بسم الله الرحمن الرحيم

(أبواب)

(الدواجن وقد مضت منها الأنعام)

١

(باب)

(استحباب اتخاذ الدواجن في البيوت)

١ ـ قرب الإسناد ، عن سعد بن طريف (١) عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : كانوا يحبون أن يكون في البيت الشيء الداجن مثل الحمام والدجاج أو العناق ليعبث به صبيان الجن ولا يعبثون بصبيانهم (٢).

٢ ـ طب الأئمة ، عن المظفر بن محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن سليمان بن جعفر عن إبراهيم بن أبي يحيى المدائني قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثروا من الدواجن في بيوتكم تتشاغل (٣) بها الشياطين عن صبيانكم (٤).

__________________

(١) هكذا في الكتاب في مطبوعه ومخطوطه وفيه تصحيف والصحيح كما في المصدر : الحسن بن ظريف.

(٢) قرب الإسناد : ٤٥.

(٣) في المخطوطة : لتشاغل.

(٤) طب الأئمة : ١١٧.


بيان : قال الجوهري دجن بالمكان دجونا أقام به وأدجن مثله وقال ابن السكيت شاة داجن وراجن إذا ألفت البيوت واستأنست قال ومن العرب من يقولها بالهاء وكذلك غير الشاة قال لبيد

حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا

غضفا دواجن قافلا أعصامها

أراد به كلاب الصيد.

وقال في النهاية فيه لعن الله من مثل بدواجنه هي جمع داجن وهو الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم يقال شاة داجن ودجنت تدجن دجونا والمداجنة حسن المخالطة وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها والمثلة بها أن يخصيها ويجدعها انتهى (١).

وقال الدميري الدجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم وكذلك الناقة والحمام البيوتي والأنثى داجنة والجمع دواجن وقال أهل اللغة دواجن البيوت ما ألفها من الطير والشاة وغيرهما وقد دجن في بيته إذا لزمه (٢).

__________________

(١) النهاية ٢ : ١٤.

(٢) حياة الحيوان ١ : ٢٣٦.


٢

(باب)

(فضل اتخاذ الديك وأنواعها واتخاذ الدجاج في البيت وأحكامها)

١ ـ العيون ، والخصال ، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري عن إبراهيم بن حمويه عن اليقطيني قال قال الرضا عليه‌السلام في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء معرفته بأوقات الصلاة والغيرة والسخاء والشجاعة وكثرة الطروقة (١).

٢ ـ مجالس الصدوق ، في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن سب الديك وقال إنه يوقظ للصلاة (٢).

٣ ـ المكارم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تعلموا من الديك خمس خصال محافظته على أوقات الصلاة والغيرة والسخاء والشجاعة وكثرة الطروقة (٣).

٤ ـ كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي ، عن حميد بن شعيب عن جابر الجعفي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن لله ديكا رجلاه في الأرض ورأسه تحت العرش جناح له في المشرق وجناح له في المغرب يقول سبحان الملك القدوس فإذا قال ذلك صاحت الديوك وأجابته فإذا سمع صوت الديك فليقل أحدكم سبحان ربي الملك القدوس (٤).

٥ ـ الكافي ، عن العدة عن البرقي عن محمد بن علي عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ديك أفرق أبيض (٥) يحفظ دويرة

__________________

(١) عيون الأخبار ج ١ : ٢٧٧ الخصال ١ : ٢٩٨.

(٢) مجالس الصدوق : ٢٥٤ (٦٦٢) ورواه في الفقيه ٤ : ٣ باسناد المناهى.

(٣) مكارم الأخلاق : ١٥٤.

(٤) كتاب جعفر بن محمد بن شريح :.

(٥) في المصدر : ديك ابيض افرق يحرس.


أهله وسبع دويرات حوله (١).

بيان : قال في القاموس ديك أفرق بين الفرق عرفه مفروق.

٦ ـ الكافي ، عن العدة عن سهل بن زياد عن علي بن سليمان بن رشيد عن القاسم بن عبد الرحمن الهاشمي عن محمد بن مخلد الأهوازي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ديك أفرق أبيض (٢) يحرس دويرته وسبع دويرات حوله ولنفضة من حمامة منمرة (٣) أفضل من سبع ديوك فرق بيض (٤).

٧ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال : ذكر عند أبي الحسن حسن الطاوس فقال لا يزيدك على حسن الديك الأبيض بشيء قال وسمعته يقول الديك أحسن صوتا من الطاوس وهو أعظم بركة ينبهك في مواقيت الصلاة وإنما يدعو الطاوس بالويل بخطيئته التي ابتلي بها (٥).

٨ ـ ومنه ، عن علي عن بعض أصحابه (٦) رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الديك الأبيض صديقي وصديق كل مؤمن (٧).

٩ ـ ومنه ، عن علي (٨) عن بعض أصحابه عن أبي شعيب المحاملي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : في الديك خمس خصال من خصال الأنبياء السخاء والشجاعة (٩)

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٤٩.

(٢) في المصدر : ديك أبيض أفرق.

(٣) طير منمر : فيه نقط سود.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠ فيه : لخطيئة.

(٦) في المصدر : « عنه عن بعض أصحابه » ومرجع الضمير غير معلوم.

(٧) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠.

(٨) في المصدر : « عنه عن بعض أصحابه » ومرجع الضمير غير معلوم.

(٩) زاد في المصدر بعد الشجاعة : القناعة. والظاهر أنه زائد والا تزيد عن خمس.


والمعرفة بأوقات الصلاة (١) وكثرة الطروقة والغيرة (٢).

بيان : كثرة الطروقة بفتح الطاء من قولهم طروقة الفحل أي أنثاه فالمراد كثرة الأزواج أو بالضم مصدر طرق الفحل الناقة إذا نزا عليها فالمراد كثرة الجماع.

١٠ ـ الكافي ، عن علي وعدة (٣) من أصحابه عن سهل بن زياد جميعا عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام صياح الديك صلاته وضربه بجناحه ركوعه وسجوده (٤).

بيان : كأنه إشارة إلى قوله تعالى « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » كما مر وقد مر استحباب اتخاذ الدجاج في الباب السابق.

١١ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن عمرو بن عثمان رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الوز جاموس الطير والدجاج خنزير الطير والدراج حبش الطير وأين أنت عن فرخين ناهضين ربتهما امرأة من ربيعة بفضل قوتها (٥).

بيان : الوز لغة في الإوز وكونه جاموس الطير لأنسه بالحماءة والمياه وشبه الدجاج بالخنزير في أكل العذرة وكون الدراج حبش الطير لسواده وكأن التخصيص بامرأة ربيعة لكون طيرهم أجود أو كونهم أحذق في ذلك أو كون الشائع في ذلك الزمان وجود هذا الطير أو كثرته عندهم.

__________________

(١) في المصدر : باوقات الصلوات.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠.

(٣) في المصدر : عنه وعن عدة من أصحابنا.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٣١٢ ورواه البرقي في المحاسن : ٤٧٤. وروى بإسناده عن ابن الحسن النهدى عن علي بن أسباط رفعه الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه ذكر عنده لحم الطير فقال : اطيب اللحم لحم فرخ غذته فتاة من ربيعة بفضل قوتها.


١٢ ـ الكافي ، عن أحمد عن السياري رفعه قال : ذكرت اللحمان بين يدي عمر فقال عمر إن أطيب اللحمان لحم الدجاج فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام كلا إن ذلك خنازير الطير وإن أطيب اللحمان لحم فرخ نهض أو كاد ينهض (١).

١٣ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى قال : أكلت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فدعا وأتي بدجاجة محشوة وبخبيص فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هذه أهديت لفاطمة ثم قال يا جارية ائتنا بطعامنا المعروف فجاء بتريد [ بثريد ] وخل وزيت (٢).

١٤ ـ مجمع البيان ، روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأكل الدجاج والفالوذج وكان يعجبه الحلواء والعسل (٣).

بيان : أكثر الأخبار تدل على كراهة لحم الدجاج ولم أر من تعرض لها غير أن الشهيد رحمه‌الله في الدروس ذكر الرواية المتقدمة ويمكن حمل أخبار الذم على ما إذا كانت جلالة أو قريبة من الجلل ولم يستبرأ فمع الاستبراء ثلاثة أيام يزول التحريم أو الكراهة

كما روى الدميري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها بعد ذلك انتهى (٤).

والتعليل الوارد في الأخبار المتقدمة ربما يشعر بذلك ..

١٥ ـ حياة الحيوان ، الديك ذكر الدجاج وجمعه ديوك وديكة وتصغيره دويك ويسمى الأنيس والمؤانس ومن شأنه أنه لا يحنو على ولده ولا يألف زوجة واحدة وهو أبله الطبيعة وذلك أنه إذا سقط من حائط لم تكن له هداية ترشده إلى دار أهله وفيه من الخصال الحميدة أن يسوي بين دجاجه ولا يؤثر واحدة على واحدة إلا نادراً.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٣١٢. ورواه البرقي في المحاسن : ٤٧٥ عن السيارى.

(٢) المحاسن : ٤٠٠ فيه : بثريد.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٢٣٦ ط الصيداء.

(٤) حياة الحيوان ١ : ٢٤١.


وأعظم ما فيه من العجائب معرفة الأوقات الليلية فيقسط أصواته عليها تقسيطا لا يكاد يغادر منه شيئا سواء طال أو قصر ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده فسبحان من هداه لذلك ولهذا أفتى القاضي حسين والمتولي والرافعي بجواز اعتماد الديك المجرب في أوقات الصلاة (١) ومن غرائب أمره أنه إذا كانت الديكة بمكان ودخل عليهم ديك غريب سفدته كلها.

قال الجاحظ ويدخل في الديك الهندي والجلاسي والنبطي والسندي والزنجي قال وزعم أهل التجربة أن الديك الأبيض الأفرق من خواصه أن يحفظ الدار التي هو فيها وزعموا أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لم يزل ينكب (٢) في أهله وماله

روى عبد الحق بن قانع بإسناده إلى جابر بن أثوب بسكون الثاء المثلثة وفتح الواو وهو أثوب بن عتبة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الديك الأبيض خليلي.

وإسناده لا يثبت ورواه غيره بلفظ الديك الأبيض صديقي وعدو الشيطان يحرس صاحبه وسبع دور خلفه.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقتنيه في البيت والمسجد.

وفي ترجمة البزي الراوي عن ابن كثير عن الحسن عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول الديك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب جبرئيل يحرس بيته وستة عشر بيتا من جيرانه.

وروى الشيخ محب الدين الطبري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له ديك أبيض وكانت الصحابة يسافرون بالديكة لتعرفهم أوقات الصلاة.

وفي الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا.

__________________

(١) في المصدر : فى اوقات الصلوات.

(٢) أي يصيبه النكبة أي المصيبة.


قال القاضي سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم له بالإخلاص والتضرع والابتهال وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم وإنما أمرنا بالتعوذ من الشيطان عند نهيق الحمير لأن الشيطان يخاف من شره عند حضوره فينبغي أن يتعوذ منه انتهى.

وفي معجم الطبراني وتاريخ أصبهان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن لله ديكا أبيض جناحاه موشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورأسه تحت العرش وقوائمه في الهواء ويؤذن كل سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السماوات والأرض إلا الثقلين الجن والإنس فعند ذلك يجيبه ديوك الأرض فإذا دنا يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحك وغض صوتك فيعلم أهل السماوات والأرض إلا الثقلين أن الساعة قد اقتربت.

وروى الطبراني والبيهقي في الشعب عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن لله ديكا رجلاه في التخوم ورأسه (١) تحت العرش مطوية فإذا كان هنة (٢) من الليل صاح سبوح قدوس فتصيح الديكة.

وفي كتاب فضل الذكر للحافظ جعفر بن محمد بن الحسن الفرياني عن ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن لله ديكا براثنه (٣) في الأرض السفلى وعنقه مثني تحت العرش وجناحاه في الهواء يخفق بهما في السحر كل ليلة يقول سبحان الملك القدوس ربنا الرحمن (٤) الملك لا إله غيره (٥).

وروى الثعلبي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ثلاثة أصوات يحبها الله تعالى صوت

__________________

(١) في المصدر : وعنقه.

(٢) الهنة : الطائفة من الليل.

(٣) في المصدر : رجلاه.

(٤) في المصدر : ربنا الملك الرحمن.

(٥) هذه وامثالها من روايات العامة لم تثبت من طريق الخاصة وفيها غرابة شديدة ولعل المراد بالديك ملك يشابهه وعلى أي فالسكوت عنها طريق النجاة.


الديك وصوت قارئ القرآن وصوت « الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ».

وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة.

إسناده جيد وفي لفظ فإنه يدعو إلى الصلاة.

قال الإمام الحليمي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه يدعو إلى الصلاة فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ويستهان بل حقه أن يكرم ويشكر ويتلقى بالإحسان وليس معنى دعاء الديك إلى الصلاة أن يقول بصراخه حقيقة الصلاة أو قد حانت الصلاة بل معناه أن العادة قد جرت بأن يصرخ صرخات متتابعة عند الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها فتذكر الناس بصراخه الصلاة ولا يجوز لهم أن يصلوا بصراخه من غير دلالة سواه إلا من جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة والله أعلم انتهى

وروى الحاكم في المستدرك (١) عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله تعالى أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول سبحانك ما أعظم شأنك قال فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف بي لاذبا.

وروى أبو طالب المكي والغزالي عن ميمون بن مهران أنه قال : بلغني أن تحت العرش ملكا في صورة ديك رأسه من لؤلؤة وجناحاه من زبرجد أخضر (٢) فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا (٣) وقال ليقم القائمون فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال ليقم المصلون فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم ومعنى زقا صاح.

__________________

(١) زاد في المصدر : فى أوائل كتاب الايمان والطبراني ورجاله رجال الصحيح.

(٢) في المصدر : براثنه من لؤلؤ صيصيته من زبرجد أخضر.

(٣) زقا الطائر : صاح.


وعن عبد الله بن نافع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن إخصاء الخيل والغنم والديك (١) وقال إنما النماء في الخيل وتحرم المنافرة بالديكة (٢).

وقال الدجاج مثلث الدال الواحدة دجاجة الذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيه كبطة وحمامة ومن عجيب أمرها أنه يمر بها سائر السباع فلا يخشاها فإذا مر بها ابن آوى وهي على سطح أو جدار أو شجرة رمت بنفسها إليه وتوصف بسرعة الانتباه وقوة (٣) النوم ويقال إن نومها واستيقاظها إنما هو بمقدار خروج النفس ورجوعه ويقال إنما تفعل ذلك من شدة الجبن وأكثر ما عندها من الحيلة أنها لا تنام على الأرض بل ترتفع على رف أو جذع أو جدار أو ما قارب ذلك والدجاج مشترك الطبيعة يأكل اللحم والذباب وذلك من طباع الجوارح ويأكل الخبز ويلقط الحب وذلك من طباع بهائم الطير (٤) والفرخ يخرج من البيضة تارة بالحضن وتارة بأن يدفن في الزبل (٥) ونحوه

وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الأغنياء باتخاذ الغنم وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج (٦).

__________________

(١) في المصدر : وفي الكامل في ترجمة عبد الله بن نافع مولى ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن خصاء الديك والغنم والخيل.

(٢) حياة الحيوان ١ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٣) في المصدر : وتوصف الدجاجة بقلة النوم وسرعة الانتباه.

(٤) زاد في المصدر : ويعرف الديك من الدجاجة وهو في البيضة وذلك ان البيضة اذا كانت مستطيلة محدودة الاطراف فهي مخرج الاناث وان كانت مستديرة عريضة الاطراف فهى مخرج الذكور.

(٥) الزبل : السرجين او السرقين ، يستفاد من ذلك أن انتاج الدجاج من وضع البيض تحت حرارة ، كان معمولا سابقا ، ولعل المعاصرين تفطنوا من ذلك لاختراعهم الجديدة.

(٦) زاد في المصدر : وقال : « عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله تعالى بهلاك القرى » وفيه : يعنى ان الأغنياء إذا ضيقوا على الفقراء في مكاسبهم وخالطوهم في معايشهم تعطل سببهم وهلكوا وفي هلاك الفقراء بوار وفي ذلك هلاك القرى وبوارها.


ويحل أكل الدجاج لما روى الشيخان والترمذي والنسائي عن إبراهيم بن رهدم [ زهدم ] بن المصرم الحرمي (١) قال : كنا عند أبي موسى الأشعري فدعا بمائدة عليها لحم دجاجة فخرج من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي فقال هلم فتلكأ (٢) فقال هلم فإني رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل منه.

وفي لفظ يأكل دجاجة.

وهذا الرجل إنما تلكأ لأنها تأكل العذرة (٣) فقذره ويحتمل أن يكون تردد لالتباس الحكم عليه أو لم يكن عنده دليل فتوقف حتى يعلم حكم الله تعالى.

__________________

(١) في المخطوطة : عن ابن رهدم مصرم الحرمى وفي المصدر : عن زهدم بن مضرم الجرمى.

(٢) أي أبطأ وتوقف.

(٣) في المصدر : وهذا الرجل تلكأ لانه رآه يأكل العذرة.


٣

(باب)

(الحمام وأنواعه من الفواخت والقماري والدباسي والوراشي وغيرها)

١ ـ العلل ، عن محمد بن موسى المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن يونس عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الشيء إذا اختلف لم يلقح قلت فإن الناس يزعمون الطير الراعبي (١) أحد أبويه ورشان وقد نراه يبيض ويفرخ قال كذبوا إنه قد يلقى الورشان على الطير فيتزاوج ويبيض ويفرخ ولا يفرخ نسله أبدا (٢).

تبيان قوله إن الشيء إذا اختلف لم يلقح أي إذا تولد الحيوان من جنسين مختلفين يكون عقيما لا يلد فقال الراوي الراعبي مع كونه من جنسين مختلفين يبيض ويفرخ وجوابه عليه‌السلام يحتمل وجهين أحدهما تكذيب الناس في ذلك وإفادة أنه لا يبيض ولا يفرخ بل كل راعبي يتولد من جنسين وثانيهما أن يكون المعنى أن ما يحصل من الورشان والجنس الآخر هو غير الراعبي ولا يفرخ ولعله أظهر.

وقال الدميري الراعبي طائر متولد بين الورشان والحمام وهو شكل عجيب قاله القزويني (٣).

وقال الورشان هو ساق حر وقيل طائر متولد بين الفاختة والحمامة وبعضهم يسميه الوراشين وهو أصناف منها النوبي وهو أسود حجازي إلا أنه أشجى صوتا من الورشان يوصف بالحنو على الأولاد حتى أنه ربما قتل نفسه إذا رآها

__________________

(١) في المصدر : ان الطير الراعبى.

(٢) الخصال ٢ : ١٨١ ( طبعة قم ).

(٣) حياة الحيوان ١ : ٢٦٥.


في يد القانص (١).

وقال ساق حر الورشان وهو ذكر القماري لا يختلفون في ذلك (٢).

٢ ـ العيون ، والعلل ، بالإسناد المتقدم سأل الشامي أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى هدير الحمام الراعبية فقال تدعو على أهل المعازف والقيان والمزامير والعيدان (٣).

بيان : في القاموس المعازف الملاهي كالعود والطنبور والواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة والقيان جمع القينة الأمة المغنية فهو عطف على الأهل ويقدر المضاف في الأخيرين.

٣ ـ الإختصاص ، والبصائر ، عن أحمد بن محمد عن البزنطي عن بعض أصحابنا قال : أهدي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فاختة وورشان وطير راعبي فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أما الفاختة فتقول فقدتكم فقدتكم فافقدوها قبل أن تفقدكم فأمر بها فذبحت وأما الورشان فيقول قدستم قدستم فوهبه لبعض أصحابه والطير الراعبي يكون عندي أسر به (٤).

بيان : قال الدميري الفاختة واحدة الفواخت من ذوات الأطواق زعموا أن الحيات تهرب من صوتها وهي عراقية وليست حجازية وفيها فصاحة وحسن صوت وفي طبعها الأنس وتعيش في الدور والعرب تصفها بالكذب فإن صوتها عندهم هذا أوان الرطب تقول ذلك والنخل لم تطلع وتعمر (٥) وقد ظهر منه ما عاش خمسا وعشرين سنة وما عاش أربعين سنة (٦).

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٨٤.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٨.

(٣) عيون الأخبار ج ١ ص ٢٤٦ علل الشرائع ٢ : ٢٨٣ و ٢٨٤ فيه : القينات.

(٤) الاختصاص : ٢٩٤ فيه : انسى به ، بصائر الدرجات : ٢٣٤ ط التبريز.

(٥) في المصدر : وهذا الطائر يعمر كثيرا.

(٦) حياة الحيوان ٢ : ١٣٧ و ١٣٨.


٤ ـ البصائر ، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر عن الحلبي عن ابن مسكان عن أبي أحمد عن شعيب بن الحسن قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام جالسا فسمع صوتا من الفاختة فقال تدرون ما تقول قال قلت لا قال تقول فقدتكم فافقدوها قبل أن تفقدكم (١).

ومنه عن البرقي عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن أبي أحمد عن سعد بن الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (٢).

٥ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد عن سعيد بن جناح عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن بعض أصحابنا قال : سمعت فاختة تصيح من دار أبي عبد الله عليه‌السلام فقال أتدرون ما تقول هذه الفاختة قال قلت لا قال تقول فقدتكم أما إنا لنفقدنها قبل أن تفقدنا قال فأمر بها فذبحت (٣).

٦ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد والبرقي عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن داود بن فرقد عن علي بن سنان قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسمع صوت فاختة في الدار فقال أين هذه التي أسمع صوتها قلنا هي في الدار أهديت لبعضهم فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أما لنفقدنك قبل أن تفقدنا قال ثم أمر بها فأخرجت من الدار (٤).

بيان : ربما يحمل دعاؤها على صاحب البيت بأنها لخساستها وبعض جهات الشر فيها في صوتها نحوسة تترتب عليها الجلاء والهلاك فكأنها تدعو على صاحب البيت ولا ضرورة في ارتكاب هذه التكلفات كما عرفت سابقا.

٧ ـ كامل الزيارة ، عن أبيه وعلي بن الحسين عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اتخذوا الحمام الراعبية في

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٤٣.

(٢) بصائر الدرجات : ٣٤٤.

(٣) بصائر الدرجات : ٣٤٤.

(٤) بصائر الدرجات : ٣٤٦.


بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين عليه‌السلام (١).

الكافي ، عن علي بن إبراهيم مثله (٢).

٨ ـ الكامل ، عن أبيه وأخيه وعلي بن الحسين ومحمد بن الحسن جميعا عن أحمد بن إدريس عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن صندل عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام فنظرت إلى الحمام الراعبي يقرقر طويلا فنظر إلي أبو عبد الله عليه‌السلام طويلا فقال يا داود أتدري ما يقول هذا الطير قلت لا والله جعلت فداك قال يدعو على قتلة الحسين عليه‌السلام فاتخذوه في منازلكم (٣).

الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن الجاموراني مثله (٤).

٩ ـ إرشاد المفيد ، عن علي بن سعيد عن محمد بن كرامة عن أبي حمزة الثمالي قال : كانت لابن ابنتي حمامات فذبحتهن غضبا ثم خرجت إلى مكة فدخلت على أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام قبل طلوع الشمس فلما طلعت رأيت فيها حماما كثيرا قال قلت أسأله مسائل وأكتب ما يجيبني عنها وقلبي متفكر فيما صنعت بالكوفة وذبحي لتلك الحمامات من غير معنى وقلت في نفسي لو لم يكن في الحمام خير لما أمسكهن.

فقال لي أبو جعفر عليه‌السلام ما لك يا با حمزة قلت يا ابن رسول الله خير قال كان قلبك في مكان آخر قلت إي والله وقصصت عليه القصة وحدثته بأني ذبحتهن فالآن أنا أعجب بكثرة ما عندك منها قال فقال الباقر عليه‌السلام بئس ما صنعت يا أبا حمزة أما علمت أنه إذا كان من أهل الأرض عبثا [ عبث ] بصبياننا ندفع عنهم الضرر بانتفاض الحمام وأنهن يؤذن بالصلاة في آخر الليل فتصدق عن كل واحدة منهن دينارا فإنك قتلتهن غضبا (٥).

__________________

(١) كامل الزيارات : ٩٨.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٤٧ و ٥٤٨ زاد في آخره : ولعن الله قاتله.

(٣) كامل الزيارات : ٩٨.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٤٧ فيه : الى حمام راعبى يقرقر فنظر.

(٥) إرشاد المفيد.


بيان : انتفاض الحمام تحركها ونفض أجنحتها ويدل على لزوم الكفارة إذا قتل الحمام غضبا ولعله محمول على الاستحباب ولم أر من تعرض له.

١٠ ـ طب الأئمة ، (١) عن علي بن سعيد عن محمد بن كرامة قال : رأيت في منزل موسى بن جعفر عليه‌السلام زوج حمام أما الذكر فإنه كان أخضر به شيء من السمر وأما الأنثى فسوداء ورأيته يفت لهما الخبز وهو على الخوان ويقول إنهما ليحركان من الليل ويؤنسان وما من انتفاضة ينتفضانها من الليل إلا دفع الله بها من دخل البيت من الأرواح.

بيان : الأرواح الجن.

١١ ـ مشارق الأنوار ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : عادانا من كل شيء حتى من الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء (٢).

١٢ ـ الكافي ، عن العدة عن سهل عن علي بن سليمان عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن مخلد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لنفضة من حمامة منمرة أفضل من سبع ديوك فرق بيض (٣).

بيان : قال في القاموس النمرة بالضم النكتة من أي لون كان والأنمر ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء وهي نمراء والنمر ككتف وبالكسر سبع معروف سمي للنمر التي فيه.

١٣ ـ الكافي ، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن بكر بن صالح عن محمد بن أبي حمزة عن عثمان الأصبهاني قال : أهديت لإسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام صلصلا فدخل أبو عبد الله عليه‌السلام فلما رآه قال هذا الطير المشئوم أخرجوه فإنه يقول فقدتكم فافقدوه قبل أن يفقدكم (٤).

__________________

(١) طب الأئمة :.

(٢) مشارق الأنوار : ليست عندي نسخته.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٤٩ و ٥٥٠ فيه : « على بن سليمان بن رشيد » وفيه : « القاسم ابن عبد الرحمن الهاشمى » وتقدم الحديث بتمامه في الباب السابق.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥١.


البصائر ، عن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن محمد بن أبي حمزة عن عمر بن محمد الأصبهاني مثله (١).

بيان : قال الدميري الصلصل بالضم الفاختة وكذا ذكره الجوهري وغيره وقال الفيروزآبادي الصلصل كهدهد طائر أو الفاختة.

١٤ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم وابن محبوب عن معاوية بن وهب قال : الحمام من طيور الأنبياء عليهم‌السلام (٢).

١٥ ومنه ، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن حماد بن عثمان عن عبد الأعلى مولى آل سام قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن أول حمام كان بمكة حمام كان لإسماعيل عليه‌السلام (٣).

١٦ ـ ومنه ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن أصل حمام الحرم بقية حمام كان لإسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام اتخذها كان يأنس بها فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يستحب أن يتخذ طيرا مقصوصا يأنس به مخافة الهوام (٤).

بيان : الهوام جمع الهامة وهي كل ذات سم يقتل وقد يقع الهوام على كل ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل وكأن المراد هنا الجن وإن احتمل أن يكون نافعا لدفع الهوام أيضا.

١٧ ـ الكافي ، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول هذه الحمام حمام الحرم هي من نسل حمام إسماعيل بن إبراهيم التي كانت له (٥).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٤٥.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٤٦.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٤٦ فيه : حمام لإسماعيل ( عليه‌السلام ).

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٦٤ فيه : تأنس به.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٤٦.


١٨ ـ ومنه ، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد والحسين بن محمد عن معلى بن محمد جميعا عن الوشاء عن ابن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس من بيت فيه حمام إلا لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجن إن سفهاء الجن يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام ويدعون الإنسان (١).

١٩ ـ ومنه ، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن عبيد الله الدهقان عن درست عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : شكا رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) الوحشة فأمره أن يتخذ في بيته زوج حمام (٣).

٢٠ ـ ومنه ، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد عن أبي عبد الله الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن صندل عن زيد الشحام قال : ذكرت الحمام عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال اتخذوها في منازلكم فإنها محبوبة لحقتها دعوة نوح عليه‌السلام وهي آنس شيء في البيوت.

٢١ ـ ومنه ، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن رجل عن عمر بن يزيد عن أبي سلمة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الحمام طير من طيور الأنبياء عليهم‌السلام التي كانوا يمسكون في بيوتهم وليس من بيت فيه حمام إلا لم يصب (٤) أهل ذلك البيت آفة من الجن إن سفهاء الجن يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام ويدعون الناس قال فرأيت في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام حماما لابنه إسماعيل عليه‌السلام (٥).

٢٢ ـ ومنه ، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر قال قال أبو الحسن الأول عليه‌السلام ونظرت (٦)

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٤٦.

(٢) في المصدر : الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٤٦. وروى الصدوق نحوه مرسلا في الفقيه ٣ : ٢٢٠.

(٤) في المصدر : الا لم تصب.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٤٧ فيه : بيوت.

(٦) في المصدر : ونظر.


إلى حمام في بيته ما من انتفاض ينتفض بها إلا نفر الله بها من دخل البيت من عزمة أهل الأرض (١).

بيان : العزمة بالضم أسرة الرجل وقبيلته والجمع كصرد وبالتحريك المصححون للمودة وكأن المراد هنا طائفة من الجن يدخلون البيوت ويوادون أهلها.

٢٣ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن محمد بن علي عن رجل عن يحيى الأزرق قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن خفيق (٢) أجنحة الحمام ليطرد الشياطين (٣).

بيان : خفيق جناح الطائر صوته ويقال خفق الطائر أي طار وأخفق إذا ضرب بجناحيه.

٢٤ ـ الكافي ، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الله عز وجل يدفع بالحمام عن هدة الدار (٤).

بيان : عن هدة الدار أي كسرها وهدمها أو يدفع الضرر عن ضعفاء الدار كالنساء والصبيان وفي القاموس الهد الهدم الشديد والكسر والصوت الغليظ والرجل الضعيف والهدهد بفتحتين أصوات الجن بلا واحد انتهى.

وفي بعض النسخ عن أهل هذه الدار وهو أظهر.

٢٥ ـ الكافي ، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد عن بكر بن صالح عن محمد بن أبي حمزة عن عثمان بن الأصبهاني (٥) قال : استهداني إسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٤٧.

(٢) في المصدر : الخفيف بالفاءين.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٤٧ فيه : لتطرد. ورواه الصدوق في الفقيه ٣ : ٢٢٠ مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وفيه حفيف.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٤٧.

(٥) في المصدر : عن عثمان الأصبهاني.


فأهديت له طيرا راعبيا فدخل أبو عبد الله عليه‌السلام فقال اجعلوا هذا الطير الراعبي معي في البيت يؤنسني قال وقال عثمان دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وبين يديه حمام يفت لهن خبزا (١).

بيان : في القاموس الفت الدق والكسر بالأصابع انتهى ويدل على استحباب (٢) إطعام الحمام الراعبية وفت الخبز لها.

٢٦ ـ الكافي ، عن العدة عن سهل عن بكر بن صالح عن أشعث بن محمد البارقي عن عبد الكريم بن صالح قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر قد ذرقن على الفراش فقلت جعلت فداك هؤلاء الحمام تقذر الفراش فقال لا إنه يستحب أن يمسكن (٣) في البيت (٤).

بيان : ذرق الطائر قد يكون بالذال والزاي والفعل كضرب ونصر.

٢٧ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن بعض أصحابه عن أبان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان في منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوج حمام أحمر (٥).

٢٨ ـ ومنه ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير (٦) عن ابن أبي نجران عن محمد بن عمر (٧) عن إبراهيم بن السندي (٨) عن يحيى الأزرق قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام احتفر أمير المؤمنين عليه‌السلام بئرا فرموا فيها فأخبر بذلك فجاء حتى وقف عليها فقال لتكفن أو لأسكننها الحمام ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن خفيق (٩) أجنحتها يطرد

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٤٨.

(٢) استفادة الاستحباب الشرعى من أمثال تلك الافعال بعيد ، الا أن يستفاد ذلك من استحباب اتخاذه في البيت التزاما.

(٣) في المصدر : ان تسكن في البيت.

(٤ و ٥) فروع الكافي ٦ : ٥٤٨.

(٦) لم يذكر في المصدر : عن ابن أبي عمير.

(٧) في نسخة من المصدر : عمرو.

(٨) في المصدر : إبراهيم السندى.

(٩) في المصدر : حفيف.


الشياطين (١).

بيان : الخطاب للجن والشياطين الذين كان الرمي منهم.

٢٩ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه (٢) قال : ذكر الحمام عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل إنه بلغني أن عمر رأى حماما يطير ورجل تحته يعدو فقال عمر شيطان يعدو تحته شيطان فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ما كان إسماعيل عندكم فقيل صديق فقال فإن بقية حمام الحرم من حمام إسماعيل عليه‌السلام (٣).

٣٠ ـ ومنه ، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من اتخذ طيرا في بيته فليتخذ ورشانا فإنه أكثر شيء ذكرا لله عز وجل وأكثر تسبيحا وهو طير يحبنا أهل البيت (٤).

٣١ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن محمد بن أبي حمزة عن عثمان بن الأصبهاني قال : استهداني إسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام طيرا من طيور العراق فأهديت له ورشانا فدخل أبو عبد الله عليه‌السلام فرآه فقال إن الورشان يقول بوركتم بوركتم فأمسكوه (٥).

٣٢ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن الجاموراني عن ابن أبي حمزة عن سيف عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه نهى ابنه إسماعيل

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٤٨.

(٢) في المصدر : عن بعض أصحابنا.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٤٨ فيه : ان بقية.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠ فيه : من اتخذ في بيته طيرا فليتخذ ورشانا فانه أكثر شيئا لذكر الله.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٥١ فيه : عثمان الأصبهاني.


عن اتخاذ الفاختة وقال إن كنت ولا بد متخذا فاتخذ ورشانا فإنه كثير الذكر لله عز وجل (١).

بيان : كأنه عليه‌السلام لم يكن يعلم صلاح إسماعيل في اتخاذ الحمام مطلقا كما يومي إليه الخبر.

٣٣ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كانت في دار أبي جعفر عليه‌السلام فاختة فسمعها يوما وهي تصيح فقال لهم أتدرون ما تقول هذه الفاختة فقالوا لا قال تقول فقدتكم فقدتكم ثم قال لنفقدنها قبل أن تفقدنا ثم أمر بها فذبحت (٢).

٣٤ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد الجاموراني عن أبي حمزة (٣) عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي يا با محمد اذهب بنا إلى إسماعيل نعوده وكان شاكيا فقمنا فدخلنا على إسماعيل فإذا في منزله فاختة في قفص تصيح فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا بني ما يدعوك إلى إمساك هذه الفاختة أوما علمت أنها مشومة أوما تدري ما تقول قال إسماعيل لا قال إنما تدعو على أربابها فتقول فقدتكم فقدتكم فأخرجوها (٤).

الخرائج ، عن أبي بصير مثله (٥).

٣٥ ـ الكافي ، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن عذافر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطير يرسل من البلد البعيد الذي لم يره قط فيأتي فقال يا ابن عذافر هو يأتي منزل صاحبه من ثلاثين فرسخا على

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٥١ فيه : وقال : ان كنت لا بد.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥١.

(٣) في المصدر : عن ابن أبي حمزة.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥١ و ٥٥٢.

(٥) الخرائج.


معرفته وحسه (١) فإذا زادت على ثلاثين فرسخا جاءت إلى أربابها بأرزاقها (٢).

بيان : قوله عليه‌السلام بأرزاقها أي تأتي بسبب أنه قدر رزقها في بيت صاحبها بتسبيب الله تعالى من غير معرفة لها بالطريق والرواية الآتية أيضا هذا مغزاها والأكل بالضم وبضمتين الثمر والرزق والحظ من الدنيا كما ذكره الفيروزآبادي.

٣٦ الكافي ، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما أتى من ثلاثين فرسخا فبالهداية وما كان أكثر من ذلك فبالأكل (٣).

٣٧ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الطير يجيء من المكان البعيد قال إنما يجيء لرزقه (٤).

٣٨ ـ ومنه ، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن علي بن داود الحداد عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت الحمام يرسلن من المواضع البعيدة فتأتي ويرسلن من المكان القريب فلا تأتي فقال إذا انقطع أكله فلا تأتي (٥).

بيان : إذا انقطع أكله أي من الدنيا فيموت أو من بيت صاحبه فيذهب إلى مكان آخر.

٣٩ ـ دلائل الطبري ، عن أحمد بن إبراهيم (٦) عن خالد عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أبو جعفر محمد بن علي الباقر في طريق مكة ومعه أبو أمية الأنصاري وهو زميله في محمله فنظر إلى زوج ورشان في جانب المحمل معه فرفع أبو أمية يده لينحيه فقال له أبو جعفر مهلا فإن هذا

__________________

(١) في المصدر : وحسبه.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٤٩.

(٣ ـ ٥) فروع الكافي ٦ : ٥٤٩.

(٦) في المصدر : « موسى بن الحسن عن أحمد بن الحسين عن أحمد بن إبراهيم ». والاسناد معلق على ما قبله راجعه.


الطير جاء يستجير بنا أهل البيت فإن حية تؤذيه وتأكل فراخه كل سنة وقد دعوت الله أن يدفع عنه وقد فعل (١).

٤٠ ـ مشارق الأنوار ، عن محمد بن مسلم قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام إذ وقع عليه ورشانان ثم هدلا (٢) فرد عليهما فطارا فقلت جعلت فداك ما هذا فقال هذا طائر ظن في زوجته سوءا فحلفت له فقال لها لا أرضى إلا بمولاي محمد بن علي فجاءت فحلفت له بالولاية أنها لم تخنه فصدقها وما من أحد يحلف بالولاية إلا صدق إلا الإنسان فإنه حلاف مهين (٣).

٤١ ـ دلائل الطبري ، عن أحمد بن محمد عن محمد بن يوسف عن علي بن داود الحذاء عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كنت عنده إذ نظرت إلى زوج حمام عنده يهدر الذكر على الأنثى فقال أتدري ما يقول قلت لا قال يقول يا سكني وعرسي ما خلق الله خلقا أحب إلي منك إلا أن يكون جعفر بن محمد عليه‌السلام (٤).

٤٢ حياة الحيوان ، الحمام قال الجوهري وهو عند العرب ذوات الأطواق نحو الفواخت والقماري وساق حر والقطا والوراشين وأشباه ذلك يقع على الذكر والأنثى لأن الهاء إنما دخلته على أنه واحد من جنس لا للتأنيث وعند العامة أنها الدواجن فقط الواحد حمامة وحكى أبو حاتم عن الأصمعي في كتاب الطير الكبير أن الحمام هو اليمام البري (٥) الواحدة يمامة وهو ضروب والفرق بين الحمام الذي عندنا واليمام أن في أسفل ذنب الحمامة مما يلي ظهرها بياض وأسفل ذنب اليمامة لا بياض فيه انتهى.

ونقل النووي في التحرير عن الأصمعي أن كل ذات طوق فهو حمام والمراد

__________________

(١) دلائل الإمامة ، ٩٨ ( ط ٢ ) فيه ، جاء يستخفر بنا.

(٢) هدل الحمام : صوت.

(٣) مشارق الأنوار : ليست عندي نسخته.

(٤) دلائل الإمامة : ١٣٤ و ١٣٥.

(٥) في المصدر : ان اليمام هو الحمام البرى.


بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة في طوقها وكان الكسائي يقول الحمام هو البري واليمام ما يألف البيوت والصواب ما قاله الأصمعي ونقل الأزهري عن الشافعي أن الحمام كل ما عب وهدر وإن تفرقت أسماؤه في الطائر عب (١) ولا يقال شرب والهدر جمع الصوت (٢) ومواصلته من غير تقطيع له قال الرافعي والأشبه أن ما عب هدر ولو اقتصروا في تفسير الحمام على العب لكفاهم ويدل عليه أن الشافعي ذكر في عيون المسائل وما عب من الماء عبا فهو حمام وما شرب قطرة قطرة كالدجاج فليس بحمام انتهى.

وفيما قاله الرافعي نظر لأنه لا يلزم من العب الهدير وقال الشاعر :

على حويضي نغر مكب

إذا فترت فترة يعب

وحمرات شربهن عب

وصف النغر بالعب مع أنه لا يهدر وإلا كان حماما والنغر نوع من العصفور (٣) إذا علمت ذلك انتظم لك كلام الشافعي وأهل اللغة يقولون إن الحمام يقع على الذي يألف البيوت ويستفرخ فيها وعلى اليمام والقماري وساق حر وهو ذكر القمري والفواخت والدبسي (٤) والقطا والوراشين واليعاقيب (٥) والسنفين (٦)

__________________

(١) في المصدر : والعب بالعين المهملة : شدة جرع الماء من غير تنفس ، قال ابن سيده : يقال في الطائر : عب.

(٢) في المصدر : ترجيع الصوت.

(٣) يكون حمر المناقير.

(٤) الدبسى بفتح الدال وكسر السين المهملة ويقال أيضا بضم الدال : طائر صغير منسوب الى دبس الرطب والادبس من الطير والخيل : الذي في لونه غبرة بين السواد والحمرة وهذا النوع قسم من الحمام البرى ، وقيل هو ذكر اليمام قال الجاحظ : قال صاحب منطق الطير : يقال في الوحشى من القمارى والفواخت وما اشبه ذلك : دباسى.

(٥) جمع اليعقوب : ذكر الحجل.

(٦) هكذا في المطبوع وفي المخطوط : « السفنين » وكلاهما مصحفان والصحيح


والواعي (١) والورداني والطوراني وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان ذلك كل واحد في بابه والكلام الآن في الحمام الذي يألف البيت وهو قسمان أحدهما البري الذي يلازم البروج وما أشبه ذلك وهو كثير النفور سمي بريا لذلك والثاني الأهلي وهو أنواع مختلفة وأشكال متباينة منها المراغيش والرواعب والعداد والمضرب (٢) والقلاب والمنسوب وهو بالنسبة إلى ما تقدم كالعتاق من الخيل وتلك كالبراذين قال الجاحظ الفقيع من الحمام كالصقلابي من الناس وهو الأبيض

روى أبو داود وابن ماجه الطبراني وابن حبان بإسناد جيد عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه. وروي شيطان يتبعه شيطان.

قال البيهقي وحمله بعض أهل العلم على إدمان صاحب الحمام على الاشتغال به (٣) والارتقاء به على الأسطحة التي يشرف منها على بيوت الجيران (٤) وروي عن أسامة (٥) بن زيد قال شهدت عمر بن عبد العزيز يأمر بالحمام الطائرة فتذبح وتترك المقصصات

وروى ابن قانع والطبراني عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعجبه النظر إلى الأترج والحمام الأحمر. ورواه الحاكم في تاريخ نيسابور عن عائشة قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر.

__________________

« الشفنين » قال الدميرى : الشفنين كالبشنين بكسر الشين المعجمة وهو متولد بين نوعين مأكولين وعده الجاحظ في أنواع الحمام وبعضهم يقول هو الذي تسميه العامة اليمام ، وصوته في الترنم كصوت الرباب وفيه تحزين.

(١) هكذا في الكتاب وفي المصدر : والزاغ.

(٢) في المصدر : العداد والسداد والمضرب.

(٣) في المصدر : على اطارته والاشتغال به.

(٤) زاد في المصدر بعد ذلك : وحرمهم لاجله.

(٥) في المصدر : « وروى البيهقي عن أسامة بن زيد » وفيه بالحمام الطيار.


قال ابن قانع والحافظ أبو موسى قال هلال بن العلا الحمام الأحمر التفاح قال أبو موسى وهذا التفسير لم أره لغيره وكان في منزله صلى‌الله‌عليه‌وآله حمام أحمر اسمه وردان

وفي عمل اليوم والليلة لابن السني عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل أن عليا شكا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحشة فأمره أن يتخذ زوج حمام وأن يذكر الله تعالى عند هديره. ورواه الحافظ بن عساكر وقال إنه غريب جدا وسنده ضعيف

وروى ابن عدي في كامله في ترجمة ميمون بن موسى عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه اشتكى (١) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحشة فقال له اتخذ زوجا من حمام تؤنسك وتوقظك للصلاة بتغريدها (٢) واتخذ ديكا يؤنسك ويوقظك للصلاة.

وروي أيضا في ترجمة محمد بن زياد الطحان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتخذوا الحمام المقاصيص (٣) في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم.

وقال عبادة بن الصامت شكا رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحشة فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اتخذ زوجا من حمام (٤). رواه الطبراني وفيه الصلت بن الجراح لا يعرف وبقية رجاله رجال الصحيح

وفي كامل ابن عدي في ترجمة سهل بن وزير (٥) عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : شكت الكعبة إلى الله تعالى قلة زوارها فأوحى الله تعالى إليها لأبعثن (٦) أقواما يحنون إليها كما تحن الحمامة إلى فراخها.

وفي سنن أبي داود والنسائي من حديث ابن عباس بإسناد جيد أن النبي

__________________

(١) في المصدر : شكى.

(٢) في المصدر : من حمام تؤنسك وتصيب من فراخها وتوقظك للصلاة.

(٣) أي مقطوع الجناح.

(٤) وروى الصدوق نحوه في الفقيه ٣ : ٢٢٠.

(٥) في المخطوطة : « درين وفي المصدر : فرير.

(٦) في المصدر : لا بعثن إليك.


صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحوامل الحمام لا يريحون رائحة الجنة.

ومن طبعه أنه يألف وكره ولو أرسل من ألف فرسخ ويحمل الأخبار ويأتي بها من المسافة البعيدة (١) في المدة القريبة وفيه ما يقطع ثلاثة آلاف فرسخ في يوم واحد وربما اصطيد وغاب عن وطنه عشر حجج وأكثر ثم هو على ثبات عقله وقوة حفظه ونزوعه إلى وطنه حتى يجد فرصة فيصير إليه وسباع الطير تطلبه أشد طلب وخوفه من الشواهين أشد من خوفه من غيره وهو أطير منه ومن سائر الطير كله لكنه يذعر منه ويعتريه ما يعتري الحمار إذا رأى الأسد والشاة إذا رأت الذئب والفأر إذا رأت الهر ومن عجيب الطبيعة فيه ما حكاه ابن قتيبة في عيون الأخبار عن المثنى بن زهير أنه قال لم أر شيئا قط من رجل وامرأة إلا وقد رأيته في الحمام ما رأيت حمامة إلا تريد ذكرها ولا ذكرا إلا يريد أنثاه إلى أن يهلك أحدهما أو يفقد ورأيت حمامة تتزين للذكر ساعة يريدها ورأيت حمامة لها زوج وهي تمكن آخر ما تعدوه ورأيت حمامة تقمط (٢) حمامة ويقال إنها تبيض عن ذلك لكن لا يكون لذلك البيض فراخ ورأيت ذكرا يقمط ذكرا ورأيت ذكرا يقمط من كل لقى (٣) ولا يزوج وأنثى يقمطها كل من رآها من الذكور ولا تزوج (٤).

وليس من الحيوان ما يستعمل التقبيل عند السفاد إلا الإنسان والحمام وهو عفيف السفاد يجر ذنبه ليعفي أثر الأنثى كأنه قد علم ما فعلت ويجتهد في إخفائه (٥) وقد يسفد لتمام ستة أشهر والأنثى تحضن (٦) أربعة عشر يوما وتبيض

__________________

(١) في المصدر : من البلاد البعيدة.

(٢) قمطه طعم الشيء : ذاقه.

(٣) في المصدر : ورأيت ذكرا يقمط كل ما لقى ولا يزاوج.

(٤) في المصدر : كل ما رآها من الذكور ولا تزاوج.

(٥) في المصدر : فيجتهد في اخفائه.

(٦) في المصدر : والأنثى تحمل.


بيضتين يخرج من الأولى ذكر ومن الثانية أنثى (١) وبين الأولى والثانية يوم وليلة والذكر يجلس على البيض ويسخنه جزءا من النهار والأنثى بقية النهار وكذلك في الليل وإذا باضت الأنثى وأبت الدخول على بيضها لأمر ما ضربها الذكر واضطرها إلى الدخول وإذا أراد الذكر أن يسفد الأنثى أخرج فراخه عن الوكر وقد ألهم هذا النوع أن فراخه إذا خرجت من البيض بأن يمضغ الذكر ترابا مالحا ويطعمها إياه ليسهل به سبيل المطعم فسبحان اللطيف الخبير الذي آتى كل نفس هداها.

وزعم أرسطو أن الحمام يعيش ثمان سنين وذكر الثعلبي وغيره عن وهب بن منبه في قوله تعالى « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ » (٢) قال اختار من الغنم الضأن ومن الطير الحمام.

وذكر أهل التاريخ أن المسترشد لما حبس رأى في منامه على يده حمامة مطوقة فأتاه آت وقال له خلاصك في هذا فلما أصبح حكى ذلك لابن سكينة (٣) الإمام فقال له ما أولته قال أولته ببيت أبي تمام :

هن الحمام فإن كسرت عيافه

من حائهن فإنهن حمام

وخلاصي في حمامي فقتل بعد أيام يسيرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة (٤).

__________________

(١) في المصدر : احداهما ذكر والثانية انثى.

(٢) القصص : ٦٨.

(٣) في المصدر : لابن السكينة.

(٤) حياة الحيوان ١ : ١٨٦ و ١٨٧.


٤

(باب الطاوس)

١ ـ نهج البلاغة ، من خطبة له عليه‌السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاوس ابتدعهم خلقا عجيبا من حيوان وموات وساكن وذي حركات فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته وما ذرأ من مختلف صور الأطيار التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها ورواسي أعلامها من ذوات أجنحة مختلفة (١) وهيئات مختلفة متباينة مصرفة في زمام التسخير ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح والفضاء المنفرج كونها بعد إذ لم تكن في عجائب صور ظاهرة وركبها في حقاق مفاصل محتجبة ومنع بعضها بعبالة خلقه أن يسمو في الهواء خفوفا وجعله يدف دفيفا ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته ودقيق صنعته فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به.

ومن أعجبها خلقا الطاوس الذي أقامه في أحكم تعديل ونضد ألوانه في أحسن تنضيد بجناح أشرج قصبه وذنب أطال مسحبه إذا درج إلى الأنثى نشره من طيه وسما به مطلا على رأسه (٢) كأنه قلع داري عنجه نوتيه يختال بألوانه ويميس بزيفانه يفضي كإفضاء الديكة ويؤر بملاقحه أر الفحول المغتلمة للضراب أحيلك من ذلك على معاينة لا كمن يحيل على ضعيف إسناده ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه فتقف في ضفتي جفونه وأن أنثاه تطعم ذلك ثم يبيض [ تبيض ] لا من لقاح

__________________

(١) في المصدر : من ذات اجنحة مختلفة وهيئات متباينة.

(٢) في المصدر : مظلا على رأسه.


فحل سوى الدمع المنبجس لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب تخال قصبه مداري من فضة وما أنبت عليها من عجيب داراته وشموسه خالص العقيان وفلذ الزبرجد.

فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت جني من زهرة كل ربيع (١) وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشي الحلل أو مونق عصب اليمن (٢) وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل يمشي مشي المرح المختال ويتصفح ذنبه وجناحه (٣) فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله وأصابيغ وشاحه فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا معولا بصوت يكاد يبين عن استغاثته ويشهد بصادق توجعه لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة ومخرج عنقه كالإبريق ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال وكأنه متلفع بمعجر أسحم إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان أبيض يقق فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط علاه بكثرة صقاله وبريقه وبصيص ديباجه ورونقه فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع ولا شموس قيظ وقد يتحسر من ريشه ويعرى من لباسه فيسقط تترى وينبت تباعا فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه لا يخالف سائر ألوانه (٤) ولا يقع لون في غير مكانه وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك

__________________

(١) في المصدر : جنى جنى من زهرة كل ربيع.

(٢) في المصدر : او كمونق عصب اليمن.

(٣) في المصدر : وجناحيه.

(٤) هكذا في الكتاب مطبوعه ومخطوطه ، ولكن في المصدر المطبوع : « سالف ألوانه » ويظهر مما سيجيء عن المصنف في تفسير الحديث أن الأصل كان : « سالف الوانه » وفي بعض النسخ : سائر الوانه.


مرة حمرة وردية وتارة خضرة زبرجدية وأحيانا صفرة عسجدية فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه والألسنة أن تصفه فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون فأدركته محدودا مكونا ومؤلفا ملونا وأعجز الألسن عن تلخيص صفته وقعد بها عن تأدية نعته وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح إلا وجعل الحمام موعده والفناء غايته (١).

قال السيد رضي‌الله‌عنه تفسير بعض ما جاء فيها من الغريب ويؤر بملاقحه الأر كناية عن النكاح يقال أر المرأة (٢) يؤرها إذا نكحها زوجها وقوله كأنه قلع داري عنجه نوتيه القلع شراع السفينة وداري منسوب إلى دارين وهي بلدة على البحر يجلب منها الطيب وعنجه أي عطفه يقال عنجت الناقة أعنجها عنجا إذا عطفتها والنوتي الملاح وقوله عليه‌السلام ضفتي جفونه أراد جانبي جفونه والضفتان الجانبان وقوله عليه‌السلام وفلذ الزبرجد الفلذ جمع فلذة وهي القطعة وقوله كبائس اللؤلؤ الرطب الكبائس جمع الكباسة العذق والعساليج الغصون واحدها عسلوج (٣).

توضيح الطاوس على فاعول وتصغيره طويس وطوست المرأة أي تزينت والحيوان بالتحريك جنس الحي ويكون بمعنى الحياة والموات كسحاب ما لا روح فيه وأرض لم تحي بعد والتي لا مالك لها ولا ساكن كالأرض والجبال وذي حركات كالماء والنار أي المتحرك بطبعه أو الأعم ولا يضر التداخل واللطيف الدقيق وما مفعول أقام والضمير عائد إلى ما في به وله راجع إلى الله ويحتمل أن يعود إلى ما ونعقت أي صاحت والغرض الإشعار

__________________

(١) نهج البلاغة : ٥٢٠ ـ ٥٢٥ ( طبع فيض ) فيه : والفيلة.

(٢) في المصدر : أر الرجل المرأة.

(٣) نهج البلاغة : ٥٢٩ ( طبع فيض ).


بوضوح الدلائل والضمير في دلائله راجع إلى الله أو إلى ما وما ذرأ أي خلق وقيل الذرء مختص بخلق الذرية والأخاديد جمع أخدود بالضم وهو الشق في الأرض والطير الذي يسكن الأخدود كالقطا والفجاج بالكسر جمع فج بالفتح وهو الطريق الواسع بين الجبلين والقبج يسكن الفجاج والأعلام الجبال ورواسيها ثوابتها والعقبان والصقور ونحوهما تسكن الجبال الراسية والتصريف التقليب والتحويل من حال إلى حال ومصرفة منصوبة على الحالية وفي بعض النسخ مجرور على أنه صفة لذوات أجنحة وكذلك مرفرفة وزمه شده والزمام ككتاب ما يزم به وزمام البعير خطامه وزمام التسخير القدرة الكاملة.

ورفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما عند السقوط على شيء يحوم عليه ليقع فوقه ومخارق الجو أمكنتها التي تخرق الهواء فتدخلها والمنفسخ الواسع والفضاء بالفتح المكان الواسع والحقاق بالكسر جمع حق بالضم وهو مجمع المفصلين من الأعضاء واحتجاب المفاصل استتارها باللحم والجلد ونحوهما وعبل الشيء بالضم عبالة بالفتح فيهما مثل ضخم ضخامة وزنا ومعنى أن يسمو أي يعلو في السماء أي في جهة العلو وفي بعض النسخ في الهواء والخفوق بالضم سرعة الحركة ودف الطائر كمد حرك جناحيه لطيرانه ومعناه ضرب بهما دفيه وهما جناحاه قيل وذلك إذا أسرع مشيا ورجلاه على وجه الأرض ثم يستقل طيرانا ودفيف الطائر طيرانه فوق الأرض (١) يقال عقاب دفوف ودفت الحمامة كفرت إذا سارت سيرا لينا كذا في المصباح ويظهر من كلام بعضهم أن الفعل كمد فيهما ويدف فيما عندنا من النسخ بكسر العين ونسقها أي رتبها يقال نسقت الدر كنصرت أي نظمتها ونسقت الكلام أي عطفت بعضه على بعض والأصابيغ جمع أصباغ بالفتح جمع صبغ بالكسر وهو اللون أي جعل كلا منها علي لون خاص على وفق الحكمة البالغة وغمسه في الماء كضربه دخله والاغتماس الارتماس

__________________

(١) في النسخة المخطوطة : فوق الأرض.


شبه الطير بالثوب الذي دقه الصباغ إذا أراد صبغه والقالب بالفتح كما في النسخ قالب الخف وغيره كالخاتم والطابع وبالكسر البسر الأحمر وفي القاموس القالب البسر الأحمر وكالمثال يفرغ فيه الجواهر وفتح لامه أكثر وشاة قالب لون على غير لون أمها وفي حديث شعيب وموسى عليه‌السلام لك من غنمي ما جاءت به قالب لون تفسيره في الحديث أنها جاءت على غير ألوان أمهاتها كأن لونها قد انقلب ومنه حديث علي عليه‌السلام في صفة الطيور فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه انتهى (١).

والأظهر أن الغمس في قالب اللون عبارة عن إحاطة اللون الواحد بجميع أجزائه كما يحيط القالب بالأشياء المصوغة بالصب فيه من نحاس ونحوه وعلى الكسر يمكن أن يكون المراد بقالب اللون اللون الذي يقلب اللون إلى لون آخر ولون صبغ في بعض النسخ بجر لون مضافا إلى صبغ على الإضافة البيانية وفي بعضها بالجر منونا وصبغ على صيغة الماضي المجهول أي صبغ ذلك المغموس والطوق حلي للعنق وكل ما استدار بشيء وهذا النوع كالفواخت ونحوها والتعديل التسوية ومنه تعديل القسمة والمراد إعطاء كل شيء منه في الخلق ما يستحقه وخلقه خاليا من نقص ونضد متاعه كنصر ونضده بالتشديد أي جعل بعضه فوق بعض أي رتب ألوانه بجناح أشرج قصبه أي ركب بعضها في بعض كما يشرج العيبة أي يداخل بين أشراجها وهي عراها.

وسحبه كمنعه جره على وجه الأرض وسحبت المرأة ذيلها إذا درج أي مشى وطوى الصحيفة كرمى ضد نشرها وسما كدعا أي ارتفع وسما به أي أعلاه ورفعه وأطل عليه أي أشرف والقطع بالكسر الشراع والداري منسوب إلى دارين وهو موضع في البحر كان يؤتى منه الطيب من الهند وهو الآن خراب لا عمارة به ولا سكنى وفيه آثار قديمة والنسبة إليه لأنه كان مرسى (٢) السفن في زمانه عليه‌السلام ،

__________________

(١) النهاية ٣ : ٣٠٤.

(٢) المرسى : محل وقوف السفن.


وعنجه كنصره أي عطفه وقيل هو أن يجذب الراكب خطام البعير فيرده على رجليه.

وفي النهاية النوتي الملاح الذي يدبر السفينة في البحر وقد نات ينوت نوتا إذا تمايل من النعاس كان النوتي يميل السفينة من جانب إلى جانب انتهى (١) ولطف التشبيه واضح.

واختال أي تكبر وأعجب بنفسه ويميس أي يتبختر وزاف يزيف زيفانا أي تبختر في مشيه ويفضي أي يسفد ويقال أفضى المرأة أي جامعها أو خلا بها والديكة كقردة جمع ديك بالكسر وفي بعض النسخ وفي نهاية ابن الأثير كإفضاء الديكة ويؤر كيمد أرا بالفتح أي يجامع والقح الفحل الناقة أي أحبلها والملاقحة مفاعلة منه وفي بعض النسخ بملاقحه على صيغة الجمع مضافا إلى الضمير أي بآلات تناسله وأعضائه والفحل الذكر من كل حيوان وغلم كعلم أي اشتد شبقه واغتلم البعير إذا هاج من شدة شهوة الضراب.

وقوله عليه‌السلام أر الفحول المغتلمة ليس في بعض النسخ والإحالة من الحوالة على ضعيف إسناده أي إسناده الضعيف وفي بعض النسخ على ضعف بصيغة المصدر مبالغة ويقال سفحت الدم كمنعت أي أرقته والدمع أي أرسلته وفي بعض النسخ تنشجها كتضرب يقال نشج القدر والزق أي غلى ما فيه حتى سمع له صوت ولعل الأول أوضح فإن الفعل ليس متعديا بنفسه على ما في كتب اللغة وضفتا جفونه جانباها وكذلك ضفتا النهر والوادي وتطعم على صيغة التفعل بحذف إحدى التاءين وبجس الماء تبجيسا فجره فتبجس وانبجس ويوجد الكلمة في النسخ بهما أي الدمع المنفجر.

قال بعض الشارحين زعم قوم أن اللقاح في الطاوس بالدمعة وأمير المؤمنين عليه‌السلام لم يحل ذلك ولكنه قال ليس بأعجب من مطاعمة الغراب والعرب تزعم أن الغراب لا يسفد ومن أمثالهم أخفى من سفاد الغراب فيزعمون أن اللقاح

__________________

(١) النهاية ٤ : ١٩١ وفيه : « فى حديث علي عليه‌السلام كانه قطع دارى عنجه نوتيه » ثم ذكر التفسير.


من المطاعمة وانتقال جزء من الماء الذي في قانصة الذكر إلى الأنثى من منقاره وأما الحكماء فقل أن يصدقوا بذلك على أنهم قد قالوا في كتبهم ما يقرب من هذا قال ابن سينا والقبجة تحبلها ريح تهب من ناحية الحجل الذكر ومن سماع صوته قال والنوع المسمى مالاقيا (١) تتلاصق بأفواهها ثم تتشابك فذاك سفادها ولا يخفى أن المثل المذكور لا يدل على أن الغراب لا يسفد بل الظاهر منه خلافه إلا أن يكون مراد القائل أيضا ذلك وأما كلامه عليه‌السلام فالظاهر منه أن الطاوس لقاحه بالسفاد لقوله عليه‌السلام يؤر بملاقحه ولتعبيره عن القول الآخر بالزعم وأن الغراب لقاحه بالمطاعمة.

وفي القاموس الحمام إذا أدخل فمه في فم أنثاه فقد تطاعما وطاعما وخال الشيء كخاف أي ظنه وخاله يخيله لغة فيه وتقول في المضارع للمتكلم إخال بكسر الهمزة على غير قياس وهو أكثر استعمالا وبنو أسد يفتحون على القياس والمداري بالدال المهملة على ما في أكثر النسخ جمع مدرى بكسر الميم قال ابن الأثير المدرى والمدراة شيء من حديد (٢) أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد ويستعمله من لا مشط له (٣).

وكان في نسخة ابن ميثم بالذال المعجمة قال وهي خشبة ذات أطراف كأصابع الكف ينقى به الطعام والدارة هالة القمر وما أحاط بالشيء كالدائرة والعقيان بالضم الذهب الخالص وقيل ما ينبت منه نباتا والفلذ كعنب جمع فلذة بالكسر وهي القطعة من الذهب والفضة وغيرهما وفلذت له من الشيء كضربت أي قطعت والزبرجد جوهر معروف قيل ويسميه الناس البلخش وقيل هو الزمرد وجنيت الثمرة والزهرة واجتنيتها بمعنى والجني فعيل منه وفي بعض النسخ جنى كحصى وهو ما يجنى من الشجر ما دام غضا بمعنى فعيل ولفظة الفعل المجهول ليست

__________________

(١) في المخطوطة : ملاقيا.

(٢) في المصدر : شيء يعمل.

(٣) النهاية ٢ : ٢٣.


في بعض النسخ وزهر النبات بالفتح نوره والواحدة زهرة كتمر وتمرة قالوا ولا يسمى زهرا حتى تفتح والمضاهاة والمشاكلة والمشابهة بمعنى واستعمال فاعل بمعنى فعل بالتشديد كثير لا سيما في كلامه عليه‌السلام واللباس واللبس بالكسر فيهما والملبس واحد.

والوشي نقش الثوب من كل لون والموشى كمرمى المنقش والحلل كصرد جمع حلة بالضم وهي إزار ورداء من برد أو غيره فلا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة وشيء أنيق أي حسن معجب والمونق مفعل منه قلبت الهمزة واوا والعصب بالفتح ضرب من البرود والحلي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلي بالفتح والتخفيف وهو ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة والفصوص جمع فص كفلس وفلوس قال ابن السكيت كسر الفاء ردي وقال الفيروزآبادي الفص للخاتم مثلثة والكسر غير لحن ونطقت باللجين أي جعلت الفضة كالنطاق لها وهو ككتاب شبه إزار فيه تكة تلبسه المرأة وقيل شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها بحبل وترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر على الأرض (١) وكلل فلانا ألبسه الإكليل وهو بالكسر التاج وشبه عصابة زين بالجوهر وقال بعض الشارحين شبه عليه‌السلام بالفصوص المختلفة الألوان المنطقة في الفضة أي المرصعة في صفائح الفضة والمكلل الذي جعل كالإكليل وحاصل الكلام أنه عليه‌السلام شبه قصب ريشه بصفائح من فضة رصعت بالفصوص المختلفة الألوان فهي كالإكليل بذلك الترصيع والأظهر أن المكلل وصف للجين ومرح كفرح وزنا ومعنى فهو مرح ككتف وقيل المرح أشد من الفرح (٢) وقيل هو النشاط وتصفحت الكتاب أي قلبت صفحاته وقه كفر أي ضحك وقال في ضحكه قه بالسكون فإذا كرر قيل قهقه قهقهة مثل دحرج دحرجة والجمال الحسن في الخلق والخلق والسربال بالكسر القميص أو كل ما لبس والوشاح ككتاب شيء ينسج من أديم ويرصع

__________________

(١) في المخطوطة : يجر على الأرض.

(٢) في المخطوطة : اشد الفرح.


شبه قلادة تلبسه النساء وزقا يزقو أي صاح وأعول أي رفع صوته بالبكاء والصياح واستغاث طلب العون والنصر وتوجع أي تفجع أو تشكو لأن قوائمه حمش أي دقاق يقال رجل أحمش الساقين والخلاسية بالكسر هي التي بين الدجاجة الهندية والفارسية والولد بين أبوين أبيض وسوداء وأسود وبيضاء ذكره في العين ونجم النبات وغيره كقعد نجوما أي ظهر وطلع والظنبوب بالضم حرف العظم اليابس من قدم الساق ذكره الجوهري وفي القاموس حرف الساق من قدم أو عظمه أو حرف عظمه والصيصية في الأصل شوكة الحائك التي بها يسوي السداة واللحمة قال الجوهري ومنه صيصية الديك التي في رجله والعرف بالضم شعر عنق الفرس وغيره والقنزعة بضم القاف والزاي ما ارتفع من الشعر وقيل الخصلة من الشعر يترك على رأس الصبي.

موشاة أي منقشة والمخرج اسم مكان أي محل خروج عنقه كمحل خروج عنق الإبريق ويشعر بأن عنقه كعنق الإبريق أو مصدر أي خروج عنقه كخروج عنق الإبريق فالإشعار أقوى والإبريق فارسي معرب (١) وغرزته كضربت أي أثبته في الأرض ومغرزها مبتدأ خبره كصبغ الوسمة وبطنه مبتدأ خبر محذوف أي مغرزها إلى حيث بطنه موجودا وممتدا ومنتهى إليه كصبغ إلى آخره وحيث تضاف إلى الجملة غالبا وهو في المعنى مضافة إلى المصدر الذي تضمنته الجملة قالوا حيث وإن كانت مضافة إلى الجملة في الظاهر لكن لما كانت في المعنى مضافة إلى المصدر فأضافتها إليها كلا إضافة ولذا بنيت على الضم كالغايات على الأعرف فقال الرضي رضي‌الله‌عنه حذف خبر المبتدإ الذي بعد حيث غير قليل.

والوسمة بكسر السين كما في بعض النسخ وهي لغة الحجاز وأفصح من السكون وأنكر الأزهري السكون وبالسكون كما في بعض النسخ وجوزه بعضهم نبت يختضب بورقه وقيل هو ورق النيل والصقال ككتاب اسم من صقله كنصر أي

__________________

(١) معرب آبريز وهو الذي يقال له بالفارسية : آفتابه.


جلاه فهو مصقول وصقيل واللفاع ككتاب الملحفة أو الكساء أو كل ما تتلفع به المرأة وتلفع الرجل بالثوب إذا اشتمل به وتغطى وفي بعض النسخ متقنع والمقنع والمقنعة بالكسر فيهما ما تتقنع به المرأة والقناع ككتاب أوسع منهما والمعجر كمنبر ثوب أصغر من الرداء تلبسه المرأة وقال المطرزي ثوب كالعصابة تلفه المرأة على استدارة رأسها والسحم بالتحريك والسحمة بالضم السواد والأسحم الأسود وخيل له كذا بالبناء للمفعول من الخيال بمعنى الوهم والظن أي لبس عليه وفي بعض النسخ يخيل على صيغة المعلوم فالفاعل ضمير الطاوس والبريق اللمعان.

واستدق أي صار دقيقا وهو ضد الغليظ والمستدق على صيغة اسم الفاعل وفي بعض النسخ على صيغة اسم المفعول قال ابن الأثير استدق الدنيا أي احتقرها واستصغرها وهو استفعل من الشيء الدقيق الصغير والمشبه على الأول القلم وعلى الثاني المرقوم ويمكن أن تكون الإضافة على الأول لأدنى ملابسة فإن الرقم الدقيق له نسبة إلى القلم والأقحوان بالضم البابونج وأبيض يقق بالتحريك أي شديد البياض وائتلق وتألق أي التمع وعلا فلان فلانا أي غلبه وارتفع عليه وبص كفر أي برق ولمع والديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم وقيل هو معرب ثم كثر حتى اشتقت العرب منه فقالوا دبج الغيث الأرض دبجا إذا سقاها فأنبت أزهارا مختلفة لأنه اسم للمنقش ورونق الشيء ماؤه وحسنه أي أخذ من كل لون نصيبا وزاد على اللون بالبريق واللمعان والزهرة بالفتح وبالتحريك النبات ونوره والجمع أزهار وجمع الجمع أزاهر (١).

والبث النشر والتفريق ورب فلان الأمر أي أصلحه وقام بتدبيره ورب الدهن أي طيبه والقيظ فصل الصيف وشدة الحر ولعل الجمع في الأمطار باعتبار الدفعات وفي الشموس بتعدد الإشراق في الأيام أو باعتبار أن الشمس الطالع في كل يوم فرد على حدة لاختلاف التأثير في نضج الثمار وتربية النبات باختلاف الحر

__________________

(١) في النسخة المخطوطة : أزاهير.


والبرد وغير ذلك وتحسر البعير على صيغة التفعل أي سقط من الإعياء وفي بعض النسخ تنحسر على صيغة الانفعال تقول حسره كضربه ونصره فانحسر أي كشفه فانكشف والعرى بالضم خلاف اللبس والفعل كرضي وتترى فيه لغتان تنون ولا تنون مثل علقى فمن ترك صرفها في المعرفة جعل ألفها ألف التأنيث وهو أجود وأصلها وترى من الوتر وهو الفرد قال الله تعالى « ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا » (١) أي واحدا بعد واحد ومن نونها جعل ألفها ملحقة ذكره الجوهري وقال بعض شارحي النهج تترى أي شيئا بعد شيء وبينهما فترة وهذا مما يغلط فيه قوم فيعتقدون أن تترى للمواصلة والالتصاق وينبت تباعا أي لا فترات بينهما وكذلك حال الريش الساقط والتباع بالكسر الولاء وانحتت ورق الشجر أي سقطت.

وقوله عليه‌السلام سالف ألوانه في بعض النسخ سائر ألوانه قال الجوهري سائر الناس أي جميعهم وفي المصباح قال الأزهري اتفق أهل اللغة أن سائر الشيء باقيه قليلا كان أو كثيرا ولعل المراد عدم مخالفة لون الريش النابت للباقي من السوالف أو المراد عدم التخالف بين الأرياش النابتة وما في الأصل أوضح والورد بالفتح من كل شجرة نورها وغلب على الورد الأحمر والتارة الحين والزمان والعسجد كجعفر الذهب والعمق بالضم وبالفتح قعر البئر ونحوها والفطن كعنب جمع فطنة بالكسر وهي الحذق والعلم بوجوه الأمور وعمائق الفطن الأذهان الثاقبة والقريحة أول ما يستنبط من البئر ومنه قولهم لفلان قريحة جيدة يراد استنباط العلم بجودة الطبع واقترحت الشيء أي ابتدعته من غير سبق مثال والواو في قوله عليه‌السلام وأقل للحال ولا ريب أن العشرة أقل الأجزاء التي بها قوام الحيوان والمراد بعجز الأوهام العجز عن وصف علل هذه الألوان واختلافها واختصاص كل بموضعه وسائر ما أشار عليه‌السلام إليه أو العجز عن إدراك جزئيات الأوصاف المذكورة وتشريح الهيئات الظاهرة والخصوصيات الخفية في خلق ذلك الحيوان كما هو المناسب لما بعده وبهره كمنعه أي غلبه وجلاه بالتشديد والتخفيف على اختلاف النسخ أي

__________________

(١) المؤمنون : ٤٤.


كشفه والتكوين الإحداث والإيجاد وقعد بها أي أقعدها وأعجزها والغرض الدلالة على عجز العقول عن إدراك ذاته سبحانه فإنها إذا عجزت عن إدراك مخلوق ظاهر للعيون على الصفات المذكورة فهي بالعجز عن إدراكه سبحانه ووصفه أحرى وكذلك الألسن في تلخيص صفته وتأدية نعته.

ودمج الشيء كنصر دموجا دخل في الشيء واستحكم فيه وأدمجه غيره والذرة واحدة الذر وهي صغار النمل والهمجة واحدة الهمج كذلك وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمر وأعينها والحيتان جمع حوت والأفيلة جمع فيل والمعروف بين أهل اللغة فيلة كعنبة كما في بعض النسخ وأفيال وفيول وقال ابن السكيت ولا تقل أفيلة ووأى أي وعد واضطرب أي تحرك والشبح الشخص وأولج أي وأدخل والحمام ككتاب قضاء الموت وقدره.

٢ ـ تنبيه الخاطر للورام ، دخل طاوس اليماني على جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فقال له أنت طاوس قال نعم فقال طاوس طير مشوم ما نزل بساحة قوم إلا آذنهم بالرحيل (١).

بيان : يدل على تأثير الطيرة في الجملة.

٣ ـ الكافي ، عن العدة عن البرقي عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال : ذكر عند أبي الحسن عليه‌السلام حسن الطاوس فقال لا يزيدك على حسن الديك الأبيض بشيء (٢) قال وسمعته يقول الديك أحسن صوتا من الطاوس وهو أعظم بركة ينبهك في مواقيت الصلاة وإنما يدعو الطاوس بالويل بخطيئته (٣) التي ابتلي بها (٤).

وقال الدميري الطاوس طائر معروف تصغيره طويس وكنيته أبو الحسن

__________________

(١) تنبيه الخاطر :.

(٢) في المصدر : شيء.

(٣) في المصدر : لخطيئة.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٠.


وأبو الوشي وهو من الطير كالفرس من الدواب (١) عزا وحسنا وفي طبعه العفة وحب الزهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه وعقده لذنبه كالطاق لا سيما إذا كانت الأنثى ناظرة إليه والأنثى تبيض بعد أن يمضي لها من العمر ثلاث سنين وفي ذلك الأوان يكمل ريش الذكر ويتم لونه وتبيض الأنثى مرة واحدة في السنة اثنتي عشرة بيضة وأكثر (٢) ويفسد في أيام الربيع ويلقي ريشه في الخريف كلما يلقي الشجر ورقه فإذا بدا طلوع الأوراق في الشجرة طلع ريشه وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت وربما كسر البيض ولهذه العلة يحضن بيضه تحت الدجاج ولا تقوى الدجاجة على حضن أكثر من بيضتين وينبغي أن تتعاهد الدجاجة بجميع ما تحتاج إليه من الأكل والشرب مخافة أن تقوم عنه فيفسده الهواء والفرخ الذي يخرج من حضن الدجاجة يكون قليل الحسن ناقص الخلق وناقص الجثة ومدة حضنه ثلاثون يوما وأعجب الأمور أنه مع حسنه يتشأم به وكان هذا والله أعلم أنه لما كان سببا لدخول إبليس الجنة وخروج آدم منها وسببا لخلو تلك الدار من آدم مدة دوام الدنيا كرهت إقامته في الدور بسبب ذلك (٣).

٤ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله عز وجل طاوسين أنثى وذكرا فلا تأكل لحمه ولا بيضه (٤).

__________________

(١) في المصدر : وهو في الطير كالفرس في الدواب.

(٢) في المصدر : وأقل وأكثر ولا تبيض متتابعا.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٥٩ و ٦٠.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٢٤٧ فيه : « ولا يؤكل » ورواه أيضا بالاسناد في ص ٢٤٥ الا انه اقتصر فقال : الطاوس لا يحل اكله ولا بيضه.


٥

(باب)

(الدراج والقطا والقبج وغيرها من الطيور وفضل لحم بعضها على بعض)

١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن موسى عن علي بن سليمان عن ابن أبي عمير عن محمد بن حكيم عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : أطعموا المحموم لحم القباج فإنه يقوي الساقين ويطرد الحمى طردا (١).

٢ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار قال : تغذيت مع أبي جعفر عليه‌السلام فأتي بقطاط [ بقطاة ] فقال إنه مبارك وكان أبي يعجبه وكان يأمر أن يطعم صاحب اليرقان يشوى له فإنه ينفعه (٢).

٣ ـ الخرائج ، روي عن الحسن عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان يوما بأرض قفر فرأى دراجا فقال يا دراج منذ كم أنت في هذه البرية ومن أين مطعمك ومشربك فقال يا أمير المؤمنين أنا في هذه البرية منذ مائة سنة إذا جعت أصلي عليكم فأشبع وإذا عطشت أدعو على ظالميكم فأروى (٣).

٤ ـ المحاسن ، عن أبي الحسن النهدي عن ابن أسباط رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه ذكر عنده لحم الطير فقال أطيب اللحم لحم فرخ غذته فتاة من ربيعة بفضل قوتها (٤).

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٣١٢.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٣١٢.

(٣) الخرائج.

(٤) المحاسن ٤٧٤.


٥ ـ ومنه ، عن عمرو بن عثمان رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : الإوز (١) جاموس الطيور والدجاج خنزير الطير والدراج حبش الطير فأين أنت عن فرخين ناهضين ربتهما امرأة من ربيعة بفضل قوتها (٢).

٦ ـ ومنه ، عن السياري رفعه قال : ذكرت اللحمان عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وعمر حاضر فقال عمر إن أطيب اللحمان لحم الدجاج وقال (٣) أمير المؤمنين عليه‌السلام كلا إن ذلك خنازير الطير وإن أطيب اللحم لحم فرخ حمام قد نهض أو كاد ينهض (٤).

٧ ـ ومنه ، عن السياري عمن رواه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سره أن يقتل غيظه فليأكل لحم الدراج (٥).

الكافي ، عن العدة عن البرقي عن السياري مثله (٦).

٨ ـ الطب ، طب الأئمة عليهم‌السلام عن مروان بن محمد عن علي بن النعمان عن علي بن الحسن عن موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من سره أن يقتل (٧) غيظه فليأكل الدراج (٨).

٩ ـ وعنه عليه‌السلام قال : من اشتكى فؤاده وكثر غمه فليأكل الدراج (٩).

١٠ حياة الحيوان ، الدراج بالضم كرمان واحدته دراجة وهو طائر مبارك

__________________

(١) في المصدر : الوز جاموس الطير.

(٢) المحاسن : ٤٧٤.

(٣) في المصدر : فقال.

(٤ و ٥) المحاسن : ٤٧٥. وروى نحوه الكليني عن العدة عن البرقي في الفروع ٦ : ٣١٢.

(٦) الفروع ٦ : ٣١٢ فيه : « عمن رواه عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) » وفيه : أن يقل.

(٧) في النسخة المخطوطة : أن يقل غيظه.

(٨) طب الأئمة :.

(٩) طب الأئمة.


كثير النتاج مبشر بالربيع (١) وتطيب نفسه على الهواء الصافي وهبوب الشمال ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتى إنه لا يقدر على الطيران وهو طائر أسود باطن الجناحين وظاهرهما أغبر على خلقة القطا إلا أنه ألطف منه والجاحظ جعله من أقسام الحمام ومن شأنه أنه لا يجعل بيضه في موضع واحد بل ينقله لئلا يعرف أحد مكانه قال ابن سينا لحمه أفضل من لحوم الفواخت وأعدل وألطف وأكله يزيد في الدماغ والفهم والمني (٢).

وقال القبج بفتح القاف وإسكان الباء الحجل والقبجة اسم جنس يقع على الذكر والأنثى حتى تقول يعقوب (٣) فيختص بالذكر وكذلك الدراجة حتى تقول الحيقطان (٤) والنحلة حتى تقول يعسوب ومثله كثير (٥) والذكر يوصف بالقوة على السفاد ولكثرة سفاده يقصد موضع البيض فيكسره لئلا تشتغل الأنثى بحضنه عنه ولذا الأنثى إذا أتى أوان بيضها تهرب وتختبئ رغبة في الفرخ وهي إذا هربت بهذا السبب ضاربت الذكور بعضها بعضا وكثر صياحها ثم إن المقهور يتبع القاهر ويفسد القوي الضعيف والقبج يغير أصواته بأنواع شتى بقدر حاجته إلى ذلك وتعمر خمس عشرة سنة (٦) ومن عجيب أمرها أنها إذا قصدها الصياد خبأت رأسها تحت الثلج وتحسب أن الصياد لا يراها وذكورها شديد الغيرة على إناثها والأنثى تلقح من رائحة الذكر وهذا النوع كله يحب الغناء والأصوات

__________________

(١) زاد في المصدر : وهو القائل : « بالشكر تدوم النعم » وصوته مقطع على هذه الكلمات.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٢٤٣.

(٣) يعقوب : ذكر الحجل.

(٤) في المصدر : حتى تقول : حيقطان والبومة حتى تقول : صدى او فياد ، والحبارى حتى تقول : خرب ، وكذا النعامة حتى تقول : ظليم ، والنحلة.

(٥) في المصدر هنا زيادة منها : واناثه تبيض خمس عشرة بيضة.

(٦) في المصدر : ويعمر خمس عشرة سنة.


الطيبة وربما وقعت من أوكارها عند سماع ذلك فيأخذها الصياد (١).

وقال القطا معروف واحده قطاة وهو نوعان كدري وجوني وزاد الجوهري نوعا ثالثا وهو القطاط (٢) والكدري أغبر اللون رقش الظهر والبطون صفر الحلوق قصار الأذناب وهي ألطف من الجونية والجونية سود بطون الأجنحة والقوادم وظهرها أغبر أرقط تعلوه صفرة (٣) وإنما سميت جونية لأنها لا تفصح بصوتها إذا صوتت وإنما تغرغر بصوت في حلقها والكدرية فصيحة تنادي باسمها (٤) وفي طبعها أنها إذا أرادت الماء ارتفعت من أفاحيصها أسرابا (٥) لا متفرقة عند طلوع الفجر فتقطع إلى حين طلوع الشمس مسيرة سبع مراحل فحينئذ تقع على الماء فتشرب نهلا (٦) والعرب تصف القطا بحسن المشي وتشبه مشي النساء الخفرات بمشيها (٧) وروى ابن حيان وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه وابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة.

مفحص القطاة بفتح الميم موضعها الذي تجثم (٨) فيه وتبيض كأنها تفحص

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ١٦٨ و ١٦٩ زاد فيه : وحكمها : حل الاكل لأنها من الطيبات.

(٢) هكذا في الكتاب والصحيح كما في المصدر : الغطاة.

(٣) زاد في المصدر : وهي أكبر من الكدرى تعدل جونية بكدرتين.

(٤) زاد في المصدر : ولا تضع القطاط بيضها الا افرادا.

(٥) جمع السرب : القطيع من الظباء والطير وغيرهما.

(٦) زاد في المصدر : والنهل : شرب الإبل والغنم أول مرة ، فإذا شربت اقامت حول الماء متشاغلة الى مقدار ساعتين أو ثلاث ثم تعود الى الماء ثانية.

(٧) في المصدر : « بحسن المشى لتقارب خطاها ومشيها يشبه مشى النساء الخفرات بمشيتهن ».

أقول : خفرت الجارية : استحيت أشد الحياء فهي خفر وخفرة ومخفار.

(٨) جثم الطائر : تلبد بالارض ، والمجثم : محل الجثوم.


عنه التراب أي تكشفه والفحص البحث والكشف وخصت القطا بهذا لأنها لا تبيض في شجرة ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون تلك الطيور (١) فلذلك شبه به المسجد ولأنها توصف بالصدق كأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه وقيل إنما شبه بذلك لأن أفحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه وقيل خرج ذلك مخرج الترغيب بالقليل من مخرج الكثير كما خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده. ولأن الشارع يضرب المثل بما لا يكاد يقع كقوله ولو سرقت فاطمة بنت محمد وهي عليها‌السلام لا يتوهم عليها السرقة (٢).

__________________

(١) في المصدر : دون سائر الطيور.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ١٨٠ و ١٨١ فيه : منها السرقة.


(أبواب)

(الوحوش والسباع من الدواجن وغيرها)

١

باب

(الكلاب وأنواعها وصفاتها وأحكامها والسنانير والخنازير)

(في بدء خلقها وأحكامها)

الآيات المائدة « قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ».

الأعراف « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ».

الكهف « وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ » إلى قوله تعالى « سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ».

تفسير سيأتي تفسير الآية الأولى.

وقال الدميري دل على أن للعالم فضيلة ليست للجاهل لأن الكلب إذا علم تحصل له فضيلة على غير المعلم فالإنسان أولى بذلك لا سيما (١) إذا عمل بما علم

__________________

(١) في المصدر : والإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على غيره كالجاهل لا سيما.


كما قال علي عليه‌السلام لكل شيء قيمة وقيمة المرء ما يحسنه (١). وأما آيات الأعراف فالمشهور أنها في بلعم بن باعوراء كما مرت قصته في المجلد الخامس.

قال الدميري قال قتادة هذا مثل ضربه الله تعالى لكل من عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله « وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها » أي وفقناه للعمل بها فكان (٢) يرفع بذلك منزلته في الدنيا والآخرة « وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ » أي ركن إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها فعوقب في الدنيا بأنه كان يلهث كما يلهث الكلب يشبه (٣) به صورة وهيئة.

قال القتيبي كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال (٤) وحال الراحة وفي حال الري وفي حال العطش فضربه الله تعالى مثلا لمن كذب بآياته فقال إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث وإن تتركه على حالة لهث انتهى.

واللهث نفس (٥) بسرعة وحركة أعضاء الفم معها وامتداد اللسان (٦) قال الواحدي وغيره هذه الآية من أشد الآي على أهل العلم وذلك أن الله تعالى أخبر أنه آتاه من (٧) اسمه الأعظم والدعوات المستجابات والعلم والحكمة فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعم (٨) بالانسلاخ عنها ومن ذا الذي (٩)

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٢٠.

(٢) في المصدر : فكنا نرفع.

(٣) في المصدر : فشبه به.

(٤) في المصدر : فى حال التعب.

(٥) في المصدر : تنفس.

(٦) زاد في المصدر : وخلقة الكلب انه يلهث على كل حال.

(٧) في المصدر : آتاه آياته من اسمه.

(٨) في المصدر : تغيير النعمة عليه.

(٩) في المصدر : ومن الذي.


يسلم من هاتين الحالتين إلا من عصمه الله (١).

وقال أكثر أهل التفسير على أن كلب أهل الكهف كان من جنس الكلاب وروي عن ابن جريح (٢) أنه قال كان أسدا ويسمى الأسد كلبا وقال قوم كان رجلا طباخا لهم حكاه الطبري ويضعفه بسط الذراعين فإنه في العرف من صفة الكلب وروي أن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قرأ كالبهم فيحتمل أن يريد هذا الرجل وقال خالد بن معدان ليس في الجنة من الدواب سوى كلب أهل الكهف وحمار عزير وناقة صالح وقيل إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم كلب أحب أهل فضل صحبهم ذكره الله تعالى في القرآن معهم والوصيد فناء الكهف وقيل هو التراب وقيل هو الباب وقيل عتبة الباب وقيل إن الكلب كان لهم وقيل مروا بكلب فنبح لهم فطردوه فعاد فطردوه مرارا (٣) فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء كهيئة الداعي ونطق فقال لا تخافوا مني فإني أحب أحباء الله فنوموا حتى أحرسكم.

وقال السدي لما خرجوا مروا براع ومعه كلب فقال الراعي إني أتبعكم على أن أعبد الله تعالى معكم قالوا سر فسار معهم وتبعهم الكلب فقالوا يا راعي هذا الكلب ينبح علينا وينبه بنا فما لنا به من حاجة فطردوه فأبى إلا أن يلحق بهم فرجموه فرفع يديه كالداعي فأنطقه الله تعالى فقال يا قوم لم تطردونني لم ترجمونني لم تضربونني فو الله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعين سنة فتعجبوا من ذلك وزادهم الله بذلك هدى قال محمد الباقر عليه‌السلام كان أصحاب الكهف صياقلة (٤).

قال عمرو بن دينار إن مما أخذ على العقرب أن لا تضر أحدا في ليل أو

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٢٢.

(٢) الصحيح كما في المصدر : ابن جريج بالجيم في الأول والآخر.

(٣) في المصدر : مرارا وهو يعود.

(٤) حياة الحيوان ٢ : ٢٠٤ و ٢٠٥.


نهار صلى على نوح (١) ومما أخذ على الكلب أن لا يضر أحدا حمل عليه في ليل أو نهار قرأ (٢) « وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ » وقال القرطبي بلغنا عمن تقدم أن في سورة الرحمن آية يقرؤها الإنسان على الكلب إذا حمل عليه فلا يؤذيه بإذن الله عز وجل وهي « يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ » الآية (٣).

١١ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يكره أن يكون في دار الرجل المسلم الكلب (٤).

١٢ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما من أحد يتخذ كلبا إلا نقص في كل يوم من عمل صاحبه قيراط (٥).

بيان : لعله محمول على الكراهة كما يشير إليه الخبر السابق وعلى كلب لم يكن في اتخاذه منفعة أو لم يكن بينه وبينه باب مغلق مع أنه يحتمل أن يكون مع الحالين أخف كراهة.

قال الدميري لا يجوز اقتناء الكلب الذي لا نفع فيه وذلك لما في اقتنائها من مفاسد الترويع والعقر للمار ولعل ذلك لمجانبة الملائكة لمحلها ومجانبة الملائكة أمر شديد لما في مخالطتهم من الإلهام إلى الخير والدعاء إليه واختلف الأصحاب في جواز اتخاذ الكلب لحفظ الدرب والدور على وجهين أصحهما الجواز واتفقوا على جواز اتخاذه للزارع (٦) والماشية والصيد لكن يحرم اقتناء كلب

__________________

(١) في موضع من المصدر : أن لا يضر باحد في ليل ولا نهار قال : سلام على نوح.

(٢) في موضع من المصدر : باحد ممن حمل عليه إذا قال.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢١٤ و ٢١٨.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٦) في النسخة المخطوطة : « للمزارع » وفي المصدر : للزراعة.


الماشية قبل شرائها وكذلك كلب الزرع والصيد لمن لا يزرع ولا يصيد فلو خالف واقتنى نقص من أجره كل يوم قيراط وفي رواية قيراطان وكلاهما في الصحيح وحمل ذلك على نوع من الكلاب بعضها (١) أشد أذى من بعض أو لمعنى فيها أو يكون ذلك مختلفا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدن ونحوها والقيراط في البوادي أو يكون ذلك في زمنين ذكر القيراط أولا ثم ذكر التغليظ (٢) فذكر القيراطين والمراد بالقيراط مقدار معلوم عند الله تعالى ينقص من أجر عمله واختلفوا في المراد بما نقص منه فقيل مما مضى من عمله وقيل من مستقبله وقيل قيراط من عمل الليل وقيراط من عمل النهار وقيل قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل وأول من اتخذ الكلب للحراسة نوح عليه‌السلام قال يا رب أمرتني أن أصنع الفلك وأنا في صناعة أصنع أياما فيجيئوني بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لي ما أمرتني به فقد طال علي أمري فأوحى الله إليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فإذا جاء قومه ليفسدوا بالليل (٣) ينبحهم الكلب فينتبه نوح فيأخذ الهراوة ويثب لهم ويهربون منه فالتأم له ما أراد (٤).

١٣ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألته عن الكلب يمسك في الدار قال لا (٥).

١٤ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يوسف بن عقيل عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا خير في الكلب

__________________

(١) في المصدر : اذ بعضها.

(٢) في المصدر : فذكر القيراط اولا ثم زاد في التغليظ.

(٣) في المصدر : ليفسدوا بالليل عمله.

(٤) حياة الحيوان ٢ : ٢١٩ فيه : فيهربون.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢ فيه : نمسكه في الدار.


إلا كلب الصيد أو كلب ماشية (١).

١٥ ـ ومنه ، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تمسك كلب الصيد في الدار إلا أن يكون بينك وبينه باب (٢).

بيان : كأن المراد بالباب الباب المغلق عليه لما روى الصدوق عليه الرحمة في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام لا تصل في دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد وأغلقت دونه بابا فلا بأس فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا بيتا فيه تماثيل ولا بيتا فيه بول مجموع في آنية (٣). انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد أن كون الكلب في بيت آخر لا يوجب نقص صلاة المصلي وإن كان بين البيت الذي فيه الكلب وبين البيت الذي يصلى فيه باب فإنهما لا يصيران بذلك بيتا واحدا والأول أظهر لما مر ولما رواه الكليني أيضا عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألته عن كلب الصيد يمسك في الدار قال إذا كان يغلق دونه الباب فلا بأس (٤).

وقال العلامة قدس‌سره في المنتهى يكره الصلاة في بيت فيه كلب لما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام وذكر الخبر المتقدم ثم قال وروى الشيخ عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن جبرئيل أتاني فقال إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تماثيل جسد ولا إناء يبال فيه. ونفور الملائكة يؤذن بكونه ليس هو موضع رحمة فلا يصلح أن يتخذ للعبادة انتهى (٥)

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢ فيه : فى الكلاب.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٥٩.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٥٢.

(٥) المنتهى :.


ونحوه قال الشهيد نور الله مرقده في الذكرى (١).

وقال الدميري قال أبو عمرو بن الصلاح لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ثم قال وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة فقال العلماء سبب امتناعهم من البيت الذي فيه الصورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة خلق الله تعالى (٢) وبعضها في صورة ما يعبدون من دون الله عز وجل وسبب امتناعهم من البيت الذي فيه الكلب لكثرة أكله النجاسات ولأن بعض الكلاب يسمى شيطانا كما جاء في الحديث والملائكة ضد الشيطان ولقبح رائحة الكلب أو لملائكة تكره الرائحة الخبيثة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة عليه (٣) وصلاتها فيه واستغفارها له وتبركها عليه في بيته ودفعها أذى الشياطين.

والملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب ولا صورة هم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبرك والاستغفار وأما الحفظة والموكلون بقبض الأرواح فيدخلون في كل بيت ولا تفارق الحفظة الآدمي في حال (٤) لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها.

قال الخطابي وإنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور وأما ما ليس اقتناؤه بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرها فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي وقال النووي والأظهر أنه عام في كل كلب وصورة وإنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث وأما الجرو

__________________

(١) الذكرى :.

(٢) في المصدر : وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى.

(٣) في المصدر : بيته.

(٤) في المصدر : ولا تفارق الحفظة بني آدم في حال من الأحوال.


الذي كان في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبرئيل عليه‌السلام من دخول البيت بسببه فلو كان العذر في وجود الكلب والصورة لا يمنعهم لم يمتنع جبرئيل (١).

١٦ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص لأهل القاصية في الكلب يتخذونه (٢).

بيان : القاصية البعيدة عن المعمورة.

١٧ ـ الكافي ، عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب السلوقي فقال إذا مسسته فاغسل يدك (٣).

بيان : غسل اليدين إذا كان رطبا على الوجوب وإذا كان يابسا على الاستحباب على المشهور وسيأتي الكلام فيه في كتاب الطهارة.

وقال الدميري في حياة الحيوان الكلب حيوان معروف وربما وصف به فقيل للرجل كلب وللمرأة كلبة والجمع أكلب وكلاب وكليب مثل أعبد وعباد وعبيد وهو جمع عزيز والأكالب جمع أكلب قال ابن سيده وقد قالوا في جمع كلاب كلابات (٤).

وهو نوعان أهلي وسلوقي نسبة إلى سلوق وهي مدينة باليمن تنسب إليها الكلاب السلوقية وكلا النوعين في الطبع سواء وفي طبعه الاحتلام وتحيض إناثه وتحمل الأنثى ستين يوما ومنها ما يقل عن ذلك وتضع جراءها عميا فلا تفتح عيونها إلا بعد اثني عشر يوما والذكور تهيج قبل الإناث وينزو الذكر إذا كمل له سنة وربما تسفد قبل ذلك وإذا سفد الكلبة كلاب مختلفة الألوان أدت إلى كل كلب شبهه.

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢١٩ و ٢٢٠.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣.

(٤) في المصدر : فى جمع كلب : كلاب.


وفي الكلب من اقتفاء الأثر وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض ويأكل العذرة ويرجع في قيئه وبينه وبين الضبع عداوة شديدة وذلك إذا كان في موضع مرتفع ووطئت الضبع ظله في القمر رمى بنفسه إليها مخذولا فتأكله وإذا دهن كلب بشحمها جن واختلط وإذا حمل إنسان لسان ضبع لم تنبح عليه الكلاب ومن طبعه أنه يحرس ربه ويحمي حرمه شاهدا وغائبا ذاكرا وغافلا نائما ويقظان وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته إلى النوم وإنما غالب نومه نهارا عند الاستغناء عن الحراسة وهو في نومه أسمع من فرس وأحذر من عقعق وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقهما وذلك لخفة نومه وسبب خفته أن دماغه بارد بالنسبة إلى دماغ الإنسان ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس وأهل الوجاهة ولا ينبح على أحد منهم وربما حاد عن طريقه وينبح على الأسود من الناس والدنس الثياب والضعيف الحال ومن طباعه البصبصة والترضي والتودد والتألف بحيث إذا دعي بعد الضرب والطرد رجع وإذا لاعبه ربه عضه العض الذي لا يؤلم وأضراسه لو أنشبها في الحجر لنشبت ويقبل التأديب والتلقين والتعليم حتى لو وضعت على رأسه مسرجة وطرح له مأكول لم يلتفت إليه ما دام على تلك الحالة فإذا أخذت المسرجة عن رأسه وثب إلى مأكوله وتعرض له أمراض سوداوية في زمن مخصوص ويعرض للكلب الكلب وهو بفتح اللام وهو داء يشبه الجنون.

وعلامة ذلك أن تحمر عيناه وتعلوهما غشاوة وتسترخي أذناه ويندلع لسانه ويكثر لعابه وسيلان أنفه ويطأطئ رأسه وينحدب ظهره ويتعوج صلبه إلى جانب ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه ويمشي خائفا مغموما كأنه سكران ويجوع فلا يأكل ويعطش فلا يشرب وربما رأى الماء فيفزع منه وربما يموت منه خوفا وإذا لاح له شبح حمل عليه من غير نبح والكلاب تهرب منه فإن دنا منها غفلة بصبصت له وخضعت وخشعت بين يديه فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له أمراض ردية


منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشا ولا يزال يستسقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه فإذا استحكمت هذه العلة به فقعد للبول خرج منه شيء على هيئة صورة الكلاب الصغار (١) قال صاحب الموجز في الطب الكلب حالة كالجذام تعرض للكلب والذئب وابن آوى وابن عرس والثعلب ثم ذكر غالب ما تقدم وقال غيره الكلب جنون يصيب الكلاب فتموت وتقتل كل شيء عضته إلا الإنسان فإنه قد يعالج فيسلم قال وداء الكلب يعرض للحمار ويقع في الإبل أيضا فيقال كلبت الإبل تكلب كلبا وأكلب القوم إذا وقع في إبلهم ويقال كلب الكلب واستكلب إذا ضري (٢) وتعود أكل الناس انتهى.

وذكر القزويني في عجائب المخلوقات أن بقرية من أعمال حلب بئرا يقال لها بئر الكلب إذا شرب منها من عضه كلب الكلب (٣) برأ وهي مشهورة.

وأما السلوقي فمن طباعه أنه إذا عاين الظباء قريبة منه أو بعيدة عرف المقبل من المدبر ومشي الذكر من مشي الأنثى ويعرف الميت من الناس والمتماوت حتى أن الروم لا تدفن ميتا حتى تعرضه على الكلاب فيظهر لهم من شمها إياه علامة يستدل بها على حياته أو موته ويقال إن هذا لا يوجد إلا في نوع منها يقال له القلطي وهو صغير الجرم قصير القوائم جدا ويسمى الصيني وإناث السلوقي أسرع تعلما من الذكور والفهد بالعكس والسود من الكلاب أقل صبرا من غيرها.

وفي كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ، لمحمد بن خلف المرزبان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا قتيلا فقال ما شأنه فقالوا إنه وثب على غنم بني زهرة فأخذ منها شاة فوثب عليه كلب الماشية

__________________

(١) في المصدر : على هيئة الكلاب الصغار.

(٢) ضرى الكلب بالصيد : تعوده واولع به.

(٣) في المصدر : الكلب الكلب.


فقتله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل نفسه وأضاع دينه (١) وعصى ربه وخان أخاه وكان الكلب خيرا منه.

وقال ابن عباس كلب أمين خير من صاحب خئون قال وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج في بعض متنزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فأكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليها فقتلهما فلما رجع الحارث إلى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر فأنشأ يقول :

فيا عجبا للخل يهتك حرمتي

ويا عجبا للكلب كيف يصون

وما زال يرعى ذمتي ويحوطني

ويحفظ عرسي والخليل يخون

وذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزي في بعض مصنفاته أن رجلا خرج في بعض أسفاره فمر على قبة مبنية أحسن بناء بالقرب من ضيعة هناك وعليها مكتوب من أحب أن يعلم سبب بنائها فليدخل القرية فدخل القرية وسأل أهلها عن سبب بناء القبة فلم يجد عند أحد خبرا من ذلك إلى أن دل على رجل قد بلغ من العمر مائتي سنة فسأله فأخبره عن أبيه أنه حدثه أن ملكا كان بتلك الأرض وكان له كلب لا يفارقه في سفر ولا حضر ولا نوم ولا يقظة وكانت له جارية خرساء مقعدة فخرج ذات يوم في تنزهاته (٢) وأمر بربط الكلب لئلا يذهب معه وأمر طباخه أن يصنع له طعاما من اللبن كان يهواه وإن الطباخ صنعه وجاء به فوضعه عند الجارية والكلب وتركه مكشوفا وذهب فأقبلت حية عظيمة إلى الإناء فشربت من ذلك الطعام وردته وذهبت فأقبل الملك من نزهته (٣) وأمر بالطعام فوضع بين يديه فجعلت الجارية تصفق بيديها وتشير إلى الملك أن لا يأكله فلم يعلم أحد ما تريد فوضع الملك يده في الصحفة وجعل الكلب يعوي ويصيح ويجذب نفسه من السلسلة

__________________

(١) في المصدر : واضاع ديته.

(٢) في المخطوطة : « الى متنزهاته » فى المصدر : الى بعض متنزهاته.

(٣) في المصدر : من متنزهه.


حتى كاد أن يقتل نفسه فعجب الملك (١) من ذلك وأمر بإطلاقه فأطلق فغدا إلى الملك وقد رفع يده باللقمة إلى فيه فوثب الكلب وضربه على يده فطار اللقمة منها فغضب الملك وأخذ طبرا كان بجنبه وهم أن يضرب به الكلب فأدخل الكلب رأسه في الإناء وولغ من ذلك الطعام وانقلب على جنبه وقد تناثر لحمه فعجب الملك ثم التفت إلى الجارية فأشارت إليه بما كان من أمر الحية ففهم الملك الأمر وأمر بإراقة الطعام وتأديب الطباخ لكونه ترك الآنية مكشوفة وأمر بدفن الكلب وببناء القبة عليه وبتلك الكتابة التي رأيتها قال وهي أغرب ما يحكى.

وفي كتاب النشور (٢) عن أبي عثمان المديني قال إنه كان في بغداد رجل يلعب بالكلاب فأسحر يوما في حاجة له وتبعه كلب كان يختصه من كلابه فرده فلم يرجع فتركه ومشى حتى انتهى إلى قوم كان بينه وبينهم عداوة فصادفوه بغير عدة فقبضوا عليه والكلب يراهم وأدخلوه الدار فدخل الكلب معهم فقتلوا الرجل وألقوه في بئر وطموا رأس البئر وضربوا الكلب وأخرجوه وطردوه فخرج يسعى إلى بيت صاحبه فعوى فلم يعبئوا به وافتقدت أم الرجل ابنها وعلمت أنه قد تلف فأقامت عليه المأتم وطردت الكلاب عن بابها فلزم ذلك الكلب الباب ولم ينطرد فاجتاز يوما بعض قتلة صاحبه بالباب والكلب رابض فلما رآه وثب إليه وخمش (٣) ساقيه ونهشه وتعلق به واجتهد المجتازون في تخليصه منه فلم يمكنهم وارتفعت للناس ضجة عظيمة وجاء حارث الدرب فقال لم يتعلق هذا الكلب بالرجل إلا وله معه قصة ولعله هو الذي جرحه وسمعت أم القتيل الكلام فخرجت فحين رأت الكلب متعلقا بالرجل تأملت الرجل فذكرت (٤) أنه كان أحد أعداء ابنها وممن يتطلبه فوقع في نفسها أنه قاتل ابنها فتعلقت به فرفعوهما إلى الراضي بالله فادعت عليه

__________________

(١) في المصدر : فتذكرت.

(٢) في المصدر : فتعجب الملك.

(٣) في المصدر : وفي كتاب النشوان.

(٤) خمش الوجه : خدشه ولطمه.


القتل فأمر بحبسه بعد أن ضربه فلم يقر فلزم الكلب باب الحبس فلما كان بعد أيام أمر الراضي بإطلاقه فلما خرج من باب الحبس تعلق الكلب (١) كما فعل أولا فعجب الناس من ذلك وجهدوا على خلاصه منه فلم يقدروا على ذلك إلا بعد جهد جهيد وأخبر الراضي بذلك فأمر بعض غلمانه أن يطلق الرجل ويرسل الكلب خلفه ويتبعه فإذا دخل الرجل داره بادره ودخل وأدخل الكلب (٢) ومهما رأى الكلب يعمل يعلمه بذلك ففعل ما أمره به فلما دخل الرجل داره بادره غلام الخليفة ودخل وأدخل الكلب معه ففتش البيت فلم ير أثره ولا خبره (٣) وأقبل الكلب ينبح ويبحث عن موضع البئر التي طرح فيها القتيل فعجب (٤) الغلام من ذلك وأخبر الراضي بأمر الكلب فأمر بنبشه فنبشه الغلام فوجد الرجل قتيلا فأخذ (٥) صاحب الدار إلى بين يدي الراضي فأمر بضربة فأقر على نفسه وعلى جماعة بالقتل فقتل فطلب الباقون فهربوا.

وفي عجائب المخلوقات أن شخصا قتل شخصا بأصبهان وألقاه في بئر وللمقتول كلب يرى ذلك فكان يأتي كل يوم إلى رأس البئر وينحي التراب عنها ويشير إليها وإذا رأى القاتل نبح عليه فلما تكرر ذلك منه حفروا البئر فوجدوا القتيل بها ثم أخذوا الرجل وقرروه فأقر فقتلوه به.

وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس وأنس الجالس ، أنه قيل لجعفر الصادق عليه‌السلام وهو أحد الأئمة الاثني عشر كم تتأخر الرؤيا فقال خمسين سنة لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى كأن كلبا أبقع ولغ في دمه فأوله بأن رجلا يقتل الحسين ابن بنته فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه‌السلام وكان أبرص فتأخرت

__________________

(١) في المصدر : « تعلق به الكلب » وفيه : فتعجب.

(٢) في المصدر : وادخل الكلب معه ، فمهما.

(٣) في المصدر : فلم ير اثرا ولا خبرا.

(٤) في المصدر : فتعجب.

(٥) في المصدر : فنبشوها فوجدوا الرجل قتيلا فأخذوا.


الرؤيا بعد خمسين سنة.

وفي الرسالة القشيري في باب الجود والسخاء أن عبد الله بن جعفر خرج إلى ضيعة فنزل على نخيل قوم وفيهم غلام أسود يعمل عليها إذ أتى الغلام بغدائه وهو ثلاثة أقراص فرمى بقرص منها إلى كلب كان هناك فأكله ثم رمى إليه الثاني والثالث فأكلهما وعبد الله بن جعفر ينظر فقال يا غلام كم قوتك كل يوم قال ما رأيت فلم آثرت هذا الكلب قال إن هذه الأرض ليست بأرض كلاب وإنه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت رده فقال له عبد الله بن جعفر فما أنت صانع اليوم قال أطوي (١) يومي هذا فقال عبد الله بن جعفر لأصحابه ألام على السخاء وهذا أسخى مني ثم إنه اشترى الغلام فأعتقه واشترى الحائط وما فيه ووهب ذلك له (٢).

ودخل أبو العلاء المعري يوما على الشريف المرتضى فعثر برجل فقال الرجل من هذا الكلب فقال أبو العلاء الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما فقربه المرتضى واختبره فوجده علامة وإنه جرى (٣) ذكر المتنبي يوما فتنقصه الشريف المرتضى وذكر معايبه فقال أبو العلاء المعري لو لم يكن من شعر المتنبي إلا قوله (٤)

لك يا منازل في القلوب منازل

لكفاه شرفا وفضلا فغضب الشريف المرتضى وأمر بسحبه (٥) وإخراجه من مجلسه ثم قال لمن حضر مجلسه أتدرون أي شيء أراد هذا الأعمى بذكر هذه

__________________

(١) طوى الرجل : تعمد الجوع وقصده.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ١٩٧ ـ ٢٠٠.

(٣) في المصدر : ثم جرى.

(٤) في المصدر : لو لم يكن للمتنبى من الشعر الا قوله.

(٥) في المصدر : وامر بسحبه برجله.


القصيدة وللمتنبي أحسن منها (١) ولم يذكرها قالوا لا قال إنما أراد قوله فيها (٢)

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي بأني كامل (٣)

١٨ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة فقال لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبرا إلا سويته ولا كلبا إلا قتلته (٤).

بيان : قال الدميري روى مسلم عن عبد الله بن معقل (٥) قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الكلاب ثم قال ما بالكم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم. فحمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب الكلب والكلب العقور واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه منها فقال القاضي حسين وإمام الحرمين والماوردي والنووي ومسلم لا يجوز قتلها وقيل إن الأمر بقتلها منسوخ وعلى الكراهة اقتصر الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة وزاد أنها كراهية تنزيه (٦) لا تحريم لكن قال الشافعي واقتل الكلاب التي لا نفع فيها حيث وجدتها وهذا هو الراجح في المهمات (٧).

١٩ ـ العلل ، عن محمد بن شاذان بن أحمد البراوذي (٨) عن محمد بن محمد بن الحارث

__________________

(١) في المصدر : أجود منها.

(٢) في المصدر : انما أراد أن يذمنى بقوله فيها.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٠٣.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٢٨. وفيه روايات اخرى راجعها.

(٥) في المصدر : مغفل.

(٦) في المصدر : كراهة تنزيه.

(٧) حياة الحيوان ٢ : ٢١٩ فيه : « واقتلوا » وفيه : وجدتموها.

(٨) لعله مصحف البردادى نسبة الى برداد : قرية من قرى سمرقند.


السمرقندي عن صالح بن سعد الترمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه اليماني قال : لما ركب نوح عليه‌السلام في السفينة ألقى الله عز وجل السكينة على ما فيها من الدواب والطير والوحش فلم يكن شيء فيها يضر شيئا كانت الشاة تحتك بالذئب والبقرة تحتك بالأسد والعصفور يقع على الحية فلا يضر شيء شيئا ولا يهيجه ولم يكن لها (١) ضجر ولا صخب (٢) ولا سبة ولا لعن قد أهمتهم أنفسهم وأذهب الله عز وجل حمة كل ذي حمة فلم يزالوا كذلك في السفينة حتى خرجوا منها وكان الفأر قد كثر في السفينة والعذرة فأوحى الله عز وجل إلى نوح عليه‌السلام أن يمسح الأسد فمسحه فعطس فخرج من منخريه هران ذكر وأنثى فخفف الفأر ومسح وجه الفيل فعطس فخرج من منخريه خنزيران ذكر وأنثى فخفف العذرة (٣).

بيان : في القاموس الحمة كثبة السم أو الإبرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلذع بها والجمع حمات وحمى.

٢٠ ـ العلل ، عن أحمد بن محمد بن عيسى العلوي عن محمد بن إبراهيم بن أسباط عن أحمد بن محمد بن زياد القطان عن أبي الطيب أحمد بن محمد بن عبد الله عن عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل مما خلق الله عز وجل الكلب قال خلقه من بزاق إبليس قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال لما أهبط الله عز وجل آدم وحواء إلى الأرض أهبطهما كالفرخين المرتعشين فعدا إبليس الملعون إلى السباع وكانوا قبل آدم في الأرض فقال لهم إن طيرين قد وقعا من السماء لم ير الراءون أعظم منهما تعالوا فكلوهما.

__________________

(١) في المصدر : ولم يكن فيها.

(٢) الصخب بالتحريك : اختلاط الأصوات.

(٣) علل الشرائع ٢ : ١٨١ و ١٨٢.


فتعاوت السباع معه وجعل إبليس يحثهم ويصيح ويعدهم بقرب المسافة فوقع من فيه من عجلة كلامه بزاق فخلق الله عز وجل من ذلك البزاق كلبين أحدهما ذكر والآخر أنثى فقاما حول آدم وحواء الكلبة بجدة والكلب بالهند فلم يتركوا السباع أن يقربوهما ومن ذلك اليوم الكلب عدو السبع والسبع عدو الكلب (١).

٢١ ـ ومنه ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار وعن محمد بن أحمد الأشعري عن البرقي عن رجل عن ابن أسباط عن عمه (٢) رفع الحديث إلى علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهم (٣) يرون ولا ترون « فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ » (٤) الخبر.

٢٢ ـ القصص ، بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن محمد العطار عن ابن أبان (٥) عن ابن أورمة عن أبي أحمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن قوم نوح عليه‌السلام شكوا إلى نوح عليه‌السلام الفأر فأمر الله تعالى الفهد فعطس فطرح السنور فأكل الفأر وشكوا إليه العذرة فأمر الله الفيل أن يعطس فسقط الخنزير (٦).

٢٣ ـ ثواب الأعمال ، عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشا (٧).

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٨٢ و ١٨٣.

(٢) في المصدر : عن عمه يعقوب.

(٣) في نسخة من المصدر : فانهن.

(٤) علل الشرائع ٢ : ٢٧٠ في نسخة منه : يردون ما لا ترون.

(٥) في النسخة المخطوطة : عن ابان.

(٦) قصص الأنبياء : مخطوط.

(٧) ثواب الأعمال :.


٢٤ ـ نوادر الراوندي ، عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيت في النار صاحب العباء التي قد غلها ورأيت في النار صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاج بمحجنه ورأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة كانت أوثقتها لم تكن تطعمها ولم ترسلها تأكل من حشاش الأرض ودخلت الجنة فرأيت صاحب الكلب الذي أرواه من الماء (١).

تبيان قال في النهاية المحجن عصا معقفة الرأس كالصولجان والميم زائدة ومنه الحديث كان يسرق الحاج بمحجنه فإذا فطن به قال تعلق بمحجني انتهى (٢).

وأقول صاحب الكلب إشارة إلى ما رواه الدميري عن مسلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بينما امرأة تمشي بفلاة من الأرض إذا اشتدت عليها العطش فنزلت بئرا فشربت ثم صعدت فوجدت كلبا يأكل الثرى من العطش فقالت لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي ثم نزلت البئر فملأت خفها وأمسكته بفيها ثم صعدت فسقته فشكر الله لها ذلك وغفر لها فقالوا يا رسول الله أولنا في البهائم أجر قال نعم في كل كبد رطبة أجر (٣).

وقال في النهاية وفيه فإذا كلب يأكل الثرى من العطش أي التراب الندي (٤).

أقول فالظاهر على هذا صاحبه الكلب التي أروته إلا أن يكون إشارة إلى قصة أخرى شبيهة بذلك.

__________________

(١) نوادر الراوندي : ٢٨.

(٢) النهاية ١ : ٢٣٨.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ١٩٧ و ١٩٨.

(٤) النهاية ١ : ١٤٨.


٢٥ ـ الدر المنثور ، عن ابن عباس قال الحواريون لعيسى ابن مريم لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثب (١) من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب وقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا كعب حام بن نوح فضرب الكثيب بعصاه وقال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب (٢) قال له عيسى هكذا هلكت قال لا مت وأنا شاب ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت قال حدثنا عن سفينة نوح قال كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع كانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى الله إلى نوح أن اضرب عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر فقال له عيسى كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت قال بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت فقالوا يا روح الله ألا تنطلق به إلى أهالينا فيجلس معنا ويحدثنا قال كيف يتبعكم من لا رزق له ثم قال له عد بإذن الله فعاد ترابا.

وعن عكرمة قال : لما حمل نوح في السفينة الأسد قال يا رب إنه يسألني الطعام من أين أطعمه قال إني سوف أشغله عن الطعام فسلط الله عليه الحمى فكان نوح يأتي بالكبش فيقول كل فيقول الأسد آه.

وعن وهب بن منبه قال : لما أمر نوح أن يحمل « مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ » قال

__________________

(١) الكثب : التل من الرمل.

(٢) شاب : ابيض شعره.


كيف أصنع بالأسد والبقر وكيف أصنع بالعناق والذئب وكيف أصنع بالحمام والهر (١) قال من ألقى بينهم العداوة قال أنت يا رب قال فإني أؤلف بينهم حتى لا يتضادون (٢).

توضيح خرز السفينة الخيوط التي تخاط بها.

٢٦ ـ حياة الحيوان ، السنور بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة واحد السنانير حيوان متواضع ألوف خلقه الله تعالى لدفع الفأرة قيل إن أعرابيا صاد سنورا فلم يعرفه فتلقاه رجل فقال ما هذا السنور ولقي آخر فقال ما هذا القط ثم لقي آخر فقال ما هذا الهر ثم لقي آخر فقال ما هذا الضيون ثم لقي آخر فقال ما هذا الخيدع ثم لقي آخر فقال ما هذا الخيطل ثم لقي آخر فقال ما هذا الدم فقال الأعرابي أحمله وأبيعه لعل الله تعالى أن يجعل فيه مالا كثيرا فلما أتى به إلى السوق قيل له بكم هذا فقال بمائة درهم فقيل له إنه يساوي نصف درهم فرمى به وقال لعنه الله ما أكثر أسماءه وأقل ثمنه؟

وهذه الأسماء للذكر قاله في الكفاية وقال ابن قتيبة يقال في الأنثى سنورة

وروى الحاكم عن أبي هريرة قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي دار قوم من الأنصار ودونه دور لا يأتيها فشق عليهم ذلك فكلموه فقال إن في داركم كلبا قالوا فإن في دارهم سنورا فقال السنور سبع.

وفي رواية أخرى قال : الهرة ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم. والطوافون الخدم والطوافات الخدامات جعلها بمنزلة المماليك وقيل إن أهل سفينة نوح عليه‌السلام تأذوا من الفأر فمسح نوح جبهة الأسد فعطس ورمى بالسنور فلذلك هو أشبه شيء بالأسد بحيث لا يمكن أن يصور الهر إلا جاء أسدا وهو ظريف

__________________

(١) هذا يخالف ما تقدم من أن الهر لم يكن قبل ذلك بل وجد في السفينة.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٣٢٨ و ٣٢٩ و ٣٣٠.


لطيف يمسح بلعابه وجهه (١) وإذا جاعت الأنثى أكلت أولادها وقد يخلق الله في قلب الفيل الهرب (٢) منه فهو إذا رأى سنورا هرب وحكي أن جماعة من الهند هزموا بذلك.

والسنور ثلاثة أنواع أهلي ووحشي والسنور الزباد ويناسب الإنسان في أمور منها أن يعطس ويتثاءب ويتمطى ويتناول الشيء بيده وذكر القزويني عن ابن الفقيه أن لبعض السنانير أجنحة كأجنحة الخفافيش من أصل الأذن إلى الذنب قال العلماء اتخاذ السنور وتربيته مستحب (٣).

٢٧ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : الكلاب السود البهم من الجن (٤).

٢٨ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة إذا التفت عن يساره فإذا كلب أسود بهيم فقال ما لك قبحك الله ما أشد مسارعتك فإذا هو شبه بالطائر فقلت ما هذا جعلت فداك فقال هذا عثم (٥) بريد الجن مات هشام الساعة فهو يطير ينعاه في كل بلدة (٦).

٢٩ ـ ومنه ، عن العدة عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) زاد في المصدر : وإذا تلطخ شيء من بدنه نظفه وهو في آخر الشتاء تهيج شهوته فيتألم ألما شديدا من لذع مادة النطفة فلا يزال يصيح حتى يلقى تلك المادة.

(٢) في المصدر : وقد جعل الله تعالى في قلب الفيل الفرق منه.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٤ و ٢٥.

(٤) الفروع ٦ : ٥٥٢.

(٥) في المصدر : غثيم.

(٦) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣ فيه : وهو.


الكلاب من ضعفة الجن فإذا أكل أحدكم طعاما وشيء منها بين يديه فليطعمه أو ليطرده فإن لها أنفس سوء (١).

٣٠ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم بن أبي سلمة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الكلاب فقال كل أسود بهيم وكل أحمر بهيم وكل أبيض بهيم فلذلك خلق الكلاب من الجن وما كان أبلق فهو مسخ من الجن والإنس (٢).

بيان : كون الكلب الأسود وغيره من الجن يحتمل أن يكون المعنى أنه على صفتها أو أنه قد تتصور الجن بصورته أو مسخ من الجن أي كان في الأصل جنيا فمسخ بتلك الصورة وأما كون الأبلق مسخا من الجن والإنس فهو أيضا يحتمل تطير الوجوه المذكورة بأنه على صفة شرار الجن والإنس معا أو قد يكون ممسوخا من الجن وقد يكون ممسوخا من الإنس أو متولدا من ممسوخ الجن وممسوخ الإنس.

قال الدميري روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود قيل لأبي ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر [ و ] من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سألتني عنه (٣) فقال الكلب الأسود شيطان.

فحمله بعض أهل العلم على ظاهره وقال الشيطان يتصور بصورة الكلاب السود ولذا قال عليه‌السلام اقتلوا منهن كل أسود بهيم. وقيل لما كان الكلب الأسود أشد ضررا من غيره وأشد ترويعا كان المصلي إذا رآه اشتغل عن صلاته فانقطعت عليه لذلك وكذلك تأول الجمهور قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقطع الصلاة المرأة

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣ فيه : الطعام.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣.

(٣) في المصدر : مثل ما سألتني.


والحمار فإن ذلك (١) مبالغة في الخوف على قطعها وإفسادها بالشغل عن المذكورات وذلك أن (٢) المرأة تفتن والحمار ينهق والكلب الأسود يروع ويشوش الفكر فلما كانت هذه الأمور آئلة إلى القطع جعلها قاطعة واحتج أحمد بحديث الكلب الأسود على أنه لا يجوز صيده ولا يحل لأنه شيطان (٣).

وقال الخنزير مشترك بين البهيمية والسبعية فالذي فيه من السبع الناب وأكل الجيف والذي فيه من البهيمية الظلف وأكل العشب والعلف ويقال أنه ليس شيء من ذوات الأذناب (٤) ما للخنزير من قوة نابه حتى أنه يضرب بنابه صاحب السيف والرمح فيقطع كل ما لاقى جسده من عظم وعصب.

ومن عجيب أمره إذا قلعت إحدى عينيه مات سريعا.

وروى ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والدر (٥).

. وقال في الإحياء جاء رجل إلى ابن سيرين وقال رأيت كأني أعلق الدر في أعناق الخنازير فقال أنت تعلم الحكمة غير أهلها (٦).

__________________

(١) في المصدر : بان ذلك.

(٢) في المصدر : وافسادها من الشغل بهذه المذكورات وذلك لان.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢١٨ و ٢١٩.

(٤) في المصدر : من ذوات الانياب والاذناب.

(٥) في المصدر : والدر والذهب.

(٦) حياة الحيوان ١ : ٢١٩ و ٢٢٠.


٢

(باب)

(الثعلب والأرنب والذئب والأسد)

١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابه عن أبي جميلة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ » (١) قال إن رجلا انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار إلى وجهه وجعل الثعلب يصيح ويحدث من استه وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ثم أرسله بعد ذلك فبينما الرجل نام إذ جاءته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت (٢) عنه.

٢ ـ دلائل الطبري ، عن محمد بن الحسن عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام بين مكة والمدينة نسير أنا على حمار لي وهو على بغلة له (٣) إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر عليه‌السلام فحبس له البغلة حتى دنا منه فوضع يده على قربوس (٤) السرج ومد عنقه إليه وأدنى أبو جعفر عليه‌السلام أذنه منه ساعة ثم قال له امض فقد فعلت فرجع مهرولا فقلت جعلت فداك لقد رأيت عجبا فقال هل تدري ما قال قلت الله ورسوله وابن رسوله أعلم فقال ذكر أن زوجته في هذا الجبل وقد عسر عليها ولادتها فادع الله عز وجل أن يخلصها وأن لا يسلط شيئا من نسلي

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) فروع الكافي ٤ : ٣٩٧.

(٣) في المصدر : فبينا نسير بين مكة والمدينة وانا على حمار وهو على بغلة.

(٤) في المصدر : فدنا منه حتى وضع.


على أحد من شيعتكم أهل البيت فقلت قد فعلت (١).

٣ ـ ومنه ، عن القاضي أبي الفرج المعافي عن الحسين بن القاسم الكوكبي عن أحمد بن وهب عن عمرو بن محمد الأزدي عن ثمامة بن أشرس عن محمد بن راشد عن أبيه قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال يا ابن رسول الله حكيم بن عباس الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم فقال هل علقت منه بشيء قال بلى فأنشده :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة

ولم نر مهديا على الجذع يصلب

وقستم بعثمان عليا سفاهة

وعثمان خير من علي وأطيب

فرفع أبو عبد الله عليه‌السلام يديه إلى السماء وهما ينتفضان رعدة فقال اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبك قال فخرج حكيم من الكوفة فأدلج (٢) فلقيه الأسد فأكله فجاءوا (٣) بالبشير أبا عبد الله عليه‌السلام وهو في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فخر لله ساجدا وقال « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ » (٤).

بيان : في النهاية في حديث حليمة ركبت أتانا لي فخرجت أمام الركب حتى ما يعلق بها أحد منهم أي ما يتصل بها ويلحقها وفي حديث ابن مسعود أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال أنى علقها فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعلها أي من أين تعلمها وممن أخذها (٥).

٤ ـ الدلائل ، عن الحسين عن أحمد بن محمد عن محمد بن علي عن محمد بن عمرو بن

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٩٨ فيه : فقد رأيت عجبا فقال عليه‌السلام : هذا الذئب ذكر لي ان زوجته في هذا الجبل قد عسر عليها ولادها وسألنى أن أدعو الله ليحفظها ولا يسلط شيئا من نسلها على شيعتنا.

(٢) أي سار في الليل كله او في آخره.

(٣) في المصدر : فجاء البشير.

(٤) دلائل الإمامة : ١١٥ فيه : « عمر بن محمد الأزدي » وفيه : فسلط عليه كلبا من كلابك.

(٥) النهاية ٣ : ١٣٨.


ميثم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه خرج إلى ضيعة له مع بعض أصحابه فبينما هم يسيرون إذا ذئب قد أقبل إليه فلما رأى غلمانه أقبلوا إليه قال دعوه فإن له حاجة.

فدنا منه حتى وضع كفه على دابته وتطاول بخطمه وطأطأ رأسه أبو عبد الله عليه‌السلام فكلمه الذئب بكلام لا يعرف فرد عليه أبو عبد الله عليه‌السلام مثل كلامه فرجع يعدو (١) فقال له أصحابه قد رأينا عجبا فقال إنه أخبرني أنه خلف زوجته خلف هذا الجبل في كهف وقد ضربها الطلق وخاف عليها فسألني الدعاء لها بالخلاص وأن يرزقه الله ذكرا يكون لنا وليا ومحبا فضمنت له ذلك قال فانطلق أبو عبد الله عليه‌السلام وانطلقنا معه إلى ضيعته وقال إن الذئب قد ولد له جرو ذكر قال فمكثنا في ضيعته معه شهرا ثم رجع مع أصحابه فبينا هم راجعون إذا هم بالذئب وزوجته وجروه فعووا في وجه أبي عبد الله عليه‌السلام فأجابهم بمثله ورأوا أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام الجرو وعلموا أنه قد قال لهم الحق وقال لهم أبو عبد الله عليه‌السلام تدرون ما قالوا قالوا لا قال كانوا يدعون الله لي ولكم بحسن الصحابة ودعوت لهم بمثله وأمرتهم أن لا يؤذوا لي وليا ولا لأهل بيتي فضمنوا لي ذلك (٢).

٥ ـ ومنه ، عن محمد بن هارون التلعكبري عن أبيه عن محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن بعض رجاله عن الحسن بن علي بن يقطين عن سعدان بن مسلم عن المفضل بن عمر قال : كان المنصور قد وفد بأبي عبد الله عليه‌السلام إلى الكوفة فلما أذن له قال لي يا مفضل هل لك في مرافقتي فقلت نعم جعلت فداك قال إذا كانت الليلة فصر إلي فلما كان في نصف الليل خرج وخرجت معه فإذا أنا بأسدين مسرجين ملجمين قال فخرجت فضرب بيده إلى

__________________

(١) فرجع يعوو.

(٢) دلائل الإمامة : ١١٩ و ١٢٠.


عيني (١) فشدها ثم حملني رديفا فأصبح بالمدينة وأنا معه فلم يزل في منزله حتى قدم عياله (٢).

٦ ـ ومنه ، بالإسناد عن أحمد بن الحسين عن أخيه عن بعض رجاله عن عبد الله بن محمد بن منصور بن نوح (٣) عن إسماعيل بن جابر عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي يا با خالد خذ رقعتي فأت غيضة قد سماها فانشرها فأي سبع جاء معك فجئني به قال قلت أعفني (٤) جعلت فداك قال فقال لي اذهب يا با خالد قال فقلت في نفسي يا با خالد لو أمرك جبار عنيف (٥) ثم خالفته إذا كيف يكون حالك قال ففعلت ذلك حتى إذا صرت إلى الغيضة ونشرت الرقعة جاء معي واحد منها فلما صار بين يدي أبي عبد الله عليه‌السلام نظرت إليه واقفا ما يحرك من شعره شعرة فأومأ بكلام لم أفهمه قال فلبثت عنده وأنا متعجب من سكون السبع بين يديه فقال لي يا با خالد ما لك تتفكر قال قلت أفكر في إعظام السبع قال ثم مضى السبع فما لبثت إلا وقتا قليلا حتى طلع السبع ومعه كيس في فيه قال قلت جعلت فداك « إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ » قال يا با خالد هذا كيس وجه به إلي فلان (٦) مع المفضل بن عمر واحتجت إلى ما فيه وكان الطريق مخوفا فبعثت هذا السبع فجاء به قال فقلت في نفسي والله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر وأعلم ذلك قال فضحك أبو عبد الله عليه‌السلام ثم قال لي نعم يا با خالد لا تبرح حتى يأتي المفضل قال فتداخلني والله من ذلك حيرة ثم

__________________

(١) في المصدر : على عينى.

(٢) دلائل الإمامة : ١٢٥ و ١٢٦.

(٣) في المصدر : « عن عبد الله بن محمد بن منصور بزج » أقول : لعل بزج مصحف بزرج وهو معرب بزرگ ، ومنصور بن بزرج مذكور في الرجال.

(٤) في المصدر : اعفنى من ذلك.

(٥) في المصدر : جبار عنيد.

(٦) في المصدر : فلان بن فلان.


قلت أقلني جعلت فداك وأقمت أياما ثم قدم المفضل وبعث إلي أبو عبد الله عليه‌السلام فقال المفضل جعلني الله فداك إن فلانا بعث معي كيسا فيه مال فلما صرت في موضع كذا وكذا جاء سبع وحال بيننا وبين رحالنا فلما مضى السبع طلبت الكيس في الرحل فلم أجده قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا مفضل أتعرف الكيس قال نعم جعلني الله فداك فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا جارية هاتي الكيس فأتت به الجارية فلما نظر إليه المفضل قال نعم هذا هو الكيس ثم قال يا مفضل تعرف السبع قال جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب فقال له ادن مني فدنا منه ثم وضع يده عليه ثم قال لأبي خالد امض برقعتي إلى الغيضة فأتنا بالسبع فلما صرت إلى الغيضة ففعلت مثل الفعل الأول جاء السبع معي فلما صار بين يدي أبي عبد الله عليه‌السلام نظرت إلى إعظامه إياه فاستغفرت في نفسي ثم قال يا مفضل هذا هو قال نعم جعلني الله فداك فقال يا مفضل أبشر فأنت معنا (١).

بيان : كان وضع اليد لذهاب الرعب.

٧ ـ المهج ، مهج الدعوات عن المفضل بن الربيع قال : اصطبح الرشيد يوما ثم استدعى حاجبه فقال له امض إلى علي بن موسى العلوي وأخرجه من الحبس وألقه بركة السباع وساق الحديث إلى أن قال لما انتهيت إلى البركة فتحت بابها وأدخلته فيها وفيها أربعون سبعا وساق الحديث إلى قال فعدت إليه فإذا هو قائم يصلي والسباع حوله إلى آخر الخبر الطويل الذي تقدم في باب معجزاته ع.

وقال السيد (٢) رضي‌الله‌عنه ربما كان هذا الحديث عن الكاظم عليه‌السلام لأنه كان محبوسا عند الرشيد لكني ذكرت هذا كما وجدته (٣).

٨ ـ الإختصاص ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عبد الرحمن بن

__________________

(١) دلائل الإمامة : ١٢٨ و ١٢٩.

(٢) أي السيد ابن طاوس.

(٣) مهج الدعوات :.


أبي هاشم عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام مع أصحابه في طريق مكة فمر به ثعلب وهم يتغدون فقال علي بن الحسين عليه‌السلام لهم هل لكم أن تعطوني موثقا من الله لا تهيجون هذا الثعلب حتى أدعوه فيجيء إلينا فحلفوا له فقال يا ثعلب تعال أو قال ائتنا فجاء الثعلب حتى وقع بين يديه فطرح إليه عراقا (١) فولى به ليأكله فقال لهم هل لكم أن تعطوني موثقا من الله وأدعوه أيضا فيجيء فأعطوه فدعا فجاء فكلح رجل منهم في وجهه فخرج يعدو فقال علي بن الحسين عليه‌السلام من الذي خفر (٢) ذمتي فقال رجل منهم يا ابن رسول الله أنا كلحت في وجهه ولم أدر فأستغفر الله فسكت (٣).

أقول قال الدميري الثعلب معروف والأنثى ثعلبة والجمع ثعالب وأثعل وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شر السباع هذه الأثعل. يعني الثعالب.

ومن حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت وينفخ بطنه ويرفع قوائمه حتى يظن أنه مات فإذا قرب منه حيوان وثب عليه وصاده وحيلته هذه لا تتم في كلب الصيد وقيل للثعلب ما لك تعدو أكثر من الكلب فقال أعدو لنفسي والكلب يعدو لغيره.

قال الجاحظ ومن العجب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله والثعلب يصيد القنفذ ويأكله والقنفذ يصيد الأفعى ويأكلها والأفعى تصيد العصفور وتأكله والعصفور يصيد الجراد ويأكله والجراد يلتمس فراخ الزنابير ويأكلها والزنبور يصيد النحلة والنحلة يصيد الذبابة ويأكلها والذبابة تصيد البعوضة وتأكلها والعنكبوت يصيد الذبابة (٤) ويأكلها والذئب يطلب أولاد الثعلب فإذا ولد

__________________

(١) العراق بالضم : العظم اكل لحمه.

(٢) خفر فلانا : نقض عهده. غدر به.

(٣) الاختصاص : ٢٩٨ فيه : ايكم الذي خفر ذمتى.

(٤) المصدر خال عن قوله : والعنكبوت اه ولعل الصحيح : ليصيد البعوضة.


وضع أوراق العنصل على باب وجاره ليهرب الذئب منها (١).

وعن أبي هريرة قال : نهاني (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة عن ثلاث نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب (٣).

٩ ـ الإختصاص ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام بين مكة والمدينة وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلة له إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر عليه‌السلام فحبس البغلة ودنا الذئب منه حتى وضع يده على قربوس سرجه ومد عنقه إلى أذنه وأدنى أبو جعفر عليه‌السلام أذنه منه ساعة ثم قال له امض فقد فعلت فرجع مهرولا فقلت له رأيت عجيبا قال وتدري ما قال قلت الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال إنه قال يا ابن رسول الله إن زوجتي في ذلك الجبل وقد تعسر عليها ولادها فادع الله أن يخلصها وأن لا يسلط شيئا من نسلي على أحد من شيعتكم فقلت قد فعلت (٤).

١٠ حياة الحيوان ، الذئب يهمز ولا يهمز وأصله الهمز والأنثى ذئبة وجمع القلة أذؤب والكثير ذئاب وذؤبان والأسد والذئب يختلفان في الجوع والصبر عليه ـ (٥) فالأسد شديد النهم حريص شره وهو مع ذلك يحتمل أن يبقى أياما لا يأكل شيئا والذئب وإن كان أقفر منزلا وأقل خصبا وأكثر كدا إذا لم يجد شيئا اكتفى بالنسيم فيقتات به وجوفه يذيب العظم المصمت ولا يذيب نوى التمر ومن عجيب

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ١٢٧ و ١٢٨.

(٢) في المصدر : نهانا.

(٣) حياة الحيوان ١ : ١٣٠.

(٤) الاختصاص : ٣٠٠.

(٥) في المصدر : وللاسد والذئب في الصبر على الجوع ما ليس لغيرهما من الحيوان لكن الأسد.


أمره أنه ينام بإحدى عينيه (١) والأخرى يقظى حتى تكتفي العين النائمة من النوم ثم يفتحها وينام بالأخرى ليحترس باليقظى وتستريح النائمة ومتى وطئ ورق العنصل مات من ساعته وعداوته للغنم بحيث إنه إذا اجتمع جلد شاة مع جلد ذئب تمعط جلد الشاة والذئب إذا غلب عليه الجوع عوى فتجتمع له الذئاب ويقف بعضها إلى بعض فمن ولى منها وثب الباقون عليه فأكلوه وإذا عرض للإنسان وخاف العجز عنه عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب فتقبل على الإنسان إقبالا واحدا وهم سواء في الحرص على أكله فإن أدمى الإنسان واحدا منها وثب الباقون على المدمي فمزقوه وتركوا الإنسان

وروى الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد قال : بينما راع يرعى بالحرة إذ عدا الذئب على شاة فحال الراعي بين الذئب وبينها فأقعى الذئب على ذنبه وقال يا عبد الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي فقال الرجل يا عجباه ذئب يكلمني فقال ألا أخبرك بأعجب مني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) بين الحرتين يخبر الناس بأنباء ما سبق فزوى الراعي شياهه إلى زاوية من زوايا المدينة ثم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الناس فقال صدق والذي نفسي بيده.

قال ابن عبد البر وغيره كلم الذئب من الصحابة ثلاثة رافع بن عميرة وسلمة بن الأكوع وأهبان بن أوس الأسلمي قال ولذلك تقول العرب هو كذئب أهبان يتعجبون منه وذلك أن أهبان بن أوس المذكور كان في غنم له فشد الذئب على شاة منها فصاح به أهبان فأقعى له الذئب وقال أتنزع مني رزقا رزقنيه الله تعالى فقال أهبان ما سمعت ولا رأيت أعجب من هذا ذئب يتكلم فقال (٣) أتعجب من هذا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين هذه النخلات وأومأ بيده إلى

__________________

(١) في المصدر : باحدى مقلتيه.

(٢) في المصدر : هذا رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

(٣) في المصدر : فقال الذئب.


المدينة يحدث بما كان ويكون ويدعو إلى الله وعبادته ولا يجيبونه (١) قال فجئت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبرته بالقصة وأسلمت قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حدث به الناس.

قال عبد الله بن أبي داود السجستاني الحافظ فيقال لأهبان مكلم الذئب ولأولاده أولاد مكلم الذئب ومحمد بن الأشعث الخزاعي من ولده واتفق مثل ذلك لرافع بن عميرة وسلمة بن الأكوع

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كانت امرأتان معهما ابناهما إذ جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنك أنت فقالت الأخرى إنما ذهب بابنك أنت فتحاكما إلى داود عليه‌السلام فقضى به للكبرى فخرجتا إلى سليمان بن داود عليه‌السلام فأخبرتاه بذلك فقال ائتوني بالسكين أشقه بينكما (٢) فقالت الصغرى لا يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى قال أبو هريرة والله ما سمعت بالسكين قط إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية.

وفي تاريخ ابن النجار عن وهب بن منبه قال : بينما امرأة من بني إسرائيل على ساحل البحر تغسل ثيابها وصبي لها يدب بين يديها إذا جاء سائل فأعطته لقمة من رغيف كان معها فما كان بأسرع من أن جاء ذئب فالتقم الصبي فجعلت تعدو خلفه وهي تقول يا ذئب ابني يا ذئب ابني فبعث الله ملكا انتزع الصبي من فم الذئب ورمى به إليها وقال لقمة بلقمة.

وهو في الحلية ، عن مالك بن دينار قال : أخذ السبع صبيا لامرأة فتصدقت بلقمة فألقاها السبع فنوديت لقمة بلقمة (٣).

وقال الأرنب واحدة الأرانب وهو حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين وهو اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى ويقال إنها إذا رأت البحر

__________________

(١) في المصدر : وبما يكون ويدعو الناس إلى الله والى عبادته وهم لا يجيبونه.

(٢) في المصدر : « بينكما نصفين » وفيه : لا ويرحمك الله.

(٣) حياة الحيوان ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦٢.


ماتت ولذلك لا توجد بالسواحل وهذا لا يصح عندي.

وتزعم العرب في أكاذيبها أن الجن تهرب منها لموضع حيضها والتي تحيض من الحيوان أربع المرأة والضبع والخفاش والأرنب ويقال إن الكلبة تحيض ومن أمثالهم المشهورة قولهم في بيته يؤتى الحكم وهو مما وضعته العرب على ألسنة البهائم :

قالوا إن الأرنب التقطت تمرة فاختلسها الثعلب فأكلها فانطلقا يختصمان إلى الضب فقالت الأرنب يا أبا حسل فقال سميعا دعوت قالت أتيناك لنختصم (١) قال عادلا حكمتما قالت فأخرج إلينا قال في بيته يؤتى الحكم قالت إني وجدت تمرة قال حلوة فكليها قالت فاختلسها الثعلب قال لنفسه بغي الخير قالت فلطمته قال أخذت بحقك قالت فلطمني قال حر انتصر (٢) قالت فاقض بيننا قال قد قضيت فذهبت أقواله كلها مثلا.

ومثل هذا أن عدي بن أرطاة أتى شريحا القاضي في مجلس حكمه فقال أين أنت قال بينك وبين الحائط قال اسمع مني قال للاستماع جلست قال إني تزوجت امرأة قال بالرفاء والبنين قال وشرط أهلها أني لا أخرج من بيتهم قال أوف لهم بالشرط قال فإني أريد الخروج قال في حفظ الله قال فاقض بيننا قال قد فعلت قال فعلى من حكمت قال على ابن أمك قال بشهادة من قال بشهادة ابن أخت خالتك (٣).

وقال الأسد من السباع معروف وجمعه أسود وأسد وأسد والأنثى أسدة وله أسماء كثيرة قال ابن خالويه للأسد خمسمائة اسم وصفة وزاد عليه علي بن قاسم اللغوي مائة وثلاثين اسما وهو أشرف الحيوان المتوحشة إذ منزلته منها منزلة الملك المهاب لقوته وشجاعته وقساوته وشهامته وشراسة خلقه ولذلك يضرب بها

__________________

(١) في المصدر : لنختصم إليك.

(٢) في المصدر : انتصر لنفسه.

(٣) حياة الحيوان ١ : ١٤ و ١٥.


المثل في القوة والنجدة والبسالة وشدة الإقدام والصولة (١) وقيل لحمزة أسد الله ويقال من نبل الأسد أنه اشتق لحمزة من اسمه وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل (٢) من فريسة غيره وإذا شبع من فريسته تركها ولم يعد إليها وإذا جاع ساءت أخلاقه وإذا امتلأ من الطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب وهو ينهش ولا يأكل وريقه قليل جدا ولذلك يوصف بالبخر ويوصف بالشجاعة والجبن فمن جبنه أنه يفزع من صوت الديك ونقر الطست ومن السنور ويتحير عند رؤية النار وهو شديد البطش ولا يألف شيئا من السباع لأنه لا يرى فيها ما يكافئه ومتى وضع جلدها على شيء من جلودها تساقطت شعورها ولا يدنو من المرأة الطامث ولو بلغه الجهد (٣) ويعمر كثيرا وعلامة كبره سقوط أسنانه.

وفي الحلية ، لأبي نعيم قال بلغني أن الأسد لا يأكل إلا من أتى محرما.

وروى محمد بن المنكدر عن ١٤ سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحا فأخرجني إلى أجمة فيها أسد فأقبل إلي فقلت أنا سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا تائه فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق ثم همهم فظننت أنه السلام.

ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عتبة بن أبي لهب فقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد بالزرقاء من أرض الشام.

وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن الأسود بن هبار قال : تجهز أبو لهب وابنه عتبة نحو الشام فخرجت معهما فنزلنا السراة قريبا من صومعة راهب فقال الراهب ما أنزلكم هاهنا هنا سباع فقال أبو لهب أنتم عرفتم سني وحقي قلنا أجل قال إن محمدا دعا على ابني فاجمعوا متاعكم على هذه الصومعة ثم افرشوا لابني عليه

__________________

(١) في المصدر : والجرأة والصولة.

(٢) في المصدر : ومن شرف نفسه انه لا يأكل.

(٣) في المصدر : ولو بلغه الجهد ولا يزال محموما.


ونوموا حوله ففعلنا ذلك وجمعنا المتاع حتى ارتفع ودرنا حوله وبات عتبة فوق المتاع فجاء الأسد فشم وجوهنا ثم وثب فإذا هو فوق المتاع فقطع رأسه فقال سيفي يا كلب ولم يقدر على غير ذلك وفي رواية فضربه (١) بيده ضربة واحدة فخدشه فقال قتلني فمات من ساعته وطلبنا الأسد فلم نجده.

وإنما سماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلبا لأنه شبهه (٢) في رفع رجله عند البول

وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فر من المجذوم فرارك من الأسد (٣).

وفي حديث آخر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد مجذوم وقال بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه وأدخلها معه الصحفة.

قال الشافعي في عيوب الزوجين إن الجذام والبرص يعدي وقال إن ولد المجذوم قل ما يسلم منه.

قلت معنى قوله إنه يعدي أي بتأثير الله تعالى لا بنفسه لأن الله تعالى أجرى العادة بابتلاء السليم عند مخالطة المبتلى وقد يوافق قدرا وقضاء فيظن أنه عدوى وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا عدوى ولا طيرة وقوله في الولد قل ما يسلم منه فقد قال الصيدلاني معناه أن الولد قد ينزعه عرق من الأب فيصير أجذم وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل قد قال له إن امرأتي ولدت غلاما أسود لعل عرقا نزعه.

وبهذا الطريق يحصل الجمع بين هذه الأحاديث وجاء في الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يورد ذو عاهة على مصح. والذي ذكره أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه مجذوم ليبايعه فلم

__________________

(١) في المصدر : فوثب الأسد فضربه.

(٢) في المصدر : لانه يشبهه.

(٣) رواه الصدوق في الفقيه ٤ : ٢٥٨ بإسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله ».


يمد يده إليه بل قال أمسك يدك فقد بايعتك.

وفي مسند أحمد ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم وإذا كلمتموه فليكن بينكم وبينه قيد رمح (١).

وقد ذكر الشيخ صلاح الدين في القواعد أن الأم إذا كان بها جذام أو برص سقط حقها من الحضانة لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها وروى الطبراني وغيره (٢) عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أتدرون ما يقول الأسد في زئيره قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف.

وعن ابن عباس (٣) قال : إذا كنت بواد تخاف فيه الأسد فقل أعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد.

انتهى أشار بذلك إلى ما رواه البيهقي في الشعب أن دانيال عليه‌السلام طرح في الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص إليه فأتاه ملك فقال له دانيال (٤) الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره.

وروى ابن أبي الدنيا أن بختنصر ضرى (٥) أسدين وألقاهما في جب وأمر بدانيال فألقي عليهما فمكث ما شاء الله ثم اشتهى الطعام والشراب فأوحى الله تعالى إلى أرميا وهو بالشام أن يذهب إلى دانيال بطعام وشراب وهو بأرض العراق فذهب إليه (٦) حتى وقف على رأس الجب وقال دانيال دانيال فقال من هذا

__________________

(١) في المصدر : قدر رمح.

(٢) في المصدر : الطبراني وأبو منصور الديلمي والحافظ المنذرى.

(٣) في المصدر : روى ابن السنى في عمل اليوم والليلة من حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن علي عليه‌السلام.

(٤) في المصدر : فاتاه ملك فقال له : يا دانيال ، فقال : من أنت؟ قال : أنا رسول ربك ارسلنى إليك بطعام ، فقال دانيال.

(٥) ضرى الكلب بالصيد : عوده إياه واغراه به.

(٦) في المصدر : فذهب به إليه.


قال أرميا قال ما جاء بك قال أرسلني إليك ربك قال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى سواه والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة وغفرانا والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين يسوء ظننا بأعمالنا والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل منا.

وروى ابن أبي الدنيا من وجه آخر أن الملك الذي كان دانيال في سلطانه جاءه المنجمون وأصحاب العلم وأخبروه أنه يولد ليلة كذا وكذا غلام يفسد ملكك فأمر بقتل من ولد في تلك الليلة فلما ولد دانيال ألقته أمه في أجمة أسد فبات الأسد ولبؤته يلحسانه نجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ وكان من أمره ما قدره العزيز العليم (١).

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ٢ ـ ٤.


٣

(باب)

(الظبي وسائر الوحوش)

١ الإختصاص ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن علي عن علي بن محمد الخياط (١) عن محمد بن سكين عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بينا علي بن الحسين عليه‌السلام مع أصحابه إذ أقبل ظبي من الصحراء حتى قام حذاءه وحمحم فقال بعض القوم يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية قال تقول إن فلانا القرشي أخذ خشفها بالأمس وأنها لم ترضعه من أمس شيئا فبعث إليه علي بن الحسين عليه‌السلام أرسل إلي بالخشف فبعث به فلما رأته حمحمت وضربت بيديها ثم رضع منها فوهبه علي بن الحسين عليه‌السلام لها وكلمها بكلام نحو كلامها فتحمحمت وضربت بيديها وانطلقت والخشف معها فقالوا له يا ابن رسول الله ما الذي قالت فقال دعت الله لكم وجزتكم خيرا (٢).

أقول : قد مر مثله بأسانيد في باب المعجزات.

٢ المحاسن ، عن سعد بن سعد قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الآمص فقال ما هو فذهبت أصفه فقال أليس اليحامير قلت بلى قال أليس تأكلونه (٣) بالخل والخردل والأبزار قلت بلى قال لا بأس به (٤).

بيان : كذا في أكثر النسخ اليحامير وهو جمع اليحمور وهو حمار الوحش وفي القاموس الآمص والآميص طعام يتخذ من لحم عجل بجلده أو مرق السكباج

__________________

(١) في المصدر : « الحناط » وفي نسخة : عن محمد بن مسكين.

(٢) الاختصاص : ٢٩٩.

(٣) في المصدر : أليس يأكلونه.

(٤) المحاسن : ٤٧٢.


المبرد المصفى من الدهن معربا خامير انتهى.

فلعلهم كانوا يعملون الآمص من لحوم اليحامير وفي بعض النسخ الخامير مكان اليحامير وهو أنسب بما ذكره الفيروزآبادي لكن ظاهر العنوان في المحاسن الأول حيث قال لحوم الظباء واليحامير وذكر هذه الرواية فقط (١) وضم الظباء مع الخامير غير مناسب وسيأتي الكلام في حل الظباء وأشباهها في الأبواب الآتية ..

٣ حياة الحيوان ، اليحمور دابة وحشية (٢) لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر إذا عطش وورد الفرات يجد الشجر ملتفة فينشرها بهما وقيل إنه اليامور نفسه وقرونه كقرون الأيل يلقيها في كل سنة وهي صامتة لا تجويف فيها ولونه إلى الحمرة وهو أسرع من الأيل وقال الجوهري اليحمور حمار الوحش ودهنه ينفع من الاسترخاء الحاصل في أحد شقي الإنسان إذا استعمل مع دهن البلسان نفع وذكر ابن الجوزي في كتاب العرائس أن بعض طلبة العلم خرج من بلاده فرأى (٣) شخصا في الطريق فلما كان قريبا من المدينة التي قصدها قال له ذلك الشخص قد صار لي عليك حق وذمام وأنا رجل من الجان ولي إليك حاجة فقال ما هي قال إذا أتيت إلى مكان كذا وكذا فإنك تجد فيه دجاجا بينها ديك فاسأل عن صاحبه واشتره منه واذبحه فهذه حاجتي إليك قال فقلت له يا أخي وأنا أيضا أسألك حاجة قال وما هي قلت إذا كان الشيطان ماردا لا تعمل فيه العزائم وألح بالأذى منا ما دواؤه فقال دواؤه أن يؤخذ قدر فتر من جلد يحمور (٤) ويشد به إبهاما المصاب من يديه شدا وثيقا ثم يؤخذ له من دهن السداب

__________________

(١) وليس في الرواية ذكر للظباء ولعله كانت في المحاسن الاصلى رواية تدل على الظباء ولم يظفر بها النساخ.

(٢) في المصدر : وحشية نافرة.

(٣) في المصدر : فرافق.

(٤) في المصدر : ان يؤخذ له وتر قدر شبر من جلد يحمور.


البري فتقطر في أنفه الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا فإن السالك (١) له يموت ولا يعود إليه بعده.

قال فلما دخلت المدينة أتيت إلى ذلك المكان فوجدت الديك لعجوز فسألتها بيعه فأبت فاشتريته منها بأضعاف ثمنه فلما اشتريته تمثل لي من بعيد وقال لي بالإشارة اذبحه فذبحته فخرج عند ذلك رجال ونساء وجعلوا يضربونني ويقولون يا ساحر فقلت لست بساحر فقالوا إنك منذ ذبحت الديك أصيبت شابة عندنا بجني وأنه منذ سلكها (٢) لم يفارقها فطلبت وترا قدر شبر من جلد يحمور ودهن السداب البري (٣) فأتوني بهما فشددت إبهامي يد الشابة شدا وثيقا فصاح (٤) وقال أنا علمتك على نفسي قال ثم قطرت الدهن في أنفها الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا فخر ميتا من ساعته وشفى الله تعالى تلك الشابة ولم يعاودها بعده الشيطان (٥).

٤ الدلائل للطبري ، عن محمد بن إبراهيم عن بشر بن محمد عن حمران بن أعين قال : كنت قاعدا عند علي بن الحسين عليه‌السلام ومعه جماعة من أصحابه فجاءت ظبية فتبصبصت وضربت بذنبها فقال هل تدرون ما تقول هذه الظبية قلنا ما ندري (٦) فقال تزعم أن رجلا اصطاد خشفا (٧) لها وهي تسألني أن أكلمه أن يرده عليها فقام وقمنا معه حتى جاء إلى باب الرجل فخرج إليه والظبية معنا فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام إن هذه الظبية زعمت كذا وكذا وأنا أسألك أن ترده عليها فدخل

__________________

(١) في المصدر : فان الماسك به.

(٢) في المصدر : منذ مسكها.

(٣) في المصدر : وشيئا من دهن السداب البرى.

(٤) في المصدر : فلما فعلت بها ذلك صاح.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٢٩٤ و ٢٩٥.

(٦) في المصدر : فقلنا : لا.

(٧) الخشف بتثليث الخاء : ولد الظبى اول ما يولد.


الرجل مسرعا داره وأخرج إليه الخشف وسيبه (١) ومضت الظبية والخشف معها وأقبلت تحرك ذنبها (٢) فقال علي بن الحسين هل تدرون ما تقول فقلنا ما ندري فقال إنها تقول رد الله عليكم كل حق غصبتم عليه أو كل غائب وكل سبب ترجونه وغفر لعلي بن الحسين كما رد علي ولدي (٣).

٥ حياة الحيوان ، ذكر ابن خلكان في ترجمة جعفر الصادق عليه‌السلام أنه سأل أبا حنيفة ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي فقال يا ابن بنت رسول الله لا أعلم (٤) فيه فقال إن الظبي لا يكون له رباعيا [ رباعية ] وهو ثني أبدا.

كذا حكاه كشاجم في كتاب المصائد والمطارد وقال الجوهري في مادة سنن في قول الشاعر في وصف إبل

فجاءت كسن الظبي لم أر مثلها

سناء قتيل (٥) أو حلوبة جائع

أي هي ثنيان لأن الثني هو الذي يلقي ثنيته والظبي لا تثبت له ثنية قط فهي ثني أبدا

وروى الدارقطني والطبراني في معجمه الأوسط عن أنس بن مالك والبيهقي في سننه (٦) عن أبي سعيد الخدري قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قوم قد صادوا ظبية وشدوها إلى عمود فسطاط فقالت يا رسول الله إني وضعت ولي خشفان فاستأذن لي أن أرضعهما ثم أعود إليهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وتأتي إليكم قالوا ومن لنا بذلك يا رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا فأطلقوها فذهبت فأرضعتهما

__________________

(١) سيبه اي تركه مرت حيث شاءت.

(٢) في المصدر : فمضت الظبية ومعها خشفها وهي تحرك ذنبها.

(٣) دلائل الإمامة : ٨٩ فيه قلنا لا قال : تقول.

(٤) في المصدر : لا اعلم ما فيه.

(٥) في المصدر : شفاء عليل.

(٦) في المصدر : « فى شعبه » أقول : أى في كتاب شعب الايمان.


ثم عادت إليهم فأوثقوها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتبيعونيها قالوا هي لك يا رسول الله فخلوا عنها فأطلقها.

وفي رواية عن زيد بن أرقم قال : لما أطلقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيتها تسبح في البرية وهي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ص.

وروى الطبراني عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحراء فإذا مناد ينادي يا رسول الله فالتفت فلم ير أحدا ثم التفت فإذا ظبية موثوقة فقالت ادن مني يا رسول الله فدنا منها فقال ما حاجتك فقالت إن لي خشفتين في هذا الجبل فخلني حتى أذهب إليهما فأرضعهما ثم أرجع إليك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفعلين فقالت عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها وانتبه الأعرابي فقال ألك حاجة يا رسول الله قال نعم تطلق هذه فأطلقها فخرجت تعدو وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

وفي دلائل النبوة للبيهقي عن أبي سعيد قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بظبية مربوطة إلى خباء فقالت يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله صيد قوم وربيطة قوم فأخذ عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى خباء أصحابها (١) فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال عليه‌السلام لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا.

وذكر الأزرقي في تعظيم صيد الحرم عن عبد العزيز بن أبي داود (٢) إن قوما انتهوا إلى ذي طوى ونزلوا بها فإذا ظبي من ظباء الحرم قد دنا منهم فأخذ رجل منهم بقائمة من قوائمه فقال له أصحابه ويلك أرسله فجعل يضحك وأبى أن يرسله

__________________

(١) في المصدر : ثم أتى خباء اصحابها.

(٢) في المصدر : ابى رواد.


فبعر الظبي وبال ثم أرسله فناموا في القائلة فانتبه بعضهم فإذا هو بحية منطوية على بطن الرجل الذي أخذ الظبي فقال له أصحابه ويلك لا تحرك فلم تنزل الحية عنه حتى كان منه من الحدث ما كان من الظبي.

ثم روي عن مجاهد قال دخل قوم مكة تجارا من الشام (١) في الجاهلية بعد قصي بن كلاب فنزلوا بوادي طوى تحت سمرات يستظلون بها فاختبزوا ملة (٢) لهم ولم يكن معهم أدم فقام رجل منهم إلى قوسه فوضع عليها سهما ثم رمى به ظبية من ظباء الحرم وهي حولهم ترعى فقاموا إليها فسلخوها وطبخوها ليأتدموا بها فبينما هم كذلك وقدرهم على النار تغلي بها وبعضهم يشوي إذ خرجت من تحت القدر عنق من النار عظيمة فأحرقت القوم جميعا ولم تحرق ثيابهم ولا أمتعتهم ولا السمرات التي كانوا تحتها.

ورأيت في مختصر الإحياء للشيخ شرف الدين بن يونس شارح التنبيه في باب الإخلاص أن من أخلص لله تعالى في العمل وإن لم ينو (٣) ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه إلى يوم القيامة كما قيل إنه لما أهبط آدم عليه‌السلام إلى الأرض جاءته وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فكان يدعو لكل جنس بما يليق به فجاءته طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر منهن نوافج المسك فلما رأى ما فيها من ذلك غزلان أخر فقالوا (٤) من أين هذا لكن فقلن زرنا صفي الله آدم

__________________

(١) في المصدر : دخل مكة قوم تجار من الشام.

(٢) الملة : الجمر. الرماد الحار ، خبز ملة : هو الذي يخبز فيها ، وفي المصدر فاختبزوا على ملة لهم.

(٣) في المصدر : ولم ينو به مقابلا.

(٤) في المصدر : فلما رأى بواقيها ذلك قلن.


فدعا لنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقي إليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شيء فقالوا قد سلمنا كما فعلتم فلم نر شيئا مما حصل لكم فقالوا أنتم كان عملكم لتنالوا كما نال إخوانكم وأولئك كان عملهم لله من غير شيء فظهر ذلك في نسلهم وعقبهم إلى يوم القيامة (١) انتهى.

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٧٠ ـ ٧٤ فيه : فقلن قد فعلنا كما فعلتن فلم نر شيئا مما حصل لكن ، فقيل : انتن كان عملكن لتنلن كما نال اخوانكن واولئك كان عملهن لله من غير شيء فظهر ذلك في نسلهن وعقبهن الى يوم القيامة.


(أبواب)

(الصيد والذبائح وما يحل وما يحرم من الحيوان وغيره)

١

(باب)

(جوامع ما يحل وما يحرم من المأكولات والمشروبات)

(وحكم المشتبه بالحرام وما اضطروا إليه)

الآيات البقرة « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ».

وقال تعالى « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ».

وقال تعالى « كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ ».

وقال تعالى « يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ».

وقال سبحانه « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ».

آل عمران « كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »


المائدة « أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ».

وقال تعالى « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ » إلى قوله تعالى « فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ».

وقال « الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ »

وقال تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ »

وقال تعالى « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »

وقال تعالى « قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »

الأنعام « وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ».

هُوَ الَّذِي (١) « أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا

__________________

(١) الظاهر أنه سقط هنا قوله : « وقال تعالى » على ما هو من دأبه عند فصل الآيات.


حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ».

الأعراف « وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ »

وقال تعالى « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ »

وقال تعالى « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ »

يونس « وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ »

إبراهيم « فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ » إلى قوله « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ »

الحجر « وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ »

النحل « وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ »

وقال تعالى « وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً


وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »

وقال تعالى « وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ »

وقال تعالى « فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ »

طه « فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ »

وقال تعالى « كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي »

المؤمنون « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ »

لقمان « أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً »

التنزيل « أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ »

فاطر « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا »

يس « وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ » إلى قوله تعالى « لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ »

المؤمن « اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ »

عبس « فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ »


تفسير « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً » يدل على جواز الانتفاع بالأرض على أي وجه كان من السكنى والزراعة والعمارة وحفر الأنهار وإجراء القنوات وغيرها من وجوه الانتفاعات إلا ما أخرجه الدليل.

وقوله « رِزْقاً لَكُمْ » (١) يدل على حلية جميع الثمرات وبيعها وسائر الانتفاعات ولكم صفة رزقا إن أريد به المرزوق ومفعول له إن أريد به المصدر كأنه قال رزقه إياكم ويدل تتمة الآية على وجوب شكر المنعم « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً » امتن سبحانه على عباده بخلق جميع ما في الأرض لهم وهذا يدل على صحة انتفاعهم بكل ما فيها من وجوه المصالحة إذا خلا عن المفسدة ومنه يستدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة إذ هي مباحة لمن خلقت له وقيل الامتنان بخلق الجميع يقتضي حل الجميع وأن لكل شيء منها فائدة ونفعا وما يقال من أن ما لا نفع به كالسم والعقرب وبعض الحشرات خارج عن ذلك ففيه نظر وأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ووجود ضرر في شيء لا يدل على انتفاء النفع فيه ألا ترى أن المأكولات الطيبة تضر المريض غاية المضرة ومن تأمل في حكمته تعالى لم يتجاسر بمثل هذا المقال فلعل المراد أن ليس في الخلق ما هو ضرر محض خال عن النفع بل إنما فيه من جهة ضررا وجهة خلا من ذلك الوجه من المنفعة لا يقع به امتنان من تلك الجهة بل الامتنان من جهة النفع مع الخلو عن الضرر والطيب في بعض الآيات إشارة إلى ذلك كما فسره الطبرسي أن المراد الطاهر من كل شبهة خبث وضرر والله أعلم انتهى.

وقال البيضاوي معنى « لَكُمْ » لأجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها في مصالح أبدانكم بوسط أو غير وسط أو دينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف بما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها فهو يقتضي إباحة الأشياء النافعة ولا يمنع اختصاص بعضها ببعض لأسباب عارضة فإنه يدل على أن الكل للكل لا أن كل

__________________

(١) قوله : « جعل لكم » و « رزقا لكم » وأمثالهما تدل على أن ما في الأرض يعم كل فرد من الإنسان وانهم مشتركون فيه بالسوية على الأصل ، إلا ما اخرج بالدليل.


واحد لكل واحد وما يعم كل ما في الأرض لا الأرض إلا إذا أريد به جهة السفل كما يراد بالسماء جهة العلو وجميعا حال من الموصول الثاني « كُلُوا وَاشْرَبُوا » ظاهر الخطاب لبني إسرائيل فالمراد ما رزقهم الله من المن والسلوى والعيون ويمكن الاستدلال على العموم بوجه لا يخلو من تكلف (١).

« يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ » قال الطبرسي رحمه‌الله عن ابن عباس أنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج لما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة (٢).

وقال قدس‌سره اختلف الناس في المآكل والمنافع لا ضرر على أحد فيها (٣) فمنهم من ذهب إلى أنها على الحظر (٤) ومنهم من ذهب إلى أنها على الإباحة واختاره المرتضى رحمه‌الله ومنهم من وقف بين الأمرين وجوز كل واحد منهما وهذه الآية دالة على إباحة المآكل إلا ما دل الدليل على حظره فجاءت مؤكدة لما في العقل انتهى (٥).

والمراد بالأكل إما خصوص الأكل اللغوي أو مطلق الانتفاع فإنه مجاز شائع والحلال هو الجائز من أفعال العباد ونظيره المباح والطيب يقال لمعان الأول ما حلله الشارع. الثاني ما كان طاهرا.

الثالث ما خلا عن الأذى في النفس والبدن. الرابع ما يستلذه الطبع المستقيم ولا يتنفر عنه. الخامس ما لم يكن فيه جهة قبح توجب المنع عنه كما نفهم من أكثر موارد استعماله وستعرفه والخطاب هنا عام لجميع المكلفين من بني آدم

__________________

(١) أنوار التنزيل.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢٥٢ فيه : والوصيلة فنهاهم الله عن ذلك.

(٣) في المصدر : والمنافع التي لا ضرر على أحد فيها.

(٤) الحظر : المنع.

(٥) مجمع البيان ١ : ٢٥٢.


والأمر في « كُلُوا » للإباحة ولما كان في المأكول ما يحرم وما يحل بين ما يجب أن يكون عليه من الصفة فقال « حَلالاً » وقيل الأمر للوجوب نظرا إلى مراعاة القيد « طَيِّباً » قيل هو الحلال أيضا جمع بينهما لاختلاف اللفظين تأكيدا وقيل ما تستطيبونه وتلذونه في العاجل والآجل وفي الكشاف والجوامع طاهرا من كل شبهة قيل ولا يبعد على تقدير مفعولية « حَلالاً » وحاليته أن يراد بالحلال ما خلا من جهة الحظر بحسب ذاته وأحواله الغالبة والطيب ما خلا من جهة الحظر من كل وجه (١).

وأقول على تقدير حالية الطيب وحمل الأمر على الرجحان الأظهر أن يكون الحلال للاحتراز عن الحرام والطيب للاحتراز عن الشبهات ثم قوله « حَلالاً » إما مفعول كلوا ومن حينئذ ابتدائية أو بيانية وظاهر الكشاف أنها تبعيضية ومنع منه التفتازاني لأن من التبعيضية في موقع المفعول أي كلوا بعض ما في الأرض.

قال فإن قيل لم لا يجوز أن يكون حالا من حلالا قلنا لأن كون من التبعيضية ظرفا مستقرا وكون اللغو حالا مما لا تقول به النحاة وقيل فيه نظر لأن كون من التبعيضية في موضع المفعول ليس معناه أنه مفعول به من حيث الإعراب مغن عن المفعول به بل إنما يتحد مع المفعول به انتهى.

أو حال من المفعول وهو « مِمَّا فِي الْأَرْضِ » فيكون المراد بما في الأرض المأكولات المحللة أو صفة مصدر محذوف أي كلوا أكلا حلالا ومن للتبعيض أو ابتدائية إما كونه مفعولا له أو تميزا كما زعم بعضهم فغير واضح وطيبا مثل حلالا أو صفته.

أقول هذا ما ذكره القوم والأظهر عندي أن حلالا وطيبا للتأكيد لا للتقييد سواء جعلا حالين مؤكدتين أو غيره لأن التقييد مع حمل الأمر على الإباحة كما ذكره الأكثر يجعل الكلام خاليا عن الفائدة إذ حاصله حينئذ أحل لكم ما أحل لكم إذ يجوز لكم الانتفاع بما أحل لكم.

فإن قيل كيف يستقيم هذا مع أنه معلوم أن ما في الأرض مشتمل على

__________________

(١) تفسير الكشاف :.


محرمات كثيرة.

قلنا إذا حملنا من على التبعيض لا يرد ذلك وأيضا يمكن أن يكون هذا قبل تحريم ما حرم من الأشياء فإنه يظهر من بعض الأخبار أنه لم يجب قبل الهجرة شيء سوى الشهادتين وما يتبعهما من العقائد ولم يحرم سوى الشرك وإنكار النبوة وما يلزمهما وبعد الهجرة نزلت الواجبات والمحرمات تدريجا على أنه يمكن أن يكون عاما مخصصا كما في سائر العمومات فتدل على حل ما في الأرض جميعا إلا ما أخرجه الدليل.

وقيل يظهر من عمومات الخطاب حل المحللات للكفار والفساق أيضا وجواز إعطائهم منها إلا ما دل على المنع منه دليل « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » أي لا تتبعوا وساوس الشيطان في تحريم ما أحل الله أو في ترك شكر ما أنعم الله ويؤيد الأول قوله « وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ »

وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أن خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذر في المعاصي وكل يمين بغير الله (١).

أقول يحتمل أن يكون المراد الحلف والنذر على تحريم المحللات بقرينة صدر الآية.

وقيل في هذا النهي تنبيه على أن المراد بحلالا في الأمر التقييد لا إطلاق حل ما في الأرض والمأكول منه أو الأكل وهو يعم مخالفة الأمر بالتعدي إلى أكل غير الحلال وباجتناب أكل الحلال وفعل غير ذلك من المحرمات انتهى وضعفه ظاهر مما ذكرنا « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » مضمون صدر الآية قريب مما تقدم إلا أنها خاصة باعتبار الخطاب للمؤمنين وقيل الأمر للترغيب أو لإباحة أكل ما يستلذه المؤمنون ويستطيبونه ويعدونه طيبا لا خبيثا ينفر عنه الطبع ويجزم العقل بقبح أكله مثل الدم والبول والمني والحشرات وغيرها فيفهم منه كونه طاهرا أيضا إذ النجس خبيث وليس مما يعدونه طيبا فهو في الدلالة على

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٥٢.


إباحة جميع ما يعده العقل طيبا ولا يجد فيه ضررا وخبثا مما يسمى رزقا لبني آدم أي ينتفع به في الأكل أصرح مما تقدم ففهم كون الأشياء على أصل الحلية منها أولى.

أقول على سياق ما قدمنا يكون الحاصل كلوا مما لم يدل دليل شرعي على تحريمه فيما رزقناكم ومكناكم من التصرف فيه أو مما لم يكن فيه جهة قبح واقعي فيرجع إلى الأول لأنه يعلم ذلك ببيان الشارع أو مما لم يكن مضرا بالنفس والبدن أو مما يستلذه الطبع المستقيم ولا يتنفر عنه إما بناء على الغالب من أنه لا يرغب إلى غير ذلك أو بناء على أن سياق الآية مشتمل على الامتنان وعمدة الامتنان به لا بما تتنفر الطباع عنه أو لمرجوحية أكل الخبائث غير المحرمة بناء على أن الأمر للإباحة الصرفة أو لرجحان التصرف في الطيبات وأكلها بناء على أن الأمر للاستحباب.

وبالجملة يشكل الاستدلال بأمثاله على تحريم ما تتنفر عنه عامة الطباع.

وقال الرازي اعلم أن الأكل قد يكون واجبا وذلك عند دفع الضرر وقد يكون مندوبا وذلك أن الضيف قد يمتنع من الأكل إذا انفرد وينبسط إذا سوعد فهذا مندوب وقد يكون مباحا إذا خلا عن هذه العوارض والأصل في الشيء أن يكون خاليا عن العوارض فلا جرم كان مسمى الأكل مباحا وإذا كان الأمر كذلك كان الأمر كذلك.

ثم قال احتج الأصحاب أن الرزق قد يكون حراما بقوله « مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » بأن الطيب هو الحلال فلو كان كل رزق حلالا لكان المعنى كلوا من محللات ما حللنا لكم فيكون تكرارا وهو خلاف الأصل وأجابوا عنه بأن الطيب في اللغة عبارة المستلذ المستطاب ولعل أقواما ظنوا أن التوسع في المطاعم والاستكثار من طيباتها ممنوع منه فأباح الله تعالى ذلك بقوله كلوا من لذائذ ما أحللنا لكم فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى انتهى (١).

__________________

(١) تفسير الرازي.


ومضمون باقي الآية تعليق وجوب الشكر لله على عبادتهم إياه وتلخيصه أن العبادة له إن كانت واجبة عليكم لأنه إلهكم فالشكر له أيضا واجب عليكم فإنه منعم محسن إليكم كذا ذكره الطبرسي (١) رحمه‌الله وقال الرازي فيه وجوه أحدها واشكروا الله إن كنتم عارفين بالله ونعمه فعبر عن معرفة الله تعالى بعبادته إطلاقا لاسم الأثر على المؤثر.

وثانيها معناه إن كنتم تريدون أن تعبدوا الله فاشكروه فإن الشكر رئيس العبادات.

وثالثها واشكروا الله الذي رزقكم هذه النعمة إن كنتم إياه تعبدون أي إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه هو سبحانه إلهكم لا غير انتهى (٢).

وأقول يحتمل أن يكون الغرض أن شكركم إنما يصح ويستقيم بترك الشرك وإخلاص العبادة له تعالى.

« إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ » كان هذه الآية كالاستثناء عن عموم ما تقدم أو أنه سبحانه لما أمر في الآية بأكل الطيبات بين في هذه الآية الخبائث ليعلم أن ما سواها من الطيبات وإنما على المشهور بين أهل العربية والأصوليين للحصر فيدل على حصر المحرمات من المأكولات في هذه الأشياء فهي حجة في حل ما سواها إلا ما أخرجه الدليل.

وقال البيضاوي المراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه لا مطلقا أو قصر حرمته على حال الاختيار كأنه قيل إنما حرم عليكم هذه الأشياء ما لم تضطروا إليها انتهى (٣).

ويمكن أن يكون التحريم في هذا الوقت مقصورا على ما ذكر فحرم بعد ذلك غيرها كما مر والأول من المحرمات في تلك الآية الميتة وهي على المشهور ما فارقه

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٥٢.

(٢) تفسير الرازي.

(٣) أنوار التنزيل.


الروح لا على وجه التذكية الشرعية وفي المجمع هي كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره مما أباح الله أكله إنسيهما ووحشيهما (١) فارقه روحه من غير تذكية وقيل الميتة كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سمى الجراد والسمك ميتا فقال ميتتان مباحتان الجراد والسمك انتهى (٢).

ولا يبعد أن يكون إطلاق الميتة على السمك والجراد على المجاز فإن إخراج الأول من الماء وقبض الثاني تذكيتهما.

واستدل بهذه الآية وأمثالها على حرمة جميع انتفاعات الميتة إلا ما أخرجه الدليل لأن الحرمة المضافة إلى العين تفيد عرفا حرفة التصرف فيها مطلقا وقيل الحرمة المضافة إلى كل عين تفيد تحريم الانتفاع المتعارف الغالب فيه فإن المتبادر في تحريم الميتة الأكل لا سيما ذكرها مع الدم ولحم الخنزير وفي تحريم الأمهات الوطء وهكذا وكان هذا أقوى وحملوا الميتة عليها وعلى أجزائها التي تحل فيها الحياة فلا تحرم ما لا تحل فيه الحياة منها إلا ما كان خبيثا على المشهور لا لذلك بل لكونه خبيثا على رأيهم وحمل عليه كل ما أبين من حي مما حلت فيه الحياة.

والثاني الدم وقيد بالمسفوح لتقييده به في الآية الأخرى والمطلق محمول على المقيد والمسفوح هو الذي يخرج بقوة عند قطع عرق الحيوان أو ذبحه من سفحت الماء إذا صببته أي المصبوب واحترز به عما يخرج من الحيوان بتثاقل كدم السمك فلا يكون نجسا واختلفوا في حرمته فقيل هو حرام لإطلاق هذه الآية وقد عرفت جوابه ولأنه من الخبائث وقد منع ذلك وستسمع الكلام في الخبائث وحرمتها.

وأما الدم المختلف في الذبيحة في الحيوان مأكول اللحم فلا أعرف خلافا بين

__________________

(١) في المصدر : اهليها ووحشيها.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٥٧.


الأصحاب في كونه حلالا ونقل العلامة الإجماع عليه وما يجذبه النفس إلى باطن الذبيحة ليس في حكم المتخلف في الحل والطهارة وفي تحريم المتخلف في الكبد والقلب وجهان ولا يبعد ترجيح عدم التحريم لظاهر الآية إلا أن يثبت كونه خبيثا وحرمة مطلق الخبيث والدم المتخلف في حيوان غير مأكول اللحم تابع لذلك الحيوان وظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته ونقل عن بعض المتأخرين التوقف فيها وما عدا المذكورات من الدماء التي لم تخرج بقوة من عرق ولا لها كثرة انصباب لكنه مما له نفس فظاهر الأصحاب الاتفاق على نجاسته وظاهر الفاضلين دعوى الإجماع عليه ويستفاد من بعض الأخبار أيضا فيلزم التحريم أيضا وأما دم غير السمك مما لا نفس له فقد نقل جماعة من الأصحاب الإجماع على طهارته والكلام في حله وحرمته كالكلام في دم السمك.

الثالث لحم الخنزير قيل خص اللحم وإن كان كل أجزائه محرما لأنه هو المقصود بالأكل وغيره تابع ولشدة حرص الكفرة ومزيد اعتقادهم بحسنه وبركته فخصه ردا عليهم.

الرابع ما أهل به لغير الله أي ما رفع به الصوت عند ذبحه لغير الله كالصنم والمسيح وغيرهما والإهلال أصله رؤية الهلال يقال أهل الهلال وأهللته لكن لما جرت العادة برفع الصوت بالتكبير إذا رئي سمي ذلك إهلالا ثم قيل لرفع الصوت وإن كان لغيره وقال في موضع آخر « وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » قيل فهذا مطلق والأول مقيد فيحمل الثاني على الأول أو بينهما عموم وخصوص من وجه فجمع بينهما بمقتضى الروايات المعتبرة وسيأتي أحكام التسمية إن شاء الله.

« فَمَنِ اضْطُرَّ » أي إلى أكل هذه الأشياء قال الطبرسي رحمه‌الله ضرورة مجاعة عن أكثر المفسرين وقيل ضرورة إكراه عن مجاهد وتقديره فمن خاف على النفس من الجوع ولا يجد مأكولا يسد به الرمق وقوله « غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » فيه ثلاثة أقوال :


أحدها غير باغ لذة ولا عاد سد الجوعة.

وثانيها غير باغ في الإفراط ولا عاد في التقصير.

وثالثها غير باغ على المسلمين (١) ولا عاد عليه بالمعصية وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام انتهى (٢).

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام الباغي الذي يخرج على الإمام والعادي الذي يقطع الطريق لا تحل لهما الميتة (٣).

وفي التهذيب الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما (٤)

وفي الفقيه عن الجواد عليه‌السلام قال : العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا أو لهوا لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا صلاة في سفر (٥).

وقال البيضاوي وغير باغ بالاستيثار على مضطر آخر ولا عاد سد الرمق والجوعة وقيل غير باغ على الوالي ولا عاد بقطع الطريق فعلى هذا لا يباح على العاصي بالسفر وهو ظاهر مذهب الشافعي وقول أحمد (٦).

__________________

(١) في المصدر : غير باغ على امام المسلمين.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢٥٧.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٢٦٥ رواه الكليني بإسناده عن العدة عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) تهذيب الأحكام : ج ٩ ص ٧٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢١٧ رواه الصدوق في حديث طويل بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن أبي جعفر محمد بن على الرضا عليه‌السلام.

(٦) أنوار التنزيل.


« فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » قال الطبرسي رحمه‌الله أي لا حرج عليه وإنما ذكر هذا اللفظ لتبيين أنه ليس بمباح في الأصل وإنما رفع الحرج للضرورة « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » إنما ذكر المغفرة لأجل أمرين إما لتبيين أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يؤاخذ فيما رخص فيه وإما لأنه وعد بالمغفرة عند الإنابة إلى الطاعة مما كانوا عليه من تحريم ما لم يحرمه الله من السائبة وغيرها انتهى (١).

وأقول وإن كان ظاهر بعض الأخبار اختصاص الحكم بالاضطرار في المخمصة لكن لفظ الآية شامل لكل اضطرار من مجاعة أو خوف قتل أو ضرر عظيم لا يتحمل عادة.

« كُلُّ الطَّعامِ » في المجمع كل المأكولات « كانَ حِلًّا » أي حلالا « لِبَنِي إِسْرائِيلَ » وإسرائيل هو يعقوب عليه‌السلام « إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ » اختلفوا في ذلك الطعام فقيل إن يعقوب عليه‌السلام أخذه وجع العرق الذي يقال له عرق النسا فنذر إن شفاه الله أن يحرم العروق ولحم الإبل وهو أحب الطعام إليه عن ابن عباس وغيره وقيل حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبدا لله وسأل الله أن يجيز له فحرم الله تعالى ذلك على ولده عن الحسن وقيل حرم زائدتي الكبد والكليتين والشحم إلا ما حملته الظهور عن عكرمة واختلف في أنه كيف حرمه على نفسه؟

فقيل بالاجتهاد وقيل بالنذر وقيل بنص ورد عليه وقيل حرمه كما يحرم المستظهر في دينه من الزهاد اللذة على نفسه « مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ » أي كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل قبل نزول التوراة على موسى فإنها تضمنت تحريم ما كان حلالا (٢) لبني إسرائيل واختلفوا فيما حرم عليهم وحالها بعد نزول التوراة.

فقيل إنه حرم عليهم ما كانوا يحرمونه قبل نزولها اقتداء بأبيهم يعقوب عن السدي.

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢٥٧ فيه : « ليبين » وفيه : « بما رخص فيه » وفيه : الى طاعة الله.

(٢) في المصدر : بعض ما كان حلالا.


وقيل لم يحرمه الله عليهم في التوراة وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله عليهم طعاما طيبا وصب عليهم رجزا وهو الموت وذلك قوله تعالى « فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ » (١).

وقيل لم يكن شيء من ذلك حراما عليهم في التوراة وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم وأضافوا تحريمه إلى الله فكذبهم الله تعالى (٢) فاحتج عليهم بالتوراة وأمرهم بالإتيان بها وبأن يقرءوا ما فيها فإنه كان في التوراة أنها كانت حلالا للأنبياء وإنما حرمها إسرائيل على نفسه فلم يجسروا على إتيانها لعلمهم بصدقه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبهم وكان ذلك دليلا على صحة نبوته « مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » أي بعد قيام الحجة « فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » لأنفسهم (٣).

وأقول ظاهره على بعض الوجوه تحليل ما حرموه على أنفسهم فتأمل.

« أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ » قد مر تفسيره في باب الأنعام « إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » قيل أي إلا محرم ما يتلى عليكم كقوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » أو إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه « غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ » حال من الضمير في لكم وقيل من واو أوفوا وقيل استثناء وهو تعسف والصيد يحتمل المصدر والمفعول « وَأَنْتُمْ حُرُمٌ » حال عما استكن في محلي والحرم جمع حرام وهو المحرم وسيأتي تفسير الآيات في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.

« وَالْمُنْخَنِقَةُ » قال الطبرسي رحمه‌الله تعالى هي التي تدخل رأسها بين شعبين من شجر فتختنق (٤) وتموت عن السدي وقيل هي التي تخنق بحبل الصائد وتموت

__________________

(١) النساء : ١٦٠.

(٢) أضاف في المصدر : وقال : قل يا محمد : « فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها » حتى يتبين انه كما قلت لا كما قلتم « إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » في دعواكم ، فاحتج.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٧٥.

(٤) في المصدر : بين شعبتين من شجرة فتنخنق.


عن الضحاك وقتادة وقال ابن عباس كان أهل الجاهلية يخنقونها فيأكلونها « وَالْمَوْقُوذَةُ » هي التي تضرب حتى تموت عن ابن عباس والسدي والوقذ شدة الضرب يقال وقذتها أقذها وقذا وأوقذتها إيقاذا إذا أثخنتها ضربا.

« وَالْمُتَرَدِّيَةُ » وهي التي تقع من جبل أو موضع عال أو تقع في بئر فتموت عن ابن عباس وغيره ومتى وقع في بئر ولا يقدر على تذكيته جاز أن يطعن ويضرب (١) في غير المذبح حتى يبرد ثم يؤكل.

« وَالنَّطِيحَةُ » وهي التي تنطحها غيرها فتموت وإنما تثبت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى المفعول لا تثبت فيها الهاء مثل لحية دهين وعين كحيل وكف خضيب لأنها أدخلت في حيز الأسماء وقال بعض الكوفيين إنما تحذف الهاء من فعيلة بمعنى مفعولة إذا كانت صفة لاسم قد تقدمها مثل كف خضيب وعين كحيل فأما إذا حذف الكف والعين وما يكون فعيل نعتا له واجتزءوا بفعيل أثبتوا فيه ها التأنيث ليعلم بثبوتها فيه أنها صفة لمؤنث فيقال رأينا كحيلة وخضيبة.

« وَما أَكَلَ السَّبُعُ » أي وحرم عليكم ما أكله السبع بمعنى قتله السبع وهو فريسة السبع عن ابن عباس وغيره.

« إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » يعني إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه من هذه الأشياء وروي عن السيدين الباقر والصادق عليه‌السلام أن أدنى ما تدرك به الذكاة أن تدركه يتحرك أذنه أو ذنبه أو يطرف عينه.

واختلف في الاستثناء إلى ما ذا يرجع فقيل يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات سوى ما لا يقبل من الخنزير (٢) والدم عن علي عليه‌السلام وابن عباس.

وقيل هو استثناء من التحريم لا من المحرمات لأن الميتة لا ذكاة لها وللخنزير فمعناه حرمت عليكم سائر ما ذكر إلا ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية فإنه

__________________

(١) في المصدر : ويضرب بالسكين.

(٢) في المصدر : سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير.


حلال لكم انتهى (١).

وقيل الاستثناء راجع إلى الأخير فقط.

ثم قال رحمه‌الله ومتى قيل ما وجه التكرار في قوله « وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ » إلى آخر ما عدد تحريمه مع أنه افتتح الآية بقوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » وهي تعم جميع ذلك وإن اختلفت أسباب الموت من خنق أو ترد أو نطح أو إهلال لغير الله به أو أكل سبع.

فالجواب أن الفائدة في ذلك أنهم كانوا لا يعدون الميتة إلا ما مات حتف أنفه من دون شيء من هذه الأسباب فأعلمهم الله سبحانه أن حكم الجميع واحد وأن وجه الاستباحة هو التذكية المشروعة فقط قال السدي إن ناسا من العرب كانوا يأكلون جميع ذلك ولا يعدونه ميتا إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع.

« وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ » أي الحجارة التي كانوا يعبدونها وهي الأوثان يعني حرم عليكم ما ذبح على اسم الأوثان وقيل معناه ما ذبح للأوثان تقربا إليها واللام وعلى يتعاقبان ألا ترى إلى قوله سبحانه « فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » (٢) بمعنى عليك وكانوا يقربون ويلطخون الأوثان بدمائها قال ابن جريح (٣) ليست النصب أصناما إنما الأصنام ما يصور وينقش بل كانت حجارة منصوبة حول الكعبة (٤) وكانت ثلاثمائة وستين حجرا وقيل كانت ثلاثمائة منها لخزاعة وكانوا إذا ما ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرحوا الدم (٥) وجعلوه على الحجارة فقال المسلمون يا رسول الله كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم فنحن أحق بتعظيمه فأنزل الله

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٥٦ ـ ١٥٨.

(٢) الواقعة : ٩١.

(٣) الصحيح : ابن جريج بالجيم في أوله وآخره.

(٤) في المصدر : ما تصور وتنقش بل كانت احجارا منصوبة حول الكعبة.

(٥) في المصدر : وشرحوا اللحم.


سبحانه « لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ » (١).

« وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ » موضعه رفع أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام ومعناه طلب قسم الأرزاق بالقداح التي كانوا يتفألون بها في أسفارهم وابتداء أمورهم وهي سهام كانت للجاهلية مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي وبعضها غفل (٢) لم يكتب عليها شيء فإذا أرادوا سفرا أو أمرا يهتمون به ضربوا تلك القداح فإن خرج السهم الذي عليه أمرني ربي مضى الرجل لحاجته وإن خرج الذي عليه نهاني ربي لم يمض وإن خرج ما ليس عليه شيء أعادوها فبين الله تعالى أن العمل بذلك حرام عن الحسن وجماعة من المفسرين ثم ذكر ما سيأتي عن علي بن إبراهيم ثم قال وقيل هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها عن مجاهد وقيل الشطرنج عن سفيان بن وكيع « ذلِكُمْ فِسْقٌ » معناه أن جميع ما سبق ذكره فسق أي ذنب عظيم وخروج عن طاعة الله إلى معصيته عن ابن عباس وقيل إن ذلكم إشارة إلى الاستقسام بالأزلام أي إن ذلك الاستقسام فسق وهو الأظهر انتهى (٣).

وقيل على الأول وسبب التحريم أنه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أن ذلك طريق إليه وافتراء على الله إن أريد بربي الله وجهالة وشرك إن أريد به الصنم وعلى هذا يفهم منه تحريم الاستخارة المشهورة التي قال الأكثر بجوازها بل باستحبابها وتدل عليه الروايات فلا يكون سبب التحريم ما ذكر بل مجرد النص المخصوص وتكون الاستخارة خارجة عنه بالنص فإن الظاهر أن خصوص ما كانوا يفعلونه من اقتراح أنفسهم لا طريق إليه شرعا والروايات طرق شرعية وحجة بالغة وليس هذا مثل ذلك كذا ذكره بعض المحققين.

__________________

(١) الحج : ٣٧.

(٢) الغفل : ما لا علامة فيه من القداح والدواب وغيرهما.

(٣) مجمع البيان ٣ : ١٥٧ و ١٥٨.


وأقول يظهر من بعض الأخبار أيضا أنهم كانوا يضربون بالقداح عند آلهتهم ويتوسلون في ذلك إليهم فيمكن أن يكون كونه فسقا من هذه الجهة أيضا.

ثم إن الآيات المتعرضة بين تلك الآيات وبين قوله « فَمَنِ اضْطُرَّ » اعتراض بما يوجب التجنب عنها وهو أن تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضي.

وأقول لا يبعد تغيير نظم الآيات عن الترتيب المنزل لدلالة الروايات المتواترة من طرق الخاصة والعامة أنها نزلت في ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام التي نزلت يوم الغدير فلعلهم تعمدوا ذلك تبعيدا للأذهان عن فهم المراد.

« فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ » في المجمع معناه فمن دعته الضرورة في مجاعة حتى لا يمكنه الامتناع من أكله عن ابن عباس وغيره « غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ » أي غير مائل إلى إثم وهو نصب على الحال يعني فمن اضطر إلى أكل الميتة وما عدد الله تحريمه عند المجاعة الشديدة غير متعمد لذلك ولا مختار له ولا مستحل (١) فإن الله سبحانه أباح تناول ذلك له قدر ما يمسك به رمقه بلا زيادة عليه عن ابن عباس وغيره وبه قال أهل العراق وقال أهل المدينة يجوز أن يشبع منه عند الضرورة وقيل إن معنى قوله « غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ » غير عاص بأن يكون باغيا أو عاديا أو خارجا في معصية عن قتادة.

« فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » في الكلام محذوف دل ما ذكر عليه والمعنى فمن اضطر إلى ما حرمت عليه غير متجانف لإثم فأكله فإن الله غفور لذنوبه ساتر عليه أكله لا يؤاخذه به وليس يريد أن يغفر له عقاب ذلك الأكل ولا يستحق (٢) العقاب على فعل المباح وهو رحيم أي رفيق بعباده ومن رحمته أباح لهم ما حرم عليهم في حال الخوف على النفس « يَسْئَلُونَكَ » يا محمد « ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ » معناه أي

__________________

(١) في المصدر : ولا مستحل له.

(٢) في المصدر : لانه أباحه له ولا يستحق.


شيء أحل لهم أي يستخبرك المؤمنون ما ذا أحل لهم من المطاعم والمآكل وقيل من الصيد والذبائح « قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » منها وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من المأكولات والذبائح والصيد عن الجبائي وأبي مسلم وقيل مما لم يرد بتحريمه كتاب ولا سنة وهذا أولى لما ورد أن الأشياء كلها على الإطلاق والإباحة حتى يرد الشرع بالتحريم وقال البلخي الطيبات ما يستلذ (١).

« الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » قال رحمه‌الله هذا يقتضي تحليل كل مستطاب من الأطعمة إلا ما قام الدليل على تحريمه (٢).

أقول سيأتي تفسير الآية في باب ذبائح الكفار إن شاء الله.

« لا تُحَرِّمُوا » قال في المجمع هو يحتمل وجوها منها أن يريد لا تعتقدوا تحريمها.

ومنها أن يريد لا تظهروا تحريمها.

ومنها أن يريد لا تحرموها على غيركم بالفتوى والحكم.

ومنها أن لا تجروها مجرى المحرمات في شدة الاجتناب.

ومنها أن يريد لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين فوجب حمل الآية على جميع هذه الوجوه والطيبات اللذيذات التي تشتهيها النفوس وتميل إليها القلوب وقد يقال الطيب بمعنى الحلال كما يقال يطيب له كذا أي يحل له ولا يليق ذلك بهذا الموضع (٣).

أقول فيه نظر وقد مضى الكلام منا فيه ويحتمل أن يكون المراد بالطيب ما لم يكن فيه جهة قبح وخبث معنوي وكل ما أحله الله فهو كذلك فذكره لتعليل الحكم فكأنه قال لا تحرموا ما أحل الله لكم فإن كل ما أحله لكم ليس فيه قبح وخباثة فلم تحرمونها على أنفسكم.

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٥٩ ـ ١٦١.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٦٢ :.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٢٣٦.


« وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ » قال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله أي لا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم ورزقكم ولا تجتنبوا منه تنزها بل كلوا فإن جميع ما رزقكم الله حلال طيب فحلالا حال مبينة لا مقيدة وكذلك طيبا ويحتمل التقييد ويكون سبب التقييد ما تقدم فيما قبل من قوله « لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ » حيث نهى هناك عن تحريم طيبات ما أحل الله أي ما طاب ولذ منه فإنه قيل الظاهر أن قيد طيبات ما أحل الله للوقوع وأنه محل للتحريم وإلا جعل جميع ما أحل الله حراما منهيا ويحتمل أن يكون الإضافة بيانية أيضا وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه وصف القيامة لأصحابه يوما وبالغ في إنذارهم فرقوا فاجتمعت جماعة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين وأن لا يأكلوا اللحم ولا يناموا على الفراش ولا يقربوا النساء والطيب ويرفضوا لذات الدنيا ويلبسوا المسوح أي الصوف ويسيحوا في الأرض أي يسيروا فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك فقال إني لم أؤمر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم فمن رغب عن سنتي فليس مني ، والرواية مشهورة.

أو لأن النفس إليه أميل فهو مظنة التحريم فلا دلالة في الآية على أن الرزق قد يكون حلالا وقد يكون حراما فالحرام أيضا يكون رزقا كما هو معتقد الجهال والعوام الذين يأكلون أموال الناس ويقولون هذا رزقنا الله إياه وهو مقتضى مذهب الأشاعرة وأشار إليه البيضاوي بأنه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة وهو خيال باطل إذ ما يحتاج ذكر كل شيء إلى فائدة زائدة مع وجودها وهي هنا الإشارة إلى عدم معقولية المنع بأن ذلك حلال رزقكم الله فلا معنى للتحريم والمنع.

وبالجملة القيد قد يكون للكشف والبيان وقد يكون للإشارة إلى عدم معقولية الاجتناب وأن ذلك الوصف هو الباعث لمذمة التارك وقد يكون لغير ذلك وهنا يكفي الأولان فالآية دلت على عدم جواز التجاوز عن حدود الله والتشريع


وعدم حسن الاجتناب عما أحل الله ويحتمل أن يكون باعتقاد التحريم أو المرجوحية فلا ينافي الترك للتزهد ولئلا يصير سببا للنوم والكسل وقساوة القلب ولهذا نقل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أكل خبز الحنطة ولا شبع من خبز الشعير وزهد أمير المؤمنين عليه‌السلام مشهور ولكن ينبغي أن يكون ذلك باعتقاد التأسي إلا أنه إذا اجتنب لبعض الفوائد مثل كونه سببا لقلة النوم وإصلاح النفس وتذليلها فالظاهر أنه لا بأس به مع اعتقاد الحلية انتهى (١).

وقال في المجمع ، روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : نزلت في علي عليه‌السلام وبلال وعثمان بن مظعون فأما علي فإنه حلف أن لا ينام الليل أبدا إلا ما شاء الله وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا.

وقال ابن عباس يريد من طيبات الرزق اللحم وغيره.

« وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ » هذا استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه وتقديره أيها المؤمنون بالله لا تضيعوا إيمانكم بالتقصير في التقوى فتكون عليكم الحسرة العظمى واتقوا في تحريم ما أحل الله لكم وفي جميع معاصيه من به تؤمنون وهو الله سبحانه وفي هاتين الآيتين دلالة على كراهة التخلي والتفرد والتوحش والخروج عما عليه الجمهور في التأهل وطلب الولد وعمارة الأرض وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأكل الدجاج والفالوذج وكان يعجبه الحلواء والعسل وقال إن المؤمن حلو يحب الحلاوة وقال إن في بطن المؤمن زاوية لا يملؤها إلا الحلواء (٢).

« لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ » في المجمع أي إثم وحرج « فِيما طَعِمُوا » من الخمر والميسر قبل نزول التحريم وفي تفسير أهل البيت عليهم‌السلام فيما طعموا من الحلال وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب جميعا روي عن ابن عباس

__________________

(١) زبدة البيان ٦٢١ ـ ٦٢٢ ط المكتبة المرتضوية.

(٢) مجمع البيان : ٣ ٢٣٦.


وأنس وابن عازب ومجاهد وقتادة والضحاك أنه لما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة يا رسول الله ما تقول في إخواننا الذين مضوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فأنزلت هذه الآية وقيل إنها نزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات « إِذا مَا اتَّقَوْا » شربها بعد التحريم « وَآمَنُوا » بالله « وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » أي الطاعات « ثُمَّ اتَّقَوْا » أي داموا على الاتقاء « وَآمَنُوا » أي داموا على الإيمان « ثُمَّ اتَّقَوْا » بفعل الفرائض « وَأَحْسَنُوا » بفعل النوافل وعلى هذا يكون الاتقاء الأول اتقاء الشرب بعد التحريم والاتقاء الثاني هو الدوام على ذلك والاتقاء الثالث اتقاء جميع المعاصي وضم الإحسان إليه وقيل إن الاتقاء الأول هو اتقاء المعاصي العقلية التي يختص المكلف ولا يتعداه والإيمان الأول الإيمان بالله تعالى وبما أوجب الله الإيمان به والإيمان بقبح هذه المعاصي ووجوب تجنبها والاتقاء الثاني هو الاتقاء عن المعاصي السمعية والإيمان بقبحها ووجوب اجتنابها والاتقاء الثالث يختص بمظالم العباد وربما يتعدى إلى الغير من الظلم والفساد.

وقال أبو علي الجبائي أن الشرط الأول يتعلق بالزمان الماضي والشرط الثاني يتعلق بالدوام على ذلك والاستمرار على فعله والشرط الثالث يختص بمظالم العباد ثم استدل على أن هذه الاتقاء يختص بالمظالم (١) بقوله « وَأَحْسَنُوا » فإن الإحسان إذا كان متعديا وجب أن يكون المعاصي التي أمروا باتقائها قبله أيضا متعدية وهذا ضعيف لأنه لا تصريح في الآية بأن المراد به الإحسان المتعدي ولا يمتنع أن يريد بالإحسان فعل الحسن والمبالغة فيه وإن اختص الفاعل ولا يتعداه كما يقولون لمن بالغ في فعل الحسن أحسنت وأجملت ثم لو سلم أن المراد به الإحسان المتعدي فلم لا يجوز أن يعطف فعل متعد على فعل لا يتعدى ولو صرح سبحانه وقال واتقوا القبائح كلها وأحسنوا إلى غيرهم لم يمتنع ولعل أبا علي إنما عدل في الشرط

__________________

(١) في المصدر : بمظالم العباد.


الثالث عن ذكر الأحوال لما ظن أنه لا يمكن فيه ما أمكن في الأول والثاني وهذا ممكن غير ممتنع بأن يحمل الشرط الأول على الماضي والثاني على الحال والثالث على المنتظر المستقبل ومتى قيل إن المتكلمين عندهم لا واسطة بين الماضي والمستقبل فإن الفعل إما أن يكون موجودا فيكون ماضيا وإما أن يكون معدوما فيكون مستقبلا وإنما ذكر الأحوال الثلاث النحويون فجوابه أن الصحيح أنه لا واسطة في الوجود (١) كما ذكرت غير أن الموجود في أقرب الزمان لا يمتنع أن نسميه حالا ونفرق بينه وبين الغابر السالف والغابر المنتظر انتهى (٢).

وقال بعض المحققين للإيمان درجات ومنازل كما دلت عليه الأخبار الكثيرة وأوائل درجات الإيمان تصديقات مشوبة بالشكوك والشبه على اختلاف مراتبها ويمكن معها الشرك « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (٣) وعنها يعبر بالإسلام في الأكثر « قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » (٤) وأواسطها تصديقات لا يشوبها شك ولا شبهة « الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا » (٥) وأكثر إطلاق الإيمان عليها خاصة « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » (٦).

وأواخرها تصديقات كذلك مع كشف وشهود وذوق وعيان ومحبة كاملة لله سبحانه وشوق تام إلى حضرته المقدسة « يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ

__________________

(١) في المصدر : لا واسطة في الوجود بين المعدوم والموجود.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٤٠ و ٢٤.

(٣) يوسف : ١٠٦.

(٤) الحجرات : ١٤.

(٥) الحجرات : ١٥.

(٦) الأنفال : ٢.


يَشاءُ » (١) وعنها العبارة تارة بالإحسان الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وأخرى بالإيقان « وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » (٢) وإلى المراتب الثلاثة الإشارة بقوله عز وجل « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » (٣) وإلى مقابلاته التي هي مراتب الكفر الإشارة بقوله جل وعز « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً » (٤).

أقول وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الإيمان والكفر.

وقال الرازي فإن قيل لم شرط رفع الجناح على التناول المطعومات بشرط الإيمان والتقوى مع أن من المعلوم أن من لم يؤمن ومن لم يتق ثم تناول شيئا من المباحات فإنه لا جناح عليه في ذلك التناول بلى عليه جناح في ترك الإيمان وفي ترك التقوى قلنا ليس هذا للاشتراط بل لبيان أن أولئك الأقوام الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا على هذه الصفة ثناء عليهم (٥).

وقال الطبرسي والأجل المرتضى علي بن الحسين الموسوي قدس الله روحه ذكر في بعض مسائله أن المفسرين تشاغلوا بإيضاح الوجه في التكرار الذي تضمنه هذه الآية وظنوا أنه المشكل فيها وتركوا ما هو أشد إشكالا من التكرار وهو أنه تعالى نفى الجناح عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيما يطعمونه بشرط الاتقاء والإيمان وعمل الصالحات والإيمان وعمل الصالحات ليس بشرط في نفي الجناح فإن المباح إذا وقع من الكافر فلا إثم عليه ولا وزر.

__________________

(١) المائدة : ٥٤.

(٢) البقرة : ٤.

(٣) المائدة : ٩٣.

(٤) النساء : ١٣٧.

(٥) تفسير الرازي.


وقال ولنا في حل هذه الشبهة طريقان أحدهما أن يضم إلى المشروط المصرح بذكره غيره حتى يظهر تأثير ما شرط فيكون تقدير الآية « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا » وغيره « إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » لأن الشرط في نفي الجناح لا بد من أن يكون له تأثير حتى يكون متى انتفى ثبت الجناح وقد علمنا أن باتقاء المحارم ينتفي الجناح فيما يطعم فهو الشرط الذي لا زيادة عليه ولما ولي ذكر الاتقاء الإيمان وعمل الصالحات ولا تأثير لهما في نفي الجناح علمنا أنه أضمر ما تقدم ذكره ليصح الشرط ويطابق المشروط لأن من اتقى الحرام فيما لا يطعم لا جناح عليه فيما يطعمه ولكنه قد يصح أن يثبت عليه الجناح فيما أخل به من واجب أو ضيعة من فرض فإذا شرطنا أنه وقع اتقاء القبيح ممن آمن بالله وعمل الصالحات ارتفع الجناح عنه من كل وجه وليس بمنكر حذف ما ذكرناه لدلالة الكلام عليه فمن عادة العرب أن يحذفوا ما يجري هذا المجرى ويكون قوة الدلالة عليه مغنية عن النطق به ومثله قول الشاعر

تراه كان الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه بات (١) له وفر

لما كان الجدع لا يليق بالعين وكانت معطوفة على الأنف الذي يليق الجدع به أضمر ما يليق بالعين من الفقوء وما جرى مجراه (٢).

والطريق الثاني هو أن يجعل الإيمان وعمل الصالحات هنا ليس بشرط حقيقي وإن كان معطوفا على الشرط فكأنه تعالى لما أراد أن يبين وجوب الإيمان وعمل الصالحات عطفه على ما هو واجب من اتقاء المحارم لاشتراكهما في الوجوب وإن لم يشتركا في كونهما شرطا في نفي الجناح فيما يطعم وهذا توسع في البلاغة يحار فيه العقل استحسانا واستغرابا انتهى كلامه رحمه‌الله.

وقد قيل أيضا في الجواب في ذلك أن المؤمن يصح أن يطلق عليه أنه لا جناح عليه والكافر مستحق للعقاب مغمور فلا يطلق عليه هذا اللفظ وأيضا فإن الكافر قد سد

__________________

(١) في المصدر : ثاب له وفر.

(٢) في المصدر : من البخص وما يجرى مجراه.


على نفسه طريق معرفة التحليل والتحريم فلذلك خص المؤمن بالذكر. وقوله « وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » أي يريد ثوابهم وإجلالهم وإكرامهم وتجليلهم ويروى أن قدامة بن مظعون شرب الخمر في أيام عمر بن الخطاب فأراد أن يقيم عليه الحد فقال « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ » الآية فأراد عمر أن يدرأ عنه الحد فقال علي عليه‌السلام أديروه على الصحابة فإن لم يسمع أحدا منهم قرأ عليه آية التحريم فادرءوا عنه الحد وإن كان قد سمع فاستتيبوه وأقيموا عليه الحد فإن لم يتب وجب عليه القتل (١).

وأقول يمكن أن يقال في جواب الشبهة التي أوردها السيد رضي‌الله‌عنه لا نسلم أن المباح على الكفار مباح ويمكن أن تكون الإباحة مشروطة بالإيمان كما أن صحة العبادات مشروطة به كما يظهر من كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أهل مصر مع محمد بن أبي بكر وغيره من الأخبار أن الله لا يحاسب المؤمن على لذات الدنيا ويحاسب غيره عليها وإنما أباحها للمؤمنين فالمراد بعمل الصالحات ولاية الأئمة عليهم‌السلام وبالتقوى ترك الأطعمة المحرمة فيستفاد من الآية عدم الجناح على المؤمنين في أي شيء أكلوا وشربوا إذا اجتنبوا المأكولات والمشروبات المحرمة وثبوت الجناح على المؤمنين إذا أكلوا وشربوا الحرام وعلى غيرهم مطلقا لعدم حصول شرط الإباحة فيهم ويحتمل على وجه بعيد أن يكون المراد أن صرف المستلذات لا يضر لمن كمل إيمانه وإنما يضر الناقصين الذين يصير ذلك سببا لطغيان نفوسهم وغلبة الشهوات المحرمة عليهم فالرياضات البدنية مستحبة مطلوبة لأمثال هؤلاء لتكميل نفوسهم وإخراج الشهوات وحب اللذات عن قلوبهم.

« قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ » قال في المجمع (٢) لما بين سبحانه الحلال والحرام بين أنهما لا يستويان فقال سبحانه « قُلْ » يا محمد « لا يَسْتَوِي » أي لا يتساوى « الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ » أي الحرام والحلال عن الحسن والجبائي وقيل الكافر والمؤمن

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٢٤٠ ـ ٢٤٢.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٤٩.


عن السدي « وَلَوْ أَعْجَبَكَ » أيها السامع أو أيها الإنسان « كَثْرَةُ الْخَبِيثِ » أي كثرة ما تراه من الحرام لأنه لا يكون في الكثير من الحرام بركة ويكون في القليل من الحلال بركة وقيل إن الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد أمته « فَاتَّقُوا اللهَ » أي فاجتنبوا ما حرم الله عليكم « يا أُولِي الْأَلْبابِ » يا ذوي العقول « لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » أي لتفلحوا وتفوزوا بالثواب العظيم والنعيم المقيم انتهى.

وأقول يمكن تعميم الطيب والخبيث بحيث يشمل كل ما فيه جهة خبث ورداءة واقعية سواء كان إنسانا أو مالا أو مأكولا أو مشروبا فإنه لا يستوي مع الطيب الطاهر من ذلك الجنس وإن كان الخبيث أكثر أي ليس مدار القبول والكمال على الكثرة بل على الحسن والطيب الواقعيين ولا يخفى أنه لا يدخل فيهما الخبيث والطيب الذين اصطلح عليهم الأصحاب من كون الشيء مرغوبا للناس أو عدمه ما حرم عليكم أي بقوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ».

« إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ » مما حرم عليكم فإنه أيضا حلال حال الضرورة « وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ » بتحليل الحرام وتحريم الحلال « بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ » أي بتشهيهم بغير تعلق بدليل يفيد العلم « إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ » أي المتجاوزين الحق إلى الباطل والحلال إلى الحرام.

أقول ويدل على أن الأصل في المأكولات لا سيما في الذبائح الحل ولا يجوز الحكم بالتحريم إلا بدليل وإنه تحل المحرمات عند الضرورة أي ضرورة كانت.

« هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ » في المجمع أي خلق وابتدأ على مثال (١) « جَنَّاتٍ » أي بساتين فيها الأشجار المختلفة « مَعْرُوشاتٍ » مرفوعات بالدعائم قيل هو ما عرشه من الكروم ونحوها عن ابن عباس وقيل عرشها أن يجعل لها حظائر كالحيطان « وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ » يعني ما خرج من قبل نفسه في البراري والجبال من أنواع الأشجار عن ابن عباس وقيل غير مرفوعات بل قائمة على أصولها مستغنية عن التعريش « وَالنَّخْلَ

__________________

(١) في المصدر : خلق وابتدع لا على مثال.


وَالزَّرْعَ » أي أنشأ النخل والزرع « مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ » أي طعمه وقيل ثمره وقيل هذا وصف للنخل والزرع جميعا فخلق سبحانه بعضها مختلف اللون والطعم والرائحة والصورة وبعضها مختلفا في الصورة متفقا في الطعم وبعضها مختلفا في الطعم متفقا في الصورة وكل ذلك يدل على توحيده وعلى أنه قادر على ما يشاء عالم بكل شيء « وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً » (١) في الطعم واللون والصورة « وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ » إذا أثمر فيها وإنما قرن الزيتون إلى الرمان لأنهما متشابهان باكتنان (٢) الأوراق في أغصانها « كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ » المراد به الإباحة وإن كان بلفظ الأمر قال الجبائي وجماعة هذا يدل على جواز الأكل من الثمر وإن كان فيه حق الفقراء انتهى (٣).

وأقول الضمير في ثمره راجع إلى كل من المذكورات فيدل على إباحة الجميع مع أن ذكرها في مقام الامتنان أيضا يدل على ذلك « وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ » قيل هي الزكاة وفي أخبارنا أنه غير الزكاة وسيأتي إن شاء الله في محله « وَلا تُسْرِفُوا » أي في الإتيان والصدقة أو في الأكل قبل الحصاد أو مطلقا وقيل أي لا تنفقوا في المعصية وقد مر تفسير سائر الآيات في باب الأنعام إلى قوله تعالى « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ » أي طعاما محرما على آكل يأكله والمراد بالوحي ما في القرآن أو الأعم وفيه تنبيه على أن لا تحريم إلا بوحي لا بغيره فإنه لا ينطق عن الهوى « إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى إِلاَّ » أن يكون الطعام « مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ».

قال الطبرسي رحمه‌الله أي مصبوبا وإنما خص المصبوب بالذكر لأن ما يختلط باللحم منه مما لا يمكن تخليصه منه معفو مباح (٤) « أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ » إنما خص الأشياء الثلاثة هنا بذكر التحريم مع أن غيرها محرم فإنه سبحانه ذكر في المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وغيرها لأن جميع ذلك

__________________

(١) في المصدر : « والزيتون والرمان » أي وأنشأ الزيتون والرمان « متشابها ».

(٢) في النسخة المخطوطة : « باكثار » وفي المصدر : باكتناز.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٣٧٤ و ٣٧٥.

(٤) في المصدر : معفو عنه مباح.


يقع عليه اسم الميتة فيكون في حكمها فأجمل هاهنا وفصل هناك وأجود من هذا أن يقال خص هذه الأشياء بالتحريم تعظيما لحرمتها وبين تحريم ما عداها في مواضع أخر إما بنص القرآن أو بوحي غير القرآن وأيضا فإن هذه السورة مكية والمائدة مدنية فيجوز أن يكون غير ما في الآية من المحرمات إنما حرم فيما بعد والميتة عبارة عما كان فيه حياة ففقدت من غير تذكية شرعية « فَإِنَّهُ رِجْسٌ » أي نجس والرجس اسم لكل شيء مستقذر منفور عنه والرجس أيضا العذاب والهاء في قوله « فَإِنَّهُ » عائد إلى ما تقدم ذكره انتهى (١).

وقيل الضمير راجع إلى الخنزير أو لحمه وقذارته لتعوده أكل النجاسة. « أَوْ فِسْقاً » قال البيضاوي عطف على لحم خنزير وما بينهما اعتراض للتعليل « أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ » صفة له موضحة وإنما سمي ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله في الفسق ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له من أهل وهو عطف على يكون والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون (٢).

« وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا » أي على اليهود في أيام موسى عليه‌السلام « حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ » في المجمع اختلف في معناه فقيل هو كل ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والإوز والبط عن ابن عباس وابن جبير وغيرهما وقيل هو الإبل فقط وقيل يدخل فيه كل السباع والكلاب والسنانير وما يصطاد بظفره وقيل كل ذي مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب « وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما » من الثرب (٣) وشحم الكلى وغير ذلك « إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما » من الشحم وهو اللحم السمين فإنه لم يحرم عليهم « أَوِ الْحَوايا » أي ما حملته الحوايا من الشحم والحوايا هي المباعر وقيل هي بنات اللبن وقيل هي الأمعاء التي عليها الشحوم (٤).

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٣٧٨.

(٢) أنوار التنزيل :.

(٣) الثرب : الشحم الرقيق الذي على الكرش والامعاء.

(٤) مجمع البيان ٤ : ٣٧٩.


وقال البيضاوي هي جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء وقواصع أو حوية كسفينة وسفائن وقيل هو عطف على شحومهما وأو بمعنى الواو (١).

« أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ » في الكشاف وغيره هو شحم الألية لاتصالها بالعصعص (٢) وقيل المخ وفي الكنز هو شحم الجنب والألية لأنها مركبة على العصعص ودخول شحم الجنب فيما حملت الظهور أظهر وقيل وفي الآية دلالة على حل هذه الأشياء في شريعتنا وإلا لما كان لتخصيص اليهود بالتحريم معنى ويدل أيضا على التخصيص قوله سبحانه « ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ » مع معاونة قرائن لا تخفى (٣).

« وَإِنَّا لَصادِقُونَ » في المجمع أي في الإخبار عن التحريم وعن بغيهم وفي كل شيء وفي أن ذلك التحريم عقوبة لأوائلهم ومصلحة لما بعدهم إلى وقت النسخ (٤).

وقال رحمه‌الله في قوله « وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ » أي مكناكم من التصرف فيهما وملكناكموها وجعلناها لكم قرارا « وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ » أي ما تعيشون به من أنواع الرزق ووجوه النعم والمنافع وقيل يريد المكاسب والإقدار عليها بالعلم والقدرة والآلات « قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » أي أنتم مع هذه النعم التي أنعمناها عليكم لتشكروا قد قل شكركم (٥) « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا » صورته صورة الأمر والمراد به الإباحة وهو عام في جميع المباحات « وَلا تُسْرِفُوا » أي ولا تجاوزوا الحلال إلى الحرام قال مجاهد لو أنفقت مثل أحد في طاعة الله لم تكن مسرفا ولو أنفقت درهما أو مدا في معصية الله لكان إسرافا وقيل معناه لا تخرجوا عن حد الاستواء في زيادة المقدار

__________________

(١) أنوار التنزيل :.

(٢) العصعص : عظم الذنب.

(٣) الكشاف ،.

(٤) مجمع البيان ٤ : ٣٧٩ فيه : لمن بعدهم.

(٥) مجمع البيان ٤ : ٤٠٠.


وقد حكي أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال ذات يوم لعلي بن الحسين بن واقد ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له علي قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا » وجمع نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله الطب في قوله المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته فقال الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا.

وقيل معناه لا تأكلوا محرما ولا باطلا على وجه لا يحل وأكل الحرام وإن قل إسراف ومجاوزة الحد وما استقبحه العقلاء وعاد بالضرر عليكم فهو إسراف أيضا لا يحل كمن يطبخ القدر بماء الورد ويطرح فيها المسك وكمن لا يملك إلا دينار فاشترى به طيبا وتطيب به وترك عياله محتاجين « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » أي يبغضهم.

ولما حث سبحانه على تناول الزينة عند كل مسجد وندب إليه وأباح الأكل والشرب ونهى عن الإسراف وكان قوم من العرب يحرمون كثيرا من هذا الجنس حتى أنهم كانوا يحرمون السمون والإبان في الإحرام وكانوا يحرمون السوائب والبحائر أنكر عز اسمه ذلك عليهم فقال :

« قُلْ » يا محمد « مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ » أي من حرم الثياب التي يتزين بها الناس مما أخرجها الله من الأرض لعباده « وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ » قيل هي المستلذات من الرزق وقيل هي المحللات والأول أظهر لخلوصها يوم القيامة للمؤمنين « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ » قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا فأكلوا من طيبات طعامهم ولبسوا من جياد ثيابهم ونكحوا من صالح نسائهم ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء وقيل معناه قل هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا غير خالصة من الهموم والأحزان والمشقة


وهي خالصة يوم القيامة عن ذلك « كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ » أي كما نميز لكم الآيات وندلكم بها على منافعكم وصلاح دينكم كذلك نفصل الآيات « لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » انتهى (١).

وأقول يمكن أن يكون تقدير الآية هي للذين آمنوا مخصوصة بهم وخلقناها لهم حال كونها خالصة لهم يوم القيامة أي يشركهم الكفار والمخالفون في الدنيا غصبا وخالصة لهم في القيامة لا يشركونهم فيها فيؤيد ما ذكرنا في قوله تعالى « لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا » الآية وكأنه يومي إلى هذا ما ذكره أمير المؤمنين في كتابه إلى أهل مصر واعلموا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله شاركوا أهل الدنيا على دنياهم ولم يشاركهم أهل الآخرة في آخرتهم أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم وبه أغناهم قال الله عز اسمه « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ » الآية قال الرازي هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها خالصة يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد فإن قيل هلا قيل للذين آمنوا ولغيرهم قلنا للتنبيه على أنها خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة وأن الكفرة تبع لهم كقوله « وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ » ثم قال قرأ نافع خالصة بالرفع والباقون بالنصب قال الزجاج الرفع على أنه خبر بعد خبر والمعنى قل هي ثابتة للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.

قال أبو علي يجوز أن يكون خالصة خبر المبتدإ وقوله « لِلَّذِينَ آمَنُوا » متعلقا بخالصة والتقدير هي خالصة للذين آمنوا في الحياة الدنيا وأما النصب فعلى الحال والمعنى أنها ثابتة للذين آمنوا في حال كونها خالصة لهم يوم القيامة انتهى (٢).

وروى الكليني بإسناده (٣) عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس قال : قلت

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤١٣.

(٢) تفسير الرازي.

(٣) والاسناد هكذا : محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن أحمد عن علي بن النعمان عن صالح بن حمزة عن أبان بن مصعب عن يونس بن ظبيان.


لأبي عبد الله عليه‌السلام ما لكم من هذه الأرض فتبسم ثم قال إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيحون وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منها شيء إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه يعني بين السماء والأرض ثم تلا هذه الآية « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » المغصوبين عليها « خالِصَةً » لهم « يَوْمَ الْقِيامَةِ » بلا غصب (١).

ثم قال الطبرسي رحمه‌الله في هذه الآية دلالة على جواز لبس الثياب الفاخرة وأكل الأطعمة الطيبة من الحلال.

وروى العياشي بإسناده عن الحسين بن زيد عن عمه عمر بن علي عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام أنه كان يشتري كساء بخمسين دينارا فإذا أصاف (٢) تصدق به لا يرى بذلك بأسا ويقول « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ » الآية.

وبإسناده عن يوسف بن إبراهيم قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعليه جبة خز وطيلسان خز فنظر إلي فقلت جعلت فداك هذا خز ما تقول فيه فقال وما بأس بالخز قلت وسداه إبريسم قال لا بأس به فقد أصيب الحسين عليه‌السلام وعليه جبة خز ثم قال إن عبد الله بن عباس لما بعثه أمير المؤمنين علي عليه‌السلام إلى الخوارج لبس أفضل ثيابه وتطيب بأطيب طيبه وركب أفضل مراكبه فخرج إليهم فواقفهم.

قالوا يا ابن عباس بينا أنت خير الناس إذا أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم فتلا هذه الآية « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ » إلى آخرها فالبس وتجمل فإن الله جميل ويحب الجمال وليكن من الحلال.

وفي هذه الآية أيضا دلالة على أن الأشياء على الإباحة لقوله تعالى « مَنْ

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٤٠٩.

(٢) أي دخل في الصيف.


حَرَّمَ » فالسمع ورد مؤكدا لما في العقل انتهى (١).

ثم حصر سبحانه المحرمات بقوله « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ » وكأنه إشارة إلى أن أكل الطيبات والتمتع بالمستلذات المحللة ليس بحرام بل الحكم بكونه حراما حرام لأنه قول على الله بغير علم.

وقيل الفواحش جميع القبائح والكبائر ما علن منها وما خفي وقيل هي الزنا وقيل الطواف عاريا وقيل الإثم الذنوب والمعاصي وقيل ما دون الحد وقيل الخمر والبغي الظلم والفساد وقوله « بِغَيْرِ الْحَقِ » تأكيد.

قوله سبحانه « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ » في مجمع البيان معناه يبيح لهم المستلذات الحسنة ويحرم عليهم القبائح وما تعافه الأنفس وقيل يحل لهم ما اكتسبوه من وجه طيب ويحرم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث وقيل يحل لهم ما حرمه عليهم رهابينهم (٢) وأحبارهم وما كان يحرمه أهل الجاهلية من البحائر والسوائب ويحرم عليهم الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر معها انتهى (٣).

وأقول استدل أكثر أصحابنا على تحريم كثير من الأشياء التي تستقذرها طباع أكثر الخلق بهذه الآية وفيه نظر إذ الظاهر من سياق الآية مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشريعته بأن ما يحل لهم هو طيب واقعا وإن لم نفهم طيبه وما يحرم عليهم هو الخبيث واقعا وإن لم نعلم خبثه كالطعام اللذيذ الذي عمل من مال السرقة تستلذه الطباع وهو خبيث واقعا وأكثر الأدوية التي يحتاج الناس إليها في غاية البشاعة والنكارة وتستقذرها الطباع ولم أر قائلا بتحريمها فالحمل على المعنى الذي لا يحتاج إلى تخصيص ويكون موافقا لقواعد الإمامية من الحسن والقبح العقليين أولى من الحمل على معنى يحتاج إلى تخصيصات كثيرة بل ما يخرج عنهما أكثر مما يدخل فيهما

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤١٣.

(٢) جمع البرهان.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٤٨٧.


كما لا يخفى على من تتبع مواردهما ويمكن أن يقال هذه الآية كالصريحة في الحسن والقبح العقليين ولم يستدل بها الأصحاب رضي الله عنهم.

وقال الشهيد الثاني رفع الله درجته في المسالك والطيب يطلق على الحلال قال تعالى « كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » أي من الحلال وعلى الطاهر قال تعالى « فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً » (١) أي طاهرا وعلى ما لا أذى فيه كالزمان الذي لا حر فيه ولا برد يقال هذا زمان طيب وما تستطيبه النفس ولا تنفر منه كقوله تعالى « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » (٢) إذ ليس المراد منها هنا الحلال لعدم الفائدة في الجواب على تقديره لأنهم سألوه أن يبين لهم الحلال فلا يقول في الجواب الحلال ولا الطاهر لأنه إنما يعرف من الشرع توقيفا ولا ما لا أذى فيه لأن المأكول لا يوصف به فتعين المراد ردهم إلى ما يستطيبونه ولا يستخبثونه لردهم إلى عادتهم وما هو مقرر في طباعهم ولأن ذلك هو المتبادر من معنى الطيب عرفا وفي الأخبار ما ينبه عليه والمراد بالعرف الذي يرجع إليه في الاستطابة عرف الأوساط من أهل اليسار في حالة الاختيار دون أهل البوادي وذوي الاضطرار من جفاة العرب فإنهم يستطيبون ما دب ودرج كما سئل بعضهم مما يأكلون فقال كل ما دب ودرج إلا أم جنين فقال بعضهم ليهن أم جنين العافية لكونها أمنت أن تؤكل هذا خلاصة ما قرره الشيخ في المبسوط وغيره إلا أنه فصل أولا المحلل إلى حيوان وغيره وقسم الحيوان إلى حي وغيره وقال ما كان من الحيوان حيا فهو حرام حيث لم يرد به الشرع محتجا بأن ذبح الحيوان محظور وما كان من الحيوان غير حي أو من غيره فهو على أصل الإباحة وفي استثناء الحيوان الحي من ذلك نظر لعموم الأدلة والاستناد إلى تحريم ذبحه بدون الشرع في حيز المنع فهذا هو الأصل الذي يرجع إليه في باب الأطعمة انتهى (٣).

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) المائدة : ٤.

(٣) المسالك.


وأقول قد عرفت ضعف بعض هذا الكلام فيما مضى ونقول أيضا قوله ليس المراد الحلال في محل المنع لاحتمال أن يكون اللام للعهد أي ما بينا لكم حله ثم ذكر سائر المحللات بعده وذكره لعنوان الطيبات لبيان أن ما أحللناه لكم هو الطيب واقعا فكذا ما أحللناه لكم وقوله لأنه إنما يعرف من الشرع لا يصلح دليلا لعدم حمل الجواب عليه بعد بيان الله في كتابه وعلى لسان نبيه النجاسات فيفيد أن غير النجاسات المنصوص عليها حلال وما خرج عنها بدليل ثم قوله لأن المأكول لا يوصف به في محل المنع لأن كثيرا من المأكولات والمشروبات تفسد العقل أو البدن وأيضا حصر معنى الطيب فيما ذكره ممنوع إذ يحتمل أن يكون المراد بالطيب ما لم يكن فيه خبث معنوي وقبح واقعي لتضمنه ضررا دينيا أو دنيويا وإن أمكن إرجاعه إلى ما لا أذى فيه.

« وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » يحتمل بعض الوجوه المتقدمة فأخرج لكم من الثمرات رزقا لكم إنما قال « مِنَ الثَّمَراتِ » لأن جميعها لا تصلح لذلك ويحتمل البيان.

قال البيضاوي رزقا لكم تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس وهو مفعول أخرج و « مِنَ الثَّمَراتِ » بيان أو حال منه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق.

« وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ » أي بمشيته إلى حيث توجهتم « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم وقيل تسخيرها هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها (١).

وأقول الآية على حل ثمرات ما يخرج من الأرض وجواز الانتفاع بها أكلا وشربا ولبسا وعلى جواز اتخاذ الفلك وركوبها وعلى جواز الشرب من الأنهار والوضوء والغسل وسائر الانتفاعات بها إلا ما أخرجه الدليل وكذا سقي الزروع والأشجار ورشها على الأرض وغير ذلك من الانتفاعات التي لم يرد نهي عنها

__________________

(١) أنوار التنزيل :.


وجعلنا لكم قبلها (١) « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ » تعيشون بها وفي المجمع أي خلقنا لكم في الأرض معايش من زرع أو نبات وقيل معناه أي مطاعم ومشارب تعيشون بها وقيل هي التصرف في أسباب الرزق في مدة الحياة « وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ » يعني العبيد والدواب يرزقهم الله تعالى ولا ترزقونهم (٢).

وقال البيضاوي عطف على معايش أو محل لكم.

« فَأَسْقَيْناكُمُوهُ » أي جعلناه لكم سقيا « وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ » أي بحافظين ولا محرزين بل الله يحفظه ثم يرسله من السماء ثم يحفظه في الأرض ثم يخرجه من العيون بقدر الحاجة (٣).

« وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً » قال البيضاوي أي دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم « نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ » استئناف لبيان العبرة وإنما ذكر الضمير ووحده هنا للفظه وأنثه في سورة المؤمنين للمعنى فإن الأنعام اسم جمع ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإن اللبن لبعضها دون جميعها أو الواحدة أو له على المعنى فإن المراد به الجنس وقرأ جماعة بالفتح « مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً » فإنه يخلق من بعض الأجزاء الدم المتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث وهي الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش وعن ابن عباس أن البهيمة إذا انعلفت وانطبخ العلف في كرشها كان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما ولعله إن صح فالمراد أن وسطه يكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم الذي يغذي البدن لأنهما لا يتكونان في الكرش ويبقى ثفله وهو الفرث ثم يمسكها ريثما يهضمها هضما ثانيا فيحدث أخلاط أربعة معها مائية فيميز القوة المميزة تلك المائية مما زاد على قدر الحاجة من المريتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطحال ثم يوزع الباقي على الأعضاء بتجبنها فيجري

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الصحيح : جعلنا لكم قبلها الأرض.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٣٣٣.

(٣) أنوار التنزيل :.


إلى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم ثم إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرودة والرطوبة على مزاجها فيندفع الزائد أولا إلى الرحم لأجل الجنين فإذا انفصل انصب ذلك الزائد أو بعضه إلى الضروع فيبيض بمجاورة لحومها البيض فيصير لبنا ومن تدبر صنع الله في إحداث الأخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها والأسباب المولدة والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق اضطر إلى الإقرار بكمال حكمته وسبوغ رحمته ومن الأولى تبعيضية لأن اللبن بعض ما في بطنها والثانية ابتدائية كقولك سقيت من الحوض لأن بين الفرث والدم المحل الذي يبتدئ منه الاستسقاء وهي متعلقة بنسقيكم أو حال من لبنا قدم عليه لتنكيره وللتنبيه على أنه موضع العبرة « خالِصاً » صافيا لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث أو مصفى عما يصحبه من الأجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه « سائِغاً لِلشَّارِبِينَ » سهل المرور في حلقهم انتهى (١).

وقال الرازي في تأويل الآية المراد أن اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء الدم والدم إنما يتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث وهو الأشياء المأكولة الحاصلة في الكرش فهذا اللبن متولد من الأجزاء التي كانت حاصلة فيما بين الفرث أولا ثم كانت حاصلة فيما بين الدم ثانيا وصفاه الله تعالى عن تلك الأجزاء الكثيفة الغليظة وخلق فيها الصفات التي باعتبارها صارت لبنا موافقا لبدن الطفل انتهى (٢).

« وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ » قيل متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب من عصيرهما وقيل أي ولكم عبرة فيما أخرج الله لكم من ثمرات النخيل والأعناب وقيل معناه من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا والعرب تضمر ما الموصولة كثيرا والأعناب عطف على الثمرات والسكر

__________________

(١) أنوار التنزيل :

(٢) تفسير الرازي :


اختلف المفسرون في معناه فقيل السكر الخمر والرزق الحسن التمر والزبيب والدبس والسيلان والخل وقيل سكرا مفعول تتخذون على جهة الاستفهام وعامل رزقا مقدر والتقدير تتخذون منه سكرا وقد رزقناكم منه رزقا حسنا فيكون فيه جمع بين المعاتبة والمنة ولذلك أسند الاتخاذ إليهم وقيل السكر الخل والرزق الحسن ما هو خير منه وقيل السكر كل ما حرم الله من ثمارها خمرا كان أو غيره كالنبيذ والفقاع وما أشبههما والرزق الحسن وما أحله الله من ثمارهما وقيل السكر ما يشبع ويسد الجوع.

وقال علي بن إبراهيم السكر الخل وروي عن الصادق عليه‌السلام أنها نزلت قبل آية التحريم فنسخت بها (١).

وفيه دلالة على أن المراد به الخمر وقد جاء بالمعنيين جميعا قيل وعلى إرادة الخمر لا يستلزم حلها في وقت لجواز أن يكون عتابا ومنة قبل بيان تحريمها ومعنى النسخ نسخ السكوت عن التحريم فلا ينافي ما جاء في أنها لم تكن حلالا قط وفي مقابلتها بالرزق الحسن تنبيه على قبحها « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » أي يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات.

« وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » قال البيضاوي أي من اللذائذ والحلالات ومن للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها « أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ » وهو أن الأصنام ينفعهم أو أن من الطيبات ما يحرم عليهم كالسوائب والبحائر « وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ » حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام أو حرموا ما أحل الله لهم « فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ » قال أمرهم بأكل ما أحل الله لهم وشكر ما أنعم عليهم بعد ما زجرهم عن الكفر وهددهم عليه ثم عدد عليهم محرماته ليعلم أن ما عداها حل لهم ثم أكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ » كما قالوا « ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا » الآية وسياق الكلام وتصدير الجملة بإنما يفيد حصر المحرمات

__________________

(١) تفسير القمي :.


في الأجناس الأربعة إلا ما ضم إليه دليل كالسباع وانتصاب الكذب بلا تقولوا و « هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ » مفعول لا تقولوا أو الكذب منتصب بتصف وما مصدرية أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كما أن حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم هذا ولذلك عد من فصيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها يصف السحر.

« لِتَفْتَرُوا » تعليل لا يتضمن الغرض « أَزْواجاً » أي أصنافا سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض « مِنْ نَباتٍ » بيان أو صفة لأزواجا وكذلك « شَتَّى » ويحتمل أن يكون صفة للنبات فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأعراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال « كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ » وهو حال من ضمير « فَأَخْرَجْنا » على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين كلوا وارعوا والمعنى معد بها لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه (١).

« كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » في المجمع صورته الأمرد والمراد به الإباحة « وَلا تَطْغَوْا فِيهِ » أي ولا تتعدوا فيه فتأكلوه على الوجه المحرم عليكم وقيل أي لا تتجاوزوا عن الحلال إلى الحرام أو لا تتناولوا من الحلال للاستعانة به على المعصية « فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي » أي فيجب عليكم عقوبتي ومن ضم الحاء فالمعنى فتنزل عليكم عقوبتي (٢) « ماءً بِقَدَرٍ » قيل بتقدير يكثر نفعه ويقل ضرره أو بمقدار ما علمناه من صلاحهم « فَأَسْكَنَّاهُ » فجعلناه ثابتا مستقرا « فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ » أي على إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التعميق بحيث يتعذر استنباطه « لَقادِرُونَ » كما كنا قادرين على إنزاله « فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ » أي بالماء « لَكُمْ فِيها » في الجنات « فَواكِهُ كَثِيرَةٌ » تتفكهون بها « وَمِنْها » أي ومن الجنات ثمارها وزروعها « تَأْكُلُونَ » تغذيا أو ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته

__________________

(١) أنوار التنزيل :.

(٢) مجمع البيان ج ٧ ص ٣٣.


ويجوز أن يكون الضميران للنخيل والأعناب أي لكم في ثمرتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والعصير والدبس وغير ذلك وطعام تأكلونه « وَشَجَرَةً » عطف على جنات « تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ » جبل موسى بين مصر وأيلة وقيل بفلسطين « تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ » أي متلبسا بالدهن مستصحبا له ويجوز أن تكون الباء صلة معدية لتنبت كما في قولك ذهبت بزيد « وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ » عطف على الدهن جار على إعرابه عطف أحد وصفي الشيء على الآخر أي تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج به وكونه إداما يصبغ به الخبز أي يغمس به للائتدام « سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ » بأن جعله أسبابا (١) محصلة لمنافعكم « وَما فِي الْأَرْضِ » بأن مكنكم من الانتفاع به أو بوسط أو بغير وسط « ظاهِرَةً وَباطِنَةً » أي محسوسة ومعقولة أو ما تعرفونه وما لا تعرفونه « إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ » أي التي جرز نباتها أي قطع وأزيل لا التي لا تنبت لقوله « فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً » وقيل اسم موضع باليمن « تَأْكُلُ مِنْهُ » أي من الزرع أنعامهم كالتبن والورق « وَأَنْفُسُهُمْ » كالحب والثمر « أَفَلا يُبْصِرُونَ » فيستدلون به على كمال قدرته وفضله « أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا » جنس الحب « فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ » قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به « لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ » أي ثمر ما ذكر وهو الحبات وقيل الضمير لله على طريقة الالتفات والإضافة إليه لأن الثمر بخلقه « وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ » عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما وقيل ما نافية والمراد أن التمر بخلق الله لا بفعلهم « أَفَلا يَشْكُرُونَ » أمر بالشكر لأنه إنكار لتركه « خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها » أي الأنواع والأصناف « مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ » من النبات والشجر « وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ » الذكر والأنثى « وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » وأزواجا ومما لم يطلعهم الله عليه

__________________

(١) زاد في المصدر : ومكنكم من الانتفاع به والعروج إليه بسلطان العلم والقدرة كما قال سبحانه : « لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ ».


ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته (١) « فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا » كالحنطة والشعير « وَعِنَباً وَقَضْباً » يعني الرطبة سميت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخرى « وَحَدائِقَ غُلْباً » أي عظاما وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب « وَفاكِهَةً وَأَبًّا » أي مرعى من أب إذا أم لأنه يؤم وينتجع أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه مهيأ للرعي أو فاكهة يابسة تؤب للشتاء « مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ » فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام وبعضها علف.

١ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها الخبر (٢).

٢ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي عن محمد بن أسلم عن عبد الرحمن بن سالم عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني جعلت فداك لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير فقال إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم سواه من رغبة منه فيما حرم عليهم ولا زهد (٣) فيما أحل لهم ولكنه عز وجل خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به تبارك وتعالى لمصلحتهم وعلم عز وجل ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم ثم أباحه للمضطر وأباحه له في الوقت (٤) الذي لا يقوم بدنه إلا به فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك ثم قال أما الميتة فلا يدمنها (٥) أحد

__________________

(١) ومن القوى أن يكون معناه انه خلق الازواج كلها مما تنبت الأرض ومن انفسهم ومما لا يعلمونه مما له تأثير في خلقها.

(٢) تفسير القمي :.

(٣) في المصدر : « ولا زاهدا » وفي الكافي : رغبة منه فيما حرم عليهم ولا زاهدا.

(٤) في المصدر والكافي : وأحله في الوقت.

(٥) ادمن الشيء : ادامه.


إلا ضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته وانقطع نسله ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة وأما الدم فإنه يورث أكله الماء الأصفر ويبخر الفم (١) ويسيء الخلق ويورث الكلب (٢) والقسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه ولا يؤمن على حميمه ولا يؤمن على من يصحبه.

وأما لحم الخنزير فإن الله تبارك وتعالى مسخ قوما في صور شتى شبه الخنزير والدب والقرد وما كان من الأمساخ (٣) ثم نهى عن أكل المثلة نسلها (٤) لكيلا ينتفع الناس بها ولا يستخف بعقوبته.

وأما الخمر فإنه حرمها لفعلها وفسادها وقال مدمن الخمر يورثه الارتعاش ويذهب بنوره ويهدم مروءته ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه (٥) ولا يعقل ذلك والخمر لا تزيد شاربها إلا كل شر (٦).

الكافي ، عن العدة عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الله عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام وعدة من أصحابنا أيضا عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن أسلم عن عبد الرحمن بن سالم عن مفضل بن عمر مثله (٧).

بيان : يظهر من سند المحاسن أنه سقط عن محمد بن علي قبل عن محمد

__________________

(١) في المصدر والكافي : ويبخر الفم وينتن الريح ويسىء الخلق.

(٢) في المحاسن : « الكلف » ولعله مصحف.

(٣) في الكافي : من المسوخ.

(٤) في المخطوطة : « ثم نهى عن أكلها وأكل نسلها » وفي المحاسن : « عن أكلها وأكل شبهها » وفي الكافي : ثم نهى عن أكله للمثلة.

(٥) وثب يثب : نهض وقام ، قفز وطفر. ولعله كناية عن الزنا أو القتل.

(٦) المحاسن : ٣٠٤.

(٧) فروع الكافي ٦ : ٢٤٢.


بن أسلم في نسخ الكافي.

وفي القاموس البلغة بالضم ما يتبلغ به من العيش وقال الكلب بالتحريك العطش والحرص والشدة والأكل الكثير بلا شبع وصياح من عضه الكلب الكلب وجنون الكلاب المعتري من أكل لحم الإنسان وشبه جنونها المعتري للإنسان من عضها انتهى وكأن المراد إما العطش أو الحرص في الأكل أو جنون يشبه حالة من عضه الكلب.

وفي القاموس مثل بفلان مثلا ومثلة بالضم نكل كمثل تمثيلا وهي المثلة بضم الثاء وسكونها والوثوب كناية عن الجماع والحرم بضم الحاء وفتح الراء اللواتي تحرم نكاحهن ويحتمل أن يراد بالوثوب القتل وبالحرمة نساؤه كما في القاموس.

٣ ـ معاني الأخبار ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » (١) قال الباغي الذي يخرج على الإمام والعادي الذي يقطع الطريق لا يحل لهما الميتة (٢).

٤ ـ وقد روي أن العادي اللص والباغي الذي يبغي الصيد لا يجوز لهما التقصير في السفر ولا أكل الميتة في حال الاضطرار (٣).

٥ ـ العياشي ، عن محمد بن إسماعيل رفع إلى أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » قال الباغي الظالم والعادي الغاصب (٤).

٦ ـ ومنه ، عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله « فَمَنِ اضْطُرَّ

__________________

(١) البقرة : ١٧٣. والانعام : ١٤٥.

(٢) معاني الأخبار : ٢١٤ ( طبعة الغفارى ).

(٣) معاني الأخبار : ٢١٤.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ٧٤.


غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » قال الباغي الذي يخرج على الإمام والعادي الذي يقطع الطريق لا يحل لهما الميتة.

٧ ـ وقد روي أن العادي اللص والباغي الذي يبغي الصيد لا يجوز لهما التقصير في السفر ولا أكل الميتة في حال الاضطرار.

٨ ـ دعائم الإسلام ، عن محمد بن إسماعيل رفع إلى أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » قال الباغي الظالم والعادي الغاصب.

٩ ـ ومنه ، (١) عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » (٢) قال الباغي الخارج على الإمام والعادي اللص (٣).

بيان : الذي يتلخص من مجموع الأخبار هو أن السفر الذي لا يجوز فيه قصر الصلاة والصوم للمعصية والعدوان لا يحل أكل الميتة إذا اضطر فيه إليها.

١٠ ـ دعائم الإسلام ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه ذكر ما يحل أكله وما يحرم بقول مجمل فقال أما ما يحل للإنسان أكله مما خرجت الأرض فثلاثة أصناف من الأغذية صنف منها جميع صنوف الحب (٤) كله كالحنطة والأرز والقطنية وغيرها والثاني صنوف الثمار كلها والثالث صنوف البقول والنبات فكل شيء من هذه الأشياء فيه غذاء للإنسان ومنفعة وقوة فحلال أكله وما كان فيه المضرة (٥) فحرام أكله إلا في حال التداوي به وأما ما يحل أكله من لحوم الحيوان فلحم البقر والغنم والإبل ومن لحوم الوحش كل ما ليس له ناب ولا مخلب ومن لحوم الطير كل ما

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٧٤.

(٢) ما جعلناه بين العلامتين زائد من سهو المقابلة راجع ط كمباني ص ٧٦٥. ( ب ).

(٣) لم يذكر الحديثان المرويان عن دعائم الإسلام في النسخة المخطوطة : والكتاب ليس عندي.

(٤) في المخطوطة : جميع صنوف الحبوب.

(٥) في المخطوطة : من المضرة.


كانت له قانصة ومن صيد البحر كل ما له قشر وما عدا ذلك كله من هذه الأصناف فحرام أكله وما كان من البيض مختلف الطرفين فحلال أكله وما يستوي طرفاه فهو من بيض ما لا يؤكل لحمه (١).

بيان : قال في النهاية فيه كان يأخذ من القطنية العشر هي بالكسر والتشديد واحدة القطاني كالعدس والحمص واللوبيا ونحوها (٢).

وفي القاموس القطنية بالضم والكسر النبات وحبوب الأرض أو ما سوى الحنطة والشعير والزبيب والتمر أو هي الحبوب التي تطبخ الشافعي العدس والخلر (٣) والفول والدجر والحمص الجمع القطاني أو هي الخلف وخضر الصيف.

١١ ـ الدعائم ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : المضطر يأكل الميتة وكل محرم إذا اضطر إليه (٤).

١٢ ـ وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام إذا اضطر المضطر إلى أكل الميتة أكل حتى يشبع وإذا اضطر إلى الخمر شرب حتى يروي وليس له أن يعود إلى ذلك حتى يضطر إليه أيضا (٥).

١٣ ـ ومنه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه ذكر الجبن الذي يعمله المشركون وأنهم يجعلون فيه الإنفحة من الميتة ومما لم يذكر اسم الله عليه قال إذا علم ذلك لم يؤكل وإن كان الجبن مجهولا لا يعلم من عمله وبيع في سوق المسلمين فكله (٦).

١٤ ـ تفسير النعماني ، بأسانيده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : وأما ما في القرآن تأويله في تنزيله فهو كل آية محكمة نزلت في تحريم شيء من الأمور المتعارفة التي كانت في أيام العرب تأويلها في تنزيلها فليس يحتاج فيها إلى تفسير أكثر من تأويلها وذلك مثل قوله تعالى في التحريم « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ

__________________

(١) دعائم الإسلام : ليس عندي.

(٢) النهاية ٣ : ٢٩٨.

(٣) الخلر : نبات ، وقيل : إنه الفول او الماش.

(٤ ـ ٦) دعائم الإسلام : ليس عندي.


وَأَخَواتُكُمْ » (١) إلى آخر الآية وقوله « إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ » (٢) الآية وقوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا » (٣) الآية إلى قوله « أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا » (٤) وقوله تعالى « قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ » (٥) إلى آخر الآية ومثل ذلك في القرآن كثير مما حرم الله سبحانه لا يحتاج المستمع له إلى مسألة عنه وقوله عز وجل في معنى التحليل « أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ » (٦) وقوله « وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا » (٧) وقوله تعالى « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ » إلى قوله « مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ » (٨) وقوله « وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ » (٩) وقوله « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ » (١٠) وقوله « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ » (١١) وقوله « لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ » (١٢) ومثله كثير (١٣).

تفسير علي بن إبراهيم ، مرسلا مثله (١٤).

١٥ ـ المحاسن ، عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام أن عليا عليه‌السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثر لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال يقوم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد وليس له بقاء فإن جاء طالب لها غرموا له الثمن قيل يا أمير المؤمنين لا ندري

__________________

(١) النساء : ٣.

(٢) البقرة : ١٧٣.

(٣) البقرة : ٢٧٨.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) الأنعام : ١٥١.

(٦) المائدة : ٩٦.

(٧) المائدة : ٢.

(٨) المائدة : ٤.

(٩) المائدة : ٥.

(١٠) المائدة : ١.

(١١) البقرة : ١٨٧.

(١٢) المائدة : ٨٧.

(١٣) المحكم والمتشابه :

(١٤) تفسير القمي :


سفرة مسلم أو سفرة مجوسي فقال هم في سعة حتى يعلموا (١).

الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي مثله (٢).

١٦ ـ نوادر الراوندي ، عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : سئل علي عليه‌السلام عن سفرة وجدت في الطريق فيها لحم كثير وخبز كثير وبيض وفيها سكين فقال يقوم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد فإذا جاء طالبها غرم له فقالوا له يا أمير المؤمنين لا نعلم أسفرة ذمي هي أم مجوسي فقال هم في سعة من أكلها حتى يعلموا (٣).

١٧ ـ ومنه ، بهذا الإسناد قال : سئل علي عليه‌السلام عن شاة مسلوخة وأخرى مذبوحة عمي على صاحبها فلا يدري الذكية من الميتة فقال يرمي بهما جميعا إلى الكلاب (٤).

١٨ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام إن وجدت لحما ولم تعلم أنه ذكي أو ميتة فألق منه قطعة على النار فإن تقبض فهو ذكي وإن استرخى على النار فهو ميت وكل صيد إذا اصطدته في البر والبحر حلال سوى ما قد بينت لك مما جاء في الخبر بأن أكله مكروه (٥).

توضيح وتبيين اعلم أنه يستفاد من هذه الأخبار أحكام مهمة الأول يستفاد من رواية السكوني والديباجي أن الأصل في اللحم المطروح التذكية ما لم يعلم أنه ميتة كما هو الظاهر مما مر من عمومات الآيات والأخبار ومن

__________________

(١) المحاسن : ٤٥٢.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٢٩٧.

(٣) نوادر الراوندي : ٥٠ فيه : هم في سعة ما لم يعلموا.

(٤) نوادر الراوندي : ٤٦.

(٥) فقه الرضا :.


حصر المحرمات في أشياء معدودة ليس هذا منها ويمكن تقييده بما إذا كان في بلاد المسلمين وكأنه الظاهر بل يمكن تخصيصه بما إذا دلت القرائن على أنها كانت من مسلم ولا ينافيه قول السائل أو سفرة مجوسي إذ محض الاحتمال يكفي لهذا السؤال لكن قوله حتى يعلموا يدل على أن مع الظن بكونه من كافر يجوز أكله إلا أن يحمل العلم على ما يعم الظن والمشهور بين الأصحاب خلافه والأصل عندهم عدم التذكية حتى يعلم بها أو يؤخذ من يد مسلم أو من سوق المسلمين حتى بالغ بعضهم بأن جلد المصحف إذا وجد في مسجد جلده في حكم الميتة وذهب بعض الأصحاب إلى أنه يجوز التعويل على الأمارات المفيدة للظن في ذلك قال الشهيد الثاني قدس‌سره في التقاط النعلين والإداوة والسوط لا يخفى أن الأغلب على النعل أن يكون من الجلد وكذا الإداوة والسوط وإطلاق الحكم بجواز التقاطها إما محمول على ما لا يكون منها من الجلد لأن المطروح منه مجهولا ميتة لأصالة عدم التذكية أو محمول على ظهور أمارات تدل على ذكاته فقد ذهب بعض الأصحاب إلى جواز التعويل عليها.

وقال العلامة رحمه‌الله في التحرير لو وجد ذبيحة مطروحة لم يحل له أكلها ما لم يعلم أنه تذكية مسلم أو يوجد في يده (١).

وقال المحقق الأردبيلي نور الله ضريحه في شرح الإرشاد دليل اجتناب اللحم المطروح غير معلوم الذبح هي أن الأصل في الميتة التحريم لأن زوال الروح معلوم والتذكية مشروطة بأمور كثيرة وجودية والأصل عدمها ولكن قد يعلم بالقرائن ولهذا يعلم الهدي إذا ذبح ويدل عليه بعض الأخبار أيضا عموما مثل صحيحة عبد الله بن سنان من تغليب الحلال وخصوصا رواية السكوني وذكر هذه الرواية ثم قال وضعف السند لا يضر لأنها موافقة للعقل ولغيرها وفيها أحكام كثيرة منها طهارة اللحم المطروح والجلد كذلك ويحمل على وجود القرينة الدالة على كونهما كانا في

__________________

(١) تحرير الاحكام :.


يد المسلم وكون اللحم في يد المجوسي غير ظاهر فيحل ذبيحة الكافر فافهم وجواز التصرف بالأكل في مال الناس إذا علم الهلاك من غير إذن الحاكم مع التقويم على نفسه وعدم اشتراط العدالة في المقوم والمتصرف والغرامة للصاحب وكون الجاهل معذورا حتى يعلم فتأمل وبالجملة القرينة المفيدة للظن الغالب معتبرة فكيف ما يفيد العلم والظن المتأخم له انتهى (١).

ثم اعلم أنه قال المحقق رحمه‌الله في الشرائع إذا وجد لحم ولا يدري أذكي هو أم ميت قيل يطرح في النار فإن انقبض به فهو ذكي وإن انبسط فهو ميت (٢).

وقال العلامة طاب ثراه في القواعد لو وجد لحم مطروح لا يعلم ذكاته اجتنب وقيل يطرح في النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فميت (٣).

وقال الشهيد الثاني رفعت درجته في المسالك بعد إيراد كلام المحقق هذا القول هو المشهور بين الأصحاب خصوصا المتقدمين.

قال الشهيد رحمه‌الله في الشرح لم أجد أحدا خالف فيه إلا المحقق في الشرائع والفاضل فإنهما أورداها بلفظ قيل المشعر بالضعف مع أن المحقق وافقهم في النافع وفي المختلف لم يذكرها في مسائل الخلاف ولعله لذلك واستدل بعضهم عليه بالإجماع قال الشهيد وهو غير بعيد ويؤيده موافقة ابن إدريس عليه فإنه لا يعتمد على أخبار الآحاد فلو لا فهمه الإجماع لما ذهب إليه والأصل فيه رواية محمد بن يعقوب بإسناده إلى إسماعيل بن عمر عن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل دخل قرية فأصاب فيها لحما لم يدر أذكي هو أم ميت قال فاطرحه على النار فكل ما انقبض فهو ذكي وكل ما انبسط فهو ميت (٤).

__________________

(١) شرح الإرشاد :

(٢) شرائع الإسلام :

(٣) قواعد الاحكام :

(٤) رواه الكليني في فروع الكافي ٦ : ٢٦١ بإسناده عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن إسماعيل بن عمر.


ومع هذا الاشتهار فطريقها لا يخلو من ضعف فلتوقف المصنف عن موافقتهم في الحكم وجه وجيه وظاهر الرواية أنه لا يحكم بحل اللحم وعدمه باختبار بعضه بل لا بد من اختبار كل قطعة منه على حدة ويلزم كل واحدة حكمها بدليل قوله كل ما انقبض فهو حلال وكل ما انبسط فهو حرام ومن هنا مال الشهيد رحمه‌الله في الدروس إلى تعديتها إلى اللحم المشتبه منه الذكي بغيره فيتميز بالنار كذلك انتهى (١).

وأقول عبارة الفقه أحسن من عبارة هذا الخبر ويدل على الاكتفاء بالقطعة في الحكم على الكل ومما ذكره رحمه‌الله من امتحان كل قطعة إن كان مراده القطعات المتصلة ففي غاية البعد ويلزم أن نفصل حيث أمكن ونختبر بل إلى الأجزاء التي لا تتجزى مع إمكان وجودها وإن أراد القطعات المنفصلة فإن لم تعلم كونها من حيوان واحد فلا ريب أنه كذلك ومع العلم فيه إشكال والأحوط التعدد.

ثم اعلم أنه لا تنافي بين رواية شعيب ورواية السكوني فإن الأولى ظاهرة في الني غير المطبوخ والثانية في المطبوخ وبعد الطبخ لا يفيد الامتحان إذ الظاهر أن الانقباض في المذكى لأنه يخرج منه أكثر الدم الكائن في العروق فينجمد على النار والميتة غالبا لا يخرج منه الدم فينجمد في العروق فإذا مسته النار تسيل الدماء وتنبسط اللحم وبعد الطبخ تخرج منه الرطوبات ولا يبقى فيه شيء حتى يمكن امتحانه بذلك.

فإن قيل جوابه عليه‌السلام يشمل هذا المورد أيضا.

قلت قوله هم في سعة لا عموم فيه ولو قيل برجوع الضمير إلى الناس فيمكن حمل هذا الخبر على الاستحباب أو يقال كونهم في سعة إذا لم يكن لهم طريق إلى العلم وهاهنا لهم طريق إليه.

__________________

(١) المسالك.


الثاني ذهب أكثر الأصحاب إلى أنه إذا اختلط الذكي بالميت وجب الامتناع من الجميع حتى يعلم الذكي بعينه لكن خصوا الحكم بما إذا كان محصورا دفعا للحرج لوجوب اجتناب الميت ولا يتم إلا باجتناب الجميع ولعموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال ويرد عليه أن وجوب اجتناب الميتة مطلقا ممنوع لجواز كون التحريم مخصوصا بما إذا كان عينه معلوما (١) كما تدل عليه الأخبار الصحيحة وأما الرواية فهي عامية مخالفة للروايات المعتبرة والأصل والعمومات وحصر المحرمات يرجح الحل مع أنه يمكن قراءة الحرام منصوبا ليكون مفعولا وموافقا لغيرها كما ذكره المحقق الأردبيلي رحمه‌الله.

وقيل يباع ممن يستحل الميتة ذهب إليه الشيخ في النهاية وتبعه ابن حمزة والعلامة في المختلف ومال إليه المحقق قدس الله روحه في الشرائع مع قصده لبيع المذكى والمستند صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال سمعته يقول إذا اختلط الذكي بالميتة باعه ممن يستحل الميتة (٢).

وحسنة الحلبي (٣) أيضا يدل عليه ومنع ابن إدريس من بيعه والانتفاع به

__________________

(١) فيه اشكال اذ الاحكام تتعلق بذات الموضوعات مجردة عن وصفى العلم والجهل والروايات المتقدمة عدا واحدة منها في الشك البدوى الذي لا يعلم أن هذا اللحم من ذبيحة المسلم أو من غيره ، ولا تشمل موردا يعلم بوجود اللحم الميت في البين ، نعم واحد منها ورد في مورد يعلم اجمالا بوجود الميت فحكم فيه بوجوب الاجتناب ، واما الحديث النبوى فظاهره أن الحرام مرفوع وكونه منصوبا خلاف الظاهر لا يقال به الا بقرينة ودليل.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٦٠ بإسناده عن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن ابى المغراء عن الحلبي وزاد في آخره : ويأكل ثمنه.

(٣) وهي ما رواه أيضا الكليني في الفروع ٦ : ٢٦٠ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) أنه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر وكان يدرك الذكى منها فيعزله ويعزل الميتة ثم ان الميتة والذكى اختلطا فكيف يصنع به؟ فقال : يبيعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه فانه لا بأس به.


مطلقا لمخالفة الرواية لأصول المذهب والمحقق رحمه‌الله وجه الرواية بما إذا قصد بيع المذكى حسب واستشكل بأنه مع عدم التمييز يكون المبيع مجهولا ولا يمكن إقباضه فلا يصح بيعه منفردا وأجاب في المختلف بأنه ليس بيعا حقيقيا بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا وإنما أطلق عليه اسم البيع لمشابهته له في الصورة من حيث إنه بذل مال في مقابلة عوض واعترض عليه بأن مستحل الميتة أعم ممن يباح ماله إذ لو كان ذميا كان ماله محترما (١) فلا يصح إطلاق القول ببيعه كذلك على مستحل الميتة فالأولى العمل بالرواية الصحيحة وترك تلك المعارضات في مقابلها نعم رواية الراوندي ظاهرها عدم جواز البيع لكن لا تعارض هذه الصحيحة سندا مع أنه لا تعارض بينهما حقيقة فإن الظاهر أن الرمي إلى الكلاب كناية عن عدم جواز استعمالهما وأكلهما (٢) فلا ينافي جواز إعطائهما من يشبه الكلاب وكأنه لم يقل أحد بتعين إطعامهما الكلاب كسائر الميتات.

ومال الشهيد إلى عرضه على النار واختباره بالانبساط والانقباض كما مر في اللحم المجهول وضعف ببطلان القياس مع وجود الفارق وهو أن اللحم المطروح يحتمل كونه بأجمعه مذكى وكونه غير مذكى فكونه ميتة غير معلوم بخلاف المتنازع فيه فإنه مشتمل على الميتة قطعا فلا يلزم من الحكم في المشتبه تحريمه كونه كذلك في المعلوم التحريم وقال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله هو محل تأمل لما علم من الرواية العلة وهي حصول العلم بتعين إحداهما وهو أعم من المطروح المشتبه بالميتة على أنه ليس بفارق فإن المطروح بحكم الميتة شرعا عندهم وأن كل واحد من الميتة والمشتبه يحتمل أن يكون ميتة فوجود الميتة يقينا هنا لا ينفع فلا بد أن يمنع استقلال العلة مع الاشتباه ومثله يرد في جميع القياسات المنصوصة العلة أو

__________________

(١) في المخطوطة : كان ماله محقونا.

(٢) يمكن أن يقال : انها تدل على أعم من الاكل والبيع فيبقى التنافى بحاله.


يمنع الأصل انتهى (١).

الثالث يدل الخبران الأولان على ما ذكره الأصحاب من أنه إذا التقط ما لا يبقى كالطعام فهو مخير بين أن يتملكه بالقيمة أو يبيعه ويأخذ ثمنه ثم يعرفه وبين أن يدفعه إلى الحاكم ليعمل فيه ما هو الحظ للمالك.

ورووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من التقط طعاما فليأكله. لكن الخبران إنما يدلان على جواز الأكل والأول على أنه إذا جاء صاحبه غرم له الثمن (٢) وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله في محله.

الرابع قوله عليه‌السلام كل صيد إلخ يدل على أن الأصل في الحيوان كونه حلالا وقابلا للتذكية إلا ما أخرجه الدليل.

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره الأصل فيما يحل أكله وما يحرم أن يرجع إلى الشرع فما أباحه فهو مباح وما حظره فهو محظور وما لم يكن له في الشرع ذكر كان المرجع فيه إلى عادة العرب فما استطابته فهو حلال وما استخبثته فهو حرام ثم استدل رحمه‌الله بالآيات المتقدمة وقد مر هنا الكلام فيه.

وقال المحقق الأردبيلي طاب ثراه قد توافق دليل العقل والنقل على إباحة أكل كل شيء خال عن الضرر وقد تبين دلالة العقل على أن الأشياء خالية عن الضرر مباحة ما لم يرد ما يخرجه عن ذلك والآيات الشريفة في ذلك كثيرة أيضا مثل « خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً » (٣) « وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً » (٤) هما حالان مؤكدان لا مقيدان وهو ظاهر والأخبار أيضا كثيرة والإجماع أيضا واقع فالأشياء كلها على الإباحة بالعقل والنقل كتابا وسنة وإجماعا إلا ما ورد النص بتحريمه

__________________

(١) شرح الإرشاد :.

(٢) كلاهما تدل على جواز الاكل بعد التقويم ، والغرامة لصاحبه ان جاء وطالب.

(٣) البقرة : ٢٩.

(٤) المائدة : ٨٨.


إما بالعموم مثل « وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ » (١) فما علم أنه خبيث فهو حرام ولكن معنى الخبيث غير ظاهر إذ الشرع ما بينه واللغة غير مراد والعرف غير منضبط فيمكن أن يقال المراد عرف أوساط الناس وأكثرهم حال الاختبار مثل أهل المدن والدور لا أهل البادية لأنه لا خبيث عندهم بل يطيبون جميع ما يمكن أكله ولا اعتداد بهم.

وإما بالخصوص مثل « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » (٢) الآية وبالجملة الظاهر الحل حتى يعلم أنه حرام لخبثه أو لغيره لما تقدم ولصحيحة ابن سنان ويؤيده حصر المحرمات مثل « قُلْ لا أَجِدُ » (٣) الآية فالذي يفهم من غير شك هو الحل ما لم يعلم وجه التحريم حتى في المذبوح من الحيوان وأجزاء الميتة فما علم أنه ميتة أو ما ذبح على الوجه الشرعي فهو أيضا حرام إلا ما يستثنى وأما المشتبه والمجهول غير المستثنى فالظاهر من كلامهم أنه حرام أيضا وفيه تأمل قد مر إليه الإشارة هذه الضابطة على العموم من غير نظر إلى دليل خاص وما ورد فيه دليل الخصوصية مفصلا فهو تابع لدليله تحريما وتحليلا فتأمل (٤) انتهى كلامه قدس‌سره وهو في غاية المتانة.

١٩ ـ الفقيه ، والتهذيب ، عن أبي الحسين الأسدي عن سهل بن زياد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام أنه قال : سألته عما « أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ » قال ما ذبح لصنم أو وثن أو شجر حرم الله ذلك كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » أن يأكل الميتة قال فقلت له يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متى تحل للمضطر الميتة فقال

__________________

(١) الصحيح : « ويحرم عليكم الخبائث » راجع الأعراف : ١٥٧.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) الأنعام : ١٤٥.

(٤) شرح الإرشاد :.


حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل فقيل يا رسول الله إنا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بقلا فشأنكم بها.

قال عبد العظيم فقلت له يا ابن رسول الله ما معنى قوله عز وجل « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » (١) قال العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا أو لهوا لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذ اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصرا في صوم ولا صلاة في سفر فقلت فقوله « وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » (٢) قال المنخنقة التي انخنقت بإخناقها حتى تموت والموقوذة التي مرضت ووقذها المرض حتى لم يكن بها حركة والمتردية التي تتردى من مكان مرتفع إلى أسفل أو تتردى من جبل أو في بئر فتموت والنطيحة التي تنطحها بهيمة أخرى فتموت وما أكل السبع منها فمات وما ذبح على النصب على حجر أو صنم إلا ما أدركت زكاته (٣) فذكي قلت « وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ » (٤) قال كانوا في الجاهلية يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس ويستقسمون عليه بالقداح وكانت عشرة سبعة لها أنصباء (٥) وثلاثة لا أنصباء لها أما التي لها أنصباء فالفذ والتوأم والنافس الحلس والمسبل والمعلى والرقيب وأما التي لا أنصباء لها فالسفيح والمنيح والوغد (٦) فكانوا يجيلون السهام بين عشرة فمن خرج باسمه

__________________

(١) البقرة : ١٧٣.

(٢) المائدة : ٤.

(٣) في الفقيه : الا ما ادرك زكاته.

(٤) المائدة : ٤.

(٥) الانصباء جمع النصيب : الحظ ، الحصة من الشيء.

(٦) هذه اسام لسهام الميسر.


سهم من التي لا أنصباء لها ألزم ثلث ثمن البعير فلا يزالون كذلك حتى تقع السهام الثلاثة لا أنصباء لها إلى ثلاثة منهم فيلزمونهم ثمن البعير ثم ينحرونه ويأكله السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا ولم يطعموا منه الثلاثة الذين نقدوا ثمنه شيئا فلما جاء الإسلام حرم الله تعالى ذكره ذلك فيما حرم وقال عز وجل « وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ » يعني حراما (١).

تبيين المخمصة المجاعة قوله عليه‌السلام ما لم تصطبحوا هذا الخبر روته العامة أيضا عن أبي واقد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واختلفوا في تفسيره قال في النهاية ومنه الحديث أنه سئل متى تحل لنا الميتة فقال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا الاصطباح هاهنا أكل الصبوح وهو الغداء والغبوق العشاء وأصلهما في الشرب ثم استعملا في الأكل أي ليس لكم أن تجمعوهما من الميتة قال الأزهري قد أنكر هذا على أبي عبيد وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا لبنية تصطبحونها أو شرابا تغتبقونه ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة وقال هذا هو الصحيح (٢).

وقال في باب الحاء مع الفاء قال أبو سعيد الضرير صوابه ما لم تحتفوا بها بغير همز من أحفى الشعر ومن قال تحتفئوا مهموزا من الحفإ وهو البرري فباطل لأن البرري ليس من البقول وقال أبو عبيد هو من الحفإ مهموز مقصور وهو أصل البرري الأبيض الرطب منه وقد يؤكل يقول ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه ويروى ما لم تحتفوا بتشديد الفاء من احتففت الشيء إذا أخذته كله كما تحف المرأة وجهها من الشعر (٣).

وقال في باب الجيم مع الفاء ومنه الحديث متى تحل لنا الميتة قال ما لم تجتفئوا بقلا أي تقتلعوه وترموا به من جفأت القدر إذا رميت بما يجتمع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢١٦ و ٢١٧ تهذيب الأحكام :.

(٢) النهاية ٢ : ٢٧١.

(٣) النهاية ١ : ٢٧٦.


على رأسها من الزبد والوسخ (١).

وقال في باب الخاء مع الفاء أو تختفوا بقلا أي تظهرونه يقال اختفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته انتهى (٢).

وقال الطيبي تحتفوا بها أي بالأرض فشأنكم بها أي الزموا الميتة وأو بمعنى الواو فيجب نفي الخلال الثلاث حتى تحل لنا الميتة وما للمدة أي يحل لكم مدة عدم اصطباحكم انتهى.

وأقول في بعض نسخ الفقيه بالواو في الموضعين فلا يحتاج إلى تكلف وعلى الحاء المهملة يحتمل أن تكون كناية عن استيصال البقل فإن هذا شائع في عرفنا على التمثيل فلعله كان في عرفهم أيضا كذلك وفي بعض نسخ التهذيب تحتقبوا بالحاء المهملة والقاف والباء الموحدة فالمراد به الادخار قال في القاموس احتقبه ادخره وقال الحقيبة كل ما شد في مؤخر رحل أو قتب والظاهر أنه تصحيف.

بإخناقها كأنه على بناء الإفعال أي بأن يخنقها غيره أو بأن يختنق في مضيق أو بالفتح على صيغة الجمع أي بأسباب خنقها قال الجوهري الخنق بكسر النون مصدر قولك خنقه يخنقه وكذلك خنقه ومنه الخناق وأخنق هو واختنقت الشاة بنفسها فهي منخنقة.

وفي القاموس الزلم محركة قدح لا ريش عليه والأنصباء جمع النصيب والأسماء السبعة المذكورة في الخبر على خلاف الترتيب المشهور ولعله من الرواة أو يقال أنه عليه‌السلام لم يكن بصدد تعليمه بل أشار مجملا إلى ما كانوا يعلمونه بل يمكن أن يكون عليه‌السلام تعمد ذلك لئلا يكون تعليما للقمار وإن أمكن الاستدلال به على جواز تعليم القمار وتعلمه لغير العمل قال الجوهري سهام الميسرة عشرة أولها الفذ ثم التوأم ثم الرقيب ثم الحلس ثم النافس ثم المسبل ثم المعلى

__________________

(١) النهاية ١ : ١٩٥.

(٢) النهاية ١ : ٣٤٣.


وثلاثة لا أنصباء لها وهي السفيح والمنيح والوغد انتهى مع أن بينهم أيضا خلافا في بعضها قال الفيروزآبادي المسبل كمحسن السادس أو الخامس من قداح الميسر (١).

٢٠ ـ تحف العقول ، في خبر طويل عن الصادق عليه‌السلام قال : أما ما يحل للإنسان أكله مما أخرجت الأرض فثلاثة صنوف من الأغذية صنف منها جميع الحب كله من الحنطة والشعير والأرز والحمص وغير ذلك من صنوف الحب وصنوف السماسم وغيرها كل شيء من الحب مما يكون فيه غذاء الإنسان في بدنه وقوته فحلال أكله وكل شيء تكون فيه المضرة على الإنسان في بدنه فحرام أكله إلا في حال الضرورة.

والصنف الثاني مما أخرجت الأرض صنوف الثمار كلها مما يكون فيه غذاء الإنسان ومنفعة له وقوته به فحلال أكله وما كان فيه المضرة على الإنسان في أكله فحرام أكله.

والصنف الثالث جميع صنوف البقول والنبات وكل شيء تنبت الأرض من البقول كلها مما فيه منافع الإنسان وغذاؤه فحلال أكله وما كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الإنسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة ونظير الدفلى (٢) وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله.

وأما ما يحل أكله من لحوم الحيوان فلحوم البقر والغنم والإبل وما يحل من لحوم الوحش كل ما ليس فيه ناب ولا له مخلب وما يحل من لحوم الطير كل ما كانت له قانصة فحلال أكله وما لم يكن له قانصة فحرام أكله ولا بأس بأكل صنوف الجراد.

__________________

(١) وفي النافس أيضا اختلاف انه الخامس أو الرابع.

(٢) الدفلى بكسر اوله مقصورا : نبت زهره اعتياديا كالورد الأحمر وحمله كالخرنوب يقال له بالفارسية : خرزهره.


وأما ما يجوز أكله من البيض فكل ما اختلف طرفاه فحلال أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله.

وما يجوز أكله من صيد البحر من صنوف السمك ما كان له قشور فحلال أكله وما لم يكن له قشور فحرام أكله.

وما يجوز من الأشربة من جميع صنوفها فما لا يغير العقل كثيره فلا بأس بشربه وكل شيء يغير منها العقل كثيره فالقليل منه حرام (١).

بيان : جمع السماسم إما باعتبار أنواعها من البري والبستاني أو باعتبار معانيه على المجاز أو باعتبار إطلاقها على ما يشبهها من الحبوب الصغار توسعا.

قال الفيروزآبادي السمسم بالكسر حب الحل والبري منه يعرف بخلبهنك والجلجلان وحبه وقال الدفل بالكسر وكذكرى نبت مر فارسيه خرزهره (٢) قتال زهره كالورد الأحمر وحمله كالخرنوب نافع للجرب والحكة طلاء ولوجع الركبة والظهر ضمادا ولطرد البراغيث والأرض (٣) رشا بطبيخه ولإزالة البرص طلاء بلبه اثنتي عشرة مرة بعد الإنقاء.

٢١ ـ المحاسن ، عن ابن محبوب عن عبد الله بن سليمان (٤) قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقال لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم أعطى الغلام دراهم (٥) فقال يا غلام ابتع لي جبنا ودعا بالغداء فتغدينا معه وأتي بالجبن فقال كل (٦) فلما فرغ من الغداء قلت ما تقول في الجبن قال أولم ترني أكلته قلت بلى

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣٧ و ٣٣٨.

(٢) في المخطوطة : يقال بفارسية : خرزهره.

(٣) الأرض جمع الأرضة : دويبة تأكل الخشب.

(٤) في المصدر : ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان.

(٥) في الكافي : درهما.

(٦) الكافي : فاتى بالجبن فأكل وأكلنا معه فلما فرغنا.


ولكني أحب أن أسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (١).

الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب مثله (٢).

بيان : في القاموس الجبن بالضم وبضمتين وكعتل معروف انتهى والظاهر أن السؤال عن الجبن لأن العامة كانوا يتنزهون عنه لاحتمال أن تكون الإنفحة التي يأخذون منها الجبن مأخوذة من ميتة والإنفحة عندنا من المستثنيات من الميتة فيمكن أن يكون جوابه عليه‌السلام على سبيل التنزل أي لو كانت الإنفحة بحكم الميتة لكان يجوز لنا أكل الجبن لعدم العلم باتخاذه منها فكيف وهي لا يجري فيها حكم الميتة أو باعتبار نجاستها قبل الغسل على القول بها أو باعتبار أن المجوس كانوا يعملونها غالبا كما يظهر من بعض الأخبار.

وقال في النهاية في حديث ابن الحنفية كل الجبن عرضا أي اشتره ممن وجدته ولا تسأل عمن عمله من مسلم أو غيره مأخوذ من عرض الشيء أي ناحيته (٣).

٢٢ ـ المحاسن ، عن أبيه عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن وقلت له أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال من أجل (٤) مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله وإن لم تعلم فاشتر وكل (٥) والله إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان (٦).

__________________

(١) المحاسن : ٤٩٥.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٣٣٩ وفيه : ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان.

(٣) النهاية ٣ : ٩٣.

(٤) في المصدر : أمن اجل.

(٥) في المصدر : فاشتر وبع وكل.

(٦) المحاسن : ٩٤٥.


تبيين اعتراض السوق أن يأتيه ويشتري من أي بايع كان من غير تفحص وسؤال قال الجوهري وخرجوا يضربون الناس عن عرض أي عن شق وناحية كيفما اتفق لا يبالون من ضربوا وقال محمد بن الحنفية كل الجبن عرضا قال الأصمعي يعني اعترضه (١) واشتره ممن وجدته ولا تسأل عن عمله (٢) أمن عمل أهل الكتاب أم عمل المجوس ويقال استعرض العرب أي سل من شئت منهم. وفي القاموس بربر جيل والجمع البرابرة وهم أمة بالمغرب وأمة أخرى بين الحبوش والزنج يقطعون مذاكير الرجال ويجعلونها مهور نسائهم انتهى. ثم إن الخبر يدل على جواز شراء اللحوم وأمثالها من سوق المسلمين ومرجوحية التفحص والسؤال وقال المحقق رحمه‌الله وغيره ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم يجوز شراؤه ولا يلزم الفحص عن حاله. وقال في المسالك لا فرق في ذلك بين ما يوجد بيد رجل معلوم الإسلام ومجهوله ولا في المسلم بين كونه ممن يستحل ذبيحة الكتابي وغيره على أصح القولين عملا بعموم النصوص والفتاوي ومستند الحكم أخبار كثيرة ومثله ما يوجد بأيديهم من الجلود واعتبر في التحرير كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب وهو ضعيف جدا لأن جميع المخالفين يستحلون ذبائحهم فيلزم على هذا أن لا يجوز أخذه من المخالفين مطلقا والأخبار ناطقة بخلافه واعلم أنه ليس في كلام الأصحاب ما يعرف به سوق الإسلام من غيره فكان الرجوع فيه إلى العرف وفي موثقة إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال : لا بأس بالفرو اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام قلت له وإن كان فيها غير أهل الإسلام قال إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس.

وعلى هذا ينبغي أن يكون العمل وهو غير مناف للعرف أيضا فيتميز سوق الإسلام بأغلبية المسلمين فيه سواء كان حاكمهم مسلما وحكمه نافذا أم لا عملا

__________________

(١) في المخطوطة : اعرضه.

(٢) ولعله تصحيف : من عمله.


بالعموم وكما يجوز شراء اللحم والجلد من سوق الإسلام لا يلزم البحث عنه هل ذابحه مسلم أم لا وأنه هل سمى واستقبل بذبيحته القبلة أم لا ولا يستحب ولو قيل بالكراهة كان وجها للنهي عنه في الخبر الذي أقل مراتبه الكراهة وفي الدروس اقتصر على نفي الاستحباب.

٢٣ ـ المحاسن ، عن أبيه عن صفوان عن منصور بن حازم عن بكر بن حبيب قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الجبن وأنه توضع فيه الإنفحة من الميتة (١) قال لا يصلح ثم أرسل بدرهم قال (٢) اشتر من رجل مسلم ولا تسأله عن شيء (٣).

٢٤ ـ ومنه ، عن اليقطيني عن صفوان عن معاوية (٤) عن رجل من أصحابنا قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فسأله رجل من أصحابنا عن الجبن فقال أبو جعفر عليه‌السلام إنه لطعام يعجبني فسأخبرك عن الجبن وغيره كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه (٥).

٢٥ ـ السرائر ، نقلا من كتاب المشيخة لابن محبوب عن أبي أيوب عن ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين في الروم أنأكله قال فقال أما ما علمت أنه قد خالطه الحرام فلا تأكله وأما ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام (٦).

٢٦ ـ ومنه ، عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) في المحاسن : وانه يصنع فيه الانفحة قال :.

(٢) في المصدر : فقال.

(٣) المحاسن : ٤٩٦.

(٤) في المصدر : عن معاوية بن عمار.

(٥) المحاسن : ٤٩٦.

(٦) السرائر :.


كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف منه الحرام بعينه فدعه (١).

٢٧ ـ تفسير الإمام عليه‌السلام ، قال عليه‌السلام قال الله تعالى « يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ » من ثمارها وأطعمتها « حَلالاً طَيِّباً » لكم إذا أطعتم ربكم في تعظيم من عظمه والاستخفاف بمن أهانه وصغره (٢).

٢٨ ـ ومنه ، قال الإمام عليه‌السلام قال الله عز وجل « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » بتوحيد الله ونبوة محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمامة علي ولي الله « كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ » على ما رزقكم منها بالمقام على ولاية محمد وعلي ليقيكم الله بذلك شرور الشياطين المتمردة على ربه عز وجل (٣).

٢٩ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل (٤) قال : سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (٥).

٣٠ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد الكوفي عن محمد بن أحمد النهدي عن محمد بن الوليد عن أبان بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الجبن قال كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة (٦).

بيان : يدل على أن أمثال هذه من قبيل ما تقبل فيه الشهادة لا الرواية وقد اختلف الأصحاب فيه.

__________________

(١) السرائر :.

(٢) التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه‌السلام : ٢٦٥ في ط.

(٣) التفسير المنسوب الى الامام العسكري ( عليه‌السلام ) : ٢٦٦.

(٤) تقدم الحديث بتمامه عنه وعن المحاسن تحت الرقم ٢١.

(٥ و ٦) فروع الكافي ٦ : ٣٣٩.


٣١ ـ الشهاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن محرم الحلال كمحل الحرام (١).

الضوء فائدة الحديث الأمر بالانتهاء إلى ما حده الله في التحليل والتحريم وإعلام أن من حرم الحلال عوقب معاقبة من حلل الحرام والراوي ابن عمر (٢).

٣٢ ـ المحاسن ، عن حماد بن عيسى عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم وإسماعيل الجعفي وعدة قالوا سمعنا أبا جعفر عليه‌السلام يقول التقية في كل شيء وكل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له (٣).

٣٣ ـ العياشي ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول المضطر لا يشرب الخمر لأنها لا تزيده إلا شرا فإن شربها قتلته فلا تشربن منها قطرة (٤).

العلل ، عن علي بن حاتم عن محمد بن عمر عن علي بن محمد بن زياد عن أحمد بن الفضل (٥) عن يونس بن عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير مثله وفيه ولأنه إن شربها قتلته فلا يشرب منه قطرة (٦).

٣٤ ـ وروي لا تزيده إلا عطشا (٧).

ثم قال الصدوق رحمه‌الله جاء هذا الحديث هكذا كما أوردته وشرب الخمر في حال الاضطرار مباح مطلق مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وإنما أوردته لما فيه من العلة ولا قوة إلا بالله (٨).

٣٥ ـ العياشي ، عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » قال الباغي طالب الصيد والعادي السارق ليس لهما أن يقصرا

__________________

(١) الشهاب : ليست نسخته عندي موجودة.

(٢) الضوء ليست نسخته عندي موجودة.

(٣) المحاسن : ٢٥٩.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ٧٤.

(٥) في المصدر أحمد بن الفضل المعروف بأبي عمر ( و ) طيبة.

(٦ ـ ٨) علل الشرائع ٢ : ١٥٤.


من الصلاة وليس لهما إذا اضطرا إلى الميتة أن يأكلاها ولا يحل لهما ما يحل للناس إذا اضطروا (١).

٣٦ ـ تفسير الإمام ، قال عليه‌السلام قال الله عز وجل « إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ » التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها « وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ » أن يأكلوه « وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ » ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي يتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله ثم قال عز وجل « فَمَنِ اضْطُرَّ » إلى شيء من هذه المحرمات « غَيْرَ باغٍ » وهو غير باغ عند ضرورته على إمام هدى « وَلا عادٍ » ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي ولا إمامة من ليس بإمام « فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » في تناول هذه الأشياء « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ » ستار لعيوبكم أيها المؤمنون « رَحِيمٌ » بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرمه في الرخاء (٢).

تبيين وتفضيل اعلم أنه لا خلاف في الجملة في أن تحريم تناول المحرمات مختص بحال الاختيار ومع الضرورة يسوغ التناول (٣) إلا للباغي والعادي وقد مضت الأقوال فيهما في تفسير الآية واختلف الأصحاب أيضا فيهما فقيل الباغي الخارج على إمام زمانه والعادي الذي يقطع الطريق وقيل الباغي الآخذ عن مضطر مثله بأن يكون لمضطر آخر شيء لسد رمقه فيأخذه منه وذلك غير جائز بل يترك نفسه حتى يموت ولا يميت الغير والعادي الذي يتجاوز مقدار الضرورة قيل الباغي الطالب للميتة أو الطالب للذة والعادي الذي يتجاوز مقدار الشبع

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٧٥.

(٢) التفسير المنسوب الى الامام العسكري ( عليه‌السلام ) : ٢٦٨.

(٣) بل الظاهر من رواية لزوم ذلك ، والرواية : ذكرها الصدوق في الفقيه ٣ : ٢١٨ وكان المناسب أن يذكرها المصنف في الباب ولعله غفل عنها وهى : قال الصادق ( عليه‌السلام ) : من اضطر الى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر. وهذا في نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري.


وقد عرفت ما ورد في الأخبار من تفسيرهما والاضطرار يحصل بخوف التلف وهل يشترط فيه الظن أو يكفي مجرد الخوف فيه إشكال وألحق الأكثر بخوف التلف خوف المرض الذي ليس بيسير وكذا زيادته أو طوله وكذا خوف العجز بترك التناول عن المشي الضروري أو مصاحبة الرفقة الضرورية حيث يخاف بالتخلف عنهم على نفسه أو عرضه وكذا الخوف على من معه وربما يلحق بها الخوف على تلف المال على بعض الوجوه لحصول معنى الاضطرار في هذه الصورة وقال الشيخ في النهاية لا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس فإن خاف ذلك أكل ما يمسك به الرمق ولا يمتلئ منه ووافقه جماعة من الأصحاب ولا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت فإن التناول حينئذ لا ينفع ولا يختص جواز تناول المحرم في حال الاضطرار بنوع منه لكن بعض المحرمات مقدم على بعض كما سيأتي ولا ريب ولا خلاف في أن المضطر يجوز له أن يتناول قدر سد الرمق يعني ما يحفظ نفسه عن الهلاك ولا يجوز له أن يزيد على الشبع اتفاقا وهل يجوز له أن يزيد عن سد الرمق إلى الشبع ظاهر الأكثر العدم وهو حسن إن اندفعت به الحاجة أما لو دعت الضرورة إلى الشبع كما لو كان في بادية وخاف أن لا يقوى على قطعها لو لم يشبع أو احتاج إلى المشي أو العدو وتوقف على الشبع جاز تناول ما دعت الضرورة إليه ويجوز التزود منه إذا خاف عدم الوصول إلى الحلال ثم هل التناول في موضع الضرورة على وجه الوجوب أو على سبيل الرخصة فله التنزه عنه الأقرب الأول لأن تركه يوجب إعانته على نفسه وقد نهي عنه في الكتاب والسنة (١) وإذا تمكن المضطر من أخذ مال الغير فإن كان الغير محتاجا مثله فلا يجوز الأخذ عنه ظلما وهو أحد معاني الباغي كما سبق ويحتمل عدم جواز الأخذ عنه مطلقا لأنه يوجب هلاكه فهو كإهلاك الغير لإبقاء نفسه والأقرب أنه لا يجوز إيثار الغير إذا كان ذلك موجبا لهلاك نفسه لقوله تعالى « وَلا تُلْقُوا » (٢) الآية.

__________________

(١) اوردنا ما يدل على ذلك عن الفقيه قبل ذلك.

(٢) البقرة : ١٩٥.


وقيل يجوز لقوله تعالى « وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » (١) وضعف بأن الخاص حاكم على العام ولو لم يكن المالك مضطرا إليه وكان هناك مضطر وجب على المالك بذله له إن كان المضطر مسلما وكذا إذا كان ذميا أو مستأمنا على المعروف بينهم ولو ظن الاحتياج إليه في ثاني الحال ففي وجوب البذل للمضطر في الحال نظر ولو منع المالك جاز للمضطر الأخذ عنه قهرا بل يجب عليه ذلك بل المقاتلة عليه ولو كان للمضطر ثمن لم يجب على المالك البذل مجانا ولو طلب المالك الثمن حينئذ وجب على المضطر بذله وإن طلب زيادة عن ثمن المثل قال الشيخ لا تجب الزيادة ولعل الأقرب الوجوب لارتفاع الضرورة بالتمكن ولو لم يكن للمضطر ثمن ففي وجوب البذل عليه عند القدرة قولان ولو وجدت ميتة وطعام الغير فإن بذل له الغير طعامه بغير عوض أو بعوض هو قادر عليه لم تحل الميتة وإن كان العوض أكثر من ثمن المثل على الأقرب وإن لم يبذل المالك وقدر على الأخذ منه قهرا أو كان المالك غالبا ففي تقديم أكل الميتة أو مال الغير أو التخيير أوجه.

ولو لم يوجد إلا الخمر قال الشيخ في المبسوط لا يجوز رفع الضرورة بها وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية إلى الجواز ترجيحا لحفظ النفس ويدل عليه ما سيأتي من خبر محمد بن عذافر وغيره وهي وإن كان فيها جهالة لكنها مروية بأسانيد يؤيد بعضها بعضا ويدل على الأول ما تقدم من رواية أبي بصير التي رواها العياشي والصدوق وفي سندها ضعف ويمكن حملها على تحريم التداوي بها وإن كانت التتمة التي رواها الصدوق مرسلا ظاهرها شمولها للعطش أيضا وأما التداوي بالخمر وسائر المحرمات فقد مر الكلام فيه في أبواب الطب وقد مر أيضا أن عند الضرورة البول مقدم على الخمر وبول نفسه على بول غيره على قول وقالوا لو لم يجد إلا آدميا ميتا جاز له الأكل منه واستثنى بعضهم ما إذا كان الميت نبيا ولو وجد المضطر ميتة ولحم آدمي أكل الميتة دون الآدمي ولو

__________________

(١) الحشر : ٩.


وجد آدميا حيا فإن كان معصوم الدم لم يجز وإن كان كافرا كالذمي والمعاهد وكذا لا يجوز للسيد أكل عبده ولا للوالد أكل ولده وإن لم يكن معصوم الدم كالحربي والمرتد جاز له قتله وأكله وإن كان قتله متوقفا على إذن الإمام لأن ذلك مخصوص بحالة الاختيار وفي معناهما الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة مستحلا وغيرهم ممن يباح قتله ولو كان له على غيره قصاص ووجده في حالة الاضطرار فله قتله قصاصا وأكله وأما المرأة الحربية وصبيان أهل الحرب ففي جواز قتلهم وأكلهم وجهان ورجح بعض المتأخرين الجواز لأنهم ليسوا بمعصومين وليس المنع من قتلهم في غير حالة الضرورة لحرمة روحهم ولهذا لا يتعلق به كفارة ولا دية بخلاف الذمي والمعاهد وإذا لم يجد المضطر سوى نفسه بأن يقطع فلذة من فخذه ونحوه من المواضع اللحمة فإن كان الخوف فيه كالخوف على النفس بترك الأكل أو أشد حرم القطع قطعا وإن كان أرجى للسلامة ففيه وجهان.


٢

(باب)

(علل تحريم المحرمات من المأكولات والمشروبات)

١ ـ الإحتجاج ، عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق أبا عبد الله عليه‌السلام فقال لم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها قال حرمها لأنها أم الخبائث ورأس كل شر يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه ولا يعرف ربه ولا يترك معصية إلا ركبها ولا حرمة إلا انتهكها ولا رحما ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها والسكران زمامه بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للأوثان سجد وينقاد حيث ما قاده.

قال فلم حرم الدم المسفوح قال لأنه يورث القساوة ويسلب الفؤاد رحمته ويعفن البدن ويغير اللون وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.

قال فأكل الغدد قال يورث الجذام.

قال فالميتة لم حرمها قال فرقا بينها وبين ما يذكر اسم الله عليه والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع إلى بدنها فلحمها ثقيل غير مريء لأنها يؤكل لحمها بدمها قال فالسمك ميتة قال إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه وذلك أنه ليس له دم وكذلك الجراد (١).

بيان : في القاموس بينهم رحم ماسة قرابة قريبة.

قوله عليه‌السلام فرقا بينها أقول لما كان للموت الذي هو سبب التحريم سببان أحدهما عدم رعاية شرائط الذبح والنحر كالتسمية والاستقبال وثانيهما عدم الذبح والنحر أصلا فذكر عليه‌السلام لكل واحد منهما علة فعلل الأول بعلة دينية روحانية وهو إطاعة أمر الله والبركات المترتبة عليها للبدن والروح في الدنيا والآخرة

__________________

(١) الاحتجاج : ص.


مع أنه يمكن أن يكون لرعاية تلك الشرائط لا سيما التسمية مدخلا في منافع أجزاء الذبيحة وموافقتها للأبدان.

وعلل الثاني بأنه مع عدم الذبح والنحر تتفرق الدماء التي في العروق في اللحم فتؤكل معه فيترتب عليه المفاسد المترتبة على شرب الدم فاعترض السائل بأنه على هذا يلزم حرمة السمك لأنه لا ذبح فيه ولا يخرج عنه الدم فأجاب عليه‌السلام بأنه ليس فيه دم كثير سائل ليحتاج إلى الذبح لإخراجه والدم القليل الذي فيه كالدم المتخلف في اللحم فيما له نفس سائلة فكما لا يضر الدم المتخلف ولا يحرم أكله فكذا هذا الدم.

٢ ـ العلل ، والمجالس ، للصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن عذافر عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام لم حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر (١) فقال إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحل لهم ولا زهد فيما حرم عليهم ولكنه عز وجل خلق الخلق وعلم (٢) ما تقوم به أبدانهم وما يصلحها (٣) فأحله لهم وأباحه وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه (٤) ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به فأحله له بقدر البلغة (٥) لا غير ذلك ثم قال عليه‌السلام أما الميتة فإنه لم ينل أحد منها إلا ضعف بدنه وأوهنت قوته وانقطع نسله ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة

__________________

(١) الفاظ الحديث من المجالس ، واما هي في العلل فتختلف مع المجالس في بعض المواضع منها هاهنا ففيه : محمد بن عذافر عن بعض رجاله عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : لم حرم الله عز وجل الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير.

(٢) في المصدرين : فعلم.

(٣) في المصدرين والاختصاص : وما يصلحهم.

(٤) في العلل والاختصاص : فنهاهم عنه وحرمه عليهم.

(٥) في العلل والاختصاص : فأمره أن ينال منه بقدر البلغة.


وأما الدم فإنه يورث أكله الماء الأصفر ويورث الكلب (١) وقساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة ثم لا يؤمن على حميمه ولا يؤمن على من صحبه وأما لحم الخنزير فإن الله تبارك وتعالى مسخ قوما في صور شتى مثل الخنزير والقرد والدب ثم نهى عن أكل المثلة (٢) لكيلا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبتها وأما الخمر فإنه حرمها لفعلها وفسادها ثم قال عليه‌السلام إن مدمن الخمر كعابد وثن ويورثه الارتعاش ويهدم مروءته وتحمله على التجسر (٣) على المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا حتى لا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك والخمر لا تزيد شاربها إلا كل شر (٤).

العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعا عن ابن بزيع عن محمد بن عذافر عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام سواء (٥).

أقول روي في العلل الخبر بالسند الأول وفيه عن بعض رجاله مكان عن أبيه.

الإختصاص ، عن محمد بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٦).

__________________

(١) الكلب : العطش الشديد وداء يشبه الجنون يأخذ الكلاب فتعض الناس ، ويعرض ذلك للإنسان الذي عضه ذلك الكلب.

(٢) في نسخة من المجالس وفي الاختصاص : عن أكل مثله.

(٣) في المصدرين : على أن يجسر.

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٦٩ و ١٧٠ ، المجالس : ٣٩٥ ( م ٩٥ ).

(٥) علل الشرائع ٢ : ١٧٠.

(٦) الاختصاص : ١٠٣ فيه : « من رغبة فيما حرم عليهم ولا رهبة فيما أحل لهم » وفيه : « وأباحه لهم تفضلا منه عليهم لمصلحتهم » وفيه : « ثم أباحه للمضطر واحله له في الوقت » وفيه « فانها لا يدنو منها أحد ولا يأكل الاضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته وانقطع نسله ولا يموت إلا فجأة » وفيه : « واما الدم فانه يورث أكله الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الريح ويسيء الخلق ويورث الكلب والقسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه ولا يؤمن على حميمه وعلى من صحبه » وفيه : « فى صورة شيء شبه الخنزير والقرد والدب وكان من الامساخ » وفيه : يذهب بقوته ويهدم مروءته.


العياشي ، عن محمد بن عبد الله عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (١).

العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم عن أبيه عن جده إبراهيم بن هاشم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن عمر بن عثمان عن محمد بن علي عن بعض أصحابنا قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام وذكر مثله (٢).

٣ ـ العيون ، والعلل ، عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن القاسم بن ربيع وروى في العيون عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان قال وحدثنا علي بن أحمد الدقاق ومحمد بن أحمد السناني وعلي بن عبد الله الوراق والحسين بن إبراهيم المكتب رضي الله عنهم عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان وحدثنا علي بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي وعلي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة ومحمد بن موسى البرقي عن علي بن محمد ماجيلويه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام أنه كتب إليه حرم الخنزير لأنه مشوه جعله عز وجل عظة للخلق وعبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته ولأن غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة وكذلك حرم القرد لأنه مسخ مثل الخنزير جعل عظة وعبرة للخلق دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته وجعل فيه شبها من الإنسان ليدل على أنه (٣) من الخلق المغضوب عليهم.

وكتب إليه أيضا من جواب مسائله حرمت الميتة لما فيها من إفساد الأبدان والآفة ولما أراد الله عز وجل أن يجعل التسمية سببا للتحليل وفرقا بين الحلال والحرام وحرم الله عز وجل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان ولأنه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الريح ويسيء الخلق ويورث القسوة للقلب

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ص ٢٩١.

(٢) العلل مخطوط ليست نسخته عندي.

(٣) في النسخة المخطوطة : دليلا على انه.


وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه وحرم الطحال لما فيه من الدم ولأن علته وعلة الدم والميتة واحدة لأنه يجري مجراها في الفساد (١).

بيان : قوله ولما أراد الله أشار إلى العلة الدينية التي ذكرناها في الخبر الأول.

٤ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام اعلم يرحمك الله أن الله تبارك وتعالى لم يبح أكلا ولا شربا إلا ما فيه من المنفعة والصلاح ولم يحرم إلا ما فيه الضرر والتلف والفساد فكل نافع مقو للجسم فيه قوة للبدن فحلال وكل مضر يذهب بالقوة أو قاتل فحرام مثل السموم والميتة والدم ولحم الخنزير وذي ناب من السباع ومخلب من الطير وما لا قانصة له منها ومثل البيض إذ استوى طرفاه والسمك الذي لا فلوس له فحرام كله إلا عند الضرورة والعلة في تحريم الجري وما أجري مجراه من سائر المسوخ البرية والبحرية ما فيها من الضرر للجسم لأن الله تقدست أسماؤه مثل على صورها مسوخا فأراد أن لا يستخف بمثله والميتة تورث الكلب وموت الفجأة والأكلة والدم يقسي القلب ويورث الداء الدبيلة وأما السموم فقاتلة والخمر تورث قساوة القلب ويسود الأسنان ويبخر الفم ويبعد من الله ويقرب من سخطه وهو من شراب إبليس وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شارب الخمر ملعون شارب الخمر كعبدة أوثان يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان (٢).

٥ ـ العلل ، عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان قال : كتب إليه الرضا عليه‌السلام فيما كتب إليه من العلل إنا وجدنا كل ما أحل الله تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٧٠ و ١٧١.

(٢) فقه الرضا :.


إليه ووجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك ثم رأيناه تبارك وتعالى قد أحل بعض ما حرم في وقت الحاجة لما فيه من الصلاح في ذلك الوقت نظير ما أحل من الميتة والدم ولحم الخنزير إذا اضطر إليه المضطر لما في ذلك الوقت من الصلاح والعصمة ودفع الموت فكيف الدليل على أنه لم يحل ما يحل إلا ما فيه من المصلحة للأبدان وحرم ما حرم لما فيه من الفساد (١).

أقول : تمام الخبر مع ما يؤيد ذلك من الأخبار أوردناها في باب علل الشرائع والأحكام من كتاب العدل.

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٧٩.


٣

(باب)

(ما يحل من الطيور وسائر الحيوان وما لا يحل)

١ ـ الخصال ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين عن أبي سعيد المكاري عن سلمة بياع الجواري قال : سألني رجل من أصحابنا أن أقوم له في بيدر وأحفظه فكان إلى جانبي دير فكنت أقوم إذا زالت الشمس فأتوضأ وأصلي فناداني الديراني ذات يوم فقال ما هذه الصلاة التي تصلي فما أرى أحدا يصليها فقلت أخذناها عن ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال وعالم هو فقلت نعم فقال سله عن ثلاث خصال عن البيض أي شيء يحرم منه وعن السمك أي شيء يحرم منه وعن الطير أي شيء يحرم منه قال فحججت من سنتي فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له إن رجلا سألني أن أسألك عن ثلاث خصال قال وما هي قلت قال لي سله عن البيض أي شيء يحرم منه وعن السمك أي شيء يحرم منه وعن الطير أي شيء يحرم منه فقال قل له أما البيض كل ما لم تعرف رأسه من استه فلا تأكله وأما السمك فما لم يكن له قشر فلا تأكله وأما الطير فما لم تكن له قانصة فلا تأكله قال فرجعت من مكة فخرجت إلى الديراني متعمدا فأخبرته بما قال فقال هذا والله نبي أو وصي نبي.

قال الصدوق رحمه‌الله يؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ويؤكل من طير البر ما دف ولا يؤكل ما صف فإن كان الطير يصف ويدف وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل (١).

بيان : المعروف بين الأصحاب أن بيض الطيور تابع لها في الحل أو الحرمة ومع الاشتباه يؤكل ما اختلف طرفاه ولا يؤكل ما اتفقا ويدل عليه أخبار كثيرة

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٣٩ و ١٤٠.


وسيأتي حكم السمك إن شاء الله.

وقال الجوهري القانصة واحدة القوانص وهي للطير بمنزلة المصارين لغيرها وقال المصير المعا وهو فعيل والجمع المصران مثل رغيف ورغفان والمصارين جمع الجمع انتهى.

ويظهر من حديث سماعة أنها بمنزلة المعدة للإنسان حيث روي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : كل من طير البر ما كان له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا كمعدة الإنسان.

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره والصيصية بكسر أوله بغير همز الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر بمنزلة الإبهام من بني آدم لأنها شوكته ويقال للشوكة صيصية أيضا انتهى.

ثم اعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب أنه يحرم من الطير ما كان صفيفه في الطيران أكثر من دفيفه ولو تساويا أو كان الدفيف أكثر لم يحرم والمتساوي غير مذكور في الروايات وكأنه لندرة وقوعه وصعوبة استعلامه لكن يدل على الحل عموم الآيات والروايات والمعروف من مذهبهم أيضا أن ما ليست له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية فهو حرام وما له إحداها فهو حلال ولا فرق فيه وفي الضابطة السابقة بين طير البر والماء.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله عند قول المحقق قدس الله روحه وما له أحدها فهو حلال ما لم ينص على تحريمه نبه بقوله ما لم ينص على تحريمه على أن هذه العلامات إنما تعتبر في الطائر المجهول أما ما نص على تحريمه فلا عبرة فيه بوجود هذا والظاهر أن الأمر لا يختلف ولا يعرف طير محرم له أحد هذه ومحلل خال عنها لكن المصنف رحمه‌الله تبع في ذلك مورد النص حيث قال الرضا عليه‌السلام والقانصة والحوصلة يمتحن بها من الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول.

ثم قال يقال دف الطائر في طيرانه إذا حرك جناحيه كأنه يضرب بهما


دفه يعني جنبه وصف إذا لم يتحرك كما تفعل الجوارح.

وقال الحوصلة بتشديد اللام وتخفيفها ما يجمع فيها الحب مكان المعدة لغيره.

٢ ـ الخصال ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام تنزهوا عن أكل الطير الذي ليست له قانصة ولا صيصية ولا حوصلة واتقوا كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير (١).

توضيح المراد بذي الناب كل ما له ناب أو الناب الذي يفترس به قال في المصباح الناب من الإنسان هو الذي يلي الرباعيات قال ابن سينا ولا يجمع في حيوان ناب وقرن معا.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله المراد من ذي الناب الذي يعدو به على الحيوان ويقوى به وهو شامل للضعيف منه والقوي فيدخل فيه الكلب والأسد والنمر والفهد والدب والقرد والفيل والذئب والثعلب والضبع وابن آوى لأنها عادية بأنيابها وخالف في الجميع مالك فكره السباع كلها من غير تحريم ووافقنا أبو حنيفة على تحريم جميع ذلك وفرق الشافعية بين ضعيف الناب منها كالثعلب والضبع وابن آوى وقويها فحرم الثاني دون الأول انتهى.

وفي القاموس المخلب ظفر كل سبع من الماشي والطائر أو هو لما يصيد من الطير والظفر لما لا يصيد انتهى.

وعد المحقق قدس نفسه من محرمات الطير ما كان له مخلاب يقوى به على الطير كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق أو ضعيفا كالنسر والرخمة والبغاث وقال في المسالك تحريم ما كان له مخلاب من الطير عندنا موضع وفاق ومالك على أصله في حله.

٣ ـ العلل ، عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن

__________________

(١) الخصال ٢ : ٦١٥ والحديث من اجزاء حديث اربعمائة.


علي بن العباس عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان أن الرضا عليه‌السلام كتب إليه حرم سباع الطير والوحوش كلها لأكلها من الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك فجعل الله عز وجل دلائل ما أحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبي عليه‌السلام كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام وكل ما كان له قانصة من الطير فحلال.

وعلة أخرى تفرق بين ما أحل من الطير وما حرم قوله كل ما دف ولا تأكل ما صف وحرم الأرنب لأنها بمنزلة السنور ولها مخالب كمخالب السنور وسباع الوحوش فجرت مجراها في قذرها في نفسها وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ (١).

العيون ، بالأسانيد المتقدمة في الباب السابق عن ابن سنان مثله (٢).

توضيح فجعل الله المفعول الثاني لجعل قوله كل ذي ناب إلخ أي لما كانت العلة في حرمتها افتراسها الحيوانات وأكلها اللحوم جعل الفرق بينها وبين غيرها ما يدل عليه من الناب والمخلب وكذا القانصة دليل على أكلها الحبوب دون اللحوم فإن ما يأكل اللحم فله معدة كمعدة الإنسان وقوله عليه‌السلام وعلة أخرى يمكن أن يكون بيانا لقاعدة أخرى ذكرها استطرادا فيكون المراد بالعلة القاعدة توسعا أو يكون الصفيف أيضا من علامات الجلادة والسبعية كما هو الظاهر ويحتمل أن يكون وعلة أخرى كلام ابن سنان لكنه بعيد وقوله عليه‌السلام وما يكون منها كأنه معطوف على أنها فيكون علة أخرى للتحريم ويحتمل أن يكون الموصول مبتدأ وقوله لأنها مسخ خبر فيستفاد منها علة للتحريم أيضا.

٤ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن لحوم الحمر الأهلية أتؤكل قال نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما نهى عنها

__________________

(١) علل الشرائع : ١٦٧ و ١٦٨ فيه : وسباع الوحش.

(٢) عيون الأخبار : ج ٢ ص ٩٣.


لأنهم كانوا يعملون عليها فكره أن يفنوها (١).

كتاب المسائل ، بإسناده مثله (٢).

بيان : المعروف بين الأصحاب حتى كاد أن يكون إجماعا حل لحوم الخيل والبغال والحمير الأهلية وذهب أبو الصلاح إلى تحريم البغال والأشهر أقوى لعموم الآيات وخصوص الأخبار واختلف في أشدها كراهة بعد اتفاقهم على كراهة الجميع فقيل البغال وقال الحمير وكان الأقرب الأخير.

٥ ـ العلل ، عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسن العبدي عن أبي سعيد الخدري (٣) أنه سئل ما قولك في هذا السمك الذي يزعم إخواننا من أهل الكوفة أنه حرام فقال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول الكوفة جمجمة العرب ورمح الله تبارك وتعالى وكنز الإيمان فخذ عنهم أخبرك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكث (٤) بمكة يوما وليلة بذي طوى ثم خرج وخرجت معه فمررنا برفقة جلوس يتغدون فقالوا يا رسول الله الغداء فقال لهم أفرجوا لنبيكم فجلس بين رجلين وجلست وتناول رغيفا فصدع نصفه ثم نظر إلى أدمهم فقال ما أدمكم فقالوا الجريث يا رسول الله فرمى بالكسرة من يده وقام.

قال أبو سعيد وتخلفت بعده لأنظر ما رأى الناس فاختلف الناس فيما بينهم فقالت طائفة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجريث وقالت طائفة لم يحرمه ولكن عافه ولو كان حرمه لنهانا عن أكله قال فحفظت مقالة القوم وتبعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) قرب الإسناد : ١١٧.

(٢) بحار الأنوار ١٠ :.

(٣) رواه الكليني في فروع الكافي ٦ : ٢٤٣ عن الحسين بن محمد. وفيه : على بن الحسن العبدى عن ابى هارون عن ابى سعيد الخدري.

(٤) في المصدر : « انه مكث » وفي الكافي : اخبرك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكث بمكة يوما وليلة يطوى.


حتى لحقته ثم غشينا رفقة أخرى يتغدون فقالوا يا رسول الله الغداء فقال نعم (١) أفرجوا لنبيكم فجلس بين رجلين وجلست معه فلما تناول كسرة القوم نظر إلى أدمهم فقال ما أدمكم هذا قالوا ضب يا رسول الله فرمى بالكسرة وقام قال أبو سعيد فتخلفت بعده فإذا بالناس (٢) فرقتان قال فرقة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الضب فمن هناك لم يأكله وقالت فرقة أخرى إنما عافه ولو حرمه لنهانا عنه قال ثم تبعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى لحقته فمررنا بأصل الصفا وفيها قدور تغلي فقالوا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو تكرمت علينا حتى تدرك قدورنا قال وما في قدوركم قالوا حمر لنا كنا نركبها فقامت فذبحناها فدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القدور فأكفأها برجله ثم انطلق جوادا وتخلفت بعده فقال بعضهم حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحم الحمر وقال بعضهم كلا إنما أفرغ قدوركم حتى لا تعودوه فتذبحوا دوابكم قال أبو سعيد فتبعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا با سعيد ادع بلالا فلما جاءه بلال (٣) قال يا بلال اصعد أبا قبيس فناد عليه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم الجري والضب والحمر الأهلية ألا فاتقوا الله ولا تأكلوا من السمك إلا ما كان له قشر ومع القشر فلوس إن الله تبارك وتعالى مسخ سبعمائة أمة عصوا الأوصياء بعد الرسل فأخذ أربعمائة أمة منهم برا وثلاثمائة منهم بحرا ثم تلا هذه الآية « فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ » (٤).

توضيح جمجمة العرب أي محل جماجم العرب وأشرافها والتشبيه بالرمح لأنها بها يدفع الله البلايا عن العرب في القاموس الجمجمة بالضم القحف والجماجم السادات والقبائل التي تنسب إليها البطون وفي النهاية يقال للسادات جماجم ومنه

__________________

(١) في الكافي : فقال لهم : نعم افرجوا.

(٢) في الكافي : فاذا الناس.

(٣) في المصدر : فلما جئته ببلال.

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٤٦ و ١٤٧ ، والآية في سبا : ١٩.


حديث عمر ائت الكوفة فإن بها جمجمة العرب أي ساداتها لأن الجمجمة الرأس وهو أشرف الأعضاء وقيل جماجم العرب التي تجمع البطون فتنسب إليها وقال فيه السلطان ظل الله ورمحه استوعب بهاتين الكلمتين نوعي ما على الوالي للرعية أحدهما الانتصار من الظالم والإعانة والآخر إرهاب العدو ليرتدع عن قصد الرعية وأذاهم ويأمنوا بمكانه من الشر والعرب تجعل الرمح كناية عن الدفع والمنع وفي القاموس ذو طوى مثلثة الطاء وينون موضع قرب مكة وفي النهاية بضم الطاء وفتح الواو المخففة موضع عند باب مكة يستحب لمن دخل مكة أن يغتسل به انتهى (١).

وفي الكافي يطوي بصيغة المضارع من طوى من الجوع يطوي طوى فهو طاو أي خالي البطن جائع لم يأكل.

الغداء بالنصب أي احضر وتغد معنا وفي المصباح الإدام ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا وجمعه أدم مثل كتاب وكتب يسكن للتخفيف فيعامل معاملة المفرد ويجمع على آدام مثل قفل وأقفال والجريث كسكيت سمك لا فلس له.

وفي القاموس عاف الطعام أو الشراب وقد يقال في غيرهما يعافه ويعيفه كرهه فلم يشربه وفي الكافي وتبعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوادا.

قال في النهاية فيه في حديث سليم بن صرد فسرت إليه جوادا أي سريعا كالفرس الجواد ويجوز أن يريد سيرا جوادا كما يقال سرنا عقبه جوادا أي بعيدة (٢).

ثم غشينا بالكسر بصيغة المتكلم من غشيه أي جاءه.

قوله لو تكرمت علينا في الكافي لو عرجت علينا في النهاية فيه لم أعرج عليه أي لم أقم ولم أحتبس (٣) حتى تدرك قدورنا برفع القدور من قولهم

__________________

(١) النهاية ٣ : ٥٤.

(٢) النهاية ١ : ٢١٦.

(٣) النهاية ٣ : ٨٩.


أدرك الشيء أي بلغ وقته كقولهم إدراك الثمرات أو بالنصب أي تلحقها وتأكلها وعلى التقديرين المراد بالقدور وما فيها ويقال قامت الدابة أي وقفت حتى لا تعودوه من باب التفعيل من العادة وفي الكافي كيلا تعودوا (١) من العود قوله فبعث في أكثر نسخ الكافي فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلي فلما جئته قال يا با سعيد وكأن المراد بالقشر الجلد الصلب (٢) « فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ » الآية في قصة قوم سبأ أي جعلناهم بحيث يتعجب الناس بهم تعجبا وضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبأ « وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ » أي فرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان ولعل تحريم الحمر محمول على الكراهية الشديدة أو على النسخ بأن كانت محرمة ثم نسخ.

٦ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن عبد الرحمن بن سالم عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني لم حرم الله عز وجل لحم الخنزير قال إن الله تبارك وتعالى مسخ قوما في صور شتى مثل الخنزير والقرد والدب ثم نهى عن أكل المثلة لكيلا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته (٣).

٧ ـ العلل ، والعيون ، بالأسانيد المتقدمة عن محمد بن سنان فيما رواه من العلل أنه كتب الرضا عليه‌السلام إليه أحل الله عز وجل البقر والغنم والإبل لكثرتها وإمكان وجودها وتحليل بقر الوحش وغيرها من أصناف ما يؤكل من الوحش المحللة لأن غذاءها غير مكروه ولا محرم ولا هي مضرة بعضها ببعض ولا مضرة بالإنس ولا في خلقها تشويه (٤).

__________________

(١) في الكافي : حتى لا تعودوا.

(٢) ولعله الذي يقال له بالفارسية ، پولك وفلس.

(٣) علل الشرائع ٢ : ١٧٠.

(٤) علل الشرائع ٢ : ٢٤٨.


٨ ـ الخصال ، عن ستة من مشايخه (١) منهم أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبي معاوية عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام قال : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فأكله حرام (٢).

٩ ـ العيون ، عن عبد الواحد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان فيما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون يحرم كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير (٣).

١٠ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن ابن أبي عمير أن ابن أذينة عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن أكل الحمر الأهلية فقال نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكلها يوم خيبر وإنما نهى عن أكلها لأنها كانت حمولة للناس وإنما الحرام ما حرم الله عز وجل في القرآن (٤).

بيان : لعل الحصر إضافي أو المعنى ما حرم الله في القرآن أعم من أن يكون في ظهر القرآن ونفهمه أو في بطنه وبينه الحجج عليهم‌السلام لنا.

١١ ـ العلل ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكل لحوم الحمر وإنما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها وليست الحمير بحرام ثم قرأ هذه الآية « قُلْ لا » (٥) « أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ

__________________

(١) هم أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي وأحمد بن الحسن ومحمد بن أحمد السنائى والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب وعبد الله بن محمد الصائغ وعلي بن عبد الله الوراق عن ابى العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان.

(٢) الخصال ٢ : ٦٠٣ و ٦٠٩.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٢.

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٤٩ و ٢٥٠.

(٥) الأنعام : ١٤٥.


مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ » إلى آخر الآية (١).

المقنع ، مرسلا مثله (٢).

١٢ ـ العلل ، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : سئل أبي عليه‌السلام عن لحوم الحمر الأهلية قال نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكلها لأنها كانت حمولة الناس (٣) يومئذ وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن (٤).

١٣ ـ العيون ، والعلل ، بالأسانيد المتقدمة (٥) عن محمد بن سنان فيما رواه من العلل قال : كتب إليه الرضا عليه‌السلام كره أكل لحوم البغال والحمر الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها والخوف من إفنائها لقلتها لا لقذر خلقتها ولا قذر غذائها (٦).

١٤ ـ العلل ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن الصلت عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تأكل جريثا ولا مارماهيجا ولا طافيا ولا إربيان ولا طحالا لأنه بيت الدم ومضغة الشيطان (٧).

بيان : الجريث كسكيت سمك وقيل هو الجري كذمي وهما والمارماهي أسماء لنوع واحد من السمك غير ذي فلس قال الدميري والجريث بكسر الجيم والراء المهملة وبالثاء المثلثة هو هذا السمك الذي يشبه الثعبان وجمعه جراري ويقال له أيضا الجري بالكسر والتشديد وهو نوع من السمك يشبه الحية ويسمى بالفارسية مارماهي انتهى وظاهر الخبر مغايرة الجريث للمارماهيج وهو معرب

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٥٠.

(٢) المقنع.

(٣) في المصدر : « للناس » وزاد في نسخة في آخر الحديث : والا فلا.

(٤) علل الشرائع ٢ : ٢٥٠.

(٥) في الخبر الثالث.

(٦) علل الشرائع ٢ : ٢٥٠ فيه : « والخوف من فنائها » عيون الأخبار :.

(٧) علل الشرائع ٢ : ٢٤٩.


المارماهي ويمكن أن يكون العطف للتفسير وظاهر بعض الأصحاب أيضا المغايرة والطافي الذي يموت في الماء ويعلو فوقه والإربيان بالكسر سمك كالدود ذكره الفيروزآبادي.

وأقول المشهور حله وله فلس ويأكله أهل البحرين ويذكرون له خواصا كثيرة قال الدميري روبيان هو سمك صغار جدا أحمر وذكر له خواصا.

وقال العلامة رحمه‌الله في التحرير يجوز أكل الإربيان بكسر الألف وهو أبيض كالدود وكالجراد انتهى.

ولعل الخبر محمول على الكراهة والمضغة بالضم القطعة من اللحم قدر ما يمضغ وإنما نسب إلى الشيطان لأن إبراهيم عليه‌السلام أعطاه إبليس كما سيأتي إن شاء الله.

١٥ ـ العيون ، والعلل ، عن محمد بن عمر البصري عن محمد بن عبد الله بن جبلة الواعظ عن عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه في حديث أسئلة الشامي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قد نهى عن أكل الصرد والخطاف (١).

١٦ ـ المحاسن ، عن أبيه عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام وسئل عن لحم الخيل والبغال والحمر فقال حلال ولكن تعافونها (٢).

١٧ ـ ومنه ، عن علي بن الحكم عن داود الرقي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن لحوم البخت وألبانهن فكتب لا بأس (٣).

بيان : في القاموس البخت بالضم الإبل الخراسانية كالبختية والجمع بخاتي وبخاتي وبخات انتهى وربما يفهم من نفي البأس الكراهة وفيه نظر نعم نفيه لا ينافي الكراهة في عرف الأخبار إن كان عموم النكرة في سياق النفي يقتضي الكراهة

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٨١. عيون الأخبار ج ١ ص ٢٤٣.

(٢ و ٣) المحاسن : ٤٧٣.


أيضا لأنها بأس.

وقال في الدروس قال ابن إدريس والفاضل بكراهة الحمار الوحشي والحلي بكراهة الإبل والجواميس والذي في مكاتبة أبي الحسن عليه‌السلام في لحم حمر الوحش تركه أفضل وروي في لحم الجاموس لا بأس به انتهى.

وأقول الذي وجدته في الكافي لأبي الصلاح رحمه‌الله يكره أكل الجواميس والبخت وحمر الوحش والأهلية انتهى.

فنسبه الشهيد قدس‌سره إليه القول بكراهة مطلق الإبل سهو وكيف يقول بذلك مع أن مدار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام كان على أكل لحومها والتضحية بها لكن الغالب في تلك البلاد الإبل العربية لا الخراسانية والقول بكراهة لحم البخاتي له وجه.

لما رواه الكليني بسند فيه ضعف عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه‌السلام قال سمعته يقول لا آكل لحوم البخاتي ولا آمر أحدا بأكلها

١٨ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام يؤكل من الطير ما يدف بجناحيه ولا يؤكل ما يصف وإن كان الطير يدف ويصف وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل (١).

١٩ ـ العياشي ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من زرع حنطة في أرض فلم يزك في زرعه أو خرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض أو بظلم مزارعه وأكرته لأن الله يقول « فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ » يعني لحوم الإبل والبقر والغنم وقال إن إسرائيل كان إذا أكل من لحوم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة فحرم على نفسه لحم الإبل وذلك من قبل أن تنزل التوراة فلما أنزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله (٢).

بيان : الاستشهاد بالآية من جهة أن بني إسرائيل لما علموا بالمعاصي حرم الله

__________________

(١) فقه الرضا :.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٨٤.


عليهم بعض ما أحل لهم ولما لم يكن في هذه الأمة نسخ لم يحرم عليهم ولكن حرمهم الطيبات وسلب عنهم البركات وعلى القول بأن الله لم يحرم عليهم ولكن حرموا على أنفسهم فالمعنى أن الله سلب عنهم التوفيق حتى حرموها على أنفسهم فحرموا بذلك من الطيبات فالاستشهاد بالآية أظهر ولم يأكله أي موسى عليه‌السلام بقرينة المقام أو إسرائيل.

٢٠ العياشي ، عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا سئل عن أكل لحم الفيل والدب والقرد فقال ليس هذا من بهيمة الأنعام التي تؤكل (١).

٢١ ـ ومنه ، عن أيوب بن نوح بن دراج قال : سألت أبا الحسن الثالث عن الجاموس وأعلمته أن أهل العراق يقولون إنه مسخ فقال أوما سمعت قول الله « وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ».

وكتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام بعد مقدمي من خراسان أسأله عما حدثني به أيوب في الجاموس فكتب هو ما قال لك (٢).

بيان : ظاهره أن الاثنين من البقر الجاموس والنوع المأنوس وهذا التفسير لم أره في كلام المفسرين ويحتمل أن يكون المراد أن الله أحل البقر الأهلي والوحشي أو الذكر والأنثى من الأهلي والجاموس صنف من الأهلي كما صرح به الدميري وغيره فإطلاق الآية يشمله وقوله وكتبت كلام الراوي عن أيوب ومن أسقط السند أسقطه.

٢٢ ـ العياشي ، عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكرنا القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل فقال ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه وقال نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكل لحوم الحمير وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه وليس الحمير بحرام وقال اقرأ هذه الآية « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٩٠.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٨٠.


دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ » (١)

بيان : روي في المقنع مرسلا مثله (٢) وروى الشيخ في التهذيب بسند صحيح عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (٣).

وفي القاموس الوطواط ضرب من خطاطيف الجبال والخفاش.

وقال الدميري الوطواط الخفاش (٤) وقال في التهذيب بعد إيراد هذه الرواية قوله عليه‌السلام ليس الحرام إلى آخره المعنى فيه أنه ليس الحرام المخصوص المغلظ الشديد الحظر إلا ما ذكره الله تعالى في القرآن وإن كان فيما عداه أيضا محرمات كثيرة إلا أنه دونه في التغليظ انتهى (٥).

وربما يحمل على أن الجواب مخصوص بالخيل والبغال والحمير وقد يحمل ما ورد في السباع على قبولها للتذكية وجواز استعمال جلودها في غير الصلاة بخلاف ما هو محرم في القرآن كالخنزير ولا يخفى ما في الجميع من البعد ولعل الحمل على التقية أظهر.

٢٣ ـ العياشي ، عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : حرم على بني إسرائيل كل ذي ظفر والشحوم « إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ » (٦)

٢٤ ـ ومنه ، عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن أبوال الخيل والبغال والحمير قال نكرهها فقلت أليس لحمها حلالا قال فقال أليس قد بين الله لكم « وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ » وقال « وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً » فجعل للأكل الأنعام التي قص الله في الكتاب وجعل

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ص ٣٨٢.

(٢) المقنع :.

(٣) تهذيب الأحكام :.

(٤) حياة الحيوان ٢ : ٢٩٠.

(٥) تهذيب الأحكام :.

(٦) تفسير العياشي : ج ١ ص ٣٨٣.


للركوب الخيل والبغال والحمير وليس لحومها بحرام ولكن الناس عافوها (١).

٢٥ ـ المكارم ، قال زرارة سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما يؤكل من الطير فقال كل ما دف ولا تأكل ما صف قال قلت البيض في الآجام قال ما استوى طرفاه فلا تأكل وما اختلف طرفاه فكل قلت فطير الماء قال ما كانت له قانصة فكل وما لم تكن له قانصة فلا تأكل (٢).

٢٦ ـ وفي حديث آخر إن كان الطير يصف ويدف وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل ويؤكل من صيد الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ولا يؤكل ما ليست له قانصة ولا صيصية (٣).

٢٧ ـ الهداية ، كل من الطير ما دف ولا تأكل ما صف فإن كان الطير يصف ويدف وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الإنسية فحرام ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة حيا أو ميتا (٤).

بيان : أو ميتا أي مذبوحا.

٢٨ ـ المقنع ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الإنسية حرام (٥).

٢٩ ـ المحاسن ، عن السياري رفعه قال : أكل لحم الجزور يذهب بالقرم (٦).

٣٠ ـ وفي حديث مروي قال : من تمام حب الإسلام حب لحم الجزور (٧).

بيان : قال في القاموس الجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة وما يذبح من الشاة وقال الجوهري الجزور من الإبل يقع على الذكر والأنثى وهي تؤنث

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٥٥.

(٢ و ٣) مكارم الأخلاق : ٨٤.

(٤) الهداية :.

(٥) المقنع :.

(٦ و ٧) المحاسن : ٤٧٤.


والجمع الجزر وقال الدميري بعد ذكر هذا وقال ابن سيدة الجزور الناقة التي تجزر وفي كتاب العين الجزر من الضأن والمعز خاصة مأخوذة من الجزر وهو القطع (١) وفي المصباح المنير الجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى قال ابن الأنباري وزاد الصغاني والجزور الناقة التي تنحر وجزرت الجزور وغيرها من باب قتل نحرتها والفاعل جزار انتهى والمراد هنا مطلق البعير أو الناقة وفي الصحاح القرم بالتحريك شدة شهوة اللحم.

٣١ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن يحيى الخزاز عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه كره أكل لحم الغراب لأنه فاسق (٢).

توضيح لعل المراد بفسقه أكله الجيف والخبائث قال في النهاية فيه خمس فواسق يقتلن في الحل والحرام أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة والجور وبه سمي العاصي فاسقا وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن وقيل لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لهن بحال ومنه حديث عائشة وسألت عن أكل الغراب فقالت ومن يأكله بعد قوله فاسق وقال الخطابي أراد بتفسيقها تحريم أكلها (٣).

٣٢ كتاب المسائل ، بإسناده إلى علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكلهما فقال لا يحل أكل شيء من الغربان زاغ ولا غيره (٤).

تبيين اعلم أنه اختلف الأصحاب في حل الغراب بأنواعه بسبب اختلاف الروايات فيه فذهب الشيخ في الخلاف إلى تحريم الجميع محتجا بالأخبار وإجماع

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ١٤٠.

(٢) علل الشرائع ٢ : ١٧١ طبعة قم.

(٣) النهاية ٣ : ٢٢٥ و ٢٢٦.

(٤) بحار الأنوار ١٠ :.


الفرقة وتبعه جماعة منهم العلامة في المختلف وولده وكرهه مطلقا الشيخ في النهاية وكتابي الحديث (١) والقاضي والمحقق في النافع وفصل آخرون منهم الشيخ في المبسوط على الظاهر منه وابن إدريس والعلامة في أحد قوليه فحرموا الأسود الكبير والأبقع وأحلوا الزاغ والغداف وهو الأغبر الرمادي. واحتج المحللون برواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : إن أكل الغراب ليس بحرام إنما الحرام ما حرمه الله في كتابه ولكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقذرا. وحجة المحرمين مطلقا صحيحة علي بن جعفر المتقدمة وأولها الشيخ رحمه‌الله بأن المراد أنه لا يحل حلالا طلقا وإنما يحل مع ضرب من الكراهة وحاول بذلك الجمع بين الخبرين وربما تحمل رواية زرارة على نفي التحريم المستند إلى كتاب الله فلا ينافي تحريمه بالسنة.

وأما المفصلون فليس لهم على هذا (٢) رواية بخصوصها وإن كان في المبسوط قد ادعى ذلك وليس فيه جمع بين الروايات للتصريح بالتعميم في الجانبين وربما احتج له بأن الأولين من الخبائث لأنهما يأكلان الجيف والأخيرين من الطيبات لأنهما يأكلان الحب وبهذا احتج من فصل من العامة وابن إدريس استدل على تحريم الأولين بأنهما من سباع الطير بخلاف الأخيرين لعدم الدليل على تحريمهما فإن الأخبار ليست على هذا الوجه حجة عنده وبالجملة الحل مطلقا وإن كان أقوى لموافقته لعموم الآيات والأخبار كما عرفت والأخبار المخصوصة متعارضة وأصل الحل قوي لكن الاحتياط في الاجتناب عن الجميع ويقوي ذلك شمول كل ذي مخلب من الطير لأكثرها بل لجميعها واحتمال التقية في أخبار الحل أيضا وإن كان بينهم أيضا خلاف في ذلك لكن الحل بينهم أشهر قال الشيخ في الخلاف الغراب كله حرام على الظاهر في الروايات وقد روي في بعضها رخص وهو الزاغ وهو غراب الزرع والغداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد وقال الشافعي

__________________

(١) أي التهذيب والاستبصار.

(٢) في النسخة المخطوطة : فليس لهم عليه.


الأسود والأبقع حرام والزاغ والغداف على وجهين أحدهما حرام والثاني حلال وبه قال أبو حنيفة دليلنا إجماع الفرقة وعموم الأخبار في تحريم الغداف وطريقة الاحتياط يقتضي أيضا ذلك انتهى.

ثم اعلم أن المعروف المعدود في الكتب تحريم الخفاش والوطواط والطاوس والزنابير والذباب والبق والأرنب والضب والحشار كلها كالحية والعقرب والفأرة والجرزان والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل واليربوع والقنفذ والوبر والخز والفنك والسمور والسنجاب وإقامة الدليل على أكثرها لا يخلو من إشكال والمعروف بينهم حل الحمام كلها كالقماري والدباسي والورشان وحل الحجل والقبج والدراج والقطا والطيهوج والدجاج والكروان والكركي والصعوة والبط وقد مرت العمومات الواردة في التحليل والتحريم والله الهادي إلى الصراط المستقيم.

٣٣ ـ دعائم الإسلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام (١).

٣٤ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : لا يؤكل الذئب ولا النمر ولا الفهد ولا الأسد ولا ابن آوى ولا الدب ولا الضبع ولا شيء له مخلب (٢).

٣٥ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أوتي بضب فلم يأكل منه وقذره (٣).

٣٦ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حرشة الأرض كالضب وغيره (٤).

٣٧ ـ وعنه أنه قال : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من الأنصار وهو قائم على فرس له يكيد بنفسه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذبحه يكن لك أجر بذبحك إياه وأجر باحتسابك له فقال يا رسول الله ألي منه شيء قال نعم كل وأطعمني فأهدى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه فخذا فأكل وأطعمنا (٥).

__________________

(١ ـ ٥) دعائم الإسلام ؛ ليست عندي نسخته.


٣٨ ـ وروينا عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه نهى عن ذبح الخيل (١).

قال المؤلف فيشبه والله أعلم أن يكون نهيه عن ذلك إنما هو استهلاك السالم السوي منها لأن الله عز وجل أمر بإعدادها وارتباطها في سبيله والذي جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو فيما أشفى على الموت (٢) وخيف عليه الهلاك منها والله أعلم.

٣٩ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (٣).

٤٠ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : لا تؤكل البغال (٤).

توضيح من حرشة الأرض أي من صيدها في القاموس حرش الضب يحرشه حرشا وحراشا وتحراشا صاده كاحترشه وذلك بأن يحرك يده على باب جحره ليظنه حية فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه انتهى.

وفي بعض النسخ حشرات الأرض وهو أظهر والظاهر زيادة الضب في الأول أو في الأخير وفي النهاية فيه أنه دخل على سعد وهو يكيد بنفسه أي يجود بها يريد النزع والكيد السوق ومنه حديث عمر تخرج المرأة إلى أبيها يكيد بنفسه أي عند نزع روحه وموته (٥).

يكن لك أجر لعل المراد تؤجر بأصل الذبح وإن لم تقصد به القربة ومع قصد القربة لك أجران أو المراد به اذبحه للصدقة أو لإطعام المؤمنين فيكون لك أجر لتخليصك إياه من المشقة لله وأجر آخر لما قصدت من الخير أو المراد إعطاء الأجرين لفعل واحد هو الذبح لله أو المراد بالاحتساب الصبر على الموت و

__________________

(١) دعائم الإسلام : ليست عندي نسخته.

(٢) أشفى عليه : أشرف. أى قارب الموت.

(٣ و ٤) دعائم الإسلام : ليست عندي نسخته.

(٥) النهاية ٤ : ٤٤.


تلف المال أي لو لم تذبحه كان لك أجر بأصل المصيبة ويحصل لك بالذبح أجر آخر.

وقال الفاضل المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله أي لك أجران لتخليصك إياه من الألم ولتفريقك لحمه حسبة لله تعالى فتردد الأنصاري في أنه أمره بتفريق كل لحمه أم بتفريق بعضه.

وروي هذا الحديث في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام مثله إلا أن فيه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انحره يضعف لك به أجران بنحرك إياه (١) إلخ. وما هنا أظهر ولا بد من تأويل النحر الوارد هناك بالذبح للإجماع على أنه لا يجزي النحر في الفرس.

فذلكة لا ريب في حل الأنعام الثلاثة والمعروف بين الأصحاب حتى كاد أن يكون اتفاقيا حل لحوم الدواب الثلاثة إلا قول أبي الصلاح بتحريم البغال وهو ضعيف ويكره أن يذبح بيده ما رباه من النعم ويؤكل من الوحشية البقر والكباش الجبلية والحمر والغزلان واليحامير وقال الفاضل بكراهة الحمار الوحشي وفي بعض الروايات تركه أفضل.

ويحرم الكلب والخنزير للنص والاتفاق ولا يعرف خلاف بين الأصحاب في تحريم كل سبع سواء كان له ناب أو ظفر كالأسد والنمر والفهد والذئب والسنور والثعلب والضبع وابن آوى ويدل عليه الأخبار ولا أعرف أيضا خلافا بيننا في تحريم المسوخات لكن قد وردت أخبار كثيرة في حل كثير من السباع وغيرها وحملها الأصحاب على وجوه قد أشرنا إلى بعضها والمعروف المذكور في أكثر الكتب تحريم الأرنب والضب والحشار كلها كالحية والعقرب والفأرة والجزر والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل واليربوع والقنفذ والوبر والخز

__________________

(١) تهذيب الأحكام :.


والفنك والسمور والسنجاب والعظاية وإقامة الدليل عليها لا يخلو من إشكال والعمل على المشهور رعاية للاحتياط وبعدا عن مذهب المخالفين ولا أعرف أيضا خلافا بيننا في تحريم كل ذي مخلب من الطير سواء كان قويا كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق أو ضعيفا كالنسر والرخمة والبغاث وقد مر ما يدل على ذلك.


٤

(باب)

(الجراد والسمك وسائر حيوان الماء)

الآيات النحل « وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا »

فاطر « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا »

تفسير « سَخَّرَ الْبَحْرَ » قيل أي جعله بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص « لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا » سمى لحما جريا على اللغة وعرفا يطلق مقيدا فيقال لحم السمك ويقابل به المطلق فيقال أكلت لحما وسمكا وتقييده بالطري ليس مخصصا له بالتحليل للإجماع على حل غيره أيضا لكن لما خرجت مخرج الامتنان وكان في طراوته ألذ كان التقييد به أليق وقيل وصفه بالطري لسرعة تطرق التغيير إليه ولا ريب أنه أطرى اللحوم واستدل مالك والثوري بالآية على أن السمك لحم فإذا حلف لا يأكل لحما حنث بالسمك وأجيب بأنه لحم لغة لا عرفا والأيمان مبنية على العرف لكونه طاريا على اللغة ناسخا لحكمها وفيه إشكال « وَمِنْ كُلٍ » أي من البحرين « تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا » الكلام فيه كما مر.

وقال الدميري السمك من خلق الماء الواحدة سمكة والجمع أسماك وسموك وهو أنواع كثيرة ولكل نوع اسم خاص قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر. ومن أنواع الأسماك ما لا يدرك الطرف أولها وآخرها لكبرها وما لا يدركها الطرف لصغرها وكله يأوي الماء ويستنشقه كما يستنشق بنو آدم وحيوان البر الهواء إلا أن حيوان البر يستنشق الهواء بالأنوف ويصل ذلك إلى قصبة الرئة والسمك يستنشق بأصداغه فيقوم له الماء في تولد الروح الحيواني في قلبه مقام الهواء وإنما استغنى عن الهواء في إقامة


الحيوان ولم نستغن نحن وما أشبهنا من الحيوان عنه لأنه من عالم الماء والأرض دون عالم الهواء ونحن من عالم الماء والهواء والأرض ونسيم البر لو مر على السمك ساعة لهلك (١) وهو بجملته شره كثير الأكل لبرد مزاج معدته وقربها من فمه وأنه ليس له عنق ولا صوت إذ لا يدخل إلى جوفه هواء البتة ولذلك يقول بعضهم إن السمك لا رئة له كما أن الفرس لا طحال له والجمل لا مرارة له والنعامة لا مخ له.

وصغار السمك تحترس من كباره فلذلك تطلب ماء الشطوط والماء القليل الذي لا يحمل الكبير وهو شديد الحركة لأن قوته المحركة للإرادة تجري في مسلك واحد لا ينقسم في عضو خاص وهذا بعينه موجود في الحيات ومن السمك ما يتولد بسفاد ومنها ما يتولد بغيره إما من الطين أو من الرمل وهو الغالب في أنواعه وغالبا يتولد من العفونات وبيض السمك ليس له بياض ولا صفرة إنما هو لون واحد وفي البحر من العجائب ما لا يستطاع حصره حكى القزويني في عجائب المخلوقات عن عبد الرحمن بن هارون المغربي قال ركبت بحر المغرب فوصلت إلى موضع يقال له البرطون وكان معنا غلام صقلي له صنارة (٢) فألقاها في البحر فصاد بها سمكة نحو الشبر فنظرنا فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب لا إله إلا الله وفي قفاها محمد وفي خلف أذنها اليسرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

١ ـ دعائم الإسلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسد وكان إذا أكل السمك قال اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيرا منه (٤).

٢ ـ وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام أكل التمر بعده يذهب أذاه (٥).

٣ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه نهى عن أكل ما صاده المجوس من الحوت و

__________________

(١) في المصدر : ونسيم البر الذي يعيش به الطير لو دام على السمك ساعة قتله.

(٢) صنارة الصياد : قطعة ملتوية من نحاس أو حديد تنشب في حلق الصيد.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٠.

(٤ و ٥) دعائم الإسلام : نسخته ليست عندي.


الجراد لأنه لا يأكل منه إلا ما أخذ حيا (١).

٤ ـ الهداية ، كل من المسك ما كان له فلوس ولا تأكل ما ليس له فلس وذكاة السمك والجراد أخذه ولا تأكل الدبا من الجراد وهو الذي لا يستقل بالطيران ولا تأكل من السمك الجريث ولا المارماهي ولا الطافي ولا (٢) الزمير (٣).

٥ ـ وسئل الصادق عليه‌السلام عن الربيثا فقال لا تأكلها فإنا لا نعرفها في السمك (٤).

بيان : هذا الخبر المرسل رواه الشيخ بسند موثق عن عمار الساباطي (٥) وحمله على الكراهة وظاهر الأصحاب أن الربيثا غير الإربيان ويظهر من خبر سيأتي أنهما واحد ولم يذكر الربيثا فيما عندنا من كتب اللغة ولا كتب الحيوان لكنه مذكور في أخبارنا وكتب أصحابنا ولم يختلفوا في حله قال في السرائر لا بأس بأكل الكنعت ويقال أيضا الكنعد بالدال غير المعجمة ولا بأس أيضا بأكل الربيثا بفتح الراء وكسر الباء وكذلك لا بأس بأكل الإربيان بكسر الألف وتسكين الراء وكسر الباء وهو ضرب من السمك البحري أبيض كالدود والجراد والواحدة إربيانة انتهى (٦) وقد مضى خبر آخر في النهي عن الإربيان.

٦ ـ كتاب عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال (٧) كان أصحاب المغيرة يكتبون إلي أن أسأله عن الجريث والمارماهي والزمير وما ليس له قشر من السمك حرام هو أم لا فسألته عن ذلك فقال لي اقرأ هذه الآية التي في

__________________

(١) دعائم الإسلام :.

(٢) الزمير بكسر الزاء وفتحها وتشديد الميم : نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره وأكثر ما يكون في المياه العذبة.

(٣) الهداية : ١٧.

(٤) الهداية : ٧ في نسخة : من السمك.

(٥) تهذيب الأحكام ٩ : ٨٠ ( طبعة الآخوندى ) رواه بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى.

(٦) السرائر : ٣٥٨ باب ما يستباح اكله.

(٧) القائل محمد بن مسلم والمسئول أبو جعفر الباقر عليه‌السلام.


الأنعام فقرأتها حتى فرغت منها قال فقال لي إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ولكنهم قد كانوا يعافون الشيء ونحن نعافه (١).

التهذيب ، بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي نجران عن عاصم مثله إلا أنه زاد بعد قوله في الأنعام « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ » قال فقرأتها إلخ (٢).

بيان : في القاموس الزمير كسكيت نوع من السمك وذكر أكثر أصحابنا الزمار واعلم أنه لا خلاف بين المسلمين في حل السمك الذي له فلس والمعروف من مذهب الأصحاب تحريم ما ليس على صورة السمك من أنواع الحيوان البحري وادعى الشهيد الثاني رحمه‌الله نفي الخلاف بين أصحابنا في تحريمه وتأمل فيه بعض المتأخرين لعدم ثبوت الإجماع عليه وشمول الأدلة العامة في التحليل (٣) له كما عرفت ولا ريب في أن العمل بما ذكره الأصحاب أولى وأحوط واختلف الأصحاب فيما لا فلس له من السمك فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في أكثر كتبه إلى تحريمه مطلقا وذهب الشيخ في كتابي الأخبار (٤) إلى الإباحة ما عدا الجري وحمل الأخبار الدالة على تحريمها على الكراهة لروايات صحيحة دالة على الحل منها هذه الرواية والمحرمون حملوها على التقية وهو أحوط.

٧ ـ الدر المنثور ، عن عكرمة قال قال ابن عباس مكتوب على الجرادة بالسريانية إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي الجراد جند من جندي أسلطه على من أشاء من عبادي (٥).

٨ ـ وعن أبي زهير قال : لا تقتلوا الجراد فإنه جند من جند الله الأعظم (٦).

__________________

(١) كتاب عاصم بن حميد : ٢٥ فيه صدر وذيل اسقطهما المصنف وفيه : والمارماهيك.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٦ فيه : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجرى والمارماهى.

(٣) في النسخة المخطوطة : فى التعليل له.

(٤) أي التهذيب والاستبصار.

(٥) الدر المنثور :.

(٦) الدر المنثور :.


٩ ـ وعن الحسين بن علي عليه‌السلام قال : كنا على مائدة أنا وأخي محمد ابن الحنفية وبني [ بنو ] عمي عبد الله بن عباس وقثم والفضل فوقعت جرادة فأخذها عبد الله بن عباس فقال للحسن تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة فقال سألت أبي فقال سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي على جناح الجرادة مكتوب إني أنا الله لا إله إلا أنا رب الجرادة ورازقها إذا شئت بعثتها رزقا لقوم وإن شئت (١) على قوم بلاء فقال ابن عباس هذا والله من مكنون العلم.

١٠ ـ حياة الحيوان ، بإسناد الطبراني عن الحسن بن علي عليه‌السلام قال : كنا على مائدة وذكر نحوه (٢).

بيان : يحتمل أن يكون الكتابة المذكورة كناية عن أن خلقتها على الهيئة المذكورة تدل على وجود الصانع ووحدته وكونه رب الجرادة وغيرها وأنها تكون نعمة وبلاء وفيها استعدادهما والله يعلم (٣).

١١ ـ كتاب المسائل ، بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الجري يحل أكله فقال إنا وجدناه في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام حراما (٤).

١٢ ـ كتاب صفات الشيعة ، عن علي بن أحمد بن عبد الله عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن عمرو بن شمر عن عبيد الله عن الصادق عليه‌السلام قال : من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن البراءة من الجبت والطاغوت (٥) والإقرار بالولاية والإيمان

__________________

(١) في المصدر : وان شئت بعثتها بلاء على قوم.

(٢) حياة الحيوان ١ : ١٣٦.

(٣) وانما ذكر انه مكتوب على جناحه لان قوته وطيرانه وبعثه رزقا لقوم وبلاء لآخرين تكون به.

(٤) بحار الأنوار ١٠ : ٢٥٤ ، طبعة الآخوندى.

(٥) الجبت : الصنم وكل ما يعبد من دون الله ويطاع من غير اذن الله والطاغوت : كل متعد ويعبر عنه بالديكتاتور ، رأس الضلال ، الصارف عن طريق الخير. كل معبود دون الله ، والبراءة عنهما : الخروج عن طاعتهما والقيام لاعدامهما ، وفي قبال ذلك الإقرار بأن الولاية والحكومة ليست الا لأولياء الله وخلصائه ، ولمن جعلهم الله خلفاءه على الناس وهم الأئمة عليهم‌السلام.


بالرجعة والاستحلال للمتعة وتحريم الجري والمسح على الخفين (١).

١٣ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الجراد نصيبه ميتا في الصحراء أو في الماء أيؤكل قال لا تأكله قال وسألته عن الجراد نصيده فيموت بعد ما نصيده فيؤكل قال لا بأس قال سألته عن الدبى من الجراد أيؤكل قال لا حتى يستقل بالطيران (٢).

كتاب المسائل ، بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام مثل الجميع إلا أنه قال في الأخير قال سألته عن الدبى هل يحل أكله قال لا يحل أكله حتى يطير (٣).

بيان : الدبى بفتح الدال وتخفيف الباء مقصورا هو الجراد قبل أن يطير وظهر جناحه (٤) والواحدة دباة بفتح الدال أيضا.

وقال في النهاية وقيل هو نوع يشبه الجراد (٥).

ويظهر من الأخبار الأول ولا خلاف ظاهرا في أن ذكاة الجراد أخذه حيا باليد أو بالآلة والمشهور أنه لا يشترط إسلام الآخذ إذا شاهده المسلم وذهب ابن زهرة إلى المنع من صيد غير المسلم له مطلقا ولعل الأشهر أقوى ولو مات في الماء أو في الصحراء قبل أخذه لم يحل ولو وقع في أجمة نار فأحرقتها وفيها جراد لم تحل وإن قصده المحرق لا أعرف فيه خلافا بينهم وتدل عليه رواية عمار (٦) ولا خلاف أيضا في عدم حل الدبى والمشهور أنه يباح أكله حيا وبما فيه كالسمك واشترط بعضهم في حله الموت وسيأتي ما يدل على عدم الاشتراط.

__________________

(١) صفات الشيعة : ١٧٨ فيه : « البراءة من الطواغيت » وفيه ؛ وترك المسح على الخفين.

(٢) قرب الإسناد : ١١٦.

(٣) بحار الأنوار ١٠ : ٢٨٧ و ٢٥٢ ( طبعة الآخوندى ).

(٤) في المخطوطة : وأن ظهر جناحه.

(٥) النهاية ٢ : ١٣.

(٦) لم يذكر في المخطوطة : « عمار » بل قال : وتدل عليه رواية.


١٤ ـ دعائم الإسلام ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : النون ذكي والجراد ذكي وأخذه حيا ذكاة.

١٥ ـ وعنه صلوات الله عليه أنه نهى عن الطافي وهو ما مات في البحر من صيده قبل أن يؤخذ.

١٦ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : لا يؤكل من دواب البحر إلا ما كان له قشر وكره السلحفاة والسرطان والجري وما كان في الأصداف وما جانس ذلك (١).

١٧ ـ كتاب المسائل ، بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عما صادت المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله قال صيده ذكاته لا بأس وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل فقال ذلك لحم الضفادع لا يصلح أكله (٢).

قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر مثل السؤال الأخير إلا أن فيه لا يحل أكله (٣) كما في الكافي.

بيان : ذلك لحم الضفادع أي شبيه به وحكمه حكمه وفيه إشعار بكونه حيوانا وقال الدميري الصدف من حيوانات البحر وفي حديث ابن عباس إذ مطرت السماء فتحت الصدف أفواهها وهو غلاف اللؤلؤ الواحدة صدفة.

١٨ ـ قرب الإسناد ، وكتاب المسائل ، بإسنادهما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن أكل السلحفاة والسرطان والجري أيحل أكله قال لا يحل أكل السلحفاة والسرطان والجري (٤).

__________________

(١) دعائم الإسلام : ليست عندي نسخته.

(٢) بحار الأنوار ١٠ : ٢٧٧ فيه : « عما اصاب » و ٢٦١ فيه : فلا يصلح اكله.

(٣) قرب الإسناد : ١١٨ وفيه : فى أجواف البحر.

(٤) قرب الإسناد : ١١٨ ، بحار الأنوار ١٠ : ٢٦١ فيه : عن اكل السلحفاة والسرطان والجرى ، قال : اما الجرى فلا يؤكل ولا السلحفاة ولا السرطان.


فائدة قال الدميري السلحفاة البرية بفتح اللام واحدة السلاحف قال أبو عبيدة وحكى الراوي سلحفة وسلحفاة (١) وهي بالهاء عند الكافة وعند ابن عبدوس السلحفا بغير هاء وذكرها يقال له غيلم وهذا الحيوان يبيض في البر فما نزل في البحر كان لجأة وما استمر في البر كان سلحفاة ويعظم الصنفان جدا إلى أن يصير كل واحد منهما حمل جمل وإذا أراد الذكر السفاد والأنثى لا تطيعه يأتي الذكر بحشيشة في فيه خاصيتها أن صاحبها يكون مقبولا فعند ذلك تطاوعه وهذه الحشيشة لا يعرفها إلا قليل من الناس وهي إذا باضت صرفت همتها إلى بيضها بالنظر إليه ولا تزال كذلك حتى يخلق الولد منها إذ ليس لها أن تحضنه حتى يكمل بحرارتها لأن أسفلها صلب لا حرارة فيه وربما تقبض السلحفاة على ذنب الحية وتقمع رأسها من ذنبها (٢) والحية تضرب بنفسها على ظهر السلحفاة وعلى الأرض حتى تموت ولذكرها ذكران وللأنثى فرجان والذكر يطيل المكث في السفاد والسلحفاة مولعة بأكل الحيات فإذا أكلتها أكلت بعدها سعترا والترس الذي على ظهرها وقايتها (٣).

وقال السلحفاة البحرية اللجاة بالجيم وهي تعيش في البر والبحر واللجأة البحرية لها لسان في صدورها من أصابته به من الحيوان قتله ولها حيلة عجيبة في صيدها من طائر أو غيره وذلك أنها تغوص في الماء ثم تتمرغ في التراب ثم تكمن للظبي (٤) في مواضع شربها فيختفي عليه لونها فتمسكه وتغوص به في الماء حتى يموت وقال أرسطاطاليس في النعوت ما خرج من بيض اللجأة مستقبل البحر صار إلى البحر وما خرج مستقبل البر صار إلى البر وكلهن يردن الماء لأنهن

__________________

(١) في المصدر : وحكى الرواسى سلحفية مثل بلهنية.

(٢) في المصدر : فتقطع رأسها وتمضغ من ذنبها.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ١٧.

(٤) في المصدر : للطير.


من خلق الماء قال وهي تأكل الثعابين (١).

وقال السرطان بفتح السين والراء المهملتين وبالنون في آخره حيوان معروف ويسمى عقرب الماء وكنيته أبو بحر وهو من خلق الماء ويعيش في البر أيضا وهو جيد المشي سريع العدو ذو فكين ومخالب وأظفار حداد كثير الأسنان صلب الظهر من رآه رأى حيوانا بلا رأس ولا ذنب عيناه في كتفه وفمه في صدره وفكاه مستويان من الجانب (٢) وله ثمانية أرجل وهو يمشي على جانب واحد ويستنشق الماء والهواء معا ويسلخ جلده في السنة ست مرات ويتخذ لجحره بابين أحدهما إلى الماء والآخر إلى اليبس فإذا سلخ جلده سد عليه ما يلي الماء خوفا على نفسه من سباع السمك وترك ما يلي اليبس مفتوحا ليصل إليه الريح فتجف رطوبته ويشتد فإذا اشتد فتح ما يلي الماء وطلب معاشه وقال أرسطاطاليس في النعوت وزعموا أنه إذا وجد سرطان ميت في حفرة مستلقيا على ظهره في قرية أو أرض تأمن تلك البقعة من الآفات السماوية وإذا علق على الأشجار يكثر ثمرها (٣).

١٩ ـ الكافي (٤) ، المكارم ، عن ابن نباتة عن علي عليه‌السلام أنه قال : لا تبيعوا الجري ولا المارماهي ولا الطافي.

٢٠ ـ المحاسن ، عن أبي أيوب المديني وغيره عن ابن أبي عمير عن ابن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الحوت ذكي حية وميتة (٥).

ومنه عن أبيه عن عون بن حريز عن عمرو بن مروان الثقفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٦).

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٢٧.

(٢) في المصدر : مشقوقان من الجانبين.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ١٤.

(٤) لم يذكر في المخطوطة : الكافي.

(٥ و ٦) المحاسن : ٤٧٥.


بيان : يدل على أن الحوت يحل أكله حيا كما هو المشهور بين الأصحاب وذهب الشيخ في المبسوط إلى توقف حله على الموت خارج الماء استنادا إلى أن ذكاته إخراجه من الماء حيا وموته خارجه فقبل موته لم تحصل الذكاة ولهذا لو عاد إلى الماء ومات فيه حرم ولو كان قد تمت ذكاته لما حرم بعدها وأجيب بمنع كون ذكاته يحصل بالأمرين معا بل بالأول خاصة بشرط عدم عوده إلى الماء وموته فيه مع أن عمومات الحل يشمله.

٢١ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام إن وجدت سمكة ولم تدر أذكي هو أم غير ذكي وذكاته أن يخرج من الماء حيا فخذ منه واطرحه في الماء فإن طفا على رأس الماء مستلقيا على ظهره فهو غير ذكي وإن كان على وجهه فهو ذكي (١).

بيان : ذكر هذه العبارة بعينها الصدوق رحمه‌الله في الفقيه والمقنع (٢) وقال في الدروس ويحرم الطافي إذا علم أنه مات في الماء ولو علم كونه مات خارج الماء حل ولو اشتبه فالأقرب التحريم ثم ذكر كلام المقنع وقال واختاره الفاضل انتهى وقال يحيى بن سعيد في الجامع إذا نصب شبكة فاجتمع فيها سمك جاز أكله فإن علم أن فيه ميتا في الماء ولم يتميز ألقى ذلك في الماء فإن طفا على ظهره لم يؤكل وإن طفا على وجهه أكل وكذلك صيد الحظائر وقال ابن حمزة في الوسيلة إن وجدت سمكة على شاطئ الماء ولم تعلم حالها ألقيت في الماء فإن طفت على الظهر فهي ميتة وإن طفت على الوجه فذكية (٣) ونحوه قال سلار في المراسم (٤) وعد ابن البراج في المهذب في السموك المحللة كل ما وجد منه على ساحل البحر وألقي في الماء فرسب أسفله ولم يطف عليه انتهى.

__________________

(١) فقه الرضا : ٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٠٧ ، المقنع : ٣٥ فيهما : « ولم تعلم أذكى » والظاهر من الكتابين انه من كلام الصدوق.

(٣) الوسيلة : ٧٠.

(٤) المراسم : ٢٨.


وكأنه حمل هذا الخبر على هذا المعنى ولا يخفى ما فيه ولعل السر فيما ورد في الخبر أن الذي يموت في الماء يتنفخ بطنه غالبا فيقع في الماء على ظهره دون ما مات خارج الماء والظاهر أن وقوع السمك الطري الميت على وجهه في الماء في غاية الندرة وأما غير الطري فهو يرسب في الماء سواء مات خارج الماء أو داخله ولعله لذلك أعرض عنه أكثر المتأخرين.

٢١ ـ المكارم ، عن أحمد بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام سألته عن الإسقنقور يدخل في دواء الباه له مخاليب وذنب أيجوز أن يشرب فقال إذا كان له قشور فلا بأس (١).

توضيح قال في القاموس إسقنقور دابة تنشأ بشاطئ بحر النيل لحمها باهي.

وقال الدميري في الإسقنقور قال بختيشوع إنه التمساح البري لحمه حار في الطبقة الثانية (٢) إذا ملح وشرب منه مثقال زاد في الباه وتهيج الشهوة ويسخن الكلى الباردة وقال ابن زهير هي دابة بمصر شكلها كالوزغة على عظيم خلقته وإذا علقت عينها على من يفزع بالليل أبرأته إذا لم يكن من خلط وقال أرسطاطاليس في كتاب الحيوان الكبير إن شربه يهيج الباه ويزيد في الإنعاظ في سائر البلاد إلا بمصر وهو أنفس ما يهدى منها لملوك الهند فإنهم يذبحونه بسكين من ذهب ويحشونه من ملح مصر ويحملونه كذلك إلى أرضهم فإذا وضعوا منه مثقالا (٣) على بيض أو لحم وأكل نفع من ذلك نفعا بليغا (٤).

والتمساح تبيض في البر فما وقع من ذلك في الماء صار تمساحا وما بقي صار

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٨٣ و ٨٤ فيه : ان كان له.

(٢) في المصدر : فى الدرجة الثانية.

(٣) في المصدر : مثقالا من ذلك الملح.

(٤) حياة الحيوان ١ : ١٧.


سقنقورا (١) وقال السقنقور نوعان هندي ومصري منه ما يتولد ببحر القلزم وبلاد الحبشة وهو يغتذي بالسمك في الماء وفي البر بالقطا يسترطه (٢) كالحيات وأنثاه تبيض عشرين بيضة تدفنها في الرمل فيكون ذلك حضنا لها ومن عجيب أمره أنه إذا عض إنسانا وسبقه إلى الماء (٣) واغتسل منه مات السقنقور وإن سبق السقنقور إلى الماء مات الإنسان والمختار من أعضائه ما يلي ذنبه من ظهره فهو أبلغ نفعا وهذا الحيوان ما دام رطبا (٤) لحمه حار رطب في الدرجة الثانية وأما مملوحه المجفف فإنه أشد حرارة وأقل رطوبة قال في المفردات السقنقور الهندي نحو ذراعين طولا وعرضه نحو نصف ذراع ولحمه إذا أكل منه اثنان بينهما عداوة زالت وصارا متحابين وخاصية لحمه وشحمه إنهاض شهوة الجماع وتقوية الإنعاظ والنفع من الأمراض الباردة التي بالعصب وقال أرسطو لحم السقنقور الهندي إذا طبخ بإسفيداج نفخ اللحم وأسمن ولحمه يذهب وجع الصلب ووجع الكليتين ويدر المني وخوزته الوسطى إذا علقت على صلب إنسان هيجت الإحليل وزادت الجماع (٥).

٢٢ ـ جامع الشرائع ، ليحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عليه‌السلام كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز أكله وكل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله (٦).

بيان : لم أر قائلا بهذا الخبر إلا أن الفاضل المذكور نقله رواية وقد قال قبل ذلك لا يحل من صيد البحر سوى السمك فقد قيل فيه مثل كل ما في البر

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ١١٧.

(٢) أي يبتلعه.

(٣) في المصدر : وسبقه الإنسان الى الماء.

(٤) في المصدر : ما دام طريا فهو حار.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ١٦.

(٦) جامع الشرائع : ليست عندي نسخته.


ولا من السمك إلا ذو فلس (١).

٢٣ ـ قرب الإسناد ، عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عن أبيه عليه‌السلام قال قال : الحيتان والجراد ذكي كله (٢).

بيان : الذكي فعيل بمعنى مفعول من التذكية وهي قطع الأوداج وكان المعنى أنهما لا يحتاجان إلى الذبح والنحر بل يكفي أخذهما كما سيأتي إن شاء الله.

٢٤ ـ قرب الإسناد ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه سئل عن أكل الجراد فقال لا بأس بأكله ثم قال إنه نثرة من حوتة البحر ثم قال إن عليا عليه‌السلام قال إن الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي والأرض للجراد مصيدة والسمك أيضا قد يكون (٣).

بيان : قال في النهاية في حديث ابن عباس الجراد نثرة الحوت أي عطسته وحديث كعب إنما هو نثرة حوت (٤) وفي جامع الأصول النثرة للدواب شبه العطسة نثرت الدابة إذا طرحت ما في أنفها من الأذى.

وقال الدميري اختلف في الجراد هل هو صيد بري أو بحري فقيل بحري لما روى ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا على الجراد فقال اللهم أهلك كباره وأفسد صغاره واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا (٥) فقال : إن الجراد نثرة الحوت من البحر أي عطسته والمراد أن الجراد من صيد البحر يحل للمحرم أن يصيده وحكى الموفق بن طاهر قولا غريبا أنه من صيد البحر

__________________

(١) في المخطوطة : الا ذو الفلس.

(٢) قرب الإسناد : ١٠.

(٣) قرب الإسناد : ٢٤.

(٤) النهاية ٤ : ١٣٣.

(٥) زاد في المصدر : انك سميع الدعاء.


لأنه يتولد من روث السمك وهو شاذ انتهى (١).

أقول كان بعض أفراد الجراد يتولد من نثرة الحوت أو هو على سبيل التشبيه أي هو في الخلق والطيب شبيه بالسمك فكأنه يتولد من نثرته وقوله إذا خرج متعلق بالسمك أو بهما إذا تولد الجراد من الماء ويؤيده أن الجراد في الكافي مؤخر عن السمك فقوله والأرض للجراد مصيدة أي غالبا قوله عليه‌السلام والسمك أيضا قد يكون في الكافي وللسمك قد تكون أيضا وهو أظهر أي الأرض قد تكون مصيدة للسمك أيضا كما إذ وثب على الساحل فأدركه إنسان فأخذه قبل موته.

٢٥ قرب الإسناد ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : سئل جعفر عليه‌السلام (٢) عن الربيثا فقال لا بأس بأكلها وددنا أن عندنا منها (٣).

٢٦ ـ ومنه ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن سمكة وثبت من النهر فوقعت على الجد (٤) فماتت هل يصلح أكلها قال إن أخذتها (٥) قبل أن تموت فكلها وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها (٦) وسألته عما حسر الماء من صيد البحر وهو ميت هل يحل أكله قال لا وسألته عن السمك يصاد ثم يوثق فيرد إلى الماء حتى يجيء من يشتريه فيموت بعضه أيحل أكله قال لا لأنه مات في الذي فيه حياته ورسالته عن الصيد يحبسه فيموت في مصيدته أيحل أكله قال إذا كان محبوسا فكل فلا بأس (٧).

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ١٣٧ و ١٣٨.

(٢) في المصدر : قال : سمعت جعفرا يقول وسئل عن الربيثا.

(٣) قرب الإسناد : ١٦.

(٤) في المصدر : على الجرف.

(٥) في المصدر : إذا اخذتها.

(٦) قرب الإسناد : ١١٧.

(٧) قرب الإسناد : ١١٨.


كتاب المسائل مثل الجميع (١).

تبيين لا خلاف بين الأصحاب في عدم حل ما مات من السمك في غير الشبكة والحظيرة والمشهور بينهم أن ذكاة السمك أخذه حيا سواء أخذه من الماء أو ثبت اليد عليه خارج الماء حيا ولا فرق بين أن يكون المخرج من الماء مسلما أو كافرا على المشهور نعم لا يحل ما وجد في يد الكافر حتى يعلم أنه مات بعد إخراجه من الماء.

وظاهر المفيد تحريم ما أخرجه الكافر مطلقا وقال ابن زهرة الاحتياط تحريم ما أخرجه الكافر ويظهر من الشيخ في الإستبصار الحل إذا أخذه منه المسلم حيا والأول أظهر وقيل المعتبر خروجه من الماء حيا سواء أخرجه من الماء مخرج أم لا واختاره المحقق رحمه‌الله في النكت ويدل عليه رواية زرارة قال قلت السمكة تثب من الماء فتقع على الشط فتضطرب حتى تموت فقال كلها ورواية أخرى وتدل صدر هذه على عدم حلها إن مات قبل أخذها وهو أحوط وإن أمكن حمله على الكراهة ولا يشترط في حل السمك التسمية وغيرها مما يعتبر في الذبح وقال صاحب الوسيلة التسمية مستحبة فيه ولو أخذ وأعيد في الماء فمات فيه لم يحل كما يدل عليه هذا الخبر وكذا لو نصب الماء عنه لا خلاف في حرمته وأما إذا نصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه الحي بالميت فقد قيل حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه اختاره الشيخ في النهاية والقاضي واستحسنه المحقق لدلالة الأخبار الصحيحة عليه وذهب ابن أبي عقيل إلى الحل مع التميز (٢) أيضا وهو الظاهر من الأخبار وأن المعتبر في حله قصد الاصطياد ويدل عليه آخر الخبر أيضا وذهب ابن إدريس والعلامة وأكثر المتأخرين إلى تحريم الجميع لأن ما مات في الماء حرام والمجموع محصور وقد اشتبه الحلال بالحرام فيكون الجميع حراما ولو لم يشتبه

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠ : ٢٨١.

(٢) في المخطوطة : مع التمييز.


فأولى بتحريم الميت وأجابوا عن الأخبار بعدم صراحتها في الموت في الماء فلعله مات خارج الماء أو على الشك في موته في الماء فإن الأصل بقاء الحياة إلى أن فارقته والأصل الإباحة.

وأقول حرمة المشتبه بالحرام ممنوع وقد مضت الأخبار الدالة على خلافها والاحتياط طريق النجاة.

٢٦ ـ الخصال ، عن محمد بن الحسين بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين عن أبي سعيد المكاري عن سلمة بياع الجواري قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أما السمك فما لم يكن له قشر فلا تأكله الخبر (١).

٢٧ ـ ومنه ، عن أحمد بن الحسن القطان وخمسة أخرى عن مشايخه (٢) عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبي معاوية عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام قال : يؤكل من الجراد ما استقل بالطيران وذكاة السمك والجراد أخذه (٣).

وقال عليه‌السلام الجري والمارماهي والطافي والزمير حرام وكل سمك لا تكون له فلوس فأكله حرام (٤).

٢٨ ـ العيون (٥) ، عن عبد الواحد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام فيما كتب للمأمون يحرم الجري والسمك والطافي والمارماهي

__________________

(١) الخصال ١ : ١٣٩ و ١٤٠ ( طبعة الغفارى ) والحديث طويل.

(٢) وهم : أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ومحمد بن أحمد السنانى والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب وعبد الله بن محمد الصائغ وعلي بن عبد الله الوراق رضى الله عنهم.

(٣) الخصال ٢ : ٦١٠ ( طبعة الغفارى ).

(٤) الخصال ٢ : ٦٠٩ و ٦١٠ طبعة الغفارى.

(٥) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٢٦ ( طبعة قم ) باب ما كتبه الرضا ( عليه‌السلام ) للمأمون.


والزمير وكل سمك لا يكون له فلس.

٢٩ ـ الإحتجاج ، عن هشام بن الحكم قال : قال الصادق عليه‌السلام في جواب ما سأل الزنديق إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه وذلك أنه ليس له دم وكذلك الجراد الخبر (١).

٣٠ ـ العيون ، عن جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه عن محمد بن شاذان (٢) عن الفضل بن شاذان عن ابن بزيع قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام اختلف الناس علي في الربيثا فما تأمرني فيها فكتب لا بأس بها (٣).

٣١ ـ العلل ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن عبد الله بن الصلت عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تأكل جريثا ولا مارماهيجا ولا إربيان ولا طحالا لأنه بيت الدم ومضغة الشيطان (٤).

٣٢ ـ تحف العقول ، قال الصادق عليه‌السلام لا بأس بأكل صنوف الجراد وما يجوز أكله من صيد البحر من صنوف السمك ما كان له قشور فحلال أكله وما لم يكن له قشور فحرام أكله (٥).

٣٣ ـ إكمال الدين ، عن علي بن أحمد الدقاق عن الكليني عن علي بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن موسى (٦) عن أحمد بن القاسم العجلي عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد (٧) عن محمد بن خداهي عن عبد الله بن أيوب عن عبد الله بن هشام عن عبد الكريم بن عمر

__________________

(١) الاحتجاج : ١٩٠ ( طبعة المرتضوية ).

(٢) في المصدر : قال حدثني عمى أبو عبد الله محمد بن شاذان.

(٣) عيون أخبار الرضا : ١٩٠ و ١٩١ ( طبع نجم الدولة ).

(٤) علل الشرائع ٢ : ٢٤٩ ( طبعة قم ).

(٥) تحف العقول : ٣٣٧ و ٣٣٨.

(٦) في المصدر : والكافي : موسى بن جعفر.

(٧) في الكافي : عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد عن عبد الله بن أيوب عن عبد الله ابن هاشم عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي.


الجعفي عن حبابة الوالبية قالت رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام في شرطة الخميس ومعه درة يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمير (١) والطافي ويقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان فقام إليه فرات بن أحنف فقال له يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان فقال له أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب (٢).

٣٤ ـ صحيفة الرضا ، بإسناده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن الحسين بن علي عليه‌السلام قال : كنا أنا وأخي الحسن وأخي محمد بن الحنفية وبنو عمي عبد الله بن عباس وقثم والفضل على مائدة (٣) نأكل فوقعت جرادة على المائدة فأخذها عبد الله بن عباس فقال للحسن يا سيدي ما المكتوب (٤) على جناح الجرادة قال سألت أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال سألت جدك صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال على جناح الجراد مكتوب إني « أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا » رب الجرادة ورازقها إذا شئت بعثتها لقوم رزقا وإذا شئت بعثتها على قوم بلاء فقام عبد الله بن عباس فقبل رأس الحسن بن علي عليه‌السلام ثم قال هذا والله من مكنون العلم (٥).

دعوات الراوندي ، عن الحسين عليه‌السلام مثله (٦).

٣٥ ـ المحاسن ، عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا بأس بكواميخ المجوس ولا بأس بصيدهم للسمك (٧).

بيان : حمله الشيخ وغيره على ما إذا أخذ المسلم منهم حيا أو شاهد المسلم إخراجه من الماء والظاهر أن الكواميخ هي المتخذة من السمك وهذا التأويل فيه في غاية

__________________

(١) في المصدر والكافي : الزمار.

(٢) كمال الدين : ٢٦٩ ( ط ١ ) وج ٢ : ٥٣٦ ( ط ٢ ) وأصول الكافي ١ : ٣٤٦.

(٣) في المصدر : على مائدة واحدة.

(٤) في المصدر تعلم : ما المكتوب.

(٥) صحيفة الرضا : ٤١.

(٦) دعوات الراوندي : مخطوط.

(٧) المحاسن : ٤٥٤.


البعد ويمكن حمله على التقية أو على ما ادعوا عدم ملاقاتهم لها مع حمل الكامخ على غير المتخذ من السمك.

٣٦ ـ المحاسن ، عن يعقوب بن يزيد عن إبراهيم بن عبد الحميد قال قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول عليكم بالسمك فإنه إن أكلته بغير خبز أجزأك وإن أكلته بخبز أمرأك (١).

بيان : في النهاية مرأني الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبا (٢) قال الفراء يقال هنأني الطعام ومرأني بغير ألف فإذا أفردوها عن هنأني قالوا أمرأني.

٣٧ ـ المحاسن ، عن نوح النيسابوري عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل السمك قال اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا به خيرا منه (٣).

٣٨ ـ ومنه ، عن أبي القاسم ويعقوب بن زيد عن العبدي (٤) عن ابن سنان وأبي البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : السمك الطري يذيب الجسد (٥).

٣٩ ـ ومنه ، عن علي بن حسان عن موسى بن بكر القصير عن أبي الحسن عليه‌السلام مثله (٦).

٤٠ ـ ومنه ، عن البزنطي عن عبد الله بن محمد الشامي عن حسين بن حنظلة عن أحدهما قال : السمك يذيب الجسد (٧).

٤١ ـ ومنه ، عن محمد بن عيسى عن أبي بصير وأحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن محمد بن سوقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أكل الحيتان يذيب

__________________

(١) المحاسن : ٤٧٥.

(٢) النهاية ٤ : ٩٢.

(٣) المحاسن : ٤٧٥ و ٦٧٦.

(٤) في المصدر : عن القندى.

(٥ ـ ٧) المحاسن : ٤٧٦.


الجسد (١).

٤٢ ـ ومنه ، عن بعض أصحابه عن عبد الله بن عبد الرحمن عن شعيب عن أبي بصير رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام مثله (٢).

٤٣ ومنه ، عن بعض أصحابه عن ابن أخت الأوزاعي عن مسعدة بن اليسع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام السمك الطري يذيب اللحم (٣).

٤٤ ـ ومنه ، عن عثمان بن عيسى رفعه قال : السمك (٤) يذيب شحم العين (٥).

٤٥ ـ وفي حديث أخرى عن مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : السمك الطري يذيب بمخ العين (٦).

٤٦ ـ وفي حديث آخر يذبل الجسد (٧).

٤٧ ـ ومنه ، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أكل الحيتان يورث السل (٨).

٤٨ ـ ومنه ، عن نوح النيسابوري عن سعيد بن جناح عن مولى لأبي عبد الله عليه‌السلام (٩) قال : دعا بتمر في الليل فأكله ثم قال ما بي شهوته ولكني أكلت سمكا ثم قال ومن بات وفي جوفه سمك ولم يتبعه بتمر أو عسل لم يزل عرق الفالج يضرب

__________________

(١) المحاسن : ٤٨٦. أقول : كان المصنف قدس‌سره أدرج بين متن واسناد من غيره والموجود في المصدر : عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن عبد الرحمن عن شعيب عن ابى بصير رفعه قال أمير المؤمنين « عليه‌السلام » : اكل الحيتان يذيب الجسد. ثم ذكر حديث محمد بن سوقه عن أبي عبد الله « عليه‌السلام » وقال : السمك يذيب البدن.

(٢) المحاسن : ٤٧٦ ذكرنا متنه في التعليقة المتقدمة.

(٣) المحاسن : ٤٧٦.

(٤) في المصدر : السمك الطرى.

(٥ ـ ٨) المحاسن : ٤٧٦.

(٩) في المخطوطة : عن كامل مولى لابى عبد الله « عليه‌السلام » ظ.


عليه حتى يصبح (١).

٤٩ ـ ومنه ، عن أبيه عن صفوان عن منصور بن حازم عن سمرة بن سعيد قال : خرج أمير المؤمنين على بغلة رسول الله عليه‌السلام وخرجنا معه نمشي حتى انتهينا إلى أصحاب السمك فجمعهم فقال أتدرون لأي شيء جمعتكم قالوا لا قال لا تشتروا الجري ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه (٢).

٥٠ ـ ومنه ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا عليه‌السلام كان يركب بغلة رسول الله عليه‌السلام ثم يمر بسوق الحيتان فيقول ألا لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر (٣).

٥١ ـ ومنه ، عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه قال سمعت أبي يقول إذا ضرب صاحب الشبكة فما أصاب فيها من حي وميت (٤) فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر ولا يؤكل الطافي من السمك (٥).

بيان : قال الشيخ في التهذيب هذا الخبر محمول على أنه حلال له الحي والميت إذا لم يتميز له فأما مع تميزه فلا يجوز أكل ما مات فيه انتهى (٦).

وربما يحمل على ما إذ لم يعلم موته قبل الخروج من الماء وبعده.

وروى الشيخ بسند صحيح (٧) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل نصب

__________________

(١ ـ ٣) المحاسن : ٤٧٧.

(٤) في المصدر : أوميت.

(٥) المحاسن : ٤٧٧.

(٦) تهذيب الأحكام ٩ : ١٢ طبعة الآخوندى ، والحديث رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار ٤ : ٦٢ بإسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم. ورواه الكليني في الكافي ٢ : ١٤٤.

(٧) والاسناد هكذا : الحسين بن سعيد عن فضاله عن القاسم بن بريد عن محمد ابن مسلم.


شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها منصوبة فأتاه بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيموتن (١) فقال ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها (٢).

وقد عرفت ما ذكره الأصحاب فيه.

وأقول يحتمل أن يكون نصب تلك الشبكة في المواضع التي تزيد الماء فيها ثم تنقص بالمد والجزر كالبصرة فعند المد تدخل الحيتان في الشبكة وعند الجزر تبقى فيها ويخرج منها الماء فحينئذ لا يكون موتها في الماء فقوله عليه‌السلام ما عملت يده لبيان أن الموت فيها بمنزلة الأخذ باليد وهذا وجه قريب شائع.

٥٢ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي الهمداني عن معتب قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام يوما يا معتب اطلب لنا حيتانا طرية فإني أريد أن أحتجم فطلبتها له فأتيته بها فقال لي يا معتب سكبج لي شطرها واشو لي شطرها قال فتغدى منها أبو الحسن عليه‌السلام وتعشى (٣).

بيان : سكبج أي اطبخ به سكباجا وهو بالكسر معرب (٤).

٥٣ ـ المحاسن ، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن عمر بن حنظلة قالت حملت الربيثا في صرة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته عنها فقال كلها وقال لها قشر (٥).

٥٤ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد عن جعفر بن يحيى الأحول عن بعض أصحابه قال : شهدت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يأكل مع جماعة فأتي بسكرجات فمد يده إلى سكرجة فيها ربيثا فأكل منها فقال بعضهم جعلت فداك أردت أن أسألك عنها وقد رأيتك أكلتها

__________________

(١) في المصدر : فيمتن.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ١١ ( طبعة الآخوندى ) ورواه في الاستبصار ٤ : ٦١ ، ورواه الصدوق في الفقيه ٣ : ٢٠٦ والكليني في الفروع ٦ : ٢١٧.

(٣) المحاسن : ٤٧٧.

(٤) في نسخة : معروف.

(٥) المحاسن : ٤٧٨ فيه : وقد رأيتك.


فقال لا بأس بأكلها (١).

توضيح قال في النهاية فيه لا آكل في سكرجة هي بضم السين والكاف والراء والتشديد إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم وهي فارسية وأكثر ما يوضع فيها الكواميخ ونحوها (٢).

٥٥ ـ المحاسن ، عن أبيه عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج عن علي بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الربيثا فقال قد سألني عنها غير واحد واختلفوا علي في صفتها قال فرجعت فأمرت بها فجعلت (٣) ثم حملتها إليه فسألته عنها فرد علي مثل الذي رد فقلت قد جئتك بها فضحك فأريتها إياه فقال ليس به بأس (٤).

٥٦ ـ ومنه ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الربيثا فقال لا بأس بأكلها ولوددت أن عندنا منها (٥).

٥٧ ـ ومنه ، عن السياري عن محمد بن جمهور بإسناد له قال حمل رجل من أهل البصرة الإربيان إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وقال : إن هذا نتخذ منه عندنا شيء (٦) يقال له الربيثا يستطاب أكله ويؤكل رطبا ويابسا وطبيخا وإن أصحابنا يختلفون منه فمنهم من يقول إن أكله لا يجوز ومنهم من يأكله فقال لي كله فإنه جنس من السمك أما تراها تقلقل في قشرها (٧).

بيان : تقلقل أي يسمر لها صوت إذا حركت في صرة ونحوها وذلك بسبب أن لها قشرا وإذا كان لها قشر وفلوس فهي حلال في القاموس قلقل صوت

__________________

(١) المحاسن : ٤٧٨.

(٢) النهاية ٢ : ١٨٥.

(٣) في المصدر : فجعلت في وعاء.

(٤ و ٥) المحاسن : ٤٧٨.

(٦) في المصدر : وقال له : ان هذا يتخذ منه عندنا شيء.

(٧) المحاسن : ٤٧٨ و ٤٧٩.


والشيء قلقلة وقلقالا بالكسر ويفتح حركه.

وفي النهاية فيه ونفسه تقلقل في صدره أي تتحرك لا بصوت شديد (١) وأصله الحركة والاضطراب (٢).

٥٨ ـ المحاسن ، عن بعض العراقيين عن جعفر بن الزبير عن جعفر بن محمد بن الحكيم عن أبيه عن حديد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أكلت السمك فاشرب عليه الماء (٣).

٥٩ ـ ومنه ، عن محمد بن سهل بن اليسع والنوفلي عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن عمر بن علي عن أبي الحسن الأول عن أبيه عن جده عن محمد بن علي ابن الحنفية قال : كنت أنا وعبد الله بن العباس بالطائف نأكل إذا جاءت جرادة فوقعت على المائدة فأخذها عبد الله بن العباس ثم قال يا محمد ما سمعت والدك يحدث في هذا الكتاب الذي على جناح الجرادة فقلت قال عليه‌السلام إن عليه مكتوبا إني « أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا » خلقت الجراد جندا من جنودي وأسلطه على من شئت من خلقي (٤).

٦٠ ـ ومنه ، عن محمد بن علي عن أحمد بن عمر بن مسلم عن الحسن بن إسماعيل الميثمي عن يحيى بن ميمون البصري عن رجل عن مقسم مولى ابن عباس قال : لما سير ابن الزبير عبد الله بن العباس إلى الطائف وزاره محمد بن علي ابن الحنفية قال فبينا هو ذات يوم عنده إذ جيء بالخوان للغداء فجاءت جرادة ضخمة حتى تقع على المائدة فسمع ابن عباس صوت وقعها فقال ما هذا الصوت الذي أسمع (٥) قالوا جرادة سقطت على المائدة قال فمن تناوله قالوا مقسم قال يا مقسم انشر جناحيها

__________________

(١) في المصدر : اي تتحرك بصوت شديد.

(٢) النهاية ٣ : ٣٠٨.

(٣ و ٤) المحاسن : ٤٧٩.

(٥) يظهر من السياق أن الواقعة كانت بعد عمى ابن عباس فانه كان في اواخر عمره مكفوفا.


فانظر ما ذا ترى تحتها قال أرى نقطا سودا قال (١) فضرب بيده على فخذ محمد بن علي وكان إلى جنبه فقال هل عندكم في هذا شيء فقال حدثني أبي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ليس شيء من جرادة إلا وتحت جناحها مكتوب بالسريانية « إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » قاصم الجبابرة خلقت الجراد جندا من جنودي (٢) أهلك به من شئت من خلقي قال فتبسم ابن عباس ثم قال يا ابن عم هذا والله من مكنون علمنا فاحتفظ به (٣).

٦١ ـ ومنه ، عن أبي أيوب المديني وغيره عن ابن أبي عمير عن ابن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الجراد ذكي حيه وميته (٤).

٦٢ ـ ومنه ، عن عبد الله بن الصلت عن أنس عن عياض (٥) الليثي عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه‌السلام كان يقول الجراد ذكي والحيتان ذكي فما مات في البحر فهو ميت (٦).

٦٣ ـ ومنه ، عن أبيه عن عون بن جرير عن عمرو بن هارون الثقفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الجراد ذكي كله والحيتان ذكي كله وأما ما هلك في البحر فلا تأكله (٧).

٦٤ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام يؤكل من السمك ما كان له فلوس وذكاة السمك والجراد أخذه ولا يؤكل ما يموت في الماء من سمك وجراد وغيره وإذا اصطدت سمكا وفي جوفه أخرى أكلت إذا كان لها فلوس وروي لا يؤكل ما في جوفه لأنه

__________________

(١) في المصدر : فقال : صدقت ، قال.

(٢) في المصدر : خلقت الجراد وجعلته جندا من جنودى.

(٣) المحاسن : ٤٧٩ و ٤٨٠.

(٤) المحاسن : ٤٨٠.

(٥) في المصدر : عن انس بن عياض الليثى.

(٦) المحاسن : ٤٨٠.

(٧) المحاسن : ٤٨٠.


طعمة (١) ولا يؤكل الجري ولا المارماهي ولا الزمار ولا الطافي وهو الذي يموت في الماء فيطفو على رأس الماء (٢).

تفصيل وتبيين قوله إذا اصطدت سمكا أقول ورد بهذا المضمون روايتان إحداها ما روى الشيخ بإسناده (٣) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة أخرى فقال كلها جميعا (٤). والأخرى ما رواه بسند مرسل (٥) يمكن أن يعد في الموثقات عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت رجل أصاب سمكة وفي جوفها سمكة قال يؤكلان (٦) جميعا.

وعمل بها الشيخ في النهاية والمفيد وجماعة ومنع ابن إدريس من حلها ما لم تخرج من بطنها حية لأن شرط حل السمك أخذه من الماء حيا والجهل بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط ووافقه العلامة في المختلف والتحرير وولده وفي القواعد رجح مذهب الشيخ والمحقق في النافع ومال إليه في الشرائع والعمل بالروايتين أقوى ويؤيده هذه الرواية.

وقول عليه‌السلام إذا كان له فلوس أي كانت من الحيتان التي لها فلس ويحتمل أن يكون المعنى لم تتسلخ فلوسها فإنها حينئذ تغيرت وصارت خبيثة

__________________

(١) في المصدر : لانه طعمة.

(٢) فقه الرضا : ٤٠.

(٣) الاسناد هكذا محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكونى.

(٤) تهذيب الأحكام : ٩ : ٨.

(٥) والسند هكذا : محمد بن يعقوب عن أبي على الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن العباس بن عامر عن ابان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ). أقول : ويوجد الحديثان في فروع الكافي : ٢ ١٤٤ ( ط ١ ).

(٦) في المصدر : تؤكلان جميعا.


كما روى الشيخ بسند (١) فيه جهالة عن أيوب بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثم طرحتها وهي حية تضطرب آكلها قال إن كان فلوسها قد تسلخت فلا تأكلها وإن لم تكن تسلخت فكلها (٢).

وذهب الشيخ في النهاية إلى حلها مطلقا ما لم تتسلخ ولم يعتبر إدراكها حية وفي المختلف عمل بموجب الرواية واعتبر المحقق وابن إدريس وجماعة في الحل أخذها حية وهو أحوط وإن كان العمل بالرواية حسنا واعتبار عدم التسلخ هنا إما للخباثة أو لتأثير السم فيها ولعله أظهر والرواية التي رواها لم أجدها فيما عندنا من الكتب ولعلها محمولة على التسلخ بقرينة التعليل إذ الظاهر أن قوله لأنه طعمة أراد به أنه صار غذاءه فهو إشارة إلى تغيره.

٦٥ ـ طب الأئمة ، عن أحمد بن الجارود العبدي من ولد الحكم بن المنذر عن عثمان بن عيسى عن ميسر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : السمك يذيب شحمة العين (٣).

٦٦ ـ وعنه عن أبيه عليه‌السلام قال : إن هذا السمك لرديء لغشاوة العين وإن هذا اللحم الطري ينبت اللحم (٤).

٦٧ ـ ومنه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أقلوا من أكل السمك فإن لحمه يذبل البدن ويكثر البلغم ويغلظ النفس (٥).

بيان : كان غلظ النفس كناية عن البلادة وسوء الفهم أو الهم والحزن ويمكن أن يقر النفس بالتحريك كناية عن بطئه.

__________________

(١) والاسناد هكذا : محمد بن يعقوب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن أحمد بن المبارك عن صالح بن أعين عن الوشا عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ).

(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٨ ورواه الكليني في الفروع ٢ : ١٤٤ ( ط ١ ).

(٣ و ٤) طب الأئمة : ٨٤. طبعة النجف.

(٥) طب الأئمة : ١٧٣.


٦٨ ـ العياشي ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قد كان أصحاب المغيرة يكتبون إلي أن أسأله عن الجري والمارماهي والزمير وما ليس له قشر من السمك أحرام هو أم لا قال فسألته عن ذلك فقال يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ » قال فقرأتها حتى فرغت منها فقال إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ولكنهم كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها (١).

٦٩ ـ ومنه ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجري فقال وما الجري فنعته له فقال « لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ » إلى آخر الآية ثم قال لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه ويكره كل شيء من البحر ليس فيه قشر قال قلت وما القشر قال هو الذي مثل الورق وليس هو بحرام إنما هو مكروه (٢).

٧٠ ـ ومنه ، عن الأصبغ عن علي عليه‌السلام قال : أمتان مسختا من بني إسرائيل فأما التي أخذت البحر فهي الجريث (٣) وأما الذي أخذت البر فهو الضباب (٤).

٧١ ـ ومنه ، عن هارون بن عبد (٥) رفعه إلى أحدهم قال : جاء قوم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة وقالوا له يا أمير المؤمنين إن هذا الجراري تباع في أسواقنا قال فتبسم أمير المؤمنين عليه‌السلام ضاحكا ثم قال قوموا لأريكم عجبا ولا تقولوا في وصيكم إلا خيرا فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات (٦) فتفل فيه تفلة وتكلم

__________________

(١ و ٢) تفسير العياشي ١ : ٣٨٣.

(٣) في نسخة : فهى الجرارى.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٣٤.

(٥) في المصدر : « هارون بن عبيد » وفي الوسائل : « هارون بن عبد ربه » وفي البرهان : هارون بن عبد العزيز.

(٦) في المصدر : فأتوا شاطئ بحر.


بكلمات فإذا بجريثة (١) رافعة رأسها فاتحة فاها فقال له [ لها ] أمير المؤمنين عليه‌السلام من أنت الويل لك ولقومك فقال [ فقالت ] نحن من أهل « الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ » إذ يقول الله في كتابه « إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً » (٢) الآية فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله فبعضنا في البر وبعضنا في البحر فأما الذين في البحر فنحن الجراري وأما الذين في البر فالضب واليربوع قال ثم التفت أمير المؤمنين عليه‌السلام إلينا فقال أسمعتم مقالتها قلنا اللهم نعم قال والذي بعث محمدا بالنبوة لتحيض كما تحيض نساءكم (٣).

٧٢ ـ المكارم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : أكل الحيتان يورث السل (٤).

٧٣ ـ عنه عليه‌السلام قال : أكل السمك الطري يذيب الجسد (٥).

٧٤ ـ عنه عليه‌السلام قال : كان رسول الله إذا أكل السمك قال اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيرا منه (٦).

٧٥ ـ عن الحميري قال : كتبت إلى أبي محمد أشكو إليه أن بي دما وصفراء فإذا احتجمت هاجت الصفراء وإذا أخرت الحجامة أضر بي الدم فما ترى في ذلك فكتب إلي احتجم وكل على أثر الحجامة سمكا طريا فأعدت عليه المسألة فكتب إلي احتجم وكل على أثر الحجامة سمكا طريا بماء وملح فاستعملت ذلك فكنت في عافية وصار غذائي (٧).

٧٦ ـ ومنه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن عليا عليه‌السلام كان يقول الجراد ذكي

__________________

(١) في المصدر : فاذا بجرية.

(٢) الأعراف : ١٦٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٣٥.

(٤) مكارم الأخلاق : ٨٣ ( طبعة التفرشى ) فيه : لحم الحيتان.

(٥ و ٦) مكارم الأخلاق : ٨٣.

(٧) مكارم الأخلاق : ٨٣ في نسخة : وصار ذلك غذائى.


والحيتان ذكي وما مات في البحر فهو ميتة (١).

٧٧ ـ عنه أيضا قال : الحيتان والجراد ذكي كله (٢).

٧٨ ـ روي عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : تفرقوا وكبروا (٣) ففعلوا ذلك فذهب الجراد (٤).

٧٩ ـ الكشي ، عن محمد بن مسعود عن جعفر بن أحمد عن العمركي عن أحمد بن شيبة عن يحيى بن المثنى عن علي بن الحسن وزياد عن حريز قال : دخلت على أبي حنيفة فقال لي أسألك عن مسألة لا يكون فيها شيء فما تقول في جمل أخرج من البحر فقلت إن شاء فليكن جملا وإن شاء فليكن بقرة إن كانت عليه فلوس أكلناه وإلا فلا (٥).

الإختصاص ، عن جعفر بن الحسين المؤمن عن حيدر بن محمد بن نعيم عن ابن قولويه عن ابن العياشي جميعا عن محمد بن مسعود مثله (٦).

أقول تمامه في باب مناظرات أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام مع المخالفين.

٨٠ الدلائل ، للحميري عن أخيه عن أحمد بن علي المعروف بابن البغدادي قال وجدت في كتاب المعضلات رواية أبي طالب محمد بن الحسين بن زيد عن أبيه عن ابن رباح يرفعه عن رجاله عن محمد بن ثابت قال : كنت جالسا في مجلس سيدنا أبي الحسن علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام إذ وقف به (٧) عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له يا علي بن الحسين بلغني أنك تدعي أن يونس بن متى عرض عليه ولاية أبيك فلم يقبله فحبس في بطن الحوت قال له علي بن الحسين يا عبد الله بن عمر وما

__________________

(١ و ٢) مكارم الأخلاق : ٨٤.

(٣) هى رقية لتفرق الجراد.

(٤) مكارم الأخلاق : ٨٤.

(٥) رجال الكشي : ٢٤٤ ( ط ١ ) و ٣٢٨ ( ط ٢ ).

(٦) الاختصاص : ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٧) في المصدر : إذ وقف عليه.


أنكرت من ذلك قال إني لا أقبله فقال أتريد أن يصح لك ذلك قال نعم قال له اجلس ثم دعا غلامه فقال له جئنا بعصابتين وقال لي يا محمد شد عين عبد الله بإحدى العصابتين واشدد عينك بالأخرى فشددنا أعيننا فتكلم بكلام ثم قال حلوا أعينكم فحللناها فوجدنا أنفسنا على بساط ونحن على ساحل البحر فتكلم بكلام فاستجاب له حيتان البحر إذ ظهرت فيهن حوتة عظيمة (١) فقال لها ما اسمك فقالت اسمي نون فقال لها لم حبس يونس في بطنك فقالت له عرض عليه ولاية أبيك فأنكرها فحبس في بطني فلما أقر بها وأذعن أمرت فقذفته وكذلك من أنكر ولايتكم أهل البيت يخلد في نار الجحيم فقال له يا عبد الله أسمعت وشهدت فقال له نعم (٢) فقال شدوا أعينكم فشددناها فتكلم بكلام ثم قال حلوها فحللناها فإذا نحن على البساط في مجلسه فودعه عبد الله وانصرف فقلت له يا سيدي لقد رأيت في يومي عجبا وآمنت به فترى عبد الله بن عمر يؤمن بما آمنت به (٣) فقال لي ألا تحب أن تعرف ذلك فقلت نعم قال قم فاتبعه وماشه واسمع ما يقول لك فتبعته في الطريق ومشيت معه فقال لي إنك لو عرفت سحر بني عبد المطلب لما كان هذا بشيء في نفسك هؤلاء قوم يتوارثون السحر كابرا عن كابر فعند ذلك علمت أن الإمام لا يقول إلا حقا (٤).

__________________

(١) في المصدر : ثم تكلم بكلام فاجابه حيتان البر وظهرت حوتة عظيمة.

(٢) في المصدر : فالتفت الى عبد الله وقال له : أسمعت وشهدت؟ قال : نعم.

(٣) في المصدر : أترى ان عبد الله بن عمر يؤمن به!.

(٤) دلائل الإمامة : ٩٢ فيه : فرجعت وانا عالم ان الامام لا يقول الا حقا.


٥

(باب)

باب أنواع المسوخ وأحكامها وعلل مسخها :

١ ـ العلل ، عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن أحمد بن إسماعيل العلوي عن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال حدثنا علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : المسوخ ثلاثة عشر الفيل والدب والأرنب والعقرب والضب والعنكبوت والدعموص (١) والجري والوطواط والقرد والخنزير والزهرة وسهيل قيل يا ابن رسول الله ما كان سبب مسخ هؤلاء قال أما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا وأما الدب فكان رجلا مؤنثا يدعو الرجال إلى نفسه وأما الأرنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض (٢) ولا غير ذلك وأما العقرب فكان رجلا همازا لا يسلم منه أحد وأما الضب فكان رجلا أعرابيا يسرق الحجاج بمحجنه وأما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها وأما الدعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبة وأما الجري فكان رجلا ديوثا يجلب الرجال على حلائله وأما الوطواط فكان رجلا سارقا يسرق الرطب من رءوس النخل وأما القردة فاليهود اعتدوا في السبت (٣) وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا تكذيبا وأما سهيل فكان رجلا عشارا باليمن وأما الزهرة فإنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي تقول الناس إنه افتتن بها هاروت وماروت (٤).

__________________

(١) الدعموص بالضم : دودة سوداء تكون في الغدران إذا نشت ، والعامة تسميها البلعط.

(٢) في المصدر : من حيض ولا جنابة.

(٣) في نسخة : حين اعتدوا في السبت.

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٧٢ طبعة قم.


بيان : لا يدع رطبا ولا يابسا أي كان يطأ كل من يقدر عليه من الرجال والمحجن كمنبر العصا المعوجة قوله عليه‌السلام وهي التي إلخ يدل على أنه مما اشتهر عند العامة ولا أصل له فما سيأتي محمول على التقية كما مر والديوث بفتح الدال وتشديد الياء هو ما ذكر في الخبر.

٢ ـ العلل ، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران عن محمد بن الحسن بن زعلان قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المسوخ فقال اثنا عشر صنفا ولها علل فأما الفيل فإنه مسخ كان ملكا زناء لوطيا ومسخ الدب لأنه كان أعرابيا ديوثا ومسخت الأرنب لأنها كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيض ولا جنابة ومسخ الوطواط لأنه كان يسوق تمور الناس ومسخ سهيل لأنه كان عشارا باليمن ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت وأما القردة والخنازير فإنهم قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت وأما الجري والضب ففرقة من بني إسرائيل حين نزلت المائدة على عيسى عليه‌السلام لم يؤمنوا به فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر وأما العقرب فإنه كان رجلا نماما وأما الزنبور فكان لحاما يسرق في الميزان (١).

بيان : مسخ أصحاب السبت خنازير مخالف لظاهر الآية وما مر أصوب ويمكن الجمع بأن التعبير في الآية بالقردة لكون أكثرهم مسخوا بها وأما أصحاب المائدة فيمكن أن يكون فيهم أيضا خنازير لم يذكر في هذا الخبر وسائر الاختلافات في تلك الأخبار يمكن حمل بعضها على التقية وبعضها على تعدد وقوع المسخ.

٣ ـ العلل ، عن علي بن عبد الله الوراق عن سعد بن عبد الله عن عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان الديلمي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : كان الخفاش امرأة سحرت ضرة لها فمسخها الله عز وجل خفاشا وإن الفأر كان سبطا من اليهود غضب الله عز وجل عليهم فمسخهم فأرا وإن البعوض كان رجلا يستهزئ بالأنبياء فمسخه (٢) الله عز وجل

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٧١ طبعة قم.

(٢) في المصدر : يستهزئ بالأنبياء ويكلح في وجوههم ويصفق بيديه فمسخه الله.


بعوضا وإن القملة هي من الجسد (١) وإن نبيا من أنبياء بني إسرائيل كان قائما يصلي إذ أقبل إليه سفيه من سفهاء بني إسرائيل فجعل يهزأ به ويكلح في وجهه فما برح من مكانه حتى مسخه الله عز وجل قملة وإن الوزغ كان سبطا من أسباط بني إسرائيل يسبون أولاد الأنبياء ويبغضونهم فمسخهم الله أوزاغا وأما العنقاء فمن [ فممن ] غضب الله عز وجل عليه فمسخه وجعله مثلة فنعوذ بالله من غضب الله ونقمته (٢).

بيان : هي من الجسد أي تتولد من جسد الإنسان ولكن شبيهها كانت من مسوخ بني إسرائيل وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي كان سبب مسخها الحسد وفي القاموس كلح كمنع كلوحا بالضم تكشر (٣) في عبوس وتكلح تبسم.

٤ ـ المحاسن ، والعلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر عن مغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا منهم القردة والخنازير والخفاش (٤) والضب والدب والفيل والدعموص والجريث والعقرب وسهيل وقنفذ والزهرة والعنكبوت فأما القردة فكانوا قوما ينزلون بلدة على شاطئ البحر اعتدوا في السبت فصادوا الحيتان فمسخهم الله عز وجل قردة وأما الخنازير فكانوا قوما من بني إسرائيل دعا عليهم عيسى ابن مريم عليه‌السلام فمسخهم الله عز وجل خنازير وأما الخفاش (٥) فكانت امرأة مع ضرة لها فسحرتها فمسخها الله عز وجل خفاشا (٦) وأما الضب فكان أعرابيا بدويا لا يرع عن قتل من مر به من الناس فمسخه الله عز وجل ضبا وأما الفيل فكان رجلا ينكح البهائم

__________________

(١) في نسخة من المصدر : هى من الحسد.

(٢) علل الشرائع ٢ ر ١٧٢ ط قم.

(٣) كشر وكشر عن اسنانه : كشف عنها وأبداها.

(٤) في المصدر : الخشاف.

(٥) في المصدر : واما الخشاف.

(٦) في العلل : خشافا.


فمسخه الله عز وجل فيلا وأما الدعموص فكان رجلا زاني الفرج لا يرع (١) من شيء فمسخه الله عز وجل دعموصا وأما الجريث فكان رجلا نماما فمسخه الله عز وجل جريثا وأما العقرب فكان رجلا همازا لمازا فمسخه الله عز وجل عقربا وأما الدب فكان رجلا يسرق الحاج فمسخه الله عز وجل دبا وأما السهيل (٢) فكان رجلا عشارا صاحب مكاس فمسخه الله عز وجل سهيلا وأما الزهرة فكانت امرأة فتنت بها هاروت وماروت فمسخها الله عز وجل زهرة وأما العنكبوت فكانت امرأة سيئة الخلق عاصية لزوجها مولية عنه فمسخها الله عز وجل عنكبوتا وأما القنفذ فكان رجلا سيئ الخلق فمسخه الله عز وجل قنفذا (٣).

توضيح لا يرع من الورع أي لا يتقي ولا يكف الهمز واللمز العيب والإشارة بالعين والحاجب ونحوهما واللمزة من يعيبك في وجهك والهمزة من يعيبك في الغيب والمكس النقص والظلم وتماكسا في البيع تشاحا ودون ذلك مكاس وعكاس بكسرهما وهو أن تأخذ بناصيته ويأخذ بناصيتك.

٥ المجالس ، والعلل ، عن علي بن عبد الله الأسواري عن مكي بن أحمد بن سعدويه البردعي عن أبي محمد زكريا بن يحيى بن عبيد العطار عن القلانسي عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن علي بن جعفر عن معتب مولى جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المسوخ قال هم ثلاثة عشر الدب والفيل والخنزير والقرد والجريث والضب والوطواط والدعموس [ الدعموص ] والعقرب والعنكبوت والأرنب وزهرة (٤) وسهيل فقيل يا رسول الله ما كان سبب مسخهم قال أما الفيل فكان رجلا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا وأما الدب فكان رجلا مؤنثا

__________________

(١) في نسخة من العلل : لا يرع.

(٢) في المصدر : واما سهيل.

(٣) علل الشرائع ٢ : ١٧٣. المجالس ...

(٤) في نسخة من العلل : والزهرة.


يدعو الرجال إلى نفسه وأما الخنزير فقوم نصارى سألوا ربهم عز وجل إنزال (١) المائدة عليهم فلما نزلت عليهم كانوا أشد كفرا وأشد تكذيبا وأما القردة فقوم اعتدوا في السبت وأما الجريث فكان ديوثا يدعو الرجال إلى أهله وأما الضب فكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه وأما الوطواط فكان يسرق الثمار من رءوس النخل وأما الدعموص فكان نماما يفرق بين الأحبة وأما العقرب فكان رجلا لذاعا لا يسلم على لسانه (٢) أحد وأما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها وأما الأرنب فكانت امرأة لا تطهر من حيض ولا غيره وأما سهيل فكان عشارا باليمن وأما الزهرة فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هاروت وماروت وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد (٣).

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه إن الناس يغلطون في الزهرة وسهيل ويقولون إنهما كوكبان وليسا كما يقولون ولكنهما دابتان من دواب البحر سميا بكوكبين كما سمي الحمل والثور والسرطان والأسد والعقرب والحوت والجدي وهذه حيوانات سميت على أسماء الكواكب وكذلك الزهرة وسهيل وإنما غلط الناس فيهما دون غيرهما لتعذر مشاهدتهما والنظر إليهما لأنهما من البحر المطيف بالدنيا بحيث لا تبلغه سفينة ولا تعمل فيه حيلة وما كان الله عز وجل ليمسخ العصاة أنوارا مضيئة فيبقيهما ما بقيت الأرض والسماء والمسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت وهذه الحيوانات التي تسمى المسوخ فالمسوخية لها اسم مستعار مجازي بل هي مثل المسوخ التي حرم الله تعالى أكل لحومها لما فيه من المضار وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام نهى الله عز وجل عن أكل المثلة لكيلا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته (٤).

__________________

(١) في العلل : ان ينزل.

(٢) في نسخة من العلل : من لسانه.

(٣) علل الشرائع ٢ : ١٧٤ ( ط قم ) ولم نجد الحديث في المجالس ولعله مصحف الخصال. راجع الخصال ٢ : ٨٨ ( ط ١ ).

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٧٤.


٦ ـ العلل : عن محمد بن علي بن بشار القزويني عن المظفر بن أحمد القزويني قال : سمعت أبا الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي يقول في سهيل وزهرة إنهما دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا في موضع لا تبلغه سفينة ولا تعمل فيه حيلة وهما المسخان المذكوران في أصناف المسوخ ويغلط من يزعم أنهما الكوكبان المعروفان بسهيل والزهرة وأن هاروت وماروت كانا روحانيين قد هيئا ورشحا للملائكة ولم يبلغ بهما حد الملائكة فاختارا (١) المحنة والابتلاء فكان من أمرهما ما كان ولو كانا ملكين لعصما فلم يعصيا وإنما سماها الله عز وجل في كتابه ملكين بمعنى أنهما خلقا ليكونا ملكين كما قال الله عز وجل لنبيه « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » (٢) بمعنى ستكون ميتا ويكونون موتى (٣).

توضيح قال الجوهري فلان يرشح للوزارة أي يربى ويؤهل لها قوله للملائكة أي لكونهم منهم والأظهر للملكية.

٧ ـ الإختصاص ، والبصائر ، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي عن كرام عن عبد الله بن طلحة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوزغ فقال هو رجس وهو مسخ فإذا قتلته فاغتسل ثم قال إن أبي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا وزغ يولول بلسانه فقال أبي للرجل أتدري ما يقول هذا الوزغ فقال الرجل لا علم لي بما يقول قال فإنه يقول والله لئن ذكرت عثمان لأسبن عليا أبدا حتى يقوم من هاهنا (٤).

دلائل الطبري ، عن علي بن هبة الله عن الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن

__________________

(١) هكذا في الكتاب وأكثر نسخ المصدر ، وفي بعض نسخ المصدر ؛ « فاختارا » بصيغة التثنية.

(٢) الزمر : ٣٠.

(٣) علل الشرائع ٢ : ١٧٥ ط قم.

(٤) الاختصاص : ٣٠١ بصائر الدرجات : ١٠٣ « ط ١ ».


أحمد بن محمد مثله (١).

كا ، الكافي عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسن بن علي مثله وزاد في آخره قال وقال أبي ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا (٢)

٨ ـ المحاسن ، عن محمد بن علي أبي سمينة (٣) عن محمد بن أسلم عن الحسين بن خالد قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام هل يحل أكل لحم الفيل فقال لا فقلت ولم قال لأنه مثلة وقد حرم الله لحوم الأمساخ ولحوم ما مثل به في صورها (٤).

العلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن محمد بن أسلم الجبلي مثله (٥).

٩ ـ الإختصاص ، عن محمد بن أبي عاتكة الدمشقي عن الوليد بن سلمة عن موسى بن عبد الرحمن القرشي (٦) عن حذيفة بن اليمان قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال إن الله تبارك وتعالى مسخ من بني إسرائيل (٧) اثني عشر جزءا فمسخ منهم القردة والخنازير والسهيل والزهرة والعقرب والفيل والجري وهو سمك لا يؤكل الدعموص والدب والضب والعنكبوت والقنفذ قال حذيفة بأبي أنت وأمي يا رسول الله فسر لنا هذا كيف مسخوا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله أما القردة فمسخوا لأنهم اصطادوا الحيتان في السبت على عهد داود النبي عليه‌السلام وأما الخنازير فمسخوا لأنهم كفروا

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٩٩.

(٢) الروضة : ٢٣٢ ( ط الآخوندى ) فيه : « فقال رجس وهو مسخ كله » وفيه لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لاشتمن عليا.

(٣) في المصدر : عن بكر بن صالح ومحمد بن على عن محمد بن اسلم الطبري.

(٤) المحاسن : ٤٧٢.

(٥) علل الشرائع ٢ : ١٧١.

(٦) في المصدر : عن عبد الرحمن القرشي.

(٧) في المصدر : من بني آدم.


بالمائدة التي نزلت من السماء على عيسى ابن مريم عليه‌السلام وأما السهيل فمسخ لأنه كان رجلا عشارا فمر به عابد من عباد ذلك الزمان فقال العشار دلني على اسم الله الذي يمشى به على وجه الماء ويصعد به إلى السماء فدله على ذلك فقال العشار قد ينبغي لمن عرف هذا الاسم أن لا يكون في الأرض بل يصعد به إلى السماء فمسخه الله وجعله آية للعالمين (١).

وأما الزهرة فمسخت لأنها هي المرأة التي فتنت هاروت وماروت الملكين وأما العقرب فمسخ لأنه كان رجلا نماما يسعى بين الناس بالنميمة ويغري بينهم العداوة (٢) وأما الفيل فإنه كان رجلا جميلا فمسخ لأنه كان ينكح البهائم البقر والغنم شهوة من دون النساء وأما الجري فمسخ لأنه كان رجلا من التجار وكان يبخس الناس في المكيال والميزان وأما الدعموص فمسخ لأنه كان رجلا إذا جامع النساء (٣) لم يغتسل من الجنابة ويترك الصلاة فجعل الله قراره في الماء يوم القيامة من جزعه عن البرد.

وأما الدب فمسخ لأنه كان رجلا يقطع الطريق لا يرحم غريبا ولا فقيرا إلا صلبه (٤) [ سلبه ] وأما الضب فمسخ لأنه كان رجلا من الأعراب وكانت خيمته على ظهر الطريق وكان إذا مرت القافلة تقول له يا عبد الله كيف نأخذ الطريق إلى كذا وكذا فإن أراد القوم المشرق ردهم إلى المغرب وإن أرادوا المغرب ردهم إلى المشرق وتركهم يهيمون (٥) لم يرشدهم إلى سبيل الخير وأما العنكبوت فمسخت

__________________

(١) قد تقدم بيان للصدوق عليه الرحمة يبطل ذلك ، وأن مقالة كون الكوكبين السهيل والزهرة مسوختان من أغاليط الناس. والرواية كما ترى من رواة العامة ذكرها المفيد في كتابه.

(٢) أي القاها وافسد بينهم.

(٣) في المصدر : إذا حضر النساء.

(٤) في المصدر : لا يرحم غنيا ولا فقيرا الا سلبه.

(٥) هام على وجهه : ذهب لا يدرى أين يتوجه.


لأنها كانت خائنة للبعل وكانت تمكن فرجها سواه وأما القنفذ فإنه كان رجلا من صناديد العرب فمسخ لأنه إذا نزل به الضيف رد الباب في وجهه ويقول لجاريته اخرجي إلى الضيف فقولي له إن مولاي غائب عن المنزل فيبيت الضيف بالباب جوعا ويبيت أهل البيت شباعا مخصبين (١).

١٠ ـ البصائر ، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي الوشاء عن كرام عن عبد الله بن طلحة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوزغ فقال رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل (٢).

١١ ـ كتاب محمد بن المثنى ، عن عبد السلام بن سالم عن ابن أبي البلاد (٣) عن عمار بن عاصم السجستاني قال : جئت إلى باب أبي عبد الله عليه‌السلام فدخلت عليه فقلت (٤) أخبرني عن الحية والعقرب والخنفس وما أشبه ذلك قال فقال أما تقرأ كتاب الله قال قلت وما كل كتاب الله أعرف فقال أوما تقرأ أولم يروا « كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ » إن في ذلك لآية أفلا يتذكرون قال فقال هم أولئك خرجوا من الدار فقيل لهم كونوا شيئا (٥).

١٢ ـ الكافي ، عن الحسين بن محمد عن المعلى عن الحسن (٦) عن أبان عن عبد الرحمن

__________________

(١) الاختصاص : ١٣٨.

(٢) بصائر الدرجات : ١٠٣ فيه : « وإذا قتلته » والحديث تقدم آنفا.

(٣) في المصدر : عن أبي البلاد.

(٤) في المصدر : جئت الى باب أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) وأردت الا أستأذن عليه فأقعد وأقول لعله يرانى بعض من يدخل فيخبره فيأذن لي ، قال : فبينا أنا كذلك اذ دخل عليه شباب أدم في ازر وأردية ، ثم لم أرهم خرجوا ، فخرج عيسى شلقان فرآنى ، فقال : أبا عاصم! أنت هاهنا؟ فدخل واستأذن ، فدخلت عليه فقال أبو عبد الله ( عليه‌السلام ) : مذمتى أنت هاهنا يا عمار؟ قال فقلت : من قبل أن يدخل إليك شباب الادم لم أرهم خرجوا ، فقال أبو عبد الله ( عليه‌السلام ) : هؤلاء قوم من الجن جاءوا يسألون عن أمر دينهم ، قال : فقلت.

(٥) كتاب محمد بن المثنى : ٩٢ فيه : أخرجوا من النار فقيل لهم : كونوا نششا.

(٦) أي الحسن بن علي الوشاء.


بن أبي عبد الله قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه (١) فقال له الوزغ بن الوزغ قال أبو عبد الله عليه‌السلام فمن يومئذ يرون أن الوزغ يسمع الحديث (٢).

بيان : أي لما شبههما صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوزغ حين استمعا إلى حديثه فهو أن الوزغ أيضا تفعل ذلك.

١٣ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد البرقي عن بكر بن صالح عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله طاوسين أنثى وذكرا فلا تأكل لحمه ولا بيضه (٣).

١٤ ـ ومنه ، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن علي عن سماعة بن مهران عن الكلبي النسابة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجري فقال إن الله مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا (٤) فهو الجري والزمير والمارماهي وما سوى ذلك وما أخذ منهم برا (٥) فالقردة والخنازير والورك وما سوى ذلك (٦).

١٥ ـ دلائل الطبري ، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله عن محمد بن جعفر الزيات عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام وهو راكب وأنا أمشي معه فمررنا بعبد الله بن الحسن وهو راكب فلما بصر بنا شال المقرعة ليضرب بها فخذ أبي عبد الله عليه‌السلام فأومأ إليها الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) أي كانا يسترقان السمع ليسمعا ما يقول الرسول ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لازواجه وأهل بيته ويخبرا به المنافقين فيذيعونه.

(٢) الروضة : ٢٣٨.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٢٤٧ فيه : ولا يؤكل لحمه ولا بيضه.

(٤) في المصدر : البحر.

(٥) في المصدر : البر.

(٦) فروع الكافي ٦ : ٢٢١ فيه : والخنازير والوبر والورل وما سوى ذلك.


فجفت يمينه والمقرعة فيها فقال له يا أبا عبد الله بالرحم إلا عفوت عني فأومأ إليه بيده فرجعت يده ثم أقبل علي وقال لي يا مفضل وقد مرت عظاية من العظاء ما يقول الناس في هذه قلت يقولون إنها حملت الماء فأطفأت نار إبراهيم فتبسم عليه‌السلام ثم قال لي يا مفضل ولكن هذا عبد الله وولده (١) وإنما يرق الناس عليهم لما مسهم من الولادة والرحم (٢).

بيان : كان المعنى أنهم أرجاس أعداء لأهل البيت عليهم‌السلام مثل هذه المسوخ وضمير عليهم إما راجع إلى عبد الله وولده أو إلى المسوخ.

تذييل اعلم أن أنواع المسوخ غير مضبوطة في كلام أكثر الأصحاب بل أحالوها على هذه الروايات وإن كان في أكثرها ضعفا على مصطلحهم فالذي يحصل من جميعها ثلاثون صنفا الفيل والدب والأرنب والعقرب والضب والوزغ والعظاية والعنكبوت والدعموص والجري والوطواط والقرد والخنزير والكلب والزهرة وسهيل وطاوس والزنبور والبعوض والخفاش والفأر والقملة والعنقاء والقنفذ والحية والخنفساء والزمير والمارماهي والوبر والورل لكن يرجع بعضها إلى بعض.

قال الدميري الفيل معروف وجمعه أفيال وفيول وفيلة وقال ابن السكيت ولا تقل أفيلة والفيلة ضربان فيل وزندفيل (٣) وهما كالبخاتي والعراب وبعضهم يقول الفيل الذكر والزند (٤) فيل الأنثى وهذا النوع لا يلاقح إلا في بلاده ومعادنه وإن صار أهليا وهو إذا اغتلم أشبه الجمل في ترك الماء والعلف حتى تتورم رأسه ولم يكن لسواسه (٥) غير الهرب منه والذكر ينزو إذا مضى من عمره خمس سنين وزمان نزوه

__________________

(١) لعل المعنى أن هذه الدابة مع حيوانيتها كانت تدفع عن إبراهيم ، وانى مع أنه من ذريته وذرية محمد ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلى وفاطمة ( عليهما‌السلام ) يفعل بى عبد الله بن الحسن ما ترى ، ثم ذكر عليه‌السلام بعد ذلك ما يكون سببا لرقة الناس عليهم وتعظيمهم.

(٢) دلائل الإمامة : ١٤٤ و ١٤٥.

(٣) في المصدر : وزند بيل.

(٤) في المصدر : والزند بيل.

(٥) في المصدر : لسائسه الا الهرب منه.


الربيع والأنثى تحمل سنتين فإذا حملت لا يقربها الذكر ولا يمسها ولا ينزو عليها إذا وضعت إلا بعد ثلاث سنين وقال عبد اللطيف البغدادي إنها تحمل سبع سنين ولا ينزو إلا على فيلة واحدة وله عليها غيرة شديدة وإذا تم حملها وأرادت الوضع دخلت النهر حتى تضع ولدها لأنها تلد وهي قائمة (١) ولا فواصل لقوائمها والذكر عند ذلك يحرسها وولدها من الحيات ويقال الفيل يحقد كالجمل فربما قتل سائسه حقدا عليه.

تزعم الهند أن لسان الفيل مقلوب ولو لا ذلك لتكلم ويعظم ناباه وربما بلغ الواحد منهما مائة من وخرطومه من غضروف وهو أنفه ويده التي يوصل بها الطعام والشراب إلى فيه ويقاتل بها ويصيح وليس صياحه على مقدار جثته وإنه كصياح الصبي وله فيه من القوة بحيث يقلع به الشجر من منابتها وفيه من الفهم ما يقبل به التأديب ويفعل ما يأمره به سائسه من السجود للملوك وغير ذلك من الخير والشر في حالتي السلم والحرب وفيه من الأخلاق أنه يقاتل بعضه بعضا والمقهور منها يخضع للقاهر والهند تعظمه لما اشتمل عليه من الخصال المحمودة من علو سمكه وعظم صورته وبديع منظره وطول خرطومه وسعة أذنه (٢) وطول عمره وثقل حمله وخفة وطئه فإنه ربما مر بالإنسان فلا يشعر به من حسن خطوه واستقامته.

ولطول عمره حكى أرسطو أن فيلا ظهر أن عمره أربعمائة سنة واعتبر ذلك بالوسم وبينه وبين السنور عداوة طبيعية حتى أن الفيل يهرب منه كما أن السبع يهرب من الديك الأبيض وكما أن العقرب متى أبصرت الوزغة ماتت.

وفي الحلية في ترجمة أبي عبد الله القلانسي أنه ركب البحر في بعض سياحاته فعصفت عليهم الريح فتضرع أهل السفينة إلى الله تعالى ونذروا النذور إن نجاهم الله تعالى فألحوا على أبي عبد الله في النذر فأجرى الله على لسانه أن قال إن خلصني الله

__________________

(١) في المصدر : لانها لا تلد إلا وهي قائمة.

(٢) في المصدر : وسعة اذنيه.


تعالى مما أنا فيه لا آكل لحم الفيل فانكسرت السفينة وأنجاه الله وجماعة من أهلها إلى الساحل فأقاموا بها أياما من غير زاد فبينما هم كذلك إذا هم بفيل صغير فذبحوه وأكلوا لحمه سوى أبي عبد الله فلم يأكل منه وفاء بالعهد الذي كان منه فلما نام القوم جاءتهم أم ذلك الفيل تتبع أثره وتشم الرائحة فمن وجدت منه رائحة لحمه داسته بيديها ورجليها إلى أن تقتله قال فقتلت الجميع ثم جاءت إلي فلم تجد مني رائحة اللحم فأشارت إلي أن اركبها فركبتها فسارت بي سيرا شديدا الليل كله ثم أصبحت في أرض ذات حرث وزرع فأشارت إلي أن أنزل فنزلت عن ظهرها فحملني أولئك القوم إلى ملكهم فسألني ترجمانه فأخبرته بالقصة فقال لي إن الفيلة سارت بك في هذه الليلة مسيرة ثمانية أيام قال فكنت عندهم إلى أن حملت ورجعت إلى أهلي.

ولما كان في أول المحرم سنة اثنين وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حملا في بطن أمه حضر أبرهة (١) ملك الحبشة يريد هدم الكعبة ومعه (٢) جيش عظيم ومعه فيله محمود وكان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره وقيل ثمانية وساق الحديث كما مر في كتاب أحوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن قال ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ودعا الله تعالى ثم قال :

لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك

وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك

ثم أرسل حلقة الباب وانطلق هو ومن معه من قريش إلى الجبال وأبرهة (٣)

__________________

(١) في المصدر : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ حملا في بطن أمه حضر ابرهة الاشرم.

(٢) في المصدر : يريد هدم الكعبة وكان قد بنى كنيسة بصنعاء وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج رجل من بني كنانة فقعد فيها ليلا فأغضبه ذلك وحلف ليهد من الكعبة فخرج ومعه.

(٣) في المصدر : الى الجبال ينظرون ما ابرهة فاعل بمكة إذا دخلها ، فحينئذ جاءت قدرة الواحد الاحد القادر المقتدر فاصبح ابرهة.


متهيأ لدخولها وهدمها (١) وقدم فيله محمودا أمام جيشه فلما وجه الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب فأخذ بأذن الفيل وقال ابرك محمودا وارجع راشدا فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وضربوه بالحديد حتى أدموه ليقوم فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام يهرول فوجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك (٢) فعند ذلك أرسل الله « عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ » فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على كل منهل وأصيب أبرهة حتى تساقط أنملة أنملة حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر حتى انصدع صدره عن قلبه (٣) وانفلت وزيره وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة فلما انتهى وقع عليه الحجر فخر ميتا بإذن الله بين يديه.

قال السهيلي قوله فبرك الفيل فيه نظر فإن الفيل لا يبرك كما يبرك الجمل فيحتمل أن يكون بروكه سقوطه إلى الأرض لما جاء من أمر الله سبحانه ويحتمل أن يكون فعل فعل البارك الذي يلزم موضعه ولا يبرح فعبر بالبارك عن ذلك قال وقد سمعت من يقول إن في الفيلة صنفا يبرك كما يبرك الجمل فإن صح وإلا فتأويله ما قدمناه قال وقول عبد المطلب لاهم إلى آخره العرب تحذف الألف واللام من اللهم ويكتفى بما بقي والحلال متاع البيت وأراد به سكان الحرم ومعنى محالك كيدك وقوتك (٤).

وقال الدب من السباع والأنثى دبة وهو يحب العزلة فإذا جاء الشتاء دخل وجاره (٥) الذي اتخذه في الغيران ولا يخرج حتى يطيب الهواء وإذا جاع يمص (٦) يديه ورجليه فيندفع بذلك عنه الجوع ويخرج في الربيع أسمن ما

__________________

(١) في المصدر : لدخول مكة وهدم البيت.

(٢) زاد في المصدر : فوجهوه الى مكة فبرك.

(٣) في المصدر : فما مات حتى انصدع قلبه عن صدره.

(٤) حياة الحيوان ٢ : ١٦٠ ـ ١٦٣.

(٥) الوجار بالفتح والكسر : جحر الضبع.

(٦) في المصدر : يمتص.


كان وهو مختلف الطباع لأنه يأكل ما تأكله السباع وما ترعاه البهائم وما يأكله الإنسان وفي طبعه فطنة عجيبة لقبول التأديب لكنه لا يطيع معلمه إلا بعنف عظيم وضرب شديد (١).

وقال الضب بفتح الضاد حيوان بري معروف يشبه الورل قال ابن خالويه الضب لا يشرب الماء ويعيش سبعمائة سنة فصاعدا ويقال إنه يبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال إن سنه قطعة واحدة ليست بمفرجة (٢) قال عبد اللطيف البغدادي الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها متناسبة في الخلق وللضب ذكران وللأنثى فرجان كما للورل والحرذون والضب يخرج من جحره كليل البصر فيجلوه بالتحدق للشمس ويغتذي بالنسيم ويعيش ببرد الهواء وذلك عند الهرم وفناء الرطوبات ونقص الحرارات وبينه وبين العقرب مودة فلذلك يهيئ (٣) في جحره لتلسع المتحرش (٤) إذا أدخل يده لأخذه ولا يتخذ جحره إلا في كدية حجر خوفا من السيل والحافر ولذلك توجد براثنه ناقصة كليلة وذلك لحفر الأماكن الصعبة (٥) وفي طبعه النسيان وعدم الهداية وبه يضرب المثل في الحيرة ولذلك لا يحفر جحره إلا عند أكمة أو صخرة لئلا يضل عنه إذا خرج لطلب الطعم ويوصف بالعقوق لأنه يأكل حسوله (٦) وهو طويل العمر ومن هذه الجهات يناسب الحيات والأفاعي ومن شأنه أنه لا يخرج في الشتاء من جحره ، روى الدارقطني والبيهقي والحاكم وابن عدي عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في محفل من الصحابة إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا وجعله في كمه ليذهب

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ٢٣٦ و ٢٣٧.

(٢) في المصدر : ان اسنانه قطعة واحدة ليست مفرقة.

(٣) في المصدر : يؤويها.

(٤) أي الصائد للضباب.

(٥) في المصدر : لحفره بها في الاماكن الصعبة.

(٦) الحسول جمع الحسل : ولد الضب.


به إلى رحله فرأى جماعة (١) فقال على من هؤلاء الجماعة فقالوا على هذا الذي يزعم أنه نبي فأتاه فقال يا محمد ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك فلو لا أن يسميني العرب عجولا لقتلتك وسررت الناس بقتلك أجمعين فقال عمر يا رسول الله دعني أقتله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ثم أقبل الأعرابي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب (٢) وأخرج الضب من كمه فطرحه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إن آمن بك آمنت بك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا ضب فكلمه الضب بلسان طلق فصيح عربي مبين يفهمه القوم جميعا لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله من تعبد قال الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن أنا يا ضب قال أنت رسول الله وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك فقال الأعرابي أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا والله لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد هو أبغض إلي منك وو الله لأنت الساعة أحب إلي من نفسي ومن ولدي فقد آمن بك شعري وبشري وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحمد لله الذي هداك إلى هذا الذي يعلو ولا يعلى عليه ولا يقبله الله إلا بصلاة ولا يقبل الصلاة إلا بقرآن قال فعلمني فعلمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سورة الفاتحة وسورة الإخلاص فقال يا رسول الله ما سمعت في البسيط ولا في الوجيز أحسن من هذا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذا كلام رب العالمين وليس بشعر إذا قرأت قل هو الله أحد فكأنما قرأت ثلث القرآن وإذا قرأتها مرتين فكأنما قرأت ثلثي القرآن وإذا قرأتها ثلاثا فكأنما قرأت القرآن كله فقال الأعرابي إن إلهنا يقبل اليسير ويعطي الكثير ثم قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ألك مال فقال ما في بني سليم قاطبة رجل أفقر مني فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه أعطوه فأعطوه حتى أبطروه (٣)

__________________

(١) في المصدر : فرأى جماعة محتفين بالنبى ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٢) في المصدر : حتى يؤمن هذا الضب.

(٣) أبطره : صيره بطرا. والبطر : الدهشة والحيرة عند هجوم النعمة.


فقال عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله أنا أعطيته ناقة عشراء (١) تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك فخرج الأعرابي من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتلقاه ألف أعرابي على ألف دابة بألف سيف فقال لهم أين تريدون فقالوا نريد هذا الذي يكذب ويزعم أنه نبي فقال الأعرابي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقالوا له صبؤت (٢) فحدثهم بحديثه فقالوا كلهم لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم أتوا النبي فقالوا يا رسول الله مرنا بأمرك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله كونوا تحت راية خالد بن الوليد فلم يؤمن في أيامه صلى‌الله‌عليه‌وآله من العرب ولا من غيرهم ألف غيرهم.

وقال في الحكم ، يحل أكل الضب بالإجماع وحكى القاضي عياض عن قوم تحريمه (٣).

وقال الوزغة بفتح الواو والزاي والغين المعجمة دويبة معروفة وهي وسام أبرص جنس فسام أبرص كباره واتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات وجمع الوزغة وزغ وأوزاغ ووزغان وإزغان على البدل وروى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أم شريك أنها استأمرت (٤) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل الوزغان فأمرها بذلك.

وفي الصحيحين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وقال كان ينفخ النار على إبراهيم. وكذلك رواه أحمد في مسنده

وروى الحاكم (٥) في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال

__________________

(١) العشراء من النوق بضم العين : التي مضى لحملها عشرة أشهر او ثمانية او هي كالنفساء من النساء.

(٢) صبأ : خرج من دين الى دين ، والمعنى ارتددت.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٥٢ ـ ٥٤.

(٤) أي شاورته.

(٥) في المصدر : وروى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من المستدرك.


هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون. ثم قال صحيح الإسناد وروى بعده بيسير عن محمد بن زياد قال : لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن بن أبي بكر سنة هرقل وقيصر (١) فقال له مروان أنت الذي أنزل الله فيك « وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما » (٢) فبلغ ذلك عائشة فقالت كذب والله ما هو به ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه.ثم روي عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فعرف صوته فقال ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يسرفون في الدنيا ويضيعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم « فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ».

وأما تسمية الوزغ فويسقا فنظيره الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم وأصل الفسق الخروج وهذه المذكورات خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضرر والأذى وذكر أصحاب الآثار أن الوزغ أصم قالوا والسبب في صممه ما تقدم من نفخة النار على إبراهيم فصم لأجل ذلك وبرص ومن طبعه أنه لا يدخل بيتا فيه رائحة الزعفران والحيات تألفه كما تألف العقارب الخنافس وهو يلقح بفيه ويبيض كما تبيض الحيات ويقيم في جحره زمن الشتاء لا يطعم شيئا (٣) وقال العظاءة بالظاء المعجمة والمد دويبة أكبر من الوزغة وقال الأزهري هي دويبة ملساء تعدو وتتردد كثيرا تشبه بسام أبرص إلا أنها أحسن منه ولا تؤذي (٤) وهي أنواع كثيرة منها الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر وكلها منقطة بالسواد وفي طبعها محبة الشمس لتصلب فيها (٥).

__________________

(١) وفي ذلك دلالة على أن سنة الإسلام في نصب الخليفة تخالف سنة الملوك ، فسنة الإسلام في ذلك على وجدان الفضيلة والصلاحية في الخليفة ، وسنة الملوك على الوراثة قط.

(٢) الأحقاف : ١٧.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٨٨.

(٤) زاد في المصدر : وتسمى شحمة الأرض وشحمة الرمل.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٨٤.


وقال السام (١) أبرص بتشديد الميم قال أهل اللغة هو من كبار الوزغ (٢) وقال الدعموص بفتح الدال دويبة كالخنفساء (٣) وبضم الدال دويبة تغوص في الماء والجمع الدعاميص قال السهيلي الدعموص سمكة صغيرة كحية الماء وفي الحديث أن رجلا زنى فمسخه الله تعالى دعموصا.

قال الجاحظ إذا كبر الناموس صار دعاميص وهو تتولد من الماء الراكد وإذا كبر صار فراشا ولعل هذا هو عمدة من جعل الجراذ بحريا والدعموص هو من الخلق الذي لا يعيش في ابتداء أمره إلا في الماء ثم بعد ذلك يستحيل بعوضا وناموسا (٤) وقال الوطواط الخفاش انتهى (٥).

وقال الفيروزآبادي الوطواط الخفاش وضرب من خطاطيف الجبال وقال الدميري القرد حيوان معروف وجمعه قرود وقد يجمع على قردة بكسر القاف وفتح الراء المهملة والأنثى قردة بكسر القاف وإسكان الراء وجمعها قردة بكسر القاف وفتح الراء وهو حيوان قبيح مليح ذكي سريع الفهم يتعلم الصنعة أهدى ملك النوبة إلى المتوكل قردا خياطا وآخر صائغا وأهل اليمن يعلمون القرد القيام بحوائجهم حتى أن البقال والقصاب يعلم القرد حفظ الدكان حتى يعود صاحبه ويعلم السرقة فيسرق والقردة تلد في البطن الواحد عشرة واثني عشر والذكر ذو غيرة شديدة على الإناث وهذا الحيوان شبيه بالإنسان في غالب حالاته فإنه يضحك ويطرب ويقعي ويحكي ويتناول الشيء بيده وله أصابع مفصلة إلى أنامل وأظفار ويقبل التلقين والتعليم ويأنس بالناس ويمشي على رجلين حينا يسيرا ويمشي على أربع مشيه المعتاد ولشفر عينيه الأسفل أهداب وليس ذلك لشيء من الحيوان سواه وهو

__________________

(١) في المصدر : « سام ابرص » بلا حرف تعريف.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٨.

(٣) فيه تصحيف ، وهي تفسير للدعسوقة على ما في المصدر.

(٤) حياة الحيوان ١ : ٢٤٤.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٢٩٠.


كالإنسان إذا سقط في الماء غرق كالإنسان الذي لا يحسن السباحة (١) ويأخذ نفسه بالزواج والغيرة على الإناث وهما خصلتان من مفاخر الإنسان وإذا زاد به الشبق استمنى بفيه وتحمل الأنثى ولدها كما تحمل المرأة وفيه من قبول التأديب والتعليم ما لا يخفى ولقد درب قرد ليزيد على ركوب الحمار وسابق به مع الخيل وروى ابن عدي في كامله عن أحمد بن طاهر أنه قال شهدت بالرملة قردا صائغا (٢) فإذا أراد أن ينفخ أشار إلى رجل حتى ينفخ له.

وروى البيهقي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تشوبوا اللبن بالماء فإن رجلا كان فيمن كان قبلكم يبيع اللبن ويشوبه بالماء فاشترى قردا وركب البحر حتى إذا لحج فيه ألهم الله تعالى القرد صرة الدنانير فأخذها وصعد الدقل ففتح الصرة وصاحبها ينظر إليه فأخذ دينارا ورمى به في البحر ودينارا في السفينة حتى قسمها نصفين فألقى ثمن الماء في البحر وثمن اللبن في السفينة.

وروى الحاكم في المستدرك عن عكرمة قال : دخلت على ابن عباس وهو يقرأ في المصحف قبل ذهاب بصره ويبكي فقلت ما يبكيك جعلني الله فداك قال هذه الآية « وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ » (٣) قال ثم قال أتعرف أيلة قلت وما أيلة قال قرية كان بها أناس من اليهود فحرم الله تعالى عليهم صيد الحيتان يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأمثال المخاض فإذا كان غير يوم السبت لا يجدونها ولم يدركوها (٤) إلا بمشقة ومئونة ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا يوم السبت فربطه إلى وتد في الساحل وتركه في الماء حتى إذا كان الغد أخذه فأكله ففعل ذلك أهل بيت منهم فأخذوا وشووا فوجد جيرانهم ريح الشواء ففعلوا كفعلهم وكثر ذلك فيهم فافترقوا فرقا فرقة أكلت وفرقة نهت

__________________

(١) في المصدر : وإذا سقط في الماء غرق كالآدمى الذي لا يحسن السباحة.

(٢) في المصدر : قردا يصوغ.

(٣) الأعراف : ١٦٣.

(٤) في المصدر : ولا يدركونها.


وفرقة قالوا « لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ » (١) الآية وقالت الفرقة التي نهت إنما نحذركم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب والله ما نساكنكم في مكان أنتم فيه وخرجوا من السور ثم غدوا عليه من الغد فضربوا باب السور فلم يجبهم أحد وتسور إنسان منهم السور فقال قردة والله لها أذناب تتعاوى ثم نزل وفتح الباب ودخل الناس عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة قال فيأتي القردة إلى نسيبه وقريبه فيحتك به ويلصق إليه فيقول له أنت فلان فيشير برأسه أن نعم ويبكي وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها الإنسي فيقول أنت فلانة فيشير برأسها أن نعم وتبكي قال ابن عباس فأسمع الله تعالى يقول « أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ » (٢) فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة فكم قد رأينا منكرا فلم ننه عنه (٣) فقال عكرمة فقلت ما ترى جعلني الله فداك إنهم قد أنكروا وكرهوا حين قالوا « لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً » فأعجبه قولي ذلك وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما.

ثم قال هذا صحيح الإسناد وأيلة بين مدين والطور على شاطئ البحر وقال الزهري القرية طبرية الشام.

وفي المستدرك عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة فما رئي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضاحكا حتى مات (٤).

ثم قال صحيح الإسناد عن شرط مسلم.

__________________

(١) الأعراف : ١٦٤.

(٢) الأعراف : ١٦٥.

(٣) في المصدر : من منكر ولم ننه عنه.

(٤) في المصدر : فما رئي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا حتى مات.


وروى الطبراني في معجمه (١) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر الزمان تأتي المرأة فتجد زوجها قد مسخ قردا لأنه لا يؤمن بالقدر.

واختلف العلماء في الممسوخ هل يعقب أم لا على قولين أحدهما نعم وهو قول الزجاج والقاضي أبي بكر المغربي المالكي وقال الجمهور لا يكون ذلك قال ابن عباس لم يعش ممسوخ قط أكثر من ثلاثة أيام ولا يأكل ولا يشرب (٢).

وقال الخنزير مشترك بين البهيمة والسبعية فالذي فيه من السبع الناب وأكل الجيف والذي فيه من البهيمة الظلف وأكل العشب والعلف ويقال أنه ليس لشيء من ذوات الأذناب (٣) ما للخنزير من قوة نابه حتى أنه يضرب بنابه صاحب السيف والرمح فيقطع كل ما لاقى من جسده من عظم وعصب وربما طال ناباه فيلتقيان فيموت عند ذلك جوعا لأنهما يمنعانه من الأكل ويأكل الحيات أكلا ذريعا (٤) ولا تؤثر فيه سمومها ومن عجيب أمره إذا قلعت إحدى عينيه مات سريعا.

وذكر أهل التفسير أن عيسى عليه‌السلام استقبل رهطا من اليهود فلما رأوه قالوا جاء الساحر ابن الساحرة وقذفوه وأمه فدعا عليهم ولعنهم فمسخهم الله خنازير.

وروى ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والدر (٥). قال في الإحياء جاء رجل إلى ابن سيرين وقال رأيت كأني أقلد الدر أعناق الخنازير فقال أنت تعلم الحكمة غير أهلها وقال القمل معروف واحدته قملة.

قال الجوهري والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبا أو

__________________

(١) في المصدر : من معجم الاوسط.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ١٧٢ و ١٧٣.

(٣) في المصدر : من ذوات الانياب والاذناب ما للخنزير من القوة في نابه.

(٤) يقال : موت ذريع اي فاش او سريع ، وقتل ذريع أي فظيع.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٢١٩ و ٢٢٠.


بدنا أو ريشا أو شعرا حتى يصير المكان عفنا.

قال الجاحظ وربما كان الإنسان قمل الطباع وإن تنظف وتعطر وبدل الثياب قال ومن طبعه أنه يكون في شعر الرأس في الأحمر أحمر وفي الأسود أسود وفي الأبيض أبيض ومتى تغير الشعر تغير إلى لونه وهو من الحيوان الذي إناثه أكبر من ذكوره ويقال ذكوره الصيبان وقيل الصيبان بيضه (١).

وقال عنقاء مغرب (٢) قال بعضهم هو طائر غريب يبيض بيضا كالجبال وتبعد في طيرانها وقيل سميت بذلك لأنه كان في عنقها بياض كالطوق وقيل هو طائر يكون عند مغرب الشمس وقال القزويني إنها أعظم الطير جثة وأكبرها خلقة تختطف الفيل كما تختطف الحدأة الفأرة وكان في قديم الزمان بين الناس فتأذوا منها إلى أن سلب يوما عروسا بحليها فدعا عليها حنظلة النبي فذهب الله بها إلى بعض جزائر البحر المحيط وراء خط الإستواء وهي جزيرة لا يصل إليه الناس وفيها حيوان كثير كالفيل والكركدن والجاموس والببر والسماع (٣) وجوارح الطير وعند طيران عنقاء مغرب يسمع لأجنحتها دوي كدوي الرعد العاصف (٤) والسيل وتعيش ألفي سنة وتتزاوج إذا مضى لها خمسمائة سنة فإذا كان وقت بيضها ظهر بها ألم شديد ثم أطال في وصفها.

وذكر أرسطاطاليس في النعوت أن العنقاء قد تصاد فيصنع من مخاليبها أقداح عظام للشرب قال وكيفية صيدها أنهم يوقفون ثورين ويجعلون بينهما عجلة ويثقلونها بالحجارة العظام ويتخذون بين يدي العجلة بيتا يختبئ فيه رجل معه نار فتنزل العنقاء على الثورين لتخطفهما فإذا نشبت أظفارها في الثورين أو أحدهما لم تقدر على اقتلاعهما لما عليهما من الحجارة الثقيلة ولم تقدر على الاستقلال لتخلص بمخاليبها (٥)

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ١٨٣.

(٢) في المصدر : عنقاء مغرب ومغربة من الألفاظ الدالة على غير معنى.

(٣) في المصدر : والبقر وسائر أنواع السباع.

(٤) في المصدر : كدوى الرعد القاصف.

(٥) في المصدر : لتخلص مخالبها.


فيخرج الرجل بالنار فيحرق أجنحتها قال والعنقاء لها بطن كبطن الثور وعظام كعظام السبع وهي من أعظم سباع الطير انتهى.

وقال العكبري في شرح المقامات إن أهل الرس كان بأرضهم جبل يقال له مخ صاعد في السماء قدر ميل وكان به طيور كثيرة وكانت العنقاء به وهي عظيمة الخلق لها وجه كوجه الإنسان وفيها من كل حيوان شبه وهي من أحسن الطير وكانت تأتي في السنة مرة هذا الجبل فتلتقط طيوره فجاعت في بعض السنين وأعوزها الطير فانقضت على صبي فذهبت به ثم ذهب بجارية أخرى فشكوا ذلك إلى نبيهم حنظلة بن صفوان فدعا عليها فأصابتها صاعقة فاحترقت وكان حنظلة في زمن الفترة بين عيسى ومحمد ص.

وفي ربيع الأبرار (١) في باب الطير عن ابن عباس أن الله تعالى خلق في زمن موسى طائرا اسمها العنقاء لها أربعة أجنحة من كل جانب ووجهها كوجه الإنسان وأعطاها من كل شيء قسطا وخلق لها ذكرا مثلها وأوحى إليه أني خلقت طائرين عجيبين وجعلت رزقهما في الوحوش التي حول بيت المقدس وجعلتهما زيادة فيما وصلت به بني إسرائيل وتناسلا وكثر نسلهما فلما توفي موسى عليه‌السلام انتقلت فوقعت بنجد والحجاز فلم تزل تأكل الوحوش وتخطف الصبيان إلى أن بني (٢) [ نبئ ] خالد بن سنان العبسي من بني عبس قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكوا إليه ما يلقون منها فدعا الله عليها فانقطع نسلها وانقرضت فلا توجد اليوم (٣).

وقال القنفذ بالذال المعجمة وبضم القاف وبفتحها (٤) هو صنفان قنفذ يكون بأرض مصر قدر الفأر وقنفذ (٥) يكون بأرض الشام والعراق بقدر الكلب القلطي و

__________________

(١) في المصدر : وفي آخر ربيع الابرار.

(٢) هكذا في الكتاب ، وفي المصدر : « الى ان نبئ » والظاهر انهما مصحفان والصحيح : « الى ان نبأ » او الى أن أنبا.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ١١٢ و ١١٣.

(٤) الصحيح كما في المصدر : بضم الفاء وفتحها.

(٥) في المصدر : ودلدل يكون بأرض الشام.


بينهما كالفرق بين الفأر والجراد (١) وهو لا يظهر إلا ليلا وهو مولع بأكل الأفاعي ولا يتألم بها وإذا لذعته الحية أكل السعتر البري فيبرأ وله خمسة أسنان في فيه والبرية منها تسفد قائمة وظهر الذكر لاصق ببطن الأنثى.

وروى الطبراني وغيره (٢) عن قتادة بن النعمان أنه قال : كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت لو اغتنمت الليلة شهود العتمة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففعلت فلما رآني قال قتادة قلت لبيك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قلت علمت أن شاهد الصلاة في هذه الليلة قليل فأحببت أن أشهدها معك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا انصرفت فأتني فلما فرغت من الصلاة أتيت إليه فأعطاني عرجونا كان في يده فقال هذا يضيء أمامك عشرا ومن خلفك عشرا ثم قال إن الشيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستضئ به حتى تأتي بيتك فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون قال فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا فاستضأت به وأتيت أهلي فوجدتهم قد رقدوا فنظرت إلى الزاوية فإذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج. ورواه أحمد والبزاز ورجال أحمد رجال الصحيح (٣).

وقال الوبر بفتح الواو وتسكين الباء الموحدة دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون لا ذنب لها تقيم في البيوت وجمعها وبور وبيرر وبار (٤) والأنثى وبرة وقول الجوهري لا ذنب لها أي لا ذنب طويل وإلا فالوبر له ذنب قصير جدا والناس يسمون الوبر بغنم بني إسرائيل ويزعمون أنها مسخت لأن ذنبها مع صغره يشبه إليه الخروف وهو قول شاذ لا يلتفت إليه (٥).

وقال الورل بفتح الواو والراء المهملة وباللام في آخره دابة على خلقه الضب

__________________

(١) هكذا في المطبوع والمخطوط وفيه تصحيف والصحيح كما في المصدر : كالفرق بين الجرذ والفأر.

(٢) في المصدر : روى الطبراني في معجمه الكبير والحافظ ابن منير الحلبي وغيرهما.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ١٨٧ و ١٨٨.

(٤) في المصدر : جمعها وبور ووبار ووبارة.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٢٨١.


إلا أنه أعظم منه والجمع أورال وورلان والأنثى ورلة.

وقال القزويني إنه أعظم من الوزغ وسام أبرص طويل الذنب سريع السير خفيف الحركة وقال عبد اللطيف الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها متناسبة في الخلق فأما الورل وهو الحرذون فليس في الحيوان أكثر سفادا منه وبينه وبين الضب عداوة فيغلب الورل الضب ويقتله لكنه لا يأكله كما يفعل بالحية وهو لا يتخذ بيتا لنفسه ولا يحفر جحرا بل يخرج الضب من جحره صاغرا ويستولي عليه وإن كان أقوى براثن منه لكن الظلم يمنعه من الحفر ولهذا يضرب به المثل في الظلم ويقال أظلم أو أجبر من ورل ويكفي في ظلمه أنه يغصب الحية جحرها ويبلعها وربما قتل فوجد في جوفه الحية العظيمة وهو لا يبتلعها حتى يشدخ رأسها ويقال أنه يقاتل الضب والجاحظ يقول الحرذون غير الورل ووصفه بأنه دابة تكون بناحية مصر مليحة موشاة بألوان كثيرة ولها كف ككف الإنسان مقسومة أصابعها إلى الأنامل (١).

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٨٥ و ٢٨٦.


٦

(باب)

(الأسباب العارضة المقتضية للتحريم)

١ ـ نوادر الراوندي ، عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن جده موسى عن آبائه عليهم‌السلام قال : سئل علي عليه‌السلام عن حمل غذي بلبن خنزيرة فقال قيدوه (١) واعلفوه الكسب والنوى والخبز إن كان استغنى عن اللبن وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام (٢).

٢ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام مثله (٣).

بيان : الكسب بالضم عصارة الدهن وقوله سبعة أيام كأنه متعلق بالشقين معا كما يستفاد من كلام الأصحاب وستعرف.

٣ ـ قرب الإسناد ، عن محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد معا عن حنان بن سدير قال : سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن حمل يرضع (٤) من خنزيرة ثم استفحل الحمل في غنم فخرج له نسل ما قولك في نسله فقال ما علمت أنه من نسله بعينه فلا تقربه وأما ما لم تعلم أنه منه فهو بمنزلة الجبن كل ولا تسأل عنه (٥).

__________________

(١) في المصدر : « عودوه » والظاهر أنه مصحف.

(٢) نوادر الراوندي : ٥٠.

(٣) فروع الكافي ٦ : ٢٥٠ فيه : « والنوى والشعير والخبز » وفيه : سبعة أيام ثم يؤكل لحمه.

(٤) في المصدر : رضع.

(٥) قرب الإسناد : ٤٧.


٤ ـ المقنع ، سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن جدي رضع من خنزيرة (١) حتى كبر وشب واشتد عظمه ثم إن رجلا استفحله في غنمه فأخرج له نسلا (٢) فقال أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه وأما ما لا تعرفه فكله ولا تسأل عنه فإنه بمنزلة الجبن (٣).

بيان : رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير قال : سئل أبو عبد الله وأنا حاضر عنده عن جدي رضع وذكر نحوا من المقنع (٤).

٥ ـ وروى أيضا عن محمد بن يحيى عن الوشاء عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة رفعه قال : لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن خنزيرة (٥).

واعلم أن المعروف بين الأصحاب أن الحيوان إذا شرب لبن خنزيرة فإن لم يشتد بأن ينبت عليه لحمه ويشتد عظمه وتزيد قوته كره لحمه ويستحب استبراؤه بسبعة أيام بأن يعلف بغيره في المدة المذكورة ولو كان في محل الرضاع أرضع من حيوان محلل كذلك وإن اشتد حرم لحمه ولحم نسله ذكرا كان الشارب أم أنثى وذهبوا أن الاستبراء في هذا القسم لا ينفع وبهذا الوجه جمع الشيخ بين الأخبار وتبعه القوم ويمكن الجمع بينها بحمل النهي عن ما قبل الاستبراء وتعميم الاستبراء أو تخصيصه بصورة الاشتداد ومع التعميم يكون قبل الاستبراء مع عدم الاشتداد مكروها ومعه حراما ويدل خبر حنان على أن المشتبه بالنسل لا يجب اجتنابه وهو الظاهر من كلام القوم وإن مقتضى قواعدهم وجوب اجتناب الجميع من باب المقدمة وقد

__________________

(١) في المصدر : من لبن خنزيرة.

(٢) في المصدر والكافي : « فاخرج له نسل » وفي نسخة من المصدر : فخرج له نسل.

(٣) المقنع : ٣٥.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٢٤٩ فيه : فلا تقربنه واما ما لم تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن ولا تسأل عنه.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٢٥٠ فيه : يرضع.


عرفت أن ظاهر الآيات والأخبار خلافه وقال في الروضة ولا يتعدى الحكم إلى غير الخنزيرة عملا بالأصل وإن ساواه في الحكم كالكلب مع احتماله انتهى.

واعلم أن جماعة من الأصحاب حكموا بكراهة لحم حيوان رضع من امرأة حتى اشتد عظمه قال في التحرير ولو شرب من لبن امرأة واشتد كره لحمه ولم يكن محظورا انتهى ومستندهم صحيحة أحمد بن محمد بن عيسى قال : كتبت إليه جعلت فداك من كل سوء امرأة أرضعت عناقا حتى فطمت وكبرت وضربها الفحل ثم وضعت أيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها فكتب عليه‌السلام فعل مكروه لا بأس به (١).

وفي الفقيه كتب أحمد بن محمد بن عيسى إلى علي بن محمد امرأة أرضعت عناقا بلبنها (٢) حتى فطمتها فكتب عليه‌السلام فعل مكروه ولا بأس به (٣).

أقول الحديث يحتمل معنيين أحدهما أن الإرضاع فعل مكروه والأكل لا بأس به وعبارة الفقيه بهذا أنسب والثاني أن الأكل مكروه ليس بحرام وهذا بعبارة التهذيب حيث حذف الواو أنسب (٤) ثم على ما في الفقيه (٥) إن كان السؤال عن اللحم فالمراد عدم البأس بلحم العناق على المعنى الأول وعلى ما في التهذيب يحتمل العناق والأولاد والأعم ويؤيد كون المراد عدم البأس بلحمها ما رواه في التهذيب أيضا بسند مرسل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في جدي رضع من لبن امرأة حتى اشتد عظمه ونبت

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٤٥ وفيه : « جعلنى الله فداك » ورواه الكليني في فروع الكافي ٩ : ٢٥٠ عن العدة عن أحمد بن محمد. وفيهما جميعا : ولا بأس به : ورواه الشيخ في التهذيب ٧ : ٣٢٥ بإسناد آخر والفاظ غيره وفيه : يجوز ان يؤكل لبنها وتباع وتذبح ويؤكل لحمها فكتب ( عليه‌السلام ) : فعل مكروه ولا بأس به.

(٢) في المصدر : ارضعت عناقا من الغنم بلبنها.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢١٢.

(٤) قد عرفت أن الواو موجود في التهذيب والكافي.

(٥) الظاهر بقرينة الكافي والتهذيب أن الحديث المروى في الفقيه منقول بالاختصار فالعمل على الموجود في الكافي والتهذيب اصوب.


لحمه قال لا بأس بلحمه (١).

قال المحقق الأردبيلي قدس‌سره بعد إيراد خبر التهذيب الأول فيها إن المكروه لا بأس به وأنه مع الكبر والشدة مكروه فبدونهما يجوز بالطريق الأولى ويحتمل الكراهة مطلقا والظاهر أن المراد لحمها ولحم نسلها فتأمل (٢).

٥ ـ الدعائم ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن لحوم الجلالة وألبانها وبيضها حتى تستبرأ والجلالة (٣) هي التي [ تتخلل ] تجلل (٤) المزابل فتأكل العذرة (٥).

٦ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : الناقة الجلالة تحبس على العلف أربعين يوما والبقرة عشرين يوما والشاة سبعة أيام والبطة خمسة أيام والدجاجة ثلاثة أيام ثم تؤكل بعد ذلك لحومها وتشرب ألبان ذوات الألبان منها ويؤكل بيض ما يبيض منها (٦).

٧ ـ نوادر الراوندي ، بالإسناد المتقدم عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال علي عليه‌السلام الناقة الجلالة لا يحج على ظهرها ولا يشرب لبنها ولا يؤكل لحمها حتى يقيد أربعين يوما والبقرة الجلالة عشرين يوما والبطة الجلالة خمسة أيام والدجاج ثلاثة أيام (٧).

٨ ـ المقنع ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله (٨).

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٧ : ٣٢٤ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عمن رواه عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ).

(٢) شرح الإرشاد : كتاب الاطعمة.

(٣) لعل التفسير من صاحب الدعائم.

(٤) في النسخة المخطوطة : تتخلل المزابل.

(٥) الدعائم لم يكن عندي.

(٦) الدعائم لم يكن عندي.

(٧) نوادر الراوندي : ٥١ فيه : « والدجاجة » وقد سقطت عن المطبوع جملة.

(٨) المقنع : ٣٥ فيه : لا تشرب من لبن.


تفصيل قال في النهاية فيه أنه نهي عن أكل الجلالة وركوبها الجلالة من الحيوان التي تأكل العذرة والجلة البعر فوضع موضع العذرة يقال جلت الدابة الجلة واجتلتها فهي جالة وجلالة إذا التقطها (١).

فأما أكل الجلالة فحلال إن لم يظهر النتن في لحمها وأما ركوبها فلعله لما يكثر من أكلها العذرة والبعر وتكثر النجاسة على أجسامها وأفواهها وتلمس راكبها بفمها وثوبه بعرقها وفيه أثر العذرة والبعر فيتنجس والله أعلم انتهى (٢).

ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب أن الجلل يوجب تحريم اللحم وذهب الشيخ وابن الجنيد إلى الكراهة وكلام الشيخ في المبسوط مشعر باتفاقها عليه وقيل بالتحريم إن كان الغذاء بالعذرة محضا والكراهة إن كان غالبا والتحريم أحوط مع الاغتذاء بالعذرة محضا وإن كان إثباته بحسب الدليل مشكلا وأما الحج عليها أو ركوبها مطلقا فالظاهر أنه محمول على الكراهة ويمكن أن يكون لكراهة عرقها.

قال ابن الجنيد رحمه‌الله والجلال من سائر الحيوان مكروه أكله وكذلك شرب ألبانها والركوب عليها انتهى واختلفوا فيما يحصل به الجلل فالمشهور أنه يحصل بأن يغتذي الحيوان بعذرة الإنسان لا غير وألحق أبو الصلاح بالعذرة غيرها من النجاسات وهو ضعيف والنصوص والفتاوي المعتبرة خالية عن تقدير المدة التي يحصل فيها ذلك لكن يستفاد من بعض الروايات المعتبرة في ذلك أن تكون العذرة غذاءه ومن بعضها أن الخلط لا يوجب الجلل وقدره بعضهم أن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءا منه وبعضهم بيوم وليلة وقال يحيى بن سعيد بأكل العذرة خالصة يومها أجمع وقدر آخرون بأن يظهر النتن في لحمه وجلده يعني رائحة العذرة وقال الشيخ في المبسوط والخلاف إن الجلالة هي التي تكون أكثر علفها العذرة فلم يعتبر تمحض العذرة والظاهر في مثله الرجوع إلى صدق الجلل عرفا وفي معرفته إشكال والأشهر طهارة الجلال بل

__________________

(١) في المصدر : إذا التقطتها.

(٢) النهاية ١ : ٢٠١.


القائل بالنجاسة غير معلوم لكن تدل عليها بعض الأخبار وحملت على كراهة والأقرب وقوع التذكية عليه لعموم الأدلة ثم إن تحريم الجلال على القول به أو الكراهة ليس بالذات بل بسبب الاغتذاء بالعذرة فليس مستقرا بل إلى أن يقطع ذلك الاغتذاء ويغتذي بغيره بحيث يزول عنه اسم الجلل والنصوص الواردة في هذا الباب غير نقي الأسانيد وفتاوي الأصحاب في بعضها متفقة وفي بعضها مختلفة فالمتفق عليه استبراء الناقة بأربعين يوما ويدل عليه الروايات ومن المختلف فيه البقرة قيل يستبرأ بأربعين كالناقة ويدل عليه زائدا على ما تقدم رواية مسمع (١) وقيل بعشرين يوما وهو أشهر لرواية السكوني (٢) ومرفوعة يعقوب (٣) ورواية يونس (٤) ومنه الشاة

__________________

(١) المذكور في الكافي ٦ : ٢٥٣ والتهذيب ٩ : ٤٥ والاستبصار ٤ : ٧٧ رواه الكليني عن العدة عن سهل عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) قال : قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : « الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام ، والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيام ، والدجاجة ثلاثة أيام » هكذا الحديث في الكافي واما الحديث في التهذيب فيختلف حكم البقرة في نسختها ففى المطبوع بالنجف : « عشرين يوما » وفي الطبع الأول أيضا : عشرون ولكن ذكر في هامشه عن نسخة : « أربعين » وعن اخرى « ثلاثين » وفي الاستبصار أيضا : « أربعين يوما » وحكم الشاة في التهذيب والاستبصار : خمسة أيام.

(٢) رواه الكليني في الكافي ٦ : ٢٥١ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكونى عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) قال : قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة أيام والبطة الجلالة خمسة أيام ، والشاة الجلالة عشرة أيام والبقرة الجلالة عشرين يوما ، والناقة أربعين يوما. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٤٦ وفي الاستبصار ٤ : ٧٧ عن محمد بن يعقوب.

(٣) الموجود فيه : ثلاثون كما رواه الكليني في الكافي ٦ : ٢٥٢ عن العدة عن سهل عن يعقوب بن يزيد رفعه قال : قال أبو عبد الله ( عليه‌السلام ) : الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما والبقرة ثلاثين يوما والشاة عشرة أيام.

(٤) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٥٢ بإسناده عن الحسين بن محمد عن السيارى.


والمشهور أن استبراءها بعشرة لرواية السكوني ومرفوعة يعقوب ورواية مسمع وقيل بسبعة (١) وقيل بخمسة وفي رواية يونس أربعة عشر وفي رواية مسمع البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيام وفي رواية السكوني الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة أيام والبطة خمسة أيام واكتفى الصدوق في المقنع للبطة بثلاثة أيام ورواه في الفقيه عن القاسم بن محمد الجوهري (٢) ومن الأصحاب من اعتبر في الدجاجة خمسة أيام وقيل أكثر ومستند الكل لا يخلو من ضعف على المشهور وقيل مراعاة العرف متجه والأحوط مراعاة أكثر الأمرين من زوال الجلل العرفي وأكثر المقدرات وفي كلام الأصحاب الربط والعلف بالطاهر في المدة المقدرة وربما اعتبر الطاهر بالأصالة والمذكور في بعض الروايات الحبس حسب والظاهر أن الغرض زوال الجلل فلا يتوقف على الربط ولا على الطهارة بل الظاهر حصوله بالاغتذاء بغير العذرة والأحوط مراعاة المشهور ولا يؤكل الجلال من السمك حتى يستبرأ يوما وليلة عند الأكثر استنادا إلى رواية يونس عن الرضا واكتفى الصدوق بيوم إلى الليل لرواية الجوهري. وقال أبو الصلاح في الكافي في عداد المحرمات وما أدمن شرب النجاسات حتى يمنع منها عشرا وجلالة الغائط حتى تحبس الإبل والبقر أربعين يوما والشاة سبعة أيام والبطة والدجاج خمسة (٣) أيام وروي في الدجاج خاصة بثلاثة أيام وجلالة ما عدا العذرة من النجاسات حتى تحبس

__________________

عن أحمد بن الفضل عن يونس عن الرضا ( عليه‌السلام ) في السمك الجلال أنه سأله عنه فقال : ينتظر به يوما وليلة ، وقال السيارى : ان هذا لا يكون الا بالبصرة ، وقال في الدجاج : يحبس ثلاثة أيام والبطة سبعة أيام والشاة أربعة عشر يوما والبقرة ثلاثين يوما والإبل أربعين يوما ثم تذبح.

(١) في النسخة المطبوعة : بتسعة.

(٢) الفاظ الحديث : ان البقرة تربط عشرين يوما والشاة تربط عشرة أيام والبطة تربط ثلاثة أيام ، وروى ستة أيام ، والدجاجة تربط ثلاثة أيام والسمك الجلال يربط يوما الى الليل في الماء راجع الفقيه ٣ : ٢١٤.

(٣) في المختلف : عشرة أيام.


الأنعام سبعا والطير يوما وليلة.

وقال العلامة رحمه‌الله في المختلف (١) بعد نقل هذه العبارة. والذي ورد في ذلك ما رواه موسى بن أكيل (٢) عن بعض أصحابه عن الباقر عليه‌السلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت فقال يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به وكذلك إذا اعتلف بالعذرة ما لم تكن جلالة والجلالة التي يكون ذلك غذاؤها وقول أبي الصلاح لم تقم عليه دلالة عندي انتهى (٣) والمشهور بين الأصحاب أنه لو شرب الحيوان المحلل خمرا لم يؤكل ما في جوفه من الأمعاء والقلب والكبد. ويجب غسل اللحم لرواية زيد الشحام (٤) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : في شاة شربت خمرا حتى سكرت ثم ذبحت على تلك الحال لا يؤكل ما في بطنها.

والرواية مع ضعفها على المشهور أخص من المدعى من وجوه وأنكر الحكم المذكور ابن إدريس وقال بالكراهة ولعله أقرب والمشهور أنه إذا شرب بولا غسل ما في بطنه وأكل لرواية ابن أكيل المتقدمة وهي على طريقة الأصحاب ضعيفة من وجوه إلا أنه لا أعرف رادا للحكم وقيل إن هذا إنما يكون إذا ذبح في الحال بعد الشرب بخلاف ما إذا تأخر بحيث صار جزءا من بدنه وهو ظاهر غير بعيد عن سياق الخبر.

٩ ـ نوادر الراوندي (٥) ، بالإسناد المتقدم عن الكاظم عن آبائه عليهم‌السلام سئل علي ع

__________________

(١ و ٢) المختلف ٢ : ١٢٧.

(٣) رواه الكليني في الفروع ٦ ؛ ٢٥١ عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن بعض أصحابنا عن علي بن حسان عن علي بن عقبة عن موسى بن اكيل ، ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٤٧ ، والاستبصار ٤ : ٧٨ عن محمد بن أحمد بن يحيى.

(٤) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٥١ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة عن زيد الشحام. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٤٣ عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار عن أبي جميلة.

(٥) نوادر الراوندي : ٥٠ فيه : عن قدر فيها فأرة.


عن قدر طبخت فإذا فيها فأرة ميتة قال يهراق المرق ويغسل اللحم وينقى ويؤكل.

بيان : رواه الشيخ (١) بإسناده عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام وليس فيه وينقى وعليه عمل الأصحاب وربما يستشكل بأنه مع الطبخ والغليان ينفذ الماء النجس في أعماق اللحم والتوابل فكيف تطهر بمجرد الغسل (٢) ويمكن أن يحمل على أن ينقع في الماء الطاهر حتى يصل إلى كل ما وصل إليه النجس ويمكن أن يكون قوله عليه‌السلام وينقى إشارة إلى ذلك لكن كلام الأصحاب ورواية السكوني غير مقيدة بذلك وإن كان أحوط.

١٠ ـ تحف العقول ، سأل يحيى بن أكثم موسى المبرقع عن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها فدخلت بين الغنم كيف تذبح وهل يجوز أكلها أم لا فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث عليه‌السلام فقال إنه إن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم (٣).

بيان : روى الشيخ هذا الخبر بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الرجل عليه‌السلام أنه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة قال إن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها (٤).

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٨٦ بإسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكونى : ورواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٦١.

(٢) يرد هذا الاشكال على نسخة المصنف من النوادر والتهذيب والفروع وأما على النسخة المطبوعة من النوادر فلا نعم الاشكال وارد على نقل الشيخ والكليني.

(٣) تحف العقول : ٤٧٧ و ٤٨٠.

(٤) تهذيب الأحكام ٩ : ٤٣.


وأقول الظاهر أن الرجل أبو الحسن عليه‌السلام وهذا مختصر من الحديث الذي رويناه أولا وقال في المسالك بمضمون الرواية عمل الأصحاب مع أنها لا تخلو من ضعف وإرسال لأن راويها محمد بن عيسى عن الرجل ومحمد بن عيسى مشترك (١) بين الأشعري الثقة واليقطيني وهو ضعيف فإن كان المراد بالرجل الكاظم عليه‌السلام كما هو الغالب فهي مع ضعفها بالاشتراك (٢) مرسلة لأن كلا الرجلين لم يدرك (٣) الكاظم عليه‌السلام وإن أريد به غيره أو كان مبهما كما هو مقتضى لفظه فهي مع ذلك مقطوعة انتهى (٤).

وأقول يرد عليه أن الظاهر أنه اليقطيني كما يظهر من الأمارات والشواهد الرجالية لكن الظاهر ثقته والقدح غير ثابت وجل الأصحاب يعدون حديثه صحيحا وكون المراد بالرجل الكاظم عليه‌السلام غير معروف بل الغالب التعبير بالرجل والغريم وأمثالهما عند شدة التقية بعد زمان الرضا عليه‌السلام كما لا يخفى وهذا بقرينة الراوي يحتمل الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام لكن الظاهر الهادي عليه‌السلام بقرينة الرواية الأولى فظهر أن الخبر صحيح مع أنه لم يرده أحد من الأصحاب.

وقال في المسالك ولو لم يعمل بها فمقتضى القواعد الشرعية أن المشتبه فيه إن كان محصورا حرم الجميع وإن كان غير محصور جاز أكله إلى أن تبقى واحدة كما في نظائره انتهى (٥).

وأقول تحريم الجميع في المحصور غير معلوم كما عرفت والعمل بالقرعة في الأمور المشتبهة غير بعيد عن القواعد الشرعية وقد ورد في كثير من نظائره ثم إن الأصحاب قالوا إذا وطئ الإنسان حيوانا مأكولا حرم لحمه ولحم نسله ولو اشتبه بغيره قسم فرقتين وأقرع عليه مرة بعد أخرى حتى تبقى واحدة وقال في

__________________

(١) في المصدر : لان راويها محمد بن عيسى مشترك.

(٢) في المصدر : باشتراك الراوي بين الثقة وغيره.

(٣) في المصدر : لم يدركا.

(٤ و ٥) المسالك ٢ : ٢٣٩.


المسالك إطلاق الإنسان يشمل الصغير والكبير والمنزل وغيره كذلك الحيوان يشمل الذكر والأنثى ذات الأربع وغيره كالطير لكن الرواية وردت بنكاح البهيمة وهي لغة اسم لذات الأربع من حيوان البر والبحر فينبغي أن يكون العمل عليه تمسكا بالأصل في موضع الشك ويحتمل العموم لوجود السبب المحرم وعدم الخصوصية للمحل وهو الذي يشعر به إطلاق كلام المصنف وغيره ولا فرق في ذلك بين العالم بالحكم والجاهل ثم إن علم الموطوء بعينه اجتنب وسرى إلى نسله وإن اشتبه أقرع للرواية ثم قال بعد ما مر وعلى تقدير العمل بالرواية (١) فيعتبر في القسم كونه نصفين كما ذكر فيها وإن كان قولهم (٢) فريقين أعم منه ثم إن كان العدد زوجا فالنصف حقيقة ممكن وإن كان فردا اغتفر زيادة الواحدة في أحد النصفين وكذا القول بعد الانتهاء إلى عدد فرد كثلاثة (٣).

١١ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام إذا جعلت سمكة مع الجري في السفود إن كانت السمكة فوقه فكلها وإن كانت تحته فلا تأكل وإذا كان اللحم مع الطحال في السفود أكل اللحم والجوذابة لأن الطحال في حجاب ولا ينزل منه شيء إلا أن يثقب فإن ثقب سال منه ولم يؤكل ما تحته من الجوذابة ولا غيره ويؤكل ما فوقه (٤).

١٢ ـ المقنع ، إذا كان اللحم مع الطحال في سفود أكل اللحم إذا كان فوق الطحال فإن كان أسفل من الطحال لم يؤكل ويؤكل جوذابه لأن الطحال في حجاب ولا ينزل منه شيء إلا أن يثقب فإن ثقب سال منه ولم يؤكل ما تحته من الجوذاب وإن جعلت سمكة يجوز أكلها مع جري أو غيرها مما لا يجوز أكله في سفود أكلت التي لها فلس إذا كانت في السفود فوق الجري وفوق التي لا تؤكل فإن كانت أسفل من الجري لم تؤكل (٥).

__________________

(١) في المصدر : وعلى تقدير العمل بالرواية كما هو المشهور.

(٢) في المصدر : وان كان قول المصنف : فريقين.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣٩.

(٤) فقه الرضا : ٤٠.

(٥) المقنع : ٣٥.


الفقيه ، قال الصادق عليه‌السلام إذا كان اللحم مع الطحال وذكر مثل ما في المقنع (١).

تبيين السفود كتنور الحديدة التي تشوى بها اللحم وفي القاموس الجوذاب بالضم طعام السكر وأرز ولحم انتهى.

والظاهر أن المراد هنا الخبز المشرود تحت الطحال واللحم الذين على السفود ليجري عليها ما ينفصل منهما وعمل بما ورد في الفقيه أكثر الأصحاب. والأصل فيه عندهم ما رواه الشيخ (٢) في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الطحال أيحل أكله قال لا تأكله فهو دم قلت فإن كان الطعام (٣) في سفود مع لحم وتحته خبز وهو الجوذاب أيؤكل ما تحته قال نعم يؤكل اللحم والجوذاب ويرمى بالطحال لأن الطحال في حجاب لا يسيل منه فإن كان الطحال مشقوقا أو مثقوبا فلا تأكل مما يسيل عليه الطحال وعن الجري يكون في السفود مع السمك قال يؤكل ما كان فوق الجري ويرمى بما سال عليه الجري.

وهذا مطابق لما في الفقيه وأما ما ذكره الصدوق رحمه‌الله في الكتابين فهو مخالف للخبرين فإن عبارته تدل على عدم حل اللحم إذا كان تحت الطحال وإن لم يكن مثقوبا والروايتان تدلان على الحل مطلقا إذا لم يكن مثقوبا قال في الدروس إذا شوي الطحال مع اللحم فإن لم يكن مثقوبا أو كان اللحم فوقه فلا بأس وإن كان مثقوبا واللحم تحته حرم ما تحته من لحم وغيره وقال الصدوق رحمه‌الله إذا لم يثقب لم يؤكل اللحم إذا كان أسفل ويؤكل الجوذاب وهو الخبز (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢١٤ و ٢١٥.

(٢) رواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٨١ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) في المصدر : فان كان الطحال.

(٤) الدروس : كتاب الاطعمة : الدرس الثالث.


وقال قدس‌سره أيضا : روى عمار عن الصادق عليه‌السلام في الجري مع السمك في سفود بالتشديد مع فتح السين يؤكل ما فوق الجري ويرمى ما سال عليه ، وعليها ابنا بابويه وطرد الحكم في مجامعة ما يحل أكلها لما يحرم قال الفاضل لم يعتبر علماؤنا ذلك والجري طاهر والرواية ضعيفة السند انتهى (١).

وأقول عدم نجاسة الجري لا ينافي الحكم المذكور فإنه ليس باعتبار النجاسة بل باعتبار أنه يجري من الطحال والجري وغيرهما دم وأجزاء مائعة بعد تأثير الحرارة ويتشرب منها ما تحته وضعف الروايات في هذا الباب منجبر بالشهرة بين الأصحاب وحل ما يحكم بالحل فيها مؤيد بالأصل والعمومات.

__________________

(١) الدروس : كتاب الاطعمة : الدرس الأول.


٧

(باب)

(الصيد وأحكامه وآدابه)

الآيات المائدة « غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ »

قوله سبحانه « وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا »

وقال تعالى « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ »

وقال عز وجل « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ »

تفسير قد مر تفسير بعض الآيات في كتاب الحج (١) ومر بعضها في الأبواب السابقة « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ » قالوا يحتمل أن يكون عطفا على الطيبات بأخذ ما موصولة ولكن بحذف مضاف أي مصيده أو صيده أي صيد الكلاب التي تصيدون بها بقرينة قوله « مُكَلِّبِينَ » فإنه مشتق من الكلب أي حال كونكم صاحبي الصيد بالكلاب أو أصحاب التعليم للكلاب فيلزم كون الجوارح كلابا فيحل ما ذبحه الكلب المعلم.

وذهب أكثر المخالفين إلى أن المراد بالجوارح كلاب الصيد على أهلها من الطيور وذوات الأربع من السباع وإطلاق المكلبين باعتبار كون المعلم في الأغلب كلبا أو لأن كل سبع يسمى كلبا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فسلط الله عليه الأسد لكنه خلاف الظاهر وستأتي الأخبار الكثيرة في ذلك قال في مجمع البيان الجوارح هي الكلاب فقط عن ابن

__________________

(١) كتاب الحج لم يتقدم قبلا ، بل يأتي في المجلد ٢١ ، ولعل قوله : « مر » اشتباه من النساخ او كان دونه المنصف قبلا.


عمر والضحاك والسدي. والمروي عن أئمتنا عليهم‌السلام فإنهم قالوا هنا الكلب المعلم خاصة أحل الله صيدها إن أدركه صاحبه وقد قتل لقوله « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (١).

وقوله « مُكَلِّبِينَ » منصوب على الحال وقوله « تُعَلِّمُونَهُنَ » حال ثانية أو استئناف « مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ » متعلق بتعلمونهن أي مما ألهمكم الله من الحيل وطرق التأديب فإن العلم به إلهام منه تعالى أو اكتساب بالعقل الذي هو عطية من الله تعالى أيضا وقيل أي مما عرفكم الله أن تعلموهن من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » متفرع على ما تقدم ويحتمل كونه جزاء لقوله « وَما عَلَّمْتُمْ » فتكون ما شرطية أي كلوا مما أمسكت الجوارح عليكم.

قال البيضاوي وهو ما لم يأكل منه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعدي بن حاتم وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه فاشترط في حله أن يكون الكلب ما أكل منه فلو أكل حرم.

ثم قال وإليه ذهب أكثر الفقهاء وقال بعضهم لا يشترط ذلك في سباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر وقال آخرون لا يشترط مطلقا انتهى (٢).

« وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ » الضمير لما علمتم والمعنى سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن بمعنى سموا عليه إذا أدركتم ذكاته أو سموا عند أكله والأول أظهر وأشهر كما سيأتي « وَاتَّقُوا اللهَ » في أوامره ونواهيه فلا تخالفوها بوجه « إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ » لأنه « لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ » و « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » والعبد في مقام التقصير فيما دق وجل ففيه كمال التنبيه على كمال الغفلة وغاية الاهتمام بسرعة الامتثال فقد أعذر من أنذر كذا قيل ثم اعلم أنه يستفاد من الآيات

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٦١ فيه : احله الله إذا ادركه صاحبه وقد قتله.

(٢) أنوار التنزيل ١ : ٣٢٤.


أحكام الأول تدل الآيات منطوقا ومفهوما على إباحة الصيد والمصيد في الجملة وادعوا عليها إجماع الأمة والروايات في ذلك مستفيضة من طرق الخاصة والعامة واستثني منها صيد البر في حال الإحرام على التفصيل المتقدم في كتاب الحج وظاهر الأصحاب أن صيد اللهو فعله حرام لكن الظاهر أن مصيده لا يكون حراما لأن حرمة الفعل لا يستلزم تحريمه بل يمكن المناقشة في تحريم الفعل أيضا لأن عدم قصر الصلاة والصوم لا يستلزم التحريم لكن الظاهر أنه لا خلاف بينهم فيه وفي بعض الروايات إشعار به.

الثاني ظاهر الآية اشتراط كون الجارح كلبا كما عرفت. قال الشهيد الثاني رحمه‌الله الاصطياد يطلق على معنيين.

أحدهما إثبات اليد على الحيوان الوحشي بالأصالة المحلل المزيل لامتناعه بآلة الاصطياد اللغوي وإن بقي بعد ذلك على الحياة وأمكن تذكيته بالذبح.

والثاني عقره المزهق لروحه بآلة الصيد على وجه يحل أكله فالصيد بالمعنى الأول جائز إجماعا بكل آلة يتوصل بها إليه من كلب وسبع وجارح وغيرها وإنما الكلام في الاصطياد بالمعنى الثاني والإجماع واقع أيضا على تحققه بالكلب المعلم من جملة الحيوان بمعنى ما أخذه وجرحه وأدركه صاحبه ميتا أو في حركة المذبوح يحل أكله ويقوم إرسال الصائد وجرح الكلب في أي موضع كان مكان الذبح في المقدور عليه واختلفوا في غيره من جوارح الطير والسباع فالمشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه المرتضى إجماعهم على عدم وقوعه بها للآية فإن الجوارح وإن كانت عامة إلا أن الحال في قوله « مُكَلِّبِينَ » الواقع من ضمير « عَلَّمْتُمْ » خصص الجوارح بالكلاب فإن المكلب مؤدب الكلاب لأجل الصيد وذهب الحسن بن أبي عقيل إلى حل صيد ما أشبه الكلب من الفهد والنمر وغيرهما لعموم الجوارح ولورود أخبار صحيحة وغيرها بأن الفهد كالكلب في ذلك واختلف تأويل الشيخ لها فتارة خصها بموردها وجوز صيد الفهد كالكلب محتجا بأن الفهد يسمى كلبا في اللغة وتارة حملها على التقية وثالثة على حال الضرورة ووردت أخبار بحل صيد


غير الفهد أيضا وحملها على إحدى الأخيرتين.

الثالث ظاهر الآية شمولها لكل الكلب سلوقيا كان أو غيره ولا خلاف فيه ظاهرا بيننا وسواء كان أسود أو غيره وهو أصح القولين واستثنى ابن الجنيد رحمه‌الله الكلب الأسود وقال لا يجوز الاصطياد به وهو مذهب أحمد وبعض الشافعية محتجا بالرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لا يؤكل صيده وقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتله.

الرابع يستفاد من الآية الكريمة أن الكلب الذي يحل مقتوله لا بد أن يكون معلما إذ التقدير وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح فعلق حل صيدها على كونه معلما واعتبروا في صيرورة الكلب معلما ثلاثة أمور أحدها أن يسترسل باسترسال صاحبه وإشارته والثاني أن ينزجر بزجره وهكذا أطلق أكثرهم وقيده في الدروس بما إذا لم يكن بعد إرساله على الصيد لأنه لا يكاد أن ينفك حينئذ واستحسنه الشهيد الثاني رحمه‌الله وقريب منه في التحرير وهو غير بعيد.

الثالث أن يمسك الصيد ولا يأكل منه وفي هذا اعتبار وصفين أحدهما أن يحفظه ولا يخليه والثاني أن لا يأكل منه وذهب جماعة من الأصحاب منهم الصدوقان والحسن إلى أن عدم الأكل ليس بشرط وبه روايات كثيرة ولا يخلو من قوة فيحمل أخبار عدم الأكل على الكراهة أو التقية وهو أظهر لصحيحة حكم بن حكيم (١).

قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله قال

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٣ بإسناده عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن جميل بن دراج عن حكم بن حكيم الصيرفى وفيه : « لا بأس باكله » وفيه : يقولون : انه إذا قتله وأكل منه.

ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٣ والاستبصار ٤ : ٦٩ بإسناده عن محمد بن يعقوب وفيها : لا بأس كل.


لا بأس كل قال قلت إنهم يقولون إذا أكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله فقال كل أوليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته قال قلت بلى قال فما تقولون في شاة ذبحها رجل أذكاها قال قلت نعم قال فإن السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل بعضها أتؤكل البقية قلت نعم قال فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم كيف تقولون إذا ذكى ذلك فأكل منها لم تأكلوا وإذا ذكى هذا وأكل أكلتم.

وحمل الشيخ هذه الأخبار على الأكل نادرا وهو بعيد وفرق ابن الجنيد بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده وجعل الأول قادحا في التعليم دون الثاني وهذا أيضا وجه للجمع بين الأخبار وكأنه يومي إليه خبر ابن حكيم والعامة أيضا مختلفون في هذا الحكم بسبب اختلاف الأحاديث النبوية وإن كان الأشهر بينهم الاشتراط وقد يستدل على الاشتراط بقوله تعالى « وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » والظاهر أنه مخصص بقوله تعالى « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ » بشهادة الأخبار الكثيرة وعلى القول باعتبار عدم الأكل لا يضر شرب الدم والأمور المعتبرة في التعليم لا بد أن تتكرر مرة بعد أخرى ليغلب على الظن تأرب الكلب ولم يقدر أكثر الأصحاب عدد المرات واكتفى بعضهم بالتكرار مرتين واعتبر آخرون ثلاث مرات وكان الأقوى الرجوع في أمثاله إلى العرف لفقد النص على التحديد وحيث تحقق التعليم لو خالف في بعض الصفات مرة لم يقدح فيه فإن عاد ثانيا بني على أن التعلم هل يكفي فيه المرتان أم لا فإن اكتفينا بهما زال بهما وإن اعتبرنا الثلاث فكذلك هنا وكذا إن اعتبرنا العرف كذا ذكره الشهيد الثاني قدس الله روحه.

الخامس الآية تومي إلى عدم حل صيد الكفار لأن الخطاب فيها متوجه إلى المسلمين فكأنه قيد الحل بما أمسك على المسلمين ولا خلاف في تحريم صيد غير أهل الكتاب من الكفار وأما أهل الكتاب فالخلاف فيهم هنا كالخلاف فيهم في ذبائحهم كما سيأتي.

السادس المشهور بين الأصحاب أن الاعتبار في حل الصيد بالمرسل لا المعلم فإن كان المرسل مسلما فقتل حل ولو كان المعلم مجوسيا أو وثنيا ولو كان المرسل


غير مسلم لم يحل ولو كان المعلم مسلما بل ادعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام كلب المجوسي يأخذه المسلم فيسمي حين يرسله يأكل مما أمسك عليه فقال نعم لأنه مكلب وذكر اسم الله عليه. وقال في المبسوط لا يحل مقتول ما علمه المجوسي محتجا بقوله تعالى « تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ » وهذا لم يعلمه المسلم وبرواية عبد الرحمن (٢) بن سيابة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت كلب مجوسي أستعيره فأصيد به قال لا تأكل من صيده إلا أن يكون علمه مسلم.

وأجيب بأن الآية خرجت مخرج الغالب لا على وجه الاشتراط والنهي في الخبر محمولة على الكراهة جمعا مع أن الراوي مجهول والشيخ في كتابي الأخبار جمع بينهما بحمل الأول على ما إذا علمه المسلم بعد أخذه والثاني على ما إذا لم يعلمه واستشهد للجمع برواية السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كلب المجوسي لا

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٨ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد ، ورواه الصدوق في الفقيه ٣ : ٢٠٢ ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٠ والاستبصار ٤ : ٧٠ عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام ابن سالم وفيها : « الرجل المسلم » وفيها أيضا : أيأكل.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٩ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن على بن الحكم عن منصور بن يونس عن عبد الرحمن بن سيابة ، ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٠ وفي الاستبصار ٤ : ٧٠ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم عن عبد الرحمن بن سيابة واللفظ المنقول من الشيخ ، وأما الكافي ففيه : قال : قلت لابى عبد الله ( عليه‌السلام ) : انى استعير كلب المجوسى. وفيه أيضا : علمه مسلم فتعلمه.

(٣) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٩ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكونى. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٠ وفي الاستبصار ٤ : ٧٠ بإسناده عن محمد بن يعقوب ، وفي ذيل الحديث : وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيدها.


تأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله وكذلك البازي.

وهذا يدل على أن مذهبه في كتابي الأخبار كمذهبه في المبسوط والأحوط ذلك وإن كان الأظهر حمل أخبار المنع على التقية فإنه مذهب الحسن والثوري وجماعة من العامة.

السابع دلت الآية على وجوب التسمية وحملها على التسمية عند الأكل بعيد جدا ولا خلاف في وجوب التسمية واشتراطها في حل ما يقتله الكلب والسهم عندنا وعند كل من أوجبها في الذبيحة وقد اشتركا في الدلالة من قوله تعالى « وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » واختص هذا المحل بتلك الآية ولا خلاف أيضا في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال لانطباق جميع الأدلة عليه ولتصريحه عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة (١) ويسمي إذا سرحه لأن إذا ظرف زمان وفيها معنى الشرط غالبا واختلفوا في إجزائها إذا وقعت في الوقت الذي بين الإرسال وعضة الكلب أو إصابة السهم واختار أكثر المتأخرين الإجزاء لأن ضمير « عَلَيْهِ » راجع إلى القيد المضمر في قوله « مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » وهو يصدق بذكر اسم الله في جميع الوقت المذكور ومحل الخلاف ما إذا تعمد تأخيرها عن الإرسال أما لو نسي وذكر في الأثناء فلا شبهة في اعتبارها حينئذ.

إذا تقرر ذلك فلو ترك التسمية عمدا لم يحل للنهي عن أكله المقتضي للتحريم ولو نسي التسمية حل أكله كما سيأتي في الذبح إن شاء الله.

واختلف في الجاهل فمنهم من ألحقه بالناسي ومنهم من ألحقه بالعامد.

الثامن ذكر الأصحاب أن الحيوان المحلل لحمه المحرم ميتته إما أن يكون

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٣ بإسناده عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد « عن سالم » وعلي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٦ بإسناده عن الحسن بن محبوب.


مقدورا على ذبحه أو ما في معناه أو غير مقدور بأن كان متنفرا متوحشا فالمقدور عليه لا يحل إلا بالذبح في الحلق أو اللبة على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ولا فرق بين ما هو إنسي في الأصل وبين الوحشي إذا استأنس أو حصل الظفر به والمتوحش كالصيد جميع أجزائه مذبح ما دام على الوحشية حتى إذا رمى إليه سهما أو أرسل كلبا فأصاب شيئا من بدنه فمات حل وهو في الصيد الوحشي موضع وفاق بين المسلمين وفي الإنسي إذا توحش كما إذا ند بعير موضع وفاق منا وأكثر العامة وخالف فيه مالك فقال لا يحل إلا بقطع الحلقوم كذا ذكره الشهيد الثاني قدس‌سره.

أقول الإنسي كالوحش إذا لم يقدر على ذبحه أو نحره لا ريب في أنه يجوز صيده وقتله بالسيف والرمح وأمثالهما لأخبار كثيرة دالة عليه وإن كان أكثرها في البعير والبقر والقتل بالسيف والحربة لكن الظاهر شمول الحكم لغير البعير والغنم وللسهم أيضا وإن استشكل المحقق الأردبيلي رحمه‌الله في السهم وأما اصطيادها بالكلب فمشكل إذ لم أر في الأخبار المعتبرة ما يدل عليه ويشكل الحكم بدخوله في الصيد المذكور في الآيات وظاهر التذكية ما كان بلا واسطة مع أنه داخل فيما أكل السبع والاستثناء غير معلوم وما روي عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كل إنسية توحشت فذكها ذكاة الوحشية. عامي وفي دلالته أيضا نظر نعم سيأتي في خبر في باب التذكية وسنتكلم عليه إن شاء الله بل لم أر في قدماء الأصحاب ما يدل عليه أيضا بل إنما ذكروا العقر بالآلة قال الشيخ في الخلاف كل حيوان مقدور على ذكاته إذا لم يقدر عليه بأن يصير مثل الصيد أو يتردى في بئر فلا يقدر على موضع ذكاته كان عقره ذكاته في أي موضع وقع منه (١) وبه قال من الصحابة علي عليه‌السلام وابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومن التابعين عطا وطاوس والحسن ومن الفقهاء الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وذهبت طائفة إلى أن ذكاته في الحلق واللبة مثل المقدور عليه فإن عقره فقتله فإن كان في غيرهما لم يحل أكله (٢).

__________________

(١) في المصدر : وقع فيه.

(٢) في المصدر : فان عقره فقتله في غيرهما لم يحل اكله.


ذهب إليه سعيد بن المسيب وربيعة ومالك والليث بن سعد ودليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (١).

ثم روى أخبارا من طريق العامة دالة على جواز القتل بالسهم والطعن في الفخذ ونحوهما.

وقال صاحب الجامع إن استعصى الثور أو اغتلم البعير أو تردى في بئر أخذ بالسيف والسهم كالصيد ونحوه ذكر الأكثر.

التاسع ذهب الشيخ قدس‌سره في المبسوط والخلاف إلى أن معض الكلب من الصيد طاهر لقوله تعالى « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » ولم يأمر بالغسل (٢) وهو مذهب بعض العامة والمشهور بين الأصحاب نجاسته لأن الكلب نجس وقد لاقى الصيد برطوبة وأجابوا عن الاستدلال بالآية بأن الإذن في الأكل من حيث إنه صيد لا ينافي المنع من أكله لمانع آخر كالنجاسة كما أن قوله تعالى « فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ » و « كُلُوا وَاشْرَبُوا » وأمثالها لا ينافي المنع من الأكل من المأذون لعارض النجاسة وغيرها.

وأقول إن استدل بالفاء بأنها للتعقيب بلا تراخ فالجواب أن الفاء هنا ليس للتعقيب بل للتفريع ولو سلم فلا ينافي التعقيب العرفي الفاصلة بالغسل كما أنه لا ينافي الفصل بالسلخ والقطع والطبخ.

العاشر إذا أرسل كلبه المعلم أو سلاحه من سهم وسيف وغيرهما فأصابه فعليه أن يسارع إليه بالمعتاد فإن لم يدركه حيا حل وإن أدركه حيا فإن لم يبق فيه حياة مستقرة بأن كان قد قطع حلقومه ومريه أو أجافه (٣) وخرق أمعاءه فتركه حتى مات حل وإن بقيت فيه حياة مستقرة وجبت المبادرة إلى ذبحه بالمعتاد فإن أدرك ذكاته حل وإن تعذر من غير تقصير الصائد حتى مات فهو كما لو لم يدركه حيا على المشهور وذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس والعلامة إلى تحريمه والأول أقوى وإن

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٠٤ ( ط ١ ).

(٢) الخلاف ٢ : ٢٠٢ المبسوط : كتاب الصيد ، وفيه : أن النجاسة احوط.

(٣) اجافه الطعنة أو بالطعنة : بلغ بها جوفه.


لم يتعذر وتركه حتى مات فهو حرام كذا ذكره الأكثر. وقال في المسالك التفصيل باستقرار الحياة وعدمه هو المشهور بين الأصحاب والأخبار خالية من قيد الاستقرار بل منها ما هو المطلق في أنه إذا أدرك ذكاته ذكاه ومنها هو دال على الاكتفاء بكونه حيا وكلاهما لا يدل على الاستقرار ومنها ما هو مصرح بالاكتفاء في إدراك تذكيته بأن يجده يركض برجله أو يطرف عينه أو يتحرك ذنبه قال الشيخ يحيى بن سعيد اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب وعلى هذا ينبغي أن يكون العمل ثم على تقدير إدراكه حيا وإمكان تذكيته لا يحل حتى يذكى ولا يعذر بعدم وجود الآلة لكن هنا قال الشيخ في النهاية إنه يترك الكلب حتى يقتله ثم ليأكل إن شاء واختار جماعة منهم الصدوق وابن الجنيد والعلامة في المختلف استنادا إلى عموم قوله تعالى « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » وخصوص صحيحة جميل (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه قال لا بأس قال الله تعالى « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ».

وأجيب عن الآية بأنها لا تدل على العموم وإلا لجاز مع وجود آلة الذبح وعن الرواية بأنها لا تدل على المطلوب لأن الضمير المستكن في قوله فيأخذه راجع إلى الكلب لا إلى الصائد والبارز راجع إلى الصيد والتقدير فيأخذ الكلب الصيد وهذا لا يدل على إبطال امتناعه بل جاز أن يبقى امتناعه والكلب ممسك له فإذا قتله حينئذ فقد قتل ما هو ممتنع فيحل بالقتل وفيه نظر لأن تخصيص الآية بعدم الجواز مع وجود آلة الذبح بالإجماع والأدلة لا تدل على تخصيصها في محل النزاع لأن الاستدلال حينئذ بعمومها من جهة كون العام المخصوص حجة في الباقي فلا يبطل تخصيصها بالمتفق عليه دلالتها على غيره والرواية ظاهرة في صيرورة الصيد غير ممتنع من جهات إحداها قوله ولا يكون معه سكين فإن مقتضاه أن المانع له من تذكيته عدم

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٤ بإسناده عن العدة عن سهل بن زياد وعلى بن إبراهيم عن أبيه ، ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل بن دراج ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٣ بإسناده عن محمد بن يعقوب.


السكين لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعا ولو كان حينئذ ممتنعا لما كان لقوله ولا يكون معه سكين فائدة أصلا.

والثانية قوله فيذكيه بها ظاهر أيضا في أنه لو كان معه سكين لذكاه بها فيدل على إبطال امتناعه.

والثالثة قوله أفيدعه حتى يقتله ظاهر أيضا في أنه قادر على أن لا يدعه يقتله وأنه إنما يترك تذكيته ويدع الكلب يقتله لعدم السكين.

١ قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : ما أخذ البازي والصقر فقتله فلا تأكل منه إلا ما أدركت ذكاته أنت وقال عليه‌السلام إذا رميت صيدا فتغيب عنك فوجدت سهمك فيه في موضع مقتل فكل ولا تأكل ما قتله الحجر والبندق والمعراض إلا ما ذكيت (١).

بيان : قال في القاموس الباز والبازي ضرب من الصقور والجمع بواز وبزاة كأنه من بزا يبزو إذا تطاول وتأنس والرجل قهره وبطش به كأبزى به.

وقال الدميري البازي أفصح لغاته بازي مخففة الياء والثانية باز والثالثة بازي بتشديد الياء وهو مذكر ويقال في التثنية بازان (٢) وفي الجمع بزاة كقاض وقضاة (٣) ويقال للبزاة والشواهين وغيرها مما يصيد صقور ولفظه مشتق من البزوان وهو الوثب وقال في عجائب المخلوقات يقال أنه لا يكون إلا أنثى وذكرها من أنواع أخر من الحدأة والشواهين (٤) ولهذا اختلف أشكالها (٥).

وقال الصقر الطائر الذي يصاد به وقال ابن سيدة الصقر كل شيء يصيد من البزاة والشواهين والجمع أصقر وصقور وصقورة وصقار وصقارة.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٥١.

(٢) في المصدر : بازيان.

(٣) في المصدر : كقاضيان وقضاة.

(٤) في المصدر : من نوع آخر كالحداء والشواهين.

(٥) حياة الحيوان ١ : ٧٧.


قال سيبويه جاءوا بالهاء في هذا الجمع توكيدا (١) نحو فعولة والأنثى صقرة والصقر هو الأجدل ويقال له القطامي وهو أحد أنواع الجوارح الأربعة وهي الصقر والشاهين والعقاب والبازي والعرب يسمي كل طائر يصيد صقرا ما خلا النسر والعقاب وتسمية الأكدر والأجدل وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب لأنه أصبر على الشدة وأحمل لغليظ الغذاء (٢) وأحسن ألفا وأشد إقداما على جملة الطير من الكركي وغيره ولبرد مزاجه لا يشرب ماء ولو أقام دهرا انتهى (٣).

واعلم أن الآلات التي يصاد بها ويحصل بها الحل قسمان حيوان وجماد وقد تقدم بعض الكلام في القسم الأول والكلام هنا في الثاني وهو إما مشتمل على نصل كالسيف والرمح والسهم أو خال عن النصل ولكنه محدد بشيء يصلح للخرق أو مثقل يقتل بثقله كالحجر والبندق والخشبة غير المحددة والأول يحل مقتوله سواء مات بجرحه أم لا كما لو أصاب معترضا ولا خلاف فيه بين أصحابنا صريحا وتدل عليه الأخبار الكثيرة.

وقال سلار في المراسم العلية اعلم أن الصيد على ضربين :

أحدهما تؤخذ بمعلم الكلاب أو الفهد أو الصقر أو البازي أو النبل أو النشاب أو الرمح أو السيف أو المعراض أو الحبالة والشبكة.

والآخر ما يصاد بالبندق والحجارة والخشب فالأول كله إذا لحق ذكاته حل إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل أيضا وإن أكل منه الكلب نادرا حل وإن اعتاد الأكل لم يحل منه إلا ما يذكى.

والثاني لا يؤكل منه إلا ما يلحق ذكاته وهو بخلاف الأول لأنه يكره

__________________

(١) في المصدر : فى مثل هذا الجمع تأكيدا.

(٢) في المصدر : لغليظ الغذى والاذى.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٤٤.


وقد روي تحريم ما يصاد بقسي البندق وروي جواز أكل ما قتل بسهم أو سيف أو رمح إذا سمى القاتل انتهى (١).

وظاهره التوقف في حل ما قتله السهم والسيف والرمح وهو ضعيف.

والثاني يحل مقتوله بشرط أن يخرقه بأن يدخل فيه ولو يسيرا ويموت بذلك فلو لم يخرق لم يحل.

والثالث لا يحل مقتوله مطلقا سواء خدش أو لم يخدش وسواء قطعت البندقة رأسها أم عضوا آخر منه كما يدل عليه هذا الخبر ورووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعدي بن حاتم ولا تأكل من البندق إلا ما ذكيت.

وفي حديث آخر عنه أنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين.

والمعراض كمفتاح سهم لا ريش فيه ذكره في المصباح وفي القاموس المعراض كمحراب سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه انتهى.

وأقول هنا محمول على ما إذا أصاب بالعرض ولم يكن له نصل. لما رواه أبو عبيدة (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا رميت بالمعراض فخرق (٣) فكل

__________________

(١) المراسم العلية : ٢٨.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٢ عن العدة عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٥ عن الحسن بن محبوب.

(٣) هكذا في المصدر بالراء المهملة ، وذكر الجزري نحو الحديث في النهاية ١ : ٣٢٧ وفيه : بالزاء المعجمة قال : فى حديث عدى : قلت : يا رسول الله انا نرمى بالمعراض فقال : كل ما خزق وما اصاب بعرضه فلا تأكل. خزق السهم وخسق : إذا اصاب الرمية ونفذ فيها ، وسهم خازق وخاسق ، وفي حديث سلمة بن الاكوع : فاذا كنت في الشجراء خزقتهم بالنبل أي أصبتهم بها ، وفي حديث الحسن : لا تأكل من صيد المعراض الا ان يخزق وقد تكرر في الحديث.


وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل.

ورووا (١) عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صيد المعراض فقال إن قتل بحده فكل وإن قتل بثقله فلا تأكل.

وروى الحلبي في الصحيح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه متعرضا فيقتله وقد سمى حين رماه ولم تصبه الحديدة فقال إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإن أراد فليأكله.

وأقول في الاصطياد بالآلة المستحدثة التي حدثت في هذه الأعصار يقال له التفنگ إشكال ولا يبعد القول بالحل فيه لا سيما إذا جعل فيها مكان الرصاص القطعات المحددة الصغيرة من الحديد لعموم أدلة الحل ودخوله تحت عموم قول أبي جعفر عليه‌السلام من قتل صيدا بسلاح (٣) وأخبار البندقة (٤) مصروفة إلى المعروف في ذلك الزمان ويؤيده ما مر أنها لا تصيد صيدا إلخ والأحوط الاجتناب ثم إن الأصحاب عدوا من الشروط المعتبرة في حل الصيد بالكلب والسهم أن يحصل موته بسبب الجرح فلو مات بصدمة أو افتراس سبع أو أعان ذلك الجرح غيره لم يحل ويتفرع على ذلك ما لو غاب الصيد وحياته مستقرة ثم وجده ميتا فإنه لا يحل لاحتمال أن يكون مات بسبب آخر ولا أثر لكون الكلب مضمخا بدمه فربما جرحه الكلب وأصابته آفة أخرى ولو انتهت به الجراحة إلى حالة حركة المذبوح حل وإن غاب

__________________

(١) في النسخة المخطوطة : وروى.

(٢) رواه الشيخ في التهذيب ٢ : ٣٤٧ ( ط ١ ) و ٩ : ٣٣ ( ط ٢ ) عن الحسين ابن سعيد عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن الحلبي وفي الطبعة الثانية : فان رآه فليأكله. ورواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٢ عن ابى على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى وفيه : « فاذا رآه فليأكل » ورواه الصدوق أيضا في الفقيه ٣ : ٢٠٣ وفيه : فاذا رآه فليأكله.

(٣) راجع الوسائل ١٦ : ٢٨٨ فيه : من جرح صيدا بسلاح.

(٤) رواها صاحب الوسائل في المجلد ١٦ : ٢٣٥ راجعها.


وكذا لو فرض علمه بأنه مات من جراحته إلا أن الفرض لما كان بعيدا أطلقوا التحريم والمعتبر من العلم هنا الظن الغالب كما لو وجد الضربة في مقتل وليس هناك سبب آخر صالح للموت كما يدل عليه هذا الخبر ورووا عن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله إنا أهل صيد وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلتين والثلاث فيجده ميتا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا وجدت فيه أثر سهمك ولم يكن فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل.

٢ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه قال كله ما لم يتغيب إذا سمى ورماه (١).

بيان : إذا سمى أي الثاني ويحتمل الأعم والتخصيص بالأول بعيد ويدل الخبر على أحكام الأول حل حمار الوحش الثاني اشتراط عدم الغيبة في حل المرمي وكأنه محمول على عدم العلم بأنه مات برميته كما مر الثالث أنه إذا صرعه ورماه غيره لم يحرم ويشكل بأن الأول إن صيره بالصرع في حكم المذبوح فاشتراط التسمية في الثاني لا فائدة فيه ولا يصير بترك التسمية حراما حينئذ كما هو المشهور إلا أن نخص التسمية بالأول وإن لم يصر كذلك وصار مثبتا فهو حيوان غير ممتنع لا بد من ذبحه فرميه يصير سببا لحرمته وضمان الرامي للأول إلا أن يحمل على أنه بعد الصرع لم يصر مثبتا بل هو بعد ممتنع فيجوز رميه لكنه بعيد. قال في التحرير إذ رماه الأول فأثبته ثم رماه الثاني فإن كان الأول موجبا بأن أصاب مذبحه أو وقع في قلبه فالثاني لا ضمان عليه إلا أن ينقصه برميه شيئا فيضمن بعضه ويحل وإن كان الأول غير موج فالثاني إن وجاه حرم إلا أن يكون قد ذبحه وإن لم يوجه فإن ذكي بعد ذلك حل وإن لم يدرك ذكاته فإن الأول لم يقدر عليها فعلى الثاني كمال قيمته معيبا بالعيب الأول لأن جرحه هو الذي حرمه فكان الضمان

__________________

(١) قرب الإسناد : ١١٧.


عليه وإن قدر على ذكاته وأهمل حتى مات بالجرحين فعلى الثاني نصف قيمته معيبا للأول انتهى.

٣ ـ العياشي ، عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن كلب المجوس يكلبه المسلم ويسمي ويرسله قال نعم إنه مكلب إذا ذكر اسم الله عليه فلا بأس (١).

بيان : في القاموس المكلب معلم الكلاب الصيد.

٤ ـ العياشي ، عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام قال : الفهد من الجوارح والكلاب الكردية إذا علمت فهي بمنزلة السلوقية (٢).

بيان : في القاموس السلوق كصبور قرية باليمن تنسب إليه الدروع والكلاب أو بلد بطرف أرمنية أو إنما نسبتا إلى سلقية محركة بلد للروم فغير للنسب انتهى.

والخبر بظاهره يدل على حل صيد الفهد وحمل على التقية كما عرفت وكون الراوي عاميا يؤيده ورواه في الكافي بإسناده إلى السكوني عنه عليه‌السلام قال الكلاب الكردية (٣) إلخ وليس فيه ذكر الفهد ويحتمل كون الفقرة الأولى جملة برأسها ويكون الغرض أنه من الجوارح لكن ليس بمكلب وإن كان بعيدا وقال في المسالك لا فرق في الكلب بين السلوقي وغيره إجماعا.

٥ ـ كتاب المسائل ، لعلي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجال هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله فقال لا يصلح أكل حمام الحرم على حال (٤).

بيان : سيأتي حكمه في كتاب الحج إن شاء الله.

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٩٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤.

(٣) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٥ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكونى.

(٤) بحار الأنوار ١٠ : ٢٥١ فيه : فيدخله الحرم.


٦ ـ الدعائم ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : الطير في وكره آمن بأمان الله فإذا طار فصيدوه (١) إن شئتم.

٧ ـ وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام ولا يصاد من الصيد إلا ما أضاع التسبيح.

٨ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : الطير إذا ملك ثم طار ثم أخذ فهو حلال لمن أخذه قال جعفر بن محمد عليه‌السلام يعني البزاة ونحوها لأن أصلها مباح ونهى عن صيد الحمام في الأمصار ورخص في صيدها في القرى.

٩ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : الصيد لمن سبق إلى أخذه (٢).

بيان : إذا أطلق الصيد من يده فإن لم ينو قطع ملكه عنه فلا خلاف في بقاء ملكه عليه وإن قطع نيته عن ملكه ففي خروجه عنه قولان أحدهما وهو الأشهر عدمه والثاني أنه يخرج بذلك عن ملكه ذهب إليه الشيخ في المبسوط واحتجوا عليه بأن الأصل في الصيد انفكاك الملك عنه وإنما حصل ملكه باليد وقد زالت ولا يخفى وهنه ويتفرع على زوال ملكه عنه ملك من يصيده ثانيا له فليس للأول انتزاعه منه وعلى القول بعدمه هل تكون نية رفع ملكه عنه أو تصريحه بإباحته موجبا لإباحة أحد غيره له وجهان أحدهما العدم لبقاء الملك المانع من تصرف الغير فيه وأصحهما إباحته لغيره بمعنى أنه لا ضمان على من أكله ولكن يجوز للمالك الرجوع فيه ما دامت عينه موجودة كنثار العرس والخبر على تقدير صحته يؤيد مختار المبسوط وكان النهي عن صيد الحمام في الأمصار لكون الغالب فيها الملك ويمكن أن يحمل على ما إذا كان عليها أثر الملك أو على الكراهة وفي بعض النسخ مكان القرى العراء وهو الفضاء لا يستتر فيه بشيء وبالقصر الناحية والجناب فالمراد به الصحاري.

١٠ ـ الدعائم ، عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ » قال هي الكلاب.

__________________

(١) في النسخة المخطوطة : فتصيدوه ان شئتم.

(٢) الدعائم : ليس نسخته موجودة عندي.


والجارح الكاسب ومنه قول الله عز وجل « وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ » (١) أي كسبتم.

١١ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال : ما أمسكت الكلاب المعلمة أكل وإن قتلته وما قتلت الكلاب غير المعلمة فلا يؤكل يعني إذا سمى الله عند إرساله ولا بأس بأكله إذا نسي التسمية (٢).

١٢ ـ وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أنهما رخصا في أكل ما أمسكه الكلب المعلم وإن قتله وأكل منه ولم يرخصا فيما أكل منه الطير.

١٣ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الصقور والبزاة من الجوارح.

١٤ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : الفهد المعلم كالكلب يؤكل ما أمسك.

١٥ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن صيد الكلب الأسود وأمر بقتله وهذا خصوص إذا كان بهيما كله.

١٦ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : الكلاب كلها بمنزلة واحد إذا علم الكردي فهو كالسلوقي.

١٧ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال : من أرسل كلبا ولم يسم فلا يأكل يعني ما قتل من الصيد إذا ترك التسمية عمدا فإن نسي ذلك أو جهله فليأكل (٣).

١٨ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال : في الصيد يأخذه الكلب فيدركه الرجل حيا ثم يموت يعني في المكان من فعل الكلب قال كل يقول الله عز وجل « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » فأما إن أخذه الصائد حيا فتوانى في ذبحه أو ذهب به إلى منزله فمات أو لم يكن الكلب الذي قتله معلم [ معلما ] لم يجز أكله.

١٩ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : في كلب المجوسي لا يؤكل صيده إلا أن يأخذه

__________________

(١) الأنعام : ٦٠.

(٢) الظاهر ان التفسير من صاحب الدعائم.

(٣) التفسير من صاحب الدعائم ظاهرا.


مسلم فيقلده ويعلمه ويرسله قال وإن أرسله المسلم جاز أكل ما أمسك وإن لم يكن علمه.

٢٠ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : إذا ضرب الرجل الصيد بالسيف أو طعنه بالرمح أو رماه بالسهم فقتله وقد سمى الله حين فعل ذلك لا بأس بأكله وقال في الرجل يرمي الصيد فيقصر عنه فيبتدر القوم فيقطعونه بينهم يعني بضربهم إياه بسيوفهم من قبل أخذه قال حلال أكله.

٢١ ـ وسئل عليه‌السلام عن ثور وحشي ابتدره قوم بأسيافهم وقد سموا فقطعوه بينهم فقال ذكاة وحية ولحم حلال.

٢٢ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال : في الرجل يرمي الصيد فيتحامل والسهم فيه أو الرمح أو يتحامل بشدة الضربة فيغيب عنه ثم يجده من الغد ميتا وفيه سهمه أو يكون ضربه أو أصابه بسهم في مقتل علم أنه مات من فعله لا من فعل غيره فحلال أكله فقد روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال ما أصميت فكل وما أنميت فلا تأكل فالإصماء أن يصيب الرمية فيموت مكانها والإنماء أن يصيبها يتوارى عنه ثم يموت وهذا قول مجمل قد يكون نهي تأديب أو يكون في شك مما أنمى هل قتله بضربته أم لا والذي ذكرناه عن جعفر بن محمد عليه‌السلام هو مفسر وما لا شبهة فيه أنه إذا علم أنه قتله فحلال أكله.

٢٣ ـ وعن علي وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا في الصيد يضربه الصائد فيتحامل فيقع في ماء أو نار أو يتردى من موضع عال فيموت قال لا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته.

٢٤ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : ما قتل بالحجر والبندق وأشباه ذلك لم يؤكل إلا أن يدرك ذكاته.

٢٥ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه كره ما قتل من الصيد بالمعراض إلا أن لا يكون له سهم غيره.

والمعراض سهم لا ريش فيه يرمى فيمضي بالعرض.


٢٦ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن صيد المجوس وعن ذبائحهم يعني بصيدهم هذا ما قتلوه من قبل أن تدرك ذكاته أو قتلته كلابهم التي أرسلوها.

٢٧ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : ما أخذت الحبالة فمات فيها فهي ميتة وما أدرك حيا ذكي فأكل (١).

بيان : قوله والجارح كأنه من كلام المؤلف وكذا قوله يعني في المواضع وقوله وهذا خصوص والبهمة غاية السواد والبهيم الخالص الذي لا يخالط لونه لون والقيد مأخوذ عما رواه الكليني والشيخ (٢) بإسنادهما عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده لأن رسول الله عليه‌السلام أمر بقتله.

قوله قال وإن أرسله الظاهر أنه مضمون حديث آخر كما مر ذكاة وحية قال في المصباح الوحا السرعة يمد ويقصر وموت وحي مثل سريع وزنا ومعنى فعيل بمعنى فاعل وذكاة وحية أي سريعة ونحوه قال في المغرب وقال القتل بالسيف أوحى أي أسرع وفي أكثر نسخ التهذيب وجيئة بالجيم مهموز من وجأته بالسكين ضربته بها وكأنه تصحيف.

وقال في النهاية فيه كل ما أصميت ودع ما أنميت الإصماء أن تقتل الصيد مكانه ومعناه سرعة إزهاق الروح من قولهم للمسرع صميان والإنماء أن تصيب إصابة غير قاتلة في الحال يقال أنميت الرمية ونمت بنفسها ومعناه إذا صدت بكلب

__________________

(١) الدعائم : ليست نسخته عندي والروايات كلها مذكورة في مستدرك الوسائل راجعه.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٦ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكونى وفيه : « لا يؤكل » ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٨٠ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن بنان عن أبيه عن ابن المغيرة عن السكونى وفيه : الكلب الأسود لا يؤكل صيده فان.


أو سهم أو غيرهما فمات وأنت تراه غير غائب عنك فكل منه وما أصبته ثم غاب عنك فمات بعد ذلك فدعه لأنك لا تدري أمات بصيدك أم بعرض آخر (١) انتهى.

قوله عليه‌السلام إلا أن لا يكون إلخ ظاهره أن صيد المعراض إنما يحل مع الاضطرار وفقدان آلة غيره وقد روى الكليني والشيخ (٢) في الحسن كالصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عما صرع المعراض من الصيد فقال إن لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عليه فليأكل مما قتل وإن كانت له نبل غيره فلا.

وفي رواية أخرى رويا (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام لا بأس إذا كان هو مرماتك أو صنعته لذلك.

ولم يقل بهذه التفاصيل ظاهرا أحد لأنه إن كان له نصل قالوا يحل مقتولة مطلقا وإن لم يكن له نصل لا يحل مطلقا عندهم كما عرفت ويمكن حملها على الاستحباب وعلى كونه ذا حديد أو يكون بعضها (٤) كناية عن كونه ذا حديد والأحوط عدم الاكتفاء بالمعراض إذا لم يخرق من غيره ضرورة.

وروى الشيخ في الصحيح (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا رميت بالمعراض فخرق فكل وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل.

__________________

(١) النهاية ٢ : ٣٠٠ فيه أم بعارض آخر.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٢ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٥ بإسناده عن محمد بن يعقوب ورواه الصدوق في الفقيه ٣ : ٢٠٣ بإسناده عن حماد عن الحلبي.

(٣) أي الكليني والشيخ وهي رواية رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٢ عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم عن ابان عن زرارة وإسماعيل الجعفى انهما سألا أبا جعفر ( عليه‌السلام ) عما قتل المعراض قال : لا بأس اه. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٥ بإسناده عن محمد بن يعقوب.

(٤) صنعته ظ.

(٥) في حديث أبى عبيدة وقد تقدم.


أقول في رواياتنا والمضبوط في كتب أصحابنا بالخاء المعجمة والراء المهملة (١) وفي روايات العامة بالزاي قال في النهاية في حديث عدي قلت يا رسول الله إنا نرمي بالمعراض فقال كل ما خزق وما أصاب بعرضه فلا تأكل خزق السهم وخسق إذا أصاب الرمية ونفذ فيها وسهم خازق وخاسق انتهى (٢).

ولا خلاف في أن ما قتله الحبالة والشبكة أو قطعته من الصيد حرام.

٢٨ ـ الخلاف للشيخ ، روى عدي بن حاتم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما علمت من كلب ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك قلت فإن قتل قال إذ قتله ولم يأكل منه شيئا فإنما أمسك عليك قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني أرسلت كلبي فقال إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإلا فلا تأكل قلت فإني أرسلت كلبي وأجد عليه كلبا فقال لا تأكل إنك إنما سميت على كلبك (٣) قال قلت يا رسول الله إنا نصيد وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلتين والثلاث فيجده ميتا وفيه سهمه فقال إذا وجدت فيه أثر سهمك ولم يكن فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل (٤) وقال سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصيد فقال إذا رميت الصيد وذكرت اسم الله فقتل فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك (٥).

أقول : إنما أوردت هذا الخبر مع كونه عاميا لأن راويه وهو عدي كان من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان معه في غزواته وقال الفضل بن شاذان إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ولاشتماله على أحكام كثيرة مفهوما ومنطوقا وأكثرها مما عمل به الأصحاب ومؤيدة بأخبار كثيرة من طرقنا وبيناها

__________________

(١) أي خرق.

(٢) النهاية ١ : ٣٢٧.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٠٢.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٠٣.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٠٤.


فيما مضى وسيأتي.

٢٩ ـ الشهاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اتبع الصيد غفل.

الضوء ، ضوء الشهاب معناه والله أعلم أن الذي يتبع الصيد وينقطع إليه بنفسه وراءه يصده عن العبادات الواجبة عليه ولا شك أن للصيد ضراوة وحرصا وشهوة تصده عن جميع المهمات وتصدف عن العبادات ويجوز أن يكون الصيد كناية عن طلب الدنيا فيقول عليه‌السلام من اتبع الصيد أي الدنيا غفل أي من حبس نفسه على الحطام وجعله من أهم الأمور فكأنه يصيد صيدا (١).

٣٠ ـ صحيفة الرضا ، بالإسناد عنه عليه‌السلام بإسناده إلى جعفر عليه‌السلام قال : مر جعفر بصياد فقال يا صياد أي شيء أكثر ما يقع في شبكتك قال الطير الزاق قال فمر وهو يقول هلك صاحب العيال (٢).

بيان : الزاق الذي له فرخ يزقه وزق الطائر إطعامه فرخه.

٣١ ـ قرب الإسناد ، عن هارون بن مسلم عن مسعد بن زياد قال : سئل جعفر عن صيد الكلاب والبزاة والرمي فقال عليه‌السلام أما ما صاده الكلب المعلم وقد ذكر اسم الله عليه فكله وإن كان قد قتله وأكل منه وقال في الذي يرمي بالسيف والحجر والنشاب والمعراض لا يؤكل إلا ما ذكي منه وكذا ما صاد البازي والصقورة وغيرهما من الطير لا تأكل إلا ما ذكي منه (٣).

بيان : قوله والرمي كذا في أكثر النسخ وكأنه تصحيف وعلى تقديره أعرض عليه‌السلام عن جوابه ويمكن أن يقرأ الرمي كغني وهو سحابة عظيمة القطر فالمراد به ما سقط بالصاعقة والرمي كما لو صوت الحجر يرمي به الصبي وهو أيضا مناسب أو هو بالفتح والمراد بالبنادق والجلاهق وفي القاموس النشاب بالضم النبل الواحدة بهاء وبالفتح متخذة وأقول قد تقدم الكلام فيه.

__________________

(١) شرح الشهاب : ليس عندي.

(٢) صحيفة الرضا : لم نجده فيه.

(٣) قرب الإسناد : ٣٩ و ٤٠.


٣٢ ـ قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام أنه قال : إذا أخذ الكلب المعلم الصيد فكله أكل منه أو لم يأكل قتل أو لم يقتل (١).

٣٣ ـ الخصال ، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا علي ثلاث يقسين القلب استماع اللهو وطلب الصيد وإتيان باب السلطان الخبر (٢).

٣٤ ـ ومنه ، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري قال روي عن الحسن (٣) بن علي بن أبي عثمان عن موسى المروزي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع يفسدن القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر استماع اللهو والبذاء وإتيان باب السلطان وطلب الصيد (٤).

بيان : البذاء الفحش والكلام القبيح.

٣٥ ـ مجالس ابن الشيخ ، عن أبيه عن عبد الواحد بن محمد عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبيه عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من بدا جفا ومن تبع الصيد غفل (٥) ومن لزم السلطان افتتن وما يزداد من السلطان قربا إلا زاد من الله تعالى بعدا (٦).

توضيح في النهاية من بدا جفا أي من نزال البادية صار فيه جفاء الأعراب (٧)

__________________

(١) قرب الإسناد : ٥١.

(٢) الخصال ...

(٣) في المصدر : روى الحسن.

(٤) الخصال ١ : ٢٢٧.

(٥) في المصدر : ومن اتبع الصيد غفل.

(٦) الأمالي ١ : ٢٧٠ طبعة النجف.

(٧) النهاية ١ : ٨١.


وقال من اتبع الصيد غفل أي يشتغل به قلبه ويستولي عليه حتى يصير فيه غفلة (١).

وفي الفائق بدوت أبدو إذا أتيت البدو جفا أي صار فيه جفاء الأعراب لتوحشه وانفراده عن الناس غفل أي شغل الصيد قلبه وألهاه حتى صارت فيه غفلة وليس الغرض ما تزعمه جهلة الناس أن الوحش نعم الجن فمن تعرض لها خبلته وغفلته انتهى.

وقال الطيبي من اعتاده للهو والطرب غفل لأنهما يصدران من القلب الميت ومن اصطاد للقوت جاز انتهى.

وأقول يحتمل أن يكون المعنى أنه لولوعه بالصيد يغفل عن المهالك في المسالك فيخاطر بنفسه.

٣٦ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن البرقي عن رجل عن ابن أسباط عن عمه رفع الحديث إلى علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تتبعوا الصيد فإنكم على غرة الخبر (٢).

بيان : على غرة بالكسر أي على غفلة في تلك الحالة عما يعرض لكم من المهالك كما ذكرنا في الخبر السابق وكأن المراد اتباع الصيد إلى حيث يذهب من المسافات البعيدة أو هي من الغرر بمعنى الهلاك أي أنتم بمعرض هلاك وفي بعض النسخ على غيره وكأنه تصحيف.

٣٧ ـ معاني الأخبار ، روي أن العادي اللص والباغي الذي يبغي الصيد لا يجوز لهما التقصير في السفر ولا أكل الميتة في حال الاضطرار (٣).

٣٨ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف فقطعه نصفين هل يحل

__________________

(١) النهاية ٣ : ١٧٦.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٢٨٠ طبعة قم.

(٣) معاني الأخبار : ٢١٤ طبعة الغفارى.


أكله قال نعم إذا سمى وسألت عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف فصرعه أيؤكل قال إذا أدرك ذكاته أكل وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله (١).

تبيان قال في المسالك إذا رمى الصيد بآلة كالسيف فقطع منه قطعة كعضو منه فإن بقي الباقي مقدورا عليه وحياته مستقرة فلا إشكال في تحريم ما قطع منه لأنه قطعة أبينت من حي قبل تذكيته وإن لم يبق حياة الباقي مستقرة فمقتضى قواعد الصيد حل الجميع لأنه مقتول به فكان بجملته حلالا ولو قطعه نصفين أي قطعتين وإن كانا مختلفتين في المقدار فإن لم يتحركا فهما حلالان وكذا لو تحركا حركة المذبوح سواء خرج منها دم معتدل أم من أحدهما أم لا وكذا لو تحرك أحدهما حركة المذبوح دون الآخر وسواء في ذلك النصف الذي فيه الرأس وغيره وإن تحرك أحدهما حركة مستقر الحياة وذلك لا يكون إلا في النصف الذي فيه الرأس فإن كان قد أثبته بالجراحة الأولى فقد صار مقدورا عليه فتعين الذبح ولا تجزي سائر الجراحات وتحل تلك القطعة دون المبانة وإن لم يثبته بها ولا أدركه وذبحه بل جرحه جرحا آخر مدنفا حل الصيد دون تلك القطعة وإن مات بهما ففي حلها وجهان أجودهما العدم وإن مات بالجراحة الأولى بعد مضي زمان ولم يتمكن من الذبح حل باقي البدن وفي القطعة السابقة الوجهان وأولى بالحل هنا لو قيل به ثمة والأصح التحريم هذا هو الذي تقتضيه قواعد أحكام الصيد مع قطع النظر عن الروايات الشاذة وفي المسألة أقوال منتشرة مستندة إلى اعتبارات أو روايات شاذة مشتملة على ضعف وقطع وإرسال منها أنه مع تحرك أحد النصفين دون الآخر فالحلال هو المتحرك خاصة وأن حلهما معا مشروط بحركتهما أو عدم حركتهما معا مع خروج الدم وهو قول الشيخ في النهاية.

ومنها أن حلهما مشروط بتساويهما ومع تفاوتهما يؤكل ما فيه الرأس إذا كان أكبر ولم يشترط الحركة ولا خروج الدم وهو قول الشيخ أيضا في كتابي الفروع.

__________________

(١) قرب الإسناد : ١١٧ و ١١٨.


ومنها اشتراط الحركة وخروج الدم في كل واحد من النصفين ومتى انفرد أحدهما بالشرط أكل وترك ما لا يجمعها فلو لم يتحرك واحد منهما حرم وهو قول القاضي.

ومنها أنه مع تساويهما يشترط في حلهما خروج الدم منهما وإن لم يخرج دم فإن كان أحد الشقين أكثر ومعه الرأس حل ذلك الشق فإن تحرك أحدهما حل المتحرك وهو قول ابن حمزة واختار المحقق وجماعة حلهما مطلقا إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة وهو الأقوى انتهى.

وبالجملة المسألة في غاية الإشكال وصحيحة الحلبي تدل على الحل مطلقا وكذا هذا الخبر وسائر الأخبار مقتضى الجميع بينها أنه إذا قده بنصفين عرفا بأن لا يكون بينهما تفاوت كثير يحلان مطلقا إلا إذا تحرك أحدهما ولم يتحرك الآخر فيحل المتحرك حسب ولو كان بينهما تفاوت كثير يحل الأكبر إذا كان من جانب الرأس دون الأصغر ولو كان بالعكس يحلان وبه يمكن الجمع بينها والله يعلم ويدل الحديث على جواز الاصطياد بالسيف وعلى حل حمار الوحش.

قوله إذا أدرك ذكاته أي أدركه حيا وذكاه.

٣٩ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ » وهو صيد الكلاب المعلمة خاصة أحلها الله إذا أدركته وقد قتله لقوله « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » وأخبرني أبي عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب قال لا تأكلوا إلا ما ذكيتم إلا الكلاب قلت فإن قتلته قال كل فإن الله يقول « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » ثم قال كل شيء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها وقال إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر الله عليه فهو ذكاته (١).

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم : ١٥١. طبعة التفرشى فيه : فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته.


٤٠ ـ القصص ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام كان ورشان يفرخ في شجرة وكان رجل يأتيه إذا أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين فشكا ذلك الورشان إلى الله تعالى فقال إني سأكفيكه قال فأفرخ الورشان وجاء الرجل ومعه رغيفان فصعد الشجرة وعرض له سائل فأعطاه أحد الرغيفين ثم صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما فسلمه الله لما تصدق به (١).

بيان : كأن فيه إيماء إلى كراهة أخذ الفراخ من الأوكار كما ذكره الأصحاب ووردت به الروايات قال في الدروس يكره صيد الطير والوحش ليلا وأخذ الفراخ من أعشاشها.

٤١ ـ المحاسن ، محمد بن عيسى اليقطيني عن أبي عاصم عن هاشم بن ماهويه المداري (٢) عن الوليد بن أبان الرازي قال : كتب ابن زاذان فروخ إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام يسأله عن الرجل يركض في الصيد لا يريد بذلك طلب الصيد وإنما يريد بذلك التصحيح قال لا بأس بذلك إلا اللهو (٣).

بيان : الركض تحريك الرجل والدفع واستحثاث الفرس للعدو والعدو كذا في القاموس والفعل كنصر قوله لا يريد بذلك طلب الصيد يحتمل وجهين الأول أنه لا يصيد لكنه يركض خلف الصيد والثاني أنه يصيد ليس غرضه اللهو بالصيد ولا الصيد في نفسه وإنما غرضه طلب صحة البدن وما يوجبها كهضم الطعام ودفع فضول الرطوبات عن البدن والأخير أظهر معنى والأول لفظا ولا يبعد جواز هذا النوع من الصيد من فحاوي كلام الأصحاب فإنهم حكموا بحرمة الصيد لهوا وبطرا وبحل الصيد للقوت وللتجارة ودلائلهم على تحريم الأول وجواز الأخيرين يقتضي جواز هذا وأمثاله قال في التذكرة اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا ولهوا لا يقصر عند علمائنا لأن اللهو حرام فالسفر له معصية ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله وجب القصر لأنه فعل مباح ولو كان للتجارة فالوجه القصر في الصلاة والصوم

__________________

(١) قصص الأنبياء : مخطوط.

(٢) في المصدر : هشام بن ماهويه المدارى.

(٣) المحاسن : ٦٢٨ ، فيه : لا للهو.


لأنه مباح انتهى وكون هذا المقصود مباحا ظاهر.

٤٢ ـ فقه الرضا ، قال عليه‌السلام اعلم يرحمك الله أن الطير إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه إلا أن يعرف صاحبه فيرد عليه ولا يصلح أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض وإذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسم الله عليه فإن أدركته حيا فاذبحه أنت وإن أدركته وقد قتله كلبك (١) فكل منه وإن أكل بعضه لقوله « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » وإن لم يكن معك حديد تذبحه فدع الكلب على الصيد وسميت عليه حتى يقتل ثم تأكل منه.

وإن أرسلت على الصيد كلبك فشاركه كلب آخر فلا تأكله إلا أن تدرك ذكاته وإن رميت وسميت وأدركته وقد مات فكله إذا كان في السهم زج حديد وإن وجدته من الغد وكان سهمك فيه فلا بأس بأكله إذا علمت أن سهمك قتله وإن رميت وهو على جبل فأصابه سهمك ووقع في الماء ومات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله ولا تأكل ما اصطدت بباز أو صقر أو فهد أو عقاب أو غير ذلك إلا ما أدركت ذكاته إلا الكلب المعلم فلا بأس بأكل ما قتلته إذا كنت سميت عليه (٢).

تبيين أكثر هذا الفصل أورده الصدوق في الفقيه (٣).

قوله إذا ملك جناحه أي استقل بالطيران فالتقييد لكراهة الصيد قبل الطيران وهو بعيد أو المراد عدم كونه مقصوصا فإنه علامة سبق الملك فلا يملكه الآخذ إلا بعد التعريف وكذا إذا كان معقورا وظاهره أن الأصل في الطير الإباحة بعد الطيران وإن علم أنه كان له مالك إلا أن يعرف المالك بعينه فيرده عليه لكن لم أر قائلا به وقيل المراد بملك الجناحين نهوضه من الوكر فالمراد أنه لا يجوز اصطياده بالرمي ونحوه فإنه غير ممتنع ولا يخفى بعده قوله وسميت عليه حال بتقدير قد أي وقد سميت عليه حين إرسال الكلب فلا تحتاج إلى تسمية أخرى فشاركه كلب

__________________

(١) في المصدر : الكلب.

(٢) فقه الرضا : ٤٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٠٥ راجعه ففيه اختلاف حش.


آخر أي غير معلم أو غير مسمى عليه وعلم أن إزهاق الروح بهما أو لم يعلم أنه بهما أو بأيهما وإذا علم أنه بالمعلم المسمى عليه لم يضر ويؤيده ما رواه الكليني في الصحيح عن أبي عبيدة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال : إن وجد معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه.

وعن أبي (٢) بصير عنه عليه‌السلام قال : سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلمة كلها وقد سموا عليها فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون لها صاحبا فاشتركت جميعها في الصيد فقال لا يؤكل منه لأنك لا تدري أخذه معلم أم لا.

قوله عليه‌السلام إذا كان في السهم إلخ محمول على ما إذا لم يخرق بحده كما مر.

قوله وإن رميت في الفقيه إن رميته وهو على جبل فسقط ومات فلا تأكله وإن رميته وأصابه سهمك ووقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله.

والمشهور بين الأصحاب أنه لا يحل إذا تردى من جبل أو وقع في ماء فمات نعم لو صير حياته غير مستقرة حل.

وفي صحيحة الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن رجل يرمي صيدا و

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٣ بإسناده عن العدة عن سهل وعلي بن إبراهيم عن ابيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٦ عن الحسن بن محبوب.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٠٦ عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن بعض أصحابنا عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن ابى بصير وفيه : ولم يعرفوا له صاحبا فاشتركن جميعا ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٦ بإسناده عن محمد بن يعقوب.

(٣) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٥ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٨ عن محمد بن يعقوب.


هو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت فقال كله منه وإن وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه.

وروي نحوه بسند موثق عن سماعة (١) وعن عبد الرحمن بن (٢) الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : لا تأكل من الصيد إذا وقع في الماء فمات.

وقال في المسالك هذا أي عدم الحل إذا علم استناد موته إليهما أو إلى غير الرمية أو شك في الحال ولو علم استناد موته إلى الرمية عادة حل لوجود المقتضي وانتفاء المانع وإن أفاد الماء في التردي تعجيلا وقيد الصدوقان الحل بأن يموت ورأسه خارج الماء ولا بأس به لأنه أمارة على قتله بالسهم إن لم يظهر خلاف ذلك.

٤٣ ـ السرائر ، نقلا من كتاب موسى بن بكر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا رميت بسهمك فوجدته وليس به أثر غير أثر سهمك وترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل تغيب عنك أو لم يتغيب عنك (٣).

٤٤ ـ العياشي ، عن أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب فقال لا تأكل من صيد شيء منها إلا الكلاب (٤) قلت فإنه قتله قال كل فإن الله يقول « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ » (٥).

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢١٥ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٨ عن محمد بن يعقوب.

(٢) هكذا في الكتاب والموجود في المصادر : خالد بن الحجاج ، روى الكليني في الفروع ٦ : ٢١٥ الحديث عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عيسى عن حجاج عن خالد بن الحجاج ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٧ عن أحمد بن محمد بن عيسى.

(٣) السرائر : ٤٦٤.

(٤) في المصدر : لا تأكل من صيد شيء منها الا ما ذكيت الا الكلاب.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ ورواه الكليني والشيخ وعلي بن إبراهيم في الكافي والتهذيب والتفسير راجع الوسائل ١٦ : ٢٠٨.


٤٥ ـ ومنه ، عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل سرح الكلب المعلم ويسمي إذا سرحه قال يأكل مما أمسك عليه وإن أدركه وقتله وإن وجد معه كلب غير معلم فلا يأكل منه قلت والصقر والعقاب والبازي قال إن أدركت ذكاته فكل منه وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل منه قلت فالفهد ليس بمنزلة الكلب قال فقال لا ليس شيء مكلب إلا الكلب (١).

٤٦ ـ ومنه ، عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أبي يفتي وكنا نفتي ونحن نخاف في صيد البازي والصقور فأما الآن فإنا لا نخاف ولا يحل صيدهما إلا أن يدرك ذكاته وإنه لفي كتاب علي عليه‌السلام أن الله قال « ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ » فهي الكلاب (٢).

بيان : فهي الكلاب أي الجوارح المذكورة في الآية المراد بها الكلاب لقوله « مُكَلِّبِينَ » وقال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله يعني أن المراد من المكلبين الكلاب.

وفي تفسير علي بن إبراهيم رواية أخرى يؤيد ذلك فعلم من ذلك أن قراءة علي بفتح اللام والقراءة الشائعة بين العامة بكسر اللام انتهى.

وأقول لا ضرورة إلى هذا التكلف وتغيير القراءة المشهورة.

٤٧ ـ العياشي ، عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما خلا الكلاب مما يصيد الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكلن من صيده إلا ما أدركت ذكاته لأن الله قال « مُكَلِّبِينَ » فما خلا الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل إلا أن تدرك ذكاته (٣).

٤٨ ـ ومنه ، عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن في كتاب علي عليه‌السلام قال الله إلا ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فهي الكلاب (٤).

٤٩ ـ ومنه ، عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام سئل عن الصيد يأخذه الكلب

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ ورواه الكليني والشيخ راجع الوسائل ١٦ : ٢٠٧.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ ورواه الكليني والشيخ راجع الوسائل ١٦ : ٢٢٠.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.


فيتركه الرجل حتى يموت قال نعم كل إن الله يقول « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (١)

بيان : هذا مختصر من صحيحة جميل المتقدمة في الحكم التاسع وقد مر الكلام فيه.

٥٠ ـ العياشي ، عن أبي جميلة عن أبي حنظلة (٢) عنه عليه‌السلام في الصيد يأخذه الكلب فيدركه الرجل فيأخذه ثم يموت في يده أيأكل (٣) قال نعم إن الله يقول « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (٤)

بيان : كأنه محمول على عدم استقرار الحياة على طريقة القوم أو عدم إمكان الذبح لقصر الزمان أو فقد الآلة على قول أو قتل الكلب له مع بعد على قول.

٥١ ـ العياشي ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ » قال لا بأس بأكل ما أمسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكله (٥).

٥٢ ـ ومنه ، عن رفاعة عن أبي عبد الله قال : الفهد مما قال الله مكلبين (٦).

٥٣ ـ ومنه ، عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كل ما أمسك عليك الكلب وإن بقي ثلثه (٧).

٥٤ ـ الهداية ، كل كل ما صاد الكلب المعلم وإن قتله وأكل منه ولم يبق منه إلا بضعة واحدة ولا تأكل ما صيد بباز أو صقر أو فهد أو عقاب إلا ما أدركت ذكاته ومن أرسل كلبه ولم يسم تعمدا فأصاب صيدا لم يحل أكله لأن الله عز وجل يقول « وَلا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٢) في المصدر : عن ابن حنظلة.

(٣) في المصدر : أياكل منه.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥.

(٧) تفسير العياشي ١ : ٢٩٥ فيه : ما امسك عليه الكلاب.


تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » (١) وإن نسي فليسم حين يأكل وكذلك في الذبيحة ولا بأس بأكل لحم الحمر الوحشية ولا بأس بأكل ما صيد بالليل ولا يجوز صيد الحمام بالأمصار ولا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض (٢).

بيان : فليسم حين يأكل محمول على الاستحباب ولا بأس بأكل أي ليس الفعل بحرام أو المعنى أن كراهة الفعل لا يسري إلى الأكل ولا يجوز ظاهره الحرمة ولم أر قائلا بها غيره وكذا ذكره في المقنع أيضا وحمله على الاصطياد بالكلب والسهم وأمثاله بعيدة نعم يمكن حمل عدم الجواز في كلامه على الكراهة الشديدة قال في المختلف يكره أخذ الفراخ من أعشاشهن.

وقال الصدوق وأبوه لا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض فإن قصد التحريم صارت المسألة خلافية لنا الأصل عدم التحريم.

٥٥ ـ السرائر ، نقلا من كتاب جميل بن دراج عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل صاد حماما أهليا قال إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه (٣).

٥٦ ـ ومنه ، نقلا من جامع البزنطي عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الطير يقع في الدار فنصيده وحولنا حمام لبعضهم فقال إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه قال قلت يقع علينا فنأخذه وقد نعلم لمن هو قال إذا عرفته فرده على صاحبه (٤).

بيان : قال في الروضة لا يملك الصيد المقصوص أو ما عليه أثر الملك لدلالة القص والأثر على مالك سابق والأصل بقاؤه ويشكل بأن مطلق الأثر إنما يدل على المؤثر أما المالك فلا لجواز وقوعه من غير مالك أو ممن لا يصلح للتملك أو ممن لا يحترم

__________________

(١) زاد في المصدر بعد ذلك وانه لفسق يعنى حرام.

(٢) الهداية : ١٧.

(٣) السرائر : ٤٦٨.

(٤) السرائر : ٤٦٩ فيه : وقد نعرف لمن هو.


ماله فكيف يحكم بمجرد الأثر بمالك محترم مع أنه أعم والعام لا يدل على الخاص وعلى المشهور يكون مع الأثر لقطة ومع عدم الأثر فهو لصائده وإن كان أهليها كالحمام للأصل إلا أن يعرف مالكه فيدفعه إليه.

٥٧ ـ المختلف ، نقلا من كتاب عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام خرء الخطاف لا بأس به وهو مما يحل أكله ولكن كره أكله لأنه استجار بك وأوى في منزلك كل طير يستجير بك فأجره (١).

بيان : يدل على كراهة صيد كل ما عشش في دار الإنسان أو هرب من سبع وغيره وأوى إليه.

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٢٧.


٨

(باب)

(التذكية وأنواعها وأحكامها)

الآيات البقرة « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً » إلى قوله « فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ »

المائدة « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ »

الأنعام « فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ »

وقال تعالى « وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ »

وقال تعالى « وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ »

وقال تعالى « أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ »

الحج « لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ »

وقال تعالى « وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها »

الكوثر « فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ »

تفسير « أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً » ظاهره أن البقرة مذبوحة لا منحورة قال الطبرسي رحمه‌الله الذبح فري الأوداج وذلك في البقر والغنم والنحر في الإبل ولا يجوز فيها عندنا غير ذلك وفيه خلاف بين الفقهاء وقيل للصادق عليه‌السلام إن أهل مكة يذبحون


البقرة في اللبة فما ترى في أكل لحمها فسكت هنيئة ثم قال قال الله « فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » لا تأكل إلا من [ ما ] ذبح من مذبحه (١).

أقول وقد مضى تفسير آية المائدة وتدل على وجوب التذكية وحرمة ما ذكي بغير اسم الله من الأصنام وغيرها وسيأتي في الأخبار تفسيرها.

« فَكُلُوا » قال الطبرسي رحمه‌الله إن المشركين لما قالوا للمسلمين أتأكلون ما قتلتم أنتم ولا تأكلون ما قتل ربكم فكأنه سبحانه قال لهم أعرضوا عن جهلكم فكلوا والمراد به الإباحة وإن كانت الصيغة صيغة الأمر « مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » يعني ذكر الله (٢) عند ذبحه دون الميتة وما ذكر عليه اسم الأصنام والذكر هو قول بسم الله وقيل هو كل اسم يختص الله سبحانه به أو صفة تختصه كقول باسم الرحمن أو باسم القديم أو باسم القادر لنفسه أو العالم لنفسه وما يجري مجراه والأول مجمع على جوازه والظاهر يقتضي جواز غيره لقوله سبحانه « قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » (٣)

« إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ » يعني إن كنتم مؤمنين بأن عرفتم الله ورسوله وصحة ما أتاكم به من عند الله فكلوا ما أحل دون ما حرم وفي هذه الآية دلالة على وجوب التسمية على الذبيحة وعلى أن ذبائح الكفار لا يجوز أكلها لأنهم لا يسمون الله عليها ومن سمى منهم لا يعتقد وجوب ذلك ولأنه يعتقد أن الذي يسميه هو الذي أبد شرع موسى أو عيسى فإذن لا يذكرون الله حقيقة « وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » تقديره أي شيء لكم في أن لا تأكلوا فيكون ما للاستفهام وهو اختيار الزجاج وغيره من البصريين ومعناه ما الذي يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه وقيل معناه ليس لكم أن لا تأكلوا فيكون ما للنفي « وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ » أي بين لكم « ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ » قيل هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله « حُرِّمَتْ

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٣٢.

(٢) يعني ذكر اسم الله.

(٣) الإسراء : ١١٠.


عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » الآية واعترض عليه بأنها نزلت بعد الأنعام بمدة إلا أن يحمل (١) على أنه بين على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ذلك نزل به القرآن وقيل إنه ما فصل في هذه السورة في قوله « قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً » الآية وقرأ أهل الكوفة غير حفص « فَصَّلَ لَكُمْ » بالفتح ما حرم بالضم وقرأ أهل المدينة وحفص ويعقوب وسهل « فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ » كليهما بالفتح وقرأ الباقون فصل لكم ما حرم بالضم فيهما « وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » يعني عند الذبح من الذبائح وهذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها « وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ » يعني وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق « وَإِنَّ الشَّياطِينَ » يعني علماء الكافرين ورؤساءهم المتمردين في كفرهم « لَيُوحُونَ » أي يؤمون ويشيرون « إِلى أَوْلِيائِهِمْ » الذين اتبعوهم من الكفار « لِيُجادِلُوكُمْ » في استحلال الميتة قال الحسن كان مشركو العرب يجادلون المسلمين فيقولون لهم كيف تأكلون ما تقتلونه أنتم ولا تأكلون مما يقتله الله وقتيل الله أولى بأكل من قتلكم فهذه مجادلتهم وقال عكرمة إن قوما من مجوس فارس كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال وما قتله الله حرام فوقع ذلك في نفوسهم فذلك إيحاؤهم إليهم وقال ابن عباس معناه أن الشياطين من الجن وهم إبليس وجنوده ليوحون إلى أوليائهم من الإنس والوحي إلقاء المعنى إلى النفس من وجه خفي وهم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك ثم قال سبحانه « وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ » أيها المؤمنون فيما يقولونه من استحلال الميتة وغيره « إِنَّكُمْ » إذا « لَمُشْرِكُونَ » لأن من استحل الميتة فهو كافر بالإجماع ومن أكلها محرما لها مختارا فهو فاسق وهو قول الحسن وجماعة المفسرين وقال عطا إنه مختص بذبائح العرب التي كانت تذبحها للأوثان (٢).

« لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا » قال البيضاوي أي في الذبح وإنما يذكرون أسماء

__________________

(١) في المصدر : فلا يصح أن يقال : إنه فصل الا أن يحمل.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٣٥٦ ـ ٣٥٨.


الأصنام عليها وقيل لا يحجون على ظهورها « افْتِراءً عَلَيْهِ » نصب على المصدر لأن ما قالوه تقول على الله والجار متعلق بقالوا أو بمحذوف فهو صفة له (١) أو على الحال أو المفعول له والجار متعلق به أو بالمحذوف « سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ » بسببه أو بدله (٢) « أَوْ فِسْقاً » قد مر تفسيره ويدل على تحريم ما ذكر اسم غير الله عند ذبحه « لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ » يدل على أن النسك إنما يصح ويتقبل إذا ذكر عليه عند ذبحه اسم الله دون غيره وإنما خص بالأنعام إيماء إلى أن الهدي لا يكون إلا منها ويدل على أن الهدي والأضحية وذكر اسم الله على الذبيحة كان في جميع الشرائع حيث قال « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ » إلخ.

« فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها » قال الطبرسي ره أي في حال نحرها وعبر به عن النحر وقال ابن عباس هو أن يقول الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك ولك « صَوافَ » أي قياما مقيدة على سنة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن عباس وقيل هو أن تعقل إحدى يديها وتقوم على ثلاث (٣) تنحر كذلك وتسوي بين أوظفتها (٤) لئلا يتقدم بعضها على بعض عن مجاهد وقيل هو أن تنحر وهي صافة أي قائمة قد ربطت يداها بين الرسغ (٥) والخف إلى الركبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام هذا في الإبل فأما البقر فإنه تشد يداها ورجلاها ويطلق ذنبها والغنم تشد ثلاث قوائم منها ويطلق فرد رجل منها « فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها » أي سقطت إلى الأرض وعبر بذلك عن تمام خروج الروح منها « فَكُلُوا مِنْها » وهذا إذن وليس بأمر لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمونها على نفوسهم وقيل إن الأكل منها واجب إذا تطوع بها انتهى (٦)

__________________

(١) في المصدر : او بمحذوف هو صفة له.

(٢) أنوار التنزيل ١ : ٤٠٥.

(٣) في المصدر : على ثلاثة.

(٤) الاوظفة جمع الوظيف : مستدق الذراع او الساق من الخيل والإبل وغيرها.

(٥) الرسغ : الموضع المستدق بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل. المفصل ما بين الساعد والكف او الساق والقدم ومثل ذلك من الدابة.

(٦) مجمع البيان ٧ : ٨٦.


« فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ » في الجمع أي فصل صلاة العيد وانحر هديك وقيل صل صلاة الغداة بجمع (١) وانحر البدن بمنى والجمع هو المشعر قال محمد بن كعب إن أناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تكون صلاته ونحره للبدن تقربا إلى الله وخالصا له انتهى (٢).

وأقول يدل هذه التفاسير على كون النحر مشروعا في البدن بل عدم جواز غيره فيها.

ولنرجع إلى تفاصيل الأحكام المستنبطة من تلك الآيات الأول تدل بعمومها على حل كل ما ذكر اسم الله عليها إلا ما أخرجه الدليل وقد مر الكلام فيه.

الثاني استدل بها على وجوب التسمية عند الذبح بل عند الاصطياد أيضا مطلقا إلا ما أخرجه الدليل من السمك والجراد ولعل مرادهم بالوجوب الوجوب الشرطي بمعنى اشتراطها في حل الذبيحة ولذا عبر الأكثر بالاشتراط وأما الوجوب بالمعنى المصطلح فيشكل إثباته إلا بأن يتمسك بأن ترك التسمية إسراف وإتلاف للمال بغير الجهة الشرعية وأما الاشتراط فلا خلاف فيه من بين الأصحاب فلو أخل بها عمدا لم يحل قطعا وظاهر الآية عدم الحل مع تركها نسيانا أيضا لكن الأصحاب خصوها بالعمد للأخبار الكثيرة الدالة على الحل مع النسيان وفي بعضها إن كان ناسيا فليسم حين يذكر ويقول بسم الله على أوله وآخره وحمل على الاستحباب إذ لا قائل ظاهرا بالوجوب وفي الجاهل وجهان وظاهر الأصحاب التحريم ولعله أقرب لعموم الآية والأقوى الاكتفاء بها وإن لم يعتقد وجوبها لعموم الآية خلافا للعلامة ره في المختلف قال في الدروس لو تركها عمدا فهو ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها وفي غير المعتقد نظر وظاهر الأصحاب التحريم ولكنه يشكل بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق

__________________

(١) في المصدر : صلاة الغداة المفروضة بجمع.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٩ و ٥٥٠.


ما لم يكن ناصبيا ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها ويحلل الذبيحة وإن تركها عمدا انتهى.

وقال في الروضة يمكن دفعه بأن حكمهم بحل ذبيحته من حيث هو مخالف وذلك لا ينافي تحريمها من حيث الإخلال بشرط آخر نعم يمكن أن يقال بحلها منه عند اشتباه الحال عملا بأصالة الصحة وإطلاق الأدلة وترجيحا للظاهر من حيث رجحانها عند من لا يوجبها وعدم اشتراط اعتقاده الوجوب بل المعتبر فعلها وإنما يحكم بالتحريم مع العلم بعدم تسميته وهذا حسن ومثله القول في الاستقبال.

الثالث تدل الآية على الاكتفاء بمطلق ذكر اسمه تعالى عند الذبح أو النحر أو إرسال الكلب أو السهم ونحوه فيكفي التكبير أو التسبيح أو التحميد أو التهليل وأشباهها كما صرح به الأكثر ولو اقتصر على لفظة الله ففي الاكتفاء به قولان من صدق ذكر اسم الله عليه ومن دعوى أن العرف يقتضي كون المراد ذكر الله بصفة كمال وثناء وكذا الخلاف لو قال اللهم ارحمني واغفر لي وقالوا لو قال بسم الله ومحمد بالجر لم يجز لأنه شرك وكذا لو قال ومحمد رسول الله ولو رفع فيهما لم يضر لصدق التسمية بالأولى تامة وعطف الشهادة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله زيادة خير غير منافية بخلاف ما لو قصد التشريك ولو قال اللهم صل على محمد وآله فالأقوى الإجزاء وهل يشترط التسمية بالعربية يحتمله لظاهر قوله اسم الله وعدمه لأن المراد من الله هنا الذات المقدسة فيجزي ذكر غيره من أسمائه وهو متحقق بأي لغة اتفقت وعلى ذلك يتحرج ما لو قال بسم الرحمن وغيره من أسمائه المختصة أو الغالبة غير لفظ الله.

الرابع ذكر الأصحاب أنه يستحب في ذبح الغنم أن يربط يداه ورجل واحد ويطلق الأخرى ويمسك صوفه أو شعره حتى يبرد وفي البقر أن يعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه وفي الإبل أن تربط خفا يديه معا إلى إبطيه وتطلق رجلاه وتنحر قائمة أو تعقل يده اليسرى من الخف إلى الركبة ويوقفها على اليمنى ويمكن أن يفهم من الآية الكريمة استحباب كون البدن قائمة عند النحر لقوله تعالى « صَوافَ ».

قال البيضاوي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن وقرئ صوافن من


صفن الفرس إذا أقام على ثلاث وطرف سنبك الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث (١).

وقال الطبرسي ره قرأ ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو جعفر الباقر وقتادة وعطا والضحاك صوافن بالنون وقرأ الحسن وشقيق وأبو موسى الأشعري وسليمان التيمي صوافي وقال فأما صوافن فمثل « الصَّافِناتُ » وهي الجياد من الخيل إلا أنه استعمل هاهنا في الإبل والصافن الرافع إحدى رجليه متعمدا على سنبكها والصوافي الخوالص لوجه الله انتهى (٢).

وأقول فعلى هذا القراءة المروية عن الباقر عليه‌السلام وغيره يدل على استحباب قيامها وعقل إحدى يديها بل على نحرها على القراءتين وأن ذبحها قائمة غير جائز جدا (٣) وأما الأخبار الواردة في ذلك فقد روي بسند فيه جهالة عن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الذبح فقال إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق والإرسال للطير خاصة فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح وإن كان شيء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسك (٤) يدا ولا رجلا وأما البقرة فاعقلها وأطلق الذنب وأما البعير فشد أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه وإن أفلتك شيء من الطير وأنت تريد ذبحه أو ند (٥) عليك فارم (٦) بسهمك فإذا هو سقط فذكه بمنزلة الصيد (٧).

__________________

(١) أنوار التنزيل ٢ : ١٠٣ و ١٠٤.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٨٥.

(٣) هكذا في المطبوع ، وفي النسخة المخطوطة : فان ذبحها قائمة عسر جدا.

(٤) في المصدر : ولا تمسكن.

(٥) ند البعير : نفر وذهب شاردا.

(٦) في المصدر : فارمه.

(٧) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٢٩ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفرى عن أبيه عن حمران بن أعين ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٥٥.


وقال في المسالك المراد بشد أخفافه إلى آباطه أن يجمع يديه ويربطهما فيها بين الخف والركبة وبهذا صرح في رواية أبي الصباح وفي رواية أبي خديجة أنه يعقل يدها اليسرى خاصة وليس المراد في الأول أنه يعقل خفي يديه معا إلى إباطه لأنه لا يستطيع القيام حينئذ والمستحب في الإبل أن تكون قائمة والمراد في الغنم بقوله ولا تمسك يدا ولا رجلا أنه يربط يديه وإحدى رجليه من غير أن يمسكها بيده انتهى.

وأقول لم أر في الأخبار شد رجلي الغنم وإحدى يديه لكن ذكره الأصحاب فإن كان له مستند كما هو الظاهر يمكن حمل هذا الخبر على عدم إمساك اليد والرجل بعد الذبح وإنما يمسك صوفه أو شعره لئلا يتردى في بئر أو غيرها.

وروى الكليني في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ » قال ذلك حين تصف للنحر تربط يديها ما بين الخف إلى الركبة ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض (١). وعن أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام كيف تنحر البدنة فقال تنحر وهي قائمة من قبل اليمين (٢). وعن أبي خديجة قال : رأيت أبا عبد الله وهو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ثم يقوم من جانب يدها اليمنى ويقول بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك اللهم تقبله مني ثم يطعن في لبتها ثم يخرج السكين بيده فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده (٣).

الخامس ظاهر قوله تعالى « فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها » الاكتفاء في حلها

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٤ : ٤٩٨ عن أبي على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٤ : ٤٩٧ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني.

(٣) رواه الكليني في الفروع ٤ : ٤٩٨ عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم البجلي عن أبي خديجة.


بسقوطها على الأرض ولا يجب الصبر إلى أن يبرد أو تزول حياتها بالكلية وإن أوله الأصحاب بالموت ولم أر من استدل به على ذلك فإنما ذكروه تأويلا لا يصار إليه إلا بدليل.

قال في المسالك سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شيء منها فيه قولان أحدهما التحريم ذهب إليه الشيخ في النهاية بل ذهب إلى تحريم الأكل أيضا وتبعه ابن البراج وابن حمزة استنادا إلى رواية محمد بن يحيى رفعه قال قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام الشاة إذا ذبحت (١) وسلخت أو سلخ شيء منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها (٢).

والأقوى الكراهة وهو قول الأكثر للأصل وضعف الرواية بالإرسال فلا يصلح دليلا على التحريم بل الكراهة للتسامح في دليلها وذهب الشهيد رحمه‌الله إلى تحريم الفعل دون الذبيحة أما الأول فلتعذيب الحيوان المنهي عنه وأما الثاني فلعموم قوله تعالى « فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » انتهى.

وقال في المختلف عد أبو الصلاح في المحرمات ما قطع من الحيوان قبل الذكاة وبعدها قبل أن يجب جنوبها ويبرد بالموت وجعله ميتة والذي ذكره في المقطوع قبل الذكاة جيد أما المقطوع بعدها فهو في موضع المنع لنا أنه امتثل الأمر بالتذكية وقد وجدت احتج بقوله « فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها » والجواب أنه مفهوم خرج مخرج الأغلب فلا يكون حجة انتهى.

وأقول قيد البرد في غاية الغرابة فإن نهاية ما يعتبر فيه زوال الحياة والحرارة تبقى بعده غالبا بزمان ولذا لم يكتفوا في وجوب الغسل بالمس بالموت بل اعتبروا البرد بعده واعتباره في حكم خاص لا يستلزم اعتباره في جميع الأحكام.

السادس قوله تعالى « إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » يدل على أن ما أكل السبع أو الأعم منه

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٣٠ وفيه : إذا ذبحت الشاة وسلخت.

(٢) والحديث لا يدل على ذلك أيضا فانه اعتبر فيها الموت ، وهو يحصل بزوال الحيات دون البرد.


ومما تقدم إذا أدركت تذكيته حل واختلف الأصحاب في وقت أدرك الذكاة قال في المسالك اختلف الأصحاب فيما به تدرك الذكاة من الحركة وخروج الدم بعد الذبح والنحر فاعتبر المفيد وابن الجنيد في حلها الأمرين معا الحركة وخروج الدم واكتفى الأكثر ومنهم الشيخ وابن إدريس والمحقق وأكثر المتأخرين بأحد الأمرين ومنهم من اعتبر الحركة وحدها ومنشأ الاختلاف الاكتفاء في بعض الروايات بالحركة وفي بعضها بخروج الدم انتهى.

وأقول كان الاكتفاء بأحدهما أظهر وإن كانت الحركة أقوى سندا ثم الظاهر من كلام الأصحاب أن المعتبر الحركة بعد التذكية وفي أكثر الأخبار إجمال وصريح بعضها أن العبرة بها قبل التذكية وكان الأحوط اعتبار البعد.

وقال المحقق الأردبيلي رحمه‌الله الظاهر أن كون الحركة أو الدم أو كليهما على الخلاف علامة للحل إنما هو في المشتبه لأنه إن علم حياته قبل الذبح فذبح ولم يوجد أحدهما فالظاهر الحل لأنه قد علم حياته وذبحه على الوجه المقرر فأزال روحه به فيحل فتأمل فإن بعض الأخبار الصحيحة تدل على اعتبار الدم بعد إبانة الرأس من غير المشتبه ولعل ذلك أيضا للاشتباه الحاصل بعده بأن الإزالة بقطع الأعضاء الأربعة أو غيره فلا يخرج عن الاشتباه فتأمل انتهى (١).

وأما استقرار الحياة التي اعتبرها جماعة من الأصحاب وأومأنا إليه سابقا فالأخبار خالية عنه.

وقال في الدروس المشرف على الموت كالنطيحة والمتردية وأكيل السبع وما ذبح من قفاه اعتبر في حله استقرار الحياة فلو علم بموته قطعا في الحال حرم عند الجماعة ولو علم بقاء الحياة فهو حلال ولو اشتبه اعتبر بالحركة وخروج (٢) الدم قال وظاهر الأخبار والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف ولو لم يكن فيه حياة مستقرة وفي الآية إيماء إليه من قوله تعالى « حُرِّمَتْ

__________________

(١) شرح الإرشاد : كتاب الصيد والذباحة.

(٢) في المصدر : او خروج الدم.


عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ » إلى قوله « إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » ثم قال ونقل عن الشيخ يحيى أن استقرار الحياة ليس من المذهب ونعم ما قال انتهى (١).

وأقول نعم ما قالا رضي الله عنهما فإن الظاهر أن هذا مأخوذ من المخالفين وليس في أخبارنا منه عين ولا أثر وتفصيل القول في ذلك أن اعتبار استقرار الحياة مذهب الشيخ وتبعه الفاضلان وفسره بعضهم بأن مثله يعيش اليوم أو الأيام وقيل نصف يوم وهذا مما لم يدل عليه دليل ولا هو معروف بين القدماء وأما إذ علم أنه ميت بالفعل وأن حركته حركة المذبوح كحركة الشاة بعد إخراج حشوها ففي وقوع التذكية عليه إشكال وإن كان ظاهر الأدلة وقوعها أيضا قال المحقق الأردبيلي بعد إيراد ما في الدروس ولا يخفى الإجمال والإغلاق في هذه المسألة والذي معلوم أنه إذا صار الحيوان الذي يجري فيه الذبح بحيث علم أو ظن على الظاهر موته أي أنه ميت بالفعل وأن حركته حركة المذبوح مثل حركة الشاة بعد إخراج حشوها وذبحها وقطع أعضائها والطير كذلك فهو ميتة لا ينعقد الذبح (٢) وإن علم عدمه فهو حي يقبل التذكية ويصير بها طاهرا ويجري فيه أحكام المذبوح والظاهر أنه كذلك وإن علم أنه يموت في الحال والساعة لعموم الأدلة التي تقتضي ذبح ذي الحياة فإنه حي مقتول ومذبوح بالذبح الشرعي ولا يؤثر في ذلك أنه لو لم يذبح لمات سريعا أو بعد ساعة فما في الدروس فلو علم موته إلخ محل تأمل فإنه يفهم منه أن المدار على قلة الزمان وكثرته فتأمل وبالجملة فينبغي أن يكون المدار على الحياة وعدمها لا طول زمانها وعدمه لما مر فافهم وأما إذا اشتبه حاله ولم يعلم موته بالفعل ولا حياته وأن حركته حركة المذبوح أو حركة ذي الحياة فيمكن الحكم بالحل للاستصحاب والتحريم للقاعدة السالفة (٣) ثم أجرى رحمه‌الله فيه اعتبار الحركة أو الدم كما ذكرنا.

__________________

(١) الدروس : كتاب التذكية.

(٢) في المصدر : لا ينفعه الذبح.

(٣) شرح الإرشاد : كتاب الصيد والذبائح.


وأقول ما ذكره قدس‌سره من حركة المذبوح إن أراد بها حركة التقلص التي تكون في اللحم المسلوخ ونحوه فلا شبهة في أنه لا عبرة بها وأنه قد زالت عنه الحياة فلا تقع تذكية وإن أراد بها الحركة التي تكون بعد فري الأوداج وشبهه وتسمى في العرف حركة المذبوح فعدم قبول التذكية أول الكلام لأنه لا شك أنه لم يفارقه الروح بعد كمن كان في النزع وبلغت روحه حلقومه فإنه لا يحكم عليه حينئذ بالموت وإن علم أنه لا يعيش ساعة بل عشرها ولذا اختلفوا فيما إذا ذبح الإبل ثم نحره بعد الذبح أو نحر الغنم أو البقر ثم ذبح بعده هل يحل أم لا فذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى الحل لتحقق التذكية مع بقاء الحياة عندها فهو داخل تحت قوله تعالى « إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » وسائر العمومات ومن اعتبر استقرار الحياة حكم بالحرمة والظاهر أن مراده الثاني حيث قال رحمه‌الله في ذيل هذه المسألة بعد ما نقل وجوه الحل فتأمل لأن الحكم بالحل والدم بعد قطع الأعضاء المهلك مشكل فإنه بعد ذلك في حكم الميت والاعتبار بتلك الحركة والدم مشكل فإن مثلهما لا يدل على الحياة الموجبة للحل فلا ينبغي جعلها دليلا والتحقيق ما أشرنا إليه انتهى (١).

السابع المشهور بين الأصحاب أنه يعتبر في الذبح قطع أربعة أعضاء من الحلق الحلقوم وهو مجرى النفس دخولا وخروجا والمريء كأمير بالهمز وهو مجرى الطعام والشراب والودجان وهما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم واقتصر ابن الجنيد على قطع الحلقوم لصحيحة زيد الشحام قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أفيذبح بقصبة فقال اذبح بالحجر والعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديد إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس (٢).

__________________

(١) شرح الإرشاد : كتاب الصيد والذباحة.

(٢) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٢٨ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن زيد الشحام. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٥١ وفي الاستبصار ٤ : ٨٠ عن الحسن بن محبوب عن زيد الشحام.


واستدل للمشهور بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المروة والقصبة والعود أيذبح بهن إذا لم يجدوا سكينا قال إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك (١).

. ويمكن الاعتراض عليه بوجوه الأول أن الأوداج وإن كان جمعا فلو سلم كونه حقيقة في الثلاث فما فوقها فإطلاقه على الاثنين أيضا مجاز شائع حتى قيل إنه حقيقة فيه ولو لم يكن هذا أولى من تغليب الودج على الحلقوم والمريء فليس أدنى منه إذ لا شك أن إطلاق الودج عليهما مجاز.

قال في القاموس الودج محركة عرق في العنق كالوداج بالكسر وفي الصحاح الودج والوداج عرق في العنق وهما ودجان.

وفي المصباح الودج بفتح الدال والكسر لغة عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا تبقى معه حياة ويقال في الجسد عرق واحد حيث ما قطع مات صاحبه وله في كل عضو اسم فهو في العنق الودج والوريد أيضا وفي الظهر النياط وهو عرق ممتد فيه والأبهر وهو عرق مستبطن الصلب والقلب متصل به والوتين في البطن والنساء في الفخذ والأيجل في الرجل والأكحل في اليد والصافن في الساق.

وقال في المجرد أيضا الوريد عرق كبير يدور في البدن وذكر معنى ما تقدم لكنه خالف في بعضه ثم قال والودجان عرقان غليظان يكتنفان بثغرة النحر والجمع أوداج وفي النهاية في حديث الشهداء وأوداجهم تشخب دما هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج بالتحريك وقيل الودجان

__________________

(١) رواه الكليني في الفروع ٦ : ٢٢٨ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج وعن ابى على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج مثله. ورواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٥٢ والاستبصار ٤ : ٨٠ عن محمد بن يعقوب ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٠٨ بإسناده عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج.


عرقان غليظان من جانبي ثغرة النحر ومنه الحديث كل ما أفرى الأوداج انتهى (١).

فيمكن الجمع بين الصحيحتين بالتخيير إن لم تاب عن إحداث قول لم يظهر به قائل وبالجمع إن أبينا لأنه يظهر من العلامة في المختلف الميل إليه.

الثاني أن دلالة الخبر الثاني على عدم الاجتزاء بقطع الحلقوم بالمفهوم ودلالة الأول على الاجتزاء بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم.

الثالث أن مفهوم الخبر الثاني تحقق بأس عند عدم فري الأوداج والبأس أعم من الحرمة فيمكن حمله على الكراهة.

الرابع أن فري الأوداج لا يقتضي قطعها رأسا الذي هو المعتبر على القول المشهور لأن الفري الشق وإن لم ينقطع قال الهروي في حديث ابن عباس كل ما أفرى الأوداج أي شققها وأخرج ما فيها من الدم (٢).

قال في المسالك بعد ذكر هذا الوجه والوجه الثاني فقد ظهر أن اعتبار قطع الأربعة لا دليل عليها إلا الشهرة ولو عمل بالروايتين لاكتفى (٣) بقطع الحلقوم وحده أو فري الأوداج بحيث يخرج منها الدم ولم يستوعبها (٤) إلا أنه لا قائل بهذا الثاني من الأصحاب نعم هو مذهب بعض العامة.

وفي المختلف قال بعد نقل الخبرين هذا أصح ما وصل إلينا في هذا الباب ولا دلالة فيه على قطع ما زاد على الحلقوم والأوداج (٥).

__________________

(١) النهاية ٤ : ٢١٣.

(٢) النهاية ٣ : ٢١٦ فيه خلاف ما ذكره المصنف قال : الفرى : القطع يقال : فريت الشيء افريه فريا : إذا شققته وقطعته للاصلاح. ثم قال : ومنه : حديث ابن عباس : كل ما افرى الاوداج اي ما شقها وقطعها حتى يخرج ما فيها من الدم.

(٣) في المصدر : ولو عمل بالروايتين واعتبر الحل لاكتفى.

(٤) في المصدر : وان لم يستوعبها.

(٥) المختلف ٣ : ١٣٨.


وأراد بذلك أن قطع المريء لا دليل عليه إذ لو أراد بالأوداج ما يشمله لم يفتقر إلى إثبات أمر آخر لأن ذلك غاية ما قيل وفيه ميل إلى قول آخر وهو اعتبار قطع الحلقوم والودجين لكن قد عرفت أن الرواية لا تدل على اعتبار قطعها رأسا وأن الأوداج بصيغة الجمع تطلق على أربعة فتخصيصها بالودجين والحلقوم ليس بجيد وكيف قرر فالوقوف مع القول المشهور هو الأحوط انتهى.

وأقول إطلاق الأوداج (١) على الأربعة إطلاق مجازي من الفقهاء ولا حجر في المجاز فيمكن إطلاقها على الثلاثة أيضا بل هو أقرب إلى الحقيقة.

ثم إن هذا القول وقول ابن الجنيد والقول بالتخيير الذي ذكرنا سابقا كل ذلك أوفق لعموم الآيات من المشهور فإن قوله تعالى « فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » يشملها وأيضا قوله « إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » يشملها وأيضا لأن التذكية ليس إلا الذبح أو النحر ولم يثبت كونها حقيقة شرعية في المعنى الذي ذكره القوم.

قال الراغب في المفردات حقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه ويدل على هذا الاشتقاق قولهم في الميت خامد وهامد وفي النار الهامدة ميتة (٢) وقال الذبح شق حلق الحيوانات (٣).

وفي الصحاح التذكية الذبح وقال الذبح الشق والذبح مصدر ذبحت الشاة انتهى والظاهر أن التذكية والذبح لغة وعرفا يتحققان بفري الحلقوم أو الودجين.

الثامن أن إطلاق الآيات تدل على تحقق التذكية بكل آلة يتحقق بها الذبح إلا أن يقال المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع الغالب وهو التذكية بالحديد

__________________

(١) في المخطوطة : اطلاق الجمع.

(٢) المفردات : ١٨٠.

(٣) المفردات : ١٧٧.


لكن الأصحاب اتفقوا على أنه لا تتحقق التذكية إلا بالحديد مع الاختيار ولا يجزي غيره وإن كان من المعادن المنطبعة كالنحاس والرصاص والفضة والذهب وغيرها.

وأما مع الاضطرار فجوزوا بكل ما فرى الأعضاء من المحددات ولو من خشب أو قصب أو حجر عد السن والظفر وادعوا الإجماع عليه ودلت الأخبار الكثيرة على عدم جواز التذكية بغير الحديد في حال الاختيار وجواز التذكية بما سوى السن والظفر في حال الاضطرار وأما السن والظفر ففي جواز التذكية بهما عند الضرورة قولان :

أحدهما العدم ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف وادعى فيه إجماعنا واستدل عليه برواية رافع بن خديج أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما أنهر الدم (١) وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم من الإنسان وأما الظفر فمدى الحبشة.

والثاني الجواز ذهب إليه ابن إدريس وأكثر المتأخرين للأصل وعدم ثبوت المانع فإن خبره عامي والتصريح بجوازه بالعظم في صحيحة الشحام السابقة ودلالة التعليل الوارد في هذا الخبر على عدم الجواز بالعظم فيتعارض الخبران فيقدم الصحيح منهما أو يحمل الآخر على الكراهة كذا قال في المسالك.

وقال وربما فرق بين المتصلين والمنفصلين من حيث إن المنفصلين كغيرهما من الآلات بخلاف المتصلين فإن القطع بهما يخرج عن مسمى الذبح بل هو أشبه بالأكل والتقطيع والمقتضي للذكاة هو الذبح ويحمل النهي في الخبر على المتصلين جمعا والشهيد في الشرح استقرب المنع من التذكية بالسن والظفر مطلقا للحديث المتقدم وجوزها بالعظم وغيرهما لما فيه من الجمع بين الخبرين لكن يبقى فيه منافاة التعليل لذلك.

__________________

(١) انهر الدم : اظهره وأساله.


وقال في الروضة وعلى تقدير الجواز هل يساويان غيرهما مما يفري غير الحديد أو يترتبان على غيرهما مطلقا مقتضى استدلال المجوز بالحديثين الأول.

وفي الدروس استقرب الجواز مطلقا مع عدم غيرهما وهو الظاهر من تعليقه الجواز بهما هنا على الضرورة إذ لا ضرورة مع وجود غيرهما وهذا هو الأولى انتهى.

وأقول الفرق بين المتصلين والمنفصلين كأنه مأخوذ من العامة ولم أره في كلام القوم وإن كان له وجه.

١ ـ قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : أيما إنسية تردت في بئر فلم يقدر على منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليها ويسمي الله عليها وتؤكل قال وسئل علي عليه‌السلام عما تردى على منحره فيقطع ويسمى عليه فقال لا بأس به وأمر بأكله (١).

بيان : أيما إنسية أي بدنة إنسية أو دابة فالمراد بالنحر أعم من الذبح تغليبا على منحره في بعض النسخ بالخاء المعجمة وفي بعضها بالمهملة ولكل وجه يرجعان إلى معنى واحد ولا خلاف في أن كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان إما لاستعصائه أو لحصوله في موضع لا يتمكن المذكى من الوصول إلى موضع الذكاة منه وخيف فوته جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرهما مما يجرح ويحل وإن لم يصادف موضع الذكاة وكما يسقط اعتبار موضع الذبح أو النحر يسقط الاستقبال به مع تعذره ولو أمكن أحدهما وجب وسقط المعتذر.

وقالوا كما يجوز ذلك للخوف من فوته يجوز للاضطرار إلى أكله وقيل والمراد بالضرورة هنا مطلق الحاجة إليه.

٢ ـ قرب الإسناد ، بالإسناد المتقدم عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان يقول لا بأس بذبيحة المرأة (٢).

__________________

(١ و ٢) قرب الإسناد : ٥١.


بيان : لا خلاف بين الأصحاب في حل ذبيحة المرأة ولم أر من حكم بالكراهة أيضا لكن ورد في بعض الأخبار أنها لا تذبح إلا عند الضرورة وفي بضعها إذا كن نساء ليس معهن رجل فلتذبح أعقلهن وفي بعضها إذا لم يوجد من يذبح غيرها وفي بعضها لا بأس بذبيحة الصبي والخصي والمرأة إذا اضطروا إليه (١) وفيها دلالة على المرجوحية والكراهة في الجملة إن لم تكن محمولة على التقية.

٣ ـ قرب الإسناد ، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها فإن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش (٢).

بيان : فعرقبوها أي لتمكنوا من ذبحها فإنه يحلها ظاهره الحل بصيد الكلب أيضا لكن الرواية ضعيفة والراوي عامي.

٤ ـ الخصال ، عن محمد بن علي بن الشاه عن أحمد بن محمد بن الحسين عن أحمد بن خالد الخالدي عن محمد بن أحمد بن صالح التميمي (٣) عن أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تذبح المرأة إلا عند الضرورة (٤).

التحف ، والمكارم ، مرسلا مثله (٥).

٥ ـ العيون ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام فيما كتب للمأمون قال الصلاة على النبي واجبة (٦) في

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة ١٦ : ٢٧٦ ـ ٢٧٨.

(٢) قرب الإسناد : ٦٨.

(٣) في المصدر : محمد بن أحمد بن صالح التميمى قال : حدثنا أبى قال : حدثنا أبى قال : حدثني انس بن محمد أبو مالك.

(٤) الخصال ٢ : ٥١١ طبعة الغفارى.

(٥) مكارم الأخلاق : ٢٤٣ والحديث لم يوجد في تحف العقول.

(٦) أي ثابتة.


كل موطن وعند العطاس والذبائح وغير ذلك (١).

بيان : روي مثل ذلك في الخصال عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام وفيه والرياح مكان ذبائح (٢). وما في العيون أظهر وكأنه محمول على تأكيد الاستحباب قال الشيخ في الخلاف يستحب أن يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الذبيحة وأن يقول اللهم تقبل مني وبه قال الشافعي وقال مالك تكره الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) وأن يقول اللهم تقبل مني دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (٤) وأيضا قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ » (٥) وذلك على عمومه إلا ما أخرجه الدليل وقد روي في التفسير قوله تعالى « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » (٦) ألا ما أذكر (٧) إلا وتذكر معي وقد أجمعنا على ذكر الله فوجب أن يذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨).

أقول ثم ذكر رحمه‌الله دلائل أخرى لا تخلو من ضعف وكان هذا الخبر الحسن يكفي لإثبات الاستحباب مع ثبوته في جميع الأوقات وأما قوله تقبل مني فسيأتي في باب الأضحية الأدعية المشتملة عليه ، وروى الشيخ في الخلاف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال اللهم (٩) تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد (١٠).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ٢٦٧ طبعة التفرشى.

(٢) الخصال ٢ : ٦٠٧.

(٣) في المصدر : تكره الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الذبيحة.

(٤) المصدر خال عن قوله ؛ وأخبارهم.

(٥) الأحزاب : ٥٦.

(٦) الشرح : ٤.

(٧) في المصدر : ان لا اذكر.

(٨) الخلاف ٢ : ٢٠٧ ( ط ١ ).

(٩) في المصدر : بسم الله ، اللهم اه.

(١٠) الخلاف ٢ : ٢٠٨.


٦ ـ كتاب المسائل ، بالإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يذبح على غير قبلة قال لا بأس إذا لم يتعمد وإن ذبح ولم يسم فلا بأس أن يسمي إذا ذكر بسم الله على أوله وآخره ثم يأكل (١).

بيان : أجمع الأصحاب على اشتراط استقبال القبلة في الذبح والنحر وأنه لو أخل به عامدا حرمت ولو كان ناسيا لم تحرم والجاهل كالناسي ودلت على جميع ذلك الأخبار المعتبرة منها ما رواه الكليني (٢) في الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة قال كل منها قلت له فإنه لم يوجهها (٣) قال فلا تأكل منها (٤) وقال عليه‌السلام إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة.

وأيضا روى بسند (٥) مثله عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة ذبحت بغير القبلة قال كل ولا بأس بذلك ما لم يتعمده.

وقال في المسالك من لا يعتقد وجوب الاستقبال في معنى الجاهل فلا تحرم ذبيحته والمعتبر الاستقبال بمذبح الذبيحة ومقاديم بدنها ولا يشترط استقبال الذابح وإن كان ظاهر العبارة يوهم ذلك حيث إن ظاهر الاستقبال بها أن يستقبل هو معها أيضا على حد قولك ذهبت بزيد وانطلقت به بمعنى ذهابهما وانطلاقهما معا ووجه عدم اعتبار استقباله أن التعدية بالباء يفيد معنى التعدية بالهمزة كما في قوله تعالى « ذَهَبَ اللهُ

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠ : ٢٦٥.

(٢) رواه في الفروع ٦ : ٢٣٣ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر ابن أذينة عن محمد بن مسلم.

(٣) أي عالما عامدا.

(٤) اختصر الحديث ، والموجود في المصدر بعد ذلك : ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عز وجل عليها.

(٥) رواه أيضا في الفروع ٦ : ٢٣٣ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم.


بِنُورِهِمْ » (١) أي أذهب نورهم وفي الخبر الثاني ما يرشد إلى الاكتفاء بتوجهها إلى القبلة خاصة.

وربما قيل بأن الواجب هنا الاستقبال بالمنحر والمذبح خاصة وليس ببعيد ويستحب استقبال الذابح أيضا هذا كله مع العلم بجهة القبلة أما لو جهلها سقط اعتبارها لتعذرها كما يسقط اعتبارها في المستعصي لذلك انتهى (٢).

وأقول الظاهر أنه يكفي الاستقبال بأي وجه كان سواء أضجعها على اليمين أو على اليسار كما هو الشائع أو لم يضجعها وأقامها واستقبل بمقاديمها إليها كالطير لإطلاق الاستقبال الشامل لجميع تلك الصور وكون استقبال الملحود بالإضجاع على اليمين لا يستلزم كونه في جميع الموارد كذلك مع أن الذبح على هذا الوجه في غاية العسر غالبا إلا للأعسر (٣) الذي يعمل باليد اليسرى وهو نادر بين الناس بل يمكن أن يقال الإطلاق ينصرف إلى الفرد الشائع الغالب وهو الإضجاع على اليسار فيشكل الحكم بأن الاحتياط يقتضي الإضجاع على اليمين فتأمل.

٧ ـ كتاب المسائل ، بالإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن ذبيحة الجارية هل يصلح قال إذا كانت لا تنخع (٤) ولا تكسر الرقبة فلا بأس وقال قد كانت لأهل علي بن الحسين عليه‌السلام جارية تذبح لهم (٥).

بيان : المشهور بين الأصحاب كراهة نخع الذبيحة وهو أن يبلغ بالسكين النخاع مثلث النون فيقطعه أو يقطعه قبل موتها والنخاع هو الخيط الأبيض وسط الفقار بالفتح ممتدا من الرقبة إلى عجب الذنب بفتح العين وسكون الجيم وهو أصله وقيل يحرم لورود النهي عنه في الخبر الصحيح وهو أحوط وعلى تقديره لا تحرم الذبيحة وربما

__________________

(١) البقرة : ١٧.

(٢) المسالك ٢ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٣) الاعسر : الذي يعمل بشماله.

(٤) نخع الذبيحة : جاوز بالسكين منتهى الذبح فاصاب نخاعها.

(٥) بحار الأنوار ١٠ : ٢٥٦ فيه : هل تصلح.


قيل بالتحريم أيضا وإنما يحرم الفعل على القول به مع تعمده فلو سبقت يده فقطعه فلا بأس. ومن مكروهات الذبح أشياء ذكرها الأصحاب.

الأول أن يقلب السكين أي يدخلها تحت الحلقوم ويقطعه مع باقي الأعضاء إلى خارج وحرم الشيخ في التهذيب وتبعه القاضي وقد ورد النهي عنه في رواية حمران (١).

الثاني يكره أن يذبح حيوان وآخر ينظر إليه لرواية غياث بن إبراهيم (٢) وحرمه الشيخ في النهاية وهو ضعيف.

الثالث يكره إيقاعها ليلا إلا أن يخاف الفوت لرواية أبان بن تغلب عن الصادق عليه‌السلام (٣).

الرابع إيقاعها يوم الجمعة إلى الزوال إلا عن ضرورة لرواية الحلبي عن الصادق (٤) عليه‌السلام والظاهر كراهة الفعل في جميع ذلك ولا تسري الكراهة إلى أكل المذبوح كما يوهمه كلام بعض الأصحاب إذ لا تلازم بينهما.

وقال في المسالك قد بقي للذبح وظائف منصوصة ينبغي إلحاقها بما ذكر وهي تحديد الشفرة وسرعة القطع وأن لا يرى الشفرة للحيوان وأن يستقبل الذابح القبلة ولا يحركه ولا يجره من مكان إلى آخر بل يتركه إلى أن يفارقه الروح وأن يساق إلى المذبح برفق ويضجع برفق ويعرض عليه الماء قبل الذبح ويمر السكين بقوة (٥) ويجد في الإسراع ليكون أوحى وأسهل.

وروى شداد بن أوس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله كتب عليكم الإحسان في

__________________

(١) راجع الوسائل ١٦ : ٢٥٥.

(٢) راجع الوسائل ١٦ : ٢٥٨.

(٣) راجع الوسائل ١٦ : ٢٧٤.

(٤) راجع الوسائل ١٦ : ٢٤٧ وفي الرواية : كان رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » يكره الذبح واراقة الدم يوم الجمعة قبل الصلاة إلا عن ضرورة.

(٥) زاد في المصدر بعد ذلك : وتحامل ذهابا وعودا.


كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.

وفي حديث آخر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يحد الشفار وأن يوارى عن البهائم وقال إذا ذبح أحدكم فليجهز.

انتهى (١).

وأقول الأخبار عامية لكنها موافقة لاعتبار العقل والعمومات وما سيأتي من الأخبار.

٨ ـ الدعائم ، ومن ذبح في الحلق دون الغلصمة (٢) ما يجوز ذبحه من الحيوان على ما يجب من سنة الذبح فقطع الحلقوم والمريء والودجين وأنهر الدم وماتت الذبيحة من فعله ذلك فهي ذكية بإجماع فيما علمناه.

وعن علي وأبي جعفر عليه‌السلام أنهما قالا ما قطع من الحيوان فبان عنه قبل أن يذكى فهو ميتة لا يؤكل ويذكى الحيوان ويؤكل باقيه إن أدرك ذكاته.

٩ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : علامة الذكاة أن تطرف العين أو يركض الرجل أو يتحرك الذنب أو الأذن فإن لم يكن من ذلك شيء وهراق [ هرق ] منها دم عند الذبائح وهي لا تتحرك لم تؤكل.

١٠ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : ترفق بالذبيحة ولا يعنف بها قبل الذبح ولا بعد وكره أن يضرب عرقوب الشاة بالسكين.

١١ ـ وعنه عليه‌السلام أنه سئل عن الذبيحة تتردى بعد أن تذبح عن مكان عال أو تقع في ماء أو نار قال إن كنت قد أجدت الذبح وبلغت الواجب فيه فكل.

١٢ ـ وعنه عليه‌السلام أنه نهى عن ذبيحة المرتد.

١٣ ـ وعن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه سئل عن الشاة تذبح قائمة قال لا ينبغي ذاك السنة أن تضجع وتستقبل بها القبلة.

١٤ ـ وعنه عليه‌السلام أنه سئل عن البعير يذبح أو ينحر قال السنة أن ينحر

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٢٨.

(٢) الغلصمة : اللحم بين الرأس والعنق.


قيل كيف ينحر قال يقام قائما حيال القبلة ويعقل يده الواحدة ويقوم الذي ينحره حيال القبلة فيضرب في لبته بالشفرة حتى تقطع وتفري.

١٥ ـ وعنه عليه‌السلام أنه سئل عن البقر ما يصنع بها تنحر أو تذبح قال السنة أن تذبح وتضجع للذبح ولا بأس إن نحرت.

١٦ ـ وعنه عليه‌السلام سئل عن الذبيحة إن ذبحت من القفا قال إن لم يتعمد ذلك فلا بأس وإن تعمده وهو يعرف سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تؤكل ذبيحته ويحسن أدبه.

١٧ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه سئل عن شاتين أحدهما ذكية والأخرى غير ذكية لم تعرف الذكية منهما قال رمي بهما جميعا (١).

بيان : في القاموس هراق الماء يهريق بفتح الهاء هراقة بالكسر صبه وأصله أراقه يريقه إراقة.

وقال العرقوب عصب غليظ فوق عقب الإنسان ومن الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها قوله لا ينبغي ظاهره الجواز مع الكراهة والشفرة بالفتح السكين العظيم والفري الشق قوله ولا بأس إن نحرت محمول على التقية والمشهور كراهة الذبح من القفا وقال العلامة رحمه‌الله وغيره لو قطع رقبة المذبوح من قفاه وبقيت أعضاء الذبح فإن كانت حياة مستقرة ذبحت وحلت وإن لم تبق حياة مستقرة لم تحل.

وأقول قد عرفت عدم الدليل على اشتراط استقرار الحياة وما يتوهم من أنه اشترك في إزهاق روحه الذبح الشرعي وغيره فلا وجه له وأنه مع تحقق الذبح وبقاء الحياة لا عبرة بذلك كأكيل السبع وغيره.

١٨ ـ قرب الإسناد ، عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد الأزدي قال : جاء محمد بن عبد السلام إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له إن رجلا ضرب بقرة بفأس فوقذها (٢) ثم

__________________

(١) دعائم الإسلام : نسخته ليست عندي.

(٢) وقذه : صرعه ، ضربه شديدا حتى أشرف على الموت.


ذبحها فلم يرسل إليه الجواب ودعا سعيدة فقال لها إن هذا جاءني فقال إنك أرسلت إلي في صاحب البقرة التي ضربها بفأس فإن كان الدم خرج معتدلا فكلوا وأطعموا وإن كان خرج خروجا عتيا (١) فلا تقربوه قال فأخذت الغلام (٢) فأرادت ضربه فبعث إليها اسقيه السويق فإنه ينبت اللحم ويشد العظم (٣).

تبيان رواه الكليني (٤) رحمه الله عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسن بن مسلم (٥) قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ جاءه محمد بن عبد السلام فقال له جعلت فداك يقول لك جدي إن رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها فلم يرسل معه بالجواب ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها إن محمدا جاءني برسالة منك فكرهت (٦) أن أرسل إليك بالجواب معه فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا وإن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه.

وروى التهذيب ، أيضا بإسناده عن أحمد بن محمد (٧) والظاهر أن سعيدة أرسلها إلى جد محمد والتقرير فقال لها قولي له إن محمدا ويحتمل أن يكون في الأصل جدتي وكانت هي سعيدة كما هو ظاهر قرب الإسناد.

وفي القاموس الوقذ شدة الضرب وشاة وقيذ وموقوذة قتلت بالخشب والوقيذ

__________________

(١) في المصدر : « منتنا » أقول : لعله مصحف متثاقلا.

(٢) لعله الرجل الذي ضرب البقرة بفأس.

(٣) قرب الإسناد : ٢١.

(٤) في الفروع ٦ : ٢٣٢.

(٥) في المصدر : على بن الحكم عن سليم الفراء عن الحسن بن مسلم.

(٦) كره ان يرسل معه بالجواب إما لأنه كان يتقى عنه او كان في المجلس من يتقى عنه.

(٧) رواه الشيخ في التهذيب ٩ : ٥٦ وفيه : أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليم الفراء عن الحسين بن مسلم.


السريع والشديد المرض المشرف كالموقوذ ووقذه صرعه وسكته وغلبه وتركه عليلا كأوقذه وقوله عتيا تصحيف والظاهر متثاقلا كما في الكتابين وعلى تقديره كناية عن التثاقل لأن عتيا بضم العين وكسرها مصدر عتا بمعنى استكبر وتجاوز عن الحد كأن الدم يستكبر عن الخروج.

وفي بعض النسخ عننا بنونين من قولهم عن السير فلانا أضعفه وأعناه قال فأخذت الغلام أي أخذت سعيدة أو الجلدة وإن كانت غيرها محمدا (١) فأرادت ضربة لظنها أنه قصر في الإبلاغ أو كان السؤال بغير أمرها والأمر بسقي السويق لتلافي ما أصابه من خوف الضرب والخبر الصحيح يدل على الاكتفاء في إدراك التذكية بخروج الدم المعتدل.

١٩ ـ الخصال ، عن أحمد بن زياد والحسين بن إبراهيم وعلي بن عبد الله الوراق وحمزة بن محمد العلوي جميعا عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن زياد الأزدي وأحمد بن محمد البزنطي معا عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام أنه قال : في قوله عز وجل « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ » (٢) الآية قال الميتة والدم ولحم الخنزير معروف « وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ » يعني ما ذبح للأصنام.

وأما المنخنقة فإن المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح ويأكلون الميتة وكانوا يخنقون البقر والغنم فإذا اختنقت وماتت أكلوها « وَالْمُتَرَدِّيَةُ » كانوا يشدون أعينها ويلقونها من السطح فإذا ماتت أكلوها و « النَّطِيحَةُ » كانوا يناطحون (٣) بالكباش فإذا ماتت إحداها أكلوها « وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » فكانوا يأكلون ما يقتله الذئب والأسد (٤)

__________________

(١) مفعول اخذت. اى اخذت سعيدة محمدا. أقول : تقدم منا احتمال آخر.

(٢) المائدة : ٤.

(٣) نطحه الثور ونحوه : أصابه بقرنه. وناطحه بمعنى نطحه.

(٤) هكذا في المخطوطة والمصدر ، وفي المطبوعة : « الذئب والأسد والارنب » وفي التفسير : والأسد والدب.


فحرم الله ذلك « وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ » كانوا يذبحون لبيوت النيران وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لهما.

« وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ » قال كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزونه عشرة أجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام ويدفعونها إلى رجل والسهام عشرة سبعة لها أنصباء (١) وثلاثة لا أنصباء لها فالتي لها أنصباء الفذ والتوأم والمسبل والنافس والحلس والرقيب والمعلى فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والرقيب له ستة أسهم والمعلى له سبعة أسهم والتي لا أنصباء لها السفيح والمنيح والوغد وثمن الجزور على من لم يخرج له من الأنصباء شيء وهو القمار فحرمه الله عز وجل (٢).

تفسير علي بن إبراهيم ، مرسلا مثله إلا أنه قال قبل المتردية « وَالْمَوْقُوذَةُ » كانوا يشدون أرجلها ويضربونها حتى تموت فإذا ماتت أكلوها « وَالْمُتَرَدِّيَةُ » كانوا يشدون أعينها (٣) إلخ. وكأنه سقط من النساخ أو الرواة.

وأقول : هذا الخبر صريح في مخالفة المشهور في السبعة إلا في الأول والثاني والسابع كما عرفت قوله عليه‌السلام على من لم يخرج له من الأنصباء اللام للعهد أي الثلاثة وفي بعض النسخ على من لم يخرج فالمراد بالأنصباء السبعة.

٢٠ ـ قرب الإسناد ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : سئل الصادق عن ذبيحة الأغلف فقال عليه‌السلام كان علي عليه‌السلام لا يرى بها بأسا (٤).

بيان : لا خلاف فيه ظاهرا بين الأصحاب قال في الدروس يحل ذبيحة المميز والمرأة والخصي والخنثى والجنب والحائض والأغلف والأعمى إذا سدد لما روي

__________________

(١) أنصباء جمع النصيب : الحظ. الحصة من الشيء.

(٢) الخصال ٢ : ٤٥١ و ٤٥٢.

(٣) تفسير القمي : ١٤٩ و ١٥٠.

(٤) قرب الإسناد : ٢٤ ( ط ١ ).


عنهما عليهما‌السلام وولد الزنا على الأقرب (١).

٢١ ـ قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام قال كان علي عليه‌السلام يقول لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما ما خلا السن والعظم (٢).

٢٢ ـ بالإسناد عن علي عليه‌السلام أنه كان يقول إذا أسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها (٣).

بيان : يدل الخبر الأول على جواز الذبح بالحجارة المحددة والعود وأشباههما وحمل الضرورة والثاني منطوقا على عدم البأس بإبانة الرأس إذا كان بغير اختيار ومفهوما على مرجوحية الأكل إذا كانت الإبانة عمدا وفيه قولان أحدهما التحريم ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن الجنيد وجماعة لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : لا تنخع ولا تقطع الرقبة بعد ما يذبح (٤).

قالوا هو نهي والأصل فيه التحريم.

والثاني الكراهة ذهب إليه الشيخ في الخلاف وابن إدريس والمحقق والعلامة في غير المختلف ثم على تقدير التحريم هل تحرم الذبيحة أم لا فيه قولان أحدهما التحريم ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن زهرة وقيل لا يحرم لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن ذابح طير قطع رأسه أيؤكل منه قال نعم ولكن لا يتعمد (٥).

__________________

(١) الدروس : كتاب الصيد والذباحة.

(٢) قرب الإسناد : ٥١.

(٣) قرب الإسناد : ٥١.

(٤) رواه الكليني في الفروع والشيخ في التهذيب راجع الوسائل ١٦ : ٢٦٧.

(٥) لم نجد ذلك عن محمد بن مسلم ، نعم روى مثل ذلك الصدوق في الفقيه عن حماد عن الحلبي. راجع الوسائل ١٦ : ٢٥٩.


ولو أبان الرأس بغير تعمد فلا إشكال في عدم التحريم لهذا الخبر وغيره من الأخبار.

٢٣ ـ كتاب المسائل ، بالإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين أيؤكل ذلك قال نعم ولكن لا يعود (١).

٢٤ ـ الخصال ، عن أحمد بن الحسن القطان عن الحسن بن علي السكري (٢) عن محمد بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جابر الجعفي عن الباقر عليه‌السلام قال : لا تذبح المرأة إلا من اضطرار (٣).

٢٥ ـ مجالس ، ابن الشيخ عن أبيه عن الحسين عبيد الله عن هارون بن موسى التلعكبري عن عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة البرقي عن محمد البرقي عن زكريا المؤمن عن إسحاق بن عبد الله الأشعري قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا تستعن بالمجوس ولو على أخذ قوائم شاتك وأنت تريد ذبحها (٤).

بيان : محمول على الكراهة ويدل على أنه يجوز أن يأخذ غير الذابح قوائم الشاة عند الذبح.

٢٦ ـ معاني الأخبار ، عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن فضالة عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها » (٥) قال وقعت على الأرض « فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ » الخبر (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠ : ٢٧٨ طبعة الآخوندى.

(٢) في المصدر : الحسن بن علي العسكري.

(٣) الخصال : ٢ : ١٤١ ( ط ١ ) و ٢ ؛ ٥٨٥ طبعة الغفارى.

(٤) أمالي الطوسي ...

(٥) الحج : ٣٦.

(٦) معاني الأخبار : ٢٠٨ طبعة الغفارى.


٢٧ ـ العيون ، والعلل ، بالأسانيد المتقدمة في باب علل تحريم المحرمات عن محمد بن سنان أن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام كتب إليه حرم « ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ » للذي أوجب على خلقه من الإقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحللة ولئلا يساوى بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشياطين والأوثان لأن في تسمية الله عز وجل الإقرار بربوبيته وتوحيده وما في الإهلال لغير الله من الشرك به والتقرب به إلى غيره ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل وبين ما حرم (١).

توضيح كأن قوله حرم ما أهل به إلى قوله المحللة تعليل لوجوب ذكر اسمه سبحانه على الذبائح والمعنى أنه لما كان أعظم أصول الدين الإقرار به سبحانه وكان تكرير ذلك سببا لرسوخ هذا الاعتقاد وإعلان الأمر الذي به يتحقق إسلام العباد وكان الذبح مما يحتاج إليه الناس ويتكرر وقوعه فلذا أوجب على العباد الإقرار بذلك عنده وبقية الكلام تعليل لتحريم ذكر اسم غيره تعالى عند الذبائح لأنه يتضمن خلاف هذا المقصود وإعلان الشرك والإقرار به فحرم الذبيحة عند ذلك لينزجروا فقوله ليكون ذكر الله كالنتيجة لما تقدم والله يعلم.

٢٧ ـ العياشي ، عن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن أهل مكة يذبحون البقر في اللبب فما ترى في أكل لحومها قال فسكت هنيهة ثم قال قال الله « فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » لا تأكل إلا ما ذبح من مذبحه (٢).

٢٨ ـ ومنه ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كل كل شيء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والموقوذة والمتردية وما أكل السبع وهو قول الله « إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ » فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فذبحت فقد أدركت ذكاته فكله قال وإن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء

__________________

(١) عيون الأخبار : ٢٤٤ ( طبعة التفرشى ) فيه : « لئلا يسوى » وفيه : فرقا بين ما احل الله وبين ما حرم الله.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٤٧ ورواه الكليني والطوسي راجع الوسائل ١٦ : ٢٥٧.


أو من فوق بيت أو من فوق جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل (١).

بيان : قوله والنطيحة إما عطف على الخنزير فالمراد بها وبما بعدها عدم إدراك ذكاتها أو عطف على الحيوان أو على كل شيء والمراد إدراك التذكية وهو أظهر وأنسب بما بعده وعلى التقديرين مخصص بالكلب والمسوخات وغيرهما مما مر ومصعت الدابة بذنبها حركة وهو كمنع والمراد بإجادة الذبح قطع ما يجب قطعة من أعضاء الذبح ويدل على أنه إذا وقع على الذبيحة بعد الذبح وقبل الموت ما يوجب هلاكه لو لم يذبح لم يضر.

قال في التحرير إذا قطع الأعضاء فوقع المذبوح في الماء قبل خروج الروح أو وطئه ما خرج الروح به لم يحرم.

٢٩ ـ العياشي ، عن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال سمعته يقول المتردية والنطيحة وما أكل السبع إذا أدركت ذكاته فكله (٢).

٣٠ ـ ومنه ، عن عيوق بن قسوط [ قرط ] عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله « الْمُنْخَنِقَةُ » قال التي تختنق في رباطها والموقوذة المريضة التي لا تجد ألم الذبح ولا تضطرب ولا يخرج لها دم والمتردية التي تردى من فوق بيت أو نحوه والنطيحة التي ينطح صاحبها (٣).

بيان : ينطح صاحبها أي ينطحها صاحبها.

٣١ ـ العياشي ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل يذبح الذبيحة فيهلل أو يسبح أو يحمد أو يكبر قال هذا كله من أسماء الله (٤).

٣٢ ـ العياشي ، عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن ذبيحة المرأة والغلام هل يؤكل قال نعم إذا كانت المرأة مسلمة وذكرت اسم الله حلت ذبيحتها

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٩١ و ٢٩٢ ورواه الطوسي في التهذيب راجع الوسائل ١٦ : ٢٦٢.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٩٢.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٢.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٣٧٥.


وإذا كان الغلام قويا على الذبح وذكر اسم الله حلت ذبيحته وإن كان الرجل مسلما فنسي أن يسمي فلا بأس إذا لم تتهمه (١).

بيان : لا خلاف في عدم حل ذبيحة المجنون والصبي غير المميز ولا في أنه تحل ذبيحة الصبي المميز إذا أحسن الذبح وسمى وفي بعض الأخبار إذا تحرك وكان له خمسة أشبار وأطاق الشفرة (٢) وكأن تلك الأوصاف لبيان القدرة والتميز وفي بعض الأخبار إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد غيره وفي بعضها إذا اضطروا إليه وكأنها محمولة على الكراهة مع عدم الضرورة وإن لم يذكرها الأصحاب والأحوط العمل بها قوله عليه‌السلام إذا لم تتهمه بأن يكون مخالفا لا يعتقد وجوب التسمية ويتهم بتركه عمدا موافقا لعقيدته.

٣٣ ـ تفسير الإمام ، قال عليه‌السلام قال الله عز وجل « إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ » التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها « وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ » أن يأكلوه « وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ » ما ذكر عليه اسم غير الله من الذبائح وهي التي تتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله (٣).

٣٤ ـ النجاشي ، عن أحمد بن علي بن نوح عن فهد بن إبراهيم عن محمد بن الحسن عن محمد بن موسى الحرشي عن ربعي بن عبد الله بن الجارود قال سمعت الجارود يحدث قال : كان رجل من بني رياح يقال له سحيم بن أثيل نافر غالبا أبا الفرزدق بظهر الكوفة على أن يعقر هذا من إبله مائة إذا وردت الماء (٤) فلما وردت الماء قاموا إليها بالسيوف فجعلوا يضربون عراقيبها فخرج الناس على الحميرات والبغال يريدون اللحم قال وعلي عليه‌السلام بالكوفة قال فجاء على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلينا وهو ينادي أيها الناس

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٣٧٥.

(٢) راجع الوسائل ١٦ : ٢٧٥.

(٣) التفسير المنسوب الى الامام العسكري ( عليه‌السلام ) : ٢٤٥.

(٤) في المصدر : على أن يعقر هذا من ابله مائة ، وهذا من ابله مائة إذا وردت الماء.


لا تأكلوا من لحومها وإنما أهل بها لغير الله (١).

توضيح نافر بالنون والفاء أي غالبه بالمراهنة بالسباق أو بالمفاخرة بالحسب أو الكرم والسخاء في القاموس النفر الغلبة والنفارة بالضم ما يأخذه النافر من المنفور أي الغالب من المغلوب وأنفره عليه ونفره قضى له عليه بالغلبة ونافرا حاكما في الحسب أو المفاخرة.

وفي النهاية في حديث أبي ذر نافر أخي أنيس فلانا الشاعر تنافر الرجلان إذا تفاخرا ثم حكما بينهما واحدا أراد أنهما تفاخرا أيهما أجود شعرا والمنافرة المفاخرة والمحاكمة يقال نافره فنفره ينفره بالضم إذا غلبه انتهى (٢).

فالأظهر أن المراد أنهما تفاخرا فراهنا على أن من حكم عليه يعقر مائة من الإبل وقوله عليه‌السلام أهل بها لغير الله لعله أراد به أنها أخذت بالمراهنة كالقمار ولا يحل أكلها فيحمل على أنهم نحروها بعد العقر أو ذكر عليه‌السلام أحد أسباب حرمتها ويحمل على أنها كانت نافرة لا يقدر عليها ولم يسموا عليها فلذا علل بعد التسمية وكان الأول أظهر.

٣٥ ـ كتاب الغارات ، لإبراهيم بن محمد الثقفي عن بشير بن خيثمة عن عبد القدوس عن أبي إسحاق عن الحارث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه دخل السوق وقال يا معشر اللحامين من نفخ منكم في اللحم فليس منا (٣).

بيان : النفخ في اللحم يحتمل الوجهين الأول ما هو الشائع من النفخ في الجلد لسهولة السلخ والثاني التدليس الذي يفعل بعض الناس من النفخ في الجلد الرقيق الذي على اللحم ليرى سمينا وهذا أظهر.

٣٦ ـ المجازات النبوية ، نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل عن الذبح بالسن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة.

__________________

(١) فهرست النجاشي : ١١٩ و ١٢٠ ( ط ١ ).

(٢) النهاية ٤ : ١٧٣ وزاد : ونفره وأنفره : إذا حكم له بالغلبة.

(٣) كتاب الغارات : لم يطبع بعد.


قال السيد رضي‌الله‌عنه وهذا استعارة والمدى السكاكين فكأنه عليه‌السلام قال والأظفار سكاكين الحبشة لأنهم يذبحون بحدها ويقيمونها مقام المدى في التذكية بها والظفر هاهنا اسم للجنس كالدينار والدرهم في قولهم أهلك الناس الدينار والدرهم أي الدنانير والدراهم ولذلك صح أن يقول مدى الحبشة والمدى جمع لأن الواحدة مدية (١).

تأييد قال في القاموس المدية مثلثة الشفرة والجمع مدى ومدى.

٣٧ ـ المحاسن ، عن علي بن الريان عن عبيد الله بن عبد الله الواسطي عن واصل بن سليمان عن درست (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الرأس موضع الذكاة الحديث (٣).

٣٨ ـ قرب الإسناد ، عن عبد الله بن الحسن عن جده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة قال يعقلها وإن شاء قائمة وإن شاء باركة (٤).

٣٩ ـ الدعائم ، عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ذبح ذبيحة فليحد شفرته وليرح ذبيحته.

٤٠ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة أحد الشفرة واستقبل القبلة ولا تنخعها حتى تموت يعني بقوله ولا تنخعها قطع النخاع وهو عظم في العنق.

٤١ ـ وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا فيمن ذبح بغير القبلة إن كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شيء عليه وتؤكل ذبيحته وإن تعمد ذلك فقد أساء ولا يجب (٥) أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمد خلاف السنة.

__________________

(١) المجازات النبوية : ٤٣٠. طبع القاهرة.

(٢) في المصدر : او درست قال : ذكرنا الرءوس عند أبي عبد الله والرأس من الشاة فقال : الرأس موضع الذكاة وأقرب من المرعى وأبعد من الاذى.

(٣) المحاسن : ٤٦٩.

(٤) قرب الإسناد : ١٠٤ فيه : يعقلها ان شاء قائمة ا ه‍.

(٥) في المخطوطة : ولا يوجب.


٤٢ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه قال : إذا ذبح أحدكم فليقل بسم الله والله أكبر.

٤٣ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ويجزيه أن يذكر الله وما ذكر الله عز وجل به أجزأه وإن ترك التسمية متعمدا لم تؤكل ذبيحته وإن جهل ذلك أو نسيه سمى إذا ذكر وأكل.

٤٤ ـ وعن رسول الله عليه‌السلام أنه نهى عن المثلة بالحيوان وعن صبر البهائم.

والصبر (١) الحبس ومن حبس شيئا فقد صبره ومنه قيل قتل فلان صبرا إذا أمسك على الموت فالمصبورة من البهائم هي المختمة كالدجاجة وغيرها من الحيوان تربط وتوضع في مكان ثم ترمى حتى تموت.

٤٥ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : من قتل عصفورا عبثا أتى الله به يوم القيامة وله صراخ يقول يا رب سل هذا فيم قتلني بغير ذبح فليحذر أحدكم من المثلة وليحد شفرته ولا يعذب البهيمة.

٤٦ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن أن تسلخ الذبيحة أو تقطع رأسها حتى تموت وتهدأ.

٤٧ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : اذبح في المذبح يعني دون الغلصمة ولا تنخع الذبيحة ولا تكسر الرقبة حتى يموت.

٤٨ ـ وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عمن ينخع الذبيحة من قبل أن تموت يعني كسر عنقها قال قد أساء ولا بأس بأكلها.

٤٩ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن قطع رأس الذبيحة في وقت الذبح.

٥٠ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه كتب إلى رفاعة أن يأمر القصابين أن يحسنوا الذبح فمن صمم فليعاقبه وليلق ما ذبح إلى الكلاب.

٥١ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : ولا يتعمد الذابح قطع الرأس فإن ذلك جهل.

٥٢ ـ وعنه وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا فيمن لم يتعمد قطع رأس

__________________

(١) الظاهر أن التفسير من صاحب الدعائم.


الذبيحة في وقت الذبح ولكن سبقه السكين فأبان رأسها قالا تؤكل إذا لم يتعمد ذلك.

٥٣ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن الذبح إلا في الحلق يعني إذا كان ممكنا.

٥٤ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ولا تؤكل ذبيحة لم تذبح من مذبحها.

٥٥ ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ولو تردى ثور أو بعير في بئر أو حفرة أو هاج فلم يقدر على منحره ولا مذبحه فإنه يسمى الله عليه ويطعن حيث أمكن منه ويؤكل.

٥٦ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن الذبح بغير الحديد.

٥٧ ـ وعن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أنهم قالوا لا ذكاة إلا بحديدة.

٥٨ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كره ذبح ذات الجنين وذات الدر بغير علة.

٥٩ ـ وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أنهما رخصا في ذبيحة الغلام إذا قوي على الذبح وذبح على ما ينبغي وكذلك الأعمى إذا سدد وكذلك المرأة إذا أحسنت.

٦٠ ـ وعن علي عليه‌السلام أنه سئل عن الذبح على غير طهارة فرخص فيه.

٦١ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنه رخص في ذبيحة الأخرس إذا عقل التسمية وأشار بها (١).

توضيح قال في النهاية فيه أنه نهى عن المثلة يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به والاسم المثلة ومنه الحديث نهي أن يمثل بالدواب أي تنصب فترمى أو تقطع أطرافها وهي حية وزاد في الرواية وأن يؤكل الممثول بها (٢).

__________________

(١) دعائم الإسلام : ليست نسخته موجودة عندي.

(٢) النهاية ٤ : ٨٢.


وقال فيه أنه نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حيا ثم يرمى بشيء حتى يموت ومنه الحديث نهي عن المصبورة ونهي عن صبر ذي الروح انتهى (١) وفسر بعض أصحابنا الذبح صبرا بأن يذبحه وحيوان آخر ينظر إليه ولم أجد هذا المعنى في اللغة وتهدأ أي تسكن وقال الجوهري الغلصمة رأس الحلقوم وهو الموضع الناتي في الحلق وغلصمه أي قطع غلصمته.

فمن صمم كذا في النسخ فهو إما بالتخفيف كعلم بفك الإدغام كما جوز هنا أي لم يسمع ولم يقل أو بالتشديد على بناء التفعيل أي عزم على ما هو عليه ولم يرتدع وقال في المسالك الأخرس إن كان له إشارة مفهمة حلت ذبيحته وإلا فهو كغير القاصد (٢).

٦٢ ـ التهذيب ، بإسناده عن علي بن أسباط عن أبي مخلد السراج قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه معتب فقال بالباب رجلان فقال أدخلهما فدخلا فقال أحدهما إني رجل سراج أبيع جلود النمر فقال مدبوغة هي قال نعم قال ليس به بأس (٣).

٦٣ ـ ومنه ، بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي القاسم الصيقل قال : كتبت إليه قوائم السيوف التي تسمى السفن أتخذها من جلود السمك فهل يجوز العمل بها ولسنا نأكل لحومها فكتب لا بأس (٤).

بيان : اعلم أن الحيوان منه ما تقع عليه الزكاة إجماعا وهو ما يؤكل لحمه ومنه ما لا تقع عليه إجماعا وهو الآدمي مطلقا ونجس العين كالكلب والخنزير

__________________

(١) النهاية ٢ : ٢٧٢.

(٢) مسالك الافهام ٢ : ٢٢٥.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٧٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٧١.


بمعنى أن الآدمي لا تطهر ميتته بالذبح وإن جاز ذبحه كالكافر ونجس العين لا يطهر بالذكاة بل تبقى على نجاسته ومنه ما في وقوعها عليه خلاف فمنها المسوخ فمن قال بنجاستها كالشيخين وسلار قال بعدم وقوع الذكاة عليها كما لا تقع على الكلب والخنزير وهو ضعيف ومن قال بطهارتها كأكثر الأصحاب اختلفوا فذهب المرتضى وجماعة إلى وقوعها عليها ونفاه جماعة ومنها الحشرات كالفأر وابن عرس والضب والخلاف فيه كالخلاف في سابقه.

الثالث السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب والمشهور بين الأصحاب وقوع الذكاة عليها بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلدها لطهارته وقال الشهيد رحمه‌الله لا يعلم القائل بعدم وقوع الذكاة عليها وقد دلت عليه أخبار وإن قدح في إسناد أكثرها وإذا قلنا بوجوب الذكاة على السباع أو غيرها من غير المأكول فالأشهر بين المتأخرين أن طهارة جلدها لا يتوقف على الدباغ وقال الشيخان والمرتضى والقاضي وابن إدريس بافتقاره إلى الدبغ ببعض الأخبار التي يمكن حملها على الاستحباب.


بسمه تعالى

انتهى الجزء التاسع من المجلد الرابع عشر كتاب السماء والعالم من بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأبرار وهو الجزء الثاني والستون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة الرائقة. وقد قابلناه على النسخة التي صححها الفاضل المكرم الشيخ عبد الرحيم الرباني المحترم بما فيها من التعليق والتنميق والله ولي التوفيق.

محمد الباقر البهبودى


فهرس

(ما في هذا الجزء من الأبواب)

أبواب الدواجن

١ ـ باب استحباب اتخاذ الدواجن في البيوت................................. ٢ ـ ١

٢ ـ باب فضل اتخاذ الديك وأنواعها واتخاذ الدجاج في البيت وأحكامها....... ١١ ـ ٣

٣ ـ باب الحمام وأنواعه من الفواخت والقماري والدباسي والوراشي وغيرها. ٢٩ ـ ١٢

٤ ـ باب الطاوس...................................................... ٤٢ ـ ٣٠

٥ ـ باب الدراج والقطا والقبج وغيرها من الطيور وفضل لحم بعضها على بعض

....................................................................... ٤٧ ـ ٤٣

(أبواب)

(الوحوش والسباع من الدواجن وغيرها)

١ ـ باب الكلاب وأنواعها وصفاتها وأحكامها والسنانير والخنازير في بدء خلقها وأحكامها... ٧٠ ـ ٤٨

٢ ـ باب الثعلب والأرنب والذئب والأسد............................... ٨٤ ـ ٧١

٣ ـ باب الظبي وسائر الوحوش.......................................... ٩١ ـ ٨٥

(أبواب)

(الصيد والذبائح وما يحل وما يحرم من الحيوان وغيره)

١ ـ باب جوامع ما يحل وما يحرم من المأكولات والمشروبات وحكم المشتبه بالحرام وما اضطروا إليه ١٦١ ـ ٩٢


٢ ـ باب علل تحريم المحرمات من المأكولات والمشروبات................ ١٦٧ ـ ١٦٢

٣ ـ باب ما يحل من الطيور وسائر الحيوان وما لا يحل.................. ١٨٨ ـ ١٦٨

٤ ـ باب الجراد والسمك وسائر حيوان الماء........................... ٢١٩ ـ ١٨٩

٥ ـ باب أنواع المسوخ وأحكامها وعلل مسخها....................... ٢٤٥ ـ ٢٢٠

٦ ـ باب الأسباب العارضة المقتضية للتحريم........................... ٢٥٨ ـ ٢٤٦

٧ ـ باب الصيد وأحكامه وآدابه..................................... ٢٩٣ ـ ٢٥٩

٨ ـ باب التذكية وأنواعها وأحكامها................................. ٣٣١ ـ ٢٩٤


( رموز الكتاب )

ب : لقرب الاسناد.

ع : للعلل الشرائع.

لد : للبلدين الامين.

بشا : لبشارة المصطفى.

عا : لدعائم الاسلام.

لي : لامالى الصدوق.

تم : لفلاح السائل.

عد : للعقائد.

م : لتفسير الامام العسكري (ع)

ثو : لثواب الاعمال.

عدة : للعدة.

ما : لامالى الطوسى.

ج : للاحتجاج.

عم : لاعلام الورى

محص : للتمحيص.

جا : لمجالس المفيد.

عين : للعيون والمحاسن.

مد : للعمدة.

جش : لفهرست النجاشي.

غر : للغرر والدرر.

مص : لمصباح الشريعة.

جع : لجامع الاخبار.

غط : لغيبة الشيخ.

مصبا : للمصباحين.

جم : لجماع الاسبوع.

غو : لغوالي اللئالي.

مع : لمعاني الاخبار.

جنة : للجنة.

ف : لتحف العقول.

مكا : لمكارم الاخلاق.

حة : لفرحة الغرى.

فتح : لفتح الابواب.

مل : لكامل الزيارة.

ختص : لكتاب الاختصاص

فر : لتفسير فرات بن إبراهيم.

منها : للمنهاج.

خص : لمنتخب البصائر.

فس : لتفسير علي بن إبراهيم.

مهج : لمهج الدعوات.

د : للعدد.

فض : لكتاب الروضة.

ن : لعيون أخبار الرضا (ع).

سر : للسرائر.

ق : للكتاب العتيق الغروى.

نيه : لتنبيه الخاطر.

سن : للمحاسن.

قب : لمناقب ابن شهر آشوب

نجم : لكتاب النجوم.

شا : للارشاد.

قبس : لقبس المصباح.

نص : للكافية.

شف : لكشف اليقين.

قضا : لقضاء الحقوق.

نهج : لنهج البلاغة.

شى : لتفسير العياشي.

قل : لاقبال الاعمال.

نى : لغيبة النعماني.

ص : لقصص الانبياء.

قية : للدروع.

هد : للهداية.

صا : للاستبصار.

ك : لاكمال الدين.

يب : للتهذيب.

صبا : لمصباح الزائر.

كا : للكافي.

يج : للخرائج.

صح : لصحيفة الرضا (ع)

كش : لرجال الكشي.

يد : للتوحيد.

ضا : لفقه الرضا (ع).

كشف : لكشف الغمة.

ير : لبصائر الدرجات.

ضوء : لضوء الشهاب.

كف : لمصباح الكفعمى.

يف : للطرائف.

ضه : لروضة الواعظين.

كنز : لكنز جامع الفوائد وتأويل الايات الظاهرة معاً.

يل : للفضائل.

ط : للصراط المستقيم.

ل : للخصال.

ين : لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه والنوادر.

طا : لامان الاخطار.

يه : لمن لايحضره الفقيه.

طب : لطب الائمة.

بحار الأنوار - ٦٥

المؤلف:
الصفحات: 335