بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فضل نوع الإنسان على سائر الحيوان بالإسلام والإيمان وجعل لهما جنودا من مكارم الشيم ومحاسن الخصال لتكون لهما حصونا من نزعات الشيطان والصلاة والسلام على النبي الكريم الرءوف الرحيم الموصوف بالخلق العظيم المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق محمد وآله المخصوصين بين أصناف البرايا بأطيب الأعراق المنصوصين بالفضل والشرف في السبع الطباق الممدوحين بأطهر الصفات وأفخر السمات في جميع الآفاق.

أما بعد : فهذا هو المجلد الخامس عشر من كتاب بحار الأنوار في بيان الإسلام والإيمان وشرائطهما وتوابعهما من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعراق وآداب معاشرة أصناف الخلق من الأقارب والأجانب وبيان معاني الكفر وما يوجبه والنفاق وما يستلزمه من مقابح الخصال ومذام الخلال وقد أفردت لأبواب العشرة كتابا لصلوحها لجعلها مجلدا برأسها وإن أدخلناها في هذا المجلد في الفهرس المذكور في أول الكتاب وأطلب من الله المعونة في نيل الحق والصواب في كل باب.


(أبواب)

(الإيمان والإسلام والتشيع ومعانيها وفضلها وصفاتها)

أقول : سيجيء في كتاب العشرة وفي كتاب الآداب والسنن ما يتعلق بهذه الأبواب من الأخبار فانتظره.

١

(باب)

(فضل الإيمان وجمل شرائطه)

الآيات :

البقرة : « هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (١).

وقال تعالى : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ » الآية (٢)

وقال تعالى : « وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ » (٣)

وقال عزوجل : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » (٤)

__________________

(١) البقرة : ١ ـ ٥.

(٢) البقرة : ٢٥.

(٣) البقرة : ٤١.

(٤) السورة : ٧٢.


وقال تعالى : « أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » (١).

وقال جل وعلا : « قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (٢).

وقال عز من قائل : « مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ » (٣)

وقال تعالى : « قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (٤).

وقال سبحانه « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (٥).

وقال تعالى « فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » إلى قوله « هُمْ فِيها خالِدُونَ » (٦).

وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (٧).

وقال سبحانه : « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا

__________________

(١) البقرة : ٨٥.

(٢) السورة : ٩٣.

(٣) السورة : ٩٨.

(٤) البقرة : ١٣٦ و ١٣٧.

(٥) السورة : ٢٤٨.

(٦) البقرة : ٢٥٦ و ٢٥٧.

(٧) السورة : ٢٧٧ و ٢٧٨.


غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » (١).

آل عمران : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (٢).

وقال تعالى : « وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » (٣).

وقال سبحانه : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » (٤).

وقال تعالى : « قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (٥)

وقال سبحانه : « وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٦).

وقال عز وعلا : « فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ » (٧).

وقال عز وجل : « وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ » (٨).

النساء : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً » (٩).

وقال تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً » (١٠)

__________________

(١) البقرة : ٢٨٥.

(٢) آل عمران : ٤٩.

(٣) آل عمران : ٥٧.

(٤) السورة : ٦٨.

(٥) السورة : ٨٤.

(٦) السورة : ١٥٢.

(٧) آل عمران : ١٧٩.

(٨) آل عمران : ١٩٩.

(٩) النساء : ٥٧.

(١٠) النساء : ١٢٢.


وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً » (١).

وقال تعالى : « وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً » (٢).

وقال سبحانه : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » (٣).

وقال جل وعلا : « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً » (٤).

وقال : « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً » (٥).

المائدة : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ » (٦)

وقال سبحانه : « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ » (٧).

وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » (٨)

__________________

(١) النساء : ١٣٦.

(٢) النساء : ١٤٦.

(٣) السورة : ١٥٢.

(٤) النساء : ١٧٣.

(٥) النساء : ١٧٥.

(٦) المائدة : ٩.

(٧) المائدة : ٦٦.

(٨) المائدة : ٦٩ ، ومثلها في سورة البقرة الآية ٦٢ ، وسورة الحج الآية : ١٧.


الأنعام : « فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » (١).

وقال سبحانه : « وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ » (٢).

وقال عز وعلا : « إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (٣).

وقال جل وعز : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٤).

وقال تعالى : « وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٥).

وقال تعالى : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (٦).

وقال تعالى : « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ » (٧).

وقال تعالى : « قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٨).

الأعراف : « اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ » (٩).

وقال تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » (١٠).

وقال سبحانه : « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ

__________________

(١) الأنعام : ٤٨.

(٢) الأنعام : ٩٢.

(٣) السورة : ٩٩.

(٤) السورة : ١٢٢.

(٥) السورة : ١٢٧.

(٦) الأنعام : ١٥٣.

(٧) الأنعام : ١٥٨.

(٨) الأنعام : ١٦١. (٩) الأعراف : ٣. (١٠) الأعراف : ٤٢.


الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (١).

الأنفال : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ » (٢).

التوبة : « الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ » (٣).

وقال تعالى : « وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » (٤).

يونس : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (٥).

وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ » (٦).

وقال تعالى : « الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ » (٧).

وقال عزوجل : « وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ » (٨).

وقال جل وعلا : « حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي

__________________

(١) الأعراف : ١٥٦ و ١٥٧.

(٢) الأنفال : ٧٣ و ٧٤.

(٣) براءة : ٢٠.

(٤) براءة : ٧٢.

(٥) يونس : ٢.

(٦) يونس : ٩.

(٧) يونس : ٦٣ و ٦٤.

(٨) يونس : ٨٧.


آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ » (١).

وقال سبحانه : « كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٢).

هود : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ » (٣).

الرعد : « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ » (٤).

إبراهيم : « وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » (٥).

النحل : « ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٦).

أسرى : « وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً » (٧).

الكهف : « وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً » (٨)

__________________

(١) يونس : ٩١.

(٢) يونس : ١٠٢ ـ ١٠٥.

(٣) هود : ٢٣ و ٢٤.

(٤) الرعد : ١٦.

(٥) إبراهيم : ٢٣ ـ ٢٧.

(٦) النحل : ١٢٣.

(٧) أسرى : ٩.

(٨) الكهف : ٢ ـ ٣.


وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ » (١).

وقال سبحانه : « وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً » (٢).

وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً » (٣).

مريم : « إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً » (٤).

وقال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » (٥).

طه : « وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى » (٦).

وقال تعالى : « وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (٧).

الأنبياء : « فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ » (٨).

الحج : « إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ » (٩).

وقال تعالى : « إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ وَهُدُوا

__________________

(١) الكهف : ٣٠ ـ ٣١.

(٢) الكهف : ٥٥.

(٣) الكهف : ١٠٨ و ١٠٩.

(٤) مريم : ٦٠.

(٥) مريم : ٩٦.

(٦) طه : ٧٥ و ٧٦.

(٧) طه : ٨٢.

(٨) الأنبياء : ٩٤.

(٩) الحج : ١٤.


إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ » (١).

وقال تعالى : « إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا » (٢).

وقال تعالى : « فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (٣).

وقال تعالى : « وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (٤).

وقال تعالى : « فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ » (٥).

المؤمنون : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ » إلى قوله « أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ » (٦).

النور : « وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ » إلى قوله « إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (٧).

وقال سبحانه : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ » (٨).

النمل : « هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » (٩).

القصص : « فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ » (١٠)

العنكبوت : « الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ » (١١)

__________________

(١) الحج : ٢٣ و ٢٤.

(٢) الحج : ٣٨.

(٣) الحج : ٥٠.

(٤) الحج : ٥٤.

(٥) الحج : ٥٦.

(٦) المؤمنون : ١ ـ ١١.

(٧) النور : ٤٧ ـ ٥١.

(٨) النور : ٦٢.

(٩) النمل : ٢ ـ ٣.

(١٠) القصص : ٦٧.

(١١) العنكبوت : ١ ـ ٣.


وقال تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ » (١).

وقال سبحانه : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ » إلى قوله « وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ » (٢).

وقال تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (٣).

وقال سبحانه : « وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ » (٤).

وقال عزوجل : « أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (٥).

وقال سبحانه : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً » إلى قوله « يَتَوَكَّلُونَ » (٦).

الروم : « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ » (٧).

وقال تعالى : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » (٨).

وقال سبحانه : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ » إلى قوله « لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ

__________________

(١) العنكبوت : ٧.

(٢) العنكبوت : ٩ ـ ١١.

(٣) العنكبوت : ٢٤.

(٤) السورة ٤٦ و ٤٧.

(٥) السورة : ٥١.

(٦) السورة : ٥٨ و ٥٩.

(٧) الروم : ١٥.

(٨) الروم : ٣٠ ـ ٣٢.


فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ » (١).

وقال : « إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ » (٢).

لقمان : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (٣).

التنزيل : « إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » (٤).

وقال تعالى : « أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٥).

الأحزاب : « وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً » (٦).

سبأ : « لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (٧)

فاطر : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ » (٨).

وقال سبحانه : « وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » (٩) الآية.

يس : « لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا » الآية (١٠).

المؤمن : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ » الآيات (١١).

وقال تعالى : « وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ » الآية (١٢).

وقال سبحانه : « إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » (١٣)

__________________

(١) الروم : ٤٣ ـ ٤٥.

(٢) الروم : ٥٣.

(٣) لقمان : ٨ و ٩.

(٤) السجدة : ١٥.

(٥) السجدة : ١٨ و ١٩.

(٦) الأحزاب : ٤٧.

(٧) سبأ : ٤.

(٨) سبأ : ٧.

(٩) السورة : ١٩.

(١٠) يس : ٧٠.

(١١) المؤمن : ٦ ـ ٩. (١٢) المؤمن : ٤٠. (١٣) المؤمن : ٥١.


وقال تعالى : « وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » الآية (١).

وقال تعالى : « فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ » (٢).

السجدة « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » (٣).

حمعسق : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » (٤).

وقال تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » (٥).

وقال سبحانه « وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » (٦).

الزخرف : « الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ » (٧).

الجاثية : « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ » (٨).

الأحقاف : « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٩).

محمد : « الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ وَالَّذِينَ

__________________

(١) المؤمن : ٥٨.

(٢) المؤمن : ٨٤ و ٨٥.

(٣) فصلت : ٨.

(٤) الشورى : ١٣.

(٥) الشورى : ٢٢ و ٢٣.

(٦) الشورى : ٢٦.

(٧) الزخرف : ٦٩ و ٧٠.

(٨) الجاثية : ٣٠.

(٩) الأحقاف : ١٣ و ١٤.


آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ » (١).

وقال تعالى « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » (٢).

الفتح : « لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً » (٣).

وقال تعالى : « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً » (٤).

وقال سبحانه : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً » (٥).

الحجرات : « وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (٦).

الذاريات : « إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ » (٧).

وقال تعالى : « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » (٨).

الحديد : « آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » (٩)

__________________

(١) القتال : ١ ـ ٣.

(٢) القتال : ١١ ـ ١٢.

(٣) الفتح : ٥.

(٤) الفتح : ٢٦.

(٥) الفتح : ٢٩.

(٦) الحجرات : ١ ـ ٧.

(٧) الذاريات : ٨ ـ ٩.

(٨) الذاريات : ٥٥.

(٩) الحديد : ٧ ـ ٩.


إلى قوله « يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » (١).

إلى قوله تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ » إلى قوله تعالى « سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » (٢).

وقال عزوجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (٣).

الحشر : « لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ » (٤).

الصف : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ » (٥).

المنافقين : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ » (٦).

التغابن : « فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

__________________

(١) الحديد : ١٢.

(٢) الحديد : ١٩ ـ ٢١.

(٣) الحديد : ٢٨.

(٤) الحشر : ٢٠.

(٥) الصف : ١ ـ ١٤.

(٦) المنافقين : ٨.


يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » إلى قوله تعالى « وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ » (١).

الطلاق : « الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً » (٢).

التحريم : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (٣).

الملك : « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (٤).

القلم : « أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (٥).

الجن : « فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً » (٦).

المطففين : « إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ » (٧).

الإنشقاق : « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » (٨).

البروج : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

__________________

(١) التغابن : ٨ ـ ١١.

(٢) الطلاق : ١٠ ـ ١١.

(٣) التحريم : ٨.

(٤) الملك : ٢٢.

(٥) القلم : ٣٥ ـ ٣٦.

(٦) الجن : ١٣.

(٧) المطففين : ٢٩ ـ ٣٦.

(٨) الانشقاق : ٢٥.


الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ » (١).

البلد : « ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » (٢).

التين : « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » (٣).

البينة : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » (٤).

العصر : « وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » السورة (٥).

تفسير

« هُدىً » أي بيان من الضلالة « لِلْمُتَّقِينَ » (٦) الذين يتقون الموبقات ويتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضى ربهم وسيأتي عن الصادق عليه السلام المتقون شيعتنا وإنما خص المتقين بالاهتداء به لأنهم المنتفعون به.

« الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » أي بما غاب عن حواسهم من توحيد الله ونبوة الأنبياء وقيام القائم عليهم السلام والرجعة والبعث والحساب والجنة والنار وسائر الأمور التي يلزمهم الإيمان بها مما لا يعرف بالمشاهدة وإنما يعرف بدلائل نصبها الله عز وجل عليه « وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ » بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها « وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ » من الأموال والقوى والأبدان والجاه والعلم « يُنْفِقُونَ » أي يتصدقون يحتملون

__________________

(١) البروج : ١١.

(٢) البلد : ١٧ ـ ١٨.

(٣) التين : ٦.

(٤) البينة : ٧ ـ ٨.

(٥) العصر : ١ ـ ٣.

(٦) البقرة : ٢.


الكل ويؤدون الحقوق لأهاليها ويقرضون ويقضون الحاجات ويأخذون بأيدي الضعفاء يقودون الضرير وينجون الضعفاء من المهالك ويحملون عنهم المتاع ويركبون الراجلين ويؤثرون من هو أفضل منهم في الإيمان على أنفسهم بالمال والنفس ويساوون من كان في درجتهم فيه ويبذلون العلم لأهله ويروون فضائل أهل البيت عليهم السلام لمحبيهم ولمن يرجون هدايته أكثر ما تقدم مأخوذ من تفسير الإمام عليه السلام (١).

وفي معاني الأخبار والعياشي عن الصادق عليه السلام أي مما علمناهم يبثون (٢).

« بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » أي من القرآن والشريعة « وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ » من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة بأنها حق وصدق من عند رب صادق حكيم كما قال الإمام عليه السلام (٣).

« وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » قال عليه السلام بالدار الآخرة بعد هذه الدنيا يوقنون لا يشكون فيها أنها الدار التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل مما عملوا وعقاب الأعمال السيئة بمثل ما كسبوه.

« أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ » قال عليه السلام أخبر عز جلاله بأن هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات « عَلى هُدىً » أي بيان وصواب « مِنْ رَبِّهِمْ » وعلم بما أمرهم به « وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » أي الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يأملون.

وقال عليه السلام في قوله تعالى : « وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا » (٤) بالله وصدقوك في نبوتك فاتخذوك إماما وصدقوك في أقوالك وصوبوك في أفعالك واتخذوا

__________________

(١) يعني التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه‌السلام.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦. وفيه « ينبئون ».

(٣) يعني الامام العسكري في التفسير المنسوب إليه عليه‌السلام.

(٤) سورة البقرة : ٢٥.


أخاك عليا بعدك إماما ولك وصيا مرضيا وانقادوا لما يأمرهم به وصاروا إلى ما أصارهم إليه ورأوا له ما يرون لك إلا النبوة التي أفردت بها.

. وأن الجنة لا تصير لهم إلا بموالاته وموالاة من ينص لهم عليه من ذريته وموالاة سائر أهل ولايته ومعاداة أهل مخالفته وعداوته وأن النيران لا تهدأ عنهم ولا يعدل بهم عن عذابها إلا بتنكبهم عن موالاة مخالفيهم ومؤازرة شانئيهم.

« وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » من أداء الفرائض واجتناب المحارم ولم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك « أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ » بساتين « تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » من تحت شجرها ومساكنها إلى آخر ما مر في أبواب المعاد.

وقال عليه السلام قال الله عز وجل لليهود « وَآمِنُوا » (١) أيها اليهود « بِما أَنْزَلْتُ » على محمد من ذكر نبوته وأنباء إمامة أخيه علي وعترته الطاهرين « مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » فإن مثل هذا الذكر في كتابكم أن محمدا النبي سيد الأولين والآخرين المؤيد بسيد الوصيين وخليفة رسول رب العالمين فاروق الأمة وباب مدينة الحكمة ووصي رسول الرحمة « وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي » المنزلة لنبوة محمد وإمامة علي والطيبين من عترته « ثَمَناً قَلِيلاً » فإن ذلك وإن كثر فإلى نفاد وخسار وبوار « وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ » في كتمان أمر محمد وأمر وصيه.

. وقيل في قوله تعالى « وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ » تعريض بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به لأنهم كانوا أهل النظر في معجزاته والعلم بشأنه والمستفتحين به والمبشرين بزمانه.

قوله تعالى « وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » (٢) استدلوا بالعطف على عدم دخول الأعمال في الإيمان وهو كذلك لكنه لا ينفي الاشتراط بل استدل في بعض الأخبار بالمقارنة عليه.

« أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ » (٣) يدل على اشتراط أجزاء الإيمان بعضها

__________________

(١) سورة البقرة : ٤١.

(٢) سورة البقرة : ٨٢.

(٣) البقرة : ٨٥.


ببعض وفسر الخزي في الحياة الدنيا بذل الجزية « إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ » قيل أي إلى جنس أشد العذاب يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم والآية في اليهود وكذا قوله :

« قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ » (١) قيل أي بموسى والتوراة أن تكفروا بي « إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » كما تزعمون بموسى والتوراة ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بموسى والتوراة بالكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

« مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ » (٢) بأن يخالفه عنادا لإنعامه على المقربين من عباده « وَمَلائِكَتِهِ » المبعوثين لنصرتهم « وَرُسُلِهِ » المخبرين عن فضلهم الداعين إلى متابعتهم « وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ » تخصيص بعد التعميم للاهتمام « فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ » يدل على وجوب الإيمان بالملائكة والرسل وأن عداوتهما كفر.

وفي تفسير الإمام عليه السلام إن الله ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم فيما يكرهون كدفعه عن بخت نصر أن يقتله دانيال من غير ذنب جنى بخت نصر حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله وحل بهم ما جرى في سابق علمه وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلام على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم أنها نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل آمنا بك فإنه ملك الرحمة وهو صديقنا وجبرئيل ملك العذاب وهو عدونا.

« قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ » (٣) في الكافي والعياشي (٤) ، عن الباقر عليه السلام إنما عنى

__________________

(١) البقرة : ٩٣.

(٢) البقرة : ٩٨.

(٣) البقرة : ١٣٦.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ٦٢ ، الكافي ج ١ ص ٤١٥ و ٤١٦ ولفظه :

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان ، عن سلام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا » الخ.


بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمة عليهم السلام ثم رجع القول من الله في الناس فقال : « فَإِنْ آمَنُوا » يعني الناس « بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » الآية « وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » يعني القرآن « وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ » يعني الصحف « وَالْأَسْباطِ » حفدة يعقوب « وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى » أي التوراة والإنجيل « وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ » جملة المذكورون منهم وغير المذكورين « مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ » كاليهود حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض.

وأحد لوقوعه في سياق النفي عم فساغ أن يضاف إليه بين ونحن له أي لله مسلمون مذعنون مخلصون.

وفي الفقيه (١) في وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لابنه فرض على اللسان الإقرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه فقال عز وجل « قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » الآية.

« فَإِنْ آمَنُوا » أي سائر الناس « بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » أي بما آمنتم به والمثل مقحم في مثله (٢) « وَإِنْ تَوَلَّوْا » أي أعرضوا « فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ » أي كفر كذا في المجمع (٣) عن الصادق عليه السلام وأصله المخالفة والمناوأة فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر « فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ » تسلية وتسكين للمؤمنين « وَهُوَ السَّمِيعُ » لأقوالكم « الْعَلِيمُ » بأخلاقكم.

__________________

(١) يعني فقيه من لا يحضره الفقيه ورواه في الكافي ج ٢ ص ٣٥ عن أبي عبد الله (ع) فى حديث طويل في باب أن الايمان مبثوث لجوارح البدن كلها : وفيه فرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقربه ، قال الله تبارك وتعالى : « وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً » وقال : « قُولُوا آمَنَّا » بالله وما « أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » فهذا ما فرض الله على اللسان.

(٢) أي في مثل هذه الموارد.

(٣) مجمع البيان ج ١ ص ٢١٨.


« فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ » (١) في المجمع عن الصادق عليه السلام هو الشيطان (٢).

أقول : ويستفاد من كثير من الأخبار أنه يعم كل ما عبد من دون الله من صنم أو إمام ضلال أو صاد عن دين الله وهو فعلوت من الطغيان (٣) وفي تفسير علي بن إبراهيم هم الذين غصبوا آل محمد حقهم.

« وَيُؤْمِنْ بِاللهِ » بالتوحيد وتصديق الرسل « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » أي طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثيق وهي مستعارة لمتمسك الحق من النظر الصحيح والدين القويم.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام (٤) هي الإيمان بالله وحده لا شريك له وعن الباقر عليه السلام هي مودتنا أهل البيت « لَا انْفِصامَ لَها » لا انقطاع لها.

وفي معاني الأخبار عن النبي من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه (٥).

__________________

(١) البقرة ٢٥٦.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٦٤.

(٣) قال في المفردات : الطاغوت عبارة عن كل متعد ، وكل معبود من دون الله ، ويستعمل في الواحد والجمع ، قال : « فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ » ، « وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ » ، « يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ » فعبارة عن كل متعد.

ولما تقدم سمى الساحر ، والكاهن ، والمارد من الجن ، والصارف عن طريق الخير طاغوتا.

ووزنه فيما قيل فعلوت نحو جبروت وملكوت ، وقيل أصله طغووت ، ولكن قلب لام الفعل. نحو صاعقة وصاقعة ، ثم قلب الواو ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله.

(٤) رواه الكليني في الكافي ج ٢ ص ١٤ باب في أن الصبغة هي الإسلام تحت الرقم ١.

(٥) معاني الأخبار ص ٣٦٨ و ٣٦٩. وسنده هكذا : حدثنا محمد بن على ماجيلويه قال : حدثني عمى محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن


« وَاللهُ سَمِيعٌ » بالأقوال « عَلِيمٌ » بالنيات.

« اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » متول أمورهم « يُخْرِجُهُمْ » بهدايته وتوفيقه « مِنَ الظُّلُماتِ » أي ظلمات الجهل والذنوب « إِلَى النُّورِ » أي نور الهدى والمغفرة وسيأتي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : المؤمن يتقلب في خمسة من النور مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومنظره يوم القيامة إلى النور.

« وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ » في الكافي ، عن الباقر عليه السلام أولياؤهم الطواغيت وفي تفسير علي بن إبراهيم هم الظالمون آل محمد « أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ » وهم الذين تبعوا من غصبهم « يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ » قيل من نور الفطرة إلى فساد الاستعداد وفي الكافي عن الصادق عليه السلام النور آل محمد والظلمات عدوهم (١).

وفي الكافي والعياشي عن أبي عبد الله عليه السلام « يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » يعني ظلمات الكفر إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله عز وجل وقال « وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ » إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار (٢).

وزاد في العياشي قال : قلت أليس الله عنى بهذا الكفار حين قال : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا » قال فقال وأي نور للكافر فأخرج منه إلى الظلمات.

« أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » العياشي عن الصادق عليه السلام فأعداء

__________________

خلف بن حماد الأسدى ، عن أبي الحسن العبدى ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعى ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلخ.

(١) الكافي ج ٨ ص ٢٨٩ والعياشي ج ١ ص ١٣٧.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ١٣٨ ، وتراه في الكافي ج ١ ص ٣٧٥ ، باب فيمن دان الله عز وجل بغير امام من الله جل جلاله ، تحت الرقم ٣.


علي هم الخالدون في النار وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة (١).

« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا » (٢) قيل أي بالله ورسله وبما جاءهم منه « وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ » عطفهما على ما يعمهما لإنافتهما على سائر الأعمال الصالحة « وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ » من آت « وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » على فائت.

« إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (٣) أي بقلوبكم فإن دليله امتثال ما أمرتم أقول تشعر بأن من يأتي بالذنوب الموبقة ليس بمؤمن.

« آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » (٤) قال البيضاوي شهادة وتنصيص من الله على صحة إيمانه والاعتداد به وأنه جازم في أمره غير شاك فيه.

« وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ » لا يخلو من أن يعطف المؤمنون على الرسول فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعا إلى الرسول والمؤمنين أو يجعل مبتدأ فيكون الضمير للمؤمنين وباعتباره يصح وقوع كل بخبره خبر المبتدإ ويكون إفراد الرسول بالحكم إما لتعظيمه أو لأن إيمانه عن مشاهدة وعيان وإيمانهم عن نظر واستدلال.

« لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » أي يقولون لا نفرق وأحد في معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذلك دخل عليه بين والمراد نفي الفرق بالتصديق والتكذيب « وَقالُوا سَمِعْنا » أجبنا « وَأَطَعْنا » أمرك « غُفْرانَكَ رَبَّنا » أي اغفر لنا غفرانك أو نطلب غفرانك « وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » أي المرجع بعد الموت وهو إقرار منهم بالبعث انتهى.

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ١٣٩.

(٢) سورة البقرة : ٢٧٧.

(٣) سورة البقرة : ٢٨٢.

(٤) البقرة : ٢٨٥.


« إِنَّ فِي ذلِكَ » (١) أي في إنبائكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم « لَآيَةً » ومعجزة « لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » أي مصدقين غير معاندين.

« فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ » (٢) الإيفاء والتوفية إعطاء الحق وافيا كاملا.

« إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » (٣) أي أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب « لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » من أمته « وَهذَا النَّبِيُ » خصوصا « وَالَّذِينَ آمَنُوا » من أمته لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة.

في الكافي (٤) والعياشي (٥) هم الأئمة ومن اتبعهم.

وفي المجمع (٦) قال أمير المؤمنين إن أولى الناس بالأنبياء أعملهم بما جاءوا به ثم تلا هذه الآية وقال إن ولي محمد صلى الله عليه واله من أطاع الله وإن بعدت لحمته.

وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته « وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » أي يتولى نصرتهم « قُلْ آمَنَّا » (٧) أمر للرسول بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالإيمان « وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » أي منقادون مخلصون في عبادته.

« وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٨) يتفضل عليهم بالعفو وغيره في الأحوال كلها.

« فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ » (٩) مخلصين « وَإِنْ تُؤْمِنُوا » حق الإيمان « وَتَتَّقُوا » النفاق « فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ » لا يقادر قدره.

« لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً » (١٠) كما فعله المحرفون من أحبارهم

__________________

(١) آل عمران : ٤٩.

(٢) آل عمران : ٥٧.

(٣) آل عمران : ٦٨.

(٤) الكافي ج ١ ص ٤١٦.

(٥) تفسير العياشي ج ١ ص ١٧٧.

(٦) مجمع البيان ج ٢ ص ٤٥٨.

(٧) آل عمران : ٨٤.

(٨) آل عمران : ١٥٢.

(٩) آل عمران : ١٧٩.

(١٠) آل عمران : ١٩٩.


« أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ » و « يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ » كما وعدوا في آية أخرى « إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ » لعلمه بالأعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء فيسرع في الجزاء ويوصل الأجر الموعود سريعا.

« أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ » (١) أي من الدماء ودرن الدنيا وأنجاسها وقيل من الأخلاق السيئة « وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً » أي دائما لا تنسخه الشمس مشتق من الظل لتأكيده كما قيل ليل أليل.

« وَعْدَ اللهِ » (٢) قال الطبرسي رحمه‌الله أي وعد الله ذلك وعدا « حَقًّا » مصدر مؤكد لما قبله كأنه قال أحقه حقا « وَمَنْ أَصْدَقُ » استفهام فيه معنى النفي أي لا أجد أصدق من الله قولا فيما أخبر ووعدا فيما وعد (٣).

« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ » (٤) أي آمنوا بألسنتهم وظاهرهم آمنوا بقلوبكم وباطنكم ليوافق ظاهركم باطنكم فالخطاب للمنافقين وقيل الخطاب للمؤمنين على الحقيقة والمعنى اثبتوا على هذا الإيمان في المستقبل وداوموا عليه واختاره الجبائي قال لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يبقى وإنما يستمر بأن يجدده الإنسان حالا بعد حال.

وقيل الخطاب لأهل الكتاب أمروا بأن يؤمنوا بالنبي والكتاب الذي أنزل عليه كما آمنوا بما معهم من التوراة والإنجيل ويكون وجه أمرهم بالتصديق بهما وإن كانوا مصدقين بهما أحد أمرين :

إما أن يكون لأن التوراة والإنجيل فيهما صفات نبينا وتصحيح نبوته فمن لم يصدقه ولم يصدق القرآن لا يكون مصدقا بهما لأن في تكذيبه تكذيب التوراة والإنجيل.

وإما أن يكون الله عز وجل أمرهم بالإقرار بمحمد والقرآن وبالكتاب

__________________

(١) النساء : ٥٧.

(٢) النساء : ١٢٢.

(٣) مجمع البيان ج ٣ ص ١١٤.

(٤) النساء : ١٣٦.


الذي أنزل من قبله وهو الإنجيل وذلك لا يصح إلا بالإقرار بعيسى عليه السلام أيضا وأنه نبي مرسل.

« وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ » أي يجحده أو يشبهه بخلقه أو يرد أمره ونهيه « وَمَلائِكَتِهِ » أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة لا تليق بهم كما قالوا إنهم بنات الله « وَكُتُبِهِ » فيجحدها « وَرُسُلِهِ » فينكرهم « وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » أي يوم القيامة « فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً » أي ذهب عن الحق وقصد السبيل ذهابا بعيدا.

« وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ » (١) بأن آمنوا بجميعهم « أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ » أي يعطيهم « أُجُورَهُمْ » الموعودة لهم سمي الثواب أجرا للدلالة على استحقاقهم لها والتصدير بسوف للدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر « وَكانَ اللهُ غَفُوراً » لم يزل يغفر ما فرط منهم من المعاصي « رَحِيماً » يتفضل بأنواع الإنعام.

« وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » (٢) أي على ما كان وعدهم به من الجزاء « وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا » أي أنفوا عن الإقرار بوحدانيته « وَاسْتَكْبَرُوا » أي تعظموا عن الإقرار له بالطاعة والعبودية « وَلِيًّا » ينجيهم من عذابه « وَلا نَصِيراً » أي ناصرا ينقذهم من عقابه (٣).

« وَاعْتَصَمُوا بِهِ » أي بحبل طاعته أو طاعة أنبيائه وحججه أو بدينه كما قال « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً »

وفي تفسير علي بن إبراهيم الاعتصام التمسك « بِهِ » بولاية أمير المؤمنين وولاية الأئمة بعده.

« فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ » أي ثواب مستحق أو نعمة منه وهي الجنة عن ابن عباس « وَفَضْلٍ » أي إحسان زائد عليه وقيل أي ما يبسط لهم من الكرامة وتضعيف الحسنات وما يزاد لهم من النعم على ما يستحقونه « وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً » قال الطبرسي رحمه‌الله (٤) صراطا مفعول ثان ليهديهم فإنه على

__________________

(١) النساء : ١٥٢.

(٢) النساء : ١٧٣.

(٣) النساء : ١٧٥.

(٤) مجمع البيان ج ٣ ص ١٤٧.


معنى يعرفهم أو حال من الهاء في إليه أي يوفقهم لإصابة فضله الذي يتفضل به على أوليائه ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليهم من أهل طاعته واقتفاء آثارهم.

وأقول : في تفسير علي بن إبراهيم (١) الصراط المستقيم علي عليه‌السلام.

« لَهُمْ مَغْفِرَةٌ » (٢) أي لذنوبهم « وَأَجْرٌ » أي ثواب « عَظِيمٌ » قال الطبرسي رحمه‌الله الفرق بين الثواب والأجر أن الثواب يكون جزاء على الطاعات والأجر قد يكون على سبيل المعاوضة بمعنى الأجرة (٣).

« وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ » (٤) قال يعني اليهود والنصارى « آمَنُوا » بمحمد « وَاتَّقَوْا » الكفر والفواحش « لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ » أي سترناها عليهم وغفرناها لهم « وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ » أي عملوا بما فيهما على ما فيهما دون أن يحرفوا شيئا منهما أو عملوا بما فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم « وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ » أي القرآن وقيل كل ما دل الله عليه من أمور الدين « لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ » بإرسال السماء عليهم مدرارا « وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ » بإعطاء الأرض خيرها وقيل لأكلوا ثمار النخيل والأشجار من فوقهم والزروع من تحت أرجلهم.

والمعنى : لتركوا في بلادهم ولم يجلوا عن بلادهم ولم يقتلوا فكانوا يتمتعون بأموالهم وما رزقهم الله من النعم وإنما خص سبحانه الأكل لأن ذلك أعظم الانتفاع وقيل كناية عن التوسعة كما يقال فلان في الخير من قرنه إلى قدمه أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها.

أقول : وفي تفسير علي بن إبراهيم « مِنْ فَوْقِهِمْ » المطر « وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ »

__________________

(١) تفسير القمي ص ٦٠٦ و ٦١٢ وغير ذلك من الموارد التي يفسر كلمة « الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » وهكذا رواه الصدوق في المعاني ص ٣٢ عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) المائدة : ٩.

(٣) مجمع البيان ج ٣ ص ١٦٩.

(٤) المائدة : ٦٥ و ٦٦.


النبات وأقول قال بعض أهل التحقيق « مِنْ فَوْقِهِمْ » الإفاضات والإلهامات الربانية « وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ » ما يكتسبونه بالفكر والنظر ومطالعة الكتب فهو محمول على الرزق الروحاني.

« مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ » قد دخلوا في الإسلام « وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ » وفيه معنى التعجب أي ما أسوأ عملهم وهم الذين أقاموا على الجحود والكفر.

« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا » (١) أي بالله وبما فرض عليهم الإيمان به « وَالَّذِينَ هادُوا » أي اليهود « وَالصَّابِئُونَ » قال علي بن إبراهيم إنهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم « وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ » منهم أي نزع عن كفره « فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ » في الآخرة حين يخاف الفاسقون « وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » إذا حزن المخالفون.

أقول قد ورد مثل هذه الآية في البقرة (٢).

« فَمَنْ آمَنَ » (٣) أي صدق الرسل « وَأَصْلَحَ » أي عمل صالحا في الدنيا « فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ » من العذاب « وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » بفوت الثواب.

« يُؤْمِنُونَ بِهِ » (٤) أي بالقرآن « وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ » فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر حتى يؤمن به ويحافظ على الطاعة وتخصيص الصلاة لأنها عماد الدين وعلم الإيمان.

« إِنَّ فِي ذلِكُمْ » (٥) أي في إنزال الماء من السماء وإخراج النباتات والأشجار والثمار « لَآياتٍ » على وجود صانع عليم حكيم قدير يقدره ويدبره وينقله من حال إلى حال « لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » فإنهم المنتفعون.

__________________

(١) المائدة : ٦٩.

(٢) البقرة : الآية ٦٢.

(٣) الأنعام : ٤٨.

(٤) الأنعام : ٩٢.

(٥) الأنعام : ٩٩.


« أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً » (١) قيل أي كافرا « فَأَحْيَيْناهُ » بأن هديناه إلى الإيمان وإنما سمي الكافر ميتا لأنه لا ينتفع بحياته ولا ينفع غيره بحياته فهو أسوأ حالا من الميت وسمي المؤمن حيا لأنه له ولغيره المصلحة والمنفعة.

وقيل : نطفة فأحييناه « وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » قيل المراد بالنور العلم والحكمة لأن العلم يهتدى به إلى الرشاد كما يهتدى بالنور في الطرقات أو القرآن والإيمان « كَمَنْ مَثَلُهُ » مثل من هو « فِي الظُّلُماتِ » أي في ظلمة الكفر.

وسمي القرآن والإيمان والعلم نورا لأن الناس يبصرون بذلك ويهتدون به من ظلمات الكفر وحيرة الضلالة كما يهتدى بسائر الأنوار وسمي الكفر ظلمة لأن الكافر لا يهتدي بهداه ولا يبصر أمر رشده كما سمي أعمى « كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » قال الحسن زينه والله لهم الشيطان وأنفسهم.

وفي الكافي (٢) عن الباقر عليه السلام « مَيْتاً » لا يعرف شيئا و « نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » إماما يأتم به « كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ » الذي لا يعرف الإمام.

وفي العياشي (٣) عنه عليه السلام الميت الذي لا يعرف هذا الشأن يعني هذا الأمر « وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً » إماما يأتم به يعني علي بن أبي طالب عليه السلام « كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ » قال بيده هكذا هذا الخلق الذين لا يعرفون شيئا.

وفي المناقب عن الصادق عليه السلام « كانَ مَيْتاً » عنا « فَأَحْيَيْناهُ » بنا.

وقال علي بن إبراهيم (٤) جاهلا عن الحق والولاية فهديناه إلينا قال النور الولاية « فِي الظُّلُماتِ » يعني ولاية غير الأئمة عليهم السلام.

وفي المجمع (٥) عن الباقر عليه السلام أنها نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.

« وَهذا صِراطُ رَبِّكَ » (٦) قيل يعني طريقه وعادته في التوفيق والخذلان وقيل الإسلام أو القرآن « مُسْتَقِيماً » لا اعوجاج فيه والنصب على الحال « قَدْ فَصَّلْنَا

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) لم نجده في الكافي.

(٣) العياشي ج ١ ص ٣٥٧.

(٤) تفسير القمي ص : ٢٠٣.

(٥) مجمع البيان ج ٤ ص ٣٥٩.

(٦) الأنعام : ١٢٢.


الْآياتِ » أي بيناها وميزناها « لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ » فيعلمون أن القادر هو الله وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه وأنه عليم بأحوال العباد حكيم عدل فيما يفعل.

بهم « لَهُمْ » للذين تذكروا وعرفوا الحق « دارُ السَّلامِ » أي دار الله أو دار السلامة من كل آفة.

وقال علي بن إبراهيم : يعني في الجنة والسلام الأمان والعافية والسرور « عِنْدَ رَبِّهِمْ » أي في ضمانه يوصلهم إليها لا محالة « وَهُوَ وَلِيُّهُمْ » قيل أي مولاهم ومحبهم وقال علي بن إبراهيم أي أولى بهم « بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » أي بسبب أعمالهم.

« وَأَنَّ هذا صِراطِي » (١) أي ولأن تعليل للأمر باتباعه وقيل الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة وقرئ إن بالكسر على الاستئناف « وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ » أي الأديان المختلفة المتشعبة عن الأهوية المتباينة « فَتَفَرَّقَ بِكُمْ » أي فتفرقكم وتزيلكم « عَنْ سَبِيلِهِ » الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان « ذلِكُمْ » الاتباع « وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » الضلال والتفرق عن الحق.

وفي روضة الواعظين ، عن النبي صلى الله عليه واله في هذه الآية سألت الله أن يجعلها لعلي ففعل (٢).

وروى العياشي عن الباقر عليه السلام أنه قال لبريد العجلي تدري ما يعني بـ « صِراطِي مُسْتَقِيماً » قال قلت لا قال ولاية علي والأوصياء قال وتدري ما يعني « وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ » قال قلت لا قال ولاية فلان وفلان قال وتدري

__________________

(١) الأنعام : ١٥٣.

(٢) ورواه ابن شهرآشوب في المناقب عن إبراهيم الثقفى بإسناده الى أبى برذة الاسلمى ج ٣ ص ٧٢.


ما معنى « فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » قال قلت لا قال يعني سبيل علي عليه السلام (١).

« هَلْ يَنْظُرُونَ » (٢) إنكار بمعنى ما ينتظرون « إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ » أي ملائكة الموت أو العذاب « أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ » أي أمره بالعذاب « أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ »في الإحتجاج ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى هذه الآية إنما خاطب نبينا صلى الله عليه واله هل ينتظر المنافقون أو المشركون « إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ » فيعاينوهم « أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ » يعني بذلك أمر ربك والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون الخالية (٣).

« يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ » إلخ كأن المعنى أنه لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا والآية تدل على أن الإيمان لا ينفع ولا يقبل عند معاينة أحوال الآخرة ومشاهدة العذاب كإيمان فرعون وقد مر تفسير الآية بتمامها في كتاب المعاد.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلام نزلت « أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » قال إذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ « لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها »

وفي الكافي والعياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام في قوله « يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ » قال طلوع الشمس من المغرب وخروج الدجال وظهور الدخان والرجل يكون مصرا ولم يعمل عمل الإيمان ثم تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه.

وعن أحدهما عليهما السلام في قوله « أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » قال المؤمن العاصي حالت بينه وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلة حسناته فلم يكسب في إيمانه خيرا (٤).

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٨٣ و ٣٨٤.

(٢) الأنعام : ١٥٨.

(٣) الاحتجاج ص ١٣٢.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٨٥.


وفي الكافي عن الصادق عليه السلام « مِنْ قَبْلُ » يعني في الميثاق « أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » قال الأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين عليهم السلام خاصة ، قال لا ينفع إيمانها لأنها سلبت (١).

وفي الإكمال عنه عليه السلام في هذه الآية يعني خروج القائم المنتظر (٢). وعنه عليه السلام قال : الآيات هم الأئمة عليهم السلام والآية المنتظرة القائم عليه السلام فيومئذ « لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها » (٣)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنها خروج دابة الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى وطلوع الشمس من مغربها (٤).

« قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ » وعيد وتهديد أي انتظروا إتيان أحد الثلاثة فإنا منتظرون له وحينئذ لنا الفوز ولكم الويل.

« قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي » (٥) أي بالوحي والإرشاد و « دِيناً » أي هداني دينا « قِيَماً » فيعل من قام كالسيد والهين « مِلَّةَ إِبْراهِيمَ » هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته وفي العياشي (٦) عن الباقر عليه السلام ما أبقت الحنيفية شيئا حتى إن منها قص الأظفار والأخذ من الشارب والختان.

وعنه عليه السلام ما من أحد من هذه الأمة يدين بدين إبراهيم عليه السلام غيرنا وغير شيعتنا وعن السجاد عليه السلام ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس منها براء.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤٢٨.

(٢) اكمال الدين ج ٢ ص ٢٧.

(٣) اكمال الدين ج ٢ ص ٥.

(٤) اكمال الدين ج ٢ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ في حديث الدجال.

(٥) الأنعام : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٦) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٨٨.


« ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ » (١) أي من القرآن والوحي « مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ » أي شياطين الجن والإنس فيحملوكم على الأهواء والبدع ويضلوكم عن دين الله وعما أمرتم باتباعه « قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ » أي تذكرا قليلا تتذكرون.

« لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها » (٢) اعتراض بين المبتدإ والخبر للترغيب في اكتساب النعيم المقيم بما يسعه طاقتهم ويسهل عليهم.

« وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » (٣) أي في الدنيا فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص وهو متقلب في نعمتي أو في الدنيا والآخرة إلا أن قوما لم يدخلوها لضلالهم « فَسَأَكْتُبُها » أي فسأثبتها وأوجبها في الآخرة « لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ » الشرك والمعاصي.

« وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ » (٤) يستفاد من بعض الآيات تأويل الطيبات بأخذ العلم من أهله والخبائث بقول من خالف وهو بطن من بطون الآية وقد مر تفسيرها في أبواب الأطعمة « وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ » أي يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة.

وأصل الإصر الثقل (٥) وكذا الأغلال « وَعَزَّرُوهُ » أي عظموه بالتقوية والذب عنه وأصل التعزير المنع وأما النور فقيل هو القرآن وفي كثير من الأخبار أنه علي عليه‌السلام.

« وَهاجَرُوا » (٦) أي فارقوا أوطانهم وقومهم حبا لله ولرسوله وهم

__________________

(١) الأعراف : ٣.

(٢) الأعراف : ٤٢.

(٣) الأعراف : ١٥٦.

(٤) الأعراف : ١٥٧.

(٥) بل المراد : وعد الناس بأن الايمان به والتسليم له يجب عما قبله فمن آمن به وأسلم له حط من عاتقه ثقل الآثام والذنوب التي اكتسبها قبل ذلك حتى حقوق الناس أي مظالمهم وأقول : على ما ثبت من تأويل الآية في المهدى « ص » يكون الايمان به والتسليم له يجب عما قبل ذلك من الآثام والذنوب كلها ، اللهم اجعلنا من الآمنين به.

(٦) الأنفال : ٧٣.


المهاجرون من مكة إلى المدينة « وَالَّذِينَ آوَوْا » أي آووهم إلى ديارهم « وَنَصَرُوا » هم على أعدائهم وهم الأنصار « أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا » لأنهم حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة والانسلاخ من الأهل والمال والنفس لأجل الدين « لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » لا تبعة له ولا منة فيه.

« وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ » (١) يريد اللاحقين بعد السابقين « فَأُولئِكَ مِنْكُمْ » أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار وحكمهم حكمكم في وجوب موالاتهم ونصرتهم وإن تأخر إيمانهم وهجرتهم.

« أَعْظَمُ دَرَجَةً » (٢) أي ممن لم يستجمع هذه الصفات « وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ » أي المختصون بالفوز ونيل الحسنى عند الله.

« وَمَساكِنَ طَيِّبَةً » (٣) أي يطيب فيها العيش « فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ » أي إقامة وخلود وقد مضت الأخبار في ذلك من باب وصف الجنة « وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ » يعني وشيء من رضوانه أكبر من ذلك كله لأن رضاه سبب كل سعادة وموجب كل فوز وبه ينال كرامته التي هي أكبر أصناف الثواب « ذلِكَ » الرضوان « هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » الذي يستحقر دونه كل لذة وبهجة.

« أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (٤) أي سابقة وفضلا سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها باليد تعطى وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية وفي المجمع (٥) عن الصادق عليه السلام أن معنى قدم صدق شفاعة محمد صلى الله عليه واله وفي الكافي والعياشي (٦) هو رسول الله صلى الله عليه واله وفيهما بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وهذا لأن الولاية من شروط الشفاعة وهما متلازمتان.

« بِإِيمانِهِمْ » (٧) أي بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق المؤدي

__________________

(١) الأنفال : ٧٤.

(٢) براءة : ٢٠.

(٣) براءة : ٢٢.

(٤) يونس : ٢.

(٥) مجمع البيان ج ٥ ص ٨٩.

(٦) تفسير العياشي ج ٢ ص ١١٧ و ١١٨.

(٧) يونس : ٩.


إلى الجنة « فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ » لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها أو يهديهم في الآخرة إليها.

« وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ » (١) بالنصرة في الدنيا والجنة في العقبى.

« آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ » (٢) قال الطبرسي (٣) رحمه‌الله فيه إضمار أي قيل له آلآن آمنت حين لم ينفع الإيمان ولم يقبل لأنه حال الإلجاء وقد عصيت بترك الإيمان في حال ما ينفعك الإيمان فهلا آمنت قبل ذلك وإيمان الإلجاء لا يستحق به الثواب فلا ينفع انتهى.

وذكر الرازي لعدم قبول توبة فرعون وجوها منها أنه إنما آمن عند نزول العذاب والإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأنه عند نزول العذاب وقت الإلجاء وفي هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة.

« كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا » (٤) أي مثل ذلك الإنجاء « نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ » منكم حين نهلك المشركين و « حَقًّا عَلَيْنا » اعتراض يعني حق ذلك علينا حقاو في المجمع (٥) والعياشي (٦) عن الصادق عليه السلام ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنه من أهل الجنة إن الله تعالى يقول « كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ».

« وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ » (٧) فإنه هو الحقيق بأن يخاف ويرجى ويعبد وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد « وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » المصدقين بالتوحيد فهذا ديني.

__________________

(١) يونس : ٨٧.

(٢) يونس : ٩١.

(٣) مجمع البيان ج ٥ ص ١٣١.

(٤) يونس : ١٠٢.

(٥) مجمع البيان ج ٥ ص ١٣٨.

(٦) تفسير العياشي ج ٢ ص ١٣٨.

(٧) يونس : ١٠٣.


« وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ » (١) عطف على أن أكون غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر والمعنى أمرت بالاستقامة والسداد في الدين بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح.

« وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ » (٢) أي اطمأنوا إليه وخشعوا له « مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ » أي الكافر والمؤمن « كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ » أي كالأعمى وكالأصم أو كالأعمى الأصم « وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ » أي كالبصير وكالسميع أو كالبصير السميع وذلك لتعامي الكافر عن آيات الله وتصامه عن استماع كلام الله وتأبيه عن تدبر معانيه « أَفَلا تَذَكَّرُونَ » بضرب الأمثال والتأمل فيها.

« هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » (٣) قال علي بن إبراهيم يعني الكافر والمؤمن « أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ » قال الكفر والإيمان.

« كَلِمَةً طَيِّبَةً » (٤) قيل أي قولا حقا ودعاء إلى صلاح « كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ » يطيب ثمرها كالنخلة وفي المجمع (٥) عن النبي صلى الله عليه واله أن هذه الشجرة الطيبة النخلة « أَصْلُها ثابِتٌ » في الأرض ضارب بعروقه فيها « تُؤْتِي أُكُلَها » أي تعطي ثمرها « كُلَّ حِينٍ » أي كل وقت وقته الله لإثمارها « بِإِذْنِ رَبِّها » أي بإرادة خالقها « لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » لأن في ضرب الأمثال تذكيرا وتصويرا للمعاني بالمحسوسات لتقريبها من الأفهام.

وفي العياشي (٦) عن الصادق عليه السلام هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيه ولمن عاداهم.

وفي الكافي ، (٧) عنه عليه السلام أنه سئل عن الشجرة في هذه الآية فقال : رسول الله صلى الله عليه واله أصلها وأمير المؤمنين عليه السلام فرعها والأئمة من ذريتهما أغصانها

__________________

(١) يونس : ١٠٥.

(٢) هود : ٢٣ و ٢٤.

(٣) الرعد : ١٦.

(٤) إبراهيم : ٢٤ ـ ٢٧.

(٥) مجمع البيان ج ٦ ص ٣١٢.

(٦) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٢٤.

(٧) الكافي ج ١ ص ٤٢٨.


وعلم الأئمة ثمرها وشيعتهم المؤمنون ورقها.

قال والله إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها.

وفي الإكمال الحسن والحسين ثمرها والتسعة من ولد الحسين أغصانها وفي معاني الأخبار (١) وغصن الشجرة فاطمة وثمرها أولادها وورقها شيعتنا وزاد في الإكمال « تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ » ما يخرج من علم الإمام إليكم في كل سنة من كل فج عميق.

« وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ » قيل أي قول باطل ودعاء إلى ضلال أو فساد « كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ » لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل « اجْتُثَّتْ » أي استؤصلت وأخذت جثته بالكلية « مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ » لأن عروقها قريبة منه « ما لَها مِنْ قَرارٍ » أي استقرار.

وفي المجمع (٢) عن الباقر عليه السلام أن هذا مثل بني أمية وروى علي بن إبراهيم عنه عليه السلام كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء وبنو أمية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم.

« بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ » قيل أي الذي ثبت بالحجة والبرهان عندهم وتمكن في قلوبهم واطمأنت إليه أنفسهم « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » فلا يزلون إذا افتتنوا في دينهم « وَفِي الْآخِرَةِ » فلا يتلعثمون (٣) إذا سئلوا عن معتقدهم « وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ » الذين ظلموا أنفسهم بالجحود والاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام يعني يضلهم يوم القيامة عن دار كرامته « وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » من تثبيت المؤمنين وخذلان الظالمين.

ويظهر من كثير من الأخبار أن التثبيت في الدنيا عند الموت وفي الآخرة في القبر أو الآخرة تشمل الحالتين وقد مضت الأخبار الكثيرة في تفسير الآيات المذكورة في كتب الإمامة والفتن والمعاد وقد أوردنا وجوها كثيرة فيها

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٤٠٠.

(٢) مجمع البيان ج ٦ ص ٣١٣.

(٣) تلعثم : توقف وتلكأ.


فلا نعيدها.

« حَنِيفاً » (١) قال الراغب الحنف هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة والجنف بالعكس (٢).

« أَجْراً حَسَناً » (٣) هو الجنة « أَبَداً » بلا انقطاع.

« إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ » (٤) إلا انتظار أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك والاستئصال « أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ » أي عذاب الآخرة « قُبُلاً » أي عيانا.

« كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ » (٥) قال في المجمع (٦) أي كان في حكم الله وعلمه لهم بساتين الفردوس وهو أطيب موضع في الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها « نُزُلاً » أي منزلا ومأوى وقيل ذات نزل وقال الراغب النزل ما يعد للنازل من الزاد (٧) « لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً » أي تحولا إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم.

« وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً » (٨) قيل أي لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ويجوز أن ينتصب شيئا على المصدر.

« سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » (٩) قيل أي سيجعل لهم في القلوب مودة وقد مر (١٠) في أخبار كثيرة أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام حيث جعل الله له في قلوب المؤمنين ودا وفرض مودته وولايته على الخلق.

__________________

(١) النحل : ١٢٣.

(٢) المفردات : ص ٣٣ وفيه : والجنف ميل عن الاستقامة الى الضلال.

(٣) الكهف : ٢ ـ ٣.

(٤) الكهف : ٥٥.

(٥) الكهف : ١٠٨.

(٦) مجمع البيان ج ٦ ص ٤٩٨.

(٧) المفردات : ص ٤٨٩.

(٨) مريم : ٦٠.

(٩) مريم : ٩٦.

(١٠) راجع تاريخ أمير المؤمنين عليه‌السلام الباب ١٤ ج ٣٥ ص ٣٦٠ من هذه الطبعة.


« قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ » (١) أي في الدنيا « لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى » أي المنازل الرفيعة « جَنَّاتُ عَدْنٍ » بدل من الدرجات « مَنْ تَزَكَّى » أي من تطهر من أدناس الكفر والمعاصي.

« لِمَنْ تابَ » (٢) أي من الشرك « وَآمَنَ » بما يجب الإيمان به « ثُمَّ اهْتَدى » أي إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام كما ورد في الأخبار الكثيرة التي قد مر بعضها وسيأتي بعضها إن شاء الله.

« وَهُوَ مُؤْمِنٌ » (٣) أي بالله ورسله « فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ » أي لا تضييع له استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لإعطائه « وَإِنَّا لَهُ » أي لسعيه « كاتِبُونَ » أي مثبتون في صحيفة عمله.

« يَفْعَلُ ما يُرِيدُ » (٤) أي من إثابة الموحد الصالح وعقاب المشرك لا دافع له ولا مانع.

« مِنْ أَساوِرَ » (٥) جمع أسورة وهي جمع سوار « مِنْ ذَهَبٍ » بيان له « وَلُؤْلُؤاً » عطف عليها لا على ذهب « إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ » قيل هو قولهم الحمد لله الذي صدقنا وعده أو كلمة التوحيد وقال علي بن إبراهيم التوحيد والإخلاص « وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ » قيل أي المحمود نفسه أو عاقبته وهو الجنة أو الحق أو المستحق لذاته الحمد وهو الله تعالى وصراطه الإسلام.

وفي المحاسن عن الباقر عليه السلام هو والله هذا الأمر الذي أنتم عليه وفي الكافي (٦) عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار هدوا إلى أمير المؤمنين.

« إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا » (٧) أي غائلة المشركين.

« وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (٨) قيل الكريم من كل نوع ما يجمع فضائله

__________________

(١) طه : ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) طه : ٨٢.

(٣) الأنبياء : ٩٤.

(٤) الحج : ١٤.

(٥) الحج : ٢٣ و ٢٤.

(٦) الكافي ج ١ ص ٤٢٦.

(٧) الحج : ٣٨. (٨) الحج : ٥٠.


« إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (١) قال علي بن إبراهيم إلى الإمام المستقيم.

« قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » (٢) في الكافي (٣) عن الباقر عليه السلام قال : أتدري من هم قيل أنت أعلم قال « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » المسلمون إن المسلمين هم النجباء وروى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام قال : لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » الآية.

وأقول تدل الآيات على اشتراط تأثير الإيمان في دخول الجنة بالأعمال وإن أمكن تأويلها بما سيأتي وكذا قوله تعالى « وَيَقُولُونَ آمَنَّا » إلى آخر الآيات تدل على بعض شرائط الإيمان وأن من لم يتحاكم إلى الرسول ولم يرض بحكمه فليس بمؤمن.

« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ » (٤) حمل على الكاملين في الإيمان « الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ » أي من صميم قلوبهم « وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ » كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور « حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ » أي الرسول صلى الله عليه واله « إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ » أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك تنبيها على كونه مصداقا لصحة الإيمان ومميزا للمخلص عن المنافق وتعظيما للجرم.

« فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ » (٥) قيل عسى تحقيق على عادة الكرام أو ترجي من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح.

« وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ » (٦) أي لا يختبرون وفي المجمع (٧) عن الصادق عليه السلام

__________________

(١) الحج : ٥٤.

(٢) المؤمنون : ٥١.

(٣) الكافي ج ١ ص ٣٩١ وبعده : فالمؤمن غريب فطوبى للغرباء ، ورواه في المحاسن ص ٢٧٢.

(٤) المؤمنون : ٦٢.

(٥) القصص : ٦٧.

(٦) العنكبوت : ١ ـ ٣.

(٧) مجمع البيان ج ٨ ص ٢٧٢.


معنى يفتنون يبتلون في أنفسهم وأموالهم. وعن النبي صلى الله عليه واله أنه لما نزلت هذه الآية قال لا بد من فتنة يبتلى بها الأمة ليتعين الصادق من الكاذب لأن الوحي قد انقطع وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة.

وفي الكافي (١) عن الكاظم عليه السلام أنه قرأ هذه الآية ثم قال ما الفتنة قيل الفتنة في الدين فقال يفتنون كما يفتن الذهب ثم يخلصون كما يخلص الذهب.

« فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا » أي في الوجود بحيث يتميز الذين صدقوا في الإيمان والذين كذبوا فيه بعد ما كان يعلمهم قبل ذلك أنهم سيوجدون ويمتحنون.

وفي المجمع (٢) عن أمير المؤمنين والصادق عليه السلام أنهما قرءا بضم الياء وكسر اللام فيهما من الإعلام أي ليعرفنهم الناس.

وأقول تدل على أن الإقرار الظاهري غير كاف في الإيمان الواقعي.

« أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ » (٣) أي أحسن جزاء أعمالهم.

« لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ » (٤) أي في جملتهم أو في زمرتهم في الجنة « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ » بلسانه « فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ » أي في دينه أو في ذاته « جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ » أي تعذيبهم وأذيتهم « كَعَذابِ اللهِ » فيرجع عن الدين كما ينبغي للكافر أن يترك دينه مخافة عذاب الله « وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ » أي فتح وغنيمة « لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ » في الدين فأشركونا فيه والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين ويؤيد الأول « أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ » أي من الإخلاص والنفاق « وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا » بقلوبهم « وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ » فيجازي الفريقين.

« وَقُولُوا » (٥) أي لأهل الكتاب في المجادلة وفي الدعوة إلى الدين فلا

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٧٠.

(٢) مجمع البيان ج ٨ ص ٢٧١.

(٣) العنكبوت : ٧.

(٤) العنكبوت : ٩ ـ ١١.

(٥) العنكبوت : ٤٦ و ٤٧.


يدل على اشتراط الإيمان بالقول « فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ » أي علمه أي مؤمنو أهل الكتاب « وَمِنْ هؤُلاءِ » يعني من العرب أو من أهل مكة أو ممن في عهد الرسول صلى الله عليه واله من أهل الكتاب « مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ » أي بالقرآن « وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا » مع ظهورها وقيام الحجة عليها « إِلاَّ الْكافِرُونَ » المتوغلون في الكفر.

« يُتْلى عَلَيْهِمْ » (١) أي تدوم تلاوته عليهم « إِنَّ فِي ذلِكَ » أي الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة مبينة « لَرَحْمَةً » أي لنعمة عظيمة « وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » أي تذكرة لمن همه الإيمان دون التعنت.

« لَنُبَوِّئَنَّهُمْ » (٢) لننزلنهم « مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ » المخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله وهو الجنة أو الغرف « الَّذِينَ صَبَرُوا » على المحن والمشاق في الدين « وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » أي لا يتوكلون إلا على الله.

« فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ » (٣) قيل أي أرض ذات أزهار وأنهار « يُحْبَرُونَ » أي يسرون سرورا تهللت له وجوههم وقال علي بن إبراهيم أي يكرمون.

« فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً » (٤) قيل أي مائلا مستقيما عليه وقيل هو تمثيل للإقبال واستقامة عليه والاهتمام به وقال علي بن إبراهيم أي طاهرا وروى هو والكليني (٥) عن الباقر عليه السلام أنه قال : هو الولاية وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال : أمره أن يقيم وجهه لقبلة ليس فيه شيء من عبادة الأوثان.

« فِطْرَتَ اللهِ » نصب على الإغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها « الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » أي خلقهم عليها قيل وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها.

__________________

(١) العنكبوت : ٥١.

(٢) العنكبوت : ٥٨ و ٥٩.

(٣) الروم : ١٥.

(٤) الروم : ٣٠ ـ ٣٢.

(٥) الكافي ج ١ ص ٤١٩.


وفي الكافي (١) عن الصادق عليه السلام أنه سئل ما تلك الفطرة قال هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » (٢) وفيهم المؤمن والكافر.

وفي كثير من الأخبار (٣) فطرهم على التوحيد وفي بعضها فطرهم على الولاية وفي بعضها فطرهم على التوحيد ومحمد رسول الله صلى الله عليه واله وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام (٤).

وعن الباقر عليه السلام (٥) فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة أنه ربهم قال لو لا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم وقد مضت الأخبار والأقوال في ذلك في كتاب العدل.

« لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » أي لا يقدر أحد أن يغيره أو لا ينبغي أن يغير « ذلِكَ » إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة إن فسرت بالملة « الدِّينُ الْقَيِّمُ » أي المستوي الذي لا عوج فيه « وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » أي استقامته « مُنِيبِينَ إِلَيْهِ » أي راجعين إليه مرة بعد أخرى « مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ » أي اختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم وقرأ حمزة والكسائي فارقوا أي تركوا « وَكانُوا شِيَعاً » أي فرقا يشايع كل إمامها الذي أصل دينها « كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » أي مسرورون ظنا بأنه الحق (٦).

« لِلدِّينِ الْقَيِّمِ » أي البليغ الاستقامة « لا مَرَدَّ لَهُ » لتحتم مجيئه « يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ » أصله يتصدعون أي يتفرقون « فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ».

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢.

(٢) الأعراف : ١٧٢.

(٣) راجع الكافي كتاب الإيمان والكفر باب فطرة الخلق على التوحيد.

(٤) راجع الكافي ج ١ ص ٤١٢ وتراه في كشف الحق بروايته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج ١ ص ٩٣.

(٥) تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٠.

(٦) الروم : ٤٣.


« لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ » (١) قيل أي لهم نعيم جنات فعكس للمبالغة.

« خالِدِينَ فِيها » حال من الضمير في لهم أو من جنات النعيم « وَعْدَ اللهِ حَقًّا » مصدران مؤكدان الأول لنفسه والثاني لغيره لأن قوله « لَهُمْ جَنَّاتُ » وعد وليس كل وعد حقا « وَهُوَ الْعَزِيزُ » الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده « الْحَكِيمُ » الذي لا يفعل إلا ما تستدعيه حكمته.

« بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً » (٢) أي على سائر الأمم أو على أجر أعمالهم « وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » أي لا تعب فيه ولا من عليه.

« وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » (٣) أي الكافر والمؤمن « وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ » أي ولا الباطل ولا الحق « وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ » أي ولا الثواب ولا العقاب ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد والحرور من الحر غلب على السموم.

وقال علي بن إبراهيم : الظل الناس والحرور البهائم وكأنهم إنما سموا ظلا لتعيشهم في الظلال والبهائم حرورا لتعيشهم فيها وفي بعض النسخ للناس وللبهائم وهو أصوب وفي بعضها ولا الحرور والحرور السمائم وهو أظهر منهما.

« وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل للعلماء والجهلاء « إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ » هدايته فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته « وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ » أي المصرين على الكفر.

وقال علي بن إبراهيم قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع من في القبور.

« مَنْ كانَ حَيًّا » (٤) قال ره يعني مؤمنا حي القلب وفي المجمع عن

__________________

(١) لقمان : ٨ و ٩.

(٢) الأحزاب : ٤٧.

(٣) فاطر : ١٩.

(٤) يس : ٧٠.


أمير المؤمنين عليه السلام أي عاقلا « وَيَحِقَّ الْقَوْلُ » أي تجب كلمة العذاب « عَلَى الْكافِرِينَ » (١).

« الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ » (٢) أخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » في الأخبار الكثيرة للذين آمنوا بولايتهم عليهم السلام « رَبَّنا » أي يقولون ربنا « وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً » أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء « فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » قيل أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق « وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ».

« رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ » أي إياها « وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ » عطف على هم الأول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد « إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ » الذي لا يمتنع عليه مقدور « الْحَكِيمُ » الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد.

« وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ » أي العقوبات أو جزاء السيئات أو المعاصي في الدنيا لقوله « وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ » أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة « وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما.

« وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ » (٣) قيل أي بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا من الله ورحمة ولعل جعل العمل عمدة والإيمان حالا للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل وأن ثوابه أعلى من ذلك.

« إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا » (٤) قيل أي بالحجة والظفر والانتقام من الكفرة « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » الأشهاد جمع شاهد والمراد بهم من يقوم

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٤٣٢.

(٢) المؤمن : ٦ ـ ٩.

(٣) المؤمن : ٤٠.

(٤) المؤمن : ٥١.


يوم القيامة للشهادة على الناس من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.

وقال علي بن إبراهيم هو في الرجعة إذا رجع رسول الله صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام وروى بإسناده عن الصادق عليه السلام قال : ذلك والله في الرجعة أما علمت أن أنبياء الله كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا والأئمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في الرجعة.

« وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ » (١) أي الجاهل والمستبصر « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ » أي ولا يستوي المؤمن المحسن والمسيء مؤمنا كان أو غيره « قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ » أي تذكرا ما قليلا تتذكرون.

« فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا » (٢) أي عذابنا النازل بهم قال في المجمع (٣) أي عند رؤيتهم بأس الله وعذابه لأنهم يصيرون عند ذلك ملجئين وفعل الملجإ لا يستحق به المدح « سُنَّتَ اللهِ » نصبها على المصدر أي سن الله هذه السنة في الأمم الماضية كلها إذ لا ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب والمراد بالسنة هنا الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين « وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ » بدخول النار واستحقاق النقمة وفوت الثواب والجنة.

وفي العيون (٤) عن الرضا عليه السلام أنه سئل لأي علة غرق الله فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده قال لأنه آمن عند رؤية البأس والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله عز وجل « فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا » الآيتين (٥).

__________________

(١) المؤمن : ٥٨.

(٢) المؤمن : ٨٤ و ٨٥.

(٣) مجمع البيان ج ٨ ص ٥٣٥.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٧٧ ـ ط دار العلم قم.

(٥) قال بعد ذلك : ولعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون وهي انه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله ، فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لم تغث فرعون لانك لم تخلقه ، ولو استغاث بى لاغثته. أقول : العلة الأولى لعدم قبول ايمانه ، وهذه وجه عدم اغاثته ونجاته من الغرق.


وقال الرازي في تفسيره فإن قيل اذكروا ضابطا في الوقت الذي لا ينفع الإتيان بالإيمان قلنا إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملائكة الرحمة والعذاب لأن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الإيمان فذلك الإيمان لا ينفع إنما ينفع مع القدرة على خلافه حتى يكون المرء مختارا أما إذا عاينوا علامات الآخرة فلا ينفع.

قوله « غَيْرُ مَمْنُونٍ » (١) أي لا يمن به عليكم أو غير مقطوع.

« شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ » (٢) أي قرر لكم دين نوح ومحمد ومن بينهما من أرباب الشرائع عليهم السلام وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله « وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » أي ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ».

« كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ » أي عظم عليهم « ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » من التوحيد (٣) « اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ » أي يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين « وَيَهْدِي إِلَيْهِ » بالإرشاد والتوفيق « مَنْ يُنِيبُ » أي يقبل إليه.

وقال علي بن إبراهيم (٤) هم الأئمة الذين اختارهم واجتباهم وعن الصادق عليه السلام « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » قال الإمام « وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » كناية عن أمير المؤمنين « ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » من ولاية علي عليه السلام « مَنْ يَشاءُ » كناية عن علي عليه‌السلام وسيأتي خبر طويل في تأويل هذه الآية.

__________________

(١) فصلت : ٨.

(٢) الشورى : ١٣.

(٣) في الكافي ج ١ ص ٤١٨ في حديث الرضا عليه‌السلام أن المراد كبر على المشركين بولاية علي عليه‌السلام ما تدعوهم إليه يا محمد من ولاية على ، هكذا في الكتاب مخطوطة.

(٤) وهكذا رواه في كنز جامع الفوائد ص ٢٨٤.


« فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ » (١) قيل أي في أطيب بقاعها وأنزهها « لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ » أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم « ذلِكَ » إشارة إلى ما للمؤمنين « هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ » الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا « ذلِكَ الَّذِي » أي ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد أو « ذلِكَ » التبشير « الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ.

«وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا » (٢) قيل أي يستجيب الله لهم فحذف اللام والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة أو يستجيبون الله بالطاعة إذا دعاهم إليها وفي المجمع (٣) عن ابن عباس في حديث طويل أن الأنصار عرضوا على النبي صلى الله عليه واله أموالهم فنزلت « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » فخرجوا من عنده مسلمين وقال المنافقون إن هذا الشيء افتراء وساق إلى قوله وقال « وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا » وهم الذين سلموا لقوله.

وفي الكافي (٤) عن الباقر عليه السلام قال : هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك آمين ويقول العزيز الجبار ولك مثلا ما سألت لحبك إياه.

وفي المجمع (٥) عن النبي صلى الله عليه واله قال : « وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » الشفاعة لمن وجبت له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا.

« الَّذِينَ آمَنُوا » (٦) صفة للمنادي في قوله « يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ تُحْبَرُونَ » أي تسرون أو تزينون أو تكرمون إكراما يبالغ فيه.

« فِي رَحْمَتِهِ » (٧) التي من جملتها الجنة « ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ » لخلوصه

__________________

(١) الشورى : ٢٢ و ٢٣.

(٢) الشورى : ٢٦.

(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٩.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٥٠٧.

(٥) مجمع البيان ج ٩ ص ٣٠.

(٦) الزخرف : ٦٩ ـ ٧٠.

(٧) الجاثية : ٣٠.


عن الشوائب.

« قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » (١) قيل أي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل وثم للدلالة على تأخير رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد وقال علي بن إبراهيم استقاموا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام « فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ » من لحوق مكروه « وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » على فوات محبوب.

« وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ » (٢) قال علي بن إبراهيم نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله الذين ارتدوا بعده وغصبوا أهل بيته حقهم وصدوا عن أمير المؤمنين وعن ولاية الأئمة عليهم السلام « أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ » أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول الله صلى الله عليه واله من الجهاد والنصر.

وروي عن الصادق عليه السلام في قوله « وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ » قال بما نزل على محمد في علي هكذا نزلت « كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ » قال نزلت في أبي ذر وسلمان وعمار والمقداد لم ينقضوا العهد قال « وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ » أي أثبتوا على الولاية التي أنزلها الله « وَهُوَ الْحَقُ » يعني أمير المؤمنين عليه السلام « بالَهُمْ » أي حالهم.

« ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ » قال وهم الذين اتبعوا أعداء رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وروي عن الصادق عليه السلام قال : في سورة محمد صلى الله عليه واله آية فينا وآية في أعدائنا (٣).

« مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا » (٤) أي ناصرهم على أعدائهم وقال علي بن إبراهيم يعني الذين ثبتوا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام « لا مَوْلى لَهُمْ » فيدفع العذاب عنهم.

__________________

(١) الأحقاف : ١٣.

(٢) القتال : ١ ـ ٣.

(٣) راجع مجمع البيان ج ٩ ص ٩٥ ، ورواه في كنز جامع الفوائد ص ٣٠٢ و ٣٣٤ عن علي عليه‌السلام.

(٤) القتال : ١١.


« لِيُدْخِلَ » (١) قيل أي فعل ما فعل ودبر ما دبر ليدخل « وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ » أي يغطيها ولا يظهرها « فَوْزاً عَظِيماً » لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضرر.

« وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (٢) أي أنزل عليهم الثبات والوقار « وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى » أي كلمة بها يتقى من النار أو هي كلمة أهل التقوى وقال الأكثر هي كلمة الشهادة وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه واله وعن الصادق عليه السلام هي الإيمان وعن النبي صلى الله عليه واله في وصف علي عليه السلام هو الكلمة التي ألزمتها المتقين (٣).

وفي أخبار كثيرة عنهم عليهم السلام نحن كلمة التقوى أي ولايتهم « وَكانُوا أَحَقَّ بِها » أي بتلك الكلمة من غيرهم « وَأَهْلَها » أي المستأهل لها « وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً » فيعلم أهل كل شيء وييسره له.

« حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ » (٤) أي جعله أحب الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته وبما وعد من الثواب عليه « وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » بالألطاف الداعية إليه وفيه إشعار بأن الإيمان من فعل القلب « وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ » بما وصف من العقاب عليه وبوجوه الألطاف الصارفة عنه « وَالْفُسُوقَ » أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي « وَالْعِصْيانَ » أي جميع المعاصي وقيل الفسوق الكذب وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام (٥).

وفي الكافي وغيره (٦) عن الصادق عليه السلام أن الإيمان أمير المؤمنين عليه السلام والثلاثة

__________________

(١) الفتح : ٥.

(٢) الفتح : ٢٦.

(٣) منها ما تراه في ج ٣٥ ص ٣٠٠ من هذه الطبعة في روايات المعراج ، وتراه في ج ٣٦ ص ٥٥ باب أنه عليه‌السلام كلمة الله أحاديث في ذلك.

(٤) الحجرات : ٧ و ٨.

(٥) رواه الطبرسي في مجمع البيان ج ٩ ص ١٣٣.

(٦) راجع الكافي ج ١ ص ٤٢٦ ، مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٣٤٣ تفسير القمي ص ٦٤٠.


الثلاثة على الترتيب وفي المحاسن (١) عنه عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية وقيل له هل للعباد فيما حبب الله صنع قال لا ولا كرامة.

وفي الكافي (٢) عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الحب والبغض أمن الإيمان هو فقال وهل الإيمان إلا الحب والبغض ثم تلا هذه الآية.

« أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ » يعني أولئك الذين فعل بهم ذلك هم الذين أصابوا الطريق السوي.

« إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ » (٣) أي في محمد صلى الله عليه واله شاعر أو مجنون أو منكم مكذب ومنكم مصدق ومنكم شاك أو في القرآن أنه سحر أو كهانة أو ما سطره الأولون « يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ » الضمير للرسول صلى الله عليه واله أو القرآن أو الإيمان أي من صرف عنه صرف عن الخيرات كلها أو لا صرف أشد منه فكأنه لا صرف بالنسبة إليه أو يصرف عنه من صرف في علم الله وقضائه.

« تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » (٤) أي من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بصيرة.

« مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ » (٥) أي من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي حقيقة له لا لكم أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها « وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ » أي أيما عذر لكم في ترك الإيمان « وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ » إليه بالحجج والبينات « وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ » أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك « إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه « مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.

__________________

(١) المحاسن : ١٩٩.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٢٥. وتراه في المحاسن ص ٢٦٢.

(٣) الذاريات : ٨ و ٩.

(٤) الذاريات : ٥٥.

(٥) الحديد : ٧ ـ ٩.


« يَسْعى نُورُهُمْ » (١) قيل أي ما يهتدون به إلى الجنة « بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ » من حيث يؤتون صحائف أعمالهم لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين « بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ » أي يقولون لهم من يتلقاهم من الملائكة « بُشْراكُمُ » أي المبشر به جنات أو بشراكم دخول جنات « ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » إشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة.

« أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (٢) في التهذيب عن السجاد عليه السلام إن هذه لنا ولشيعتنا وفي المحاسن (٣) عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال : ما من شيعتنا إلا صديق شهيد قيل أنى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فرشهم فقال أما تتلوا كتاب الله في الحديد « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ » قال لو كان الشهداء ليس إلا كما يقولون كان الشهداء قليلا.

أقول سيأتي أخبار كثيرة في ذلك وقد مر بعضها.

« لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ » أي أجر الصديقين والشهداء ونورهم.

« سابِقُوا » (٤) أي سارعوا مسارعة السابقين في المضمار « إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » أي إلى موجباتها « كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » قيل أي كعرض مجموعهما إذا بسطتا.

« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » (٥) أي بالرسل المتقدمة « اتَّقُوا اللهَ » فيما نهاكم عنه « يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ » أي نصيبين « مِنْ رَحْمَتِهِ » لإيمانكم بمحمد وإيمانكم بمن قبله « وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » قيل يريد المذكور في قوله « يَسْعى نُورُهُمْ » أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس.

وقال علي بن إبراهيم (٦) « كِفْلَيْنِ » نصيبين « مِنْ رَحْمَتِهِ » أحدهما أن

__________________

(١) الحديد : ١٢.

(٢) الحديد : ١٩.

(٣) المحاسن : ١٦٣. والحديث عن زيد بن أرقم عن الحسين بن على عليهما‌السلام وفيه قال : قلت جعلت فداك أنى يكون ذلك إلخ.

(٤) الحديد : ٢١.

(٥) الحديد : ٢٨.

(٦) تفسير القمي : ٦٦٦.


لا يدخله النار وثانيهما أن يدخله الجنة « وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً » يعني الإيمان.

وعن الصادق عليه السلام (١) « كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ » قال الحسن والحسين و « نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » يعني إماما تأتمون به وفي المناقب قال : والنور علي عليه‌السلام.

« لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ » (٢) « الْجَنَّةِ » قيل أي لا يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة والذين استمهنوها فاستحقوا النار « هُمُ الْفائِزُونَ » بالنعيم المقيم.

« تُؤْمِنُونَ » (٣) استئناف مبين للتجارة وهو الجمع بين الإيمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم والمراد به الأمر وإنما جيء بلفظ الخبر إيذانا بأن ذلك مما لا يترك « ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ » يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد « إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله.

« يَغْفِرْ لَكُمْ » جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر أو بشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره إن تؤمنوا وتجاهدوا أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم « ذلِكَ » إشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة.

« وَأُخْرى » أي ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى وقيل مبتدأ خبره « نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ » فتح مكة وفي تفسير علي بن إبراهيم يعني في الدنيا بفتح القائم عليه السلام « وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ » عطف على محذوف مثل قل يا أيها الذين آمنوا وبشر أو على تؤمنون به فإنه في معنى الأمر.

« مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ » (٤) أي من جندي متوجها إلى نصرة الله والحواريون أصفياؤه « فَآمَنَتْ طائِفَةٌ » أي بعيسى « فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا » أي بالحجة أو بالحرب وذلك بعد رفع عيسى عليه السلام « فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ » أي فصاروا غالبين.

« وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ » (٥) أي لله الغلبة والقوة ولمن أعزه

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤٣٠ ، كنز جامع الفوائد : ٣٣٤.

(٢) الحشر : ٢٠.

(٣) الصف : ١٠.

(٤) الصف : ١٤.

(٥) المنافقون : ٨.


من رسوله والمؤمنين « وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ » من فرط جهلهم وغرورهم.

« وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا » (١) ذهب أكثر المفسرين إلى أنه القرآن وقال علي بن إبراهيم (٢) النور أمير المؤمنين عليه السلام وفي الكافي (٣) عن الكاظم عليه السلام الإمامة هي النور وذلك قوله تعالى : « فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا » قال النور هو الإمام.

وعن الباقر عليه السلام (٤) أنه سئل عن هذه الآية فقال النور والله الأئمة الخبر والأخبار في ذلك كثيرة أوردناها في كتاب الإمامة (٥).

« يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ » (٦) لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الأولين والآخرين « ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ » يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس وفي معاني الأخبار (٧) عن الصادق عليه السلام يوم يغبن أهل الجنة أهل النار.

« وَيَعْمَلْ صالِحاً » أي عملا صالحا « ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » إشارة إلى مجموع الأمرين ولذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع.

« يَهْدِ قَلْبَهُ » (٨) قيل أي للثبات والاسترجاع عند حلول المصيبة وقال علي بن إبراهيم أي يصدق الله في قلبه فإذا بين الله له اختار الهدى ويزيده الله كما قال « وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ».

وفي الكافي (٩) عن الصادق عليه السلام قال : إن القلب ليترجج فيما بين الصدر

__________________

(١) التغابن : ٨.

(٢) تفسير القمي ص ٦٨٣.

(٣) الكافي ج ١ ص ١٩٦.

(٤) الكافي ج ١ ص ١٩٤ و ١٩٥ حديثان.

(٥) راجع ج ٣٢ ص ٣ ـ ٣٢٥.

(٦) التغابن : ٩.

(٧) معاني الأخبار ص ١٥٦.

(٨) التغابن : ١١.

(٩) الكافي ج ٢ ص ٤٢١.


والحنجرة حتى يعقد على الإيمان فإذا عقد على الإيمان قر وذلك قول الله عز وجل « وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ».

أقول : كأنه عليه السلام قرأ بالهمز ورفع قلبه كما قرأ في الشواذ (١) منسوبا إلى عكرمة وعمرو بن دينار أو هو بيان لحاصل المعنى فيوافق القراءة المشهورة أيضا أي يهدي الله قلبه فيسكن.

« ذِكْراً رَسُولاً » (٢) عن الرضا عليه السلام أن الذكر هنا هو الرسول (٣) ونحن أهل الذكر.

وقال البيضاوي يعني بالذكر جبرئيل عليه السلام لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن أو لكونه مذكورا في السماوات أو ذا ذكر أي شرف أو محمدا صلى الله عليه واله لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه.

وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا أو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه وأبدل عنه رسولا للبيان أو أراد به القرآن ورسولا منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكرا والرسول مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة « مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » من الضلالة إلى الهدى « قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً » قيل فيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب.

« وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ » (٤) عطف على النبي صلى الله عليه واله إحمادا لهم وتعريضا لمن ناواهم وقيل مبتدأ خبره « نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ».

في المجمع (٥) عن الصادق في هذه الآية قال يسعى أئمة المؤمنين يوم القيامة بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازلهم في الجنة وروى علي بن

__________________

(١) راجع مجمع البيان ج ١٠ ص ٢٩٩.

(٢) الطلاق : ١٠ ـ ١١.

(٣) وذلك لان « رسولا » بيان أو بدل عن « ذكرا » ولا يلزم كون الرسول منزلا فان التقدير انا انزلنا اليكم ذكرا بل انا أرسلنا اليكم رسولا ».

(٤) التحريم : ٩.

(٥) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣١٨ وهكذا رواه علي بن إبراهيم في تفسيره ص ٤٥٩.


إبراهيم مثله وعن الباقر عليه السلام فمن كان له نور يومئذ نجا وكل مؤمن له نور « يَقُولُونَ » إذا طفئ أنوار المنافقين. « رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا » وقيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا.

« أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا » (١) يقال كببته فأكب وهو من الغرائب أي يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقه واختلاف أجزائه ولذلك قابله بقوله « أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا » أي قائما سالما من العثار « عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » أي مستوي الأجزاء أو الجهة.

والمراد تشبيه المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يعتسف فينكب وبالسوي البصير وقيل من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.

وفي الكافي (٢) عن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي عليه السلام كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه « سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه‌السلام.

« أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ » (٣) إنكار لقولهم إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا « ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » التفات فيه تعجيب من حكمهم واستبعاد له وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي.

« فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً » (٤) أي نقصا في الجزاء أو أن يرهقه ذلة وقال علي بن إبراهيم البخس النقصان والرهق العذاب.

__________________

(١) الملك : ٢٠.

(٢) الكافي ج ١ ص ٤٣٣.

(٣) القلم : ٣٥.

(٤) الجن : ١٣.


وفي الكافي (١) عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : قلت قوله « لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ » قال الهدى الولاية آمنا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه « فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً » قلت تنزيل قال : لا تأويل.

« يَضْحَكُونَ » (٢) أي يستهزءون « وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ » أي يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم « انْقَلَبُوا فَكِهِينَ » أي ملتذين بالسخرية منهم.

وقال علي بن إبراهيم « إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا » الأول والثاني ومن تبعهما « يَتَغامَزُونَ » برسول الله إلى آخر السورة.

وفي المجمع (٣) قيل نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فنزلت الآيات قبل أن يصل علي وأصحابه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعن ابن عباس (٤) « إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا » منافقو قريش و « الَّذِينَ آمَنُوا » علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

« وَإِذا رَأَوْهُمْ » (٥) أي وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال « وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ » أي على المؤمنين « حافِظِينَ » يحفظون عليهم أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم « فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ » حين يرونهم أذلاء مغلولين في النار.

وروي (٦) أنه يفتح لهم باب إلى الجنة فيقال لهم أخرجوا إليها فإذا

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤٣٣ ، في حديث.

(٢) المطففين : ٢٨.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٥٧.

(٤) رواه أيضا في المجمع عن أبي القاسم الحسكانى في كتاب شواهد التنزيل.

(٥) المطففين : ٣٢.

(٦) رواه الطبرسي عن أبي صالح ج ١٠ ص ٤٥٧.


وصلوا أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم « هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ » أي أثيبوا وجوزوا « ما كانُوا يَفْعَلُونَ » من السخرية بالمؤمنين والاستفهام للتقرير.

« غَيْرُ مَمْنُونٍ » (١) أي غير مقطوع أو ممنون به عليهم كما مر « ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ » (٢) إذ الدنيا وما فيها يصغر دونه.

« وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » (٣) أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله تعالى والمرحمة الرحمة على عبادة أو بموجبات رحمة الله « أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » أي اليمين أو اليمن وقال علي بن إبراهيم أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

« وَالْعَصْرِ » قيل أقسم بصلاة العصر أو بعصر النبوة أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب « إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » أي في خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية « وَتَواصَوْا بِالْحَقِ » بالثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى المصائب.

وفي الإكمال عن الصادق عليه السلام قال : « الْعَصْرِ » عصر خروج القائم عليه السلام « إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » يعني أعداءنا « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا » يعني بآياتنا « وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » يعني بمواساة الإخوان « وَتَواصَوْا بِالْحَقِ » يعني الإمامة « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » يعني بالعشرة.

وقال علي بن إبراهيم « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا » بولاية أمير المؤمنين عليه السلام « وَتَواصَوْا بِالْحَقِ » ذرياتهم ومن خلفوا بالولاية تواصوا بها وصبروا عليها.

وفي المجمع (٤) عن علي عليه السلام وعلي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام أنهما قرءا « وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » وإنه فيه إلى آخر الدهر.

__________________

(١) الانشقاق : ٢٥ والتين ٦.

(٢) البروج : ج ١٢.

(٣) البلد : ١٧.

(٤) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٣٦.


الأخبار

١ ـ ع : علل الشرائع عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن عفان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز أمانه (١).

بيان : يؤمن على الله أي يدعو ويشفع لغيره في الدنيا والآخرة فيستجاب له وتقبل شفاعته فيه وسيأتي التخصيص بالأخيرة.

٢ ـ سن : المحاسن عن ابن يزيد عن مروك بن عبيد عن سنان بن طريف عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لم سمي المؤمن مؤمنا فقلت لا أدري إلا أنه أراه يؤمن بما جاء من عند الله فقال صدقت وليس لذلك سمي المؤمن مؤمنا فقلت لم سمي المؤمن مؤمنا قال إنه يؤمن على الله يوم القيامة فيجيز أمانه (٢).

٣ ـ ع : علل الشرائع عن أبيه عن الحميري عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ألا أنبئكم لم سمي المؤمن مؤمنا لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم ألا أنبئكم من المسلم من سلم الناس من يده ولسانه الخبر (٣).

بيان : فيه إيماء إلى أنه يشترط في الإيمان أو كماله أن لا يخافه الناس على أنفسهم وأموالهم وكذا الإسلام.

٤ ـ شي : تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قول الله « بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » (٤) قال هي الإيمان بالله يؤمن بالله وحده (٥).

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢١٩.

(٢) المحاسن : ٣٢٩.

(٣) علل الشرائع : ٢١٩.

(٤) البقرة : ٢٥٦.

(٥) تفسير العياشي ج ١ ص ١٣٨.


٥ ـ ختص : الإختصاص روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : المؤمن هاشمي لأنه هشم الضلال والكفر والنفاق والمؤمن قرشي لأنه أقر للشيء ونحن الشيء وأنكر لا شيء الدلام وأتباعه والمؤمن نبطي لأنه استنبط الأشياء تعرف الخبيث عن الطيب والمؤمن عربي لأنه عرب عنا أهل البيت والمؤمن أعجمي لأنه أعجم عن الدلام فلم يذكره بخير.

والمؤمن فارسي لأنه تفرس في الأسماء لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس يعني به المتفرس فاختار منها أفضلها واعتصم بأشرفها وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله (١).

توضيح : كأن الغرض بيان فضل المؤمن وأنه يمكن أن يطلق عليه كل اسم حسن بوجه من الوجوه فبين عليه السلام أنه يمكن أن يعد في الهاشميين لأنه هشم الضلال وأشباهه أي كسرها وأبطلها.

في القاموس الهشم كسر الشيء اليابس أو الأجوف أو لكسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والأنف أو كل شيء هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم وهاشم أبو عبد المطلب واسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثريد وهشمه (٢).

والقرشي كأنه مبني على الاشتقاق الكبير أو كان أصله ذلك كتأبط شرا فصار بكثرة الاستعمال كذلك والمراد بالشيء الحق الثابت وباللاشيء الباطل المضمحل ويمكن أن يكون بمعنى المشيء أي ما يصلح أن تتعلق به المشيئة والحق كذلك.

والدلام بيان للا شيء ويكنى به غالبا في الأخبار عن عمر تقية وقد يطلق على سابقه أيضا إما لسواد ظاهرهما أو باطنهما بالكفر والنفاق أو لانتشار الظلم والفتن بهما في الآفاق.

__________________

(١) الاختصاص : ١٤٣.

(٢) القاموس ج ٤ ص ١٩٠.


في القاموس الدلام كسحاب السواد أو الأسود (١) وفي النهاية فيه أميركم رجل طوال أدلم الأدلم الأسود الطويل ومنه الحديث فجاء رجل أدلم فاستأذن على النبي صلى الله عليه واله قيل هو عمر بن الخطاب انتهى وهذا يدل على أن الكناية بعمر أنسب والقرش القطع والجمع وفي تسمية قريش أقوال شتى لا طائل في ذكرها.

لأنه عرب عنا كأنه على بناء المجهول من التفعيل فإن التعريب تهذيب المنطق من اللحن فعن تعليلية أو على بناء المعلوم من التعريب بمعنى التكلم عن القوم والإعراب الإبانة والإفصاح وعدم اللحن في الكلام والرد عن القبيح كل ذلك ذكره الفيروزآبادي (٢).

وفي النهاية عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم وقال الإعراب والتعريب الإبانة والإيضاح وفي القاموس من لا يفصح كالاعجمي واستعجم سكت.

قوله عليه السلام لأنه تفرس في الأسماء التفرس التثبت والنظر وإعمال الحدس الصائب في الأمور وقوله فاختار عطف على قوله تفرس والحديث معترض بينهما لبيان أن الفارس في هذا الحديث أيضا المتفرس والمعنى أن الذين مدحهم الرسول صلى الله عليه واله ليس مطلق العجم بل أهل الدين واليقين منهم كسلمان رضي‌الله‌عنه والتفرس في الأسماء كالتفكر في الإيمان والنفاق مثلا واختيار الإيمان وفي التقوى والفسق واختيار التقوى أو التفكر في أن الإيمان ما معناه وعلى أي الفرق المختلفة يصح إطلاق المؤمن فيختار من الإيمان ما هو حقه وما يصح أن يطلق عليه.

والحاصل أنه يتدبر ويتفكر في الدلائل والبراهين من الكتاب والسنة والأدلة العقلية ويختار من العقائد والأعمال ما هو أحسنها وأوفقها للأدلة.

وفي النهاية فيه اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله يقال بمعنيين أحدهما

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ١١٣.

(٢) المصدر ج ١ ص ١٠٢.


ما دل ظاهر هذا الحديث عليه وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس والثاني نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس وللناس فيه تصانيف قديمة وحديثة ورجل فارس بالأمر أي عالم به بصير.

٦ ـ صفات الشيعة : بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن أهل السماء هل يرون أهل الأرض قال لا يرون إلا المؤمنين لأن المؤمن من نور كنور الكواكب قيل فهم يرون أهل الأرض قال لا يرون نوره حيث ما توجه ثم قال لكل مؤمن خمس ساعات يوم القيامة يشفع فيها (١).

٧ ـ قضاء الحقوق للصوري : بإسناده قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام لم سمي المؤمن مؤمنا قال لأنه اشتق للمؤمن اسما من أسمائه تعالى فسماه مؤمنا وإنما سمي المؤمن لأنه يؤمن من عذاب الله تعالى ويؤمن على الله يوم القيامة فيجيز له ذلك ولو أكل أو شرب أو قام أو قعد أو نام أو نكح أو مر بموضع قذر حوله الله من سبع أرضين طهرا لا يصل إليه من قذرها شيء وإن المؤمن ليكون يوم القيامة بالموقف مع رسول الله صلى الله عليه واله فيمر بالمسخوط عليه المغضوب غير الناصب ولا المؤمن وقد ارتكب الكبائر فيرى منزلة عظيمة له عند الله عز وجل وقد عرف المؤمن في الدنيا وقضى له الحوائج.

فيقوم المؤمن اتكالا على الله عز وجل فيعرفه بفضل الله فيقول اللهم هب لي عبدك فلان بن فلان قال فيجيبه الله تعالى إلى ذلك.

قال وقد حكى الله عز وجل عنهم يوم القيامة قولهم « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ » (٢) من النبيين « وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ » من الجيران والمعارف فإذا أيسوا من الشفاعة قالوا يعني من ليس بمؤمن « فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (٣).

بيان : بموضع قذر كأنه متعلق بجميع الأفعال المتقدمة والمراد

__________________

(١) صفات الشيعة ص ١٨١.

(٢) الشعراء : ١٠٠.

(٣) قضاء الحقوق مخطوط.


بالقذارة والطهر المعنويان أو بالطهر فقط المعنوي والمراد بغير الناصب والمؤمن المستضعف أو المؤمن الفاسق أو الأعم منهما.

٨ ـ كتاب المؤمن : عن زرارة قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا جالس عن قول الله عز وجل : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (١) أيجري لهؤلاء ممن لا يعرف منهم هذا الأمر قال إنما هي للمؤمنين خاصة (٢).

٩ ـ ومنه : عن يعقوب بن شعيب قال سمعته يقول ليس لأحد على الله ثواب على عمل إلا للمؤمنين.

١٠ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله لكل عمل سبعمائة ضعف وذلك قول الله عز وجل : « وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » (٣)

١١ ـ ومنه : عن أحدهما عليهما السلام قال : إن المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وقال عليه السلام إن المؤمن ولي الله يعينه ويصنع له ولا يقول على الله إلا الحق ولا يخاف غيره.

١٢ـ وقال عليه السلام : إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان فلا يزال الله عز وجل مقبلا عليهما بوجهه والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا.

بيان : ولي الله أي محبه أو محبوبه أو ناصر دينه قال في المصباح الولي فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ومنه « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » (٤) ويكون الولي بمعنى المفعول في حق المطيع فيقال المؤمن ولي الله.

قوله يعينه : أي الله يعين المؤمن ويصنع له أي يكفي مهماته ولا يقول أي المؤمن على الله إلا الحق أي إلا ما علم أنه حق ولا يخاف غيره وفيه تفكيك بعض الضمائر والأظهر أن المعنى يعين المؤمن دين الله

__________________

(١) الأنعام : ١٦.

(٢) لم يطبع بعد.

(٣) البقرة : ٢٦١.

(٤) البقرة : ٢٥٧.


وأولياءه ويصنع له أي أعماله خالصة لله سبحانه في القاموس صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم وما أحسن صنع الله بالضم وصنيع الله عندك.

١٣ ـ المؤمن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يقدر الخلائق على كنه صفة الله عز وجل فكما لا يقدر على كنه صفة الله عز وجل فكذلك لا يقدر على كنه صفة رسول الله صلى الله عليه واله وكما لا يقدر على كنه صفة الرسول صلى الله عليه واله فكذلك لا يقدر على كنه صفة الإمام عليه السلام وكما لا يقدر على كنه صفة الإمام عليه السلام كذلك لا يقدر على كنه صفة المؤمن.

١٤ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يقول عز وجل من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إني لأحب لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه وإنه ليسألني فأعطيه وإنه ليدعوني فأجيبه ولو لم يكن في الدنيا إلا عبد مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد.

١٥ ـ ومنه : عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو كانت ذنوب المؤمن مثل رمل عالج ومثل زبد البحر لغفرها الله له فلا تجتروا.

بيان : يدل على أنه ليس المراد بالمؤمن المؤمن الكامل لعدم اجتماع الإيمان الكامل مع هذه الذنوب الكثيرة وعدم الاجتراء إما لأنه قلما يبقى الإيمان مع الإصرار على الذنوب الكثيرة أو لأن المغفرة وعدم العقوبات لا ينافي حط الدرجات وفوت السعادات.

١٦ ـ المؤمن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يتوفى المؤمن مغفورا له ذنوبه والله جميعا.

١٧ ـ ومنه : عنه عليه السلام قال : إن المؤمن إذا دعا الله أجابه فشخص بصري نحوه إعجابا (١) بما قال فقال إن الله واسع لخلقه.

__________________

(١) وفي المطبوع « اعجابا بها قال فقال : وهو تصحيف.


١٨ ـ ومنه : عن ابن أبي البلاد عن أبيه عن بعض أهل العلم قال : إذا مات المؤمن صعد ملكاه فقالا يا رب مات فلان فيقول انزلا فصليا عليه عند قبره وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة واكتبا ما تعملان له.

١٩ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : رأي المؤمن ورؤياه جزء من سبعين جزءا من النبوة ومنهم من يعطى على الثلث.

بيان : ومنهم من يعطى أي من المؤمنين الكاملين من يعطى ثلث أجزاء النبوة من الرأي والرؤيا أو الأعم.

٢٠ ـ المؤمن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن عمل المؤمن يذهب فيمهد له في الجنة كما يرسل الرجل غلامه فيفرش له ثم تلا « وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ » (١)

ومنه : عنه عليه السلام قال : إن الله عز وجل يذود المؤمن عما يكره كما يذود الرجل البعير الغريب ليس من أهله.

٢٢ ـ ومنه : عنه عليه السلام أنه قال : كما لا ينفع مع الشرك شيء فلا يضر مع الإيمان شيء.

بيان : كأنه محمول على ترك الصغائر فإن ترك الكبائر من الإيمان أو على الضرر الذي يوجب دخول النار أو الخلود فيها.

٢٣ ـ المؤمن : عن أبي جعفر عليه السلام قال : يقول الله عز وجل ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي على المؤمن لأني أحب لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه ولو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي وجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج فيه إلى أحد.

٢٤ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما مؤمن يموت في غربة من الأرض فيغيب عنه بواكيه إلا بكته بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها وبكته أثوابه وبكته أبواب السماء التي كان يصعد بها عمله وبكاه الملكان الموكلان به.

__________________

(١) الروم : ٤٤.


وأقول : ستأتي الأخبار في ذلك وشرحها في كتاب الجنائز إن شاء الله.

٢٥ـ المؤمن : عن أحدهما عليهما السلام قال : إن ذنوب المؤمن مغفورة فيعمل المؤمن لما يستأنف أما إنها ليست إلا لأهل الإيمان.

بيان : لما يستأنف أي لتحصيل الثواب لا لتكفير السيئات.

٢٦ ـ نهج : في بعض خطبه عليه السلام سبيل أبلج المنهاج أنور السراج فبالإيمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يستدل على الإيمان وبالإيمان يعمر العلم وبالعلم يرهب الموت وبالموت تختم الدنيا وبالدنيا تحرز الآخرة وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين وإن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى (١).

تبيين : بلج الصبح أي أضاء وأشرق والمنهاج الطريق والظاهر أن الكلام في وصف الدين ومناهجه قوانينه وسراجه الأنور الرسول الهادي إليه وأوصياؤه صلوات الله عليهم.

قال بعض شراح النهج يريد بالإيمان أولا مسماه اللغوي وهو التصديق قال الله تعالى « وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ » (٢) أي بمصدق وثانيا بمعناه الشرعي أي التصديق والإقرار والعمل أي من حصل عنده التصديق بالوحدانية والرسالة استدل بهما على وجوب الأعمال الصالحة عليه أو ندبه إليها وبأعماله الصالحة يعلم إيمانه وبهذا فر من الدور (٣).

__________________

(١) نهج البلاغة عبده ط مصر ص ٣٠١ الخطبة ١٥٤.

(٢) يوسف : ١٧.

(٣) بل الصحيح أن الاستدلال ليس بمعناه المصطلح عليه عند الفلاسفة والمتكلمين بل هو بمعناه اللغوى وهو الاستهداء والمراد أن الايمان يهدى الى عمل الصالحات فيمن آمن ولم يكن ليعمل الصالحات كما أن الصالحات تهدى الى الايمان بالله فيمن يعمل الصالحات ولم يكن ليؤمن بالله كما سيجيء احتماله فيما بعد.


وقال بعضهم : الصالحات معلولات للإيمان وثمرات له فيستدل بوجوده في قلب العبد على ملازمته للصالحات استدلالا بالعلة على المعلول وبصدورها عن العبد على وجوده في القلب استدلالا بالمعلول على العلة.

وعلى هذا الوجه يكون الإيمان في الموضعين بالمعنى اللغوي وحينئذ يمكن أن يكون المعنى يستدل بالإيمان على الصالحات أو يكون الإيمان دليلا للإنسان نفسه وقائدا يؤديه إلى فعل الصالحات وبأعماله الصالحة يعلم غيره أنه من المؤمنين فالاستدلال في الموضعين ليس بمعنى واحد.

ويمكن أن يراد بالثاني أن مشاهدة الأعمال الصالحة يؤدي من يشاهدها إلى الإيمان.

ويحتمل أن يكون المراد أن الإيمان يهدي إلى صالح الأعمال والأعمال الصالحة تورث كمال الإيمان أو الإيمان يقود الإنسان إلى الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة الناشية من حسن السريرة وخلوص النية تورث توفيق الكافر للإيمان.

أو يستدل بإيمان الرجل إذا علم على حسن عمله وبقدر أعماله على قدر إيمانه وكماله أو يستدل بكل منهما إذا علم على الآخر وهذا قريب من الثاني والغرض بيان شدة الارتباط والتلازم بينهما.

وبالإيمان يعمر العلم فإن العلم الخالي من الإيمان كالخراب لا ينتفع به وقيل لأن حسن العمل من أجزاء الإيمان والعلم بلا عمل كالخراب لا فائدة فيه.

وبالعلم يرهب الموت أي يخشى عقاب الله بعد الموت كما قال الله تعالى « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (١) وبالموت تختم الدنيا والموت لا مهرب منه فلا بد من القطع بانقطاع الدنيا ولا ينبغي للعاقل أن تكون همته مقصورة عليها.

__________________

(١) فاطر : ٢٨.


وبالدنيا تحرز الآخرة أي تحاز وتجمع سعاداتهما فإن الدنيا مضمار الآخرة ومحل الاستعداد واكتساب الزاد ليوم المعاد أو المراد بالدنيا الأموال ونحوها أي يمكن للإنسان أن يصرف ما أعطاه الله من المال ونحوه على وجه يكتسب به الآخرة والزلفة والزلفى بالضم فيهما القربة وأبرزه الشيء إبرازا وبرزه تبريزا أي أظهره وكشفه.

والغاوي العامل بما يوجب الخيبة أي بالقيامة أو فيها يقرب الجنة للمتقين ليدخلوها أو ليستبشروا بها ويكشف الغطاء عن الجحيم للضالين كما قال سبحانه « وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ » (١) قيل وفي اختلاف الفعلين دلالة على غلبة الوعد والقصر بالفتح الغاية كالقصارى بالضم وقصرت الشيء حبسته وقصرت فلانا على كذا رددته على شيء دون ما أراد كذا في العين أي لا محبس للخلق أو لا غاية لهم دون القيامة أو لا مرد لهم عنها.

وأرقل أي أسرع والمضمار موضع تضمير الفرس ومدته وهو أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وفسر المضمار بالميدان وهو أنسب بالمقام.

٢٧ ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله المؤمن كمثل شجرة لا يتحات ورقها شتاء ولا قيظا قيل يا رسول الله وما هي قال النخلة.

بيان : القيظ صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع سهيل.

٢٨ ـ ما : جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن محمد العلوي عن جده الحسين عن أبيه إسحاق بن جعفر عن أخيه الكاظم عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه واله قال : يعير الله عز وجل عبدا من عباده يوم القيامة فيقول عبدي ما منعك إذ مرضت أن تعودني فيقول سبحانك سبحانك أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض فيقول مرض أخوك المؤمن فلم تعده وعزتي وجلالي لو عدته لوجدتني عنده ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك وذلك من كرامة عبدي

__________________

(١) الشعراء : ٩٠ و ٩١.


المؤمن وأنا الرحمن الرحيم (١).

أقول : وروى بإسناده عن أبي هريرة مثله مع زيادة السقي والإطعام.

بيان : لوجدتني أي وجدت رحمتي أو علمي عنده والكلام مشتمل على المجاز والاستعارة مبالغة في إكرام المؤمن.

٢٩ ـ مشكاة الأنوار : عن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل وقد أمر به إلى النار فيقول يا فلان أغثني فإني كنت أصنع إليك المعروف في دار الدنيا فيقول للملك خل سبيله فيأمر الله به فيخلي سبيله.

٣٠ ـ ومنه : عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يؤتى بعبد يوم القيامة ليست له حسنة فيقال له اذكر وتذكر هل لك حسنة فيقول ما لي حسنة غير أن فلانا عبدك المؤمن مر بي فسألني ماء ليتوضأ به فيصلي فأعطيته فيدعى بذلك العبد فيقول نعم يا رب فيقول الرب جل ثناؤه قد غفرت لك أدخلوا عبدي جنتي.

٣١ ـ ومنه : عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يقال للمؤمن يوم القيامة تصفح وجوه الناس فمن كان سقاك شربة أو أطعمك أكلة أو فعل بك كذا وكذا فخذ بيده فأدخله الجنة قال فإنه ليمر على الصراط ومعه بشر كثير فيقول الملائكة يا ولي الله إلى أين يا عبد الله فيقول جل ثناؤه أجيزوا لعبدي فأجازوه وإنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يجيز على الله فيجيز أمانه.

٣٢ـ ومنه : عن جابر بن يزيد الجعفي قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام إن المؤمن ليفوض الله إليه ـ يوم القيامة فيصنع ما يشاء قلت حدثني في كتاب الله أين قال قال قوله « لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ » (٢) فمشية الله مفوضة إليه والمزيد من الله ما لا يحصى ثم قال يا جابر ولا تستعن بعدو لنا في حاجة ولا تستطعمه

__________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٤٢ ط النجف.

(٢) ق : ٣٥.


ولا تسأله شربة أما إنه ليخلد في النار فيمر به المؤمن فيقول يا مؤمن ألست فعلت كذا وكذا فيستحيي منه فيستنقذه من النار وإنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه.

٣٣ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن زعيم أهل بيته شاهد عليهم ولايتهم وقال إن المؤمن يخشع له كل شيء حتى هوام الأرض وسباعها وطير السماء.

٣٤ ـ ومنه : عن عبد المؤمن الأنصاري قال قال الباقر عليه السلام إن الله أعطى المؤمن ثلاث خصال العز في الدنيا وفي دينه والفلح في الآخرة والمهابة في صدور العالمين.

٣٥ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن أعظم حرمة من الكعبة.

٣٦ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تبارك وتعالى ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن ولو لم يكن في الأرض ما بين المشرق والمغرب إلا عبد واحد مع إمام عادل لاستغنيت بهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وسبع أرضين بهما وجعلت لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجون إلى أنس سواهما.

٣٧ ـ ومنه : قال قال النبي صلى الله عليه واله ما من شيء أحب إلى الله من الإيمان والعمل الصالح وترك ما أمر أن يترك.

٣٨ ـ ومنه : عنه صلى الله عليه واله قال : لا يعذب الله أهل قرية وفيها مائة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها عشرة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها رجل واحد من المؤمنين.

٣٩ ـ ومنه : روي أن رسول الله صلى الله عليه واله نظر إلى الكعبة فقال مرحبا بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله والله للمؤمن أعظم حرمة منك لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة ماله ودمه وأن يظن به ظن السوء.


٤٠ ـ ومنه : عنه صلى الله عليه واله قال : من آذى مؤمنا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

٤١ ـ ومنه : عنه صلى الله عليه واله قال : مثل المؤمن كمثل ملك مقرب وإن المؤمن أعظم حرمة عند الله وأكرم عليه من ملك مقرب وليس شيء أحب إلى الله من مؤمن تائب ومؤمنة تائبة وإن المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده.

٤٢ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله فوض إلى المؤمن أمره كله ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أما تسمع الله عزوجل يقول : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ » (١) فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا وقال إن المؤمن أعز من الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه.

بيان : ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أي نهاه أن يذل نفسه ولو كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر القرب فإذا علم أنه يصير سببا لمذلته وإهانته وأذاه سقط ذلك عنه أو المعنى أن الله يعزه بعزة دينه ورفعته الواقعية وإن أذل نفسه فإن الله أخبر بعزته وضمنها له وكان الاستشهاد بالآية وآخر الخبر بالأخير أنسب.

٤٣ ـ ما : عن المفيد عن ابن قولويه عن محمد الحميري عن أبيه عن البرقي عن شريف بن سابق عن الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : يا فضل لا تزهدوا في فقراء شيعتنا فإن الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر ثم قال يا فضل إنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه ثم قال أما سمعت الله تعالى يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ » (٢) الخبر (٣).

__________________

(١) المنافقون : ٨.

(٢) الشعراء : ١٠٠.

(٣) أمالي الطوسي ج ١ ص ٤٦.


٤٤ ـ سن : عن أبيه عن ابن فضال عن محمد عن الثمالي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا إلى ما وصل ما بين الله وبين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم وتسهلت له أمورهم ولانت طاعتهم ولو نظروا إلى مردود الأعمال من السماء لقالوا ما يقبل الله من أحد عملا (١).

٢

(باب)

(أن المؤمن ينظر بنور الله وأن الله خلقه من نوره)

١ ـ ير : بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى عن سليمان الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام قال يا سليمان اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله فسكت حتى أصبت خلوة فقلت جعلت فداك سمعتك تقول اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله قال نعم يا سليمان إن الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية والمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه (٢).

بيان : الفراسة الكاملة لكمل المؤمنين وهم الأئمة عليهم السلام فإنهم يعرفون كلا من المؤمنين والمنافقين بسيماهم كما مر في كتاب الإمامة وسائر المؤمنين يتفرسون ذلك بقدر إيمانهم « خلق المؤمن من نوره » أي من روح طيبة منورة بنور الله أو من طينة مخزونة مناسبة لطينة أئمتهم عليهم السلام « وصبغهم » أي غمسهم أو لونهم « في رحمته » كناية عن جعلهم قابلة لرحماته الخاصة أو عن تعلق

__________________

(١) المحاسن : ١٣٢.

(٢) بصائر الدرجات : ٧٩.


الروح الطيبة التي هي محل الرحمة « أبوه النور وأمه الرحمة » كأنه على الاستعارة أي لشدة ارتباطه بأنوار الله ورحماته كأن أباه النور وأمه الرحمة أو النور كناية عن الطينة والرحمة عن الروح أو بالعكس.

٢ ـ ير : عن الحسن بن معاوية عن محمد بن سليمان عن أبيه عن عيسى بن أسلم عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك هذا الحديث الذي سمعته منك ما تفسيره قال وما هو قلت إن المؤمن ينظر بنور الله قال يا معاوية إن الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفه نفسه فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة فإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه (١).

فضائل الشيعة للصدوق عن أبيه عن سعد عن عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان مثله (٢).

٣ ـ ير : عن الحسن بن علي عن إبراهيم عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفهم نفسه فهو المتقبل من محسنهم المتجاوز عن مسيئهم من لم يلق الله بما هو عليه لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة (٣).

٤ ـ ير : عن محمد بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم تلا (٤) « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (٥)

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٨٠.

(٢) فضائل الشيعة ١٥٠.

(٣) بصائر الدرجات ص ٨٠.

(٤) الحجر : ٧٥.

(٥) بصائر الدرجات : ٣٥٧.


٥ ـ ير : عن أبي طالب عن حماد بن عيسى عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » قال هم الأئمة عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله لقول الله « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (١)

٦ ـ سن : عن أبيه عن سليمان الجعفري عن الرضا عليه السلام قال : قال لي يا سليمان إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة فاتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله الذي خلق منه (٢).

٧ ـ سن : محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أجرى في المؤمن من ريح روح الله والله تبارك وتعالى يقول (٣) « رُحَماءُ بَيْنَهُمْ » (٤)

٨ ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إياكم وفراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى.

٩ ـ ن : بإسناد التميمي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله المؤمن ينظر بنور الله (٥).

١٠ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله سبحانه جعل الحق على ألسنتهم (٦).

١١ ـ كا : عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن فضالة عن عمر بن أبان عن جابر الجعفي قال : تقبضت بين يدي أبي جعفر عليه السلام فقلت جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٥٧.

(٢) المحاسن : ١٣١.

(٣) الفتح : ٢٩.

(٤) المحاسن : ١٣١.

(٥) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٠٠.

(٦) نهج البلاغة : ٢١٩ تحت الرقم ٣٠٩ من باب الحكم والمواعظ.


وصديقي قال نعم يا جابر إن الله عز وجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنها منها (١).

بيان : التقبض ظهور أثر الحزن عند الانبساط وفي المحاسن تنفست (٢) أي تأوهت من ريح روحه أي من نسيم من روحه الذي نفخه في الأنبياء والأوصياء عليهم السلام كما قال « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » (٣) أو من رحمة ذاته كما قال الصادق عليه السلام والله شيعتنا من نور الله خلقوا وإليه يعودون.

أو الإضافة بيانية شبه الروح بالريح لسريانه في البدن كما أن نسبة النفخ إليه لذلك أي من الروح الذي هو كالريح واجتباه واختاره ويمكن أن يقرأ بفتح الراء أي من نسيم رحمته كما في خبر آخر وأجرى فيهم من روح رحمته.

لأبيه وأمه الظاهر تشبيه الطينة بالأم والروح بالأب ويحتمل العكس.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٦٦. وتراه في المحاسن : ١٣٣.

(٢) أي بدل تقبضت.

(٣) الحجر : ٢٩ ، ص : ٧٢.


٣

(باب)

(طينة المؤمن وخروجه من الكافر وبالعكس)

(وبعض أخبار الميثاق زائدا على ما تقدم)

(في كتاب التوحيد والعدل)

١ ـ سن : عن محمد بن علي رفعه عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خلق الله تبارك وتعالى شيعتنا من طينة مخزونة لا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل أبدا إلى يوم القيامة (١).

٢ ـ سن : عن أبيه عن فضالة عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة (٢).

٣ ـ سن : عن أبي إسحاق الخفاف رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام المؤمن آنس الإنس جيد الجنس من طينتنا أهل البيت (٣).

بيان : آنس على صيغة اسم الفاعل ويحتمل أفعل التفضيل ونسبته إلى الأنس على المجاز والمراد الأنس بأئمتهم عليهم السلام أو بعضهم ببعض (٤).

٤ ـ سن : عن علي بن حديد عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله إذا أراد أن يخلق المؤمن من المؤمن والمؤمن من الكافر بعث ملكا فأخذ

__________________

(١) المحاسن : ١٣٤.

(٢) المصدر : ١٣٥ ،.

(٣) المصدر نفسه : ١٣٥.

(٤) أو هو الانس خلاف الجن والمعنى أن المؤمن آنس أفراد الانس.


قطرة من ماء المزن فألقاها على ورقة فأكل منها أحد الأبوين (١) فذلك المؤمن منه (٢).

٥ ـ سن : عن الوشاء عن علي بن ميسر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبه شيء من الشر حتى يضعه فإذا صار بشرا سويا لم يصبه شيء من الشر حتى يجري عليه القلم (٣).

٦ ـ ختص : عن محمد بن حمران قال : سألت الصادق عليه السلام من أي شيء خلق الله طينة المؤمن قال من طينة عليين قال قلت فمن أي شيء خلق المؤمن قال من طينة الأنبياء فلن ينجسه شيء (٤).

٧ ـ وبإسناده عن ربعي عن رجل عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال : إن الله خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وأبدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وخلق أبدانهم من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم فخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن هذا يصيب المؤمن السيئة ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه (٥).

__________________

(١) والمراد الأب فانه صاحب النطفة ، وبه يلحق الولد ، وهذا التعبير وزان قوله عليه‌السلام : « اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين ».

(٢) المحاسن : ١٣٨.

(٣) المصدر : ١٣٨.

(٤) الاختصاص : ٢٥. ومثله في الكافي ج ٢ ص ٣ بإسناده عن صالح بن سهل قال : قلت لابى عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك من أي شيء خلق الله عز وجل طينة المؤمن؟فقال من طينة الأنبياء فلم تنجس أبدا.

قال المؤلف قدس‌سره في شرحه مرآة العقول يعنى نجاسة الكفر والشرك.

(٥) الاختصاص : ٢٤. ومثله في الكافي ج ٢ ص ٢.


بيان : الخلق يكون بمعنى التكوين وبمعنى التقدير وفي النهاية طين عليه أي جبل ويقال طانه الله على طينته خلقه على جبلته وطينة الرجل خلقه وأصله وقال عليون اسم للسماء السابعة وقيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد.

وقيل أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة وتعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها على أنها جمع أو واحد انتهى.

وإضافة الطينة إما بتقدير اللام أو من أو في « قلوبهم وأبدانهم » بدل النبيين ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح أولا بالبخار اللطيف المنبعث منه فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الأئمة عليهم السلام من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين وأرواحهم مخلوقة من فوق ذلك.

على أنه لو أريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة مبدأ لها مجازا باعتبار القرب والتعلق أو بتخصيص النبيين بغير نبينا صلى الله عليه واله ويؤيده بعض الأخبار وفي القاموس سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار وواد في جهنم أو حجر في الأرض السابعة وفي النهاية اسم علم للنار فعيل من السجن.

« فخلط الطينتين » أي في جسد آدم عليه السلام فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين « ومن هاهنا يصيب المؤمن السيئة » لخلط طينته بطينة الكافر وكذا العكس « فقلوب المؤمنين تحن » أي تميل وتشتاق قال الجوهري الحنين الشوق وتوقان النفس « إلى ما خلقوا منه » أي إلى الأعمال المناسبة لما خلقوا منه المؤدية إليها أو إلى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم وكذا الفقرة الثانية تحتمل الوجهين وقد مر الكلام منا في أمثال هذا الخبر في كتاب العدل.

وقال بعض المحدثين في تأويله أن الله تعالى لما علم في الأزل الأرواح التي تختار الإيمان باختيارها والتي تختار المعصية باختيارها سواء خلقوا من طينة


عليين أو من طينة سجين فلما علم ذلك أعطى أبدان الأرواح التي علم أنهم يختارون الإيمان باختيارها كيفية عليين للمناسبة وأعطى أبدان الأرواح التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين من غير أن يكون للأمرين مدخل في اختيارهم الإيمان والكفر وخلط ما بين الطينتين من غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيئة.

وقال بعض أرباب التأويل من المحققين (١) المراد بعليين أشرف المراتب وأقربها من الله تعالى وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الأخبار من قولهم أعلى عليين وكما وقع التنبيه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والأبدان كليهما إليه مع اختلافهما في الرتبة.

فيشبه أن يراد بهما عالم الجبروت والملكوت جميعا اللذين هما فوق عالم الملك أي عالم العقل والنفس وخلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم لأنهم المقربون وأما خلق أبدانهم من الملكوت فذلك لأن أبدانهم الحقيقية هي التي في باطن هذه الجلود المدبرة لهذه الأبدان وإنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم لا علاقة لهم بها فكأنهم وهم في جلابيب من هذه الأبدان قد نفضوها وتجردوا منها لعدم ركونهم إليها وشدة شوقهم إلى النشأة الأخرى ولهذا نعموا بالوصول إلى الآخرة ومفارقة هذه الأدنى ومن هنا ورد في الحديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (٢).

__________________

(١) يريد به الفيلسوف المشهور ملا صدرا الشيرازى.

(٢) قال العلامة الطباطبائى مد ظله في بعض كلامه : الاخبار مستفيضة في أن الله تعالى خلق السعداء من طينة عليين وخلق الاشقياء من طينة سجين ـ من النار ـ وكل يرجع الى حكم طينته من السعادة والشقاء ، وقد أورد عليها اولا بمخالفة الكتاب وثانيا باستلزام الجبر الباطل.

أما البحث الأول فقد قال الله تعالى : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ » وقال : « بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ » فأفاد أن الإنسان مخلوق من طين ، ثم قال تعالى : « وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ


وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لأنها مركبة من هذه ومن هذه لتعلقهم بهذه الأبدان العنصرية أيضا ما داموا فيها وسجين أخس المراتب وأبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك أعني هذا العالم العنصري فإن الأرواح مسجونة فيه ولهذا ورد في الحديث المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة.

__________________

مُوَلِّيها » الآية. وقال : « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » الآية :

فأفاد أن للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجه إليها ، سائر نحوها وقال تعالى : « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ » الآية.

فأفاد أن ما ينتهى إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه طينا ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء ، وآخر السعيد الى الجنة ، وآخر الشقى الى النار ، فهما أو لهما لكون الآخر هو الأول ، وحينئذ صح أن السعداء خلقوا من طينة الجنة والاشقياء خلقوا من طينة النار.

وقال تعالى : « كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ... كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » الآيات وهي تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهى إليه أمر الابرار والفجار من النعمة والعذاب فافهم.

واما البحث الثاني وهو ان اخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميين للإنسان ، ومعه لا يكون أحدهما اختياريا كسبيا للإنسان وهو الجبر الباطل.

فالجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الاشكال الى سبق قضاء السعادة الشقاء في حق الإنسان قبل أن يخلق ، وأن ذلك يستلزم الجبر ، والجواب أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، فهو فعل اختيارى في عين أنه حتمى الوقوع ، ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى يلزم منه بطلان الاختيار.


وخلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر وإنما نسب خلق قلوبهم إليه لشدة ركونهم إليه وإخلادهم إلى الأرض وتثاقلهم إليها فكأنه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك.

والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلق الأرواح الملكوتية بالأبدان العنصرية بل نشؤها منها شيئا فشيئا فكل من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها فيصير مؤمنا حقيقيا أو كافرا حقيقيا أو بين الأمرين على حسب مراتب الإيمان والكفر انتهى.

وأقول : هو مبني على أصول واصطلاحات لم تثبت حقيتها ولم تعرف حقيقتها ولا ضرورة في الخوض فيها.

٧ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار وقال إذا أراد الله بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره.

قال : وسمعته يقول الطينات ثلاث طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع « مِنْ طِينٍ لازِبٍ » كذلك لا يفرق الله عز وجل بينهم وبين شيعتهم وقال طينة الناصب « مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » وأما المستضعفون فمِنْ تُرابٍ ، لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ولله المشية فيهم (١).

تبيين : من طينة الجنة أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنة أو من طينة مرجحة لأعمال تصير سببا لدخول الجنة لا على الإلجاء إذا أراد الله بعبد خيرا أي حسن عاقبة وسعادة.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣.


طيب روحه بالهدايات الخاصة والألطاف المرجحة وذلك بعد حسن اختياره وما يعود إليه من الأسباب.

« مِنْ طِينٍ لازِبٍ » قال القاضي هو الحاصل من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وفي القاموس اللزوب اللصوق والثبوت ولزب ككرم لزبا ولزوبا دخل بعضه في بعض والطين لزق وصلب.

أقول : ويمكن أن يكون على هذا التأويل للآية الكريمة المراد باللزوب لصوقهم بالأئمة عليهم السلام وملازمتهم لهم فقوله كذلك لا يفرق الله وفي بعض النسخ لذلك أي للزوبهم ولصوقهم بأئمتهم عليهم السلام ولصوق طينتهم بطينتهم لا يفرق الله بينهم وبينهم أو لكونهم من فرع تلك الطينة لا يفرق الله بينهما في الدنيا والآخرة لأن الفرع ملحق بالأصل وتابع له.

والحمأ الطين الأسود والمسنون المتغير المنتن وقيل أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة وقيل إنه الرطب وقيل مصور والحمأ المسنون طين سجين فمن تراب أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الأنبياء والمؤمنين ولا بماء آسن أجاج كما مزجت به طينة الكافرين.

وكأن هذا وجه جمع بين الآيات الكريمة فإن ما دل على أنه خلق « مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » فهو في الناصب وما دل على أنه خلق « مِنْ طِينٍ لازِبٍ » فهو في الشيعة وما دل على أنه خلق « مِنْ تُرابٍ » فهو في المستضعفين فيحتمل أن يكون المراد إدخال تلك الطينات في بدن آدم عليه السلام لتحصيل قابلية جميع تلك الأمور والأقسام في ولده أو يكون المراد خلق كل صنف من طينة بإدخالها في النطفة أو بحصول تلك النطفة من هذه الطينة.

فالأوسط أظهرلما رواه الشيخ في مجالسه بإسناده عن عبيد بن يحيى عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن جده الحسن بن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد وألين من الزبد وأبرد


من الثلج وأطيب من المسك فيها طينة خلقنا الله عز وجل منها وخلق شيعتنا منها فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا وهي الميثاق الذي أخذه الله عز وجل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال عبيد : فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث فقال صدقك يحيى بن عبد الله هكذا أخبرني أبي عن جدي عن النبي صلى الله عليه واله قال عبيد أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير قال نعم أخبرني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال إن لله ملكا رأسه تحت العرش وقدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى بين عينيه راحة أحدكم فإذا أراد الله أن يخلق خلقا على ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمى بها في النطفة حتى يصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق قوله ولله المشية فيهم أي في المستضعفين والتعميم بعيد (١).

٨ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن إبراهيم بن مسلم الحلواني عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن في الجنة لشجرة تسمى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله عز وجل من صلبه مؤمنا (٢).

بيان : في المصباح حلوان بالضم بلد مشهور من سواد العراق وهي آخر مدن العراق وبينها وبين بغداد نحو خمس مراحل وفي القاموس المزن بالضم

__________________

(١) بل لله المشية فيهم جميعا وليس المشية مشية جزافية بل هي ما يجرى عليه ناموس الكون والفساد الحاكم على الإنسان وقلبه وفكره وأفعاله كلها فمن آمن فقد آمن بمشية الله ومن كفر فقد كفر بمشية الله ومن ارتد عن الايمان الى النصب والعناد فقد ارتد بمشية الله ، فافهم ذلك.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٤.


السحاب أو أبيضه أو ذو الماء انتهى وكان التسمية هنا على التشبيه.

قيل : هذا الحديث كما يناسب ما قيل إن المراد بالطينة الأصول الممتزجات المنتقلة في أطوار الخلقة كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات والغذاء وما بعدها من العلقة والمضغة والمزاج الإنسان القابل للنفس الناطقة المدبرة كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنة لأن طينة الجنة اختمارها وتربيتها بهذه القطرة كما أنه بماء العذب الفرات المذكور سابقا وبالجملة خلقه من طينة الجنة ومزجها بماء الفرات أولا وتربيتها بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن ليحصل له الوصول إلى أعلى مراتب القرب انتهى.

وقال بعض المحققين من أهل التأويل الجنة تشتمل جنان الجبروت والملكوت والمزن السحاب وهو أيضا يعم سحاب ماء الرحمة والجود والكرم وسحاب ماء المطر والخصب والديم وكما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة وسحابا انفصلت منه في عالم الملك كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت والجبروت وكما أن البقلة والثمرة تتربى بصورتها الملكية كذلك تتربى بصورتيها الملكوتية والجبروتية المخلوقتين من ذكر الله تعالى اللتين من شجرة المزن الجناني وكما أنهما تتربيان بها قبل الأكل كذلك تتربيان بها بعد الأكل في بدن الآكل فإنها ما لم تستحل إلى صورة العضو فهي بعد في التربية.

فالإنسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر الله عز وجل عندها وشكر الله عليها وصرف قوتها في طاعة الله سبحانه والأفكار الإيمانية والخيالات الروحانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني فإذا فضلت من مادتها فضلة منوية فهي من شجرة المزن التي أصلها في الجنة.

وإذا أكلها على غفلة من الله سبحانه ولم يشكر الله عليها وصرف قوتها في معصية الله تعالى والأفكار المموهة الدنيوية والخيالات الشهوانية فقد تربت


تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إلا أن يكون قد تحقق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الأكل.

وأما مأكولة الكافر التي يخلق منها المؤمن فإنما يتحقق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا ولذكر الله عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية وكذلك لحل ثمنها وتقوى زارعها أو غارسها إلى غير ذلك من الأسباب.

٩ ـ كا : الكافي العدة عن سهل وغير واحد عن الحسين بن الحسن جميعا عن محمد بن أورمة عن محمد بن علي عن إسماعيل بن يسار عن عثمان بن يوسف عن عبد الله بن كيسان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له جعلت فداك أنا مولاك عبد الله بن كيسان قال أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك.

قال قلت له إني ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت وحسن الخلق وكثرة أمانة ثم أفتشه فأفتشه عن عداوتكم وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة ثم أفتشه فأفتشه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك؟

قال : فقال لي أما علمت يا ابن كيسان أن الله عز وجل أخذ طينة من الجنة طينة من النار فخلطهما جميعا ثم نزع هذه من هذه وهذه من هذه فما رأيت في أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة فمما مستهم من طينة النار وهم يعادون إلى ما خلقوا منه (١).

توضيح : عن عداوتكم التعدية بعن لتضمين معنى الكشف والسمت الطريق وهيئة أهل الخير وزعارة بالزاي والراء المشددة ويخفف الشراسة وسوء الخلق وفي بعض النسخ بالدال والعين والراء المهملات وهو الفساد والفسق

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٤.


والخبث فخلطهما جميعا أي في صلب آدم عليه السلام إلى أن يخرجوا من أصلاب أولاده وهو المراد بقوله ثم نزع هذه من هذه إذ يخرج المؤمن من صلب الكافر والكافر من صلب المؤمن.

وحمل الخلط على الخلطة في عالم الأجساد واكتساب بعضهم الأخلاق من بعض بعيد جدا وقيل ثم نزع هذه من هذه معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار وطينة النار من طينة الجنة بعد ما مست إحداهما الأخرى ثم خلق أهل الجنة من طينة الجنة وأهل النار من طينة النار.

وأولئك إشارة إلى الأعداء وهؤلاء إلى الأولياء وما خلقوا منه في الأول طينة النار وفي الثاني طينة الجنة.

١٠ ـ كا : الكافي عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل عليه السلام في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا وأخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى.

فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا ومن السماوات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل والأنبياء والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال وقال للذي بشماله منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال.

ثم إن الطينتين خلطتا جميعا وذلك قول الله عزوجل « إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى » (١) فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته والنوى طينة

__________________

(١) الأنعام : ٩٥ وما بعدها ذيلها.


الكافرين الذين نأوا عن كل خير وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد عنه وقال الله عز وجل « يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ » فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر والميت الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن والميت الكافر وذلك قول الله عز وجل « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ » (١) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكان حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور وذلك قوله عزوجل (٢) « لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » (٣)

تبيين : قوله في أول ساعة إلخ قيل لما كان خلق آدم عليه السلام بعد خلق السماوات والأرض ضرورة تقدم البسيط على المركب وكان خلق السماوات والأرض وأقواتها في ستة أيام من الأسبوع وقد جمعت جميعا في الجمعة صار بدو خلق الإنسان فيه.

والمراد بكلمته جبرئيل عليه السلام لأنه حامل كلمته أو لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله أو لكونه مخلوقا بكلمة كن بلا مادة وقيل المراد بالسماوات درجات الجنة وبالأرضين دركات سجين ليطابق الأخبار الأخر ويحتمل أخذها منهما معا.

وقيل كأن المراد بالتربة ما له مدخل في تهيئة المادة القابلة لأن يخلق منها شيء فيشمل الطينة بمعنى الجبلة وآثار القوى السماوية المربية للنطفة وبالجملة ما له مدخل في السبب القابلي انتهى.

وقيل إطلاق التربة على ما أخذ من السماوات من قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة وينقلب إليهما والقصوى مؤنث الأقصى أي الأبعد ويدل على أن الأرض سبع طبقات كالسماوات كما قال الله تعالى « اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) يس : ٧٠.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٥.


سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » (١).

قوله عليه السلام ففلق الطين فلقتين ضمير فلق إما راجع إلى الله أو إلى جبرئيل وكذا قوله فذرا وفي القاموس فلقه يفلقه شقه كفلقه وفالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج الورق منه وقال ذرت الريح الشيء أو أذرته وذرته أطارته وأذهبته وذرا هو بنفسه.

أقول : الكلام يحتمل وجوها :

الأول أن يكون قوله ففلق تفريعا وتأكيدا لما مضى أي فصار بقبض بعض الطين باليمين وبعضه بالشمال الطين صنفين ففرق من الأرض أي ما كان في يده من طين الأرض وكذا الثاني فقال الله أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذرو أو للذي كان بيمينه بعده.

الثاني أن يكون المعنى ففلق كل طين من الطينتين فلقة أي جعل كلا منهما حصتين ففرق من كل طين حصة ليكون طينة للمستضعفين والأطفال والمجانين وقال لما بقي في اليمين منك الرسل إلخ ولما بقي في الشمال منك الجبارون إلخ وعلى هذا لعل إرجاع الضمائر إلى الله أولى فيقرأ أريد في الموضعين بصيغه المتكلم وعلى الوجه الآخر يقرأ بصيغه الغائب المجهول.

الثالث ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال كان الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادتين لخلق الإنسان وإنما ذرا من كل منهما ما ذرا لأنه كان فيهما ما ليس له مدخل في خلق الإنسان وإنما كان مادة لسائر الأكوان خاصة.

قوله عليه السلام ثم إن الطينتين خلطتا أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين المذروء منهما وغير المذروء.

قوله ع : فالحب طينة المؤمنين هذا بطن من بطون الآية وعلى هذا التأويل المراد بالفلق شق كل منهما وإخراج الآخر منه أو شق كل منهما

__________________

(١) الطلاق : ١٢ ، ولكنها لا تدل على أن الأرض ذات طباق كالسماوات ولعل المراد مثلهن عددا ، أو مثلهن قطعا فينطبق مع سبع قارات لارضنا هذه التي نحن عليها.


عن صاحبه أو خلقهما.

من أجل أنه نأى كأن مناسبة نأى ونوى من جهة الاشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فإن الأول مهموز الوسط والثاني من المعتل (١) ويحتمل أن يكون أصل المهموز من المعتل أو بالعكس ويؤيده أن صاحب مصباح المنير والراغب في المفردات ذكرا نأى في باب النون مع الواو أو يقال ليس الغرض هنا بيان الاشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد وذكر نأى لتناسب اللفظين فإن الواوي أيضا يطلق بهذا المعنى قال في القاموس النية الوجه الذي يذهب فيه والبعد كالنوى فيهما انتهى.

والآية في سورة الأنعام هكذا « إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى » (٢) قال في مجمع البيان (٣) أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منه النبات وشاق النواة اليابسة فيخرج منه النخل والشجر وقيل معناه خالق الحب والنوى ومنشئهما ومبدئهما وقيل المراد به ما في الحبة والنواة من الشق وهو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه.

« يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ » (٤) أي يخرج النبات الغض الطري الخضر من الحب اليابس ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج والعرب تسمي الشجرة ما دام غضا قائما بأنه حي فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا.

وقيل معناه يخلق الحي من النطفة وهي موات ويخلق النطفة وهي موات من الحي عن الحسن وغيره وهذا أصح وقيل معناه يخرج الطير من البيض والبيض من

__________________

(١) ولعل ذلك إشارة الى أن الحب وهو ما كان له قشر ولباب يؤكل انما يناسب المؤمن ذا اللب وأن النوى وهو ما كان كله كالقشر وليس له لباب يؤكل انما يناسب الكافر ليس له لب.

(٢) الأنعام : ٩٥.

(٣) مجمع البيان ج ٤ ص ٣٣٨.

(٤) الأنعام : ٩٥.


الطير عن الجبائي (١) وقيل يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

ثم قال سبحانه في هذه السورة أيضا « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها » (٢) قال الطبرسي (٣) « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً » أي كافرا « فَأَحْيَيْناهُ » بأن هديناه إلى الإيمان عن ابن عباس وغيره شبه سبحانه الكفر بالموت والإيمان بالحياة وقيل معناه من كان نطفة فأحييناه « وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً » المراد بالنور العلم والحكمة أو القرآن أو الإيمان وبالظلمات ظلمات الكفر.

وإنما سمى الله الكافر ميتا لأنه لا ينتفع بحياته ولا ينتفع غيره بحياته فهو أسوأ حالا من الميت إذ لا يوجد من الميت ما يعاقب عليه ولا يتضرر غيره به.

وسمى المؤمن حيا لأنه له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته وكذلك سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا في عدة مواضع مثل قوله « إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى » (٤) و « لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا » (٥) وقوله « وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » (٦).

وسمى القرآن والإيمان والعلم نورا لأن الناس يبصرون بذلك ويهتدون به من ظلمات الكفر وحيرة الضلالة كما يهتدى بسائر الأنوار وسمى الكفر ظلمة لأن الكافر لا يهتدي بهداه ولا يبصر أمر رشده انتهى.

وأقول على التأويل المذكور في الخبر وأكثر التفاسير المذكورة قوله تعالى « يُخْرِجُ الْحَيَ » بيان لقوله « فالِقُ الْحَبِ ».

قوله حين فرق الله بينهما بكلمته أي بقدرته أو بأمر كن أو بجبرئيل

__________________

(١) وليس بشيء فان النطفة ليست بميتة بل الحيوانات والنباتات كلها انما يخلقون من نطفة حى.

(٢) الأنعام : ١٢٢.

(٣) مجمع البيان ج ٤ ص ٣٥٩.

(٤) النمل : ٨٠.

(٥) يس : ٧٠.

(٦) فاطر : ٢٢.


والتفريق في الميلاد أو في الطينة والأول أظهر فقوله كذلك تشبيه الإخراج من الظلمات إلى النور وبالعكس بإخراج الحي من الميت وبالعكس في أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر وبالعكس.

وليس المراد تأويل تتمة تلك الآية أعني قوله سبحانه أومن كان ميتا إلخ فإنه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة بل فيها أنه في الظلمات ليس بخارج منها بل هو إشارة إلى قوله تعالى « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » الآية.

ولا ينافيه قوله عليه السلام ويخرج الكافر مع أن في الآية نسب الإخراج إلى الطاغوت لأن لخذلانه سبحانه مدخلا في ذلك مع أنه يمكن أن يقرأ على بناء المجرد المعلوم أو على بناء المجهول.

وما قيل من أنه يظهر من هذا الحديث أن إخراج المؤمن من الكافر وبالعكس في وقتين وقت تفريق الطين ووقت الولادة فليس بظاهر كما عرفت ثم استشهد عليه السلام لإطلاق الحياة على الإيمان أو كونه من طينة مقربة له بقوله سبحانه « لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا » أي كان من طينة الجنة على تأويله عليه‌السلام.

قال الطبرسي (١) أي أنزلناه ليخوف به من معاصي الله من كان مؤمنا لأن الكافر كالميت بل أقل من الميت أو من كان عاقلا كما روي عن علي عليه السلام وقيل من كان حي القلب حي البصر.

« وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم وأقول على تأويله عليه السلام يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه منك الجبارون والمشركون والكافرون إلى آخره.

١١ ـ مع : معاني الأخبار سئل الحسن بن علي بن محمد عليه السلام عن الموت ما هو فقال هو التصديق بما لا يكون حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الصادق عليه السلام قال إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا فإن الميت هو الكافر إن الله عز وجل يقول

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٤٣٢.


« يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ » (١) يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن (٢).

١٢ ـ كا : الكافي عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن صالح بن سهل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك من أي شيء خلق الله عز وجل طينة المؤمن فقال من طينة الأنبياء فلن تنجس أبدا (٣).

بيان : فلن تنجس أبدا أي بنجاسة الكفر والشرك وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة ورحمة الرب تعالى وقيل أي لن يتعلق بالدنيا تعلق ركون وإخلاد يذهله عن الآخرة.

١٣ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى عن البرقي عن صالح بن سهل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام المؤمنون من طينة الأنبياء قال نعم (٤).

بيان : أي من فضل طينتهم.

١٤ ـ كا : الكافي عن أبي علي الأشعري ومحمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو علم الناس كيف ابتدئ الخلق لما اختلف اثنان :

إن الله عز وجل قبل أن يخلق الخلق قال كن ماء عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي وكن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم أخذ طينة من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون فقال لأصحاب اليمين إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي.

ثم أمر نارا فأسعرت فقال لأصحاب الشمال أدخلوها فهابوها وقال لأصحاب اليمين أدخلوها فدخلوها فقال « كُونِي بَرْداً وَسَلاماً » فكانت بردا

__________________

(١) الروم : ١٨.

(٢) معاني الأخبار : ٢٩٠.

(٣) الكافي ج ٢ : ٣. وفيه فلم تنجس أبدا.

(٤) الكافي ج ٢ : ٥.


وسلاما.

فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا قال قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة والمعصية ولا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء من هؤلاء (١).

تبيين : لما اختلف اثنان أي في مسألة الاستطاعة والاختيار والجبر أو لما تنازع اثنان في أمر من أمور الدين لاختلاف أفهامهم وقابلياتهم وطينهم ولما بالغوا في هداية الخلق.

كن ماء عذبا أمر تكويني أو استعارة تمثيلية لبيان علمه تعالى باختلاف مواد الخلق واستعداداتهم وما هم إليه صائرون وفي القاموس ماء أجاج ملح مر وقال أديم النار عامته أو بياضه ومن الضحى أوله ومن السماء والأرض ما ظهر وقال عركه دلكه وحكه حتى عفاه وقال الذر صغار النمل ومائة منها زنة حبة شعير الواحدة ذرة وقال دب يدب دبا ودبيبا مشى على هنيئة وقال أقلته فسخته واستقاله طلب إليه أن يقيله وقال هابه يهابه هيبا ومهابة خافه.

وقال السيد رضي الله عنه في نهج البلاغة (٢) روى اليماني عن أحمد بن قتيبة عن عبد الله بن يزيد عن مالك بن دحية قال : كنا عند أمير المؤمنين علي عليه السلام وقد ذكر اختلاف الناس قال إنما فرق بينهم مبادي طينهم وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها وحزن تربة وسهلها فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون وعلى قدر اختلافهم يتفاوتون فتام الرواء ناقص العقل وماد القامة قصير الهمة وزاكي العمل قبيح المنظر وقريب القعر بعيد السبر ومعروف الضريبة منكر الجليبة ونائر القلب متفرق اللب وطليق اللسان حديد الجنان.

وقال ابن ميثم (٣) في قوله عليه السلام إنما فرق بينهم إلخ أي تقاربهم في

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٦.

(٢) نهج البلاغة ط مصر عبده ج ١ ص ٢٥٣.

(٣) شرح النهج لابن ميثم ص ٤١٩ ط ايران قديم.


الصور والأخلاق تابع لتقارب طينهم وتقارب مباديه وهي السهل والحزن والسبخ والعذب وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة.

وقال أهل التأويل الإضافة بمعنى اللام أي المبادي لطينهم كناية عن الأجزاء العنصرية التي هي مبادي المركبات ذوات الأمزجة (١) أو السبخ كناية عن الحار اليابس والعذب عن الحار الرطب والسهل عن البارد الرطب والحزن عن البارد اليابس انتهى.

وأقول : لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي والماء الأجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنية واللذات الجسمانية من البدن وما ركب فيه من الدواعي إلى الشهوات.

ومزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان فقوله أخلق منك أي من أجلك جنتي وأهل طاعتي إذ لو لا ما في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد ولم يصر أحد مطيعا له تعالى.

وكذا قوله أخلق منك ناري إذ لو لا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور.

ثم لإظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر وميز من علم منهم الإيمان ممن علم منهم خلافه وكلفهم بدخول النار ليعلموا قبل التكليف في عالم الأجساد

__________________

(١) بل الصحيح كما أشرنا إليه قبلا أن النطفة هي التي خلقت من سلالة من الطين فليس الإنسان مركبا من الماء والتراب وانما ذلك هو النطفة ولست أعنى الماء الدافق ولا « اسپرماتوزئيد » على اصطلاح المتأخرين بل هي شيء آخر سميت بالنطفة عند المتأخرين في داخل « اسپرماتوزئيد » وانما شخصية الجنين بها فالنطفة التي اخذت واستلت من سهل الأرض غير ما اخذت واستلت من حزنها وما اخذت من طين لازب رس غير ما اخذت من حما مسنون وهكذا.


أن ما علم منهم مطابق للواقع.

فثم ثبتت الطاعة والمعصية وعلم الملائكة من يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في الألواح مطابقا لعلمه تعالى.

وقوله فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر أي لأجل ما قرر في الإنسان من جهتي الخير والشر ترى الأب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي الخير وزاجرا للشهوات فيصير من الأخيار والابن يتبع الهوى والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الأشرار مع نهاية الارتباط بينهما.

وقوله ولا يستطيع هؤلاء أي لا يتخلف ما علم الله تعالى منهم لكن لا يختارونها إلا باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم هذا ما خطر بالبال على وجه الاحتمال والله يعلم غوامض أسرارهم عليهم‌السلام.

وقال بعض أهل التأويل عبر عن المادة تارة بالماء وأخرى بالتربة لاشتراكهما في قبول الأشكال ولاجتماعهما في طينة الإنسان وتركيب خلقته وأديم الأرض وجهها وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء للإنسان ويحصل منه النطفة أو تتربى به والعرك الدلك وكأنه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة والذر النمل الصغار ووجه الشبه الحس والحركة وكونهم محل الشعور مع صغر الجثة والخفاء.

وهذا الخطاب إنما كان في عالم الأمر ولشدة ارتباط الملك بالملكوت وقوامه به جاز إسناد مادته إليه وإن كان عالم الأمر مجردا عن المادة واجتماعهم في الوجود عند الله إنما هو لاجتماع الأجسام الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم الأمر وإن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة في عالم الخلق.

ووجودهم في عالم الأمر وجود ملكوتي ظلي ينبعث من حقيقته هذا الوجود الخلقي الجسماني وهو صورة علمه سبحانه بها وعنه عبر بالظلال في حديث آخر.

وأمره تعالى إياهم إلى الجنة والنار هدايته إياهم إلى سبيلهما ثم توفيقه أو خذلانه ولعل المراد بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية وتحصيل المعرفة


المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها.

واستقالة أصحاب الشمال كناية عن تمنيهم الإطاعة وعدم قدرتهم التامة عليها لغلبة الشهوة عليهم وكونهم مسخرة تحت سلطان الهوى كما قالوا « رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ » (١) انتهى.

ولعل إبداء تلك التأويلات في الأخبار جرأة على الله ورسوله والأئمة الأخيار إلا أن يكون على سبيل الاحتمال لكن بعد ثبوت ما بنوا عليه الكلام من المقدمات التي لم تثبت بالبرهان واليقين بل بعضها مناف لما ثبت في الدين المبين.

١٥ ـ كا : الكافي عن علي عن أبيه عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام أرسل الماء على الطين ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ثم ذراهم فإذا هم يدبون.

ثم رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها ولم يدخلوها ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها فأمر الله عز وجل النار فكانت عليهم بردا وسلاما.

فلما رأى ذلك أهل الشمال قالوا ربنا أقلنا فأقالهم ثم قال لهم ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها فأعادهم طينا وخلق منها آدم عليه السلام وقال أبو عبد الله عليه السلام فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء قال فيرون أن رسول الله صلى الله عليه واله أول من دخل تلك النار فلذلك قوله عز وجل (٢) « قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ » (٣)

بيان : فيرون أي علماء أهل البيت عليهم السلام « قُلْ إِنْ كانَ » الآية قد مر فيه

__________________

(١) المؤمنون : ١٠٧.

(٢) الزخرف : ٨١.

(٣) الكافي ج ٢ : ٧.


وجوه من التأويل (١).

الأول فأنا أول العابدين منكم فإن النبي يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له وأولى بتعظيم ما يجب تعظيمه ومن حق تعظيم الوالد تعظيم ولده ولا يستلزم ذلك إمكاك كينونة الولد وعبادته له فإن المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما.

والثاني أن معناه إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله الموحدين له المنكرين لقولكم.

والثالث أن المعنى فأنا أول الآنفين منه (٢) أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفة (٣).

الرابع أن كلمة إن نافية أي ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة وبناء الخبر على التفسير الأول إذ ظهر منه أنه صلى الله عليه واله كان مبادرا إلى كل خير وسعادة وإطاعة فلا بد أن يكون مبادرا في دخول النار عند الأمر به.

١٦ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة جميعا عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب فكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة وخلق ما أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال.

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٢٥٦ من هذه الطبعة الجديدة.

(٢) واختاره علي بن إبراهيم في تفسيره ، وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أول العابدين أي الجاحدين.

(٣) قال الجوهري : قال أبو زيد : العبد بالتحريك : الغضب والانف والاسم العبدة مثل الانفة ، وقد عبد أي أنف قال الفرزدق :

اولئك أحلاسى فجئنى بمثلهم

وأعبد أن أهجو كليبا بدارم.

قال أبو عمرو : وقوله تعالى : فأنا أول العابدين من الانف والغضب.


فقلت وأي شيء الظلال فقال عليه السلام ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس بشيء؟

ثم بعث فيهم النبيين فدعوهم إلى الإقرار بالله عز وجل وهو قوله تعالى « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ » (١) ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعضهم ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ » (٢) ثم قال أبو جعفر عليه السلام كان التكذيب ثم (٣).

بيان : فخلق من أحب مما أحب قيل ما في قوله ما أحب وما أبغض مصدرية.

وأقول : يمكن تأويله بالعلم أي بأنه لما علم الله تعالى حين خلقهم أنهم سيصيرون من الأشقياء وأبغضهم فكأنه خلقهم مما أبغض أو أنه إشارة إلى اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم في اختيار الحق وقبوله.

والمراد بالظل إما عالم الأرواح أو عالم المثال فعلى الأول شبه الروح المجرد على القول به أو الجسم اللطيف بالظل للطافته وعدم كثافته أو لكونه تابعا لعالم الأجساد الأصلية وعلى الثاني ظاهر.

وقوله شيئا بتقدير تحسه أو الرؤية بمعنى العلم لكن لا يناسبه تعديتها بإلى والأظهر شيء كما ورد في هذه الرواية بسند آخر.

وقيل أراد بقوله وليس بشيء أن الحياة والتكليف في ذلك الوقت لا يصيران سببين للثواب والعقاب كأفعال النائم ولا يبقى بل مثال وحكاية عن الحياة والتكليف في الأبدان ولذا سمي الوجود الذهني بالوجود الظلي لعدم كونه منشأ للآثار ومبدأ للأحكام.

وقيل : يمكن أن يراد به عالم الذر المباين لعالم الأجساد الكثيفة وهو

__________________

(١) الزخرف : ٨٧.

(٢) يونس : ٧٤.

(٣) الكافي ج ٢ : ١٠.


يحكي عن هذا العالم ويشبهه وليس منه فهو ظل بالنسبة إليه أو عالم الأرواح كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه إلا إن الذرية أفنان أنا شجرتها ودوحة أنا ساقتها وإني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء كنا أظلالا تحت العرش قبل خلق البشر وقبل خلق الطينة التي كان منها البشر أشباحا خالية لا أجساما نامية.

« لَيَقُولُنَّ اللهُ » أي خلقنا الله أو الله خلقنا على اختلاف في تقديم المحذوف وتأخيره والمشهور الأول والغرض أن اضطرارهم إلى هذا الجواب بمقتضى العهد والميثاق.

وقوله « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا » الآية في سورة الأعراف (١) هكذا « تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ » وكأن التغيير من النساخ أو النقل بالمعنى (٢).

وقال البيضاوي « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا » عند مجيئهم بالمعجزات « بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ » أي بما كذبوه قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل ولم يؤثر قط فيهم دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم.

١٧ ـ كا : الكافي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف أجابوا وهم ذر قال جعل فيهم ما إذا

__________________

(١) الأعراف : ١٠١.

(٢) بل كما أشرنا إليه سابقا الآية في يونس ٧٤ بزيادة لفظ « به » وهي قوله تعالى : « ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ »


سألهم أجابوا يعني في الميثاق (١).

بيان : ما إذا سألهم كلمة ما موصولة والعائد محذوف أي أجابوه به أي جعل في كل ذرة العقل وآلة السمع وآلة النطق ومن حمل الآية على الاستعارة والتمثيل حمل الخبر على أن المراد به أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم الأبدان أجابوا بلسان المقال (٢) وهو بعيد.

١٨ ـ شي : تفسير العياشي عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال : أتاه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى فقال علي عليه السلام قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه فقال له كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين فقال له أوما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيك « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » (٣) فأسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله يا ابن الكواء « قالُوا بَلى » فقال إني أنا الله لا إله إلا أنا وأنا الرحمن فأقروا له بالطاعة والربوبية وميز الرسل والأنبياء والأوصياء وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق فقالت الملائكة شهدنا عليكم يا بني آدم « أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢.

(٢) قال الفيض رحمه‌الله في تفسير الآية : ان الله نصب لهم دلائل ربوبيته ، وركب في عقولهم ما يدعوهم الى الإقرار بها ، حتى صاروا بمنزلة الاشهاد على طريقة التمثيل ، نظير ذلك قوله عز وجل : « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » وقوله جل وعلا « فقال لها وللأرض ائتيا قالتا أتينا طائعين » ومعلوم أنه لا قول ثمة ، وانما هو تمثيل وتصوير للمعنى. وذلك حين كانت أنفسهم في أصلاب آبائهم العقلية ، ومعادنهم الاصلية. يعنى شاهدهم وهم دقائق في تلك الحقائق ، وعبر عن تلك الآباء بالظهور ، لان كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة من النفوس أو ظاهر عنده لكونه صورة عقلية نورية ظاهرة بذاتها.

(٣) الأعراف : ١٧١.


غافِلِينَ » (١)

١٩ ـ شي : تفسير العياشي عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عن الذر حيث « أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » والله وأسر بعضهم خلاف ما أظهر كيف علموا القول حيث قيل لهم « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » قال إن الله جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه (٢).

٢٠ ـ شي : تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » قلت قالوا بألسنتهم قال نعم وقالوا بقلوبهم قلت وأي شيء كانوا يومئذ قال صنع فيهم ما اكتفى به (٣).

٢١ ـ أقول : وجدت في بعض الكتب مرويا عن أحمد بن محمد الكوفي عن حنان بن سدير عن أبيه سدير الصيرفي عن أبي إسحاق الليثي قال : قلت للإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام يا ابن رسول الله أخبرني عن المؤمن من شيعة أمير المؤمنين إذا بلغ وكمل في المعرفة هل يزني قال عليه السلام لا قلت فيلوط قال : لا قلت فيسرق قال لا قلت فيشرب خمرا قال لا قلت فيذنب ذنبا قال لا.

قال الراوي فتحيرت من ذلك وكثر تعجبي منه قلت يا ابن رسول الله إني أجد من شيعة أمير المؤمنين ومن مواليكم من يشرب الخمر ويأكل الربا ويزني ويلوط ويتهاون بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وأبواب البر حتى إن أخاه المؤمن يأتيه في حاجة يسيرة فلا يقضيها له فكيف هذا يا ابن رسول الله ومن أي شيء هذا.

قال فتبسم الإمام عليه السلام وقال يا أبا إسحاق هل عندك شيء غير ما ذكرت قلت نعم يا ابن رسول الله وإني أجد الناصب الذي لا أشك في كفره يتورع عن هذه

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٤١.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٢.

(٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٠.


الأشياء لا يستحل الخمر ولا يستحل درهما لمسلم ولا يتهاون بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ويقوم بحوائج المؤمنين والمسلمين لله وفي الله تعالى فكيف هذا ولم هذا.

فقال عليه السلام يا إبراهيم لهذا أمر باطن وهو سر مكنون وباب مغلق مخزون وقد خفي عليك وعلى كثير من أمثالك وأصحابك وإن الله عز وجل لم يؤذن أن يخرج سره وغيبه إلا إلى من يحتمله وهو أهله قلت يا ابن رسول الله إني والله لمحتمل من أسراركم ولست بمعاند ولا بناصب فقال عليه السلام يا إبراهيم نعم أنت كذلك ولكن علمنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وإن التقية من ديننا ودين آبائنا ومن لا تقية له فلا دين له.

يا إبراهيم لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا يا إبراهيم إن من حديثنا وسرنا وباطن علمنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن.

قلت يا سيدي ومولاي فمن يحتمله إذا قال ما شاء الله وشئنا ألا من أذاع سرنا إلا إلى أهله فليس منا ثلاثا ألا من أذاع سرنا أذاقه الله حر الحديد.

ثم قال يا إبراهيم خذ ما سألتني علما باطنا مخزونا في علم الله تعالى الذي حبا الله جل جلاله به رسوله صلى الله عليه واله وحبا به رسوله وصيه أمير المؤمنين عليه السلام ثم قرأ عليه السلام هذه الآية « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » (١).

ويحك يا إبراهيم إنك قد سألتني عن المؤمنين من شيعة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن زهاد الناصبة وعبادهم من هاهنا قال الله عز وجل « وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً » (٢) ومن هاهنا قال الله عز وجل « عامِلَةٌ

__________________

(١) الجن : ٢٧ و ٢٨.

(٢) الفرقان : ٢١.


ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ » (١).

وهذا الناصب قد جبل على بغضنا ورد فضلنا ويبطل خلافة أبينا أمير المؤمنين عليه السلام ويثبت خلافة معاوية وبني أمية ويزعم أنهم خلفاء الله في أرضه ويزعم أن من خرج عليهم وجب عليه القتل ويروي في ذلك كذبا وزورا ويروي أن الصلاة جائزة خلف من غلب وإن كان خارجيا ظالما ويروي أن الإمام الحسين بن علي صلوات الله عليهما كان خارجيا خرج على يزيد بن معاوية ويزعم أنه يجب على كل مسلم أن يدفع زكاة ماله إلى السلطان وإن كان ظالما.

يا إبراهيم هذا كله رد على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه واله سبحان الله قد افتروا على الله الكذب وتقولوا على رسول الله صلى الله عليه واله الباطل وخالفوا الله وخالفوا رسوله وخلفاءه.

يا إبراهيم لأشرحن لك هذا من كتاب الله الذي لا يستطيعون له إنكارا ولا منه فرارا ومن رد حرفا من كتاب الله فقد كفر بالله ورسوله.

فقلت : يا ابن رسول الله إن الذي سألتك في كتاب الله قال نعم هذا الذي سألتني في أمر شيعة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأمر عدوه الناصب في كتاب الله عز وجل قلت يا ابن رسول الله هذا بعينه قال نعم هذا بعينه في كتاب الله الذي « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ».

يا إبراهيم اقرأ هذه الآية « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ » (٢) أتدري ما هذه الأرض قلت لا قال عليه السلام اعلم أن الله عز وجل خلق أرضا طيبة طاهرة وفجر فيها ماء عذبا زلالا فراتا سائغا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام ثم نضب عنها ذلك الماء بعد السابع فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الأئمة عليهم السلام ثم أخذ جل جلاله ثفل

__________________

(١) الغاشية : ٤.

(٢) النجم : ٣٢.


ذلك الطين فخلق منه شيعتنا ومحبونا [ محبينا ] من فضل طينتنا فلو ترك يا إبراهيم طينتكم كما ترك طينتنا لكنتم أنتم ونحن سواء.

قلت يا ابن رسول الله ما صنع بطينتنا قال مزج طينتكم ولم يمزج طينتنا قلت يا ابن رسول الله وبما ذا مزج طينتنا قال عليه السلام خلق الله عز وجل أيضا أرضا سبخة خبيثة منتنة وفجر فيها ماء أجاجا مالحا آسنا ثم عرض عليها جلت عظمته ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فلم تقبلها وأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام ثم نضب ذلك الماء عنها.

ثم أخذ من كدورة ذلك الطين المنتن الخبيث وخلق منه أئمة الكفر والطغاة والفجرة ثم عمد إلى بقية ذلك الطين فمزج بطينتكم ولو ترك طينتهم على حاله ولم يمزج بطينتكم ما عملوا أبدا عملا صالحا ولا أدوا أمانة إلى أحد ولا شهدوا الشهادتين ولا صاموا ولا صلوا ولا زكوا ولا حجوا ولا أشبهوكم في الصور أيضا.

يا إبراهيم ليس شيء أعظم على المؤمن أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عز وجل والمؤمن لا يعلم أن تلك الصورة من طين المؤمن ومزاجه.

يا إبراهيم ثم مزج الطينتان بالماء الأول والماء الثاني فما تراه من شيعتنا من ربا وزنا ولواطة وخيانة وشرب خمر وترك صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد فهي كلها من عدونا الناصب وسنخه ومزاجه الذي مزج بطينته وما رأيته في هذا العدو الناصب من الزهد والعبادة والمواظبة على الصلاة وأداء الزكاة والصوم والحج والجهاد وأعمال البر والخير فذلك كله من طين المؤمن وسنخه ومزاجه.

فإذا عرض أعمال المؤمن وأعمال الناصب على الله يقول جل وعز أنا عدل لا أجور ومنصف لا أظلم وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ما أظلم مؤمنا بذنب مرتكب من سنخ الناصب وطينه ومزاجه.

هذه الأعمال الصالحة كلها من طين المؤمن ومزاجه والأعمال الردية


التي كانت من المؤمن من طين العدو الناصب ويلزم الله تعالى كل واحد منهم ما هو من أصله وجوهره وطينته وهو أعلم بعباده من الخلائق كلهم أفترى هاهنا ظلما وجورا وعدوانا ثم قرأ عليه السلام « مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ » (١).

يا إبراهيم إن الشمس إذا طلعت فبدا شعاعها في البلدان كلها أهو بائن من القرصة أم هو متصل بها شعاعها تبلغ في الدنيا في المشرق والمغرب حتى إذا غابت يعود الشعاع ويرجع إليها أليس ذلك كذلك قلت بلى يا ابن رسول الله قال فكذلك يرجع كل شيء إلى أصله وجوهره وعنصره.

فإذا كان يوم القيامة ينزع الله تعالى من العدو الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويرده إلى المؤمن وينزع الله من المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيئة الردية ويرده إلى الناصب عدلا منه جل جلاله وتقدست أسماؤه ويقول للناصب لا ظلم عليك هذه الأعمال الخبيثة من طينتك ومزاجك وأنت أولى بها وهذه الأعمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه وهو أولى بها « الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ » (٢).

أفترى هاهنا ظلما وجورا قلت لا يا ابن رسول الله بل أرى حكمة بالغة فاضلة وعدلا بينا واضحا ثم قال عليه السلام أزيدك بيانا في هذا المعنى من القرآن قلت بلى يا ابن رسول الله قال أليس الله عز وجل يقول « الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (٣) وقال عز وجل « وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ

__________________

(١) يوسف : ٧٩.

(٢) المؤمن : ١٧.

(٣) النور : ٢٤.


فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » (١).

فقلت سبحان الله العظيم وما أوضح ذلك لمن فهمه وما أعمى قلوب هذا الخلق المنكوس عن معرفته؟

فقال عليه السلام يا إبراهيم من هذا قال الله تعالى « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » (٢) ما رضي الله تعالى أن يشبههم بالحمير والبقر والكلاب والدواب حتى زادهم فقال « بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ».

يا إبراهيم قال الله عز وجل ذكره في أعدائنا الناصبة « وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً » (٣) وقال عز وجل « يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً » (٤) وقال جل جلاله « يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ » (٥) وقال جل وعز « وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً » (٦) كذلك الناصب يحسب ما قدم من عمله نافعة حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

ثم ضرب مثلا آخر « أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » (٧).

ثم قال عليه السلام يا إبراهيم أزيدك في هذا المعنى من القرآن قلت بلى يا ابن رسول الله قال عليه السلام قال الله تعالى « يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً

__________________

(١) الأنفال : ٣٧ و ٣٨.

(٢) الفرقان : ٤٤.

(٣) الفرقان : ٢١.

(٤) الكهف : ١٠٥.

(٥) المجادلة : ١٨.

(٦) النور : ٤٠.

(٧) النور : ٤١.


رَحِيماً » (١) يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات وحسنات أعدائنا سيئات « يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » و « يَحْكُمُ ما يُرِيدُ » « لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ » ولا راد لقضائه « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ».

هذا يا إبراهيم من باطن علم الله المكنون ومن سره المخزون ألا أزيدك من هذا الباطن شيئا في الصدور قلت بلى يا ابن رسول الله قال عليه السلام « قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ » (٢) والله الذي لا إله إلا هو « فالِقُ الْإِصْباحِ » « فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » لقد أخبرتك بالحق وأنبأتك بالصدق والله أعلم وأحكم.

بيان : قد مر هذا الخبر نقلا من العلل (٣) مع اختلاف ما وزيادة ونقص وهو من غوامض الأسرار.

وقال بعض المحققين في شرحه جملة القول في بيان السر فيه أنه قد تحقق وثبت أن كلا من العوالم الثلاثة له مدخل في خلق الإنسان وفي طينته ومادته من كل حظ ونصيب ولعل الأرض الطيبة كناية عما له في جملة طينته من آثار عالم الملكوت الذي منه الأرواح المثالية والقوى الخيالية الفلكية المعبر عنهم بالمدبرات أمرا.

والماء العذب عما له في طينته من إفاضات عالم الجبروت الذي منه الجواهر القدسية والأرواح العالية المجردة عن الصور المعبر عنهم بالسابقات سبعا.

والأرض الخبيثة عما له في طينته من أجزاء عالم الملك الذي منه الأبدان العنصرية المسخرة تحت الحركات الفلكية المسخرة لما فوقها.

__________________

(١) الفرقان : ٧١.

(٢) العنكبوت : ١٢ و ١٣.

(٣) راجع علل الشرائع ج ٢ : ٢٩٣.


والماء الأجاج المالح الآسن عما له في طينته من تهيجات الأوهام الباطلة والأهواء المموهة الردية الحاصلة من تركيب الملك مع الملكوت مما لا أصل له ولا حقيقة.

ثم الصفوة من الطينة الطيبة عبارة عما غلب عليه إفاضة الجبروت من ذلك والثفل منه ما غلب عليه أثر الملكوت منه وكدورة الطين المنتن الخبيث مما غلب عليه طبائع عالم الملك وما يتبعه من الأهواء المضلة.

وإنما لم يذكر نصيب عالم الملك للأئمة عليهم السلام مع أن أبدانهم العنصرية منه لأنهم لم يتعلقوا بهذه الدنيا ولا بهذه الأجساد تعلق ركون وإخلاد فهم وإن كانوا في النشأة الفانية بأبدانهم العنصرية ولكنهم ليسوا من أهلها كما مضى بيانه.

قال الصادق عليه السلام في حديث حفص بن غياث يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها فلا جرم نفضوا أذيالهم منها بالكلية إذا ارتحلوا عنها ولم يبق معهم منها كدورة وإنما لم يذكر نصيب الناصب وأئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت مع أن لهم منه حظ الشعور والإدراك وغير ذلك لعدم تعلقهم ولا ركونهم إليه ولذا تراهم تشمئز نفوسهم من سماع العلم والحكمة ويثقل عليهم فهم الأسرار والمعارف فليس لهم من ذلك العالم « إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ » فلا جرم ذهب عنهم نصيبهم من ذلك العالم حين أخلدوا إلى الأرض « وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ».

فإذا جاء يوم الفصل وميز الله الخبيث من الطيب ارتقى من غلب عليه إفاضات عالم الجبروت إلى الجبروت وأعلى الجنان والتحق بالمقربين ومن غلب عليه آثار الملكوت إلى الملكوت ومواصلة الحور والولدان والتحق بأصحاب اليمين وبقي من غلب عليه الملك في الحسرة والثبور والهوان والتعذيب بالنيران إذ فرق الموت بينه وبين محبوباته ومشتهياته.


فالأشقياء وإن انتقلوا إلى نشأة من جنس نشأة الملكوت خلقت بتبعيتها بالعرض إلا أنهم يحملون معهم من الدنيا من صور أعمالهم وأخلاقهم وعقائدهم مما لا يمكن انفكاكهم عنه مما يتأذون به ويعذبون بمجاورته من « سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ » ومن حيات وعقارب وذوات لدغ وسموم ومن ذهب وفضة كنزوها في دار الدنيا ولم ينفقوها في سبيل الله وأشرب في قلوبهم محبتها « فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ » ومن آلهة يعبدونها من دون الله من حجر أو خشب أو حيوان أو غيرها مما يعتقدون فيه أنه ينفعهم وهو يضرهم إذ يقال « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ».

وبالجملة المرء مع من أحب فمحبوب الأشقياء لما كان من متاع الدنيا الذي لا حقيقة له ولا أصل بل هو « مَتاعُ الْغُرُورِ » فإذا كان يوم القيامة وبرزت وحواق الأمور كسد متاعهم وصار لا شيئا محضا فيتألمون بذلك ويتمنون الرجوع إلى الدنيا التي هي وطنهم المألوف لأنهم من أهلها ليسوا من أهل النشأة الباقية لأنهم « رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها » فإذا فارقوها عذبوا بفراقها في نار جهنم.

أعمالهم التي أحاطت بهم وجميع المعاصي والشهوات يرجع إلى متاع هذه النشأة الدنياوية ومحبتها فمن كان من أهلها عذب بمفارقتها لا محالة ومن ليس من أهلها وإنما ابتلي بها وارتكبها مع إيمان منه بقبحها وخوف من الله سبحانه في إتيانها فلا جرم يندم على ارتكابها إذا رجع إلى عقله وأناب إلى ربه فيصير ندامته عليها والاعتراف بها وذل مقامه بين يدي ربه حياء منه تعالى سببا لتنوير قلبه وهذا المعنى تبديل سيئاتهم حسنات.

فالأشقياء إنما عذبوا بما لم يفعلوا لحنينهم إلى ذلك وشهوتهم له وعقد ضمائرهم على فعله دائما أن تيسر لهم لأنهم كانوا من أهله ومن جنسه « وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ».

والسعداء إنما لم يخلدوا في العذاب ولم يشتد عليهم العقاب بما فعلوا من القبائح لأنهم ارتكبوا على كره من عقولهم وخوف من ربهم لأنهم لم


يكونوا من أهلها ولا من جنسها بل أثيبوا بما لم يفعلوا من الخيرات لحنينهم إليه وعزمهم عليه وعقد ضمائرهم على فعله إن تيسر لهم.

فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وإنما ينوي كل ما ناسب طينته ويقتضيه جبلته كما قال الله سبحانه « قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ » (١) ولهذا ورد في الحديث أن كلا من أهل الجنة والنار إنما يخلدون فيما يخلدون على نياتهم وإنما يعذب بعض السعداء حين خروجهم من الدنيا بسبب مفارقة ما مزج بطينتهم من طينة الأشقياء مما أنسوا به قليلا وألفوه بسبب ابتلائهم به ما داموا في الدنيا.

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في اعتقاداته مرسلا أنه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها وإنما يصيبهم آلام عند الخروج منها فيكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم وما الله « بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » انتهى.

وأقول : بناء هذه التأويلات على أمور ليست مخالفتها لأصول متكلمي الإمامية أقل من مخالفة ظواهر تلك الأخبار وقد تكلمنا في أمثال هذه الروايات في كتاب العدل وكان ترك الخوض فيها وفي أمثالها ورد علمها مع صحتها إلى من صدرت عنه أحوط وأولى كما قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد سئل عن القدر طريق مظلم فلا تسلكوه وبحر عميق فلا تلجوه وسر الله فلا تتكلفوه.

٢٢ ـ كا : الكافي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن أذينة عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفر عليه السلام عن قوله عزوجل « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » (٢) إلى آخر الآية فقال وأبوه يسمع عليه السلام.

حدثني أبي أن الله عز وجل قد قبض قبضة من تراب التربة التي خلق الله

__________________

(١) أسرى : ٨٤.

(٢) الأعراف : ١٧١.


منها آدم عليه السلام فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها (١).

بيان : ظاهر الحديث أن السؤال عن الباقر عليه السلام كان في زمن أبيه عليهما السلام وهو حاضر وفيه أنه لم يعهد إدراك زرارة علي بن الحسين عليه السلام فيحتمل أن يكون روي ذلك عن الرجل السائل ولم يكن زرارة حاضرا عند السؤال مع أنه يمكن إدراكه زمان السجاد عليه السلام وعدم روايته عنه ولذا لم يعد في أصحابه.

وفي تفسير العياشي (٢) هكذا عن زرارة أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام إلى آخر الخبر وهو أصوب.

« وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ » قال البيضاوي أي أخرج من أصلابهم نسلا على ما يتوالدون قرنا بعد قرن و « مِنْ ظُهُورِهِمْ » بدل من بني آدم بدل البعض وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب ذرياتهم « وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » أي نصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه منزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله « قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ».

أي كراهة أن تقولوا « إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ » لم نتنبه عليه بدليل أو تقولوا عطف على « أَنْ تَقُولُوا ».

« إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ » فاقتدينا بهم لأن

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٧.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٩.


التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذرا « أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ » يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك وقيل لما خلق الله آدم أخرج من ذريته ذرية كالذر وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر (١) انتهى.

وقال بعض المحققين لعل معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بألسنة قابليات جواهرها وألسن استعدادات ذواتها وأن تصديقهم به كان بلسان طباع الإمكان قبل نصب الدلائل لهم أو بعد نصب الدلائل أو أنه نزل تمكينهم من العلم وتمكنهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التخيل.

نظير ذلك قوله عز وجل « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ » (٢) إلخ وقوله عز وعلا « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » (٣) ومعلوم أنه لا قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى ويحتمل أن يكون النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شيء بحمد ربه وذلك لأنهم مفطورون على التوحيد.

قوله عليه السلام من تراب التربة هذا من قبيل إضافة الجزء إلى الكل قوله من يمينه وشماله الضميران راجعان إلى الملك المأمور بهذا الأمر كجبرئيل أو العرش أو إلى التراب فاستعار اليمين للجهة التي فيها اليمن والبركة والشمال للأخرى أو اليمين لصفة الرحمانية والشمال لصفة القهارية فالضميران راجعان إلى الله تعالى كما في الدعاء والخير في يديك أي كلما يصدر منك من خير أو شر أو نفع أو ضر فهو خير ومشتمل على المصالح الجليلة.

٢٣ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن

__________________

(١) راجع الدر المنثور ج ٣ ص ١٤٢ ، ففيه أحاديث متعددة عن رسول الله « ص » بأسانيد مختلفة.

(٢) النحل : ٤٠.

(٣) فصلت : ١١.


داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا أجاجا فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي ثم قال « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ».

ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين قالوا بلى فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعا وكرها قالوا أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر.

فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » (١) قال إنما هو فترك.

ثم أمر نارا فأججت فقال لأصحاب الشمال ادخلوها فهابوها وقال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا فقال قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية (٢).

توضيح : قوله عليه السلام فأخذ طينا أي مزجه بالماءين ليحصل فيه استعداد الخير والشر إلى الجنة أي امضوا إليها سالمين من العذاب والنكال أو إلى ما يوجب الجنة سالمين من شبه الشياطين ووساوسهم.

أن تقولوا كذا في أكثر النسخ بصيغة الخطاب كما في القراءات المشهورة

__________________

(١) طه : ١١٥.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٨.


فيكون ذكر تتمة الآية استطرادا والأصوب هنا أن يقولوا بصيغة الغيبة موافقا لقراءة أبي عمرو في الآية.

قوله عليه السلام ثم أخذ لعل كلمة ثم هنا للتراخي الرتبي لا الزماني لما بين الميثاقين من التفاوت وإلا فالظاهر تقدم أخذ الميثاق من النبيين على غيرهم كما أن ميثاق أولي العزم مقدم على غيرهم أيضا وأريد بأولي العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم ولا ينافي دخول الإقرار بنبوة نبينا صلى الله عليه واله فيما عهد إليهم دخوله في المعهود إليهم.

قيل ولما كانوا معهودين معلومين جاز أن يشار إليهم بهؤلاء الخمسة مع عدم ذكرهم مفصلا وإنما زاد في أخذ الميثاق على من زاد في رتبته وشرفه لأن التكليف إنما يكون بقدر الفهم والاستعداد فكلما زاد زاد وأنما يعرف مراتب الوجود من له حظ منها وبقدر حظه منها وأما آدم فلما لم يعزم على الإقرار بالمهدي لم يعد من أولي العزم وإنما عزم على الإقرار بغيره من الأوصياء.

إنما هو فترك يعني معنى فنسي هنا ليس إلا فترك ولعل السر في عدم عزمه عليه السلام على الإقرار بالمهدي استبعاده أن يكون لهذا النوع الإنساني اتفاق على أمر واحد انتهى.

وأقول : الظاهر أن المراد بعدم العزم عدم الاهتمام به وبتذكره أو عدم التصديق اللساني حيث لم يكن شيء من ذلك واجبا لا عدم التصديق به مطلقا فإنه لا يناسب منصب النبوة بل ولا ما هو أدون منه وقوله إنما هو فترك أي معنى النسيان هنا الترك لأن النسيان غير مجوز على الأنبياء عليهم السلام أو كان في قراءتهم عليهم السلام فترك مكان فنسي.

أو المعنى أن العزم إنما هو ما ذكر أي العزم على الإقرار المذكور فترك آدم عليه السلام أو كان المطلوب الإقرار التام ولم يأت به أو عزم أولا ثم ترك والأول كأنه أظهر.

وفي القاموس الأجيج تلهب النار كالتأجج وأججتها تأجيجا فتأججت.


٢٤ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن الله عز وجل لما أخرج ذرية بني آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله.

ثم قال الله عز وجل لآدم انظر ما ذا ترى قال فنظر آدم عليه السلام إلى ذريته وهم ذر قد ملئوا السماء قال آدم عليه السلام يا رب ما أكثر ذريتي ولأمر ما خلقتهم فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم قال الله عز وجل « يَعْبُدُونَنِي » و « لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » ويؤمنون برسلي ويتبعونهم.

قال آدم يا رب فما لي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور أصلا فقال الله عز وجل وكذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم.

قال آدم عليه السلام يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم قال الله عز وجل تكلم فإن روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي قال آدم عليه السلام فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة وجبلة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء لم يبغ بعضهم على بعض ولم يك بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شيء من الأشياء.

قال الله عز وجل يا آدم بروحي نطقت وبضعف طبيعتك تكلمت ما لا علم لك به وأنا الخالق العليم بعلمي خالفت بين خلقهم وبمشيتي يمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري صائرون ولا تبديل لخلقي إنما خلقت الجن والإنس ليعبدوني وخلقت الجنة لمن عبدني فأطاعني منهم واتبع رسلي ولا أبالي وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا أبالي.

وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم وإنما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم « أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم


فلذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار.

وكذلك أردت في تقديري وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم فجعلت منهم الشقي والسعيد والبصير والأعمى والقصير والطويل والجميل والدميم والعالم والجاهل والغني والفقير والمطيع والعاصي والصحيح والسقيم ومن به الزمانة ومن لا عاهة به.

فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن أعافيه ويصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته.

فلذلك (١) خلقتهم لأبلوهم في السراء والضراء وفيما أعافيهم وفيما أبتليهم وفيما أعطيهم وفيما أمنعهم وأنا الله الملك القادر ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت وأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدمت وأنا الله الفعال لما أريد لا أسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون (٢).

تبيين قوله فكان وثم قال وفنظر الكل معطوف على أخرج وقوله قال آدم جواب لما ولأمر ما أي لأمر عظيم قوله « يَعْبُدُونَنِي » أي أريد منهم أن يعبدوني قوله « لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » حال أو استئناف بياني.

قوله وكذلك خلقتهم في بعض النسخ لذلك أي لأجل الاختلاف كما قال سبحانه « وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ » (٣) على بعض التفاسير أو لأن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئا.

__________________

(١) فكذلك ظ ، وزان قوله فيما سبق وكذلك خلقتهم ، وكذلك أردت في تقديرى.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٨ ـ ١٠.

(٣) هود : ١١٨.


من روحي أي من روح اصطفيته واخترته أو من عالم المجردات بناء على تجرد النفس قيل الروح الأول النفس والثاني جبرئيل ولا يخفى ما فيه.

وطبيعتك أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها خلاف كينونتي أي وجودي فإنها من عالم الماديات ولا تناسب عالم المجردات والخطاء والوهم ناش منها.

وقيل الكينونة هنا مصدر كان الناقصة والإضافة أيضا للتشريف أي صفاتك البدنية مخالفة للآداب المرضية لي ككونك صابرا وقانعا وراضيا بقضائه تعالى والجبلة بكسر الجيم والباء وتشديد اللام الخلقة قوله وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به في بعض النسخ وبضعف قوتك تكلمت.

والحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب أنما نشأ من الأوهام التابعة للقوى البدنية فإنهم لو كانوا كذلك لم يتيسر التكليف المعرض لهم لأرفع الدرجات ولم يبق نظام النوع ولم يرتكبوا الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.

بعلمي خالفت بين خلقهم إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلاحهم وبقاء نوعهم وبمشيتي أي إرادتي التابعة لحكمتي يمضي فيهم أمري أي الأمر التكويني أو التكليفي أو الأعم لا تبديل لخلقي أي لتقديري أو لما قررت فيهم من القابليات والاستعدادات.

وقيل : أي من حسنت أحواله في ذلك الوقت حسنت أحواله في الدنيا ومن حسنت أحواله في الدنيا حسنت أحواله في الآخرة ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت قبحت أحواله في الموطنين الآخرين لا يتبدل هؤلاء إلى هؤلاء ولا هؤلاء إلى هؤلاء.

أقول : قد مر وسيأتي الكلام في تفسير قوله تعالى « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » (١) وكان هذا إشارة إليه وإنما خلقت الجن والإنس ليعبدوني إشارة إلى قوله

__________________

(١) الروم : ٣٠.


تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (١).

وأورد على ظاهر الآية أن بعض الجن والإنس لا يعبدون أصلا إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع وأجيب بوجوه أربعة :

الأول : أنه أراد سبحانه بالجن والإنس اللذين بلغوا حد التكليف قبل الممات والتعليل المفهوم من اللام أعم من العلة الغائية كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الأول عليه السلام أنه قال : معنى قول النبي صلى الله عليه واله اعملوا فكل ميسر لما خلق له (٢) إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قوله عز وجل : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » فيسر كلا لما خلق له فالويل لمن استحب العمى على الهدى.

الثاني : أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والإنس ما هو أعم من المكلفين وأن اللام للعلية الغائية لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله ليعبدون إذ لعل المراد عبادة بعض الجن والإنس.

الثالث : إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن والإنس إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الآية في قوله تعالى « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » فتدل على أن خلق غير المؤمنين لأجل المؤمنين كما يومئ إليه قوله تعالى في هذا الخبر وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك خلقتهم إلخ.

الرابع : لو سلمنا جميع ذلك نقول ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

(٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ، قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل الشقاوة ، متفق عليه ، كما في مشكاة المصابيح ص ٢٠.


أنما هو فيما هو غاية بالذات والغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة والعبادة غاية بالعرض والتكليف شامل لجميع أفراد الجن والإنس للروايات الدالة على أن الأطفال والمجانين يكلفون في القيامة كما سيأتي في كتاب الجنائز.

قوله وقبل مماتكم كأن تخصيص قبل الممات بالذكر وإن كان داخلا في الحياة للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة والشقاوة لأبلوك وأبلوهم أي لأعاملك وإياهم معاملة المختبر « أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » مفعول ثان للبلوى بتضمين معنى العلم.

قوله والطاعة والمعصية إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة أو المراد به جعل المعصية معصية والطاعة طاعة أو المراد بالخلق التقدير على عموم المجاز أو الاشتراك وظاهره أن الجنة والنار مخلوقتان كما هو مذهب أكثر الإمامية بل كلهم وأكثر العامة وقد مر الكلام فيه في كتاب المعاد.

وبعلمي النافذ فيهم أي المتعلق بكنه ذواتهم وصفاتهم وأعمالهم كأنه نفذ في أعماقهم أو الجاري أثره فيهم فجعلت منهم الشقي والسعيد أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا أو المادة القابلة للشقاوة وإن لم يكن مجبورا عليها وكذا السعيد والبصير أي بصرا أو بصيرة وكذا الأعمى.

والذميم في أكثر النسخ بالذال المعجمة أي المذموم الخلقة في القاموس ذمه ذما ومذمة فهو مذموم وذميم وبئر ذميم وذميمة قليلة الماء وغزيرة ضد وبه ذميمة أي زمانة تمنعه الخروج وكأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب (١).

وفي بعض النسخ بالدال المهملة في القاموس (٢) والدمة بالكسر الرجل القصير الحقير وأدم أقبح أو ولد له ولد قبيح دميم وقال الزمانة العاهة وقوله لأبلوهم بدل لقوله لذلك خلقتهم قوله ولي أن أغير إشارة إلى أن

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ١١٥ و ١١٦.

(٢) القاموس : ج ٤ ص ١١٣.


الطينات المختلفة والخلق منها وتقدير الأمور المذكورة فيهم ليس مما ينفي اختيار الخير والشر أو من الأمور الحتمية التي لا تقبل البداء.

لا أسأل عما أفعل إنما لا يسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات العادل في كل ما أراد العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق بخلاف غيره فإنهم مسئولون عن أعمالهم وأحوالهم لأن فيها الحسن والقبيح والإيمان والكفر لا بالمعنى الذي تذهب إليه الأشاعرة أنه يجوز أن يدخل الأنبياء عليهم السلام النار والكفار الجنة ولا يجب عليه شيء.

وقيل إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق وجواز تخلف المعلول عن العلة التامة كما اختاره هذا القائل.

وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر إنما ملئوا السماء لأن الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملئوها وكانوا يومئذ ملكوتيين والسر في تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور واختلافهم في السعادة والشقاوة اختلاف استعداداتهم وتنوع حقائقهم لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة واختلاف أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي واختلاف الأرواح التي بإزائها في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه والبعد عنه كما أشير إليه في الحديث (١) الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام وأما سر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى التي هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال وضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الأسماء فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه بتلك الصفة فلا بد من

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ج ٨ ص ١٧٧ ولفظه : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل ، ورواه السيوطي في الجامع الصغير ولفظه كما في المتن وبعده : « إذا تفقهوا ».


إيجاد المخلوقات كلها على اختلافها وتباين أنواعها لتكون مظاهر لأسمائه الحسنى جميعا ومجالي لصفاته العليا قاطبة كما أشير إلى لمعة منه في هذا الحديث انتهى.

أقول : هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية إنما نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك وآرائهم.

٢٥ ـ كا : الكافي عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إني لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق والحدة والطيش فأغتم لذلك غما شديدا وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت قال لا تقل حسن السمت فإن السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء فإن الله عز وجل يقول « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » (١) قال قلت فأراه حسن السيماء له وقار فأغتم لذلك قال لا تغتم لما رأيت من نزق أصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى وقال لأصحاب الشمال كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج.

ثم رفع لهم نارا فقال (٢) ادخلوها بإذني فكان أول من دخلها محمد صلى الله عليه واله ثم اتبعه أولو العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم ثم قال لأصحاب الشمال ادخلوها بإذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لأصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النار فخرجوا لم تكلم منهم النار كلما ولم تؤثر فيهم أثرا.

فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول قال قد أقلتكم فادخلوها فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم.

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) فقال لاصحاب اليمين ظ.


قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فمما أصاب من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين (١).

توضيح يقال عراه واعتراه أي غشيه وأتاه والنزق بالفتح والتحريك الخفة عند الغضب والحدة والطيش قريبان منه وقال الجوهري السمت الطريق وسمت يسمت بالضم أي قصد والسمت هيئة أهل الخير يقال ما أحسن سمته أي هديه (٢) وقال السيما مقصور من الواو قال تعالى « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » وقد يجيء السيماء والسيمياء ممدودين (٣).

وقال الفيروزآبادي السمت الطريق وهيئة أهل الخير والسير على الطريق بالظن وحسن النحو وقصد الشيء (٤) وقال السيمة والسيماء والسيمياء بكسرهن العلامة (٥).

وقال الجزري السمت الهيئة الحسنة ومنه فينظرون إلى سمته وهديه أي حسن هيئته ومنظره في الدين وليس من الحسن والجمال وقيل هو من السمت الطريق يقال الزم هذا السمت وفلان حسن السمت أي حسن القصد.

وقال الزمخشري السمت أخذ النهج ولزوم المحجة يقال ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزيي بزي الصالحين.

وفي المصباح السمت الطريق والقصد والسكينة والوقار والهيئة انتهى.

ولعل منعه عليه السلام عن إطلاق السمت لأن السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم ومذهبهم حسن فعبر عليه السلام بعبارة أخرى لا يوهم ذلك أو لما

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١١.

(٢) الصحاح ص ٢٥٤.

(٣) الصحاح : ١٩٥٦.

(٤) القاموس ج ١ ص ١٥٠.

(٥) القاموس ج ٤ ص ١٣٣.


لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا أمر بعبارة أخرى أفصح منه أو أنه عليه السلام علم أنه أراد بالسمت السيماء لا هيئة أهل الخير والطريقة الحسنة والأفعال المحمودة فلذا نبهه عليه السلام بأن السمت لم يأت بالمعنى الذي أردت وهذا قريب من الأول.

والوقار الاطمئنان والسكينة البدنية لأصحاب اليمين أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره بتفريقها أو للذين كانوا في يمين العرش أو للذين علم أنهم سيصيرون من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش.

كونوا خلقا أي مخلوقين ذوي أرواح وقيل أي كونوا أرواحا بمنزلة الذر أي النمل الصغار يسعى وإطلاق السعي هنا والدرج فيما سيأتي إما لمحض التفنن في العبارة أو المراد بالسعي سرعة السير وبالدرج المشي الضعيف كما يقال درج الصبي إذا مشى أول مشيه فيكون إشارة إلى مسارعة الأولين إلى الخيرات وبطء الآخرين عنها وقيل المراد سعي الأولين إلى العلو والآخرين إلى السفل ولا دلالة في اللفظ عليهما.

ثم اتبعه أولو العزم أي سائرهم عليه السلام والكلم الجرح والفعل كضرب وقد يبنى على التفعيل وفي القاموس وهج النار تهج وهجا ووهجانا اتقدت والاسم الوهج محركة.

وأقول : يمكن أن يقال في تأويل هذا الخبر أنه لما كان من علم الله منهم السعادة تابعين للعقل ولمقتضيات النفس المقدس فكأنها طينتهم ومن علم الله منهم الشقاوة تابعين للشهوات البدنية ودواعي النفس الأمارة فكأنها طينتهم ولما مزج الله بينهما في عالم الشهود جرى في غالب الناس الطاعة والمعصية والصفات القدسية والملكات الردية فما كان من الخيرات فهو من جهة العقل والنفس وهما طينة أصحاب اليمين وإن كان في أصحاب الشمال وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الأجزاء البدنية التي هي طينة أصحاب الشمال وإن كان في أصحاب اليمين.


ويمكن أيضا أن يقال المعنى أن الله تعالى قرر في خلقة آدم عليه السلام وطينته دواعي الخير والشر وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والأشقياء وخلق آدم عليه السلام مع علمه بذلك فكأنه خلط بين الطينتين ولما كان أولاد آدم مدنيين بالطبع لا بد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الأشقياء وبالعكس فلعل قوله من لطخ أصحاب الشمال ومن لطخ أصحاب اليمين إشارة إلى هذا المعنى.

ولما كان السبب الأقوى في اكتساب السعداء صفات الأشقياء استيلاء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم وعلم الله أن المؤمنين إنما يرتكبون الآثام لاستيلاء أهل الباطل عليهم وعدم تولي أئمة الحق لسياستهم فيعذرهم بذلك ويعفو عنهم ويعذب أئمة الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى.

٢٦ ـ سن : عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من نور عظمته وجلال كبريائه فمن طعن على المؤمن أو رد عليه فقد رد على الله في عرشه وليس هو من الله في ولاية وإنما هو شرك شيطان (١).

بيان : وليس هو من الله في ولاية أي ليس من أولياء الله وأحبائه وأنصاره أو ليس من المؤمنين الذين ينصرهم الله ويواليهم كما قال تعالى « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ » (٢) أو ليس من حزب الله بل هو من حزب الشيطان كما ورد في خبر آخر خرج من ولاية الله إلى ولاية الشيطان.

٢٧ ـ رياض الجنان : لفضل الله بن محمود الفارسي بإسناده عن بشر بن أبي عتبة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله خلق محمدا من طينة من

__________________

(١) المحاسن : ١٣٢.

(٢) القتال ١١.


جوهرة من تحت العرش وإنه كان لطينته نضج فجعل طينة أمير المؤمنين عليه السلام من نضج طينة رسول الله صلى الله عليه واله وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلام نضج فجعل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين.

وكانت لطينتنا نضج فجعل طينة شيعتنا من نضج طينتنا فقلوبهم تحن إلينا وقلوبنا تعطف عليهم كعطف الوالد على الولد ونحن لهم خير منهم لنا ورسول الله صلى الله عليه واله لنا خير ونحن له خير.

٢٨ ـ ومنه : بإسناده عن أبي الحجاج قال قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الحجاج إن الله خلق محمدا وآل محمد صلى الله عليهم من طين عليين وخلق قلوبهم (١) من طين عليين فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد صلى الله عليه واله وإن الله تعالى خلق عدو آل محمد من طين سجين وخلق قلوبهم أخبث من ذلك وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين فقلوبهم من أبدان أولئك وكل قلب يحن إلى بدنه.

٢٩ ـ بشا ، بشارة المصطفى عن ابن الشيخ عن والده عن المفيد عن الجعابي عن جعفر بن محمد الحسيني عن أحمد بن عبد المنعم عن عبد الله بن محمد الفزاري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر الأنصاري وبالإسناد عن أحمد بن عبد المنعم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي بن أبي طالب عليه السلام ألا أبشرك ألا أمنحك قال بلى يا رسول الله قال فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق منها شيعتنا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلا شيعتك فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم (٢).

٣٠ ـ بشا ، بشارة المصطفى عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن عن أبي منصور محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعدل عن أبي عمير السماك عن محمد بن أحمد المهدي عن عمر بن الخطاب السجستاني عن إسماعيل بن العباس الحمصي عن أبي زياد

__________________

(١) كأنه يعنى قلوب شيعتهم.

(٢) بشارة المصطفى ص ١١٥ و ١٧.


عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي عليه السلام ألا أبشرك يا علي قال بلى بأبي وأمي يا رسول الله قال أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة وفضلت منها فضلة فجعل (١) منها شيعتنا ومحبينا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا نحن وشيعتنا ومحبينا فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم (٢).

٣١ ـ بشا : بشارة المصطفى عن ابن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن المظفر بن محمد عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن أحمد بن محمد بن عيسى الهاشمي عن محمد بن عبد الله الزراري عن أبيه عن ابن محبوب عن أبي زكريا الموصلي عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق حيث أقامهم أشباحا فقال لهم « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » قال ومحمد رسولي قالوا بلى قال وعلي أمير المؤمنين فأبى الخلق جميعا إلا استكبارا وعتوا عن ولايتك إلا نفر قليل وهم أقل القليل وهم أصحاب اليمين (٣).

٣٢ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد وغيره عن محمد بن خلف عن أبي نهشل قال حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن الله عز وجل خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك وقلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا ثم تلا هذه الآية « كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » (٤).

وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم

__________________

(١) فخلق خ ل.

(٢) بشارة المصطفى ٢٤.

(٣) بشارة المصطفى : ١٤٤.

(٤) المطففين : ١٨ ـ ٢١.


من دون ذلك فقلوبهم تهوى إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية « كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ » (١) « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » (٢)

بيان قد مر الخبر وشرحه في باب خلق أبدان الأئمة عليهم السلام (٣).

وقال بعض أرباب التأويل كل ما يدركه الإنسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره مكتوبا ثمة وسيما ما رسخت بسبب الهيئات وتأكدت به الصفات وصار خلقا وملكة.

فالأفاعيل المتكررة والعقائد الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابية في الألواح كما قال الله تعالى « أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » (٤) وهذه الألواح النفيسة يقال لها صحائف الأعمال وإليه الإشارة بقوله سبحانه « وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ » (٥) وقوله عز وجل « وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً » (٦) فيقال له « لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » (٧) « هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » (٨).

فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين وكانت معلوماته أمورا قدسية وأخلاقه زكية وأعماله صالحة فقد « أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ » (٩) أعني من الجانب

__________________

(١) المطففين : ٧ ـ ١٠.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٤.

(٣) كتاب الإمامة المجلد السابع.

(٤) المجادلة : ٢٢.

(٥) كورت ١٠.

(٦) أسرى : ١٣.

(٧) ق : ٢٢.

(٨) الجاثية : ٢٨.

(٩) أسرى : ٧١ ـ الحاقة : ١٩.


الأقوى الروحاني وهو جهة عليين وذلك لأن كتابه من جنس الألواح العالية والصحف المكرمة المرفوعة المطهرة « بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ » (١) « يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ».

ومن كان من الأشقياء المردودين وكانت معلوماته مقصورة على الجرميات وأخلاقه سيئة وأعماله خبيثة فقد « أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ » أعني من جانبه الأضعف الجسماني وهو جهة سجين وذلك لأن كتابه من جنس الأوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للاحتراق فلا جرم يعذب بالنار.

وإنما عود الأرواح إلى ما خلقت منه كما قال سبحانه « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ » (٢) « كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ » (٣) فما خلق من عليين فكتابه في عليين وما خلق من سجين فكتابه في سجين انتهى.

وسياق تلك التحقيقات على مذاقه من أصول الدين ولما لم يصرح بنفي ما حققه جماهير الإمامية من أصحاب اليقين لا أدري أنها ثبتت له في عليين أو سجين وفقنا الله لسلوك مسالك المتقين.

٣٣ ـ بشا : بشارة المصطفى عن ابن الشيخ عن أبيه عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن محمد بن خالد عن فضالة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنا وشيعتنا خلقنا من طينة عليين وخلق الله عدونا من طينة خبال « مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » (٤)

بيان : قال في النهاية فيه من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيامة جاء تفسيره في الحديث أن الخبال عصارة أهل النار والخبال في الأصل الفساد ويكون من الأفعال والأبدان والعقول.

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في عبس : ١٣ ـ ١٦.

(٢) الأعراف : ٢٩.

(٣) الأنبياء : ١٠٤.

(٤) بشارة المصطفى : ١٠٥.


٤

(باب)

فطرة الله سبحانه وصبغته

(الآيات)

البقرة : « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » (١).

الروم « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » (٢)

تفسير

« صِبْغَةَ اللهِ » قال البيضاوي أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة « اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ أو هدانا هدايته وأرشدنا حجته أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب.

أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيتهم ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله آمنا وقيل على الإغراء وقيل على البدل من ملة إبراهيم.

« وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » لا صبغة أحسن من صبغته « وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم.

__________________

(١) البقرة : ١٣٨.

(٢) الروم : ٣٠.


وأقول قد مضى تفسير الآية الثانية في باب فضل الإيمان (١).

١ـ كا : عن علي عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » (٢) قال الإسلام وقال في قوله عز وجل « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » (٣) قال هي الإيمان بالله وحده لا شريك له (٤).

بيان : قيل على هذه الأخبار يحتمل أن تكون صبغة منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك « لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (٥) ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصا بالخواص والخلص المخاطبين بـ « قُولُوا » في صدر الآيات حيث قال « قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » (٦) دون سائر أفراد بني آدم.

بل يتعين هذا المعنى أن فسر الإسلام بالخضوع والانقياد للأوامر والنواهي كما فعلوه وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله كما سيأتي إن شاء الله.

وقيل صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما.

قوله « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ » قال تعالى « فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها » وفسر الطاغوت في الأخبار بالشيطان وبأئمة الضلال والأولى التعميم ليشمل كل من عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله و « يُؤْمِنْ بِاللهِ » بالتوحيد وتصديق الرسل وأوصيائهم.

« فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » أي طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثيق

__________________

(١) راجع ص ٤٣ و ٤٤ فيما سبق.

(٢) البقرة : ١٣٨.

(٣) البقرة : ٢٥٦.

(٤) الكافي ج ٢ ص ١٤.

(٥) البقرة : ١٣٦.

(٦) البقرة : ١٣٦.


وهي مستعار لمتمسك الحق من النظر الصحيح والدين القويم « لَا انْفِصامَ لَها » أي لا انقطاع لها وما ورد في الخبر من تفسيره بالإيمان كأن المراد به أنه تعالى شبه الإيمان الكامل بالعروة الوثقى.

وعلى ما ورد في كثير من الأخبار من أن المراد بالطاغوت الغاصبون للخلافة فالمعنى من رفض متابعة أئمة الضلال وآمن بما جاء من عند الله في علي والأوصياء من بعده عليه السلام فقد آمن بالله وحده لا شريك له وإلا فهو مشرك كما روي في معاني الأخبار (١) ، عن النبي صلى الله عليه واله من أحب أن يستمسك « بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » التي « لَا انْفِصامَ لَها » فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه وعن الباقر عليه السلام أن العروة الوثقى هي مودتنا أهل البيت.

٢ ـ كا : عن العدة عن سهل عن البزنطي عن داود بن سرحان عن عبد الله بن فرقد عن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » قال الصبغة هي الإسلام (٢).

٣ ـ يد ، التوحيد عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن العلا بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال على التوحيد (٣).

٤ ـ ير : عن أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » (٤) قال فقال على التوحيد ومحمد رسول الله صلى الله عليه واله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام (٥).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٦٨.

(٢) الكافي ج ٢ : ١٤.

(٣) كتاب التوحيد : ٣٤١.

(٤) الروم : ٣٠.

(٥) بصائر الدرجات : ٧٨.


بيان : قال في النهاية فيه كل مولود يولد على الفطرة الفطر الابتداء والاختراع والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيأ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة.

وقيل معناه كل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن الله صانعه وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره ومنه حديث حذيفة على غير فطرة محمد أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه انتهى.

وقيل الفطرة بالكسر مصدر للنوع من الإيجاد وهو إيجاد الإنسان على نوع مخصوص من الكمال وهو التوحيد ومعرفة الربوبية مأخوذا عليهم ميثاق العبودية والاستقامة على سنن العدل.

وقال بعض العامة الفطرة ما سبق من سعادة أو شقاوة فمن علم الله سعادته ولد على فطرة الإسلام ومن علم شقاوته ولد على فطرة الكفر تعلق بقوله تعالى « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » (١) وبحديث الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع يوم طبع كافرا فإنه يمنع من كون تولده على فطرة الإسلام.

وأجيب عن الأول بأن معنى « لا تَبْدِيلَ » لا تغيير يعني لا يكون بعضهم على فطرة الكفر وبعضهم على فطرة الإسلام ويؤيده قوله صلى الله عليه واله كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه فإن المراد بهذه الفطرة فطرة الإسلام.

وعن الثاني بأن المراد بالطبع حالة ثانية طرأت وهي التهيؤ للكفر عن الفطرة التي ولد عليها.

وقال بعضهم المراد بالفطرة كونه خلقا قابلا للهداية ومتهيئا لها لما أوجد فيه من القوة القابلة لها لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع في العقول

__________________

(١) الروم : ٣٠.


وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الأبوين أو غيرهما.

وأجيب عنه بأن حمل الفطرة على الإسلام لا يأباه العقل وظاهر الروايات يدل عليه وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند.

٥ ـ سن : عن أبيه عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال فطرهم على معرفة أنه ربهم ولو لا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن رازقهم (١).

بيان : قال في المصباح المنير فطر الله الخلق فطرا من باب قتل خلقهم والاسم الفطرة بالكسر قال الله تعالى « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » وقال صلى الله عليه واله كل مولود يولد على الفطرة قيل معناه الفطرة الإسلامية والدين الحق وإنما أبواه يهودانه وينصرانه أي ينقلانه إلى دينهما.

وهذا التفسير مشكل إن حمل اللفظ على حقيقته فقط لأنه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهودوهم وينصروهم واللازم منتف بل الوجه حمله على حقيقته ومجازه معا.

أما حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ وذلك أن إقامة الأبوين على دينهما سبب لجعل الولد تابعا لهما فلما كانت الإقامة سببا جعلت تهويدا وتنصيرا مجازا ثم أسند إلى الأبوين توبيخا لهما وتقبيحا عليهما كأنه قال أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلانه مشركا ويفهم من هذا أنه لو أقام أحدهما على الشرك وأسلم الآخر لا يكون مشركا بل مسلما وقد جعل البيهقي هذا معنى الحديث فقال قد جعل رسول الله صلى الله عليه واله حكم الأولاد قبل أن يختاروا لأنفسهم حكم الآباء فيما يتعلق بأحكام الدنيا وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الأولاد.

٦ ـ كا : الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن

__________________

(١) المحاسن : ٢٤١ والآية في الروم : ٣٠.


سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ما تلك الفطرة قال هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد (١).

بيان : على التوحيد متعلق بفطر وأخذ على التنازع.

٧ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل « حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » (٢) قال الحنيفية من الفطرة « الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » قال فطرهم على المعرفة به.

فقال زرارة وسألته عن قول الله عزوجل « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » (٣) قال أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسه ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربه.

وقال قال رسول الله صلى الله عليه واله كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن الله عزوجل خالقه وكذلك قوله (٤) « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ » (٥).

تبيين : قوله « حُنَفاءَ لِلَّهِ » إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الحج « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما يجتنب الأنجاس وكل افتراء وعن الصادق عليه السلام « الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ » الشطرنج و « قَوْلَ الزُّورِ » الغناء.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢ ، والآية في الروم : ٣٠.

(٢) الحج : ٣١.

(٣) الأعراف : ١٧١.

(٤) لقمان : ٢٥.

(٥) الكافي ج ٢ : ١٢ و ١٣.


قال الطبرسي (١) رحمه‌الله « حُنَفاءَ لِلَّهِ » أي مستقيمي الطريقة على ما أمر الله مائلين عن سائر الأديان « غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » أي حجاجا مخلصين وهم مسلمون موحدون لا يشركون في تلبية الحج به أحدا.

وقال في النهاية فيه خلقت عبادي حنفاء أي طاهري الأعضاء من المعاصي لا أنه خلقهم كلهم مسلمين لقوله تعالى « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » (٢) وقيل أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاق « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » فلا يوجد أحد إلا وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به واختلفوا فيه.

والحنفاء جمع حنيف وهو المائل إلى الإسلام الثابت عليه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم وأصل الحنف الميل ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة. انتهى.

« لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين بل كان كلهم مسلمين مقرين به أو قابلين للمعرفة وأراهم نفسه أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته ويعرفوه في دار التكليف ولو لا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية وفسر عليه السلام الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذعان به.

كذلك قوله أي هذه الآية أيضا محمولة على هذا المعنى « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أي كفار مكة كما ذكره المفسرون أو الأعم كما هو الأظهر من الخبر « لَيَقُولُنَّ اللهُ » لفطرتهم على المعرفة وقال البيضاوي لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذعانه انتهى.

والمشهور أنه مبني على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله وظاهر الخبر أن

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٨٣.

(٢) التغابن : ٢.


كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء لأقر بذلك كما ورد ذلك في الأخبار الكثيرة.

قال بعض المحققين الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب وإن لم يتفطنوا لذلك ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال « أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ » (١)

وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل يا أبا عبد الله هل ركبت سفينة قط قال بلى قال فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك قال بلى قال فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك قال بلى قال الصادق فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه مرضيا عنهم بمجرد الإقرار بالقول ولم يكلفوا الاستدلال العلمية في ذلك وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة وأما الاستدلال فللرد على أهل الضلال.

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان وتحصيل الاطمئنان كما وكيفا شدة وضعفا سرعة وبطئا حالا وعلما وكشفا وعيانا وإن كان أصل المعرفة فطريا إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى تنبيه فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق و « هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ »

__________________

(١) الأنعام : ٤٠ و ٤١.


قال بعض المنسوبين إلى العلم اعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل فكان هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول ونرى الأمر بالضد من ذلك فلا بد من بيان السبب فيه.

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله لمعنى لا تفهمه إلا بمثال هو أنا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثلا كان كونه حيا من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه وكل ذلك لا نعرفه وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها وبعضها نشك فيه كمقدار طوله واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته.

أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فإن هذه الصفات لا تحس بشيء من الحواس الخمس ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته فلو نظرنا إلى كل ما في العلم سواء لم نعرف به صفاته فما عليه إلا دليل واحد وهو مع ذلك جلي واضح.

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ونبات وشجر وحيوان وسماء وأرض وكوكب وبر وبحر ونار وهواء وجوهر وعرض بل أول شاهد عليه أنفسنا وأجسامنا وأصنافنا وتقلب أحوالنا وتغير قلوبنا وجميع أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا.

وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ثم مدركاتنا بالبصيرة والعقل وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد وشاهد ودليل واحد وجميع ما في العالم شواهد ناطقة وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته.

والموجودات المدركة لا حصر لها فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا


وليس يشهد له إلا شاهد واحد وهو ما أحسسنا من حركة يده فكيف لا يتصور في الوجود شيء داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها يشهد بذلك أولا تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا وتشكل أطرافنا وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها كما نعلم أن يد الكاتب لم يتحرك بنفسها.

ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك ومحسوس ومعقول وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره فانبهرت العقول ودهشت عن إدراكه فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه وذلك لا يخفى مثاله والآخر ما يتناهى وضوحه.

وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار لا لخفاء النهار واستتاره ولكن لشدة ظهوره فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع إبصاره فلا يرى شيئا إلا إذا امتزج الظلام بالضوء وضعف ظهوره.

فكذلك عقولنا ضعيفة وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والأبصار بظهوره.

ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه فلو اختلف الأشياء فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر.

ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض


يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أن لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرها فإنا لا نشاهد في الأسود إلا السواد وفي الأبيض إلا البياض وأما الضوء فلا ندركه وحده لكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالتين فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا وجود النور بعدمه وما كنا نطلع عليه لو لا عدمه إلا بعسر شديد وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور.

هذا مع أن النور أظهر المحسوسات إذ به يدرك سائر المحسوسات فما هو ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طريان ضده فإذن الرب تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لانهدمت السماوات والأرض وبطل الملك والملكوت ولأدركت التفرقة بين الحالتين.

ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء فهذا هو السبب في قصور الأفهام.

وأما من قويت بصيرته ولم يضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله وأفعاله وأفعاله أثر من آثار قدرته فهي تابعة فلا وجود لها بالحقيقة وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها.

ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث إنه سماء وأرض وحيوان وشجر بل ينظر فيه من حيث إنه صنع فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث هي آثاره لا من حيث إنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف.


فكل العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل الله وعرفها من حيث إنها فعل الله وأحبها من حيث إنها فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا لله وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من حيث هو عبد الله فهذا هو الذي يقال فيه إنه فني في التوحيد وإنه فني في نفسه وإليه الإشارة بقول من قال كنا بنا ففنينا عنا فبقينا بلا نحن.

فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام ولاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يغنيهم.

فهذا هو السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى وانضم إليه أن المدركات كلها التي هي شاهدة على الله إنما يدركها الإنسان في الصبي عند فقد العقل قليلا قليلا وهو مستغرق الهم بشهواته وقد أنس بمدركاته ومحسوساته إلفها فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا أو فعلا من أفعال الله خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقال سبحان الله وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وسائر الحيوانات المألوفة وكلها شواهد قاطعة ولا يحس بشهادتها لطول الأنس بها.

ولو فرض أكمه بلغ عاقلا ثم انقشعت الغشاوة عن عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة واحدة على سبيل الفجأة يخاف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها.

وهذا وأمثاله من الأسباب مع الانهماك في الشهوات وهي التي سدت على الخلق سبيل الاستضاءة بأنوار المعرفة والسباحة في بحارها الواسعة والجليات إذا صارت مطلوبة صارت معتاصة (١) فهذا سد الأمر فليتحقق ولذلك قيل

__________________

(١) اعتاص عليه الامر : أى التوى ، منه رحمه‌الله.


لقد ظهرت فلا تخفى على أحد

إلا على أكمه لا يعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت محتجبا

فكيف يعرف من بالعرف استترا

وفي كلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله على جده وأبيه وأمه وأخيه وعليه وبنيه ما يرشدك إلى هذا العيان بل يغنيك عن هذا البيان حيث قال في دعاء عرفة :

كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا

وقال : أيضا : تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء وقال تعرفت إلي في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فأنت الظاهر لكل شيء انتهى.

وأقول : قد مضى أكثر أخبار هذا الباب في كتاب التوحيد (١).

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٢ من هذه الطبعة ، باب الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق.


٥

(باب)

(فيما يدفع الله بالمؤمن)

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن علي بن الحسن التيمي (١) عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء (٢).

بيان : عن القرية أي عن أهلها بحذف المضاف كما في قوله تعالى « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ » (٣) وذلك الدفع إما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم.

٢ ـ كا : عن محمد عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين (٤).

بيان : ويمكن رفع التنافي بينه وبين الأول بوجوه :

الأول : أن الأول محمول على النادر والثاني على الغالب أو الحتم.

الثاني : أن يراد بالمؤمن في الأول الكامل وفي الثاني غيره.

الثالث : أن يحملا على اختلاف المعاصي واستحقاق العذاب فيها فإنها مختلفة ففي القليل والخفيف منها يدفع بالواحد وفي الكثير والغليظ منها

__________________

(١) منسوب الى تيم اللات ، والرجل علي بن الحسن بن فضال الفطحى الثقة. وفي نسخة الكمباني « الميثمى » وهو تصحيف.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٤٧.

(٣) يوسف : ٨٢.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٤٧.


لا يدفع إلا بالسبعة مع أن المفهوم لا يعارض المنطوق.

٣ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين قال نعم ولكن يخلصون بعده (١).

بيان : ولكن يخلصون بعده أي ينجون بعد نزول العذاب بهم في البرزخ والقيامة في المصباح خلص الشيء من التلف خلوصا من باب قعد وخلاصا ومخلصا سلم ونجا وخلص الماء من الكدر صفا انتهى.

ويشكل الجمع بينه وبين الخبرين السابقين ويمكن الجمع بوجوه :

الأول : حمل العذاب في الأولين على نوع منه كعذاب الاستيصال كما أنه سبحانه أخرج لوطا وأهله من بين قومه ثم أنزل العذاب عليهم وهذا الخبر على نوع آخر كالوباء والقحط.

الثاني : أن يحمل هذا على النادر وما مر على الغالب على بعض الوجوه.

الثالث : حمل هذا على أقل من السبعة وحمل الواحد على النادر وما قيل إن المراد بالخلاص الخلاص في الدنيا فهو بعيد مع أنه لا ينفع في دفع التنافي.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٧.


٦

(باب)

(حقوق المؤمن على الله عز وجل)

(وما ضمن الله تعالى له)

١ ـ ل : عن أبيه عن سعد عن البرقي عن محمد بن عبد الله بن مهران عن علي بن الحسين بن عبيد الله اليشكري عن محمد بن المثنى الحضرمي عن عثمان بن زيد عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال : للمؤمن على الله عز وجل عشرون خصلة يفي له بها له على الله تبارك وتعالى أن لا يفتنه ولا يضله وله على الله أن لا يعريه ولا يجوعه وله على الله أن لا يشمت به عدوه وله على الله أن لا يهتك ستره وله على الله أن لا يخذله ويعزه وله على الله أن لا يميته غرقا ولا حرقا وله على الله أن لا يقع على شيء. ولا يقع عليه شيء.

وله على الله أن يقيه مكر الماكرين وله على الله أن يعيذه من سطوات الجبارين وله على الله أن يجعله معنا في الدنيا والآخرة وله على الله أن لا يسلط عليه من الأدواء ما يشين خلقته وله على الله أن يعيذه من البرص والجذام وله على الله أن لا يميته على كبيرة وله على الله أن لا ينسيه مقامه في المعاصي حتى يحدث توبة وله على الله أن لا يحجب عنه علمه ومعرفته بحجته.

وله على الله أن لا يغرز في قلبه الباطل وله على الله أن يحشره يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه وله على الله أن يوفقه لكل خير وله على الله أن لا يسلط عليه عدوه فيذله وله على الله أن يختم له بالأمن والإيمان ويجعله معنا في الرفيق الأعلى هذه شرائط الله عز وجل للمؤمنين (١).

__________________

(١) الخصال : ج ٢ : ٩٩.


بيان : قوله عليه السلام ولا يضله عطف تفسير لقوله لا يفتنه وهتك الستر الفضيحة بالعيوب والمعاصي وذكر البرص والجذام بعد قوله ما يشين خلقه تخصيص بعد التعميم وبذلك عدا شيئين وكذلك تسليط العدو وسطوات الجبارين بينهما العموم والخصوص فالمراد بالعدو غير الجبارين أن لا يحجب عنه علمه أي بالحجة أو مطلقا بعد الفحص.

وفي المصباح غرزته غرزا من باب ضرب أثبته بالأرض وفي النهاية في حديث الدعاء وألحقني بالرفيق الأعلى الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع ومنه قوله تعالى « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (١) انتهى. ثم إن أكثر هذه الخصال يحتمل أن تكون مبنية على الغالب ومشروطة بالشرائط.

٢ ـ ما : المفيد عن الصدوق عن ابن المتوكل عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن محمد بن سنان عن المفضل قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله تعالى ضمن للمؤمن ضمانا قال قلت ما هو قال ضمن له إن أقر لله بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه واله بالنبوة ولعلي عليه السلام بالإمامة وأدى ما افترض عليه أن يسكنه في جواره قال فقلت هذه والله هي الكرامة التي لا تشبهها كرامة الآدميين ثم قال أبو عبد الله عليه السلام اعملوا قليلا تنعموا كثيرا (٢).

ثو : ابن المتوكل مثله (٣).

__________________

(١) النساء : ٦٩.

(٢) أمالي الشيخ ص ١٩٥.

(٣) ثواب الأعمال ص ٥.


٧

(باب)

(الرضا بموهبة الإيمان وأنه من أعظم النعم)

(وما أخذ الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الأذى)

١ ـ ما : الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : إن رجلا جاء إلى سيدنا الصادق عليه السلام فشكا إليه الفقر فقال ليس الأمر كما ذكرت وما أعرفك فقيرا قال والله يا سيدي ما استبنت وذكر من الفقر قطعة والصادق عليه السلام يكذبه إلى أن قال خبرني لو أعطيت بالبراءة منا مائة دينار كنت تأخذ قال لا إلى أن ذكر ألوف دنانير والرجل يحلف أنه لا يفعل فقال له من معه سلعة يعطى هذا المال لا يبيعها هو فقير؟

بيان : ما استبنت أي ما حققت حالي وما استوضحتها حيث لم تعرفني فقيرا.

٢ ـ ير : عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد ومحمد بن جمهور عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الهيثم بن واقد عن أبي يوسف البزاز قال : تلا أبو عبد الله عليه السلام علينا هذه الآية « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ » (١) قال أتدري ما آلاء الله قلت لا قال هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا (٢).

٣ ـ سن : عن ابن فضال عن ثعلبة عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيد قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الأعراف : ٧٤.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٨١.


وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له ولقد كان أول من استجاب له علي بن أبي طالب عليه السلام وقد قال له رسول الله صلى الله عليه واله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (١).

٤ ـ سن : عن ابن فضال عن علي بن شجرة عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه أنسا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش إلى من خالفه (٢).

بيان : القلة بالضم أعلى الجبل وقلة كل شيء أعلاه يستوحش إلى من خالفه أي ممن خالفه والظاهر لم يستوحش كما في بعض النسخ بتضمين معنى الميل أي لم يستوحش من الوحدة فيميل إلى من خالفه في الدين ويأنس به في القاموس الوحشة الهم والخلوة والخوف واستوحش وجد الوحشة.

٥ ـ سن : عن ابن فضال عن ابن فضيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قال الله تبارك وتعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن المؤمن فإني أحب لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه ولو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي وجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج معه إلى أحد (٣).

٦ ـ سن : عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام قال الله تبارك وتعالى ليأذن بحرب مني مستذل عبدي المؤمن وما ترددت في شيء كترددي في موت المؤمن إني لأحب لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه وإنه ليدعوني في أمر فأستجيب له لما هو خير له ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه

__________________

(١) المحاسن : ١٥٩.

(٢) المحاسن : ١٥٩.

(٣) المحاسن : ١٥٩ و ١٦٠.


أنسا لا يستوحش فيه إلى أحد (١).

بيان : ليأذن بحرب مني أي ليعلم أني أحاربه كناية عن شدة غضبه عليه أو أنه في حكم محاربي كما قال تعالى « فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ » (٢) قال الطبرسي أي اعلموا بحرب والمعنى أنكم في امتناعكم حرب لله ولرسوله قوله لاستغنيت به أي لأقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء ورفعت عن الناس العذاب والبلاء لوجود هذا المؤمن لأن هذا يكفي لبقاء هذا النظام لا يستوحش فيه كان كلمة في تعليلية والضمير للإيمان وليست هذه الكلمة في أكثر الروايات وهو أظهر.

٧ ـ سن : عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر أخي أديم قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما يضر أحدكم أن يكون على قلة جبل يجوع يوما ويشبع يوما إذا كان على دين الله (٣).

٨ ـ سن : عن أبيه عن حماد بن عيسى عن ربعي عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال : سلامة الدين وصحة البدن خير من زينة الدنيا حسب (٤).

٩ ـ عدة الداعي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تبارك وتعالى ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع أرضين وسبع سماوات بهما ولجعلت لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجان إلى البشر سواهما (٥).

__________________

(١) المحاسن : ١٦٠.

(٢) البقرة : ٢٧٩.

(٣) المحاسن : ١٦٠.

(٤) المحاسن : ٢١٩.

(٥) عدة الداعي : ١٣٨.


١٠ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن كليب بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه فمن دونه المؤمن عزيز في دينه (١).

بيان : أن يستوحش أي يجد الوحشة ولعله ضمن معنى الميل والسكون فعدي بإلى أي استوحش من الناس مائلا أو ساكنا إلى أخيه.

قال في الوافي ضمن الاستيحاش معنى الاستيناس فعداه بإلى وإنما لا ينبغي له ذلك لأنه ذل فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته لا يرغب في صحبته.

وقال بعضهم إلى بمعنى مع والمراد بأخيه أخوه النسبي ومن موصولة ودون منصوب بالظرفية والضمير لأخيه أي لا ينبغي للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا فمن كان دون هذا الأخ من الأقارب والأجانب وقيل أي لا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من الله ومن الإيمان به إلى أخيه فكيف من دونه إذ للمؤمن أنس بالإيمان وقرب الحق من غير وحشة فلو انتفى الأنس وتحققت الوحشة انتفى الإيمان والقرب.

وأقول : الأظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ينبغي أن يجد الوحشة من قلة أحبائه وموافقيه وكثرة أعدائه ومخالفيه فيأنس لذلك ويميل إلى أخيه الديني أو النسبي فمن دونه من الأعادي أو الأجانب وقوله المؤمن عزيز في دينه جملة استئنافية فكأنه يقول قائل لم لا يستوحش فيجيب بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه فلا يحتاج في عزه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به والحاصل أن عزته بالدين لا بالعشائر والتابعين فكلمة في سببية.

وأقول في بعض النسخ عمن دونه وفي بعضها عن دونه فهو صلة للاستيحاش أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره.

١١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن فضالة بن أيوب عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة عن فضيل بن يسار قال : دخلت على

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٥.


أبي عبد الله عليه السلام في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه فقال يا فضيل إنني كثيرا ما أقول ما على رجل عرفه الله هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم.

يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له (١) ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه (٢) ومن كان همه في كل واد لم يبال الله بأي واد هلك (٣).

محص : الفضيل مثله بأدنى تغيير واختصار.

بيان : في مرضة بالفتح أو بالتحريك وكلاهما مصدر مرضها أي مرض بها وقيل البارز في مرضها مفعول مطلق للنوع لم يبق منه إلا رأسه من للتبعيض والضمير للإمام عليه السلام أي من أعضائه أو للتعليل والضمير للمرض والأول أظهر والمعنى أنه نحف جميع أعضائه وهزلت حتى كأنه لم يبق منها شيء إلا رأسه فإنه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا أو المراد أنه لم يبق قوة الحركة في شيء من أعضائه إلا في رأسه والأول أظهر.

كثيرا ما أقول ما زائدة للإبهام وما في قوله ما على رجل نافية أو استفهامية للإنكار وحاصلهما واحد أي لا ضرر ولا وحشة عليه أخذوا يمينا وشمالا أي عدلوا عن الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه من الإفراط كالخوارج أو التفريط كالمخالفين له ما بين المشرق أي والحال أن له ما بينهما أو أصبح بمعنى صار مقطعا على بناء المفعول للتكثير أعضاؤه

__________________

(١) في التمحيص : لو أصبح له ملك ما بين المشرق إلخ.

(٢) في التمحيص : كفاه الله ما أهمه.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٤٦.


بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا ومنهم من قرأ أعضاء بالنصب على التميز.

وقوله عليه السلام إن الله لا يفعل بالمؤمن تعليل لهاتين الجملتين فإنه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن لم يكن ذلك على سبيل الاستدراج بل لأنه علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير ولا يصير ذلك سببا لنقص قدره عند الله كما فعل ذلك بسليمان عليه السلام بخلاف ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن فإنه لإتمام الحجة عليه واستدراجه فيصير سببا لشدة عذابه.

وكذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه فإنما هو لمزيد قربه عنده تعالى ورفعة درجاته في الآخرة فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين ويرضى بقضائه فيهما.

ولما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين وابتلائهم بأنواع البلاء وغنى الكفار والأشرار والجهال رغب الأولين بالصبر وحذر الآخرين عن الاغترار بالدنيا والفخر بقوله عليه السلام لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده بل لهوانهم عليه ولذا لم يعطهم من الآخرة التي لها عنده قدر ومنزلة شيئا وقد قال تعالى « وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » (١).

إنه من كان همه هما واحدا الهم القصد والعزم والحزن والحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا وهو طلب دين الحق ورضى الله تعالى وقربه وطاعته ولم يخلطه بالأغراض النفسانية والأهواء الباطلة فإن الحق واحد وللباطل شعب كثيرة أو غرضه في العبادات قربه تعالى ورضاه دون الأغراض الدنيوية كفاه الله همه أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود ونصره على النفس والشيطان وجنود الجهل ومن كان همه في كل واد من أودية الضلالة والجهالة لم يبال الله بأي واد هلك أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه وتركه مع نفسه و

__________________

(١) الزخرف : ٣٣.


أهوائها حتى يهلك باختيار واحد من الأديان الباطلة أو الأغراض الباطلة.

أو كل واد من أودية الدنيا وكل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء من حب المال والجاه والشرف والعلو ولذة المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك من الأمور الفانية الباطلة.

والحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية أو الآراء الباطلة ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق وطاعة الله وما يوجب قربه لم يمدده الله بنصره وتوفيقه ولم يكن له عند الله قدر ومنزلة ولم يبال بأي طريق سلك ولا في أي واد هلك وقيل بأي واد من أودية جهنم.

وقيل يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد إلى الله والتوكل عليه في جميع الأمور فإنه تعالى يكفيه هم الدنيا والآخرة بخلاف من اعتمد على رأيه وقطع علاقة التوكل عن نفسه ويحتمل أن يكون المراد بالهم الحزن والغم أي من كان حزنه للآخرة كفاه الله ذلك وأوصله إلى سرور الأبد ومن كان حزنه للدنيا وكله الله إلى نفسه حتى يهلك في واد من أودية أهوائها.

١٢ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال قال أبو جعفر عليه السلام يا عبد الواحد ما يضر رجلا إذا كان على ذا الرأي ما قال الناس له ولو قالوا مجنون وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت (١).

بيان : ما يضر ما نافية ويحتمل الاستفهام على الإنكار على ذا الرأي أي على هذا الرأي وهو التشيع ما قال فاعل ما يضره ولو قالوا مجنون فإن هذا أقصى ما يمكن أن يقال فيه كما قالوا في الرسول صلى الله عليه واله وما يضره أي قول الناس وهذا أيضا يحتمل الاستفهام على الإنكار ولو كان على رأس جبل أي لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه وضررهم يعبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٥.


حال أو استئناف كأنه سئل كيف لا يضره ذلك قال لأنه يعبد الله حتى يأتيه الموت.

١٣ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن ابن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن المعلى عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تبارك وتعالى لو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج إلى أحد (١).

بيان : يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد الإمام أو لا بد من أحد غيره يؤمن به والأول أظهر لما مر من كون إبراهيم عليه السلام أمة وقد مر ما يؤيد الثاني أيضا وأما كون الإيمان سببا للأنس وعدم الاستيحاش لأنه يتفكر في الله وصفاته وفي صفات الأنبياء والأئمة عليهم السلام وحالاتهم وفي درجات الآخرة ونعمها ويتلو كتاب الله ويدعوه فيعبده فيأنس به سبحانه كما سئل عن راهب لم لا تستوحش عن الخلوة قال لأني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب الله وإذا أردت أن أكلم أحدا أناجي الله.

١٤ ـ كا : عن محمد عن أحمد عن ابن أبي نصر عن الحسين بن موسى عن ابن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما يبالي من عرفه الله هذا الأمر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتى يأتيه الموت (٢).

بيان : ما يبالي خبر أو المعنى ينبغي أن لا يبالي من عرفه هذا الأمر أي دين الإمامية.

كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن منصور الصيقل والمعلى بن خنيس قالا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله عز وجل ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إنني لأحب لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه وإنه

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٥.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٤٥.


ليدعوني فأجيبه وإنه ليسألني فأعطيه ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد (١).

تبيين : ما ترددت في شيء هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين ومن المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق في الأمور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها إما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع ونحوه ولهذا قال أنا فاعله أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به التردد في التقديم والتأخير لا في أصل الفعل.

وعلى التقديرين فلا بد فيه من تأويل وفيه وجوه عند الخاصة والعامة أما عند الخاصة فثلاثة :

الأول أن في الكلام إضمارا والتقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شيء كترددي في وفاة المؤمن.

الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدو بل يوقعها من غير تردد وتأمل صح أن يعبر عن توقير الشخص واحترامه بالتردد وعن إذلاله واحتقاره بعدمه فالمعنى ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.

الثالث : أنه ورد من طريق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار فيقل تأذيه به ويصير راضيا بنزوله وراغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا الألم إليه على وجه يقل تأذيه.

فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية والراحة العظيمة

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٦.


إلى أن يتلقاه بالقبول ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول فيكون في الكلام استعارة تمثيلية.

وأما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلاثة :

الأول أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردده في قبض روحه فإنه متردد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت فأنا ألطفه وأبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة وتعظيما له كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه عبدي مرضت فلم تعدني فيقول كيف تمرض وأنت رب العالمين فيقول مرض عبدي فلان فلم تعده فلو عدته لوجدتني عنده وكما أضاف مرض وليه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده وتنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك.

الثاني أن ترددت في اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت وتفكرت ودبرت وتدبرت فكأنه يقول ما رددت ملائكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فارددهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي وبما أعددت له عندي كما ردد ملك الموت عليه السلام إلى إبراهيم وموسى عليهما السلام في القصتين المشهورتين إلى أن اختار الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الأولياء يرددهم إليهم رفقا وكرامة ليميلوا إلى الموت ويحبوا لقاءه تعالى.

الثالث أن معناه ما رددت الأعلال والأمراض والبر واللطف والرفق حتى يرى بالبر عطفي وكرمي فيميل إلى لقائي طمعا وبالبلايا والعلل فيتبرم بالدنيا ولا يكره الخروج منها.

وما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت لا ينافي ما دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء الله ولا يكرهه إما لما ذكره


الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب فإنه ليس شيء حينئذ أحب إليه من الموت ولقاء الله أو لأنه يكره الموت من حيث التألم به وهما متغايران وكراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الآخر أو لأن حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه وهو يستلزم كراهة الموت القاطع له واللازم لا ينافي الملزوم قوله تعالى وإنه ليدعوني بأن يقول يا الله مثلا فأجيبه بأن يقول له لبيك مثلا وإنه ليسألني أي يطلب حاجته كأن يقول اصرف عني الموت لاستغنيت به أي اكتفيت به في إبقاء نظام العالم للمصلحة وضمن يستوحش معنى الاحتياج ونحوه فعدي بإلى كما مر.

٨

(باب)

(قلة عدد المؤمنين وأنه ينبغي أن لا يستوحشوا لقلتهم وأنس المؤمنين بعضهم ببعض)

الآيات : قال تعالى « وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » (١).

وقال « وَقَلِيلٌ ما هُمْ » (٢).

وقال « وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ » (٣).

وقال سبحانه « بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ » (٤).

وقال « وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ » (٥)

__________________

(١) سبأ : ١٣.

(٢) ص : ٢٤.

(٣) هود : ٤٠.

(٤) العنكبوت : ٦٣.

(٥) يونس : ٦٠ النمل : ٧٣.


وأقول : مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الأوهام العامية أن الكثرة دليل الحقية والقلة دليل البطلان ولذا يميل أكثر الناس إلى السواد الأعظم مع أن في أعصار جميع الأنبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف أتباعهم وأوليائهم وقد ذم الكثير ومدح القليل الرب الجليل في التنزيل والله يهدي إلى سواء السبيل.

١ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل (١).

بيان : لما كانت العادة جارية بأن يستوحش الناس من الوحدة وقلة الرفيق في الطريق لا سيما إذا كان طويلا صعبا غير مأنوس فنهى عن الاستيحاش في تلك الطريق وكنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة بأنهم ليسوا على الحق لقلتهم وكثرة مخالفيهم كما أشرنا إليه.

وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة الهلاك والسلامة مع الكثرة فنبههم عليه السلام على أنهم في طريق الهدى والسلامة وإن كانوا قليلين ولا يجوز مقايسة طرق الآخرة بطرق الدنيا.

ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى وهي اجتماع الناس على الدنيا فقال فإن الناس واستعار للدنيا المائدة لكونهما مجتمع اللذات وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعها وعن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الآخرة بطول جوعها.

قيل ولفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية وهو بسبب الغفلة في الدنيا فلذلك نسب الجوع إليها.

٢ ـ صفات الشيعة للصدوق ، بإسناده عن المفضل بن قيس عن أبي عبد الله

__________________

(١) نهج البلاغة : ٤٤٢ ، الخطبة ١٩٩.


عليه السلام قال : قال لي كم شيعتنا بالكوفة قال قلت خمسون ألفا فما زال يقول إلى أن قال والله لوددت أن يكون بالكوفة خمسة وعشرون رجلا يعرفون أمرنا الذي نحن عليه ولا يقولون علينا إلا الحق (١).

٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن قتيبة الأعشى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول المؤمنة أعز من المؤمن والمؤمن أعز من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت الأحمر (٢).

بيان : في القاموس عز يعز عزا وعزة بكسرهما صار عزيزا كتعزز وقوي بعد ذلة والشيء قل فلا يكاد يوجد فهو عزيز (٣) وقال الكبريت من الحجارة الموقد بها والياقوت الأحمر والذهب وجوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل (٤) انتهى.

والمشهور أن الكبريت الأحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الإكسير وحاصل الحديث أن المرأة المتصفة بصفات الإيمان أقل وجودا من الرجل المتصف بها والرجل المتصف بها أعز وجودا من الإكسير الذي لا يكاد يوجد ثم أكد قلة وجود الكبريت بقوله فمن رأى منكم وهو استفهام إنكاري أي إذا لم تروا الكبريت الأحمر فكيف تطمعون في رؤية المؤمن الكامل الذي هو أعز وجودا منه أو في كثرته.

٤ ـ كا : عن العدة عن سهل عن ابن أبي نجران عن مثنى الحناط عن كامل التمار قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الناس كلهم بهائم ثلاثا إلا قليل من المؤمنين والمؤمن غريب ثلاث مرات (٥).

__________________

(١) صفات الشيعة ص ١٧٠.

(٢) الكافي ج ٢ : ٢٤٢.

(٣) القاموس ج ٢ ص ١٨٢.

(٤) المصدر ج ١ ص ١٥٥.

(٥) الكافي ج ٢ ص ٢٤٢.


بيان : كلهم بهائم أي شبيه بها في عدم العقل وإدراك الحق وغلبة الشهوات النفسانية على القوى العقلانية كما قال تعالى « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » إلا قليل كذا في أكثر النسخ وفي بعضها إلا قليلا وهو أصوب.

المؤمن غريب لأنه قلما يجد مثله فيسكن إليه فهو بين الناس كالغريب الذي بعد عن أهله ووطنه ودياره ثلاث مرات أي قال هذا الكلام ثلاث مرات وكذا قوله ثلاثا وفي بعض النسخ عزيز مكان غريب.

٥ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي بصير أما والله لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثا (١).

بيان : ثلاثة مؤمنين ثلاثة إما بالتنوين ومؤمنين صفتها أو بالإضافة فمؤمنين تميز ويدل على أن المؤمن الكامل الذي يستحق أن يكون صاحب أسرارهم وحافظها قليل وأنهم كانوا يتقون من أكثر الشيعة كما كانوا يتقون من المخالفين لأنهم كانوا يذيعون فيصل ذلك إما إلى خلفاء الجور فيتضررون عليه السلام منهم أو إلى نواقص العقول الذين لا يمكنهم فهمها فيصير سببا لضلالتهم.

ويمكن أن يقال في سبب تعيين الثلاثة إن الواحد لا يمكنه ضبط السر وكذا الاثنان وأما إذا كانوا ثلاثة فيأنس بعضهم ببعض ويذكرون ذلك فيما بينهم فلا يضيق صدرهم ويخف عليهم الاستتار عن غيرهم كما هو المجرب.

٦ ـ كا : عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن سدير الصيرفي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له والله ما يسعك القعود قال ولم يا سدير قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لأمير المؤمنين عليه السلام ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي.

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٢.


فقال يا سدير كم عسى أن يكونوا قلت مائة ألف قال مائة ألف قلت نعم ومائتي ألف فقال ومائتي ألف قلت نعم ونصف الدنيا قال فسكت عني ثم قال يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت نعم فأمر بحمار وبغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال يا سدير ترى أن تؤثرني بالحمار قلت البغل أزين وأنبل قال الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغل.

فمضينا فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا نصلي ثم قال هذه أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء فقال والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت إلى الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر (١).

بيان : سدير كأمير ما يسعك القعود أي ترك القتال والجهاد وفي المصباح قعد عن حاجته تأخر عنها والموالي الأحباء المخلصون من الشيعة وتيم قبيلة أبي بكر وعدي قبيلة عمر أي ما طمع من غصب خلافته التيمي والعدوي أو قبيلتهما قال مائة ألف على سبيل التعجب والإنكار يخف عليك بكسر الخاء أي يسهل ولا يثقل وفي القاموس خف القوم ارتحلوا مسرعين.

وقال ينبع كينصر حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر (٢) وفي النهاية على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر انتهى وقيل على أربع مراحل وهو من أوقاف أمير المؤمنين عليه السلام وهو عليه السلام أجرى عينه كما يظهر من الأخبار.

أن يسرجا بدل اشتمال لقوله حمار وبغل أزين أي الزينة في

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٢.

(٢) القاموس ج ٣ : ٨٧.


ركوبه أكثر وعند الناس أحسن وفي القاموس النبل بالضم الذكاء والنجابة نبل ككرم نبالة فهو نبيل وامرأة نبيلة في الحسن بينة النبالة وكذا الناقة أو الفرس والرجل (١) والحاصل أني إنما اخترت لك البغل لأنه أشرف وأفضل واختار عليه السلام الحمار لأن التواضع فيه أكثر مع سهولة الركوب والنزول والسير.

فحانت الصلاة أي قرب أو دخل وقتها في القاموس حان يحين قرب وآن وكأن الأمر بالنزول أولا ثم الإعراض عنه للتنبيه على عدم جواز الصلاة فيها وفي المشهور محمول على الكراهة إلا أن يحصل الاستقرار وسيأتي في كتاب الصلاة وكره الصلاة في السبخة إلا أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا وسنتكلم عليه إن شاء الله.

وقال الجوهري الجدي من ولد المعز وثلاثة أجد فإذا كثرت فهي الجداء ولا تقل الجدايا ولا الجدي بكسر الجيم (٢) وقال عطفت أي ملت ويومئ إلى أن الصاحب عليه السلام مع كثرة من يدعي التشيع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد وقيل أي لا بد أن يكون في عسكر الإمام عليه السلام هذا العدد من المخلصين حتى يمكنه طلب حقه بهذا العسكر لا أن هذا العدد كاف في جواز الخروج.

٧ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن سماعة بن مهران قال : قال لي عبد صالح عليه السلام يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلا واحد يعبد الله ولو كان معه غيره لأضافه الله عز وجل إليه حيث يقول « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٣) فصبر (٤) بذلك ما شاء الله ثم إن الله آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة.

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٥٤.

(٢) الصحاح : ٢٢٩٩.

(٣) النحل : ١٢٠.

(٤) فغبر ، خ ل ـ كما في متن الكافي.


أما والله إن المؤمن لقليل وإن أهل الكفر كثير أتدري لم ذاك فقلت لا أدري جعلت فداك فقال صيروا أنسا للمؤمنين يبثون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه (١).

بيان : أخافوني أي بالإذاعة وترك التقية والضمير في أمنوا راجع إلى المدعين للتشيع الذين لم يطيعوا أئمتهم في التقية وترك الإذاعة وأشار بذلك إلى أنهم ليسوا بشيعة لنا ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين بقوله لقد كانت الدنيا وما فيها الواو للحال وما نافية ولو كان معه غيره أي من أهل الإيمان لأضافه الله عز وجل إليه لأن الغرض ذكر أهل الإيمان التاركين للشرك حيث قال ولم يك من المشركين فلو كان معه غيره من المؤمنين لذكره معه.

« إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً » قال في مجمع البيان (٢) اختلف في معناه فقيل قدوة ومعلما للخير قال ابن الأعرابي يقال للرجل العالم أمة وقيل أراد إمام هدى وقيل سماه أمة لأن قوام الأمة كان فيه وقيل لأنه قام بعمل أمة وقيل لأنه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمنا وحده والناس كفار.

« قانِتاً لِلَّهِ » أي مطيعا دائما على عبادته وقيل مصليا « حَنِيفاً » أي مستقيما على الطاعة وطريق الحق وهو الإسلام « وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » بل كان موحدا انتهى.

وقيل يحتمل أن يكون من للابتداء أي لم يكن في آبائه مشرك وهو بعيد وفي النهاية في حديث قس أنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة الأمة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ » انتهى.

وأقول : كأن هذا كان بعد وفاة لوط عليه السلام أو أنه لما لم يكن معه وكان مبعوثا على قوم آخر لم يكن ممن يؤنسه ويقويه على أمره في قومه فغبر بذلك

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٣.

(٢) مجمع البيان ج ٦ : ٣٩١.


في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة أي مكث أو مضى وذهب كما في القاموس فعلى الأول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم وعلى الثاني فاعله ما شاء الله وفي بعض النسخ فصبر فهو موافق للأول وفي بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني.

وإن أهل الكفر كثير المراد بالكفر هنا مقابل الإيمان الكامل كما قال سبحانه « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (١) أتدري لم ذاك هذا بيان لحقية هذا الكلام أي قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لأن الله تعالى لم جعل هؤلاء في صورة المؤمنين أو لم خلقهم والمعنى على التقادير أن الله جعل هؤلاء المتشيعة أنسا للمؤمنين لئلا يستوحشوا لقلتهم أو يكون علة لخروج هؤلاء عن الإيمان فالمعنى أن الله تعالى جعل المخالفين أنسا للمؤمنين فيبثون أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم فبذلك خرجوا عن الإيمان.

ويؤيد الاحتمالات المتقدمة خبر علي بن جعفر (٢) فيستريحون إلى ذلك إلى بمعنى مع أو ضمن في متعلقه معنى التوجه ونحوه.

٨ ـ كا : عن العدة عن سهل عن محمد بن أورمة عن النضر عن يحيى بن أبي خالد القماط عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها فقال ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده ثلاثة قال حمران فقلت جعلت فداك ما حال عمار قال رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا.

فقلت في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات (٣).

بيان : ما أقلنا صيغة تعجب ما أفنيناها أي ما نقدر على أكل جميعها وأشار كلام الراوي والمراد به الإشارة بثلاثة أصابع من يده عليه السلام وثلاثة كلام الإمام والمراد بالثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد كما روى الكشي

__________________

(١) يوسف : ١٠٦.

(٢) الآتي تحت الرقم ٩.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٤٤.


عن الباقر عليه السلام (١) أنه قال : ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد.

قال الراوي فقلت فعمار قال كان جاض جيضة ثم رجع ثم إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ولم يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم جاض أي عدل عن الحق ومال.

وقال الجوهري (٢) هيهات كلمة تبعيد والتاء مفتوحة مثل كيف وأصلها هاء وناس يكسرونها على كل حال بمنزلة نون التثنية وقد تبدل الهاء الأولى همزة فيقال أيهات مثل هراق وأراق قال الكسائي ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء فقال هيهاه ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء.

٩ ـ كا : عن الحسين بن محمد عن المعلى عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن علي بن جعفر قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول ليس كل من يقول بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا أنسا للمؤمنين (٣).

١٠ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد (٤).

بيان : إلى المؤمن قيل إلى بمعنى مع وأقول كأن فيه تضمينا وهذا تشبيه كامل للمعقول بالمحسوس فإن للظمآن اضطرابا في فراق الماء ويشتد طلبه له فإذا وجده استقر وسكن ويصير سببا لحياته البدني فكذلك المؤمن يشتد شوقه إلى المؤمن وتعطشه في لقائه فإذا وجده سكن

__________________

(١) رجال الكشي ص ١٦.

(٢) الصحاح : ٢٢٥٨.

(٣) الكافي ج ٢ : ٢٤٥.

(٤) الكافي ج ٢ : ٢٤٧.


ومال إليه ويحيا به حياة طيبة روحانية فإنه يصير سببا لقوة إيمانه وإزالة شكوكه وشبهاته وزوال وحشته.

وقيل : هذا السكون ينشأ من أمرين أحدهما الاتحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة والروح كما مر والمتجانسان يميل أحدهما إلى الآخر وكلما كان التناسب والتجانس أكمل كان الميل أعظم كما روي أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وثانيهما المحبة لأن المؤمن لكمال صورته الظاهرة والباطنة بالعلم والإيمان والأخلاق والأعمال محبوب القلوب وتلك الصورة قد تدرك بالبصر والبصيرة وقد تكون سببا للمحبة والسكون بإذن الله تعالى وبسبب العلاقة في الواقع وإن لم يعلم تفصيلها.

٩

(باب)

(أصناف الناس في الإيمان )

الآيات

التوبة : « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (١)

الشعراء : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (٢)

__________________

(١) البراءة ٩٧ ـ ٩٩.

(٢) الشعراء : ١٩٨.


محمد : « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » (١).

تفسير : « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً » الأعراب سكان البادية الذين لم يهاجروا إلى النبي صلى الله عليه واله قال الراغب العرب أولاد إسماعيل والأعراب جمعه في الأصل وصار ذلك اسما لسكان البادية قال تعالى « قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا » وقال « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً » انتهى (٢).

وكونهم أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وجفائهم ونشوهم في بعد من مشاهدة العلماء وسماع التنزيل « وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا » أي أحق بأن لا يعلموا « حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ » من الشرائع فرائضها وسننها وأحكامها « وَاللهُ عَلِيمٌ » يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر « حَكِيمٌ » فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا.

« وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ » أي يعد « ما يُنْفِقُ » أي يصرفه في سبيل الله ويتصدق به « مَغْرَماً » أي غرامة وخسرانا إذ لا يحتسبه عند الله ولا يرجو عليه ثوابا وإنما ينفق رئاء وتقية « وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ » أي ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث الأيام من الموت والقتل والمغلوبية فيرجع إلى دين المشركين ويتخلص من الإنفاق « عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصونه أو إخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم « وَاللهُ سَمِيعٌ » لما يقولون عند الإنفاق وغيره « عَلِيمٌ » بما يضمرون.

« قُرُباتٍ » أي سبب قربات « وَصَلَواتِ الرَّسُولِ » أي وسبب دعواته لأنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم « أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ » شهادة من الله لهم بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم « سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ » وعد لهم بإحاطة الرحمة عليهم « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » تقرير له.

__________________

(١) القتال : ٣٨.

(٢) المفردات : ٣٢٨ ، وفيه الاعراب ولد إسماعيل.


« ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (١) لفرط عنادهم واستنكافهم من اتباع العجم وما قيل من أن المراد بالأعجمين البهائم فهو في غاية البعد.

« وَإِنْ تَتَوَلَّوْا » (٢) عطف على « وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ » (٣) وقال علي بن إبراهيم يعني عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

« يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » أي يقم مكانكم قوما آخرين وقال علي بن إبراهيم يدخلهم في هذا الأمر « ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » قال في معاداتكم وخلافكم وظلمكم لآل محمد عليه وعليهم السلام.

قال في المجمع « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا » أي تعرضوا عن طاعته وعن أمر رسوله « يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » أمثل وأطوع منكم « ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » بل يكونوا خيرا منكم وأطوع لله منكم.

وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه وكان سلمان إلى جنب رسول الله فضرب صلى الله عليه واله يده على فخذ سلمان فقال هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس.

وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إِنْ تَتَوَلَّوْا » يا معشر العرب « يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » يعني الموالي وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قد والله أبدل بهم خيرا منهم الموالي (٤).

١ ـ مع : عن ماجيلويه عن محمد العطار عن الأشعري عن محمد بن هارون عن أبي يحيى الواسطي عمن ذكره قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون من لم يكن عربيا صلبا ومولى صريحا فهو سفلي فقال وأي

__________________

(١) الشعراء : ١٩٨.

(٢) القتال : ٣٨.

(٣) القتال : ٣٦.

(٤) مجمع البيان ج ٩ ص ١٠٨.


شيء المولى الصريح فقال له الرجل من ملك أبواه قال ولم قالوا هذا قال لقول رسول الله صلى الله عليه واله مولى القوم من أنفسهم فقال سبحان الله أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه واله قال أنا مولى من لا مولى له أنا مولى كل مسلم عربيها وعجميها فمن والى رسول الله صلى الله عليه واله أليس يكون من نفس رسول الله؟

ثم قال أيهما أشرف من كان من نفس رسول الله صلى الله عليه واله أو من كان من نفس أعرابي جلف بائل على عقبيه ثم قال عليه السلام من دخل في الإسلام رغبة خير ممن دخل رهبة ودخل المنافقون رهبة والموالي دخلوا رغبة (١).

بيان : في القاموس الصلب بالضم الشديد والحسب والقوة وقال الصريح الخالص من كل شيء وقال (٢) السفل والسفلة بكسرهما نقيض العلو وقد سفل ككرم وعلم ونصر سفالا وسفولا وتسفل وسفل في خلقه وعلمه ككرم سفلا ويضم وسفالا ككتاب وفي الشيء سفولا نزل من أعلاه إلى أسفله وسفلة الناس بالكسر كفرحة أسافلهم وغوغاؤهم.

مولى القوم من أنفسهم كان غرضه صلى الله عليه واله حثهم على إكرام مواليهم ومعتقيهم ورعايتهم وعدم الإزراء بشأنهم وتعييرهم بخسة نسبهم لا أنهم في حكمهم في جميع الأمور كما فهمه بعض العامة قال في النهاية في حديث الزكاة مولى القوم منهم الظاهر من المذهب والمشهور أن موالي بني هاشم والمطلب لا يحرم عليهم أخذ الزكاة لانتفاء النسب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب وفي مذهب الشافعي على وجه أنه يحرم على الموالي أخذها لهذا الحديث.

ووجه الجمع بين الحديث ونفي التحريم أنه إنما قال هذا القول تنزيها لهم وبعثا على التشبه بسادتهم والاستنان بسنتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٥.

(٢) القاموس ج ٣ : ٣٩٦.


وأقول : غرض القائل أنه ليس غير العرب من نجباء الناس ولما قال رسول الله صلى الله عليه واله مولى القوم من أنفسهم فالمولى الصريح أيضا ملحق بهم فحمل الرواية على الحقيقة والعموم وسائر الناس من أهل فارس وغيرهم من سقاط الناس وأراذلهم وليسوا من أكفاء العرب كما كان عمر يقوله.

وذلك أنه سمع من النبي صلى الله عليه واله أن أنصار علي وأهل بيته عليهم السلام يكونون من العجم ولذا حكم بقتل العجم جميعا لما استولى على بلاد فارس فمنعه أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك وقال قال رسول الله صلى الله عليه واله سنوا بهم سنة أهل الكتاب.فصار أولادهم من أهل العراق وغيرهم من أصحاب أئمتنا صلوات الله عليهم وأنصارهم ومحل أسرارهم ودونوا الأصول وانتشر ببركتهم علوم أهل البيت صلوات الله عليهم في العالم.

وهذا الكلام الذي نقله الراوي عن المتعصبين من المخالفين الذين كانوا أعداء أهل البيت وشيعتهم ومواليهم كان مبنيا على ما ذكرنا فأجاب عليه السلام متعجبا من كلامهم بأن النبي صلى الله عليه واله وإن قال مولى القوم من أنفسهم قال أيضا أنا مولى من لا مولى له فالعجم كلهم رسول الله مولاهم.

وأيضا له صلى الله عليه واله ولاء كل مسلم من العرب والعجم أي هو أولى بأمورهم وناصرهم ومعينهم في الدنيا والآخرة وإن ماتوا ولا وارث لهم فهو وارثهم وعليه نفقتهم إن كانوا فقراء ويجب عليه قضاء ديونهم إن ماتوا ولا مال لهم من بيت مال المسلمين وكذا بعده أوصياؤه عليهم السلام مواليهم بتلك المعاني كما قال رسول الله صلى الله عليه واله باتفاق المخالف والمؤالف من كنت مولاه فعلي مولاه.

ثم بين عليه السلام أنهم أشرف من الموالي الصريح الذي ذكره الراوي لأنه على مقتضى قوله إذا أعتق والدي رجل أعرابي جلف يبول على عقبيه ولا يغسلهما للشقاق الذي فيهما وكان ذلك عادتهم ولذا أمرهم رسول الله صلى الله عليه واله بغسل رجليهم قبل الصلاة وقال ويل للأعقاب من النار فتوهموا أن ذلك في الوضوء


كما ذكره الجزري في النهاية أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول فيصل إلى أرجلهم رشاشته ولا يغسلونها والأول أظهر فكان (١) هذا الرجل مولى صريحا للعرب وهو عندهم أشرف من العجم مع أن العجم مولى رسول الله صلى الله عليه واله بمقتضى الخبر الثاني فهو من نفس رسول الله صلى الله عليه واله بمقتضى الخبر الأول فكيف لا يكون أشرف منه ومن مولاه؟

ثم بين عليه السلام بوجه آخر أن العجم الذين كانوا في ذلك الزمان من شيعتهم وأصحابهم أفضل من العرب الذين يفتخرون هؤلاء بالانتساب بهم فإن الموالي أي أولاد فارس دخلوا في الإسلام رغبة وهم كانوا منافقين أظهروا الإسلام خوفا ورهبة فقوله فمن والى رسول الله صلى الله عليه واله أي دخل في الإسلام ولا مولى له وصار رسول الله مولاه والجلف في أكثر النسخ بالجيم في القاموس الجلف بالكسر الرجل الجافي وفي النهاية الجلف الأحمق وفي بعض النسخ بالخاء المفتوحة واللام الساكنة وهو الرديء من كل شيء.

٢ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن سلمة بن الخطاب عن علي بن محمد الأشعث عن الدهقان عن أحمد بن زيد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : إنما شيعتنا المعادن والأشراف وأهل البيوتات ومن مولده طيب قال علي بن جعفر فسألته عن تفسير ذلك فقال المعادن من قريش والأشراف من العرب وأهل البيوتات من الموالي ومن مولده طيب من أهل السواد (٢).

بيان : أهل السواد أهل العراق لأن أصلهم كانوا من العجم ثم اختلط العرب بهم بعد بناء الكوفة فلا يعدون من العرب ولا من العجم قال في المصباح العرب تسمي الأخضر الأسود لأنه يرى كذلك على بعد ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزروعه.

٣ـ ع : القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه قال سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول المؤمن علوي لأنه علا في المعرفة

__________________

(١) جواب قوله : « إذا أعتق ».

(٢) معاني الأخبار : ١٥٨.


والمؤمن هاشمي لأنه هشم الضلالة والمؤمن قرشي لأنه أقر بالشيء المأخوذ عنا والمؤمن عجمي لأنه استعجم عليه أبواب الشر والمؤمن عربي لأن نبيه صلى الله عليه واله عربي وكتابه المنزل « بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » والمؤمن نبطي لأنه استنبط العلم والمؤمن مهاجري لأنه هجر السيئات والمؤمن أنصاري لأنه نصر الله ورسوله وأهل بيت رسول الله والمؤمن مجاهد لأنه يجاهد أعداء الله عز وجل في دولة الباطل بالتقية وفي دولة الحق بالسيف (١).

بيان : كأن المقصود من هذه الرواية أن مناط الشرف والفضل والكرامة الإيمان والتقوى والعمل الصالح فإذا انضمت إليه سائر الجهات كانت أحسن وأشرف وإن افترقتا فصاحب الإيمان والتقوى أشرف وبالكرامة أحرى.

بل يمكن إثبات تلك الصفات له أيضا لأنه متصف بما هو مناط الشرف فيها فالمؤمن علوي لأن فضل العلوي من جهة الانتساب إلى علي عليه السلام من جهة النسب وفضله عليه السلام من جهة كماله في الإيمان والمعرفة والعلم والعمل فمن انتسب إليه عليه السلام بهذه الجهات كان انتسابه الروحاني إليه أقوى من الانتساب الجسماني من جهة النسب فقط فهو علوي لعلوه في المعرفة وانتسابه إليه من هذه الجهة.

وكذا الهاشمي لأن شرافة الانتساب إلى هاشم إما لشرفه أو لشرف الرسول صلى الله عليه واله فإن الانتساب إليه يستلزم قرابته فعلى الأول ففضل هاشم من جهة كونه من أوصياء إبراهيم عليه السلام وكسره للضلالة والبدع أقوى من إطعامه وكسره للثريد فالانتساب إليه من هذه الجهة أقوى والمؤمن منسوب إليه من تلك الجهة وأما على الثاني فظاهر بتقريب ما مر في العلوي.

قال الفيروزآبادي (٢) الهشم كسر الشيء اليابس أو الأجوف أو كسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والأنف أو كل شيء وهاشم أبو عبد المطلب

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ١٥٢.

(٢) القاموس ج ٢ ص ١٩٠. وقد مر نقله فيما سبق.


واسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثريد وهشمه.

وهذا البيان بوجهه جاء في القرشي وقوله لأنه أقر بالشيء لرعاية المناسبة اللفظية لا لبيان جهة الاشتقاق وإن أمكن حمله على الاشتقاق الكبير.

قال في القاموس (١) قرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمعه من هاهنا وهاهنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرم أو لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش أي شديد أو لأن قصيا كان يقال له القرشي أو لأنهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها إلى أن قال والنسبة قرشي وقريشي.

وقال (٢) العجم بالضم وبالتحريك خلاف العرب والأعجم من لا يفصح كالاعجمي والأخرس والعجمي من جنسه العجم وإن أفصح وأعجم فلان الكلام ذهب به إلى العجمة واستعجم سكت والقراءة لم يقدر عليها لغلبة النعاس.

وفي النهاية كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم ومنه الحديث فإذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه أي أرتج عليه فلم يقدر أن يقرأ كأنه صار عجمة انتهى.

والحاصل أنه لا يهتدي إلى الشر ولا يأتي منه إلا الخير فهو على بناء المجهول ويحتمل المعلوم وسيأتي الكلام في النبطي وسائر الفقرات ظاهرة مما مر.

ويحتمل أن يكون المعنى أن المؤمن لشرفه وكماله يمكن أن يطلق عليه كل من هذه الألفاظ بوجه حسن وإن كان قريبا مما مر أو المعنى أنه من أي هذه الأصناف كان فإطلاقه عليه بوجه حسن يتضمن مدحا عظيما والأول أظهر.

٤ ـ فس : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (٣)

__________________

(١) المصدر ج ٢ : ٢٨٣ و ٢٨٤.

(٢) المصدر ج ٤ : ١٤٧.

(٣) الشعراء : ١٩٨.


قال الصادق عليه السلام لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب وقد نزل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم.

٥ ـ فس : عن محمد الحميري عن أبيه عن السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن يعقوب بن قيس قال قال أبو عبد الله عليه السلام يا ابن قيس « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » (١) عنى أبناء الموالي المعتقين.

٦ ـ ب : عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لو كان العلم منوطا بالثريا لتناولته رجال من فارس (٢).

٧ ـ ب : بهذا الإسناد قال : قال النبي صلى الله عليه واله في فارس ضربتموهم على تنزيله ولا تنقضي الدنيا حتى يضربوكم على تأويله (٣).

٨ ـ ع : عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن عبد الله بن حماد عن شريك عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لا تسبوا قريشا ولا تبغضوا العرب ولا تذلوا الموالي ولا تساكنوا الخوز ولا تزوجوا إليهم فإن لهم عرقا يدعوهم إلى غير الوفاء (٤).

بيان : الموالي المعتقون وأبناؤهم ومن لحق بقبيلة وليس منهم وكأن المراد في الأخبار العجم فإن أولاد الفرس غلب العرب على آبائهم فكأنهم أعتقوهم أو أنهم لإيمانهم ألحقوا بأئمتهم فصاروا موالي العرب وفي القاموس (٥) الخوز بالضم جيل من الناس واسم لجميع بلاد خوزستان.

٩ ـ ع : عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن عاصم عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يفتري على الرجل

__________________

(١) القتال : ٣٨.

(٢) قرب الإسناد : ٥٢ ط حجرى.

(٣) قرب الإسناد ص ٥٢.

(٤) علل الشرائع ج ٢ : ٧٩.

(٥) القاموس ج ٢ : ١٧٥.


من جاهلية العرب قال يضرب حدا قلت حدا قال نعم إن (١) يدخل على رسول الله صلى الله عليه واله (٢).

بيان : كأنه محمول على ما إذا سرى شينه إليه صلى الله عليه واله كأجداده وجداته أو أقاربه القريبة كما يومئ إليه قوله إنه يدخل أي عيبه وعاره أو هو من الدخل بمعنى العيب ولو كان إن يدخل كما في بعض النسخ كان ما ذكرنا أظهر.

١٠ ـ ع : عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن عبد العظيم الحسني عن حرب عن شيخ من بني أسد يقال له عمرو عن ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أصاب بعيرا لنا علة ونحن في ماء لبني سليم فقال الغلام لأبي عبد الله عليه السلام يا مولاي أنحره قال لا تلبث فلما سرنا أربعة أميال قال يا غلام انزل فانحره ولأن تأكله السباع أحب إلي من أن تأكله الأعراب (٣).

١١ ـ مع : عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : صعد رسول الله صلى الله عليه واله المنبر يوم فتح مكة ثم قال أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد ذهب عنكم بنخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنكم من آدم وآدم من طين وخير عباد الله عنده أتقاهم إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله (٤) فلم يبلغه رضوان الله حسبه ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة فهو تحت قدمي هاتين إلى يوم القيامة (٥).

بيان : إن العربية إلخ أي العربية الممدوحة إنما هي باللسان بأن

__________________

(١) انه يدخل ، خ ل.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٧٩.

(٣) علل الشرائع ج ٢ : ٢٨٦.

(٤) علمه ولم يبلغه خ ل.

(٥) معاني الأخبار : ٢٠٧.


يقر بالحق ويلحق بالرسول وأهل بيته وإن كان من العجم لا يكون آباؤه من العرب ثم بين عليه السلام أن الحسب لا ينفع بدون العمل تحت قدمي أي أبطلته لا يطلب به في الإسلام.

١٢ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن يوسف عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال قال : الناس ثلاثة عربي ومولى وعلج فأما العرب فنحن وأما المولى فمن والانا وأما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا (١).

بيان : في النهاية العلج الرجل من كفار العجم وغيرهم.

١٣ ـ مع : بالإسناد المتقدم عن الحسن بن يوسف عن عثمان بن جبلة عن ضريس بن عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول نحن قريش وشيعتنا العرب وعدونا العجم (٢).

بيان : وشيعتنا العرب أي العرب الممدوح من كان شيعتنا وإن كان عجما والعجم المذموم من كان عدونا وإن كان عربا.

١٤ ـ مع : بالإسناد المتقدم عن سلمة عن عمرو بن سعيد بن خثيم عن أخيه معمر عن محمد بن علي عليه السلام قال : نحن العرب وشيعتنا منا سائر الناس همج أو هبج قال قلت وما الهمج قال الذباب فقلت وما الهبج قال البق (٣).

بيان : في القاموس الهمج محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير والهبج بهذا المعنى لم أجده في كتب اللغة قال في القاموس الهبج محركة كالورم في ضرع الناقة.

١٥ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٣.

(٢) المصدر : ٤٠٣.

(٣) المصدر : ٤٠٤.


داود بن الحصين عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له ما يزال الرجل ممن ينتحل أمرنا يقول لمن من الله عليه بالإسلام يا نبطي قال فقال نحن أهل البيت والنبط من ذرية إبراهيم (١) إنما هما نبطان من النبط الماء والطين وليس بضاره في ذريته شيء فقوم استنبطوا العلم فنحن هم (٢).

بيان : قال في المصباح النبط جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم والجمع أنباط كسبب وأسباب الواحد نباطي بزيادة ألف والنون تضم وتفتح قال الليث ورجل نبطي ومنعه ابن الأعرابي واستنبطت الحكم استخرجته بالاجتهاد وأنبطته إنباطا مثله وأصله من استنبط الحافر الماء وأنبطه إنباطا إذا استخرجه بعلمه.

وفي النهاية : نبط الماء ينبط إذا نبع وأنبط الحفار بلغ الماء في البئر والاستنباط الاستخراج والنبط والنبيط الماء يخرج من قعر البئر إذا احتفرت وفي حديث عمر تمعدوا ولا تستنبطوا أي تشبهوا بمعد ولا تشبهوا بالنبط النبط والنبيط جيل معروف كانوا ينزلون بالبطايح بين العراقين ومنه حديثه الآخر لا تنبطوا في المدائن أي لا تشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذها العقار والملك.

وحديث ابن عباس نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى (٣) قيل لأن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ولد بها وكان النبط سكانها.

ومنه حديث عمرو بن معديكرب سأله عمر عن سعد فقال أعرابي في حبوته نبطي في جبوته أراد أنه في جباية الخراج وعمارة الأرضين كالنبط حذقا بها ومهارة فيها لأنهم كانوا سكان العراق وأربابها.

__________________

(١) من ذرية آدم وإبراهيم انما هما نبطيان من أنبط الماء والطين خ ل.

(٢) معاني الأخبار ص ٤٠٤.

(٣) كوثى ـ بالضم ـ بلدة بالعراق قاله الفيروزآبادي.


وفي حديث الشعبي أن رجلا قال لآخر يا نبطي قال لا حد عليه كلنا نبط يريد الجوار والدار دون الولادة.

وفي الصحاح (١) في كلام أيوب بن القرية أهل عمان عرب استنبطوا وأهل البحرين نبيط استعربوا.

وفي القاموس النبط محركة أول ما يظهر من ماء البئر وأنبط الحافر انتهى إليها وغور المرء وجيل ينزلون بالبطايح بين العراقين كالنبيط والأنباط وهو نبطي محركة وتنبط تشبه بهم أو تنسب إليهم والكلام استخرجه وكل ما أظهر بعد خفاء فقد أنبط واستنبط مجهولين واستنبط الفقيه استخرج الفقه الباطن بفهمه واجتهاده (٢).

إذا عرفت هذا فاعلم أن الخبر يحتمل وجهين :

أحدهما أن المراد أنا أهل البيت والنبط جميعا من ذرية إبراهيم إما على الحقيقة أو على التأويل لأنه عليه السلام كان يساكنهم في ديارهم فلهم أيضا شرافة النسب ثم بين عليه السلام فضلهم من جهة اشتقاق اللفظ فقال النبط له اشتقاقان.

أحدهما من استنباط الماء وتعمير الأرض وهذا لا يضرهم إن لم يفعلوا مثل أفعالهم فإن فعل الآباء لا يضر الأبناء فهذا لا يصير سببا لذمهم كما يوهمه كلام عمر وثانيهما استنباط العلم والحكمة فنحن أنباط بهذا المعنى وشيعتنا الذين يستنبطون منا داخلون في ذلك كما قال سبحانه « لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (٣).

وثانيهما : أن يكون المعنى أنا أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وخلفاؤه وبذلك لنا الفضيلة على سائر الخلق وليس لغيرنا فضل على النبط لأنهم أيضا من

__________________

(١) الصحاح : ١١٦٢.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٣٨٧.

(٣) النساء : ٨٣.


ذرية إبراهيم.

ثم بين عليه السلام أن للنبطي بحسب الاشتقاق معنيين أحدهما مستخرج الماء من الطين وهذا لا يضرهم في شرافة نسبهم والآخر استنباط العلم فنحن هم فلا يكون النبطي شتما لهم بل هو مدح لهم وعلى التقديرين ضمير ضاره عائد إلى إبراهيم عليه السلام وكذا ضمير ذريته ويحتمل عودهما إلى النبطي وعود الأول إلى النبطي والثاني إلى إبراهيم عليه‌السلام :

وفي بعض النسخ من ذرية آدم وإبراهيم ولا يختلف المعنى ويحتمل أن يكون المراد بالنبط من يقال له على وجه الذم نبطي أي الذين أسلموا بعد الكفر والأسر وهم كانوا غالبا إما من قريش أو أهل الكتاب وهم من ذرية إبراهيم عليه السلام ويحتمل الخبر وجوها أخر تظهر مما ذكرنا للمتدبر.

١٦ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن أخي دارم عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا من أرضه ويسلم فذلك المولى (١).

١٧ ـ مع : عن ماجيلويه عن محمد العطار عن الأشعري عن سهل عن ابن يزيد عن ابن عبد ربه بن نافع عن الحباب بن موسى عن أبي جعفر عليه السلام قال : من ولد في الإسلام حرا فهو عربي ومن كان له عهد فخفر في عهده فهو مولى رسول صلى الله عليه واله ومن دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر (٢).

بيان : فهو عربي أي في حقيقته الشرعية أو في حكم وجوب الإكرام والاحترام ومن كان له عهد أي ذمة وأمان من مسلم فهو مولى رسول الله فإنه حكم بوجوب إمضاء عهده وأمانه فإذا خفر في عهده ونقض أمانه فقد نقض عهد مولى رسول الله.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٤.

(٢) معاني الأخبار : ٤٠٥.


في القاموس خفره وبه وعليه يخفر ويخفر خفرا أجاره ومنعه وآمنه وخفر به خفرا وخفورا نقض عهده وغدره كأخفره (١) وقال المولى العبد والمعتق والمعتق والجار والحليف والمنعم والمنعم عليه فهو مهاجر أي في حكمه في الأجر والحرمة.

١٨ ـ ل : عن أبيه عن سعد عن سلمة بن الخطاب عن الحسين بن يوسف عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : الناس ثلاثة عربي ومولى وعلج فأما العرب فنحن وأما الموالي فمن والانا وأما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا (٢).

١٩ ـ مع : روي أن الصادق عليه السلام قال : من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ومن سبي وأعتق فهو مولى ومولى القوم من أنفسهم (٣).

٢٠ ـ سن : عن إسماعيل بن مهران عن أبيه عن إسحاق بن جرير قال قال أبو عبد الله عليه السلام جاءني ابن عمك كأنه أعرابي مجنون عليه إزار وطيلسان ونعلان في يده فقال لي إن قوما يقولون فيك فقلت ألست عربيا قال بلى فقلت إن العرب لا تبغض عليا ثم قلت له لعلك ممن يكذب بالحوض أما والله لئن أبغضته ثم وردت عليه الحوض لتموتن عطشا (٤).

بيان : يقولون فيك أي بالإمامة أو أقوالا.

٢١ ـ شي : عن بعض أصحابه عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن هذه الآية « فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ

__________________

(١) القاموس ج ٢ : ٢٢.

(٢) الخصال ج ١ : ٦٠.

(٣) معاني الأخبار : ٢٣٩.

(٤) المحاسن : ٨٩ و ٩٠.


عَلَى الْكافِرِينَ » (١) قال الموالي (٢).

بيان : الموالي العجم.

٢٢ ـ كتاب الإستدراك : بإسناده عن ابن عقدة بإسناده عن يحيى بن زكريا بن شيبان عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول نحن العرب وشيعتنا الموالي وسائر الناس همج.

١٠

(باب)

(لزوم البيعة وكيفيتها وذم نكثها)

الآيات

النحل : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ » إلى قوله تعالى « وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (٣)

__________________

(١) المائدة : ٥٤.

(٢) تفسير العياشي ج ١ : ٣٢٧.

(٣) النحل : ٩١ ـ ٩٥.


الفتح : « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » (١).

الممتحنة : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (٢).

تفسير

« وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ » قال الطبرسي (٣) رحمه‌الله قال ابن عباس الوعد من العهد وقال المفسرون العهد الذي يجب الوفاء به هو الذي يحسن فعله وعاهد الله ليفعلنه فإنه يصير واجبا عليه « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ » هذا نهي منه سبحانه عن حنث الأيمان وقوله « بَعْدَ تَوْكِيدِها » أي بعد عقدها وإبرامها وتوثيقها باسم الله تعالى وقيل بعد تشديدها وتغليظها بالعزم والعقد على اليمين بخلاف لغو اليمين « وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » أي حسيبا فيما عاهدتموه عليه وقيل كفيلا بالوفاء « إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » من نقض العهد أو الوفاء به فإياكم أن تلقوه وقد نقضتم.

وهذه الآية نزلت في الذين بايعوا النبي صلى الله عليه واله على الإسلام فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه لا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة فإن الله حافظكم أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموه بالأيمان انتهى.

« وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » أي كالمرأة غزلت ثم نكثت غزلها « مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ » أي من بعد إحكام وفتل « أَنْكاثاً » جمع نكث بالكسر وهو ما ينكث فتله

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) الممتحنة : ١٢.

(٣) مجمع البيان ج ٦ : ٣٨٢.


وروى علي بن إبراهيم (١) عن الباقر عليه السلام التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله « كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » الآية.

قال إن الله تعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا « تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » أي دغلا وخيانة ومكرا وخديعة وذلك لأنهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة والناس يسكنون إلى عهدهم.

والدخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر وأصله أن يدخل في الشيء ما لم يكن منه « أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ » يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة وهم كفرة قريش أزيد عددا وأوفر مالا من أمة يعني جماعة المؤمنين « إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » أي إنما يختبركم بكونكم أربى لينظر أتوفون بعهد الله أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم « وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

« وَلا تَتَّخِذُوا » تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي عنه « فَتَزِلَّ قَدَمٌ » عن محجة الإسلام « بَعْدَ ثُبُوتِها » عليها أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى يقال زل قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصواب والمراد أقدامهم وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة « وَتَذُوقُوا السُّوءَ » في الدنيا « بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » أي بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها لأنهم لو نقضوا العهد وارتدوا لاتخذ نقضها سنة يستن بها « وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » في الآخرة.

وفي الجوامع ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : نزلت في ولاية علي والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه واله سلموا على علي بإمرة المؤمنين.

وأقول : قد مر أن في قراءتهم عليهم السلام أن تكون أئمة هي أزكى

__________________

(١) تفسير القمي : ٣٦٥.


من أئمتكم (١).

« إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ » (٢) لأنه المقصود بيعته « يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك إنما هي بمنزلة يد الله لأنهم في الحقيقة يبايعون الله عز وجل ببيعتك « فَمَنْ نَكَثَ » أي نقض العهد « فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ » أي لا يعود ضرر نكثه إلا عليه « وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ » أي في مبايعته « فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » هو الجنة.

« وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ » (٣) يريد البنات أو الأسقاط « وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ » في الجوامع كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك كنى بالبهتان المفتري بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين « وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ » أي في حسنة تأمرهن بها « فَبايِعْهُنَ » بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء.

وفي المجمع ، (٤) روى الزهري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه واله يبايع النساء بالكلام بهذه الآية « أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً » وما مست يد رسول الله صلى الله عليه واله كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس يده فيه ثم غمسن أيديهن فيه وقيل إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي.

١ ـ ن : بإسناده إلى الريان بن شبيب أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين وللرضا عليه السلام بولاية العهد وللفضل بالوزارة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون حتى

__________________

(١) راجع ج ٣٦ ص ٨١ و ١٤٨ من تاريخ أمير المؤمنين عليه‌السلام وتراه في تفسير العياشي ج ٢ : ٢٦٨.

(٢) الفتح : ١٠.

(٣) الممتحنة : ١٢.

(٤) مجمع البيان ج ٩ : ٢٧٦.


بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام فتبسم أبو الحسن عليه السلام فقال كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها.

فقال المأمون وما فسخ البيعة وما عقدها قال أبو الحسن عليه السلام عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر قال فماج الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصف أبو الحسن عليه السلام فقال الناس كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة إن من علم أولى بها ممن لا يعلم فحمله ذلك على ما فعله من سمه (١).

٢ ـ ل : عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد بن عثمان بن كرامة عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ثلاثة « لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ » عز وجل « وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » (٢) :

رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها ما يريده وفى له وإلا كف ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله عز وجل لقد أعطى بها كذا وكذا فصدقه وأخذها ولم يعط فيها ما قال ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل (٣).

بيان : « لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ » أي بما يسرهم أو بشيء أصلا فإن الملائكة يسألونهم أو هو كناية عن سخطه سبحانه عليهم « وَلا يُزَكِّيهِمْ » أي لا يثني عليهم أو لا يقبل منهم عملا أو لا يطهرهم مما يوجب العذاب بالعفو والمغفرة.

٣ ـ سن : عن عبد الله بن علي العمري عن علي بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال : ثلاث موبقات نكث الصفقة وترك السنة وفراق

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٨. الباب ٥٩.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في البقرة : ١٧٤.

(٣) الخصال ج ١ : ٥٣.


الجماعة (١).

٤ ـ الدرة الباهرة : قال الرضا عليه السلام لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة.

بيان : قال الراغب الدائرة في المكروه كما يقال دولة في المحبوب قال تعالى « نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ » (٢) وقوله « يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » (٣) أي محيط به السوء إحاطة الدائرة فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه (٤) وقال الجوهري صفقت له بالبيع والبيعة صفقا أي ضربت بيدي على يده وتصافق القوم عند البيعة (٥).

٥ ـ شا : في بيعة الناس للرضا عليه السلام عند المأمون في حديث طويل ذكر فيه أنه جلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين وأجلس الرضا عليه السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بها وجهه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا إن رسول الله صلى الله عليه واله هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم (٦).

٦ ـ ل : بإسناده عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه أحكام النساء قال ولا تبايع إلا من وراء الثياب (٧).

٧ ـ ثو : بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إن في

__________________

(١) المحاسن : ٩٤.

(٢) المائدة : ٥٢.

(٣) براءة : ٩٨.

(٤) المفردات في غريب القرآن : ١٧٤.

(٥) الصحاح : ١٠٥٧.

(٦) الإرشاد : ٢٩١.

(٧) الخصال ج ٢ : ١٤١.


النار لمدينة يقال لها الحصينة أفلا تسألوني ما فيها فقيل له وما فيها يا أمير المؤمنين قال فيها أيدي الناكثين (١).

٨ ـ كا : عن علي عن أبيه عن البزنطي عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه واله مكة بايع الرجال ثم جاءته النساء يبايعنه فأنزل الله عز وجل « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ » إلى قوله « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (٢).

قالت هند أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم كبارا وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه قال لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعرا ولا تشققن جيبا ولا تسودن ثوبا ولا تدعين بويل فبايعهن رسول الله صلى الله عليه واله على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال إنني لا أصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة (٣).

٩ ـ كا : بإسناده عن المفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف ماسح رسول الله صلى الله عليه واله النساء حين بايعهن قال دعا بمركنه الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء ثم غمس يده فكلما بايع واحدة منهن قال اغمسي يدك فتغمس كما غمس رسول الله صلى الله عليه واله فكان هذا مماسحته إياهن (٤).

بيان : المركن كمنبر الإجانة.

١٠ ـ كا : بإسناده عن سعدان قال قال أبو عبد الله عليه السلام أتدري كيف

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٢٧.

(٢) الممتحنة : ١٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٢٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٢٦.


بايع رسول الله صلى الله عليه واله النساء قلت الله أعلم وابن رسوله أعلم قال جمعهن حوله ثم دعا بتور برام فصب فيه ماء نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين بعولتكن في معروف أقررتن قلن نعم فأخرج يده من التور ثم قال لهن اغمسن أيديكن ففعلن فكانت يد رسول الله صلى الله عليه واله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم (١).

بيان : في النهاية التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه وقال البرمة بالضم القدر مطلقا وجمعها برام وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن والنضوح كصبور طيب.

أقول : قد مر تفسير الآيات وسائر الأخبار في النكث وكيفية البيعة في باب فتح مكة (٢) وأبواب نكث طلحة والزبير.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٥٦.

(٢) راجع ج ٢١ ص ٩٥ ـ ٩٩.


١١

(باب)

(آخر في أن المؤمن صنفان)

١ ـ كا : عن محمد عن أحمد عن ابن سنان عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله ووفى بشرطه وذلك قوله عز وجل « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » (١) فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة وذلك ممن يشفع ولا يشفع له ومؤمن كخامة الزرع تعوج أحيانا وتقوم أحيانا فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة وذلك ممن يشفع له ولا يشفع (٢).

بيان : قال الله سبحانه « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » قال البيضاوي من الثبات مع الرسول والمقاتلة لأعداء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق فإن العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » أي نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر والنحب النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » أي الشهادة « وَما بَدَّلُوا » العهد ولا غيروه « تَبْدِيلاً » أي شيئا من التبديل.

__________________

(١) الأحزاب : ٢٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٤٨.


وقال الطبرسي رحمه‌الله (١) « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » يعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وروي في الخصال (٢) عن الباقر عليه السلام في حديث طويل قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لقد كنت عاهدت الله ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى ولرسوله فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى فأنزل الله فينا « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ » الآية حمزة وجعفر وعبيدة وأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلام استدل بهذه الآية على أن المؤمنين صنفان لأنه تعالى قال « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ » فصنف منهم مؤمن صدق بعهد الله قيل الباء بمعنى في أي في عهد الله فقوله صدق كنصر بالتخفيف ففيه إشارة إلى أن في الآية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا الله عليه ويمكن أن يقرأ صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الآية أي صدقوا بعهد الله وما وعدهم من الثواب وما اشترط في الثواب من الإيمان والعمل الصالح والأول أظهر والمراد بالعهد أصول الدين من الإقرار بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد والوفاء بالشرط الإتيان بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات وقيل أراد بالعهد الميثاق بقوله « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » وبالشرط قوله تعالى « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » (٣).

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بهما ما مر في كتاب الإمامة عنه عليه السلام حيث قال : إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا ولا تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة و

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٩ ، وفيه : قال ابن عباس. من قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب ، ومن قتل معه ، وأنس بن نضر وأصحابه ، وروى الحاكم أبو القاسم الحسكانى بالاسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق عن علي عليه‌السلام قال : فينا نزلت « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ » المنتظر. وما بدلت تبديلا. نعم ما نقله رحمه‌الله انما يوجد في تفسير القمي ص ٥٢٧.

(٢) الخصال ج ٢ : ٢١.

(٣) النساء : ٣١.


تاهوا تيها بعيدا إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود فمن وفى لله عز وجل بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستعمل عهده.

إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطريق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال « وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) وقال « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (٢) إلى آخر الخبر فالشروط والعهود هي التوبة والإيمان والأعمال الصالحة والاهتداء بالأئمة عليهم‌السلام.

فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة قيل المراد بأهوال الدنيا القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة وما يراه عند الموت من سكراته وأهواله وأهوال الآخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة وقيل المراد بأهوال الدنيا الهموم من فوات نعيمها لأن الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله فكيف الهموم من فواتها أو المراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها ومصائبها لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة أو لأنها لا تصيبه لأجل المعصية فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة ولا يخفى بعد تلك الوجوه.

والأظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي لأنها عنده من أعظم المصائب والأهوال بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له ويحتمل أن يكون إطلاق الأهوال عليها على مجاز المشاكلة.

وذلك ممن يشفع على بناء المعلوم أي يشفع للمؤمنين من المذنبين ولا يشفع له على بناء المجهول أي أنه لا يحتاج إلى الشفاعة لأنه من المقربين الذين « لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ » ولا يحزنون وإنما الشفاعة لأهل المعاصي.

كخامة الزرع قال في النهاية فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع وألفها منقلبة عن واو. انتهى

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) المائدة : ٢٧.


وأشار عليه السلام إلى وجه الشبه بقوله يعوج أحيانا والمراد باعوجاجه ميله إلى الباطل وهو متاع الدنيا والشهوات النفسانية وبقيامه استقامته على طريق الحق ومخالفته للأهواء والوساوس الشيطانية ولا يشفع أي لا يؤذن له في الشفاعة.

٢ـ كا : عن العدة عن سهل عن محمد بن عبد الله عن خالد القمي عن خضر بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول المؤمن مؤمنان مؤمن وفى لله بشروطه التي اشترطها عليه فذلك مع « النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » وذلك ممن يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة ومؤمن زلت به قدم كخامة الزرع كيفما كفته الريح انكفأ وذلك من تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة ويشفع له وهو على خير (١).

بيان : خضر بكسر الخاء وسكون الضاد أو بفتح الخاء وسكون الضاد صحح بهما في القاموس وغيره وفى لله بشروطه العهود داخلة تحت الشروط هنا فذلك مع النبيين إشارة إلى قوله تعالى « وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (٢) وهذا مبني على ما ورد في الأخبار الكثيرة أن الصديقين والشهداء والصالحين هم الأئمة عليهم السلام والمراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من المؤمنين وقد مر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال بعد قراءة هذه الآية فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.

وفي تفسير علي بن إبراهيم (٣) قال « النَّبِيِّينَ » رسول الله « وَالصِّدِّيقِينَ » علي « وَالشُّهَداءِ » الحسن والحسين « وَالصَّالِحِينَ » الأئمة « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » القائم من آل محمد صلوات الله عليهم.

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٨.

(٢) النساء : ٦٩.

(٣) تفسير القمي ص ١٣١.


فلا يحتاج إلى ما قيل إن الظاهر أنه كان من النبيين لأن الصنف الأول إما نبي أو صديق أو شهيد أو صالح والصنف الثاني يكون مع هؤلاء بشفاعتهم زلت به قدم كان الباء للتعدية أي أزلته قدم وإقدام على المعصية وقيل الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه أي فعله عمدا من غير نسيان وإكراه وكيفما مركب من كيف للشرط نحو كيف تصنع أصنع وما زائدة للتأكيد.

وفي النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته وفي القاموس كفاه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كأكفأه واكتفاه وانكفأ رجع ولونه تغير (١).

٣ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن ابن مهران عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال : قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة :

فأما إخوان الثقة فهم الكف والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك وبدنك وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه وأظهر منه الحسن واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر.

وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان (٢).

بيان : الإخوان صنفان المراد بالإخوان إما مطلق المؤمنين فإن المؤمنين إخوة أو المؤمنين الذين يصاحبهم ويعاشرهم ويظهرون له المودة والأخوة

__________________

(١) القاموس ج ١ : ٢٦.

(٢) الكافي ج ٢ : ٢٤٨.


أو الأعم من المؤمنين وغيرهم إذا كانوا كذلك.

والمراد بإخوان الثقة أهل الصلاح والصدق والأمانة الذين يثق بهم ويعتمد عليهم في الدين وعدم النفاق وموافقة ظاهرهم لباطنهم وبإخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة ولكن يعاشرهم لرفع الوحشة أو للمصلحة والتقية فيجالسهم ويضاحكهم ولا يعتمد عليهم ولكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لإزالة الوحشة ودفع الضرر.

قال في النهاية فيه إنا لنكشر في وجوه أقوام الكشر ظهور الأسنان في الضحك وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه والاسم الكشرة كالعشرة.

فهم الكف الحمل على المبالغة والتشبيه أي هم بمنزلة كفك في إعانتك وكف الأذى عنك فينبغي أن تراعيه وتحفظه كما تحفظ كفك.

قال في المصباح قال الأزهري الكف الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن وقال جناح الطائر بمنزلة اليد للإنسان وفي القاموس الجناح اليد والعضد والإبط والجانب ونفس الشيء والكنف والناحية انتهى وأكثر المعاني مناسبة والعضد أظهر والحمل كما سبق أي هم بمنزلة عضدك في إعانتك فراعهم كما تراعي عضدك وكذا الأهل والمال ويمكن أن يكون المراد بكونهم مالا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه.

فإذا كنت من أخيك أي بالنسبة إليه كقول النبي أنت مني بمنزلة هارون من موسى على حد الثقة أي على مرتبة الثقة والاعتماد أو على أول حد من حدودها والثقة في الأخوة والديانة والاتصاف بصفات المؤمنين وكون باطنه موافقا لظاهره.

فابذل له مالك وبدنك بذل المال هو أن يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل وبذل البدن هو أن يخدمه ويدفع الأذى عنه قولا وفعلا وهما متفرعان على كونهم الكف والجناح والأهل والمال وصاف من صافاه


أي أخلص الود لمن أخلص له الود قال في المصباح صفا خلص من الكدر وأصفيته الوداد أخلصته وفي القاموس صافاه صدقه الإخاء كأصفاه.

وعاد من عاداه أي في الدين أو الأعم إذا كان الأخ محقا وإنما أطلق لأن المؤمن الكامل لا يكون إلا محقا ويؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه في النهج (١) أنه قال أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة فأصدقاؤك صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك وأعداؤك عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك.

واكتم سره أي ما أمرك بإخفائه أو تعلم أن إظهاره يضره وعيبه أي إن كان له عيب نادرا أو ما يعيبه الناس عليه ولم يكن قبيحا واقعا كالفقر والأمراض الخفية وأظهر منه الحسن بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقلا وشرعا من الصفات والأخلاق والأعمال ويمكن أن يقرأ بالضم.

فإنك تصيب لذتك منهم أي تلتذ بحسن صحبتهم ومؤانستهم وتحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم بل الأخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم ومفاوضتهم فلا تقطعن ذلك الحظ منهم بالاستيحاش عنهم وترك مصاحبتهم فتصير وحيدا لندرة النوع الأول كما قال عليه السلام في حديث آخر زهدك في راغب فيك نقصان حظ ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس.

ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد وعداوة ونفاق فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم أو يظهر لك منهم سوء عقيدة وفساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك.

أو المعنى : لا تتوقع منهم موافقة ضميرهم لك وحبهم الواقعي واكتف بالمعاشرة الظاهرة وإن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم كما يرشد إليه قوله عليه السلام وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه أي تهلله وإظهار فرحه برؤيتك وتبسمه.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١٧ تحت الرقم ٢٩٥ من الحكم والمواعظ.


في المصباح رجل طلق الوجه أي فرح ظاهر البشر وهو طليق الوجه قال أبو زيد متهلل بسام.

وفي الحديث حث على حسن المعاشرة والاكتفاء بظواهر أحوالهم وعدم تجسس ما في بواطنهم فإنه أقرب إلى هدايتهم وإرشادهم إلى الحق وتعليم الجهال وهداية أهل الضلال وأبعد من التضرر منهم والتنفر عنهم والأخبار في حسن المعاشرة كثيرة لا سيما مع المدعين للتشيع والإيمان « وَاللهُ الْمُسْتَعانُ ».

١٢

(باب)

(شدة ابتلاء المؤمن وعلته وفضل البلاء)

الآيات

البقرة : « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ » (١).

آل عمران : « لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (٢)

الأنعام : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ

__________________

(١) البقرة : ٢١٤.

(٢) آل عمران : ١٨٨.


يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ » (١).

تفسير : « أَمْ حَسِبْتُمْ » قال في المجمع (٢) أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون « أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ » ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحن الذين مضوا من قبلكم به فتصبروا كما صبروا وهذا استدعاء إلى الصبر وبعده الوعد بالنصر.

ثم ذكر سبحانه ما أصاب أولئك فقال « مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ » والمس واللمس واحد والبأساء نقيض النعماء والضراء نقيض السراء وقيل البأساء القتل والضراء الفقر « وَزُلْزِلُوا » أي حركوا بأنواع البلايا وقيل معناه هنا أزعجوا بالمخافة من العدو وذلك لفرط الحيرة.

« مَتى نَصْرُ اللهِ » قيل هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن وإنما قاله الرسول استبطاء للنصر وقيل إن معناه الدعاء لله بالنصر ولا يجوز أن يكون على جهة الاستبطاء لنصر الله لأن الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن الوقت الذي توجبه الحكمة ثم أخبر الله أنه ناصر لأوليائه فقال « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ».

وقيل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإياس « مَتى نَصْرُ اللهِ » ثم تفكروا وعلموا أن الله منجز وعده فقالوا « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ » وقيل إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيله وقال المؤمنون « مَتى نَصْرُ اللهِ » وقال الرسول « أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ » انتهى.

وأقول : روي في الخرائج عن زين العابدين عن آبائه عليهم السلام قال : فما تمدون أعينكم لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فتقطع يده ورجله ويصلب ثم تلا « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ » الآية.

__________________

(١) الأنعام : ٤٤ ـ ٤٦.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٠٨ ، وفيه : معناه : بل أظننتم وخلتم إلخ.


وروي في الكافي عن بكر بن محمد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقرأ وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول.

وقال في المجمع (١) في قوله تعالى « لَتُبْلَوُنَ » أي لتوقع عليكم المحن وتلحقكم الشدائد « فِي أَمْوالِكُمْ » بذهابها ونقصانها « وَفي أَنْفُسِكُمْ » أيها المؤمنون بالقتل والمصائب وقيل بفرض الجهاد وغيره « وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » يعني اليهود والنصارى « وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا » يعني كفار مكة وغيرهم « أَذىً كَثِيراً » من تكذيب النبي صلى الله عليه واله ومن الكلام الذي يغمهم « مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » أي مما بان رشده وصوابه ووجب على العاقل العزم عليه وقيل أي من محكم الأمور.

وقال في قوله تعالى (٢) « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا » أي رسلا « إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ » فخالفوهم « فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ » يريد بالفقر والبؤس والأسقام والأوجاع عن ابن عباس « لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ » معناه لكي يتضرعوا « فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا » معناه فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا « وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ » فأقاموا على كفرهم ولم تنجع فيهم العظة « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ » بالوسوسة والإغراء بالمعصية لما فيها من عاجل اللذة « ما كانُوا يَعْمَلُونَ » يعني أعمالهم.

« فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ » أي تركوا ما وعظوا به « فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ » أي كل نعمة وبركة من السماء والأرض والمعنى أنه تعالى امتحنهم بالشدائد لكي يتضرعوا ويتوبوا فلما تركوا ذلك فتح عليهم أبواب النعم والتوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة « حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا » من النعيم واشتغلوا بالتلذذ ولم يروه نعمة من الله حتى يشكروه « أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً » أي مفاجاة من حيث لا يشعرون « فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ » أي آيسون من النجاة والرحمة.

وروي عن النبي صلى الله عليه واله قال : إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فذلك استدراج

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٥١ والآية في آل عمران : ١٨٦.

(٢) مجمع البيان ج ٤ : ٣٠١ ، والآية في الانعام : ٤٤.


منه ثم تلا هذه الآية ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره انتهى (١).

ويظهر من الآيات أن البلايا والمصائب نعم من الله ليتعظوا ويتذكروا بها ويتركوا المعاصي كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (٢) ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد.

وتدل على أن تواتر النعم على العباد وعدم ابتلائهم بالبلايا استدراج منه سبحانه غالبا كما قال علي بن إبراهيم « لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ » يعني كي يتضرعوا فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا وأغناهم لفعلهم الردي « فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ » أي آيسون وذلك قول الله في مناجاته لموسى عليه‌السلام.

حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان في مناجاة الله تعالى لموسى يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته فما فتح الله على أحد في هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك الذنب فلا يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه (٣).

وروى الكشي (٤) والعياشي بإسنادهما عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلام أدخل على الحجاج فقال ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب قال كنت أوضيه فقال له ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه فقال كان يتلو هذه الآية « فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ » إلى قوله :

__________________

(١) مجمع البيان ج ٤ : ٣٠٢.

(٢) نهج البلاغة ج ١ : ٣٥٣ تحت الرقم ١٧٦ من الخطب.

(٣) أخرجه الديلمي في إرشاد القلوب : ٢١٩ ، الباب ٤٨ ، وتراه في الكافي ج ٢ ص ٢٦٣. راجع تفسير القمي ذيل هذه الآية.

(٤) رجال الكشي : ٧٠.


« فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (١) فقال الحجاج أظنه كان يتأوله علينا قال نعم (٢)

١ ـ كتاب صفات الشيعة ، للصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : البرص شبه اللعنة لا يكون فينا ولا في ذريتنا ولا في شيعتنا.

وبإسناده عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن لم يؤمن المؤمن من البلايا في الدنيا ولكن آمنه من العمى في الآخرة ومن الشقاء يعني عمى البصر (٣).

٢ ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل ومن هم يا رسول الله صلى الله عليه واله قال الذين يصلحون إذا فسد الناس إنه لا وحشة ولا غربة على مؤمن وما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له حيث قلت بواكيه وفسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه.

٣ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل (٤).

بيان : أشد الناس بلاء قيل المراد بالناس هنا الكمل من الأنبياء والأوصياء والأولياء فإنهم الناس حقيقة وسائر الناس نسناس كما ورد في الأخبار والبلاء ما يختبر ويمتحن به من خير أو شر وأكثر ما يأتي مطلقا الشر وما أريد به الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى « بَلاءً حَسَناً » (٥) وأصله المحنة.

__________________

(١) الأنعام : ٤٥.

(٢) تفسير العياشي ج ١ : ٣٥٩.

(٣) صفات الشيعة : ١٨٠.

(٤) الكافي ج ٢ : ٢٥٢.

(٥) الأنفال : ١٧.


والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره وبما يكره ليمتحن صبره يقال بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلوا وأبلاه إبلاء وابتلاه ابتلاء بمعنى امتحنه والاسم البلاء مثل سلام والبلوى والبلية مثله.

وقال في النهاية فيه أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة ثم يقال هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير وأماثل الناس خيارهم انتهى.

ثم الذين يلونهم أي يقربون منهم ويكونون بعدهم في المصباح الولي مثل فلس القرب وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين والثانية من باب وعد وهي قليلة الاستعمال وجلست مما يليه أي يقاربه وقيل الولي حصول الثاني بعد الأول من غير فصل انتهى والمراد بهم الأوصياء عليهم‌السلام.

٤ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن معاوية بن عمار عن ناجية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام إن المغيرة يقول إن المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا فقال إن كان لغافلا عن صاحب ياسين إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه فقال كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه ثم قال إن المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلا أنه لا يقتل نفسه (١).

بيان : المغيرة هو المغيرة بن سعيد وقد ذكر الكشي (٢) أحاديث كثيرة في لعنه وقال العلامة قدس‌سره إنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن وقال رحمه‌الله في مناهج اليقين القائلون بإمامة الباقر عليه السلام اختلفوا بعد موته فالإمامية ساقوها إلى ولده الصادق عليه السلام ومنهم من قال إنه لم يمت ومنهم من ساقها إلى غير ولده فذهب بعضهم إلى أن الإمام بعد الباقر عليه السلام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وهم أصحاب المغيرة بن سعيد.

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٥٤.

(٢) رجال الكشي : ١٩٤ ـ ١٩٨.


وروى الكشي (١) عن الصادق عليه السلام أنه قال يوما لأصحابه لعن الله المغيرة بن سعيد ولعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق إن المغيرة كذب على أبي عليه السلام فسلبه الله الإيمان وإن قوما كذبوا علي ما لهم أذاقهم الله حر الحديد.

وروي أيضا عن الرضا عليه السلام (٢) أنه قال : كان المغيرة يكذب على أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد.

وقال في المواقف قال مغيرة بن سعيد العجلي الله جسم على صورة إنسان من نور على رأسه تاج وقلبه منبع الحكمة ولما أراد أن يخلق الخلق تكلم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا على رأسه ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد فغضب من المعاصي فعرق فحصل منه بحران أحدهما مالح مظلم والآخر حلو نير ثم اطلع في البحر النير فأبصر فيه ظله فانتزعه فجعل منه الشمس والقمر وأفنى الباقي من الظل نفيا للشريك ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم والمؤمنين من النير.

ثم أرسل محمدا والناس في ضلال وعرض « الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ » وهو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلافة بعده له وقوله تعالى « كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ » (٣)

__________________

(١) رجال الكشي : ١٩٦.

(٢) المصدر نفسه ص ١٩٤.

أقول وروى بإسناده الى هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبى ، ويأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبى يأخذون الكتب من أصحاب أبى فيدفعونها الى المغيرة.

فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها الى أبى ، ثم يدفعها الى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة ، فكلما كان في كتب أصحاب أبى من الغلو ، فذاك مما دسه المغيرة ابن سعيد في كتبهم.

(٣) الحشر : ١٦.


نزلت في أبي بكر وعمر.

والإمام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وهو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج وقتل المغيرة فقال بعض أصحابه بانتظاره وبعضهم بانتظار زكريا انتهى.

وقيل هو المغيرة بن سعد وكان يلقب بالأبتر فنسبت إليه البترية من الزيدية ولم أدر من أين أخذه (١).

فقال إن كان لغافلا إن مخففة من المثقلة وصاحب ياسين هو حبيب النجار وإنذاره إشارة إلى قوله تعالى « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ » (٢) وهذه القرية هي أنطاكية في قول المفسرين « إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ » أي رسولين من رسلنا « فَكَذَّبُوهُما » أي الرسولين.

قال ابن عباس ضربوهما وسجنوهما « فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ » أي فقوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث قيل كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا والثالث بولس وقال ابن عباس وكعب صادق وصدوق والثالث سلوم وقيل إنهم رسل عيسى

__________________

(١) قال الفيروزآبادي في القاموس ج ١ ص ٣٦٦ في مادة « بتر » : والابتر لقب المغيرة بن سعد والبترية بالضم من الزيدية تنسب إليه.

ولكن قال الكشي في رجاله ص ٢٠٢ : البترية هم أصحاب كثير النواء والحسن بن صالح بن يحيى [ حى ظ ] ، وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد ، وهم الذين دعوا الى ولاية علي عليه‌السلام ثم خلطوها بولاية أبى بكر وعمر ويثبتون لهما امامتهما ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب إلخ.

وانما قيل لهم البترية لان جماعة من الزيدية دخلوا على أبى جعفر الباقر عليه‌السلام وكان عنده زيد بن علي ، فأظهروا عقائدهم وما يقولون به ، فقال لهم زيد : بترتم أمرنا بتركم الله.

(٢) يس : ١٣. وما بعدها ذيلها.


وهم الحواريون وإنما أضافهم إلى نفسه لأن عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره « فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا ».

يعني أهل القرية « ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا » فلا تصلحون للرسالة كما لا نصلح نحن لها « وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ».

إلى قوله تعالى « وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى » وكان اسمه حبيب النجار عن ابن عباس وجماعة من المفسرين وكان قد آمن بالرسول عند ورودهم القرية وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم جاء يعدو ويشتد « قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ » الذين أرسلهم الله إليكم وأقروا برسالتهم.

قالوا وإنما علم هو نبوتهم لأنهم لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجرا قالوا لا وقيل إنه كان به زمانة أو جذام فابرءوه فآمن بهم عن ابن عباس.

« اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ » فاسمعوا قولي واقبلوه وقيل إنه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود.

قال ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق وهو قوله « قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ » وقيل رجموه حتى قتلوه وقيل إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء الدنيا وهلاك الجنة عن الحسن ومجاهد وقالا إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها.

وقيل : إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة فلما دخلها « قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ »


وفي تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه واله قال : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون وعلي أفضلهم.

كل ذلك ذكره الطبرسي (١) رحمه‌الله في مجمع البيان والأخبار الطويلة المشتملة على تلك القصة قد تقدمت في المجلد الخامس.

أنه كان مكنعا في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة وفي بعضها بالتاء وفي القاموس كنع كمنع كنوعا انقبض وانضم وأصابعه ضربها فأيبسها وكفرح يبس وتشنج ولزم وشيخ كنع ككتف شنج والكنيع المكسور اليد والأكنع الأشل وكمعظم ومجمل المقفع اليد أي متشنجها أو المقطوعها وكنع يده أشلها (٢) وقال كتع كمنع انقبض وانضم والأكتع من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجبه (٣).

وأقول : كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه كما سيأتي تفسيره بالجذام أو كان هذا الداء أيضا مذكورا في الأدواء التي نفاها عن المؤمن أو الغرض بيان أن الابتلاء بالأدواء العظيمة الشنيعة لا ينافي كمال الإيمان وقيل كانت أصابعه سقطت من الجذام فأشار عليه السلام بضم أصابعه إلى كفه إلى ذلك.

ثم رد أصابعه هذا من كلام الراوي أي رد عليه السلام أصابعه إلى كفه إشارة إلى تكنيعه فقال كأني أنظر إلى تكنيعه أي أعلم ذلك وكيفيته بعين اليقين أتاهم أي حبيب فأنذرهم وخوفهم عقاب الله على ترك اتباع الرسل بما حكى الله تعالى عنه وربما يتوهم التنافي بين هذا الخبر وبين ما ورد عن الصادق عليه السلام أنه إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه الله من الأدواء الثلاثة البرص والجذام والجنون ويمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب فلا ينافي الابتلاء بعد

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٤١٧ ـ ٤٢١.

(٢) القاموس ج ٣ ص ٨٠.

(٣) القاموس ج ٣ ص ٧٧.


الأربعين نادرا مع أنه يمكن أن يكون ابتلاء المؤمن قبل الأربعين وأيضا الخبر ليس بصريح في ابتلائه بالجذام.

والميتة بالكسر للحال والهيئة ويدل على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة أو بشرب السم أو بترك الأكل والشرب أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها أما لو أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات فالظاهر أنه أيضا داخل في هذا الحكم خلافا لبعض العامة فإنه أخرجه منه لأنه فر من موت إلى موت وهو ضعيف وربما يحمل على من استحل قتل نفسه والظاهر أن المراد بالمؤمن الكامل.

٥ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان عن عثمان النواء عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيوب كيف سلط الله إبليس على ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كل شيء منه ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به (١).

بيان : ولا يبتليه بذهاب عقله لأن فائدة الابتلاء التصبر والتذكر والرضا ونحوها ولا يتصور شيء من ذلك بذهاب العقل وفساد القلب ولا ينافي ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء على أن الموضع هو المؤمن والمجنون لا يتصف بالإيمان كذا قيل لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا يبتلى بذلك وإن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم الإيمان وكان بحكم المؤمن.

ويمكن أن يكون هذا غالبيا فإنا نرى كثيرا من صلحاء المؤمنين يبتلون في أواخر العمر بالخرافة وذهاب العقل أو يخص بنوع منه والوجه الأول لا يخلو من وجه وعلى كل شيء منه ظاهره تسلطه على جميع أعضائه وقواه سوى عقله وقد يؤول بتسلطه على بيته وأثاث بيته وأمثال ذلك وأحبائه وأصدقائه

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٦.


وقد سبق بسط القول في قصص أيوب عليه السلام ودفع الشبه الواردة فيها في المجلد الخامس فلا نعيدها حذرا من التكرار.

٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام البلاء وما يخص الله عز وجل به المؤمن فقال سئل رسول الله صلى الله عليه واله من أشد الناس بلاء في الدنيا فقال النبيون ثم الأمثل فالأمثل ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه (١).

محص : عن عبد الرحمن مثله.

بيان : السخف الخفة في العقل وغيره ذكره الجزري والفعل ككرم وضعف عمله أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما.

٧ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم (٢).

بيان : يدل على أن عظيم البلاء سبب للأجر العظيم وعلامة لمحبة الرب الرحيم إذا كان في المؤمن الكريم.

٨ ـ كا : عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لله عز وجل عبادا في الأرض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم ولا بلية إلا صرفها إليهم (٣).

نبه : تنبيه الخاطر عن ابن رئاب وكرام بن عمرو عن أبي بصير مثله.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٥٢.

(٣) المصدر ص ٢٥٣.


بيان : ما ينزل من السماء أي يقدر فيها تحفة أي من التحف الدنيوية وكذا البلية.

٩ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن أحمد بن عبيد عن الحسين بن علوان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال وعنده سدير إن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي (١).

بيان : غته أي غمسه والباء بمعنى في ويحتمل القهر والغم في النهاية فيه يغتهم الله في العذاب غتا أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا ومنه حديث الدعاء يا من لا يغته دعاء الداعين أي يغلبه ويقهره وفي حديث الحوض يغت فيه ميزابان مدادهما من الجنة أي يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا وفي القاموس غته بالأمر كده وفي الماء غطه وفلانا غمه وخنقه (٢) لنصبح به أي بالغت أو بالبلاء.

١٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن الوليد بن العلاء عن حماد عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وثجه بالبلاء ثجا فإذا دعاه قال لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك خير لك (٣).

جع : عنه عليه السلام مثله (٤).

بيان : في القاموس ثج الماء سال وثجه أساله وفي النهاية فيه أفضل الحج العج الثج الثج سيلان دماء الهدي والأضاحي يقال ثجه

__________________

(١) المصدر ص ٢٥٣.

(٢) القاموس ج ١ ص ١٥٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٣.

(٤) روى الصدوق في معاني الأخبار ص ٢٢٣ بإسناده عن النخعي عن عمه عن إسماعيل بن مسلم ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن على عليهم‌السلام قال : نزل جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد! مر أصحابك بالعج والثج ، فالعج رفع الأصوات بالتلبية ، والثج نحر البدن.


يثجه ثجا ومنه فحلب فيه ثجا أي لبنا سائلا كثيرا وحديث المستحاضة إني أثجه ثجا انتهى.

وأقول : ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف والإيصال والباء زائدة أي ثج عليه البلاء أو يكون تسييله كناية عن شدة ألمه وحزنه كأنه يذوب من البلاء ويسيل أو عن توجهه إلى جناب الحق سبحانه بالدعاء والتضرع لدفعه وقيل أي أسال دم قلبه بالبلاء.

وأقول : في جامع الأخبار (١) وغيره بجه بالباء الموحدة والبج الشق والطعن بالرمح.

فإذا دعاه أي لدفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضا وفي القاموس ألب أقام كلب ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها أو معناه محبتي لك من امرأة لبة محبة لزوجها أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص (٢).

١١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن زيد الزراد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا ابتلاه الله بعظيم البلاء فمن رضي فله عند الله الرضا ومن سخط البلاء فله عند الله السخط (٣).

ل : عن أبيه عن محمد العطار عن سهل عن الحسن اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن زيد الشحام عنه عليه السلام مثله (٤).

محص : التمحيص عن الشحام مثله.

بيان : يكافأ به على بناء المجهول أي يجازى أو يساوى في القاموس

__________________

(١) جامع الأخبار : ١٣٤.

(٢) القاموس ج ١ ص ١٢٦ و ١٢٧.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٣.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٢.


كافأه مكافأة وكفاء جازاه وفلانا ماثله وراقبه (١) والحمد لله كفاء الواجب أي ما يكون مكافئا له.

فإذا أحب الله عبدا أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه ويرضى عنه ووجده أهلا لذلك ابتلاه بعظيم البلاء من الأمراض الجسمانية والمكاره الروحانية فمن رضي أي ببلائه وقضائه والظاهر أن المراد بالموصول في الموضعين أعم من العبد المحبوب المتقدم فإن العبد المحبوب لله سبحانه لا يسخط قضاءه ويحتمل أن يكون المراد بالمحبة تعريضه للمثوبة سواء رضي أم لا فمن رضي فله عند الله الرضا أي يرضى الله عنه ومن سخط القضاء فله عند الله السخط أي الغضب.

١٢ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن زكريا بن الحر عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه أو قال على حسب دينه (٢).

بيان : أو قال الشك من الراوي والحسب بالتحريك المقدار فمآل الروايتين واحد قال في المصباح قولهم يجزى المرء على حسب عمله أي على مقداره.

١٣ ـ كا : عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه عن محمد بن المثنى الحضرمي عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه (٣).

بيان : إنما المؤمن كان المعنى أن حال المؤمن في إيمانه وبلائه بمنزلة كفتي الميزان كما ورد الصلاة ميزان فمن وفى استوفى وقيل المعنى أن المؤمن ككفة الميزان في أنه كلما وضع فيه يوضع في الكفة الأخرى

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ٢٦.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٥٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٤.


ما يوازنه عند الوزن فكلما زيد في المؤمن من الإيمان زيد في الكفة الأخرى وهو الكافر الذي بلاء المؤمن بسببه سواء كان من الإنس أو الجن فيزيد بلاؤه وأذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن.

١٤ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكر به (١).

بيان : أمر يحزنه بالضم قال في المصباح حزن حزنا من باب تعب والاسم الحزن بالضم فهو حزين ويتعدى في لغة قريش بالحركة يقال حزنني الأمر يحزنني من باب قتل قاله تغلب والأزهري وفي لغة تميم بالألف ومثل الأزهري باسم الفاعل والمفعول في اللغتين على بابهما ومنع أبو زيد الماضي من الثلاثي فقال لا يقال حزنه وإنما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال يحزنه انتهى.

وقوله يذكر به على بناء المفعول من التفعيل كأنه سئل عن سبب عروض ذلك الأمر فقال يذكر به ذنوبه والتوبة منها لقوله سبحانه « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » (٢) وربه القادر على دفع ذلك عنه فيتضرع لذلك ويدعو الله لرفعه وسفالة الدنيا (٣) ودناءتها لشيوع أمثال ذلك فيها فيزهد فيها والآخرة وخلوص لذاتها عن الأحزان والكدورات فيرغب إليها ولا يصلح القلب إصلاح الحزن شيء وقد قيل إن القلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخراب.

١٥ ـ كا : عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن المؤمن من الله عز وجل لبأفضل مكان ثلاثا إنه ليبتليه بالبلاء ثم ينزع نفسه عضوا عضوا

__________________

(١) المصدر ٢٥٣.

(٢) الشورى : ٣٠.

(٣) أي ويذكر سفالة الدنيا. وهكذا قوله : والآخرة إلخ.


من جسده وهو يحمد الله على ذلك (١).

بيان : من الله أي بالنسبة إليه ثلاثا أي قال هذا الكلام ثلاث مرات نفسه عضوا عضوا أي روحه من بدنه بالتدريج وقيل أراد بقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو سلب الروح منه وقال بعضهم النفس بضم النون والفاء جمع نفيس أي يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام ولا يخفى ما فيه والأول أظهر.

١٦ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن فضيل بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده (٢).

بيان : يدل على أن بعض درجات الجنة يمكن البلوغ إليها بالعمل والسعي وبعضها لا يمكن الوصول إليها إلا بالابتلاء في الجسد فيمن الله تعالى على من أحب من عباده بالابتلاء ليصلوا إليها.

١٧ـ كا : عن العدة عن البرقي عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن أبي يحيى الحناط عن عبد الله بن أبي يعفور قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام ما ألقى من الأوجاع وكان مسقاما فقال لي يا عبد الله لو يعلم المؤمن ما له من الجزاء في المصائب لتمنى أنه قرض بالمقاريض (٣).

بيان : وكان مسقاما هذا كلام أبي يحيى وضمير كان عائد إلى عبد الله والمسقام بالكسر الكثير السقم والمرض أنه قرض على بناء المفعول بالتخفيف أو بالتشديد للتكثير والمبالغة.

وفي المصباح قرضت الشيء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين والمقراض أيضا بكسر الميم والجمع مقاريض ولا يقال إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة وإنما يقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٤.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٥٥.

(٣) المصدر ج ٢ ص ٢٥٥.


وفي الواحد قطعته بالمقراض.

١٨ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن يونس بن رباط قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة قليلة وعافية طويلة (١).

نبه : عن ابن رباط مثله.

بيان : منذ كانوا تامة وفي شدة خبر لم يزالوا إلى مدة قليلة أي إلى انتهاء مدة قليلة هي العمر ينتهي إلى عافية طويلة في البرزخ والآخرة وقيل إلى بمعنى مع.

١٩ ـ كا : عن علي عن أبيه عن بعض أصحابه عن الحسين بن المختار عن أبي أسامة عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عز وجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (٢).

بيان : في القاموس تعهده وتعاهده تفقده وأحدث العهد به وقال حمى المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى وتحمى امتنع.

وأقول : وجه الشبه في الفقرتين في المشبه وإن كان أقوى لكن المشبه به عند الناس أظهر وأجلى.

٢٠ـ كا : عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن محمد بن يحيى الخثعمي عن محمد بن بهلول العبدي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز الدنيا ولكنه آمنه من العمى فيها والشقاء في الآخرة (٣).

بيان : من هزاهز الدنيا أي الفتن والبلايا التي يهتز فيها الناس والعمى

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٥.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٥٥.

(٣) المصدر نفسه.


عمى القلب الموجب للجهل بالله والتنفر عن الحق والبعد عن لوازم الإيمان وكل ذلك يوجب الشقاء والتعب في الآخرة.

٢١ـ كا : عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن نوح بن شعيب عن أبي داود المسترق رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام دعي النبي صلى الله عليه واله إلى طعام فلما دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه ولم تسقط ولم تنكسر فتعجب النبي صلى الله عليه واله منها فقال له الرجل أعجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط.

فنهض رسول الله صلى الله عليه واله ولم يأكل من طعامه شيئا وقال من لم يرزأ فما لله فيه من حاجة (١).

بيان : فتقع أي فوقعت واستعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه المواضع شائع ما رزئت شيئا أي ما نقصت في القاموس رزأه ماله كجعله وعلمه رزءا بالضم أصاب منه شيئا كارتزأه ماله ورزأ الشيء نقصه والرزيئة المصيبة وما رزئته بالكسر ما نقصته (٢).

وفي النهاية في حديث سراقة فلم يرزءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا يقال رزأته أرزأه وأصله النقص فقوله رزئت على بناء المجهول ومفعوله الثاني محذوف.

فما لله فيه من حاجة استعمال الحاجة في الله سبحانه مجاز والمراد أنه ليس من خلص المؤمنين وممن أعده الله لهداية الخلق ولعبادته ومعرفته فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلاء فكأنه محتاج إليهم في ذلك أو أنهم لما كانوا من حزب الله وعبدته حقيقة وأنصار دينه فكأنه سبحانه محتاج إليهم كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل ذلك.

أو المراد حاجة الأنبياء والأوصياء في ترويج الدين ونسب ذلك إلى ذاته

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٥٦.

(٢) القاموس ج ١ : ١٦.


تعظيما لهم كما ورد في قوله تعالى « إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ » (١) « وَما ظَلَمُونا » (٢) وأمثالهما.

أو أنه تعالى لما طلب من عباده العبادات بالأوامر وغيرها كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه فاستعملت الحاجة فيه مجازا أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به وترك الإقبال عليه لأن اللطف والإقبال منا لا زمان للحاجة فنفى الملزوم وأراد نفي اللازم والوجوه متقاربة.

وإنما امتنع صلى الله عليه واله من طعامه لأن ما ذكره كان من صفات المستدرجين ومن لا خير فيه لا خير في طعامه والمال الذي لم ينقص منه شيء ملعون كالبدن وقد قال صلى الله عليه واله ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل بدن لا يزكى (٣) مع أنه يمكن أن يكون علم صلى الله عليه واله من تقريره أنه لا يؤدي الحقوق الواجبة أيضا.

وأيضا لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام مرغوبة بالطبع لسائر الخلق أراد صلى الله عليه واله المبالغة في ذمها لئلا ترغب الصحابة فيها وليعلموا أنها ليست من صفات المؤمنين.

٢٢ ـ كا : عن العدة عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله وأبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب (٤).

بيان : فيمن ليس له أي لله وإرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد والظاهر أن المراد بالنصيب النقص الذي وقع بقضاء الله وقدره في ماله أو بدنه بغير اختيار ويحتمل شموله للاختياري أيضا كأداء الحقوق المالية وإبلاء البدن بالطاعة.

٢٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي

__________________

(١) القتال ٧.

(٢) البقرة : ٥٧.

(٣) سيأتي الحديث ص ٢١٩.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٥٦.


ابن عقبة عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلا بإحدى الخصلتين إما بذهاب ماله أو ببلية في جسده (١).

بيان : بذهاب ماله بكسر اللام وقد يقرأ بالفتح وعلى الأول يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده وأهله وأقاربه وأشباه ذلك والمراد بالعبد المؤمن الخالص الذي يحبه الله.

٢٤ ـ كا : بالإسناد المتقدم عن البرقي عن ابن فضال عن مثنى الحناط عن أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الله عز وجل لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا (٢).

بيان : لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه كأن مفعول الوجدان محذوف أي شكا أو حزنا شديدا أو يكون الوجد بمعنى الغضب أو بمعنى الحزن فقوله في قلبه للتأكيد أي وجدا مؤثرا في قلبه باقيا فيه.

في المصباح وجدته أجده وجدانا بالكسر ووجدت عليه موجدة في الغضب ووجدت به في الحزن وجدا بالفتح انتهى.

والعصابة بالكسر ما يشد على الرأس والعمامة والعصب الطي الشديد وعصب رأسه بالعصابة وعصب أيضا بالتشديد أي شده بها والصداع كغراب وجع الرأس يقال صدع على بناء المفعول من التفعيل وجوز في الشعر التخفيف وذكر الرأس هنا على التجريد والعصب بالحديد كناية عن حفظه مما يؤلمه ويؤذيه.

وتخصيص الرأس لأن أكثر الأمراض العظيمة ينشأ منه وأكثر القوى فيه وذكر الصداع لأنه أقل مراتب الآلام والأوجاع وأخفها أي فكيف ما فوقه ويحتمل كون تخصيص الرأس لذلك.

والحاصل أنه لو لا مخافة انكسار قلب المؤمن أو ضعف يقينه لما يراه على

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٧.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٥٧.


الكافر من العافية المستمرة لقويت الكافر وصححت جسمه حتى لا يرى وجعا وألما في الدنيا أبدا.

وقيل تعصيب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة على رأسه وذكر الحديد كناية عن شدة ملكه بحيث لا تحصل فيه ثلمة ولا يخفى بعده.

وفيه إشارة إلى قوله سبحانه « لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً » (١) قال الطبرسي رحمه‌الله أي لو لا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا وحرصهم عليها « لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ » فالسقف إذا كان من فضة فالحيطان من فضة « وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » أي وجعلنا درجا وسلاليم من فضة لتلك السقف عليها يعلون ويصعدون.

« وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها » أي على تلك السرر « يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً » أي ذهبا أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا وقيل الزخرف النقوش وقيل هو الفرش ومتاع البيت والمعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلتها وحقارتها عنده ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة « وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ » خاصة لهم (٢).

٢٥ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حسين بن عثمان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرياح كذا وكذا وكذلك المؤمن تكفئه الأوجاع والأمراض ومثل المنافق كمثل الإرزبة المستقيمة التي لا يصيبها شيء حتى يأتيه الموت فيقصفه قصفا (٣).

بيان : قد مر معنى خامة الزرع في باب أن المؤمن صنفان (٤) والفرق

__________________

(١) الزخرف : ٣٣ ـ ٣٥.

(٢) مجمع البيان ج ٩ ص ٤٧.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٧.

(٤) راجع ص ١٩١ فيما سبق.


بين التشبيه هنا وبين ما سبق حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها وهاهنا جميعهم بها هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح وهاهنا شبه البلايا والأمراض بها تكفئها بالهمز أي تقلبها في القاموس كفأه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كأكفأه (١) وقال الإرزبة والمرزبة مشددتان أو الأولى فقط عصية من حديد (٢) وحتى في قوله حتى يأتيه الموت متعلق بالجار والمجرور في قوله كمثل الإرزبة وفي المصباح قصفت العود قصفا فانقصفت مثل كسرته فانكسر لفظا ومعنا.

ومثل هذه الرواية رواها مسلم في صحيحه بإسناده عن النبي صلى الله عليه واله قال : مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح تصرفها مرة وتعدلها أخرى حتى يأتيه أجله ومثل المنافق مثل الأرزة (٣) المجذية التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة وفي رواية أخرى مثل الكافر.

قال عياض : الخامة هي الزرع أول ما ينبت ومعنى تكفئها بضم التاء تميلها الريح وتلقيها بالأرض كالمصروع ثم تقيمه يقوم على سوقه ومعنى المجذية الثابتة يقال أجذى يجذي والانجعاف الانقطاع يقال جعفت الرجل صرعته.

وقال محيي الدين الأرزة بالفتح وقال بعضهم هي الآرزة بالمد وكسر الراء على وزن فاعلة وأنكره أبو عبيد وقال أهل اللغة الآرزة بالمد الثابتة وهذا المعنى صحيح هاهنا فإنكار أبي عبيد إنكار الرواية لا إنكار اللغة.

وقال أبو عبيد شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه يرزأ في نفسه وماله وشبه الكافر بالأرزة لأنه لا يرزأ في شيء حتى يموت وإن رزئ لم يؤجر حتى يلقى الله بذنوب جمة.

٢٦ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ٢٦.

(٢) القاموس ج ١ ص ٧٣.

(٣) في نسخة الكمباني « الارزبة » وهو تصحيف.


عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه واله يوما لأصحابه ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل جسد لا يزكى ولو في كل أربعين يوما مرة فقيل يا رسول الله أما زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد فقال لهم أن تصاب بآفة.

قال فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم هل تدرون ما عنيت بقولي قالوا لا يا رسول الله قال بلى الرجل يخدش الخدشة وينكب النكبة ويعثر العثرة ويمرض المرضة ويشاك الشوكة وما أشبه هذا حتى ذكر في آخر حديثه اختلاج العين (١).

بيان : ملعون كل مال لا يزكى قال الشيخ البهائي برد الله مضجعه أي بعيد عن الخير والبركة يعني لا خير فيه لصاحبه ولا بركة ويجوز أن يراد ملعون صاحبه على حذف مضاف أي مطرود مبعد عن رحمة الله تعالى وقس عليه قوله صلى الله عليه واله ملعون كل جسد لا يزكى وذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة ويجوز أن يكون استعارة تبعية ووجه الشبه أن كلا منهما وإن كان نقصا بحسب الظاهر إلا أنه موجب لمزيد الخير والبركة في نفس الأمر.

فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك لأنهم ظنوا أن مراده بالآفة العاهة والبلية الشديدة التي كثيرا ما يخلو عنهما الإنسان سنين عديدة فضلا عن أربعين يوما قال بلى أقول كأنه جواب عن سؤال مقدر كأن القوم قالوا ألا تفسر لنا قال بلى.

وصحف بعض الأفاضل فقرأ بلى الرجل مصدرا مضافا إلى الرجل أي خلقه كأن البلايا تبلي الجسد وتخلقها ويخدش صفة الرجل لأن اللام للعهد الذهني ولا يخفى ما فيه.

وقال الشيخ المتقدم ذكره قدس‌سره يخدش بالبناء للمفعول وكذا ينكب والخدشة تفرق اتصال في الجلد من ظفر ونحوه سواء خرج منه الدم أولا.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٨.


وأقول : النكبة أن يقع رجله على الحجارة ونحوها أو يسقط على وجهه أو أصابته بلية خفيفة من بلايا الدهر في القاموس النكب الطرح ونكب الإناء هراق ما فيه والكنانة نثر ما فيها والحجارة رجله لثمتها أو أصابتها فهو منكوب ونكب وبه طرحه والنكبة بالفتح المصيبة ونكبه الدهر نكبا ونكبا بلغ منه أو أصابه بنكبة (١).

وفي النهاية وقد نكب بالحرة أي نالته حجارتها وأصابته ومنه النكبة وهي ما يصيب الإنسان من الحوادث ومنه الحديث أنه نكبت إصبعه أي نالته الحجارة.

ويعثر العثرة في القاموس العثرة المرة من العثار في المشي وقال الشيخ رحمه‌الله المراد عثرة الرجل ويجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضا لكنه بعيد.

ويشاك الشوكة يقال شاكته الشوكة تشوكه شاكة وشيكة إذا دخلت في جسده وانتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة كانتصاب الخدشة والنكبة والعثرة فإن قلت تلك مصادر بخلاف الشوكة فكيف يكون مفعولا مطلقا قلت قد يجيء المفعول المطلق غير مصدر إذا لابس المصدر بالآلية ونحوها نحو ضربته سوطا وإن أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة.

أقول : وفي القاموس شاكته الشوكة دخلت في جسمه وشكته أنا أشوكه وأشكته أدخلتها في جسمه وشاك يشاك شاكة وشيكة بالكسر وقع في الشوك والشوكة خالطها وما أشاكه شوكة ولا شاكه بها ما أصابه بها انتهى (٢) فعلى بعض الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعولا ثانيا من غير تقدير.

وقال : وما أشبه هذا يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه واله وأن يكون من كلام الراوي.

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ١٣٤.

(٢) القاموس ج ٣ ص ٣٠٩.


أقول : الظاهر أنه من كلام الصادق عليه السلام إلى آخر الخبر وضمير حديثه راجع إلى النبي صلى الله عليه واله وقال قدس‌سره عد صلى الله عليه واله اختلاج العين من الآفات لأن الاختلاج مرض من الأمراض وقد ذكره الأطباء وهو حركة سريعة متواترة غير عادية يعرض لجزء من البدن كالجلد ونحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل فتصير ريحا بخاريا غليظا يعسر خروجه من المسام وتزاول الدافعة دفعه فتقع بينهما مدافعة واضطراب.

٢٧ ـ كا : عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام أيبتلى المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا قال فقال وهل كتب البلاء إلا على المؤمن (١).

بيان : وهل كتب البلاء إلا على المؤمن أي غالبا.

٢٨ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عمن رواه عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن ليكرم على الله حتى لو سأله الجنة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئا وإن الكافر ليهون على الله حتى لو سأله الدنيا بما فيها لأعطاه من غير أن ينقص من ملكه شيئا وإن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف وإنه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (٢).

بيان : كلمة لو في الموضعين شرطية امتناعية وأعطاه جزاؤه أي لو سأل المؤمن الجنة أعطاه لكنه لا يسأله ذلك لأنه يعلم عدم المصلحة في ذلك أو يحب الشركاء فيها ولا يطلب التفرد مع أنه يمكن أن يعطيه ما هو جنة بالفعل ويخلق أمثالها وأضعافها لغيره.

وأما الكافر فإنه أيضا لا يسأل جميع الدنيا لأنه لا يؤمن بالله وسعة قدرته بل يعد ذلك ممتنعا وقيل لأنه ممتنع أن يسأل الله لأنه سبحانه لا يدرك

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥٨.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٥٨.


بالكنه ولا بالشخص بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية والكافر لا يعرفه كذلك وإليه يشير قوله تعالى « أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ » (١).

وانتقص يكون لازما ومتعديا والمراد هنا الثاني في القاموس نقص لازم متعد وأنقصه وانتقصه ونقصه نقصه فانتقص (٢) وقيل شيئا قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا وفي المصباح الطرفة ما يستطرف أي يستملح والجمع طرف مثل غرفة وغرف وفي القاموس أطرف فلانا أعطاه ما لم يعطه أحد قبله والاسم الطرفة بالضم.

٢٩ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن في كتاب علي عليه السلام إن أشد الناس بلاء النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه وذلك أن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه وأن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض (٣).

ع : عن أبيه عن السعدآبادي عن البرقي عن ابن محبوب مثله (٤)

جع : عن النبي صلى الله عليه واله مثله (٥) إلا أن قوله وذلك أن الله إلى قوله لكافر في آخر الخبر وهو أنسب.

بيان : وذلك أن الله أقول دفع لما يتوهم من أن المؤمن لكرامته على الله كان ينبغي أن يكون بلاؤه أقل والمعنى أن المؤمن لما كان محل ثوابه الآخرة لأن الدنيا لفنائها وانقطاعها لا يصح أن يكون ثوابا له فينبغي

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٣٢٠.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٩.

(٤) علل الشرائع ج ١ ص ٤٢.

(٥) جامع الأخبار ص ١٣٣.


أن لا يكون له في الدنيا إلا ما يوجب الثواب في الآخرة وكذا الكافر لما كانت عقوبته في الآخرة لأن الدنيا لانقطاعها لا تصلح أن تكون عقوبته فيها فلا يبتلى في الدنيا كثيرا بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا بدفع البلاء والسعة في النعماء.

وفي القاموس القرار والقرارة ما قر فيه والمطمئن من الأرض (١) شبه عليه السلام البلاء النازل إلى المؤمن بالمطر النازل إلى الأرض ووجه الشبه متعدد وهو السرعة والاستقرار بعد النزول وكثرة النفع والتسبب للحياة فإن البلاء للمؤمن سبب للحياة الأبدية والمطر سبب للحياة الأرضية.

٣٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن مالك بن عطية عن يونس بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن هذا الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن الله لم يبتل به عبدا له فيه حاجة قال فقال لي لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الأصابع فكان يقول هكذا ويمد يديه ويقول : « يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ » (٢).

ثم قال لي إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوضأ وقم إلى صلاتك التي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل وأنت ساجد يا علي يا عظيم يا رحمان يا رحيم يا سامع الدعوات يا معطي الخيرات صل على محمد وآل محمد وأعطني من خير الدنيا والآخرة ما أنت أهله واصرف عني من شر الدنيا والآخرة ما أنت أهله وأذهب عني هذا الوجع وتسميه فإنه قد غاظني وأحزنني وألح في الدعاء قال فما وصلت إلى الكوفة حتى أذهب الله به عني كله (٣).

بيان : الظاهر أن الآثار التي ظهرت بوجهه كان برصا ويحتمل الجذام و

__________________

(١) القاموس ج ٢ : ١١٥.

(٢) يس : ١٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٩.


على الأول ذكر المؤمن لبيان أنه إذا جاز ابتلاء المؤمن بالجذام جاز ابتلاؤه بالبرص بطريق أولى لأن الجذام أشد وأخبث.

وأما ذكر مؤمن آل فرعون في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة أو النساخ لأن الآية المذكورة إنما هي في قصة آل ياسين كما مر في هذا الباب أيضا (١) وربما يوجه بوجهين :

أحدهما أن المراد بالفرعون هنا فرعون عيسى عليه السلام وهو الجبار الذي كان بالأنطاكية حين ورده رسل عيسى عليه السلام والفرعون يطلق على كل جبار متكبر نعم شاع إطلاقه على ثلاثة فرعون الخليل واسمه سنان وفرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد وفرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب وإضافته إلى آل فرعون عيسى بأدنى الملابسة وهو كونه فيهم واشتغاله بإنذارهم أو باعتبار كونه منهم في نفس الأمر.

وثانيهما كونهما واحدا وكان طويل العمر جدا ومع إدراكه زمان موسى أدرك زمان عيسى عليه السلام أيضا مع أنه كان بينهما على رواية ابن الجوزي في التنقيح ألف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة وكان اسمه حبيبا النجار وكان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مر في الخبر وقال في القاموس خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين (٢).

وقال علي بن إبراهيم (٣) في قوله تعالى « وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ » (٤) قال كتم إيمانه ستمائة سنة قال وكان مجذوما مكنعا وهو الذي قد وقعت أصابعه وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين ويقول « يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ » (٥) وفي بعض النسخ مكتعا وهو الذي قد عقفت

__________________

(١) تحت الرقم : ٤.

(٢) القاموس ج ٣ ص ٣٦٧.

(٣) تفسير القمي ص ٥٨٥.

(٤) المؤمن : ٣٠.

(٥) غافر : ٣٨.


أصابعه وكان يسير بيديه المعقوفتين ويقول والعقف العطف ولا يخفى بعد الوجهين لا سيما الأخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المؤمنين.

وإذا كان الثلث كان تامة وقيل ناقصة واسمه ضمير مستتر راجع إلى العالم أو نحوه والثلث منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة في أوله فإنه بدل الثلث والظرف خبر كان وتسمية كلام الإمام عليه السلام اعترض بين الدعاء أي وتسمي الوجع بأن تقول مكان هذا الوجع هذا البرص وفيه إشعار بأن الدعاء لا يخص البرص.

وأحزنني وفيما سيأتي في كتاب الدعاء حزنني وكلاهما صحيح فيقال حزنه وأحزنه والإلحاح المداومة والمبالغة بالتضرع والتكرار والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه واله والأئمة صلوات الله عليهم وأشباه ذلك قال في المصباح ألح السحاب إلحاحا دام مطره ومنه ألح الرجل على الشيء إذا أقبل عليه مواظبا.

٣١ ـ ب : عن محمد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام أيبتلى المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا قال وهل كتب البلاء إلا على المؤمن (١).

٣٢ـ ل : عن ابن مسرور عن ابن بطة عن البرقي عن أبيه رفعه إلى زرارة بن أوفى قال : دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فقال يا زرارة الناس في زماننا على ست طبقات أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير وشاة.

فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد أن يغلب ولا يغلب.

وأما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا ويمدحون إذا باعوا.

وأما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم.

وأما الكلب يهر على الناس بلسانه ويكرهه الناس من شرة لسانه.

__________________

(١) قرب الإسناد ص ٨١.


وأما الخنزير فهؤلاء المخنثون وأشباههم لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوا.

وأما الشاة فالذين تجر شعورهم (١) ويؤكل لحومهم ويكسر عظمهم فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير (٢).

بيان : المراد بالشاة المؤمن المبتلى بهؤلاء وجر الشعر كناية عن الاستيلاء عليهم وجرهم إلى بيوت الظلمة للدعاوي الباطلة أو الاستخفاف بهم وفي بعض النسخ بالزاي فهو بالمعنى الأخير وأكل لحومهم غيبتهم وكسر عظمهم ضربهم وشدة الجور عليهم.

٣٣ ـ ن : بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه (٣).

صح : عنه عليه السلام مثله (٤).

٣٤ ـ ما : عن الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الصادق عليهم السلام مثله (٥) وفيه رجل مؤمن.

٣٥ ـ ما : عن الغضائري عن هارون بن موسى عن محمد بن همام عن الحسين بن أحمد المالكي عن اليقطيني عن يحيى بن زكريا عن داود بن كثير عن أبي خالد البرقي قال حدثنا أبو عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله عز وجل لو لا أني أستحيي من عبدي المؤمن ما تركت عليه خرقة يتوارى بها وإذا كملت له الإيمان ابتليته بضعف في قوته وقلة في رزقه فإن هو حرج أعدت إليه فإن صبر باهيت به ملائكتي.

__________________

(١) في المصدر المطبوع : تجز شعورهم بالزاى.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٦٥.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٣٣.

(٤) صحيفة الرضا ص ٣٢.

(٥) أمالي الشيخ ج ١ ص ٢٨٦.


ألا وقد جعلت عليا علما للناس فمن تبعه كان هاديا ومن تركه كان ضالا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (١).

بيان : فإن هو حرج كفرح أي ضاق صدره ولم يصبر أعدت إليه أي ما أخذت منه الرزق أو القوة.

٣٦ ـ ما : عن علي بن شبل عن ظفر بن حمدون عن إبراهيم بن إسحاق عن أبي جعفر المطلبي عن محمد بن خالد التميمي عن علي بن أبان عن ابن نباتة قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلام فأتاه رجل فقال والله يا أمير المؤمنين إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية.

قال فنكت بعوده ذلك في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال صدقت إن طينتنا طينة مرحومة أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق فلا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة أما إنه فاتخذ للفقر جلبابا (٢) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل من أعلى الوادي إلى أسفله (٣).

بيان : أما إنه كأنه سقط هنا شيء وفيه تقدير أي أما إنه إن كان كذلك فاتخذ وفي البصائر أما فاتخذ وفي النهاية في حديث علي من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أي ليزهد في الدنيا وليصبر على الفقر والقلة والجلباب الإزار والرداء وقيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه جلابيب كني به عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن وقيل إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس الفقر ويكون منه

__________________

(١) أمالي الشيخ ج ١ ص ٣١٢.

(٢) روى الصدوق في معاني الأخبار ص ١٨٢ ، بإسناده عن أحمد بن المبارك قال : قال رجل لابى عبد الله عليه‌السلام : حديث يروى أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : انى احبك فقال له : أعد للفقر جلبابا ، فقال عليه‌السلام : ليس هكذا : قال : انما قال له : أعددت لفاقتك جلبابا يعنى يوم القيامة.

(٣) أمالي الشيخ ج ٢ : ٢٤.


على حالة تعمه وتشتمله لأن الغنى من أحوال أهل الدنيا ولا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت.

٣٧ ـ ع : عن ابن المتوكل عن الحميري عن البرقي عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لو أن مؤمنا كان في قلة جبل لبعث الله عز وجل إليه من يؤذيه ليأجره على ذلك (١).

بيان : قلة الجبل بالضم أعلاه والمراد بالبعث التخلية وعدم الصرف.

٣٨ ـ ع : عن حمزة بن محمد العلوي عن أحمد بن محمد الكوفي عن عبيد الله بن حمدون عن الحسين بن نصير عن خالد بن حصين عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ما زلت أنا ومن كان قبلي من النبيين والمؤمنين مبتلين بمن يؤذينا ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيض الله عز وجل له من يؤذيه ليأجره على ذلك.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي حتى إن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول لا تذروني (٢) حتى تذروا عليا فيذروني وما بي من رمد (٣).

٣٩ ـ ع : عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام الصاعقة لا تصيب المؤمن فقال له رجل فإنا قد رأينا فلانا يصلي في المسجد الحرام فأصابته فقال أبو عبد الله عليه السلام إنه كان يرمي حمام الحرم.

وبهذا الإسناد قال : الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكرا (٤).

__________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٤٢.

(٢) يقال : ذر الملح : نثره وفرقه والدواء في العين : بذره.

(٣) علل الشرائع ج ١ ص ٤٢.

(٤) علل الشرائع ج ٢ ص ١٤٧.


بيان : إنه كان يرمي يدل على أن المراد بالمؤمن في أول الخبر المؤمن الكامل كما يدل عليه الرواية الآتية ويحتمل أن لا يكون من أصابته مؤمنا ولم ير عليه السلام المصلحة في إظهار ذلك فأسنده إلى بعض أعماله والأول أظهر.

٤٠ ـ ع : عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء فقال أحدهما لصاحبه فيما هبطت قال بعثني الله عز وجل إلى بحر إيل أحشر سمكة إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر فأمرني أن أحشر إلى الصياد سمك البحر حتى يأخذها له ليبلغ الله عز وجل غاية مناه في كفره ففيما بعثت أنت قال بعثني الله عز وجل في أعجب من الذي بعثك فيه بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم المعروف دعاؤه وصوته في السماء لأكفئ قدره التي طبخها لإفطاره ليبلغ الله في المؤمن الغاية في اختبار إيمانه (١).

توضيح كأن إيل اسم بحر وهو غير معروف في اللغة اشتهى عليه كذا في النسخ ويمكن إرجاع الضمير إلى الله أي سأل الله في ذلك واعتمد عليه وهو لا ينافي كفره كدعاء فرعون أو إلى نفسه أي لنفسه أو ملزما على نفسه كناية عن الاهتمام بها وكأنه كان في علته كما سيأتي نقلا من تفسير الإمام وفي القاموس كفأه كمنعه كبه وقلبه كأكفأه وقال القدر بالكسر معروف أنثى أو يؤنث.

٤١ ـ ع : عن ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب عن سفيان بن السمط قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فأذنب ذنبا تبعه بنقمة ويذكره الاستغفار وإذا أراد الله عز وجل بعبد شرا فأذنب ذنبا تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به وهو

__________________

(١) لم نظفر عليه.


قول الله عز وجل : « سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » (١) بالنعم عند المعاصي (٢).

بيان : في القاموس استدرجه خدعه وأدناه واستدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته (٣).

٤٢ ـ ع : عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب الأسدي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال : سألت علي بن الحسين عليه السلام عن قول الله عزوجل « لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً » قال عنى بذلك أمة محمد أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم « لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » (٤) ولو فعل ذلك بأمة محمد صلى الله عليه واله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم (٥).

بيان : « لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً » قال البيضاوي لو لا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه « وَمَعارِجَ » أي مصاعد جمع معرج « عَلَيْها يَظْهَرُونَ » أي يعلون لحقارة الدنيا « وَلِبُيُوتِهِمْ » بدل من « لِمَنْ » بدل الاشتمال أو علة كقولك هيأت له ثوبا لقميصه.

٤٣ ـ ل : الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه إما في مال وإما في ولد وإما في نفسه حتى يلقى الله عز وجل وما له ذنب وإنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته (٦).

__________________

(١) الأعراف : ١٨٢ ، القلم : ٤٤.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٤٨.

(٣) القاموس ج ١ ص ١٨٨. وفيه وأدناه كدرجه بالتشديد وأقلقه حتى تركه يدرج على الأرض.

(٤) الزخرف : ٣٤.

(٥) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٧٦.

(٦) الخصال ج ٢ ص ١٦٩.


٤٤ ـ ص : بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير يرفعه فقال : التقى ملكان فقال أحدهما لصاحبه أين تريد قال بعثني ربي أحبس السمك فإن فلان الملك اشتهى سمكة فأمر بي أن أحبسه له ليؤخذ له الذي يشتهي منه فأنت أين تريد قال بعثني ربي إلى فلان العابد فإنه قد طبخ قدرا وهو صائم فأرسلني ربي أكفؤها.

٤٥ ـ ص : بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل.

٤٦ ـ ما : عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن أحمد البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام مثله (١).

٤٧ ـ مص : قال الصادق عليه السلام البلاء زين المؤمن وكرامة لمن عقل لأن في مباشرته والصبر عليه والثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان قال النبي صلى الله عليه واله نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء فالمؤمن من الأمثل فالأمثل ومن ذاق طعم البلاء تحت ستر حفظ الله له تلذذه أكثر من تلذذه بالنعمة ويشتاق إليه إذا فقده لأن تحت يد البلاء والمحنة أنوار النعمة وتحت أنوار النعمة نيران البلاء والمحنة وقد ينجو من البلاء كثير ويهلك في النعمة كثير.

وما أثنى الله تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه واله إلا بعد ابتلائه ووفاء حق العبودية فيه فكرامات الله في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء ومن خرج من سبيكة البلوى جعل سراج المؤمنين ومونس المقربين ودليل القاصدين ولا خير في عبد شكا من محنة تقدمها آلاف نعمة واتبعها آلاف راحة ومن لا يقضي حق الصبر على البلاء حرم قضاء الشكر في النعماء كذلك

__________________

(١) أمالي الشيخ ج ٢ ص ٢٧٣.


من لا يؤدي حق الشكر في النعماء يحرم عن قضاء الصبر في البلاء ومن حرمهما فهو من المطرودين.

وقال أيوب عليه السلام في دعائه اللهم قد أتى علي سبعون في الرخاء حتى أتى علي سبعون في البلاء.

وقال وهب البلاء للمؤمن كالشكاك للدابة والعقال للإبل.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ورأس الصبر البلاء وما يعقلها إلا العالمون (١).

بيان : ووفاء حق العبودية أي وفاؤه بما هو حق العبودية فيه أي في البلاء من الصبر والشكر والرضا بالقضاء الشكاك [ الشكال ] ككتاب اسم للحبل الذي يشد به قوائم الدابة والعقال ككتاب أيضا ما يعقل به رجل البعير والمعنى أن البلايا تمنع المؤمن من ارتكاب الخطايا.

٤٨ـ م : قال الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لعبد الله بن يحيى الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها.

فقال عبد الله بن يحيى يا أمير المؤمنين وإنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا قال نعم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه واله الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر إن الله تعالى يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم به من المحن وبما يغفره لهم فإن الله يقول « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » (٢) حتى إذا وردوا القيامة توفرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم.

وإن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون منهم في الدنيا وإن كان لا وزن لها لأنه لا إخلاص معها وإذا وافوا القيامة حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمد وآله وخيار أصحابه فقذفوا في النار.

__________________

(١) مصباح الشريعة ص ٦١. الباب ٩٠.

(٢) الشورى : ٣٠.


ولقد سمعت محمدا رسول الله صلى الله عليه واله يقول إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع لله مؤمن والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه وكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الأرض.

فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها لأن ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج بحيث لا يقدر عليه فآيسته الأطباء من نفسه وقالوا استخلف في ملكك من يقوم به فلست بأخلد من أصحاب القبور فإن شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها ولا سبيل إليها فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فأخذت له تلك السمكة فأكلها وبرأ من مرضه وبقي في ملكه سنين بعدها.

ثم إن ذلك الملك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها مثل علة الكافر فاشتهى تلك السمكة ووصفها له الأطباء وقالوا طب نفسا فهذا أوانه تؤخذ لك فتأكل منها وتبرأ فبعث الله ذلك الملك فأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فلم توجد حتى مات المؤمن من شهوته وبعدم دوائه.

فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد في الأرض حتى كادوا يفتنون لأن الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل له إليه وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا فأوحى الله إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الأرض إني أنا الله الكريم المتفضل القادر لا يضرني ما أعطي ولا ينقصني ما أمنع ولا أظلم أحدا مثقال ذرة.

فأما الكافر فإنما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاء على حسنة كان عملها إذ كان حقا ألا أبطل لأحد حسنة حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته ويدخل النار بكفره ومنعت العابد ذلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة وإعدام ذلك الدواء وليأتيني ولا ذنب


عليه فيدخل الجنة (١).

بيان : فلست بأخلد من أصحاب القبور لعل المعنى أن الله لم يجعلك من الخالدين في الدنيا وأسباب موتك قد تسببت فلا بد من موتك أو المعنى أن بقاءك في الدنيا مع هذا المرض كحياة أصحاب القبور في الاستحالة العادية.

٤٩ ـ م : قال رسول الله صلى الله عليه واله عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد وعلي عليه السلام أن ينصر في الدنيا على أعدائه فقد جمع له خير الدارين وإن امتحن في الدنيا فقد ادخر له في الآخرة ما لا يكون لمحنته في الدنيا قدر عند إضافتها إلى نعم الآخرة وكذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت إن خذل في الدنيا وغلب بأيدي المؤمنين فقد جمع عليه عذاب الدارين وإن أمهل في الدنيا وأخر عنه عذابها كان له في الآخرة من عجائب العذاب وضروب العقاب ما يود لو كان في الدنيا مسلما وما لا قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند الإضافة إلى تلك البلايا.

فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا وأطولهم فيها عمرا من مخالفينا غمس يوم القيامة في النار غمسة ثم سئل هل لقيت نعيما قط لقال لا ولو أن أشد الناس عيشا في الدنيا وأعظمهم بلاء من موافقينا وشيعتنا غمس يوم القيامة في الجنة غمسة ثم سئل لقيت بؤسا قط لقال لا فما ظنكم بنعيم وبؤس هذه صفتهما فذلك النعيم فاطلبوه وذلك العذاب فاتقوه.

٥٠ ـ جا : عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن إسماعيل بن إبراهيم عن الحكم بن عتيبة قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفر عنه ذنوبه (٢).

محص : عن الحكم مثله.

__________________

(١) تفسير الإمام ص ٨ ذيل تفسير البسملة.

(٢) مجالس المفيد ص ٢٢ تحت الرقم : ٣.


٥١ ـ جا : عن محمد بن محمد بن طاهر الموسوي عن ابن عقدة عن يحيى بن زكريا عن محمد بن سنان عن أحمد بن سليمان القمي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوعا وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطشا وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعراء حتى يموت عريانا وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالسقم والأمراض حتى تتلفه وإن كان النبي ليأتي قومه فيقوم فيهم يأمرهم بطاعة الله ويدعوهم إلى توحيد الله وما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه وإنما يبتلي الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده (١).

٥٢ ـ جا : عن أحمد بن الوليد (٢) عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن ابن عطية عن ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن فيما ناجى الله به موسى بن عمران أن يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن وإني إنما ابتليته لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني وأطاع أمري (٣).

٥٣ ـ ضه : قال الصادق عليه السلام إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به ابتلاه الله عز وجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به فإن فعل ذلك به وإلا فعذبه في قبره ليلقاه الله عز وجل يوم يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من ذنوبه.

٥٤ ـ جع : قال أمير المؤمنين علي عليه السلام الجزع عند البلاء تمام المحنة.

وقال عليه السلام (٤) : إن البلاء للظالم أدب وللمؤمن امتحان وللأنبياء درجة وللأولياء كرامة.

__________________

(١) مجالس المفيد ص ٣١ تحت الرقم : ٥.

(٢) هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.

(٣) مجالس المفيد ص ٦٣ تحت الرقم : ١١.

(٤) في المصدر : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.


وقال رسول الله صلى الله عليه واله (١) من ابتلي فصبر وأعطي فشكر وظلم فغفر وظلم فاستغفر قالوا ما باله قال « أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ».

وقال عليه السلام إن الله يتعاهد وليه بالبلاء كما يتعاهد المريض أهله بالدواء وإن الله ليحمي عبده الدنيا كما يحمى المريض الطعام.

وروي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : إذا أراد الله بقوم خيرا ابتلاهم.

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة.

وقال عليه السلام ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء قال الله تعالى يا داود قل لعبادي يا عبادي من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليطلب ربا سوائي.

وقال الباقر عليه السلام يا بني من كتم بلاء ابتلي به من الناس وشكا ذلك إلى الله عز وجل كان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء قال عليه السلام يبتلى المرء على قدر حبه.

وقال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله عز وجل ما من عبد أريد أن أدخله الجنة إلا ابتليته في جسده فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيقت عليه في رزقه فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه الموت حتى يأتيني ولا ذنب له ثم أدخله الجنة.

وما من عبد أريد أن أدخله النار إلا صححت جسمه فإن كان ذلك تماما لطلبته وإلا آمنت [ خوفه ] له وعن سلطانه فإن كان ذلك تماما لطلبته وإلا هونت عليه الموت حتى يأتيني ولا حسنة له ثم أدخلته النار.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء إما بمرض في جسده أو بمصيبة في أهل أو مال أو مصيبة من مصائب الدنيا

__________________

(١) في المصدر : وقال عليه‌السلام.


ليأجره عليها.

وقال عليه السلام ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء إما في ماله أو في ولده أو في نفسه فيؤجر عليه أو هم لا يدري من أين هو؟

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن في الجنة لمنزلة لا يبلغها العبد إلا ببلاء في جسده.

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : خرج موسى عليه السلام فمر برجل من بني إسرائيل فذهب به حتى خرج إلى الظهر فقال له اجلس حتى أجيئك وخط عليه خطة ثم رفع رأسه إلى السماء فقال إني استودعتك صاحبي وأنت خير مستودع ثم مضى فناجاه الله بما أحب أن يناجيه ثم انصرف نحو صاحبه فإذا أسد قد وثب عليه فشق بطنه وفرث لحمه وشرب دمه قلت وما فرث اللحم قال قطع أوصاله فرفع موسى رأسه فقال يا رب استودعتك وأنت خير مستودع فسلطت عليه شر كلابك فشق بطنه وفرث لحمه وشرب دمه فقيل يا موسى إن صاحبك كانت له منزلة في الجنة لم يكن يبلغها إلا بما صنعت به انظر وكشف له الغطاء فنظر موسى فإذا منزل شريف فقال رب رضيت.

وعن الكاظم عليه السلام قال : لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء.

قال النبي صلى الله عليه واله لا تكون مؤمنا حتى تعد البلاء نعمة والرخاء محنة لأن بلاء الدنيا نعمة في الآخرة ورخاء الدنيا محنة في الآخرة.

وعن أبي الجارود عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قالوا قال رسول الله صلى الله عليه واله إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالمرض فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه حتى يلقى الله حين يلقاه وما له من ذنب يدعيه عليه فيأمر به إلى الجنة.

وإن الكافر والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما حتى يلقيا الله حين


يلقيانه وما لهما عنده من حسنة يدعيانها عليه فيأمر بهما إلى النار.

وعنه عليه السلام قال : كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته (١).

بيان : في القاموس فرث الجلة يفرث ويفرث نثر ما فيها وكبده يفرثها ضربها وهو حي كفرثها تفريثا فانفرثت كبده انتثرت (٢).

٥٥ـ بشا : عن ابن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن زيد بن محمد السلمي عن الحسين بن الحكم الكندي عن إسماعيل بن صبيح عن خالد بن العلاء عن المنهال بن عمرو قال : كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر عليه السلام إذ جاءه رجل فسلم عليه فرد عليه السلام فقال الرجل كيف أنتم فقال له محمد أوما آن لكم أن تعلموا كيف نحن إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل كان يذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم ألا وإن هؤلاء يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا زعمت العرب أن لهم فضلا على العجم فقال العجم وبما ذاك؟ قالوا كان محمد منا عربي قالوا لهم صدقتم وزعمت قريش أن لها فضلا على غيرها من العرب فقالت لهم العرب من غيرهم وبما ذاك؟ قالوا كان محمد قرشيا قالوا لهم صدقتم.

فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس لأنا ذرية محمد وأهل بيته خاصة وعترته لا يشركنا في ذلك غيرنا فقال له الرجل والله إني لأحبكم أهل البيت قال فاتخذ للبلاء جلبابا فو الله إنه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي وبنا يبدأ البلاء ثم بكم وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم (٣).

بيان : قال الجوهري آن أينك أي حان حينك وآن لك أن تفعل كذا يئين أينا عن أبي زيد أي حان مثل أنى لك وهو مقلوب منه (٤).

٥٦ ـ جع : قال النبي صلى الله عليه واله الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وقال :

__________________

(١) جامع الأخبار : ١٣٢ ، الباب ٧٠.

(٢) القاموس : ج ١ ص ١٧٢.

(٣) بشارة المصطفى ص ١٠٧.

(٤) الصحاح ص ٢٠٧٦.


لو كان المؤمن في جحر فأرة لقيض الله فيه من يؤذيه وقال المؤمن مكفر.

وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : لا يكون في الدنيا مؤمن إلا وله جار يؤذيه. وقال رسول الله صلى الله عليه واله ما كان ولا يكون ولا هو كائن (١) نبي ولا مؤمن إلا وله قرابة يؤذيه أو جار يؤذيه (٢).

٥٧ ـ ختص : عن ربعي عن الفضيل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم ثم قال هكذا بيده إلا ما دفع الله (٣).

بيان : كأنه عليه السلام أشار إلى جهة السماء.

٥٨ ـ ختص : عن محمد بن علي عن أبيه عن سعد عن الحسن بن موسى عن إسماعيل بن مهران عن علي بن عثمان عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : إن الأنبياء وأولاد الأنبياء وأتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال السقم في الأبدان وخوف السلطان والفقر (٤).

٥٩ ـ محص : عن محمد بن همام عن الحميري عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب وكرام عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان علي عليه السلام يقول إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي (٥).

٦٠ ـ محص : عن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين.

بيان : الركض تحريك الرجل ومنه « ارْكُضْ بِرِجْلِكَ » (٦) والدفع

__________________

(١) في المصدر : وليس بكائن.

(٢) جامع الأخبار : ١٥٠. الباب ٨٧.

(٣) الاختصاص ص ٣٠.

(٤) الاختصاص ص ٢١٣.

(٥) كتاب التمحيص مخطوط.

(٦) ص : ٤٢.


واستحثاث الفرس للعدو والهرب والعدو وركض الفرس كعني فركض هو عدا فهو راكض ومركوض ذكره الفيروزآبادي (١).

٦١ـ محص : عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام لو أن مؤمنا على لوح في البحر لقيض الله له منافقا يؤذيه.

جع : عنه عليه السلام مثله (٢).

٦٢ ـ محص : عن أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفر عليه السلام يا زياد إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض.

٦٣ ـ محص : عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نعم جرعة الغيظ لمن صبر عليها وإن عظيم الأجر مع عظيم البلاء وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم.

٦٤ ـ محص : عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول إن الله جعل المؤمنين في دار الدنيا غرضا لعدوهم.

٦٥ ـ محص : عن الثمالي قال قال أبو عبد الله عليه السلام يا أبا حمزة ما كان ولن يكون مؤمن إلا وله بلايا أربع إما يكون له جار يؤذيه أو منافق يقفو أثره أو منافق يرى قتاله جهادا أو مؤمن يحسده ثم قال أما إنه أشد الأربعة عليه لأنه يقول فيصدق عليه ويقال هذا رجل من إخوانه فما بقاء المؤمن بعد هذه.

٦٦ ـ محص : عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر لتمنى أن يقرض بالمقاريض.

٦٧ ـ محص : عن عبد الله بن المبارك قال سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول إذا أضيف البلاء إلى البلاء كان من البلاء عافية وعن أبي عبد الله عليه السلام قال إن

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٣٣٢.

(٢) جامع الأخبار ص ١٥٠ الباب : ٨٧.


أصابكم تمحيص فاصبروا فإنما يبتلي الله المؤمنين ولم يزل إخوانكم قليلا ألا وإن أقل أهل المحشر المؤمنون.

بيان : كان من البلاء عافية لعل المعنى أن عند اشتداد البلاء وتواتره يرجى الفرج كما قال تعالى « إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً » (١)

٦٨ ـ محص : عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ما من مؤمن إلا وهو يذكر لبلاء يصيبه في كل أربعين يوما أو بشيء في ماله وولده ليأجره الله عليه أو بهم لا يدري من أين هو.

٦٩ ـ محص : عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام.

توضيح الظاهر أن الأحمسي هو الحسين بن عثمان الثقة وأهل البيت بالنصب وسيدهم بالرفع وفي القاموس الطريف القريب من الثمر وغيره.

٧٠ ـ محص : عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث وربما اجتمعت الثلاث عليه إما أن يكون معه في الدار من يغلق عليه الباب يؤذيه أو جار يؤذيه أو شيء في طريقه وحوائجه يؤذيه ولو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله إليه شيطانا ويجعل له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد.

٧١ ـ محص : عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.

٧٢ ـ محص : عن سدير قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام هل يبتلي الله المؤمن فقال وهل يبتلى إلا المؤمن حتى إن صاحب ياسين : « قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ » (٢) كان مكنعا قلت وما المكنع قال كان به جذام.

__________________

(١) الانشراح : ٥.

(٢) يس : ١٣٠.


٧٣ ـ محص : عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من مؤمن إلا وبه وجع في شيء من بدنه لا يفارقه حتى يموت يكون ذلك كفارة لذنوبه.

٧٤ ـ محص : عن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تزال الغموم والهموم بالمؤمن حتى لا تدع له ذنبا.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يمضي على المؤمن أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكره ربه.

٧٥ ـ محص : عن الحارث بن عمر قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها ولا ذنب له.

٧٦ ـ محص : عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قال الله لو لا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه لعصبت المنافق عصابة لا يجد ألما حتى يموت.

بيان : في النهاية في حديث الإيمان إني سائلك فلا تجد علي أي لا تغضب من سؤالي يقال وجد عليه يجد وجدا وموجدة.

٧٧ ـ محص : عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأما المؤمن فيروع فيها وأما الكافر فيمتع فيها.

بيان : الروع الفزع كالارتياع والتروع والروعة الفزعة وراع أفزع كروع لازم متعد (١).

٧٨ ـ محص : عن أبي جميلة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن العبد ليكرم على الله تعالى حتى إنه لو سأله الدنيا وما فيها أعطاه إياها ولم ينقصاه ذلك ولو سأله من الجنة شبرا حرمه وإن الله يتعهد المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض.

بيان : الظاهر أنه سقط من صدر الخبر فقرات.

٧٩ ـ محص : عن أبي الحسن عليه السلام قال : المؤمن بعرض كل خير لو قطع أنملة أنملة كان خيرا له ولو ولي شرقها وغربها كان خيرا له.

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٣٢.


بيان : بعرض كل خير أي بمعرض كل خير ومحل عروضه وظهوره لو قطع أنملة أنملة في المصباح الأنملة من الأصابع العقدة وبعضهم يقول الأنامل رءوس الأصابع والأنملة بفتح الهمزة وفتح الميم أكثر من ضمها وابن قتيبة يجعل المضموم من لحن العوام وبعض المتأخرين من النحاة حكى تثليث الهمزة مع تثليث الميم فتصير تسع لغات.

وأقول : كان المعنى قطع جميع بدنه بمقدار الأنملة وكون المراد قطع أنامل يديه ورجليه تدريجا بعيد.

٨٠ ـ محص : عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله يذود المؤمن عما يشتهيه كما يذود أحدكم الغريب عن إبله ليس منها.

بيان : في المصباح ذاد الراعي إبله عن الماء ذودا وذيادا منعها.

٨١ ـ محص : عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن العبد المؤمن ليطلب الإمارة والتجارة حتى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوى بعث الله ملكا وقال له عق عبدي وصده عن أمر لو استمكن منه أدخله النار فيقبل الملك فيصده بلطف الله فيصبح وهو يقول لقد دهيت ومن دهاني فعل الله به وفعل وما يدري أن الله الناظر له في ذلك ولو ظفر به أدخله النار.

بيان : في القاموس دهاه دهيا ودهاه أصابه بداهية وهي الأمر العظيم (١) وفعل الله به وفعل كناية عن شتم كثير ودعاء عليه بالسوء.

٨٢ ـ ما : عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : مثل المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ليلقى الله عز وجل ولا خطيئة له (٢).

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٣٢٩ ، وفيه : دهاه دهيا ودهاه : نسبه الى الدهاء ، أو عابه وتنقصه ، أو أصابه بداهية إلخ.

(٢) أمالي الشيخ ج ٢ ص ٢٤٤.


محص : عن علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام مثله (١).

جع : عنه عليه السلام مثله.

٨٣ ـ كتاب الإمامة والتبصرة : عن أحمد بن علي عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله السقم يمحو الذنوب وقال صلى الله عليه واله ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا وقال صلى الله عليه واله ساعات الهموم ساعات الكفارات ولا يزال الهم بالمؤمن حتى يدعه وما له من ذنب.

٨٤ ـ كش : عن محمد بن مسعود عن جعفر بن أحمد عن العمركي بن علي عن محمد بن حبيب الأزدي عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن ذريح عن محمد بن مسلم قال : خرجت إلى المدينة وأنا وجع ثقيل فقيل له محمد بن مسلم وجع فأرسل إلي أبو جعفر عليه السلام بشراب مع الغلام مغطى بمنديل فناولنيه الغلام وقال لي اشربه فإنه قد أمرني أن لا أرجع حتى تشربه فتناولته فإذا رائحة المسك عنه وإذا شراب طيب الطعم بارد فإذا شربته قال لي الغلام يقول لك إذا شربته فتعال ففكرت فيما قال لي ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي.

فلما استقر الشراب في جوفي فكأنما نشطت من عقال فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوت بي صح الجسم ادخل ادخل فدخلت وأنا باك وسلمت عليه وقبلت يديه ورأسه فقال لي وما يبكيك يا محمد فقلت جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك.

فقال : أما قلة المقدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا وجعل البلاء إليهم سريعا وأما ما ذكرت من الغربة فلك بأبي عبد الله عليه السلام أسوة بأرض ناء عنا بالفرات صلى الله عليه وأما ما ذكرت من بعد الشقة فإن المؤمن في هذه الدار غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله وأما ما ذكرت

__________________

(١) جامع الأخبار ص ١٣٤.


من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك لا تقدر على ذلك فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه (١).

قب : مرسلا مثله (٢).

ختص : عن عدة من أصحابه عن محمد بن جعفر المؤدب عن البرقي عن بعض أصحابنا عن الأصم عن مدلج مثله (٣) بيان قيل له أي لأبي جعفر عليه السلام وفي المناقب قيل لأبي جعفر عليه السلام وفي النهاية في حديث السحر فكأنما أنشط من عقال أي حل وكثيرا ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال وليس بصحيح يقال نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها وفي القاموس الشقة بالضم والكسر البعد والناحية التي يقصدها المسافر والسفر البعيد والمشقة.

فلك بأبي عبد الله أي الحسين صلوات الله عليه أسوة أي اقتداء أي شابهته في الغربة والتفكر في حالة يسهل عليك غربتك ويكشف هذا الحزن عنك في القاموس الأسوة بالكسر والضم القدوة وما يأتسي به الحزين وأساه تأسية فتأسى عزاه فتعزى. (٤)

وفي هذا الخلق عطف على قوله وفي هذه الدار أي بين هذا الخلق غريب وإنما وصفهم بالنكس لأنهم انخلعوا عن الإنسانية فصاروا كالبهائم والأنعام أو انقلبوا عن حدود الإنسانية إلى حد البهيمية أو هم منكوسو القلوب لا تعي قلوبهم شيئا من الحق أو هو كناية عن الخيبة والخسران أو شبه أسوأ حالاتهم الروحانية بأسوإ حالاتهم الجسمانية أو أنهم لما أعرضوا عن العروج على معارج الكمالات الروحانية وقصروا نظرهم على الشهوات الجسمانية

__________________

(١) رجال الكشي ص ١٥٠ ، تحت الرقم : ٦٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ١٨١.

(٣) الاختصاص ص ٥٢.

(٤) القاموس ج ٤ ص ٢٩٩.


فكأنهم انتكسوا وانقلبوا.

وفي المناقب وفي هذا الخلق منكوس أي يرونه كذلك أو بينهم بشر الأحوال لا يقدر على شيء كالمنكوس في القاموس نكسه قلبه على رأسه كنكسه والنكس بالكسر الضعيف وكمحدث الفرس لا يسمو برأسه ولا بهاديه إذا جرى ضعفا أو الذي لم يلحق الخيل وانتكس وقع على رأسه (١).

وفي النهاية في حديث أبي هريرة تعس عبد الدنيا وانتكس أي انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر وفي حديث ابن مسعود قيل له إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلب.

فالله يعلم ما في قلبك في المناقب فلك ما في قلبك وما في رجال الكشي أظهر.

٨٥ ـ كتاب المؤمن : بإسناده عن سعد بن طريف قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام فجاء جميل الأزرق فدخل عليه قال فذكروا بلايا للشيعة وما يصيبهم فقال أبو جعفر عليه السلام إن أناسا أتوا علي بن الحسين عليه السلام وعبد الله بن عباس فذكروا لهما نحو ما ذكرتم قال فأتيا الحسين بن علي عليه السلام فذكرا له ذلك فقال الحسين عليه السلام والله البلاء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين ومن السيل إلى صمره قلت وما الصمر قال منتهاه ولو لا أن تكونوا كذلك لرأينا أنكم لستم منا.

بيان : في القاموس صمر الماء جرى من حدور في مستوى فسكن وهو جار والصمر بالكسر مستقره (٢).

٨٦ ـ المؤمن : بإسناده عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن الشياطين أكثر على المؤمن من الزنابير على اللحم.

٨٧ ـ محص : عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا أحب الله عبدا نظر إليه فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاث بواحدة إما صداع وإما حمى وإما رمد.

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٢٥٦.

(٢) القاموس ج ٢ : ٧٢.


٨٨ ـ نهج : قال عليه السلام وقد توفي سهل بن حنيف الأنصاري رحمه الله بالكوفة مرجعه معه من صفين وكان من أحب الناس إليه لو أحبني جبل لتهافت.

قال السيد رضي‌الله‌عنه ومعنى ذلك أن المحبة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار وهذا مثل قوله عليه السلام من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا وقد تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره (١).

تبيان : مرجعه منصوب على الظرفية والتهافت التساقط قطعة قطعة من هفت كضرب إذا سقط كذلك وقيل هفت أي تطاير لخفته والمراد تلاشي الأجزاء وتفرقها لعدم الطاقة وتغلظ في بعض النسخ على صيغة المجهول من باب التفعيل وفي بعضها على صيغة المجرد المعلوم يقال غلظ الشيء ككرم ضد رق كما في النسخة وجاء كضرب والاستعداد للشيء التهيؤ له.

ولفظ الرواية على ما ذكره ابن الأثير في النهاية أظهرقال في حديث علي عليه السلام من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا (٢) أي ليزهد في الدنيا وليصبر على الفقر والعلة والجلباب الإزار والرداء وقيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه جلابيب كني به عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن.

وقيل إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس إزار الفقر ويكون منه على حالة تعمه وتشمله لأن الغنى من أحوال أهل الدنيا ولا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت انتهى.

وقال ابن أبي الحديد (٣) قد ثبت أن النبي صلى الله عليه واله قال : لا يحبك إلا مؤمن

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٦٨ تحت الرقم ١١١ من الحكم والمواعظ.

(٢) قد مر في ذيل ص ٢٢٧ حديث عن المعاني ، يقول فيه الصادق عليه‌السلام أن أصل الحديث « من أحبنا فليعده للفقر جلبابا ، فراجع.

(٣) راجع شرح النهج ج ٤ ص ٢٨٩ ط مصر.


ولا يبغضك إلا منافق وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه واله قال : إن البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدورهاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة هي أنه عليه السلام لو أحبه جبل لتهافت ولعل هذا هو مراد الرضي رضي‌الله‌عنه بقوله معنى آخر ليس هذا موضع ذكره انتهى وفيه تأمل.

وقال ابن ميثم (١) الجلباب مستعار لتوطين النفس على الفقر والصبر عليه ووجه الاستعارة كونهما ساترين للمستعد بهما من عوارض الفقر وظهوره في سوء الخلق وضيق الصدر والتحير الذي ربما أدى إلى الكفر كما يستر بالملحفة ولما كانت محبتهم عليه السلام بصدق يستلزم متابعتهم والاستشعار بشعارهم ومن شعارهم الفقر ورفض الدنيا والصبر على ذلك وجب أن يكون كل محب مستشعرا للفقر ومستعدا له جلبابا من توطين النفس عليه والصبر.

وقد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى بعبارة أخرى فقال من أحبنا فليقتصر على التقلل من الدنيا والتقنع فيها قال وشبه الصبر على الفقر بالجلباب لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن قال ويشهد بصحة هذا التأويل ما روي أنه رأى قوما على بابه فقال يا قنبر من هؤلاء فقال شيعتك يا أمير المؤمنين فقال ما لي لا أرى فيهم سيماء الشيعة قال وما سيماء الشيعة قال خمص البطون من الطوى يبس الشفاه من الظماء عمش العيون من البكاء.

وقال أبو عبيد إنه لم يرد الفقر في الدنيا ألا ترى أن فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى وإنما أراد الفقر يوم القيامة وأخرج الكلام مخرج الوعظ والنصيحة والحث على الطاعات فكأنه أراد من أحبنا فليعد لفقره يوم القيامة ما يحسره من الثواب والتقرب إلى الله تعالى والزلفة عنده.

قال : وقال السيد المرتضى ره والوجهان جميعا حسنان وإن كان قول ابن قتيبة أحسن فذلك معنى قول السيد رضي‌الله‌عنه وقد تؤول ذلك على معنى آخر انتهى كلام ابن ميثم.

__________________

(١) شرح النهج لابن ميثم البحراني ص ٥٩٤.


وقال القطب الراوندي رحمه‌الله بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة وأبي عبيد وقال المرتضى فيه وجها ثالثا أي من أحبنا فليزم نفسه وليقدها إلى الطاعات وليذللها على الصبر عما كره منها فالفقر أن يحز أنف البعير فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب يقال فقره إذا فعل به ذلك انتهى.

ولا يخفى أنه لو كان المراد الصبر على الفقر وستره والكف عن إظهار الحاجة إلى الناس وذلك هو المعبر عنه بالجلباب كما أشير إليه أولا لا يقدح فيه ما ذكره أبو عبيد من أن فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى لأن الأمر بالصبر والستر حينئذ يتوجه إلى من ابتلاه الله بالفقر فالمراد أن من ابتلي من محبينا بالفقر فليصبر عليه ولا يكشفها ولا يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة.

وأما الخبر الأول فقد قيل يحتمل أن تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة فيكون قريبا من قوله عليه السلام إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان (١).

فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا الحمل وشدة المهابة كقوله تعالى « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ » (٢) وقوله تعالى « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها » (٣) والظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة ما في العوام والأوساط بل ما يستلزم التشبه به عليه السلام على وجه كامل والاقتداء التام به عليه السلام في الفضائل ومحاسن الأعمال على قدر الطاقة وإن كانت درجته الرفيعة فوق إدراك الأفهام وأعلى من أن تناله الأوهام وحق للجبل أن يتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل.

__________________

(١) راجع الكافي ج ١ ص ٤٠١. بصائر الدرجات ص ٢٠.

(٢) الحشر : ٢١.

(٣) الأحزاب : ٧٣.


تتميم

في هذه الأحاديث الواردة من طرق الخاصة والعامة دلالة واضحة على أن الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في الأمراض الحسية والبلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لأجرهم الذي يوجب التفاضل في الدرجات ولا يقدح ذلك في رتبتهم بل هو تثبيت لأمرهم وأنهم بشر إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر مع ما يظهر في أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم.

وقد ورد هذا التأويل في الخبر وابتلاؤهم تحفة لهم لرفع الدرجات التي لا يمكن الوصول إليها بشيء من العمل إلا ببلية كما أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها إلا بالشهادة فيمن الله سبحانه على من أحب من عباده بها تعظيما وتكريما له كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلام أنه رأى النبي صلى الله عليه واله في المنام فقال له يا حسين لك درجة في الجنة لا تصل إليها إلا بالشهادة.

واستثنى أكثر العلماء ما هو نقص ومنفر للخلق عنهم كالجنون والجذام والبرص وحمل استعاذة النبي صلى الله عليه واله عنها على أنها تعليم للخلق.

وقال المحقق الطوسي قدس‌سره في التجريد فيما يجب كونه في كل نبي العصمة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنه الخلق من دناءة الآباء وعهر الأمهات والفظاظة والغلظة والأبنة وشبهها والأكل على الطريق وشبهه.

وقال العلامة في شرحه وأن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الأبنة وسلس الريح والجذام والبرص لأن ذلك كله مما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة وضم القوشجي سلس البول أيضا.

وقال القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء قال الله تعالى


« وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ » (١) وقال « مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ » (٢) وقال « وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ » (٣) وقال « قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ » (٤).

محمد صلى الله عليه واله وسائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر ولو لا ذلك لما أطاق الناس مقاومتهم والقبول عنهم ومخاطبتهم قال الله تعالى « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » (٥) أي لما كان إلا في صورة البشر الذين يمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته إذا كان على صورته وقال « لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً » (٦) أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه أو من خص الله تعالى واصطفاه وقواه على مقاومته كالأنبياء والرسل.

فالأنبياء والرسل وسائط بين الله وخلقه يبلغونهم أوامره ونواهيه ووعده ووعيده ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره وخلقه وجلاله وسلطانه وجبروته وملكوته فظواهرهم وأجسادهم وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر طارئ عليها ما يطرأ على البشر من الأعراض والأسقام والموت والفناء ونعوت الإنسانية وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر متعلقة بالملإ الأعلى متشبهة بصفات الملائكة سليمة من التغيير والآفات ولا يلحقها غالبا عجز البشرية ولا ضعف الإنسانية.

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) المائدة : ٧٨.

(٣) الفرقان : ٢٠.

(٤) الكهف : ١١.

(٥) الأنعام : ٩.

(٦) الإسراء : ٩٥.


إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة ورؤيتهم ومخاطبتهم كما لا يطيقه غيرهم من البشر ولو كانت أجسامهم وظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة وبخلاف صفات البشر لما أطاق البشر ومن أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى.

فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة كما قال صلى الله عليه واله تنام عيناي ولا ينام قلبي وقال : إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص والاعتلالات.

وقال في موضع آخر قد قدمنا أنه صلى الله عليه واله وسائر الأنبياء والرسل من البشر وأن جسمه وظاهره خالص للبشر يجوز عليه من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر هذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشيء إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب الله على أهل هذه الدار « فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ » (١) وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض صلى الله عليه واله واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الإعياء والتعب ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقي السم وسحر وتداوى واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه فتوفي صلى الله عليه واله ولحق بالرفيق الأعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى.

وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها وقتلوا قتلا ورموا في النار ووشروا بالمياشير (٢) ومنهم من وقاه الله

__________________

(١) الأعراف : ٢٥.

(٢) المياشير : المناشير : جمع ميشار بمعنى منشار.


ذلك في بعض الأوقات ومنهم من عصمه كما عصم نبينا صلى الله عليه واله بعد من الناس.

فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور وأمسك عنه سيف غورث وحجر أبي جهل وفرس سراقة ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية وكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى.

وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى ابن مريم وليكون في محنهم تسلية لأممهم ووفور لأجورهم عند ربهم تماما على الذي أحسن إليهم.

قال بعض المحققين وهذه الطواري والتغييرات المذكورة إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجسم وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك معصومة منه متعلقة بالملإ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم تلقيها الوحي منهم وقد قال صلى الله عليه واله إن عيني تنامان ولا ينام قلبي وقال : إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني وقال : إني لست أنسى ولكن أنسى ليستن بي.

فأخبر أن سره وباطنه وروحه بخلاف جسمه وظاهره وأن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف وجوع ونوم وسهر لا يحل منها شيء باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه وهو في نومه عليه السلام حاضر القلب كما هو في يقظته حتى إنه جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه.


وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه وحارت قوته وبطلت في الكلية حملته وهو عليه السلام قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك وأنه بخلافهم بقوله لست كهيئتكم وكذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب لم يجر على باطنه ما يحل به ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به كما يعتري غيره من البشر.

تذييل

قال المحقق الطوسي قدس الله روحه في التجريد بعض الألم قبيح يصدر منا خاصة وبعضه حسن يصدر منه تعالى ومنا وحسنه إما لاستحقاقه أو لاشتماله على النفع أو دفع الضرر الزائدين أو لكونه عاديا أو على وجه الدفع ويجوز في المستحق كونه عقابا ولا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن ولا يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل والعوض نفع مستحق خال عن تعظيم وإجلال ويستحق عليه تعالى بإنزال الآلام وتفويت المنافع لمصلحة الغير وإنزال الغموم سواء استندت إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن لا ما يستند إلى فعل العبد وأمر عباده بالمضار وإباحته أو تمكين غير العاقل بخلاف الإحراق عند الإلقاء في النار والقتل عند شهادة الزور والانتصاف عليه تعالى واجب عقلا وسمعا فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازي ظلمه.

فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق الله أعواضه على الأوقات أو تفضل عليه بمثلها وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق الناقص على الأوقات ولا يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه الألم وإن كان منقطعا ولا يجب حصوله في الدنيا لاحتمال مصلحة التأخير والألم على القطع ممنوع مع أنه غير محل النزاع ولا يجب إشعار صاحبه بإيصاله عوضا ولا يتعين منافعه ولا يصح إسقاطه والعوض عليه تعالى يجب


تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل وعلينا تجب مساواته.

وقال العلامة نور الله ضريحه في شرحه اعلم أنا قد بينا وجوب الألطاف والمصالح وهي ضربان مصالح في الدين ومصالح في الدنيا أعني المنافع الدنياوية ومصالح الدين إما مضار أو منافع والمضار منها آلام وأمراض وغيرهما كالآجال والغلاء والمنافع الصحة والسعة في الرزق والرخص.

واختلف الناس في قبح الألم وحسنه فذهبت الثنوية إلى قبح جميع الآلام وذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من الله تعالى وذهبت البكرية وأهل التناسخ والعدلية إلى حسن بعضها وقبح الباقي واختلفوا في وجه الحسن.

إلى أن قال : وقالت المعتزلة إنه يحسن عند شروط أحدها أن يكون مستحقا وثانيها أن يكون نفع عظيم يوفى عليها وثالثها أن يكون فيها دفع ضرر أعظم منها ورابعها أن يكون مفعولا على مجرى العادة كما يفعله الله تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار وخامسها أن يكون مفعولا على سبيل الدفع عن النفس كما إذا آلمنا من يقصد قتلنا لأنا متى علمنا اشتمال الألم على أحد هذه الوجوه حكمنا بحسنه قطعا وشرط حسن الألم المبتدإ الذي يفعله الله تعالى كونه مشتملا على اللطف إما للمتألم أو لغيره لأن خلو الألم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه الألم يستلزم الظلم وخلوه عن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان ولذا أوجب أبو هاشم في أمراض الصبيان مع الأعواض الزائدة اشتمالها على اللطف لمكلف آخر.

وجوز المصنف كأبي الحسين البصري أن تقع الآلام في الكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق ومنع قاضي القضاة من ذلك وجزم بكون أمراضهم محنا لا عقوبات وذهب المصنف كالقاضي والشيخين إلى أنه لا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن بل لا بد من عوض خلافا لجماعة اكتفوا باللطف ولو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل عليه الألم هل يحسن منه تعالى فعل الألم بالحي


لأجل لطف الغير مع العوض الذي يختار المكلف لو عرض عليه قال أبو هاشم نعم وأبو الحسين منع ذلك وتبعه المصنف.

ولا يشترط في حسن الألم المفعول ابتداء من الله تعالى اختيار المتألم للعوض الزائد عليه بالفعل وقيد الخلو عن تعظيم وإجلال ليخرج به الثواب.

والوجوه التي يستحق به العوض على الله تعالى أمور :

الأول إنزال الآلام بالعبد كالمرض وغيره.

الثاني : تفويت المنافع إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير فلو أمات الله تعالى ابنا لزيد وكان في معلومه تعالى أنه لو عاش لا ينفع به زيد لاستحق عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده ولو كان في معلومه تعالى عدم انتفاعه به لأنه يموت قبل الانتفاع منه لم يستحق منه عوضا لعدم تفويت المنفعة منه تعالى ولذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك سواء أشعر بهلاك ماله أو لم يشعر لأن تفويت المنفعة كإنزال الألم ولو آلمه ولم يشعر به لاستحق العوض وكذا لو فوت عليه منفعة لم يشعر بها وعندي في هذا الوجه نظر.

الثالث : إنزال الغموم بأن يفعل الله تعالى أسباب الغم أما الغم الحاصل من العبد نفسه فإنه لا عوض فيه عليه تعالى.

الرابع : أمر الله تعالى عباده بإيلام الحيوان أو إباحته سواء كان الأمر للإيجاب أو للندب فإن العوض في ذلك كله على الله تعالى.

الخامس : تمكين غير العاقل مثل سباع الوحش وسباع الطير والهوام وقد اختلف أهل العدل هنا على أربعة أقوال فذهب بعضهم إلى أن العوض على الله تعالى مطلقا ويعزى إلى الجبائي وقال آخرون إن العوض على فاعل الألم عن أبي علي وقال آخرون لا عوض هنا على الله تعالى ولا على الحيوان.

وقال القاضي : إن كان الحيوان ملجأ إلى الإيلام كان العوض عليه تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان وإذا طرحنا صبيا في النار فاحترق فإن الفاعل للألم هو الله تعالى والعوض علينا ويحسن لأن فعل الألم واجب


في الحكمة من حيث إجراء العادة والله قد منعنا من طرحه ونهانا عنه فصار الطارح كأنه الموصل إليه الألم فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى وكذلك إذا شهد عند الإمام شاهدا زور بالقتل فإن العوض على الشهود وإن كان الله تعالى قد أوجب القتل والإمام تولاه وليس عليهما عوض لأنهما أوجبا بشهادتهما على الإمام إيصال الألم إليه من جهة الشرع فصار كأنهما فعلاه لأن قبول الشاهدين عادة شرعية يجب إجراؤها على قانونها كالعادات الحسية.

واختلف أهل العدل في وجوب الانتصاف عليه تعالى فذهب قوم منهم إلى أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا لأنه هو المدبر لعباده فنظره نظر الوالد لولده وقال آخرون منهم إنه يجب سمعا والمصنف رحمه‌الله اختار وجوبه عقلا وسمعا وهل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي ظلمه فمنع منه المصنف قدس‌سره.

وقد اختلف أهل العدل هنا فقال أبو هاشم والكعبي إنه يجوز لكنهما اختلفا فقال الكعبي يجوز أن يخرج من الدنيا ولا عوض له يوازي ظلمه وقال إن الله تعالى يتفضل عليه بالعوض المستحق عليه ويدفعه إلى المظلوم وقال أبو هاشم لا يجوز بل يجب التقية لأن الانتصاف واجب والتفضل ليس بواجب ولا يجوز تعليق الواجب بالجائز.

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه إن التقية تفضل أيضا فلا يجوز تعليق الانتصاف بها فلهذا وجب العوض في الحال واختاره المصنف رحمه‌الله لما ذكرناه.

واعلم أن المستحق للعوض إما أن يكون مستحقا للجنة أو للنار فإن كان مستحقا للجنة فإن قلنا إن العوض دائم فلا بحث وإن قلنا إنه منقطع توجه الإشكال بأن يقال لو أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له الألم بانقطاعه.

والجواب من وجهين الأول أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الأوقات بحيث لا يتبين له انقطاعه فلا يحصل له الألم الثاني أن يتفضل الله تعالى عليه


بعد انقطاعه بمثله دائما فلا يحصل له ألم وإن كان مستحقا للعقاب جعل الله عوضه جزءا من عقابه بمعنى أنه يسقط من عقابه بإزاء ما يستحقه من الأعواض إذ لا فرق في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في الإيثار.

فإذا خفف عقابه وكانت آلامه عظيمة علم أن آلامه بعد إسقاط ذلك القدر من العقاب أشد ولا يظهر له أنه كان في راحة أو نقول إنه تعالى ينقص من آلامه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الأوقات بحيث لا تظهر له الخفة من قبل.

واختلف في أنه هل يجب دوام العوض أم لا فقال الجبائي يجب دوامه وقال أبو هاشم لا يجب واختاره المصنف رحمه‌الله ولا يجب إشعار مستحق العوض بتوفيره عوضا له بخلاف الثواب وحينئذ أمكن أن يوفره الله تعالى في الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين وأن ينتصف لبعضهم من بعض في الدنيا ولا تجب إعادتهم في الآخرة والعوض لا يجب إيصاله في منفعة معينة دون أخرى بل يصح توفيره بكل ما يحصل فيه شهوة المعوض بخلاف الثواب لأنه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلف من ملاذه.

ولا يصح إسقاط العوض ولا هبته ممن وجب عليه في الدنيا ولا في الآخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا هذا قول أبي هاشم والقاضي وجزم أبو الحسين بصحة إسقاط العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم وجعله في حل بخلاف العوض عليه تعالى فإنه لا يسقط لأن إسقاطه عنه تعالى عبث لعدم انتفاعه به.

ثم قال بعد إيراد دليل القاضي على عدم صحة الهبة مطلقا والوجه عندي جواز ذلك لأنه حقه وفي هبته نفع للموهوب ويمكن نقل هذا الحق إليه وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى أمكن هبة مستحقه لغيره من العباد أما الثواب المستحق عليه تعالى فلا يصح منا هبته لغيرنا لأنه مستحق بالمدح فلا يصح نقله إلى من لا يستحقه.


ثم قال العوض الواجب عليه تعالى يجب أن يكون زائدا على الألم الحاصل بفعله أو بأمره أو بإباحته أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا من كل عاقل بذلك العوض في مقابلة ذلك الألم لو فعل به لأنه لو لا ذلك لزم الظلم أما مع مثل هذا العوض فإنه يصير كأنه لم يفعل.

وأما العوض علينا فإنه يجب مساواته لما فعله من الألم أو فوته من المنفعة لأن الزائد على ما يستحق عليه من الضمان يكون ظلما ولا يخرج ما فعلناه بالضمان عن كونه ظلما قبيحا فلا يلزم أن يبلغ الحد الذي شرطناه في الآلام الصادرة عنه تعالى.

انتهى ملخص ما ذكره قدس‌سره وإنما ذكرناها بطولها لتطلع على ما ذكره أصحابنا تبعا لأصحاب الاعتزال وأكثر دلائلهم على جل ما ذكر في غاية الاعتلال بل ينافي بعض ما ذكروه كثير من الآيات والأخبار ونقلها وتحصيلها وشرحها وتفصيلها لا يناسب هذا الكتاب والله أعلم بالصواب وسيأتي بعض القول إن شاء الله تعالى عن قريب.

١٣

(باب)

(أن المؤمن مكفر)

أقول : سنورد إن شاء الله تعالى عدة أخبار في هذا المعنى في طي بابين من أبواب كتاب العشرة كما ستعرف ولنذكر هنا أيضا شطرا منها.

١ ـ ع : عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : المؤمن مكفر وذلك أن معروفه يصعد إلى الله عز وجل فلا ينتشر في الناس والكافر مشهور وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس


ولا يصعد إلى السماء (١).

٢ ـ ع : عن علي بن حاتم عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن موسى عن أبيه عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله مكفرا لا يشكر معروفه ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي ومن كان أعظم معروفا من رسول الله صلى الله عليه واله على هذا الخلق.

وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم (٢).

٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن الحجال عن داود بن أبي يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن مكفر وفي رواية أخرى وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينشر في الناس والكافر مشكور (٣).

بيان : المؤمن مكفر على بناء المفعول من التفعيل أي لا يشكر الناس معروفه بقرينة تتمة الخبر وقد قال الفيروزآبادي المكفر كمعظم المجحود النعمة مع إحسانه والموثق في الحديد وقال الجزري في النهاية فيه المؤمن مكفر أي مرزأ في نفسه وماله لتكفر خطاياه انتهى وهذا الوجه لا يحتمل في هذه الأخبار.

وكأن المراد بالتعليل أن معروفه لما كان خالصا لله مقبولا عنده لا يرضى له بأن يثيبه في الدنيا فتكفر نعمته ليكمل ثوابه في الآخرة والكافر لما لم يكن مستحقا لثواب الآخرة يثاب في الدنيا كعمل الشيطان.

وقيل : هو مبني على أن المؤمن يخفي معروفه من الناس ولا يفعله رئاء ولا سمعة فيصعد إلى الله ولا ينتشر في الناس والكافر يفعله علانية رياء وسمعة

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٤٧.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٤٧.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥١.


فينتشر في الناس ولا يقبله الله ولا يصعد إليه.

وقيل المعنى أن معروفه الكثير الذي يدل عليه صيغة التفعيل لا يعلمه إلا الله ومن علمه بالوحي من قبله تعالى لأن معروفه ليس من قبيل الدراهم والدنانير بل من جملة معروفه حياة سائر الخلق وبقائهم بسببه وأمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية.

وربما يقال في وجه التعليل إن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء والفقراء الذين ليس لهم وجه عند الناس ولا ذكر فلا يذكر ذلك في الخلق والكافر يجعل معروفه في المشاهير والشعراء والذين يذكرونه في الناس فينتشر فيهم.

فإن قيل بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي في باب الرئاء أن الله تعالى يظهر العمل الخالص ويكثره في أعين الناس ومن أراد بعمله الناس يقلله الله في أعينهم قلنا يمكن حمل هذا على الغالب وذاك على النادر أو هذا على المؤمن الخالص وذاك على غيرهم أو هذا على العبادات المالية وذاك على العبادات البدنية.

١٤

(باب)

(علامات المؤمن وصفاته)

الآيات

الأنفال : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (١).

التوبة : « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ

__________________

(١) الأنفال : ٢ ـ ٤.


اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (١).

يوسف : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (٢).

المؤمنون : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ » (٣).

القصص : « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ » (٤).

التنزيل : « إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٥).

حمعسق : « وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا

__________________

(١) براءة ٧١.

(٢) يوسف : ١٠٦.

(٣) المؤمنون : ١ ـ ١١.

(٤) القصص : ٥٢ ـ ٥٥.

(٥) السجدة : ١٥ ـ ١٩.


لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » (١).

الفتح : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً » (٢).

البينة : « وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » إلى قوله « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » (٣).

تفسير : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ » (٤) قيل أي الكاملون في الإيمان « وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » أي فزعت لذكره استعظاما له وهيبة من جلاله « زادَتْهُمْ إِيماناً » ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس « وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » أي وإليه يفوضون أمورهم فيما يخافون ويرجون « أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا » لأنهم حققوا إيمانهم بضم مكارم الأخلاق ومحاسن أفعال الجوارح إليه « لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » أي كرامة وعلو منزلة « وَمَغْفِرَةٌ » لما فرط منهم « وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » أعد لهم في الجنة.

قال علي بن إبراهيم (٥) : نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وسلمان

__________________

(١) الشورى : ٣٦ ـ ٤٠.

(٢) الفتح : ٢٩.

(٣) البينة : ٥ ـ ٨.

(٤) الأنفال : ٢.

(٥) تفسير القمي ص ٢٣٦.


والمقداد.

« أَوْلِياءُ بَعْضٍ » (١) أي أحباؤهم وأنصارهم أو أولى بتولي أمورهم « سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ » السين مؤكدة للوقوع.

« إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (٢) قيل بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا أو نسبة التبني إليه أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك وسيأتي تفسيرها في الأخبار أنها شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان أو الاستعانة أو التوسل بغيره تعالى ونحو ذلك.

« قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » (٣) عن الباقر عليه السلام أنهم المؤمنون المسلمون أن المسلمين هم النجباء (٤) « خاشِعُونَ » قال علي بن إبراهيم غضك بصرك في صلاتك وإقبالك عليها وروي رمي البصر إلى الأرض وسيأتي تفسيرها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

وفسر اللغو في بعض الأخبار بالغناء والملاهي وفي بعضها بكل قول ليس فيه ذكر وفي بعضها بالاستماع إلى القصاص وفي بعضها أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه « فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ » أي الكاملون في العدوان.

« لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ » أي لما يؤتمنون ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق « راعُونَ » قائمون بحفظها وإصلاحها « يُحافِظُونَ » أي على أوقاتها وحدودها « أُولئِكَ » الجامعون لهذه « هُمُ الْوارِثُونَ » وعن أمير المؤمنين عليه السلام أن هذه الآية في نزلت (٥).

__________________

(١) براءة : ٧١.

(٢) يوسف ١٠٦.

(٣) المؤمنون : ١.

(٤) رواه الكليني في الكافي ج ١ ص ٣٩١ بإسناده عن كامل التمار عنه عليه‌السلام.

(٥) تفسير القمي ص ٤٤٥.


« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ » قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب « آمَنَّا بِهِ » أي بأنه كلام الله « إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ » لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة « بِما صَبَرُوا »عن الصادق عليه السلام بما صبروا على التقية وقال الحسنة التقية والسيئة الإذاعة وقال علي بن إبراهيم هم الأئمة عليهم السلام قال وقوله « وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم.

« يُنْفِقُونَ » أي في سبيل الخير « وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ » تكرما وقال علي بن إبراهيم قال اللغو الكذب واللهو والغناء قال وهم الأئمة عليهم السلام يعرضون عن ذلك كله « وَقالُوا » أي للاغين « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » قالوا ذلك متاركة لهم وتوديعا « لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ » لا نطلب صحبتهم ولا نريدها.

« إِذا ذُكِّرُوا بِها » (١) أي وعظوا بها « خَرُّوا سُجَّداً » خوفا من عذاب الله « وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » أي نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى « وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » عن الإيمان والطاعة « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ » أي ترفع وتتنحى « عَنِ الْمَضاجِعِ » أي عن الفرش ومواضع النوم.

في المجمع ، (٢) عن الباقر والصادق عليهما السلام هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلاة و « يَدْعُونَ رَبَّهُمْ » داعين إياه « خَوْفاً » من سخطه « وَطَمَعاً » في رحمته « مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » أي مما تقر به عيونهم.

وعن الصادق عليه السلام ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فإن الله عزوجل لم يبين ثوابها لعظم خطره (٣).فقال « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ » إلى قوله « يَعْمَلُونَ ».

«كَمَنْ كانَ فاسِقاً » أي خارجا عن الإيمان « لا يَسْتَوُونَ » في الشرف والمثوبة

__________________

(١) السجدة : ١٥.

(٢) مجمع البيان ج ٨ : ٣٣١.

(٣) رواه أيضا في المجمع ج ٨ ص ٣٣١.


« نُزُلاً » النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة.

« وَما عِنْدَ اللهِ » (١) أي ثواب الآخرة « خَيْرٌ وَأَبْقى » لخلوص نفعه ودوامه « وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ » أي قبلوا ما أمروا به « وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ » أي تشاور بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط يقظتهم في الأمور قال علي بن إبراهيم (٢) يشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم.

« هُمْ يَنْتَصِرُونَ » أي ينتقمون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا وقيل أي يتناصرون ينصر بعضهم بعضا وقيل جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون وصنف ينتصرون (٣) وقيل وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا ينافي وصفهم بالغفران فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور والانتصار يشعر بمقاومة الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي.

« سَيِّئَةٌ مِثْلُها » سمي الثانية سيئة للازدواج ولأنها تسوء من تنزل به وهذا منع عن التعدي في الانتصار « فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ » بينه وبين عدوه « فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ » عدة مبهمة تدل على عظم الموعود.

وروي في المجمع ، (٤) عن النبي صلى الله عليه واله إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقال العافون عن الناس يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ، « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » أي المبتدءين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام.

__________________

(١) الشورى : ٣٦.

(٢) تفسير القمي ص ٦٥٤.

(٣) الزيادة من مجمع البيان للطبرسي : قال : وقيل جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون عمن ظلمهم وهم الذين ذكروا قبل هذه الآية وهو قوله « وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ » وصنف ينتصرون ممن ظلمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية.

(٤) مجمع البيان ج ٩ ص ٣٤.


« مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ » (١) جملة مبينة للمشهود به في قوله « وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً » أو استئناف مع معطوفه وما بعدهما خبر « وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ » أي يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم « تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً » لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم « يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً » أي يطلبون الثواب والرضا « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » قيل يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة الصلاة وعن الصادق عليه السلام هو السهر في الصلاة أي أثره.

« ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ » أي صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها أي أخبر الله تعالى في التوراة والإنجيل بأن هذه صفتهم « أَخْرَجَ شَطْأَهُ » أي فراخه « فَآزَرَهُ » أي فقواه « فَاسْتَغْلَظَ » أي فصار من الدقة إلى الغلظ « فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ » هو جمع ساق أي فاستوى على قصبه « يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ » بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره.

قيل هو مثل ضربه الله للصحابة قلوا في بدو الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس « لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ » علة لتشبيههم بالزرع في ذكائه واستحكامه.

وفي مجالس الصدوق أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام والذين تحت لوائه في القيامة ينادون أن ربكم يقول لكم عندي مغفرة وأجر عظيم يعني الجنة.

« مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » (٢) أي لا يشركون به « حُنَفاءَ » أي مائلين عن العقائد الزائغة « ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » أي دين الملة القيمة « أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » أي الخليقة وفي الأخبار أنهم علي وشيعته (٣) « وَرَضُوا عَنْهُ » لأنه بلغهم أقصى أمانيهم « ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » فإن الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير.

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) البينة : ٥.

(٣) راجع سعد السعود : ١٠٨.


١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن غالب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ينبغي للمؤمن أن تكون فيه ثمان خصال وقورا عند الهزاهز صبورا عند البلاء شكورا عند الرخاء قانعا بما رزقه الله لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب والناس منه في راحة.

إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل أمير جنوده والرفق أخوه والبر والده (١).

كا : عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الله بن غالب عنه عليه السلام مثله (٢).

ل : عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن جميل عن عبد الله مثله (٣).

ل : عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى مثله (٤).

محص : عنه عليه السلام مثله.

بيان : أقول ما في تلك الأسانيد من عبد الله أظهر من عبد الملك لأن عبد الملك غير مذكور في كتب الرجال وعبد الله بن غالب الأسدي الشاعر مذكور فيها ثقة وهو الذي قال له أبو عبد الله عليه السلام إن ملكا يلقي عليه الشعر وأنا أعرف ذلك الملك (٥).

في سائر الكتب والسند الثاني للكافي وقور وصبور وشكور وقانع بالرفع والوقور فعول من الوقار بالفتح وهو الحلم والرزانة والهز :

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٤٧.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٠.

(٣) الخصال ج ٢ ص ٣٨.

(٤) المصدر ج ٢ ص ٣٨ وفيه : والصبر أمير جنوده.

(٥) راجع رجال الكشي : ٢٨٨ تحت الرقم ١٧٦.


التحريك والهزاهز الفتن التي يفتتن الناس بها أي لا يعرض له شك عند الفتن التي تصير سببا لشك الناس وكفرهم.

صبورا عند البلاء البلاء اسم لما يمتحن به من خير أو شر وكثر استعماله في الشر وهو المراد هنا والصبر حبس النفس على الأمور الشاقة عليها وترك الاعتراض على المقدر لها وعدم الشكاية والجزع وهو من أعظم خصال الإيمان.

شكورا عند الرخاء الرخاء النعمة والخصب وسعة العيش والشكر الاعتراف بالنعمة ظاهرا وباطنا ومعرفة المنعم وصرفها فيما أمر به والشكور مبالغة فيه قانعا بما رزقه الله أي لا يبعثه الحرص على طلب الحرام والشبهة وتضييع العمر في جمع ما لا يحتاج إليه.

لا يظلم الأعداء الغرض نفي الظلم مطلقا وإنما خص الأعداء بالذكر لأنهم مورد الظلم غالبا ولأنه يستلزم ترك ظلم غيرهم بالطريق الأولى.

ولا يتحامل للأصدقاء في القاموس تحامل في الأمر وبه تكلفه على مشقة وعليه كلفه ما لا يطيق (١) فالكلام يحتمل وجوها :

الأول أنه لا يظلم الناس لأجل الأصدقاء.

الثاني أنه لا يتحمل الوزر لأجلهم كأن يشهد لهم بالزور أو يكتم الشهادة لرعايتهم أو يسعى لهم في حرام.

الثالث أن يراد به أنه لا يحمل على نفسه للأصدقاء ما لا يمكنه الخروج عنه.

بدنه منه في تعب لاشتغاله بالعبادات وإعراضه عن الرسوم والعادات وسعيه في إعانة المؤمنين والناس منه في راحة لعدم تعرضه لهم وإعانته إياهم.

إن العلم استئناف وليس من جملة العدد خليل المؤمن الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه والخليل الصديق

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٣٦١.


فعيل بمعنى فاعل وإنما كان العلم خليل المؤمن لأنه لا ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم في الدنيا والآخرة فكما لا يفارق الخليل ولا يتجاوز عن مصلحته ينبغي أن لا يفارق العلم ولا يتجاوز عن مقتضاه (١).

والحلم وزيره فإنه يعاونه في أمور دنياه وآخرته كمعاونة الوزير الناصح الملك والعقل أمير جنوده إذ جنوده في رفع وساوس الشيطان وصولاتهم الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة وكلها تابعة للعقل كما مر بيانه في باب جنود العقل.

وفي ثاني سندي الكافي وسائر الكتب والصبر أمير جنوده وهو أيضا كذلك والرفق أخوه أي اللين واللطف والمداراة مع الصديق والعدو وتمشية الأمور بتدبير وتأمل بمنزلة الأخ له في أنه يصاحبه ولا يفارقه أو في إعانته وإيصال النفع إليه والبر أي الإحسان إلى الوالدين أو إلى جميع من يستحق البر والده أي بمنزلة والده في رعايته واختياره على جميع الأمور أو في الانتفاع منه وكونه سببا لحياته المعنوية.

وفي ثانية روايتي الكافي واللين والده والفرق بينه وبين الرفق إما بحمل الرفق على اللطف والإحسان وهو أحد معانيه واللين على ترك الخشونة أو بحمل الرفق على ترك العنف واللين على شدة الرفق وكثرته أو الرفق على المعاملات واللين على المعاشرات وسيأتي بعض القول فيهما (٢).

٢ـ كا : عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال : المؤمن يصمت ليسلم وينطق ليغنم لا يحدث أمانته الأصدقاء ولا يكتم شهادته من البعداء ولا يعمل شيئا من الخير رئاء ولا يتركه حياء إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر

__________________

(١) في نسخة الكمباني طبع هناك ما جعلناه بين العلامتين بعد عشرة أسطر.

(٢) ما بين العلامتين طبع في نسخة الكمباني قبل ذلك وهو في غير محله كما لا يخفى.


الله لما لا يعلمون لا يغره قول من جهله ويخاف إحصاء ما عمله (١).

بيان : ليغنم أي الفوائد الأخروية أو ليزيد علمه لا لإظهار الكمال ولا يكتم شهادته من البعداء أي من الأباعد عنه نسبا أو محبة فكيف الأقارب وفي بعض النسخ من الأعداء خاف مما يقولون إن يصير سببا لغروره وعجبه لما لا يعلمون أي من ذنوبه.

لا يغره قول من جهله أي لا يخدعه ثناء من جهل ذنوبه وعيوبه فيعجب بنفسه ويخاف إحصاء ما عمله أي إحصاء الله والحفظة أو إحصاء نفسه وعلى الأخير يحتمل أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي يخاف الله لإحصائه ما قد عمله وفي المجالس كما سيأتي إحصاء من قد علمه.

٣ ـ كا : عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض من رواه رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن له قوة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وحرص في فقه ونشاط في هدى وبر في استقامة وعلم في حلم وكيس في رفق وسخاء في حق وقصد في غنى وتجمل في فاقة وعفو في قدرة وطاعة لله في نصيحة وانتهاء في شهوة وورع في رغبة وحرص في جهاد وصلاة في شغل وصبر في شدة.

وفي الهزاهز وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور ولا يغتاب ولا يتكبر ولا يقطع الرحم وليس بواهن ولا فظ ولا غليظ.

لا يسبقه بصره ولا يفضحه بطنه ولا يغلبه فرجه ولا يحسد الناس يعير ولا يعير ولا يسرف (٢) ينصر المظلوم ويرحم المسكين.

نفسه منه في عناء والناس منه في راحة لا يرغب في عز الدنيا ولا يجزع من ذلها للناس هم قد أقبلوا عليه وله هم قد شغله.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٣١.

(٢) ولا يحسد الناس بعز : ولا يقتر ، ولا يسرف خ ل.


لا يرى في حكمه نقص ولا في رأيه وهن ولا في دينه ضياع يرشد من استشاره ويساعد من ساعده ويكيع عن الخناء والجهل (١).

بيان : المؤمن له قوة في دين قد عرفت أنه في بعض تلك الفقرات الظرف لغو وفي بعضها مستقر وهو تفنن حسن وإن أمكن أن يكون في الجميع لغوا بتكلفات بعيدة لا حاجة إليها ففي هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو وفي للظرفية أي قوي في أمر الدين متصلب وحزم في لين أي مع لين فالظرف مستقر بأن يكون صفة أو حالا ويحتمل أن يكون لغوا أي هو في اللين صاحب حزم لكنه بعيد.

وقال بعض الأفاضل أي له ضبط وتيقظ في أموره الدينية والدنيوية ممزوجا بلين الطبع وعدم الفظاظة والخشونة مع معامليه وهو فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق وقد تكون عن تواضع وقد تكون عن مهانة وضعف نفس والأول هو المطلوب وهو المقارن للحزم في الأمور ومصالح النفس والثاني رذيلة لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل حادث.

وبيان الظرفية على ثلاثة أوجه :

الأول : أن الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة الحزم للين الطبع في الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف فتكون لفظة في استعارة تبعية.

الثاني : أن يعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم واللين ومصاحبة أحدهما الآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف ومصاحبتهما فيكون الكلام استعارة تمثيلية لكنه لم يصرح من الألفاظ التي هي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا تكون لفظة في استعارة بل هي على معناها الحقيقي.

الثالث : أن تشبه اللين بما يكون محلا وظرفا للشيء على طريقة الاستعارة بالكناية وتكون كلمة في قرينة وتخييلا.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٣١.


وإيمان في يقين أي مع يقين أي بلغ إيمانه حد اليقين في جميع العقائد أو في الثواب والعقاب أو في القضاء والقدر كما عرفت في باب اليقين وحرص في فقه أي هو حريص في معرفة مسائل الدين أو حريص في العبادة مع معرفته لمسائل الدين ونشاط في هدى أي ناشط راغب في العبادة مع اهتدائه إلى الحق ومعرفته بأصول الدين كما مر في تفسير قوله تعالى « لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) وراغب في الاهتداء وما يصير سببا لهدايته أو في هداية غيره.

وبر في استقامة أي مع الاستقامة في الدين كما قال تعالى « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » (٢) أو المراد به الاستقامة في البر أي يضع البر في محله وموضعه وعلم في حلم أي مع أناة وعفو أو مع عقل وكيس في رفق أي كياسة مع رفق بالخلق لا كالأكياس في أمور الدنيا يريدون التسلط على الخلق وإيذاءهم أو يستعمل الكياسة في الرفق فيرفق في محله ويخشن في موضعه.

وسخاء في حق أي سخاوته في الحقوق اللازمة لا في الأمور الباطلة كما ورد أسخى الناس من أدى زكاة ماله أو مع رعاية الحق فيه بحيث لا ينتهي إلى الإسراف والتبذير ويؤكده قوله وقصد في غنى أي يقتصد بين الإسراف والتقتير في حال الغنى والثروة أو مع استغنائه عن الخلق.

وتجمل في فاقة التجمل التزين والفاقة الفقر والحاجة أي يتزين في حال الفقر لتضمنه الشكاية من الله أو يظهر الغنى لذلك كما قال الجوهري التجمل تكلف الجميل وقد يقرأ بالحاء المهملة أي تحمل وصبر في الفقر.

في قدرة أي على الانتقام في نصيحة أي مع نصيحة لله أو لأئمة المسلمين أو للمؤمنين أو الأعم من الجميع ونصيحة الله إخلاص العمل له.

وفي النهاية : فيه إن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) فصلت : ٣٣ الاحقاف ١٣.


المسلمين وعامتهم النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له وأصل النصح في اللغة الخلوص ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه ونصيحة رسوله صلى الله عليه واله التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ونصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم انتهى.

وانتهاء في شهوة أي يقبل نهي الله في حال شهوة المحرمات في الصحاح نهيته عن كذا فانتهى عنه وتناهى أي كف وورع في رغبة أي يتورع عن الشبهات في حال الرغبة فيها فإن الورع يطلق غالبا في ترك الشبهات وقيل في الرغبة عنها وعدم الميل إليها وهو بعيد.

وحرص في جهاد الجهاد بالكسر والمجاهدة القتال مع العدو ويطلق على مجاهدة النفس أيضا وهو الجهاد الأكبر أي حرص في القتال أو في العبادة مع مجاهدة النفس وعلى الأول في بمعنى على وفي بعض النسخ في اجتهاد.

وصلاة في شغل أي مع شغل القلب بها أو في حال اشتغاله بالأمور الدنيوية كما قال سبحانه « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ » (١) وروي عن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية أنه قال كانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة وهم أعظم أجرا ممن لا يتجر (٢).

. وقيل المراد ذكر الله في أشغاله وهو بعيد وفي الهزاهز وقور عطف على قوله له قوة في دين وليس بواهن أي في أمور الدين.

ولا فظ ولا غليظ الفظ الخشن الخلق في القول والفعل والغلظة غلظة القلب كما قال تعالى « وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » (٣)

__________________

(١) النور : ٣٧.

(٢) مجمع البيان ج ٧ : ١٤٥.

(٣) آل عمران : ١٥٩.


في القاموس الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام انتهى (١) والمعنى أن قوته الغضبية قائمة على حد الاعتدال خرجت عن الوهن المتضمن للتفريط والفضاضة الموجبة للإفراط.

ولا يسبقه بصره أي يملك بصره ولا ينظر إلى شيء إلا بعد علمه بأنه يحل له النظر إليه ولا يضره في الدنيا والآخرة ولا يفضحه بطنه بأن يرتكب بسبب شهوات البطن ما يفضحه في الدنيا والآخرة كالسرقة والظلم وقيل بأن يحضر طعاما بغير طلب ولا يغلبه أي لا يغلب عقله فرجه أي شهوة فرجه فيوقعه في الزنا واللواطة وأشباههما من المحرمات والشبهات.

يعير بفتح الياء المشددة ولا يعير بكسر الياء أي يعيره الناس بسبب عدم التعارف وأمثاله وهو لا يعير أحدا.

وفي بعض النسخ لا يحسد الناس بعز أي بسبب عزه ولا يقتر ولا يسرف ولعله أصوب وما سيأتي برواية الخصال أظهر والعناء بالفتح والمد النصب والمشقة.

للناس هم أي فكر ومقصد من الدنيا وعزها وفخرها ومالها وله هم أي فكر وقصد من أمر الآخرة قد شغله عما أقبل الناس عليه لا يرى على بناء المفعول في حكمه أي بين الناس أو في حكمته وفي الخصال في حله ولا في رأيه وهن أي هو صاحب عزم قوي وليس رأيه ضعيفا واهنا ولا في دينه ضياع أي دينه قوي متين لا يضيع بالشكوك والشبهات ولا بارتكاب السيئات.

ويساعد من ساعده أي يعاون من عاونه وحمله على طلب الإعانة بعيد من اللفظ وقيل المراد بمن ساعده جميع المؤمنين فإن كل مؤمن يساعد سائر المؤمنين بتصديق دينهم وموافقته لهم في الإيمان ويكيع كيبيع بالياء المثناة التحتانية وفي بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية وفي بعضها بالنون

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٣٩٧.


والكل متقاربة في المعنى قال في القاموس كعت عنه أكيع وأكاع كيعا إذا هبته وجبنت عنه وقال كنع عن الأمر كمنع هرب (١) وجبن وقال كتع كمنع هرب وفي النهاية الخناء الفحش في القول والجهل مقابل العلم أو السفاهة والسب.

٤ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن بعض أصحابنا رفعه عن أحدهما عليهما السلام قال : مر أمير المؤمنين عليه السلام بمجلس من قريش فإذا هو بقوم بيض ثيابهم صافية ألوانهم كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم ثم مر بمجلس للأوس والخزرج فإذا أقوام بليت منهم الأبدان ودقت منهم الرقاب واصفرت منهم الألوان وقد تواضعوا بالكلام.

فتعجب علي عليه السلام من ذلك ودخل على رسول الله صلى الله عليه واله فقال بأبي أنت وأمي إني مررت بمجلس لآل فلان ثم وصفهم ومررت بمجلس للأوس والخزرج فوصفهم ثم قال وجميع مؤمنون فأخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن.

فنكس رسول الله صلى الله عليه واله ثم رفع رأسه فقال عشرون خصلة في المؤمن فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه إن من أخلاق المؤمنين يا علي الحاضرون الصلاة والمسارعون إلى الزكاة (٢) والمطعمون المساكين الماسحون رأس اليتيم المطهرون أطمارهم المتزرون على أوساطهم الذين إن حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا تكلموا صدقوا رهبان بالليل أسد بالنهار صائمون النهار قائمون الليل لا يؤذون جارا ولا يتأذى بهم جار الذين مشيهم على الأرض هون وخطاهم إلى بيوت الأرامل وعلى أثر الجنائز جعلنا الله وإياكم من المتقين (٣).

لي : عن علي بن عيسى عن علي بن محمد ماجيلويه عن البرقي عن أبيه

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٨٠.

(٢) زاد في أمالي الصدوق : والحاجون لبيت الله الحرام. والصائمون في شهر رمضان ، وهو الصحيح.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٣٢.


عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن ابن طريف عن ابن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول سألت رسول الله صلى الله عليه واله عن صفة المؤمن فنكس صلى الله عليه واله رأسه ثم رفعه فقال في المؤمنين عشرون خصلة فمن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه يا علي إن المؤمنين هم الحاضرون إلى آخر الخبر (١) وسنشير إلى بعض الاختلاف.

بيان : بيض بالكسر جمع أبيض ويحتمل فيه وفي نظائره الجر والرفع يشيرون بأصابعهم استهزاء وإشارة إلى عيوبهم والأوس والخزرج (٢) قبيلتان من الأنصار بليت منهم الأبدان أي خلقت ونحفت لكثرة العبادة والرياضة ودقت منهم الرقاب لنحافتهم واصفرت منهم الألوان لكثرة سهرهم وصومهم وقد تواضعوا بالكلام الباء بمعنى في أي كانوا يتكلمون بالتواضع بعضهم لبعض أو تكلموا معه بالتواضع.

وفي بعض النسخ تواصفوا بالصاد المهملة والفاء أي كان يصف بعضهم لبعض بالكلام لا بالإشارة كما مر في الفرقة الأخرى أو لم يكن كلامهم لغوا بل كانوا يصفون ما سمعوا من الرسول صلى الله عليه واله وجميع مؤمنون أي ظاهرا ويحتمل الاستفهام بصفة المؤمن أي الواقعي وفي القاموس الناكس المتطأطئ رأسه ونكس الرأس لعسر العمل بتلك الصفات والاتصاف بها وتركها بعد السماع أسوأ لهم كما مر في حقوق الإخوان.

وقيل : النكس كان للتأسف على أحوال قريش والتفكر فيما علم أنهم يفعلونه بأوصيائه وأهل بيته بعده الحاضرون الصلاة أي للإتيان بها جماعة إلى

__________________

(١) أمالي الصدوق ص ٣٢٦ ، المجلس : ٨١.

(٢) هما بطنان عظيمان من الازد من القحطانية ، وهم بنو أوس وبنو الخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة البهلول بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق ابن ثعلبة العنقاء بن مازن بن الازد.

كانوا في الجاهلية يعبدون مناة ، وإذا حجوا وقفوا مع الناس ، فإذا نفروا أتوا مناة وحلقوا رءوسهم عنده ، وأقاموا عنده لا يرون لحجهم تماما الا بذلك.


الزكاة أي إلى أدائها عند أول وقت وجوبها.

وفي المجالس بعد ذلك والحاجون لبيت الله الحرام والصائمون في شهر رمضان وهو أظهر لأن بهما يتم العدد وعلى ما في الكافي قد يتكلف بجعل خطاهم إلى الجنائز خصلتين والدعاء آخر الخبر خصلة إشارة إلى التقوى.

الماسحون رأس اليتيم شفقة عليهم المطهرون أطمارهم أي ثيابهم البالية بالغسل أو بالتشمير وهما مرويان في قوله سبحانه « وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » (١) قال الطبرسي قدس‌سره أي وثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة وقيل وثيابك فقصر روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام قال الزجاج لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وقيل لا يكن لباسك من حرام وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام غسل الثياب يذهب الهم والحزن وهو طهور للصلاة وتشمير الثياب طهور لها وقد قال الله سبحانه « وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » أي فشمر (٢).

وفي القاموس الطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف والجمع أطمار.

أقول : ويمكن جعل هذا إشارة إلى خصلتين هما التطهير والاكتفاء بلبس أخلاق الثياب فينفع في إتمام العدد على بعض الوجوه.

وفي المجالس : المطهرون أظفارهم وله وجه المتزرون على أوساطهم أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فإنهم كانوا لا يلبسون السراويل أو المراد شد الوسط بالإزار كالمنطقة ليجمع الثياب وما توهمه بعض الأصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا وقيل هو كناية عن الاهتمام في العبادة في القاموس الإزار الملحفة ويؤنث كالمئزر وائتزر به وتأزر ولا تقل اتزر وقد جاء في بعض الأحاديث ولعله من تحريف الرواة (٣).

__________________

(١) المدثر : ٥.

(٢) مجمع البيان ج ١٠ : ٣٨٥.

(٣) القاموس ج ١ ص ٣٦٣.


وفي النهاية في حديث الاعتكاف كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله وشد المئزر والمئزر الإزار وكني بشده عن اعتزال النساء وقيل أراد تشميره للعبادة يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وفي الحديث كان يباشر بعض نسائه وهي مؤتزرة في حالة الحيض أي مشدودة الإزار وقد جاء في بعض الروايات وهي متزرة وهو خطأ لأن الهمزة لا تدغم في التاء.

وإن حدثوا لم يكذبوا فيه شائبة تكرار مع قوله وإن تكلموا صدقوا ويمكن حمل الأول على الحديث عن النبي والأئمة عليهم السلام والثاني على سائر الكلام أو يقرأ حدثوا على بناء المجهول من التفعيل ولم يكذبوا على بناء المعلوم من التفعيل ويمكن عدهما خصلة واحدة للتأكيد على بعض الوجوه.

وإذا وعدوا لم يخلفوا على بناء الإفعال والمشهور بين الأصحاب استحباب الوفاء بالوعد ويظهر من الآية وبعض الأخبار الوجوب ولا يمكن الاستدلال بهذا الخبر على الوجوب لاشتماله على كثير من المستحبات وإذا ائتمنوا على مال أو عرض أو كلام لم يخونوا رهبان بالليل أي يمضون إلى الخلوات ويتضرعون رهبة من الله أو يتحملون مشقة السهر والعبادة كالرهبان وفسر الرهبانية في قوله تعالى « وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها » (١) بصلاة الليل.

قال الراغب الترهب التعبد وهو استعمال الرهبة والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة قال تعالى « وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها » والرهبان يكون واحدا وجمعا (٢).

أسد بالنهار أي شجعان في الجهاد كالأسد في الصحاح الأسد جمعه أسود وأسد مقصور مثقل منه وأسد مخفف (٣) قائمون بالليل الفرق بينه وبين رهبان بالليل أن الرهبان إشارة إلى التضرع والرهبة أو التخلي

__________________

(١) الحديد : ٢٧.

(٢) مفردات غريب القرآن ص ٢٠٤.

(٣) الصحاح : ٤٣٨.


والترهب وقيام الليل للصلاة لا يستلزم شيئا من ذلك ولا يتأذى بهم جار الفرق بينه وبين ما سبق أن المراد بالجار في الأول من آمنه وفي الثاني جار الدار أو في الأول جار الدار وفي الثاني من يجاوره في المجلس أو في الأول الإيذاء بلا واسطة وفي الثاني تأذيه بسبب خدمه وأعوانه فالجار في الموضعين جار الدار.

مشيهم على الأرض هون إشارة إلى قوله سبحانه « وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً » (١) قال البيضاوي أي هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع إلى بيوت الأرامل للصدقة عليهن وإعانتهن وعلى إثر الجنائز كأن فيه إشعارا باستحباب المشي خلف الجنازة.

٥ ـ لي : عن ابن موسى عن الأسدي عن سهل عن مبارك مولى الرضا عن الرضا عليه السلام قال : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه :

فأما السنة من ربه فكتمان سره قال الله جل جلاله « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » (٢) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه واله بمداراة الناس فقال « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » (٣) وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء يقول الله جل جلاله (٤) « وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » (٥)

__________________

(١) الفرقان : ص ٦٣.

(٢) الجن : ٢٧.

(٣) الأعراف : ١٩٩.

(٤) البقرة : ١٧٧.

(٥) أمالي الصدوق ص ١٩٨ المجلس ٥٣.


ن : عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن سهل عن الحارث بن الدلهاث مولى الرضا عنه عليه السلام مثله (١).

كا : عن علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن سهل بن الحرث عن الدلهاث مولى الرضا عليه السلام قال سمعت الرضا عليه السلام يقول وذكر مثله إلى قوله فالصبر في البأساء والضراء وليس فيه ذكر الآية وليس فيه « وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » أيضا وكأنهما سقطا من بعض الرواة (٢).

بيان : « عالِمُ الْغَيْبِ » قال الطبرسي رحمه‌الله أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة « فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً » أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده ثم استثنى فقال « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » يعني الرسل فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم ومعناه إلا من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة انتهى (٣).

وقد مر عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان والله محمد ممن ارتضاه. وفي الخرائج ، عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » قال فرسول الله عند الله مرتضى ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة (٤).

وفي تفسير علي بن إبراهيم إلا من ارتضى من رسول يعني عليا المرتضى من الرسول وهو منه (٥).

ثم اعلم أن الاستشهاد بالآية الكريمة يدل على أن المراد بكتمان السر :

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ص ٢٥٦.

(٢) الكافي ج ٢ : ١٤١.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٤.

(٤) مختار الخرائج والجرائح ص ٢٠٤ في حديث طويل.

(٥) تفسير القمي ص ٦٩٩.


الكتمان عن غير أهله وعمن لا يكتمه.

« خُذِ الْعَفْوَ » قال في المجمع أي خذ يا محمد ما عفي من أموال الناس أي ما فضل من النفقة فكان رسول الله صلى الله عليه واله يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها وقيل معناه خذ العفو من أخلاق الناس واقبل الميسور منها ومعناه أنه أمره بالتساهل وترك الاستقصاء في القضاء والاقتضاء وهذا يكون في الحقوق الواجبة لله وللناس وفي غيرها وقيل هو العفو في قبول العذر عن المعتذر وترك المؤاخذة بالإساءة.

« وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ » يعني بالمعروف وهو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع ولم يكن منكرا ولا قبيحا عند العقلاء وقيل بكل خصلة حميدة « وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » معناه وأعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم والإياس من قبولهم ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر.

ولا يقال هذه الآية منسوخة بآية القتال لأنها عامة خص عنها الكافر الذي يجب قتله بدليل (١).

« وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ » (٢).

أقول : الآية هكذا « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ».

والأكثر على أن نصب الصابرين على المدح وقال البيضاوي عن الأزهري البأساء في الأموال كالفقر والضراء في الأنفس كالمرض « وَحِينَ الْبَأْسِ » وقت مجاهدة العدو ويدل الخبر على أن هذه الآية نزلت في الأئمة عليهم السلام فهم

__________________

(١) مجمع البيان ج ٤ : ٥١٢.

(٢) البقرة : ١٧٧.


الصادقون الذين أمر الله بالكون معهم حيث قال « وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (١)

٦ ـ الشهاب : قال رسول الله صلى الله عليه واله المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم.

الضوء : رجل غر وغرير أي غير مجرب وجارية غرة وغريرة وغر أيضا بينة الغرارة وجمع الغر أغرار والغرير أغراء وقد غر يغر بالكسر غرارة والاسم الغرة يقال كان ذلك في غرارتي وحداثتي أي في غرتي والغرة الغفلة والغار الغافل واغتره أتاه على غرة منه واغتر بالشيء خدع به (٢).

والكرم : الجود وإذا وصف الله بالكرم فهو عبارة عن الإحسان والإنعام المترادف وإذا كان وصفا للآدمي فهو للأخلاق والأفعال المحمودة فيه والكرم كالحرية إلا أنه أكبر منها درجة ونقيض الكرم اللؤم وقد كرم الرجل فهو كريم وقوم كرام وكرماء ونسوة كرائم ويقال رجل كرم وامرأة كرم ونسوة كرم وقال فتنبو العين عن كرم عجاف (٣) والكرام كالكريم والكرام فوق ذلك (٤).

والفجور : الفسق وأصل ف ج ر الشق ومنه الفجر الطالع وفجر الماء فكأن الفجور شق لباس الدين وأكثر ما يذكر في القرآن والحديث يراد به الكافر.

__________________

(١) براءة : ١١٩.

(٢) أخذه من صحاح الجوهري راجع ص ٧٦٨.

(٣) قيل : الشعر لمرداس بن أدية وقيل لسعيد الشيباني ، ونسبه في اللسان الى أبى خالد القنانى والأبيات هكذا

لقد زاد الحياة الى حبا

بناتى انهن من الضعاف

مخافة أن يرين البؤس بعدى

وأن يشربن رنقا بعد صاف

وأن يعرين ان كسى الجواري

فتنبو العين عن كرم عجاف

ولو لا ذاك قد سومت مهرى

وفي الرحمن للضعفاء كاف ـ الخ

(٤) راجع الصحاح : ٢٠٢٠.


والخب الخداع الجربز (١) وقد خببت يا رجل تخب خبا بالكسر وقد خبب فلان فلانا أي خدعه واللؤم الدناءة والشح وأصله الهمز وقد لؤم لؤما وملأمة ولآمة كقولك لئامة ويا ملأمان خلاف يا مكرمان.

فوصف صلى الله عليه واله المؤمن بالغفلة عما لا يعنيه والإهمال لما ليس من شأنه وبالجود الذي هو تاج المفاخر وواسطة المآثر وعكس ذلك كله للكافر فوصفه بالجربزة والخبث والشيطنة وقرن بذلك اللؤم والشح وجعله لا يبض حجره (٢) ولا يورق شجره وهو وصف معناه الترغيب في خصال الخير وتجنب خصال الشر وفائدة الحديث الأمر بالتغافل عن بعض الأمور وترك الاستقصاء فيها والمساهلة في المعاملة والنهي عن الخب وسوء المعاملة والخداع والاستهزاء والبخل بما في اليد وراوي الحديث أبو هريرة.

مزيد إيضاح قال في النهاية فيه المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم غر أي ليس بذي نكر فهو ينخدع لانقياده ولينه وهو ضد الخب يقال فتى غر وفتاة غر وقد غررت تغر غرارة يريد أن المؤمن المعهود من طبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه وليس ذلك منه جهلا ولكنه كرم وحسن خلق.

ومنه حديث الجنة يدخلني غرة الناس أي البله الذين لم يجربوا الأمور فهم قليلو الشر منقادون فإن من آثر الخمول وإصلاح نفسه والتزود لمعاده ونبذ أمور الدنيا فليس غرا فيما قصد له ولا مذموما بنوع من الذم والخب بالفتح الخداع وهو الجربز الذي يسعى بين الناس بالفساد رجل خب وامرأة خبة وقد تكسر خاؤه وأما المصدر فبالكسر لا غير.

٧ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن أبيه عن سليمان الجعفري عن أبي

__________________

(١) الخب ـ بالفتح والكسر ـ والجربز ـ بالضم ـ الخب الخبيث معرب كربز والمصدر الجربزة قاله الفيروزآبادي ، وقال في برهان قاطع : كربز بضم الأول والثالث هو قثاء الحمار.

(٢) أي لا ينال خيره.


الحسن الرضا عن أبيه عليهما السلام قال : رفع إلى رسول الله صلى الله عليه واله قوم في بعض غزواته فقال صلى الله عليه واله من القوم فقالوا مؤمنون يا رسول الله قال وما بلغ من إيمانكم قالوا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء فقال رسول الله صلى الله عليه واله حلماء (١) علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء إن كنتم كما تصفون فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون (٢).

بيان : رفع إلى رسول الله صلى الله عليه واله كمنع على بناء المعلوم أي أسرعوا إليه أو على بناء المجهول أي ظهروا فإن الرفع ملزوم للظهور قال في المصباح رفعته أذعته ومنه رفعت على العامل رفيعة ورفع البعير في سيره أسرع ورفعته أسرعت به يتعدى ولا يتعدى انتهى.

وقال الكرماني في شرح البخاري فيه فرفعت لنا صخرة أي ظهرت لأبصارنا وفيه فرفع لي البيت المعمور أي قرب وكشف انتهى ويمكن أن يقرأ بالدال ولكن قد عرفت أنه لا حاجة إليه قال في المصباح رفعت إلى كذا بالبناء للمفعول انتهيت إليه.

من القوم أي من أي صنف من الناس أنتم فقالوا مؤمنون أي نحن مؤمنون وما بلغ من إيمانكم من تبعيضية أي بأي حد بلغ بعض إيمانكم أي اذكروا بعض شرائط الإيمان منكم بأي حد بلغ أو زائدة أو سببية أي ما بلغكم ووصل إليكم بسبب إيمانكم أو البلوغ بمعنى الكمال ومن للتبعيض أي ما كمل من صفات إيمانكم.

حلماء أي هم حلماء من الحلم بالكسر بمعنى العقل أو عدم المبادرة عند الغضب ما لا تسكنون أي ما يزيد على ما اضطررتم إليه من المسكن وكذا لا تجمعوا ما لم تدعكم الضرورة للأكل إليه ويمكن تعميم الأكل بحيث

__________________

(١) حكماء خ ل.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٤٨.


يشمل سائر ما يحتاجون إليه كقوله تعالى « وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ » (١) « وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ » (٢) أو خصهما بالذكر لأنهما عمدة مطالب الراغبين في الدنيا واتقوا الله إلخ لما كانت تلك الصفات تقتضي الزهد في الدنيا والتقوى حثهم في تلك الفقرات عليهما.

٨ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن ابن بزيع عن محمد بن عذافر عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه واله في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا السلام عليك يا رسول الله فقال ما أنتم فقالوا نحن مؤمنون يا رسول الله فقال فما حقيقة إيمانكم قالوا الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله فقال رسول الله علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون (٣).

يد (٤) مع : عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن بزيع مثله إلا في تقديم التسليم على التفويض (٥).

ل : عن أبيه عن سعد عن ابن أبي الخطاب مثله (٦).

مشكاة الأنوار : نقلا من كتاب المحاسن (٧) مثله.

توضيح : بينا رسول الله بينا هي بين الظرفية أشبعت فتحتها

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى : « وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » : أسرى : ٣٤ والانعام : ١٥٢.

(٢) البقرة : ١٨٨.

(٣) الكافي ج ٢ : ٥٢.

(٤) التوحيد : ٣٧٩.

(٥) معاني الأخبار : ١٨٧.

(٦) الخصال ج ٢ ص ٧١.

(٧) راجع المحاسن ص ٢٢٦.


فصارت ألفا ويقع بعدها حينئذ إذ الفجائية غالبا وعاملها محذوف يفسره الفعل الواقع بعد إذ عند بعض وبعضهم يجعلها خبرا عن مصدر مسبوك من الفعل أي بين أوقات سفره لقاء الركب وقد يقع بعدها إذا الفجائية أيضا والركب جمع راكب كصحب وصاحب.

فقال ما أنتم أي أي صنف أنتم من الناس قيل كما أن ما تكون سؤالا عن حقيقة الشيء تكون سؤالا عن خواصه وآثاره المترتبة عليه وهو المراد هنا فلذلك أجابوا بها فقالوا نحن مؤمنون انتهى.

وقال الراغب في معاني ما الثالث الاستفهام ويسأل به عن جنس ذات الشيء ونوعه وعن جنس صفات الشيء ونوعها وقد يسأل به عن الأشخاص والأعيان في غير الناطقين انتهى (١).

فما حقيقة إيمانكم لما كانت للإيمان حقائق مختلفة ودرجات متفاوتة سألهم صلى الله عليه واله عن حقيقة الإيمان الذي يدعونه فأجابوا بلوازمه وآثاره ليظهر حقيقة ما ادعوه أو المراد بالحقيقة ما يحقه ويثبته أي الإيمان أمر قلبي إنما يثبت بآثاره فما ظهر من آثار إيمانكم ليدل على ثبوته في قلوبكم والمعنى الأول أنسب بما مر من مضمون هذا الخبر حيث قال وما بلغ من إيمانكم فإن الظاهر اتحاد الواقعة والتفويض إلى الله هنا التوكل عليه في جميع الأمور.

٩ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : استقبل رسول الله صلى الله عليه واله حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري فقال له كيف أنت يا حارثة بن مالك النعماني فقال يا رسول الله مؤمن حقا فقال له رسول الله صلى الله عليه واله لكل شيء حقيقة فما حقيقة قولك فقال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأني أنظر إلى عرش ربي وقد وضع للحساب وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة وكأني أسمع عواء أهل النار في النار.

__________________

(١) مفردات غريب القرآن ص ٤٧٩.


فقال رسول الله صلى الله عليه واله عبد نور الله قلبه أبصرت فاثبت فقال يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني الشهادة معك فقال اللهم ارزق حارثة الشهادة فلم يلبث إلا أياما حتى بعث رسول الله صلى الله عليه واله بسرية فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل.

وفي رواية القاسم بن بريد عن أبي بصير قال : استشهد مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام بعد تسعة نفر وكان هو العاشر (١).

تبيين : مؤمن حقا قوله حقا مصدر مؤكد كقولهم هذا عبد الله حقا والحاصل أني مؤمن حق الإيمان وكما ينبغي أن يكون المؤمن فأسهرت ليلي على صيغة الغيبة بإرجاع الضمير إلى النفس أو على صيغة التكلم وكذا الفقرة التالية تحتمل الوجهين.

ويقال تزاوروا أي زار بعضهم بعضا وقال في النهاية في حديث حارثة كأني أسمع عواء أهل النار أي صياحهم والعواء صوت السباع وكأنه بالذئب والكلب أخص وفي القاموس عوى يعوي عيا وعواء بالضم لوى خطمه ثم صوت أو مد صوته ولم يفصح وقال السرية من خمسة أنفس إلى ثلاث مائة أو أربعمائة وفي الصحاح السرية قطعة من الجيش وقوله وفي رواية القاسم بن بريد يحتمل الإرسال أو يكون الراوي عنه ابن سنان.

ثم اعلم أن هاتين الروايتين تدلان على أن حارثة استشهد في زمن الرسول صلى الله عليه واله وقال بعضهم وينافيه ما ذكر الشيخ في رجاله حيث قال حارثة بن النعمان الأنصاري كنيته أبو عبد الله شهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد وذكر هو أنه رأى جبرئيل دفعتين على صورة دحية الكلبي أولهما حين خرج رسول الله صلى الله عليه واله إلى بني قريظة والثاني حين رجع من حنين وشهد مع أمير المؤمنين القتال وتوفي في زمن معاوية انتهى.

وهو خطأ لأن المذكور في الخبر حارثة بن مالك وجده النعمان وما

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٥٤. وتراه في المحاسن ص ٢٤٦ و ٢٥٠.


ذكره الشيخ حارثة بن النعمان وهو غيره نعم ما سيأتي من ذهاب بصره ينافي ذلك في الجملة ويمكن توجيهه بتكلف والعجب أن هذا الحديث مذكور في كتب العامة أيضا كما يظهر من النهاية وهذا الرجل غير مذكور في رجالهم وكأنه لعدم الرواية عنه كما أن أصحابنا أيضا لم يذكروه لذلك.

١٠ ـ ل : عن ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان قال : ذكر رجل المؤمن عند أبي عبد الله عليه السلام فقال إنما المؤمن الذي إذا سخط لم يخرجه سخطه من الحق والمؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل والمؤمن الذي إذا قدر لم يتعاط ما ليس له (١).

ل : عن الطالقاني عن محمد بن جرير الطبري عن صالح الكناني عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن شريك عن هشام بن معاذ عن الباقر عليه السلام في حديث طويل مثله إلا أن فيه لم يتناول ما ليس له (٢).

١١ـ لي : ابن إدريس عن أبيه عن ابن عيسى عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام إن لأهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد وصلة الرحم ورحمة الضعفاء وقلة المؤاتاة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الخلق (٣) واتباع العلم وما يقرب إلى الله عزوجل « طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ».

وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها لا تخطر على قلبه شهوة شيء إلا أتاه به ذلك الغصن ولو أن راكبا مجدا صار في ظلها مائة عام ما خرج منها ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما ألا في هذا فارغبوا.

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ٥٢. وفيه « ما ليس له بنفسه ».

(٢) الخصال : ج ١ ص ٥١.

(٣) وسعة الحلم خ ل.


إن المؤمن نفسه منه في شغل والناس منه في راحة إذا جن عليه الليل افترش وجهه وسجد لله عز وجل بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته ألا هكذا فكونوا (١).

١٢ـ ل : المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن إبراهيم بن علي عن إبراهيم بن إسحاق عن يونس عن ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول إن لأهل التقوى علامات وساق الحديث كما مر إلا أن فيه والوفاء بالعهد وقلة الفخر والبخل وصلة الأرحام وفيه لا ينوي في قلبه شيئا إلا أتاه وفيه ولو أن غرابا طار من أصلها ما بلغ أعلاها حتى يبياض هرما (٢).

مشكاة الأنوار : نقلا من كتاب المحاسن إلى قوله « طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ »

بيان : في النهاية فيه خير النساء المؤاتية لزوجها المؤاتاة حسن المطاوعة والموافقة وأصله الهمز فخفف وكثر حتى صار يقال بالواو الخالصة وليس بالوجه وبذل المعروف أي الإحسان بالمال أو غيره في ظلها أي تحت أغصانها فإنه ليس في الجنة ظل بل كلها ظل ممدود كما قيل ولذا قال في النهاية إن في الجنة شجرة يصير الراكب في ظلها مائة عام أي في ذراها وناحيتها قوله غراب إنما خص به لأنه أطول الطيور أعمارا وفي القاموس ابيض وابياض ضد اسود واسواد وابيضاض الغراب عند غاية كبره وسيأتي شرحه مبسوطا في باب جوامع المكارم إن شاء الله.

١٣ ـ لي : الطالقاني عن أحمد بن دبيس المفسر عن أحمد بن محمد بن أبي البهلول عن الفضل بن هرمز ديار الطبري عن الحسن بن شجاع البلخي عن سليمان بن الربيع عن كادح بن أحمد عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك قال : سأل رجل ابن عباس ما الذي أخفى الله تبارك وتعالى من الجنة وقد أخبر

__________________

(١) أمالي الصدوق.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٨٧.


عن أزواجها وعن خدمها وطيبها وشرابها وثمرها وما ذكر الله تبارك وتعالى من أمرها وأنزله في كتابه؟

فقال ابن عباس هي جنة عدن خلقها الله يوم الجمعة ثم أطبق عليها فلم يرها مخلوق من أهل السماوات والأرض حتى يدخلها أهلها قال لها عز وجل ثلاث مرات تكلمي فقالت طوبى للمؤمنين قال جل جلاله طوبى للمؤمنين وطوبى لك.

قال مقاتل قال الضحاك قال ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه واله ألا من كان فيه ست خصال فإنه منهم من صدق حديثه وأنجز موعوده وأدى أمانته وبر والديه ووصل رحمه واستغفر من ذنبه فهو مؤمن (١).

بيان : كأن سؤاله عن قوله سبحانه « فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » (٢) قوله صلى الله عليه واله من صدق على بناء التفعيل أي جعل حديثه صادقا أو على بناء المجرد فحديثه مرفوع أمانته أي الأمانة التي عنده من الناس.

١٤ ـ لي : عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن الثمالي عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال : المؤمن خلط علمه بالحلم يجلس ليعلم وينصت ليسلم وينطق ليفهم لا يحدث أمانته الأصدقاء ولا يكتم شهادته الأعداء ولا يفعل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء إن زكي خاف ما يقولون ويستغفر الله مما لا يعلمون لا يغره قول من جهله ويخشى إحصاء من قد علمه.

والمنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي إذا قام في الصلاة اعترض وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر وإذا جلس شغر يمسي وهمه الطعام وهو مفطر ويصبح وهمه النوم ولم يسهر إن حدثك كذبك وإن وعدك أخلفك وإن ائتمنته

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٦٤ ط قم المجلس ٤٦ تحت الرقم : ٩.

(٢) السجدة : ١٧.


خانك وإن خالفته اغتابك (١).

كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن الثمالي مثله إلى قوله ويخشى إحصاء ما قد عمله (٢).

بيان : خلط علمه في الكافي عمله بتقديم الميم وما هنا أوفق بسائر الأخبار وأظهر إذ العلم بلا عمل يصير غالبا سببا للتكبر والترفع والسفاهة وترك الحلم يجلس ليعلم أي يختار مجلسا يحصل فيه التعلم وإنما يجلس له لا للأغراض الفاسدة ليسلم أي من مفاسد الكلام وينطق ليفهم أي إنما ينطق في تلك المجالس ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه لا للمجادلة وإظهار الفضل لا يحدث أمانته أي السر أو المال الذي ائتمن عليه أو أسرار أموره التي يخشى عليه الضرر فإطلاق الأمانة باعتبار أنه يجعله أمانة عند من يحدثه الأصدقاء فكيف الأعداء.

ولا يكتم أي لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله عداوته على أن لا يقول له أنا شاهد لك أو لا يكتمه إذا استشهده فالمراد للأعداء شيئا من الحق أي العبادات الحقة ليراه الناس وفيه إشعار بأنه لا يفعل غير الحق ولا يأتي ببدعة ولا يتركه أي الحق حياء لأنه لا حياء في الحق كما قال الله تعالى « وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ » (٣).

إن زكي أي أثني عليه ومدح بما يفعله خاف ما يقولون وفي الكافي مما يقولون أي خاف أن يكون قولهم سببا لإعجابه بنفسه وعمله فيضيع عمله أو يكونوا كاذبين ورضي بكذبهم فيعاقب على ذلك مع أنه لا ينفع تزكيتهم كما قال تعالى « فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ » (٤) « بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ » (٥)

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٩٥ ط قم المجلس ٧٤.

(٢) ترى شطره الأول في الكافي ج ٢ ص ٢٣١. باب المؤمن وعلاماته تحت الرقم ٣ ، وشطره الثاني ص ٣٩٦ باب صفة النفاق والمنافق تحت الرقم ٣ أيضا.

(٣) الأحزاب : ٥٣.

(٤) النجم : ٣٢.

(٥) النساء : ٤٩.


مما لا يعلمون أي عيوبه ومعاصيه التي صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم لا يغره تأكيد لما سبق أو استئناف بياني وكذا الفقرة الآتية على اللف والنشر المرتب أي لا يغتر بتزكية من لا يطلع على عيوبه الخفية فيعجب بقولهم.

إحصاء من قد علمه أي الرب أو الأعم منه ومن النبي والأئمة عليهم السلام والملائكة الكاتبين وفي الكافي ما قد علمه فيكون إضافة إلى المفعول أي إحصاء ما تقدم ذكر أعماله وسيأتي شرح تتمة الخبر في باب صفات المنافق إن شاء الله.

١٥ ـ ل : عن عبد الله بن النضر عن جعفر بن محمد المكي عن عبد الله بن محمد بن عمر عن صالح بن زياد عن أبي عثمان عبد بن ميمون السكوني عن عبد الله بن معن الأزدي عن عمران بن سليمان عن الطاوس بن اليمان قال سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول علامات المؤمن خمس قلت وما هن يا ابن رسول الله قال الورع في الخلوة والصدقة في القلة والصبر عند المصيبة والحلم عند الغضب والصدق عند الخوف (١).

الدرة الباهرة : عنه عليه السلام مثله.

بيان : عند الخوف كأنه محمول على خوف لم يصل إلى حد وجوب التقية.

١٦ ـ ل : عن ابن الوليد عن محمد العطار عن الأشعري عن أحمد بن محمد وغيره بإسناده رفعاه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : المؤمن من طاب مكسبه وحسنت خليقته وصحت سريرته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من كلامه وكفى الناس من شره وأنصف الناس من نفسه (٢).

كا : عن العدة عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن منذر بن جيفر عن آدم أبي الحسن اللؤلؤي عن أبي عبد الله عليه السلام مثله إلا أن فيه وكفى الناس شره (٣).

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٢٩.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٧.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٣٤.


بيان : في رجال الشيخ آدم أبو الحسين من طاب مكسبه أي يكون ما يكتسبه من المال حلالا وفي القاموس فلان طيب المكسب والمكسب أي طيب الكسب خليقته أي طبيعته بالتخلي عن الرذائل أو التحلي بالفضائل سريرته أي نيته أو بواطن أمره بأن لا يكون باطنه خلاف ظاهره أو قلبه بصحة عقائده ونياته وفي القاموس السريرة ما يكتم.

وأنفق الفضل من ماله أي أنفق ما يفضل عن نفقة نفسه وعياله في سبيل الله والفضل من كلامه ما لا نفع فيه لآخرته وكفى الناس شره بأن يكف عنهم ضره وأنصف الناس من نفسه بأن يحكم لهم عليها ويحب لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها.

١٧ ـ ل : في وصية النبي صلى الله عليه واله إلى علي عليه السلام يا علي ينبغي أن يكون للمؤمن ثمان خصال وقار عند الهزاهز وصبر عند البلاء وشكر عند الرخاء وقنوع بما رزقه الله لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب والناس منه في راحة (١).

١٨ ـ ل : عن أبيه عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن الأشعري عن الحسن بن علي عن أبي سليمان الحلواني أو عن رجل عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صفة المؤمن قوة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وحرص في فقه ونشاط في هدى وبر في استقامة وإغماض عند شهوة وعلم في حلم وشكر في رفق وسخاء في حق وقصد في غنى وتجمل في فاقة وعفو في قدرة وطاعة في نصيحة وورع في رغبة وحرص في جهاد وصلاة في شغل وصبر في شدة.

وفي الهزاهز وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور لا يغتاب ولا يتكبر ولا يبغي وإن بغي عليه صبر ولا يقطع الرحم وليس بواهن ولا فظ غليظ ولا يسبقه بصره ولا يفضحه بطنه ولا يغلبه فرجه ولا يحسد الناس ولا يقتر ولا يبذر ولا يسرف بل يقتصد ينصر المظلوم ويرحم المساكين.

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٣٨.


نفسه منه في عناء والناس منه في راحة لا يرغب في عز الدنيا ولا يجزع من المهانة للناس هم قد أقبلوا عليه وله هم قد شغله لا يرى في حلمه نقص ولا في رأيه وهن ولا في دينه ضياع يرشد من استشاره ويساعد من ساعده ويكيع عن الباطل والخناء والجهل فهذه صفة المؤمن (١).

بيان : قد مر شرحه برواية الكليني (٢) وإنما أعدناه للاختلاف الكثير بينهما وشكر أي لله بالطاعة مع رفق فيها وعدم المبالغة فيها بحيث يتضجر ويضعف عنها أو مع رفق بالخلق ويحتمل أن يكون المراد شكر الخلق وفيما مروكيس.

١٩ ـ ما : عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أربع من كن فيه كمل إيمانه وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك وهي الصدق وأداء الأمانة والحياء وحسن الخلق (٣).

محص : عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه واله مثله.

كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى مثله (٤).

بيان : أربع مبتدأ أي خصال أربع والموصول بصلته خبره وإن كان من قرنه مبالغة في الكثرة أو كناية عن صدورها من كل جارحة من جوارحه ويمكن حملها على الصغائر فإن صدور الكبائر الكثيرة من صاحب تلك الخصال بعيد ويحتمل أن يكون المراد أنه يوفق للتوبة وهذه الخصال تدعوه إليها فإن كلا منها يمنع كثيرا من الذنوب كما لا يخفى.

__________________

(١) الخصال ج ٢ : ١٣١.

(٢) تحت الرقم ٣ ص ٢٧١.

(٣) أمالي الشيخ ج ١ ص ٤٣.

(٤) الكافي ج ٢ : ٩٨.


٢٠ ـ ما : عن المفيد عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب الخزاز عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال كان أبي علي بن الحسين عليه السلام يقول أربع من كن فيه كمل إيمانه ومحصت عنه ذنوبه ولقي ربه وهو عنه راض من وفى لله بما جعل على نفسه للناس وصدق لسانه مع الناس واستحيا من كل قبيح عند الله وعند الناس وحسن خلقه مع أهله (١).

سن : عن أبيه عن ابن محبوب مثله (٢).

بيان : في النهاية أصل المحص التخليص ومنه تمحيص الذنوب أي إزالتها بما جعل على نفسه للناس أي بالنذر أو العهد أو اليمين كما يومئ إليه قوله وفى لله ويحتمل التعميم لأن الوفاء بالعهد إن لم يكن واجبا فلا ريب في رجحانه وعند الناس أي إذا لم يكن مستحسنا عند الله أو المراد بالناس كملهم مع أهله التخصيص لأنه أفضل وأهم.

٢١ ـ ما : المفيد عن الجعابي عن ابن عقدة عن الحسن بن جعفر عن طاهر بن مدرار عن رزين بن أنس قال سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون كامل العقل ولا يكون كامل العقل حتى يكون فيه عشر خصال الخير منه مأمول والشر منه مأمون يستقل كثير الخير من نفسه ويستكثر قليل الخير من غيره ويستكثر قليل الشر من نفسه ويستقل كثير الشر من غيره.

لا يتبرم بطلب الحوائج قبله ولا يسأم من طلب العلم عمره الذل أحب إليه من العز والفقر أحب إليه من الغنى حسبه من الدنيا قوت والعاشرة وما العاشرة لا يلقى أحدا إلا قال هو خير مني وأتقى.

إنما الناس رجلان رجل خير منه وأتقى. وآخر شر منه وأدنى فإذا لقي

__________________

(١) أمالي الشيخ ج ١ ص ٧١.

(٢) المحاسن ص ٨.


الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به وإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال لعل شر هذا ظاهر وخيره باطن فإذا فعل ذلك علا وساد أهل زمانه (١).

بيان : في القاموس البرم محركة السأمة والضجر وأبرمه فبرم كفرح وتبرم أمله فمل قبله بكسر القاف وفتح الباء أي عنده الذل أحب إليه من العز لعل المعنى أن ذله عند نفسه أحب إليه من العز والتكبر أو يحب الذل إذا علم أن العز يصير سببا لفساده وبغيه أو إذا أذله الله يرضى بذلك ويكون أحب إليه لقلة مفاسده كما هو الظاهر من الفقرة التي بعدها لئلا ينافي ما ورد من أنه تعالى لا يرضى بذل المؤمن ولم يدع إليه أن يذل نفسه حسبه من الدنيا قوت أي يكتفي بالقوت ولا يطلب أكثر منه.

واعلم أن الخصال المذكورة اثنتا عشرة فلا يوافق العدد المذكور أولا ويمكن توجيهه بوجوه :

الأول عد استقلال الخير من نفسه واستكثاره من غيره واحدا لتلازمهما غالبا وكذا عد القرينتين بعدهما واحدا لذلك.

الثاني عد تقليل الخير من نفسه وتكثير الشر منها واحدا لقربهما وتلازمهما وكذا تقليل الشر وتكثير الخير من الغير.

الثالث عد كون الخير مأمولا منه والشر مأمونا واحدا للتلازم غالبا وجعل الاكتفاء بالقوت من تتمة الفقرة السابقة لا خصلة أخرى.

الرابع عد قوله الذل إلى قوله قوت خصلة واحدة لتقارب الجميع ولكل وجه وإن كان لا يخلو شيء منها من تكلف وساد أهل زمانه أي صار سيدهم وأشرفهم حسبا وكرامة.

٢٢ـ جا (٢) ما : عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي سعيد القماط عن المفضل قال سمعت

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ج ١ ص ١٥٢.

(٢) مجالس المفيد ص ٢١٩. المجلس ٤٢.


أبا عبد الله عليه السلام يقول لا يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه أربع خصال يحسن خلقه ويستخف نفسه (١) ويمسك الفضل من قوله ويخرج الفضل من ماله (٢).

سن : عن أبيه عن أبي سعيد القماط مثله (٣).

٢٣ـ ما : عن جماعة عن أبي المفضل عن جعفر بن محمد العلوي عن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين عن الحسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

قال : وسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول شرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب أولئك « لا يَنْظُرُ » الله « إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ » ثم تلا صلى الله عليه واله « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ » (٤) « أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ » (٥)

بيان : مألفة أي محلا لألفتهم يألفون به أو يألفهم أيضا قال في المصباح المألف الموضع الذي يألفه الإنسان وألفته من باب علمت أنست به وأحببته والاسم الألفة بالضم والألفة أيضا اسم من الائتلاف وهو الالتيام والاجتماع والنميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر.

الباغون أي الطالبون للبراء من العيوب العيب « لا يَنْظُرُ » الله « إِلَيْهِمْ » كناية من عدم اللطف أو المعنى لا ينظر الله إليهم نظر رحمة « وَلا يُزَكِّيهِمْ » أي لا يثني عليهم ولا يقبل أعمالهم أو لا ينمي أعمالهم والاستشهاد بالآية لدلالتها على

__________________

(١) في الأمالي ويسخو نفسه.

(٢) أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٣٥.

(٣) المحاسن ص ٨.

(٤) الأنفال : ٦٢. والآية التي بعدها في الأنفال : ٦٣.

(٥) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٧٨.


حسن التأليف بين قلوب المؤمنين والتزاما على قبح التفريق بينهم.

٢٤ ـ ع : عن الحميري عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : قيل له ما بال المؤمن أحد شيء قال لأن عز القرآن في قلبه ومحض الإيمان في صدره وهو بعد مطيع لله ولرسوله مصدق قيل فما بال المؤمن قد يكون أشح شيء قال لأنه يكسب الرزق من حله ومطلب الحلال عزيز فلا يحب أن يفارقه لشدة ما يعلم من عسر مطلبه وإن هو سخت نفسه لم يضعه إلا في موضعه.

قيل له فما بال المؤمن قد يكون أنكح شيء قال لحفظه فرجه من فروج ما لا يحل له ولكن لا تميل به شهوته هكذا ولا هكذا فإذا ظفر بالحلال اكتفى به واستغنى به عن غيره.

قال صلى الله عليه واله إن قوة المؤمن في قلبه ألا ترون أنه قد تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم وهو يقوم الليل ويصوم النهار وقال المؤمن أشد في دينه من الجبال الراسية وذلك أن الجبل قد ينحت منه والمؤمن لا يقدر أحد على أن ينحت من دينه شيئا وذلك لضنه بدينه وشحه عليه (١).

بيان : لأن عز القرآن في قلبه أي حدته إنما هي في الدين لتنمره في ذات الله وعدم المداهنة في دين الله.

٢٥ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن موسى بن القاسم العجلي عن صفوان بن يحيى عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لقي رسول الله صلى الله عليه واله يوما حارثة بن النعمان الأنصاري قال له كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت يا رسول الله مؤمنا حقا قال إن لكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربي وقد قرب للحساب وكأني بأهل الجنة فيها يتزاورون وأهل النار فيها يعذبون.

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٤٤.


فقال رسول الله صلى الله عليه واله أنت مؤمن نور الله الإيمان في قلبك فاثبت ثبتك الله فقال له يا رسول الله ما أنا على نفسي من شيء أخوف مني عليها من بصري فدعا له رسول الله صلى الله عليه واله فذهب بصره (١).

٢٦ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن البرقي عن محمد بن علي عن حرب بن الحسن الطحان عن إبراهيم بن عبد الله عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال الموت أحب إليه من الحياة والفقر أحب إليه من الغنى والمرض أحب إليه من الصحة.

قلنا : ومن يكون كذلك قال كلكم ثم قال أيما أحب إلى أحدكم يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا فقلت نموت والله في حبكم أحب إلينا قال وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة قلت إي والله (٢).

٢٧ ـ سن : عن أبيه عن الحسن بن سيف عن أخيه علي عن سليمان بن عمر عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال : لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يكون فيه خصال ثلاث التفقه في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا (٣).

٢٨ ـ سن : عن أبيه عن ابن فضال عن عاصم عن أبي حمزة عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله ثلاث خصال من كن فيه يستكمل خصال الإيمان الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له (٤).

كا : عن العدة عن البرقي مثله (٥)

__________________

(١) معاني الأخبار ص ١٨٧.

(٢) معاني الأخبار ص ١٨٩.

(٣) المحاسن ص ٥.

(٤) المحاسن : ٦.

(٥) الكافي ج ٢ ص ٢٣٩.


ل : عن أبيه عن محمد بن علي بن الصلت عن البرقي عن ابن فضال عن عاصم عن الثمالي عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عن أبيها (١) مثله.

بيان : الظاهر أن فيه إرسالا لأن فاطمة بنت الحسين عليه السلام لم تعهد روايتها عن النبي صلى الله عليه واله بل لم تلقه وكأنه كان عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين كما في الخصال.

يستكمل أي لا تحصل هذه الأخلاق في مؤمن إلا وقد حصلت فيه سائر الخصال لأنها أشقها وأشدها وأيضا أنها مستلزمة للعدل وهو التوسط بين الإفراط والتفريط وهو معيار جميع الكمالات وفي القاموس التعاطي التناول وتناول ما لا يحق والتنازع في الأخذ وركوب الأمر انتهى (٢) أي بعد القدرة لا يأخذ أو لا يرتكب ما ليس له.

٢٩ ـ سن : روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ستة لا تكون في مؤمن قيل وما هي قال العسر والنكد واللجاجة والكذب والحسد والبغي وقال لا يكون المؤمن محاربا (٣).

بيان : العسر الشدة في المعاملات وعدم السهولة والنكد العسر والخشونة في المعاشرات وقلة العطاء والبخل وهو أظهر في القاموس نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر والبئر قل ماؤها ونكد فلانا كنصر منعه ما سأله أو لم يعطه إلا أقله والنكد بالضم قلة العطاء ويفتح واللجاجة الخصومة.

قوله محاربا أي بغير حق وفي بعض النسخ مجازفا والجزاف معرب گزاف وهو بيع الشيء لا يعلم كيله ولا وزنه والمجازفة في البيع المساهلة فيه قال في المصباح يقال لمن يرسل كلامه إرسالا من غير قانون جازف في كلامه

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ٥٢.

(٢) القاموس ج ٤ ص ٣٦٤.

(٣) المحاسن : ١٥٨ وفيه : مجازفا.


فأقيم نهج الصواب مقام الكيل والوزن انتهى.

وأقول : كأنه المراد هنا وفي بعض النسخ بالحاء والراء المهملتين والمجارف بفتح الراء المحروم المحدود الذي سد عليه أبواب الرزق وفي كونه منافيا للإيمان الكامل إشكال إلا أن يكون مبنيا على الغالب.

٣٠ ـ سن : عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي عن ميسر بن سعيد القصير الجوهري عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يعرف من يصف الحق بثلاث خصال ينظر إلى أصحابه من هم وإلى صلاته كيف هي وفي أي وقت يصليها فإن كان ذا مال نظر أين يضع ماله (١).

٣١ ـ سن : عن فضالة عن أبان الأحمر عن ابن سيابة عن أبي النعمان عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ألا أنبئكم بالمؤمن المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم وأمورهم والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر السيئات فترك ما حرم الله (٢).

٣٢ ـ شا : روي عن صعصعة بن صوحان العبدي قال : صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم صلاة الصبح فلما سلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر الله لا يلتفت يمينا ولا شمالا حتى صارت الشمس على حائط مسجدكم هذا يعني جامع الكوفة قيس رمح ثم أقبل علينا بوجهه عليه السلام فقال :

لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه واله وإنهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم وركبهم فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا بين أعينهم شبه ركب المعزى فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجرة في الريح ثم انهملت عيونهم حتى تبل ثيابهم ثم نهض عليه السلام وهو يقول كأنما القوم باتوا غافلين (٣).

__________________

(١) المحاسن ص ٢٥٤.

(٢) المحاسن ص ٢٨٥.

(٣) الإرشاد ص ١١٤.


بيان : في القاموس قيس رمح بالكسر وقاسه قدره (١).

٣٣ـ قب : قال الباقر عليه السلام إن الله تعالى أعطى المؤمن البدن الصحيح واللسان الفصيح والقلب الصريح وكلف كل عضو منها طاعة لذاته ولنبيه ولخلفائه فمن البدن الخدمة له ولهم ومن اللسان الشهادة به وبهم ومن القلب الطمأنينة بذكره وبذكرهم فمن شهد باللسان واطمأن بالجنان وخدم بالأركان أنزله الله الجنان (٢).

بيان : البدن الصحيح كأن المعنى الصحة من الذنوب والعيوب المعنوية أو الصحة من الآفات التي تورث الشين فيكون مختصا بالأنبياء والأئمة عليهم السلام والصريح الخالص من كل شيء والمراد به هنا الخالص من الغل والحسد والشك والشبهة.

٣٤ـ كتاب صفات الشيعة : للصدوق رحمه الله عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : لا دين لمن لا تقية له ولا إيمان لمن لا ورع له.

وبإسناده عن صفوان قال قال أبو عبد الله عليه السلام إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق والذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله (٣).

وبإسناده عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن.

وبإسناده عن حبيب الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رقبة تذله.

وبإسناده عن حسين بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن أشد

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٢٤٤.

(٢) مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ١٨٠.

(٣) مما له خ.


من زبر الحديد إن زبر الحديد إذا دخل النار تغير وإن المؤمن لو قتل ثم نشر ثم قتل لم يتغير قلبه (١).

بيان : في القاموس الزبرة بالضم القطعة من الحديد والجمع زبر وزبر لم يتغير قلبه أي عقائده التي في قلبه.

٣٥ ـ صفات الشيعة : بإسناده عن المفضل قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمنين من أصل واحد لا يدخل فيهم داخل ولا يخرج منهم خارج مثلهم والله مثل الرأس في الجسد ومثل الأصابع في الكف فمن رأيتم يخالف ذلك فاشهدوا عليه بتاتا أنه منافق (٢).

بيان : مثلهم أي ينبغي أن يكون منزلة كل مؤمن من سائر المؤمنين منزلة الرأس من الجسد في التواصل والتعاون واهتمام المؤمنين بهم بعضهم بتاتا أي بتا وقطعا.

٣٦ ـ صفات الشيعة : بإسناده عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : الشتاء ربيع المؤمن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه.

وبإسناده عن سعيد بن غزوان قال قال أبو عبد الله عليه السلام المؤمن لا يكون محارفا (٣).

وبإسناده عن صالح بن هيثم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ثلاث من كن فيه استكمل خصال الإيمان من صبر على الظلم وكظم غيظه واحتسب وعفا كان ممن يدخله الله الجنة وشفع في مثل ربيعة ومضر.

وبإسناده عن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لم تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة وذلك أن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء.

__________________

(١) صفات الشيعة ص ١٧٩.

(٢) صفات الشيعة ص ١٧٩.

(٣) مجازفا خ ل.


وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن من يخافه كل شيء وذلك أنه عزيز في دين الله ولا يخاف من شيء وهو علامة كل مؤمن.

وبإسناده عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول إن المؤمن يخشع له كل شيء ثم قال إذا كان مخلصا لله قلبه أخاف الله منه كل شيء حتى هوام الأرض وسباعها وطير السماء (١).

٣٧ ـ نهج : قال عليه السلام المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه أوسع شيء صدرا وأذل شيء نفسا يكره الرفعة ويشنأ السمعة طويل غمه بعيد همه كثير صمته مشغول وقته شكور صبور مغمور بفكرته ضنين بخلته سهل الخليقة لين العريكة نفسه أصلب من الصلد وهو أذل من العبد (٢).

توضيح : البشر بالكسر الطلاقة وكتمان الحزن من الشكر ولا يختص بحزن الآخرة كما قيل وسعة صدره كناية عن قوة حلمه وشدة تحمله للمشاق وذلة نفسه للتواضع والنظر إلى عظمة الله واستحقار العمل.

يكره الرفعة أي الشرف والعلو في الدنيا ويشنأ كيمنع ويسمع يبغض السمعة أي إسماع العمل الناس أو فعله لذلك وطول الغم لذكر الموت والآخرة وعدم العلم بالعاقبة بعيد همه أي حزنه تأكيدا أو الهم بمعنى القصد والعزم أي همته عالية مصروفة إلى الأمور الباقية مشغول وقته أي مستغرق في العبادة والذكر والتفكر في آيات الله وتحصيل العلم وبذله ونحو ذلك والحاصل أنه لا يضيع العمر.

مغمور بفكرته يقال عمره الماء كنصر أي غطاه والفكر والفكرة إعمال النظر والمراد به التفكر في آلاء الله وعبره وعلوم الله وحكمه.

ضنين بخلته الضنة البخل والخلة بالضم الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه كما في النهاية وفي المصباح الخلة بالفتح الصداقة

__________________

(١) صفات الشيعة ص ١٧٩ ـ ١٨١.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ ٢٢٤ تحت الرقم ٣٣٣ من الحكم.


والضم لغة وبالفتح الفقر والحاجة. فالفقرة تحتمل وجوها :

الأول أنه ضنين بخلته لترصده مواقع الخلة وأهلها الذين هم إخوان الصدق في الله وهم قليلون.

الثاني أن يكون المراد أنه إذا خال أحدا أي صادقه ضن أن يضيع خلته أو يهمل خليله فالمراد استحكام مودته.

الثالث أن يكون بفتح الخاء كما روي أي إذا عرضت له حاجة ضن بها أن يسأل أحدا فيها ويظهرها.

والخليقة الطبيعة وسهولتها خلوها عن الفظاظة والخشونة والعريكة النفس والطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان مطاوعا منقادا قليل الخلاف والنفور منكسر النخوة وحجر صلد بالفتح أي صلب أملس وصلابته لثباته في طاعة الله وإمضاء أموره وشجاعته وحميته أو شدة إيمانه ويقينه وعدم تزلزله في الفتن وذلته تواضعه.

٣٨ـ المجازات النبوية : قوله عليه السلام من جملة كلام العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قيمه واللين أخوه والرفق والده والصبر أمير جنوده (١).

الشهاب : عنه صلى الله عليه واله مثله إلا أن فيه والعمل قائده والبر أخوه.

قال السيد رضي‌الله‌عنه هذه الألفاظ كلها مستعارة منها فالمراد بقوله عليه السلام العلم خليل المؤمن أنه يأنس به من الوحشة كما يسكن الحميم إلى حميمه والمراد بقوله عليه السلام والحلم وزيره أنه يقوى به على الأمور ويوازره على كظم المكروه والمراد بقوله عليه السلام والعقل دليله أنه بالعقل يهتدي في ظلم المشكلات وينجو من مضايق الغمرات فهو كالدليل الذي يرشد في المضال ويجنب عن المزال.

__________________

(١) المجازات النبوية ص ١٢٣.


والمراد بقوله عليه السلام والعمل قيمه أن العمل يثقف ميله ويقوم زلله ويسد خلله فهو كالقيم الذي يأتي بمصالح ما يقوم عليه ومراشد ما يوكل إليه والمراد بقوله عليه السلام واللين أخوه أن اللين يفيده مواخاة الإخوان ومخالصتهم ويحفظ عليه صفاءهم ومودتهم فجعله عليه السلام أخاه من حيث كان سببا لاجتلاب الإخوان إليه وحفظ المودات عليه.

والمراد بقوله عليه السلام والرفق والده كالمراد بقوله واللين أخوه لأن الرفق يقبل إليه بالقلوب ويظأر عليه كوامن الصدور فيصير كل أحد في الحنو عليه والميل إليه كالوالد الرءوف والحدب العطوف (١).

والمراد بقوله عليه السلام والصبر أمير جنوده أن الصبر ملاك أمره وشداد أزره وبه يبلغ الآداب ويدرك المحاب فهو كأمير جنده الذي يقوى به على أعدائه ويصل به إلى أغراضه وطلباته وقد يجوز أن يكون المراد أن الصبر رأس خلاله ورئيس خصاله فهو متقدم عليها وكالأمير لسائرها كما أن الأمير متقدم على رعيته وسائس على من في طبقته.

٣٩ ـ الشهاب : قال صلى الله عليه واله المؤمن يسير المئونة.

الضوء : هذا إخبار معناه الأمر أمر رسول الله صلى الله عليه واله المؤمن أن يكون يسير المئونة قانعا بالموجود صابرا عن المفقود شاكرا ذاكرا لا طامح البصر إلى زبرج الدنيا ولا جشعا تواقا إلى العليا منكسر القلب ذليل النفس للرب تكفيه الكسرة وترويه الشربة ويواريه الجرد ويلفحه الحر وينفحه البرد كما وصفه أمير المؤمنين عليه السلام هو من نفسه في تعب والناس منه في راحة وفائدة الحديث الحث على التخفف من الدنيا والابتذال فيها وراويه أبو هريرة.

أقول : الجرد بالفتح الخلق البالي ولفح النار بحرها أحرقت ونفحت الريح هبت.

٤٠ ـ الشهاب : قال صلى الله عليه واله المؤمن كيس فطن حذر.

__________________

(١) الحدب ككتف : العطوف ، فذكر العطوف بعده تأكيد.


الضوء ، ضوء الشهاب الكياسة ضد الحمق والكيس الظريف يقال هو كيس مكيس وينسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :

أما تراني كيسا مكيسا

بنيت بعد نافع مخيسا (١)

ومخيس اسم سجن بناه أمير المؤمنين عليه السلام بالعراق وكان بنى قبله نافعا وحرقه لصوص حبسوا فيه وكان مبنيا من القصب فبنى مخيسا بالجص والآجر ويقال مخيس أي ذليل ومخيس أي موضع التذليل وقد كاس الغلام يكيس كيسا وكياسة وتكيس تظرف وكايسته فكسته أي غلبته.

والفطنة كالفهم ورجل فطن وقد فطن فطنة وفطانة وفطانية والحذر احتراز عن مخيف يقال حذر حذرا وحذرته وحذار أي احذر والحذر التحرز مثل الحذر ورجل حذر وحذر أي متيقظ متحرز والجمع حذرين وحذاري.

وهذا الحديث أيضا ظاهره إخبار ومعناه أمر يأمر رسول الله صلى الله عليه واله الرجل المؤمن أن يكون كيسا ظريفا ضابطا أمر دينه ودنياه فطنا غير غافل عما سيدهمه متحرزا غاية التحرز.

وقال الحسن المؤمن فطن هدم دنياه وبنى بها آخرته ولم يهدم آخرته ويبني بها دنياه.

وقال علي بن بكار ذهب الأخيار فلم يبق إلا من يؤثر الدرهمين على دينه.

وقال يحيى بن معاذ الدرهم عقرب فإن لم تحسن رقيتها فلا تأخذه فإنها إن لذعتك قتلتك بسمها قيل وما رقيتها قال أخذها من حلها ووضعها في حلها.

__________________

(١) ذكره الجوهري : ٩٢٣ و ٩٦٩ ، ونسبه الى الراجز ، وذكره الفيروزآبادي ج ٢ ص ٢١٣ ، قال : المخيس ـ كمعظم ومحدث ـ السجن ، وسجن بناه على رضى الله تعالى عنه وكان أولا جعله من قصب وسماه نافعا فنقبه اللصوص فقال :

أما ترانى كيسا مكيسا

بنيت بعد نافع مخيسا

بابا حصينا وأمينا كيسا


وإنما شرط صلى الله عليه واله هذه الخلال للمؤمن لأن فيها جوامع الخير يكون كيسا نظارا في الدلائل الموصلة إلى العلم فطنا فهما عالما بما يأتي ويذر حذرا متحرزا مع ذلك كله لأن المؤمن منزله بين الخوف والرجاء.

وفائدة الحديث الحث على التنبه والتقيظ وقلة الركون إلى الدنيا الخداعة المكاره وراوي الحديث أنس بن مالك.

٤١ ـ الشهاب : قال صلى الله عليه واله المؤمن إلف مألوف.

الضوء : الإلف اجتماع مع التيام يقال ألفت بين القوم وألفت الموضع آلفه ألفا وآلفنيه زيد فأنا آلف وآلفت الموضع أولفه إيلافا وآلفته أؤالفه مؤالفة وإلافا على أفعل وفاعل (١) والتأليف جمع أجزاء متفرقة على ترتيب يقدم فيه المقدم ويؤخر المؤخر وأوالف الطير التي ألفت الدور.

فيقول ع : إن المؤمن ينبغي أن يكون آلفا مستأنسا بالخلق مستأنسا به غير نافر منفر ولا منفور منه يخف إلى حاجات أخيه المؤمن غير رافع نفسه عنه يغفر زلته ويقبل عثرته ولا يحسد ولا يحقد عليه موافقا غير منافق محالفا غير مخالف مناصحا غير مفاضح.

وفائدة الحديث الحث على الإلف وحسن المصادقة وراوي الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

٤٢ ـ الشهاب : قال صلى الله عليه واله المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم.

الضوء : الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف والأمن والأمانة والإيمان والأمنة قريب من قريب والله تعالى مؤمن لأنه آمن عباده من ظلمه إياهم ورجل أمنة وأمنة (٢) يثق بكل أحد.

__________________

(١) وعبارة الجوهري في الصحاح : ١٣٣٢ : فصار صورة أفعل وفاعل في الماضى واحدا.

(٢) الأول بالتحريك والثاني كهمزة.


وهذا الحديث أيضا ظاهره إخبار وهو في معنى الأمر أي ينبغي أن يكون المؤمن موثوقا به مأمون الجانب نقيا من المعايب غير خائن في نفس أو مال ولا مخفر ذمة ولا ناقض عهد ولا ناكث عقد.

وفائدة الحديث الحث على الديانة والأمانة والصيانة واتباع الأحسن في المعاملة وإيثار الصدق والمجاملة وراويا الحديث أنس بن مالك وفضالة بن عبيد.

٤٣ ـ ين : عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان والحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إياكم وما يعتذر منه فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر والمنافق يسيء كل يوم ويعتذر منه (١).

٤٤ ـ محص : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن لا يغلبه فرجه ولا يفضحه بطنه.

٤٥ ـ محص : روي أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة وثلاث خصال فعل وعمل ونية وباطن وظاهر.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا رسول الله صلى الله عليه واله ما المائة وثلاث خصال فقال يا علي من صفات المؤمن أن يكون جوال الفكر جوهري الذكر (٢) كثيرا علمه عظيما حلمه جميل المنازعة كريم المراجعة أوسع الناس صدرا وأذلهم نفسا.

ضحكه تبسما واجتماعه تعلما مذكر الغافل معلم الجاهل لا يؤذي من يؤذيه ولا يخوض فيما لا يعنيه ولا يشمت بمصيبة ولا يذكر أحدا بغيبة بريئا من المحرمات واقفا عند الشبهات كثير العطاء قليل الأذى عونا للغريب وأبا لليتيم بشره في وجهه وحزنه في قلبه متبشرا بفقره.

أحلى من الشهد وأصلد من الصلد لا يكشف سرا ولا يهتك سترا لطيف

__________________

(١) هذه المصادر كلها مخطوط.

(٢) جهورى الذكر ، خ ل.


الحركات حلو المشاهدة كثير العبادة حسن الوقار لين الجانب طويل الصمت حليما إذا جهل عليه صبورا على من أساء إليه يبجل الكبير ويرحم الصغير.

أمينا على الأمانات بعيدا من الخيانات إلفه التقى وحلفه الحياء كثير الحذر قليل الزلل حركاته أدب وكلامه عجب مقيل العثرة ولا يتتبع العورة وقورا صبورا رضيا شكورا.

قليل الكلام صدوق اللسان برا مصونا حليما رفيقا عفيفا شريفا لا لعان ولا كذاب ولا مغتاب ولا سباب ولا حسود ولا بخيل هشاشا بشاشا لا حساس ولا جساس.

يطلب من الأمور أعلاها ومن الأخلاق أسناها مشمولا بحفظ الله مؤيدا بتوفيق الله ذا قوة في لين وعزمة في يقين لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب صبورا في الشدائد لا يجور ولا يعتدي ولا يأتي بما يشتهي الفقر شعاره والصبر دثاره قليل المئونة كثير المعونة كثير الصيام طويل القيام قليل المنام.

قلبه تقي وعمله زكي إذا قدر عفا وإذا وعد وفى يصوم رغبا ويصلي رهبا ويحسن في عمله كأنه ناظر إليه غض الطرف سخي الكف لا يرد سائلا ولا يبخل بنائل متواصلا إلى الإخوان مترادفا للإحسان يزن كلامه ويخرس لسانه لا يغرق في بغضه ولا يهلك في حبه ولا يقبل الباطل من صديقه ولا يرد الحق على عدوه ولا يتعلم إلا ليعلم ولا يعلم إلا ليعمل.

قليلا حقده كثيرا شكره يطلب النهار معيشته ويبكي الليل على خطيئته إن سلك مع أهل الدنيا كان أكيسهم وإن سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم لا يرضى في كسبه بشبهة ولا يعمل في دينه برخصة يعطف على أخيه بزلته ويرعى ما مضى من قديم صحبته (١).

__________________

(١) التمحيص مخطوط.


بيان : جوال الفكر أي فكره في الحركة دائما جهوري الذكر في القاموس كلام جهوري أي عال أي يعلن ذكر الله أو ذكره عال في الناس وفي بعض النسخ جوهري وكأنه كناية عن خلوص ذكره ونفاسته والظاهر أنه تصحيف.

وفي القاموس الصلد ويكسر الصلب الأملس وصلدت الأرض صلبت والتبجيل التعظيم والإلف بالكسر من تألفه ويألفك والحلف بالكسر الصديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر به مصونا أي عرضه أو عن الخطاء.

وفي القاموس الحس الحيلة (١) والقتل والاستئصال وبالكسر الصوت والحاسوس الجاسوس وحسست به بالكسر أيقنت وأحسست ظننت ووجدت وأبصرت والتحسس الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخير.

وقال (٢) الجس تفحص الأخبار كالتجسس ومنه الجاسوس ولا تجسسوا أي خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله عز وجل أو لا تفحصوا عن بواطن الأمور أو لا تبحثوا عن العورات انتهى.

__________________

(١) قال في القاموس ج ٢ ص ٢٠٦ ط مصر : الحس : الجلبة ، وقال المحشى في هامشه : هكذا في النسخ وصوابه : الجبلة وهو عن ابن الاعرابى كما نقله الصاغانى وصاحب اللسان ، كذا قال الشارح ، ولا وجه لهذا التصويب فان المجد مطلع.

وقال الشرتونى في أقرب الموارد ج ١ ص ١٩١ : الحس بالفتح مصدر و ـ الحيلة تقول : أحسست منه حسا أي حيلة ، ونقل في الذيل ص ١٣٣ عن اللسان أن الحس بمعنى الجلبة.

أقول : والظاهر أن « حيلة » و « جلبة » كليهما تصحيف والصحيح كما صوبه ابن الاعرابى الجبلة ـ كالابلة ـ وهي السنة المجدبة كالحس ـ بالكسر ـ والحسوس.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٢٠٤.


والحاصل أن الحساس والجساس متقاربان في المعنى وكأن الأول إعمال الظنون في الناس والثاني تجسس أحوالهم ويحتمل الأول بعض المعاني المتقدمة كما لا يخفى.

مشمولا بحفظ الله من شر الشياطين رغبا في الثواب رهبا من العقاب كأنه ناظر إليه أي يشاهده بعين اليقين ويحتمل إرجاع الضمير إلى الله بقرينة المقام كقوله صلى الله عليه واله الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه أو المعنى كأنه جعل ناظرا على نفسه.

يزن كلامه أي يتفكر فيه هل له قدر في ميزان الأجر والقبول فيتكلم به وإلا فيتركه لا يغرق في بغضه من الإغراق وهو المبالغة أو كيفرح كناية عن الهلاك فكلمة في سببية والعدد المذكور في التفصيل أكثر مما ذكر أولا لتكرار بعضها معنى.

٤٦ ـ نوادر الراوندي ، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لحارث بن مالك كيف أصبحت فقال أصبحت والله يا رسول الله من المؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه واله لكل مؤمن حقيقة فما حقيقة إيمانك قال أسهرت ليلي وأنفقت مالي وعزفت عن الدنيا وكأني أنظر إلى عرش ربي جل جلاله وقد أبرز للحساب وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون وكأني أنظر إلى أهل النار في النار يتعاوون فقال رسول الله صلى الله عليه واله هذا عبد قد نور الله قلبه قد أبصرت فالزم فقال يا رسول الله ادع لي بالشهادة فدعا له فاستشهد يوم الثامن.

٤٧ ـ ما : جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن محمد بن عبيد عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام المؤمن لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله عز وجل هو المنتصر له (١).

__________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٩٣.


٤٨ ـ دعوات الراوندي : قال أبو عبد الله عليه السلام المؤمن صبور في الشدائد وقور في الزلازل قنوع بما أوتي لا يعظم عليه المصائب ولا يحيف على مبغض ولا يأثم في محب الناس منه في راحة والنفس منه في شدة.

٤٩ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام كان لي فيما مضى أخ في الله وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد وكان أكثر دهره صامتا فإن قال بذ القائلين ونقع غليل السائلين وكان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو ليث غاد (١) وصل واد لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا وكان لا يلوم أحدا على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره.

وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل وكان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت وكان على ما يسمع (٢) أحرص منه على أن يتكلم وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير (٣).

وقال عليه السلام لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله سبحانه أوثق منه بما في يده (٤).

وقال عليه السلام علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك وأن لا يكون في حديثك فضل عن علمك وأن تتقي الله في حديث غيرك (٥).

__________________

(١) ليث غاب خ ل.

(٢) على أن يسمع خ ل.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١٤ تحت الرقم ٢٨٩ من الحكم.

(٤) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١٩ ، تحت الرقم ٣١٠ من الحكم.

(٥) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٥١ ، تحت الرقم ٤٥٨ من الحكم.


٥٠ ـ نهج : روي أن صاحبا لأمير المؤمنين عليه السلام (١) يقال له همام كان رجلا عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل عن جوابه ثم قال عليه السلام يا همام اتق الله وأحسن فإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ، فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه قال فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه واله ثم قال :

أما بعد فإن الله سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه فقسم بينهم معايشهم ووضعهم من الدنيا مواضعهم.

فالمتقون فيها هم أهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء لو لا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب.

عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة أجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها.

أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت نفوسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم.

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ج ٢ ص ٢٢٦ باب المؤمن وعلاماته وصفاته مع اختلاف.


فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم يطلبون إلى الله تعالى فكاك رقابهم.

وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ويقول قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون وإذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون.

فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا في علم وعلما في حلم وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتجملا في فاقة وصبرا في شدة وطلبا في حلال ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وهمه الذكر يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة.

إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب قرة عينه فيما لا يزول وزهادته فيما لا يبقى يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل تراه قريبا أمله قليلا زلله خاشعا قلبه قانعة نفسه منزورا أكله سهلا أمره حريزا دينه ميتة شهوته مكظوما غيظه الخير منه مأمول والشر منه مأمون.

إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه بعيدا فحشه لينا قوله غائبا منكره حاضرا معروفه مقبلا خيره مدبرا شره.

في الزلازل وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه لا يضيع ما


استحفظ ولا ينسى ما ذكر ولا ينابز بالألقاب ولا يضار بالجار ولا يشمت بالمصائب ولا يدخل في الباطل ولا يخرج من الحق.

إن صمت لم يغمه صمته وإن ضحك لم يعل صوته وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء والناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده بكبر وعظمة ولا دنوه بمكر وخديعة.

قال : فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين عليه السلام أما والله لقد كنت أخافها عليه ثم قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها فقال له قائل فما بالك أنت يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام ويحك إن لكل أجل وقتا لا يعدوه وسببا لا يتجاوزه فمهلا لا تعد لمثلها فإنما نفث الشيطان على لسانك (١).

تبيين : قال الكيدري الهمام البعيد الهمة وكان السائل كاسمه وقال ابن أبي الحديد (٢) همام هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأوليائه وكان ناسكا عابدا وتثاقله عن جوابه لأنه علم أن المصلحة في تأخير الجواب وكأنه حضر المجلس من لا يحب عليه السلام أن يجيب وهو حاضر ولعله بتثاقله عليه السلام يشتد شوق همام إلى سماع الموعظة ولعله من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة لا عن وقت الحاجة.

وقال ابن ميثم (٣) تثاقله عليه السلام لخوفه على همام كما يدل عليه قوله عليه السلام أما والله لقد كنت أخافها عليه وأقول هذا أظهر.

اتق الله وأحسن أي ليس عليك أن تعرف صفات المتقين على التفصيل ولعل الأصلح لك القناعة بما تعرفه مجملا من صفاتهم ومراعاة التقوى والإحسان وكأن المراد بالتقوى الاجتناب عما نهى الله عنه وبالإحسان فعل ما أمر الله به

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٤١٩ ط عبده مصر ، تحت الرقم ١٩١ من الخطب.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ط مصر ج ٢ ص ٥٤٧.

(٣) شرح النهج لابن ميثم ص ٣٦٤.


فالكلمة جامعة لصفات المتقين وفضائلهم.

حتى عزم عليه عزمت على فلان أقسمت عليه وعزمت على الأمر أي قطعت عليه وأردت فعله حتما فالضمير في عليه يحتمل عوده إليه عليه السلام وإلى ما سأله من الوصف على التفصيل والأول أظهر ورواية الصدوق تعينه (١).

والتعرض للغناء والأمن (٢) لدفع توهم أن مدح المتقين والترغيب في الطاعة والتخويف من المعصية لانتفاعه سبحانه ودفع المضرة عنه وليس المعنى أن أفعال الله سبحانه ليست معللة بالأغراض كما زعمه الحكماء بل إشارة إلى ما ذكره المتكلمون من أن الغرض لا يعود إليه سبحانه بل إلى العباد لأنه أراد أن يثيبهم في الآخرة والثواب هو النفع المقارن للتعظيم والإجلال وفعله لمن لا يستحق أصلا قبيح عقلا فلذا كلفهم وبعث إليهم الرسل ووعدهم وأوعدهم وعرضهم للمثوبات الدائمة الجليلة وتفصيل ذلك في كتب الكلام.

والمعايش بالياء جمع معيشة وهي ما يعاش به أو فيه وما يكون به الحياة قال الله تعالى « نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » (٣) ومواضع الخلق مراتبهم قال الله تعالى « وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ » (٤) وهي إشارة إلى الدرجات الدنيوية كالغناء والفقر والصحة والمرض أو الدينية لاختلاف استعداداتهم وقابلياتهم في العلم والعمل أو الأعم منهما وهو أظهر والتفريع يؤيد الأخيرين.

منطقهم الصواب المنطق النطق أي لا يقولون إلا حقا ويحترزون عن الكذب والفحش والغيبة وسائر الأقاويل الباطلة وقيل أي لا يتكلمون إلا في مقام التكلم كذكر الله تعالى وإظهار حق وإبطال باطل وكأن الابتداء

__________________

(١) حيث قال : فقال همام : يا أمير المؤمنين أسألك بالذى أكرمك بما خصك إلخ والرواية في الأمالي ص ٣٤٠ المجلس : ٨٤ كما سيأتى.

(٢) يعني في قوله عليه‌السلام : خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم إلخ.

(٣) الزخرف : ٣٢.

(٤) الزخرف : ٣٢.


بالمنطق لكون النفع والضرر في القول أكثر في الأغلب من أعمال سائر الجوارح.

والملبس بفتح الباء ما يلبس والاقتصاد التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط والمعنى أنهم لا يلبسون ما يلحقهم بدرجة المترفين ولا ما يلحقهم بأهل الخسة والدناءة أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفين أو المعنى أن الاقتصاد في الأقوال والأفعال صار شعارا لهم محيطا بهم كاللباس للإنسان كما مر.

ومشيهم التواضع أي لا يمشون مشي المختالين والمتكبرين كما قال عز وجل « وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً » (١) الآية أو المراد أن سيرتهم وسلوكهم بين الخلق أو في سبيل الله بالتواضع والتذلل غضوا أبصارهم غض فلان طرفه كمد أي خفضه وكذلك غض من صوته وكل شيء كففته فقد غضضته.

ووقفت كضربت أي دمت قائما ووقفته أنا وقفا أي فعلت به ما وقف ووقفت الرجل عن الشيء وقفا أي منعته عنه ووقفت الدار وقفا أي حبستها في سبيل الله والمراد الاقتصار على استماع العلم النافع وفيه إيماء إلى ذم الإصغاء إلى القصص الكاذبة بل وكثير من الصادقة كما سيأتي إن شاء الله.

والرخاء بالفتح سعة العيش قال القطب الراوندي رحمه‌الله يعني أن المتقين يتعبون أبدانهم في الطاعات فيطيبون نفسا بتلك المشقة التي يحتملونها مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء ولا بد من تقدير مضاف لأن تشبيه الجمع بالواحد لا يصح أي كل واحد منهم إذا نزل في البلاء يكون كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء ونحوه قوله تعالى « مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ » (٢) قال ويجوز أن يكون الذي بمعنى ما المصدرية كقوله تعالى « وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا » (٣) أي نزوله في البلاء كنزوله في الرخاء.

__________________

(١) الإسراء : ٣٧.

(٢) البقرة : ١٧١.

(٣) براءة : ٧٠.


وقال ابن ميثم يحتمل أن يكون المراد بالذي الذين فحذف النون كما في قوله تعالى و « خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا ».

وقال ابن أبي الحديد (١) موضع كالذي نصب لأنه صفة مصدر محذوف والمراد كالنزول الذي وقد حذف العائد إليه وهو الهاء في نزلته كقولك ضربت الذي ضربت أي ضربت الذي ضربته وتقدير الكلام نزلت أنفسهم منهم في حال البلاء نزولا كالنزول الذي نزلته منهم في حال الرخاء.

وقال الكيدري قدس‌سره نزلت أنفسهم إلخ لأنهم كسروا سورة الشهوة البهيمية وطيبوا عن أنفسهم نفسا ووقفوا أشباحهم وأرواحهم على مرضاة الله وحبسوها في سبيله فلا مطمح لهم إلى ما فيه نصيب أنفسهم بل جل عنايتهم مصروفة إلى تحصيل ما خلقوا لأجله من إعداد زاد المعاد والإقبال بكل الوجوه على عبادة رب العباد والتفاتهم إلى الأبدان يكون على طريق الطبع كالتفات سالك البادية للحج الحقيقي إلى رعي الجمل وعلموا يقينا أن ما أصابهم من الكد في الطريق وإن كان عظيما فإنه كلا شيء في جنب ما يصلون به إليه من لقاء المحبوب ونيل المطلوب فالمحن عندهم كالملح والبلية كالنعم.

وقوله : كالذي نظير قوله تعالى « وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا » (٢) وبيت الحماسة عسى الأيام أن يرجعن يوما كالذي كانوا.

أي نزلت في البلاء كالنزول الذي نزلت في الرخاء انتهى.

والمراد بالبلاء المرض والضيق ونحوهما أو الأعم من احتمال المشقة أيضا وليس مخصوصا به وطيب قلوبهم للرضا بقضاء الله كما في المجالس (٣) فصغر ما دونه في أعينهم في اختلاف التعبير دلالة على أن الخالق تمكن في قلوبهم بخلاف ما دونه فلم يتجاوز أعينهم.

__________________

(١) راجع ج ٢ : ص ٥٤٨ ـ ٥٤٩. ط مصر.

(٢) براءة : ٧٠.

(٣) حيث قال : نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت منهم في الرخاء ، رضى منهم عن الله بالقضاء.


فهم والجنة قال الراوندي رحمه‌الله الواو بمعنى مع وقال ابن أبي الحديد بنصب الجنة وقد روي بالرفع على أنه معطوف على هم والأول أحسن وقوله كمن قد رآها وقوله فهم فيها منعمون إما كلاهما لقوة الإيمان واليقين أو لشدة الخوف والرجاء أو الرؤية إشارة إلى قوة اليقين والتنعم والعذاب أي شدة الرجاء والخوف وهما أيضا من فروع اليقين واختار الوالد قدس‌سره الأخير وقال الكيدري أي حصل لهم من العلوم اليقينية ما يجري مجرى الضرورية كما قال عليه السلام لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وروي والجنة بالنصب فيكون الواو بمعنى مع ويكون خبر المبتدإ الكاف في كمن رآها.

قلوبهم محزونة حزن قلوبهم للخوف من العقاب لاحتمال التقصير وعدم شرائط القبول كما قال عز وجل « وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ » (١) والأمن من شرورهم لأنهم لا يهمون بظلم أحد كما ورد في الخبر المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وقيل لأن أفعالهم حسنة في الواقع وإن كانت سيئة في الظاهر وهو بعيد.

نحيفة أي مهزولة لكثرة الصيام والسهر والرياضات أو للخوف أو لهما وخفة حاجاتهم لقلة الرغبة في الدنيا وترك اتباع الهوى وقصر الأمل وقناعتهم بما رزقهم الله.

والعفة كف النفس عن المحرمات بل عن الشبهات والمكروهات أيضا وجملة أعقبتهم صفة للأيام وتجارة عطف بيان للراحة أو بدل منه أو منصوب على المدح أو على الحال أو على تقدير فعل أي اتجروا تجارة.

قال الراوندي رحمه‌الله نصب المصدر مع حذف فعله كثير في الكلام وربح الرجل في تجارته كعلم ويسند إلى التجارة مجازا قال تعالى « فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ » (٢) وقال الأزهري ربح الرجل في تجارته أي صادف سوقا ذات ربح وأربحت

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

(٢) البقرة : ١٦.


الرجل أرباحا أعطيته ربحا فالتجارة المربحة كأنها تعطي ربحا أو هي الرابحة من أفعل بمعنى فعل.

وقال الكيدري : تجارة انتصابه على المصدر من معنى الكلام السابق لأن مضمون قوله صبروا أياما إلخ يدل على أنهم اتجروا بذلك أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده أي يسر لهم ربهم تجارة أو على المدح أو التخصيص أي أعني تجارة أو أخص تجارة وجعلها بدلا من راحة على ما زعم صاحب المنهاج ليس بالقوي لأن التجارة المربحة ليست بنفس الراحة وإنما صبرهم المستعقب لتلك الراحة هي التجارة انتهى.

أرادتهم الدنيا أي أقبلت إليهم من الوجوه المذمومة أو مطلقا وتمكنوا من تحصيلها بكسب المال والجاه فلم يقبلوها ولم يسعوا في تحصيلها وقيل ويحتمل أن يراد أهل الدنيا وأسره كضربه أي شده وحبسه والفدية زخارف الدنيا وملاذها التي سلموها إلى الدنيا بالترك والإعراض عنها.

أقول : ونقل الكيدري قدس‌سره رواية تمثل الدنيا لأمير المؤمنين عليه السلام وإعراضه عنها كما سننقلها عنه في باب ذم الدنيا ثم قال فهذا معنى قوله عليه السلام أرادتهم الدنيا ولم يريدوها وإذا تدبرت الخلال المذكورة في هذه الخطبة وجدت أمير المؤمنين عليه السلام هو الموصوف بها كلها وقد أوردت هذه الأبيات وأمثالها في أنوار العقول من أشعار وصي الرسول.

فأما أسرها إياهم فلأن أرواح الأولياء قدسية ومقامها في العالم الجسد أي على خلاف مقتضى طبيعتها فهي غريبة في هذا العالم وصغوها بالكلية إلى عالمها فهي أسيرة هنا من حيث الغربة وعدم الملاءمة فدائما يستعد ويتهيأ للسفر الحقيقي ويزيل المثبطات ويرفعها من البين وذلك فداؤها.

أما الليل في بعض النسخ بالنصب على حذف حرف الجر أي أما حالهم في الليل فالمقصود تفصيل حالهم في الليل والنهار وفي بعض النسخ بالرفع فالغرض تفصيل حال ليلهم ونهارهم والصف ترتيب الجمع على صف وصف القدمين


وضعهما في الصلاة بحيث يتحاذى الإبهامان ويتساوى البعد بين الصدر والعقب.

وفي بعض النسخ تالون مكان تالين يرتلونه أي القرآن وروي يرتلونها فالضمير لأجزاء القرآن « وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً » أي أحسن تأليفه وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه حفظ الوقوف وأداء الحروف وهو جامع لما يعتبره القراء.

والحزن الهم وحزنه الأمر كنصر أي جعله حزينا وحزن كعلم أي صار حزينا وحزنه تحزينا جعل فيه حزنا وفي أكثر النسخ على التفعيل وفي بعضها كينصرون وتحزين النفوس بآيات الوعيد ظاهر وأما آيات الوعد فللخوف من الحرمان وعدم الاستعداد.

وثار الغبار إذا سطع وهاج وثار القطا إذا نهضت من موضعها وأثار الغبار واستثاره هيجه ولعل المراد بالدواء العلم وبالداء الجهل واستثارة العلم بالتدبر والتذكر قال في النهاية في الحديث أثيروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين ويحتمل أن يراد استثارة العلم الكامنة في النفس على حسب الاستعداد والكمال بالتدبر والتفكر والتذكر.

وقال الوالد قدس‌سره المراد أنهم يداوون بآيات الخوف داء الرجاء الغالب الذي كاد أن يبلغ حد الاغترار والأمن لمكر الله وبآيات الرجاء داء الخوف إذا قرب من القنوط وبما يستكمل اليقين داء الشبهة وبالعبر داء القسوة وبما ينفر عن الدنيا والميل إليها داء الرغبة فيها ونحو ذلك.

وركن إلى الشيء كنصر كما في النسخ وكعلم أيضا أي مال وسكن والتطلع إلى الشيء الاستشراف له والانتظار لوروده ونصب الشيء رفعه وأن يستقبل به شيء والكلمة منصوبة على الظرفية أي ظنوا أنها فيما نصب بين أيديهم وفي بعض النسخ مرفوعة على أنها خبر أن.

وقال الكيدري وتطلعت نفوسهم إليها أي كادت تطلع شموس نفوسهم من أفق عوالم أبدانهم فتصعد إلى العالم العلوي شوقا إلى ما وعدوا به في تلك


الآيات من أخائر الذخائر وعظائم الكرائم وانتصاب نصب أعينهم على الظرف أي في موضع يقابل أعينهم ويجوز فيه الرفع.

وقال الراوندي رحمه‌الله الظن هنا بمعنى اليقين قال تعالى « أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ » (١) أي أيقنوا أن الجنة معدة لهم بين أيديهم وقال ابن أبي الحديد ويمكن أن يكون على حقيقته.

وصغي إليه كرضي أي مال وأصغى سمعه إليه أي أماله وزفير النار صوت توقدها والزفير أيضا إخراج النفس بعد مدة فالمراد زفير أهل جهنم والشهيق تردد البكاء في الصدر مع سماع الصوت من الحلق وشهيق الحمار صوته وكونهما في أصول الآذان كناية عن تمكنها في الآذان.

حانون أوساطهم حنى ظهره يحنيه ويحنوه أي عطفه فانحنى وحنوهم على أوساطهم وصف لحال ركوعهم والافتراش البسط على الأرض وهو وصف لحال سجودهم.

قال الكيدري فهم حانون أي منعطفون للركوع وحنى قد جاء متعديا ولازما وتعديته أكثر فيكون تقديره حانون ظهورهم على أوساطهم.

يطلبون إلى الله أي يسألونه راغبين ومتوجهين إليه وفك الرقبة كمد أي أعتقها والأسير خلصه وأما النهار بالنصب والرفع كما تقدم قال الكيدري أما النهار انتصابه على الظرفية وتعلقه بما بعده من الصفات كحلماء وغيره وحلماء خبر مبتدإ محذوف أي فهم حلماء في النهار ويجوز فيه الرفع على تقدير أما النهار فهم حلماء فيه فيكون مبتدأ والجملة بعده خبره وفيها ضمير مقدر يعود إليه والحلماء ذوو الأناة أو العقلاء وبري السهم يبريه أي نحته والقداح جمع قدح بالكسر فيهما وهو السهم قبل أن يراش وينصل وهو كناية عن نحافة البدن وضعف الجسد أو زوال الآمال والمطالب الدنيوية.

وخولط فلان في عقله إذا اختل عقله وصار مجنونا وخالطه أي مازجه

__________________

(١) المطففين : ٤.


وقال الراوندي وغيره المعنى يظن الناظر بهم الجنون وما بهم من جنة بل مازج قلوبهم أمر عظيم وهو الخوف فتولهوا لأجله وقيل ولقد خالطهم أي صار سببا لجنونهم الذي يظنه الناظر أمر عظيم هو الخوف.

وقال الكيدري قد براهم الخوف أي أنضاهم وأنحفهم خولطوا أي خالط عقولهم جنون.

والاستكثار عد الشيء كثيرا واتهمت فلانا أي ظننت فيه ما نسب إليه واتهمته في قوله أي شككت في صدقه والاسم التهمة كرطبة والسكون لغة وأصل التاء واو والمراد أنهم يظنون بأنفسهم التقصير أو الميل إلى الدنيا أو عدم الإخلاص في النية أو الأعم أو يشكون في شأنها ونياتها ويخافون أن يكون مقصودها في العبادات الرئاء والسمعة وأن تجرها العبادة إلى العجب فلا يعتمدون عليها.

والإشفاق الخوف وإشفاقهم من السيئات وإن تابوا منها لاحتمال عدم قبول توبتهم ومن الحسنات لاحتمال عدم القبول لاختلال بعض الشرائط وشوب النية أو للأعمال السيئة وقد قال الله عز وجل « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (١).

إذا زكي أحدهم التزكية المدح وخوفهم من الوقوع في العجب والاتكال على العمل وسؤال عدم المؤاخذة لذلك ويحتمل أن يكون كناية عن عدم الرضا بما يقولون والتبري من التزكية وظن البراءة بالنفس فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.

واجعلني أفضل مما يظنون أي وفقني لدرجة فوق ما يظنون بي من حسن العمل والقبول.

وقال ابن أبي الحديد : قد قاله لقوم مر عليهم وهم مختلفون في أمره فمنهم الحامد له ومنهم الذام فقال عليه السلام اللهم إن كان ما يقوله الذامون

__________________

(١) المائدة : ٢٧.


حقا فلا تؤاخذني به وإن كان ما يقوله الحامدون حقا فاجعلني أفضل مما يظنون.

فمن علامة أحدهم أنك ترى له في بعض النسخ لهم فالضمير راجع إلى معنى أحدهم والقوة في الدين أن لا يتطرق إلى الإيمان الشك والشبهات وإلى الأعمال الوساوس والخطرات أو أن لا يدرك العزم في الأمور الدينية ونى ولا فتور للوم وغيره قال تعالى « يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » (١).

والحزم بالفتح ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة والحذر من فواته وكأن المعنى أنه لا يصير حزمه سببا لخشونته بل مع الحزم يداري الخلق ويلاينهم.

والقصد : التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وترك الإسراف والتقتير أي يقتصد في حال الغنى أو في تحصيل الغنى أو في الإنفاق مع غنى النفس والتجمل التزين وتكلف الجميل وإظهاره والتجمل في الفاقة سلوك مسلك الأغنياء والمتجملين في حال الفقر وذلك بترك الشكوى إلى الخلق والابتهاج بما أعطى الله وإظهار الغنى عن الخلق أو التجمل والتزين في الفاقة بما أمكن وعدم إظهار الفاقة للناس إلا ما لا يمكن ستره أو زائدا على ما هو الواقع كالفقراء الطامعين فيما في أيدي الناس.

والصبرفي الشدة الصبر على شدة الفقر أو العبادة أو المصائب أو الأعم والطلب في الحلال الكسب من غير الطرق التي نهي عنها والنشاط بالفتح طيب النفس للعمل وغيره والهدى الرشاد والدلالة أي ينشط لهداية الناس أو لاهتدائه في نفسه والتحرج التأثم والمعنى جعل الطمع حرجا وعده إثما وعيبا.

وقال ابن أبي الحديد : حرف الجر في بعض هذه المواضع يتعلق بالظاهر

__________________

(١) المائدة : ٥٤.


فيكون موضعه نصبا بالمفعولية وفي بعضها يتعلق بمحذوف فيكون موضعه أيضا نصبا على الصفة ففي قوله في دين يتعلق بالظاهر أي قوة يقال فلان قوي في كذا وعلى كذا وفي لين يتعلق بمحذوف أي حزما كائنا في لين وفي يقين وفي علم يتعلق بالظاهر وفي بمعنى على كقوله تعالى « وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ » (١) وفي غنى يتعلق بمحذوف وفي عبادة يحتمل الأمرين وفي فاقة بمحذوف وفي شدة يحتمل الأمرين وفي حلال يتعلق بالظاهر وفي بمعنى اللام وفي هدى يحتملهما وعن طمع بالظاهر.

والوجل الخوف وخوفهم من التقصير في العمل كما أو كيفا أو من عذاب الله إشارة إلى قوله سبحانه « يُؤْتُونَ ما آتَوْا » الآية (٢) والهم أول العزم وما قصده الإنسان وأضمره في نفسه وكأن تخصيص الشكر بالمساء لأن الرزق وإفاضة النعم والفوز بالمكاسب يكون في اليوم غالبا وتخصيص الذكر بالصباح لأن الشواغل عن الذكر في اليوم أكثر وكل يوم كأنه وقت استئناف العمل.

والحذر والفرح ككتف صفتان من الحذر والفرح بالتحريك والمراد بالفضل والرحمة التوفيق والهداية أو ما يشمل النعم الدنيوية وهذا الفرح يعود إلى الشكر وقال بعض الشارحين ليس المقصود تخصيص البيات بالحذر والصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا يمسي ويصبح حذرا فرحا وكذلك تخصيص الشكر بالمساء والذكر بالصباح ويحتمل أن لا يكون مقصودا.

والصعب نقيض الذلول واستصعبت على فلان دابته أي صعبت واستصعبت عليه نفسه أي لم تطعه في العبادات المكروهة للنفس وترك المعاصي لأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.

__________________

(١) طه : ٧١.

(٢) المؤمنون : ٦٠.


ولم يعطها سؤلها فيما تحب أي لم يطاوع النفس فيما تريده من هذا الأمر الذي استصعبت عليه أو في غيره من اللذات لتنقاد وتترك الاستصعاب إذ إطاعة النفس في لذاتها توجب طغيانها وقوتها في الباطل وبعدها عن الله ولذا ترى القوة على العبادة في المرتاضين ومن أنحلتهم العبادة أكثر منها في الأقوياء والمترفين بالنعم.

وقرت عين فلان وأقر الله عينه كفر وعض أي سر وفرح ومعناه أبرد الله دمعة عينه لأن دمعة الفرح والسرور باردة ودمعة الحزن حارة وقيل معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره وقيل معناه أبرد الله عينك بأن ينقطع بكاؤها وقرة عين كل أحد مأموله ومنتهى رضاه.

وما لا يزول ما عند الله والدار الآخرة وما لا يبقى الدنيا وزخارفها يمزج الحلم بالعلم أي يحلم للعلم بفضله لا لضعف النفس وعدم المبالاة بما قيل له أو فعل به أو لا يطيش في المحاورات والمباحثات مع أنه يقول عن علم وقيل المراد بالحلم العقل أي يتعلم عن تفكر وتدبر ولا يعتمد على الظنون والآراء الواهية أو يتفكر فيما علم ويحفظه حتى يتمكن في قلبه والقول بالعمل أي إذا أمر الناس بمعروف أو نهاهم عن منكر عمل به أو يفي بالوعد أو يقرن الإيمان بالأعمال الصالحة أو يجمع بين القول الجميل والفعل الحسن.

والنزر والمنزور القليل والأكل كعنق الحظ من الدنيا وفي بعض النسخ أكله بالفتح أي لا يمتلئ من الطعام لأنه من أسباب الكسل عن العبادة وكثرة النوم والحرز الموضع الحصين وحرز حريز كحصن حصين وحرزه كنصره حفظه والمراد عدم إهماله في أمر دينه وعدم تطرق الخلل إليه والمأمول المرجو.

إن كان في الغافلين لعل الغرض من القرينتين أنه لا يزال ذاكرا لله سواء كان مع الغافلين أو مع الذاكرين أما إذا كان في الغافلين فيذكر الله


بقلبه أو بلسانه أيضا فيصير سببا لذكرهم أيضا فيكتب أنه في الذاكرين.

وقوله عليه السلام لم يكتب من الغافلين كأنه تفنن في العبارة أو المعنى أنه ليس ذكره بمحض اللسان ليكتب من الغافلين بل قلبه أيضا مشغول بذكره تعالى.

والغالب في الصلة والقطع الاستعمال في الرحم وقد يستعملان في الأعم أيضا.

وبعيدا عود إلى السياق السابق والجمل معترضة أو حال عن فاعل يصل وقد يعبر بالبعد عن العدم وكذلك الغيبة والحضور والإقبال والإدبار ويحتمل القلة فإن التقوى غير العصمة ويمكن أن يراد بالإقبال الازدياد وبالإدبار الانتقاص أي لا يزال يسعى فيزداد خيره وينتقص شره.

وقال الوالد رحمه‌الله يمكن أن يراد بالمعروف والمنكر الإحسان والإساءة إلى الخلق.

والزلازل الشدائد والوقور فعول من الوقار بالفتح وهو الحلم والرزانة والرخاء سعة العيش والحيف الجور والظلم والمراد بالإثم الميل عن الحق والغرض أنه لا يترك الحق للعداوة والمحبة إذا كان حاكما أو لا يجور على العدو ولا يساعد المحب بما يخرج عن الحق.

لا يضيع ما استحفظ أي ما أودع عنده من الأموال والأسرار والتضييع في الأول بالخيانة والتفريط وفي الثانية بالإذاعة والإفشاء ويحتمل شموله لما استحفظه الله من دينه وكتابه ولا ينسى ما ذكر أي ما أمر بتذكره من آيات الله وعبره وأمثاله أو الأعم منها ومن أحكام الله والموت والمصير إلى الله وأهوال الآخرة.

والنبز بالتحريك اللقب قيل وكثر فيما كان ذما والمنابزة والتنابز التعاير والتداعي بالألقاب والمضارة الإضرار والجار المجاور في السكنى ومن آجرته من أن يظلم وشمت كفرح شماتة بالفتح أي فرح ببلية العدو لا يدخل في الباطل أي في مجالس الفسق واللهو والفساد أو المراد عدم ارتكاب الباطل وكذا


الخروج من الحق أي من مجالسه أو عدم ترك الحق.

لم يغمه صمته لعلمه بمفاسد الكلام وعدم التذاذه بالباطل من القول أو لاشتغال قلبه حين الصمت بذكر الله لم يعل صوته أي لا يشتد صوته أو يكتفي بالتبسم إذ الخروج عنه يكون غالبا بالضحك بالصوت العالي والواسطة نادرة وأراح الناس لاشتغاله بنفسه والزهد خلاف الرغبة وكثيرا ما يستعمل في عدم الرغبة في الدنيا والنزاهة بالفتح التباعد عن كل قدر ومكروه وإنما كان تباعده زهدا ونزاهة لأنه إنما يرغب عن أهل الدنيا وأهل الباطل وقيل نزاهة عن تدنس العرض.

والخديعة ككريهة الاسم من خدعه أي ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم وصعق كسمع أي غشي عليه من صوت شديد سمعه أو من غيره وربما مات منه كانت نفسه فيها أي مات بها ويحتمل أن يراد بالصعقة الصيحة كما هو الغالب في هذا المقام ويراد بكون نفسه فيها خروج روحه بخروجها وويح كلمة رحمة ويستعمل في التعجب كما مر مرارا والتلطف في مثل هذا المقام من قبيل الإحسان إلى من أساء وقد مر الكلام في هذا المقام وفي بعض ما تقدم في شرح رواية الكافي (١) فلا نعيده.

وأقول : روي في تحف العقول أيضا مثله (٢).

وأقول : لما سلك قدوة المحققين ابن ميثم البحراني في شرح هذا الحديث مسلكا آخر أردت إيراده ليطلع الناظر في كتابنا على أكثر ما قيل في ذلك فأوردته.

قال قدس‌سره وصف عليه السلام المتقين بالوصف المجمل فقال فالمتقون فيها هم أهل الفضائل أي الذين استجمعوا الفضائل المتعلقة بإصلاح قوتي العلم والعمل ثم شرع في تفصيل تلك الفضائل ونسقها.

فالأولى : الصواب في القول وهو فضيلة العدل المتعلقة باللسان وحاصله

__________________

(١) بل سيجيء في آخر الباب.

(٢) تحف العقول : ١٥٤ ـ ١٥٨ ط اسلامية.


أن لا يسكت عما ينبغي أن يقال فيكون مفرطا ولا يقول ما ينبغي أن يسكت عنه فيكون مفرطا بل يضع كلا من الكلام في موضعه اللائق به وهو أخص من الصدق لجواز أن يصدق الإنسان فيما لا ينبغي من القول.

الثانية : وملبسهم الاقتصاد وهو فضيلة العدل في الملبوس فلا يلبس ما يلحقه بدرجة المترفين ولا يلحقه بأهل الخسة والدناءة مما يخرج به عن عرف الزاهدين في الدنيا.

الثالثة : مشي التواضع والتواضع ملكة تحت العفة يعود إلى العدل بين رذيلتي المهانة والكبر ومشي التواضع مستلزم للسكون والوقار.

الرابعة غض الأبصار عما حرم الله وهو ثمرة العفة.

الخامسة وقوفهم أسماعهم على سماع العلم النافع وهو فضيلة العدل في قوة السمع والعلوم النافعة ما هو كمال القوة النظرية من العلم الإلهي وما يناسبه وما هو كمال للقوة العملية وهي الحكمة العملية.

السادسة نزول أنفسهم منهم في البلاء كنزولها في الرخاء أي لا تقنط من بلاء ينزل بها ولا تبطر برخاء يصيبها بل مقامها في الحالين مقام الشكر والذي صفة مصدر محذوف والضمير العائد إليه محذوف أيضا والتقدير نزلت كالنزول الذي نزلته في الرخاء ويحتمل أن يكون المراد بالذي الذين فحذف النون كما في قوله تعالى « كَالَّذِي خاضُوا » (١) ويكون المقصود تشبيههم حال نزول أنفسهم منهم في البلاء بالذي نزلت أنفسهم منهم في الرخاء والمعنى واحد.

السابعة غلبة الشوق إلى ثواب الله والخوف من عقابه على نفوسهم إلى غاية أن أرواحهم لا تستقر في أجسادهم من ذلك لو لا الآجال التي كتبت لهم وهذا الشوق والخوف إذا بلغ إلى حد الملكة فإنه يستلزم دوام الجد في العمل والإعراض عن الدنيا ومبدؤهما تصور عظمة الخالق وبقدر ذلك يكون تصور عظمة وعده ووعيده وبحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الخوف والرجاء

__________________

(١) براءة : ٧٠.


وهما بابان عظيمان للجنة.

الثامنة عظم الخالق في أنفسهم وذلك بحسب الجواذب الإلهية إلى الاستغراق في محبته ومعرفته وبحسب تفاوت تصور عظمته تعالى يكون تصورهم لأصغرية ما دونه ونسبته إليه في أعين بصائرهم.

وقوله فهم والجنة كمن قد رآها إلى قوله معذبون إشارة إلى أن العارف وإن كان في الدنيا بجسده فهو في مشاهدته بعين بصيرته لأحوال الجنة وسعادتها وأحوال النار وشقاوتها كالذين شاهدوا الجنة بعين حسهم وتنعموا فيها وكالذين شاهدوا النار وعذبوا فيها وهي مرتبة عين اليقين فبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلى الجنة وشدة خوفهم من النار.

التاسعة حزن قلوبهم وذلك ثمرة الخوف الغالب.

العاشرة كونهم مأموني الشرور وذلك أن مبدأ الشرور محبة الدنيا وأباطيلها والعارفون بمعزل عن ذلك.

الحادية عشر نحافة أجسادهم ومبدأ ذلك كثرة الصيام والسهر وجشوبة المطعم وخشونة الملبس وهجر الملاذ الدنيوية.

الثانية عشر خفة حاجاتهم وذلك لاقتصارهم من حوائج الدنيا على القدر الضروري من ملبس ومأكل ولا أخف من هذه الحاجة.

الثالثة عشر عفة أنفسهم وملكة العفة فضيلة القوة الشهوية وهي الوسط بين رذيلتي خمود الشهوة والفجور.

الرابعة عشر الصبر على المكاره أيام حياتهم من ترك الملاذ الدنيوية واحتمال أذى الخلق وقد عرفت أن الصبر مقاومة النفس الأمارة بالسوء لئلا ينقاد إلى قبائح اللذات وإنما ذكر قصر مدة الصبر واستعقابه للراحة الطويلة ترغيبا فيه وتلك الراحة بالسعادة في الجنة كما قال تعالى « وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً » (١) الآية وقوله تجارة مربحة استعار لفظ التجارة لأعمالهم الصالحة

__________________

(١) الإنسان : ١٢.


وامتثال أوامر الله ووجه المشابهة كونهم متعوضين بمتاع الدنيا وبحركاتهم في العبادة متاع الآخرة ورشح بلفظ الربح لأفضلية متاع الآخرة وزيادته في النفاسة على ما تركوه وظاهر أن ذلك بتيسير الله لأسبابه وإعدادهم له بالجواذب الإلهية.

الخامسة عشر عدم إرادتهم للدنيا مع إرادتها لهم وهو إشارة إلى الزهد الحقيقي وهو ملكة تحت العفة وكنى بإرادتها لهم عن كونهم أهلا لأن يكونوا فيها رءوسا وأشرافا كقضاة ووزراء ونحو ذلك وكونها بمعرض أن تصل إليهم لو أرادوها ويحتمل أن يريد أرادهم أهل الدنيا فحذف المضاف.

السادسة عشر افتداء من أسرته لنفسه منها وهو إشارة إلى من تركها وزهد فيها بعد الانهماك فيها والاستمتاع بها ففك بذلك الترك والإعراض والتمرن على طاعة الله أغلال الهيئات الردية المتلبسة منها عن عنقه ولفظ الأسر استعارة في تمكن تلك الهيئات من نفوسهم ولفظ الفدية استعارة لتبديل ذلك الاستمتاع بها بالإعراض عنها والمواظبة على طاعة الله وإنما عطف بالواو في قوله ولم يريدوها وبالفاء في قوله ففدوا لأن زهد الإنسان في الدنيا كما يكون متأخرا عن إقبالها عليه كذلك قد يكون متقدما عليه لقوله صلى الله عليه واله ومن جعل الآخرة أكبر همه جمع الله عليه همه وأتته الدنيا وهي راغمة فلم يحسن العطف هنا بالفاء وأما الفدية فلما لم يكن إلا بعد الأسر لا جرم عطفها بالفاء.

السابعة عشر كونهم صافين أقدامهم بالليل يتلون القرآن ويرتلونه إلى قوله آذانهم وذلك إشارة إلى تطويع نفوسهم الأمارة بالسوء بالعبادات وشرح لكيفية استيثارهم للقرآن العزيز في تلاوته وغاية ترتيلهم له بفهم مقاصده وتحزينهم لأنفسهم به عند ذكر الوعيدات من جملة استيثارهم لدواء دائهم ولما كان داؤهم هو الجهل وسائر الرذائل العملية كان دواء الجهل بالعلم ودواء كل رذيلة الحصول على الفضيلة المضادة لها فهم بتلاوة القرآن يستثيرون بالتحزين الخوف عن وعيد الله المضاد للانهماك في الدنيا وداؤه العلم الذي هو دواء الجهل وكذلك كل فضيلة حث القرآن عليها فهي دواء لما يضادها من الرذائل وباقي الكلام شرح


لكيفية التحزين والتشويق.

وقوله فهم حانون على أوساطهم ذكر لكيفية ركوعهم وقوله مفترشون لجباههم إلى قوله أقدامهم إشارة إلى كيفية سجودهم وذكر الأعظم السبعة وقوله يطلبون إلى قوله رقابهم إشارة إلى غايتهم من عبادتهم تلك.

الثامنة عشر من صفاتهم بالنهار كونهم حكماء وأراد الحكمة الشرعية وما فيها من كمال القوة العلمية والعملية لكونها المتعارفة بين الصحابة والتابعين وروي حلماء والحلم فضيلة تحت ملكة الشجاعة هي الوسط بين رذيلتي المهانة والإفراط في الغضب وإنما خص الليل بالصلاة لكونها أولى بها من النهار.

التاسعة عشر كونهم علماء وأراد كمال القوة النظرية بالعلم النظري وهو معرفة الصانع وصفاته.

العشرون كونهم أبرارا والبر يعود إلى العفيف لمقابلته الفاجر.

الحادية والعشرون كونهم أتقياء والمراد بالتقوى هاهنا الخوف من الله وقد مر ذكر العفة والخوف وإنما كررهما هنا في عداد صفاتهم بالنهار وذكرها هناك في صفاتهم المطلقة وقوله وقد براهم الخوف إلى قوله عظيم شرح لفعل الخوف الغالب بهم وإنما يفعل الخوف ذلك لاشتغال النفس المدبرة للبدن به عن النظر في صلاح البدن ووقوف القوة الشهوية والغاذية عن أداء بدل ما يتحلل وشبه بري الخوف لهم ببري القداح ووجه التشبيه شدة النحافة ويتبع ذلك تغير السحنات (١) والضعف عن الانفعالات النفسانية من الخوف والحزن حتى يحسبهم الناظر مرضى وإن لم يكن بهم مرض.

ويقول قد خولطوا وذلك إشارة إلى ما يعرض لبعض العارفين عند اتصال نفسه بالملإ الأعلى واشتغالها عن تدبير البدن وضبط حركاته أن يتكلم بكلام خارج عن المتعارف يستبشع بين أهل الشريعة الظاهرة فينسب ذلك منه إلى الاختلاط

__________________

(١) السحنة ـ بالتحريك ـ الهيئة واللون ، ولين البشرة والنعمة.


والجنون وتارة إلى الكفر والخروج عن الدين وقوله ولقد خالطهم أمر عظيم هو اشتغال أسرارهم بملاحظة جلال الله ومطالعة أنوار الملإ الأعلى.

الثانية والعشرون كونهم لا يرضون من أعمالهم القليل إلى قوله الكبير وذلك لتصورهم شرف غايتهم المقصودة بأعمالهم وقوله فهم لأنفسهم متهمون إلى قوله ما لا يعلمون فتهمتهم لأنفسهم وخوفهم من أعمالهم يعود إلى شكهم فيما يحكم به أوهامهم من حسن عبادتهم وكونها مقبولة أو واقعة على الوجه المطلوب الموصل إلى الله تعالى فإن هذا الوهم يكون مبدأ للعجب بالعبادة والتقاصر عن الازدياد عن العمل والتشكك في ذلك وتهمة النفس بانقيادها في ذلك الحكم للنفس الأمارة يستلزم خوفها أن يكون تلك الأعمال قاصرة عن الوجه المطلوب وغير واقعة عليه وذلك باعث على العمل وكاسر للعجب به وقد عرفت أن العجب من المهلكات كما قال عليه السلام ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.

وكذلك خوفهم من تزكية الناس لهم هو الدواء لما ينشأ من تلك التزكية من الكبر والعجب بما يزكون به فيكون جواب أحدهم عند تزكيته أني أعلم بنفسي من غيري إلى آخره.

ثم شرع عليه السلام بعد ذلك في علاماتهم التي بجملتها يعرف أحدهم والصفات السابقة وإن كان كثير منها مما يخص أحدهم ويعرف به إلا أن بعضها قد يدخله الرياء فلا يدل على التقوى الحقة فجمعها هاهنا ونسقها.

فالأولى القوة في الدين وذلك أن يقاوم في دينه الوسواس الخناس ولا يدخل فيه خداع الناس وهذا إنما يكون في الدين العالم.

الثانية الحزم في الأمور الدنيوية والدينية والتثبت فيها ممزوجا باللين للخلق وعدم الفضاضة عليهم كما في المثل لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتلفظ (١)

__________________

(١) ذكره الجوهري في « سرط » ( الصحاح ص ١١٣٠ ) ولفظه : لا تكن حلوا فتسترط ولا مرا فتعقى » وتعقى بمعنى تلفظ من قولهم : أعقيت الشيء : إذا أزلته من فيك لمرارته


وهي فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق وقد علمت أن اللين قد يكون للتواضع المطلوب بقوله « وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (١) وقد يكون من مهانة وضعف يقين والأول هو المطلوب وهو المقارن للحزم في الدين ومصالح النفس والثاني رذيلة ولا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل جاذب.

الثالثة الإيمان في اليقين ولما كان الإيمان عبارة عن التصديق بالصانع وبما وردت به الشريعة وكان ذلك التصديق قابلا للشدة والضعف فتارة يكون عن التقليد وهو الاعتقاد المطابق لا لموجب وتارة يكون عن العلم وهو الاعتقاد المطابق لموجب هو الدليل وتارة عن العلم به مع العلم بأنه لا يكون إلا كذلك وهو علم اليقين ومحققو السالكين لا يقفون عند هذه المرتبة بل يطلبون بعين اليقين بالمشاهدة بعد طرح حجب الدنيا والإعراض عنها أراد أن علمهم علم اليقين لا يتطرق إليه احتمال.

الرابعة الحرص في العلم والازدياد منه.

الخامسة مزج العلم وهو فضيلة القوة الملكية بالحلم وهو من فضائل القوة السبعية.

السادسة القصد في الغنى وهو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا وحذف الفضول عن قدر الضرورة.

السابعة الخشوع في العبادة وهو من ثمرة الفكر في جلال المعبود وملاحظة عظمته الذي هو روح العبادة.

__________________

كما يقال : أشكيت الرجل : إذا أزلته عما يشكوه.

وهكذا ذكره الميداني في مجمع الامثال تحت الرقم ٣٦٠٤ ج ٢ ص ٢٣٢ : وقال : الاستراط : الابتلاع ، والاعقاء : أن تشتد مرارة الشيء حتى يلفظ لمرارته وبعضهم يروى « فتعقى » بوزن فتسترط والصواب كسر القاف : يقال : أعقى الشيء ، والمعنى لا تتجاوز الحد في المرارة فترمى ، ولا في الحلاء فتبلع ، أي كن متوسطا.

(١) الشعراء : ١١٥.


الثامنة التجمل في الفاقة وذلك بترك الشكوى إلى الخلق والطلب منهم وإظهار الغنى عنهم وينشأ عن القناعة والرضا وعلو الهمة ويعين على ذلك ملاحظة الوعد العاجل وما أعد للمتقين.

التاسعة وكذلك الصبر في الشدة.

العاشرة الطلب في الحلال وينشأ عن العفة.

الحادية عشر النشاط في الهدى وسلوك سبيل الله وينشأ عن قوة الاعتقاد فيما وعد المتقون وتصور شرف الغاية.

الثانية عشر عمل الصالحات على وجل أي من أن يكون على غير الوجه اللائق فلا يقبل كما روي عن زين العابدين عليه السلام أنه كان في التلبية وهو على راحلته وخر مغشيا عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال خشية أن يقول لي لا لبيك ولا سعديك.

الثالثة عشر أن يكون همهم عند المساء الشكر على ما رزقوا بالنهار وما لم يرزقوا ويصبحوا وهمهم الذكر لله ليذكرهم الله فيرزقهم من الكمالات النفسانية والبدنية كما قال تعالى « فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ » (١).

الرابعة عشر أن يبيت حذرا ويصبح فرحا وقوله حذرا إلى قوله الرحمة تفسير للمحذور وما به الفرح وليس مقصوده تخصيص البيات بالحذر والصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا يمسي فلان ويصبح حذرا فرحا وكذلك تخصيصه الشكر بالمساء والذكر بالصباح يحتمل أن لا يكون مقصودا.

الخامسة عشر إن استصعبت إلى قوله تحب إشارة إلى مقاومته لنفسه الأمارة بالسوء عند استصعابها عليه وقهره لها على ما تكره وعدم متابعته لها في ميولها الطبيعية ومحابها.

السادسة عشر أن يرى قرة عينه فيما لا يزول أي من الكمالات النفسانية الباقية كالعلم والحكمة ومكارم الأخلاق المستلزمة للذات الباقية والسعادة

__________________

(١) البقرة : ١٥٢.


الدائمية وقرة عينه كناية عن لذته وابتهاجه لاستلزامهما لقرار العين وبردها برؤية المطلوب وزهادته فيما لا يبقى من متاع الدنيا.

السابعة عشر أن يمزج العلم بالحلم فلا يجهل ويطيش والقول بالعمل فلا يقول ما لا يفعل فلا يأمر بمعروف فيقف دونه ولا ينهى عن منكر ثم يفعله ولا يعد فيخلف فيدخل في مقت الله كما قال تعالى « كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ » (١).

الثامنة عشر قصر أمله وقربه وذلك لكثرة ذكر الموت والوصول إلى الله.

التاسعة عشر قلة زلله وقد عرفت أن زلل العارفين يكون من باب ترك الأولى لأن صدور الخيرات عنهم صار ملكة والجواذب فيهم إلى الزلل والخطيئات نادرة تكون لضرورة منهم أو سهو ولا شك في قلته.

العشرون خشوع قلبه عن تصور عظمة المعبود.

الحادية والعشرون قناعة نفسه وينشأ عن ملاحظة حكمة الله في قدرته وقسمته الأرزاق ويعين عليها تصور فوائدها الحاضرة وغايتها في الآخرة.

الثانية والعشرون قلة أكله وذلك لما يتصور في البطنة من ذهاب الفطنة وزوال الرقة وحدوث القسوة والكسل عن العمل.

الثالثة والعشرون سهولة أمره أي لا يتكلف لأحد ولا يكلف أحدا.

الرابعة والعشرون حرز دينه فلا يهمل منه شيئا ولا يطرق إليه خللا.

الخامسة والعشرون موت شهوته ولفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه ويعود إلى العفة.

السادسة والعشرون كظم غيظه وهو من فضائل القوة الغضبية.

السابعة والعشرون كونه مأمول الخير وذلك لأكثرية خيريته مأمون الشرور وذلك لعلم الخلق بعدم قصده للشرور.

الثامنة والعشرون قوله إن كان من الغافلين إلى قوله الغافلين أي إن رآه

__________________

(١) الصف : ٣.


الناس في أعداد الغافلين عن ذكر الله لتركه الذكر باللسان كتب عند الله من الذاكرين لاشتغال قلبه بالذكر وإن تركه بلسانه وإن كان من الذاكرين بلسانه بينهم فظاهر أنه لا يكتب من الغافلين ولذكر الله ممادح كثيرة وهو باب عظيم من أبواب الجنة والاتصال بجناب الله وقد أشرنا إلى فضيلته وأسراره.

التاسعة والعشرون عفوه عمن ظلمه والعفو فضيلة تحت الشجاعة وخص من ظلمه ليتحقق عفوه مع قوة الداعي إلى الانتقام.

الثلاثون ويعطي من حرمه وهي فضيلة تحت السخاء.

الحادية والثلاثون ويصل من قطعه والمواصلة فضيلة تحت العفة.

الثانية والثلاثون بعد فحشه وأراد ببعد الفحش عنه أنه قلما يخرج في أقواله إلى ما لا ينبغي.

الثالثة والثلاثون لينه في القول عند محاورات الناس ووعظهم ومعاملتهم وهو من أجزاء التواضع.

الرابعة والثلاثون غيبة منكره وحضور معروفه وذلك للزومه حدود الله.

الخامسة والثلاثون إقبال خيره وإدبار شره وهو كقوله الخير منه مأمول والشر منه مأمون ويحتمل بإقبال خيره أخذه في الازدياد من الطاعة وتشميره فيها وبقدر ذلك يكون إدباره عن الشر لأن من استقبل أمرا وسعى فيه بعد عما يضاده وأدبر عنه.

السادسة والثلاثون وقاره في الزلازل وكنى بها عن الأمور العظام والفتن الكبار المستلزمة لاضطراب القلوب وأحوال الناس والوقار ملكة تحت الشجاعة.

السابعة والثلاثون كثرة صبره في المكاره وذلك عن ثباته وعلو همته عن أحوال الدنيا.

الثامنة والثلاثون كثرة شكره في الرخاء وذلك لمحبته المنعم الأول جلت قدرته فيزداد شكره في رخائه وإن قل.

التاسعة والثلاثون كونه لا يحيف على من يبغض وهو سلب للحيف والظلم


مع قيام الداعي إليهما وهو البغض لمن يتمكن من حيفه وظلمه.

الأربعون كونه لا يأثم فيمن يحب وهو سلب لرذيلة الفجور عنه باتباع الهوى فيمن يحب إما بإعطائه ما لا يستحق أو دفع ما يستحق عليه عنه كما يفعله قضاة السوء وأمراء الجور فالمتقي لا يأثم بشيء من ذلك مع قيام الداعي إليه وهو المحبة لمن يحبه بل يكون على فضيلة العدل في الكل على السواء.

الحادية والأربعون اعترافه بالحق قبل أن يشهد عليه وذلك لتحرزه في دينه من الكذب إذ الشهادة إنما يحتاج إليها مع إنكار الحق وذلك كذب.

الثانية والأربعون كونه لا يضيع أماناته ولا يفرط فيما استحفظه الله من دينه وكتابه وذلك لورعه ولزوم حدود الله.

الثالثة والأربعون ولا ينسى ما ذكر من آيات الله وعبره وأمثاله ولا يترك العمل بها وذلك لمداومة ملاحظتها وكثرة إخطارها بباله والعمل بها لعنايته المطلوبة منه.

الرابعة والأربعون ولا ينابز بالألقاب وذلك لملاحظته النهي في الذكر الحكيم « وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ » (١) ولسر ذلك النهي وهو كون ذلك مستلزما لإثارة الفتن والتباغض بين الناس والفرقة المضادة لمطلوب الشارع.

الخامسة والأربعون ولا يضار بالجار لملاحظة وصية الله تعالى به « وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ » (٢) ووصية رسول الله صلى الله عليه واله في المرفوع إليه أوصاني ربي بالجار حتى ظننت أنه يورثه ولغاية ذلك وهي الألفة والاتحاد في الدين.

السادسة والأربعون ولا يشمت بالمصائب وذلك لعلمه بأسرار القدر وملاحظته لأسباب المصائب وأنه في معرض أن تصيبه فيتصور أمثالها في نفسه فلا يفرح بنزولها على غيره.

السابعة والأربعون أنه لا يدخل في الباطل ولا يخرج عن الحق أي لا يدخل

__________________

(١) الحجرات : ١١.

(٢) النساء : ٣٦.


فيما يبعد عن الله تعالى من باطل الدنيا ولا يخرج عما يقرب إليه من مطالبه الحقة وذلك لتصور شرف غايته.

الثامنة والأربعون كونه لا يغمه صمته لوضعه كلا من الصمت والكلام في موضعه وإنما يستلزم الغم الصمت عما ينبغي من القول وهو صمت في غير موضعه.

التاسعة والأربعون كونه لا يعلو ضحكه وذلك لغلبة ذكر الموت وما بعده على قلبه ومما نقل من صفات الرسول صلى الله عليه واله كان أكثر ضحكه التبسم وقد يفتر أحيانا ولم يكن من أهل القهقهة والكركرة وهما كيفيتان للضحك.

الخمسون صبره في البغي عليه إلى غاية انتقام الله له وذلك منه نظرا إلى ثمرة الصبر إلى الوعد الكريم « ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ » (١) الآية وقوله « وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » (٢).

الحادية والخمسون كون نفسه منه في عناء أي نفسه الأمارة بالسوء لمقاومته لها وقهرها ومراقبته إياها والناس من أذاه في راحة لذلك.

الثانية والخمسون كون بعده عمن تباعد عنه لزهده فيما في أيدي الناس ونزاهته عنه لا عن كبر وتعظم عليهم وكذلك دنوه ممن دنا منه عن لين ورحمة منه لهم لا لمكر بهم وخديعة لهم عن بعض المطالب كما هو عادة الخبيث المكار وهذه الصفات والعلامات قد يتداخل بعضها ولكن تورد بعبارة أخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانيا مركبة مع غيرها (٣).

٥١ ـ لي : ابن الوليد عن الصفار عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام وكان عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن جوابه ثم قال له ويحك يا همام اتق الله وأحسن ، فإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا

__________________

(١) الحج : ٦٠.

(٢) النحل : ١٢٦.

(٣) شرح النهج لابن ميثم البحراني ص ٣٦٤ ـ ٣٦٩.


وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون.

فقال همام يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك بما خصك به وحباك وفضلك بما آتاك وأعطاك لما وصفتهم لي فقام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قائما على قدميه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال :

أما بعد فإن الله عز وجل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا لمعصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه منهم ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم وقسم بينهم معايشهم ووضعهم في الدنيا مواضعهم وإنما أهبط الله آدم وحواء عليه السلام من الجنة عقوبة لما صنعا حيث نهاهما فخالفاه وأمرهما فعصياه.

فالمتقون فيها هم أهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع خشعوا لله عز وجل بالطاعة فتهبوا (١) فهم غاضون أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العلم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت منهم في الرخاء رضا منهم عن الله بالقضاء ولو لا الآجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم ووضع ما دونه في أعينهم.

فهم والجنة كمن رآها فهم فيها متكئون وهم والدار كمن رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ومئونتهم من الدنيا عظيمة.

صبروا أياما قصارا أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها.

أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستترون به (٢) ويهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلوم جراحهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها

__________________

(١) فبهتوا خ ل.

(٢) فيستنيرون خ ل ، فيستثيرون خ ل ، فيستبشرون خ ل.


جلودهم ووجلت منها قلوبهم فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم.

وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت أنفسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم جاثين على أوساطهم يمجدون جبارا عظيما مفترشين جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم.

أما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء قد براهم الخوف فهم أمثال القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض أو يقول قد خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم إذا فكروا في عظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة فزع ذلك قلوبهم فطاشت حلومهم وذهلت عقولهم فإذا استقاموا (١) بادروا إلى الله عز وجل بالأعمال الزكية.

لايرضون لله بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون إن زكي أحدهم خاف ما يقولون ويستغفر الله مما لا يعلمون وقال أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون فإنك علام الغيوب وساتر العيوب.

ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا على العلم وفهما في فقه وعلما في حلم وكسبا في رفق وشفقة في نفقة وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتجملا في فاقة وصبرا في شدة ورحمة للمجهود وإعطاء في حق ورفقا في كسب وطلبا للحلال ونشاطا في الهدى وتحرجا عن الطمع وبرا في استقامة وإغماضا عند شهوة.

لا يغره ثناء من جهله ولا يدع إحصاء ما علمه مستبطئا لنفسه في العمل يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وشغله

__________________

(١) استفاقوا خ ل.


الذكر يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة إن استصعبت عليه نفسه لم يعطها سؤلها فيما فيه مضرته ففرحه فيما يخلد ويدوم وقرة عينه فيما لا يزول ورغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى.

يمزج العلم بالحلم ويمزج الحلم بالعقل تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله متوقعا أجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه خائفا ذنبه قانعة نفسه متغيبا جهله سهلا أمره حريزا لدينه ميتة شهوته كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره متينا صبره كثيرا ذكره محكما أمره.

لا يحدث بما يؤتمن عليه الأصدقاء ولا يكتم شهادته الأعداء ولا يعمل شيئا من الحق رئاء ولا يتركه حياء الخير منه مأمول والشر منه مأمون إن كان من الغافلين (١) كتب من الذاكرين وإن كان من الذاكرين (٢) لم يكتب من الغافلين.

يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه ولا يعزب حلمه ولا يعجل فيما يريبه ويصفح عما قد تبين له بعيدا جهله لينا قوله غائبا مكره قريبا معروفه صادقا قوله حسنا فعله مقبلا خيره مدبرا شره فهو في الزلازل وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور ولا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب ولا يدعي ما ليس له ولا يجحد حقا عليه يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه لا يضيع ما استحفظ ولا يتنابز بالألقاب لا يبغي على أحد ولا يهم بالحسد ولا يضر بالجار ولا يشمت بالمصائب سريع للصواب مؤد للأمانات بطيء عن المنكرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا يدخل في الأمور بجهل ولا يخرج عن الحق بعجز.

إن صمت لم يغمه الصمت وإن نطق لم يقل خطأ وإن ضحك لم يعد صوته سمعه قانعا بالذي قدر له لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح

__________________

(١) في الغافلين خ.

(٢) في الذاكرين خ.


ولا يطمع فيما ليس له يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم ويبحث ليعلم لا ينصت للخير ليفخر به ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له.

نفسه منه في عناء والناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه بعد من تباعد عنه بغض ونزاهة ودنو من دنا منه لين ورحمة (١) فليس تباعده بكبر ولا عظمة ولا دنوه لخديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير فهو إمام لمن خلفه من أهل البر.

قال فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين عليه السلام أما والله لقد كنت أخافها عليه وأمر به فجهز وصلى عليه وقال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها.

فقال قائل فما بالك أنت يا أمير المؤمنين فقال ويلك إن لكل أجلا لن يعدوه وسببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فإنه إنما نفث هذا القول على لسانك الشيطان (٢).

كتاب سليم بن قيس مثله.

توضيح : إنما كررنا ذكر هذه الخطبة الشريفة لئلا يفوت عن الناظر في الكتاب الفوائد التي اختصت كل رواية بها مع أنها المسك كلما كررته يتضوع.

بما خصك به من قرابة الرسول صلى الله عليه واله والاختصاص به وحباك أي أعطاك من الوصاية والخلافة بما آتاك من السوابق والمناقب وأعطاك من العلم والقرب ومكارم الأخلاق ويحتمل التعميم والتأكيد.

ولما إيجابية أي أسألك في جميع الأحوال إلا حال الوصف وهو حصول المطلوب وقد مر الكلام في تأويل معصية آدم وحواء عليه السلام وذكرها لبيان

__________________

(١) بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة ، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ، خ ل.

(٢) أمالي الصدوق ص ٣٤٠ المجلس : ٨٤.


فضيلة التقوى وذم خلافها وبيان سبب حصول بني آدم في الدنيا واحتياجهم إلى المعايش واختلافهم في المنازل الدينية والمراتب الدنيوية وحصول الشهوات فيهم وترقيهم في الكمالات لذلك.

فتهبوا أي نفضوا أيديهم عن الدنيا وتفرغوا للآخرة في النهاية يقال جاء يتهبى إذا جاء فارغا ينفض يديه.

ويحتمل أن يكون من هب فقلب الثاني (١) أي انتبهوا من نوم الغفلة وأسرعوا في الطاعة أو بليت أبدانهم لكثرة العبادة في القاموس الهب الانتباه من النوم ونشاط كل سائر وسرعته وتهبب الثوب بلي وفي بعض النسخ فبهتوا أي تحيروا في ملاحظة عظمة الله سبحانه أو يحسبهم الناس كذلك كما سيأتي.

ووضع ما دونه على بناء المفعول أي ذل وحط قدره أو على بناء المعلوم ككرم يقال في حسبه ضعة أي انحطاط ولؤم وخسة وقد وضع ككرم ووضعه غيره كذا في القاموس وفي بعض النسخ وصغر ومئونتهم من الدنيا عظيمة المئونة الثقل والقوت والتعب والشدة.

قال الجوهري (٢) المئونة يهمز ولا يهمز وهي فعولة وقال الفراء هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدة ويقال هو مفعلة من الأون وهو الخرج والعدل لأنه ثقل على الإنسان قال الخليل ولو كان مفعلة لكان مئينة مثل معيشة وعند الأخفش يجوز أن تكون مفعلة انتهى.

وأقول : تحتمل هذه الفقرة وجوها :

الأول أن يكون المعنى أن تعبهم ومشقتهم بسبب ترك الدنيا ومجاهدة النفس في الإعراض عنها عظيمة.

الثاني أن يكون المعنى أن الرزق مضيق عليهم لإعراضهم عن الحرام والشبهة ومكسب الحلال قليل مع أن أولياء الله غالبا مبتلون بالفقر فالعظيمة

__________________

(١) فان القياس كان أن يقال : فتهببوا.

(٢) الصحاح : ٢١٩٨.


بمعنى الشدة أو المئونة بمعنى التعب.

الثالث أن يراد أن ما يحصل لهم من القوت في الدنيا يعدونه عظيما ويشكرونه وإن كان قليلا.

الرابع أنهم لكثرة توسعهم على العيال وذوي الأرحام والفقراء مئونتهم كثيرة.

الخامس أن يكون المعنى أن بليتهم بسبب معاشرة الخلق وكثرة الأعادي وقلة من يؤنسهم ويوافقهم في الطريقة عظيمة.

السادس ما ذكره الوالد قدس‌سره أن المراد بمؤنتهم ما يكسبونه لزاد الآخرة من الطاعات والقربات والصدقات أي يأخذون حظا عظيما من الدنيا للآخرة.

ويحتمل وجوها أخر وكأنه لخفاء معناها أسقطها في النهج وفيما سيأتي في باب صفات الشيعة ومعونتهم في الإسلام عظيمة وهو أظهر.

وطلبتهم فأعجزوها أي عن أن تصل إليهم وتدركهم ويستترون به أي يخفونه عن الناس خوفا من الرئاء وفي بعض النسخ ويستبشرون به أي يفرحون بالحزن أو بالتلاوة شكرا لما وفقهم الله لذلك ويهيج أحزانهم كأنه على بناء التفعيل وبكاء فاعله وأحزانهم مفعوله ووجع عطف على بكاء أو على بناء المجرد وأحزانهم فاعله وبكاء منصوب على العلة ووجع عطف على ذنوبهم والكلوم كعلوم جمع الكلام بالفتح وهو الجرح والجراح جمع جراحة بالكسر فيهما والإضافة للتأكيد أو الجراح مصدر أي الجراحات التي حدثت من جراحاتهم لأنفسهم بالذنوب والمعاصي.

وفي النهاية : فيه ملأ الله مسامعه هي جمع مسمع وهو آلة السمع أو جمع سمع على غير قياس كمشابه وملامح والمسمع بالفتح خرقها انتهى وأبصارهم بالنصب عطف على مسامع أي أبصار قلوبهم أو بالجر عطفا على قلوبهم فالأبصار بمعنى البصائر والصهيل صوت الفرس شبه به صوت توقد النار لرفعته وشدته.


جاثين على أوساطهم الغالب في الجثو أن يطلق على الجلوس على الركبتين وقد يطلق على القيام على أطراف الأصابع والمراد هنا إما الجلوس على وجه الخضوع والنسبة إلى الأوساط على المجاز أو القيام كذلك أو الركوع بتضمين معنى الانحناء في القاموس جثا كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه وأجثاه غيره وهو جاث.

وفي بعض نسخ حانين كما في سائر الروايات وهو أظهر.

وفي القاموس مجده عظمه وأثنى عليه وقال جأر كمنع جأرا وجؤارا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث فزع على بناء التفعيل والإشارة إلى التفكر طاشت أي اضطربت وتحيرت في القاموس الطيش النزق والخفة طاش يطيش طيشا وذهاب العقل وجواز السهم الهدف وقال الحلم بالكسر الأناة والعقل والجمع أحلام وحلوم.

فإذا استقاموا أي استقامت أحوالهم وذهبت عنهم تلك الدهشة وفي بعض النسخ استفاقوا وهو أنسب في القاموس أفاق من مرضه رجعت الصحة إليه أو رجع إلى الصحة كاستفاق.

بالأعمال الزكية أي الطاهرة من الرياء وما يفسد العمل أو النامية والجزيل الكثير والعظيم وفهما في فقه الفقه بالكسر العلم بالشيء والفهم له والفطنة وغلب على علم الدين لشرفه ذكره الفيروزآبادي فالمعنى أن له فهما في علوم الدين أو يفهم ما يتفقه ولا يكتفي بظاهر التعلم وكسبا في رفق أي يكسب المال ولا يبالغ فيه وهو الإجمال في الطلب ويحتمل كسب العلم أيضا فالرفق عدم المجادلة والسفاهة وشفقة في نفقة الشفقة المبالغة في النصح والخوف فالمعنى أن له شفقة على المؤمنين مع الإنفاق عليهم أو أنه يخاف في النفقة أن تكون إسرافا أو يكون مكسبها حراما.

وفي النهاية يقال جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة وجهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا ورفقا في كسب كأنه تأكيد مع تفنن في العبارة أو في


الأول المقصود بالذات الكسب وفي الثاني الرفق أو في الأول المراد كسب العلم وفي الثاني كسب المال أو الرفق في أحدهما اللطف مع المعاملين وفي الآخر عدم المبالغة في الطلب ولا يبعد أن يكون كسبا في الأول تصحيف كيسا كما سيأتي.

وبرا في استقامة أي مع استقامة في الدين أو من غير تقتير وتبذير أو مداوما عليه أو يضعه في مواضعه والبر إما بر الوالدين أو الأعم والأخير أظهر وإغماضا عند شهوة أي يغمض عينه عن الحرام مع شهوته للنظر ويحتمل أن يكون الإغماض كناية عن الترك لما سيأتي في بعض انتهاء مكانه.

ما علمه أي من سيئاته بل يحصيها ويعدها على نفسه وفي بعض النسخ إحصاء علمه مستبطئا لنفسه أي يعدها بطيئة عن الأعمال الصالحة مقصرة فيها ويمزج الحلم بالعقل أي يحلم فيما يحكم العقل بحسنه فيه الأصدقاء فكيف الأعداء الأعداء فكيف الأصدقاء (١) ولا يتركه حياء لأنه لا حياء في الحق وفي القاموس العزوب الغيبة يعزب ويعزب والذهاب ولا يعجل فيما يريبه أي لا يعجل في أمر له شك في أنه يجوز له الدخول فيه أم لا حتى يستيقن ذلك أو إذا شك في صدور خيانة أو ضرر عن غيره لا يعجل في انتقامه حتى يتيقن ذلك وهذا أنسب بما بعده.

قال في النهاية الريب الشك وقيل هو الشك مع التهمة يقال رابني الشيء وأرابني بمعنى شككني وقيل أرابني في كذا أي شككني وأوهمني الريبة فيه فإذا استيقنته قلت رابني بغير ألف ومنه الحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك يروى بفتح الياء وضمها.

ويصفح عما قد تبين له أي من إساءة الناس وضررهم وفي القاموس

__________________

(١) يعني أنه « لا يحدث بما يؤتمن عليه الاصدقاء » فكيف الاعداء « ولا يكتم شهادته الاعداء » فكيف الاصدقاء.


بغى عليه يبغي بغيا علا وظلم وعدل عن الحق واستطال بعجزه أي بضعف النية وفتور العزم.

وفي القاموس جمح الفرس كمنع اعتز فارسه وغلبه ليسلم أي من شرور اللسان أو شرور الناس والبحث التفتيش والمراد أن إعادته السؤال لحسن الفهم ومزيد العلم لا للمراء وإظهار الفضل.

بعد من تباعد إضافة إلى المفعول وكذا دنو من دنا منه.

٥٢ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته فكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة (١).

بيان : لمن لزم بيته أي لم يخرج منه لتهييج شر وليس المراد ترك الخروج لطلب الرزق أو للعبادة كالجهاد وعيادة المرضى وتشييع الجنائز وقضاء حوائج المؤمنين ونحوها أو هو مختص ببعض أزمنة الفتن وأكل قوته أي اكتفى بما قدر الله له من قوته ولم يطلب أكثر من ذلك ولم يشترك في قوت غيره.

٥٣ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن القاسم بن عروة عن أبي العباس قال قال أبو عبد الله عليه السلام من سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن (٢).

بيان : حسنة أي حسنة نفسه أو أعم من أن يكون من نفسه أو من غيره ويؤيد الأول أن في بعض النسخ حسنته وسيئته كما سيأتي والسرور بالحسنة لا يستلزم العجب فإنه يمكن أن يكون عند نفسه مقصرا في الطاعة لكن يسر بأن لم يتركها رأسا وكان هذا أولى منازل الإيمان مع أن السرور الواقعي بالحسنة يستلزم السعي في الإتيان بكل حسنة والمساءة الواقعية بالسيئة تستلزم التنفر من كل سيئة والاهتمام بتركها وهذان من كمال الإيمان.

٥٤ ـ كتاب زيد الزراد : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام نخشى أن

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٣٥٣ الخطبة ص ١٧٤.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٢.


لانكون مؤمنين قال ولم ذاك فقلت وذلك أنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره ونجد الدينار والدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنين عليه السلام قال كلا إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون إذا لرفعنا الله إليه وأنكرتم الأرض وأنكرتم السماء.

بل والذي نفسي بيده إن في الأرض في أطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة ولو أن الدنيا بجميع ما فيها وعليها ذهبة حمراء على عنق أحدهم ثم سقط عن عنقه ما شعر بها أي شيء كان على عنقه ولا أي شيء سقط منها لهوانها عليهم فهم الخفي عيشهم المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض الخميصة بطونهم من الصيام الذبلة شفاههم من التسبيح العمش العيون من البكاء الصفر الوجوه من السهر فذلك سيماهم مثلا ضربه الله في الإنجيل لهم وفي التوراة والفرقان والزبور والصحف الأولى.

وصفهم فقال : « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ » (١) عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل هم البررة بالإخوان في حال العسر واليسر المؤثرون على أنفسهم في حال العسر كذلك وصفهم الله فقال « وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (٢) فازوا والله وأفلحوا.

إن رأوا مؤمنا أكرموه وإن رأوا منافقا هجروه إذا جنهم الليل اتخذوا أرض الله فراشا والتراب وسادا واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم من النار فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لا يشار إليهم بالأصابع

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) الحشر : ٩.


تنكبوا الطرق واتخذوا الماء طيبا وطهورا أنفسهم متعوبة وأبدانهم مكدودة والناس منهم في راحة.

فهم عند الناس شرار الخلق وعند الله خيار الخلق إن حدثوا لم يصدقوا وإن خطبوا لم يزوجوا وإن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفقدوا قلوبهم خائفة وجلة من الله ألسنتهم مسجونة وصدورهم وعاء لسر الله إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه نبذا وإن لم يجدوا له أهلا ألقوا على ألسنتهم أقفالا غيبوا مفاتيحها وجعلوا على أفواههم أوكية صلب صلاب أصلب من الجبال لا ينحت منهم شيء خزان العلم ومعدن الحكمة وتباع « النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ » أكياس يحسبهم المنافق خرسا عميا بلها وما بالقوم من خرس ولا عمى ولا بله.

إنهم لأكياس فصحاء علماء حلماء حكماء أتقياء بررة صفوة الله أسكتهم الخشية لله وأعيتهم ألسنتهم خوفا من الله وكتمانا لسره وا شوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم يا كرباه لفقدهم ويا كشف كرباه لمجالستهم اطلبوهم فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم وفزتم بهم في الدنيا والآخرة.

هم أعز في الناس من الكبريت الأحمر حليتهم طول السكوت وكتمان السر والصلاة والزكاة والحج والصوم والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم ومحبتهم يا « طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ » هم وارثو الفردوس خالدين فيها ومثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان وهم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان فذلك قول أهل النار « ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ » (١) فهم أشرار الخلق عندهم فيرفع الله منازلهم حتى يرونهم فيكون ذلك حسرة لهم في النار فيقولون « يا لَيْتَنا نُرَدُّ » (٢) فنكون مثلهم فلقد كانوا هم الأخيار وكنا نحن الأشرار فذلك حسرة لأهل النار.

بيان : إنكار الأرض والسماء أن يشاهدوا فيهما آثارا غريبة لم يروا فيهما

__________________

(١) ص : ٦٢.

(٢) الأنعام : ٢٧.


قبل ذلك فهم الخفي عيشهم أي يعيشون مختفين من الناس للخوف منهم أو لعدم موافقة طريقتهم لهم وكذا الانتقال من أرض إلى أخرى لذلك تنكبوا الطرق أي عدلوا عن الطرق العامرة لئلا يعرفهم الناس أو عن طرقهم ومسالكهم وأطوارهم واتخذوا الماء أي اكتفوا بالماء لتطييب أبدانهم بالغسل والغسل من غير استعمال للطيب متعوبة أي يتعبونها في الطاعات وترك الشهوات مكدودة أي يحملون أبدانهم على الكد والمبالغة في الطاعات وتحمل الشدائد في القاموس الكد الشدة والإلحاح في الطلب وكده واكتده طلب منه الكد لم يصدقوا على بناء المفعول من التفعيل أي لا يصدقهم الناس لسوء ظنهم بهم وحقارتهم في أعينهم لم يفتقدوا أي لا يطلبهم الناس عند غيبتهم لعدم معرفتهم أو لعدم الاعتناء بشأنهم وفي بعض النسخ لم يفقدوا والأول أظهر.

في القاموس تفقده طلبه عند غيبته ومات غير فقيد ولا حميد وغير مفقود غير مكترث لفقدانه.

مسجونة أي محبوسة كناية عن قلة الكلام غيبوا مفاتيحها كناية عن امتناعهم عن إفشاء الأسرار جدا كأن عليها أقفالا كثيرة لم تحضر مفاتيحها فيكلفوا فتحها ثم أكد عليه السلام ذلك بقوله وجعلوا على أفواههم أوكية والأوكية جمع الوكاء بالكسر وهو الخيط الذي يشد به رأس الكيس ونحوه شبه أفواههم بكيس أو قربة شد رأسها فلا يخرج منها شيء قال في النهاية الوكاء الخيط الذي يشد به الصرة والكيس وغيرهما فيه أنه كان يوكي بين الصفا والمروة سعيا أي لا يتكلم كأنه أوكى فاه فلم ينطق.

صلب بضمتين أو كسكر جمع الصلب وكذا الصلاب بالكسر تأكيدا أي هم في غاية الصلابة في الدين لا ينحت أي لا يبري ولا ينقص من دينهم شيء قال تعالى « وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً » (١).

يحسبهم المنافق خرسا بالضم جمع أخرس لقلة كلامهم في الباطل وحفظهم

__________________

(١) الشعراء : ١٤٩.


للأسرار عميا لقلة نظرهم إلى المحرمات وإلى الدنيا وزينتها وتغافلهم عما يرون من أهلها والبله بالضم جمع الأبله وهو الذي لا عقل له وأعيتهم ألسنتهم كأن المعنى أن ألسنتهم لا تطاوعهم في الكلام للخوف فكأنها أعيتهم.

٥٥ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد الله عليه السلام إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له (١).

بيان : لم يخرجه غضبه من حق بأن يحكم على من غضب عليه بغير حق أو يظلمه أو يكتم شهادة له عنده وإذا رضي أي عن أحد لم يدخله رضاه عنه في باطل بأن يشهد زورا أو يحكم له باطلا أو يحميه في أن لا يعطي الحق اللازم عليه وأشباه ذلك وقوله مما له في بعض النسخ بوصل من بما فاللام مفتوحة وفي بعضها بالفصل فاللام مكسورة.

٥٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر قال قال أبو جعفر عليه السلام يا سليمان أتدري من المسلم قلت جعلت فداك أنت أعلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ثم قال وتدري من المؤمن قال قلت أنت أعلم قال إن المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تعنته (٢).

توضيح : المسلم أي المسلم الكامل الذي يحق أن يسمى مسلما وكذا المؤمن وقيل الغرض بيان المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ويكفي لذلك اتصاف كمل أفراد كل منهما بما ذكر ولا يخذله أي لا يترك نصرته مع القدرة عليها أو يدفعه دفعة تعنته أي إذا لم يقدر على نصرته يجب عليه أن يعتذر منه ويرده برد جميل ولا يدفعه دفعة تلقيه تلك في العنت والمشقة ويحتمل أن يكون كناية عن مطلق الضرر الفاحش وقيل يدفعه عن خير ويرده إلى شر يوجب عنته.

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٣٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٤.


وفي المصباح دفعته دفعا نحيته ودافعته عن حقه ماطلته والدفعة بالفتح المرة وبالضم اسم لما يدفع بمرة وفي القاموس العنت محركة الفساد والإثم والهلاك ودخول المشقة على الإنسان وأعنته غيره ولقاء الشدة والزنا والوهي والانكسار واكتساب المأثم وعنته تعنيتا شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه (١).

٥٧ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق والذي إذا قدر لم يخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق (٢).

ل : الخصال عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب مثله (٣)

بيان : المراد بالباطل ما لا فائدة فيه إلى ما ليس له بحق أي يأخذ زائدا عن حقه.

٥٨ ـ كا : عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن أبي البختري رفعه قال سمعته يقول المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ (٤).

تبيين : أبو البختري وهب بن وهب القرشي عامي ضعيف وهو راوي الصادق عليه السلام وتزوج بأمه فالظاهر كون ضمير سمعته راجعا إلى الصادق عليه السلام فالمراد بالرفع نسبة الحديث إليه عليه السلام ويحتمل أن يكون الرفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام وضمير سمعته للرسول صلى الله عليه واله فإن دأب هذا الراوي لكونه عاميا رفع الحديث

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ١٥٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٤.

(٣) الخصال ج ١ ص ٥٢.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٣٤.


يقول عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام ويؤيده أن الحديث نبوي روته العامة أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال في النهاية فيه المسلمون هينون لينون هما تخفيف الهين واللين قال ابن الأعرابي العرب تمدح بالهين واللين مخففين وتذم بهما مثقلين وهين فيعل من الهون وهي السكينة والوقار والسهولة فعينه واو وشيء هين وهين أي سهل.

وقال في أنف فيه المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف أي المأنوف وهو الذي عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به وقيل الأنف الذلول يقال أنف البعير يأنف أنفا فهو أنف إذا اشتكى أنفه من الخشاش وكان الأصل أن يقال مأنوف لأنه مفعول به كما يقال مصدور ومبطون للذي يشتكي صدره وبطنه وإنما جاء هذا شاذا ويروى كالجمل الآنف بالمد وهو بمعناه انتهى.

إن قيد صفة للمشبه به أو المشبه وإن أنيخ على صخرة كناية عن نهاية انقياده في الأمور المشروعة وعدم استصعابه فيها قال الجوهري أنخت الجمل فاستناخ أبركته فبرك انتهى.

وقيل إنما شبه بالجمل لا بالناقة إشارة إلى أن المؤمن قادر على الامتناع ولكن له مانع عظيم من الإيمان وأحكامه تمنعه عن ذلك.

أقول وفي بعض النسخ الألف باللام من الألفة والأول أظهر.

٥٩ ـ وأقول : روي في شهاب الأخبار عن النبي صلى الله عليه واله المؤمنون هينون لينون.

وقال في الضوء : الهون السكينة والوقار قال تعالى « يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً » (١) والهون مصدر هان عليه الشيء وشيء هين على فيعل أي سهل وهين مخفف منه والجمع أهوناء وقوم هينون لينون والهون بالضم الهوان ويقال خذ أمرك بالهون والهوينا أي بالرفق واللين والهوينا تصغير الهونى والهونى تأنيث الأهون كالكبرى تأنيث الأكبر.

__________________

(١) الفرقان : ٦٣.


وقال ابن الأعرابي تمدح بالهين واللين مخففا وتذم بالهين واللين مثقلا وقال غيره هما جميعا واحد والأصل التثقيل وتركيب ه‍ ون في كلام العرب على وجهين أحدهما تذلل الإنسان في نفسه بما لا غضاضة فيه وهو مما يمدح فيه كما قال « يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً » والآخر أن يكون من التسخير والإذلال والإهانة كقوله تعالى « فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ » (١) ولا يبعد أن يكون الهاوون من هذا لأنه يهون به الصلاب الشداد وهو عربي صحيح ولا يجوز هاون.

فوصف عليه السلام المؤمنين بأنهم هينون لينون والمعنى أمر يأمرهم بالهون ولين الجانب ودماثة الأخلاق وسكون الريح والهدوء وخفض الجناح وتمام الحديث مثل الجمل الأنف إن قدته انقاد وإن أنخته استناخ والأنف البعير الذي يشتكي أنفه يقال أنف البعير فهو أنف مثل تعب فهو تعب وقيل الأنف المأنوف الذي عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده لما يجده من الوجع وقيل الأنف الذلول وأنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك.

وقال عليه السلام حرمت النار على الهين اللين السهل القريب.

وقال سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعمله فلا كثر الله في المسلمين مثله.

وقال عليه السلام إن من الصدقة أن تسلم على الناس بوجه طليق.

وفائدة الحديث الحث على الأخلاق الحسنة والأخذ بالجميل وراوي الحديث ابن عمر.

٦٠ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ثلاثة من علامات المؤمن العلم بالله ومن يحب ومن يكره (٢).

__________________

(١) فصلت : ١٧.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٥.


بيان : العلم بالله أي بالربوبية وصفاته الكمالية فيؤمن به ومن يحب أي يحبه الله من النبي والأئمة عليهم السلام وأتباعهم فيواليهم ويتابعهم أو من يحبه المؤمن ويلزمه محبته ومن يكره أي يكرهه الله فيبغضه ولا يواليه أو من يجب أن يكرهه.

وربما يقرأ الفعلان على بناء المجهول وهذه الثلاثة أصل الإيمان وعمدته.

٦١ ـ كا : عن العدة عن سهل بن زياد عن محمد بن أورمة عن أبي إبراهيم الأعجمي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن حليم لا يجهل وإن جهل عليه يحلم ولا يظلم وإن ظلم غفر ولا يبخل وإن بخل عليه صبر (١).

بيان : لا يبخل في بعض النسخ بالنون والجيم (٢) وهو الطعن والشق ونجل الناس شارهم وتناجلوا تنازعوا أي إن طعنه أحد وسفه عليه صبر ولم يقابله بمثله.

٦٢ ـ كا : عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي عن أبي كهمش عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ألا أنبئكم بالمؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ألا أنبئكم بالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر السيئات وترك ما حرم الله والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة (٣).

بيان : المهاجر من هجر السيئات أي ليس المهاجر الذي مدحه الله مقصورا على من هاجر من مكة إلى المدينة قبل الفتح أو هاجر من البدو إلى المدينة أو هاجر من بلاد الكفر عند خوف الجور والفساد وعدم التمكن من إظهار شعائر الإسلام كما قيل في قوله تعالى « يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ

__________________

(١) المصدر ج ٢ ص ٢٣٥.

(٢) أي « لا ينجل ».

(٣) المصدر نفسه.


فَاعْبُدُونِ » (١) وهذه هي المعاني المشهورة له بل يشمل من هجر السيئات لأن فضل الهجرة بالمعاني المذكورة إنما هو للبعد عن الكفر والمعاصي ولذا لا فضل لمن هجر منافقا أو كافرا كالمنافقين الغاصبين لحقوق أئمة الدين فإنه لا فضل لهم ولا يعدون من المهاجرين فمن هجر الكفر والسيئات والجهل والضلال مشاركون معهم في الفضل والكمال.

ويحتمل أن يكون المراد أن المهاجرين بالمعاني المذكورة إنما يستحقون هذا الاسم إذا هجروا السيئات على سياق سائر الفقرات.

قال في النهاية الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل وقد هجره هجرا وهجرانا ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية يقال منه هاجر مهاجرة والهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله « إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ » (٢) فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه واله ويدع أهله وماله لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة والهجرة الثانية من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى فهو مهاجر وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة وهو المراد بقوله لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة فهذا وجه الجمع بين الحديثين وفيه هاجروا ولا تهجروا أي أخلصوا الهجرة لله ولا تتشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم انتهى.

وقال الراغب (٣) المهاجرة في الأصل مصارمة الغير ومتاركته من قوله « وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا » (٤) وأمثاله فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى

__________________

(١) العنكبوت : ٥٦.

(٢) براءة : ١١١.

(٣) مفردات غريب القرآن ص ٥٣٧.

(٤) البقرة : ٢١٨.


دارالإيمان كما هاجر من مكة إلى المدينة وقيل يقتضي ذلك ترك الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وقوله « إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي » (١) أي تارك لقومي وذاهب إليه وكذا المجاهدة تقتضي مع مجاهدة العدى مجاهدة النفس كما روي في الخبر رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو مجاهدة النفس.

٦٣ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن السندي بن محمد عن محمد بن الصلت عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال : صلى أمير المؤمنين عليه السلام الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح وأقبل على الناس بوجهه فقال والله لقد أدركت أقواما « يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً » يخالفون بين جباههم وركبهم كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر كأنما القوم باتوا غافلين قال ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض عليه السلام (٢).

بيان : القيد بالكسر القدر في النهاية يقال بيني وبينه قيد رمح وقاد رمح أي قدر رمح يخالفون بين جباههم وركبهم أي يضعون جباههم على التراب خلف ركبهم يأتون بأحدهما عقيب الآخر وهو قريب من المراوحة التي وردت في غيره وقيل أي يجعلون التفاوت بين جلوسهم وسجودهم فكان سجودهم أطول من جلوسهم.

ثم اعلم أن الركب يحتمل أن يكون المراد به الجلوس كما فهمه الأكثر أو الركوع لوضع اليد عليه أو القيام لكون الاعتماد عليه والأخير أوفق بما مر كأن زفير النار في آذانهم إشارة إلى سبب تمرنهم بالطاعات وإحياء الليالي بالعبادات وهو كون علمهم بأحوال الجنة والنار في مرتبة عين اليقين والزفير صوت توقد النار.

مادوا أي اضطربوا وتحركوا واقشعروا من الخوف وهو تلميح إلى

__________________

(١) العنكبوت : ٢٦.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٦.


قوله سبحانه « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » (١) في القاموس ماد يميد ميدا وميدانا تحرك والسراب اضطرب كأنما القوم كأن المراد بالقوم الجماعة الحاضرون أو أهل زمانه في هذا الوقت أي لعدم اهتمامهم في أمور الآخرة واشتغالهم بالدنيا كأنهم باتوا غافلين وفي بعض النسخ ماتوا أي كأنهم بسبب غفلتهم أموات غير أحياء ويحتمل أن يكون المراد بالقوم الذين ذكر أوصافهم أي كانوا إذا ذكر الله عندهم مادوا من الخوف كأنهم باتوا غافلين ولم يعبدوا الله في الليل ويؤيد الأول ما سيأتي في رواية المفيد.

٦٤ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليه السلام يقول إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه (٢).

توضيح : إن المعرفة أي سبب المعرفة وما يوجبها أو الحمل على المبالغة في السببية فيما لا يعنيه أي فيما لا يهمه ولا ينفعه وقلة مرائه أي مجادلته في المسائل الدينية وغيرها وقيل هو المجادلة والاعتراض على كلام الغير من غير غرض ديني وحلمه أي تحمله وصبره على ما يصيبه من الغير أو عقله وصبره عند البلاء.

٦٥ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال : من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار والتوسع على قدر التوسع وإنصاف الناس وابتداؤه إياهم بالسلام عليهم (٣).

بيان : الإنفاق على قدر الإقتار أي الإنفاق بالتقتير على قدر الإقتار من

__________________

(١) الأنفال : ٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٤٠.

(٣) الكافي ج ٢ : ٢٤١.


الله والحاصل أنه يقتر على أهله وعياله بقدر ما قتر الله عليه ويوسع عليهم بقدر ما وسع الله عليه وقيل الإنفاق هنا الافتقار كما في القاموس قال أنفق افتقر أي يعامل معاملة الفقراء.

٦٦ـ كا : عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : المؤمن أصلب من الجبل تستقل منه والمؤمن لا يستقل من دينه شيء (١).

بيان : الجبل يستقل منه من القلة أي ينقص ويؤخذ منه بعضه بالفأس والمعول ونحوهما والمؤمن لا ينقص من دينه شيء بالشكوك والشبهات.

٦٧ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن حسن المعونة خفيف المئونة جيد التدبير لمعيشته لا يلسع من جحر مرتين (٢).

بيان : في المصباح العون الظهير على الأمر واستعان به فأعانه وقد يتعدى بنفسه فيقال استعانه والاسم المعونة والمعانة أيضا بالفتح ووزن المعونة مفعلة بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية ويقول هي مأخوذة من الماعون ويقول هي فعولة والمئونة الثقل وفي القاموس القوت والحاصل أنه يعين الناس كثيرا ويكتفي لنفسه بقليل من القوت واللباس وأشباههما.

وفي القاموس المعيشة التي تعيش بها من المطعم والمشرب وما يكون به الحياة وما يعاش به أو فيه والجمع معايش.

وفي النهاية فيه لا يلسع المؤمن من جحر مرتين وفي رواية لا يلدغ اللسع واللدغ سواء والجحر ثقب الحية وهو استعارة هاهنا أي لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فإنه بالأولى يعتبر وقال الخطابي يروى بضم العين وكسرها فالضم على وجه الخبر ومعناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى

__________________

(١) المصدر ج ٢ ص ٢٤١.

(٢) المصدر نفسه.


من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به والمراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا وأما الكسر فعلى وجه النهي أي لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر به وليكن فطنا حذرا وهذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين والدنيا معا انتهى.

وأقول : روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر (١) وذكر في إكمال الإكمال هذين الوجهين اللذين ذكرهما في النهاية ثم قال وذكر عياض هذين الوجهين ورجح الخبر بأن سبب قوله صلى الله عليه واله هذا أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان أسر يوم بدر فسأل النبي صلى الله عليه واله أن يمن عليه ففعل وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه فأسر يوم أحد فسأله أيضا أن يمن عليه فقال النبي صلى الله عليه واله هذا الكلام البليغ الجامع الذي لم يسبق إليه وفيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الأذى من جهة لا يعود إليها ثانية (٢).

وقال الآبي رجح الخطابي النهي بعد ذكر الوجهين وكأنه لم يبلغه أي الخطابي سبب قوله صلى الله عليه واله هذا الكلام ولو بلغه لم يحمله على النهي.

وأجاب الطيبي بأنه وإن بلغه السبب فلا يبعد النهي بل هو أولى من الخبر وذلك أنه صلى الله عليه واله لما دعته نفسه الزكية الكريمة إلى الحلم والصفح جرد

__________________

(١) أخرجه في مشكاة المصابيح : ٤٢٩ ، وقال متفق عليه.

(٢) قال ابن هشام في السيرة ج ٢ ص ١٠٤ قال أبو عبيدة : وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جهة ذلك يعنى حمراء الأسد قبل رجوعه الى المدينة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس وهو جد عبد الملك بن مروان أبو أمه عائشة بنت معاوية ، وأبا عزة الجمحى ، وكان رسول الله « ص » أسره ببدر ثم من عليه.

فقال : يا رسول الله أقلنى! فقال رسول الله « ص » : والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول : خدعت محمدا مرتين ، اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه.

قال ابن هشام : وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال : قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت ، فضرب عنقه.


من نفسه مؤمنا حازما فطنا ونهاه أن ينخدع لهذا المتمرد الخائن وكان مقام الغضب لله تعالى فأبى إلا الانتقام من أعداء الله لأن الانتقام منهم مطلوب والتجريد أحد ألقاب البديع ومحسناته.

وبيان أنه أولى أنه إذا حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام.

٦٨ـ ل : الخصال عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن النضر بن شعيب عن الجازي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال : لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا (١).

صفات الشيعة : للصدوق بإسناده عنه عليه السلام مثله (٢).

٦٩ ـ ل : الخصال عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن محمد بن حسان عن إبراهيم بن عاصم بن حميد عن صالح بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الإيمان من صبر على الظلم وكظم غيظه واحتسب وعفا وغفر كان ممن يدخله الله عز وجل الجنة بغير حساب ويشفعه في مثل ربيعة ومضر (٣).

بيان : كأن قوله واحتسب تتمة للخصلة الثانية أو تمهيد للثالثة والاحتساب طلب الأجر وكون فعله مقرونا بالقربة ويحتمل أن يكون هو الخصلة الثانية وقوله وكظم غيظه تتمة للأولى فالمراد بالاحتساب المبادرة إلى الأعمال الصالحة.

قال في النهاية فيه من صام رمضان إيمانا واحتسابا أي طلبا لوجه الله وثوابه والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن ينوي وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به والاحتساب

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ٤١.

(٢) صفات الشيعة ص ١٨٢.

(٣) الخصال ج ١ ص ٥١.


في الأعمال الصالحات وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها انتهى. وربيعة ومضر قبيلتان عظيمتان (١).

٧٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن داهر عن الحسن بن يحيى عن قثم أبي قتادة الحراني عن عبد الله بن يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قام رجل يقال له همام وكان عابدا ناسكا مجتهدا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب فقال يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه وحزنه في قلبه أوسع شيء صدرا وأذل شيء نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب.

يكره الرفعة ويشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفا قليل الأذى لا متأفك ولا متهتك إن ضحك لم يخرق وإن غضب لم ينزق ضحكه تبسم واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا ينجل ولا يعجل ولا يضجر ولا يبطر ولا يحيف في حكمه ولا يجور في علمه نفسه أصلب من الصلد ومكادحته أحلى من الشهد لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف ولا متكلف ولا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة.

عدل إن غضب رفيق إن طلب لا يتهور ولا يتهتك ولا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم حمول قليل الفضول راض عن الله

__________________

(١) هما ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان بطنان عظيمان فيهما قبائل عظام وبطون وأفخاذ يضرب المثل بهما للكثرة قال ابن عبد البر في الانباء : ٩٦ : أن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان ، لا خلاف في ذلك.


عزوجل مخالف لهواه لا يغلظ على من دونه ولا يخوض فيما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرق الثناء سمعه ولا ينكي الطمع قلبه ولا يصرف اللعب حكمه ولا يطلع الجاهل علمه.

قوال عمال عالم حازم لا بفحاش ولا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف ولا بختال ولا بغدار ولا يقتفي أثرا ولا يخيف بشرا رفيق بالخلق ساع في الأرض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك سترا ولا يكشف سرا كثير البلوى قليل الشكوى إن رأى خيرا ذكره وإن عاين شرا ستره يستر العيب ويحفظ الغيب ويقيل العثرة ويغفر الزلة.

لا يطلع على نصح فيذره ولا يدع جنح حيف فيصلحه أمين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر ويجمل الذكر ويحسن بالناس الظن ويتهم على الغيب نفسه يحب في الله بفقه وعلم ويقطع في الله بحزم وعزم لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح.

مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة ولا يخاف له غائلة كل سعي أخلص عنده من سعيه وكل نفس أصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه قريب وحيد حزين يحب في الله ويجاهد في الله ليتبع رضاه ولا ينتقم لنفسه بنفسه ولا يوالي في سخط ربه مجالس لأهل الفقر مصادق لأهل الصدق مؤازر لأهل الحق عون للغريب أب لليتيم بعل للأرملة حفي بأهل المسكنة مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس ولا بجساس.

صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر (١) لا يبخل وإن بخل عليه صبر عقل فاستحيا وقنع فاستغنى حياؤه يعلو شهوته ووده يعلو حسده وعفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب ولا يلبس إلا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة أعماله ليس فيها غش ولا خديعة نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه حكمة مناصحا متباذلا متواخيا ناصح في

__________________

(١) لا يجهل وان جهل عليه يحلم خ.


السر والعلانية لا يهجر أخاه ولا يغتابه ولا يمكر به ولا يأسف على ما فاته ولا يحزن على ما أصابه ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء ولا يفشل في الشدة ولا يبطر في الرخاء.

يمزج الحلم بالعلم والعقل بالصبر تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله متوقعا لأجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه منفيا جهله سهلا أمره حزينا لذنبه ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما أمره كثيرا ذكره يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم ويتجر ليغنم لا ينصت للخير ليفخر به (١) ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه.

نفسه منه في عناء والناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير فهو إمام لمن بعده من أهل البر.

قال : فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال أمير المؤمنين عليه السلام أما والله لقد كنت أخافها عليه وقال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها.

فقال له قائل فما بالك يا أمير المؤمنين فقال إن لكل أجلا لن يعدوه وسببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فإنما نفث على لسانك شيطان (٢).

بيان : سيأتي (٣) رواية همام نقلا عن نهج البلاغة ومجالس الصدوق باختلاف كثير وفيه أنه قال صف لي المتقين ويمكن أن يكون سأل عن صفات المؤمنين

__________________

(١) لا ينصب للخير ليفجر به. خ.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٢٦ ـ ٣٣٠.

(٣) بل قد مر تحت الرقم ٥٠ والظاهر أن المصنف رضوان الله عليه بعد ما أخرج حديث الكافي هذا وفسر لغاته ومضامينه ، أراد أن يلحق حديث الهمام من النهج والأمالي بعد ذلك مع ما كتب رحمه‌الله في تفسير لغاته فاشتبه على النساخ وألحقوه قبل ذلك ، فلا يخلو الباب عن تكرار.


والمتقين معا فاكتفي في بعض الروايات بذكر الأولى وفي بعضها بذكر الثانية.

وهمام بفتح الهاء وتشديد الميم وفي القاموس الهمام كغراب الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع السخي وكشداد بن الحارث وابن زيد وابن مالك صحابيون.

وما ذكر في الروايتين من تثاقله عليه السلام في الجواب أنسب بقوله عليه السلام في آخر الخبر لقد كنت أخافها عليه وفي القاموس النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عز وجل وقيل المراد هنا المواظب على العبادة والمجتهد المبالغ في العبادة في القاموس جهد كمنع جد كاجتهد وقال الكيس خلاف الحمق وقال الفطنة بالكسر الحذق.

وأقول الكيس كسيد والفطن بفتح الفاء وكسر الطاء وتعريف الخبر باللام وتوسيط الضمير للحصر والتأكيد كأن الفرق بينهما أن الكياسة ما كان خلقة والفطنة ما يحصل بالتجارب أو الأول ما كان في الكليات والثاني ما كان في الجزئيات ويحتمل التأكيد.

وفي القاموس البشر بالكسر الطلاقة أوسع شيء صدرا كناية عن كثرة العلم أو وفور الحلم وأذل شيء نفسا أي لا يترفع ولا يطلب الرفعة ويتواضع للناس ويرى نفسه أخس من كل أحد وقيل أي صارت نفسه الأمارة ذليلة لروحه المقدسة وصارت مخالفته للنفس شعاره فعلى الثاني من الذل بالكسر وهو السهولة والانقياد وعلى الأول من الذل بالضم بمعنى المضلة والهوان.

زاجرا أي نفسه أو غيره أو الأعم منهما عن كل فان أي عن جميع الأمور الدنيوية فإنها في معرض الفناء والحض الترغيب والتحريص وهذا أيضا يحتمل النفس والغير والأعم والحقد إمساك العداوة والبغض في القلب والحقود الكثير الحقد وقيل لا للمبالغة في النفي لا لنفي المبالغة كما قيل في قوله


تعالى « وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » (١) فلا يلزم ثبوت أصل الفعل وكذا في البواقي ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن النادر منها لا ينافي الإيمان.

ولا وثاب أي لا يثب في وجوه الناس بالمنازعة والمعارضة وفي القاموس رفع ككرم رفعة بالكسر شرف وعلا قدره وقال شنأه كمنعه وسمعه شنأ ويثلث وشنأة وشنآنا أبغضه :

وقال الجوهري تقول فعله رئاء وسمعة أي ليراه الناس ويسمعوا به طويل الغم أي لما يستقبله من سكرات الموت وأحوال القبر وأهوال الآخرة بعيد الهم إما تأكيد للفقرة السابقة فإن الغم والهم متقاربان أي يهتم للأمور البعيدة عنه من أمور الآخرة أو المراد بالهم القصد أي هو عالي الهمة لا يرضى بالدون من الدنيا الفانية أو لا يرضى من السعادات الباقية والكمالات النفسانية بأدانيها بل يطلب معاليها وقيل أي يتفكر في العواقب في القاموس الهم الحزن والجمع هموم وما هم به في نفسه والهمة بالكسر ويفتح ما هم به من أمر ليفعل.

كثير الصمت أي عما لا يعنيه وقور أي ذو وقار ورزانة لا يستعجل في الأمور ولا يبادر في الغضب ولا تجره الشهوات إلى ما لا ينبغي فعله في القاموس الوقار كسحاب الرزانة ورجل وقار ووقور ووقر كندس (٢) ذكور كثير الذكر لله ولما ينفعه في الآخرة صبور عند البلاء شكور عند الرخاء.

مغموم بفكره أي بسبب فكره في أمور الآخرة مسرور بفقره لعلمه بقلة خطره ويسر الحساب في الآخرة وقلة تكاليف الله فيه سهل الخليقة أي ليس في طبعه خشونة وغلظة وقيل أي سريع الانقياد للحق وفي القاموس الخليقة الطبيعة قال الله تعالى « وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » (٣).

لين العريكة هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها في القاموس العريكة كسفينة النفس ورجل لين العريكة سلس الخلق منكسر النخوة وفي النهاية في صفته

__________________

(١) ق : ٢٩.

(٢) القاموس ج ٢ ص ١٥٦.

(٣) آل عمران : ١٥٩.


صلى الله عليه وآله : أصدق الناس لهجة وألينهم عريكة العريكة الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف والنفور.

رصين الوقار بالراء والصاد المهملتين وما في بعض نسخ الكافي بالضاد المعجمة تصحيف أي محكم الوفاء بعهود الله وعهود الخلق في القاموس رصنه أكمله وأرصنه أحكمه وقد رصن ككرم وكأمير المحكم الثابت والحفي بحاجة صاحبه قليل الأذى إنما ذكر القلة ولم ينف الأذى رأسا لأن الإيذاء قد يكون حسنا بل واجبا كما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار وقيل إنما قال ذلك لأنه يؤذي نفسه ولا يخفى بعده لا متأفك كأنه مبالغة في الإفك بمعنى الكذب أي لا يكذب كثيرا أو المعنى لا يكذب على الناس وفي بعض النسخ لا مستأفك أي لا يكذب على الناس فيكذبوا عليه فكأنه طلب منهم الإفك وقيل المتأفك من لا يبالي أن ينسب إليه الإفك ولا متهتك أي ليس قليل الحياء لا يبالي أن يهتك ستره أو لا يهتك ستر الناس في القاموس هتك الستر وغيره يهتكه فانهتك وتهتك جذبه فقطعه من موضعه أو شق منه جزءا فبدا ما وراءه ورجل منهتك ومتهتك ومستهتك لا يبالي أن يهتك ستره.

إن ضحك لم يخرق أي لا يبالغ فيه حتى ينتهي إلى الخرق والسفه بل يقتصر على التبسم كما سيأتي في القاموس الخرق بالضم وبالتحريك ضد الرفق وأن لا يحسن الرجل العمل والتصرف في الأمور والحمق وقيل هو من الخرق بمعنى الشق أي لم يشق فاه ولم يفتحه كثيرا.

وإن غضب لم ينزق في القاموس نزق الفرس كسمع ونصر وضرب نزقا ونزوقا نزا أو تقدم خفة ووثب وأنزقه ونزقه غيره وكفرح وضرب طاش وخف عند الغضب ضحكه تبسم في القاموس بسم يبسم بسما وابتسم وتبسم وهو أقل الضحك وأحسنه وفي المصباح بسم بسما من باب ضرب ضحك قليلا من غير صوت وابتسم وتبسم كذلك.

واستفهامه تعلم أي للتعلم لا لإظهار العلم ومراجعته أي معاودته في السؤال


تفهم أي لطلب الفهم لا للمجادلة كثير الرحمة أي ترحمه على العباد كثير لا يبخل بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة كيعلم ويكرم وربما يقرأ بالنون ثم الجيم من النجل وهو الرمي بالشيء أي لا يرمي بالكلام من غير روية وهو تصحيف (١). ولا يعجل أي في الكلام والعمل ولا يضجر في القاموس ضجر منه وبه كفرح وتضجر تبرم وفي الصحاح الضجر القلق من الغم وقال البطر الأشر وهو شدة المرح وقد بطر بالكسر يبطر والبطر أيضا الحيرة والدهش وفي القاموس البطر محركة النشاط والأشر وقلة احتمال النعمة والدهش والحيرة والطغيان بالنعمة وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة فعل الكل كفرح وقال الحيف الجور والظلم.

ولا يجور في علمه أي لا يظلم أحدا بسبب علمه أو لا يظهر خلاف ما يعلم وربما يقرأ يجوز بالزاي أي لا يتجاوز عن العلم الضروري إلى غيره نفسه أصلب من الصلد أي من الحجر الصلب كناية عن شدة تحمله للمشاق أو عن عدم عدوله عن الحق وتزلزله فيه بالشبهات وعدم ميله إلى الدنيا بالشهوات وفي القاموس الصلد ويكسر الصلب الأملس.

ومكادحته أحلى من الشهد في القاموس كدح في العمل كمنع سعى وعمل لنفسه خيرا أو شرا وكد ووجهه خدش أو عمل به ما يشينه ككدحه أو أفسده ولعياله كسب كاكتدح وفي الصحاح الكدح العمل والسعي والخدش والكسب يقال هو يكدح في كذا أي يكد وقوله تعالى « إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً » (٢) أي تسعى انتهى والشهد العسل وقيل المكادحة هنا المنازعة أي منازعته لرفعة فيها أحلى من العسل وكأنه أخذه من الكدح بمعنى الخدش والعض استعير هنا لمطلق المنازعة في النهاية كل أثر من خدش أو عض فهو كدح.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في تحصيل المعيشة والأمور الدنيوية لمساهلته فيها حسن لطيف وقيل الكدح الكد والسعي وحلاوة مكادحته

__________________

(١) لكنه الانسب بالسجع.

(٢) الانشقاق : ٦.


لحلاوة ثمرتها فإن التعب في سبيل المحبوب راحة.

لا جشع في القاموس الجشع محركة أشد الحرص وأسوؤه وأن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك وقد جشع كفرح فهو جشع وقال الهلع محركة أفحش الجزع وكصرد الحريص والهلوع من يجزع ويفزع من الشر ويحرص ويشح على المال أو الضجور لا يصبر على المصائب وقال العنف مثلثة العين ضد الرفق وقال الصلف بالتحريك قلة نماء الطعام وبركته وأن لا تحظى المرأة عند زوجها والتكلم بما يكرهه صاحبك والتمدح بما ليس عندك أو مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا وهو صلف ككتف وأقول أكثر المعاني مناسبة.

وقال المتكلف العريض لما لا يعنيه ونحوه قال الجوهري وقال تكلفت الشيء تجشمته أي ارتكبته على مشقة ولا متعمق أي لا يتعمق ولا يبالغ في الأمور الدنيوية وقيل لا يطول الكلام ولا يسعى في تحسينه لإظهار الكمال قال في القاموس عمق النظر في الأمور بالغ وتعمق في كلامه تنطع وقال تنطع في الكلام تعمق وغالى وتأنق ويحتمل أن يكون المراد عدم التعمق في المعارف الإلهية فإنه أيضا ممنوع لقصور العقول عن الوصول إليها لما مر في كتاب التوحيد بسند صحيح قال سئل علي بن الحسين عن التوحيد فقال إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » والآيات من سورة الحديد إلى قوله « عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » فمن رام وراء ذلك فقد هلك (١).

جميل المنازعة أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن الوجوه كريم المراجعة قد مر أن مراجعته في السؤال تفهم وهنا يصفها بالكرم أي يأتي بها في غاية الملاينة وحسن الأدب وقيل المراد بالمراجعة هنا الرجوع عن الذنب أو السهو أو الخطاء عدل إن غضب أي لا يصير غضبه سببا لجوره على من غضب عليه رفيق إن طلب أي إن طلب شيئا من أحد يطلبه برفق سواء كان له عنده حق أم لا ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٢٦٣ و ٢٦٤ من هذه الطبعة.


برفق أو إن طلب أحد منه حقه يجيبه برفق.

لا يتهور التهور الإفراط في الشجاعة وهو مذموم قال في القاموس تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة ولا يتهتك قد مر ذلك فهو تأكيد أو المراد هنا هتك ستر الغير فيكون تأسيسا لكن لا يساعده اللغة كما عرفت ولا يتجبر أي لا يتكبر على الغير أو لا يعد نفسه كبيرا خالص الود أي محبته خالصة لله أو مخصوصة بالله أو محبته خالصة لكل من يوده غير مخلوطة بالخديعة والنفاق وكأن هذا أظهر وثيق العهد أي عهده مع الله ومع الخلق محكم.

وفي العقد أي يفي بما يصدر عنه من العقود الشرعية كما قال سبحانه « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » (١) على بعض الوجوه قال في مجمع البيان اختلف في هذه العقود على أقوال :

أحدها أن المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمهم أو بغاهم سوءا وذلك هو معنى الحلف.

وثانيها أنها العهود التي أخذ الله سبحانه على عباده بالإيمان به والطاعة فيما أحل لهم أو حرم عليهم.

وثالثها أن المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد الأيمان وعقد النكاح وعقد العهد وعقد البيع وعقد الحلف.

ورابعها أن ذلك أمر من الله سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في كتبهم من تصديق نبينا صلى الله عليه واله وما جاء به من عند الله وأقوى هذه الأقوال عن ابن عباس أن المراد بها عقود الله التي أوجبها على العباد في الحلال والحرام والفرائض والحدود ويدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر فيجب الوفاء بجميع ذلك إلا ما كان عقدا في المعاونة على أمر قبيح انتهى (٢).

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) مجمع البيان ج ٣ ص ١٥١ و ١٥٢.


والعلماء مدارهم في الاستدلال على لزوم العقود بهذه الآية وقد يحمل العقد في هذا الخبر على الاعتقاد.

وفي القاموس الشفق حرص الناصح على صلاح المنصوح وهو مشفق وشفيق وحاصله أنه ناصح ومشفق على المؤمنين وقيل خائف من الله والأول أظهر وصول للرحم أو الأعم منهم ومن سائر المؤمنين والحلم الأناة والعقل كما في القاموس وقال الراغب الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلام قال الله تعالى « أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا » قيل معناه عقولهم وليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل (١).

خمول في أكثر النسخ بالخاء المعجمة وفي بعضها بالحاء المهملة فعلى الأول المعنى أنه خامل الذكر غير مشهور بين الناس وكأنه محمول على أنه لا يحب الشهرة ولا يسعى فيها لا أن الشهرة مطلقا مذمومة في القاموس خمل ذكره وصوته خمولا خفي وأخمله الله فهو خامل ساقط لا نباهة له وعلى الثاني إما المراد به الحلم تأكيدا أو المراد بالحليم العاقل أو أنه يتحمل المشاق للمؤمنين والأول أظهر في القاموس حمل عنه حلم فهو حمول ذوحلم.

قليل الفضول الفضول جمع الفضل وهي الزوائد من القول والفعل في القاموس الفضل ضد النقص والجمع فضول والفضولي بالضم المشتغل بما لا يعنيه مخالف لهواه أي لما تشتهيه نفسه مخالفا للحق قال الراغب (٢) الهوى ميل النفس إلى الشهوة ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة وقيل سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية وقد عظم الله ذم اتباع الهوى فقال « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » (٣) وقال « وَلا تَتَّبِعِ

__________________

(١) مفردات غريب القرآن ص ١٢٩.

(٢) المفردات ص ٥٤٨.

(٣) الجاثية : ٢٣.


الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » (١) « وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً » (٢) « وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » (٣) وقال « وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » (٤) « وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ » (٥) « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ » (٦) انتهى.

لا يغلظ على بناء الإفعال يقال أغلظ له في القول أي خشن أو على بناء التفعيل أو على بناء المجرد ككرم قال في المصباح غلظ الرجل اشتد فهو غليظ وفيه غلظة أي غير لين ولا سلس وأغلظ له في القول إغلاظا وغلظت عليه في اليمين تغليظا شددت عليه وأكدت.

على من دونه دينا أو دنيا أو الأعم ولا يخوض أي لا يدخل فيما لا يعنيه أي لا يهمه في القاموس عناه الأمر يعنيه ويعنوه عناية وعناية أهمه واعتنى به اهتم ناصر للدين أصوله وفروعه قولا وفعلا محام عن المؤمنين أي يدفع الضرر عنهم في القاموس حاميت عنه محاماة وحماء منعت عنه كهف للمسلمين في القاموس الكهف الوزر والملجأ لا يخرق الثناء سمعته كأن المراد بالخرق الشق وعدمه كناية عن عدم التأثير فيه كأنه لم يسمعه وما قيل من أنه على بناء الإفعال أي لا يصير سمعه ذا خرق وحمق فلا يخفى بعده.

ولا ينكي الطمع قلبه أي لا يؤثر في قلبه ولا يستقر فيه وفيه إشعار بأن الطمع يورث جراحة القلب جراحة لا تبرأ في القاموس نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت وقال في المعتل نكى العدو وفيه نكاية قتل وجرح والقرحة نكأها.

__________________

(١) ص : ٢٦.

(٢) الكهف : ٢٨.

(٣) الجاثية : ١٨.

(٤) البقرة : ١٢٠.

(٥) المائدة : ٧٧.

(٦) القصص : ٥٠.


أقول فهنا يمكن أن يقرأ مهموزا وغير مهموز.

ولا يصرف اللعب حكمه أي حكمته والمعنى لا يلتفت إلى اللعب لحكمته كما قال تعالى « وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً » (١) أو المعنى أن الأمور الدنيوية لا تصير سببا لتغيير حكمه كما قال تعالى « وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ » (٢).

ولا يطلع الجاهل علمه لا يطلع على بناء الإفعال والمراد بالجاهل المخالفون أي يتقي منهم أو ضعفاء العقول فالمراد بالعلم ما لا يستطيعون فهمه كما مر قوال أي كثير القول لما يحسن قوله عمال كثير الفعل والعمل بما يقوله عالم قيل هو ناظر إلى قوله قوال وحازم ناظر إلى قوله عمال والحزم رعاية العواقب وفي القاموس الحزم ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة لا بفحاش في القاموس الفحش عدوان الجواب وقال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال.

وفي القاموس الطيش النزق والخفة طاش يطيش فهو طائش وطياش وذهاب العقل والطياش من لا يقصد وجها واحدا.

وصول في غير عنف كأن في بمعنى مع أي يعاشر الأرحام والمؤمنين ويحسن إليهم بحيث لا يصير سببا للثقل عليهم أو وصله دائم غير مشوب بعنف أو يصلهم بالمال ولا يعنف عليهم عند العطاء ولا يؤذيهم بالقول والفعل.

بذول في غير سرف أي يبذل المال مع غير إسراف ولا بختار وفي بعض النسخ ولا بختال في القاموس الختر الغدر والخديعة أو أقبح الغدر وهو خاتر وختار وقال ختله يختله ويختله ختلا وختلانا خدعه والذئب الصيد تخفى له فهو خاتل وختول وخاتله خادعه وتخاتلوا تخادعوا لا يقتفي أثرا أي لا يتبع عيوب الناس أو لا يتبع أثر من لا يعلم حقيقة.

__________________

(١) الفرقان : ٧٢.

(٢) العنكبوت : ٦٤.


ولا يحيف بشرا بالحاء المهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة فعلى الأول هو من الحيف الجور والظلم وعلى الثاني من الإخافة ساع في الأرض أي لقضاء حوائج المؤمنين وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهم وهدايتهم وإرشادهم.

والغوث اسم من الإغاثة وهي النصرة وأغاثهم الله برحمته كشف الله شدتهم وفي القاموس لهف كفرح حزن وتحسر كتلهف عليه والملهوف واللهيف واللهفان واللاهف المظلوم المضطر يستغيث ويتحسر انتهى.

وهتك الستر إفشاء العيوب ولا يكشف سرا أي سر نفسه أو سر غيره أو الأعم والشكوى الشكاية إن رأى خيرا بالنسبة إليه أو مطلقا ذكره عند الناس وإن عاين شرا بالنسبة إليه أو مطلقا ستره عن الناس وحفظ الغيب أن يكون في غيبة أخيه مراعيا لحرمته كرعايته عند حضوره.

ويقيل العثرة أصل الإقالة هو أن يبيع الإنسان من آخر شيئا فيندم المشتري فيستقيل البائع أي يطلب عنه فسخ البيع فيقيله أي يقبل ذلك منه فيتركه ثم يستعمل ذلك في أن يفعل أحد بغيره ما يستحق تأديبا أو ضررا فيعتذر منه ويطلب العفو فيعفو عنه كأنه وقع بينهما معاوضة فتتاركا ومنه قولهم أقال الله عثرته.

وغفر الزلة أيضا قريب من ذلك يقال أرض مزلة تزل فيه الأقدام وزل في منطقه أو فعله يزل من باب ضرب زلة أخطأ ويمكن أن تكون الثانية تأكيدا أو تكون إحداهما محمولة على ما يفعل به والأخرى على الخطاء الذي صدر منه من غير أن يصل ضرره إليه أو تكون إحداهما محمولة على العمد والأخرى على الخطإ أو إحداهما على القول والأخرى على الفعل أو إحداهما على نقض العهد والوعد والأخرى على غيره.

لا يطلع على نصح فيذره لا يطلع بالتشديد على بناء الافتعال أي إذا اطلع على نصح لأخيه لا يتركه بل يذكره له ولا يدع جنح حيف فيصلحه في القاموس الجنح بالكسر الجانب والكنف والناحية ومن الليل الطائفة منه ويضم وقال الحيف الجور والظلم والحاصل أنه لا يدع شيئا من الظلم يقع منه أو من غيره على


أحد بل يصلحه أو لا يصدر منه شيء من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه وفي بعض النسخ جنف بالجيم والنون وهو محركة الميل والجور.

أمين يأتمنه الناس على مالهم وعرضهم رصين بالصاد المهملة وتقدم وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة وفي القاموس المرضون شبه المنضود من حجارة ونحوها يضم بعضها إلى بعض في بناء وغيره تقي عن المعاصي نقي عن ذمائم الأخلاق أو مختار يقال انتقاه أي اختاره زكي أي طاهر من العيوب أو تام في الكمالات أو صالح في القاموس زكا يزكو زكاء نما كأزكى وزكاه الله وأزكاه والرجل صلح وتنعم فهو زكي من أزكياء وفي بعض النسخ بالذال أي يدرك المطالب العلية من المبادي الخفية بسهولة رضي أي راض عن الله وعن الخلق أو مرضي عندهما كما قال تعالى « وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا » (١) أي مرضيا عندك قولا وفعلا.

ويجمل الذكر على بناء الإفعال أي يذكرهم بالجميل ويتهم على العيب نفسه بالعين المهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة أي يتهم نفسه غائبا عن الناس لا كالمرائي الذي يظهر ذلك عند الناس وليس كذلك أو يتهم نفسه على ما يغيب عن الناس من عيوبه الباطنة الخفية.

يحب في الله بفقه وعلم أي يحب في الله ولله من يعلم أنه محبوب لله ويلزم محبته لا كالجهال الذين يحبون أعداء الله لزعمهم أنهم أولياء الله كالمخالفين ويقطع في الله بحزم وعزم أي يقطع من أعداء الله بحزم ورعاية للعاقبة فإنه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا للتقية وهو عازم على قطعهم لا كمن يصل يوما ويقطع يوما.

لا يخرق به فرح يخرق كيحسن والباء للتعدية أي لا يصير الفرح سببا لخرقه وسفهه قال في المصباح الفرح يستعمل في معان أحدها الأشر والبطر وعليه قوله تعالى « إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ » (٢) والثاني الرضا وعليه قوله تعالى

__________________

(١) مريم : ٧.

(٢) القصص : ٧٦.


« كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ » (١) والثالث السرور وعليه قوله تعالى « فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » (٢) ويقال فرح بشجاعته وبنعمة الله عليه وبمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي.

ولا يطيش به مرح أي لا يصير شدة فرحه سببا لنزقه وخفته وذهاب عقله أو عدوله عن الحق وميله إلى الباطل في القاموس الطيش جواز السهم الهدف وأطاشه أماله عن الهدف وقال مرح كفرح أشر وبطر واختال ونشط وتبختر وقال الجوهري المرح شدة الفرح والنشاط.

مذكر العالم الآخرة أو مسائل الدين لا يتوقع له بائقة أي لا يخاف أن يصدر منه داهية وشر في القاموس توقع الأمر انتظر كونه وقال البائقة الداهية وباق جاء بالشر والخصومات وقال الجوهري فلان قليل الغائلة والمغالة أي الشر الكسائي الغوائل الدواهي.

كل سعي أخلص عنده من سعيه أي لحسن ظنه بالناس واتهامه لنفسه سعي كل أحد في الطاعات أخلص عنده من سعيه وقريب منه الفقرة التالية وقوله عالم بعيبه كالدليل عليها شاغل بغمه أي غمه لآخرته شغله عن أن يلتفت إلى عيوب الناس أو إلى الدنيا ولذاتها.

قريب في أكثر النسخ بالقاف أي قريب من الله أو قريب عن الناس لا يتكبر عليهم أو من فهم المسائل والاطلاع على الأسرار قال في النهاية فيه اتقوا قراب المؤمن فإنه ينظر بنور الله وروي قرابة المؤمن يعني فراسته وظنه الذي هو قريب من العلم والتحقق لصدق حدسه وإصابته انتهى.

وأقول : كونه مأخوذا منه ليس بقريب والأظهر غريب بالغين كما في بعض النسخ أي لا يجد مثله فهو بين الناس غريب ولذا يعيش فردا لا يأنس بأحد قال في النهاية فيه إن الإسلام بدا غريبا وسيعود كما بدا فطوبى للغرباء أي أنه كان

__________________

(١) الروم : ٣٢.

(٢) آل عمران : ١٧٠.


في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ وسيعود غريبا كما كان أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء فطوبى للغرباء أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين الإسلام انتهى.

وحيد أي يصبر على الوحدة أو فريد لا مثل له حزين لضلالة الناس وقلة أهل الحق لا ينتقم لنفسه بنفسه بل يصبر حتى ينتقم الله له في الدنيا أو في الآخرة ولا يوالي في سخط ربه أي ليس موالاته لمعاصي الله وفي القاموس الصداقة المحبة والمصادقة والصداق المخالة كالتصادق والموازرة والمعاونة.

عون أي معاون للغريب النائي عن بلده أو للقرباء من أهل الحق كما ورد أن المؤمن غريب أب لليتيم أي كالأب له وكذا البعل وفي الصحاح الأرملة المرأة التي لا زوج لها وفي القاموس امرأة رملة محتاجة أو مسكينة والجمع أرامل وأراملة والأرمل العزب وهي بهاء أو لا يقال للعزبة الموسرة أرملة.

حفي بأهل المسكنة قال الراغب الحفي البر اللطيف في قوله عز ذكره « إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا » (١) ويقال حفيت بفلان وتحفيت به إذا عنيت بإكرامه والحفي العالم بالشيء.

مرجو لكل كريهة أي يرجى لرفع كل كريهة ويأمله الناس لدفع كل شدة ولو بالدعاء إن لم تمكنه الإعانة الظاهرة وفي القاموس الكريهة الحرب أو الشدة في الحرب والنازلة وقيل المرجو أقرب إلى الوقوع من المأمول.

هشاش بشاش قال الجوهري : الهشاشة الارتياح والخفة للمعروف وقد هششت بفلان بالكسر أهش هشاشة إذا خففت إليه وارتحت له ورجل هش بش وقال البشاشة طلاقة الوجه ورجل هش بش أي طلق الوجه لا بعباس أي كثير العبوس ولا بجساس أي لا كثير التجسس لعيوب الناس.

__________________

(١) مريم : ٤٧ راجع المفردات : ١٢٥.


صليب أي متصلب شديد في أمور الدين كظام يكظم الغيظ كثيرا يقال كظم غيظه أي رده وحبسه بسام أي كثير التبسم دقيق النظر أي نافذ الفكر في دقائق الأمور عظيم الحذر عن الدنيا ومهالكها وفتنها لا يبخل بمنع حقوق الناس واجباتها ومندوباتها وإن بخل عليه بمنع حقوقه صبر.

عقل أي فهم قبح المعاصي فاستحيا من ارتكابها أو عقل أن الله مطلع عليه في جميع أحواله فاستحيا من أن يعصيه وقنع بما أعطاه الله فاستغنى عن الطلب من المخلوقين حياؤه من الله ومن الخلق يعلو شهوته فيمنعه عن اتباع الشهوات النفسانية ووده للمؤمنين يعلو حسده أي يمنعه عن أن يحسدهم على ما أعطاهم الله وعفوه عن زلات إخوانه وما أصابه منهم من الأذى يعلو حقده عليهم.

ولا يلبس إلا الاقتصاد أي يقتصد ويتوسط في لباسه فلا يلبس ما يلحقه بدرجة المسرفين والمترفين ولا ما يلحقه بأهل الخسة والدناءة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفة ويحتمل أن يكون المراد جعله الاقتصاد في جميع أموره شعارا ودثارا على الاستعارة.

ومشيه التواضع أي لا يختال في مشيه وقيل هو العدل بين رذيلتي المهانة والكبر.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد مسلكه وطريقته التواضع.

بطاعته أي بأن يطيعه أو بسبب طاعته في كل حالاته أي من الشدة والرخاء والنعمة والبلاء خالصة أي لله سبحانه ليس فيها غش لله أو للخلق أو الأعم في القاموس غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر والغش بالكسر الاسم منه.

نظره إلى المخلوقات عبرة واستدلال على وجود الخالق وعلمه وقدرته ولطفه وحكمته وإلى الدنيا عبرة بفنائها وانقضائها وسكوته فكرة أي تفكر في عظمة الله وقدرته وفناء الدنيا وعواقب أموره والحمل في تلك الفقرات للمبالغة


في السببية فإن النظر سبب للعبرة والسكوت سبب للفكرة مناصحا نصبه وأختيه على الحال مما أضيف إليه المبتدأ على القول بجوازه وقيل نصبها على الاختصاص أي ينصح أخاه ويقبل منه النصح متباذلا أي يبذل أخاه من المال والعلم ويقبل منه متواخيا أي يواخي مع خلص المؤمنين لله وفي الله.

ناصحا في السر والعلانية أي ينصح في السر إن اقتضته المصلحة وفي العلانية إن اقتضته الحكمة أو المراد بالسر القلب وبالعلانية اللسان إشارة إلى أن نصحه غير مشوب بالخدعة.

لا يهجر أخاه الهجر ضد الوصل أي لا يترك صحبته ولا يأسف على ما فاته أي من النعم في القاموس الأسف محركة أشد الحزن أسف كفرح وعليه غضب ولا يحزن على ما أصابه أي من البلاء ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء كان يرجو البقاء في الدنيا أو درجة الأنبياء والأوصياء أو الأمور الدنيوية كالمناصب الباطلة.

ولا يفشل في الشدة أي لا يكسل في العبادة في حال الشدة أو لا يضطرب ولا يجبن فيها بل يصبر أو يقدم على دفعها بالجهاد ونحوه في القاموس فشل كفرح فهو فشل كسل وضعف وتراخى وجبن يمزج العلم بالحلم أي بالعفو وكظم الغيظ أو العقل والأول أظهر لأن العلم يصير غالبا سببا للتكبر والترفع وترك الحلم والمزج الخلط والفعل كنصر والعقل بالصبر أي مع وفور عقله يصبر على جهل الجهال أو يصبر على المصائب لقوة عقله وقيل أي مع عقله وفهمه أحوال الخلائق يصبر عليها.

تراه بعيدا كسله أي في العبادات دائما نشاطه أي رغبته في الطاعات في القاموس نشط كسمع نشاطا طابت نفسه للعمل وغيره قريبا أمله أي لا يأمل ما يبعد حصوله من أمور الدنيا أو لا يأمل ما يتوقف حصوله على عمر طويل بل يعد موته قريبا والحاصل أنه ليس له طول الأمل أو لا يؤخر ما يريده من الطاعة ولا يسوف فيها قليلا زلله لتيقظه وأخذه بالحائطة لدينه متوقعا لأجله أي


منتظرا له يعده قريبا منه خاشعا قلبه أي خاضعا منقادا لأمر الله متذكرا له خائفا منه سبحانه قانعة نفسه بما أعطاه ربه منفيا جهله لوفور علمه سهلا أمره أي هو خفيف المئونة أو يصفح عن السفهاء ولا يصر على الانتقام منهم وقيل أي لا يتكلف لأحد ولا يكلف أحدا.

ميتة شهوته أي هو عفيف النفس صافيا خلقه عن الغلظ والخشونة محكما أمره أي أمر دينه أو الأعم ليسلم أي من آفات اللسان ويتجر ليغنم أي ليحصل الغنيمة والربح لا للفخر والحرص على جمع الأموال والذخيرة أو المراد بالغنيمة الفوائد الأخروية أي يتجر لينفق ما يحصل له في سبيل الله فتحصل له الغنائم الأخروية كذا أفاده الوالد رحمه‌الله أو المراد بالتجارة أيضا التجارة الأخروية كما قال تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (١).

لاينصت للخير ليفخر به أي لا يسكت مستمعا لقول الخير لينقله في مجلس آخر فيفخر به في القاموس نصت ينصت وأنصت وانتصت سكت وأنصته وله سكت له واستمع لحديثه وأنصته أسكته وفي بعض النسخ لا ينصب للخير ليفجر به أي لا يقبل المنصب الشرعي ليفجر به ويحكم بالفجور ويرتشي ويقضي بالباطل ولا يتكلم أي بالخير.

نفسه منه في عناء لرياضتها في الطاعات والناس منه في راحة وفسر هذا بقوله أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه لأن شغله بأمر نفسه يشغله عن التعرض لغيره وربما يفرق بين الفقرات بأن المراد بالفقرتين الأوليين أن نفسه الأمارة منه في عناء وتعب لمنعها عن هواها وزجرها عن مشتهاها فصار الناس منه في راحة لأن المداومة على الطاعات والرياضات تصير النفس سليمة حليمة غير مائلة إلى المعارضات الذي ينتصر له أي ينتقم له.

__________________

(١) الصف : ١١.


بعده ممن تباعد منه بغض ونزاهة أي إنما يبعد عن الكفار والفساق للبغض في الله والنزاهة والبعد عن أعمالهم وأفعالهم والنزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر ومكروه ودنوه ممن دنا منه من المؤمنين لين ورحمة أي ملاينة وملاطفة وترحم ولا عظمة أي تجبرا وعد النفس عظيما وقيل المراد بها العظمة الواقعية وفي القاموس خلبه كنصره خلبا وخلابا وخلابة بكسرهما خدعه بل يقتدي أي في هذا البعد والدنو.

أقول : هذه الصفات قد يتداخل بعضها في بعض ولكن تورد بعبارة أخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانية مركبة مع غيرها وهذا النوع من التكرار في الخطب والمواعظ مطلوب لمزيد التذكار.

ثم وقع مغشيا عليه كأن المراد به أنه مات من غشيته كما سيأتي (١) في رواية النهج هكذا تصنع المواعظ البالغة هكذا في محل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله تصنع والتقديم للحصر والمشار إليه نوع من التأثير صار في همام سبب موته بأهلها أي بمن تؤثر فيه ويتدبرها ويفهمها كما ينبغي.

فما بالك يا أمير المؤمنين أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات أو ذكرها أو سماعك من الرسول صلى الله عليه واله ما فعل بهمام أو لم أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه فعلى الأول الجواب يحتمل وجوها :

الأول أن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل وصيرورته في همام سبب موته لضعف نفسه وقلة حوصلته وعدم اتصافه ببعض تلك الصفات لا يستلزم صيرورته سببا للموت في كل أحد لا سيما فيه صلوات الله عليه.

الثاني ما ذكره بعض المحققين وهو أنه أجابه عليه السلام بالإشارة إلى السبب البعيد وهو الأجل المحتوم به القضاء الإلهي وهو جواب مقنع للسامع مع أنه حق وصدق وأما السبب القريب الفرق بينه وبين همام ونحوه لقوة نفسه القدسية على قبول الواردات الإلهية وتعوده بها وبلوغ رياضته حد السكينة عند ورود أكثرها وضعف

__________________

(١) بل مر تحت الرقم ٥٠ ص ٢٧١.


نفس همام عما ورد عليه من خوف الله ورجائه وأيضا فإنه عليه السلام كان متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها.

قيل ولم يجب عليه السلام بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل وهذا قريب من الأول لكن الأول أظهر لأنه عليه السلام أشار إلى الفرق إجمالا بأن الآجال منوطة بالأسباب والأسباب في المواد مختلفة فيمكن أن يؤثر في بعض المواد ولا يؤثر في بعضها.

الثالث أن يكون المعنى أن قولنا هكذا تصنع المواعظ على تقدير كون هكذا إشارة إلى الموت ليس كليا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة ظرف سامعه أو غير ذلك وليس سببا مستقلا للموت بالنسبة إلى أهلها فإن لكل أحد أجلا منوطا بأسباب ودواعي ومصالح والوجوه الثلاثة متقاربة.

وقيل يمكن أن يكون كلام السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى الإماتة وحاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلان هذا التوهم وأن المشار إليه التأثير الكامل كما مر.

وعلى الثاني حاصل الجواب أني لم أكن أعلم أنه يفعل به ما فعل والخوف يحصل بمحض الاحتمال ومحض الاحتمال لا يكفي لترك بيان ما أمر الله ببيانه.

كما قال ابن ميثم :

إن قيل كيف جاز منه عليه السلام أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه وهو كالطبيب يعطي كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء قلت إنه لم يكن يغلب على ظنه إلا الصعقة عن الوجد الشديد فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنونا له انتهى.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد أن هذا كان أجلا مقدرا له ولا يمكن الفرار من الأجل المقدر بترك ما أمر الله به كما قال تعالى « قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ » (١) على بعض التفاسير

__________________

(١) آل عمران : ١٥٤.


ويمكن أن يجوز له عليه السلام ذلك مع العلم بموته لعهد من الرسول صلى الله عليه واله فيشبه قصة الغلام وصاحب موسى عليه السلام.

وسببا لا يجاوزه الضمير راجع إلى السبب وقال الجوهري المهل بالتحريك التؤدة وأمهله أنظره وتمهل في أمره أي اتأد وقولهم مهلا يا رجل وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل (١) وقال النفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل.

أقول : وربما يتوهم التنافي بين ما تضمن هذا الخبر من صيحة همام عند سماع الموعظة وبين ما سيأتي في كتاب القرآن من ذم أبي جعفر عليه السلام قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم (٢) ويمكن أن يجاب بأن عروض ذلك نادرا لا ينافي ذمه عليه السلام قوما كان دأبهم ذلك وكانوا متعمدين لفعله رئاء وسمعة كالصوفية.

__________________

(١) الصحاح ص ١٨٢٢.

(٢) تراه في الكافي ج ٢ ص ٦١٦ باب فيمن يظهر الغشية عند قراءة القرآن.


كلمة المحقق :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله أمناء الله.

وبعد : فمن سعادتي الخالدة والشكر لواهبها ومنعمها أن وفقني الله العزيز لخدمة الدين القويم والخوض في تراثه الذهبي القيم تحقيقا لآثار الوحي والرسالة وتصحيحها وتبريزها بصورة تناسب أدنى شأنها وشأنها أن تكتب بالتبر على ألواح الزبرجد.

وفي مقدمتها هذا الموسوعة الكبرى بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار الباحث عن المعارف الإسلامية الدائرة بين المسلمين فلله المن والشكر على توفيقه لذلك.

وهذا الجزء الذي نقدمها إلى القراء الكرام هو الجزء الأول من المجلد الخامس عشر في بيان الإسلام والإيمان وشرائطهما وصفات المؤمنين والمتقين من مكارم الاخلاق ومحاسن الأعراق وبيان معاني الكفر والنفاق وموجباتها وعلائم الكفار والمنافقين ومقابح خصالهم ومذام خلالهم إلى غير ذلك من المباحث النافعة الكثيرة التي ستمر عليكم في طي أجزائها.

وقد اعتمدنا في تصحيح أحاديثها وتحقيقها على النسخة المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريج أحاديثه من المصادر وتعيين موضع النص منها إلا في المصادر المخطوطة.

نرجو من الله العزيز أن يوفقنا لإتمام ذلك ويعيننا في إخراج سائر أجزائه متواليا متواترا وأن يعصمنا عن الزلل والخطاء إنه ولي العصمة والتوفيق.

محمد الباقر البهبودى


بسمه تعالى

إلى هنا انتهى الجزء الأول من المجلد الخامس عشر وهو الجزء السابع والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة عشر بابا ولقد بذلنا الجهد في تصحيحنا فخرج بعون الله ومشيته نقيا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ منه البصر وحسر عنه النظر اللهم ما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فوفقنا لأقرب من هذا رشدا.

السيد إبراهيم الميانجي

محمد الباقر البهبودى


فهرس

ما في هذا الجزء من الأبواب

أبواب

الإيمان والإسلام والتشيع ومعانيها وفضلها وصفاتها

عناوين الأبواب

رقم الصفحة

١ ـ باب فضل الإيمان وجمل شرائطه...................................... ٧٣ ـ ٢

٢ ـ باب أن المؤمن ينظر بنور الله وأن الله خلقه من نوره.................... ٧٩ ـ ٧٣

٣ ـ باب طينة المؤمن وخروجه من الكافر وبالعكس وبعض أخبار الميثاق زائدا على ما تقدم في كتاب التوحيد والعدل ١٢٩ ـ ٧٧

٤ ـ باب فطرة الله سبحانه وصبغته................................... ١٤٢ ـ ١٣٠

٥ ـ باب فيما يدفع الله بالمؤمن....................................... ١٤٤ ـ ١٤٣

٦ ـ باب حقوق المؤمن على الله عز وجل وما ضمن الله تعالى له.......... ١٤٦ ـ ١٤٥

٧ ـ باب الرضا بموهبة الإيمان وأنه من أعظم النعم وما أخذ الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الأذى ١٥٧ ـ ١٤٧

٨ ـ باب قلة عدد المؤمنين وأنه ينبغي أن لا يستوحشوا لقلتهم وأنس المؤمنين بعضهم ببعض ١٦٩ ـ ١٥٧

٩ ـ باب أصناف الناس في الإيمان.................................... ١٨١ ـ ١٦٩

١٠ ـ باب لزوم البيعة وكيفيتها وذم نكثها............................ ١٨٨ ـ ١٨١

١١ ـ باب آخر في أن المؤمن صنفان.................................. ١٩٦ ـ ١٨٩

١٢ ـ باب شدة ابتلاء المؤمن وعلته وفضل البلاء....................... ٢٥٩ ـ ١٩٦

١٣ ـ باب أن المؤمن مكفر.......................................... ٢٦١ ـ ٢٥٩

١٤ ـ باب علامات المؤمن وصفاته................................... ٣٨٦ ـ ٢٦١



*(رموز الكتاب)*

ب : لقرب الاسناد.

ع : للعلل الشرائع.

لد : للبلدين الامين.

بشا : لبشارة المصطفى.

عا : لدعائم الاسلام.

لي : لامالى الصدوق.

تم : لفلاح السائل.

عد : للعقائد.

م : لتفسير الامام العسكري (ع)

ثو : لثواب الاعمال.

عدة : للعدة.

ما : لامالى الطوسى.

ج : للاحتجاج.

عم : لاعلام الورى

محص : للتمحيص.

جا : لمجالس المفيد.

عين : للعيون والمحاسن.

مد : للعمدة.

جش : لفهرست النجاشي.

غر : للغرر والدرر.

مص : لمصباح الشريعة.

جع : لجامع الاخبار.

غط : لغيبة الشيخ.

مصبا : للمصباحين.

جم : لجماع الاسبوع.

غو : لغوالي اللئالي.

مع : لمعاني الاخبار.

جنة : للجنة.

ف : لتحف العقول.

مكا : لمكارم الاخلاق.

حة : لفرحة الغرى.

فتح : لفتح الابواب.

مل : لكامل الزيارة.

ختص : لكتاب الاختصاص.

فر : لتفسير فرات بن إبراهيم.

منها : للمنهاج.

خص : لمنتخب البصائر.

فس : لتفسير علي بن إبراهيم.

مهج : لمهج الدعوات.

د : للعدد.

فض : لكتاب الروضة.

ن : لعيون أخبار الرضا (ع).

سر : للسرائر.

ق : للكتاب العتيق الغروى.

نيه : لتنبيه الخاطر.

سن : للمحاسن.

قب : لمناقب ابن شهر آشوب

نجم : لكتاب النجوم.

شا : للارشاد.

قبس : لقبس المصباح.

نص : للكافية.

شف : لكشف اليقين.

قضا : لقضاء الحقوق.

نهج : لنهج البلاغة.

شى : لتفسير العياشي.

قل : لاقبال الاعمال.

نى : لغيبة النعماني.

ص : لقصص الانبياء.

قية : للدروع.

هد : للهداية.

صا : للاستبصار.

ك : لاكمال الدين.

يب : للتهذيب.

صبا : لمصباح الزائر.

كا : للكافي.

يج : للخرائج.

صح : لصحيفة الرضا (ع).

كش : لرجال الكشي.

يد : للتوحيد.

ضا : لفقه الرضا (ع).

كشف : لكشف الغمة.

ير : لبصائر الدرجات.

ضوء : لضوء الشهاب.

كف : لمصباح الكفعمى.

يف : للطرائف.

ضه : لروضة الواعظين.

كنز : لكنز جامع الفوائد وتأويل الايات الظاهرة معاً.

يل : للفضائل.

ط : للصراط المستقيم.

ل : للخصال.

ين : لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه والنوادر.

طا : لامان الاخطار.

يه : لمن لايحضره الفقيه.

طب : لطب الائمة.

بحار الأنوار - ٦٧

المؤلف:
الصفحات: 391