

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
بقلم : العلامة الجليل السيد
محمد بحر العلوم
بين يدي القراء
الكرام كتاب جليل، يعتبر من المصادر القيمة في موضوعه ومؤلف هذا الكتاب هو: أحمد
بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، أبو منصور. وتكاد تجمع المصادر على هذا القدر من اسمه
ونسبه ، الا ابن شهرآشوب فقد ذكره على الوجه التالي « أحمد بن أبي طالب ».
وحذا حذوه الشيخ
المجلسي عند ذكره كتاب الاحتجاج ، وأعتقد أن الشيخ يوسف البحراني حاول توجيه رأي
ابن شهرآشوب بقوله : « وقد يعبر عنه بابن أحمد بن أبي طالب الطبرسي ، والظاهر أنه
من باب الاختصار في النسب فلا يتوهم التعدد » .
ولم تحدد لنا
المصادر سنة ولادته ، كما لم تحدد لنا سنة وفاته ، غير أن الحجة الثبت شيخنا
المحقق أغا بزرك الطهراني يستنتج سنة وفاته من معاصريه وتلامذته ويعده ممن أدركوا
أوائل القرن السادس الهجري ، بدليل أنه أستاذ رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب
الذي توفي سنة ٥٨٨ ه عن مائة سنة إلا عشرة أشهر فهو من أهل الخامسة الذين أدركوا
اوائل السادسة أيضا .
ويتجه لغير هذا
الرأي كل من عمر رضا كحالة ، وإسماعيل باشا ويعتقدان بأنه توفي في حدود سنة ٦٢٠ ه.
ولقد روى مترجمنا
عن جماعة ، منهم أبو جعفر مهدي بن الحسن بن أبي حرب الحسيني المرعشي .
وروى عنه رشيد
الدين محمد بن علي بن شهرآشوب ، الذي صرح بذلك في كتابه بقوله : « شيخي
أحمد بن أبي طالب ».
__________________
وكان موضع اعتماد
الشهيد في شرح الإرشاد ، فكثيرا ما نقل فتاواه وأقواله .
وذكره أعلام
المترجمين بكل ما يدل على مكانته العلمية ، فقد أثنى عليه السيد ابن طاوس ، ووصفه
الحر العاملي بأنه « عالم فقيه فاضل ، محدث ، ثقة » وتحدث عنه الشيخ يوسف البحراني
بقوله : « الفاضل ، العالم ، المعروف ، كان من أجل العلماء ، ومشاهير الفضلاء » واعتبره
الخونساري في كتابه : « من اجلاء أصحابنا المتقدمين » وأورد ترجمته عمر
رضا كحالة فوصفه بأنه : « فقيه مؤرخ » .
ومن هذه الفقرات
المعدودة نستطيع ان نعرف مكانة مترجمنا العلمية ومدى الثقة التي كان يتسم بها.
ودللت المصادر
المترجمة له بأنه مؤلف قدير ، له عدة كتب ، فالى جانب كتاب ( الاحتجاج ) الذي نحن
بصدده خلف الكتب التالية : وهي :
١ ـ الكافي في
الفقه ، او ( الكافي من فقه الشيعة ).
٢ ـ تاريخ الأئمة (عليهمالسلام).
٣ ـ فضل الزهراء عليهاالسلام.
وهذه الكتب وإن لم
نعثر عليها فقد أورد ذكرها كل من ابن شهرآشوب والشيخ عباس القمي ، والسيد محسن
الأمين العاملي ، وعمر رضا كحالة ، وإسماعيل باشا .
٤ ـ مفاخرة
الطالبية.
وقد ذكر هذا
الكتاب كل من ابن شهرآشوب ، والسيد الأمين العاملي .
٥ ـ كتاب الصلاة.
وانفرد بذكر هذا
الكتاب ابن شهرآشوب .
٦ ـ تاج المواليد.
وانفرد بذكر هذا
الكتاب السيد محسن الأمين العاملي وقال : « ينقل عنه السيد النسابة أحمد بن محمد بن المهنا
بن علي بن المهنا العبيدلي المعاصر للعلامة الحلي في كتابه « تذكرة النسب » ولكن
الشيخ أحمد بن أبي ظبية البحراني في كتابه « عقد اللآل في مناقب النبي والآل »
نسبه الى أمين الإسلام أبي علي
__________________
فضل بن الحسن
الطبرسي صاحب التفسير. فقد وقع اشتباه في نسبة الكتاب المذكور اما من العبيدلي ،
أو البحراني ، وكونه من العبيدلي القريب من زمن المؤلف بعيد ».
ولقد وقع نظير هذا
الاشتباه الذي يشير إليه المرحوم السيد الأمين اشتباه آخر في كتاب الاحتجاج نفسه.
فقد نسب بعض
المؤلفين كتاب الاحتجاج الى أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، صاحب تفسير مجمع
البيان.
وفي صدد إثبات هذا
الكتاب لأبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي قال الشيخ يوسف البحراني : « ويظهر من
كتاب المجلي لابن أبي جمهور الإحسائي أن كتاب الاحتجاج للشيخ أبي الفضل الطبرسي.
قال في أول البحار بعد نسبة كتاب الاحتجاج لأحمد بن أبي طالب : وينسب هذا الكتاب
الى أبي علي الطبرسي وهو خطأ ، بل هو تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب
الطبرسي ، كما صرح به السيد ابن طاوس في كتاب كشف المحجة » .
وقال الخونساري :
« وقد غلط صاحب الغوالي ، والمحدث الأسترآبادي غلطا فاحشا يبعد عن مثلهما غاية
البعد في نسبة ( كتاب الاحتجاج ) الى الشيخ ابي علي الطبرسي صاحب التفسير ، مع ان
بينهما بونا بعيدا ، وتصريح جمهور الاصحاب واسنادهم عنه وإليه على خلاف ذلك جدا » .
وقطع السيد الأمين
بالاشتباه ، وأضاف بان صاحب رياض العلماء قال : قد توهم بعضهم بان الاحتجاج لصاحب
مجمع البيان ابي علي الفضل الطبرسي ، وهو توهم فاسد » .
وأكد البحراني على
صحة نسبة هذا الكتاب لابي منصور أحمد بن علي الطبرسي ، ونقل عنه السيد الأمين عن
اللؤلؤة قوله : «غلط جملة من متأخري أصحابنا في نسبة كتاب الاحتجاج الى أبي علي
الطبرسي» .
وادرج كل من الحجة
الشيخ آغابزرك الطهراني ، وإسماعيل باشا ، وعمر رضا كحالة اسم هذا الكتاب في قائمة
مؤلفات أبي منصور الطبرسي .
ولعل الاشتباه
الذي نشأ مرجعه الى اشتراكهما في لقب واحد ، وعصر واحد كما صرح بذلك الشيخ
البحراني بقوله : « وان كان عصرهما متحدا ، وهما شيخا ابن شهرآشوب واستاذاه وظني
ان بينهما قرابة » .
وإذا كنا ونحن في
صدد التفريق بين هاتين الشخصيتين لاشتراكهما في لقب واحد فمن الجدير ان نذكر أن
عدد من اعلام الشيعة يشتركون في هذه النسبة أيضا وهم :
١ ـ أبو منصور ،
أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي والمعروف بصاحب كتاب ( الاحتجاج ) وهو الذي نحن
بصدد الحديث عنه.
__________________
٢ ـ أبو علي الفضل
بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، صاحب ( تفسير مجمع البيان ) المتوفى سنة ٥٤٨ ه.
٣ ـ أبو نصر ،
الحسن بن الفضل بن الحسن رضي الدين ، صاحب كتاب ( مكارم الأخلاق ) وقد وصفته
المصادر بأنه : كان فاضلا فقيها ، محدثا جليلا.
٤ ـ أبو الفضل ،
علي بن الحسن بن الفضل بن الحسن ، صاحب كتاب ( مشكاة الأنوار ) الذي ألفه تتميما
لكتاب والده مكارم الأخلاق .
٥ ـ أبو علي محمد
بن الفضل الطبرسي. هكذا ذكره الحر العاملي ووصفه بأنه « كان عالما صالحا عابدا
يروي ابن شهرآشوب عنه عن تلامذة الشيخ الطوسي » .
٦ ـ الشيخ حسن بن
علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبرسي ، المعاصر للخواجة نصير الدين الطوسي .
٧ ـ الحاج ميرزا
حسين بن العلامة محمد تقي النوري الطبرسي صاحب كتاب ( مستدرك الوسائل ) المتوفى
عام ١٣٢٠.
وهناك عدد آخر
ولكننا اخترنا المشهورين منهم.
والطبرسي:نسبة الى
طبرستان ، وهي التي تعرف بمازندران بل قد يقال : طبرستان على جميع تلك البلاد، حتى
يشمل استرآباد ، وجرجان ونحوها وهي واقعة على طرف بحر الخزر ، وتعرف ببحيرة
طبرستان.
وطبر : بالفارسية
الفاس ، وهي من كثرة اشتباك اشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد ان يقطع بالطبر
الأشجار من بين ايديهم.
وآستان : الناحية
بالفارسي ، فسميت طبرستان ، أي ناحية الطبر.
ونقل عن صاحب
تاريخ قم المعاصر لابن العميد : ان طبر معرب ، وهي ناحية معروفة بحوالي قم ، وان
الطبرسي ( أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ) وسائر العلماء المعروفين قد كانوا
أهل هذه الناحية .
والكتاب الذي نحن
بصدده ، يعتبر من المصادر المحترمة في بابه ، ولعلنا نستطيع من خلال الفقرات التي
سنوردها ـ والتي تتضمن آراء الاعلام فيه ـ نلمس مدى اهميته ، ووزنه العلمي.
قال البحراني : «
قال المجلسي في اول البحار انه قال في الفصل الثاني : وكتاب الاحتجاج وان كان أكثر
اخباره مراسيل لكنه من الكتب المعروفة وقد أثنى السيد ابن طاوس على الكتاب وقد اخذ
عنه أكثر المتأخرين » .
وقال الخونساري : و
« كتاب الاحتجاج معتبر معروف بين الطائفة مشتمل على كل ما اطلع عليه من احتجاجات
النبي والأئمة ، بل كثير من أصحابهم الامجاد مع جملة من الاشقياء المخالفين » .
__________________
وقال الشيخ أغا
بزرك الطهراني : وفي الكتاب « احتجاجات النبي صلىاللهعليهوآله
والأئمة (عليهمالسلام) وبعض الصحابة ، وبعض العلماء ، وبعض الذرية الطاهرة ، وأكثر أحاديثه مراسيل
الا ما رواه عن تفسير العسكري عليهالسلام
، كما صرح به في أوله بعد
الخطبة ، فهو من الكتب المعتبرة التي اعتمد عليها العلماء الأعلام : كالعلامة
المجلسي ، والمحدث الحر ، واضرابهما » .
ومن خلال هذه
الفقرات نستفيد بان الكتاب بمجموعه موضع اعتماد الأعلام والباحثين ، بالرغم من ان
أكثر أحاديثه مراسيل ، الا ان الثقة الكبيرة التي يتمتع بها مؤلف الكتاب ، زرعت في
نفوس المؤلفين الاعتماد عليه ، والنقل عنه دون تمحيص وتحقيق ، وتدقيق في اسناد
الاخبار والأحاديث.
اما البواعث التي
دعت المؤلف لتأليف هذا الكتاب ، فقد حدثنا الطبرسي نفسه عنها ، فقال :
« ثم ان الذي
دعاني الى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب من طريق الحجاج جدا ، وعن سبيل
الجدال وان كان حقا وقولهم : « ان النبي صلىاللهعليهوآله
والأئمة (عليهمالسلام) لم يجادلوا قط ، ولا استعملوه ، ولا للشيعة فيه اجازة ، بل نهوهم عنه وعابوه
» فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع اهل الخلاف
، وذوي الفضول ، قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام وانهم (عليهمالسلام) انما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين ، دون
المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج فانهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة
الخصوم ، ومداولة الكلوم فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم » .
اذا فالمؤلف اندفع
الى تأليف هذا الكتاب بدافع العقيدة لينير للمتخبطين بطريق الغواية ، نور الهداية
والخير ، ويبسط ما وسعه المجال عن جميع ما يتعلق بالنبي (صلىاللهعليهوآله) وآل بيته (عليهمالسلام) واتباعهم ، وليكشف لذوي اللجاج مدى المكانة العالية ،
والمقام السامي ، التي تتمتع بها هذه الصفوة.
اما منهج الطبرسي
في تأليف كتابه الاحتجاج ، فقد اوضحه لنا نفسه في مقدمة كتابه المذكور ، يقول :
« وانا ابتدئ في
صدر الكتاب بفصل ينطوي على ذكر آيات من القرآن التي امر الله تعالى بذلك أنبياءه
بمحاجة ذوي العدوان ، ويشتمل أيضا على عدة اخبار في فضل الذابين عن دين الله
القويم ، وصراطه المستقيم بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة ، ثم نشرع في ذكر طرف
من مجادلات النبي صلىاللهعليهوآله
والأئمة (عليهمالسلام) ، وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة ، حيث تقتضي الحال ذكره
ولا نأتي في أكثر ما نورده من الاخبار بإسناده اما لوجود الإجماع عليه او موافقته
لما دلت العقول إليه ، او لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف ، الا ما
أوردته عن ابي محمد الحسن العسكري (عليهالسلام) فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه وان كان مشتملا على
مثل الذي قدمناه ، فلأجل ذلك ذكرت اسناده في أول جزء من ذلك دون غيره لأن جميع ما
رويت عنه (عليهالسلام) انما رويته باسناد واحد من جملة الاخبار التي ذكرها (عليهالسلام) في تفسيره »
ولقد طبع هذا
الكتاب عدة طبعات في ايران والنجف غير أن هذه الطبعة التي بين ايدينا قد تميزت عن
__________________
سابقتها بمميزات
هامة ؛
أولا ـ من حيث
التعليق والفهرسة :
فقد تصدى الأخ
الفاضل السيد محمد باقر الخرسان لتحقيقها والتعليق عليها وترجمة الاعلام الواردة
فيها ، وشرح الكلمات اللغوية ووضع فهارس لها بالإضافة الى تقسيمها جزءين. الامر
الذي دل على قابلية الأخ الخرسان في مضمار التحقيق والتعليق والجهد الذي صرفه في
هذا الكتاب والذي يبشر عن مستقبل زاهر يبعث بالامل والتقدير واني ارجو مخلصا له
ذلك.
ثانيا ـ من حيث
الاخراج والطباعة :
وفي هذا المضمار
اقدر للأخ إخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة والطباعة الانيقة والتي يتجلى فيها
كل مظاهر الخدمة الصادقة والإخلاص العميق في ابراز هذه الكتب بصورة تتناسب وهذا
العصر الذي تقدمت فيه كل الأمور الى الاحسن.
وفي الختام ادعو
الله عز وجل ان يوفق المعلق الناشر لخدمة الدين الإسلامي ويأخذ بيده الى ما يصبو
اليه من الجزاء الاوفر من محمد (صلىاللهعليهوآله) وعلي وانجاله الغر الميامين الذين اذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا وهو المسدد للصواب.
النجف
الأشرف في ١٨ / ١٢ / ١٣٨٥
|
محمد
السيد علي بحر العلوم.
|

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
المتعالي عن صفات المخلوقين المنزه عن نعوت الناعتين المبرأ مما لا يليق بوحدانيته
المرتفع عن الزوال والفناء بوجوب إلهيته الذي استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم
من نعمائه وترادف لديهم من حسن بلائه وتتابع من أياديه وعواطفه وتفاقم من مواهبه
وعوارفه جم عن الإحصاء عددها وفاق عن الإحاطة بها مددها وخرست ألسن الناطقين
بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقها لديها.
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له شهادة يثقل بها ميزان العارفين وتبيض بها وجوههم يوم
الدين وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى خاتم الرسل والأنبياء وسيد
الخلائق كلهم والأصفياء وأن وصيه علي بن أبي طالب عليهالسلام
خير وصي وخير إمام ولي
وأن عترته الطاهرة خير العتر ـ الأئمة الهادية الاثنا عشر أمناء الله في بلاده
وحججه على عباده ـ بهم تمت علينا نعمته وعلت كلمته ـ اختارهم للبرية إظهارا للطفه
وحكمته وإنارة لأعلام عدله ورحمته فانزاحت بهم علة العبيد وزهق باطل كل مستكبر
عنيد بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب حفظا منه للشرائع والأحكام وسياسة لهم
وهيبة لأهل المعاصي والآثام وزجرا عن التغاشم والتكالب وردعا عن التظالم والتواثب
وتأديبا بهم لأهل العتو والعدوان ورفعا لما تدعو إليه دواعي الشيطان ولم يمهلهم
سدى بلا حجة فيهم معصوم إما ظاهر مشهور أو غائب مكتوم ( لِئَلاَّ
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ ) بعد الحجة ولا يلتبس عليهم في دينه المحجة ولم يجعل إليهم
اختياره لعلمه بأنهم لا يعلمون أسراره ولأنه عز وجل متعال عن فعل شيء لا يجوز عليه
مثل تكليف ما لا يهتدي العباد إليه وقد نزه نفسه عن أن يشرك به أحدا في الاختيار
حيث قال ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما
كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص / ٦٨.
ثم إن الذي دعاني
إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا وعن سبيل الجدال
وإن كان حقا وقولهم إن النبي صلىاللهعليهوآله
والأئمة عليهمالسلام لم يجادلوا قط ولا استعملوه ولا للشيعة فيه إجازة بل نهوهم عنه وعابوه فرأيت
عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول ـ مع أهل الخلاف وذوي
الفضول قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام.
وإنهم عليهمالسلام إنما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين دون
المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج فإنهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة
الخصوم ومداواة الكلوم فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم.
__________________
وأنا أبتدئ في صدر
الكتاب بفصل ينطوي على ذكر آيات من القرآن التي أمر الله تعالى بذلك أنبياءه
بمحاجة ذوي العدوان ويشتمل أيضا على عدة أخبار في فضل الذابين عن دين الله القويم
وصراطه المستقيم ـ بالحجج القاهرة والبراهين الباهرة.
ثم نشرع في ذكر
طرف من مجادلات النبي والأئمة عليه وعليهمالسلام وربما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة حيث
تقتضي الحال ذكره ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع
عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف
والمؤالف إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام
فإنه ليس في الاشتهار على
حد ما سواه وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أول جزء
من ذلك دون غيره لأن جميع ما رويت عنه صلىاللهعليهوآله
إنما رويته بإسناد واحد
من جملة الأخبار التي ذكرها عليهالسلام
في تفسيره.
وَاللهُ الْمُسْتَعانُ فيما قصدناه وهو
حسبي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
فصل
|
في ذكر طرف مما أمر الله
في كتابه من الحجاج والجدال
بالتي هي أحسن وفضل أهله
|
قال الله تبارك
وتعالى في كتابه مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوآله
: (
وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل / ١٢٥.
وقال عز من قائل :
( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) العنکبوت / ٤٦.
وقال الله تعالى :
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ
) الآية البقرة / ٢٥٨.
وقال تعالى حكاية
عن إبراهيم عليهالسلام
أيضا لما احتج على عبدة
الكوكب المعروف بالزهرة وعبدة الشمس والقمر جميعا بزوالها وانتقالها وطلوعها
وأفولها وعلى حدوثها وإثبات محدث لها وفاطر إياها : ( وَكَذلِكَ نُرِي
إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) إلى قوله تعالى ( وَتِلْكَ
حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ) الأنعام / ٧٥ ـ ٨٣ ، وغير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالاحتجاج وسيأتي ذكر شرحها في مواضعها إن
شاء الله تعالى.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا.
وأما الأخبار في
فضل العلماء فهي أكثر من أن تعد أو تحصى لكنا نذكر طرفا منها :
فمن
ذلك ما حدثني به
السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي رضي الله عنه قال
حدثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي رحمة الله عليه
قال حدثني أبي
__________________
محمد بن أحمد قال حدثني الشيخ
السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رحمه الله قال
حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي قال حدثني أبو
يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة
الإمامية قالا :
حدثنا أبو محمد
الحسن بن علي العسكري عليهالسلام
قال حدثني أبي عن آبائه عليهمالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنه قال : أشد من يتم
اليتيم الذي انقطع عن أمه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه
ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه ألا فمن كان من شيعتنا عالما
بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا ـ المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ألا فمن هداه
وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى
وبهذا الإسناد عن
أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام
قال قال علي بن أبي طالب عليهالسلام من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة
جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور يضيء لجميع أهل
العرصات وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ثم ينادي مناد يا عباد الله
هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله
فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان فيخرج كل من كان
علمه في الدنيا خيرا أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا أو أوضح له عن شبهة
وبهذا الإسناد عن
أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهالسلام
قال قال الحسين بن علي : فضل كافل يتيم
آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل يخرجه من جهله
ويوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السها
وبهذا الإسناد عن
أبي محمد الحسن بن علي العسكري قال قال الحسين بن علي عليهالسلام : ( من كفل لنا يتيما قطعته عنا محبتنا باستتارنا فواساه من
علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه قال الله عز وجل أيها العبد الكريم المواسي
لأخيه أنا أولى بالكرم منك اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف
ألف
__________________
قصر وضموا إليها
ما يليق بها من سائر النعيم ).
وبهذا الإسناد عنه
عليهالسلام
قال قال محمد بن علي
الباقر عليهما السلام العالم كمن معه شمعة تضيء للناس فكل من أبصر بشمعته دعا
بخير كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة فكل من أضاءت له فخرج بها من
حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن
أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار على الوجه الذي
أمر الله عز وجل به بل تلك الصدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما هو أفضل من
مائة ألف ركعة يصليها من بين يدي الكعبة
وبهذا الإسناد عنه
عليهالسلام
قال قال جعفر بن محمد الصادق
عليهالسلام
علماء شيعتنا مرابطون في
الثغر ـ الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعوهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط
عليهم إبليس وشيعته والنواصب ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد
الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم
وعنه عليهالسلام بالإسناد المتقدم قال قال موسى بن جعفر عليهالسلام : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن
مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد لأن العابد
همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس
ومردته فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة
وعنه عليهالسلام قال قال علي بن موسى الرضا عليهالسلام
: يقال للعابد يوم القيامة
نعم الرجل كنت ـ همتك ذات نفسك وكفيت مئونتك فادخل الجنة ألا إن الفقيه من أفاض
على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى وحصل لهم رضوان
الله تعالى ويقال للفقيه يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم
ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك فيقف فيدخل الجنة معه فئاما
وفئاما وفئاما حتى قال عشرا وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ
عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين
وعنه عليهالسلام قال قال محمد بن علي الجواد عليهالسلام
: من تكفل بأيتام آل محمد
المنقطعين عن إمامهم ـ المتحيرين في جهلهم الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي
النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم
وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم ـ ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل
الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء وفضلهم
على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء.
__________________
وعنه عليهالسلام قال : قال علي بن محمد عليهالسلام
لو لا من يبقى بعد غيبة
قائمكم عليهالسلام
من العلماء الداعين إليه
والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك
إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين
يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون
عند الله عز وجل
وعنه عليهالسلام قال يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا
يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم على رأس كل واحد منهم تاج بهاء قد انبثت تلك
الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة فشعاع تيجانهم ينبث فيها
كلها فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه إلا
تعلق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم إلى العلو حتى تحاذي بهم فوق الجنان ثم ينزلهم على
منازلهم المعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم وبحضرة أئمتهم الذين كانوا إليهم يدعون
ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه وأصمت أذنه
وأخرس لسانه وتحول عليه أشد من لهب النيران فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية فيدعونهم
إلى سواء الجحيم
وقال أيضا أبو
محمد الحسن العسكري عليهالسلام
إن محبي آل محمد عليهمالسلام مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت
قواهم من مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم ألا فمن قواهم
بفقهه وعلمهم حتى أزال مسكنتهم ثم يسلطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى
الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله يذودوهم عن أولياء آل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
حول الله تعالى تلك
المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن إضلالهم قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وقال أبو محمد
الحسن بن علي العسكري عليهالسلام
قال علي بن أبي طالب عليهالسلام من قوى مسكينا في دينه ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف
فأفحمه لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول الله ربي ومحمد
نبيي وعلي وليي والكعبة قبلتي والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني فيقول الله
أدليت بالحجة فوجبت لك أعالي درجات الجنة فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه
رياض الجنة.
وقال أبو محمد عليهالسلام قالت فاطمة عليهاالسلام وقد اختصم إليها
امرأتان فتنازعتا في شيء من أمر الدين إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة ففتحت على
المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا فقالت فاطمة إن فرح
الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من
حزنها وإن الله عز وجل قال للملائكة أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة
الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح
على أسير مسكين فيغلب معاندا مثل ألف ألف ما كان له معدا من الجنان
وقال أبو محمد عليهالسلام قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
وقد حمل إليه رجل هدية
فقال له أيما أحب إليك أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا يعني عشرين ألف درهم أو أفتح
لك بابا من العلم تقهر فلانا الناصبي ـ
__________________
في قريتك تنقذ به
ضعفاء أهل قريتك إن أحسنت الاختيار جمعت لك الأمرين وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ
أيهما شئت.
فقال يا ابن رسول
الله فثوابي في قهري ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده قدره عشرون ألف
درهم قال أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة.
قال يا ابن رسول
الله فكيف أختار الأدون بل أختار الأفضل الكلمة التي أقهر بها عدو الله وأذوده عن
أوليائه فقال الحسن بن علي عليهماالسلام قد أحسنت الاختيار
وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم فذهب فأفحم الرجل فاتصل خبره به فقال له حين
حضر معه يا عبد الله ما ربح أحد مثل ربحك ولا اكتسب أحد من الأوداء مثل ما اكتسبت
مودة الله أولا ومودة محمد وعلي ثانيا ومودة الطيبين من آلهما ثالثا ومودة ملائكة
الله تعالى المقربين رابعا ومودة إخوانك المؤمنين خامسا واكتسبت بعدد كل مؤمن
وكافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرة فهنيئا لك هنيئا.
وقال أبو محمد عليهالسلام قال جعفر بن محمد عليهماالسلام : من كان همه في
كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين حمية لنا أهل البيت يكسرهم عنهم ويكشف
عن مخازيهم ويبين عوارهم ويفخم أمر محمد وآله جعل الله تعالى همة أملاك الجنان في
بناء قصوره ودوره يستعمل بكل حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل
الدنيا أملاكا قوة كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرضين فكم من بناء وكم من نعمة
وكم من قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين.
وقال أبو محمد عليهالسلام قال علي بن موسى الرضا عليهماالسلام أفضل ما يقدمه
العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته أن يغيث في الدنيا
مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير
قبره إلى موضع محله من جنان الله فيحملونه على أجنحتهم يقولون له مرحبا طوباك يا دافع الكلاب
عن الأبرار ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار.
وقال أبو محمد
لبعض تلامذته لما اجتمع إليه قوم من مواليه والمحبين لآل محمد رسول الله بحضرته
وقالوا يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
إن لنا جارا من النصاب
يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل الأول والثاني والثالث على أمير المؤمنين عليهالسلام ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها مر
بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتستمع عليهم فيستدعون منك الكلام فتكلم وأفحم
صاحبهم واكسر عربه وفل حده ولا تبق له باقية فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا وكلم
الرجل فأفحمه وصيره لا يدري في السماء هو أو في الأرض.
قالوا ووقع علينا
من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى وعلى الرجل والمتعصبين له من الغم
والحزن ـ
__________________
مثل ما لحقنا من
السرور فلما رجعنا إلى الإمام قال لنا إن الذين في السماوات لحقهم من الفرح والطرب
بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته
من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم ولقد صلى على هذا العبد الكاسر له
ملائكة السماء والحجب والعرش والكرسي وقابلها الله تعالى بالإجابة فأكرم إيابه
وعظم ثوابه ولقد لعنت تلك الأملاك عدو الله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدد
حسابه وأطال عذابه.
فصل
|
في ذكر طرف مما جاء عن النبي صلىاللهعليهوآله
من الجدال والمحاربة والمناظرة وما يجري
مجرى ذلك مع من خالف الإسلام وغيرهم
|
قال أبو محمد
الحسن بن علي العسكري عليهالسلام
ذكر عند الصادق عليهالسلام الجدال في الدين وأن رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام قد نهوا عنه فقال الصادق عليهالسلام
لم ينه عنه مطلقا ولكنه
نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله يقول : ( وَلا
تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وقوله ( ادْعُ
إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين والجدال
بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول
: ( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ
مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) وقال الله تعالى ( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) فجعل الله علم
الصدق والإيمان بالبرهان وهل يؤتى ببرهان إلا بالجدال بالتي هي أحسن.
قيل يا ابن رسول
الله فما الجدال ( بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وبالتي ليست
بأحسن؟
قال أما الجدال
بغير التي هي أحسن فأن تجادل به مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها
الله ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد بذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك
الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا
أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف
منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له على باطله وأما الضعفاء منكم فتغم
قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.
وأما الجدال ( بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ ) فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث
بعد الموت وإحياءه له فقال الله له حاكيا عنه : ( وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فقال الله تعالى
في الرد عليه : ( قُلْ ) يا محمد ( يُحْيِيهَا الَّذِي
أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ
مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) إلى آخر السورة.
فأراد الله من
نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فقال الله تعالى
:
__________________
( قُلْ يُحْيِيهَا
الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) أفيعجز من ابتدأ به لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى بل
ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال ( الَّذِي جَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ) أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم
يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما بلي أقدر ثم قال ( أَوَلَيْسَ الَّذِي
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى
وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم
وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم
والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي.
قال الصادق عليهالسلام فهو الجدال ( بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ ) لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم وأما الجدال بغير
التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله وإنما تدفعه
عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر.
وقال أبو محمد
الحسن العسكري عليهالسلام
فقام إليه رجل آخر وقال
يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أفجادل رسول الله؟
فقال الصادق عليهالسلام مهما ظننت برسول الله من شيء فلا تظنن به مخالفة الله أليس
الله قد قال : ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) و ( قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) لمن ضرب الله
مثلا أفتظن أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
خالف ما أمر الله به فلم
يجادل بما أمره الله به ولم يخبر عن أمر الله بما أمره أن يخبر به ولقد حدثني أبي
الباقر عن جدي علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء عن أبيه أمير
المؤمنين صلوات الله عليه أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلىاللهعليهوآله أهل خمسة أديان اليهود والنصارى والدهرية والثنوية ومشركو
العرب .
فقالت اليهود نحن
نقول ( عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) وقد جئناك يا
محمد لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا
خصمناك.
وقالت النصارى نحن
نقول إن المسيح ابن الله اتحد به وقد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق
إلى الصواب منك وأفضل ـ وإن خالفتنا خصمناك.
وقالت الدهرية نحن
نقول إن الأشياء لا بدو لها وهي دائمة وقد جئناك لننظر فيما تقول فإن اتبعتنا فنحن
أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك.
وقالت الثنوية نحن
نقول إن النور والظلمة هما المدبران وقد جئناك لننظر فيما تقول فإن اتبعتنا فنحن
__________________
أسبق إلى الصواب
منك وإن خالفتنا خصمناك.
وقال مشركو العرب
نحن نقول إن أوثاننا آلهة وقد جئناك لننظر فيما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى
الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت [ بالجبت والطاغوت ] بكل معبود سواه.
ثم قال لهم إن
الله تعالى قد بعثني ( كَافَّةً لِلنَّاسِ
بَشِيراً وَنَذِيراً ) وحجة على العالمين وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره.
ثم قال لليهود أجئتموني
لأقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا لا قال فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله؟
قالوا لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاء لهم بالتوراة
ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه
بإحياء التوراة؟ فلقد كان موسى بالنبوة أولى وأحق ولئن كان هذا المقدار من إكرامه
لعزير يوجب له أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من النبوة
لأنكم إن كنتم إنما تريدون بالنبوة ـ الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من
ولادة الأمهات الأولاد بوطء آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه وأوجبتم
فيه صفات المحدثين فوجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.
قالوا لسنا نعني
هذا فإن هذا كفر كما دللت لكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك
ولادة كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره يا بني
وإنه ابني لا على إثبات ولادته منه لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب له بينه
وبينه وكذلك لما فعل الله تعالى بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا
على الولادة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فهذا ما قلته لكم إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير
ابنه فإن هذه المنزلة بموسى أولى وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته
إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكثر مما ذكرته لكم لأنكم قلتم إن عظيما من
عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه يا بني وهذا ابني لا على طريق الولادة
فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبي هذا أخي ولآخر هذا شيخي وأبي ولآخر هذا أخي
ولآخر هذا سيدي ويا سيدي على سبيل الإكرام وإن من زاده في الكرامة زاده مثل هذا
القول فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد
زاده في الإكرام مما لعزير كما أن من زاد رجلا في الإكرام فقال له يا سيدي ويا
شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الإكرام وأن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا
القول أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو
أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي أو يا
رئيسي أو يا أميري؟
قال فبهت القوم
وتحيروا وقالوا يا محمد أجلنا نتفكر فيما قد قلته لنا فقال انظروا فيه بقلوب معتقدة
__________________
للإنصاف يهدكم
الله.
ثم أقبل على
النصارى فقال لهم وأنتم قلتم إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه فما الذي أردتموه
بهذا القول أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى أو المحدث
الذي هو عيسى صار قديما كوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه
اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه.
فإن أردتم أن
القديم صار محدثا فقد أبطلتم لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا وإن أردتم أن
المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما وإن أردتم أنه
اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى
الذي اتحد به من أجله لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى
صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين وهذا خلاف ما بدأتم
تقولونه.
فقالت النصارى يا
محمد إن الله لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على
جهة الكرامة.
فقال لهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقد سمعتم ما قلته لليهود
في هذا المعنى الذي ذكرتموه ثم أعاد صلىاللهعليهوآله
ذلك كله فسكتوا إلا رجلا
واحدا منهم فقال له يا محمد أولستم تقولون إن إبراهيم خليل الله؟ قال قد قلنا ذلك
قال فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله؟
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنهما لن يشتبها لأن قولنا إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق
من الخلة والخلة إنما معناها الفقر والفاقة فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا وإليه
منقطعا ـ وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في
المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له أدرك عبدي فجاء فلقيه في الهواء فقال له كلفني
ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال إبراهيم حسبي ( اللهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ ) إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي
فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه.
وإذا جعل معنى ذلك
من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان الخليل
معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنه إذا لم ينقطع
إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله وإن من يلده الرجل وإن أهانه
وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده لأن معنى الولادة قائم به.
ثم إن وجب لأنه
قال لإبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأن عيسى ابنه وجب أيضا كذلك أن تقولوا
لموسى إنه ابنه فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى فقولوا إن
موسى أيضا ابنه وأن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى إنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه
وأميره كما قد ذكرته لليهود.
فقال بعضهم لبعض ـ
وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال أذهب إلى أبي وأبيكم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فإن كنتم بذلك الكتاب تعلمون فإن فيه أذهب إلى أبي وأبيكم
فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما كان عيسى ابنه من الوجه
الذي كان عيسى ابنه ثم إن في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من
وجهة الاختصاص كان ابنا له لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه
بما لم يختص به
غيره ـ وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى
أذهب إلى أبي وأبيكم فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن
لم يكن له مثل اختصاص عيسى وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها
لأنه إذا قال أذهب إلى أبي وأبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه وما يدريكم
لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح وأن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم أبي
وأبيكم وكذلك نوح بل ما أراد غير هذا.
قال فسكت النصارى
وقالوا ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك وسننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول الله
على الدهرية فقال ـ وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدو لها وهي
دائمة لم تزل ولا تزال؟
فقالوا لأنا لا
نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء
وفناء فحكمنا بأنها لا تزال.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الآبد فإن قلتم
إنكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا
تزالون كذلك ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم.
قالوا بل لم نشاهد
لها قدما ولا بقاء أبد الآبد.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا
حدوثها وانقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث والانقضاء
والانقطاع لأنه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآبد أولستم تشاهدون الليل
والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا نعم.
فقال أترونهما لم
يزالا ولا يزالان؟ فقالوا نعم فقال أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا لا.
فقال صلىاللهعليهوآله فإذا منقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني
جاريا بعده؟ قالوا كذلك هو.
فقال قد حكمتم
بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرته.
ثم قال صلىاللهعليهوآله أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فإن
قلتم إنه غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله وإن قلتم متناه فقد كان ولا
شيء منهما قالوا نعم.
قال لهم أقلتم إن
العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه؟ قالوا
نعم.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لا
قوام للبعض إلا بما يتصل به كما نرى البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم
يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى.
وقال أيضا فإذا
كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا
كيف كان يكون وما ذا كانت تكون صفته؟
قال فبهتوا وعلموا
أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم
فوجموا وقالوا سننظر في أمرنا.
ثم أقبل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
على الثنوية الذين قالوا
النور والظلمة هما المدبران فقال وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟
فقالوا لأنا وجدنا
العالم صنفين خيرا وشرا ووجدنا الخير ضدا للشر فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل
الشيء وضده بل لكل واحد منهما فاعل ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار
محال أن تبرد فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة ونورا؟
فقال لهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أفلستم قد وجدتم سوادا
وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع مثلين منهما
في محل واحد كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا نعم.
قال فهلا أثبتم
بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟
قال فسكتوا.
ثم قال فكيف اختلط
النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول أرأيتم لو أن رجلا أخذ
شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجههما
قالوا لا.
قال فوجب أن لا
يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر فكيف وجدتم حدث هذا
العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعا مخلوقان فقالوا سننظر
في أمورنا.
ثم أقبل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
على مشركي العرب فقال
وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله فقالوا نتقرب بذلك إلى الله تعالى.
فقال لهم أوهي
سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا لا.
قال فأنتم الذين
نحتموها بأيديكم؟ قالوا نعم.`
قال فلأن تعبدكم
هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو
العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم.
قال فلما قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
هذا القول اختلفوا فقال
بعضهم إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة فصورنا هذه الصور نعظمها
لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا.
وقال آخرون منهم
إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله.
وقال آخرون منهم
إن الله لما خلق آدم ـ وأمر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من
الملائكة ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله كما تقربت الملائكة
بالسجود لآدم إلى الله تعالى وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم
نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم
__________________
الكعبة لا محاريبكم
وقصدتم بالكعبة إلى الله عز وجل لا إليها.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله أخطأتم الطريق وضللتم أما أنتم ( وهو صلىاللهعليهوآله يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه
الصور التي صورناها فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها
ربنا ) فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات ـ أويحل ربكم في شيء حتى يحيط به ذاك الشيء
فأي فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله
وخفته ولم صار هذا المحلول فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما
وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عز وجل كان لم يزل وإذا وصفتموه
بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال وما وصفتموه بالزوال والحدوث
فصفوه بالفناء لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه وجميع ذلك متغير الذات فإن
كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شيء جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن
ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه
جميع صفات المحدثين ويكون محدثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شيء فقد فسد ما
بنيتم عليه قولكم.
قال فسكت القوم
وقالوا سننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
على الفريق الثاني فقال
أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم فوضعتم الوجوه
الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين؟ ـ
أما علمتم أن من
حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده أرأيتم ملكا أو عظيما إذا سويتموه
بعبده في التعظيم والخضوع والخشوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في
تعظيم الصغير؟ فقالوا نعم.
قال أفلا تعلمون
أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين؟
قال فسكت القوم
بعد أن قالوا سننظر في أمرنا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله للفريق الثالث لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا بأنفسكم ولسنا
سواء وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا وننزجر عما زجرنا
ونعبده من حيث يريده منا فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما
لم يأمرنا ولم يأذن لنا لأنا لا ندري لعله إن أراد منا الأول فهو يكره الثاني وقد
نهانا أن نتقدم بين يديه فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعناه ثم أمرنا
بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعناه ولم نخرج في شيء من
ذلك من اتباع أمره.
والله حيث أمر
بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ـ فليس لكم أن تقيسوا ذلك
__________________
عليه لأنكم لا
تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.
ثم قال لهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أرأيتم لو أذن لكم رجل
دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره أو لكم أن تدخلوا دارا له
أخرى مثلها بغير أمره أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من عبيده أو دابة من
دوابه ألكم أن تأخذوا ذلك؟ قالوا نعم.
قال فإن لم تأخذوه
ألكم أخذ آخر مثله قالوا لا لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأول
قال صلىاللهعليهوآله فأخبروني الله أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض
المملوكين قالوا بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه.
قال فلم فعلتم
ومتى أمركم بالسجود أن تسجدوا لهذه الصور؟
قال فقال القوم
سننظر في أمورنا وسكتوا.
وقال الصادق عليهالسلام فو الذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة أيام
حتى أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأسلموا وكانوا خمسة
وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله.
احتجاج النبي صلىاللهعليهوآله
على جماعة من المشركين
وقال الصادق عليهالسلام قال أمير المؤمنين عليهالسلام
أنزل الله ( الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) الآية وكان في
هذه الآية رد على ثلاثة أصناف منهم لما قال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) فكان ردا على الدهرية الذين قالوا إن الأشياء لا بدو لها
وهي دائمة.
ثم قال ( وَجَعَلَ
الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ) فكان ردا على الثنوية الذين قالوا إن النور والظلمة هما
مدبران.
ثم قال ( ثُمَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) فكان ردا على
مشركي العرب الذين قالوا إن أوثاننا آلهة.
ثم أنزل الله ( قُلْ هُوَ
اللهُ أَحَدٌ ) إلى آخرها فكان ردا على من ادعى من دون الله ضدا أو ندا.
قال فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لأصحابه قولوا ( إِيَّاكَ
نَعْبُدُ ) أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية إن الأشياء لا بدو
لها وهي دائمة ولا كما قالت الثنوية إن النور والظلمة هما المدبران ولا كما قال
مشركو العرب إن أوثاننا آلهة فلا نشرك بك شيئا ولا ندعو من دونك إلها كما يقول
هؤلاء الكفار ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى إن لك ولدا تعاليت عن ذلك.
قال فذلك قوله : ( وَقالُوا
لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) وقالت طائفة
غيرهم من هؤلاء
__________________
الكفار ما قالوا
قال الله تعالى يا محمد ( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ
) التي يمنونها بلا حجة : ( قُلْ هاتُوا
بُرْهانَكُمْ ) وحجتكم على دعواكم : ( إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ ) كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.
ثم قال ( بَلى مَنْ
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) تعالى يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله لما
سمعوا براهينه وحجته : ( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله ( فَلَهُ
أَجْرُهُ ) وثوابه ( عِنْدَ رَبِّهِ ) يوم فصل القضاء :
( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) حين يخاف
الكافرون مما يشاهدونه من العقاب : ( وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ ) عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم
احتجاج النبي صلىاللهعليهوآله
على جماعة من المشركين
عن أبي محمد الحسن
العسكري عليهالسلام
أنه قال قلت لأبي علي بن
محمد عليهالسلام
هل كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم؟ قال بلى مرارا
كثيرة.
منها ما حكى الله
من قولهم : ( وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ
الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ؟ ) إلى قوله ( رَجُلاً
مَسْحُوراً ) وقالوا : ( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا
الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) وقوله عز وجل : ( وَقالُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى قوله ( كِتاباً
نَقْرَؤُهُ ) ثم قيل له في آخر ذلك لو كنت نبيا كموسى أنزلت علينا كسفا
من السماء ونزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى
لموسى عليهالسلام.
قال وذلك أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
كان قاعدا ذات يوم بمكة
بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو
البختري بن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي أمية المخزومي
وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله صلىاللهعليهوآله
في نفر من أصحابه يقرأ
عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه.
فقال المشركون
بعضهم لبعض لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه
والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم فلعله
ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف
الباتر.
قال أبو جهل فمن
ذا الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي أنا إلى ذلك أفما
ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا.
قال أبو جهل بلى
فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال :
يا محمد لقد ادعيت
دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا زعمت أنك رسول الله رب العالمين وما ينبغي لرب
العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب
كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي!
__________________
فهذا ملك الروم
وهذا ملك الفرس ـ لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط
وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده.
ولو كنت نبيا لكان
معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا
ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد ( إِلاَّ رَجُلاً
مَسْحُوراً ) ولست بنبي.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله هل بقي من كلامك شيء؟
قال بلى لو أراد
الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالا وأحسنه حالا فهلا
أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا ( عَلى
رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي
بالطائف.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله هل بقي من كلامك شيء يا عبد الله؟
فقال بلى ( لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) بمكة هذه فإنها
ذات أحجار وعرة وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ( أَوْ
تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ ) فتأكل منها
وتطعمنا وتفجر ( الْأَنْهارَ خِلالَها ) خلال تلك النخيل
والأعناب ( تَفْجِيراً ـ ) ( أَوْ
تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ) فإنك قلت لنا ( وَإِنْ
يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) فلعلنا نقول ذلك.
ثم قال ( أَوْ
تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ) تأتي به وبهم وهم
لنا مقابلون ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ) تعطينا منه
وتغنينا به فلعلنا نطغى وإنك قلت لنا : ( كَلاَّ إِنَّ
الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ) .
ثم قال ( أَوْ
تَرْقى فِي السَّماءِ ) أي تصعد في السماء ( وَلَنْ نُؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ ) أي لصعودك ( حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي
ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله
إنه من عندي ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أومن بك أو لا أومن بك بل لو
رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا ( إِنَّما سُكِّرَتْ
أَبْصارُنا ) وسحرتنا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا عبد الله أبقي شيء من كلامك قال يا محمد أوليس فيما
أوردته عليك كفاية وبلاغ ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة
وائتنا بما سألناك به.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله
عبادك فأنزل الله عليه يا محمد ( وَقالُوا ما لِهذَا
الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ) إلى قوله ( رَجُلاً مَسْحُوراً ) ثم قال الله
تعالى : ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ
فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) ثم قال يا محمد ( تَبارَكَ الَّذِي
إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً
__________________
مِنْ
ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً ) وأنزل عليه يا
محمد ( فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ
وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ) الآية وأنزل الله عليه يا محمد ( وَقالُوا
لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ) إلى قوله (
وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ) .
فقال له رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يا عبد الله أما ما ذكرت
من أني آكل الطعام كما تأكلون وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولا فإنما
الأمر لله تعالى ( يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) و ( يَحْكُمُ
ما يُرِيدُ ) وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف ألا
ترى أن الله كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا وأعز بعضا وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا
وشرف بعضا ووضع بعضا وكلهم ممن يأكل الطعام ثم ليس للفقراء أن يقولوا لم أفقرتنا
وأغنيتهم ولا للوضعاء أن يقولوا لم وضعتنا وشرفتهم ولا للزمنى والضعفاء أن
يقولوا لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ولا للأذلاء أن يقولوا لم أذللتنا وأعززتهم
ولا لقباح الصور أن يقولوا لم قبحتنا وجملتهم.
بل إن قالوا ذلك
كانوا على ربهم رادين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين ولكان جوابه لهم أنا الملك
الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا
التسليم لي والانقياد لحكمي فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين
وبعقوباتي من الهالكين.
ثم أنزل الله عليه
يا محمد ( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) يعني آكل الطعام
و ( يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ
) يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض
البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأما قولك هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا
كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق
هؤلاء كلهم فهم عبيده فإن الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا
باقتراحك بل ( يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) و ( يَحْكُمُ
ما يُرِيدُ ) وهو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس
دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره فلو كان صاحب قصور يحتجب
فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ أوما ترى
الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون.
يا عبد الله إنما
بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على
قتله ولا منعه في رسالاته فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم
فأسعكم قتلا وأسرا ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون
من يوافقكم على دينكم.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأما قولك لي لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو
أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا فالملك لا تشاهده
حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم
لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر ،
__________________
لأنه إنما كان
يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده فكيف
كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على يده
المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم
عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له ـ ولو ظهر لكم ملك وظهر على
يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ليس في طبائع سائر أجناسه من
الملائكة حتى يصير ذلك معجزا ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن
لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا فإن
الله عز وجل سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب
الذي لا حجة فيه.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأما قولك ما أنت إلا رجل مسحور فكيف أكون كذلك وقد تعلمون
أني في صحة التمييز والعقل فوقكم ـ فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين
سنة خزية أو زلة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي
أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته وذلك ما
قال الله : ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ
فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي
تبين عليك تحصيل بطلانها.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأما قولك : ( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا
الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) الوليد بن
المغيرة بمكة أو عروة بالطائف فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا
خطر له عنده كما له عندك ـ بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا
به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما
يشاء في عبيده وإمائه وليس هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله
فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه
بالنبوة لذلك ولا ممن يحب أحدا محبة الهواء كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم
وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر إلا بالعدل لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في
طاعته والأجدى في خدمته وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطؤا عن
طاعته.
وإذا كان هذا صفته
لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله وليس لأحد من عباده
عليه ضريبة لازب ، فلا يقال له إذا
تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على
خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمه.
ألا ترى يا عبد
الله كيف أغنى واحدا وقبح صورته وكيف حسن صورة واحد وأفقره وكيف شرف واحدا وأفقره
وكيف أغنى واحدا ووضعه ثم ليس لهذا الغني أن يقول هلا أضيف إلى يساري جمال فلان
ولا للجميل أن يقول هلا أضيف إلى جمالي مال فلان ولا للشريف أن يقول هلا أضيف إلى
شرفي مال فلان ولا للوضيع أن يقول هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان ولكن الحكم لله يقسم
كيف يشاء
__________________
ويفعل كما يشاء ـ وهو
حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى : ( وَقالُوا لَوْ لا
نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال الله تعالى ( أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) يا محمد ( نَحْنُ قَسَمْنا
بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) فأحوجنا بعضا إلى
بعض أحوج هذا إلى مال ذلك وأحوج ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته فترى أجل الملوك
وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب ـ إما سلعة معه ليست معه
وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به وإما باب من العلوم
والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك
الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.
ثم ليس للملك أن
يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع على رأيي
وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني ثم قال الله (
وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً
سُخْرِيًّا ) ثم قال يا محمد قل لهم : ( وَرَحْمَتُ رَبِّكَ
خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأما قولك : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ
حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى آخر ما قلته
فإنك قد اقترحت على محمد رسول الله ـ أشياء منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا
لنبوته و/ طرسول الله صلىاللهعليهوآله
يرتفع عن أن يغتنم جهل
الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك وإنما
يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها فإنما اقترحت
هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون ومنها
المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك
ويضيق عليك سبيل مخالفته ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا
محيص ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى
برهان ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه.
فأما قولك يا عبد
الله ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ
الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) بمكة هذه ـ فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها
وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل
الله.
يا عبد الله أرأيت
لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبيا؟ قال لا.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة
صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها؟ قال بلى.
قال صلىاللهعليهوآله وهل لك في هذا نظراء؟ قال بلى.
قال فصرت أنت وهم
بذلك أنبياء؟ قال لا.
قال صلىاللهعليهوآله فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته فما هو إلا
كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم
__________________
وتمشي على الأرض
كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس.
وأما قولك يا عبد
الله ( أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَعِنَبٍ ) فتأكل منها وتطعمنا وتفجر ( الْأَنْهارَ خِلالَها
تَفْجِيراً ) أوليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون
وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا أفصرتم أنبياء بهذا قال لا.
قال صلىاللهعليهوآله فما بال اقتراحكم على رسول الله صلىاللهعليهوآله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه بل لو تعاطاها
لدل تعاطيها على كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم
ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا عبد الله وأما قولك ( أَوْ تُسْقِطَ
السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ) فإنك قلت : ( وَإِنْ
يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) فإن في سقوط
السماء عليكم هلاككم وموتكم فإنما تريد بهذا من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك لا يهلكك ولكنه
يقيم عليك حجج الله وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده لأن العباد
جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى
يستحيل وقوعه والله عز وجل طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وهل رأيت يا عبد الله طبيبا ـ كان دواؤه للمرضى على حسب
اقتراحهم؟ وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه فأنتم المرضى
والله طبيبكم فإن انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم.
وبعد فمتى رأيت يا
عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم ـ فيما مضى بينة على دعواه
على حسب اقتراح المدعى عليه إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق ولا كان بين
ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا عبد الله وأما قولك ( أَوْ تَأْتِيَ
بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ) يقابلوننا ونعاينهم فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به وإن
ربنا عز وجل ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به فقد سألتم
بهذا المحال وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع
ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد.
يا عبد الله أوليس
لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها؟ قال بلى قال أفتشاهد جميع أحوالها
بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال بسفراء.
قال صلىاللهعليهوآله أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمتك لسفرائك
لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما
تقولون عنه شفاها كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال لا.
__________________
قال صلىاللهعليهوآله فما الذي يجب على سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة
تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال بلى.
قال صلىاللهعليهوآله يا عبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك
وقال لك قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفا وتقول له
إنما أنت رسول لا مشير ولا آمر؟ قال بلى.
قال صلىاللهعليهوآله فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ لأكرتك
ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى
ربه بأن يأمر عليه وينهى؟ وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك هذه
حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله وأما قولك يا عبد
الله : ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ) وهو الذهب أما
بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال بلى.
قال صلىاللهعليهوآله أفصار بذلك نبيا؟ قال لا.
قال صلىاللهعليهوآله فكذلك لا يوجب لمحمد صلىاللهعليهوآله
نبوة لو كان له بيوت
ومحمد لا يغنم جهلك بحجج الله.
وأما قولك يا عبد
الله ( أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ ) ثم قلت ( وَلَنْ
نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) يا عبد الله
الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت
فكذلك حكم النزول ثم قلت ( حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) من بعد ذلك ثم لا أدري أومن بك أو لا أومن بك فأنت يا عبد
الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك فلا دواء لك إلا تأديبه لك على يد أوليائه من
البشر أو ملائكته الزبانية وقد أنزل علي حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته
فقال عز وجل :
( قُلْ ) يا محمد ( سُبْحانَ
رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) ما أبعد ربي عن
أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز ( هَلْ
كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني وليس لي أن آمر
على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع
إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.
فقال أبو جهل يا
محمد هاهنا واحدة ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله
جهرة؟ قال صلىاللهعليهوآله
بلى.
قال فلو كنت نبيا
لاحترقنا نحن أيضا فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى لأنهم كما زعمت قالوا : ( أَرِنَا
اللهَ جَهْرَةً ) ونحن نقول ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ
حَتَّى تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ) نعاينهم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا أبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت؟
وذلك قول ربي : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قوى الله بصره
لما
__________________
رفعه دون السماء
حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما
بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما
بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه يا إبراهيم اكفف
دعوتك عن عبادي وإمائي فأَنِّي أَنَا الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ الجبار الحليم لا يضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك
فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ـ فإنما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا مهيمن علي
ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت
عيوبهم وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرق
بالآباء الكافرين وأتأنى بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من
أصلابهم فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن
الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي
وكبريائي.
يا إبراهيم خل
بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فإني أنا الجبار الحليم
العلام الحكيم أديرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا أبا جهل إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك
ذرية طيبة عكرمة ابنك وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله ورسوله فيه كان عند
الله جليلا وإلا فالعذاب نازل عليك وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا
إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة فهو لا يقطعه عن
تلك السعادة ولا يبخل بها عليه أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى
السعادة ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم فانظر إلى السماء فنظر فإذا أبوابها مفتحة
ـ وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرءوس القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لا تروعنكم فإن الله لا
يهلككم بها وإنما أظهرها عبرة.
ثم نظروا إلى
السماء وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في
السماء كما جاءت منها فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
إن بعض هذه الأنوار أنوار
من قد علم الله أنه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد وبعضها أنوار ذرية طيبة ـ ستخرج
من بعضكم ممن لا يؤمن وهم يؤمنون.
وعن أبي محمد
الحسن العسكري عليهالسلام
أنه قال قيل لأمير
المؤمنين يا أمير المؤمنين هل كان لمحمد صلىاللهعليهوآله
آية مثل آية موسى في رفعه
الجبل فوق رءوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به؟
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
إي والذي بعثه بالحق نبيا
ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمد صلىاللهعليهوآله إلا وقد كان لمحمد مثلها أو أفضل منها ولقد كان لرسول الله صلىاللهعليهوآله نظير هذه الآية إلى آيات أخر ظهرت له وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أظهر بمكة دعوته وأبان عن الله تعالى مراده رمته العرب
عن قسي عداوتها بضروب مكايدهم ولقد قصدته يوما لأني كنت أول الناس
__________________
إسلاما بعث يوم
الإثنين وصليت معه يوم الثلاثاء ـ وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام
وأيد الله تعالى دينه من بعده فجاء قوم من المشركين فقالوا له :
يا محمد تزعم أنك
رسول رب العالمين ثم إنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك سيدهم وأفضلهم فلئن كنت نبيا
فائتنا بآية كما تذكره من الأنبياء قبلك ـ مثل نوح الذي جاء بالغرق ونجا في سفينته
مع المؤمنين وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما وموسى الذي زعمت
أن الجبل رفع فوق رءوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين وعيسى
الذي كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وصار هؤلاء المشركون فرقا أربعة
هذه تقول أظهر لنا آية نوح وهذه تقول أظهر لنا آية موسى وهذه تقول أظهر لنا آية
إبراهيم وهذه تقول أظهر لنا آية عيسى.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ( إِنَّما
أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) أتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والأمم
وسائر العرب عن معارضته وهو بلغتكم فهو حجة بينة عليكم وما بعد ذلك فليس لي
الاقتراح على ربي ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ
الْمُبِينُ* ) إلى المقرين بحجة صدقه وآية حقه وليس عليه أن يقترح بعد
قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد
فيما يقترحون.
فجاء جبرئيل فقال
يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك إني سأظهر لهم هذه الآيات
وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم ولكني أريهم ذلك زيادة في الإعذار والإيضاح
لحججك فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح عليهالسلام
امضوا إلى جبل أبي قبيس
فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان
بين يديه وقل للفريق الثاني المقترحين لآية إبراهيم عليهالسلام
امضوا إلى حيث تريدون من
ظاهر مكة فسترون آية إبراهيم في النار فإذا غشيكم النار فسترون في الهواء امرأة قد
أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة وترد عنكم النار وقل للفريق الثالث
المقترحين لآية موسى امضوا إلى ظل الكعبة فسترون آية موسى وسينجيكم هناك عمي حمزة
وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار
هؤلاء الفرق الثلاث فإن الآية التي اقترحتها تكون بحضرتي.
فقال أبو جهل
للفرق الثلاث قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد صلىاللهعليهوآله فذهب الفريق الأول إلى جبل أبي قبيس والثاني إلى صحراء
ملساء والثالث إلى ظل الكعبة ورأوا ما وعدهم الله ورجعوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله مؤمنين وكلما رجع فريق منهم إليه وأخبروه بما شاهدوا ألزمه رسول
الله صلىاللهعليهوآله
الإيمان بالله فاستمهل
أبو جهل إلى أن يجيء الفريق الآخر حسب ما أوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر
الفاطمية ـ تركنا ذكره هاهنا طلبا للإيجاز والاختصار.
قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
فلما جاءت الفرقة الثالثة
وأخبروا بما شاهدوا عيانا وهم مؤمنون بالله وبرسوله قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأبي جهل هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت.
فقال أبو جهل لا
أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا أم حقق لهم ذلك أم خيل إليهم فإن رأيت أنا ما اقترحته
عليك من نحو آيات عيسى ابن مريم فقد لزمني الإيمان بك وإلا فليس يلزمني تصديق
هؤلاء على كثرتهم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا جهل فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة
تحصيلهم فكيف تصدق بمآثر آبائك وأجدادك ومساوي أسلاف أعدائك وكيف تصدق على الصين
والعراق والشام إذا حدثت عنها وهل المخبرون عن ذلك إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن
هذه الآيات مع سائر من شاهدها معهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل
يتخرصونه إلا إذا كان بإزائهم من يكذبهم. ويخبر بضد أخبارهم ألا وكل فرقة محجوجون
بما شاهدوا وأنت يا أبا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهده
ثم أخبره النبي صلىاللهعليهوآله بما اقترح عليه من آيات عيسى من أكله لما أكل وادخاره في
بيته لما ادخر من دجاجة مشوية وإحياء الله تعالى إياها وإنطاقها بما فعل بها أبو
جهل وغير ذلك على ما جاء به في هذا الخبر فلم يصدقه أبو جهل في ذلك كله بل كان
يكذبه وينكر جميع ما كان النبي صلىاللهعليهوآله
يخبره به من ذلك إلى أن
قال النبي لأبي جهل.
أما كفاك ما شاهدت
أم تكون آمنا من عذاب الله قال أبو جهل إني لأظن أن هذا تخييل وإيهام.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فهل تفرق بين مشاهدتك لها وسماعك لكلامها يعني الدجاجة
المشوية التي أنطقها الله له وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعك كلامهم؟
قال أبو جهل لا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فما يدريك إذا أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل؟ قال أبو
جهل ما هو تخييل.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا هذا تخييل وإلا فكيف تصحح أنك ترى في العالم شيئا أوثق
منه تمام الخبر
رسالة لأبي جهل إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لما هاجر إلى المدينة والجواب عنها بالرواية عن أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام.
وهي أن قال يا
محمد إن الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ورمت بك إلى يثرب وإنها لا
تزال بك تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك إلى أن تفسدها على أهلها وتصليهم حر نار
جهنم وتعديك طورك ـ وما أرى ذلك إلا وسيئول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد
لقصد إثارك ودفع ضرك وبلائك فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ويساعدك على ذلك من هو
كافر بك مبغض لك فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن لا يهلك بهلاكك ويعطب عياله
بعطبك ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر شيعتك إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك
ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك واصطلموهم باصطلامهم لك
وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ـ كما يأتون على أموالك وعيالك وقد
أعذر من أنذر وبالغ من أوضح.
وأديت هذه الرسالة
إلى محمد وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة أصحابه وعامة الكفار من يهود بني إسرائيل ـ
__________________
وهكذا أمر الرسول
ليجبن المؤمنين ويغري بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله للرسول قد أطريت مقالتك واستكملت رسالتك؟ قال بلى.
قال صلىاللهعليهوآله فاسمع الجواب إن أبا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ورب
العالمين بالنصر والظفر يعدني وخبر الله أصدق والقبول من الله أحق لن يضر محمدا من
خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه عليه قل له يا أبا جهل
إنك واصلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن إن
الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسع وعشرين يوما وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي
وستلقى أنت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان وذكر عددا من قريش في قليب بدر
مقتولين أقتل منكم سبعين وآسر منكم سبعين وأحملهم على الفداء الثقيل.
ثم نادى جماعة من
بحضرته من المؤمنين واليهود وسائر الأخلاط ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد منهم
هلموا إلى بدر فإن هناك الملتقى والمحشر وهناك البلاء الأكبر لأضع قدمي على مواضع
مصارعهم ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ولا تتغير ولا تتقدم ولا تتأخر لحظة ولا
قليلا ولا كثيرا فلم يخف ذلك على أحد منهم ولم يجبه إلا علي بن أبي طالب عليهالسلام وحده قال نعم بسم الله
فقال الباقون نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ولا يمكننا الخروج إلى هناك وهو
مسيرة أيام.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لسائر اليهود فأنتم ما ذا تقولون؟
فقالوا نحن نريد
أن نستقر في بيوتنا ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل .
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا نصب لكم في المسير إلى هناك اخطوا خطوة واحدة فإن الله
يطوي الأرض لكم ويصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك.
قال المسلمون صدق رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فلنشرف بهذه الآية وقال
الكافرون والمنافقون سوف نمتحن هذا الكذاب لينقطع عذر محمد ويصير دعواه حجة عليه
وفاضحة له في كذبه.
قال فخطا القوم
خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر فتعجبوا فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال اجعلوا البئر العلامة ـ واذرعوا من عندها كذا ذراع
فذرعوا فلما انتهوا إلى آخرها قال هذا مصرع أبي جهل يجرحه فلان الأنصاري ويجهز
عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي.
ثم قال اذرعوا من
البئر من جانب آخر ثم من جانب آخر ثم من جانب آخر كذا وكذا ذراعا وذراعا وذكر
أعداد الأذرع مختلفة فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا مصرع عتبة وهذا مصرع شيبة وذاك مصرع الوليد وسيقتل فلان
وفلان إلى أن سمى سبعين منهم بأسمائهم وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم
بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم ونسب المنسوبين إلى أمهاتهم وآبائهم ونسب الموالي
منهم إلى مواليهم.
ثم قال صلىاللهعليهوآله أوقفتم على ما أخبرتكم به؟ قالوا بلى.
__________________
قال صلىاللهعليهوآله إن ذلك لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما في اليوم التاسع
والعشرين وعدا من الله مفعولا وقضاء حتما لازما تمام الخبر.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا بما سمعتم فقالوا يا رسول
الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله الكتابة أذكر لكم فقالوا يا رسول الله فأين الدواة والكتف؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك للملائكة ثم قال صلىاللهعليهوآله
يا ملائكة ربي اكتبوا ما
سمعتم من هذه القصة في الكتاب واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك.
ثم قال يا معشر
المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها وأخرجوها واقرءوها فتأملوها وإذا في كم كل واحد
منهم صحيفة قرءوها وإذا فيها ذكر ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله
في ذلك سواء لا يزيد ولا
ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر.
فقال صلىاللهعليهوآله أغيضوها في أكمامكم تكن حجة عليكم وشرفا للمؤمنين منكم وحجة
على أعدائكم فكانت معهم فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يزيد ولا ينقص قابلوها في كتبهم فوجدوها كما كتبها
الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر فقبل المسلمون ظاهرهم ووكلوا
باطنهم إلى خالقهم
احتجاجه صلىاللهعليهوآله
على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفي غير ذلك
قال أبو محمد
الحسن العسكري عليهالسلام
لما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته
ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان فكان رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يفعل ذلك طول مقامه بها
ثلاث عشرة سنة فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف
عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا وجعل قوم من مردة اليهود يقولون:
والله ما درى محمد
كيف يصلي حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا فاشتد ذلك على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لما اتصل به عنهم وكره
قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل عليهالسلام
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة
فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم فقال جبرئيل عليهالسلام فاسأل ربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك
من بغيتك فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال اقرأ يا محمد :
( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ ) الآيات.
__________________
فقال اليهود عند
ذلك : ( ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي
كانُوا عَلَيْها )؟ فأجابهم الله أحسن جواب فقال ( قُلْ لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) ـ وهو يملكهما وتكليفه التحويل إلى جانب كتحويله لكم إلى
جانب آخر : ( يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وهو أعلم
بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم.
قال أبو محمد عليهالسلام وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع
عشرة سنة ثم تركتها الآن أفحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فإن ما يخالف
الحق باطل أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن
على باطل؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله بل ذلك كان حقا وهذا حق يقول الله : ( قُلْ
لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) إذا عرف صلاحكم
أيها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب
أمركم به وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده
إلى مصالحكم.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام ثم
تركتموه في السبت ثم عملتم بعده أفتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى الحق أو
الباطل إلى الباطل أو الحق إلى الحق؟ قولوا كيف شئتم؟ فهو قول محمد وجوابه لكم
قالوا بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته
حق.
فقالوا له يا محمد
أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما بدا له عن ذلك فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح
لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك ولا يقع عليه
أيضا مانع يمنعه من مراده وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه وهو عز وجل يتعالى عن
هذه الصفات علوا كبيرا.
ثم قال لهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أيها اليهود أخبروني عن
الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك أليس يحيي ويميت أبدا له في كل
واحد من ذلك؟ قالوا لا.
قال صلىاللهعليهوآله فكذلك الله تعبدنبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان
تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول.
ثم قال صلىاللهعليهوآله أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء
أبدا له في كل واحد من ذلك؟
قالوا لا قال صلىاللهعليهوآله فكذلك لم يبد له في القبلة.
قال ثم قال صلىاللهعليهوآله أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب
الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر أفبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف
ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا لا.
__________________
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ثم تعبدكم في
وقت آخر بصلاح يعلمه بشيء آخر فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه فأنزل
الله تعالى ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ) يعني إذا توجهتم
بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب فصلاح
المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ألا فسلموا لله
أمره تكونوا من الفائزين.
فقيل يا ابن رسول
الله فلم أمر بالقبلة الأولى؟
فقال لما قال الله
تعالى ( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ
عَلَيْها ) وهي بيت المقدس : ( إِلاَّ لِنَعْلَمَ
مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ ) إلا لنعلم ذلك
منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن
يبين متبعي محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها ولما كان هوى
أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق
محمدا فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه.
ثم قال ( وَإِنْ
كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) إن كان التوجه
إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلا على من يهدي الله فعرف أن لله أن يتعبد
بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.
وقال أبو محمد عليهالسلام قال جابر بن عبد الله الأنصاري ـ سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله عبد الله بن صوريا غلام يهودي أعور تزعم اليهود أنه أعلم
يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه عن مسائل كثيرة يعنته فيها فأجابه عنها رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بما لم يجد إلى إنكار شيء
منه سبيلا.
فقال له يا محمد
من يأتيك بهذه الأخبار عن الله؟ قال صلىاللهعليهوآله
جبرئيل قال لو كان غيره
يأتيك بها لآمنت بك ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة فلو كان ميكائيل أو غيره
سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لم اتخذتم جبرئيل عدوا قال لأنه ينزل بالبلاء والشدة على
بني إسرائيل ودفع دانيال عن قتل بخت نصر حتى قوي أمره وأهلك بني إسرائيل وكذلك كل بأس وشدة لا
ينزلها إلا جبرئيل وميكائيل يأتينا بالرحمة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل إلا أن أطاع الله فيما
يريده بكم أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق أرأيتم
الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة لمصالحهم أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من
أجل ذلك لا ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمه
__________________
غافلون أشهد أن
جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان وأنه لا يعادي أحدهما إلا من عادى
الآخر وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كفر وكذب وكذلك محمد رسول الله
وعلي أخوان كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله ومن
أبغضهما فهو من أعداء الله ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب وهما منه
بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء.
وقال أبو محمد عليهالسلام كان سبب نزول قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سيئ في جبرئيل
وميكائيل وما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل
وميكائيل وسائر ملائكة الله أما ما كان من النصاب ـ فهو أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما كان لا يزال يقول في علي عليهالسلام
الفضائل التي خصه الله عز
وجل بها والشرف الذي نحله الله تعالى وكان في كل ذلك يقول أخبرني به جبرئيل عليهالسلام عن الله ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن
يساره ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي عليهالسلام
الذي هو أفضل من اليسار
كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي
يجلسه على يساره ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة وملك الموت الذي أقامه
بالخدمة وأن اليمين واليسار أشرف من ذلك كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم
من ملكهم.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول في بعض أحاديثه إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي
بن أبي طالب عليهالسلام
حبا وإنه قسم الملائكة
فيما بينها والذي شرف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى ويقول مرة إن ملائكة
السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب عليهالسلام
كما تشتاق الوالدة
الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم فكان هؤلاء
النصاب يقولون إلى متى يقول محمد جبرئيل وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي
وتعظيم لشأنه ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق برئنا من رب ومن ملائكة
ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي
بعد محمد مفضلون.
وأما ما قاله
اليهود فهو أن اليهود أعداء الله لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله
المدينة أتوه بعبد الله
بن صوريا فقال يا محمد كيف نومك؟ فإنا قد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر
الزمان فقال تنام عيني وقلبي يقظان قال صدقت يا محمد.
ثم قال فأخبرني يا
محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله
أما العظام والعصب
والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة قال صدقت يا محمد.
ثم قال يا محمد
فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ويشبه أخواله ليس فيه من شبه
أعمامه شيء ـ؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
أيهما علا ماؤه ماء صاحبه
كان الشبه له.
قال صدقت يا محمد
فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له فقال صلىاللهعليهوآله
إذا مغرت النطفة لم يولد
له أي إذا حمرت وكدرت فإذا كانت صافية ولد له.
__________________
فقال أخبرني عن
ربك ما هو؟ فنزلت ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) إلى آخرها.
فقال ابن صوريا
صدقت خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله.
قال صلىاللهعليهوآله جبرئيل قال ابن صوريا ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل
بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو
الذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان مسدد ملكنا وجبرئيل كان مهلك ملكنا فهو عدونا
لذلك.
فقال له سلمان
الفارسي رضي الله عنه وما بدء عداوته لكم؟ قال نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة
وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل
يقال بخت نصر وفي زمانه وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه والله يحدث الأمر بعد الأمر
فيمحو ما يشاء ويثبت فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث
أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من أنبيائهم يقال له دانيال
في طلب بخت نصر ليقتله فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا
مسكينا ليس له قوة ولا منعة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا إن
كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإن الله لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء
تقتله فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك وقوي بخت نصر وملك وغزانا وخرب
بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل.
فقال سلمان يا ابن
صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل
بخت نصر ـ وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس
أرادوا تكذيب أنبياء الله في إخبارهم أو اتهموهم في إخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن
الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفارا بالله وأي
عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عز وجل وينهى عن تكذيب خبر
الله تعالى.
فقال ابن صوريا ـ قد
كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنه يمحو ( ما يَشاءُ
وَيُثْبِتُ ).
قال سلمان فإذا لا
تثقون بشيء مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فإن الله يمحو ( ما يَشاءُ
وَيُثْبِتُ ) وإذا لعل الله قد
كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لأن الله يمحو ( ما يَشاءُ
وَيُثْبِتُ ) ولعل كلما أخبراكم به عن الله أنه يكون لا يكون وما
أخبراكم به أنه لا يكون لعله يكون وكذلك ما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ولعل ما
وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ( ما يَشاءُ
وَيُثْبِتُ ) إنكم جهلتم معنى ( يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) ـ فلذلك أنتم بالله كافرون ولإخباره عن الغيوب مكذبون وعن
دين الله منسلخون.
ثم قال سلمان فإني
أشهد أنه من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل وأنهما جميعا عدوان لمن عاداهما
مسالمان لمن سالمهما فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان ( قُلْ مَنْ
كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) في مظاهرته
__________________
لأولياء الله على
أعداء الله ونزوله بفضائل علي عليهالسلام
ولي الله من عند الله ( فَإِنَّهُ
نَزَّلَهُ ) فإن جبرئيل نزل هذا القرآن ( عَلى قَلْبِكَ
بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) من سائر كتب الله
: ( وَهُدىً ) من الضلالة : ( وَبُشْرى
لِلْمُؤْمِنِينَ ) بنبوة محمد وولاية علي عليهالسلام
ومن بعده من الأئمة
الاثني عشر بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما
الطيبين.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا سلمان ـ إن الله صدق قولك ووافق رأيك وإن جبرئيل عن الله
تعالى يقول يا محمد سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك
وصفيك وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة عدوان لمن أبغض أحدهما وليان
لمن والى محمدا وعليا عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياءهما ولو أحب أهل الأرض
سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد
وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله أحدا منهم بعذاب
البتة.
وقال أبو محمد
الحسن العسكري عليهالسلام
: لما نزلت هذه الآية ( ثُمَّ
قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
) في حق اليهود والنواصب فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله فقال جماعة
رؤسائهم وذوي الألسن والبيان منهم يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله
يعلم منها خلافه إن فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما أمر الله تعالى
وأما ما أريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله وإظهار الغنى له والتمالك
والتشرف عليه فليس بخير بل هو الشر الخالص ووبال على صاحبه ويعذبه الله به أشد
العذاب.
فقالوا له يا محمد
أنت تقول هذا ونحن نقول بل ما ننفقه إلا لإبطال أمرك ودفع رئاستك ولتفريق أصحابك
عنك وهو الجهاد الأعظم نأمل به من الله الثواب الأجل العظيم فأقل أحوالنا أنك
تساوينا في الدعاوي فأي فضل لك علينا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون
ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين وتبين عن حقائق المحقين
ورسول الله محمد لا يغتم بجهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ولكن يقيم عليكم
حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها ولا تطيقون الامتناع عن موجبها ولو ذهب محمد
ويريكم آية من عنده لشككتم وقلتم إنه متكلف مصنوع محتال فيه معمول أو متواطأ عليه
وإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه
أو متأت بحيلة أو مقدمات فما الذي تقترحون فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم
ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ويزيد في بصائر المؤمنين منكم.
قالوا قد أنصفتنا
يا محمد فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاف فأنت أول راجع عن دعواك للنبوة
__________________
وداخل في غمار
الأمة ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك وظهور باطل دعواك فيما ترومه من
حجتك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد اقترحوا ما تقترحون ليقطع
معاذيركم فيما تسألون فقالوا له يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شيء من مواساة
الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق الحق وأن الأحجار ألين من
قلوبنا وأطوع لله منا وهذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إليها أو إلى بعضها فاستشهدها
على تصديقك وتكذيبنا فإن نطقت بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك وإن نطقت بتكذيبك
أو صمتت فلم ترد جوابك فاعلم بأنك المبطل في دعواك المعاند لهواك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله نعم هلموا بنا إلى أيما جبل شئتم استشهدوه ليشهد لي عليكم
فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا يا محمد هذا الجبل فاستشهده.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله للجبل إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم
خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق
كثير لا يعرف عددهم غير الله عز وجل وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم
تاب الله على آدم وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته وبحق محمد وآله الطيبين الذين
بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة ( مَكاناً عَلِيًّا ) لما شهدت لمحمد
بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم
لقول محمد رسول الله (ص).
فتحرك الجبل
وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى يا محمد أشهد أنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين
وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد
يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا وأشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك
من الفرية على رب العالمين.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأسألك أيها الجبل أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه
محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا ( مِنَ الْكَرْبِ
الْعَظِيمِ* ) وبرد الله النار على إبراهيم وجعلها عليه ( بَرْداً
وَسَلاماً ) ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير لم ير تلك الطاغية
مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين وأنبت حواليه من الأشجار الخضرة النظرة [ النضرة ]
النزهة وعما حوله من أنواع النور مما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة.
قال الجبل بلى
أشهد لك يا محمد بذلك ـ وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قرودا
وخنازير لفعل أو يجعلهم ملائكة لفعل أو يقلب النيران جليدا أو الجليد نيرانا لفعل
أو يهبط السماء إلى الأرض أو يدفع الأرض إلى السماء لفعل أو يصير أطراف المشارق
والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل وأنه قد جعل الأرض والسماء طوعك
والجبال والبحار تتصرف بأمرك وسائر ما خلق من الرياح والصواعق وجوارح الإنسان
وأعضاء الحيوان لك مطيعة وما أمرتها به من شيء ائتمرت.
فقالت اليهود يا
محمد علينا تلبس وتشبه قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور من هذا الجبل فهم ينطقون
بهذا الكلام ونحن لا ندري أنسمع من الرجال أم من الجبل لا يغتر بمثل هذا إلا
ضعفاؤك الذين تبجبج في عقولهم فإن كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار وأمر هذا
الجبل
__________________
أن ينقلع من أصله
فيسير إليك إلى هناك فإذا حضرك ونحن نشاهده فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه
ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى فإذا تجعل أصل
الجبل قلته وقلته أصله لنعلم أنه من الله لا يتفق مثله بمواطأة ولا بمعاونة مموهين
متمردين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال يا أيها الحجر تدحرج
فتدحرج ثم قال لمخاطبه خذه وقربه من أذنك فسيعيد عليك ما سمعت فإن هذا جزء من ذلك
الجبل فأخذه الرجل فأدناه إلى أذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فيما ذكره عن قلوب اليهود
ومما غبر به من أن نفقاتهم في دفع أمر محمد صلىاللهعليهوآله باطل ووبال عليهم.
فقال له رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أسمعت هذا أخلف هذا الحجر
أحد يكلمك ويوهمك أن الحجر يكلمك؟
قال فائتني بما
اقترحت في الجبل فتباعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى فضاء واسع ثم نادى
الجبل وقال يا أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين بجاههم ومساءلة عباد الله بهم
أرسل الله على قوم عاد ( رِيحاً صَرْصَراً ) عاتية لنزع الناس
( كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ) وأمر جبرئيل أن
يصيح صيحة هائلة في قوم صالح حتى صاروا ( كَهَشِيمِ
الْمُحْتَظِرِ ) لما انفصلت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتي هذه ووضع
يده على الأرض بين يديه.
فتزلزل الجبل وصار
كالفارع الهملاج حتى دنا من إصبعه أصله فلزق بها ووقف ونادى ها أنا سامع لك
مطيع يا رسول رب العالمين وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن هؤلاء اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك فتصير نصفين
ثم ينحط أعلاك ويرتفع أسفلك فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك.
فقال الجبل أتأمرني
بذلك يا رسول رب العالمين قال بلى فانقطع نصفين وانحط أعلاه إلى الأرض وارتفع
أسفله فوق أعلاه فصار فرعه أصله وأصله فرعه ثم نادى الجبل يا معاشر اليهود هذا
الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به مؤمنون.
فنظر اليهود بعضهم
إلى البعض فقال بعضهم ما عن هذا محيص وقال آخرون منهم هذا رجل منجوت [ مبخوت ]
مؤتى له ما يريد والمنجوت [ المبخوت ] يتأتى له العجائب فلا يغرنكم ما تشاهدون.
فناداهم الجبل يا
أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى هلا قلتم لموسى إن قلب العصا ثعبانا
وانفلاق البحر طرقا ووقوف الجبل كالظلة فوقكم إنما تأتى لك لأنك مؤتى لك يأتيك جدك
بالعجائب فلا يغرنا ما نشاهده فألقمتهم الجبال بمقالتها والصخور ولزمتهم حجة رب
العالمين
وعن معمر بن راشد
قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام
يقول : أتى يهودي إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقام بين يديه يحد النظر
إليه فقال يا يهودي ما حاجتك ـ؟
فقال أنت أفضل أم
موسى بن عمران النبي كلمه الله عز وجل وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر
__________________
وأظله بالغمام؟
فقال له النبي صلىاللهعليهوآله إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول إن آدم لما أصاب
الخطيئة كانت توبته أن قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفرها
الله له وإن نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل
محمد لما أنجيتني من الغرق فأنجاه الله عز وجل وإن إبراهيم لما ألقي في النار قال
اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني فجعلها ( بَرْداً
وَسَلاماً ) وإن موسى لما ألقى عصاه وأوجس ( فِي
نَفْسِهِ خِيفَةً ) قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني قال
الله تعالى ( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ).
يا يهودي إن موسى
لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة يا يهودي
ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم عليهالسلام
لنصرته فقدمه ويصلي خلفه.
وعن ابن عباس قال
: خرج من المدينة أربعون رجلا من اليهود قالوا انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب
حتى نوبخه في وجهه ونكذبه فإنه يقول أنا رسول رب العالمين وكيف يكون رسولا وآدم
خير منه ونوح خير منه وذكروا الأنبياء فقال النبي صلىاللهعليهوآله
لعبد الله بن سلام
التوراة بيني وبينكم فرضيت اليهود بالتوراة.
فقال اليهود آدم
خير منك لأن الله عز وجل خلقه بيده و ( نَفَخَ فِيهِ مِنْ
رُوحِهِ ).
فقال النبي صلىاللهعليهوآله آدم النبي أبي وقد أعطيت أنا أفضل مما أعطي آدم قالت اليهود
وما ذاك؟ ـ قال إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرات أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ولم يقل آدم رسول الله ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وليس بيد آدم
فقالت اليهود صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة قال هذه واحدة.
قالت اليهود موسى
خير منك قال النبي صلىاللهعليهوآله
ولم؟ قالوا لأن الله عز
وجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشيء.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك قالوا وما ذاك؟ قال صلىاللهعليهوآله هو قوله عز وجل : ( سُبْحانَ الَّذِي
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ) وحملت على جناح جبرئيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة
فجاوزت سدرة المنتهى ( عِنْدَها جَنَّةُ
الْمَأْوى ) حتى تعلقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش إني ( أَنَا
اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا السَّلامُ الْمُؤْمِنُ
الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) الرءوف الرحيم
ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني فهذا أفضل من ذلك قالت اليهود صدقت يا محمد وهو
مكتوب في التوراة قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
هذه اثنتان.
قالوا نوح أفضل
منك قال النبي صلىاللهعليهوآله
ولم ذاك؟ قالوا لأنه ركب
السفينة فجرت على الجودي.
قال النبي صلىاللهعليهوآله لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك قالوا وما ذاك؟ قال إن الله عز
وجل أعطاني
__________________
نهرا في السماء
مجراه من العرش وعليه ألف ألف قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة حشيشها الزعفران
ورضراضها الدر والياقوت وأرضها المسك الأبيض فذلك خير لي ولأمتي
وذلك قوله تعالى ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) قالوا صدقت يا
محمد هو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك قال النبي صلىاللهعليهوآله
هذه ثلاثة.
قالوا إبراهيم خير
منك قال ولم ذاك؟ قالوا لأن الله اتخذه خليلا.
قال النبي صلىاللهعليهوآله إن كان إبراهيم خليله فأنا حبيبه محمد قالوا ولم سميت محمدا؟
قال سماني الله محمدا وشق اسمي من اسمه هو المحمود وأنا محمد وأمتي الحامدون على
كل حال فقالت اليهود صدقت يا محمد هذا خير من ذلك قال النبي صلىاللهعليهوآله هذه أربعة.
قالت اليهود عيسى
خير منك قال صلىاللهعليهوآله
ولم ذاك؟ قالوا إن عيسى
ابن مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءه الشياطين ليحملوه فأمر الله جبرئيل
أن اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين وألقهم في النار فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم
في النار.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.
قالوا وما هو؟ قال
صلىاللهعليهوآله
أقبلت يوم بدر من قتال
المشركين وأنا جائع شديد الجوع فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى
رأسها جفنة وفي الجفنة جدي مشوي وفي كمها شيء من سكر فقالت الحمد لله الذي منحك
السلامة وأعطاك النصر والظفر على الأعداء وإني قد كنت نذرت لله نذرا ـ إن أقبلت
سالما غانما من غزاة بدر لأذبحن هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكله.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله فنزلت عن بغلتي الشهباء فضربت بيدي إلى الجدي لآكله فاستنطق
الله الجدي فاستوى على أربع قوائم وقال يا محمد لا تأكلني فإني مسموم قالوا صدقت
يا محمد هذا خير من ذلك قال النبي صلىاللهعليهوآله
هذه خمسة.
قالوا بقيت واحدة
ثم نقوم من عندك قال هاتوا قالوا سليمان خير منك قال ولم ذاك؟ قالوا لأن الله عز
وجل سخر له الشياطين والإنس والجن والطير والرياح والسباع.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله فقد سخر الله لي البراق وهو خير من الدنيا بحذافيرها ـ وهي
دابة من دواب الجنة وجهها مثل وجه آدمي وحوافرها مثل حوافر الخيل وذنبها مثل ذنب
البقر وفوق الحمار ودون البغل وسرجه من ياقوتة حمراء وركابه من درة بيضاء مزمومة
بألف زمام من ذهب عليه جناحان مكللان بالدر والياقوت والزبرجد مكتوب بين عينيه لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله.
قالت اليهود صدقت
يا محمد وهو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك يا محمد نشهد أن لا إله إلا الله
وأنك رسول الله.
فقال لهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لقد أقام نوح في قومه
ودعاهم ( أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً ) ـ ثم وصفهم الله
عز وجل
__________________
فقللهم فقال : ( وَما
آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) ولقد تبعني في سني القليلة وعمري اليسير ما لم يتبع نوحا
في طول عمره وكبر سنه وإن في الجنة عشرين ومائة صف أمتي منها ثمانون صفا وإن الله
عز وجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها ولقد جئت بتحليل ما حرموا وبتحريم
ما أحلوا من ذلك أن موسى جاء بتحريم صيد الحيتان يوم السبت حتى إن الله تعالى قال
لمن اعتدى منهم في صيدها يوم السبت ( كُونُوا قِرَدَةً
خاسِئِينَ ) فكانوا ـ ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها حلالا قال
الله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ
مَتاعاً لَكُمْ ) وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها.
ثم إن الله عز وجل
صلى علي في كتابه العزيز قال الله عز وجل : ( إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ثم وصفني الله عز وجل بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه : ( لَقَدْ
جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وأنزل الله تعالى
أن لا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط قال الله عز وجل ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) ثم وضعها عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته ومنه
وعن ثوبان قال :
إن يهوديا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال يا محمد
أسألك فتخبرني فركض ثوبان برجله وقال قل يا رسول الله فقال لا أدعوه إلا بما سماه
أهله فقال أرأيت قوله عز وجل : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) أين الناس يومئذ؟
فقال في الظلمة دون المحشر فقال فما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها؟ قال كبد
الحوت قال فما طعامهم على أثر ذلك؟ قال كبد الثور قال فما شرابهم على أثر ذلك؟ قال
السلسبيل قال صدقت أفلا أسألك عن شيء لا يعلمه إلا نبي؟ قال وما هو؟ قال عن شبه
الولد أباه وأمه قال ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فإذا علا ماء
الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله تعالى ومن تشبه أباه قبل ذلك يكون
الشبه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى بإذن الله عز وجل ومن تشبه
أمه قبل ذلك يكون الشبه.
ثم قال النبي صلىاللهعليهوآله والذي نفسي بيده ما كان عندي مما سألتني عنه حتى أنبأنيه
الله عز وجل في مجلسي هذا على لسان أخي جبرئيل.
ذكر ما جرى لرسول الله صلىاللهعليهوآله من الاحتجاج على المنافقين في
طريق تبوك وغير ذلك من كيدهم لرسول الله صلىاللهعليهوآله على العقبة بالليل
قال أبو محمد
الحسن العسكري عليهالسلام
لقد رامت الفجرة ليلة
العقبة قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله
على العقبة
__________________
ورام من بقي من
مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليهالسلام
فما قدروا على مغالبة
ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلىاللهعليهوآله
في علي عليهالسلام لما فخم من أمره وعظم من شأنه.
من ذلك أنه لما
خرج النبي صلىاللهعليهوآله
من المدينة وقد كان خلفه
عليها وقال له جبرئيل أتاني وقال لي يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام
ويقول لك يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم علي أو تقيم أنت ويخرج علي لا بد من ذلك ـ
فإن عليا قد ندبته لإحدى اثنتين لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه
غيري فلما خلفه أكثر المنافقون الطعن فيه فقالوا مله وسئمه وكره صحبته فتبعه علي صلىاللهعليهوآله حتى لحقه وقد وجد غما شديدا عما قالوا فيه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أشخصك يا علي عن مركزك فقال بلغني عن الناس كذا وكذا
فقال له صلىاللهعليهوآله
أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه أن
يقتلوه وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوها
بخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص وكان ذلك على
طريق علي الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها وكان
ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان
كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه.
فلما بلغ علي عليهالسلام قرب المكان لوى فرسه عنقه وأطاله الله فبلغت جحفلته أذنيه وقال يا
أمير المؤمنين قد حفر لك هاهنا ودبر عليك الحتف وأنت أعلم لا تمر فيه فقال له علي عليهالسلام جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدبيري وإن الله عز وجل لا
يخليك من صنعه الجميل وسار حتى شارف المكان فوقف الفرس خوفا من المرور على المكان
فقال علي عليهالسلام
سر بإذن الله سالما سويا
عجيبا شأنك بديعا أمرك فتبادرت الدابة فإن الله عز وجل قد متن الأرض وصلبها كأنها لم
تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض فلما جاوزها علي عليهالسلام
لوى الفرس عنقه ووضع
جحفلته على أذنه ثم قال ما أكرمك على رب العالمين أجازك على هذا المكان الخاوي ـ فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
جازاك الله بهذه السلامة
عن نصيحتك التي نصحتني بها.
ثم قلب وجه الدابة
إلى ما يلي كفلها والقوم معه بعضهم أمامه وبعضهم خلفه وقال اكتشفوا عن هذا المكان
فكشفوا فإذا هو خاو لا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفرة فأظهر القوم الفزع والتعجب
مما رأوا منه فقال علي عليهالسلام
للقوم أتدرون من عمل هذا؟
قالوا لا ندري.
قال عليهالسلام لكن فرسي هذا يدري يا أيها الفرس كيف هذا ومن دبر هذا فقال
الفرس يا أمير المؤمنين إذا كان الله عز وجل يبرم ما يروم جهال القوم نقضه أو كان
ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه فالله هو الغالب والخلق هم المغلوبون فعل هذا يا
أمير المؤمنين فلان وفلان إلى أن ذكر العشرة بمواطأة من أربعة وعشرين هم
__________________
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في طريقه ثم دبروا رأيهم على أن يقتلوا رسول الله صلىاللهعليهوآله على العقبة والله عز وجل من وراء حياطة رسول الله وولي الله
لا يغلبه الكافرون.
فأشار بعض أصحاب
أمير المؤمنين صلىاللهعليهوآله
بأن يكاتب رسول الله بذلك
ويبعث رسولا مسرعا فقال أمير المؤمنين عليهالسلام
إن رسول الله إلى محمد
رسوله أسرع وكتابه إليه أسبق فلا يهمنكم هذا إليه.
فلما قرب رسول
الله صلىاللهعليهوآله
من العقبة التي بإزائها
فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة ثم جمعهم فقال لهم هذا جبرئيل الروح
الأمين يخبرني أن عليا دبر عليه كذا وكذا فدفع الله عز وجل عنه من ألطافه وعجائب
معجزاته بكذا وكذا ثم إنه صلب الأرض تحت حافر دابته وأرجل أصحابه ثم انقلب على ذلك
الموضع علي وكشف عنه فرئيت الحفيرة ثم إن الله عز وجل لأمها كما كانت لكرامته عليه
وإنه قيل له كاتب بهذا وأرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال رسول الله إلى رسول
الله أسرع وكتابه إليه أسبق.
ثم لم يخبرهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بما قال علي عليهالسلام على باب المدينة إن مع رسول الله منافقين سيكيدونه ويدفع
الله عنه فلما سمع الأربعة والعشرون أصحاب العقبة ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله في أمر علي عليهالسلام
قال بعضهم لبعض ما أمهر
محمدا بالمخرقة وإن فيجا مسرعا أتاه أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه أن
عليا قتل بحيلة كذا وكذا وهو الذي واطأنا عليه أصحابنا فهو الآن لما بلغه كتم
الخبر وقلبه إلى ضده يريد أن يسكن من معه لئلا يمدوا أيديهم عليه وهيهات والله ما
لبث عليا بالمدينة إلا حينه ولا أخرج محمدا إلى هاهنا إلا حينه وقد هلك علي وهو
هاهنا هالك لا محالة ولكن تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر علي ليكون
أسكن لقلبه إلينا إلى أن نمضي فيه تدبيرنا فحضروه وهنئوه على سلامة علي من الورطة
التي رامها أعداؤه.
ثم قالوا له يا
رسول الله أخبرنا عن علي عليهالسلام
أهو أفضل أم ملائكة الله
المقربون؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما
وإنه لا أحد من محبي علي قد نظف قلبه من قذر الغش والدغل ونجاسات الذنوب إلا كان
أطهر وأفضل من الملائكة وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد
وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا وهم يعنون
أنفسهم أفضل منه في الدين فضلا وأعلم بالله وبدينه علما فأراد الله أن يعرفهم أنهم
قد أخطئوا في ظنونهم واعتقاداتهم فخلق آدم وعلمه الْأَسْماءَ
كُلَّها ثُمَ عرضها عليهم
فعجزوا عن معرفتها فأمر آدم عليهالسلام
أن ينبئهم بها وعرفهم
فضله في العلم عليهم.
ثم أخرج من صلب
آدم ذريته منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد
والخيار الفاضلون منهم أصحاب محمد وخيار أمة محمد وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من
الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال وقاسوا ما هم فيه بعرض يعرض من أعوان
الشياطين ومجاهدة النفوس واحتمال أذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة
مخاطرة الخوف من الأعداء من لصوص مخوفين ومن سلاطين
__________________
جورة قاهرين
وصعوبة في المسالك في المضايق والمخاوف والأجراع والجبال والتلاع لتحصيل أقوات
الأنفس والعيال من الطيب الحلال فعرفهم الله عز وجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه
البلايا ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن
شهواتها ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوات الفحولة وحب اللباس والطعام والعز
والرئاسة والفخر والخيلاء ومقاساة العناء والبلاء من إبليس وعفاريته وخواطرهم
وإغوائهم واستهوائهم ودفع ما يكابدونه من أليم الصبر على سماعهم الطعن من أعداء
الله وسماع الملاهي والشتم لأولياء الله ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم
والهرب من أعداء دينهم أو الطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم.
قال الله عز وجل
يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة يزعجكم ولا شهوة الطعام
تحفزكم ولا خوف من أعداء دينكم ودنياكم تنجب [ ينخب ] في
قلوبكم ولا لإبليس في ملكوت سماواتي وأرضي ـ شغل على إغواء ملائكتي الذين قد
عصمتهم منه ـ يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد
احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا واكتسب من القربات إلي ما لم تكتسبوا.
فلما عرف الله
ملائكته فضل خيار أمة محمد وشيعة علي وخلفائه عليهمالسلام واحتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان
بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم ثم قال فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على
أنوار هذه الخلائق الأفضلين ولم يكن سجودهم لآدم إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون
نحوه لله عز وجل وكان بذلك معظما له مبجلا ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون
الله ـ ويخضع له خضوعه لله ويعظم بالسجود له كتعظيمه لله ولو أمرت أحدا أن يسجد
هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط
في علوم علي وصي رسول الله ومحض وداد خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله واحتمل
المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله ولم ينكر علي حقا أرقبه عليه قد كان جهله أو
غفله.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله عصى الله إبليس فهلك لما كان معصيته بالكبر على آدم وعصى
آدم الله بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر على محمد وآله
الطيبين وذلك أن الله تعالى قال له يا آدم عصاني فيك إبليس وتكبر عليك فهلك ولو
تواضع لك بأمري وعظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت وأنت عصيتني بأكل الشجرة
وعظمتني بالتواضع لمحمد وآل محمد فتفلح كل الفلاح وتزول عنك وصمة الزلة فادعني
بمحمد وآله الطيبين لذلك فدعا بهم فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت.
ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر بالرحيل في أول نصف الليل الأخير وأمر مناديه فنادى ألا
لا يسبقن رسول الله (ص)
__________________
أحد إلى العقبة
ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم أمر حذيفة أن يقعد في
أصل العقبة فينظر من يمر بها ويخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكان رسول الله أمره أن
يتشبه بحجر فقال حذيفة يا رسول الله إني أتبين الشر في وجوه القوم من رؤساء عسكرك
وإني أخاف إن قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير
عليك يحس بي ويكشف عني فيعرفني ويعرف موضعي من نصيحتك فيتهمني ويخافني فيقتلني.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل
العقبة وقل لها إن رسول الله يأمرك أن تنفرجي لي حتى أدخل جوفك ثم يأمرك أن تثقبي
فيك ثقبة أبصر منها المارين وتدخل علي منها الروح لئلا أكون من الهالكين فإنها
تصير إلى ما تقول لها بإذن الله رب العالمين.
فأدى حذيفة
الرسالة ودخل جوف الصخرة ـ وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم وبين أيديهم رجالتهم
يقول بعضهم لبعض من رأيتموه هنا كائنا من كان فاقتلوه لأن لا يخبروا محمدا أنهم قد
رأونا هاهنا فينكص محمد ولا يصعد هذه العقبة إلا نهارا فيبطل تدبيرنا عليه وسمعها
حذيفة واستقصوا فلم يجدوا أحدا وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم فتفرقوا فبعضهم
صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال وهم
يقولون الآن ترون جبن محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس عن صعود العقبة حتى يقطعها هو
لنخلو به هاهنا فنمضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل وكل ذلك يوصله الله تعالى من
قريب أو بعيد إلى أذن حذيفة ويعيه حذيفة فلما تمكن القوم على الجبل حيث أرادوا
كلمت الصخرة حذيفة وقالت له انطلق الآن إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره بما رأيت وبما سمعت قال حذيفة كيف أخرج عنك وإن رآني
القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم قالت الصخرة إن الذي مكنك من جوفي
وأوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذي يوصلك إلى نبي الله وينقذك من
أعداء الله.
فنهض حذيفة ليخرج
فانفرجت الصخرة بقدرة الله تعالى فحوله الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض
بين يدي رسول الله ثم أعيد على صورته فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بما رأى وسمع.
فقال رسول الله أوعرفتهم
بوجوههم فقال يا رسول الله كانوا متلثمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم فلما فتشوا
المواضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم
فلان وفلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا حذيفة إذا كان الله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق
أجمعون أن يزيلوه إن الله تعالى بالغ في محمد أمره ( وَلَوْ كَرِهَ
الْكافِرُونَ ).
ثم قال يا حذيفة
فانهض بنا أنت وسلمان وعمار وتوكلوا على الله فإذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا
للناس أن يتبعونا فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو على ناقته وحذيفة
وسلمان أحدهما آخذ بحطام ناقته يقودها والآخر خلفها يسوقها وعمار إلى جانبها
والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات وقد جعل الذين
فوق الطريق حجارة في دباب ـ فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلىاللهعليهوآله ويقع به في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده فلما قربت
الدباب من ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله
أذن الله لها فارتفعت
ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم سقطت في جانب المهوى
ولم يبق منها شيء إلا صار كذلك وناقة
رسول الله كأنها
لا تحس بشيء من تلك القعقعات التي كانت للدباب.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعمار اصعد إلى الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم فارم
بها ففعل ذلك عمار فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسر عضده ومنهم من انكسرت رجله
ومنهم من انكسر جنبه واشتدت لذلك أوجاعهم فلما انجبرت واندملت بقيت عليهم آثار
الكسر إلى أن ماتوا ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حذيفة وأمير المؤمنين عليهالسلام إنهما أعلم الناس بالمنافقين لقعوده في أصل الجبل ومشاهدته
من مر سابقا لرسول الله صلىاللهعليهوآله.
وكفى الله رسوله
أمر من قصد له وعاد رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى المدينة سالما فكسا
الله الذل والعار من كان قعد عنه وألبس الخزي من كان دبر عليه وعلى علي ما دفع
الله عنه عليهالسلام.
احتجاج النبي صلىاللهعليهوآله يوم الغدير على الخلق كلهم وفي
غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام ومن بعده من
ولده من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين
حدثني السيد
العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي رضي الله عنه قال أخبرنا الشيخ
أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه قال
أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس الله روحه قال أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري قال أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال أخبرنا علي
السوري قال أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس
وكان من عباد الله الصالحين قال حدثنا محمد بن موسى الهمداني قال حدثنا محمد
بن خالد
__________________
الطيالسي قال حدثنا سيف بن
عميرة وصالح بن عقبة جميعا عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد
بن علي عليهالسلام
أنه قال : حج رسول الله صلىاللهعليهوآله من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية
فأتاه جبرئيل عليهالسلام
فقال له يا محمد إن الله
جل اسمه يقرؤك السلام ويقول لك إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي إلا
بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما
قومك فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من بعدك فإني لم أخل أرضي من حجة ولن
أخليها أبدا فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج وتحج ويحج معك ( مَنِ
اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) من أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل
ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه
من جميع ما بلغتهم من الشرائع فنادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الناس ألا إن رسول
الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك
على ما أوقفكم عليه من غيره فخرج صلىاللهعليهوآله
وخرج معه الناس وأصغوا
إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل
المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى
السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري وكذلك أخذ رسول
الله صلىاللهعليهوآله
البيعة لعلي بالخلافة على
عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل واتصلت
التلبية ما بين مكة والمدينة فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليهالسلام عن الله عز وجل فقال يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام
ويقول لك إنه قد دنا أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص فاعهد
عهدك وقدم وصيتك ـ واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك
والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك
حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليهالسلام
فأقمه للناس علما وجدد
عهده وميثاقه وبيعته وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي
الذي عهدت إليهم من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليهالسلام فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وحجتي
وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي
على خلقي باتباع وليي وطاعته وذلك أني لا أترك أرضي بغير
__________________
ولي ولا قيم ليكون
حجة لي على خلقي فالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.
بولاية وليي ومولى
كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبيي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي ـ مقرون
طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني ومن
عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني وبين خلقي من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا
ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل
النار فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي
واثقتهم عليه فإني قابضك إلي ومستقدمك علي.
فخشي رسول الله صلىاللهعليهوآله من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا إلى
الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء
وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس
عن الله جل اسمه فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل عليهالسلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس
يهتدون به ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة
فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة.
فقال يا جبرئيل
إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليهالسلام
فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال
أتاه جبرئيل عليهالسلام
على خمس ساعات مضت من
النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك
السلام ويقول لك : ( يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في علي ( وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .
وكان أوائلهم قريب
من الجحفة فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا
علما للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من
الناس فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة
ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره
بذلك جبرئيل عن الله عز وجل وكان في الموضع سلمات فأمر رسول
__________________
الله صلىاللهعليهوآله أن يقم ما تحتهن وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس
واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال :
الحمد لله الذي
علا في توحده ودنا في تفرده وجل في سلطانه وعظم في أركانه و ( أَحاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) وهو في مكانه وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيدا لم يزل
محمودا لا يزال بارئ المسموكات وداحي المدحوات وجبار الأرضين والسماوات قدوس سبوح رب
الملائكة والروح ـ متفضل على جميع من برأه متطول على جميع من أنشأه يلحظ كل عين
والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته ومن عليهم بنعمته لا يعجل
بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه قد فهم السرائر وعلم الضمائر ولم
تخف عليه المكنونات ولا اشتبهت عليه الخفيات له الإحاطة بكل شيء والغلبة على كل
شيء والقوة في كل شيء والقدرة على كل شيء وليس مثله شيء وهو منشئ الشيء حين لا شيء
دائم قائم ( بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ) جل عن أن تدركه ( الْأَبْصارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) لا يلحق أحد وصفه
من معاينة ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عز وجل على نفسه.
وأشهد أنه الله
الذي ملأ الدهر قدسه والذي يغشي الأبد نوره والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ـ ولا
معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير صور ما أبدع على غير مثال وخلق ما خلق بلا
معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال أنشأها فكانت
وبرأها فبانت ، فهُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ المتقن الصنعة الحسن
الصنيعة العدل الذي لا يجور
والأكرم الذي ترجع إليه الأمور.
وأشهد أنه الذي
تواضع كل شيء لقدرته وخضع كل شيء لهيبته ملك الأملاك ومفلك الأفلاك ومسخر الشمس
والقمر ( كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى* يُكَوِّرُ
اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ ) ( وَيُكَوِّرُ
النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ ) ( يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ) قاصم كل جبار
عنيد ومهلك كل شيطان مريد لم يكن معه ضد ولا ند أحد صمد ( لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) إله واحد ورب
ماجد يشاء فيمضي ويريد فيقضي ويعلم فيحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي
ويمنع ويعطي.
( لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ ) بيده الخير ( وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي
اللَّيْلِ ) لا إله إلا ( هُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفَّارُ ) مجيب الدعاء ومجزل العطاء محصي الأنفاس ورب الجنة والناس
لا يشكل عليه شيء ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاح الملحين العاصم
للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين الذي استحق من كل من خلق أن يشكره
ويحمده.
أحمده على السراء
والضراء والشدة والرخاء وأومن به وبملائكته وكتبه ورسله أسمع أمره وأطيع وأبادر
إلى كل ما يرضاه وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته لأنه الله الذي لا
يؤمن مكره ولا يخاف
__________________
جوره وأقر له على
نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحى إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي
منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته لا إله إلا هو لأنه قد
أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته وقد ضمن لي تبارك وتعالى
العصمة وهو الله الكافي الكريم فأوحى إلي ( بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في علي يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ( وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
معاشر الناس ما
قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية إن جبرئيل
عليهالسلام
هبط إلي مرارا ثلاثا
يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي
بن أبي طالب عليهالسلام
أخي ووصيي وخليفتي
والإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم
من بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه : ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وعلي بن أبي طالب
عليهالسلام
أقام الصلاة وآتى الزكاة
وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.
وسألت جبرئيل أن
يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين
وإدغال الآثمين وختل المستهزءين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم (
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) ويحسبونه ( هَيِّناً
وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ) وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني أذنا وزعموا أني كذلك
لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا : (
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ ) على الذين يزعمون
أنه أذن : ( خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ
لِلْمُؤْمِنِينَ ) الآية .
ولو شئت أن أسمي
بأسمائهم لسميت ـ وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت وأن أدل عليهم لدللت ولكني والله
في أمورهم قد تكرمت وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي ثم تلا صلىاللهعليهوآله : ( يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في علي ( وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
فاعلموا معاشر
الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى
التابعين لهم بإحسان وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك
والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره
ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.
معاشر الناس إنه
آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فإن الله عز وجل
هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد صلىاللهعليهوآله
وليكم القائم المخاطب لكم
ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر
__________________
ربكم ثم الإمامة
في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام
إلا ما حرمه الله عرفني الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علمني ربي من كتابه وحلاله
وحرامه إليه.
معاشر الناس ما من
علم إلا وقد أحصاه الله في وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين وما من علم إلا
علمته عليا وهو الإمام المبين.
معاشر الناس لا
تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ ولا تستنكفوا ] من ولايته فهو الذي ( يَهْدِي
إِلَى الْحَقِ ) ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة
لائم ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله وهو الذي فدى رسوله بنفسه ـ وهو الذي كان مع
رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره
معاشر الناس فضلوه
فقد فضله الله واقبلوه فقد نصبه الله.
معاشر الناس إنه
إمام من الله ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر الله له حتما على الله
أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذابا شديدا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور
فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا ( وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ).
أيها الناس بي
والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجة على
جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين فمن شك في ذلك فهو كافر كفر [ الجاهلية ]
الأولى ومن شك في شيء من قولي هذا فقد شك في الكل منه والشاك في ذلك فله النار
معاشر الناس حباني
الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي و ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
لَهُ الْحَمْدُ ) مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.
معاشر الناس فضلوا
عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق ملعون
ملعون مغضوب مغضوب من رد علي قولي هذا ولم يوافقه ألا إن جبرئيل خبرني عن الله
تعالى بذلك ويقول من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي ـ فلْتَنْظُرْ
نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ أن تخالفوه ( فَتَزِلَّ قَدَمٌ
بَعْدَ ثُبُوتِها إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ).
معاشر الناس إنه
جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى : ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) .
معاشر الناس
تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه فو الله لن
يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل
بعضده ومعلمكم أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه وهو علي بن أبي طالب عليهالسلام أخي ووصيي وموالاته من الله عز وجل أنزلها علي.
معاشر الناس إن
عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر فكل واحد منبئ عن
صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في
أرضه ألا وقد أديت ألا وقد بلغت ألا وقد أسمعت ألا وقد أوضحت ألا وإن الله عز وجل
قال وأنا قلت عن الله عز وجل ألا إنه ليس
__________________
أمير المؤمنين غير
أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.
ثم ضرب بيده إلى
عضده فرفعه وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
شال عليا حتى صارت رجله
مع ركبة رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم قال :
معاشر الناس هذا
علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي
إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة
رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر
الله.
أقول و ( ما
يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ ) بأمر ربي أقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من
أنكره واغضب على من جحد حقه اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة بعدي لعلي وليك عند
تبياني ذلك ونصبي إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم
الإسلام دينا فقلت ( وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخاسِرِينَ ) اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا أني قد بلغت.
معاشر الناس إنما
أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه
إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل
فأُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وفي ( النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ* لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ).
معاشر الناس هذا
علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي والله عز وجل وأنا عنه راضيان وما
نزلت آية رضى إلا فيه وما خاطب الله ( الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا بدأ به ولا
نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه ولا شهد بالجنة في ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ
) إلا له ولا أنزلها في سواه ولا مدح بها غيره.
معاشر الناس هو
ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله وهو التقي النقي الهادي المهدي نبيكم خير نبي
ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.
معاشر الناس ذرية
كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.
معاشر الناس إن
إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم فإن آدم
أهبط إلى الأرض لخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم
أعداء الله إنه لا يبغض عليا إلا شقي ولا يتوالى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا
مؤمن مخلص وفي علي والله نزلت سورة والعصر ( بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) إلى آخرها.
معاشر الناس قد
استشهدت الله وبلغتكم رسالتي ( وَما عَلَى
الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ )
معاشر الناس ( اتَّقُوا
اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
معاشر الناس آمنوا
بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه ( مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها ).
معاشر الناس النور
من الله عز وجل في مسلوك ثم في علي ـ ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ
بحق
__________________
الله وبكل حق هو
لنا لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين
والآثمين والظالمين من جميع العالمين.
معاشر الناس
أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت ( انْقَلَبْتُمْ
عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ
شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من
صلبه.
معاشر الناس لا
تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم ( بِعَذابٍ مِنْ
عِنْدِهِ ) إنه لبالمرصاد
معاشر الناس إنه
سيكون من بعدي أئمة ( يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ).
معاشر الناس إن
الله وأنا بريئان منهم.
معاشر الناس إنهم
وأنصارهم وأتباعهم وأشياعهم ( فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ولبئس ( مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ ) ألا إنهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته ـ قال فذهب
على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.
معاشر الناس إني
أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل
حاضر وغائب وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد فليبلغ الحاضر الغائب
والوالد الولد إلى يوم القيامة وسيجعلونها ملكا واغتصابا ألا لعن الله الغاصبين
والمغتصبين وعندها ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ
أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) فيُرْسَلُ
عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ.
معاشر الناس إن
الله عز وجل لم يكن يذركم ( عَلى ما أَنْتُمْ
عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ).
معاشر الناس إنه
ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها وكذلك يهلك القرى ( وَهِيَ
ظالِمَةٌ ) كما ذكر الله تعالى وهذا علي إمامكم ووليكم وهو مواعيد
الله والله يصدق ما وعده.
معاشر الناس قد ضل
قبلكم ( أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) والله لقد أهلك
الأولين وهو مهلك الآخرين قال الله تعالى ( أَلَمْ نُهْلِكِ
الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ. كَذلِكَ نَفْعَلُ
بِالْمُجْرِمِينَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) .
معاشر الناس إن
الله قد أمرني ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل
فاسمعوا لأمره تسلموا وأطيعوا تهتدوا وانتهوا لنهيه ترشدوا وصيروا إلى مراده ولا
تتفرق بكم السبل عن سبيله.
معاشر الناس أنا
صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون
إلى الحق ( وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ثم قرأ : ( الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى آخرها وقال في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت
أولئك أولياء ( اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ ) ألا إن ( حِزْبَ اللهِ هُمُ
الْغالِبُونَ ) ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم
العادون وإخوان الشياطين الذين ( يُوحِي بَعْضُهُمْ
إِلى
__________________
بَعْضٍ
زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ).
ألا إن أولياءهم
الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل : ( لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ ) ( اللهَ
وَرَسُولَهُ ) إلى آخر الآية.
ألا إن أولياءهم
الذين وصفهم الله عز وجل فقال : ( الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يَلْبِسُوا ) ( إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ألا إن أولياءهم
الذين وصفهم الله عز وجل فقال الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم
أن ( طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) .
ألا إن أولياءهم
الذين قال لهم الله عز وجل : ( يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ) .
ألا إن أعداءهم
يصلون سعيرا .
ألا إن أعداءهم
الذين يسمعون لجهنم ( شَهِيقاً وَهِيَ
تَفُورُ ) ولها زفير ألا إن أعداءهم الذين قال فيهم : ( كُلَّما
دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها ) الآية ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل : ( كُلَّما
أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قالُوا
بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ
أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) .
ألا إن أولياءهم ( الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) .
معاشر الناس شتان
ما بين السعير والجنة عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من مدحه الله وأحبه.
معاشر الناس ألا
وإني ( مُنْذِرٌ ) وعلي ( هادٍ ).
معاشر الناس إني
نبي وعلي وصيي.
ألا إن خاتم
الأئمة منا القائم المهدي.
ألا إنه الظاهر
على الدين.
__________________
ألا إنه المنتقم
من الظالمين.
ألا إنه فاتح
الحصون وهادمها.
ألا إنه قاتل كل
قبيلة من أهل الشرك.
ألا إنه مدرك بكل
ثار لأولياء الله.
ألا إنه الناصر
لدين الله.
ألا إنه الغراف في
بحر عميق.
ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله
وكل ذي جهل بجهله.
ألا إنه خيرة الله
ومختاره ألا إنه وارث كل علم والمحيط به.
ألا إنه المخبر عن
ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه.
ألا إنه الرشيد
السديد ألا إنه المفوض إليه.
ألا إنه قد بشر به
من سلف بين يديه.
ألا إنه الباقي
حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده.
ألا إنه لا غالب
له ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره
وعلانيته معاشر الناس قد بينت لكم وأفهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي.
ألا وإني عند
انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته والإقرار به ثم مصافقته بعدي.
ألا وإني قد بايعت
الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل : ( فَمَنْ
نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) الآية.
معاشر الناس إن
الحج و ( الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ) والعمرة
مِنْ شَعائِرِ اللهِ
( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) الآية.
معاشر الناس حجوا
البيت فما ورده أهل بيت إلا استغنوا ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.
__________________
معاشر الناس ما
وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته
استؤنف عمله.
معاشر الناس
الحجاج معاونون ونفقاتهم مخلفة والله ( لا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ ).
معاشر الناس حجوا
البيت بكمال الدين والتفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة وإقلاع .
معاشر الناس ( أَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) كما أمركم الله عز وجل لئن طال عليكم الأمد فقصرتم أو
نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجل بعدي ومن خلفه الله مني ومنه
يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم ما لا تعلمون.
ألا إن الحلال
والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد
فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير
المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم
القيامة الذي يقضي بالحق.
معاشر الناس وكل
حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل ألا فاذكروا
ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا تغيروه.
ألا وإني أجدد
القول ألا ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) وأمروا بالمعروف
وانهوا عن المنكر ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي
وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته فإنه أمر من الله عز وجل
ومني ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.
معاشر الناس
القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده وعرفتكم أنه مني وأنا منه حيث يقول الله في
كتابه : ( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) وقلت لن تضلوا ما
إن تمسكتم بهما.
معاشر الناس
التقوى التقوى احذروا الساعة كما قال الله عز وجل ( إِنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب
العالمين والثواب والعقاب فمَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ أثيب عليها ( وَمَنْ جاءَ
بِالسَّيِّئَةِ ) فليس له في الجنان نصيب.
معاشر الناس إنكم
أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار
بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم
أن ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن
ربنا وربك في أمر علي وأمر ولده من صلبه من الأئمة نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا
وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيا ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب
ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق نطيع الله ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده
الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين اللذين قد عرفتكم مكانهما
مني
__________________
ومحلهما عندي
ومنزلتهما من ربي عز وجل فقد أديت ذلك إليكم وإنهما سيدا شباب أهل الجنة وإنهما
الإمامان بعد أبيهما علي وأنا أبوهما قبله.
وقولوا أطعنا الله
بذلك وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير
المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما بيده وأقر بهما
بلسانه ولا نبغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا
أشهدنا الله ( وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً ) وأنت علينا به
شهيد وكل من أطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل
شهيد.
معاشر الناس ما
تقولون فإن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس فمن
اهتدى فلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ومن بايع فإنما يبايع ( اللهَ يَدُ اللهِ
فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ).
معاشر الناس
فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية
يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى و ( فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) الآية.
معاشر الناس قولوا
الذي قلت لكم وسلموا على علي بإمرة المؤمنين وقولوا : ( سَمِعْنا
وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) وقولوا ( الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا
اللهُ ) الآية.
معاشر الناس إن
فضائل علي بن أبي طالب عليهالسلام
عند الله عز وجل وقد
أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه.
معاشر الناس ( مَنْ
يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) وعليا والأئمة الذين ذكرتهم ( فَقَدْ فازَ فَوْزاً
عَظِيماً ).
معاشر الناس (
السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه
بإمرة المؤمنين ، أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
معاشر الناس قولوا
ما يرضى الله به عنكم من القول (فإِنْ تَكْفُرُوا
أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) اللهم اغفر
للمؤمنين واغضب على الكافرين ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ ).
فناداه القوم
سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا وتداكوا على رسول الله
وعلى علي عليهالسلام
فصافقوا بأيديهم فكان أول
من صافق رسول الله صلىاللهعليهوآله
الأول والثاني والثالث
والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم
إلى أن صليت المغرب والعتمة في وقت واحد ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ـ ورسول
الله يقول كلما بايع قوم الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين وصارت المصافقة
سنة ورسما وربما يستعملها من ليس له حق فيها
وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : لما فرغ رسول الله صلىاللهعليهوآله
من هذه الخطبة رأى الناس
رجلا جميلا بهيا طيب
__________________
الريح فقال تالله
ما رأيت محمدا كاليوم قط ـ ما أشد ما يؤكد لابن عمه وإنه يعقد عقدا لا يحله إلا
كافر بالله العظيم وبرسوله ويل طويل لمن حل عقده.
قال والتفت إليه
عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته هيئته ثم التفت إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقال أما سمعت ما قال هذا الرجل قال كذا وكذا؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله يا عمر أتدري من ذاك الرجل؟ قال لا قال ذلك الروح الأمين
جبرئيل فإياك أن تحله فإنك إن فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنون منك براء
ذكر تعيين الأئمة
الطاهرة بعد النبي صلىاللهعليهوآله
واحتجاج الله
تعالى بمكانهم على كافة الخلق
روى أبو بصير عن
أبي عبد الله الصادق عليهالسلام
أنه قال : قال أبي محمد
بن علي لجابر بن عبد الله الأنصاري إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك
عنها قال له جابر في أي الأحوال أحببت فخلا به أبي في بعض الأوقات وقال له.
يا جابر أخبرني عن
اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.
فقال جابر أشهد
بالله أني دخلت على أمك فاطمة صلوات الله عليها في حياة رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فهنأتها بولادة الحسين عليهالسلام ورأيت في يدها لوحا أخضر فظننت أنه من زمرد ورأيت فيه كتابا
أبيض شبه نور الشمس فقلت لها بأمي وأبي أنت يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟
فقالت عليهاالسلام هذا اللوح أهداه الله تعالى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فيه اسم أبي واسم بعلي
واسم ابني وأسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليسرني بذلك قال جابر فأعطتنيه
أمك عليهاالسلام فقرأته واستنسخته.
قال له أبي فهل لك
يا جابر أن تعرضه علي؟ قال نعم فمشى معه أبي حتى انتهى إلى منزل جابر وأخرج إلى
أبي صحيفة من رق وقال يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك فنظر جابر في نسخته وقرأ
أبي فما خالف حرف حرفا قال جابر فأشهد بالله أني هكذا رأيت في اللوح مكتوبا.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
هذا كتاب ( مِنَ
اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) لمحمد نبيه ورسوله ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به
الروح الأمين من عند رب العالمين.
عظم يا محمد
أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي فإني ( أَنَا اللهُ لا إِلهَ
إِلاَّ أَنَا ) قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان يوم الدين ( لا إِلهَ
إِلاَّ أَنَا ) من رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته ( عَذاباً
لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ) فإياي فاعبد وعلي
فتوكل إني لم أبعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا وإني فضلتك على
الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين فجعلت
حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه وجعلت حسينا خازن علمي وأكرمته بالشهادة وختمت
له بالسعادة وهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة وجعلت كلمتي التامة معه وحجتي
البالغة عنده
بعترته أثيب
وأعاقب :
أولهم علي سيد
العابدين وزين أوليائي الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن
لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر الصادق الراد عليه كالراد علي حق القول مني لأكرمن
مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه وانتجبت بعده موسى وأتيح بعده فتنة
عمياء حندس ألا إن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وإن أوليائي لا
يشقون.
ألا ومن جحد واحدا
منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ويل للمفترين الجاحدين عند
انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي.
ألا إن المكذب
بالثامن مكذب بكل أوليائي علي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه
بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب
شر خلقي حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه وهو معدن
علمي وموضع سري وحجتي على خلقي لا يؤمن به عبد إلا جعلت الجنة مثواه وشفعته في
سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجب النار وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري
والشاهد في خلقي وأميني على وحيي أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن
العسكري.
ثم أكمل ديني
بابنه محمد رحمة للعالمين عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب سيد أوليائي سيذل
أوليائي في زمانه وتتهادى رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون
ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم
أولئك أوليائي حقا بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار
والأغلال ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).
قال عبد الرحمن بن
سالم قال أبو بصير لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك فصنه إلا عن أهله
وعن علي بن أبي
حمزة عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
حدثني جبرئيل عن رب العزة
جل جلاله أنه قال : من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمدا عبدي ورسولي وأن علي
بن أبي طالب عليهالسلام
وليي وخليفتي وأن الأئمة
من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري فأوجبت له
كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته
وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فر مني
__________________
دعوته وإن رجع إلي
قبلته وإن قرع بابي فتحته.
ومن لم يشهد أن لا
إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد
أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد
نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم
أسمع نداءه وإن دعاني لم أستجب دعاءه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني ( وَما
أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).
فقام جابر بن عبد
الله الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟
فقال الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم زين العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر
محمد بن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن
محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي الجواد محمد بن علي ثم
النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي محمد بن
الحسن صاحب الزمان صلوات الله عليهم أجمعين الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت
ظلما وجورا.
هؤلاء يا جابر
خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن
أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني بهم ( يُمْسِكُ ) الله عز وجل ( السَّماءَ
أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وبهم يحفظ الله
الأرض أن تميد بأهلها
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
ـ يا علي لا يحبك إلا من
طابت ولادته ولا يبغضك إلا من خبثت ولادته ولا يواليك إلا مؤمن ولا يعاديك إلا
كافر.
فقام إليه عبد
الله بن مسعود فقال يا رسول الله فقد عرفنا علامة خبث الولادة والكافر في حياتك
ببغض علي وعداوته فما علامة خبث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الإسلام بلسانه
وأخفى مكنون سريرته؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا ابن مسعود إن علي بن أبي طالب عليهالسلام إمامكم بعدي وخليفتي عليكم فإذا مضى فالحسن والحسين ابناي
إماماكم بعده وخليفتي عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي
عليكم تاسعهم قائم أمتي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا لا يحبهم إلا من
طابت ولادته ولا يبغضهم إلا من خبثت ولادته ولا يواليهم إلا مؤمن ولا يعاديهم إلا
كافر من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله عز وجل ومن جحد
واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عز وجل لأن طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة
الله ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله.
يا ابن مسعود إياك
أن تجد في نفسك حرجا مما أقضي فتكفر فو عزة ربي ما أنا متكلف ولا أنا ناطق عن
الهوى في علي والأئمة عليهمالسلام من ولده.
ثم قال صلىاللهعليهوآله وهو رافع يديه إلى السماء اللهم وال من والى خلفائي وأئمة
أمتي من بعدي وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم ولا تخل الأرض من قائم
منهم بحجتك إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا يبطل دينك وحجتك وبيناتك.
ثم قال صلىاللهعليهوآله يا ابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموه
هلكتم وإن تمسكتم به نجوتم ( وَالسَّلامُ عَلى
مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
والأخبار في هذا
المعنى متواترة لا تحصى كثرة ذكرنا طرفا منها جلاء للأبصار وشفاء لما في الصدور
وهدى لقوم ينصفون
ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول
الله صلىاللهعليهوآله من اللجاج والحجاج في أمر
الخلافة من قبل من استحقها ومن لم يستحق والإشارة إلى شيء من إنكار من أنكر على من
تأمر على علي بن أبي طالب عليهالسلام تأمره وكيد من كاده من قبل ومن
بعد
عن أبي المفضل
محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة أن النبي صلىاللهعليهوآله خرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة متوكئا على الفضل بن
عباس وغلام له يقال له ثوبان وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ثم حمل على
نفسه وخرج فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه اجلس على الباب ولا تحجب أحدا من
الأنصار وتجلاه الغشي وجاءت الأنصار فأحدقوا بالباب وقالوا استأذن لنا على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقال هو مغشي عليه وعنده
نساؤه فجعلوا يبكون فسمع رسول الله صلىاللهعليهوآله
البكاء فقال :
من هؤلاء؟ قالوا
الأنصار فقال من هاهنا من أهل بيتي قالوا علي والعباس فدعاهما وخرج متوكئا عليهما
فاستند إلى جذع من أساطين مسجده وكان الجذع جريد نخل فاجتمع الناس وخطب فقال في
كلامه.
معاشر الناس إنه
لم يمت نبي قط إلا خلف تركة وقد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ألا فمن
ضيعهم ضيعه الله ألا وإن الأنصار كرشي وعيبتي التي آوي إليها وإني أوصيكم بتقوى الله والإحسان إليهم
فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
ثم دعا أسامة بن
زيد فقال سر على بركة الله والنصر والعافية حيث أمرتك بمن أمرتك عليه وكان صلىاللهعليهوآله قد أمره على جماعة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وجماعة من
المهاجرين الأولين وأمره أن يغير على مؤتة واد في فلسطين فقال له أسامة بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتأذن
لي في المقام أياما حتى يشفيك الله فإني متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي
قلبي منك قرحة فقال أنفذ يا أسامة لما أمرتك ـ فإن القعود عن الجهاد لا يجب في حال
من الأحوال.
قال فبلغ رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أن الناس طعنوا في عمله
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
بلغني أنكم طعنتم في عمل
أسامة وفي عمل أبيه من قبل وايم الله إنه لخليق للإمارة وإن أباه كان خليقا لها
وإنه وأباه من أحب الناس إلي فأوصيكم به خيرا فلئن قلتم في إمارته لقد قال قائلكم
في إمارة أبيه.
__________________
ثم دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله بيته وخرج أسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة
ونادى منادي رسول الله صلىاللهعليهوآله
ـ أن لا يتخلف عن أسامة
أحد ممن أمرته فلحق الناس به وكان أول من سارع إليه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن
الجراح فنزلوا في رقاق واحد مع جملة أهل العسكر.
قال وثقل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فجعل الناس ممن لم يكن في
بعث أسامة يدخلون عليه إرسالا وسعد بن عبادة يومئذ شاك وكان لا يدخل أحد
من الأنصار على النبي صلىاللهعليهوآله
إلا انصرف إلى سعد يعوده.
قال وقبض رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وقت الضحى من يوم الإثنين
بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها.
فأقبل أبو بكر على
ناقة حتى وقف على باب المسجد فقال أيها الناس ما لكم تموجون إن كان محمد قد
مات فرب محمد لم يمت : ( وَما مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) .
قال ثم اجتمعت
الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة فلما سمع بذلك
عمر أخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح وفي
السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر بينهم فآل
الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن
الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلا فقال عمر وأبو
عبيدة ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار و ( ثانِيَ
اثْنَيْنِ ) فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.
فقال الأنصار : نحذر
أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به
على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين وأنتم يا
معاشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصارا
لدينه وكهفا لرسوله وجعل إليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه فليس أحد من الناس بعد
المهاجرين الأولين بمنزلتكم فهم الأمراء وأنتم الوزراء.
فقال الحباب بن
المنذر الأنصاري يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم
ولن يجتري مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم وأثنى على الأنصار ثم قال
فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا
أمير ومنهم أمير.
فقام عمر بن
الخطاب فقال هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد إنه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها
من غيركم ولكن العرب لا تمتنع إلى توالي أمرها من كانت النبوة فيهم وأولو الأمر
منهم ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البين فما ينازعنا سلطان
محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو
__________________
متجانف بإثم أو متورط في
الهلكة محب للفتنة.
فقام الحباب بن
المنذر ثانية فقال ـ يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا
الجاهل وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم
أمير فأجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم فأنتم والله أحق به منهم فقد دان
بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرحب المرجب والله لئن
أحد رد قولي لأحطمن أنفه بالسيف.
قال عمر بن الخطاب
فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام فارغ فإنه جرت بيني وبينه
منازعة في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله
فنهاني رسول الله صلىاللهعليهوآله عن مهاترته فحلفت أن لا أكلمه أبدا.
قال عمر لأبي
عبيدة تكلم فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثير وذكر فيه فضائل الأنصار
وكان بشير بن سعد سيدا من سادات الأنصار لما رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة
لتأميره حسده وسعى في إفساد الأمر عليه وتكلم في ذلك ورضي بتأمير قريش وحث الناس
كلهم لا سيما الأنصار على الرضا بما يفعله المهاجرون.
فقال أبو بكر هذا
عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم.
فقال عمر وأبو
عبيدة ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك فقال بشير بن سعد وأنا ثالثكما.
وكان سيد الأوس
وكان سعد بن عبادة سيد الخزرج فلما رأت الأوس صنيع سيدها بشير وما ادعت إليه
الخزرج من تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا فجعلوا
يطئون سعدا من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشه مريض فقال قتلتموني قال عمر اقتلوا
سعدا قتله الله فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال والله يا ابن صهاك الجبان في
الحرب والفرار الليث في الملإ والأمن لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة .
فقال أبو بكر مهلا
يا عمر مهلا فإن الرفق أبلغ وأفضل.
فقال سعد يا ابن
صهاك وكانت جدة عمر الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني في
سككها زئيرا أزعجك وأصحابك منها ولألحقتكما بقوم كنتما فيهم أذنابا أذلاء تابعين
غير متبوعين لقد اجترأتما.
ثم قال للخزرج احملوني
من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد
بايع الناس فبايع فقال لا والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان
رمحي وأضربكم
__________________
بسيفي ما أقلت يدي
فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ثم وايم الله لو اجتمع الجن والإنس علي
لما بايعتكما أيها الغاصبان حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي.
فلما جاءهم كلامه
قال عمر لا بد من بيعته ـ فقال بشير بن سعد إنه قد أبى ولج وليس بمبايع أو يقتل
وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والأوس فاتركوه فليس تركه بضائر فقبلوا قوله
وتركوا سعدا فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يقضي بقضائهم ولو وجد أعوانا لصال بهم
ولقاتلهم فلم يزل كذلك مدة ولاية أبي بكر حتى هلك أبو بكر ثم ولي عمر وكان كذلك
فخشي سعد غائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر ولم
يبايع أحدا.
وكان سبب موته أن
رمي بسهم في الليل فقتله وزعم أن الجن رموه وقيل أيضا إن محمد بن سلمة الأنصاري
تولى ذلك بجعل جعل له عليه وروي أنه تولى ذلك المغيرة بن شعبة وقيل خالد بن الوليد.
قال : وبايع جماعة
الأنصار ومن حضر من غيرهم وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول الله صلىاللهعليهوآله فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في
المسجد فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام واجتمعت بنو أمية إلى عثمان
بن عفان وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل
أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا : ما لنا نراكم حلقا شتى؟ قوموا
فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن
معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليهالسلام
ومعهم الزبير.
قال فذهب إليهم
عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين فقالوا
لهم بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر عليكم بالكلب
العقور فاكفونا شره فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به
الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما
حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس وايم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم
بالسيف.
فلما رأى ذلك بنو
هاشم أقبل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب فقالوا له بايع
أبا بكر.
فقال علي عليهالسلام أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا
الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا
ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل
ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول الله حيا وميتا وأنا وصيه ووزيره ومستودع
سره وعلمه وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه وأحسنكم بلاء
في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة
__________________
وأفقهكم في الدين
وأعلمكم بعواقب الأمور وأذربكم لسانا وأثبتكم جنانا فعلام تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم
تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار وإلا فبوءوا
بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون.
فقال عمر يا علي أما
لك بأهل بيتك أسوة؟
فقال علي عليهالسلام سلوهم عن ذلك فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا
والله ما بيعتنا لكم بحجة على علي ومعاذ الله أن نقول إنا نوازيه في الهجرة وحسن
الجهاد والمحل من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال عمر إنك لست
متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها.
فقال علي عليهالسلام احلب حلبا لك شطره اشدد له اليوم ليرد عليك غدا إذا والله
لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع فقال أبو بكر مهلا يا أبا الحسن ما نشك
فيك ولا نكرهك.
فقام أبو عبيدة
إلى علي عليهالسلام
فقال يا ابن عم لسنا ندفع
قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنك حدث السن وكان لعلي عليهالسلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك وهو
أحمل لثقل هذا الأمر وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له فإن عمرك الله يسلموا هذا
الأمر إليك ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق ولا تبعث
الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
يا معاشر المهاجرين
والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمد من
داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس.
فو الله معاشر
الجمع إن الله قضى وحكم ـ ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنا أهل البيت أحق بهذا الأمر
منكم أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية
والله إنه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم
بشر من حديثكم.
فقال بشير بن سعد
الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار يا أبا الحسن لو كان هذا
الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.
فقال علي عليهالسلام يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في
سلطانه والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه
ولا علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
ترك يوم غدير خم لأحد حجة
ولا لقائل مقالا فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فهذا
علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله أن يشهد
الآن بما سمع.
قال زيد بن أرقم
فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول الله صلىاللهعليهوآله فكتمت الشهادة يومئذ فدعا علي علي فذهب بصري.
__________________
قال وكثر الكلام
في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليهالسلام ففسح المجلس وقال إن الله يقلب القلوب ولا تزال يا أبا
الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك
وعن أبان بن تغلب
قال قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام
جعلت فداك هل كان أحد في
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنكر على أبي بكر فعله
وجلوسه مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قال نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا من
المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري
والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهيثم بن
التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب
الأنصاري.
قال فلما صعد أبو
بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وقال آخرون منهم والله
لئن فعلتم ذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل : ( وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فانطلقوا بنا إلى
أمير المؤمنين عليهالسلام
لنستشيره ونستطلع رأيه.
فانطلق القوم إلى
أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى به من
غيرك لأنا سمعنا رسول الله يقول علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال
ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فجئناك لنستشيرك ونستطلع
رأيك فما تأمرنا؟
فقال أمير
المؤمنين وايم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا ولكنكم كالملح في الزاد
وكالكحل في العين وايم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب
والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك فلا بد لي من أن أدفع القوم عن
نفسي وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أوعز إلي قبل وفاته وقال
لي يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنك مني بمنزلة هارون
من موسى وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه فقلت يا رسول الله
فما تعهد إلي إذا كان كذلك فقال إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم وإن لم تجد
أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما.
فلما توفي رسول
الله صلىاللهعليهوآله
اشتغلت بغسله وتكفينه
والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع
القرآن ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل
السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط ـ سلمان
وعمار وأبو ذر والمقداد ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي فأبوا علي إلا السكوت لما
علموا من وغارة [ وغرة ] صدور القوم وبغضهم لله ورسله ولأهل بيت نبيه
فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجة
وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله
إذا وردوا عليه فسار
القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكان يوم الجمعة فلما صعد
أبو بكر المنبر قال المهاجرون
__________________
للأنصار تقدموا
وتكلموا فقال الأنصار للمهاجرين ـ بل تكلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بكم
في الكتاب إذ قال الله عز وجل : ( لَقَدْ تابَ اللهُ ) بالنبي على
المهاجرين والأنصار ( الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ ).
قال أبان قلت له
يا ابن رسول الله إن العامة لا تقرأ كما عندك قال وكيف تقرأ؟ قال قلت إنها تقرأ : ( لَقَدْ
تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) فقال ويلهم فأي
ذنب كان لرسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى تاب الله عليه عنه
إنما تاب الله به على أمته فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي
المهاجرين ثم بعدهم الأنصار.
وروي أنهم كانوا
غيبا عن وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقدموا وقد تولى أبو بكر
وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقام إليه خالد بن سعيد
بن العاص وقال : اتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن
أبي طالب عليهالسلام
يومئذ عدة من صناديد
رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم.
يا معاشر
المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فاحفظوه ألا إن علي بن
أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه
وصيتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكم أشراركم
ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي اللهم من أطاعهم
من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبا من مرافقتي يدركون به
نور الآخرة اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي ( عَرْضُها
كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ).
فقال له عمر بن
الخطاب اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا من يقتدى برأيه فقال له خالد بل اسكت
أنت يا ابن الخطاب فإنك تنطق على لسان غيرك وايم الله لقد علمت قريش أنك من ألأمها
حسبا وأدناها منصبا وأخسها قدرا وأخملها ذكرا وأقلهم عناء عن الله ورسوله وإنك
لجبان في الحروب بخيل بالمال لئيم العنصر ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من
ذكر وإنك في هذا الأمر بمنزلة ( الشَّيْطانِ إِذْ
قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي
أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ
خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ) فأبلس عمر وجلس خالد بن
سعيد.
ثم قام سلمان
الفارسي وقال كرديد ونكرديد أي فعلتم ولم تفعلوا وقد كان امتنع من البيعة قبل ذلك
حتى وجئ عنقه فقال يا أبا بكر إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا
تعرفه وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه وما عذرك في تقدمك على من هو أعلم منك
وأقرب إلى رسول الله وأعلم بتأويل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ومن قدمه النبي صلىاللهعليهوآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته فنبذتم قوله وتناسيتم وصيته
وأخلفتم الوعد
__________________
ونقضتم العهد
وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد حذرا من مثل ما
أتيتموه وتنبيها للأمة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره فعن قليل يصفو لك
الأمر وقد أثقلك الوزر ونقلت إلى قبرك وحملت معك ما كسبت يداك فلو راجعت الحق من
قريب وتلافيت نفسك وتبت إلى الله من عظيم ما اجترمت كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم
تفرد في حفرتك ويسلمك ذوو نصرتك فقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا فلم يردعك ذلك
عما أنت متشبث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلده ولا حظ للدين ولا المسلمين
في قيامك به فالله الله في نفسك فقد أعذر من أنذر ولا تكون كمن أدبر واستكبر.
ثم قام أبو ذر
الغفاري فقال يا معشر قريش أصبتم قباحة وتركتم قرابة والله ليرتدن جماعة من العرب
ولتشكن في هذا الدين ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم سيفان والله
لقد صارت لمن غلب ولتطمحن إليها عين من ليس من أهلها وليسفكن في طلبها دماء كثيرة
فكان كما قال أبو ذر.
ثم قال لقد علمتم
وعلم خياركم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : الأمر بعدي لعلي ثم
لابني الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذريتي فأطرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما عهد به
إليكم فأطعتم الدنيا الفانية ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شابها ولا يزول
نعيمها ولا يحزن أهلها ولا يموت سكانها بالحقير التافه الفاني الزائل فكذلك الأمم
من قبلكم كفرت بعد أنبيائها ونكصت على أعقابها وغيرت وبدلت واختلفت فساويتموهم حذو النعل بالنعل والقذة
بالقذة وعما قليل تذوقون وبال أمركم وتجزون بما قدمت أيديكم وما الله (
بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).
ثم قام المقداد بن
الأسود فقال يا أبا بكر ارجع عن ظلمك وتب إلى ربك والزم بيتك وابك على خطيئتك وسلم
الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك فقد علمت ما عقده رسول الله صلىاللهعليهوآله في عنقك من بيعته وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد
وهو مولاه ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم
النفاق ومعدن الشنئان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ ) فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو وهو كان أميرا
عليكما وعلى سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزاة ذات السلاسل وأن عمرا قلدكما حرس عسكره فأين الحرس
إلى الخلافة اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد
وفاتك ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير
إلى ربك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقنت أن علي بن أبي طالب عليهالسلام هو صاحب الأمر بعد رسول الله ـ فسلمه إليه بما جعله الله له
فإنه أتم لسترك وأخف لوزرك فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي ( وَإِلَى
اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ).
ثم قام إليه بريدة
الأسلمي فقال ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ما ذا لقي الحق
من الباطل يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل أولم
تذكر ما أمرنا به رسول الله صلىاللهعليهوآله
من تسمية علي عليهالسلام بإمرة المؤمنين والنبي صلىاللهعليهوآله
بين أظهرنا وقوله في عدة
أوقات هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين اتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا
تدركها وأنقذها مما يهلكها واردد الأمر إلى من هو أحق به منك ،
__________________
ولا تتماد في
اغتصابه وراجع وأنت تستطيع أن تراجع فقد محضتك النصح ودللتك على طريق النجاة فلا
تكونن ( ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ).
ثم قام عمار بن
ياسر فقال يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا أن أهل
بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته
وأنصح لأمته فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم
ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفوا فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم فقد علمتم أن
بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلي أقرب منكم إلى نبيكم وهو من بينهم وليكم بعد
الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلىاللهعليهوآله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه وإيثاره إياه
بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم وقوله : صلىاللهعليهوآله
أنا مدينة العلم وعلي
بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وإنكم جميعا مضطرون فيما أشكل عليكم من
أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم
عند نفسه فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون عليا حقه و ( تُؤْثِرُونَ
الْحَياةَ الدُّنْيا ) على الآخرة ( بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا
على أعقابكم ( فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ).
ثم قام أبي بن كعب
فقال يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك ولا تكن أول من عصى رسول الله صلىاللهعليهوآله في وصيه وصفيه وصدف عن أمره ، اردد الحق إلى أهله تسلم
ولا تتماد في غيك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله
الله لك نفسك فتلقى وبال عملك فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربك فيسألك عما
جنيت ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).
ثم قام خزيمة بن
ثابت فقال : أيها الناس ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبل شهادتي وحدي ولم يرد
معي غيري قالوا بلى قال فأشهد أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول أهل بيتي يفرقون بين
الحق والباطل وهم الأئمة الذين يقتدى بهم وقد قلت ما علمت ( وَما
عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ).
ثم قام أبو الهيثم
بن التيهان فقال وأنا أشهد على نبينا صلىاللهعليهوآله
أنه أقام عليا يعني في
يوم غدير خم فقالت الأنصار ما أقامه للخلافة ـ وقال بعضهم ما أقامه إلا ليعلم
الناس أنه مولى من كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
مولاه وكثر الخوض في ذلك
فبعثنا رجالا منا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فسألوه عن ذلك فقال قولوا
لهم علي ولي المؤمنين بعدي وأنصح الناس لأمتي وقد شهدت بما حضرني ( فَمَنْ
شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً
).
ثم قام سهل بن
حنيف فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد وآله ثم قال : يا معاشر قريش
اشهدوا على أني أشهد على رسول الله وقد رأيته في هذا المكان يعني الروضة وقد أخذ
بيد علي بن أبي طالب عليهالسلام
وهو يقول أيها الناس هذا
علي إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ومنجز وعدي وأول من
يصافحني على حوضي فطوبى لمن اتبعه ونصره والويل لمن تخلف عنه وخذله.
وقام معه أخوه
عثمان بن حنيف وقال سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول أهل بيتي نجوم الأرض
فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي فقام إليه رجل فقال يا رسول الله وأي أهل
بيتك فقال علي والطاهرون من ولده وقد بين صلىاللهعليهوآله
فلا تكن يا أبا بكر ( أَوَّلَ
كافِرٍ بِهِ ) و ( لا تَخُونُوا اللهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).
ثم قام أبو أيوب
الأنصاري فقال اتقوا عباد الله في أهل بيت نبيكم وارددوا إليهم حقهم الذي جعله
الله لهم فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلىاللهعليهوآله ومجلس بعد مجلس يقول أهل بيتي أئمتكم بعدي ويومئ إلى علي
ويقول هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره فتوبوا إلى الله
من ظلمكم إياه ( إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) ولا تتولوا عنه
مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين.
قال الصادق عليهالسلام : فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جوابا ثم قال وليتكم
ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني فقال له عمر بن الخطاب انزل عنها يا لكع إذا كنت لا تقوم
بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى
أبي حذيفة.
قال فنزل ثم أخذ
بيده وانطلق إلى منزله وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف
رجل فقال لهم ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة
ومعه ألف رجل وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى
اجتمع أربعة آلاف رجل فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا
بمسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال عمر والله يا أصحاب
علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.
فقام إليه خالد بن
سعيد بن العاص وقال يا ابن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا؟
والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله
فينا والله لو لا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سيفي
وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري.
فقال أمير
المؤمنين اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك فجلس وقام إليه سلمان
الفارسي فقال الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
بهاتين الأذنين وإلا صمتا
يقول بينما أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب
أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه فلست أشك إلا وأنكم هم فهم به عمر بن الخطاب
فوثب إليه أمير المؤمنين عليهالسلام
وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد
به الأرض ثم قال يا ابن صهاك
__________________
الحبشية ( لَوْ لا
كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ) وعهد من رسول الله تقدم لأريك أينا ( أَضْعَفُ
ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ).
ثم التفت إلى
أصحابه فقال انصرفوا رحمكم الله فو الله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى
وهارون إذ قال له أصحابه ( فَاذْهَبْ أَنْتَ
وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) والله لا دخلته
إلا لزيارة رسول الله صلىاللهعليهوآله
أو لقضية أقضيها فإنه لا
يجوز بحجة أقامها رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يترك الناس في حيرة
وعن عبد الله بن
عبد الرحمن قال ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي ألا إن أبا بكر
قد بويع له فهلموا إلى البيعة فينثال الناس يبايعون فعرف أن جماعة في بيوت مستترون فكان يقصدهم
في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير
إلى منزل علي عليهالسلام
فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا
عمر بحطب ونار وقال والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه فقيل له إن
فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلىاللهعليهوآله
فيه وأنكر الناس ذلك من
قوله.
فلما عرف إنكارهم
قال ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟ إنما أردت التهويل فراسلهم علي أن ليس إلى خروجي
حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه وقد حلفت أن لا
أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.
قال وخرجت فاطمة
بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
إليهم فوقفت خلف الباب ثم
قالت لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم تركتم رسول الله صلىاللهعليهوآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم
تروا لنا حقا كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم والله لقد عقد له يومئذ الولاء
ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم والله حسيب
بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة.
وفي رواية سليم بن
قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال : أتيت عليا عليهالسلام وهو يغسل رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد كان أوصى أن لا يغسله
غير علي عليهالسلام
وأخبر أنه لا يريد أن
يقلب منه عضوا إلا قلب له وقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام
لرسول الله صلىاللهعليهوآله من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ قال جبرئيل.
فلما غسله وكفنه
أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهمالسلام فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد
أخذ جبرئيل ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى
لم يبق من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه.
__________________
وقلت لعلي عليهالسلام حين يغسل رسول الله صلىاللهعليهوآله
إن القوم فعلوا كذا وكذا
وإن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
وما يرضى الناس أن
يبايعوا له بيد واحدة إنهم ليبايعون بيديه جميعا يمينا وشمالا.
فقال علي عليهالسلام : يا سلمان فهل تدري من أول من يبايعه على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فقلت لا إلا أني
قد رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو
عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.
قال لست أسألك عن
هذا ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قلت لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه
سجادة شديد التشمير وهو يبكي ويقول الحمد لله الذي لم يمتني ولم يخرجني من الدنيا
حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد.
فقال لي علي عليهالسلام يا سلمان وهل تدري من هو؟ قلت لا ولكني ساءتني مقالته كأنه
شامت بموت رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال علي إن ذلك
إبليس لعنه الله أخبرني رسول الله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلىاللهعليهوآله إياي بغدير خم بأمر الله تعالى فأخبرهم أن يبلغ الشاهد
الغائب فأتاه أبالسة ومردة أصحابه فقالوا إن هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا ولا لك
عليهم من سبيل قد علموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم ، فانطلق إبليس كئيبا حزينا
فأخبرني رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن لو قد قبض أن الناس
سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقك وحجتك ثم يأتون المسجد
فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مستبشر يقول كذا وكذا ثم
تجتمع شياطينه وأبالسته فيخر ويكسع ثم يقول كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتموني
صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم الله بطاعته وأمرهم رسوله؟
فقال سلمان فلما
كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من
أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته فما
استجاب له من جميعهم إلا أربعة وأربعون رجلا فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رءوسهم
معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة.
قلت لسلمان من الأربعة؟
قال أنا وأبو ذر
والمقداد والزبير بن العوام.
__________________
ثم أتاهم من
الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا نصحبك بكرة فما منهم أحد وفى غيرنا ثم الليلة
الثالثة فما وفى أحد غيرنا.
فلما رأى علي عليهالسلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه
فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ فبعث إليه أبو بكر أن
اخرج فبايع فبعث إليه إني مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى
أؤلف القرآن وأجمعه فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر
في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله
فنادى عليهالسلام بأعلى صوته أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب فلم
ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب ، وليست منه
آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعلمني تأويلها.
فقالوا لا حاجة
لنا به عندنا مثله.
ثم دخل بيته فقال
عمر لأبي بكر أرسل إلى علي فليبايع فإنا لسنا في شيء حتى يبايع ولو قد بايع أمناه
وغائلته فأرسل أبو بكر رسولا أن أجب خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأتاه الرسول فأخبره بذلك.
فقال علي عليهالسلام ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلىاللهعليهوآله إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري
فذهب الرسول فأخبره بما قاله فقال اذهب فقل أجب أمير المؤمنين أبا بكر فأتاه
فأخبره بذلك.
فقال علي عليهالسلام سبحان الله والله ما طال العهد بالنبي مني وإنه ليعلم أن
هذا الاسم لا يصلح إلا لي وقد أمره رسول الله صلىاللهعليهوآله
سابع سبعة فسلموا علي
بإمرة المؤمنين فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا أمر من الله ورسوله؟
فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوآله
نعم حقا من الله ورسوله
إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة
على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.
قال فانطلق الرسول
إلى أبي بكر فأخبره بما قال فكفوا عنه يومئذ فلما كان الليل حمل فاطمة عليهاالسلام على حمار ثم دعاهم إلى
نصرته فما استجاب له رجل غيرنا أربعة ، فإنا حلقنا رءوسنا وبذلنا نفوسنا ونصرتنا.
وكان علي بن أبي
طالب عليهالسلام
لما رأى خذلان الناس له
وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته
فقال عمر لأبي بكر ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع
غيره وغير هؤلاء الأربعة معه وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما
غورا والآخر أفظهما وأغلظهما وأخشنهما وأجفاهما.
فقال من نرسل إليه؟
فقال عمر أرسل إليه قنفذا وكان رجلا فظا غليظا جافيا من
الطلقاء أحد بني
تيم فأرسله وأرسل معه أعوانا فانطلق فاستأذن فأبى علي عليهالسلام أن يأذن له فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في
المسجد والناس حولهما فقالوا لم يأذن لنا فقال عمر هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا
عليه بغير إذنه.
فانطلقوا
فاستأذنوا فقالت فاطمة عليهاالسلام أحرج عليكم أن تدخلوا بيتي
بغير إذن فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا إن فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها
البيت بغير إذن منها فغضب عمر وقال ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا
وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهمالسلام ثم نادى عمر حتى أسمع عليا عليهالسلام
والله لتخرجن ولتبايعن
خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا ، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر وهو يخاف أن
يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته ثم قال لقنفذ إن خرج وإلا فاقتحم عليه
فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم نارا.
فانطلق قنفذ
فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض
سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود وحالت فاطمة عليهاالسلام بين زوجها وبينهم عند باب
البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ
إياها فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة بيتها فدفعها فكسر ضلعا من
جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها.
ثم انطلقوا بعلي عليهالسلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على
رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين
وبشير بن سعد وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح وهو يقول أما والله لو
وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلي هذا جزاء مني وبالله لا ألوم نفسي في جهد
ولو كنت في أربعين رجلا لفرقت جماعتكم فلعن الله قوما بايعوني ثم خذلوني.
فانتهره عمر فقال
بايع فقال وإن لم أفعل؟ قال إذا نقتلك ذلا وصغارا قال إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقال أبو بكر أما عبد
الله فنعم وأما أخو رسوله فلا نقر لك به قال عليهالسلام
أتجحدون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله آخى بين نفسه وبيني ـ فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثم أقبل علي
عليهالسلام
فقال :
يا معاشر
المهاجرين والأنصار أنشدكم بالله أسمعتم رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول يوم غدير خم كذا
وكذا وفي غزاة تبوك كذا وكذا؟ فلم يدع شيئا قاله فيه عليهالسلام
علانية للعامة إلا ذكره
فقالوا اللهم نعم.
__________________
فلما خاف أبو بكر
أن ينصروه ويمنعوه بادرهم فقال كل ما قلته قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا ولكن
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول بعد هذا إنا أهل بيت
اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل
البيت النبوة والخلافة.
فقال علي عليهالسلام أما أحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
شهد هذا معك؟ قال عمر صدق
خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد سمعنا منه هذا كما قال
وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل صدق قد سمعنا ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال لهم لشد ما
وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو أماته
أن تزووا هذا الأمر عنا أهل البيت.
فقال أبو بكر وما
علمك بذلك أطلعناك عليها؟ قال علي يا زبير ويا سلمان وأنت يا مقداد أذكركم بالله
وبالإسلام أسمعتم رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول ذلك لي وعد فلانا
وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟
قالوا اللهم نعم قد سمعناه يقول ذلك لك فقلت له بأبي أنت وأمي يا نبي الله فما
تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟ ـ فقال لك إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم وإن
لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك.
فقال علي عليهالسلام أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا
لجاهدتكم في الله ولله أما والله لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة.
ثم نادى قبل أن
يبايع يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) ثم تناول يد أبي بكر فبايعه فقيل للزبير بايع الآن فأبى
فوثب عليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس فانتزعوا سيفه من يده
فضربوا به الأرض حتى كسر فقال الزبير وعمر على صدره يا ابن صهاك أما والله لو أن
سيفي في يدي لحدت عني ثم بايع.
قال سلمان ثم
أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها مثل السلعة ثم فتلوا يدي فبايعت مكرها ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين
وما من الأمة أحد بايع مكرها غير علي وأربعتنا.
ولم يكن أحد منا
أشد قولا من الزبير فلما بايع قال يا ابن صهاك أما والله لو لا هؤلاء الطلقاء
الذين أعانوك ما كنت لتقدم علي ومعي السيف لما قد علمت من جبنك ولؤمك ولكنك وجدت
من تقوى بهم وتصول بهم فغضب عمر فقال أتذكر صهاك؟ فقال الزبير ومن صهاك وما يمنعني
من ذلك؟ وإنما كانت صهاك أمة حبشية لجدي عبد المطلب فزنى بها نفيل
__________________
فولدت أباك الخطاب
ـ فوهبها عبد المطلب له بعد ما ولدته فإنه لعبد جدي فولد زنا فأصلح بينهما أبو بكر
وكف كل [ واحد ] منهما عن صاحبه.
فقال سليم فقلت يا
سلمان بايعت أبا بكر ولم تقل شيئا؟ قال قد قلت بعد ما بايعت تبا لكم سائر الدهر أوتدرون
ما ذا صنعتم بأناسكم أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم سنة نبيكم حتى
أخرجتموها من معدنها وأهلها ـ فقال لي عمر أما إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما بدا
لك وليقل ما بدا له.
قال قلت فإني أشهد
أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول إن عليك وعلى صاحبك
الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم وقال قل ما شئت أليس قد
بايع ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك قال قلت فإني أشهد أني قرأت في بعض كتب
الله المنزلة آية باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم قال قل ما شئت أليس قد
عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا.
قال قلت فأشهد أني
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول وقد سألته عن هذه
الآية : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ
وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ ) فقال إنك أنت هو فقال عمر اسكت. قال قلت أسكت الله نأمتك أيها العبد يا
ابن اللخناء فقال لي علي عليهالسلام
اسكت يا سلمان فسكت فو
الله لو لا أنه أمرني بالسكوت لأخبرته بكل شيء نزل فيه وفي صاحبه فلما رأى ذلك عمر
أنه قد سكت قال إنك له مطيع مسلم وإذا لم يقل أبو ذر والمقداد شيئا كما قال سلمان.
قال عمر يا سلمان
ألا تكف عنا كما كف صاحباك فو الله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد
تعظيما لهم ولحقهم فقد كفا كما ترى وبايعا فقال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل
محمد وتعظيمهم لعن الله من أبغضهم وابتز عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم
ورد الناس على أدبارهم القهقرى وقد فعل ذلك بهم.
فقال عمر آمين
فلعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها حق وما هم وعرض الناس في هذا الأمر
إلا سواء قال أبو ذر فلم خاصمتهم بحقهم وحجتهم فقال علي عليهالسلام يا ابن صهاك فليس لنا حق وهو لك ولابن آكلة الذباب.
فقال عمر كف الآن
يا أبا الحسن إذا بايعت فإن العامة رضوا بصحابتي ولم يرضوا بك فما ذنبي؟ قال علي عليهالسلام لكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فأبشر أنت وصاحبك ومن
اتبعكما
__________________
وآزركما بسخط من
الله وعذابه وخزيه ويلك يا ابن الخطاب أوتدري مما خرجت وفيم دخلت وما ذا جنيت على
نفسك وعلى صاحبك فقال أبو بكر يا عمر أما إذا بايع وأمنا شره وفتكه وغائلته فدعه
يقول ما شاء.
فقال علي عليهالسلام لست بقائل غير شيء واحد أذكركم بالله أيها الأربعة يعنيني
والزبير وأبا ذر والمقداد أسمعتم رسول الله يقول إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر
رجلا ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل على ذلك
الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر نار جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت
جهنم من وهج ذلك الجب فسألناه عنهم وأنتم شهود فقال صلىاللهعليهوآله
أما الأولون فابن آدم
الذي قتل أخاه وفرعون الفراعنة نمرود و ( الَّذِي حَاجَّ
إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم أما أحدهما
فهود اليهود والآخر نصر ـ النصارى وإبليس سادسهم والدجال في الآخرين ـ وهؤلاء الخمسة أصحاب
الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي والتظاهر عليك بعدي هذا وهذا
وهذا حتى عدهم وسماهم.
قال سلمان فقلنا
صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال عثمان يا أبا الحسن
أما عندك وعند أصحابك هؤلاء في حديث؟ فقال بلى قد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يلعنك ثم لم يستغفر الله لك مذ لعنك فغضب عثمان فقال ما لي
ولك أما تدعني على حالي على عهد رسول الله ولا بعده؟ فقال الزبير نعم فأرغم الله
أنفك فقال عثمان فو الله لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول : إن الزبير يقتل
مرتدا عن الإسلام قال سلمان فقال لي علي عليهالسلام
فيما بيني وبينه صدق
عثمان وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتدا عن الإسلام.
قال سليم ثم أقبل
علي سلمان فقال إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلا من عصمه الله بآل
محمد إن الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
بمنزلة هارون من موسى ومن
تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري وسمعت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يقول لتركبن أمتي سنة بني
إسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع
وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : لما استخرج أمير المؤمنين عليهالسلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلا خرجت معها حتى انتهت قريبا من القبر فقالت
لهم خلوا عن ابن عمي فو الذي بعث محمدا أبي صلىاللهعليهوآله
بالحق إن لم تخلوا عنه
لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلىاللهعليهوآله
على رأسي ولأصرخن إلى
الله تبارك وتعالى فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم مني ولا
الفصيل بأكرم على الله من ولدي قال سلمان رضي الله
__________________
عنه كنت قريبا
منها فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله
تقلعت من أسفلها حتى لو
أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ فدنوت منها فقلت يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك
وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من
أسفلها فدخلت في خياشيمنا.
وروي عن الباقر عليهالسلام أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر اكتب إلى أسامة بن زيد يقدم
عليك فإن في قدومه قطع الشنيعة عنا فكتب أبو بكر إليه من أبي بكر خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أسامة بن زيد أما بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي
أنت ومن معك فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهم فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك
مني ما تكره والسلام.
قال فكتب أسامة
إليه جواب كتابه من أسامة بن زيد عامل رسول الله صلىاللهعليهوآله
على غزوة الشام أما بعد
فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله وذكرت في
آخره أن المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوك فاعلم أني ومن معي من جماعة
المسلمين والمهاجرين فلا والله ما رضيناك ولا وليناك أمرنا وانظر أن تدفع الحق إلى
أهله وتخليهم وإياه فإنهم أحق به منك فقد علمت ما كان من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله في علي يوم الغدير فما طال العهد فتنسى انظر مركزك ولا
تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله
عليك وعلى صاحبك ولم
يعزلني حتى قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإنك وصاحبك رجعتما
وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير إذن.
فأراد أبو بكر أن
يخلعها من عنقه قال فقال له عمر لا تفعل قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم ولكن ألح
عليه بالكتب والرسائل ومر فلانا وفلانا أن يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرق جماعة
المسلمين وأن يدخل معهم فيما صنعوا.
قال فكتب إليه أبو
بكر وكتب إليه الناس من المنافقين أن ارض بما اجتمعنا عليه وإياك أن تشتمل
المسلمين فتنة من قبلك فإنهم حديثو عهد بالكفر.
قال فلما وردت الكتب على أسامة انصرف
بمن معه حتى دخل المدينة فلما رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي
طالب عليهالسلام
فقال له ما هذا؟ قال له علي هذا ما ترى؟ قال له أسامة فهل بايعته؟ فقال نعم يا أسامة فقال طائعا أو كارها فقال لا بل
كارها قال فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر وقال له السلام عليك يا خليفة المسلمين
قال فرد عليه أبو بكر وقال السلام عليك أيها الأمير
وروي : أن أبا
قحافة كان بالطائف لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله
وبويع لأبي بكر فكتب ابنه
إليه كتابا عنوانه من خليفة رسول الله إلى أبي قحافة أما بعد فإن الناس قد تراضوا
بي فإني اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا كان أقر لعينك.
قال فلما قرأ أبو
قحافة الكتاب قال للرسول ما منعكم من علي؟ قال هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش
وغيرها وأبو بكر أسن منه قال أبو قحافة إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي
بكر لقد ظلموا عليا حقه وقد بايع له النبي صلىاللهعليهوآله
وأمرنا ببيعته.
ثم كتب إليه من
أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر أما بعد فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه
بعضا مرة تقول خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومرة تقول خليفة الله
ومرة تقول تراضى بي الناس وهو أمر ملتبس فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه
غدا ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم
القيامة فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بها منك فراقب الله كأنك
تراه ولا تدعن صاحبها فإن تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك.
وعن عامر الشعبي عن
عروة بن الزبير بن العوام قال : لما قال المنافقون إن أبا بكر تقدم عليا وهو يقول
أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال صبرا على من ليس يئول إلى دين ولا
يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية أظهر الإيمان ذلة وأسر النفاق غلة هؤلاء عصبة
الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أني أقول إني أفضل من علي وكيف أقول ذلك وما لي
سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته وحد الله وأنا ملحده وعبده علي قبل أن أعبده ووالى
الرسول وأنا عدوه وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره وإن علي بن
أبي طالب فاز والله من الله بمحبة ومن الرسول بقرابة ومن الإيمان برتبة لو جهد
الأولون والآخرون إلا النبيين لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه بذل في الله مهجته
ولابن عمه مودته كاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب إلا سبب الرشاد وقامع الشرك
ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق.
محنة لهذا العالم
لحق قبل أن يلاحق وبرز قبل أن يسابق جمع العلم والحلم والفهم فكان جميع الخيرات
لقلبه كنوزا لا يدخر منها مثقال ذرة إلا أنفقه في بابه فمن ذا يؤمل أن ينال درجته
وقد جعله الله ورسوله للمؤمنين وليا وللنبي وصيا وللخلافة راعيا وبالإمامة قائما أفيغتر
الجاهل بمقام قمته إذ أقامني وأطعته إذ أمرني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الحق مع علي وعلي مع الحق من أطاع عليا رشد ومن عصى
عليا فسد ومن أحبه سعد ومن أبغضه شقي.
والله لو لم يحب
ابن أبي طالب إلا لأجل أنه لم يواقع لله محرما ولا عبد من دونه صنما ولحاجة الناس
إليه بعد نبيهم لكان في ذلك ما يجب فكيف لأسباب أقلها موجب وأهونها مرغب للرحم
الماسة بالرسول والعلم بالدقيق والجليل والرضا بالصبر الجميل والمواساة في الكثير
والقليل وخلال لا يبلغ عدها ولا يدرك مجدها ود المتمنون أن لو كانوا تراب أقدام
ابن أبي طالب أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كل كرم وعالم كل
علم والوسيلة إلى الله وإلى رسوله.
وعن محمد بن عمر
بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال : إني لعند أبي بكر إذ طلع علي
والعباس يتدافعان
ويختصمان في ميراث النبي صلىاللهعليهوآله
فقال أبو بكر يكفيكم
القصير الطويل يعني بالقصير عليا وبالطويل العباس فقال العباس أنا عم النبي صلىاللهعليهوآله ووارثه وقد حال علي بيني وبين تركته.
فقال أبو بكر فأين
كنت يا عباس حين جمع النبي صلىاللهعليهوآله
بني عبد المطلب وأنت
أحدهم؟ فقال أيكم يوازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي ينجز عدتي ويقضي ديني فأحجمتم
عنها إلا علي ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله أنت كذلك.
فقال العباس فما
أقعدك في مجلسك هذا تقدمته وتأمرت عليه قال أبو بكر اعذروني يا بني عبد المطلب٠
وروى رافع بن أبي
رافع الطائي عن أبي بكر وقد صحبه في سفر قال قلت له يا أبا بكر علمني شيئا ينفعني
الله به قال قد كنت فاعلا ولو لم تسألني ( لا تُشْرِكْ بِاللهِ ) شيئا وأقم الصلاة
وآت الزكاة وصم شهر رمضان وحج البيت واعتمر ولا تأمرن على اثنين من المسلمين.
قال قلت له أما ما
أمرتني به من الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة فأنا أفعله وأما
الإمارة فإني رأيت الناس لا يصيبون هذا الشرف وهذا الغنى والعز والمنزلة عند رسول
الله إلا بها قال إنك استنصحتني فأجهدت نفسي لك.
فلما توفي رسول
الله صلىاللهعليهوآله
واستخلف أبو بكر جئته
وقلت له يا أبا بكر ألم تنهني أن أتأمر على اثنين؟ قال بلى قلت فما بالك تأمرت على
أمة محمد صلىاللهعليهوآله
قال اختلف الناس وخفت
عليهم الضلالة ودعوني فلم أجد من ذلك بدا.
وروي أن أبا بكر
وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه وفارقاه على قتل علي عليهالسلام وضمن ذلك لهما فسمعت ذلك الخبر أسماء بنت عميس امرأة أبي
بكر في خدرها فأرسلت خادمة لها وقالت ترددي في دار علي وقولي له الملأ (
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ) ففعلت الجارية وسمعها علي عليهالسلام
فقال رحمها الله قولي
لمولاتك فمن يقتل الناكثين والمارقين والقاسطين؟
ووقعت المواعدة
لصلاة الفجر إذ كان أخفى واختيرت للسدفة والشبهة فإنهم كانوا يغلسون بالصلاة حتى لا
تعرف المرأة من الرجل ولكن ( اللهَ بالِغُ
أَمْرِهِ ) وكان أبو بكر قال لخالد بن الوليد إذا انصرفت من صلاة
الفجر فاضرب عنق علي ـ فصلى إلى جنبه لأجل ذلك وأبو بكر في الصلاة يفكر في العواقب
فندم فجلس في صلاته حتى كادت الشمس تطلع يتعقب الآراء ويخاف الفتنة ولا يأمن على
نفسه فقال قبل أن يسلم في صلاته يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ثلاثا ـ
__________________
وفي رواية أخرى لا
يفعلن خالد ما أمر به.
فالتفت علي عليهالسلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه فقال يا خالد ما الذي
أمرك به؟ قال بقتلك يا أمير المؤمنين قال أوكنت فاعلا؟ فقال إي والله لو لا أنه
نهاني لوضعته في أكثرك شعرا فقال له علي عليهالسلام
كذبت لا أم لك من يفعله
أضيق حلقة است منك أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو لا ما سبق به القضاء لعلمت
أي الفريقين ( شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً )
وفي رواية أخرى
لأبي ذر رحمه الله : أن أمير المؤمنين عليهالسلام
أخذ خالدا بإصبعيه
السبابة والوسطى في ذلك الوقت فعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة ففزع الناس وهمتهم
أنفسهم وأحدث خالد في ثيابه وجعل يضرب برجليه الأرض ولا يتكلم فقال أبو بكر لعمر
هذه مشورتك المنكوسة كأني كنت أنظر إلى هذا وأحمد الله على سلامتنا وكلما دنا أحد
ليخلصه من يده لحظة تنحى عنه رعبا فبعث أبو بكر وعمر إلى العباس فجاء وتشفع إليه
وأقسم عليه فقال بحق هذا القبر ومن فيه وبحق ولديه وأمهما إلا تركته ففعل ذلك وقبل
العباس بين عينيه.
احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على أبي بكر
وعمر لما منعا فاطمة الزهراء عليهاالسلام فدك بالكتاب والسنة
عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين
والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله
منها ،
__________________
فجاءت فاطمة الزهراء
عليهاالسلام إلى أبي بكر ثم قالت لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلىاللهعليهوآله بأمر الله تعالى؟
فقال هاتي على ذلك
بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أنشدك بالله ألست تعلم أن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال أم أيمن امرأة من أهل
الجنة؟ فقال بلى قالت فأشهد أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ( وَآتِ ذَا
الْقُرْبى حَقَّهُ ) فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله فجاء علي عليهالسلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها فدخل عمر فقال ما
هذا الكتاب؟ فقال إن فاطمة عليهاالسلام
__________________
ادعت في فدك وشهدت
لها أم أيمن وعلي عليهالسلام
فكتبته لها فأخذ عمر
الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليهاالسلام تبكي فلما كان بعد
ذلك جاء علي عليهالسلام
إلى أبي بكر وهو في
المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وقد ملكته في حياة رسول
الله (ص)؟
فقال أبو بكر هذا
فيء للمسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
يا أبا بكر تحكم فينا
بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال لا قال فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم
ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال إياك أسأل البينة قال فما بال فاطمة سألتها
البينة على ما في يديها وقد ملكته في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وبعده ولم تسأل المسلمين
بينة على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم فسكت أبو بكر
فقال عمر يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول وإلا
فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
يا أبا بكر تقرأ كتاب
الله؟ قال نعم قال أخبرني عن قول الله عز وجل : ( إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
) فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال بل فيكم قال فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة
بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
بفاحشة ما كنت صانعا بها؟
قال كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين ـ قال إذن كنت عند الله من
الكافرين قال ولم؟ قال لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها
كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته ثم قبلت شهادة
أعرابي بائل على عقبيه عليها وأخذت منها فدكا وزعمت أنه فيء للمسلمين وقد قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه فرددت قول رسول الله صلىاللهعليهوآله
البينة على من ادعى
واليمين على من ادعي عليه قال فدمدم الناس وأنكروا ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا صدق
والله علي بن أبي طالب عليهالسلام
ورجع إلى منزله.
قال ثم دخلت فاطمة
المسجد وطافت بقبر أبيها وهي تقول :
قد كان بعدك
أنباء وهنبثة
|
|
لو كنت شاهدها
لم تكثر الخطب
|
__________________
إنا فقدناك فقد
الأرض وابلها
|
|
واختل قومك
فاشهدهم ولا تغب
|
قد كان جبريل
بالآيات يؤنسنا
|
|
فغاب عنا فكل
الخير محتجب
|
وكنت بدرا ونورا
يستضاء به
|
|
عليك ينزل من ذي
العزة الكتب
|
تجهمتنا رجال
واستخف بنا
|
|
إذ غبت عنا فنحن
اليوم نغتصب
|
فسوف نبكيك ما
عشنا وما بقيت
|
|
منا العيون بتهمال لها سكب
|
قال فرجع أبو بكر
وعمر إلى منزلهما ـ وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه ثم قال له أما رأيت مجلس علي منا
في هذا اليوم والله لئن قعد مقعدا آخر مثله ليفسدن علينا أمرنا فما الرأي؟ فقال
عمر الرأي أن تأمر بقتله قال فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد
__________________
(
قال ) : « وقيل : إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا ، أخذوا السلاح فقالوا
: نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، فقالوا لهم ، ضعوا السلاح
فوضعوه وصلوا وكان خالد يعتذر في قتله ، أن مالكا قال : ما أخال صاحبكم إلا قال
كذا فقال أو ما تعده لك صاحبا؟ فقتله ، فقدم متمم على أبي بكر ، يطلب بدم أخيه وأن
يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي ، وودى مالكا من بيت المال ، فهذا جميعه
ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد .. » انتهى.
فبعثا إلى خالد بن
الوليد فأتاهما فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم قال احملاني على ما شئتما ولو
على قتل علي بن أبي طالب ـ قالا فهو ذلك قال خالد متى أقتله؟ قال أبو بكر احضر
المسجد وقم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت فقم إليه واضرب عنقه قال نعم.
فسمعت أسماء بنت
عميس وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة عليهمالسلام وأقرئيهما السلام وقولي
لعلي ( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) فجاءت فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
قولي لها إن الله يحول
بينهم وبين ما يريدون.
ثم قام وتهيأ
للصلاة وحضر المسجد وصلى خلف أبي بكر وخالد بن الوليد يصلي بجنبه ومعه السيف فلما
جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وعرف شدة علي وبأسه فلم يزل
متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه قد سها.
__________________
ثم التفت إلى خالد
فقال يا خالد لا تفعلن ما أمرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
يا خالد ما الذي أمرك به؟
فقال أمرني بضرب عنقك قال أوكنت فاعلا؟ قال إي والله لو لا أنه قال لي لا تقتله
قبل التسليم لقتلتك.
قال فأخذه علي عليهالسلام فجلد به الأرض فاجتمع الناس عليه فقال عمر يقتله ورب الكعبة
فقال الناس يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب القبر فخلى عنه ثم التفت إلى عمر فأخذ
بتلابيبه وقال يا ابن صهاك والله لو لا عهد من رسول الله و ( كِتابٌ
مِنَ اللهِ سَبَقَ ) ـ لعلمت أينا ( أَضْعَفُ ناصِراً
وَأَقَلُّ عَدَداً ) ودخل منزله.
رسالة لأمير المؤمنين عليهالسلام إلى أبي بكر
لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليهاالسلام فدك
شقوا متلاطمات
أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة وحطوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر واستضاءوا
بنور الأنوار واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار واحتقبوا ثقل الأوزار
بغصبهم نحلة النبي المختار فكأني بكم تترددون في العمى كما يتردد البعير في
الطاحونة أما والله لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رءوسكم عن أجسادكم كحب
الحصيد بقواضب من حديد ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرح به آماقكم وأوحش به محالكم
فإني مذ عرفت مردي العساكر ومفني الجحافل ومبيد خضرائكم ومخمد ضوضائكم وجرار
الدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون وإني لصاحبكم بالأمس لعمر أبي وأمي لن تحبوا
أن يكون فينا الخلافة والنبوة وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أحد.
أما والله لو قلت
ما سبق من الله فيكم لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوارة الرحى فإن
نطقت يقولون حسدا ـ وإن سكت فيقال ابن أبي طالب جزع من الموت هيهات هيهات الساعة
يقال لي هذا وأنا المميت المائت وخواض المنايا في جوف ليل حالك حامل السيفين
الثقيلين والرمحين الطويلين ومنكس الرايات في غطامط الغمرات ومفرج الكربات عن
وجه خير البريات إيهنوا فو الله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمه
هبلتكم الهوابل لو بحت بما أنزل الله سبحانه في كتابه فيكم لاضطربتم
اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة ولخرجتم من بيوتكم هاربين وعلى وجوهكم هائمين ولكني أهون
وجدي حتى ألقى ربي ـ بيد جذاء صفراء من لذاتكم خلو من طحناتكم فما مثل دنياكم
__________________
عندي إلا كمثل غيم
علا فاستعلى ثم استغلظ فاستوى ثم تمزق فانجلى.
رويدا فعن قليل
ينجلي لكم القسطل وتجنون ثمر فعلكم مرا وتحصدون غرس أيديكم ذعافا ممقرا وسما قاتلا وكفى
بالله حكيما وبرسول الله خصيما وبالقيامة موقفا فلا أبعد الله فيها سواكم ولا أتعس
فيها غيركم ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
فلما أن قرأ أبو
بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا وقال يا سبحان الله ما أجرأه علي وأنكله عن
غيري.
معاشر المهاجرين
والأنصار ـ تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلتم إن الأنبياء لا يورثون وإن هذه أموال يجب أن تضاف إلى
مال الفيء وتصرف في ثمن الكراع والسلاح وأبواب الجهاد ومصالح الثغور فأمضينا رأيكم
ولم يمضه من يدعيه وهو ذا يبرق وعيدا ويرعد تهديدا إيلاء بحق محمد صلىاللهعليهوآله أن يمضحها دما ذعافا والله لقد استقلت منها فلم أقل واستعزلتها عن
نفسي فلم أعزل كل ذلك كراهية مني لابن أبي طالب وهربا من نزاعه ما لي ولابن أبي
طالب أهل نازعه أحد ففلج عليه.
فقال له عمر أبيت
أن تقول إلا هكذا ـ فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوب سبحان
الله ما أهلع فؤادك وأصغر نفسك قد صفيت لك سجالا لتشربها فأبيت
إلا أن تظمأ كظمائك وأنخت لك رقاب العرب وثبت لك الإشارة والتدبير ولو لا ذلك لكان
ابن أبي طالب قد صير عظامك رميما فأحمد الله على ما قد وهب لك مني وأشكره على ذلك
فإنه من رقي منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
كان حقيقا عليه أن يحدث
لله شكرا وهذا علي بن أبي طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجر ماؤها إلا بعد كسرها ـ
والحية الرقشاء التي لا تجيب إلا بالرقى والشجرة المرة التي لو طليت بالعسل لم تنبت
إلا مرا قتل سادات قريش فأبادهم وألزم خرهم العار ففضحهم فطب عن نفسك نفسا ولا
تغرنك صواعقه ولا يهولنك رواعده وبوارقه فإني أسد بابه قبل أن يسد بابك.
فقال له أبو بكر
ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من أغاليطك وتربيدك فو الله لو هم ابن أبي طالب
بقتلي وقتلك ـ لقتلنا بشماله دون يمينه وما ينجينا منه إلا إحدى ثلاث خصال أحدها
أنه وحيد ولا ناصر له والثانية أنه ينتهج فينا وصية رسول الله صلىاللهعليهوآله والثالثة أنه
__________________
ما من هذه القبائل
أحد إلا وهو يتخضمه كتخضم الثنية الإبل أوان الربيع فتعلم لو لا ذلك رجع الأمر
إليه وإن كنا له كارهين أما إن هذه الدنيا أهون إليه من لقاء أحدنا للموت أنسيت له
يوم أحد وقد فررنا بأجمعنا وصعدنا الجبل وقد أحاطت به ملوك القوم وصناديدهم موقنين
بقتله لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم فلما أن سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن
دابته حتى جاوزه طعان القوم ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول يا
الله يا الله يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة ثم عمد إلى رئيس
القوم فضربه ضربة على أم رأسه فبقي على فك واحد ولسان ـ ثم عمد إلى صاحب الراية
العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها ومر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين
ولما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم
جراثيم جمودا على تلعة من الأرض يتمرغون في حسرات المنايا يتجرعون كئوس الموت قد
اختطف أرواحهم بسيفه ونحن نتوقع منه أكثر من ذلك ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته
حتى ابتدأت منك إليه التفاته وكان منه إليك ما تعلم ولو لا أنه نزلت آية من كتاب
الله لكنا من الهالكين وهو قوله تعالى ( وَلَقَدْ عَفا
عَنْكُمْ ) .
فاترك هذا الرجل
ما تركك ولا يغرنك قول خالد أنه يقتله فإنه لا يجسر على ذلك ولو رام لكان أول
مقتول بيده فإنه من ولد عبد مناف إذا هاجوا هيبوا وإذا غضبوا أدموا ولا سيما علي
بن أبي طالب عليهالسلام
نابها الأكبر وسنامها
الأطول وهامتها الأعظم ، ( وَالسَّلامُ عَلى
مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
احتجاج فاطمة الزهراء عليهاالسلام على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة
بالإمامة
روى عبد الله بن
الحسن بإسناده عن آبائه عليهمالسلام أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع
__________________
فاطمة عليهاالسلام فدكا وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت
بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها
مشية رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها
ملاءة فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا
سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على
رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت عليهاالسلام :
الحمد لله على ما
أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء
أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن
الإدراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها
وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص
تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته
ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وأنشأها
بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها
ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته وتنبيها على طاعته وإظهارا لقدرته
تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته
ذيادة لعباده من نقمته
__________________
وحياشة لهم إلى جنته.
وأشهد أن أبي
محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله وسماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه
إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علما من الله
تعالى بمآيل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور.
ابتعثه الله
إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقادير رحمته فرأى الأمم فرقا في
أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد
صلىاللهعليهوآله
ظلمها وكشف عن القلوب
بهمها وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من
العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
ثم قبضه الله إليه
قبض رأفة واختيار ورغبة وإيثار فمحمد صلىاللهعليهوآله
من تعب هذه الدار في راحة
قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار صلى الله على
أبي نبيه وأمينه وخيرته من الخلق وصفيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
ثم التفتت إلى أهل
المجلس وقالت أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على
أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم زعيم حق له فيكم وعهد قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم
كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بينة بصائره منكشفة
سرائره منجلية ظواهره مغتبطة به أشياعه قائدا [ قائد ] إلى الرضوان أتباعه مؤد إلى
النجاة استماعه به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيناته
الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة.
فجعل الله الإيمان
تطهيرا لكم من الشرك والصلاة تنزيها لكم عن الكبر والزكاة تزكية للنفس ونماء في
الرزق والصيام تثبيتا للإخلاص والحج تشييدا للدين والعدل تنسيقا للقلوب وطاعتنا
نظاما للملة وإمامتنا أمانا للفرقة والجهاد عزا للإسلام والصبر معونة على استيجاب
الأجر والأمر بالمعروف مصلحة للعامة وبر الوالدين وقاية من السخط وصلة الأرحام
منسأة في العمر ومنماة للعدد والقصاص حقنا للدماء والوفاء بالنذر تعريضا
للمغفرة وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن
الرجس واجتناب القذف حجابا عن اللعنة وترك السرقة إيجابا للعفة وحرم الله الشرك
إخلاصا له بالربوبية فـاتَّقُوا اللهَ
حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وأطيعوا الله فيما
أمركم به ونهاكم عنه فإنه إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
__________________
ثم قالت أيها
الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلىاللهعليهوآله
أقول عودا وبدوا ولا أقول
ما أقول غلطا ولا أفعل ما أفعل شططا ، ( لَقَدْ
جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) ( حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه
أبي دون نسائكم ـ وأخا ابن عمي دون رجالكم ولنعم المعزي إليه صلىاللهعليهوآله
فبلغ الرسالة صادعا
بالنذارة مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثبجهم آخذا بأكظامهم داعيا إلى سبيل
ربه ( بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) يجف [ يجذ ]
الأصنام وينكث الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل
عن صبحه وأسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين وطاح وشيظ النفاق
وانحلت عقد الكفر والشقاق وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض
الخماص و ( كُنْتُمْ عَلى شَفا
حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ) مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين ( تَخافُونَ
أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلىاللهعليهوآله بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان
العرب ومردة أهل الكتاب ( كُلَّما أَوْقَدُوا
ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في
لهواتها فلا ينكفئ
__________________
حتى يطأ جناحها
بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله
قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لا تأخذه في الله
لومة لائم وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار
وتنكصون عند النزال وتفرون من القتال.
فلما اختار الله
لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق وسمل جلباب الدين
ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان
رأسه من مغرزه هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين وللعزة فيه ملاحظين ثم استنهضكم
فوجدكم خفافا وأحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم .
هذا والعهد قريب
والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ( أَلا فِي
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) فهيهات منكم وكيف
بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم؟ ـ أموره ظاهرة وأحكامه زاهرة وأعلامه
باهرة وزواجره لائحة وأوامره واضحة وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون ( بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) ومن يتبع ( غَيْرَ الْإِسْلامِ
دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ثم لم تلبثوا إلا
ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها ثم أخذتم تورون
__________________
وقدتها وتهيجون جمرتها
وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي وإطفاء أنوار الدين الجلي وإهمال سنن النبي الصفي
تشربون حسوا في ارتغاء ـ وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء ويصير منكم على مثل حز
المدى ووخز السنان في الحشا وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ( أَفَحُكْمَ
الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
) أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته.
أيها المسلمون أأغلب
على إرثي يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي لقد
جئت ( شَيْئاً فَرِيًّا ) أفعلى عمد تركتم
كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال : ( فَهَبْ
لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) وقال ( وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وقال ( يُوصِيكُمُ
اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وقال ( إِنْ
تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) وزعمتم أن لا حظوة
لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها أم هل
تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم
بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك
فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة ( يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ
) ولا ينفعكم إذ تندمون ولِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ
وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ
مُقِيمٌ.
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار
فقالت يا معشر النقيبة وأعضاد الملة وحضنة
__________________
الإسلام ما هذه
الغميزة في حقي والسنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
أبي يقول المرء يحفظ في
ولده سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما أحاول وقوة على ما أطلب وأزاول أتقولون مات محمد
صلىاللهعليهوآله
فخطب جليل استوسع وهنه
واستنهر فتقه وانفتق رتقه وأظلمت الأرض لغيبته وكسفت الشمس والقمر
وانتثرت النجوم لمصيبته وأكدت الآمال وخشعت الجبال وأضيع الحريم وأزيلت الحرمة عند مماته
فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة أعلن بها
كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم وفي ممساكم ومصبحكم يهتف في أفنيتكم هتافا وصراخا
وتلاوة وإلحانا ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم : ( وَما
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) إيها بني قيلة أأهضم تراث أبي ـ
وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد
والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون
وأنتم موصوفون بالكفاح معروفون بالخير والصلاح والنخبة التي انتخبت والخيرة التي
اختيرت لنا أهل البيت.
قاتلتم العرب
وتحملتم الكد والتعب وناطحتم الأمم وكافحتم البهم لا نبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون
حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ودر حلب الأيام وخضعت ثغرة الشرك وسكنت فورة الإفك
وخمدت نيران الكفر وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين فأنى حزتم بعد
البيان وأسررتم بعد الإعلان ونكصتم بعد الإقدام وأشركتم بعد الإيمان بؤسا
لقوم نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ من بعد عهدهم وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ
بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
__________________
ألا وقد أرى أن قد
أخلدتم إلى الخفض ـ وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة ونجوتم بالضيق من
السعة فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم
فإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ.
ألا وقد قلت ما قلت
هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ولكنها فيضة النفس ونفثة
الغيظ وخور القناة وبثة الصدر وتقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار
موسومة بغضب الجبار وشنار الأبد موصولة بنار ( اللهِ الْمُوقَدَةُ
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) فبعين الله ما تفعلون و ( سَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) وأنا ابنة نذير ( لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ
عَذابٍ شَدِيدٍ ) فاعملوا ( إِنَّا عامِلُونَ
وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ).
فأجابها أبو بكر
عبد الله بن عثمان وقال يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما
رءوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما إن عزوناه وجدناه أباك دون
النساء وأخا إلفك دون الأخلاء آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم لا يحبكم إلا سعيد
ولا يبغضكم إلا شقي بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون الخيرة المنتجبون على
الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في
قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي
رسول الله ولا عملت إلا بإذنه والرائد لا يكذب أهله ـ وإني أشهد الله وكفى به
شهيدا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول نحن معاشر الأنبياء
لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم
والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه وقد جعلنا ما
حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون
__________________
الكفار ويجالدون
المردة الفجار وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي ولم أستبد بما كان الرأي
عندي وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك ـ لا تزوى عنك ولا ندخر دونك وإنك وأنت سيدة
أمة أبيك والشجرة الطيبة لبنيك لا ندفع ما لك من فضلك ولا يوضع في فرعك وأصلك حكمك
نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذاك أباك صلىاللهعليهوآله؟
__________________
ثم عقب السيد « ره »
قائلا : ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين
والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها (صلىاللهعليهوآله) قالوا في آخره :
« وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فضلا عن الدين » فذيله ابن أبي الحديد بقوله : « هذا
الكلام لا جواب عنه » النص والاجتهاد ص ١٢٣ / ١٢٤.
فقالت عليهاالسلام سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن كتاب الله صادفا ولا لأحكامه
مخالفا بل كان يتبع أثره ويقفو سوره أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور وهذا
بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا يقول : ( يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ويقول ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ ) وبين عز وجل فيما وزع من الأقساط وشرع من الفرائض والميراث
ـ وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح به علة المبطلين وأزال التظني والشبهات في
الغابرين كلا ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ).
فقال أبو بكر ( صَدَقَ
اللهُ وَرَسُولُهُ ) وصدقت ابنته معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين
وعين الحجة لا أبعد صوابك ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما
تقلدت ـ وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود .
فالتفتت فاطمة عليهاالسلام إلى الناس وقالت :
معاشر المسلمين
المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ( أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها )؟ كلا بل ران على
قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ـ فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم وساء ما به
أشرتم وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا وغبه وبيلا إذا كشف لكم الغطاء
وبان بإورائه [ بإدرائه ] الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ( وَخَسِرَ
هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ ).
ثم عطفت على قبر النبي
صلىاللهعليهوآله
وقالت :
قد كان بعدك
أنباء وهنبثة
|
|
لو كنت شاهدها
لم تكثر الخطب
|
إنا فقدناك فقد
الأرض وابلها
|
|
واختل قومك
فاشهدهم ولا تغب
|
__________________
وكل أهل له قربى
ومنزلة
|
|
عند الإله على
الأدنين مقترب
|
أبدت رجال لنا
نجوى صدورهم
|
|
لما مضيت وحالت
دونك الترب
|
تجهمتنا رجال
واستخف بنا
|
|
لما فقدت وكل
الأرض مغتصب
|
وكنت بدرا ونورا
يستضاء به
|
|
عليك ينزل من ذي
العزة الكتب
|
وكان جبرئيل
بالآيات يؤنسنا
|
|
فقد فقدت وكل
الخير محتجب
|
فليت قبلك كان
الموت صادفنا
|
|
لما مضيت وحالت
دونك الكثب
|
ثم انكفأت عليهاالسلام وأمير المؤمنين عليهالسلام
يتوقع رجوعها إليه ويتطلع
طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليهالسلام :
يا ابن أبي طالب
اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل
هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني لقد أجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة
نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة وعدت
راغمة أضرعت خدك يوم أضعت حدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا
ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي عذيري الله منه
عاديا ومنك حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهن العضد شكواي إلى أبي
وعدواي إلى ربي اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا وأشد بأسا وتنكيلا.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
لا ويل لك بل الويل
لشانئك ثم نهنهي عن وجدك يا ابنة
__________________
الصفوة وبقية
النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فإن كنت تريدين
البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله.
فقالت حسبي الله
وأمسكت.
وقال سويد بن غفلة
لما مرضت فاطمة س المرضة التي توفيت فيها دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها فقلن لها كيف
أصبحت من علتك يا ابنة رسول الله فحمدت الله وصلت على أبيها ثم قالت :
أصبحت والله عائفة
لدنياكن قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم وسئمتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد وقرع الصفاة وصدع القناة
وختل الآراء وزلل الأهواء وبئس ( ما قَدَّمَتْ لَهُمْ
أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ) لا جرم لقد
قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها وشننت عليهم غاراتها فجدعا وعقرا و ( بُعْداً لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ ).
ويحهم أنى زعزعوها
عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا
والدين ( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وما الذي نقموا
من أبي الحسن عليهالسلام
نقموا والله منه نكير
سيفه وقلة مبالاته لحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله وتالله لو مالوا
عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم
__________________
إليها وحملهم
عليها ولسار بهم سيرا سجحا ـ لا يكلم حشاشه [ خشاشه ] ولا يكل سائره ولا يمل راكبه
ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا ونصح
لهم سرا وإعلانا ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل ولا يحظى منها بنائل غير ري الناهل
وشبعة الكافل ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب ( وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ
السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ
وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ
بِمُعْجِزِينَ ).
ألا هلم فاسمع وما
عشت أراك الدهر عجبا : ( وَإِنْ تَعْجَبْ
فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) ليت شعري إلى أي سناد استندوا وإلى أي عماد اعتمدوا وبأية
عروة تمسكوا وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا ( لَبِئْسَ الْمَوْلى
وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) و ( بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) استبدلوا والله الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ. ويحهم أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟!
أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا هنالك ( يَخْسَرُ
الْمُبْطِلُونَ ) ويعرف الباطلون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا واطمأنوا للفتنة
جاشا وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع
فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا فيا حسرتى لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم ( أَنُلْزِمُكُمُوها
وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ).
قال سويد بن غفلة
فأعادت النساء قولها عليهاالسلام على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين
وقالوا يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد
ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره فقالت عليهاالسلام إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم.
__________________
احتجاج سلمان الفارسي رضياللهعنه في خطبة خطبها بعد وفاة رسول
الله صلىاللهعليهوآله على القوم لما تركوا أمير
المؤمنين عليهالسلام واختاروا غيره ونبذوا العهد
المأخوذ عليهم ( وَراءَ
ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ )
عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال خطب الناس سلمان الفارسي رحمة الله
__________________
عليه بعد أن دفن النبي
صلىاللهعليهوآله
بثلاثة أيام فقال فيها :
ألا أيها الناس
اسمعوا عني حديثي ثم اعقلوه عني ألا وإني أوتيت علما كثيرا ـ فلو حدثتكم بكل ما
أعلم من فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام
لقالت طائفة منكم هو
مجنون وقالت طائفة أخرى اللهم اغفر لقاتل سلمان.
ألا إن لكم منايا
تتبعها بلايا ألا وإن عند علي عليهالسلام
علم المنايا والبلايا
وميراث الوصايا وفصل الخطاب وأصل الأنساب على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهالسلام إذ يقول له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت وصيي في أهل بيتي
وخليفتي في أمتي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكنكم أخذتكم سنة بني إسرائيل
فأخطأتم الحق فأنتم تعلمون ولا تعلمون.
أما والله
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة أما والذي نفس سلمان بيده لو وليتموها عليا
لأكلتم من فوقكم ومن تحت أقدامكم ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء ولو دعوتم
الحيتان من البحار لأتتكم ولما عال ولي الله ولا طاش لكم سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان
في حكم الله ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلايا واقنطوا من الرخاء وقد
نابذتكم ( عَلى سَواءٍ ) فانقطعت العصمة
فيما بيني وبينكم من الولاء.
عليكم بآل محمد صلىاللهعليهوآله فإنهم القادة إلى الجنة والدعاة إليها يوم القيامة.
عليكم بأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
فو الله لقد سلمنا عليه
بالولاية وإمرة المؤمنين مرارا جمة مع نبينا كل ذلك يأمرنا به ـ ويؤكده علينا فما بال القوم
عرفوا فضله فحسدوه وقد حسد هابيل قابيل فقتله وكفارا قد ارتدت أمة موسى بن عمران
فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل فأين يذهب بكم.
أيها الناس ويحكم
ما لنا وأبو فلان وفلان أجهلتم أم تجاهلتم أم حسدتم أم تحاسدتم والله لترتدن كفارا
يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشهد الشاهد على
الكافر بالنجاة ـ ألا وإني أظهرت أمري وسلمت لنبيي واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن
ومؤمنة عليا أمير المؤمنين عليهالسلام
وسيد الوصيين وقائد الغر
المحجلين وإمام
__________________
الصديقين والشهداء
والصالحين.
احتجاج لأبي بن كعب على القوم مثل ما احتج به سلمان
رضياللهعنه
عن محمد ويحيى ابني عبد الله بن
الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب عليهالسلام
__________________
قال : لما خطب أبو
بكر قام إليه أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان وقال :
يا معشر المهاجرين
الذين اتبعوا مرضاة الله وأثنى الله عليهم في القرآن ويا معشر الأنصار ( الَّذِينَ
تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ) وأثنى الله عليهم في القرآن تناسيتم أم نسيتم أم بدلتم أم
غيرتم أم خذلتم أم عجزتم ألستم تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قام فينا مقاما أقام فيه
عليا فقال من كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ومن كنت نبيه فهذا أميره؟
ألستم تعلمون أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال يا علي أنت مني
بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي
بعدي؟
ألستم تعلمون أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال أوصيكم بأهل بيتي
خيرا فقدموهم ولا تقدموهم وأمروهم ولا تأمروا عليهم؟
ألستم تعلمون أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال أهل بيتي منار الهدى
والدالون على الله؟
أولستم تعلمون أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال لعلي عليهالسلام أنت الهادي لمن ضل؟
ألستم تعلمون أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال علي المحيي لسنتي
ومعلم أمتي والقائم بحجتي وخير من أخلف من بعدي وسيد أهل بيتي وأحب الناس إلي
طاعته كطاعتي على أمتي؟
ألستم تعلمون أنه
كان منزلهما في أسفارهما واحدا وارتحالهما واحدا؟
ألستم تعلمون أنه
لم يول على علي أحدا منكم وولاه في كل غيبته عليكم؟
ألستم تعلمون أنه
قال إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي؟
ألستم تعلمون أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قبل موته قد جمعنا في بيت
ابنته فاطمة عليهاالسلام فقال لنا إن الله
أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخا من أهلك فاجعله نبيا واجعل أهله لك ولدا
أطهرهم من الآفات وأخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون أخا ـ وولده أئمة لبني
إسرائيل من بعده الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى وأن الله تعالى أوحى إلي
أن اتخذ عليا أخا كما أن موسى اتخذ هارون أخا واتخذ ولده ولدا فقد طهرتهم كما طهرت
ولد هارون إلا أني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك فهم الأئمة الهادية.
أفما تبصرون أفما
تفهمون أفما تسمعون ضرب عليكم الشبهات فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد
حتى خشي أن يهلك فلقي رجلا هاديا في الطريق فسأله عن الماء فقال له أمامك عينان
إحداهما مالحة والأخرى عذبة فإن أصبت المالحة ضللت وإن أصبت العذبة هديت ورويت
فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم وايم
الله ما أهملتم
لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال ويحرم عليكم الحرام ولو أطعتموه ما اختلفتم ولا
تدابرتم ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض فو الله إنكم بعده لناقضون عهد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وإنكم على عترته لمختلفون
وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه فقد أبعدتم وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة
هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم يقول الله تعالى جده : ( وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ
وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .
ثم أخبرنا
باختلافكم فقال سبحانه : ( وَلا يَزالُونَ
مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ) أي للرحمة وهم آل
محمد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول يا علي أنت وشيعتك
على الفطرة والناس منها براء فهلا قبلتم من نبيكم كيف وهو خبركم بانتكاصتكم عن وصيه علي بن
أبي طالب وأمينه ووزيره وأخيه ووليه دونكم أجمعين وأطهركم قلبا ـ وأقدمكم سلما
وأعظمكم وعيا من رسول الله صلىاللهعليهوآله
أعطاه تراثه وأوصاه
بعداته فاستخلفه على أمته ووضع عنده سره فهو وليه دونكم أجمعين وأحق به منكم
أكتعين سيد الوصيين ووصي خاتم المرسلين أفضل المتقين وأطوع الأمة
لرب العالمين سلمتم عليه بإمرة المؤمنين في حياة سيد النبيين وخاتم المرسلين فقد
أعذر من أنذر وأدى النصيحة من وعظ وبصر من عمى فقد سمعتم كما سمعنا ورأيتم كما
رأينا وشهدتم كما شهدنا.
فقام إليه عبد
الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالوا يا أبي أصابك خبل أم بك
جنة؟ فقال بل الخبل فيكم والله كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوما فألفيته يكلم رجلا
أسمع كلامه ولا أرى شخصه فقال فيما يخاطبه ما أنصحه لك ولأمتك وأعلمه بسنتك فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أفترى أمتي تنقاد له من
بعدي قال يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها ويخالف عليه من أمتك فجارها وكذلك أوصياء
النبيين من قبلك يا محمد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون وكان أعلم بني
إسرائيل وأخوفهم لله وأطوعهم له فأمره الله عز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا
وصيا وكما أمرت بذلك فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة فلعنوه وشتموه وعنفوه ووضعوا
له فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك وجحدوا إمرته وابتزوا خلافته وغالطوه
في علمه.
فقلت يا رسول الله
من هذا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
هذا ملك من ملائكة ربي عز
وجل ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وإني أوصيك يا أبي بوصية إن حفظتها لم تزل بخير يا أبي عليك بعلي فإنه الهادي
المهدي الناصح لأمتي المحيي لسنتي وهو إمامكم بعدي فمن رضي بذلك لقيني على ما
فارقته عليه يا أبي ومن غير
__________________
أو بدل لقيني
ناكثا لبيعتي عاصيا أمري جاحدا لنبوتي لا أشفع له عند ربي ولا أسقيه من حوضي.
فقامت إليه رجال
من الأنصار فقالوا اقعد رحمك الله يا أبي فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك.
احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على أبي بكر
لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له
عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده عليهالسلام
قال لما كان من أمر أبي
بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض
فكبر ذلك على أبي بكر وأحب لقاءه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس
عليه ـ وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه.
أتاه في وقت غفلة
وطلب منه الخلوة فقال يا أبا الحسن والله ما كان هذا الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة
فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة ولا قوة لي بمال
ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيري فما لك تضمر علي ما لم أستحقه منك وتظهر
لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إلي بعين الشنئان؟
قال فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
فما حملك عليه إذ لم ترغب
فيه ولا حرصت عليه ولا وثقت بنفسك في القيام به؟
قال فقال أبو بكر
حديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله
إن الله لا يجمع أمتي على
ضلال ولما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي صلىاللهعليهوآله
وأحلت أن يكون إجماعهم
على خلاف الهدى من ضلال فأعطيتهم قود الإجابة ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت.
فقال علي عليهالسلام أما ما ذكرت من قول النبي صلىاللهعليهوآله
إن الله لا يجمع أمتي على
ضلال فكنت من الأمة أم لم أكن؟ قال بلى.
قال وكذلك العصابة
الممتنعة عنك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الأنصار قال
كل من الأمة.
قال علي عليهالسلام فكيف تحتج بحديث النبي وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك وليس
للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير ، قال ما علمت بتخلفهم إلا
بعد إبرام الأمر وخفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين وكان
ممارستهم إلي إن أجبتهم أهون مئونة على الدين وإبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض
فيرجعون كفارا
وعلمت أنك لست
بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.
فقال علي عليهالسلام أجل ولكن أخبروني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه؟
فقال أبو بكر
بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة
وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وانتصاف المظلوم من الظالم
للقريب والبعيد ثم سكت.
فقال علي عليهالسلام والسابقة والقرابة.
فقال أبو بكر
والسابقة والقرابة.
فقال علي عليهالسلام أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في؟
فقال أبو بكر بل فيك يا أبا الحسن.
قال فأنشدك بالله
أنا المجيب لرسول الله صلىاللهعليهوآله
قبل ذكران المسلمين أم
أنت؟ قال بل أنت .
قال عليهالسلام فأنشدك بالله أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم
للأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال بل أنت : .
__________________
قال فأنشدك بالله
أنا وقيت رسول الله صلىاللهعليهوآله
بنفسي يوم الغار أم أنت؟
قال : بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلىاللهعليهوآله
يوم الغدير أم أنت؟ قال
بل أنت .
__________________
قال فأنشدك بالله
ألي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم أم لك؟ قال بل لك.
قال فأنشدك بالله
ألي الوزارة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
والمثل من هارون من موسى
أم لك؟ قال بل لك .
قال فأنشدك بالله
أبي برز رسول الله صلىاللهعليهوآله
وبأهلي وولدي في مباهلة
المشركين أم بك
__________________
وبأهلك وولدك؟ قال
بل بكم .
قال فأنشدك بالله
ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟ قال بل لك ولأهل بيتك .
قال فأنشدك بالله
أنا صاحب دعوة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأهلي وولدي يوم الكساء
اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم أنت؟ قال بل أنت وأهلك وولدك .
قال فأنشدك بالله
أنا صاحب آية : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً
كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) أم أنت؟ قال بل أنت .
__________________
قال فأنشدك بالله
أنت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت أم أنا؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت الفتى نودي من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي أم أنا؟ قال بل
أنت .
__________________
قال فأنشدك بالله
أنت الذي حباك رسول الله صلىاللهعليهوآله
برايته يوم خيبر ففتح
الله له أم أنا؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت الذي نفست عن رسول الله وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود أم أنا؟ قال بل أنت .
__________________
قال فأنشدك بالله
أنت الذي ائتمنك رسول الله صلىاللهعليهوآله
على رسالته إلى الجن
فأجابت أم أنا؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا الذي طهره الله من السفاح من لدن آدم إلى أبيه بقول رسول الله صلىاللهعليهوآله خرجت أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى
عبد المطلب أم أنت؟ قال بل أنت.
__________________
قال فأنشدك بالله
أنا الذي اختارني رسول الله وزوجني ابنته فاطمة عليهاالسلام وقال الله زوجك
إياها في السماء أم أنت؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه إذ يقول هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما
خير منهما أم أنت؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أخوك المزين بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة أم أخي؟ قال بل أخوك
__________________
قال فأنشدك بالله
أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا الذي دعاه رسول الله صلىاللهعليهوآله
والطير عنده يريد أكله
يقول اللهم ائتني بأحب خلقك إلي وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير فلم يأته غيري
أم أنت؟ قال بل أنت
__________________
قال فأنشدك بالله
أنا الذي بشرني رسول الله صلىاللهعليهوآله
بقتال الناكثين والقاسطين
والمارقين على تأويل القرآن أم أنت؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا الذي دل عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعلم القضاء وفصل الخطاب
بقوله علي أقضاكم أم أنت؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا الذي أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
أصحابه بالسلام عليه
بالإمرة في حياته أم أنت؟
__________________
قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنا الذي شهدت آخر كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله
ووليت غسله ودفنه أم أنت؟
قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله صلىاللهعليهوآله
أم أنا؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت حباك الله بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل وأضفت محمدا فأطعمت ولده أم
أنا قال فبكى أبو بكر وقال بل أنت .
__________________
قال فأنشدك بالله
أنت الذي جعلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
على كتفه في طرح صنم
الكعبة وكسره حتى لو شئت أن أنال أفق السماء لنلتها أم أنا قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت الذي قال لك رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت صاحب لوائي في الدنيا
والآخرة أم أنا؟ قال بل أنت .
__________________
قال فأنشدك الله
أنت الذي أمرك رسول الله صلىاللهعليهوآله
بفتح بابه في مسجده عند
ما أمر بسد أبواب جميع أهل بيته وأصحابه وأحل لك فيه ما أحل الله له أم أنا؟ قال
بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت الذي قدمت بين يدي نجوى رسول الله صلىاللهعليهوآله
صدقة فناجيته إذ عاتب
الله قوما فقال : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) أم أنا؟ قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله
أنت قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لفاطمة زوجتك أول الناس
إيمانا وأرجحهم إسلاما في كلام له أم أنا؟ قال بل أنت .
__________________
قال فأنشدك بالله
يا أبا بكر أنت الذي سلمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم القليب أم أنا قال بل أنت .
قال فلم يزل يورد
مناقبه التي جعل الله له ورسوله دونه ودون غيره ويقول له أبو بكر بل أنت.
قال فبهذا وشبهه
تستحق القيام بأمور أمة محمد فما الذي غرك عن الله وعن رسوله ودينه وأنت خلو مما
يحتاج إليه أهل دينه.
قال فبكى أبو بكر
وقال صدقت يا أبا الحسن أنظرني قيام يومي فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك.
فقال علي عليهالسلام لك ذلك يا أبا بكر.
فرجع من عنده
وطابت نفسه يومه ولم يأذن لأحد إلى الليل وعمر يتردد في الناس لما
بلغه من خلوته بعلي فبات في ليلته فرأى في منامه كأن رسول الله صلىاللهعليهوآله تمثل له في مجلسه ـ فقام إليه أبو بكر يسلم عليه فولى عنه
وجهه فصار مقابل وجهه فسلم عليه فولى وجهه عنه فقال أبو بكر يا رسول الله أمرت
بأمر لم أفعله فقال أرد عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله رد الحق إلى
أهله فقلت من أهله قال من عاتبك عليه علي قلت فقد رددته عليه يا رسول الله ثم لم
يره
__________________
فأصبح وبكر إلى علي عليهالسلام وقال ابسط يدك يا أبا الحسن أبايعك وأخبره بما قد رأى قال
فبسط علي يده فمسح عليها أبو بكر وبايعه وسلم إليه وقال له اخرج إلى مسجد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فأخبرهم بما رأيت من
ليلتي وما جرى بيني وبينك وأخرج نفسي من هذا الأمر وأسلمه إليك قال فقال علي عليهالسلام نعم.
فخرج من عنده
متغيرا لونه عاتبا نفسه فصادفه عمر وهو في طلبه فقال له ما لك يا خليفة رسول الله
فأخبره بما كان وما رأى وما جرى بينه وبين علي ـ فقال له أنشدك بالله يا خليفة
رسول الله والاغترار بسحر بني هاشم والثقة بهم فليس هذا بأول سحر منهم فما زال به
حتى رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغبه فيما هو بالثبات عليه والقيام به.
قال فأتى علي
المسجد على الميعاد فلم ير فيه منهم أحدا فأحس بشيء منهم فقعد إلى قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله قال فمر به عمر فقال يا علي دون ما تريد خرط القتاد فعلم عليهالسلام بالأمر ورجع إلى بيته.
احتجاج سلمان الفارسي على عمر
بن الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه حين كان عامله على المدائن بعد حذيفة بن اليمان .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
من سلمان مولى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى عمر بن الخطاب
__________________
أما بعد فإنه
أتاني منك كتاب يا عمر تؤنبني وتعيرني وتذكر فيه أنك بعثتني أميرا على أهل المدائن
وأمرتني أن أقص أثر حذيفة وأستقصي أيام أعماله وسيره ثم أعلمك قبيحها وقد نهاني الله
عن ذلك يا عمر في محكم كتابه حيث قال : ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ
اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) وما كنت لأعصي الله في أثر حذيفة وأطيعك.
وأما ما ذكرت أني
أقبلت على سف الخوص وأكل الشعير فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه وايم
الله يا عمر لأكل الشعير وسف الخوص والاستغناء عن رفيع المطعم والمشرب وعن غصب
مؤمن حقه وادعاء ما ليس له بحق أفضل وأحب إلى الله عز وجل وأقرب للتقوى ولقد رأيت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إذا أصاب الشعير أكل وفرح
ولم يسخطه.
وأما ما ذكرت من
إعطائي ـ فإني قدمته ليوم فاقتي وحاجتي ورب العزة يا عمر ما أبالي إذا جاز طعامي
لهواتي وانساغ في حلقي ألباب البر ومخ المعزة كان أو خشارة الشعير .
وأما قولك إني
ضعفت سلطان الله وأوهنته وأذللت نفسي وامتهنتها حتى جهل أهل
المدائن إمارتي واتخذوني جسرا يمشون فوقي ويحملون علي ثقل حمولتهم وزعمت أن ذلك مما
يوهن سلطان الله ويذله.
فاعلم أن التذلل
في طاعة الله أحب إلي من التعزز في معصيته وقد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله يتألف الناس ويتقرب منهم ويتقربون منه في نبوته وسلطانه حتى كأنه بعضهم
في الدنو منهم وقد
__________________
كان يأكل الجشب ويلبس الخشن وكان
الناس عنده قرشيهم وعربيهم وأبيضهم وأسودهم سواء في الدين وأشهد أني سمعته يقول من
ولي سبعة من المسلمين بعدي ثم لم يعدل فيهم لقي الله وهو عليه غضبان فليتني يا عمر
أسلم من عمارة المدائن مع ما ذكرت أني أذللت نفسي وامتهنتها فكيف يا عمر حال من
ولي الأمة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإني سمعت الله يقول : ( تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ
وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) .
اعلم أني لم أتوجه
أسوسهم وأقيم حدود الله فيهم إلا بإرشاد دليل عالم فنهجت فيهم بنهجه وسرت فيهم
بسيرته .
واعلم أن الله
تبارك وتعالى ـ لو أراد بهذه الأمة خيرا أو أراد بهم رشدا لولى عليهم أعلمهم
وأفضلهم ولو كانت هذه الأمة من الله خائفين ولقول نبي الله متبعين وبالحق عاملين
ما سموك أمير المؤمنين ( فَاقْضِ ما أَنْتَ
قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ) ولا تغتر بطول
عفو الله عنك وتمديده بذلك من تعجيل عقوبته.
واعلم أنك سيدركك
عواقب ظلمك في دنياك وآخرتك وسوف تسأل عما قدمت وأخرت والحمد لله وحده.
احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على القوم
لما مات عمر بن الخطاب وقد جعل الخلافة شورى بينهم
__________________
__________________
روى عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد
بن علي الباقر عليه وعلى آبائه السلام.
قال إن عمر بن
الخطاب لما حضرته الوفاة وأجمع على الشورى بعث إلى ستة نفر من قريش إلى علي بن أبي
طالب وإلى عثمان بن عفان وإلى الزبير بن العوام وإلى طلحة بن عبيد الله وعبد
الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأمرهم أن يدخلوا إلى البيت ولا يخرجوا منه حتى
يبايعوا لأحدهم ، فإن اجتمع أربعة على واحد وأبى واحد أن يبايعهم قتل وإن امتنع
اثنان وبايع ثلاثة قتلا فأجمع رأيهم على عثمان.
فلما رأى أمير
المؤمنين عليهالسلام
ما هم القوم به من البيعة
لعثمان قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة فقال عليهالسلام
لهم :
__________________
اسمعوا مني كلامي
فإن يك ما أقول حقا فاقبلوا وإن يك باطلا فأنكروا.
ثم قال أنشدكم
بالله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم ويعلم كذبكم إن كذبتم هل فيكم أحد صلى القبلتين كلتيهما غيري؟
قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما الفتح وبيعة الرضوان غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أخوه المزين بالجناحين في الجنة غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد عمه سيد الشهداء غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء العالمين غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد ابناه ابنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهما سيدا شباب أهل الجنة
غيري؟ قالوا لا.
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد عرف الناسخ من المنسوخ غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد عاين جبرئيل في مثال دحية الكلبي غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أدى الزكاة وهو راكع غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد مسح رسول الله صلىاللهعليهوآله
عينيه وأعطاه الراية يوم
خيبر فلم يجد حرا ولا بردا غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد نصبه رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم غدير خم بأمر الله
تعالى فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟ قالوا
لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد هو أخو رسول الله في الحضر ورفيقه في السفر غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ود يوم الخندق وقتله غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟ قالوا لا.
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد سماه الله في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري؟ قالوا لا .
__________________
في ج ٦ من تفسير الدر المنثور
ص ٣٩٢ : أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :
()
يعني : أبا جهل بن هشام.
()
ذكر عليا وسلمان.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد ناول رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبضة من التراب فرمى بها
في وجوه الكفار فانهزموا غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحد حتى ذهب الناس غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قضى دين رسول الله صلىاللهعليهوآله
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد شهد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد غسل رسول الله وكفنه ولحده غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله صلىاللهعليهوآله
ورايته وخاتمه غيري؟
قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد جعل رسول الله صلىاللهعليهوآله
طلاق نسائه بيده غيري؟
قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد حمله رسول الله صلىاللهعليهوآله
على ظهره حتى كسر الأصنام
على باب الكعبة غيري قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد نودي باسمه من السماء يوم بدر لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أكل مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
من الطائر المشوي الذي
أهدي إليه غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت صاحب رايتي في الدنيا
وصاحب لوائي في الآخرة غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد خصف نعل رسول الله صلىاللهعليهوآله
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنا أخوك وأنت أخي غيري
قالوا لا.
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أحب الخلق إلي
وأقولهم بالحق غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد وجد رسول الله صلىاللهعليهوآله
جائعا فاستقى مائة دلو
بمائة تمرة وجاء بالتمر فأطعمه رسول الله غيري؟ وهو جائع قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد سلم عليه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد غمض عين رسول الله صلىاللهعليهوآله
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد وحد الله قبلي غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد كان أول داخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وآخر خارج من عنده غيري؟
قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد مشى مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
فمر على حديقة فقلت ما
أحسن هذه الحديقة فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
وحديقتك في الجنة أحسن من
هذه حتى مررت على ثلاث حدائق كل ذلك يقول رسول الله حديقتك في الجنة أحسن من هذه
غيري؟ قالوا لا قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله أنت أول من آمن بي وصدقني وأول من يرد علي الحوض يوم
القيامة غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله
بيده ويد امرأته وابنيه
حين أراد أن يباهل نصارى أهل نجران غيري قالوا لا؟
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أول طالع يطلع عليكم من
هذا الباب يا أنس فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وأولى الناس بالناس فقال أنس اللهم
اجعله رجلا من الأنصار فكنت أنا الطالع فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنس ما أنت بأول رجل أحب قومه غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) غيري؟ قالوا لا.
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أنزل الله فيه وفي ولده : ( إِنَّ الْأَبْرارَ
يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ) إلى آخر السورة
غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أنزل الله فيه : ( أَجَعَلْتُمْ
سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ ) غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد علمه رسول الله صلىاللهعليهوآله
ألف كلمة كل كلمة مفتاح
ألف كلمة غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد ناجاه رسول الله يوم الطائف فقال أبو بكر وعمر يا رسول الله ناجيت
عليا دوننا؟ فقال لهما النبي صلىاللهعليهوآله
ما أنا ناجيته بل الله
أمرني بذلك غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد سقاه رسول الله صلىاللهعليهوآله
من المهراس غيري؟ قالوا
لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أقرب الخلق مني يوم
القيامة يدخل بشفاعتك الجنة أكثر من عدد ربيعة ومضر غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
يا علي أنت تكسى حين أكسى
غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت وشيعتك الفائزون يوم
القيامة غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
كذب من زعم أنه يحبني
ويبغض هذا غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
من أحب شطراتي هذه فقد
أحبني ومن أحبني فقد أحب الله فقيل له وما شطراتك؟ قال علي والحسن والحسين وفاطمة
غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت خير البشر بعد
النبيين غيري؟ قالوا لا .
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت الفاروق تفرق بين
الحق والباطل غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أفضل الخلائق عملا
يوم القيامة بعد النبيين غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
ـ هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله
كساءه عليه وعلى زوجته
وعلى ابنيه ثم قال اللهم أنا وأهل بيتي إليك لا إلى النار غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
الطعام وهو في الغار
ويخبره بالأخبار غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أخي ووزيري وصاحبي من
أهلي غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أقدمهم سلما وأفضلهم
علما وأكثرهم حلما غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قتل مرحبا اليهودي فارس اليهود مبارزة غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد عرض عليه النبي صلىاللهعليهوآله
الإسلام فقال له أنظرني
حتى ألقى والدي فقال له النبي صلىاللهعليهوآله
فإنها أمانة عندك فقلت
فإن كانت أمانة عندي فقد أسلمت غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتحها فمشى به مائة ذراع ثم عالجه بعده أربعين
رجلا فلم يطيقوه غيري؟ قالوا لا.
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) فكنت أنا الذي قدم الصدقة غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
من سب عليا فقد سبني ومن
سبني فقد سب الله غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
منزلي مواجه منزلك في
الجنة غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
قاتل الله من قاتلك وعادى
الله من عاداك غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول الله صلىاللهعليهوآله
حين أراد أن يسير إلى
المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أولى الناس بأمتي
بعدي غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت يوم القيامة عن يمين
العرش والله يكسوك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد صلى قبل الناس بسبع سنين وأشهر غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنا يوم القيامة آخذ
بحجزة ربي والحجزة النور وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذ بحجزتك غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك
بغضي؟ قالوا لا .
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولايتك كولايتي عهد عهده
إلي ربي وأمرني أن أبلغكموه غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
اللهم اجعله لي عونا
وعضدا وناصرا غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
المال يعسوب الظلمة وأنت
يعسوب المؤمنين غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
لأبعثن إليكم رجلا امتحن
الله قلبه للإيمان غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أطعمه رسول الله صلىاللهعليهوآله
رمانة وقال هذه من رمان
الجنة لا ينبغي أن يأكل منه إلا نبي أو وصي نبي غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما سألت ربي شيئا إلا
أعطانيه ولم أسأل ربي شيئا إلا سألت لك مثله غيري؟ قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت أقومهم بأمر الله
وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية غيري؟
قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
فضلك على هذه الأمة كفضل
الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
يدخل الله وليك الجنة
وعدوك النار غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
الناس من أشجار شتى وأنا
وأنت من شجرة واحدة غيري قالوا لا .
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنا سيد ولد آدم وأنت سيد
العرب والعجم ولا فخر غيري؟ قالوا لا .
__________________
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد رضي الله عنه في الآيتين من القرآن غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
موعدك موعدي وموعد شيعتك
عند الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين غيري قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
اللهم إني أحبه فأحبه
اللهم إني أستودعكه غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت تحاج الناس فتحججهم
بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الحدود
والقسم بالسوية غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله
بيده يوم بدر فرفعها حتى
نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول ـ ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه
وصدقوه فإنه وليكم غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) غيري؟ قالوا لا.
قال نشدتكم بالله
فهل فيكم أحد كان جبرئيل أحد ضيفانه غيري؟ قالوا لا قال فهل فيكم أحد أعطاه رسول
الله صلىاللهعليهوآله
حنوطا من حنوط الجنة ثم
أقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به وثلثا لابنتي وثلثا لك غيري؟ قالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
كان إذا دخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله
حياه وأدناه ورحب به
وتهلل له وجهه غيري فقالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنا أفتخر بك يوم القيامة
إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها غيري؟ قالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
سرحه رسول الله صلىاللهعليهوآله
بسورة براءة إلى المشركين
من أهل مكة غيري؟ قالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
إني لأرحمك من ضغائن في
صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها غيري؟ قالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أدى الله عن أمانتك أدى
الله عن ذمتك غيري؟ قالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت قسيم النار تخرج منها
من زكا وتذر فيها كل كافر غيري؟ قالوا لا .
قال فهل فيكم أحد
فتح حصن خيبر وسبى بنت مرحب فأداها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
غيري؟ قالوا لا.
قال فهل فيكم أحد
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
ترد علي الحوض أنت وشيعتك
رواء مرويين مبيضة وجوههم ويرد علي عدوك ظماء مظمئين مقتحمين مسودة وجوههم غيري؟
قالوا لا .
قال لهم أمير
المؤمنين عليهالسلام
أما إذا أقررتم على
أنفسكم واستبان لكم ذلك من قول نبيكم ـ فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأنهاكم
عن سخطه ولا تعصوا أمره وردوا الحق إلى أهله واتبعوا سنة نبيكم فإنكم إن خالفتم
خالفتم الله فادفعوها إلى من هو أهله وهي له.
قال فتغامزوا فيما
بينهم وتشاوروا وقالوا قد عرفنا فضله وعلمنا أنه أحق الناس بها ولكنه رجل لا يفضل
أحدا على أحد فإن وليتموها إياه جعلكم وجميع الناس فيها شرعا سواء ولكن ولوها
عثمان فإنه يهوى الذي تهوون فدفعوها إليه.
احتجاجه عليهالسلام على جماعة
كثيرة من المهاجرين والأنصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من النص عليه وغيره من القول
الجميل
روي عن سليم بن
قيس الهلالي أنه قال : رأيت عليا عليهالسلام
في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم فذكروا
قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله من الفضل مثل قوله الأئمة من قريش وقوله الناس تبع لقريش
وقريش أئمة العرب وقوله لا تسبقوا قريشا وقوله إن للقريشي مثل قوة رجلين من غيرهم وقوله من
أبغض قريشا أبغضه الله وقوله من أراد هوان قريش أهانه الله.
وذكروا الأنصار
وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال فيهم رسول الله
__________________
من الفضل مثل قوله
الأنصار كرشي وعيبتي ومثل قوله من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه
الله ومثل قوله صلىاللهعليهوآله
لا يبغض الأنصار رجل يؤمن
بالله وبرسوله وقوله لو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار.
وذكروا ما قال في
سعد بن معاذ في جنازته وإن العرش اهتز لموته وقوله صلىاللهعليهوآله
لما جيء إليه بمناديل من
اليمن فأعجب الناس بها فقال لمناديل سعد في الجنة أحسن منها والذي غسلته الملائكة
والذي حمته الدبر فلم يدعوا شيئا من فضلهم حتى قال كل حي منها منا فلان وفلان
وقالت قريش منا رسول الله ومنا حمزة ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة
ومنا أبو بكر وعمر وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف ـ فلم يدعوا من الحيين أحدا من
أهل السابقة إلا سموه وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل فيهم علي بن أبي طالب عليهالسلام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعمار
والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة وابن عمر والحسن والحسين عليهمالسلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد
بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وأبو هيثم بن التيهان ومحمد بن سلمة وقيس بن سعد بن
عبادة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو
ليلى ومعه ابنه وعبد الرحمن قاعد بجنبه غلام أمرد الوجه مديد القامة فجاء أبو
الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة قال فجعلت أنظر
إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيهما أجمل غير أن الحسن أعظمهما
وأطولهما.
وأكثر القوم في
الحديث وذلك من بكرة إلى حين الزوال وعثمان في داره لا يعلم بشيء مما هم فيه وعلي
بن أبي طالب لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته فأقبل القوم عليه فقالوا يا أبا الحسن
ما يمنعك أن تتكلم.
فقال عليهالسلام لهم ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا فأنا
أسألكم يا معشر قريش والأنصار بمن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم وعشائركم وأهل
بيوتاتكم أم بغيركم؟
قالوا بل أعطانا
الله ومن به علينا بمحمد وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتنا.
قال صدقتم يا معشر
قريش والأنصار أتعلمون الذي نلتم به من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون
غيرهم فإن ابن عمي رسول الله قال إني وأهل بيتي كنا نورا بين يدي الله تبارك
وتعالى قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق الله آدم وضع ذلك النور
في صلبه وأهبطه إلى الأرض ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليهالسلام ـ ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليهالسلام ثم لم يزل الله عز وجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى
الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء والأمهات لم
يلتق واحد منهم على سفاح قط.
فقال أهل السابقة
وأهل بدر وأهل أحد نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله
ثم قال أنشدكم
بالله أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟ قالوا اللهم نعم.
قال فأنشدكم بالله
أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وأني لم
يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
أحد من هذه الأمة؟ قالوا
اللهم نعم.
قال فأنشدكم بالله
أتعلمون حيث نزلت : ( وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) (
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) وسئل عنها رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقال ـ أنزله الله عز وجل
في الأنبياء وأوصيائهم فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب عليهالسلام وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا اللهم نعم.
قال فأنشدكم بالله
أتعلمون حيث نزلت : ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ ) وحيث نزلت ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وحيث نزلت ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا
مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) قال الناس يا
رسول الله أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم فأمر الله عز وجل نبيه أن يعلمهم
ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم
فنصبني للناس علما بغدير خم.
ثم خطب فقال أيها
الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري فظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغنها
أو ليعذبني ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة ثم خطب.
فقال : أيها الناس
أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا
بلى يا رسول الله قال قم يا علي فقمت فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه.
فقام سلمان فقال
يا رسول الله والاه كما ذا فقال لا كولائي فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به
من نفسه ـ فأنزل الله عز وجل ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً ) فكبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال الله أكبر على تمام
نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي.
فقام أبو بكر وعمر
فقالا يا رسول الله هؤلاء الآيات خاصة في علي ـ؟
قال صلىاللهعليهوآله بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.
قالا يا رسول الله
بينهم لنا ـ
__________________
قال أخي ووزيري
ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ثم ابني الحسن والحسين ثم تسعة من
ولد الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى
يردوا علي الحوض.
فقالوا كلهم اللهم
نعم ـ قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء وقال بعضهم قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ
كله وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.
فقال علي عليهالسلام صدقتم ليس كل الناس يستوي في الحفظ أنشدكم بالله من حفظ ذلك
من رسول الله لما قام وأخبر به؟
فقام زيد بن أرقم
والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا نشهد لقد حفظنا قول رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول أيها الناس
أمرني الله أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض على
المؤمنين في كتابه طاعته وقرنه بطاعته وطاعتي وأمركم بولايته وإني راجعت ربي خشية
طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني.
أيها الناس إن
الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم والزكاة والصوم والحج فقد بينتها لكم
وفسرتها وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة ووضع يده على يد علي بن أبي
طالب ثم لابنيه من بعده ثم للأوصياء من بعدهم ومن ولدهم عليهمالسلام لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي الحوض أيها الناس قد
بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب وهو
فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علمني
الله عز وجل من علمه وحكمته فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ـ ولا تعلموهم
ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلهم ثم جلسوا.
قال سليم ثم قال
علي عليهالسلام.
أيها الناس أتعلمون
أن الله عز وجل أنزل في كتابه : ( إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
) فجمعني وفاطمة وابنيه حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كساء فدكيا وقال اللهم هؤلاء
أهل بيتي ولحمي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا يا رسول الله ـ فقال أنت إلى خير إنما نزلت في وفي أخي
علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد الحسين خاصة وليس معنا أحد غيرنا؟
فقالوا كلهم نشهد
أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
فحدثنا كما حدثتنا به أم
سلمة.
قال علي عليهالسلام أنشدكم بالله أتعلمون أن الله أنزل : ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ
__________________
الصَّادِقِينَ
) فقال سلمان يا رسول الله عامة هذه الآية أم خاصة؟ فقال أما المأمورون فعامة
المؤمنين أمروا بذلك وأما الصادقون خاصة [ فخاصة ] لأخي علي وأوصيائي بعده إلى يوم
القيامة؟ فقالوا اللهم نعم.
قال أنشدكم بالله
أتعلمون أني قلت لرسول الله صلىاللهعليهوآله
في غزاة تبوك لم تخلفني
فقال إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبي بعدي؟ قالوا اللهم نعم.
قال أنشدكم بالله
أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) إلى آخر السورة فقام سلمان فقال يا رسول الله من هؤلاء
الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم ولم يجعل عليهم ( فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ )؟ قال عنى بذلك
ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة فقال سلمان بينهم لنا يا رسول الله فقال أنا
وأخي علي وأحد عشر من ولدي قالوا اللهم نعم.
قال أنشدكم بالله
أتعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قام خطيبا ولم يخطب بعد
ذلك فقال : يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
أهل بيتي فتمسكوا بهما لا تضلوا فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب فقال يا رسول الله أكل
أهل بيتك؟ قال لا ولكن أوصيائي منهم أولهم أخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل
مؤمن ومؤمنة بعدي هو أولهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين
واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء لله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه
ومعادن حكمته من أطاعهم ( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن عصاهم فقد
عصى الله ـ فقالوا كلهم نشهد أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال ذلك.
__________________
ثم تمادى بعلي عليهالسلام السؤال والمناشدة فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم
عنه حتى أتى علي على أكثر مناقبه وما قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.
ثم قال حين فرغ
اللهم اشهد عليهم وقالوا اللهم اشهد أنا لم نقل إلا ما سمعناه من رسول الله صلىاللهعليهوآله وما حدثنا من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول
الله صلىاللهعليهوآله.
قال أتقرون بأن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال من زعم أنه يحبني
ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني ووضع يده على رأسي فقال له قائل كيف ذلك يا رسول
الله؟ ـ قال لأنه مني وأنا منه ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن
أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله قال نحو عشرين رجلا من أفاضل الحيين اللهم
نعم وسكت بقيتهم.
فقال للسكوت ما
لكم سكتم؟ قالوا هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقات في قولهم وفضلهم وسابقتهم فقال
اللهم اشهد عليهم.
فقال طلحة بن عبد
الله وكان يقال له داهية قريش فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وأصحابه الذين صدقوه
وشهدوا على مقالته يوم أتوه بك بعتل وفي عنقك حبل فقالوا لك بايع فاحتججت بما احتججت به فصدقوك
جميعا ثم ادعى أنه سمع رسول الله يقول أبى الله أن يجمع لنا أهل البيت النبوة
والخلافة فصدقه بذلك عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ ثم قال طلحة كل الذي قلت وادعيت
واحتججت به من السابقة والفضل حق نقر به ونعرفه وأما الخلافة فقد شهد أولئك
الأربعة بما سمعت.
فقام علي عليهالسلام عند ذلك وغضب من مقالته فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر شيئا
قال له عمر يوم مات لم يدر ما عنى به فأقبل على طلحة والناس يسمعون فقال أما والله
يا طلحة ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة ـ الذين
تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو توفاه أن يتوازروا دون علي
ويتظاهروا فلا تصل إلي الخلافة.
والدليل والله على
باطل ما شهدوا وما قلت يا طلحة قول نبي الله يوم غدير خم من كنت أولى به من نفسه
فعلي أولى به من نفسه فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام وقول رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أنت مني بمنزلة هارون من
موسى غير النبوة فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله (ص).
وقوله إني تركت
فيكم أمرين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ـ لا تقدموهم ولا تخلفوا
عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم أفينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا
أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله عز وجل : ( أَفَمَنْ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى
فَما
__________________
لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ
اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) وقال ( ائْتُونِي
بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل
يذهب أمرهم سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا فما الولاية غير الإمارة؟
والدليل على كذبهم
وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله ومن الحجة عليهم
وعليك خاصة ـ وعلى هذا معك يعني الزبير وعلى الأمة وعلى سعد بن أبي وقاص وابن عوف
وخليفتكم هذا القائم يعني عثمان فإنا معشر الشورى أحياء كلنا أن جعلني عمر بن
الخطاب في الشورى إن كان قد صدق وأصحابه على رسول الله صلىاللهعليهوآله أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه
جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة وإنما أمرنا أن نتشاور في غيرها وإن
كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم فهلا أخرجني وقد قال إن رسول الله صلىاللهعليهوآله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب ولم
قال عمر حين دعانا رجلا رجلا؟
فقال علي عليهالسلام لعبد الله ابنه وها هو ذا ـ أنشدك بالله يا عبد الله بن عمر
ما قال لك حين خرجت؟
قال أما إذ
ناشدتني بالله فإنه قال إن يتبعوا أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء وأقامهم
على كتاب ربهم وسنة نبيهم قال يا ابن عمر فما قلت له عند ذلك؟
قال قلت له فما
يمنعك أن تستخلفه؟
قال وما رد عليك؟
قال رد علي شيئا
أكتمه.
قال علي فإن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
خبرني به في حياته ثم
أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي ومن رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله
مناما فقد رآه قال فما
أخبرك به؟
قال عليهالسلام فأنشدك بالله يا ابن عمر لئن أخبرتك به لتصدقن قال إذن سكت
قال فإنه قال لك حين قلت له فما يمنعك أن تستخلفه قال الصحيفة التي كتبناها بيننا
والعهد في الكعبة فسكت ابن عمر.
فقال أسألك بحق
رسولك لم سكت عني؟
قال سليم فرأيت
ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة وعيناه تسيلان.
__________________
وأقبل أمير
المؤمنين عليهالسلام
على طلحة والزبير وابن
عوف وسعد فقال لئن كان أولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله ما يحل لكم ولايتهم وإن كانوا صدقوا ما حل لكم أيها الخمسة
أو الأربعة أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله صلىاللهعليهوآله ورد عليه.
ثم أقبل على الناس
فقال أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق أنا فيكم أم كاذب؟ قالوا صدوق
لا والله ما علمناك كذبت قط في الجاهلية ولا الإسلام قال فو الله الذي أكرمنا أهل
البيت بالنبوة وجعل منا محمدا وأكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين لا يبلغ عنه
غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا ولم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل
البيت نصيبا ولا حقا أما رسول الله صلىاللهعليهوآله
خاتم النبيين ليس بعده
نبي ولا رسول ختم برسول الله الأنبياء إلى يوم القيامة وجعلنا من بعد محمد خلفاء
في أرضه وشهداء على خلقه فرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في غير آية من
القرآن فالله عز وجل جعل محمدا نبيا ـ وجعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل ثم إن
الله عز وجل أمر نبيه أن يبلغ ذلك أمته فبلغهم كما أمره الله فأيكما أحق بمجلس رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ومكانه وقد سمعتم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
حين بعثني ببراءة فقال لا
يبلغ عني إلا رجل مني أنشدتكم [ أنشدكم ] بالله أسمعتم ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ؟ قالوا اللهم نعم نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآله حين بعثك ببراءة.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
لا يصلح لصاحبكم أن يبلغ
عنه صحيفة أربع أصابع ولن يصلح أن يكون المبلغ عنه غيري فأيهما أحق
بمجلسه ومكانه الذي سمي بخاصة أنه من رسول الله صلىاللهعليهوآله
أو من حضر مجلسه من الأمة.
فقال طلحة قد
سمعنا ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآله
ففسر لنا كيف لا يصلح
لأحد أن يبلغ عن رسول الله غيرك وقد قال لنا ولسائر الناس ليبلغ الشاهد الغائب
فقال بعرفة من حجة الوداع نصر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره فرب حامل
فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم
أخلص العمل لله عز وجل السمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم فإن
دعوتهم محيطة من ورائهم وقال في غير موطن ليبلغ الشاهد الغائب.
فقال علي عليهالسلام إن الذي قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم غدير خم ويوم عرفة في
حجة الوداع في آخر خطبة خطبها حين قال إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن
تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لا يفترقان
حتى يردا علي الحوض كهاتين ولا أقول كهاتين فأشار إلى سبابته وإبهامه لأن أحدهما
قدام الآخر فتمسكوا بهما لن تضلوا ولا تزالوا ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا
تعلموهم فإنهم أعلم منكم إنما أمر الله العامة جميعا أن يبلغوا من لقوا من العامة
إيجاب طاعة الأئمة من آل محمد صلىاللهعليهوآله
وإيجاب حقهم ولم يقل ذلك
في شيء من الأشياء غير
__________________
ذلك وإنما أمر
العامة أن يبلغوا العامة حجة من لا يبلغ عن رسول الله جميع ما بعثه الله به غيرهم
ألا ترى يا طلحة أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال لي وأنتم تسمعون يا
أخي إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك تبرئ ذمتي وتؤدي ديني وغراماتي
وتقاتل على سنتي؟ فلما ولي أبو بكر قضى عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
عداته ودينه فاتبعتموه
جميعا فقضيت دينه وعداته ـ وقد أخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري ولم يكن
ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته وإنما كان الذي قضيت من الدين والعدة هو الذي
أبرأه منه وإنما بلغ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
جميع ما جاء به من عند
الله من بعد الأئمة الذين فرض الله في الكتاب طاعتهم وأمر بولايتهم الذين من أطاعهم
( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن عصاهم فقد
عصى الله.
فقال طلحة فرجت
عني ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى فسرته لي فجزاك الله
يا أبا الحسن عن جميع أمة محمد الجنة يا أبا الحسن شيئا أريد أن أسألك عنه رأيتك
خرجت بثوب مختوم فقلت أيها الناس ـ إني لم أزل مشتغلا برسول الله بغسله وكفنه
ودفنه ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته فهذا كتاب الله عندي مجموعا لم يسقط حتى حرف
واحد ولم أر ذلك الذي كتبت وألفت وقد رأيت عمر بعث إليك أن ابعث به إلي فأبيت أن
تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها وإن لم يشهد عليها غير رجل واحد
أرجأها فلم يكتب فقال عمر وأنا أسمع إنه قد قتل يوم اليمامة قوم
كانوا يقرءون قرآنا لا يقرؤه غيرهم فقد ذهب وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكتاب يكتبون
فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذ عثمان وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا
على عهد عمر وعلى عهد عثمان يقولون إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة وإن النور
ستون ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية فما هذا وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب
الله إلى الناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على
قراءة واحدة فمزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار؟
فقال له علي عليهالسلام يا طلحة إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد عندي
بإملاء رسول الله وخط يدي وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حرام وحلال أو
حد أو حكم أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وخط يدي حتى أرش الخدش .
قال طلحة كل شيء
من صغير وكبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟
قال نعم وسوى ذلك
إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أسر إلي في مرضه مفتاح
ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله اتبعوني وأطاعوني ( لَأَكَلُوا مِنْ
فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله صلىاللهعليهوآله حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل أمته فقال صاحبك إن نبي
الله يهجر فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله
وتركها؟ فقال بلى قد
شهدته.
__________________
قال فإنكم لما
خرجتم أخبرني رسول الله صلىاللهعليهوآله
بالذي أراد أن يكتب ويشهد
عليه العامة فأخبره جبرئيل أن الله قضى على أمتك الاختلاف والفرقة ثم دعا بصحيفة
فأملى على ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط سلمان وأبا ذر
والمقداد وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة فسماني أولهم ثم
ابني هذين وأشار بيده إلى الحسن والحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين وكذلك كان يا
أبا ذر ويا مقداد فقاما ثم قالا نشهد بذلك على رسول الله (ص).
فقال طلحة والله
لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول ما أقلت الغبراء ولا
أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق ولا أبر عند الله من أبي ذر وأنا أشهد أنهما لم
يشهدا إلا بالحق ولأنت عندي أصدق وأبر منهما.
ثم أقبل علي عليهالسلام فقال اتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا
ابن عوف اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم.
ثم قال طلحة لا
أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس؟
قال يا طلحة عمدا
كففت عن جوابك فأخبرني عما كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال
طلحة بل قرآن كله.
قال إن أخذتم بما
فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا.
قال طلحة حسبي أما
إذا كان قرآنا فحسبي ثم قال طلحة فأخبرني عما في يدك من القرآن وتأويله وعلم
الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك قال إن الذي أمرني رسول الله
__________________
صلىاللهعليهوآله
أن أدفعه إليه وصيي وأولى
الناس بعدي بالناس ابني الحسن ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ثم يصير إلى
واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم حوضه هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن
معهم لا يفارقهم أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم
بن أبي العاص واحد بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله على منبره يردون الأمة على أدبارهم القهقرى عشرة منهم من بني
أمية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة
وفي رواية أبي ذر
الغفاري أنه قال : لما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله جمع علي عليهالسلام
القرآن وجاء به إلى
__________________
المهاجرين
والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلما فتحه أبو بكر خرج في
أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه عليهالسلام وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قاريا للقرآن فقال له
عمر إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن
ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكا للمهاجرين والأنصار فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال فإن
أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما
عملتم؟ قال عمر فما الحيلة؟ قال زيد أنتم أعلم بالحيلة فقال عمر ما حيلته دون أن
نقتله ونستريح منه فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى
شرح ذلك.
فلما استخلف عمر
سأل عليا عليهالسلام
أن يدفع إليهم القرآن
فيحرفوه فيما بينهم فقال يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي
بكر حتى نجتمع عليه فقال عليهالسلام
هيهات ليس إلى ذلك سبيل
إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا ( تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) أو تقولوا ما
جئتنا به إن القرآن الذي عندي ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ
الْمُطَهَّرُونَ ) والأوصياء من ولدي قال عمر فهل لإظهاره وقت معلوم؟ ـ فقال عليهالسلام نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري
السنة به صلوات الله عليه .
وقال سليم بن قيس
بينا أنا وحبش بن معمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب ثم نادى بأعلى
__________________
صوته في الموسم
أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة أنا أبو ذر أيها
الناس إني قد سمعت نبيكم يقول إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه من
ركبها نجا ومن تركها غرق ومثل باب حطة في بني إسرائيل أيها الناس إني سمعت نبيكم
يقول ـ إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي إلى
آخر الحديث فلما قدم إلى المدينة بعث إليه عثمان وقال له ما حملك على ما قمت به في
الموسم؟ قال عهد عهده إلي رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأمرني به فقال من يشهد
بذلك؟ فقام علي والمقداد فشهدا ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان إن هذا
وصاحبيه يحسبون أنهم في شيء
وروي أن يوما من
الأيام قال عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
إن تربصت بي فقد تربصت
بمن هو خير مني ومنك قال علي عليهالسلام
ومن هو خير مني؟ قال أبو
بكر وعمر فقال علي عليهالسلام
كذبت أنا خير منك ومنهما
عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم
قال سليم بن قيس
حدثني سلمان والمقداد وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر ثم سمعته من علي بن أبي طالب عليهالسلام قالوا : إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال رسول الله لما سمع به لعلي بن أبي طالب فاخر العرب
وأنت أكرمهم ابن عم وأكرمهم صهرا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم أخا وأكرمهم
عما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأقدمهم سلما وأعظمهم غنى بنفسك ومالك وأقرأهم
بكتاب الله وأعلمهم بسنتي وأشجعهم لقاء وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشهدهم
اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله وإلي وستبقى بعدي ثلاثين سنة
تعبد الله وتصبر على ظلم قريش لك تجاهدهم في سبيل الله إذا وجدت أعوانا فتقاتل على
تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك قاتلك
يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد منه.
قال سليم بن قيس
جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا فقال له
سلمان عليك بكتاب الله فالزمه وعلي بن أبي طالب فإنه مع القرآن لا يفارقه فأنا
أشهد أنا سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول إن عليا يدور مع
الحق حيث دار وإن عليا هو الصديق والفاروق يفرق بين الحق والباطل .
قال فما بال القوم
ـ يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟ قال نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما
خلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإمرة المؤمنين لقد أمرنا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأمرهما معنا فسلمنا
جميعا على علي بإمرة المؤمنين.
__________________
وروى القاسم بن
معاوية قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
هؤلاء يروون حديثا في
معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول
الله أبو بكر الصديق فقال سبحان الله غيروا كل شيء حتى هذا؟ قلت نعم.
قال إن الله عز
وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين
ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير
المؤمنين ـ ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه لا إله إلا الله محمد رسول
الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه لا إله إلا الله محمد
رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته لا إله إلا الله
محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه لا إله إلا
الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب في
أكنافها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل
الأرضين كتب في أطباقها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولما
خلق الله عز وجل الجبال كتب في رءوسها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير
المؤمنين ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله
علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول
الله علي أمير المؤمنين وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا
الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليهالسلام
وعن عبد الله بن
الصامت قال : رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه
للناس وهو يقول :
أيها الناس من
عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي أنا جندب بن السكن بن عبد الله أنا
أبو ذر الغفاري أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله صلىاللهعليهوآله سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول وذكر الحديث بطوله
إلى قوله ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو قدمتم من قدمه الله وأخرتم من
أخره الله وجعلتم الولاية حيث جعلها الله لما عال ولي الله ولما ضاع فرض من فرائض
الله ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله إلا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم
فذوقوا وبال ما كسبتم ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
__________________
وروي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنه قال : إن العلم الذي
هبط به آدم من الجنة وما فضلت به النبيون عليهالسلام
في عترة نبيكم فأين يتاه
بكم؟
قال سليم بن قيس :
سأل رجل علي بن أبي طالب عليهالسلام
فقال وأنا أسمع أخبرني
بأفضل منقبة لك قال ما أنزل الله في كتابه قال وما أنزل الله فيك قال : ( أَفَمَنْ
كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) أنا الشاهد من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وقوله ( وَيَقُولُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) إياي عنى ب ( مَنْ
عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) فلم يدع شيئا أنزله الله فيه إلا ذكره ـ مثل قوله ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وقوله ( أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وغير ذلك قال قلت
فأخبرني بأفضل منقبة لك من رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال نصبه إياي يوم غدير
خم فقال لي بالولاية بأمر الله عز وجل وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى وسافرت
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
ليس له خادم غيري وكان له
لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا
ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يخط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين
عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ـ فأخذتني الحمى ليلة فأسهرتني فسهر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لسهري فبات ليلته بيني
وبين مصلاه يصلي ما قدر له ثم يأتيني يسألني وينظر إلي فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح
فلما صلى بأصحابه الغداة قال اللهم اشف عليا وعافه فإنه أسهرني الليلة مما به ثم
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
بمسمع من أصحابه أبشر يا
علي قلت بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك قال :
إني لم أسأل الله
الليلة شيئا إلا أعطانيه ولم أسأله لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله وإني دعوت الله عز
وجل أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ـ وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل وسألته
أن يجمع عليك أمتي بعدي فأبى علي فقال رجلان أحدهما لصاحبه أرأيت ما سأل؟
__________________
فو الله لصاع من
تمر خير مما سأل أو لو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه أو ينزل عليه
كنزا ينفقه وأصحابه فإن بهم حاجة كان خيرا مما سأل وما دعا عليا قط إلى خير إلا
استجاب له.
احتجاجه عليهالسلام على الناكثين
بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها
فقال : إن الله ذا
الجلال والإكرام لما خلق الخلق اختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده وأرسل
رسولا منهم وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه فكانت الجملة قول الله عز
وجل ذكره حيث أمر فقال : ( أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فهو لنا أهل
البيت خاصة دون غيرنا فانْقَلَبْتُمْ عَلى
أَعْقابِكُمْ وارتددتم ونقضتم
الأمر ونكثتم العهد ولم تضروا الله شيئا وقد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله
وإلى رسوله وإلى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم فأقررتم ثم جحدتم وقد قال الله
لكم : ( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .
إن أهل الكتاب
والحكمة والإيمان آل إبراهيم عليهالسلام
بينه الله لهم فحسدوا
فأنزل الله جل ذكره : ( أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) فنحن آل إبراهيم
فقد حسدنا كما حسد آباؤنا وأول من حسد آدم الذي خلقه الله عز وجل بيده ( وَنَفَخَ
فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) وأسجد له ملائكته وعلمه ( الْأَسْماءَ كُلَّها ) واصطفاه على
العالمين فحسده الشيطان فكان من الغاوين ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من
الخاسرين ونوح حسده قومه فقالوا : ( ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ.
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ) ولله الخيرة
يختار من يشاء و ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ* ) و ( يُؤْتِي
الْحِكْمَةَ ) والعلم ( مَنْ يَشاءُ ) ثم حسدوا نبينا
محمدا صلىاللهعليهوآله
ألا ونحن أهل البيت الذين
أذهب الله عنهم الرجس ونحن المحسودون كما حسد آباؤنا قال الله عز وجل : ( إِنَّ
أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ ) وقال ( وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .
فنحن أولى الناس
بإبراهيم ونحن ورثناه ونحن أولو الأرحام الذين ورثنا الكعبة ونحن آل إبراهيم أفترغبون
عن ملة إبراهيم وقد قال الله تعالى ( فَمَنْ تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ مِنِّي ) يا قوم أدعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى كتابه وإلى ولي
أمره وإلى وصيه ووارثه من بعده فاستجيبوا لنا واتبعوا آل إبراهيم واقتدوا بنا فإن
ذلك لنا آل إبراهيم فرضا واجبا والأفئدة من الناس تهوي إلينا وذلك دعوة إبراهيم عليهالسلام حيث قال : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً
مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما
__________________
أنزل علينا ولا
تتفرقوا فتضلوا والله شهيد عليكم ـ قد أنذرتكم ودعوتكم وأرشدتكم ثم أنتم وما
تختارون.
احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على الزبير
بن العوام وطلحة بن عبيد الله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من
الدنيا غير تائبين من نكث البيعة.
روي عن ابن عباس
رحمه الله أنه قال : كنت قاعدا عند علي عليهالسلام
حين دخل عليه طلحة
والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما وقال قد اعتمرتما فأعادا عليه
الكلام فأذن لهما ثم التفت إلي فقال والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة ـ
قلت له فلا تأذن لهما فردهما ثم قال لهما والله ما تريدان العمرة وما تريدان إلا
نكثا لبيعتكما وفرقة لأمتكما فحلفا له فأذن لهما ثم التفت إلي فقال والله ما
يريدان العمرة قلت فلم أذنت لهما؟ قال حلفا لي بالله قال فخرجا إلى مكة فدخلا على
عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها
وروي أنه عليهالسلام عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة للتأليب عليه بعد أن
حمد الله تعالى وأثنى عليه:
أما بعد فإن الله
عز وجل بعث محمدا صلىاللهعليهوآله
للناس كافة وجعله ( رَحْمَةً
لِلْعالَمِينَ ) فصدع بما أمر به وبلغ رسالات ربه فلم به الصدع ورتق به الفتق وأمن به السبل وحقن به الدماء وألف بين ذوي
الإحن والعداوة والوغر في الصدور والضغائن الراسخة في القلوب.
ثم قبضه الله إليه
حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه
عند الفقد وكان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة وتولى أبو بكر وبعده عمر ثم
عثمان فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا أفعل فقلتم بلى فقلت
لا وقبضت يدي فبسطتموها ونازعتكم فجذبتموها وتداككتم علي تداك الإبل الهيم على
حياضها يوم ورودها ـ حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض فبسطت يدي فبايعتموني
مختارين وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا أن
استأذناني في العمرة والله يعلم أنهما أرادا الغدرة فجددت عليهما العهد في الطاعة
وأن لا يبغيا للأمة الغوائل فعاهداني ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ونقضا عهدي فعجبا
من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين ولو شئت أن أقول
لقلت اللهم اغضب عليهما بما صنعا وظفرني بهما.
وقال عليهالسلام في أثناء كلام آخر ـ:
__________________
وهذا طلحة والزبير
ليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول حين رأيا أن قد رد علينا حقنا بعد أعصر فلم
يصبرا حولا كاملا ولا شهرا كاملا حتى وثبا علي دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي
ويفرقا جماعة المسلمين عني ثم دعا عليهما
وعن سليم بن قيس
الهلالي قال : لما التقى أمير المؤمنين عليهالسلام
بأهل البصرة يوم الجمل
نادى الزبير يا أبا عبد الله اخرج إلي فخرج الزبير ومعه طلحة فقال لهما والله
إنكما لتعلمان وأولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر أن كل أصحاب الجمل
ملعونون على لسان محمد صلىاللهعليهوآله
( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ).
قالا كيف نكون
ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة فقال عليهالسلام
لو علمت أنكم من أهل
الجنة لما استحللت قتالكم فقال له الزبير أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو
يروي أنه سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول عشرة من قريش في
الجنة؟ قال علي عليهالسلام
سمعته يحدث بذلك عثمان في
خلافته فقال الزبير أفترى كذب على رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فقال له علي عليهالسلام
لست أخبرك بشيء حتى تسميهم
قال الزبير أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي
وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن عمرو بن نفيل.
فقال له علي عليهالسلام عددت تسعة فمن العاشر؟ قال له أنت.
قال علي عليهالسلام قد أقررت أني من أهل الجنة وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك
فأنا به من الجاحدين الكافرين قال له أفتراه كذب على رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قال عليهالسلام
ما أراه كذب ولكنه والله
اليقين.
فقال علي عليهالسلام والله إن بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك
من جهنم على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة سمعت ذلك من
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإلا أظفرك الله بي وسفك
دمي على يديك وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دماءكم على يدي وعجل أرواحكم
إلى النار فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي
وروى نصر بن مزاحم
أن أمير المؤمنين عليهالسلام
حين وقع القتال وقتل طلحة
ـ تقدم على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله
الشهباء بين الصفين فدعا
الزبير فدنا إليه حتى اختلف أعناق دابتيهما فقال يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يقول إنك ستقاتل عليا
وأنت له ظالم؟ قال نعم قال فلم جئت؟ قال جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو
يقول :
ترك الأمور التي
تخشى عواقبها
|
|
لله أجمل في
الدنيا وفي الدين
|
أتى علي بأمر
كنت أعرفه
|
|
قد كان عمر أبيك
الخير مذ حين
|
__________________
فقلت حسبك من
عذل أبا حسن
|
|
بعض الذي قلت
هذا اليوم يكفيني
|
فاخترت عارا على
نار مؤججة
|
|
أنى يقوم لها
خلق من الطين
|
نبئت طلحة وسط
النقع منجدلا
|
|
مأوى الضيوف
ومأوى كل مسكين
|
قد كنت أنصر
أحيانا وينصرني
|
|
في النائبات
ويرمي من يراميني
|
حتى ابتلينا
بأمر ضاق مصدره
|
|
فأصبح اليوم ما
يعنيه يعنيني
|
قال وأقبل الزبير
على عائشة فقال يا أمه ما لي في هذا بصيرة وإني منصرف فقالت عائشة يا أبا عبد الله
أفررت من سيوف ابن أبي طالب فقال إنها والله طوال حداد تحملها فتية أنجاد ثم خرج راجعا فمر
بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم فأخبر الأحنف بانصرافه فقال
ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو
يريد اللحاق بأهله فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه وقد كان لحق بالزبير رجل من
كليب ومعه غلامه فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير فحرك الرجلان رواحلهما
وخلفا الزبير وحده فقال لهما الزبير ما لكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة فلما أقبل ابن
جرموز قال له الزبير إليك عني فقال ابن جرموز يا أبا عبد الله إني جئتك لأسألك عن
أمور الناس قال تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف قال ابن جرموز أخبرني عن
أشياء أسألك عنها قال هات.
قال أخبرني عن
خذلك عثمان وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته وعن إخراجك عائشة وعن صلاتك خلف ابنك
وعن هذا الحرب التي جنيتها وعن لحوقك بأهلك.
فقال أما خذلي
عثمان فأمر قدم الله فيه الخطيئة وأخر فيه التوبة ـ وأما بيعتي عليا فلم أجد منها
بدا إذ بايعه المهاجرون والأنصار وأما نقضي بيعته فإنما بايعته بيدي دون قلبي وأما
إخراجي أم المؤمنين فأردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره وأما صلاتي خلف ابني فإن
خالته قدمته فتنحى ابن جرموز عنه وقال قتلني الله إن لم أقتلك.
وروي أنه جيء إلى
أمير المؤمنين برأس الزبير وسيفه فتناول سيفه وقال طالما والله جلا به الكرب عن
وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولكن الحين ومصارع السوء.
وروي أنه عليهالسلام لما مر على طلحة من بين القتلى قال أقعدوه فأقعد فقال إنه
كانت لك سابقة من رسول الله لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار.
وروي أنه عليهالسلام مر عليه فقال هذا ناكث بيعتي والمنشئ للفتنة في الأمة
والمجلب علي الداعي إلى قتلي وقتل عترتي أجلسوا طلحة فأجلس فقال أمير المؤمنين يا
طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال
أضجعوا طلحة وسار فقال له بعض من
__________________
كان معه يا أمير
المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله؟ فقال أما والله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يوم بدر.
وهكذا فعل عليهالسلام بكعب بن شور القاضي لما مر به قتيلا وقال هذا الذي خرج
علينا في عنقه مصحف ـ يزعم أنه ناصر أمه يدعو الناس إلى ما فيه وهو لا يعلم ما فيه ثم استفتح ( وَخابَ
كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله
وروي أن مروان بن
الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به وروي أيضا أن مروان بن الحكم يوم الجمل كان
يرمي بسهامه في العسكرين معا ويقول من أصبت منهما فهو فتح لقلة دينه وتهمته
للجميع.
وقيل إن اسم الجمل
الذي ركبته يوم الجمل عائشة عسكر من ولد إبليس اللعين ورئي منه ذلك اليوم كل عجيب
لأنه كلما بتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى حتى نادى أمير المؤمنين عليهالسلام اقتلوا الجمل فإنه شيطان وتولى محمد بن أبي بكر وعمار بن
ياسر رحمة الله عليهما عقره بعد طول دمائه
وروى الواقدي أن عمار بن ياسر
رحمة الله عليه لما دخل على عائشة فقال ـ كيف رأيت ضرب بنيك على الحق؟ فقالت
استبصرت من أجل أنك غلبت.
فقال عمار أنا أشد
استبصارا من ذلك والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعيفات هجر لعلمنا أنا على الحق
وأنكم على الباطل فقالت عائشة هكذا يخيل إليك يا عمار أذهبت دينك لابن أبي طالب.
وروي عن الباقر عليهالسلام أنه قال : لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال
أمير المؤمنين عليهالسلام
والله ما أراني إلا
مطلقها فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول يا علي أمر نسائي
بيدك من بعدي لما قام فشهد فقال فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا أنهم
سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول لعلي بن أبي طالب يا
علي أمر نسائي بيدك من بعدي.
قال فبكت عائشة
عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي عليهالسلام
لقد أنبأني رسول الله صلىاللهعليهوآله بنبإ فقال إن الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل (
بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ).
وروي عن ابن عباس قال لأمير
المؤمنين عليهالسلام
حين أبت عائشة الرجوع
دعها في البصرة ولا
__________________
ترحلها فقال علي عليهالسلام إنها لا تألو شرا ولكني أردها إلى بيتها.
وروى محمد بن
إسحاق أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير
المؤمنين وكتبت إلى معاوية وأهل الشام مع الأسود بن البختري تحرضهم عليه عليهالسلام وروي أن عمرو بن العاص قال لعائشة ـ لوددت أنك قتلت يوم
الجمل فقالت ولم لا أبا لك؟
قال كنت تموتين
بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكثر للتشنيع على علي عليهالسلام
احتجاج أم سلمة رض زوجة رسول الله على عائشة في
الإنكار عليها بخروجها على علي أمير المؤمنين عليهالسلام
روى الشعبي عن عبد الرحمن بن
مسعود العبدي قال : كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير
__________________
وطلحة والزبير
فأرسلا عبد الله بن الزبير فقالا له إن عثمان قتل مظلوما وإنا نخاف أمر أمة محمد صلىاللهعليهوآله أن يختل فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله أن يرتق بها
فتقا ويشعب بها صدعا.
فخرجنا نمشي حتى
انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا
به إليها فقالت سبحان الله ما أمرت بالخروج وما تحضرني من أمهات المؤمنين إلا أم
سلمة فإن خرجت خرجت معها.
فرجع إليهما
فبلغهما ذلك فقالا ارجع إليها فلتأتها فهي أثقل عليها منا فرجع إليها فبلغها
فأقبلت حتى دخلت أم سلمة فقالت أم سلمة مرحبا بعائشة والله ما كنت لي بزوارة فما
بدا لك؟ قالت قدم طلحة والزبير فخبرا أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما فصرخت أم
سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت يا عائشة بالأمس أنت تشهدين عليه بالكفر وهو
اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما؟ فما تريدين؟ قالت تخرجين معنا فعل الله أن يصلح
بخروجنا أمر أمة محمد (ص).
قالت يا عائشة
تخرجين وقد سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما سمعنا نشدتك بالله يا
عائشة الذي يعلم صدقك إن صدقت أتذكرين يوما كان نوبتك من رسول الله صلىاللهعليهوآله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو صلىاللهعليهوآله يقول والله لا تذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء
بالعراق يقال له الحوأب امرأة من نسائي في فئة باغية فسقط الإناء من يدي فرفع رأسه
إلي وقال ما بالك يا أم سلمة؟ فقلت يا رسول الله صلىاللهعليهوآله
ألا يسقط الإناء من يدي
وأنت تقول ما تقول ما يؤمنني أن أكون هي أنا؟ فضحكت أنت فالتفت إليك فقال صلىاللهعليهوآله مما تضحكين يا حميراء الساقين؟ إني أحسبك هي؟
ونشدتك بالله يا
عائشة أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
من مكان كذا وكذا وهو
بيني وبين علي بن أبي طالب عليهالسلام
يحدثنا فأدخلت جملك فحال
بينه وبين علي فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك وقال أما والله ما يومه منك
بواحدة أما إنه لا يبغضه إلا منافق كذاب وأنشدك بالله أتذكرين مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر وقد كان علي بن أبي
طالب عليهالسلام
يتعاهد ثوب رسول الله صلىاللهعليهوآله ونعله وخفه ويصلح ما وهى منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول
الله وهي حضرمية فهو يخصفها خلف البيت فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا :
يا رسول الله كيف
أصبحت؟
قال أصبحت أحمد
الله.
قالا لا بد من
الموت قال أجل لا بد من الموت.
قالا يا رسول الله
فهل استخلفت أحدا؟ قال ما خليفتي فيكم إلا خاصف النعل.
فخرجا فمرا على علي
بن أبي طالب عليهالسلام
وهو يخصف نعل رسول الله صلىاللهعليهوآله كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه!
ثم قالت أم سلمة
يا عائشة أنا أخرج على علي بعد الذي سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت يا ابن الزبير أبلغهما أني
لست بخارجة من بعد الذي سمعت من أم سلمة فرجع فبلغهما قال فما انتصف الليل حتى
سمعت رغاء إبلهما ترتحل فارتحلت معهما
وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : دخلت أم سلمة بنت أبي أمية على عائشة ـ لما أزمعت
الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي صلىاللهعليهوآله
ثم قالت يا هذه إنك سدة
بين رسول الله وبين أمته وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا
تندحيه وضم ظفرك فلا تنشريه وشد عقيرتك فلا تصحريها إن الله من وراء
هذه الأمة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بل نهى عن الفرطة في
البلاد إن عمود الدين لن يثاب بالنساء إن مال ولا يرأب بهن إن
انصدع جمال النساء غض الأطراف وضم الذيول والأعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله صلىاللهعليهوآله عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل
ومنزل إلى منزل ولغير الله مهواك وعلى رسول الله تردين ـ وقد هتكت عنك سجافه ونكثت
عهده وبالله أحلف أن لو سرت مسيرك ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله
أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي فاتقي الله واجعليه حصنا [ و ] وقاعة الستر منزلا
حتى تلقيه إن أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه وأنصح ما تكونين لله ما لزمته وأنصر
ما تكونين للدين ما قعدت عنه وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة .
فقالت لها عائشة
ما أعرفني بموعظتك وأقبلني نصحك ليس مسيري على ما تظنين ما أنا بالمغترة ولنعم
المطلع تطلعت فيه فرقت بين فئتين متشاجرتين فإن أقعد ففي غير حرج وإن أخرج ففي ما
لا غنى بي عنه من الازدياد في الأجرة.
قال الصادق عليهالسلام فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول :
لو كان معتصما
من زلة أحد
|
|
كانت لعائشة
الرتبى على الناس
|
من زوجة لرسول
الله فاضلة
|
|
وذكر آي من
القرآن مدراس
|
وحكمة لم تكن
إلا لهاجسها
|
|
في الصدر يذهب
عنها كل وسواس
|
يستنزع الله من
قوم عقولهم
|
|
حتى يمر الذي
يقضي على الراس
|
ويرحم الله أم
المؤمنين لقد
|
|
تبدلت لي إيحاشا
بإيناس
|
__________________
فقالت لها عائشة
شتمتني يا أخت؟ فقالت أم سلمة ولكن الفتنة إذا أقبلت غضت عيني البصير وإذا أدبرت
أبصرها العاقل والجاهل
احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام بعد دخوله البصرة
بأيام على من قال من أصحابه إنه ما قسم الفيء فينا بالسوية ولا عدل في الرعية وغير
ذلك من المسائل التي سئل عنها في خطبة خطبها
روى يحيى بن عبد
الله بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام يخطب بالبصرة بعد دخوله بأيام فقام إليه رجل فقال :
يا أمير المؤمنين
أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل البدعة ومن أهل السنة؟
فقال ويحك أما إذا
سألتني فافهم عني ولا عليك أن تسأل عنها أحدا بعدي أما أهل الجماعة فأنا ومن تبعني
وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله تعالى وعن أمر رسوله.
وأهل الفرقة
المخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا.
وأما أهل السنة
فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا.
وأما أهل البدعة
فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا وقد مضى
منهم الفوج الأول وبقيت أفواج وعلى الله قبضها واستيصالها عن جدد الأرض.
فقام إليه عمار
فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله
وولده فيء لنا.
فقام إليه رجل من
بكر بن وائل ويدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال يا أمير المؤمنين
والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت بالرعية.
فقال ولم ويحك؟
قال لأنك قسمت ما
في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية.
فقال أيها الناس
من كانت به جراحة فليداوها بالسمن.
فقال عباد جئنا
نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام
إن كنت كاذبا فلا أماتك
الله حتى يدركك غلام ثقيف قيل ومن غلام ثقيف؟ فقال رجل لا يدع لله حرمة إلا
انتهكها فقيل أفيموت أو يقتل فقال يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره
لكثرة ما يجري من بطنه.
يا أخا بكر أنت
امرؤ ضعيف الرأي أوما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير وأن الأموال كانت
__________________
لهم قبل الفرقة
وتزوجوا على رشدة وولدوا على فطرة وإنما لكم ما حوى عسكركم وما كان في دورهم فهو
ميراث فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بكر لقد
حكمت فيهم بحكم رسول الله صلىاللهعليهوآله
في أهل مكة فقسم ما حوى
العسكر ولم يتعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل.
يا أخا بكر أما
علمت أن دار الحرب يحل ما فيها وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بالحق فمهلا مهلا
رحمكم الله فإن لم تصدقوني وأكثرتم علي وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ
عائشة بسهمه.
فقالوا يا أمير
المؤمنين أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا فنحن نستغفر الله تعالى ونادى الناس من كل
جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد والسداد فقام عباد فقال:
أيها الناس إنكم
والله لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيد شعرة وكيف لا يكون
ذلك وقد استودعه رسول الله صلىاللهعليهوآله
علم المنايا والقضايا
وفصل الخطاب على منهاج هارون وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي فضلا خصه الله به وإكراما منه لنبيه صلىاللهعليهوآله
حيث أعطاه ما لم يعط أحدا
من خلقه.
ثم قال أمير
المؤمنين عليهالسلام
انظروا رحمكم الله ما
تؤمرون فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس فإني حاملكم
إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة وإن كان فيه مشقة شديدة ومرارة عديدة
والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل.
ثم إني أخبركم أن
جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا
منه إلا قليل [ قليلا ] منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم
يعصوا ربهم وأما عائشة فأدركها رأي النساء ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على
الله يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء
عن الأصبغ بن
نباتة قال : كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليهالسلام
يوم الجمل فجاء رجل حتى
وقف بين يديه
__________________
فقال يا أمير
المؤمنين كبر القوم وكبرنا وهلل القوم وهللنا وصلى القوم وصلينا فعلى ما تقاتلهم؟
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
على ما أنزل الله جل ذكره
في كتابه.
فقال يا أمير
المؤمنين عليهالسلام
ليس كل ما أنزل الله في
كتابه أعلمه فعلمنيه.
فقال علي عليهالسلام ما أنزل الله في سورة البقرة فقال يا أمير المؤمنين ليس كل
ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه.
فقال علي عليهالسلام هذه الآية ( تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ
بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ
بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ
مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ
آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ
يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا فقال الرجل كفر القوم ورب
الكعبة ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.
عن المبارك بن
فضالة عن رجل ذكره قال : أتى رجل أمير المؤمنين عليهالسلام
بعد الجمل فقال يا أمير
المؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا هالني من روح قد بانت وجثة قد زالت ونفس قد
فاتت لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى ـ فالله الله ما يجللني من هذا إن يك شرا
فهذا نتلقى بالتوبة وإن يك خيرا ازددنا منه أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه أفتنة
عرضت لك فأنت تنفح الناس بسيفك أم شيء خصك به رسول الله.
فقال عليهالسلام إذن أخبرك إذن أنبئك إذن أحدثك إن ناسا من المشركين أتوا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وأسلموا ثم قالوا لأبي
بكر استأذن لنا على رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى نأتي قومنا فنأخذ
أموالنا ثم نرجع فدخل أبو بكر على رسول الله صلىاللهعليهوآله
فاستأذن لهم فقال عمر يا
رسول الله أنرجع من الإسلام إلى الكفر؟
فقال صلىاللهعليهوآله وما علمك يا عمر أن ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم ثم
إنهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبي فاستأذن لهم
وعنده عمر فقال مثل قوله فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم قال:
والله ما أراكم
تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف
الغنم الشرود.
فقال له أبو بكر
فداك أبي وأمي يا رسول الله أنا هو؟ قال لا قال عمر فمن هو؟ يا رسول الله فأومى
إلي وأنا أخصف نعل رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقال هو خاصف النعل
عندكما ابن عمي وأخي وصاحبي ومبرئ ذمتي والمؤدي عني ديني وعداتي والمبلغ عني
رسالاتي ومعلم الناس من بعدي ومبينهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون فقال الرجل
أكتفي منك بهذا يا أمير المؤمنين ما بقيت فكان ذلك الرجل أشد أصحاب علي عليهالسلام فيما بعد على من خالفه.
__________________
عن ابن عباس رضي
الله عنه قال : لما فرغ علي عليهالسلام
من قتال أهل البصرة وضع
قتبا على قتب ثم صعد عليه فخطب فحمد الله وأثنى عليه فقال:
يا أهل البصرة يا
أهل المؤتفكة يا أهل الداء العضال أتباع البهيمة ـ يا جند المرأة رغا فأجبتم وعقر فهربتم ماؤكم زعاق ودينكم نفاق
وأخلاقكم دقاق ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو
يتوضأ فقال:
يا حسن أسبغ
الوضوء فقال يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله يصلون الخمس ويسبغون الوضوء فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
فقد كان ما رأيت فما منعك
أن تعين علينا عدونا؟
فقال والله
لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي
وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فلما انتهيت إلى موضع من
الخريبة ناداني مناد يا حسن إلى أين؟ ارجع فإن القاتل والمقتول في النار فرجعت
ذعرا وجلست في بيتي فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين
عائشة هو الكفر فتحنطت وصببت علي سلاحي ـ وخرجت أريد القتال حتى انتهيت إلى موضع
من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين؟ ارجع مرة بعد أخرى فإن القاتل
والمقتول في النار.
قال علي عليهالسلام صدقك أفتدري من ذلك المنادي؟ قال لا.
قال عليهالسلام ذاك أخوك إبليس وصدقك أن القاتل والمقتول منهم في النار فقال
الحسن البصري الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى
وعن يحيى الواسطي قال لما افتتح أمير
المؤمنين عليهالسلام
اجتمع الناس عليه وفيهم
الحسن البصري
__________________
ومعه الألواح فكان
كلما لفظ أمير المؤمنين عليهالسلام
بكلمة كتبها فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
بأعلى صوته ما تصنع؟ فقال
نكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم فقال أمير المؤمنين عليهالسلام
أما إن لكل قوم سامري
وهذا سامري هذه الأمة أما إنه لا يقول ( لا مِساسَ ) ولكن يقول لا
قتال.
احتجاجه عليهالسلام على قومه في
الحث على المسير إلى الشام لقتال معاوية وفيما أخذ عليهم من العهد والميثاق
بالطاعة له حال بيعتهم إياه
روي أنه عليهالسلام لما عزم على المسير إلى الشام لقتال معاوية قال بعد حمد
الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوآله
اتقوا الله عباد الله
وأطيعوه وأطيعوا إمامكم فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل ألا وإن الرعية
الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر وقد أصبح معاوية غاصبا لما في يديه من حقي ناكثا
لبيعتي طاغيا في دين الله عز وجل وقد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالأمس
فجئتموني راغبين إلي في أمركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني فالتويت عليكم
لأبلو ما عندكم ـ فراددتموني القول مرارا وراددتكم وتداككتم علي تداك الإبل الهيم
على حياضها حرصا على بيعتي حتى خفت أن يقتل بعضكم بعضا.
فلما رأيت ذلك
منكم رويت في أمركم وأمري وقلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا
منهم يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي وقلت والله لألينهم وهم يعلمون حقي وفضلي
أحب إلي من أن يلوني وهم لا يعرفون حقي وفضلي فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر
المسلمين وفيكم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان فأخذت عليكم عهد بيعتي وواجب
صفقتي عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذ على النبيين من عهد وميثاق لتقرن لي ولتسمعن
لأمري ـ ولتطيعوني وتناصحوني وتقاتلون معي كل باغ علي أو مارق إن مرق فأنعمتم لي
بذلك جميعا وأخذت عليكم عهد الله وميثاقه وذمة الله وذمة رسوله فأجبتموني إلى ذلك
جميعا وأشهدت الله عليكم وأشهدت بعضكم على بعض فقمت فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ينازعني الخلافة ويجحد لي
الإمامة ويزعم أنه أحق بها مني جرأة منه على الله وعلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بغير حق له فيها ولا حجة ولم يبايعه المهاجرون ولا سلم له
الأنصار والمسلمون.
يا معشر المهاجرين
والأنصار وجماعة من سمع كلامي أما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة؟ أما بايعتموني على
الرغبة؟ ـ أما أخذت عليكم العهد بالقبول لقولي؟ أما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة
أبي بكر وعمر فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتى مضيا ونقض علي ولم يف لي أما
يجب عليكم نصحي ويلزمكم أمري أما تعلمون أن بيعتي يلزم الشاهد منكم والغائب فما
بال معاوية وأصحابه طاغون في بيعتي ولم لم يفوا لي وأنا في قرابتي وسابقتي وصهري
أولى بالأمر ممن تقدمني أما سمعتم قول رسول الله يوم الغدير في ولايتي وموالاتي.
فاتقوا الله أيها
المسلمون وتحاثوا على جهاد معاوية القاسط الناكث ـ وأصحابه القاسطين الناكثين
__________________
اسمعوا ما أتلو
عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا فإنه والله أبلغ عظة لكم
فانتفعوا بموعظة الله وازدجروا عن معاصي الله فقد وعظكم الله بغيركم فقال لنبيه صلىاللهعليهوآله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى
الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ
ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا؟ قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ
فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ ) ( وَقالَ لَهُمْ
نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى
يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِنَ الْمالِ؟ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً
فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ
عَلِيمٌ ) .
أيها الناس إن لكم
في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله جعل الخلافة والإمرة من بعد الأنبياء في
أعقابهم وأنه فضل طالوت وقدمه على الجماعة باصطفائه إياه وزيادة بسطة في العلم
والجسم ـ فهل تجدون أن الله اصطفى بني أمية على بني هاشم وزاد معاوية علي بسطة في
العلم والجسم.
واتقوا الله عباد
الله وجاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له قال الله سبحانه : ( لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ
مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) وقال سبحانه ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ
عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ
بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
) .
اتقوا الله عباد
الله وتحاثوا على الجهاد مع إمامكم فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر إذا أمرتهم
أطاعوني وإذا استنهضتهم نهضوا معي لاستغنيت بهم عن كثير منكم وأسرعت النهوض إلى
حرب معاوية وأصحابه فإنه الجهاد المفروض.
ومن كلامه عليهالسلام
يجري مجرى
الاحتجاج مشتملا على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية والتفنيد متضمنا
اللوم والوعيد :
أيها الناس إني
استنفرتكم لجهاد هؤلاء فلم تنفروا وأسمعتكم فلم تجيبوا ونصحت لكم فلم تقبلوا ـ شهودا بالغيب [ كالغيب ] أتلو
عليكم الحكمة فتعرضون عنها وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها كأنكم ( حُمُرٌ
مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم
متفرقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا تضربون الأمثال وتنشدون الأشعار
وتجسسون الأخبار حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأخبار جهلا من غير علم وغفلة من غير
ورع وتتبعا من غير خوف ونسيتم الحرب
__________________
والاستعداد لها
فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها شغلتموها بالأعاليل والأضاليل فالعجب كل العجب وكيف
لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم وتخاذلكم عن حقكم.
يا أهل الكوفة
أنتم كأم مخالد [ مجالد ] حملت فأملصت فمات قيمها وطال أيمها وورثها أبعدها والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن من ورائكم
الأغبر الأدبر جهنم الدنيا ( لا تُبْقِي وَلا
تَذَرُ ) ومن بعده النهاش الفراس الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من
بني أمية عدة ما الآخر منهم بأرق بكم من الأول ما خلا واحدا بلاء قضاه الله
على هذه الأمة لا محالة كائن يقتلون أخياركم ويستعبدون أرذالكم ويستخرجون كنوزكم
وذخائركم في جوف حجالكم نقمة بما صنعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.
يا أهل الكوفة
أخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به من اتعظ واعتبر كأني
بكم تقولون إن عليا يكذب كما قالت قريش لنبيها صلىاللهعليهوآله
وسيدها نبي الرحمة محمد
بن عبد الله فيا ويلكم فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أول من عبده ووحده أم على
رسوله فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره كلا ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء.
والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة لتعلمن نبأها بعد حين وذلك إذ صيركم إليها جهلكم ولا ينفعكم عندها
علمكم فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال .
أما والله أيها
الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواؤهم ما أعز الله نصر
من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم ولا قرت عين من آواكم كلامكم يوهن الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم
عدوكم المرتاب ويحكم أي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور
والله من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب أصبحت لا أطمع في نصرتكم ـ ولا
أصدقكم قولكم فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم وأعقبكم بي من
هو شر لكم مني إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه وإمام أهل الشام يعصي الله وهم
يطيعونه والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم
وأعطاني واحدا منهم والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني فإنها معرفة جرت ندما لقد
وريتم صدري غيظا وأفسدتم علي أمري بالخلاف والعصيان حتى لقد قالت قريش إن عليا رجل
شجاع لكن لا علم له بالحروب لله درهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني وأشد بها
مقاساة لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ثم ها أنا قد ذرفت على
الستين لكن لا أمر لمن لا يطاع أما والله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين
__________________
أظهركم إلى رضوانه
وأن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها وترك يده على رأسه ولحيته عهدا عهده
إلي النبي الأمي ( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) ونجا من ( اتَّقى
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ).
يا أهل الكوفة قد
دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم اغزوهم فإنه ما غزي قوم
في عقر دارهم إلا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واستصعب عليكم أمري (
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا ) حتى شنت عليكم الغارات وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات
تمسيكم وتصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم حيث أخبر الله عز وجل عن الجبابرة
العتاة الطغاة المستضعفين الغواة في قوله تعالى : ( يُذَبِّحُونَ
أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ
عَظِيمٌ ) أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد حل بكم الذي توعدون.
عاتبتكم يا أهل
الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا لي وعاقبتكم
بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف وما كنت
متحريا صلاحكم بفساد نفسي ولكن سيسلط عليكم سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم
صغيركم ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم وليضربنكم وليذلنكم وليجرنكم
في المغازي وليقطعن سبلكم وليجمعنكم على بابه حتى يأكل قويكم ضعيفكم ثم لا يبعد
الله إلا من ظلم ولقل ما أدبر شيء فأقبل وإني لأظنكم على فترة وما علي إلا النصح
لكم.
يا أهل الكوفة
منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذوي أسماع وبكم ذوي ألسن وعمي ذوي أبصار ـ لا إخوان صدق
عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء.
اللهم إني قد
مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير وأمث قلوبهم
كما يماث الملح بالماء أما والله لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى
لقد سئمت الحياة كل ذلك تراجعون بالهزء من القول فرارا من الحق وإلحادا إلى الباطل
الذي لا يعز الله بأهله الدين وإني لأعلم أنكم لا ( تَزِيدُونَنِي غَيْرَ
تَخْسِيرٍ ) كلما أمرتكم بجهاد عدوكم ( اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الْأَرْضِ ) وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول إن قلت لكم في
القيظ سيروا قلتم الحر شديد وإن قلت لكم في البرد سيروا قلتم القر شديد كل ذلك فرارا
عن الحرب
__________________
إذا كنتم عن الحر
والبرد تعجزون فأنتم عن حرارة السيف أعجز فإِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
يا أهل الكوفة قد
أتاني الصريح يخبرني أن ابن عمر [ غامد ] قد نزل الأنبار على أهلها ليلا
في أربعة آلاف فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر فقتل بها عاملي ابن حسان
وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة بوأ الله لهم جنات النعيم وأنه أباحها
ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيهتكون
سترها ويأخذون القناع من رأسها والخرص من أذنها والأوضاح من يديها ورجليها وعضديها
والخلخال والمئزر عن سوقها فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء يا للمسلمين فلا يغيثها
مغيث ولا ينصرها ناصر فلو أن مؤمنا مات دون هذا ما كان عندي ملوما بل كان عندي
بارا محسنا وا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم قد
صرتم غرضا يرمى ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون فتربت
أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب.
احتجاجه عليهالسلام على معاوية
في جواب كتاب كتب إليه في غيره من المواضع وهو من أحسن الحجاج وأصوبها .
أما بعد فقد أتاني
كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوآله
لدينه وتأييده إياه بمن
أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء
الله عندنا ونعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدده
إلى النضال وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمرا إن تم
اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس وما
للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف
طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيها الإنسان
على ظلعك وتعرف قصور ذرعك وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة
__________________
المغلوب ولا لك
ظفر الظافر فإنك لذاهب في التيه رواغ عن القصد ألا ترى غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا
في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصه رسول
الله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى
إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين ولو لا ما نهى
الله عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها
آذان السامعين ـ فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم
عزنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء
ولستم هناك وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله ومنكم
أسد الأحلاف ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار ومنا خير نساء
العالمين ومنكم حمالة الحطب في كثير
__________________
مما لنا عليكم
فإسلامنا ما قد سمع وجاهليتكم لا تدفع وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا وهو قوله تعالى : ( وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وقوله تعالى ( إِنَّ
أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) ـ فنحن مرة أولى
بالقرابة وتارة أولى بالطاعة.
ولما احتج
المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلىاللهعليهوآله
فلجوا عليهم فإن يكن
الفلج به فالحق لنا دونكم وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم .
وزعمت أني لكل
الخلفاء حسدت وعلى كلهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وقلت إني كنت أقاد
كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح
فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا في
يقينه وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.
ثم ذكرت ما كان من
أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى
مقاتلته أم [ أ ] من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه أم من استنصره فتراخى عنه وبث
المنون إليه حتى أتى عليه قدره كلا والله لقد علم ( اللهُ الْمُعَوِّقِينَ
مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ
الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ) وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب
إليه إرشادي وهدايتي له فرب ملوم لا ذنب له وقد يستفيد الظنة المتنصح وما أردت ( إِلاَّ
الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ).
وذكرت أنه ليس لي
ولا لأصحابي عندك إلا السيف ولقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطلب عن
الأعداء ناكلين وبالسيوف مخوفين فالبث قليلا يلحق الهيجا حمل فسيطلبك من
__________________
تطلب ويقرب منك ما
تستبعد وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان شديد
زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم وقد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف
هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك ( وَما هِيَ مِنَ
الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ).
وكتب أيضا عليهالسلام إلى معاوية :
أما بعد فإنا كنا
نحن وأنت على ما ذكرت من الألفة والجماعة ففرق بيننا وبينكم بالأمس أنا آمنا
وكفرتم واليوم أنا استقمنا وفتنتم وما أسلم مسلمكم إلا كرها وبعد أن كان أنف
الإسلام كله لرسول الله حزبا .
وذكرت أني قتلت
طلحة والزبير وشردت بعائشة ونزلت بين المصرين وذلك أمر غبت عنه فلا الجناية عليك ولا العذر فيه إليك
وذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك فإن كان فيك عجل
فاسترفه فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله عز وجل إنما بعثني
للنقمة منك وإن تزرني فكما قال أخو بني أسد :
مستقبلين رياح
الصيف تضربهم
|
|
بحاصب بين أغوار
وأنجاد
|
وعندي السيف الذي
أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد وإنك والله ما علمت الأغلف القلب المقارب للعقل والأولى أن يقال
لك إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك لأنك نشدت في غير ضالتك ورعيت غير سائمتك
وطلبت أمرا لست من أهله ولا في
__________________
معدنه فما أبعد
قولك من فعلك وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمني الباطل على
الجحود بمحمد صلىاللهعليهوآله
فصرعوا بمصارعهم حيث علمت
لم يدفعوا عظيما ولم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغا فلم يماشها الهوينا
وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم
إلي أحملك وإياهم على كتاب الله.
وأما تلك التي
تريد فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال والسلام لأهله.
وكتب عليهالسلام إلى معاوية في كتاب آخر فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة
المتبعة مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى
عباده حجة فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر
لك وخذلته حيث كان النصر له والسلام.
وروى أبو عبيدة قال كتب معاوية
إلى أمير المؤمنين عليهالسلام
أن لي فضائل كثيرة كان
أبي سيدا في الجاهلية وصرت ملكا في الإسلام وأنا صهر رسول الله صلىاللهعليهوآله وخال المؤمنين وكاتب الوحي.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
أبالفضائل يبغي علي ابن
آكلة الأكباد ؟ ـ اكتب إليه يا غلام :
محمد النبي أخي
وصنوي
|
|
وحمزة سيد
الشهداء عمي
|
وجعفر الذي يمسي
ويضحي
|
|
يطير مع
الملائكة ابن أمي
|
وبنت محمد سكني
وعرسي
|
|
مسوط لحمها بدمي
ولحمي
|
وسبطا أحمد
ولداي منها
|
|
فأيكم له سهم
كسهمي
|
سبقتكم إلى
الإسلام طرا
|
|
غلاما ما بلغت
أوان حلمي
|
وصليت الصلاة
وكنت طفلا
|
|
مقرا بالنبي في
بطن أمي
|
وأوجب لي ولايته
عليكم
|
|
رسول الله يوم
غدير خم
|
__________________
فويل ثم ويل ثم
ويل
|
|
لمن يلقى الإله
غدا بظلمي
|
أنا الرجل الذي
لا تنكروه
|
|
ليوم كريهة أو يوم سلم
|
فقال معاوية أخفوا
هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب عليهالسلام.
وروي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : لما قتل عمار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق
كثير وقالوا :
__________________
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله عمار تقتله الفئة الباغية فدخل عمرو على معاوية وقال يا
أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا قال لما ذا؟ قال قتل عمار فقال قتل عمار فما
ذا؟
قال أليس قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
تقتله الفئة الباغية.
فقال معاوية دحضت
في قولك أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي بن أبي طالب عليهالسلام
لما ألقاه بين رماحنا
فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليهالسلام
فقال :
فإذا رسول الله صلىاللهعليهوآله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين.
وكتب عليهالسلام إلى عمرو بن
العاص في أثناء كتاب :
فإنك جعلت دينك
تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته
فاتبعت أثره وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته فأذهبت
دنياك وآخرتك ولو أخذت بالحق أدركت ما طلبت ـ فإن يمكني الله منك ومن ابن أبي
سفيان أخبرتكما بما قدمتما فإن نعجز أو تبقيا فما أمامكما شر لكما والسلام.
وقال عليهالسلام في عمرو وجوابا عما قال فيه عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام
أن في دعابة وأني امرؤ تلعابة أعانس [ أعافس ] وأمارس لقد قال باطلا ونطق آثما أما وشر القول الكذب إنه يقول
فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيحلف [ فيلحف ] ويسأل فيبخل ويخون العهد ويقطع الإل فإذا كان عند
الحرب فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها أكبر مكيدته أن يمنح القوم استه أما والله إني
ليمنعني من اللعب ذكر الموت وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة وإنه لم يبايع
معاوية حتى شرط له أن يؤتيه على البيعة آية [ أتية ] ويرضخ له على ترك الدين رضيخة
__________________
وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية احتجاجا عليه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
من محمد بن أبي
بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر سلام الله على أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله
وأهل ولاية الله.
أما بعد فإن الله
بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف به في قوة ولكنه خلقهم
__________________
عبيدا (
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) وغوي ورشيد ثم اختارهم على علم منه واصطفى وانتجب منهم
محمدا صلىاللهعليهوآله
واصطفاه لرسالته وائتمنه
على وحيه فدعا إلى سبيل ربه ( بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن
أبي طالب عليهالسلام
فصدقه بالغيب المكتوم
وآثره على كل حميم ووقاه من كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف وقد رأيتك تساويه
وأنت أنت وهو هو المبرز والسابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك
تبغضان وتبغيان في دين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نور الله تجمعان الجموع
على ذلك وتبذلان فيه الأموال وتحالفان عليه القبائل.
على ذلك مات أبوك
وعليه خلفته أنت.
فكيف لك الويل
تعدل عن علي وهو وارث علم رسول الله ووصيه وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا
وأنت عدوه وابن عدوه فتمتع بباطلك ما استطعت وتبدد بابن العاص في غوايتك فكأن أجلك
قد انقضى وكيدك قد وهى ثم تستبين لك لمن تكون العاقبة العليا (
وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
فأجابه معاوية هذا
إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله أما بعد:
فقد أتاني كتابك
تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه وذكرت حق علي
وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلىاللهعليهوآله
ونصرته ومواساته إياه في
كل خوف وهول وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك فالحمد لله الذي صرف ذلك
عنك وجعله لغيرك.
وقد كنا وأبوك
معنا في زمن نبينا صلىاللهعليهوآله
نرى حق علي عليهالسلام لازما لنا وسبقه مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه ما عنده
وأتم له ما وعده قبضه الله إليه ـ وكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه على ذلك
واتفقا ثم دعواه على [ إلى ] أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به
العظيم فبايع وسلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قضى
الله من أمرهما ما قضى.
ثم قام بعدهما
ثالثهما يهدي بهداهما ويسير بسيرتهما فعتبه [ فعبته ] أنت وصاحبك حتى طمع فيه
الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكما وكان أبوك مهد مهاده فإن يك ما نحن
فيه صوابا فأبوك أوله وإن يك جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهذا اقتدينا ولو لا ما
سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا
بمثاله فعب أباك أو دعه والسلام على من تاب وأناب.
__________________
احتجاجه عليهالسلام على الخوارج لما حملوه على التحكم ثم أنكروا
عليه ذلك ونقموا عليه أشياء فأجابهم عليهالسلام عن ذلك
بالحجة وبين لهم أن الخطأ من قبلهم بل وإليهم يعود.
روي أن رجلا من
أصحابه قام إليه فقال إنك نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما ندري أي الأمرين
أرشد!!
فصفق عليهالسلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال :
هذا جزاء من ترك
العقدة أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على
المكروه الذي جعل الله فيه خيرا كثيرا فإن استقمتم هديتكم وإن اعوججتم قومتكم وإن أبيتم تداركتكم
لكانت الوثقى ولكن بمن وإلى من أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وهو
يعلم أن ضلعها معها اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي وكلت النزعة
بأشطان الركي .
فقال عليهالسلام وقد خرج إلى
معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة بعد كلام طويل ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف
حيلة وغيلة ومكرا وخديعة إخواننا وأهل دعوتنا
__________________
استقالونا
واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه فالرأي القبول منهم والتنفيس عنهم فقلت لكم هذا أمر
ظاهره إيمان وباطنه عدوان وأوله رحمة وآخره ندامة فأقيموا على شأنكم والزموا
طريقتكم وعضوا على الجهاد بنواجذكم ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق إن أجيب أضل وإن
ترك ذل فلقد كنا مع رسول الله وإن القتل ليدور بين الآباء والأبناء والإخوان
والقرابات فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا ومضيا على الحق وتسليما للأمر
وصبرا على مضض الجراح ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام ـ على ما دخل
فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل فإذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا
ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما سواها.
وقال عليهالسلام في التحكيم :
إنا لم نحكم
الرجال وإنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين
الدفتين لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال ولما أن دعانا
القوم إلى أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله عز وجل وقد
قال الله سبحانه : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ـ ورده إلى الرسول أن نأخذ
بسنته فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به وإذا حكم بسنة رسوله فنحن
أولاهم به .
وأما قولكم لم
جعلت بينك وبينهم أجلا في التحكيم فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل ويتثبت العالم ولعل الله أن
يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة ولا تؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبين
الحق
__________________
وتنقاد لأول الغي .
وروي أن أمير
المؤمنين عليهالسلام
أرسل عبد الله بن العباس
إلى الخوارج وكان بمرأى منهم ومسمع قالوا له في الجواب :
إنا نقمنا يا ابن
عباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة موبقة تدعو إلى النار أما أولها فإنه محا اسمه من
إمرة المؤمنين ثم كتب بينه وبين معاوية فإذا لم يكن أمير المؤمنين ونحن
المؤمنون لسنا نرضى بأن يكون أميرنا.
وأما الثانية فإنه
شك في نفسه حين قال للحكمين انظرا فإن كان معاوية أحق بها فأثبتاه وإن كنت أولى
بها فأثبتاني فإذا هو شك في نفسه ولم يدر أهو المحق أم معاوية فنحن فيه أشد شكا.
والثالثة أنه جعل
الحكم إلى غيره وقد كان عندنا أحكم الناس.
والرابعة أنه حكم
الرجال في دين الله ولم يكن ذلك إليه.
والخامسة أنه قسم
بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة ومنعنا النساء والذرية.
والسادسة أنه كان
وصيا فضيع الوصية.
قال ابن عباس قد
سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم وأنت أحق بجوابهم فقال نعم.
ثم قال يا ابن
عباس قل لهم ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله؟ قالوا نعم.
قال أبدأ على ما
بدأتم به في بدء الأمر.
ثم قال كنت أكتب لرسول
الله صلىاللهعليهوآله
الوحي والقضايا والشروط
والأمان يوم صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو فكتبت:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
هذا ما اصطلح عليه
محمد رسول الله وأبو سفيان صخر بن حرب وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل لا نعرف
الرحمن الرحيم ولا نقر أنك رسول الله ولكنا نحسب ذلك شرفا لك أن
__________________
تقدم اسمك على
أسمائنا ـ وإن كنا أسن منك وأبي أسن من أبيك.
فأمرني رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال اكتب مكان ( بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) باسمك اللهم فمحوت ذلك وكتبت باسمك اللهم ومحوت رسول الله
وكتبت محمد بن عبد الله فقال لي إنك تدعى إلى مثلها فتجيب وأنت مكره .
وهكذا كتبت بيني
وبين معاوية وعمرو بن العاص هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن
العاص فقالا لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أمير المؤمنين وقاتلناك ولكن اكتب علي بن
أبي طالب فمحوت كما محا رسول الله صلىاللهعليهوآله
فإن أبيتم ذلك فقد جحدتم
فقالوا هذه لك خرجت منها.
قال وأما قولكم
إني شككت في نفسي حيث قلت للحكمين انظرا فإن كان معاوية أحق بها مني فأثبتاه فإن
ذلك لم يكن شكا مني ولكن أنصفت في القول قال الله تعالى : ( وَإِنَّا
أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ولم يكن ذلك شكا
وقد علم الله أن نبيه على الحق قالوا وهذه لك.
قال وأما قولكم
إني جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم الناس فهذا رسول الله صلىاللهعليهوآله قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة وقد كان من أحكم الناس
وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فتأسيت برسول الله صلىاللهعليهوآله
قالوا وهذه لك بحجتنا.
قال وأما قولكم
إني حكمت في دين الله الرجال فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله
حكما بين أهله وقد حكم الله الرجال في طائر فقال : ( وَمَنْ قَتَلَهُ
مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ
ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) فدماء المسلمين أعظم من دم طائر قالوا وهذه لك بحجتنا.
قال وأما قولكم
إني قسمت يوم البصرة لما ظفرني الله بأصحاب الجمل الكراع والسلاح ومنعتكم النساء
والذرية فإني مننت على أهل البصرة كما من رسول الله على أهل مكة
فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم ولم نأخذ صغيرا بكبير فأيكم كان يأخذ عائشة في
سهمه ـ قالوا وهذه لك بحجتنا.
قال وأما قولكم
إني كنت وصيا فضيعت الوصية فأنتم كفرتم وقدمتم علي وأزلتم الأمر عني وليس على
الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم إنما يبعث الله الأنبياء صلىاللهعليهوآله
فيدعون إلى أنفسهم وأما
الوصي
__________________
فمدلول عليه مستغن
عن الدعاء إلى نفسه وذلك لمن آمن بالله ورسوله ولقد قال الله جل ذكره : ( وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) فلو ترك الناس
الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم إياه ـ ولكن كانوا يكفرون بتركهم لأن الله تعالى
قد نصبه لهم علما وكذلك نصبني علما حيث قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت مني بمنزلة الكعبة
تؤتى ولا تأتي فقالوا وهذه لك بحجتنا فأذعنوا فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم
يرجعوا ممن كانوا قعدوا عنه فقاتلهم وقتلهم
احتجاجه عليهالسلام في الاعتذار
من قعوده عن قتال من تآمر عليه من الأولين وقيامه إلى قتال من بغى عليه من
الناكثين والقاسطين والمارقين
روي أن أمير
المؤمنين عليهالسلام
كان جالسا في بعض مجالسه
بعد رجوعه من نهروان فجرى الكلام حتى قيل له لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما
حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟
فقال علي عليهالسلام إني كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقي فقام إليه الأشعث
بن قيس فقال يا أمير المؤمنين لم لم تضرب بسيفك ولم تطلب بحقك؟ فقال يا أشعث قد
قلت قولا فاسمع الجواب وعه واستشعر الحجة إن لي أسوة بستة من الأنبياء صلوات الله
عليهم أجمعين.
أولهم نوح حيث قال
رب إني ( مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) فإن قال قائل إنه
قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي أعذر.
وثانيهم لوط حيث
قال : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى
رُكْنٍ شَدِيدٍ ) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي
أعذر.
وثالثهم إبراهيم
خليل الله حيث قال : ( وَأَعْتَزِلُكُمْ
وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي
أعذر.
ورابعهم موسى عليهالسلام حيث قال : ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ
لَمَّا خِفْتُكُمْ ) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي
أعذر.
__________________
وخامسهم أخوه
هارون حيث قال يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي
أعذر.
وسادسهم أخي محمد
خير البشر صلىاللهعليهوآله
حيث ذهب إلى الغار ونومني
على فراشه فإن قال قائل إنه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي أعذر.
فقام إليه الناس
بأجمعهم فقالوا يا أمير المؤمنين قد علمنا أن القول لك ونحن المذنبون التائبون وقد
عذرك الله
وعن إسحاق بن موسى
عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن آبائه عليهمالسلام قال : خطب أمير المؤمنين عليهالسلام
خطبة بالكوفة فلما كان في
آخر كلامه قال ألا وإني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقام إليه أشعث بن
قيس فقال يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلا وقلت والله إني
لأولى الناس بالناس فما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله ولما ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك
دون ظلامتك.
فقال أمير
المؤمنين يا ابن الخمارة قد قلت قولا فاسمع مني والله ما منعني من ذلك إلا عهد أخي
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أخبرني وقال لي يا أبا
الحسن إن الأمة ستغدر بك وتنقض عهدي وإنك مني بمنزلة هارون من موسى فقلت يا رسول
الله فما تعهد إلي إذا كان ذلك كذلك فقال إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم وإن
لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما فلما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه ثم آليت يمينا أني لا أرتدي إلا
للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت ثم أخذته وجئت به فأعرضته عليهم قالوا لا حاجة لنا
به.
ثم أخذت بيد فاطمة
وابني الحسن والحسين ثم درت على أهل بدر وأهل السابقة فأنشدتهم حقي ودعوتهم إلى
نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر ـ وذهب من كنت
أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي وبقيت بين حفيرين قريبي العهد بجاهلية عقيل
والعباس.
فقال له الأشعث
كذلك كان عثمان لما لم يجد أعوانا كف يده حتى قتل.
__________________
فقال له أمير
المؤمنين يا ابن الخمارة ليس كما قست إن عثمان جلس في غير مجلسه وارتدى بغير ردائه
صارع الحق فصرعه الحق والذي بعث محمدا بالحق لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا
لجاهدتهم في الله إلى أن أبلي عذري ثم قال:
أيها الناس إن الأشعث
لا يزن عند الله جناح بعوضة وإنه أقل في دين الله من عفطة عنز
وروى جماعة من أهل
النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال كنت عند أمير المؤمنين بالرحبة فذكرت الخلافة
وتقدم من تقدم عليه فتنفس الصعداء ثم قال :
أما والله لقد
تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل
ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يشيب فيها الصغير
ويهرم فيها الكبير ويكدح فيها
__________________
مؤمن حتى يلقى ربه
فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين
قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى عمر من بعده فيا
عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا
ضرعيها ثم تمثل بقول الأعشى
شتان ما يومي
على كورها
|
|
ويوم حيان أخي
جابر
|
فصيرها في ناحية
خشناء يجفو مسها ويغلظ كلمها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ،
__________________
فصاحبها كراكب
الصعبة ـ إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طول
المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله فجعلها شورى في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى
متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا
وطرت إذ طاروا فصبرت على طول المحنة وانقضاء المدة ـ فمال رجل منهم لضغنه
وصغا الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو
أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى
__________________
أن انتكث عليه
فتله وكبت به بطنته وأجهز عليه عمله فما راعني إلا والناس رسل إلي كعرف الضبع ينثالون علي من
كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي
كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وفسق آخرون كأنهم لم يسمعوا
الله سبحانه وتعالى يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ
الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا
فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) بلى والله لقد
سمعوها ووعوها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها .
أما والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على
أولياء الأمر أن لا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على
غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم عندي أهون من عفطة عنز.
قال فقام إليه رجل
من أهل السواد فناوله كتابا فقطع كلامه فأقبل ينظر إليه فلما فرغ من قراءته.
قال ابن عباس قلت
له يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث أفضيتها قال يا ابن عباس هيهات هيهات
تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
قال ابن عباس فما
أسفت على شيء ولا تفجعت كتفجعي على ما فاتني من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام.
وأمثال هذه
الأخبار من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام
كثيرة أوردنا طرفا منها
للإيجاز والاختصار.
ومما يوضح ما
أثبتناه ما روي عن أم سلمة زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنها قالت :
كنا عند رسول الله
تسع نسوة وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأتيت الباب فقلت أدخل يا
رسول الله ص؟ فقال لا.
__________________
قالت فكبوت كبوة
شديدة مخافة أن يكون ردني من سخط أو نزل في شيء من السماء ـ ثم لم ألبث أن أتيت
الباب ثانية فقلت أدخل يا رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فقال لا فكبوت كبوة أشد من الأولى ثم لم ألبث أن أتيت
الباب ثالثة فقلت أدخل يا رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
فقال ادخلي يا أم
سلمة فدخلت وعلي جاث بين يديه وهو يقول فداك أبي وأمي يا رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني؟ فقال آمرك بالصبر ثم أعاد
عليه القول ثانية فأمره بالصبر ثم أعاد عليه القول ثالثة فأمره بالصبر ثم أعاد
عليه القول رابعة فقال له :
يا علي يا أخي إذا
كان ذلك منهم فسل سيفك وضعه على عاتقك واضرب به قدما حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر
من دمائهم.
ثم التفت إلي وقال
ما هذه الكآبة يا أم سلمة؟ قلت للذي كان من ردك إياي يا رسول الله فقال لي والله
ما رددتك لشيء خبرت من الله ورسوله لكن أتيتني وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون
من بعدي وأمرني أن أوصي بذلك عليا يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب عليهالسلام وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة يا أم سلمة اسمعي واشهدي
هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي اسمعي
واشهدي هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقاتل
الناكثين والمارقين والقاسطين.
قلت يا رسول الله
من الناكثون؟
قال الذين
يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة قلت من القاسطون؟ قال معاوية وأصحابه من أهل
الشام قلت من المارقون؟ قال أصحاب نهروان.
وروي أن أمير
المؤمنين عليهالسلام
قال في أثناء خطبة خطبها
بعد فتح البصرة بأيام.
حاكيا عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قوله يا علي إنك باق بعدي
ومبتلى بأمتي ومخاصم بين يدي الله فأعدد للخصومة جوابا فقلت بأبي وأمي أنت بين لي
ما هذه الفتنة التي أبتلى بها وعلى ما أجاهد بعدك؟ فقال لي إنك ستقاتل بعدي
الناكثة والقاسطة والمارقة وجلاهم وسماهم رجلا رجلا وتجاهد من أمتي كل من خالف
القرآن وسنتي ممن يعمل في الدين بالرأي ولا رأي في الدين إنما هو أمر الرب ونهيه.
فقلت يا رسول الله
فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة.
فقال نعم إذا كان
ذلك كذلك فاقتصر على الهدى إذا قومك عطفوا الهدى على الهوى وعطفوا القرآن على
الرأي فتأولوه برأيهم بتتبع الحجج من القرآن لمشتهيات الأشياء الطارية عند
الطمأنينة إلى الدنيا فاعطف أنت الرأي على القرآن وإذا قومك حرفوا الكلمة عن
مواضعه عند
الأهوال الساهية
والأمراء الطامحة والقادة الناكثة والفرقة القاسطة والأخرى المارقة أهل الإفك
المردي والهوى المطغي والشبهة الخالفة [ الحالقة ] فلا تنكلن عن فضل
العاقبة فإِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
وعن ابن عباس رضي
الله عنه قال : لما نزلت ( يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) إلى آخرها قال النبي صلىاللهعليهوآله لأجاهدن العمالقة يعني الكفار والمنافقين فأتاه جبرئيل فقال
أنت أو علي عليهالسلام
وعن جابر بن عبد
الله الأنصاري قال : إني كنت لأدناهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله في حجة الوداع بمنى فقال لأعرفكم ترجعون بعدي كفارا يضرب
بعضكم رقاب بعض وايم الله لو فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت
إلى خلفه فقال أو علي [ عليا ] أو علي [ عليا ] أو علي [ عليا ] ثلاث مرات فرأينا
على أثر ذلك أن جبرئيل عليهالسلام
غمزه فأنزل الله تعالى
على أثر ذلك : ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ
مُنْتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ
مُقْتَدِرُونَ ) .
وعن ابن عباس أن
عليا عليهالسلام
كان يقول في حياة رسول
الله : إن الله يقول ( وَما مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن
مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت لأني أخوه وابن عمه ووارثه فمن أحق
به مني.
وعن أحمد بن همام
قال أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت يا عبادة أكان الناس على تفضيل
أبي بكر قبل أن يستخلف فقال يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثونا فو
الله لعلي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر ـ كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أحق بالنبوة من أبي جهل قال وأزيدكم إنا كنا ذات يوم عند رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فجاء علي عليهالسلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول الله صلىاللهعليهوآله فدخل أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل علي عليهالسلام على أثرهما فكأنما سفي على وجه رسول الله الرماد ثم قال يا
علي أيتقدمانك هذان وقد أمرك الله عليهما؟
فقال أبو بكر نسيت
يا رسول الله وقال عمر سهوت يا رسول الله.
فقال رسول الله ما
نسيتما ولا سهوتما وكأني بكما قد سلبتماه ملكه وتحاربتما عليه وأعانكما على
__________________
ذلك أعداء الله
وأعداء رسوله وكأني بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف
على الدنيا ـ ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في أقطارها وذلك لأمر قد
قضي ثم بكى رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى سالت دموعه ثم قال يا
علي الصبر الصبر حتى ينزل الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن لك من
الأجر في كل يوم ما لا يحصيه كاتباك فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف القتل القتل
حتى يفيئوا ( إِلى أَمْرِ اللهِ ) وأمر رسوله فإنك
على الحق ومن ناواك على الباطل وكذلك ذريتك من بعدك إلى يوم القيامة.
وعن جعفر بن محمد الصادق
عليهالسلام
عن أبيه عن آبائه عن علي عليهالسلام قال كنت أنا ورسول الله صلىاللهعليهوآله
في المسجد بعد أن صلى
الفجر ثم نهض ونهضت معه وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
إذا أراد أن يتجه إلى
موضع أعلمني بذلك ـ وكان إذا أبطأ في ذلك الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنه لا
يتصابر قلبي على فراقه ساعة واحدة فقال لي أنا متجه إلى بيت عائشة فمضى صلىاللهعليهوآله ومضيت إلى بيت فاطمة الزهراء عليهاالسلام فلم أزل مع الحسن والحسين فأنا وهي مسروران بهما ثم إني
نهضت وسرت إلى باب عائشة فطرقت الباب فقالت من هذا؟ فقلت لها أنا علي فقالت إن
النبي راقد فانصرفت.
ثم قلت النبي راقد
وعائشة في الدار فرجعت وطرقت الباب فقالت لي من هذا؟ فقلت لها أنا علي فقالت إن النبي
صلىاللهعليهوآله
على حاجة فانثنيت مستحييا
من دق الباب ووجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا فرجعت مسرعا فدققت الباب دقا
عنيفا فقالت لي عائشة من هذا؟ فقلت أنا علي ـ فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول يا عائشة افتحي له الباب ففتحت ودخلت فقال لي اقعد يا
أبا الحسن أحدثك بما أنا فيه أو تحدثني بإبطائك عني؟
فقلت يا رسول الله
حدثني فإن حديثك أحسن.
فقال يا أبا الحسن
كنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلما دخلت بيت عائشة وأطلت القعود ليس عندها شيء
تأتي به فمددت يدي وسألت الله القريب المجيب فهبط علي حبيبي جبرئيل عليهالسلام ومعه هذا الطير ووضع إصبعه على طائر بين يديه فقال إن الله
عز وجل أوحى إلي أن آخذ هذا الطير وهو أطيب طعام في الجنة فآتيك به يا محمد فحمدت
الله عز وجل كثيرا ـ وعرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السماء فقلت اللهم يسر عبدا يحبك
ويحبني يأكل معي من هذا الطير فمكثت مليا فلم أر أحدا يطرق الباب فرفعت يدي ثم قلت
اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني وتحبه وأحبه يأكل معي من هذا الطير فسمعت طرق الباب
وارتفاع صوتك فقلت لعائشة أدخلي عليا فدخلت فلم أزل حامدا لله حتى بلغت إلي إذ كنت
تحب الله وتحبني ويحبك الله وأحبك فكل يا علي.
فلما أكلت أنا
والنبي الطائر قال لي يا علي حدثني فقلت يا رسول الله لم أزل منذ فارقتك أنا
وفاطمة والحسن والحسين مسرورين جميعا ثم نهضت أريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي
عائشة من هذا؟ فقلت أنا علي فقالت إن النبي راقد فانصرفت ـ فلما أن صرت إلى بعض
الطريق الذي سلكته رجعت فقلت النبي صلىاللهعليهوآله
راقد وعائشة في الدار لا
يكون هذا فجئت فطرقت الباب فقالت
لي من هذا؟ فقلت
لها أنا علي فقالت إن النبي صلىاللهعليهوآله
على حاجة فانصرفت مستحييا
فلما انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرة وجدت في قلبي ما لا أستطيع عليه
صبرا وقلت النبي صلىاللهعليهوآله
على حاجة وعائشة في الدار
فرجعت فدققت الباب الدق الذي سمعته فسمعتك يا رسول الله وأنت تقول لها أدخلي عليا.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله أبى الله إلا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء ما حملك على هذا؟
قالت يا رسول الله
اشتهيت أن يكون أبي يأكل من هذا الطير فقال لها ما هو بأول ضغن بينك وبين علي وقد
وقفت [ على ما في قلبك ] لعلي إن شاء الله لتقاتلنه.
فقالت يا رسول
الله وتكون النساء يقاتلن الرجال؟
فقال لها يا عائشة
إنك لتقاتلين عليا ـ ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي فيحملونك عليه
وليكونن في قتالك له أمر يتحدث به الأولون والآخرون وعلامة ذلك أنك تركبين الشيطان
ثم تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب
فتسألين الرجوع فتشهد عندك قسامة أربعين رجلا ما هي كلاب الحوأب فتنصرفين إلى بلد
أهله أنصارك وهو أبعد بلاد على الأرض من السماء وأقربها إلى الماء
ولترجعن وأنت صاغرة غير بالغة ما تريدين ويكون هذا الذي يردك مع من يثق به من
أصحابه وإنه لك خير منك له ولينذرنك بما يكون الفراق بيني وبينك في الآخرة وكل من
فرق علي بيني وبينه بعد وفاتي ففراقه جائز.
فقالت يا رسول
الله ليتني مت قبل أن يكون ما تعدني.
فقال لها هيهات
هيهات والذي نفسي بيده ليكونن ما قلت حق كأني أراه.
ثم قال لي قم يا
علي فقد وجبت صلاة الظهر حتى آمر بلالا بالأذان فأذن بلال وأقام وصلى وصليت معه
ولم يزل في المسجد.
احتجاجه عليهالسلام فيما يتعلق
بتوحيد الله وتنزيهه عما لا يليق به من صفات المصنوعين من الجبر والتشبيه والرؤية
والمجيء والذهاب والتغيير والزوال والانتقال من حال إلى حال في أثناء خطبه ومجاري
كلامه ومخاطباته ومحاوراته.
الحمد لله الذي لا
يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعمه العادون ولا يؤدي حقه المجتهدون
__________________
الذي لا يدركه بعد
الهمم ولا يناله غوص الفطن الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا
أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ووتد بالصخور ميدان
أرضه أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال تصديقه توحيده وكمال توحيده
الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير
الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه
فقد جهله ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد
ضمنه ومن قال علام فقد أخلى منه كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمزايلة
__________________
فاعل لا بمعنى
الحركات والآلة بصير إذ لا منظور إليه من خلقه متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا
يستوحش لفقده أنشأ الخلق إنشاء وابتدأه ابتداء بلا روية أجالها ولا
تجربة استفادها ولا حركة أحدثها ولا همامة نفس اضطرب فيها أحال الأشياء لأوقاتها
ولاءم بين مختلفاتها وغرز غرائزها وألزمها أشباحها عالما بها قبل ابتدائها محيطا
بحدودها وانتهائها عارفا بقرائنها وأحنائها .
وقال عليهالسلام في خطبة أخرى :
أول عبادة الله
معرفته وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي الصفات عنه جل أن تحله الصفات
بشهادة العقول أن كل من حلته الصفات فهو مصنوع وشهادة العقول أنه جل جلاله صانع
ليس بمصنوع بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته وبالفكر تثبت حجته جعل
الخلق دليلا عليه فكشف به ربوبيته هو الواحد الفرد في أزليته لا شريك له في إلهيته
ولا ند له في ربوبيته بمضادته بين الأشياء المتضادة علم أن لا ضد له وبمقارنته بين
الأمور المقترنة علم أن لا قرين له.
__________________
وقال عليهالسلام في خطبة أخرى :
دليله آياته
ووجوده إثباته ومعرفته توحيده وتوحيده تمييزه من خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا
بينونة عزلة إنه رب خالق غير مربوب مخلوق كل ما تصور فهو بخلافه.
ثم قال بعد ذلك:
ليس بإله من عرف
بنفسه هو الدال بالدليل عليه والمؤدي بالمعرفة إليه.
وقال عليهالسلام في خطبة أخرى .
لا يشمل بحد ولا
يحسب بعد وإنما تجد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها منعتها منذ القدمة
وحمتها قد الأزلية وجنبتها لو لا التكملة بها تجلى صانعها للعقول ـ وبها امتنع عن
نظر العيون لا تجري عليه الحركة والسكون وكيف يجري عليه ما هو أجراه
ويعود إليه ما هو أبداه ويحدث
__________________
فيه ما هو أحدثه
إذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولكان له وراء إذا وجد له
أمام ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان وإذا لقامت آية المصنوع فيه ولتحول دليلا بعد
أن كان مدلولا عليه وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره الذي لا يحول ولا
يزول ولا يجوز عليه الأفول ( لَمْ يَلِدْ ) فيكون مولودا ( وَلَمْ
يُولَدْ ) فيصير محدودا جل عن اتخاذ الأبناء وطهر عن ملامسة النساء لا تناله
الأوهام فتقدره ولا تتوهمه الفطن فتصوره ولا تدركه الحواس فتحسه ولا تلمسه الأيدي
فتمسه ولا يتغير بحال ولا يتبدل بالأحوال ولا تبليه الليالي والأيام ولا يغيره
الضياء والظلام ولا يوصف بشيء من الأجزاء ولا الجوارح والأعضاء ولا بعرض من
الأعراض ولا بالغيرية والأبعاض ولا يقال له حد ولا نهاية ولا انقطاع ولا غاية ولا
أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه ولا أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله ليس في الأشياء
بوالج ولا عنها بخارج يخبر لا بلسان ولهوات ،
__________________
ويسمع لا بخروق
وأدوات يقول ولا يلفظ ويحفظ ولا يتحفظ ويريد ولا يضمر يحب ويرضى من غير رقة ويبغض
ويغضب من غير مشقة يقول لما أراد كونه ( كُنْ فَيَكُونُ ) لا بصوت يقرع ولا
نداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو
كان قديما لكان إلها ثانيا ولا يقال له كان بعد أن لم يكن فتجري عليه صفات المحدثات
ولا يكون بينه وبينها فصل ولا له عليها فضل فيستوي الصانع والمصنوع ويتكافأ
المبتدع والبديع خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره ولم يستعن على
خلقها بأحد من خلقه.
أنشأ الأرض
فأمسكها من غير اشتغال وأرساها على غير قرار وأقامها بغير قوائم ورفعها بغير دعائم وحصنها من الأود
والاعوجاج ومنعها من التهافت والانفراج أرسى أوتادها وضرب أسدادها واستفاض عيونها وخد أوديتها فلم يهن ما بناه
ولا ضعف ما قواه هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته والباطن لها بعلمه ومعرفته
والعالي على كل شيء منها بجلالته وعزته لا يعجزه شيء منها طلبه ولا يمتنع عليه
فيغلبه ولا يفوته السريع منها فيسبقه ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه ـ خضعت الأشياء
له وظلت مستكينة لعظمته لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره
ولا كفء له فيكافئه ولا نظير له فيساويه هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير
موجودها كمفقودها وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها وكيف
ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف
أشباحها وأجناسها ومتلبدة [ متبلدة ] أممها وأكياسها على إحداث بعوضة
ما قدرت على إحداثها ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك
وتاهت وعجزت قواها وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها ـ مذعنة بالضعف
عن إفنائها.
__________________
وإنه يعود سبحانه
بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها لا
وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان عدمت عند ذلك الآجال والأوقات وزالت السنون
والساعات فلا شيء إلا ( الْواحِدُ
الْقَهَّارُ ) الذي إليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء
خلقها وبغير امتناع منها كان فناؤها ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها لم يتكأده
صنع شيء منها إذ صنعه ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه ولم يكونها لتشديد سلطان
ولا لخوف من زوال ونقصان ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ولا للاحتراز بها من ضد
مساور ولا للازدياد بها في ملكه ولا لمكاثرة شريك في شركته ولا لوحشة كانت منه
فأراد أن يستأنس إليها.
ثم هو ينفيها بعد تكوينها
لا لسأم دخل عليه من تصريفها وتدبيرها ـ ولا لراحة واصلة إليه ولا لثقل شيء منها
عليه لا يمله طول بقائها فيدعوه إلى نزعة [ سرعة ] إفنائها لكنه سبحانه دبرها
بلطفه وأمسكها بأمره وأتقنها بقدرته ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها
ولا استعانة بشيء منها عليها ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استيناس ولا من حال
جهل وعمى إلى حال علم والتماس ولا من فقر ولا حاجة إلى غنى وكثرة ولا من ذل وضعة
إلى عز وقدرة.
ومن خطبة له عليهالسلام :
الحمد لله الذي لا
تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد ولا تراه النواظر ولا تحجبه السواتر
الدال على قدمه بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده وباشتباههم على أن لا شبه له
الذي صدق في ميعاده وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه وعدل عليهم في حكمه
مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته وبما وسمها به من العجز على قدرته وبما اضطرها
إليه من الفناء على دوامه.
واحد لا بعدد
ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة وتشهد له المرائي
لا بمحاضرة لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها وإليها
حاكمها ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما ولا بذي عظم
تناهت به الغايات فعظمته تجسيدا بل كبر شأنا وعظم سلطانا.
ومنها في
الاستدلال عليه تعالى بعجيب خلقه من أصناف الحيوان وغيرها.
ولو فكروا في عظيم
القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ولكن القلوب عليلة
والأبصار مدخولة أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له
السمع والبصر وسوى له العظم والبشر.
__________________
انظروا إلى النملة
في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت
على أرضها وصبت على رزقها تنقل الحبة إلى جحرها وتعدها في مستقرها تجمع في حرها
لبردها وفي ورودها لصدورها مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها لا يغفلها المنان ولا
يحرمها الديان ولو في الصفاء اليابس والحجر الجامس ولو فكرت في مجاري أكلها وفي
علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من
خلقتها عجبا ولقيت من وصفها تعبا فتعالى الذي أقامها على قوائمها وبناها على
دعائمها ولم يشركه في فطرتها فاطر ـ ولم يعنه على خلقها قادر ولو ضربت في مذاهب
فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النحلة لدقيق
تفصيل كل شيء وغامض اختلاف كل حي وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي
والضعيف في خلقه إلا سواء كذلك السماء والهواء والريح والماء.
فانظر إلى الشمس
والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار وتفجر هذه البحار
والأنهار وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات.
فالويل لمن أنكر
المقدر أو جحد المدبر وزعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع ولا لاختلاف صورهم صانع لم
يلجئوا إلى حجة فيما ادعوا ولا تحقيق فيما أوعوا وهل يكون بناء من غير بان أو
جناية من غير جان.
وإن شئت قلت في
الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين وجعل لها السمع الخفي وفتح لها الفم السوي وجعل
لها الحس القوي ونابين بهما تقرض ومنجلين بهما تقبض ترهبها الزراع في زرعهم ولا
يستطيعون ذبها ولو أجمعوا بجمعهم حتى ترد الحرث من نزواتها وتقضي منه شهواتها
وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة.
فتبارك الله الذي
يسجد له ( مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً ) ويعفر له خدا ووجها ويلقي بالطاعة له سلما وضعفا ويعطي له
القيادة رهبة وخوفا والطير مسخرة لأمره أحصى عدد الريش منها والنفس وأرسى قوائمها
على الندى واليبس قدر أقواتها وأحصى أجناسها فهذا غراب وهذا عقاب وهذا حمام وهذا
نعام دعا كل طائر باسمه وكفل برزقه وأنشأ السحاب الثقال فأهل [ فأهطل ] ديمها وعدد
قسمها فبل الأرض بعد جفوفها وأخرج نبتها بعد جدوبها
وروي أنه وفد وفد
من بلاد الروم إلى المدينة على عهد أبي بكر وفيهم راهب من رهبان النصارى فأتى مسجد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومعه بختي موقر ذهبا وفضة
وكان أبو بكر حاضرا وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار.
فدخل عليهم وحياهم
ورحب بهم وتصفح وجوههم ثم قال:
أيكم خليفة رسول
الله وأمين دينكم؟
فأومي إلى أبي بكر
فأقبل إليه بوجهه ثم قال:
أيها الشيخ ما
اسمك؟ قال عتيق قال ثم ما ذا؟ قال صديق قال ثم ما ذا؟ قال لا أعرف لنفسي اسما غيره.
فقال لست بصاحبي.
فقال له وما حاجتك؟
قال أنا من بلاد الروم جئت منها ببختي موقر ذهبا وفضة لأسأل أمين هذه الأمة مسألة
إن أجابني عنها أسلمت وبما أمرني أطعت وهذا المال بينكم فرقت وإن عجز عنها رجعت
إلى الوراء بما معي ولم أسلم.
فقال له أبو بكر
سل عما بدا لك.
فقال الراهب والله
لا أفتح الكلام ما لم تؤمني من سطوتك وسطوة أصحابك.
فقال أبو بكر أنت
آمن وليس عليك بأس قل ما شئت.
فقال الراهب
أخبرني عن شيء ـ ليس لله ولا من عند الله ولا يعلمه الله.
فارتعش أبو بكر
ولم يحر جوابا فلما كان بعد هنيئة قال لبعض أصحابه ائتني بأبي حفص عمر فجاء به
فجلس عنده ثم قال :
أيها الراهب سله
فأقبل بوجهه إلى عمر وقال له مثل ما قال لأبي بكر فلم يحر جوابا.
ثم أتي بعثمان
فجرى بين الراهب وعثمان مثل ما جرى بينه وبين أبي بكر وعمر فلم يحر جوابا.
فقال الراهب أشياخ
كرام ذوو فجاج لإسلام ثم نهض ليخرج.
فقال أبو بكر يا
عدو الله لو لا العهد لخضبت الأرض بدمك.
فقام السلمان
الفارسي رضي الله عنه وأتى علي بن أبي طالب عليهالسلام
وهو جالس في صحن داره مع
الحسن والحسين عليهماالسلام وقص عليه القصة.
فقام علي عليهالسلام وخرج ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام حتى أتى المسجد ـ فلما
رأى القوم عليا عليهالسلام
كبروا الله وحمدوا الله
وقاموا إليه أجمعهم فدخل علي عليهالسلام
وجلس فقال أبو بكر أيها
الراهب سله فإنه صاحبك وبغيتك.
فأقبل الراهب
بوجهه إلى علي عليهالسلام
ثم قال يا فتى ما اسمك؟
قال اسمي عند
اليهود إليا وعند النصارى إيليا وعند والدي علي وعند أمي حيدرة قال ما محلك من
نبيكم؟
ـ قال أخي وصهري
وابن عمي لحاً.
قال الراهب أنت
صاحبي ورب عيسى أخبرني عن شيء ليس لله ولا من عند الله ولا يعلمه الله.
قال عليهالسلام على الخبير سقطت!
أما قولك ما ليس
لله فإن الله تعالى أحد ليس له صاحبة ولا ولد.
وأما قولك ولا من
عند الله فليس من عند الله ظلم لأحد.
وأما قولك لا
يعلمه الله ـ فإن الله لا يعلم له شريكا في الملك.
فقام الراهب وقطع
زناره وأخذ رأسه وقبل ما بين عينيه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله وأشهد أنك أنت الخليفة وأمين هذه الأمة ومعدن الدين والحكمة ومنبع عين الحجة
لقد قرأت اسمك في التوراة إليا وفي الإنجيل إيليا وفي القرآن عليا وفي الكتب
السابقة حيدرة ووجدتك بعد النبي وصيا وللإمارة وليا وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك
فأخبرني ما شأنك وشأن القوم؟
فأجابه بشيء فقام
الراهب وسلم المال إليه بأجمعه فما برح علي عليهالسلام
مكانه حتى فرقه في مساكين
أهل المدينة ومحاويجهم وانصرف الراهب إلى قومه مسلما.
وروي أنه اتصل بأمير
المؤمنين عليهالسلام
أن قوما من أصحابه خاضوا
في التعديل والتجريح فخرج حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إن
الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة ـ فعلم
أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأن يعرفهم ما لهم وما عليهم والتعريف لا يكون إلا بالأمر
والنهي والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد والوعد لا يكون إلا بالترغيب
والوعيد لا يكون إلا بالترهيب والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم
والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك ثم خلقهم في داره وأراهم طرفا من اللذات ليستدلوا به
على ما وراءهم من اللذات الخالصة التي لا يشوبها ألم ألا وهي الجنة وأراهم طرفا من
الآلام ليستدلوا به على ما وراءهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة ألا وهي
النار فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها وسرورها ممزوجا بكدرها وهمومها.
قيل فحدث الجاحظ بهذا الحديث فقال
هو جماع الكلام الذي دونه الناس في كتبهم ، وتحاوره بينهم.
__________________
قيل ثم سمع أبو
علي الجبائي بذلك فقال صدق الجاحظ هذا ما لا يحتمله الزيادة والنقصان.
وروي عن علي بن
محمد العسكري عليهالسلام
في رسالته إلى أهل
الأهواز في نفي الجبر والتفويض أنه قال :
روي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنه سأله رجل بعد انصرافه
من الشام فقال :
يا أمير المؤمنين
أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر.
فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
نعم يا شيخ ما علوتم تلعة
ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من عند الله وقدر.
فقال الرجل عند
الله أحتسب عنائي والله ما أرى لي من الأجر شيئا.
فقال علي عليهالسلام بلى فقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم ذاهبون وعلى
منصرفكم وأنتم منقلبون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.
فقال الرجل وكيف
لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا؟
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
لعلك أردت قضاء لازما
وقدرا حتما ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله
والنهي وما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن ولا كان المحسن أولى
بثواب الإحسان من المذنب ولا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن تلك مقالة إخوان
عبدة الأوثان وجنود الشيطان وخصماء الرحمن وشهداء الزور والبهتان وأهل العمى
والطغيان هم قدرية هذه الأمة ومجوسها إن الله تعالى أمر تخييرا وكلف
يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل هزلا ولم ينزل القرآن عبثا ولم
يخلق السماوات ( وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ
ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ).
ثم تلا عليهم ( وَقَضى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) قال فنهض الرجل
مسرورا وهو يقول :
__________________
أنت الإمام الذي
نرجو بطاعته
|
|
يوم النشور من
الرحمن رضوانا
|
أوضحت من ديننا
ما كان ملتبسا
|
|
جزاك ربك عنا
فيه إحسانا
|
وليس معذرة في
فعل فاحشة
|
|
قد كنت راكبها
فسقا وعصيانا
|
كلا ولا قائلا
ناهيه أوقعه
|
|
فيه عبدت إذا يا
قوم شيطانا
|
ولا أحب ولا شاء
الفسوق ولا
|
|
قتل الولي له
ظلما وعدوانا
|
أنى يحب وقد صحت
عزيمته
|
|
على الذي قال
أعلن ذاك إعلانا
|
وروي أن رجلا قال
فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟
قال الأمر بالطاعة
والنهي عن المعصية والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية والمعونة على القربة إليه
والخذلان لمن عصاه والوعد والوعيد والترغيب والترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا
وقدره لأعمالنا ـ وأما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للأعمال.
فقال الرجل فرجت
عني يا امير المؤمنين فرج الله عنك.
وروي أنه سئل عن
القضاء والقدر فقال :
لا تقولوا وكلهم
الله على أنفسهم فتوهنوه ولا تقولوا أجبرهم على المعاصي فتظلموه ولكن قولوا الخير
بتوفيق الله والشر بخذلان الله وكل سابق في علم الله.
وروى أهل السير أن
رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام
فقال:
يا أمير المؤمنين
خبرني عن الله أرأيته حين عبدته؟
فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
لم أك بالذي أعبد من لم
أره.
فقال له كيف رأيته
يا أمير المؤمنين؟
فقال له يا ويلك
لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته العقول بحقائق الإيمان معروف بالدلالات
منعوت بالعلامات لا يقاس بالناس ولا يدرك بالحواس.
فانصرف الرجل وهو
يقول ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ )
وروي أن بعض
الأحبار جاء إلى أبي بكر فقال له أنت خليفة نبي هذه الأمة؟ فقال نعم.
قال فإنا نجد في
التوراة أن خلفاء الأنبياء أعلم أممهم ـ فخبرني عن الله أين هو؟ أفي السماء أم في
الأرض؟
فقال له أبو بكر
في السماء على العرش.
قال اليهودي فأرى
الأرض خالية منه وأراه على هذا القول في مكان دون مكان.
فقال أبو بكر هذا
كلام الزنادقة اعزب عني وإلا قتلتك.
فولى الرجل متعجبا
يستهزئ بالإسلام فاستقبله أمير المؤمنين عليهالسلام
فقال له يا يهودي قد عرفت
ما سألت عنه وما أجبت به وإنا نقول :
إن الله عز وجل
أين الأين فلا أين له وجل عن أن يحويه مكان وهو في كل مكان بغير مماسة
__________________
ولا مجاورة يحيط علما بها ولا يخلق [ يخلو ] شيء من تدبيره تعالى وإني مخبرك بما جاء
في كتاب من كتبكم يصدق ما ذكرته لك فإن عرفته أتؤمن به؟ قال اليهودي نعم قال :
ألستم تجدون في
بعض كتبكم أن موسى بن عمران كان ذات يوم جالسا إذ جاءه ملك من المشرق فقال له من
أين جئت ـ؟ قال من عند الله وجاءه ملك آخر من المغرب فقال له من أين جئت؟ فقال من
عند الله ثم جاءه ملك فقال من أين جئت فقال قد جئتكم من السماء السابعة من عند
الله عز وجل وجاء ملك آخر قال قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند الله عز وجل.
فقال موسى عليهالسلام سبحان من لا يخلو منه مكان ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان.
فقال اليهودي أشهد
أن هذا هو الحق المبين ـ وأنك أحق بمقام نبيك ممن استولى عليه
وروى الشعبي أنه
سمع أمير المؤمنين عليهالسلام
رجلا يقول والذي احتجب
بسبع طباق فعلاه بالدرة ثم قال له:
يا ويلك إن الله
أجل من أن يحتجب عن شيء أو يحتجب عنه شيء سبحان الذي لا يحويه مكان ولا يخفى عليه
شيء في الأرض ولا في السماء!
فقال الرجل فأكفر
عن يميني يا أمير المؤمنين؟
قال لم تحلف بالله
فيلزمك كفارة فإنما حلفت بغيره
وعن أبي عبد الله الصادق
عليهالسلام
قال جاء حبر من الأحبار
إلى أمير المؤمنين عليهالسلام
فقال يا أمير المؤمنين
متى كان ربك؟
فقال له ثكلتك أمك
ومتى لم يكن حتى يقال متى كان كان ربي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ولا
غاية ولا منتهى لغايته انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كل غاية.
فقال يا أمير
المؤمنين أفنبي أنت؟
فقال ويلك إنما
أنا عبد من عبيد محمد
احتجاجه عليهالسلام على اليهود
من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي صلىاللهعليهوآله وكثير من فضائله.
روي عن موسى بن
جعفر عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام عن الحسين بن علي عليهالسلام
قال إن يهوديا من يهود
الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهمالسلام وعرف دلائلهم جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
وفيهم علي بن أبي طالب
وابن عباس وابن مسعود وأبو سعيد الجهني.
__________________
فقال يا أمة محمد
ما تركتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلا أنحلتموها نبيكم فهل تجيبوني عما أسألكم
عنه؟ .
فكاع القوم عنه
فقال علي بن أبي طالب عليهالسلام
نعم ما أعطى الله نبيا
درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلىاللهعليهوآله
وزاد محمدا على الأنبياء
أضعافا مضاعفة.
فقال له اليهودي
فهل أنت مجيبي؟
قال له نعم سأذكر
لك اليوم من فضائل رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما يقر الله به عين
المؤمنين ويكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله صلىاللهعليهوآله
إنه كان إذا ذكر لنفسه
فضيلة قال ولا فخر وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء ولا منتقص لهم ولكن شكرا
لله على ما أعطى محمدا صلىاللهعليهوآله
مثل ما أعطاهم وما زاده
الله وما فضله عليهم.
قال له اليهودي
إني أسألك فأعد له جوابا.
قال له علي عليهالسلام هات.
قال اليهودي هذا آدم
عليهالسلام
أسجد الله له ملائكته فهل
فعل لمحمد شيئا من هذا؟
فقال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم له لم يكن
سجود طاعة وأنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل ولكن اعترافا بالفضيلة ورحمة من
الله له ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن الله عز وجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه
فهذه زيادة يا يهودي.
قال له اليهودي
فإن آدم عليهالسلام
تاب الله عليه بعد خطيئته؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب
أتى قال الله عز وجل ( لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) إن محمدا غير
مواف يوم القيامة بوزر ولا مطلوب فيها بذنب.
قال اليهودي فإن
هذا إدريس رفعه الله عز وجل ( مَكاناً عَلِيًّا ) وأطعمه من تحف
الجنة بعد وفاته.
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن الله جل ثناؤه قال فيه : ( وَرَفَعْنا لَكَ
ذِكْرَكَ ) فكفى بهذا من الله رفعة ولئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد
وفاته فإن محمدا أطعم في الدنيا في حياته بينما يتضور جوعا فأتاه جبرئيل عليهالسلام بجام من الجنة فيه تحفة فهلل الجام وهللت التحفة في يده
وسبحا وكبرا وحمدا فناولها أهل بيته ففعلت الجام مثل ذلك فهم أن يناولها بعض
أصحابه فتناولها جبرئيل عليهالسلام
وقال له كلها فإنها تحفة
من الجنة أتحفك الله بها وإنها
__________________
لا تصلح إلا لنبي
أو وصي نبي فأكل منها صلىاللهعليهوآله
وأكلنا معه وإني لأجد
حلاوتها ساعتي هذه.
قال اليهودي فهذا
نوح عليهالسلام
صبر في ذات الله تعالى
فأعذر قومه إذ كذب؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
صبر في ذات الله عز وجل
فأعذر قومه إذ كذب وشرد وحصب بالحصى وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة فأوحى الله
تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد فأتاه فقال
إني أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها قال صلىاللهعليهوآله إنما بعثت رحمة رب اهد أمتي فإنهم لا يعلمون ويحك يا يهودي
إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القربة وأظهر عليهم شفقة فقال : ( رَبِّ
إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) فقال الله تعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) أراد جل ذكره أن يسليه بذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ولم
تدركه فيهم رقة القرابة ولم ينظر إليهم بعين رحمة.
فقال اليهودي فإن
نوحا دعا ربه فهطلت السماء ( بِماءٍ مُنْهَمِرٍ )؟
قال له عليهالسلام لقد كان كذلك وكانت دعوته دعوة غضب ومحمد صلىاللهعليهوآله هطلت له السماء بماء منهمر رحمة وذلك أنه صلىاللهعليهوآله لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له يا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
احتبس القطر واصفر العود
وتهافت الورق فرفع يده المباركة حتى رئي بياض إبطه وما ترى في السماء سحابة فما
برح حتى سقاهم الله حتى إن الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله
فما يقدر على ذلك من شدة السيل فدام أسبوعا فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا يا
رسول الله تهدمت الجدر واحتبس الركب والسفر فضحك صلىاللهعليهوآله
وقال هذه سرعة ملالة ابن
آدم ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في أصول الشيح ومراتع البقع فرئي حوالي
المدينة المطر يقطر قطرا وما يقع بالمدينة قطرة لكرامته صلىاللهعليهوآله على الله عز وجل.
قال له اليهودي
فإن هذا هود قد انتصر الله له من أعدائه بالريح فهل فعل لمحمد صلىاللهعليهوآله شيئا من هذا؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن الله عز وجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق إذ أرسل عليهم ريحا تذرو
الحصى وجنودا لم يروها فزاد الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوآله
بثمانية ألف ملك وفضله
على هود بأن ريح عاد ريح سخط وريح محمد ريح رحمة قال الله تعالى : ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ
جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً
__________________
وَجُنُوداً
لَمْ تَرَوْها )
قال له اليهودي
فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من ذلك
إن ناقة صالح لم تكلم صالحا ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة ومحمد صلىاللهعليهوآله بينما نحن معه في بعض غزواته إذ هو ببعير قد دنا ثم رغا
فأنطقه الله عز وجل فقال يا رسول الله فلان استعملني حتى كبرت ويريد نحري فأنا
أستعيذ بك منه فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى صاحبه فاستوهبه منه
فوهبه له وخلاه ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها وقد استسلم
للقطع لما زور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت يا رسول الله إن فلانا مني بريء
وإن الشهود يشهدون عليه بالزور وإن سارقي فلان اليهودي.
قال له اليهودي
فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم
الإيمان؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك وأعطي محمد أفضل منه وتيقظ إبراهيم وهو ابن
خمس عشرة سنة ومحمد ابن سبع سنين قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا
والمروة فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته وخبر مبعثه وآياته فقالوا :
يا غلام ما اسمك؟
قال محمد قالوا ما اسم أبيك؟ قال عبد الله.
قالوا ما اسم هذه
وأشاروا بأيديهم إلى الأرض قال الأرض قالوا وما اسم هذه وأشاروا بأيديهم إلى
السماء قال السماء قالوا فمن ربهما قال الله ثم انتهرهم وقال أتشككوني في الله عز
وجل؟
ويحك يا يهودي لقد
تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز وجل مع كفر قومه إذ هو بينهم يستقسمون بالأزلام
ويعبدون الأوثان وهو يقول لا إله إلا الله.
قال له اليهودي ـ فإن
إبراهيم عليهالسلام
حجب عن نمرود بحجب ثلاث؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
حجب عمن أراد قتله بحجب
خمس فثلاثة بثلاثة واثنان فضل قال الله عز وجل وهو يصف أمر محمد صلىاللهعليهوآله : ( وَجَعَلْنا مِنْ
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ) فهذا الحجاب الأول : ( وَمِنْ خَلْفِهِمْ
سَدًّا ) فهذا الحجاب الثاني : ( فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ
لا يُبْصِرُونَ ) فهذا الحجاب الثالث ثم قال ( إِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
حِجاباً مَسْتُوراً ) ـ فهذا الحجاب الرابع ثم قال ( فَهِيَ إِلَى
الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ) فهذه حجب خمس.
قال له اليهودي
فإن هذا إبراهيم قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته؟
__________________
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أتاه مكذب بالبعث بعد
الموت وهو أبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففركه ثم قال يا محمد ( مَنْ
يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فأنطق محمدا بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته فقال : (
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) فانصرف مبهوتا.
قال له اليهودي
فهذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضبا لله عز وجل؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
قد نكس عن الكعبة
ثلاثمائة وستين صنما ونفاها عن جزيرة العرب وأذل من عبدها بالسيف.
قال له اليهودي
فإن إبراهيم قد أضجع ولده ( وَتَلَّهُ
لِلْجَبِينِ ) ؟
فقال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ولقد أعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء ومحمد
أصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف على عمه حمزة أسد الله وأسد رسوله وناصر دينه وقد
فرق بين روحه وجسده فلم يبن عليه حرقة ولم يفض عليه عبرة ولم ينظر إلى موضعه من
قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عز وجل بصبره ـ ويستسلم لأمره في جميع الفعال وقال
صلىاللهعليهوآله
لو لا أن تحزن صفية
لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير ولو لا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك.
قال له اليهودي
فإن إبراهيم عليهالسلام
قد أسلمه قومه إلى الحريق
فصبر فجعل الله عز وجل عليه ( بَرْداً وَسَلاماً ) فهل فعل بمحمد
شيئا من ذلك؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
لما نزل بخيبر سمته
الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله ـ فالسم يحرق إذا
استقر في الجوف كما أن النار تحرق فهذا من قدرته لا تنكره.
قال له اليهودي
فإن هذا يعقوب عليهالسلام
أعظم في الخير نصيبا إذ
جعل الأسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعظم في الخير نصيبا ـ إذ
جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من حفدته.
قال له اليهودي
فإن يعقوب عليهالسلام
قد صبر على فراق ولده حتى
كاد يحرض من الحزن.
__________________
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك حزن يعقوب حزنا بعده تلاق ومحمد صلىاللهعليهوآله قبض ولده إبراهيم عليهالسلام
قرة عينه في حياته منه
فخصه بالاختيار ليعلم له الادخار فقال صلىاللهعليهوآله
يحزن النفس ويجزع القلب
وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ولا نقول ما يسخط الرب في كل ذلك يؤثر الرضا عن
الله عز وجل والاستسلام له في جميع الفعال.
قال له اليهودي
فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة وحبس في السجن توقيا للمعصية وألقي في الجب وحيدا؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
قاسى مرارة الغربة وفراق
الأهل والأولاد والمال ـ مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه فلما رأى الله عز وجل
كآبته واستشعاره والحزن أراه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها وأبان
للعالمين صدق تحقيقها فقال ( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ
اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ ) ولئن كان يوسف عليهالسلام حبس في السجن فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين
وقطع منه أقاربه وذوو الرحم وألجئوه إلى أضيق المضيق ولقد كادهم الله عز ذكره له
كيدا مستبينا إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه ولئن
كان يوسف ألقي في الجب فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال (
لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) ومدحه إليه بذلك
في كتابه.
فقال له اليهودي
فهذا موسى بن عمران آتاه الله عز وجل التوراة التي فيها حكمه؟
قال له علي عليهالسلام فلقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل منه أعطي
محمد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة
وأعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور وأعطي سورة بني إسرائيل وبراءة بصحف إبراهيم
وموسى عليهالسلام
وزاد الله عز وجل محمدا
السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وأعطي الكتاب والحكمة.
قال له اليهودي
فإن موسى ناجاه الله على طور سيناء؟
فقال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ولقد أوحى الله إلى محمد صلىاللهعليهوآله عند سدرة المنتهى ـ فمقامه في السماء محمود وعند منتهى
العرش مذكور.
قال اليهودي فلقد
ألقى الله على موسى بن عمران محبة منه؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك وقد أعطي محمد صلىاللهعليهوآله
ما هو أفضل من هذا لقد
ألقى الله محبة
__________________
منه فمن هذا الذي
يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله به الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال أشهد أن
لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر
الله إلا رفع بذكر محمد صلىاللهعليهوآله
معه.
قال له اليهودي
فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عليهالسلام
عند الله.
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد صلىاللهعليهوآله بأن أوصل إليها اسمه حتى قالت أشهد والعالمون أن محمدا رسول
الله منتظر وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار وبلطف من الله ساقه
إليها ـ وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده حتى رأت في المنام أنه قيل لها إن ما
في بطنك سيد فإذا ولدته فسميه محمدا فاشتق الله له اسما من أسمائه فالله المحمود
وهذا محمد.
قال له اليهودي
فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه ( الْآيَةَ
الْكُبْرى )؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد أرسل إلى فراعنة شتى مثل أبي جهل بن
هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة وأبي البختري والنضر بن الحرث وأبي بن خلف ومنبه ونبيه
ابني الحجاج وإلى الخمسة المستهزءين ـ الوليد بن المغيرة المخزومي والعاص بن وائل
السهمي والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب والحرث بن أبي الطلالة
فأراهم الآيات ( فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ ).
قال له اليهودي
لقد انتقم الله عز وجل لموسى من فرعون؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد صلىاللهعليهوآله من الفراعنة فأما المستهزءون فقال الله : ( إِنَّا
كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم
واحد.
فأما الوليد بن
المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله
حتى أدماه فمات وهو يقول قتلني رب محمد.
وأما العاص بن
وائل السهمي فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر فسقط
فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول قتلني رب محمد.
وأما الأسود بن
عبد يغوث فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به
الشجرة فقال لغلامه امنع هذا عني فقال ما أرى أحدا يصنع شيئا إلا نفسك فقتله وهو
يقول قتلني رب محمد.
__________________
وأما الأسود بن
الحرث فإن النبي صلىاللهعليهوآله
دعا عليه أن يعمي الله
بصره وأن يثكله ولده فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل
بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي فبقي حتى أثكله الله ولده.
وأما الحرث بن أبي
الطلالة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال أنا الحرث
فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول قتلني رب محمد.
وروي أن الأسود بن
الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات
وهو يقول قتلني رب محمد .
كل ذلك في ساعة
واحدة ـ وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقالوا له يا محمد ننتظر
بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك فدخل النبي صلىاللهعليهوآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم فأتاه جبرئيل عن الله
من ساعته فقال :
يا محمد السلام
يقرأ عليك السلام وهو يقول لك : ( فَاصْدَعْ بِما
تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) يعني أظهر أمرك لأهل مكة وادعهم إلى الإيمان قال يا جبرئيل
كيف أصنع بالمستهزءين وما أوعدوني قال له ( إِنَّا كَفَيْناكَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ ) قال يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال كفيتهم وأظهر أمره
عند ذلك.
وأما بقية
الفراعنة قتلوا يوم بدر بالسيف ، فهزم الله الجميع وولوا الدبر.
قال له اليهودي
فإن هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكان تحول ثعبانا؟
قال له علي عليهالسلام لقذد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه فاشتغل عنه وجلس يشرب فطلبه
الرجل فلم يقدر عليه فقال له بعض المستهزءين من تطلب؟ فقال عمرو بن هشام يعني أبا
جهل لي عليه دين قال فأدلك على من يستخرج منه الحقوق؟ قال نعم.
فدله على النبي صلىاللهعليهوآله وكان أبو جهل يقول ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده فأتى
الرجل النبي صلىاللهعليهوآله
فقال ـ يا محمد بلغني أن
بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة وأنا أستشفع بك إليه فقام معه رسول الله صلىاللهعليهوآله فأتى بابه فقال له قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه وإنما
كناه بأبي جهل ذلك اليوم فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه فلما رجع إلى مجلسه قال له
بعض أصحابه فعلت ذلك فرقا
__________________
من محمد ؟ قال ويحكم
اعذروني إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ ـ وعن
يساره ثعبانين تصطك أسنانهما وتلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن
يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان.
هذا أكبر مما أعطي
موسى وزاد الله محمدا ثعبانا وثمانية أملاك معهم الحراب ولقد كان النبي صلىاللهعليهوآله يؤذي قريشا بالدعاء فقام يوما فسفه أحلامهم وعاب دينهم وشتم
أصنامهم وضلل آباءهم فاغتموا من ذلك غما شديدا فقال أبو جهل والله للموت خير لنا
من الحياة فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به؟ قالوا لا قال فأنا أقتله
فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني به وإلا تركوني قالوا إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى
أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به قال إنه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء وسجد
أخذت حجرا فشدخته به.
فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله فطاف بالبيت أسبوعا ثم صلى وأطال السجود فأخذ أبو جهل حجرا
فأتاه من قبل رأسه فلما أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله فاغرا فاه نحوه فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده
وطرح الحجر فشدخ رجله فرجع مدمى متغير اللون يفيض عرقا.
فقال له أصحابه ما
رأيناك كاليوم قال ويحكم اعذروني ـ فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني
فرميت بالحجر فشدخت رجلي.
قال اليهودي فإن
موسى قد أعطي اليد البيضاء فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن نورا كان يضيء عن يمينه حيثما جلس وعن يساره حيثما جلس وكان يراه الناس كلهم.
قال له اليهودي
فإن موسى عليهالسلام
قد ضرب له طريق في البحر
فهل فعل بمحمد شيء من هذا؟
فقال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا خرجنا معه إلى
حنين فإذا نحن بواد يشخب فقدرناه فإذا هو أربع عشرة قامة فقالوا يا رسول الله
العدو وراءنا والوادي أمامنا كما قال أصحاب موسى ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
) فنزل رسول الله ثم قال ـ اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة فأرني قدرتك وركب صلىاللهعليهوآله فعبرت الخيل لا تندى حوافرها والإبل لا تندى أخفافها فرجعنا
فكان فتحنا.
قال له اليهودي
فإن موسى عليهالسلام
قد أعطي الحجر (
فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ).
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
لما نزل الحديبية وحاصره
أهل مكة قد أعطي ما هو أفضل من ذلك وذلك أن أصحابه شكوا إليه الظمأ ـ وأصابهم ذلك
حتى التقت خواصر الخيل ،
__________________
فذكروا له صلىاللهعليهوآله فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها فتفجرت من بين
أصابعه عيون الماء فصدرنا وصدرت الخيل رواء وملأنا كل مزادة وسقاء.
ولقد كنا معه بالحديبية
فإذا ثم قليب جافة فأخرج عليهالسلام
سهما من كنانته فناوله
البراء بن عازب وقال له اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها ففعل
ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم.
ولقد كان يوم
الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته كحجر موسى حيث دعا بالميضاة ـ فنصب يده فيها
فغاضت الماء وارتفع حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم وسقوا دوابهم
وحملوا ما أرادوا.
قال اليهودي فإن
موسى عليهالسلام
أعطي ( الْمَنَّ
وَالسَّلْوى ) فهل أعطي لمحمد نظير هذا.
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن الله عز وجل أحل له الغنائم ولأمته ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله فهذا أفضل
من المن والسلوى ثم زاده أن جعل النية له ولأمته بلا عمل عملا صالحا ـ ولم يجعل
لأحد من الأمم ذلك قبله فإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها
كتبت له عشرة.
قال له اليهودي إن
موسى عليهالسلام
قد ظلل عليه الغمام؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك وقد فعل ذلك بموسى في التيه وأعطي محمد صلىاللهعليهوآله أفضل من هذا إن الغمامة كانت تظله من يوم ولد إلى يوم قبض
في حضره وأسفاره فهذا أفضل مما أعطي موسى.
قال له اليهودي
فهذا داود عليهالسلام
قد لين الله له الحديد
فعمل منه الدروع؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
قد أعطي ما هو أفضل من
هذا إنه لين الله له الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا ولقد غارت الصخرة
تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين وقد رأينا ذلك
والتمسناه تحت رايته.
قال له اليهودي
هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبل معه لخوفه.
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز [ أزيز ] كأريز [ كأزيز ] المرجل
على الأثافي من شدة البكاء وقد آمنه الله عز وجل من عقابه فأراد أن يتخشع لربه ببكائه
فيكون إماما لمن اقتدى به ولقد قام صلىاللهعليهوآله
عشر سنين على أطراف
__________________
أصابعه حتى تورمت
قدماه واصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل : ( طه ما
أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) بل لتسعد به ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه ـ فقيل له يا
رسول الله أليس الله غفر لك ( ما تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ )؟ قال بلى أفلا أكون عبدا شكورا.
ولئن سارت الجبال
وسبحت معه لقد عمل بمحمد صلىاللهعليهوآله
ما هو أفضل من هذا إذ كنا
معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له قر فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق شهيد
فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من
بعضه فقال له النبي صلىاللهعليهوآله
ما يبكيك يا جبل فقال يا
رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار ( وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجارَةُ ) ـ وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة قال له لا تخف تلك
الحجارة الكبريت فقر الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله (ص).
قال له اليهودي
فإن هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده؟
فقال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله وهو ميكائيل فقال له يا محمد عش ملكا
منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك ـ ويسير معك جبالها ذهبا وفضة ولا ينقص لك مما
ادخر لك في الآخرة شيء فأومى إلى جبرئيل وكان خليله من الملائكة فأشار عليه أن
تواضع فقال له بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين وألحق بإخواني من
الأنبياء فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر وأعطاه الشفاعة وذلك أعظم من ملك الدنيا
من أولها إلى آخرها سبعين مرة ووعده المقام المحمود فإذا كان يوم القيامة أقعده
الله عز وجل على العرش فهذا أفضل مما أعطي سليمان.
قال له اليهودي
فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده ( غُدُوُّها شَهْرٌ
وَرَواحُها شَهْرٌ )؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إنه سري به ( مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى ) مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام
في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش فدَنا بالعلم ( فَتَدَلَّى ) من الجنة رفرف
أخضر وغشي النور بصره فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده ولم يرها بعينه ( فَكانَ ) كقاب (
قَوْسَيْنِ ) بينه وبينها ( أَوْ أَدْنى ـ ) ( فَأَوْحى ) الله ( إِلى
عَبْدِهِ ما أَوْحى ) وكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله : ( لِلَّهِ
ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ
تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
وكانت الآية قد
عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليهالسلام
إلى أن بعث الله تبارك
وتعالى محمدا وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها وقبلها رسول الله وعرضها
على أمته فقبلوها فلما رأى
__________________
الله تبارك وتعالى
منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام
ليفهمه فقال : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ
رَبِّهِ ) فأجاب صلىاللهعليهوآله مجيبا عنه وعن أمته : ( وَالْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) فقال جل ذكره لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
أما إذا فعلت ذلك
بنا فغُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ يعني المرجع في الآخرة.
قال فأجابه الله
عز وجل قد فعلت ذلك بك وبأمتك ثم قال عز وجل أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما
فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك حق علي أن أرفعها عن
أمتك وقال : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها
لَها ما كَسَبَتْ ) من خير ( وَعَلَيْها مَا
اكْتَسَبَتْ ) من شر فقال النبي صلىاللهعليهوآله
لما سمع ذلك ـ أما إذا
فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني قال سل قال ( رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ) قال الله عز وجل لست أؤاخذ أمتك بالنسيان والخطإ لكرامتك
علي وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب وقد دفعت
ذلك عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا أخطئوا أخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه وقد رفعت
ذلك عن أمتك لكرامتك علي.
فقال صلىاللهعليهوآله اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني قال الله تبارك وتعالى له سل
قال ( رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما
حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) يعني بالإصر
الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا فأجابه الله عز وجل إلى ذلك وقال تبارك
اسمه قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلا
في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا
وطهورا فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم
السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم وقد جعلت الماء لأمتك طهورا
فهذا من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة تحمل
قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته
فرجع مسرورا ومن لم أقبل منه ذلك رجع مثبورا وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها ـ فمن قبلت
ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا
وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الآصار التي كانت على الأمم من كان من قبلك وكانت
الأمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار وهي من الشدائد
التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وفرضت صلاتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات
نشاطهم.
وكانت الأمم
السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار التي كانت عليهم
فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة وجعلت لهم أجر
خمسين صلاة وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة وهي من الآصار التي
كانت
__________________
عليهم فرفعتها عن
أمتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة
فلم يعملها لم تكتب له وإن عملها كتبت له حسنة وإن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة فلم
يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرة ـ وهي من الآصار التي كانت عليهم
فرفعتها عن أمتك وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه
وإن عملها كتبت عليه سيئة وإن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة
وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.
وكانت الأمم
السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم
بعد التوبة أحب الطعام إليهم وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم
وجعلت عليهم ستورا كثيفة وقبلت توبتهم بلا عقوبة ولا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب
الطعام إليهم وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم إلى الله من الذنب الواحد مائة سنة
أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة وهي
من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك وإن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو
ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة عين فأغفر ذلك كله.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله إذا أعطيتني ذلك كله فزدني قال سل ـ قال ( رَبَّنا
وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) قال تبارك اسمه قد فعلت ذلك بأمتك وقد رفعت عنهم عظم بلايا
الأمم وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم فقال النبي صلىاللهعليهوآله ( وَاعْفُ
عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا ) قال الله عز وجل
قد فعلت ذلك بتائبي أمتك ثم قال صلىاللهعليهوآله
( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) قال الله جل اسمه
إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود هم القادرون وهم القاهرون
يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك علي وحق علي أن أظهر دينك على الأديان ـ حتى لا
يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك ويؤدون إلى أهل دينك الجزية.
قال اليهودي فإن
هذا سليمان سخرت له الشياطين ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما
يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ).
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ولقد أعطي محمد صلىاللهعليهوآله
أفضل من هذا إن الشياطين
سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها ـ ولقد سخرت لنبوة محمد صلىاللهعليهوآله الشياطين بالإيمان فأقبل إليه من الجنة التسعة من أشرافهم
واحد من جن نصيبين والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم شضاه ومضاه والهملكان
والمرزبان والمأزمان ونضاه وهاضب وهضب وعمرو وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم :
( وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ
الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) وهم التسعة ،
__________________
فأقبل إليه الجن والنبي
صلىاللهعليهوآله
ببطن النخل فاعتذروا
بأنهم ( ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ
اللهُ أَحَداً ) ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم ـ فبايعوه على الصوم
والصلاة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين واعتذروا بأنهم قالوا ( عَلَى
اللهِ شَطَطاً ) وهذا أفضل مما أعطي سليمان فسبحان من سخرها لنبوة محمد صلىاللهعليهوآله بعد أن كانت تتمرد وتزعم أن لله ولدا ولقد شمل مبعثه من
الجن والإنس ما لا يحصى.
قال له اليهودي
هذا يحيى بن زكريا عليهالسلام
يقال إنه أوتي الحكم صبيا
والحلم والفهم ـ وإنه كان يبكي من غير ذنب وكان يواصل الصوم؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من هذا
إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية ومحمد صلىاللهعليهوآله أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان فلم
يرغب لهم في صنم قط ولم ينشط لأعيادهم ولم ير منه كذب قط وكان أمينا صدوقا حليما
وكان يواصل الصوم الأسبوع والأقل والأكثر فيقال له في ذلك فيقول إني لست كأحدهم
إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني وكان يبكي صلىاللهعليهوآله
حتى تبتل مصلاه خشية من
الله عز وجل من غير جرم.
قال له اليهودي
فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم ( فِي الْمَهْدِ
صَبِيًّا )؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
سقط من بطن أمه واضعا يده
اليسرى على الأرض ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد وبدا من فيه
نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام وما يليها والقصور الحمر من أرض اليمن وما
يليها والقصور البيض من إصطخر وما يليها ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي صلىاللهعليهوآله حتى فزعت الجن والإنس والشياطين وقالوا حدث في الأرض حدث ـ ولقد
رئي الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس وتضطرب النجوم وتتساقط علامة
لميلاده.
ولقد هم إبليس
بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة وكان له مقعد في السماء
الثالثة والشياطين يسترقون السمع فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا
هم قد حجبوا من السماوات كلها ـ ورموا بالشهب دلالة لنبوته صلىاللهعليهوآله.
قال له اليهودي
فإن عيسى عليهالسلام
يزعمون أنه قد أبرأ
الأكمه والأبرص بإذن الله؟
فقال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أعطي ما هو أفضل من ذلك
أبرأ ذا العاهة من عاهته وبينما هو جالس صلىاللهعليهوآله
إذ سأل عن رجل من أصحابه
فقالوا يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه فأتاه صلىاللهعليهوآله فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء فقال له قد كنت تدعو في
صحتك دعاء؟ قال نعم كنت أقول يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فاجعلها
لي
__________________
في الدنيا ـ فقال
له النبي صلىاللهعليهوآله
ألا قلت اللهم ( آتِنا فِي
الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ) فقالها الرجل
فكأنما نشط من عقال وقام صحيحا وخرج معنا.
ولقد أتاه رجل من
جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه صلىاللهعليهوآله
فأخذ قدحا من ماء فتفل
عليه ثم قال امسح جسدك ففعل فبرأ حتى لم يوجد عليه شيء ـ ولقد أتي النبي بأعرابي
أبرص فتفل صلىاللهعليهوآله
من فيه عليه فما قام من
عنده إلا صحيحا.
ولئن زعمت أن عيسى
أبرأ ذا العاهات من عاهاتهم فإن محمدا صلىاللهعليهوآله
بينما هو في أصحابه إذ هو
بامرأة فقالت يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت كلما أتيته بطعام وقع
عليه التثاؤب فقام النبي صلىاللهعليهوآله
وقمنا معه فلما أتيناه
قال له جانب يا عدو الله ولي الله فأنا رسول الله فجانبه الشيطان فقام صحيحا وهو
معنا في عسكرنا.
ولئن زعمت أن عيسى
أبرأ العميان فإن محمدا قد فعل ما هو أكبر من ذلك إن قتادة بن ربيع كان رجلا صحيحا
فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده ثم
أتى بها إلى النبي صلىاللهعليهوآله
فقال يا رسول الله إن
امرأتي الآن تبغضني فأخذها رسول الله من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا
بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الأخرى ولقد جرح عبد الله بن عبيد وبانت يده يوم
حنين فجاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله
فمسح عليه يده فلم تكن
تعرف من اليد الأخرى ـ ولقد أصاب محمد بن مسلم يوم كعب بن أشرف مثل ذلك في عينه
ويده فمسحه رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلم تستبينا ولقد أصاب
عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الأخرى فهذه كلها دلالة
لنبوته صلىاللهعليهوآله.
قال له اليهودي
فإن عيسى يزعمون أنه أحيا ( الْمَوْتى بِإِذْنِ
اللهِ )؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في
جمودها ـ ولا روح فيها لتمام حجة نبوته ولقد كلمه الموتى من بعد موتهم واستغاثوه
مما خافوا تبعته ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال ما هاهنا من بني النجار أحد
وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي وكان شهيدا ولئن زعمت أن
عيسى كلم الموتى فلقد كان لمحمد ما هو أعجب من هذا إن النبي لما نزل بالطائف وحاصر
أهلها بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم فنطق الذراع منها فقالت يا رسول الله لا
تأكلني فإني مسمومة فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله على
المنكرين لنبوته فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي .
ولقد كان رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يدعو بالشجرة فتجيبه ـ وتكلمه
البهيمة وتكلمه السباع وتشهد له بالنبوة وتحذرهم عصيانه فهذا أكثر مما أعطي عيسى عليهالسلام.
__________________
قال له اليهودي إن
عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد كان له أكثر من هذا إن عيسى أنبأ قومه
بما كان من وراء الحائط ومحمد أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ووصف حربهم ومن استشهد منهم وبينه وبينهم
مسيرة شهر وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء فيقول صلىاللهعليهوآله تقول أو أقول فيقول بل قل يا رسول الله فيقول جئتني في كذا
وكذا حتى يفرغ من حاجته ـ ولقد كان ص يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من
أسرارهم شيئا.
منها ما كان بين
صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب إذ أتاه عمير فقال جئت في فكاك ابني فقال له كذبت
بل قلت لصفوان بن أمية وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم والله للموت
أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد بنا وهل حياة بعد أهل القليب فقلت أنت لو لا
عيالي ودين علي لأرحتك من محمد فقال صفوان علي أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع
بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر فقلت أنت فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله
فجئت لقتلي فقال صدقت يا رسول الله فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله
وأشباه هذا مما لا يحصى.
قال له اليهودي
فإن عيسى يزعمون أنه خلق ( مِنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) فنفخ فيه فكان ( طَيْراً بِإِذْنِ
اللهِ )؟
فقال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ـ ومحمد صلىاللهعليهوآله
قد فعل ما هو شبيه لهذا
إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا ثم قال للحجر انفلق فانفلق ثلاث
فلق يسمع [ نسمع ] لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للأخرى ولقد بعث إلى شجرة يوم
البطحاء فأجابته ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس ثم قال لها انشقي فانشقت نصفين
ثم قال لها التزقي فالتزقت ثم قال لها اشهدي بالنبوة فشهدت ثم قال لها ارجعي إلى
مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت وكان موضعها حيث الجزارين بمكة.
قال له اليهودي
فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد كانت سياحته في الجهاد ـ واستنفر في عشر
سنين ما لا يحصى من حاضر وباد وأفنى فئاما من العرب من منعوت بالسيف
لا يداري بالكلام ولا ينام إلا عن دم ولا يسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه.
قال له اليهودي
فإن عيسى يزعمون أنه كان زاهدا؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله
أزهد الأنبياء عليهمالسلام كان له ثلاث عشرة زوجة
__________________
سوى من يطيف به من
الإماء ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام ولا أكل خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير
ثلاث ليال متواليات قط توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله
ودرعه مرهونة عند يهودي
بأربعة دراهم ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد ومكن له من غنائم
العباد ـ ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلاثمائة ألف وأربعمائة ألف ويأتيه
السائل بالعشي فيقول والذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير ولا
صاع من بر ولا درهم ولا دينار.
قال له اليهودي
فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا
درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلىاللهعليهوآله
وزاد محمدا على الأنبياء
أضعاف ذلك درجات.
فقال ابن عباس لعلي
بن أبي طالب عليهالسلام
أشهد يا أبا الحسن أنك من
الراسخين في العلم.
فقال ويحك وما لي
لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عز وجل في عظمته فقال ( وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
احتجاجه عليهالسلام ـ على بعض ـ اليهود
ـ وغيره في أنواع شتى من العلوم
عن صالح بن عقبة عن الصادق عليهالسلام قال : لما هلك أبو بكر واستخلف عمر خرج عمر إلى المسجد فقعد
فدخل عليه رجل فقال يا أمير المؤمنين إني رجل من اليهود وأنا علامتهم وقد أردت أن
أسألك عن مسائل إن أخبرتني بها أسلمت قال وما هي؟ قال ثلاث وثلاث وواحدة فإن شئت
سألتك وإن كان في القوم أحد أعلم منك فأرشدني قال عليك بذاك الشاب يعني علي بن أبي
طالب (ع).
فأتى عليا عليهالسلام فسأل فقال له قلت ثلاثا وثلاثا وواحدة ألا قلت سبعا قال إني
إذا لجاهل إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت قال فإن أجبتك تسلم؟ قال نعم ـ قال سل قال
أسألك عن أول حجر وضع على وجه الأرض وأول عين نبعت وأول شجرة نبتت؟
قال يا يهودي أنتم
تقولون أول حجر وضع على وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس وكذبتم هو الحجر الأسود
الذي نزل مع آدم عليهالسلام
من الجنة.
__________________
قال صدقت والله
إنه لبخط هارون وإملاء موسى (ع).
قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
وأما العين فأنتم تقولون
إن أول عين نبعت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وكذبتم وهي عين الحياة التي
غسل فيها النون موسى وهي العين التي شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلا حي قال
صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال علي عليهالسلام وأما الشجرة فأنتم تقولون إن أول شجرة نبتت على وجه الأرض
الزيتون وكذبتم وهي العجوة نزل بها آدم عليهالسلام
من الجنة قال صدقت والله
إنه لبخط هارون وإملاء موسى عليهالسلام.
قال والثلاث
الأخرى كم لهذه الأمة من إمام هدى لا يضرهم من خذلهم ـ؟
قال اثنا عشر
إماما قال صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال وأين يسكن
نبيكم من الجنة؟ قال أعلاها درجة وأشرفها مكانا في جنات عدن قال صدقت والله إنه
لبخط هارون وإملاء موسى.
قال فمن ينزل معه
في منزله؟
قال اثنا عشر
إماما قال صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى.
قال قد بقيت
السابعة.
قال كم يعيش وصيه
بعده؟ قال ثلاثين سنة.
قال ثم هو يموت أو
يقتل؟ ـ قال يضرب على قرنه فتخضب لحيته قال صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى
ثم أسلم وحسن إسلامه.
وعن أصبغ بن نباتة
قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليهالسلام
فجاء ابن الكواء فقال :
يا أمير المؤمنين
من البيوت في قول الله عز وجل : ( وَلَيْسَ الْبِرُّ
بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) .
قال علي عليهالسلام نحن البيوت التي أمر الله بها أن تؤتى من أبوابها نحن باب
الله وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى (
الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى (
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ).
__________________
فقال يا أمير
المؤمنين ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ
كُلًّا بِسِيماهُمْ )؟
فقال علي عليهالسلام نحن أصحاب الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ونحن الأعراف يوم
القيامة بين الجنة والنار ولا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلا
من أنكرنا وأنكرناه وذلك بأن الله عز وجل لو شاء عرف للناس نفسه حتى يعرفوه وحده
ويأتوه من بابه ولكنه جعلنا أبوابه وصراطه وبابه الذي يؤتى منه فقال فيمن عدل عن
ولايتنا وفضل علينا غيرنا فإنهم ( عَنِ الصِّراطِ
لَناكِبُونَ ) .
وعن الأصبغ بن
نباتة أيضا قال : أتى ابن الكواء أمير المؤمنين فقال :
والله إن في كتاب
الله آية اشتدت على قلبي ـ ولقد شككت في ديني.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
ثكلتك أمك وعدمتك ما هي؟
قال قول الله
تبارك وتعالى : ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) فما هذا الصف؟ وما هذه الطيور؟ وما هذه الصلاة؟ وما هذا
التسبيح؟
فقال علي عليهالسلام ويحك يا ابن الكواء إن الله خلق الملائكة على صور شتى ألا
وإن لله ملكا في صورة ديك أبح أشهب براثنه في الأرضين السفلى وعرفه مثنى تحت عرش
الرحمن له جناح بالمشرق من نار وجناح بالمغرب من ثلج فإذا حضر وقت كل صلاة قام على
براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديكة في منازلكم فلا
الذي من نار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج يطفئ النار ثم ينادي أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد النبيين وأن وصيه خير
الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال فتصفق الديكة بأجنحتها في منازلكم بنحو
من قوله وهو قول الله تعالى ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) من الديكة في الأرض.
وعن الأصبغ بن
نباتة أيضا قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليهالسلام
فقال أخبرني عن بصير
بالليل وبصير بالنهار وعن أعمى بالليل وأعمى بالنهار وعن أعمى بالليل بصير بالنهار
وعن أعمى بالنهار بصير بالليل؟
فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
ويلك سل عما يعنيك ولا
تسأل عما لا يعنيك ويلك أما بصير بالليل وبصير بالنهار فهو رجل آمن بالرسل والأوصياء
الذين مضوا وبالكتب والنبيين وآمن بالله ونبيه محمد صلىاللهعليهوآله
وأقر لي بالولاية فأبصر
في ليله ونهاره.
وأما أعمى بالليل
أعمى بالنهار فرجل جحد الأنبياء والأوصياء والكتب التي مضت وأدرك النبي فلم يؤمن
به ولم يقر بولايتي فجحد الله عز وجل ونبيه صلىاللهعليهوآله
فعمي بالليل وعمي بالنهار.
__________________
وأما بصير بالليل
أعمى بالنهار ـ فرجل آمن بالأنبياء والكتب وجحد النبي صلىاللهعليهوآله وأنكر حقي فأبصر بالليل وعمي بالنهار.
وأما أعمى بالليل
وبصير بالنهار فرجل جحد الأنبياء الذين مضوا والأوصياء والكتب وأدرك محمدا صلىاللهعليهوآله فآمن بالله وبرسوله محمد صلىاللهعليهوآله
وآمن بإمامتي وقبل ولايتي
فعمي بالليل وأبصر بالنهار.
ويلك يا ابن
الكواء فنحن بنو أبي طالب بنا فتح الله الإسلام وبنا يختمه.
قال الأصبغ فلما نزل
أمير المؤمنين عليهالسلام
من المنبر تبعته فقلت يا
سيدي يا أمير المؤمنين قويت قلبي بما بينت.
فقال لي يا أصبغ
من شك في ولايتي فقد شك في إيمانه ومن أقر بولايتي فقد أقر بولاية الله عز وجل
ولايتي متصلة بولاية الله كهاتين وجمع بين إصبعيه يا أصبغ من أقر بولايتي فقد فاز
ومن أنكر ولايتي فقد خاب وخسر وهوى في النار ـ ومن دخل في النار لبث ( فِيها
أَحْقاباً )
وعن الأصبغ أيضا
قال : قام ابن الكواء إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام
وهو على المنبر فقال :
يا أمير المؤمنين
أخبرني عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ وأخبرني عن قرنيه أمن ذهب كان أم من فضة؟
فقال لم يكن نبيا
ولا ملكا ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة ولكنه كان عبدا أحب الله فأحبه الله ونصح
لله فنصح الله له وإنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه إلى الله عز وجل فضربوه على
قرنه فغاب عنهم حيا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر وفيكم مثله
عن الصادق عن
آبائه عليهمالسلام أن أمير المؤمنين كان ذات يوم جالسا في الرحبة والناس حوله
مجتمعون فقام إليه رجل فقال :
__________________
يا أمير المؤمنين
أنت بالمكان الذي أنزلك الله به وأبوك معذب في النار؟
فقال له علي بن
أبي طالب مه فض الله فاك والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه
الأرض لشفعه الله فيهم أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار والذي بعث محمدا
بالحق نبيا إن نور أبي يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق كلهم إلا خمسة أنوار نور محمد
صلىاللهعليهوآله
ونوري ونور الحسن ونور
الحسين ونور تسعة من ولد الحسين فإن نوره من نورنا خلقه الله تعالى قبل أن يخلق آدم
عليهالسلام
بألفي عام
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
احتجاجه عليهالسلام على من قال بزوال
الأدواء بمداواة الأطباء دون الله سبحانه وعلى من قال بأحكام النجوم من المنجمين
وغيرهم من الكهنة والسحرة.
وبالإسناد المقدم
ذكره عن أبي محمد العسكري عن علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام أنه قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام
قاعدا ذات يوم فأقبل إليه
رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب فقال له :
يا أبا الحسن
بلغني خبر صاحبك وأن به جنونا وجئت لأعالجه فلحقته قد مضى لسبيله وفاتني ما أردت
من ذلك وقد قيل لي إنك ابن عمه وصهره وأرى بك صفارا قد علاك وساقين دقيقين ولما
أراهما تقلانك فأما الصفار فعندي دواؤه وأما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي
لتغليظهما والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره ـ وفيما تحمله على ظهرك
وتحتضنه بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل
انقصافهما وأما الصفار فدواؤه عندي وهو هذا وأخرج دواءه وقال :
__________________
هذا لا يؤذيك ولا
يخيسك ولكنه تلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ثم يزيل صفارك.
فقال له علي بن
أبي طالب عليهالسلام
قد ذكرت نفع هذا الدواء
لصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره؟ فقال الرجل بلى حبة من هذا وأشار إلى دواء
معه وقال إن تناوله إنسان وبه صفار أماته من ساعته وإن كان لا صفار به صار به صفار
حتى يموت في يومه.
فقال علي عليهالسلام فأرني هذا الضار فأعطاه إياه.
فقال له كم قدر
هذا قال قدره مثقالين سم ناقع قدر كل حبة منه يقتل رجلا.
فتناوله علي عليهالسلام فقمحه وعرق عرقا خفيفا وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه الآن أوخذ
بابن أبي طالب ويقال قتلته ولا يقبل مني قولي إنه هو الجاني على نفسه.
فتبسم علي بن أبي
طالب عليهالسلام
وقال يا عبد الله أصح ما
كنت بدنا الآن لم يضرني ما زعمت أنه سم.
ثم قال فغمض عينيك
فغمض ثم قال افتح عينيك ففتح ونظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليهالسلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل لما رآه وتبسم علي
عليهالسلام
وقال أين الصفار الذي
زعمت أنه بي؟
فقال والله لكأنك
لست من رأيت قبل كنت مضارا [ مصفارا ] ـ فإنك الآن مورد.
فقال علي عليهالسلام فزال عني الصفار الذي تزعم أنه قاتلي.
وأما ساقاي هاتان
ومد رجليه وكشف عن ساقيه فإنك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل
عليه لئلا ينقصف الساقان وأنا أريك أن طب الله عز وجل على خلاف طبك وضرب بيده إلى
أسطوانة خشب عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه وفوقه حجرتان إحداهما فوق
الأخرى وحركها فاحتملها فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان فغشي على اليوناني.
فقال علي عليهالسلام صبوا عليه ماء فصبوا عليه ماء فأفاق وهو يقول والله ما رأيت
كاليوم عجبا.
فقال له علي عليهالسلام هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما أفي طبك هذا يا يوناني.
فقال اليوناني أمثلك
كان محمد؟
فقال علي عليهالسلام وهل علمي إلا من علمه وعقلي إلا من عقله وقوتي إلا من قوته
ولقد أتاه ثقفي وكان أطب العرب فقال له :
إن كان بك جنون
داويتك؟
__________________
فقال له محمد صلىاللهعليهوآله أتحب أن أريك آية تعلم بها غناي من طبك وحاجتك إلى طبي؟ قال
نعم.
قال أي آية تريد؟
قال تدعو ذلك
العذق وأشار إلى نخلة سحوق فدعاه فانقلع أصلها من الأرض وهي تخد الأرض خدا حتى
وقفت بين يديه.
فقال له أكفاك؟
قال لا.
قال فتريد ما ذا
قال تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه.
فأمرها فرجعت
واستقرت في مقرها.
فقال اليوناني لأمير
المؤمنين عليهالسلام
هذا الذي تذكره عن محمد صلىاللهعليهوآله غائب عني وأنا أريد أن أقتصر منك على أقل من ذلك أتباعد عنك
فادعني وأنا لا أختار الإجابة فإن جئت بي إليك فهي آية.
قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
إنما يكون آية لك وحدك
لأنك تعلم من نفسك أنك لم ترده وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا أو ممن
أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلى اختيارك وإن لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله
القاهرة وأنت يا يوناني يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول إني واطأتك على ذلك
فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين.
قال له اليوناني
إن جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها وتباعد ما
بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت.
فقال علي عليهالسلام هذه آية وأنت رسولي إليها يعني إلى النخلة فقل لها إن وصي
محمد رسول الله يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد.
فذهب فقال لها ذلك
فتفاصلت وتهافتت وتنثرت وتصاغرت أجزاؤها حتى لم ير لها عين ولا أثر حتى كأن لم تكن
هناك نخلة قط.
فارتعدت فرائص
اليوناني وقال يا وصي محمد رسول الله قد أعطيتني اقتراحي الأول فأعطني الآخر
فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت فقال أنت رسولي إليها فعد فقل لها يا أجزاء النخلة
إن وصي محمد رسول الله يأمرك أن تجتمعي كما كنت وأن تعودي.
فنادى اليوناني
فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى
تصور لها القضبان والأوراق وأصول السعف وشماريخ الأعذاق ثم تألفت وتجمعت وتركبت
واستطالت وعرضت واستقر أصلها في مقرها وتمكن عليها ساقها وتركب على الساق قضبانها
وعلى القضبان أوراقها وفي أمكنتها أعذاقها وكانت في الابتداء شماريخها متجردة لبعدها
من أوان الرطب والبسر والخلال.
فقال اليوناني
وأخرى أحب أن تخرج شماريخها أخلالها وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ
لتأكل وتطعمني ومن حضرك منها.
فقال علي عليهالسلام أنت رسولي إليها بذلك فمرها به.
فقال لها اليوناني
ما أمره أمير المؤمنين عليهالسلام
فأخلت وأبسرت واصفرت
واحمرت وترطبت وثقلت أعذاقها برطبها.
فقال اليوناني
وأخرى أحبها أن تقرب من بين يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها وأحب شيء إلي أن تنزل
إلي إحداهما وتطول يدي إلى الأخرى التي هي أختها.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
مد اليد التي تريد أن
تنالها وقل يا مقرب البعيد قرب يدي منها واقبض الأخرى التي تريد أن ينزل العذق
إليها وقل يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها.
ففعل ذلك فقاله
فطالت يمناه فوصلت إلى العذق وانحطت الأعذاق الأخر فسقطت على الأرض وقد طالت
عراجينها.
ثم قال أمير
المؤمنين عليهالسلام
إنك إن أكلت منها ولم
تؤمن بمن أظهر لك من عجائبها عجل الله عز وجل إليك من العقوبة التي يبتليك بها ما
يعتبر به عقلاء خلقه وجهاله.
فقال اليوناني إني
إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرض للهلاك ـ أشهد أنك من
خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن الله فأمرني بما تشاء أطعك.
قال علي عليهالسلام آمرك أن تقر لله بالوحدانية وتشهد له بالجود والحكمة وتنزهه
عن العبث والفساد وعن ظلم الإماء والعباد وتشهد أن محمدا الذي أنا وصيه سيد الأنام
وأفضل رتبة في دار السلام وتشهد أن عليا الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما
أولاك خير خلق الله بعد محمد رسول الله وأحق خلق الله بمقام محمد صلىاللهعليهوآله بعده وبالقيام بشرائعه وأحكامه وتشهد أن أولياءه أولياء
الله وأعداءه أعداء الله وأن المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك المساعدين لك على
ما أمرتك به خير أمة محمد صلىاللهعليهوآله
وصفوة شيعة علي.
وآمرك أن تواسي
إخوانك المطابقين لك على تصديق محمد صلىاللهعليهوآله
وتصديقي والانقياد له ولي
مما رزقك الله وفضلك على من فضلك به منهم تسد فاقتهم وتجبر كسرهم وخلتهم ومن كان
منهم في درجتك في الإيمان ساويته من مالك بنفسك ومن كان منهم فاضلا عليك في دينك
آثرته بمالك على نفسك حتى يعلم الله منك أن دينه آثر عندك من مالك وأن أولياءه
أكرم عليك من أهلك وعيالك.
وآمرك أن تصون
دينك وعلمنا الذي أودعناك وأسرارنا التي حملناك ولا تبد علومنا لمن يقابلها
بالعناد ويقابلك من أهلها بالشتم واللعن والتناول من العرض والبدن ولا تفش سرنا
إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا ولا تعرض أولياءنا لبوادر الجهال.
وآمرك أن تستعمل
التقية في دينك فإن الله عز وجل يقول : ( لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقاةً ) وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن لجأك الخوف إليه وفي
إظهار البراءة منا إن حملك الوجل عليه وفي ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت على
حشاشتك الآفات والعاهات فإن تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك لا
ينفعهم ولا يضرنا وإن إظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا ولئن
تبرأت منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها
ومالها الذي به قيامها وجاهها الذي به تماسكها وتصون من عرف بذلك وعرفت به من
أوليائنا وإخواننا من بعد ذلك بشهور وسنين ـ إلى أن يفرج الله تلك الكربة وتزول به
تلك الغمة فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك وتنقطع به عن عمل الدين وصلاح إخوانك
المؤمنين وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودم إخوانك
معرض لنعمتك ونعمهم على الزوال مذل لك ولهم في أيدي أعداء دين الله وقد أمرك الله
بإعزازهم فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك وإخوانك أشد من ضرر المناصب لنا
الكافر بنا
وعن سعيد بن جبير قال : استقبل أمير
المؤمنين عليهالسلام
دهقان من دهاقين الفرس
فقال له بعد التهنية :
يا أمير المؤمنين تناحست
النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم
الاختفاء ويومك هذا صعب قد اتصلت فيه كوكبان وانقدح من برجك النيران وليس لك الحرب
بمكان فقال أمير المؤمنين عليهالسلام
ويحك يا دهقان المنبئ
بالآثار والمحذر من الأقدار؟ ما قصة صاحب الميزان؟ وقصة صاحب السرطان؟ وكم المطالع
من الأسد؟ والساعات في
__________________
المحركات؟ وكم بين
السراري والذراري؟
قال سأنظر وأومى
بيده إلى كمه وأخرج منه أصطرلابا ينظر فيه.
فتبسم علي عليهالسلام وقال أتدري ما حدث البارحة وقع بيت بالصين وانفرج برج ماجين
ـ وسقط سور سرنديب وانهزم بطريق الروم بإرمينية وفقد ديان اليهود بأيلة وهاج النمل
بوادي النمل وهلك ملك إفريقية أكنت عالما بهذا؟
قال لا يا أمير
المؤمنين.
فقال البارحة سعد
سبعون ألف عالم وولد في كل عالم سبعون ألفا والليلة يموت مثلهم وهذا منهم وأومى
بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه الله وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير
المؤمنين عليهالسلام
فظن الملعون أنه يقول
خذوه فأخذ بنفسه فمات فخر الدهقان ساجدا فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام ألم أروك من عين التوفيق؟
قال بلى يا أمير
المؤمنين.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنا وأصحابي لا شرقيون
ولا غربيون ـ نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك وأما قولك انقدح من برجك النيران فكان
الواجب عليك أن تحكم لي به لا علي أما نوره وضياؤه فعندي وأما حريقه ولهبه فذاهب
عني وهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا.
وروي أنه عليهالسلام لما أراد المسير إلى الخوارج قال له بعض أصحابه إن سرت في
هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.
فقال عليهالسلام أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء
وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن واستغنى
عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه ـ وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن
يوليك الحمد دون ربه لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن
الضر.
أيها الناس إياكم
وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنه يدعو إلى الكهانة المنجم كالكاهن
والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار سيروا على اسم الله وعونه ومضى
فظفر بمراده صلوات الله عليه.
احتجاجه عليهالسلام على زنديق
جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض
والاختلاف فيه وعلى أمثاله في أشياء أخرى.
جاء بعض الزنادقة
إلى أمير المؤمنين علي عليهالسلام
وقال له لو لا ما في
القرآن من الاختلاف والتناقض
لدخلت في دينكم.
فقال له عليهالسلام وما هو؟
قال قوله تعالى ( نَسُوا
اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) وقوله ( فَالْيَوْمَ
نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) وقوله ( وَما كانَ
رَبُّكَ نَسِيًّا ) وقوله ( يَقُومُ الرُّوحُ
وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ
وَقالَ صَواباً ) ـ وقوله ( وَاللهِ رَبِّنا ما
كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وقوله تعالى ( يَوْمَ الْقِيامَةِ
يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) وقوله ( إِنَّ
ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) وقوله ( لا تَخْتَصِمُوا
لَدَيَ ) وقوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ
عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا
يَكْسِبُونَ ) وقوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) وقوله ( لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) وقوله ( وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) وقوله ( لا
تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) الآيتين وقوله ( ما كانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً ) وقوله ( كَلاَّ
إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) وقوله ( هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) وقوله ( بَلْ هُمْ
بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) وقوله ( فَأَعْقَبَهُمْ
نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) وقوله ( فَمَنْ
كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ) وقوله ( وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) وقوله ( وَنَضَعُ
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) وقوله ( فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) .
فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
فأما قوله تعالى : ( نَسُوا
اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) إنما يعني ( نَسُوا اللهَ ) في دار الدنيا لم
يعملوا بطاعته ( فَنَسِيَهُمْ ) في الآخرة أي لم
يجعل لهم من ثوابه شيئا فصاروا منسيين من الخير وكذلك تفسير قوله عز وجل : (
فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) يعني بالنسيان
أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه والذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين
آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب.
وأما قوله ( وَما كانَ
رَبُّكَ نَسِيًّا ) فإن ربك تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل
بل هو الحفيظ العليم وقد تقول العرب نسينا فلان فلا يذكرنا أي إنه لا يأمر لهم
بخير ولا يذكرهم به
__________________
قال علي عليهالسلام وأما قوله عز وجل : ( يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ
الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) وقوله ( وَاللهِ رَبِّنا ما
كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وقوله عز وجل ( يَوْمَ الْقِيامَةِ
يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) وقوله عز وجل يوم
القيامة ( إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ
) وقوله ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ
إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ) وقوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ
عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا
يَكْسِبُونَ ) فإن ذلك في مواطن غير واحد ـ من مواطن ذلك اليوم الذي ( كانَ
مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد ( يَكْفُرُ ) أهل المعاصي
بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا والكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرأ بعضهم من بعض
ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : ( إِنِّي كَفَرْتُ بِما
أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) وقول إبراهيم خليل الرحمن ( كَفَرْنا بِكُمْ ) يعني تبرأنا منكم.
ثم يجتمعون في
مواطن أخر يبكون فيها فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لأزالت جميع الخلق
عن معايشهم وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع
ويفضوا إلى الدماء.
ثم يجتمعون في
مواطن أخر فيستنطقون فيه فيقولون ( وَاللهِ رَبِّنا ما
كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلا ينفعهم
إيمانهم بالله لمخالفتهم رسله وشكهم فيما أتوا به عن ربهم ونقضهم عهودهم في
أوصيائهم واستبدالهم ( الَّذِي هُوَ أَدْنى
بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) ـ فكذبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان بقوله : ( انْظُرْ
كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) فيختم الله على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود
فتشهد بكل معصية كانت منهم ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون ( لِجُلُودِهِمْ
لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
).
ثم يجتمعون في
موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظم البلاء فذلك
قوله عز وجل : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) الآية.
ثم يجتمعون في
موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه فلا يتكلم أحد ( إِلاَّ
مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ) فيقام الرسل
فيسألون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلى أممهم وتسأل الأمم فتجحد كما قال الله
تعالى ( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ
إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) فيقولون ( ما جاءَنا
مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ) فتستشهد الرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله
فيشهد بصدق الرسل وتكذيب
من جحدها من الأمم فيقول لكل أمة منهم بلى ( فَقَدْ جاءَكُمْ
بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي مقتدر على
شهادة جوارحكم عليكم ـ بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم كذلك قال الله لنبيه ( فَكَيْفَ
إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) فلا يستطيعون رد
شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون
ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهده وتغييرهم سنته
واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على أدبارهم واحتذائهم في
ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم : ( رَبَّنا
غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالمينَ ).
ثم يجتمعون في
موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلىاللهعليهوآله
وهو المقام المحمود ـ فيثني
على الله بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا
أثنى عليه محمد ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد قبله ثم يثني على كل
مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم الصالحين فيحمده أهل السماوات وأهل
الأرضين فذلك قوله تعالى ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) فطوبى لمن كان له في ذلك المكان حظ ونصيب وويل لمن لم يكن
له في ذلك المقام حظ ولا نصيب.
ثم يجتمعون في
موطن آخر ويزال بعضهم عن بعض وهذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان
بما لديه نسأل الله بركة ذلك اليوم.
قال علي عليهالسلام وأما قوله ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدها [ بعد ما
] يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه ويشربون من آخر فتبيض
وجوههم فيذهب عنهم كل أذى وقذى ووعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون
إلى ربهم كيف يثيبهم ومنه يدخلون الجنة فذلك قول الله عز وجل في تسليم الملائكة
عليهم : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها
خالِدِينَ ) فعند ذلك قوله تعالى أثيبوا بدخول الجنة والنظر إلى ما
وعدهم الله عز وجل فلذلك قوله تعالى ( إِلى رَبِّها
ناظِرَةٌ ) والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ألم تسمع إلى قوله
تعالى : ( فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) أي منتظرة بم
يرجع المرسلون وأما قوله ( وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) ـ يعني محمدا كان
عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عز وجل وقوله في آخر الآية : ( ما زاغَ
الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) رأى جبرئيل في
صورته مرتين هذه مرة ومرة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل خلق عظيم فهو من الروحانيين
الذين لا يدرك خلقهم ولا صفتهم إلا الله رب العالمين.
قال علي عليهالسلام وأما قوله ( ما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) كذلك قال الله تعالى قد كان الرسول يوحي إليه رسل من
السماء فتبلغ رسل السماء إلى الأرض وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير
أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا جبرئيل هل رأيت ربك؟ فقال جبرئيل إن ربي لا يرى.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله من أين تأخذ الوحي؟ قال آخذه من إسرافيل قال ومن أين يأخذه
إسرافيل؟ قال يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين قال ومن أين يأخذ ذلك الملك قال
يقذف في قلبه قذفا.
فهذا وحي وهو كلام
الله عز وجل وكلام الله ليس بنحو واحد منه ما كلم الله به الرسل ومنه ما قذف في
قلوبهم ومنه رؤيا يراها الرسل ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله عز وجل.
قال علي عليهالسلام وأما قوله : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ
عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) فإنما يعني به
يوم القيامة عن
ثواب ربهم
لمحجوبون وقوله تعالى ( هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ
بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) يخبر محمدا عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله
ولرسوله فقال : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ
الْمَلائِكَةُ ) وحيث لم يستجيبوا لله ولرسوله : ( أَوْ
يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) يعني بذلك العذاب
يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى فهذا خبر يخبر به النبي صلىاللهعليهوآله عنهم ثم قال : ( يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ
قَبْلُ ) الآية يعني لم تكن آمنت من قبل أن تأتي هذه الآية وهذه
الآية هي طلوع الشمس من مغربها وقال في آية أخرى ( فَأَتاهُمُ اللهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) يعني أرسل عليهم عذابا وكذلك إتيانه بنيانهم حيث قال : ( فَأَتَى
اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ ) يعني أرسل عليهم العذاب.
قال علي عليهالسلام وأما قوله عز وجل : ( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ
رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) وقوله ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) وقوله ( إِلى يَوْمِ
يَلْقَوْنَهُ ) وقوله ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ) يعني البعث فسماه
لقاء كذلك قوله ( مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ
أَجَلَ اللهِ لَآتٍ ) يعني من كان يؤمن أنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب
والعقاب فاللقاء هو البعث وكذلك ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون.
قال علي عليهالسلام وأما قوله عز وجل : ( وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) يعني تيقنوا أنهم
يدخلونها وكذلك قوله ( إِنِّي ظَنَنْتُ
أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) وأما قوله عز وجل للمنافقين : (
وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) فهو ظن شك وليس ظن يقين ـ والظن ظنان ظن شك وظن يقين فما
كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك.
قال علي عليهالسلام وأما قوله عز وجل : ( وَنَضَعُ
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) فهو ميزان العدل
يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك وتعالى الخلائق بعضهم من بعض ويجزيهم
بأعمالهم ويقتص للمظلوم من الظالم ومعنى قوله ( فَمَنْ ثَقُلَتْ
مَوازِينُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) فهو قلة الحساب وكثرته والناس يومئذ على طبقات ومنازل
فمنهم من ( يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى
أَهْلِهِ مَسْرُوراً ) ومنهم الذين ( يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ) لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا وإنما الحساب هناك على من
تلبس بها هاهنا ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ويصير إلى عذاب السعير ومنهم
أئمة الكفر وقادة الضلالة فأولئك لا يقيم لهم وزنا ولا يعبأ بهم بأمره ونهيه يوم
القيامة وهم ( فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ ) و ( تَلْفَحُ
وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ ).
ومن سؤال هذا
الزنديق أن قال أجد الله يقول : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) .
ومن موضع آخر يقول
( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) و ( الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
__________________
طَيِّبِينَ
) وما أشبه ذلك فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة للملائكة.
وأجده يقول : ( فَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ ) ويقول ( وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) أعلم في الآية
الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفر وأعلم في الثانية أن الإيمان والأعمال الصالحات
لا تنفع إلا بعد الاهتداء.
وأجده يقول ( وَسْئَلْ
مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) فكيف يسأل الحي
من الأموات قبل البعث والنشور.
وأجده يقول ( إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ
يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً
جَهُولاً ) فما هذه الأمانة ومن هذا الإنسان وليس من صفته العزيز
العليم التلبيس على عباده.
وأجده قد شهر
هفوات أنبيائه بقوله : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ
فَغَوى ) وبتكذيبه نوحا لما قال ( إِنَّ ابْنِي مِنْ
أَهْلِي ) بقوله ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ ) وبوصفه إبراهيم بأنه عبد كوكبا مرة ومرة قمرا ومرة شمسا
وبقوله في يوسف : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا
أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) وبتهجينه موسى حيث قال : ( رَبِّ أَرِنِي
أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ) الآية وببعثه على داود جبرئيل وميكائيل حيث تسور المحراب وبحبسه
يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغضبا ـ وأظهر خطأ الأنبياء وزللهم ووارى اسم من اغتر
وفتن خلقا وضل وأضل وكنى عن أسمائهم في قوله : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلاً. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) فمن هذا الظالم
الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء؟
وأجده يقول : ( وَجاءَ
رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) و ( هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) : ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونا
فُرادى ) فمرة يجيئهم ومرة يجيئونه.
وأجده يخبر أنه
يتلو نبيه شاهد منه وكان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره.
وأجده يقول ( ثُمَّ
لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) فما هذا النعيم
الذي يسأل العباد عنه؟
وأجده يقول ( بَقِيَّتُ
اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ ) ما هذه البقية؟
__________________
وأجده يقول : ( يا
حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) ( وفَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ( وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ
إِلاَّ وَجْهَهُ ) ( وَأَصْحابُ
الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ) ( وَأَصْحابُ الشِّمالِ
ما أَصْحابُ الشِّمالِ ) ما معنى الجنب والوجه واليمين والشمال فإن الأمر في ذلك
ملتبس جدا؟
وأجده يقول (
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) ويقول ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ
فِي السَّماءِ ) ( وَهُوَ الَّذِي فِي
السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) ( وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ( وما يَكُونُ مِنْ
نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) الآية.
وأجده يقول ( وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ
النِّساءِ ) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء
أيتام فما معنى ذلك؟
وأجده يقول ( وَما
ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فكيف يظلم الله؟
ومن هؤلاء الظلمة؟
وأجده يقول ( إِنَّما
أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) فما هذه الواحدة؟
وأجده يقول ( وَما
أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) وقد أرى مخالفي
الإسلام معتكفين على باطلهم غير مقلعين عنه وأرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في
مذاهبهم يلعن بعضهم بعضا فأي موضع للرحمة العامة لهم المشتملة عليهم؟
وأجده قد بين فضل
نبيه على سائر الأنبياء ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه
وانتقاص محله وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب أحدا من الأنبياء مثل قوله ( وَلَوْ
شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ ) وقوله ( لَوْ لا
أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) ( إِذاً
لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا
نَصِيراً ) وقوله ( وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) وقوله ( وَما
أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) وقال : ( ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) ( وَكُلَّ شَيْءٍ
أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام وهو وصي النبي فالنبي
أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها : ( ما أَدْرِي ما
يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) وهذه كلها صفات مختلفة وأحوال
__________________
متناقضة وأمور
مشكلة فإن يكن الرسول والكتاب حقا فقد هلكت لشكي في ذلك وإن كانا باطلين فما علي
من بأس.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
سبوح قدوس رب الملائكة
والروح تبارك وتعالى هو الحي الدائم القائم ( عَلى كُلِّ نَفْسٍ
بِما كَسَبَتْ ) هات أيضا ما شككت فيه.
قال حسبي ما ذكرت
يا أمير المؤمنين.
قال سأنبئك بتأويل
ما سألت ( وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) و ( عَلَيْهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ).
فأما قوله ( اللهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) وقوله ( يَتَوَفَّاكُمْ
مَلَكُ الْمَوْتِ ) و ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا
) و ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
طَيِّبِينَ ) و ( الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) فهو تبارك وتعالى
أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم (
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم
الذين قال الله فيهم : ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ
الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن
كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة
الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتون منسوب إليه وإذا كان
فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه ( يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ ) على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء
وإن فعل أمنائه فعله فما يشاءون ( إِلاَّ أَنْ يَشاءَ
اللهُ ).
وأما قوله ( فَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ ) وقوله ( وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) فإن ذلك كله لا
يغني إلا مع الاهتداء وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك
به الغواة ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ونجا
سائر المقرين بالوحدانية ـ من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين الله ذلك بقوله : ( الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ
مُهْتَدُونَ ) وبقوله ( الَّذِينَ قالُوا
آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ).
وللإيمان حالات
ومنازل يطول شرحها ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب وإيمان
باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف
فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم
الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم واستكبر أكثر الأمم
عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه
سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ولم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة
فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة ـ إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطرق الحق.
وقطع الله عذر
عباده بتبيين آياته وإرسال رسله ( لِئَلاَّ يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) ولم يخل أرضه من
عالم بما يحتاج إليه الخليقة ومتعلم على سبيل النجاة أولئك هم الأقلون عددا وقد
بين الله ذلك في أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله في قوم نوح ( وَما
آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) وقوله فيمن آمن من أمة موسى : ( وَمِنْ
قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) وقوله في حواري
عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل ـ : ( مَنْ أَنْصارِي إِلَى
اللهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) يعني بأنهم مسلمون لأهل الفضل فضلهم ولا يستكبرون عن أمر
ربهم فما أجابه منهم إلا الحواريون وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد
طاعتهم بقوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وبقوله ( وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) وبقوله ( اتَّقُوا اللهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وبقوله ( وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ( وَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها
أوصياؤهم فكل من عمل من أعمال الخير فجرى على غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم
وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم مردود وغير مقبول وأهله بمحل كفر وإن شملتهم صفة
الإيمان ألم تسمع إلى قوله تعالى : ( وَما مَنَعَهُمْ أَنْ
تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ
وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ
كارِهُونَ )؟
فمن لم يهتد من
أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفع حق أوليائه و ( حَبِطَ
عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) وكذلك قال الله
سبحانه ( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا
رَأَوْا بَأْسَنا ) ـ وهذا كثير في كتاب الله عز وجل والهداية هي الولاية كما
قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ
اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) والذين آمنوا في
هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأوصياء في عصر بعد عصر.
وليس كل من أقر
أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله ويدفعون عهد رسول الله بما عهد به من دين الله وعزائمه
وبراهين نبوته إلى وصيه ويضمرون من الكراهة لذلك والنقض لما أبرمه منه عند إمكان
الأمر لهم فيما قد بينه الله لنبيه بقوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ـ وبقوله ( وَما
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) ومثل قوله ( لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء
بعد الأنبياء وهذا كثير في كتاب الله عز وجل وقد شق على النبي ما يئول إليه عاقبة
أمرهم وإطلاع الله إياه على بوارهم فأوحى الله عز وجل إليه : ( فَلا
تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) و ( فَلا تَأْسَ عَلَى
الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ).
وأما قوله ( وَسْئَلْ
مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) فهذا من براهين
نبينا التي آتاه إياها وأوجب به الحجة على سائر خلقه لأنه لما ختم به الأنبياء
وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل خصه
الله بالارتقاء
إلى السماء عند المعراج ـ وجمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا به وحملوه
من عزائم الله وآياته وبراهينه وأقروا أجمعون بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض
من بعده وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم ولم
يستكبروا عن أمرهم وعرف من أطاعهم وعصاهم من أممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدم
أو تأخر.
وأما هفوات
الأنبياء عليهمالسلام وما بينه الله في كتابه ووقوع الكناية من أسماء من اجترم
أعظم مما اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة
الله عز وجل الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة لأنه علم أن براهين الأنبياء
تكبر في صدور أممهم وأن منهم من يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم
فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عز وجل ألم تسمع إلى قوله في صفة
عيسى حيث قال فيه وفي أمه : ( كانا يَأْكُلانِ
الطَّعامَ ) يعني أن من أكل الطعام كان له ثقل ومن كان له ثقل فهو بعيد
مما ادعته النصارى لابن مريم ولم يكن عن أسماء الأنبياء تبجرا وتعررا بل تعريفا لأهل
الاستبصار.
إن الكناية عن
أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وإنها من
فعل المغيرين والمبدلين ( الَّذِينَ جَعَلُوا
الْقُرْآنَ عِضِينَ ) واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين
بقوله : ( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ
بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً
قَلِيلاً ) وبقوله ( وَإِنَّ مِنْهُمْ
لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ ) وبقوله ( إِذْ
يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) بعد فقد الرسول
مما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير
التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه وبقوله ( يُرِيدُونَ
لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ
وَيَأْبَى
اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) يعني أنهم أثبتوا
في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه
ما دل على ما أحدثوه فيه وبين إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم ( لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ).
وضرب مثلهم بقوله :
( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً
وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) فالزبد في هذا
الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل
والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي ( لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) والقلوب تقبله
والأرض في هذا الموضع فهي محل العلم وقراره.
وليس يسوغ مع عموم
التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في
الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا
وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على
الايتمار لهم والرضا بهم ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عدا [ عددا ] من
أهل الحق فلأن الصبر على ولاة الأمر
__________________
مفروض لقول الله
عز وجل لنبيه صلىاللهعليهوآله
: ( فَاصْبِرْ
كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) وإيجابه مثل ذلك
على أوليائه وأهل طاعته بقوله : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت فإن شريعة التقية
تحظر التصريح بأكثر منه.
وأما قوله ( وَجاءَ
رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) وقوله ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونا
فُرادى ) وقوله ( هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ
أَوْ
يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) فذلك كله حق وليست جيئته جل ذكره كجيئة خلقه فإنه رب كل
شيء.
ومن كتاب الله عز
وجل يكون تأويله على غير تنزيله ولا يشبه تأويله بكلام البشر ولا فعل البشر
وسأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إن شاء الله تعالى وهو حكاية الله عز وجل عن إبراهيم عليهالسلام حيث قال : ( إِنِّي ذاهِبٌ إِلى
رَبِّي ) فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده ألا ترى أن
تأويله غير تنزيله وقال : ( وَأَنْزَلَ لَكُمْ
مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ) ـ وقال ( وَأَنْزَلْنَا
الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) فإنزاله ذلك خلقه إياه.
وكذلك قوله ( إِنْ كانَ
لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) أي الجاحدين
والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.
ومعنى قوله ( هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ
يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) فإنما خاطب نبينا محمدا صلىاللهعليهوآله
هل ينتظر المنافقون
والمشركون ( إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ ) فيعاينونهم ( أَوْ
يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) يعني بذلك أمر
ربك والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون الخالية وقال ( أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) يعني بذلك ما
يهلك من القرون فسماه إتيانا وقال ( قاتَلَهُمُ اللهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) أي لعنهم الله أنى يؤفكون فسمى اللعنة قتالا وكذلك قال ( قُتِلَ
الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) أي لعن الإنسان وقال ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ
وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى ) ـ فسمى فعل النبي
صلىاللهعليهوآله
فعلا له ألا ترى تأويله
على غير تنزيله ومثل قوله ( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ
رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) فسمى البعث لقاء وكذلك قوله ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) أي يوقنون أنهم مبعوثون ومثله قوله ( أَلا
يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) أي ليس يوقنون
أنهم مبعوثون واللقاء عند المؤمن البعث وعند الكافر المعاينة والنظر.
وقد يكون بعض ظن
الكافر يقينا وذلك قوله ( وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) أي تيقنوا أنهم
مواقعوها.
وأما قوله في
المنافقين ( وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) فليس ذلك بيقين
ولكنه شك فاللفظ واحد في الظاهر ومخالف في الباطن وكذلك قوله (
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) يعني استوى تدبيره وعلا أمره ـ وقوله ( وَهُوَ
الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) وقوله ( وَهُوَ
مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) وقوله ( ما يَكُونُ مِنْ
نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم
على جميع خلقه وأن فعله فعلهم.
فافهم عني ما أقول
لك فإني إنما أزيدك في الشرح لأثلج في صدرك وصدر من لعله بعد اليوم يشك في مثل ما
شككت فيه فلا يجد مجيبا عما يسأل عنه لعموم الطغيان والافتتان واضطرار أهل العلم
بتأويل الكتاب إلى الاكتتام والاحتجاب خيفة أهل الظلم والبغي.
أما إنه سيأتي على
الناس زمان يكون الحق فيه مستورا والباطل ظاهرا مشهورا وذلك إذا كان أولى الناس
بهم أعداهم له : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ ) وعظم الإلحاد
وظَهَرَ الْفَسادُ ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً
شَدِيداً. ونحلهم الكفار أسماء
الأشرار فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح الله الفرج
لأوليائه ويظهر صاحب الأمر على أعدائه.
وأما قوله (
وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) فذلك حجة الله أقامها على خلقه وعرفهم أنه لا يستحق مجلس
النبي إلا من يقوم مقامه ولا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله لئلا يتسع لمن
ماسه حس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه إذ كان الله قد
حظر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم ( لا يَنالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله : ( إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) فلما علم إبراهيم عليهالسلام
أن عهد الله تبارك وتعالى
اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال ( وَاجْنُبْنِي
وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ).
واعلم أن من آثر
المنافقين على الصادقين والكفار على الأبرار ( فَقَدِ افْتَرى
إِثْماً عَظِيماً ) إذا كان قد بين في كتابه الفرق بين المحق والمبطل والطاهر
والنجس والمؤمن والكافر وأنه لا يتلو النبي عند فقده إلا من حل محله صدقا وعدلا
وطهارة وفضلا.
وأما الأمانة التي
ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب ولا تجوز أن تكون إلا في الأنبياء وأوصيائهم لأن
الله تبارك وتعالى ائتمنهم على خلقه وجعلهم حججا في أرضه والسامري [ فبالسامري ]
ومن أجمع [ اجتمع ] معه وأعانه من الكفار على عبادة العجل عند غيبة موسى ما تم
انتحال محل موسى من الطغام والاحتمال لتلك الأمانة التي لا ينبغي إلا لطاهر من
الرجس فاحتمل وزرها ووزر من سلك سبيله من الظالمين وأعوانهم ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوآله ومن استن سنة حق كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم
القيامة ولهذا القول من النبي صلىاللهعليهوآله
شاهد من كتاب الله وهو
قول الله عز وجل في قصة قابيل قاتل أخيه : ( مِنْ أَجْلِ ذلِكَ
كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ
أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها
فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) وللإحياء في هذا
الموضع تأويل في الباطن ليس كظاهره وهو من هداها لأن الهداية هي حياة الأبد ومن
سماه الله حيا لم يمت أبدا إنما ينقله من دار محنة إلى دار راحة ومنحة.
وأما ما كان من
الخطاب بالانفراد مرة وبالجمع مرة من صفة الباري جل ذكره فإن الله تبارك وتعالى
اسمه على ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانية هو النور الأزلي القديم الذي ( لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) لا يتغير ويحكم ( ما يَشاءُ وَيَخْتارُ
) و ( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) ولا راد لقضائه
ولا ما خلق زاد في ملكه وعزه ولا نقص منه ما لم يخلقه وإنما أراد بالخلق إظهار
قدرته وإبداء سلطانه وتبيين براهين حكمته
فخلق ما شاء كما
شاء وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه وكان فعلهم فعله وأمرهم
أمره كما قال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ـ وجعل السماء
والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه ليميز ( الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ ) مع سابق علمه بالفريقين من أهلها وليجعل ذلك مثالا
لأوليائه وأمنائه وعرف الخليقة فضل منزلة أوليائه فرض عليهم من طاعتهم مثل الذي
فرضه منه لنفسه وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده وتوحده وبأن له
أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله فهم العباد المكرمون ( لا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) هو الذي (
أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله ( عالِمُ
الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ
) وهم النعيم الذي يسأل العباد عنه لأن الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من
اتبعهم من أوليائهم.
قال السائل من
هؤلاء الحجج؟
قال هم رسول الله
ومن حل محله من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه ورسوله وفرض على العباد من
طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم : ( أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وقال فيهم ( وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ).
قال السائل ما ذاك
الأمر؟
قال علي عليهالسلام الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها ( كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ ) من خلق ورزق وأجل وعمل وعمر وحياة وموت وعلم غيب السماوات
والأرض والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه وهم وجه
الله الذي قال : ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ـ هم بقية الله
يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما
وجورا ومن آياته الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان وحلول الانتقام ولو كان هذا
الأمر الذي عرفتك نبأه للنبي دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل ماض غير دائم ولا
مستقبل ولقال نزلت الملائكة وفرق كل أمر حكيم ولم يقل ( تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ ) و ( يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ ) وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه
وأوليائه عليهمالسلام ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) تعريفا للخليقة
قربهم ألا ترى أنك تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه.
وإنما جعل الله
تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه
لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على
الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت به الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في
تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين
بظاهره وباطنه من شجرة
__________________
( أَصْلُها ثابِتٌ
وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) أي يظهر مثل هذا
العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا
إطفاء نور الله بأفواههم فأبى ( اللهُ إِلاَّ أَنْ
يُتِمَّ نُورَهُ ).
ولو علم المنافقون
لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما
أسقطوا منه ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال الله
تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) أغشى أبصارهم
وجعل ( عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً* ) عن تأمل ذلك
فتركوه بحاله وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله فالسعداء ينهون [ يتثبتون ] عليه
والأشقياء يعمون عنه ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ).
ثم إن الله جل
ذكره لسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسم كلامه
ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه
ولطف حسه وصح تمييزه ممن ( شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ ) وقسما لا يعرفه إلا الله وأمناؤه (
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) وإنما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على
ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآله
من علم الكتاب ما لم يجعل
الله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا
وافتراء على الله عز وجل ـ واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عز
وجل ورسوله.
فأما ما علمه
الجاهل والعالم من فضل رسول الله في كتاب الله فهو قول الله عز وجل : ( مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) وقوله ( إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله ( صَلُّوا
عَلَيْهِ ) والباطن قوله ( وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً ) أي سلموا لمن وصاه واستخلفه وفضله عليكم وما عهد به إليه
تسليما وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه وصفا ذهنه وصح تمييزه
وكذلك قوله سلام على آل ياسين لأن الله سمى به النبي صلىاللهعليهوآله
حيث قال : ( يس
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ـ لعلمه بأنهم
يسقطون قول الله سلام على آل محمد كما أسقطوا غيره وما زال رسول الله صلىاللهعليهوآله يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى أذن الله عز
وجل في إبعادهم بقوله : ( وَاهْجُرْهُمْ
هَجْراً جَمِيلاً ) وبقوله ( فَما لِلَّذِينَ
كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ. أَيَطْمَعُ
كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ. كَلاَّ إِنَّا
خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) وكذلك قول الله عز وجل : ( يَوْمَ نَدْعُوا
كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) ولم يسم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم.
وأما قوله ( كُلُّ
شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) فإنما أنزلت كل شيء هالك إلا دينه لأن من المحال أن يهلك
منه كل شيء ويبقى الوجه هو أجل وأكرم وأعظم من ذلك إنما يهلك من ليس منه ألا ترى
أنه قال ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ
رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) ـ ففصل بين خلقه ووجهه.
__________________
وأما ظهورك على
تناكر قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وليس يشبه القسط
في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين
من القرآن وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث
القرآن ـ وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد
المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل
ما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال ـ وظهر ما تحظر التقية إظهاره من
مناقب الأولياء ومثالب الأعداء :
وأما قوله ( وَما
ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فهو تبارك اسمه
أجل وأعظم من أن يظلم ولكن قرن أمناءه على خلقه بنفسه وعرف الخليقة جلالة قدرهم
عنده وأن ظلمهم ظلمه بقوله ( وَما ظَلَمُونا ) ببغضهم أولياءنا
ومعونة أعدائهم عليهم ( وَلكِنْ كانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) إذ حرموها الجنة وأوجبوا عليها خلود النار.
وأما قوله ( إِنَّما
أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) فإن الله جل ذكره نزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في
أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ولو شاء لخلقها في أقل من لمح
البصر ولكنه جعل الأناة والمداراة أمثالا لأمنائه ـ وإيجابا للحجة على خلقه فكان
أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله فلما
أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلىاللهعليهوآله
بالنبوة والشهادة له
بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم
الزكاة ثم الصدقات
__________________
وما يجري مجراها
من مال الفيء فقال المنافقون هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضه شيء آخر يفترضه
فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره فأنزل الله في ذلك ( قُلْ
إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) يعني الولاية.
وأنزل ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) ـ وليس بين الأمة
خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل ولو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط
مع ما أسقط من ذكره وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ليجهل
معناها المحرفون فيبلغ إليك وإلى أمثالك وعند ذلك قال الله : ( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِيناً ).
وأما قوله للنبي ( وَما
أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ـ وإنك ترى أهل
الملل المخالفة للإيمان ومن يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه
الغاية وإنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير فإن الله تبارك
وتعالى إنما عنى بذلك أنه جعله سببا لإنظار أهل هذه الدار لأن الأنبياء قبله بعثوا
بالتصريح لا بالتعريض وكان النبي منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه سلموا وسلم
أهل دارهم من سائر الخليقة وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كان نبيهم
يتوعدهم بها ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة
أو غير ذلك من أصناف العذاب التي هلكت بها الأمم الخالية.
وإن الله علم من
نبينا صلىاللهعليهوآله
ومن الحجج في الأرض الصبر
على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله فبعثه الله بالتعريض لا
بالتصريح وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه من كنت مولاه فهذا مولاه
ـ وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وليس من خليقة النبي ولا من
النبوة أن يقول قولا لا معنى له فلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة والأخوة
موجودتين في خلقة هارون ومعدومتين فيمن جعله النبي صلىاللهعليهوآله
بمنزلته أنه قد استخلفه
على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال له ( اخْلُفْنِي فِي
قَوْمِي ) ولو قال لهم لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه وإلا نزل
بكم العذاب لأتاهم العذاب وزال باب الإنظار والإمهال.
وبما أمر بسد باب
الجميع وترك بابه ثم قال ما سددت ولا تركت ولكني أمرت فأطعت فقالوا سددت بابنا
وتركت لأحدثنا سنا.
فأما ما ذكروه من
حداثة سنه فإن الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد بالوصية إليه وهو
في سن ابن سبع سنين ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته
وإنما جعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الأمور ـ وأن وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا
كافرا.
وبأن عمد النبي صلىاللهعليهوآله إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيه
وأمره بقراءتها على أهل مكة فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيه وأمره بارتجاعها منه
والنفوذ إلى مكة ليقرأها
على أهلها وقال إن
الله جل جلاله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني دلالة منه على خيانة من علم أن
الأمة اختارته على وصيه.
ثم شفع ذلك بضم
الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه ومن يوازره في تقدم المحل عند الأمة إلى علم
النفاق عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل ولاهما عمرو حرس عسكره.
وختم أمرهما بأن
ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد وأمرهما بطاعته والتصريف بين أمره ونهيه
وكان آخر ما عهد به في أمر أمته قوله أنفذوا جيش أسامة يكرر ذلك على أسماعهم
إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين.
ولو عددت كل ما
كان من أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
في إظهار معايب المستولين
على تراثه لطال وإن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبر
لعجزه عن القيام بأمر الأمة ومستقيلا مما قلدوه لقصور معرفته على تأويل ما كان يسأل عنه وجهله
بما يأتي ويذر.
ثم أقام على ظلمه
ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره فأتى التالي
بتسفيه رأيه والقدح والطعن على أحكامه ورفع السيف عمن كان صاحبه وضعه عليه ورد
النساء اللاتي كان سباهن إلى أزواجهن وبعضهن حوامل وقوله قد نهيته
عن قتال أهل القبلة فقال لي إنك لحدب على أهل الكفر وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم
الكفر منهم.
ولم يزل يخطئه
ويظهر الإزراء عليه ويقول على المنبر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن
دعاكم إلى مثلها فاقتلوه وكان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا ليته حسنة من حسناته ويود
أنه كان شعرة في صدره وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين
الإسلام.
وأتى من أمر
الشورى وتأكيده بها عقد الظلم والإلحاد والغي والفساد حتى تقرر على إرادته ما لم
يخف على ذي لب موضع ضرره.
ولم تطق الأمة
الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل فعاجلته بالقتل فاتسع بما جنوه من ذلك لمن
وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة.
كل ذلك لتتم
النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس إلى أن ( يَبْلُغَ الْكِتابُ
أَجَلَهُ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) ويقترب الوعد
الحق الذي بينه في كتابه بقوله : ( وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) وذلك إذا لم يبق
من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك
لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له.
__________________
وعند ذلك يؤيده
الله ( بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) ـ ويظهر دين نبيه
صلىاللهعليهوآله
على يديه ( عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
وأما ما ذكرته من
الخطاب الدال على تهجين النبي صلىاللهعليهوآله
والإزراء به والتأنيب له
مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله عز وجل
جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة نبينا صلىاللهعليهوآله عند ربه كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه
كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه
واجتهاده ومن مالأه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه وتغيير ملته
ومخالفته سنته ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وإيحاشهم
منه وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به وإسقاط ما فيه
من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه.
ولقد علم الله ذلك
منهم فقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا
يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ) وقال ( يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ ) ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل
والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف ألف ولا لام فلما وقفوا على
ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل ـ وأن ذلك إن ظهر نقص ما عهدوه قالوا لا
حاجة لنا فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا وكذلك قال ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ
ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ).
دفعهم الاضطرار
بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما
يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ووكلوا
تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم وما
يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم وافترائهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم وهو
عليهم ـ وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين فقال ( ذلِكَ
مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم.
والذي بدا في
الكتاب من الإزراء على النبي صلىاللهعليهوآله
من فرقة الملحدين ولذلك
قال و ( لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ
وَزُوراً ) ويذكر جل ذكره لنبيه صلىاللهعليهوآله
ما يحدثه عدوه في كتابه
من بعده بقوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ) يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه
وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده
في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب
المؤمنين فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين و ( يُحْكِمُ
اللهُ آياتِهِ ) بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر
والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال ( بَلْ هُمْ
أَضَلُّ سَبِيلاً ).
فافهم هذا واعلمه
واعمل به واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما
سألت عنه وإني قد
اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم وقلة الراغبين في التماسه وفي دون
ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب.
قال السائل حسبي
ما سمعت يا أمير المؤمنين شكر الله لك على استنقاذي من عماية الشرك وطخية الإفك
وأجزل على ذلك مثوبتك ( إِنَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وصلى الله أولا وآخرا على أنوار الهدايات وأعلام البريات
محمد وآله أصحاب الدلالات الواضحات وسلم تسليما كثيرا
عن الأصبغ بن
نباتة قال : لما بويع أمير المؤمنين عليهالسلام
خرج إلى المسجد متعمما
بعمامة رسول الله صلىاللهعليهوآله
لابسا بردته منتعلا بنعل
رسول الله ومتقلدا بسيف رسول الله صلىاللهعليهوآله
فصعد المنبر فجلس متمكنا
ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال :
يا معشر الناس
سلوني قبل أن تفقدوني وهذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا ما زقني رسول الله زقا زقا سلوني فإن عندي علم الأولين
والآخرين.
أما والله لو ثنيت
لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل
الزبور بزبورهم ـ وأهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول صدق علي
لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما
أنزل الله فيه ولو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى
يوم القيامة وهي هذه الآية ( يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) .
ثم قال سلوني قبل
أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أم
في نهار نزلت مكيها ومدنيها سفريها وحضريها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها
وتأويلها وتنزيلها لأنبأتكم.
فقام إليه رجل
فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ ـ فأجابه بما تقدم ذكرنا إياه .
قال فسلوني قبل أن
تفقدوني.
فقام إليه رجل من
أقصى المجلس فقال يا أمير المؤمنين دلني على عمل ينجيني الله به من النار ويدخلني
الجنة.
قال اسمع ثم افهم
ثم استيقن قامت الدنيا بثلاث بعالم ناطق مستعمل لعلمه وبغني لا يبخل بماله على دين
الله وبفقير صابر فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله ولم يصبر الفقير على فقره
فعندها الويل والثبور وكادت الأرض أن ترجع إلى الكفر بعد الإيمان.
أيها السائل لا
تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم متفرقة فإنما الناس
__________________
ثلاث زاهد وراغب
وصابر.
أما الزاهد فلا
يفرح بالدنيا إذا أتته ولا يحزن عليها إذا فاتته وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن
أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لعلمه بسوء العاقبة وأما الراغب فلا يبالي من حل
أصابها أم من حرام.
ثم قال يا أمير
المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟
قال ينظر إلى ولي
الله فيتولاه وإلى عدو الله فيتبرأ منه وإن كان حميما قريبا.
قال صدقت والله يا
أمير المؤمنين ثم غاب فلم ير فقال هذا أخي الخضر عليهالسلام
تمام الخبر
وعن الأصبغ بن
نباتة قال : خطبنا أمير المؤمنين عليهالسلام
على منبر الكوفة فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس سلوني
فإن بين جوانحي علما جما فقام إليه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين ما الذاريات ( ذَرْواً )؟
قال الرياح.
قال فما الحاملات ( وِقْراً )؟ قال السحاب.
قال فما الجاريات ( يُسْراً )؟ قال السفن.
قال فما المقسمات ( أَمْراً )؟ قال الملائكة.
قال يا أمير
المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا.
قال ثكلتك أمك يا
ابن الكواء كتاب الله يصدق بعضه بعضا ولا ينقض بعضه بعضا فسل عما بدا لك.
قال يا أمير
المؤمنين سمعته يقول ـ رب ( الْمَشارِقِ
وَالْمَغارِبِ ) وقال في آية أخرى ( رَبُّ
الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) وقال في آية أخرى ( رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ ).
قال ثكلتك أمك يا
ابن الكواء هذا المشرق وهذا المغرب وأما قوله ( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ
وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) فإن مشرق الشتاء على حدة ومشرق الصيف على حدة أما تعرف
بذلك من قرب الشمس وبعدها؟ وأما قوله رب ( الْمَشارِقِ
وَالْمَغارِبِ ) فإن لها ثلاثمائة وستين برجا تطلع كل يوم من برج وتغيب في
آخر فلا تعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم.
قال يا أمير
المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك؟
قال ثكلتك أمك يا
ابن الكواء سل متعلما ولا تسأل متعنتا من موضع قدمي إلى عرش ربي أن يقول قائل
مخلصا لا إله إلا الله.
قال يا أمير
المؤمنين فما ثواب من قال لا إله إلا الله؟
قال من قال لا إله
إلا الله مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض فإن قال ثانية لا
إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها
لبعض اخشعوا لعظمة الله فإذا قال ثالثة لا إله إلا الله مخلصا تنته [ لم تنهنه ]
دون العرش فيقول الجليل اسكني فو عزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ثم تلا
هذه الآية : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) يعني إذا كان عمله صالحا ارتفع قوله وكلامه.
قال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن قوس قزح.
قال ثكلتك أمك لا
تقل قوس قزح فإن قزحا اسم الشيطان ولكن قل قوس الله إذا بدت يبدو الخصب والريف.
قال أخبرني يا
أمير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء؟
قال هي شرج في
السماء وأمان لأهل الأرض من الغرق ومنه غرق الله قوم نوح ( بِماءٍ
مُنْهَمِرٍ ).
قال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر؟
قال عليهالسلام الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة
عمياء أما سمعت الله تعالى يقول : ( وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ
النَّهارِ مُبْصِرَةً ) ؟
قال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال عن أي أصحاب رسول
الله تسألني؟
قال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من
أبي ذر.
قال يا أمير
المؤمنين فأخبرني عن سلمان الفارسي قال بخ بخ سلمان منا أهل البيت ومن لكم بمثل
لقمان الحكيم علم علم الأول والآخر.
قال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني قال ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين إن تسألوه
عن حدود الله تجدوه بها عالما.
قال يا أمير
المؤمنين فأخبرني عن عمار بن ياسر قال ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار أن
تمس شيئا منها.
قال يا أمير
المؤمنين فأخبرني عن نفسك قال كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتدئت.
قال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن قول الله عز وجل : ( قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ) الآية.
__________________
قال كفرة أهل
الكتاب اليهود والنصارى وقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم ( وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) ثم نزل عن المنبر
وضرب بيده على منكب ابن الكواء ثم قال يا ابن الكواء وما أهل النهروان منهم ببعيد.
فقال يا أمير
المؤمنين ما أريد غيرك ولا أسأل سواك.
قال فرأينا ابن
الكواء يوم النهروان فقيل له ثكلتك أمك بالأمس تسأل أمير المؤمنين عما سألته وأنت
اليوم تقاتله؟ فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله.
وعن جعفر بن محمد
عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام عن علي عليهالسلام
قال : سلوني عن كتاب الله
عز وجل فو الله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار ولا مسير ولا مقام إلا
وقد أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعلمني تأويلها.
فقام إليه ابن
الكواء فقال يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟
قال كان رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ما كان ينزل عليه من
القرآن وأنا غائب عنه حتى أقدم عليه فيقرئنيه ويقول لي يا علي أنزل الله علي بعدك
كذا وكذا وتأويله كذا وكذا فيعلمني تنزيله وتأويله.
وجاء في الآثار ـ أن
أمير المؤمنين عليهالسلام
كان يخطب فقال في خطبته
سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فتنة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم
بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.
فقام إليه رجل فقال يا أمير
المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
والله لقد حدثني خليلي رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بما سألت عنه وأن على كل
طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك وإن في بيتك
لسخلا يقتل ابن رسول الله ذلك مصداق ما أخبرتك به ولو لا أن الذي سألت يعسر برهانه
لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما نبأتك من لعنك وسخلك الملعون وكان ابنه في ذلك الوقت
صبيا صغيرا يحبو فلما كان من أمر الحسين عليهالسلام
ما كان تولى قتله وكان
الأمر كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام.
احتجاجه عليهالسلام على من قال
بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوى وأن يتعرض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل
وذكر الوجه لاختلاف من اختلف في الدين والرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
روي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنه قال : ترد على أحدهم
القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره
فيحكم فيها بخلاف قوله ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب
آراءهم جميعا وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف
فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه ـ أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه أم
__________________
كانوا شركاء له
فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلىاللهعليهوآله عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ( ما
فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) وفيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا
اختلاف فيه فقال سبحانه : ( وَلَوْ كانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) وأن القرآن ظاهره
أنيق وباطنه عميق لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به.
وروي أنه عليهالسلام قال : إن أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان :
رجل وكله الله إلى
نفسه فهو جائر عن قصد السبيل سائر بغير علم ولا دليل مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة
فهو فتنة لمن افتتن به ضال [ عن ] هدي من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته
وبعد وفاته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته.
ورجل قمش جهلا
فوضع في جهال الأمة غار في أغباش الفتنة قد لهج منها بالصوم والصلاة ـ عمي في عقد
الهدنة سماه الله عاريا منسلخا وسماه أشباه الناس عالما وليس به ولما يغن في العلم
يوما سالما بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن وأكثر
من غير طائل جلس بين الناس مفتيا قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره إن خالف من
سبقه لم يؤمن من نقض حكمه من يأتي من بعده كفعله بمن كان قبله فإن نزلت به إحدى
المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج
العنكبوت خباط جهالات وركاب عشوات ومفتاح شبهات فهو لا يدري أصاب الحق أم أخطأ إن
أصاب خاف أن يكون قد أخطأ وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب فهو من رأيه في مثل نسج
غزل العنكبوت الذي إذا مرت به النار لم يعلم بها.
لم يعض على العلم
بضرس قاطع فيغنم بذري الروايات إذراء الريح الهشيم لا ملي والله بإصدار ما ورد
عليه لا يحسب العلم في شيء مما أنكره ولا يرى أن من وراء ما ذهب فيه مذهب ناطق ما
بلغ منه مذهبا لغيره وإن قاس شيئا بشيء لم تكذب [ يكذب ] رأيه كيلا يقال له لا
يعلم شيئا وإن خالف قاضيا سبقه لم يؤمن فضيحته حين خالفه ـ وإن أظلم عليه أمر
اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه تصرخ من جور قضائه الدماء وتعج منه المواريث إلى
الله أشكو معشرا يعيشون جهالا ويموتون ضلالا لا يتعذر مما لا يعلم فيسلم وتولول
منه الفتيا وتبكي منه المواريث ويحلل بقضائه الفرج الحرام ويحرم بقضائه الفرج
الحلال ويأخذ المال من أهله فيدفعه إلى غير أهله.
وروي أنه صلىاللهعليهوآله قال بعد ذلك.
أيها الناس عليكم
بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت
به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيكم محمد صلىاللهعليهوآله
فأنى يتاه بكم بل أين
تذهبون ـ يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هذه مثلها فيكم فاركبوها فكما نجا في
هاتيك من نجا فكذلك
__________________
ينجو في هذه من
دخلها أنا رهين بذلك قسما حقا ( وَما أَنَا مِنَ
الْمُتَكَلِّفِينَ ) والويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف.
أما بلغكم ما قال
فيكم نبيكم حيث يقول في حجة الوداع إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن
تضلوا ـ كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا
كيف تخلفوني فيهما ألا ( هذا عَذْبٌ فُراتٌ* ) فاشربوا منه ( وَهذا
مِلْحٌ أُجاجٌ* ) فاجتنبوا
وروي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنه قال لرأس اليهود على
كم افترقتم؟ فقال على كذا وكذا فرقة.
فقال علي عليهالسلام كذبت ثم أقبل على الناس فقال والله لو ثنيت لي الوسادة
لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور
بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم.
افترقت اليهود على
إحدى وسبعين فرقة سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة وهي التي اتبعت يوشع
بن نون وصي موسى عليهالسلام.
وافترقت النصارى
على اثنتين وسبعين فرقة إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة بالجنة وهي التي اتبعت
شمعون الصفا وصي عيسى عليهالسلام.
وتفترق هذه الأمة
على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت
وصي محمد صلىاللهعليهوآله
وضرب بيده على صدره ثم
قال:
ثلاث عشرة فرقة من
الثلاث وسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي وحبي واحدة منها في الجنة وهي النمط الأوسط
واثنتا عشرة في النار
عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليهالسلام قال خطب أمير المؤمنين عليهالسلام
فقال :
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول كيف أنتم إذا لبستم الفتنة ينشأ فيها الوليد ويهرم
فيها الكبير ويجري الناس عليها حتى يتخذونها سنة فإذا غير منها شيء قيل أتى الناس
بمنكر غيرت السنة ثم تشتد البلية وتنشأ فيها الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار
الحطب وكما تدق الرحى بثقالها يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون
الدنيا بعمل الآخرة.
ثم أقبل أمير
المؤمنين عليهالسلام
ومعه ناس من أهل بيته
وخاص من شيعته فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله ثم قال:
لقد عمل الولاة
قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك ولو حملت الناس على تركها
وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول الله لتفرق عني جندي حتى أبقى
وحدي
__________________
إلا قليلا من
شيعتي الذين عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليهالسلام
فرددته إلى المكان الذي
وضعه فيه رسول الله ورددت فدك إلى ورثة فاطمة س ورددت صاع رسول الله ومده إلى ما
كان وأمضيت إلى قطائع كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
أقطعها للناس سنين ـ ورددت
دار ( ابن ) جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها وأخرجتها من المسجد ورددت الخمس
إلى أهله ورددت قضاء كل من قضى بجور ورددت سبي ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض
خيبر ومحوت ديوان العطاء وأعطيت كما كان يعطي رسول الله صلىاللهعليهوآله لم أجعلها ( دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِياءِ ).
والله لقد أمرت
الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل
وسيفه معي أنعى الإسلام وأهله غيرت سنة عمر ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة
حتى خفت أن يثور في ناحية عسكري على ما لقيت ولقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة
والدعاة إلى النار.
وأعظم من ذلك سهم
ذوي القربى الذي قال الله تبارك وتعالى فيه : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) وذلك لنا خاصة : ( إِنْ كُنْتُمْ
آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ ) نحن والله غني
بذوي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه ـ ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا أكرم
الله سبحانه وتعالى نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس.
فقال له رجل إني
سمعت من سلمان وأبي ذر والمقداد أشياء في تفسير القرآن والرواية عن النبي صلىاللهعليهوآله وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء
كثيرة في تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلىاللهعليهوآله
وأنتم تخالفونهم وتزعمون
أن ذلك باطل فترى الناس يكذبون متعمدين على النبي صلىاللهعليهوآله
ويفسرون القرآن بآرائهم.
قال فأقبل علي عليهالسلام عليه فقال له سألت فافهم الجواب إن في أيدي الناس حقا
وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وخاصا وعاما ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد
كذب على رسول الله وهو حي حتى قام خطيبا فقال :
أيها الناس قد
كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
وإنما أتاك
بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس.
رجل منافق مظهر
للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآله متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم
يصدقوا قوله ولكنهم قالوا صاحب رسول الله رآه وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله وقد
أخبرك الله تعالى عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك ثم بقوا بعده صلىاللهعليهوآله فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور
والبهتان
__________________
فولوهم الأعمال
وجعلوهم حكاما على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وإنما الناس مع الملوك والدنيا
إلا من عصم الله تعالى فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
شيئا لم يحفظه على وجهه
فوهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو في يديه ويرويه ويعمل به ويقول إنما سمعت من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فلو علم المسلمون أنه وهم
فيه لم يقبلوه منه ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
شيئا يأمر به ثم نهى عنه
وهو لا يعلم أو سمعه نهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ
الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
وآخر لم يكذب على
الله ولا على رسوله مبغض للكذب خوفا لله تعالى وتعظيما لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يهم به بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم
يزد فيه ولم ينقص منه وحفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ وجنب عنه وعرف الخاص
والعام فوضع كل شيء موضعه وعرف المتشابه والمحكم.
وقد كان يكون من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
الكلام له وجهان فكلام
خاص وكلام عام فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله تعالى به ولا ما عنى به رسول الله صلىاللهعليهوآله فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه ولا ما قصد به
وما خرج من أجله وليس كل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
يسأله ويستفهمه حتى إن
كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطاري فيسأله صلىاللهعليهوآله
حتى يسمعوا كلامه وكان لا
يمر بي من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم
وعللهم في رواياتهم.
وعن يحيى الحضرمي قال سمعت عليا عليهالسلام يقول كنا جلوسا عند النبي صلىاللهعليهوآله
وهو نائم ورأسه في حجري
قيل لي ما الدجال.
فاستيقظ النبي صلىاللهعليهوآله محمر وجهه فقال فيما أنتم فقلت له يا رسول الله سألوني عن
الدجال.
فقال لغير الدجال
أنا أخوف عليكم من الدجال الأئمة الضالون المضلون يسفكون دماء عترتي أنا حرب لمن
حاربهم وسلم لمن سالمهم
__________________
جواب مسائل الخضر عليهالسلام للحسن بن علي
بن أبي طالب عليهالسلام بحضرة أبيه عليهالسلام.
عن أبي هاشم داود
بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهالسلام قال :
أقبل أمير
المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي عليهالسلام
وسلمان الفارسي ره وأمير
المؤمنين عليهالسلام
متكئ على يد سلمان فدخل
المسجد الحرام فجلس فأقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين عليهالسلام فرد عليه السلام فجلس ثم قال :
يا أمير المؤمنين
أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أفضى إليهم
أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم وإن يكن الأخرى علمت أنك وهم شرع
سواء.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
سلني عما بدا لك.
فقال أخبرني عن
الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده
الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمير
المؤمنين عليهالسلام
إلى أبي محمد الحسن بن علي
عليهالسلام
فقال يا أبا محمد أجبه فقال
عليهالسلام
:
أما ما سألت عنه
من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة
بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة فإن أذن الله برد تلك الروح على صاحبها
جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت فسكنت في بدن صاحبها وإن لم
يأذن الله عز وجل برد تلك الروح على صاحبها جذبت الهواء الريح فجذبت الريح الروح
فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.
وأما ما ذكرت من
أمر الذكر والنسيان ـ فإن قلب الرجل في حق وعلى الحق طبق فإن صلى
__________________
الرجل عند ذلك على
محمد وآل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب وذكر الرجل ما
كان نسي وإن لم يصل على محمد وآل محمد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على
ذلك الحق فأظلم القلب ونسي الرجل ما كان ذكره.
وأما ما ذكرت من
أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله فإن الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن
وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فأسكنت تلك النطفة جوف الرحم ـ خرج الولد يشبه أباه
وأمه وإن أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في
حال اضطرابها على بعض العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه
وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.
فقال الرجل أشهد
أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك
وأشهد أنك وصي رسول الله القائم بحجته وأشار إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته وأشار إلى
الحسن عليهالسلام
وأشهد أن الحسين بن علي
وصي أبيك والقائم بحجته بعدك وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده
وأشهد على محمد بن علي عليهالسلام
أنه القائم بأمر علي بن
الحسين بعده وأشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي بعده وأشهد على
موسى بن جعفر ـ أنه القائم بأمر جعفر بن محمد بعده وأشهد على علي بن موسى الرضا
بأنه القائم بأمر موسى بن جعفر بعده وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن
موسى وأشهد على علي بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي وأشهد على الحسن بن علي
أنه القائم بأمر علي بن محمد وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنى ولا يسمى
حتى يظهر أمره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا والسلام عليك يا أمير
المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم قام فمضى.
فقال أمير
المؤمنين للحسن عليهالسلام
يا أبا محمد اتبعه فانظر
أين يقصد.
فخرج في أثره فقال
فما كان إلا أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله فرجعت إلى أمير
المؤمنين عليهالسلام
فأعلمته.
فقال عليهالسلام يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم
قال هو الخضر (ع).
جوابه عن مسائل جاءت من الروم
ثم من الشام الجاري مجرى الاحتجاج بحضرة أبيه عليهالسلام.
روى محمد بن قيس عن أبي جعفر محمد
بن علي الباقر عليهالسلام
قال :
بينا أمير
المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه
رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
__________________
فقال وعليك السلام
ورحمة الله وبركاته من أنت؟ قال أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك.
فقال له ما أنت
برعيتي وأهل بلادي ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي فقال الأمان يا أمير
المؤمنين.
فقال هل أحدثت منذ
دخلت مصري؟ هذا قال لا.
قال فلعلك من رجال
الحرب؟ قال نعم.
قال إذا وضعت
الْحَرْبُ أَوْزارَها فلا بأس.
قال أنا رجل بعثني
إليك معاوية متغفلا لك أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه وقال له إن كنت أحق
بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فأجبني عما أسألك ـ فإنك إن فعلت ذلك اتبعتك وبعثت
إليك بالجائزة فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه فبعثني إليك لأسألك عنها.
فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
قاتل الله ابن آكلة
الأكباد وما أضله وأعماه ومن معه حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا
أيامي ودفعوا حقي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي يا قنبر علي بالحسن
والحسين ومحمد فأحضروا.
فقال يا شامي هذان
ابنا رسول الله وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليهالسلام.
فقال له الحسن عليهالسلام سلني عما بدا لك.
فقال الشامي كم
بين الحق والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟
وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح
المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟
فقال الحسن عليهالسلام بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد
تسمع بأذنك باطلا كثيرا فقال الشامي صدقت.
قال وبين السماء
والأرض دعوة المظلوم ومد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه قال صدقت يا ابن رسول
الله.
قال وبين المشرق
والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وتنظر إليها حين تغيب في
مغربها قال صدقت فما قوس قزح؟
قال ويحك لا تقل
قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان وهو قوس الله وهذه علامة الخصب وأمان لأهل الأرض من
الغرق.
وأما العين التي
تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت
وأما العين التي
تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى.
وأما المؤنث فهو
الذي لا يدرى أذكر أم أنثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كان أنثى حاضت
وبدا ثديها وإلا قيل له بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر وإن انتكص
بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة.
وأما عشرة أشياء
بعضها أشد من بعض فأشد شيء خلقه الله الحجر وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر
وأشد من الحديد النار تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء
السحاب يحمل الماء وأشد من السحاب الريح تحمل السحاب وأشد من الريح الملك الذي
يرسلها وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك وأشد من ملك الموت الموت الذي
يميت ملك الموت وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت.
فقال الشامي أشهد
أنك ابن رسول الله حقا وأن عليا أولى بالأمر من معاوية ثم كتب هذه الجوابات وذهب
بها إلى معاوية فبعثها إلى ابن الأصفر.
فكتب إليه ابن
الأصفر يا معاوية تكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك أقسم بالمسيح ما هذا جوابك
وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك
احتجاج الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهالسلام على جماعة من المنكرين لفضله
وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية
روي عن الشعبي
وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري أنهم قالوا : لم
يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا
أشد مبالغة في قول من يوم
__________________
اجتمع فيه عند
معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان
والوليد بن عقبة بن أبي معيط والمغيرة بن أبي شعبة وقد تواطئوا على أمر واحد.
فقال عمرو بن
العاص لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سنة أبيه وخفقت النعال
خلفه أمر فأطيع وقال فصدق ـ وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما فلو بعثت إليه
فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا أباه وصغرنا بقدره وقدر أبيه وقعدنا لذلك حتى صدق
لك فيه فقال لهم معاوية إني أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتى يدخلكم
قبوركم والله ما رأيته قط إلا كرهت جنابه وهبت عتابه وإني إن بعثت إليه لأنصفنه
منكم.
قال عمرو بن العاص
أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا ومرضه على صحتنا؟ قال لا قال فابعث إذا عليه.
فقال عتبة هذا رأي
لا أعرفه ـ والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه ولا
يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم وإنه لأهل بيت خصم جدل فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه
الرسول قال له يدعوك معاوية قال ومن عنده؟
قال الرسول عنده
فلان وفلان وسمى كلا منهم باسمه.
فقال الحسن عليهالسلام ما لهم خر ( عَلَيْهِمُ السَّقْفُ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) ثم قال يا جارية
أبلغيني ثيابي ـ ثم قال :
اللهم إني أدرأ بك
في نحورهم وأعوذ بك من شرورهم وأستعين بك عليهم فاكفنيهم بما شئت وأنى شئت من حولك
وقوتك يا أرحم الراحمين وقال للرسول هذا كلام الفرج فلما أتى معاوية رحب به وحياه
وصافحه.
فقال الحسن إن
الذي حييت به سلامة والمصافحة أمن.
فقال معاوية أجل
إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك أن عثمان قتل مظلوما وأن أباك قتله فاسمع منهم
ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك فلا يمنعك مكاني من جوابهم.
فقال الحسن فسبحان
الله البيت بيتك والإذن فيه إليك ـ والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إني لأستحيي لك
من الفحش وإن كانوا غلبوك على ما تريد إني لأستحيي لك من الضعف فبأيهما تقر ومن
أيهما تعتذر وأما إني لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدتهم من بني هاشم مع أني
مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم فإن الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم فمرهم
فليقولوا فأسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فتكلم عمرو بن
عثمان بن عفان فقال ما سمعت كاليوم أن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد
بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان وكان ابن أختهم والفاضل في الإسلام منزلة
والخاص برسول الله
أثرة فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه ـ اعتداء وطلبا للفتنة وحسدا ونفاسة وطلب ما
ليسوا بأهلين لذلك مع سوابقه ومنزلته من الله ومن رسوله ومن الإسلام فيا ذلاه أن
يكون حسن وسائر بني عبد المطلب قتلة عثمان أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان
بدمه مضرج مع أن لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أمية ببدر.
ثم تكلم عمرو بن
العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أي ابن أبي تراب بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم
أبا بكر الصديق واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوما وادعى ما
ليس له حق ووقع فيه وذكر الفتنة وعيره بشأنها؟
ثم قال إنكم يا
بني عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك فتركبون فيه ما لا يحل لكم ثم أنت يا
حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك ولا رأيه وكيف وقد سلبته
وتركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك وإنما دعوناك لنسبك وأباك.
ثم إنك لا تستطيع
أن تعيب علينا ولا أن تكذبنا به فإن كنت ترى أن كذبناك في شيء وتقولنا عليك
بالباطل وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم وإلا فاعلم أنك وأباك من شر خلق الله فأما
أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به وأما أنت فإنك في أيدينا نتخير فيك والله أن لو
قتلناك ما كان في قتلك إثم عند الله ولا عيب عند الناس.
ثم تكلم عتبة بن
أبي سفيان فكان أول ما ابتدأ به أن قال :
يا حسن إن أباك
كان شر قريش لقريش أقطعه لأرحامها وأسفكه لدمائها وإنك لمن قتلة عثمان وإن في الحق
أن نقتلك به ـ وإن عليك القود في كتاب الله عز وجل وإنا قاتلوك به وأما أبوك فقد
تفرد الله بقتله فكفانا أمره وأما رجاؤك الخلافة فلست فيها لا في قدحة زندك ولا في
رجحة ميزانك.
ثم تكلم الوليد بن
عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال :
يا معشر بني هاشم
كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه حتى قتلتموه حرصا على الملك وقطيعة
للرحم واستهلاك الأمة وسفك دمائها حرصا على الملك وطلبا للدنيا الخبيثة وحبا لها
وكان عثمان خالكم فنعم الخال كان لكم وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم قد كنتم أول
من حسده وطعن عليه ثم وليتم قتله فكيف رأيتم صنع الله بكم.
ثم تكلم المغيرة
بن شعبة فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليهالسلام
ثم قال :
يا حسن إن عثمان
قتل مظلوما ـ فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء ولا اعتذار مذنب غير أنا يا حسن قد
ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان وإيوائه لهم وذبه عنهم أنه بقتله راض وكان والله
طويل السيف واللسان يقتل الحي ويعيب الميت وبنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم
لبني أمية ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلىاللهعليهوآله في حياته وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله فعلم ذلك من أمره رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ثم كره أن يبايع أبا بكر
حتى أتي به قودا ثم
دس عليه فسقاه سما
فقتله ثم نازع عمر حتى هم أن يضرب رقبته فعمد في قتله ـ ثم طعن على عثمان حتى قتله
كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن وقد جعل الله السلطان لولي
المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق فكان من الحق لو قتلناك
وأخاك والله ما دم علي بأخطر من دم عثمان وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد
المطلب الملك والنبوة.
ثم سكت فتكلم أبو
محمد الحسن بن علي عليهالسلام
فقال :
الحمد لله الذي
هدى أولكم بأولنا وآخركم بآخرنا ـ وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم.
اسمعوا مني مقالتي
وأعيروني فهمكم وبك أبدأ يا معاوية إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء
شتموني ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني وسببتني فحشا منك وسوء رأي
وبغيا وعدوانا وحسدا علينا وعداوة لمحمد صلىاللهعليهوآله
قديما وحديثا وإنه والله
لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلموا به ولا
استقبلوني بما استقبلوني به.
فاسمعوا مني أيها
الملأ المجتمعون المتعاونون علي ـ ولا تكتموا حقا علمتموه ولا تصدقوا بباطل إن
نطقت به وسأبدأ بك يا معاوية ولا أقول فيك إلا دون ما فيك.
أنشدكم بالله هل
تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في
ضلالة تعبد اللات والعزى وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح وأنت يا
معاوية بالأولى كافر وبالأخرى ناكث؟
ثم قال أنشدكم
بالله هل تعلمون أنما أقول حقا إنه لقيكم مع رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم بدر ومعه راية النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ـ ومعك
يا معاوية راية المشركين وأنت تعبد اللات والعزى وترى حرب رسول الله صلىاللهعليهوآله فرضا واجبا؟ ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي ومعك يا معاوية
راية المشركين؟ ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعك يا معاوية راية المشركين ـ؟ كل ذلك يفلج الله حجته
ويحق دعوته ويصدق أحدوثته وينصر رايته وكل ذلك رسول الله [ يرى ] عنه راضيا في
المواطن كلها ساخطا عليك.
ثم أنشدكم بالله
هل تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
حاصر بني قريظة وبني
النظير [ النضير ] ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين وسعد بن معاذ ومعه
راية الأنصار.
فأما سعد بن معاذ
فخرج وحمل جريحا وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لأعطين الراية غدا رجلا
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ـ ثم لا يرجع حتى يفتح الله على
يديه.
فتعرض لها أبو بكر
وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوآله فتفل في عينه فبرأ من رمده وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى
فتح الله عليه بمنه
وطوله وأنت يومئذ
بمكة عدو لله ولرسوله ـ فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله ورجل عادى الله ورسوله.
ثم أقسم بالله ما
أسلم قلبك بعد ولكن اللسان خالف فهو يتكلم بما ليس في القلب!!
أنشدكم بالله أتعلمون
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
استخلفه على المدينة في
غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة وتكلم فيه المنافقون فقال لا تخلفني يا رسول الله
فإني لم أتخلف عنك في غزوة قط فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنت وصيي وخليفتي في أهلي
بمنزلة هارون من موسى ثم أخذ بيد علي عليهالسلام
فقال أيها الناس من
تولاني فقد تولى الله ومن تولى عليا فقد تولاني ومن أطاعني ( فَقَدْ
أَطاعَ اللهَ ) ومن أطاع عليا فقد أطاعني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أحب
عليا فقد أحبني.
ثم قال أنشدكم
بالله ـ أتعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال في حجة الوداع أيها
الناس إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ـ كتاب الله وعترتي أهل بيتي فأحلوا
حلاله وحرموا حرامه واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا بما أنزل الله من
الكتاب وأحبوا أهل بيتي وعترتي ووالوا من والاهم وانصروهم على من عاداهم وإنهما لن
يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.
ثم دعا وهو على
المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه اللهم من عادى
عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ولا في السماء مصعدا واجعله في أسفل درك من النار؟
وأنشدكم بالله أتعلمون
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال له أنت الذائذ عن
حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله؟
أنشدكم بالله أتعلمون
أنه دخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله
في مرضه الذي توفي فيه
فبكى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال علي ما يبكيك يا
رسول الله؟
فقال يبكيني أني
أعلم أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن لا يبدونها لك حتى أتولى عنك؟
أنشدكم بالله أتعلمون
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
حين حضرته الوفاة واجتمع
عليه أهل بيته قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي اللهم وال من والاهم وعاد من
عاداهم وقال إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ـ من دخل فيها نجا ومن تخلف عنها
غرق؟
وأنشدكم بالله أتعلمون
أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد سلموا عليه بالولاية
في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله
وحياته؟
وأنشدكم بالله أتعلمون
أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله فأنزل الله عز وجل ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ
وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا
رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ
مُؤْمِنُونَ ) وكان عنده علم المنايا وعلم القضايا وفصل الكتاب ورسوخ
العلم ومنزل القرآن وكان [ في ] رهط لا نعلمهم يتممون عشرة
__________________
نبأهم الله أنهم
مؤمنون وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله فأشهد لكم وأشهد عليكم أنكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم
ـ؟
وأنشدكم بالله ـ هل
تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعث إليك لتكتب له لبني
خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال هو يأكل فأعاد الرسول
إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول هو يأكل فقال رسول الله اللهم لا
تشبع بطنه فهي والله في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة.
ثم قال أنشدكم
بالله هل تعلمون أنما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده
أخوك هذا القاعد وهذا يوم الأحزاب فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق فكان
أبوك الراكب وأنت يا أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد؟
أنشدكم بالله هل
تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لعن أبا سفيان في سبعة
مواطن.
أولهن حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام فوقع
فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهم أن يبطش به ثم صرفه الله عز وجل عنه.
والثانية يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.
والثالثة يوم أحد قال رسول الله الله مولانا ولا مولى لكم وقال أبو
سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فلعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون أجمعون.
والرابعة يوم حنين يوم جاء أبو سفيان يجمع [ بجمع ] قريش وهوازن
وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله ( بِغَيْظِهِمْ لَمْ
يَنالُوا خَيْراً ) هذا قول الله عز وجل أنزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا
سفيان وأصحابه كفارا وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة وعلي يومئذ مع رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وعلى رأيه ودينه.
والخامسة قول الله عز وجل ( وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول الله فلعنه الله لعنة
شملته وذريته إلى يوم القيامة.
والسادسة يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وجاء عيينة بن
حصين بن بدر بغطفان فلعن رسول الله القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة.
فقيل يا رسول الله
أما في الأتباع مؤمن؟
قال لا تصيب
اللعنة مؤمنا من الأتباع أما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج.
والسابعة يوم الثنية يوم شد على رسول الله صلىاللهعليهوآله اثنا عشر رجلا سبعة منهم من بني أمية وخمسة من سائر قريش
فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية ـ غير النبي صلىاللهعليهوآله وسائقه وقائده؟
__________________
ثم أنشدكم بالله
هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال :
يا ابن أخي هل
علينا من عين؟
فقال لا.
فقال أبو سفيان
تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنة ولا نار؟
وأنشدكم بالله أتعلمون
أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع
الغرقد فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته.
يا أهل القبور
الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم.
فقال الحسين بن
علي عليهالسلام
قبح الله شيبتك وقبح وجهك
ـ ثم نتر يده وتركه فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك.
فهذا لك يا معاوية
فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا ومن لعنتك يا معاوية أن أباك أبا سفيان كان يهم أن
يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم تنهاه عن الإسلام وتصده.
ومنها أن عمر بن
الخطاب ولاك الشام فخنت به وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون ثم أعظم من ذلك جرأتك
على الله ورسوله أنك قاتلت عليا عليهالسلام
وقد عرفته وعرفت سوابقه
وفضله وعلمه على أمر هو أولى به منك ـ ومن غيرك عند الله وعند الناس ولآذيته بل
أوطأت الناس عشوة وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك فعل من لا يؤمن بالمعاد
ولا يخشى العقاب فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى وعلي إلى خير منقلب والله
لك بالمرصاد.
فهذا لك يا معاوية
خاصة وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل.
وأما أنت يا عمرو
بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك أن تتبع هذه الأمور فإنما مثلك مثل البعوضة ـ
إذ قالت للنخلة استمسكي فإني أريد أن أنزل عنك فقالت لها النخلة ما شعرت بوقوعك
فكيف يشق علي نزولك وإني والله ما شعرت أنك تجسر أن تعادي لي فيشق علي ذلك وإني
لمجيبك في الذي قلت إن سبك عليا عليهالسلام
أينقص في حسبه أو يباعده
من رسول الله أو يسوء بلاءه في الإسلام أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا فإن قلت
واحدة منها فقد كذبت.
وأما قولك إن لكم
فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أمية ببدر فإن الله ورسوله قتلهم ولعمري لتقتلن
من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر
في موطن واحد سوى ما قتل من بني أمية لا يحصي عددهم إلا الله وإن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا أخذوا مال الله بينهم
دولا وعباده خولا وكتابه دغلا ـ فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشرا حقت اللعنة عليهم ولهم
فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة ـ
فأقبل الحكم بن
أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام فقال رسول الله اخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع
وذلك حين رآهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومن يملك بعده منهم أمر
هذه الأمة يعني في المنام فساءه ذلك وشق عليه فأنزل الله عز وجل في كتابه : ( وَما
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) يعني بني أمية وأنزل أيضا ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل علي إلا ألف شهر
التي أجلها الله عز وجل في كتابه.
وأما أنت يا عمرو
بن العاص الشانئ اللعين الأبتر فإنما أنت كلب أول أمرك أن أمك بغية ـ وأنك ولدت
على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب والوليد بن المغيرة
وعثمان بن الحارث والنضر بن الحارث بن كلدة والعاص بن وائل كلهم يزعم أنك ابنه
فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية ثم قمت خطيبا
وقلت أنا شانئ محمد وقال العاص بن وائل إن محمدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات
انقطع ذكره فأنزل الله تبارك وتعالى ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ ) ـ وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية تأتيهم في دورهم
ورحالهم وبطون أوديتهم ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة
وأشدهم له تكذيبا ثم كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى
الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي فحاق المكر
السيئ بك وجعل جدك الأسفل وأبطل أمنيتك وخيب سعيك وأكذب أحدوثتك ( وَجَعَلَ
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا ).
وأما قولك في
عثمان ـ فأنت يا قليل الحياء والدين ألهبت عليه نارا ثم هربت إلى فلسطين تتربص به
الدوائر فلما أتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك
ولسنا نلومك على بغضنا ولم نعاتبك على حبنا وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية
والإسلام وقد هجوت رسول الله صلىاللهعليهوآله
بسبعين بيتا من شعر فقال
رسول الله اللهم إني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكل
بيت ألف لعنة ثم أنت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك ـ أهديت إلى النجاشي الهدايا
ورحلت إليه رحلتك الثانية ولم تنهك الأولى عن الثانية كل ذلك ترجع مغلوبا حسيرا
تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه فلما أخطأك ما رجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن
الوليد.
وأما أنت يا وليد
بن عقبة فو الله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة وقتل أباك
صبرا بيده يوم بدر أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن وسماك
فاسقا وهو قول الله عز وجل : ( أَفَمَنْ كانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) وقوله ( إِنْ
جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) ـ وما أنت وذكر
قريش وإنما أنت ابن
__________________
علج من أهل صفورية
اسمه ذكوان وأما زعمك أنا قتلنا عثمان فو الله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن
يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب فكيف تقوله أنت ولو سألت أمك من أبوك؟ إذ تركت ذكوان
فألصقتك بعقبة بن أبي معيط اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة ومع ما أعد الله لك
ولأبيك ولأمك من العار والخزي في الدنيا والآخرة ـ وما الله بِظَلاَّمٍ
لِلْعَبِيدِ.
ثم أنت يا وليد
والله أكبر في الميلاد ممن تدعى له فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى
أبيك لا إلى من تدعى له ولقد قالت لك أمك يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة.
وأما أنت يا عتبة
بن أبي سفيان فو الله ما أنت بحصيف فأجاوبك ولا عاقل فأعاقبك وما عندك خير يرجى
وما كنت ولو سببت عليا لأعير به عليك لأنك عندي لست بكفؤ لعبد علي بن أبي طالب
فأرد عليك وأعاتبك ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وأمك وأخيك لبالمرصاد ـ فأنت ذرية
آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال ( عامِلَةٌ ناصِبَةٌ.
تَصْلى ناراً حامِيَةً. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ) إلى قوله ( مِنْ
جُوعٍ ) .
وأما وعيدك إياي
أن تقتلني فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها وشركك في
ولدها حتى ألصق بك ولدا ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا
ولذلك حريا إذ تسومني القتل وتوعدني به ولا ألومك أن تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة
واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنم
ـ وأذاقهما العذاب الأليم ونفى عمك بأمر رسول الله.
وأما رجائي
الخلافة فلعمر الله إن رجوتها فإن لي فيها لملتمسا وما أنت بنظير أخيك ولا بخليفة
أبيك لأن أخاك أكثر تمردا على الله وأشد طلبا لإهراقه دماء المسلمين وطلب ما ليس
له بأهل يخادع الناس ويمكرهم وَيَمْكُرُ اللهُ
وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
وأما قولك إن عليا
كان شر قريش لقريش فو الله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما.
وأما أنت يا مغيرة
بن شعبة فإنك لله عدو ولكتابه نابذ ولنبيه مكذب وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم
وشهد عليك العدول البررة الأتقياء فأخر رجمك ـ ودفع الحق بالأباطيل والصدق
بالأغاليط وذلك لما أعد الله لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا
وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ
__________________
أَخْزى وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالا منك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ومخالفة منك لأمره وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة والله مصيرك إلى النار
وجاعل وبال ما نطقت به عليك فبأي الثلاثة سببت عليا أنقصا في نسبه أم بعدا من رسول
الله أم سوء بلاء في الإسلام أم جورا في حكم أم رغبة في الدنيا إن قلت بها فقد
كذبت وكذبك الناس أتزعم أن عليا عليهالسلام
قتل عثمان مظلوما ـ فعلي
والله أتقى وأنقى من لائمه في ذلك ولعمري لئن كان علي قتل عثمان مظلوما فو الله ما
أنت من ذلك في شيء فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا وما زالت الطائف دارك تتبع
البغايا وتحيي أمر الجاهلية وتميت الإسلام حتى كان ما كان في أمس.
وأما اعتراضك في
بني هاشم وبني أمية فهو ادعاؤك إلى معاوية.
وأما قولك في شأن
الإمارة وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة وموسى
وهارون نبيان مرسلان عليهماالسلام يلقيان ما يلقيان من الأذى وهو ملك الله يعطيه البر
والفاجر وقال الله ( وَإِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) وقال ( وَإِذا
أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
فَفَسَقُوا
فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً ).
ثم قام الحسن فنفض
ثيابه وهو يقول ( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ
لِلْخَبِيثاتِ ) هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك : (
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) هم علي بن أبي طالب عليهالسلام
وأصحابه وشيعته ثم خرج
وهو يقول لمعاوية ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت وما قد أعد الله لك ولهم من الخزي
في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
فقال معاوية
لأصحابه وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم.
فقال الوليد بن
عقبة والله ما ذقنا إلا كما ذقت ولا اجترأ إلا عليك.
فقال معاوية ألم
أقل لكم إنكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا أطعتموني أول مرة فانتصرتم من الرجل إذ
فضحكم فو الله ما قام حتى أظلم علي البيت ـ وهممت أن أسطو به فليس فيكم خير اليوم
ولا بعد اليوم.
قال وسمع مروان بن
الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي عليهالسلام
__________________
فأتاهم فوجدهم عند
معاوية في البيت فسألهم :
ما الذي بلغني عن
الحسن وزعله؟
قال قد كان كذلك.
فقال لهم مروان أفلا
أحضرتموني ذلك؟ فو الله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الإماء
والعبيد.
فقال معاوية
والقوم لم يفتك شيء وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش.
فقال مروان فأرسل
إليه يا معاوية فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي.
فلما جاء الرسول
قال له الحسن عليهالسلام
ما يريد هذا الطاغية مني؟
والله إن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة
فأقبل الحسن فلما جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها ـ غير أن مروان
قد حضر معهم في هذا الوقت فمشى الحسن عليهالسلام
حتى جلس على السرير مع
معاوية وعمرو بن العاص.
ثم قال الحسن
لمعاوية لم أرسلت إلي؟
قال لست أنا أرسلت
إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك.
فقال له مروان أنت
يا حسن السباب لرجال قريش.
فقال له الحسن وما
الذي أردت؟
فقال مروان والله
لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الإماء والعبيد.
فقال الحسن عليهالسلام أما أنت يا مروان فلست سببتك ولا سببت أباك ولكن الله عز
وجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على
لسان نبيه محمد والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر ـ هذه اللعنة من رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لك ولأبيك من قبلك وما
زادك الله يا مروان بما خوفك ( إِلاَّ طُغْياناً
كَبِيراً ) وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى (
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ
إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً ) وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن وذلك عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عن جبرئيل عن الله عز وجل.
فوثب معاوية فوضع
يده على فم الحسن وقال يا أبا محمد ما كنت فحاشا ولا طياشا فنفض الحسن عليهالسلام ثوبه وقام فخرج فتفرق القوم عن المجلس بغيظ وحزن وسواد
الوجوه في الدنيا والآخرة.
مفاخرة الحسن بن علي صلوات الله
عليهما على معاوية ومروان بن الحكم
والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان
قيل وفد الحسن بن علي
عليهالسلام
على معاوية فحضر مجلسه
وإذا عنده هؤلاء القوم ففخر كل
رجل منهم على بني
هاشم ووضعوا منهم وذكروا أشياء ساءت الحسن بن علي وبلغت منه.
فقال الحسن بن علي
عليهالسلام
أنا شعبة من خير الشعب
وآبائي أكرم العرب لنا الفخر والنسب والسماحة عند الحسب ونحن من خير شجرة أنبتت
فروعا نامية وأثمارا زاكية وأبدانا قائمة فيها أصل الإسلام وعلم النبوة ـ فعلونا
حين شمخ بنا الفخر واستطلنا حين امتنع بنا العز ونحن بحور زاخرة لا تنزف وجبال
شامخة لا تقهر.
فقال مروان بن
الحكم مدحت نفسك وشمخت بأنفك هيهات هيهات يا حسن نحن والله الملوك السادة والأعزة
القادة لا تبجحن فليس لك عز مثل عزنا ولا فخر كفخرنا ثم أنشأ يقول :
شفينا أنفسا
طابت وقورا
|
|
فنالت عزها فيمن
يلينا
|
فأبنا بالغنيمة
حيث أبنا
|
|
وأبنا بالملوك
مقرنينا
|
ثم تكلم مغيرة بن
شعبة فقال نصحت لأبيك فلم يقبل النصح ولو لا كراهية قطع القرابة لكنت في جملة أهل
الشام فكان يعلم أبوك أني أصدر الوراد عن مناهلها بزعارة قيس وحلم ثقيف وتجاربها
للأمور على القبائل.
فتكلم الحسن عليهالسلام فقال يا مروان أجبنا وخورا وضعفا وعجزا زعمت أني مدحت نفسي
وأنا ابن رسول الله وشمخت بأنفي وأنا سيد شباب أهل الجنة؟ وإنما يبذخ ويتكبر ويلك
من يريد رفع نفسه ويتبجح؟ من يريد الاستطالة؟ فأما نحن فأهل بيت الرحمة ومعدن
الكرامة وموضع الخيرة وكنز الإيمان ورمح الإسلام وسيف الدين ألا تصمت ثكلتك أمك
قبل أن أرميك بالهوائل ـ وأسمك بميسم تستغني به عن اسمك فأما إيابك بالنهاب
والملوك أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوما وانخرجت مذعورا فكانت غنيمتك هزيمتك وغدرك
بطلحة حين غدرت به فقتلته قبحا لك ما أغلظ جلدة وجهك!!
فنكس مروان رأسه
وبقي مغيرة مبهوتا فالتفت إليه الحسن عليهالسلام
فقال :
أعور ثقيف ما أنت
من قريش فأفاخرك؟ أجهلتني يا ويحك أنا ابن خيرة الإماء وسيدة النساء غذانا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بعلم الله تبارك وتعالى
فعلمنا تأويل القرآن ومشكلات الأحكام لنا العزة العليا والفخر والسناء وأنت من قوم
لم يثبت لهم في الجاهلية نسب ـ ولا لهم في الإسلام نصيب عبد آبق ما له والافتخار عن
مصادمة الليوث ومجاحشة الأقران نحن السادة ونحن المذاويد القادة نحمي الذمار وننفي
عن ساحتنا العار وأنا ابن نجيبات الأبكار ثم أشرت زعمت إلى وصي خير الأنبياء وكان
هو بعجزك أبصر وبجورك أعلم وكنت للرد عليك منه أهلا لوعزك [ لوغرك ] في صدرك وبدو
الغدر في عينك هيهات لم يكن ليتخذ ( الْمُضِلِّينَ
عَضُداً ) وزعمك أنك لو كنت بصفين بزعارة قيس وحلم ثقيف فبما ذا
ثكلتك أمك أبعجزك عند المقامات وفرارك عند المجاحشات.
أما والله لو
التفت عليك من أمير المؤمنين الأجاشع لعلمت أنه لا يمنعه منك الموانع ولقامت
عليك المرنات
الهوالع.
وأما زعارة قيس
فما أنت وقيسا إنما أنت عبد آبق فثقف فسمي ثقيفا فاحتل لنفسك من غيرها فلست من
رجالها أنت بمعالجة الشرك وموالج الزرائب أعرف منك بالحروب.
فأما الحلم فأي
الحلم عند العبيد القيون ثم تمنيت لقاء أمير المؤمنين عليهالسلام فذاك من قد عرفت أسد باسل وسم قاتل لا تقاومه الأبالسة عند
الطعن والمخالسة فكيف ترومه الضبعان وتناله الجعلان بمشيتها القهقرى.
وأما وصلتك
فمنكورة وقربتك فمجهولة وما رحمك منه إلا كبنات الماء من خشفان الظباء بل أنت أبعد
منه نسبا.
فوثب المغيرة
والحسن يقول لمعاوية أعذرنا من بني أمية إن تجاوزنا بعد مناطقة القيون ومفاخرة
العبيد.
فقال معاوية ارجع
يا مغيرة هؤلاء بنو عبد مناف لا تقاومهم الصناديد ولا تفاخرهم المذاويد.
ثم أقسم على الحسن
عليهالسلام
بالسكوت فسكت.
وروي أن عمرو بن
العاص قال لمعاوية ابعث إلى الحسن بن علي فمره أن يصعد المنبر ويخطب الناس فلعله
أن يحصر فيكون ذلك مما نعيره به في كل محفل فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر وقد
جمع له الناس ورؤساء أهل الشام فحمد الله الحسن صلوات الله عليه وأثنى عليه ثم قال
:
أيها الناس من
عرفني فأنا الذي يعرف ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن عم نبي
الله أول المسلمين إسلاما وأمي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
ـ وجدي محمد بن عبد الله
نبي الرحمة أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن السراج المنير أنا ابن من بعث ( رَحْمَةً
لِلْعالَمِينَ ) أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس أجمعين فقطع عليه معاوية
فقال يا أبا محمد خلنا من هذا وحدثنا في نعت الرطب أراد بذلك تخجيله.
فقال الحسن عليهالسلام نعم التمر الريح تنفخه والحر ينضجه والليل يبرده ويطيبه.
ثم أقبل الحسن عليهالسلام فرجع في كلامه الأول فقال أنا ابن مستجاب الدعوة أنا ابن
الشفيع المطاع أنا ابن أول من ينفض عن رأسه التراب أنا ابن من يقرع باب الجنة
فيفتح له فيدخلها ـ أنا ابن من قاتل معه الملائكة وأحل له المغنم ونصر بالرعب من
مسيرة شهر فأكثر في هذا النوع من الكلام ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية
وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ثم نزل فقال له معاوية أما إنك يا
حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هناك فقال الحسن عليهالسلام
أما الخليفة فمن سار
بسيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعمل بطاعة الله عز وجل
وليس الخليفة من سار بالجور
وعطل السنن واتخذ
الدنيا أما وأبا وعباد الله خولا وماله دولا ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكا فتمتع منه
قليلا وكان قد انقطع عنه فاتخم لذته وبقيت عليه تبعته وكان كما قال الله تبارك
وتعالى ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ
وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ )
( مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما
كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ) ـ وأومى بيده إلى
معاوية ثم قام فانصرف فقال معاوية لعمرو والله ما أردت إلا شيني حين أمرتني بما
أمرتني والله ما كان يرى أهل الشام أن أحدا مثلي في حسب ولا غيره حتى قال الحسن عليهالسلام ما قال قال عمرو وهذا شيء لا يستطاع دفنه ولا تغييره لشهرته
في الناس واتضاحه فسكت معاوية
وروى الشعبي أن
معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فقال أين علي بن أبي طالب؟
فقام الحسن بن علي
فخطب وحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
إنه لم يبعث نبي
إلا جعل له وصي من أهل بيته ـ ولم يكن نبي إلا وله عدو من المجرمين وإن عليا عليهالسلام كان وصي رسول الله من بعده وأنا ابن علي وأنت ابن صخر وجدك
حرب وجدي رسول الله وأمك هند وأمي فاطمة وجدتي خديجة وجدتك نثيلة فلعن الله ألأمنا
حسبا وأقدمنا كفرا وأخملنا ذكرا وأشدنا نفاقا فقال عامة أهل المجلس آمين فنزل
معاوية فقطع خطبته.
وروي أنه لما قدم
معاوية بالكوفة قيل له إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس فلو أمرته أن يقوم دون
مقامك على المنبر فتدركه الحداثة والعي فيسقط من أنفس الناس وأعينهم فأبى عليهم
وأبوا عليه إلا أن يأمره بذلك فأمره ـ فقام دون مقامه في المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال :
أما بعد أيها
الناس فإنكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا لتجدوا رجلا جده نبي لم تجدوا غيري وغير أخي
وإنا أعطينا صفقتنا هذه الطاغية وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية وهو في
مقام رسول الله صلىاللهعليهوآله
من المنبر ورأينا حقن
دماء المسلمين أفضل من إهراقها ـ و ( إِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) وأشار بيده إلى
معاوية.
فقال له معاوية ما
أردت بقولك هذا؟
فقال ما أردت به
إلا ما أراد الله عز وجل فقام معاوية فخطب خطبة عييبة [ عيية ] فاحشة فسب فيها أمير
المؤمنين عليهالسلام
فقام إليه الحسن بن علي عليهالسلام فقال له وهو على المنبر ويلك يا ابن آكلة الأكباد أوأنت تسب
أمير المؤمنين عليهالسلام وقد قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
من سب عليا فقد سبني ومن
سبني فقد سب الله ومن سب الله أدخله الله نار جهنم خالدا فيها مخلدا وله عذاب مقيم.
ثم انحدر الحسن عليهالسلام عن المنبر ودخل داره ولم يصل هناك بعد ذلك أبدا
تم الجزء الأول من
كتاب الإحتجاج بحمد الله ومنه ويتلوه بمن الله وعونه الجزء الثاني.

احتجاج الحسن بن علي
عليهالسلام
على معاوية في الإمامة من
يستحقها ومن لا يستحقها بعد مضي النبي.
وقد جرى قبل ذلك
إيراد كثير من الحجج لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهما على
معاوية في الإمامة وغيرها بمحضر من الحسن عليهالسلام
والفضل بن عباس وغيرهما.
روى سليم بن قيس
قال سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال قال لي معاوية.
ما أشد تعظيمك
للحسن والحسين ما هما بخير منك ولا أبوهما بخير من أبيك ولو لا أن فاطمة بنت رسول
الله لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها.
قال فغضبت من
مقالته وأخذني ما لا أملك فقلت أنت لقليل المعرفة بهما وبأبيهما وأمهما بلى والله
إنهما خير مني وأبوهما خير من أبي وأمهما خير من أمي ولقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول فيهما وفي أبيهما وأنا غلام فحفظته منه ورعيته.
فقال معاوية وليس
في المجلس غير الحسن والحسين عليهماالسلام وابن جعفر رحمه الله وابن عباس وأخيه الفضل هات ما سمعت فو
الله ما أنت بكذاب فقال إنه أعظم مما في نفسك.
قال وإن كان أعظم
من أحد وحرى فآته ما لم يكن أحد من أهل الشام أما إذا قتل الله طاغيتكم وفرق جمعكم
وصار الأمر في أهله ومعدنه ـ فما نبالي ما قلتم ولا يضرنا ما ادعيتم.
قال سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يقول : أنا ( أَوْلى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فمن كنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه وعلي
بين يديه في البيت والحسن والحسين وعمرو [ عمر ] بن أم سلمة وأسامة بن زيد وفي
البيت فاطمة عليهاالسلام وأم أيمن وأبو ذر
والمقداد والزبير بن العوام وضرب رسول الله صلىاللهعليهوآله
على عضده وأعاد ما قال
فيه ثلاثا ثم نص بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهمالسلام ثم قال صلىاللهعليهوآله.
لأمتي اثنا عشر
إمام ضلالة كلهم ضال مضل عشرة من بني أمية ورجلان من قريش وزر جميع الاثني عشر وما
أضلوا في عنقهما ـ ثم سماهما رسول الله صلىاللهعليهوآله
وسمى العشرة منهما.
قال فسمهم لنا قال
فلان وفلان وفلان وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان وسبعة من ولد الحكم بن أبي
العاص أولهم مروان.
قال معاوية لئن
كان ما قلت حقا هلكت وهلكت الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة ولقد هلك
أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غيركم وأهل
البيت وشيعتكم.
قال ابن جعفر فإن
الذي قلت والله حق سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
قال معاوية للحسن
والحسين وابن عباس ما يقول ابن جعفر؟
قال ابن عباس
ومعاوية بالمدينة أول سنة اجتمع عليه الناس بعد قتل علي عليهالسلام أرسل إلى الذي سمى فأرسل إلى عمرو [ عمر ] بن أم سلمة
وأسامة فشهدوا جميعا أن الذي قال ابن جعفر حق قد سمعوا من رسول الله صلىاللهعليهوآله كما سمعه.
ثم أقبل معاوية
إلى الحسن والحسين وابن عباس والفضل وابن أم سلمة وأسامة.
قال كلكم على ما
قال ابن جعفر؟
قالوا نعم.
قال معاوية فإنكم
يا بني عبد المطلب لتدعون أمرا وتحتجون بحجة قوية إن كانت حقا وإنكم لتبصرون على
أمر وتسترونه والناس في غفلة وعمى ولئن كان ما تقولونه حقا لقد هلكت الأمة ورجعت
عن دينها وكفرت بربها وجحدت نبيها إلا أنتم أهل البيت ومن قال بقولكم وأولئك قليل
في الناس.
فأقبل ابن عباس
على معاوية فقال قال الله تعالى ( وَقَلِيلٌ مِنْ
عِبادِيَ الشَّكُورُ ) وقال ( وَقَلِيلٌ ما هُمْ ).
وما تعجب مني يا
معاوية اعجب من بني إسرائيل إن السحرة قالوا لفرعون ( فَاقْضِ ما أَنْتَ
قاضٍ ) فآمنوا بموسى وصدقوه ثم سار بهم ومن اتبعهم من بني إسرائيل
فأقطعهم البحر وأراهم العجائب وهم مصدقون بموسى وبالتوراة يقرون له بدينه ثم مروا
بأصنام تعبد فقالوا ( يا مُوسَى اجْعَلْ
لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) ـ وعكفوا على
العجل جميعا غير هارون فقالوا ( هذا إِلهُكُمْ
وَإِلهُ مُوسى ) وقال لهم موسى بعد ذلك و ( ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ ) فكان من جوابهم ما قص الله عز وجل عليهم فقال موسى ( رَبِّ
إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ
الْفاسِقِينَ ).
فما اتباع هذه
الأمة رجالا سودوهم وأطاعوهم لهم سوابق مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومنازل قريبة منها
وأصهاره مقرين بدين محمد صلىاللهعليهوآله
وبالقرآن حملهم الكبر
والحسد أن خالفوا إمامهم ووليهم بأعجب من قوم صاغوا ( مِنْ حُلِيِّهِمْ
عِجْلاً ) ثم عكفوا عليه يعبدونه ويسجدون له ويزعمون أنه رب العالمين
واجتمعوا على ذلك كلهم غير هارون وحده وقد بقي مع صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة
هارون من موسى من أهل بيته ناس سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ثم رجع الزبير وثبت
هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتى لقوا الله.
وتعجب يا معاوية
أن سمى الله من الأئمة واحدا بعد واحد وقد نص عليهم رسول الله بغدير خم وفي غير
موطن واحتج بهم عليهم وأمرهم بطاعتهم وأخبر أن أولهم علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن
ومؤمنة من بعده وأنه خليفته فيهم ووصيه وقد بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله جيشا يوم مؤتة فقال عليكم بجعفر فإن هلك فزيد فإن هلك فعبد
الله بن رواحة فقتلوا جميعا أفترى يترك الأمة ولم يبين لهم من الخليفة بعده
ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة ـ كان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره
وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد ما بينه وما تركهم رسول الله صلىاللهعليهوآله في عمى ولا شبهة.
فأما ما قال الرهط
الأربعة الذين تظاهروا على علي عليهالسلام
وكذبوا على رسول الله
وزعموا أنه قال إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقد شبهوا على
الناس بشهادتهم وكذبهم ومكرهم.
قال معاوية ما
تقول يا حسن؟
قال يا معاوية قد
سمعت ما قلت وما قال ابن عباس العجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك ومن جرأتك على
الله حين قلت قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه فأنت يا معاوية معدن
الخلافة دوننا؟ ويل لك يا معاوية ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك
هذه السنة لأقولن كلاما ما أنت أهله ولكني أقول ليسمعه بنو أبي هؤلاء حولي.
إن الناس قد
اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها ولا تنازع ولا فرقة على شهادة أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعبده والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر
رمضان وحج البيت ثم أشياء كثيرة من طاعة الله لا تحصى ولا يعدها إلا الله واجتمعوا
على تحريم الزنا والسرقة والكذب والقطيعة والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي الله لا
تحصى ولا يعدها إلا الله واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها وصاروا فرقا يلعن بعضهم
بعضا وهي الولاية ويتبرأ بعضهم عن بعض ويقتل بعضهم بعضا أيهم أحق وأولى بها إلا
فرقة تتبع كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله
فمن أخذ بما عليه أهل
القبلة الذي ليس فيه اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم ونجا به من النار
ودخل الجنة ومن وفقه الله ومن عليه واحتج عليه بأن نور قلبه بمعرفة ولاة الأمر من
أئمتهم ومعدن العلم أين هو فهو عند الله سعيد ولله ولي وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله رحم الله امرأ علم حقا فقال أو سكت فسلم.
نحن نقول أهل
البيت إن الأئمة منا وإن الخلافة لا تصلح إلا فينا وإن الله جعلنا أهلها في كتابه
وسنة نبيه وإن العلم فينا ونحن أهله وهو عندنا مجموع كله بحذافيره وإنه لا يحدث
شيء إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وبخط علي عليهالسلام
بيده.
وزعم قوم أنهم
أولى بذلك منا حتى أنت يا ابن هند تدعي ذلك وتزعم أن عمر أرسل إلى أبي أني أريد أن
أكتب القرآن في مصحف فابعث إلي بما كتبت من القرآن فأتاه فقال تضرب والله عنقي قبل
أن يصل إليك قال ولم؟
قال لأن الله
تعالى قال : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) إياي عنى ولم
يعنك ولا أصحابك فغضب عمر ثم قال :
يا ابن أبي طالب
تحسب أن أحدا ليس عنده علم غيرك من كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتني به إذا جاء
رجل فقرأ شيئا معه يوافقه فيه آخر كتبه وإلا لم يكتبه.
ثم قالوا قد ضاع
منه قرآن كثير بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظ عند أهله ثم أمر عمر قضاته وولاته
اجتهدوا آراءكم واقضوا بما ترون أنه الحق فلا يزال هو وبعض ولاته قد وقعوا في
عظيمة فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهم بها فتجمع القضاة عند خليفتهم وقد حكموا في
شيء واحد بقضايا مختلفة فأجازها لهم لأن الله تعالى لم يؤته الْحِكْمَةَ
وَفَصْلَ الْخِطابِ وزعم كل صنف من
مخالفينا من أهل هذه القبلة أنهم معدن الخلافة والعلم دوننا فنستعين بالله على من
ظلمنا وجحدنا حقنا وركب رقابنا وسن للناس علينا ما يحتج به مثلك وحَسْبُنَا
اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
إنما الناس ثلاثة
ـ مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا فذلك ناج محب لله ولي.
وناصب لنا العداوة
يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد حقنا ويدين الله بالبراءة منا فهذا كافر
مشرك وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلم كما يسبوا اللهَ
عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كذلك يشرك بالله بغير علم.
ورجل آخذ بما لا
يختلف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يعادينا ولا
يعرف حقنا فنحن نرجو أن يغفر الله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف.
فلما سمع معاوية
أمر لكل منهم بمائة ألف درهم ـ غير الحسن والحسين وابن جعفر فإنه أمر لكل واحد
منهم بألف ألف درهم.
احتجاجه عليهالسلام على من أنكر
عليه مصالحة معاوية ونسبه إلى التقصير في طلب حقه.
عن سليم بن قيس
قال : قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
على المنبر حين اجتمع مع
معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إن
معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا وكذب معاوية
أنا أولى الناس
بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني
ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ـ ولما طمعتم فيها يا معاوية ولقد قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما ولت أمة أمرها رجلا قط
وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل.
وقد ترك بنو
إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى وقد تركت الأمة
عليا عليهالسلام
وقد سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي
بعدي وقد هرب رسول الله صلىاللهعليهوآله
من قومه وهو يدعوهم إلى
الله حتى فر إلى الغار ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم ولو وجدت أنا أعوانا ما
بايعتك يا معاوية.
وقد جعل الله
هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعوانا وقد جعل الله
النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم كذلك أنا وأبي في سعة من الله
حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها
بعضا.
أيها الناس إنكم
لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري وغير أخي.
وعن حنان بن سدير عن أبيه سدير عن أبيه عن أبي سعيد
عقيصا قال : لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس
فلامه بعضهم على بيعته ـ فقال عليهالسلام.
ويحكم ما تدرون ما
عملت والله للذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت ألا تعلمون أني
إمامكم ومفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص.
__________________
من رسول الله علي؟
قالوا بلى.
قال : أما علمتم
أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليهالسلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالى
ذكره حكمة وصوابا؟ أما علمتم أنه ما منا أحد إلا يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه
إلا القائم عج الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم عليهالسلام
فإن الله عز وجل يخفي
ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي
الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون
أربعين سنة ذلك ليعلم ( أَنَّ اللهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
عن زيد بن وهب
الجهني قال : لما طعن الحسن بن علي عليهالسلام
بالمدائن أتيته وهو متوجع
فقلت ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟
فقال أرى والله أن
معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا
مالي والله لئن آخذ من معاوية عهدا ـ أحقن به دمي وأومن به في أهلي خير من أن
يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني
إليه سلما والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمن علي
فيكون سنة على بني هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا
والميت.
قال قلت تترك يا
ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟
قال وما أصنع يا
أخا جهينة ـ؟ إني والله أعلم بأمر قد أدى به إلي ثقاته أن أمير المؤمنين عليهالسلام قال لي ذات يوم وقد رآني فرحا يا حسن أتفرح كيف بك إذا رأيت
أباك قتيلا؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية وأميرها الرحب البلعوم الواسع
الأعفاج يأكل ولا يشبع ـ يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض
عاذر ثم يستولي على غربها وشرقها يدين له العباد ويطول ملكه يستن بسنن أهل البدع
والضلال ويميت الحق وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقسم المال في أهل ولايته
ويمنعه من هو أحق به ويذل في ملكه المؤمن ويقوى في سلطانه الفاسق ويجعل المال بين
أنصاره دولا ويتخذ عباد الله خولا.
__________________
يدرس في سلطانه
الحق ويظهر الباطل ويقتل من ناواه على الحق ويدين من والاه على الباطل فكذلك حتى
يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره
بآياته ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا وكرها يملأ الأرض قسطا وعدلا ونورا
وبرهانا يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقى كافر إلا آمن به ولا طالح إلا صلح
وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز
يملك ما بين الخافقين أربعين عاما؟ فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه
وعن الأعمش عن سالم بن أبي
الجعد قال : حدثني رجل منا قال : أتيت الحسن بن علي عليهالسلام
فقلت يا ابن رسول الله
أذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا ما بقي معك رجل؟
قال ومم ذاك؟ قال
قلت بتسليمك الأمر لهذا الطاغية.
قال والله ما سلمت
الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم
الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا
إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل إنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم
معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا قال وهو يكلمني إذ تنخع الدم فدعا بطست فحمل من بين
يديه مليء مما خرج من جوفه من الدم.
فقلت له ما هذا يا
ابن رسول الله ص؟ إني لأراك وجعا.
قال أجل دس إلي
هذا الطاغية من سقاني سما فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعا كما ترى.
قلت أفلا تتداوى؟
قال قد سقاني
مرتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء ولقد رقي إلي أنه كتب إلى ملك
__________________
الروم يسأله أن
يوجه إليه من السم القتال شربة فكتب إليه ملك الروم أنه لا يصلح لنا في ديننا أن
نعين على قتال من لا يقاتلنا.
فكتب إليه أن هذا
ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة وقد خرج يطلب ملك أبيه وأنا أريد أن أدس إليه من
يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه ووجه إليه بهدايا وألطاف فوجه إليه ملك الروم
بهذه الشربة التي دس فيها فسقيتها واشترط عليه في ذلك شروطا
وروي : أن معاوية
دفع السم إلى امرأة الحسن بن علي عليهالسلام
جعدة بنت الأشعث فقال لها
اسقيه فإذا مات هو زوجتك ابني يزيد فلما سقته السم ومات عليهالسلام جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون فقالت زوجني يزيد فقال
اذهبي فإن امرأة لم تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد
احتجاج الحسين بن علي عليهالسلام على عمر بن
الخطاب في الإمامة والخلافة
روي أن عمر بن
الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فذكر في خطبته أنه ( أَوْلى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فقال له الحسين عليهالسلام
من ناحية المسجد:
انزل أيها الكذاب
عن منبر أبي رسول الله لا [ إلى ] منبر أبيك!
فقال له عمر فمنبر
أبيك لعمري يا حسين لا منبر أبي من علمك هذا أبوك علي بن أبي طالب؟
فقال له الحسين عليهالسلام إن أطع أبي فيما أمرني فلعمري إنه لهاد وأنا مهتد به وله في
رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله نزل بها جبرئيل من عند الله تعالى لا ينكرها
إلا جاحد بالكتاب قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم وويل للمنكرين حقنا
أهل البيت ما ذا يلقاهم به محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله
من إدامة الغضب وشدة
العذاب!!
فقال عمر يا حسين
من أنكر حق أبيك فعليه لعنة الله أمرنا الناس فتأمرنا ولو أمروا أباك لأطعنا.
فقال له الحسين يا
ابن الخطاب فأي الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمرك على
الناس بلا حجة من نبي ولا رضى من آل محمد؟ فرضاكم كان لمحمد صلىاللهعليهوآله رضى أو رضا أهله كان له سخطا أما والله لو أن للسان مقالا
يطول تصديقه وفعلا يعينه المؤمنون لما تخطأت رقاب آل محمد ترقى منبرهم وصرت الحاكم
عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه ولا تدري تأويله إلا سماع الآذان المخطئ
والمصيب عندك سواء فجزاك الله جزاك وسألك عما أحدثت سؤالا حفيا.
قال فنزل عمر
مغضبا فمشى معه أناس من أصحابه حتى أتى باب أمير المؤمنين عليهالسلام فاستأذن عليه فأذن له فدخل فقال :
يا أبا الحسن ما
لقيت اليوم من ابنك الحسين ـ يجهرنا بصوت في مسجد رسول الله ويحرض علي الطغام وأهل
المدينة.
فقال له الحسن عليهالسلام على مثل الحسين ابن النبي صلىاللهعليهوآله
يشخب بمن لا حكم له أو
يقول بالطغام على أهل دينه أما والله ما نلت إلا بالطغام فلعن الله من حرض الطغام.
فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
مهلا يا أبا محمد فإنك لن
تكون قريب الغضب ولا لئيم الحسب ولا فيك عروق من السودان اسمع كلامي ولا تعجل
بالكلام.
فقال له عمر يا
أبا الحسن إنهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة.
فقال أمير
المؤمنين هما أقرب نسبا برسول الله من أن يهما أما فأرضهما يا ابن الخطاب بحقهما
يرض عنك من بعدهما قال وما رضاهما يا أبا الحسن ـ؟
قال رضاهما الرجعة
عن الخطيئة والتقية عن المعصية بالتوبة.
فقال له عمر أدب
يا أبا الحسن ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكماء في الأرض.
فقال له أمير
المؤمنين عليهالسلام
أنا أؤدب أهل المعاصي على
معاصيهم ومن أخاف عليه الزلة والهلكة فأما من والده رسول الله ونحله أدبه فإنه لا
ينتقل إلى أدب خير له منه أما فأرضهما يا ابن الخطاب!
قال فخرج عمر
فاستقبله عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن يا أبا حفص ما صنعت
فقد طالت بكما الحجة؟
فقال له عمر وهل
حجة مع ابن أبي طالب وشبليه؟
فقال له عثمان يا
ابن الخطاب هم بنو عبد مناف الأسمنون والناس عجاف.
فقال له عمر ما
أعد ما صرت إليه فخرا فخرت به بحمقك فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم نبذ به ورده ثم
قال له يا ابن الخطاب كأنك تنكر ما أقول فدخل بينهما عبد الرحمن وفرق بينهما
وافترق القوم.
احتجاج الحسين عليهالسلام بذكر مناقب
أمير المؤمنين وأولاده عليهمالسلام حين أمر معاوية بلعن أمير
المؤمنين عليهالسلام وقتل شيعته وقتل من يروي شيئا
من فضائله
عن سليم بن قيس
قال ـ قدم معاوية بن أبي سفيان حاجا في خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر
فإذا الذين
استقبلوه ما فيهم أحد من قريش فلما نزل قال ما فعلت الأنصار وما بالها لم تستقبلني؟
فقيل له إنهم
محتاجون ليس لهم دواب.
فقال معاوية فأين
نواضحهم؟
فقال قيس بن سعد
بن عبادة وكان سيد الأنصار وابن سيدها أفنوها يوم بدر وأحد وما بعدهما من مشاهد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
حين ضربوك وأباك على
الإسلام حتى ظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وأنتم كارهون فسكت معاوية فقال قيس أما إن رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد إلينا أنا سنلقى بعده إثرة.
فقال معاوية فما
أمركم به؟ فقال أمرنا أن نصبر حتى نلقاه.
قال فاصبروا حتى
تلقوه ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس فقال
له :
يا ابن عباس ما
منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجودة أني قاتلتكم بصفين فلا تجد من ذلك يا
ابن عباس فإن ابن عمي عثمان قد قتل مظلوما.
قال ابن عباس فعمر
بن الخطاب قد قتل مظلوما قال إن عمر قتله كافر.
قال ابن عباس فمن
قتل عثمان؟ قال قتله المسلمون.
قال فذلك أدحض
لحجتك.
قال فإنا قد كتبنا
في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك فقال يا معاوية أتنهانا عن
قراءة القرآن؟ قال لا ـ.
قال أتنهانا عن
تأويله؟ قال نعم.
قال فنقرؤه ولا
نسأل عما عنى الله به ثم قال فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال العمل به.
قال فكيف نعمل به
ولا نعلم ما عنى الله؟ قال سل عن ذلك من يتأوله غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.
قال إنما أنزل
القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان يا معاوية أتنهانا أن نعبد الله
بالقرآن بما فيه من حلال وحرام ـ فإن لم تسأل الأمة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف.
قال اقرءوا القرآن
وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك.
قال فإن الله يقول
في القرآن ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ
بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ
الْكافِرُونَ ).
قال يا ابن عباس
اربع على نفسك وكف لسانك وإن كنت لا بد فاعلا فليكن ذلك سرا لا يسمعه أحد علانية ـ.
ثم رجع إلى بيته
فبعث إليه بمائة ألف درهم ونادى منادي معاوية أن قد برئت الذمة ممن يروي حديثا من
مناقب علي وفضل أهل بيته وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة
فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقين الكوفة والبصرة فجعل يتتبع الشيعة وهو
بهم عارف يقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وصلبهم في جذوع
النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور
ـ فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد.
وكتب معاوية إلى
جميع عماله في جميع الأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة
وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهل بيته وأهل ولايته والذين يروون فضله
ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه
وقبيلته ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات
والخلع والقطائع من العرب والموالي وكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في الأموال
والدنيا فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب
اسمه وأجيز فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله
أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية
وفضله وسوابقه فإن ذلك أحب إلينا وأقر لأعيننا وأدحض لحجة أهل البيت وأشد عليهم ـ فقرأ
كل أمير وقاض كتابه على الناس فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة
وكل مسجد زورا وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم كما يعلمونهم القرآن
حتى علموه بناتهم ونساءهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.
وكتب زياد ابن
أبيه إليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي وعلى رأيه فكتب إليه معاوية اقتل كل
من كان على دين علي ورأيه فقتلهم ومثل بهم.
وكتب كتابا آخر
انظروا من قبلكم من شيعة علي واتهمتموه بحبه فاقتلوه وإن لم تقم عليه البينة
فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة
ضربت عنقه حتى لو كان الرجل يرمى بالزندقة والكفر كان يكرم ويعظم ولا يتعرض له
بمكروه والرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان لا سيما الكوفة
والبصرة حتى لو أن أحدا منهم أراد أن يلقي سرا إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف
خادمه ومملوكه فلا يحدثه إلا بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمن عليه ثم لا
يزداد الأمر إلا شدة ـ حتى كثر وظهر أحاديثهم الكاذبة ونشأ عليه الصبيان يتعلمون
ذلك.
وكان أشد الناس في
ذلك القراء المراءون المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع فكذبوا وانتحلوا
الأحاديث وولدوها فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ويدنون مجالسهم ويصيبون بذلك
الأموال والقطائع
والمنازل حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا فرووها وقبلوها وتعلموها
وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا من ردها أو شك فيها فاجتمعت على ذلك جماعتهم وصارت
في يد المتنسكين والمتدينين منهم ـ الذين لا يحبون الافتعال إلى مثلها فقبلوها وهم
يرون أنها حق ولو علموا بطلانها وتيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها ولم
يدينوا بها ولم يبغضوا من خالفها فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا والباطل
عندهم حقا والكذب صدقا والصدق كذبا.
فلما مات الحسن بن
علي ازداد البلاء والفتنة فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه أو مقتول أو طريد أو
شريد فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليهالسلام وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه ـ وقد جمع الحسين
بن علي عليهالسلام
بني هاشم رجالهم ونساءهم
ومواليهم وشيعتهم من حج منهم ومن لم يحج ومن الأنصار ممن يعرفونه وأهل بيته ثم لم
يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومن أبنائهم والتابعين
ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل
والحسين عليهالسلام
في سرادقه عامتهم
التابعون وأبناء الصحابة ـ فقام الحسين عليهالسلام
فيهم خطيبا فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد فإن
الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم وإني أريد أن
أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ثم
ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون فإني
أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب ( وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ).
فما ترك الحسين
شيئا أنزل الله فيهم من القرآن إلا قاله وفسره ولا شيئا قاله الرسول في أبيه وأمه
وأهل بيته إلا رواه وكل ذلك يقول الصحابة اللهم نعم قد سمعناه وشهدناه ويقول
التابعون اللهم قد حدثنا من نصدقه ونأتمنه حتى لم يترك شيئا إلا قاله ثم قال :
أنشدكم بالله إلا
رجعتم وحدثتم به من تثقون به ثم نزل وتفرق الناس على ذلك
احتجاجه عليهالسلام على معاوية
توبيخا له على قتل من قتله من شيعة أمير المؤمنين وترحمه عليهم
عن صالح بن كيسان قال : لما قتل
معاوية حجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليهالسلام فقال :
يا أبا عبد الله
هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟
__________________
فقال عليهالسلام وما صنعت بهم ـ؟
قال قتلناهم
وكفناهم وصلينا عليهم.
فضحك الحسين عليهالسلام ثم قال خصمك القوم يا معاوية لكننا لو قتلنا شيعتك ما
كفناهم ـ ولا صلينا عليهم ولا قبرناهم ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببغضنا
واعتراضك بني هاشم بالعيوب فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك ثم سلها الحق عليها ولها
فإن لم تجدها أعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترن غير
قوسك ولا ترمين غير غرضك ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب فإنك والله لقد أطعت
فينا رجلا ما قدم إسلامه ولا حدث نفاقه ولا نظر لك فانظر لنفسك أو دع يعني عمرو بن
العاص.
وقال عليهالسلام في جواب كتاب كتب إليه معاوية على طريق الاحتجاج :
أما بعد فقد بلغني
كتابك أنه بلغك عني أمور إن بي عنها غنى وزعمت أني راغب فيها وأنا بغيرها عنك جدير
أما ما رقي إليك عني فإنه رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنمائم المفرقون بين
الجمع كذب الساعون الواشون ما أردت حربك ولا خلافا عليك وايم الله إني لأخاف الله
عز ذكره في ترك ذلك وما أظن الله تبارك وتعالى براض عني بتركه ولا عاذري بدون
الاعتذار إليه فيك وفي أولئك القاسطين الملبين حزب الظالمين بل أولياء الشيطان
الرجيم.
ألست قاتل حجر بن
عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون
المنكر والبدع ـ ويؤثرون حكم الكتاب ولا يخافون في الله لومة لائم فقتلتهم ظلما
وعدوانا بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان
بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في صدرك عليهم.
أولست قاتل عمرو
بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه ونحلت جسمه
بعد أن آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل وميثاقه ما لو أعطيته العصم ففهمته
لنزلت إليك من شعف الجبال ثم قتلته جرأة على الله عز وجل واستخفافا بذلك العهد؟
أولست المدعي زياد
بن سمية ـ المولود على فراش عبيد عبد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك وقد قال رسول الله
الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله واتبعت هواك بغير هدى من الله ثم
سلطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم على جذوع
النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك أولست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك فيهم
ابن سمية أنهم على دين علي ورأيه فكتبت إليه اقتل كل من كان على دين علي عليهالسلام ورأيه فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين علي والله وابن علي الذي
كان يضرب عليه أباك وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه ولو لا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف
أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا من الله عليكم فوضعهما عنكم.
وقلت فيما تقول
انظر نفسك ولدينك ولأمة محمد صلىاللهعليهوآله واتق شق عصا هذه
الأمة وأن تردهم في
__________________
فتنة فلا أعرف
فتنة أعظم من ولايتك عليها ولا أعلم نظرا لنفسي وولدي وأمة جدي أفضل من جهادك فإن
فعلته فهو قربة إلى الله عز وجل وإن تركته فأستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقي
لإرشاد أموري.
وقلت فيما تقول إن
أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني وهل رأيك إلا كيد الصالحين منذ خلقت فكدني ما بدا لك
إن شئت ـ فإني أرجو أن لا يضرني كيدك وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك على
أنك تكيد فتوقظ عدوك وتوبق نفسك كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثلت بهم بعد الصلح
والأيمان والعهد والميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلا لذكرهم فضلنا
وتعظيمهم حقنا بما به شرفت وعرفت مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو
ماتوا قبل أن يدركوا.
أبشر يا معاوية
بقصاص واستعد للحساب واعلم أن لله عز وجل كتابا ( لا يُغادِرُ
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها ) وليس الله تبارك
وتعالى بناس أخذك بالظنة وقتلك أولياءه بالتهمة ونفيك إياهم من دار الهجرة إلى
الغربة والوحشة وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان يشرب الشراب ويلعب بالكعاب
لا أعلمك إلا قد خسرت نفسك ـ وشريت دينك وغششت رعيتك وأخزيت أمانتك وسمعت مقالة
السفيه الجاهل وأخفت التقي الورع الحليم.
قال فلما قرأ
معاوية كتاب الحسين عليهالسلام
قال لقد كان في نفسه غضب
على ما كنت أشعر به.
فقال ابنه يزيد
وعبد بن أبي عمير بن جعفر أجبه جوابا شديدا تصغر إليه نفسه وتذكر أباه بأسوإ فعله
وآثاره.
فقال كلا أرأيتما
لو أني أردت أن أعيب عليا محقا ما عسيت أن أقول إن مثلي لا يحسن به أن يعيب
بالباطل وما لا يعرف الناس ومتى عبت رجلا بما لا يعرف لم يحفل به صاحبه ولم يره
شيئا وما عسيت أن أعيب حسينا وما أرى للعيب فيه موضعا ـ إلا أني قد أردت أن أكتب
إليه وأتوعده وأهدده وأجهله ثم رأيت أن لا أفعل.
قال فما كتب إليه
بشيء يسوؤه ولا قطع عنه شيئا كان يصله به كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم
سوى عروض وهدايا من كل ضرب.
احتجاجه صلىاللهعليهوآله بإمامته على معاوية وغيره وذكر
طرف من مفاخراته ومشاجراته التي جرت له مع معاوية وأصحابه
عن موسى بن عقبة أنه قال : لقد
قيل لمعاوية إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين عليهالسلام
__________________
فلو قد أمرته يصعد
المنبر ويخطب فإن فيه حصرا أو في لسانه كلالة.
فقال لهم معاوية
قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا فلم يزالوا به ـ حتى قال
للحسين يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت.
فصعد الحسين عليهالسلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله فسمع رجلا يقول من هذا الذي يخطب؟
فقال الحسين عليهالسلام نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله صلىاللهعليهوآله الأقربون وأهل بيته الطيبون وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ثاني كتاب الله تبارك
وتعالى الذي فيه تفصيل كل شيء ( لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) والمعول علينا في
تفسيره لا يبطئنا تأويله بل نتبع حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة ـ أن كانت
بطاعة الله ورسوله مقرونة قال الله عز وجل ( أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) وقال ( وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً ).
وأحذركم الإصغاء
إلى هتوف الشيطان بكم فإِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم ( لا غالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ
نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ) فتلقون للسيوف
ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس ( إِيمانُها
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ).
قال معاوية حسبك
يا أبا عبد الله قد بلغت.
وعن محمد بن
السائب أنه قال : قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن علي عليهالسلام لو لا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا؟
فوثب الحسين عليهالسلام وكان عليهالسلام
شديد القبضة فقبض على
حلقه فعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه وأقبل الحسين عليهالسلام على جماعة من قريش فقال :
أنشدكم بالله إلا
صدقتموني إن صدقت أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله مني ومن أخي ـ؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟
قالوا اللهم لا.
قال وإني لا أعلم
أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه طريدي رسول الله والله ما بين جابرس
وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله
ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك
عن منكبك.
__________________
قال فو الله ما
قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.
احتجاجه عليهالسلام
على أهل الكوفة بكربلاء
عن مصعب بن عبد
الله .
لما استكف الناس
بالحسين عليهالسلام
ركب فرسه واستنصت الناس
حمد الله وأثنى عليه ثم قال :
تبا لكم أيتها
الجماعة وترحا وبؤسا لكم حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين فشحذتم علينا
سيفا كان في أيدينا وحمشتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا فأصبحتم إلبا على
أوليائكم ويدا على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب
كان منا إليكم ـ فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما
يستحصف ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبى وتهافتم إليها كتهافت الفراش ثم
نقضتموها سفها وضلة فبعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب
ومطفئي السنن ومؤاخي المستهزءين ( الَّذِينَ جَعَلُوا
الْقُرْآنَ عِضِينَ ) وعصاة الإمام وملحقي العهرة بالنسب و ( لَبِئْسَ
ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ
خالِدُونَ ).
أفهؤلاء تعضدون
وعنا تتخاذلون أجل والله خذل فيكم معروف نبتت عليه أصولكم واتزرت عليه عروقكم
فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر وأكلة للغاصب ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ ) الناكثين الذين ينقضون ( الْأَيْمانَ بَعْدَ
تَوْكِيدِها ) وقد جعلوا الله عليهم كفيلا.
ألا وإن الدعي ابن
الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك مني هيهات منا الذلة أبى الله ذلك
لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طهرت وجدود طابت أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام
ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر ثم تمثل فقال :
فإن نهزم
فهزامون قدما
|
|
وإن نهزم فغير
مهزمينا
|
وما إن طبنا جبن
ولكن
|
|
منايانا ودولة
آخرينا
|
فلو خلد الملوك
إذا خلدنا
|
|
ولو بقي الكرام
إذا بقينا
|
فقل للشامتين
بنا أفيقوا
|
|
سيلقى الشامتون
كما لقينا
|
و قيل إنه لما قتل
أصحاب الحسين عليهالسلام
وأقاربه وبقي فريدا ليس
معه إلا ابنه علي زين العابدين عليهالسلام
وابن آخر في الرضاع اسمه
عبد الله فتقدم الحسين عليهالسلام
إلى باب الخيمة فقال :
__________________
ناولوني ذلك الطفل
حتى أودعه فناولوه الصبي جعل يقبله وهو يقول يا بني ويل لهؤلاء القوم إذا كان
خصمهم محمد صلىاللهعليهوآله.
قيل فإذا بسهم قد
أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله فنزل الحسين عليهالسلام
عن فرسه وحفر للصبي بجفن
سيفه ورمله بدمه ودفنه ثم وثب قائما وهو يقول :
كفر القوم وقدما
رغبوا
|
|
عن ثواب الله رب
الثقلين
|
قتلوا قدما عليا
وابنه
|
|
حسن الخير كريم
الطرفين
|
حنقا منهم
وقالوا أجمعوا
|
|
نفتك الآن جميعا
بالحسين
|
يا لقوم من أناس
رذل
|
|
جمعوا الجمع
لأهل الحرمين
|
ثم صاروا
وتواصوا كلهم
|
|
باختيار لرضاء
الملحدين
|
لم يخافوا الله
في سفك دمي
|
|
لعبيد الله نسل
الكافرين
|
وابن سعد قد
رماني عنوة
|
|
بجنود كوكوف
الهاطلين
|
لا لشيء كان مني
قبل ذا
|
|
غير فخري بضياء
الفرقدين
|
بعلي الخير من
بعد النبي
|
|
والنبي القرشي
الوالدين
|
خيرة الله من
الخلق أبي
|
|
ثم أمي فأنا ابن
الخيرتين
|
فضة قد خلقت من
ذهب
|
|
فأنا الفضة وابن
الذهبين
|
من له جد كجدي
في الورى
|
|
أو كشيخي فأنا
ابن القمرين
|
فاطم الزهراء
أمي وأبي
|
|
قاصم الكفر ببدر
وحنين
|
عروة الدين علي
المرتضى
|
|
هادم الجيش مصلي
القبلتين
|
وله في يوم أحد
وقعة
|
|
شفت الغل بقبض
العسكرين
|
ثم بالأحزاب
والفتح معا
|
|
كان فيها حتف
أهل القبلتين
|
في سبيل الله ما
ذا صنعت
|
|
أمة السوء معا
بالعترتين
|
عترة البر التقي
المصطفى
|
|
وعلي القوم يوم
الجحفلين
|
عبد الله غلاما
يافعا
|
|
وقريش يعبدون
الوثنين
|
وقلى الأوثان لم
يسجد لها
|
|
مع قريش لا ولا
طرفة عين
|
طعن الأبطال لما
برزوا
|
|
يوم بدر وتبوك
وحنين
|
ثم تقدم الحسين عليهالسلام حتى وقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من نفسه عازما
على الموت وهو يقول :
أنا ابن علي
الطهر من آل هاشم
|
|
كفاني بهذا
مفخرا حين أفخر
|
وجدي رسول الله
أكرم من مشى
|
|
ونحن سراج الله
في الخلق نزهر
|
وفاطم أمي من
سلالة أحمد
|
|
وعمي يدعى ذو
الجناحين جعفر
|
وفينا كتاب الله
أنزل صادقا
|
|
وفينا الهدى
والوحي بالخير تذكر
|
ونحن أمان الله
للناس كلهم
|
|
نطول بهذا في
الأنام ونجهر
|
ونحن حماة الحوض
نسقي ولاتنا
|
|
بكأس رسول الله
ما ليس ينكر
|
وشيعتنا في
الحشر أكرم شيعة
|
|
ومبغضنا يوم
القيامة يخسر
|
احتجاج فاطمة الصغرى على
أهل الكوفة
عن زيد بن موسى بن
جعفر عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال :
خطبت فاطمة الصغرى
عليهاالسلام بعد أن ردت من كربلاء فقالت :
الحمد لله عدد
الرمل والحصى وزنة العرش إلى الثرى أحمده وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن أولاده ذبحوا بشط الفرات من
غير ذحل ولا ترات.
اللهم إني أعوذ بك
أن أفتري عليك الكذب وأن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي
طالب عليهالسلام
المسلوب حقه المقتول من
غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله وبها معشر مسلمة بألسنتهم تعسا
لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته حتى قبضته إليك محمود النقيبة
طيب الضريبة معروف المناقب مشهور المذاهب لم تأخذه فيك لومة لائم ولا عذل عاذل
هديته يا رب للإسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلىاللهعليهوآله حتى قبضته إليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها راغبا في
الآخرة مجاهدا لك في سبيلك رضيته فاخترته وهديته إلى طريق مستقيم.
أما بعد يا أهل
الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء إنا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا
فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته
وحجته في الأرض في بلاده لعباده أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه صلىاللهعليهوآله على كثير من خلقه تفضيلا فكذبتمونا وكفرتمونا ورأيتم قتالنا
حلالا وأموالنا نهبا كأنا أولاد الترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس وسيوفكم تقطر
من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم قرت بذلك عيونكم وفرحت به قلوبكم اجتراء منكم على
الله ومكرا مكرتم ( وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) فلا تدعونكم
أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة
والرزايا العظيمة ( فِي كِتابٍ مِنْ
__________________
قَبْلِ
أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما
فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ
).
تبا لكم فانظروا
اللعنة والعذاب ـ فكأن قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم ( وَيُذِيقَ
بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ( أَلا
لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم؟ أو أية نفس نزعت إلى
قتالنا؟ أم بأية رجل مشيتم إلينا؟ تبغون محاربتنا قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع
على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصركم وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم
غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تبا لكم يا أهل
الكوفة كم ترات لرسول الله صلىاللهعليهوآله
قبلكم وذحوله لديكم ثم
غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليهالسلام
جدي وبنيه عترة النبي الطيبين
الأخيار وافتخر بذلك مفتخر فقال :
نحن قتلنا عليا
وبني علي
|
|
بسيوف هندية
ورماح
|
وسبينا نساءهم
سبي ترك
|
|
ونطحناهم فأي
نطاح
|
فقالت بفيك أيها
القائل الكثكث ولك الأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم وأذهب عنهم الرجس فاكظم
وأقع كما أقعى أبوك وإنما لكل امرئ ما قدمت يداه حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا
الله.
فما ذنبنا أن
جاش دهر [ دهرا ] بحورنا
|
|
وبحرك ساج لا
يواري الدعامصا
|
ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشاءُ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.
قال فارتفعت
الأصوات بالبكاء وقالوا حسبك يا بنت الطيبين فقد أحرقت قلوبنا وأنضجت نحورنا
وأضرمت أجوافنا فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام.
خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب
بحضرة أهل الكوفة في ذلك اليوم تقريعا لهم وتأنيبا.
عن حذيم بن شريك
الأسدي قال : لما أتى علي بن الحسين زين العابدين بالنسوة من
كربلاء وكان مريضا وإذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون
__________________
فقال زين العابدين
عليهالسلام
بصوت ضئيل وقد نهكته
العلة إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟ فأومت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهالسلام إلى الناس بالسكوت.
قال حذيم الأسدي
لم أر والله خفرة قط أنطق منها كأنها تنطق وتفرغ على لسان علي عليهالسلام وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا فارتدت الأنفاس وسكنت
الأجراس ثم قالت بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلىاللهعليهوآله :
أما بعد يا أهل
الكوفة يا أهل الختل والغدر والخذل ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة
إنما مثلكم كمثل التي ( نَقَضَتْ غَزْلَها
مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) ( تَتَّخِذُونَ
أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) ـ هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الإماء وغمز الأعداء أو كمرعى على
دمنة أو كفضة على ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب
أنتم خالدون.
أتبكون أخي أجل
والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فقد أبليتم بعارها
ومنيتم بشنارها ولن ترحضوها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب
أهل الجنة وملاذ حربكم ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم وآسي كلمكم ومفزع نازلتكم
والمرجع إليه عند مقاتلتكم ـ ومدرة حججكم ومنار محجتكم ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم وساء ما تزرون
ليوم بعثكم.
فتعسا تعسا ونكسا
نكسا لقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة وبؤتم ( بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ) وضربت عليكم
الذلة والمسكنة.
أتدرون ويلكم أي
كبد لمحمد صلىاللهعليهوآله فرثتم وأي عهد
نكثتم وأي كريمة له أبرزتم وأي حرمة له هتكتم وأي دم له سفكتم ( لَقَدْ
جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ
الْأَرْضُ
__________________
وَتَخِرُّ
الْجِبالُ هَدًّا ).
لقد جئتم بها
شوهاء صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء كطلاع الأرض أو ملء السماء أفعجبتم أن تمطر
السماء دما ( وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا
يُنْصَرُونَ ) ـ فلا يستخفنكم المهل فإنه عز وجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه
فوت النار كلا ( إِنَّ رَبَّكَ ) لنا ولهم (
لَبِالْمِرْصادِ ) ثم أنشأت تقول عليهالسلام
:
ما ذا تقولون إذ
قال النبي لكم
|
|
ما ذا صنعتم
وأنتم آخر الأمم
|
بأهل بيتي
وأولادي وتكرمتي
|
|
منهم أسارى
ومنهم ضرجوا بدم
|
ما كان ذاك
جزائي إذ نصحت لكم
|
|
أن تخلفوني بسوء
في ذوي رحمي
|
إني لأخشى عليكم
أن يحل بكم
|
|
مثل العذاب الذي
أودى على إرم
|
ثم ولت عنهم.
قال حذيم فرأيت
الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم فالتفت إلي شيخ في جانبي يبكي وقد اخضلت
لحيته بالبكاء ويده مرفوعة إلى السماء وهو يقول بأبي وأمي كهولهم خير كهول ونساؤهم
خير نساء وشبابهم خير شباب ونسلهم نسل كريم وفضلهم فضل عظيم ثم أنشد :
كهولكم خير
الكهول ونسلكم
|
|
إذا عد نسل لا
يبور ولا يخزى
|
فقال علي بن
الحسين يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة
فهمة غير مفهمة إن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر فسكتت ـ ثم نزل عليهالسلام وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ودخل الفسطاط
احتجاج علي بن الحسين عليهالسلام على أهل
الكوفة حين خرج من الفسطاط وتوبيخه إياهم على غدرهم ونكثهم
قال حذيم بن شريك
الأسدي : خرج زين العابدين عليهالسلام
إلى الناس وأومى إليهم أن
اسكتوا فسكتوا وهو قائم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال :
أيها الناس من
عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين ـ المذبوح بشط الفرات من غير
ذحل ولا ترات أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله أنا ابن
من قتل صبرا فكفى بذلك فخرا.
__________________
أيها الناس
ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد
والميثاق والبيعة ثم قاتلتموه وخذلتموه فتبا لكم ما قدمتم لأنفسكم وسوء لرأيكم
بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
ـ يقول لكم قتلتم عترتي
وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي.
قال فارتفعت أصوات
الناس بالبكاء ويدعو بعضهم بعضا هلكتم وما تعلمون.
فقال علي بن
الحسين رحم الله امرأ قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وفي أهل بيته فإن
لنا ( فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).
فقالوا بأجمعهم
نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين
عنك فمرنا بأمرك رحمك الله فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن ترتك وترتنا ممن ظلمك
وظلمنا.
فقال علي بن
الحسين عليهالسلام
هيهات أيها الغدرة المكرة
ـ حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل؟
كلا ورب الراقصات إلى منى فإن الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه فلم
ينسني ثكل رسول الله صلىاللهعليهوآله
وثكل أبي وبني أبي وجدي
شق لهازمي ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش صدري ومسألتي أن لا تكونوا
لنا ولا علينا.
ثم قال عليهالسلام :
لا غرو أن قتل
الحسين وشيخه
|
|
قد كان خيرا من
حسين وأكرما
|
فلا تفرحوا يا
أهل كوفة بالذي
|
|
أصيب حسين كان ذلك
أعظما
|
قتيل بشط النهر
نفسي فداؤه
|
|
جزاء الذي أرداه
نار جهنما
|
احتجاجه عليهالسلام بالشام على
بعض أهلها حين قدم به وبمن معه على يزيد لعنه الله
وعن ديلم بن عمر
قال : كنت بالشام حتى أتي بسبايا آل محمد صلىاللهعليهوآله
فأقيموا على باب المسجد
حيث تقام السبايا وفيهم علي بن الحسين فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال :
الحمد لله الذي
قتلكم وأهلككم وقطع قرون الفتنة فلم يأل عن سبهم وشتمهم ـ فلما انقضى كلامه.
قال له علي بن
الحسين عليهالسلام
إني قد أنصت لك حتى فرغت
من منطقك وأظهرت ما في نفسك من العداوة والبغضاء فأنصت لي كما أنصت لك فقال له هات.
قال علي عليهالسلام أما قرأت كتاب الله عز وجل؟ قال نعم.
فقال له عليهالسلام أما قرأت في الآية : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ). قال بلى.
فقال عليهالسلام نحن أولئك فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون
المسلمين؟ فقال لا.
فقال أما قرأت هذه
الآية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ )؟ قال نعم.
قال علي عليهالسلام فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم.
فقال الشامي إنكم
لأنتم هم؟
فقال علي عليهالسلام نعم فهل قرأت هذه الآية ( وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
)؟ فقال له الشامي بلى.
فقال علي عليهالسلام فنحن ذو القربى فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون
المسلمين؟
فقال لا قال علي
بن الحسين عليهالسلام
أما قرأت هذه الآية : ( إِنَّما
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً )؟ قال فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال :
اللهم إني أتوب
إليك ثلاث مرات اللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد وأبرأ إليك ممن قتل أهل بيت
محمد ولقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم.
احتجاج زينب بنت علي بن أبي
طالب حين رأت يزيد لعنه الله يضرب ثنايا الحسين عليهالسلام بالمخصرة
روى شيخ صدوق من
مشايخ بني هاشم وغيره من الناس : أنه لما دخل علي بن الحسين عليهالسلام وحرمه على يزيد وجيء برأس الحسين عليهالسلام ووضع بين يديه في طست فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده
وهو يقول :
لعبت هاشم
بالملك فلا
|
|
خبر جاء ولا وحي
نزل
|
ليت أشياخي ببدر
شهدوا
|
|
جزع الخزرج من
وقع الأسل
|
لأهلوا واستهلوا
فرحا
|
|
ولقالوا يا يزيد
لا تشل
|
فجزيناه ببدر
مثلا
|
|
وأقمنا مثل بدر
فاعتدل
|
لست من خندف إن
لم أنتقم
|
|
من بني أحمد ما
كان فعل
|
قالوا فلما رأت
زينب ذلك فأهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب يا حسيناه يا حبيب
رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن محمد المصطفى.
قال فأبكت والله
كل من كان ويزيد ساكت ثم قامت على قدميها وأشرفت على المجلس وشرعت في الخطبة
إظهارا لكمالات محمد صلىاللهعليهوآله
وإعلانا بأنا نصبر لرضاء
الله لا لخوف ولا دهشة فقامت إليه زينب بنت علي وأمها فاطمة بنت رسول الله وقالت :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ والصلاة على جدي سيد المرسلين صدق الله سبحانه كذلك يقول : ( ثُمَّ
كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا
بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) .
أظننت يا يزيد حين
أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء فأصبحنا لك في إسار نساق إليك
سوقا في قطار وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا
وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك تضرب أصدريك فرحا
وتنفض مذرويك مرحا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور لديك
متسقة وحين صفا لك ملكنا وخلص لك سلطاننا فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول الله عز
وجل : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما
نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا
إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) .
أمن العدل يا ابن
الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت
وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد وتستشرفهن المناقل ويتبرزن لأهل
المناهل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف
والوضيع والدني والرفيع ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي عتوا منك على
الله وجحودا لرسول الله ودفعا لما جاء به من عند الله ـ ولا غرو منك ولا عجب من
فعلك وأنى ترتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ونبت لحمه بدماء السعداء ونصب
الحرب لسيد الأنبياء وجمع الأحزاب وشهر الحراب وهز السيوف في وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله أشد العرب جحودا وأنكرهم له رسولا وأظهرهم له عدوانا
وأعتاهم على الرب كفرا وطغيانا ألا إنها نتيجة خلال الكفر وصب يجرجر في الصدر
لقتلى يوم بدر فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا
وإحنا وأضغانا يظهر كفره برسول الله ويفصح ذلك بلسانه ـ وهو يقول فرحا بقتل ولده
وسبي ذريته غير متحوب ولا مستعظم يهتف بأشياخه.
__________________
لأهلوا واستهلوا
فرحا
|
|
ولقالوا يا يزيد
لا تشل
|
منحنيا على ثنايا
أبي عبد الله وكان مقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله
ينكتها بمخصرته قد التمع
السرور بوجهه لعمري لقد نكأت القرحة واستأصلت الشافة بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة وابن يعسوب
دين العرب وشمس آل عبد المطلب وهتفت بأشياخك وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ثم
صرخت بندائك ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكا تشهدهم ولن يشهدوك ولتود يمينك
كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجذت وأحببت أمك لم تحملك وإياك لم تلد أو حين تصير إلى
سخط الله ومخاصمك رسول الله صلىاللهعليهوآله
اللهم خذ بحقنا وانتقم من
ظالمنا واحلل غضبك على من سفك دماءنا ونفض ذمارنا وقتل حماتنا وهتك عنا سدولنا.
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ
وما فريت إلا جلدك وما
جزرت إلا لحمك وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته وانتهكت من حرمته وسفكت
من دماء عترته ولحمته حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم
بحقهم من أعدائهم فلا يستفزنك الفرح بقتلهم ( وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وحسبك بالله وليا
وحاكما وبرسول الله خصما وبجبرائيل ظهيرا.
وسيعلم من بوأك
ومكنك من رقاب المسلمين أن ( بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) ـ وأيكم ( شَرٌّ مَكاناً
وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) وما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع
الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى وصدرهم عند ذكره حرى
فتلك قلوب قاسية ونفوس طاغية وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول قد عشش فيها
الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درج.
فالعجب كل العجب
لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة
الفجرة تنطف أكفهم من دمائنا وتتحلب أفواههم من لحومنا تلك الجثث
الزاكية على الجيوب الضاحية تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفواعل فلئن اتخذتنا مغنما لتجد بنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا
ما قدمت يداك وما الله بِظَلاَّمٍ
لِلْعَبِيدِ.
فإلى الله المشتكى
والمعول وإليه الملجأ والمؤمل ثم كد كيدك واجهد جهدك فو الله الذي شرفنا بالوحي
والكتاب والنبوة والانتخاب لا تدرك أمدنا ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا ولا يرحض
عنك
__________________
عارنا وهل رأيك
إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعن الله الظالم
العادي.
والحمد لله الذي
حكم لأوليائه بالسعادة وختم لأصفيائه بالشهادة ببلوغ الإرادة نقلهم إلى الرحمة
والرأفة والرضوان والمغفرة ولم يشق بهم غيرك ولا ابتلي بهم سواك ونسأله أن يكمل
لهم الأجر ويجزل لهم الثواب والذخر ونسأله حسن الخلافة وجميل الإنابة إنه رحيم
ودود.
فقال يزيد مجيبا
لها :
يا صيحة تحمد من
صوائح
|
|
ما أهون الموت
على النوائح
|
ثم أمر بردهم وقيل
إن فاطمة بنت الحسين كانت وضيئة الوجه وكانت جالسة بين النساء فقام إلى يزيد رجل
من أهل الشام أحمر فقال :
يا أمير المؤمنين
هب لي هذه الجارية يعني فاطمة بنت الحسين فأخذت بثياب عمتها زينب بنت علي بن أبي
طالب عليهالسلام
فقالت أوتم وأستخدم؟!
فقالت زينب للشامي
كذبت ولؤمت والله ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد ثم قال إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل
لفعلت.
قالت زينب كلا
والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا.
فقال يزيد إنما
خرج من الدين أبوك وأخوك.
قالت زينب بدين
الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت إن كنت مسلما.
قال يزيد كذبت يا
عدوة الله.
فقالت زينب أنت
أمير تشتم ظلما وتقهر بسلطانك.
فكأنه استحيا فسكت
فعاد الشامي فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية فقال يزيد اعزب وهب الله لك
حتفا قاضيا
احتجاج علي بن الحسين زين
العابدين على يزيد بن معاوية لما أدخل عليه
روت ثقات الرواة
وعدولهم : أنه لما أدخل علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام
في جملة من حمل إلى الشام
سبايا من أولاد الحسين بن علي عليهالسلام
وأهاليه على يزيد قال له
:
يا علي الحمد لله
الذي قتل أباك!
قال علي عليهالسلام قتل أبي الناس.
قال يزيد الحمد
لله الذي قتله فكفانيه!
قال علي عليهالسلام على من قتل أبي لعنة الله؟ ـ أفتراني لعنت الله عز وجل؟
قال يزيد يا علي
اصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة وما رزق الله أمير المؤمنين من الظفر!
فقال علي بن
الحسين ما أعرفني بما تريد فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم قال :
أيها الناس من
عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا ابن مكة ومنى أنا ابن المروة
والصفا أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن من لا يخفى أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة
المنتهى فَكانَ من ربه قابَ قَوْسَيْنِ
أَوْ أَدْنى.
فضج أهل الشام
بالبكاء حتى خشي يزيد أن يرحل من مقعده فقال للمؤذن أذن فلما قال المؤذن الله أكبر
الله أكبر جلس علي بن الحسين على المنبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله بكى علي بن الحسين عليهالسلام
ثم التفت إلى يزيد فقال
يا يزيد هذا أبي أم أبوك؟
قال بل أبوك فانزل
فنزل عليهالسلام
فأخذ بناحية باب المسجد
فلقيه مكحول صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال كيف أمسيت يا ابن
رسول الله؟
قال أمسينا بينكم
مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وَفِي
ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.
فلما انصرف يزيد
إلى منزله دعا بعلي بن الحسين عليهالسلام
فقال يا علي أتصارع ابني
خالدا ـ؟
قال عليهالسلام وما تصنع بمصارعتي إياه أعطني سكينا وأعطه سكينا فليقتل
أقوانا أضعفنا فضمه يزيد إلى صدره ثم قال :
لا تلد الحية إلا
الحية أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب عليهالسلام.
ثم قال له علي بن
الحسين عليهالسلام
يا يزيد بلغني أنك تريد
قتلي فإن كنت لا بد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يؤديهن إلى حرم رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال له يزيد لعنه
الله لا يؤديهن غيرك لعن الله ابن مرجانة فو الله ما أمرته بقتل أبيك ولو كنت
متوليا لقتاله ما قتلته ثم أحسن جائزته وحمله والنساء إلى المدينة
احتجاجه عليهالسلام في أشياء شتى
من علوم الدين وذكر طرف من مواعظه البليغة
جاء رجل من أهل
البصرة إلى علي بن الحسين عليهالسلام
فقال :
يا علي بن الحسين
إن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين فهملت عينا علي بن الحسين دموعا حتى امتلأت
كفه منها ثم ضرب بها على الحصى ثم قال :
يا أخا أهل البصرة
لا والله ما قتل علي مؤمنا ولا قتل مسلما وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا
الكفر وأظهروا الإسلام فلما وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه وقد علمت صاحبة الجدب
والمستحفظون من آل محمد صلىاللهعليهوآله أن أصحاب الجمل
وأصحاب صفين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبي الأمي وَقَدْ
خابَ مَنِ افْتَرى.
فقال شيخ من أهل
الكوفة يا علي بن الحسين إن جدك كان يقول إخواننا بغوا علينا.
فقال علي بن الحسين
عليهالسلام
أما تقرأ كتاب الله : ( وَإِلى
عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ) فهم مثلهم أنجى الله عز وجل هودا والذين معه وأهلك عادا
بالريح العقيم
وبالإسناد المقدم
ذكره : أن علي بن الحسين عليهالسلام
كان يذكر حال من مسخهم
الله قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم فلما بلغ آخرها قال إن الله تعالى مسخ أولئك
القوم لاصطيادهم السمك فكيف ترى عند الله عز وجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله صلىاللهعليهوآله وهتك حريمه إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا فإن
المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ.
فقيل له يا ابن
رسول الله فإنا قد سمعنا منك هذا الحديث فقال لنا بعض النصاب فإن كان قتل الحسين
باطلا فهو أعظم عند الله من صيد السمك في السبت أفما كان الله غضب على قاتليه كما
غضب على صيادي السمك؟
قال علي بن الحسين
عليهالسلام
قل لهؤلاء النصاب فإن كان
إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك الله من شاء منهم كقوم نوح
وفرعون ولم يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس
في عمل الموبقات وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المحرمات أما كان ربنا عز وجل حكيما
تدبيره حكمة فيمن أهلك وفيمن استبقى؟ فكذلك هؤلاء الصائدون في السبت وهؤلاء
القاتلون للحسين يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة ( لا
يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) وعباده ( يُسْئَلُونَ ).
وقال الباقر عليهالسلام فلما حدث علي بن الحسين عليهالسلام
بهذا الحديث قال له بعض
من في مجلسه يا ابن رسول الله كيف يعاقب الله ويوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها
أسلافهم وهو يقول : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى )؟
فقال زين العابدين
عليهالسلام
إن القرآن نزل بلغة العرب
فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم يقول
الرجل التميمي قد
أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه أغرتم على بلد كذا وفعلتم كذا ويقول العربي نحن
فعلنا ببني فلان ونحن سبينا آل فلان ونحن خربنا بلد كذا لا يريد أنهم باشروا ذلك
ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالافتخار إن قومهم فعلوا كذا ـ وقول الله عز وجل
في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين لأن ذلك
هو اللغة التي نزل بها القرآن والآن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم
مصوبون لهم فجاز أن يقال أنتم فعلتم أي إذ رضيتم قبيح فعلهم.
وعن أبي حمزة
الثمالي قال : دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على علي بن الحسين فقال
له :
جعلني الله فداك
أخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَجَعَلْنا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا
فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) قال له ما يقول الناس
فيها قبلكم قال يقولون إنها مكة.
فقال وهل رأيت
السرق في موضع أكثر منه بمكة قال فما هو؟
قال إنما عنى
الرجال قال وأين ذلك في كتاب الله؟
فقال أوما تسمع
إلى قوله عز وجل : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ ) وقال : ( وَتِلْكَ
الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ ) وقال : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ) أفيسأل القرية أو
الرجال أو العير؟
قال وتلا عليه
آيات في هذا المعنى قال جعلت فداك فمن هم؟
قال نحن هم فقال أوما
تسمع إلى قوله : ( سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ )؟
قال آمنين من
الزيغ.
وروي أن زين العابدين
عليهالسلام
مر بالحسن البصري وهو يعظ
الناس بمنى فوقف عليهالسلام
عليه ثم قال أمسك أسألك
عن الحال التي أنت عليها مقيم أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله إذا نزل بك غدا؟
قال لا.
__________________
قال أفتحدث نفسك
بالتحول والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟
قال فأطرق مليا ثم
قال إني أقول ذلك بلا حقيقة.
قال أفترجو نبيا
بعد محمد صلىاللهعليهوآله
يكون لك معه سابقة؟ قال
لا.
قال أفترجو دارا
غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟ قال لا.
قال أفرأيت أحدا
به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا إنك على حال لا ترضاها ولا تحدث نفسك
بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة ـ ولا ترجو نبيا بعد محمد ولا دارا غير الدار
التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها وأنت تعظ الناس.
قال فلما ولى عليهالسلام قال الحسن البصري من هذا؟ قالوا علي بن الحسين.
قال أهل بيت علم
فما رئي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس.
وعن أبي حمزة
الثمالي قال سمعت علي بن الحسين عليهالسلام
يحدث رجلا من قريش قال :
لما تاب الله على
آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض وذلك بعد ما تاب الله
عليه قال وكان آدم يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت فكان إذا أراد أن يغشى حواء
خرج من الحرم وأخرجها معه فإذا جاز الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان إعظاما منه
للحرم ثم يرجع إلى فناء البيت.
قال فولد لآدم من
حواء عشرون ذكرا وعشرون أنثى فولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء
هابيل ومعه جارية يقال لها إقليما قال وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال
لها لوزا وكانت لوزا أجمل بنات آدم.
وقال فلما أدركوا
خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه فقال أريد أن أنكحك يا هابيل لوزا وأنكحك يا
قابيل إقليما.
قال قابيل ما أرضى
بهذا أتنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة؟
قال فأنا أقرع
بينكما فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا وخرج سهمك يا هابيل على إقليما زوجت كل
واحد منكما التي خرج سهمه عليه.
قال فرضيا بذلك
فاقترعا.
قال فخرج سهم
هابيل على لوزا أخت قابيل وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل قال فزوجهما على ما
خرج لهما من عند الله.
قال ثم حرم الله
نكاح الأخوات بعد ذلك.
قال فقال له
القرشي فأولداهما؟ قال نعم فقال القرشي فهذا فعل المجوس اليوم!
قال فقال علي بن
الحسين إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله.
ثم قال له علي بن
الحسين لا تنكر هذا إنما هي الشرائع جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه؟ ثم أحلها
له فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك
لقي عباد البصري
علي بن الحسين عليهالسلام
في طريق مكة فقال له :
يا علي بن الحسين
تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينه ـ؟ وإن الله عز وجل يقول : ( إِنَّ
اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ـ إلى قوله ـ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ ).
فقال علي بن
الحسين إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج.
وسئل عليهالسلام عن النبيذ فقال شربه قوم وحرمه قوم صالحون فكان شهادة الذين
دفعوا بشهادتهم شهواتهم أولى أن تقبل من الذين جروا بشهادتهم شهواتهم.
وعن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : قال رجل لعلي بن الحسين
عليهالسلام
إن فلانا ينسبك إلى أنك
ضال مبتدع!
فقال له علي بن الحسين
عليهالسلام
ما رعيت حق مجالسة الرجل
حيث نقلت إلينا حديثه ولا أديت حقي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه إن الموت
يعمنا والبعث محشرنا ـ والقيامة موعدنا والله يحكم بيننا إياك والغيبة فإنها إدام
كلاب النار واعلم أن من أكثر عيوب الناس شهد عليه الإكثار أنه إنما يطلبها بقدر ما
فيه.
وسئل عليهالسلام عن الكلام والسكوت أيهما أفضل فقال عليهالسلام لكل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من
السكوت.
قيل وكيف ذاك؟ يا
ابن رسول الله قال لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنما يبعثهم
بالكلام ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجب ولاية الله بالسكوت ولا توقيت النار
بالسكوت ولا تجنب سخط الله بالسكوت إنما ذلك كله بالكلام وما كنت لأعدل القمر
بالشمس إنك تصف فضل السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت
__________________
روي عن أبي جعفر
الباقر عليهالسلام
قال : لما قتل الحسين بن
علي عليهالسلام
أرسل محمد بن الحنفية إلى
علي بن الحسين عليهالسلام
فخلا به ثم قال :
يا ابن أخي قد
علمت أن رسول الله كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلى
عليه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك وأنا في سني وقدمتي أحق بها منك في حداثتك فلا
تنازعني الوصية والإمامة ولا تخالفني.
قال له علي بن الحسين
عليهالسلام
اتق الله ولا تدع ما ليس
لك بحق ( إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْجاهِلِينَ ) يا عم إن أبي صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى
العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ـ وهذا سلاح رسول الله صلىاللهعليهوآله عندي فلا تعرض لهذا فإني أخاف عليك بنقص العمر وتشتت الحال
وإن الله تبارك وتعالى أبى إلا أن يجعل الوصية والإمامة في عقب الحسين فإن أردت أن
تعلم فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نحتكم إليه ونسأله عن ذلك.
قال الباقر عليهالسلام وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكة فانطلقا حتى أتيا الحجر
الأسود فقال علي بن الحسين عليهالسلام
لمحمد :
ابتدئ فابتهل إلى
الله واسأله أن ينطق لك الحجر ثم سله.
فابتهل محمد في
الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه فقال علي بن الحسين عليهالسلام أما إنك يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك!
فقال له محمد فادع
أنت يا ابن أخي ـ فدعا الله علي بن الحسين عليهالسلام
بما أراد ثم قال أسألك
بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا ( بِلِسانٍ
عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي فتحرك الحجر حتى كاد
أن يزول عن موضعه ثم أنطقه الله ( بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ ) فقال :
اللهم إن الوصية
والإمامة بعد الحسين بن علي بن أبي طالب إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
وابن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فانصرف محمد وهو
يتولى علي بن الحسين عليهالسلام.
وعن ثابت البناني قال : كنت حاجا
وجماعة عباد البصرة مثل أيوب السجستاني وصالح المروي وعتبة الغلام وحبيب الفارسي
ومالك بن دينار فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا ـ وقد اشتد بالناس العطش لقلة
الغيث ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم فأتينا الكعبة وطفنا
__________________
بها ثم سألنا الله
خاضعين متضرعين بها فمنعنا الإجابة فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد
أكربته أحزانه وأقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا ثم أقبل علينا فقال :
يا مالك بن دينار
ويا ثابت البناني ويا أيوب السجستاني ويا صالح المروي ويا عتبة الغلام ويا حبيب
الفارسي ويا سعد ويا عمر ويا صالح الأعمى ويا زابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن سليمان
فقلنا لبيك وسعديك يا فتى!
فقال أما فيكم أحد
يحبه الرحمن فقلنا يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة.
فقال ابعدوا عن
الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه ثم أتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول
في سجوده سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث.
قال فما استتم
الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب.
فقلت يا فتى من
أين علمت أنه يحبك؟ قال لو لم يحبني لم يستزرني فلما استزارني علمت أنه يحبني
فسألته بحبه لي فأجابني ثم ولى عنا وأنشأ يقول :
من عرف الرب فلم
تغنه
|
|
معرفة الرب فذاك
الشقي
|
ما ضر في الطاعة
ما ناله
|
|
في طاعة الله
وما ذا لقي
|
ما يصنع العبد
بغير التقى
|
|
والعز كل العز
للمتقي
|
فقلت يا أهل مكة
من هذا الفتى؟ قالوا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
وعن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهالسلام
قال :
نحن أئمة المسلمين
وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالي المؤمنين ونحن
أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ونحن الذين بنا ( يُمْسِكُ
السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وبنا يمسك الأرض
أن تميد بأهلها وبنا ( يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) وينشر الرحمة
وتخرج بركات الأرض ولو لا ما في الأرض منا لساخت الأرض بأهلها.
ثم قال ولم تخل
الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن
تقوم الساعة من حجة الله ولو لا ذلك لم يعبد الله
وعن أبي حمزة
الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال :
__________________
دخلت على سيدي علي
بن الحسين زين العابدين عليهالسلام
فقلت له :
يا ابن رسول الله
أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودتهم وأوجب على خلقه الاقتداء بهم بعد رسول الله
ص؟
فقال لي يا أبا
كنكر إن أولي الأمر الذين جعلهم الله أئمة الناس وأوجب عليهم طاعتهم أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ثم انتهى الأمر إلينا ثم سكت.
فقلت له يا سيدي
روي لنا عن أمير المؤمنين عليهالسلام
أنه قال لا تخلو الأرض من
حجة لله على عباده فمن الحجة والإمام بعدك؟
قال ابني محمد
واسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا هو الحجة والإمام بعدي ومن بعد محمد ابنه
جعفر اسمه عند أهل السماء الصادق.
فقلت له يا سيدي
فكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟
فقال حدثني أبي عن
أبيه أن رسول الله قال إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب فسموه الصادق فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على
الله وكذبا عليه فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله المدعي لما ليس له
بأهل المخالف على أبيه والحاسد لأخيه ذلك الذي يكشف سر الله عند غيبة ولي الله.
ثم بكى علي بن
الحسين بكاء شديدا ثم قال :
كأني بجعفر الكذاب
وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله والتوكيل بحرم
أبيه جهلا منه بولادته وحرصا على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتى يأخذ بغير
حقه.
قال أبو خالد فقلت
له يا ابن رسول الله وإن ذلك لكائن؟
فقال إي وربي إنه
المكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال أبو خالد فقلت
يا ابن رسول الله ثم يكون ما ذا؟
قال ثم تمتد
الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده يا أبا خالد إن أهل
زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان لأن الله تعالى
ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة
وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف أولئك المخلصون حقا
وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا وقال عليهالسلام
انتظار الفرج من أعظم
الفرج
وبالإسناد المتقدم
ذكره عن علي بن الحسين عليهالسلام
في تفسير قوله تعالى : ( وَلَكُمْ
فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) الآية ( وَلَكُمْ ) يا أمة محمد ( فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ ) لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه فكف لذلك عن القتل كان
حياة للذي هم بقتله وحياة لهذا الجافي [ الجاني ] الذي أراد أن يقتل وحياة لغيرهما
من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا يجسرون على القتل مخافة القصاص ، ( يا أُولِي
الْأَلْبابِ ) أولي العقول ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
).
ثم قال عليهالسلام عباد الله هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا وتفنون
روحه أفلا أنبئكم بأعظم من هذا القتل وما يوحيه الله على قاتله مما هو أعظم من هذا
القصاص قالوا بلى يا ابن رسول الله.
قال أعظم من هذا
القتل أن يقتله قتلا لا يجبر ولا يحيا بعده أبدا قالوا ما هو؟
قال أن يضله عن
نبوة محمد وعن ولاية علي بن أبي طالب ويسلك به غير سبيل الله ويغير به باتباع طريق
أعداء علي والقول بإمامتهم ودفع علي عن حقه وجحد فضله وأن لا يبالي بإعطائه واجب
تعظيمه فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا فجزاء
هذا القتل مثل ذلك الخلود في نار جهنم.
وقال أبو محمد
الحسن العسكري صلوات الله عليه : إن رجلا جاء
إلى علي بن الحسين برجل يزعم أنه قاتل أبيه فاعترف فأوجب عليه القصاص وسأله أن
يعفو عنه ليعظم الله ثوابه فكأن نفسه لم تطب بذلك فقال علي بن الحسين للمدعي الدم
الذي هو الولي المستحق للقصاص إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلا فهب له هذه
الجناية واغفر له هذا الذنب.
قال يا ابن رسول
الله له علي حق ولكن لم يبلغ به أن أعفو له عن قتل والدي قال فتريد ما ذا؟
قال أريد القود
فإن أراد لحقه علي أن أصالحه على الدية صالحته وعفوت عنه.
قال علي بن الحسين
عليهالسلام
فما حقه عليك؟
قال يا ابن رسول
الله لقنني توحيد الله ونبوة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإمامة علي والأئمة عليهمالسلام.
فقال علي بن
الحسين فهذا لا يفي بدم أبيك بلى والله هذا يفي بدماء أهل الأرض كلهم من الأولين
والآخرين سوى الأنبياء والأئمة إن قتلوا فإنه لا يفي بدمائهم شيء تمام الخبر.
وبالإسناد المقدم
ذكره أن محمد بن علي الباقر عليهالسلام
قال : دخل محمد بن مسلم
بن شهاب الزهري
__________________
على علي بن الحسين
عليهالسلام
وهو كئيب حزين فقال له
زين العابدين عليهالسلام
ما بالك مغموما؟
قال يا ابن رسول
الله غموم وهموم تتوالى علي لما امتحنت به من جهة حساد نعمي والطامعين في وممن
أرجو وممن أحسنت إليه فيخلف ظني.
فقال له علي بن الحسين
عليهالسلام
احفظ عليك لسانك تملك به
إخوانك.
قال الزهري يا ابن
رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.
قال علي بن الحسين
عليهالسلام
هيهات هيهات إياك أن تعجب
من نفسك بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره
فليس كل من تسمعه شرا يمكنك أن توسعه عذرا.
ثم قال يا زهري من
لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه.
ثم قال يا زهري
أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك وتجعل
صغيرهم بمنزلة ولدك وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك؟ فأي هؤلاء تحب أن تظلم وأي هؤلاء
تحب أن تدعو عليه وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره وإن عرض لك إبليس لعنه الله بأن لك
فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل قد سبقني بالإيمان والعمل
الصالح فهو خير مني وإن كان أصغر منك فقل قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني
وإن كان تربك فقل أنا على يقين من ذنبي وفي شك من أمره فما لي أدع يقيني لشكي وإن
رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل هذا فضل أخذوا به وإن رأيت منهم جفاء
وانقباضا فقل هذا لذنب أحدثته فإنك إذا فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك وكثر أصدقاؤك
وفرحت بما يكون من برهم ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
واعلم أن أكرم
الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا ـ وكان عنهم مستغنيا متعففا وأكرم الناس
بعده عليهم من كان متعففا وإن كان إليهم محتاجا فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال
فمن لم يزاحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان
أعز وأكرم
وبالإسناد المقدم
ذكره عن الرضا عليهالسلام
أنه قال قال علي بن
الحسين : إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته
فرويدا لا يغرنكم فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته
ومهانته وجبن قلبه فنصب الدين فخا لها فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من
حرام اقتحمه وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرنكم فإن شهوات الخلق
مختلفة ـ فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة
فيأتي منها محرما فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقدة
عقله فما أكثر من ترك
__________________
ذلك أجمع ثم لا
يرجع إلى عقل متين فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله.
فإذا وجدتم عقله
متينا فرويدا لا يغركم تنظروا أمع هواه يكون على عقله أم يكون مع عقله على هواه
وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها فإن في الناس من ( خَسِرَ
الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ) يترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من
لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة حتى ( إِذا
قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ
وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) فهو يخبط خبط عشواء يوقده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة
ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه فهو يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل
الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من أجلها فأولئك
الذين ( غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ) و ( أَعَدَّ
لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ).
ولكن الرجل كل
الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله وقواه مبذولة في رضى الله يرى
الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل ويعلم أن قليل ما يحتمله من
ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفذ [ تنفد ] وأن كثير ما يلحقه
من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول فذلكم الرجل نعم
الرجل فيه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم فتوسلوا فإنه لا ترد له دعوة ولا يخيب
له طلبة
احتجاج أبي جعفر محمد بن علي
الباقر عليهالسلام في شيء مما يتعلق بالأصول
والفروع
عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام
في قوله تعالى : ( وَمَنْ
كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ) قال من لم يدله
خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك بالشمس والقمر والآيات
العجيبات على أن وراء ذلك أمر هو أعظم منه فَهُوَ
فِي الْآخِرَةِ أَعْمى قال فهو عالم يعاين أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً.
سأل نافع بن
الأزرق أبا جعفر عليهالسلام
قال أخبرني عن الله عز
وجل متى كان؟
قال متى لم يكن
حتى أخبرك متى كان سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً
وَلا وَلَداً.
عن عبد الله بن
سنان عن أبيه قال : حضرت أبا جعفر عليهالسلام
وقد دخل عليه رجل من
الخوارج فقال له يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟
قال الله.
قال رأيته؟
قال بلى لم تره
العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يعرف
بالقياس ولا يدرك
بالحواس موصوف بالآيات معروف بالدلالات لا يجور في حكمه ذلك الله لا إله إلا هو.
قال فخرج الرجل
وهو يقول : اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسالَتَهُ.
وروى محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : في صفة القديم إنه
واحد صمد أحدي المعنى ليس بمعان كثيرة مختلفة.
قال قلت جعلت فداك
إنه يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع.
قال فقال كذبوا
وألحدوا وشبهوا الله تعالى إنه سميع بصير يسمع بما به يبصر ويبصر بما به يسمع.
قال فقلت يزعمون
أنه بصير على ما يعقله.
قال فقال تعالى
الله إنما يعقل من كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك.
وروى بعض أصحابنا
أن عمرو بن عبيد دخل على الباقر عليهالسلام
فقال له جعلت فداك قول
الله (
وَمَنْ
يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى ) ما ذلك الغضب؟
قال العذاب يا
عمرو وإنما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشيء فيستفزه ويغيره عن الحال التي هو بها
إلى غيرها فمن زعم أن الله يغيره الغضب والرضا ويزول عن هذا فقد وصفه بصفة المخلوق.
وعن أبي الجارود قال قال أبو جعفر
عليهالسلام
إذا حدثتكم بشيء فاسألوني
من كتاب الله ثم قال في بعض حديثه إن النبي صلىاللهعليهوآله نهى عن القيل
والقال وفساد المال وكثرة السؤال.
فقيل له يا ابن
رسول الله أين هذا من كتاب الله عز وجل؟
قال قوله : ( لا خَيْرَ
فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ
إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ
اللهُ لَكُمْ قِياماً ) وقال : ( لا تَسْئَلُوا عَنْ
أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ).
__________________
وروى حمران بن
أعين قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام
عن قول الله عز وجل : ( وَرُوحٌ
مِنْهُ ) قال هي مخلوقة خلقها الله بحكمته في آدم وفي عيسى عليهالسلام.
محمد بن مسلم قال
: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل ( وَنَفَخْتُ فِيهِ
مِنْ رُوحِي ) كيف هذا النفخ؟
فقال إن الروح
متحرك كالريح إنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح وإنما أخرجه عن لفظة الريح
لأن الروح متجانس للريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما
اصطفى بيتا من البيوت وقال ( بَيْتِيَ ) وقال لرسول من الرسل
خليلي وأشباه ذلك مخلوق مصنوع مربوب مدبر.
وعن محمد بن مسلم
أيضا قال سألت أبا جعفر عليهالسلام
عما روي أن الله خلق آدم
على صورته؟
فقال هي صورة
محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على أساس الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما
أضاف الكعبة إلى نفسه والروح فقال ( بَيْتِيَ ) وقال ( وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِنْ رُوحِي ).
وعن عبد الرحمن بن
عبد الزهري قال : حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم
مولاه ومحمد بن علي بن الحسين جالس فقال له سالم.
يا أمير المؤمنين
هذا محمد بن علي بن الحسين عليهالسلام.
فقال له هشام
المفتون به أهل العراق قال نعم.
قال اذهب إليه فقل
له يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم
القيامة؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام يحشر الناس على مثل قرصة البر النقي فيها أنهار متفجرة يأكلون
ويشربون حتى يفرغ من الحساب.
__________________
قال فرأى هشام أنه
قد ظفر به فقال الله أكبر اذهب إليه فقل له ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ!
فقال له أبو جعفر
هم في النار أشغل ولم يشغلوا عن أن قالوا : ( أَفِيضُوا عَلَيْنا
مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) فسكت هشام لا
يرجع كلاما.
وروي أن نافع بن
الأزرق جاء إلى محمد بن علي بن الحسين فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال
والحرام فقال له أبو جعفر في عرض كلامه قل لهذه المارقة بما استحللتم فراق أمير
المؤمنين عليهالسلام
وقد سفكتم دماءكم بين
يديه وفي طاعته والقربة إلى الله تعالى بنصرته؟ فسيقولون لك إنه حكم في دين الله
فقل لهم :
قد حكم الله تعالى
في شريعة نبيه رجلين من خلقه ـ قال جل اسمه ( فَابْعَثُوا حَكَماً
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ
بَيْنَهُما ) وحكم رسول الله صلىاللهعليهوآله
سعد بن معاذ في بني قريظة
فحكم بما أمضاه الله أوما علمتم أن أمير المؤمنين إنما أمر الحكمين أن يحكما
بالقرآن ولا يتعدياه واشترط رد ما خالف القرآن من أحكام الرجال؟ وقال حين قالوا له
حكمت على نفسك من حكم عليك.
فقال ما حكمت
مخلوقا إنما حكمت كتاب الله فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن واشترط
رد ما خالفه ولو لا ارتكابهم في بدعتهم البهتان.
فقال نافع بن
الأزرق ـ هذا والله ما طرق بسمعي قط ولا خطر مني ببال هو الحق إن شاء الله تعالى
وعن أبي الجارود
قال قال أبو جعفر عليهالسلام
يا أبا الجارود ما يقولون
في الحسن والحسين عليهماالسلام؟ قلت ينكرون عليهما أنهما ابنا رسول الله.
قال فبأي شيء
احتججتم عليهم؟
قال قلت بقول الله
في عيسى عليهالسلام
: ( وَمِنْ
ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ ـ إلى قوله : كُلٌّ
مِنَ الصَّالِحِينَ ) فجعل عيسى من ذرية إبراهيم واحتججنا عليهم بقوله تعالى : ( فَقُلْ
تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا
وَأَنْفُسَكُمْ ).
ثم قال فأي شيء
قالوا؟
قال قلت قالوا قد
يكون ولد البنت من الولد ولا يكون من الصلب.
قال فقال أبو جعفر
والله يا أبا الجارود لأعطينكم من كتاب الله آية يسمي لصلب رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يردها إلا كافر :
قال قلت جعلت فداك
وأين؟
قال قال حيث قال :
( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ
وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ـ إلى قوله ـ وَحَلائِلُ
أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) فسلهم يا أبا
الجارود وهل يحل لرسول الله نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا نعم فكذبوا والله وإن قالوا
لا فهما والله ابنا رسول الله لصلبه وما حرمن عليه إلا للصلب
وعن أبي حمزة
الثمالي عن أبي الربيع قال : حججت مع أبي جعفر عليهالسلام
في السنة التي حج فيها
هشام بن عبد الملك وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب فنظر نافع إلى أبي جعفر عليهالسلام في ركن البيت ـ وقد اجتمع عليه الخلق فقال يا أمير المؤمنين
من هذا الذي قد تكافأ عليه الناس؟
فقال هذا محمد بن
علي بن الحسين عليهالسلام.
قال لآتينه
ولأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي.
قال فاذهب إليه
لعلك تخجله فجاء نافع حتى اتكأ على الناس وأشرف على أبي جعفر فقال :
يا محمد بن علي
إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت
أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي فرفع أبو جعفر عليهالسلام رأسه فقال سل عما بدا لك!
قال أخبرني كم بين
عيسى ومحمد من سنة قال أجيبك بقولك أم بقولي؟
قال أجبني
بالقولين قال أما بقولي فخمسمائة سنة وأما بقولك فستمائة سنة.
قال فأخبرني عن
قول الله عز وجل : ( وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً
يُعْبَدُونَ ) من الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة قال
فتلا أبو جعفر عليهالسلام
هذه الآية : ( سُبْحانَ
الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ) كان من الآيات
التي أراها محمدا حيث أسرى به إلى بيت المقدس أنه حشر الله الأولين والآخرين من
النبيين والمرسلين ثم أمر جبرئيل عليهالسلام
فأذن شفعا وأقام شفعا
وقال في أذانه حي على خير العمل ثم تقدم محمد صلىاللهعليهوآله
فصلى بالقوم فلما انصرف
قال الله عز وجل : ( وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً
يُعْبَدُونَ ).
فقال رسول الله
على من تشهدون وما كنتم تعبدون؟
قالوا نشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ـ وأنك رسول الله أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا
فقال صدقت يا أبا جعفر!
قال فأخبرني عن
قول الله عز وجل : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) أي أرض تبدل؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام خبزة بيضاء يأكلونها حتى يفرغ الله من حساب الخلائق فقال
إنهم عن الأكل لمشغولون.
فقال أبو جعفر عليهالسلام أهم حينئذ أشغل أم هم في النار؟ قال نافع بل هم في النار.
قال فقد قال الله
عز وجل : ( وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ
أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) ما أشغلهم إذا
دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ودعوا بالشراب فسقوا من الجحيم فقال صدقت يا ابن رسول
الله وبقيت مسألة واحدة قال وما هي؟
قال فأخبرني متى
كان الله؟ قال ويلك أخبرني متى لم يكن حتى أخبرك متى كان سبحان من لم يزل ولا يزال
فردا صمدا لم يتخذ ( صاحِبَةً وَلا
وَلَداً ) ثم أتى هشام بن عبد الملك فقال ما صنعت؟ قال دعني من كلامك
والله هو أعلم الناس حقا وهو ابن رسول الله حقا.
وعن أبان بن تغلب قال : دخل طاوس
اليماني إلى الطواف ومعه صاحب له فإذا هو بأبي جعفر يطوف أمامه وهو شاب حدث فقال
طاوس لصاحبه إن هذا الفتى لعالم فلما فرغ من طوافه صلى ركعتين ثم جلس وأتاه الناس
فقال طاوس لصاحبه نذهب إلى أبي جعفر عليهالسلام
ونسأله عن مسألة لا أدري
عنده فيها شيء أم لا فأتياه فسلما عليه ثم قال له طاوس :
يا أبا جعفر هل
تدري أي يوم مات ثلث الناس؟
فقال يا أبا عبد
الرحمن لم يمت ثلث الناس قط إنما أردت ربع الناس قال وكيف ذلك؟
قال كان آدم وحواء
وقابيل وهابيل فقتل قابيل هابيل فذلك ربع الناس قال صدقت!
قال أبو جعفر عليهالسلام هل تدري ما صنع بقابيل؟ قال لا.
قال علق بالشمس
ينضح بالماء الحار إلى أن تقوم الساعة.
وروي أن عمرو بن
عبيد وفد على محمد بن علي الباقر عليهالسلام
لامتحانه بالسؤال عنه
فقال له جعلت فداك ما معنى قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) ما هذا الرتق
والفتق؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام كانت السماء رتقا لا تنزل القطر وكانت الأرض رتقا لا تخرج
النبات ففتق الله السماء بالقطر وفتق الأرض بالنبات فانقطع عمرو ولم يجد اعتراضا
ومضى وعاد إليه فقال :
خبرني جعلت فداك
عن قوله تعالى : ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى
) ما غضب الله؟
__________________
فقال له أبو جعفر عليهالسلام غضب الله تعالى عقابه يا عمرو ومن ظن أن الله يغيره شيء فقد
هلك.
وعن أبي حمزة
الثمالي قال : أتى الحسن البصري أبا جعفر عليهالسلام
فقال :
جئتك لأسألك عن
أشياء من كتاب الله.
فقال أبو جعفر ألست
فقيه أهل البصرة؟ قال قد يقال ذلك.
فقال له أبو جعفر عليهالسلام هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟ قال لا.
قال فجميع أهل البصرة
يأخذون عنك؟ قال نعم.
فقال أبو جعفر
سبحان الله لقد تقلدت عظيما من الأمر ـ بلغني عنك أمر فما أدري أكذاك أنت أم يكذب
عليك؟ قال ما هو؟
قال زعموا أنك
تقول إن الله خلق العباد ففوض إليهم أمورهم قال فسكت الحسن.
فقال أرأيت من قال
الله له في كتابه إنك آمن هل عليه خوف بعد هذا القول منه؟ فقال الحسن لا.
فقال أبو جعفر عليهالسلام إني أعرض عليك آية وأنهي إليك خطابا ولا أحسبك إلا وقد
فسرته على غير وجهه فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت.
فقال له ما هو؟
قال أرأيت حيث
يقول : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى
الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا
فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) يا حسن بلغني أنك أفتيت الناس فقلت هي مكة فقال أبو جعفر عليهالسلام فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف أهل مكة وهل تذهب أموالهم؟
قال بلى.
قال فمتى يكونون
آمنين؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى التي بارك الله فيها وذلك
قول الله عز وجل فمن أقر بفضلنا حيث بينهم وبين شيعتهم الْقُرَى
الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً والقرى الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا وقوله
تعالى ( وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ ) فالسير مثل للعلم
سير به لَيالِيَ وَأَيَّاماً مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في
الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمِنِينَ فيها إذا أخذوا منه آمنين من الشك والضلال والنقلة من
الحرام إلى الحلال لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم أخذهم إياه عنهم بالمعرفة لأنهم
أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا ذرية مصطفاة بَعْضُها
مِنْ بَعْضٍ فلم ينته الاصطفاء
إليكم بل إلينا انتهى ونحن تلك الذرية المصطفاة لا أنت ولا أشباهك يا حسن فلو قلت
لك حين ادعيت ما ليس لك وليس إليك يا جاهل أهل البصرة لم أقل فيك إلا ما علمته منك
وظهر لي عنك وإياك أن تقول بالتفويض فإن الله عز وجل لم يفوض الأمر إلى خلقه وهنا
منه
وضعفا ولا أجبرهم
على معاصيه ظلما
والخبر طويل أخذنا
منه موضع الحاجة
وروي : أن سالما
دخل على أبي جعفر عليهالسلام
فقال :
جئت أكلمك في أمر
هذا الرجل.
قال أيما رجل؟ قال
علي بن أبي طالب عليهالسلام.
قال في أي أموره؟
قال في أحداثه.
قال أبو جعفر انظر
ما استقر عندك مما جاءت به الرواة عن آبائهم.
قال ثم نسبهم ثم
قال يا سالم أبلغك أن رسول الله بعث سعد بن عبادة براية الأنصار إلى خيبر فرجع
منهزما ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين والأنصار فأتى سعد جريحا وجاء عمر
يجبن أصحابه ويجبنونه فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
هكذا يفعل المهاجرون
والأنصار ـ حتى قالها ثلاثا ثم قال لأعطين الراية غدا رجلا كرار ليس بفرار يحبه
الله ورسوله ويحب الله ورسوله؟ قال نعم وقال القوم جميعا أيضا فقال أبو جعفر يا
سالم إن قلت إن الله عز وجل أحبه وهو لا يعلم ما هو صانع فقد كفرت وإن قلت إن الله
عز وجل أحبه وهو يعلم ما هو صانع فأي حدث ترى له؟
فقال أعد علي.
فأعاد عليهالسلام عليه فقال سالم عبدت الله على ضلالة سبعين سنة.
وعن أبي بصير قال
: كان مولانا أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام
جالسا في الحرم وحوله
عصابة من أوليائه إذ أقبل طاوس اليماني في جماعة من أصحابه ثم قال لأبي جعفر عليهالسلام.
أتأذن لي في
السؤال؟ فقال أذنا لك فسل قال أخبرني متى هلك ثلث الناس؟
قال وهمت يا شيخ
أردت أن تقول متى هلك ربع الناس وذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة آدم وحواء
وقابيل وهابيل فهلك ربعهم.
فقال أصبت ووهمت
أنا فأيهما كان أبا للناس القاتل أو المقتول؟ قال لا واحد منهما بل أبوهم شيث بن
آدم.
فقال فلم سمي آدم
آدم ـ؟ قال لأنه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى.
قال ولم سميت حواء
حواء ـ قال لأنها خلقت من ضلع حي يعني ضلع آدم.
قال فلم سمي إبليس
إبليس؟ قال لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل فلا يرجوها.
قال فلم سمي الجن
جنا؟ قال لأنهم استجنوا فلم يروا.
قال فأخبرني عن
كذبة كذبت من صاحبها؟ قال إبليس حين قال : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ).
قال فأخبرني عن
قوم شهدوا شهادة الحق وكانوا كاذبين؟
قال المنافقون حين
قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله
( نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) فأنزل الله عز
وجل : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ).
قال فأخبرني عن
طائر طار مرة ولم يطر قبلها ولا بعدها ذكره الله عز وجل في القرآن ما هو؟
فقال طور سيناء
أطاره الله عز وجل على بني إسرائيل حين أظلهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتى
قبلوا التوراة وذلك قوله عز وجل : ( وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ ) الآية.
قال فأخبرني عن
رسول بعثه الله تعالى ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ذكره الله تعالى
في كتابه؟
قال الغراب حين
بعثه الله عز وجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله قال الله عز وجل :
( فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي
الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ).
قال فأخبرني عمن
أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ذكره الله عز وجل في كتابه.
قال النملة حين
قالت : ( يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ
لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ).
قال فأخبرني عمن
كذب عليه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ذكره الله عز وجل في كتابه قال
الذئب الذي كذب عليه إخوة يوسف.
قال فأخبرني عن
شيء قليله حلال وكثيره حرام ذكره الله عز وجل في كتابه؟
قال نهر طالوت قال
الله عز وجل ( إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ).
قال فأخبرني عن
صلاة فريضة تصلى بغير وضوء وعن صوم لا يحجز عن أكل ولا شرب.
قال أما الصلاة
بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله صلىاللهعليهوآله
وأما الصوم فقول الله عز
وجل : ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ
أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ).
قال فأخبرني عن
شيء يزيد وينقص وعن شيء يزيد ولا ينقص وعن شيء ينقص ولا يزيد؟
فقال الباقر عليهالسلام أما الشيء الذي يزيد وينقص فهو القمر والشيء الذي يزيد ولا
ينقص فهو البحر والشيء الذي ينقص ولا يزيد هو العمر
وقد تكرر إيراد
أول هذا الخبر لما في آخره من الفوائد
وبالإسناد المقدم
ذكره عن أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام
أنه قال : كان علي بن
الحسين زين العابدين جالسا في مجلسه فقال يوما في مجلسه إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أمر بالمسير إلى تبوك أمر بأن يخلف عليا بالمدينة فقال علي
عليهالسلام
يا رسول الله ما كنت أحب
أن أتخلف عنك في شيء من أمورك وأن أغيب عن مشاهدتك والنظر إلى هديك وسمتك.
فقال رسول الله يا
علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ـ إلا أنه لا نبي بعدي تقيم يا علي
وإن لك في مقامك من الأجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله ولك أجور كل من
خرج مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
موقنا طائعا وإن لك على
الله يا علي لمحبتك أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله بأن يأمر جبرئيل في جميع
مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي يسير عليها والأرض التي تكون أنت عليها ويقوي بصرك
حتى تشاهد محمدا وأصحابه في سائر أحوالك وأحوالهم فلا يفوتك الأنس من رؤيته ورؤية
أصحابه ويغنيك ذلك عن المكاتبة والمراسلة.
فقام رجل من مجلس
زين العابدين لما ذكر هذا وقال له يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
كيف يكون وهذا للأنبياء
لا لغيرهم؟
فقال زين العابدين
عليهالسلام
هذا هو معجزة لمحمد رسول
الله لا لغيره لأن الله إنما رفعه بدعاء محمد وزاد في نور بصره أيضا بدعاء محمد
حتى شاهد ما شاهد وأدرك ما أدرك ثم قال له الباقر عليهالسلام
يا عبد الله ما أكثر ظلم
كثير من هذه الأمة لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
وأقل أنصارهم أم يمنعون
عليا ما يعطونه سائر الصحابة وعلي أفضلهم؟ فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره؟ ـ قيل
وكيف ذاك؟ يا ابن رسول الله ـ؟
قال لأنكم تتولون
محبي أبي بكر بن أبي قحافة وتتبرءون من أعدائه كائنا من كان وكذلك تتولون عمر بن
الخطاب وتتبرءون من أعدائه كائنا من كان وتتولون عثمان بن عفان ـ وتتبرءون من
أعدائه كائنا من كان حتى إذا صار إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام قالوا نتولى محبيه ولا نتبرأ من أعدائه بل نحبهم فكيف يجوز
هذا لهم ورسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول في علي اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله؟ أفترونه لا يعادي من عاداه ولا
يخذل من خذله ليس هذا بإنصاف.
ثم أخرى إنهم إذا
ذكر لهم ما أخص الله به عليا بدعاء رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكرامته على ربه تعالى
جحدوه وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة فما الذي منع عليا ما جعله لسائر
أصحاب
رسول الله هذا عمر
بن الخطاب ـ إذا قيل لهم إنه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته
يا سارية الجبل وعجب القوم وقالوا ما هذا الكلام الذي في هذه الخطبة؟ فلما قضى
الخطبة والصلاة قالوا :
ما قولك في خطبتك
يا سارية الجبل؟
فقال اعلموا أني
وأنا أخطب إذ رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزوة الكافرين
بنهاوند وعليهم سعد بن أبي وقاص ففتح الله لي الأستار والحجب وقوى بصري حتى رأيتهم
وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك وقد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية وسائر من معه من
المسلمين فيحيطوا بهم فيقتلوهم فقلت يا سارية الجبل ليلتجئ إليه فيمنعهم ذلك من أن
يحيطوا به ثم يقاتلوا ومنح الله إخوانكم المؤمنين أكناف الكافرين وفتح الله عليهم
بلادهم فاحفظوا هذا الوقت فسيرد عليكم الخبر بذلك وكان بين المدينة ونهاوند مسيرة
أكثر من خمسين يوما.
قال الباقر عليهالسلام فإذا كان مثل هذا لعمر فكيف لا يكون مثل هذا لعلي بن أبي
طالب ع؟ ولكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون
وعن عبد الله بن
سليمان قال : كنت عند أبي جعفر عليهالسلام
فقال له رجل من أهل
البصرة يقال له عثمان الأعمى:
إن الحسن البصري
يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم من يدخل النار.
فقال أبو جعفر عليهالسلام فهلك إذا مؤمن آل فرعون والله مدحه بذلك وما زال العلم
مكتوما منذ بعث الله عز وجل رسوله نوحا فليذهب الحسن يمينا وشمالا ـ فو الله ما
يوجد العلم إلا هاهنا وكان يقول عليهالسلام
محنة الناس علينا عظيمة
إن دعوناهم لم يجيبونا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.
احتجاج أبي عبد الله الصادق عليهالسلام في أنواع شتى
من العلوم الدينية على أصناف كثيرة من أهل الملل والديانات
روي عن هشام بن
الحكم أنه قال : من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليهالسلام أن قال :
__________________
ما الدليل على
صانع العالم؟
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
وجود الأفاعيل التي دلت
على أن صانعها صنعها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا
وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟
قال فما هو؟
قال هو شيء بخلاف
الأشياء ارجع بقولي شيء إلى إثباته وأنه شيء بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا
صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور
ولا يغيره الزمان.
قال السائل فإنا
لم نجد موهوما إلا مخلوقا.
قال أبو عبد الله عليهالسلام لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منا مرتفعا لأنا لم نكلف
أن نعتقد غير موهوم لكنا نقول كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا فهو
مخلوق ولا بد من إثبات كون صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين إحداهما
النفي إذا كان النفي هو الإبطال والعدم والجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق
الظاهر التركيب والتأليف فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار
منهم إليه أنهم مصنوعون وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إن كان مثلهم شبيها بهم في
ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا وتنقلهم من
صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها
لثباتها ووجودها.
قال السائل فأنت
قد حددته إذ أثبت وجوده!
قال أبو عبد الله عليهالسلام لم أحدده ولكني أثبته إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة.
قال السائل فقوله (
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى )؟
قال أبو عبد الله عليهالسلام بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من
غير أن يكون العرش محلا له لكنا نقول هو حامل وممسك للعرش ونقول في ذلك ما قال ( وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ونفينا أن يكون العرش
والكرسي حاويا له وأن يكون عز وجل محتاجا إلى مكان أو إلى شيء مما خلق بل خلقه
محتاجون إليه.
قال السائل فما الفرق
بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟
قال أبو عبد الله
في علمه وإحاطته وقدرته سواء ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى
__________________
السماء نحو العرش
لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول حين قال ارفعوا
أيديكم إلى الله عز وجل وهذا تجمع عليه فرق الأمة كلها.
ومن سؤاله أن قال
ألا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟
قال أبو عبد الله
لا يخلو قولك إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون
أحدهما قويا والآخر ضعيفا فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرد
بالربوبية وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر
في الثاني وإن قلت إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من
كل جهة فلما رأينا الخلق منتظمة والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر
دل ذلك على صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر وأن المدبر واحد
وعن هشام بن الحكم
قال : دخل ابن أبي العوجاء على الصادق عليهالسلام
فقال له الصادق عليهالسلام :
يا ابن أبي
العوجاء أنت مصنوع أم غير مصنوع؟ قال لست بمصنوع.
فقال له الصادق
فلو كنت مصنوعا كيف كنت فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا وقام وخرج.
قال : دخل أبو
شاكر الديصاني وهو زنديق على أبي عبد الله وقال يا جعفر بن محمد دلني على معبودي!
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
اجلس فإذا غلام صغير في
كفه بيضة يلعب بها فقال أبو عبد الله ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال أبو
عبد الله يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت
الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا
الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لا يخرج منها خارج مصلح فيخبر
عن إصلاحها ولا يدخل إليها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها لا يدرى للذكر خلقت أم
للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى له مدبرا؟
قال فأطرق مليا ثم
قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنك
إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.
وعن هشام بن الحكم
قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام
عن أسماء الله عز ذكره
واشتقاقها فقلت الله مما هو مشتق؟
قال يا هشام الله
مشتق من إله وإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد
كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد الاثنين ومن عبد المعنى دون
الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟
قال فقلت زدني
فقال إن لله تسعة وتسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن
لله معنى يدل عليه فهذه الأسماء كلها غيره يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم
للمشروب
والثوب اسم
للملبوس والنار اسم للمحروق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا
والمتخذين مع الله غيره قلت نعم.
قال فقال نفعك
الله به وثبتك!
قال هشام فو الله
ما قهرني أحد في علم التوحيد حتى قمت مقامي هذا.
عن هشام بن الحكم
قال : كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله عليهالسلام
علم فخرج إلى المدينة
ليناظره فلم يصادفه بها وقيل هو بمكة فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله عليهالسلام فانتهى إليه وهو في الطواف فدنا منه وسلم.
فقال له أبو عبد
الله ما اسمك؟ قال عبد الملك.
قال فما كنيتك؟
قال أبو عبد الله.
قال أبو عبد الله عليهالسلام فمن ذا الملك الذي أنت عبده أمن ملوك الأرض أم من ملوك
السماء؟ وأخبرني عن ابنك أعبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ فسكت فقال أبو عبد
الله عليهالسلام
قل فسكت.
فقال إذا فرغت من
الطواف فأتنا فلما فرغ أبو عبد الله عليهالسلام
من الطواف أتاه الزنديق
فقعد بين يديه ونحن مجتمعون عنده.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
أتعلم أن للأرض تحتا
وفوقا؟ فقال نعم.
قال فدخلت تحتها؟
قال لا.
قال فهل تدري ما
تحتها؟ قال لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء.
فقال أبو عبد الله
فالظن عجز ما لم تستيقن ثم قال له صعدت إلى السماء؟ قال لا.
قال أفتدري ما
فيها؟ قال لا.
قال فأتيت المشرق
والمغرب فنظرت ما خلفهما؟ قال لا.
قال فالعجب لك لم
تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد إلى السماء ولم تخبر ما
هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف فقال الزنديق
ما كلمني بهذا غيرك.
قال أبو عبد الله عليهالسلام فأنت من ذلك في شك فلعل هو ولعل ليس هو قال ولعل ذلك.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
أيها الرجل ليس لمن لا
يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل على العالم يا أخا أهل مصر تفهم عني أما ترى
الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان يذهبان ويرجعان قد اضطرا ليس لهما
مكان إلا مكانهما فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان وإن كانا غير مضطرين
فلم لا
يصير الليل نهارا
والنهار ليلا اضطرا والله يا أخا أهل مصر.
إن الذي تذهبون
إليه وتظنون من الدهر فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم وإن كان يردهم فلم يذهب بهم أما
ترى السماء مرفوعة والأرض موضوعة لا تسقط السماء على الأرض ولا تنحدر الأرض فوق ما
تحتها أمسكها والله خالقها ومدبرها.
قال فآمن الزنديق
على يدي أبي عبد الله فقال هشام [ لهشام ] خذه إليك وعلمه.
عن عيسى بن يونس قال كان ابن أبي
العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت
فيما لا أصل له ولا حقيقة؟
قال إن صاحبي كان
مخلطا يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر فما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه فقدم مكة
متمردا وإنكارا على من يحجه وكان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه وفساد ضميره
فأتى أبا عبد الله عليهالسلام
فجلس إليه في جماعة من
نظرائه فقال :
يا أبا عبد الله
إن المجالس بالأمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن لي في الكلام فقال
تكلم.
فقال إلى كم
تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر
وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه
غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبو أسه ونظامه!
فقال أبو عبد الله
إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه وصار الشيطان وليه يورده
مناهل الهلكة ثم لا يصدره وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه
فحثهم على تعظيمه وزيارته جعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه
وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال خلقه الله
قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر الله
المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي
العوجاء ذكرت الله فأحلت على الغائب؟
فقال أبو عبد الله
ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب ( مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ ) يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم؟!
فقال ابن أبي
العوجاء فهو في كل مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض وإذا كان في
الأرض كيف يكون في السماء؟
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
إنما وصفت المخلوق الذي
إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان وخلا منه
__________________
مكان فلا يدري في
المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه فأما الله العظيم الشأن الملك
الديان فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.
وروي أن الصادق عليهالسلام قال لابن أبي العوجاء إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول
نجونا ونجوت وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت
وروي أيضا أن ابن
أبي العوجاء سأل الصادق عليهالسلام
عن حدث العالم فقال ما
وجدت صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن
الحالة الأولى ولو كان قديما ما زال ولا حال لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد
ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأزل دخول في القدم ولن
يجتمع صفة الحدوث والقدم في شيء واحد.
قال ابن أبي
العوجاء هبك علمك في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت استدللت على حدوثها فلو
بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟
فقال عليهالسلام إنا نتكلم على هذا العالم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالما
آخر كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره لكن أجيبك من حيث قدرت أن
تلزمنا فنقول إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شيء منه إلى
شيء منه كان أكبر وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم كما أن في تغيره دخوله في
الحدث وليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم.
وعن يونس بن ظبيان
قال دخل رجل على أبي عبد الله عليهالسلام
قال أرأيت الله حين عبدته؟
قال ما كنت أعبد
شيئا لم أره.
قال فكيف رأيته؟
قال لم تره
الأبصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يدرك بالحواس ولا يقاس
بالناس معروف بغير تشبيه.
وعن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام
في قوله تعالى ( لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) قال إحاطة الوهم ألا ترى إلى قوله ( قَدْ
جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ) ليس يعني بصر العيون ، ( فَمَنْ أَبْصَرَ
فَلِنَفْسِهِ ) وليس يعني من أبصر نفسه ( وَمَنْ عَمِيَ
فَعَلَيْها ) ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال فلان
بصير بالشعر وفلان بصير بالفقه وفلان بصير بالدراهم وفلان بصير بالثياب الله أعظم
من أن يرى بالعين
ومن سؤال الزنديق
الذي سأل أبا عبد الله عليهالسلام
عن مسائل كثيرة أنه قال كيف
يعبد الله الخلق ولم يروه؟
__________________
قال رأته القلوب
بنور الإيمان وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان وأبصرته الأبصار بما رأته من
حسن التركيب وإحكام التأليف ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها اقتصرت العلماء على
ما رأت من عظمته دون رؤيته.
قال أليس هو قادر
[ قادرا ] أن يظهر لهم حتى يروه فيعرفونه فيعبد على يقين قال ليس للمحال جواب قال
فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟
قال عليهالسلام إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما
خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم
ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم
ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم
في خلقه وثبت عند ذلك أن له معبرون [ معبرين ] هم أنبياء الله وصفوته من خلقه
حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين عنه مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في
الخلق والتركيب مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد
من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل
على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.
ثم قال عليهالسلام بعد ذلك نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة ولا تكون الحجة
إلا من عقب الأنبياء ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء وذلك أن الله شرع
لبني آدم طريقا منيرا وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا أخرج منه الأنبياء والرسل هم
صفوة الله وخلص الجوهر طهروا في الأصلاب وحفظوا في الأرحام ـ لم يصبهم سفاح
الجاهلية ولا شاب أنسابهم لأن الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا
منه فمن كان خازن علم الله وأمين غيبه ومستودع سره وحجته على خلقه وترجمانه ولسانه
لا يكون إلا بهذه الصفة فالحجة لا يكون إلا من نسلهم يقوم النبي صلىاللهعليهوآله في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول إن جحده الناس
سكت وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم
فيه قد أقاموا بينهم الرأي والقياس وإنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر
العدل وذهب الاختلاف والتشاجر واستوى الأمر وأبان الدين وغلب على الشك اليقين ولا
يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول وما مضى رسول ولا
نبي قط لم تختلف أمته من بعده وإنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة وتركهم
إياه.
قال فما يصنع
بالحجة إذا كان بهذه الصفة قال قد يقتدى به ويخرج عنه الشيء بعد الشيء مكانه منفعة
الخلق وصلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم وإن زادوا فيه أخبرهم وإن نفذوا
منه شيئا أفادهم.
ثم قال الزنديق من
أي شيء خلق الله الأشياء؟ قال لا من شيء.
فقال كيف يجيء من
لا شيء شيء؟
قال عليهالسلام إن الأشياء لا تخلو إما أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء
فإن كان خلقت من شيء
كان معه فإن ذلك
الشيء قديم والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ولا يخلو ذلك الشيء من أن
يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة
الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ـ؟ ومن أين جاء الموت ـ؟ إن كان الشيء الذي
أنشئت منه الأشياء حيا؟ ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا؟ ولا يجوز أن
يكون من حي وميت قديمين لم يزالا لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حيا ولا
يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت لأن الميت لا قدرة له
ولا بقاء.
قال فمن أين قالوا
إن الأشياء أزلية؟ قال هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم
والأنبياء وما أنبئوا عنه وسموا كتبهم أساطير ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم
واستحسانهم إن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك
وتحرك الأرض ومن عليها وانقلاب الأزمنة واختلاف الوقت والحوادث التي تحدث في
العالم من زيادة ونقصان وموت وبلى واضطرار النفس إلى الإقرار بأن لها صانعا ومدبرا
ألا ترى الحلو يصير حامضا والعذب مرا والجديد باليا وكل إلى تغير وفناء؟!
قال فلم يزل صانع
العالم عالما بالأحداث ـ التي أحدثها قبل أن يحدثها؟
قال فلم يزل يعلم
فخلق ما علم قال أمختلف هو أم مؤتلف؟
قال لا يليق به
الاختلاف ولا الائتلاف وإنما يختلف المتجزي ويأتلف المتبعض فلا يقال له مؤتلف ولا
مختلف.
قال فكيف هو الله
الواحد قال واحد في ذاته فلا واحد كواحد لأن ما سواه من الواحد متجزئ وهو تبارك
وتعالى واحد لا يتجزى ولا يقع عليه العد.
قال فلأي علة خلق
الخلق وهو غير محتاج إليهم ولا مضطر إلى خلقهم ولا يليق به التعبث بنا؟
قال خلقهم لإظهار
حكمته وإنفاذ علمه وإمضاء تدبيره.
قال وكيف لا يقتصر
على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحتبس عقابه؟
قال إن هذه الدار
دار ابتلاء ومتجر الثواب ومكتسب الرحمة ملئت آفات وطبقت شهوات ليختبر فيها عبيده
بالطاعة فلا يكون دار عمل دار جزاء.
قال أفمن حكمته أن
جعل لنفسه عدوا وقد كان ولا عدو له فخلق كما زعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم
إلى خلاف طاعته ويأمرهم بمعصيته وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى
قلوبهم فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ـ ويلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته حتى
أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته وعبدوا سواه فلم سلط عدوه على عبيده وجعل له
السبيل إلى إغوائهم؟
قال إن هذا العدو
الذي ذكرت لا تضره عداوته ولا تنفعه ولايته وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا وولايته
لا تزيد فيه شيئا وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع إن هم بملك أخذه أو
بسلطان قهره فأما
إبليس فعبد خلقه
ليعبده ويوحده وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه فلم يزل يعبده مع ملائكته
حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك وأخرجه
عن صفوف الملائكة وأنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم وولده بذلك السبب
ما له من السلطة على ولده إلا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل وقد أقر مع معصيته
لربه بربوبيته.
قال أفيصلح السجود
لغير الله قال لا.
قال فكيف أمر الله
الملائكة بالسجود لآدم؟
قال إن من سجد
بأمر الله سجد لله إذا كان عن أمر الله.
قال فمن أين أصل
الكهانة ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟
قال إن الكهانة
كانت في الجاهلية في كل حين ( فَتْرَةٍ مِنَ
الرُّسُلِ ) كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم
من الأمور بينهم فيخبرهم عن أشياء تحدث وذلك من وجوه شتى فراسة العين وذكاء القلب
ووسوسة النفس وفتنة الروح مع قذف في قلبه لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة
فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف.
وأما أخبار السماء
فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم
وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء
فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله لإثبات الحجة ونفي الشبهة وكان الشيطان
يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط
بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل
فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه وما
أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت
الكهانة واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس بما يتحدثون به وما
يحدثونه والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق ومن
قاتل قتل ومن غائب غاب وهم بمنزلة الناس أيضا صدوق وكذوب.
قال وكيف صعدت الشياطين
إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهالسلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟
قال غلظوا لسليمان
كما سخروا وهم خلق رقيق غذاؤهم النسيم والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء
لاستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها بسلم أو بسبب.
قال فأخبرني عن
السحر ما أصله وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟
قال إن السحر على
وجوه شتى وجه منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر
احتالوا لكل صحة آفة ولكل عافية عاهة ولكل معنى حيلة.
ونوع آخر منه خطفة
وسرعة ومخاريق وخفة.
ونوع آخر ما يأخذ
أولياء الشياطين عنهم.
قال فمن أين علم
الشياطين السحر؟
قال من حيث عرف
الأطباء الطب بعضه تجربة وبعضه علاج.
قال فما تقول في
الملكين هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟
قال إنهما موضع
ابتلاء وموقع فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا ـ لكان كذا وكذا ولو
يعالج بكذا وكذا لكان كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم ( إِنَّما
نَحْنُ فِتْنَةٌ ) فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم.
قال أفيقدر الساحر
أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟
قال هو أعجز من
ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله إن من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك الله
في خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه
الهرم والآفة والأمراض ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته وإن من أكبر السحر
النميمة يفرق بها بين المتحابين ويجلب العداوة على المتصافيين ويسفك بها الدماء
ويهدم بها الدور ويكشف بها الستور والنمام أشر من وطئ الأرض بقدم فأقرب أقاويل
السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء
فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ.
قال فما بال ولد
آدم فيهم شريف ووضيع؟ قال الشريف المطيع والوضيع العاصي.
قال أليس فيهم
فاضل ومفضول؟ قال إنما يتفاضلون بالتقوى.
قال فتقول إن ولد
آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى؟
قال نعم إني وجدت
أصل الخلق التراب والأب آدم والأم حواء خلقهم إله واحد وهم عبيده إن الله عز وجل
اختار من ولد آدم أناسا طهر ميلادهم وطيب أبدانهم وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام
النساء أخرج منهم الأنبياء والرسل فهم أزكى فروع آدم فعل ذلك لأمر استحقوه من الله
عز وجل ولكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا
فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده وهؤلاء الذين لهم
الشرف والفضل والحسب وسائر الناس سواء ألا من اتقى الله أكرمه ومن أطاعه أحبه ومن
أحبه لم يعذبه بالنار!!
قال فأخبرني عن
الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا.
قال عليهالسلام لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لأن الطاعة إذا ما كانت
فعلهم لم يكن جنة ولا نار ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته واحتج
عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين
يطيعون ويعصون
ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العقاب.
قال فالعمل الصالح
من العبد هو فعله والعمل الشر من العبد هو فعله؟
قال العمل الصالح
من العبد بفعله والله به أمره والعمل الشر من العبد بفعله والله عنه نهاه.
قال أليس فعله بالآلة
التي ركبها فيه؟
قال نعم ولكن
بالآلة التي عمل بها الخير قدر على الشر الذي نهاه عنه.
قال فإلى العبد من
الأمر شيء؟
قال ما نهاه الله
عن شيء إلا وقد علم أنه يطيق تركه ولا أمره بشيء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله لأنه
ليس من صفته الجور والعبث والظلم وتكليف العباد ما لا يطيقون.
قال فمن خلقه الله
كافرا أيستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة؟
قال عليهالسلام إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين أمرهم ونهاهم والكفر اسم
يلحق الفعل حين يفعله العبد ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا إنه إنما كفر من
بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار
كافرا.
قال أفيجوز أن
يقدر على العبد الشر ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله ويعذبه عليه؟
قال إنه لا يليق
بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه ثم يأمره بما يعلم أنه لا
يستطيع أخذه والإنزاع عما لا يقدر على تركه ثم يعذبه على أمره الذي علم أنه لا
يستطيع أخذه.
قال بما ذا استحق
الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغناء والسعة وبما ذا استحق الفقير التقتير
والتضييق؟
قال اختبر
الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم.
ووجه آخر أنه عجل
لقوم في حياتهم ولقوم آخر ليوم حاجتهم إليه.
ووجه آخر فإنه علم
احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا
وفسد التدبير وصار أهلها إلى الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا وجعل أسباب أرزاقهم
في ضروب الأعمال وأنواع الصناعات ـ وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير ثم اختبر
الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.
قال فيما استحق
الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع والأمراض بلا ذنب عمله ولا جرم سلف منه؟
قال إن المرض على
وجوه شتى مرض بلوى ومرض عقوبة ومرض جعل علة للفناء وأنت تزعم أن ذلك من أغذية ودية
[ ردية ] وأشربة وبية أو من علة كانت بأمه وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه وأجمل
النظر
في أحوال نفسه
وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون
المرض والموت إلا من المطعم والمشرب قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء وأفلاطون رئيس
الحكماء وجالينوس شاخ ودق بصره وما دفع الموت حين نزل بساحته ولم يألوا حفظ أنفسهم
والنظر لما يوافقها كم مريضا قد زاده المعالج سقما وكم من طبيب عالم وبصير
بالأدواء والأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا فلا ذاك نفعه علمه بطبه
عند انقطاع مدته وحضور أجله ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.
ثم قال عليهالسلام إن أكثر الأطباء قالوا إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء فما
نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه
وأمناءه في أرضه وخزان علمه وورثة حكمته والأدلاء عليه والدعاة إلى طاعته؟
ثم إني وجدت أن
أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك
وتعالى فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.
قال فكيف تزهد في قوم
وأنت مؤدبهم وكبيرهم؟
قال عليهالسلام إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود
نفسه وتأليف بدنه وتركيب أعضائه ومجرى الأغذية في جوارحه ومخرج نفسه وحركة لسانه
ومستقر كلامه ونور بصره وانتشار ذكره واختلاف شهواته وانسكاب عبراته ومجمع سمعه
وموضع عقله ومسكن روحه ومخرج عطسته وهيج غمومه وأسباب سروره وعلة ما حدث فيه من
بكم وصمم وغير ذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها وعلل فيما بينهم
جوزوها.
قال فأخبرني عن
الله أله شريك في ملكه أو مضاد له في تدبيره قال لا.
قال فما هذا
الفساد الموجود في العالم من سباع ضارية وهوام مخوفة وخلق كثير مشوهة ودود وبعوض
وحيات وعقارب وزعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة لأنه لا يعبث؟
قال ألست تزعم أن
العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة ولمن يبول في الفراش وأن أفضل الترياق ما
عولج من لحوم الأفاعي فإن لحومها إذا أكلها المجذوم بشب [ بشبت ] نفعه وتزعم أن
الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة؟ قال نعم.
قال عليهالسلام فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير وأهان
بها جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه
قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته واعلم أنا لو
وقفنا على كل شيء خلقه الله تعالى لم خلقه ولأي شيء أنشأه لكنا قد ساويناه في علمه
وعلمنا كل ما يعلم واستغنينا عنه وكنا وهو في العلم سواء.
قال فأخبرني هل
يعاب شيء من خلق الله وتدبيره ـ قال لا.
قال فإن الله خلق
خلقه غرلا أذلك منه حكمة أم عبث قال بل منه حكمة.
قال غيرتم خلق
الله وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب مما خلق الله لها وعبتم الأغلف والله خلقه
ومدحتم الختان وهو فعلكم أم تقولون إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟
قال عليهالسلام ذلك من الله حكمة وصواب غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه كما
أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه كذلك خلقها الحكيم فأمر
العباد بقطعها وفي تركها فساد بين للمولود والأم وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت
أن تقلم ـ وكان قادرا يوم دبر خلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول وكذلك الشعر من
الشارب والرأس يطول فيجز وكذلك الثيران خلقها الله فحولة وإخصاؤها أوفق وليس في
ذلك عيب في تقدير الله عز وجل.
قال ألست تقول
يقول الله تعالى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ ) وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له والمظلوم يستنصره على
عدوه فلا ينصره؟
قال ويحك ما يدعوه
أحد إلا استجاب له أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه وأما المحق فإنه إذا
دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم
حاجته إليه وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه والمؤمن
العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ وقد يسأل العبد
ربه هلاك من لم ينقطع مدته أو يسأل المطر وقتا ولعله أوان لا يصلح فيه المطر لأنه
أعرف بتدبير ما خلق من خلقه وأشباه ذلك كثيرة فافهم هذا.
قال أخبرني أيها
الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد ولا يصعد من الأرض إليها بشر ولا
طريق إليها ولا مسلك فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك
أثبت في الربوبية وأنفى للشك وأقوى لليقين وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا
إليه يصعد الصاعد ومن عنده يهبط الهابط؟
قال إن كل ما ترى
في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء ومنها يظهر أما ترى الشمس منها تطلع
وهي نور النهار وفيها قوام الدنيا ولو حبست حار من عليها وهلك والقمر منها يطلع
وهو نور الليل وبه يعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام ولو حبس لحار من عليها
وفسد التدبير وفي السماء النجوم التي يهتدى ( بِها فِي ظُلُماتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شيء من الزرع
والنبات والأنعام وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا والريح لو حبست لفسدت الأشياء
جميعا وتغيرت ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك
مدبرا يدبر كل شيء ومن عنده ينزل وقد ( كَلَّمَ اللهُ مُوسى ) وناجاه ورفع الله
عيسى بن مريم والملائكة تنزل من عنده غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك وفيما تراه
بعينك كفاية أن تفهم وتعقل.
قال فلو أن الله
رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا وكيف
حالهم وما ذا لقوا بعد الموت وأي شيء صنع بهم ـ لعمل الناس على اليقين واضمحل الشك
وذهب الغل عن القلوب.
قال إن هذه مقالة
من أنكر الرسل وكذبهم ولم يصدق بما جاءوا به من عند الله إذ أخبروا وقالوا إن
الله أخبر في
كتابه عز وجل على لسان أنبيائه حال من مات منا أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن
رسله.
وقد رجع إلى
الدنيا مما مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثم
بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق.
وأمات الله أرميا
النبي عليهالسلام
الذي نظر إلى خراب بيت
المقدس وما حوله ـ حين غزاهم بختنصر وقال ( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ
اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ) ثم أحياه ونظر
إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل فلما استوى
قاعدا قال ( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ ).
وأحيا الله قوما
خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم وأماتهم الله دهرا طويلا حتى
بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا بعث الله في وقت أحب أن يرى خلقه قدرته
نبيا يقال له حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم وقاموا كهيئة يوم
ماتوا لا يفقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا.
وإن الله أمات
قوما خرجوا مع موسى عليهالسلام
حين توجه إلى الله
فَقالُوا : ( أَرِنَا اللهَ
جَهْرَةً ) فأماتهم الله ثم أحياهم.
قال فأخبرني عمن
قال بتناسخ الأرواح من أي شيء؟ قالوا ذلك وبأي حجة قاموا على مذاهبهم؟
قال إن أصحاب
التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين وزينوا لأنفسهم الضلالات وأمرجوا أنفسهم في
الشهوات وزعموا أن السماء خاوية ما فيها شيء مما يوصف وأن مدبر هذا
العالم في صورة المخلوقين بحجة من روى أن الله عز وجل خلق آدم على صورته وأنه لا
جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب
آخر فإن كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من
الدنيا وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أو هوام
مشوهة الخلقة وليس عليهم صوم ولا صلاة ولا شيء من العبادة أكثر من معرفة من تجب
عليهم معرفته وكل شيء من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من
الأخوات والبنات والخالات وذوات البعولة.
وكذلك الميتة
والخمر والدم فاستقبح مقالتهم كل الفرق ولعنهم كل الأمم فلما سئلوا الحجة زاغوا
وحادوا فكذب مقالتهم التوراة ولعنهم الفرقان وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب
إلى قالب وأن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا
في واحد بعد آخر فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق
صاحبه؟
وقالوا إن
الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة من دينهم خرج من منزلة الامتحان
والتصفية فهو ملك فطورا تخالهم نصارى في أشياء ـ وطورا دهرية يقولون إن الأشياء
على غير الحقيقة فقد كان يجب
__________________
عليهم أن لا
يأكلوا شيئا من اللحمان لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم فلا يجوز
أكل لحوم القربات.
قال ومن زعم أن
الله لم يزل ومعه طينة موذية فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها
ودخوله فيها فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!
قال سبحان الله
تعالى ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لا يستطيع التفصي من الطينة إن كانت الطينة حية
أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما فإن كان ذلك كذلك فمن
أين جاء الموت والفناء وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم
والميت لا يجيء منه حي.
وهذه مقالة
الديصانية أشد الزنادقة قولا وأمهنهم مثلا ـ نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم
وحبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا كل ذلك خلافا
على الله وعلى رسله بما جاءوا عن الله.
فأما من زعم أن الأبدان
ظلمة والأرواح نور وأن النور لا يعمل الشر والظلمة لا تعمل الخير فلا يجب عليهم أن
يلوموا أحدا على معصية ولا ركوب حرمة ولا إتيان فاحشة وإن ذلك عن الظلمة غير
مستنكر لأن ذلك فعلها ولا له أن يدعو ربا ولا يتضرع إليه لأن النور الرب والرب لا
يتضرع إلى نفسه ولا يستعبد بغيره ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول أحسنت يا
محسن أو أسأت لأن الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها والإحسان من النور ولا يقول
النور لنفسه أحسنت يا محسن وليس هناك ثالث وكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا
وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور لأن الأبدان محكمة فمن صور هذا الخلق صورة
واحدة على نعوت مختلفة؟
وكل شيء يرى ظاهرا
من الزهر والأشجار والثمار والطير والدواب يجب أن يكون إلها ثم حبست النور في
حبسها والدولة لها وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى وينبغي على
قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير وليس له سلطان فلا فعل له ولا تدبير
وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز فإن لم يكن كذلك وكان
أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وجامع فساد وشر فهذا يدل على أن الظلمة
تحسن الخير وتفعله وكما تحسن الشر وتفعله فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت ولا
ظلمة وبطلت دعواهم ورجع الأمر إلى أن الله واحد وما سواه باطل فهذه مقالة ماني
الزنديق وأصحابه.
وأما من قال النور
والظلمة بينهما حكم فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم لأنه لا يحتاج إلى
الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم وهذه مقالة المانوية والحكاية عنهم تطول.
قال فما قصة ماني؟
قال متفحص أخذ بعض
المجوسية فشابها ببعض النصرانية فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا
__________________
منهما وزعم أن
العالم دبر من إلهين نور وظلمة وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه
فكذبته النصارى وقبلته المجوس.
قال فأخبرني عن
المجوس أفبعث الله إليهم نبيا فإني أجد لهم كتبا محكمة ومواعظ بليغة وأمثالا شافية
يقرون بالثواب والعقاب ولهم شرائع يعملون بها.
قال عليهالسلام ما ( مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ
خَلا فِيها نَذِيرٌ ) ـ وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه وجحدوا
كتابه.
قال ومن هو؟ فإن
الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟
قال عليهالسلام إن خالدا كان عربيا بدويا ما كان نبيا وإنما ذلك شيء يقوله
الناس.
قال أفزردشت؟
قال إن زردشت
أتاهم بزمزمة وادعى النبوة فآمن منهم قوم وجحده قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية
من الأرض.
قال فأخبرني عن
المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم أم العرب؟
قال العرب في
الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس وذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء
وجحدت كتبهم وأنكرت براهينهم ولم تأخذ بشيء من سننهم وآثارهم وأن كيخسرو ملك
المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي ـ وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة
والعرب كانت تغتسل والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية وكانت المجوس لا تختن وهو من
سنن الأنبياء وأول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله وكانت المجوس لا تغسل موتاها ولا
تكفنها وكانت العرب تفعل ذلك وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى والنواويس
والعرب تواريها في قبورها وتلحدها وكذلك السنة على الرسل إن أول من حفر له قبر آدم
أبو البشر وألحد له لحد وكانت المجوس تأتي الأمهات وتنكح البنات والأخوات وحرمت
ذلك العرب وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته بيت الشيطان والعرب كانت تحجه
وتعظمه وتقول بيت ربنا وتقر بالتوراة والإنجيل وتسأل أهل الكتب وتأخذ وكانت العرب
في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفية من المجوس.
قال فإنهم احتجوا
بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.
قال فما حجتهم في
إتيان البنات والأمهات وقد حرم ذلك آدم وكذلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر
الأنبياء وكل ما جاء عن الله عز وجل.
قال ولم حرم الله
الخمر ولا لذة أفضل منها؟
قال حرمها لأنها
أم الخبائث ورأس كل شر يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه ولا يعرف ربه ولا
يترك معصية إلا ركبها
ولا حرمة إلا انتهكها ولا رحم ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها والسكران زمامه
بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للأوثان سجد وينقاد حيث ما قاده.
قال فلم حرم الدم
المسفوح؟
قال لأنه يورث
القساوة ويسلب الفؤاد رحمته ويعفن البدن ويغير اللون وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام
يكون من أكل الدم.
قال فأكل الغدد؟
قال يورث الجذام.
قال فالميتة لم
حرمها؟ قال فرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه والميتة قد جمد فيها الدم
وتراجع إلى بدنها فلحمها ثقيل غير مريء لأنها يؤكل لحمها بدمها.
قال فالسمك ميتة؟
قال إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه وذلك أنه
ليس له دم وكذلك الجراد.
قال فلم حرم الزنا؟
قال لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب لا تعلم المرأة في الزنا من
أحبلها ـ ولا المولود يعلم من أبوه ولا أرحام موصولة ولا قرابة معروفة.
قال فلم حرم
اللواط؟ قال من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء وكان
فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في إجازة ذلك فساد كثير.
قال فلم حرم إتيان
البهيمة؟
قال كره أن يضيع
الرجل ماءه ويأتي غير شكله ولو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا يركب ظهرها ويغشى فرجها
وكان يكون في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها وحرم عليهم فروجها وخلق للرجال النساء
ليأنسوا بهن ويسكنوا إليهن ويكن مواضع شهواتهم وأمهات أولادهم.
قال فما علة الغسل
من الجنابة وإنما أتى حلالا وليس في الحلال تدنيس؟
قال عليهالسلام إن الجنابة بمنزلة الحيض وذلك أن النطفة دم لم يستحكم ولا
يكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة غالبة فإذا فرغ تنفس البدن ووجد الرجل من نفسه
رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك وغسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده
ليختبرهم بها.
قال أيها الحكيم
فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النجوم السبعة؟
قال عليهالسلام يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من
تدبير النجوم التي تسبح في الفلك وتدور حيث دارت متعبة لا تفتر وسائرة لا تقف.
ثم قال وإن لكل
نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم
تتغير من حال إلى حال.
قال فمن قال
بالطبائع؟
قال القدرية فذلك
قول من لم يملك البقاء ولا صرف الحوادث وغيرته الأيام والليالي لا يرد الهرم ولا
يدفع الأجل ما يدري ما يصنع به.
قال فأخبرني عمن
يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون ويذهب قرن ويجيء قرن وتفنيهم الأمراض
والأعراض وصنوف الآفات ويخبرك الآخر عن الأول وينبئك الخلف عن السلف والقرون عن
القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات في كل دهر يخرج منه
حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام ويصنف كتابا قد حبره بفطنته وحسنه
بحكمته قد جعله حاجزا بين الناس يأمرهم بالخير ويحثهم عليه وينهاهم عن السوء
والفساد ويزجرهم عنه لئلا يتهارشوا ولا يقتل بعضهم بعضا؟
قال عليهالسلام ويحك ـ إن من خرج من بطن
أمه أمس ويرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله ولا ما يكون بعده ثم إنه لا
يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره أو لم يزل موجودا فما ليس بشيء ليس
يقدر أن يخلق شيئا وهو ليس بشيء وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان
ابتداؤه ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث لأن الأزلي لا تغيره الأيام
ولا يأتي عليه الفناء مع أنا لم نجد بناء من غير بان ولا أثرا من غير مؤثر ولا
تأليفا من غير مؤلف فمن زعم أن أباه خلقه قيل فمن خلق أباه ولو أن الأب هو الذي
خلق ابنه لخلقه على شهوته وصوره على محبته ولملك حياته ولجاز فيه حكمه ولكنه إن
مرض فلم ينفعه وإن مات فعجز عن رده إن من استطاع أن يخلق خلقا وينفخ فيه روحا حتى
يمشي على رجليه سويا يقدر أن يدفع عنه الفساد.
قال فما تقول في
علم النجوم؟
قال هو علم قلت
منافعه وكثرت مضراته لأنه لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور إن المنجم
بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله وإن حدث به سوء
لم يمكنه صرفه والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه.
قال فالرسول أفضل
أم الملك المرسل إليه؟
قال بل الرسول
أفضل.
قال فما علة
الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم والله عالم السر وما هو أخفى؟
قال استعبدهم بذلك
وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة ـ وعن
معصيته أشد انقباضا وكم من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوى وكف فيقول ربي
يراني وحفظتي علي بذلك تشهد وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم
مردة الشيطان وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر
الله.
قال فخلق الخلق
للرحمة أم للعذاب؟
قال خلقهم للرحمة
وكان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوما منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية
وجحدهم به.
قال يعذب من أنكر
فاستوجب عذابه بإنكاره ـ فبم يعذب من وحده وعرفه؟
قال يعذب المنكر
لإلهيته عذاب الأبد ويعذب المقر به عذاب عقوبة لمعصيته إياه فيما فرض عليه ثم يخرج
( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ).
قال فبين الكفر
والإيمان منزلة؟ قال عليهالسلام
لا.
قال فما الإيمان
وما الكفر؟ قال عليهالسلام
الإيمان أن يصدق الله
فيما غاب عنه من عظمة الله كتصديقه بما شاهد من ذلك وعاين والكفر الجحود.
قال فما الشرك وما
الشك؟ قال عليهالسلام
الشرك هو أن يضم إلى
الواحد الذي ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) آخر والشك ما لم يعتقد قلبه شيئا.
قال أفيكون العالم
جاهلا؟ قال عليهالسلام
عالم بما يعلم وجاهل بما
يجهل.
قال فما السعادة
وما الشقاوة؟ قال السعادة سبب الخير تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة والشقاوة سبب
خذلان تمسك به الشقي فيجره إلى الهلكة وكل بعلم الله.
قال أخبرني عن
السراج إذا انطفى أين يذهب نوره قال عليهالسلام
يذهب فلا يعود.
قال فما أنكرت أن
يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع
ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفى؟
قال لم تصب القياس
إن النار في الأجسام كامنة ـ والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد فإذا ضرب
أحدهما بالآخر سقطت من بينهما نار تقتبس منها سراج له ضوء فالنار ثابت في أجسامها
والضوء ذاهب والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت إن
الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف وركب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان
وشعر وعظام وغير ذلك وهو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه.
قال فأين الروح؟
قال في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.
قال فمن صلب فأين
روحه؟
قال في كف الملك
الذي قبضها حتى يودعها الأرض.
قال فأخبرني عن
الروح أغير الدم؟
قال نعم الروح على
ما وصفت لك مادتها من الدم ومن الدم رطوبة الجسم وصفاء اللون وحسن الصوت وكثرة الضحك
فإذا جمد الدم فارق الروح البدن.
قال فهل يوصف بخفة
وثقل ووزن؟
قال الروح بمنزلة
الريح في الزق إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه ولا
ينقصها خروجها منه كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن.
قال فأخبرني ما
جوهر الريح؟
قال الريح هواء
إذا تحرك يسمى ريحا فإذا سكن يسمى هواء وبه قوام الدنيا ولو كفت الريح ثلاثة أيام
لفسد كل شيء على وجه الأرض ونتن وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن
كل شيء وتطيبه فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير وتبارك
اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
قال أفتتلاشى
الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال بل هو باق إلى
وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم أعيدت الأشياء
كما بدأها مدبرها وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين.
قال وأنى له
بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكلها سباعها وعضو بأخرى
تمزقه هوامها وعضو صار ترابا بني به مع الطين حائط ـ؟
قال عليهالسلام إن الذي أنشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق إليه
قادر أن يعيده كما بدأه قال أوضح لي ذلك!
قال إن الروح
مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة والبدن يصير
ترابا كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك
في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء
ووزنها وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض
مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخضوا [ تمخض ] مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير
الذهب من التراب إذا غسل بالماء ـ والزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب
إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها
وتلج الروح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قال فأخبرني عن
الناس يحشرون يوم القيامة عراة قال عليهالسلام
بل يحشرون في أكفانهم.
قال أنى لهم
بالأكفان وقد بليت؟ قال عليهالسلام
إن الذي أحيا أبدانهم جدد
أكفانهم.
قال فمن مات بلا
كفن؟ قال عليهالسلام
يستر الله عورته بما يشاء
من عنده.
قال أفيعرضون
صفوفا؟ قال عليهالسلام
نعم هم يومئذ عشرون ومائة
ألف صف في عرض الأرض.
قال أوليس توزن
الأعمال؟
قال عليهالسلام لا إن الأعمال ليست بأجسام وإنما هي صفة ما عملوا وإنما
يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء ولا يعرف ثقلها أو خفتها و ( إِنَّ
اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ).
قال فما معنى
الميزان؟ قال عليهالسلام
العدل.
قال فما معناه في
كتابه : ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ )؟
قال عليهالسلام فمن رجح عمله.
قال فأخبرني أوليس
في النار مقتنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات والعقارب؟
قال عليهالسلام إنما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه إنما شريكه
الذي يخلقه فيسلط الله عليهم العقارب والحيات في النار ـ ليذيقهم بها وبال ما
كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه.
قال فمن أين قالوا
إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها؟
قال عليهالسلام نعم ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس عنه فلا ينقص
من ضوئه شيئا وقد امتلأت ـ الدنيا منه سراجا.
قال أليسوا يأكلون
ويشربون وتزعم أنه لا يكون لهم الحاجة؟
قال عليهالسلام بلى لأن غذاءهم رقيق لا ثقل له بل يخرج من أجسادهم بالعرق.
قال فكيف تكون
الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟
قال عليهالسلام لأنها خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة ولا يخالط جسمها آفة
ولا يجري في ثقبها شيء ولا يدنسها حيض فالرحم ملتزقة ملدم إذ ليس فيها لسوى
الإحليل مجرى
قال فهي تلبس
سبعين حلة ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها؟
قال عليهالسلام نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر
رمح.
قال فكيف تنعم أهل
الجنة بما فيه من النعيم وما منهم أحد إلا وقد فقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أمه
فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار فما يصنع بالنعيم من يعلم أن
حميمه في النار ويعذب؟
قال عليهالسلام إن أهل العلم قالوا إنهم ينسون ذكرهم ـ وقال بعضهم انتظروا
قدومهم ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف.
قال فأخبرني عن
الشمس أين تغيب؟
قال عليهالسلام إن بعض العلماء قال إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك
إلى بطن السماء صاعدة أبدا ،
إلى أن تنحط إلى
موضع مطلعها يعني أنها تغيب في عين حامية ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها
فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع ويسلب نورها كل يوم وتجلل نورا آخر.
قال فالكرسي أكبر
أم العرش؟
قال عليهالسلام كل شيء خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه فإنه أعظم من
أن يحيط به الكرسي.
قال فخلق النهار
قبل الليل؟
قال عليهالسلام خلق النهار قبل الليل والشمس قبل القمر والأرض قبل السماء
ووضع الأرض على الحوت والحوت في الماء والماء في صخرة مجوفة والصخرة على عاتق ملك
والملك على الثرى والثرى على الريح العقيم والريح على الهواء والهواء تمسكه القدرة
وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شيء
يتوهم ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والأرض والكرسي أكبر من كل شيء خلقه الله ثم
خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي.
وعن أبان بن تغلب
أنه قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام
إذ دخل عليه رجل من أهل
اليمن فسلم عليه فرد عليه أبو عبد الله فقال له مرحبا يا سعد فقال الرجل بهذا
الاسم سمتني أمي وما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله صدقت يا سعد المولى
فقال الرجل جعلت فداك بهذا اللقب كنت ألقب فقال أبو عبد الله عليهالسلام لا خير في اللقب إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَلا
تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ).
ما صناعتك يا سعد؟
قال جعلت فداك إنا أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم
منا.
فقال أبو عبد الله
كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر؟ درجة فقال اليماني لا أدري.
فقال صدقت فقال
فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة؟ قال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله عليهالسلام صدقت!
قال فكم يزيد ضوء
المشتري على ضوء العطارد درجة؟ قال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله صدقت!
قال فكم ضوء عطارد
يزيد درجة على ضوء الزهرة؟ قال اليماني لا أدري قال أبو عبد الله صدقت!
قال فما اسم النجم
الذي إذا طلع هاجت الإبل؟ فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله عليهالسلام صدقت!
قال فما اسم النجم
الذي إذا طلع هاجت البقر؟ ـ فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله عليهالسلام صدقت!
قال فما اسم النجم
الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ فقال اليماني لا أدري!
فقال له أبو عبد
الله عليهالسلام
صدقت في قولك لا أدري فما
زحل عندكم في النجوم؟
فقال اليماني نجم
نحس.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
لا تقل هذا فإنه نجم أمير
المؤمنين صلوات الله عليه وهو نجم الأوصياء عليهمالسلام وهو ( النَّجْمُ الثَّاقِبُ
) الذي قال الله تعالى في كتابه.
فقال اليماني فما
معنى الثاقب؟
فقال إن مطلعه في
السماء السابعة فإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله النجم
الثاقب.
ثم قال يا أخا
العرب أعندكم عالم؟ فقال اليماني جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في
علمهم.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
وما يبلغ من علم عالمهم؟
فقال اليماني إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب
المحث.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
فإن عالم المدينة أعلم من
عالم اليمن قال اليماني وما يبلغ علم عالم المدينة؟
قال إن علم عالم
المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر ولا يزجر الطير ويعلم ما في اللحظة الواحدة
مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني عشر برا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما.
فقال له اليماني
ما ظننت أن أحدا يعلم هذا وما يدري ما كنهه!
قال ثم قام
اليماني وخرج.
وعن سعيد بن أبي
الخضيب قال : دخلت أنا وابن أبي ليلى المدينة فبينما نحن في مسجد
الرسول صلىاللهعليهوآله
إذ دخل جعفر بن محمد عليهالسلام فقمنا إليه فسألني عن نفسي وأهلي ثم قال من هذا معك؟
فقلت ابن أبي ليلى
قاضي المسلمين فقال نعم ثم قال له :
أتأخذ مال هذا
فتعطيه هذا وتفرق بين المرء وزوجه ولا تخاف في هذا أحدا؟ قال نعم.
قال فبأي شيء تقضي؟
قال بما بلغني عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وعن أبي بكر وعمر.
قال فبلغك أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال أقضاكم علي بعدي؟ قال
نعم.
__________________
قال فكيف تقضي
بغير قضاء علي عليهالسلام
وقد بلغك هذا؟
قال فاصفر وجه ابن
أبي ليلى ثم قال التمس مثلا لنفسك فو الله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.
وعن الحسين بن زيد
عن جعفر الصادق عليهالسلام
أن رسول الله قال لفاطمة
يا فاطمة إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
قال فقال المحدثون
بها قال فأتاه ابن جريح [ جريج ] فقال يا أبا عبد الله حدثنا اليوم حديثا استهزأه
الناس.
قال وما هو؟
قال حديث أن رسول
الله قال لفاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
قال فقال عليهالسلام إن الله ليغضب فيما تروون لعبده المؤمن ويرضى لرضاه؟ فقال
نعم.
قال عليهالسلام فما تنكر أن تكون ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآله مؤمنة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟ قال صدقت ( اللهُ
أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ).
وعن حفص بن غياث قال : شهدت
المسجد الحرام وابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد الله عليهالسلام
عن قوله تعالى : ( كُلَّما
نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) ما ذنب الغير؟
قال ويحك هي هي
وهي غيرها!
قال فمثل لي ذلك
شيئا من أمر الدنيا قال نعم أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها
فهي هي وهي غيرها.
وروي أنه سئل الصادق
عليهالسلام
عن قول الله عز وجل في
قصة إبراهيم عليهالسلام
( قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا
فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) قال ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم عليهالسلام قيل وكيف ذلك؟
فقال إنما قال
إبراهيم ( فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) فإن نطقوا
فكبيرهم فعل وإن لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا فما نطقوا وما كذب إبراهيم (ع).
__________________
فسئل عن قوله في
سورة يوسف ( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ )؟
قال إنهم سرقوا
يوسف من أبيه ألا ترى أنه قال لهم : ( قالُوا ما ذا
تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ) ولم يقل سرقتم
صواع الملك ـ إنما سرقوا يوسف من أبيه.
فسئل عن قول
إبراهيم ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ
إِنِّي سَقِيمٌ ) قال ما كان إبراهيم سقيما وما كذب إنما عنى سقيما في دينه
أي مرتادا.
وعن عبد المؤمن
الأنصاري قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
إن قوما رووا أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال اختلاف أمتي رحمة
فقال صدقوا.
قلت إن كان
اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟
قال ليس حيث تذهب
وذهبوا إنما أراد قول الله عز وجل : ( فَلَوْ لا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) أمرهم أن ينفروا
إلى رسول الله ويختلفوا إليه ويتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم إنما أراد
اختلافهم في البلدان لا اختلافا في الدين إنما الدين واحد.
وروي عنه صلوات
الله عليه أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : ما وجدتم في كتاب
الله عز وجل فالعمل لكم به ولا عذر لكم في تركه وما لم يكن في كتاب الله عز وجل
وكانت في سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي
فقولوا إنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي وبأي أقاويل أصحابي
أخذتم اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة.
قيل يا رسول الله
من أصحابك؟ قال أهل بيتي.
قال محمد بن
الحسين بن بابويه القمي رضياللهعنه إن أهل البيت لا يختلفون ولكن يفتون الشيعة بمر الحق وربما
أفتوهم بالتقية فما يختلف من قولهم فهو للتقية والتقية رحمة للشيعة ويؤيد تأويله رضياللهعنه أخبار كثيرة.
منها ما رواه محمد
بن سنان عن نصر الخثعمي قال سمعت أبا عبد الله يقول : من عرف من أمرنا أن لا نقول
إلا حقا فليكتف بما يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك منا دفاع
واختيار له.
وعن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا
عبد الله عليهالسلام
عن رجلين من أصحابنا
بينهما منازعة في
__________________
دين أو ميراث
فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟
قال عليهالسلام من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الجبت
والطاغوت المنهي عنه وما حكم له به فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا له لأنه
أخذه بحكم الطاغوت ومن أمر الله عز وجل أن يكفر به قال الله عز وجل (
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا
بِهِ ).
قلت فكيف يصنعان
وقد اختلفا؟
قال ينظران من كان
منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضيا به حكما فإني
قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا
رد والراد علينا كافر وراد على الله وهو على حد من الشرك بالله.
قلت فإن كان كل
واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فيما حكما فإن
الحكمين اختلفا في حديثكم؟
قال إن الحكم ما
حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به
الآخر.
قلت فإنهما عدلان
مرضيان عرفا بذلك لا يفضل أحدهما صاحبه؟
قال ينظر الآن إلى
ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من
حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما
الأمور ثلاث أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد حكمه إلى الله
عز وجل وإلى رسوله حلال بين وحرام بين وشبهات تتردد بين ذلك ـ فمن ترك الشبهات نجا
من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.
قلت فإن كان
الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟
قال ينظر ما وافق
حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب
والسنة ووافق العامة.
قلت جعلت فداك أرأيت
إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ثم وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة
والآخر يخالف بأيهما نأخذ من الخبرين؟
قال ينظر إلى ما
هم إليه يميلون فإن ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قلت جعلت فداك فإن
وافقهم الخبران جميعا؟
قال انظروا إلى ما
تميل إليه حكامهم وقضاتهم فاتركوا جانبا وخذوا بغيره.
قلت فإن وافق
حكامهم الخبرين جميعا؟
قال إذا كان كذلك
فأرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات
والله هو المرشد.
جاء هذا الخبر على
سبيل التقدير لأنه قلما يتفق في الأثر أن يرد خبران مختلفان في حكم من الأحكام
موافقين للكتاب والسنة وذلك مثل غسل الوجه واليدين في الوضوء لأن الأخبار جاءت
بغسلهما مرة مرة وغسلهما مرتين مرتين فظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك بل يحتمل
كلتا الروايتين ومثل ذلك يؤخذ في أحكام الشرع.
وأما قوله عليهالسلام للسائل أرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك أمره بذلك عند تمكنه
من الوصول إلى الإمام فأما إذا كان غائبا ولا يتمكن من الوصول إليه والأصحاب كلهم
مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على الآخر بالكثرة والعدالة
كان الحكم بهما من باب التخيير.
يدل على ما قلنا ما
روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام
قال قلت للرضا عليهالسلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟
قال ما جاءك عنا
فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس
منا.
قلت يجيئنا
الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق.
فقال إذا لم تعلم
فموسع عليك بأيهما أخذت.
ما رواه الحارث بن
المغيرة عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال إذا سمعت من أصحابك
الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه.
وروى سماعة بن
مهران قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام
قلت يرد علينا حديثان
واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه؟
__________________
قال لا تعمل بواحد
منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله عنه.
قال قلت لا بد من
أن نعمل بأحدهما.
قال خذ بما فيه
خلاف العامة فقد أمر عليهالسلام
بترك ما وافق العامة لأنه
يحتمل أن يكون قد ورد مورد التقية وما خالفهم لا يحتمل ذلك.
وروي عنهم أيضا
أنهم قالوا : إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا فإنه لا ريب
فيه وأمثال هذه الأخبار كثيرة لا يحتمل ذكرها هنا وما أوردناه عارض ليس هنا موضعه.
وعن بشير بن يحيى
العامري عن ابن أبي ليلى قال : دخلت أنا والنعمان أبو حنيفة على جعفر بن محمد فرحب بنا فقال :
__________________
__________________
يا ابن أبي ليلى من
هذا الرجل؟
فقلت جعلت فداك من
أهل الكوفة له رأي وبصيرة ونفاذ.
قال فلعله الذي
يقيس الأشياء برأيه ثم قال يا نعمان هل تحسن أن تقيس رأسك؟ قال لا.
قال ما أراك تحسن
أن تقيس شيئا فهل عرفت الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والبرودة في
المنخرين والعذوبة في الفم؟ قال لا.
قال فهل عرفت كلمة
أولها كفر وآخرها إيمان؟ قال لا.
قال ابن أبي ليلى
قلت جعلت فداك لا تدعنا في عمياء مما وصفت.
قال نعم حدثني أبي
عن آبائه عليهمالسلام أن رسول الله قال إن الله خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل
فيهما الملوحة فلو لا ذلك لذابتا ولم يقع فيهما شيء من القذى إلا أذابه والملوحة
تلفظ ما يقع في العين من القذى وجعل المرارة في الأذنين حجابا للدماغ وليس من دابة
تقع في الأذن إلا التمست الخروج ولو لا ذلك لوصلت إلى الدماغ فأفسدته وجعل الله
البرودة في المنخرين حجابا للدماغ ولو لا ذلك لسال الدماغ وجعل العذوبة في الفم
منا من الله تعالى على ابن آدم ليجد لذة الطعام والشراب.
وأما كلمة أولها
كفر وآخرها إيمان فقول لا إله إلا الله ثم قال يا نعمان إياك والقياس فإن أبي
حدثني عن آبائه عليهمالسلام أن رسول الله قال ـ من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله
تبارك وتعالى مع إبليس فإنه أول من قاس حيث قال ( خَلَقْتَنِي مِنْ
نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* ) فدعوا الرأي والقياس فإن دين الله لم يوضع على القياس.
وفي رواية أخرى أن
الصادق عليهالسلام
قال لأبي حنيفة لما دخل
عليه من أنت؟ قال أبو حنيفة.
قال عليهالسلام مفتي أهل العراق قال نعم.
قال بما تفتيهم؟
قال بكتاب الله.
قال عليهالسلام وإنك لعالم بكتاب الله ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه؟ قال
نعم.
قال فأخبرني عن
قول الله عز وجل : ( وَقَدَّرْنا فِيهَا
السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) أي موضع هو؟ .
قال أبو حنيفة هو
ما بين مكة والمدينة فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه وقال :
نشدتكم بالله هل
تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرق؟
فقالوا اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله
ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلا حقا أخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) أي موضع هو؟ قال ذلك بيت الله الحرام فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه
وقال نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا
القتل؟
__________________
قالوا اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
ويحك يا أبا حنيفة إن
الله لا يقول إلا حقا.
فقال أبو حنيفة
ليس لي علم بكتاب الله إنما أنا صاحب قياس.
قال أبو عبد الله
فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟
قال بل القتل.
قال فكيف رضي في
القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟ ثم قال له الصلاة أفضل أم الصيام؟ قال
بل الصلاة أفضل.
قال عليهالسلام فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في
حال حيضها دون الصيام وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة.
قال له عليهالسلام البول أقذر أم المني؟
قال البول أقذر.
قال عليهالسلام يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني ـ وقد أوجب
الله تعالى الغسل من المني دون البول.
قال إنما أنا صاحب
رأي.
قال عليهالسلام فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة
فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد وولدتا
غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك وأيهما
المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟
قال إنما أنا صاحب
حدود.
قال فما ترى في
رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد؟
قال إنما أنا رجل
عالم بمباعث الأنبياء.
قال فأخبرني عن
قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون ( لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) ولعل منك شك؟ قال نعم.
قال وكذلك من الله
شك إذ قال ( لَعَلَّهُ ) قال أبو حنيفة لا
علم لي.
قال عليهالسلام تزعم أنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه وتزعم أنك صاحب
قياس وأول من قاس
__________________
إبليس لعنه الله
ولم يبن دين الإسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلىاللهعليهوآله صوابا ومن دونه خطأ لأن الله تعالى قال (
لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) ولم يقل ذلك
لغيره وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك وتزعم أنك عالم بمباعث
الأنبياء ولخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ولو لا أن يقال دخل على ابن رسول الله
فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء فقس إن كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة لا
أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
قال كلا إن حب
الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك تمام الخبر
وعن عيسى بن عبد
الله القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليهالسلام فقال يا أبا حنيفة قد بلغني أنك تقيس فقال نعم.
فقال لا تقس فإن
أول من قاس إبليس لعنه الله حين قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ
نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) فقاس بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف
ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.
وعن الحسن بن
محبوب عن سماعة قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليهالسلام
كم بين المشرق والمغرب؟
قال مسيرة يوم
للشمس بل أقل من ذلك قال فاستعظمه.
قال يا عاجز لم
تنكر هذا إن الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب في أقل من يوم تمام الخبر.
عن عبد الكريم بن
عتبة الهاشمي كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام
بمكة إذ دخل عليه أناس من
المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم وأناس من رؤسائهم وذلك أنه
حين قتل الوليد واختلف أهل الشام بينهم فتكلموا فأكثروا وخطبوا فأطالوا.
فقال لهم أبو عبد
الله جعفر بن محمد عليهالسلام
إنكم قد أكثرتم علي
فأطلتم فأسندوا أمركم إلى رجل منكم فليتكلم بحجتكم وليوجز.
فأسندوا أمرهم إلى
عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال فكان فيما قال أن قال :
__________________
قتل أهل الشام
خليفتهم وضرب الله بعضهم ببعض وتشتت أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ومروة
ومعدن للخلافة وهو محمد بن عبد الله بن الحسن فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثم نظهر
أمرنا معه وندعو الناس إليه فمن بايعه كنا معه وكان منا ومن اعتزلنا كففنا عنه ومن
نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه ونرده إلى الحق وأهله وقد أحببنا أن نعرض ذلك
عليك فإنه لا غنى بنا عن مثلك لفضلك ولكثرة شيعتك فلما فرغ قال أبو عبد الله عليهالسلام أكلكم على مثل ما قال عمرو؟
قالوا نعم فحمد
الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال إنما نسخط إذا عصي الله فإذا أطيع الله
رضينا أخبرني يا عمرو لو أن الأمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مئونة فقيل لك
ولها من شئت من كنت تولي؟
قال كنت أجعلها
شورى بين المسلمين قال بين كلهم؟ قال نعم.
فقال بين فقهائهم
وخيارهم؟ قال نعم.
قال قريش وغيرهم؟
قال العرب والعجم.
قال فأخبرني يا
عمرو أتتولى أبا بكر وعمر أو تتبرأ منهما؟ قال أتولاهما.
قال يا عمرو إن
كنت رجلا تتبرأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما
قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحدا ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور
أحدا ثم جعلها عمر شورى بين ستة فخرج منها الأنصار غير أولئك الستة من قريش ثم
أوصى الناس فيهم بشيء ما أراك ترضى أنت ولا أصحابك قال وما صنع؟
قال أمر صهيبا أن
يصلي بالناس ثلاثة أيام وأن يتشاور أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم إلا ابن عمر
ويشاورونه وليس له من الأمر شيء ـ وأوصى من كان بحضرته من المهاجرين والأنصار إن
مضت ثلاثة أيام ولم يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الستة جميعا وإن اجتمع أربعة
قبل أن يمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين أفترضون بهذا فيما
تجعلون من الشورى في المسلمين؟ قالوا لا.
قال يا عمرو دع ذا
أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه ثم اجتمعت لكم الأمة ولم يختلف عليكم
منها رجلان فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا ولم يؤدوا الجزية كان عندكم وعند
صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله
في المشركين في الجزية؟
قالوا نعم.
قال فتصنعون ما ذا؟
قالوا ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية.
قال فإن كانوا
مجوسا وأهل كتاب وعبدة النيران والبهائم وليسوا بأهل كتاب؟ قالوا سواء.
قال فأخبرني عن
القرآن أتقرءونه؟ قال نعم.
قال اقرأ ( قاتِلُوا
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما
حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) قال فاستثنى الله
عز وجل واشترط من الذين أوتوا الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال نعم.
قال عليهالسلام عمن أخذت هذا؟ قال سمعت الناس يقولونه.
قال فدع ذا فإنهم
إن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت كيف تصنع بالغنيمة؟ قال أخرج الخمس وأقسم أربعة
أخماس بين من قاتل عليها.
قال تقسمه بين
جميع من قاتل عليها؟ قال نعم.
قال فقد خالفت
رسول الله في فعله وفي سيرته وبيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم فسلهم فإنهم
لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله إنما صالح الأعراب على أن يدعهم في
ديارهم وأن لا يهاجروا على أنه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم وليس لهم
من الغنيمة نصيب ـ وأنت تقول بين جميعهم فقد خالفت رسول الله صلىاللهعليهوآله في سيرته في المشركين دع ذا ما تقول في الصدقة؟
قال فقرأ عليه هذه
الآية : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) إلى آخرها قال نعم فكيف تقسم بينهم؟
قال أقسمها على
ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا.
فقال عليهالسلام إن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف رجلا واحدا أو رجلين أو
ثلاثة جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال نعم.
قال وما تصنع بين
صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال نعم.
قال فخالفت رسول
الله في كل ما أتى به ـ كان رسول الله يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي وصدقة
الحضر في أهل الحضر ولا يقسم بينهم بالسوية إنما يقسمه قدر ما يحضره منهم وعلى قدر
ما يحضره فإن كان في نفسك شيء مما قلت لك فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلهم لا
يختلفون في أن رسول الله كذا كان يصنع ثم أقبل على عمرو وقال :
اتق الله يا عمرو
وأنتم أيضا الرهط فاتقوا الله فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب
الله وسنة رسوله أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال من ضرب الناس بسيفه
ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف
وروي عن يونس بن
يعقوب قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام
فورد عليه رجل من أهل
الشام
__________________
فقال إني رجل صاحب
كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك.
فقال له أبو عبد
الله كلامك هذا من كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله
أو من عندك؟ فقال من كلام
رسول الله بعضه ومن عندي بعضه.
فقال أبو عبد الله
ـ فأنت إذا شريك رسول الله ص؟ قال لا.
قال فسمعت الوحي
من الله تعالى؟ قال لا.
قال فتجب طاعتك
كما تجب طاعة رسول الله؟ قال لا.
قال فالتفت إلي
أبو عبد الله عليهالسلام
فقال يا يونس هذا خصم
نفسه قبل أن يتكلم ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس فيا لها من
حسرة فقلت جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا
ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام إنما قلت ويل لقوم
تركوا قولي بالكلام وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال اخرج إلى الباب فمن ترى من
المتكلمين فأدخله.
قال : فخرجت فوجدت
حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن نعمان الأحول وكان متكلما وهشام بن سالم
وقيس الماصر وكانا متكلمين وكان قيس عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي
بن الحسين فأدخلتهم فلما استقر بنا المجلس وكنا في خيمة لأبي عبد الله عليهالسلام في طرف جبل في طريق الحرم وذلك قبل الحج بأيام فأخرج أبو
عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخب قال هشام ورب الكعبة.
قال وكنا ظننا أن
هشاما رجل من ولد عقيل وكان شديد المحبة لأبي عبد الله فإذا هشام بن الحكم وهو أول
ما اختطت لحيته وليس فينا إلا من هو أكبر منه سنا فوسع له أبو عبد الله عليهالسلام وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال لحمران كلم الرجل
يعني الشامي.
فكلمه حمران وظهر
عليه ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن نعمان ثم قال لهشام بن سالم
كلمه فتعارفا ثم قال لقيس الماصر كلمه وأقبل أبو عبد الله عليهالسلام يتبسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي
كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال نعم
ثم قال الشامي
لهشام : يا غلام سلني في إمامة هذا يعني أبا عبد الله عليهالسلام
__________________
فغضب هشام حتى
ارتعد ثم قال له أخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم فقال الشامي بل
ربي أنظر لخلقه.
قال ففعل بنظره
لهم في دينهم ما ذا قال كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم به وأزاح في ذلك
عللهم.
فقال له هشام فما
هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي هو رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال هشام فبعد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
من قال الكتاب والسنة.
فقال هشام فهل
نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى رفع عنا الاختلاف ومكننا من
الاتفاق ـ فقال الشامي نعم.
قال هشام فلم
اختلفنا نحن وأنت جئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أن الرأي طريق الدين وأنت مقر بأن
الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟
فسكت الشامي
كالمفكر فقال أبو عبد الله عليهالسلام
ما لك لا تتكلم؟
قال إن قلت إنا ما
اختلفنا كابرت وإن قلت إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان
الوجوه ولكن لي عليه مثل ذلك.
فقال له أبو عبد
الله سله تجده مليا فقال الشامي لهشام من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم؟ فقال بل ربهم
أنظر لهم.
فقال الشامي فهل
أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم؟ فقال هشام نعم.
قال الشامي من هو
ـ؟ قال هشام أما في ابتداء الشريعة فرسول الله صلىاللهعليهوآله
وأما بعد النبي فعترته
قال الشامي من هو عترة النبي القائم مقامه في حجته؟ قال هشام في وقتنا هذا أم قبله؟
قال الشامي بل في
وقتنا هذا قال هشام هذا الجالس يعني أبا عبد الله عليهالسلام
الذي تشد إليه الرحال
ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن جده.
قال الشامي وكيف
لي بعلم ذلك؟ فقال هشام سله عما بدا لك.
قال الشامي قطعت
عذري فعلي السؤال فقال أبو عبد الله عليهالسلام
أنا أكفيك المسألة يا
شامي أخبرك عن مسيرك وسفرك خرجت يوم كذا وكان طريقك كذا ومررت على كذا ومر بك كذا
فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره يقول صدقت والله فقال الشامي أسلمت لله
الساعة!
فقال له أبو عبد
الله عليهالسلام
بل آمنت بالله الساعة إن
الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون قال صدقت فأنا
الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي الأنبياء.
قال فأقبل أبو عبد
الله عليهالسلام
على حمران فقال يا حمران
تجري الكلام على الأثر فتصيب فالتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر ولا تعرف ثم
التفت إلى الأحول فقال قياس رواغ تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى
قيس الماصر فقال تكلم وأقرب ما يكون من الخبر عن الرسول صلىاللهعليهوآله أبعد ما تكون منه تمزج الحق بالباطل وقليل الحق يكفي من
كثير الباطل أنت والأحول قفازان حاذقان.
قال يونس بن يعقوب
فظننت والله أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما فقال يا هشام لا تكاد تقع تلوي
رجليك إذ هممت بالأرض طرت مثلك فليكلم الناس اتق الزلة والشفاعة من ورائك.
وعن يونس بن يعقوب
قال كان عند أبي عبد الله عليهالسلام
جماعة من أصحابه فيهم
حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن
الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله يا هشام قال لبيك يا ابن رسول الله!
قال ألا تخبرني
كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ قال هشام جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أجلك
وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك.
فقال أبو عبد الله
عليهالسلام
إذا أمرتكم بشيء فافعلوه!
قال هشام بلغني ما
كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة
يوم الجمعة وأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة
سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتد بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي
ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت:
أيها العالم أنا
رجل غريب ـ أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال اسأل قلت له ألك عين؟ قال يا بني أي شيء
هذا من السؤال إذا كيف تسأل عنه؟ فقلت هذا مسألتي فقال يا بني سل وإن كانت مسألتك
حمقى قلت أجبني فيها قال فقال لي سل فقلت ألك عين؟ قال نعم.
قال قلت فما تصنع
بها قال أرى بها الألوان والأشخاص قال قلت ألك أنف؟ قال نعم.
قال قلت فما تصنع
به؟ قال أشم به الرائحة.
قال قلت ألك لسان؟
قال نعم ـ قلت فما تصنع به قال أتكلم به.
قال قلت ألك أذن؟
قال نعم قلت فما تصنع بها قال أسمع بها الأصوات.
قال قلت ألك يدان؟
قال نعم قلت فما تصنع بهما؟ قال أبطش بهما وأعرف بهما اللين من الخشن.
قال قلت ألك رجلان؟
قال نعم قال قلت فما تصنع بهما؟ قال أنتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال قلت ألك فم؟
قال نعم قال قلت فما تصنع به؟ قال أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها.
قال قلت ألك قلب؟
قال نعم.
قال قلت فما تصنع
به قال أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح.
قال قلت أفليس في
هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال لا.
قلت وكيف ذاك؟ وهي
صحيحة سليمة؟
قال يا بني إن
الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردته إلى القلب فتيقن بها اليقين
وأبطل الشك.
قال فقلت فإنما
أقام الله عز وجل القلب لشك الجوارح ـ؟ قال نعم.
قلت لا بد من
القلب وإلا لم يستيقن الجوارح؟ قال نعم.
قلت يا أبا مروان
إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح وينفي ما
شكت فيه ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون
إليه شكهم وحيرتهم ـ ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟
قال فسكت ولم يقل
لي شيئا قال ثم التفت إلي فقال لي أنت هشام؟ قال قلت لا فقال لي أجالسته فقلت لا.
قال فمن أين أنت؟
قلت من أهل الكوفة.
قال فأنت إذا هو
ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت فضحك أبو عبد الله ثم قال يا هشام
من علمك هذا؟
قلت يا ابن رسول
الله جرى على لساني قال يا هشام هذا والله مكتوب في
صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى.
وبالإسناد المقدم
ذكره عن الصادق عليهالسلام
أنه قال : قوله عز وجل ( اهْدِنَا
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )
يقول أرشدنا للزوم
الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب ونأخذ بآرائنا
فنهلك فإن من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت
لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدقوا به جماعة من
غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم فما زال يراوغهم حتى
خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر فتفرقت جماعة العامة عنه لحوائجهم.
وتبعته أقتفي أثره
فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في
نفسي لعله معاملة ـ ثم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده
رمانتين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم أقول وما حاجته إذا إلى
المسارقة ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى
وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له :
يا أبا عبد الله
لقد سمعت بك وأحببت لقاءك فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي وإني سائلك عنه ليزول
به شغل قلبي قال ما هو؟
قلت رأيتك مررت
بخباز وسرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ـ فقال لي قبل كل شيء
حدثني من أنت؟ قلت رجل من ولد آدم من أمة محمد صلىاللهعليهوآله
قال حدثني ممن أنت؟ قلت
رجل من أهل بيت رسول الله قال أين بلدك؟ قلت المدينة.
قال لعلك جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
قلت بلى.
قال لي فما ينفعك
شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لأنه لا ينكر ما يجب أن يحمد
ويمدح فاعله.
قلت وما هو؟ قال
القرآن كتاب الله قلت وما الذي جهلت؟
قال قول الله عز
وجل ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها ) وإني لما سرقت
الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت
بكل واحد منها كانت أربعين حسنة أنقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي ست وثلاثون.
قلت ثكلتك أمك أنت
الجاهل بكتاب الله أما سمعت قول الله عز وجل ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ
اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) ـ؟ إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين
كانت سيئتين ولما دفعتها إلى غيرها من غير رضا صاحبها كنت إنما أضفت أربع سيئات
إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته.
__________________
وبالإسناد الذي
تقدم عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهالسلام
أنه قال : قال بعض
المخالفين بحضرة الصادق عليهالسلام
لرجل من الشيعة ما تقول
في العشرة من الصحابة؟
قال أقول فيهم
القول الجميل الذي يحط الله به سيئاتي ويرفع به درجاتي.
قال السائل الحمد
لله على ما أنقذني من بغضك كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة فقال الرجل ألا من أبغض
واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله.
قال لعلك تتأول ما
تقول فمن أبغض العشرة من الصحابة؟
فقال من أبغض
العشرة من الصحابة فعليه ( لَعْنَةُ اللهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) فوثب فقبل رأسه فقال اجعلني في حل مما قذفتك به من الرفض
قبل اليوم.
قال أنت في حل
وأنت أخي ثم انصرف السائل فقال له الصادق عليهالسلام
جودت لله درك لقد عجبت
الملائكة من حسن توريتك وتلفظك بما خلصك ولم تثلم دينك زاد الله في قلوب مخالفينا
غما إلى غم وحجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم.
فقال أصحاب الصادق
عليهالسلام
يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما عقلنا من كلام هذا إلا موافقته لهذا المتعنت الناصب.
فقال الصادق عليهالسلام لئن كنتم لم تفهموا ما عنى فقد فهمنا نحن فقد شكره الله له
إن ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من
مخالفيه وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه ويعظم الله بالتقية ثوابه ـ إن صاحبكم هذا
قال :
من عاب واحدا منهم
فعليه لعنة الله أي من عاب واحدا منهم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام.
وقال في الثانية
من عابهم وشتمهم فعليه لعنة الله وقد صدق لأن من عابهم فقد عاب عليا عليهالسلام لأنه أحدهم فإذا لم يعب عليا ولم يذمه فلم يعبهم جميعا
وإنما عاب بعضهم ولقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا به إلى فرعون مثل
هذه التورية كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوة موسى ـ وتفضيل محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علي بن أبي طالب عليهالسلام والخيار من الأئمة على سائر أوصياء النبيين وإلى البراءة من
فرعون فوشى به واشون إلى فرعون وقالوا إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على
مضادتك.
فقال لهم فرعون
ابن عمي وخليفتي في ملكي وولي عهدي إن كان قد فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على
كفره نعمتي وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في
مساءته فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا أنت تجحد ربوبية فرعون الملك وتكفر
نعماءه.
فقال حزقيل أيها
الملك هل جربت علي كذبا قط؟ قال لا.
قال فسلهم من ربهم
قالوا فرعون قال ومن خلقكم قالوا فرعون هذا.
قال ومن رازقكم
الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا فرعون هذا.
قال حزقيل أيها
الملك فأشهدك وكل من حضرك أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي ومصلح
معايشهم هو مصلح معايشي لا رب لي ولا خالق غير ربهم وخالقهم ورازقهم وأشهدك ومن
حضرك أن كل رب وخالق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته وكافر
بإلهيته.
يقول حزقيل هذا
وهو يعني أن ربهم هو الله ربي ـ ولم يقل إن الذي قالوا هم إنه ربهم هو ربي وخفي
هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهموا أنه يقول فرعون ربي وخالقي ورازقي.
فقال لهم يا رجال
السوء ويا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي أنتم
المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري وهلاك ابن عمي والفت في عضدي ثم أمر بالأوتاد
فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها
لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى ( فَوَقاهُ اللهُ
سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه ( وَحاقَ
بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ) وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد ـ ومشط
عن أبدانهم لحومهم بالأمشاط.
ومثل هذه التورية
قد كانت لأبي عبد الله عليهالسلام
في مواضع كثيرة.
فمن ذلك ما رواه
معاوية بن وهب عن سعيد بن سمان [ السمان ] قال : كنت عند
أبي عبد الله إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له أفيكم إمام مفترض طاعته؟ قال
فقال لا.
فقالا له قد
أخبرنا عنك الثقات أنك تقول به وسموا أقواما وقالوا هم أصحاب ورع وتشمير وهم ممن
لا يكذب فغضب أبو عبد الله عليهالسلام
وقال ما أمرتهم بهذا فلما
رأيا الغضب في وجهه خرجا.
فقال لي أتعرف
هذين؟ ـ قلت هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أن سيف رسول الله عند
عبد الله بن الحسن.
فقال كذبا لعنهما
الله وهو ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه اللهم
إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليهالسلام
فإن كانا صادقين فما
علامة في مقبضه وما أثره في موضع مضربه؟
__________________
وإن عندي لسيف
رسول الله وإن عندي لراية رسول الله صلىاللهعليهوآله
ودرعه ولامته ومغفره فإن
كانا صادقين فما علامة من درع رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإن عندي لراية رسول الله
صلىاللهعليهوآله
المغلبة وإن عندي ألواح
موسى وعصاه وإن عندي لخاتم سليمان بن داود وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب بها
القربان وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين ـ لم
يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة.
وإن عندي لمثل
التابوت الذي جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كانت
بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ومن صار إليه
السلاح منا أوتي الإمامة ولقد لبس أبي درع رسول الله صلىاللهعليهوآله
فخطت على الأرض خططا
ولبستها أنا وكانت تخط على الأرض يعني طويلة مثل ما كانت على أبي وقائمنا من إذا
لبسها ملأها إن شاء الله تعالى :
وكان الصادق عليهالسلام يقول : علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع
وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليهاالسلام وعندنا الجامعة
فيها جميع ما يحتاج إليه الناس.
فسئل عن تفسير هذا
الكلام فقال أما الغابر فالعلم بما يكون والمزبور فالعلم بما كان وأما النكت في
القلوب فهو الإلهام والنقر في الأسماع فحديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم
وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله وأما
مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.
وأما الجامعة فهو
كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب عليهالسلام بيده فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى
إن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة
ولقد كان زيد بن
علي بن الحسين يطمع أن يوصي إليه أخوه الباقر عليهالسلام ويقيمه مقامه في الخلافة
__________________
بعده مثل ما كان
يطمع في ذلك محمد بن الحنفية بعد وفاة أخيه الحسين عليهالسلام
ـ حتى رأى من ابن أخيه
زين العابدين عليهالسلام
من المعجزة الدالة على
إمامته ما رأى وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب فكذلك زيد رجا أن يكون القائم مقام
أخيه الباقر صلوات الله عليه حتى سمع ما سمع من أخيه ورأى ما رأى من ابن أخيه أبي
عبد الله الصادق عليهالسلام
فمن ذلك ما رواه
صدقة بن أبي موسى عن أبي بصير قال : لما حضر أبا جعفر محمد بن علي عليهالسلام الوفاة دعا بابنه الصادق عليهالسلام
ليعهد إليه عهدا فقال له
أخوه زيد بن علي.
لما امتثلت في
مثال الحسن والحسين عليهالسلام
رجوت أن لا تكون أتيت
منكرا.
فقال له الباقر عليهالسلام يا أبا الحسين إن الأمانات ليست بالمثال ولا العهود بالرسوم
إنما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى ثم دعا بجابر بن عبد الله الأنصاري
فقال يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة؟
فقال له نعم يا
أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
لأهنئها بولادة الحسن عليهالسلام فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة فقلت يا سيدة النسوان ما هذه
الصحيفة التي أراها معك قالت فيها أسماء أئمة من ولدي.
قلت لها ناوليني
لأنظر فيها! قالت يا جابر لو لا النهي لكنت أفعل ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو
وصي نبي أو أهل بيت نبي ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر فقرأت
فإذا فيها أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
أمه آمنة.
أبو الحسن علي بن
أبي طالب عليهالسلام
المرتضى أمه فاطمة بنت
أسد بن هاشم بن عبد مناف.
أبو محمد الحسن بن
علي البر التقي أبو عبد الله الحسين بن علي أمهما فاطمة بنت محمد.
أبو محمد علي بن
الحسين العدل أمه شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار.
__________________
أبو جعفر محمد بن
علي الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
أبو عبد الله جعفر
بن محمد الصادق ـ أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
أبو إبراهيم موسى
بن جعفر الثقة أمه جارية اسمها حميدة المصفاة.
أبو الحسن علي بن
موسى الرضا أمه جارية اسمها نجمة.
أبو جعفر محمد بن
علي الزكي أمه جارية اسمها خيزران.
أبو الحسن علي بن
محمد الأمين أمه جارية اسمها سوسن.
أبو محمد الحسن بن
علي الرضي أمه جارية اسمها سمانة تكنى أم الحسن.
أبو القاسم محمد
بن الحسن وهو الحجة القائم أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين.
وعن زرارة بن أعين
قال : قال لي زيد بن علي وأنا عند أبي عبد الله عليهالسلام
يا فتى ما تقول في رجل من
آل محمد استنصرك ـ؟
قال قلت إن كان
مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل.
فلما خرج قال أبو
عبد الله ـ أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجا.
وقيل للصادق عليهالسلام ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل ويقتل معه بشر كثير
فأطرق طويلا ثم قال إن فيهم الكذابين وفي غيرهم المكذبين.
وروي عنه صلىاللهعليهوآله أنه قال : ليس منا أحد إلا وله عدو من أهل بيته فقيل له بنو
الحسن لا يعرفون لمن الحق.
قال بلى ولكن
يحملهم الحسد.
عن أبي يعقوب قال : لقيت أنا
ومعلى بن خنيس الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام
__________________
فقال يا يهودي
فأخبرنا بما قال فينا جعفر بن محمد عليهالسلام
فقال هو والله أولى باليهودية
منكما إن اليهودي من شرب الخمر.
وبهذا الإسناد قال
سمعت أبا عبد الله يقول : لو توفي الحسن بن الحسن على الزنا والربا وشرب الخمر كان
خيرا له مما توفي عليه.
وعن أبي بصير قال
: سألت أبا عبد الله عليهالسلام
عن هذه الآية : ( ثُمَّ
أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) قال أي شيء تقول؟
قلت إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة.
فقال عليهالسلام أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد
فاطمة وغيرهم فليس بداخل في الآية.
قلت من يدخل فيها؟
قال الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى والمقتصد منا أهل البيت هو
العارف حق الإمام والسابق بالخيرات هو الإمام.
عن محمد بن أبي
عمير الكوفي عن عبد الله بن الوليد السمان قال قال أبو عبد
الله عليهالسلام
: ما يقول الناس في أولي
العزم وصاحبكم أمير المؤمنين عليهالسلام
قال قلت ما يقدمون على
أولي العزم أحدا.
قال فقال أبو عبد
الله عليهالسلام
إن الله تبارك وتعالى قال
لموسى ( وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ مَوْعِظَةً ) ولم يقل كل شيء موعظة وقال لعيسى (
وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) ولم يقل كل شيء
وقال لصاحبكم أمير المؤمنين عليهالسلام
( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) وقال الله عز وجل
( وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ
مُبِينٍ ) وعلم هذا الكتاب عنده.
__________________
وعن عبد الله بن
الفضل الهاشمي قال سمعت الصادق عليهالسلام
يقول : إن لصاحب هذا
الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل قلت له ولم جعلت فداك؟
قال الأمر لا يؤذن
لي في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال وجه الحكمة في
غيبته ـ وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره إن وجه الحكمة في
ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق
السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليهالسلام إلى وقت افتراقهما
يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله ومتى
علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.
وعن علي بن الحكم عن أبان قال :
أخبرني الأحول أبو جعفر محمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق أن زيد بن علي بن
الحسين بعث إليه وهو مختف قال فأتيته فقال لي يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق
منا أتخرج معه؟
قال قلت له إن كان
أبوك أو أخوك خرجت معه.
قال فقال لي فأنا
أريد أن أخرج وأجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي قال قلت لا أفعل جعلت فداك!
قال فقال لي أترغب
بنفسك عني؟ قال فقلت له إنما هي نفس واحدة فإن كان لله تعالى في الأرض حجة
فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك وإن لم يكن لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك
والخارج معك سواء.
قال فقال لي يا
أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني اللقمة السمينة ويبرد لي اللقمة
الحارة حتى تبرد شفقة علي ولم يشفق علي من حر النار إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟
قال قلت له من
شفقته عليك من حر النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني فإن
قبلته نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ثم قلت له :
جعلت فداك أنتم
أفضل أم الأنبياء؟ قال بل الأنبياء.
قلت يقول يعقوب ليوسف
( يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى
إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمه وكذا أبوك
كتمك لأنه خاف عليك
__________________
قال فقال أما
والله لئن قلت ذلك فقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة وأن عنده
لصحيفة فيها قتلي وصلبي.
قال فحججت وحدثت أبا
عبد الله عليهالسلام
بمقالة زيد وما قلت له
فقال لي أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه
ولم تترك له مسلكا يسلكه.
وعن هشام بن الحكم
قال : اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق وعبد الملك البصري وابن
المقفع عند بيت الله الحرام يستهزءون بالحاج ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي
العوجاء تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع
فيه وقد نقضنا القرآن كله فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد وفي إبطال نبوته
إبطال الإسلام وإثبات ما نحن فيه فاتفقوا على ذلك وافترقوا فلما كان من قابل
اجتمعوا عند بيت الله الحرام فقال ابن أبي العوجاء :
أما أنا فمفكر منذ
افترقنا في هذه الآية ( فَلَمَّا
اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئا
فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها.
فقال عبد الملك
وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ
شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) ولم أقدر على
الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر
وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية : ( لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع
يا قوم إن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية :
( وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ
أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ
وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ولم أبلغ غاية
المعرفة بها ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم
فبينما هم في ذلك إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام
فقال ( قُلْ
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا
الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) فنظر القوم بعضهم
إلى بعض وقالوا لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد إلا إلى جعفر بن
محمد والله ما رأيناه قط إلا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته ثم تفرقوا مقرين بالعجز
__________________
ولهذا الأمر قال
محمد بن أبي بكر في خبر عجيب شعرا :
تجملت تبغلت وإن
عشت تفيلت
|
|
لك التسع من
الثمن وبالكل تملكت
|
وعن أحمد بن عبد
الله البرقي عن أبيه عن شريك بن عبد الله عن الأعمش قال اجتمعت الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي
بالكوفة وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر فقال ابن أبي
حذرة :
أنا أقرر معكم
أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي ومن جميع أصحاب النبي بأربع خصال لا يقدر على
دفعها أحد من الناس هو ثان مع رسول الله في بيته مدفون وهو ثاني اثنين معه في
الغار ـ وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعده رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وهو ثاني اثنين الصديق من هذه الأمة.
قال أبو جعفر مؤمن
الطاق رحمة الله عليه يا ابن أبي حذرة وأنا أقرر معك أن عليا أفضل من أبي بكر
وجميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله
من ثلاث جهات من القرآن
وصفا ومن خبر الرسول نصا ومن حجة العقل اعتبارا ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي وعلى
أبي إسحاق السبيعي وعلى سليمان بن مهران الأعمش.
__________________
فقال أبو جعفر
مؤمن الطاق أخبرني يا ابن أبي حذرة عن النبي صلىاللهعليهوآله
كيف ترك بيوته التي
أضافها الله إليه ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه ميراثا لأهله وولده أو تركها
صدقة على جميع المسلمين قل ما شئت.
فانقطع ابن أبي
حذرة لما أورد عليه ذلك وعرف خطأ ما فيه.
فقال أبو جعفر
مؤمن الطاق إن تركها ميراثا لولده وأزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة وإنما لعائشة بنت
أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ولا يصيبها من البيت ذراع في ذراع
وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب من البيت إلا ما لأدنى رجل من
المسلمين فدخول بيت النبي صلىاللهعليهوآله
بغير إذنه في حياته وبعد
وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
وولده فإن الله أحل لهم
ما أحل للنبي صلىاللهعليهوآله
ثم قال لهم إنكم تعلمون
أن النبي أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي عليهالسلام فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله
فأبى عليه وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي صلىاللهعليهوآله
خطبة وقال :
إن الله تبارك
وتعالى أمر لموسى وهارون ( أَنْ تَبَوَّءا
لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً ) وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء
إلا موسى وهارون وذريتهما وإن عليا هو بمنزلة هارون من موسى وذريته كذرية هارون
ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا يبيت فيه جنب إلا علي
وذريته عليهالسلام
فقالوا بأجمعهم كذلك كان.
قال أبو جعفر ذهب
ربع دينك يا ابن أبي حذرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ومثلبة لصاحبك وأما
قولك ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) أخبرني هل أنزل
الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين في غير الغار؟ قال ابن أبي حذرة نعم.
قال أبو جعفر فقد
خرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن ومكان علي في هذه الليلة على فراش النبي
صلىاللهعليهوآله
وبذل مهجته دونه أفضل من
مكان صاحبك في الغار فقال الناس صدقت.
فقال أبو جعفر يا
ابن أبي حذرة ذهب نصف دينك وأما قولك ثاني اثنين الصديق من الأمة فقد أوجب الله
على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
في قوله عز وجل (
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا
وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ) إلى آخر الآية ـ والذي
ادعيت إنما هو شيء سماه الناس ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به
ممن سماه الناس ـ وقد قال علي عليهالسلام
على منبر البصرة أنا
الصديق الأكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر وصدقت قبله قال الناس صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن
الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب ثلاثة أرباع دينك.
وأما قولك في
الصلاة بالناس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له ـ وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى
الفضيلة فلو كان ذلك بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
لما عزله عن تلك الصلاة
بعينها أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ولا تخلو هذه الصلاة
من أحد وجهين إما
أن تكون حيلة وقعت منه فلما أحس النبي صلىاللهعليهوآله
بذلك خرج مبادرا مع علته
فنحاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمته فيكونوا في ذلك معذورين.
وإما أن تكون هو
الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل عليهالسلام وقال لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا في طلبه وأخذه
منه وعزله عنها وعن تبليغها فكذلك كانت قصة الصلاة وفي الحالتين هو مذموم لأنه كشف
عنه ما كان مستورا عليه وفي ذلك دليل واضح أنه لا يصلح للاستخلاف بعده ولا هو
مأمون على شيء من أمر الدين فقال الناس صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن
الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب دينك كله وفضحت حيث مدحت.
فقال الناس لأبي
جعفر هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي عليهالسلام
فقال أبو جعفر مؤمن الطاق
:
أما من القرآن
وصفا فقوله عز وجل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) فوجدنا عليا بهذه
الصفة في القرآن في قوله عز وجل ( وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ
ـ يعني في الحرب والشغب ـ
أُولئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) فوقع الإجماع من
الأمة بأن عليا عليهالسلام
أولى بهذا الأمر من غيره
لأنه لم يفر من زحف قط كما فر غيره في غير موضع فقال الناس صدقت.
وأما الخبر عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
نصا فقال : إني تارك فيكم
الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض قوله صلىاللهعليهوآله
إنما مثل أهل بيتي كمثل
سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن تقدمها مرق ومن لزمها لحق فالمتمسك بأهل
بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله
هاد مهتد بشهادة من
الرسول ـ والمتمسك بغيرها ضال مضل.
قال الناس صدقت يا
أبا جعفر وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا الإجماع
قد وقع على علي عليهالسلام
بأنه كان أعلم أصحاب رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وكان الناس يسألونه
ويحتاجون إليه وكان علي مستغنيا عنهم هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله
عز وجل : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
) .
__________________
فما اتفق يوم أحسن
منه ودخل في هذا الأمر عالم كثير.
وقد كانت لأبي
جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة فمن ذلك ما روي أنه قال يوما من الأيام لمؤمن
الطاق إنكم تقولون بالرجعة؟ قال نعم.
قال أبو حنيفة
فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا.
قال الطاقي لأبي
حنيفة فأعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيرا.
وقال له يوم آخر
لم لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول الله إن كان له حق؟
فأجابه مؤمن الطاق
خاف أن يقتله الجن ـ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة وفي رواية بسهم
خالد بن الوليد.
وكان أبو حنيفة
يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطاق في سكة من سكك الكوفة إذا مناد ينادي من يدلني على
صبي ضال؟
فقال مؤمن الطاق
أما الصبي الضال فلم نره وإن أردت شيخا ضالا فخذ هذا عنى به أبا حنيفة.
ولما مات الصادق عليهالسلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له :
مات إمامك؟
قال نعم أما إمامك
( مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ
الْمَعْلُومِ ).
__________________
وروي أنه مر فضال
بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه
وحديثه فقال لصاحب كان معه والله لا أبرح حتى أخجل أبا حنيفة ـ.
فقال صاحبه الذي
كان معه إن أبا حنيفة ممن قد علمت حاله وظهرت حجته.
قال صه هل رأيت
حجة ضال علت على حجة مؤمن ثم دنا منه فسلم عليه فرد ورد القوم السلام بأجمعهم فقال
:
يا أبا حنيفة إن
أخا لي يقول إن خير الناس بعد رسول الله علي بن أبي طالب عليهالسلام وأنا أقول أبو بكر خير الناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك
الله؟
فأطرق مليا ثم رفع
رأسه فقال كفى بمكانهما من رسول الله صلىاللهعليهوآله
كرما وفخرا ـ أما علمت
أنهما ضجيعاه في قبره؟ فأي حجة تريد أوضح من هذا؟
فقال له فضال إني
قد قلت ذلك لأخي فقال والله لئن كان الموضع لرسول الله صلىاللهعليهوآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما حق فيه وإن كان
الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلىاللهعليهوآله
لقد أساءا وما أحسنا إذ
رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما.
فأطرق أبو حنيفة
ساعة ثم قال له لم يكن له ولا لهما خاصة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا
الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.
فقال له فضال قد
قلت له ذلك فقال أنت تعلم أن النبي مات عن تسع نساء ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن
تسع الثمن ـ ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من
ذلك وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلىاللهعليهوآله
وفاطمة بنته تمنع
الميراث.؟
فقال أبو حنيفة يا
قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث.
حكي عن أبي الهذيل
العلاف قال :
__________________
دخلت الرقة فذكر
لي أن بدير زكن رجلا مجنونا حسن الكلام فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على
وسادة يسرح رأسه ولحيته فسلمت عليه فرد السلام وقال ممن يكون الرجل؟ قال قلت من
أهل العراق قال نعم أهل الظرف والأدب.
قال من أيها أنت؟
قلت من أهل البصرة قال أهل التجارب والعلم.
قال فمن أيهم أنت؟
قلت أبو الهذيل العلاف قال المتكلم؟ قلت بلى.
فوثب عن وسادته
وأجلسني عليها ثم قال بعد كلام جرى بيننا ما تقولون في الإمامة؟ قلت أي الإمامة
تريد.؟
قال من تقدمون بعد
النبي صلىاللهعليهوآله
قلت من قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله قال ومن هو؟
قلت أبا بكر.
قال لي يا أبا
الهذيل ولم قدمتم أبا بكر.؟
قال قلت لأن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : قدموا خيركم وولوا
أفضلكم وتراضى الناس به جميعا قال يا أبا الهذيل هاهنا وقعت.
أما قولك إن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال قدموا خيركم وولوا
أفضلكم فإني أوجدك أن أبا بكر صعد المنبر قال وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم
فإن كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النبي صلىاللهعليهوآله
وإن كان هو الكاذب على
نفسه فمنبر رسول الله لا يصعده الكاذبون.
أما قولك إن الناس
تراضوا به فإن أكثر الأنصار قالوا منا أمير ومنكم أمير وأما المهاجرون فإن الزبير
بن العوام قال لا أبايع إلا عليا فأمر به فكسر سيفه وجاء أبو سفيان بن حرب وقال يا
أبا الحسن لو شئت لأملأنها خيلا ورجالا يعني المدينة وخرج سلمان فقال بالفارسي
كرديد ونكرديد وندانيد كه چه كرديد ـ والمقداد وأبو ذر فهؤلاء المهاجرون والأنصار.
أخبرني يا أبا
الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر وقوله إن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني
__________________
مغضبا فاحذروني لا
أقع في أشعاركم وأبشاركم فهو يخبركم على المنبر أني مجنون وكيف يحل لكم أن تولوا
مجنونا.
وأخبرني يا أبا
الهذيل عن قيام عمر وقوله وددت أني شعرة في صدر أبي بكر ثم قام بعدها بجمعة فقال
إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه فبينما هو يود أن
يكون شعرة في صدره وبينما هو يأمر بقتل من بايع مثله ـ.
فأخبرني يا أبا
الهذيل عن الذي زعم أن النبي صلىاللهعليهوآله
لم يستخلف وأن أبا بكر
استخلف عمر وأن عمر لم يستخلف فأرى أمركم بينكم متناقضا.
وأخبرني يا أبا
الهذيل عن عمر حين صيرها شورى بين ستة وزعم أنهم من أهل الجنة فقال إن خالف اثنان
لأربعة فاقتلوا الاثنين وإن خالف ثلاثة لثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد
الرحمن بن عوف فهذا ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنة.
وأخبرني يا أبا
الهذيل عن عمر لما طعن دخل عليه عبد الله بن عباس قال فرأيته جزعا فقلت يا أمير
المؤمنين ما هذا الجزع؟
قال يا ابن عباس
ما جزعي لأجلي ولكن جزعي لهذا الأمر من يليه بعدي.
قال قلت ولها طلحة
بن عبيد الله.
قال رجل له حدة
كان النبي صلىاللهعليهوآله
يعرفه فلا أولي أمر
المسلمين حديدا ـ.
قال قلت ولها زبير
بن العوام قال رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل فلا أولي أمور المسلمين
بخيلا.
قال قلت ولها سعد
بن أبي وقاص قال رجل صاحب فرس وقوس وليس من أحلاس الخلافة.
قال قلت ولها عبد
الرحمن بن عوف قال رجل ليس يحسن أن يكفي عياله.
__________________
قال قلت ولها عبد
الله بن عمر فاستوى جالسا ثم قال يا ابن عباس ما الله أردت بهذا أولي رجلا لم يحسن
أن يطلق امرأته.
قال قلت ولها
عثمان بن عفان قال والله لئن وليته ليحملن بني أبي معيط على رقاب المسلمين ويوشك
أن يقتلوه قالها ثلاثا.
قال ثم سكت لما
أعرف من مغايرته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام.
فقال يا ابن عباس
اذكر صاحبك قال قلت فولها عليا.
قال فو الله ما
جزعي إلا لما أخذنا الحق من أربابه والله لئن وليته ليحملنهم على المحجة العظمى
وإن يطيعوه يدخلهم الجنة فهو يقول هذا ثم صيرها شورى بين الستة فويل له من ربه.
قال أبو الهذيل فو
الله بينما هو يكلمني إذ اختلط ـ وذهب عقله فأخبرت المأمون بقصته وكان من قصته أن
ذهب بماله وضياعه حيلة وغدرا فبعث إليه المأمون فجاء به وعالجه وكان قد ذهب عقله
بما صنع به فرد عليه ماله وضياعه وصيره نديما فكان المأمون يتشيع لذلك والحمد لله
على كل حال.
وقد جاءت الآثار
عن الأئمة الأبرار عليهالسلام
بفضل من نصب نفسه من
علماء شيعتهم لمنع أهل البدعة والضلال عن التسلط على ضعفاء الشيعة ومساكينهم
وقمعهم بحسب تمكنهم وطاقتهم فمن ذلك ما روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهالسلام أنه قال :
قال جعفر بن محمد عليهالسلام : علماء شيعتنا مرابطون ـ في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته
يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب ألا
فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه
يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم.
احتجاج أبي إبراهيم موسى بن جعفر
عليهالسلام في أشياء شتى على المخالفين.
الحسن بن عبد
الرحمن الحماني قال : قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام
إن هشام بن الحكم زعم أن
الله تعالى جسم ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) عالم سميع بصير
قادر متكلم ناطق والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد ليس شيء منها مخلوقا.
فقال قاتله الله ـ
أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ الله وأبرأ إلى الله من هذا
القول لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل شيء سواه مخلوق وإنما تكون الأشياء بإرادته
__________________
ومشيئته من غير
كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان
وعن يعقوب بن جعفر
عن أبي إبراهيم عليهالسلام أنه قال : لا أقول
إنه قائم فأزيله عن مكان ولا أحده بمكان يكون فيه ولا أحده أن يتحرك في شيء من
الأركان والجوارح ولا أحده بلفظ شق الفم ولكن كما قال عز وجل : ( إِنَّما
أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بمشيئته من غير
تردد في نفس صمدا فردا لم يحتج إلى شريك يدبر له ملكه ولا يفتح له أبواب علمه
وعن يعقوب بن جعفر
الجعفري أيضا عن أبي إبراهيم موسى عليهالسلام
قال : ذكر عنده قوم زعموا
أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال :
إن الله لا ينزل
ولا يحتاج أن ينزل إنما منظره في القرب والبعد سواء لم يبعد منه بعيد ولا يقرب منه
قريب ولم يحتج إلى شيء بل يحتاج إليه كل شيء وهو ذو الطول ( لا إِلهَ
إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
أما قول الواصفين
إنه ينزل تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو
زيادة وكل متحرك يحتاج إلى من يحركه أو يتحرك به فمن ظن بالله
الظنون فقد هلك فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة أو
تحريك أو تحرك زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين ـ
ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين
وعن الحسن بن راشد
قال : سئل أبو الحسن موسى
عليهالسلام
عن معنى قول الله تعالى :
( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) فقال استولى على
ما دق وجل
عن يعقوب بن جعفر
الجعفري قال : سأل رجل يقال له عبد الغفار السمي [ السلمي ] أبا إبراهيم موسى بن جعفر
عليهالسلام
عن قول الله تعالى : ( ثُمَّ
دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) قال أرى هاهنا
خروجا من حجب وتدليا إلى الأرض وأرى محمدا رأى ربه بقلبه ونسب إلى بصره فكيف هذا.
فقال أبو إبراهيم ( دَنا
فَتَدَلَّى ) فإنه لم يزل عن موضع ولم يتدل ببدن.
فقال عبد الغفار أصفه
بما وصف به نفسه حيث قال ( دَنا فَتَدَلَّى ) فلم يتدل عن
مجلسه إلا وقد زال عنه ولو لا ذلك لم يصف بذلك نفسه.
__________________
فقال أبو إبراهيم عليهالسلام إن هذه لغة في قريش إذا أراد رجل منهم أن يقول قد سمعت يقول
قد تدليت وإنما التدلي الفهم
وعن داود بن قبيصة
قال سمعت الرضا عليهالسلام
يقول سئل أبي عليهالسلام هل منع الله عما أمر به وهل نهى عما أراد وهل أعان على ما
لم يرد؟
فقال عليهالسلام أما ما سألت هل منع الله عما أمر به فلا يجوز ذلك ولو جاز
ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم ولو منع إبليس لعذره ولم يلعنه.
وأما ما سألت هل
نهى عما أراد فلا يجوز ذلك ولو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه
أكلها ولو أراد منه أكلها لما نادى عليه صبيان الكتاتيب ( وَعَصى
آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشيء ويريد غيره.
وأما ما سألت عنه
من قولك هل أعان على ما لم يرد ولا يجوز ذلك وجل الله تعالى عن أن يعين على قتل
الأنبياء وتكذيبهم ـ وقتل الحسين بن علي عليهالسلام
والفضلاء من ولده وكيف
يعين على ما لم يرد وقد أعد جهنم لمخالفيه ولعنهم على تكذيبهم لطاعته وارتكابهم
لمخالفته ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب
العالمين أفترى أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية يستتاب قائل هذا القول فإن
تاب من كذبه على الله وإلا ضربت عنقه
وروي عن الحسن بن
علي بن محمد العسكري عليهالسلام
أن أبا الحسن موسى بن جعفر
عليهالسلام
قال :
إن الله خلق الخلق
فعلم ما هم إليه صائرون فأمرهم ونهاهم فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى
الأخذ به وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ولا يكونون آخذين ولا
تاركين إلا بإذنه وما جبر الله أحدا من خلقه على معصيته بل اختبرهم بالبلوى وكما
قال ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )
قوله ولا يكونون
آخذين ولا تاركين إلا بإذنه أي بتخليته وعلمه
وروي : أنه دخل
أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له :
يا أبا حنيفة إن
هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما فلما أتيا إذا
هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه فبينما هم كذلك إذ خرج
غلام حدث فقام الناس هيبة له فالتفت أبو حنيفة فقال :
__________________
يا ابن مسلم من
هذا؟
قال موسى ابنه.
قال والله أخجله
بين يدي شيعته قال له لن تقدر على ذلك.
قال والله لأفعلنه
ثم التفت إلى موسى فقال يا غلام أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟
قال يتوارى خلف
الجدار ويتوقى أعين الجار وشطوط الأنهار ومسقط الثمار ولا يستقبل القبلة ولا
يستدبرها فحينئذ يضع حيث شاء.
ثم قال يا غلام
ممن المعصية؟ قال يا شيخ لا تخلو من ثلاث :
إما أن تكون من الله
وليس من العبد شيء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.
وإما أن تكون من
العبد ومن الله والله أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر
بذنبه.
وإما أن تكون من
العبد وليس من الله شيء فإن شاء عفا وإن شاء عاقب.
قال فأصابت أبا
حنيفة سكتة كأنما ألقم فوه الحجر.
قال فقلت له ألم
أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله وفي ذلك يقول الشاعر
لم تخل أفعالنا
اللاتي نذم بها
|
|
إحدى ثلاث معان
حين نأتيها
|
إما تفرد بارينا
بصنعتها
|
|
فيسقط اللوم عنا
حين ننشيها
|
أو كان يشركنا
فيها فيلحقه
|
|
ما سوف يلحقنا
من لائم فيها
|
أو لم يكن لإلهي
في جنايتها
|
|
ذنب فما الذنب
إلا ذنب جانيها
|
روي عن علي بن
يقطين أنه قال : أمر أبو جعفر الدوانيقي يقطين [ يقطينا ] أن يحفر له بئرا بقصر
__________________
العبادي فلم يزل
يقطين في حفرها حتى مات أبو جعفر ولم يستنبط منها الماء وأخبر المهدي بذلك فقال له
احفر أبدا حتى يستنبط الماء ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال.
قال فوجه يقطين
أخاه أبا موسى في حفرها فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض فخرجت منه
الريح قال فهالهم ذلك فأخبروا به أبا موسى.
فقال أنزلوني قال
فأنزل وكان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراعا فأجلس في شق محمل ودلي في
البئر فلما صار في قعرها نظر إلى هول وسمع دوي الريح في أسفل ذلك فأمرهم أن يوسعوا
الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ثم دلى فيه رجلا في شق محمل فقال ايتوني بخبر هذا
ما هو.
قال فنزلا في شق
محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فأصعدا فقال لهما :
ما رأيتما؟
قالا أمرا عظيما
رجالا ونساء وبيوتا وآنية ومتاعا كله ممسوخ من حجارة فأما الرجال والنساء فعليهم
ثيابهم فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشى شبه الهباء
ومنازل قائمة قال فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى
بن جعفر يسأله أن يقدم عليه فقدم عليه فأخبره فبكى بكاء شديدا وقال يا أمير
المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم هؤلاء أصحاب
الأحقاف.
قال فقال له
المهدي يا أبا الحسن وما الأحقاف؟ قال الرمل.
وحدث أبو أحمد
هانئ بن محمد العبدي قال : حدثني أبو محمد رفعه إلى موسى بن جعفر عليهالسلام قال : لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم
قال يا موسى بن جعفر خليفتان يجيء إليهما الخراج؟
فقلت يا أمير
المؤمنين أعيذك بالله ( أَنْ تَبُوءَ
بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) فتقبل الباطل من أعدائنا علينا فقد علمت بأنه قد كذب علينا
منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله
أما علم ذلك عندك؟ فإن
رأيت بقرابتك من رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن تأذن لي أحدثك بحديث
أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال قد أذنت لك ـ
__________________
فقلت أخبرني أبي
عن آبائه عن جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنه قال إن الرحم إذا مست
الرحم تحركت واضطربت فناولني يدك جعلني الله فداك.
قال ادن مني فدنوت
منه فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا ثم تركني ـ وقال اجلس يا موسى فليس
عليك بأس فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه فرجعت إلي نفسي فقال صدقت وصدق جدك صلىاللهعليهوآله لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة وفاضت عيناي
وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا فإن أنت
أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك وقد بلغني أنك لم تكذب قط فاصدقني فيما
أسألك ما في قلبي.
فقلت ما كان علمه
عندي فإني مخبرك به إن أنت آمنتني.
قال لك الأمان إن
صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معاشر بني فاطمة فقلت ليسأل أمير المؤمنين
عما يشاء.
قال أخبرني لم
فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد إنا بنو
عباس وأنتم ولد أبي طالب وهما عما رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقرابتهما منه سواء؟
فقلت نحن أقرب قال
وكيف ذاك؟
قلت لأن عبد الله
وأبا طالب لأب وأم وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ولا من أم أبي طالب.
قال فلم ادعيتم
أنكم ورثتم النبي صلىاللهعليهوآله
والعم يحجب ابن العم وقبض
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد توفي أبو طالب قبله
والعباس عمه حي؟ فقلت له إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة ويسألني
عن كل باب سواه يريده فقال لا أو تجيب.
فقلت فآمني قال
آمنتك قبل الكلام.
فقلت إن في قول علي
بن أبي طالب عليهالسلام
أنه ليس مع ولد الصلب
ذكرا كان أو أنثى لأحد سهم إلا الأبوين والزوج والزوجة ولم يثبت للعم مع ولد الصلب
ميراث ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنة إلا أن تيما وعديا وبني أمية قالوا العم
والد رأيا منهم بلا حقيقة ولا أثر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومن قال بقول علي من
العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي
وقد حكم به وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة وقضى به فأنهي إلى أمير
المؤمنين فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله ـ منهم سفيان الثوري وإبراهيم المازني
والفضيل بن
عياض فشهدوا أنه
قول علي عليهالسلام
في هذه المسألة فقال لهم
فيما بلغني بعض العلماء من أهل الحجاز لم لا تفتون وقد قضى نوح بن دراج؟
فقالوا جسر وجبنا
وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال أقضاكم علي وكذلك عمر بن الخطاب قال علي أقضانا وهو
اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي صلىاللهعليهوآله
أصحابه من القرابة
والفرائض والعلم داخل في القضاء.
قال زدني يا موسى
قلت المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك فقال لا بأس به.
فقلت إن النبي لم
يورث من لم يهاجر ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر فقال ما حجتك فيه؟
قلت قول الله
تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما
لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) وإن عمي العباس
لم يهاجر.
فقال لي إني أسألك
يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا أو أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة
بشيء؟ فقلت اللهم لا وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين.
ثم قال لي جوزتم
للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
ويقولوا لكم يا بني رسول
الله وأنتم بنو علي وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء والنبي جدكم من
قبل أمكم؟
فقلت يا أمير
المؤمنين لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ قال سبحان الله ولم لا
أجيبه؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.
فقلت له لكنه لا
يخطب إلي ولا أزوجه فقال ولم؟ فقلت لأنه ولدني ولم يلدك.
فقال أحسنت يا
موسى ثم قال كيف قلتم إنا ذرية النبي والنبي لم يعقب وإنما العقب الذكر لا الأنثى
وأنتم ولد الابنة ولا يكون ولدها عقبا له؟ فقلت أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه
إلا أعفيتني عن هذه المسألة.
فقال لا أو تخبرني
بحجتكم فيه يا ولد علي وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم كذا أنهي إلي ولست أعفيك
في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله وأنتم تدعون معشر ولد علي
أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلا تأويله عندكم واحتججتم بقوله عز وجل ( ما
فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت تأذن لي في
الجواب؟ قال هات.
فقلت أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ
__________________
وَأَيُّوبَ
وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا
وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) من أبو عيسى يا
أمير المؤمنين؟ فقال ليس لعيسى أب.
فقلت إنما ألحقناه
بذراري الأنبياء عليهمالسلام من طريق مريم عليهاالسلام وكذلك ألحقنا
بذراري النبي صلىاللهعليهوآله
من قبل أمنا فاطمة أزيدك
يا أمير المؤمنين؟ قال هات.
قلت قول الله عز
وجل : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا
وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) ولم يدع أحد أنه أدخله النبي صلىاللهعليهوآله
تحت الكساء عند مباهلة
النصارى إلا علي بن أبي طالب عليهالسلام
وفاطمة والحسن والحسين (
أَبْناءَنا ) الحسن والحسين ( وَنِساءَنا ) فاطمة (
وَأَنْفُسَنا ) علي بن أبي طالب عليهالسلام على أن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد يا
محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال لأنه مني وأنا منه.
فقال جبرئيل وأنا
منكما يا رسول الله ثم قال لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فكان كما مدح
الله عز وجل به خليله عليهالسلام
إذ يقول ( قالُوا
سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ) إنا نفتخر بقول
جبرئيل إنه منا فقال أحسنت يا موسى ارفع إلينا حوائجك.
فقلت له إن أول
حاجة لي أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله فقال ننظر إن شاء الله
وروي أن المأمون
قال لقومه أتدرون من علمني التشيع؟ فقال القوم لا والله ما نعلم ذلك.
قال علمنيه الرشيد
قيل له وكيف ذلك والرشيد يقتل أهل البيت؟
قال كان الرشيد
يقتلهم على الملك لأن الملك عقيم ثم قال إنه دخل موسى بن جعفر عليهالسلام على الرشيد يوما فقام إليه واستقبله وأجلسه في الصدر وقعد
بين يديه وجرى بينهما أشياء ثم قال موسى بن جعفر عليهالسلام
لأبي يا أمير المؤمنين إن
الله عز وجل قد فرض على ولاة عهده أن ينعشوا فقراء هذه الأمة ويقضوا عن الغارمين
ويؤدوا عن المثقل ويكسوا العاري ويحسنوا إلى العاني وأنت أولى من يفعل ذلك فقال أفعل
يا أبا الحسن.
ثم قام فقام
الرشيد لقيامه وقبل بين عينيه ووجهه ثم أقبل علي وعلى الأمين والمؤتمن فقال يا عبد
الله ويا محمد ويا إبراهيم امشوا بين يدي ابن عمكم وسيدكم خذوا بركابه وسووا عليه
ثيابه وشيعوه إلى منزله فأقبل إلي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي إذا ملكت هذا الأمر
فأحسن إلى ولدي.
__________________
ثم انصرفنا وكنت
أجرأ ولد أبي عليه فلما خلا المجلس قلت :
يا أمير المؤمنين
ومن هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر
المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال هذا إمام الناس وحجة الله على
خلقه وخليفته على عباده.
فقلت يا أمير
المؤمنين أوليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟ فقال أنا إمام الجماعة في الظاهر
بالغلبة والقهر وموسى بن جعفر إمام حق والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله مني
ومن الخلق جميعا وو الله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك لأن الملك
عقيم.
فلما أراد الرحيل
من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل فقال له
اذهب إلى موسى بن جعفر ـ وقل له يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيقة وسيأتيك برنا
بعد هذا الوقت.
فقمت في وجهه فقلت
يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا تعرف
حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها؟ وتعطي موسى بن جعفر وقد عظمته وأجللته
مائتي دينار وأخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟
فقال اسكت لا أم
لك فإني لو أعطيته هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من
شيعته ومواليه وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم
وقيل ولما دخل
هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلىاللهعليهوآله
ومعه الناس فقدم إلى قبر النبي
صلىاللهعليهوآله
فقال السلام عليك يا رسول
الله السلام عليك يا ابن العم مفتخرا بذلك على غيره.
فتقدم أبو الحسن
موسى بن جعفر إلى القبر فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه فتغير
وجه الرشيد وتبين الغيظ فيه.
وروي عن أبي الحسن
موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام
أنه قال : لما سمعت هذا
البيت وهو لمروان بن أبي حفصة :
أنى يكون ولا
يكون ولم يكن
|
|
لبني البنات
وراثة الأعمام
|
دار في ذلك ليلتي
فنمت تلك الليلة فسمعت هاتفا في منامي يقول :
أنى يكون ولا
يكون ولم يكن
|
|
للمشركين دعائم
الإسلام
|
لبني البنات
نصيبهم من جدهم
|
|
والعم متروك
بغير سهام
|
ما للطليق
وللتراث وإنما
|
|
سجد الطليق
مخافة الصمصام
|
__________________
وبقي ابن نثلة
واقفا متلددا
|
|
فيه ويمنعه ذوو
الأرحام
|
إن ابن فاطمة
المنوه باسمه
|
|
حاز التراث سوى
بني الأعمام
|
وسأل محمد بن
الحسن أبا الحسن موسى عليهالسلام
بمحضر من الرشيد وهم بمكة
فقال له أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى عليهالسلام لا يجوز له ذلك مع الاختيار.
فقال له محمد بن
الحسن أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له نعم.
فتضاحك محمد بن
الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن موسى عليهالسلام
أتعجب من سنة النبي
وتستهزئ بها؟ إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
كشف ظلاله في إحرامه ومشى
تحت الظلال وهو محرم إن أحكام الله تعالى يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها على بعض
فقد ضل عن السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا.
وقد جرى لأبي يوسف
مع أبي الحسن موسى صلوات الله عليه بمحضر المهدي ما يقرب من ذلك وهو أن موسى عليهالسلام سأل أبا يوسف عن مسألة ليس فيها عنده شيء فقال لأبي الحسن موسى
عليهالسلام
إني أريد أن أسألك عن شيء
قال هات.
فقال ما تقول في
التظليل للمحرم؟ قال لا يصلح.
قال فيضرب الخباء
في الأرض فيدخل فيه؟ قال نعم.
قال فما فرق بين
هذا وذلك؟
قال أبو الحسن موسى
عليهالسلام
ما تقول في الطامث تقضي
الصلاة؟ قال لا قال تقضي الصوم؟ قال نعم قال ولم؟ قال إن هذا كذا جاء.
قال أبو الحسن عليهالسلام وكذلك هذا قال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا قال يا
أمير المؤمنين رماني بحجة.
وعن أبي محمد
الحسن العسكري عليهالسلام
قال : قال رجل من خواص
الشيعة لموسى بن جعفر عليهالسلام
وهو يرتعد بعد ما خلا به :
يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أخوفني أن يكون فلان بن فلان ينافقك في إظهاره اعتقاد
وصيتك
__________________
وإمامتك فقال موسى
عليهالسلام
وكيف ذاك؟
قال لأني حضرت معه
اليوم في مجلس فلان وكان معه رجل من كبار أهل بغداد فقال له صاحب المجلس أنت تزعم
أن صاحبك موسى بن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره؟
قال له صاحبك هذا
ما أقول هذا بل أزعم أن موسى بن جعفر غير إمام وإن لم أكن أعتقد أنه غير إمام فعلي
وعلى من لم يعتقد ذلك لَعْنَةُ اللهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
فقال له صاحب
المجلس جزاك الله خيرا ولعن من وشى بك إلي.
فقال له موسى بن جعفر
عليهالسلام
ليس كما ظننت ولكن صاحبك
أفقه منك إنما قال موسى غير إمام أي إن الذي هو غير إمام فموسى غيره فهو إذا إمام
فإنما أثبت بقوله هذا إمامتي ونفى إمامة غيري يا عبد الله متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من
النفاق تب إلى الله ففهم الرجل ما قاله واغتم ثم قال :
يا ابن رسول الله
ما لي مال فأرضيه به ولكن قد وهبت له شطر عملي كله من تعبدي وصلاتي عليكم أهل
البيت ومن لعنتي لأعدائكم.
قال موسى عليهالسلام الآن خرجت من النار.
وروي أيضا عنه عليهالسلام أنه قال :
فقيه واحد ينقذ
يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعلم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من
ألف عابد لأن العابد همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله وإمائه
لينقذهم من يد إبليس ومردته ولذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابد
وروي : أنه عليهالسلام كان حسن الصوت وحسن القراءة وقال يوما من الأيام إن علي بن الحسين
عليهالسلام
كان يقرأ القرآن فربما مر
به المار فصعق من حسن صوته وإن الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس.
قيل له :
ألم يكن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يصلي بالناس ويرفع صوته
بالقرآن؟ فقال إن رسول الله كان يحمل من خلفه ما يطيقون.
__________________
احتجاج أبي الحسن علي بن موسى الرضا
عليهالسلام في التوحيد والعدل وغيرهما على
المخالف والمؤالف والأجانب والأقارب.
دخل عليه رجل فقال
له يا ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم؟
فقال إنك لم تكن
ثم كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من مثلك
وعن محمد بن عبد
الله الخراساني خادم الرضا عليهالسلام
قال دخل رجل من الزنادقة
على الرضا وعنده جماعة.
فقال له أبو الحسن
أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم شرعا سواء ولا يضرنا ما
صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟
فسكت فقال أبو
الحسن وإن يكن القول قولنا وهو كما نقول ألستم قد هلكتم ونجونا؟
قال الزنديق رحمك
الله فأجدني كيف هو وأين هو؟
قال ويلك إن الذي
ذهبت إليه غلط وهو أين الأين وكان ولا أين وهو كيف الكيف وكان ولا كيف ولا يعرف
بكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء.
قال الرجل فإذن
إنه لا شيء إذ لم يدرك بحاسة من الحواس.
فقال أبو الحسن
ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه
أيقنا أنه ربنا وأنه شيء بخلاف الأشياء.
قال الرجل فأخبرني
متى كان؟
قال أبو الحسن عليهالسلام أخبرني متى لم يكن؟ فأخبرك متى كان؟!
قال الرجل فما
الدليل عليه؟
قال أبو الحسن إني
لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره
عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران
الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من
الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا.
قال الرجل فلم لا
تدركه حاسة البصر؟
قال للفرق بينه
وبين خلقه الذي تدركه حاسة الأبصار منهم ومن غيرهم ثم هو أجل من أن يدركه بصر أو
يحيط به وهم أو يضبطه عقل.
__________________
قال فحده لي قال
لا حد له قال ولم؟
قال لأن كل محدود
متناه وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان فهو غير
محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزئ ولا متوهم.
قال الرجل فأخبرني
عن قولكم إنه لطيف وسميع وبصير وعليم وحكيم أيكون السميع إلا بالأذن والبصير إلا
بالعين واللطيف إلا بعمل اليدين والحكيم إلا بالصنعة؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة أوما رأيت أن الرجل اتخذ
شيئا فيلطف في اتخاذه فيقال ما ألطف فلانا؟ فكيف لا يقال للخالق الجليل لطيف إذ
خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان منه أرواحها وخلق كل جنس مباينا من جنسه في
الصورة ولا يشبه بعضه بعضا فكل به لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته.
ثم نظر إلى
الأشجار وحملها أطيابها المأكولة منها وغير المأكولة ـ فقلنا عند ذلك إن خالقنا
لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم وقلنا إنه سميع لأنه لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين
العرش إلى الثرى من الذرة إلى ما أكبر منها في برها وبحرها ولا يشتبه عليه لغاتها
فقلنا عند ذلك إنه سميع لا بأذن وقلنا إنه بصير لا ببصر لأنه يرى أثر الذرة
السحماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ويرى دبيب النمل في
الليلة الدجية ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك إنه
بصير لا كبصر خلقه قال فما برح حتى أسلم وفيه كلام غير هذا.
وروي عنه عليهالسلام في خبر آخر أنه قال :
إنما يسمى الله
تعالى بالعالم لغير علم حادث علم به الأشياء واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره
والرؤية فيما يخلق وإنما سمي العالم من الخلق عالما لعلم حادث إذ كان قبله جاهلا
وربما فارقهم العلم بالأشياء فصار إلى الجهل وإنما سمي الله عالما لأنه لا يجهل
شيئا فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم واختلف المعنى وهو الله تعالى قائم.
وأما القائم فليس
على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء ولكنه أخبر أنه قائم يخبر
أنه حافظ كقولك فلان القائم بأمرنا وهو عز وجل القائم عَلى
كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ والقائم أيضا في كلام الناس الباقي والقائم أيضا الكافي كقولك للرجل قم بأمر كذا أي
اكفه والقائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الخبير فالذي
لا يعزب عنه شيء ولا يفوته وليس بالتجربة والاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة
والاعتبار علما لولاهما لما علم لأن من كان كذلك كان جاهلا والله تعالى لم يزل
خبيرا بما يخلق والخبير من الناس المستجير فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
__________________
وأما الظاهر فليس
من أنه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ولكن ذلك لقهره وغلبته
الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل ظهرت على أعدائي ـ وأظهرني الله على خصمي إذا
أخبر على الفلج والظفر فهكذا ظهور الله على الأشياء.
ووجه آخر أنه
الظاهر لمن أراده لا يخفى عليه لمكان الدليل والبرهان على وجوده في كل ما دبره
وصنعه مما يرى فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تبارك وتعالى فإنك لا تعدم صنعته
حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك والظاهر منا البارز بنفسه المعلوم بحده فقد
جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الباطن فليس
على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما
وحفظا وتدبيرا كقول القائل بطنته بمعنى خبرته وعلمت مكنون سره والباطن منا الغائر
في الشيء المستقر فيه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
قال وهكذا جميع
الأسماء وإن كنا لم نسمها كلها.
وكان المأمون لما
أراد أن يستخلف الرضا جمع بني هاشم فقال إني أريد أن أستعمل الرضا عليهالسلام على هذا الأمر من بعدي.
فحسده بنو هاشم
وقالوا أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة فابعث إليه يأتنا فترى من جهله
ما تستدل به!
فبعث إليه فأتاه
فقال له بنو هاشم يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه فصعد
المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة فاستوى قائما وحمد الله تعالى
وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال :
أول عبادة الله معرفته
وأصل معرفة الله توحيده ونظام توحيده نفي الصفات عنه بشهادة العقول أن
كل صفة وموصوف مخلوق وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف وشهادة كل
صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل
الممتنع من الحدث فليس الله عرف من عرف ذاته بالتشبيه ولا إياه وحد من
اكتنهه ولا حقيقته أصاب
__________________
من مثله ولا به
صدق من نهاه ولا صمد صمده من أشار إليه ولا إياه عنى من شبهه ولا له تذلل من بعضه
ولا إياه أراد من توهمه كل معروف بنفسه مصنوع وكل قائم في سواه معلول بصنع الله يستدل
عليه وبالعقول يعتقد معرفته ـ وبالفطرة تثبت حجته خلقة الله الخلق
حجاب بينه وبينهم ومفارقته إياهم مباينة بينه وبينهم وابتداؤه إياهم دليل
على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدإ عن ابتداء غيره وأدوه إياهم دليل على أن لا
أداة له لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين.
فأسماؤه تعبير
وأفعاله تفهيم وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيره تحديد لما سواه فقد
جهل الله من استوصفه وقد تعداه من استمثله وقد أخطأه من اكتنهه ومن قال كيف؟ فقد
شبهه ومن قال لم؟ فقد علله ـ ومن قال متى؟ فقد وقته ومن قال فيم؟ فقد ضمنه ومن قال
إلام؟ فقد نهاه ومن قال حتام؟ فقد غياه ومن غياه فقد غاياه ومن غاياه فقد جزأه ومن
جزأه فقد وصفه ومن وصفه فقد ألحد فيه ولا يتغير الله بتغير المخلوق كما لا يتحدد
بتحديد المحدود.
أحد لا بتأويل عدد
ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لا باستهلال رؤية باطن لا بمزايلة مباين لا بمسافة
قريب لا بمداناة لطيف لا بتجسم موجود لا بعد عدم فاعل لا باضطرار مقدر لا بجول
فكرة مدبر لا بحركة مريد لا بهمامة شاء لا بهمة مدرك لا بمجسة سميع لا بآلة بصير
لا بأداة لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن ولا تأخذه السنات ولا تحده الصفات
ولا تقيده الأدوات
سبق الأوقات كونه
والعدم وجوده والابتداء أزله بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ،
__________________
وبتجهيره الجواهر
عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين
الأمور عرف أن لا قرين له.
ضاد النور بالظلمة
والجلاية بالبهمة والجسو بالبلل والصرد بالحرور مؤلف بين
متعادياتها مفرق بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها
ذلك قوله عز وجل : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا
زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد.
شاهدة بغرائزها أن
لا غريزة لمغرزها دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها مخبرة بتوقيتها أن لا وقت
لموقتها حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيره له معنى الربوبية إذ
لا مربوب وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ومعنى العالم ولا معلوم ومعنى الخالق ولا
مخلوق وتأويل السمع ولا مسموع.
ليس منذ خلق استحق
معنى اسم الخالق ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية كيف ولا يغيبه مذ ولا
تدنيه قد ـ ولا يحجبه لعل ولا يوقته متى ولا يشتمله حين ولا يقارنه مع إنما تحد
الأدوات أنفسها وتشير الآلة إلى نظائرها وفي الأشياء توجد فعالها.
منعتها منذ القدمة
وحمتها قد الأزلية وجنبتها لولا التكملة.
افترقت فدلت على
مفرقها وتباينت فأعزت على مباينها بها تجلى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤية
وإليها تحاكم الأوهام وفيها أثبت غيره ومنها أنبط الدليل وبها عرف الإقرار
وبالعقول يعتقد التصديق بالله وبالإقرار يكمل الإيمان به.
لا ديانة إلا بعد
معرفته ولا معرفة إلا بالإخلاص ولا إخلاص مع التشبيه ولا نفي مع إثبات الصفة
للتثنية وكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه.
ولا يجري عليه
الحركة ولا السكون وكيف يجري عليه ما هو أجراه أو يعود فيه ما هو ابتدأه إذا
لتفاوتت ذاته ولتجزى كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولما كان للباري معنى غير
المبروء ولو وجد له وراء وجد له أمام ولا التمس التمام إذ لزمه النقصان وكيف يستحق
الأزل من لا يمتنع من الحدث أم كيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء إذا لقامت
عليه آية المصنوع ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ليس في محال القول حجة ولا
في المسألة عنه جواب ولا في معناه لله تعظيم ولا في إبانته عن الحق ضيم إلا بامتناع
الأزلي أن يثنى وما لا بديء له أن يبدئ لا إله إلا الله العلي العظيم كذب العادلون
بالله وضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً وخسروا خُسْراناً مُبِيناً وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
__________________
وروي عن الحسن بن
محمد النوفلي أنه كان يقول : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون
فأكرمه ووصله ثم قال له إن ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم علي من الحجاز يحب
الكلام وأصحابه فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.
فقال سليمان يا
أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند
القوم إذا كلمني ولا يجوز الاستقصاء عليه.
قال المأمون إنما
وجهت إليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط.
فقال سليمان حسبك
يا أمير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني وإياه.
فوجه المأمون إلى الرضا
عليهالسلام
فقال له إنه قدم علينا
رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشم المصير
إلينا فعلت.
فنهض عليهالسلام للوضوء ثم حضر مجلس المأمون وجرى بينه وبين سليمان المروزي
كلام في البداء ـ بمعنى الظهور لتغير المصلحة واستشهد عليهالسلام بآي كثيرة من القرآن على صحة ذلك مثل قول الله ( يَبْدَؤُا
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) و ( يَزِيدُ فِي
الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) و ( يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) و ( ما يُعَمَّرُ مِنْ
مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) و ( آخَرُونَ مُرْجَوْنَ
لِأَمْرِ اللهِ ) وأمثال ذلك.
فقال سليمان يا
أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به إن شاء الله .
__________________
فقال المأمون يا
سليمان اسأل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف
قال سليمان يا
سيدي ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير؟
قال الرضا عليهالسلام إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد ولم تقولوا
حدثت واختلفت لأنه سميع بصير فهذا دليل على أنها ليست مثل سميع وبصير ولا قدير قال
سليمان فإنه لم يزل مريدا؟
قال يا سليمان
فإرادته غيره؟ قال نعم.
قال قد أثبت معه
شيئا لم يزل قال سليمان ما أثبت؟
قال الرضا عليهالسلام أهي محدثة؟
قال سليمان لا ما
هي محدثة فأعاد عليه المسألة فقال هي محدثة يا سليمان فإن الشيء إذا لم يكن أزليا
كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان أزليا.
قال سليمان إرادته
منه كما أن سمعه وبصره وعلمه منه.
قال الرضا عليهالسلام فإرادته نفسه؟ قال لا.
قال فليس المريد
مثل السميع والبصير.
قال سليمان إنما
إرادته كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه.
قال الرضا عليهالسلام ما معنى أراد نفسه؟ ـ أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون
حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا؟ قال نعم قال الرضا عليهالسلام أفبإرادته كان ذلك؟
قال سليمان نعم.
قال الرضا عليهالسلام فليس لقولك أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذ لم يكن
ذلك بإرادته قال سليمان بلى قد كان ذلك بإرادته.
فضحك المأمون ومن
حوله وضحك الرضا عليهالسلام
ثم قال لهم ارفقوا بمتكلم
خراسان.
فقال يا سليمان
فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها وهذا مما لا يوصف الله عز وجل به فانقطع.
ثم قال الرضا عليهالسلام يا سليمان أسألك عن مسألة قال سل جعلت فداك.
قال أخبرني عنك
وعن أصحابك تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون وتعرفون؟ فقال بل
بما نفقهه ونعلم
قال الرضا عليهالسلام فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة وأن المريد قبل
الإرادة وأن الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم إن الإرادة والمريد شيء واحد.
قال جعلت فداك ليس
ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون.
قال فأراكم ادعيتم
على ذلك بلا معرفة وقلتم الإرادة كالسمع والبصر ـ إذا كان ذلك عندكم على ما لا
يعرف ولا يعقل؟ فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا عليهالسلام هل يعلم الله تعالى جميع ما في الجنة والنار؟ قال سليمان
نعم.
قال فيكون ما علم
الله عز وجل أنه يكون من ذلك؟ قال نعم.
قال فإذا كان حتى لا
يبقى منه شيء إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟ قال سليمان بل يزيدهم.
قال فأراه في قولك
قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون.
قال جعلت فداك
فالمزيد لا غاية له.
قال فليس يحيط
علمه عندكم بما يكون فيما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما
لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال سليمان إنما
قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز وجل وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل
لهما انقطاعا.
قال الرضا عليهالسلام ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم
يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ولذلك قال عز وجل في كتابه ( كُلَّما نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) وقال لأهل الجنة ( عَطاءً
غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) وقال عز وجل ( وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة أرأيت ما أكل
أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه؟ قال بلى.
قال أفيكون يقطع
ذلك عنهم وقد أخلف مكانه؟ قال سليمان لا.
قال فكذلك كل ما
يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم قال سليمان بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم.
قال الرضا عليهالسلام إذا يبيد ما فيها وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب
لأن الله عز
__________________
وجل يقول : ( لَهُمْ ما
يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ) ويقول عز وجل ( عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
) ويقول عز وجل ( وَما هُمْ مِنْها
بِمُخْرَجِينَ ) ويقول عز وجل ( خالِدِينَ فِيها ) ويقول عز وجل (
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) فلم يحر جوابا ـ ثم
قال الرضا عليهالسلام
ألا تخبرني عن الإرادة
فعل أم هي غير فعل؟ قال بل هي فعل.
قال فهي محدثة لأن
الفعل كله محدث قال ليست بفعل.
قال فمعه غيره لم
يزل قال سليمان إن الإرادة هي الأشياء.
قال يا سليمان هذا
الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم إن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض
أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله وإن إرادة الله
تحيا وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك فتبرأ
منها وتعاديها وهذا حدها.
قال سليمان إنها
كالسمع والبصر والعلم.
قال الرضا عليهالسلام فكيف نفيتموه؟ فمرة قلتم لم يرد ومرة قلتم أراد وليست بمفعول
له قال سليمان إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم.
قال الرضا عليهالسلام ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس ينفي [ بنفي ] العلم ونفي
المراد نفي الإرادة أن تكون لأن الشيء إذا لم يرد لم تكن إرادة وقد يكون العلم
ثابتا وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر
ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم.
فلا يزال سليمان
يردد المسألة وينقطع فيها ويستأنف وينكر ما كان أقر به ويقر بما أنكر وينتقل من
شيء إلى شيء والرضا صلوات الله عليه ينقض عليه ذلك حتى طال الكلام بينهما ـ وظهر لكل أحد
انقطاعه مرات كثيرة تركنا إيراد ذلك مخافة التطويل فآل الأمر إلى أن قال سليمان إن
الإرادة هي القدرة.
قال الرضا عليهالسلام وهو عز وجل يقدر على ما لا يريد أبدا ولا بد من ذلك لأنه
قال تبارك وتعالى : ( وَلَئِنْ شِئْنا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) فلو كانت الإرادة
هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان
وترك الكلام عند هذا الانقطاع ثم تفرق القوم.
__________________
وعن صفوان بن يحيى
قال : سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة ـ أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليهالسلام فاستأذنه فأذن له فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام
والفرائض والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له أخبرني جعلني الله فداك عن
كلام الله لموسى؟
فقال الله أعلم بأي
لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال إنما أسألك عن هذا
اللسان!
فقال أبو الحسن
سبحان الله عما تقول ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم ما هم به متكلمون ـ ولكنه
تبارك وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ولا كمثله قائل
ولا فاعل قال كيف ذلك؟
قال كلام الخالق
لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ولا يلفظ بشق فم ولسان ولكن يقول له كن فكان
بمشيته ما خاطب به موسى عليهالسلام
من الأمر والنهي من غير
تردد في نفس.
فقال أبو قرة فما
تقول في الكتب؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكل كتاب أنزل كان كلام
الله أنزله للعالمين نورا وهدى وهي كلها محدثة وهي غير الله حيث يقول ( أَوْ
يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) وقال ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) والله أحدث الكتب
كلها التي أنزلها.
فقال أبو قرة فهل
تفنى؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان وما سوى الله فعل
الله والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل الله ألم تسمع الناس يقولون رب
القرآن وإن القرآن يقول يوم القيامة يا رب هذا فلان وهو أعرف به منه قد أظمأت
نهاره وأسهرت ليله فشفعني فيه وكذلك
__________________
التوراة والإنجيل
والزبور وهي كلها محدثة مربوبة أحدثها من ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ ) هدى لقوم يعقلون فمن زعم أنهن لم يزلن معه فقد أظهر أن
الله ليس بأول قديم ولا واحد وأن الكلام لم يزل معه وليس له بدء وليس بإله.
قال أبو قرة وإنا
روينا أن الكتب كلها تجيء يوم القيامة والناس في صعيد واحد صفوف قيام لرب العالمين
ينظرون حتى ترجع فيه لأنها منه وهي جزء منه فإليه تصير.
قال أبو الحسن عليهالسلام فهكذا قالت النصارى في المسيح إنه روحه جزء منه ويرجع فيه
وكذلك قالت المجوس في النار والشمس إنهما جزء منه ترجع فيه تعالى ربنا أن يكون
متجزيا أو مختلفا وإنما يختلف ويأتلف المتجزي لأن كل متجز متوهم والكثرة والقلة
مخلوقة دالة على خالق خلقها.
فقال أبو قرة فإنا
روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم لموسى عليهالسلام الكلام ولمحمد صلىاللهعليهوآله
الرؤية.
فقال أبو الحسن عليهالسلام فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن والإنس أنه ( لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) و ( لا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْماً ) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ ) أليس محمد ص؟ قال بلى.
قال أبو الحسن
فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله
بأمر الله ويقول إنه ( لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ ) و ( لا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْماً ) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ ) ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر
أما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي
بخلافه من وجه آخر.
فقال أبو قرة إنه
يقول ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) .
فقال أبو الحسن عليهالسلام إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال ( ما كَذَبَ
الْفُؤادُ ما رَأى ) يقول ما كذب فؤاد محمد صلىاللهعليهوآله
ما رأت عيناه ثم أخبر بما
رأت عيناه فقال ( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) فآيات الله غير
الله وقال ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) فإذا رأته
الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة فقال أبو قرة فتكذب بالرواية؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها وما أجمع المسلمون
عليه أنه لا يحاط به علما و ( لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ ) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ ).
وسأله عن قول الله
( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) فقال أبو الحسن عليهالسلام قد أخبر الله تعالى أنه
أسرى به ثم أخبر أنه لم أسرى به فقال
__________________
( لِنُرِيَهُ مِنْ
آياتِنا ) فآيات الله غير الله فقد أعذر وبين لم فعل به ذلك وما رآه
وقال ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ
يُؤْمِنُونَ ) فأخبر أنه غير الله.
فقال أبو قرة أين
الله؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام الأين مكان وهذه مسألة شاهد من غائب فالله تعالى ليس بغائب
ولا يقدمه قادم وهو بكل مكان موجود مدبر صانع حافظ ممسك السماوات والأرض.
فقال أبو قرة أليس
هو فوق السماء دون ما سواها؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام هو الله في السماوات وفي الأرض ( وَهُوَ
الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) و ( هُوَ
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ ) و ( هُوَ
مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) وهو الذي ( اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ) وهو الذي ( اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ) وهو الذي ( اسْتَوى عَلَى
الْعَرْشِ ) قد كان ولا خلق
وهو كما كان إذ لا خلق لم ينتقل مع المنتقلين.
فقال أبو قرة فما
بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة ولله مفازع يفزعون
إليه ومستعبد فاستعبد عباده بالقول والعلم والعمل والتوجه ونحو ذلك استعبدهم بتوجه
الصلاة إلى الكعبة ووجه إليها الحج والعمرة واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب
والتضرع ببسط الأيدي ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له.
قال أبو قرة فمن
أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض؟
قال أبو الحسن عليهالسلام إن كنت تقول بالشبر والذراع فإن الأشياء كلها باب واحد هي
فعله لا يشغل ببعضها عن بعض يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله ويدبر أوله من حيث
يدبر آخره من غير عناء ولا كلفة ولا مئونة ولا مشاورة ولا نصب وإن كنت تقول من
أقرب إليه في الوسيلة فأطوعهم له وأنتم ترون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو
ساجد ورويتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق وأحدهم من أسفل الخلق
وأحدهم من شرق الخلق وأحدهم من غرب الخلق فسأل بعضهم بعضا فكلهم قال من عند الله
أرسلني بكذا وكذا ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل.
فقال أبو قرة أتقر
أن الله محمول؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام كل محمول مفعول ومضاف إلى غيره محتاج فالمحمول اسم نقص في
اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ ممدوح وكذلك قول القائل فوق وتحت وأعلى وأسفل وقد
قال
__________________
الله تعالى ( وَلِلَّهِ
الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) ولم يقل في شيء من كتبه إنه محمول بل هو الحامل في البر
والبحر والممسك للسماوات والأرض والمحمول ما سوى الله ولم نسمع أحدا آمن بالله
وعظمه قط قال في دعائه يا محمول.
قال أبو قرة أفتكذب
بالرواية أن الله إذا غضب يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله في
كواهلهم فيخرون سجدا فإذا ذهب الغضب خف فرجعوا إلى مواقفهم؟
فقال أبو الحسن عليهالسلام أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا
وإلى يوم القيامة فهو غضبان على إبليس وأوليائه أو عنهم راض؟
فقال نعم هو غضبان
عليه :
قال فمتى رضي فخف
وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أتباعه؟ ثم قال ويحك كيف تجترئ أن تصف ربك
بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين سبحانه لم يزل مع
الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين.
قال صفوان فتحير
أبو قرة ولم يحر جوابا حتى قام وخرج.
عن عبد السلام بن
صالح الهروي قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليهالسلام يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث
أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟
فقال عليهالسلام يا أبا الصلت ـ إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمدا صلىاللهعليهوآله على جميع خلقه من النبيين والملائكة وجعل طاعته طاعته
ومبايعته مبايعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال عز وجل ( مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) وقال ( إِنَّ الَّذِينَ
يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) وقال النبي صلىاللهعليهوآله من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله ودرجة النبي صلىاللهعليهوآله في
__________________
الجنة أرفع
الدرجات فمن زاره في درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى.
قال قلت يا ابن
رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟
فقال عليهالسلام يا أبا الصلت فمن وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه
الله أنبياؤه ورسله وحججه عليهم صلوات الله هم الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل
وإلى دينه ومعرفته فقال الله عز وجل ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها
فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) وقال الله عز وجل
( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) فالنظر إلى
أنبياء الله ورسله وحججه عليهمالسلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة وقال صلىاللهعليهوآله إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني يا أبا الصلت إن
الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يدرك بالأبصار والأوهام.
قال فقلت له يا
ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقان؟
قال نعم وإن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قد دخل الجنة ورأى النار
لما عرج به إلى السماء.
قال فقلت له إن
قوما يقولون إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين؟
فقال ما أولئك منا
ولا نحن منهم من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلىاللهعليهوآله وكذبنا وليس من ولايتنا على شيء ويخلد في نار جهنم قال الله
عز وجل ( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا
الْمُجْرِمُونَ. يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) وقال النبي صلىاللهعليهوآله لما عرج بي إلى السماء
أخذ بيدي جبرئيل عليهالسلام
فأدخلني الجنة فناولني من
رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة
عليهاالسلام ففاطمة حوراء
إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة
وقال الرضا عليهالسلام في قول الله عز وجل ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) قال يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها
__________________
وقال عليهالسلام إن النبي صلىاللهعليهوآله
قال قال الله جل جلاله :
ما آمن بي من فسر برأيه كلامي وما عرفني من شبهني بخلقي وما على ديني من استعمل
القياس في ديني وقال من رد متشابه القرآن إلى محكمه ( هُدِيَ إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ ) ثم قال إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ـ ومحكما
كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.
وقال : من شبه
الله بخلقه فهو مشرك ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.
وعن الحسين بن
خالد قال سمعت الرضا عليهالسلام
يقول : لم يزل الله عز
وجل عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا.
فقلت يا ابن رسول
الله إن قوما يقولون لم يزل عالما بعلم وقادرا بقدرة وحيا بحياة وقديما بقدم
وسميعا بسمع وبصيرا ببصر.
فقال عليهالسلام من قال ذلك ودان به فقد اتخذ ( مَعَ اللهِ آلِهَةً
أُخْرى ) وليس من ولايتنا على شيء ثم قال عليهالسلام لم يزل الله عز وجل عليما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا
لذاته تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا.
وعن الحسين بن
خالد قال : قلت للرضا عليهالسلام
يا ابن رسول الله إن قوما
يقولون إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال إن الله خلق آدم على
صورته.
فقال قاتلهم الله
لقد حذفوا أول الحديث إن رسول الله مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه قبح
الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له صلىاللهعليهوآله
يا عبد الله لا تقل هذا
لأخيك فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته.
وعن إبراهيم بن
أبي محمود قال : قلت للرضا عليهالسلام
يا ابن رسول الله ما تقول
في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن الله تبارك وتعالى
ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟
فقال عليهالسلام لعن الله المحرفين ( الْكَلِمَ عَنْ
مَواضِعِهِ ) والله ما قال عليهالسلام
كذلك ـ إنما قال عليهالسلام إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء كل ليلة في
الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي [ أ ] هل من سائل فأعطيه هل
من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له يا طالب الخير فأقبل يا طالب الشر أقصر
فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء
حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وعن محمد بن سنان
قال : سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام
هل كان الله عارفا بنفسه
قبل أن يخلق
__________________
الخلق؟ قال نعم.
قلت يراها ويسمعها؟
قال ما كان محتاجا إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها شيئا هو نفسه ونفسه
هو قدرته نافذة فليس بمحتاج إلى أن يسمي نفسه ـ ولكنه اختار أسماء لغيره يدعوه بها
لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول ما اختار نفسه ( الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ ) أعلى الأشياء كلها فمعناه الله واسمه العلي هو أول أسمائه
لأنه علا كل شيء.
وقال عليهالسلام في قوله ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ
ساقٍ ) فساق حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا وتدمج أصلاب
المنافقين ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) السجود.
وسئل عن قوله عز
وجل : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ ) فقال إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عن
عباده ولكنه يعني عن ثواب ربهم محجوبون.
وسئل عن قوله عز
وجل : ( وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فقال إن الله لا
يوصف بالمجيء والذهاب والانتقال إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك.
وسئل عن قوله ( هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ
وَالْمَلائِكَةُ ) ؟ قال معناه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل
من الغمام وهكذا نزلت.
وسئل عن قوله عز
وجل ( سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ ) وعن قوله ( اللهُ
يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) وعن قوله ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ
اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) وعن قوله ( يُخادِعُونَ اللهَ
وَهُوَ خادِعُهُمْ ) .
فقال إن الله لا
يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء
الاستهزاء وجزاء المكر وجزاء الخديعة تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وسئل عن قوله عز
وجل ( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) فقال إن الله
تبارك وتعالى لا يسهو ولا ينسى إنما يسهو وينسى المخلوق المحدث ألا تسمعه عز وجل
يقول ( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) وإنما يجازي من
نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم كما قال ( نَسُوا اللهَ
فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) وقال ( فَالْيَوْمَ
نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) أي نتركهم كما
تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا أي فنجازيهم على ذلك.
وسئل عن قول الله
عز وجل : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
__________________
يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) قال ومن يرد الله
أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله
والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه ومن يرد أن يضله عن جنته
ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا ( يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) حتى يشك في كفره ويضطرب في اعتقاد قلبه حتى يصير ( كَأَنَّما
يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) و ( كَذلِكَ يَجْعَلُ
اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ).
أبو الصلت الهروي
قال : سأل المأمون الرضا عليهالسلام
عن قول الله عز وجل : ( وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ
عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) .
فقال إن الله
تبارك وتعالى خلق العرش والماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فنعلم ( أَنَّهُ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع ثم ( خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) وهو مستول على
عرشه وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر
للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء فنستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى مرة بعد
مرة ولم يخلق العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق لا يوصف
بالكون على العرش لأنه ليس بجسم تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا.
وأما قوله ( لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على
سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شيء.
فقال المأمون فرجت
عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.
ثم قال له يا ابن
رسول الله فما معنى قول الله عز وجل : ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ
لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ
حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ( وَما كانَ لِنَفْسٍ
أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) .
فقال الرضا عليهالسلام حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد
بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهالسلام قال إن المسلمين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام
لكثر عددنا وقوينا على عدونا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كنت لألقى الله عز وجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا ( وَما
أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) فأنزل الله تعالى عليه يا محمد ( وَلَوْ
شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمن عند
المعاينة ورؤية البأس من الآخرة ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا
ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام
الخلود في جنة الخلد ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ
النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )
__________________
وأما قوله عز وجل ( وَما كانَ
لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) فليس ذلك على
سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله وإذنه
أمره لها بالإيمان بما كانت مكلفة متعبدة بها وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال
التكلف والتعبد عنها.
فقال المأمون فرجت
عني فرج الله عنك فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( الَّذِينَ كانَتْ
أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) .
فقال إن غطاء
العين لا يمنع من الذكر والذكر لا يرى بالعين ولكن الله عز وجل شبه الكافرين
بولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام
بالعميان لأنهم كانوا
يستثقلون قول النبي صلىاللهعليهوآله
فيه ولا يستطيعون له سمعا.
فقال المأمون فرجت
عني فرج الله عنك.
وعن عبد العظيم بن
عبد الله الحسني رضي الله عنه عن إبراهيم بن أبي محمود قال : سألت أبا
الحسن الرضا عليهالسلام
عن قول الله عز وجل : (
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) فقال إن الله
تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر
والضلال منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم.
قال وسألته عن قول
الله عز وجل : ( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى
سَمْعِهِمْ ) .
قال الختم هو
الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال عز وجل ( بَلْ
طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) .
قال وسألته عن
الله عز وجل هل يجبر عباده على المعاصي؟
قال لا بل يخيرهم
ويمهلهم حتى يتوبوا.
قلت فهل يكلف
عباده ما لا يطيقون؟
فقال كيف يفعل ذلك
وهو يقول ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) .
__________________
ثم قال حدثني أبي
موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن
أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهالسلام
أنه قال من زعم أن الله
يجبر عباده على المعاصي ويكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ولا تقبلوا شهادته
ولا تصلوا وراءه ولا تعطوه من الزكاة شيئا.
وعن يزيد بن عمير
بن معاوية الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا بمرو فقلت له يا ابن
رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام
أنه قال لا جبر ولا تفويض
بل أمر بين الأمرين ما معناه؟
فقال من زعم أن
الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله فوض أمر الخلق
والرزق إلى حججه عليهمالسلام فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض
مشرك.
فقلت يا ابن رسول
الله فما أمر بين الأمرين؟
فقال وجود السبيل
إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.
قلت وهل لله مشية
وإرادة في ذلك؟
فقال أما الطاعات
فإرادة الله ومشيته فيها الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيته في
المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها.
قلت فلله عز وجل
فيها القضاء؟
قال نعم ما من فعل
يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قضاء قلت ما معنى هذا القضاء؟
قال الحكم عليهم
بما يستحقونه من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة
وروي : أنه ذكر
عنده الجبر والتفويض فقال إن الله لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في
ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعة لم
يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين
ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال عليهالسلام من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه.
وعن الحسين بن
خالد عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام
قال : قلت له يا ابن رسول
الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار في ذلك عن
آبائك عليهمالسلام.
فقال يا ابن خالد
أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمة في الجبر والتشبيه أكثر أم الأخبار
التي رويت عن النبي صلىاللهعليهوآله
في ذلك؟
__________________
فقلت بل ما رويت
عن النبي صلىاللهعليهوآله
أكثر.
قال فليقولوا إن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
كان يقول بالتشبيه والجبر.
فقلت له إنهم
يقولون إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لم يقل شيئا من ذلك وإنما
روي عليه.
قال فليقولوا في
آبائي الأئمة عليهمالسلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم ثم قال من قال
بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن براء منه في الدنيا والآخرة يا ابن خالد إنما
وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله فمن أحبهم فقد
أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبنا ومن والاهم فقد عادانا ومن عاداهم فقد والانا ومن
وصلهم فقد قطعنا ومن قطعهم فقد وصلنا ومن جفاهم فقد برنا ومن برهم فقد جفانا ومن
أكرمهم فقد أهاننا ومن أهانهم فقد أكرمنا ومن قبلهم فقد ردنا ومن ردهم فقد قبلنا
ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ومن صدقهم فقد كذبنا
ومن كذبهم فقد صدقنا ومن أعطاهم فقد حرمنا ومن حرمهم فقد أعطانا يا ابن خالد من
كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا
احتجاج الرضا عليهالسلام على أهل
الكتاب والمجوس ورئيس الصابئين وغيرهم
روي عن الحسن بن
محمد النوفلي أنه قال : لما قدم علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس
الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زردشت وقسطاس الرومي والمتكلمين
ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال أدخلهم
علي ففعل فرحب بهم المأمون ثم قال لهم :
إنما جمعتكم لخير
وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا
يتخلف منكم أحد.
فقالوا السمع
والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله.
قال الحسن بن محمد
النوفلي فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا عليهالسلام
إذ دخل علينا ياسر الخادم
وكان يتولى أمر أبي الحسن عليهالسلام
فقال يا سيدي إن أمير
المؤمنين يقرؤك السلام ويقول فداك أخوك إنه اجتمع إلينا أصحاب المقالات وأهل
الأديان والمتكلمون من جميع أهل الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن
كرهت ذلك فلا تتجشم وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا.
فقال أبو الحسن عليهالسلام أبلغه السلام وقل قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن
شاء الله.
قال الحسن بن محمد
النوفلي فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير
غليظة فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟
فقلت جعلت فداك
يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس
والله ما بنى.
فقال لي وما بناؤه
في هذا الباب؟
قلت إن أصحاب
الكلام والبدع خلاف العلماء وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات
والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا
صحح وحدانيته وإن قلت إن محمدا صلىاللهعليهوآله
رسول قالوا ثبت رسالته ـ ثم
يباهتون الرجل وهو مبطل عليهم بحجته ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك!
قال فتبسم ثم قال
لي يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي؟
قلت لا والله ما
خفته عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله.
فقال لي يا نوفلي
أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت نعم.
قال إذا سمع
احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور
بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم
بروميتهم وعلى أهل المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع
إلى قولي علم المأمون أن الذي هو بسبيله ليس بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلما أصبحنا أتانا
الفضل بن سهل فقال له جعلت فداك إن ابن عمك ينتظرك اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟
فقال له الرضا عليهالسلام تقدمني فإني سائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ثم توضأ وضوء
الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا ثم خرج وخرجنا معه حتى دخل على المأمون وإذا المجلس
غاص بأهله ـ ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقواد حضور.
فلما دخل الرضا عليهالسلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وجميع بني هاشم فما زالوا
وقوفا والرضا عليهالسلام
جالس مع المأمون حتى
أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة ثم التفت إلى
الجاثليق فقال :
يا جاثليق هذا ابن
عمي علي بن موسى بن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا صلىاللهعليهوآله
وابن علي بن أبي طالب عليهالسلام فأحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه.
فقال الجاثليق يا
أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا يحاج علي بكتاب أنا منكره ونبي لا أومن به؟
فقال الرضا عليهالسلام يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟
قال الجاثليق وهل
أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل؟ نعم والله أقر به على رغم أنفي
فقال له الرضا عليهالسلام سل عما بدا لك واسمع الجواب.
قال الجاثليق ما
تقول في نبوة عيسى وكتابه؟ هل تنكر منهما شيئا؟
قال الرضا عليهالسلام أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقرت به
الحواريون وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد وكتابه ولم يبشر به أمته!
قال الجاثليق أليس
إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟ قال بلى.
قال فأقم شاهدين
من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل
ملتنا.
قال الرضا عليهالسلام الآن جئت بالنصفة يا نصراني ألا تقبل مني العدل والمقدم عند
المسيح عيسى بن مريم؟ قال الجاثليق ومن هذا العدل؟ سمه لي؟
قال ما تقول في
يوحنا الديلمي قال بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح.
قال أقسمت عليك هل
نطق الإنجيل أن يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي ـ؟ وبشرني به أنه
يكون من بعدي؟ فبشرت به الحواريين فآمنوا به ـ؟
قال الجاثليق قد
ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وأهل بيته ووصيه وأهل بيته ولم يلخص متى
يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم.
قال الرضا عليهالسلام فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته
وأمته أتؤمن به؟ قال أمر سديد.
قال الرضا لغسطاس
[ لنسطاس ] الرومي كيف يكون حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟
قال ما أحفظني له
ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال عليهالسلام
ألست تقرأ الإنجيل قال
بلى لعمري.
قال فخذ علي السفر
الثالث فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي وإن لم يكن فيه ذكره فلا
تشهدوا لي!
ثم قرأ السفر
الثالث حتى بلغ ذكر النبي صلىاللهعليهوآله
وقف ثم قال يا نصراني إني
أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟
قال نعم ثم تلا
علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمته ثم قال ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى بن مريم ـ؟
فإن كذبت ما نطق به الإنجيل فقد كذبت موسى وعيسى عليهماالسلام ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت
بربك ونبيك وبكتابك.
قال الجاثليق لا
أنكر ما قد بان لي من الإنجيل وإني لمقر به.
قال الرضا عليهالسلام على الخبير سقطت أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا وكان
أفضلهم وأعلمهم لوقا وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال يوحنا الأكبر ياحي [
بأج ] ويوحنا بقرقيسيا [ بقرقيسا ] ويوحنا الديلمي بزخار [ برجاز ] وعنده كان ذكر النبي
صلىاللهعليهوآله
وذكر أهل بيته وهو الذي
بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به ثم قال يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد
صلىاللهعليهوآله
وما ننقم على عيسى شيئا
إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته.
قال الجاثليق
أفسدت والله علمك وضعفت أمرك ـ وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الإسلام.
قال الرضا عليهالسلام وكيف ذلك؟ قال الجاثليق من قولك إن عيسى كان ضعيفا قليل
الصيام والصلاة وما أفطر عيسى يوما قط وما نام بليل قط وما زال صائم الدهر قائم
الليل.
قال الرضا عليهالسلام فلمن كان يصوم ويصلي؟ فخرس الجاثليق وانقطع.
قال الرضا عليهالسلام يا نصراني إني أسألك عن مسألة قال سل فإن كان عندي علمها
أجبتك.
قال الرضا عليهالسلام ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الْمَوْتى
بِإِذْنِ اللهِ.
قال الجاثليق
أنكرت ذلك من قبل إن من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد.
قال الرضا صلىاللهعليهوآله فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليهالسلام مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فلم لا
تتخذه أمته ربا ـ؟ ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل؟ ولقد صنع حزقيل النبي مثل ما
صنع عيسى بن مريم فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة ثم التفت إلى
رأس الجالوت فقال يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة؟
اختارهم بختنصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل
فأرسله الله عز وجل إليهم فأحياهم هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم؟
قال رأس الجالوت
قد سمعنا به وعرفناه قال صدقت.
ثم قال يا يهودي
خذ على هذا السفر من التوراة فتلا عليه من التوراة آيات فأقبل اليهودي يترجح
لقراءته ويتعجب ثم أقبل على النصراني فقال يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم
عيسى كان قبلهم ـ؟
قال بل كانوا قبله.
قال الرضا عليهالسلام لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم
فوجه معهم علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال له اذهب إلى
الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط ـ الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان
ويا فلان يقول لكم رسول الله محمد قوموا بإذن الله.
فناداهم فقاموا
ينفضون التراب عن رءوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم أن محمدا قد بعث
نبيا فقالوا وددنا إن أدركناه فنؤمن به ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلمته
البهائم والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربا من دون الله ولم ننكر لأحد من هؤلاء
فضلهم فإن اتخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربين لأنهما قد صنعا
مثل ما صنع عيسى بن مريم من إحياء الموتى وغيره ثم إن قوما من بني إسرائيل خرجوا
من بلادهم من الطاعون ( وَهُمْ أُلُوفٌ
حَذَرَ الْمَوْتِ ) فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل القرية فحظروا عليهم
حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما فمر بهم نبي من أنبياء بني
إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله إليه أتحب أن أحييهم لك
فتنذرهم؟
قال نعم.
فأوحى الله إليه
أن نادهم فقال أيتها العظام البالية قومي بإذن الله ـ فقاموا أحياء أجمعون ينفضون
التراب عن رءوسهم ثم إبراهيم خليل الله عليهالسلام
حين اتخذ الطير فقطعهن
قطعا ثم وضع ( عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) ثم ناداهن فأقبلن
سعيا إليه ثم موسى بن عمران وأصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل
فقالوا له إنك قد رأيت الله فأرناه!
فقال لهم إني لم
أره.
فقالوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فاحترقوا عن آخرهم ـ فبقي موسى وحيدا.
فقال يا رب اخترت
سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم فأرجع أنا وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم
به فلَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ
وَإِيَّايَ أفتهلكنا بِما
فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا؟
فأحياهم الله عز
وجل من بعد موتهم وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأن التوراة والإنجيل
والزبور والفرقان قد نطقت به فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص
والمجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كلهم أربابا ما تقول يا نصراني ـ؟
فقال الجاثليق
القول قولك ولا إله إلا الله.
ثم التفت إلى رأس
الجالوت فقال يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران
هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد صلىاللهعليهوآله وأمته إذا جاءت
الأمة الأخيرة أتباع راكب
البعير يسبحون
الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم
لتطمئن قلوبهم فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض
هكذا هو في التوراة مكتوب؟
قال رأس الجالوت
نعم إنا لنجد ذلك كذلك.
ثم قال للجاثليق
يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال أعرفه حرفا حرفا.
قال لهما أتعرفان
هذا من كلامه يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور ورأيت راكب
البعير ضوؤه ضوء القمر؟ فقالا قد قال ذلك شعيا.
قال الرضا عليهالسلام يا نصراني أهل تعرف في الإنجيل قول عيسى إني ذاهب إلى ربكم
وربي والبارقليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسر لكم كل شيء
وهو الذي يبدي فضائح الأمم وهو الذي يكسر عمود الكفر؟
فقال الجاثليق ما
ذكرت شيئا من الإنجيل إلا ونحن مقرون به.
فقال عليهالسلام أتجد هذا في الإنجيل ثابتا؟ قال نعم.
قال الرضا عليهالسلام يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه عند
من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟
قال له ما افتقدنا
الإنجيل إلا يوما واحدا حتى وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى؟
فقال الرضا عليهالسلام ما أقل معرفتك بسنن الإنجيل وعلمائه فإن كان كما تزعم فلم
اختلفتم في الإنجيل؟ وإنما الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فإن كان
على العهد الأول لم تختلفوا فيه ولكني مفيدك علم ذلك اعلم أنه لما افتقد الإنجيل
الأول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم قتل عيسى بن مريم وافتقدنا الإنجيل
وأنتم العلماء فما عندكم؟
فقال لهم ألوقا
ومرقانوس ويوحنا ومتى إن الإنجيل في صدورنا نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا
تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه
كله.
فقال الرضا عليهالسلام إن ألوقا ومرقانوس ويوحنا ومتى وضعوا لكم هذا الإنجيل بعد
ما افتقدتم الإنجيل الأول وإنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأولين أعلمت
ذلك؟
قال الجاثليق أما
قبل هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وقد سمعت أشياء
مما علمته شهد قلبي أنها حق واستزدت كثيرا من الفهم.
فقال الرضا عليهالسلام فكيف شهادة هؤلاء عندك؟
قال جائزة هؤلاء
علماء الإنجيل وكل ما شهدوا به فهو حق ـ
قال الرضا عليهالسلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته وغيرهم اشهدوا عليه.
قالوا شهدنا.
ثم قال للجاثليق
بحق الابن وأمه هل تعلم أن متى قال في نسبة عيسى إن المسيح ابن داود بن إبراهيم بن
إسحاق بن يعقوب بن يهود بن خضرون؟ وقال مرقانوس في نسبة عيسى عليهالسلام إنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنسانا وقال
ألوقا إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس ثم إنك
تقول في شهادة عيسى على نفسه حقا أقول لكم إنه لا يصعد إلى السماء إلا من نزل منها
إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلى السماء وينزل فما تقول في هذا القول؟
قال الجاثليق هذا
قول عيسى لا ننكره.
قال الرضا عليهالسلام فما تقول في شهادة ألوقا ومرقانوس ومتى على عيسى وما نسبوا
إليه ـ؟ قال الجاثليق كذبوا على عيسى.
قال الرضا عليهالسلام يا قوم أليس قد زكاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق؟
فقال الجاثليق يا عالم المسلمين أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء.
قال الرضا عليهالسلام قد فعلنا سل يا نصراني عما بدا لك؟
قال الجاثليق
ليسألك غيري فو الله ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.
فالتفت الرضا عليهالسلام إلى رأس الجالوت فقال له تسألني أو أسألك؟ قال بل أسألك
ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو في صحف
إبراهيم وموسى.
قال الرضا عليهالسلام لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن
عمران عليهالسلام
والإنجيل على لسان عيسى
بن مريم عليهاالسلام والزبور على لسان داود عليهالسلام.
قال رأس الجالوت
من أين تثبت نبوة محمد؟
قال الرضا عليهالسلام شهد بنبوته موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله
في الأرض.
فقال له ثبت قول
موسى بن عمران!
قال الرضا عليهالسلام تعلم يا يهودي أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم إنه
سيأتيكم نبي من إخوانكم فيه فصدقوا ومنه فاسمعوا؟ فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة
غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل
إبراهيم عليهالسلام؟
فقال رأس الجالوت
هذا قول موسى لا ندفعه.
فقال له الرضا عليهالسلام هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل غير محمد صلىاللهعليهوآله؟ قال لا.
وفي العيون فقال الرضا
عليهالسلام
أفليس قد صح هذا عندكم؟
قال نعم ولكني أحب
أن تصححه لي من التوراة.
فقال له الرضا عليهالسلام هل تنكرون التوراة تقول لكم جاء النور من قبل طور سيناء؟
وأضاء للناس من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران قال رأس الجالوت أعرف هذه
الكلمات وما أعرف تفسيرها.
قال الرضا عليهالسلام أنا أخبرك به أما قوله جاء النور من قبل طور سيناء فذلك وحي
الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء وأما قوله وأضاء الناس [
للناس ] في جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم عليهاالسلام وهو عليه وأما قوله واستعلن علينا من جبل فاران فذاك جبل من جبال مكة وبينه
وبينها يومان أو يوم؟
قال شعيا النبي
فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما على حمار
والآخر على جمل فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟ قال رأس الجالوت لا أعرفهما
فخبرني بهما؟
قال أما راكب
الحمار فعيسى وأما راكب الجمل فمحمد صلىاللهعليهوآله أتنكر هذا من
التوراة؟ قال لا ما أنكره.
قال الرضا عليهالسلام هل تعرف حيقوق النبي عليهالسلام؟ قال نعم إني به لعارف!
قال فإنه قال
وكتابكم ينطق به جاء الله تعالى بالبيان من جبل فاران وامتلأت السماوات من تسبيح
أحمد وأمته يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت
المقدس يعني بالكتاب القرآن أتعرف هذا وتؤمن به؟
قال رأس الجالوت
قد قال ذلك حيقوق النبي عليهالسلام
ولا ننكر قوله.
قال الرضا عليهالسلام فقد قال داود عليهالسلام
في زبوره وأنت تقرؤه
اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد صلىاللهعليهوآله؟
قال رأس الجالوت
هذا قول داود نعرفه ولا ننكره ولكن عنى بذلك عيسى وأمامه هي الفترة.
قال الرضا عليهالسلام جهلت أن عيسى لم يخالف السنة وكان موافقا لسنة التوراة حتى ( رَفَعَهُ
اللهُ إِلَيْهِ ) وفي الإنجيل مكتوب
أن ابن البرة ذاهب والفارقليطا جاء من بعدي هو يخفف الآصار ويفسر لكم كل شيء ويشهد
لي كما شهدت له أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل؟
قال نعم لا أنكره.
قال الرضا عليهالسلام أسألك عن نبيك موسى بن عمران عليهالسلام
فقال سل!
قال ما الحجة على
أن موسى ثبتت نبوته ـ؟ قال اليهودي إنه جاء بما لم يجئ أحد من الأنبياء قبله.
قال له عليهالسلام مثل ما ذا؟
قال مثل فلق البحر
وقلبه العصا حية تسعى وضربه الحجر فانفجر منه العيون وإخراجه يده بيضاء للناظرين
وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.
قال له الرضا عليهالسلام صدقت في أنها كانت حجته على نبوته إنه جاء بما لا يقدر
الخلق على مثله أفليس كل من ادعى أنه نبي وجاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب
عليكم تصديقه؟
قال لا لأن موسى
لم يكن له نظير لمكانه من ربه وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوة من ادعاها
حتى يأتي عن الأعلام بمثل ما جاء.
قال الرضا عليهالسلام فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى ولم يفلقوا
البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا ولم يخرجوا أيديهم مثل إخراج موسى يده
بيضاء ولم يقلبوا العصا حية تسعى؟
قال له اليهودي قد
خبرتك أنه متى جاءوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا
بمثل ما لم يجئ به موسى أو كانوا على ما جاء به موسى وجب تصديقهم.
قال الرضا عليهالسلام يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم وكان
يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ـ ويخلق ( مِنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْر ) ثم ينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله؟
قال رأس الجالوت
يقال إنه فعل ذلك ولم نشهده.
قال الرضا عليهالسلام أرأيت ما جاء به موسى من الآيات وشاهدته أليس إنما جاء
الأخبار من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك ـ؟ قال بلى.
قال كذلك أيضا
أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى
ـ؟ فلم يحر جوابا.
فقال الرضا عليهالسلام وكذلك أمر محمد صلىاللهعليهوآله
وما جاء به وأمر كل نبي
بعثه الله ـ ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا ولم يتعلم ولم يختلف إلى
معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء عليهمالسلام وأخبارهم حرفا حرفا وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة
ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم بآيات كثيرة لا تحصى.
قال رأس الجالوت
لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد ولا يجوز لنا أن نقر لهما بما لا يصح عندنا.
قال الرضا عليهالسلام فالشاهد الذي يشهد لعيسى ومحمد صلىاللهعليهوآله شاهد زور فلم يحر جوابا ثم دعا بالهربذ الأكبر.
فقال له الرضا عليهالسلام أخبرني عن زردشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته؟
قال إنه أتى بما
لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا
ما لم يحله لنا غيره فاتبعناه.
قال أفليس إنما
أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟ قال بلى.
قال فكذلك سائر
الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوآله فما عذركم في ترك الإقرار بهم إذ كنتم إنما أقررتم بزردشت
من قبل الأخبار الواردة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره؟ فانقطع الهربذ مكانه.
فقال الرضا عليهالسلام يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل
غير محتشم!
فقام إليه عمران
الصابي وكان واحدا من المتكلمين فقال يا عالم الناس لو لا أنك دعوت إلى مسألتك لم
أقدم عليك بالمسائل ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم
أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته أفتأذن أن أسألك؟
قال الرضا عليهالسلام إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو قال أنا هو.
قال سل يا عمران
وعليك بالنصفة إياك والخطل والجور!
قال والله يا سيدي
ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه!
قال سل عما بدا لك
فازدحم الناس وضم بعضهم إلى بعض فقال أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق؟
قال سألت فافهم
الجواب.
أما الواحد فلم
يزل كائنا واحدا لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقا مبتدعا
مختلفا بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حده ولا على شيء حذاه
ومثله فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة لله واختلافا وائتلافا وألوانا وأذوقا
وطعما لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به ولا رأى لنفسه
فيما خلق زيادة ولا نقصانا تعقل هذا يا عمران؟ قال نعم والله يا سيدي.
قال واعلم يا
عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته ولكن ينبغي
أن يخلق أضعاف ما خلق لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى.
ثم طال السؤال
والجواب بين الرضا عليهالسلام
وبين عمران الصابي وألزمه
عليهالسلام
في أكثر مسائله حتى
انتهت الحال إلى
أن قال أشهد أنه يا سيدي كما وصفت ولكن بقيت مسألة!
قال سل عما أردت!
قال أسألك عن
الحكيم في أي شيء وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحول من شيء إلى شيء؟ أو هل به حاجة إلى
شيء؟
قال الرضا عليهالسلام أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على
المخلوقين في مسائلهم وليس يفهمه المتقارب عقله العازب حلمه ولا يعجز عن فهمه أولو
العقل المنصفون.
أما أول ذلك فلو
كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك
ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شيء إلا أن الخلق يمسك بعضه
بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس يدخل
في شيء ولا يخرج منه ولا يئوده حفظه ولا يعجز عن إمساكه ولا يعرف أحد من الخلق كيف
ذلك إلا الله عز وجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لأمره وخزانه
القائمين بشريعته وإنما أمره ( كَلَمْحِ الْبَصَرِ
أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) إذا شاء شيئا ( فَإِنَّما يَقُولُ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) بمشيئته وإرادته وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء ولا
شيء أبعد منه من شيء أفهمت يا عمران؟
قال نعم يا سيدي
فهمت وأشهد أن الله على ما وصفت ووحدت وأن محمدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم
خر ساجدا نحو القبلة وأسلم.
قال الحسن بن محمد
النوفلي فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد
قط لم يدن من الرضا عليهالسلام
أحد ولم يسألوه عن شيء
وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليهالسلام
فدخلا وانصرف الناس.
ثم قال الرضا عليهالسلام بعد أن عاد إلى منزله يا غلام صر إلى عمران الصابي فأتني به.
فقلت جعلت فداك
أنا أعرف موضعه هو عند بعض إخواننا من الشيعة قال فلا بأس قربوا إليه دابة فصرت
إلى عمران فأتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله
به.
قلت جعلت فداك
حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليهالسلام.
قال هكذا يجب ثم
دعا عليهالسلام
بالعشاء فأجلسني عن يمينه
وأجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران انصرف مصاحبا وبكر علينا نطعمك
طعام المدينة.
فكان عمران بعد
ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل عليهم أمرهم حتى اجتنبوه ووصله
المأمون بعشرة آلاف درهم وأعطاه الفضل مالا جزيلا وولاه الرضا عليهالسلام صدقات البلخ فأصاب الرغائب.
وروي عن علي بن
الجهم أنه قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليهالسلام
ـ فقال له المأمون :
يا ابن رسول الله
أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال بلى.
قال فما معنى قول
الله عز وجل : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) .
فقال إن الله
تبارك وتعالى قال لآدم عليهالسلام
( اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا
مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ
الظَّالِمِينَ ) ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها
فلم يقربا تلك الشجرة وإنما أكلا من غيرها إذ وسوس الشيطان إليهما وقال ( ما
نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ ) وإنما نهاكما أن
تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها : ( إِلاَّ أَنْ تَكُونا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ) (
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) ـ ولم يكن آدم
وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا ، ( فَدَلاَّهُما
بِغُرُورٍ ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة
ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النار وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز
على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما
لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله تعالى ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ
فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى ) وقال عز وجل ( إِنَّ
اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى
الْعالَمِينَ ) .
قال المصنف ره ـ لعل
الرضا صلوات الله عليها أراد بالصغائر الموهوبة ترك المندوب وارتكاب المكروه من
الفعل دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه لاقتضاء أدلة العقول
والأثر المنقول لذلك ورجعنا إلى سياق الحديث :
ثم قال المأمون
فما معنى قول الله عز وجل : ( فَلَمَّا آتاهُما
صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ) .
فقال الرضا عليهالسلام إن حواء ولدت خمسمائة بطن في كل بطن ذكر وأنثى وإن آدم
وحواء عاهدا الله ودعواه قالا ( لَئِنْ آتَيْتَنا
صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) فلما آتاهما صالحين [ صالحا ] من النسل خلقا سويا بريئا من
الزمانة والعاهة كان ما آتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا إناثا فجعل الصنفان لله
تعالى ( شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ) ولم يشكراه شكر
أبويهما له عز وجل قال الله تعالى ( فَتَعالَى اللهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .
فقال المأمون أشهد
أنك ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
حقا فأخبرني عن قول الله
عز وجل في إبراهيم
__________________
( فَلَمَّا جَنَّ
عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ) .
فقال الرضا عليهالسلام إن إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد
القمر وصنف يعبد الشمس ذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه.
( فَلَمَّا جَنَّ
عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى ) الزهرة قال ( هذا رَبِّي ) على الإنكار
والاستخبار. ( فَلَمَّا أَفَلَ ) الكوكب ( قالَ لا
أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) لأن الأفول من صفات المحدث وليس من صفات القديم.
( فَلَمَّا رَأَى
الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي ) على الإنكار والاستخبار ( فَلَمَّا أَفَلَ قالَ
لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) يقول لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين.
( فَلَمَّا رَأَى
الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ ) من الزهرة والقمر
على الإنكار والاستخبار لا على سبيل الإخبار والإقرار :
( فَلَمَّا أَفَلَتْ
قالَ ) للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس : ( يا قَوْمِ
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْ مُشْرِكِينَ ) فإنما أراد إبراهيم
عليهالسلام
بما قال أن يبين لهم
بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس
وإنما تحق العبادة لخالقها خالق السماوات والأرض وكان مما احتج به على قومه مما
ألهمه الله عز وجل وآتاه كما قال الله عز وجل ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا
آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ) .
فقال المأمون لله
درك يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ
تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ
قَلْبِي ) .
قال الرضا عليهالسلام إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليهالسلام أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أحييت له
فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال ربي ( أَرِنِي كَيْفَ
تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ
قَلْبِي ) على الخلة : ( قالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
فأخذ إبراهيم نسرا
وبطا وطاوسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت
عشرة منهن جزءا وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء
فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى انضم إلى
رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عليهالسلام
من مناقيرهن فطرن ثم وقعن
فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله!
__________________
فقال إبراهيم بل
الله ( يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ ).
فقال المأمون بارك
الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله ( فَوَكَزَهُ مُوسى
فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) .
قال الرضا عليهالسلام إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون ( عَلى
حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) وذلك بين المغرب والعشاء ـ ( فَوَجَدَ فِيها
رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ
الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى ) موسى على العدو
بحكم الله تعالى ذكره فمات فقال ( هذا مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطانِ ) يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من
قتله إياه ( إِنَّهُ
ـ يعني الشيطان ـ عَدُوٌّ مُضِلٌّ
مُبِينٌ ) .
قال المأمون فما
معنى قول موسى ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) ؟
قال يقول إني وضعت
نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي
فيقتلوني ( فَغَفَرَ لَهُ ) أي ستره من عدوه ،
( إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( قالَ
رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ ) من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة ، ( فَلَنْ
أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى. (
فَأَصْبَحَ ) موسى ( فِي الْمَدِينَةِ
خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ
قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) قاتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك فلما ( أَرادَ
أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ) ظن الذي هو من
شيعته أنه يريده ( قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي
كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً
فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) .
قال المأمون جزاك
الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون (
فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) ؟
قال الرضا عليهالسلام إن فرعون قال لموسى لما أتاه : (
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ ) ( قالَ ) موسى (
فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) عن الطريق بوقوعي
إلى مدينة من مدائنك ، ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ
لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) وقد قال الله لنبيه محمد صلىاللهعليهوآله
( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ) يقول ألم يجدك
وحيدا فآوى إليك الناس؟ ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا ) يعني عند
__________________
قومك ( فَهَدى ) أي هداهم إلى
معرفتك ( وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ) يقول أغناك بأن
جعل دعاءك مستجابا.
قال المأمون بارك
الله فيك يا ابن رسول الله فما معنى قول الله ( وَلَمَّا جاءَ مُوسى
لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ؟ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ
تَرانِي ) الآية ـ كيف يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى
ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟!!
فقال الرضا عليهالسلام إن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله جل عن أن يرى
بالأبصار ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز
وجل كلمه وقربه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف
رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم
اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل
وصعد موسى إلى الطور وسأل الله عز وجل أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ـ وسمعوا
كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم
جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه
كلام الله ( حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) فلما قالوا هذا
القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى يا رب
ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن
صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك.
فأحياهم الله
وبعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو
فنعرفه حق معرفته.
فقال موسى يا قوم
إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بعلاماته.
فقالوا لن نؤمن لك
حتى تسأله.
فقال موسى رب إنك
قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى
سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى ( رَبِّ أَرِنِي
أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ
اسْتَقَرَّ مَكانَهُ ) وهو يهوي ( فَسَوْفَ تَرانِي
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ
ـ بآية من آياته ـ
جَعَلَهُ
دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ) يقول : رجعت إلى
معرفتي بك عن جهل قومي ، ( وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُؤْمِنِينَ ) منهم بأنك لا ترى.
فقال المأمون لله
درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل ( وَلَقَدْ هَمَّتْ
بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) ؟
__________________
فقال الرضا عليهالسلام همت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه
كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق عليهالسلام أنه قال همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل.
فقال المأمون لله
درك يا أبا الحسن ـ فأخبرني عن قول الله عز وجل ( وَذَا النُّونِ إِذْ
ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) الآية ؟
فقال الرضا عليهالسلام ذلك يونس بن متى ( ذَهَبَ مُغاضِباً ) لقومه ( فَظَنَ ) بمعنى استيقن ( أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) أي فضيق [ لن نضيق ] عليه رزقه ومنه قوله عز وجل ( وَأَمَّا
إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أي ضيق وقتر ( فَنادى
فِي الظُّلُماتِ ) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ، ( أَنْ لا
إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) بتركي العبادة
التي قد قرت عيني بها في بطن الحوت فاستجاب الله له وقال عز وجل ( فَلَوْ لا
أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ ) .
فقال المأمون لله
درك يا أبا الحسن أخبرني عن قول الله عز وجل ( حَتَّى إِذَا
اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا ) .
قال الرضا عليهالسلام يقول الله ( حَتَّى إِذَا
اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ) من قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا.
فقال المأمون لله
درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله : ( لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) ؟
قال الرضا عليهالسلام لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما
جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا ( أَجَعَلَ
الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ
مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ.
ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ) فلما فتح الله عز
وجل على نبيه مكة قال له يا محمد ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما
تَأَخَّرَ ) عند مشركي أهل مكة بدعائك إياهم إلى توحيد الله فيما تقدم
وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لا يقدر على
إنكار التوحيد عليه إذا دعى الناس إليه فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم.
فقال المأمون لله
درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( عَفَا اللهُ عَنْكَ
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) .
__________________
فقال الرضا عليهالسلام هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة خاطب الله بذلك نبيه
صلىاللهعليهوآله
وأراد به أمته وكذلك قوله
تعالى ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ـ وقوله عز وجل ( وَلَوْ لا أَنْ
ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) .
قال المأمون صدقت
يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَإِذْ تَقُولُ
لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) .
قال الرضا عليهالسلام إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قصد دار زيد بن حارثة بن
شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها سبحان الذي خلقك وإنما
أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عز وجل ( أَفَأَصْفاكُمْ
رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ
لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ) فقال النبي صلىاللهعليهوآله
لما رآها تغتسل سبحان
الذي خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال فلما عاد زيد إلى منزله
أخبرته امرأته بمجيء رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقوله لها سبحان الذي
خلقك فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي
صلىاللهعليهوآله
فقال يا رسول الله إن
امرأتي في خلقها سوء وإني أريد طلاقها.
فقال له النبي : ( أَمْسِكْ
عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ ) وقد كان الله عرفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى
ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشي الناس أن يقولوا إن محمدا يقول لمولاه إن امرأتك
ستكون لي زوجة فيعيبوه بذلك فأنزل الله عز وجل : ( وَإِذْ تَقُولُ
لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ) يعني بالإسلام ( وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ ) يعني بالعتق ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل
من نبيه محمد صلىاللهعليهوآله
وأنزل بذلك قرآنا فقال عز
وجل ( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً
زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ
أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ) ثم علم عز وجل أن
المنافقين سيعيبوه بتزويجها فأنزل الله ( ما كانَ عَلَى
النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ) .
فقال المأمون لقد
شفيت صدري يا ابن رسول الله وأوضحت لي ما كان ملتبسا فجزاك الله عن أنبيائه وعن
الإسلام خيرا قال علي بن الجهم فقام المأمون إلى الصلاة وأخذ بيد محمد بن جعفر بن
محمد وكان حاضر المجلس وتبعتهما فقال له المأمون كيف رأيت ابن أخيك؟
فقال عالم ولم نره
يختلف إلى أحد من أهل العلم.
__________________
فقال المأمون إن
ابن أخيك من أهل بيت النبوة الذين قال فيهم النبي صلىاللهعليهوآله
ألا إن أبرار عترتي
وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم لا
يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة.
وانصرف الرضا عليهالسلام إلى منزله فلما كان من الغد غدوت إليه وأعلمته ما كان من
قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له فضحك الرضا عليهالسلام
ثم قال يا ابن الجهم لا
يغرنك ما سمعته منه فإنه سيغتالني والله ينتقم لي منه
احتجاجه صلىاللهعليهوآله فيما يتعلق بالإمامة وصفات من
خصه الله تعالى بها وبيان الطريق إلى من كان عليها وذم من يجوز اختيار الإمام ولؤم
من غلا فيه وأمر الشيعة بالتورية والتقية عند الحاجة إليهما وحسن التأدب
أبو يعقوب
البغدادي قال : إن ابن السكيت قال لأبي الحسن الرضا عليهالسلام
:
لما ذا بعث الله
موسى بن عمران بيده البيضاء وبآية السحر وبعث عيسى بآية الطب وبعث محمدا صلىاللهعليهوآله بالكلام والخطب؟
فقال له أبو الحسن
عليهالسلام
ـ إن الله لما بعث موسى عليهالسلام كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم
يكن في وسع القوم مثله وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم.
وإن الله بعث عيسى
في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن
عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجة
عليهم.
وإن الله بعث محمدا
صلىاللهعليهوآله
في وقت كان الأغلب على
أهل عصره الخطب والكلام وأظنه قال والشعر فأتاهم من عند الله من مواعظه وأحكامه ما
أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم.
__________________
قال فما زال ابن
السكيت يقول له والله ما رأيت مثلك قط فما الحجة على الخلق اليوم؟
فقال عليهالسلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله
فيكذبه.
فقال ابن السكيت
هذا والله هو الجواب قد ضمن الرضا عليهالسلام
في كلامه هذا أن العالم
لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل الله يلتجئ المكلف إليه فيما اشتبه عليه
من أمر الشريعة صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى يتوصل المكلف إلى معرفته
بالعقل ولولاه لما عرف الصادق من الكاذب فهو حجة الله تعالى على الخلق أولا.
وعن القاسم بن
مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال :
كنا في أيام علي
بن موسى الرضا عليهالسلام
بمرو فاجتمعنا في جامعها
في يوم جمعة في بدو قدومنا فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها
ـ فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليهالسلام
فأعلمته ما خاض الناس فيه
فتبسم ثم قال :
يا عبد العزيز جهل
القوم وخدعوا من أديانهم إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه صلىاللهعليهوآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بين
فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عز وجل ( ما
فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) وأنزل في حجة الوداع وهو آخر عمره : ( الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِيناً ) فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض صلىاللهعليهوآله حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبيله وتركهم على قصد
الحق أقام لهم عليا عليهالسلام
علما وإماماً وما ترك
شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب
الله عز وجل ومن رد كتاب الله فهو كافر.
هل تعرفون قدر
الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟؟
إن الإمامة أجل
قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم
أو ينالوها بآرائهم فيقيموها باختيارهم.
إن الإمامة خص
الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه الله
بها فأشاد بها ذكره فقال عز وجل ( إِنِّي جاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِماماً ) فقال الخليل سرورا بها ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ؟ قال الله عز وجل
( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ـ فأبطلت هذه
الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله عز وجل بأن
جعل في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال تعالى ( وَوَهَبْنا لَهُ
إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ. وَجَعَلْناهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ
وَإِقامَ الصَّلاةِ
__________________
وَإِيتاءَ
الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ ) .
فلم تزل في ذريته
يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي صلىاللهعليهوآله
فقال الله عز وجل : ( إِنَّ
أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) فكانت له خاصة
فقلدها النبي صلىاللهعليهوآله
عليا عليهالسلام بأمر الله على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء
الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عز وجل ( وَقالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ
الْبَعْثِ ) فهي في ولد علي عليهالسلام
خاصة إلى يوم القيامة إذ
لا نبي بعد محمد صلىاللهعليهوآله
فمن أين يختار هؤلاء
الجهال؟
إن الإمامة منزلة
الأنبياء وإرث الأوصياء.
إن الإمامة خلافة
الله عز وجل وخلافة الرسول صلىاللهعليهوآله
ومقام أمير المؤمنين
وميراث الحسن والحسين عليهماالسلام.
إن الإمامة زمام
الدين ونظام المسلمين وصلاح الدين وعز المؤمنين.
إن الإمامة رأس
الإسلام النامي وفرعه السامي.
بالإمام تمام
الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود
والأحكام ومنع الثغور والأطراف.
الإمام يحل حلال
الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه (
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) والحجة البالغة.
الإمام كالشمس
الطالعة للعالم وهي في الأفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار.
الإمام البدر
المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيداء
القفار ولجج البحار.
الإمام الماء
العذب على الظماء والدال على الهدى والمنجي من الردى.
الإمام النار على
البقاع الحارة لمن اصطلى والدليل على المسالك من فارقه فهالك.
الإمام السحاب
الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير
والروضة الإمام الأمين الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق ومفزع العباد في
الداهية.
الإمام أمين الله
في أرضه وحجته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حريم الله.
__________________
الإمام المطهر من
الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ
المارقين وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره
لا يدانيه أحد ولا يعادله عدل ولا يوجد له بديل ولا له مثيل ولا نظير مخصوص بالفضل
كله من غير طلب منه ولا اكتساب بل اختصاص من المتفضل الوهاب فمن ذا يبلغ معرفة
الإمام ويمكنه اختياره؟؟
هيهات هيهات!!
ظلت العقول وتاهت
الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت
الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباب وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعيت البلغاء عن
وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير.
وكيف يوصف أو ينعت
بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟
لا وكيف وأنى وهو
بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا وأين العقول عن
هذا وأين يوجد مثل هذا؟!
ظنوا أن ذلك يوجد
في غير آل رسول الله صلىاللهعليهوآله
كذبتهم والله أنفسهم
ومنتهم الباطل فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة
الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا.
( قاتَلَهُمُ اللهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) لقد راموا صعبا وقالوا إفكا و ( ضَلُّوا
ضَلالاً بَعِيداً ) ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام من غير بصيرة ( وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا
مُسْتَبْصِرِينَ ).
رغبوا عن اختيار
الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ
ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا
يُشْرِكُونَ ) وقال عز وجل ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) وقال عز وجل ( ما لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما
تَخَيَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ
إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ. سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ. أَمْ لَهُمْ
شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ )
وقال عز وجل : ( أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) ( وَطُبِعَ
عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) ( قالُوا سَمِعْنا
وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ
الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) و ( قالُوا
سَمِعْنا وَعَصَيْنا ) بل هو ( فَضْلُ اللهِ
__________________
يُؤْتِيهِ
مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .
فكيف لهم باختيار
الإمام والإمام عالم لا يجهل راع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة
والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه في نسب
ولا يدانيه ذو حسب في البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من آل الرسول والرضا
من الله وشرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة
عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله ناصح لعباد الله حافظ لدين الله.
الأنبياء والأئمة
يوفقهم الله ـ ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم
أهل زمانهم في قوله عز وجل ( أَفَمَنْ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى
فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وقوله عز وجل ( وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) وقوله عز وجل في
طالوت ( إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ
واسِعٌ عَلِيمٌ ) ـ وقال عز وجل لنبيه ( وَكانَ فَضْلُ اللهِ
عَلَيْكَ عَظِيماً ) .
وقال عز وجل في
الأئمة من أهل بيته وعترته ـ : ( أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) .
وإن العبد إذا
اختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم
إلهاما فلم يعي بعده الجواب ولا يحير فيه عن الصواب.
وهو معصوم مؤيد
موفق مسدد قد أمن الخطايا والزلل والعثار فخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده
وشاهده على خلقه و ( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ، فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه
الصفة فيقدموه؟
تعدوا وبيت الله
الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وفي كتاب الله (
فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) فذمهم الله
ومقتهم أنفسهم فقال عز وجل ( وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) وقال عز وجل ( فَتَعْساً لَهُمْ
وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) وقال عز وجل ( كَبُرَ مَقْتاً
عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ
قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) .
وروي عن الحسن بن
علي بن فضال عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهالسلام
أنه قال : للإمام
__________________
علامات يكون أعلم
الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس ويولد مختونا
ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ولا يكون له ظل وإذا وقع إلى الأرض
من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ولا يحتلم وينام عينه ولا ينام
قلبه ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا يرى له بول ولا غائط
لأن الله قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه.
وتكون رائحته أطيب
من رائحة المسك ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم
ويكون أشد الناس تواضعا لله عز وجل ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكف الناس عما
ينهى عنه ويكون دعاؤه مستجابا حتى إنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين.
ويكون عنده سلاح
رسول الله وسيفه ذو الفقار وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة
وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها
سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر وهو
إهاب كبش فيها جميع العلوم حتى أرش الخدش حتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة
ويكون عنده مصحف فاطمة عليهاالسلام.
وروى خالد بن
الهيثم الفارسي قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام إن الناس يزعمون
أن في الأرض أبدالا فمن هؤلاء الأبدال؟
قال صدقوا الأبدال
هم الأوصياء جعلهم الله في الأرض بدل الأنبياء إذا رفع الأنبياء وختم بمحمد صلىاللهعليهوآله.
وقد روي عن أبي
الحسن الرضا عليهالسلام
من ذم الغلاة والمفوضة
وتكفيرهم وتضليلهم والبراءة منهم وممن والاهم وذكر علة ما دعاهم إلى ذلك الاعتقاد
الفاسد الباطل ما تقدم ذكر طرف منه في هذا الكتاب.
وكذلك روي عن
آبائه وأبنائه عليهمالسلام في حقهم والأمر بلعنهم والبراءة منهم وإشاعة حالهم والكشف
عن سوء اعتقادهم كي لا يغتر بمقالتهم ضعفاء الشيعة ولا يعتقد من خالف هذه الطائفة
أن الشيعة الإمامية بأسرهم على ذلك نعوذ منه وممن اعتقده وذهب إليه فمما ذكره الرضا
عليهالسلام
عن علة وجه خطئهم وضلالهم
عن الدين القيم ما رويناه بالإسناد الذي تقدم ذكره عن أبي محمد الحسن العسكري أن الرضا
عليهالسلام
قال :
إن هؤلاء الضلال
الكفرة ما أتوا إلا من قبل جهلهم بمقدار أنفسهم حتى اشتد إعجابهم بها وكثرة
تعظيمهم لما يكون منها فاستبدوا بآرائهم الفاسدة واقتصروا على عقولهم المسلوك بها
غير سبيل الواجب ـ حتى استصغروا قدر الله واحتقروا أمره وتهاونوا بعظيم شأنه إذ لم
يعلموا أنه القادر بنفسه الغني بذاته الذي ليست قدرته مستعارة ولا غناه مستفادا
والذي من شاء أفقره ومن شاء أغناه ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنى.
__________________
فنظروا إلى عبد قد
اختصه الله بقدرة ليبين بها فضله عنده وآثره بكرامته ليوجب بها حجته على خلقه
وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته وباعثا على اتباع أمره ومؤمنا عباده
المكلفين من غلط من نصبه عليهم حجة ولهم قدوة فكانوا كطلاب ملك من ملوك الدنيا
ينتجعون فضله ويؤملون نائله ويرجون التفيؤ بظله والانتعاش بمعروفه والانقلاب إلى
أهليهم بجزيل عطائه الذي يعينهم على طلب الدنيا ـ وينقذهم من التعرض لدني المكاسب
وخسيس المطالب فبينا هم يسألون عن طريق الملك ليترصدوه وقد وجهوا الرغبة نحوه
وتعلقت قلوبهم برؤيته إذ قيل لهم سيطلع عليكم في جيوشه ومواكبه وخيله ورجله فإذا
رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقه ومن الإقرار بالمملكة واجبه وإياكم أن تسموا باسمه
غيره أو تعظموا سواه كتعظيمه فتكونوا قد بخستم الملك حقه وأزريتم عليه واستحققتم
بذلك منه عظيم عقوبته فقالوا نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا فما لبثوا أن طلع
عليهم بعض عبيد الملك ـ في خيل قد ضمها إليه سيده ورجل قد جعلهم في جملته وأموال
قد حباه بها فنظر هؤلاء وهم للملك طالبون فاستكثروا ما رأوه بهذا العبد من نعم
سيده ورفعوه أن يكون هو من المنعم عليه بما وجدوا معه.
فأقبلوا يحيونه
تحية الملك ويسمونه باسمه ويجحدون أن يكون فوقه ملك وله مالك فأقبل عليهم العبد
المنعم عليه وسائر جنوده بالزجر والنهي عن ذلك والبراءة مما يسمونه به ويخبرونهم
بأن الملك هو الذي أنعم بهذا عليه واختصه به وأن قولكم ما تقولون يوجب عليكم سخط
الملك وعذابه ويفوتكم كل ما أملتموه من جهته وأقبل هؤلاء القوم يكذبونهم ويردون
عليهم قولهم فما زالوا كذلك حتى غضب الملك لما وجد هؤلاء قد سووا به عبده وأزروا
عليه في مملكته وبخسوه حق تعظيمه فحشرهم أجمعين إلى حبسه ووكل بهم ( مَنْ
يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ).
فكذلك هؤلاء لما
وجدوا أمير المؤمنين عبدا أكرمه الله ليبين فضله ويقيم حجته فصغروا عندهم خالقهم
أن يكون جعل عليا له عبدا وأكبروا عليا عن أن يكون الله عز وجل له ربا فسموا بغير
اسمه فنهاهم هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته وقالوا لهم يا هؤلاء إن عليا وولده ( عِبادٌ
مُكْرَمُونَ ) مخلوقون ومدبرون ـ لا يقدرون إلا على ما أقدرهم عليه الله
رب العالمين ولا يملكون إلا ما ملكهم ولا يملكون ( مَوْتاً وَلا حَياةً
وَلا نُشُوراً ) ولا قبضا ولا بسطا ولا حركة ولا سكونا إلا ما أقدرهم عليه
وطوقهم وإن ربهم وخالقهم يجل عن صفات المحدثين ويتعالى عن نعت المحدودين وإن من
اتخذهم أو واحدا منهم أربابا من دون الله فهو من الكافرين وقد ( ضَلَّ
سَواءَ السَّبِيلِ ).
فأبى القوم إلا
جماحا وامتدوا ( فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ* ) فبطلت أمانيهم
وخابت مطالبهم وبقوا في العذاب
وروينا أيضا
بالإسناد المقدم ذكره عن أبي محمد العسكري عليهالسلام
أن أبا الحسن الرضا عليهالسلام قال :
إن من تجاوز بأمير
المؤمنين عليهالسلام
العبودية فهو من الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ ومن الضَّالِّينَ.
وقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
: لا تتجاوزوا بنا
العبودية ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني بريء
من الغالين.
فقام إليه رجل فقال
يا ابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا.
فوصفه الرضا عليهالسلام أحسن وصف ومجده ونزهه عما لا يليق به تعالى :
فقال الرجل بأبي
أنت وأمي يا ابن رسول الله فإن معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه كلها من صفات علي
عليهالسلام
وأنه هو الله رب العالمين.
قال فلما سمعها الرضا
عليهالسلام
ارتعدت فرائصه وتصبب عرقا
وقال ( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* ) سبحانه عما يقول
الكافرون علوا كبيرا أوليس علي كان آكلا في الآكلين وشاربا في الشاربين وناكحا في
الناكحين ومحدثا في المحدثين وكان مع ذلك مصليا خاضعا بين يدي الله ذليلا وإليه
أواها منيبا أفمن هذه صفته يكون إلها فإن كان هذا إلها فليس منكم أحد إلا وهو إله
لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدث كل موصوف بها.
فقال الرجل يا ابن
رسول الله إنهم يزعمون أن عليا لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير
الله دل على أنه إله ولما ظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم وامتحنهم
ليعرفوه وليكون إيمانهم اختيارا من أنفسهم.
فقال الرضا عليهالسلام أول ما هاهنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم فقال لما
ظهر منه الفقر والفاقة دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا
تكون المعجزات فعله فعلم بهذا أن الذي أظهره من المعجزات إنما كانت فعل القادر
الذي لا يشبه المخلوقين لا فعل المحدث المشارك للضعفاء في صفات الضعف.
وروي أن المأمون
كان يحب في الباطن سقطات أبي الحسن الرضا عليهالسلام
وأن يغلبه المحتج ويظهر
عليه غيره فاجتمع يوما عنده الفقهاء والمتكلمون ـ فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة!
فقال لهم الرضا عليهالسلام ـ اقصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه.
فرضوا برجل يعرف
بيحيى بن الضحاك السمرقندي ولم يكن في خراسان مثله.
فقال الرضا عليهالسلام يا يحيى أخبرني عمن صدق كاذبا على نفسه أو كذب صادقا على
نفسه أيكون محقا مصيبا أم مبطلا مخطئا؟ فسكت يحيى.
فقال له المأمون
أجبه فقال يعفيني أمير المؤمنين عن جوابه.
فقال المأمون يا
أبا الحسن عرفنا الغرض في هذه المسألة!
فقال لا بد ليحيى
من أن يخبرني عن أئمته أنهم كذبوا على أنفسهم أو صدقوا فإن زعم أنهم كذبوا فلا
إمامة للكاذب وإن زعم أنهم صدقوا فقد قال أولهم أقيلوني وليتكم ولست بخيركم وقال
ثانيهم بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه فو الله ما
رضي لمن فعل مثل فعله إلا بالقتل فمن لم
يكن بخير الناس
والخيرية لا تقع إلا بنعوت منها العلم ومنها الجهاد ومنها سائر الفضائل وليست فيه.
ومن كانت بيعته
فلتة يجب القتل على من فعل مثلها ـ كيف يقبل عهده إلى غيره وهذه صفته ثم يقول على
المنبر إن لي شيطانا يعتريني فإذا مال بي فقوموني وإذا أخطأت فأرشدوني فليسوا أئمة
إن صدقوا وإن كذبوا فما عند يحيى شيء في هذا.
فعجب المأمون من
كلامه عليهالسلام
وقال يا أبا الحسن ما في
الأرض من يحسن هذا سواك!
وروي عنه عليهالسلام أنه قال : أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه
ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو
لله ولرسوله ـ فيقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان
الله فيحملوه على أجنحتهم ويقولون طوبى لك طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار
ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار.
وبالإسناد الذي
تكرر عن أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام
قال دخل على أبي الحسن الرضا
عليهالسلام
رجل فقال يا ابن رسول
الله لقد رأيت اليوم شيئا عجبت منه.
قال وما هو؟
قال رجل كان معنا
يظهر لنا أنه من الموالين لآل محمد المتبرين من أعدائهم فرأيته اليوم وعليه ثياب
قد خلعت عليه وهو ذا يطاف به بغداد وينادي المنادي بين يديه معاشر المسلمين اسمعوا
توبة هذا الرجل الرافضي ثم يقول قل فقال خير الناس بعد رسول [ الله ] صلىاللهعليهوآله أبا بكر فإذا قال ذلك ضجوا وقالوا قد تاب وفضل أبا بكر على
علي بن أبي طالب عليهالسلام.
فقال الرضا عليهالسلام إذا خلوت فأعد علي هذا الحديث فلما خلا أعاد عليه فقال له :
إنما لم أفسر لك
معنى كلام الرجل بحضرة هذا الخلق المنكوس كراهة أن ينقل إليهم فيعرفوه ويؤذوه لم
يقل الرجل خير الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
أبو بكر فيكون قد فضل أبا
بكر على علي عليهالسلام
ولكن قال خير الناس بعد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أبا بكر فجعله نداء لأبي
بكر ليرضى من يمشي بين يديه من بعض هؤلاء الجهلة ليتوارى من شرورهم إن الله تعالى
جعل هذه التورية مما رحم به شيعتنا.
وبهذا الإسناد عن
أبي محمد العسكري عليهالسلام
أنه قال : لما جعل
المأمون إلى علي بن موسى الرضا عليهالسلام
ولاية العهد دخل عليه
آذنه فقال :
إن قوما بالباب
يستأذنون عليك يقولون نحن من شيعة علي عليهالسلام.
فقال أنا مشغول
فاصرفهم!
فصرفهم إلى أن
جاءوا هكذا يقولون ويصرفهم شهرين ثم أيسوا من الوصول فقالوا قل لمولانا إنا شيعة
أبيك علي بن أبي طالب عليهالسلام
قد شمت بنا أعداؤنا في
حجابك لنا ونحن ننصرف عن هذه الكرة ونهرب
من بلادنا خجلا
وأنفة مما لحقنا وعجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا من أعدائنا.
فقال علي بن موسى عليهالسلام ائذن لهم ليدخلوا فدخلوا عليه فسلموا عليه فلم يرد عليهم
ولم يأذن لهم بالجلوس فبقوا قياما.
فقالوا يا ابن
رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب؟ أي باقية تبقى
منا بعد هذا؟
فقال الرضا عليهالسلام اقرءوا ( وَما أَصابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) والله ما اقتديت
إلا بربي عز وجل وبرسوله وبأمير المؤمنين ومن بعده من آبائي الطاهرين عليهمالسلام عتوا عليكم فاقتديت بهم.
قالوا لما ذا يا
ابن رسول الله؟
قال لدعواكم أنكم
شيعة أمير المؤمنين ويحكم إن شيعته الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار
ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره ـ وأنتم في أكثر أعمالكم له
مخالفون وتقصرون في كثير من الفرائض وتتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله وتتقون
حيث لا تجب التقية وتتركون التقية حيث لا بد من التقية لو قلتم إنكم مواليه ومحبوه
والموالون لأوليائه والمعادون لأعدائه لم أنكره من قولكم ولكن هذه مرتبة شريفة
ادعيتموها إن لم تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم إلا أن تتدارككم رحمة ربكم.
قالوا يا ابن رسول
الله فإذا نستغفر الله ونتوب إليه من قولنا بل نقول كما علمنا مولانا نحن محبوكم
ومحبو أوليائكم ومعادو أعدائكم :
قال الرضا عليهالسلام فمرحبا بكم إخواني وأهل ودي ارتفعوا فما زال يرفعهم حتى
ألصقهم بنفسه ثم قال لحاجبه:
كم مرة حجبتهم؟
قال ستين مرة.
قال فاختلف إليهم
ستين مرة متوالية فسلم عليهم وأقرئهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم
وتوبتهم واستحقوا الكرامة لمحبتهم لنا وموالاتهم وتفقد أمورهم وأمور عيالاتهم
فأوسعهم نفقات ومبرات وصلات ودفع معرات.
احتجاج أبي جعفر محمد بن علي
الثاني عليهالسلام في أنواع شتى من العلوم الدينية
روى أبو داود بن
القاسم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليهالسلام
( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ما معنى الأحد؟
__________________
قال المجمع عليه
بالوحدانية أما سمعته يقول ( وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) ثم يقولون بعد ذلك له شريك وصاحبة.
فقلت قوله ( لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) ؟
قال يا أبا هاشم
أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي
لم تدخلها ـ ولم تدرك ببصرك ذلك فأوهام القلوب لا تدركه فكيف تدركه الأبصار؟
وسئل عليهالسلام أيجوز أن يقال لله إنه شيء؟
فقال نعم تخرجه من
الحدين حد الإبطال وحد التشبيه.
وعن أبي هاشم
الجعفري قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليهالسلام
فسأله رجل فقال أخبرني عن
الرب تبارك وتعالى أله أسماء وصفات في كتابه؟ وهل أسماؤه وصفاته هي هو؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام إن لهذا الكلام وجهين إن كنت تقول هي هو أنه ذو عدد وكثرة
فتعالى الله عن ذلك وإن كنت تقول هذه الأسماء والصفات لم تزل فإن مما لم تزل محتمل
على معنيين فإن قلت لم تزل عنده في علمه وهو يستحقها فنعم وإن كنت تقول لم تزل
صورها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره بل كان الله تعالى
ذكره ولا خلق ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدون وهي ذكره
وكان الله سبحانه ولا ذكر والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل والأسماء
والصفات مخلوقات والمعني بها هو الله لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف وإنما
يختلف ويأتلف المتجزئ.
ولا يقال له قليل
ولا كثير ولكنه القديم في ذاته لأن ما سوى الواحد متجزئ والله واحد ولا متجزئ ولا
متوهم بالقلة والكثرة وكل متجزئ أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق
له فقولك إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز
لسواه وكذلك قولك عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل لسواه فإذا أفنى الله
الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع فلا يزال من لم يزل عالما.
فقال الرجل فكيف
سمينا ربنا سميعا؟
فقال لأنه لا يخفى
عليه ما يدرك بالأسماع ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس وكذلك سميناه بصيرا لأنه
لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك ولم نصفه ببصر طرفة العين
وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وما هو أخفى من ذلك وموضع
المشي منها
__________________
والشهود والسفاد
والحدب على أولادها وإقامة بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في
الجبال والمغاور والأودية والقفار وعلمنا بذلك أن خالقها لطيف بلا كيف إذ الكيف
للمخلوق المكيف وكذلك سمينا ربنا قويا بلا قوة البطش المعروف من الخلق ولو كانت
قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه واحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة
احتمل النقصان ـ وما كان ناقصا كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزا فربنا
تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كيفية ولا نهاية ولا تصاريف محرم على
القلوب أن تحتمله وعلى الأوهام أن تحده وعلى الضمائر أن تصوره جل وعز عن أداة خلقه
وسمات بريته تعالى عن ذلك علوا كبيرا
عن الريان بن شبيب
قال : لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليهالسلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ذلك واستنكروا منه وخافوا أن
ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليهالسلام
فخاضوا في ذلك واجتمع
منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا
الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليهالسلام
فإنا نخاف أن يخرج به عنا
أمر قد ملكناه الله وينتزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء
القوم قديما وحديثا وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم
وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليهالسلام
ما عملت وكفانا الله
المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا عليهالسلام واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون
أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم
وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم وأعوذ بالله من ذلك وو الله
ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من
نفسي فأبى ( وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ).
وأما أبو جعفر
محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه
والأعجوبة فيه بذلك وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما
رأيت.
فقالوا إن هذا
الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما
تراه بعد ذلك.
فقال لهم ويحكم
إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه
لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال فإن
شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.
قالوا لقد رضينا
لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن
شيء من فقه الشريعة فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في حقه وظهر للخاصة
والعامة
__________________
سديد رأي أمير
المؤمنين فيه وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون
شأنكم وذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده
واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا
يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار
لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك واجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم
يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك
وخرج أبو جعفر عليهالسلام
وهو يومئذ ابن تسع سنين
وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه فقام الناس في مراتبهم
والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (ع).
فقال يحيى بن أكثم
للمأمون تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟
فقال المأمون
استأذنه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى
بن أكثم فقال أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام سل إن شئت!
فقال يحيى ما تقول
جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو
خطأ حرا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات
الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد أم من كباره مصرا على ما فعل أو نادما
في الليل كان قتله للصيد أم بالنهار محرماكان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟
فتحير يحيى بن
أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس عجزه.
فقال المأمون
الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم أعرفتم
الآن ما كنتم تنكرونه ثم أقبل إلى أبي جعفر فقال له أتخطب يا أبا جعفر؟
قال نعم يا أمير
المؤمنين.
فقال له المأمون
اخطب لنفسك جعلت فداك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي وإن رغم أنوف قوم
لذلك.
فقال أبو جعفر
الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على سيد
بريته والأصفياء من عترته.
أما بعد فقد كان
من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه (
وَأَنْكِحُوا
الْأَيامى
مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ
يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) ثم إن محمد بن
علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته
فاطمة بنت محمد عليهالسلام
وهو خمسمائة درهم جيادا
فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟
فقال المأمون نعم
قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح؟
قال أبو جعفر عليهالسلام نعم قد قبلت ذلك ورضيت به.
فأمر المأمون أن
يقعد الناس على مراتبهم من الخاصة والعامة.
قال الريان ولم
نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة
من فضة تشد بالحبال من الإبريسم على عجلة مملوة من الغالية فأمر المأمون أن تخضب
لحى الخاصة من تلك الغالية ففعلوا ذلك ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا بها ووضعت
الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم.
فلما تفرق الناس
وبقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر عليهالسلام
جعلت فداك إن رأيت أن
تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.
فقال أبو جعفر عليهالسلام نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات
الطير وكان من كبارها فعليه شاة وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وإذا قتل
فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة
الفرخ فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة وإن
كان ظبيا فعليه شاة فإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ( هَدْياً
بالِغَ الْكَعْبَةِ ) وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحج
نحره بمنى وإن كان إحرام بعمرة نحره بمكة وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي
العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطإ والكفارة على الحر في نفسه وعلى السيد
في عبده والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب
الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة.
فقال المأمون
أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك؟
فقال أبو جعفر
ليحيى أسألك؟
قال ذلك إليك جعلت
فداك فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك.
فقال أبو جعفر عليهالسلام أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها
حراما عليه فلما ارتفع النهار حلت له فلما زالت الشمس حرمت عليه فلما كان وقت
العصر حلت له فلما غربت الشمس حرمت عليه فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له فلما
كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له ما حال هذه المرأة وبما حلت
له وحرمت عليه؟
__________________
فقال له يحيى بن
أكثم لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه فإن رأيت أن
تفيدنا؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان
نظره إليها حراما عليه فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان عند
الظهر أعتقها فحرمت عليه فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب
ظاهر منها فحرمت عليه فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت
له فلما كان نصف الليل طلقها تطليقة واحدة فحرمت عليه فلما كان عند الفجر راجعها
فحلت له.
قال فأقبل المأمون
على من حضر من أهل بيته وقال لهم هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب
أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟
قالوا لا والله إن
أمير المؤمنين أعلم بما رأى.
فقال ويحكم إن أهل
هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال أما
علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
افتتح دعوته بدعاء أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
وهو ابن عشر سنين وقبل
منه الإسلام وحكم له به ولم يدع أحدا في سنه غيره وبايع الحسن والحسين عليهالسلام وهما دون الست سنين ولم يبايع صبيا غيرهما أولا تعلمون الآن
ما اختص الله به هؤلاء القوم وأنهم ذرية ( بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ
) ـ يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟
قالوا صدقت يا
أمير المؤمنين.
ثم نهض القوم فلما
كان من الغد حضر الناس وحضر أبو جعفر عليهالسلام
وصار القواد والحجاب
والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر عليهالسلام
فأخرجت ثلاثة أطباق من
الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق ورقاع مكتوبة بأموال
جزيلة وعطايا سنية وإقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته فكان كل من
وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له ووضعت البدر فنثر ما
فيها على القواد وغيرهم وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا وتقدم المأمون
بالصدقة على كافة المساكين ولم يزل مكرما لأبي جعفر عليهالسلام
معظما لقدره مدة حياته
يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته.
وروي أن المأمون
بعد ما زوج ابنته أم الفضل أبا جعفر كان في مجلس وعنده أبو جعفر عليهالسلام ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن
أكثم ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل عليهالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقال يا محمد إن الله عز
وجل يقرئك السلام ويقول لك سل أبا بكر هل هو عني راض فإني عنه راض؟ .
__________________
فقال أبو جعفر عليهالسلام لست بمنكر فضل أبي بكر ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ
مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حجة الوداع قد كثرت
علي الكذابة وستكثر بعدي فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فإذا أتاكم
الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به وما
خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله قال الله
تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما
تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) فالله عز وجل خفي
عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سره؟ هذا مستحيل في العقول.
ثم قال يحيى بن
أكثم وقد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء؟
فقال وهذا أيضا
يجب أن ينظر فيه لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط ولم
يفارقا طاعته لحظة واحدة وهما قد أشركا بالله عز وجل وإن أسلما بعد الشرك فكان
أكثر أيامهما الشرك بالله فمحال أن يشبههما بهما.
قال يحيى وقد روي
أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة فما تقول فيه؟
فقال عليهالسلام وهذا الخبر محال أيضا لأن
أهل الجنة كلهم يكونون شبانا ولا يكون فيهم كهل وهذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة
الخبر الذي قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الحسن والحسين عليهماالسلام بأنهما سيدا شباب أهل
الجنة.
فقال يحيى بن أكثم
وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة.
فقال عليهالسلام وهذا أيضا محال لأن في الجنة ملائكة الله المقربين وآدم
ومحمد [ محمدا ] وجميع الأنبياء والمرسلين لا تضيء الجنة بأنوارهم حتى تضيء بنور
عمر؟
__________________
فقال يحيى وقد روي
أن السكينة تنطق على لسان عمر؟ .
فقال عليهالسلام لست بمنكر فضل عمر ولكن أبا بكر أفضل من عمر فقال على رأس
المنبر إن لي شيطانا يعتريني فإذا ملت فسددوني.
فقال يحيى قد روي
أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال لو لم أبعث لبعث عمر .
فقال عليهالسلام كتاب الله أصدق من هذا الحديث يقول الله في كتابه : ( وَإِذْ
أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) فقد أخذ الله
ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه ، وكل الأنبياء عليهمالسلام لم يشركوا بالله طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان أكثر أيامه مع
الشرك بالله وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
نبئت وآدم بين الروح
والجسد.
فقال يحيى بن أكثم
وقد روي أيضا أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال ما احتبس عني الوحي
قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب؟
__________________
فقال عليهالسلام وهذا محال أيضا لأنه لا يجوز أن يشك النبي صلىاللهعليهوآله في نبوته قال الله تعالى ( اللهُ يَصْطَفِي مِنَ
الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ) فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى إلى من
أشرك به؟
قال يحيى روي أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال لو نزل العذاب لما
نجا منه إلا عمر.
فقال عليهالسلام وهذا محال أيضا لأن الله تعالى يقول ( وَما كانَ
اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ) فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلىاللهعليهوآله وما داموا يستغفرون.
وعن عبد العظيم
الحسني رضي الله عنه قال : قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهالسلام
يا مولاي إني لأرجو أن
تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
فقال عليهالسلام ما منا إلا قائم بأمر الله وهاد إلى دين الله ولكن القائم
الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأ الأرض قسطا وعدلا هو الذي
يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته وهو سمي رسول الله
وكنيه وهو الذي تطوى له الأرض ويذل له كل صعب يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر
ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض وذلك قول الله ( أَيْنَ ما
تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فإذا اجتمعت له
هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ـ فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل
خرج بإذن الله فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى عز وجل.
قال عبد العظيم
فقلت له يا سيدي فكيف يعلم أن الله قد رضي؟
قال يلقي في قلبه
الرحمة فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما.
احتجاج أبي الحسن علي بن محمد العسكري
عليهالسلام في شيء من التوحيد وغير ذلك من
العلوم الدينية والدنياوية على المخالف والمؤالف
سئل أبو الحسن عليهالسلام عن التوحيد فقيل له لم يزل الله وحده لا شيء معه ثم خلق
الأشياء بديعا واختار لنفسه الأسماء ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة؟
فكتب لم يزل الله
موجودا ثم كون ما أراد لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه تاهت أوهام المتوهمين ـ وتقصر
طرف الطارفين وتلاشت أوصاف الواصفين واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه
أو الوقوع بالبلوغ على علو مكانه فهو بالموضع الذي لا يتناهى وبالمكان الذي لم يقع
عليه عيون بإشارة ولا عبارة هيهات هيهات!!
وحدثنا أحمد بن
إسحاق قال : كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكري أسأله عن الرؤية وما فيه الخلق
فكتب
__________________
لا تجوز الرؤية ما
لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم تصح
الرؤية وفي جواب اتصال الضياءين الرائي والمرئي وجوب الاشتباه والله تعالى منزه عن
الاشتباه فثبت أنه لا يجوز عليه سبحانه الرؤية بالأبصار لأن الأسباب لا بد من
اتصالها بالمسببات.
وعن العباس بن
هلال قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد عليهالسلام
عن قول الله عز وجل : ( اللهُ
نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فقال عليهالسلام يعني هادي من في السماوات ومن في الأرض.
ومما أجاب به أبو
الحسن علي بن محمد العسكري عليهالسلام
في رسالته إلى أهل
الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض أن قال اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم
في ذلك أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الإجماع عليه مصيبون
وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون ولقول النبي صلىاللهعليهوآله
لا تجتمع أمتي على ضلالة
فأخبر عليهالسلام
أن ما اجتمعت عليه الأمة
ولم يخالف بعضها بعضا هو الحق فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون ولا ما قاله المعاندون
ومن إبطال حكم الكتاب واتباع حكم الأحاديث المزورة والروايات المزخرفة اتباع
الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب وتحقيق الآيات الواضحات النيرات
ونحن نسأل الله أن يوفقنا للصواب ويهدينا إلى الرشاد.
ثم قال عليهالسلام فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر وتحقيقه فأنكرته طائفة من الأمة
وعارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة فصارت بإنكارها ودفعها الكتاب كفارا ضلالا
وأصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث قال إني مستخلف فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي ما إن
تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض واللفظة الأخرى
عنه في هذا المعنى بعينه قوله عليهالسلام
إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض ما إن تمسكتم بهما
لن تضلوا فلما وجدنا شواهد هذا الحديث نصا في كتاب الله مثل قوله ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) ثم اتفقت روايات
العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليهالسلام
أنه تصدق بخاتمه وهو راكع
فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه ثم وجدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد أبانه من أصحابه بهذه
اللفظة من كنت مولاه فعلي مولاه ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وقوله صلىاللهعليهوآله علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم بعدي وقوله صلىاللهعليهوآله حيث استخلفه على المدينة فقال
__________________
يا رسول الله أتخلفني
على النساء والصبيان؟
فقال أما ترضى أن
تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فعلمنا أن الكتاب
شهد بتصديق هذه الأخبار وتحقيق هذه الشواهد فلزم الأمة الإقرار بها إذا كانت هذه
الأخبار وافقت القرآن ووافق القرآن هذه الأخبار ـ فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب
الله ووجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بهذه
الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد.
ثم قال عليهالسلام ومرادنا وقصدنا الكلام في الجبر والتفويض وشرحهما وبيانهما
وإنما قدمنا ما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب والخبر إذا اتفقا دليلا لما أردناه وقوة
لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء الله.
فقال الجبر
والتفويض يقول الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام
عند ما سئل عن ذلك فقال
لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين.
قيل فما ذا يا ابن
رسول الله؟
فقال صحة العقل
وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله
فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه وأنا أضرب لكل
باب من هذه الأبواب الثلاثة وهي الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب
المعنى للطالب ويسهل له البحث من شرحه ويشهد به القرآن بمحكم آياته ويحقق تصديقه
عند ذوي الألباب وبالله العصمة والتوفيق.
ثم قال عليهالسلام فأما الجبر فهو قول من زعم أن الله عز وجل جبر العباد على
المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ورد عليه قوله ( وَلا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) وقوله جل ذكره ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ
يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) مع آي كثيرة في
مثل هذا فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وظلمه في عظمته له
ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه لزمه الكفر بإجماع الأمة فالمثل المضروب
في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلا نفسه ولا يملك عرضا من عروض الدنيا ويعلم
مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن
ما يأتيه به وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما
يرضى به من الثمن وقد وصف به مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة
ونفي الجور فأوعد عبده إن لم يأته بالحاجة يعاقبه فلما صار العبد إلى السوق وحاول
أخذ الحاجة التي بعثه بها وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن ولا يملك العبد
ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة فاغتاظ مولاه لذلك وعاقبه على ذلك
فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته وإن لم يعاقبه كذب
نفسه أليس يجب أن لا يعاقبه والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة تعالى الله عما
يقول المجبرة علوا كبيرا.
__________________
ثم قال العالم عليهالسلام بعد كلام طويل فأما التفويض الذي أبطله الصادق عليهالسلام وخطأ من دان به فهو قول القائل إن الله عز وجل فوض إلى
العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم.
وهذا الكلام دقيق
لم يذهب إلى غوره ودقته إلا الأئمة المهدية عليهمالسلام من عترة آل الرسول صلىاللهعليهوآله
فإنهم قالوا لو فوض الله
أمره إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا به الثواب ولم
يكن عليهم فيما اجترموا العقاب إذ كان الإهمال واقعا وتنصرف هذه المقالة على
معنيين إما أن تكون العباد تظاهروا عليه فألزموه اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم
أحب فقد لزمه الوهن أو يكون جل وتقدس عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي عن إرادته ففوض
أمره ونهيه إليهم وأجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على إرادته
فجعل الاختيار إليهم في الكفر والإيمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه
ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه وادعى مالك العبد أنه قاهر قادر عزيز
حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم
العقاب فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف عند أمره ونهيه فأي أمر أمره به أو نهاه
عنه لم يأتمر على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه وبعثه في بعض حوائجه
وفيما الحاجة له فصار العبد بغير تلك الحاجة خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه
واتبع هواه فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه فإذا هو خلاف أمره فقال العبد
اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لأن المفوض إليه غير محظور عليه
لاستحالة اجتماع التفويض والتحظير.
ثم قال عليهالسلام إن الله خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم به من
الأمر والنهي وقبل منهم اتباع أمره ونهيه ورضي بذلك لهم ونهاهم عن معصيته وذم من
عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الأمر والنهي يختار ما يريده ويأمر به وينهى عما
يكره ويثيب ويعاقب بالاستطاعة التي يملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لأنه
العدل ومنه النصفة والحكومة بالغ الحجة بالإعذار والإنذار وإليه الصفوة يصطفي من
يشاء من عباده اصطفى محمدا صلىاللهعليهوآله
وبعثه بالرسالة إلى خلقه
ولو فوض اختيار أموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود
الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلىاللهعليهوآله
لما قالوا ( لَوْ لا
نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) يعنونهما بذلك
فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض بذلك أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام حين سأله عتابة [ عباية ] بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة فقال
أمير المؤمنين تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عتابة [ عباية ] بن ربعي.
فقال له قل يا
عتابة [ عباية ] قال وما أقول؟
قال إن قلت تملكها
مع الله قتلتك وإن قلت تملكها من دون الله قتلتك.
قال وما أقول يا
أمير المؤمنين؟
قال تقول تملكها
بالله الذي يملكها من دونك فإن ملككها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من
بلائه وهو المالك لما ملكك والمالك لما عليه أقدرك أما سمعت الناس يسألون الحول
والقوة حيث
__________________
يقولون لا حول ولا
قوة إلا بالله.
فقال الرجل وما
تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قال لا حول لنا من معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة
لنا على طاعة الله إلا بعون الله قال فوثب الرجل وقبل يديه ورجليه.
ثم قال عليهالسلام في قوله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا
أَخْبارَكُمْ ) وفي قوله ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ
مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) وفي قوله ( أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) وقوله ( وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمانَ ) وقوله ( فَإِنَّا قَدْ
فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ ) وقول موسى عليهالسلام ( إِنْ هِيَ
إِلاَّ فِتْنَتُكَ ) وقوله : (
لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ) وقوله ( ثُمَّ صَرَفَكُمْ
عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ) وقوله ( إِنَّا بَلَوْناهُمْ
كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) وقوله ( لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) وقوله ( وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) وقوله ( وَلَوْ يَشاءُ اللهُ
لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) إن جميعها جاءت
في القرآن بمعنى الاختبار.
ثم قال عليهالسلام فإن قالوا ما الحجة في قول الله تعالى ( يُضِلُّ
مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وما أشبه ذلك؟
قلنا فعلى مجاز
هذه الآية يقتضي معنيين أحدهما عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء وضلالة من
يشاء ولو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على ما شرحناه والمعنى
الآخر أن الهداية منه التعريف كقوله تعالى ( وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) وليس كل آية مشتبهة
في القرآن كانت الآية حجة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها وتقليدها وهي قوله
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ
مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) الآية وقال ( فَبَشِّرْ عِبادِ
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ
هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) وفقنا الله
وإياكم لما يحب ويرضى ويقرب لنا ولكم الكرامة والزلفى وهدانا لما هو لنا ولكم خير
وأبقى إنه الفعال لما يريد الحكيم المجيد.
عن أبي عبد الله
الزيادي قال : لما سم المتوكل نذر لله إن رزقه الله العافية أن
يتصدق بمال كثير فلما سلم وعوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير كم يكون؟ فاختلفوا
فقال بعضهم ألف درهم وقال بعضهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة ألف فاشتبه عليه هذا.
__________________
فقال له الحسن
حاجبه إن أتيتك يا أمير المؤمنين من هذا أخبرك بالحق والصواب فما لي عندك؟
فقال المتوكل إن
أتيت بالحق فلك عشرة آلاف درهم وإلا أضربك مائة مقرعة.
فقال قد رضيت فأتى
أبا الحسن العسكري عليهالسلام
فسأله عن ذلك.
فقال أبو الحسن عليهالسلام قل له يتصدق بثمانين درهما فرجع إلى المتوكل فأخبره فقال ـ سله
ما العلة في ذلك؟
فسأله فقال إن
الله عز وجل قال لنبيه صلىاللهعليهوآله
: ( لَقَدْ
نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) فعددنا مواطن رسول الله صلىاللهعليهوآله
فبلغت ثمانين موطنا.
فرجع إليه فأخبره
ففرح وأعطاه عشرة آلاف درهم.
وعن جعفر بن رزق
الله قال : قدم إلى المتوكل
رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم.
فقال يحيى بن أكثم
قد هدم إيمانه شركه وفعله وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود وقال بعضهم يفعل به كذا وكذا.
فأمر المتوكل
بالكتاب إلى أبي الحسن العسكري وسؤاله عن ذلك.
فلما قرأ الكتاب
كتب عليهالسلام
يضرب حتى يموت فأنكر يحيى
وأنكر فقهاء العسكر ذلك فقالوا يا أمير المؤمنين سله عن ذلك فإنه شيء لم ينطق به
كتاب ولم يجئ به سنة.
فكتب إليه أن
الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا لم يجئ به سنة ولم ينطق به كتاب فبين لنا لم أوجبت
علينا الضرب حتى يموت؟
فكتب ( بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ
وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ
إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ) الآية فأمر به المتوكل فضرب حتى مات
سأل يحيى بن أكثم
أبا الحسن العالم عليهالسلام
عن قوله تعالى ( سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) ما هي؟
فقال هي عين
الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطبرية وجمة ماسيدان [ ماسبذان ] وجمة
إفريقا وعين ماجروان [ باجروان ] ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى.
وروي عن الحسن العسكري
عليهالسلام
أنه اتصل بأبي الحسن علي
بن محمد العسكري عليهالسلام
أن رجلا من فقهاء شيعته
كلم بعض النصاب فأفحمه بحجته حتى أبان عن فضيحته فدخل إلى علي بن محمد عليهالسلام وفي
__________________
صدر مجلسه دست
عظيم منصوب وهو قاعد خارج الدست وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم فما زال يرفعه
حتى أجلسه في ذلك الدست وأقبل عليه فاشتد ذلك على أولئك الأشراف فأما العلوية فأجلوه
عن العتاب وأما الهاشميون فقال لهم شيخهم يا ابن رسول الله هكذا تؤثر عاميا على
سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟
فقال عليهالسلام إياكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم ( أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ
اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ
مُعْرِضُونَ ) أترضون بكتاب الله حكما؟ قالوا بلى.
قال أليس الله
يقول ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ
لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ )؟ إلى قوله ( يَرْفَعِ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) فلم يرض للعالم
المؤمن إلا أن يرفع على المؤمن غير العالم كما لم يرض للمؤمن إلا أن يرفع على من
ليس بمؤمن أخبروني عنه قال ( يَرْفَعِ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) أو قال يرفع
الذين أوتوا شرف النسب درجات أوليس قال الله ( هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ؟ فكيف تنكرون
رفعي لهذا لما رفعه الله إن كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علمه إياها لأفضل
له من كل شرف في النسب ـ؟
فقال العباسي يا
ابن رسول الله قد شرفت علينا وقصرتنا عمن ليس له نسب كنسبنا وما زال منذ أول
الإسلام يقدم الأفضل في الشرف على من دونه فيه.
فقال عليهالسلام سبحان الله أليس عباس بايع أبا بكر وهو تيمي والعباس هاشمي
أوليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب وهو هاشمي أبو الخلفاء وعمر عدوي
وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ولم يدخل العباس؟ فإن كان رفعنا لمن
ليس بهاشمي على هاشمي منكرا فأنكروا على عباس بيعته لأبي بكر وعلى عبد الله بن
عباس خدمته لعمر بعد بيعته فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز فكأنما ألقم الهاشمي حجرا.
وروي عن علي بن
محمد الهادي عليهالسلام
أنه قال : لو لا من يبقى
بعد غيبة قائمكم عليهالسلام
من العلماء الداعين إليه
والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس
ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ـ ولكنهم الذين يمسكون
أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله
عز وجل
احتجاج أبي محمد الحسن بن علي العسكري
عليهالسلام في أنواع شتى من علوم الدين
وبالإسناد المقدم
ذكره أن أبا محمد العسكري عليهالسلام
قال : في قوله تعالى ( خَتَمَ
اللهُ عَلى
__________________
قُلُوبِهِمْ
وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) أي وسمها بسمة يعرفها
من يشاء من ملائكته إذا نظروا إليها بأنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه ـ وقصروا
فيما أريد منهم وجهلوا ما لزمهم الإيمان به فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما
أمامه فإن الله عز وجل يتعالى عن العبث والفساد وعن مطالبة العباد بما منعهم
بالقهر منه فلا يأمرهم بمغالبته ولا بالمصير إلى ما قد صدهم بالقسر عنه ثم قال ( وَلَهُمْ
عَذابٌ عَظِيمٌ ) يعني في الآخرة العذاب المعد للكافرين وفي الدنيا أيضا لمن
يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته أو من عذاب الإصلاح
ليصيره إلى عدله وحكمته.
وروى أبو محمد العسكري
عليهالسلام
مثل ما قال هو في تأويل
هذه الآية من المراد بالختم على قلوب الكفار عن الصادق عليهالسلام بزيادة شرح لم نذكره مخافة التطويل لهذا الكتاب.
وبالإسناد المتكرر
من أبي محمد عليهالسلام
أنه قال : في تفسير قوله
تعالى ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً ) الآية جعلها
ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ولا
شديدة البرودة فتجمدكم ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ولا شديدة النتن فتعطبكم
ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم وأبنيتكم
ودفن موتاكم ولكنه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون وتتماسك عليها
أبدانكم وبنيانكم وجعل فيها من اللين ما تنقاد به لحرثكم وقبوركم وكثير من منافعكم
فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثم قال (
وَالسَّماءَ بِناءً ) يعني سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها
لمنافعكم.
ثم قال (
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ) يعني المطر ينزله من علو ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم
وأوهادكم ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا وطلا لينشفه أرضوكم ولم يجعل ذلك المطر نازلا
عليكم قطعة واحدة ليفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم.
ثم قال : (
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) يعني مما يخرجه
من الأرض رزقا لكم ، ( فَلا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَنْداداً ) أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر
ولا تقدر على شيء ، ( وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ ) أنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها
عليكم ربكم.
وبالإسناد الذي
مضى ذكره عن أبي محمد العسكري عليهالسلام
في قوله تعالى (
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَ ) أن الأمي منسوب
إلى أمه أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب ، ( لا
يَعْلَمُونَ الْكِتابَ ) المنزل من السماء ولا المتكذب به ولا يميزون بينهما ( إِلاَّ
أَمانِيَ ) أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم إن هذا كتاب الله وكلامه
لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ، ( وَإِنْ هُمْ إِلاَّ
يَظُنُّونَ ) أي ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلىاللهعليهوآله
__________________
في نبوته وإمامة علي
عليهالسلام
سيد عترته وهم يقلدونهم
مع أنه محرم عليهم تقليدهم ، ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ ) تعالى إلى آخرها .
هذا القوم اليهود
كتبوا صفة زعموا أنها صفة محمد صلىاللهعليهوآله
وهي خلاف صفته وقالوا
للمستضعفين منهم هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان إنه طويل عظيم البدن والبطن
أهدف أصهب الشعر ومحمد صلىاللهعليهوآله
بخلافه وهو يجيء بعد هذا
الزمان بخمسمائة سنة وإنما أرادوا بذلك أن تبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم وتدوم لهم
إصابتهم ويكفوا أنفسهم مئونة خدمة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وخدمة علي عليهالسلام وأهل بيته وخاصته فقال الله عز وجل ( فَوَيْلٌ
لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) من هذه الصفات
المحرفات والمخالفات لصفة محمد صلىاللهعليهوآله
وعلي عليهالسلام الشدة لهم من العذاب في أسوإ بقاع جهنم وويل لهم الشدة في
العذاب ثانية مضافة إلى الأولى بما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا
عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله صلىاللهعليهوآله
والحجة لوصيه وأخيه علي
بن أبي طالب عليهالسلام
ولي الله.
ثم قال عليهالسلام قال رجل للصادق عليهالسلام
فإذا كان هؤلاء القوم من
اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره فكيف
ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم
فقال عليهالسلام بين عوامنا وعلمائنا وعوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة
وتسوية من جهة
أما من حيث استووا
فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم وأما من حيث افترقوا فلا
قال بين لي يا ابن
رسول الله
قال عليهالسلام إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وبأكل
الحرام والرشاء وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات وعرفوهم
بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا
عليه وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم وعرفوهم
يقارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا
يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا
من قد عرفوه ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ولا العمل
بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم.
وكذلك عوام أمتنا
إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا
وحرامها وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا وبالترفرف
__________________
بالبر والإحسان
على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء
الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم فأما من كان من
الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن
يقلدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فإنه من ركب من القبائح
والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئا ولا كرامة وإنما كثر التخليط
فيما يحتمل عنا أهل البيت لذلك لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم
ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من
عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.
ومنهم قوم نصاب لا
يقدرون على القدح فينا يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا
وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا
التي نحن براء منها فيتقبله المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوا
وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهالسلام وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال وهؤلاء علماء
السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون ولأعدائنا معادون ويدخلون الشك والشبهة
على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب لا جرم أن من علم الله من
قلبه من هؤلاء القوم أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه لم يتركه في يد هذا
المتلبس الكافر ـ ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب ثم يوفقه الله للقبول منه
فيجمع الله له بذلك خير الدنيا والآخرة ويجمع على من أضله لعنا في الدنيا وعذاب
الآخرة.
ثم قال قال رسول
الله أشرار علماء أمتنا المضلون عنا القاطعون للطرق إلينا المسمون أضدادنا
بأسمائنا الملقبون أندادنا بألقابنا يصلون عليهم وهم للعن مستحقون ويلعنونا ونحن
بكرامات الله مغمورون وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم
مستغنون.
ثم قال قيل لأمير
المؤمنين عليهالسلام
من خير خلق الله بعد أئمة
الهدى ومصابيح الدجى؟ قال العلماء إذا صلحوا.
قيل فمن شرار خلق
الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمين بأسمائكم والمتلقبين بألقابكم ـ والآخذين
لأمكنتكم والمتأمرين في ممالككم ـ؟
قال العلماء إذا
فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله عز وجل ( أُولئِكَ
يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا ) الآية
وبالإسناد المقدم
ذكره عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبي الحسن علي بن محمد بن سيار أنهما
قالا : قلنا للحسن أبي القائم عليهالسلام
إن قوما عندنا يزعمون أن
هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وأنزلهما الله مع
ثالث لهما إلى الدنيا ـ وأنهما
__________________
افتتنا بالزهرة وأرادا
الزنا بها ـ وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة وأن الله يعذبهما ببابل وأن السحرة
منهما يتعلمون السحر وأن الله مسخ هذا الكوكب الذي هو الزهرة.
فقال الإمام عليهالسلام معاذ الله من ذلك إن ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر
والقبائح بألطاف الله فقال عز وجل فيهم ( لا يَعْصُونَ اللهَ
ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) وقال ( وَلَهُ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ ) يعني الملائكة ( لا
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) وقال في الملائكة ( بَلْ عِبادٌ
مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) إلى قوله (
مُشْفِقُونَ ) كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض وكانوا
كالأنبياء في الدنيا وكالأئمة أفيكون من الأنبياء والأئمة قتل النفس والزنا وشرب
الخمر؟
ثم قال أولست تعلم
أن الله لم يخل الدنيا من نبي أو إمام من البشر؟ أوليس يقول ( وَما
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ـ من رسلنا يعني إلى الخلق ـ
إِلاَّ
رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) فأخبر أنه لم
يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما وإنما أرسلوا إلى أنبياء الله؟
قالا قلنا له فعلى
هذا لم يكن إبليس ملكا!
فقال لا بل كان من
الجن أما تسمعان الله تعالى يقول ( وَإِذْ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ ) فأخبر أنه كان من
الجن وهو الذي قال : ( وَالْجَانَّ
خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .
وقال الإمام عليهالسلام يحدثني أبي عن جدي عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن الله اختارنا معاشر آل
محمد واختار النبيين واختار الملائكة المقربين وما اختارهم إلا على علم منه بهم
أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته وينقطعون به من عصمته وينضمون به إلى
المستحقين لعذابه ونقمته.
قالا فقلنا فقد
روي لنا أن عليا صلوات الله عليه لما نص عليه رسول الله بالإمامة عرض الله ولايته على فئام
وفئام من الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع.
فقال معاذ الله
هؤلاء المكذبون علينا الملائكة هم رسل الله كسائر أنبياء الله إلى الخلق أفيكون
منهم الكفر بالله قلنا لا.
قال فكذلك
الملائكة إن شأن الملائكة عظيم وإن خطبهم لجليل.
__________________
وبالإسناد الذي
تكرر عن أبي يعقوب وأبي الحسن أيضا أنهما قالا : حضرنا عند الحسن بن علي أبي
القائم عليهالسلام
فقال له بعض أصحابه جاءني
رجل من إخواننا الشيعة قد امتحن بجهال العامة يمتحنونه في الإمامة ويحلفونه فكيف
يصنع حتى يتخلص منهم؟
فقلت له كيف
يقولون؟
قال يقولون أتقول
إن فلانا هو الإمام بعد رسول الله ص؟ فلا بد لي أن أقول نعم وإلا أثخنوني ضربا
فإذا قلت نعم قالوا لي قل والله فقلت لهم نعم وأريد به نعما من الأنعام الإبل
والبقر والغنم.
قلت فإذا قالوا
والله فقل ولى أي تريد عن أمر كذا فإنهم لا يميزون وقد سلمت.
فقال لي فإن حققوا
علي؟ فقالوا قل والله وبين الهاء.
فقلت قل والله
برفع الهاء فإنه لا يكون يمينا إذا لم يخفض فذهب ثم رجع إلي فقال عرضوا علي
وحلفوني فقلت كما لقنتني؟
فقال له الحسن عليهالسلام أنت كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
الدال على الخير كفاعله
لقد كتب الله لصاحبك بتقيته بعدد كل من استعمل التقية من شيعتنا وموالينا ومحبينا
حسنة وبعدد من ترك التقية منهم حسنة أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب مائة سنة لغفرت
ولك بإرشادك إياه مثل ما له.
وبالإسناد المتكرر
ذكره عن الحسن العسكري عليهالسلام
أنه قال : أعرف الناس
بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا ومن تواضع في الدنيا لإخوانه
فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام
حقا ولقد ورد على أمير
المؤمنين عليهالسلام
أخوان له مؤمنان أب وابن
فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديهما ثم أمر بطعام فأحضر
فأكلا منه ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل لييبس وجاء ليصب على يد الرجل ماء
فوثب أمير المؤمنين عليهالسلام
فأخذ الإبريق ليصب على يد
الرجل فتمرغ الرجل في التراب وقال :
يا أمير المؤمنين
الله يراني وأنت تصب على يدي؟
قال اقعد واغسل
يدك فإن الله عز وجل يراك وأخوك الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عليك يخدمك يريد بذلك
خدمة في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها فقعد
الرجل فقال له علي عليهالسلام
أقسمت عليك بعظيم حقي
الذي عرفته وبجلته وتواضعك لله بأن ندبني لما شرفك به من خدمتي لك لما غسلت مطمئنا
كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا ففعل الرجل.
فلما فرغ ناول
الإبريق محمد بن الحنفية وقال يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه ـ لصببت على
يده ولكن الله يأبى أن يسوى بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان لكن قد صب الأب على
الأب
فليصب الابن على
الابن فصب محمد بن الحنفية على الابن.
ثم قال الحسن العسكري
عليهالسلام
فمن اتبع عليا عليهالسلام على ذلك فهو الشيعي حقا
احتجاج الحجة القائم المنتظر
المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين
سعد بن عبد الله
القمي الأشعري قال : بليت بأشد النواصب منازعة فقال لي يوما بعد ما
ناظرته تبا لك ولأصحابك أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن
عليهم وبالجحود لمحبة النبي لهم فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام ألا
تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
إنما ذهب به ليلة الغار
لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته وأراد أن يصون
نفسه كما يصون عليهالسلام
خاصة نفسه كي لا يختل حال
الدين من بعده؟ ويكون الإسلام منتظما وقد أقام عليا على فراشه لما كان في علمه أنه
لو قتل لا يختل الإسلام بقتله لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه لا جرم لم يبال
من قتله؟
قال سعد إني قلت
على ذلك أجوبة لكنها غير مسكتة.
ثم قال معاشر
الروافض تقولون إن الأول والثاني كانا ينافقان وتستدلون على ذلك بليلة العقبة.
ثم قال لي أخبرني
عن إسلامهما كان من طوع ورغبة أو كان عن إكراه وإجبار؟ فاحترزت عن جواب ذلك ـ وقلت
مع نفسي إن كنت أجبته بأنه كان عن طوع فيقول لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن
نفاق وإن قلت كان عن إكراه وإجبار لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتى يكون
إسلامهما بإكراه وقهر فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي فأخذت طومارا وكتبت
بضعا وأربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها فقلت أدفعها إلى
صاحب مولاي أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام
الذي كان في قم أحمد بن
إسحاق فلما طلبته كان هو قد ذهب فمشيت على أثره فأدركته وقلت الحال معه.
فقال لي جئ معي
إلى سر من رأى حتى نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن علي عليهالسلام.
فذهبت معه إلى سر
من رأى ثم جئنا إلى باب دار مولانا عليهالسلام
فاستأذنا عليه فأذن لنا
فدخلنا الدار وكان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري وكان فيه مائة وستون
صرة من الذهب والورق على كل واحدة منها خاتم صاحبها الذي دفعها إليه ولما دخلنا
وقعت أعيننا على أبي محمد
__________________
الحسن العسكري عليهالسلام ـ كأن وجهه كالقمر ليلة البدر وقد رأينا على فخذه غلاما
يشبه المشتري في الحسن والجمال وكان على رأسه ذؤابتان وكان بين يديه رمان من الذهب
قد حلي بالفصوص والجواهر الثمينة قد أهداه واحد من رؤساء البصرة وكان في يده قلم
يكتب به شيئا على قرطاس فكلما أراد أن يكتب شيئا أخذ الغلام يده فألقى الرمان حتى
يذهب الغلام إليه ويجيء به فلما ترك يده يكتب ما شاء.
ثم فتح أحمد بن
إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي العسكري عليهالسلام
فنظر العسكري إلى الغلام
فقال فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك!
فقال يا مولاي أيجوز
أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة ـ؟
ثم قال يا ابن
إسحاق أخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام ثم أخرج صرة فقال الغلام هذا
لفلان بن فلان من محلة كذا بقم مشتمل على اثنين وسبعين دينارا فيها من ثمن حجرة
باعها وكانت إرثا عن أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر
دينارا وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليهالسلام صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها.
فقال الغلام في
هذه العين دينار بسكة الري تاريخه في سنة كذا قد ذهب نصف نقصه عنه وثلاثة أقطاع
قراضة بالوزن دانق ونصف في هذه الصرة الحرام هذا القدر فإن صاحب هذه الصرة في سنة
كذا في شهر كذا كان له عند نساج وهو من جملة جيرانه من وربع فأتى على ذلك زمان
كثير فسرقه سارق من عنده فأخبره النساج بذلك فما صدقه وأخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ
من ونصف ثم أمر حتى نسج منه ثوب وهذا الدينار والقراضة من ثمنه ثم حل عقدها فوجد
الدينار والقراضة كما أخبر ثم أخرجت صرة أخرى.
فقال الغلام هذا
لفلان بن فلان من المحلة الفلانية بقم والعين فيها خمسون دينارا ولا ينبغي لنا أن
ندني أيدينا إليها.
قال لم؟ فقال من
أجل أن هذه الدنانير ثمن الحنطة وكانت هذه الحنطة بينه وبين حراث له فأخذ نصيبه
بكيل كامل وأعطى نصيبه بكيل ناقص.
فقال مولانا الحسن
بن علي عليهالسلام
صدقت يا بني قال يا ابن
إسحاق احمل هذه الصرر وبلغ أصحابها وأوص بتبليغها إلى أصحابها فإنه لا حاجة بنا
إليها ثم قال جئ إلي بثوب تلك العجوز
فقال أحمد بن
إسحاق كان ذلك في حقيبة فنسيته ثم مشى أحمد بن إسحاق ليجيئ بذلك إلى مولانا أبي
محمد العسكري عليهالسلام
وقال ما جاء بك يا سعد؟
فقلت شوقني أحمد
بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت على حالها يا
مولاي قال فاسأل قرة عيني وأومى إلى الغلام مما بدا لك!
فقلت يا مولانا
وابن مولانا روي لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
جعل طلاق نسائه إلى أمير
المؤمنين حتى إنه بعث يوم الجمل رسولا إلى عائشة وقال إنك أدخلت الهلاك على
الإسلام وأهله بالغش الذي
حصل منك وأوردت
أولادك في موضع الهلاك بالجهالة فإن امتنعت وإلا طلقتك فأخبرنا يا مولاي عن معنى
الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى أمير المؤمنين عليهالسلام؟
فقال إن الله تقدس
اسمه عظم شأن نساء النبي صلىاللهعليهوآله
فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يا أبا الحسن إن هذا شرف
باق ما دمن لله على طاعة فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج
وأسقطها من شرف أمية المؤمنين.
ثم قلت أخبرني عن
الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في أيام
عدتها؟
فقال عليهالسلام تلك الفاحشة السحق وليست بالزنا لأنها إذا زنت يقام عليها الحد وليس لمن أراد
تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها وأما إذا ساحقت فيجب
عليها الرجم والرجم هو الخزي ومن أمر الله تعالى برجمها فقد أخزاها ليس لأحد أن
يقربها.
ثم قلت أخبرني يا
ابن رسول الله ـ عن قول الله تعالى لنبيه موسى ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة؟
فقال عليهالسلام من قال ذلك؟ افترى على موسى واستهجنه في نبوته لأنه ما خلا
الأمر فيها من خطبين إما أن كانت صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاة
موسى جائزة فيها فجاز لموسى أن يكون لابسها في تلك البقعة وإن كانت مقدسة مطهرة
وإن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب أن موسى لم يعرف الحلال والحرام ولم يعلم
ما جازت الصلاة فيه مما لم يجز وهذا كفر.
قلت فأخبرني يا
مولاي عن التأويل فيها؟
قال إن موسى عليهالسلام كان بالوادي المقدس فقال يا رب إني أخلصت لك المحبة مني
وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك وتعالى ( فَاخْلَعْ
نَعْلَيْكَ ) أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة وقلبك من
الميل إلى من سواي مغسولا.
فقلت أخبرني عن
تأويل ( كهيعص ).
قال هذه الحروف من
أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد صلىاللهعليهوآله وذلك أن زكريا عليهالسلام
سأل ربه أن يعلمه الأسماء
الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة
والحسن سري عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر اسم الحسين عليهالسلام
خنقته العبرة ووقعت عليه
البهرة.
فقال ذات يوم إلهي
ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت
__________________
الحسين تدمع عيني
وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال ( كهيعص ) فالكاف اسم
كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره
فلما سمع بذلك زكريا عليهالسلام
لم يفارق مسجده ثلاثة
أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه :
إلهي أتفجع خير
جميع خلقك بولده؟
إلهي أتنزل بلوى
هذه الرزية بفنائه؟
إلهي أتلبس عليا
وفاطمة ثوب هذه المصيبة؟
إلهي تحل كربة هذه
المصيبة بساحتهما؟
ثم كان يقول إلهي
ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما
تفجع محمدا حبيبك بولده.
فرزقه الله يحيى
وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.
فقلت أخبرني يا
مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟
قال مصلح أو مفسد؟
فقلت مصلح.
قال هل يجوز أن
يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت
بلى.
قال فهي العلة
أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك؟ قلت نعم.
قال أخبرني عن
الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام
الأمم فأهدى إلى ثبت الاختيار ومنهم موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال
علمهما إذ هما على المنافق بالاختيار أن يقع خيرتهما وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت لا.
قال فهذا موسى
كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه
عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقع خيرته على
المنافقين قال الله عز وجل : ( وَاخْتارَ مُوسى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) الآية فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على
الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار لمن لا يعلم
ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وينصرف عنه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين
والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا عليهالسلام يا سعد من ادعى أن النبي صلىاللهعليهوآله
وهو خصمك ذهب بمختار هذه
الأمة مع
__________________
نفسه إلى الغار
فإنه خاف عليه كما خاف على نفسه لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته لأنه لم يكن
من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه وإنما أقام عليا على مبيته لأنه علم أنه إن قتل
لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في
الأمور لم لا تنقض عليه بقولك أولستم تقولون إن النبي صلىاللهعليهوآله قال ـ إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنة وصيرها موقوفة على
أعمار هؤلاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول
الله فإن خصمك لم يجد بدا من قوله بلى.
قلت له فإذا كان
الأمر كذلك فكما أبو بكر الخليفة من بعده كان هذه الثلاثة خلفاء أمته من بعده فلم
ذهب بخليفة واحد وهو أبو بكر إلى الغار ولم يذهب بهذه الثلاثة فعلى هذا الأساس
يكون النبي صلىاللهعليهوآله
مستخفا بهم دون أبي بكر
فإنه يجب عليه أن يفعل بهم ما يفعل بأبي بكر فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا
بحقوقهم وتاركا للشفقة عليهم بعد أن كان يجب أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم
ما فعل بأبي بكر.
وأما ما قال لك
الخصم بأنهما أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا؟ وذلك أنهما
يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد صلىاللهعليهوآله
واستيلائه على العرب عن
التوراة والكتب المقدسة وملاحم قصة محمد صلىاللهعليهوآله
ويقولون لهما يكون
استيلاؤه على العرب كاستيلاء بختنصر على بني إسرائيل إلا أنه يدعي النبوة ولا يكون
من النبوة في شيء فلما ظهر أمر رسول الله فساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من جهة ولاية رسول الله ولاية بلد إذا انتظم
أمره وحسن باله واستقامت ولايته فلما أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة وتلثما
مثل من تلثم منهم فنفروا بدابة رسول الله لتسقطه ويصير هالكا بسقوطه بعد أن صعد
العقبة فيمن صعد فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا وكان
حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءا عليا عليهالسلام
وبايعاه طمعا أن تكون لكل
واحد منهما ولاية فلما لم يكن ذلك وأيسا من الولاية نكثا بيعته وخرجا عليه حتى آل
أمر كل واحد منهما إلى ما يئول أمر من ينكث العهود والمواثيق.
ثم قام مولانا
الحسن بن علي عليهالسلام
لصلاته وقام القائم معه
فرجعت من عندهما وطلبت أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت ما أبطأك وما أبكاك؟
قال قد فقدت الثوب
الذي سألني مولاي إحضاره قلت لا بأس عليك فأخبره!
فدخل عليه وانصرف
من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وأهل بيته فقلت ما الخبر؟
فقال وجدت الثوب
مبسوطا تحت قدمي مولانا عليهالسلام
يصلي عليه.
قال سعد فحمدنا
الله جل ذكره على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا عليهالسلام أياما نرى الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا
وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال :
يا ابن رسول الله
قد دنت الرحلة واشتدت المحنة فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى
أبيك وعلى سيدة النساء أمك فاطمة الزهراء وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى
الأئمة من بعدهما آبائك وأن يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إليه أن يعلي كعبك ويكبت
عدوك ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال فلما قال هذه
الكلمة استعبر مولانا عليهالسلام
حتى استهملت دموعه
وتقاطرت عبراته ثم قال :
يا ابن إسحاق لا
تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله في صدرك هذا فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال
:
سألتك بالله
وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج
ثلاثة عشر درهما فقال :
خذها ولا تنفق على
نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت والله ( لا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ ).
قال سعد فلما صرنا
بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليهالسلام
من حلوان على ثلاثة فراسخ
حم أحمد بن إسحاق وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته بها فلما وردنا حلوان ونزلنا
في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال تفرقوا
عني هذه الليلة واتركوني وحدي فانصرفنا عنه ورجع كل واحد إلى مرقده.
قال سعد فلما حان
أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم
مولانا أبي محمد وهو يقول أحسن الله بالخير عزاكم ـ وختم بالمحبوب رؤيتكم قد فرغنا
من غسل صاحبكم ومن تكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ثم غاب عن
أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره
رحمه الله.
وعن الشيخ الموثوق
أبي عمرو العمري ره قال : تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من
__________________
الشيعة في الخلف
فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد عليهالسلام
مضى ولا خلف له ثم إنهم
كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه.
فورد جواب كتابهم
بخطه صلى الله عليه وعلى آبائه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
عافانا الله
وإياكم من الفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب إنه أنهي
إلي ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم فغمنا
ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره والحق
معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا.
يا هؤلاء ما لكم
في الريب تترددون وفي الحيرة تنعكسون أوما سمعتم الله يقول ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ؟ أوما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم
على الماضين والباقين منهم السلام؟ أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها
وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليهالسلام
إلى أن ظهر الماضي ع؟
كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله
أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة
ويظهر ( أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ ) وإن الماضي عليهالسلام مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهمالسلام حذو النعل بالنعل وفينا وصيته وعلمه ومنه خلفه ومن يسد مسده ولا ينازعنا
موضعه إلا ظالم آثم ولا يدعيه دوننا إلا كافر جاحد ولو لا أن أمر الله لا يغلب
وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقنا ما تبتز منه عقولكم ويزيل شكوككم ولكنه ما
شاء الله كان و ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) ـ فاتقوا الله
وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ولا تحاولوا كشف
ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة
على السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم ولو لا ما عندنا من محبة
صاحبكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا به من
منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه المضاد لربه المدعي ما ليس له الجاحد
حق من افترض الله طاعته الظالم الغاصب ـ وفي ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآله لي أسوة حسنة وسيتردى الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر ( لِمَنْ
عُقْبَى الدَّارِ ).
عصمنا الله وإياكم
من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته إنه ولي ذلك والقادر
__________________
على ما يشاء وكان
لنا ولكم وليا وحافظا والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله
وبركاته وصلى الله على النبي محمد وآله وسلم تسليما
وعن سعد بن عبد
الله الأشعري عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري : أنه جاء بعض أصحابنا
يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه نفسه ويعلمه أنه القيم بعد أخيه وأن
عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها قال أحمد بن
إسحاق فلما قرأت الكتاب ـ كتبت إلى صاحب الزمان عليهالسلام
وصيرت كتاب جعفر في درجه
فخرج إلي الجواب في ذلك.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
أتاني كتابك أبقاك
الله والكتاب الذي أنفذت درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه
وتكرر الخطإ فيه ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه (
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* ) حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا أبى الله عز
وجل للحق إلا إتماما وللباطل إلا زهوقا وهو شاهد علي بما أذكره ولي عليكم بما
أقوله إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون.
وإنه لم يجعل
لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة
ولا طاعة ولا ذمة وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.
يا هذا يرحمك الله
إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا
وأبصارا وقلوبا وألبابا ثم بعث النبيين عليهمالسلام ( مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ ) يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ويعرفونهم ما جهلوه من
أمر خالقهم ودينهم وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة وباين بينهم وبين من بعثهم
إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة ـ والبراهين
الباهرة والآيات الغالبة فمنهم من جعل النار عليه ( بَرْداً وَسَلاماً ) واتخذه خليلا
ومنهم من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ومنهم من أحيا ( الْمَوْتى
بِإِذْنِ اللهِ ) وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ومنهم من علمه ( مَنْطِقَ
الطَّيْرِ ) وأوتي من كل شيء.
ثم بعث محمدا صلىاللهعليهوآله ( رَحْمَةً
لِلْعالَمِينَ ) وتمم به نعمته وختم به أنبياءه وأرسله إلى الناس كافة
وأظهر من صدقه ما أظهر وبين من آياته وعلاماته ما بين ثم قبضه صلىاللهعليهوآله حميدا فقيدا سعيدا وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه
ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليهالسلام
ثم إلى الأوصياء من ولده
واحدا بعد واحد أحيا بهم دينه وأتم بهم نوره وجعل بينهم وبين إخوتهم وبني عمهم
والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بينا تعرف به الحجة من المحجوج والإمام من
المأموم بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس
وجعلهم خزان علمه ومستودع
حكمته وموضع سره
وأيدهم بالدلائل ولو لا ذلك لكان الناس على سواء ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد
ولما عرف الحق من الباطل ولا العلم من الجهل.
وقد ادعى هذا
المبطل المدعي على الله الكذب بما ادعاه فلا أدري بأية حالة هي له ـ؟ رجا أن يتم
دعواه بفقه في دين الله؟ فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطإ وصواب أم
بعلم؟ فما يعلم حقا من باطل ولا محكما من متشابه ولا يعرف حد الصلاة ووقتها أم
بورع؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة ولعل
خبره تأدى إليكم وها تيك ظروف مسكره منصوبة وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة
أم بآية؟ فليأت بها أم بحجة؟ فليقمها أم بدلالة؟ فليذكرها قال الله عز وجل في
كتابه ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. ما خَلَقْنَا السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ
كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي
السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا
يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ.
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ
) .
فالتمس تولى الله
توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسرها أو
صلاة يبين حدودها وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه والله
حسيبه.
حفظ الله الحق على
أهله وأقره في مستقره وأبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في الأخوين إلا في الحسن
والحسين وإذ أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم وإلى الله
أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية و ( حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) وصلى الله على محمد وآل محمد.
محمد بن يعقوب
الكليني عن إسحاق بن يعقوب
قال : سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد
التوقيع بخط مولانا صاحب
__________________
الزمان عليهالسلام :
أما ما سألت عنه
أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا.
فاعلم أنه ليس بين
الله عز وجل وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح.
وأما سبيل ابن عمي
جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليهالسلام.
وأما الفقاع فشربه
حرام ولا بأس بالشلماب.
وأما أموالكم فلا
نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع وما آتانا ( اللهُ
خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ ).
وأما ظهور الفرج
فإنه إلى الله وكذب الوقاتون.
وأما قول من زعم
أن الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث
الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.
وأما محمد بن
عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي.
وأما محمد بن علي
بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه.
وأما ما وصلنا به
فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام.
وأما محمد بن
شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب
محمد بن أبي زينب الأجدع ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم
بريء وآبائي عليهمالسلام منهم براء.
__________________
وأما المتلبسون
بأموالنا ـ فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران وأما الخمس فقد أبيح
لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما ندامة قوم
شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكين.
وأما علة ما وقع
من الغيبة فإن الله عز وجل يقول ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) إنه لم يكن أحد
من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة
لأحد من الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع
بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض
كما أن النجوم أمان لأهل السماء فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا
علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق
بن يعقوب و ( عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
أبو الحسن علي بن
أحمد الدلال القمي قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى
الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا فقال قوم هذا محال لا يجوز على الله
تعالى لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل وقال آخرون بل الله أقدر
الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلك نزاعا شديدا فقال قائل
ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه
فإنه الطريق إلى صاحب الأمر فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله فكتبوا
المسألة وأنفذوها إليه فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته.
إن الله تعالى هو
الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ( لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
وأما الأئمة عليهمالسلام ـ فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما
لحقهم.
عن أبي جعفر محمد
بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ره قال حدثني محمد بن إبراهيم بن
__________________
إسحاق الطالقاني قال : كنت عند
الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له
أريد أن أسألك عن شيء فقال له سل عما بدا لك.
فقال الرجل أخبرني
عن الحسين بن علي عليهالسلام
أهو ولي الله؟ قال نعم
قال أخبرني عن
قاتله لعنه الله أهو عدو لله؟ قال نعم
قال الرجل فهل
يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه ـ؟
فقال أبو القاسم
قدس الله روحه افهم عني ما أقول لك اعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة
العيان ـ ولا يشافههم بالكلام ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم
بشرا مثلهم ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم
فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ( الطَّعامَ
وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ ) قالوا لهم أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء
نعجز من أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله عز
وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.
__________________
فمنهم من جاء
بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرد.
ومنهم من ألقي في
النار فكانت عليه ( بَرْداً وَسَلاماً ).
ومنهم من أخرج من
الحجر الصلب الناقة وأجرى من ضرعها لبنا.
ومنهم من فلق له
البحر وفجر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا ( تَلْقَفُ
ما يَأْفِكُونَ ).
ومنهم من أبرأ
الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
ومنهم من انشق له
القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق
عن أممهم من أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن
جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وأخرى
مقهورين ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم
لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن
والاختبار ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى
صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم
متواضعين غير شامخين ولا متجبرين وليعلم العباد أن لهم عليهالسلام إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة
الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد
بما أتت به الأنبياء والرسل و ( لِيَهْلِكَ مَنْ
هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ).
قال محمد بن
إبراهيم بن إسحاق ره فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ره في الغد ـ وأنا
أقول في نفسي أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه؟
فابتدأني وقال يا
محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتختطفني الطير أو تهوي بي ( الرِّيحُ
فِي مَكانٍ سَحِيقٍ ) أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي بل ذلك
عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله عليه وسلامه.
ومما خرج عن صاحب
الزمان صلوات الله عليه ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي
محمد بن علي بن هلال الكرخي.
يا محمد بن علي
تعالى الله وجل ( عَمَّا يَصِفُونَ ) سبحانه وبحمده
ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه
تباركت أسماؤه ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) .
وأنا وجميع آبائي
من الأولين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين ومن الآخرين
__________________
محمد رسول الله
وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين إلى مبلغ
أيامي ومنتهى عصري عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل ( مَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيامَةِ أَعْمى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً.
قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) .
يا محمد بن علي قد
آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه.
فأشهد الله الذي
لا إله إلا هو و ( كَفى بِهِ شَهِيداً ) ورسوله محمدا صلىاللهعليهوآله وملائكته وأنبياءه وأولياءه عليهمالسلام.
وأشهدك وأشهد كل
من سمع كتابي هذا أني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب ونشاركه
في ملكه أو يحلنا محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له أو يتعدى بنا عما
قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي.
وأشهدكم أن كل من
نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه وجعلت هذا التوقيع الذي في
هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي حتى يظهر
على هذا التوقيع الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله
الحق وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ولا يبلغ منتهاه فكل من فهم كتابي ولا يرجع
إلى ما قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين
روى أصحابنا أن
أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد عليهالسلام وهو أول من ادعى مقاما لم يجعله الله فيه من قبل صاحب
الزمان عليهالسلام
وكذب على الله وحججه عليهمالسلام ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد
وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن عليهالسلام فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ففضحه الله تعالى بما
ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد عليهالسلام ويقول بالإباحة للمحارم وكان أيضا من جملة الغلاة أحمد بن
هلال الكرخي وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد عليهالسلام
ثم تغير عما كان عليه
وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان فخرج التوقيع يلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان
وبالبراءة منه في جملة من لعن وتبرأ منه وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال
والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري لعنهم
الله فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعا على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن
روح ره ونسخته :
عرف أطال الله
بقاك وعرفك الله الخير كله وختم به عملك من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا
أدام الله سعادتهم بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا
أمهله قد
__________________
ارتد عن الإسلام
وفارقه وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى وافترى كذبا وزورا
وقال بهتانا وإثما عظيما كذب العادلون بالله و ( ضَلُّوا ضَلالاً
بَعِيداً ) وخسروا ( خُسْراناً مُبِيناً ).
وإنا برئنا إلى
الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه ولعناه عليه
لعائن الله تترى في الظاهر منا والباطن والسر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال وعلى
كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على تولاه بعده.
أعلمهم تولاك الله
أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من السريعي
والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا
جميلة وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .
__________________
__________________
وأما الأبواب
المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة :
فأولهم الشيخ
الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري نصبه أولا أبو الحسن علي بن محمد
العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهماالسلام ثم بعد ذلك قام
__________________
بأمر صاحب الزمان عليهالسلام وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه.
فلما مضى لسبيله
قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك.
فلما مضى هو قام
بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت فلما مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن
محمد السمري ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليهالسلام ـ ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد
ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليهالسلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم فلما حان سفر أبي الحسن
السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له إلى من توصي.
فأخرج إليهم
توقيعا نسخته :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
يا علي بن محمد
السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا
توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن
الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا.
وسيأتي إلى شيعتي
من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فنسخوا هذا
التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه.
فقال له بعض الناس
من وصيك من بعدك؟
فقال لله أمر هو
بالغه وقضى فهذا آخر كلام سمع منه ره.
__________________
[ذكر طرف مما خرج
أيضا عن صاحب الزمان عليهالسلام من المسائل الفقهية وغيرها في التوقيعات على أيدي الأبواب
الأربعة وغيرهم].
عن محمد بن يعقوب
الكليني رفعه عن الزهري قال : طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتى ذهب لي فيه مال صالح
فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليهالسلام.
قال ليس إلى ذلك
وصول فخضعت له فقال لي بكر بالغداة.
فوافيت فاستقبلني
ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وفي كمه شيء كهيئة التجار فلما نظرت
إليه دنوت من العمري فأومى إليه فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت.
ثم مر ليدخل الدار
وكانت من الدور التي لا يكترث بها.
فقال العمري إن
أردت أن تسأل فاسأل فإنك لا تراه بعد ذا.
فذهبت لأسأل فلم
يستمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن
تشتبك النجوم ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنفض النجوم ودخل الدار.
وعن أبي الحسن
محمد بن جعفر الأسدي قال : كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان
العمري قدس الله روحه في جواب مسائل إلى صاحب الزمان :
أما ما سألت عنه
من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين
قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان شيء أفضل من الصلاة فصلها وأرغم
الشيطان أنفه.
وأما ما سألت عنه
من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه فكل ما لم يسلم فصاحبه
فيه بالخيار وكل ما سلم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو
استغنى عنه.
وأما ما سألت عنه
من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن
فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله المستحل من عترتي ما حرم
الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا وكانت
لعنة الله عليه لقوله عز وجل ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
__________________
وأما ما سألت عنه
عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرة أخرى فإنه يجب أن يقطع غلفته فإن
الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف أربعين صباحا.
وأما ما سألت عنه
من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه هل يجوز صلاته؟
فإن الناس قد
اختلفوا في ذلك قبلك؟ فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران أن
يصلي والنار والسراج بين يديه ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان
والنيران.
وأما ما سألته عنه
عن أمر الضياع التي لناحيتنا؟ هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها وصرف ما
يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم؟
فلا يحل لأحد أن
يتصرف في مال غيره بغير إذنه فكيف يحل ذلك في مالنا من فعل ذلك بغير أمرنا ـ فقد
استحل منا ما حرم عليه من أكل من أموالنا شيئا فإنما يأكل في بطنه نارا وسيصلى
سعيرا.
وأما ما سألت عنه
من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلمها من قيم يقوم بها ويعمرها ويؤدي من
دخلها خراجها ومئونتها ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإن ذلك جائز لمن جعله [
جعل ] الضيعة [ للضيعة ] قيما عليها إنما لا يجوز ذلك لغيره.
وأما ما سألت عنه
من الثمار من أموالنا يمر به المار فيتناول منه ويأكل هل يحل له ذلك ـ؟
فإنه يحل له أكله
ويحرم عليه حمله
وعن أبي الحسين
الأسدي أيضا قال : ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله
روحه ابتداء لم يتقدمه سؤال عنه نسخته.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
لعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ على من استحل من
أموالنا درهما.
قال أبو الحسين
الأسدي ره فوقع في قلبي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه
غير مستحل وقلت في نفسي إن ذلك في جميع من استحل محرما ـ فأي فضل في ذلك للحجة عليهالسلام على غيره؟
قال فو الذي بعث
محمدا صلىاللهعليهوآله
بالحق بشيرا لقد نظرت بعد
ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لَعْنَةُ
اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ على من أكل من مالنا درهما حراما.
وقال أبو جعفر بن
بابويه في الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث كفارات
فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات
أبي الحسن الأسدي
ره فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان ره.
وعن عبد الله بن
جعفر الحميري قال : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدس
الله روحه في التعزية بأبيه ره في فصل من الكتاب :
( إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ـ تسليما لأمره ورضا بقضائه عاش أبوك سعيدا ومات حميدا
فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهالسلام
فلم يزل مجتهدا في أمرهم
ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل نضر الله وجهه وأقاله عثرته.
وفي فصل آخر أجزل
الله لك الثواب وأحسن لك العزاء رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسره الله في
منقلبه كما كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه
بأمره ويترحم عليه وأقول الحمد لله فإن النفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل
فيك وعندك أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك وكان لك وليا وحافظا وراعيا وكافيا.
ومما خرج عن صاحب
الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضا ما سأله عنها محمد بن عبد
الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أطال الله بقاك
وأدام الله عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك
وجميل مواهبه لديك وفضله عندك وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك الناس يتنافسون في
الدرجات فمن قبلتموه كان مقبولا ـ ومن دفعتموه كان وضيعا والخامل من وضعتموه ونعوذ
بالله من ذلك وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة
وورد أيدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة صلىاللهعليهوآله.
وأخرج علي بن محمد
بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة وهو ختن صلوات الله عليه رحمه الله من بينهم فاغتم بذلك
وسألني أيدك الله أن أعلمك ما ناله من ذلك فإن كان من ذنب فاستغفر الله منه وإن
يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله التوقيع لم نكاتب إلا من كاتبنا.
وقد عودتني أدام
الله عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تخبرني على العادة وقبلك أعزك الله فقهاؤنا قالوا
محتاج إلى أشياء تسأل لي عنها :
__________________
روي لنا عن العالم
عليهالسلام
أنه سئل عن إمام قوم صلى
بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟
فقال يؤخر ويتقدم
بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه.
التوقيع ليس على من
نحاه إلا غسل اليد وإذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم.
وروي عن العالم عليهالسلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل
وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارة فالعمل في ذلك على ما هو ولعله
ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل؟
التوقيع إذا مسه
على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده.
وعن صلاة جعفر إذا
سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها
من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في
صلاته؟
التوقيع إذا سها
في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره.
وعن المرأة يموت
زوجها يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع تخرج في
جنازته.
وهل يجوز لها في
عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟
التوقيع تزور قبر
زوجها ولا تبيت عن بيتها.
وهل يجوز لها أن
تخرج في قضاء حق يلزمها أم لا تبرح من بيتها وهي في عدتها؟
التوقيع إذا كان
حق خرجت فيه وقضته وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى
تقضيها ولا تبيت إلا في بيتها.
وروي في ثواب
القرآن في الفرائض وغيرها أن العالم عليهالسلام
قال ـ عجبا لمن لم يقرأ
في صلاته ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) كيف تقبل صلاته.
وروي ما زكت صلاة
من لم يقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ).
وروي أن من قرأ في
فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع هذه السور
التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة ولا تزكوها [ تزكو ] إلا بهما؟
التوقيع الثواب في
السور على ما قد روي وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ
( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ
وإنا أنزلناه ) لفضلها
أعطي ثواب ما قرأ وثواب السور التي ترك ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون
صلاته تامة ولكن يكون قد ترك الفضل.
وعن وداع شهر
رمضان متى يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول يقرأ في آخر ليلة منه وبعضهم
يقول هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال؟
التوقيع العمل في
شهر رمضان في لياليه والوداع يقع في آخر ليلة منه فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في
ليلتين.
وعن قول الله عز
وجل ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) أرسول الله صلىاللهعليهوآله المعني به ، ( ذِي
قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) ما هذه القوة؟!! ( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ
) ما هذه الطاعة وأين هي ما خرج لهذه المسألة جواب.
فرأيك أدام الله
عزك بالتفضل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجبني عنها منعما مع
ما تشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المقدم ذكره بما يسكن إليه
ويعتد بنعمة الله عنده وتفضل علي بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة فعلت
مثابا إن شاء الله.
التوقيع جمع الله
لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة.
كتاب آخر لمحمد بن
عبد الله الحميري أيضا إليه عليهالسلام
في مثل ذلك :
فرأيك أدام الله
عزك في تأمل رقعتي والتفضل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي ومنتك علي
واحتجت أدام الله عزك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول
إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر فإن بعض أصحابنا قال لا يجب التكبير
ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد ـ؟
الجواب إن فيه
حديثين :
أما أحدهما فإنه
إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير.
وأما الآخر فإنه
روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام
بعد القعود تكبير وكذلك في التشهد الأول يجري هذا المجرى وبأيها أخذت من جهة
التسليم كان صوابا.
وعن الفص الخماهن
هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟
__________________
الجواب فيه كراهية
أن يصلي فيه وفيه أيضا إطلاق والعمل على الكراهة.
وعن رجل اشترى
هديا لرجل غاب عنه وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل
ونحر الهدي ثم ذكره بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا ـ؟
الجواب لا بأس
بذلك وقد أجزأ عن صاحبه.
وعندنا حاكة مجوس
يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثيابا فهل يجوز الصلاة فيها من قبل
أن تغسل؟
الجواب لا بأس
بالصلاة فيها.
وعن المصلي يكون
في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع
رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟
الجواب ما لم يستو
جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة وعن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب
العمارية أو الكنيسية ويرفع الجناحين أم لا ـ؟
الجواب لا شيء
عليه في ترك رفع الخشب.
وعن المحرم يستظل
من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك؟
الجواب إذا فعل
ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم.
والرجل يحج عن أحد
هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا؟ وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه
وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟
الجواب قد يجزيه
هدي واحد وإن لم يفصل فلا بأس.
وهل يجوز للرجل أن
يحرم في كساء خز أم لا؟
الجواب لا بأس
بذلك وقد فعله قوم صالحون.
وهل يجوز للرجل أن
يصلي في بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟
الجواب جائز.
ويصلي الرجل وفي
كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك ـ؟
الجواب جائز.
وعن الرجل يكون
معه بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم يحج ويأخذ على الجادة ولا يحرم هؤلاء
من المسلخ فهل
يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا
يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟
الجواب يحرم من
ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر.
وعن لبس النعل
المعطون فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريه؟
الجواب جائز ولا
بأس به.
وعن الرجل من
وكلاء الوقف مستحلا لما في يده ولا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها
أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم آكل من طعامه عاداني وقال فلان
لا يستحل أن يأكل من طعامنا فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة وكم مقدار
الصدقة؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها
وأنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شيء إن أنا نلت منها؟
الجواب إن كان
لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل بره وإلا فلا.
وعن الرجل ممن
يقول بالحق ويرى المتعة ويقول بالرجعة إلا أن له أهلا موافقة له في جميع أموره وقد
عاهدها ألا يتزوج عليها ولا يتمتع ولا يتسرى فعل هذا منذ تسع عشرة سنة ووفى بقوله
فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع ولا تتحرك نفسه أيضا لذلك ويرى أن وقوف من
معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم ويجب المقام على ما هو
عليه محبة لأهله وميلا إليها وصيانة لها ولنفسه لا لتحريم المتعة بل يدين الله بها
فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟
الجواب يستحب له
أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة
وفي كتاب آخر
لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان عليهالسلام
من جواب مسائله التي سأله
عنها في سنة سبع وثلاثمائة.
سأل عن المحرم
يجوز أن يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في
خاصرته ويعقدهما ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته ويشد
طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن المئزر الأول كنا نتزر به ـ إذا
ركب الرجل جمله يكشف ما هناك وهذا ستر.
فأجاب عليهالسلام جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا
بمقراض ولا إبرة يخرجه به عن حد المئزر وغزره غزرا ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض
وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة
والركبتين والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس
جميعا إن شاء الله.
وسأل هل يجوز أن
يشد عليه مكان العقد تكة؟
فأجاب لا يجوز شد
المئزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها.
وسأل عن التوجه
للصلاة أن يقول على ملة إبراهيم ودين محمد صلىاللهعليهوآله فإن بعض أصحابنا
ذكر أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا
حديثا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد أن الصادق عليهالسلام قال للحسن :
كيف تتوجه؟
فقال أقول لبيك
وسعديك.
فقال له الصادق عليهالسلام ليس عن هذا أسألك كيف تقول ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما؟
قال الحسن أقول.
فقال الصادق عليهالسلام إذا قلت ذلك فقل على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن
أبي طالب والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما ( وَما أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ).
فأجاب عليهالسلام التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع
الذي لا خلاف فيه ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وهدى أمير المؤمنين ( وَما
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين
اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ثم اقرأ الحمد.
قال الفقيه الذي
لا يشك في علمه إن الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين لأنها له صلوات الله
عليها وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة فمن كان كذلك فهو من المهتدين ومن شك فلا
دين له ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.
وسأله عن القنوت
في الفريضة إذا فرغ من دعائه يجوز أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي أن
الله عز وجل أجل من أن يرد يدي عبده صفرا بل يملؤها من رحمته أم لا يجوز ـ؟ فإن
بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة.
فأجاب عليهالسلام رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض
والذي عليه العمل فيه إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن
راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع ـ والخبر صحيح وهو في نوافل
النهار والليل دون الفرائض والعمل به فيها أفضل.
وسأل عن سجدة
الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز أن
يسجدها الرجل بعد
الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب عليهالسلام سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها ولم يقل إن هذه السجدة
بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله.
فأما الخبر المروي
فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء
والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل والسجدة
دعاء وتسبيح فالأفضل أن تكون بعد الفرض فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز.
وسأل أن لبعض
إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة وأكرته ربما زرعوا
حدودها وتؤذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته وليس لها قيمة
لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال إن هذه الحصة
من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان فإن جاز شراؤها من السلطان وكان
ذلك صلاحا له وعمارة لضيعته وأنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته
العامرة وينحسم عنه طمع أولياء السلطان وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء
الله تعالى؟
فأجاب الضيعة لا
يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضا منه.
وسأل عن رجل استحل
امرأة خارجة من حجابها وكان يحترز من أن يقع له ولد فجاءت بابن فتحرج الرجل ألا
يقبله فقبله وهو شاك فيه وجعل يجري على أمه وعليه حتى ماتت الأم وهو ذا يجري عليه
غير أنه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه فإن كان ممن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كسائر ولده
فعل ذلك وإن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقه فعل.
فأجاب عليهالسلام الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه الجواب يختلف فيها فليذكر
الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن
شاء الله.
وسأله الدعاء له
فخرج الجواب :
جاد الله عليه بما
هو جل وتعالى أهله إيجابنا لحقه ورعايتنا لأبيه رحمه الله وقربه منا وقد رضينا بما
علمناه من جميل نيته ووقفنا عليه من مخاطبته المقر [ المقربة ] له من الله التي
يرضي الله عز وجل ورسوله وأولياءه عليهمالسلام والرحمة بما بدأنا نسأل الله بمسألته ما أمله من كل خير
عاجل وآجل وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه إنه ولي قدير.
وكتب إليه صلىاللهعليهوآله أيضا في سنة ثمان وثلاثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل أخرى
كتب :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
أطال الله بقاك
وأدام عزك وكرامتك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل
مواهبه لديك وفضله عليك وجزيل قسمه لك وجعلني من السوء كله فداك وقدمني قبلك.
إن قبلنا مشايخ
وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ويصلون بشعبان وشهر رمضان.
وروى لهم بعض
أصحابنا أن صومه معصية؟
فأجاب عليهالسلام قال الفقيه يصوم منه أياما إلى خمسة عشر يوما إلا أن يصومه
عن الثلاثة الأيام الفائتة للحديث أن نعم القضاء رجب.
وسأل عن رجل يكون
في محمله والثلج كثير بقامة رجل فيتخوف إن نزل الغوض فيه وربما يسقط الثلج وهو على
تلك الحال ولا يستوي له أن يلبد شيئا عنه لكثرته وتهافته هل يجوز أن يصلي في
المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟
فأجاب لا بأس عند
الضرورة والشدة.
وسأل عن الرجل
يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة فإن بعض أصحابنا قال إن لم يسمع
تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟
فأجاب إذا لحق مع
الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع.
وسأل عن رجل صلى
الظهر ودخل في صلاة العصر فلما أن صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر
ركعتين كيف يصنع؟
فأجاب إن كان أحدث
بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين وإن لم يكن أحدث حادثة جعل
الركعتين الآخرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك.
وسأل عن أهل الجنة
يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟
فأجاب إن الجنة لا
حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية وفيها ما تشتهي (
الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) كما قال سبحانه فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله بغير حمل
ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة.
وسأل عن رجل تزوج
امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم وبقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها
وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة أيام أيجوز أن يتزوجها رجل
آخر بشيء
معلوم إلى وقت
معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟
فأجاب يستقبل حيضة
غير تلك الحيضة لأن أقل تلك العدة حيضة وطهرة تامة.
وسأل عن الأبرص
والمجذوم وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم فقد روي لنا أنهم لا يؤمون الأصحاء.
فأجاب إن كان ما
بهم حدثا جازت شهادتهم وإن كان ولادة لم يجز.
وسأل هل يجوز
للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟
فأجاب إن كانت
ربيت في حجره فلا يجوز وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير عياله فقد روي
أنه جائز.
وسأل هل يجوز أن
يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدتها بعد ذلك؟ فأجاب قد نهي عن ذلك.
وسأل عن رجل ادعى
على رجل ألف درهم وأقام به البينة العادلة وادعى عليه أيضا خمسمائة درهم في صك آخر
وله بذلك بينة عادلة وادعى عليه أيضا ثلاثمائة درهم في صك آخر ومائتي درهم في صك
آخر وله بذلك كله بينة عادلة ويزعم المدعى عليه أن هذه الصكاك كلها قد دخلت في
الصك الذي بألف درهم والمدعي منكر أن يكون كما زعم فهل يجب الألف الدرهم مرة واحدة
أو يجب عليه كل ما يقيم البينة به وليس في الصكاك استثناء إنما هي صكاك على وجهها.
فأجاب يؤخذ من
المدعى عليه ألف درهم مرة وهي التي لا شبهة فيها ويرد اليمين في الألف الباقي على
المدعي فإن نكل فلا حق له.
وسأل عن طين القبر
يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب يوضع مع
الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله.
وسأل فقال روي لنا
عن الصادق عليهالسلام أنه كتب على إزار
ابنه إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم
غيره؟
فأجاب يجوز ذلك.
وسأل هل يجوز أن
يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟
فأجاب يسبح الرجل
به فما من شيء من السبح أفضل منه ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة
فيكتب له التسبيح.
وسأل عن السجدة
على لوح من طين القبر وهل فيه فضل؟
فأجاب يجوز ذلك
وفيه الفضل.
وسأل عن الرجل
يزور قبور الأئمة عليهمالسلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند
بعض قبورهم عليهمالسلام أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه
ورجليه وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟
فأجاب أما السجود
على القبر ، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيادة والذي عليه العمل أن يضع خده
الأيمن على القبر.
وأما الصلاة فإنها
خلفه ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن
الإمام صلوات الله عليه لا يتقدم ولا يساوى.
وسأل فقال يجوز
للرجل إذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟
فأجاب يجوز ذلك
إذا خاف السهو والغلط.
وسأل هل يجوز أن
يدير السبحة بيد اليسار إذا سبح أو لا يجوز؟
فأجاب يجوز ذلك ( وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ).
وسأل فقال روي عن
الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع
أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم
يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي
لا يجوز بيعه؟
فأجاب إذا كان
الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه وإن كان على قوم من المسلمين فليجمع كل قوم
ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله.
وسأل هل يجوز
للمحرم أن يصير على إبطه المرتك والتوتياء لريح العرق أم لا يجوز؟
فأجاب يجوز ذلك
وبالله التوفيق.
وسأل عن الضرير
إذا شهد في حال صحته على شهادة ثم كف بصره ولا يرى خطه فيعرفه هل يجوز شهادته أم
لا ـ؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟
فأجاب إذا حفظ
الشهادة وحفظ الوقت جازت شهادته.
وسأل عن الرجل
يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف ثم يموت هذا الوكيل أو
يتغير أمره ويتولى غيره هل يجوز يشهد الشاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل
الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك؟
فأجاب لا يجوز ذلك
لأن الشهادة لم تقم للوكيل وإنما قامت للمالك وقد قال الله (
وَأَقِيمُوا
الشَّهادَةَ
لِلَّهِ ) .
وسأل عن الركعتين
الأخراوين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي أن قراءة الحمد وحدها أفضل وبعض يروي
أن التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله؟
فأجاب قد نسخت
قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم عليهالسلام كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلا العليل [
للعليل ] أو [ من ] يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه.
وسأل فقال يتخذ
عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدق دقا
ناعما ويعصر ماؤه ويصفى ويطبخ على النصف ويترك يوما وليلة ثم ينصب على النار ويلقى
على كل ستة أرطال منه رطل عسل ويغلى رغوته ويسحق من النوشادر والشب اليماني من كل
واحدة نصف مثقال ويداف بذلك الماء ويلقى فيه درهم زعفران مسحوق ويغلى ويؤخذ رغوته
حتى يصير مثل العسل ثخينا ثم ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه فهل يجوز شربه أم لا؟
فأجاب إذا كان
كثيره يسكر أو يغير فقليله وكثيره حرام وإن كان لا يسكر فهو حلال.
وسأل عن الرجل
يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما نعم
افعل وفي الآخر لا تفعل فيستخير الله مرارا ثم يرى فيهما فيخرج أحدهما فيعمل بما
يخرج فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟
فأجاب الذي سنه
العالم عليهالسلام
في هذه الاستخارة بالرقاع
والصلاة.
وسأل عن صلاة جعفر
بن أبي طالب ره في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه؟ وهل فيها قنوت وإن كان ففي أي
ركعة منها؟
فأجاب أفضل
أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو
نهار فهو جائز والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع.
وسأل عن الرجل
ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجا أيصرف
ذلك عمن نواه له إلى قرابته؟
فأجاب يصرفه إلى
أدناهما وأقربهما من مذهبه فإن ذهب إلى قول العالم عليهالسلام
لا يقبل الله الصدقة وذو
رحم محتاج ـ فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله.
وسأل فقال اختلف
أصحابنا في مهر المرأة.
فقال بعضهم إذا
دخل بها سقط المهر ولا شيء لها.
__________________
وقال بعضهم هو
لازم في الدنيا والآخرة فكيف ذلك وما الذي يجب فيه؟
فأجاب إن كان عليه
بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا والآخرة وإن كان عليه كتاب فيه ذكر
الصداق سقط إذا دخل بها وإن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط باقي الصداق.
وسأل فقال روي لنا
عن صاحب العسكر عليهالسلام
أنه سئل عن الصلاة في
الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع يجوز وروي عنه أيضا أنه لا يجوز فأي الخبرين يعمل
به.
فأجاب إنما حرم في
هذه الأوبار والجلود فأما الأوبار وحدها فكل حلال.
وقد سأل بعض
العلماء عن معنى قول الصادق عليهالسلام
لا يصلى في الثعلب ولا في
الأرنب ولا في الثوب الذي يليه فقال إنما عنى الجلود دون غيرها.
وسأل فقال يتخذ
بأصفهان ثياب عتابية على عمل الوشي من قز أو إبريسم هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب لا يجوز
الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان.
وسأل عن المسح على
الرجلين وبأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟
فأجاب عليهالسلام يمسح عليهما معا فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا
باليمين.
وسأل عن صلاة جعفر
في السفر هل يجوز أن يصلي أم لا؟
فأجاب عليهالسلام يجوز ذلك.
وسأل عن تسبيح فاطمة
عليهاالسلام من سها فجاز
التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف وإذا سبح تمام
سبعة وستين هل يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف وما الذي يجب في ذلك؟
فأجاب إذا سها في
التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها وإذا سها في
التسبيح فتجاوز سبعا وستين تسبيحة عاد إلى ستة وستين وبنى عليها فإذا جاوز التحميد
مائة فلا شيء عليه
وعن محمد بن عبد
الله بن جعفر الحميري أنه قال : خرج التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله بعد
المسائل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
لا لأمره تعقلون حِكْمَةٌ
بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ.
السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين.
إذا أردتم التوجه
بنا إلى الله وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى :
سلام على آل يس.
السلام عليك يا
داعي الله ورباني آياته.
السلام عليك يا
باب الله وديان دينه.
السلام عليك يا
خليفة الله وناصر خلقه.
السلام عليك يا
حجة الله ودليل إرادته.
السلام عليك يا
تالي كتاب الله وترجمانه.
السلام عليك يا
بقية الله في أرضه.
السلام عليك يا
ميثاق الله الذي أخذه ووكده.
السلام عليك يا
وعد الله الذي ضمنه.
السلام عليك أيها
العلم المنصوب والعلم المصبوب والغوث والرحمة الواسعة وعدا غير مكذوب.
السلام عليك حين
تقعد.
السلام عليك حين
تقوم.
السلام عليك حين
تقرأ وتبين.
السلام عليك حين
تصلي وتقنت.
السلام عليك حين
تركع وتسجد.
السلام عليك حين
تكبر وتهلل.
السلام عليك حين
تحمد وتستغفر.
السلام عليك حين
تمسي وتصبح.
السلام عليك في
اللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى.
السلام عليك أيها
الإمام المأمون.
السلام عليك أيها
المقدم المأمول.
السلام عليك
بجوامع السلام.
أشهدك يا مولاي
أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لا حبيب إلا
هو وأهله وأشهد أن أمير المؤمنين حجته والحسن حجته والحسين حجته وعلي بن الحسين
حجته ومحمد بن علي حجته وجعفر بن محمد حجته وموسى بن جعفر حجته وعلي بن موسى حجته
ومحمد بن علي حجته وعلي بن محمد حجته والحسن بن علي حجته وأشهد أنك حجة الله.
أنتم الأول والآخر
وأن رجعتكم حق لا شك فيها يوم ( لا يَنْفَعُ نَفْساً
إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ) وأن الموت حق وأن
ناكرا ونكيرا حق وأشهد أن النشر والبعث حق وأن الصراط والمرصاد حق والميزان
والحساب حق والجنة والنار حق والوعد والوعيد بهما حق.
يا مولاي شقي من
خالفكم وسعد من أطاعكم.
فاشهد على ما
أشهدتك عليه وأنا ولي لك بريء من عدوك فالحق ما رضيتموه والباطل ما سخطتموه
والمعروف ما أمرتم به والمنكر ما نهيتم عنه فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له
وبرسوله وبأمير المؤمنين وبأئمة المؤمنين وبكم يا مولاي أولكم وآخركم ونصرتي معدة
لكم ومودتي خالصة لكم آمين آمين.
الدعاء عقيب هذا
القول :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
اللهم إني أسألك
أن تصلي على محمد نبي رحمتك وكلمة نورك وأن تملأ قلبي نور اليقين وصدري نور
الإيمان وفكري نور الثبات وعزمي نور العلم وقوتي نور العمل ولساني نور الصدق وديني
نور البصائر من عندك وبصري نور الضياء وسمعي نور وعي الحكمة ومودتي نور الموالاة
لمحمد وآله عليهالسلام
حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك
وميثاقك فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد.
اللهم صل على حجتك
في أرضك وخليفتك في بلادك والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك ـ والثائر بأمرك ولي
المؤمنين وبوار الكافرين ومجلي الظلمة ومنير الحق والساطع بالحكمة والصدق وكلمتك
التامة في أرضك المرتقب الخائف والولي الناصح سفينة النجاة وعلم الهدى ونور أبصار
الورى وخير من تقمص وارتدى ومجلي العمى الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما
وجورا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللهم صل على وليك
وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا.
اللهم انصر وانتصر
به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم.
اللهم أعذه من كل
باغ وطاغ ومن شر جميع خلقك واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله
واحرسه وامنعه من أن يوصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك وأظهر به العدل
وأيده بالنصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه واقصم به جبابرة الكفر واقتل به الكفار
والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها برها وبحرها واملأ
به الأرض عدلا وأظهر به دين نبيك واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته
وأرني في آل محمد ما يأملون وفي عدوهم ما يحذرون إله الحق آمين يا ذا الجلال
والإكرام يا أرحم الراحمين.
ذكر كتاب ورد من
الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشرة وأربعمائة على
الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه ذكر موصله أنه
يحمله من ناحية متصلة بالحجاز ، نسخته : ـ
__________________
__________________
للأخ السديد
والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله
إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
أما بعد سلام عليك
أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله
إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام
الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق أنه قد أذن لنا في
تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم
المهم برعايته لهم وحراسته فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على
ما أذكره واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.
نحن وإن كنا نائين
بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح
ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم
ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ـ ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى
ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ونبذوا العهد المأخوذ
وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ
إنا غير مهملين
لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء
فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت
عليكم يهلك فيها من
__________________
حم أجله ويحمى عنها من
أدرك أمله وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا ( وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
اعتصموا بالتقية
من شب نار الجاهلية يحششها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية أنا زعيم بنجاة من لم يرم
فيها المواطن وسلك في الطعن منها السبل المرضية إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه
فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه.
ستظهر لكم من
السماء آية جلية ـ ومن الأرض مثلها بالسوية ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق
ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق
ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار ثم يستر [ يسر ] بهلاكه المتقون
الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق
ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق.
فليعمل كل امرئ
منكم بما يقرب به من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا فإن أمرنا بغتة
فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة والله يلهمكم الرشد
ويلطف لكم في التوفيق برحمته.
نسخة التوقيع
باليد العليا على صاحبها السلام.
هذا كتابنا إليك
أيها الأخ الولي والمخلص في ودنا الصفي والناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا
تنام فاحتفظ به ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا وأد ما فيه إلى
من تسكن إليه وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين.
وورد عليه كتاب
آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي
عشرة وأربعمائة نسخته من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
سلام الله عليك
أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو
إلهنا وإله آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين
وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد فقد كنا
نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه وحرسك به من كيد
أعدائه وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفا من
غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد
من الدهر
__________________
ولا تطاول من
الزمان ويأتيك نبأ منا يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا
بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل
لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون
ويحزن لذلك المجرمون وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق
مذمم مستحل للدم المحرم يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم
والعدوان لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء فلتطمئن
بذلك من أوليائنا القلوب ـ وليتقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب والعاقبة
بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب.
ونحن نعهد إليك
أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من
أوليائنا الصالحين أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه
كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة ومن بخل منهم بما أعاره الله من
نعمته على من أمره بصلته فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته ولو أن أشياعنا وفقهم
الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن
بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا
عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم ( وَاللهُ
الْمُسْتَعانُ ) وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) وصلاته على سيدنا
البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم.
وكتب في غرة شوال
من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها
هذا كتابنا إليك
أيها الولي الملهم للحق العلي بإملائنا وخط ثقتنا فأخفه عن كل أحد واطوه واجعل له
نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله.
الحمد لله والصلاة
على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
احتجاج الشيخ المفيد السديد أبي
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضياللهعنه
حدث الشيخ أبو علي
الحسن بن محمد الرقي بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ
المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ره أنه قال رأيت في المنام سنة من
السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير فقلت :
ما هذا؟
قالوا هذه حلقة
فيها رجل يقص.
فقلت من هو؟
__________________
قالوا عمر بن
الخطاب.
ففرقت الناس ودخلت
الحلقة فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشيء لم أحصله فقطعت عليه الكلام وقلت :
أيها الشيخ أخبرني
ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى ( ثانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) .
فقال وجه الدلالة
على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع :
الأول أن الله
تعالى ذكر النبي صلىاللهعليهوآله
وذكر أبا بكر فجعله ثانيه
فقال ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ).
والثاني أنه
وضعهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال ( إِذْ هُما فِي
الْغارِ ).
والثالث أنه أضافه
إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة فقال ( إِذْ
يَقُولُ لِصاحِبِهِ ).
والرابع أنه أخبر
عن شفقة النبي صلىاللهعليهوآله
عليه ورفقه به لموضعه
عنده فقال ( لا تَحْزَنْ ).
والخامس أنه أخبر
أن الله معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال ( إِنَّ
اللهَ مَعَنا ).
والسادس أنه أخبر
عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لم تفارقه السكينة قط
فقال ( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ).
فهذه ستة مواضع
تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له حبرت
بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به ( كَرَمادٍ
اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ).
أما قولك إن الله
تعالى ذكر النبي صلىاللهعليهوآله
وجعل أبا بكر ثانيه فهو
إخبار عن العدد لعمري لقد كانا اثنين فما في ذلك من الفضل ونحن نعلم ضرورة أن
مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
وأما قولك إنه
وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع
العدد المؤمنين والكفار وأيضا فإن مسجد النبي صلىاللهعليهوآله
أشرف من الغار وقد جمع
المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله عز وجل ( فَما لِلَّذِينَ
كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) وأيضا فإن سفينة
نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة والكلب والمكان لا يدل على
__________________
ما أوجبت من
الفضيلة فبطل فضلان.
وأما قولك إنه
أضافه إليه بذكر الصحبة فإنه أضعف من الفضلين الأولين لأن اسم الصحبة يجمع بين
المؤمن والكافر والدليل على ذلك قوله تعالى ( قالَ لَهُ صاحِبُهُ
وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) وأيضا فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة
والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم فقال الله عز وجل ( وَما
أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ ) إنهم سموا الحمار
صاحبا فقالوا :
إن الحمار مع
الحمار مطية
|
|
فإذا خلوت به
فبئس الصاحب
|
وأيضا قد سموا
الجماد مع الحي صاحبا قالوا ذلك في السيف شعرا :
زرت هندا وذاك
غير اختيان
|
|
ومعي صاحب كتوم
اللسان
|
يعني السيف فإذا
كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل والبهيمة وبين الحيوان والجماد
فأي حجة لصاحبك فيه.
وأما قولك إنه قال
( لا تَحْزَنْ ) فإنه وبال عليه
ومنقصة له ودليل على خطئه لأن قوله ( لا تَحْزَنْ ) نهي وصورة النهي
قول القائل لا تفعل لا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية فإن كان
طاعة فإن النبي صلىاللهعليهوآله
لا ينهى عن الطاعات بل
يأمر بها ويدعو إليها وإن كان معصية فقد نهاه النبي صلىاللهعليهوآله
عنها وقد شهدت الآية
بعصيانه بدليل أنه نهاه.
وأما قولك إنه قال
( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فإن النبي صلىاللهعليهوآله قد أخبر أن الله معه وعبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله ( إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) وقيل أيضا في هذا
إن أبا بكر قال ـ يا رسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه فقال له النبي
صلىاللهعليهوآله
( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ) أي معي ومع أخي
علي بن أبي طالب عليهالسلام.
وأما قولك إن
السكينة نزلت على أبي بكر فإنه ترك للظاهر لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي
أيده بالجنود وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله :
( فَأَنْزَلَ اللهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) فإن كان أبو بكر
هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود وفي هذا إخراج للنبي صلىاللهعليهوآله من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا
لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي صلىاللهعليهوآله
في موضعين ـ كان معه قوم
مؤمنون فشركهم فيها فقال في أحد الموضعين : ( فَأَنْزَلَ اللهُ
سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوى ) وقال في الموضع الآخر : ( أَنْزَلَ اللهُ
سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ
__________________
تَرَوْها
) ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة قال ( فَأَنْزَلَ اللهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا
قبل هذا من المؤمنين فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان فلم يحر جوابا
وتفرق الناس واستيقظت من نومي.
احتجاج السيد الأجل علم الهدى
المرتضى أبي القاسم علي رضياللهعنه وأرضاه على أبي العلاء المعري
الدهري في جواب ما سأل عنه مرموزا
__________________
__________________
«
الرابع » قال شيخنا البهائي في كشكوله : كان للشيخ أبي جعفر الطوسي أيام قراءته
على السيد المرتضى (ره) كل شهر اثنا عشر دينارا ولابن البراج كل شهر ثمانية دنانير
وكان السيد المرتضى يجري على تلامذته ... وكان السيد رحمه الله نحيف الجسم وكان
يقرأ مع اخيه الرضى على ابن نباته صاحب الخطب وهما طفلان وحضر المفيد مجلس السيد
يوما فقام من موضعه واجلسه فيه وجلس بين يديه ، فاشار المفيد بأن يدرس في حضوره
وكان يعجبه كلامه إذا تكلم ، وكان السيد قد وقف قرية على كافة الفقهاء ، وحكاية
رؤية المفيد في ـ
دخل أبو العلاء
المعري على السيد المرتضى قدس الله روحه فقال :
أيها السيد ما
قولك في الكل؟
قال السيد ما قولك
في الجزء؟
فقال ما قولك في
الشعرى؟
فقال ما قولك في
التدوير؟
قال ما قولك في
عدم الانتهاء؟
قال ما قولك في
التحيز والناعورة؟
فقال ما قولك في
السبع؟
فقال ما قولك في
الزائد البري من السبع؟
فقال ما قولك في
الأربع؟
فقال ما قولك في
الواحد والاثنين؟
__________________
فقال ما قولك في
المؤثر؟
فقال ما قولك في
المؤثرات؟
فقال ما قولك في
النحسين؟
فقال ما قولك في
السعدين؟ فبهت أبو العلاء.
قال فقال السيد
المرتضى قدس الله روحه عند ذلك ألا كل ملحد ملهد فقال أبو العلاء من أين أخذته ـ؟
قال من كتاب الله ( يا
بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .
وقام وخرج فقال
السيد رضياللهعنه قد غاب عنا الرجل وبعد هذا لا يرانا.
فسئل السيد ره عن
كشف هذه الرموز والإشارات فقال سألني عن الكل وعنده الكل قديم ويشير بذلك إلى عالم
سماه العالم الكبير فقال ما قولك فيه أراد أنه قديم.
فأجبته عن ذلك
وقلت له ما قولك في الجزء لأن عندهم الجزء محدث وهو متولد عن العالم الكبير وهذا
الجزء عندهم هو العالم الصغير وكان مرادي بذلك أنه إذا صح أن هذا العالم محدث فذلك
الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضا لأن هذا من جنسه على زعمه والشيء الواحد لا
يكون بعضه قديما وبعضه محدثا فسكت لما سمع ما قلته.
وأما الشعرى أراد
أنها ليست من الكواكب السيارة.
فقلت له ما قولك
في التدويرات أردت الفلك في التدويرات والدوران والشعرى لا يقدح في ذلك.
وأما عدم الانتهاء
أراد بذلك أن العالم لا ينتهي لأنه قديم.
فقلت له قد صح
عندي التحيز والتدوير وكلاهما يدلان على الانتهاء وأما السبع أراد بذلك النجوم
السيارة التي عندهم ذوات الأحكام فقلت له هذا باطل بالزائد البري الذي يحكم فيه بحكم
لا يكون ذلك الحكم منوطا بهذه الكواكب السيارة التي هي الزهرة والمشتري والمريخ
وعطارد والشمس والقمر وزحل.
وأما الأربع أراد
بها الطبائع .
__________________
فقلت له في
الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدها تمس الأيدي ثم يطرح ذلك الجلد على
النار فتحرق الزهومات فيبقى الجلد صحيحا لأن الدابة خلقها الله على طبيعة النار
والنار لا تحرق النار والثلج أيضا تتولد فيه الديدان وهو على طبيعة واحدة والماء
في البحر على طبيعتين يتولد منه السموك والضفادع والحيات والسلاحف وغيرها وعنده لا
يحصل الحيوان إلا بالأربع فهذا مناقض بهذا.
وأما المؤثر أراد
به الزحل.
فقلت له ما قولك
في المؤثرات أردت بذلك أن المؤثرات كلهن عنده مؤثرات فالمؤثر القديم كيف يكون
مؤثرا؟
وأما النحسين أراد
بهما أنهما من النجوم السيارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد.
فقلت له ما قولك
في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس هذا حكم أبطله الله تعالى ليعلم الناظر
أن الأحكام لا يتعلق بالمسخرات لأن الشاهد يشهد أن العسل والسكر إذا اجتمعا لا
يحصل منها الحنظل والعلقم والحنظل إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكر هذا دليل
على بطلان قولهم.
وأما قولي ألا كل
ملحد ملهد أردت أن كل مشرك ظالم لأن في اللغة ألحد الرجل إذ عدل من الدين وألهد
إذا ظلم فعلم أبو العلاء ذلك وأخبرني عن علمه بذلك فقرأت ( يا
بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ ) الآية.
وقيل إن المعري
لما خرج عن العراق سئل عن السيد المرتضى ره فقال
يا سائلي عنه
لما جئت أسأله
|
|
ألا هو الرجل
العاري من العار
|
لو جئته لرأيت
الناس في رجل
|
|
والدهر في ساعة
الأرض في دار
|
احتجاجه قدس الله روحه في
التعظيم والتقديم لأئمتنا عليهمالسلام على سائر الورى ما عدا نبينا عليهالسلام بطريقة لم
يسبقه إليها أحد ذكرها في رسالته الموسومة بالرسالة الباهرة في فضل العترة الطاهرة.
قال ومما يدل أيضا
على تقديمهم وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة
به تعالى في أنها إيمان وإسلام وأن الجهل بهم والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في
أنه كفر وخروج من الإيمان وهذه منزلة ليس لأحد من البشر إلا لنبينا صلىاللهعليهوآله وبعده لأمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهمالسلام لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم إلى عيسى عليهالسلام غير واجبة علينا ولا تعلق لها بشيء من تكاليفنا ولو لا أن
القرآن ورد بنبوة من سمي فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقا للقرآن وإلا
فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا ولا تعلق لها بشيء من أحوال تكاليفنا.
وبقي علينا أن ندل
على الأمر على ما ادعيناه.
والذي يدل على أن
المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهالسلام
من جملة الإيمان وأن
الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فإنهم لا يختلفون
فيه وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل
زمان في جملتهم وفي زمرتهم وقد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا
واستوفينا ذلك في جواب المسائل التبانيات خاصة وفي كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة
الإمامية من المسائل الفقهية فإن هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل.
ويمكن أن يستدل
على وجوب المعرفة بهم عليهالسلام
بإجماع الأمة مضافا إلى
ما بيناه من إجماع الإمامية.
وذلك أن جميع
أصحاب الشافعي يذهبون إلى أن الصلاة على نبينا في التشهد الأخير فرض واجب وركن من
أركان الصلاة متى أخل بها الإنسان فلا صلاة له وأكثرهم يقول إن الصلاة في هذا
التشهد على آل النبي عليهم الصلاة والسلام في الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة
عليهم كالصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله.
والباقون منهم
يذهبون إلى أن الصلاة على الآل مستحبة وليست بواجبة فعلى القول الأول لا بد لكل من
وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم فإن الصلاة عليهم
فرع على المعرفة بهم ومن ذهب إلى أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة وإن كان مسنونا
مستحبا والتعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلا به من المعرفة.
ومن عدا أصحاب
الشافعي لا يفكرون أن الصلاة على النبي وآله صلىاللهعليهوآله
في التشهد مستحبة وأي
شبهة تبقى مع هذا في أنهم عليهالسلام
أفضل الناس وأجلهم وذكرهم
واجب في الصلاة وعند أكثر الأمة من الشيعة الإمامية وجمهور أصحاب الشافعي أن
الصلاة تبطل بتركه وهل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو يتعداهم.
ومما يمكن
الاستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم القلوب وغرس في كل النفوس تعظيم شأنهم
وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف ديانتهم ونحلهم وما أجمع هؤلاء المختلفون
والمتباينون مع تشتت الأهواء وتشعب الآراء على شيء كإجماعهم على تعظيم من ذكرنا
وإكباره فإنهم يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم
والمواضع التي رسمت بصلاتهم فيها وحلولهم بها ـ وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون
الأحوال.
فقد أخبرني من لا
أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس ـ لزيارة
الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه بالجمال الكثيرة والأهبة التي لا يوجب مثلها إلا للحج إلى بيت الله الحرام
هذا مع أن المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب وما
تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم النائية إلا كالخارقات للعادات والخارج
عن الأمور والمألوفات وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة ،
المنحازين عن هذه
الجملة على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ـ ويستنزلوا عندها من الله تعالى
الأرزاق ويستفتحوا بها الأغلاق ويطلبوا ببركتها الحاجات ويستدفعوا البليات
والأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه وإلا فعلوا ذلك فيمن
يعتقدونهم أو أكثرهم إمامته وفرض طاعته وإنه في الديانة موافق لهم غير مخالف
ومساعد غير معاند ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا فإن الدنيا
عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ولا لتقية واستصلاح فإن التقية هي
فيهم لا منهم ـ ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم وكل خوف إنما هو عليهم فلم يبق إلا
داعي الدين وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا تنفذ في مثله إلا مشية الله وقدرة
القهار التي تذلل الصعاب وتقود بأزمتها الرقاب.
وليس لمن جهل هذه
المزية أو تجاهلها أو تعامى عنها وهو يبصرها أن يقول إن العلة في تعظيم غير فرق الشيعة
لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه وفخمتموه وادعيتم خرقه للعادة وخروجه عن الطبيعة بل
هي لأن هؤلاء القوم عن عترة النبي صلىاللهعليهوآله
وكل من عظم النبي صلىاللهعليهوآله فلا بد أن يكون لعترته وأهل بيته معظما ومكرما وإذا انضاف
إلى القرابة الزهد وهجر الدنيا والعفة والعلم زاد الإجلال والإكرام لزيادة
أسبابها.
والجواب عن الشبهة
الضعيفة أن قد شارك أئمتنا عليهمالسلام في نسبهم وحسبهم وقرابتهم ـ من النبي صلىاللهعليهوآله غيرهم وكانت لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهادة في الدنيا
بادية وسمات جميلة وصفات حسنة من ولد أبيهم عليه وآله السلام ومن ولد عمهم العباس
رضوان الله عليهم فما رأينا من الإجماع على تعظيمهم وزيارة مدافنهم والاستشفاع بهم
في الأغراض والاستدفاع بمكانهم للأغراض والأمراض ما وجدنا مشاهدا معاينا في هذا
الاشتراك وإلا فمن الذي أجمع على فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة يجري في
هذا الحال مجرى الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم أجمعين لأن من عدا
من ذكرنا من صلحاء العترة وزهادها ممن يعظمه فريق من الأمة ولوجه
في مر الحقمن عظم منهم وقدمه لا
ينتهي في الإجلال والإعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها فيمن ذكرناه ولو لا أن
تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها على طول ذلك ولسمينا من كنينا عنه ونظرنا
بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح وما عداه هو
الباطل الماضح.
وبعد فمعلوم ضرورة
أن الباقر والصادق ومن وليهما من أئمة أبنائهما عليهمالسلام كانوا في الديانة والاعتقاد وما يفتون به من حلال وحرام
على خلاف ما يذهب إليه مخالفو الإمامية وإن ظهر شك في ذلك كله فلا شك ولا شبهة على
منصف في أنهم لم يكونوا على مذاهب الفرق المختلفة المجمعة على تعظيمهم والتقرب إلى
الله تعالى بهم وكيف يعترض ريب فيما ذكرناه ومعلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية وسلفهم
في ذلك الأزمان كانوا بطانة للباقر وللصادق صلوات الله عليهما ومن وليهما أجمعين عليهمالسلام وملازمين لهم متمسكين بهم ومظهرين أن كل شيء يعتقدونه وينتحلونه ويصححونه أو
يبطلونه
__________________
فعنهم تلقوه ومنهم
أخذوه فلو لم يكونوا عليهمالسلام بذلك راضين وعليه مقرين لأبوا عليهم نسبة تلك المذاهب
إليهم وهم منها بريئون خليون ولنفوا ما بينهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة
ومصافاة ومدح وإطراء وثناء ولأبدلوه باللوم والذم والبراءة والعداوة فلو لم يكن
أنهم عليهمالسلام لهذه المذاهب معتقدون وبها راضون لبان لنا واتضح ولو لم
يكن إلا هذه الدلالة لكفت وأغنت وكيف يطيب قلب عاقل أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظم
في الدين ما هو على خلاف ما يعتقد أنه الحق وما سواه باطل ثم ينتهي في التعظيمات
والكرامات إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات وهل جرت بمثل ذلك عادة أو مضت عليه سنة
أولا يرون أن الإمامية لا تلتفت إلى من خالفها من العترة وحاد عن جادتها في
الديانة ومحجتها في الولاية ولا تسمح له بشيء من المدح والتعظيم فضلا عن غايته
وأقصى نهايته بل تبرأ منه وتعاديه وتجريه في جميع الأحكام مجرى من لا نسب له ولا
حسب ولا قرابة ولا علقة وهذا يوقظ على أن الله تعالى خرق في هذه العصابة العادات
وقلب الجبلات ليبين من عظيم منزلتهم وشريف مرتبتهم وهذه فضيلة تزيد على الفضائل
توفي على جميع الخصائص والمناقب وكفى به برهانا لائحا وحجابا راجحا.
قطعنا هذا الكتاب
على كلام السيد علم الهدى قدس الله روحه ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ ) والصلاة على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين
المعصومين و ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).
محتويات الكتاب
٥
|
تقديم بقلم العلامة الجليل السيد محمد
بحر العلوم
|
١٣
|
مقدمة المؤلف
|
|
فصل
|
١٥
|
في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من
الحجاج والجدال بالتي هي أحسن وفضل أهله.
|
|
فصل
|
٢١
|
في ذكر طرف مما جاء عن النبي صلىاللهعليهوآلهمن الجدال والمحاجة والمناظرة وما
يجري مجرى ذلك مع من خالف الإسلام وغيرهم واحتجاجه (ص) على من اجتمع عنده من
ممثلي الأديان الخمسة : اليهود ، والنصارى ، والدهرية ، والثنوية ، ومشركي
العرب.
|
٢٨
|
احتجاجه (ص) على جماعة من المشركين.
|
٢٩
|
احتجاجه أيضا على جماعة من المشركين.
|
٣٨
|
جوابه (ص) رسالة أبي جهل ، واخباره
بواقعة بدر ومن يقتل فيها من المشركين قبل حدوثها.
|
٤٠
|
احتجاجه (ص) على اليهود في جواز نسخ
الشرائع وغير ذلك.
|
٥٠
|
احتجاجه (ص) على المنافقين في طريق
تبوك ، وكيدهم له بالليل على العقبة.
|
٥٥
|
احتجاج النبي صلىاللهعليهوآلهيوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره
من الأيام بولاية علي بن أبي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومين
صلوات الله عليهم أجمعين.
|
٧٠
|
ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهمن اللجاج والحجاج في أمر الخلافة من
قبل من استحقها ومن لم يستحق والإشارة إلى شيء من انكار من انكر على من تأمر على
علي بن أبي طالب (ع) تأمره ، وكيد من كاده من قبل ومن بعد وخروج النبي صلىاللهعليهوآلهمتوكئا على علي (ع) والعباس ، وحديث
الثقلين وامره (ص) بتجهيز جيش أسامة ، وقصة السقيفة واختلاف المهاجرين والأنصار
في أمر الخلافة وبيعة أبي بكر.
امتناع أمير المؤمنين (ع) عن البيعة
واحتجاجه عليهم بأحقيته بالخلافة ومناشدته لهم ان يشهدوا
|
|
بما سمعوه يوم غدير خم من قول رسول
الله صلىاللهعليهوآله: « من كنت مولاه فهذا علي مولاه »
وقول زيد بن أرقم : « فشهد اثنا عشر رجلا بذلك وكنت ممن سمع القول فكتمته فدعا
علي فذهب بصري ».
الاثنا عشر الذين انكروا على أبي بكر
في المسجد وهو على المنبر.
الهجوم على دار علي عليهالسلامواكراهه على البيعة ، وكتاب أبي قحافة
الى أبي بكر وامره برد الحق الى اهله.
وتآمر القوم على اغتيال علي عليهالسلام.
|
٩٠
|
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على أبي بكر
وعمر لما منعا فاطمة الزهراء (ع) فدك بالكتاب والسنة. احتجاج فاطمة على أبي بكر
في فدك وطلب أبي بكر منها الشهود ، وشهادة أم ايمن وعلي بن أبي طالب (ع) ،
والكتاب الذي كتبه أبو بكر لفاطمة (ع) في فدك ومزقه عمر.
|
٩٥
|
رسالة لأمير المؤمنين (ع) إلى أبي بكر
لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء (ع) فدك.
|
٩٧
|
احتجاج فاطمة الزهراء (ع) على القوم
لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة بالامامة.
|
|
وخطبتها سلام الله عليها في المسجد
وجواب أبي بكر لها ، وادعاؤه انه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهيقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث
» وردها عليهاالسلام
على ذلك وعودتها الى دارها بعد الخطبة وعتابها لعلي أمير المؤمنين (ع) وجوابه
لها (ع) يسليها ويهون عليها. ودخول نساء المهاجرين والأنصار عليها يعدنها في
مرضها الذين توفيت فيه وكلامها (ع) معهن.
|
١١٠
|
احتجاج سلمان الفارسي رضياللهعنه
في خطبة خطبها بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهعلى القوم لما تركوا أمير المؤمنين
(ع) واختاروا غيره ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
|
١١٢
|
احتجاج لابي بن كعب على القوم بمثل ما
احتج به سلمان رضي الله عنه.
|
١١٥
|
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على أبي بكر
لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له.
|
١٣٠
|
احتجاج سلمان الفارسي (ع) على عمر بن
الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه حين كان عامله على المدائن بعد حذيفة بن اليمان.
|
١٣٢
|
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على القوم
لما مات عمر بن الخطاب وقد جعل الخلافة شورى بينهم.
|
١٤٥
|
احتجاجه (ع) على جماعة كثيرة من
المهاجرين والأنصار لما تذاكروا فضلهم بما قال رسول الله (ص) من النص عليه وغيره
من القول الجميل.
|
١٥٥
|
جمعه (ع) للقرآن بعد وفاة الرسول (ص)
وعرضه عليهم ، وقول عمر يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه.
|
١٥٧
|
خطبة أبي ذر في الموسم وهو آخذ بحلقة
باب المسجد يدعو الناس الى أهل البيت (ع) ويحدثهم بحديث السفينة وحديث الثقلين.
|
١٥٨
|
قول علي عليهالسلاملعثمان : كذبت انا خير منك ومنهما
عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم. قول النبي صلىاللهعليهوآله
|
|
لعلي (ع) : « فاخر العرب وانت أكرمهم
ابن عما ، وأكرمهم صهرا ، وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم أخا .. الخ » ورواية سليم بن
قيس : جلست الى سلمان وابي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس اليهم
مسترشدا فقال له سلمان : عليك بكتاب الله فالزمه ، وعلي بن أبي طالب فانه مع
القرآن لا يفارقه وقوله : لقد أمرنا رسول الله وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على
علي بامرة المؤمنين.
ورواية القاسم بن معاوية : « قلت لأبي
عبد الله (ع) هؤلاء يروون حديثا في معراجهم : انه لما اسري برسول الله رأى
مكتوبا على العرش : « لا إله إلا الله ، محمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهأبو بكر الصديق » قال : ( سبحان الله
غيروا كل شيء حتى هذا!! ... الخ ) ».
ورواية عبد الله بن الصامت : رأيت أبا
ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول .. الخ.
|
١٥٩
|
أفضل منقبة لعلي بن أبي طالب (ع).
|
١٦٠
|
احتجاجه (ع) على الناكثين بيعته في
خطبة خطبها حين نكثوها.
|
١٦١
|
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على الزبير
بن العوام وطلحة بن عبد الله لما ازمعا على الخروج عليه ، والحجة في انهما خرجا
من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة.
|
١٦٥
|
احتجاج أم سلمة رضوان الله عليها زوجة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهعلى عائشة في الإنكار عليها بخروجها
على علي أمير المؤمنين عليهالسلام
|
١٦٨
|
احتجاج أمير المؤمنين (ع) بعد دخوله
البصرة بأيام على من قال من أصحابه : انه ما قسم الفيء فينا بالسوية ، ولا عدل
في الرعية وغير ذلك من المسائل التي سئل عنها في خطبة خطبها.
|
١٧٢
|
احتجاجه (ع) على قومه في الحث على
المسير الى الشام لقتال معاوية وفيما اخذ عليهم من العهد والميثاق بالطاعة له
حيال بيعتهم اياه.
|
١٧٦
|
احتجاجه (ع) على معاوية في جواب كتاب
كتبه إليه وفي غيره من المواضع وهو من أحسن الحجاج وأصوبها. وغير ذلك من كتبه
الى معاوية واحتجاجه عليه وعلى عمرو بن العاص.
|
١٨٣
|
كتاب محمد بن أبي بكر الى معاوية
واحتجاجه عليه وجواب معاوية له.
|
١٨٥
|
احتجاجه (ع) على الخوارج لما حملوه
على التحكيم ثم انكروا عليه ذلك ونقموا عليه أشياء فأجابهم (ع) عن ذلك بالحجة
وبين لهم ان الخطأ من قبلهم بل واليهم يعود.
|
١٨٩
|
احتجاجه (ع) في الاعتذار من قعوده عن
قتال من تآمر عليه من الأولين ، وقيامه على قتال من بغى عليه من الناكثين
والقاسطين والمارقين. وخطبته (ع) المعروفة بالشقشقية.
|
١٩٥
|
وروي أن أمير المؤمنين (ع) قال ـ في
أثناء خطبة خطبها بعد فتح البصرة بأيام حاكيا عن رسول الله (ص) قوله ـ : « يا
علي انت باق بعدي ، ومبتل بامتي ، ومخاصم بين يدي الله فاعدد للخصومة جوابا »
قول عبادة بن الصامت لأحمد بن همام :
يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا فو الله لعلي بن
|
|
أبي طالب (ع) كان احق بالخلافة من أبي
بكر ، كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهاحق بالنبوة من أبي جهل وحديث الطائر
المشوي.
|
١٩٨
|
احتجاجه (ع) فيما يتعلق بتوحيد الله
وتنزيهه عما لا يليق به من صفات المصنوعين من : الجبر ، والتشبيه ، والرؤية
والمجيء ، والذهاب والتغيير ، والزوال ، والانتقال من حال الى حال ، من اثناء
خطبه ومجاري كلامه ، ومخاطباته ، ومحاوراته.
|
٢٠٥
|
وروي أنه وفد وفد من بلاد الروم الى
المدينة على عهد أبي بكر وفيهم راهب من رهبان النصارى فأتى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهومعه بختي موقر ذهبا وفضة وكان أبو
بكر حاضرا وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار ... الخ.
|
٢٠٨
|
كلامه (ع) حين خاض أصحابه في التعديل
والتجريح وجوابه (ع) لمن سأله بعد انصرافه من الشام « يا أمير المؤمنين أخبرنا
عن خروجنا الى الشام أبقضاء وقدر؟ ».
|
٢١٠
|
احتجاجه (ع) على اليهود من أحبارهم
ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي صلىاللهعليهوآلهوكثير من فضائله.
|
٢٢٦
|
احتجاج أمير المؤمنين (ع) على بعض
اليهود وغيره في أنواع شتى من العلوم ، واجوبته (ع) مسائل ابن الكوا ، وقوله (ع)
: والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، ان نور أبي يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق
كلهم الا خمسة أنوار.
|
٢٣٥
|
احتجاجه (ع) على من قال بزوال الأدواء
بمداواة الأطباء دون الله سبحانه. وعلى من قال بأحكام النجوم من المنجمين وغيرهم
من الكهنة والسحرة.
|
٢٤٠
|
احتجاجه (ع) على زنديق جاء مستدلا
عليه بآي من القرآن متشابهة تحتاج إلى تأويل ، على أنها تقتضي التناقض والاختلاف
فيه ، وعلى امثاله في أشياء أخر.
|
٢٥٨
|
قوله (ع) « سلوني قبل أن تفقدوني »
واجوبته مسائل ابن الكوا.
|
٢٦١
|
احتجاجه (ع) على من قال بالرأي في
الشرع ، والاختلاف في الفتوى ، وان يتعرض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل ،
وذكر الوجه لاختلاف من اختلف في الدين والرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
|
٢٦٦
|
جواب الحسن بن علي عليهالسلاممسائل الخضر بحضرة ابيه (ع).
|
٢٦٧
|
جواب الحسن مسائل جاءت من الشام
والروم بحضرة ابيه (ع).
|
٢٦٩
|
احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)
على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل في مجلس معاوية « لع ».
|
٢٧٩
|
مفاخرة الحسن بن علي عليهالسلامعلى معاوية ، ومروان بن الحكم
والمغيرة بن شعبة ، والوليد بن عقبة ، وعتبة بن أبي سفيان.
|
فهرس الهوامش
٥
|
ترجمة ( أبي جعفر ) مهدي
بن أبي حرب الحسيني المرعشي.
|
١٥
|
ترجمة ( أبي عبد الله ) جعفر بن محمد
بن أحمد الدوريستي.
|
١٦
|
ترجمة ( أبي جعفر ) محمد بن أحمد بن
العباس العبسي الدوريستي.
|
١٦
|
ترجمة ( أبي جعفر ) محمد بن علي بن
الحسين بن موسى بن بابويه القمي
|
١٦
|
ترجمة ( أبي الحسن ) محمد بن القاسم
الأسترآبادي المفسر.
|
١٦
|
ترجمة ( أبي يعقوب ) يوسف بن محمد بن
زياد.
|
١٦
|
ترجمة ( أبي الحسن ) علي بن محمد بن
سيار.
|
٢٢
|
التعريف باليهود ، والنصارى ،
والثنوية ، والمجوس ، والدهرية.
|
٥٥
|
ترجمة ( أبي علي ) الحسن بن محمد بن
الحسن الطوسي.
|
٥٥
|
ترجمة ( شيخ الطائفة ) ابي جعفر محمد
بن الحسن الطوسي.
|
٥٥
|
ترجمة ( أبي محمد ) هارون بن موسى
التلعكبري الشيباني.
|
٥٥
|
ترجمة ( ابي علي ) محمد بن همام.
|
٥٥
|
ترجمة ( ابي محمد ) العلوي.
|
٥٥
|
ترجمة ( محمد بن موسى ) الهمداني.
|
٥٦
|
ترجمة ( محمد ) بن خالد الطيالسي.
|
٥٦
|
ترجمة ( سيف ) بن عميرة النخعي.
|
٥٦
|
ترجمة ( صالح ) بن عقبة بن قيس بن
سمعان.
|
٥٦
|
ترجمة ( علقمة ) بن محمد الحضرمي.
|
٥٦
|
مصادر حديث الغدير
|
٦٨
|
ترجمة ( عبد الرحمن ) بن سالم الأشل.
|
٦٨
|
ترجمة ( أبي بصير ) يحيى بن القسم
الأسدي.
|
٦٨
|
ترجمة ( علي بن أبي حمزة ) مولى
الأنصار الكوفي.
|
٧٠
|
ترجمة ( محمد ) بن عبد الله الشيباني
( أبو الفضل ).
|
٨٠
|
ترجمة ( سليم ) بن قيس الهلالي.
|
٩٠
|
ترجمة ( حماد ) بن عثمان الفزاري.
والتفريق بينه وبين حماد بن عثمان ( ذو الناب ).
|
٩١
|
( أم أيمن ) مولاة النبي صلىاللهعليهوآلهوحاضنته ، قول النبي صلىاللهعليهوآله: « هي أمي بعد امي » وقوله : « من
سره ان يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم ايمن ». رواية الطبرسي في مجمع
البيان لما نزل قوله : « وآت ذا القربى حقه » اعطى رسول الله صلىاللهعليهوآلهفاطمة فدكا.
|
٩٢
|
رواية محب الدين الطبري حين نزلت آية
التطهير : دعى رسول الله صلىاللهعليهوآلهفاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي
خلف ظهره ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ».
|
٩٣
|
شيء من أحوال ( خالد ) بن الوليد وقصة
مالك بن نويرة.
|
٩٤
|
ترجمة أسماء بنت عميس الخثعمية.
|
٩٧
|
ترجمة ( عبد الله المحض ) بن الحسن
المثنى بن الحسن السبط (عليهالسلام)
مصادر خطبة الزهراء عليهاالسلام.
|
١٠٤
|
كلمة صريحة للاستاذ محمود أبو رية ،
حول موقف أبي بكر من فاطمة (عليهاالسلام)وما
فعل معها في ميراث أبيها.
|
١٠٨
|
ترجمة ( سويد ) بن غفلة الجعفي.
|
١٠٨
|
سند خطبة الزهراء (عليهاالسلام)
التي خطبتها في مرضها الذي توفيت فيه برواية ابن أبي الحديد عن أبي بكر الجوهري.
|
١١٠
|
ترجمة ( سلمان ) الفارسي رضوان الله
عليه.
|
١١٢
|
ترجمة ( ابي ) بن كعب.
|
١١٢
|
ترجمة ( محمد ) ذي النفس الزكية « رض
» واخيه يحيى « صاحب الديلم » الشهيد « رض ».
|
١١٦
|
مصادر حديث ( أول من أسلم علي بن أبي
طالب ).
|
١١٦
|
إرسال النبي صلىاللهعليهوآلهعليا (عليهالسلام)
بسورة براءة ، وعدوله عن بعث أبي بكر وقوله : « لا يبلغ عني غيري او رجل مني »
ومصادر هذه الاثارة.
|
١١٧
|
مبيت علي عليهالسلامعلى فراش النبي صلىاللهعليهوآلهحين هاجر الى المدينة ونزول آية : ( وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ )
في شأنه عليهالسلام
|
١١٨
|
مصادر حديث تصدق علي عليهالسلامبالخاتم ونزول قوله تعالى : ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ )
في حقه.
|
١١٨
|
قول النبي صلىاللهعليهوآلهلعلي (عليهالسلام)
: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وبيان ان هذا القول قد تكرر منه في مناسبات
شتى ، ومصادر الحديث وقول عمر : اما علي فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهيقول فيه ثلاث خصال ، لوددت أن تكون
لي واحدة منهن وكانت أحب الي مما طلعت عليه الشمس.
|
١١٩
|
وحديث المباهلة وتفسير قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعالَوْا
نَدْعُ أَبْناءَنا .. )
الخ
|
١١٩
|
نزول آية التطهير في خمسة : ( النبي ،
وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ) ورواية انس بن مالك : ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهكان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر
ويقول : الصلاة يا أهل بيتي انما يريد الله ، الآية.
|
١١٩
|
نزول سورة ( هل أتى ) في علي وفاطمة
والحسنين (عليهمالسلام)
حين اطعموا اليتيم والاسير
|
|
والمسكين ، ولم ينالوا شيئا من الطعام
وهم صيام ثلاثة أيام ومصادر هذه الكرامة.
|
١٢٠
|
مصادر حديث رد الشمس لعلي (عليهالسلام).
|
١٢٠
|
نداء جبرئيل (عليهالسلام)
بين السماء والأرض : لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي. وقصة اعطاء النبي
الراية يوم خيبر لعلي عليهالسلام
|
١٢١
|
قتل علي عليهالسلامعمرو بن عبد ود.
|
١٢٣
|
في ان تزويج علي من فاطمة (عليهاالسلام)كان
بأمر من السماء ، ومصادر حديث ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وابوهما خير
منهما ).
|
١٢٣
|
ترجمة جعفر بن أبي طالب عليهماالسلام.
|
١٢٤
|
قصة الطائر المشوي.
|
١٢٥
|
قول النبي صلىاللهعليهوآلهعلي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت
على تنزيله.
|
١٢٥
|
في علم علي عليهالسلاموشيء من فضائله.
|
١٢٥
|
في ان النبي صلىاللهعليهوآلهأمر أصحابه بالسلام على علي بامرة
المؤمنين.
|
١٢٦
|
في ان عليا آخر من شهد كلام رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوولي
غسله ودفنه.
|
١٢٦
|
قصة الدينار الذي حباه الله عليا (عليهالسلام).
|
١٢٧
|
قصة صعود علي عليهالسلامعلى منكب النبي وتكسيره الأصنام التي
كانت على ظهر الكعبة.
|
١٢٧
|
في ان عليا (عليهالسلام)
هو صاحب لواء رسول الله صلىاللهعليهوآلهفي الدنيا والآخرة وحديث سد الأبواب
الشارعة في المسجد الا باب علي وقول النبي صلىاللهعليهوآله« والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن
امرت بشيء فاتبعته ».
|
١٢٨
|
آية في كتاب الله لم يعمل بها غير علي
عليهالسلام
|
١٢٨
|
قول النبي صلىاللهعليهوآلهلفاطمة (عليهاالسلام):
« زوجتك خير أهل بيتي أعلمهم علما وافضلهم حلما. وأولهم سلما.
|
١٢٩
|
تسليم الملائكة على علي (عليهالسلام)
يوم القليب.
|
١٣٠
|
ترجمة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
|
١٣٢
|
في ذكر مصادر مناشدة علي عليهالسلامأصحاب الشورى وحديث المناشدة كما هو
في مناقب الخوارزمي.
|
١٣٤
|
ترجمة ( عمرو ) بن شمر الجعفي.
|
١٣٤
|
ترجمة ( جابر ) بن يزيد الجعفي.
|
١٣٥
|
ترجمة ( حمزة ) بن عبد المطلب (عليهالسلام)
( سيد الشهداء ).
|
١٣٦
|
في ان عليا (عليهالسلام)
رأى جبرئيل (عليهالسلام)
في مثال دحية الكلبي.
|
١٣٦
|
قول عمر للأعرابي : ويحك ما تدري من
هذا؟! ـ يريد عليا (عليهالسلام)
ـ هذا مولاي ومولى كل مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
|
١٣٧
|
في ان الله تعالى سمى عليا ( مؤمنا )
في عشر آيات من القرآن ، وبيان تلك الآيات العشرة.
|
١٣٩
|
قول النبي صلىاللهعليهوآلهاول هذه الأمة ورودا على الحوض اولها
اسلاما علي بن أبي طالب (عليهالسلام).
|
١٣٩
|
قول النبي صلىاللهعليهوآلهيا أنس اول من يدخل عليك من هذا الباب
أمير المؤمنين وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين ، فكان عليا
(عليهالسلام).
|
١٤٢
|
قول النبي صلىاللهعليهوآله: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد
سب الله.
|
١٤٢
|
في ان عليا (عليهالسلام)
صلى قبل ان تصلي الناس بسبع سنين.
|
١٤٢
|
وقول النبي صلىاللهعليهوآلهلوفد ثقيف لتسلمن او لأبعثن ( رجلا
مني ) او قال ( مثل نفسي ) فليضربن اعناقكم .. قال عمر : « فو الله ما تمنيت
الامارة الا يومئذ ».
|
١٤٣
|
قوله (صلىاللهعليهوآله)
انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب.
|
١٤٩
|
حديث الثقلين.
|
١٥٤
|
قول عمر : ( النبي يهجر ).
|
١٥٤
|
نص النبي على الأئمة الاثني عشر (عليهالسلام)
بأسمائهم.
|
١٥٥
|
قوله تعالى : ( وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ... )
وان المراد بالشجرة الملعونة بنو أمية ( لع ).
|
١٥٥
|
ترجمة ( أبي ذر ) الغفاري رضوان الله
عليه.
|
١٥٨
|
ترجمة ( القاسم ) بن بريد بن معاوية
العجلي.
|
١٥٨
|
ترجمة ( عبد الله ) بن الصامت.
|
١٥٩
|
قوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ )
فالذي على بينة من ربه هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوالذي يتلوه وهو شاهد منه هو علي (عليهالسلام)
وهو المراد بمن عنده علم الكتاب في قوله تعالى : ( قُلْ كَفى بِاللهِ
شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ )
وفيه نزل قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ).
|
١٦٢
|
ترجمة ( نصر ) بن مزاحم المنقري.
|
١٦٤
|
ترجمة ( أبي عبد الله ) محمد بن عمر
بن واقد المدني.
|
١٦٥
|
ترجمة ( عبد الله ) بن عباس و ( محمد
) بن إسحاق و ( أم سلمة ) ام المؤمنين (رض).
|
١٦٥
|
ترجمة ( الشعبي ) عامر بن شراحيل الكوفي.
|
١٦٩
|
ترجمة ( الأصبغ ) بن نباتة رضوان الله
عليه.
|
١٧١
|
ترجمة ( أبي يحيى ) الواسطي.
|
١٧٧
|
في معنى قوله (عليهالسلام)
: « فأنا صنايع ربنا ، والناس بعد صنايع لنا ».
|
١٨٠
|
ترجمة ( أبي عبيدة ) معمر البصري.
|
١٨١
|
ترجمة ( عمار ) بن ياسر رضوان الله
عليه.
|
١٨٣
|
ترجمة ( محمد ) بن أبي بكر رضوان الله
عليه.
|
١٨٥
|
التعريف بالخوارج لعنهم الله.
|
١٩٠
|
ترجمة ( إسحاق ) بن موسى.
|
١٩١
|
مصادر الخطبة الشقشقية.
|
١٩٦
|
ترجمة ( جابر ) بن عبد الله الأنصاري رحمهالله
|
٢٠٧
|
ترجمة ( الجاحظ ) عمرو بن بحر بن
محبوب. و ( الجبائي ) محمد بن عبد الوهاب.
|
٢٠٨
|
عقيدتنا في القضاء والقدر.
|
٢٢٧
|
ترجمة ( ابن الكوا ) عبد الله الخارجي
الملعون.
|
٢٣٠
|
مصادر قول علي عليهالسلام: « ان نور أبي يوم القيامة ليطفئ
أنوار الخلائق كلهم الا خمسة.
|
٢٣٠
|
ترجمة ( أبي طالب ) عليهالسلام
|
٢٣٩
|
ترجمة ( سعيد ) بن جبير رضوان الله
عليه.
|
٢٥٤
|
في ان القرآن الكريم لا نقص فيه ولا
تحريف ولا زيادة.
|
٢٦٣
|
ترجمة ( مسعدة ) بن صدقة.
|
٢٦٥
|
ترجمة ( يحيى ) الحضرمي. و ( أبي هاشم
) الجعفري.
|
٢٦٧
|
ترجمة ( محمد ) بن قيس أبو نصير.
|
٢٦٩
|
ترجمة ( أبي ) مخنف. و ( يزيد ) بن
أبي حبيب.
|
٢٧٧
|
قصة المغيرة بن شعبة والي عمر على
البصرة حين زنى بام جميل فجلد عمر الشهود ولم يقم عليه الحد.
|
فهرس الجزء الثاني
٢٨٥
|
احتجاج الحسن بن علي عليهالسلامعلى معاوية في الإمامة من يستحقها ومن
لا يستحقها بعد مضي النبي صلىاللهعليهوآله
|
٢٨٨
|
احتجاجه عليهالسلامعلى من أنكر عليه مصالحة معاوية لعنه
الله ونسبه الى التقصير في طلب حقه.
|
٢٩٢
|
احتجاج الحسين بن علي عليهالسلامعلى عمر بن الخطاب في الإمامة
والخلافة.
|
٢٩٣
|
احتجاج الحسين عليهالسلامبذكر مناقب أمير المؤمنين وأولاده (عليهالسلام)
حين أمر معاوية لعنه الله بلعن أمير المؤمنين (عليهالسلام)
وقتل شيعته ، وقتل من يروي شيئا من فضائله.
|
٢٩٦
|
احتجاج الحسين (عليهالسلام)
على معاوية توبيخا له على قتل من قتله من شيعة أمير المؤمنين (عليهالسلام)
وترحمه عليهم.
|
٢٩٨
|
احتجاجه صلوات الله عليه بإمامته على
معاوية وغيره وذكر طرف من مفاخراته ومشاجراته التي جرت له مع معاوية وأصحابه.
|
٣٠٠
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على أهل الكوفة.
|
٣٠٢
|
احتجاج فاطمة الصغرى على أهل الكوفة.
|
٣٠٣
|
خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب بحضرة
أهل الكوفة في ذلك اليوم تقريعا لهم وتأنيبا.
|
٣٠٥
|
احتجاج علي بن الحسين عليهماالسلام
على أهل الكوفة حين خرج من الفسطاط وتوبيخه اياهم على غدرهم ونكثهم.
|
٣٠٦
|
احتجاجه عليهالسلامبالشام على بعض أهلها حين قدم به وبمن
معه على يزيد لعنه الله.
|
٣٠٧
|
احتجاج زينب بنت علي بن أبي طالب عليهمالسلام
حين رأت يزيد لعنه الله يضرب ثنايا الحسين (عليهالسلام)
بالمخصرة.
|
٣١٠
|
احتجاج علي بن الحسين زين العابدين (عليهالسلام)
على يزيد بن معاوية ( لع ) لما ادخل عليه.
|
٣١٢
|
احتجاجه (عليهالسلام)
في أشياء شتى من علوم الدين وذكر طرف من مواعظه البليغة.
|
٣١٦
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على محمد بن الحنفية في الإمامة.
|
٣١٨
|
في بيان سبب اختصاص الإمام جعفر بن
محمد بلقب ( الصادق ) وهم (عليهمالسلام)
كلهم ( الصادقون ).
|
٣٢١
|
احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهماالسلام
في شيء مما يتعلق بالاصول والفروع.
|
٣٢١
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على نافع مولى عمر بن الخطاب.
|
٣٢٢
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على الحسن البصري.
|
٣٢٣
|
احتجاجه على سالم في امامة علي عليهالسلام
|
٣٢٦
|
أجوبته (عليهالسلام)
على مسائل طاوس اليماني.
|
٣٣١
|
احتجاج أبي عبد الله الصادق (عليهالسلام)
في أنواع شتى من العلوم الدينية على اصناف كثيرة من أهل الملل والديانات.
|
٣٣٣
|
اجوبته (عليهالسلام)
لهشام بن الحكم ـ رحمهاللهـ عن أسماء الله عز ذكره واشتقاقها.
|
٣٣٤
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على الزنديق المصري.
|
٣٣٥
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على ابن أبي العوجاء.
|
٣٣٦
|
احتجاجاته (عليهالسلام)
على الزنادقة.
|
٣٥٩
|
احتجاجه عليهالسلامعلى ( أبي حنيفة ) النعمان بن ثابت بن
زوطي.
|
٣٦٥
|
احتجاج الصادق (عليهالسلام)
على رؤساء المعتزلة.
|
٣٦٧
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على رجل من أهل الشام وأمره أصحابه بمناظرته.
|
٣٦٧
|
مناظرة هشام بن الحكم مع عمرو بن
عبيد.
|
٣٦٨
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على رجل تصدق بما سرقه.
|
٣٧٠
|
مناظرة بحضرة الإمام الصادق (عليهالسلام)
بين رجل من شيعته وآخر من مخالفيه.
|
٣٧١
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على الزيدية.
|
٣٧٢
|
احتجاجه (عليهالسلام)
في مواضيع شتى من العلوم.
|
٣٧٤
|
احتجاجه (عليهالسلام)
في بيان وجه الحكمة في غيبة الامام المنتظر ( عج ).
|
٣٧٦
|
احتجاج مؤمن الطاق على زيد بن علي بن
الحسين (عليهالسلام).
|
٣٧٨
|
احتجاج مؤمن الطاق على ابن أبي حذرة.
|
٣٨١
|
احتجاج مؤمن الطاق على أبي حنيفة.
|
٣٨٢
|
احتجاج رجل من الشيعة على أبي الهذيل
العلاف.
|
٣٨٥
|
احتجاج أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهالسلام)
في أشياء شتى على المخالفين.
|
٣٨٧
|
احتجاج الإمام موسى بن جعفر (عليهالسلام)
على أبي حنيفة.
|
٣٨٩
|
أجوبة الإمام موسى بن جعفر (عليهالسلام)
لأسئلة الرشيد.
|
٣٩٢
|
المأمون يتعلم التشيع من الرشيد.
|
٣٩٤
|
احتجاج الإمام موسى بن جعفر (عليهالسلام)
على أبي يوسف.
|
٣٩٦
|
احتجاج الإمام أبي الحسن علي بن موسى
الرضا (عليهالسلام)
في التوحيد والعدل وغيرهما ، على المخالف والمؤالف ، والاجانب والأقارب.
|
٣٩٧
|
خطبته (عليهالسلام)
في التوحيد في مجلس المأمون.
|
٤٠١
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على المروزي متكلم خراسان في مجلس المأمون.
|
٤٠٥
|
احتجاجه (عليهالسلام)
على أبي قرة المحدث.
|
٤٠٨
|
اجوبته (عليهالسلام)
على أسئلة أبي الصلت الهروي.
|
٤١٠
|
اجوبته (عليهالسلام)
لمن سأله عن صفات الله سبحانه.
|
٤١٠
|
اجوبته (عليهالسلام)
على مسائل في التوحيد.
|
٤١٤
|
كلامه (عليهالسلام)
في نفي الجبر والتفويض.
|
٤١٥
|
احتجاج الرضا (عليهالسلام)
على أهل الكتاب والمجوس ورئيس الصابئين وغيرهم.
|
٤١٦
|
اجوبته (عليهالسلام)
على أسئلة المأمون.
|
٤٣٢
|
احتجاجه صلوات الله عليه فيما يتعلق
بالامامة وصفات من خصه الله تعالى بها وبيان الطريق الى من كان عليها وذم من
يجوز اختيار الامام ولؤم من غلا فيه وأمر الشيعة بالتورية والتقية عند الحاجة
اليهما وحسن التأدب.
|
٤٣٣
|
كلام له (عليهالسلام)
في صفات الامام (عليهالسلام).
|
٤٣٧
|
كلامه (عليهالسلام)
في ذم الغلاة والمفوضة.
|
٤٤٠
|
كلامه (عليهالسلام)
في التقية.
|
٤٤١
|
احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهماالسلام
في أنواع شتى من العلوم الدينية.
|
٤٤٣
|
اجوبته (عليهالسلام)
على مسائل يحيى بن أكثم في مجلس المأمون.
|
٤٤٩
|
احتجاج أبي الحسن علي بن محمد العسكري
عليهماالسلام في شيء من
التوحيد وغير ذلك من العلوم الدينية والدنياوية على المخالف والمؤالف.
|
٤٥١
|
رسالته (عليهالسلام)
إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتفويض.
|
٤٥٥
|
احتجاج أبي محمد الحسن بن علي العسكري
(عليهالسلام)
في أنواع شتى من علوم الدين.
|
٤٦١
|
احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي
صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
|
٤٦٦
|
في ذكر توقيع له (عليهالسلام)
جوابا على كتاب انفذ إليه حينما تشاجر جماعة من الشيعة في ( الخلف ).
|
٤٦٨
|
في ذكر توقيع خرج الى أحمد بن إسحاق
جوابا على كتاب أرسله إليه وفي درجة كتاب جعفر الذي أرسله الى أحمد بن إسحاق
يدعوه الى نفسه.
|
٤٦٩
|
في ذكر توقيع بخطه (عليهالسلام)
خرج بواسطة محمد بن عثمان العمري جوابا على أسئلة إسحاق بن يعقوب ، وفيه بيان
علة وقوع الغيبة ووجه الانتفاع به في غيبته ( عج ).
|
٤٧١
|
في ذكر توقيع له ( عج ) خرج جوابا على
سؤال وجه إليه في ان الأئمة عليهمالسلام
هل فوض الله اليهم أن يخلقوا ويرزقوا ، أم لا؟
|
٤٧٣
|
ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله
عليه ، ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب على يدي محمد بن علي بن هلال
الكرخي.
|
٤٧٣
|
في ذكر توقيع خرج على يدي الحسين بن
روح « ره » في لعن من ادعى البابية والبراءة منهم.
|
٤٧٧
|
في ذكر الأبواب المرضيين والسفراء
الممدوحين في زمن الغيبة.
|
٤٧٩
|
في ذكر طرف مما خرج أيضا عن صاحب
بالزمان ( عج ) من المسائل الفقهية وغيرها ، في التوقيعات على أيدي الأبواب
الأربعة وغيرهم.
|
٤٧٩
|
فيما ورد من اجوبة مسائل محمد بن جعفر
الأسدي على يد الشيخ محمد بن عثمان العمري « ره ».
|
٤٨٠
|
عن أبي الحسين الأسدي قال : ورد علي
توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ قدس الله روحه ـ ابتداء لم
يتقدمه سؤال عنه.
|
٤٨١
|
ومما خرج عنه ( عج ) من جوابات
المسائل الفقهية أيضا ما سأل عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
|
٤٨٥
|
وفي كتاب آخر لمحمد بن عبد الله
الحميري الى صاحب الزمان ( عج ) من جواب مسائله التي سأله عنها سنة سبع
وثلاثمائة.
|
٤٨٧
|
وكتب إليه صلوات الله عليه أيضا في
سنة ثمان وثلاثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل اخرى.
|
٤٩٢
|
وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
انه قال : خرج التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله تعالى ـ بعد المسائل ـ (
وفيه آداب التوجه بهم (عليهمالسلام)
الى الله تعالى ).
|
٤٩٧
|
ذكر كتاب ورد عن الناحية المقدسة ـ
حرسها الله ورعاها ـ في أيام بقيت من صفر ، سنة عشر واربعمائة على الشيخ المفيد رحمهالله
|
٤٩٨
|
وورد عليه ـ رحمهاللهـ كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه ،
يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثني عشر واربعمائة.
|
٤٩٩
|
احتجاج الشيخ المفيد السديد أبي عبد
الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه.
|
٥٠٢
|
احتجاج السيد الأجل علم الهدى المرتضى
أبي القاسم علي رضياللهعنه
وأرضاه على أبي العلاء المعري في جواب ما سأل عنه مرموزا.
|
٥٠٦
|
احتجاجه ـ قدس الله روحه ـ في التعظيم
والتقديم لأئمتنا (عليهمالسلام)
على سائر الورى ما عدا نبينا (عليهالسلام)
بطريقة لم يسبقه إليها أحد ذكرها في رسالته الموسومة بالرسالة الباهرة في فضل
العترة الطاهرة.
|
فهرس الهوامش
|
ترجمة « حنان » بن سدير بن حكيم بن
صهيب ( أبي الفضل ) الصيرفي الكوفي.
|
|
ترجمة « سدير » بن حكيم الكوفي والد (
حنان ).
|
|
ترجمة ( حكيم ) بن صهيب الكوفي والد (
سدير ).
|
|
ترجمة ( أبي سعيد ) عقيصان ، من بني
تيم الله بن ثعلبة.
|
|
ترجمة ( زيد ) بن وهب الجهني.
|
|
ترجمة ( الأعمش ) أبي ( محمد ) سليمان
بن مهران الأسدي مولاهم الكوفي.
|
|
ترجمة ( سالم ) بن أبي الجعد الأشجعي
، مولاهم الكوفي.
|
|
ترجمة ( صالح ) بن كيسان المدني.
|
|
ترجمة ( موسى ) بن عقبة بن أبي عياش
المدني ( تابعي ).
|
|
( محمد ) بن السائب.
|
|
( مصعب ) بن عبد الله من آل الزبير (
مجهول ).
|
|
ترجمة ( زيد ) بن موسى بن جعفر عليهماالسلام.
|
|
( حذيم ) بن شريك الأسدي من أصحاب
الإمام علي بن الحسين (عليهالسلام).
|
|
ترجمة ( أبي حمزة الثمالي ) ثابت بن
دينار ( الثقة الجليل ).
|
|
ترجمة ( عبد الله ) بن سنان بن طريف ،
مولى بني هاشم ، ويقال مولى بني أبي طالب.
|
|
ترجمة ( ثابت ) البناني ( أبي فضالة )
من أهل بدر ، قتل بصفين.
|
|
ترجمة ( أبي خالد الكابلي ) واسمه (
وردان ) ولقبه ( كنكر ).
|
|
ترجمة ( الزهري ) ( أبي بكر ) محمد بن
مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الحرث بن شهاب بن زهرة بن كلاب ، الفقيه
المدني التابعي.
|
|
ترجمة ( أبي الجارود ) الأعمى الكوفي
، زياد بن المنذر.
|
|
ترجمة ( حمران ) بن أعين « رحمهالله».
|
|
ترجمة ( ابان ) بن تغلب بن رياح ( أبي
سعيد ) البكري الجريري.
|
|
ترجمة ( هشام ) بن الحكم « رحمهالله».
|
|
ترجمة ( عيسى ) بن يونس بزرج.
|
|
ترجمة ( يونس ) بن ظبيان.
|
|
( سعيد ) بن أبي الخضيب البجلي من
أصحاب الصادق (عليهالسلام).
|
|
ترجمة ( الحسين ) بن زيد بن علي بن
الحسين (عليهالسلام).
|
|
ترجمة ( حفص ) بن غياث ( أبي عمرو )
النخعي القاضي الكوفي.
|
٣٥٤
|
ترجمة ( ابن أبي العوجاء ) عبد
الكريم.
|
٣٥٥
|
ترجمة ( عبد المؤمن ) الأنصاري.
|
٣٥٥
|
( نصير الخثعمي ) أبي الحكم.
|
٣٥٥
|
( عمر ) بن حنظلة العجلي البكري الكوفي من أصحاب الصادق (عليهالسلام).
|
٣٥٧
|
ترجمة ( الحسن ) بن الجهم بن بكير بن
أعين ( ابي محمد الشيباني ).
|
٣٥٧
|
ترجمة ( الحرث ) بن المغيرة النصري ،
بصري عربي.
|
٣٥٧
|
ترجمة ( سماعة ) بن مهران بن عبد
الرحمن الحضرمي ، مولى عبد ابن وائل بن حجر الحضرمي. يكنى ( ابا ناشرة ) وقيل :
( أبا محمد )
|
٣٥٨
|
ترجمة ( ابن أبي ليلى ) محمد بن عبد
الرحمن القاضي الكوفي.
|
٣٥٨
|
ترجمة ( النعمان ) بن ثابت بن زوطي (
ابي حنيفة ).
|
٣٦٢
|
( عيسى ) بن عبد الله القرشي ( مجهول ).
|
٣٦٢
|
ترجمة ( الحسن ) بن محبوب السراد
ويقال : الزراد مولى بجيلة كوفي.
|
٣٦٢
|
( عبد الكريم ) بن عتبة الهاشمي من أصحاب الكاظم (عليهالسلام).
|
٣٦٤
|
ترجمة ( يونس ) بن يعقوب ( أبي علي )
الجلاب البجلي.
|
٣٧١
|
ترجمة ( معاوية ) بن وهب البجلي.
|
٣٧١
|
ترجمة ( سعيد ) بن عبد الرحمن وقيل :
ابن عبد الله الأعرج السمان.
|
٣٧٢
|
ترجمة ( زيد ) بن علي بن الحسين عليهماالسلام.
|
٣٧٤
|
( أبو يعقوب ) الأسدي امام بني السيد الكوفي من أصحاب الصادق (عليهالسلام).
|
٣٧٤
|
ترجمة ( المعلى ) بن خنيس ( أبي عبد
الله ) مولى الصادق (عليهالسلام)
ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفي.
|
٣٧٥
|
ترجمة ( محمد ) بن أبي عمير الكوفي.
|
٣٧٥
|
ترجمة ( عبد الله ) بن الوليد السيان.
|
٣٧٦
|
( عبد الله ) بن الفضل الهاشمي من أصحاب الصادق عليهالسلام
|
٣٧٦
|
ترجمة ( علي ) بن الحكم من أهل
الأنبار.
|
٣٧٨
|
في التنبيه الى أن البيت المشهور في
مخاطبة عائشة : ( تجملت تبغلت ) الى آخره هو لابن عباس
|
٣٧٨
|
وليس لمحمد بن أبي بكر.
|
٣٧٨
|
ترجمة ( شريك ) بن عبد الله بن سنان
بن أنس النخعي الكوفي.
|
٣٧٨
|
ترجمة ( أبي نعيم ) النخعي الصغير.
عبد الرحمن بن هاني الكوفي.
|
٣٨٠
|
مصادر ( حديث السفينة ).
|
٣٨١
|
ترجمة ( سعد ) بن عبادة. رئيس (
الخزرج ).
|
٣٨٢
|
( فضال ) بن الحسن بن فضال الكوفي.
|
٣٨٢
|
( أبو الهذيل ) العلاف بن عبد الله بن مكحول البصري.
|
٣٨٣
|
قول أبي بكر : « وليت عليكم ولست
بخيركم » وقوله : « ان لي شيطانا يعتريني »
|
٣٨٤
|
قول عمر : « كانت بيعة أبي بكر فلتة
».
|
٣٨٥
|
( الحسن ) بن عبد الرحمن الحماني روى عنه في الكافي.
|
٣٨٦
|
( يعقوب ) بن جعفر روى عنه في الكافي والتهذيب عن الصادق والكاظم
عليهماالسلام
|
٣٨٦
|
( الحسن ) بن راشد ، مولى بني العباس كوفي.
|
٣٨٧
|
( دارم ) بن قبيصة.
|
٣٨٨
|
ترجمة ( علي ) بن يقطين بن موسى
البغدادي سكن بغداد وهو كوفي الأصل.
|
٣٨٩
|
( أبو احمد ) هاني بن محمد العبدي.
|
٣٩٦
|
( محمد ) بن عبد الله الخراساني « خادم الرضا (عليهالسلام)
» ( مجهول ).
|
٣٩٩
|
شرح موجز لبعض الفقرات الواردة في
خطبة الإمام الرضا (عليهالسلام)
( في التوحيد ).
|
٤٠١
|
( الحسن ) بن محمد بن سهل النوفلي.
|
٤٠١
|
عقيدتنا في البداء.
|
٤٠٥
|
ترجمة ( صفوان ) بن يحيى ( أبي محمد )
البجلي مولى بني بجيلة بياع السابري. كوفي.
|
٤٠٨
|
ترجمة ( أبي الصلت ) الهروي. عبد
السلام بن صالح.
|
٤٠٩
|
رواية عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهفي ان نطفة الصديقة فاطمة الزهراء
سلام الله عليها قد
|
٤١٠
|
تكونت ليلة المعراج من ثمار الجنة.
|
٤١٠
|
( الحسين ) بن خالد من أصحاب الكاظم عليهالسلام
|
٤١٠
|
ترجمة ( إبراهيم ) بن أبي محمود.
خراساني ثقة.
|
٤١٣
|
ترجمة ( أبي القاسم ) عبد العظيم بن
عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهالسلام).
|
٤١٤
|
( يزيد ) بن عمير بن معاوية الشامي ( مجهول ).
|
٤٢٦
|
عقيدتنا في عصمة الأنبياء والأئمة (عليهمالسلام).
|
٤٣٢
|
( أبو يعقوب ) البغدادي ( مجهول ).
|
٤٣٢
|
ترجمة ( ابن السكيت ) يعقوب بن إسحاق
الدورقي الأهوازي ( أبي يوسف ) الإمامي النحوي اللغوي الأديب.
|
٤٣٣
|
( القسم ) بن مسلم ( مجهول ).
|
٤٣٣
|
( عبد العزيز ) بن مسلم من أصحاب الرضا (عليهالسلام).
|
٤٣٧
|
( خالد ) بن الهيثم الفارسي ( مجهول ).
|
٤٤١
|
ترجمة ( أبي داود ) بن القاسم الجعفري
بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليهالسلام).
|
٤٤٣
|
( الريان ) بن شبيب ، خال المعتصم.
|
٤٤٧
|
في تكذيب ما رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهفي أن جبرئيل جاءه وقال له : « يا
محمد ان الله عز وجل
|
|
يقرؤك السلام ويقول لك : سل أبا بكر
هل هو عني راض فاني عنه راض ». وقول الذهبي « بعد نقله » : كذب.
|
٤٤٧
|
في تكذيب ما رووا من ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهقال عن أبي بكر وعمر : ( انهما سيدا
كهول أهل الجنة ) وبيان انه وضع في أيام بغي أمية معارضة لقوله صلىاللهعليهوآله: « الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة وأبوهما خير منهما ».
|
٤٤٨
|
في تكذيب ما رووا من أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهقال : « ان السكينة تنطق على لسان عمر
» أو قال : « الحق ينطق على لسان عمر » أو قال : « ان ملكا ينطق على لسان عمر ».
|
٤٤٩
|
ترجمة ( احمد ) بن إسحاق بن سعد بن عبد
الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبي علي القمي.
|
٤٥٠
|
( العباس ) بن هلال الشامي من أصحاب الرضا (عليهالسلام).
|
٤٦١
|
( سعد ) بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي.
|
٤٦١
|
( احمد ) بن إسحاق الرازي من أصحاب أبي الحسن الثالث (عليهالسلام)
أورد الكشي ما يدل على اختصاصه بالجهة المقدسة.
|
٤٦٦
|
ترجمة ( عثمان ) بن سعيد العمري ( أبا
عمرو ) ( السمان ) ويقال له : ( الزيات ) أول النواب الأربعة.
|
٤٦٩
|
ترجمة ( الكليني ) محمد بن يعقوب بن
إسحاق الكليني الرازي ( أبي جعفر ) الملقب ( ثقة الإسلام ).
|
٤٦٩
|
( أبي جعفر ) محمد بن عثمان العمري ، ثاني الوكلاء الأربعة
المعروف ب ( الخلاني ).
|
٤٧١
|
( أبو الحسن ) علي بن أحمد الدلال القمي.
|
٤٧١
|
ترجمة الشيخ ( الصدوق ) محمد بن علي
بن الحسين بن بابويه القمي ( أبي جعفر ) ره.
|
٤٧٢
|
( محمد ) بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني.
|
٤٧٢
|
ترجمة ( الحسين ) بن روح « نضر الله
وجهه » ثالث النواب الأربعة.
|
٤٧٥
|
في ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية
ومنهم : ( السريعي ، والنميري ، والكرخي ، والبلالي ، والشلمغاني ، والعلاج ،
وابن أبي العزاقر.
|
٤٧٨
|
ترجمة ( أبي الحسن ) ( علي ) بن محمد
( السمري ) آخر النواب الأربعة.
|
٤٧٩
|
ترجمة ( محمد ) بن جعفر بن محمد بن
عون الأسدي ( أبي الحسين ) الكوفي.
|
٤٨١
|
ترجمة ( عبد الله ) بن جعفر بن الحسين
بن مالك بن جامع الحميري.
|
٤٨١
|
( علي ) بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة لم أعثر
له على ترجمة.
|
٤٨٣
|
ترجمة ( محمد ) بن عبد الله بن الحسين
بن جامع بن مالك الحميري. ( أبي جعفر ) القمي.
|
٤٩٥
|
ترجمة ( الشيخ المفيد ) محمد بن
النعمان ( أبي عبد الله ) المعروف با ( بن المعلم ).
|
٤٩٩
|
( أبو علي الحسن بن محمد الرقي ).
|
٥٠٢
|
ترجمة (علم الهدى) الشريف ( المرتضى )
علي بن الحسن بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عليهمالسلام
(أبي القاسم).
|
٥٠٤
|
( أبو العلاء ) المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري.
|
٥١٠
|
فهرس متن الكتاب ج ١
|
٥١٤
|
فهرس هامش الكتاب ج ١
|
٥١٨
|
فهرس متن الكتاب ج ٢
|
٥٢٢
|
فهرس هامش الكتاب ج ٢
|
|