
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من
الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.
وبعد ...
فإن حياة الإمام الحسن صلوات الله
وسلامه عليه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ، وحتى عضوياً بحياة أخيه السبط الشهيد الإمام
الحسين عليه الصلاة والسلام ..
وبالأخص حياتهما السياسية ، فهما شريكان
في صنع الأحداث ، أو في التأثير فيها ، سواء على مستوى الموقف ، أو على مستوى
نتائجه وآثاره ..
ولا يقتصر ذلك على الفترة التي عاشاها
كإمامين ، يتحملان بالفعل مسؤولية القيادة والهداية للأمة .. بل وينسحب أيضاً حتى
على الفترة التي عاشاها في كنف جدهما الرسول الأعظم 6
، فضلاً عما تلاها من تحولات وتطورات في عهد الخلفاء الثلاثة ، ثم إبان تصدي
أبيهما أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه للإمامة الظاهرة ..
بل إننا حتى بعد استشهاد الإمام الحسن 7 ، لنجد ملامح الآثار
المباشرة لمواقفه 7
على مجمل المواقف والأحداث التي كان للإمام الحسين 7
التأثير فيها ، أو المسؤولية في صنعها ..
وليس ذلك ـ فقط ـ لأجل أن دور أحدهما ـ
كإمام ـ لا بد أن يكون امتداداً لدور الآخر .. وإنما يضاف إلى ذلك طبيعة الظروف
التي رافقت حياتهما ، والمسؤوليات المتميزة التي فرض عليهما القيام بها في تلك
الفترة الزمنية ، ذات الطابع الخاص جداً ..
ولأجل ذلك .. فإن على من يريد البحث
والتعرف على الحياة السياسية لأحدهما عليهما الصلاة والسلام ، أن لا يهمل النظر
إلى حياة الآخر ، وملاحظة مواقفه. بل لا بد وأن يبقى على مقربة منها ، إذا أراد أن
يستفيد الكثير ممّا يساعده على فهم أعمق لما هو بصدد البحث فيه ، ويهدف إلى التعرف
عليه ، وعلى أسبابه ، وعلى آثاره ونتائجه ..
ونحن في هذا البحث المقتضب ، وإن كنا لم
نستطع أن نؤمن ـ حتى الحد الأدنى في مجال الالتزام بهذا الاتجاه ، وذلك بسبب عدم
توفر الفرصة ، وكثرة الصوارف .. إلا أننا لا نُبعد كثيراً إذا قلنا : إن ملامح هذا
الاتجاه ليست مطموسة تماماً في بحثنا هذا ..
وأخيراً .. فإن هذه الدراسة الموجزة ،
قد تكون قادرة ـ ولو جزئياً ـ على رسم صورة تكاد تكون واضحة عن الحياة السياسية
للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام. كما أنها يمكن أن تساعد بشكل فعال في الحصول
على تصورٍ ـ ولو محدود ـ عن بعض التيارات والمناحي السياسية لتلك الفترة ... فـ :
إلى ما يلي من صفحات
|
٢٠/ ١ / ١٤٠٤ هـ. ق
٥ / ٨ / ١٣٦٢ هـ. ش
جعفر مرتضى الحسيني
العاملي
|
ما هي السياسة؟ :
قيل :
سأل بعض الناس الإمام الحسن 7 عن رأيه في السياسة ، فقال 7 :
« هي أن تراعي حقوق الله ، وحقوق
الأحياء ، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله ، فأداء ما طلب ، والاجتناب عما نهى.
وأما حقوق الإحياء ، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك ، ولا تتأخر عن خدمة أمتك ،
وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق
السوي. وأما حقوق الأموات ، فهي أن تذكر خيراتهم ، وتتغاضى عن مساوئهم ، فإن لهم
رباً يحاسبهم » .
الفصل
الأول :
في عهد الرسول الأعظم 9
روي أن النبي 6
، قال في حديث له : « لو كان العقل رجلاً لكان الحسن »
( فرائد
السمطين ج ٢ ص ٦٨ وعن مقتل الحسين للخوارزمي )
بداية :
لقد ولد الإمام الحسن عليه الصلاة
والسلام في حياة جده الرّسول الأكرم ، محمد 6
، وبالذات في النصف من شهر رمضان المبارك ، من السنة الثالثة للهجرة النبوية ، على
المشهور .. وعاش في كنف جده المصطفى 6
سبع سنوات من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلتها ، كافية لأن تجعل منه
الصورة المصغرة عن شخصية الرسول الأكرم 6
، حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم ، الذي حباه به جده ، حينما قال له ـ حسبما
روي :
« أشبهت خلْقي وَخُلُقي » .
وقال المحقق العلامة الأحمدي : « أضف
إلى ذلك ما لصحبة العظماء من الأثر الروحي على الإنسان ، فمن عاشر كبيراً ، وصاحب
عظيما ، فيشرق عليه من نوره ، ويلفح عليه من عطره المعنوي ما تَغْنى به نفسه ،
وتسمو به ذاته .. وقد ألمحت الأحاديث الكثيرة الورادة في العِشْرة ، واختيار
الصديق إلى هذا
المعنى، وأشار أمير
المؤمنين 7 إلى صحبته
لرسول الله 6 في خطبته
القاصعة ، فقال : « ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من
أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به الخ .. ».
أضف إلى ذلك : أنه 6 قد نحل الحسنين 8 نحلة سامية ، حينما قال : أما الحسن
فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين فله جودي وشجاعتي » انتهى.
النبي 6 ومستقبل الأمة :
والرسول الأعظم محمد 6 هو ذلك الشخص الذي يتحمل مسؤولية هداية
ورعاية الأمة ، ومسؤولية تبليغ وحماية مستقبل الرسالة ، ثم وضع الضمانات التي لا
بد منها في هذا المجال ..
وهو 9
المطلع عن طريق الوحي على ما ينتظر هذا الوليد الجديد ، الإمام الحسن 7 من دَور قيادي هام على هذا الصعيد .. كما
أنه 6 مأمور بأن
يساهم هو شخصياً ، وبما هو ممثل للإرادة الإلهية بالإعداد لهذا الدور ، سواء فيما
يرتبط ببناء شخصية هذا الوليد اليافع ، ليكون الإنسان الكامل الذي يمتلك الصفات
الإنسانية المتميزة ، أو فيما يرتبط ببنائه بناء فذّاً يتناسب مع المهام الجسام ،
التي يؤهل للاضطلاع بها على صعيد هداية ورعاية وقيادة الأمة.
وإذا كانت هذه المهام هي ـ تقريباً ـ
نفس المهام التي كان يضطلع بها الرسول الأعظم 6
.. فإن من الطبيعي أن تتجلى في
شخصية من يخلفه نفس
الصفات والمؤهلات التي كانت للشخصية النبوية المباركة ..
وهكذا .. فإنه يتّضح المراد من قوله فإن
قوله 6 للإمام
الحسن 7 : أشبهت
خَلْقي وَخُلُقي .. فأما شبهه له في الخلق ، فذلك أمر واقع ، كما عن أبي جحيفة وأما شبهه له في الخُلُق فلا بد أن
يعتبر وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي ، الذي هو وراثة وخلافة النبي
الأعظم 6 ، ثم وصيه
علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.
نعم .. لابد من ذلك ، سواء بالنسبة لما
يرتبط بشخصية ذلك الوليد .. أو بالنسبة إلى خلق المناخ النفسي الملائم لدى الأمة ،
التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقها المشروع في الاحتفاظ
بقيادتها الإلهية ، التي فرضها الله تعالى لها .. أو على الأقل أن لا تتأثر
بعمليات التمويه والتشويه ، وحتى الإعدام والنسف للمنطلقات والركائز ، التي تقوم
عليها رؤيتها العقائدية والسياسية ، التي يعمل الإسلام على تعميقها وترسيخها في
ضمير الأمة ووجدانها ..
ومن هنا .. نعرف السر والهدف الذي يرمي
إليه النبي 6 في تأكيداته
المتكررة ، تصريحاً ، أو تلويحاً على ذلك الدور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاه 8 ، وإلى المهمات الجلّى التي يتم
إعدادهما لها ، حتى ليصرح بأنهما 8
: إمامان قاما أو قعدا
كما أنه يقول
لهما : أنتما
الإمامان ، ولأمكما الشفاعة .
وفي مودة القربى أنه 6 قال للحسين 7 : « أنت سيد ، ابن سيد ، أخو سيد ،
وأنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، وأنت حجة ، ابن حجة ، أخو حجة ، وأنت أبو حجج
تسعة ، تاسعهم قائمهم » .
وفي حديث عنه 6 يقول فيه عن الإمام الحسن 7 : « وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله
على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فإنه ليس مني
الخ » وثمة أحاديث
أخرى تدل على إمامتهما ، وإمامة التسعة من ذرية الحسين 7 : فلتراجع .
فكل ما تقدم إنما يعني : أن النبي 6 قد بث في الحسنين 8 من العلوم النافعة ، والحكمة الساطعة ،
وربى فيهما من المؤهلات ما يكفي لأن يجعلهما ، جديرين بمقام خلافته ، وهداية الأمة
بعده ..
كما أننا نلاحظ حرصه 6 على ربط قضاياهما عقيدة وتشريعاً ،
وحتى عاطفياً ووجدانياً بنفسه 6
شخصياً ، حتى
ليقول لهما : أنما
سلم لمن سالمتم ، وحربٌ لمن حاربتم
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها.
وفي نص آخر عن أنس بن مالك قال : دخل
الحسن على النبي 9
، فأردت أن أمطيه عنه ، فقال 9
: « ويحك ياأنس ، دع ابني ، وثمرة فؤادي ، فإن من آذى هذا آذاني ، ومن آذاني فقد
آذى الله » .
بل إنه 6
ليخبر الناس بما يجري على الإمام الحسن 7
بعده ، فيقول حسبما روي : « إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله على يديه بين فئتين
عظيمتين » .
أما إخباراته 9 بما يجري على أخيه السبط الشهيد الإمام
الحسين 7 ، فهي كثيرة
أيضاً ، وليس هنا موضع التعرض لها.
وبعد ذلك كله ، فإننا نجده 6 يُقَبّل الإمام الحسن 7 في فَمِه ، يُقَبل الإمام الحسين 7 في نحره ، في إشارة صريحة منه إلى سبب
استشهادهما 8 ، واعلاماً
منه عن تعاطفه معهما ، وعن تأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما ..
هذا كله ، بالإضافة الى كثير من النصوص
التي تحدثت عن دور الأئمة وموقعهم بشكل عام ، ككونهم باب حطة ، وربانيي هذه الأمة
، ومعادن العلم ، وأحد الثقلين ، بالإضافة الى الأحاديث التي تشير الى ما سوف
يلاقونه من الأمة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه ..
وعلى كل حال .. فإن الشواهد على أن
الرسول الأعظم ، محمداً 6
كان يهتم في إعطاءالملامح الواضحة للركائز والمنطلقات ، التي لا بد منها لتكوين
الرؤية العقائدية والسياسية الصحيحة والكاملة ، تجاه الدور الذي ينتظر السبطين
الشهيدين صلوات الله وسلامه عليهما ، والتي تمثل الضمانات الكافية ، والحصانة
القوية لضمير الأمة ضد كل تمويه او تشويه ـ هذه الشواهد ـ كثيرة جداً لا مجال لا
ستقصائها ، ولكننا نؤكد بالإضافة الى ما تقدم على الأمور التالية :
ألف : العاطفة قد تعني موقفاً :
لقد كان الإمام الحسن 7 أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ... بل لقد بلغ من حبه 6 له ولأخيه 8 : أنه يقطع خطبته في المسجد ، وينزل عن
المنبر ليحتضنهما ، بالإضافة الى بعض ما تقدم وما سيأتي من النصوص الكثيرة ، والتي
ذكرنا بعضها ، حيث لا مجال لتتبعها جميعاً في عجالة كهذه ..
والكل يعلم : أنه 6 لم يكن ينطلق في مواقفه ، وكل أفعاله
وتروكه من منطلق المصالح ، أو الأهواء الشخصية ، ولا بتأثير من النزعات والعواطف ،
وإنما كان صلى عليه وآله فانياً في الله بكل وجوده ، وبكل عواطفه وأحاسيسه ، وبكل
ما يملك من فكر ، ومن طاقات ومواهب ، فهو 6
من الله سبحانه كان ، ومن أجل دينه ورسالته يعيش ، وعلى طريق حبه ، وحال اللقاء
معه يموت .. فالله سبحانه هو البداية ، وهو الاستمرار ، وهو النهاية .. الأمر الذي
يعني : أن كل موقف لا يكون خطوة على طريق خدمة دين الله ، وإعلاء كلمته ، لا يمكن
أن يصدر عنه ، أياً كان نوعه ، ومهما كان حجمه.
ولكن ذلك لا يعني أبداً : أنه 6 لم يكن يملك العواطف البشرية ،
والأحاسيس الطبيعية ، ولا يمنحها قسطها الطبيعي في مجال التأثير الإيجابي في
الحياة ، أو حتى الاستفادة المباحة منها.
وإنما نريد أن نقول : إنه حينما يتخذ
ذلك التأثير العاطفي صفة الموقف ، بإعطائه صفة العلنية ، ويصبح واضحاً : أن ثمة
إصراراً أكيداً على إبرازه وإظهاره للملأ العام ، وحتى على المنبر أحياناً ، فلابد
أن يكون ذلك في خدمة الرسالة ، وعلى طريق الهدف الأسمى.
بل .. وحتى على صعيد منحه 6 أحاسيسه وعواطفه قسطها الطبيعي في
التأثير في مجاله الشخصي البحت .. فإنه سيحولها إلى عبادة زاخرة بالعطاء ، غنية
بالمواهب ، تمنحه المزيد من الطاقة ، وتؤثر المزيد من
القرب من الله
سبحانه وتعالى ..
نعم .. وان هذا الذي ذكرناه هو الذي
يفسر لنا ذلك القدر الهائل من النصوص والآثار ، التي وردت عنه صلوات الله وسلامه
عليه وعلى آله تجاه العلاقة التي تربطه بالحسنين صلوات الله وسلامه عليهما ، مثل
قوله 6 ، بالنسبة
للإمام الحسن 7
: اللهم إن هذا ابني وأنا أحبُّه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه .
وقوله 6
: أحب أهل بيتي إليَّ : الحسن والحسين .. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جداً .
فإن هذا الموقف المتميز من الحسنين 8 ، وتلك الرعاية الفريدة لهما زاخرة ولا
شك بالعديد من الدلالات والإشارات الهامة حستما ألمحنا إليه ..
ولنا أن نخص بالذكر هنا .. موقف ،
ومبادرات ، وأقوال النبي 6
حين ولادتهما 8
، فنجده حين ولادة الإمام الحسن 7
يأتي إلى بيت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ن ويقول : « يا أسماء هاتي ابني » ،
أو « هلمي ابني ».
ثم إنه لم يكن ليسبق ربه في تسمية
المولود الجديد ، فينزل الوحي لينبئه عن الخالق الحكيم قوله له : « سمه حسناً » ..
ثم يعق عنه بكبش .. ويتولى بنفسه حلق شعره ، والتصدق بزنته فضة ، وطلي رأسه
بالخلوق بيده المباركة .. وقطع سرته .. إلى آخر ما هنالك مما جاء عنه 6 في هذه الواقعة .
وقوله 6
: يا أسماء هاتي ابني .. وذلك في أول يوم من عمر الإمام الحسن 7 له مغزى عميق ، وهدف بعيد ، سنلمح إليه
في الفترة التالية إن شاء الله تعالى.
ب ـ قضية المباهلة :
ومما يدخل في الحياة السياسية للإمام
الحسن 7 في عهد جده
النبي محمد 6 قضية
المباهلة.
ويرجح العلامة الطباطبائي رضوان الله
تعالى عليه ، أن هذه القضية قد كانت في سنة ست من الهجرة ، أو قبلها .
ومجملها :
ان علماء نصارى نجران وفدوا على النبي 6 ، وناظروه في عيسى ، فأقام عليهم الحجة
.. فلم يقبلوا .. ثم اتفقوا على المباهلة
أمام الله ، فيجعلوا لعنة الله الخالدة ، وعذابه المعجل على الكاذبين
قال تعالى : ( إنَّ
مَثَلَ عيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ قَالَ
لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ. الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، فَلاَ تَكُنْ مِنَ المُمْتَرينَ.
فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلمِ ، فَقُلْ : تَعَالُوا
، نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ ، وُنِسَاءنَا وِنسَاءكُمْ ، وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ، ثمَّ نَبتَهِل ، فَنَجعل لَعنَةَ اللهِ عَلَى الكاذِبين ) .
فلما رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم ،
السيد ، والعاقب ، والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه : فإنه ليس نبياً ، وإن
باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله ، فإنه لايُقدِمُ الى أهل بيته إلا وهو صادق.
وفي اليوم المحدد خرج إليهم الرسول 6 ومعه علي ، وفاطمة ، والحسنان : ، فسألوا عنهم ، فقيل لهم : هذا ابن
عمه ، ووصيه ، وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابيته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن
والحسين ، ففرِقوا : فقالوا لرسول الله 6
: نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول الله 6 على الجزية ، وانصرفوا ..
هذه خلاصة ما ذكره القمي ; في تفسيره.
وفي بعض النصوص أنهم قالوا له : لم لا
تباهلنا بأهل الكرامة والكبر ، وأهل الشارة ممن أمن بك واتبعك؟! فقا 6 : أجل ، أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض
، وأفضل الخلق.
ثم تذكر الرواية قول الأسقف لأصحابه : «
أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله .. إلى أن قال :
أفلا ترون الشمس قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة ، والريح تهب
هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان؟! لقد أطلَّ علينا العذاب!
انظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها ، وإلى الشجر كيف يتساقط أوراقها ،
والى هذه الأرض ترجف
تحت أقدامنا » .
قال الطبرسي : « أجمع المفسرون على أن
المراد بأبنائنا : الحسن والحسين » .
وقال الزمخشري : « وفيه دليل لا شيء
أقوى منه على فضل أصحاب الكساء » .
ويلاحظ : أن رواية الشعبي لقضية
المباهلة لم تذكر علياً 7
، فتحير الراوي في ذلك ، وعزا ذلك إما إلى سقط في رواية الشعبي أو لسوء رأي بني
أمية في علي
ولاريب في أن الثاني هو الأصوب ، حسبما عرفناه وألفناه من أفاعيلهم.
ونحن لا نستطيع في هذه العجالة أن نتعرض
لجميع الجوانب التي لابد من بحثها في حديث المباهلة ، فإن ذلك يحتاج إلى تأليف
مستقل ، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى الأمور التالية :
الأمر الأول : النموذج
الحي :
إن إخراج الحسنين 8 في قضية المباهلة لم يكن بالأمر العادي
، أو الإتفاقي .. وإنما كان مرتبطاً بمعان ومداليل هامة ، ترتبط بنفس شخصية
الحسنين 8 ، فقد كانا
صلوات الله وسلامه عليهما ذلك المصداق الحقيقي ، والمثل الأعلى ، والثمرة الفضلى
التي يعنى الإسلام بالحفاظ عليها ، وتقديمها على أنها النموذج الفذ لصناعته
الخلاقة ، والبالغة أعلى درجات النضج والكمال .. حتى إنه ليصبح مستعداً لتقديمها
على أنها أعز وأغلى ما يمكن أن يقدمه في مقام التدليل على حقانيته وصدقه ، بعد أن
فشلت سائر الأدلة والبراهين ـ رغم وضوحها ، وسطوع نورها ، وقاطعيتها لكل عذر ـ في
التخفيف من عنت أولئك الحاقدين ، وصلفهم ، وصدودهم عن الحق الأبلج ..
فالنبي 9
حينما يكون على استعداد للتضحية بنفسه
وبهؤلاء ، الذين
يعتبرهم القمة في النضج الرسالي بالإضافة إلى أنهم أقرب الناس إليه ، فإنه لا يمكن
أن يكون كاذباً ـ والعياذ بالله ـ في دعواه ، كما لاحظه نفس رؤساء أولئك الذين
جاؤا ليباهلوه ، وذلك لأن محبة الأقارب ، وإن كنت بحد ذاتها أمراً طبيعياً ، وقد
تجعل الإنسان على استعداد للتفريط بكل شيء ، قبل أن يفكر في التفريط بهم .. إلا أن
مما يزيد هذه المحبة ويؤكدها ، ويقلل كثيراً من احتمالات التفريط بالأهل والأقارب
، بل ويجعل ذلك في عداد المحالات ـ هو أن يكون لذلك القريب ، بالإضافة الى عامل
القربى النسبية ، شخصية متميزة ، تملك من المزايا والفضائل والكمالات ، ما لا
يملكه كل من عداها .
فإذا كان على استعداد للتضحية بنفسه ، وبنوعيات كهذه ـ من أهل بيته ـ فإن ذلك يكون
أدل دليل على صدقه ، وعلى فنائه المطلق في هذا الدين ، وعلى ثقته بما يدعو إليه ـ
وليس هدفه هو الدنيا الفانية ، وحطامها الزائل ..
وهذا بالذات هو ما حصل في قضية المباهلة
، التي كان النزاع يدور فيها حول بشرية عيسى عليه الصلاة والسلام ، وإبطال ما
يقوله النصارى فيه ، تمهيداً للتأكيد على صحة الإسلام ، وأحقية ما جاء به النبي
الاكرم 6.
الامر الثاني :
التخطيط .. في خدمة الرسالة
:
هذا .. ولربما يتصور البعض : ان
اعتبارنا هذا الوليد اليافع ، وأخاه عليهما الصلاة والسلام ذلك المثل الأعلى ،
والنموذج الفذ لصناعة الإسلام وخلاقيته .. نابع عن متابعة غير مسؤولة للعواطف
والأحاسيس المتأثرة بتعصب مذهبي ،
أثارته لجاجة الخصوم
..
لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً ، فإن ما
ذكرناه نابع عن وعي عقائدي سليم ، فرضته الأدلة والبراهين ، التي تؤكد ـ بشكل قاطع
ـ على أن الأئمة الأطهار :
كانوا حتى في حال طفولتهم في المستوى الرفيع الذي يؤهلهم لتحمل الأمانة الإلهية
وقيادة حكيمة وواعية ، كما كان الحال بالنسبة لإمامنا الجواد عليه الصلاة والسلام
، وكذلك الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، حيث شاءت الإرادة الإلهية أن
يتحملا مسؤولياتهما القيادية في السنين المبكرة من حياتهما.
تماماً كما كان الحال بالنسبة لنبي الله
عيسى 7 ، الذي قال
الله تعالى عنه : ( فأشارَتْ إِلَيهِ ، قَالُوا : كَيْفَ
نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهدِ صَبِيّاً. قَالَ : إنّي عَبْدُ الله ، آتَانِيَ
الكِتَابَ ، وَجَعَلَنِي نَبِيّاً .. ) الآيات » .
وكما كان الحال بالنسبة لنبي الله يحيى
عليه الصلاة والسلام ، الذي قال الله سبحانه عنه : ( يَا يَحيىَ خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، وآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِياً ) .
نعم .. لقد كان الحسنان 8 حتى في أيام طفولتهما الأولى في
المستوى الرفيع من النضج والكمال الإنساني ، ويملكان كافة المؤهلات التي تجعلهما
محلاً للعناية الإلهية ، وأهلاً للأوسمة الكثيرة التي منحهما إياها الإسلام على
لسان نبيه الأعظم 6
، وتجعلهما قادرين على تحمل المسؤوليات الجسام ، حتى لصح إشراكهما في الدعوى ، وفي
المباهلة لإثباتها .. حسبما أشار إليه العلامة الطباطبائي والمظفر رحمهما الله
تعالى ، على اعتبار أن قوله تعالى : ( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ
اللهِ عَلَى الكَاذِبين )
يراد منه : الكاذبون الذين هم في أحد طرفي المباهلة ، وإذا كانت الدعوى ،
والمباهلة عليها هي بين شخص النبي 6
، وبين السيد والعاقب والأهتم ، فكان ثجب أن يأتي بلفظ صالح للانطباق على المفرد
والجمع معاً ، كأن يقول :
( فنجعل لعنة الله على
الكاذب )
، أو ( على من كان كاذباً ) مثلاً .. أما ما ورد في الآية ، فيدل
على تحقق كاذبين ( بوصف الجمع ) في كلا الفريقين المتباهلين.
وهذا يعطي : أن الحاضرين للمباهلة شركاء
في الدعوى ، فإن الكذب لا يكون إلا فيها .. وعليه .. فعليِّ ، وفاطمة ، والحسنان : شركاء في الدعوى ، وفي الدعوة إلى
المباهلة لإثباتها. وهذامن أفضل المناقب التي خص الله بها أهل بيت نبيه .
قال الزمخشري : « وفيه دليل لا شيء أقوى
منه على فضل أصحاب الكساء » ، كما تقدم.
وقال الطبرسي وغيره : « قال ابن أبي
علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ : هذا يدل على أن ، الحسن والحسين كانا مكلفين في
تلك الحال ، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.
وقال أصحابنا : إن صغر السن ونقصانها عن
حد البلوغ لا ينافي كمال العقل ، وإنما جعل بلوغ الحلم حداً لتعلق الأحكام الشرعية
. وقد كان
سنهما في تلك الحال سناً لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل. على أن عندنا يجوز
أن يخرق الله العادات للأئمة ، ويخصهم بما لا يشاركهم فيه غيرهم ، فلو صح أن كمال
العقل غير معتاد في تلك السن ، لجاز ذلك فيهم : إبانة لهم عمن سواهم ، ودلالة على
مكانهم من الله تعالى ، واختصاصهم. ومما يؤيده من الأخبار قول النبي 9 : « ابناي هذان إمامان ، قاما ، أو
قعدا » .
أضف إلى ما تقدم : أن مما يدل على ما
ذكره الطباطبائي والمظفر وغيرهما : نزول سورة هل أتى ، في أهل الكساء ، ومنهم
الحسنان عليهما
السلام ، ووعد الله
تعالى لهم جميعاً بالجنة.
ويؤيد ذلك أيضاً : إشراكهما 8 في بيعة الرضوان ، ثم استشهاد الزهراء
بهما في قضية نزاعها مع أبي بكر حول فدك
، إلى غير ذلك من أقوال ومواقف للنبي صلى عليه وآله وسلم منهما في المناسبات
المختلفة ..
كما أن ذلك كله ـ كان يتحه نحو إعداد الناس
نفسياً ووجدانياً لقبول إمامة الأئمة :
، حتى وهم صغار السن ، كما كان الحال بالنسبة للإمامين : الجواد والمهدي 8.
الأمر الثالث :
سياسات لا بد من مواجهتها
:
هذا وقد كان ثمة سياسات ومفاهيم منحرفة
، لا بد من مواجهتها ، والوقوف في وجهها ..
ونشير هنا إلى مايلي :
الأول
: إن إخراج عنصر المرأة ممثلة بفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ، والتي
تعتبر النموذج الفذ للمرأة المسلمة ـ في أمر ديني ومصيري كهذا. من شأنه أن يضرب
ذلك المفهوم الجاهلي البغيض ، الذي كان لا يرة للمرأة أية قيمة أو شأن يذكر ، بل
كانوا يرون فيها مصدر شقاء وبلاء ، ومجلبة للعار ، ومظنة للخيانة ؛ : فلم يكن يتصور أحد منهم : أن يرى
المرأة تشارك في مسألة حساسة وفاصلة ، بل ومقدسة كهذه المسألة ، فضلاً عن أن تعتبر
شريكة في الدعوى ، وفي الدعوة لإثباتها.
ويرى البعض : أن إخراج الزهراء للمباهلة
، دون سائر نسائه 9
، رغم أن ، الآية قد جاءت عامة ، حيث عبرت بـ « نساءنا » ومع أن زوجاته
6
من أجلى مصاديق هذا التعبير ـ إن ذلك ـ له مغزى يشبه إلى حد كبير المغزى من إرسال
أبي بكر بآيات سورة براءة ، ثم عزله ، استناداً إلى قول جبرئيل : لا يُبَلِّغُ عنك
إلا أنت أو رجل منك!!.
هكذا يقال بالنسبة للعموم في قوله : «
وأنفسنا » ، ولم يخرج سوى أمير المؤمنين 7
، وفي قوله : « وأبناءنا » ولم يخرج سوى الحسنين 8.
انتهى.
ونقول :
أولاً : إن بعض نساء النبي 9 ـ كأم سلمة ـ لم يكنَّ ممن يستحق
التعريض بهم .. لأنها كانت من خيرة النساء ، ومن فضلياتهنَّ.
إلا ان يقال : إن المقصود : أنه ليس أحد
منهن أهلاً لأن يباهل النبي 9
به سوى فاطمة 3.
وثانياً : إن هذا المحقق يريد : أن قوله
: « نساءنا » لا يقصد به الزوجات ، وإن كان قد أطلق في القرآن عليهن في بعض
الموارد. بل المقصود : المرأة المنسوبة إليه ، وبنت الرجل تنسب إليه ، ويطلق عليها
: انها من نسائه.
وعلى هذا نقول : إن ما ذكره هنا يناقض
ما ذكره هو نفسه في موضع آخر حيث قال : إن النبي 6
قد أخرج فاطمة للمباهلة بعنوان : « المرأة المسلمة من ذوات الازواج ، من أهل هذه
الدعوة ، لا باعتبار أنها من نساء النبي 9.
وإن كان كلامه هذا الأخير ليس في محله ،
كما ستأتي الإشارة إليه ، ولكنه على أي حال لا ينسجم مع ما ذكره هنا كما قلنا.
الثاني
: إن إخراج الحنين 8
إلى المباهلة بعنوان أنهما أبناء الرسول الأكرم ، محمد 6 ، مع أنهما ابنا ابنته الصديقة الطاهرة
صلوات الله وسلامه عليها .. له دلالة هامة مغزى عميق .. كما سنرى ..
سؤال وجوابه :
وكننا قبل أن نشير إلى ذلك ، والى مغزاه
، لا بد من الإجابة على مناقشة طرحها بعض المحققين ، مفادها :
أن الآية لا تدل على أكثر من أن المطلوب
هو إخراج أبناء أصحاب هذه الدعوة الجديدة ، كما يدل عليه قوله : « ابناءنا » ، ولم
يقل « ابنائي ». وليس في الآية ما يدل على لزوم إخراج ابني صاحب الدعوة نفسه ،
فكون الحسنين ابنين لبعض أصحاب الدعوة كاف في الصدق .. انتهى.
أما نحن فنقول في الجواب :
١ ـ إن الإمام علياً 7 قد استدل بهذه الآية يوم الشورى على أن
الله سبحانه قد جعله نفس النبي 6
، وجعل إبنيه إبنيه ، ونساءه نساءه .. واحتج بها أيضاً الإمام الكاظم 7 على الرشيد ، واحتج بها أيضاً يحيى بن
يعمر ، وكذلك سعيد بن جبير على الحجاج ـ كما سيأتي ـ فلم يكن استدلالهم بأمر تعبدي
بحت ، وإنما بظهور الآية ، الذي لم يجد الخصم سبيلاً إلا التسليم به ، والخضوع له
..
٢ ـ لو كان المراد مطلق أبناء أصحاب
الدعوة ، لكان المقصود بأنفسنا مطلق الرجال الذين قبلوا بهذا الدين ، وليس ضخص
النبي 6 فقط .. وعليه
فقد كان الأنسب أن يقول : « ورجالنا ورجالكم » بدل قوله : « وأنفسنا »
أضف إلى ذلك : أن من غير المناسل أن
يقصد من الأنفس شخص النبي ، ثم يقصد من الأبناء والنساء ابناء ونساء رجال آخرين ،
إذ الظاهر : أن الأبناء والنساء هم لنفس من أرادهم بقوله : « وأنفسنا » ، فلو كان
المقصود بأنفسنا شخص النبي ، وبأبنائنا أبناء الآخرين ، لكان من قبيل قولنا : « إن
لم يكن ما أدعيه
صحيحاً فليمت ابن
فلان » مثلاً!! ..
٣ ـ وبعدكل ما تقدم .. فإن كلمات : «
أنفسنا » ، و « أبناءنا » ، و « نساءنا » كلها جاءت بصيغة الجمع .. فلماذا اقتصر
من الأنفس على اثنين ، وكذلك من الأبناء ، ومن النساء ، على واحدة؟! فإن ذلك إنما
يدل على مزيد من الخصوصية لهؤلاء الذين أخرجهم بالذات ..
ولو كان المقصود مجرد النموذج ، فلماذا
لم يكتف بواحد واحدٍ من الأنواع الثلاثة؟.
لو كان المقصود تخصيص جماعة بشرف معين ،
للتعبير عن أنهم وحدهم هم الذين بلغوا الذروة في فنائهم بهذه الدعوة ، التي يراد
المباهلة من أجلها.
فيصح قولهم : إن هذه الآية تدل على
فضيلة لا أعظم منها لأصحاب الكساء. ولا سيما بملاحظة ما تقدم عن العلامتين :
الطباطبائي والمظفر ، من أن هؤلاء شركاء في الدعوى ، وفي الدعوة للمباهلة لإثباتها
..
وهكذا يتضح : أن دعوى : أن الآية لا تدل
على أكثر من الأمر بإخراج نموذج من أبناء من اعتنق هذه الدعوة لا يمكن القبول بها
، ولا الاعتماد عليها بوجه.
عود على بدء :
كانت تلك هي المناقشة التي أببنا
الإشارة إليها ، وكان ذلك هو بعض ما يمكن أن يقال في الإجابة عنها ..
وبعد ذلك .. فإننا نشير إلى أن إخراج
الحسنين 8 في المباهلة
، على أنهما ابنان للنبي 6
، مع أنهما ابنا ابنته ، بخيث لا بقى مجال لإنكار ذلك ، او للتشكيك فيه ، حتى
ليعترفون بأن :
« في الآية دلالة على أن الحسن والحسين
، وهما إبنا البنت يصح أن يقال :
إنهما ابنا رسول
الله 6 ، لأنه وعد
أن يدعو أبناءه ، ثم جاء بهما » .
وظاهر الآية : أن كلمة الأبناء قد أريد
منها المعنى الحقيقي ، سواء بالنسبة إلى النبي 9
والمسلمين ، أو بالنسبة إلى النصارى والكافرين.
نعم ، ان ذلك له دلالات هامة ، كما قلنا
فقد كان يهدف بالإضافة إلى ما أشير إليه آنفاً.
أولاً
: إلى ضرب المفهوم الجاهلي البغيض ، القائل بأن أبناء الأبناء هم الأبناء في
الحقيقة ، دون بني البنات ، الأمر الذي ينشأ عنه أن يتعرض الكثيرون لكثير من
المشاكل النفسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وغيرها. تلك المشاكل الي لا مبرر
لها ، ولا منطق يساعدها ، إلا منطق الجاهلية الجهلاء ، والعصبية العمياء ..
ولكن مما يؤسف له هو أنه قد أصروا بعده 6 على الأخذ بذلك المفهوم الجاهلي البغيض
، حتى لقد انعكس ذلك على آرائهم الفقهية أيضاً.
ومن ذلك : أنهم قد جعلوا قوله تعالى : ( يُوصِيكمُ
اللهُ فِي أوْلادِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )
مختصاً بعقب الأبناء ، دون من عقبته البنات.
قال ابن كثير : « قالوا : إذا أعطى
الرجل بنيه ، أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه ، «أي دون بني
بنته » ، واحتجوا بقول الشاعر :
بنــونـا بنو أبنائــنا ، وبناتنــا
|
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
|
« وقال العيني : هذا البيت استشهد به
النحاة على جواز تقديم الخبر ، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث ، وأن
الانتساب إلى الآباء ، والفقهاء كذلك في الوصية ، وأهل المعاني والتيان في التشبيه
»
ونقل القرطبي : أن الإمام مالك بن أنس
هو الذي لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي يكون على الولد ، وولد الولد .
نعم .. مالك ، الذي بلغ من اهتمام
العباسيين بأمره : أن أرادوا حمل الناس على العمل بالموطأ بالقوة .
وحينما أخذ المنصور أموال عبد الله بن
الحسن ، وباعها ، وجعلها في بيت مال المدينة « أخذ مالك بن أنس الفقيه رزقه من ذلك
المال بعينه اختياراً » .
كما أن المنصور كان إذا أراد أن يولي
أحداً على المدينة يستشيره أولاً .
ـ الإمام مالك هذا ـ هو الذي يذهب الرأي
يتبناه!!
كما ان محمد بن الحسن الشيباني يقول :
إن من أوصى لولد فلان ، وله ابن ، وولد بنت « إن الوصية لولد الابن ، دون ولد
البنت » .
نعم لقد ألغى الله سبحانه ذلك المفهوم
الجاهلي البغيض ، ولكن هؤلاء قد احتفظوا به ، حتى حكًّموه في آرائهم الفقهية ،
وذلك انصياعاً للجو السياسي ، وتنفيذاً لمآرب الحكام الذين كانوا ـ سواء منهم
الأموميون أو العباسيون ـ يحاولون
تركيز هذا المفهوم
وتثبيته ، كما سنرى ..
وثانياً
: لقد كان لابد من تفويت الفرصة على أولئك الحاقدين والمنحرفين ، الذين سوف
يستفيدون من ذلك المفهوم الجاهلي لمقاصد سياسية ، فيما يتعلق بموضوع الإمامة
والخلافة والزعامة بعد رسول 6
، وبالذات فيما يختص بشخص هؤلاء الذين أخرجهم عليه وآله الصلاة والسلام للمباهلة ،
وكرمهم في حديث الكساء ، وآية التطهير ، وغير ذلك مما لا مجال له هنا ..
وذلك لأن الذين تصدوا للاستئثار بالأمر
بعد النبي محمد 6
قد احتجوا في السقيفة بأنهم : أولياء النبي 6
، وعشيرته ، وبأنهم عترة النبي ، وبأنهم أمسُّ برسول الله 6 رحماً .
وجاء الأمويون أيضاً ، واتبعوا نفس الخط
، وساروا على نفس الطريق ، وكانت الخطط الجهنمية لهؤلاء وأولئك تتجه نحو تضعيف شأن
أهل البيت : ، وعزلهم عن
الساحة ، بل والقضاء عليهم وتصفيتهم بشكل نهائي : إعلامياً وسياسياً ، واجتماعياً
، ونفسياً ، بل وحتى جسدياً ، أيضاً .. وكان رأس الحربة يتجه أولاً وبالذات إلى
أولئك الذين طهرهم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ، وأخرجهم نبيه الأكرم محمد 6 ليباهل بهم أهل الكفر ، واللجاج
والعناد ..
حيث إن تصفية هؤلاء على النحو الذي
قدمناه هو الأصعب ، وهو الأهم ، وذلك بسبب ما سمعته الأمة من النبي الأكرم صلى
عليه وآله وسلم ، وبسبب
ما عرفته من آيات
قرآنية نزلت في حقهم وبيان فضلهم .. فضلاً عن كثير من المواقف التي لا يمكن
تجاهلها أو على الأقل لا يمكن تشويهها ، أو التعتيم عليها بيسرٍ وسهولة ..
نعم .. لقد كان الأمويون يحاولون إظهار
أنفسهم على أنهم هم دون غيرهم أهل بيت النبي محمد 6
، وذوو قرباه .. حتى ليحلف للسفاح عشرة من قواد أهل الشام ، وأصحاب الرياسة فيها :
أنهم ما كانوا يعرفون إلى ان قُتِل مروان أقرباء للننبي 9 ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية .
كما أن أروى بنت عبد المطلب تُذكِّر
معاوية بهذا الأمر ، وتقول له : « ونبينا 6
هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده ، تحتجون بقرابتكم من رسول الله الخ .. » .
ويقول الكميت :
وقالوا : ورثنـاهـا ، أبانـا وأمنـا
|
|
ولا ورثتــهــم ذاك أم ولا أب
|
وقال إبراهيم بن المهاجر ، الذي كان في
يسير الاتجاه العباسي :
أيها الناس اسمعوا أخبــركــم
|
|
عجـباً زاد على كـل عـجــب
|
عجباً من عبـد شمــس إنهـم
|
|
فتحـوا لـلـناس أبواب الكـذب
|
ورثوا أحمـد فيما زعمــــوا
|
|
دون عـباس بـن عبـد المطلـب
|
كذبـوا والله ما نـعـلـمـه
|
|
يحـرز الميـراث إلا مـن قرب
|
هذا كله .. رغم أن النبي 6 قد أخرج بني عبد شمس من قرباه ، حينما
قسَّم خمس بني النضير ، أو خيبر ، وحينما اعترض عليه عثمان ، وجبير بن مطعم ، بأن
: قرابة بني أمية وبني هاشم واحدة ، لم يقبل النبي ذلك منه. والقصة معروفة
ومتواترة .
وبعد هذا .. فإن العباسيين قد اتبعوا
نفس الأسلوب ، فأظهروا أنفسهم على أنهم هم ذوو قربى النبي محمد صلى عليه وآله وسلم
، بهدف إضفاء صفة الشرعية على حكمهم وسلطانهم ، حتى لنجد الرشيد يأتي إلى قبر رسول
الله 6 ، فيقول :
السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا ابن عم ، فيتقدم الإمام الكاظم 7 إلى القبر ويقول : السلام عليك ياأبه ،
فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه .
هذا .. وقد ربط العباسيون دعوتهم وحبل
وصايتهم في البداية بأمير المؤمنين 7
، ونجحوا في الاستفادة من عواطف الناس تجاه ما تعرض له العلويون وأهل البيت من ظلم
، واضطهاد ، وآلام ، على يد أسلافهم الأمويين ..
ولكنهم بعد ذلك رأوا : أنهم في مجال
التمكين لأنفسهم لا يسعهم الاستمرار بربط دعوتهم بأمير المؤمنين علي عليه الصلاة
والسلام ، لوجود من هم امسّ بعلي 7
رحماً منهم ، فاتجهوا نحو التلاعب ببعض الركائز والمنطلقات الفكرية والعاقائدية
للناس ، فأسس المهدي ـ والظاهر أن هذه هي فكرة ابيه المنصور من قبل ـ فرقه تَدَّعي
: أن الإمام بعد رسول الله صلى عليه وآله وسلم هو العباس بن عبد المطلب ، ثم ولده
عبد الله ، ثم ولده ... وهكذا ... إلى أن ينتهي الأمر إلى العباسيين. ولكنهم
أجازوا بيعة علي 7
، لأن العباس نفسه كان قد أجازها .. وادَّعوا : أن الإرث للعم دون البنت ، ولذلك
فإن حق الخلافة لا يصل إلى الحسن والحسين ، عن طريق فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.
واهتموا في إظهار هذا الأمر وتثبيته كثيراً ، حتى قال شاعرهم :
أنـى يكـون وليـس ذاك بكـائن
|
|
لبنـي البنـات وراثـة الأعمـام
|
فنال على هذا البيت مالاً عظيماً.
وهذا موضوع واسع ومتشعب ، وقد استوفينا
الحديث عنه ـ نسبياً ـ في كتابنا : « الحياة السياسية للإمام الرضا 7 » ص ٧٨ ـ ٨١ فليراجعه من أراد.
الخطة .. ومواجهتها :
ولكن هذا الخط السياسي ، وإن حظي بكثير
من الدعم والإصرار من قبل
الحكام ، وكل
أعوانهم .. وقد جندوا كل طاقاتهم المعنوية والمادية من أجل تأكيده وتثبيته .. إلا
أنه قد كان ثمة عقبة كؤود تواجههم ، وتعترض سبيل نجاحهم في تشويه الحقيقة ، وتزوير
التاريخ ، وهي وجود أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، الذين يملكون أقوى
الحجج ، وأعظم الدلائل والشواهد من القرآن ، ومن الحديث المتواتر ، ومن المواقف
النبوية المتضافرة ، التي يعرفها ورآها وسمعها عدد هائل من صحابة الرسول الأعظم 6 ، وسمعها منهم التابعون ، ثم من بعدهم
..
وكان من جملة تلك الحجج الدامغة « آية
المباهلة » بالذات .. وكم رأينا من مواقف للأمويين وللعباسيين على حد سواء يصرون
فيها على نفي بنوة الحسنين 8
له 6 .. فكانت
تواجه من قبل أهل البيت :
وشيعتهم ، والمنصفين من غيرهم بالاحتجاجات القوية والفاصلة .. الأمر الذي جعل «
السحر ينقلب على الساحر » ..
وأدركوا : أن أسلوب الحجاج والمنطق ، من
شأنه أن يظهر الحق الذي يجهدون في إخفائه ، وتشويهه .. فكانوا يعملون على عزل
الأئمة وشيعتهم عن الساحة ، وإبعادهم عن الأنظار ، عن طريق الإرهاب والاضطهاد
والتنكيل ، حتى إذا وجدوا أن ذلك لا يجدي ، تصدوا لتصفيتهم جسدياً .. بالسم تارة ،
وبالسيف أخرى ..
أمثلة تاريخية هامة :
ونستطيع أن نذكر هنا بعض ما يتضمن
محاولتهم نفي بنوة الحسنين له 6
، واحتجاجات الأئمة وغيرهم عليهم في هذا المجال .. وبعضه يتضمن الاستدلال بآية
المباهلة .. وذلك في ضمن النقاط التالية :
١ ـ « عن ذكوان ، مولى معاوية ، قال :
قال معاوية : لا أعلمنَّ أحداً سمى
هذين الغلامين إبني رسول الله عليه وآله وسلم. ولكن
قولوا : ابني علي 7.
قال ذكوان : فلما كان بعد ذلك ، أمرني أن
أكتب بنيه في الشرف. قال : فكتبت بنيه وبني بنيه ، وتركت بني بناته .. ثم أتيته
بالكتاب ، فنظر فيه ، فقال : ويحك ، لقد أغفلت كُبر بني ّ!
فقلت : من؟
فقال : أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بَنيَّ؟.
أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بنيّ؟.
قال : قلت : الله!! أيكون بنو بناتك
بنيك ، ولا يكون بنو فاطمة بني رسول الله 6؟!
قال : ما لك؟ قاتلك الله! لا يسمعنَّ
هذا أحد منك؟! .. » .
٢ ـ جاء عن الإمام الحسن 7 محتجاً على معاوية قوله : « فأخرج رسول
الله 9 من الأنفس
معه أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي ، من الناس جميعاً ، فنحن
أهله ، ولحمه ودمه ، ونفسه ، ونحن منه وهو منا » .
٣ ـ قال الرازي في تفسير قوله تعالى : ( ومن ذريته
داود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف .. )
إلى قوله : ( وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ) .
ـ بعد أن ذكر
دلالة الآية على بنوة الحسنين للنبي 6 ـ قال ـ :
« ويقال : إن أبا جعفر الباقر استدل
بهذه الآية عند الحجاج بن يوسف » .
٤ ـ احتج أمير المؤمنين علي 7 يوم الشورى على المجتمعين ، بأن الله
تعالى جعله نفس النبي 6
، وجعل إبنيه إبنيه ، ونساءه نساءه .
٥ ـ عن الشعبي ، قال : كنت عند الحجاج ،
فأتِيَ بيحيى بن يعمر ، فقيه خراسان ، من بلخ ، مكبلاً بالحديد فقال له الحجاج :
أنت زعمت : أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله 6؟
فقال : بلى.
فقال الحجاج : لتأتيني بها واضحة بيّنة
من كتاب الله (!!) ، أو لأقطعنَّك عضواً عضواً.
فقال : آتيك بها بيّنة واضحة من كتاب
الله يا حجاج.
قال : فتعجبت من جرأته بقوله : يا حجاج.
فقال له : ولا تأتني بهذه الآية : ندع
أبناءنا وأبنائكم.
فقال : اتيك بها بيّنة واضحة من كتا
الله ، وهو قوله : ونوحاً هديناه من قبل ، ومن ذريته داود وسليمان .. إلى قوله :
وزكريا ، ويحيى ، وعيسى. فمن كان أبو عيسى ، وقد ألحق بذرية نوح؟!. قال : فأطرق
الحجاج ملياً ، ثم رفع رأسه فقال : كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله حلُّوا
وثاقه .. إلخ » .
وفي نور القبس : أنَّ الحجاج طلب منه أن
لا يعود لذكر ذلك ، ونشره.
٦ ـ لسعيد بن جبير قصة مع الحجاج شبيهة
بقصة يحيى بن يعمر ، فلا نطيل بذكرها .
٧ ـ سأل هارون الرشيد الإمام الكاظم 7 ، فقال له : كيف قلتم : إنَّا ذرية
النبي ، والنبي لم يعقب ، وإنما العقب للذكر لا للأنثى ، وانتم ولد البنت ، ولا
يكون له قعب؟ فسأله 7
أيعفيه ، فلم يقبل ، فاحتج عليه ، 7
بأن القرآن قد اعتبر عيسى من ذرية إبراهيم في آية سورة الأنعام ، مع أنه ينتسب
إليه عن طريق الأم. ثم احتج عليه بآية المباهلة ، حيث قال الله تعالى فيها : ( وأبناءنا )
.
٨ ـ إن عمرو بن العاص أرسل إلى أمير
المؤمنين 7 يعيبه
بأشياء ، منها : أنه يسمة حسناً وحسيناً ولَدَيْ رسول الله صلى عليه وآله. فقال
لرسوله : « قُلْ للشانيء ابن الشانيء : لو لم يكونا ولديه لكان أبتر ، كما زعم
أبوك » .
٩ ـ قال الحسين صلوات الله وسلامه عليه
في كربلاء : « اللهم إنا أهل بيت نبيك ، وذريته وقرابته ، فأقصم من ظلمنا ، وغصبنا
حقنا ، إنك سميع قيب.
فقال محمد بن الأشعث : أي قرابة بينك
وبين محمد؟!.
فقال الحسين : اللهم إن محمد بن الأشعث
يقول : ليس بيني وبين محمد قرابة ، اللهم أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً ،
فاستجاب الله دعاءه الخ .. » .
١٠ ـ وقد أوضح الباقر 7 لنا أنه قد كانت سياسات الآخرين
تقضي بنفي بنوة
الحسنين 8 للنبي 9 ، فراجع كلامه 7 في ذلك .
هذا ولهم :
احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليته 7 ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا .
مفارقة :
وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت
تقضي أن يستبعد اسم علي 7
من جملة من باهل بهم النبي 9
ثم نفي بنوة الحسنين 8
لرسول الله 9.
فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية
للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر
محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد
نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل
عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من
أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن
أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟ .
من مواقف الإمام الحسن 7 :
نعم .. ولم يقتصر الائمة في تصديهم
للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج
هذه ، بل تعدَّوا ذلك
إلى المناسبات الأخرى
، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات
والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب ..
وقد صدع الإمام الحسن 7 بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر
من موقف ..
ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته
لرسول الله 6 وحسب .. وإنما
كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى
معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما
هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية .. وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :
١ ـ أنه 7
يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنين 7
، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي
، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي » .
لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة
الأخيرة.
وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن
محمد 9 » .
وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير
النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من
اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في
كتابه »
الخ .. ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت
نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه » .
٢ ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه
معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد
المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه
الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف
الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا
حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!
فقال الحسن 7 : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله
9 وعمل بطاعة
الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ،
وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً
، كَأَنْ قد انقطع عنه .. » إلى آخر كلامه عليه
السلام .
ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ،
حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة .
وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية
قد دس السم الى الإمام الحسن 7
، لأنه كان يقدم عليه الى الشام .
٣ ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من
الإمام الحسن 7
: ان يصعد على المنبر ، ويخطب .. فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا
ابن .. إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير
أخي » . ومن أراد
الرواية بطولها فليراجع المصادر.
٤ ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه :
ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة
والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى .. الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان
محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت :
ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت .. ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق
العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا » .
٥ ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية
أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ،
أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي .. إلى
أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما
يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل » .
٦ ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا
الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول
الله 6 ، وسيد شباب
أهل الجنة » .
ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام
الحسن 7 لأبي بكر ،
وقول الإمام الحسين 7
لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبي 6 ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان
المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ فيدخل في مجال احتجاجاتهما 8 على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم
.. ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.
مواقف أخرى للأئمة
وذريتهم الطاهرة :
وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسين 7 يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة
، وآمنتم بالرسول محمد 6
، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم .. إلى أن قال : ألست أنا ابن
بنت
نبيكم ، وابن وصيه ،
وابن عمه » .
ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال
: « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمد 6
، الذي اصطفيته بالرسالة الخ .. » .
ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء
: « فإنما أنتم طواغيت .. إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة
الأوصياء »
..
وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ،
فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه » .
وللإمام السجاد موقف هام في الشام ،
حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن
زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا .. إلى أن قال : أنا ابن من
حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى .. » إلى آخر الخطبة التي كان
من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن
للصلاة » .. ولكنه 7
قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة
في ذلك اليوم .
وبعد ذلك .. فإننا نجد العقيلة زينب تقف
في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ،
وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ .. »
وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك
دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم » ، إلى
أن قالت : « ولتردنَّ على رسول الله 6
بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته » .
وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله
، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي
رسول الله » .
وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في
الكوفة أيضاً : « .. وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات » .
على خطى النبي
الأكرم 6 :
وبعد .. بإنَّ ذلك لم يكن منهم : إلا أسوة منهم بالنبي محمد 6 ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق
، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة
الحسنين 8 له 6 في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى
معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد .. وكنموذج على ذلك نشير إلى :
١ ـ قوله 6
: هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني .
وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب
من يحبهما .
وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبي 9 كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول
: اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه .
٢ ـ كما أنه 9 بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي
ابني ، كما تقدم.
٣ ـ وقول : إن ابني هذا سيد .
٤ ـ كما أنه 9 يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي
ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد .. إلى أن قال : وجعل رسول الله 9 يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني
أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات .
٥ ـ وعنه 9
إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ،
وأنا عصبتهم .
وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن
استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن
نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة
والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنين 8 فليراجع الغدير ج ٧ ص ١٢٤ ـ ١٢٩ .
ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :
وبعد كل ما تقدم .. فإننا نجد النبي 6 يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة
علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.
قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من
الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة
الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبي 9 » .
وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباته 9 شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل
البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً
مع شهادة أبيه في عقد واحد ١ هـ نقله في نور النبراس » انتهى .
وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على
الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل
عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها .. » .
ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة
يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟!
وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى
استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!
إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد
كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله
وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد
بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على
الكتاب ..
أخيراً .. فقد نص ابن رشد على أن
العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا
على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في
الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن
من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة
عند مالك ، وإنما هي قرينة حال .. » .
وبعد كل ما تقدم ... فإننا نفهم أن
النبي 6 أراد أن
يظهر امتيازاً للحسنين 8
، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً
من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية
الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها
القوي للإسلام وللمسلمين.
د : بيعة الرضوان :
١ ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى
عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهما 8 ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد
الذي ذكرناه من مباهلة النبي 6
بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول
القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل
بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً
) .
٢ ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في
ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجواد 7 :
« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من
الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول
الله 9 افتتح دعوته
بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7
، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟
وبايع الحسن والحسين 8
وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به
هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ ... » .
وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع
النبي 6 من لم يحتلم
إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي
الله عنهم » قال :
ولم يبايع صغيراً إلا منا .
وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبي 9 عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين
وقد كان
انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.
ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ
المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي
المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكون 6
قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك
الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان ..
وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن
إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة
والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو
أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنين 8
ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء
بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها ...
وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد
كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ،
سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...
والجواب عن ذلك :
أولاً
: إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز
قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة
للهجرة النبوية
ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ .. حسبما ذكروه
..
وثانياً
: أننا لو سلمنا ذلك .. فيرد سؤال ، وهو :
لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل
: أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة
، أونحو ذلك؟ .. إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من
الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ...
وثالثاً
: إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في
أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع
تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك
الشخص الذي يعدُّ لذلك .. ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.
ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن
أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال
بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم
يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في
من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة ...
الحسن والحسين
إمامان :
وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى
العميق لقوله 9
:
« الحسن والحسين
إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ،
رغم أنهما 8 ربما لم يكن
عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة .. ونجد الإمام الحسن 7 يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في
صلحه مع معاوية .
وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة
الإمام الحسن 7
إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه ...
فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع
كل ذلك ويدحضه ..
ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية
أمير المؤمنين 7
بالخلافة له من بعده الشيء الكثير ...
ويمكن أن نذكر منها هنا :
١ ـ قول الإمام الحسن 7 في كتابه لمعاوية : « .. وبعد .. فإن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده » .
٢ ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير
المؤمنين 7 : هذا ابن
بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه » .
٣ ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد
ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالب 7
أصار الأمر إلى الحسن » .
٤ ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي
الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسن 7
عند موته » .
٥ ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل
على علي 7 : فقال :
ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم » .
٦ ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة
: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي
ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل
العراق الخ...» .
٧ ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما
أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسن 7 ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما
قال :
« .. وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن
رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ » .
٨ ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنين 7 « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا
لهما ، وأطيعوا أمرهما » .
هذا ، وقد ذكر وصية الإمام علي 7
إلى ولده الإمام الحسن 7
غير واحد من
المؤلفين في كتبهم .. فلتراجع.
٩ ـ هذا كله .. عدا عما تقدم من قوله 9 : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.
وقوله 6
: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على
الأئمة بأسمائهم .
وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت
وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا ...
١٠ ـ ولما مات أمير المؤمنين 7 ، جاء الناس إلى الحسن 7 ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه .
١١ ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة
من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في
آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص » .
١٢ ـ وعن علي 7 : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر
بعدي .
وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ
الأمر ، وولي الدم .
١٣ ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في
عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي .
١٤ ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص
على ابنه الحسن .
١٥ ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن
أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في
إظهارها .
إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه
واستقصائه ..
وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما
يدل على ذلك أيضاً.
وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق
بالحياة السياسية للإمام الحسن 7
، في حياة الرسول الأعظم 9
.. فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة .. ولننتقل الآن إلى حياته
السياسية في عهد الشيخين ..
فإلى الفصل التالي :
الفصل
الثاني :
في عهد الشيخين
فدك .. والحسنان 8 :
لقد توفي الرسول الإعظم ، محمد 6 ، وحدث بعده ماحدث ، من استئثار أبي
بكر بالأمر ، وإقصاء أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن محله الطبيعي ، الذي
أهَّله الله سبحانه وتعالى له ..
ثم تعرضت فاطمة الزهراء ، بنت النبي
الأقدس 6 ، لاغتصاب
إرثها من أبيها، ومصادرة حتى ما كان النبي صلى عليه وآله وسلم قد ملكها إياها في
حال حياته .. ومنه : « فدك » .. وجرت بينها وبين أبي بكر مساجلات ، واحتجاجات حول
هذا الموضوع. وطلبوا منها : أن تأتي بالشهود لإثبات ما تدعيه ..
فجاءت بأمير المؤمنين 7 ، وبالحسنين الزكيين 8 ، وبأم أيمن.
ولكن أبا بكر رد الشهود ، ورفض إرجاع
حقها إليها .. كما هو معروف.
قال شريف مكة :
ثم قالت : فنحلـة لـي مـن وا
|
|
لدي المصطفـى ، فلـم ينحـلاهـا
|
فأقامت بهـا شهـوداً ، فقالـوا
|
|
بعلهـا شـاهـد لهـا وابنـهـا
|
وهكذا .. فإن الزهراء البتول صلوات الله
وسلامه عليها ، وهي المرأة المعصومة بحكم آية التطهير وغيرها ، والتي لم تكن
لِتُصدر ، ولا لِتوردَ إلاَّ وفق الشرع الإسلامي الحنيف ، قد استشهدت بالحسنين
الزكيين8 بمرأى،
وبمسمع ، وبتأييد ورضى من سيد الوصيين ، أمير المؤمنين علي 7 .. فلقد رأيا فيهما الأهلية لأداء
الشهادة في مناسبة كهذه ، مع أنهما كانا آنئذٍ لا يتجاوز عمرهما السبع سنوات ،
فإعطاؤهما دوراً بارزاً في قضية مصيرية وخطيرة كهذه ، لم يكن أمراً عفوياً ، ولا
منفصلاً عن الضوابط التي تنظم مواقف أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ... وإنما كان
امتداداً لمواقف النبي 6
منهما ، في مجال إعدادهما ، ووضعهما في مكانهما الطبيعي على المستوى القيادي للأمة.
هذا .. ولا يجب أن نقلل من أهمية هذه
القضية .. على اعتبار أنها ترتبط بحق مالي ، وليست ـ كالبيعة ـ عقداً يشترط فيه
البلوغ ، مع ملاحظة : أن سنهما حين الشهادة كان يفوق ما كان لهما من السن حين
البيعة
..
لا .. يجب أن نتخيل ذلك .. فإن الشهادة
يعتبر فيها البلوغ أيضاً ، والعقل .. كما أن سنهما حينئذٍ كان ـ كما قلنا ـ لا يصل
إلى الثمان سنوات .. أضف إلى ذلك : أن الاستشهاد بالحسنين ، وبعلي ، وبأم أيمن
التي شهد لها النبي 6
بأنها من أهل الجنة ، إنما كان ، كما يقول السيد هاشم معروف الحسني رضوان الله
تعالى عليه :
« لكي تسجل على القوم رداً صريحاً لنصوص
الرسول فيه ، وفي ولديه. على أنها لو أحضرت عشرين شاهداً من خيرة الصحابة لم يكن
مستعداً للقضاء لها بما تطلب .. بل كان على ما يبدو من سير الأحداث مستعداً لأن
يعارض شهادتهم بعشرات الشهود ، كما عاض شهادة علي وأم أيمن ، بشهادة عمر ، وعبد
الرحمن بن عوف ، كما نصت على ذلك رواية شرح النهج السابقة الخ ... » .
ولقد صدق الحسني رحمه الله تعالى فيما
قال ، ويؤيد ذلك ، بل يدل عليه ، ما ورد :
« عن عمر : لما قبض رسول الله 6 جئت أنا وأبو بكر إلى علي ، فقلنا : ما
تقول فيما ترك رسول الله 9؟
قال : نحن أحق الناس برسول الله 6.
قال : فقلت : والذي بخيبر ..
قال : والذي بخيبر.
قلت : والذي بفدك؟
قال : والذي بفدك.
قلت : أما والله ، حتى تحزوا رقابنا
بالمناشير ، فلا » .
الخطة العجيبة :
إنه بعد أن أقصِيَ علي أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام عن مركزه الذي جعله الله تعالى له .. وكان ما كان مما هو
معروف ومشهور .. فإن سياسة الحكم المتغلب الجديد ثم من جاء بعدهم. كانت تستهدف
قضية الإمامة من ناحيتين :
الناحية الأولى : بعث اليأس
في نفوس خصوم الحكم ، وبالأخص في نفس شخص أمير المؤمنين 7 ، الذي يعتبرونه أقوى منافس ، بل
المنافس الوحيد لهم ، وبالتالي في نفوس الهاشميين جميعاً ، والقضاء على كل أثر من
آثار الطموح والتطلع إلى هذا الأمر لديهم .. حيث إنهم كانوا يرون ـ حسب فهمهم
وتقديراتهم الخاطئة : أن المسألة لا تعدو عن أن تكون مسألة شخصية ، ترتبط بشخص علي
7 ، ورغبة
نفسية جامحة لديه ، أذكاها النبي الأكرم ، محمد 6
، تصريحاته ومواقفه المتكررة ، التي كانت تهدف لتكريس الأمر لصالح أمير المؤمنين
علي عليه الصلاة والسلام ..
صحيح .. أنه قد كان للنبي 6 فيه ذرو من قول ـ على حد تعبير عمر ـ
وتصريحات كثيرة ، ولكن ما الذي يمنع من مخالفته ، ما دام أنه لم يكن أكثر من زميل
لهم وقرين ، على حد تعبيرهم
...
كما أن شريحاً النميري الذي كان عامل
رسول الله 9 ، وعامل أبي
بكر ، قد جاء إلى عمر بكتاب رسول الله 9
، فأخذه عمر ، ووضعه تحت قدمه ، وقال : لا ، ما هو إلا ملك انصرف .
نعم .. وإن تلك الرغبة يمكن سلوها ،
وصرف النظر عنها ، ثم اليأس منها مع مرور الأيام ، ومع رؤية تمكن الآخرين ، وإحكام
أمرهم ، قوة سلطانهم ..
ومما يشهد لما ذكرناه : سؤال عمر لابن
عباس : كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر.
قلت : خلفته يلعب مع أترابه.
قال : لم أعن ذلك ، إنما عنيت عظيمكم
أهل البيت.
قلت : خلفته يمتح بالغرب ، على نخيلات فلان ، وهو يقرأ القرآن.
قال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن
كتمتنيها : هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟
قلت : نعم.
قال : أيزعم أن رسول الله 6 نص عليه؟
قلت : نعم .. وأزيدك : سألت أبي عما
يدعيه ، فقال : صدق.
فقال عمر : لقد كان من رسول الله 9 في أمره ذرو من قول ، لا يثبت حجة ، ولا يقطع عذراً ولقد
كان يربع في أمره وقتاً ما. ولقد أراد في مرضه : أن يصرِّح باسمه ، فمنعت من ذلك ،
إشفاقاً ، وحيطة على الإسلام. لا ، ورب هذه البنية ، لا تجتمع عليه قريش أبداً الخ
... » .
وفي هذه القضية مواضع هامة ، ينبغي
التوقف عندها ملياً ، ومحاكمتها محاكمة موضوعية وعميقة ، ولا سيما قول عمر أخيراً
: « لقد كان من رسول الله 9
في أمره ذرو من قول ، لا يثبت حجة الخ .. » فإن النبي 9 قد استعمل مختلف الأساليب البيانية
لتأكيد هذا الأمر وتثبيته : من التصريح ، والتلميح ، والكناية ، والمجاز ،
والحقيقة ، والقول والفعل ، وحتى لقد أخذ البيعة له منهم في مناسبة « الغدير » .. ولو
أردنا جمع ما وصل إلينا من
كلماته 9 ومواقفه في هذا السبيل لا حتجنا إلى
مجلدات كثيرة وكبيرة ، ولتعذر استيعابه في مدة طويلة .. ولكنه 9 أراد في مرضه الأخير : أن يسجل ذلك في
كتاب لا يمكن المراء فيه ، وليقطع دابر الخلاف من بعده ..
ولكن اتهامه بالهجر والهذيان ، من قبل
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالذات ، قد جعل ذلك بلا جدوى ، ولا فائدة ، بل جعله
سبباً في المزيد من الاختلاف والتشاجر ، والتمزق والتدابر ، فكان لا بد من تركه ،
والانصراف عنه
..
وقد صرح عمر نفسه لابن عباس : بأن النبي
6 أراد أن
يصرِّح باسم علي 7
في ذلك الكتاب ، وأراد الله غيره ، فنفذ مراد الله تعالى ، ولم ينفذ مراد رسوله.
أو كل ما أراد رسول الله 6
كان ؟!
وقد ادعى عمر : أنه إنما منع النبي 6 من كتابة الكتاب حيطة على الإسلام ..
وذلك عجيب حقاً؟! وأي عجيب!! .. فهل
صحيح : إنه قد فعل ذلك من أجل ذلك؟ أم أنه قد كان وراء الأكمة ما وراءها؟!
وكيف يمكن أن نوفق بين دعواه هذه ، وبين
نسبته ذلك آنفاً لإرادة الله سبحانه ، وقوله : « أو كلما أراد رسول الله صلى عليه
وآله وسلم كان »؟!.
وهل يمكن أن نصدق : أن غيرته على
الإسلام أكثر من غيرة نبيِّ الإسلام نفسه عليه؟!
أم أنه قد أدرك بنظره الثاقب ، وفكره
الوقاد ما لم يستطع إدراكه سيد ولد آدم ، وإمام الكل ، وعقل الكل ، ومدبر الكل؟!.
وهل غيرته على الإسلام تبرر له اتهام
النبي الأكرم صلى عليه وآله وسلم بالهجر والهذيان؟! إلى غير ذلك من الأسئلة التي
لا مجال لها هنا ..
ومما يدل على على أن السياسة كانت تتجه
نحو إبعاد علي 7
عن الساحة ، بحيث كان الناس يعرفون ذلك ، ويدركونه وكانوا مطمئنين إلى استبعاده من
هذا الأمر وكانوا لا يرون حتى دخوله في جملة المرشحين له .. ما رواه عبد الرزاق ،
من أن عمر قال لأحد الأنصار : « من ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي؟ قال :
فعدد رجالاً من المهاجرين ، ولم يسمِّ علياً ، فقال عمر : فما لهم من أبي الحسن؟
فوالله ، إنه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيمهم على طريقة من الحق » .
وبعد ذلك كله .. فإنه يحتج لعمله ذاك ـ
أعني تنظيم قضية الشورى ـ بأنه لا تجتمع عليه ـ أي على علي 7 ـ قريش، أو أن قومه أبوه ، أو غير ذلك .
لكن .. لماذا لا تجتمع قريش وقومه عليه؟.
ولماذا وكيف اجتمعوا على النبي 9
نفسه ، مع أنه هو السبب الأول والأخير في كل ما أتاه إليه؟!.
وإذا كانوا مؤمنين ومسلمين ، فلماذا لا
يقبلون بحكم الإسلام ، ولا ينقادون إليه؟!.
وإذا لم يكونوا كذلك ، فما الذي يضر لو
خالفوا؟ وما المانع من جهادهم والوقوف في وجههم جينئذٍ ، كما جاهدهم رسول الله 6 من قبل ، وجاهدهم أمير المؤمنين 7 نفسه بعد ذلك؟! ..
أما الذي نريد الاستشهاد به , والإلفات
إليه هنا ، فهو سؤال عمر لابن عباس : إن كان قد بقي شيء من أمر الخلافة في نفس علي
7 .. فإن ذلك
يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً ، من أن الهيئة الحاكمة كانت تهتم في أن ينسى وييأس
عليَّ 7 من أمر
الخلافة نهائياً ..
ولكنهم غفلوا عن أن تصدي علي والأئمة من
ولده : لهذا الأمر
، لم يكن إلا من أجل أنه مسؤولية شرعية ، وتكليف إلهي ، لا يمكن التسامح فيه ، ولا
التخلي عنه .. وليس لهم اي خيار فيه .. تماماً كسائر التكاليف الشرعية الأخرى ،
وإن كان هو يزيد عليها من حيث خطورته ، وأهميته القصوى ..
الناحية الثانية : تهيئة
الأجواء لتمكين الحكم وتكريسه في غير أهل البيت :
، وخلق العوامل والظروف التي لا تسمح بوصول أمير المؤمنين ، ولا أي من أهل البيت
عليهم الصلاة والسلام إلى الخلافة في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. وتكريس
الحكم فيمن يرغبون بتكريسه فيهم .. وقد تمثل ذلك في تدبيرات سياسية عدة ، من شأنها
أن تجعلهم يطمئنون إلى نجاحهم فيما يرمون إليه ..
ونذكر من ذلك على سبيل المثال :
ألف : على صعيد
العمل السياسي ، نجد أنهم :
عدا عن أنهم قد أبعدوا كل من له هوى في
علي 7 عن مراكز
النفوذ
كما جرى لخالد بن سعيد بن العاص .. وكحرمانهم الأنصار ، الذين كان لهم هوى في أمير
المؤمنين ، وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من المراكز الحساسة ، بل وحرمانهم من
أبسط أنواع الرعاية .
وعدا عن أنهم قد استخدموا المال في
محاولة منهم لإسكات المعترضين. كما هو الحال في قضيتهم مع أبي سفيان الذي كان
النبي 6 قد أرسله
ساعياً ، فقدم بعد وفاته 9
، فأجلب عليهم ، فقال عمر لأبي بكر : « إن أبا سفيان قد قدم ، وإنا لا نأمن شره ،
فدع له ما في يده ، فتركه ؛ فرضي » .
كما أنه .. حينما كان أبو سفيان في أوج
غضبه وثورته عليهم ، أخبروه : بأن أبا بكر قد ولى ابنه ، فانقلب في الحال رأساً
على عقب ، وقال : « وصلته رحم » .
و « لما اجتمع الناس على أبي بكر ، قسم
بين الناس قسماً ، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت ،
فقالت : ما هذا؟ قال : قسم قسمه أبو بكر للنساء ، قالت : أتراشوني عن ديني؟ قالوا
: « لا »! ثم تذكر الرواية رفضها لذلك المال .
ثم حاول عثمان بعد ذلك أن يرشو ابن أبي
حذيفة بالمال ، كما ذكره المؤرخون .
وعن علي 7
في إشارة صريحة منه إلى ذلك : « خذوا العطاء ما كان طعمة ، فإذا كان عن دينكم ،
فارفضوه أشد الرفض » .
وليراجع كتابنا دراسات وبحوث ج ١ في بحث
« أبو ذر .. اشتراكي ، أم شيوعي ، أم مسلم » للإطلاع على المحاولات العديدة لرشوته
من قبل الهيئة الحاكمة.
نعم ـ إنه عدا عن ذلك كله ـ فإننا نجدهم
يُحْكمون أمورهم بعد حوادث السقيفة ، ولا يفسحون المجال لأية مناورة أو مبادرة ،
من أي كان ، ومن أي نوع كانت ..
فنجد أبا بكر يوصي بالأمر إلى عمر بن
الخطاب بعده ، ثم هو يبدأ خطة التمهيد للأمويين ، حيث إنه وهو في مرض الموت ، وقد
جاء بعثمان ليكتب له وصيته ـ فأغمى على أبي بكر ، فكتب عثمان اسم عمر في حال غشية
وغيبوبة أبي بكر
، فلما أفاق وعلم بذلك قال : « لو تركته ما عدوتك » أو ما هو بمعناه . أو قال له : « والله ، إن كنت لها
لأهلاً » وبتعبير مصعب الزبيري : « أصبت يرحمك الله ، ولو كتبت اسمك لكنت لها أهلاً
.. » .
ولم نجد أحداً يعترض على صحة خلافة عمر
بأن اسمه قد كتب حال إغماء ابي بكر ، في مرض موته ، ولم يصر على ذلك سبباً للفتنة
، مع أنهم يقولون : إن نسبة الهجر للنبي 9
في مرض موته ، لمنعه عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده كانت في محلها ، لأن ذلك
كان سوف يثير فتنة!! فسبحان الله ، كيف صارت باؤهم تجر ، وباء الله ورسوله لاتجر.
ونستطيع أن نلمح في هذه الحادثة قدراً
من التفاهم فيما بين أبي بكر وعثمان .. وإن كنا نجد هذا التفاهم أكثر وضوحاً
وعمقاً فيما بين أبي بكر وعمر. والشواهد على ذلك كثيرة جداً ، بل لقد صرح أبو بكر
نفسه بذلك لعبد الرحمن بن عوف حينما شاوره في استخلاف عمر ، فذكر له غلظته ، فقال
أبو بكر : « ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو قد أفضى الأمر إليه ترك كثيراً مما هو عليه
، وقد رمقته إذا ما غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له
أراني الشدة عليه » .
وحينما تولى عمر بن الخطاب الأمر نجده
يسير على نفس هذا الخط أيضاً ، ويعتمد نفس ذلك النهج ، وهو التمهيد المدروس لبني
أمية ..
ونذكر على سبيل المثال .. ذلك التدبير
الذكي والدقيق لقصة الشورى. وذلك بحيث يطمئن وفقاً لمحاسبات دقيقة إلى أن الذي
سيفوز بالأمرهو عثمان ، وعثمان فقط .. ولو فرض جدلاً إخفاقه في ذلك ، فإن علياً 7 لن يكون هو الفائز قطعاً .. وقد كان
أمير المؤمنين يعلم بذلك بلا ريب ، كما صرح به هو نفسه لابن عباس ، فور خروجه من
الجلسة .
ومما يدل على أن عمر كان يهتم في تكريس
الأمر في بني أمية : أنه كان يُفرَش لعمر فراش في بيته في وقت خلافته ، فلا يجلس
عليه أحد ، إلا العباس بن عبد المطلب .
وأبو سفيان بن حرب .. وزاد المبرد قوله : « ويقول : هذا عم رسول الله. وهذا شيخ
قريش » .
وأعطى عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص
أرضاً في المدينة ، فاستزاده ، فقال له عمر : « حسبك. واختبىء عندك : أن سيلي
الأمر بعدي من يصل رحمك ، ويقضي حاجتك.
قال : فمكث خلافة عمر بن الخطاب حتى
استخلف عثمان ، وأخذها عن شورى ورضى ، فوصلني ، وأحسن ، وقضى حاجتي » .
وحينما أعتق عمر سبي العرب اشترط عليهم
خدمة الخليفة
بعده ثلاث سنين .
وعن أبي ظبيان الأزدي قال : قال لي عمر
بن الخطاب : ما مالك يا أبا الظبيان؟ قال : قلت : أنا في ألفين : قال فاتخذ سائماً
، فإنه يوشك أن يجيء اغيلمة من قريش يمنعون هذا العطاء » .
وحتى بالنسبة لعمرو بن العاص ، نجد عمر
بن الخطاب يقول : « ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميراً » .
وبعد ذلك كله .. فقد قال معاوية لابن
حصين : « إنه لم يشتت بين المسلمين ، ولا فرق أهواءهم ، ولا خالف بينهم إلا الشورى
، التي جعلها عمر إلى ستة نفر .. إلى أن قال : فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه ،
ورجاها له قومه. وتطلعت إلى ذلك نفسه » .
وأخيراً .. فإننا نجد عمر يستشير كعب
الأحبار فيمن يوليه الأمر بعده (!!) حسبما يجدونه في كتبهم (!!) فينفي كعب أن يصل
إليها عل ووُلْدُه ، ويؤكد على انتقالها بعد الشيخين إلى بني أمية ، فيصدق عمر ذلك
، ويستشهد له بما ورد عن النبي في شأن بني أمية .
ب : التمهيد لبعض
الناس :
لقد كان ثمة تركيز خاص من قبل الخليفة
الثاني عمر بن الخطاب على
معاوية بن أبي سفيان
، واهتمام كبير بتأهيله للخلافة ، وتهيئة الأجواء له ، رغم أنه كان من الطلقاء .. ويكفي
أن نذكر هنا :
أنه أبقاه على ولاية الشام لسنوات عدة ،
من دون أن يعرضه في كل عام لتلك الحسابات الدقيقة ، التي كان يتعرض لها عماله في
سائر الأقطار
، والتي كانت ربما تصل في كثير الأحيان إلى حد الإهانة ، والمس بالكرامة ، مع أنه
كان لا يولي أحداً أكثر من عامين .
وحينما يطلب منه معاوية : أن يصدر له
أوامره لينتهي إليها ، يقول له : لا آمرك ولا أنهاك .
هذا بالإضافة إلى أمور أخرى يراها
ويعرفها عنه ، ويغضي عنها ، كتعامل معاوية بالربا ، وغير ذلك.
وحول تظاهر معاوية بالقبائح راجع :
دلائل الصدق
للمظفر رحمه الله تعالى ...
وقد ذُمَّ معاوية مرة عند عمر ، فقال :
دعونا من ذم فتى قريش ، من يضحك في الغضب الخ
..
وكان يجري عليه في كل شهر ألف دينار.
وفي رواية أخرى : في السنة عشرة آلاف دينار ، ومع ذلك يزعمون : أن عمر حج سنة عشر
من خلافته ، فكانت نفقته ستة عشر ديناراً ، فقال : أسرفنا في هذا
المال ...
وقال فيه عمر : « إحذروا آدم قريش، وابن
كريمها ، من لا ينام إلا على الرضا ، ويضحك في الغضب ، ويأخذ ما فوقه من تحته » .
وكان عمر إذا نظر إلى معاوية يقول : هذا
كسرى العرب .
وقال مرة لجلسائه : تذكرون كسرى وقيصر ،
ودهاءهما ، وعندكم معاوية ؟!.
وفي محاولة لفتح وإذكاء شهية معاوية
للخلافة ، نجده يقول : إياكم والفرقة بعدي ، فإن فعلتم ، فاعلموا : أن معاوية
بالشام ، فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم » أو « وستعلمون إذا وكلتم إلى
رأيكم كيف يستبزها دونكم » .
ويقول لأهل الشورى : « إن تحاسدتم ،
وتقاعدتم ، وتدابرتم ، وتباغضتم ، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان .. وكان
معاوية يومئذ أمير الشام من قبل عمر » .
وفي نص آخر : أنه قال لأهل الشورى : «
إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام ، وبعده عبد الله بن أبي ربيعة
من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً إلا بسابقتكم » .
هذا .. وقد احتج عثمان على أمير
المؤمنين 7 حينما طلب
منه أن يعزل معاوية : بأن عمر هو الذي استعمله
.. كما واحتج معاوية نفسه على صعصعة ، وعلى صلحاء الكوفة بتولية عمر له أيضاً .. الأمر الذي يعني : أن قول عمر كان
قد أصبح كالشرع المتبع ، كما أوضحناه في بحثنا حول الخوارج.
وبعد .. فإننا نرى : أن كعب الأحبار
يلوح بالخلافة لمعاوية في عهد عثمان
.. كما أن معاوية نفسه يصرح : بأنه قد دبر الأمر من زمن عمر .
ج : التمييز العنصري :
وإن سياسة التمييز العنصري ، التي
انتهجها الحكام آنئذٍ .. فرووا عن النبي 6
تفضيل قريش على غيرها ، وأن الخلافة في قريش .. واستثنوا بني هاشم حيث لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت
واحد ، وإن كان عمر قد ناقض نفسه في ذلك ، بإشراك علي 7 في الشورى.
ثم كان التمييز بالعطاء ، وتفضيل العرب
على غيرهم في ذلك.
ثم كان التمييز العنصري في الإرث ، وفي
الزواج ، وفي العتق ، وفي
الصلاة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه .
ولعل سياسة عمر في العطاء هي التي جعلته
يمتدح عدله ـ أي عدل نفسه ـ حتى لقد قال : « إني تعلمت العدل من كسرى. وذكر خشيته
وسيرته » .
وإن صح هذا ، فيرد سؤال : إنه لماذا
تعلم ذلك من كسرى؟ وَلِمَ لَمْ يتعلمه من النبي الأعظم 6؟!!. وأية خشية كانت لدى كسرى؟! وأية
سيرة له أعجبته ، فقاس عليها عمل نفسه؟!.
أما سياسة أمير المؤمنين 7 ، فقد كانت على العكس من ذلك تماماً.
ولم يكن يفضل أحداً على أحد ، حيث لم
يكن يرى لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق
.. ولم يكن يميز أحداً على أحد ، لا في العطاء ولا في غيره. وقد أشير عليه بأن
يفعل ذلك ، فرفض ، حيث إنه لم يكن ليطلب النصر بالجور ..
وفي مناسبة أخرى ، في مقام التدليل على
أنه 7 يسير فيهم
بسيرة الإسلام قال 7
: « أرأيتم لو أني غبت عن الناس منكان يسير فيهم بهذه السيرة » ..
وقد كتب ابن عباس للإمام الحسن 7 : « وقد علمت أن أباك علياً إنما رغب
الناس عنه ، وصاروا إلى معاوية ، لأنه واسى بينهم في الفيء ، وسوى
بينهم في العطاء ،
فثقل ذلك عليهم » .
وقال رجل لأبي عبد الرحمن السلمي : «
أنشدك الله ، متى أبغضت علياً 7
، أليس حينما قسم قسماً في الكوفة ، فلم يعطك ولا أهل بيتك؟ قال أما إذا نشدتني ،
فنعم » .
وعل كل حال .. فإن سياسة أمير المؤمنين
في العطاء ، قد كانت من أهم أسباب خلاف الناس عليه 7.
والنصوص في ذلك كثيرة .
ولكن هذه السياسة العادلة قد أثرت على
المدى البعيد آثاراً إيجابية كبيرة ، حتى إننا لنجد السودان يثورون على ابن الزبير
، انتصاراً لابن الحنفية والهاشميين.
قال عيسى بن يزيد الكناني : « سمعت
المشايخ يتحدثون : أنه لما كان من أمر ابن الحنفية ما كان تجمع بالمدينة قوم من
السودان غضباً له ، ومراغمة لابن الزبير ، فرأى ابن عمر غلاماً له فيهم ، وهو شاهر
سيفه ، فقال له : رباح؟
قال : رباح. والله ، إنا خرجنا لنردكم
عن باطلكم إلى حقنا ، فبكى ابن عمر ، وقال : « اللهم إن هذا لذنوبنا » .
وكان الموالي أيضاً هم أنصار المختار ،
وكان ذلك هو السبب في تخاذل العرب عن نصرته ، كما هو معلوم .
وليراجع كتابنا : سلمان الفارسي في
مواجهة التحدي للوقوف على كثير من النصوص ومصادرها ، مما يدخل في نطاق التمييز
العنصري ، وآثاره ومناشئه ..
د : استبدال أهل
البيت :
بغيرهم :
كما أن مما زاد في تأكيد رفعة شأن قوم ،
وخمول ذكر آخرين : أن العرب قد استفادوا كثيراً من تلك الفتوح التي جرت في عهد
الخلفاء الثلاثة : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان .. على صعيد التوسعة ، والرفاهية
المادية ، وإرضاء المشاعر القومية.
وقد كان ثمة سياسة تهتم بترسيخ الاعتقاد
بأن الولاة والأمراء كانوا هم السبب في ذلك كله .. الأمر الذي ساعد ـ بالإضافة إلى
سياسة التمييز العنصري المشار إليها آنفاً ـ على المزيد من التعلق بأولئك الحكام
والأمراء ، وحب استمرار حكمهم وسلطانهم ، وعدم الرغبة في التغيير حتى وإن كان ذلك
التغيير لصالح القيم والمثل العليا ..
أضف إلى ذلك : أن الخليفتين الأولين
كانا يظهران الزهد في الدنيا ، والانصراف عنها ..
وقد نتج عن ذلك كله .. أن علا شأن قوم ،
وتألق نجمهم ، وخمل ذكر آخرين ، وخبت نارهم .. قال أمير المؤمنين عليه الصلاة
السلام : مشيراً إلى ذلك : « إن أول ما انتُقِضنا بعده ، إبطال حقنا في الخمس ،
فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا » .
وقال 7
: « إن العرب كرهت أمر محمد 9
، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه .. حتى قذفت زوجته ، ونقرت به
ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها. وأجمعت مذ كان حياً على صرف
الأمر عن أهل بيته بعد موته.
ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى
الرياسة ، وسلماً إلى العز والإ مرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولا
ارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعاً ، وبازلها بكراً .
ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد
الفاقه ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ،
وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً. وقالت : لو لا أنه حق لما كان
كذا ..
ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ،
وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ،
فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا
وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف
» .
هذا كله .. بالإضافة إلى السياسة التي
كانت تهدف إلى القضاء على أهل البيت ، وإخماد ذكرهم ، وإبطال أمرهم ، ففي صفين ،
في قضية ترتبط بإقدام الحسنين ، وابن جعفر على الحرب ، نجد أمير المؤمنين 7 يشير إلى أن الأمويين لو استطاعوا لم
يتركوا من بني هاشم نافخ نار ـ كما سيأتي ـ.
وقال عمرو بن عثمان بن عفان للإمام
الحسن 7 : « ما سمعت
كاليوم ، إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان ..
إلى أن قال : فياذلاه ، أن يكون حسن وسائر الناس بني عبد المطلب قتلة عثمان ،
أحياء يمشون على مناكب الأرض ».
ثم تذكر الرواية اتهام عمرو بن العاص ،
والمغيرة بن شعبة أمير المؤمنين 7
، بأنه أراد قتل النبي 9
، وأنه سم أبا بكر ، وشارك في قتل عمر ، ثم قتل عثمان .
ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير
المؤمنين 7 على معاوية
، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.
قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق
ذكره.
فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية
» .
واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ،
والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره
، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم .. ثم
طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ .. » .
والشواهد على ذلك كثيرة ..
وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه
أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول
الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعلي 7.
هـ : عقائد جاهلية
وغريبة :
ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد
الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح
أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه
العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول ..
ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :
تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ،
مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل
ـ وقد وضعوا
الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمد 6
لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال
وقد أصبح ذلك من عقائدهم .
ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ،
التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب . الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام
الجور لا يجدي
ولا ينفع ، ما دام
الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف ..
ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان
معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر ..
قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن
أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في
دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن
التثليث ، في دار
الإسلام ، ومات على ذلك » .
وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة
المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل
السنة قد غلب وشاع بعد.
ومعنى هذا .. هو أن الحكام مؤمنون مهما
ارتكبوا من جرائم وعظائم.
بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك
أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة
حساب ولا عذاب .
وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ
معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت » .
بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول
الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى .. كما يدعي نزول الوحي على الخليفة
أيضاً ..
و : قدسية النبي 9 :
هذا كله .. فضلاً عن سياستهم القاضية
بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسول 9
، وتفضيل الخليفة عليه .. بل وسلب معنى العصنة عن النبي 9 ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول
ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقواله 9 : إنه بشر يرضى
ويغضب ..
بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمه 6 ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء ..
كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن
اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم ..
إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً .. وقد
ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم 6 ، فمن أراده فليراجعه.
ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال
للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما
كان يصدر عنه 6
من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور
الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفه 9
الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.
ز : تولية المفضول :
ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة :
القول بجواز تولية المفضول مع
وجود الفضل ، كما هو
رأي أبي بكر
الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد .. وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي
لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه .. والعمل
على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته .. حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا
السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً ..
ح : سياسة التجهيل :
وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض
لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام .. ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال
لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي
يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن » !!
وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي
أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه :
أن علياً 7 لايصلي .
وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام
يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم
وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود
سلامتهم غائلة » .
قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم
في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم
، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ
الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن
أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري
على لسان أحد منهم ذكره.
ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن
الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر
بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه .
وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : «
لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا
تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه
، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم
، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه » .
وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من
قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت
للنبي 9 يرثونه غير
بني أمية ..
بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن
يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل .
وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل
الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل
الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم » .
وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية
، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر
لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة .
وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك
الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي.
فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة » .
وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون
عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ،
أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ،
وتلا : ( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم
سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً
) هل علم أهل
المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».
قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً
بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر .
وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت
الأطرش بن رواحة ، قال لها
معاوية : « هيهات يا
أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ،
وإنصافها » .
والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن
الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى
العراق !!
..
ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ،
فراجع .
وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ،
حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبي 6
ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك
أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟!
» ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه .
وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن
لعن علي 7 ، قال : «
لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً » .
وحينما أرسل علي 7 إلى معاوية كتاباً فيه :
محمـد النبـي أخـي وصهـري
|
|
وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي
|
الأبيات ..
« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا
يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب » .
وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ،
فإنه مهم أيضاً .
عليُّ 7 يبثّ العلم
والإيمان :
ولكن أمير المؤمنين 7 قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن
يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد
قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال
والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون
في بثها وتركيزها.
ط : موقفهم من حديث
رسول الله 9 :
ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي
كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ،
ومواقف الرسول الأعظم 66
، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم
الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.
المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،
ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنه 6 .
..................................................................................
____________
ي ـ تشجيع القصاصين
ورواية الإسرائيليات :
مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية
الإسرائيليات.
وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك .
ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون
من عداهم
حتى إن أبا
موسى ليمسك عن
الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر .
أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة
، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح
بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم 9.
ك : لا خير في
الإمارة لمؤمن :
وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه
السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد
اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.
وقد رووا عن النبي 9 ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل
مؤمن .
وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل
الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.
وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل
الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر .
ل : أينعت الثمار
واخضرّ الجناب :
وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح
لهم بالرواية عن النبي 6
، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ،
من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة ..
ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق
التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.
بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت
أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة .
بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى
خمس مئة حديث في أصول
لأحكام ومثلها من
أصول السنن
.. الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل
في الملايين
من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون
الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات
الألوف منها .
وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً
بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه
: ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى
يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل » .
بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت
الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك » .
ويقول المعتزلي الشافعي عن علي 7 : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛
لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين
تحريمه. وقد قال 7 لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب.
وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع
أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود
يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب » انتهى.
ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين
المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.
كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم
القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة » .
كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على
العمل بسنة لرسول الله 9
في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها .
ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل
المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك » .
وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار
الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبي 6 ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ،
والحجاج بن يوسف.
ماذا بعد أن تمهد
السبيل :
وبعد هذا .. فإن الحكام والأمراء الذين
مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق
الفتوى! ، من قبل
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .. قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا
بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله
وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف
ذلك للملأ من غيرهم .. الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ،
وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.
كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن
يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.
كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من
الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية
من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق
الآخر : أهل البيت :
، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه
وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً
مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.
أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه
الحديث ، وسنة النبي 9
، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ
.
ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.
وعلي 7 ماذا يقول :
هذا .. ولكننا نجد أمير المؤمنين 7 ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة
، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفض 7
في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد
طرد 7 القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر
المفروض على رواية الحديث عن النبي 9
.
وقد رووا عنه : أنه 7 قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم »
مرتين. ونحوه غيره .
كما أنه 7
يقول :
« من يشتري منا علماً بدرهم؟ .. قال
الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».
وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً
بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً » .
وعن علي 7
قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس .
وعنه 7
: « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك
باطلاً كان وزره عليه » .
ومثل ذلك كثير
عنه 7 .
والإمام الحسن 7 أيضاً :
وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة
تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : «
دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم
يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ،
فليكتبه ، وليضعه في بيته » .
ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين
بن علي 7 ، ثم قال :
« كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم
» .
ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل
الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
مشرعون جدد ، أو
أنبياء صغار :
وطبيعي بعد ذلك كله .. وبعد أن كانت
السياسة تقضي بتقليص نسبة
الاحترام للنبي 6 ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة
شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم .. وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من
الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة
، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبي 9 .. وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد
مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال
، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :
١ ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح
الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب .. »
.
٢ ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن
تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول
الله 9 ، أو إجماع
الناس » .
٣ ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب!
منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته
لأجل نص رسول الله 9
» .
٤ ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى
الصحابة : « .. وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين
الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنه 9 ، حتى ولو كان صحيحاً » .
ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا
المجال أيضاً .
٥ ـ بل إننا نجد بعض المؤلفين في الأصول
، قد عقد باباً في كتابه ، لكون قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالنسبة
لغيره ، أي لغير الصحابي .. بالسنة. وقيل : إن ذلك خاص بقول الشيخين : أبي بكر ،
وعمر .
٦ ـ وحينما أُخبِرَ عمر بقضاء النبي 6 في المرأة التي قتلت أخرى بعمود : «
كبّر. وأخذ عمر بذلك ، وقال : لو لم أسمع بهذا لقلت فيه » .
٧ ـ ثم هو يصر على رأيه فيمن تحيض بعد
الأفاضة ، رغم إخبارهم إياه بقول النبي 6
فيها .
٨ ـ وفي قصة التكنية بأبي عيسى ، نرى
عمر لا يتزحزح عن موقفه ، رغم إخبارهم إياه : بأن النبي 9 قد أذن لهم بذلك ، وتصديق عمر لهم .. لكنه
عده ذنباً مغفوراً له 9
.
٩ ـ وقال عمر بن عبد العزيز : « ألا إن
، ما سنه أبو بكر وعمر ، فهو دين نأخذ به ، وندعو إليه ». وزاد المتقي الهندي : «
وما سن سواهما فإنا نرجيه » .
وذكر في كنز العمال : أن فتوى عمر تصير
سنة.
١٠ ـ وفي حادثة أخرى : نجد عمر لا يرتدع
عن مخالفته للنبي 9
، حتى يستدل عليه ذلك الرجل بقوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول
الله أسوة )
.
١١ ـ وقد رووا : أن النبي 9 قال : « عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء
الراشدين » .
وبهذا استدل الشافعي على حجية قول أبي
بكر وعمر.
مع أن المقصود بالخلفاء الراشدين هو
الأئمة الإثنا عشر ، :
لكن هذا اللقب سرق منهم (ع).
١٢ ـ وعثمان بن عفان يقول : « إن السنة
سنة رسول الله ، وسنة صاحبيه » .
١٣ ـ كما أن عبد الرحمن بن عوف يعرض على
أمير المؤمنين : أن يبايعه على العمل بسنة النبي 6
، وسنة الشيخين أبي بكر وعمر ، فيأبى 7
ذلك ، ويقبل عثمان ، فيفوز بالأمر .
١٤ ـ وخطب عثمان حينما بويع ، فقال : «
إن لكم عليّ بعد كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى عليه وآله ثلاثاً : إتباع من
كان قبلي فيما اجتمعتم
عليه ، وسننتم ،
وسنّ سنة أهل الخير فيما لم تسنّوا عن ملأ » .
١٥ ـ وبعد .. فإن الأمويين يصرون على
معاوية : أن يصلي بهم صلاة عثمان بن عفان في منى تماماً ، ويرفضون الاستمرار على
صلاة رسول الله 6
، رغم اعترافهم بذلك ..
وعثمان نفسه يصر على رأيه في مقابل سنة
النبي 6 ، رغم
اعترافه بأن ذلك رأي رآه .
وقد عرض عثمان على أمير المؤمنين 7 أن يصلي بالناس في منى ، فلم يقبل 7 إلا أن يصلي بهم صلاة رسول الله 9 ، فيأبى عثمان ذلك ، ويأبى هو القبول :
« وقد استمر الأمراء على صلاة عثمان فيما بعد ذلك » !.
١٦ ـ بل إننا لنجد ربيعة بن شداد لا
يرضى بأن يبايع أمير المؤمنين 7.
على كتاب الله وسنة رسوله ، وقال : على سنة أبي بكر وعمر. فقال له علي 7 : « ويلك ، لو أن أبا بكر وعمر عملا
بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شيء الخ .. » .
١٧ ـ وحتى معاوية فإنه يصر على رأيه ،
ويرفض الحكم النبوي بشكل
صريح .
١٨ ـ وحينما ينكر أبو الدرداء على
معاوية بعض قبائحه ، ويذكر بنهي النبي 9
عنها ، نجده يقول : أما أنا فلا أرى به بأساً .
١٩ ـ وقد كتب ابن الزبير إلى قاضيه
يأمره بأن يعمل بفتوى أبي بكر في الجد ، فيجعله أباً لأن النبي صلى عليه وآله قال
: لو كنت متخذاً خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر إلى أن قال : « وأحق ما أخذناه قول
أبي بكر الصديق رضي الله عنه » .
٢٠ ـ كما أن عطاء قد استدل بقضاء النبي 9 في العُمْرَى ، فاعترض عليه رجل ـ وقد
صرحت بعض النصوص بأنه : الزهري!! ـ بقوله : «لكن عبد الملك بن مروان لم يقض بهذا »
أو قال : « إن الخلفاء لا يقضون بذلك » فقال : بل قضى بها عبد الملك في بني فلان ..
٢١ ـ واعترض البعض على مروان : بانه
أخرج المنبر ، ولم يكن يخرج ، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة ، وجلس في الخطبة. فقال له
مروان : « إن تلك السنة قد تركت » .
٢٢ ـ بل لقد بلغ بهم الأمر : أن ادعى
البعض : أن من خالف الحجاج فقد
٢٣ ـ وعن ابن عباس : السنة سنتان : من
نبي ، أو من إمام عادل .
٢٤ ـ وقضية إمضاء عمر للطلاق ثلاثاً ،
لأنهم استعجلوا ذلك تدل على أنه كان يرى أن لهم الحق في ذلك .
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه
واستقصائه .
هذا كله .. عدا عن ادعائهم :
نزول الوحي على الخلفاء ،
وأفضلية الخليفة على الرسول ،
ونزول الوحي على الحجاج ، والخلفاء وغير
ذلك ..
ولقد صدق أمير المؤمنين 7 حينما قال في كتابه للأشتر : « فإن هذا
الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار ، يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدنيا » .
الأئمة : في مواجهة الخطة :
إنما نتحدث هنا عن موضوع مواجهة هذه
الخطة بمقدار ما يرتبط بمواقف الإمام الحسن 7
منها .. وإن كانت الأساليب التي اتبعها الأئمة في هذا الصدد كثيرة ومتنوعة.
وقد تقدم بعض ما يرتبط بمواقف الأئمة : من قضية التمييز
العنصري البغيض ،
وتقدم كذلك بعض اللمحات عن موقف أمير المؤمنين وغيره من الأئمة ، ومنهم الإمام
الحسن 7 من قضية
الحديث والرواية عن رسول الله 9
..
وحيث إننا لا نستطيع الإلمام ـ في عجالة
كهذه ـ بكل ما يرتبط بمواقف الأئمة الهادفة إلى إفشال تلك الخطة ، لأن ذلك يستدعي
تأليف كتاب مستقل ، وقد لا يكفي له العديد من المجلدات .. وبما أن أهم عنصر
تستهدفه تلك الخطة هو عنصر الإمامة والخلافة ، والأحقية بالأمر. وبمعالجتها ،
واتخاذ الموقف الصحيح منها ، لا يبقى لمجمل تلك الخطة تأثير يذكر ، ولا خطر يخاف.
ـ من أجل ذلك .. فإننا سوف نقتصر هنا على الإشارة إلى لمحات من مواقفهم : ـ وبالأخص موقف الإمام الحسن المجتبى 7 ـ من هذه القضية بالذات .. فنقول :
قضية الإمامة هي
الأساس :
ليس خافياً على أحد مدى خطورة النتائج
التي سوف تتمخض عنها تلك السياسة ، التي تقدمت لمحات خاطفة وسريعة عن بعض خيوطها
وفقراتها .. سواء على الإسلام ، أو على المسلمين ، في الحاضر ، أو في المستقبل.
والأخطار المستقبلية هي الأعظم ، وهي الأدهى .. وقد أخبر النبي 9 في حديث معروف : بأن في كل خلف عدول
ينفون عنه ( أي عن الإسلام ) تحريف الغالين.
وقد عودنا الأئمة : : أنهم باستمرار يعيشون بالقرب من
الأحداث ، ويتواجدون دائماً وأبداً في صميمها وفي العمق منها ، حتى إن المطالع
للتاريخ ليجد ـ نتيجة لذلك التواجد ـ أن قضايا أهل البيت بصورة عامة ، وقضية
أحقيتهم بالأمر ، وإمامتهم على الخصوص ، تبقى على الدوام محتفظة بحيويتها وعمقها
في ضمير الأمة وفي وجدانها.
وأن كل صراع ، فإنما له ارتباط مباشر
أحياناً ، أو غير مباشر أحياناً أخرى بهذه القضية بالذات ، حتى ليصرح الشهرستاني
بقوله :
« وأعظم خلاف بين الأمَّة خلاف الإمامة
، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان ..
» .
وقد رأينا أن تلك الخطة الملعونة التي
أسلفنا الإشارة إليها ، إنما كانت تستهدف بالدرجة الأولى قضية الإمامة بالذات ،
الأمر الذي يعني : أن الخصوم قد أدركوا مدى خطورة هذه القضية ، على مجمل خطهم ،
على المدى البعيد ..
كما أننا نجد في المقابل : أن تواجد
أئمة أهل البيت :
على الساحة ، ورصدهم الأحداث بدقة ووعي ، وإحساسهم العميق بالمسؤولية الإلهية
والإنسانية الملقاة على عواتقهم تجاه هذه السياسة ، التي رأوا فيها خطراً داهماً ،
يتهدد كيان الإسلام ومصيره على المدى البعيد .. إن كل ذلك لم يترك لهم أي خيار ،
سوى خخيار المواجهة لهذه السياسة ، والعمل على إفشالها ، فإن ذلك واجب شرعي ،
ومسؤولية إلهية ، لا يمكن التساهل ولا التواني فيها على الإطلاق : إذ على حد تعبير
العبد الصالح حجر بن عدي الكندي : « إن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي
طالب » .
نعم .. وقد أدوا عليهم الصلاة والسلام ،
وشيعتهم الأبرار وضوان الله تعالى عليهم واجباتهم على أكمل وجه في هذا المجال ،
وفي كل مجال .. وبذلوا جهوداً جبارة ، وتعرضوا لمختلف أنواع القهر ، والاضطهاد
والبلاء ، نتيجة لمواقفهم ومواجهاتهم تلك .. وبذلوا مهجهم الغالية في هذا السبيل
..
وذلك لأن قضية الإمامة بنظرهم هي قضية
الإسلام الكبرى ، وعلى أساس الاعتقاد بها يتحدد اتجاه الإنسان ، وخطه الفكري ، ثم
السياسي ، بل وحتى الاجتماعي في الحياة. فهي المنطلق والأساس لكل المفاهيم ،
والاعتقادات ، والقضايا التي يؤمن بها ، والمواقف التي يتخذها ، والمصير الذي
ينتهي إليه ـ.
وعلى هذا الأساس ، فإننا نجد الأئمة : على استعداد للاستفادة
من عنصر التقية
الإيجابية البناءة ، وإيثار الله عند مداحض الباطل في مكان التقية بحسن الروية ،
على حد تعبير الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام وهو يؤبن أخاه الإمام الحسن المجتبى
صلوات الله وسلامه عليه.
ـ إنهم :
يستفيدون من عنصر التقية في كل القضايا ، باستثناء قضية الإمامة ، وشؤونها .. لأنهم
أدركوا : أن التقية من شأنها أن تحفظ كل تلك القضايا .. إلا قضية الإمامة ،
وأحقيتهم بالأمر ، فإنها يمكن أن تضيعها ..
وإذن .. ومن أجل درء الخطر الذي يتهدد
كيان الإسلام ووجوده من الأساس .. فقد كان لا بد من بذل المهج ، وخوض اللجج ، من
أجل أن ( يحق الله الحق بكلماته ، ولو كره المجرمون )
..
ومن الأمثلة على ذلك قول الإمام الكاظم 7 : السلام عليك يا أبة ، وذلك حينما جاء
الرشيد إلى قبر رسول الله 6
، وقال : السلام عليك يا ابن عم ، في محاولة منه لإظهار : أن خلافته تتسم بالشرعية
، لاتصاله نسباً به 6
، لكونه ابن عمه ـ وقد نشأ عن هذا الموقف اعتقال الإمام موسى الكاظم عليه الصلاة
والسلام وإيداعه السجن ، حيث قضى 7
مسموماً ، شهيداً ، صابراً ، محتسباً ـ.
وحتى حينما يضطر الإمام الحسن 7 للصلح مع معاوية ، إيثاراً
لطاعة الله في مداحض
الباطل ، في مكان التقية ، فإنَّه يحسن الرَّوية ، ويهتم في أن لا يقدم تنزلاً في
قضية الإمامة ـ وإن توهم ذلك ابن قتيبة ـ ولا في قضية الخلافة ـ وإن توهم ذلك آخر
ـ وإنما تنازل عن الأمر
.. وإنما يقصد معاوية من الأمر : الأمرة والملك ، فإنه لم يقاتلهم ليصموا ولا
ليصلوا ، « وإنما ليتأمر عليهم » أو « ليلي رقابهم »!! كما قال .
ويقول معاوية بعد صلحه مع الإمام الحسن 7 : « رضينا بها ملكاً » .
وقد عبَّر عن ذلك هو وغيره في عدة
مناسبات .
وكان معاوية يقول عن نفسه : « أنا أول
الملوك » .
كما أن سعد بن أبي وقاص يقول لمعاوية :
«السلام عليك أيها الملك».
والإمام الحسن 7 يقول مشيراً إلى ذلك : « ليس الخليفة
من سار بالجور ، ذاك ملك ملكاً يتمتع به قليلاً ، ثم تنقطع لذته ، وتبقى تبعته .. »
.
هذا .. وقد اشترط عليه : السلام على
معاوية أن لا يقيم عنده شهادة!! وأن لا يسميه « أمير المؤمنين » . الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على ما
ذكرناه..
وليس موقف الإمام الحسن 7 هنا ، وتعبيره بكلمة : « الأمر » ،
واشتراطه ماذكر .. إلا
كتعبير النبي صلى عليه وآله عن حاكم الروم بـ « عظيم الروم » ، وعن حاكم القبط
والفرس بـ « عظيم القبط »
و« عظيم فارس » .
ولم يقل : ملك الروم ، ولا ملك القبط وفارس ، لئلا يكون ذلك تقريراً لملكهما.
وما يدل على ذلك في كلمات أمير المؤمنين
7 وغيره من
الأئمة ، كثير ، لا مجال لتتبعه ..
فالإمام الحسن 7 لم يستعمل التقية في أمر الأمامة ،
وإنما سلَّم إلى معاوية الأمر النيوي الذي أُشيرَ إليه بقوله تعالى : ( وشاورهم
في الأمر ).
وهو حكم الدنيا وسلطانها ، والملك المحض ، ولم يعترف له بالإمامة الدينية والبيعة
، والخلافة الشرعية .
هذا .. وقد صرح الإمام الحسن 7 في كتبه وخطبه ، بأنه لم يكن يرى
معاوية للخلافة أهلاً ، وإنما صالحه من أجل حقن دماء المسلمين ، وحفاظاً على شيعة
أمير المؤمنين .. بل لقد قال له فور تسليمه الأمر إليه :
« إن معاوية بن صخر زعم إني رأيته
للخلافة أهلاً ، ولم أرَ نفسي لها أهلاً ، فكذب معاوية. وأيم الله ، لأنا أولى
الناس بالناس في كتاب الله ، وعلى لسان رسول الله 9
، غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين ، مضطهدين ، منذ قبض رسول الله 9 ، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا الخ
» .
وقد كتب له أيضاً فور البيعة له 7 : « فليتعجب المتعجب من توثبك يا
معاوية على أمر لست من أهله » .
وسيأتي قوله 7 : « نحن أولى الناس بالناس ، في كتاب
الله ، وعلى لسان نبيه ». ومثل ذلك كثير عنه.
هذا .. وقد تمدَّحه أخوه الإمام الحسين 7 على استعماله التقية ، وعلى حسن رويّته
فيها ، كما تقدم ..
كما أنه حينما ذُكر له عدم استجابة
الإمام الحسن 7
لمن دعاه للثورة على معاوية بعد الصلح ، قال 7
: « صدق أبو محمد ، فليكن كل رجل منكم من أحلاس بيته ، ما دام هذا الإنسان حياً » .
كما أنه بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن 7 ، يدافع عن موقف أخيه في قضية الصلح ،
في رسالة منه لأهل الكوفة ، ويأمرهم بالسكون إلى أن يموت معاوية .
بل إن الإمام الحسن 7 نفسه يعتبر صلحه مع معاوية خيراً من
ألف شهر ، فقد سئل مرة عن أسباب صلحه مع معاوية ، فأجاب : ليلة القدر خير من ألف
شهر ..
وما ذلك إلا لأن صلحه هذا قد فضح
الأمويين ، وفضح معاوية بالذات ، وجعله يعلن عن أهدافه الشريرة ، وفوت عليهم
الفرصة لهدم الإسلام ، والقضاء على أهل البيت وشيعتهم . ومهد الطريق لثورة الإمام الحسين ، ثم
إلى زوال الحكم الأموي البغيض ، وإلى الأبد ..
مواقف هامة :
وبعد .. فإننا نرى : أن مما يدخل في
مجال العمل على إفشال تلك الخطة
أيضاً ، وإبقاء حق
أهل البيت : ، وقضيتهم
حية في ضمير الأمة ووجدانها ، بالإضافة إلى ما تقدم من تأكيدات الإمام الحسن 7 على بنوته لرسول الله 6 ، وعلى أنه من أهل البيت ، الذين افترض
الله طاعتهم إلى آخر ما تقدم.
ـ إن مما يدخل في هذا المجال : وصيته 7 بأن يدفن عند جده 9 ، مع علمه بعدم رضا عائشة والأمويين
بذلك ، حسبما أشار إليه هو نفسه 7
في وصيته تلك ، وصدقته الوقايع التالية
وكان ذلك هو السبب في ضرب الجدار على القبر الشريف ، فإن تلك الوصية لم تكن إلا
لإظهار صلته بالنبي 6 ، التي يجهد الأمويون وأعوانهم لقطعها
وطمسها. كما أن هذه الوصية تهدف إلى التأكيد على أنهم : مظلومون مقهورون ، مغتصبة حقوقهم ،
منتهب براثهم ، كما قال أمير المؤمنين 7
: ( أرى تراثي نهباً ) .
بالأضافة إلى تعريف الناس على ما يكنه
أولئك الحكام وأعوانهم من حقد وكره لأهل بيت النبوة ، الذين أمر الله ورسوله
مراراً وتكراراً ليس فقط بمحبتهم ، وإنما « بمودتهم أيضاً » .
انزل عن منبر أبي :
ومما يدخل في هذا المجال أيضاً موقف آخر
، هام جداً للإمام الحسن 7
في مقابل أبي بكر ، حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر ، فقال له :
انزل عن منبر أبي.
فأجابه أبو بكر : صدقت. والله ، إنه
لمنبر أبيك ، لا منبر أبي. فبعث علي إلى أبي بكر : إنَّه غلام حدث ، وإنا لم نأمره.
فقال أبو بكر : إنا لم نتهمك .
وليتأمل قوله 7 : إنا لم نأمره. فإنه لا يتضمن إنكاراً
على الإمام الحسن 7
، ولا إدانة لموقفه.
ولقد صدق أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه ؛ فلم يكن الإمام الحسن 7
يحتاج إلى أمر ، فلقد أدرك خطة الخصوم بما آتاه الله من فضله ، وبإحساسه المرهف ،
وفكره الثاقب. وهو الذي عايش الأحداث عن كثب ، بل كان في صميمها.
وإذن .. فمن الطبيعي أن يدرك : أن عليه
فيه مسؤولية العمل على إفشال تلك الخطة ، وإبقاء حق أهل البيت وقضيتهم على حيويتها
في ضمير ووجدان الأمة. وكان علي وصي النبي 9
يحتاط للأمر ، حتى لا تحدث تشنجات حادة ، ليس من مصلحة القضية ، ولا من مصلحة
الإسلام المساهمة في حدوثها في تلك الظروف.
والإمام الحسين أيضاً :
ولا عجب إذا رأينا للإمام السبط الشهيد
الحسين 7 موقفاً
مماثلاً تماماً مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .. ونجد أن عمر قد أخذه إلى بيته
، وحاول تقريره : إن كان أبوه أمره بهذا ، أو لا. فأجابه عن ذلك بالنفي.
وبعض الروايات تقول : إنه سأله عن ذلك
في نفس ذلك الموقف أيضاً ، فنفى ذلك. فقال عمر : منبر أبيك والله ، وهل أنبت على
رؤوسنا الشعر إلا أنتم
فأبو بكر لم يكن يرى : أن اتهام أمير
المؤمنين في قضية الإمام الحسن من صالحه .. أما عمر .. الذي رأى أنه قد أصبح قوياً
في الحكم ، وقد تكرس الموقف لصالح غير أهل البيت على الصعيد السياسي .. عمر هذا ـ
يهتم بالتعرف على مصدر هذه الأرهاصات ، ليعمل على القضاء عليها قبل فوات الأوان ،
مادام يملك القدرة على ذلك بنظره.
لقد كانت مواقف الحسنين هذه تعتبر
تحدياً عميقاً للسلطة ، في أدقِّ وأخطر قضية عملت من أجل حسم الأمور فيها لصالحها
، ورأت أنها قد وفقت في مقاصدها تلك إلى حدٍ بعيد .. فجاءت هذه المواقف لتهز من
الأعماق ما كاد يعتبر ، أو قد اعتبر بالفعل من الثوابت الراسخة.
والحسنان هما ذانك الفرعان من دوحة
الإمامة ، وغرس الرسالة ، اللذان يفهمان الظروف التي تحيط بهما ، ويقيمانها
التقييم الصحيح والسليم ، ليتخذا مواقفهما على أساس أنها وظيفة شرعية ، ومسؤولية
إلهية.
أما التكليف الشرعي ، والموقف الذي
لأبيهما ، فهو وإن كان في ظاهره
مختلفاً هنا ، إلا
أنه ولا شك يخدم نفس الهدف ، ويسير في نفس الإتجاه ، حسبما ألمحنا إليه.
الحسنان .. وأذان بلال :
ولعلنا لا نبعد كثيراً إذا قلنا : إن
قضية أذان بلال كانت كذلك تخدم نفس الهدف ، وتسير في نفس الاتجاه الذي توخياه
صلوات الله وسلامه عليهما من موقفيهما من أبي بكر وعمر ، حسبما تقدمت الإشارة إليه
..
ومجمل تلك القضية هو : أن بلالاً كان في
الشام ، فقدم إلى المدينة لزيارة قبر الرسول الأعظم 6
، لرؤيا رآها.
وفيما هو يناجيه ، وإذا بالحسن والحسين
قد أقبلا لزيارة جدهما وأمهما ، فلما رآهما تجددت أحزانه ، وأقبل إليهما يضمهما
إلى صدره ، ويقول : كأني بكما رسول الله.
والتفتا إليه ، وقالا : إذا رأيناك
ذكرنا صوتك ، وأنت تؤذن لرسول الله ، ونشتهي أن نسمعه الآن بعد غيابك الطويل.
وانطلق بلال من ساعته إلى سطح المسجد ،
تلبية لرغبة السبطين ، فأجهش بالبكاء ، وانطلق صوته من ناحية المسجد إلى كل بيت في
المدينة : الله أكبر ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فهز المشاعر ، وارتجت
المدينة من أصوات الباكين.
ومضى الذهبي يقول : فلما قال بلال :
أشهدُ أنَّ محمداً رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهن ، وظن الناس أنَّ رسول الله
قد بعث من قبره. وما رؤي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله من ذلك اليوم .
وهذه القضية هي غير قضية أذان بلال ،
بطلب من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء 3
، وذلك لأن الأذان الذي كان بطلب من الحسنين 8
إنَّما كان بعد وفاتها ، كما نصت عليه الرواية آنفاً .
ومهما يكن من أمر ، فإن السياسة قد كانت
تتجه إلى تناسي ذكر النبي 9
، والمنع من حديثه ومن العمل بسنته
وجعل ذكره مجرد أمر روتيني لا أكثر ، فجاءت هذه الهزة لتعيد الربط العاطفي
والشعوري بالرسول الأكرم 6
ليكون ذلك بمثابة إدانة للتوجه العام تجاه الرسول وكل ما يرتبط به.
الإمام الحسن 7 وأسئلة الأعرابي :
وإذا كانت الإمامة تقوم على ركنين رئيسين
، أحدهما : النص
، والآخر : العلم.
فإننا نجد الأئمة :
يهتمون بإظهار هذا
النص ، والتركيز عليه باستمرار. وقد رأينا
الإمام الحسن 7
يهتم بهذه الناحية ، في كثير من أقواله ومواقفه ، فلقد ذكر في خطبه : أنهم هم
الذين افترض الله طاعتهم ، وأنهم أحد الثقلين ، واستدل بحديث الغدير ، وبالأعلمية وغير ذلك.
وكان هذا دأب الأئمة : وشيعتهم الأبرار بصورة عامة ، حتى لقد
رأينا الإمام علياً 7
يستشهد الناس على حديث الغدير في رحبة
الكوفة وغيرها .
والإمام الحسين 7 يستشهد الناس على حديث الغدير في منى .. إلى غير ذلك من مواقف لا مجال
لتتبعها هنا.
وكذلك الحال بالنسبة إلى العلم ، فإنهم : ما فتئوا يؤكدون على أنهم هم ورثة علم
رسول الله صلى عليه وآله ، وعندهم الجفر ، والجامعة ، وغير ذلك ..
وقد رأينا : أن الإمام علياً 7 يهتم في إثبات صفة علم الإمامة للإمام
الحسن 7 منذ طفولته
.. حتى ليصبح إطلاعه على تلك العلوم ، التي لم ينل الآخرون منها شيئاً دليلاً على
إمامته عليه آلاف التحية والسلام ..
ويلاحظ : أن أمير المومنين 7 يهتم في إظهار ذلك لخصوص أولئك الذين
استأثروا بالأمر ، وأقصوا أصحاب الحق الحقيقيين عن حقهم الذي جعله الله تعالى لهم
، وما ذلك إلا ليؤكد لهم ، ولكل أحد على أنهم ليسوا أهلاً لما تصدّوا له ، فضلاً
عن أن يكون لهم أدنى حق فيه ..
وقد اتبع 7
في صياغة الحدث أسلوباً من شأنه أن يتناقله الناس ، ويتندروا به في مجالسهم .. إذ
أن إجابة طفل لم يبلغ عمره العشر سنوات على أسئلة عويصة وغامضة ، لأمر يثير عجبهم
، ويستأثر باهتمامهم.
فقد ذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار
، بإسناده عن عبادة بن الصامت ، ورواه جماعة عن غيره : أن أعرابياً سأل أبا بكر ،
فقال : إني أصبت بيض نعام ، فشويته ، وأكلته وأنا مُحرم ، فما يجب عليّ؟
فقال له : يا أعرابي ، أشكلت عليّ في
قضيتك. فدلهّ على عمر ، ودلَّه عمر على عبد الرحمن بن عوف. فلما عجزوا قالوا :
عليك بالأصلع.
فقال أمير المؤمنين : سل أي الغلامين
شئت. ( وأشار إلى الحسن والحسين 8
).
فقال الحسن : يا أعرابي ، ألك إبل؟
قال : نعم.
قال : فاعمد إلي عدد ما أكلت من البيض
نوقاً ، فاضربهن بالفحول ، فما فصل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حجبت إليه.
فقال أمير المؤمنين : إن من النوق
السلوب. ومنها ما يزلق .
فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق
، فإن من البيض ما يمرق .
قال : فسمع صوت : أيها الناس ، إن الذي
فهًّم هذا الغلام هو الذي فهًّمها سليمان بن داود .
وثمة قضية أخرى ، وهي قضية ذلك الذي
أقرّ على نفسه بالقتل ، حينما رأى : أن بريئاً سيقتل ، فحكم عليه أمير المؤمنين 7 بعدم وجوب القَود ، فإنه إن كان قتل
فعلاً ، فقد أحيا نفساً ، و من أحيا نفساً ، فلا قَوَد عليه.
قال ابن شهرآشوب : « وفي الكافي
والتهذيب : أبو جعفر : إن أمير المؤمنين 7
سأل فتوى ذلك الحسن ، فقال : يطلق كلاهما ، والدية من بيت المال. قال : ولم؟ قال :
لقوله : ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً » .
وهناك أيضاً أسئلة الإمام 7 لولده الإمام الحسن 7 عن السداد ، والشرف ، والمروّة ، وغير
ذلك من صفات .. فأجاب عنها ، فلتراجع .
وأيضاً .. فهناك أسئلة ذلك الرجل عن
الناس ، أشباه الناس ، وعن النسناس ، فأحاله الإمام على ولده الإمام الحسن 7 : فأجابه عنها .
وسأل أمير المؤمنين 7 ولده الإمام الحسن 7 : كم بين الإيمان واليقين؟ قال : أربع
أصابع. قال : كيف ذلك؟ قال : الإيمان كل ما سمعته أذناك الخ ..
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين 7 ، فسأله عن الرجل ، إذا نام أين تذهب
روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه الأعمام
والأخوال .. واعتبر
السائل أن إجابته على ذلك تعني : أن الذين غصبوا حقه ليسوا بمؤمنين ، وإن لم يُجب
فهو وإياهم شَرَع سواء.
وكان هو ، والحسن 8 ، وسلمان ;
في المسجد الحرام ، فأحاله على الإمام الحسن ، فأجابه بما أقنعه. ثم أخبر أمير
المؤمنين 7 : أنه الخضر
.
وأرسل معاوية إلى أمير المؤمنين يسأله :
كم بين الحق والباطل؟ وعن قوس قزح ، وما المؤنث؟ وعن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض
، فأحال ذلك أمير المؤمنين 7
على الإمام الحسن 7
، فأجابه عنها .
وأرسل قيصر يسأل معاوية عن بعض المسائل
، فلم يعلم جوابها ، فأحالها إلى الإمام الحسن 7
.
بل إننا نجد النبي 9 نفسه يرجع السؤال إلى الإمام الحسن 7 ، ليجيب عليه .. كما ورد في بعض النصوص
.
ويطلب الإمام علي 7 منه : أن يكتب لعبد الله بن جندب ،
فكتب إليه :
« إن محمداً كان أمين الله في أرضه ،
فلما أن قبض محمداً كنا أهل بيته ، فنحن أمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا
والمنايا ، وأنساب العرب ، ومولد الإسلام. وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة
الإيمان ، وبحقيقة النفاق ».
ثم يذكر 7
ما لأهل البيت من الفضل العظيم .. ويقول : « نحن أفراط الأنبياء ، ونحن أبناء
الأوصياء ( ونحن خلفاء الأرض
خ ل ) ». ثم يذكر
منزلتهم ، ولزوم ولاية أمير المؤمنين .. وهي رسالة هامة لا بأس براجعتها في
مصادرها .
وأخيراً .. فقد روي عن عبد الله بن عباس
، قال : مرت بالحسن بن علي 7
بقرة ، فقال : هذه حبلى بعجلة أنثى لها غُرَّة في جبهتها ، ورأس ذنبها أبيض ،
فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها ، فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها .. فقلنا له :
أو ليس الله عز وجل ويعلم ما في الأرحام ، فكيف علمت ، قال : إنا نعلم المخزون
المكتوم ، الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، غير محمد وذريته .
وليراجع قوله 7 حول ما هو مكتوب على جناح الجرادة ،
واعتبار ابن عباس ذلك من مكنون العلم .
وتفصيلات ذلك وسواه موجودة في المصادر
التي في الهوامش.
فرض العطاء :
لقد اتبع عمر بن الخطاب سياسة خاصة في
العطاء ، تركت آثاراً سيئة في نفوس الكثيرين ، وعلى المجتمع الإسلامي بصورة عامة
.. سياسة تقوم على التعصبات الجاهلية ، وتظهر فيها الامتيازات المادية والعرقية ، التي جهد
الإسلام ، ونبي
الإسلام في القضاء عليها ، واستئصالها من الأساس. سياسة لم يكن يرضاها أهل البيت ،
وعلى رأسهم أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، بل لقد رفضها 7 بشدة وحزم ، ورضي بأن يحقد عليه
القرشيون ، ويجيشوا الجيوش ، ويثيروا الحروب ، لأنه حرمهم من الامتيازات التي
منحهم إياها عمر بن الخطاب ، ومن أهمها امتيازات العطاء هذه .
ولكن هذه السياسة الخاطئة ، فقد ألفتت
إلى ناحية ، وكرست أمراً ، لم يكن الخلفاء وأعوانهم قد التفتوا إليه ، ولا كان
يروق لهم تكريسه ، أو أنهم قد التفتوا إليه ، ولكنهم لم يمكنهم تحاشيه ، والتخلص
منه .. وهو أمر واقعي ، كان لا بد من الاحتفاظ به ، والإلتفات إليه بنحو ، أو بآخر
.. ألا وهو الاعتراف الضمني بل الصريح من الهيئة الحاكمة ، وعلى رأسها عمر بن
الخطاب ، الشخصية القوية جداً ، وذات النفوذ العظيم ـ نعم الاعتراف ـ بفضائل
ومزايا الحسنين الزكيين عليهما الصلاة والسلام ، حيث ألحقهم عمر بن الخطاب بأهل
بدر ، تنبيهاً على المكانة الممتازة التي كانا يتحليان بها ، ولم يكن بالإمكان
التغاضي عنها ، أو تجاهلها.
بل إننا لنجده « قسم يوماً ، فأعطاهما
عشرين ألف درهم ، وأعطى ولده عبد الله ألف درهم ، فعاتبه ولده ، فقال : قد علمت
سبقي إلى الاسلام ، وهجرتي ، وأنت تفضل علي هذين الغلامين؟ ( وهذا يعني : أن ذلك
قد كان في أوائل خلافة عمر ). فقال : ويحك يا عبد الله ، إئتني بجدٍ مثل جدهما ،
وأنا أعطيك مثل عطائهما » .
الإمام الحسن 7 في الشورى :
وحينما طعن عمر بن الخطاب ، ورتب قضية
الشورى على النحو المعروف ، قال للمرشحين : « واحضروا معكم من شيوخ الأنصار ، وليس
لهم من أمركم شيء ، وأحضروا معكم الحسن بن علي ، وعبد الله ين عباس ، فإن لهما
قرابة ، وأرجو لكم البركة في حضورهما. وليس لهما من أمركم شيء. ويحضر ابني عبد
الله مستشاراً ، وليس له من الأمر شيء .. » فحضر هؤلاء .
ويبدو : أن هذه أول مشاركة سياسية فعلية
معترف بها ، بعد وفاة الرسول الأكرم 6
، أي بعد بيعة الرضوان ، وبعد استشهاد الزهراء صلوات الله وسلامه عليها بهما في
قضية فدك ، على النحو الذي تقدم.
ويلاحظ هنا : أنه قد اكتفى بذكر الإمام
الحسن 7 ، ولم يذكر
الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام ، ولعل ما كان قد جرى بينهما ، وقول الحسين له
: انزل عن منبر أبي ، لم يغرب عن ذهن الخليفة بعد.
ولكنه قد ذكر عبد الله بن عباس ، الذي
كان عمر يقربه ، ويهتم بشأنه ، ولعل ذلك كان مكافأة لأبيه العباس ، الذي لم يتعرض
لحكمهم وسلطانهم ، إن لم نقل : إنه قد ساهم في تخفيف حدة التوتر في أحيان كثيرة
فيما بينهم وبين علي 7
، كما جرى في قصة البيعة لأبي بكر ، ثم في قصة زواج عمر نفسه بأم كلثوم بنت أمير
المؤمنين .. كما أنه لم يساهم في قتل القرشيين في بدر ولا في غيرها.
بالإضافة إلى أن عمر يريد أن يوجد قرناء
للإمام الحسن 7،
ويوحي بأنه كما له
هو 7 امتياز من
نوع ما ، كذلك فإن غيره لا يفقد هذه الامتيازات بالكلية ، بل له منها أيضاً نصيب ،
كما للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام.
ثم .. هناك الدور الذي رصده لولده عبد
الله الذي كان يرى في والده المثل الأعلى الذي لا بد أن يحتذى ، وتنفذ أوامره ،
وينتهي إلى رغباته وآرائه ، ولا يجوز تجاوزها ..
وكان عمر يدرك طبعاً مدى تأثير شخصيته
وهيمنته على ولده ، ويثق بأن ولده سيجهد في تنفيذ المهمة التي يوكلها إليه .. ولكن
لا بد من التخفيف من التساؤلات التي ربما تطرح حول سر اختصاص ولده بهذا الدور دون
سواه ، فكانت هذه التغطية التي لا تضر ، والتي يؤمن معها غائلة طغيان الشكوك
والتفسيرات ، التي لايرغب في أن ينتهي الناس إليها في ظروف كهذه ..
ومن الجهة الثالثة .. فإن بأشراك الحسن 7 وابن عباس ، على النحو الذي ذكره من
رجائه البركة في حضورهما .. يكون قد أضفى صفة الورع والتقوى على خطته تلك ، وتمكن
من إبعاد أو التخفيف من شكوك المشككين ، واتهاماتهم ..
هذا باختصار .. ما يمكن لنا أن نستوحيه
ونستجليه من الحادثة المتقدمة في عجالة كهذه ..
ولكن موقف أمير المؤمنين 7 في الشورى ، ومناشداته بمواقفه
وبفضائله ، وبأقوال النبي صلى عليه وآله فيه ، قد أفسدت كل تدبير ، وأكدت تلك
الشكوك ، وأذكتها ..
وأما بالنسبة لقبول الإمام الحسن عليه
الصلاة والسلام للحضور في الشورى ، فهو كحضور علي 7
فيها .. فكما أن أمير المؤمنين قد أشترك فيها من أجل أن يضع علامة استفهام على رأي
عمر الذي كان قد أظهره ـ وهو الذي كان رأيه كالشرع المتبع ـ في أن النبوة والخلافة
لا تجتمعان في بيت واحد أبداً ، بالإضافة إلى أنه من أجل أن لا ينسى الناس قضيتهم
..
كذلك فإن حضور الإمام الحسن 7 في هذه المناسبة إنما يعني انتزاع
اعتراف من عمر بأنه ممن يحق لهم المشاركة السياسية ، حتى في أعظم وأخطر قضية
تواجهها الأمة .. كما أن نفس أن يرى الناس مشاركته هذه ، وأن يتمكن في المستقبل من
إظهار رأيه في القضايا المصيرية ، ولو لم يُقبل منه .. وأن يرى الناس أن من الممكن
قول كلمة « لا » .. وأن يسمع الطواغيت هذه الكلمة ، ولا يمكنهم ردها ، بحجة : أنها
صدرت من هاشمي ، وقد قبل عمر ـ وهو الذي لا يمكنهم إلا قبول كل ما يصدر عنه ـ
مشاركة الهاشميين في القضايا السياسية والمصيرية الكبرى ، وحتى في هذه القضية
بالذات ..
نعم إن كل ذلك ، يكفي مبرراً ودليلاً
لرجحان ، بل ولحتمية مشاركة الإمام الحسن في قضية الشورى واستجابته لرغبة عمر في
هذا المجال ..
كما أنه يكون قد انتزع اعترافاً من عمر
بن الخطاب ، بأنه ذلك الرجل الذي لا بد أن ينظر إليه الناس نظرة تقديس ، وأن
يتعاملوا معه على هذا المستوى .. ولم يكن ذلك إلا نتيجة لما سمعه عمر ورآه ، هو
وغيره من الصحابة ، من أقوال ومواقف النبي الأكرم بالنسبة إليه ، ولأخيه الحسين
السبط عليهما الصلاة والسلام.
وعليه .. فكل من يعاملهما على غير هذا
الاساس ، حتى ولو كان قد نصبه عمر وأعطاه ثقته ، ومنحه حبه وتكريمه ، فإنه يكون
متعدياً وظالماً .. وحتى مخالفاً لخط ورأي ، نظرة ذلك الذي يصول على الناس ويجول
بعلاقته وارتباطه به.
نعم .. وقد رأينا الإمام الرضا عليه
الصلاة والسلام يذكر : ان الذي دعاه للدخول في ولاية العهد ، هو نفس الذي دعا أمير
المؤمنين للدخول في الشورى .
وقد
أوضحنا ذلك في كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا 7 فليراجعه من أراد.
الفصل
الثالث :
في عهد عثمان
الإمام الحسن 7 في وداع أبي ذر :
« يا عماه ، لولا أنه لا ينبغي للمودع
أن يسكت ، وللمشيع أن ينصرف ، لقصر الكلام ، وإن طال الأسف. وقد أتى من القوم إليك
ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها ، واصبر
حتى تلقى نبيك 9
، وهو عنك راض » .
تلك هي كلمات الإمام الحسن المجتبى
صلوات الله وسلامه عليه ، وهو يودع مع أبيه ، وأخيه ، وعمه عقيل ، وابن عمه عبد
الله بن جعفر ، وابن عباس ـ أبا ذر ، ذلك الصحابي الجليل ، الذي جاهد وناضل القوم
في سبيل الدين والحق. ولاقى منهم ما لاقى من اضطهاد وإهانة وبلاء ، حتى قضى غريباً
، وحيداً فريداً في « الربذة » : منفاه.
هي كلمات ناطقة بموقفه القائم على أساس
العقيدة والحق ، تجاه تصرفات وأعمال الهيئة الحاكمة : « القوم ».
وهو بكلماته هذه يساهم في تحقيق ما كان
يرمي إليه أبو ذر من أهداف ، حيث كان لا بد من إطلاق الصرخة ، لإيقاظ الأمة من
سباتها ، وتوعيتها على حقيقة ما يجري وما يحدث ، وإفهامها : ان الحاكم لا يمكن أن
يكون أبداً في
منأى عن المؤاخذة ،
ولا هو فوق القانون ، وإنما هو ذلك الحامي له ، والمدافع عنه ، فإذا ما سوّلت له
نفسه أن يرتكب أية مخالفة ، أو أن يستغل مركزه في خدمة أهوائه ومصالحه الشخصية ،
فإن بإمكان كل أحد أن يقف في وجهه ، ويعلن كلمة الحق ، ويعمل على رفع أي ظلم أو
حيف يصدر منه.
ومن جهة أخرى ... فإنه إذا كانت الظروف
لا تسمح لأمير المؤمنين وسبطيه :
، وآخرين ممن هم على خطهم لأن يقفوا موقف أبي ذر ، فإن عليهم ـ على الأقل ـ أن
يعلنوا عن رأيهم ـ الذي هو رأي الإسلام ـ فيه ، وفي مواقفه ، فإن ذلك من شأنه : أن
يعطي موقفه العظيم ذاك بعداً إعلامياً ، وعمقاً فكرياً وسياسياً ، يحمي تلك
المعطيات والنتائج التي ستنشأ عنه .. فكانت مبادرتهم ـ إلى جانب مبادرات أخرى
لأمير المؤمنين 7
خاصة ، لامجال لذكرها هنا ـ لتوديعه ، رغم منع السلطة ، ثم جرى بينهم وبين مروان ،
ثم بينهم وبين عثمان ما جرى ، حسبما ذكره ، أو أشار إليه غير واحد من المؤرخين .
وإذا تأملنا في كلمات الإمام الحسن
صلوات الله وسلامه عليه لأبي ذر في ذلك الموقف ، فإننا نجدها تتضمن : تأسفه العميق
لما فعله القوم بأبي ذر ، ثم هو يشجعه على الاستمرار على موقفه ، ويعتبر أن فيه
رضى النبي الأعظم 6
، ومن ثم رضى الله سبحانه وتعالى ..
كما أنه يحاول التخفيف عن أبي ذر ،
وإعطائه الرؤية الصحيحة ، التي من شأنها أن تخفف من وقع المحنة عليه ، وتسهل عليه
مواجهة البلايا التي تنتظره ، وذلك حينما يأمره 7
بأن : يضع عنه الدنيا ، بتذكر فراغها ، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها.
فإن هذه الكلمات بالذات قد تكفلت ببيان
السر الحقيقي ، الذي يجعل شخصية الإنسان المسلم أقوى من كل ما في الدنيا من أسلحة
وقدرات تملكها
قوى البغي والشر ،
وتجعله على استعداد لأن يضحي بكل شيء حتى بنفسه ، بكل رضا وثقة واطمئنان ، بل
وباندفاع يحمل معه شعوراً غامراً بالسرور والهناء ، بل وبالفرحة والسعادة.
اشتراك الإمام الحسن 7 في الفتوح :
١ ـ ويقولون : إنه في سنة ثلاثين غزا
سعيد بن العاص طبرستان ، وكان أهلها في خلافة عمر قد صالحوا سويد بن مقرن على مال
بذلوه ، ثم نقضوا ، فغزاهم سعيد بن العاص ، ومعه الحسن ، والحسين ، وابن عباس .
قال أبو نعيم بالنسبة إلى الإمام الحسن 7 : « دخل أصبهان غازياً ، مجتازاً إلى
غزاة جرجان » .
وعده السهمي هو وأخاه الحسين 7 ممن دخل جرجان .
٢ ـ وفي مناسبة فتح افريقية يقولون : إن
عثمان جهز العساكر من المدينة ، وفيهم جماعة من الصحابة ، منهم ابن عباس ، وابن
عمر ، وابن عمرو بن العاص ، وابن جعفر ، والحسن والحسين ، وابن الزبير ، وساروا مع
عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين .
التفسير والتوجيه :
وقد حاول البعض توجيه ذلك على أساس :
أنه 7 يريد أن يرى
اتساع نفوذ الإسلام ، حيث إن في هذه الفتوحات خدمة للدين ، ونشراً للإسلام ، فدخل 7 ميدان الجهاد « والجهاد باب من أبواب
الجنة » وألقى الستار على ما يكنه في نفسه من الاستياء على ضياع حق أبيه .. وذلك
لأن أهل البيت :
ما كان همهم إلا الإسلام والتضحية في سبيله .
وعلى حد تعبير الحسني : « وليس بغريب
على علي بن أبي طالب وبنيه أن يجندوا كل إمكانياتهم وطاقاتهم في سبيل نشر الإسلام
، وإعلاء كلمته. وأذا كانوا يطالبون بحقهم في الخلافة فذاك لأجل الإسلام ونشر
تعاليمه ، فإذا اتجه الإسلام في طريقه ، فليس لديهم ما يمنع من أن يكونوا جنوداً
في سبيله ، حتى ولو مسهم الجور والأذى وقد قال أمير المؤمنين أكثر من مرة : والله
لأ سالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا عليَّ خاصة » .
ويعلل رحمه الله تعالى عدم اشتراك
الحسنين في المعارك الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ، بالرغم من أنها قد بلغت
ذروتها في مختلف المناطق ، والانتصارات يتلو بعضها بعضاً ، والأموال والغنائم
تتدفق على المدينة من هنا وهناك .. وبالرغم من أن الإمام الحسن 7 كان في السنين الأخيرة من خلافة عمر قد
أشرف على العشرين من عمره ، وهو سن مناسب للاشتراك في الحروب ، التي كان يتهافت
المسلمون كهولاً وشباباً وشيوخاً على الاشتراك بها
ـ يعلل ; ذلك بقوله : « لعل السبب في ذلك يعود
إلى انصراف أمير المؤمنين عن التدخل في شؤون الدولة والحياة السياسية ، ومما لا شك
فيه : أن عدم اشتراك الإمام في الحروب والغزوات لم يكن مرده إلى تقاعس الإمام ،
وحرصه على سلامة نفسه. بل كان كما يذهب أكثر الرواة والمؤرخين لأن عمر بن الخطاب
قد فرض على الكثير من أعيان الصحابة ما يشبه الإقامة الجبرية لمصالح سياسية يعود
خيرها إليه ، وبقي الحسن السبط إلى جانب والده منصرفاً إلى خدمة الإسلام ، ونشر
تعاليمه ، وحل ما يعترض المسلمين من المشاكل الصعاب » .
الرأي الصواب :
ولكننا بدورنا ، لا نستطيع قبول ذلك ،
ونعتقد : أن الحسنين 8
لم يشتركا في أي من تلك الفتوحات .. ونرى أن تلك الفتوحات لم تكن ـ عموماً ـ في
صالح الإسلام ، إن لم نقل : إنها كانت ضرراً ووبالاً عليه ، ونستطيع أن نجمل ما
نرمي إليه هنا على النحو التالي :
ألف : آثار الفتوح على الشعوب التي افتتحت أرضها :
إن من الواضح : أن تلك الفتوحات لم يكن
يتبعها أي اهتمام ـ من قبل ـ الهيئة الحاكمة بإرشاد الناس ، وتعليمهم ، وتثقيفهم ،
وتربيتهم تربية دينية صالحة ، بحيث يتحول الإسلام في داخلهم إلى طاقة عقائدية ،
تشحن وجدان الإنسان وضميره بالمعاني السامية ، والنبيلة ، ولينعكس ذلك ـ من ثم ـ
على كل حركات ذلك الإنسان ومواقفه ، وتغنى روحه وذاته بالمعاني والخصائص الإنسانية
الإسلامية السامية ،
وتؤثر في صنع ، ثم في بلورة خصائصه الأخلاقية ، على أساس تلك المعاني التي فجرتها
العقيدة في داخل ذاته ، وفي عمق ضميره ووجدانه.
نعم .. لقد اتسعت رقعة الإسلام خلال
عقدين من الزمن اتساعاً هائلاً ، يفوق أضعافاً كثيرة جداً ما تم إنجازه على هذا
الصعيد في عهد الرسول الأعظم صلى عليه وآله وسلم. ولكن الفارق بينهما كان شاسعاً ،
والبون كان بعيداً ، فلقد كان الرسول الأكرم 6
لا يكتفي من الناس بإظهار الإسلام والتلفظ بالشهادتين ، ثم ممارستهم السطحية لبعض
الشعائر والظواهر الإسلامية ، وإنما كان يرسل لهم المعلمين والمرشدين ، والمربين ،
ليعلموهم الكتاب والحكمة ، وأحكام الدين .
أما هذه الفتوحات العظيمة التي تم إنجازها
على عهد الخلفاء الثلاثة بعده 6
، ثم في عهد الأمويين ، فلم يكن يصحبها تربية ولا تعليم ، ولا كان ثمة كوادر كافية
للقيام بمهمة كهذه ، بالنسبة لهذه الرقعة الواسعة ، وهذا المد البشري الهائل ، ولا
كان يهم الخلفاء والفاتحين ذلك من قريب ، ولا من بعيد.
وإنما كانوا يكتفون من المستسلمين
بالتلفظ بالشهادتين ، ثم بممارسة بعض الحركات والشعائر ، ظاهراً ، من دون أن يكون
لها أي عمق عقيدي ، أو رصيد ضميري أو وجداني ذي بال .. ولذلك نجد في كتب التاريخ :
أن كثيراً من البلدان تفتح ، ثم تعود إلى الكفر والعصيان ، ثم تفتح مرة أخرى .
فالنبي 6
كان يريد من الناس الإسلام والإيمان معاً .. « قَالَتِ الأَعْرَابُ : آمَنّا. قُلْ : لَمْ
تُؤْمِنوا ، وَلِكن قُولُوا: أَسْلَمنا ، وَلَمّا يدخُلِ الإيمَانُ في قُلوبِكُمْ »
.
أما الآخرون ، فكانوا يكتفون منهم بظاهر
الأسلام ، ولا يهمهم ما بعد ذلك.
ونجد عدم الاهتمام هذا واضحاً جلياً لدى
القرشيين
، وحتى الكثيرين من صحابة رسول الله صلى عليه وآله وسلم منهم .. حتى لقد قال موسى
بن
يسار : « إن أصحاب
رسول الله 6 كانوا
أعراباً جفاة ، فجئنا نحن أبناء فارس ، فلخصنا هذا الدين » .
وهكذا .. فإن أهل البلاد المفتوحة بعد
الرسول 9 قد بقوا على
ما كانوا عليه من عاداتهم وتقاليدهم ، ومفاهيمهم الجاهلية ، التي كانت تهيمن على
حركاتهم ، وعلى مواقفهم ، وعلى علاقاتهم الاجتماعية بصورة عامة ، ولم يتعمق
الإسلام في وجدانهم ، ولا مسَّ ضمائرهم ، فضلاً عن أن يكونوا قد ذابوا فيه ، بحيث
يصبح هو المهيمن ، والمحرك والدافع لهم في كل موقف وكل حركة ..
آثار ونتائج :
وعلى صعيد آثار هذه الظاهرة على المدى
البعيد ، فقد كانت لها آثار سيئة جداً..فإن تلك العادات ، والتقاليد ، والمفاهيم ،
والانحرافات الجاهلية ، والعلاقات القبلية ، والأهواء والأطماع الشخصية ، وما يتبع
ذلك من ممارسات لا إنسانية لم ير فيها المستفيدون منها ، الذين ما عرفوا من
الإسلام إلا اسمه ، ولا من الدين إلا رسمه أمراً مخالفاً للإسلام ، أو مصادماً له
، ولا أحسوا فيها أية منافرة أو منافاة له ، إن لم نقل : إنها ـ بزعم أولئك
المستفيدين منها ـ قد انتزعت من الإسلام اعترافاً بها ، وأصبح يؤمِّن غطاء وحماية
لها ، حيث قد صارت ملبسة بلباس الشرع ، ومصبوغة بصبغة الدين.
بل إن الحكام وأعوانهم ، ممن كان لهم
مكانة ما لدى الناس ، بسبب صحبتهم للنبي 9
، ورؤيتهم له ـ هم أيضاً ، أو أكثرهم ـ لم يكن الإسلام قد تعمق في نفوسهم كثيراً ،
بل بقوا على ما كانوا عليه من انحرافات ، ومن مفاهيم وتقاليد جاهلية وقبلية ، وقد
استفادوا من مركزهم ، ومن موقعهم ، ومن مكانتهم في مجال تركيز تلك المفاهيم
والعادات والانحرافات ، ولو عن
طريق وضع الأحاديث
على لسان النبي 9
لتأييدها ، كما كان الحال بالنسبة للتميز العنصري ، وتفضيل العربي على المولى ،
وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إلى بعض منه.
ولا أقل .. من أنهم لم يكن يهمهم أمر
الإسلام ، ونشر مفاهيمه وتعاليمه ، من قريب ولا من بعيد.
وبعد .. فإنه إذا كان إسلام الناس
صورياً ، لا يدعمه أي بعد عقيدي ، وليس له أية خلفيات وقواعد ثقافية وعلمية ، ولا
يتصل بروح الإنسان وعقله ووجدانه ، بحيث يصير محركاً وجدانياً ، واندفاعاً ضميرياً
.. فإنه سيتقلص تدريجاً ، ولا يعود له أي أثر على صعيد الحركة والموقف .. ولسوف
يعتاد الناس على إسلام كهذا .. يرون أنه لا يتنافى مع جميع أشكال الإنحرافات
والجرائم ، وتصبح هداية هؤلاء الناس على المدى البعيد أكثر صعوبة ، وأعظم مؤونة ،
إن لم نقل : إنه يحتاج إلى عملية بل إلى عمليات جراحية عميقة جداً تستنفد الكثير
من الطاقات والمواهب .. وتنتهي بهدر العظيم من القدرات والإمكانات .. ولقد كان بالإمكان
تجنب كل ذلك ، لو كان ثمة تأس واتباع للرسول الأعظم 6
، وتأثُّر لخطاه المباركة والميمونة في هذا المجال.
وعلى صعيد آخر .. فإن مجتمعاً كهذا لا
يملك المناعات ولا الحصانات الكافية ، التي تضمن عدم صيرورته ألعوبة بأيدي الأشرار
، بل بأيدي أولئك الذين يتخذونه أداة لهدم الإسلام الحقيقي ، الذي يرونه يقف
حاجزاً أو مانعاً أمام أطماعهم وأهوائهم وانحرافاتهم ، وقد حصل ذلك بالفعل ، كما
يتضح لمن يراجع التاريخ ، ولا سيما فترة الحكم الأموي ، ثم ما يلي ذلك من فترات.
وعن مجتمع العراق في عصر الإمام الحسن 7 ، نجد النص التاريخي يقول : « ومعه
أخلاط من الناس ، بعضهم شيعته ، وشيعة أبيه 8
، وبعضهم محكِّمة ، يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ، وبعضهم أصحاب طمع في الغنائم
وبعضهم شكاك ، وبعضهم أصحاب عصبية ، اتبعوا رؤساء
لأحكام ومثلها في
أصول دين » .
لقد كان هذا حال مجتمع العراق في عهد
الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام ، رغم أنه كان أقرب إلى مركز الحكم الإسلامي من
غيره ، ورغم أنه قد كان ثمة عناية خاصة من قبل الهيئة الحاكمة بشأن العراق ، الذي
كان مركز الانطلاق لغزو بلاد المشرق ..
وقد تحدثنا عن مجتمع العراق بشيء من
التفصيل في بحثنا المستفيض حول الخوارج ، والذي نأمل في تقديمه إلى القراء في فرصة
قريبة إن شاء الله تعالى.
ولكن يلاحظ على النص المتقدم قوله : «
بعضهم شيعته ، وشيعة أبيه » .. فإننا لا نعتقد : أن هذا البعض كان من الكثرة بحيث
يصح جعله في قبال سائر الفئات التي تحدث عنها ذلك النص ، إذ :
« قد كان الناس كرهوا علياً ، ودخلهم
الشك والفتنة ، وركنوا إلى الدنيا ، وقلّ مناصحوه ، فكان أهل البصرة على خلافه ،
والبغض له ، وجلّ أهل الكوفة وقراؤهم ، أهل الشام ، وقريش كلها » .
بل لقد روى الكشي عن الباقر 7 قوله : « كان علي بن أبي طالب 7 عندكم بالعراق ، يقاتل عدوه ، ومعه
أصحابه وما كان منهم خمسون رجلاً يعرفنه حق معرفته ، وحق معرفته إمامته » .
وفي حرب صفين يقول علي 7 لعدي بن حاتم : « أدن. فدنا حتى وضع
أذنه عند أنفه. فقال : ويحك ، إن عامة من معي اليوم يعصيني. وإن معاوية فيمن يطيعه
ولا يعصيه » .
هذا .. وإن سلوك الحكام والولاة مع
الناس آنئذٍ لم يكن إسلامياً على وجه العموم. وإن إلقاء نظرة سريعة على معاملتهم
للناس آنئذٍ ، تكفي لإطاء صورة عن ذلك .. وكنموذج على ذلك نذكر النص التالي :
« لم يزل أهل أفريقية من أطوع البلدان
وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك ، حتى دب إليهم أهل العراق ، واستثاروهم ، فشقوا
العصا ، وفرقوا بينهم إلى اليوم ، وكانوا يقولون : لا نخالف الأئمة بما تجني
العمال ، فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك ، فقالوا حتى نَخْبُرَهُم.
فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلاً ،
فقدموا على هشام ، فلم يؤذن لهم ، فدخلوا على الأبرش ، فقالوا : أبلغ أمير
المؤمنين : أن أميرنا يغزو بنا ، وبجنده ، فإذا غنمنا نفّلهم ، ويقول : هذا أخلص
لجهادنا وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم ، ويقول : هذا ازدياد في الأجر ، ومثلنا
كفى إخوانه. ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا ، فجعلوا يبقرون بطونها عن سخالها ، يطلبون
الفراء البيض لأمير المؤمنين ، فيقتلون ألف شاة في جلد ، فاحتملنا ذلك. ثم إنهم
سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا. فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولاسنة ، ونحن
مسلمون ، فأحببنا أن نعلم : أعن رأي أمير المؤمنين هذا ، أم لا؟! ..
فطال عليهم المقام ، ونفدت نفقاتهم ،
فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه ، وقالوا : إن سأل أمير المؤمنين ، فأخبروه ،
ثم رجعوا إلى أفريقية ، فخرجوا على عامل هشام ، فقتلوه ، واستولوا على افريقية ،
وبلغ الخبر هشاماً ، فسأل عن النفر ، فعرف أسماءهم ، فإذا هم الذين صنعوا ذلك » .
ويذكر نص آخر : أن قتيبة بن مسلم أوقع
باهل الطالقان ، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، لم يسمع بمثلها ، وصلب منهم سماطين :
أربعة فراسخ في نظام واحد ، الرجل بجنب الرجل ، وذلك مما كسر جموعهم » .
كما أن بعضهم يعطي أماناً لبلد في
معالمة جرجان ، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً ، فيقتلهم جميعاً إلا رجلاً
واحداً .
وآخر يصالح أهل مدينة قنسرين ، ويجعل من
جملة الشروط : أن يهدم المدينة من الأساس وهكذا كان .
وأيضاً : فقد دعا نائب خراسان : « أهل
الذمة بسمرقند ، ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام ، ويضع عنهم الجزية ،
فأجابوه إلى ذلك ، وأسلم غالبهم ، ثم طالبهم بالجزية ، فنصبوا له الحرب ، وقاتلوه
» .
كما أن عقبة بن نافع ، الذي ولاَّه
معاوية ابن أبي سفيان على افريقية ، حينما دخلها « وضع السيف في أهل البلاد ،
لأنهم كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا ، وأظهر بعضهم الإسلام ، فإذا عاد الأمير
عنهم نكثوا ، وارتد من أسلم » .
وقال ابن الأثير : « لما رأى أهل فارس
ما يفعل المسلمون بالسواد ، قالوا لرستم والفيرزان ، وهما على أهل فارس : لم يبرح
بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس الخ .. » .
وأمثال ذلك كثير جداً.
ولأجل ذلك ، فقد اشتدت مقاومة أهل
البلاد المفتوحة ، وكثر نقض العهود ، حتى اضطر المسلمون إلى فتح كثير من البلاد
أكثر من مرة ، كما ألمحنا إليه فيما سبق.
ب : آثار الفتوح على الفاتحين :
وبعد كل ما تقدم .. فإن سياسات التمييز
في العطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم ، ثم حبس كبار الصحابة في المدينة ، وتولية
الأعمال الجليلة ، وقيادة الجيوش خاصة ، لفئة خاصة ، لم تكن على الأغلب تملك
رصيداً روحياً ، ولا ثقافياً إسلامياً ، سوى أنها تتمتع بثقة الهيئة الحاكمة ، أو
انها رأت النبي 6
لبرهة وجيزة جداً ، أو أنها من قريش.
ـ إن كل ذلك وسواه من سياسات ، ليس فقط
قد جعل من هذه الأمة المنتصرة أمة مغرورة ، معجبة بنفسها ، لا تقف عند حدٍ ، ولا
تنتهي إلى غاية .. وخلق طبقة من الأثرياء ، الذين اتخمهم المال ، وأبطرتهم النعمة
، مع عدم وجود روادع دينية أو وجدانية كافية لديهم. وقد كان معظمهم من أبناء
واعضاء الهيئة الحاكمة ، وأعوانهم المقربين ، ومن قريش بصورة خاصة ، فنال الأمة
منهم كل مكروه ، وأصيب الإسلام على أيديهم في مقاتله ..
نعم .. لقد بهرتهم المناصب ، وأسالت
لعابهم الفتوحات ، بما فيها من غنائم وسبايا ، وبسط نفوذ ، فشمخ كل منهم بأنفه ،
ونظر في عطفه ، وتكبر ، وتجبر ، لأنه كان يتعامل مع الواقع الجديد بعقليته
الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة ، لا الأمة أساساً ، والفرد ـ لا الجماعة ـ ميزاناً
، ومنطلقاً لمجمل تعامله ، وعلاقاته ، وكل مواقفه وحركاته .. وصاروا يهتمون بتقوية
أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال ، وبالإغراء بالمناصب ، ثم بالإصهار إلى القبائل ، وبغير ذلك
من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلا واحداً منها .. واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم
على
أساس أنه ملك قبلي
فردي بالدرجة الأولى .
وإذا كان أبو بكر ، وكذلك عمر لا يدري :
أخليفة هو أم ملك
.. فإن معاوية بن أبي سفيان كان نفسه ملكاً بالفعل ، وكذلك كان يعتبره الكثيرون . بل إن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكاً
في بعض المناسبات .
نعم لقد كان معاوية ، والأمويون يعتبرون
أنفسهم ـ بل ويعتبوهم كثيرون ـ ملوكاً قيصريين..وأن على الدين والإسلام ـ بنظرهم ـ
أن يكون مجرد شعار ن يخدم هذا الملك ويقويه ، وإذا وجدوا فيه أنه سيكون مانعاً لهم
من الوصول إلى ما يطمحون إليه ، ويعملون في سبيل الحصول عليه ، فلا بد من تدميره ،
واستئصاله من جذوره.
فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات
ـ ولاسيما على المدى البعيد ـ هم خصوص هذه الطبقة دون سواها ، كانوا يحصلون على
النفائس ، والأقطاع ، والذهب ، وصوافي الغنائم .. وهم الذين لا بد أن يختصوا
بالحسناوات من النساء ، بعنوان سبايا وجواري .. وقد بلغت الثروات في عهد الخلفاء
الثلاثة الأول أرقاماً خيالية ، كما تدل عليه الكثير من النصوص التاريخية . وقد زادت هذه الأرقام وتضاعفت في عهد
الحكم الاموي ، الذي
لم يكن يقف عند حدود
، ولا يرجع إلى دين ، حتى أن خالداً القسري كان يتقاضى راتباً سنوياً قدره عشرون
مليون درهم ، بينما كان ما يختلسه كان يتجاوز المئة مليون .
بل إننا نجد : أن من يقال عنه : أنه من
أزهد الناس ، وهو عمر بن الخطاب ، بل يقولون : إنه لم يترك صامتاً . وكان يرتزق من بيت المال ، ويقتر على
نفسه كثيراً ، كما ذكرته بعض النصوص ، وكانت قد أصابته خصاصة ، فاستشار الصحابة
فأشاروا عليه أن يأكل من بيت المال ما يقوته .
ولما حج فبلغت نفقته ستة عشر ديناراً
قال : أسرفنا في هذا المال .
إن عمر هذا .. قد أصدق زوجته أربعين ألف
درهم أو دينار .
وقيل مئة ألف .
كما أنه أعطى صهراً له قدم من مكة عشرة آلاف درهم
من صلب ماله .
بل يقولون : « إن ابناً لعمر باع ميراثه
من عمر بماءة ألف درهم » .
ويؤيد ذلك ما يذكره أبو يوسف : من أنه «
كان لعمر بن الخطاب أربعة آلاف فرس موسومة في سبيل الله تعالى ، فإذا كان في عطاء
الرجل خفة ، أو كان محتاجاً ، أعطاه الفرس ، وقال له : إن أعييته ، أو ضيَّعته من
علف ، أو شرب ، فأنت ضامن ، وإن قاتلت عليه فأُصيب ، أو أصبت ، فليس عليك شيء » .
فإن الظاهر هو : أن هذه الأفراس كانت له
، وقد فعل ذلك تقرباً إلى الله ، ولا يبعد ذلك ، إذا كان إرث واحد ـ من أولاده مئة
ألف فقط.
ولقد كان هذا في الوقت الذي كان يعيش
فيه البعض أقسى حياة يعيشها إنسان ، فلم يكن يملك سوى رقعتين ، يستر بإحداهما فرجه
، وبالأخرى دبره .
ولعله لاجل هذا ، ولأجل الحفاظ على
الوجه الزهدي للخليفة ، نجد الحسن البصري ، يحاول الدفاع عن الخليفة الثاني في هذا
المجال بالذات ، حيث إنه حينما يسأله البعض ، إن كان عمر بن الخطاب أوصى بثلث ماله
: أربعين ألفاً ، يحاول إنكار ذلك ، ثم توجيهه بقوله :
لا والله ، لمالهُ كان أيسر من أن يكون
ثلثه اربعين ألفاً. ولكن أوصى بأربعين ألفاً ، فأجازوها » .
وعلى كل حال ، فإننا نستطيع أن نحشد
الكثير الكثير من الشواهد والأدلة
على مدى اهتمام
الحكام وأعوانهم ، وكل من ينتسب إليهم بجمع الأموال ، والحصول على الغنائم ، بحق
أو بغير حق. ويكفي أن نذكر : أن زياداً بعث « الحكم بن عمر الغفاري على خراسان ،
فأصابوا غنائم كثيرة ، فكتب إليه زياد : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين كتب : أن
يصطفي له البيضاء والصفراء ، ولا يقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة » فرفض الحكم
ذلك ، وقسمه بين المسلمين ، فوجه إليه معاية من قيده ، وحبسه. فمات في قيوده ،
ودفن فيها. « وقال : إني مخاصم » .
هذا وقد بدأ التعذيب في الجزية من زمن
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .
بل لقد رأيناهم يضربون الجزية حتى على
من أسلم من أهل الذمة ، وذلك بحجة : أن الجزية بمنزلة الضريبة على العبد ، فلا
يسقط إسلام العبد ضريبته. لكن عمر بن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة ، وأسقطها
عنهم ، كما يذكرون .
كما أن عمر بن الخطاب قد حاول أخذ
الجزية من رجل أسلم ، على اعتبار : أنه : إنما أسلم متعوذاً ، فقال له ذلك الشخص :
إن في الإسلام لمعاذاً. فقال عمر : صدقت ، إن في الإسلام لمعاذاً .
وأما مضاعفته الجزية على نصارى تغلب ،
فهي معروفة ومشهورة .
وقال خالد ين الوليد ، يخاطب جنوده ،
ويرغبهم بأرض السواد : « ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب؟. وبالله ، لو لم يلزمنا الجهاد
في الله ، والدعاء إلى الله عز وجل ، ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي : أن نقارع
على هذا الريف ، حتى نكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولى ، ممن اثاقل عما
أنتم عليه » .
وفي فتح شاهرتا ، يعطي بعض عبيد
المسلمين أماناً لأهل المدينة ، فلا يرضى المسلمون ، وينتهي بهم الأمر : إلى أن
رفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فكتب : « إن العبد المسلم من المسلمين ، أمانه
أمانهم. قال : ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم .. » .
وقال أحد الشعراء عند وفاة المهلب :
الا ذهـب الغـزو المقـرب للغـنـى
|
|
ومـات النـدى والجـود بعد المهلـب
|
وعدا عن ذلك كله ، فإن قبيلة بجيلة تأبى
الذهاب إلى العراق ، حتى ينفلها الحاكم ربع الخمس من الغنائم .
نعم .. إن ذلك كله ، لم يكن إلا من أجل
ملء جيوبهم ، ثم التقوي ـ أحياناً ـ على حرب خصومهم.
ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس
هو كل الحقيقة ، وذلك لأن ما كان
يصل إلى الطبقة
المستضعفة من الجند ، لم يكن إلا أقل القليل ، مما لا يكفي لسد خلتهم ، ورفع
خصاصتهم ، بل كان محدوداً جداً ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى ، مع أنهم كانوا هم
وقود تلك الحروب ، وهم صانعوا النصر والظفر فيها .. وقد يكون الكثيرون منهم ممن قد
افتتحت أرضهم بالأمس القريب. ثم هم يحرمون من كثير من الامتيازات ، حسبما تقدم
بالنسبة لأهل افريقية ، الذين قدموا ليشتكوا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
ولكن أكثر هؤلاء قد أصبحوا يجدون في هذه
الحروب مصدر عيش لهم ، يحصلون عن طريقه على المال ، مهما كان ضئيلاًوزهيداً ، وذلك
مما يرضيهم بطبيعة الحال ، ويجعلهم ـ لو كان فيهم من له أدنى اطلاع على الإسلام
وأحكامه ـ يغمضون العين عن جميع ممارسات الحكام ، وأعمالهم الشيطانية واللاإسلامية
..
وبعض الانتفاضات وإن كانت قد حصلت في
بعض الفترات .. ولكنها لا تلبث أن تنتهي ، وسرعان ما تسحق ، أمام الضربات الماحقة
ن التي يسددها إليها الحكام آنئذٍ.
وعلى كل حال .. فإن الحرب من أجل
الغنائم والأموال ، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات ، وكأنني أتذكر ـ
وإن كنت لم أستطع العثور على ذلك الآن رغم بحثي الجاد ـ إن في بعض المعارك يعلن
الفريق الآخر إسلامه ، فلا يلتفتون إليهم ، ويعتبرونهم كاذبين ، وذلك طمعاً في
أموالهم ونسائهم.
وقد نجد آثار هذه الظاهرة ، حتى في زمن
الرسول الأكرم 6
أيضاً ، حيث إن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا مرحلة النضج الرسالي بعد ، ولا
تفاعلوا مع الأسلام وأحكامه على النحو المطلوب. بل كانت لا تزال فيهم بعض النزعات
الجاهلية ن والأطماع الدنيوية ، فيقول الحارث بن مسلم التميمي : إن النبي 6 أرسلهم في سرية ، قال :
« فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي ،
وسبقت أصحابي ، واستقبلنا الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا؟
فقالوها.
فجاء أصحابي ، فلاموني ، وقالوا :
حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت في أيدينا. فلما قفلنا ذكروا ذلك لرسول الله 9 ، فدعاني ، فحسَّن ما صنعت ، وقال :
أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا و كذا الخ .. » .
وقال الزبير للذي سأله عن مسيره لحرب
علي (ع) : « حدثنا أن هاهنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير ، فجئنا لنأخذ منها
» .
وبعد ذلك كله ، فقد قال المعتزلي في
مقام إصراره على لزوم دخول علي في الشورى ، لأن الأحقاد عليه من قريش والعرب كانت
على أشهدها ـ قال ـ : « لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً وبعضهم للطمع
والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعدواة
قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه » .
وبعد كل ما تقدم .. فطبيعي : أن حياة
النعيم والرفاهية لدى الهيئة الحاكمة وأعوانها ، وكذلك التمتع بالحسناوات والجواري
، من شأنه أن يزرع بذور الخمول ، وحب السلامة ، والإخلاد للراحة ، بحثاً عن
الملذات .. ثم يستتبع ذلك : العمل على دفع الآخرين ليخوضوا الغمرات ، ويقدموا
التضحيات ، في سبيل تأمين المزيد من تلك الامتيازات ، وفي سبيل حمايتها أيضاً :
تربية النشء على
أيدي غير المسلمات :
هذا كله .. عدا عن أن الجواري اللواتي
لم يسلمن ، أو لم يتعمق الإسلام في قلوبهن على الأكثر .. قد كن يعشن في قلب ذلك
المجتمع ، وكن يتولين
تربية النشء الجديد
فيه ، سواء كان من أولادهن ، أو من أولاد الأخريات من الحرائر.
وقد رأينا : أن الكثيرين من الأشراف
والرؤساء قد كانوا من أمهات نصرانيات ، فقد :
١ ـ كان لأولاد سعد بن أبي وقاص معلم
نصراني .
٢ ـ يوسف بن عمرو الذي كانت أمه نصرانية
، كما نص عليه كثير من المؤرخين .
٣ ـ خالد القسري ، الذي بنى لأمه كنيسة
كما نص عليه كثير من المؤرخين أيضاً
وكان خالد يهدم المساجد ، ويبني البيع والكنائس ، ويولي المجوس الخ وكان جد خالد من يهود تيماء .
٤ ـ الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة
المخزومي.
٥ ـ عبيدة السلمي.
٦ ـ أبو الأعور السلمي.
٧ ـ حنظلة بن صفوان.
٨ ـ عبد الله بن الوليد بن عبد الملك.
٩ ـ يزيد بن أسيد.
١٠ ـ عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان.
١١ ـ العباس بن الوليد بن عبد الملك.
١٢ ـ مالك بن ضب الكلبي.
١٣ ـ شقيق بن سلمة أبو وائل.
١٤ ـ عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن
المغيرة المخزومي .
١٥ ـ عمر بن أبي ربيعة .
١٦ ـ وأبو سلمة بن عبد الرحمن .
وذكر ابن حبيب طائفة من أبناء اليهوديات
من قريش مثل : :
١ ـ عاصم بن الوليد بن عتبة.
٢ ـ هاشم بن عتبة بن نوفل.
٣ ـ عامر بن عتبة بن نوفل.
٤ ـ قويت بن حبيب بن أسد.
٥ ـ عيسى بن عمارة بن عقبة.
٦ ـ عمرو بن قدامة بن مظعون.
٧ ـ أبو عزة الجمحي الشاعر.
٨ ـ الخيار بن عدي.
٩ ـ الحصين بن سفيان بن أمية وغيرهم .
وكان حبيب بن أبي هلال الذي يروي عن
سعيد بن جبير قد عشق امرأة نصرانية فكان يأتي إلى البيعة لأجلها ، فجرحه علماء
الرجال بذلك.
بل قيل إنه قد تنصر وتزوج بها .
بل إن طلحة قد تزوج بيهودية في زمن عمر .
وتزوج عبد الله بن أبي ربيعة بنصرانية
أيضاً وذلك في زمن عمر .
وعثمان أيضاً تزوج بنائلة بنت الفرافصة
على نسائه وهي نصرانية .
ومع أنه قد كان لعمر غلام نصراني لم
يسلم ، وقد أعتقه حين وفاته .
إلا أننا نجده يعترض على أبي موسى ، لأن
كاتبه غلام نصراني .
ويقول الجاحظ : « اكثر من قتل في
الزندقة ممن كان ينتحل الإسلام ويظهره هم الذين كان آباؤهم نصارى ، على أنك لو
عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة لم تجد أكثرهم إلا كذلك » .
ولو أردنا استقصاء هذه الأمور لطال بنا
الأمر ..
وعلى كل حال .. فإن تربية تلك الجواري
للنشء الجديد ـ قد كان من شأنه أن يخفض من المستوى الديني ، ومن مستوى الالتزام
بالأحكام الإسلامية لدى ذلك النشء بالذات .. وهذا بطبيعة الحال ـ من شأنه أن يشكل
خطراً جدياً على الإسلام وعلى المسلمين ، ولذلك .. فإننا نجد الأئمة : يهتمون بتربية العبيد والجواري تربية
إسلامية صالحة ، ثم عتقهم .
وقد شجع الإسلام العتق على نطاق واسع.
وجعل له من الإسباب الإلزامية والراجحة الشيء الكثير ، الذي من شأنه أن يقضي على
ظاهرة العبودية من اساسها. بل لقد اعتبر العتق في نفسه راجحاً ، ومن دون أي سبب.
طموحات الشباب :
ومن جهة أخرى .. فإننا نجد : أن الحكام
كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحات الشباب ، وإشباع غرورهم ،
إذا كانوا بصدد تأهيلهم لمناصب عالية ، وإظهار شخصياتهم .. بل لقد رأينا معاوية
يجبر ولده يزيد لعنه الله على قيادة جيش غاز لبعض المناطق والظاهر أن ذلك لأجل ما ذكرناه.
ابعاد المعترضين :
أضف إلى ذلك : أنهم كانوا يستفيدون منها
كذلك في إبعاد المعترضين على سياساتهم ، والناقمين على أعمالهم ، وتصرفاتهم ،
وكشاهد على ذلك نذكر : أنه لما تفاقمت النقمة على عثمان استدعى بعض عماله
ومستشاريه ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وسعيد
بن العاص ، وعبد الله بن عامر .
واستشارهم فيما ينبغي له عمله لمواجهة نقمة الناس على سياساته ، ومطالبتهم له بعزل
عماله ،
واستبدالهم بمن هم خير منهم ، فأشار عليه عبد الله بن عامر بقوله :
« رأيي لك يا أمير المؤمنين : أن تأمرهم
بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تجمرهم
في المغازي ، حتى يذلوا لك ، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه ، وما
هو فيه من دَبَرة
دابته ، وقَمَلِ فروه ».
وأضاف في نص آخر قوله :
« فرد عثمان عماله على أعمالهم ، وأمرهم
بالتضييق على من قبلهم ، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث ، وعزم على تحريم أعطياتهم
، ليطيعوه ، ويحتاجوا إليه .. » .
وحينما أنكر الناس على عثمان بعض أفعاله
، وأشار عليه معاوية بقتل علي 7
، وطلحة ، والزبير ، فأبى عليه ذلك ، قال له معاوية : « فثانية؟ قال : وما هي؟ قال
: فرقهم عنك ، فلا يجتمع منهم اثنان في مصر واحد. واضرب عليهم البعوث والندب ، حتى
يكون دَبَر بعير كل واحد منهم أهم عليه من صلاته.
قال عثمان : سبحان الله شيوخ المهاجرين
والأنصار ، وكبار أصحاب رسول الله 6
، وبقية الشورى ، أخرجهم من ديارهم ، وأفرق بينهم وبين أهليهم؟ .. الخ .. » .
ويقول اليعقوبي عن معاوية : « وكان إذا
بلغه عن رجل ما يكره قطع لسانه بالإعطاء ، وربما احتال عليه ، فبعث به في الحروب ،
وقدمه ، وكان أكثر فعله المكر والحيلة » .
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه في عجالة كهذه ..
ج : الأئمة : وتلك الفتوحات :
١ ـ وبعد كل ما تقدم .. فإنه يتضح لنا :
لماذا لم يتقدم أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام خطوة
واحدة نحو الفتوحات ، وتوسعة رقعة البلاد الإسلامية ، حتى في أيام خلافته ، بل كان
يهتم بتركيز العقيدة ، وتثبيت المنطلقات والمثل الإسلامية الرفيعة والنبيلة ، ونشر
الفكر القرآني المحمدي الصافي ، وإعطاء خط الإسلام الصحيح للأمة ، وللمتصدين
لإدراة شؤونها على حد سواء .. سواء في نظرتهم ، أو في تعاملهم ومواقفهم ، أو حتى
في مجال تربية أنفسهم ، وتهذيبها ، ما وجد إلى ذلك سبيلاً ..
وقد نوه بذلك 7 في خطبة له ، فقال : « وركزت فيكم راية
الإيمان ، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام الخ .. » .
هذا كله .. عدا عن أنه 7 كان ـ أيام خلافته منشغلاً بتصفية
الجبهة الداخلية من العناصر الفاسدة ، التي لا تزال تعيش المفاهيم الجاهلية ،
وتريد أن تحكم الأمة ، وتتحكم بمقدراتها ، وتستخدمها في سبيل أهدافها اللاإنسانية
البغيضة ..
٢ ـ وأمر آخر مهم ، لا بد من الإشارة
إليه هنا ، وهو : أن الجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن الأمام العادل .. ونحن نرى : أن أئمة الحق كانوا لا
يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيراً : فقد
روي : أن أبا عبد الله الصادق 7
قال لعبد الملك بن عمرو :
« يا عبد الملك ، ما لي لا أراك يخرج
إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟
قال : قلت : وأين؟.
قال : حدة ، وعبادان ، والمصيصة ،
وقزوين!.
فقلت : انتظاراً لأمركم ، والاقتداء بكم.
فقال : إي والله ، لو كان خيراً ما
سبقونا إليه » .
وثمة عدة روايات تدل على أنهم : كانوا لا يشجعون شيعتهم ، بل ويمنعونهم
من الاشتراك في تلك الحروب ، ولا يوافقون حتى على المرابطة في الثغور أيضاً ، ولا
يقبلون منهم حتى ببذل المال في هذا السبيل ، حتى ولو نذروا ذلك ..
نعم .. لو دهمهم العدو ، فإن عليهم أن
يقاتلوا دفاعاً عن بيضة الأسلام ، لا عن أولئك الحكام .
بل إننا نجد رواية عن علي 7 تقول : « لا يخرج المسلم في الجهاد مع
من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفيئ أمر الله عز وجل » .
ويؤيد ذلك : أننا نجد : أن عثمان جمع
يوماً أكابر الصحابة ، مثل : علي 7
، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، في مسجد رسول الله 9 ، واستشارهم في غزو افريقية ، فرأوا ـ
في الأكثر ـ : أن المصلحة في أن لا تقع افريقية بأيدي أصحاب الأغراض والأهواء
والمنحرفين .
فالأئمة :
وإن كانوا ـ ولا شك ـ يرغبون في توسعة رقعة الإسلام ، ونشره ليشمل الدنيا بأسرها ،
ولكن الطريقة والأسلوب الذي كان يتم ذلك بواسطته ، وغير ذلك مما تقدم ، كان خطأً
ومضراً بنظرهم ، حسبما يفهم مما تقدم ومما سيأتي ..
وعلى كل حال .. فإن جميع ماتقدم وسواه
ليكفي في أن يلقي ظلالاً ثقيلة من الشك والريب فيما ينسب إلى الإمامين الهمامين :
الحسن ، والحسين عليهما الصلاة والسلام ، من الاشتراك في فتح جرجان ، أوفي فتح
افريقية ـ مع أن عدداً من كتب التاريخ التي عددت أسماء كثير من الشخصيات المشتركة
في فتح افريقية لم تذكرهما ، مع أنهما من الشخصيات التي يهم السياسة التأكيد على
ذكرها في مقامات كهذه.
وذلك يسعر بأن وراء الأكمة ما وراءها ،
وأن الاطمئنان لما يذكر في هذا المجال ، من دون تحقيق أو تمحيص ، مما لا يحسن جداً
، بل وفيه ظلم للحقيقة والتاريخ ..
٣ ـ ويؤيد ذلك أيضاً : ما ذكره بعض
المحققين
، « من أنه 7 قد منع
ولديه من الخوض في معارك صفين ، وقال وقد رأى الحسن يتسرع إلى الحرب : « املكوا
عني هذا الغلام لا يهدني ، فإنني أنفس بهذين ( يعني الحسنين 8 ) على الموت ، لئلا ينقطع بهما نسل
رسول الله 9 » فأسرعت
إليه خيل من أصحاب علي فردوا الحسن .
وقد كان هذا منه 7 في وقت كان له كثير من الأولاد ، فكيف
يسمح بخروجهما مع أمير أموي ، أو غير أموي ، ولم يكن قد ولد لهما أولاد بعد ، أو
كان ، ولكنهم قليلون؟!! » انتهى.
وكل ما تقدم يوضح لنا : أن ما استند
إليه بعض الأعلام لقبول ما قيل من اشتراك الحسنين 8
في فتح اقريقية وجرجان ، لا يمكن القبول به ، ولا يصح التعويل عليه ..
ولعل الهدف من طرح أمور كهذه هو إعطاء
خلافة عثمان بالذات صفة الشرعية والقبول ، حتى من قبل أهل البيت : ، كما عودنا أنصاره ومحبوه في كثير من
الأحيان.
٤ ـ ولو أريد الإصرار على وجهة النظر
تلك ، واعتبارها قادرة على تبرير اشتراكهما 8
المزعوم في الفتوح .. فإننا نجد .. أن من حقنا أن نتساءل ، فنقول : إنه لا ريب في
أن الجهاد ، واتساع رقعة الإسلام من الأمور الراجحة والمرضية إسلامياً. ولكن ذلك
لا يعني : أن الفتوحات التي حصلت في عهد الخلفاء الثلاثة ، على ذلك النحو ، وبتلك
الطريقة ، كانت راجحة ومرضية أيضاً .. وإلا .. فلماذا يترك أمير المؤمنين 7 هذا الجهاد ويجلس في بيته مدة خمس
وعشرين سنة؟! ، ألم يكن هو الذي مارس الحروب ، وجالد الأقران ، أعواماً طويلة في
عهد الرسول الأكرم صلى عليه وآله وسلم ، ولم تثر حرب آنئذٍ إلا وهو حامل لوائها ،
ومجندل أبطالها؟.
أم يعقل أن ذلك كان منه زهداً في
الإسلام ، وتباطؤاً عن واجبه؟
أم أن الحكام أنفسهم كانوا لا يرغبون في
إشراكه في تلك الفتوحات والمآثر التي كانوا يسطرونها؟!
أم أنهم حبسوه كما حبسوا كبار الصحابة
في المدينة ، كما اعتذر به العلامة الحسني رضوان الله تعالى عليه ؟.
إننا نجد في التاريخ ما يفند كل ما تقدم
، وصرح وينطق بأنهم قد أرادوه على ذلك ، فامتنع.
يحدثنا المسعودي : أنه حينما شاور عمر
عثمان بن عفان في أمر الحرب مع الفرس ، قال له عثمان فيما قال : « .. ولكن ابعث
الجيوش ، وداركها بعضاً على بعض ، وابعث رجلاً له تجربة بالحرب ، وبصربها.
قال عمر : ومن هو؟.
قال : علي بن أبي طالب.
قال : فالقه ، وكلمه ، وذاكره ذلك ، فهل
تراه مسرعاً إليه ، أو لا؟!.
فخرج عثمان فلقي علياً فذاكره ذلك ،
فأبى عليِّ ذلك وكرهه. فعاد عثمان ، فأخبره » .
كما أن البلاذري قد ذكر هذه القضية
باختصار ، مكتفياً بالإشارة إلى أن عمر قد عرض على علي 7 الشخوص إلى القادسية ، ليكون قائداً
لجيش المسلمين ، فأباه ، فوجه سعد بن أبي وقاص .
وفي قصية أخرى ، نجد : أنه حينما استشار
أبو بكر عمر بن الخطاب في إرسال علي أمير المؤمنين 7
لقتال الأشعث بن قيس ، وقال : « إني عزمت على أن أوجه إلى هؤلاء القوم علي بن أبي
طالب ، فإنه عدل رضا عند أكثر الناس ، لفضله ، وشجاعته ، وقرابته ، وعلمه ، وفهمه
، ورفقه بما يحاول من الأمور .
قال : فقال عمر بن الخطاب : صدقت يا
خليفة رسول الله 9
، إن علياً كما ذكرت ، وفوق ما وصفت ، ولكني أخاف عليك خصلة منه واحدة.
قال له أبو بكر : ما هذه الخصلة التي
تخاف علي منها منه؟.
فقال عمر : أخاف أن يأبى القتال القوم ،
فلا يقاتلهم ، فإن أبى ذلك ، فلن تجد أحداً يسير إليهم إلاَّ على المكروه منه. ولكن ذر علياً
يكون عندك بالمدينة ، فإنك لا تستغني عنه ، وعن مشورته. واكتب إلى عكرمة الخ .. » .
وبعد .. فأن يجدوا أمير المؤمنين 7 قائداً عسكرياً ، يراه الناس تحت أمرهم
، وفي خدمتهم أحب إليهم من أن يجدوه منافساً قوياً ، يحتج عليهم بأقوال ومواقف
النبي 9 في حقه .
وأما عن مشورة أمير المؤمنين على عمر في
ما يرتبط بحرب الفرس ، فإنما كان يهدف منها إلى الحفاظ على بيضة الإسلام ، كما
يظهر من نفس نص كلامه
7
فيها .. فمن أراد ذلك فليراجعه في مصادره ..
وبعد .. فإن أخذ سائر ما قدمناه بنظر
الاعتبار ، يجعلنا نطمئن ، بل نقطع بعدم صحة ما ينسب إلى الحسنين 8 من الاشتراك في الغزوات آنئذٍ.
وقد قال السهمي : « وذكر عباس بن عبد
الرحمن المروزي في كتابه : التاريخ ، قال : قدم الحسن بن علي ، وعبد الله بن
الزبير اصبهان ، مجتازين إلى جرجان ، فإن ثبت هذا يدل : على أنه كان في أيام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه » .
وأما بالنسبة لاشتراك بعض المخلصين من
كبار الصحابة في الفتوح ، فالظاهر هو أنهم كانوا غافلين عن حقيقة الأمر ، فكانوا
يقصدون بذلك خدمة الدين ، ونصرة الإسلام والمسلمين ، مع عدم إطلاعهم على رأي
الأئمة : في هذه
الفتوحات ، كما يظهر مما تقدم ، حيث نجد اهتماماً واضحاً في أن لا يعرف الناس رأي
علي 7 في هذا
المجال ، أو لعل السلطة كانت تهتم في إرسالهم في مهمات كهذه ، وتمارس عليهم بعض
الضغوط في ذلك.
الإمام الحسن 7 وحصار عثمان :
ويروي المؤرخون : أنه حينما حاصر
الثائرون عثمان ، بعث الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بولديه : الحسن
والحسين صلوات الله وسلامه عليهما ، للدفاع عنه ، كما وبعث طلحة والزبير بولديهما
أيضاً.
ويقولون : إن الإمام الحسن 7 قد جرح ، وخضب بالدماء على باب عثمان ،
من جراء رمي الناس عثمان بالسهام ، ثم تسوّر الثائرون الدار على عثمان ، وقتلوه.
وجاء الإمام علي أمير المؤمنين 7 ، كالواله الحزين ، فلطم
الحسن ، وضرب صدر
الحسين 8 ، وشتم
آخرين ، منكراً عليهم أن يقتل عثمان ، وهم على الباب .
وقد استبعد البعض ذلك ، استناداً إلى أن
خطة عثمان وسيرته ، تبعد كل البعد ما نسب إلى علي وولديه :. كما ويبعدها : أن يتخذوا موقفاً يخالف
موقف البقية الصالحة من الصحابة ، وينفصلوا عنهم. ولو فرض صحة ذلك ، فإنه لم يكن
إلا لتبرير موقفه وموقف أبنيه عليهما الصلاة والسلام من الاشتراك في دمه ، وأن لا
يتهمه المغرضون بشيء .
ويلوح من كلام السيد المرتضى ; أيضاً شكه في إرسال أمير المؤمنين 7 ولديه للدفاع عن عثمان ، قال : « فإنما
أنفذهما ـ إن كان أنفذهما ـ ليمنعا من انتهاك حريمه ، وتعمد قتله ، ومنع حرمه
ونسائه من الطعام والشراب. ولم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع » .
وعلى حد تعبير العلامة الحسني ; : « ومن المستبعد أن يزج بريحانتي رسول
الله 9 في تلك
المعركة للدفاع عن الظالمين ، وهو الذي وهب نفسه وكل حياته للحق والعدالة ، وإنصاف
المظلومين .
ويرى باحث آخر : « أن الخليفة كان
مستحقاً للقتل بسوء فعله ، كما أن
قتلته ، أو الراضون
بقتله هم جمهرة الصحابة الأخيار ، ولا يعقل أن يقف الحسنان في وجه هؤلاء وضدهم » .
ونقول :
١ ـ أما ما ذكره هؤلاء من أن الصحابة
الأخيار كانوا هم قتلة عثمان ، أو الراضون بقتله ، فهو صحيح ، ولكن مما لا شك فيه
، هو أنه قد كان من بينهم أيضاً بعض من ثار على عثمان ، من أمثال الزبير ، وطلحة
وغيرهما ولكن لا لأجل الانتصار للحق ، وللمظلومين ، وإنما من أجل الحصول على بعض
المكاسب الدنيوية.
٢ ـ وأما ماذكرته الرواية : من أن طلحة
والزبير قد أرسلا بإبنيهما للدفاع عن عثمان ، فهو مما لا ريب في بطلانه ، فإن
المصادر الموثوقة قد أطبقت : على أن طلحة ، والزبير ، وعائشة ، وغيرهم ، كانوا من
أشد الناس على عثمان .. ( ولا نرى حاجة لذكر مصادر ذلك ، فإنه من بديهيات التاريخ
.. ).
٣ ـ وأما أنه 7 قد ضرب الحسن 7 ، ودفع في صدر الحسين ، فهو غير صحيح
أيضاً ، فإن علياً 7
قد كرر غير مرة : أن قتل عثمان لم يسره ولم يسؤه .. كما أنه لم يكن ليتهم الحسنين 8 بالتواني في تنفيذ الأوامر التي يصدرها
إليهما ، وهما من الذين نصَّ الله سبحانه على تطهيرهم ، وأكد النبي 6 على عظيم فضلهم ، وسامق مجدهم ، وعلى
محبته العظيمة لهم.
وأما بالنسبة للدفاع عن عثمان. فإنَّ
ثمة وجهة نظر أخرى جديرة بالتقدير ، وقمينة بأن تقدم تفسيراً صحيحاً ، ومنطلقاً
موضوعياً ومنطقياً لموقف أمير المؤمنين 7
في هذه القضية. لا مجرد عدم توجيه أصابع الاتهام إليه 7 ، في موضوع قتل عثمان.
وملخص ما يمكن اعتباره كافياً لتبرير
دفاع أمير المؤمنين 7
عن
عثمان ، هو :
أن أمير المؤمنين 7 ، وإن كان لا يرى خلافة عثمان شرعية من
الأساس ، وكان كذلك على اطلاع تام على جميع المخالفات والتجاوزات ، التي كانت تصدر
من الهيئة الحاكمة باستمرار. ويرى رأي العين : أن فسادها قد استشرى ، وتفاقم خطره
، حتى لم يعد من السهل تحمله ، أو الإغضاء عنه ..
إنه .. وإن كان يرى ذلك ـ إلا أنه لم
يكن يرى : أن علاج الأمر بهذا الأسلوب الانعالي العنيف هو الطريقة المثلى والفضلى
.. وقد نقل عنه 7
قوله عن عثمان : إنه استأثر فأساء الأثرة ، وجزعوا فأساؤوا الجزع .
وما ذلك .. إلا أن هذا الأسلوب بالذات ،
وقتل عثمان في تلك الظروف ، وعلى النحو الذي كان ، لم يكن بالذي يخدم القضية ،
قضية الإسلام ، بل كان من شأنه أن يلحق بها ضرراً فادحاً ، وجسيماً .. إذ أنه سوف
يعطي الفرصة لأولئك المترصدين من أصحاب المطامع والأهواء لركوب الموجة ، واستغلال
جهل الناس ، وضعفهم ، وظروف حياتهم ، بملاحظة ما تركت عليهم السياسية من آثار في
مفاهيمهم ، وفي عقليتهم ، ونظرتهم ، وفي عقائدهم ، وغير ذلك .. ـ لسوف يعطي هؤلاء
الفرصة ، لاستغلال كهذا. ورفع شعار الأخذ بثارات عثمان ، واتخاذ ذلك ذريعة للوقوف
في وجه الشرعية المتمثلة بأمير المؤمنين 7
، وإلقاء الشبهات والتشكيكات حول علي ، وأصحاب علي 7
.. الأمر .. الذي نشأ عنه حروب الجمل ، وصفين ، والنهروان ، على النحو الذي سجله
التاريخ ..
وقد كان أمير المؤمنين 7 مدركاً ذلك كله ، ومطلعاً عليه بصورة
تامة ، حتى انه حينما جاءه اليمنيون لتهنئته بالخلافة ، قال لهم : « إنكم صناديد
اليمن وساداتها ، فليت شعري ، إن دهمنا أمر من الأمور كيف صبركم على ضرب الطلا ،
وطعن الكلا »
.. الأمر الذي يعني : أنه كان يتوقع منذئذٍ حروباً ، لا بد
له من خوضها ، ضد
أصحاب المطامع والمنحرفين.
وقد كان ذلك بطبيعة الحال وَبَالاً على
الإسلام ، وعلى المسلمين ، وسبباً للكثير من المصائب والبلايا ، التي لا يزال
يعاني الإسلام والمسلمون من آثارها ..
وإذا كان علي أمير المؤمنين 7 لا يرغب في قتل عثمان يهذه الصورة التي
حدثت ، وإذا كان قد أرسل الحسنين 8
للدفع والذب عنه ، وإذا كان قد بلغ في دفاعه عنه حداً جعل مروان يعترف بذلك ويقول
:
« ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي ،
فقيل له : ما لكم تسبونه على المنابر؟ قال : إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك » .
ويقول علي 7
: « واللهِ ، لقد دفعت عنه ، حتى خشيت أن أكون آثماً » .
إنه إذا كان كذلك .. فإنه لم يكن يريد
أن يكون ذلك الدفع عن عثمان ، موجباً لفهم خاطيء لحقيقة رأيه في عثمان ، وفي
مخالفته .. فكان يذكر تلك المخالفات تصريحاً تارة ، وتلويحاً أخرى ، كما أنه كان
يجيب سائليه عن أمر عثمان بأجوبة صريحة أحياناً ، ومبهمة أحياناً أخرى ، أو على
الأقل لا تسمح بالتشبث بها واستغلالها ، من قبل المغرضين والمستغلين ..
كما أن دفاعه 7 عن عثمان ، ومحاولته دفع القتل عنه ،
لا يعني : أنه كان يسكت عن تلك المخالفات الشنيعة ، التي كانت تصدر منه ، ومن
أعوانه .. ولا أنه لا يرى بها خطراً داهماً ومدمراً .. بل ما فتىء 7
يجهر بالحقيقة مرة
بعد أخرى ، وقد حاول إسداء النصيحة لعثمان في العديد من المناسبات ، حتى ضاق عثمان
به ذرعاً ، فأمره أن يخرج إلى أرضه بينبع .
كما أنه ـ أي عثمان ـ قد واجه الإمام
الحسن 7 بأنه لا
يرغب بنصائح أبيه ، وذلك لأنه :
« كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر
عثمان ، أرسل إبنه الحسن 7
إليه ، فلما أكثر عليه ، قال : أن أباك يرى : أن أحداً لا يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم
بما نفعل ، فكف عنا ، فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك .. » .
وهكذا .. يتضح : أن نصرة الحسنين 8 لعثمان ، بأمر من أبيهما أمير المؤمنين
صلوات الله وسلامه عليه ، قد كانت منسجمة كل الانسجام مع خطهم : ، الذي هو خط الإسلام الصافي ، والصحيح.
وهو يدخل في عداد تضحياتهما الجسام ـ وما أكثرها ـ في سبيل هذا الدين ، ومن أجل
إعلاء كلمة الحق .. كما أنه دليل واضح على بعد نظرهم ، وعلى دقة وعمق تفكيرهم ..
معاوية هو قاتل
عثمان :
ولا نذهب بعيداً إذا قلنا : إن معاوية
قد أدرك منذ البداية : أن قتل عثمان يخدم مصالحه وأهدافه ، وأنه كان يرغب في أن
يتم على عثمان ما تم .. وقد استنجده عثمان ، فتلكأ عنه ، وتربص به ، ثم أرسل جيشاً
، وأمره بالمقام بذي خشب ، ولا يتجاوزها. وحذر قائده من أن يقول :
« الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فإنني
أنا الشاهد وأنت الغائب. قال : فأقام بذي خشب ، حتى قتل عثمان ، فاستقدمه حينئذٍ
معاوية ، فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه. وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل
عثمان ، فيدعو إلى نفسه » .
وكتب علي أمير المؤمنين 7 إليه : « ولعمري ، ما قتله غيرك ، ولا
خَذَلَهُ سواك ، ولقد تربصت به الدوائر ، وتمنيت له الأماني » .
وعنه 7
فيما كتبه له : « إنك إنما نصرت عثمان حينما كان النصر لك ، وخذلته حينما كان
النصر له » .
وكتب أبو أيوب الأنصاري لمعاوية : « فما
نحن وقتلة عثمان؟ إن الذي تربص بعثمان ، وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت الخ » .
وكتب إليه شبث بن ربعي : « إنك لا تجد
شيئاً تستغوي به الناس ، وتستميل له أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلا أن قلت لهم
: قتل إمامكم مظلوماً ، فهلموا نطلب بدمه ، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال ، وقد
علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب » .
وقال الطبري : فلما جاء معاوية الكتاب
تريض به ، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله 9.
وقد علم اجتماعهم. فلما أبطأ أمره على عثمان الخ .
وكتب إليه ابن عباس : « .. فأقسم بالله
، لأنت المتربص بقتله ، والمحب لهلاكه ، والحابس الناس قِبَلك عنه .. ولقد أتاك
كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به .. فقتل كما كنت أردت .. فإن يك قتل
مظلوماً فأنت أظلم الظالمين » .
ولابن عباس كتاب آخر يذكر له فيه ذلك
أيضاً .
كما أن المنقري يقول : إنه لما نُعِيَ
عثمان إلى معاوية : « ضاق معاوية صدراً بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان ، وقال
في جملة أبيات له:
ندمـت علـى ما كان من تبعي الهوى
|
|
وقصـري فيـه حسـرة وعـويـل
|
الأبيات.
وحينما سأل معاوية أبا الطفيل الكناني
عن سبب عدم نصره عثمان ، قال له : « منعني ما منعك ، إذ تربَّص به ريب المنون ،
وأنت بالشام. قال : أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل ، ثم قال : أنت
وعثمان كما قال الشاعر الجعدي :
لا ألفينك بعد المـوت تـنـدبـني
|
|
وفي حياتي ما زودتـنـي زادا
|
بل لقد ذكر اليعقوبي : أن معاوية أمر
الجيش بالمقام في أوائل الشام ، وأن يكونوا مكانهم ، حتى يأتي عثمان ليعرف صحة
الأمر ، فأتى عثمان وسأله عن المدة ، فقال : قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم ،
فأجيئك بهم. قال : « لا والله ، ولكنك أردت أن أقتل فتقول : أنا ولي الثار. إرجع
فجئني بالناس ، فرجع ولم يعد إليه حتى قتل .. » .
وقد اعترف معاوية نفسه للحجاج بن خزيمة
بأنه قد قعد عن عثمان ، وقد استغاث به فلم يجبه ، وأنه قال في ذلك أبياتاً ، وهي الأبيات اللامية التي أشرنا
إليها آنفاً.
وصرح الشهرستاني بأن جميع عمال عثمان
وأمراءه قد « خذلوه ، ورفضوه حتى أتى قدره عليه » ، وهم : معاوية ، وسعد بن أبي
وقاص ، والوليد بن عقبة ، وعبد الله بن عامر ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وقال له ابن عباس في المدينة ، حينما
اتهم بني هاشم بقتل عثمان : « أنت قتلت عثمان ، ثم قمت تغمص على الناس أنك تطلب
بدمه ، فانكسر معاوية » .
وكتب محمد بن مسلمة لمعاوية : « .. ولعمري
يا معاوية ، ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى ، ولئن كنت نصرت عثمان
ميتاً ،
خذلته حياً » .
ومن كتاب لأمير المؤمنين 7 إليه : « أما بعد ، فوالله ما قتل ابن
عمك غيرك ، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه ، وأعظم من خطيئته » .
كما أن الاصبغ بن نباته قد واجهه بمثل
ما تقدم عن غير واحد .
وكذلك .. فإن الإمام الحسن 7 قال له : « ثم ولاك عثمان فتربصت عليه
» . وقال
معاوية لعمرو بن العاص : « صدقت ، ولكننا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتل
عثمان. قال عمرو : واسوأتاه ، ان أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت. قال :
ولم؟ ويحك. قال : أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام ، حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي
، فسار إليه : وأما أنا فتركته عياناً ، وهربت إلى فلسطين. فقال معاوية : دعني من
هذا الخ .. » .
ولما وصلت رسالة عثمان الاستنجادية إلى
معاوية ، قال له المسور بن مخرمة : « يا معاوية، إن عثمان مقتول ، فانظر فيما كتبت
به إليه ، فقال معاوية : يا مسور ، إني مصرح : إن عثمان بدأ فعمل بما يحب الله
ويرضاه ، ثم غير وبدل ، فغير الله عليه ، أفيتهيأ لي أن أرد ما غير الله عز وجل؟ »
.
فهو يستدل بالجبر من أجل تبرير تخاذله
عن نصر عثمان!!.
هل جرح الإمام الحسن
7
في الدفاع عن عثمان :
ويبقى أن نشير : إلى أننا نشك في صحة ما
ذكرته الرواية من أن الإمام
الحسن 7 قد جرح في الدفاع عن عثمان ، وذلك لان
الامام عليا 7 ، وإن كان
يمكن أن يكون قد أرسل ابنيه ـ أو الإمام الحسن وحده ـ للدفاع عن عثمان .. وقد جاءا
إليه ، وعرضا له المهمة التي أوكلها إليهما أبوهما .. إلا أن الظاهر : هو أن عثمان
قد ردهما ، ولم يقبل منهما ذلك .. ويوضح ذلك النصوص التالية :
١ ـ « قال : ثم دعا علي بابنه الحسن ،
فقال : انطلق يا ابني إلى عثمان ، فقل له : يقول لك أبي : أفتحب أن أنصرك؟ فأقبل
الحسن إلى عثمان برسالة أبيه ، فقال عثمان : لا ، ما أريد ذلك ، لأني قد رأيت رسول
الله .. إلى أن قال : فسكت الحسن ، وانصرف إلى أبيه فأخبره بذلك » .
٢ ـ « ثم اقتحم الناس الدار على عثمان
وهو صائم .. إلى أن قال : والتفت عثمان إلى الحسن بن علي ، وهو جالس عنده ، فقال :
سألتك بالله يا ابن الأخ إلا ما خرجت؟ فإني أعلم ما في قلب أبيك من الشفقة عليك ،
فخرج الحسن رضي الله عنه ، وخرج معه عبد الله بن عمر » .
٣ ـ « كان علي كلما اشتكى الناس إليه
أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إليه ، فلما أكثر عليه قال : إن أباك يرى : أن أحداً لا
يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم بما نفعل ، فكف عنا. فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك ..
» .
وقال ابن قتيبة : « ثم دخل عليه الحسن
بن علي ، فقال : مرني بما شئت ، فإني طوع يديك. فقال له عثمان ارجع يا ابن أخي ،
اجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره » .
٤ ـ « وشمَّر أناس من الناس ، فاستقتلوا
، منهم سعد بن مالك ، وأبوهريرة ، وزيد بن ثابت ، والحسن بن علي ، فبعث إليهم عثمان
بعزمه لما انصرفوا ، فأنصرفوا » .
٥ ـ « بعث عثمان إلى علي بن أبي طالب :
أن ائتني ، فبعث حسيناً ابنه ، فلما جاءه ، قال له عثمان : يا ابن أخي اتقدر على
أن تمنعني من الناس؟ قال : لا. قال : فأنت في حلٍ من بيعتي ، فقل لأبيك يأتني ،
فجاء الحسين إلى عليَّ فأخبره بقول عثمان ، فقام علي ليأتيه. فقام إليه ابي
الحنفية فأخذ بضبعيه ، يمنعه من ذلك .. ». وفي هذه الأثناء جاء الصريخ : أن قد قتل
عثمان .
٦ ـ « قال أبو مخنف في روايته : نظر
مروان بن الحكم إلى الحسين بن علي فقال : ما جاء بك؟ قال : الوفاء ببيعتي. قال :
اخرج عنا ، أبوك يؤلب الناس علينا ، وأنت هاهنا معنا؟. وقال له عثمان : انصرف ،
فست أريد قتالاً ولا آمر به » .
وما تقدم يشير إلى أن عثمان قد رفض
مساعدة الإمام الحسن ، أو هو مع الحسين 8
ولم يشاركا 8 في الحرب ضد
الثائرين. ـ ولعل العرض والرفض قد تعدد عدة مرات ـ. وذلك يوجب الريب في تلك
الرواية القائلة بأن الإمام الحسن 7
قد جرح في هذه القضية ، ثم كان من علي 7
بالنسبة إليه ولأخيه ما كان ، مما تقدمت الإشارة إلى عدم صحته أيضاً.
نعم ربما يكون الإمام الحسن 7 قد ساعد على نجاة البعض ، من دون
اشتراك في القتال ، وإنما بما له من أحترام خاص في النفوس ، ففي محاورة جرت بينه
وبين مروان بن الحكم ، قال 7
لمروان : « أفلا أرقت دم من
وثب على عثمان في
الدار ، فذبحه كما يذبح الجمل ، وأنت تثغو ثغاء النعجة ، وتنادي بالويل والثبور ،
كالأمة اللكعاء. ألا دفعت عنه بيد؟ أو ناضلت عنه بسهم؟ لقد ارتعدت فرائصك ، وغشي
بصرك ، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه ، فأنجيتك من القتل ، ومنعتك منه ، ثم
تحث معاوية على قتلي؟! ولو رام ذلك لذبح كما ذبح ابن عفان الخ .. » .
قوة موقف الإمام
الحسن 7 :
هذا .. وإن النص المتقدم آنفاً ، ليدل
دلالة واضحة على قوة لا يستهان بها في موقف الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام.
وقد تقدم قول ابن العاص لمعاوية عن
الإمام الحسن (ع) : « خفقت النعال خلفه ، وأمر فأطيع ، وقال فصدق ، وهذان يرفعان
إلى ما هو أعظم ، فلو بعثت إليه ، فقصرنا به وبأبيه ، وسببناه وأباه ، وصغرنا
بقدره وقدر أبيه الخ .. ».
وقال سفيان بن أبي ليلى للإمام الحسن 7 في ضمن كلام له : « .. فقد جمع الله
عليك أمر الناس .. » .
وروى أبو جعفر قال : قال ابن عباس : «
أول ذل دخل على العرب موت الحسن 7
» .
وقال أبو الفرج : « قيل لأبي إسحاق
السبيعي : متى ذل الناس؟ فقال : حين مات الحسن ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي » .
وقد اعترف معاوية نفسه : بأن الحسن 7 ليس ممن يُرمي به
الرجوان .. أي ليس ممن يستهان به ، والنصوص
التي تدخل هذا المجال كثيرة ، لا مجال لتتبعها فعلاً.
ولعل ما تقدم من نصرة الإمام الحسن 7 لعثمان ، بالإضافة إلى أنه لم يكن قد
ساهم في قتل مشركي قريش وغيرها على عهد الرسول الأعظم 6 ، بسبب صغر سنه آنئذٍ. ثم ما سمعته
الأمة ورأته من أقوال ومواقف النبي الأكرم 6
تجاهه 7 .. ثم علم
الجميع بنزول العديد من الآيات القرآنية ، التي تعرب عن فضله ، وتشيد بكريم خصاله
، وتؤكد على ما يؤهله الله له من دورٍ قيادي في مستقبل الأمة ..
ـ إن كل ذلك وسواه ـ قد جعل موقفه 7 في قبال معاوية والأمويين ، أكثر قوة ،
وأعظم أثراً ، حيث لم يكن ثمة شبهات يستطيع خصومه التشبث بها لتضعيف مركزه ،
وزعزعة سلطانه ، كما أنه لم يواجه ما يشبه قضية التحكيم ، التي فُرِضَت على أمير
المؤمنين 7 من قبل ..
نعم .. هو ابن لذلك الذي وَتَرَ قريشاً
، وقتل صناديدها ، الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله سبحانه ، بكل ما يملكون من
حيلة ووسيلة.
ولعل مدى ضعف حجة معاوية في مقابل
الإمام الحسن 7
، يتجلى أكثر ، بالمراجعة إلى أقوال معاوية نفسه ، وذلك حينما لا يجد حجة يحتج بها
لتصديه لهذا الأمر ، سوى أنه أطول من الإمام الحسن 7
ولاية ، وأقدم تجربة ، وأكثر سياسة ، وأكبر سناً .
قال بعض الباحثين : « وهكذا .. صارت مقاييس
الخلافة كمقاييس الأزياء ، أو الكمال الجسماني : أطول ، وأكبر ، وأقدم ، وأكثر » .
إلا أن جيش الإمام الحسن 7 ، وكذلك الظروف الخاصة التي
مرت بها الأمة ،
والعراق خاصة ، والنواحي العقيدية والاجتماعية ، وغير ذلك ـ كل ذلك وسواه ـ هو
الذي أضعف من موقف الإمام الحسن 7
، وقوى من شوكة معاوي ، وإن كان العامل الزمني قد كان ـ على ما يبدو ـ لصالح
الإمام الحسن 7
على المدى الطويل. ولا سيما بعد وجود بعض التحول في المجتمع العراقي تجاه أهل
البيت ، بعد جهود أمير المؤمنين 7
في هذا المجال ..
وقد شرحنا بعض ما يرتبط المجتمع العراقي
في بحث لنا آخر حول الخوارج ، وفيما تقدم بعض ما يمكن أن يفيد في ذلك. وليس هذا
موضع بحثنا الآن ، لأنه يرتبط بظروف صلح الإمام الحسن 7 مع معاوية .. كما هو معلوم ..
هل كان الإمام الحسن
7
عثمانياً؟!
ويحاول البعض أن يدعي : أن الإمام الحسن
7 « كان
عثمانياً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة » ، قال : « وربما غلا في عثمانيته ، حتى قال
لأبيه ذات يوم ما لا يحب ، فقد روى الرواة : أن علياً مر بابنه الحسن ن وهو يتوضأ
، فقال له : أسبغ الوضوء يا حسن ، فأجابه الحسن بهذه الكلمة المرة : « لقد قتلتم
بالأمس رجلاً كان يسبغ الوضوء » ، فلم يزد على أن قال : لقد أطال الله حزنك على
عثمان ». وفي نص آخر للبلاذري : « لقد قتلت رجلاً كان يسبغ والوضوء » .
وفي قصة أخرى يقولون : « إن الحسن بن
علي ، قال لعلي : يا أمير المؤمنين ، إني لا أستطيع أن أكلمك ، وبكى ، فقال علي :
تكلم ، ولا تحنَّ حنين
المرأة ، فقال : إن
لناس حصروا عثمان ، فأمرتك أن تعتزلهم وتلحق بمكة ، حتى تؤوب إلى العرب عوازب
أحلامها ، فأبيت. ثم قتله الناس ، فأمرتك أن تعتزل الناس فلو كنت في جحر ضب لضربت
إليك العرب آباط الإبل حتى يستخرجوك ، فغلبتني. ثم أمرتك اليوم : أن لا تقدم
العراق ، فإني أخاف عليك أن تقتل بمضيعة .. فقال علي الخ » .
وثمة روايات أخرى تفيد هذا المعنى ، لا
مجال لإيرادها وهي تدل على أنه 7
كان يكره أن يذهب أبوه إلى العراق لحرب طلحة والزبير ، كما قاله البعض .
ونقول
: إن كل ذلك لا يمكن أن يصح ، فـ :
أولاً
: كيف يمكن أن نجمع بين ما قيل هنا ، وبين قولهم الآنف الذكر : إن أمير المؤمنين 7 قد أرسل الإمام الحسن وأخاه : للدفاع عن عثمان .. وأنه لما علم
بمصيره جاء كالواله الحزين ، ولطم الحسن المخضب بالدماء ، ودفع في صدر الحسين 8 ، بتخيُّل : أنهما قد قصرا في أداء
مهمتهما الخ؟!.
ثانياً
: غن المتتبع لعامة مواقف الإمام الحسن 7
يجده ـ باستمرار وبمزيد من الإصرار ـ يشدُّ أزر أبيه ، ويدافع عن حقه ، ويهتم في
دفع حجج خصومه ، بل .. ويخوض غمرات الحروب في الجمل ، وفي صفين ، ويعرِّض نفسه
للأخطار الجسام ، في سبيل الدفاع عنه 7
، وعن قضيته ، حتى لقد قال الإمام 7
: أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني ـ حسبما تقدم ..
وبالنسبة لدفاعه عن قضية أهل البيت : ، وحقهم بالخلافة ، دون كل من عداهم ،
فإننا لا نستطيع استقصا جميع مواقفه وأقواله فعلاً ، ولكننا
نذكر نموذجاً منها :
١ ـ عن الحسن 7 : « إن أبا بكر وعمر عمدا إلى هذا
الأمر ، وهو لنا كله ، فأخذاه دوننا ، وجعلا لنا فيه سهماً كَسَهم الجدة ، أما
والله ، لتهمنهما أنفسهما ، يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا » .
قال التستري : « والظاهر : أن المراد
بقوله 7 : كسهم
الجدة : أنهما جعلا لهم من الخلافة ، وباقي حقوقهم ، مجرد طعمة ، كالجدة مع
الوالدين » .
٢ ـ وعنه 7
في خطبة له : « ولولا محمد 6
، وأوصياؤه ، كنتم حيارى ، لا تعرفون فرضاً من الفرائض الخ .. » قال هذا بعد أن
عدد الفرائض ، وكان منها الولاية لأهل البيت :
.
٣ ـ وتقدم قوله 7 في خطبة له بعد بيعة الناس له : « فإن
طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة ، قال الله عز وجل : ( يا أيها
الذين آمنوا ، أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في
شيء فردوه إلى الله والرسول )
الخ ... .
٤ ـ وقال الأربلي : عن معاوية : « وكان
بينه وبين الحسن مكاتبات ، واحتج عليه الحسن ، في استحقاقه الأمر ، وتوثب من تقدم
على أبيه ، وابتزازه سلطان ابن عمه رسول الله 9
... » .
وقد كتب 7
لمعاوية ، بعد ذكره ، مجاهدة قريش لهم ، بعد وفاة
النبي 9 ، مايلي :
« وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا ،
في حقنا ، وسلطان نبينا 9
.. إلى أن قال : فأمسكنا عن منازعتهم ، مخافة على الدين : أن يجد المنافقون
والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به. إلى أن قال : وبعد ، فإن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ، لما نزل به الموت ولاَّني الأمر بعده » .
٥ ـ وحسبنا أن نذكر هنا : أن أباه أرسله
إلى الكوفة ، فعزل أبا موسى الأشعري ، الذي كان يثبط الناس عن أمير المؤمنين 7. وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل. وجرت
في هذه القضية حوادث مثيرة وهامة ، عبر فيها الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام عن
فنائه المطلق في قضية أبيه ، التي هي قضية الإسلام والإيمان ، والتي نذر نفسه
للدفاع عنها ، مهما كلفه ذلك من تضحيات .
٦ ـ ثم هناك موقفه 7 في تفنيد ما احتج به المعترضون على
قضية التحكيم ، حيث أورد بهذه المناسبة احتجاجات هامة ، جديرة بالبحث والدراسة ،
وهي تدل على بعد نظره ، وثاقب فكره ، وعمق وعيه لكل الأمور والقضايا .. فلتراجع في
مصادرها .
٧ ـ وعنه 7
: نحن أولى الناس بالناس ، في كتاب الله ، وعلى لسان نبيه .
٨ ـ وقال 7
في خطبة له : « إن علياً باب من دخله كان مؤمناً ، ومن خرج عنه كان كافراً » .
٩ ـ وفي موقف له من حبيب بن مسلمة ، قال
له : « رُب مسير لك في غير طاعة الله ، فقال له حبيب : أما مسيري إلى أبيك فليس من
ذلك ، قال : بلى والله ، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة ، فلئن قام بك في
دنياك لقد قعد بك في آخرتك ، ولو كنت إذ فعلت شراً ، قلت خيراً الخ .. » .
١٠ ـ ولتراجع خطبة الإمام الحسن 7 ، التي يُكَّذِب فيها : أن يكون يرى
معاوية أهلاً للخلافة. وقد تقدمت إشارة إلى ذلك مع مصادره ، حين الكلام تحت عنوان
: « الأئمة في مواجهة الخطة » فلا نعيد.
وحسبنا ما ذكرناه هنا ، فإننا لم لم
نقصد إلا إلى ذكر نماذج من ذلك ، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتب الحديث
والتاريخ.
ثالثاً
: إن تطهير الله سبحانه وتعالى للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه ، وكلمات
النبي الأعظم 6
في حقه ، ثم ما عرف عنه 7
من أخلاق فاضلة ، وسجايا كريمة .. ليكذب كل ما ينسب إليه صلوات الله وسلامه عليه
من أمور وكلمات ؛ مثل قوله : أمرتك ، ونحو ذلك تتنافى مع أبسط قواعد الأدب
الإسلامي الرفيع ، والخلق الإنساني الفاضل ، ولا سيما مع أبيه الذي يعرف هو قبل كل
أحد قول النبي 9
فيه : أنه مع الحق ، والحق معه ، يدور معه حيث
دار .
فكيف إذا كان ذلك الذي ينسب إليه مما
يأباه حتى الرعاع من الناس ، فضلاً عن خامس أصحاب الكساء ، وأشبه الناس برسول الله
9 خلقاً
وخُلُقاً وهدياً ، وسلوكاً ، ومنطقاً.
رابعا
: وبعد .. فهل يعقل أن يكون الإمام الحسن 7
، الذي عاش في كنفي جده النبي 9
، وأبيه علي .. الإمام الحسن ، الذي كان بحراً من العلم لا ينزف ، وقد أجاب منذ
طفولته على الأسئلة التي أحالها إليه جده ، ثم أبوه بعد ذلك ، كما تقدم ، هل يعقل
: أنه لم يكن يحسن الوضوء ؟!
خامساً
: إنه إذا كان 7
عثمانياً بالمعنى الدقيق للكلمة ـ كما يزعمه طه حسين فإنَّ معنى ذلك : هو أنه
يبارك جميع تصرفات عثمان ، وأعماله التي تخالف كتاب الله وسنة نبيه .
وهذا مما لا يحتمل في حقه 7 .. وهو الذي يذكر في تعريفه للسياسة :
أن من جملة مراعاة حقوق الأحياء : أن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته ، وأن ترفع
عقيرتك في وجهه ، إذا حاد عن الطريق السوي .. فإن من الواضح : إن عثمان وعماله ،
قد كانوا من أجلى مصاديق كلمته هذه ، كما قرره طه حسين نفسه.
سادساً
: وبالنسبة للرواية الأخرى نقول :
١ ـ إن ما ذكرته ، من أنه أشار على أبيه
بترك المدينة .. لم يكن بالرأي السديد إطلاقاً .. فإن طلحة والزبير ، وغيرهما من
الطامعين والمستأثرين ، قد كانوا ينتظرون فرصة كهذه ... قال المعتزلي ن وهو يفند
الرأي القائل بأنه كان على أمير المؤمنين أن يعتزل الناس ، وينفرد بنفسه ، أو يخرج
عن المدينة إلى
بعض أمواله ، ولا
يدخل في الشورى ، فإنهم سيطلبونه ، وسيضربون إليه آباط الإبل ـ قال المعتزلي : «
ليس هذا الرأي عندي بمستحسن ، لأنه لو فعل ذلك لولّوا عثمان ، أو واحداً منهم غيره.
ولم يكن عندهم من الرغبة فيه 7
ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم ، وواقعاً بإيثارهم ، فإن
قريشاً كلها كانت تبغضه أشد البغض .. ».
إلى أن قال : « ولست ألوم العرب ، ولا
سيما قريشاً في بغضها له ، وانحرافها عنه ، فإنه وَتَرَها ، وسَفَك دماءها ».
ثم ذكر .. أن الأحقاد باقية ، حتى ولو
كان إسلامهم صحيحاً ثم قال : « لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً ، وبعضهم
للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو
لعداوة قوم آخرين ، من أضداد الإسلام وأعدائه » .
وبعد .. فإن الناس في تلك الظروف الحرجة
، لم يكونوا ليتركوا علياً 7
يترك المدينة ، وهم الذين بقوا يلاحقونه أياماً من مكان لمكان حتى بايعو ..
وأمَّا بالنسبة لانتظاره 7 حتى تضرب إليه العرب آباط الإبل فإن
الإمام الحسن 7
نفسه لم ينتظر ذلك ، حينما بايعوه بعد استشهاد أمير المؤمنين 7 ..
كما أنه هو نفسه يقول ، وهو يتكلم عن
قضية التحكيم ، فيما يرتبط بابن عمر :
« ... وثالثة : أنه لم يجتمع عليه
المهاجرون والأنصار ، الذين يعقدون الإمارة ، ويحكمون بها على الناس » .
وبعد .. فهل أن تغيُّب أمير المؤمنين 7 عن المدينة سيمنع
الأمويين ، وغيرهم
من الذين في قلوبهم مرض ، من اتهامه بالتحريض على عثمان ، وتأليب الناس عليه؟!.
وها هو تغيب إلى ينبع حسبما تقدم .. فلم
يمنعهم ذلك من الافتراء عليه ، 7
..
٣ ـ وأما بالنسبة إلى أنه 7 لم يكن راضياً بقتال أبيه لطلحة
والزبير كما يقول طه حسين ؛ فلا يصح أيضاً ، لأنه هو نفسه قد ذهب إلى الكوفة وعزل
أبا موسى الأشعري ، وحرض الناس واستنهضهم للالتحاق بأمير المؤمنين 7 ، ليحارب بهم عائشة وطلحة والزبير. كما
أنه هو نفسه قد شارك في هذه الحرب شخصياً.
ولعل المقصود من الروايتين وأشباههما هو
اتهام الإمام علي 7
بالاعتداء على عثمان ، والاشتراك في قتله ، أولا أقل من تحريضه على ذلك .. ثم
الطعن في خلافته بعدم اجتماع كلمة المسلمين عليه ، ثم تبرير موقف المتخاذلين عن
نصرته .
هذا .. ويلاحظ هنا :
ألف
: إن الظاهر هو : أن نهي أمير المؤمنين عن البقاء في المدينة ، قد كان من قبل
أسامة بن زيد ، ثم نُسِبَ إلى الإمام الحسن 7
، مع بعض التحوير والتطوير ، فقد روي : أن أسامة قال لعلي 7 : « يا أبا الحسن ، والله إنك لأعز علي
من سمعي ، وبصري ، وإني أعلمك : أن هذا الرجل ليقتل ، فاخرج من المدينة ، وصر إلى
أرضك ينبع ، فإنه إن قتل وأنت بالمدينة شاهد ، رماك الناس بقتله ، وإن قتل وأنت
غائب لم يعذل بك أحد من الناس بعد ..
فقال له علي : ويحك ، والله إنك لتعلم :
أني ما كنت في هذا الأمر إلا كالآخذ بذنب الأسد ، وما كان لي فيه ، من أمرٍ ولا
نهي » .
باء
: وأما رواية الوضوء ، فإننا نجد : أنها تنسب إلى الحسن البصري ، الذي ولد لسنتين
بقيتا من خلافة عمر
، مع وجود بعض الاختلاف بين الروايتين ، قال المعتزلي :
« .. ومما قيل عنه : أنه يبغض علياً 7 ويذمه : الحسن بن أبي الحسن البصري ،
أبو سعيد .. إلى أن قال : وروي عنه. أن علياً 7
رآه وهو يتوضأ للصلاة ـ وكان ذا وسوسة ـ فصب على أعضائه ماء كثيراً ، فقال له :
أرقت ماء كثيراً يا حسن! فقال : ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر. قال
: أوَساءك ذلك؟ قال : نعم. قال : فلا زلت مسوءاً.
قالوا : فما زال الحسن عابساً قاطباً
مهموماً إلى أن مات .. » .
وفي نص آخر عنه نفسه ، قال : « لما قدم
علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7
البصرة مرّ بي ، وأنا أتوضأ ، فقال : ياغلام ، أحسن وضوءك يحسن الله إليك. ثم
جازني ، فأقبلت أقفو أثره ، فحانت منه التفاتة ، فنظر إلي ، فقال : يا غلام ، ألك
حاجة؟ قلت : نعم ، علمني كلاماً ينفعني الخ .. » .
فيلاحظ : أنه يذكر كلام علي عليه الصلاة
والسلام له ، ولا يذكر جوابه هو اياه .. لكنه يحاول أن يذكر لنفسه فضيلة تبعد عنه
شبهة انحرافه عن علي 7
.. مع ان رواية المعتزلي الشافعي تصرح بانحرافه عنه 7.
ولعل مما يشير إلى ذلك : ما رواه البعض
، من أن امير المؤمنين 7
قد أخرجه من المسجد ، ونهاه عن التكلم .
كما أنه كان إذا جلس ، فتمكن في مجلسه
ذكر عثمان ، فترحم عليه ثلاثاً ، ولعن قتلته ثلاثاً ، ويقول : لو لم نلعنهم
لَلُعِنَّا. ثم يذكر علياً ، فيقول : لم يَزَل أمير المؤمنين صلوات الله عليه
مظفراً مؤيداً حتى حَكَّم ، ثم يقول : ولم تحكم والحق معك؟ ألا تمضي قدماً لا أباً
لك ؟.
بل لقد اشتهر بغضه لأمير المؤمنين 7 ، فحاول أن يبرئ نفسه من ذلك ، فقد
قالوا : إنه جاء رجل إليه فقال له : « أبا سعيد ، إنهم يزعمون : أنك تبغض علياً »
فبكى .. ثم تذكر الرواية تبرئته لنفسه من ذلك ، ومدحه لأمير المؤمنين 7 .
وفي نص آخر : أن ذلك الرجل قال له : «
بلغنا أنك تقول : لو كان عليٌّ بالمدينة يأكل من حشفها لكان خيراً له مما صنع ،
فقال له الحسن الخ .. » .
جيم
: وتذكرنا هذه الرواية المفتعلة لأهداف
سياسية مفضوحة ، بروايات أخرى مفتعلة لأغراض مفضوحة أيضاً ، وذلك من قبيل تلك
الرواية التي تحكي لنا قصة زواج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين 7 بعمر بن الخطاب ، حيث جاء فيها : أن
أمير المؤمنين قال لولديه 8
: « زوِّجا عمكما. فقالا : هي امرأة من النساء ، تختار لنفسها ، فقال ( فقام ظ )
علي مغضباً ، فأمسك الحسن بثوبه ، وقال : لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه. قال :
فزوجاه » .
فإن الهدف من افتعال هذه الرواية هو
إظهار : أن علياً 7
كان مهتماً بتزويج ابنته لعمر بن الخطاب .. مع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً ، كما
تدل عليه النصوص التاريخة .
وقد جاء عن الإمام الصادق 7 قوله : « إن ذلك فَرْجٌ غُصِبناه » .
أضف إلى ما تقدم : أن الشيخ المفيد ; قد ناقش في صحة حديث التزويج هذا ،
فراجع كلامه ; .
دال
: كما أن ثمة رواية تقول : إن أمير المؤمنين 7
قد اعتبر الإمام الحسن 7
« صاحب جفنة وخوان ، فتى من فتيان قريش ، ولو قد التقت حلقتا البطان ، لم يغن عنكم
شيئاً في الحرب » .
مع أن الإمام الحسن 7 هو الذي يقول : « لم يكن معاوية بأصبر
عند اللقاء ، ولا أثبت عند الحرب مني » .
كما أن حملاته في الجمل وفي صفين معروفة ومشهورة ، حتى لقد طلب
أمير المؤمنين 7
من الناس أن يملكوا عنه الإمام الحسن لا يهده ، حسبما تقدمت الإشارة إليه.
هذا .. وستأتي في كلام العلامة الأحمدي
الأبيات التي أرسلها معاوية إلى زياد ، حينما بلغه جرأته على الإمام الحسن 7.
هاء
: وقد ذكر المدائني : أن الإمام الحسن 7
خطب إلى رجل فزوجه ، وقال : « إني مزوجك ، واعلم : إنك ملق ، طلق ، غلق ، ولكنك
خير الناس نسباً ، وأرفعهم جداً وأباً ».
ولا شك في كونها مفتعلة أيضاً ، فإنه لم
يكن 7 فقيراً ،
ليعبر عنه بأنه « مَلِق » .. وسيرته ، وهباته ، وجوده وسخاؤه ، مما لا مجال
لإنكاره ، فلتراجع
كتب التاريخ والحديث
في ذلك ..
وأما بالنسبة لكثرة طلاقه للنساء ،
وزواجه ، فقد تحدث العلماء والباحثون حول كذب هذه القضية بما لا مزيد عليه ، ولذلك
فلا نرى حاجة للتعرض لها .
وأما أنه غلق ، فقد قال ابن أبي الحديد
المعتزلي : « .. أما قوله : غلق ، فلا ، فإن الغلق الكثير الضجر ، وكان الحسن 7 أوسع الناس صدراً ، وأسجحهم خُلُقاً ..
» .
نعم ، ولقد أقر له المؤالف والمخالف
بأنه قد أشبه النبي في خلقه ، وفي خُلقهِ وكريم خصاله ، وجميل فعاله ..
وهذه الرواية صريحة في أن المقصود منها
هو إظهار : أن الإمام الحسن بن علي 7
لا فضيلة له في نفسه ، سوى أنه جده النبي ، وأبوه علي .. بل هو لا يهتم إلا بالبحث
عن الحسناوات والجميلات ، ثم التمتع بهن فترة ، ثم تركهن إلى غيرهن ..
وإذن .. فلماذا يلام يزيد الخمور
والفجور على أفاعيله .. ما دام أنه وإن كان يبحث عن ملذاته ، إلا أنه ليس طلقاً ،
ولا ملقاً ، ولا غلقاً ، كما هو الحال بالنسبة لغيره ..
« ما عشت أراك الدهر عجباً »!!.
وأخيراً .. فإن المحقق العلامة الإحمدي
يقول : « ليس غريباً على هؤلاء أن يفتعلوا الأكاذيب على الحسنين عليهما الصلاة
والسلام ، فقد افتعلوا على الحسن 7
: أنه أشار على أبيه : بأن لا يكره طلحة والزبير على البيعة ، ويدع الناس يتشاورون
ولو عاماً كاملاً ، فإن الخلافة لا تزوى عنه ، ولا يجدون منه
بداً ، وأن يقيل
طلحة والزبير بيعتهما ، لأن الغدر ظهر منهما
.. وثمة كلمات أخرى منسوبة إليه 7
تفيد هذا المعنى أيضاً.
ورغم تناقض هذا النص نقول إن هذا الكلام
مفتعل انتصاراً لطلحة والزبير ، لإظهار أن بيعتهما كانت عن إكراه ، وأن البيعة
لعلي لم تكن عن حزم وتشاور.
ولكن ألم يكن الإمام الحسن يرى إباء
أبيه للبيعة ، وقوله لهم : دعوني والتمسوا غيري ، ثم إصراره الشديد على ذلك؟!.
ألم يكن يرى انثيال الناس عليه للبيعة
كعرف الضبع حتى لقد وطيء الحسنان ، وشق عطفاه؟.
ألم يكن يرى سرور الناس ببيعته حتى
الأطفال والشيوخ؟.
كما أن رجالات الإسلام يصرون عليه
بالبيعة ، وفي مقدمتهم طلحة والزبير بالذات ن وكلمات الناس آنئذٍ خير شاهد على ما
نقول ..
ألم يكن يرى : أن العدو الأموي الغاشم
يترصد الفرصة لينقض على البقية الباقية ليلتهمها ويقضي عليها؟.
أما كان يعلم أن وجود الناصر يوجب على
العالم القيام بالأمر؟.
بلى .. لقد كان يرى ذلك كله ويعلمه .. وإن
كلماته الخالدة في المناسبات المختلفة ، لتدل على كمال موافقته لسياسة أبيه في
البيعة ، والحرب ، وفي كل مواقفه ، وهو يؤكد ذلك قولاً وعملاً ، فهو يستنفر أهل
الكوفة إلى الجهاد ، وهو يمعن في الحرب ، حتى يقول أبوه : أملكوا عني هذا الغلام
لا يهدني.
هذا .. وقد كذبوا على الإمام كذبة أخرى
، وهي أنه قال لأبيه في الربذة ،
وهو يبكي : أمرتك
فعصيتني ، فأنت اليوم تقتل بمضيعة ، لا ناصر لك ، فقال أمير المؤمنين : مالك تحن
حنين الأمة ، وما الذي أمرتني فعصيتك الخ .
كما أن ابن قتيبة ينقل ما يدل على أن
الإمام المجتبى 7
قد كان من بدء الأمر عازماً على تسليم الأمر لمعاوية ..
وكل ذلك مما تكذبه جميع أقوال ومواقف
الإمام الحسن 7
، وقد افتعلوه طمعاً بالمال والمناصب ، من أجل أن يشيعوا عنه 7 : أنه كان ضعيفاً ، ولم يكن رجل سياسة
، وحزم وعزم وشجاعة ..
ولكنهم قد نسوا أو تناسوا سائر مواقفه
واحتجاجاته على معاوية والامويين ، وتجاهلوا كل خطبه ، وكتبه ، ومواقفه في الحروب
، حتى ليطلب علي 7
منهم منعه من الحرب بقوله : أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني .
وحتى ليكتب معاوية إلى زياد عنه :
أما حسن فابن الذي كـان قبلـه
|
|
إذا سار سار الموت حيـث يسيـر
|
وهـل يلد الـرئبـال إلا نظيـره
|
|
وذا حسن شـبه لـه ونـظـيـر
|
ولكنه لو يـوزن الـحلم والحجى
|
|
بأمرٍ لقالوا : يذبل ، وثـبـيـر
|
هذا كله .. عدا عن أن أمر الإمامة
بمعناه الحقيقي قد كان من المسلمات عندهم :
، ولكن قاتل الله العصبية العمياء ، والتكالب على الدنيا.
وبعد كل ما تقدم ، فإننا نعلم مدى صحة
قولهم : أن الإمام الحسن 7
كان لا يحب إهراق الدماء ، وذلك طعناً منهم في أبيه علي ، وأخيه الحسين 8 ..
مع احتمال إرادتهم الطعن في الإمام
الحسن 7 ن إذا كان
لا يحب
إهراق الدماء حتى
ولو وجب ذلك عليه ، وأدى تركه إلى ذل المؤمنين ، وضياع الدين.
أما ما افتعلوه ، من أن الإمام علياً 7 قد قال عنه : إنه إذا كانت الحرب ، فإن
الحسن لا يغني عنهم شيئاً. وكذلك قول معاوية ، حينما أعطى الحسنين وابن جعفر مالاً
: إن الحسن سوف يشتري لبناته طيباً ، فيكذبه جميع ما تقدم ، وإنما افتعلت أمثال
هذه الأساطير من أجل التشهير به زوراً وبهتاناً : بأنه مشغوف بالنساء ، وذلك للتغطية
على فسق يزيد وفجوره ..
وقد افتعلوا كذلك قصة خلاف الحسين مع
أخيه 8 في قضية
الصلح ، وجرأته عليه ، ثم جواب الحسين له بما لا يليق. مع أن الحسين 7 قد مدح أخاه على صلحه مع معاوية ،
حينما أبّنه عند وفاته 7.
وقد روى في الكافي : أن الحسين 7
لم يكن يتكلم في مجلس أخيه الإمام الحسن 7
تأدباً. كما أنه كان يعطي أقل من أخيه تأدباً كذلك ..
وأخيراً .. فإننا نجده يعيش بعد أخيه
عدة سنين ، ولا يحارب معاوية ، وغم كتابة أهل الكوفة إليه بدعوته لذلك ..
انتهى كلام العلامة الأحمدي ، وليكن هو
مسك الختام.
والحمد لله أولاً وآخراً ، وظاهراً
وباطناً ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
كلمة ختامية :
كانت تلك إلمامة موجزة عن الحياة
السياسية للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه في عهد الرسول الأعظم ، والخلفاء
الثلاثة بعده ...
وكنت أودّ أن أكمل هذه الدراسة لتصل إلى
حين تولي الإمام الحسن 7
للخلافة .. وبعد ذلك إلى حين استشهاده. ولكن الظروف القاهرة قد حالت دون ذلك ، إلا
أن ما لا يدرك كله لا يترك كله .. فها أنا أقدم للقراء الكرام ما تم إنجازه. على
أمل أن يوفق الله سبحانه لإتمام هذا العمل في فرصة اخرى إن شاء الله تعالى.
وليلاحظ هنا : أنني قد تعمدت الحديث عن
ذلك الجانب الذي قلّما تعرض له الباحثون في كتاباتهم عن الإمام الحسن 7 .. وقد اضطرني ذلك الى بعض التفصيل
بالنسبة لبعض القضايا .. حيث كان ذلك أمراً لا مفر منه ، لو أريد إيضاح الموقف
السياسي الذي كان الإمام الحسن 7
يتعامل معه ، ويسجل موقفاً تجاه من خلال ما يكتنف ذلك من ظروف وعوامل مؤثرة فيه ..
وعلى كل حال ... فإنني استميح القارئ
العذر ، إذا كان يرى في هذا البحث بعض ما لا ينسجم مع وجهات نظره ، أو مع ما هو
الشائع المتسالم عليه بصورة عفوية ، ومن دون بحث او تمحيص ...
وفي الختام ، فإنني آمل ان يتحفني
القارئ الكريم بملاحظاته ، وبوجهات نظره .. وله منِّي جزيل الشكر ، ووافر التقدير.
والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده
الذي اصطفى محمد وآله الأطهار.
|
جعفر مرتضى العاملي
١٩ ٦ ١٤٠٤ هـ. ق.
٣ ١ ١٣٦٣ هـ. ق.
|
الفهارس
١ ـ المصادر والمراجع
٢ ـ محتويات الكتاب
١ ـ المصادر والمراجع
لقد اعتمدنا في هذا الكتاب
على المصادر والمراجع التالية :
١ ـ القرآن الكريم :
ـ الف ـ
٢
ـ الإبانة ، لأبي الحسن الأشعري.
٣
ـ ابن حنبل ، للشيخ محمد أبو
زهرة ، طبع دار الفكر العربي.
٤
ـ الاتحاف بحب الأشرف ـ للشبراوي الشافعي
ـ المطبعة الأدبية بمصر.
٥
ـ إثبات الهداة ، للبحراني ،
المطبعة العليمة ـ قم ـ ايران.
٦
ـ إثبات الوصية ، للمسعودي ، ط
النجف الأشرف ـ العراق.
٧
ـ الاحتجاج ، للطبرسي ، ط سنة
١٣٨٦ هـ. ق.
٨
ـ إحقاق الحق (الملحقات) للسيد
شهاب الدين المرعشي النجفي ، ط قم ـ ايران.
٩
ـ أحكام القرآن للجصاص ـ نشر دار
الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان.
١٠
ـ إحياء علوم الدين ، لابي حامد
الغزالي ، ط دار المعرفة ، بيروت.
١١
ـ الأخبار الدخيلة ، للشيخ محمد تقي
التستري ، ط غفاري ايران.
١٢
ـ الأخبار الطوال ، للدينوري ، ط دار
إحياء الكتب العربية ـ سنة ١٩٦٠ ميلادية.
١٣
ـ الاختصاص ، للشيخ المفيد
رحمة الله تعالي ، من منشورات جماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.
١٤
ـ اختلاف الحديث ، للشافعي ، مطبوع
بهامش كتب : الأم.
١٥
ـ اختيار معرفة الرجال ، (المعروف برجال
الكشي) ، الذي هذبة الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، ط جامعة مشهد ـ ايران ـ
سنة
١٣٤٨ هـ. ش.
١٦
ـ الأدب في ظل التشيع ، عبدالله نعمة.
١٧
ـ الأذكياء ، لأبي الفرج ابن
جوزي ، ط النجف ـ العراق ـ سنة ١٣٨٩ هـ. ق.
١٨
ـ الإرشاد ، للشيخ المفيد ، ط النجف الأشرف ـ
العراق.
١٩
ـ أساب النزول ، للواحدي ، ط مصر
سنة ١٣٨٧ هـ. ق.
٢٠
ـ الاستيعاب ، لأبي عمر ابن عبد
البر القرطبي ، المطبوع بهامش الإصابة سنة ١٣٢٨ هـ. ق.
٢١
ـ أسد الغابة ، لابن الأثير
الجزري ط سنة ١٢٨٠ هـ. ق.
٢٢
ـ الإسرائيليات في التفسير والحديث
، لرمزي نعناعة سنة ١٣٩٠ هـ. ق.
٢٣
ـ إسعاف الراغبين ، للصبان ، بهامش
كتاب نو ر الأبصار.
٢٤
ـ الإصابة في معرفة الصحابة ، لابن حجر
العسقلاني ، ط مصر سنة ١٣٢٨ هـ. ق.
٢٥
ـ أضواء على السنة المحمدية ، للشيخ
محمود أبو رية رحمه الله تعالى ، ط دار المعارف بمصر.
٢٦
ـ الأعلاق النفيسة ، لابن رسته ، ط
ليدن.
٢٧
ـ إعلام الورى ، للطبرسي ، ط
النجف ـ العراق ـ سنة ١٣٩٠ هـ. ق.
٢٨
ـ أعيان الشيعة ، للسيد محسن
الأمين العاملي ;.
٢٩ ـ الأغاني
، لأبي الفرج الأصفهاني ط ساسي.
٣٠
ـ أقرب الموارد ، للشرتوني ، ط
ايران ـ سنة ١٤٠٣ هـ. ق.
٣١
ـ الإلمام ، للنويري
الاسكندراني ، ط الهند.
٣٢
ـ الأمالي ، للشيخ االصدوق رحمه الله تعالى ، ط
الحيدرية في النجف ـ العراق ـ.
٣٣
ـ الأمالي ، للشيخ الطوسي رحمه الله تعالى ـ ط
النجف ـ العراق.
٣٤
ـ الأمالي ، للشيخ المفيد رحمه الله تعالى ، من
منشورات جماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.
٣٥
ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة
، للشيخ أسد حيدر ، ط بيروت.
سنة ١٣٩٢ هـ. ق.
٣٦
ـ الإمام الحسن بن علي سيرة وتاريخ
للشيخ محمد بن حسن آل يس ، ط بيروت سنة ١٤٠٠ هـ. ق.
٣٧
ـ الإمام الحسن بن علي ، لمحمد علي
دخَخيَّل ، ط بيروت سنة ١٣٩٤ هـ. ق.
٣٨
ـ الإمام الحسين ، للشيخ عبدالله العلايلي
، مكتبة التربية ـ بيروت.
٣٩
ـ الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة
الدينوري ط مصر سنة ١٣٨٨. هـ. ق.
٤٠
ـ الإنجيل.
٤١
ـ أنساب الأشرف ، للبلاذري ،
بتحقيق المحمودي ط بيروت.
٤٢
ـ أنيس الأعلام ، لمحمد صادق فخر
الإسلام ط طهران ـ سنة١٣٥٥هـ ش.
٤٣
ـ الأوائل ، لأبي هلال العسكري ، ط دمشق سنة ١٩٧٥
ميلادية.
٤٤
ـ أهل البيت ، لتوفيق أبو علم ،
ط سنة ١٣٩٠ هـ. ق.
٤٥
الايضاح ـ لابن شاذان ـ ط سنة١٣٩٢هـ. ق. ونشر
جامعة طهران ـ ايران.
ـ ب ـ
٤٦
ـ البحار ، للعلامة المجلسي رحمه الله تعالى ، ط
ايران ـ الطبعة الجديدة.
٤٧
ـ البحر الرائق ، لابن نجيم ط سنة
١٣١١ هـ. ق ـ وعنها بالافست في بيروت ـ دار المعرفة.
٤٨
ـ البحر الزخار ، لابن المرتضى ، ط
سنة ١٣٦٦ هـ. ق.
٤٩
ـ بحوث في تاريخ السنة المشرفة
، لأكرم ضياء العمري ، ط بيروت سنة ١٣٩٥ هـ. ق.
٥٠
ـ بحوث مع أهل السنة السلفية ، للسيد
مهدي الروحاني ، ط بيروت سنة ١٣٩٩ هـ. ق.
٥١
ـ البدء والتاريخ ، للمقدسي ، ط سنة
١٩٨٨ م.
٥٢
ـ بداية المجتهد ، لابن رشد
الأندلسي ، ط مصر سنة ١٣٨٦ هـ. ق.
٥٣
ـ البداية والنهاية ، لأبي الفداء ابن
كثير ، ط سنة ١٩٦٦ م.
٥٤
ـ البرهان في تفسير القرآن ، للبحراني
رحمه الل ، ط آفتاب ـ طهران.
٥٥
ـ بغداد ـ لطيفور ط سنة ١٣٦٨ هـ. ق.
٥٦
ـ بلاغات النساء ، لطيفور ط بيروت
سنة ١٩٧٢ م دار النهضة الحديثة.
٥٧
ـ بهج الصباغة ـ للشيخ محمد تقي
التستري ، ط ايران سنة ١٣٩٧ هـ. ق.
ـ ت ـ
٥٨
ـ التاريخ الإسلامي ، والمذهب المادي
في تفسير ط الكويت سنة ١٩٦٩ م.
٥٩
تاريخ الأمم والملوك ، لمحمد بن جرير
الطبري ، ط الاستقامة.
٦٠
ـ تاريخ بغداد ـ للخطبيب البغدادي
، ط دار الكتاب العربي.
٦١
ـ تاريخ التمدن الإسلامي ، لجرجي
زيدان ـ ط بيروت ـ دار مكتبة الحياة.
٦٢
ـ تاريخ جرجان ، للسهمي ، ط الهند
ـ حيدر آباد ، سنة ١٣٨٧ هـ. ق.
٦٣
ـ تاريخ الخلفاء لجلال الدين
السيوطي ط مصر ، سنة ١٣٧١ هـ. ق.
٦٤
ـ تاريخ الخميس ، للديار البكري ،
ط مصر سنة ١٢٨٣ هـ. ق.
٦٥
تاريخ الدولة العربية ، تأليف يوليوس
فلهوزن ، ط القاهرة سنة ١٩٥٨ م.
٦٦
ـ تاريخ مختصر الدول ، لابن
العبري ، ط لبنان ـ المطبعة الكاثوليكية.
٦٧
ـ تاريخ المدينة ، لابن شبّه ـ ط
سنة ١٤١٠ هـ. ق. دار الفكر ـ قم ـ ايران.
٦٨
ـ تاريخ اليعقوبي ، لابن واضح ، ط
دار صادر ـ بيروت.
٦٩
ـ تأويل مختلف الحديث ، لابن قتيبة
الدينوري ط دار الجيل ـ لبنان ـ سنة ١٣٩٣ هـ. ق.
٧٠
ـ التبرك ، تبرك الصحابة والتابعين بآثار الأنبياء والصالحين
، للشيخ علي الأحمدي الميانجي ، ط الدار الإسلامية ، بيروت.
٧١
ـ التبيان في تفسير القرآن ، للشيخ
الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، ط النجف الأشرف ، العراق.
٧٢
ـ تبيين الحقائق ، للزيعلي ، ط سنة
١٣١٥ هـ. ق.
٧٣
ـ تحف العقول ، لابن شعبة
الحراني. سنة ١٣٨٥ هـ. ق. النجف الأشرف ، العراق.
٧٤
ـ تذكرة الحفاظ ، للذهبي ، ط دار
إحياء التراث العربي ، بيروت.
٧٥
ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي
ط سنة ١٣٨٣ هـ. ق. النجف الأشرف العراق.
٧٦
ـ التراتيب الإدارية ، للكتاني ، ط دار
إحياء التراث العربي ، بيروت.
٧٧
ـ ترجمة الإمام الحسن (ع) من تاريخ دمشق
، لا بن عساكر ، بتحقيق المحمودي ط سنة ١٤٠٠ هـ. ق.
٧٨
ـ ترجمة الإمام الحسين ، من تاريخ دمشق
لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي سنة ١٣٩٨ هـ. ق.
٧٩
ـ تشييد المطاعن ، للسيد محمد قلي ،
ط سنة ١٢٨٣ هـ. ق.
٨٠
ـ التفسير الحديث ، لمحمد عزت دروزه
، ط مصر سنة ١٣٨٢ هـ. ق.
٨١
ـ تفسير الخازن ، ط مصر ، سنة ١٣١٧
هـ. ق.
٨٢
ـ تفسير العياشي ، ط ايران ـ
المكتبة الاسلامية.
٨٣
ـ تفسير فرات ، ط النجف.
٨٤
ـ تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ،
منشورات دار الفكر.
٨٥
ـ تفسير القمي ، لعلي بن ابراهيم
بن هاشم ; ، ط بيروت
سنة ١٣٨٧ هـ. ق.
٨٦
ـ التفسير الكبير للفخر الرازي
، منشورات دار الكتب العلمية ، طهران.
٨٧
ـ تفسير النفسي ، بهامش تفسير
الخازن. ط سنة ١٣١٧ هـ. ق. مصر.
٨٨
ـ تفسير النيسابوري ، بهامش ] جامع
البيان [ وهو
تفسير الطبري.
٨٩
ـ تقييد العلم ، للخطيب البغدادي
، ط سنة ١٩٧٤ م.
٩٠
ـ تلخيص الشافي للشيخ الطوسي رحمه
الله تعالى ط سنة ١٣٩٤ هـ. ق.
٩١
ـ تلخيص المستدرك على الصحيحين
، للذهبي ، المطبوع بهامش المستدرك في الهند سنة ١٣٤٢ هـ. ق.
٩٢
ـ تهذيب الأحكام ، للشيخ الطوسي
رحمه الله تعالى ، ط النجف ـ العراق.
٩٣
ـ تهذيب تاريخ دمشق ، لعبد القادر
بدران ، ط دار المسيرة ـ بيروت.
٩٤
ـ تهذيب التهذيب ، لابن حجر
العسقلاني ، ط دار صادر بيروت.
٩٥
ـ التوحيد وإثبات صفات الرب ، لابن
خزيمة ، ط سنة ١٣٩٣ هـ. ق.
٩٦
ـ تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب
، لأبي طالب الزيدي ط سنة
١٣٩٥ هـ.ق ـ بيروت.
٩٧
ـ تيسير الوصول لابن بديع ، ط سنة
١٨٩٦ م.
ـ ث ـ
٩٨
ـ الثقات ، لابن حبان ، ط
الهند سنة ١٣٩٧ هـ. ق.
٩٩
ـ ثلاث رسائل ، للجاحظ ـ ط سنة
١٣٨٢ هـ المطبعة السلفية ومكتبتها.
ـ ج ـ
١٠٠
ـ جامع البيان (تفسير) لمحمد بن
جرير الطبري ، ط مصر سنة ١٣٢٣ هـ. ق.
١٠١
ـ جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبد
البر القرطبي ، ط مصر سنة ١٣٨٨ هـ. ق.
١٠٢
ـ الجوهرة في نسب علي بن أبي طالب وآله
، للبري التلمساني ، ط الأعلمي ـ بيروت سنة ١٤٠٢ هـ. ق.
ـ ح ـ
١٠٣
ـ حاشية على سنن البيهقي ، لابن
تركماني ، مطبوعة بهامش السنن ،
المطبوع في الهندسة ١٣٤٤ هـ. ق.
١٠٤
ـ حديق الإفك ، لجعفر مرتضى مؤلف
هذا الكتاب ، ط دار التعارف ـ بيروت سنة ١٤٠٠ هـ. ق.
١٠٥
ـ حلية الأولياء ، لأبي نعيم ، ط
دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ سنة ١٣٨٧ هـ. ق.
١٠٦
ـ حليم أهل البيت ، لموسى محمد علي ،
من منشورات المؤسسة العصرية ـ صيدا ـ بيروت.
١٠٧
ـ حياة أمير المؤمنين لمحمد صادق الصدر
، دار التعارف ـ بيروت.
١٠٨
ـ الحياة السياسية للإمام الجواد
ـ لجعفر مرتضى ط سنة ١٤٠٥ هـ. ق. بيروت ـ لبنان.
١٠٩
ـ الحياة السياسية للإمام الرضا 7
، لجعفر مرتضى ، مؤلف هذا الكتاب ، من منشورات جماعة المدرسين ـ ايران ـ قم.
١١٠
ـ حياة الحسن ـ لباقر شريف القرشي
ط النجف ، سنة ١٣٧٥ هـ. ق.
١١١
ـ حياة الصحابة ، للكاند هلوي. ط
دار الوعي بحلب ، سوريا سنة ١٣٩١ هـ. ق..
ـ خ ـ
١١٢
ـ الخرائج والجرائح ، للراوندي ، ط
مصطفوي ـ ايران.
١١٣
ـ الخرائج ـ لأبي يوسف ، ط القاهرة سنة ١٣٩٢ هـ. ق.
١١٤
ـ خصائص أمير المؤمنين ، للنسائي ، ط
الحيدرية ، النجف الأشرف ، العراق ـ سنة ١٣٨٨ هـ. ق.
١١٥
ـ الخطط والآثار للمقريزي ، ط مصر سنة
١٢٧٠ هـ. ق.
١١٦
ـ الخوارج والشيعة ـ ليوليوس فلهوزن ـ
نشره وكالة المطبوعات ـ الكويت ـ
ـ د ـ
١١٧
ـ دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام
، لجعفر مرتضى ، مؤلف هذا الكتاب ط ايران ـ قم ـ سنة ١٤٠٠ هـ. ق.
١١٨
ـ الدر المنثور ، لجلال الدين
السيوطي ، ط سنة ١٣٧٧ هـ. ق.
١١٩
ـ دلائل الإمامة لمحمد بن جرير بن
رستم الطبري ، ط النجف الأشرف ـ العراق ـ سنة ١٣٨٣ هـ. ق.
١٢٠
ـ دلائل الصدق ، للشيخ المظفر
رحمه الله تعالى ط ايران ـ سنة ١٣٩٥ هـ. ق.
ـ ذ ـ
١٢١
ـ ذخائر العقبي ، للطبري ، ط دار
المعرفة ، بيروت.
١٢٢
ـ ذكر أخبار أصفهان ، لأبي نعيم
الأصفهاني ط ليدن ط سنة ١٩٣٤ م.
ـ ر ـ
١٢٣
ـ ربيع الأبرار ، للزمخشري ، ط
العاني ـ بغداد.
١٢٤
ـ روضة الواعظين ، للفتال
النيسابوري ، ط الحيدرية ـ النجف الأشرف ، العراق. سنة ١٣٨٦ هـ. ق.
ـ ز ـ
١٢٥
ـ الزهد والرقائق ، لابن المبارك ،
الناشر : محمد عفيف الزعبي.
ـ س ـ
١٢٦
ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) للسيد مرتضى
العسكري.
١٢٧
ـ سلمان الفارسي في مواجهة التحدي
ـ لجعفر مرتضى ـ ط سنة ١٤١٠ هـ. ق. جماعة المدرسين ـ قم ـ ايران.
١٢٨
ـ السنة قبل التدوين ، لمحمد عجاج
الخطيب ، ط القاهرة سنة ١٣٨٣ هـ. ق.
١٢٩
ـ سنن ابن ماجة ط سنة ١٣٧٣ هـ. ق.
١٣٠
ـ سنن أبي داود ، نشر دار إحياء
السنة النبوية.
١٣١
ـ سنن الترمذي ، نشر المكتبة
الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ.
١٣٢
ـ سنن الدارمي ط دار إحياء السنة
النبوية.
١٣٣
ـ السنن الكبرى للبيهقي ط الهند
سنة ١٣٤٤ هـ. ق.
١٣٤
ـ سنن النسائي ، ط دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت.
١٣٥
ـ السيادة العربية والشيعة الإسرائيليات
، لفان فلوتن.
١٣٦
ـ سيرة الأئمة الإثني عشر للسيد هاشم
معروف الحسني ، ط دار التعارف ـ بيروت.
١٣٧
ـ السيرة الحلبية ، للحلبي الشافعي ،
ط سنة ١٣٢٠ هـ. ق.
١٣٨
ـ سير إعلام النبلاء ـ للذهبي ـ ط سنة
١٤٠٦ هـ. ق. مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان:
١٣٩
ـ سيرتنا وسنتنا ، للشيخ عبد الحسين
الأميني ط النجف الأشرف العراق سنة ١٣٨٤ هـ. ق.
ـ ش ـ
١٤٠
ـ شرح نهج البلاغة ، لابن ميثم
البحراني ، ط سنة ١٣٨٤ هـ. ق.
١٤١
ـ شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد
المعتزلي ، ط سنة ١٣٨٥ هـ. ق. ـ مصر.
١٤٢
ـ شرف أصحاب الحديث ، للخطيب البغدادي
، نشر دار إحياء السنة النبوية.
١٤٣
ـ الشعر والشعراء ، لابن قتيبة
الدينوري ، ط دار صادر ـ بيروت.
١٤٤
ـ شواهد التنزيل ، للحسكاني ، ط
الأعلمي ـ بيروت ، سنة ١٣٩٣ هـ. ق.
١٤٥
ـ الشيعة في التاريخ ، للزين. ط صيدا ـ
لبنان سنة ١٣٥٧ هـ. ق.
ـ ص ـ
١٤٦
ـ صحيح البخاري ط سنة ١٣٠٩ هـ. ق.
بمصر. وغيرها من الطبعات.
١٤٧
ـ صحيح مسلم ط مصر (محمد علي
صبيح وأولاده).
١٤٨
ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم 6
، لجعفر.
١٤٩
ـ صفة الصفوة ، لأبي الفرج ابن
الجوزي ، ط دار الوعي بحلب ـ سوريا سنة ١٣٩٠ هـ. ق.
١٥٠ ـ صفين ، لنصر بن مزاحم المنقري ، ط
سنة ١٣٨٢ هـ. ق.
١٥١
ـ صلح الحسن 7
، لآل يس. ط دار الكتب العراقية ـ الكاظمية.
١٥٢
ـ صلح الحسن 7
، للسيد محمد جواد فضل. ط دار الغدير ـ بيروت.
١٥٣
ـ الصواعق المحرقة ، لابن حجر
الهيتمي. ط دار الطباعة المحمدية. مصر.
ـ ض ـ
١٥٤
ـ ضحى الإسلام ، لأحمد أمين
المصري ط. مكتبة النهضة القاهرة.
ـ ط ـ
١٥٥
ـ طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي ط
سنة ١٩١٣ م ـ ليدن.
١٥٦
ـ الطبقات الكبرى ، لابن سعد كاتب
الواقدي ، ط ليدن. و ط صادر بيروت ـ لبنان.
ـ ع ـ
١٥٧
ـ العبر ، وديوان المبتدأ والخبر ، لابن خلدون
، ط الأعلمي سنة ـ ١٣٩١ هـ. ق.
١٥٨
ـ عدة رسائل للشيخ المفيد ـ
منشورات مكتبة المفيد ـ قم ـ ايران.
١٥٩
ـ العراق في العصر الأموي. ط النجف
سنة ١٩٧٠ م.
١٦٠
ـ العقائد النسفية ط سنة ١٣٢٦ هـ. ق.
١٦١
ـ العقد الفريد ، لابن عبد ربه
الأندلسي. ط دار الكتاب العربي.
١٦٢
ـ علل الشرائع ، للشيخ الصدوق
عليه الرحمه ، ط الحيدرية ، النجف الأشرف العراق ، سنة ١٣٨٥ هـ. ق.
١٦٣
ـ العلل ومعرفة الرجال ، لأحمد بن حنبل ط
أنقرة سنة ١٩٦٣ م.
١٦٤
ـ عيون أخبار لابن قتيبة ط
المؤسسة المصرية العامة سنة ١٣٨٣ هـ. ق.
١٦٥
ـ عيون أخبار الرضا ، للشيخ الصدوق
عليه الرحمة ط ايران ـ قم ـ سنة ١٣٧٧ هـ. ق.
ـ غ ـ
١٦٦
ـ الغارات ، للثقفي ط مطبعة الحيدري ـ ايران.
١٦٧
ـ الغدير ، للعلامة الأميني ;. ط دار الكتاب العربي ، سنة ١٣٩٧ هـ.
ق.
ـ ف ـ
١٦٨
ـ الفائق ، للزمخشري ، ط عيسى البايي الحلبي
وشركاه ، سنة ١٩٧١ م.
١٦٩
ـ فتح القدير (تفسير) للشوكاني ،
نشر دار المعرفة بيروت.
١٧٠
ـ الفتن ـ لنعيم بن حماد ـ مخطوط
١٧١
ـ الفتنة الكبرى ، لطه حسين ، ط دار
المعارف بصر.
١٧٢
ـ الفتوح ، لابن أعثم ، ط سنة ١٣٩٥ هـ. ق.
١٧٣
ـ الفتوحات الإسلامية ، لدحلان ط مصطفى
محمد. مصر.
١٧٤
ـ فتوح البلدان ، للبلاذري ،
بتحقيق صلاح الدين المنجد ، ط مصر.
١٧٥
ـ فتوح مصر وأخبارها ، ط ليدن.
١٧٦
ـ فجر الإسلام ، لأحمد أمين
المصري ط بيروت سنة ١٩٦٩ م.
١٧٧
الفخري في الآداب السلطانية ، لابن
طباطبا ، ط بيروت سنة ١٣٨٥ هـ. ق.
١٧٨
ـ فدك ، للقزويني ، ط القاهرة سنة ١٣٩٦ هـ. ق.
١٧٩
ـ فرائد السمطين ، للجويني ، ط
بيروت.
١٨٠
ـ الفصل في الملل ، والأهواء النحل
، لابن حزم الاندلسي. ط بيروت سنة ١٣٩٥ هـ. ق.
١٨١
ـ الفصول المهمة ، لابن الصباغ
المالكي ط الحيدرية سنة ١٣٨١ هـ. ق.ـ النجف الأشرف ـ العراق.
١٨٢
ـ فضائل الخمسة ، للفيروز آبادي ،
ط النجف ـ العراق ـ سنة ١٣٨٣ هـ. ق.
١٨٣
ـ الفوائد المجموعة للشوكاني. ط بيروت
سنة ١٣٩٢ هـ. ق.
١٨٤
ـ فواتح الرحموت ، لابن نظام الدين
الأنصاري ، المطبوع بهامش المستصفى للغزالي ، سنة ١٣٢٢ هـ. ق.
ـ ق ـ
١٨٥
ـ قاموس الرجال ، للشيخ محمد تقي
التستري. ط طهران ـ مركز نشر الكتاب.
١٨٦
ـ قضاء أمير المؤمنين 7
للشيخ محمد تقي التستري ـ دار الشمالي للطباعة ـ بيروت.
ـ ك ـ
١٨٧
ـ الكافي ـ لمحمد بن يعقوب الكليني ـ المكتبة
الاسلامية ـ طهران سنة ١٣٨٨ هـ (الأصول) بقية الأجزاء ، ط الحيدري ـ طهران سنة
١٣٧٧ هـ. ق.
١٨٨
ـ الكامل في الأدب ، للمبرد. ط دار
نهضة مصر.
١٨٩
ـ الكامل في التاريخ ، لابن الأثير ، ط
بيروت سنة ١٣٨٥ هـ. ق.
١٩٠
ـ الكشاف ، لجار الله الزمخشري ، ط بيروت سنة
١٣٨٥ هـ. ق.
١٩١
ـ كشف الأستار عن مسند البزاز
، للهيثمي. ط سنة ١٣٩٩ هـ. ق. ـ
بيروت.
١٩٢
ـ كشف الغمة للأربلي رحمة لله عليه
، المطبعة العلمية ـ قم ـ ايران.
١٩٣
ـ الكفاية في علم الرواية ، للخطيب
البغدادي ، منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
١٩٤
ـ كفاية الطالب ، للكنجي الشافعي ،
المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ـ العراق ـ سنة ١٣٩٠ هـ. ق.
١٩٥
ـ الكنى والألقاب ، للشيخ عباس
القمي. ط النجف الأشرف ـ العراق ـ سنة ١٣٨٩ هـ. ق.
١٩٦
ـ كنز العمال ، للمتقي الهندي. ط
سنة ١٣٨١ هـ. ق.
ـ ل ـ
١٩٧
ـ لباب الآداب ، لأسامة بن منقذ.
ط الرحمانية بمصر سنة ١٣٥٤ هـ. ق.
١٩٨
ـ لسان العرب ، لابن منظور. ط
دار صادر. بيروت.
١٩٩
ـ لسان الميزان ، لابن حجر
العسقلاني ط الأعلمي ـ بيروت.
٢٠٠
ـ لطف التدبير ، لأبي عبدالله
الاسكافي. ط مصر سنة ١٩٦٤م.
ـ م ـ
٢٠١
ـ مالك ، للشيخ محمد أبو زهرة. نشر دار الفكر
العربي.
٢٠٢
ـ مالكيت خصوصي : زمين (بالفارسية) للشيخ
علي الأحمدي ط ايران. قم.
٢٠٣
ـ ما نزل من القرآن في أهل البيت
، لابن الحكم ، ط ايران ـ قم ـ سنة ١٣٩٥ هـ. ق.
٢٠٤
ـ المجتمع (مجلة) ط الكويت.
٢٠٥
ـ المجروحون ، لابن حبان ، ط
دار الوعى بحلب ـ سوريا ـ سنة ١٣٩٦ هـ. ق.
٢٠٦
ـ مجمع البيان (تفسير) للشيخ الطبرسي. ط
دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ سنة ١٣٧٩ هـ. ق.
٢٠٧
ـ مجمع الزوائد ، للهيثمي ط سنة
١٩٦٧م.
٢٠٨
ـ مجموعة الرسائل المنيرية. ط سنة ١٩٧٠
م بيروت ـ لبنان.
٢٠٩
ـ المحاسن والمساوى ، للبيهقي ط مكتبة
النهضة ـ مصر.
٢١٠
ـ محاضرات الأدباء ، للراغب الأصفهاني
ـ ط بيروت ـ لبنان.
٢١١
ـ المحبر ، لابن حبيب. ط سنة ١٣٦١ هـ.
٢١٢
ـ المراجعات. للسيد عبد الحسين
شرف الدين الموسوي رحمه الله تعالى ط صيدا ـ لبنان ـ سنة ١٣٥٥ هـ.
٢١٣
ـ مروج الذهب ـ للمسعودي ـ ط دار
الأندلس ـ بيروت.
٢١٤
ـ المستدرك على الصحيحين ، للحاكم
النيسابوري ، ط الهند سنة ١٣٤٢ هـ. ق.
٢١٥
ـ المسترشد في الإمامة ـ ط الحيدرية ـ
النجف الأشرف ـ العراق.
٢١٦
ـ المسند ، لأحمد بن حنبل ، ط. مصر سنة ١٣١٣ هـ.
ق.
٢١٧
ـ مسند أبي عوانة ، ط الهند سنة ١٣٦٢
هـ. ق.
٢١٨
ـ مشاكلة الناس لزمانهم ، لليعقوبي ط بيروت
سنة ١٩٦٢ م.
٢١٩
ـ مشكل الآثار ، للطحاوي ، ط سنة
١٢٩٤ هـ. ق.
٢٢٠
ـ مصابيح السنة ، للبغوي ط سنة
١٢٩٤ هـ. ق.
٢٢١
ـ مصادر نهج البلاغة ـ للخطيب. ط الأعلمي
ـ بيروت ـ سنة ١٣٩٥ هـ. ق.
٢٢٢
ـ المصنف ـ لعبد الرزاق الصنعاني ط سنة ١٣٩٠ هـ.
ق.
٢٢٣
ـ معاني الأخبار ، للشيخ الصدوق
عليه الرحمة ط قم. مكتبة المفيد ـ ومنشورات جماعة المدرسين.
٢٢٤
ـ المعتزلة.
٢٢٥
ـ المعجم الصغير ـ للطبراني نشر
المكتبة السلفية سنة ١٣٨٨ هـ.ق .. ـ المدينة المنورة ـ الحجاز.
٢٢٦
ـ معرفة علوم الحديث ، للحاكم
النيسابوري. ط المدينة المنورة
١٣٩٧ هـ. ق.
٢٢٧
ـ المعرفة والتاريخ ، ليعقوب بن سفيان
الفسوي ـ ط سنة ١٩٧٥م بغداد.
٢٢٨
ـ المعيار والموازنة ، لابن الاسكافي ـ
ط سنة ١٤٠٢ هـ. ق. ـ بيروت ـ لبنان.
٢٢٩
ـ المغازي للواقدي. انتشارات
اسماعيليان بطهران.
٢٣٠
ـ مقاتل الطالبيين ، لأبي فرج
الأصفهاني ط سنة ١٩٧٠ م.
٢٣١
ـ مقارنة الأديان ، لأحمد شلبي. ط
مكتبة النهضة المصرية ، سنة ١٩٧٢م.
٢٣٢
ـ مقالات الإسلاميين ، لأبي الحسن
الأشعري. ط مصر ، سنة ١٣٦٩ هـ. ق.
٢٣٣
ـ مقتل الحسين ، للخوارزمي ،
منشورات مكتبة المفيد ، قم ـ ايران.
٢٣٤
ـ مقتل الحسين ، للسيد عبد الرزاق
المقرم ;. مطبعة
الآداب ـ النجف الأشرف ـ العراق.
٢٣٥
ـ مقدمة ابن خلدون ، دار إحياء التراث
العربي ، بيروت.
٢٣٦
ـ مقدمة مرآة العقول ، للسيد مرتضى
العسكري. ط طهران سنة ١٣٩٨.
٢٣٧
ـ مكاتيب الرسول ، للشيخ علي
الأحمدي ، ايران ط مصطفوي.
٢٣٨
ـ الملل والنحل ، للشهرستاني. ط
مصر ، سنة ١٣٨٧ هـ. ق.
٢٣٩
ـ المناقب ، للخوارزمي ، ط الحيدرية في النجف
الأشرف ـ العراق ـ سنة ١٣٨٥ هـ. ق.
٢٤٠
ـ مناقب آل أبي طالب ، لابن شهر آشوب. ط
مصطفوي ، إيران.
٢٤١
ـ مناقب الإمام علي ، لابن الغازلي ، ط
طهران سنة ١٣٩٤ هـ. ق.
٢٤٢
ـ مناقب الشافعي ، للبيهقي ، ط
القاهرة سنة ١٣٩١ هـ. ق.
٢٤٣
ـ منتخب الأثر ، لطف الله الصافي.
ط ايران ـ مكتبة الصدر.
٢٤٤
ـ منتخب كنز العمال ، المطبوع بهامش
أحمد بن حنبل سنة ١٣١٣ هـ. ق.
٢٤٥
ـ المنار المنيف.
٢٤٦
ـ المنمق ـ لابن حبيب ط الهند سنة ١٣٨٤ هـ. ق.
٢٤٧
ـ منهاج السنة ، لابن تيمية ط مصر
سنة ١٣٢٢ هـ. ق.
٢٤٨
ـ الموطأ ، لمالك بن أنس : المطبوع مع تنوير
الحوالك ، للسيوطي دار إحيا الكتب العربية بمصر.
٢٤٩
ـ الموفقيات ، للزبير بن بكار ط
سنة ١٩٧٢ م.
٢٥٠
ـ الميزان في تفسير القرآن ، للسيد
محمد حسين الطباطبائي ;
ط الأعلمي ـ بيروت سنة ١٣٩٤ هـ. ق.
٢٥١
ـ ميزان الاعتدال ، للذهبي ـ ط دار
المعرفة ـ بيروت.
ـ ن ـ
٢٥٢
ـ النزاع والتخاصم ـ للمقريزي. نشر
المطبعة العلمية سنة ١٣٦٨ هـ. النجف الأشرف ـ العراق.
٢٥٣
ـ نزهة المجالس ، للصفوري الشافعي
ط مصر سنة ١٣١٤ هـ. ق.
٢٥٤
ـ نسب قريش ، لمصعب الزبيري ط
دار المعارف ـ بمصر.
٢٥٥
ـ النصائح الكافية ، لمحمد بن عقيل ـ
ط مطبعة النجاح ـ بغداد.
٢٥٦
ـ نصب الراية ، للزيعلي ط سنة
١٣٩٣ هـ. ق.
٢٥٧ ـ النص والاجتهاد
للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ;
ط كربلاء سنة ١٣٨٦ هـ. ق.
٢٥٨
ـ تظرية الإمامة ، لأحمد محمود صبحي
ـ ط دار المعارف بمصر.
٢٥٩
ـ نهاية الارب للنويري ـ ط سنة
١٩٨٠ م ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب.
٢٦٠
ـ النهاية في اللغة ، لابن الأثير ط
دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٢٦١
ـ نهج البلاغة (جمع الشريفي الرضي
رحمه الله تعالى) ط الاستقامة.
٢٦٢
ـ نور الأبصار للشبلنجي الشافعي ـ
ط مصر ـ المطبعة اليوسفية.
٢٦٣
ـ نور الثقلين ، لابن جمعة
الحويزي ط ايران ـ قم ـ مطبعة الحكمة.
٢٦٤
ـ نور القبس ، لليغموري تحقيق
رودلف زلهايم ط ١٣٨٤ هـ. ق.
٢٦٥
ـ نيل الأوطار للشوكاني ط دار
الجيل ـ بيروت سنة ١٩٧٣ م.
٢٦٦
ـ الهدى إلى دين المصطفى ، للشيخ
جواد البلاغي ط النجف الأشرف ـ العراق سنة ١٣٨٥ هـ. ق.
ـ و ـ
٢٦٧
ـ الوسائل ، للحر العاملي ط ايران ـ المكتبة
الإسلامية ـ سنة ١٣٨٥ هـ. ق.
٢٦٨
ـ وفاء الوفاء ، للسمهودي ، ط
بيروت سنة ١٣٩٣ هـ. ق.
٢٦٩
ـ وفيات الأعيان ، لابن خلكان ط مصر
، سنة ١٣١٠ هـ. ق. و ط سنة ١٣٩٨ هـ. ـ دار صادر بيروت ـ لبنان.
ـ ي ـ
٢٧٠
ـ ينابيع المودة ، للقندوزي الحنفي
ط اسلامبول ـ تركيا سنة ١٣٠١ هـ. ق.
والحمد
لله سبحانه وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
فهرس
تقديم ............................................................................................................. ٥
ما هي السياسة ................................................................ ٧
الفصل الأول : في
عهد الرسول الأعظم 6
بداية ........................................................................ ١١
النبي 6 ومستقبل الأمة ................................................... ١٢
ألف : العاطفة قد تعني موقفاً .................................................. ١٦
ب ـ قضية المباهلة ........................................................... ١٩
الأمر الأول : النموذج
الحي ................................................. ٢٣
الامر الثاني :
التخطيط .. في خدمة الرسالة ................................... ٢٤
الأمر الثالث : سياسات
لا بد من مواجهتها ................................... ٢٧
سؤال وجوابه .............................................................. ٢٩
عود على بدء ............................................................. ٣٠
الخطة .. ومواجهتها ........................................................ ٣٦
مفارقة ، من مواقف
الإمام الحسن7 ....................................... ٤١
مواقف أخرى للأئمة
وذريتهم الطاهرة ....................................... ٤٥
على خطى النبي الأكرم 6 ............................................. ٤٧
ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف ......................................... ٤٩
د : بيعة الرضوان ............................................................. ٥١
الحسن والحسين إمامان ..................................................... ٥٣
الفصل الثاني : في عهد الشيخين
فدك .. والحسنان 8 ...................................................... ٦١
الخطة العجيبة ................................................................ ٦٣
الناحية الأولى .............................................................. ٦٤
الناحية الثانية ............................................................................................... ٦٨
ألف : على صعيد العمل
السياسي ........................................... ٦٨
ب : التمهيد لبعض
الناس .................................................. ٧٢
ج : التمييز العنصري ...................................................... ٧٥
د : استبدال أهل البيت
: بغيرهم ........................................ ٧٩
هـ : عقائد جاهلية
وغريبة ................................................. ٨١
و : قدسية النبي 9 ...................................................... ٨٤
ز : تولية المفضول ......................................................... ٨٥
ح : سياسة التجهيل ....................................................... ٨٦
عليُّ 7 يبثّ العلم والإيمان ............................................... ٩٠
ط : موقفهم من حديث
رسول الله 9 ..................................... ٩٠
ي ـ تشجيع القصاصين
ورواية الإسرائيليات ................................. ٩٢
ك : لا خير في الإمارة
لمؤمن ................................................. ٩٣
ل : أينعت الثمار
واخضرّ الجناب ............................................ ٩٤
ماذا بعد أن تمهد
السبيل .................................................... ٩٦
وعلي 7 ماذا يقول ...................................................... ٩٧
والإمام الحسن 7 أيضاً ................................................... ٩٩
مشرعون جدد ، أو
أنبياء صغار ............................................. ٩٩
الأئمة : في مواجهة الخطة ............................................. ١٠٥
قضية الإمامة هي
الأساس ................................................. ١٠٦
مواقف هامة ............................................................. ١١١
انزل عن منبر أبي ........................................................... ١١٣
والإمام الحسين أيضاً ........................................................ ١١٤
الحسنان .. وأذان بلال ...................................................... ١١٦
الإمام الحسن 7 وأسئلة الأعرابي ........................................... ١١٧
فرض العطاء ............................................................... ١٢٢
الإمام الحسن 7 في الشورى ............................................... ١٢٤
الفصل الثالث : في عهد عثمان
الإمام الحسن 7 في وداع أبي ذر ........................................... ١٣١
اشتراك الإمام الحسن 7 في الفتوح .......................................... ١٣٣
التفسير والتوجيه ............................................................ ١٣٤
الرأي الصواب ............................................................. ١٣٥
ألف : آثار الفتوح على الشعوب التي افتتحت أرضها ........................... ١٣٥
آثار ونتائج .............................................................. ١٣٨
ب : آثار الفتوح على الفاتحين ............................................... ١٤٣
تربية النشء على أيدي
غير المسلمات ....................................... ١٥٠
طموحات الشباب ........................................................ ١٥٤
ابعاد المعترضين ........................................................... ١٥٤
ج : الأئمة : وتلك الفتوحات ............................................ ١٥٥
الإمام الحسن 7 وحصار عثمان ......................................... ١٦٢
معاوية هو قاتل عثمان .................................................... ١٦٧
هل جرح الإمام الحسن 7 في الدفاع عن عثمان ........................... ١٧١
قوة موقف الإمام الحسن
7 ............................................. ١٧٤
هل كان الإمام الحسن 7 عثمانياً ........................................ ١٧٦
كلمة ختامية ............................................................. ١٩١
الفهارس
١ ـ فهرس المصادر والمراجع ................................................ ١٩٥
٢ ـ فهرس محتويات الكتاب................................................. ٢١٣
|