمع
________________
الناس ، ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزَّ
وجلَّ به » .
ولم يكتف الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين
علىٰ الزواج ، بل دعا المسلمين إلىٰ تحقيق أعلىٰ درجة من المشاركة والتعاون ومد يد العون
لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج ، ووعد كل من يساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل ، وثمة شواهد نقلية علىٰ هذا التوجه ، منها :
قال الإمام زين العابدين عليهالسلام : «
... ومن زوَّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها ، آنسه الله في قبره بصورة أحبّ أهله إليه »
وقال حفيده الإمام الكاظم عليهالسلام
: «
ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو خدمه أو كتم له سراً »
.
وفي هذا الإطار ، نجد دعوة ملحة لتوسيع
المشاركة الاجتماعية في هذه القضية الحيوية من خلال دفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهلين للزواج وفتح قنوات الاتصال والتعارف بين عوائلهم ، وكذلك مدّ جسور الفهم والتفاهم بين العروسين ، وهي أمور لابدّ منها حتىٰ يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس ، وعلىٰ نحو مدروس ، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.
ثم إنّ الوسيط أو الشفيع يساهم مساهمة
فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تعترض الجانبين ، ومن هنا أشاد أمير المؤمنين عليهالسلام بدور الشفيع أو الوسيط فقال : « أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في
نكاح ،
________________
حتىٰ يجمع شملهما »
.
المعطيات الإيجابية للزواج :
ومن ضمن أُسلوب « الترغيب » نجد من خلال
نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يبرز ـ بوضوح ـ المعطيات الإيجابية للزواج ، ويمكن تبويبها في النقاط التالية :
١ ـ الدخول في ولاية الله :
فلاشك أنّ من أقدم من الشباب علىٰ
الزواج أو من قدّم خدمة في هذا الشأن ، امتثالاً لأمر الله تعالىٰ ، ورغبة في رضاه ، سوف يُدخله الله
تعالىٰ في ولايته ، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنّه قال : «
من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله » .
ويفهم من ذلك بالدلالة الالتزامية أن من
يُحجم عن الزواج بدون سبب شرعي ، أو من يضع العراقيل في هذا السبيل ، فسوف يكون أقرب إلىٰ ولاية الشيطان. ولعل ذلك ما يفسر قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيّما شاب تزوج في حداثة سنّه عجّ شيطانه : يا ويله ! عَصَمَ مني دينه » .
٢ ـ امتثال سُنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وهي سُنَّة هادية راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح ، وتؤدي إلىٰ الفوز والفلاح ، وقد تجسدت بأقوال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
العديدة ، التي حث فيها الشباب
________________
علىٰ نبذ حياة
العزوبية ، كما تجسدت في أفعاله ، فقد تزوج مرات عديدة ، وزوج بناته أيضاً ، كما تمثلت في تقريره ، فلم يكتف بالسكوت عمن يتزوجون ، بل كان يسأل أصحابه ومن يحيط به عن أخبار الزواج ، فيبارك لمن تزوج منهم ويدعو له ، كما ويسأل العزاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج ، ويحاول حل مشاكلهم ويشفع أو يتوسط لتسهيلها ، وقد زوج « جويبر » مع فقره المدقع من « الزلفاء » مع ما هي فيه من الجاه والثراء.
فالزواج ـ إذن ـ اضافة إلىٰ أنّه
آية ربانية فهو سنّة نبوية يتوجب اتباعها ، والعمل بها ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني... » .
وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي ، قال
أمير المؤمنين عليهالسلام
موصياً : «
تزوجوا ، فإنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
كثيراً ماكان يقول : من كان يحبُّ أن يتّبع سنّتي فليتزوج ، فإنَّ من سنّتي التزويج »
.
٣ ـ إكتساب الفضيلة العالية :
فالمتزوج أفضل عند الله تعالىٰ ورسوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم
من الأعزب درجةً ، وأجزل ثواباً ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
المتزوج النائم أفضل عند اللهم من الصائم القائم العزب »
.
وروي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال : «
ركعتان يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب »
.
________________
وعن أبي الحسن عليهالسلام قال : «
جاء رجل إلىٰ أبي جعفر عليهالسلام
فقال له : هل لك من زوجة ؟ قال : لا ، فقال أبو جعفر عليهالسلام
: لا أحب أن لي الدنيا وما فيها وأن أبيت ليلة وليس لي زوجة ، ثم قال : إن ركعتين يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره »
.
ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل أنّ الأعزب
يكون عرضة لضغط الغريزة الجنسية فيشغل الجنس حيزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه ، الأمر الذي ينعكس ـ سلباً ـ علىٰ عبادته ، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجه الكلي نحو المعبود ، والابتعاد عمّا سواه.
وهناك من تضيق عدسة الرؤية لديه أو يفهم
الدين فهماً قاصراً ، فيرىٰ أنّ الرهبانية تكسب الإنسان فضلاً وكمالاً ، كما هو الحال عند بعض النصارىٰ وأهل
التصوف ، ولكن أهل البيت عليهمالسلام
يرفضون هذا الفهم القاصر ، فقد ورد عن الإمام الرضا عليهالسلام
: «
إنَّ امرأة سألت أبا جعفر عليهالسلام
فقالت : أصلحك الله إنّي متبتلة ، فقال لها : وما التبتل عندك ؟ قالت : لا أريد التزويج أبداً ، قال : ولِمَ ؟ قالت : ألتمس في ذلك الفضل ، فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليهاالسلام
أحقُّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلىٰ الفضل » .
٤ ـ الطهارة المعنوية :
فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد
علىٰ التطهّر من الآثام كالزنا واللواط وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم ، ومن أجل ذلك قال
________________
الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من سرّه أن يلقىٰ الله طاهراً مطهّراً ، فليلقه بزوجة صالحة » .
فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الاُمة
بعناصر شابة ، تجدد حيويتها ، وتقوم علىٰ أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدمها ، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
قد أفصح أكثر من مرّة عن رغبته في كثرة أفراد أمته ، ومن ذلك قوله : «
تناكحوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة حتىٰ بالسقط »
.
٥ ـ زيادة الرزق وحسن الخلق :
لقد طمئن الله تعالىٰ الذين يخشون
الدخول في عش الزوجية خوفاً من الفقر وما يوجبه من النفقة ، قائلاً : ( وَأَنكِحُوا
الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
.
( وهو وعد جميل بالغنىٰ وسعة
الرزق ، وقد أكّده بقوله ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ )
والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيئة من الله سبحانه ) .
وفي حديث الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم
ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج ، فقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
التمسوا الرزق بالنكاح »
، وأيضاً قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تزوَّجوا النساء ، فإنهنَّ يأتين بالمال »
.
وفي حديث ثالث يكشف لنا فيه عن معطيات اُخرىٰ
معنوية للزواج إضافة
________________
إلىٰ المادية
عندما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
زوّجوا أياماكم فإنَّ الله يُحسن
لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم »
.
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «
من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزَّ وجلَّ »
إنطلاقاً من الآية
المتقدمة التي تتضمن وعداً جميلاً بالمدد والمعونة.
ثانياً : أُسلوب الترهيب :
وبالاضافة إلىٰ أُسلوب «الترغيب» الذي
أشرنا إليه ، فقد اتّبع الإسلام أُسلوب التنفير من العزوبة والتحذير من عواقبها ، من أجل كسر أسوار العزلة ، وقطع الطريق علىٰ الذين يخلعون حزام العفة ، ويريدون التنصّل من المسؤولية الاجتماعية ، فالملاحظ أنه يشنّ علىٰ هؤلاء حملات شديدة ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
شراركم عزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم »
.
فالامتناع عن الزواج بلا عذر صحيح مذموم ومكروه ، ويجعل الفرد في زمرة المذنبين ، ويقرّبه من دائرة الشيطان ، إذ لا رهبانية في الإسلام كما هو معلوم ، ومن الشواهد علىٰ ذلك أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سأل رجلاً اسمه عكّاف : « ألك زوجة ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : ألك جارية ؟ قال : لا يارسول الله ؟
________________
قال : أفأنت موسر ؟ قال : نعم. قال : تزوّج وإلّا فأنت من المذنبين ». وفي رواية « تزوّج وإلّا فأنت من إخوان الشياطين »
ولقد بلغ الترهيب والتحذير لمثل هؤلاء
الممتنعين عن التزويج مخافة العيلة إلىٰ أقصىٰ حدوده حين قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منّا » .
المبحث
الثاني
أنواع
الزواج
ينقسم الزواج إلىٰ قسمين : دائم
ومنقطع ، وكل منهما يحتاج إلىٰ عقد مشتمل علىٰ إيجاب وقبول دالين علىٰ إنشاء المعنىٰ المقصود والرِّضا به
، ثم إنّ « النكاح المنقطع سائغ في دين الإسلام ، لتحقق شرعيته ، وعدم ما يدل علىٰ رفعه » .
وروي عن جابر قال : تمتعنا مع رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأبي بكر ، وما زلنا نتمتع حتىٰ نهىٰ عنها عمر .
وعن عبدالله بن مسعود ، قال : كنا نغزو
مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ليس معنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ، ألا نستحصن هنا بأجر ؟ فأمرنا أن ننكح المرأة بالثوب .
________________
ويدل عليه قوله تعالىٰ : ( .. فَمَا
اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً .. )
.
يقول العلّامة الطباطبائي في معرض
تفسيره للآية المتقدمة : (والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلاشك ، فإنّ الآية مدنيّة نازلة في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بعد الهجرة علىٰ ما يشهد به معظم آياتها ، وهذا النكاح ـ أعني المتعة ـ كان دائراً بينهم معمولاً عندهم في هذه البرهة من الزمن من غير شك ، وقد أطبقت الأخبار علىٰ تسلّم ذلك ، وأصل وجوده بينهم بمرأىٰ من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ومسمع منه لاشكّ فيه ، وكان اسمه هذا الاسم ، ولا يعبّر عنه إلّا بهذا اللفظّ ، فلا مناصّ من كون قوله تعالىٰ
: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ )
محمولاً عليه مفهوماً منه هذا المعنىٰ.. وجملة الأمر أنَّ المفهوم من الآية حكم نكاح المتعة ، وهو المنقول عن القدماء من مفسري الصحابة والتابعين كابن عباس وابن مسعود وأُبيّ بن كعب وقتادة ومجاهد والسدّي وابن جبير والحسن وغيرهم ، وهو مذهب أئمة أهل البيت عليهمالسلام)
.
ويمكننا أن ننظر إلىٰ هذا النوع
من الزواج ـ الذي يحاول البعض إثارة الجدل حوله ـ من زاوية العقل ، فالملاحظ أنّ الناس ليس كلهم بقادر علىٰ الزواج الدائم سيّما في هذا العصر لأسباب اقتصادية ، أو اجتماعية ، أو نفسية أو غيرها. فيدور الأمر بين ثلاثة أمور : إما الكبت الجنسي الموجب لأمراض خطيرة ، وإما الفساد والرذيلة الذي يؤدي إلىٰ تفكك بناء العائلة والمنظومة الاجتماعية وامتهان الكرامة الإنسانية ، وانعدام النسل السليم وانتشار الأمراض ، وإما
________________
العمل وفق الشريعة
الإلهية والسُنّة المحمدية القاضية بتحليل المتعة كاسلوب شرعي يعالج جذور المشكلة ويمنع الفساد والعزوبة.
ومن أجل ذلك شرّع زواج «المتعة» صوناً
للشباب من الوقوع في شباك الشيطان وممارسة الزنا واللواط وما إلىٰ ذلك من مظاهر الشذوذ والفساد ، وعليه لم يتجاوز الإمام علي عليهالسلام
الحقيقة عندما قال : « لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنا إلّا شقي »
.
وكيفما كان فإنّه لا فرق بين الزواج
الدائم والمنقطع في أنّ كلّاً منهما لا يتم إلّا بعقد ومهر ، وفي نشر الحرمة من حيث المصاهرة ، وفي وجوب التوارث بين أولاد المرأة المتمتع بها وبين أولاد الزواج الدائم وأيضاً سائر الحقوق المادية والأدبية ، وتبقىٰ فروق معدودة يراجع للوقوف عليها كتب الفقه.
المبحث
الثالث
مقدمات
الزواج في المنظور الإسلامي
أولاً : أُسس اختيار الشريك :
لا يخفىٰ بأنّ الإسلام يرشد
الزوجين إلىٰ الأُسس السليمة عند الاختيار ، ويكشف عن المواصفات التي يجب مراعاتها ، فهو يحث كلّاً من الزوجين علىٰ بذل الوسع واستنفاذ الجهد بغية التعرف علىٰ أوصاف شريك العمر ، وضرورة المشورة مع الأقارب وغيرهم لكون القضية حيوية لا تقتصر علىٰ سعادتهما بل
________________
تنعكس آثارها
علىٰ النسل.
وكان عباد الله الصالحون يطلبون المدد
والعون من الله تعالىٰ لكي يوفقهم لحسن الاختيار ، وأن يهب لهم الزوجة والذرية الصالحة ( وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )
.
وسوف نستعرض بإيجاز المواصفات المثالية
التي حددها الإسلام لكلِّ من الزوجين.
١ ـ مواصفات الزوجة الصالحة :
في ضوء قراءتنا الفاحصة للنصوص الواردة
في هذا الشأن ، نجد أنّ الإسلام يقدّم الارشادات المناسبة للزوج ، ويحدد له أسس اختيار الزوجة في ضوء معايير سليمة.
إنَّ الإسلام يرىٰ أنّ الوقاية
خيرٌ من العلاج ، لذلك يُسدي نصائحه بسخاء للزوج يحثه فيها علىٰ التثبت والتأني عند الاختيار حتىٰ لا يكون كحاطب
ليل لا يدري ما يجمع في حزمته ، وقد كشف له عن خطأ النظرة الأحادية الجانب التي تركّز علىٰ الجمال أو المال فحسب ، مؤكداً علىٰ النظرة الشمولية
التي تتجاوز الظواهر المادية ، بل تغوص نحو العمق لتبحث عن المواصفات المعنوية من دين وأخلاق وما إلىٰ ذلك.
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «
إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر ، لا لصالحتهنَّ ولا لطالحتهنَّ : فأما صالحتهنَّ فليس خطرها الذّهب والفضة ، هي خير من الذهب والفضة ، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب ، التراب خير منها »
.
________________
وقد أولىٰ الأئمة من عترة المصطفىٰ
عليهمالسلام
عناية خاصة لمسألة اختيار الزوجة ، وكانوا مع سموّ مقامهم ورجاحة عقلهم وكثرة تجاربهم ، يستشيرون الآخرين في هذا الشأن ، ومن الشواهد الدالة علىٰ ذلك ، أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام بعد وفاة فاطمة عليهاالسلام
: (لما أراد أن يتزوّج قال لأخيه عقيل : « انظر لي امرأة قد أولدتها الفحولة من بني العرب لأتزوَّجها فتلدُ لي غلاماً فارساً ».
وفكَّر عقيل قليلاً ثم قال لأخيه : تزوج أمُّ البنين الكلابية ، فإنَّه ليس في العرب
علىٰ وجه الإطلاق أشجع من آبائها.. وصار عقيل يُعدِّد أمجاد أعمام وأخوال أمُّ البنين ، فخطبها الإمام وتزوَّجها.. وأنجبت أمُّ البنين من الإمام أربعة ذكور.. هم
: العبّاسُ ، وعبدالله ، وجعفر ، وعثمان) .
وكان أهل البيت عليهمالسلام يسدون النصيحة
المخلصة لكلِّ من استشارهم في هذا الشأن ، فعندما استشار داود الكرخي الإمام الصادق عليهالسلام
قائلاً له : إنَّ صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، قال الإمام عليهالسلام : «
اُنظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه علىٰ دينك وسرّك ، وأمانتك فإن كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلىٰ الخير وإلىٰ حسن الخلق »
.
وما يبدو مثيراً للاهتمام أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته الأطهار عليهالسلام
يقدمون رؤيتهم المعرفية للشباب التي تكشف النقاب عن طبائع النساء ، وسوف نسلط الضوء علىٰ هذا المطلب قبل الخوض في تفاصيل مواصفات الزوجة الصالحة :
________________
طبائع النساء :
لقد كشف الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
ومن خلال أحاديث كثيرة في هذا المجال عن طبائع النساء المختلفة ، وذلك لتنمية وعي الشباب وتعميق خبرتهم لاختيار الأنسب والأفضل منهنَّ.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ألا أُخبركم بخير نسائكم ؟
قالوا بلىٰ. قال : إنَّ خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها الحصان عن غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تتبذّل له تبذّل الرجل »
.
وفي هذا الصدد يقول الإمام الباقر عليهالسلام : «
النساء أربعة أصناف : فمنهنَّ ربيع مربّع ، ومنهن جامع مجمّع ، ومنهن كرب مقمّع ، ومنهن غلّ قمّل.
فأما الربيع المربّع : فالتي في حجرها
ولد وفي بطنها آخر ، والجامع المجمّع : الكثيرة الخير المحصنة ، والكرب المقمّع : السيئة الخلق مع زوجها ، وغلّ قمّل : هي التي عند زوجها كالغل القمل ، وهو غلّ من جلد يقع فيه القمل فيأكله ، فلا يتهيأ أن يحلّ منه شيئاً ، وهو مثل للعرب »
.
وعن الإمام الرضا عليهالسلام قال : «
هنَّ ثلاث : فامرأة ولودٌ ، ودود ، تعين زوجها علىٰ دهره ، وتساعده علىٰ دنياه وآخرته ، ولا تعين الدهر عليه ،
وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خُلق ولا تعين زوجها علىٰ خير ، وامرأة صخّابة ، ولّاجة ، خرّاجة ، همّازة ، تستقل الكثير ولا تقبل اليسير »
.
________________
وفي هذا الاطار يلفت الإمام أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنظارنا إلىٰ قضية جوهرية لابدّ أن تستحضر في الذهن عند الاختيار ، وذلك في قوله عليهالسلام : «
خيار خصال النساء شرار خصال الرجال : الزهو ، والجبن ، والبخل ، فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها ، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها ، وإذا كانت جبانة فرَقت من كلِّ شيءٍ يعرض لها »
.
وهكذا نجد أنّ أهل البيت عليهمالسلام يؤكدون علىٰ ضرورة
الاختيار الحر والواعي لشريكة العمر ، ومن خلال استقراء الآيات والروايات الواردة حول مواصفات الزوجة الصالحة ، وجدنا بالإمكان تصنيفها إلىٰ قسمين رئيسين :
أ ـ مواصفات دينية ومعنوية :
إنَّ من الأهمية بمكان أن تكون الزوجة
ذات دين يعصمها عن الخطأ والخطيئة ، ويزرع في وعيها العقيدة الصحيحة والآداب السامية التي ستنقلها بدورها إلىٰ أبنائها ، ولأجل ذلك حرم الإسلام الزواج من المشركات ، قال تعالىٰ : ( وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ )
.
ولأجل أنّ الدين له مدخلية كبرىٰ
في استقامة الزوجة ، أوصىٰ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
الشباب بأن لا ينظروا بعين الشهوة والطمع لمن يرغبون الاقتران بها كأن يركّزون علىٰ جمالها ومالها ، بل عليهم في المقام الأول أن ينظروا
إلىٰ دينها وتدينها ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تنكح المرأة علىٰ أربع خلال : علىٰ مالها ، وعلىٰ دينها ، وعلىٰ جمالها ، وعلىٰ حسبها ونسبها ، فعليك
بذات
________________
الدين »
. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
موصياً : «
من تزوج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها لم يرَ فيها ما يحبّ ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا وكّله الله إليه ، فعليكم
بذات الدين » .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تتزوجوا النساء لحسنهنَّ ، فعسىٰ حسنهنَّ أن يرديهنَّ ، ولا تتزوجوهنَّ لأموالهن فعسىٰ أموالهنَّ أن تطغيهنَّ ، ولكن تزوجوهنَّ
علىٰ الدين » .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «
إذا تزوج الرّجل المرأة لمالها أو جمالها لم يُرزق ذلك ، فإن تزوجها لدينها رزقه الله جمالها ومالها »
.
ومن المسائل المعنوية التي تتطلب
الاشارة في هذا المقام والأخذ بنظر الاعتبار ، هي مسألة النسب والحسب فإنه لا نزاع في أنَّ للنسب دوراً خطيراً في بناء شخصية الإنسان وإرساء دعائمها الأساسية.
إنَّ كثيراً من الصفات المعنوية
والجسدية يرثها الإنسان عن آبائه وأخواله وأجداده وهي تتحكم في رسم معالم شخصيته ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تخيّروا لنطفكم ، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنَّ »
.
وفي هذا الصدد قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
تزوَّجوا في الحجز الصالح ، فإنَّ العرق دسّاس » .
________________
ممّا تقدّم يتّضح لنا أنّ الاقتران بذات
الدين هو قطب الرحىٰ في توجهات القرآن والسُنّة ، وذلك لإرساء أُسس متينة تقوم عليها الحياة الاُسرية ، وبدون ذلك يصبح البناء الاُسري متزلزلاً كالبناء فوق رمال متحركة ، وقد ورد عن الإمام الباقر عليهالسلام
: «
أتىٰ رجل إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يستأمره في النكاح ، فقال : نعم إنكح ، وعليك بذوات الدين تربت يداك »
.
ولابدّ من التنويه علىٰ أنّ
المراد من كون الزوجة ذات دين ، قد يشمل بإطلاقه الكتابية فقد (اتفقت مذاهب السُنّة الأربعة علىٰ صحة الزواج من الكتابية ، واختلف فقهاء الشيعة فيما بينهم ، فقال أكثرهم : لا يجوز للمسلم أن يتزوج اليهودية والنصرانية ، وقال جماعة من كبارهم ، منهم الشيخ محمد حسن في الجواهر ، والشهيد الثاني في المسالك ، والسيد أبو الحسن في الوسيلة بالجواز) .
ومهما يكن الأمر ، فإنًّ الذي لاشكّ فيه
هو تفضيل الزوجة المسلمة ؛ لأنّ الإسلام هو أكمل الأديان ، ويحصن المرأة عقائدياً وسلوكياً ، ويؤهلها للدخول إلىٰ عش الزوجية ، ويوجب عليها طاعة زوجها وعدم خيانته في عرضه وماله ، فعن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : «
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله »
.
ومن المؤكد أنّ مجرد الإسلام لا يكفي
بدون الصلاح ، فكثير من المسلمات
________________
غير الملتزمات يضربن
بتعاليم الإسلام السمحة عرض الحائط عند عدم انسجامها مع رغباتهن الجامحة أو عند تصادمها مع مصالحهن. وعليه فمن الأهمية بمكان اختيار الزوجة المسلمة الصالحة فهي التي تصنع للزوج اكليل سعادته.
ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من سعادة المرء الزوجة الصالحة »
.
وصفوة القول أنّ الإسلام يرشد الشاب أن
يتبع ميزاناً معيارياً يرجّح فيه الصفات المعنوية كالدين والصلاح عند اختيار الزوجة ، قال تعالىٰ : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ .. ) .
ب ـ مواصفات جسمية وعقلية :
فمن الحقائق الموضوعية أنَّ سلامة جسم
المرأة وعقلها له دور فعّال في تربية الأطفال وتقويم شخصيتهم ، ليكونوا أفراداً صالحين يسهمون في بناء المجتمع وتطويره.
ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة
، لذا نبّه علىٰ ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسمية والعقلية لكلا الزوجين ، وجعل لكل منهما الخيار في فسخ العقد ، فيما إذا ما تبين أنّ أحدهما كان مصاباً بعيب جسماني أو خلل عقلي ، وحول هذه المسألة قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
إنّما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل »
.
وبالاضافة إلىٰ وجوب التأكد من
سلامة الزوجة من العيوب الجسدية
________________
الموجبة لفسخ العقد ،
لابدّ من التركيز علىٰ سلامتها العقلية حتىٰ لا تكون مجنونة أو حمقاء تسيء التصرف ولا تضع الشيء مواضعه ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
محذراً الشباب من العواقب الاجتماعية والتربوية الوخيمة :
« إيّاكم وتزوّج الحمقاء ، فإنَّ صحبتها ضياع ، وولدها ضياع »
.
وينبغي الإشارة هنا إلىٰ أن
الإسلام (يجوّز ـ للرجل ـ أن ينظر إلىٰ وجه امرأة يريد نكاحها ، وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها. وله أن يكرر النظر إليها ، وأن ينظرها قائمة وماشية. وروي : جواز النظر إلىٰ شعرها
ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب) .
ومن يستقرئ النصوص الواردة في هذا
الخصوص ، يجد أنها تزوّد الشاب برؤية كاملة عن المواصفات الجسمية المطلوبة ، ومن خلال قراءتنا الفاحصة يمكن تصنيفها إلىٰ الفقرات التالية :
أولاً ـ مواصفات جسمية عامة :
تتناول اللّون والقامة والسِّن وغيرها ، منها ما ورد في قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تتزوجنَّ شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة ولا هيدرة ولا لفوتاً » .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : «
تزوّج عيناء سمراء عجزاء مربوعة ، فإن كرهتها
________________
فعليَّ الصداق »
.
وعنه عليهالسلام
قال : «
من أراد الباءة فليتزوج بامرأة قريبة من الأرض ، بعيدة ما بين المنكبين ، سمراء اللّون ، فإن لم يحظ بها فعليَّ مهرها »
.
وهكذا نجد أنَّ هذه الأحاديث وغيرها
كثيراً تلفت نظر الشاب وتوقفه علىٰ المواصفات الجمالية في المرأة حتىٰ يتمكن من انتخاب الزوجة التي تتناسب مع ذوقه وتحقق رغبته وحتىٰ تقر عينه ولا يتطلع إلىٰ أعراض الآخرين ، زد
علىٰ ذلك يُحيطه علماً بأنّ لبعض المواصفات الجسمية للمرأة مدخلية في الانجاب لذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
موصياً : «
تخيّروا لنطفكم ، وانتخبوا المناكح ، وعليكم بذات الأوراك ، فإنَّهنَّ أنجب »
.
ثانياً ـ الوجه الحسن :
يفضل أن تكون المرأة حسناء ذات وجه صبوح ، تدخل السرور والبهجة علىٰ نفس زوجها عندما يقع نظره عليها ، قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً ، وأقلهنَّ مهراً » .
وفي الوقت الذي فضّل فيه أن تكون المرأة حسناء ، فقد حذّر ـ بشدّة ـ من اختيار المرأة الحسناء التي نشأت وترعرعت في بيئة فاسدة أو وسط اجتماعي منحرف ، وقد (قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خطيباً فقال : « أيُّها الناس ، إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في
________________
منبت السوء » ).
كما حذّر صلىاللهعليهوآلهوسلم من اختيار الحسناء غير الولود قائلاً : « ذروا الحسناء العقيم ، وعليكم بالسوداء الولود ، فإني مكاثر بكم الاُمم حتىٰ بالسقط » .
وعليه يفضل اختيار الحسناء بشرط أن تكون
خيّرةً ولوداً نشأت في تربة صالحة وبيئة ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا ، هنَّ أجمل من الحور العين »
.
ثالثاً ـ جمال الشعر :
قال علي بن الحسين عليهالسلام
: «
إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فإنَّ الشعر أحد الجمالين »
.
رابعاً ـ طيب الريح :
فلاشكّ أنّ له مدخلية في المواصفات الجسمية المثالية ، فالمرأة الطيبة الريح تجذب قلب زوجها كما يجذب شذا الأزهار النحل ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تزوّجوا الابكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواهاً.. »
، وعن علي ابن الحسين عليهالسلام
قال : «
خير نسائكم الطيبة الريح.. »
. وهكذا نجد أنّ الرسول وأهل بيته عليهمالسلام
يقدمون للشباب المواصفات الجمالية الكاملة ليضعوها
________________
نصب أعينهم عند
اختيار شريكة العمر.
٢ ـ مواصفات الزّوج المثالي :
لقد كفل الإسلام للمرأة حق اختيار شريك
العمر وأرشدها إلىٰ جملة من المواصفات التي يفضّل أن يتصف بها الشريك الصالح ، ونظراً لكون المرأة بطبعها عاطفية ورقيقة الحسّ ويغلب عليها الحياء ، فقد جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها ، وشرّك بينهما في عملية الاختيار التي تلعب دوراً مهماً في تحديد مصير البنت ومستقبلها.
وأبرز المواصفات التي يجب توفرها في
الزّوج المثالي هي :
أ ـ أن يكون متديناً وذا خُلق حسن :
وهما من أهم مرتكزات البناء الزوجي النموذجي ، فالرجل الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيد بخُلق ، سوف يجعل حياة الزوجة جحيما لا يطاق ، وبالمقابل فإن الزوج المتدين الذي يتحسس المسؤولية في الحياة ، ويشعر برقابة الله الدائمة ، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة
سوف يوفّر لها سبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجية.
وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا
السياق ، متمثلة في احدىٰ بنات شعيب عليهالسلام
التي أدركت ببصيرتها الإيمانية وتجربتها القصيرة مع موسىٰ عليهالسلام أنّه تتجسد فيه المواصفات الجسمية والخُلقية معاً فقد كان قوياً وأميناً ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ ... )
. (يا أبتِ استأجره
لرعي ماشيتنا ، ليكفينا مؤنة هذا العمل ، فهو قوي وأمين ، وكأنّ النبي قد فطن إلىٰ المراد ، فأسرع إلىٰ
تحقيق رغبة
________________
ابنته ، وطلب
إلىٰ موسىٰ أن يخدمه فيرعىٰ غنمه ثماني سنوات لقاء أن يزوجه بإحداهما.. فقبل موسىٰ طلب شعيب عليهالسلام)
.
فهذه سابقة قرآنية تجعل من ابنة شعيب عليهالسلام قدوة حسنة لكلِّ
امرأة تبحث عن الزوج المثالي.
وروي عن الحسين بن بشار قال : كتبت
إلىٰ أبي جعفر عليهالسلام
في رجل خطب إليَّ فكتب : «
من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته ، كائناً من كان فزوجوه ، ( إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي
الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ )
» .
وكان آل البيت عليهمالسلام يمارسون مع أولياء
أمور النساء حواراً إقناعياً ، يستند إلىٰ القرآن ، أو إلىٰ المعطيات الواقعية ، ولا يكتفون بإسداء النصائح
المجرّدة ، ومن الشواهد الدالة علىٰ هذا التوجه : (جاء رجل إلىٰ الإمام الحسن عليهالسلام يستشيره في تزويج ابنته ، فقال : « زوّجها من رجل تقي ، فإنّه إن أحبّها
أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها » .
ولاشكّ أن هذه النصائح إذا دُعمت
بالمعطيات وعزّزت بالحقائق والشواهد ، فسوف ترسخ قناعة الآباء بها ، ويأخذونها علىٰ محمل الجد ويتصرفون في ضوئها.
وفي موقف آخر أسدىٰ الإمام الرّضا
عليهالسلام
نصيحته المخلصة إلىٰ ولي أمر إحدىٰ الفتيات مدعمة بالدليل القرآني ، ليزيل غشاوة الشك من قلبه ، قال له : «
إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ، ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال
________________
الله تعالىٰ : ( وَإِن يَتَفَرَّقَا
يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ )
وقال : ( إِن يَكُونُوا
فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )
.. » .
وينبغي الإشارة في نهاية هذه الفقرة
إلىٰ أن الشرف لا ينحصر مصداقه في الحسب والنسب فحسب ، كما كان الحال في عهد الجاهلية ، يل يتجسد مصداقه الأعلىٰ في الانتساب إلىٰ الإسلام واعتناق مبادئه السامية ، والتحلّي بفضائله العالية ، هذا هو معيار التفاضل الكامل بين الناس ، ويجب أن يكون مقياساً أساسياً لانتخاب الزوج المثالي ، بدليل قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
انكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، وانكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب ، ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام » .
ب ـ أن لا يكون شارباً للخمر :
لو صرفنا النظر عن الآثار الضارة التي يتركها الخمر علىٰ الوراثة ، فإن له آثاراً اجتماعية مأساوية علىٰ الزوجة
، فانشغال الزوج المدمن علىٰ الخمر بشؤونه الخاصة وحرصه الدائم علىٰ إرواء
غليله من الشراب ، يجعله لا يهتم بزوجته وأطفاله ، وقد يمتنع عن دفع المصاريف اللازمة لاعالتهم ، الأمر الذي يؤدي إلىٰ جملة مساوئ اجتماعية
أقلّها انفصام عُرىٰ العلاقة الزوجية وتفكك الروابط الاُسرية ناهيك عن انحراف الاطفال وتسيبهم.
قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من شرب الخمر بعدما حرَّمها الله ، فليس
________________
بأهل أن يتزوّج إذا خطب »
.
وقال الإمام الصادق عليهالسلام محذراً : «
من زوّج كريمته من شارب خمر ، فقد قطع رحمها » .
جـ ـ أن لا يكون معروفاً بالزنا :
فكما حذّر آل البيت عليهمالسلام
من الاقتران بالمرأة التي تخلع ثوب العفاف والفضيلة ، كذلك حذّروا من الرّجل الذي يخلع ثوب الحياء ويجاهر بالزنا ، وليس أدلُّ علىٰ ذلك ممّا ورد عن الحلبي قال : قال
الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزنا ، إلّا أن تعرفوا منهما التوبة »
.
ومن جميع ما تقدم نجد أنّ الإسلام يُرشد
الفتاة وأولياء أمرها إلىٰ جملة من المواصفات المثالية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار شريك العمر ، كما حذر الإسلام من القرار الارتجالي غير المدروس أو المرتكز علىٰ أسس مصلحية ، فانه يضع الفتاة رهينة بيد الرجل الذي له حق القيمومة عليها وملك زمام أمرها.
دور العاطفة في الاختيار :
وينبغي التطرق هنا إلىٰ نقطة
جوهرية تتعلق بالزوجين معاً ، وهي أن لايكون اختيار أحدهما للآخر قائماً ـ من حيث الأساس ـ علىٰ العواطف فحسب ؛ لأنّ هذا الاختيار قد يسقط من الحساب سائر المواصفات الكمالية المطلوبة ، يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
.. حبّك للشيء يعمي
________________
ويصمُّ.. » . وصاحب الهوىٰ ـ علىٰ الأغلب ـ ينساق لعاطفته المتأججة ، فيغض الطرف عن عيوب المحبوب ، ويسد منافذ سمعه عن نصائح الآخرين ولو كانت صادقة ومخلصة ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « عين المحبّ عمية عن معايب المحبوب ، وأذنه صمّاء عن قبح مساويه » .
صحيح أنّ العاطفة والود أو الانسجام النفسي من العوامل المساعدة علىٰ إدامة واستمرار الرابطة الزوجية ، وأن الإسلام قد أعطىٰ الشاب الحق في انتخاب المرأة التي يميل إليها ، فعن ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلتُ إني أردت أن أتزوج امرأة وإن أبويّ أرادا غيرها ، قال : « تزوج (التي) هويت ، ودع التي هوىٰ أبواك » .
ولكن الصحيح أيضاً أنّ تجاهل المواصفات والنصائح التي عرضها الشرع أو التي أسسها العقل سوف يؤدي إلىٰ نتائج لا تحمد عقباها في المستقبل وخصوصاً بعد أن تنقشع غشاوة العواطف العمياء عن القلوب أو تبرد حرارتها عندها تظهر العيوب بادية للعيان ، وعليه فيجب أن لا تكون عاصفة الهوىٰ هي محور الاختيار دون النظر والتعقّل في توفّر المواصفات المطلوبة في المحبوب.
الأمر الآخر الذي يجب التنويه به هو ضرورة تمسك الزوجين بمبادئ الإسلام وقيمه الأخلاقية قبل الاقتران ، فتدين الرجل أو المرأة يجنبهما الخوض في مغامرات عاطفية قد تعصف بعشّ الزوجية ، ويتأكد هذا الأمر في المرأة ذات الطبيعة العاطفية التي قد تتعرض لعوامل الاغراء فتقع في الشباك التي ينصبها لها الفسّاق.
________________
ثانياً : الكفاءة بين الزوجين :
لقد أشار القرآن الكريم إلىٰ هذه المسألة بصورة صريحة ، قال عزَّ من قائل : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ.. ) . وهذه الرؤية القرآنية نجد تأكيداً عليها في السيرة النبوية المطهّرة ، خصوصاً وأنّ المساواة بين غير المتكافئين ظلم واجحاف لا يقرّه الشرع ولا ينسجم مع منطق العقل.
قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وانكحوا الأكفاء ، وانكحوا فيهم ، واختاروا لنطفكم » .
وفي هذا السياق يُحدد الإمام الصادق عليهالسلام الخطوط العامّة للكفاءة الزوجية بقوله : « الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار » وعند التمعن في هذا الحديث نجد أنّ الإمام عليهالسلام يركّز علىٰ أهمية توفّر شرطين أساسيين في الكفاءة يتوقف عليهما نجاح الحياة الزوجية وضمان استمرارها ، وهما الشرط الأخلاقي المتمثل بالعفة ، والشرط الاقتصادي المتمثل باليسار.
وبتعبير آخر أنّه يرىٰ أنّ الكفاءة التامة تتحقق بتوفر البعدين المعنوي والمادي معاً ، فميزان الكفاءة الحقّة ـ إذن ـ يجب أن يقوم في إحدىٰ كفتيه علىٰ الأخلاق والفضيلة ، وعلىٰ التمكن من الانفاق في الكفة الاُخرىٰ ، هذه هي النظرة الواقعية للكفاءة ، فالإسلام لا يريد من الرجل أن يكون راهباً يقبع في أحد
________________
زوايا الدار أو
المسجد للعبادة والنسك ويترك زوجته وأطفالها عرضة لعوامل الفقر والفاقة ، كما لا يرتضي أن يكون غنياً في غاية الثراء ولكن لا رصيد له من الفضيلة والعفة.
كان أمير المؤمنين علي عليهالسلام لما خطب فاطمة عليهاالسلام فقيراً حتىٰ إنّ
نساء قريش قد عيّرنها بفقره ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أما ترضين يا فاطمة أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، إن الله تعالىٰ أطلع إلىٰ أهل الأرض
اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبياً ، وأطلع إليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصياً ، وأوحىٰ الله إليَّ أن أنكحك إياه .. »
فضحكت فاطمة عليهاالسلام
واستبشرت.. .
هذا الموقف الذي سجّله التاريخ بسطور من
نور ، يُعطي الشباب درساً في الاختيار السليم لكي يضعوا نصب أعينهم الكفاءة المعنوية ويمنحوها الأولوية.
وما تقدم شاهد عملي من السُنّة
علىٰ أهمية مراعاة الكفاءة بين الزوجين ، وليست الكفاءة منوطة بزخرف الحياة المادية بقدر ما تتحقق بالتماثل والتشابه من السجايا والطباع ، وقد (أعربت عن ذلك زوجة معاوية ، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء ، وحنّت إلىٰ فتىٰ أحلامها ،
وإن كان خلواً من كلِّ ذلك ـ فقد كانت مطلّقة وتزوّجت من معاوية ، فلم تذق معه طعم السعادة ولم ترضَ عن أخلاقه ـ فأنشدت :
لبيت تخفق الأرواح فيه
|
|
أحبُّ إليَّ من قصـر منيف
|
ولبس عباءة وتقر عيني
|
|
أحبُّ إليَّ من لبس الشفوف
|
________________
وخرق من بني عمـي نجيب
|
|
أحبُّ إليَّ من علج عنيف
|
إذن من الأهمية بمكان أن توجد حالة من
التكافؤ بين الزوجين ، وعلىٰ الخصوص في الجانب الإيماني والاخلاقي والعلمي ، وقد أشار الفقهاء إلىٰ هذه المسألة المهمة ، يقول المحقق الحلي قدسسره
: (الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان ؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وإن تأكّد استحباب الإيمان ، وهو في طرف الزوجة أتمّ ؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها..) .
ثالثاً : نظافة القصد وسلامة النيّة :
الإسلام يريد للعلاقة الزوجية أن تبتني
علىٰ أسس معنوية سليمة ، فهو يريد لها نظافة القصد وطهارة الغاية وسلامة النية ، كونها علاقة تترتب عليها أهداف سامية تتمثل بإدامة التناسل وتنشئة الأجيال ، ومن هنا ورد عن الإمام علي بن الحسين عليهالسلام
أنّه قال : «
من تزوّج لله عزَّ وجل ولصلة الرحم توّجه الله تاج الملوك »
وعليه فالقصد السليم يؤدي إلىٰ التكريم من قبل الله تعالىٰ ، فهو العالم بدخائل النفوس وخوالج القلوب ، وقد هدّد الذين يتخذون من رابطة الزواج المقدسة مادة للتفاخر والرياء ووسيلة لايقاع الأذىٰ أو الحصول
علىٰ المنافع والمطامع غير المشروعة ، قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من نكح امرأة حلالاً بمال حلال غير أنّه أراد بها فخراً ورياء لم يزده الله عزَّوجلَّ بذلك إلّا
________________
ذلّاً وهواناً وأقامه الله بقدر ما
استمتع منها علىٰ شفير جهنم ثمَّ يهوي فيها سبعين خريفاً » .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «
إذا تزوّج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك فإن تزوّجها لدينها رزقه الله عزَّوجلَّ مالها وجمالها »
.
وهكذا يظهر لنا جلياً أنّ الإسلام يريد
من الزواج الذي هو أحب بناء إلىٰ الله تعالىٰ أن يبتني علىٰ هدف نبيل وقصد سليم ، وعليه فهو يُكرم أصحاب
القلوب السليمة ، ويُنذر ذوي النوايا السيئة بسوء العذاب.
رابعاً : البساطة في المهر والصداق :
ليس خافياً علىٰ أحد بأنّ الإسلام
يسعىٰ لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين
الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها علىٰ الوجه الأكمل ، وفق قوله
تعالىٰ : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً .. )
، فإنّه يحث النساء
وأولياءهنّ علىٰ عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلىٰ عدم التعسف عند استيفائه.
________________
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة
اقتصادية تحول دون الإقدام علىٰ الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها .. »
وقال أيضاً : «
أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » .
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام
مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «
الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها.. ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول
: «
من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها »
.
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد
المرأة التي تتصدق بصداقها علىٰ زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام
، عن آبائه عليهمالسلام
قال : «
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ما من امرأة تصدّقت علىٰ زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلّا كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » .
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من
المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب علىٰ المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة
________________
والضغينة التي قد تجد
متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذىٰ بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتىٰ يبقىٰ ذلك في نفسه عليها حسيكة »
.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة »
.
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة
إلىٰ أن الإسلام يحثُّ علىٰ عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : (إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليهاالسلام
والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، والاُوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهمالسلام)
.
والظاهر أن نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم
أراد من تحديده لمهر الزهراء عليهاالسلام
بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليهاالسلام
، فعن جابر الانصاري قال : (لما زوّج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فاطمة عليهاالسلام
من علي عليهالسلام
أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه) .
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه
القضية بمنتهىٰ المرونة إذ إنّه لم يجعل
________________
مهر السُنّة الذي هو
مهر الزهراء عليهاالسلام
واجباً علىٰ الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما علىٰ الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب علىٰ مصراعيه في الحث علىٰ تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
خامساً : مراسيم الزّواج :
نظراً لأهمية وقدسية الزوّاج فقد وضعت
له مراسيم خاصة تنسجم مع مبادئ الإسلام ورؤيته السليمة ، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الاسراف والتكلف ، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.
وتبدأ هذه المراسيم العبادية ـ الاجتماعية
منذ أن يقرر الشاب الزواج بأن يصلي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء ، فقد روي أنَّ الإمام الباقر عليهالسلام سأل أبا بصير ، قائلاً له : « إذا تزوج أحدكم كيف يصنع ؟
فقال : لا أدري عليهالسلام
: إذا
همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل : (اللهمَّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً ، وأعفّهن فرجاً ، وأحفظهنَّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهن رزقاً ، وأعظمهن بركة ، وأقضِ لي منها ولداً طيباً ، تجعله لي خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي) »
.
بعد ذلك ينتخب الزوجة الصالحة ، وفق
المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك باحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلىٰ أهل المرأة ، ويستحب أن يلقي الخطيب أو من ينوب عنه خطبةً يستهلها بآيٍ من
________________
القرآن الكريم والحديث
الشريف ، ثم يفضىٰ إلىٰ ذكر الغرض ، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلىٰ ذلك ، وفي السيرة النبوية وتراث
الأئمة المعصومين عليهمالسلام
كثير من الخُطب المأثورة عنهم عليهمالسلام
في الزواج ، منها خطبة الإمام الرضا عليهالسلام
لنفسه في زواجه من أم حبيبة ، وخطبة ولده الإمام الجواد عليهالسلام لنفسه في زواجه من أم الفضل ، وغيرهما.
ويستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه
، وإيقاعه ليلاً ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأطعموا ضُحىٰ »
.
ويستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو
يومين ، وأن يُدعىٰ لها المؤمنون.
واتضح من خلال هذه المراسيم أن السمة
الغالبة عليها هي عبادية فضلاً عن كونها اجتماعية ، توجّه الزوجين للارتباط بالله تعالىٰ واستمداد العون
والتوفيق منه ، ثم يتخللها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والاطعام الذي يُذكر فيه ـ عادة ـ الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.
ثم تأتي مراسيم الزفاف ، ومما يدل
علىٰ أهميتها أنه (لما كانت ليلة الزفاف ـ لفاطمة علىٰ الإمام عليّ عليهماالسلام
ـ أتىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ببغلته الشهباء ، وثنىٰ عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : « اركبي »
، وأمر سلمان رضياللهعنه
أن يقودها ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يسوقها ، وكبّر صلىاللهعليهوآلهوسلم
فوضع التكبير علىٰ العرائس من تلك الليلة) .
وهكذا تتم هذه المراسيم العالية في أجواء من الطهر والفضيلة ، تتفجر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة ، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلىٰ الله تعالىٰ لكي
يبارك للعروسين حياتهما الجديدة.
________________
الفصل
الثاني عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها
المبحث
الأول :
عناية
الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين
يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة
توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما ، حتىٰ يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.
فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع
الخالق تنعكس آثاره النافعة علىٰ المخلوق ، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين ، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :
أولاً : المواظبة علىٰ الطاعات :
الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق
المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي « الصلاة » في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فيستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ علىٰ سلوكه وتعامله مع
عائلته ، لا سيّما
وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالىٰ مخاطباً الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ( .. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ .. ) .
ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء ، يأمرون
أهلهم بالمحافظة علىٰ الصلاة ، ومن أبرز الشواهد علىٰ ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل عليهالسلام السوّي ، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالىٰ : ( وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا *
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا )
.
كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً
للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلىٰ نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصّن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ
مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ *
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ) .
فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من
الزوجين أحدهما الآخر علىٰ المحافظة علىٰ الصلاة التي تقربهما إلىٰ الله تعالىٰ وتبعدهما
عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال
________________
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّىٰ وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها ، فإن أبىٰ نضحت في وجهه الماء »
.
وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر
إلىٰ أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها ، ويكفي شاهداً علىٰ ذلك ما ورد في
وصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
للإمام علي عليهالسلام
: «
.. يا علي ثمانية لايقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط.. »
.
من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات
التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوىٰ وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.. )
.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لاخلاص الخلق.. » .
ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.
ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من
الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام
أنها قالت : «
ما يصنع الصائم بصيامه إذا
________________
لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه »
. فهو يقوم بعملية
ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين ، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر عليهالسلام
: «
والصيام والحجّ تسكين للقلوب » .
ثانياً : ممارسة المندوبات :
وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء
الواجبات ، فتساهم في رفع إيمان الزوجين إلىٰ آفاق عالية ، وتحيط حياتهما الزوجية بهالة من الروحانية ، وقبل كل ذلك تقربهما إلىٰ الله زلفىٰ ، قال الإمام الكاظم عليهالسلام : «
صلاة النَّوافل قُربان إلىٰ الله لكلِّ مؤمن » .
ويأتي ذكر الله تعالىٰ في طليعة
المندوبات ، إذ يعمل علىٰ زرع الطمأنينة في القلوب ، وقشع غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة ، قال تعالىٰ : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ )
.
ثم إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره
النافعة علىٰ الناحية الروحية ، بل يشتمل الجوانب السلوكية أيضاً ، فلاشكّ أنّها تنعكس علىٰ العائلة ، وتحقق الحياة
الطيبة والسعيدة لأفرادها ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر »
، وقال أيضاً : «
اذكروا الله ذكراً خالصاً ،
________________
تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طرق النجاة »
وما يعزز ذلك نجد أن بيوت الأنبياء وأهل
البيت عليهمالسلام
خاصة تخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المتبادل ، وذلك نتيجة لمواظبتهم علىٰ الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.
ذكر صاحب مجمع البيان في معرض تفسيره
لقوله تعالىٰ : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ )
. (أنّه سُئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لما قرأ الآية ، أيّ بيوتٍ هذه ؟ فقال : « هي بيوت الأنبياء »
فقام أبوبكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها ؟ يعني بيت علي وفاطمة عليهماالسلام ، قال «
نعم ، من أفضلها ». ويعضد هذا القول
قوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
وقوله : ( رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ )
) .
من جهة ثانية نجد أن البيوت التي تبتعد
عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالىٰ وتُعرض عن ذكره ، تكون عرضة للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين ، وينفرط فيما بينها عقد المحبة والاُلفة ، كما أخبر تعالىٰ : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا.. )
.
وينبغي الاشارة هنا إلىٰ أن صلاة
اللّيل هي من المندوبات التي تساهم في
________________
رفع المؤشر الروحي
للزوجين ، وتدخلهما في عداد الذاكرين ؛ لذلك قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً ، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات »
.
أضف إلىٰ ذلك أن الصوم المندوب
يُطهر القلب والصدر من الوساوس والشكوك والنوايا السيئة التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجية ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
.. صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر ، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان ، يذهب بوساوس الصدر وبلابل القلب »
.
ثالثاً : اجتناب المعاصي والآثام :
ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تسبب قساوة
القلوب ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
ما جفّت الدموع إلّا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب » .
ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم
الاحساس وضعيف العاطفة تجاه العائلة ، ويتعامل معهم في منتهىٰ القسوة ، ثم إن الذنوب تجلب البلاء وتنقص الرزق ، قال الإمام علي عليهالسلام
محذّراً : «
.. توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلّا بذنب حتىٰ الخدش والكبوة والمصيبة »
.
وهناك صنف من الذنوب تنعكس آثارها
السلبية مباشرة علىٰ الاُسرة
________________
كشرب الخمر والزنا
وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وقد جاءت الاشارة إلىٰ الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
الذنوب التي تغير النِّعم البغي... والتي تهتك الستر شرب الخمر والتي تحبس الرزق الزنا ، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم ، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين »
.
المبحث
الثاني :
عناية
الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجين
أولاً : جانب التربية :
لقد أولىٰ الإسلام عنايته الفائقة
لجانب التربية في الاُسرة ، ويتضح لنا ذلك من خلال جملة من التعاليم التربوية العالية التي طلب من الزوجين مراعاتها والعمل بها ، وسوف نشير هنا إلىٰ أبرزها :
أ ـ الحب المتبادل :
الحبُّ المتبادل يشكّل سوراً عاطفياً
يحيط بأفراد الاُسرة ، ويشيع أجواء الاُلفة والودّ فيما بينهم ، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعية الحديثة أهمية الحب المتبادل بين الزوجين ، وأطلقت عليه مصطلح «الوظيفة العاطفية».
ولقد سبق الإسلام الدراسات الاجتماعية
الحديثة ، فأكد علىٰ أهمية الحب المتبادل بين أفراد العائلة ، وحدّد العوامل التي تورث المحبّة وتساعد علىٰ
________________
استمرارها كالاحسان
والخلق الحسن والبشر وطلاقة الوجه.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
جُبلت القلوب علىٰ حبِّ من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها »
، وقال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
حسن الخُلق مجلبة للمودّة »
، وقال الإمام الباقر عليهالسلام
: «
البشر الحسن وطلاقةُ الوجه مكسبةٌ للمحبّة وقربة إلىٰ الله ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبُعد من الله »
.
وثمة عوامل رئيسة دينية وخلقية وحتىٰ
اقتصادية ، تورث المحبة ، حصرها الإمام الصادق عليهالسلام
بثلاثة خصال ، فقال : « ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة : الدِّينُ ، والتواضع ، والبذل » .
ب ـ المعاشرة بالمعروف :
لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين
علىٰ حسن المعاشرة فيما بينهما ؛ وذلك لأنها ركيزة أساسية لدوام المحبّة والاُلفة ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
بحسن العشرة تدوم المودّة »
، وقال أيضاً : «
بحسن العشرة تدوم الوصلة »
.
وفي هذا السياق نجد توصيات خاصة للزوج
بصفته قيماً علىٰ الزوجة قد ملّكه الله تعالىٰ عصمتها وجعلها تحت قيمومته تحثه علىٰ العشرة الحسنة
معها ، قال تعالىٰ : ( وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ )
، وقد ورد في توصيات
الإمام
________________
علي عليهالسلام التربوية لابنه
الإمام الحسن عليهالسلام
: «
.. ولا يكن أهلك أشقىٰ الخلق بك.. »
، وقد ذهب الإمام الصادق عليهالسلام
أبعد من ذلك في تأكيده علىٰ الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته ، والتطبع بها وإن لم تكن له طبعاً ، الأمر الذي يكشف لنا عن أهميتها التربوية العالية ، قال عليهالسلام
: «
إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلىٰ ثلاث خلال يتكلفها وإن لم تكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصّن »
.
ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة
تحثُّ النساء علىٰ حسن العشرة مع الرجال ، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ ، قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها » .
ثم إن من دواعي العشرة الحسنة التسامح
والتساهل بين الزوجين ، وخاصة في الاُمور العادية التي قد تصدر بصورة عفوية قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
من لم يتغافل ولا يغضّ عن كثير من الاُمور تنغّصت عيشته »
.
جـ ـ الشعور بالمسؤولية :
لقد أكد القرآن علىٰ مسؤولية
الإنسان بصورة عامة ، فقال : ( وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ )
. كما أكدت السيرة
النبوية علىٰ شمول هذه المسؤولية للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ألا كلكم راعٍ وكلكم
________________
مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي
علىٰ النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ علىٰ أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية علىٰ بيت
بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم »
. من كلِّ ذلك يظهر
لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين علىٰ الشعور بالمسؤولية الإنسانية بصفة عامّة وعلىٰ المسؤولية
الاُسرية بصفة خاصة.
د ـ الانصاف والعدل :
الانصاف من العوامل التربوية التي تديم
المحبة وتوجب الأُلفة بين الزوجين ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
الانصاف يستديم المحبّة »
، ويقول أيضاً : «
الانصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف »
، ومن يطالع كتابه عليهالسلام الذي أرسله إلىٰ الأشتر لما بعثه إلىٰ مصر ، يجد أنه يشير فيه صراحة
إلىٰ أن عدم الانصاف يؤدي إلىٰ الظلم : « ... أنصف الله
وأنصف الناس من نفسك ، ومن خاصة أهلك ، ومن لك فيه هوىٰ من رعيتك ، فإنّك إلّا تفعل تظلم.. » .
وهناك دعوة ملحة للعدل بين النساء لمن
يتزوج بأكثر من امرأة وتحذير من مغبة الظلم لهما أو لإحداهما ، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
التي تضمنت تعاليم تربوية عديدة منها ـ في ما يتصل بهذه الفقرة ـ قوله : «
.. ومن كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله ، جاء يوم القيامة
________________
مغلولاً مائلاً شقه حتىٰ يدخل
النار » .
هـ ـ تقسيم العمل وبيان الأدوار :
وهما من الأساليب الناجحة في إدارة أمور
الاُسرة ، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سبل العيش الكريم للعائلة ، والمرأة تضطلع بمهمة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.
وتروي لنا مصادرنا التراثية حالة
التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام علي عليهماالسلام
، يقول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز »
.
لقد قامت فاطمة عليهاالسلام بأداء واجباتها
المنزلية خير قيام ، وخير شاهد علىٰ ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين عليهالسلام
بحقها عندما قال لرجل من بني سعد : « ألا أحدّثك عني وعن فاطمة ، إنّها كانت عندي ، وكانت من أحب أهله إليه ـ أي للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
ـ وإنّها استقت بالقربة حتىٰ أثّرت في صدرها ، وطحنت بالرحىٰ حتىٰ مجلت يداها ، وكسحت البيت حتىٰ اغبرّت ثيابها ، وأوقدت
النار تحت القدر حتىٰ دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضمار شديد »
.
ثم إنَّ الإسلام لا يحرّم العمل
علىٰ المرأة ، كما يزعم بعض الناس ، بل يفضل ان تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها ، والإسلام يُشجع المرأة أن تزاول الاعمال المنزلية لكي تساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة ، يقول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
مروا نساءكم بالغزل ، فإنّه خير لهنَّ
________________
وأزين »
، ويقول أيضاً : « المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح
في يد الغازي المريد وجه الله »
.
د ـ عدم إلحاق الضرر :
فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين
من العواقب المترتبة علىٰ إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتىٰ تعينه وترضيه وإن صامت الدهر.. وعلىٰ الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذياً ظالماً »
.
ومن الخطابات الموجهة للزوجة خاصة ، قول
الإمام الصادق عليهالسلام
: «
ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه ، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه ، وتطيعه في جميع أحواله »
.
ومن الخطابات الموجّهة للزوج في هذا
الصدد قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ومن أضرَّ بامرأة حتىٰ تفتدي منه نفسها ، لم يرضَ الله تعالىٰ له بعقوبة
دون النار ؛ لأنَّ الله تعالىٰ يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم »
.
والملاحظ أن السيرة النبوية في الوقت
الذي توصي فيه الرجال بالرِّفق وعدم إلحاق الضرر بالنساء ، كما قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم »
، كذلك توصي النساء
بالرفق بالازواج وعدم
________________
تكليفهم فوق طاقتهم وبما يشق عليهم ، بدليل قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « .. ألا وأيّما امرأة لم ترفق بزوجها ، وحملته علىٰ ما لا يقدر عليه وما لا يطيق ، لم
يقبل منها حسنة ، وتلقىٰ الله وهو عليها غضبان » .
ز ـ الخدمة المتبادلة :
فمن المؤكد أن الإسلام يدعو المسلمين
إلىٰ إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض ، فعن أبي المعتمر قال : سمعتُ أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه الله مثل عددهم خدَّاماً في الجنّة » .
وإلى جانب هذا التوجه العام ، فإنه يدعو
الزوجين إلىٰ خدمة بعضهما البعض بما يعود بالنفع عليهما وعلىٰ عموم أفراد العائلة ويرتب علىٰ هذه
الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم ، فعن ورّام بن أبي فراس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام ، أغلق الله عنها سبعة أبواب النّار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت ».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلّا كان خيراً لها من عبادة سنة.. » .
وتعتبر فاطمة الزهراء عليهاالسلام القدوة الحسنة في
التوفر علىٰ خدمة الزوج وأداء حقوقه ، فعلىٰ الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرَّ بها الإمام علي عليهالسلام
________________
فان فاطمة عليهاالسلام وقفت إلىٰ جانبه
، ولم تكلفه فوق طاقته ، وكانت تخدمه باخلاص ، وقد شهد بحقها واعترف بخدمتها فقال عليهالسلام
: «
لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، كنّا ننام عليه باللّيل ، ونعلف عليه النّاقة بالنهار ، ومالي خادم غيرها »
.
هذا فضلاً عن أن تعاليم الإسلام تحثُّ
الرجل علىٰ خدمة امرأته وعياله ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إذا سقىٰ الرجل امرأته أُجر »
، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلىٰ في امرأته »
، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
.. لا يخدم العيال إلّا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة »
.
ح ـ الرّضا والموافقة :
فقد وردت روايات عديدة تحثُّ الزوجين علىٰ كسب رضا أحدهما للآخر والحصول علىٰ موافقته ، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق عليهالسلام توصياته التربوية القيمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمن الإشارة إلىٰ الأساليب التي يجب أن يتبعها كل واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه ، قال عليهالسلام : « لا غنىٰ بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ليجلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غنىٰ بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهنَّ : صيانة نفسها عن كُلِّ دنسٍ حتىٰ
________________
يطمئن قلبه إلىٰ الثقة بها في حال المحبوب والمكروه ، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها ، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه » .
والملاحظ أن الروايات تؤكد علىٰ ضرورة ارضاء المرأة لزوجها وعدم إثارة سخطه ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ويل لامرأة أغضبت زوجها ، وطوبىٰ لامرأة رضي عنها زوجها » .
ط ـ الاهتمام بالهيئة :
وهما من العوامل التي تساهم في توثيق
الروابط الزوجية وتساعد علىٰ استمرارها.
فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين عليهالسلام : «
لتتطيب المرأة لزوجها »
، وروىٰ محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام
: «
لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها ، ولو أن تعلّق في عنقها قلادة »
.
وهنا لابدّ من التنويه علىٰ أن
زينة المرأة المتزوجة لابدّ أن تقتصر علىٰ زوجها ، فعن الإمام أبي عبدالله عليهالسلام
قال : «
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: أيّ امرأة تتطيّب ثمَّ خرجت من بيتها ، فهي تُلعن حتىٰ ترجع إلىٰ بيتها متىٰ
رجعت » .
________________
من جانب آخر يتوجب علىٰ الزوج أن
يهتم بنظافته ومظهره حتىٰ يحوز علىٰ رضا الزوجة ويدخل البهجة إلىٰ نفسها ، خصوصاً وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تبعاته علىٰ الزوج ، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره ، وقد أورد لنا
الإمام الرضا عليهالسلام
سابقة تاريخية في هذا الخصوص ، عندما قال : « أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام
أن نساء بني إسرائيل خرجن من العفاف إلىٰ الفجور ، ما أخرجهن إلّا قلّة تهيئة أزواجهن ، وقل : إنّها تشتهي منك مثل الذي تشتهي منها » .
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يتهيأ لنسائه ويهتم بمظهره ويتطيّب : « وكان يُعرف بالرّيح الطيب إذا أقبل »
، وسلك أهل البيت عليهمالسلام ذات المسلك النبوي ،
فكانوا يهتمون بمظهرهم ويتهيّؤن لنسائهم ، عن الحسن بن الجهم ، قال : رأيت أبا الحسن عليهالسلام
اختضب ، فقلت : جعلت فداك اختضبت ؟ فقال : « نعم ، إنَّ التهيئة ممّا يزيد في عفّة النساء ، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة ».
ثم قال : « أيسرّك أن تراها
علىٰ ما تراك عليه إذا كنت علىٰ غير تهيئة ؟ قلتُ : لا ، قال : فهو ذاك.. » .
ثانياً : جانب الأخلاق :
تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة
التماسك والألفة بين أفراد الاُسرة
________________
كمجتمع صغير وبينها
وبين المجتمع الكبير ، ومن هنا جاء في موعظة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
للإمام علي عليهالسلام
: «
... يا عليّ ، أحسن خُلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحبُ من الناس ، تُكتب عند الله في الدّرجات العُلىٰ »
.
وفي جهة أخرىٰ فان سوء الخلق يغرس
في محيط العائلة بذور الخلاف ، وينتج النفرة من البيت ، ويولّد الملل للأهل ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : «
سوء الخلق يوحش القريب ويُنفر البعيد »
ويقول أيضاً في
خطبته المعروفة بـ «
الوسيلة »
: «
ومن ضاق خُلقه ملّه أهله »
. والملاحظ في ضوء
النصوص الدينية أنها تركز علىٰ أربع خصال أخلاقية لها مدخلية كبرىٰ في توثيق
وإدامة الحياة الزوجية وهي :
أ ـ الصبر الجميل :
وهو تحمل الزوجين لتصرفات أحدهما الآخر
بدون بثّ الشكوىٰ للآخرين الذي يؤدي إلىٰ تدخلات تعيق مسير الحياة الزوجية ، علماً بأن هذا الصبر سوف يكسب الزوجين الثواب الجزيل ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
في خطبته الجامعة في المدينة قبيل رحيله : « .. ومن صبر علىٰ سوء خلق امرأته
واحتسبه ، أعطاه الله تعالىٰ بكلِّ يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطىٰ أيّوب عليهالسلام علىٰ بلائه ، وكان عليها من الوزر في كلِّ يوم وليلة مثل رمل عالج.. ومن كانت له امرأة لم توافقه ولم تصبر علىٰ ما رزقه الله تعالىٰ وشقّت عليه وحملته
ما لم يقدر عليه ، لم يقبل الله منها حسنة تتقي بها حرَّ النار ، وغضب الله عليها ما
________________
دامت كذلك »
.
وقد ضرب أهل البيت عليهمالسلام أروع الأمثلة
علىٰ الصبر الجميل مع أهلهم وما ملكت أيمانهم ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام
، قال : «
سمعتُ أبا جعفر عليهالسلام
يقول : إنّي لأصبر من غلامي هذا ومن أهلي علىٰ ما هو أمرّ من الحنظل..
».
ب ـ العفّة وعدم الخيانة :
لاشكّ أن خلع حزام العفة من قبل الزوجين
أو أحدهما موجب للخيانة التي سرعان ما تقوّض أركان الأسرة وتسيء إلىٰ سمعتها وتكسب أفرادها الإثم والعار.
والملاحظ أن الإسلام يذهب إلىٰ أن
سقوط الزّوج في هاوية الرذيلة يؤدي إلىٰ سقوط الزوجة أيضاً في تلك الهاوية ، حسب قاعدة « كما تدين تدان » ، روىٰ الإمام علي عليهالسلام
: أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : «
لا تزنوا فيذهب الله لذة نسائكم من أجوافكم ، وعفّوا تعفّ نساؤكم ، إنّ بني فلان زنوا فزنت نساؤهم » .
ويروي الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قد أوحىٰ
الله تعالىٰ إلىٰ موسىٰ عليهالسلام
:
« .. لاتزنوا فتزني نساؤكم ، ومن وطىء فرش أمرىء مسلم وُطىء فراشه ، كما تدين تُدان » .
ضمن هذا السياق نجد في النصوص الدينية
استنكاراً شديداً للخيانة
________________
الزوجية وتهديداً
مغلَّظاً للأزواج الذين يخلعون ثوب الفضيلة ويوبقون أنفسهم بارتكاب الرذيلة ، ولهذا قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
متوعّداً : «
... ومن فجر بامرأة ولها بعل تفجّر من فرجهما صديد واد مسيرة خمسمائة عام ، يتأذىٰ به أهل النّار من نتن ريحهما ، وكان من أشدّ الناس عذاباً ..
».
جـ ـ تجنب القذف :
إنَّ الطعن في شرف أحد الزوجين ، ومهما
كانت أسبابه ، هو أُسلوب خسيس وذنب كبير ، أوجب الله تعالىٰ علىٰ فاعله الحدّ في الدّنيا ، والعذاب
الشديد في الآخرة ، فقد ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
.. ومن رمىٰ محصناً أو محصنة أحبط الله عمله ، وجلده يوم القيامة سبعون ألف ملك من بين يديه ومن خلفه ، وتنهش لحمه حيّات وعقارب ، ثمَّ يؤمر به إلىٰ النّار »
.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام أنّ : «
قذف المحصنات من الكبائر ؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول : ( لُعِنُوا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .. »
.
والملاحظ أن الإسلام تشدد في مسألة
الأعراض كما تشدد في مسألة الدماء ، ومن مصاديق ذلك أن القاذف الذي لم يأتِ بأربعة شهود ، أو لم يصرّح بصيغة اللعان إذا كان من الزوجين ، فسوف يتعرض للجلد الشديد ، ولا يتمكن من إسقاطه عن نفسه ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام
يقذف امرأته قال : «
يجلد ». قلت : أرأيت إن عفّت عنه ؟ قال : «
لا ، ولا كرامة » .
________________
د ـ تجنب الغيرة :
الغيرة من الأسباب التي تدعو إلىٰ
تنغيص الحياة الزوجية ، وتعكير صفوها ، لذلك لم يغفل الدين الإسلامي في توجهاته الأخلاقية عن هذه القضية ، فهو يدعو المرأة إلىٰ تجنب الغيرة وخاصة تلك التي تستند إلىٰ
الأوهام والظنون السيئة أو التي تنطلق من بواعث نفسية ذاتية قد تكون من باب سوء الظن أو الحسد وتؤدي بالنتيجة إلىٰ الحاق الضرر بعلاقتها مع زوجها ، وفي هذا
الصدد يقول الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
غيرة المرأة كفر » .
ويرىٰ الإمام الباقر عليهالسلام وفق نظرة معرفية
ثاقبة أنّ : «
غيرة النساء الحسد ، والحسد هو أصل الكفر ، إنَّ النساء إذا غرن غضبن ، وإذا غضبن كفرن ، إلّا المسلمات منهن » .
وقد دلّنا الإمام الصادق عليهالسلام علىٰ معيار
معنوي نميّز من خلاله المرأة المتكاملة عن سواها ، وذلك من خلال إثارة غيرتها ، فعن خالد القلانسي قال : ذكر رجل لأبي عبدالله عليهالسلام
امرأته فأحسن عليها الثناء ، فقال له أبو عبدالله عليهالسلام
: «
أغرتها ؟ قال : لا ، قال : فأغرها.
فأغارها فثبتت ، فقال لأبي عبدالله عليهالسلام
: إنّي أغرتها فثبتت ، فقال : هي
كما تقول » .
وبالمقابل فإنّ الإسلام ينمي في الرجل
خصلة الغيرة إذا كانت علىٰ عرضه وسمعة عائلته وكرامتها ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
غيرة الرجل إيمان »
ومع
________________
ذلك فانه يحثه
علىٰ تجنب الغيرة في غير موضعها ؛ لأنها قد تؤدي بالمرأة إلىٰ الاعجاب والكبر وغيرهما من الخصال الذميمة ، فمن وصايا أمير المؤمنين عليهالسلام لابنه الامام الحسن عليهالسلام
: «
.. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة ، فإنَّ ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلىٰ السقم.. »
.
ثالثاً : جانب الآداب :
ويتضمن آداب الدخول إلىٰ الاُسرة
وآداب الجماع :
أ ـ آداب الدخول إلىٰ الاُسرة :
للإسلام في هذا الباب آداب حضارية ، يمكن
اختصارها بالنقاط التالية :
١ ـ الدخول من الأبواب :
قال تعالىٰ : ( .. وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ
مِنْ أَبْوَابِهَا.. )
. فالقرآن يُعلِّم المسلمين أدباً رفيعاً من أجل صيانة حرمة الاُسرة وعدم هتك ستر أفرادها ، إذ إن دخول البيوت من أبوابها يُبعد الشبهات والظنون السيئة التي يمكن أن تثيرها النفوس المريضة بما يسيء إلىٰ سمعة العائلة.
٢ ـ الاستئناس والسلام :
قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ
أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *
فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا
حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ )
.
________________
قال الطبرسي رحمهالله : روي عن أبي أيوب
الأنصاري ، قال : قلنا يا رسول الله ، ما الاستئناس ؟ قال : « يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة
والتكبيرة ويتنحنح علىٰ أهل البيت ».
وروي أن رجلاً قال للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
استأذن علىٰ أمي ، فقال : « نعم
، قال : إنها ليس لها خادم غيري ، أفتستأذن عليها كلّما دخلت ، قال : اتحب
أن تراها عريانة ؟ قال الرجل : لا ، قال : فاستأذن
عليها ».
لا يجوز دخول دار الغير بغير إذنه ، وإن
لم يكن صاحبها فيها ، ولا يجوز أن يتطلع إلىٰ المنزل ليرىٰ من فيه فيستأذنه ، إذا كان الباب مغلقاً ، لقوله
عليهالسلام
: «
إنّما جعل الاستئناس لأجل النظر »
إلّا أن يكون الباب مفتوحاً ؛ لأنَّ صاحبه بالفتح أباح النظر.. ( وَإِن قِيلَ لَكُمُ
ارْجِعُوا فَارْجِعُوا )
أي فانصرفوا ولا تلجوا عليهم ، وذلك بأن يأمروكم بالانصراف صريحاً أو يوجد منهم ما يدل عليه ( هُوَ أَزْكَىٰ ) معناه : أن الانصراف أنفع لكم في دينكم
ودنياكم ، وأطهر لقلوبكم ، وأقرب إلىٰ أن تصيروا أزكياء .
وضمن هذا السياق ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام لأصحابه : «
إذا دخل أحدكم منزله فليسلِّم علىٰ أهله ، يقول : السلام عليكم ، فإن لم يكن له أهل فليقل
: السلام علينا من ربّنا .. »
.
وينبغي الإشارة إلىٰ أن الإسلام
يحرص أشد الحرص علىٰ رعاية حرمة الاُسرة ، ومن مصاديق ذلك أنّه كره التطلّع في الدور ، جاء عن الإمام الصادق عليهالسلام
قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنَّ الله تبارك وتعالىٰ كره التطلع في
________________
الدور »
. كما أشار أمير
المؤمنين عليهالسلام
في وصيته القيمة للحسين عليهالسلام
إلىٰ هذا الأمر بقوله : «
من هتك حجاب غيره ، انكشفت عورات بيته »
.
ضمن هذا النطاق حث الإسلام المرأة
علىٰ مراعاة الآداب عند غياب زوجها ، بأن لا تدخل بيته أحداً يكرهه ، وقد اعتبر ذلك حقاً للزوج علىٰ زوجته ، جاء في خطبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
في حجة الوداع أنه قال : « .. أيُّها الناس ، إنّ لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهنَّ حقاً ، حقكم عليهن أن لايوطئن أحداً فرُشكم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلّا بإذنكم.. »
.
ب ـ آداب الجماع :
ولقد وضع الإسلام للجماع آداباً خاصة ، تبدأ
منذ دخول الرّجل علىٰ زوجته ، فقد جاء في وصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
للإمام علي عليهالسلام
: «
يا علي ، إذا أُدخلت العروس بيتك ، فاخلع خفّها حين تجلس ، واغسل رجليها ، وصُبّ الماء من باب دارك إلىٰ أقصىٰ دارك ، فإنك إذا فعلت ذلك أخرج الله من
دارك سبعين ألف لون من الفقر ، وأدخل فيها سبعين ألف من الغنىٰ ، وسبعين لوناً من البركة ، وأنزل عليك سبعين رحمة ترفرف علىٰ رأس عروسك.. » .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام لأحد أصحابه : «
إذا أُدخلت عليك أهلك فخذ بناصيتها ، واستقبل بها القبلة ، وقُلْ : اللّهمَّ بأمانتك أخذتها ، وبكلماتك
________________
استحللت فرجها ، فإن قضيت لي منها ولداً
فاجعله مباركاً سوياً ، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ».
ومن كتاب النجاة المروي عن الأئمة عليهمالسلام : «
إذا قرب الزفاف يُستحب أن تأمرها أن تصلي ركعتين ، وتكون علىٰ وضوء إذا أُدخلت عليك ، وتصلي أنت أيضاً مثل ذلك ، وتحمد الله ، وتصلي علىٰ النبي وآله.. وتقول إذا أردت المباشرة : اللّهمَّ ارزقني ولداً واجعله تقياً ذكياً ليس في خلقه زيادة ولا نقصان ، واجعل عاقبته إلىٰ خير. وتسمي عند الجماع »
.
فالملاحظ أن السيرة العطرة تُسدي
نصائحها القيمة للزوجين عند المباشرة ، وتكشف في الوقت عينه عن العلل والآثار المترتبة عليها ، والتي يمكن تصنيفها والاشارة إليها في الفقرات التالية :
١ ـ تجنب الجماع في أوقات معينة :
جاء في وصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
للإمام علي عليهالسلام
: «
لا تجامع امرأتك في أول الشهر ووسطه وآخره ، فإن الجنون والجذام والخبل يُسرع إليها وإلى ولدها.
ثم قال : يا علي ، لا تجامع امرأتك بعد
الظهر ، فإنّه إن قضى بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول.. »
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يا علي ، وعليك بالجماع ليلة الاثنين ، فإنّه إن قضىٰ بينكما ولد يكون حافظاً لكتاب الله ، راضياً بما قسم الله عزَّوجلَّ لـه.
________________
يا علي : إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء ، فقضىٰ بينكما ولد ، فإنّه يُرزق الشهادة.. » .
٢ ـ تجنب الجماع في أماكن معينة : قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا علي ، لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة ، فإنه إن قضىٰ بينكما ولد يكون جلّاداً ، أو قتّالاً ، أو عريفاً » .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يا علي ، لا تجامع أهلك علىٰ سقوف البنيان ، فإنّه إن قضىٰ بينكما ولد يكون منافقاً ، مرائياً ، مبتدعاً »
.
وروي عن الإمام الصادق عليهالسلام : «
لا تجامع في السفينة ، ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها » .
٣ ـ تجنب الجماع في أوضاع معينة :
قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يا علي ، لا تجامع امرأتك من قيام ، فإن ذلك من فعل الحمير ، وإن قضىٰ بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش ، كالحمير تبول في كل مكان »
.
٤ ـ تجنب الجماع في حالات معينة :
قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من جامع امرأته وهي حائض فخرج الولد مجذوماً أو أبرص فلا يلومنَّ إلّا نفسه » .
________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
أيضاً : «
يا علي ، لا تجامع أهلك إذا خرجت إلىٰ سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ، فإنّه إن قضىٰ بينكما ولد يكون عوناً لكلِّ ظالم »
.
٥ ـ تجنب الكلام عند الجماع والنظر :
فمن وصايا أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
إذا أراد أحدكم غشيان زوجته فليقلَّ الكلام ، فإنَّ الكلام عند ذلك يورث الخرس ، ولا ينظرنَّ أحدكم إلىٰ باطن فرج المرأة فإنّه يورث البرص.. »
.
وهكذا نجد أن السيرة المطهّرة لم تغفل
عن بيان آداب الجماع والعواقب المترتبة علىٰ أوضاعه وحالاته وأوقاته ، التي تنعكس ـ سلباً أو إيجاباً ـ علىٰ
الأولاد سواءً في صحتهم وسلامتهم أو مستقبلهم ومصيرهم.
المبحث
الثالث
عناية
الإسلام بمراحل نشوء الطفل ونموّه
أولاً : مرحلة الحمل :
أولىٰ الإسلام هذه الفترة التي
يكون الجنين فيها قابعاً في رحم أُمّه عناية خاصة ، ويتضح ذلك من خلال استعراض النقاط التالية :
أ ـ الاهتمام بغذاء الحامل :
فقد أرشد المرأة إلىٰ تناول
الأغذية المفيدة التي تحافظ علىٰ صحتها وتنمي جنينها في جسمه أو عقله ، ومن الشواهد علىٰ ذلك قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
كلوا السفرجل وتهادوه بينكم ، فإنّه يجلو البصر وينبت المودّة في القلب ، وأطعموه حبالاكم ، فإنّه يحسّن أولادكم ،
وفي رواية : يحسّن
أخلاق أولادكم » .
________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
أيضاً : «
أطعموا نساءكم الحوامل اللبان ، فإنّه يزيد في عقل الصبي » .
وعن الإمام الرضا عليهالسلام : «
أطعموا حبالاكم اللبان ، فإن يكن في بطنهنَّ غلام خرج ذكي القلب عالماً شجاعاً ، وإن يكن جارية حسن خلقها وخُلقها ، وعظمت عجيزتها ، وحظيت عند زوجها »
.
ب ـ مراعاة الطهارة والوقت المناسب عند
جماع الحامل :
ومن الشواهد علىٰ ذلك قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلّا وأنت علىٰ وضوء ، فإنّه إن قضىٰ بينكما ولد يكون
أعمىٰ القلب ، بخيل اليد »
، وعن الإمام الصادق عليهالسلام
قال : «
لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في آخره ، فإنّه من فعل ذلك فليستعدّ لسقط الولد ، وإن تمَّ أوشك أن يكون مجنوناً .. »
.
جـ ـ مراعاة الحالة النفسية للحامل :
فهي في هذه الفترة مرهفة الحس وتعاني
آلام الحمل ومضاعفاته ، ويمتلكها هاجس من الخوف المزدوج علىٰ حياتها عند تعسّر الولادة وعلىٰ سلامة
جنينها وصحته ، ومن أجل ذلك تحتاج إلىٰ رعاية خاصة ، وتحمّل لبعض تصرفاتها من قبل الزوج ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة ، أعتق الله رقبته من النار ، وأوجب له الجنة .. »
.
________________
ثانياً : مرحلة الولادة :
وفي هذه الفترة التي تشهد ظهور الوليد
إلىٰ الوجود ، يدعو الدين الإسلامي إلىٰ الاهتمام بالمرأة النفساء ، وتوفير الطعام المناسب لها ، خصوصاً وإنها
قد تضطلع بوظيفة الإرضاع للطفل ، ومن هنا أوصىٰ
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
الأزواج قائلاً :
« أطعموا المرأة ـ في شهرها التي تلد فيه ـ التمر ، فإن ولدها يكون حليماً نقيّاً » .
كما يولي الإسلام عناية فائقة بالوليد
منذ نعومة أظفاره ، ويتّضح ذلك من خلال النقاط التالية :
أ ـ تسمية المولود :
ويستحب تسميته بأحسن الأسماء ، لما
للاسم الحسن من آثار تربوية تنعكس علىٰ نفسية الطفل ومكانته ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «
سمىٰ الصبي يوم السابع.. »
.
ولاشكّ أنّ اسم نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم
هو خير الأسماء ، وكذلك أسماء أهل بيته الأطهار عليهمالسلام
وأسماء الرسل والأنبياء والصالحين ، ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: أنّه قال : «
سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء ، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن » .
وعنه أيضاً : «
من ولد له أربعة أولاد لم يُسمِّ أحدهم باسمي فقد
________________
جفاني » .
ب ـ الأذان والاقامة :
من أجل اسماع الطفل اسم الله تعالىٰ وتفتّح مداركه عليه ، ولإبعاد الشيطان عنه ، جاء في وصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الجامعة : « يا علي ، إذا ولد لك غلام أو جارية ، فأذّن في أُذنه اليمنىٰ ، وأقم في اليسرىٰ ، فإنّه لا يضرّه الشيطان أبداً » .
جـ ـ العقيقة وحلق الرأس :
وهما من السنن المؤكّدة ، وقد أوصىٰ
الإمام الصادق عليهالسلام
أحد الآباء الذين رزقوا مولوداً قائلاً : « عقّ عنه ، واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق
بوزن شعره فضّة »
، وعنه عن آبائه عليهمالسلام
قال : «
عق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن الحسن والحسين عليهماالسلام
كبشاً يوم سابعهما ، وقطّعه أعضاء ، ولم يكسر منه عظماً ، وأمر فطبخ بماء وملح ، وأكلوا منه بغير خبز ، وأطعموا الجيران »
.
د ـ الختان :
وهي سنة مؤكدة تبعث علىٰ الطهارة
، وتساعد علىٰ نمو الطفل ، بدليل قول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم.. » .
________________
هـ ـ التحنيك :
وهو أن يُمضغ شيء كالتمر أو تربة الحسين
عليهالسلام
أو ماء الفرات ويدار في فم الطفل ، وقد روىٰ جعفر الصادق عليهالسلام
عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام
أنه قال : «
نكوا أولادكم بالتمر ، هكذا فعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحسن والحسين عليهماالسلام
».
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة الحسين عليهالسلام
، فإن لم يكن فبماء السماء »
ويستحب أن يكون
المحنّك من الصالحين.
ثالثاً : مرحلة الرضاع والحضانة :
وهي من المراحل المهمة في حياة الطفل إذ
يحتاج فيها إلىٰ عناية فائقة ، فهو يولد ضعيفاً لا حول له ولا قوة ، ويعتمد علىٰ والديه وخاصة أمه في الحصول علىٰ غذائه وتنظيف بدنه ولباسه ، وسد حاجاته الاُخرىٰ.
ويعتبر حليب الاُمّ أفضل غذاء كامل
للطفل في الأشهر الاُولىٰ من حياته ، لاحتوائه علىٰ المواد الضرورية للنمو والمناعة من الأمراض ، ثم إنَّ الاُمّ
تزوّد وليدها عند الرضاع بغذاء معنويّ لابدّ منه لنموه الروحي ، ألا وهو الحنان والدفء العاطفي الذي تُسبغه عليه عند إرضاعه وحضانته.
ومن أجل ذلك أكدت الروايات الواردة عن
أهل البيت عليهمالسلام
علىٰ أهمية إرضاع الاُمّ لوليدها ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
ما من لبن يرضع به الصبيّ أعظم عليه من لبن أُمّه »
.
________________
وفي حالة عدم تمكن الاُم من الإرضاع ـ لسبب
ما ـ يتوجب علىٰ الأب أن ينتخب امرأة صالحة تشرف علىٰ ارضاعه ، قال الإمام علي عليهالسلام : «
انظروا من ترضع أولادكم ، فان الولد يشبُّ عليه »
. ويتطلّب أن تتوفر
في المرضعة مواصفات حددتها الروايات ، ويمكننا تصنيفها إلىٰ ما يلي :
أ ـ مواصفات جسمية :
كأن تكون حسنة الهيئة ، الإمام الباقر عليهالسلام : «
استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي »
.
ب ـ مواصفات عقلية :
قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تسترضعوا الحمقاء ، فإن الولد يشبُّ عليه »
.
كما ورد النهي عن استرضاع المجنونة
علىٰ ما سيأتي.
جـ ـ مواصفات دينية :
إذ نلاحظ أن الشريعة الإسلامية أكدت
علىٰ كون المرضعة مسلمة صالحة ، وفي حال تعذّر ذلك فقد جوّزت استرضاع المرأة الكتابية ، ولكن بشرط منعها من شرب الخمر ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
إذا أرضعن لكم ، فامنعوهنَّ من شرب الخمر » .
د ـ مواصفات أخلاقية :
فقد نهىٰ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
من استرضاع المرأة البغية لما له من آثار سلبية علىٰ
________________
مستقبل الطفل ونشأته
، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
توقوا علىٰ أولادكم من لبن البغية ، والمجنونة فإن اللبن يعدي »
.
وقال الإمام الباقر عليهالسلام : «
لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبُّ إليَّ من لبن ولد الزنا » .
وعمّم الإمام الصادق عليهالسلام هذا النهي ليشمل
ابنة الزانية أيضاً ، قال « لا تسترضعها ولا ابنتها »
.
هـ ـ مدة الرضاعة :
لقد حدد القرآن الكريم مدة الرضاعة
بسنتين ، قال تعالىٰ : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ .. )
.
رابعاً : مرحلة الفطام :
وفيها ينقطع الطفل عن الرضاع ، ويبدأ
بتناول الطعام بنفسه أو بمساعدة أُمّه أو مربيته ، وعليه فإنه يحتاج إلىٰ رعاية خاصة ، تتطلب الاهتمام بمراعاة الشروط الصحية اللازمة لنظافة الطفل ، فعن الإمام الرضا عليهالسلام قال : «
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: اغسلوا صبيانكم من الغمر ، فإن الشيطان يشمّ الغمر فيفزع الصبي في رقاده ، ويتأذىٰ به الكاتبان »
.
________________
كما أن الطفل في هذه المرحلة يميل
بفطرته إلىٰ الحركة واللعب ، ويسعىٰ إلىٰ جلب الأنظار إليه من خلال المشاغبة أو المشاكسة ، لذا يتوجّب علىٰ الوالدين تحمّله وعدم القسوة عليه ، عن الإمام الصادق عليهالسلام
قال : «
احمل صبيك حتىٰ يأتي عليه ست سنين ، ثم أدّبه في الكتاب ستّ سنين ، ثم ضمّه إليك سبع سنين فأدّبه بأدبك ، فإن قبل وصلح ، وإلّا فخلّ عنه »
.
ومن الضروري إفهام الصبي بعد مرحلة
الفطام بوجود الله تعالىٰ من خلال تلقينه الوحدانية والصلوات علىٰ النبي وآله عليهمالسلام
، عن عبدالله بن فضالة ، عن أبي عبدالله أو أبي جعفر عليهماالسلام
، قال سمعته يقول : « إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرات : قُلْ : لا إله إلّا الله.. »
.
وفي هذه الفترة يتوجب مراقبة صحة الطفل
ووزنه ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام
أنّه وضع حدّاً يمكن من خلاله معرفة وتيرة نمو الطفل من خلال مراقبة طوله ، قال عليهالسلام
: «
يزيد الصبي في كل سنة أربع أصابع بإصبعه »
.
ومن جانب آخر لابدّ في هذه المرحلة من
تقبيل الطفل واشعاره بالحب له والاهتمام به ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أكثروا من قبلة أولادكم ، فإنّ لكم بكلِّ قبلةٍ درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام »
.
وينبغي الإشارة هنا إلىٰ استحباب
التصابي للطفل ومناغاته ، لما لذلك من
________________
أثر كبير علىٰ نموّه
العاطفي وحلّ عقدة لسانه ، وكان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
يتصابىٰ للحسن والحسين عليهماالسلام
ويُركبهما علىٰ ظهره.
وكانت فاطمة الزهراء عليهاالسلام تناغي الحسن عليهالسلام وتقول :
أشبه أبـاك يا حسن
|
|
واخلع علىٰ الحق الرسن
|
واعبد إلهـاً ذا منن
|
|
ولا تـوال ذا الإحن
|
وتناغي الحسين عليهالسلام وتقول :
أنت شبيهٌ بأبي
|
|
لست شبيهاً بعلي
|
وفي خاتمة المطاف نجد في حديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
دعوة صادقة لحبّ الأطفال والرحمة بهم ، والوفاء لهم ، والصدق معهم ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أحبّوا الصبيان وارحموهم ، فإذا وعدتموهم ففوا لهم ، فإنّهم لا يرون إلّا أنكم ترزقونهم » .
________________
الفصل
الثالث مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادي في بناء الاُسرة
إذا أمعنا النظر إلىٰ المنهج
الإسلامي في بناء الاُسرة وعقدنا مقارنة بينه وبين المنهج المادي ، نستطيع أن نستخلص عدة فروق جوهرية بين المنهجين ، من حيث طبيعة كل منهج والخصائص التي يتصف بها ، والآثار الناجمة عنه ، وهي قضية جديرة بالاهتمام والدراسة حتىٰ يزول الغبش عن عيون الذين انبهروا بمناهج الغرب واخذوا يسيرون في ركبه ولو علىٰ حساب دينهم وقيمهم ، ويضيق المجال هنا عن الغوص في التفاصيل ، وحسبنا أن نستعرض الخطوط العامة الفاصلة بين المنهجين ، والتي تتمثل بالنقاط التالية :
أولاً : الصبغة الدينية :
لا شكّ بأنّ الصبغة الدينية هي من أبرز
ما يتميز به المنهج الإسلامي في مجال الاُسرة ، فمن المعلوم أن التشريع الإسلامي ـ عموماً ـ وما يتعلق منه بالاُسرة علىٰ وجه الخصوص إلهي المصدر ويتمثل بالوحي ، أما المنهج المادي فهو من صنع البشر أنفسهم ، الذين لا يمكنهم الانسلاخ عن طبائعهم البشرية ، وعليه
فهو يعكس مصالحهم ، وينسجم مع أهوائهم
وشهواتهم ، ويكون ـ في غالب الأحيان ـ قاصراً وعرضة للتبدل الدائم.
ولما كان الدين يشكل قطب الرحىٰ
في توجهات الإسلام الاجتماعية نجد التأكيد علىٰ التماثل الديني بين الزوجين عند تكوين الاُسرة. فالإسلام ـ كما
هو معلوم ـ يُحرّم زواج المسلمين من عبدة الأوثان والأصنام من أتباع الديانات الوضعية ، أي الذين يعبدون الشمس والقمر والأشجار وما إلىٰ ذلك ، فكل هؤلاء أشركوا مع الله إلهاً سواه ، قال تعالىٰ : ( وَلَا تَنكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا
تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا .. )
.
فلم يبح الإسلام زواج المسلم من مشركة ؛
لأنّ الزواج سكينة ومودة ، ولا يمكن أن يتحققا مع الاختلاف الشاسع في الاعتقاد ، ثم إن هكذا زواج سوف يؤثر علىٰ دين الأولاد ، الذين هم مسلمون تبعاً لأبيهم ولكن وجودهم بجنب أُمهم المشركة سوف يؤدّي إلىٰ زعزعة عقائدهم وقيمهم.
من جانب آخر لا يسمح الإسلام للمسلمة
بالزواج من غير المسلم حتىٰ ولو كان من أهل الكتاب ، وذلك لأنّ الزواج يقتضي قيمومة الرجل علىٰ زوجته ، ولا يجوز شرعاً أن يكون للرجل الكافر سلطان علىٰ المرأة المسلمة ، لقوله تعالىٰ : ( .. وَلَن يَجْعَلَ اللَّـهُ لِلْكَافِرِينَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
)
.
واللافت للنظر أن الإسلام يجوّز للرجل
الزواج من الكتابية ـ علىٰ الرأي القائل بجوازه ـ وذلك لأنّ المرأة غالباً ما تتأثر بأدب زوجها وديانته ، ولو أنّ
________________
المرأة غير المسلمة
طعنت في دين زوجها المسلم ، فإنّه يستطيع الدفاع عن دينه بما له من قيمومة ، وبإمكانه أن يتخلّص منها بالطلاق الذي هو في عصمته.
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «
تزوّجوا في الشّكاك ولاتزوّجوهم ؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب الرّجل ويقهرها علىٰ دينه »
.
وينبغي الإشارة إلىٰ أن الزواج
القائم علىٰ الدين يزداد قوّة ومنعة بمرور الزمان ، فحين تضعف أو تخمد فورة الشباب عند أحد الزوجين أو كليهما أو حين تعصف أعاصير المشاكل في عشّ الزوجية ، يبرز عنصر الدين ويساهم في بقاء الحب ودوام المودة.
علىٰ هذا الصعيد نجد أن التزام
المنهج الاسلامي بالصبغة الدينية يجعل من الجزاء المترتب علىٰ مخالفة التشريع الإسلامي دنيوياً واُخروياً معاً ، بينما
نجد أنّ الجزاء في التشريع الوضعي يكون دنيوياً ، وعلىٰ ضوء هذا الفارق في الجزاء
بين المنهجين نجد أن خضوع الإنسان للقانون الوضعي علىٰ نحو قهري في الغالب ، لذا
يحاول هذا الإنسان الإفلات منه بشتىٰ الأساليب وخصوصاً إذا أمن العقاب.
أما خضوع الإنسان المسلم للتشريع
السماوي فيكون علىٰ الأغلب اختيارياً وطوعياً ؛ لأنّه نابع من خوف العقاب الاُخروي.
جاء في صحيح مسلم : « إنّ امرأة أتت
نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وهي حُبلىٰ
من الزنا ، فقالت : يا نبي الله أصبت حدّاً فأقمه عليَّ ! فدعا نبيّ الله وليّها ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
« أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ،
ففعل ، فأمر بها نبيّ الله فشُكّت عليها ثيابها ، ثمّ أمر بها فرُجمت ، ثم صلّىٰ عليها. فقال له عمر : تصلّي عليها
يا نبي الله
________________
وقد زنت ؟! فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: لقد
تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالىٰ
».
فهذه المرأة تشكل مصداقاً فريداً
للتسليم الطوعي للمنهج الإلهي ، وهو أمر يفتقد إليه المنهج المادي حيث يسعىٰ المجرمون للهروب من شباك القانون بشتىٰ
الحيل والسبل.
إن عنصر التقوىٰ الذي يتصف به
المنهج الإسلامي يشكّل الضمان الأكيد لحياة اُسرية سليمة تقوم علىٰ حسن العشرة بين أفراد الاُسرة إمّا خوفاً من العقاب أو رغبة في الثواب الاخرويين ، ولأجل ذلك كان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
ينصح الشباب المسلم أن لا يختاروا حسن وجه المرأة علىٰ حسن دينها
، وكان أهل البيت عليهمالسلام
ينصحون الآباء بتزويج أبنائهم من المتدينين الأتقياء
؛ لأنّ التدين والتقوىٰ يردعان الإنسان عن الظلم ويسوقانه إلىٰ مكارم
الأخلاق وخصال الخير.
وفي مقابل ذلك نرىٰ أن افتقار
المنهج المادي للوازع الديني قد مزَّق الرباط الاُسري وأضعف المناعة النفسية لأفراد العائلة الغربية ، وعلىٰ سبيل
الاستشهاد تحدث الدكتور (إمبروس كنج) الطبيب الاستشاري في مستشفىٰ لندن لبحوث الأمراض السارية بين الشباب البريطاني ، عن سلبيات المنهج العلماني الذي يدير ظهره للدين إنّ أكثرية الشعب في بريطانيا لا تؤمن بدين ، وأن الأسباب في المشكلة الاجتماعية الحاضرة هي رفض الأوضاع والمستويات التي
________________
تفكر الهيئات الدينية
في الاحتفاظ بها ، وأضاف : إنّ الذين نصبوا من أنفسهم رواداً للفكر العلماني أخفقوا في إعطاء بديل عن الأسس الدينية المحافظة علىٰ
الاُسرة » .
وتكاد تجمع المراجع الاجتماعية
علىٰ أن السبب الوحيد وراء تفكك الاُسرة هو ضعف التوجيه الديني ، وابتعاد البشرية عن تطبيق مبادئ الدين ، وإزاء ذلك فقد أكد المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الجريمة الذي انعقد في عام ١٩٥٥م علىٰ ضرورة استخدام العقيدة الدينية كسلاح للحد من انتشار واستفحال ظاهرة الجريمة » .
مما تقدم تبين لنا بأن أهم ما يمتاز به
المنهج الاسلامي بالمقارنة مع المنهج المادي أنّه ذو صبغة دينية.. : ( صِبْغَةَ اللَّهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً... ) .
ثانياً : الصفة الأخلاقية :
يعتبر المنهج الإسلامي الأخلاق الفاضلة
من الدعائم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الفاضل ، وخاصة مجتمع الاُسرة ، ولهذا فهو يحرص أشد الحرص علىٰ صيانة الأخلاق وترسيخها والتصدي لكلِّ من يخل بها.
أما المنهج المادي فيكاد يهمل المسائل
الأخلاقية ولا يعتني بها إلّا إذا أصاب ضررها المباشر مصالح الأفراد أو أخل بالأمن والنظام العام.
فعلىٰ سبيل المثال تعاقب الشريعة
علىٰ جريمة الزنا في كلِّ الأحوال والصور ،
________________
لكونها جريمة تمس
الأخلاق ، وتتضمن اعتداءً علىٰ نظام الاُسرة الذي يشكّل حجر الزاوية في النظام الاجتماعي الإسلامي ، وعليه فهي تعاقب فاعله إذا أتىٰ
به في أي مكان ، ويعتبر في نظرها زانياً كل من يجتمع علىٰ فاحشة سواء كان محصناً أم غير محصن.
أما القانون الوضعي فلا يعتبر هذا الفعل
الفاحش زنا إلّا إذا وقع في منزل الزوجة .
لذلك من الممكن القول أن التفسير الوحيد
لموقف الشريعة المتشدد من الزنا ، هو قيام المنهج الإسلامي علىٰ قاعدة الأخلاق ، يقول الدكتور جبر
محمود :
«إنّ النظام الجنائي الإسلامي هو النظام
القانوني الوحيد بين النظم القانونية المعروفة للعالم الحر الذي يعاقب علىٰ الزنا مجرداً عن أي اعتبار آخر ، وهو
النظام القانوني الوحيد الذي لا يجعل لرضا الزانين أثراً أيّاً ما كان في العقوبة
علىٰ فعليهما» .
وكان واضحاً من وراء ذلك حرص الإسلام
علىٰ حماية الجانب الأخلاقي في كيان الاُسرة ، أما المنهج الغربي فلا يعبأ بهكذا نوع من الجرائم وأخذ يساير هذا الواقع الفاسد ويمنحه صفة قانونية ، « ففي عام ١٩٧٥ م عُدّل قانون العقوبات الفرنسي في موضوع الجرائم الأخلاقية ، وتبدّلت النظرة القانونية إلىٰ زنا المتزوجين فاخرج من عداد الجرائم » .
كما وقد أخرج الشارع البريطاني اللِّواط
من قائمة الأفعال المحرمة علىٰ الرغم
________________
من كونه عملاً قبيحاً
تحرّمه كافة شرائع السماء ، في حين أن القانون الفرنسي لا يعاقب من قديم علىٰ هذا الفعل.
ذلك أن المنهج المادي يرىٰ أن
الدين والأخلاق تشكّل قيوداً وعوائقاً أمام حرية الإنسان وخاصة الجنسية منها ، يقول فرويد : «إنّ الإنسان لا يُحقق ذاته بغير الاشباع الجنسي ، وكل قيد من دين أو أخلاق أو تقاليد هو قيد باطل ومُدمّر لطاقة الإنسان وهو كبت غير مشروع» .
ولا يخفىٰ بان النتيجة المترتبة
علىٰ انطلاق الغرائز وإباحة الجنس هي تهديم الأخلاق وتحطيم الاُسرة ، وهو أمر يُخطط له أعداء الدين والإنسانية من زمن بعيد ، فأحد بروتوكولات حكام صهيون يقول : «يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كلِّ مكان فتسهل سيطرتنا.. إنّ فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقىٰ في نظر الشباب شيء مقدّس ، ويصبح هَمّهم الأكبر هو إرواء غرائزهم الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقهم» .
لقد بات واضحاً أن من أكبر الآثار
المدمرة علىٰ الاُسرة هي أفكار فرويد الإباحية ، وقد كان الإنسان حين يقع في الإثم يشعر بالذنب وتأنيب الضمير ، فجاء فرويد يوحي إليه بأنه إنسان سوي ولا غبار عليه ، وأن الممارسة الجنس ولو بصورة غير شرعية هو عملية «بيولوجية» بحتة لا صلة له بالأخلاق ، وهكذا أسبغ علىٰ الفساد صبغة أخلاقية !
أما المنهج الإسلامي فإنّه يسير جنباً
إلىٰ جنب مع الأخلاق ، ويعتبر الدخول في عشّ الزوجية وتشكيل الاُسرة نقطة تحوّل نحو الأخلاق السامية ، وليس
________________
أدلّ علىٰ ذلك
من قول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
زوّجوا أياماكم فإنّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم .. » .
ثالثاً : النظرة الواقعية :
إنّ المنهج الإسلامي ينسجم مع الفطرة
البشرية ، ويراعي عوامل ضعف الإنسان وعناصر قوته.
وفيما يتعلق بنظام الاُسرة نجد أن
التشريع المختص بالرّجل يختلف من أوجه عديدة عن التشريع الموضوع للمرأة ، ولم يأتِ هذا الاختلاف اعتباطاً أو علىٰ نحو الصدفة ، وإنّما يعكس ـ من الناحية الواقعية ـ طبيعة الدور الذي يؤديه كل واحد منهما في قيادة سفينة الاُسرة.
ويمكن للباحث أن يتلمّس السمة الواقعية
التي تطبع المنهج الاُسري الإسلامي بالمقارنة مع المنهج المادي من خلال الفوارق التالية :
١ ـ قيمومة الرجل :
تبنّىٰ الإسلام النظام الأبوي
فمنح الرجل قيمومة علىٰ المرأة بعد أن ساوىٰ بينهما في الحقوق والواجبات ، قال تعالىٰ : ( .. وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
ولم يمنح الإسلام الرجل الكلمة العليا
في الاُسرة إلّا بعد أن كلّفه بالانفاق علىٰ الزوجة وأطفالها وتوفير الرعاية والحماية لهم.
وبطبيعة الحال لا يستقيم مع مبدأ
العدالة والانصاف أن يكلّف الرجل
________________
بالانفاق والحماية
بدون أن يُمنح ميزة إضافية تمكنه من الإشراف علىٰ الاُسرة وإدارة شؤونها.
وقد أخذ التشريع بنظر الاعتبار طبيعة
الدور الذي تضطلع به المرأة والمتمثل بالاُمومة والحضانة للأطفال ، وهو دور ينسجم تماماً مع خلقها وطبيعتها النفسية حيث تتميز بعاطفة جياشة وإحساس رقيق ونعومة لاتتناسب مع الاعباء والمسؤوليات التي تفرضها القيمومة ، فصفات الإشراف والرئاسة متوفّرة من الناحية الواقعية في الرجل بتكوينه وطبعه أكثر من توفّرها في المرأة.
ولا تعني قيمومة الرجل بأي حال استعباد
الزوجة أو انتهاك كرامتها ومصادرة حقوقها ، بل هي قيمومة تقوم علىٰ المحبة والرحمة ورعاية مصالح الاُسرة ، ولا تنقص شيئاً من شخصية المرأة وحقوقها المدنية ، فلها الحق في التصرف بملكيتها المستقلة وبإمكانها إجراء مختلف العقود من بيع وشراء وهبة ووصية وما إلىٰ ذلك.
أما المنهج الغربي ففي الوقت الذي يحرر
المرأة من قيمومة الرجل فإنّه يوقعها فريسة لقيمومة دور الأزياء ودور الدعارة ونوادي العري ويجعلها سلعة رخيصة لطالبي المتعة أو يستغل جمالها لترويج سلعة !
ثم إنّ الزواج في اوربا ـ وحتىٰ
وقت قريب ـ يجعل الرجل شريكاً للمرأة في مالها ، وأن ما يكون لها قبل الزواج من مال يدخل في هذه الشركة ، يكون للزوج حق التصرف في مال الشركة ، وهو بذلك وصي أو وكيل وكالة إجبارية عن امرأته ، والجدير بالذكر أنّ المرأة في الغرب لم تثبت لها الولاية المالية
علىٰ مالها في اوربا إلّا من مدة لا تزيد عن ثلاثين سنة وقد سبقها الإسلام في ذلك
بنحو أربعة عشر قرناً.
ويمكن ادراك سموّ المنهج الإسلامي
وسلامته إذا ما علمنا بأن الشريعة اليهودية وهي ذات نزعة مادية تعتبر المرأة بعد الزواج مملوكة لزوجها ، ومالها ملك له ، ولكن لكثرة الخلافات فقد أُقر بعد ذلك أن تملك الزوجة رأس المال والزوج يملك المنفعة .
وفي هذا الإطار نلاحظ أن تحرر المرأة من
قيمومة الرجل في الغرب قد أطلق الحبل علىٰ غاربه أمام الزوجين للمطالبة بالطلاق لأتفه الأسباب ، الأمر الذي
ساعد علىٰ تفكك عُرى الاُسرة ، وقد جرىٰ تحقيق اجتماعي واسع تناول
ثلاثين ألف رجل وامرأة اشترك فيه كبار علماء الاجتماع من أمريكا ومعظم دول أوربا ، جاء فيه :
إنّ المجتمعات الصناعية تتحول شيئاً
فشيئاً عن النمط القديم المتصف بتفوق الرجل علىٰ المرأة إلىٰ النمط الحديث المسمىٰ بنمط المساواة بين
الرجل والمرأة ، وقد أصبحت هذه المساواة من عوامل انحلال الزواج ، فما دام الزوج في المجتمع القديم يشعر بتفوق علىٰ المرأة وبمسؤولية أخلاقية تجعله يحميها ويحرسها ، فإنّه كان يتردد طويلاً قبل حلّ الزواج بالطلاق ، ولكن بعد أن تبخّر هذا الشعور فان الرجل أخذ يقدم علىٰ الطلاق لأتفه الأسباب .
ثم إن المنهج الإسلامي ـ باعطائه حق
القيمومة للرجل مع تكليفه بواجب الانفاق والرعاية ـ يتصف بالواقعية علىٰ العكس من المذهب الوضعي الذي يتجاهل الاختلاف بين الرجل والمرأة في القدرات الجسمية والنفسية وما
________________
يترتب علىٰ ذلك
من اختلاف في الحقوق والواجبات.
٢ ـ إباحة الطلاق :
إنّ الإسلام شرع الزواج وأحاطه بكلِّ
الضمانات ليستقر فيؤتي ثماره الطيبة بتشكيل الاُسرة وإنجاب الذرية ، ولما كان المنهج الإسلامي يتصف بالواقعية فقد أخذ بنظر الاعتبار كل ما يعكّر صفو الحياة الزوجية من حصول الشقاق من جراء تنافر القلوب أو انكشاف ما خفي من العيوب بعد الاقتران أو إصابة أحد الزوجين بمرض لا يستطيع معه المعاشرة مما يجعل الحياة الزوجية جحيماً لا يُطاق ، وعليه فقد أباح الطلاق وجعله بمثابة الكي الذي هو آخر الدواء ، علماً بانه أحاطه بهالة من الكراهية والمبغوضية للتنفير منه واعتباره أبغض الحلال إلىٰ الله.
وعليه فان الإسلام لا يعرف الأبدية في
عقد الزواج كما هو الحال في المسيحية ، وعلىٰ الخصوص الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي ترىٰ أن
الزواج غير قابل للانحلال إلّا بالموت من خلال الزعم بأن ما يربطه الله لا يمكن أن يحلّه الإنسان.
أما المذهبان المسيحيان الآخران : الارثوذكسي
والبروتستاني فيبيحان الطلاق في حالات محدودة من أهمها الخيانة الزوجية ، ولكنهما يحرمان علىٰ الرجل والمرأة كليهما أن يتزوجا بعد الطلاق .
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد قررت حق
الطلاق للزوجين من أربعة عشر قرناً ، فإنّ العالم المتحضر لم يعرف هذا الحق ولم يعترف به إلّا في القرن
________________
العشرين ، بل كان
بعضهم يأخذ علىٰ الشريعة أنها جاءت مقررة لحق الطلاق ، ثم دار الزمن دورته وجاء عصر العلوم والرقي ، وتقدمت نظم الاُمم وتفتحت العقول ، فرأىٰ العلماء الاجتماعيون والمفكرون في الغرب أن تقرير حق الطلاق نعمة علىٰ المتزوجين ، وأنه الطريق الوحيد للخلاص من الزواج الفاشل ومن سوء العشرة وما ينتج عنها من الآلام النفسية ، وإن الطلاق هو الذي يحقق سعادة الزوجين إذا فشل الزواج في تحققها ، ولا يكاد اليوم يخلو قانون وضعي من قوانين الاُمم المتحضرة من النص علىٰ الطلاق والاعتراف به .
وهكذا بدأ العالم بعد ثلاثة عشر قرناً
يعترف ـ ضمناً ـ بواقعية المنهج الإسلامي في الطلاق ويأخذ به ، ومع اعتراف النظم الوضعية ـ مؤخراً ـ بحق الطلاق فإنّ الذي يؤاخذ عليها جانب الإفراط والتفريط فيه ، فطائفة منها تجرّد عقد الزواج مما له من حرمة ، فتقبيح الطلاق لأتفه الأسباب ، كما هو الشأن في بعض ولايات أمريكا الشمالية والدول الاسكندنافية كالسويد ، وطائفة اُخرىٰ تشدد كل التشديد علىٰ ديمومة عقد الزواج متأثرة بروح الكنيسة ، فلا تكاد تبيح التحلل منه إلّا في حالات محدودة ، كفضيحة تلحق الاُسرة في حاضرها ومستقبلها ، وتتّبع من أجل إنهائه إجراءات معقدة لا تؤدي إلىٰ الطلاق إلّا بعد
أمدٍ طويل كما هو الحال في فرنسا ومعظم الدول الكاثوليكية ، فهذه بغت حدّ التفريط ، وتلك بلغت حدّ الإفراط الأمر الذي يبعدهما عن الواقعية.
علىٰ أن الأكثر إثارة في هذا
الصدد أن العلمانية «لا تجوّز للرجل أن يطلّق زوجته إلّا في حالة الزنا ، وهنا لا يجوز للزوجين الزواج بعده مرة
________________
اُخرى » .
ومثل هذا الحل لا يتصف بالواقعية ؛ لأنّه
سد باب الزواج أمام الزوجين الأمر الذي يدفعهما إلىٰ إشباع غريزتهما الجنسية بطرق غير شرعية.
وبعض التشريعات أخذت تضيّق الخناق
علىٰ الزوج وتفرض عليه تبعات مالية من أجل ثني إرادته عن الطلاق ، فعلىٰ سبيل المثال لا الحصر : «يجيز القانون البريطاني الجديد للزوج تطليق زوجته بشرط أن يعطيها نصف ما يملك من ثروة أو مورد رزق» .
تجدر الإشارة هنا إلىٰ أن بعض
المفكرين الماديين يوجّهون سهام نقدهم اللاذع إلىٰ المنهج الإسلامي ؛ لأنه جعل الطلاق بيد الرجل وحده وحرم المرأة منه ، وقد فات هؤلاء انّ المنهج الإسلامي قد راعىٰ في تشريعه الواقعي طبيعة المرأة النفسية حيث تغلب عليها ـ في الغالب ـ العاطفة وتكون سريعة الانفعال في أوقات معينة ، فلا يصح ـ والحال هذه ـ أن يوضع بيدها قرار الطلاق الخطير الذي يهدد بانهيار الاُسرة لنزوة عابرة أو انفعال طارئ.
أما الرجل فإنّه أقدر من المرأة نوعاً
ما علىٰ ضبط عواطفه والتحكم في انفعالاته ، فهو غالباً ما يحتكم للعقل لا سيّما وإن قرار الطلاق قد ينجم عنه خسارة مالية تطاله وحده.
علىٰ أن الإسلام (قد أباح الطلاق
عن تراضٍ للطرفين في صورة الخلع ، بل أباح أنواعاً من الطلاق تستأثر بها المرأة إذا تنازل لها الزوج عن هذا الحق وأباح لها أن تشترط في عقد الزواج شروطاً خاصة ، ينفسخ العقد عند عدم
________________
الوفاء بها) .
٣ ـ تعدّد الزوجات :
من المسائل التي يختلف فيها المنهج
الاُسري في الإسلام عن المنهج المادي أن الأول يقرّ ـ من حيث المبدأ ـ تعدد الزوجات ضمن شروط معينة ، بينما الثاني لا يقرّ ذلك ويشنّع أشدّ التشنيع علىٰ التشريع الإسلامي ، ويرىٰ بأنه
يتعارض مع كرامة المرأة وإنسانيتها. وقد ذهب بعض قادة الغرب بعيداً في حملة النقد ، فقد اعتبر اللورد «كرومر» المعتمد البريطاني في مصر : (أنّ السبب في تأخّر المسلمين هو تعدّد الزوجات) .
وقد ردّد أعلام العلمانية في بلداننا
هذه المزاعم الباطلة دون تمحيص أو تحقيق ، فمثلاً يرىٰ كمال أتاتورك : (أن حق الرجل في الزواج من أكثر من
واحدة شرّ اجتماعي) وألغاه بجرّة قلم دون أي وازع ديني .
علماً بأن تعدد الزوجات كان هو النظام
السائد إلىٰ ما قبل الإسلام ، فالفرس والرومان وغيرهم كانوا يعدّدون الزوجات ، ولم يعرف أن أُمّة في القديم منعت التعدد إلّا مصر ، ولكنها كانت تتحلل من القيد المانع بجعل من تجيء بعد الزوجة الاُولىٰ في منزلة دونها .
وفي الحضارة الصينية والفارسية يجوز
تعدد الزوجات ولكن الزوجة الثانية وما بعدها تعتبر زوجة من الدرجة الثانية ، أي الخادمة ، لا تتمتع بالحقوق التي
________________
تتمتع بها الزوجة
الاُولىٰ .
أما الإسلام فقد سلك مسلكاً وسطاً ، فلم
يمنع التعدد السائد ، ولم يسمح به إلىٰ عدد غير محدَّد ، قد يُلحق الضرر بالتزامات الرجل الاُسرية.
وعليه فحلّل له الاقتران علىٰ نحو
الدوام بأربعة نساء كحدّ أعلى ، وفرض عليه نفقتهنّ ومعاملتهنّ بالعدل والإحسان ، ولم يسمح له بالنظرة الدونية للزوجة الثانية وما بعدها.
ويبرز الطابع الواقعي في المنهج
الإسلامي أنه قد فرض عليه العدل في النفقة ولم يكلّفه ما لا يطيق بالعدل في المودّة.
وقد سأل أبو جعفر الأحول أبا عبدالله
الصادق عليهالسلام
عن الفرق بين قوله تعالىٰ : ( .. فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
فَوَاحِدَةً... )
، وقوله
تعالىٰ : ( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ
النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. )
.
فقال عليهالسلام
: «
أما قوله : ( فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً.. )
فإنّما عنىٰ في النفقة ، وقوله : ( وَلَن تَسْتَطِيعُوا..
) فإنّما هي في
المودّة ، فإنّه لا يقدر أحد أن يعدل بين أمرأتين في المودّة »
.
الأمر الآخر هنا أنّ السُنّة الشريفة
تحذّر الزوج من العواقب الاُخروية المترتّبة علىٰ الإخلال بالعدالة ، يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من كانت له
________________
امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من
نفسه وماله ، جاء يوم القيامة مغلولاً مائلاً شقّه حتىٰ يدخل النار »
.
والعدالة لا تقتصر علىٰ الجانب
الماديّ ، بل تمتدّ لتشمل الجانب الجنسي أيضاً ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام
: في الرجل يكون عنده امرأة فيتزوّج أخرىٰ ، كم يجعل للتي يدخل بها ؟ قال : « ثلاثة أيام ثم يقسم
» .
يبقىٰ القول إنّ تحريم التعدد قد
يدفع بعض الناس نحو الزنا ، وذلك أن عدد النساء في العالم يزيد علىٰ عدد الرجال ، ويزداد الفرق بينهما في العدد
كلّما نشبت الحروب وحصدت رقاب عدد من الرجال فيختلّ ـ لا محالة ـ التوازن العددي بين الجنسين ، إذ سيبقىٰ عدد من النساء بدون زواج وبالتالي عرضة للانحدار
نحو مستنقع الفساد.
ويبدو أن الحروب لم تكن الدافع الوحيد
الذي حمل بعض المفكرين المنصفين علىٰ القول بضرورة نظام تعدد الزوجات ، وإنّما حملهم علىٰ ذلك شيوع
ظاهرة اتخاذ الخليلات التي غدت ظاهرة خطيرة تثير القلق في أوساط المجتمع الغربي المعاصر ، بحيث أصبح لكلِّ رجل عدد من الخليلات يشاركن زوجته في رجولته ورعايته ونفقته !
يقول شوبنهور الفيلسوف الالماني : (لقد
أصاب الشرقيون في تقريرهم لمبدأ تعدد الزوجات ؛ لأنّه مبدأ تحتمه وتبرره الإنسانية ، فالعجب أن الاوربيين في الوقت الذي يستنكرون فيه هذا المبدأ يتّبعونه عملياً ، فما أحسب أن بينهم من يُنفّذ مبدأ الزوجة الواحدة علىٰ وجهه
________________
الصحيح) .
ويقول جوستاف لوبون : (إنّ تعدد الزوجات
المشروع عند الشرقيين أحسن من عدم تعدد الزوجات الريائي عند الاوربيين ، وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين) .
بقي علينا أن نشير إلىٰ أن الفطرة
الواقعية تستلزم حلّية التعدّد في حالات عديدة ، فعلىٰ سبيل المثال نجد أن البعض تكون رغبته في النسل شديدة ولكنه رزق بزوجة لا تنجب لعقم أو مرض أو غيره ، أفلا يكون من غير المناسب حرمانه من رغبته المشروعة في الزواج ثانية من امرأة تحقّق له حلمه المنشود ؟!
وعليه نرىٰ أنّ نظام تعدد الزوجات
ينطوي علىٰ حلول حكيمة للعديد من المشكلات التي تعترض نظام الاُسرة ، وفيه تتجلىٰ واقعية المنهج الإسلامي ، وصوابيته في حلّ المشكلة الجنسية من خلال الشرعية.
أما المنهج المادي فإنّه يحلّها من خلال
الإباحية ، وهكذا نجد أن فرويد : (يدعو إلىٰ إشباع الرغبة الجنسية ، وذلك لأنّ الإنسان صاحب الطاقة الجنسية القوية ، والذي لا تسمح له النصرانية إلّا بزوجة واحدة ، فأمّا أن يرفض قيود المدنية ، ويتحرر منها باشباع رغباته الجنسية ، وإما أن يكون ذا طبيعة ضعيفة لا يستطيع الخروج علىٰ هذه القيود فيسقط صاحبها فريسة للمرض النفسي ونهبة للعقد النفسية) .
والمفارقة العجيبة أن فرويد الذي يبرر
الإباحية يغفل عن التعدد الذي يحفظ
________________
كرامة الإنسان وحقوقه
ويحافظ علىٰ إنسانيته.
رابعاً : الشمول والكمال :
لا شكّ بأنّ المنهج الإسلامي أتمّ وأكمل
المناهج السماوية فضلاً عن المناهج الوضعية ، لقوله تعالىٰ : ( .. الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. )
.
ولا نبالغ إذا ما قلنا بأن البشرية لم
تعرف في تاريخها كلّه نظاماً للاُسرة بهذه السعة وهذا الشمول ، وقد رأينا في الفصلين السابقين كيف أولىٰ الإسلام عناية
فائقة بالاُسرة قبل التكوين وأثنائه ومن بعده ، فبيّن طريقة اختيار الزوجين وكيفية إنشاء عقد الزواج ، وطريق المعاشرة الحسنة ، وأرشد كلّاً من الزوجين إلىٰ ما له من حقوق وما عليه من واجبات ، ولم ينس أنه قد يثور النزاع بينهما
لسبب أو آخر فوضع العلاج المتدرّج المناسب لكلِّ حالة ثم وضع الطريقة المثلىٰ
لإنهاء عقد الزواج إذا ما استحكم الخلاف ، وباءت الحياة الزوجية بالفشل.
ومما يسترعي الانتباه أن منهج الإسلام
الاُسري لم يقتصر علىٰ النواحي التشريعية والاجرائية كما هو الحال في النظم الوضعية التي تعين المادة القانونية وتفرض الجزاء المناسب عند خرقها وعدم الالتزام بها ، بل إنّه يتضمن مجموعة كبيرة من التعاليم الوقائية التي تساهم في تدعيم نظام الاُسرة وتحول دون انهياره.
ومن ذلك اختيار الزوج والزوجة وما يتعلق
به من تعاليم وقائية رائعة لها
________________
بالغ الأثر في بناء
الاُسرة وتشييد مقوماتها ، كقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
للشباب : «
إيّاكم وخضراء الدمن . قيل : يا رسول الله
وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة
الحسناء في منبت السوء »
.
وفي هذا الصدد نصح الإمام الرضا عليهالسلام أحد الآباء بقوله : «
... إيّاك أن تزوج شارب الخمر فان زوّجته فكأنّما قدت إلىٰ الزنا »
.
من جهة ثانية يتصف منهج الإسلام الاُسري
بالثبات وعدم التغير وبالصلاحية لكلِّ زمان ومكان ، وبالمقابل إذا نظرنا إلىٰ القوانين الوضعية
في أصل نشأتها نجدها علىٰ الإطلاق ضيقة بحسب الجماعة التي وضعت من أجلها ثم أخذت تنمو مع الزمن ، فهي عرضة للتغير والتبديل ، ما تغير الزمن وتبدّل ، وهي تختلف باختلاف البيئة أيضاً ، فلكلّ دولةٍ الحق في وضع القانون الملائم لها ، ومن أجل ذلك لا تجد قانون دولة يصلح لدولة اُخرىٰ.
خذ مثالاً علىٰ ذلك القانون
الفرنسي : فقد قامت الثورة الفرنسية سنة ( ١٧٨٩ م ) لتقرير حقوق الأفراد ، نتائجها أن صدر القانون في سنة ( ١٨٠٤ م ) مقدراً حقوق الفرد باعتباره أهم عنصر في الحياة ، ولا يلاحظ أنه جزء من الجماعة ، فكان قانوناً فردياً ترد للفرد فيه الحرية التامة في استعماله ، وعرفت هذه الحقوق إذ ذاك بالحقوق الطبيعية للأفراد ، ولم يخالفه غيره من القوانين الغربية كثيراً في هذا المبدأ ، ولكن الذي حدث أن الفرد أساء استعمال حقوقه فألحق الأضرار بغيره.
ثم جاءت القوانين بعد ذلك تقيده شيئاً
فشيئاً حتىٰ انتهى التقييد إلىٰ ظهور
________________
نظرية : (التعسّف في
استعمال الحقوق) ولمّا وصلوا إليها ظنّوها جديدة ولكنّها كانت مقررة في شريعة الله سبحانه قبل أكثر من أحد عشر قرناً من الزمن .
أما المتتبع للمنهج الإسلامي فإنّه يلاحظ
شموله لمصالح الفرد والجماعة التي تشاركه في العيش وخاصة أُسرته أقرب المقربين إليه ، فالتشريع الإسلامي يُوقف كل فرد عند حدّه إذا أساء استعمال حقوقه وألحق الضرر بغيره ، قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
.. ألا وإنّ الله عزَّ وجلّ ورسوله بريئان ممّن أضرَّ بامرأة حتىٰ تختلع منه.. »
.
خامساً : العدل :
من مظاهر سموّ وكمال المنهج الإسلامي ، أنه
يجعل العدل والقسط حجر الزاوية في توجّهاته الاجتماعية وخاصّة في مجال الاُسرة ، قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ )
، وقال أيضاً : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَىٰ )
.
وهكذا نجد أنّ الأحكام الشرعية المخصّصة
للاُسرة تتميز بالعدل والانسانية ، ومن الشواهد علىٰ ذلك : أنّ التشريع القرآني عندما يلزم الأم بارضاع ولدها يلزم والده ـ في مقابل ذلك ـ بأجرها علىٰ الرضاعة ، ويراعي التشريع القرآني النواحي الإنسانية أيضاً حيث إنّه أكّد علىٰ حقّ الطفل في
التمتع
________________
بحنان الأمومة وحق
الأمّ في حضانة ولدها ، يقول تعالىٰ : ( وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا
تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ.. )
.
وولاية الرجل علىٰ الاُسرة تحتّم
عليه أن يلتزم العدل وإلّا تعرض للعقوبة الإلهية القاسية.
ومن الشواهد الاُخرىٰ التي تثبت
أنّ المنهج الإسلامي يرتكز علىٰ قاعدة العدل ، هي التزامه بمبدأ «رفع الحرج» وعدم تكليف الناس ما لا يطيقون.
أما المنهج الاُسري الوضعي فلا يراعي في
تشريعه العدل المطلق ، وذلك لأنّ الذين يضعون القوانين هم بشر يؤثرون العاجل علىٰ الآجل ولا يمكنهم أن ينسلخوا من طباعهم ؛ ولذلك نراهم يميلون بالقوانين إلىٰ الوجه الذي يتفق مع مصالحهم وينسجم مع أهوائهم ، وأحياناً كثيرة يشرعون القوانين الظالمة بسبب جهلهم بالعدل المطلق وقصورهم عن إدراك أبعاده.
فقد لوحظ (أنّ قوانين ـ وضعية ـ كثيرة
لا تسوي في العقاب بين الرجل والمرأة عند الخيانة الزوجية ، ومن هذه القوانين القانون الفرنسي والقانون الايطالي والقانون المصري ، فهذه القوانين تحابي كلّها الرّجل في كونها تحدّ من نطاق مسؤوليته الجنائية عند خيانته الزوجية ، وتضيّق الخناق علىٰ المرأة في مسؤوليتها عن خيانتها لزوجها ، فقد فرّق القانون في هذه الدول ـ بغير مقتضي ـ بين زنا الزوجة وزنا الزوج ، فعاقب الزوجة الزانية أيّاً كان ارتكابها
________________
للجريمة ، ولم يعاقب
الزوج إلّا إذا ارتكب جريمته بمنزل الزوجة ، أما إذا ارتكبها في أي مكان آخر غير هذا المنزل فلا جريمة عليه) .
ممّا تقدّم تبيّن لنا الفروق الجوهرية
بين المنهجين الإسلامي والمادي بخصوص الاُسرة.
الآثار
المترتبة علىٰ المنهج الإسلامي والوضعي
وهنا لابدّ من التطرق للآثار الاجتماعية
والتربوية والأخلاقية التي تترتّب علىٰ المنهجين ، وتنعكس ـ سلباً أو إيجاباً ـ علىٰ الفرد أو المجتمع.
أ ـ الآثار الاجتماعية :
إنّ الاُسرة المسلمة تقوم علىٰ أسس
واضحة من السكينة والمودَّة والرَّحمة ، إذ تشكّل القيم الدينية والقواعد الأخلاقية السور الوقائي لأفرادها ، فالرجل هو قائد دفّة سفينة الاُسرة وله قيمومة عليها ، بينما المرأة تضطلع بوظيفة مزدوجة ، فهي زوجة وأمّ ترضي زوجها وترعى أطفالها ، فهي البيئة الاجتماعية الاُولىٰ التي تساهم في توفير حوائجهم وتربيتهم وتشكيل الهوية الدينية لهم وتغرس فيهم المثل الاخلاقية.
وعليه فان المنهج الإسلامي يمنح الاُسرة
دوراً اجتماعياً كبيراً ، بينما نجد أنّ المنهج الغربي قد جعل دور الاُسرة هامشياً ، وقلّص من وظائفها بعد أن جعل بعض المؤسسات ودور الحضانة تحرم الطفل من حق الحضانة والتربية في محيط
________________
الاُسرة ، وتنافس
الاُسرة في الاضطلاع بدورها بشكل تام.
وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين
عاشوا في مؤسسات إيوائية يتلقّون فيها اهتماماً ورعاية محدودين ، ويكون نموهم معوقاً ، كما أن التأثير الخطير لهذه البيئات يمكن أن يقلّ عند عودة هؤلاء الأطفال إلىٰ منازلهم العادية .
ولا يخفىٰ بأن الاُسرة خلية
اجتماعية مصغّرة يجرّب الطفل فيها اختباراته الاجتماعية وينمو فيها حسّه الاجتماعي تجاه الآخرين ، ومن هنا نجد أن الإسلام يحرص علىٰ بقاء وتعزيز دور الاُسرة ، بينما نجد أن تهميش دورها في الغرب قد أفرز مزيداً من الظواهر الشاذة وما رافقها من انحلال وميوعة ، أسفرت عن ظهور حركات العبث واللاجدوائية كالهيبز والبيتلز ... وما إلىٰ ذلك.
ثم إنّ الحرية الغير منضبطة في الغرب قد
تركت آثاراً سيئة ، وركاماً من التراجع الخلقي على مستوى الفرد أو الجماعة. فقد تفشّىٰ الزنا علىٰ نطاق
واسع ، وانتشرت ظاهرة «الأطفال غير الشرعيين» ، الإجهاض وما إلىٰ ذلك من مظاهر مرضية أخذت تشكّل هاجساً مقلقاً لعلماء الاجتماع الغربيين.
تقول الاحصاءات : (إنّ ثلث السكان الذين
يولدون في إيطاليا أولاد غير شرعيين ، وإنّ عدد حوادث الاجهاض في فرنسا سنوياً مليون حادثة ، والبعض يقول مليونان.
أي أن كلّ «١٠٠» ولادة يقابلها «١٢٠» إجهاضاً
، وقد كثرت حوادث الاجهاض في السنوات الأخيرة بسبب العلاقات الجنسية التي لم تعد تخضع إلىٰ أي قيود) .
________________
ثم إنّ الاعراض عن الزواج في الغرب ، والاكتفاء
بالاتصال الجنسي بدون زواج ، قد خلق مشكلة تهدّد بقاء الاُسرة ، كما أنّ عمل المرأة خارج البيت وبالتالي استقلالها الاقتصادي عن الرجل قد أضعف من سلطته وقيمومته ، كما ترك عملها خارج المنزل أثراً عكسياً علىٰ تربية الأطفال والاهتمام بشؤون البيت ، ونتيجة لذلك فقد هاجم كثير من علماء الغرب عمل المرأة ، حتىٰ إنه (نشأت في انجلترا جمعية قوية تعمل علىٰ مقاومة اتجاه النساء إلىٰ العمل
في المصانع والشركات والمصالح الحكومية وإهمالهن البيوت) .
وهكذا نجد انعطافاً اجتماعياً حاداً في
أنماط السلوك الغربي نتيجة لاضعاف دور الاُسرة ، يقول بعض الباحثين الاجتماعيين : (إننا لوعدنا إلىٰ مجتمعنا
الذي نعيش فيه فزرنا السجون ودور البغاء ومستشفيات الأمراض العقلية ، ثم دخلنا المدارس وأحصينا الراسبين من الطلاب ، ثم درسنا من نعرفهم من هؤلاء لوجدنا أن معظمهم حُرموا من الاستقرار العائلي ، ولم يجد معظمهم بيتاً هادئاً من أب يحدب عليهم وأُمّ تدرك معنىٰ الشفقة ، وفساد البيت كان السبب في ضياع هذا الجيل الذي لا يعرف هدفاً ، ولا يعرف له مستقراً) .
ولم تقتصر هذه المعطيات السلبية
علىٰ الاُسرة فحسب ، بل امتدّ نطاقها وانعكس علىٰ المجتمع بأسره ؛ لأنّ انحلال وفساد الجيل سوف يؤدي إلىٰ عواقب
وخيمة قد تسبب هزيمة الدولة ، فعندما ركعت فرنسا تحت أقدام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية صاح «بيتان» في قومه : (لم تريدوا أطفالاً وهجرتم حياة الاُسرة ، وانطلقتم وراء الشهوات تطلبونها في كلِّ مكان ، فانظروا إلىٰ أي
مصير
________________
قادتكم الشهوات) .
إضافة لما تقدم فقد نجم عن تفكّك
الروابط العائلية في الغرب بروز «ظاهرة الاجرام» وأخذ القانون الجنائي الغربي يتعرّض لنقدٍ لاذعٍ بسبب تفاقم هذه الظاهرة تفاقماً لم تعرفه البشرية من قبل ، فقد أخذت تهدّد الأمن العام وتكلّف ميزانيات الدول الغربية مبالغ طائلة ، والأهم من ذلك حرمان هذه المجتمعات من العناصر الشابة القادرة علىٰ العمل والانتاج ، وبدلاً من توسيع المعامل أخذت السلطات هناك ببناء أو توسيع السجون وزجّ آلاف الشباب وراء القضبان !
ولا سبيل إلىٰ الانكار بأن بعض
الظواهر المنحرفة كتعاطي المخدرات وبعض مظاهر الفساد قد انتشرت في بعض بلداننا الإسلامية نتيجة لابتعادها عن المنهج الإسلامي الصحيح ، وسيرها في ركاب الغرب بدعوىٰ الحداثة والمعاصرة ومسايرة الحضارة.
ب ـ الآثار التربوية :
من المعلوم أن الهدف الأساس للتربية في
الإسلام هو تأهيل الإنسان لكي يتمسّك بالقيم الدينية ، ويتحلّىٰ بالأخلاق الفاضلة ، وبالتالي يكون مسيطراً
علىٰ نزواته وأهوائه النفسية من خلال أساليب تربوية عديدة ، كالتوجيه ، والموعظة النافعة ، واُسلوب القدوة ، والاُسوة الحسنة ، وأسلوب القصّة ، وما
إلىٰ ذلك من أساليب تصل في نهاية المطاف إلىٰ اُسلوب العقوبة.
والملاحظ أنّ المنهج الإسلامي لم يكتفِ
بالعقوبة المجرّدة لتقويم الانحراف ، بل
________________
يبحث عن الحلول
العملية الناجعة لتطويق الجريمة ، يروي الإمام الصادق عليهالسلام : «
إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام
أُتي برجل عبث بذكره ، فضرب يده حتىٰ احمرَّت ثمّ زوّجه من بيت المال »
.
فلم يكتف الإمام عليهالسلام هنا بالعقوبة
المجرّدة كاسلوب تربوي نهائي ، بل أردفها بحلّ جذري ، وضع نهاية لهذه المشكلة الجنسية.
وفي نظرة مقارنة نجد أنّ الحضارة
المادية تطلق العنان للانحرافات الجنسية إلىٰ درجة الاسفاف والابتذال وبدلاً من إيجاد الحلول العملية لإعادة الاُمور
إلىٰ نصابها الصحيح والمحافظة علىٰ كيان الاُسرة ، نلاحظ أن الدوائر الغربية قد اتخذت حلولاً تكرّس هذا الانحراف وتضفي عليه الصفة القانونية وترضخ للإمر الواقع.
على أنّ الأكثر إثارة في هذا الصدد أنّ
بعض جهات الكنيسة الكاثولوكية وتمشياً مع موجة الفساد التي عصفت بالعلاقات الاُسرية ، طلبت من المدرسين أن يسقطوا كلمتي (أب وأُمّ) من حديث الصفّ في المدارس أثناء مناداة الطلبة ، اعترافاً بالعدد المتزايد للعائلات المتألفة من أحد الأبوين فقط بحسب صحيفة «الاندبندت».
وأضافت الصحيفة أنه بدل ذلك يجب أن
يستخدم المدرسون كلمات مثل «الراشدون الذين يعيشون في منزلك أو الناس الذين يعتنون بك» وهذه اللغة جزء من المصطلحات الجديدة التي تستخدمها الكنيسة في أحدث برامجها التربوية للأطفال الذين هم بعمر خمس سنوات.
________________
ونقلت الصحيفة عن أحد منظّمي الحملة
قوله : (في الماضي كان هناك أب وأمّ لكلِّ عائلة ، أمّا اليوم فلم نعد بحاجة لهذه الأسماء) .
ونتيجة لحرمان الصبية والفتيان من أجواء
العائلة الدافئة ، وبغية الهروب من الواقع أقبلوا علىٰ تناول المخدرات والمشروبات الكحولية ، ففي أمريكا بلد
الحرية غير المحدودة (أقبل الصبية الفتيان علىٰ احتساء الخمر ، وقال القضاة الأمريكيون : لم يعهد في تاريخ بلادنا هذه الكثرة الكاثرة من الصبيان المقبوض عليهم في حالة سكر) .
وقد ثبت بالتجربة أن قاعدة «القدوة
والاُسوة» التي تتمّ داخل الاُسرة هي أساس التربية : (فالأطفال يأخذون بالتقليد والمحاكاة أكثر ممّا يأخذون بالنصح والارشاد) .
يقول الكسيس كاريل في كتابه : «الإنسان
ذلك المجهول» : (لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال تدريب الاُسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً ، وكذا ترك الاُمهات أطفالهن لدور الحضانة حتىٰ يستطعن الانصراف
إلىٰ أعمالهن ومطامعهن ، إنهن مسؤولات عن اختفاء وحدة الاُسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار ، فيتعلم منهم أموراً كثيرة ؛ لأنّ الطفل يشكّل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبق القوالب الموجودة في محيطه) .
فالمدارس التي تسير وفق المنهج الغربي
لم تقدّم للناشئة الغذاء الفكري
________________
السليم ولم تطبعهم
علىٰ السلوك القويم ، ولم توفّر لهم المناعة النفسية ضدّ الانحراف.
وبعد المدرسة تعمل وسائل الاعلام في
الغرب علىٰ تشكيل وعي وثقافة الشباب فتشجّعهم علىٰ العنف والاجرام والجنس ، فهي تعلّم الحدث ـ ضمناً ـ كيف يسرق مصرفاً أو بيتاً أو كيف يقتل رجلاً ويخفي جريمته ، وكيف يتجسّس علىٰ عورات الناس ، وتعلّم الزوج ـ عملياً ـ كيف يخون زوجته وأولاده واُسرته !
ونتيجة لذلك برزت ظاهرة «عصابات الأحداث»
التي أخذت تقلق الباحثين والمربين في الغرب ؛ لأن النسبة إجرامها في تصاعد مستمر ، وأسبابها كثيرة ، فإضافة لدور وسائل الاعلام ، لوحظ أن ضعف رقابة الآباء وتفكّك عرىٰ الاُسرة نتيجة الافراط في الطلاق أو الهجر ، وكذلك رفقاء السوء ، إذ
يظلّ الحدث دون موجّه ، فيتلقفه الشارع بشروره ، وفي غير هذه الحالات يلعب إدمان الآباء علىٰ الخمور والمخدّرات أقبح دور في دفع الأولاد نحو الجريمة.
وهكذا نصل إلىٰ نتيجة يقينية هي
أنّ المنهج المادي قد أفرز ظواهر سلبية انعكست علىٰ التربية ، ولم تقصر ثمارها المُرّة علىٰ الفرد ، بل
امتدّت إلىٰ المجتمع ، فهددت أمنه ومستقبل أجياله ، ومزّقت النسيج الاجتماعي الذي يربط أفراده.
جـ ـ الآثار الأخلاقية :
يتّصف المجتمع الإسلامي ـ عموماً ـ بالتماسك
الاُسري بالمقارنة مع مثيله الغربي نتيجة للمناعة الذاتية التي يحصل عليها أفراده من خلال تمسّكهم بالاخلاق الحميدة التي تدفع الوالدين إلىٰ الاحترام المتبادل وتحثّ الآباء
علىٰ إحاطة أولادهم بسياج من الحماية والرعاية ، وبالمقابل تلزم الأولاد علىٰ البرِّ
والاحسان إلىٰ الوالدين ، فتصبح
الاُسرة ـ والحال هذه ـ متلاحمة كسبيكة صلبة يصعب تفكيكها.
ومن نماذج الاُسرة الكريمة المتمسكة
بمكارم الأخلاق الإسلامية ، اُسرة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
، الذي عاش مع زوجته خديجة خمسة وعشرين عاماً ، في تمام الانسجام والصفاء والحبّ المتبادل ، وبعد وفاتها لم ينفكّ يردّد ذكراها
الطيبة علىٰ لسانه بين نسائه ، فالحبّ الذي يكنّه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
لخديجة كان مبعثه نبلها ، وسموّ خلقها ، ووفاؤها ، إلىٰ الإسلام.
وعاش الإمام علي عليهالسلام مع زوجته فاطمة عليهاالسلام في وئام وانسجام ، ونتيجة
لما عرف عنهما من نبل وسموّ أخلاقي لم ينقل لنا التاريخ أنّ خلافاً نشب بينهما
علىٰ الرغم من شظف العيش ومعاناة الفقر المدقع الذي يكتنف حياتهما.
كان واضحاً من هذين النموذجين المشرقين
أن السياج الاخلاقي الذي أحاط الاُسرة في النظام الإسلامي كان ومازال يدفعها نحو التماسك في أشد الظروف وأقساها.
أما المنهج المادي الذي يدير ظهره
للأخلاق ، فيعرض لنا نماذج بشعة من التردّي والانحطاط علىٰ الرغم من الرفاهية وبحبوحة العيش في الغرب.
ولقد أصبحت الاُسرة لا معنىٰ لها
في الظروف الاجتماعية الحديثة في الغرب ، بعد أن ضعفت عاطفة الاُمومة ، وانحلّت الرابطة الزوجية ، حتىٰ يمكن القول
بأنّ الاُسرة يكاد يختفي رسمها وإن بقي أسمها في سجلّات القانون.
ففي ظلِّ علاقات اجتماعية متحررة جداً ،
فقدت الرابطة الزوجية قدسيتها من جراء موجة «تبادل الزوجات» التي انتشرت في أمريكا واُوربا انتشار النار في الهشيم ، من خلال نوادٍ مخصصة لذلك ، يأخذ فيها الرجل زوجة غيره ،
ويعطيه زوجته ! بدون
وازع من دين أو خلق أو ضمير .
وهذا التردّي الأخلاقي لا تقتصر آثاره
الضارة علىٰ الفرد ، بل تطال المجتمع أيضاً.
كتب (جيمس رستون) في صحيفة «نيويورك
تايمز» محذّراً مجتمعات الغرب من اطلاق طاقة الجنس ، معتبراً أنّ خطرها قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية !
فالقوة الجنسية الهائلة لم يعد يحدّها
الخوف من الجحيم ، ولا الأمراض السارية وخشية الحمل وما إلىٰ ذلك ، وفي رأيه أن أطناناً من القنابل الجنسية
تنفجر كلّ يوم ، وتترتّب عليها آثار تدعو إلىٰ القلق ، قد تجعل الأطفال في الغرب وحوشاً ، بل قد تشوّه مجتمعات بأسرها .
وقد دقّ جرس الخطر أكثر من شخصية غربية
، وليس أدلّ علىٰ ذلك من تصريح زعيم أقوى دولة في العالم (جون كندي) في سنة ١٩٦٢ م : (بأنّ مستقبل أمريكا في خطر ؛ لأنّ شبابها مائع منحلّ غارق في الشهوات ، لا يقدّر المسؤولية الملقاة علىٰ عاتقه ، وإنه من بين كلِّ سبعة شباب يتقدّمون للتجنيد يوجد ستة
غير صالحين ؛ لأنّ الشهوات التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية) .
هذه الصيحات كانت قبل ظهور مرض الأيدز
الذي أخذ يفترس الناس هناك وينخر الكيان الحضاري ، ولم يكن الطب بعد من إيقافه عند حدّه.
________________
هذه هي نتائج المنهج المادي الذي تنكّر
للدين والأخلاق ، وخرج عن الفطرة بتهميشه لدور الاُسرة.
ربنا نسألك العون والسداد
ونستلهمك التوفيق والرشاد
بحمد الله تم
محتويات الكتاب
مقدِّمة المركز ..................................................................... ٥
المقدِّمة .......................................................................... ٧
الفصل الأول : الاُسرة
قبل التكوين في المنهج الإسلامي ............................. ٩
المبحث الأول : أساليب الإسلام في التشجيع علىٰ الزواج ........................ ١٠
أولاً : أُسلوب
الترغيب ........................................................ ١٠
المعطيات الإيجابية
للزواج ....................................................... ١٤
١ ـ الدخول في ولاية
الله ............................................................... ١٤
٢ ـ امتثال سُنّة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
......................................................... ١٤
٣ ـ إكتساب الفضيلة
العالية ........................................................... ١٥
٤ ـ الطهارة المعنوية .................................................................... ١٦
٥ ـ زيادة الرزق وحسن
الخلق ........................................................... ١٧
ثانياً : أُسلوب
الترهيب ........................................................ ١٨
المبحث الثاني : أنواع الزواج ................................................... ١٩
المبحث الثالث : مقدمات الزواج في المنظور الإسلامي ........................... ٢١
أولاً : أُسس اختيار
الشريك ................................................... ٢١
١ ـ مواصفات الزوجة
الصالحة .......................................................... ٢٢
طبائع النساء .......................................................................... ٢٤
أ ـ مواصفات دينية
ومعنوية ............................................................ ٢٥
ب ـ مواصفات جسمية
وعقلية ......................................................... ٢٨
٢ ـ مواصفات الزّوج
المثالي ............................................................. ٣٢
دور العاطفة في الاختيار ............................................................... ٣٥
ثانياً : الكفاءة بين
الزوجين .................................................... ٣٧
ثالثاً : نظافة القصد
وسلامة النيّة ............................................... ٣٩
رابعاً : البساطة في
المهر والصداق ............................................... ٤٠
خامساً : مراسيم الزّواج
................................................................ ٤٣
الفصل الثاني : عناية
الإسلام بالاُسرة عند نشأتها .................................. ٤٥
المبحث الأول : عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين ...................... ٤٥
أولاً : المواظبة
علىٰ الطاعات ................................................... ٤٥
ثانياً : ممارسة
المندوبات ....................................................... ٤٨
ثالثاً : اجتناب
المعاصي والآثام ................................................. ٥٠
المبحث الثاني : عنايةالإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين
الزوجين ............. ٥١
أولاً : جانب التربية ........................................................... ٥١
أ ـ الحب المتبادل ....................................................................... ٥١
ب ـ المعاشرة بالمعروف
................................................................. ٥٢
جـ ـ الشعور
بالمسؤولية ................................................................. ٥٣
د ـ الانصاف والعدل ................................................................... ٥٤
هـ ـ تقسيم العمل
وبيان الأدوار ......................................................... ٥٥
د ـ عدم إلحاق الضرر ................................................................... ٥٦
ز ـ الخدمة المتبادلة ..................................................................... ٥٧
ح ـ الرّضا والموافقة ..................................................................... ٥٨
ط ـ الاهتمام بالهيئة .................................................................... ٥٩
ثانياً : جانب الأخلاق
........................................................ ٦٠
أ ـ الصبر الجميل ....................................................................... ٦١
ب ـ العفّة وعدم
الخيانة ................................................................ ٦٢
جـ ـ تجنب القذف ..................................................................... ٦٣
د ـ تجنب الغيرة ........................................................................ ٦٤
ثالثاً : جانب الآداب ......................................................... ٦٥
أ ـ آداب الدخول
إلىٰ الاُسرة ............................................................ ٦٥
ب ـ آداب الجماع ...................................................................... ٦٧
المبحث الثالث : عناية الإسلام بمراحل نشوء الطفل ونموّه ....................... ٧٠
أولاً : مرحلة الحمل ........................................................... ٧٠
أ ـ الاهتمام بغذاء
الحامل ............................................................... ٧٠
ب ـ مراعاة الطهارة
والوقت المناسب عند جماع الحامل ................................... ٧١
جـ ـ مراعاة الحالة
النفسية للحامل ....................................................... ٧١
ثانياً : مرحلة
الولادة .......................................................... ٧٢
أ ـ تسمية المولود ....................................................................... ٧٢
ب ـ الأذان والاقامة .................................................................... ٧٣
جـ ـ العقيقة وحلق
الرأس ............................................................... ٧٣
د ـ الختان .............................................................................. ٧٣
هـ ـ التحنيك ........................................................................... ٧٤
ثالثاً : مرحلة الرضاع والحضانة .................................................. ٧٤
أ ـ مواصفات جسمية .................................................................. ٧٥
ب ـ مواصفات عقلية .................................................................. ٧٥
جـ ـ مواصفات دينية ................................................................... ٧٥
د ـ مواصفات أخلاقية ................................................................. ٧٥
هـ ـ مدة الرضاعة ....................................................................... ٧٦
رابعاً : مرحلة الفطام
.......................................................... ٧٦
الفصل الثالث : مقارنة
بين المنهج الإسلامي المادي في بناء الاُسرة ................. ٧٩
أولاً : الصبغة
الدينية .......................................................... ٧٩
ثانياً : الصفة
الأخلاقية ....................................................... ٨٣
ثالثاً : النظرة
الواقعية .......................................................... ٨٦
١ ـ قيمومة الرجل ...................................................................... ٨٦
٢ ـ إباحة الطلاق ...................................................................... ٨٩
٣ ـ تعدّد الزوجات ..................................................................... ٩٢
رابعاً : الشمول
والكمال ...................................................... ٩٦
خامساً : العدل .............................................................. ٩٨
الآثار المترتبة
علىٰ المنهج الإسلامي والوضعي ................................... ١٠٠
أ ـ الآثار الاجتماعية
................................................................. ١٠٠
ب ـ الآثار التربوية ................................................................... ١٠٣
جـ ـ الآثار الأخلاقية
................................................................. ١٠٦
محتويات الكتاب .............................................................. ١١١
|