(أبواب)
الحيوان وأصنافها وأحوالها
وأحكامها
١
(باب)
*(عموم
أحوال الحيوان وأصنافها)*
الآيات : الأنعام :
«٦» : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ
يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ
شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » ٣٨.
النحل : «١٦» :
« وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ » ٤٩.
وقال تعالى :
« أَلَمْ
يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ
اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ »
٦٩.
الأنبياء : «٢٤» :
«
وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ » ٧٩.
النور : «٢٤» :
« أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما
يَفْعَلُونَ » ٤١.
وقال تعالى :
« وَاللهُ
خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ
يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ٤٥.
النمل : «٢٧» :
« وَقالَ يا
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ
يُوزَعُونَ
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا
يَشْعُرُونَ » ١٦ ـ ١٨.
إلى قوله تعالى :
«
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ
الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ
لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما
لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ » ٢٠ ـ ٢٢.
إلى قوله سبحانه
قال : « سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ
الْكاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ
فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ » ٢٧ و ٢٨.
العنكبوت «٢٩» :
«
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ٦٠.
لقمان «٣١» :
« وَبَثَّ
فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ » ١٠.
ص «٦٨» :
«
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ » ١٩.
الزخرف «٤٣» :
« وَالَّذِي
خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها » ١٢.
الجاثية «٦٧» :
« وَفِي خَلْقِكُمْ
وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » ٤.
الملك «٦٧» :
« أَوَلَمْ
يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ
إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ » ١٩.
التكوير «٨١» :
« وَإِذَا
الْوُحُوشُ حُشِرَتْ » ٥.
الفيل «١٠٥» :
« أَلَمْ
تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ». إلى آخر السورة :
تفسير قال الطبرسي
قدسسره في قوله تعالى : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ » : أي ما من حيوان
يمشي على وجه الأرض : « وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ » جمع بهذين اللفظين جميع الحيوانات لأنها لا تخلو أن تكون
تطير بجناحيه أو تدب وإنما قال : « يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ
» للتوكيد ورفع اللبس لأن القائل قد يقول طر في حاجتي أي
أسرع فيها أو لأن السمك تطير في الماء ولا جناح لها وإنما خرج السمك عن الطائر
لأنه من دواب البحر وإنما أراد تعالى ما في الأرض وما في الجو .
__________________
وأقول قيل إنها
تشمل الحيتان أيضا إما بدخولها في الأول لأنها تدب في الماء أو في الثاني ولا يخفى
بعدهما.
وقال الرازي في
قوله : « إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ » قال الفراء يقال كل صنف من البهائم أمة وجاء في الحديث لو
لا أن الكلاب أمة تسبح لأمرت بقتلها فجعل الكلاب أمة إذا ثبت هذا فنقول الآية دلت على
أن هذه الدواب والطيور أمثالنا وليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة في أي
المعاني حصلت ولا يمكن أن يقال المراد حصول المماثلة من كل الوجوه وإلا لكان يجب
كونها أمثالنا في الصورة والصفة والخلقة وذلك باطل فظهر أنه لا دلالة في
الآية على أن تلك المماثلة حصلت في أي الأحوال والأمور فاختلف الناس في تفسير
الأمر الذي حكم الله فيه بالمماثلة بين البشر وبين الدواب والطيور وذكروا فيه
أقوالا.
الأول : نقل
الواحدي عن ابن عباس أنه قال يريد يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني وإلى
هذا القول ذهبت طائفة عظيمة من المفسرين وقالوا إن هذه الحيوانات تعرف الله وتحمده
وتسبحه واحتجوا عليه بقوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ
إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » وبقوله في صفة الحيوانات :
« كُلٌّ
قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » ولأنه تعالى خاطب النمل والهدهد.
وعن أبي الدرداء
قال أبهمت عقول البهم عن كل شيء إلا أربعة أشياء :
__________________
معرفة الإله وطلب
الرزق ومعرفة الذكر والأنثى وتهيأ كل واحد منهما لصاحبه.
وروي عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : من قتل عصفورا
عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله تعالى يقول يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع
بي ولم يدعني فآكل من حشارة الأرض. الثاني أن المراد كونها أمثالكم في كونها أمما
وجماعات وفي كونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا ويأنس بعضها ببعض ويتوالد بعضها من
بعض إلا أن للسائل أن يقول حمل الآية على هذا الوجه لا يفيد فائدة معتبرة إذ معلوم
لكل أحد كونها كذلك.
الثالث : أن
المراد أنها أمثالنا في أن دبرها الله تعالى وخلقها وتكفل برزقها وهذا يقرب من
القول الثاني فيما ذكر.
الرابع : أن
المراد أنه تعالى كما أحصى في الكتاب كل ما يتعلق بأحوال البشر من العمر والرزق
والأجل والسعادة والشقاوة فكذلك أحصى في الكتاب جميع هذه الأحوال في حق كل
الحيوانات قالوا والدليل عليه قوله تعالى :
« ما
فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » والخامس أنه أراد تعالى أنها أمثالها في أنها تحشر يوم
القيامة وتوصل إليها حقوقها كما
روي عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال يقتص للجماء من
القرناء.
السادس : ما رواه
الخطابي عن سفيان بن عيينة أنه لما قرأ هذه الآية قال ما في الأرض آدمي إلا وفيه
شبه من بعض البهائم فمنهم من يقدم إقدام الأسد ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من
ينبح نباح الكلب ومنهم من يتطوس
__________________
كفعل الطاوس ومنهم
من يشبه الخنزير فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه وإذا أقام الرجل عن رجيعة
ولغت فيه وكذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها فإن
أخطأت مرة واحدة حفظها ولم يجلس مجلسا إلا رواه عنه.
ثم قال فاعلم يا
أخي أنك إنما تعاشر البهائم والسباع فبالغ في الاحتراز.
ثم قال ذهب
القائلون بالتناسخ إلى أن الأرواح البشرية إن كانت سعيدة مطيعة لله موصوفة
بالمعارف الحقة وبالأخلاق الطاهرة فإنها بعد موتها تنقل إلى أبدان الملوك فربما
قالوا إنها تنقل إلى مخالطة عالم الملائكة وإن كانت شقية جاهلة عاصية فإنها تنقل
إلى أبدان الحيوانات وكلما كانت تلك الأرواح أكثر شقاوة واستحقاقا للعذاب نقلت إلى
بدن حيوان أخس وأكثر تعبا وشقاء واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فقالوا صريح هذه
الآية يدل على أنه لا دابة ولا طير إلا وهي أمم أمثالنا ولفظ المماثلة يقتضي حصول
المساواة في جميع الصفات الذاتية وأما الصفات العرضية المفارقة فالمساواة فيها غير
معتبرة في حصول المماثلة.
ثم إن القائلين
بهذا القول زادوا عليه وقالوا قد ثبت بهذا أن أرواح جميع الحيوانات عارفة بربها
وعارفة بما تحصل لها من السعادة والشقاوة وأن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها
رسولا من جنسها.
واحتجوا عليه بأنه
ثبت بهذه الآية أن الدواب والطيور أمم ثم إنه تعالى قال :
« وَإِنْ
مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » وذلك تصريح بأن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولا أرسله
الله إليه ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد والنمل وسائر القصص المذكورة في القرآن. واعلم
أن القول بالتناسخ قد أبطلناه بالدلائل الجيدة في علم الأصول وأما
__________________
هذه الآية فقد
ذكرنا أنه يكفي في ضبط حصول المماثلة في بعض الأمور المذكورة فلا حاجة إلى إثبات ما ذكره أهل
التناسخ انتهى.
وقال الطبرسي رحمهالله : « إِلاَّ أُمَمٌ » أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يشتمل كل صنف على العدد
الكثير عن مجاهد : « أَمْثالُكُمْ » قيل يريد أشباهكم في إبداع الله إياها وخلقه لها ودلالته
على أن لها صانعا وقيل إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر
يدبرهم في أغذيتهم وأكلهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم إلى ما لا
يحصى كثرة من أحوالهم ومصالحهم وأنهم يموتون ويحشرون وبين بهذا أنه لا يجوز للعباد
أن يتعدوا في ظلم شيء منها فإن الله خالقها والمنتصف لها.
ثم قال في قوله
سبحانه : « إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » معناه يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر
العباد فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها وينتصف لبعضها من بعض.
وفيما رووه عن أبي
هريرة أنه قال يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ
من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني ترابا
فلذلك يقول الكافر : « يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » .
١٤ ـ وعن أبي ذر
قال : بينا أنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا انتطحت عنزان فقال النبي صلىاللهعليهوآله أتدرون فيم انتطحا فقالوا لا ندري قال لكن الله يدري
__________________
وسيقضي بينهما
وعلى هذا فإنما جعلت أمثالنا في الحشر والقصاص .
واستدلت جماعة من
أهل التناسخ بهذه الآية على أن البهائم والطيور مكلفة لقوله :
« أُمَمٌ
أَمْثالُكُمْ » وهذا باطل لأنا قد بينا أنها من أي جهة تكون أمثالنا ولو
وجب حمل ذلك على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها على مثل صورنا وهيئاتنا
وخلقتنا وأخلاقنا فكيف يصح تكليف البهائم وهي غير عاقلة والتكليف لا يصح إلا مع
كمال العقل انتهى .
وقال الرازي
للفضلاء فيه قولان.
الأول : أنه تعالى
يحشر البهائم والطيور لإيصال الأعواض إليها وهو قول المعتزلة وذلك لأن إيصال
الآلام إليها من غير سبق جناية لا يحسن إلا للعوض ولما كان إيصال العوض إليها
واجبا فالله تعالى يحشرها ليوصل تلك الأعواض إليها.
والقول الثاني :
قول أصحابنا إن الإيجاب على الله تعالى محال بل الله يحشرها بمجرد الإرادة والمشية
ومقتضى الإلهية.
واحتجوا على أن
القول بوجوب العوض على الله تعالى باطل بأمور. الأول أن الوجوب عبارة عن كونه
مستلزما للذم عند الترك وكونه تعالى مستلزما للذم محال لأنه كامل لذاته والكامل
لذاته لا يعقل كونه مستحقا للذم بسبب أمر منفصل لأن ما يكون لازما بالذات لا يبطل
عند عروض أمر من الخارج .
الثاني : أنه لو
حسن إيصال الضرر إلى الغير لأجل العوض لوجب أن يحسن منا إيصال المضار إلى الغير
لأجل التزام العوض من غير رضاه وذلك باطل فثبت أن القول بالعوض باطل.
إذا عرفت هذا
فلنذكر بعض التفاريع الذي ذكرها القاضي في هذا الباب.
__________________
الأول : قال كل
حيوان استحق العوض عن الله مما لحقه من الآلام وكان ذلك العوض لم يصل إليه في
الدنيا فإنه يجب على الله حشره في الآخرة ليوفر عليه العوض والذي لا يكون كذلك فإنه لا
يجب حشره عقلا إلا أنه تعالى أخبر أنه يحشر الكل فمن حيث السمع يقطع بذلك وإنما
قلنا إن في الحيوانات من لا يستحق العوض البتة لأنه ربما بقيت مدة حياتها مصونة عن
الآلام ثم إنه تعالى يميتها من غير إيلام أصلا فإنه لم يثبت بالدليل أن الموت لا
بد وأن يحصل معه شيء من الآلام وعلى هذا التقدير فإنه لا يستحق العوض البتة.
الثاني : كل حيوان
أذن الله في ذبحه فالعوض على الله وهي على أقسام.
منها : ما أذن في
ذبحها لأجل الأكل ومنها ما أذن في ذبحها لأجل كونها مؤذية مثل السباع العادية
والحشرات المؤذية ومنها ما أوذي بالأمراض .
ومنها : ما أذن
الله في حمل الأحمال الثقيلة عليها واستعمالها بالأفعال الشاقة وأما إذا ظلمها
الناس فذلك العوض على ذلك الظالم وإذا ظلم بعضها بعضا فذلك العوض على ذلك الظالم.
فإن قيل : إذا ذبح
ما يؤكل لحمه لا على وجه التذكية فعلى من العوض.
أجاب : بأن ذلك
ظلم والعوض على الذابح ولذلك
نهى النبي
صلىاللهعليهوآله
عن ذبح الحيوان إلا لأكله
.
الثالث : المراد
من العوض منافع عظيمة بلغت في الجلالة والرفعة إلى حيث لو كانت هذه البهيمة عاقلة
وعلمت أنه لا سبيل لها إلى تحصيل تلك المنفعة إلا بواسطة تحمل ذلك الذبح فإنها
كانت ترضى به فهذا هو العوض الذي لأجله يحسن الإيلام والإضرار.
__________________
الرابع : مذهب
القاضي وأكثر معتزلة البصرة أن العوض منقطع قال القاضي وهو قول أكثر المفسرين لأنه
قال إنه تعالى بعد توفير العوض عليها يجعلها ترابا وعنده يقول الكافر :
« يا
لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » قال أبو القاسم يجب كون العوض دائما .
واحتج القاضي على
قوله بأنه يحسن من الواحد منا أن يلتزم عملا شاقا لمنفعة منقطعة فعلمنا أن إيصال
الألم إلى الغير غير مشروط بدوام الأجر .
واحتج البلخي على
قوله بأن قال لا يمكن قطع ذلك العوض إلا بإماتة تلك البهيمة وإماتتها توجب الألم
وذلك الألم يوجب عوضا آخر وهكذا إلى ما لا آخر له.
والجواب : عنه أنه
لم يثبت بالدليل أن الإماتة لا يمكن تحصيلها إلا مع الإيلام.
الخامس : أن
البهيمة إذا استحقت على بهيمة أخرى عوضا فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت على
الله عوضا فإن الله تعالى ينقل ذلك العوض إلى المظلوم وإن لم يكن الأمر كذلك فالله
تعالى يكمل هذا العوض فهذا مختصر من أحكام الأعواض على قول المعتزلة انتهى كلامه
في هذا المقام .
وقال في قوله تعالى
: « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ » قد ذكرنا أن السجود على نوعين سجود هو عبادة كسجود
المسلمين لله وسجود عبارة عن الانقياد والخضوع ويرجع حاصل هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود
والعدم قابلة لهما فإنه لا يرجح
__________________
أحد الطرفين على
الآخر إلا لمرجح فمن الناس من قال المراد هنا المعنى الثاني لأن اللائق بالدابة
ليس له إلا هذا السجود ومنهم من قال المراد هو المعنى الأول لأنه اللائق بالملائكة
ومنهم من قال هو لفظ مشترك وحمل المشترك على معنييه جائز وهو ضعيف .
وقال في قوله
تعالى : « أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ » هذا دليل آخر على كمال قدرة الله تعالى وحكمته فإنه لو لا
أنه تعالى خلق الطير خلقة معها يمكنه الطيران وخلق الجو خلقة معها يمكن الطيران
فيها لما أمكن ذلك فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويكسره أخرى مثل ما يعمل
السابح في الماء وخلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل خرقه والنفاذ فيه ولو
لا ذلك لما كان الطيران ممكنا : « ما يُمْسِكُهُنَّ
إِلاَّ اللهُ » المعنى أن جسد الطير جسم ثقيل والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه
في الجو معلقا من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه فوجب أن يكون الممسك له في ذلك
الجو هو الله تعالى قال القاضي إنما أضاف الله تعالى هذا الإمساك إلى نفسه لأنه
تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يتمكن الطير من تلك الأفعال فلما كان تعالى
هو السبب لذلك لا جرم صحت الإضافة انتهى .
__________________
أن المكلفين إما
الجن أو الإنس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون
حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا فصار ذلك معجزة من حيث جعلها
في الفهم بمنزلة المرافق .
وقال الطبرسي رحمهالله تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على
العباد عن الجبائي وعلي بن عيسى وقيل إن الطير كانت تسبح معه بالغداة والعشي معجزة
له عن وهب : « وَكُنَّا فاعِلِينَ » أي قادرين على فعل هذه الأشياء ففعلناها دلالة على نبوته .
قوله سبحانه :
« أَلَمْ
تَرَ » قال الرازي أي ألم تعلم وظاهره الاستفهام والمراد به
التقرير والبيان.
واعلم أنه إما أن
يكون المراد من التسبيح دلالته بهذه الأشياء على كونه تعالى منزها عن النقائص موصوفا بنعوت الجلال وإما أن يكون
المراد منه في حق البعض الدلالة على التنزيه وفي حق الباقين النطق باللسان والأول
أقرب وأما القسم الثالث فهو أن يقال استعمل اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز معا
وهو غير جائز فلم يبق إلا الأول.
فإن قيل فالتسبيح
بهذا المعنى حاصل لجميع المخلوقات فما وجه تخصيصه هنا بالعقلاء.
قلنا لأن خلقة
العقلاء أشد دلالة على وجود الصانع سبحانه لأن العجائب فيها أكثر .
__________________
ولما ذكر أن أهل السماوات
وأهل الأرض يسبحون ذكر أن الذين استقروا في الهواء وهو الطير يسبحون وذلك لأن
إعطاء الجرم الثقيل القوة التي تقوى بها على الوقوف في جو السماء صافة باسطة
أجنحتها بما فيها من القبض والبسط من أعظم الدلائل على قدرة الصانع المدبر سبحانه
وجعل طيرانها سجودا منها له سبحانه وذلك يؤكد ما ذكرناه أن المراد من التسبيح
دلالة هذه الأمور على التنزيه لا النطق اللساني :
« كُلٌّ
قَدْ عَلِمَ » أي علم الله ويدل عليه قوله :
« وَاللهُ
عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ » وهو اختيار جمهور المتكلمين.
والثاني : أن يعود
الضمير في علم والصلاة والتسبيح على لفظ كل أي أنهم يعلمون ما يجب عليهم من الصلاة
والتسبيح.
والثالث : أن تكون
الهاء راجعة إلى الله يعني قد علم كل مسبح وكل مصل صلاته التي كلفه إياها
وعلى هذين التقديرين فقوله : « وَاللهُ عَلِيمٌ » استئناف
وروي عن أبي ثابت
قال : كنت جالسا عند أبي جعفر الباقر عليهالسلام فقال لي أتدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس وبعد
طلوعها قال فإنهن يقدسن ربهن ويسألنه قوت يومهن.
واستبعد المتكلمون
ذلك فقالوا الطير لو كانت عارفة بالله لكانت كالعقلاء الذين يفهمون كلامنا
وإشارتنا لكنها ليست كذلك فإنا نعلم بالضرورة أنها أشد نقصانا
__________________
من الصبي الذين لا
يعرف هذه الأمور فبأن يمتنع ذلك فيها أولى وإذا ثبت أنها لا تعرف الله استحال
كونها مسبحة له بالنطق فثبت أنها لا تسبح الله إلا بلسان الحال.
ثم ذكر كثيرا من
الحيل الدقيقة الصادرة عن الحيوانات كما سيأتي واستدل بها على شعورها وعقلها ثم
قال والأكياس من العقلاء يعجزون عن أمثال هذه الحيل فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن
يقال إنها ملهمة عن الله سبحانه بمعرفته والثناء عليه وكانت غير عارفة بسائر
الأمور التي يعرفها الناس ولله در شهاب السمعاني حيث قال جل جناب العز والجلال عن
أن يوزن بميزان الاعتزال .
وقال في قوله
سبحانه : « وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » في هذه الآية سؤالات الأول قال الله :
« خَلَقَ
كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » مع أن كثيرا من الحيوانات غير مخلوقة من الماء كالملائكة وهو أعظم
المخلوقات عددا وأنهم مخلوقون من النور وأما الجن فهم مخلوقون من النار وخلق
الله آدم من التراب وخلق الله عيسى من الريح لقوله :
«
فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا » وأيضا نرى أن كثيرا من الحيوانات يتولد لا عن النطفة.
والجواب من وجوه
أحدها وهو الأحسن ما قاله القفال وهو أن :
« مِنْ ماءٍ
» صلة : « كُلَّ دَابَّةٍ » وليس هو من صلة : « خَلَقَ » والمعنى أن كل دابة متولدة من الماء فهي مخلوقة لله.
وثانيها أن أصل
جميع المخلوقات الماء على ما روي أول ما خلق الله تعالى جوهرة فنظر إليها بعين
الهيبة فصارت ماء ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور
__________________
ولما كان المقصود
من هذه الآية بيان أصل الخلقة وكان الأصل الأول هو الماء لا جرم ذكره على هذا
الوجه.
وثالثها أن المراد
من الدابة الذي يدب على وجه الأرض ومسكنهم هناك لتخرج الملائكة والجن ولما كان الغالب
جدا من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء إما لأنها متولدة من النطفة وإما
لأنها لا تعيش إلا بالماء لا جرم أطلق الكل تنزيلا للغالب منزلة الكل.
الثاني : لم سمي
الزحف على البطن مشيا والجواب هذا على سبيل الاستعارة كما يقال فلان لا يمشي له
أمر وعلى طريق المشاكلة.
الثالث : أنه لم
تنحصر القسمة لأنا نجد ما يمشي على أكثر من أربع مثل العناكب والعقارب ومثل الحيوان
الذي له أربع وأربعون رجلا الذي يسمى دخال الأذن.
والجواب القسم
الذي ذكرتم كالنادر فكان ملحقا بالعدم ولأن الفلاسفة يقولون ما له قوائم كثيرة
فالاعتماد له إذا مشى على أربع جهاته لا غير فكأنه يمشي على أربع ولأن قوله :
« يَخْلُقُ
اللهُ ما يَشاءُ » تنبيه على أن الحيوانات كما اختلف بحسب كيفية المشي فكذا
هي مختلفة بحسب أمور أخر.
ولنذكر هاهنا بعض
تلك التقسيمات التقسيم الأول الحيوانات قد تشترك في أعضاء وقد تتباين بأعضاء أما
الشركة فمثل اشتراك الإنسان والفرس في أن لهما لحما وعصبا وعظما وأما التباين فإما
أن يكون في نفس العضو أو في صفته.
__________________
أما الأول : فعلى
وجهين أحدهما أن لا يكون العضو حاصلا للآخر وإن كانت أجزاؤه حاصلة للثاني كالفرس
والإنسان فإن الفرس له ذنب والإنسان ليس له ذنب ولكن أجزاء الذنب ليس إلا العظم
والعصب واللحم والجلد والشعر وكل ذلك حاصل للإنسان.
والثاني : أن لا
يكون ذلك العضو حاصلا للثاني لا بذاته ولا بأجزائه مثل أن للسلحفاة صدفا يحيط به
وليس للإنسان وللسمك فلوس وللقنفذ شوك وليس شيء منها للإنسان.
وأما التباين في
صفة العضو فإما أن يكون من باب الكمية أو الكيفية أو الوضع أو الفعل أو الانفعال
أما الذي في الكمية فإما أن يتعلق بالمقدار مثل أن عين البوم كبيرة وعين العقاب
صغيرة أو بالعدد مثل أن أرجل بعض العناكب ستة وأرجل ضرب آخر ثمانية أو عشرة والذي
في الكيفية فكاختلافها في الألوان والأشكال والصلابة واللين والذي في الوضع فمثل
اختلاف وضع ثدي الفيل فإنه قريب من الصدور وثدي الفرس فإنه عند السرة وأما الذي في
الفعل فمثل كون أذن الفيل للذب مع كونه آلة للسمع وليس كذلك الإنسان وكون أنفه آلة
للقبض دون أنف غيره وأما الذي في الانفعال فمثل كون عين الخفاش سريعة التحير في
الضوء وعين الخطاف خلاف ذلك. التقسيم الثاني للحيوان إما أن يكون مائيا بأن يكون
مسكنه الأصلي هو الماء أو أرضيا أو يكون مائيا ثم يصير أرضيا أما الحيوانات
المائية فتعتبر أحوالها من وجوه الأول إما أن يكون مكانه وغذاؤه ونفسه مائيا فله
بدل التنفس
__________________
جذب الماء إلى
بطنه ثم رده ولا يعيش إذا فارقه والسمك كله كذلك أو مكانه وغذاؤه
مائي لا يتنفس ولا يستنشق مثل أصناف من الصدف لا تظهر للهواء ولا تستدخل الماء إلى
باطنها.
الثاني : الحيوانات
المائية بعضها ماؤها الأنهار الجارية وبعضها ماؤها البطائح مثل الضفادع وبعضها
ماؤها مياه البحر .
الثالث : منها
لجية ومنها شطية ومنها طينية ومنها صخرية.
الوجه الرابع : الحيوان
المنتقل في الماء منه ما يعتمد في غوصه على رأسه وفي السباحة على أجنحته كالسمك
ومنه ما يعتمد في السباحة على أرجله كالضفادع ومنه ما يمشي في قعر الماء كالسرطان
ومنه ما يزحف مثل ضرب من السمك لا جناح له كالدود.
وأما الحيوانات
البرية فتعتبر أحوالها أيضا من وجهين الأول أن منها ما يتنفس من طريق واحد كالفم
والخيشوم ومنه ما لا يتنفس كذلك بل على نحو آخر مثل الزنبور
والنحل.
الثاني : أن
الحيوانات الأرضية منها ما له مأوى معلوم ومنها ما مأواه كيف اتفق إلا أن تلد
فيقيم للحضانة واللواتي لها مأوى فبعضها مأواه قلة رابية وبعضها مأواه وجه
الأرض.
__________________
الثالث : الحيوان
البري كل طائر منه ذو جناحين فإنه يمشي برجليه ومن جملة ذلك مشيه صعب عليه كالخطاف
الكبير الأسود والخفاش وأما الذي جناحه جلد أو غشاء فقد يكون عديم الرجل كضرب من
الحيات بالحبشة تطير.
الرابع : الطير
تختلف فبعضها تتعايش معا كالكراكي وبعضها تعيش منفردا كالعقاب وجميع الجوارح التي
تتنازع على الطعم لاحتياجها إلى الاجتهاد لتصيد ومنها ما تتعايش
زوجا كالقطا ومنها ما تجتمع تارة وتنفرد أخرى ثم إن المنفرد قد تكون مدنية وقد
تكون برية صرفة وقد تكون بستانية.
والإنسان من بين
الحيوان هو الذي لا يمكنه أن يعيش وحده فإن أسباب حياته ومعيشته تلتئم بالمشاركة
المدنية والنحل وبعض الفراش يشارك الإنسان في ذلك لكن الحدا والكراكي تطيع رئيسا واحدا
والنمل لها اجتماع ولا رئيس لها.
الخامس الطير منه
آكل لحم ومنه لاقط حب ومنه آكل عشب وقد يكون للبعض طعم معين كالنحل فإن غذاءه
الزهر والعنكبوت فإن غذاءه الذباب وقد يكون بعضه متفق الطعم.
وأما القسم الثالث
وهو الحيوان الذي يكون تارة مائيا وأخرى بريا فيقال إنه حيوان يكون في البحر ويعيش
فيه ثم إنه يبرز إلى البر ويبقى فيه.
القسم الثالث منه
ما هو إنسي بالطبع فمنه ما يسرع استيناسه ويبقى
__________________
مستأنسا كالفيل
ومنه ما يبطئ كالأسد ويشبه أن يكون من كل نوع صنف إنسي وصنف وحشي حتى من الناس.
التقسيم الرابع من
الحيوان ما هو مصوت ومنه ما لا صوت له وكل مصوت فإنه يصير عند الاغتلام وحركة شهوة
الجماع أشد تصويتا حتى الإنسان ومنه ما له شبق يسفد كل وقت كالديك ومنه عفيف له وقت معين.
التقسيم الخامس
بعض الحيوانات هادئ الطبع قليل الغضب مثل البقر وبعضه شديد الجهل حاد الغضب
كالخنزير البري وبعضها حليم حمول كالبعير وبعضها سريع الحركات كالحية وبعضها قوي جريء
شهم كبير النفس كريم الطبع كالأسد ومنها قوي محتال وحشي كالذئب
وبعضها محتال مكار ذي الحركات كالثعلب وبعضها غضوب شديد الغضب سفيه إلا أنه ملق متودد
كالكلب وبعضها شديد اللين مستأنس كالفيل والقرد وبعضها حسود مباه بجماله كالطاوس
وبعضها شديد الحفظ كالجمل والحمار لا ينسى كل منهما الطريق الذي رآه.
التقسيم السادس من
الحيوانات ما تناسله بأن تلد حيوانا وبعضها ما تناسله بأن تلد أنثاه دودا انتهى.
وقال النيسابوري
منه ولود ومنه بيوض وكل أذون ولود وكل
__________________
صموخ بيوض سوى
الخشاف.
وفي قوله :
« إِنَّ
اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » إشارة إلى أن اختصاص كل حيوان بهذه الخواص وبأمثالها لا
يكون إلا عن قادر مختار قهار انتهى.
وقال البيضاوي في
قوله تعالى : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » النطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير
مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه والتبع كقولهم نطقت
الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها
تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما تتفاوت باختلاف الأغراض بحيث
يفهمها ما من جنسه ولعل سليمان مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل
الذي صوته والغرض الذي توخاه به ومن ذلك ما حكي أنه مر ببلبل يتصوت ويترقص فقال يقول
إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم
يخلقوا فلعله كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم
قلب : « فَهُمْ يُوزَعُونَ » يحبسون بحبس أولهم عن آخرهم ليتلاحقوا :
« حَتَّى
إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ » واد بالشام كثير النمل والتعدية بعلى إما لأن إتيانهم كان
من على أو لأن المراد قطعه من قولهم أتى الشيء إذا أنفده وبلغ آخره كأنهم أرادوا
أن ينزلوا أخريات الوادي : « قالَتْ نَمْلَةٌ » كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم
فتبعها غيره فصاحت صيحة نبهت بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها فشبه ذلك بمخاطبة
العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم مع أنه لا يمتنع أن خلق
__________________
الله فيها العقل
والنطق .
وقال النيسابوري
قال المفسرون إنه تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل وليس كذلك حال
الطير في أيامنا وإن كان فيها ما قد ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة
إليها يحكى أنه مر على بلبل في شجرة فقال لأصحابه إنه يقول أكلت نصف تمرة وعلى
الدنيا العفاء أي التراب وصاحت فاختة فأخبر الناس أنها تقول ليت ذا الخلق لم
يخلقوا وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وأخبر أن الهدهد يقول استغفروا الله يا
مذنبون والخطاف يقول قدموا خيرا تجدوه والرخمة تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه والقمري يقول سبحان
ربي الأعلى والقطاة تقول من سكت سلم والببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه والديك يقول اذكروا الله يا
غافلون والنسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت وآخرك الموت والعقاب يقول في البعد من
الناس أنس .
وقال الطبرسي قدسسره أهل العربية
يقولون لا يطلق النطق على غير بني آدم وإنما يقال الصوت لأن النطق عبارة عن الكلام
ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا وقيل إنه
أراد حقيقة
__________________
المنطق لأن من
الطير ما له كلام يهجي كالطوطي قال المبرد العرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقا
ومتكلما وقال علي بن عيسى إن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد
ومنطق الطير صوت تتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الذي يتفاهمون به
المعاني على صيغ مختلفة ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ولم تفهم هي عنا لأن
أفهامنا مقصورة على تلك الأمور المخصوصة ولما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم
منطقها . وقال رحمهالله واختلف في سبب تفقده للهدهد من بين الطير فقيل إنه احتاج إليه في سفره ليدله
على الماء لأنه يقال أنه يرى الماء في بطن الأرض كما نراه في القارورة عن ابن عباس
وروى العياشي
بالإسناد قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله
عليهالسلام
كيف تفقد سليمان الهدهد
من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في
القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك قال أبو عبد الله
عليهالسلام
ما يضحكك قال ظفرت بك
جعلت فداك قال وكيف ذاك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب
حتى تأخذ بعنقه قال أبو عبد الله عليهالسلام يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر .
ثم قال رحمهالله في قوله : « لَأُعَذِّبَنَّهُ » كما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته
على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته .
وقال في قوله
تعالى : « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ » الآية قال الجبائي لم يكن
__________________
الهدهد عارفا
بالله تعالى وإنما أخبر بذلك كما يخبر مراهقو صبياننا لأنه لا تكليف إلا على
الملائكة والإنس والجن فيرانا الصبي على عبادة الله فيتصور أن ما خالفها باطل
فكذلك الهدهد تصور له أن ما خالف فعل سليمان باطل وهذا الذي ذكره خلاف ظاهر القرآن
لأنه لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود
للشمس وأن أحدهما حسن والآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه وبما يجوز عليه وبما لا
يجوز هذا مع نسبة تزيين أعمالهم وصدهم عن طريق الحق إلى الشيطان وهذه مقالة من
يعرف العدل وأن القبيح غير جائز على الله تعالى .
وقال قدسسره في قوله سبحانه
في سورة العنكبوت : « وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ
رِزْقَهَا » أي وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا عن الحسن وقيل
معناه لا يطيق حمل رزقها لضعفها وتأكل بأفواهها عن مجاهد وقيل إن الحيوان أجمع من
البهائم والطيور وغيرها مما يدب على وجه الأرض لا يدخر القوت لغدها إلا بني آدم
والنملة والفأرة بل تأكل منها قدر كفايتها فقط عن ابن عباس :
« اللهُ
يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ » أي يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها
ويرزقكم أيضا فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب عن ابن عمر قال خرجنا مع رسول الله
صلىاللهعليهوآله
حتى دخل بعض حيطان
الأنصار فجعل يلتقط من التمر ويأكل فقال يا ابن عمر ما لك لا تأكل فقلت لا أشتهيه
يا رسول الله فقال ولكني أشتهيه وهذه صبيحة رابعة منذ لم أذق طعاما ولو شئت لدعوت
ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق
سنتهم لضعف اليقين فو الله ما برحنا حتى نزلت الآية :
« وَهُوَ
السَّمِيعُ » أي لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم :
«
الْعَلِيمُ » بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من سركم وإعلانكم .
__________________
وقال قدس الله
روحه : « وَالطَّيْرَ » أي وسخرنا الطير :
«
مَحْشُورَةً » أي مجموعة إليه تسبح الله تعالى معه :
« كُلٌ » يعني كل الطير والجبال :
« لَهُ
أَوَّابٌ » رجاع إلى ما يريد مطيع له بالتسبيح معه قال الجبائي لا
يمتنع أن يكون الله تعالى خلق في الطيور من المعارف ما يفهم به أمر داود ونهيه
فيطيعه فيما يريد منها وإن لم تكن كاملة العقل مكلفة .
وقال الرازي فإن
قيل كيف يصدر تسبيح الله عن الطير مع أنه لا عقل له قلنا لا يبعد أن يقال إن الله
تعالى كان يخلق لها عقولا حتى تعرف الله فتسبحه حينئذ وكل ذلك كان معجزة لداود
عليهالسلام
انتهى .
« خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها » قيل يعني أزواج الحيوان من ذكر وأنثى وقيل أي الأشكال وقيل
أي الأصناف وقيل كل ممكن فهو زوج تركيبي والواحد الحق والفرد المطلق هو الله تعالى
: « وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ » أي وفي خلق ما يفرق على وجه الأرض من الحيوان على اختلاف
أجناسها ومنافعها والمقاصد المطلوبة منها دلالات واضحات على وجوده سبحانه وعلمه
وقدرته وحكمته ولطفه : « لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » قيل أي يطلبون علم اليقين بالتدبر والتفكر.
قوله سبحانه :
« صافَّاتٍ » قيل أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها فإنهن إذا
بسطنها صففن قوادمها : « وَيَقْبِضْنَ » أي ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار
به على التحرك ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصيل في الطيران والطاري
عليه : « ما يُمْسِكُهُنَ » في الجو على خلاف طبعهن :
« إِلاَّ
الرَّحْمنُ » الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيئاتهن
للحركة في الهواء : « إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ » يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب.
وأقول في سورة
الفيل وقصته دلالة على شعور الحيوانات وكونها مطيعة
__________________
لأمره سبحانه فإن
الظاهر أن الطيور كانت حيوانات ولم تكن من الملائكة وإن احتملت ذلك وكذا الفيلة
حيث امتنعت من دخول الحرم وفهمت كلام عبد المطلب وسجدت له رضياللهعنه كما مر مفصلا في ذكر تلك القصة نعم يمكن أن يكون الله تعالى جعلها في ذلك
الوقت ذوات شعور ومعرفة كرامة للبيت وعبد المطلب وإرهاصا لنبوة نبينا
صلىاللهعليهوآله.
١ ـ تفسير علي بن
إبراهيم : عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الوشاء
عن صديق بن عبد الله عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : ما من طير يصاد في
بر ولا بحر ولا يصاد شيء من الوحوش إلا بتضييعه التسبيح .
العياشي : عن
إسحاق مثله .
٢ ـ التفسير :
« وَاللهُ
خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » أي من مني : « فَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ » قال على رجلين الناس وعلى بطنه الحيات وعلى أربع البهائم
وقال أبو عبد الله عليهالسلام
ومنهم من يمشي على أكثر
من ذلك .
بيان : قال
الدميري قال الجاحظ الحيوان على أربعة أقسام شيء يمشي وشيء يطير وشيء يعوم وشيء ينساخ في
الأرض ألا إن كل طائر يمشي وليس كل شيء يمشي يطير فالنوع الذي يمشي هو على ثلاثة أقسام ناس
__________________
وبهائم وسباع
والطير كله سبع وبهيمة وهمج والخشاش ما لطف جرمه وصغر جسمه وكان عديم السلاح
والهمج ليس من الطير ولكنه يطير وهو فيما يطير كالحشرات فيما يمشي والسبع من الطير
ما أكل اللحم خالصا والبهيمة ما أكل الحب خالصا والمشترك كالعصفور فإنه ليس بذي
مخلب ولا منسر وهو يلقط الحب وهو مع ذلك يصيد النمل إذا طار ويصيد الجراد ويأكل
اللحم ولا يزق فراخه كما يزق الحمام فهو مشترك الطبيعة وأشباه العصافير من المشترك
كثيرة وليس كل ما طار بجناحين من الطير فقد يطير الجعلان والذباب والزنابير
والجراد والنمل والبعوض والفراش والأرضة والنحل وغير ذلك ولا يسمى طيورا وكذلك
الملائكة تطير ولها أجنحة وليست من الطير وكذلك جعفر بن أبي طالب ذو جناحين يطير
بهما في الجنة وليس من الطير .
٣ ـ قرب الإسناد :
عن سعد بن طريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إنه ما يصاد من الطير إلا
بتضييعهم التسبيح .
٤ ـ العلل عن محمد
بن موسى بن المتوكل عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن
أورمة عن عبد الله بن محمد عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : كانت الوحوش والطير
والسباع وكل شيء خلق الله عز وجل مختلطا بعضه ببعض فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت
وفزعت فذهب كل شيء إلى شكله .
__________________
٥ ـ ومنه ، عن
أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي عن رجل عن ابن أسباط عن عمه يعقوب رفعه إلى علي بن أبي طالب
عليهالسلام
قال : إذا سمعتم نباح
الكلب ونهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهم يرون ما لا ترون :
«
فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ » الخبر .
٦ ـ مجالس ابن
الشيخ : عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن أحمد بن عبد الله بن عمار الثقفي
الكاتب عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن محمد بن الحارث بن بشير الدهني
عن القاسم بن الفضل بن عمرة القيسي عن عباد المنقري عن أبي عبد الله
جعفر بن محمد قال حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم
أجمعين قال : مر رسول الله صلىاللهعليهوآله بظبية مربوطة بطنب فسطاط فلما رأت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أطلق الله عز وجل لها من
لسانها فكلمته فقالت يا رسول الله إني أم خشفين عطشانين وهذا
ضرعي قد امتلأ لبنا فخلني حتى أنطلق فأرضعهما ثم أعود فتربطني كما كنت فقال لها
رسول الله صلىاللهعليهوآله
كيف وأنت ربيطة قوم
وصيدهم قالت بلى يا رسول الله أنا أجيء فتربطني كما كنت أنت بيدك فأخذ عليها موثقا
من الله لتعودن وخلى سبيلها
__________________
عباد المقرئ.
فلم تلبث إلا
يسيرا حتى رجعت قد فرغت ما في ضرعها فربطها نبي الله كما كانت ثم سأل لمن هذا
الصيد قالوا يا رسول الله هذه لبني فلان فأتاهم النبي
صلىاللهعليهوآله
وكان الذي اقتنصها منهم منافقا فرجع
عن نفاقه وحسن إسلامه فكلمه النبي ليشتريها منه قال بل أخلي
سبيلها فداك أبي وأمي يا نبي الله فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لو أن البهائم يعلمون من
الموت ما تعلمون أنتم ما أكلتم منها سمينا .
بيان : من الموت
أي من أصل وقوعه أو من شدائد الموت والعقوبات الواقعة بعده والأهوال المتوقعة عنده
وبعده ولعله أظهر.
٧ ـ المحاسن : عن
محمد بن علي عن ابن فضال عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : قال يعقوب
عليهالسلام
لابنه يا بني لا تزن فلو
أن الطير زنى لتناثر ريشه .
٨ ـ الخرائج : روي
أن الحسين عليهالسلام
سئل في حال صغره عن أصوات
الحيوانات لأن من شرط الإمام أن يكون عالما بجميع اللغات حتى أصوات الحيوانات فقال
على ما روى محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن الحسين
عليهالسلام
أنه قال : إذا صاح النسر
فإنه يقول يا ابن آدم عش ما شئت فآخره الموت وإذا صاح البازي يقول يا عالم الخفيات ويا كاشف البليات
وإذا صاح الطاوس يقول مولاي ظلمت نفسي واغتررت بزينتي فاغفر لي وإذا صاح الدراج
يقول الرحمن على العرش استوى وإذا صاح الديك يقول من عرف الله لم ينس ذكره وإذا
قرقرت الدجاجة تقول يا إله الحق أنت الحق وقولك الحق يا الله يا حق
__________________
وإذا صاح الباشق
يقول آمنت بالله واليوم الآخر وإذا صاحت الحداء [ الحدأة ] تقول توكل على
الله ترزق وإذا صاح العقاب يقول من أطاع الله لم يشق وإذا صاح الشاهين يقول سبحان
الله حقا حقا وإذا صاحت البومة يقول البعد من الناس أنس وإذا صاح الغراب يقول يا
رازق ابعث الرزق الحلال وإذا صاح الكركي يقول اللهم احفظني من عدوي وإذا صاح
اللقلق يقول من تخلى عن الناس نجا من أذاهم وإذا صاح البطة تقول غفرانك يا الله
وإذا صاح الهدهد يقول ما أشقى من عصى الله وإذا صاح القمري يقول يا عالم السر
والنجوى يا الله وإذا صاح الدبسي يقول أنت الله لا إله سواك يا الله وإذا صاح العقعق يقول
سبحان من لا يخفى عليه خافية وإذا صاح الببغاء يقول من ذكر ربه غفر ذنبه وإذا صاح
العصفور يقول أستغفر الله مما يسخط الله وإذا صاح البلبل يقول لا إله إلا الله حقا
حقا وإذا صاح القبجة تقول قرب الحق قرب وإذا صاحت السماناة يقول يا ابن آدم
ما أغفلك عن الموت وإذا صاح السوذنيق يقول لا إله إلا الله محمد وآله خيرة الله وإذا صاحت
الفاختة يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد وإذا صاح الشقراق يقول مولاي أعتقني من
النار وإذا صاحت القنبرة تقول مولاي تب على كل مذنب من المذنبين وإذا صاح الورشان
يقول إن لم تغفر ذنبي شقيت وإذا صاح الشفنين يقول لا قوة إلا
__________________
بالله العلي
العظيم وإذا صاحت النعامة تقول لا معبود سوى الله وإذا صاحت الخطافة فإنها تقرأ
سورة الحمد وتقول يا قابل توبة التوابين يا الله لك الحمد وإذا صاحت الزرافة تقول
لا إله إلا الله وحده وإذا صاح الحمل يقول كفى بالموت واعظا وإذا صاح الجدي يقول
عاجلني الموت ثقل ذنبي وازداد وإذا صاح الأسد يقول أمر الله مهم مهم وإذا صاح
الثور يقول مهلا مهلا يا ابن آدم أنت بين يدي من يرى ولا يرى وهو الله وإذا صاح
الفيل يقول لا يغني عن الموت قوة ولا حيلة وإذا صاح الفهد يقول يا عزيز يا جبار يا
متكبر يا الله وإذا صاح الجمل يقول سبحان مذل الجبارين سبحانه وإذا صهل الفرس يقول
سبحان ربنا سبحانه وإذا صاح الذئب يقول ما حفظ الله لن يضيع أبدا وإذا صاح ابن آوى
يقول الويل الويل للمذنب المصر وإذا صاح الكلب يقول كفى بالمعاصي ذلا وإذا صاح
الأرنب يقول لا تهلكني يا الله لك الحمد وإذا صاح الثعلب يقول الدنيا دار غرور
وإذا صاح الغزال يقول نجني من الأذى وإذا صاح الكركدن يقول أغثني وإلا هلكت يا
مولاي وإذا صاح الإبل يقول حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله وإذا صاح النمر يقول
سبحان من تعزز بالقدرة سبحانه وإذا سبحت الحية تقول ما أشقى من عصاك يا رحمان وإذا
سبحت العقرب تقول الشر شيء وحش ثم قال عليهالسلام ما خلق الله من شيء إلا وله تسبيح يحمد به ربه ثم تلا هذه
الآية : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ » : « إِلاَّ يُسَبِّحُ
بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » .
بيان : قال
الدميري النسر طائر معروف وهو عريف الطير ويقول في
__________________
صياحه ابن آدم عش
ما شئت فإن الموت ملاقيك كذا قال الحسن بن علي رضي الله عنهما قال وفي هذا مناسبة
لما خص النسر به من طول العمر يقال إنه من أطول الطير عمرا وإنه يعمر ألف سنة
وفي كتاب نفخات
الأزهار عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : سمعت حبيبي رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يقول هبط علي جبرئيل فقال
يا محمد إن لكل شيء سيدا فسيد البشر آدم وسيد ولد آدم أنت وسيد الروم صهيب وسيد
فارس سلمان وسيد الحبش بلال وسيد الشجر السدر وسيد الطير النسر وسيد الشهور رمضان
وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام العربية وسيد العربية القرآن وسيد القرآن سورة
البقرة .
وقال البازي أفصح
لغاته مخففة الياء والثانية باز والثالثة بازي بتشديد الياء والتثنية بازان والجمع بزاة وفي
عجائب المخلوقات لا يكون إلا أنثى وذكرها من أنواع أخر من الحداء
والشواهين ولهذا اختلف أشكالها .
وقال طاوس في طبعه
العفة وحب الزهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه وعقده لذنبه كالطاق لا سيما
إذا كانت الأنثى ناظرة إليه إلى آخر ما سيأتي .
وقال في الدراج
وهو القائل بالشكر قدوم النعم وصوته مقطع على هذه الكلمات .
__________________
وفي القاموس
القرقرة هدير البعير وصوت الحمام انتهى .
والباشق معرب باشه
وهو معروف والحدأة كعنبة طائر معروف وقال الدميري إن العقاب إذا صاحت تقول في البعد من الناس
راحة .
وقال الكركي طائر
كبير معروف والجمع الكراكي وهو من الحيوان الذي لا يصح إلا برئيس وفي طبعه التناصر
ولا تطير الجماعة منه متفرقة بل صفا واحدا يقدمها واحد منها كالرائس وهي تتبعه يكون
ذلك حينا ثم يخلفه آخر منها مقدما حتى يصير الذي كان مقدما مؤخرا وقال الدبسي بفتح
الدال وضمها طائر صغير منسوب إلى دبس الرطب وهو قسم من الحمام البري وقال العقعق
كثعلب تسمى كندش وهو طائر على قدر الحمامة وعلى شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي
الحمامة وهو ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به وفي
طبعه الزنا والخيانة ويوصف بالسرقة والخبث وقال الببغاء بثلاث باءات موحدات أولاهن وثالثتهن مفتوحات والثانية ساكنة
وبالغين المعجمة هي الطائر الأخضر المسمى بالدرة وهي في قدر الحمامة يتخذها الناس
للانتفاع بصوتها ولها قوة على حكاية الأصوات وقبول
__________________
التلقين يتخذها
الملوك والأكابر لتنم ما تسمع من الأخبار وتتناول مأكولها برجلها كما يتناول
الإنسان الشيء بيده وفي القاموس الببغاء وقد تشدد الباء الثانية طائر أخضر .
قوله قرب الحق على
بناء المجرد أو التفعيل والحق الرب سبحانه أو القيامة أو ضد الباطل.
وقال الدميري
القبجة اسم جنس تقع على الذكر والأنثى .
وقال السمانى بضم
السين وفتح النون اسم طائر يلبد بالأرض ولا يكاد يطير إلا أن يطار وإذا سمع
الرعد مات ويسكت في الشتاء وإذا أقبل الربيع يصيح .
وفي القاموس
السوذنيق كزنجبيل ويضم أوله والسيذنوق بضم أوله وفتحه وكسر النون وفتحه والسذانق
بفتح النون وضمه والسوذنيق الصقر والشاهين .
وقال الدميري
الفاختة واحدة الفواخت من ذوات الأطواق وهي بفتح الفاء وكسر الخاء المعجمة وبالتاء
المثناة في آخرها قاله في الكفاية وزعموا أن الحيات تهرب من صوتها وفيها فصاحة
وحسن صوت وفي طبعها الأنس بالناس وتعيش في الدور والعرب تصفها بالكذب فإن صوتها
عندهم هذا أوان الرطب تقول ذلك والنخل لم تطلع.
وأقول المشهور
أنها بالتاء المثناة الفوقانية كما في القاموس وغيره وقال الدميري الشقراق بفتح
الشين وكسرها وربما قالوا الشرقراق طائر هو صغير
__________________
يسمى الأخيل
والعرب تتشأم به وهو أخضر مليح بقدر الحمامة خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد وله
مشتى ومصيف ويكون مخططا بحمرة وخضرة وسواد وفي القاموس القبر كسكر وصرد طائر الواحدة بهاء ويقال
القنبراء والجمع قنابر ولا تقل قنبرة كقنفذة أو لغية .
وقال الدميري
الورشان ساق حر وهو ذكر القماري وقيل إنه طائر متولد بين الفاختة والحمامة يوصف
بالحنو على أولاده حتى أنه ربما قتل نفسه إذا رآها في يد القانص قال عطاء إنه يقول
لدوا للموت وابنوا للخراب وهذه لام العاقبة مجازا .
وقال الشفنين
بالكسر متولد بين نوعين مأكولين وعده الجاحظ في أنواع الحمام وقيل هو الذي تسميه
العامة اليمام وصوته في الترنم كصوت الرباب وفيه تحزين وتحسن أصواتها إذا اختلطت
ومن طبعه إذا فقد أنثاه لم يزل أغرب إلى أن يموت وكذلك الأنثى .
وقال ذكر الثعلبي
أن آدم عليهالسلام
لما خرج من الجنة اشتكى
الوحشة فآنسه الله بالخطاف وألزمها البيوت فهي لا تفارق بني آدم
أنسا لهم قال ومعها أربع آيات من كتاب الله عز وجل :
« لَوْ
أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ
خَشْيَةِ اللهِ » إلى آخر السورة وتمد صوتها بقوله :
«
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »
__________________
وقال الزرافة بفتح
الزاي وضمها حسنة الخلق طويلة اليدين قصيره الرجلين مجموع يديها ورجليها نحو عشرة
أذرع رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وجلدها كجلد النمر وقوائمها وأظلافها
كالبقر وذنبها كذنب الظبي ليس لها ركب في رجليها إنما ركبتاها في يديها وإذا مشت
قدمت الرجل اليسرى واليد اليمنى بخلاف ذوات الأربع فإنها تقدم اليد اليسرى ومن
طبعها التودد والتأنس ولما علم الله أن قوتها في الشجر جعل يديها أطول
من رجليها لتستعين بذلك على المرعى منها وقيل هي متولدة بين ثلاثة حيوانات الناقة الوحشية والبقرة
الوحشية والضبعان .
أقول : سيأتي تمام
القول في ذلك إن شاء الله.
وقال الدميري
الحمل الخروف إذا بلغ ستة أشهر وقيل هو ولد الضأن الجذع فما دونه .
٩ ـ المناقب : تفسير الثعلبي قال الصادق عليهالسلام قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما إذا صاح النسر قال ابن
آدم عش ما شئت آخره الموت وإذا صاح الغراب قال إن في البعد من الناس أنسا وإذا صاح
القنبرة قال اللهم العن مبغضي آل محمد وإذا صاح الخطاف قرأ :
« الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ويمد : « الضَّالِّينَ » كما يمدها القارئ .
__________________
١٠ ـ الكافي : عن
أبي عبد الله العاصمي عن علي بن الحسن الميثمي عن علي بن أسباط عن أبيه أسباط بن
سالم عن سالم مولى أبان قال سمعت أبا عبد الله
عليهالسلام
يقول ما من طير يصاد إلا
بتركه التسبيح وما من مال يصاب إلا بترك الزكاة .
١١ ـ ومنه : عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض
أصحابه عن أبي جعفر عليهالسلام
أو عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : ما طلعت الشمس بيوم
أفضل من يوم الجمعة وإن كلام الطير فيه إذا لقي بعضه بعضا سلام
سلام يوم صالح .
١٢ ـ الإختصاص :
عن ابن عباس قال : شهدنا مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه
عليه فإذا نحن بعدة من العجم فسلموا عليه فقالوا جئناك لنسألك عن ست خصال فإن أنت
أخبرتنا آمنا وصدقنا وإلا كذبنا وجحدنا فقال علي
عليهالسلام
سلوا متفقهين ولا تسألوا
متعنتين قالوا أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله والحمار في نهيقه والدراج في صياحه
والقنبرة في صفيرها والديك في نعيقه والضفدع في نقيقه فقال علي
عليهالسلام
إذا التقى الجمعان ومشى
الرجال إلى الرجال بالسيوف يرفع الفرس رأسه فيقول سبحان الملك القدوس ويقول الحمار
في نهيقه اللهم العن العشارين ويقول الديك في نعيقه بالأسحار اذكروا الله يا غافلين
ويقول الضفدع في نقيقه سبحان المعبود في لجج البحار ويقول الدراج في صياحه الرحمن
على العرش استوى وتقول القنبرة في صفيرها اللهم العن مبغضي آل محمد قال فقالوا
آمنا وصدقنا وما على وجه الأرض من هو أعلم منك فقال
عليهالسلام
ألا أفيدكم قالوا بلى يا
أمير المؤمنين فقال إن للفرس في كل يوم ثلاث دعوات مستجابات يقول في أول نهاره
__________________
اللهم وسع على
سيدي الرزق ويقول في وسط النهار اللهم اجعلني أحب إلى سيدي من أهله وماله ويقول في
آخر نهاره اللهم ارزق سيدي على ظهري الشهادة .
بيان : نعق الغراب بالعين المهملة والمعجمة ينعق نعيقا صاح ونق
الضفدع ينق نقيقا صاح.
١٣ ـ الإختصاص :
عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن الحسن بن فضال عن الحسن بن فضال عن عبد الله بن
بكير عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن ناضحا كان لرجل من الأنصار فلما استن قال بعض أهله لو
نحرتموه فجاء البعير إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فجعل يرغو فبعث رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إلى صاحبه فلما جاء قال
له النبي إن هذا يزعم أنه كان لكم شابا حتى إذا هرم وإنه قد نفعكم وإنكم أردتم
نحره فقال صدق فقال لا تنحروه ودعوه .
١٤ ـ ومنه : عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن حماد عن محمد بن الحسن
بن أبي خالد قال : خرجت مع علي بن الحسين عليهالسلام
__________________
إلى مكة فلما
دخلنا الأبواء كان على راحلته وكنت أمشي فوافى غنما وإذا نعجة قد تخلفت عن الغنم وهي
تثغو ثغاء شديدا وتلتفت وإذا رخلة خلفها تثغو وتشتد في طلبها فلما قامت الرخلة ثغت
النعجة فتبعتها الرخلة فقال علي بن الحسين عليهالسلام يا عبد العزيز أتدري ما قالت النعجة قلت لا والله ما أدري
قال فإنها قالت الحقي بالغنم فإن أختها عام الأول تخلفت في هذا الموضع فأكلها
الذئب .
بيان : الثغاء صياح الغنم والرخل بكسر الراء الأنثى من سخال الضأن.
١٥ ـ الإختصاص :
عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن الحسن بن فضال عن الحسن بن فضال عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إن الذئاب جاءت إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
تطلب أرزاقها فقال
لأصحابه إن شئتم صالحتها على شيء تخرجوه إليها ولا ترزأ من أموالكم شيئا وإن تركتموها تعدو وعليكم حفظ أموالكم قالوا بل نتركها كما
هي تصيب منا ما أصابت ونمنعها ما استطعنا .
١٦ ـ ومنه : عن
عبد الله بن محمد عن محمد بن إبراهيم عن بشر وإبراهيم ابني محمد عن أبيهما عن
حمران عن علي بن الحسين عليهالسلام
قال : كان قاعدا في جماعة
من أصحابه إذا جاءته ظبية فبصبصت عنده وضربت بيديها فقال أبو محمد
عليهالسلام
أتدرون ما تقول
__________________
هذه الظبية قالوا
لا قال تزعم هذه الظبية أن فلان بن فلان رجلا من قريش اصطاد خشفا لها في هذا اليوم
وإنما جاءت أن أسأله أن يضع الخشف بين يديها فترضعه ثم قال أبو محمد
عليهالسلام
لأصحابه قوموا بنا فقاموا
بأجمعهم فأتوه فخرج إليهم فقال لأبي محمد فداك أبي وأمي ما جاء بك فقال أسألك بحقي
عليك إلا أخرجت إلي الخشف الذي اصطدتها اليوم فأخرجها فوضعها بين يدي أمها
فأرضعتها فقال علي بن الحسين عليهالسلام أسألك يا فلان لما وهبت لنا الخشف قال قد فعلت فأرسل الخشف
مع الظبية فمضت الظبية فبصبصت وحركت ذنبها فقال علي بن الحسين
عليهالسلام
تدرون ما قالت الظبية
قالوا لا قال قالت رد الله عليكم كل غائب لكم وغفر لعلي بن الحسين كما رد علي ولدي
.
بيان : بصبص
الكلب حرك ذنبه والخشف مثلثة ولد الظبي أول ما يولد أو أول مشيه أو التي نفرت من
أولادها وتشردت.
١٧ ـ نوادر
الراوندي : بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه
عليهالسلام
أن أبا ذر الغفاري رضي
الله عنه تمعك فرسه ذات يوم فحمحم في تمعكه فقال أبو ذر هي حسبك الآن فقد استجيب
لك فاسترجع القوم وقالوا خولط أبو ذر فقال للقوم ما لكم قالوا تكلم بهيمة من
البهائم فقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يقول إذا تمعك الفرس دعا
بدعوتين فيستجاب له يقول اللهم اجعلني أحب ماله إليه والدعوة الثانية اللهم ارزقه
على ظهري الشهادة ودعوتاه مستجابتان .
١٨ ـ وبهذا
الإسناد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا كان يوم الجمعة نادت
__________________
الطير الطير
والوحش الوحش والسباع السباع سلام عليكم هذا يوم صالح .
١٩ ـ نهج البلاغة
: من خطبة أمير المؤمنين عليهالسلام
في صفة عجيب خلق أصناف من
الحيوان ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق
وخافوا عذاب الحريق ولكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة ألا ينظرون إلى صغير ما خلق
كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له السمع والبصر وسوى له العظم والبشر انظروا إلى
النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف
دبت على أرضها وضنت على رزقها تنقل الحبة إلى جحرها وتعدها في مستقرها تجمع في
حرها لبردها وفي ورودها لصدرها مكفولة برزقها مرزوقة برفقها لا يغفلها المنان ولا
يحرمها الديان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ولو فكرت في مجاري أكلها وفي علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما
في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجبا ولقيت من وصفها تعبا فتعالى الذي
أقامها على قوائمها وبناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر ولم يعنه في خلقها
قادر ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة
هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شيء وغامض اختلاف كل حي وما الجليل واللطيف والثقيل
والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء كذلك السماء والهواء والرياح والماء
فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار
وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال وتفرق هذه اللغات والألسن
المختلفات فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر زعموا أنهم
__________________
كالنبات ما لهم
زارع ولا لاختلاف صورهم مانع ولم يلجئوا إلى حجة فيما ادعوا ولا تحقيق لما أوعوا
وهل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان وإن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها
عينين حمراوين وأسرج لها حدقتين قمراوين وجعل لها السمع الخفي وفتح لها الفم السوي
وجعل لها الحس القوي ونابين بهما تقرض ومنجلين بهما تقبض يرهبها الزراع في زرعهم
ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم حتى ترد الحرث في نزواتها وتقضي منه شهواتها
وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة فتبارك الله الذي يسجد له : « مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً » ويعفر له خدا ووجها ويلقي
بالطاعة إليه سلما وضعفا ويعطي له القياد رهبة وخوفا فالطير مسخرة لأمره أحصى عدد
الريش منها والنفس وأرسى قوائمها على الندى واليبس قدر أقواتها وأحصى أجناسها فهذا
غراب وهذا عقاب وهذا حمام وهذا نعام دعا كل طير باسمه وتكفل برزقه وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها وعدد قسمها فبل الأرض بعد جفوفها وأخرج
نبتها بعد جدوبها .
تبيين التفكير
إعمال النظر في الشيء يقال فكر فيه كضرب وفكر بالتشديد وأفكر وتفكر بمعنى والجسيم
العظيم والحريق اسم من الاحتراق والبصائر جمع البصيرة وهي والبصر بالتحريك العلم
والخبرة وفي بعض النسخ الأبصار موضع البصائر والدخل بالتحريك ما داخلك من فساد في
عقل أو جسم والعيب والريبة يقال هذا الأمر فيه دخل ودغل بمعنى وقد دخل كفرح ودخل
على البناء للمفعول والإحكام الإتقان وركبه تركيبا أي وضع بعضه على بعض فتركب وفلق
كضرب أي شق فانفلق ومنه : « فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى » واستوى
__________________
الشيء اعتدل
وسويته عدلته والنملة واحدة النمل والجثة بالضم للإنسان شخصه قاعدا أو نائما فإن
كان منتصبا فهو طل بالتحريك والشخص عام كذا قيل. وفي القاموس جثة الإنسان شخصه
ولطف الشيء ككرم لطافة بالفتح وقيل هو اسم أي صغر ودق والهيئة حال الشيء وكيفيته
ونلته بالكسر أنيله أي أصبته واللحظ في الأصل النظر بمؤخر العين وهو أشد التفاتا
من الشزر وفي بعض النسخ بلحظ النظر واستدرك الشيء وأدركه بمعنى ذكره الجوهري
واستدركت ما فات وتداركته بمعنى واستدركت الشيء بالشيء أي حاولت إدراكه به والفكر
كعنب جمع فكرة بالكسر وهو إعمال النظر وقيل اسم من الافتكار كالعبرة من الاعتبار
وفي بعض النسخ الفكر بسكون العين ومستدرك الفكر على بناء المفعول يحتمل أن يكون
مصدرا أي إدراك الفكر أو يطلبها الإدراك ولعله أنسب بقوله
عليهالسلام
بلحظ البصر وأن يكون اسم
مفعول أي بالفكر الذي يدركه الإنسان ويصل إليه أو يطلب إدراكه أي منتهى طلبه لا
يصل إلى إدراك ذلك وأن يكون اسم مكان والباء بمعنى في ودب كفر أي مشى رويدا وصبت
على بناء المفعول من الصب وهو في الأصل الإراقة وقيل هو على العكس أي صبت رزقها
عليها والظاهر أنه لا حاجة إليه أي كيف ألهمت حتى انحطت على رزقها واستعير له الصب
لهجومها عليه وفي بعض النسخ وضنت بالضاد المعجمة والنون على بناء المعلوم أي بخلت
برزقها وذكر دبيبها لأنه متوقف على القوائم والمفاصل والقوى الجزئية وتركبها فيها
مع غاية صغرها على وجه تنتظم به حركاتها السريعة المتتابعة مظهر للقدرة ولطيف
الصنعة وذكر الصب أو الضنة للدلالة على علمها بحاجتها إلى الرزق وحسن نظرها في
الإعداد والحفظ والجحرة بالضم الحفرة التي تحتفرها الهوام والسباع لأنفسها وأعده
أي هيأه ومستقرها موضع استقرارها والورود في الأصل الإشراف على الماء للشرب والصدر
بالتحريك رجوع الشاربة من الورود كأن المعنى تجمع في أيام التمكن من الحركة لأيام
العجز عنها فإنها تظهر في الصيف وتخفى في الشتاء لعجزها عن البرد وكفل كنصر وقيل
كعلم وشرف أي
ضمن قيل تقول كفلته
وبه وعنه إذا تحملت به بوفقها أي بقدر كفايتها وأغفلت الشيء
إغفالا أي تركته إهمالا من غير نسيان والمنان المنعم المعطي من المن بمعنى العطاء
لا من المنة وقد يشتق منه وهو مذموم وحرمه كمنعه ضد أعطاه والديان الحاكم والقاضي
وقيل القهار وقيل السائس وهو القائم على الشيء بما يصلحه كما تفعل الولاة والأمراء
بالرعية ووجه المناسبة على الأخير واضح ولعله على الأول هو أن أعطاه كل شيء ما
يستحقه ولو على وجه التفضل من فروع الحكم بالحق وعلى الثاني الإشعار بأن قهره
سبحانه لا يمنعه عن العطاء كما يكون في غيره أحيانا والصفا مقصورا الحجارة وقيل
الحجر الصلد الضخم لا ينبت شيئا والواحدة صفاة وجمس وجمد بمعنى وقيل أكثر ما
يستعمل في الماء جمد وفي السمن وغيره جمس وصخرة جامسة أي ثابتة في موضعها والأكل
بالضم كما في بعض النسخ وبضمتين كما في بعضها المأكول والأكلة بالضم اللقمة وعلوها
وسفلها بالضم فيهما في بعض النسخ وبالكسر في بعضها والضميران كالسوابق.
قال بعض شراح
النهج علوها رأسها وما يليه إلى الجزء المتوسط ويحتمل رجوعهما إلى المجاري
والشراسيف مقاط الأضلاع وهي أطرافها التي تشرف على البطن وقيل الشرسوف كعصفور
غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف ولا حاجة إلى الحمل على المجاز كما يظهر من
كلام بعض الشارحين والأذن بضمتين في النسخ والقضاء يكون بمعنى الأداء قال الله
تعالى : « فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ » وقال : « فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ » وقضاء العجب أو التعجب الكامل وقال بعض الشارحين يحتمل أن
يكون بمعنى الموت من قولهم قضى فلان أي مات أي لقضيت نحبك من شدة تعجبك ويكون عجبا
نصبا على المفعول له ولا يخفى بعده والدعامة والدعام بالكسر فيهما عماد البيت
والخشب المنصوب للتعريش
__________________
وفيه تشبيه لها
بالبيت المبني على الدعائم وفي بعض النسخ لم يعنه والضرب في الأرض السير فيها أو
الإسراع فيه والدلالة بالفتح كما في بعض النسخ وبالكسر كما في بعضها الاسم من قولك
دله إلى الشيء وعليه أي أرشده وسدده والغامض خلاف الواضح والغرض من الكلام دفع
توهم يسر الخلق وسهولة الإبداع في بعض الأشياء للصغر وخفاء دقائق الصنع والجليل
العظيم يقال جل كفر جلالة بالفتح أي عظم والغرض استواء نسبة القدرة الكاملة إلى
الأنواع كذلك السماء قيل المشبه به الأمور المتضادة السابقة والمشبه هو السماء
والهواء والرياح والماء ووجه الشبه هو حاجتها في خلقها وتركيبها وأحوالها المختلفة
والمتفقه إلى صانع حكيم ويحتمل أن يكون التشبيه في استواء نسبة القدرة.
فانظر إلى الشمس
والقمر إلخ أي تدبر فيما أودع في هذه الأشياء من غرائب الصنعة ولطائف الحكمة وقيل
استدلال بإمكان الأعراض على ثبوت الصانع بأن يقال كل جسم يقبل لجسميته المشتركة
بينه وبين سائر الأجسام ما يقبله غيره من الأجسام فإذا اختلف الأجسام في الأعراض
فلا بد من مخصص وهو الصانع الحكيم انتهى.
واختلاف الليل
والنهار تعاقبهما وفجر الماء أي فتح له طريقا فتفجر وانفجر أي جرى وسال والمراد
بالبحار الأنهار العظيمة أو البحار المعروفة وتفجرها جريانها لو وجدت طريقا
والقلال كجبال جمع قلة بالضم وهي أعلى الجبل وقيل الجبل وتفرق اللغات اختلافها
وتباينها كما قال عز وجل : « وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ » والويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وعلم واد في جهنم
والجملة تحتمل الإخبار والدعاء قال سيبويه الويل مشترك بين الدعاء والخبر.
والمراد بالنبات
ما ينبت في الصحاري والجبال من غير زرع وليس المراد أن النبات ليس له مقدر ولا
مدبر بل المعنى أن النبات المذكور كما أنه ليس له مدبر من البشر يزعمون أن الإنسان
يحصل من غير مدبر أصلا وقيل المراد أنهم قاسوا
__________________
أنفسهم على النبات
الذي جعلوا من الأصول المسلمة أنه لا مقدر له بل ينبت بنفسه من غير مدبر وذكر
الاختلاف في الصور لأنه من الدلائل الواضحة على الصانع لم يلجئوا أي لم يستندوا
والغرض استنادهم في دعواهم إلى قياس باطل وظن ضعيف كما قال عز وجل : « وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ » وأوعى الشيء ووعاه على المجرد كما في بعض النسخ أي حفظه
وجمعه أي لم يرتبوا العلوم الضرورية ولم يحصلوا المقدمات على وجهها حتى تفضي إلى
نتيجة صحيحة وجنى فلان جناية بالكسر أي جر جريرة على نفسه وقومه ويقال جنيت الثمرة
أجنيها واجتنيتها أي اقتطفتها واسم الفاعل منها جان إلا أن المصدر من الثاني جنى
لا جناية والغرض دعوى الضرورة في الاحتياج إلى الصانع والفاعل كالبناء والجناية لا
الاستناد إلى القياس.
قلت في الجرادة أي
تكلمت في بديع صنعتها وعجيب فطرتها وأسرج لها حدقتين أي جعلهما مضيئتين كالسراج
قمراوين أي منيرتين كالليلة القمراء المضيئة بالقمر وجعل لها السمع الخفي أي عن
أعين الناظرين وقيل المراد بالخفي اللطيف السامع لخفي الأصوات فوصف بالخفة مجازا
من قبيل إطلاق اسم المقبول على القابل وهو أنسب بقوله
عليهالسلام
وجعل لها الحس القوي وقيل
أراد بحسها قوتها الوهمية وبقوته حذقتها فيما ألهمت إياه
من وجوه معاشها وتصرفها يقال لفلان حس حاذق إذا كان ذكيا فطنا دراكا والناب في
الأصل السن خلف الرباعية وقرض كضرب أي قطع والمنجل كمنبر حديدة يقضب بها الزرع
وقيل المنجلان رجلاها شبههما بالمناجل لعوجهما وخشونتهما ورهبه كعلم أي خاف وذب عن
حريمه كمد أي دفع وحمى وأجلبوا أي تجمعوا وتألبوا وأجلب على فرسه أي استحثه للعدو
بوكز أو صياح أو نحو ذلك بجمعهم أي بأجمعهم وكلمة
__________________
لو للوصل والحرث
الزرع ونزا كدعا أي وثب وخلقها الجملة حالية واستدق صار دقيقا الذي يسجد أي حقيقة
فإنه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثقلين طوعا حالتي الشدة والرخاء والكفرة له
كرها حال الشدة والضرورة أو أعم منها ومن السجدة المجازية وهي الخضوع والدخول تحت
ذل الافتقار والحاجة كما مر مرارا والعقر بالتحريك وقد يسكن وجه الأرض ويطلق على
التراب وعفره في التراب كضرب وعفره تعفيرا أي مرغه فيه وكان التعفير في البعض كأهل
السماوات كناية عن غاية الخضوع والإلقاء بالطاعة مجاز عن الانقياد وفي بعض النسخ
بالطاعة إليه والسلم بالكسر كما في بعض النسخ الصلح وبالتحريك كما في بعضها
الاستسلام والانقياد والقياد بالكسر ما يقاد به وإعطاء القياد الانقياد والرهبة
الخوف وأرسى أي أثبت والندى البلل والمطر واليبس بالتحريك ضد الرطوبة وطريق يبس أي لا
نداوة فيه ولا بلل والحمام بالفتح كل ذي طوق من الفواخت والقماري والوراشين وغيرها
والحمامة تقع على الذكر والأنثى كالحية والنعامة واسم الجنس من النعامة نعام
بالفتح والغرض بيان عموم علمه سبحانه وقدرته دعا كل طائر باسمه قيل الدعاء استعارة
في أمر كل نوع بالدخول في الوجود وقد عرفت أن ذلك الأمر يعود إلى حكم القدرة
الإلهية عليه بالدخول في الوجود كقوله تعالى : « فَقالَ لَها
وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا » الآية ولما استعار الدعاء رشح بذكر الاسم لأن الشيء إنما
يدعى باسمه ويحتمل أن يريد الاسم اللغوي وهو العلامة فإن لكل نوع من الطير خاصة
وسمة ليست للآخر ويكون المعنى أنه تعالى أجرى عليها حكم القدرة بما لها من السمات
والخواص في العلم الإلهي واللوح المحفوظ وقال بعضهم أراد أسماء الأجناس وذلك أن
الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل لغة تواضع عليها العباد في المستقبل وذكر
__________________
الأسماء التي
يتواضعون عليها وذكر لكل اسم مسماة فعند إرادة خلقها نادى كل نوع باسمه فأجاب
داعيه وأسرع في إجابته وكفل برزقه أي ضمن والسحاب جمع سحابة وهي الغيم والهطل
بالفتح تتابع المطر أو الدمع وسيلانه وقيل تتابع المطر المتفرق العظيم القطر
والديمة بالكسر مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق والجمع ديم كعنب وتعديد القسم إحصاء
ما قدر منها لكل بلد وأرض على وفق الحكمة والبلة بالكسر ضد الجفاف يقال بله فابتل
والجفوف بالضم الجفاف بالفتح والجدوب بالضم انقطاع المطر ويبس الأرض.
٢٠ ـ الشهاب : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
لو تعلم البهائم من الموت
ما يعلم ابن آدم ما أكلتم سمينا .
الضوء في الحديث
استزادة من بني آدم وإعلام أن البهائم لو كان لها عقل لكانت أضبط منهم وذلك لأنها
ليست بمكلفة ولو علمت بالموت لم تأكل ولم تشرب فكانت تهزل وابن آدم يأكل ويشرب
ويعلم أنه غدا ميت وفيه تعيير بالقصور عن البهائم في هذه الخلة خاصة فعليك أيها العاقل
بالانتباه من سنة الغفلة فإن هذا الخطاب لك وفائدة الحديث إعلام أن البهائم الخرس
لو علمت الموت لما سمنت بالرتوع في المراتع ولأمسكت عن الرعي .
٢١ ـ كتاب جعفر بن
محمد بن شريح : عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : ما يصاد من الطير
إلا ما ضيع التسبيح .
٢٢ ـ أصل قديم
منقول من خط التلعكبري رحمه الله قال أخبرني محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن
الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن علي
بن رئاب عن مولى للقميين قد أخبرني عمن أخبره عن أبي عبد الله عن آبائه
عليهالسلام
قال : قال رجل من اليهود
لرسول الله صلىاللهعليهوآله
يا محمد أخبرني ما يقول
الحمار في نهيقه وما يقول الفرس في
__________________
صهيله وما يقول
الدراج في صوته وما تقول القنبرة في صوتها وما يقول الضفدع في نقيقه وما يقول
الهدهد في صوته قال فأطرق رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم قال أعد علي يا يهودي قال فأعاد فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أما الحمار فيلعن العشار
وأما الفرس فيقول الملك لله الواحد القهار وأما الدراج فيقول : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » وأما الديك فيقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأما
الضفدع فيقول اذكروا الله يا غافلين وأما الهدهد فيقول رحمك الله يا داود يعني
سليمان بن داود وأما القنبرة فيقول لعن الله من يبغض أهل بيت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
.
٢٣ العلل : لمحمد
بن علي بن إبراهيم إنما سميت الوحش لأنها استوحشت من آدم يوم هبوطه .
٢٤ ـ المناقب لابن
شهرآشوب : روى أبو بكر الشيرازي بالإسناد عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أمير
المؤمنين عليهالسلام
في قوله تعالى : « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » عرض الله أمانتي على السماوات
السبع بالثواب والعقاب فقلن ربنا لا نحملنا بالثواب والعقاب
ولكنها نحملها بلا ثواب ولا عقاب وإن الله عرض أمانتي وولايتي على الطيور فأول من
آمن بها البزاة البيض والقنابر وأول من جحدها البوم والعنقاء فأما البوم فلا تقدر
أن تظهر بالنهار لبغض الطير لها وأما العنقاء فغابت في البحار لا ترى وإن الله عرض
إمامتي على الأرضين فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكية وجعل نباتها وثمرها
حلوا عذبا وجعل ماءها زلالا وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولايتي جعلها سبخة وجعل
نباتها مرا علقما وجعل ثمرها العوسج والحنظل وجعل ماءها ملحا أجاجا ثم قال : « وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ » يعني أمتك يا محمد ولاية أمير المؤمنين وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب :
« إِنَّهُ كانَ
__________________
ظَلُوماً » لنفسه : « جَهُولاً » لأمر ربه من لم يؤدها بحقها فهو ظلوم غشوم .
بيان : في القاموس
العلقم الحنظل وكل شيء مر والنبقة المرة فإن قلت لما أبوا أولا حملها كيف قبل بعض
الطيور والأرضين قلت ليس في أول الخبر ذكر الأرضين ولا في آخره العرض على السماوات
فلا تنافي لكن يرد عليه أنه تفسير للآية وفيها ذكر إباء السماوات والأرضين والجبال
جميعا فذكر السماوات أولا على المثال والاكتفاء في البعض لظهور البواقي فإما أن
يحمل العرض أولا على العرض على مجموع السماوات والأرضين والجبال إجمالا والثاني
على العرض على كل حيوان وكل بقعة تفصيلا أو يقال ليس في أول الخبر إلا امتناعها عن
الحمل بالثواب والعقاب فلا ينافي قبول بعضها ورد بعضها عند العرض بلا ثواب ولا عقاب
فقوله ولكنا نحملها قول بعضهم أو قول الجملة باعتبار البعض أو يحمل الأول على
الظاهري والثاني على القلبي والله يعلم.
٢٥ ـ الدر المنثور
: عن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : إن إبراهيم حين
ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ
على إبراهيم فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بقتله.
وعن أم شريك عنه
أن النبي صلىاللهعليهوآله
أمر بقتل الأوزاغ وقال
كانت تنفخ على إبراهيم عليهالسلام.
وعن قتادة عن
بعضهم عن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : كانت الضفدع تطفئ
النار عن إبراهيم وكانت الوزغ تنفخ عليه فنهى عن قتل هذا وأمر بقتل الوزغ.
وعن أنس قال قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
لا تسبوا الضفدع فإن صوته
تسبيح وتقديس وتكبير إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم فأذن
للضفادع فتراكبت عليه فأبدلها الله بحر النار الماء .
__________________
وعن ابن مسعود عن
كعب الحبر قال : جاءت هامة إلى سليمان فقال السلام عليك يا نبي الله فقال وعليك
السلام يا هام أخبرني [ أخبريني ] كيف لا تأكلين الزرع فقالت يا نبي الله لأن آدم
عصى ربه بسببه فلذلك لا آكله قال فكيف لا تشربين الماء قالت يا نبي الله لأن الله
أغرق بالماء قوم نوح من أجل ذلك تركت شربه قال فكيف تركت العمران وسكنت الخراب
قالت لأن الخراب ميراث الله وأنا أسكن في ميراث الله وقد ذكر الله ذلك في كتابه فقال : « وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ
قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها » إلى قوله : « وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ »
وعن أبي الصديق
الناجي قال : خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم أنا خلق من
خلقك ليس لنا غنى عن رزقك فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا فقال سليمان للناس ارجعوا
فقد سقاكم بدعوة غيركم .
وعن أبي الدرداء
قال : كان داود عليهالسلام
يقضي بين البهائم يوما
وبين الناس يوما فجاءت بقرة فوضعت قرنها على حلقة الباب ثم نغمت كما تنغم الوالدة على ولدها وقالت كنت شابة كانوا ينتجوني ويستعملوني ثم إني
كبرت فأرادوا أن يذبحوني فقال داود أحسنوا إليها لا تذبحوها ثم قرأ : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ »
__________________
وعن نوف والحكم
قالا كان النمل في زمن سليمان أمثال الذباب .
وعن ابن عباس أنه
سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال إن سليمان نزل منزلا فلم يدر ما بعد
الماء وكان الهدهد يدل سليمان على الماء فأراد أن يسأله عنه ففقده قيل كيف ذاك
والهدهد ينصب له الفخ يلقى عليه التراب ويضع له الصبي الحبالة فيغيبها فيصيدها
فقال إذا جاء القضاء ذهب البصر .
٢٦ ـ كتاب عبد
الملك بن حكيم عن بشير النبال عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : سهر داود
عليهالسلام
ليلة يتلو الزبور فأعجبته
عبادته فنادته ضفدع يا داود تعجب من سهرك ليلة وإني لتحت
هذه الصخرة منذ أربعين سنة ما جف لساني عن ذكر الله عز وجل .
٢٧ ـ الخصال : عن
محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن الحسن بن
محبوب عن علي بن رئاب عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين
عليهالسلام
أنه كان يقول ما بهمت
البهائم عنه فلم تبهم عن أربعة معرفتها بالرب تبارك وتعالى ومعرفتها بالموت
ومعرفتها بالأنثى من الذكر ومعرفتها بالمرعى الخصب .
__________________
الكافي : عن العدة
عن سهل بن زياد عن ابن محبوب مثله .
الفقيه : بإسناده
الصحيح عن ابن رئاب مثله.
ثم قال رحمه الله
وأما الخبر الذي روي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم
منها سمينا قط.
فليس بخلاف هذا
الخبر لأنها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون .
٢٨ ـ مجالس الشيخ
: عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن صالح بن فيض عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي حمزة قال كان علي بن الحسين
عليهالسلام
يقول مهما أبهمت عنه
البهائم فلم تبهم عن أربع معرفتها بالرب عز وجل ومعرفتها بالمرعى الخصب ومعرفتها
بالأنثى عن الذكر ومعرفتها بالموت والفرار منه.
قال أبو المفضل
حدثنا محمد بن صالح عن أحمد بن محمد بجميع كتاب المشيخة عن ابن محبوب .
٢٩ ـ الكافي : عن
أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحجال وابن فضال عن ثعلبة عن يعقوب بن
سالم عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : مهما أبهم على البهائم من شيء فلا يبهم عليها أربع
خصال معرفة أن لها خالقا ومعرفة طلب الرزق ومعرفة الذكر من الأنثى ومخافة الموت .
٣٠ ـ العلل : عن
أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن الحسن بن علي عن علي بن عقبة عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : لقد شكرت الشياطين
الأرضة حين أكلت عصاة سليمان عليهالسلام حتى
__________________
سقط وقالوا عليك
الخراب وعلينا الماء والطين فلا تكاد تراها في موضع إلا رأيت ماء وطينا .
٣١ ـ المناقب لابن
شهرآشوب : في حديث أبي حمزة الثمالي أنه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين
عليهالسلام
وقال يا ابن الحسين أنت
تقول إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف
عندها فقال بلى ثكلتك أمك قال فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين فأمر بشد عينيه
بعصابة وعيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب
أمواجه فقال ابن عمر يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي فقال هيه وأريه إن
كنت من الصادقين ثم قال يا أيتها الحوت قال فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل
العظيم وهو يقول لبيك لبيك يا ولي الله فقال من أنت قال أنا حوت يونس يا سيدي قال
أنبئنا بالخبر قال يا سيدي إن الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك محمد
صلىاللهعليهوآله
إلا وقد عرض عليه ولايتكم
أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص ومن توقف عنها وتمنع في حملها لقي ما
لقي آدم من المعصية وما لقي نوح من الغرق وما لقي إبراهيم من النار وما لقي يوسف
من الجب وما لقي أيوب من البلاء وما لقي داود من الخطيئة إلى أن بعث الله يونس
فأوحى الله إليه أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا
عليهالسلام
والأئمة الراشدين من صلبه
في كلام له قال فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه وذهب مغتاظا فأوحى الله إلي أن
التقمي يونس ولا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في
ظلمات ثلاث ينادي : « لا إِلهَ إِلاَّ
أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » قد قبلت
__________________
ولاية أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده فلما أن آمن بولايتكم أمرني
ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين
عليهالسلام
ارجع أيها الحوت إلى وكرك
واستوى الماء .
أقول
: قد مر شرح الخبر وتأويله في معجزات علي بن الحسين
عليهالسلام
وباب أحوال يونس
عليهالسلام.
٣٢ ـ توحيد المفضل
: قال الصادق عليهالسلام
يا مفضل فكر في هذه
الأصناف الثلاثة من الحيوان وفي خلقها على ما هي عليه بما فيه صلاح كل واحد منها
فالإنس لما قدروا أن يكونوا ذوي ذهن وفطنة وعلاج لمثل هذه الصناعات من البناء
والنجارة والصناعة والخياطة وغير ذلك خلقت لهم أكف كبار ذوات أصابع غلاظ ليتمكنوا من
القبض على الأشياء وأوكدها هذه الصناعات وآكلات اللحم لما قدر أن يكون معايشها من الصيد خلقت
لهم أكف لطاف مدمجة ذوات براثن ومخاليب تصلح لأخذ الصيد ولا تصلح للصناعات وآكلات النبات
لما قدر أن يكونوا لا ذات صنعة ولا ذات صيد خلقت لبعضها أظلاف تقيها خشونة الأرض
__________________
إذا حاول طلب
الرعي ولبعضها حوافر ململمة ذوات قعر كأخمص القدم تنطبق على الأرض ليتهيأ للركوب
والحمولة تأمل التدبير في خلق آكلات اللحم من الحيوان حين خلقت ذوات أسنان حداد
وبراثن شداد وأشداق وأفواه واسعة فإنه لما قدر أن يكون طعمها اللحم خلقت خلقة
تشاكل ذلك وأعينت بسلاح وأدوات تصلح للصيد وكذلك تجد سباع الطير ذوات مناقير
ومخاليب مهيأة لفعلها ولو كانت الوحوش ذوات مخالب كانت قد أعطيت ما لا يحتاج إليه
لأنها لا تصيد ولا تأكل اللحم ولو كانت السباع ذوات أظلاف كانت قد منعت ما تحتاج
إليه أعني السلاح الذي به تصيد وتتعيش أفلا ترى كيف أعطي كل واحد من الصنفين ما
يشاكل صنفه وطبقته بل ما فيه بقاؤه وصلاحه انظر الآن إلى ذوات الأربع كيف تراها
تتبع أمهاتها مستقلة بأنفسها لا تحتاج إلى الحمل والتربية كما تحتاج
أولاد الإنس فمن أجل أنه ليس عند أمهاتها ما عند أمهات البشر من الرفق والعلم
بالتربية والقوة عليها بالأكف والأصابع المهيأة لذلك أعطيت النهوض والاستقلال
بأنفسها وكذلك ترى كثيرا من الطير كمثل الدجاج والدراج والقبج تدرج وتلقط حين
ينقاب عنها البيض فأما ما كان منها ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام واليمام
والحمر فقد جعل في الأمهات فضل عطف عليها فصارت تمج الطعام في أفواهها بعد ما
توعيه حواصلها فلا تزال تغذوها حتى تستقل بأنفسها ولذلك لم ترزق الحمام فراخا كثيرة
مثل ما ترزق الدجاج لتقوى الأم على تربية فراخها فلا تفسد ولا تموت فكل أعطي بقسط
من تدبير الحكيم اللطيف الخبير
__________________
انظر إلى قوائم
الحيوان كيف تأتي أزواجا لتهيأ للمشي ولو كانت أفرادا لم تصلح لذلك لأن الماشي ينقل بعض
قوائمه ويعتمد على بعض فذو القائمتين ينقل واحدة ويعتمد على واحدة وذو الأربع ينقل
اثنين ويعتمد على اثنين وذلك من خلاف لأن ذا الأربع لو كان ينقل قائمتين من أحد
جانبيه ويعتمد على قائمتين من الجانب الآخر لما يثبت على الأرض كما لا يثبت السرير
وما أشبهه فصار ينقل اليمنى من مقاديمه مع اليسرى من مآخيره وينقل الأخريين أيضا
من خلاف فيثبت على الأرض ولا يسقط إذا مشى أما ترى الحمار كيف يذل للطحن والحمولة
وهو يرى الفرس مودعا منعما والبعير لا يطيقه عدة رجال لو استعصى كيف كان ينقاد
للصبي والثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتى يضع النير على عنقه ويحرث به والفرس
الكريم يركب السيوف والأسنة بالمواتاة لفارسه والقطيع من الغنم يرعاه رجل واحد ولو تفرقت الغنم
فأخذ كل واحد منها في ناحية لم يلحقها وكذلك جميع الأصناف المسخرة للإنسان فبم كانت كذلك
إلا بأنها عدمت العقل والروية فإنها لو كانت تعقل وتروي في الأمور كانت
خليقة أن تلتوي على الإنسان في كثير من مآربه حتى يمتنع الجمل على قائده والثور على صاحبه وتتفرق الغنم
عن راعيها وأشباه هذا من الأمور وكذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل وروية فتوازرت
على الناس كانت خليقة أن تحاجهم فمن كان يقوم للأسد والذئاب والنمورة والدببة لو
__________________
تعاونت وتظاهرت
على الناس أفلا ترى كيف حجر ذلك عليها وصارت مكان ما كان يخاف من إقدامها ونكايتها
تهاب مساكن الناس وتحجم عنها ثم لا تظهر ولا تنتشر لطلب قوتها إلا بالليل فهي
مع صولتها كالخائف للإنس بلا مقموعة ممنوعة منهم ولو لا ذلك لساورتهم في مساكنهم وضيقت عليهم ثم جعل في الكلب
من بين هذه السباع عطف على مالكه ومحاماة عنه وحفاظ له فهو ينتقل على الحيطان
والسطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه وذب الدغار عنه ويبلغ من محبته
لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه ودون ماشيته وماله ويألفه غاية الإلف حتى يصبر معه
على الجوع والجفوة فلم طبع الكلب على هذه الإلف إلا ليكون حارسا للإنسان له عين
بأنياب ومخاليب ونباح هائل ليذعر منه السارق ويتجنب المواضع التي يحميها ويحضرها يا مفضل تأمل وجه
الدابة كيف هو فإنك ترى العينين شاخصتين أمامها لتبصر ما بين يديها لئلا تصدم
حائطا أو تتردى في حفرة وترى الفم مشقوقا شقا في أسفل الخطم ولو شق كمكان الفم من
الإنسان في مقدم الذقن لما استطاع أن يتناول به شيئا من الأرض ألا ترى أن الإنسان
لا يتناول الطعام بفيه ولكن بيده تكرمة له على سائر الآكلات فلما لم يكن للدابة يد
تتناول بها العلف جعل خطمها مشقوقا من أسفله لتقبض به على العلف ثم تقضمه وأعينت
بالجحفلة تتناول بها ما قرب وما بعد اعتبر بذنبها والمنفعة لها فيه فإنه بمنزلة
الطبق على الدبر والحياء جميعا يواريهما ويسترهما ومن منافعها فيه أن ما بين الدبر
ومراقي البطن منها وضر يجتمع عليه الذباب والبعوض فجعل لها الذنب كالمذبة تذب بها
عن ذلك الموضع
__________________
ومنها أن الدابة
تستريح إلى تحريكه وتصريفه يمنة ويسرة فإنه لما كان قيامها على الأربع بأسرها
وشغلت المقدمتان بحمل البدن عن التصرف والتقلب كان لها في تحريك الذنب راحة وفيه
منافع أخرى يقصر عنها الوهم يعرف موقعها في وقت الحاجة إليها فمن ذلك أن الدابة
ترتطم في الوحل فلا يكون شيء أعون على نهوضها من الأخذ بذنبها وفي شعر
الذنب منافع للناس كثيرة يستعملونها في مآربهم ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا على قوائم أربع
ليتمكن من ركوبها وجعل حياؤها بارزا من ورائها ليتمكن الفحل من ضربها ولو كان أسفل
البطن كمكان الفرج من المرأة لم يتمكن الفحل منها ألا ترى أنه لا تستطيع [ يستطيع
] أن يأتيها كفاحا كما يأتي الرجل المرأة تأمل مشفر الفيل وما فيه من لطيف
التدبير فإنه يقوم مقام اليد في تناول العلف والماء وازدرادهما إلى جوفه ولو لا
ذلك ما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنه ليست له رقبة يمدها كسائر الأنعام
فلما عدم العنق أعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسدله فيتناول به حاجته
فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدمه ما يقوم مقامه إلا الرءوف بخلقه وكيف يكون
هذا بالإهمال كما قالت الظلمة فإن قال قائل فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الأنعام
قيل له إن رأس الفيل وأذنيه أمر عظيم وثقل ثقيل ولو كان ذلك على عنق عظيمة لهدها
وأوهنها فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا ينال منه ما وصفنا وخلق له مكان العنق هذا
المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدمه العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته
__________________
انظر الآن كيف
حياء الأنثى من الفيلة في أسفل بطنها فإذا هاجت للضراب ارتفع وبرز حتى يتمكن الفحل
من ضربها فاعتبر كيف جعل حياء الأنثى من الفيلة على خلاف ما عليه في غيرها من
الأنعام ثم جعلت فيه هذه الخلة ليتهيأ للأمر الذي فيه قوام النسل ودوامه فكر في
خلق الزرافة واختلاف أعضائها وشبهها بأعضاء أصناف من الحيوان فرأسها
رأس فرس وعنقها عنق جمل وأظلافها أظلاف بقرة وجلدها جلد نمر وزعم ناس من الجهال
بالله عز وجل أن نتاجها من فحول شتى قالوا وسبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا
وردت الماء تنزو على بعض السائمة وينتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف
شتى وهذا جهل من قائله وقلة معرفته بالباري جل قدسه وليس كل صنف من الحيوان يلقح
كل صنف فلا الفرس يلقح الجمل ولا الجمل يلقح البقر وإنما يكون التلقيح من بعض
الحيوان فيما يشاكله ويقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمارة [ الحمار ] فيخرج
بينهما البغل ويلقح الذئب الضبع فيخرج بينهما السمع على أنه ليس يكون في الذي يخرج
من بينهما عضو من كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس وعضو من الجمل وأظلاف
من البقرة بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل فإنك ترى
رأسه وأذنيه وكفله وذنبه وحوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس والحمار وشحيجه كالممتزج من صهيل
ونهيق الحمار فهذا دليل على أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتى من الحيوان كما
زعم الجاهلون بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شيء
وليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء
ويفرق ما شاء منها في أيها شاء ويزيد في الخلقة ما شاء وينقص منها ما شاء دلالة
على قدرته على الأشياء وأنه لا يعجزه شيء
__________________
أراده جل وتعالى
فأما طول عنقها والمنفعة لها في ذلك فإن منشأها ومرعاها في غياطل ذوات أشجار شاهقة
ذاهبة طولا في الهواء فهي تحتاج إلى طول العنق لتناول بفيها أطراف تلك الأشجار
فتتقوت من ثمارها تأمل خلق القرد وشبهه بالإنسان في كثير من أعضائه أعني الرأس
والوجه والمنكبين والصدر وكذلك أحشاؤه شبيهة أيضا بأحشاء الإنسان وخص مع ذلك
بالذهن والفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومئ إليه ويحكي كثيرا مما
يرى الإنسان بفعله حتى أنه يقرب من خلق الإنسان وشمائله في التدبير في خلقته على
ما هي عليه أن يكون عبرة للإنسان في نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم وسنخها إذ كان يقرب من
خلقها هذا القرب ولو لا أنه فضيلة فضله بها في الذهن والعقل والنطق كان كبعض البهائم على أن في
جسم القرد فضولا أخرى يفرق بينه وبين الإنسان كالخطم والذنب المسدل والشعر المجلل
للجسم كله وهذا لم يكن مانعا للقرد أن يلحق بالإنسان لو أعطي مثل ذهن الإنسان
وعقله ونطقه والفصل الفاصل بينه وبين الإنسان بالصحة هو النقص في
العقل والذهن والنطق انظر يا مفضل إلى لطف الله جل اسمه بالبهائم كيف كسيت أجسامهم
هذه الكسوة من الشعر والوبر والصوف ليقيها من البرد وكثرة الآفات وألبست
__________________
الأظلاف والحوافر
والأخفاف ليقيها من الحفاء إذ كانت لا أيدي لها ولا أكف ولا أصابع مهيأة للغزل
والنسج فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقتهم باقية عليهم ما بقوا لا يحتاجون إلى
تجديدها والاستبدال بها فأما الإنسان فإنه ذو حيلة وكف مهيأة للعمل فهو ينسج ويغزل
ويتخذ لنفسه الكسوة ويستبدل بها حالا بعد حال وله في ذلك صلاح من جهات من ذلك أنه
يشتغل بصنعة اللباس عن العبث وما يخرجه إليه الكفاية ومنها أنه يستريح إلى خلع
كسوته ولبسها إذا شاء ومنها أنه يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال وروعة فيتلذذ بلبسها
وتبديلها وكذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف والنعال يقي بها قدميه وفي
ذلك معايش لمن يعلمه [ يعمله ] من الناس ومكاسب يكون فيها معاشهم ومنها أقواتهم
وأقوات عيالهم فصار الشعر والوبر والصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة والأظلاف
والحوافر والأخفاف مقام الحذاء فكر يا مفضل في خلقة عجيبة في البهائم فإنهم يوارون
أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم وإلا فأين جيف هذه الوحوش والسباع وغيرها
لا يرى منها شيء وليست قليلة فتخفى لقلتها بل لو قال قائل إنها أكثر من الناس لصدق
فاعتبر ذلك بما تراه في الصحاري والجبال من أسراب الظباء والمها والحمير والوعول
والأيائل وغير ذلك من الوحوش وأصناف السباع من الأسد والضباع والذئاب والنمور
وغيرها وضروب الهوام والحشرات ودواب الأرض وكذلك أسراب الطير من الغربان والقطا
والإوز والكراكي والحمام وسباع الطير
__________________
جميعا وكلها لا
يرى منها إذا ماتت إلا الواحد بعد الواحد يصيده قانص ويفترسه سبع فإذا أحسوا
بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها ولو لا ذلك لامتلأت الصحاري
منها حتى تفسد رائحة الهواء ويحدث الأمراض والوباء فانظر إلى هذا الذي يخلص إليه
الناس وعملوه بالتمثيل الأول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا وفي البهائم وغيرها ادكارا
ليسلم الناس من معرة ما يحدث عليهم من الأمراض والفساد فكر يا مفضل في الفطن التي
جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع والخلقة لطفا من الله عز وجل لهم لئلا يخلو من
نعمه جل وعز أحد من خلقه لا بعقل وروية فإن الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا
فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدب السم في جسمه فيقتله ويقف على الغدير وهو
مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا ولا يشرب منه ولو شرب لمات من ساعته فانظر إلى ما جعل
من طباع هذه البهيمة من تحمل الظماء الغالب خوفا من المضرة في الشرب وذلك مما لا
يكاد الإنسان العاقل المميز يضبطه من نفسه والثعلب إذا أعوزه الطعم تماوت ونفخ
بطنه حتى يحسبه الطير ميتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فأخذها فمن أعان
الثعلب العديم النطق والروية بهذه الحيلة إلا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا
وشبهه فإنه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما يقوى عليه السباع من مساورة الصيد
أعين بالدهاء والفطنة والاحتيال لمعاشه والدلفين يلتمس صيد الطير فيكون
حيلته في ذلك أن يأخذ السمك فيقتله ويشرحه حتى يطفو على
__________________
الماء ثم يكمن
تحته ويثور الماء الذي عليه حتى لا يتبين شخصه فإذا وقع الطير على السمك الطافي
وثب إليها فاصطادها فانظر إلى هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض
المصلحة قال المفضل فقلت خبرني يا مولاي عن التنين والسحاب فقال
عليهالسلام
إن السحاب كالموكل به
يختطفه حيثما ثقفه كما يختطف حجر المغناطيس الحديد فهو لا يطلع رأسه في الأرض خوفا
من السحاب ولا يخرج إلا في القيظ مرة إذا سحت [ صحت ] السماء فلم يكن فيها نكتة من
غيمة قلت فلم وكل السحاب بالتنين يرصده ويختطفه إذا وجده قال ليدفع عن الناس مضرته
قال المفضل فقلت قد وصفت لي يا مولاي من أمر البهائم ما فيه معتبر لمن اعتبر فصف
لي الذرة والنمل والطير فقال عليهالسلام يا مفضل تأمل وجه الذرة الحقيرة الصغيرة هل تجد فيها نقصا
عما فيه صلاحها فمن أين هذا التقدير والصواب في خلق الذرة إلا من التدبير القائم
في صغير الخلق وكبيره انظر إلى النمل واحتشادها في جمع القوت وإعداده فإنك ترى الجماعة
منها إذا نقلت الحب إلى زبيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره بل
للنمل في ذلك من الجد والتشمير ما ليس للناس مثله أما تراهم يتعاونون على النقل
كما يتعاون الناس على العمل ثم يعمدون إلى الحب فيقطعونه قطعا لكيلا ينبت فيفسد
عليهم فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف ثم لا يتخذ النمل الزبية إلا في نشز من
الأرض كي لا يفيض السيل فيغرقها فكل هذا منه بلا عقل
__________________
ولا روية بل خلقة
خلق عليها لمصلحة لطفا من الله عز وجل انظر إلى هذا الذي يقال له الليث وتسميه
العامة أسد الذباب وما أعطي من الحيلة والرفق في معاشه فإنك تراه حين يحس بالذباب
قد وقع قريبا منه تركه مليا حتى كأنه موات لا حراك به فإذا رأى الذباب قد اطمأن
وغفل عنه دب دبيبا دقيقا حتى يكون منه بحيث يناله وثبه ثم يثب عليه فيأخذه فإذا
أخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة أن ينجو منه فلا يزال قابضا عليه حتى يحس بأنه قد
ضعف واسترخى ثم يقبل عليه فيفترسه ويحيا بذلك منه فأما العنكبوت فإنه ينسج ذلك
النسج فيتخذه شركا ومصيدة للذباب ثم يكمن في جوفه فإذا نشب فيه الذباب أحال عليه يلدغه ساعة
بعد ساعة فيعيش بذلك منه فكذلك يحكى صيد الكلاب والنهود وهكذا يحكى صيد الأشراك
والحبائل فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل طبعها ما لا يبلغه الإنسان إلا
بالحيلة واستعمال آلات فيها فلا تزدر بالشيء إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه
ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشيء الحقير فلا يضع منه ذلك كما لا يضع
من الدينار وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد تأمل يا مفضل جسم الطائر وخلقته
فإنه حين قدر أن يكون طائرا في
__________________
الجو خفف جسمه
وأدمج خلقه فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين ومن الأصابع الخمس على أربع
ومن منفذين للزبل والبول على واحد يجمعهما ثم خلق ذا جؤجؤ محدد ليسهل عليه أن يخرق
الهواء كيف ما أخذ فيه كما جعل السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء وتنفذ فيه وجعل في
جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران وكسي كله الريش ليداخله الهواء
فيقله ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان
وخلق له منقار صلب جاس يتناول به طعمه فلا ينسجح [ ينسحج ] من لقط الحب ولا يتقصف
من نهش اللحم ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب صحيحا واللحم
غريضا أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ واعتبر ذلك
بأن عجم العنب وغيره يخرج من أجواف الإنس صحيحا ويطحن في أجواف الطير لا يرى له
أثر ثم جعل مما يبيض بيضا ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت
الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران فجعل كل شيء من
خلقه مشاكلا للأمر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد
على بيضه فيحضنه أسبوعا وبعضها أسبوعين وبعضها ثلاثة أسابيع حتى يخرج الفرخ من
البيضة ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسع حوصلته للغذاء ثم يربيه ويغذيه بما يعيش به
فمن كلفه أن يلقط الطعم ويستخرجه بعد أن يستقر في حوصلته ويغذو به فراخه ولأي معنى
يحتمل هذه المشقة وليس بذي روية ولا تفكر ولا يأمل في فراخه ما يأمل الإنسان في
ولده من العز والرفد وبقاء الذكر فهذا من فعل يشهد بأنه معطوف على
فراخه لعله لا يعرفها ولا يفكر فيها وهي دوام النسل وبقاؤه لطفا من الله تعالى
ذكره
__________________
انظر إلى الدجاجة
كيف تهيج لحضن البيض والتفريخ وليس لها بيض مجتمع ولا وكر موطأ بل تنبعث
وتنتفخ وتقوقي وتمتنع من الطعم حتى يجمع لها البيض فتحضنه فتفرخ فلم كان ذلك منها
إلا لإقامة النسل ومن أخذها بإقامة النسل ولا روية ولا تفكر لو لا أنها مجبولة على
ذلك اعتبر بخلق البيضة وما فيها من المح الأصفر الخاثر والماء الأبيض الرقيق فبعضه لينشر منه الفرخ
وبعضه ليغذى به إلى أن تنقاب عنه البيضة وما في ذلك من التدبير فإنه لو
كان نشو الفرخ في تلك القشرة المستحصنة التي لا مساغ لشيء إليها لجعل معه في جوفها من الغذاء ما
يكتفي به إلى وقت خروجه منها كمن يحبس في حصن حصين لا يوصل إلى من
فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إلى وقت خروجه منه فكر في حوصلة الطائر وما
قدر له فإن مسلك الطعم إلى القانصة ضيق لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلا قليلا فلو كان الطائر لا
يلقط حبة ثانية حتى تصل الأولى القانصة لطال عليه ومتى كان يستوفي طعمه فإنما
يختلسه اختلاسا لشدة الحذر فجعلت الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من
الطعم بسرعة ثم تنفذه إلى القانصة على مهل وفي الحوصلة أيضا خلة أخرى فإن من
الطائر ما يحتاج إلى أن يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب أسهل عليه
__________________
قال المفضل فقلت
إن قوما من المعطلة يزعمون أن اختلاف الألوان والأشكال في الطير إنما يكون من قبل
امتزاج أخلاط واختلاف مقاديرها بالمرج والإهمال فقال يا مفضل هذا الوشي الذي تراه في
الطواويس والدراج والتدارج على استواء ومقابلة كنحو ما يخط بالأقدام كيف يأتي به
الامتزاج المهمل على شكل واحد لا يختلف ولو كان بالإهمال لعدم
الاستواء ولكان مختلفا تأمل ريش الطير كيف هو فإنك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك
دقاق قد ألف بعضه إلى بعض كتأليف الخيط إلى الخيط والشعرة إلى الشعرة ثم ترى
ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليلا ولا ينشق لتداخله الريح فيقل الطائر إذا طار وترى
في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته
وهو القصبة التي في وسط الريشة وهو مع ذلك أجوف ليخف على الطائر ولا يعوقه عن
الطيران هل رأيت يا مفضل هذا الطائر الطويل الساقين وعرفت ما له من المنفعة في طول
ساقيه فإنه أكثر ذلك في ضحضاح من الماء فتراه بساقين طويلين كأنه ربيئة فوق مرقب
وهو يتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى شيئا مما يتقوت به خطا خطوات
__________________
رقيقا حتى يتناوله ولو
كان قصير الساقين وكان يخطو نحو الصيد ليأخذه يصيب بطنه الماء فيثور ويذعر منه فيتفرق عنه
فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه تأمل ضروب التدبير في
خلق الطائر فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق وذلك ليتمكن من تناول طعمه
من الأرض ولو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض
وربما أعين مع طول العنق بطول المناقير ليزداد الأمر عليه سهولة له وإمكانا أفلا
ترى أنك لا تفتش شيئا من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب والحكمة انظر إلى
العصافير كيف تطلب أكلها بالنهار فهي لا تفقده ولا هي تجده مجموعا معدا بل تناله
بالحركة والطلب وكذلك الخلق كله فسبحان من قدر الرزق كيف قوته فلم يجعل مما لا
يقدر عليه إذ جعل للخلق حاجة إليه ولم يجعله مبذولا يناله بالهوينا إذا كان
لا صلاح في ذلك فإنه لو كان يوجد مجموعا معدا كانت البهائم تتقلب عليه ولا تتقلع
عنه حتى تبشم فتهلك وكان الناس أيضا يصيرون بالفراغ إلى غاية الأشر والبطر حتى
يكثر الفساد ويظهر الفواحش أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا
بالليل كمثل البوم والهام والخفاش قلت لا يا مولاي
__________________
قال إن معاشها من
ضروب تنتشر في هذا الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب وذلك أن هذه
الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل
في سطح أو عرصة دار اجتمع عليه من هذا شيء كثير فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب
فإن قال قائل إنه يأتي من الصحاري والبراري قيل له كيف يوافي تلك الساعة من موضع
بعيد وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه مع أن هذه
عيانا تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو فهذه
الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور
التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو واعرف ذلك المعنى في خلق
هذه الضروب المنتشرة التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له خلق الخفاش خلقة
عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع بل هو إلى ذوات الأربع أقرب وذلك أنه ذو أذنين
ناشزتين وأسنان ووبر وهو يلد ولادا ويرضع ويبول ويمشي إذا مشى على أربع وكل هذا خلاف صفة
الطير ثم هو أيضا مما يخرج بالليل ويتقوت مما يسري في الجو من الفراش وما أشبهه
وقد قال القائلون إنه لا طعم للخفاش وإن غذاءه من النسيم وحده وذلك يفسد ويبطل من
جهتين إحداهما خروج ما يخرج منه من الثفل والبول فإن هذا لا يكون من غير طعم
والأخرى أنه ذو أسنان ولو كان لا يطعم شيئا لم يكن للأسنان فيه معنى وليس في
الخلقة شيء لا معنى له وأما المآرب فيه فمعروفة حتى أن زبله يدخل في
__________________
بعض الأعمال ومن أعظم الأرب
فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل ثناؤه وتصرفه فيما شاء كيف شاء لضرب
من المصلحة فأما الطائر الصغير الذي يقال له ابن تمرة فقد عشش في بعض الأوقات في
بعض الشجر فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشه فاغرة فاها لتبلعه
فبينما هو يتقلب ويضطرب في طلب حيلة منها إذ وجد حسكة فحملها فألقاها
في فم الحية فلم تزل الحية تلتوي وتتقلب حتى ماتت أفرأيت لو لم أخبرك بذلك كان
يخطر ببالك أو ببال غيرك أنه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة العظيمة أو يكون من
طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة اعتبر بهذا وكثير من الأشياء تكون فيها منافع لا
تعرف إلا بحادث يحدث به والخبر يسمع به انظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل وتهيئة البيوت
المسدسة وما ترى في ذلك اجتماعه من دقائق الفطنة فإنك إذا تأملت
العمل رأيته عجيبا لطيفا وإذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس وإذا
رجعت إلى الفاعل ألفيته غبيا جاهلا بنفسه فضلا عما سوى ذلك ففي هذا أوضح الدلالة
على أن الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليست للنحل بل هي للذي طبعه عليها وسخره فيها
لمصلحة الناس انظر إلى هذه الجراد ما أضعفه وأقواه فإنك إذا تأملت خلقه رأيته
كأضعف
__________________
الأشياء وإن دلفت عساكره نحو بلد
من البلدان لم يستطع أحد أن يحميه منه ألا ترى أن ملكا من ملوك الأرض لو جمع خيله
ورجله ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك أفليس من الدلائل على قدرة الخالق أن
يبعث أضعف خلقه إلى أقوى خلقه فلا يستطيع دفعه انظر إليه كيف ينساب على وجه الأرض
مثل السيل فيغشي السهل والجبل والبدو والحضر حتى يستر نور الشمس بكثرته فلو كان
مما يصنع بالأيدي متى كان يجتمع منه هذه الكثرة وفي كم من سنة كان يرتفع فاستدل
بذلك على القدرة التي لا يئودها شيء ولا يكثر عليها تأمل خلق السمك ومشاكلته للأمر
الذي قدر أن يكون عليه فإنه خلق غير ذي قوائم لأنه لا يحتاج إلى المشي إذا كان
مسكنه الماء وخلق غير ذي رئة لأنه لا يستطيع أن يتنفس وهو منغمس في اللجة وجعلت له مكان
القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاح بالمجاذيف جانبي السفينة
وكسي جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع والجواشن لتقيه من الآفات فأعين بفضل
حس في الشم لأن بصره ضعيف والماء يحجبه فصار يشم الطعم من البعد البعيد فينتجعه وإلا فكيف يعلم
به بموضعه واعلم أن من فيه إلى صماخيه منافذ فهو يعب الماء بفيه
ويرسله من صماخيه فيتروح إلى ذلك كما يتروح غيره من الحيوان إلى أن تنسم هذا
النسيم فكر الآن في كثرة نسله وما خص به
__________________
من ذلك فإنك ترى
في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرة والعلة في ذلك أن يتسع لما يغتذي
به من أصناف الحيوان فإن أكثرها يأكل السمك حتى أن السباع أيضا في حافات الآجام عاكفة على الماء أيضا كي ترصد
السمك فإذا مر بها خطفته فلما كانت السباع تأكل السمك والطير يأكل السمك والناس
يأكلون السمك والسمك يأكل السمك كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من
الكثرة فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في
البحار من ضروب السمك ودواب الماء والأصداف والأصناف التي لا تحصى ولا تعرف
منافعها إلا الشيء بعد الشيء يدركه الناس بأسباب تحدث مثل القرمز فإنه إنما عرف
الناس صبغه بأن كلبة تجول على شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمى الحلزون
فأكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس إلى حسنه فاتخذوه صبغا وأشباه هذا مما يقف
الناس عليه حالا بعد حال وزمانا بعد زمان .
توضيح : وأوكدها
أي أوكد الأشياء وأحوجها إلى هذا النوع من الخلق هذه الصناعات ويمكن أن يكون فعلا
والضمير راجعا إلى جنس البشر أي ألزمها وألهمها هذه الصناعات ولا يبعد إرجاعه إلى
الكف أيضا والململم بفتح اللامين المجتمع المدور المصموم واليمام حمام الوحش وفي
حياة الحيوان قال الأصمعي إنه الحمام الوحشي الواحدة يمامة وقال الكسائي هي التي
تألف البيوت وقال الحمر بضم الحاء المهملة وتشديد الميم وبالراء
المهملة ضرب من الطير كالعصفور وروى أبو داود الطيالسي والحاكم وقال صحيح الإسناد
عن ابن مسعود قال كنا عند النبي صلىاللهعليهوآله فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت
__________________
الحمرة تزف على
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأصحابه فقال لأصحابه أيكم فجع هذه فقال رجل يا رسول الله أخذت بيضها وفي
رواية الحاكم فريخها فقال صلىاللهعليهوآله رده رده رحمة لها انتهى .
وفي القاموس الحمر
كصرد طائر وتشدد الميم والمودع بفتح الدال المستريح ونير الفدان الخشبة المعترضة
في عنق الثورين والدببة كعنبة جمع الدب والعين بالفتح الغلظ في الجسم والخشونة
والخطم بالفتح من كل دابة مقدم أنفه وفمه والجحفلة بمنزلة الشفة للبغال والحمير
والخيل والحياء الفرج والمراد بمراقي البطن ما ارتفع منه من وسطه أو قرب منه
والوضر الدرن.
وقال الدميري ذكر
القزويني أن فرج الفيلة تحت إبطها فإذا كان وقت الضراب ارتفع وبرز للفحل حتى يتمكن
من إتيانها فسبحان من لا يعجزه شيء .
أقول سيأتي أحوال
الفيل في باب المسوخ إن شاء الله وقال الدميري الزرافة بفتح الزاي وضمها مخففة
الراء وهي حسنة الخلق طويلة اليدين قصيرة الرجلين مجموع يديها ورجليها نحو عشرة
أذرع رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وجلدها كجلد النمر وقوائمها وأظلافها
كالبقر وذنبها كذنب الظبي ليس لها ركب في رجليها إنما ركبتاها في يديها وإذا مشت
قدمت الرجل اليسرى واليد اليمنى بخلاف ذوات الأربع كلها فإنها تقدم اليد اليسرى
والرجل اليمنى وفي طبعها التودد والتأنس وتجتر وتبعر ولما علم الله تعالى
أن قوتها في الشجر
__________________
جعل يديها أطول من
رجليها وتستعين بذلك على الرعي منها وفي تاريخ ابن خلكان في ترجمة محمد بن
عبد الله العتبي البصري الأخباري الشاعر أنه كان يقول الزرافة بفتح الزاي وضمها
الحيوان المعروف وهي متولدة بين ثلاثة حيوانات الناقة الوحشية والبقر الوحشية
والضبعان وهو الذكر من الضباع فيقع الضبعان على الناقة فيأتي بولد بين الناقة
والضبع فإن كان الولد ذكرا وقع على البقرة فتأتي بالزرافة وذلك في بلاد الحبشة
ولذلك قيل لها الزرافة وهي في الأصل الجماعة فلما تولدت من جماعة قيل لها ذلك
والعجم يسمونها أشتر گاو پلنگ وقال قوم إنها متولدة من حيوانات وسبب ذلك اجتماع
الدواب والوحوش في القيظ عند المياه فتتسافد فيلقح منها ما يلقح ويمتنع ما يمتنع
وربما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة فتختلط مياهها فيأتي منها خلق مختلف الصور
والأشكال والألوان والجاحظ لا يرتضي هذا القول ويقول إنه جهل شديد لا يصدر إلا عمن
لا تحصيل لديه لأن الله تعالى : « يَخْلُقُ ما يَشاءُ » وهو نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل والحمير ومما
يحقق ذلك أنه يلد مثله وقد شوهد ذلك . وقال السمع بكسر السين ولد الذئب من الضبع وهو سبع مركب
فيه شدة الضبع وقوتها وجرأة الذئب وخفته ويزعمون أنه كالحية لا يعرف العلل ولا
يموت حتف أنفه وأنه أسرع عدوا من الريح وقال القرد حيوان معروف وجمعه قرود وقد يجمع على قردة بكسر
القاف
__________________
وفتح الراء
المهملة والأنثى قردة بكسر القاف وإسكان الراء وجمعها قرد بكسر القاف وفتح الراء
وبالدال في آخره مثل قربة وقرب وكنيته أبو خالد وأبو حبيب وأبو زنة وأبو قشة وهو حيوان قبيح
مليح ذكي سريع الفهم يتعلم الصنعة أهدى ملك النوبة إلى المتوكل قردا خياطا وآخر
صائغا وأهل اليمن يعلمون القردة القيام بحوائجهم حتى أن البقال والقصاب يعلم
القردة حفظ الدكان حتى يعود صاحبه ويعلم السرقة فيسرق نقل الشيخان عن القاضي حسين
أنه قال لو علم قرد النزول إلى الدار وإخراج المتاع ثم نقب وأرسل القرد فأخرج
المتاع ينبغي أن لا يقطع لأن للحيوان اختيارا وروي عن أحمد بن طاهر أنه قال شهدت
بالرملة قردا صائغا فإذا أراد أن ينفخ أشار إلى رجل حتى ينفخ له انتهى .
وسيأتي سائر
أحواله في باب المسوخ.
وشحيج البغل
والحمار صوتهما والأسراب جمع السرب وهو القطيع من الظبا والقطا والخيل ونحوها
والمها جمع المهاة وهي البقر الوحشية.
قال الدميري وقيل
المها نوع من البقر الوحشي والأنثى من المها إذا حملت هربت من البقر ومن طبعها
الشبق والذكر لفرط شهوته يركب ذكرا آخرا والمها أشبه شيء بالمعز الأهلية وقرونها
صلاب جدا ومخها يطعم صاحب القولنج ينفعه نفعا ومن استصحب معه شعبة من قرن المها
نفرت منه السباع وإذا بخر بقرنه أو جلده أو ظفره في بيت نفرت منه الحيات ورماد
قرنه يذر على السن المتأكلة يسكن وجعها وشعره إذا بخر به بيت هربت منه الفأر
والخنافس وإذا أحرق قرنه وجعل في طعام صاحب حمى الربع فإنها تزول عنه
وإذا شرب في شيء من الأشربة زاد في الباه وقوي العصب وزاد في الإنعاظ وإذا نفخ في
أنف الراعف قطع
__________________
دمه وإذا أحرق
قرناه حتى يصيرا رمادا وأديفا بخل وطلي به موضع البرص مستقبل الشمس فإنه يزول وإذا استف منه مقدار مثقال
فإنه لا يخاصم أحدا إلا غلب عليه والوعل بالفتح وككتف تيس الجبل والجمع أوعال ووعول قال
الدميري الوعل بفتح الواو وكسر العين المهملة الأروى وهو التيس الجبلي وفي طبعه
أنه يأوي إلى الأماكن الوعر الخشنة ولا يزال مجتمعا فإذا كان وقت الولادة تفرق
وإذا اجتمع في ضرع أنثى لبن امتصته والذكر إذا عجز عن النزو أكل البلوط فتقوى
شهوته وإذا لم يجد الأنثى انتزع المني بالامتصاص من فيه وذلك إذا جذبه
الشبق وفي طبعه أنه إذا أصابه جرح طلب الخضرة التي في الحجارة فيمصها ويجعلها في
الجرح فيبرأ وإذا أحس بقناص وهو في مكان مرتفع استلقى على ظهره ثم يزج نفسه فينحدر
ويكون قرناه وهما في رأسه إلى عجزه يقيانه ما يخشى من الحجارة ويسرعان به
لملوستهما على الصفا انتهى .
والأيل بضم الهمزة
وكسرها وفتح الياء المشددة وكسيد الذكر من الأوعال ويقال هو الذي يسمى بالفارسية
گوزن والجمع أياييل قال الدميري وأكثر أحواله شبيهة ببقر الوحش وإذا خاف من الصيد
يرمي نفسه من رأس الجبل ولا يتضرر بذلك وعدد سني عمره العقد التي في قرنه وإذا
لسعته الحية أكل السرطان ويصادق السمك فهو يمشي إلى الساحل ليرى السمك والسمك يقرب
من البر ليراه والصيادون يعرفون هذا فيلبسون جلده ليقصدهم السمك فيصطادون
__________________
منه وهو مولع بأكل
الحيات يطلبها حيث وجدها وربما لسعته فتسيل دموعه إلى نقرتين تحت محاجر عينيه يدخل
الإصبع فيها فتجمد تلك الدموع فتصير كالشمع فيتخذ درياقا لسم الحيات وهو البادزهر
الحيواني وأجوده الأصفر وأماكنه بلاد السند والهند وفارس وإذا وضع على لسع الحيات
والعقارب نفعها وإن أمسكه شارب السم في فيه نفعه وله في دفع السموم خاصية عجيبة
وهذا الحيوان لا تنبت له قرون إلا بعد مضي سنتين من عمره فإذا نبت قرناه نبتا
مستقيمين كالوتدين وفي الثالثة يتشعب ولا تزال التشعب في زيادة إلى تمام ست سنين فحينئذ يكونان
كشجرتين في رأسه ثم بعد ذلك يلقي قرنيه في كل سنة مرة ثم ينبتان فإذا نبتا تعرض
بهما للشمس ليصلبا والأيل في نفسه جبان دائم الرعب وهو يأكل الحيات أكلا ذريعا
وإذا أكل الحيات بدأ بأكل ذنبها إلى رأسها وهو يلقي قرونه في كل سنة وذلك إلهام من
الله تعالى لما للناس فيها من المنفعة لأن الناس يطردون بقرنه كل دابة سوء وييسر
عسر الولادة وينفع الحوامل ويخرج الدود من البطن إذا أحرق جزء منه ولعق بالعسل.
وقال أرسطو إن هذا
النوع يصاد بالصفير والغناء ولا ينام ما دام يسمع ذلك فالصيادون يشغلونه بذلك
ويأتونه من ورائه فإذا رأوه قد استرخت أذناه أخذوه وذكر من عصب لا لحم ولا عظم
وقرنه مصمت لا تجويف فيه ويسمن هذا الحيوان سمنا كثيرا فإذا اتفق له ذلك هرب خوفا
من أن يصاد وإن الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى وتلتهب لحرارتها فتطلب الماء
فإذا رأته امتنعت من شربه وحامت عليه تتنسمه لأنها لو شربته في تلك الحالة فصادف الماء السم الذي في
أجوافها هلكت فلا تزال تمتنع من شرب الماء حتى يطول بها الزمان فيذهب ثوران السم
ثم تشربه فلا يضرها وإذا بخر بقرنه طرد الهوام وكل ذي سم وإذا أحرق
__________________
قرنه واستيك به
قلع الصفرة والحفر من الأسنان وشد أصولها ومن علق عليه شيئا من أجزائه لم ينم ما
دام عليه وإذا جفف قضيبه وسفي هيج الباه وإذا شرب دمه فتتت الحصاة التي في المثانة
انتهى .
والقانص الصائد والمراد
بالتمثيل ما ذكر الله تعالى في قصة هابيل المعرة الأذى قوله
عليهالسلام
لا يعقل لعل المراد أن
هذه الأمور بمحض لطفه سبحانه حيث يلهمهم ذلك لا بعقل وروية.
وقال الفيروزآبادي
الدلفين بالضم دابة بحرية تنجي الغريق وقال الدميري الدلفين ضبطه الجوهري في
باب السين بضم الدال فقال الدخس مثل الصرد دابة في البحر تنجي الغريق تمكنه من
ظهرها تستعين على السباحة وتسمى الدلفين وقال بعضهم إنه خنزير البحر وهو
دابة تنجي الغريق وهو كثير بأواخر نيل مصر من جهة البحر المالح لأنه يقذف به البحر
إلى النيل وصفته كصفة الزق المنفوخ وله رأس صغير جدا وليس في دواب البحر دابة لها
رئة سواه ولذا يسمع منه النفخ والنفس وهو إذا ظفر بالغريق كان أقوى الأسباب في
نجاته لأنه لا يزال يدفعه إلى البر حتى ينجيه ولا يؤذي أحدا ولا يأكل إلا السمك
وربما ظهر على وجه الماء كأنه ميت وهو يلد ويرضع وأولاده تتبعه حيث ذهب ولا يلد إلا في الصيف
وفي طبعه الأنس وخاصة بالصبيان وإذا صيد جاءت دلافين كثيرة لقتال صائده
وإذا لبث في العمق حينا حبس نفسه وصعد بعد ذلك مسرعا مثل السهم لطلب النفس فإن
كانت بين يديه سفينة وثب وثبة وارتفع بها عن
__________________
السفينة ولا يرى
منها ذكر إلا مع أنثى انتهى .
وقال الفيروزآبادي
التنين كسكين حية عظيمة وقال الدميري ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها وقال القزويني في
عجائب المخلوقات إنه شر من الكوسج في فمه أنياب مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة
السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف براق العينين يبتلع كثيرا من
الحيوانات يخافه حيوان البر والبحر إذا تحرك يموج البحر لشدة قوته وأول أمره تكون
حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى فإذا كثر فسادها احتملها ملك وألقاها في
البحر فتفعل في دواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله تعالى إليها ملكا
يحملها ويلقيها إلى يأجوج ومأجوج وروى بعضهم أنه رأى تنينا طوله نحو فرسخين ولونه مثل لون
النمر مفلسا مثل فلوس السمك بجناحين عظيمين على هيئة جناحي السمك ورأسه كرأس
الإنسان لكنه كالتل العظيم وأذناه طويلتان وعيناه مدورتان كبيرتان جدا انتهى .
وأقول لم أر في
كلامهم اختطاف السحاب للتنين وقال الفيروزآبادي القيظ صميم الصيف من طلوع الثريا
إلى طلوع السهيل والزبية بالضم الحفرة والنشز بالفتح وبالتحريك المكان المرتفع
وقال الجوهري الليث الأسد وضرب من العناكب يصطاد الذباب بالوثب ويقال أحال عليه
بالسوط يضربه أي أقبل قوله فكذلك أي كفعل الليث وقوله هكذا أي كفعل العنكبوت قال
الدميري العنكبوت دويبة تنسج في الهواء وجمعها عناكب والذكر عنكب و
__________________
وزنه فعللوت وهي
قصار الأرجل كبار العيون للواحد ثمانية أرجل وست أعين فإذا أراد صيد
الذباب لطأ بالأرض وسكن إلى أطرافه وجمع نفسه ثم وثب على الذباب فلا يخطئه. قال
أفلاطون أحرص الأشياء الذباب وأقنع الأشياء العنكبوت فجعل الله رزق أقنع الأشياء
أحرص الأشياء فسبحان اللطيف الخبير وهذا النوع يسمى الذباب ومنها نوع يضرب بالحمرة
له زغب وله في رأسه أربع إبر ينهش بها وهو لا ينسج بل يحفر بيته في الأرض ويخرج
بالليل كسائر الهوام منها الرتيلا قال الجاحظ الرتيل نوع من العناكب وتسمى عقرب
الحيات لأنها تقتل الحيات والأفاعي وقيل إنها ستة أنواع وقيل
ثمانية وكلها من أصناف العنكبوت وقال الجاحظ ولد العنكبوت أعجب من الفروخ الذي
يخرج إلى الدنيا كاسبا كاسيا لأن ولد العنكبوت يقوى على النسج ساعة يولد من غير
تلقين ولا تعليم ويبيض ويحضن وأول ما يولد يكون دودا صغارا ثم يتغير ويصير عنكبوتا
وتكمل صورته عند ثلاثة أيام وهو يطاول للفساد فإذا أراد الذكر الأنثى جذب بعض خيوط
نسجها من الوسط فإذا فعل ذلك فعلت الأنثى مثله فلا يزالان يتدانيان حتى يتشابكا
فيصير بطن الذكر قبالة بطن الأنثى وهذا النوع من العناكب حكيم ومن حكمته أنه يمد
السدى ثم يعمل اللحمة ويبتدئ من الوسط ويهيئ موضعا لما يصيده من مكان آخر كالخزانة
فإذا وقع شيء فيما نسجه وتحرك عمد إليه وشبك عليه شيئا يضعفه فإذا علم ضعفه
حمله وذهب به إلى خزانته فإذا خرق الصيد من النسج شيئا عاد إليه ورمه والذي تنسجه
لا يخرجه من جوفها بل من خارج جلدها وفمها مشقوق بالطول وهذا النوع ينسج
بيته دائما مثلث الشكل وتكون سعة بيتها بحيث
__________________
يغيب فيه شخصها
انتهى . ويقال وضع عنه أي حط من قدره وأقله أي حمله ورفعه وجسا كدعا صلب ويبس وسحجت
جلده فانسحج أي قشرته فانقشر والتقصف التكسر والغريض الطري أي غير مطبوخ والعجم
بالتحريك النوى وتقوقي أي تصيح والمح بضم الميم والحاء المهملة صفرة البيض وفي بعض
النسخ بالخاء المعجمة وتنقاب أي تنفلق وماء ضحضاح قريب القعر والربيئة بالهمز
العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو والمرقب الموضع المشرف يرتفع عليه
الرقيب والبشم محركة التخمة بشم كفرح والفراش هي التي تقع في السراج واليعسوب أمير
النحل وطائر أصغر من الجرادة أو أعظم وفي القاموس التمرة كقبرة أو ابن تمرة طائر
أصغر من العصفور وقال القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود في آجامهم وقال الحلزون
محركة دابة تكون في الرمث أي بعض مراعي الإبل أقول ويظهر من الخبر اتحادهما ويحتمل
أن يكون المراد أن من صبغ الحلزون تفطنوا بأعمال القرمز للصبغ لتشابههما.
قال الدميري
الحلزون دود في جوف أنبوبة حجرية يوجد في سواحل البحار وشطوط الأنهار وهذه الدود
تخرج بنصف بدنها من جوف تلك الأنبوبة الصدفية وتمشي يمنة ويسرة تطلب مادة تغتدي
بها فإذا أحست برطوبة ولين انبسطت إليها وإذا أحست بخشونة أو صلابة انقبضت وغاصت
في جوف الأنبوبة الصدفية حذرا من المؤذي لجسمها وإذا انسابت جرت بيتها معها انتهى .
أقول قد أوردنا
الخبر بتمامه وشرحناه على وجه آخر في كتاب التوحيد تذييل نفعه جليل اعلم أنه قد
ظهر من سياق هذا الخبر في مواضع أن الأعمال الصادرة عن الحيوانات العجم ليست على
جهة الفهم والشعور وإنما هي طبائع طبعت عليها وقد لاح من ظواهر كثير من الآيات
والأخبار أن لها شعورا
__________________
ومعرفة بل لهم
تكاليف يعاقبون على ترك بعضها في الدنيا وعلى ترك بعضها في الآخرة لا على الدوام
بل في مدة يحصل فيها التقاص بين مظلومها وظالمها وقد اختلف الحكماء والمتكلمون من
الخاص والعام في ذلك فالحكماء ذهبوا إلى تجرد النفوس الناطقة الإنسانية وإلى أنه
لا يتأتى إدراك الكلي إلا من المجرد فلذا خصوا إدراكه بالإنسان وأما سائر
الحيوانات فتدرك بالقوى الدراكة البدنية الأمور الجزئية كإدراك الشاة معنى جزئيا
في الذئب يوجب نفورها عنه وأكثر المتكلمين أيضا نفوا عنها الفهم والشعور والعقل
التي هي مناط التكليف وأولوا الآيات والأخبار الواردة في ذلك كما عرفت سابقا
وسيأتي والحق أنه لم يدل دليل قاطع على نفي العقل والتكليف عنها مطلقا بل إنما يدل
على أنها ليست في درجة الإنسان في إدراك المعاني الدقيقة والتكاليف العظيمة التي
كلف بها الإنسان والوعد بالنعيم الدائم والوعيد بالعذاب المخلد فيحتمل أن تكون
مدركة لبعض الأمور الكلية والمصالح الجلية المتعلقة ببقاء نوعها وغذائها ونموها
وملهمة بمعرفة صانعها وطاعة إمام الزمان وسائر الأمور الواردة في الأخبار المعتبرة
ولا استحالة في ذلك ولا يلزم من ذلك أن تكون كسائر المكلفين مكلفة بجميع التكاليف
معاقبة على ترك كلها وأيضا نفي التكليف لا يدل على سلب العقول والشعور مطلقا فإن
المراهقين غير مكلفين قد يكون لهم من إدراك العلوم وتحقيق المطالب ما لم يحصل
لكثير من المكلفين على أنه يمكن حمل بعض الآيات والأخبار على أنه تعالى لإظهار
المعجز لنبي أو وصي أو الكرامة لولي أعطاها في ذلك الوقت عقلا وشعورا بها يصدر
منها بعض أقوال العقلاء وأفعالهم كما مر أو أوجد فيها كلاما أو فعلا بحيث لا تشعر
لما ذكروا وإن كان بعيدا وأما القول بأن صدور الأعمال الوثيقة والصنائع الدقيقة
منها إنما هي من طبع طبعت عليها من غير شعور بها وفائدتها ففي غاية البعد ويمكن
تأويل ما يوهم ذلك في حديث المفضل على أن المعنى أن الله تعالى يلهمها عند حاجة
إلى أمر من الأمور ومصلحة من المصالح ذلك من غير أن يحصل لها ذلك العلم بالأخذ من
معلم أو بتحصيل تجربة أو الرجوع إلى كتاب كما
تتفق تلك الأمور
لأكثر أفراد البشر العاقلين كما أن الطفل عند الولادة يلقى عليه شهوة الغذاء
والبكاء لتحصيله ويلهم كيفية مص الثدي وأمثال ذلك مما مر شرحه وتفصيله.
ولنذكر هنا بعض ما
ذكره محققو أصحابنا وغيرهم في ذلك فمنها ما ذكره السيد المرتضى رضياللهعنه في كتاب الغرر حيث سئل ما القول في الأخبار الواردة في عمدة كتب من الأصول والفروع
بمدح أجناس من الطير والبهائم والمأكولات والأرضين وذم أجناس منها كمدح الحمام
والبلبل والقنبر والحجل والدراج وما شاكل ذلك من فصيحات الطير وذم الفواخت والرخم
وما يحكى من أن كل جنس من هذه الأجناس المحمودة ينطق بثناء على الله تعالى وعلى
أوليائه ودعاء لهم ودعاء على أعدائهم وأن كل جنس من هذه الأجناس المذمومة ينطق بضد
ذلك من ذم الأولياء عليهالسلام
وكذم الجري وما شاكله من
السمك وما نطق به الجري من أنه مسخ بجحده الولاية وورود الآثار بتحريمه لذلك وكذم
الدب والقرد والفيل وسائر المسوخ المحرمة وكذم البطيخة التي كسرها أمير المؤمنين
عليهالسلام
فصادفها مرة فقال من
النار إلى النار ودحا بها من يده ففار من الموضع الذي سقطت فيه دخان وكذم
الأرضين السبخة والقول بأنها جحدت الولاية أيضا وقد جاء في هذا المعنى ما يطول
شرحه وظاهره مناف لما تدل العقول عليه من كون هذه الأجناس مفارقة لقبيل ما يجوز
تكليفه ويسوغ أمره ونهيه وفي هذه الأخبار التي أشرنا إليها أن بعض هذه الأجناس
يعتقد الحق ويدين به وبعضها يخالفه وهذا كله مناف لظاهر ما العقلاء عليه.
ومنها ما يشهد أن
لهذه الأجناس منطقا مفهوما وألفاظا تفيد أغراضها وأنها بمنزلة الأعجمي والعربي
اللذين لا يفهم أحدهما صاحبه وأن شاهد ذلك من قول الله سبحانه فيما حكاه عن سليمان
عليهالسلام
: « يا
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ
__________________
وَأُوتِينا
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » وكلام النملة أيضا مما حكاه الله سبحانه وكلام الهدهد
واحتجاجه وفهمه وجوابه فلينعم بذكر ما عنده مثابا إن شاء الله وبالله التوفيق.
وأجاب رضياللهعنه اعلم أن المعول فيما نعتقد على ما تدل الأدلة عليه من نفي وإثبات فإذا دلت الأدلة على أمر
من الأمور وجب أن نبني كل وارد من الأخبار إذا كان ظاهره بخلافه عليه ونسوقه إليه
ونطابق بينه وبينه ونخلي ظاهرا إن كان له ونشرط إن كان مطلقا ونخصه إن كان عاما
ونفضله إن كان مجملا ونوفق بينه وبين الأدلة من كل طريق اقتضى الموافقة وآل إلى
المطابقة وإذا كنا نفعل ذلك ولا نحتشمه في ظواهر القرآن المقطوع على صحته المعلوم
وروده فكيف نتوقف عن ذلك في أخبار آحاد لا توجب علما ولا تثمر يقينا فمتى وردت
عليك أخبار فأعرضها على هذه الجملة وابنها عليها وافعل فيها ما حكمت به الأدلة
وأوجبته الحجج العقلية وإن تعذر فيها بناء وتأويل وتخريج وتنزيل فليس غير الإطراح
لها وترك التعريج عليها ولو اقتصرنا على هذه الجملة لاكتفينا فيمن يتدبر ويتفكر
وقد يجوز أن يكون المراد بذم هذه الأجناس من الطير أنها ناطقة بضد الثناء على الله
وبذم أوليائه ونقص أصفيائه ذم متخذيها ومرتبطيها وأن هؤلاء المغرين بمحبة هذه الأجناس واتخاذها
هم الذين ينطقون بضد الثناء على الله تعالى ويذمون أولياءه وأحباءه فأضاف النطق
إلى هذه الأجناس وهو لمتخذيها أو مرتبطيها للتجاور والتقارب وعلى سبيل التجوز
والاستعارة كما أضاف الله تعالى السؤال في القرآن إلى القرية وإنما هو لأهل القرية
وكما قال تعالى : « وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ
__________________
عَذَّبْناها
عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً » وفي هذا كله حذوف وقد أضيف في الظاهر الفعل إلى من هو في
الحقيقة متعلق بغيره والقول في مدح أجناس من الطير والوصف لها بأنها تنطق بالثناء
على الله والمدح لأوليائه يجري على هذا المنهاج الذي نهجناه.
فإن قيل كيف يستحق
مرتبط هذه الأجناس مدحا بارتباطها ومرتبط بعض آخر ذما بارتباطه حتى علقتم المدح
والذم بذلك.
قلنا ما جعلنا
لارتباط هذه الأجناس حظا في استحقاق مرتبطيها مدحا ولا ذما وإنما قلنا إنه غير
ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لأولياء الله تعالى والمعادين لأعدائه بأن
بالغوا ارتباط أجناس من الطير وكذلك تجري عادة بعض أعداء الله
تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لا من أجل اتخاذه لكن لما
هو عليه من الاتخاذ الصحيح فيضاف المدح إلى هذه الأجناس وهو لمرتبطها والنطق
بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا وكذلك القول في الذم
المقابل للمدح. فإن قيل فلم نهي عن اتخاذ بعض هذه الأجناس إذا كان الذم لا يتعلق
باتخاذها وإنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم وضلالهم.
قلنا يجوز أن يكون
في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها وارتباطها مفسدة وليس يقبح خلقها في الأصل
لهذا الوجه لأنها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع سوى الارتباط والاتخاذ
الذي لا يمتنع تعلق المفسدة به ويجوز أيضا أن يكون في اتخاذ هذه الأجناس المنهي
عنها شؤم وطيرة فللعرب في ذلك مذهب معروف ويصح هذا النهي أيضا على مذهب من نفى
الطيرة على التحقيق لأن الطيرة والتشؤم وإن كان لا تأثير لهما على التحقيق فإن
النفوس تستشعر ذلك ويسبق
__________________
إليها ما يجب على
كل حال تجنبه والتوقي عنه وعلى هذا يحمل معنى قوله
عليهالسلام
لا يورد ذو عاهة على مصح
وأما تحريم السمك الجري وما أشبهه فغير ممتنع لشيء يتعلق بالمفسدة في تناوله كما
نقول في سائر المحرمات فأما القول بأن الجري نطق بأنه مسخ لجحده الولاية فهو مما
يضحك منه ويتعجب من قائله والملتفت إلى مثله فأما تحريم الدب والقرد والفيل
فكتحريم كل محرم في الشريعة والوجه في التحريم لا يختلف والقول بأنها ممسوخة إذا
تكلفنا حملناه على أنها كانت على خلق حميدة غير منفور عنها ثم جعلت على هذه الصور
الشنية على سبيل التنفير عنها والزيادة عن الصد في الانتفاع بها
لأن بعض الأحياء لا يجوز أن يكون غيره على الحقيقة والفرق بين كل حيين معلوم ضرورة
فكيف يجوز أن يصير حي حيا آخر غيره وإذا أريد بالمسخ هذا فهو باطل وإن أريد غيره
نظرنا فيه وأما البطيخة فقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين
عليهالسلام
لما ذاقها ونفر عن طعمها
وزادت كراهيته له قال من النار وإلى النار أي هذا من طعام أهل النار وما يليق
بعذاب أهل النار كما يقول أحدنا ذلك فيما يستوبيه ويكرهه ويجوز أن يكون فوران
الدخان عند الإلقاء لها على سبيل التصديق لقوله
عليهالسلام
من النار وإلى النار
وإظهار المعجز له وأما ذم الأرضين السبخة والقول بأنها جحدت الولاية فمتى لم يكن
محمولا معناه على ما قدمناه من جحد هذه الأرض وسكانها الولاية لم يكن معقولا ويجري
ذلك مجرى قوله تعالى : « وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّها وَرُسُلِهِ » وأما إضافة اعتقاد الحق إلى بعض البهائم واعتقاد الباطل
والكفر إلى بعض آخر فمما تخالفه العقول والضرورات لأن هذه البهائم غير عاقلة ولا
كاملة ولا مكلفة فكيف تعتقد حقا أو باطلا وإذا ورد أثر في ظاهره شيء من هذه
المحالات فالوجه فيه إما إطراح أو تأول على المعنى الصحيح وقد نهجنا
__________________
طريق التأويل
وبينا كيف التوصل إليه فأما حكايته تعالى عن سليمان
عليهالسلام
: « يا
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » فالمراد به أنه علم ما يفهم به ما تنطق به الطير وتتداعى
في أصواتها وأغراضها ومقاصدها بما يقع منها من صياح على سبيل المعجزة لسليمان
عليهالسلام
وأما الحكاية عن النملة
بأنها قالت : « يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ
لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ » فقد يجوز أن يكون المراد به أنه ظهر منها دلالة القول على
هذا المعنى وأشعرت باقي النمل وخوفتهم من الضرر بالمقام وأن النجاة في الهرب إلى
مساكنها فتكون إضافة القول إليه مجازا أو استعارة كما قال الشاعر
وشكا إلى بعيرة وتحمحم
وكما قال الآخر
وقالت له العينان سمعا وطاعة
ويجوز أن يكون وقع
من النملة كلام ذو حروف منظومة كما يتكلم أحدنا يتضمن المعاني المذكورة ويكون ذلك
معجزة لسليمان عليهالسلام
لأن الله تعالى سخر له
الطير وأفهمه معاني أصواتها على سبيل المعجز له وليس هذا بمنكر فإن النطق بمثل هذا
الكلام المسموع منا لا يمتنع وقوعه ممن ليس بمكلف ولا كامل العقل ألا
ترى أن المجنون ومن لم يبلغ الكمال من الصبيان قد يتكلمون بالكلام المتضمن للأغراض
وإن كان التكليف والكمال عنهم زائلين والقول فيما حكي عن الهدهد يجري على الوجهين
اللذين ذكرناهما في النملة فلا حاجة بنا إلى إعادتهما وأما حكاية أنه قال :
«
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
بِسُلْطانٍ مُبِينٍ »
__________________
وكيف يجوز أن يكون
ذلك في الهدهد وهو غير مكلف ولا يستحق مثله العذاب فالجواب عنه أن العذاب اسم
للضرر الواقع وإن لم يكن مستحقا فليس يجري مجرى العقاب الذي لا يكون إلا جزاء على
أمر تقدم فليس يمتنع أن يكون معنى لأعذبنه أي لأؤلمنه ويكون الله تعالى قد أباحه
الإيلام له كما أباحه الذبح له لضرب من المصلحة كما سخر له الطير يصرفها في منافعه
وأغراضه وكل هذا لا ينكر في نبي مرسل تخرق له العادات وتظهر على يده المعجزات
وإنما يشتبه على قوم يظنون أن هذه الحكايات تقتضي كون النملة والهدهد مكلفين وقد
بينا أن الأمر بخلاف ذلك .
وقال قدس الله
روحه أيضا في جواب المسائل الطرابلسيات فأما الاستبعاد في النملة أن تنذر باقي
النمل بالانصراف عن الموضع والتعجب من فهم النملة عن الأخرى ومن أن يخبر عنها بما
نطق القرآن به من قوله : « يا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا » الآية فهو في غير موضعه لأن البهيمة قد تفهم عن الأخرى
بصوت يقع منها أو فعل كثيرا من أغراضها ولهذا نجد الطيور وكثيرا من البهائم يدعو
الذكر منها الأنثى بضرب من الصوت يفرق بينه وبين غيره من الأصوات التي لا تقتضي
الدعاء والأمر في ضروب الحيوانات وفهم بعضها عن بعض مرادها وأغراضها بفعل يظهر أو
صوت يقع أظهر من أن يخفى والتغابي عن ذلك مكابرة فما المنكر على هذا أن يفهم باقي
النمل من تلك النملة التي حكي عنها ما حكي الإنذار والتخويف فقد نرى مرارا نملة
تستقبل أخرى وهي متوجهة إلى جهة فإذا حاذتها وباشرها عادت عن جهتها ورجعت معها
وتلك الحكاية البليغة الطويلة لا يجب أن تكون النملة قائلة لها ولا ذاهبة إليها
وإنها لما خوفت من الضرر الذي أشرف النمل عليه جاز أن يقول الحاكي لهذه الحال تلك
الحكاية البليغة المرتبة لأنها لو كانت قائلة ناطقة ومخوفة بلسان وبيان لما قالت
إلا مثل ذلك وقد يحكي العربي عن الفارسي كلاما مرتبا مهذبا
__________________
ما نطق به الفارسي
وإنما أشار إلى معناه فقد زال التعجب من الموضعين معا وأي شيء أحسن وأبلغ وأدل على
قوة البلاغة وحسن التصرف في الفصاحة من أن تشعر نملة لباقي النمل بالضرر لسليمان
وجنده بما يفهم به أمثالها عنها فيحكي هذا المعنى الذي هو التخويف والتنفير بهذه
الألفاظ المونقة والترتيب الرائق الصادق وإنما يضل عن فهم هذه الأمور وسرعة الهجوم
عليها من لا يعرف مواقع الكلام الفصيح ومراتبه ومذاهبه .
وقال شارح المقاصد
ذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه ليست لغير الإنسان من الحيوانات نفوس مجردة مدركة
للكليات وبعضهم إلى أننا لا نعرف وجود النفس لها لعدم الدليل ولا نقطع بالانتفاء
لقيام الاحتمال وما يتوهم من أنه لو كانت لها نفوس لكانت إنسانا لأن حقيقته النفس
والبدن لا غير ليس بشيء لجواز اختلاف النفسين بالحقيقة وجواز التميز بفصول آخر لا
نطلع على حقيقتها وذهب جمع من أهل النظر إلى ثبوت ذلك تمسكا بالمعقول والمنقول أما
المعقول فهو أنا نشاهد منها أفعالا غريبة تدل على أن لها إدراكات عقلية كالنحل في
بناء بيوته المسدسة والانقياد لرئيس والنمل في إعداد الذخيرة والإبل والبغل والخيل
والحمار في الاهتداء إلى الطريق في الليالي المظلمة والفيل في غرائب أحوال تشاهد
منه وكثير من الطيور والحشرات في علاج أمراض تعرض لها إلى غير ذلك من الحيل
العجيبة التي يعجز عنها كثير من العقلاء وأما المنقول فكقوله تعالى :
«
وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ » الآية وقوله تعالى :
« وَأَوْحى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » الآية وقوله تعالى :
« يا جِبالُ
أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ » وقوله تعالى حكاية عن الهدهد :
« أَحَطْتُ
بِما لَمْ تُحِطْ
__________________
بِهِ
» وحكاية عن النملة :
« يا
أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا » : « مَساكِنَكُمْ » الآية .
وقال الرازي في
المطالب العالية في البحث عن نفوس سائر الحيوانات أما الفلاسفة المتأخرون فقد
اتفقوا على أن لها قوى جسمانية وأنه يمتنع أن تكون لها نفوس مجردة ولم يذكروا في
تقريره حجة ولا شبهة وليس لأحد أن يقول لو كانت نفوسها نفوسا مجردة لوجب كونها
مساوية للنفوس البشرية في تمام الماهية فيلزم وقوع الاستواء في العلوم والأخلاق
وذلك محال فإنا نقول الاستواء في التجرد استواء في قيد سلبي وقد عرفت أن الاستواء
في القيود السلبية لا يوجب الاستواء في تمام الماهية وأما سائر الناس فقد اختلفوا
في أنه هل لها نفوس مجردة وهل لها شيء من القوة العقلية أم لا فزعم طائفة من أهل
النظر ومن أهل الأثر أن ذلك ثابت واحتجوا على صحته بالمعقول والمنقول أما المعقول
فهو أنهم قالوا إنا نشاهد من هذه الحيوانات أفعالا لا يصدر إلا من أفاضل العقلاء
وذلك يدل على أن لها قدرا من العقل وبينوا ذلك بوجوه.
الأول : أن الفأرة
تدخل ذنبها في قارورة الدهن ثم تلحسه وهذا الفعل لا يصدر عنها إلا لعلمها بمجموع
مقدمات فأحدها أنها محتاجة إلى الدهن وثانيها أن رأسها لا تدخل في القارورة
وثالثها أن ذنبها تدخل ورابعها أن المقصود حاصل بهذا الطريق فوجب الإقدام عليه.
الثاني : أن النحل
يبني البيوت المسدسة وهذا الشكل فيه منفعتان لا يحصلان إلا من المسدس وتقريره أن
الأشكال على قسمين منها أشكال متى ضم بعضها إلى بعض امتلأت العرصة منها إلا أن
زواياها ضيقة فتبقى معطلة ومنها أشكال ليست كذلك فالقسم الأول كالمثلثات والمربعات
فإنهما وإن امتلأت العرصة منها إلا أن زواياها ضيقة فيبقى معطلة وأما المسبع
والمثمن وغيرهما فزواياها وإن كانت واسعة إلا أنه لا تمتلأ العرصة
__________________
منها بل يبقى
بينها فضاء فأما الشكل المستجمع لكلتا المنفعتين فليس إلا المسدس وذلك لأن زواياها
واسعة فلا يبقى شيء من الجوانب فيه معطلا وإذا ضمت المسدسات بعضها إلى بعض لم يبق
فيما بينها فرجة ضائعة فإذا ثبت أن الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هذا المسدس لا
جرم اختار النحل بناء بيوتها على هذا الشكل ولو لا أنه تعالى أعطاها من الإلهام
والذكاء لما حصل هذا الأمر وفيه أعجوبة ثانية وهي أن البشر لا يقدر على بناء البيت
المسدس إلا بالمسطر والبركار والنحل يبني تلك البيوت من غير حاجة إلى شيء من
الآلات والأدوات. واعلم أن عجائب أحوال النحل في رئاسته وفي تدبيره لأحوال الرعية
وفي كيفية خدمة الرعية لذلك الرئيس كثيرة مذكورة في كتاب الحيوان.
الثالث : أن النمل
يسعى في إعداد الذخيرة لنفسها وما ذاك إلا لعلمها بأنها قد تحتاج في الأزمنة
المستقبلة إلى الغذاء ولا تكون قادرة على تحصيله في تلك الأوقات فوجب السعي في
تحصيله في هذا الوقت الذي حصلت فيه القدرة على تحصيل الذخيرة ومن عجائب أحوالها
أمور ثلاثة أحدها أنها إذا أحست بنداوة المكان فإنها تشق الحبة بنصفين لعلمها بأن
الحبة لو بقيت سالمة ووصلت النداوة إليها لنبت منها وتفسد الحبة على النملة أما
إذا صارت مشقوقة بنصفين لم تنبت وثانيها إذا وصلت النداوة إلى تلك الأشياء ثم طلعت
الشمس فإنها تخرج تلك الأشياء من جحرها وتضعها حتى تجف وثالثها أن النملة إذا أخذت
في نقل متاعها إلى داخل الجحر أنذر ذلك بنزول الأمطار وهبوب الرياح وهذه الأحوال
تدل على حصول ذكاء عظيم لهذا الحيوان الصغير.
الرابع : أن
العنكبوت تبني بيوتها على وجه عجيب وذلك لأنها ما نسجت الشبكة التي هي مصيدتها إلا
بعد أن تفكرت أنه كيف ينبغي وضعها حتى يصلح لاصطياد الذباب بها وهذه الأفعال فكرية
ليست أقل من الأفكار الإنسانية.
الخامس أن الجمل
والحمار إذا سلكا طريقا في الليلة الظلماء ففي المرة الثانية يقدر على سلوك ذلك
الطريق من غير إرشاد مرشد ولا تعليم معلم حتى أن
الناس إذا اختلفوا
في ذلك الطريق وقدموا الجمل وتبعوه وجدوا الطريق المستقيم عند متابعته.
وأيضا إن الإنسان
لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا عند الاستدلال بالعلامات المخصوصة إما
الأرضية كالجبال والرياح أو السماوية كأحوال الشمس والقمر وأما القطا فإنه يطير في
الهواء من بلد إلى بلد طيرانا سويا من غير غلط ولا خطاء وكذلك الكراكي تنتقل من
طرف من أطراف العالم إلى طرف آخر لطلب الهواء الموافق من غير غلط البتة فهذا فعل
يعجز عنه أفضل البشر وهذا النوع من الحيوان قادر عليه.
السادس أن الدب
إذا أراد أن يفترس الثور علم أنه لا يمكنه أن يقصده ظاهرا فيقال إنه يستلقي في ممر
ذلك الثور فإذا قرب الثور وأراد نطحه جعل قرنيه فيما بين ذراعيه ولا يزال ينهش ما
بين ذراعيه حتى يثخنه وأيضا أنه يأخذ العصا ويضرب الإنسان حتى يتوهم أنه مات
فيتركه وربما عاد يشمه ويتجسس نفسه وأيضا يصعد الشجر أخف صعود ويأخذ الجوز بين كفيه ويضرب ما
في أحد كفيه على ما في الكف الآخر ثم ينفخ فيه ويزيل القشور ويأكل اللب.
السابع : أن
الثعلب إذا اجتمع البق الكثير والبعوض الكثير على جلده أخذ بفيه قطعة من جلد حيوان
ميت ثم إنه يضع يده ورجليه في الماء ولا يزال يغوص فيه قليلا قليلا فإذا أحس البق
والبعوض بالماء أخذت تصعد إلى المواضع الخارجة من الثعلب من الماء ثم إن الثعلب لا
يزال يغوص قليلا قليلا وتلك الحيوانات ترتفع قليلا قليلا فإذا غاص كل بدنه في
الماء وبقي رأسه خارج الماء تصاعد كل تلك الحيوانات إلى الرأس ثم إنه يغوص رأسه في
الماء قليلا قليلا فتلك الحيوانات تنتقل إلى تلك الجلدة الميتة وتجتمع فيها فإذا
أحس الثعلب بانتقالها إلى تلك الجلدة رماها في الماء وخرج من الماء سليما فارغا عن
تلك الحيوانات الموذية ولا شك أنها حيلة عجيبة في دفع الموذيات.
__________________
الثامن : يقال إن
من خواص الفرس أن كل واحد منها يعرف صوت الفرس الذي قاتله والكلاب تتعالج بالعشبة
المعروفة لها والفهد إذا سقي الدواء المعروف بخانق الفهد طلب زبل الإنسان
فأكله والتمساح تفتح فاها لطائر مخصوص يدخل في فمها وينظف ما بين أسنانها وعلى رأس
ذلك الطير شيء كالشوك فإذا هم التمساح بالتقام ذلك الطير تأذى من ذلك الشوك ففتح
فاه فخرج ذلك الطير والسلحفاة تتناول بعد أكل الحية صعترا جبليا ثم تعود قد شوهد
ذلك وحكى بعض الثقات المحبين للصيد أنه شاهد الحبارى تقاتل الأفعى وتنهزم عنه إلى
بقلة تتناول منها ثم تعود ولا تزال تفعل ذلك وكان ذلك الشيخ قاعدا في كن غائر كما
تفعله الصيادون وكانت البقلة قريبة في ذلك الموضع فلما اشتغل الحبارى بالأفعى قلع
الرجل تلك البقلة فعادت الحبارى إلى منبتها فأخذت تدور حول منبتها دورانا متتابعا
ثم سقطت وماتت فعلم ذلك الرجل أنها كانت تتعالج بأكلها من لسعة الأفعى وتلك البقلة
هي الخس البري وأما ابن عرس فإنه يستظهر في قتال الحية بأكل السداب فإن
النكهة السدابية مما يكرهها الأفعى والكلاب إذا تدود بطنها أكلت سنبل الحية وإذا
جرحت اللقالق بعضها بعضا عالجت تلك الجراحات بالصعتر الجبلي فتأمل من أين حصلت
لهذه الحيوانات هذا الطب وهذا العلاج.
التاسع : أن
القنافذ قد تحس بريح الشمال والجنوب قبل الهبوب فتغير المدخل إلى حجرتها يحكى أنه
كان بالقسطنطنية رجل قد جمع مالا كثيرا بسبب أنه كان ينذر بالرياح قبل هبوبها
وينتفع الناس بذلك الإنذار وكان السبب فيه قنفذ في داره يفعل الفعل المذكور.
العاشر : أن
الخطاف صناع حسن في اتخاذ العش لنفسه من الطين وقطع الخشب فإذا أعوزه الطين ابتل
وتمرغ في التراب ليحمل جناحاه قدرا من الطين وإذا أفرخ بالغ في تعهد الفراخ ويأخذ
زرقها بمنقارها ويرميها عن العش ثم
__________________
تعلمها إلقاء
الزرق بالتولية نحو طرف العش.
الحادي عشر إذا
قرب الصائد من مكان فرخ القبجة ظهرت له القبجة وقربت منه مطيعة لأجل أن يتبعها ثم
تذهب إلى جانب آخر سوى جانب فراخها.
الثاني : عشر ناقر
الخشب قلما يجلس على الأرض بل يجلس على الشجر وينقر الموضع الذي يعلم أن فيه دودا.
الثالث : عشر
الغرانيق تصعد في الجو جدا عند الطيران فإن حصل عباب أو سحاب يحجب
بعضها عن بعض أحدثت عن أجنحتها حفيفا مسموعا ويصير ذلك الصوت سببا لاجتماعها وعدم
تفرقها وإذا نامت نامت على فرد رجل قد اضطبعت الرءوس إلا القائد فإنه ينام مكشوف الرأس فيسرع انتباهه
وإذا أحس بأحد أو صوت صاح تنبيها للباقين.
الرابع : عشر
النعامة إذا اجتمع لها من بيضها عشرون أو ثلاثون قسمتها ثلاثة أثلاث فتدفن ثلثا
منها في التراب وثلثا تتركها في الشمس وثلثا تحتضنه فإذا خرجت الفراريخ كسرت ما
كان في الشمس وسقت تلك الفراريخ ما فيها من الرطوبات التي ذوبتها الشمس ورققتها
فإذا قويت تلك الفراريخ أخرجت الثلث الثاني الذي دفنته في الأرض وثقبتها وقد اجتمع
فيها النمل والذباب والديدان والحشرات فتجعل تلك الأشياء طعمة لتلك الفراريخ فإذا
تم ذلك فقد صارت تلك الفراريخ قادرة على الرعي والطلب ولا شك أن هذا الطريق حيلة
عجيبة في تربية الأولاد.
ولنكتف من هذا
النوع بهذا القدر الذي ذكرناه فإن الاستقصاء فيه مذكور في كتاب الحيوان وقد ظهر
منها أن هذه الحيوانات قد تأتي بأفعال يعجز أكثر
__________________
الأذكياء من الناس
عنها ولو لا كونها عاقلة فاهمة لما صح شيء من ذلك فهذا ما يتعلق بالعقل وأما النقل
فقد تمسكوا في إثبات قولهم بآيات فإحداها قوله تعالى حكاية عن سليمان
عليهالسلام
: « يا
أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » والثانية قوله تعالى : « حَتَّى إِذا أَتَوْا
عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَساكِنَكُمْ » والثالثة : « وَتَفَقَّدَ
الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ » وهذا التهديد لا يعقل إلا مع العاقل.
والرابعة قوله تعالى حكاية
عن الهدهد : « أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ » إلى آخر الآية.
والخامسة قوله :
«
وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » قيل معناه كل من الطير قد علم صلاته وتسبيحه.
قال بعضهم كنت
جالسا عند أبي جعفر الباقر عليهالسلام فقال لي أتدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس وبعد
طلوعها قلت لا قال إنها تقدس ربها وتسأله قوت يومها ..
__________________
وأقول رأيت في بعض
الكتب أن في بعض الأوقات اشتد القحط وعظم حر الصيف والناس خرجوا إلى الاستسقاء
فلما أبلحوا قال خرجت إلى بعض الجبال فرأيت ظبية جاءت إلى موضع كان في
الماضي من الزمان مملوا من الماء ولعل تلك الظبية كانت تشرب منه فلما وصلت الظبية
إليه ما وجدت فيه شيئا من الماء وكان أثر العطش الشديد ظاهرا على تلك الظبية فوقفت
وحركت رأسها إلى جانب السماء فأطبق الغيم وجاء الغيث الكثير.
ثم إن أنصار هذا
القول قالوا لما بينا بالدليل أن هذه الحيوانات تهدي إلى الحيل اللطيفة فأي
استبعاد في أن يقال إنها تعرف أن لها ربا ومدبرا وخالقا وهذا تمام القول في دلائل
هذه الطائفة.
واحتج المنكرون
لكونها عاقلة عارفة بأن قالوا لو كانت عاقلة لوجب أن تكون آثار العقل ظاهرة في
حقها لأن حصول العقل لها مع أنه لا يمكنها الانتفاع البتة بذلك العقل عبث وذلك لا
يليق بالفاعل الحكيم إلا أن آثار العقل غير ظاهرة فيها لأنها لا تحترز عن الأفعال
القبيحة ولا تميز بين ما ينفعها وبين ما يضرها فوجب القطع بأنها غير عاقلة.
ولمجيب أن يجيب
فيقول إن درجات العلوم والمعارف كثيرة واختلاف النفوس في ماهيتها محتمل فلعل
خصوصية نفس كل واحد منها لا تقتضي إلا النوع المعين من العقل وإلا القسم المخصوص
من المعرفة فإن كان المراد بالعقل جميع العلوم الحاصلة للإنسان فحق أنها ليست
عاقلة وإن كان المراد بالعقل معرفة نوع من هذه الأنواع فظاهر أنها موصوفة بهذه
المعرفة وبالجملة فالحكم عليها بالثبوت والعدم حكم على الغيب ولا يعلم الغيب إلا
الله وليكن هاهنا آخر كلامنا في النفوس الحيوانية والله أعلم انتهى كلامه.
__________________
فما أفلحوا.
وقال الدميري
الغرنيق بضم الغين وفتح النون قال الجوهري والزمخشري إنه طائر أبيض من طير الماء
طويل العنق وقال في النهاية إنه الذكر من طير الماء ويقال غرنيق
وغرنوق وقيل هو الكركي وقيل الغرانيق والغرانقة طير أسود في حد البط وقال القزويني
الغرنيق من الطيور القواطع وهي إذا أحست بتغير الزمان عزمت على
الرجوع إلى بلادها فعند ذلك تتخذ قائدا حارسا ثم تنهض معا فإذا طارت ترتفع في
الهواء حتى لا يعرض لها شيء من السباع فإذا رأت غيما أو غشيها الليل أو سقطت للطعم
أمسكت عن الصياح كيلا يحس بها العدو وإذا أرادت النوم أدخل كل واحد منها رأسه تحت
جناحه لعلمه بأن الجناح أحمل للصدمة من الرأس لما فيه من العين التي هي أشرف
الأعضاء والدماغ الذي هو ملاك البدن وينام كل واحد منها قائما على إحدى رجليه حتى
لا يكون نومها ثقيلا وأما قائدها وحارسها فلا ينام ولا يدخل رأسه في
جناحه ولا يزال ينظر في جميع الجوانب فإذا أحس بأحد صاح بأعلى صوته انتهى.
قوله قد اضطبعت أي
أدخلت رأسها في ضبعها.
__________________
٢
(باب)
*(
أحوال الأنعام ومنافعها ومضارها واتخاذها)*
الآيات المائدة :
« أُحِلَّتْ
لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ » الأنعام : « وَجَعَلُوا لِلَّهِ
مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً » إلى قوله : « ساءَ ما يَحْكُمُونَ » وقال سبحانه : « وَقالُوا ما فِي
بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ » إلى قوله : « ما كانُوا
مُهْتَدِينَ » وقال تعالى : « وَمِنَ الْأَنْعامِ
حَمُولَةً وَفَرْشاً » إلى آخر الآية النحل :
«
وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ
وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ
أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ
إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ » وقال سبحانه : « وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ
جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ
إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى
حِينٍ » الحج : « وَيَذْكُرُوا اسْمَ
اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ
فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ » إلى قوله تعالى : « وَأُحِلَّتْ لَكُمُ
الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » إلى قوله تعالى : « وَالْبُدْنَ
جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ » إلى قوله عز وجل :
« كَذلِكَ
سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » المؤمنون : « وَإِنَّ لَكُمْ فِي
الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ
كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » فاطر : « وَمِنَ النَّاسِ
وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ » يس : « وَخَلَقْنا لَهُمْ
مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ »
وقال عز وجل :
« أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها
مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ
فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ » الزمر : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ
مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » المؤمن : « اللهُ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها
مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى
الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » حمعسق : « جَعَلَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ » الزخرف : « وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ
الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ » الغاشية : « أَفَلا يَنْظُرُونَ
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ » تفسير : « بَهِيمَةُ
الْأَنْعامِ » ذهب أكثر المفسرين إلى أنها إضافة بيان أو إضافة الصفة إلى
الموصوف أريد بها الأزواج الثمانية والمستفاد من أكثر الأخبار أن بيان حل الأنعام
في آيات أخر والمراد هنا بيان الأجنة التي في بطونها
وروي في الكافي في
الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما
عليهالسلام
عن قول الله عز وجل :
« أُحِلَّتْ
لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ » فقال الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه
فذلك الذي عنى الله عز وجل .
فعلى هذا الإضافة
بتقدير من أو اللام ويمكن حمل الخبر على أن المراد أن الجنين أيضا داخل في الآية
فيكون الغرض بيان الفرد الأخفى أو يكون تحديدا لأول تسميتها بالبهيمة وحلها فلا
ينافي التعميم قال الطبرسي رحمهالله اختلف في تأويله على أقوال أحدها أن المراد به الأنعام
وإنما ذكر البهيمة للتأكيد فمعناه أحلت لكم الأنعام الإبل والبقر والغنم.
وثانيها أن المراد
بذلك أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها إذا أشعرت وقد ذكيت الأمهات وهي ميتة
فذكاتها ذكاة أمهاتها وهو المروي عن أبي جعفر
__________________
وأبي عبد الله
عليهالسلام. وثالثها أن بهيمة الأنعام وحشيها كالظبي والبقر الوحشي
وحمر الوحش والأولى حمل الآية على الجميع انتهى والآية تدل على
حل أكل لحوم البهائم بل سائر أجزائها بل جميع الانتفاعات منها إلا ما أخرجه الدليل
: « وَجَعَلُوا » أي مشركو العرب : « لِلَّهِ مِمَّا
ذَرَأَ » أي خلق : « مِنَ الْحَرْثِ » أي الزرع : « وَالْأَنْعامِ
نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ » من غير أن يؤمروا به :
« وَهذا
لِشُرَكائِنا » يعني الأوثان : « فَما كانَ
لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى
شُرَكائِهِمْ » وروي أنهم كانوا يعينون شيئا من حرث ونتاج لله ويصرفونه في
الضيفان والمساكين وشيئا منهما لآلهتهم وينفقون على سدنتها ويذبحون عندها ثم
إن رأوا ما عينوا لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها
حبا لها واعتلوا لذلك بأن الله أغنى وروي في المجمع عن أئمتنا
عليهالسلام
أنه كان إذا اختلط ما جعل
للأصنام بما جعل لله ردوه وإذا اختلط ما جعل الله بما جعلوه للأصنام تركوه وقالوا
الله أغنى وإذا انخرق الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه وإذا انخرق من الذي للأصنام
في الذي لله سدوه وقالوا الله غني : « ساءَ ما يَحْكُمُونَ » أي ساء الحكم حكمهم هذا :
« وَقالُوا
هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ » أي حرام : « لا يَطْعَمُها إِلاَّ
مَنْ نَشاءُ » يعنون خدمة الأوثان والرجال دون النساء :
«
بِزَعْمِهِمْ » أي بغير حجة : « وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ
ظُهُورُها » يعني البحائر والسوائب والحوامي :
«
وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ
__________________
اسْمَ
اللهِ عَلَيْهَا » في الذبح بل يسمون آلهتهم وقيل لا يحجون على ظهورها :
« افْتِراءً
عَلَيْهِ » نصب على المصدر : « سَيَجْزِيهِمْ بِما
كانُوا يَفْتَرُونَ وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ » يعنون أجنة البحائر والسوائب :
« خالِصَةٌ
لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا » أي إن ولد حيا : « وَإِنْ يَكُنْ
مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ » أي الذكور والإناث فيه سواء :
«
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ » أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم :
« إِنَّهُ
حَكِيمٌ عَلِيمٌ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ » أي بناتهم : « سَفَهاً بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ » من البحائر ونحوها :
« افْتِراءً
عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ » إلى الحق والصواب :
« وَمِنَ
الْأَنْعامِ » أي وأنشأ من الأنعام.
« حَمُولَةً وَفَرْشاً » قيل فيه وجوه الأول أن الحمولة كبار الإبل أو الأعم والفرش
صغارها الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها الثاني أن الحمولة ما يحمل عليه
من الإبل والبقر والفرش الغنم الثالث أن الحمولة كل ما حمل من الإبل والبقر والخيل
والبغال والحمير والفرش الغنم روي ذلك عن ابن عباس فكأنه ذهب إلى أنه يدخل في
الأنعام الحافر على وجه التبع.
والرابع أن معناه
ما ينتفعون به في الحمل وما يفترشونه في الذبح فمعنى الافتراش الاضطجاع للذبح.
والخامس أن الفرش
ما يفرش من أصوافها وأوبارها أي من الأنعام ما يحمل عليه ومنها ما يتخذ من أوبارها
وأصوافها ما يفرش ويبسط وقيل أي ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره ويدل على
جواز حمل ما يقبل الحمل منها وذبح ما يستحق الذبح منها أو افتراش أصوافها وأوبارها
وأشعارها .
« كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ » قال الطبرسي رحمهالله أي استحلوا الأكل مما أعطاكم الله ولا تحرموا شيئا منها
كما فعله أهل الجاهلية في الحرث والأنعام وعلى هذا يكون الأمر على ظاهره ويمكن أن
يكون المراد نفس الأكل فيكون بمعنى
__________________
الإباحة .
« وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » قال البيضاوي أي في التحليل والتحريم من عند أنفسكم :
« إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ » ظاهر العداوة : « ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » بدل من حمولة وفرشا أو مفعول كلوا ولا تتبعوا معترض بينهما
أو فعل دل عليه أو حال من ماء بمعنى مختلفة أو متعددة والزوج ما معه آخر من جنسه
يزاوجه وقد يقال لمجموعهما والمراد الأول .
« مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ
اثْنَيْنِ » قال الطبرسي قدسسره معناه ثمانية أفراد لأن كل واحد من ذلك يسمى زوجا فالذكر
زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر وقيل معناه ثمانية أصناف :
« مِنَ
الضَّأْنِ اثْنَيْنِ » يعني الذكر والأنثى :
« وَمِنَ
الْمَعْزِ اثْنَيْنِ » الذكر والأنثى والضأن ذوات الصوف من الغنم والمعز ذوات
الشعر منه وواحد الضأن ضائن والأنثى ضائنة وواحد المعز ماعز وقيل المراد بالاثنين
الأهلي والوحشي من الضأن والمعز والبقر والمراد بالاثنين من الإبل العراب والبخاتي
وهو المروي عن أبي عبد الله عليهالسلام : « قُلْ » يا محمد صلىاللهعليهوآله لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحل الله تعالى :
«
آلذَّكَرَيْنِ » من الضأن والمعز :
« حَرَّمَ » الله : « أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ
» منهما : « أَمَّا اشْتَمَلَتْ
عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ » أي أم حرم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن والأنثى من
المعز وإنما ذكر الله هذا على وجه الاحتجاج عليهم بين به فريتهم وكذبهم على الله
تعالى فيما ادعوا من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور وحرام على الإناث وغير ذلك
مما حرموه فإنهم لو قالوا حرم الذكرين لزمهم أن يكون كل ذكر حراما ولو قالوا حرم
الأنثيين لزمهم أن يكون كل أنثى حراما ولو قالوا حرام ما اشتملت عليه رحم الأنثى
من الضأن والمعز لزمهم تحريم الذكور والإناث فإن أرحام الإناث تشتمل على الذكور
والإناث فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا وكبارا ذكورا وإناثا ولم يكونوا
يفعلون ذلك بل كانوا يخصون
__________________
بالتحريم بعضا دون
بعض فقد لزمتهم الحجة ثم قال : « نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » معناه أخبروني بعلم عما ذكرتموه من تحريم ما حرمتموه
وتحليل ما حللتموه إن كنتم صادقين في ذلك :
« وَمِنَ
الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ » يا محمد : « آلذَّكَرَيْنِ
حَرَّمَ » الله منهما : « أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ
أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ » أي حضورا : « إِذْ وَصَّاكُمُ
اللهُ بِهذا » أي أمركم به وحرمه عليكم حتى تضيفوه إليه وإنما ذكر ذلك
لأن طرق العلم إما الدليل الذي يشترك العقلاء في إدراك الحق به أو المشاهدة التي
يختص بها بعضهم دون بعض فإذا لم يكن أحد من الأمرين سقط المذهب :
« فَمَنْ
أَظْلَمُ » لنفسه : « مِمَّنِ افْتَرى
عَلَى اللهِ كَذِباً » أي أضاف إليه تحريم ما لم يحرمه وتحليل ما لم يحلله :
« لِيُضِلَّ
النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ » أي يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم من أجل دعائه إياهم إلى ما
لا يثق بصحته مما لا يأمن أن يكون فيه هلاكهم وإن لم يقصد إضلالهم :
« إِنَّ
اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » إلى الثواب لأنهم مستحقون العقاب الدائم بكفرهم وضلالهم .
أقول وسيأتي تفسير
سائر الآيات في الأبواب الآتية.
« وَالْأَنْعامَ خَلَقَها » قال الطبرسي قدسسره معناه وخلق الأنعام من الماء كما خلقكم منه لقوله :
« وَاللهُ
خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » وأكثر ما يتناول الأنعام الإبل ويتناول البقر والغنم أيضا
وفي اللغة هي ذوات الأخفاف والأظلاف دون ذوات الحوافر :
« لَكُمْ
فِيها دِفْءٌ » أي لباس عن ابن عباس وغيره وقيل ما يستدفأ به مما يعمل من
صوفها ووبرها وشعرها فيدخل فيه الأكيسة واللحف والملبوسات والمبسوطات وغيرها قال
الزجاج أخبر سبحانه أن في الأنعام ما يدفئنا ولم يقل ولكم فيها ما يكنكم من البرد
لأن ما ستر من الحر ستر من البرد وقال
__________________
في موضع آخر :
« سَرابِيلَ
تَقِيكُمُ الْحَرَّ » فعلم أنها تقي البرد أيضا فكذلك هاهنا وقيل إن معناه وخلق
الأنعام لكم أي لمنافعكم ثم ابتدأ وأخبر فقال :
« فِيها
دِفْءٌ وَمَنافِعُ » أي ولكم فيها منافع أخر من الحمل والركوب وإثارة الأرض
والدر والنسل : « وَمِنْها تَأْكُلُونَ » أي ومن لحومها تأكلون :
« وَلَكُمْ
فِيها جَمالٌ » أي حسن منظر وزينة :
« حِينَ
تُرِيحُونَ » أي حين تردونها إلى مراحها وهو حيث تأوي إليه ليلا :
« وَحِينَ
تَسْرَحُونَ » أي ترسلونها بالغداة إلى مراعيها وأحسن ما تكون إذا راحت
عظاما ضروعها ممتلية بطونها منتصبة أسنمتها وكذلك إذا سرحت إلى المراعي رافعة رءوسها فيقول الناس هذا
جمال فلان ومواشيه فيكون له فيها جمال : « وَتَحْمِلُ
أَثْقالَكُمْ » أي أمتعتكم : « إِلى بَلَدٍ لَمْ
تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ » أي وتحمل الإبل وبعض البقر أحمالكم الثقيلة إلى بلد بعيد
لا يمكنكم أن تبلغوه من دون الأحمال إلا بمشقة وكلفة تلحق أنفسكم فكيف تبلغونه مع
الأحمال لو لا أن الله سخر هذه الأنعام لكم حتى حملت أثقالكم إلى أين شئتم وقيل إن
الشق معناه الشطر والنصف فيكون المراد إلا بأن يذهب شطر قوتكم أي نصف قوة الأنفس وقيل
معناه تحمل أثقالكم إلى مكة لأنها من بلاد الفلوات عن ابن عباس وعكرمة :
« إِنَّ
رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » أي ذو رأفة ورحمة ولذلك أنعم عليكم بخلق هذه الأنعام
ابتداء منه بهذا الإنعام . : « وَالْخَيْلَ » أي وخلق لكم الخيل :
«
وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها » في حوائجكم وتصرفاتكم :
« وَزِينَةً
» أي ولتتزينوا بها من الله سبحانه على خلقه بأن خلق لهم من
الحيوان ما يركبونه ويتجملون به وليس في هذا ما يدل على تحريم أكل لحومها
__________________
: « وَيَخْلُقُ ما لا
تَعْلَمُونَ » من أصناف الحيوان والنبات والجماد لمنافعكم :
« وَجَعَلَ
لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ » أي الأنطاع والأدم :
« بُيُوتاً
تَسْتَخِفُّونَها » أي خياما وقبابا يخف عليكم حملها في أسفاركم :
« يَوْمَ
ظَعْنِكُمْ » أي ارتحالكم من مكان إلى مكان :
« وَيَوْمَ
إِقامَتِكُمْ » أي اليوم الذي تنزلون موضعا تقيمون فيه أي لا يثقل عليكم
في الحالين : « وَمِنْ أَصْوافِها » وهي للضأن : « وَأَوْبارِها » وهي للإبل : « وَأَشْعارِها » وهي للمعز : « أَثاثاً » أي مالا عن ابن عباس وقيل أنواعا من متاع البيت من الفرش
والأكيسة وقيل طنافس وبسطا وثيابا وكسوة والكل متقارب :
« وَمَتاعاً
» تتمتعون به ومعاشا تتجرون فيه :
« إِلى
حِينٍ » أي إلى يوم القيامة أو إلى وقت الموت ويحتمل أن يكون
المراد به موت المالك أو موت الأنعام وقيل إلى وقت البلى والفناء وفيه إشارة إلى
أنها فانية فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة انتهى .
قوله سبحانه :
« عَلى ما
رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ » يدل على حل الأنعام الثلاثة والتسمية عند ذبحها على بعض
الوجوه : « إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » أي تحريمه من الميتة والمنخنقة والموقوذة وما لم يذكر اسم
الله عليه وسائر ما سيأتي.
وقال الطبرسي رحمهالله البدن جمع بدنة وهل الإبل المبدنة بالسمن قال الزجاج يقولون بدنت الإبل أي
سمنتها وقيل أصل البدن الضخم وكل ضخم بدن وقيل البدن الناقة والبقرة مما يجوز في
الهدي والأضاحي : « مِنْ شَعائِرِ اللهِ » أي من أعلام دينه وقيل من أعلام مناسك الحج :
« لَكُمْ
فِيها خَيْرٌ » أي نفع في الدنيا والآخرة وقيل أراد
__________________
بالخير ثواب
الآخرة : « كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ » أي ذللناها لكم حتى لا تمتنع عما تريدون منها من النحر
والذبح بخلاف السباع الممتنعة ولتنتفعوا بركوبها وحملها ونتاجها نعمة منا عليكم :
«
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » ذلك : « وَإِنَّ لَكُمْ فِي
الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً » أي دلالة تستدلون بها على قدرة الله تعالى :
«
نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها » أراد به اللبن : « وَلَكُمْ فِيها
مَنافِعُ كَثِيرَةٌ » في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها
وأشعارها : « وَمِنْها تَأْكُلُونَ » أي من لحومها وأولادها والتكسب بها :
«
وَعَلَيْها » يعني على الإبل الخاصة :
« وَعَلَى
الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » وهذا كقوله : « وَحَمَلْناهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ » أما في البر فالإبل وأما في البحر فالسفن :
« وَمِنَ
النَّاسِ وَالدَّوَابِ » التي تدب على وجه الأرض :
«
وَالْأَنْعامِ » كالإبل والغنم والبقر :
«
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ » أي كاختلاف الثمرات والجبال :
«
وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ » أي وخلقنا لهم من مثل سفينة نوح سفنا يركبون فيها وقيل إن
المراد به الإبل وهي سفن البر عن مجاهد وقيل مثل السفينة من الدواب كالإبل والبقر
والحمير عن الجبائي : « أَوَلَمْ يَرَوْا » أي أولم يعلموا : « أَنَّا خَلَقْنا
لَهُمْ » أي لمنافعهم : « مِمَّا عَمِلَتْ
أَيْدِينا » أي مما ولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك في خلقه ولم
نخلقه بإعانة معين واليد في اللغة على أقسام منها الجارحة ومنها النعمة ومنها
القوة ومنها تحقيق الإضافة يقال في معنى النعمة لفلان عندي يد بيضاء وبمعنى القدرة
تلقى فلان قولي باليدين أي بالقوة والتقبل ويقولون هذا ما جنت يداك وهو
المعنى في الآية وإذا قال الواحد منا عملت هذا بيدي دل ذلك على انفراده بعمله من غير
أن يكله إلى
__________________
أحد :
« أَنْعاماً
» يعني الإبل والبقر والغنم :
« فَهُمْ
لَها مالِكُونَ » ولو لم نخلقها لما ملكوها ولما انتفعوا بها وبألبانها وركوبها ولحومها
وقيل فهم لها ضابطون قاهرون لم نخلقها وحشية نافرة منهم لا يقدرون على ضبطها فهي
مسخرة لهم وهو قوله : « وَذَلَّلْناها لَهُمْ » أي سخرناها لهم حتى صارت منقادة :
« فَمِنْها
رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ » قسم الأنعام بأن جعل منها ما يركب ومنها ما يذبح فينتفع
بلحمه ويؤكل قال مقاتل الركوب الحمولة يعني الإبل والبقر :
« وَلَهُمْ
فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ » فمن منافعها لبس أصوافها وأشعارها وأوبارها وأكل لحومها
وركوب ظهرها إلى غير ذلك من أنواع المنافع الكثيرة فيها والمشارب من
ألبانها : « أَفَلا يَشْكُرُونَ » الله على هذه النعم .
« وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » فيه وجوه أحدها أن معنى الإنزال هنا الإحداث والإنشاء
كقوله : « قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً » ولم ينزل اللباس ولكن أنزل الماء الذي هو سبب القطن والصوف
واللباس يكون منهما فكذلك الأنعام تكون بالنبات والنبات بالماء.
والثاني أنه
أنزلها بعد أن خلقها في الجنة عن الجبائي قال وفي الخبر الشاة من دواب الجنة
والإبل من دواب الجنة والثالث أن المعنى جعلها نزلا ورزقا لكم ويعني بالأزواج
الثمانية من الأنعام الإبل والبقر والغنم الضأن والمعز من كل صنف اثنان هما زوجان .
أقول وقال
البيضاوي : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ » أي وقضى أو قسم لكم فإن قضاياه توصف بالنزول من السماء حيث
كتب في اللوح أو أحدث بأسباب نازلة منها كأشعة
__________________
الكواكب والأمطار :
« اللهُ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ » قال في المجمع من
الإبل والبقر والغنم : « لِتَرْكَبُوا مِنْها » أي لتنتفعوا بركوبها :
« وَمِنْها
تَأْكُلُونَ » يعني أن بعضها للركوب والأكل كالإبل والبقر وبعضها للأكل
كالأغنام وقيل المراد بالأنعام هاهنا الإبل خاصة لأنها التي تركب وتحمل عليها في
أكثر العادات واللام في قوله : « لِتَرْكَبُوا » لام الغرض وإذا كان الله تعالى خلق هذه الأنعام وأراد أن
ينتفع خلقه بها وكان جل جلاله لا يريد القبيح ولا المباح فلا بد أن يكون أراد
انتفاعهم بها على وجه القربة إليه والطاعة له :
« وَلَكُمْ
فِيها مَنافِعُ » من جهة ألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها :
«
وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ » بأن تركبوها وتبلغوا المواضع التي تقصدونها بحوائجكم :
«
وَعَلَيْها » أي وعلى الأنعام وهي الإبل هنا :
« وَعَلَى
الْفُلْكِ » أي وعلى السفن : « تُحْمَلُونَ » يعني على الإبل في البر وعلى الفلك في البحر تحملون في
الأسفار .
« جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ » قال البيضاوي من جنسكم :
« أَزْواجاً
» نساء : « وَمِنَ الْأَنْعامِ
أَزْواجاً » أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجا أو خلق لكم من الأنعام
أصنافا أو ذكورا وإناثا : « يَذْرَؤُكُمْ » يكثركم من الذرء وهو البث :
« فِيهِ » في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم
توالد فإنه كالمنبع للبث والتكثير .
« أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ
خُلِقَتْ » قال الطبرسي قدسسره كانت الإبل عيشا من عيشهم فيقول أفلا يتفكرون فيها وما يخرج
الله من ضروعها : « مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً
سائِغاً لِلشَّارِبِينَ » يقول كما صنعت هذا لهم فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة
وقيل معناه أفلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل وما ركبه الله عليه من عجيب الخلق فإنه
مع عظمته وقوته يذلله الصغير فينقاد له بتسخير الله إياه لعباده فيبركه ويحمل عليه
ثم يقوم وليس ذلك في غيره من ذوات الأربع فلا يحمل على شيء منها
__________________
إلا وهو قائم
فأراهم الله سبحانه هذه الآية فيه ليستدلوا على توحيده بذلك وسئل الحسن عن هذه
الآية وقيل له الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيد العهد
بها ثم هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها والإبل من أعز مال
العرب وأنفسه تأكل النوى والقت وتخرج اللبن ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء
مع عظمها في نفسها ويحكى أن فأرة أخذت تجرها وهي تتبعها حتى دخلت الجحر فجرت
الزمام وبركت الناقة فجرت فقربت فمها من جحر الفأر انتهى .
وقال الرازي للإبل
خواص منها أنه تعالى جعل الحيوان الذي يقتنى أصنافا شتى فتارة يقتنى ليؤكل لحمه وتارة ليشرب لبنه وتارة
ليحمل الإنسان في الأسفار وتارة لينقل أمتعة الإنسان من بلد إلى بلد وتارة ليكون
به زينة وجمال وهذه المنافع بأسرها حاصلة في الإبل وإن شيئا من سائر الحيوانات لا
تجتمع فيه هذه الخصال .
وثانيها أنه في كل
واحد من هذه الخصال أفضل من الحيوان الذي لا توجد فيه إلا هذه الخصلة لأنها إن
جعلت حلوبة سقت فأروت الكثير وإن جعلت أكولة أطعمت وأشبعت الكثير وإن جعلت ركوبة
أمكن أن يقطع بها من المسافة المديدة ما لا يمكن قطعه بحيوان آخر وذلك لما ركب فيها من القوة
على مداومته على السير والصبر على العطش والاجتزاء من العلوفات ما لا يجتزئ به حيوان آخر وإن
جعلت حمولة استقلت بحمل الأحمال الثقلية التي لا يستقل بها سواها
ومنها
__________________
أن هذا الحيوان
كان أعظم الحيوانات وقعا في قلوب العرب ولذلك جعلوا دية قتل الإنسان إبلا
وكان ملوكهم إذا أرادوا المبالغة في إعطاء الشاعر الذي جاء من المكان البعيد أعطوه
مائة بعير لأن امتلاء العين منه أشد من امتلاء العين من غيره ولهذا قال :
« وَلَكُمْ
فِيها جَمالٌ » الآية ومنها أني كنت مع جماعة في مفازة فضللنا الطريق
فقدموا جملا وتبعوه فكان ذلك الإبل ينعطف من تل إلى تل ومن جانب إلى جانب والجميع كانوا
يتبعونه حتى وصل إلى الطريق بعد زمان طويل وهذا من قوة تخيل ذلك الحيوان
بالمرة الواحدة كيف انحفظت في خياله صورة تلك المعاطف حتى أن الذي عجز جمع
من العقلاء إلى الاهتداء إليه فإن ذلك الحيوان اهتدى إليه.
ومنها أنها مع
كونها في غاية القوة على العمل مباينة لغيرها في الانقياد والطاعة لأضعف الحيوانات
كالصبي ومباينة لغيرها أيضا في أنها يحمل عليها وهي باركة ثم تقوم فهذه الصفات
الكثيرة الموجودة فيها توجب على العاقل أن ينظر في خلقتها وتركيبها ويستدل بذلك
على وجود الصانع الحكيم سبحانه ثم إن العرب من أعرف الناس بأحوال الإبل في صحتها
وسقمها ومنافعها ومضارها فلهذه الأسباب حسن من الحكيم تعالى أن يأمر بالتأمل في
خلقتها .
أقول وقال الدميري
في حياة الحيوان الإبل الجمال وهي اسم واحد يقع على
__________________
الجمع ليس بجمع ولا
اسم جمع إنما هو دال على الجنس
وروى ابن ماجه أن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : الإبل عز لأهلها
والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة.
والإبل من الحيوان
العجيب وإن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم لها وهو أنه
حيوان عظيم الجسم شديد الانقياد ينهض بالحمل الثقيل ويبرك به وتأخذ زمامة فأرة
تذهب به حيث شاءت وتحمل على ظهره بيتا يقعد فيه الإنسان مع مأكوله
ومشروبه وملبوسه وظروفه ووسائده كما في بيته وتتخذ للبيت سقفا وهو يمشي بكل هذه
ولهذا قال تعالى : « أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ
خُلِقَتْ » وعن بعض الحكماء أنه حدث عن البعير وعظم خلقه وكان قد نشأ بأرض
لا إبل بها ففكر ثم قال يوشك أن تكون طوال الأعناق وحين أراد الله بها أن تكون
سفائن البر صبرها على احتمال العطش حتى أن ظمأها يرتفع إلى العشر وجعلها ترعى كل
شيء نابت في البراري والمفاوز ما لا يرعاه سائر البهائم وفي الحديث لا تسبوا الإبل
فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة أي تعطى في الديات فتحقن بها الدماء فتقطع عن أن يهراق دم القاتل وقال
أصحاب الكلام في طبائع الحيوان ليس لشيء من الفحول مثل ما للجمل عند هيجانه إذ
يسوء خلقه ويظهر زبده ورغاؤه فلو حمل ثلاثة أضعاف عادته حمل ويقل أكله
وسئل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عن الصلاة
__________________
في مبارك الإبل
فقال لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة
في مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة .
وفي مسند أحمد
والحاكم عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلىاللهعليهوآله دخل حائطا لبعض الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي
صلىاللهعليهوآله
ذرفت عيناه فمسح النبي
صلىاللهعليهوآله
سنامه فسكن ثم قال من
رب هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال ألا تتقي الله في
هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه يشكو إلي أنك تجيعه وتذيبه.
وروى الطبراني عن
جابر قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بحرة واقم أقبل جمل
يرفل حتى دنا من رسول الله صلىاللهعليهوآله فجعل يرغو على هامته فقال
صلىاللهعليهوآله
إن هذا الجمل يستعديني
على صاحبه يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى أجربه وأعجفه وكبر سنه
أراد نحره اذهب يا جابر
__________________
إلى صاحبه فأت به
قال ما أعرفه قال إنه سيدلك عليه قال فخرج بين يدي معنقا حتى وقف بي مجلس بني حطمة
فقلت أين رب هذا الجمل قالوا هذا لفلان بن فلان فجئته فقلت أجب رسول الله
فخرج معي حتى إذا جاء رسول الله صلىاللهعليهوآله قال إن جملك يزعم أنك حرثت عليه زمانا حتى إذا أجربته
وأعجفته وكبر سنه أردت نحره قال والذي بعثك بالحق إن ذلك كذلك قال
صلىاللهعليهوآله
ما هكذا جزاء المملوك
الصالح ثم قال بعنيه قال نعم فابتاعه منه ثم أرسله
صلىاللهعليهوآله
في الشجر حتى نصب سنامه
وكان إذا اعتل على بعض المهاجرين والأنصار من نواضحهم شيء أعطاه إياه فمكث كذلك
زمانا .
وقال البقر اسم
جنس يقع على الذكر والأنثى وإنما دخلته الهاء للوحدة والجمع بقرات وهو حيوان شديد
القوة كثير المنفعة خلقه الله ذللا ولم يخلق له سلاحا شديدا كما للسباع لأنه في رعاية الإنسان
فالإنسان يدفع عنه عدوه فلو كان له سلاح لصعب على الإنسان ضبطه والبقر الأجم يعلم أن سلاحه في
رأسه فيستعمل محل القرن كما ترى في العجاجيل قبل نبات قرونها تنطح برءوسها تفعل
ذلك طبعا وهي أجناس منها الجواميس وهي أكثرها ألبانا وأعظمها أجسادا ومنها العراب وهي
جرد ملس الألوان ومنها نوع آخر يقال له الدربانة والبقر ينزو
ذكورها
__________________
على إناثها إذا
تمت لها سنة من عمرها في الغالب وهي كثيرة المني وكل الحيوان إناثه أرق صوتا من
الذكور إلا البقر فإن الأنثى أفخم وأجهر وليس لجنس البقر ثنايا عليا فهي تقطع
الحشيش بالسفلى.
وذكر صاحب الترغيب
والترهيب والبيهقي في الشعب عن ابن عباس أن ملكا من الملوك خرج يتصيد في مملكته
مختفيا من الناس فنزل على رجل له
بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت مقدار ثلاثين بقرة فحدث الملك نفسه أن يأخذها
فلما كان من الغد غدت البقرة إلى مرعاها ثم راحت فحلبت نصف ذلك فدعا الملك صاحبها
فقال أخبرني عن بقرتك هذه لم نقص حلابها ألم يكن مرعاها اليوم مرعاها بالأمس قال
بلى ولكن أرى الملك أضمر لبعض الرعية سوء فنقص لبنها فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم
ذهبت البركة قال فعاهد الملك ربه أن لا يأخذها ولا يظلم أحدا قال فغدت ثم راحت فحلبت حلابها في
اليوم الأول فاعتبر الملك بذلك وعدل وقال إن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة
لا جرم لأعدلن ولأكونن على أفضل الحالات .
وقال الغنم الشاة
لا واحد له من لفظه
وروى عبد بن حميد
بسنده إلى عطية عن أبي سعيد الخدري قال : افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقال السكينة والوقار في
أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الإبل.
وهو في الصحيحين
بألفاظ مختلفة منها السكينة في أهل الغنم والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر
وفي لفظ الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أصحاب الشاة.
أراد بالسكينة
السكون وبالوقار التواضع وأراد بالفخر التفاخر بكثرة
__________________
المال والجاه وغير
ذلك من مراتب أهل الدنيا وبالخيلاء التكبر والتعاظم ومنه قوله تعالى :
« إِنَّ
اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » ومراده بالوبر أهل الإبل لأنه لها كالصوف للغنم والشعر للمعز
ولذلك قال تعالى : « وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها
أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ » وهذا منه صلىاللهعليهوآله إخبار عن أكثر حال أهل الغنم وأهل الإبل وأغلبه وقيل أراد
به أي بأهل الغنم أهل اليمن لأن أكثرهم أهل الغنم بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب
إبل.
والغنم على ضربين
ضائنة وماعزة قال الجاحظ واتفقوا على أن الضأن أفضل من الماعز واستدلوا عليه
بأوجه منها أن الله تعالى بدأ بذكر الضأن في القرآن فقال :
« مِنَ
الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ » ومنها قوله : « إِنَّ هذا أَخِي لَهُ
تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً » ومنها : « فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ
عَظِيمٍ » ومما يذكر من فضلها أنها تلد في السنة مرة وتفرد غالبا والمعز
تلد مرتين وقد تثنى وتثلث والبركة في الضأن أكثر ومن ذلك أن الضأن إذا رعت شيئا من
الكلأ فإنه ينبت وإذا رعت الماعز شيئا لا ينبت لأن المعز تقلعه من أصولها والضأن
ترعى ما على وجه الأرض وأيضا فإن صوف الضأن أفضل من شعر المعز وأعز قيمة وليس
الصوف إلا للضأن ومنها أنهم كانوا إذا مدحوا
__________________
شخصا قالوا إنما
هو كبش وإذا ذموه قالوا ما هو إلا تيس ومما أهان الله به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل
والدبر بخلاف الكبش ولذا شبه رسول الله صلىاللهعليهوآله المحلل بالتيس المستعار.
ومنها أن رءوس
الضأن أطيب وأفضل من رءوس الماعز وكذلك لحمها فإن أكل لحم الماعز يحرك المرة
السوداء ويولد البلغم ويورث النسيان ويفسد الدم ولحم الضأن عكس ذلك قال أبو زيد
يقال لما تضعه الغنم والمعز حالة وضعه سخلة ذكرا كان أو أنثى وجمعها سخل بفتح
السين وسخال بكسرها ثم لا يزال اسمه ذلك ما دام يرضع اللبن ثم يقال للذكر والأنثى
بهمة بفتح الباء والجمع بهم بضمها ويقال لولد المعز حين يولد سليل وسليط فإذا بلغ
أربعة أشهر وفصل عن أمه وأكل من البقل فإن كان من أولاد المعز فهو جفر والأنثى
جفرة والجمع جفار فإذا قوى وأتى عليه حول فهو عريض وجمعه عرضان بكسر العين والعتود
نوع منه وجمعه أعتدة وعتدان وهو في ذلك جدي والأنثى عناق إذا كان من أولاد المعز ويقال له إذا تبع أمه
تلو لأنه يتلو أمه ويقال للجدي أمر بضم الهمزة وتشديد الميم والراء المهملة في
آخره ويقال له هلع وهلعة بضم الهاء وتشديد اللام والبكرة العناق أيضا والعطعط
الجدي فإذا أتى عليه حول فالذكر تيس والأنثى عنز ثم يكون جذعا في السنة الثانية
والأنثى جذعة فإذا طعن في السنة الثالثة فهو ثني والأنثى ثنية فإذا طعن في السنة
الرابعة كان رباعيا والأنثى رباعية ثم تكون سدسا والأنثى سدسة ثم يكون ضالعا
والأنثى كذلك ويقال ضلع يضلع ضلوعا والجمع الضلع
__________________
بتشديد اللام وقال الجلان
والجلام من أولاد المعز خاصة وفي الحديث في الأرنب يصيبها المحرم
جلان .
قال الجاحظ وقد
قالوا في أولاد الضأن كما قالوا في أولاد المعز إلا في مواضع قال الكسائي هي خروف في العريض من
أولاد المعز والأنثى خروفة ويقال له حمل والأنثى رخل بفتح الراء المهملة وكسر
الخاء المعجمة والجمع رخال بضم الراء وهو مما جمع على غير قياس كما قالوا في
المرضع ظئر وظؤار وللشاة القريبة العهد بالنتاج ربى ورباب والبهمة للذكر والأنثى
من أولاد الضأن والمعز جميعا ولا يزال كذلك حتى يأكل ويجتر ثم هو قرقر بقافين
مكسورتين والجمع قرقار وقرقور وهذا كله حين يأكل ويجتر والجلام بكسر الجيم الجدي
أيضا والبذج بفتح الباء والذال المعجمة وبالجيم في آخره من أولاد الضأن خاصة
والجمع بذجان.
وروى ابن ماجه
بإسناد صحيح عن أم هاني قالت إن النبي صلىاللهعليهوآله قال لها اتخذي غنما فإن فيها البركة وشكت إليه امرأة أن
غنمها لا تزكو فقال صلىاللهعليهوآله
ما ألوانها قالت سود فقال
عفري أي استبدلي أغناما بيضا فإن البركة فيها.
وفي الحديث صلوا
في مرابض الغنم وامسحوا رغامها.
والرغام ما يسيل
من الأنف.
وروى أبو داود أن
النبي صلىاللهعليهوآله
كانت له مائة شاة لا يريد
أن تزيد وكان صلىاللهعليهوآله
كلما ولدت سخلة ذبح
مكانها شاة.
__________________
وروى مالك وأبو
داود والبخاري والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يوشك أن يكون خير مال
المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواضع القطر يفر بدينه من الفتن.
شعف الجبال بفتح
الشين المعجمة والعين المهملة رءوسها وشعف كل شيء أعلاه قال أبو الزناد خص
عليهالسلام
الغنم من بين سائر
الأشياء حضا على التواضع وتنبيها على إيثار الخمول وترك الاستعلاء والظهور وقد
رعاها الأنبياء والصالحون
وقال
صلىاللهعليهوآله
ما بعث الله نبيا إلا
راعي غنم .
وأخبر
صلىاللهعليهوآله
أن السكينة في أهل الغنم.
وفي الحديث أنه
صلىاللهعليهوآله
قال : ما من نبي إلا وقد
رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا ..
قيل والحكمة أن
الله عز وجل جعل الرعي في الأنبياء تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق وتكون أممهم رعايا لهم.
وروى الحاكم في
مستدركه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله رأيت غنما سودا دخلت فيها غنم كثير بيض فقالوا فما أولته يا
رسول الله قال العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم قالوا العجم يا رسول الله قال
صلىاللهعليهوآله
لو كان الإيمان معلقا
بالثريا لناله رجال من العجم.
وفي عجائب
المخلوقات عن موسى بن عمران عليهالسلام أنه اجتاز بعين ماء في سفح جبل فتوضأ منها ثم ارتقى الجبل
ليصلي إذ أقبل فارس فشرب من ماء العين وترك عنده كيسا فيه دراهم وذهب مارا فجاء
بعده راعي غنم فرأى الكيس فأخذه ومضى ثم جاء بعده شيخا عليه أثر البؤس وعلى رأسه
حزمة حطب فوضعها هناك ثم
__________________
استلقى ليستريح
فما كان إلا قليلا حتى عاد الفارس فطلب كيسه فلم يجده فأقبل على الشيخ يطالبه فأنكر فلم يزالا كذلك حتى
ضربه ولم يزل يضربه حتى قتله فقال موسى يا رب كيف العدل في هذه الأمور فأوحى الله
إليه أن الشيخ كان قتل أبا الفارس وكان على أب الفارس دين لأب الراعي مقدار ما في
الكيس فجرى بينهما القصاص وقضي الدين وأنا حكم عدل .
١ ـ الخصال : عن
أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن سهل بن زياد عن الحسين بن
يزيد عن سفيان الحريري عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
البركة عشرة أجزاء تسعة
أعشارها في التجارة والعشر الباقي في الجلود.
قال الصدوق رضياللهعنه يعني بالجلود الغنم وتصديق ذلك ما روي عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : تسعة أعشار
الرزق في التجارة والجزء الباقي في السابياء يعني الغنم ، حدثنا بذلك أحمد بن
الحسن القطان عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن
بهلول عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن الحسين بن زيد عن أبيه زيد بن علي عن
أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب
عليهالسلام
عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : تسعة أعشار
الرزق في التجارة والجزء الباقي في السابياء يعني الغنم .
بيان : قال في
النهاية بعد إيراد الرواية في السابياء يريد به النتاج في المواشي وكثرتها يقال إن
لآل فلان سابياء أي مواشي كثيرة والجمع السوابي وهي في الأصل الجلدة التي يخرج
فيها الولد وقيل هي المشيمة انتهى .
أقول الجلود في
الخبر الأول لعله أريد به ذوات الجلود من الحيوانات وفي
__________________
القاموس الجلد
محركة الشاة يموت ولدها حين تضع كالجلدة محركة فيهما والكبار من الإبل لا صغار
فيها ومن الغنم والإبل ما لا أولاد لها ولا ألبان وككتاب من الإبل الغزيرات اللبن
كالمجاليد أو ما لا لبن لها ولا نتاج والجلد الذكر :
« وَقالُوا
لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا » أي لفروجهم .
٢ ـ الفقيه : قال
قال أمير المؤمنين عليهالسلام
اتقوا الله فيما خولكم
وفي العجم من أموالكم فقيل له وما العجم قال الشاة والبقر والحمام .
٣ ـ تفسير علي بن
إبراهيم : قال أبو الجارود في قوله : « وَالْأَنْعامَ
خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ » والدفء حواشي الإبل ويقال بل هي الأدفاء من البيوت والثياب
وقال علي بن إبراهيم في قوله : « دِفْءٌ » أي ما يستدفئون به مما يتخذ من صوفها ووبرها قوله :
« وَلَكُمْ
فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ » قال حين يرجع من المرعى وحين تسرحون حين يخرج إلى المرعى
قوله : « وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ
تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ » قال إلى مكة والمدينة وجميع البلدان ثم قال :
«
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها » ولم يقل عز وعلا لتركبوها وتأكلوها كما قال في
الأنعام : « وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ » قال العجائب التي خلقها الله في البر والبحر .
بيان : قوله حواشي
الإبل أي صغار أولادها وهذا تفسير آخر غير التفاسير المشهورة لكنه موافق للغة قال
الفيروزآبادي الحشو صغار الإبل كالحاشية وقال
__________________
الدفء بالكسر
ويحرك نقيض حدة البرد وإبل مدفئة ومدفأة ومدفأة ومدفئة كثير الأوبار والشحوم
والدفء بالكسر نتاج الإبل وأوبارها والانتفاع بها .
وقال الراغب الدفء
خلاف البرد قال تعالى : « لَكُمْ فِيها دِفْءٌ
وَمَنافِعُ » وهو لما يدفئ ورجل دفآن وامرأة دفأى وبيت دفيء قوله من البيوت
أي الخيم من الشعر والصوف قوله ولم يقل إلى آخره كان غرضه أنها ليست مما أعدت
للأكل ورغب في أكلها إلا أنها محرمة فيدل على كراهتها كما هو المشهور.
٤ ـ الخصال : عن
أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن زياد القندي عن أبي وكيع عن أبي
إسحاق السبيعي عن الحارث قال قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عليكم بالغنم والحرث
فإنهما يروحان بخير ويغدوان بخير فقيل يا رسول الله فأين الإبل قال تلك أعنان
الشياطين ويأتيها خيرها من الجانب الأشأم قيل يا رسول الله إن سمع الناس بذلك تركوها فقال إذا لا
يعدمها الأشقياء الفجرة .
بيان : قال في
النهاية سئل عليهالسلام
عن الإبل فقال أعنان
الشياطين الأعنان النواحي كأنه قال إنها لكثرة آفاتها كأنها من نواحي الشياطين في
أخلاقها وطبائعها وفي حديث آخر لا تصلوا في أعطان الإبل لأنها خلقت من أعنان
الشياطين .
__________________
٥ ـ الخصال : عن
محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم
بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه
عليهالسلام
عن علي
عليهالسلام
قال : سئل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أي المال خير قال زرع
زرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده قيل فأي المال بعد الزرع خير قال رجل في
غنمة قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة قيل فأي المال بعد الغنم
خير قال البقر تغدو بخير وتروح بخير قيل فأي المال بعد البقر خير قال الراسيات في
الوحل والمطعمات في المحل نعم الشيء النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس
شاهق : « اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ » إلا أن يخلف مكانها قيل يا رسول الله فأي المال بعد النخل
خير فسكت فقال له رجل فأين الإبل قال فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار تغدو
مدبرة وتروح مدبرة ولا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم أما إنها لا تعدم الأشقياء
الفجرة .
معاني الأخبار :
عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه مثله .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم مثله.
بيان : قد تبع بها
الباء للتعدية أو للمصاحبة أو للسببية أي يتبع لغنمه مواضع قطر السماء ونزول المطر
فإذا رأى ماء وعشبا نزل هناك تغدو بخير أي بلبن أي تأتي به غدوا ورواحا والخير كل
ما يرغب فيه ويكون نافعا وقال الراغب الخير والشر يقالان على وجهين أحدهما أن
يكونا اسمين كقوله تعالى : « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ » والثاني أن يكونا وصفين وتقديراهما تقدير أفعل منه نحو هذا
خير من ذلك وأفضل كقوله تعالى : « نَأْتِ » : « بِخَيْرٍ مِنْها »
__________________
قوله الراسيات في
الوحل أي النخيل التي نشبت عروقها في الطين وثبتت فيه وهي تطعم أي تثمر في المحل
وهو بالفتح الجدب وانقطاع المطر والتخصيص بها لأنها تحمل العطش أكثر من سائر
الأشجار قوله فإنما ثمنه هو قائم مقام الخبر كأنه قيل فلا يرى خيرا لأن ثمنه فلذا
خلا عن العائد أو هو خبر بإرجاع ضمير ثمنه إلى الموصول قوله
صلىاللهعليهوآله
بمنزلة رماد اقتباس من
قوله تعالى : « مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ
مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ » والعصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم نهاره
صائم وليله قائم واشتدت به أي حملته وأسرعت الذهاب به والشاهق المرتفع من الجبال
والأبنية وغيرها إلا أن يخلف مكانها أي مثله أو الأعم والأول أظهر والشقاء الشدة
والعسر أو هو ضد السعادة والجفاء البعد عن الشيء وترك الصلة والبر وغلظ الطبع وفي
القاموس جفا عليه كذا ثقل وجفا ماله لم يلازمه وأجفى الماشية أتعبها ولم يدعها
تأكل.
وأقول هنا أكثر
المعاني مناسب فإن فيها غلظ الطبع ومن يلازمها يصير كذلك كما يرى في الأعراب
والجمالين ويبعد عن صاحبه للرعي وإن كان المراد ببعد الدار أيضا ذلك وتتعب صاحبها
وتثقل على صاحبها لقلة منافعها والعناء التعب تغدو مدبرة لأنها تطلب العلف من
صاحبها غدوة وليست لها منفعة تداركه وكذا في الرواح أما إنها لا تعدم الأشقياء
الفجرة أي أنها مع هذه الخلال لا يتركها الأشقياء ويتخذونها للشوكة والرفعة التي
فيها ولا يصير قولي هذا سببا لتركهم لها وما يروى عن الشيخ البهائي قدسسره أن المعنى أن من
جملة مفاسدها أنه تكون معها غالبا شرار الناس وهم الجمالون فهذا الخبر وإن كان
يحتمله لكن سائر الأخبار مصرحة بالمعنى الأول.
٦ ـ المعاني :
والخصال ، عن علي بن أحمد بن موسى عن محمد الأسدي عن صالح
__________________
بن أبي حماد عن
إسماعيل بن مهران عن أبيه عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله عن أبيه عن
آبائه عن علي عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الغنم إذا أقبلت أقبلت
وإذا أدبرت أقبلت والبقر إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أدبرت والإبل أعنان الشياطين
إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت ولا يجيء خيرها إلا من الجانب الأشأم قيل يا رسول الله
فمن يتخذها بعد ذا قال فأين الأشقياء الفجرة.
قال صالح : وأنشد
إسماعيل بن مهران :
هي المال لو لا
قلة الخفض حولها
|
|
فمن شاء داراها
ومن شاء باعها
|
المعاني عن محمد
بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد أنه قال قوله أعنان الشياطين
أعنان كل شيء نواحيه وأما الذي يحكيه أبو عمرو فأعنان الشيء نواحيه قالها أبو عمرو
وغيره فإن كانت الأعنان محفوظة فأراد أن الإبل من نواحي الشياطين أي أنها على
أخلاقها وطبائعها وقوله لا تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية فهذا عندي كالمثل
الذي يقال فيها إنها إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت وذلك لكثرة آفاتها وسرعة
فنائها وقوله لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم يعني الشمال يقال لليد الشمال
الشؤمى ومنه قول الله عز وجل :
«
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ » يريد أصحاب الشمال ومعنى قوله لا يأتي نفعها إلا من هناك
يعني أنها لا تحلب ولا تركب إلا من شمالها وهو الجانب الذي يقال له الوحشي في قول
الأصمعي لأنه الشمال قال والأيمن هو الإنسي وقال بعضهم لا ولكن الإنسي هو الذي
يأتيه الناس في الاحتلاب والركوب والوحشي هو الأيمن لأن الدابة لا تؤتى من جانبها
الأيمن إنما تؤتى من الأيسر
__________________
قال أبو عبيد فهذا
هو القول عندي وإنما الجانب الوحشي الأيمن لأن الخائف إنما يفر من موضع المخافة
إلى موضع الأمن .
توضيح : قال
الزمخشري في الفائق سئل عن الإبل فقال أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية ولا تدبر
إلا مولية ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم.
الأعنان النواحي
جمع عنن وعن يقال أخذنا كل عن وسن وفن أخذ من عن كما أخذ العرض من عرض وفي الحديث
أنهم كرهوا الصلاة في أعطان الإبل لأنها خلقت من أعنان الشياطين.
قال الجاحظ يزعم
بعض الناس أن الإبل لكثرة آفاتها أن من شأنها إذا أقبلت أن يتعقب إقبالها الإدبار
وإذا أدبرت أن يكون إدبارها ذهابا وفناء ومستأصلا ولا يأتي نفعها يعني منفعة
الركوب والحلب إلا من جانبها الذي ديدن العرب أن يتشأموا به وهو جانب الشمال ومن
ثم سموا الشمال شؤمى قال :
فأنحى على شؤمى يديه فذادها
فهي إذا للفتنة
مظنة وللشياطين مجال متسع حيث تسببت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر
النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرانهم أغرتهم أيضا على أغفال ما لزمهم من
حق جميل الصبر على المرزئة بها وسولت لهم في الجانب الذي يستملون منه نعمتي الركوب
والحلب أنه الجانب الأشأم وهو في الحقيقة الأيمن والأبرك.
وقال أيضا قيل أي
لرسول الله صلىاللهعليهوآله
أي أموالنا أفضل قال
الحرث وقيل يا رسول الله فالإبل قال تلك عناجيج الشياطين.
العنجوج من الخيل
والإبل الطويل العنق فعلول من عنجه إذا عطفه لأنه يعطف عنقه لطولها في كل جهة
ويلويها ليا وراكبه يعجنها إليه بالعنان الزمام يريد أنها مطايا الشياطين ومنه
قوله إن على ذروة كل بعير شيطانا
__________________
وقال في النهاية
لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم يعني الشمال ومنه قولهم لليد الشمال الشؤمى
تأنيث الأشأم يريد بخيرها لبنها لأنها إنما تحلب وتركب من الجانب الأيسر انتهى.
وقال الجوهري
الوحشي الجانب الأيمن من كل شيء هذا قول أبي زيد وأبي عمرو قال عنترة :
وكأنما تنأى
بجانب دفها
|
|
الوحشي من هزج
العشي مئوم
|
وإنما تنأى
بالجانب الوحشي لأن سوط الراكب في يده اليمنى
وقال الراعي :
فمالت على شق
وحشيها
|
|
وقد ريع جانبها
الأيسر
|
ويقال ليس شيء
يفزع إلا مال على جانبه الأيمن لأن الدابة لا تؤتى من جانبها الأيمن وإنما تؤتى في
الاحتلاب والركوب من جانبها الأيسر فإنما خوفه منه والخائف إنما يفر من موضع
المخافة إلى موضع الأمن وكان الأصمعي يقول الوحشي الجانب الأيسر من كل شيء وفي
المصباح المنير الوحشي من كل دابة الجانب الأيمن قال الأزهري قال أئمة العربية
الوحشي من جميع الحيوان غير الإنسان الجانب الأيمن وهو الذي لا يركب منه الراكب
ولا يحلب منه الحالب والإنسي الجانب الآخر وهو الأيسر وروى أبو عبيدة عن الأصمعي
أن الوحشي هو الذي يأتي منه الراكب ويحلب منه الحالب لأن الدابة تستوحش عنده فتفر
منه إلى الجانب الأيمن قال الأزهري وهو غير صحيح عندي قال ابن الأنباري ما من شيء
يفزع إلا مال إلى جانبه الأيمن لأن الدابة إنما تؤتى للحلب والركوب من الجانب
الأيسر فتخاف منه فتفر من موضع المخافة وهو الجانب الأيسر إلى موضع الإنس وهو
الجانب الأيمن فلهذا قيل الوحشي الجانب الأيمن انتهى.
وأقول يرد في
الخبر إشكال وهو أن الحلب والركوب من الجانب الأيمن
__________________
لا اختصاص لهما
بالإبل فكيف صارا سببا لذم خصوص الإبل والتكلف الذي ارتكبه الجاحظ في غاية السماجة
والركاكة إلا أن يقال الركوب من بين الأنعام الثلاثة مختص بالإبل والحلب وإن كان
مشتركا لكن قد تحلب الشاة بل البقرة أيضا من جانب الخلف وأيضا فيهما من السهولة
والبركة ما يقاوم ذلك وقد يقال يمكن أن يكون كون الخبر من الجانب الأشأم كناية عن
أن نفعها مشوب بضرر عظيم فإن اليمن منسوب إلى اليمين والشؤم منسوب إلى اليسار أو
يكون الأشأم أفعل تفضيل من الشأمة ويكون الغرض موتها واستيصالها أي خيرها في عدمها
مبالغة في قلة نفعها كان عدمها أنفع من وجودها.
٧ ـ الخصال : في
الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليهالسلام أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة فمن كانت في
منزله شاة قدست عليه الملائكة في كل يوم مرة ومن كانت عنده شاتان قدست عليه
الملائكة مرتين في كل يوم وكذلك في الثلاث يقول بورك فيكم .
٨ ـ العلل : عن
محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي عن أبيه عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله
عليهالسلام
إنا نرى الدواب في بطون
أيديها الرقعتين مثل الكي فمن أي شيء ذلك قال ذلك موضع منخريه في بطن أمه وابن آدم
منتصب في بطن أمه وذلك قول الله عز وجل : « لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ » وما سوى ابن آدم فرأسه في دبره ويداه بين يديه .
__________________
الفقيه : عن أبيه
عن سعد بن عبد الله والحميري جميعا عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن حماد
مثله إلى قوله موضع منخريه في بطن أمه
٩ ـ ثواب الأعمال
، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد البرقي عن ابن محبوب
عن محمد بن مارد قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول ما من مؤمن يكون في منزله عنز حلوب إلا قدس أهل ذلك
المنزل وبورك عليهم وإن كانت اثنتين قدسوا وبورك عليهم كل يوم مرتين فقال بعض
أصحابنا وكيف يقدسون قال يقف عليهم ملك كل صباح ومساء فيقول قدستم وبورك عليكم
وطبتم وطاب إدامك فقلت له ما معنى قدستم قال طهرتم .
المحاسن : عن ابن
محبوب مثله ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
ابن محبوب مثله .
بيان : العنز
الأنثى من المعز.
١٠ ـ المحاسن : عن
أبيه عن هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبد الله
عليهالسلام
بمنى إذ أقبل أبو حنيفة
على حمار له فاستأذن على أبي عبد الله عليهالسلام فأذن له فلما جلس قال لأبي عبد الله
عليهالسلام
إني أريد أن أقايسك فقال
له أبو عبد الله عليهالسلام
ليس في دين الله قياس
ولكن أسألك عن حمارك هذا فيم أمره قال وعن أي أمره تسأل قال أخبرني عن هاتين
النكتتين اللتين بين يديه ما هما فقال أبو حنيفة خلق في الدواب كخلق أذنيك وأنفك
في رأسك فقال له أبو عبد الله عليهالسلام :
__________________
خلق الله أذني
لأسمع بهما وخلق عيني لأبصر بهما وخلق أنفي لأجد به الرائحة الطيبة والمنتنة ففيما
خلق هذان وكيف نبت الشعر على جميع جسده ما خلا هذا الموضع فقال أبو حنيفة سبحان الله
أسألك عن دين الله وتسألني عن مسائل الصبيان فقام وخرج قال محمد
بن مسلم فقلت له عليهالسلام
جعلت فداك سألته عن أمر
أحب أن أعلمه فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ » يعني منتصبا في بطن أمه مقاديمه إلى مقاديم أمه ومآخيره
إلى مآخير أمه غذاؤه مما تأكل أمه ويشرب مما تشرب أمه وتنسمه تنسيما وميثاقه الذي
أخذ الله عليه بين عينيه فإذا دنا ولادته أتاه ملك يسمى الزاجر فيزجره فينقلب
فتصير مقاديمه إلى مآخر أمه ومآخيره إلى مقدم أمه ليسهل الله على المرأة والولد أمره ويصيب ذلك جميع الناس إلا إذا كان عاميا فإذا زجره فزع وانقلب ووقع إلى الأرض باكيا من زجرة الزاجر ونسي الميثاق وإن
الله خلق جميع البهائم في بطون أمهاتها منكوسة مقدمها إلى مؤخر أمها ومؤخرها إلى
مقدم أمها وهي تتربص في الأرحام منكوسة قد أدخل رأسها بين يديها
ورجليها تأخذ الغذاء من أمها فإذا دنا ولادتها انسلت انسلالا وامترقت من بطون
أمهاتها وهاتان التي بين أيديها كلها موضع أعينها في بطون أمهاتها وما في عراقيبها موضع
مناخيرها لا ينبت عليه الشعر وهو للدواب كلها ما خلا البعير فإن عنقه طال فنفذ
رأسه بين
__________________
قوائمه في بطن أمه
.
بيان : تنسمه
تنسيما كان المعنى أن بنفسه مما تتنفس به أمه يصل إليه أثر ذلك النسيم قوله إلا
إذا كان عاميا أي أعمى البصر أو أعمى القلب مخالفا وفي بعض النسخ عانيا بالنون أي
إلا أن يقدر الله تعالى أن يكون في عناء ومشقة عليه وعلى أمه الولادة والأظهر أنه
كان في الأصل إلا إذا كان يتنا أو ميتونا بتقديم المثناة التحتانية على المثناة
الفوقانية ثم النون قال في القاموس اليتن أن تخرج رجلا المولود قبل يديه وقد خرج
يتنا أيتنت ويتنت وهي موتن وموتنة وهو ميتون والقياس موتن .
وفي النهاية اليتن
الولد الذي تخرج رجلاه من بطن أمه قبل رأسه وقد أيتنت الأم إذا جاءت به يتنا .
وفي القاموس مرق
السهم من الرمية مروقا خرج من الجانب الآخر وكانت امرأة تغزو فحبلت فذكر لها الغزو
فقالت رويد الغزو يتمرق أي أمهل الغزو حتى يخرج الولد والامتراق سرعة المروق .
ثم اعلم أن الخبر
يشعر بأن الانتصاب في الرحم الذي هو شأن الإنسان أصعب وأشق من الهيئة التي عليها
غيره فلذا فسر عليهالسلام
به الآية.
١١ ـ المحاسن : عن
علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الشاة نعم المال الشاة .
بيان : كان
شاة الأولى منصوبة على الإغراء والأخرى تأكيد وخبره محذوف وليس في الكافي الشاة
الأولى.
__________________
١٢ ـ المحاسن : عن
الوشاء عن إسحاق بن جعفر قال قال لي أبو عبد الله
عليهالسلام
يا بني اتخذ الغنم ولا
تتخذ الإبل .
١٣ ومنه ، عن
النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إذا كانت لأهل بيت شاة
قدستهم الملائكة .
١٤ ـ ومنه : عن
محمد بن علي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إذا اتخذ أهل البيت
الشاة قدستهم الملائكة كل يوم تقديسة قلت كيف يقولون قال يقولون قدستم قدستم .
١٥ ـ قال وفي حديث
آخر قال : إذا اتخذ أهل البيت ثلاث شياه .
١٦ ـ ومنه : عن
أبيه عن سليمان الجعفري رفعه قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
من كانت في بيته شاة
قدستهم الملائكة تقديسة وانتقل عنهم الفقر منقلة ومن كانت في بيته
شاتان قدستهم الملائكة مرتين وارتحل عنهم الفقر منقلتين فإن كانت ثلاث شياه قدستهم
الملائكة ثلاث تقديسات وانتقل عنهم الفقر .
بيان : وانتقل عنهم الفقر أي رأسا كما سيأتي .
١٧ ـ المحاسن : عن
ابن أبي نجران وعثمان عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال قال النبي
صلىاللهعليهوآله
لعمته ما يمنعك من أن
تتخذي في بيتك ببركة فقالت يا رسول الله ما البركة فقال شاة تحلب فإنه من كانت في داره شاة تحلب
أو نعجة أو بقرة فبركات كلهن .
قال وروى أبي عن
أحمد بن النضر عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام .
__________________
الكافي : عن العدة
عن البرقي مثله إلى آخر الخبر بالسند الأول .
بيان : كأن المراد
بالشاة المعز أو النعجة الأنثى من الضأن والشاة أعم من الضأن والمعز تطلق على
الذكر والأنثى كما ذكره الفيروزآبادي وفي الكافي أو بقرة تحلب.
١٨ ـ المحاسن : عن
محمد بن علي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : دخل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
على أم أيمن فقال ما لي
لا أرى في بيتك البركة فقالت أوليس في بيتي بركة قال لست أعني لك ذاك شاة تتخذيها
تستغني ولدك من لبنها وتطعمين من سمنها وتصلين في مربضها .
بيان : لست أعني أي عدم البركة مطلقا لك أي بركة ذاك أي الذي قلت
أو لست أعني وأقول لك ذاك الذي فهمت هي شاة ولا يبعد أن يكون ذلك مكان لك.
١٩ ـ المحاسن : عن
أبيه عن نصر بن مزاحم عن حميد اللالي [ الآبي ] عن أم راشد مولاة أم هاني أن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه دخل على أم هاني فقالت أم هاني قدمي لأبي الحسن طعاما فقدمت ما
كان في البيت فقال ما لي لا أرى عندكم البركة فقالت أم هاني لأبي الحسن أوليس هذا
بركة فقال لست أعني هذا إنما أعني الشاة فقالت ما لنا من شاة فآكل وأستسقي .
بيان : فقالت أم هاني أي لمولاتها أم راشد فقدمت على صيغة المتكلم
فآكل أي من سمنها وأستسقي أي من لبنها.
__________________
٢٠ ـ المحاسن : عن
محمد بن علي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إذا اتخذ أهل البيت
شاة آتاهم الله برزقها وزاد في أرزاقهم وارتحل عنهم الفقر مرحلة فإن اتخذوا
شاتين آتاهم الله بأرزاقها وزاد في أرزاقهم وارتحل عنهم الفقر مرحلتين وإن اتخذوا
ثلاثا آتاهم الله بأرزاقها وزاد في أرزاقهم وارتحل عنهم الفقر رأسا .
الكافي : عن أبي
علي الأشعري عن الحسن بن علي عن عبيس مثله .
٢١ ـ المحاسن : عن
أبيه عن سليمان الجعفري رفعه إلى أبي عبد الله الحسين
عليهالسلام
قال : ما من أهل بيت تروح
عليهم ثلاثين [ ثلاثون ] شاة إلا نزل الملائكة تحرسهم حتى يصبحوا .
٢٢ ـ ومنه : عن
بعض أصحابنا عن الفضل بن المبارك عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : من كانت في بيته
شاة عيدية ارتحل الفقر عنه منقلة ومن كانت في بيته اثنتان ارتحل عنه
الفقر منقلتين ومن كانت في بيته ثلاثة نفى الله عنهم الفقر .
بيان : عيدية في
بعض النسخ بالياء المثناة وكأن المراد نجيبة قال الفيروزآبادي العيد بالكسر شجر
جبلي وفحل معروف منه النجائب العيدية أو نسبة إلى العيدي بن الندعي أو إلى عاد بن
عاد أو إلى بني عيد بن الآمري وفي
__________________
بعضها بالباء
الموحدة قال في القاموس بنو العبيد بطن وهو عبدي كهذلي وقال العبدي نسبة إلى عبد
القيس وكأن شياههم كانت أحسن وأكثر لبنا.
٢٣ ـ المحاسن : عن
النهيكي ويعقوب بن يزيد عن العبدي عن أبي وكيع عن أبي إسحاق عن علي
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عليكم بالغنم والحرث
فإنهما يغدوان بخير ويروحان بخير .
بيان : كان الغدو
والرواح هنا كناية عن دوام المنفعة واستمرارها إذ في كثير من الأزمان لا يعودان بخير لا سيما في الحرث.
٢٤ ـ المحاسن : عن
القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
من كانت في منزله شاة
قدست عليه الملائكة في كل يوم مرة ومن كانت اثنتين قدست عليه
الملائكة في كل يوم مرتين وكذلك في الثلاثة ويقول الله بورك فيكم .
٢٥ ـ ومنه : عن
أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن محمد بن عجلان قال سمعت أبا جعفر
عليهالسلام
يقول ما من أهل بيت يكون
عندهم شاة لبون إلا قدسوا كل يوم مرتين قلت وكيف يقال لهم قال يقال لهم بوركتم
بوركتم .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن ابن عجلان مثله .
__________________
٢٦ ـ المحاسن : عن
حماد بن عيسى عن حريز عن أبي الجارود عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال : دخل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
على أم سلمة فقال لها ما
لي لا أرى في بيتك البركة قالت بلى يا رسول الله والحمد لله إن البركة لفي بيتي
فقال إن الله أنزل ثلاث بركات الماء والنار والشاة .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن حماد مثله .
بيان : إن البركة
لفي بيتي أي بسبب وجودك وفي القاموس البركة محركة النماء والزيادة والسعادة وبارك
على محمد وآل محمد أدم له ما أعطيته من التشريف والكرامة والبركة بالكسر الشاة
الحلوبة والاثنان بركتان والجمع بركات انتهى وبركة النار لعلها تحريص على إيقادها للطبخ في البيت فإنه
يوجب البركة.
٢٧ ـ المحاسن : عن
علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الإبل عز لأهلها .
٢٨ ـ ومنه : عن
النهيكي ويعقوب بن يزيد عن أبي وكيع عن أبي إسحاق عن الحارث عن أمير المؤمنين
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وسئل عن الإبل فقال
تلك أعنان الشياطين ويأتي خيرها من الجانب الأشأم قيل إن سمع الناس هذا تركوها قال
إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة .
٢٩ ـ ومنه : عن
الحجال عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد الله
عليهالسلام
اشتر لي جملا وليكن أسود
فإنها أطول شيء أعمارا ثم قال لو يعلم الناس كنه حملان الله على
__________________
الضعيف ما غالوا
ببهيمة .
٣٠ ـ وفي حديث آخر
قال قال أبو عبد الله عليهالسلام
اشتر السود القباح منها
فإنها أطول شيء أعمارا .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن الحجال مثله إلى قوله وخذه أشوه فإنه أطول شيء أعمارا فاشتريت
له جملا بثمانين درهما فأتيته به.
وفي حديث آخر إلخ بيان في القاموس
شاه وجهه شوها وشوهة قبح كشوه كفرح فهو أشوه وشوهه الله قبح وجهه وكمعظم القبيح
الشكل .
٣١ ـ المحاسن : عن
الحسن بن محبوب عن حسين بن عمر بن يزيد قال : اشتريت إبلا وأنا بالمدينة مقيم
فأعجبني إعجابا شديدا فدخلت على أبي عبد الله
عليهالسلام
فذكرته فقال وما لك
وللإبل أما علمت أنها كثيرة المصائب قال فمن إعجابي بها أكريتها وبعثت بها غلماني
إلى الكوفة قال فسقطت كلها فدخلت عليه فأخبرته فقال :
«
فَلْيَحْذَرِ » : « الَّذِينَ
يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ » .
الكافي : عن محمد
بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله إلا أن فيه عن أبيه قال اشتريت إلى
قوله فدخلت على أبي الحسن الأول عليهالسلام فذكرتها له إلى قوله فبعثت بها مع غلمان لي إلى الكوفة .
__________________
بيان : الاستشهاد
بالآية مبني على أن قوله قول الله ومخالفة أمره مخالفة لأمر الله.
٣٢ ـ المحاسن : عن
أبيه مرسلا عمن ذكره عن أبي عبد الله عن أبيه
عليهالسلام
قال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أن يتخطى القطار قيل يا
رسول الله ولم قال لأنه ليس من قطار إلا وما بين البعير إلى البعير شيطان .
٣٣ ـ ومنه : عن
يعقوب بن يزيد وابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : كان علي بن الحسين
عليهالسلام
ليبتاع الراحلة بمائة دينار
ويكرم بها نفسه .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله .
بيان : يدل على
استحباب ركوب الدابة الفارهة والمغالاة في ثمنها لإكرام النفس عند الناس.
٣٤ ـ البصائر :
والإختصاص ، عن السندي بن محمد البزاز عن أبان بن عثمان عن عمرو بن صهبان عن عبد
الله بن الفضل الهاشمي عن جابر بن عبد الله قال : لما أقبل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
من غزوة ذات الرقاع وهي
غزوة بني ثعلبة من غطفان أقبل حتى إذا كان قريبا من المدينة إذا بعير قد
أقبل من قبل البيوت حتى انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فوضع جرانه إلى الأرض ثم جرجر فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
هل تدرون ما يقول هذا
البعير فقالوا الله ورسوله أعلم قال فإنه أخبرني أن صاحبه عمل
__________________
عليه حتى إذا
أكبره وأدبره وأهزله أراد نحره وبيع لحمه ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا جابر اذهب به إلى صاحبه وائتني به فقلت لا أعرف صاحبه
فقال هو يدلك عليه قال فخرجت معه حتى انتهيت إلى بني واقف فدخل في زقاق فإذا أنا
بمجلس فقالوا يا جابر كيف تركت رسول الله صلىاللهعليهوآله وكيف تركت المسلمين قلت هم الصالحون ولكن أيكم صاحب هذا
البعير فقال بعضهم أنا فقلت أجب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال ما لي قلت استعدى عليك بعيرك فجئت أنا والبعير وصاحبه إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فقال إن بعيرك يخبرني أنك
عملت عليه حتى إذا أكبرته وأدبرته وأهزلته أردت نحره وبيع لحمه فقال قد كان ذلك يا
رسول الله قال فبعنيه قال هو لك يا رسول الله قال
صلىاللهعليهوآله
بل بعنيه فاشتراه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
منه ثم ضرب على صفحته
فتركه يرعى في ضواحي المدينة فكان الرجل منا إذا أراد الروحة أو الغدوة منحه رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال جابر رأيته بعد وقد
ذهب دبره وصلح .
بيان : أكبره أي جعله كبيرا في السن مجازا أو وجده كبيرا وأدبره أي
جعله ذا دبر وهو بالتحريك قرحة الدابة وضواحي المدينة نواحيها وفي القاموس منحه
كمنعه وضربه أعطاه والاسم المنحة بالكسر ومنحه الناقة جعل له وبرها ولبنها وولدها
وهي المنحة والمنيحة.
٣٥ ـ الإختصاص :
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ومحمد البرقي عن ابن أبي عمير عن حفص
بن البختري عمن ذكره عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لما مات علي بن الحسين
عليهالسلام
جاءت ناقة له من الرعي
حتى ضربت بجرانها القبر
__________________
وتمرغت عليه إن
أبي كان يحج عليها ويعتمر ولم يقرعها قرعة قط .
٣٦ ـ أصل من أصول
أصحابنا عن هارون بن موسى عن محمد بن علي عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن
ابن فضال عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : الشاة المنتجة بركة .
٣٧ ـ الكافي : عن
محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن إسماعيل الجعفي وعبد
الكريم بن عمرو وعبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : حمل نوح
عليهالسلام
في السفينة الأزواج
الثمانية التي قال الله عز وجل : « ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ
مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ
وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ » فكان من الضأن اثنين زوج داجنة يربيها الناس والزوج الآخر
الضأن التي تكون في الجبال الوحشية أحل لهم صيدها ومن المعز اثنين زوج داجنة
يربيها الناس والزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز ومن الإبل اثنين البخاتي والعراب ومن
البقر اثنين زوج داجنة للناس والزوج الآخر البقرة الوحشية وكل طير طيب وحشي وإنسي
ثم غرقت الأرض .
٣٨ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن علي بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن رجل عن
ابن أبي يعفور عن أبي جعفر عليهالسلام قال سمعته يقول إياكم والإبل الحمر فإنها أقصر الإبل أعمارا
.
__________________
المكارم : مرسلا
عن الصادق عليهالسلام
مثله .
٣٩ ـ الكافي : عن
أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحجال عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد
الله عليهالسلام
لو يعلم الناس كنه حملان
الله للضعيف ما غالوا ببهيمة .
بيان : في النهاية
كنه الأمر حقيقته وقيل وقته وقدره وقيل غايته .
وقال قال أبو موسى
أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أسأله الحملان الحملان مصدر حمل يحمل حملانا وذلك أنهم
أنفذوه يطلب منه شيئا يركبون عليه ومنه تمام الحديث : قال النبي
صلىاللهعليهوآله
: ما أنا حملتكم ولكن الله
حملكم أراد إفراده تعالى بالمن عليهم وقيل لما ساق الله إليه هذه الإبل وقت حاجتهم
كان هو الحامل لهم عليها وقيل كان ناسيا ليمينه أنه لا يحملهم فلما أمر لهم بالإبل
قال ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم كما قال للصائم الذي أفطر ناسيا الله أطعمك
وسقاك.
انتهى والحاصل هنا أنه
تعالى لما كان هو المقوي للضعيف لحمل الثقيل نسب الحمل إليه سبحانه.
٤٠ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إن على ذروة كل بعير
شيطانا فامتهنوها لأنفسكم وذللوها واذكروا اسم الله فإنما يحمل الله .
بيان : فامتهنوها أي ابتذلوها واستخدموها.
__________________
٤١ ـ الكافي : عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : لو يعلم الحاج ما
له من الحملان ما غالى أحد ببعير .
٤٢ ـ ومنه : عن
الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام
يقول إن الله عز وجل
اختار من كل شيء شيئا اختار من الإبل الناقة ومن الغنم الضائنة .
بيان : في القاموس الضائن خلاف الماعز من الغنم والجمع ضأن ويحرك
وكأمير وهي ضائنة والجمع ضوائن .
٤٣ ـ تفسير علي بن
إبراهيم : عن أبيه عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن طريف عن الأصبغ قال قال أمير
المؤمنين عليهالسلام
في وصف حملة الكرسي أحدها
في صورة الثور وهو سيد البهائم ولم يكن في هذه الصور أحسن من الثور ولا
أشد انتصابا منه حتى اتخذ الملأ من بني إسرائيل العجل فلما عكفوا عليه وعبدوه من
دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء من الله أن عبد من دون الله
شيء يشبهه وتخوف أن ينزل به العذاب الخبر .
٤٤ ـ العلل : عن
محمد بن عمرو بن علي البصري عن إبراهيم بن حماد النهاوندي
__________________
عن أحمد بن محمد
المستثنى عن موسى بن الحسن عن إبراهيم بن شريح الكندي عن معاوية بن
وهب عن يحيى بن أيوب عن جميل بن أنس قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أكرموا البقر فإنها سيد
البهائم ما رفعت طرفها إلى السماء حياء من الله عز وجل منذ عبد العجل .
٤٥ ـ العيون :
والعلل ، عن محمد بن عمرو بن علي البصري عن محمد بن عبد الله بن أحمد بن جبلة عن
عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عن آبائه
عليهالسلام
أنه سأل رجل من أهل الشام
أمير المؤمنين عليهالسلام
عن الثور ما باله غاض
طرفه لا يرفع رأسه إلى السماء قال حياء من الله عز وجل لما عبد قوم موسى العجل نكس
رأسه وسأله ما بال الماعز مفرقعة الذنب بادية الحياء والعورة فقال لأن الماعز عصت
نوحا عليهالسلام
لما أدخلت السفينة فدفعها
فكسر ذنبها والنعجة مستورة الحياء والعورة لأن النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة
فمسح نوح عليهالسلام
يده على حيائها وذنبها
فاستوت الألية .
بيان : تدل هذه
الأخبار على أن الثور لم يكن قبل عبادة بني إسرائيل العجل على هذه الخلقة ولا
استبعاد فيه ويمكن أن يقال المراد لما علم الله أنه سيعبد على هذه الخلقة وكذا
القول في الماعز والنعجة ولكنه بعيد.
٤٦ ـ المجازات
النبوية : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد سئل عن الإبل فقال
__________________
أعنان الشياطين لا
تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم.
قال السيد الرضي رضياللهعنه فقوله أعنان الشياطين مجاز والأعنان النواحي وقال بعضهم الصحيح أن عنان الشيء
نواحيه فالأول قول البصريين والثاني قول الكوفيين والمراد على القولين المبالغة في
وصف الإبل بأخلاق السيئة والطباع المستعصية فكأن الشياطين تنهاها وتأمرها ومما يؤيد ذلك
قوله صلىاللهعليهوآله
الإبل خلقت من الشياطين
وقوله إن على ذروة كل بعير شيطانا ثم ذكر نحوا مما مر من كلام الزمخشري .
٤٧ ـ المجازات :
قال صلىاللهعليهوآله
لا تسبوا الإبل فإنها
رقوء الدم.
وإنما المراد أنها
إذا أعطيت في الديات كانت سببا لانقطاع الدماء المطلولة والثارات
المطلوبة فشبه عليهالسلام
تلك الحال بالعرق العائذ والدم السائل
الذي إذا ترك لج واستنثر الدم وإذا عولج انقطع ورقأ ويروى فإن فيها رقوء الدم .
٤٨ ـ الدر المنثور
: عن زيد بن ثابت قال : امتنعت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة فدفعها في ذنبها فمن ثم
انكسر ذنبها فصار معقوفا وبدا حياؤها ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر
حياءها .
بيان : عقفه كضربه عطفه والحياء الفرج من ذوات الخف والظلف
والسباع.
__________________
٤٩ ـ الدلائل
للطبري : عن العباس بن معروف عن أبي الحسن الكرخي عن الحسن بن عمران عن زرعة عن
سماعة عن أبي بصير قال : خرجت مع علي بن الحسين
عليهالسلام
إلى مكة فبلغنا الأبواء
فإذا غنم ونعجة قد تخلفت عن القطيع وهي تثغو ثغاء شديدا وتلتفت إلى سخلتها تثغو
وتشتد في طلبها فكلما قامت السخلة ثغت النعجة فتتبعها السخلة فقال يا أبا بصير تدري ما تقول
النعجة لسخلتها فقلت لا والله ما أدري فقال إنها تقول الحقي بالغنم فإن أختك عام
أول تخلفت في هذا الموضع فأكلها الذئب .
٣
(باب)
*(البحيرة
وأخواتها)*
الآيات المائدة :
« ما جَعَلَ
اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ » تفسير : « ما جَعَلَ اللهُ مِنْ
بَحِيرَةٍ » قال الطبرسي رحمهالله يريد ما حرمها على ما حرمها أهل الجاهلية ولا أمر بها
والبحيرة هي الناقة التي كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا بحروا أذنها
وامتنعوا من ركوبها ونحرها ولا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى فإذا لقيها المعيي لم
يركبها عن الزجاج وقيل إنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس
فإن كان ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء جميعا وإن كانت أنثى شقوا أذنها فتلك
البحيرة ثم لا يجز لها وبر ولا يذكر عليها اسم الله إن ذكيت ولا يحمل عليها وحرم
على النساء أن
__________________
يذقن من لبنها
شيئا ولا أن ينتفعن بها وكان لبنها ومنافعها للرجال خاصة دون النساء حتى تموت فإذا
ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها عن ابن عباس وقيل إن البحيرة بنت السائبة عن
محمد بن إسحاق : « وَلا سائِبَةٍ » وهي ما كانوا يسيبونها فإن الرجل إذا نذر لقدوم من سفر أو
لبرء من علة وما أشبه ذلك فقال ناقتي سائبة فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها وأن
لا تخلأ عن ماء ولا تمنع من رعى عن الزجاج وعلقمة .
وقيل هي التي تسيب
للأصنام أي تعتق لها وكان الرجل يسيب من ماله ما يشاء فيجيء به إلى السدنة وهم
خدمة آلهتهم فيطعمون من لبنها أبناء السبيل ونحو ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وقيل
إن السائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سيبت فلم يركبوها ولم
يجزوا وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم يخلى سبيلها
مع أمها وهي البحيرة عن محمد بن إسحاق : « وَلا وَصِيلَةٍ » وهي في الغنم كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت
ذكرا جعلوه لآلهتهم فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر
لآلهتهم عن الزجاج وقيل كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع جديا ذبحوه
لآلهتهم ولحمه للرجال دون النساء وإن كان عناقا استحيوها وكانت من عرض الغنم وإن
ولدت في البطن السابع جديا وعناقا قالوا إن الأخت وصلت أخاها محرمة علينا فحرما جميعا
وكانت المنفعة واللبن للرجال دون النساء عن ابن مسعود ومقاتل وقيل الوصيلة الشاة
إذا أتأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيها ذكر جعلت وصيلة فقالوا قد وصلت فكان ما
ولدت بعد ذلك للذكور دون الإناث عن محمد بن إسحاق :
« وَلا حامٍ
» وهو الذكر من الإبل كانت العرب إذا نتجت من صلب الفحل عشرة
أبطن قالوا قد حمى
__________________
ظهره فلا يحمل
عليه ولا يمنع من ماء ولا من مرعى عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما وقيل إنه الفحل
إذا لقح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب عن الفراء.
أعلم الله أنه لم
يحرم من هذه الأشياء شيئا قال المفسرون روى ابن عباس عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أن عمرو بن لحي بن قمعة
بن خندف كان قد ملك مكة وكان أول من غير دين إسماعيل فاتخذ الأصنام ونصب الأوثان
وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي.
قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فلقد رأيته في النار تؤذي
أهل النار ريح قصبه.
ويروى يجر قصبه في
النار : « وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ
عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » أي يكذبون على الله بادعائهم أن هذه الأشياء من فعل الله
أو أمره : « وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ » خص الأكثر بأنهم لا يعقلون لأنهم أتباع فهم لا يعقلون أن
ذلك كذب وافتراء كما يعقله الرؤساء وقيل إن معناه أن أكثرهم لا يعقلون ما حرم
عليهم وما حلل لهم يعني أن المعاند هو الأقل منهم .
١ ـ معاني الأخبار
: عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العباس بن معروف عن
صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
في قول الله عز وجل :
« ما جَعَلَ
اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ » قال إن أهل الجاهلية كان إذا ولدت الناقة ولدين في بطن
واحد قالوا وصلت فلا يستحلون ذبحها ولا أكلها وإذا ولدت عشرا جعلوها سائبة ولا
يستحلون ظهرها وأكلها والحام فحل الإبل لم يكونوا يستحلونه فأنزل الله عز وجل أنه
لم يكن يحرم شيئا من ذا .
العياشي : عن محمد
بن مسلم مثله .
__________________
٢ ـ المعاني : وقد
روي أن البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه فأكله الرجال
والنساء وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها أي شقوه وكانت حراما على النساء والرجال
لحمها ولبنها فإذا ماتت حلت للنساء والسائبة البعيرة يسيب بنذر يكون على الرجال إن
سلمه الله عز وجل من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك والوصيلة من الغنم كان إذا
ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكل منه الرجال والنساء وإن كانت
أنثى تركت في الغنم وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم تذبح وكان لحومها
حراما على النساء إلا أن يكون يموت منها شيء فيحل أكلها للرجال والنساء والحام
الفحل إذا ركب ولد ولده قالوا حمى ظهره وقد يروى أن الحام هو من الإبل إذا نتج
عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلإ ولا ماء .
٣ ـ العياشي : عن
عمار بن أبي الأحوص قال قال أبو عبد الله عليهالسلام البحيرة إذا ولدت [ و ] ولد ولدها بحرت .
تفسير علي بن
إبراهيم : وأما قوله : « ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ
وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ » فإن البحيرة كانت إذا وضعت الشاة خمسة أبطن ففي السادسة
قالت العرب قد بحرت فجعلوها للصنم ولا تمنع ماء ولا مرعى والوصيلة إذا وضعت الشاة
خمسة أبطن ثم وضعت في السادسة جديا وعناقا في بطن واحد جعلوا الأنثى للصنم وقالوا
وصلت أخاها وحرموا لحمها على النساء والحام كان إذا كان الفحل من الإبل جد الجد قالوا
حمى ظهره وسموه حام فلا يركب ولا يمنع ماء ولا مرعى ولا يحمل عليه شيء فرد الله
عليهم فقال : « ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ » إلى قوله : « وَأَكْثَرُهُمْ لا
يَعْقِلُونَ » .
__________________
٤
(باب)
*(نادر
في ركوب الزوامل والجلالات)*
١ ـ المكارم : نهى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن الإبل الجلالة أن يؤكل
لحومها وأن يشرب لبنها ولا يحمل عليها الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلفت أربعين
ليلة .
بيان : سيأتي حكم
أكل لحوم الجلالات وشرب ألبانها وأما النهي عن ركوبها والحمل عليها فكأنه على
الكراهية وإنما ذكر الأصحاب كراهة الحج على الإبل الجلالة قال في المنتهى يكره
الحج والعمرة على الإبل الجلالات وهي التي تتغذى بعذرة الإنسان خاصة لأنها محرمة
فيكره الحج عليها ويدل عليه
ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار
عن جعفر عن أبيه عليهالسلام
أن عليا
عليهالسلام
قال : يكره الحج والعمرة
على الإبل الجلالات
٢ ـ معاني الأخبار
: عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : من ركب زاملة ثم
وقع منها فمات دخل النار .
الفقيه ، بإسناده
عن محمد بن سنان مثله .
قال الصدوق رحمهالله فيهما معنى ذلك أن الناس كانوا يركبون الزوامل فإذا أراد أحدهم النزول وقع من
زاملته من غير أن يتعلق بشيء من الرحل فنهوا عن
__________________
ذلك لئلا يسقط
أحدهم متعمدا فيموت فيكون قاتل نفسه ويستوجب بذلك دخول النار وليس هذا الحديث ينهى
عن ركوب الزوامل وإنما هو نهى عن الوقوع منها من غير أن يتعلق بالرحل والحديث الذي
روي أن من ركب زاملة فليوص فليس ذلك أيضا بنهي عن ركوب الزاملة إنما هو الأمر
بالوصية كما قيل من خرج في حج أو جهاد فليوص وليس ذلك بنهي عن الحج والجهاد وما
كان الناس يركبون إلا الزوامل وإنما المحامل محدثة لم تعرف فيما مضى .
بيان : في النهاية
الزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع كأنه فاعلة من الزمل الحمل.
وقال الوالد قدسسره الظاهر كراهة
الركوب عليها مع القدرة على غيرها لما فيه من التعرض للضرر غالبا كما هو شائع أنه
قلما يركبها أحد ولم يسقط منها وذكر بعضهم أن وجه النهي أنه استأجرها لحمل المتاع
فلا يجوز الركوب عليها بغير رضى المكاري لكن يأباه الخبر الثاني والظاهر أن المراد
به الجمال الصعبة التي لم تذلل بعد وقوله رحمهالله إنما المحامل محدثة لعله أراد أن شيوعها محدثة وإن كان فيه
أيضا كلام إذ ذكر المحمل في الأخبار كثير.
__________________
٥
(باب)
*(آداب
الحلب والرعي وفيه بعض النوادر)*
١ ـ معاني الأخبار
: عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام
رفعه أن رجلا حلب عند النبي صلىاللهعليهوآله ناقة فقال النبي صلىاللهعليهوآله دع داعي اللبن يقول أبق في الضرع شيئا لا تستوعبه كله في
الحلب فإن الذي تبقيه به يدعو ما فوقه من اللبن وينزله وإذا استقصى كل
ما في الضرع أبطأ عليه الدر بعد ذلك .
بيان : قال في
النهاية فيه أنه أمر ضرار بن الأزور أن يحلب له ناقة وقال له دع داعي اللبن لا
تجهده أي أبق في الضرع قليلا من اللبن وذكر نحو ذلك.
وفي المجازات
النبوية ومن ذلك قوله عليهالسلام
لرجل حلب ناقة دع داعي
اللبن قال السيد هذه استعارة والمراد أمره أن يبقي في خلف الناقة شيئا من لبنها من
غير أن يستفرغ جميعه لأن ما يبقى منه يستنزل عفافتها ويستجم درتها
فكأنه يدعو بقية اللبن إليه ويكون كالمثابة له وإذا استنفذ الحالب ما في الخلف
أبطأ غزره وقلص دره .
__________________
٢ ـ المحاسن : عن
بعض أصحابنا رفعه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله نظفوا مرابض الغنم وامسحوا رغامهن فإنهن من دواب الجنة .
٣ ـ ومنه : عن
أبيه عن سليمان الجعفري رفعه قال رسول الله صلىاللهعليهوآله امسحوا رغام الغنم وصلوا في مراحها فإنها دابة من دواب
الجنة.
قال الرغام ما
يخرج من أنوفها .
٤ ـ الكافي : عن
أبي علي الأشعري عن الحسن بن علي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
نظفوا مرابضها وامسحوا
رغامها .
توضيح الرغام
بالضم التراب ولعل المعنى مسح التراب عنها وتنظيفها وفي بعض نسخ المحاسن بالعين
المهملة وهو المناسب لما فسره به البرقي لكن أكثر نسخ الكافي بالمعجمة وهذا
التفسير والاختلاف موجودان في روايات العامة أيضا قال الجزري في الراء مع العين
المهملة فيه صلوا في مراح الغنم وامسحوا رعامها الرعام ما يسيل من أنوفها ثم قال في الراء
مع الغين المعجمة في حديث أبي هريرة صل في مراح الغنم وامسح الرغام عنها كذا رواه
بعضهم بالغين المعجمة وقال إنه ما يسيل من الأنف بالمشهور فيه والمروي بالعين
المهملة ويجوز أن يكون أراد مسح التراب عنها رعاية لها وإصلاحا لشأنها انتهى .
٥ ـ العلل : عن
أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن
__________________
هشام بن سالم عن
أبي عبد الله عليهالسلام
قال : قلت له كيف كان
يعلم قوم لوط أنه قد جاء لوطا رجال فقال كانت امرأته تخرج فتصفر فإذا سمعوا
التصفير جاءوا فلذلك كره التصفير .
٦ ـ المحاسن : عن
بكر بن صالح عن الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول لا تصفر بغنمك ذاهبة وانعق بها راجعة .
بيان : لا تصفر من
الصفير وهو الصوت المعروف قال في القاموس الصفير بلا هاء من الأصوات وقد صفر يصفر
صفيرا وصفر بالحمار دعاه للماء وقال نعق بغنمه كمنع وضرب نعقا ونعيقا ونعاقا ونعقانا صاح
بها وزجرها انتهى .
ويدل على مرجوحية
الصفير للغنم وقد مر في باب الطيرة والعدوى ما يدل على بعض الوجوه على النهي عن
الصفير وعلى جواز خلط الدابة الجرباء بغيرها وعدم الإعداء.
__________________
٦
(باب)
*(علل
تسمية الدواب وبدء خلقها)*
١ ـ العلل : عن
علي بن أحمد عن الكليني عن علان بإسناده رفعه قال قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
في جواب ما سأل اليهودي
إنما قيل للفرس إجد لأن أول من ركب الخيل قابيل يوم قتل أخاه هابيل وأنشأ يقول :
أجد اليوم وما
|
|
ترك الناس دما
|
فقيل للفرس إجد
لذلك وإنما قيل للبغل عد لأن أول من ركب البغل آدم
عليهالسلام
وذلك كان له ابن يقال له
معد وكان عشوقا للدواب وكان يسوق بآدم عليهالسلام فإذا تقاعس البغل نادى يا معد سقها فألفت البغلة اسم معد
فترك الناس معد وقالوا عد وإنما قيل للحمار حر لأن أول من ركب الحمار حواء
وذلك أنه كان لها حمارة وكانت تركبها لزيارة قبر ولدها هابيل فكانت تقول في مسيرها
وا حراه فإذا قالت هذه الكلمات سارت الحمارة وإذا أمسكت تقاعست فترك الناس ذلك
وقالوا حر .
بيان : قوله أجد
اليوم كأنه من الإجادة أي أجد السعي لأن الناس لا يتركون الدم بل يطلبونه مني أو
من الوجدان أي أجد الناس اليوم لا يتركون الدم أو بتشديد الدال بمعنى الجد والسعي
فيرجع إلى المعنى الأول وربما يقال لعل قوله وما تصحيف دما أي أجد اليوم أخذت
لنفسي دما وانتقمت من
__________________
عدوي فيكون قوله
ترك الناس دما كلامه عليهالسلام
وعلى الأول والثاني
الظاهر أنها كلمة زجر كما في عد لكن المشهور أنها زجر للإبل قال في القاموس إجد
بالكسر ساكنة الدال زجر للإبل وقال عد عد زجر للبغل وقال الحر زجر للبعير كما يقال للضأن الحيه انتهى.
وكأنه كان في أول
الحال زجرا للحمار وكذا عد كان زجرا للبغل ولما كانت الإبل أشيع وأكثر عند العرب
منهما شاع استعمالهما فيها عندهم.
٢ ـ العلل : عن
محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن محمد بن
سنان عن طلحة بن زيد عن عبدوس بن أبي عبيدة قال سمعت الرضا
عليهالسلام
يقول أول من ركب الخيل
إسماعيل وكانت وحشية لا تركب فحشرها الله عز وجل على إسماعيل من جبل منى وإنما
سميت الخيل العراب لأن أول من ركبها إسماعيل .
بيان : وإنما سميت
الخيل أي نفائسها وعربيها لأن أول من ركبها إسماعيل فإنه كان أصل العرب وأباهم
فنسب الخيل إلى العرب قال في النهاية العرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا
واحد له من لفظه سواء أقام بالبادية أو المدن والنسب إليهما أعرابي وعربي وفي حديث
سطيح يقود خيلا عرابا أي عربية منسوبة إلى العرب فرقوا بين الخيل والناس فقالوا في
الناس عرب وأعراب وفي الخيل عراب .
٣ ـ أمان الأخطار
: ذكر محمد بن صالح مولى جعفر بن سليمان في كتاب نسب
__________________
الخيل في حديث عن
ابن عباس أن إسماعيل عليهالسلام
لما بلغ أخرج الله له من
البحر مائة فرس فأقامت ترعى بمكة ما شاء الله ثم أصبحت على بابه فرسنها وأنتجها
وركبها .
٤ ـ وروي في حديث
آخر عن محمد بن مسلم أن أول من ركب الخيل إسماعيل .
بيان : في
القاموس الرسن محركة الحبل وما كان من زمام على أنف ورسنها يرسنها ويرسنها وأرسنها
جعل لها رسنا ورسنها شدها برسن .
٥ ـ العلل : عن
محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله عن
البزنطي عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن مجاهد عن ابن عباس قال : كانت الخيل العراب
وحوشا بأرض العرب فلما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت قال إني قد أعطيتك
كنزا لم أعطه أحدا كان قبلك قال فخرج إبراهيم وإسماعيل حتى صعدا جيادا فقالا ألا
هلا ألا هلم فلم يبق في أرض العرب فرس إلا أتاه وتذلل له وأعطت بنواصيها وإنما
سميت جيادا لهذا فما زالت الخيل بعد تدعو الله أن يحببها إلى أربابها فلم تزل
الخيل حتى اتخذها سليمان فلما ألهته أمر بها أن يمسح رقابها وسوقها حتى بقي أربعون
فرسا .
بيان : قال
الفيروزآبادي هلا زجر للخيل وتهلى الفرس أسرع
__________________
وهلهل زجره بهلا وقال الخيل جماعة
الأفراس لا واحد له أو واحده خائل لأنه يختال والجمع أخيال وخيول ويكسر والفرسان قال الجوهري جاد
الفرس أي صار رائعا يجود جودة بالضم فهو جواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجياد
وأجاويد والأجياد جبل بمكة سمي بذلك لموضع خيل تبع وسمي قعيقعان لموضع سلاحه وفي
القاموس أجياد شاة وأرض بمكة أو جبل بها لكونه موضع خيل تبع انتهى.
والخبر يدل على أن اسم
الجبل كان جيادا بدون ألف ويحتمل سقوطه من الرواة أو النساخ ويؤيده أن الدميري
رواه عن ابن عباس وفيه فخرج إسماعيل إلى أجياد كما سيأتي.
وقوله فلما ألهته
إلخ لم يكن في بعض النسخ وكان المصنف ضرب عليه أخيرا لكونه مخالفا لما اختاره في
تلك القصة كما مر مفصلا في بابه وهذا موافق لما رواه المخالفون في ذلك.
٦ ـ الكافي : عن
العدة عن أحمد بن محمد عن غير واحد عن أبان عن زرارة عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إن الخيل كانوا وحوشا في بلاد
العرب فصعد إبراهيم وإسماعيل عليهالسلام على جبل جياد ثم صاحا ألا هلا ألا هلم قال فما بقي الفرس
إلا أعطاهما بيده وأمكن من ناصيته .
__________________
المحاسن : عن غير
واحد مثله
٧ ـ حياة الحيوان
، نقلا من تاريخ نيسابور روى بإسناده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لما أراد الله أن يخلق
الخيل قال لريح الجنوب إني خالق منك خلقا أجعله عزا لأوليائي ومذلة لأعدائي وجمالا
لأهل طاعتي فقالت الريح اخلق يا رب فقبض منها قبضة فخلق منها فرسا وقال خلقتك
عربيا وجعلت الخير معقودا بناصيتك والغنائم محتازة على ظهرك وبوأتك سعة من الرزق
وأيدتك على غيرك من الدواب وعطفت عليك صاحبك وجعلتك تطيرين بلا جناح فأنت للطلب
وأنت للهرب وإني سأجعل على ظهرك رجالا يسبحوني ويحمدوني ويهللوني ويكبروني ثم قال
صلىاللهعليهوآله
ما من تسبيحة وتهليلة
وتكبيرة يكبرها صاحبها فتسمعه إلا تجيبه بمثلها قال فلما سمعت الملائكة بخلق الفرس قالت
يا رب نحن ملائكتك نسبحك ونحمدك ونهللك فما ذا لنا فخلق الله لها خيلا لها أعناق كأعناق البخت يمد
بها من يشاء من أنبيائه ورسله قال فلما استوت قوائم الفرس في الأرض قال الله له
أذل بصهيلك المشركين واملأ منه آذانهم وأذل به أعناقهم وأرعب به قلوبهم قال فلما
أن عرض الله على آدم كل شيء مما خلق قال له اختر من خلقي ما شئت فاختار الفرس فقيل
له اخترت عزك وعز ولدك خالدا ما خلدوا وباقيا
__________________
ما بقوا أبد
الآبدين ودهر الداهرين ثم قال أول من ركبها إسماعيل
عليهالسلام
ولذلك سميت العراب وكانت قبل ذلك
وحشيا كسائر الوحوش فلما أذن الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت
قال الله عز وجل إني معطيكما كنزا ادخرته لكما ثم أوحى الله تعالى إلى إسماعيل أن
اخرج فادع بذلك الكنز فخرج إلى أجياد وكان لا يدري ما الدعاء وما الكنز فألهمه
الله عز وجل الدعاء فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا أجابته وأمكنته من
نواصيها وتذللت له ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوآله اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل .
٨ ـ قرب الإسناد :
عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليهالسلام
قال : سألته عن جياد لم
سمي جيادا قال لأن الخيل كانت وحوشا فاحتاج إليها إبراهيم وإسماعيل فدعا الله تبارك
وتعالى أن يسخرها له فأمره أن يصعد على أبي قبيس فينادي ألا هلا ألا هلم
فأقبلت حتى وقفت بجياد فنزل إليها فأخذها فلذلك سمي جيادا .
كتاب المسائل :
بإسناده عن علي بن جعفر مثله .
__________________
٢٤٩ ـ ٢٩١.
٧
(باب)
*(فضل
ارتباط الدواب وبيان أنواعها وما فيه شؤمها وبركتها)*
الآيات الأنفال
«٨» : « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ » ٦٠.
النحل «١٦» :
«
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً »
٨.
ص «٣٨» : « إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ
الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ
رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ
وَالْأَعْناقِ » ٣١ ـ ٣٣.
تفسير :
«
وَأَعِدُّوا لَهُمْ » أي لناقضي العهد أو للكفار :
« مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ » قيل أي كل ما يتقوى به في الحرب وفي تفسير علي بن
إبراهيم قال السلاح وفي الفقيه قال عليهالسلام منه الخضاب بالسواد . وفي تفسير العياشي عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : سيف وترس . وفي الكافي
مرفوعا قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله هو
__________________
الرمي :
« وَمِنْ
رِباطِ الْخَيْلِ » قيل اسم للخيل التي تربط في سبيل الله فعال بمعنى مفعول أو
مصدر سمي به يقال ربطه ربطا ورابطه مرابطة ورباطا أو جمع ربيط كفصيل وفصال وفي
مجمع البيان عن النبي صلىاللهعليهوآله
وارتبطوا الخيل فإن
ظهورها لكم عز وأجوافها كنز : « تُرْهِبُونَ » أي تخوفون : « بِهِ » الضمير لما استطعتم أو للإعداد :
« عَدُوَّ
اللهِ وَعَدُوَّكُمْ » قيل يعني كفار مكة وأقول خصوص السبب لا يدل على خصوص الحكم
ويدل على رجحان رباط الخيل للجهاد ولإرهاب أعداء الله وإن كان في زمن غيبة الإمام
عليهالسلام
توقعا لظهوره كما ورد في
الأخبار وقد مر تفسير الآية الثانية وكذا الثالثة في باب أحوال داود
عليهالسلام
وقالوا الصافن من الخيل
الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل لا تكاد تكون
إلا في العراب الخلص والجياد جمع جواد أو جود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي
يجود بالركض وقيل جمع جيد والخير المال الكثير والمراد هنا الخيل كما قال النبي
صلىاللهعليهوآله
الخيل معقود بنواصيها
الخير إلى يوم القيامة.
وفي قراءة ابن
مسعود حب الخيل : « حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ » أي الخيل أو الشمس :
« فَطَفِقَ
مَسْحاً » قيل أي فأخذ يمسح السيف مسحا :
«
بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ » يقطعها لأنها كانت سبب فوت صلاتها وقيل جعل يمسح بيده
أعناقها وسوقها وحبالها وفي الخبر أن الضمير للشمس والمراد بالمسح بالسوق والأعناق
الوضوء بطريق شرع لهم.
١ ـ الفقيه : قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
الخيل معقود بنواصيها
الخير إلى يوم القيامة والمنفق عليها في سبيل الله كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها
فإذا أعددت
__________________
شيئا فأعده أقرح
أرثم محجل الثلاثة طلق اليمين كميتا ثم أغر تسلم وتغنم .
توضيح : قال في
النهاية فيه خير الخيل الأرثم الأقرح المحجل الأرثم الذي أنفه أبيض
وشفته العليا والأقرح ما كان في جبهته قرحة بالضم وهي بياض يسير في وجه
الفرس دون الغرة .
والمحجل هو الذي
يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين لأنها
مواضع الأحجال وهي الخلاخيل والقيود ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن
معها رجل أو رجلان .
قال وفيه خير
الخيل الأقرح طلق اليد اليمنى أي مطلقها ليس فيها تحجيل .
٢ ـ الكافي : عن
الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد عمن أخبره عن ابن طيفور المتطبب
قال : سألني أبو الحسن عليهالسلام
أي شيء تركب قلت حمارا
فقال بكم ابتعته قلت بثلاثة عشر دينارا قال إن هذا لهو السرف أن تشتري حمارا
بثلاثة عشر دينارا وتدع برذونا قلت يا سيدي إن مئونة البرذون أكثر من مئونة الحمار
قال فقال إن الذي يمون الحمار يمون البرذون أما علمت أن من ارتبط دابة
__________________
ما كان في جبهته بياض.
متوقعا به أمرنا
ويغيظ به عدونا وهو منسوب إلينا أدر الله رزقه وشرح صدره وبلغه أمله وكان عونا على
حوائجه .
بيان : في القاموس مأن القوم احتمل مئونتهم أي قوتهم وقد لا يهمز
فالفعل مانهم .
٣ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عبد الله بن جندب قال حدثني
رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : تسعة أعشار الرزق مع صاحب الدابة .
٤ ـ ومنه : عن عدة
من أصحابه عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن عن جعفر بن بشير عن داود الرقي قال قال أبو عبد الله
عليهالسلام
من اشترى دابة كان له
ظهرها و : « عَلَى اللهِ رِزْقُها »
٥ ـ ومنه : عن
العدة عن سهل عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال قال أبو عبد الله
عليهالسلام
اتخذ حمارا يحمل رحلك فإن
رزقه على الله قال فاتخذت حمارا وكنت أنا ويوسف أخي إذا تمت السنة حسبنا نفقاتنا
فنعلم مقدارها فحسبنا بعد شراء الحمار نفقاتنا فإذا هي كما كانت في كل عام لم تزد
شيئا .
٦ ـ ومنه : عن علي
بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن بعض أصحابه عن إبراهيم بن أبي البلاد عن علي بن أبي
المغيرة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : من شقاء العيش
__________________
المركب السوء .
٧ ـ معاني الأخبار
: عن محمد بن علي بن بشار القزويني عن المظفر بن أحمد عن محمد بن جعفر الكوفي عن
البرمكي عن عبد الله بن أحمد الأحمري عن جعفر بن سليمان عن ثابت بن دينار عن علي
بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة .
٨ ـ ومنه : عن
محمد بن الحسين الديلمي عن محمد بن يعقوب الأصم عن محمد بن عبد الله المنادي عن روح بن عبادة
عن أبي نعامة العدوي عن مسلم بن زيد عن أناس بن زهير عن سويد بن هبيرة عن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : خير مال المرء مهرة
مأمورة أو سكة مأبورة.
قوله سكة مأبورة
يقال هي الطريقة المستقيمة المستوية المصطفة من النخل ويقال إنما سميت الأزقة سككا
لاصطفاف الدور فيها كطرائق النخل هذا في اللغة ، وقد روي عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : لا تسموا
الطريق السكة فإنه لا سكة إلا سكك الجنة.
__________________
وأما المأبورة فهي
التي قد لقحت قال أبو عبيدة لقحت للواحدة خفيفة وللجمع بالتثقيل لقحت يقال أبرت
النخل آبرها أبرا وهي نخلة مأبورة ويقال ائتبرت غيري إذا سألته
أن يأبر لك نخلك وكذلك الزرع والآبر العامل والمؤبر رب الزرع
والمأبور الزرع والنخل الذي قد لقح وأما المهرة المأمورة فإنها الكثيرة النتاج
وفيها لغتان يقال قد أمرها الله فهي مأمورة وآمرها ممدودة فهي مؤمرة وقد قرأ بعضهم
: « أَمَرْنا مُتْرَفِيها » غير ممدودة يكون من الأمر وروي عن الحسن أنه فسرها فقال
أمرناهم بالطاعة فعصوا وقد يكون أمرنا بمعنى أكثرنا على قوله مهرة مأمورة وفرس
مأمورة ومن قرأها آمرنا فمدها فليس معناه إلا أكثرنا ومن قرأها مشددة فقال أمرنا
فهذا من التسليط ويقال في الكلام قد أمر القوم يأمرون إذا كثروا وهو من قوله مهرة
مأمورة . تأييد قال في القاموس المهر بالضم ولد الفرس أو أول ما
ينتج منه ومن غيره والأنثى مهرة والأم ممهر .
وفي النهاية فيه
خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة المأمورة الكثيرة النسل والنتاج يقال أمرهم
الله فأمروا أي كثروا وفيه لغتان أمرها فهي مأمورة وآمرها فهي مؤمرة والسكة الطريقة
المصطفة من النخل ومنها قيل للأزقة سكك لاصطفاف الدور فيها .
__________________
والمأبورة الملقحة
يقال أبرت النخلة وأبرتها فهي مأبورة ومؤبرة والاسم الإبار وقيل السكة سكة الحرث والمأبورة المصلحة له
أراد خير المال نتاج أو زرع انتهى .
وأقول روي في شهاب
الأخبار وفرس مأمورة وقال في ضوء الشهاب وروي ومهرة مأمورة وهو من أمر القوم
إذا كثروا وأمرنا له أي كثر وأمرتهم أي أكثرتهم على فعلتهم لغتان فإن كانت الكلمة
من أمر على فعل فهي على موجبها وبابها وإن كان من آمر فإنما صار مأمورة لازدواج
الكلام وملاءمته كما قالوا الغدايا والعشايا وكان حقها الغداوات وكما قالوا هنأني
الطعام ومرأني فإذا أفردوا قالوا أمرأني
وكقوله
عليهالسلام
ارجعن مأزورات غير
مأجورات. وهو من الوزر وكان حقه موزورات وكقوله عليهالسلام أعوذ بالله من الهامة واللامة. وإذا أفردت كانت الملمة لأنه
من ألم بالشيء فكأنه يقول صلىاللهعليهوآله خير المال النخل والنتاج وقال بعد تفسير السكة بالنخل وفسر
الأصمعي هذه الكلمة على وجه آخر فقال السكة الحديدة التي تثار بها الأرض للزرع
ومأبورة على هذا أي مصلحة محددة ولا بأس بهذا الوجه ويكون المعنى خير المال الزرع
والنتاج وفي الحديث ما دخلت السكة دار قوم يعني الزراعة واتباع أذناب البقر وترك
الغزو وإنما كان النخل أو الزرع والنتاج خير المال لاشتمال النخل والزرع على
الزكوات والعشور فتتوفر على المساكين والمحتاجين
__________________
والمستحقين وعلى النتاج
لتتوفر على الغزاة والمجاهدين في سبيل الله وفائدة الحديث تفضيل
النخل والزرع على سائر وجوه المعاش انتهى .
٩ ـ مجالس ابن
الشيخ : عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عمر بن الحسن الشيباني عن محمد بن
إسماعيل الترمذي عن سعد بن عنبسة عن منصور بن وردان العطار عن يوسف بن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
عليهالسلام
أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
قال : الخيل معقود في
نواصيها الخير إلى يوم القيامة ومن ارتبط فرسا في سبيل الله كان علفه وروثه وشرابه
في ميزانه يوم القيامة .
١٠ ـ ثواب الأعمال
: عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن القاسم بن يحيى
عن جده الحسن عن يعقوب بن جعفر عن أبي الحسن موسى عليهالسلام قال : من ارتبط فرسا عتيقا محيت عنه ثلاث سيئات في كل يوم
وكتبت له إحدى وعشرون حسنة ومن ارتبط هجينا محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتبت له
سبع حسنات ومن ارتبط برذونا يريد به جمالا أو قضاء حوائج أو دفع عدو عنه محيت عنه
في كل يوم سيئة وكتبت له ست حسنات .
__________________
المحاسن : عن
القاسم عن جده عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم بن محمد الجعفري مثله إلا أن فيه إحدى
عشرة سنة في الأول كما في الفقيه .
الكافي : عن العدة
عن البرقي مثل المحاسن.
بيان : العتيق هو
الذي أبواه عربيان قال الجوهري العتيق الكرم والجمال والعتيق الكريم من كل شيء
والخيار من كل شيء وقال الهجنة في الناس والخيل إنما تكون من قبل الأم فإذا كان
الأب عتيقا والأم ليست كذلك كان الولد هجينا والإقراف من قبل الأب انتهى.
والبرذون بالكسر
ما لم يكن شيء من أبويه عربيا قال الدميري الخيل نوعان عتيق وهجين والفرق بينهما
أن عظم البرذون أعظم من عظم الفرس وعظم الفرس أصلب وأثقل من عظم البرذون والبرذون
أحمل من الفرس والفرس أسرع من البرذون والعتيق بمنزلة الغزال والبرذون بمنزلة
الشاة فالعتيق من الخيل ما أبواه عربيان سمي بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من
الطعن فيه من الأمور المنقصة .
__________________
١١ ـ ثواب الأعمال
، عن أبيه عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن
الحكم عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة .
١٢ ـ ومنه : عن
محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي
عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن رئاب عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إذا اشتريت دابة
فإن منفعتها لك ورزقها على الله .
المحاسن : عن أبيه
مثله إلا أن فيه اشتر دابة
١٣ ـ ثواب الأعمال
، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد
الله البرقي عن بكر بن صالح عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسن
عليهالسلام
يقول من ارتبط فرسا أشقر أغر أو أقرح فإن كان أغر سائل الغرة به وضح في قوائمه فهو أحب إلي لم
يدخل بيته فقر ما دام ذلك الفرس فيه وما دام أيضا في ملكه لا يدخل بيته حنق .
قال وسمعته يقول
من ارتبط فرسا ليرهب به عدوا أو يستعين به على جماله لم يزل معانا عليه أبدا ما دام في
ملكه ولا يدخل بيته خصاصة ما دام في ملكه .
__________________
المحاسن : عن بكر
بن صالح مثله .
بيان : في القاموس الأشقر من الدواب الأحمر في مغرة حمرة يحمر منها
العرف والذنب .
وقال في المصباح
الشقرة حمرة صافية في الخيل وقال الغرة في الجبهة بياض فوق الدرهم وفرس أغر ومهرة
غراء ونحوه قال الجوهري وقال القرحة في وجه الفرس ما دون الغرة والفرس أقرح وقال
الوضح الضوء والبياض يقال بالفرس وضح إذا كانت به وشية انتهى والخنق الغيظ وفي بعض
نسخ ثواب الأعمال والفقيه حيق بالياء وفي القاموس الحيق ما يشتمل على الإنسان من
مكروه فعله وفي أكثر نسخ المحاسن والفقيه حيف أي ظلم والخصاصة
بالفتح الفقر وفي المحاسن ولا يزال بيته مخصبا ما دام في ملكه.
١٤ ـ المحاسن : عن
أبيه عن فضالة عن أبان عن زرارة عن أبي جعفر
عليهالسلام
وعبد الرحمن بن أبي عبد
الله عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الخيل في نواصيها الخير .
١٥ ـ ومنه : عن
ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن معمر عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال سمعته يقول إن الخير
كل الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة .
__________________
١٦ ـ ومنه : عن
علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الخيل معقود في نواصيها
الخير إلى يوم القيامة .
١٧ ـ ومنه : عن
بكر بن صالح عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسن
عليهالسلام
يقول أهدى أمير المؤمنين
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
أربعة أفراس من اليمن
فقال سمها لي فقال هي ألوان مختلفة فقال أفيها وضح فقال نعم أشقر به وضح قال
فأمسكه علي قال وفيها كميتان أوضحان قال أعطهما ابنيك قال والرابع أدهم بهيم قال
بعه واستخلف ثمنه نفقة لعيالك إنما يمن الخيل في ذوات الأوضاح.
قال وسمعت أبا
الحسن عليهالسلام
يقول كرهنا البهيم من الدواب كلها
إلا الجمل والبغل وكرهت شية أوضاح في الحمار والبغل الألوان وكرهت القرح في
البغل إلا أن يكون به غرة سائلة ولا أستثنيها على حال وقال إذا عثرت
الدابة تحت الرجل فقال لها تعست تقول تعس وانتكس أعصانا لربه .
الكافي : عن العدة
عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا عن بكر بن صالح مثله إلى قوله ولا أشتهيها على
حال .
__________________
الفقيه : بإسناده
عن بكر مثله إلى قوله وفي ذوات الأوضاح .
بيان : فقال سمها
لي بالتشديد أي صفها أو بالتخفيف من الوسم أي اذكر سمتها وعلامتها وفي الفقيه من
اليمن فأتاه فقال يا رسول الله أهديت لك أربعة أفراس قال صفها وفي القاموس الوضح
محركة الغرة والتحجيل في القوائم .
وقال الجوهري
الكميت من الفرس يستوي فيه المذكر والمؤنث ولونه الكمتة وهي حمرة يدخلها قنوء قال
سيبويه سألت الخليل عن كميت فقال إنما صغر لأنه بين السواد والحمرة كأنه لم يخلص
له واحد منهما فأرادوا بالتصغير أنه قريب منهما والفرق بين الكميت والأشقر بالعرف
والذنب فإن كانا أحمرين فهو أشقر وإن كانا أسودين فهو كميت وقال هذا فرس بهيم وهذه
فرس بهيم أي مصمت وهو الذي لا يخلط لونه شيء سوى لونه والجمع بهم مثل رغيف ورغف
وقال الدهمة السواد وقال الشية كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره والهاء عوض من
الواو الذاهبة من أوله.
قوله
عليهالسلام
الألوان أي في جميع
الألوان وفي الكافي إلا لون واحد وهو أظهر قوله عليهالسلام ولا أستثنيها أي لا أستثني الغرة وحسنها على حال وفي الكافي ولا أشتهيها
أي ولا أشتهي الغرة والشيات فيهما على حال.
١٨ ـ المحاسن : عن
بكر بن صالح عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن
عليهالسلام
قال : من خرج من منزله أو
منزل غيره في أول الغداة فلقي فرسا أشقر به أوضاح
__________________
ـ وإن كانت به غرة
سائلة فهو العيش كل العيش لم يلق في يومه ذلك إلا سرورا وإن توجه في حاجة
فلقي الفرس قضى الله حاجته .
ثواب الأعمال ، عن
محمد بن موسى المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن البرقي عن بكر مثله وليس فيه
في أول الغداة
١٩ ـ المحاسن : عن
أبيه مرسلا قال قال أبو عبد الله عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من سعادة الرجل المسلم المركب الهنيء .
ومنه عن النوفلي
عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله مثله .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي مثله .
بيان : الهنيء ما
أتى من غير مشقة وكأن المراد هنا السريع السير الموافق.
٢٠ ـ المحاسن : عن
علي بن محمد عن سماعة عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : من سعادة المرء
دابة يركبها في حوائجه ويقضي عليها حقوق إخوانه .
__________________
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن عيسى عن محمد بن سماعة عن محمد بن مروان مثله وفيه
من سعادة المؤمن .
٢١ ـ المحاسن : عن
النهيكي ومحمد بن عيسى عن العبدي عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله
عليهالسلام
اتخذوا الدواب فإنها زين
وتقضى عليها الحوائج ورزقها على الله.
قال محمد بن عيسى
وحدثني به عمار بن المبارك وزاد فيه وتلقى عليها إخوانك .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن محمد بن عيسى عن زياد القندي
عن عبد الله بن سنان مثله .
٢٢ ـ قال وروي أنه
قال : عجبت لصاحب الدابة كيف تفوته الحاجة .
٢٣ ـ المحاسن : عن
عبد الله بن محمد عن محمد بن القاسم بن الفضل قال : حضرت أبا
جعفر عليهالسلام
بصريا وهو يعرض خيلا قال
وفيها واحد شديد القوة شديد الصهيل قال فقال لي يا محمد ليس هذا من دواب أبي .
بيان : صريا اسم
قرية وهذا إشارة إلى صاحب الصهيل ففيه ذم مثله
__________________
أو الجميع والغرض
أنها ليست مما لسائر الورثة فيه نصيب وليس في بعض النسخ ليس.
٢٤ ـ المكارم :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
الخيل معقود بنواصيها
الخير إلى يوم القيامة والمنفق عليها في سبيل الله كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها .
٢٥ ـ روي عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أنه قال : لا تجزوا نواصي
الخيل ولا أعرافها ولا أذنابها فإن الخير في نواصيها وإن أعرافها دفؤها وإن
أذنابها مذابها .
٢٦ ـ وقال
صلىاللهعليهوآله
يمن الخيل في كل أحوى
أحمر وفي كل أدهم أغر مطلق اليمين .
٢٧ ـ وعن الباقر
عليهالسلام
قال : إن أحب المطايا إلي
الحمر كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
يركب حمارا اسمه يعفور .
بيان : قال في
النهاية فيه ولدت جديا أسفع أحوى أي أسود ليس شديد البياض وفيه خير الخيل الحو
الحو جمع أحوى وهو الكميت الذي يعلوه سواد والحوة الكمتة وقد حوى فهو أحوى .
وفي الصحاح الحوة
لون يخالط الكمتة مثل صدأ الحديد وقال الأصمعي الحوة حمرة تضرب إلى السواد وقد
احووى الفرس يحووي احوواء وقال بعض العرب يقول حوي يحوى حوة حكاه في كتاب الفرس
وفي النهاية فيه خير الخيل الأقرح طلق اليد اليمنى أي مطلقها ليس فيه تحجيل .
٢٨ ـ نوادر
الراوندي : عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني عن محمد بن
__________________
الحسن التميمي عن
سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن
جعفر عن أبيه عن جده عن جعفر بن محمد عن آبائه
عليهالسلام
عن أمير المؤمنين
عليهالسلام
أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
بعث مع علي
عليهالسلام
ثلاثين فرسا في غزوة ذات
السلاسل وقال يا علي أتلو عليك آية في نفقة الخيل :
« الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً » فهي النفقة على الخيل سرا وعلانية .
٢٩ ـ وبهذا
الإسناد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن الله وملائكته يصلون على أصحاب الخيل من اتخذها لمارق في
دينه أو مشرك .
٣٠ ـ وبهذا
الإسناد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن صهيل الخيل يفزع قلوب الأعداء
ورأيت جبرئيل عليهالسلام
تبسم عند صهيلها فقلت يا
جبرئيل لم تتبسم فقال وما يمنعني والكفار ترجف قلوبهم في أجوافهم عند صهيلها .
٣١ ـ وبهذا
الإسناد قال : غزا رسول الله صلىاللهعليهوآله غزاة فعطش الناس عطشا شديدا فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
هل من ينبعث للماء فضرب الناس يمينا وشمالا فجاء رجل على فرس أشقر بين يديه قربة من ماء فقال
النبي صلىاللهعليهوآله
اللهم وبارك في الأشقر ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
شقرها خيارها وكمتها
صلابها ودهمها ملوكها فلعن الله من جز أعرافها وأذنابها مذابها .
__________________
٣٢ ـ وبهذا
الإسناد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله الخيل معقود في نواصيها الخير إلى أن تقوم القيامة وأهلها معانون عليها أعرافها وقارها ونواصيها جمالها وأذنابها مذابها .
تبيان : « الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ » قال الطبرسي رحمهالله قال ابن عباس نزلت الآية في علي
عليهالسلام
كانت معه أربعة دراهم
فتصدق بواحد نهارا وتصدق بواحد ليلا وبواحد سرا وبواحد علانية وهو المروي عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهالسلام
وروي عن أبي ذر والأوزاعي
أنها نزلت في النفقة على الخيل في سبيل الله وقيل هي عامة في كل من أنفق ماله في
طاعة الله على هذه الصفة وعلى هذا فأقول الآية نزلت في علي
عليهالسلام
وحكمها سائر في كل من فعل
مثل فعله وله فضل السبق على ذلك انتهى .
قوله وأذنابها
بالنصب عطفا على أعرافها ومذابها عطف بيان لها ويحتمل رفعهما ليكون جملة وظاهره حرمة الجز ويمكن حمله على شدة الكراهة أو على ما إذا كان الغرض
التدليس كما هو الشائع.
٣٣ ـ أعلام الدين
: قيل حج الرشيد فلقيه موسى عليهالسلام على بغلة له فقال له الرشيد من مثلك في حسبك ونسبك وتقدمك
تلقاني على بغلة فقال تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة الحمير .
__________________
٣٤ ـ كتاب الإمامة
والتبصرة ، عن هارون بن موسى عن محمد بن علي عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن
ابن فضال عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : شقرها خيارها وكمتها صلابها ودهمها ملوكها فلعن الله
من جز أعرافها وأذنابها مذابها .
٣٥ ـ الفقيه : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في قول الله عز وجل :
« الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » قال نزلت في النفقة على الخيل.
قال الصدوق رضياللهعنه هذه الآية روي أنها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليهالسلام
وكان سبب نزولها أنه كان
معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم منها بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم في السر وبدرهم في
العلانية فنزلت فيه هذه الآية والآية إذا نزلت في شيء فهي منزلة في كل ما يجري فيه
فالاعتقاد في تفسيرها أنها نزلت في أمير المؤمنين
عليهالسلام
وجرت في النفقة على الخيل
وأشباه ذلك .
٣٦ ـ الشهاب : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
الخير معقود في نواصي
الخيل إلى يوم القيامة .
٣٧ ـ وقال
صلىاللهعليهوآله
يمن الخيل في شقرها .
الضوء الخير هو
النفع الحسن المرغوب فيه وبالعكس منه الشر والخيل اسم تقع على الفرسان والأفراس
فالأول كقوله صلىاللهعليهوآله
يا خيل الله اركبي والثاني
ـ كقوله صلىاللهعليهوآله
عفوت لك عن صدقة الخيل يعني
الأفراس واشتقاق الخيل من
__________________
الخيلاء لأن الفرس
كان له خيلاء في نفسه وكذلك الفارس ولذلك يقال ما ركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه
نخوة وفي كلام للعجم أن الرستاقي إذا ركب الفرس نسي الله والحديث مقصور على مدح
الأفراس للغناء الذي جعله الله فيها ولو لا الخيل ما فتحت مدينة ولا يغلب على بلد
من بلاد الكفار وبها استنجد النبي صلىاللهعليهوآله وصحابته من بعده فيما تيسر لهم من الاستيلاء وفتح البلاد
ونشر دعوة الإسلام فيها ولو لا تقويهم بها لما تيسر لهم ذلك ولا تمشي لهم أمر ثم
إنها من أخص آلات الجهاد وأمر العدد لأعداء الإسلام.
وذكر النواصي مجاز
وإنما اختصها بالذكر لأنها من أول ما يستقبلك منها ويقال أرى في ناصية فلان خيرا
وبالعكس وروي عن وهب بن منبه قال في بعض الكتب لما أراد الله أن يخلق الخيل قال
للريح الجنوب إني خالق منك خلقا أجعله عزا لأوليائي وإجلالا لأهل طاعتي فقبض قبضة
من ريح الجنوب فخلق منها فرسا وقال سميتك فرسا وجعلتك عربيا الخير معقود بناصيتك
والغنم محوز على ظهرك وجعلتك تطير بلا جناح فأنت للطلب وأنت للهرب.
وروي أن تميما
الداري كان ينقي شعيرا لفرسه وهو أمير على بيت المقدس فقيل له لو كلفت هذا غيرك
فقال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
من نقى شعيرا لفرسه ثم
قام به حتى يعلفه عليه كتب الله له بكل شعيرة حسنة.
وعن أنس بن مالك
رفعه رباط يوم في سبيل الله خير من عبادة الرجل في أهله ثلاثمائة وستين يوما كل
يوم ألف سنة.
ولم تزل العرب
مكرمة لخيولها على ما تنطق به أشعارهم كما قال
تجاع لها العيال ولا تجاع
وكما قال :
وما تستوي والورد ساعة تفزع
إلى غير ذلك مما
يطول تعداده وكان من سنتهم في الجاهلية أن يتمشى القبيلة إلى القبيلة في ثلاثة
أشياء إذا ولد لهم غلام شريف أو نتج مهر جواد أو
نبغ لهم شاعر
مفلق. وفائدة الحديث التنبيه على شرف منزلة الخيل والأمر بإكرامها وراوي الحديث
ابن عمر رحمهالله وقال في الحديث الثاني اليمن البركة والنماء وقد يمن فلان
فهو ميمون إذا كان مباركا ويمن هو فهو يأمن وبالعكس منه شئم وشأم وتيمنت بذلك
تبركت به والشقرة في الإنسان حمرة صافية مع ميل البشرة إلى البياض وهي في الخيل
حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب فإذا اسود فهو الكميت
والشقرة في الجمال حمرة شديدة يقال بعير أشقر والشقر شقائق النعمان الواحدة الشقرة
قال طرفة :
وتساقى القوم
كأسا مرة
|
|
وعلى الخيل دماء كالشقر
|
وشقرة لقب للحارث
بن تميم بن مر والنسب إليه شقري بفتح القاف والأصل في الكلمة الحمرة.
وروي في حديث آخر
يمن الخيل في الشقر وعليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر ولا تقصوا أعرافها وأذنابها.
وعن أبي قتادة
الأنصاري أن رجلا قال يا رسول الله أريد أن أشتري فرسا فأيها أشتري قال اشتر أدهم
أرثم محجلا مطلق اليمين أو من الكمت على هذه الشية.
وقال
صلىاللهعليهوآله
لو جمعت خيل العرب في
صعيد واحد ما سبقها إلا الأشقر.
وقال إن النبي
صلىاللهعليهوآله
بعث سرية فكان أول من جاء
بالفتح صاحب أشقر.
ولا ريب أن أقوى
الخيل الشقر والكميت ولا كثير فرق بينهما إلا بالأعراف والأذناب وفائدة الحديث
تفضيل الشقر وبيان أنها أيمن وأبرك من غيرها وراوي الحديث عيسى بن علي الهاشمي عن
أبيه عن جده .
__________________
٣٨ ـ الشهاب : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
الشوم في المرأة والفرس
والدار .
الضوء الشوم نقيض
اليمن وروي هذا الحديث على وجه آخر أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : لا عدوى ولا هامة
ولا صفر وإن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار.
والعدوى اسم من
أعداه الجرب وغيره يعديه إذا تجاوز منه إليه وفي حديث آخر فما أعدى الأول ولا يعني
به أن بعض الأمراض لا يعدي فقد رئي مشاهدة أن الجرب يعدي والرمد يعدي وغير ذلك من
الأمراض ولكن المعنى والله أعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يعتقد أن هذه الأمراض لا
تكاد تحصل إلا من العدوى فحسب بل قد تعدي وقد يبتدئها الله ابتداء من غير عدوى فلا
عدوى مطلقة بحيث لا يكون ابتداء بالمرض والأولى أن يقال إن الله تعالى قد أجرى
العادة بأن تجرب الصحيحة إذا ماست الجربة في بعض الأحوال ولذلك قال لا يوردن ذو
عاهة على مصح وتكون العدوى محمولة على هذا ثم ذكر رحمهالله الهامة والصفر نحو ما ذكرنا سابقا في باب العدوى والطيرة
ثم قال قيل إن شوم المرأة كثرة مهرها وسوء خلقها وأن لا تلد وشوم الدار ضيقها وسوء
جوارها وشوم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل إن الشوم في هذه الثلاثة لكثرة الإنفاق
عليها.
وعن أنس قال : قال
رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا كثير فيها أموالنا فتحولنا إلى
دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ذروها ذميمة ولا تأثير
للدار.
بل لعله
صلىاللهعليهوآله
قال ذلك حتى لا يتأذوا
بهذا الاعتقاد وفائدة الحديث إعلام أن هذه الثلاثة الأشياء يكثر الخرج عليها وتذهب
البركة من المال بسببها وراوي الحديث عبد الله بن عمر .
__________________
٣٩ ـ المجازات
النبوية : قال صلىاللهعليهوآله
خير الخيل الأدهم الأقرح
المحجل ثلاثا طلق اليد اليمنى.
قال السيد هذه من
محاسن الاستعارات لأنه عليهالسلام
شبه الثلاث من قوائمه
لالتفاف التحجيل عليها بالثلاث المعقولة من قوائم البعير والمشكولة من قوائم الفرس
وشبه اليمنى منها لخلوها من التحجيل بالمطلقة من العقال أو العاطلة من الشكال يقال ناقة طلق إذا لم تكن
معقولة وناقة عطل إذا لم تكن مزمومة .
٤٠ ـ حياة الحيوان
: في الصحيح عن حرير [ جرير ] بن عبد الله قال : رأيت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يلوي ناصية فرس بإصبعه
وهو يقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة.
ومعنى عقد الخير
بنواصيها أنه ملازم لها كأنه معقود فيها والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على
الجبهة قاله الخطابي وغيره قال وكني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك
الناصية وميمون الغرة أي الذات وروى مسلم أنه صلىاللهعليهوآله كان يكره الشكال من الخيل.
__________________
والشكال أن يكون
الفرس في رجله اليمنى بياض أو في يده اليسرى أو في يده اليمنى ورجله اليسرى بياض كذا وقع في تفسير صحيح
مسلم وهذا أحد الأقوال في الشكال وقال أبو عبيدة وجمهور أهل اللغة والعرب أن يكون منه ثلاث قوائم
محجلة وواحدة مطلقة تشبيها بالشكال الذي يشكل به الخيل فإنه يكون في ثلاث قوائم
غالبا وقال ابن دريد هو أن يكون محجلا في شق واحد في يده ورجله فإن كان مخالفا قيل
شكال مخالف وقيل الشكال بياض الرجلين وقيل بياض اليدين.
قال العلماء وإنما
كرهه لأنه على صورة المشكول وقيل يحتمل أن يكون جرب ذلك الجنس فلم تكن فيه نجابة
وقال بعض العلماء فإذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة له بزوال شبه الشكال .
وروى النسائي عن
أنس أن النبي صلىاللهعليهوآله
لم يكن شيء أحب إليه بعد
النساء من الخيل.
إسناده جيد.
وروى الثعلبي
بإسناده عن النبي صلىاللهعليهوآله
أنه قال : ما من فرس إلا
ويؤذن له عند كل فجر اللهم من خولتني من بني آدم وجعلتني له فاجعلني أحب ماله
وأهله إليه .
__________________
وفي طبقات ابن سعد
بسنده عن غريب المليكي أن النبي صلىاللهعليهوآله سئل عن قوله تعالى :
« الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » من هم فقال صلىاللهعليهوآله أصحاب الخيل ثم قال المنفق على الخيل كالباسط يديه بالصدقة لا
يقبضها وأبوالها وأرواثها يوم القيامة كذكي المسك .
وقال الفرس واحد
الخيل والجمع أفراس الذكر والأنثى في ذلك سواء وأصله التأنيث وحكى ابن جني والفراء
فرسة وتصغير الفرس فريس وإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسة بالهاء ولفظها مشتق
من الافتراس كأنها تفترس الأرض لسرعة مشيها وراكب الفرس فارس وهو مثل لابن وتامر وروى أبو داود
والحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا.
قال ابن السكيت
يقال لراكب ذي الحافر من فرس أو بغل أو حمار فارس.
والفرس أشبه
الحيوان بالإنسان لما يوجد فيه من الكرم وشرف النفس وعلو الهمة وتزعم العرب أنه
كان وحشيا وأول من ذلله وركبه إسماعيل عليهالسلام ومن
__________________
الخيل ما لا يبول
ولا يروث ما دام عليه راكبه ومنها ما يعرف صاحبه ولا يمكن غيره من ركوبه وكان لسليمان
عليهالسلام
خيل ذوات أجنحة والخيل
جنسان عتيق وهجين فالعتيق ما أبواه عربيان والعتيق الكريم من كل شيء والخيار
من كل شيء.
قال الزمخشري في الحديث إن
الشيطان لا يقرب صاحب فرس عتيق ولا دارا فيها فرس عتيق.
وفي كتاب الخيل ،
أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : إن الشيطان لا يخبل
أحدا في دار فيها فرس عتيق.
وعن سليمان بن
موسى أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : في هذه الآية :
«
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ » قال هم الجن لا يدخلون بيتا فيها فرس عتيق.
قال ابن عبد البر
في التمهيد الفرس العتيق هو الفاره عندنا.
وقال صاحب العين
هو السابق.
وفي المستدرك من
حديث معاوية بن حديج بالحاء المهملة المضمومة والدال المهملة المفتوحة وبالجيم في
آخره وهو الذي أحرق محمد بن أبي بكر بمصر
ـ عن أبي ذر عن
النبي صلىاللهعليهوآله
أنه قال : ما من فرس عربي
إلا يؤذن له كل يوم بدعوتين يقول
__________________
اللهم كما خولتني
من خولتني فاجعلني من أحب أهله وماله إليه.
ثم قال صحيح
الإسناد.
ولهذا الحديث قصة
ذكرها النسائي في كتاب الخيل من سننه فقال قال أبو عبيدة قال معاوية بن حديج لما
افتتحت مصر كان لكل قوم مراغة يمرغون فيها دوابهم فمر معاوية بأبي ذر وهو يمرغ
فرسا له فسلم عليه ثم قال يا أبا ذر ما هذا الفرس.
قال هذا فرس لا
أراه إلا مستجاب الدعاء قال وهل تدعو الخيل وتجاب قال نعم ليس من ليلة إلا والفرس
يدعو فيها ربه فيقول رب إنك سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده فاجعلني أحب إليه
من أهله وولده فمنها المستجاب ومنها غير المستجاب ولا أرى فرسي هذا إلا مستجابا.
وروى الحاكم عن
عقبة بن عامر مرفوعا قال إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسا أدهم محجلا طلق اليمنى فإنك
تغنم وتسلم.
ثم قال صحيح على
شرط مسلم.
والهجين الذي أبوه
عربي وأمه عجمية والمقرف بضم الميم وإسكان القاف وبالراء المهملة وبالفاء في آخره
عكسه وكذلك في بني آدم.
وفي كتب الغريب أن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : إن الله يحب الرجل
القوي المبدئ المعيد على الفرس المبدئ المعيد.
أي الذي أبدأ في
غزوة وأعاد فغزا مرة أخرى بعد مرة أي جرب الأمور طورا بعد طور والفرس المبدئ
المعيد الذي غزا عليه صاحبه مرة بعد أخرى وقيل هو الذي قد ريض وأدب فصار طوع
راكبه.
وفي الصحيح أن
النبي صلىاللهعليهوآله
ركب فرسا معرورا لأبي طلحة وقال
إن وجدناه لبحرا.
__________________
وفي الفائق أن أهل
المدينة فزعوا مرة فركب صلىاللهعليهوآله
فرسا عريا وركض في آثارهم
فلما رجع صلىاللهعليهوآله
قال إن وجدناه لبحرا.
قال حماد بن سلمة
كان هذا الفرس بطيئا فلما قال صلىاللهعليهوآله هذا القول صار سابقا لا يلحق.
وروى النسائي
والطبراني من حديث عبد الله بن أبي الجعد أخي سالم بن أبي الجعد عن جعيل الأشجعي
قال : خرجت مع النبي صلىاللهعليهوآله
في بعض غزواته وأنا على
فرس عجفاء فكنت في آخر الناس فلحقني النبي صلىاللهعليهوآله فقال سر يا صاحب الفرس فقلت يا رسول الله إنها فرس عجفاء
ضعيفة فرفع صلىاللهعليهوآله
بمخصرة كانت معه فضربها
بها وقال اللهم بارك له فيها فلقد رأيتني ما أملك رأسها حتى صرت من قدام القوم
ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا.
وروي عن خالد بن
الوليد أنه كان لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها.
وقال ابن محيريز
كان الصحابة يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف وإناث الخيل عند البيات والغارات.
وقال ابن حبان في
صحيحه عن ابن عامر الهوزني عن أبي كبشة الأنماري واسمه أصرم بن سعد أنه أتاه فقال
أطرقني فرسك فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
يقول من أطرق فرسا
فعقب له كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليها في سبيل الله وإن لم يعقب له كان له
كأجر فرس حمل عليها في سبيل الله.
وفي طبع الفرس
الزهو والخيلاء والسرور بنفسه والمحبة لصاحبه ومن أخلاقه الدالة على شرف نفسه
وكرمه أنه لا يأكل بقية علف غيره ومن علو همته أن أشقر مروان كان سائسه لا يدخل
عليه إلا بإذن وهو أن يحرك له المخلاة فإن حمحم دخل وإن دخل ولم يحمحم شد عليه
والأنثى من الخيل ذات شبق شديد ولذلك تطيع الفحل من غير نوعها وجنسها.
قال الجاحظ والحيض
يعرض للإناث منهن ولكنه قليل والذكر ينزو إلى تمام أربع سنين وربما عمر إلى
التسعين والفرس يرى المنامات كبني آدم وفي طبعه أنه لا يشرب الماء إلا كدرا فإذا
أراه صافيا كدرة ويوصف بحدة البصر وإذا وطئ على أثر الذئب خدرت قوائمه حتى لا يكاد
يتحرك ويخرج الدخان من جلده.
قال الجوهري ويقال
إن الفرس لا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال البعير لا مرارة له أي لا
جسارة له وعن أبي عبيدة وأبي زيد قالا الفرس لا طحال له ولا مرارة للبعير والظليم
لا مخ له قال أبو زيد وكذلك طير الماء وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة والسمك
لا رئة له ولذلك لا يتنفس وكل ذي رئة يتنفس.
ورووا أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : إن يكن الخير في
شيء ففي ثلاث المرأة والدار والفرس.
وفي رواية الشوم
في ثلاث المرأة والدار والفرس.
وفي رواية الشوم
في الربع [ أربع ] ... والخادم والفرس .
__________________
واختلف العلماء
فيه فقيل معناه على اعتقاد الناس في ذلك وروي ذلك عن عائشة قالت لم يحفظ أبو هريرة لأنه دخل والرسول
صلىاللهعليهوآله
يقول قاتل الله اليهود يقولون
الشوم في ثلاث إلخ فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله.
وقال طائفة هي على
ظاهرها فإن الدار قد يجعل الله سكناها سببا للضرر والهلاك وكذلك الفرس والخادم قد يجعل الله
الهلاك عندهما بقضاء الله وقدره.
وقال الخطابي
وكثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار
يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع
بالبيع ونحوه وطلاق المرأة.
وقال آخرون شوم
الدار ضيقها وسوء جيرانها وشوم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب
وشوم الفرس أن لا يغزى عليها.
وقيل حرانها وغلاء ثمنها وشوم
الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشوم هنا عدم الموافقة
واعترض بعض الملحدة بحديث لا طيرة على هذا وأجاب ابن قتيبة وغيره بأن هذا مخصوص من
حديث طيرة
__________________
أي لا طيرة إلا في
هذه الثلاثة
قال الدمياطي
روينا بالإسناد الصحيح عن يوسف بن موسى القطان عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن
سالم عن أبيه أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : البركة في ثلاث في
الفرس والمرأة والدار.
قال يوسف سألت ابن
عيينة عن معنى هذا الحديث فقال سفيان سألت عنه الزهري فقال الزهري سألت عنه سالما
فقال سالم سألت عنه عبد الله بن عمر فقال سألت عنه النبي صلىاللهعليهوآله فقال إذا كان الفرس ضروبا فهو مشوم وإذا كانت المرأة قد
عرفت زوجا غير زوجها فحنت إلى الزوج الأول فهي مشومة وإذا كانت الدار بعيدة عن
المسجد لا يسمع فيها الأذان والإقامة فهي مشومة وإذا كن بغير هذا الوصف فهن مباركات .
وقال البغل مركب
من الفرس والحمار ولذلك صار له صلابة الحمار وعظم آلات الخيل وكذلك شحيجه أي صوته
تولد من صهيل الفرس ونهيق الحمار وهو عقيم لا يولد لكن في تاريخ ابن البطريق في
حوادث سنة أربع وأربعين وأربعمائة أن بغلة بنابلس ولدت.
وشر الطباع ما
تجاذبته الأعراق المتضادة والأخلاق المتباينة والعناصر المتباعدة وإذا كان الذكر
حمارا يكون شديد الشبه بالفرس وإذا كان الذكر فرسا يكون شديد الشبه بالحمار ومن
العجب أن كل عضو فرضته منه يكون بين الفرس والحمار وكذلك أخلاقه ليس له ذكاء الفرس
وبلادة الحمار.
ويقال إن أول من
أنتجها قارون.
وله صبر الحمار
وقوة الفرس ويوصف برداءة الأخلاق والتلون لأجل
__________________
التركيب لكنه يوصف
مع ذلك بالهداية في كل طريق يسلكه مرة واحدة وهو مع ذلك مركب الملوك في أسفارها
وقعيدة الصعاليك في قضاء أوطارها مع احتماله الأثقال وصبره على طول الأنقال ولذلك
يقال
مركب قاض وإمام
عدل
|
|
وسيد وعالم وكهل
|
يصلح للرجل وغير الرجل
وروى ابن عساكر في
تاريخ دمشق عن علي بن أبي طالب عليهالسلام أن البغال كانت تتناسل وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لنار
إبراهيم خليل الرحمن فدعا عليها فقطع الله نسلها.
وعن إسحاق بن حماد بن أبي
حنيفة أنه قال كان عندنا طحان رافضي له بغلان سمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر فرمحه
أحدهما فقتله فأخبر جدي أبو حنيفة بذلك فقال انظروا الذي رمحه فهو الذي سماه عمر
فوجدوه كذلك.
وفي كامل ابن عدي
عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوآله
ركب بغلة فحادت به فحسبها [
فحبسها ] وأمر رجلا أن يقرأ عليها قل أعوذ برب الفلق فسكنت.
وروى أبو داود
والنسائي عن عبد الله بن زفير النافعي المصري عن علي عليهالسلام
__________________
قال : أهديت لرسول
الله صلىاللهعليهوآله
بغلة فركبها فقال علي
عليهالسلام
لو حملنا الحمير على الخيل لكانت لنا مثل هذه فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إنما يفعل ذلك الذين لا
يعلمون.
قال ابن حبان
معناه الذين لا يعلمون النهي عنه قال الخطابي يشبه أن يكون المعنى في ذلك والله
أعلم أن الحمير إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقل عددها وانقطع نماؤها
والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والطلب وعليها يجاهد العدو وبها تحرز الغنائم
ولحمها مأكول ويسهم للفرس كما يسهم للفارس وليس للبغل شيء من هذه الفضائل فأحب
النبي صلىاللهعليهوآله
أن ينمو عدد الخيل ويكثر
نسلها لما فيها من النفع والصلاح فإذا كانت الفحول خيلا والأمهات حميرا فيحتمل أن
لا يكون داخلا في النهي إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل عن
مزاوجة الحمير وكراهة اختلاط مائها بمائها لئلا يكون منها الحيوان المركب من نوعين
مختلفين فإن أكثر الحيوان المركب من جنسين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها التي تتولد منها
وأشد شراسة كالسمع ونحوه .
ثم إن البغل حيوان
عقيم ليس لها نسل ولا نماء ولا يذكى ولا يزكى ثم قال ولا أرى هذا الرأي طائلا فإن
الله تعالى قال : « وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً »
__________________
فذكر البغال وامتن
علينا بها كامتنانه بالخيل والحمير وأفرد ذكرها بالاسم الخاص الموضوع لها ونبه على
ما فيها من الإرب والمنفعة والمكروه من الأشياء مذموم لا يستحق المدح ولا يقع
الامتنان به وقد استعمل صلىاللهعليهوآله
البغل واقتناه وركبه حضرا
وسفرا ولو كان مكروها لم يقتنه ولم يستعمله انتهى.
وروى مسلم عن زيد
بن ثابت قال : بينما النبي صلىاللهعليهوآله في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به وكادت
أن تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر قال رجل
أنا فقال صلىاللهعليهوآله
متى مات هؤلاء قال ماتوا
على الإشراك فقال صلىاللهعليهوآله
إن هذه الأمة تبتلى في
قبورها فلو لا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم
أقبل صلىاللهعليهوآله
بوجهه الكريم إلينا فقال تعوذوا
بالله من عذاب القبر فقالوا نعوذ بالله من عذاب القبر فقال
صلىاللهعليهوآله
تعوذوا بالله من الفتن ما
ظهر منها وما بطن فقالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن فقال
صلىاللهعليهوآله
تعوذوا بالله من فتنة
الدجال فقالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال.
وفي مجمع الطبراني
الأوسط من حديث أنس قال : انهزم المسلمون يوم حنين ورسول الله
صلىاللهعليهوآله
على بغلته الشهباء التي
يقال لها دلدل فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله دلدل اسدي فألصقت بطنها بالأرض حتى أخذ النبي حفنة
__________________
من تراب فرمى بها
وجوههم قال : « حم » لا ينصرون قال فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح ولا
ضربناهم بسيف.
وفيه من حديث شيبة
بن عثمان أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال لعمه عباس يوم حنين
ناولني من البطحاء فأفقه الله البغلة كلامه فانخفضت به حتى كاد بطنها يمس الأرض
فتناول رسول الله صلىاللهعليهوآله
من الحصباء فنفخ في
وجوههم وقال شاهت الوجوه : « حم » لا ينصرون .
وروى الطبراني
وأبو نعيم من طرق صحيحة عن خزيمة بن أوس قال : هاجرت إلى النبي
صلىاللهعليهوآله
وقدمت عليه عند منصرفه من
تبوك فأسلمت فسمعته يقول هذه الحيرة قد رفعت إلي وإنكم ستفتحونها وهذه الشيماء بنت
نفيلة الأسدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فقلت يا رسول الله إن
نحن دخلنا الحيرة فوجدناها على هذه الصفة فهي لي قال هي لك فأقبلنا مع خالد بن
الوليد نريد الحيرة فلما دخلناها كان أول من تلقانا الشيماء بنت نفيلة كما قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
على بغلة شهباء معتجرة
بخمار أسود فتعلقت بها فقلت هذه وهبها لي رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وطلب مني خالد عليها
البينة فأتيته بها فسلمها إلي ونزل إلينا أخوها عبد المسيح فقال لي أتبيعنيها قلت
نعم قال فاحتكم بما
__________________
شئت فقلت والله لا
أنقصها عن ألف درهم فدفع إلي ألف درهم فقال لي لو قلت مائة ألف درهم دفعتها إليك
فقلت لا أحب مالا فوق ألف درهم.
قال الطبراني
وبلغني أن الشاهدين كانا محمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر.
وقال في الحمار
وليس في الحيوان ما ينزو على غير جنسه ويلقح إلا الحمار والفرس وهو ينزو إذا تم له
ثلاثون شهرا ومنه نوع يصلح لحمل الأثقال ونوع لين الأعطاف سريع العدو يسبق براذين
الخيل.
ومن عجيب أمره إذا
شم رائحة الأسد رمى نفسه عليه من شدة الخوف منه يريد بذلك الفرار ويوصف بالهداية
إلى سلوك الطرقات التي مشى فيها ولو مرة واحدة وبحدة السمع.
وللناس في مدحه
وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض فمن ذلك أن خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي
كانا يختاران ركوب الحمير على ركوب البراذين فأما خالد فلقيه بعض الأشراف بالبصرة
على حمار فقال ما هذا يا با صفوان فقال هذا عير من نسل الكداد يحمل الرجلة ويبلغني
العقبة ويقل داؤه ويخف دواؤه ويمنعني من أن أكون جبارا في الأرض وأن أكون من
المفسدين.
وأما الفضل فإنه
سئل عن ركوبه فقال إنه أقل الدواب مئونة وأكثرها معونة وأخفضها مهوى وأقربها مرتقى
فسمع أعرابي كلامه فعارضه بقوله الحمار شنار والعير عار منكر الصوت لا ترقأ به
الدماء ولا تمهر به النساء وصوته أنكر الأصوات.
قال الزمخشري
الحمار مثل في الذم الشنيع والشتمة ومن استيحاشهم لذكر اسمه أنهم يكنون عنه
ويرغبون عن التصريح به فيقولون الطويل الأذنين كما يكنى عن الشيء المستقذر وقد عد
من مساوئ الآداب أن تجري ذكر الحمار في مجلس قوم أولي المروة.
ومن العرب من لا
يركب الحمار استنكافا وإن بلغت به الرجلة الجهد.
والمروءة بالهمز
وتركه قال الجوهري هي الإنسانية وقال ابن فارس الرجولية
وقيل إن ذا
المروءة من يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس وقيل من يسير بسيرة أمثاله
في زمانه ومكانه قال الدارمي قيل المروءة في الحرفة وقيل في آداب الدين كالأكل
والصياح في الجم الغفير وانتهار الشائل وقلة فعل الخير مع القدرة عليه وكثرة
الاستهزاء والضحك ونحو ذلك انتهى.
وروي عن جعفر بن
محمد الصادق عليهالسلام
أنه كان في بني إسرائيل
رجل صالح وكان له مع الله معاملة حسنة وكان له زوجة وكان ضنينا بها وكانت من أجمل
أهل زمانها مفرطة في الجمال والحسن وكان يقفل عليها الباب فنظرت يوما شابا فهوته
وهواها فعمل لها مفتاحا على باب دارها وكان يخرج ويدخل ليلا ونهارا متى شاء وزوجها
لم يشعر بذلك فبقيا على ذلك زمانا طويلا فقال لها زوجها يوما وكان أعبد بني
إسرائيل وأزهدهم إنك قد تغيرت علي ولم أعلم ما سببه وقد توسوس قلبي علي وكان قد
أخذها بكرا ثم قال وأشتهي منك أنك تحلفي لي أنك لم تعرفي رجلا غيري وكان لبني
إسرائيل جبل يقسمون به ويتحاكمون عنده وكان الجبل خارج المدينة عنده نهر جار وكان
لا يحلف عنده أحد كاذبا إلا هلك فقالت له ويطيب قلبك إذا حلفت لك عند الجبل قال
نعم قالت متى شئت فعلت فلما خرج العابد لقضاء حاجته دخل عليها الشاب فأخبرته بما
جرى لها مع زوجها وأنها تريد أن تحلف له عند الجبل وقالت ما يمكنني أن أحلف كاذبة
ولا أقول لزوجي فبهت الشاب وتحير وقال فما تصنعين فقالت بكر غدا والبس ثوب مكار
وخذ حمارا واجلس على باب المدينة فإذا خرجنا فأنا أدعه يكتري منك الحمار فإذا
اكتراه منك بادر واحملني وارفعني فوق الحمار حتى أحلف له وأنا صادقة أنه ما مسني
أحد غيرك وغير هذا المكاري فقال حبا وكرامة وإنه لما جاء زوجها قال لها قومي إلى
الجبل لتحلفي به قالت ما لي طاقة بالمشي فقال اخرجي فإن وجدت مكاريا اكتريت لك
فقامت ولم تلبس لباسها فلما خرج العابد وزوجته رأت الشاب ينتظرها فصاحت به يا
مكاري أكتري
حمارك بنصف درهم
إلى الجبل قال نعم ثم تقدم ورفعها على الحمار وساروا حتى وصلوا إلى الجبل فقالت
للشاب أنزلني عن الحمار حتى أصعد الجبل فلما تقدم الشاب إليها ألقت بنفسها إلى
الأرض فانكشفت عورتها فشتمت الشاب فقال والله ما لي ذنب ثم مدت يدها إلى الجبل
فمسكته وحلفت له أنه لم يمسها أحد ولا نظر إنسان مثل نظرك إلي مذ عرفتك غيرك وهذا
المكاري فاضطرب الجبل اضطرابا شديدا وزال عن مكانه وأنكرت بنو إسرائيل فذلك قوله
تعالى : « وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ
الْجِبالُ ».
وروى البيهقي في
الشعب عن ابن مسعود أنه قال كانت الأنبياء يركبون الحمر ويلبسون الصوف ويحلبون
الشاة وكان للنبي صلىاللهعليهوآله
حمار اسمه عفير بضم العين
المهملة وضبطه القاضي عياض بالغين المعجمة واتفقوا على تغليطه أهداه له المقوقس
وكان فورة بن عمر الجذامي أهدى له حمارا يقال له يعفور مأخوذ من العفرة وهو لون
التراب فنفق يعفور في منصرف النبي صلىاللهعليهوآله من حجة الوداع وذكر السهيلي أن يعفورا طرح نفسه في بئر لما
مات رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وذكر ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى منصور وقال : لما فتح
رسول الله صلىاللهعليهوآله
خيبر أصاب حمارا أسود
فكلم الحمار رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال له ما اسمك قال يزيد
بن شهاب أخرج الله تعالى من نسل جدي ستين حمارا لا يركبها إلا نبي وقد كنت أتوقعك
لتركبني ولم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت قبلك لتركبني عند
رجل يهودي وكنت أتعثر به وكان يجيع بطني ويضرب ظهري فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
فأنت يعفور يا يعفور
تشتهي الإناث قال لا فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يركبه في حاجته وكان يبعث به خلف من شاء من أصحابه فيأتي
الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج صاحب الدار أومأ إليه فيعلم أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أرسله إليه فيأتي النبي
صلىاللهعليهوآله
فلما قبض النبي
صلىاللهعليهوآله
جاء إلى بئر وكانت لأبي
الهيثم بن التيهان فتردى فيها جزعا على رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فصارت قبره.
وفي كامل ابن عدي
في ترجمة أحمد بن بشير وفي شعب الإيمان للبيهقي عن الأعمش
عن سلمة عن عطاء
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله تعبد رجل في صومعة فمطرت السماء وأعشبت الأرض فرأى حمارا
يرعى فقال يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري فبلغ ذلك نبيا من بني إسرائيل
فأراد أن يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه إنما أجازي العباد على قدر عقولهم.
وهو كذلك في
الحلية في ترجمة زيد بن أسلم.
وفي كتاب ابتلاء
الأخيار أن عيسى عليهالسلام
لقي إبليس وهو يسوق خمسة
أحمرة عليها أحمال فسأله عن الأحمال فقال تجارة أطلب لها مشترين فقال وما هي
التجارة قال أحدها الجور قال ومن يشتريه قال السلاطين والثاني الكبر قال ومن
يشتريه قال الدهاقين والثالث الحسد قال ومن يشتريه قال العلماء والرابع الخيانة
قال ومن يشتريها قال عمال التجار والخامس الكيد قال ومن يشتريه قال النساء.
انتهى.
وروى النسائي
والحاكم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير من الليل فتعوذوا
بالله من الشيطان الرجيم فإنها ترى ما لا ترون وأقل الخروج إذا جدت فإن الله يبث
في الليل من خلقه ما شاء.
توضيح : فرسا
معرورا كذا في أكثر النسخ والمعرور الأجرب في النهاية فيه أنه ركب فرسا لأبي طلحة
مقرفا المقرف من الخيل الهجين وهو الذي أمه برذونة وأبوه عربي وقيل بالعكس وقيل هو
الذي دانى الهجنة وقاربها وقال إن وجدناه لبحرا أي واسع الجري وسمي البحر بحرا
لسعته وقال إطراق الفحل إعارته للضراب.
٤١ ـ الكافي : عن
علي بن إبراهيم أو غيره رفعه قال : خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي
الحسن عليهالسلام
مقبلا راكبا بغلا فقال
لمن معه مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر فلما دنا منه قال ما هذه الدابة التي
لا تدرك عليها الثأر ولا تصلح عند النزال فقال له أبو الحسن تطأطأت عن سمو الخيل
وتجاوزت قموء العير وخير الأمور أوسطها فأفحم عبد الصمد فما أحار جوابا .
__________________
إرشاد المفيد :
مرسلا مثله .
بيان : قال الجوهري قال أبو زيد قمأت الماشية تقمأ قموءا وقموءة
إذا سمنت وقمؤ الرجل بالضم قماء وقماءة صار قميئا وهو الصغير الذليل وأقمأته صغرته
وذللته وفي القاموس قمأ كجمع وكرم قماءة وقماء بالضم والكسر ذل وصغر والماشية
قموءا وقموءة وقماءة سمنت.
أقول لو صحت
النسخة وما ذكراه كان إطلاق القموء على العير من جهة الاستعارة والعير بالفتح
الحمار وغلب على الوحشي وعبد الصمد كأنه ابن علي بن عبد الله بن العباس وقد عد من
أصحاب الصادق عليهالسلام.
٤٢ ـ معاني
الأخبار : عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن
سلام بأسانيد متصلة إلى النبي صلىاللهعليهوآله أنه عليهالسلام كره الشكال في الخيل.
يعني أن يكون ثلاث
قوائم منه محجلة وواحدة مطلقة وإنما أخذ هذا من الشكال الذي يشكل به الخيل شبه به
لأن الشكال إنما يكون في ثلاث قوائم أو أن تكون الثلاثة مطلقة ورجل محجلة وليس
يكون الشكال إلا في الرجل ولا يكون في اليد .
بيان : قد مر كلام
في ذلك من الدميري وقال في النهاية فيه أنه كره الشكال في الخيل وهو أن تكون ثلاثة
قوائم منه محجلة وواحدة مطلقة تشبيها بالشكال الذي يشكل به الخيل لأنه يكون في
ثلاث قوائم غالبا وقيل هو أن تكون الواحدة محجلة والثلاث مطلقة وقيل هو أن تكون
إحدى يديه وإحدى رجليه من خلاف محجلتين وإنما كرهه لأنه كالمشكول صورة تفؤلا ويمكن
أن يكون جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة وقيل إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة
لزوال شبه الشكال والله أعلم.
وفي القاموس شكل
الدابة شد قوائمها بحبل كشكلها واسم الحبل الشكال ككتاب والشكال وثاق بين الحقب
والبطان وبين اليد والرجل وفي الخيل أن يكون
__________________
ثلاث قوائم منه
محجلة والواحدة مطلقة وعكسه أيضا.
٤٣ ـ المعاني :
والمجالس للصدوق ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد
عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : تذاكرنا الشوم فقال
الشوم في ثلاثة في المرأة والدابة والدار فأما شوم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها
وأما الدابة فسوء خلقها ومنعها ظهرها وأما الدار فضيق ساحتها وشر جيرانها وكثرة عيوبها
.
٤٤ ـ المعاني : عن
أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الشوم في ثلاثة أشياء في
الدابة والمرأة والدار فأما المرأة فشومها غلاء مهرها وعسر ولادتها وأما الدابة
فشومها كثرة عللها وسوء خلقها وأما الدار فشومها ضيقها وخبث جيرانها .
بيان : قال في
النهاية فيه إن كان الشوم في شيء ففي ثلاث المرأة والدار والفرس أي إن كان ما يكره
ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث وتخصيصه لها لأنه لما أبطل مذهب العرب في التطير
بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوهما قال فإن كانت لأحدكم دار يكره سكناها
أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره ارتباطها فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلق
المرأة ويبيع الفرس وقيل إن شوم الدار ضيقها وسوء جارها وشوم المرأة أن لا تلد
وشوم الفرس أن لا يغزى عليها والواو في الشوم همزة ولكنها خففت فصارت واوا وغلب
عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة.
٤٥ ـ الكشي عن
حمدويه وإبراهيم ابني نصير عن محمد بن عيسى عن الحسن الوشاء عن بشر بن طرخان قال :
لما قدم أبو عبد الله عليهالسلام
الحيرة أتيته فسألني عن
صناعتي فقلت نخاس فقال نخاس الدواب فقلت نعم وكنت رث الحال فقال اطلب لي بغلة
فضحاء بيضاء الأعفاج بيضاء البطن فقلت ما رأيت هذه الصفة قط فقال بلى فخرجت من
عنده فلقيت غلاما تحته بغلة بهذه الصفة فسألته عنها فدلني على مولاه فأتيته
__________________
فلم أبرح حتى
اشتريتها ثم أتيت أبا عبد الله عليهالسلام فقال نعم هذه الصفة طلبت ثم دعا لي فقال أنمى الله ولدك
وكثر مالك فرزقت من ذلك ببركة دعائه وقنيت من الأولاد ما قصرت عنه الأمنية .
٤٦ ـ الكافي : عن
الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن طرخان النخاس قال : مررت بأبي عبد
الله عليهالسلام
وقد نزل الحيرة فقال لي
ما علاجك قلت نخاس فقال أصب لي بغلة فضحاء قلت جعلت فداك وما الفضحاء قال دهماء
بيضاء البطن بيضاء الأفجاج بيضاء الجحفلة قال فقلت والله ما رأيت مثل هذه الصفة
فرجعت من عنده فساعة دخلت الخندق فإذا غلام قد أسقى بغلة على هذه الصفة فسألت
الغلام لمن هذه البغلة فقال لمولاي فقلت يبيعها فقال لا أدري فتبعته حتى أتيت
مولاه فاشتريتها منه وأتيته بها فقال هذه الصفة التي أردتها قلت جعلت فداك ادع
الله لي فقال أكثر الله مالك وولدك قال فصرت أكثر أهل الكوفة مالا وولدا .
توضيح النخاس في
القاموس بياع الدواب والرقيق وقال الحيرة بالكسر بلد قرب الكوفة وقال الأفضح
الأبيض لا شديدا فضح كفرح والاسم الفضحة بالضم وقال العفج وبالكسر وبالتحريك وككتف
ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة والجمع أعفاج والأعفج العظيمها.
وأقول ما في
الكافي كأنه تصحيف ويرجع بتكلف إلى ما في الكشي قال في القاموس فحج في مشيته تدانى
صدور قدميه وتباعد عقباه كفحج وهو أفحج بين الفحج محركة والتفحج التفريج بين
الرجلين وفي بعض النسخ بالجيمين كناية عن المضيق بين الرجلين وفي القاموس الفج
الطريق الواسع بين جبلين وفججت ما بين رجلي فتحت كأفججت وهو يمشي مفاجا وقد تفاج
وأفج أسرع ورجل أفج بين الفجج وهو أقبح من الفحج وفي النهاية التفاج المبالغة في
تفريج ما بين الرجلين وهو
__________________
من الفج الطريق
والجحفلة للحافر كالشفة للإنسان وقنى المال كرمى اكتسبه وفي بعض النسخ وكسبت.
٤٧ ـ الكشي : عن
حمدويه بن نصير عن محمد بن عيسى عن إبراهيم بن عبد الحميد عن هارون بن خارجة عن
زيد الشحام عن عبد الله بن عطاء قال : أرسل إلي أبو عبد الله
عليهالسلام
وقد أسرج له بغل وحمار
فقال لي هل لك أن تركب معنا إلى ما لنا قلت نعم قال أيهما أحب إليك قلت الحمار
فقال الحمار أرفقهما بي قال فركبت البغل وركب الحمار ثم سرنا فبينما هو يحدثنا إذ
انكب على السرج مليا ثم رفع رأسه فقلت ما أرى السرج إلا وقد ضاق عنك فلو تحولت على
البغل فقال كلا ولكن الحمار اختال فصنعت كما صنع رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ركب حمارا يقال له عفير
فاختال فوضع رأسه على القربوس ما شاء الله ثم رفع رأسه فقال يا رب هذا عمل عفير
ليس هو من عملي .
٤٨ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن ابن فضال عن عبيس بن هشام عن عبد
الكريم بن عمرو الخثعمي عن الحكم بن محمد بن أبي القاسم أنه سمع عبد الله بن عطاء
يقول قال أبو جعفر عليهالسلام
قم فأسرج دابتين حمارا
وبغلا فأسرجت حمارا وبغلا وقدمت إليه البغل فرأيت أنه أحبهما إليه فقال من أمرك أن
تقدم إلي هذا البغل قلت اخترته لك قال فأمرتك أن تختار لي ثم قال لي إن أحب
المطايا إلي الحمر قال فقدمت إليه الحمار فركب وركبت الحديث .
المحاسن : عن أبي
فضالة مثله .
__________________
٨
(باب)
*(حق
الدابة على صاحبها وآداب ركوبها وحملها وبعض النوادر)*
١ ـ الخصال : عن
محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي
عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
للدابة على صاحبها خصال
ست يبدأ بعلفها إذا نزل ويعرض عليها الماء إذا مر به ولا يضرب وجهها فإنها تسبح
بحمد ربها ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله عز وجل ولا يحملها فوق طاقتها ولا
يكلفها من المشي إلا ما تطيق .
الفقيه : بإسناده
عن إسماعيل بن أبي زياد بإسناده قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
للدابة على صاحبها خصال
وذكر مثله .
تبيان الابتداء
بعلفها كأنه على الاستحباب وإن كان أصل علفها بقدر لا يموت أو بالمتعارف لها واجبا
على الأظهر وكذا عرض الماء كلما مر به مستحب إن لم يعلم تضررها به فإن أصحاب
الدواب يظنون تضررها به وإن وجبا في بعض الأوقات وأصل السقي على أحد الوجهين واجب
وعدم ضرب الوجه كأنه على الكراهة كما يومئ إليه التعليل وإن كان الأحوط الترك.
قوله
عليهالسلام
فإنها تسبح قال الوالد قدسسره أي الوجوه تسبح
بالنطق الذي لها في الوجه أو لأن دلالة الوجوه على وجود الصانع تعالى وقدرته وعلمه
وسائر صفاته الكمالية أكثر من غيرها كما لا يخفى على من نظر في كتب التشريح أو
التسبيح أمر خاص بها لا نعرفه ويمكن إرجاع الضمير إلى الدابة والتخصيص بالوجه لكون
__________________
الضرر والإهانة
فيه أكثر أو لما مر من أن التسبيح بالأعضاء التي في الوجه.
قوله
عليهالسلام
إلا في سبيل الله كأنه
على التمثيل أو ذكر أفضل الأفراد فوق طاقتها أي قدرتها أو وسعها بأن لا يشق عليها
والتحريم بالأول أنسب كالكراهة بالثاني وكذا الكلام في تكليف المشي.
٢ ـ مجالس الصدوق
: بالإسناد المتقدم عن الصادق عليهالسلام قال : للدابة على صاحبها سبعة حقوق لا يحملها فوق طاقتها
ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليه ويبدأ بعلفها إذا نزل ولا يسمها في وجهها ولا
يضربها في وجهها فإنها تسبح ويعرض عليها الماء إذا مر به ولا يضربها على النفار
ويضربها على العثار لأنها ترى ما لا ترون .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : للدابة على صاحبها
ستة حقوق إلى قوله إذا مر به ثم قال بعد أخبار :
وروي عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : اضربوها على
العثار ولا تضربوها على النفار .
المحاسن : عن
النوفلي مثله وفيه ستة حقوق إلى قوله إذا مر به .
توضيح : أقول قال
الصدوق ره في الفقيه أيضا.
وروي أنه قال أي
أبو عبد الله عليهالسلام
اضربوها على العثار إلخ.
وقال الوالد قدسسره روى الكليني والبرقي
أخبارا عن النبي صلىاللهعليهوآله
والصادق
عليهالسلام
بعكس ذلك بدون ذكر
التعليل فالظاهر أنه وقع السهو من الصدوق ره وذكر التتمة لتوجيه ذلك مع أنه لا ذنب
لها في العثار لأنه إما لزلق أو جحر وأمثالهما انتهى.
__________________
وأقول يحتمل أن
يكون الخبر ورد على وجهين ويكون لكل منهما مورد خاص كما إذا كان العثار بسبب كسل
الدابة والنفار لرؤية شبح من البعيد يحتمل كونه عدوا أو حيوانا موذيا وبالجملة
الأمر لا يخلو من غرابة.
٣ ـ الخصال : في
الأربعمائة قال أمير المؤمنين عليهالسلام من سافر منكم بدابة فليبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها .
المحاسن : عن
القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
مثله
٤ ـ العلل ،
والخصال : عن علي بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد
الله عن أبيه عن ابن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم يرفع الحديث إلى أمير المؤمنين
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حديث طويل لا يرتدف
ثلاثة على دابة فإن أحدهم ملعون وهو المقدم .
المحاسن : عدة من
أصحابنا عن ابن أسباط مثله .
بيان : كأنه محمول
على الكراهة الشديدة والتخصيص بالمقدم لأنه أضر لأنه يقع على العنق غالبا.
٥ ـ المحاسن : عن
النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه
عليهالسلام
أن النبي
صلىاللهعليهوآله
أبصر ناقة معقولة وعليها
جهازها فقال أين صاحبها مروه فليستعد غدا للخصومة .
٦ ـ ومنه :
والفقيه ، عن ابن فضال عن حماد اللحام قال : مر قطار لأبي عبد الله عليهالسلام
__________________
فرأى زاملة قد
مالت فقال يا غلام اعدل على هذا الجمل فإن الله يحب العدل .
بيان : في النهاية الزاملة البعير الذي يحمل عليها الطعام والمتاع
كأنه فاعلة من الزمل وهو الحمل.
٦ ـ المحاسن : عن
يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : حج علي بن الحسين
عليهالسلام
على راحلته عشر حجج ما
قرعها بسوط ولقد بركت به سنة من سنواته فما قرعها بسوط .
ومنه عن أبيه عن
ابن المغيرة ومحمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إن لكل شيء حرمة
وحرمة البهائم في وجوهها .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عنه
عليهالسلام
مثله
٧ ـ المحاسن : عن
محمد بن علي عن ابن أسباط رفعه قال قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لا تضربوا وجوه الدواب
وكل شيء فيه الروح فإنه يسبح بحمد الله .
ومنه عن القاسم بن
يحيى عن جده الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
لا تضربوا الدواب على
وجوهها فإنها تسبح بحمد ربها.
وفي حديث آخر ولا
تسموها في وجوهها .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن القاسم مثله ـ الخصال ، في الأربعمائة مثل الحديث الأول.
٨ ـ المحاسن : عن
بعض أصحابنا بلغ به أبا عبد الله عليهالسلام قال : ألا يستحيي أحدكم
__________________
أن يغني على دابته
وهي تسبح.
وروي عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : اضربوها على
النفار ولا تضربوها على العثار .
ومنه عن النوفلي
عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهالسلام قال : للدابة على صاحبها ستة حقوق لا يحملها فوق طاقتها ولا
يتخذ ظهورها مجالس فيتحدث عليها ويبدأ بعلفها إذا نزل ويعرض عليها الماء إذا مر به
ولا يسمها في وجوهها فإنها تسبح .
ومنه عن يعقوب بن
يزيد عن يحيى بن المبارك عن علي بن حسان قال قال أبو ذر تقول الدابة اللهم ارزقني
مليك صدق يرفق بي ويحسن إلي ويطعمني ويسقيني ولا يعنف علي .
ومنه عن محمد بن
علي عن ابن أسباط عن علي بن جعفر عن أبي إبراهيم
عليهالسلام
قال : ما من دابة يريد
صاحبها أن يركبها إلا قالت اللهم اجعله بي رحيما .
ومنه عن أبيه عن
ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إذا ركب العبد
الدابة قالت اللهم اجعله بي رحيما .
ومنه عن ابن فضال
عن أبي المغراء عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد فيما أظن عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : رئي أبو ذر رضي
الله عنه يسقي حمارا له بالربذة فقال له بعض الناس أما لك يا با ذر من يسقي لك هذا
الحمار فقال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول ما من دابة إلا وهي تسأل كل صباح اللهم ارزقني مليكا
صالحا يشبعني من العلف ويرويني من الماء ولا يكلفني فوق طاقتي فأنا أحب أن أسقيه
بنفسي .
ومنه عن محمد بن
علي عن ابن أسباط عن سيابة بن ضريس عن سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله
عليهالسلام
مثله .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن ابن فضال مثله وفيه قال فيما ظن .
__________________
بيان : على نسخة
الكافي الظاهر أن الشك من سليمان ويحتمل كونه من ابن سنان وعلى ما في المحاسن كان
الأخير متعين والسؤال يحتمل أن يكون بلسان الحال كناية عن احتياجها إلى ذلك
واضطرارها فلا بد من رعايتها.
٩ ـ المحاسن : عن
ابن فضال عن صفوان الجمال قال : أرسل إلي المفضل بن عمر أن أشتري لأبي عبد الله
عليهالسلام
جملا فاشتريت جملا
بثمانين درهما فقدم به على أبي عبد الله عليهالسلام فقال لي أتراه يحمل القبة فشددت عليه القبة وركبته
فاستعرضته ثم قال لو أن الناس يعلمون كنه حملان الله على الضعيف ما غالوا ببهيمة .
ومنه عن يعقوب بن
يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال : سئل أبو عبد الله
عليهالسلام
عن صلاة المغرب فقال أنخ
إذا غابت الشمس قال فإنه يشتد علي إناخته مرتين قال افعل فإنه أصون للظهر .
ومنه عن بعض
أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد الله عليهالسلام لا تضربوها على العثار واضربوها على النفار وقال لا تغنوا
على ظهورها أما يستحيي أحدكم أن يغني على ظهر دابته وهي تسبح .
ومنه عن بعض
أصحابه رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال علي بن الحسين
عليهالسلام
لابنه محمد
عليهالسلام
حين حضرته الوفاة إني قد
حججت على ناقتي هذه عشرين حجة فلم أقرعها بسوط قرعة فإذا نفقت فادفنها لا يأكل
لحمها السباع قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من
نعم الجنة وبارك في نسله فلما نفقت حفر لها أبو جعفر
عليهالسلام
ودفنها .
بيان : يدل على
استحباب ترك ضرب الدواب لا سيما في طريق الحج وكأنه
__________________
محمول على ما إذا
لم تدع إليه ضرورة وعلى استحباب دفن الناقة التي حج عليها سبع حجج ويحتمل شموله
لجميع الدواب كما يومئ إليه الخبر الآتي ويحتمل اختصاص الحكم بمركوبهم
عليهالسلام
لكن التعليل يومئ إلى
التعميم.
١٠ ـ المحاسن : عن
يعقوب بن يزيد عن محمد بن مرازم عن أبيه عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إنه ليس من دابة عرف بها
خمس وقفات إلا كانت من نعم الجنة قال روى بعضهم وقف بها ثلاث وقفات .
ومنه عن محمد بن
سنان عن عبد الأعلى عن أحدهما عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنه ليس من بعير إلا على ذروته شيطان فامتهنوهن ولا يقول
أحدكم أريح بعيري فإن الله هو الذي يحمل .
ومنه عن محمد بن
يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن آبائه
عليهالسلام
قال قال رسول الله إن على
ذروة كل بعير شيطانا فامتهنوها لأنفسكم وذللوها واذكروا اسم الله عليها فإنما يحمل
الله .
ومنه عن أبي طالب
عن أنس بن عياض الليثي عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن على ذروة كل بعير شيطانا فامتهنوها لأنفسكم وذللوها
واذكروا اسم الله عليها كما أمركم الله .
بيان : كما أمركم
الله أي في قوله تعالى : « وَالَّذِي خَلَقَ
الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ
لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا
اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما
كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ » فإنه في قوة الأمر كما سيأتي إن شاء الله في باب آداب
الركوب.
ويمكن أن يكون
المراد بأمره تعالى ما يشمل أمر الرسول وأوصيائه
عليهالسلام
أيضا.
__________________
١١ ـ المحاسن : عن
جعفر بن محمد عن ابن القداح عن أبي عبد الله وعن أبيه ميمون قال : خرجنا مع أبي
جعفر عليهالسلام
إلى أرضه بطيبة ومعه عمرو
بن دينار وأناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء الله وركب أبو جعفر
عليهالسلام
على جمل صعب فقال له عمرو
بن دينار ما أصعب بعيركم فقال له أما علمت أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
قال إن على ذروة كل بعير
شيطانا فامتهنوها وذللوها وذكروا اسم الله عليها فإنما يحمل الله ثم دخل مكة
ودخلنا معه بغير إحرام .
الكافي : عن العدة
عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد مثله .
بيان : كأن المراد
بطيبة هنا غير المدينة بل هي اسم موضع قريب مكة وإنما دخل
عليهالسلام
بغير إحرام لعدم مضي شهر
من الإحرام الأول قال الفيروزآبادي طيبة أي بالفتح المدينة النبوية وبالكسر قرية
عند زرود.
١٢ ـ المحاسن : عن
أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : لو يعلم الحاج ما
له من الحملان ما غالى أحد للبعير .
ومنه عن محمد بن
علي عن الحجال عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد الله
عليهالسلام
لو يعلم الناس كنه حملان
الله على الضعيف ما غالوا ببهيمة .
ومنه عن أبيه عن
محمد بن عمرو عن سليمان الرحال عن ابن أبي يعفور قال : مر بي أبو عبد الله
عليهالسلام
وأنا أمشي عن ناقتي فقال
ما لك لا تركب فقلت ضعفت ناقتي وأردت أن أخفف عنها فقال رحمك الله اركب فإن الله
يحمل على الضعيف والقوي .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه مثله .
١٣ ـ المحاسن : عن
بكر بن صالح عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن
عليهالسلام
قال :
__________________
إذا عثرت الدابة
تحت الرجل فقال لها تعست تقول تعس وانتكس أعصانا لربه .
الكافي : عن عدة
من أصحابه عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد بن يسار عن عبيد الله الدهقان عن درست
عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وذكر مثله .
توضيح : قال
الجوهري التعس الهلاك وأصله الكب وهو ضد الانتعاش وقد تعس بالفتح يتعس تعسا وأتعسه
الله يقال تعسا لفلان أي ألزمه الله هلاكا.
وقال الفيروزآبادي
التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط والفعل كمنع وسمع أو إذا
خاطبت قلت تعست كمنع وإذا حكيت قلت تعس كسمع وقال انتكس أي وقع على رأسه انتهى.
وقوله لربه الظاهر
أن المراد به الرب سبحانه كما هو المصرح به في غيره ويحتمل أن يكون المراد بالرب
المالك أي ما عصيتك في هذه العثرة إذ لم تكن باختياري وأنت عصيت ربك كثيرا.
١٤ ـ المكارم : عن
الرضا عليهالسلام
قال : على كل منخر من
الدواب شيطانا فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم الله عز وجل .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن يعقوب بن جعفر قال سمعت أبا
الحسن عليهالسلام
وذكر مثله .
١٥ ـ المكارم : عن
أبي عبيدة عن أحدهما عليهالسلام
قال : أيما دابة استصعبت
على صاحبها من لجام ونفار فليقرأ في أذنها أو عليها :
« أَفَغَيْرَ
دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ » وليقل اللهم سخرها وبارك لي فيها بحق محمد وآل محمد واقرأ
إنا أنزلناه .
__________________
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة مثله إلى قوله وإليه
ترجعون بيان قوله عليهالسلام أو عليها أي قريبا منها إن لم يقدر على إدناء الفم من
أذنها.
١٦ ـ نوادر
الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه
عليهالسلام
قال قال علي
عليهالسلام
للدابة على صاحبها ست
خصال يبدأ بعلفها إذا نزل ويعرض عليها الماء إذا مر به ولا يضربها إلا على حق ولا
يحتملها إلا ما تطيق ولا يكلفها من السير إلا طاقتها ولا يقف عليها فواقا.
وبهذا الإسناد قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لا تتخذوا ظهور الدواب
كراسي فرب دابة مركوبة خير من راكبها وأطوع لله تعالى وأكثر ذكرا.
وبهذا الإسناد قال
قال علي عليهالسلام
نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أن توسم الدواب على
وجوهها فإنها تسبح بحمد ربها.
وبهذا الإسناد قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
قلدوا النساء ولو بسير
وقلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار .
بيان : قال الجوهري الفواق والفواق ما بين الحلبتين من الوقت لأنها
تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب يقال ما أقام عنده إلا فواقا.
١٧ ـ المجازات
النبوية : قال عليهالسلام
قلدوا الخيل ولا تقلدوها
الأوتار .
قال السيد رضياللهعنه هذه استعارة على أحد التأويلين وهو أن يكون المراد النهي عن طلب أوتار
الجاهلية على الخيل بشن الغارات وشب النائرات ومعنى لا تقلدوها أي لا تجعلوها
كأنها قلدت درك الوتر فتقلدته وضمنت أخذ الثأر فضمنته وذلك عبارة عن فرط جدهم في
الطلب وحرصهم على الدرك فكأنه عليهالسلام قال قلدوا
__________________
الخيل طلب أعداء
الدين والدفاع عن المسلمين ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية ودخول مصارع الحمية.
وإذا حمل الخبر
على التأويل الآخر خرج عن أن يكون مجازا وهو أن يكون المراد النهي عن تقليد الخيل
أوتار القسي وقيل في وجه النهي عن ذلك قولان أحدهما أن يكون
عليهالسلام
إنما نهى عنه لأن الخيل
ربما رعت الأكلاء والأشجار فنشبت الأوتار في أعناقها ببعض شعب ما ترعاه من ذلك
فخنقتها أو حبستها على عدم المأكل والمشرب حتى تقضي نحبها.
والوجه الآخر أنهم
كانوا في الجاهلية يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يرفع عنها حمة عين العائن
وشرارة نظر المستحسن فتكون كالعوذ لها والأحراز عليها فأراد
عليهالسلام
أن يعلمهم أن تلك الأوتار
لا تدفع ضررا ولا تصرف حذرا وإنما الله سبحانه وتعالى الدافع الكافي والمعيذ
الواقي ومما يقوي هذا التأويل ما روي من أمره
عليهالسلام
بقطع الأوتار عن أعناق
الخيل.
ولتقليد الخيل وجه
آخر وهو أن العرب كانت إذا قدرت وظفرت قلدت الخيل العمائم وذكر أن معاوية لما تغلب
على الأمر ودخل الكوفة بعد صلح الحسن عليهالسلام فعل ذلك بخيله.
أقول : وذكر ابن
الأثير في النهاية هذه الوجوه إلا الأخير.
١٨ ـ المجازات :
قال النبي صلىاللهعليهوآله
إذا سافرتم في الخصب
فأعطوا الركب أسنتها وفي رواية أخرى فأعطوا الركاب أسنانها .
وهذه استعارة
والمراد بالأسنة هاهنا على ما قاله جماعة من علماء اللغة الأسنان وهو جمع جمع لأن
الأسنان جمع سن والأسنة جمع الأسنان والركب جمع الركاب فكأنه
عليهالسلام
أمرهم بأن يمكنوا ركابهم
زمان الخصب من الرعي في طرق أسفارهم وعند نزولهم وارتحالهم فكنى عن ذلك بإعطائها
أسنانها والمراد تمكينها من استعمال أسنانها في اجتذاب الأكلاء والأعشاب فكأنهم
بتمكينها من ذلك قد أعطوها أسنانها وهذا كما يقول :
__________________
القائل لغيره أعط
الفرس عنانها وأعط الراحلة زمامها أي مكنها من التوسع في الجري ومد العنق في
الخطو.
وعندي في ذلك وجه
آخر وهو أن يكون المراد مكنوا الركاب في الخصب من أن يسمن بكثرة الرعي فإنهم قد
عبروا في أشعارهم عن سمن الإبل بالسلاح تارة وبالأسنة تارة فإن سمنها وشارتها في
عين صاحبها يمنعه من أن ينحرها للضيافة ويبذلها لطراقه فجعل السمن لها كالسلاح
الذي يدافع به عن نحرها وتماطل به عن عقرها.
١٩ ـ الفقيه :
بإسناده عن أيوب بن أعين قال : سمعت الوليد بن صبيح يقول لأبي عبد الله
عليهالسلام
إن أبا حنيفة رأى هلال ذي
الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة فقال ما لهذا صلاة ما لهذا حج.
وحج علي بن الحسين
عليهالسلام
على ناقة له أربعين حجة
فما قرعها بسوط .
ونه بإسناده
الصحيح عن علي بن رئاب عن أبي بصير عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال : كان رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ومرثد بن أبي مرثد الغنوي
يعقبون بعيرا بينهم وهم منطلقون إلى بدر .
بيان : العقبة بالضم النوبة وأعقب زيد عمرا ركبا بالنوبة.
٢٠ ـ الفقيه : قال
علي عليهالسلام
في الدواب لا تضربوها
الوجوه ولا تلعنوها فإن الله عز وجل لعن لاعنها.
وفي خبر آخر : لا
تقبحوا الوجوه.
وقال النبي
صلىاللهعليهوآله
إن الدواب إذا لعنت
لزمتها اللعنة .
توضيح لا تقبحوا
الوجوه أي لا تقولوا لها قبح الله وجهك أو لا تفعلوا شيئا يصير سببا لقباحة وجهها
قال في النهاية يقال قبحت فلانا إذا قلت له قبحك الله من
__________________
القبح وهو الإبعاد
ومنه الحديث لا تقبحوا الوجه أي لا تقولوا قبح الله وجه فلان وقيل لا تنسبوا إلى
القبح ضد الحسن لأن الله قد أحسن كل شيء خلقه.
قوله
عليهالسلام
لزمتها أي يستجاب فيها
ويصير سببا لهلاكها أو لزمتها مقابلة اللعن باللعن قال في النهاية في حديث المرأة
التي لعنت ناقتها في السفر فقال ضعوا عنها فإنها ملعونة قيل إنما فعل ذلك لأنه
استجيبت دعاؤها فيها وقيل فعله عقوبة لصاحبها لئلا تعود إلى مثلها وليعتبر بها
غيرها وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله تعالى ومن الخلق السب والدعاء.
٢١ ـ الفقيه :
بإسناده عن السكوني بإسناده قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إن الله تبارك وتعالى يحب
الرفق ويعين عليه فإذا ركبتم الدواب العجاف فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض مجدبة
فانجوا عليها وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها.
وقال
صلىاللهعليهوآله
من سافر منكم بدابة
فليبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها .
وقال أبو جعفر
عليهالسلام
إذا سرت في أرض خصبة
فارفق بالسير وإذا سرت في أرض مجدبة فعجل بالسير .
بيان : العجاف المهازيل فأنزلوها منازلها أي كلفوها على قدر طاقتها
ولا تتعدوا بها المنزل كما في الثاني فانجوا أي فاسرعوا لتصلوا إلى الماء والكلاء
فارفق بالسير أي لترعى في الطريق.
٢٢ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن علي بن إبراهيم الجعفري رفعه قال : سئل الصادق
عليهالسلام
متى أضرب دابتي تحتي فقال
إذ لم تمش تحتك كمشيتها إلى مذودها .
الفقيه : سأل رجل
أبا عبد الله عليهالسلام
وذكر مثله .
بيان : في أكثر
نسخ الكافي المذود بالذال المعجمة وفي أكثر نسخ الفقيه بالزاي
__________________
والأول أظهر في
القاموس المذود كمنبر معلف الدابة وقال الزود تأسيس الزاد وكمنبر وعاؤه.
٢٣ ـ الكافي : عن
حميد بن زياد عن الخشاب عن ابن بقاح عن معاذ الجوهري عن عمرو بن جميع عن أبي عبد
الله عليهالسلام
قال قال رسول الله لا
تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس .
بيان : لعل المراد بالتورك عليها الجلوس عليها على إحدى الوركين
فإنها تتضرر به ويصير سببا لدبرها أو المراد رفع إحدى الرجلين ووضعها فوق السرج
للاستراحة قال الجوهري تورك على الدابة أي ثنى رجله ووضع إحدى وركيه في السرج
وكذلك التوريك وقال أبو عبيدة المورك والموركة الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه
قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب وفي القاموس تورك على الدابة ثنى رجله لينزل أو
ليستريح انتهى. وفي بعض النسخ لا تتوكئوا من الاتكاء وكأنه تصحيف.
٢٤ ـ الكافي : عن
العدة عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن الأصم عن مسمع بن عبد الملك عن
أبي عبد الله عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
اضربوها على النفار ولا
تضربوها على العثار .
الكافي : عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله
عليهالسلام
إن من الحق أن يقول
الراكب للماشي الطريق.
وفي نسخة أخرى إن
من الجور أن يقول الراكب للماشي الطريق .
بيان : كأن قوله
وفي نسخة أخرى من كلام رواة الكافي ويحتمل كونه من الكليني بأن يكون اختلاف النسخ
في أصوله وعلى التقديرين فالنسخة الأخرى محمولة على ما إذا كان هناك طريق آخر يمكنه
أن يثني عنانه إليه وعلى النسخة
__________________
الأولى معناه أنه
ينبغي للراكب أن يحذر الماشي ليعدل عن طريقه لئلا يصيبه ضرر ويؤيد النسخة الثانية
ما سيأتي ولم تكن النسخة الأولى في بعض نسخ الكافي وإن كانت أظهر.
٢٥ ـ الخصال : عن
أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن هشام
بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : من الجور قول
الراكب للماشي الطريق .
٢٦ ـ الفقيه : قال
النبي صلىاللهعليهوآله
أخروا الأحمال فإن اليدين
معلقة والرجلين موثقة .
٢٧ ـ الكافي : عن
الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن الحسين العلوي قال
قال أبو الحسن عليهالسلام
من مروة الرجل أن يكون
دوابه سمانا.
قال وسمعته يقول
ثلاث من المروة فراهة الدابة وحسن وجه المملوك والفرس السري .
بيان : في القاموس فره ككرم فراهة وفراهية حذق فهو فاره بين
الفروهة والسري النفيس الشريف.
٢٨ ـ مجالس الصدوق
: والفقيه ، في حديث المناهي عن جعفر بن محمد عن آبائه
عليهالسلام
قال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عن ضرب وجوه البهائم ونهى
عن قتل النحل ونهى عن الوسم في وجوه البهائم .
٢٩ ـ إرشاد المفيد
: عن أبي محمد الحسن بن محمد عن جده عن أحمد بن محمد الرافقي عن إبراهيم بن
علي عن أبيه قال : حججت مع أبي علي بن الحسين
عليهالسلام
فالتاثت عليه
__________________
الناقة في سيرها
فأشار إليها بالقضيب ثم قال آه لو لا القصاص ورد يده عنها .
بيان : في النهاية فيه إذا التاثت راحلة أحدنا أي أبطأت في سيرها .
٣٠ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن علي بن إسماعيل رفعه قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
كل لهو المؤمن باطل إلا
في ثلاث في تأديبه الفرس ورميه عن قوسه وملاعبته امرأته فإنهن حق الخبر .
٣١ ـ الفقيه ،
بإسناده عن أحمد بن إسحاق بن سعد عن عبد الله بن ميمون عن الصادق جعفر بن محمد عن
أبيه عليهالسلام
قال قال الفضل بن العباس
أهدي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
بغلة أهداها له كسرى أو
قيصر فركبها النبي صلىاللهعليهوآله
بجل من شعر وأردفني خلفه
الخبر .
٣٢ ـ كتاب المسائل
: بالإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : سألته عن الرجل أيصلح أن يركب الدابة عليها الجلجل
قال إن كان له صوت فلا وإن كان أصم فلا بأس .
٣٣ ـ الفقيه : قال
الصادق عليهالسلام
إن على ذروة كل بعير
شيطانا فأشبعه وامتهنه .
تذنيب
ذكر العلامة قدسسره في المنتهى كثيرا
من أخبار حقوق الدابة من غير تصريح بالوجوب أو الاستحباب وقال ويستحب اتخاذ الخيل
وارتباطها
__________________
استحبابا مؤكدا
وقال وينبغي اجتناب ضرب الدابة إلا مع الحاجة ولا بأس بالعقبة.
وأقول سائر الآداب
المذكورة في هذه الأخبار لم ينص الأصحاب فيها بشيء فالحكم بالوجوب أو الحرمة في
أكثرها مشكل بل الظاهر أن أكثرها من السنن والآداب المستحبة المرغوبة لكن الاحتياط
يقتضي العمل بجميعها ما تيسر.
وقال الدميري في
حياة الحيوان في شرح الكافية لا يجوز بيع الخيل لأهل الحرب كالسلاح ويكره أن يقلد
الأوتار لنهي النبي صلىاللهعليهوآله
عن ذلك وأمره بقطع قلائد
الخيل قال مالك أراه من أجل العين وقال غيره إنما أمر بقطعها لأنهم كانوا يعلقون
فيها الأجراس وقال آخرون لأنها تختنق بها عند شدة الركض ويحتمل أن يكون أراد عين
الوتر خاصة دون غيره من السيور والخيوط على ما كان من عادتهم في الجاهلية وقيل معناه لا تطلبوا
عليها الأوتار والذحول ولا تركضوها في طلب الثأر .
وفي شفاء الصدور
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : لا تضربوا وجوه الدواب فإن كل شيء يسبح بحمده.
وروي عن ابن مسعود
أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : إذا انفلتت دابة
أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا فإن لله عز وجل في الأرض حاجزا سيحبسه
.
وروى الطبراني في
معجمه الأوسط من حديث أنس أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرءوا في
أذنه : « أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ
أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُونَ » ثم قال يجب على مالك الدواب علفها وسقيها لحرمة الروح.
__________________
وفي الصحيح عذبت
امرأة في هرة فإن لم تكن ترعى لزمه أن يعلفها ويسقيها إلى أول شبعها وريها دون
غايتهما وإن كانت ترعى لزمه إرسالها لذلك حتى تشبع وتروى بشرط فقد السباع ووجود الماء وإن
اكتفت بكل من الرعي والعلف خير بينهما وإن لم تكتف إلا بهما لزماه وإذا احتاجت
البهيمة إلى السقي ومعه ما يحتاج إليه لطهارته سقاها وتيمم فإن امتنع من العلف
أجبر في مأكوله على بيع أو علف أو ذبح وفي غيرها على بيع أو علف صيانة لها عن
الهلاك فإن لم تفعل فعل الحاكم ما تقتضيه المصلحة فإن كان له مال ظاهر بيع في
النفقة فإن تعذر جميع ذلك فمن بيت المال.
ويستحب أن يقول
عند الركوب ما رواه الحاكم والترمذي وصححاه عن علي بن ربيعة قال : شهدت علي بن أبي
طالب عليهالسلام
وقد أتي بدابة ليركبها
فلما وضع رجله في الركاب قال سبحانك اللهم :
« إِنِّي
ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي » إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل يا أمير المؤمنين
من أي شيء ضحكت فقال رأيت النبي صلىاللهعليهوآله فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت يا رسول الله من أي شيء ضحكت فقال
إن ربك تعالى ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر
الذنوب غيري.
وروى أبو القاسم
الطبراني عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إذا ركب العبد الدابة ولم يذكر اسم الله ردفه الشيطان
فقال تغن فإن كان لا يحسن الغناء قال له تمن فلا يزال في أمنيته حتى ينزل.
وعن أبي الدرداء
أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قال إذا ركب
دابة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه ليس له سمي :
« سُبْحانَ
الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا
لَمُنْقَلِبُونَ » والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
__________________
محمد وآله وعليهم
السلام إلا قالت الدابة بارك الله عليك من مؤمن خففت على ظهري وأطعت ربك
وأحسنت إلى نفسك بارك الله لك وأنجح حاجتك.
وروى ابن أبي
الدنيا بإسناده عن عمر بن قيس أنه قال : إذا ركب الرجل الدابة قالت اللهم اجعله بي
رفيقا رحيما فإذا لعنها قالت لعنة الله على أعصانا لله .
وفي كامل ابن عدي
عن ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : اضربوا الدواب على
النفار ولا تضربوها على العثار.
وقال يجوز الإرداف
على الدابة إذا كانت مطيقة ولا يجوز إذا لم تطقه.
ففي الصحيحين عن
أسامة بن زيد أن النبي صلىاللهعليهوآله
أردفه حين دفع من عرفات
إلى المزدلفة ثم أردف الفضل بن العباس من مزدلفة إلى منى وأنه
صلىاللهعليهوآله
أردف معاذا على الرحل
وعلى حمار يقال له عفير .
ثم قال وإذا أردف
صاحب الدابة فهو أحق بصدرها ويكون الرديف وراءه إلا أن يرضى صاحبها بتقديمه لجلالة
أو غير ذلك وأفاد الحافظ بن مندة أن الذين أردفهم النبي
صلىاللهعليهوآله
ثلاثة وثلاثون نفسا .
وروى الطبراني عن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوآله نهى أن يركب ثلاثة على دابة.
وقال يكره دوام
الركوب على الدابة لغير حاجة وترك النزول عنها للحاجة لما في سنن أبي داود
والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إياكم أن
__________________
تتخذوا ظهور
دوابكم منابر فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم :
« إِلى
بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ » وجعل لكم في الأرض مستقرا فاقضوا عليها حاجاتكم.
ويجوز الوقوف على
ظهرها للحاجة ريثما تقضى لما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أم الحصين الأخمصية أنها قالت حججت
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
حجة الوداع فرأيت أسامة
وبلالا أحدهما أخذ خطام ناقة النبي صلىاللهعليهوآله والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
وقال الشيخ عز
الدين بن عبد السلام في الفتاوي الموصلية النهي عن ركوب الدواب وهي واقفة محمول
على ما إذا كان لغير غرض صحيح وأما الركوب الطويل في الأغراض الصحيحة فتارة يكون
مندوبا كالوقوف بعرفة وتارة يكون واجبا كوقوف الصفوف في قتال المشركين وقتال كل من
يجب قتاله وكذلك الحراسة في الجهاد وإذا خيف هجمة العدو وهذا لا خلاف فيه انتهى .
أقول سيأتي
الأخبار المناسبة للباب في أبواب السفر وأبواب آداب الركوب إن شاء الله.
__________________
٩
(باب)
*(إخصاء
الدواب وكيها وتعرقبها والإضرار بها وبسائر الحيوانات )*
والتحريش بينها وآداب
إنتاجها وبعض النوادر
الآيات النساء ٤ :
« وَإِنْ
يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ
عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ
اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً » ١١٧ ـ ١١٩.
تفسير :
«
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ » قيل أي يشقونها لتحريم ما أحل الله وهي عبارة عما كانت
العرب تفعل بالبحائر والسوائب وإشارة إلى تحريم كل ما أحل ونقص كل ما خلق كاملا
بالفعل أو بالقوة : « وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللهِ » عن وجهه صورة أو صفة ويندرج فيه ما قيل من فقوء عين الحامي
وخصاء العبيد والبهائم والوسم والوشم والوشر واللواط والسحق ونحو ذلك وعبادة الشمس
والقمر وتغيير فطرة الله التي هي الإسلام واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود
على النفس كمالا ولا يوجب لها من الله زلفى وبالجملة يمكن أن يستدل به على تحريم
الكي وإخصاء الإنسان والحيوانات مطلقا بل التحريش بينها لأنها لم تخلق لذلك إلا ما
أخرجه الدليل.
قال الطبرسي قدس
الله روحه : « وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللهِ » أي لآمرنهم بتغيير خلق الله فليغيرنه واختلف في معناه فقيل
يريد دين الله وأمره عن ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي
عبد الله عليهالسلام.
ويؤيده قوله
سبحانه : « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ »
__________________
وأراد بذلك تحريم
الحلال وتحليل الحرام وقيل أراد معنى الخصاء عن عكرمة وشهر بن حوشب وأبي صالح عن
ابن عباس وكرهوا الإخصاء في البهائم وقيل إنه الوشم عن ابن مسعود وقيل إنه أراد
الشمس والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها عن الزجاج .
١ ـ المحاسن : عن
محمد بن علي عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله
عليهالسلام
عن الخصاء فلم يجبني ثم
سألت أبا الحسن عليهالسلام
بعده فقال لا بأس .
الفقيه : بإسناده
عن الحسن بن علي بن فضال عن يونس بن يعقوب مثله وفيه عن الإخصاء .
بيان : محمول على
إخصاء الحيوانات كما سيأتي والمشهور فيه الكراهة وقيل بالحرمة والمشهور أظهر قال
العلامة رحمهالله في المنتهى نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا أن إخصاء الحيوان
محرم قال والأولى عندي تجنب ذلك وأنه مكروه دون أن يكون محرما محظورا لأنه ملك
للإنسان يعمل به ما شاء مما فيه الصلاح له وما روي في ذلك يحمل على الكراهية دون الحظر.
٢ ـ قرب الإسناد :
عن السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن
عليهالسلام
قال : سألته عن إخصاء
الغنم قال لا بأس .
٣ ـ الكافي : عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إذا حرنت على أحدكم دابة
في أرض العدو
__________________
فليذبحها ولا يعرقبها .
٤ ـ ومنه :
بالإسناد المتقدم قال كان أبو عبد الله عليهالسلام يقول لما كان يوم مؤتة كان جعفر بن أبي طالب على فرس له
فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف فكان أول من عرقب في الإسلام .
المحاسن : عن
النوفلي مثله .
بيان : يدل على
جواز العرقبة مع الضرورة.
٥ ـ مجالس الشيخ :
عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن وهبان عن علي بن حبشي عن العباس بن محمد بن
الحسين عن أبيه عن صفوان وجعفر بن عيسى عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد
الله عليهالسلام
قال : كان رجل شيخ ناسك
يعبد الله في بني إسرائيل فبينا هو يصلي وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد
أخذا ديكا وهما ينتفان ريشه فأقبل على ما فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك فأوحى
الله إلى الأرض أن سيخي بعبدي فساخت به الأرض فهو يهوي في الدردون أبد الآبدين
ودهر الداهرين .
بيان : الدردون لم
أجده في كتب اللغة وكأنه اسم طبقة من طبقات الأرض أو طبقات جهنم ويدل على عدم جواز
الإضرار بالحيوانات بغير مصلحة ووجوب نهي الصبيان عن مثله وفيه مبالغة عظيمة في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
٦ ـ المحاسن : عن
أبيه عن ابن المغيرة ومحمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه
عليهالسلام
أنه كره إخصاء الدواب
والتحريش بينها .
__________________
٧ ـ نوادر
الراوندي : عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد عن
محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى بن جعفر
عن آبائه عليهالسلام
قال : كان رجل من نجران
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
في غزاة ومعه فرس وكان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يستأنس إلى صهيله ففقده
فبعث إليه فقال ما فعل فرسك فقال اشتد علي شغبه فخصيته فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
مثلت به مثلت به الخيل
معقود في نواصيها الخير إلى أن تقوم القيامة وأهلها معانون عليها أعرافها وقارها ونواصيها جمالها
وأذنابها مذابها .
٨ ـ الكافي : عن
العدة عن سهل عن البزنطي عن الكاهلي قال : سأل رجل أبا عبد الله
عليهالسلام
وأنا عنده عن قطع أليات
الغنم فقال لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ثم قال إن في كتاب علي
عليهالسلام
أن ما قطع منها ميت لا
ينتفع به .
بيان : يفهم منه
أن كل إضرار بالحيوان يصير سببا لإصلاحه جائز وإن لم ينتفع به الحيوان.
٩ ـ الكافي : عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عن الكشوف وهو أن تضرب
الناقة وولدها طفل إلا أن يتصدق بولدها أو يذبح ونهى من أن ينزى حمار على
عتيقة.
بيان : في القاموس الكشوف كصبور الناقة يضربها الفحل وهي حامل
وربما ضربها وقد عظم بطنها فإن حمل عليها الفحل سنتين ولاء فذلك الكشاف بالكسر أو
هو
__________________
أن تلقح حين تنتج
أو أن يحمل عليها في كل عام وذلك أردأ النتاج.
١٠ ـ التهذيب :
بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عباد بن سليمان عن سعد بن سعد عن هشام بن
إبراهيم قال : سألته عن الحمير ننزيها على الرمك لتنتج البغال أيحل ذلك قال نعم
أنزها .
بيان : الرمكة محركة الفرس والبرذونة تتخذ للنسل والجمع رمك وجمع
الجمع أرماك ذكره الفيروزآبادي.
وأقول لا تنافي
بين هذه الخبر وبين الخبر السابق واللاحق لأن النهي فيهما متعلق بالنزو على
العتيقة العربية والتجويز في هذا الخبر للبرذون مع أن الخبر الآتي يحتمل كونه
مختصا بهم عليهالسلام
بل ظاهره ذلك.
١١ ـ صحيفة الرضا
: بإسناد الطبرسي عن الرضا عن آبائه عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنا أهل بيت لا تحل لنا صدقة وأمرنا بإسباغ
الوضوء وأن لا ننزي حمارا على عتيقة ولا نمسح على خف .
بيان : قال في
النهاية في حديث علي عليهالسلام
أمرنا أن لا ننزي الحمر
على الخيل أي نحملها عليه للنسل يقال نزوت على الشيء أنزو نزوا إذا وثبت عليه وقد
يكون في الأجسام والمعاني ثم ذكر عن الخطابي بعض الوجوه التي ذكرها الدميري مما
أوردته سابقا .
١٢ ـ المحاسن : عن
النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه
عليهالسلام
أن عليا
عليهالسلام
مر ببهيمة وفحل يسفدها
على ظهر الطريق فأعرض علي عليهالسلام بوجهه فقيل له لم فعلت ذلك يا أمير المؤمنين فقال إنه لا ينبغي
أن تصنعوا ما يصنعون
__________________
وهو من المنكر إلا
أن تواروه حيث لا يراه رجل ولا امرأة .
١٣ ـ نوادر
الراوندي : عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد
الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده
موسى بن جعفر عن آبائه عليهالسلام
مثله .
بيان : في القاموس سفد الذكر على الأنثى كضرب وعلم سفادا بالكسر
نزا وأسفدته وتسافد السباع.
١٤ ـ الكافي : عن
العدة عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي نصر قال : سأل رجل الرضا
عليهالسلام
عن الزوج من الحمام يفرخ
عنده يتزوج الطير أمه وابنته قال لا بأس بما كان بين البهائم .
١٥ ـ السرائر : من
كتاب أبان بن تغلب عن القاسم بن إسماعيل عن عيسى بن هشام عن أبان بن عثمان عن مسمع
كردين قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن التحريش بين البهائم قال أكره ذلك كله إلا الكلب .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان مثله وفيه أكره ذلك إلا الكلاب
١٦ ـ المحاسن : عن
علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن أبي العباس عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : سألته عن التحريش
بين البهائم فقال كله مكروه إلا الكلاب .
__________________
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم مثله وفيه كله يكره إلا الكلب
١٧ ـ الفقيه : نهى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن تحريش البهائم إلا
الكلاب .
بيان : قوله
عليهالسلام
إلا الكلاب كأن المراد به
تحريش الكلب على الصيد لا تحريش الكلاب بعضها على بعض والأخبار وإن وردت بلفظ
الكراهة لكن قد عرفت أن الكراهة في عرف الأخبار أعم من الحرمة وهو لهو ولغو وإضرار
بالحيوانات بغير مصلحة فلا يبعد القول بالتحريم والله يعلم.
١٨ ـ مجالس الصدوق
: والفقيه ، في مناهي النبي صلىاللهعليهوآله أنه نهى عن الوسم في وجوه البهائم .
١٩ ـ قرب الإسناد
: عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليهالسلام
قال : سألته عن الدابة أيصلح
أن يضرب وجهها أو يسمه بالنار قال لا بأس .
٢٠ ـ المحاسن : عن
محمد بن علي عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : سألته عن سمة الغنم
في وجوهها فقال سمها في آذانها .
٢١ ـ ومنه : عن
ابن محبوب عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله
عليهالسلام
عن سمة المواشي فقال لا
بأس بها إلا في الوجه .
الكافي : عن محمد
بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله .
٢٢ ـ المحاسن : عن
أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام
__________________
قال : لا بأس بها
إلا ما كان في الوجه .
٢٣ ـ ومنه : عن
أبيه عن فضالة عن أبان عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله
عليهالسلام
عن وسم المواشي فقال توسم
في غير وجهها .
٢٤ ـ ومنه : عن
محمد بن علي عن ابن أسباط عن علي بن جعفر قال : سألت أبا إبراهيم
عليهالسلام
عن الدابة يصلح أن يضرب
وجهها ويسمها بالنار فقال لا بأس .
٢٥ ـ العياشي : عن
الحسن عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه
عليهالسلام
قال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عن أن توسم البهائم في
وجهها وأن يضرب وجوهها فإنها تسبح بحمد ربها .
٢٦ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام
أسم الغنم في وجوهها قال
سمها في آذانها .
٢٧ ـ قرب الإسناد
: عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه
عليهالسلام
قال : لا بأس بسمة
المواشي إذا تنكبتم وجوهها .
٢٨ ـ حياة الحيوان
: روى البخاري أن النبي صلىاللهعليهوآله
مر بحمار وسم في وجهه
فقال لعن الله من فعل بهذا .
٢٩ ـ وفي رواية
لعن الله الذي وسمه .
__________________
١٠
(باب)
النحل
والنمل وسائر ما نهي عن قتله من الحيوانات وما يحل قتله منها من الحيات والعقارب
والغربان وغيرها والنهي عن حرق الحيوانات وتعذيبها
الآيات المائدة ٥ :
« فَبَعَثَ
اللهُ غُراباً » الآية٣٠.
النحل :
« وَأَوْحى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ
رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ
شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » ٦٨ و ٦٩.
النمل ٢٧ :
« حَتَّى
إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا
يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها » إلى قوله تعالى : « وَتَفَقَّدَ
الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ » الآيات ١٨ ـ ٢١.
تفسير : قد مرت
قصة الغراب الذي علم قابيل كيف يواري جسد هابيل
عليهالسلام
حين قتله قوله تعالى :
« وَأَوْحى
رَبُّكَ » قال الرازي يقال وحى وأوحى وهو الإلهام والمراد من الإلهام
أنه تعالى قرر في نفسها هذه الأعمال العجيبة التي يعجز عنها العقلاء من البشر
وبيانه من وجوه الأول أنها تبني البيوت المسدسة من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها
على بعض بمجرد طباعها والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات
وأدوات مثل المسطر والفرجار والثاني أنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت
مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة ما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة
فاهتداء تلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية والدقيقة اللطيفة من الأعاجيب.
والثالث : أن
النحل يحصل بينها واحد كالرئيس للبقية وذلك الواحد يكون أعظم جثة من الباقي ويكون
نافذ الحكم على تلك البقية وهم يخدمونه ويحملونه عند تعبه وذلك أيضا من الأعاجيب.
والرابع أنها إذا
ذهبت عن وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا
الطبول وآلات الموسيقى وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها وهذه أيضا
حالة عجيبة فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء
والكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام وهو حالة شبيهة بالوحي لا جرم قال تعالى في
حقها : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » واعلم أن الوحي قد ورد في حق الأنبياء كقوله تعالى :
« وَما كانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً » وفي الأولياء أيضا قال تعالى :
« وَإِذْ
أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ » وبمعنى الإلهام في حق البشر :
«
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » وفي حق سائر الحيوان خاص وقال الزجاج يجوز أن يقال سمي هذا
الحيوان نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها وقال غيره النحل
يذكر ويؤنث وهي مؤنثة في لغة الحجاز ولذلك أنثها الله وكذلك كل جمع ليس بينه وبين
الواحدة إلا الهاء : « أَنِ اتَّخِذِي » أن مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول :
« وَمِمَّا
يَعْرِشُونَ » أي يبنون ويسقفون وقرئ بضم الراء وكسرها.
واعلم أن النحل
نوعان أحدهما ما يسكن في الجبال والغياض ولا يتعهدها أحد من الناس والنوع الثاني
التي يسكن بيوت الناس ويكون في تعهدات الناس فالأول هو المراد بقوله :
« أَنِ
اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ » والثاني هو المراد بقوله :
« وَمِمَّا
يَعْرِشُونَ » وإنما قال : « مِنَ الْجِبالِ » و : « مِنَ الشَّجَرِ » لئلا تبني بيوتها في كل جبل وشجر بل في مساكن يوافق
مصالحها ويليق بها واختلفوا في
__________________
هذا الأمر.
فمن الناس من يقول
لا يبعد أن يكون لهذه الحيوانات عقول وأن يتوجه عليها من الله أمر ونهي وقال آخرون
ليس الأمر كذلك بل المراد منه أنه تعالى خلق فيها غرائز وطبائع توجب هذه الأحوال :
« ثُمَّ
كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » من للتبعيض أو لابتداء الغاية رأيت في كتب الطب أنه تعالى
دبر هذا العالم على وجه يحدث في الهواء طل لطيف في الليالي ويقع ذلك الطل على
أوراق الأشجار فقد تكون تلك الأجزاء الطلية لطيفة الصور متفرقة على الأوراق
والأزهار وقد تكون كثيرة بحيث يجتمع منها أجزاء محسوسة أما القسم الثاني فإنه مثل
الترنجبين فإنه طل ينزل من الهواء ويجتمع على أطراف الشجر في بعض البلدان وذلك
محسوس وأما القسم الأول فهو الذي ألهم الله تعالى هذا النحل تلتقط تلك الذرات من
الأزهار وأوراق الأشجار بأفواهها وتأكلها وتغتذي بها فإذا شبعت التقطت بأفواهها
مرة أخرى شيئا من تلك الأجزاء ثم تذهب بها إلى بيوتها وتضعها هناك كأنها تحاول أن
تدخر لنفسها غذاءها فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شيء كثير فذاك هو
العسل.
ومن الناس من يقول
إن النحل تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق العطرة أشياء ثم إنه تعالى يقلب تلك
الأجسام في داخل بطنه عسلا ثم إنها تقيء مرة أخرى فذاك هو العسل والقول الأول أقرب
إلى العقل وأشد مناسبة للاستقراء فإن طبيعة الترنجبين قريبة إلى العسل في الطعم والشكل
ولا شك أنه طل يحدث في الهواء ويقع على أطراف الأشجار والأزهار فكذا هاهنا وأيضا
فنحن نشاهد أن هذا النحل إنما تغتذي بالعسل ولذلك فإنا إذا أخرجنا العسل من بيوت
النحل تركنا لها بقية من ذلك العسل لأجل أن تغتذي بها فعلمنا أنها تغتذي بالعسل
وأنها إنما تقع على الأشجار والأزهار لأنها تغتذي بتلك الأجزاء الطلية العسلية
الواقعة من الهواء عليها إذا عرفت هذا فنقول قوله :
« كُلِي
مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » كلمة من هاهنا تكون لابتداء الغاية ولا تكون للتبعيض على
هذا القول : « فَاسْلُكِي
سُبُلَ
رَبِّكِ » أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل أو يكون المراد
فاسلكي في طلب تلك الثمرات سبل ربك وفي قوله :
« ذُلُلاً » قولان الأول أنه حال من السبل لأن الله تعالى ذللها لها
ووطئها وسهلها كقوله : « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
ذَلُولاً » الثاني أنه حال من الضمير في قوله :
«
فَاسْلُكِي » أي وأتي يا أيتها النحل ذلك منقادة لما أمرت به غير ممتنعة
: « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها » هذا رجوع من الخطاب إلى الغيبة والسبب فيه أن المقصود من
ذكر هذه الأحوال أن يحتج الإنسان المكلف به على قدرة الله تعالى وحكمته وحسن
تدبيره لأحوال العالم العلوي والسفلي فكأنه تعالى لما خاطب النحل بما سبق ذكره
خاطب الإنسان وقال إنما ألهمنا هذا النحل لهذه العجائب لأجل أن يخرج :
« مِنْ
بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ » ثم إنا ذكرنا أن من الناس من يقول العسل عبارة عن أجزاء
طلية تحدث في الهواء وتقع على أطراف الأشجار وعلى الأوراق والأزهار فيلقطها
الزنبور بفمه فإذا ذهبنا إلى هذا الوجه كان المراد من قوله :
« يَخْرُجُ
مِنْ بُطُونِها » أي من أفواهها وكل تجويف في داخل البدن فإنه يسمى بطنا ألا
ترى أنهم يقولون بطون الدماغ وعنوا بها تجاويف الدماغ فكذا هاهنا :
« يَخْرُجُ
مِنْ بُطُونِها » أي أفواهها وأما على قول أهل الظاهر وهو أن النحل تأكل
الأوراق والثمرات ثم تقيء فذلك هو العسل فالكلام ظاهر ثم وصف العسل بكونه شرابا
لأنه تارة يشرب وحده وتارة يتخذ منه الأشربة وبأنه مختلف ألوانه والمقصود منه
إبطال القول بالطبع لهذا الجسم مع كونه متشابه الطبيعة لما حدث على ألوان مختلفة
دل ذلك على حدوث تلك الألوان بتدبير الفاعل المختار لا لأجل
__________________
إيجاب الطبيعة
وبأن فيه شفاء للناس وفيه قولان الأول وهو الصحيح أنه صفة للعسل.
فإن قالوا كيف
يكون شفاء للناس وهو يضر بالصفراء ويهيج المرار قلنا إنه تعالى لم يقل إنه شفاء
لكل الناس ولكل داء وفي كل حال بل لما كان شفاء في الجملة إنه قل معجون من
المعاجين إلا وتمامه وكماله يحصل بالعجن بالعسل وأيضا فالأشربة المتخذة منه في
الأمراض البلغمية عظيمة النفع.
والقول الثاني :
وهو قول مجاهد إن المراد أن القرآن : « فِيهِ شِفاءٌ
لِلنَّاسِ » وعلى هذا التقدير فقصة تولد العسل من النحل تمت عند قوله :
«
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ » ثم ابتدأ وقال : « فِيهِ شِفاءٌ
لِلنَّاسِ » أي في هذا القرآن حصل ما هو شفاء للناس من الكفر والبدعة
مثل هذا الذي مر في قصة النحل وعن ابن مسعود أن العسل شفاء من كل داء والقرآن فيه :
« شِفاءٌ
لِما فِي الصُّدُورِ » واعلم أن هذا القول ضعيف من وجهين الأول أن الضمير يجب
عوده إلى أقرب المذكورات وما ذاك إلا قوله :
« شَرابٌ
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ » وأما الحكم بعوده إلى القرآن مع أنه غير مذكور فيما سبق
فهو غير مناسب الثاني ما روى أبو سعيد الخدري أنه جاء رجل إلى النبي
صلىاللهعليهوآله
وقال إن أخي يشتكي بطنه
فقال اسقه عسلا فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فلم تغن عنه فقال
عليهالسلام
اذهب فاسقه عسلا وقال صدق
الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرأ كأنما نشط من عقال.
وحملوا قوله صدق الله
على قوله تعالى : « فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ » وذلك أنما يصح لو كان هذا صفة للعسل فإن قال قائل فما
المراد من قوله عليهالسلام
صدق الله وكذب بطن أخيك
قلنا العلة أنه عليهالسلام
علم بنور الوحي أن ذلك
العسل سيظهر نفعه بعد ذلك فلما لم يظهر في الحال مع أنه
عليهالسلام
كان عالما بأنه سيظهر
نفعه بعد ذلك كان هذا جاريا مجرى الكذب فلهذا السبب أطلق عليه هذا اللفظ انتهى .
__________________
وآيات النمل قد مر
تفسيرها وتدل على شرافة في الجملة للنملة وعلى بعض ما سيأتي ذكره وكذا آيات الهدهد
تدل على كرامته وبعض ما سيأتي من أحواله وقد مضت قصته وسيأتي بعضها.
وقال الدميري في
حياة الحيوان النحل ذباب العسل وقد تقدم أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : الذباب كله في
النار إلا النحل.
وواحدة النحل نحلة
وقرأ يحيى بن وثاب : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » بفتح الحاء والجمهور بالإسكان قال الزجاج في تفسير سورة
النساء سميت نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج منها إذ النحلة العطية
وكفاها شرفا قول الله عز وجل : « وَأَوْحى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ » فأوحى الله سبحانه وتعالى إليها فأثنى عليها فعلمت مساقط
الأنوار من وراء البيداء فتقع هناك على كل نورة عبقة وزهرة أنقة ثم تصدر عنها بما
تحفظه رضابا وتلفظه شرابا .
قال في عجائب
المخلوقات يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة إذ أوحى الله تعالى فيه إلى النحل صنعة
العسل فبين سبحانه أن في النحل أعظم اعتبار وهو حيوان فهيم ذو كيس وشجاعة ونظر في
العواقب ومعرفة بفصول السنة وأوقات المطر وتدبير المراتع والمطاعم والطاعة لكبيره
والاستكانة لأميره وقائده وبديع الصنعة وعجيب الفطرة. قال أرسطو النحل تسعة أصناف
منها ستة يأوي بعضها إلى بعض وغذاؤها من الفضول الحلوة والرطوبات التي ترشح بها الزهر
والورق ويجمع ذلك كله ويدخره وهو العسل وأوعيته ويجمع مع ذلك رطوبات دسمة يتخذ
منها بيوت العسل وهي الشمع وهو يلقطها بخرطومه ويحملها على فخذيه وينقلها من فخذيه
إلى صلبه هكذا.
قال والقرآن يدل
على أنها ترعى الزهر فيستحيل في جوفها عسلا وتلقيه
__________________
من أفواهها فيجمع
منه القناطير المقنطرة قال تعالى : « ثُمَّ كُلِي مِنْ
كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها
شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ » وقوله : « مِنْ كُلِّ
الثَّمَراتِ » المراد به بعضها نظيره قوله :
«
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » يريد به البعض واختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل
وقد يختلف طعمه لاختلاف المرعى ومن هذا المعنى قول زينب للنبي
صلىاللهعليهوآله
جرست نحلة العرفط حين
شبهت رائحته برائحة المغافير والحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما.
ومن شأنه في تدبير
معاشه أنه إذا أصاب موضعا نقيا بنى فيه بيتا من الشمع ثم يبني البيوت التي يأوي
فيها الملوك ثم بيوت الذكور التي لا تعمل فيها شيئا والذكور أصغر
جرما من الإناث وهي تكثر المادة داخل الخلية وهي إذا طارت تخرج بأجمعها وترتفع في
الهواء ثم تعود إلى الخلية والنحل تعمل الشمع أولا ثم تلقي البزر لأنه له بمنزلة
العش للطائر فإذا ألقته قعدت وتحضنه كما تحضن الطير فيتكون من ذلك
البزر دود ثم تنهض الدود فتغذى أنفسها ثم تطير والنحل لا يقعد على أزهار مختلفة بل على زهر واحد
وتملأ بعض البيوت عسلا وبعضها فراخا ومن عادتها أنها إذا رأت فسادا من ملك إما أن
تعزله أو تقتله وأكثر ما تقتل خارج الخلية والملوك لا تخرج إلا مع جميع النحل
والملك إذا عجز عن الطيران حملته وسيأتي بيان هذا في أواخر الكتاب في لفظ اليعسوب
ومن خصائص الملك أنه ليس له حمة يلسع بها وأفضل ملوكها الشقر وأسوؤها الرقط بسواد
والنحل تجتمع فتقتسم الأعمال فبعضها يعمل الشمع وبعضها يعمل العسل وبعضها يسقي
الماء وبعضها يبني البيوت وبيوتها من أعجب الأشياء لأنها مبنية على الشكل المسدس
الذي
__________________
لا ينخرق كأنه استنبط
بقياس هندسي ثم هو في دائرة مسدسة لا يوجد فيها اختلاف فبذلك اتصلت حتى صارت
كالقطعة الواحدة وذلك لأن الأشكال من الثلاث إلى العشر إذا جمع كل واحد منها إلى
أمثاله لم يتصل وجاءت بينها خروج إلا الشكل المسدس فإنه إذا اجتمع إلى أمثاله اتصل
كأنه قطعة واحدة وكل هذا بغير مقياس ولا آلة ولا فكرة بل ذلك من أثر
صنع اللطيف الخبير وإلهامه إياها كما قال تعالى :
« وَأَوْحى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ » الآية.
فتأمل كمال طاعتها
وحسن امتثالها لأمر ربها كيف اتخذت بيوتا في هذه الأمكنة الثلاثة الجبال والشجر
وبيوت الناس حيث يعرشون أي حيث يبنون العروش فلا ترى للنحل بيتا في غير هذه
الثلاثة البتة وتأمل كيف كانت أكثر بيوتها في الجبال وهي المتقدمة في الآية ثم
الأشجار وهي دون ذلك ثم فيما يعرش الناس وهي أقل بيوتها فانظر كيف أداها حسن
الامتثال إلى أن اتخذت البيوت قبل المرعى وهي تتخذها أولا فإذا استقر لها بيت خرجت
عنه فرعت وأكلت من كل الثمرات ثم آوت إلى بيوتها لأن ربها سبحانه وتعالى أمرها
باتخاذ البيوت أولا ثم بالأكل بعد ذلك.
قال في الإحياء
انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتا وكيف استخرج من
لعابها الشمع والعسل وجعل أحدهما ضياء والآخر شفاء ثم لو تأملت عجائب أمرها في
تناولها الأزهار والأنوار واحترازها من النجاسات والأقذار وطاعتها لواحد من جملتها
وهو أكثرها شخصا وهو أميرها ثم ما سخر الله سبحانه وتعالى أميرها من العدل
والإنصاف بينها حتى أنه ليقتل على باب المنفذ كل
__________________
ما وقع منها على
نجاسة لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيرا على نفسك وفارغا من هم
بطنك وفرجك وشهوات نفسك في معاداة أقرانك وموالاة إخوانك ثم دع عنك جميع ذلك فانظر
إلى بنيانها بيتها من الشمع واختيارها من جميع الأشكال المسدس فلا تبني بيتها
مستديرا ولا مربعا ولا مخمسا بل مسدسا لخاصية في الشكل المسدس يقصر فيه فهم
المهندس وهو أن أوسع الأشكال وأحواها المسدس وما يقرب منه فإن
المربع يخرج منه زوايا ضائعة وشكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا يبقى
الزوايا فارغة ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة فإن الأشكال
المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصة ولا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب في
الاحتواء من المستدير ثم تتراص الجملة بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس
وهذه خاصية هذا الشكل فانظر كيف ألهم الله تعالى النحل على صغر جرمه ذلك لطفا به
وعناية بوجوده فيما هو المحتاج إليه ليتهيأ عيشه فسبحانه ما أعظم
شأنه وأوسع لطفه وامتنانه.
وفي طبعه أنه يهرب
بعضه عن بعض ويقاتل بعضه بعضا في الخلايا ويلسع من دنا من الخلية وربما هلك
الملسوع وإذا هلك منها شيء داخل الخلايا أخرجته الأحياء إلى الخارج وفي طبعه أيضا
النظافة فلذلك يخرج رجيعه من الخلية لأنه منتن الريح وهو يعمل زماني الربيع
والخريف والذي يعمله في الربيع أجود والصغير أعمل من الكبير وهو يشرب من الماء
ما كان عذبا صافيا يطلبه حيث كان ولا يأكل من العسل إلا قدر شبعه وإذا قل العسل في
الخلية قذفه بالماء ليكثر خوفا على نفسه من نفاده لأنه إذا نفد أفسد النحل بيوت
الملوك وبيوت الذكور وربما قتلت ما كان منها هناك.
__________________
قال حكيم من
اليونانيين لتلامذته كونوا كالنحل في الخلايا قالوا وكيف النحل قال إنها لا تترك
عندها بطالا إلا أبعدته وأقصته عن الخلية لأنه يضيق المكان ويفني العسل ويعلم
النشيط الكسل.
والنحل يسلخ جلده
كالحيات وتوافقه الأصوات اللذيذة المطربة ويضره السوس ودواؤه أن يطرح في كل خلية
كف ملح وأن يفتح في كل شهر مرة ويدخن بأخثاء البقر.
وفي طبعه أنه متى
طار عن الخلية يرعى ثم يعود فتعود كل نحلة إلى مكانها لا تخطئه وأهل مصر يحولون
أبواب الخلايا في السفن ويسافرون بها إلى المواضع الزهر والشجر فإذا اجتمع في
المرعى فتحت أبواب الخلايا فتخرج النحل منها ويرعى يومه أجمع فإذا أمسى عاد إلى
السفينة وأخذت كل نحلة مكانها من الخلية لا تتخطاه .
وروى أحمد وابن
أبي شيبة والطبراني أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتضع طيبا وقعت فلم تكسر
ولم تفسد.
وفي شعب البيهقي
عن مجاهد قال صاحبت عمر من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إلا هذا الحديث إن مثل
المؤمن كمثل النحلة إن صاحبته نفعك وإن شاورته نفعك وإن جالسته نفعك وكل شأنه
منافع وكذلك النحلة كل شأنها منافع.
قال ابن الأثير
وجه المشابهة بين المؤمن والنحلة حذق النحل وفطنته وقلة أذاه وحقارته ومنفعته
وقنوعه وسعيه في النهار وتنزهه عن الأقذار وطيب أكله وأنه لا يأكل من كسب غيره
ونحوله وطاعته لأميره وللنحل آفات تقطعه عن عمله منها الظلمة والغيم والريح والدخان والماء
والنار وكذلك المؤمن له آفات
__________________
تفتره عن عمله
منها ظلمة الغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام وماء السعة ونار الهوى.
وفي مستدرك
الدارمي عن علي بن أبي طالب عليهالسلام أنه قال : كونوا في الناس كالنحلة في الطير إنه ليس في
الطير إلا وهو يستضعفها ولو تعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها
وخالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما
اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب.
وفيه أيضا عن ابن
عباس أنه سأل كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
في التوراة فقال كعب نجده
محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله
يولد بمكة ويهاجر إلى
طيبة ويكون ملكه بالشام ليس بفحاش ولا صخاب في الأسواق ولا يكافئ السيئة بالسيئة
ولكن يعفو ويصفح أمته الحامدون يحمدون الله تعالى في كل سراء وضراء يوضئون أطرافهم
ويأتزرون في أوساطهم يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي
النحل يسمع مناديهم في جو السماء.
وذكر ابن خلكان في
ترجمة عبد المؤمن بن علي ملك المغرب أن أباه كان يعمل الطين فخارا وأنه كان في
صغره نائما في دار أبيه وأبوه يعمل الطين فسمع أبوه دويا في السماء فرفع رأسه فرأى
سحابة سوداء من النحل قد هوت مطبقة على الدار فاجتمعت كلها على ولده وهو نائم
فغطته وأقامت عليه مدة ثم ارتفعت عنه وما تألم منها وكان بالقرب منه رجل يعرف
الزجر فأخبره أبوه بذلك فقال يوشك أن يجتمع على ولدك أهل المغرب فكان كذلك وكان
من أمر ولده ما اشتهر من ملك المغرب الأعلى والأدنى.
وجمهور الناس على
أن العسل يخرج من أفواه النحل وروي عن علي بن أبي طالب
عليهالسلام
أنه قال تحقيرا للدنيا
أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة وأشرف
__________________
شرابه فيها رجيع
نحلة.
وظاهر هذا أنه من
غير الفم كذا نقله عنه ابن عطية والمعروف أنه قال : إنما الدنيا ستة أشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب
ومنكوح ومشموم فأشرف المطعوم العسل وهو مذقة ذباب وأشرف المشروب الماء ويستوي فيه
البر والفاجر وأشرف الملبوس الحرير وهو نسج دودة وأشرف المركوب الفرس وعليه تقتل
الرجال وأشرف المنكوح المرأة وهو مبال في مبال وأشرف المشموم المسك وهو دم حيوان.
والتحقيق أن العسل
يخرج من بطونها لكن لا ندري أمن فمها أم من غيره ولا يتم صلاحه إلا بحمو أنفاسها وقد صنع
أرسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع فأبت أن تعمل حتى لطخته من باطن
الزجاج بالطين كذا قاله الغزنوي وغيره وروينا في تفسير الكواشي الأوسط أن العسل
ينزل من السماء فينبت في أماكن من الأرض فيأتي النحل فيشربه ثم يأتي الخلية فيلقيه
في الشمع المهيإ للعسل في الخلية لا كما يتوهمه بعض الناس من أن العسل من فضلات
الغذاء وأنه قد استحال في المعدة عسلا هذه عبارته والله أعلم .
توضيح : عبق به
الطيب لصق والرضاب كغراب الريق المرشوف جرست أي أكلت والجرس اللحس باللسان والعرفط
شجر الطلح وله صمغ كريه الرائحة والخلي ما تعسل فيه النحل والسوس دود يقع في الصوت
والأخثاء جمع الخثي بالكسر وهو فضلة البقر.
١ ـ تفسير علي بن
إبراهيم : قال الصادق عليهالسلام
إن لله واديا ينبت الذهب
والفضة وقد حماه الله بأضعف خلقه وهو النمل لو رامته البخاتي ما قدرت عليه .
٢ ـ حياة الحيوان :
النمل معروف الواحدة نملة والجمع نمال وأرض نملة
__________________
ذات نمل وطعام
منمول أصابه النمل والنملة بالضم النميمة يقال رجل نمل أي نمام وما أحسن قول
الأول :
اقنع فما تبقى بلا بلغة
|
|
فليس ينسى ربنا
النملة
|
إن أقبل الدهر
فقم قائما
|
|
وإن تولى مدبرا
فنم له
|
وسميت نملة
لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها والنمل لا يتزاوج ولا يتلاقح إنما يسقط منه
شيء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظا ثم يتكون منه والبيض كله بالضاد المعجمة
إلا بيض النمل فإنه بالظاء المشالة والنمل عظيم الحيلة في طلب الرزق فإذا وجد شيئا
أنذر الباقين يأتون إليه وقيل إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها ومن طبعه أنه يحتكر في زمن الصيف
لزمن الشتاء وله في الاحتكار من الحيل ما أنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمته
نصفين ما خلا الكسفرة فإنه يقسمها أرباعا لما ألهم أن كل نصف منها ينبت وإذا خاف
العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره وأكثر ما يفعل ذلك ليلا في ضوء القمر
ويقال إن حياته ليست من قبل ما يأكله ولا قوامه وذلك أنه ليس له جوف ينفذ
فيه الطعام ولكنه مقطوع نصفين وإنما قوته إذا قطع الحب في استنشاق ريحه فقط وذلك
يكفيه وقد روي عن سفيان بن عيينة أنه قال ليس شيء يخبأ قوته إلا الإنسان
والعقعق والنمل والفأر وبه جزم في الإحياء في باب التوكل وعن بعضهم أن البلبل
يحتكر
__________________
ويقال إن للعقعق
مخابي إلا أنه ينساها والنمل شديد الشم ومن أسباب هلاكه نبات أجنحته فإذا صار
النمل كذلك أخصبت العصافير لأنها تصيدها في حال طيرانها وقد أشار إلى ذلك أبو
العتاهية بقوله :
وإذا استوت
للنمل أجنحة
|
|
حتى تطير فقد
دنا عطبه
|
وكان الرشيد يتمثل
بذلك كثيرا عند نكبة البرامكة وهو يحفر قرية بقوائمه وهي ست فإذا حفرها جعل فيها
تعاويج لئلا يجري إليها ماء المطر وربما اتخذ قرية فوق قرية بسبب ذلك وإنما يفعل
ذلك خوفا على ما يدخره من البلبل قال البيهقي في الشعب وكان عدي بن حاتم الطائي
يفت الخبز للنمل ويقول إنهن جارات ولهن علينا حق الجوار وسيأتي في الوحش عن الفتح
بن خرشف الزاهد أنه كان يفت الخبز لهن في كل يوم فإذا كان يوم عاشوراء لم تأكله
وليس في الحيوان ما يحمل ضعف بدنه مرارا غيره على أنه لا يرضى بأضعاف الأضعاف حتى
أنه تتكلف حمل نوى التمر وهو لا ينتفع به وإنما يحمله على حمله الحرص
والشره وهو يجمع غذاء سنين لو عاش ولا يكون عمره أكثر من سنة ومن عجائبه اتخاذ
القرية تحت الأرض وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات معلقات يملؤها حبوبا وذخائر
للشتاء ومنها ما يسمى الفارسي وهو من النمل بمنزلة الزنابير من النحل ومنها ما يسمى نمل
الأسد سمي بذلك لأن مقدمه يشبه وجه الأسد ومؤخره يشبه النمل وروى البخاري ومسلم
وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه قال : نزل نبي من
الأنبياء عليهالسلام
تحت شجرة فلذعته نملة
فأمر
__________________
بجهازه فأخرج من
تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار فأوحى الله تعالى إليه فهلا نملة واحدة.
قال أبو عبد الله
الترمذي في نوادر الأصول لم يعاتبه على تحريقها وإنما عاتبه لكونه أخذ البريء بغير البريء
وهذا النبي هو موسى بن عمران عليهالسلام وإنه قال يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم وفيهم الطائع وكأنه
أحب أن يريه ذلك من عنده فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها
وعنده قرية نمل فغلبه النوم فلما وجد لذة النوم لذعته نملة فدلكهن بقدمه فأهلكهن
وأحرق مسكنهن فأراه تعالى الآية في ذلك عبرة لما لذعته نملة كيف أصيب الباقون
بعقوبتها يريد أن ينبهه على أن العقوبة من الله تعالى تعم الطائع والعاصي فتصير
رحمة وطهارة وبركة على المطيع وشرا ونقمة وعدوانا على العاصي وعلى
هذا ليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل فإن من آذاك حل لك دفعه
عن نفسك ولا أحد من خلق الله تعالى أعظم حرمة من المؤمن وقد أبيح لك دفعه عن نفسك
بضرب أو قتل على ما له من المقدار فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت للمؤمن وسلط
عليها فإذا آذته أبيح له قتلها وقوله فهلا نملة واحدة دليل على أن الذي يؤذي يقتل
وكل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء ولم يخص تلك النملة التي لذعت
من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراد لقال فهلا نملتك التي لذعتك ولكن
قال فهلا نملة فكأن نملة تعم البريء والجاني وذلك ليعلم أنه أراد أن ينبهه لمسألة
ربه في عذاب أهل قرية فيهم المطيع والعاصي وقد قيل إن في شرع هذا النبي
عليهالسلام
كانت العقوبة للحيوان
بالتحريق جائزة فلذلك إنما عاتبه الله تعالى في إحراق الكثير لا في أصل
__________________
الإحراق ألا ترى
قوله فهلا نملة واحدة وهو بخلاف شرعنا فإن النبي
صلىاللهعليهوآله
قد نهى عن تعذيب الحيوان
بالنار وقال لا يعذب بالنار إلا الله تعالى.
فلا يجوز إحراق
الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوارثه الاقتصاص بالإحراق
للجاني وأما قتل النملة فمذهبنا لا يجوز لحديث ابن عباس أن النبي
صلىاللهعليهوآله
نهى عن قتل أربع من
الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد.
رواه أبو داود
بإسناد صحيح على شرط الشيخين والمراد النمل الكبير السليماني كما قاله الخطابي
والبغوي في شرح السنة أما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز وكره مالك قتل
النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل وأطلق ابن أبي زيد جواز قتل النمل
إذا آذت وقيل إنما عاتب الله تعالى هذا النبي لانتقامه لنفسه بإهلاك جمع آذاه واحد
منهم وكان الأولى به الصفح والصبر ولكن وقع للنبي
صلىاللهعليهوآله
أن هذا النوع مؤذ لبني
آدم وحرمة بني آدم أعظم من حرمة غيره من الحيوان فلو انفرد له هذا النظر ولم ينضم
إليه التشفي الطبيعي لم يعاتب فعوتب على التشفي بذلك والله أعلم وروى الطبراني في
معجمه الأوسط والدارقطني أنه قال : لما كلم الله موسى
عليهالسلام
كان يبصر دبيب النمل على
الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ.
وروى الترمذي
الحكيم في نوادره عن معقل بن يسار قال قال أبو بكر وشهد به على رسول الله
صلىاللهعليهوآله
قال : ذكر رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الشرك فقال هو أخفى فيكم
من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره تقول
اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقولها ثلاث
مرات.
وروى أيضا عن أبي
أمامة الباهلي قال : ذكر لرسول الله صلىاللهعليهوآله رجلان أحدهما
__________________
عابد والآخر عالم
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
فضل العالم على العابد
كفضلي على أدناكم ثم قال إن الله تعالى وملائكته وأهل الأرض حتى النملة في جحرها
وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير.
قال الترمذي حديث
حسن صحيح وسمعت أبا عثمان الحسين بن حريث الخزاعي يقول سمعت الفضيل بن عياض يقول
عالم معلم يدعى كبيرا في ملكوت السماوات.
وروي أن النملة
التي خاطبت سليمان عليهالسلام
أهدت إليه نبقة فوضعها
عليه الصلاة والسلام في كفه فقالت :
ألم ترنا نهدي
إلى الله ماله
|
|
وإن كان عنه ذا
غنى فهو قابله
|
ولو كان يهدى
للجليل بقدره
|
|
لقصر عنه البحر
حين يساحله
|
ولكننا نهدى إلى
من نحبه
|
|
فيرضى به عنا
ويشكر فاعله
|
وما ذاك إلا من
كريم فعاله
|
|
وإلا فما في
ملكنا ما يشاكله
|
فقال سليمان
عليهالسلام
بارك الله فيكم فهو بتلك
الدعوة أكثر خلق الله تعالى .
وروي أن رجلا
استوقف المأمون ليستمع منه فلم يقف له فقال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى استوقف
سليمان بن داود عليهالسلام
لنملة ليستمع منها وما
أنا عند الله تعالى بأحقر من نملة وما أنت عند الله بأعظم من سليمان
عليهالسلام
فقال المأمون صدقت ووقف
وسمع كلامه وقضى حاجته.
وقال فخر الدين
الرازي في تفسير قوله تعالى : « حَتَّى إِذا أَتَوْا
عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَساكِنَكُمْ » الآية وادي النمل بالشام كثير النمل فإن قيل لم أتى بعلى
قلت لوجهين أحدهما أن إتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء الثاني أنه يراد به
قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشيء إذا
__________________
بلغ آخره تكلمت
النملة بذلك وهذا غير مستبعد فإن حصول العلم والنطق لها ممكن في نفسه والله تعالى
قادر على الممكنات وحكي عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال سلوا عما
شئتم وكان أبو حنيفة حاضرا وهو يومئذ غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان
عليهالسلام
أكانت ذكرا أم أنثى فأفحم فقال أبو حنيفة
كانت أنثى فقيل له كيف عرفت ذلك قال من قوله تعالى :
« قالَتْ
نَمْلَةٌ » ولو كانت ذكرا لقال قال نملة لأن النمل مثل الحمامة والشاة
في وقوعها على الذكر والأنثى ورأيت في بعض الكتب المعتمدة أن تلك النملة إنما أمر
رعيتها بالدخول في مساكنهم لئلا ترى النعم فتقع في كفران نعم
الله تعالى عليها وفي هذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة روي أن سليمان
قال لها لم قلت للنمل ادخلوا مساكنكم أخفت عليها مني ظلما قالت لا ولكني خشيت أن
يفتنوا بما يروا من جمالك وزينتك فيشغلهم ذلك عن طاعة الله تعالى.
قال الثعلبي وغيره
إنها كانت مثل الذئب في العظم وكانت عرجاء ذات جناحين وذكر عن مقاتل أن سليمان
عليهالسلام
سمع كلامها من ثلاثة
أميال وقال بعض أهل العلم إنها تكلمت لعشرة أنواع من البديع قولها :
« يا » نادت : « أَيُّهَا » نبهت : « النَّمْلِ » سمت : « ادْخُلُوا » أمرت : « مَساكِنَكُمْ » نعتت : « لا يَحْطِمَنَّكُمْ » حذرت : « سُلَيْمانُ » خصت : « وَجُنُودُهُ » عمت : « وَهُمْ » أشارت : « لا يَشْعُرُونَ » اعتذرت والمشهور أنه النمل الصغار واختلف في اسمها فقيل
كان اسمها طاغية وقيل كان اسمها خرمى قيل كان نمل الوادي كالذئاب قيل
كالبخاتي
__________________
وروى الدارقطني
والحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : لا تقتلوا النملة فإن سليمان
عليهالسلام
خرج ذات يوم يستسقي فإذا
هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها تقول اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى لنا
عن فضلك اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادك الخاطئين واسقنا مطرا تنبت لنا به شجرا
وتطعمنا به ثمرا فقال سليمان عليهالسلام لقومه ارجعوا فقد كفينا وسقيتم بغيركم
٣ ـ الكافي ، عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : كل ما خاف المحرم
على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله فإن لم يردك فلا ترده .
٤ ـ ومنه : عن علي
عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير وصفوان عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا أحرمت فاتق الله قتل الدواب كلها إلا الأفعى
والعقرب والفأرة فإنها توهي السقاء وتخرق على أهل البيت وأما العقرب فالنبي
صلىاللهعليهوآله
مد يده إلى الحجر فلسعته
عقرب فقال لعنك الله لا برا تدعين ولا فاجرا والحية إذا أرادتك فاقتلها فإن لم
تردك فلا تردها والكلب العقور والسبع إذا أراداك فإن لم يريداك
فلا تردهما والأسود الغدر فاقتله على كل حال وارم الغراب رميا والحدأة على ظهر
بعيرك .
بيان : قوله
عليهالسلام
توهي السقاء الوهي الشق
في الشيء وتخرقه استرخاء رباطه أي تشق القربة أو تأكل رباطها فيهراق ماؤها وتحرق
على أهل البيت لأنها أجر الفتيلة فتحرق ما في البيت وفي القاموس الأسود الحية
العظيمة والأسودان الحية والعقرب والوصف بالغدر كأنه لغدره وأخذه بغتة وقال صاحب
المنتقى قال في القاموس غدر الليل كفرح الظلم فهي غدرة كفرحة فكأنه استعير منه
__________________
الغدر لشديد
السواد من الحية والسبع تعميم بعد التخصيص أو أراد به أكمل أفراده وهو الأسد وقيل
المراد به الذئب.
٥ ـ قرب الإسناد :
عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي
عليهالسلام
قال : يقتل المحرم ما عدا
عليه من سبع أو غيره ويقتل الزنبور والعقرب والحية والنسر والذئب والأسد وما خاف
أن يعدو عليه من السباع والكلب العقور .
٦ ـ الكافي : عن
علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : يقتل في الحرم
والإحرام الأفعى والأسود الغدر وكل حية سوء والعقرب والفأرة وهي الفويسقة وترجم
الغراب والحدأة رجما فإن عرض لك لصوص امتنعت منهم .
٧ ـ ومنه : عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي
عبد الله عن أبيه
عليهالسلام
قال : يقتل المحرم
الزنبور والنسر والأسود الغدر والذئب وما خاف أن يعدو عليه وقال الكلب العقور هو
الذئب .
بيان : كأنه تفسير
الكلب العقور الذي وقع في كلام النبي صلىاللهعليهوآله وستأتي الأخبار فيما رخص في قتله وما لم يرخص فيه في كتاب
الحج إن شاء الله تعالى.
وقال الدميري
الأفعى الأنثى من الحيات والذكر الأفعوان بضم الهمزة والعين قال الزبيدي الأفعى
حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس وربما كانت ذات قرنين ومن عجائب أمرها ما حكاه
ابن شبرمة أن أفعى نهشت غلاما في رجله فانصدعت جبهته.
وقال القزويني هي
حية قصيرة الذنب من أخبث الحيات إذا فقئت عينها
__________________
تعود ولا تغمض
حدقتها البتة تختفي في التراب أربعة أشهر في البرد ثم تخرج وقد أظلمت عيناها فتقصد
شجر الرازيانج فتحك عينها به فترجع إليها ضوء.
وقال الزمخشري
يحكى أن الأفعى إذ أتت عليها ألف سنة عميت وقد ألهمها الله تعالى أن تمسح العين بورق الرازيانج
الرطب يرد إليها بصرها فربما كانت في برية وبينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوي تلك
المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا
تخطئها فتحك بها عينها فترجع باصرة بإذن الله تعالى.
وإذا قطع ذنبها
عاد كما كان وإذا قلع نابها طلع بعد ثلاثة أيام وإن شجت تبقى تتحرك ثلاثة
أيام وهي أعدى عدو للإنسان وبقر الوحش يأكلها أكلا ذريعا وإذا مرضت أكلت
ورق الزيتون فتشفي ومن الأفاعي ما تتسافد بأفواهها وإذا وطئ الذكر الأنثى وقع
مغشيا عليه فتعمد الأنثى إلى موضع مذاكيره فتقطعها نهشا فيموت من ساعته .
وقال الأسود
السالخ نوع من الأفعوان شديد السواد سمي بذلك لأنه يسلخ جلده كل عام وفي الصحيحين
أن النبي صلىاللهعليهوآله
أمر بقتل الأسودين في
الصلاة العقرب والحية .
__________________
وروى البيهقي عن
ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا أراد الحاجة أبعد فذهب يوما فقعد تحت شجرة فنزع خفيه
قال ولبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء فانسلت منه أسود
سالخ فقال النبي صلىاللهعليهوآله
هذه كرامة أكرمني الله
تعالى بها اللهم إني أعوذ بك من شر : « مَنْ يَمْشِي عَلى
رِجْلَيْنِ » ومن شر : « مَنْ يَمْشِي عَلى
أَرْبَعٍ » ومن شر : « مَنْ يَمْشِي عَلى
بَطْنِهِ » .
وقال العقرب دويبة
من الهوام تكون للذكر والأنثى بلفظ واحد واحدة العقارب وقد يقال للأنثى عقربة
وعقرباء ممدودا ومنها السود والخضر والصفر وهن قواتل وأشدها بلاء الخضر
وهي مائية الطباع كثيرة الولد وعامة هذا النوع إذا حملت الأنثى منه يكون حتفها في
ولادتها لأن أولادها إذا استوى خلقها يأكلون بطنها ويخرجون فتموت الأم
والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول قد أخبرني من أثق به أنه رأى العقرب تلد من فيها
وتحمل أولادها على ظهرها وهي على قدر القمل كثيرة العدد والذي ذهب إليه الجاحظ هو
الصواب والعقرب أشر ما تكون إذا كانت حاملا ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها ومن
عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا النائم حتى يتحرك بشيء من بدنه فإنها عند ذلك
تضربه وهي تأوي إلى الخنافس وتسالمها وربما لسعت الأفعى فتموت وهي تلسع بعضها بعضا
فتموت قاله الجاحظ.
ومن شأنها أنها
إذا لسعت الإنسان فرت فرار من يخشى العقاب ومن لطيف أمرها أنها مع صغرها تقتل الفيل والبعير بلسعها
ومن نوع العقارب الطيارة قالوا
__________________
وهذا النوع يقتل
غالبا وقيل يصح بيع النمل بنصيبين لأنه تعالج به العقارب الطيارة .
وروي عن عائشة
قالت دخل علي بن أبي طالب عليهالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يصلي فقام إلى جنبه يصلي بصلاته فجاءت عقرب حتى انتهت
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم تركته وذهبت نحو علي
عليهالسلام
فضربها بنعله حتى قتلها فلم ير رسول الله
صلىاللهعليهوآله
بقتلها بأسا.
وروى ابن ماجه عن
ابن رافع أن النبي صلىاللهعليهوآله
قتل عقربا وهو يصلي.
وفيه عن عائشة
قالت لذعت النبي صلىاللهعليهوآله
عقرب وهو في الصلاة فقال
لعن الله العقرب ما تدع مصليا ولا غير المصلي اقتلوها في الحل والحرم.
وروى أبو نعيم
والمستغفري والبيهقي عن علي عليهالسلام أنه قال : لذعت النبي
صلىاللهعليهوآله
عقرب وهو في الصلاة فلما
فرغ قال لعن الله العقرب ما تدع مصليا ولا نبيا ولا غيره إلا لذعته وتناول نعله
فقتلها بها ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين .
وقال الغراب معروف
سمي بذلك لسواده وهو أصناف الغداف والزاغ والأكحل وغراب الزرع والأورق وهذا الصنف
يحكي جميع ما يسمعه والغراب الأعصم عزيز الوجود قالت العرب أعز من الغراب الأعصم ،
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
مثل المرأة الصالحة في
النساء كمثل الغراب الأعصم في مائة غراب.
__________________
وفي رواية قيل يا
رسول الله وما الغراب الأعصم قال الذي إحدى رجليه بيضاء.
وقال في الإحياء
الأعصم أبيض البطن وقيل أبيض الجناحين وقيل أبيض الرجلين.
وغراب الليل قال
الجاحظ هو غراب ترك أخلاق الغراب وتشبه بأخلاق البوم فهو من طير الليل.
وقال أرسطاطاليس
الغربان أربعة أجناس أسود حالك وأبلق ومطرف ببياض لطيف الجرم يأكل الحب وأسود
طاوسي براق الريش ورجلاه كلون المرجان يعرف بالزاغ.
قال صاحب المنطق
الغراب من لئام الطير وليس من كرامها ولا من أحرارها ومن شأنه أكل الجيف والقمامات
وهو أما حالك السواد شديد الاحتراق ويكون مثله في الناس الزنج فإنهم شرار الخلق
تركيبا ومزاجا والغراب الأبقع أكثر معرفة منه وغراب البين الأبقع قال الجوهري وهو الذي فيه سواد وبياض.
وقال صاحب المنطق
الغربان من الأجناس التي أمر بقتلها في الحل والحرم من الفواسق اشتق لها ذلك الاسم
من اسم إبليس لما يتعاطاه من الفساد الذي هو من شأن إبليس واشتق ذلك أيضا لكل
شيء اشتد أذاه وأصل الفسق الخروج عن الشيء وفي الشرع الخروج عن الطاعة.
وقال الجاحظ غراب
البين نوعان غراب صغير معروف باللؤم والضعف و
__________________
أما الآخر فإنه
ينزل في دور الناس ويقع على مواضع إقامتهم إذا ارتحلوا عنها وبانوا فلما كان هذا
الغراب لا يوجد إلا عند مباينتهم عن منازلهم اشتقوا له هذا الاسم من البينونة.
وقال المقدسي هو
غراب أسود ينوح نوح الحزين المصاب وينعق ببين الخلان والأحباب إذا رأى شملا مجتمعا
أنذر بشتاته وإن شاهد ربعا عامرا بشر بخرابه ودرس عرصاته يعرف النازل والساكن
بخراب الدور والمساكن ويحذر الآكل غصة المآكل ويبشر الراحل بقرب المراحل ينعق بصوت فيه تحزين
كما يصيح المعلن بالتأذين
وفي سنن أبي داود
والنسائي وابن ماجه أن النبي صلىاللهعليهوآله نهى المصلي عن نقرة الغراب وافتراش السبع .
يريد بنقرة الغراب
تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيها إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.
وروى الدارقطني عن
ابن أمامة قال : دعا النبي صلىاللهعليهوآله بخفيه ليلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر ورمى
به فخرجت منه حية فقال النبي صلىاللهعليهوآله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما .
وفي طبع الغراب
كله الاستتار عند السفاد وهو يسفد مواجهة ولا يعود إلى الأنثى بعد ذلك لقلة وفائه
والأنثى تبيض أربع بيضات أو خمس وإذا
__________________
خرجت الفراخ من
البيض طردتها لأنها تخرج قبيحة المنظر جدا إذ تكون صغار الأجرام عظام الرءوس
والمناقير جرد اللون متفاوتات الأعضاء فالأبوان ينكران الفراخ ويطيران لذلك
ويتركانه فيجعل الله قوته في الذباب والبعوض الكائن في عشه إلى أن
يقوى وينبت ريشه فيعود إليه أبواه وعلى الأنثى الحضن والذكر أن يأتيها
بالطعم وفي طبعه أنه لا يتعاطى الصيد بل إن وجد جيفة أكلها وإلا مات جوعا أو
يتقمقم كما يتقمقم صغار الطير وفيه حذر شديد وتنافر والغداف يقاتل البوم ويخطف
بيضها ويأكله ومن عجيب أمره أن الإنسان إذا أراد أن يأخذ فراخه تحتمل الأنثى والذكر في
أرجلهما حجارة ويتحلقان في الجو ويطرحان الحجارة عليه يريدان بذلك دفعه والعرب
تتشأم بالغراب وغراب البين الأبقع وهو الذي فيه سواد وبياض وقال صاحب المجالسة سمي
بذلك لأنه بان عن نوح عليهالسلام
لما وجهه لينظر إلى الماء
فذهب ولم يرجع ولذلك تشأموا به وذكر ابن قتيبة أنه سمي فاسقا لذلك أيضا . ويقال إذا صاح
الغراب مرتين فهو شر وإذا صاح ثلاث مرات فهو خير على قدر عدد الحروف .
وكان ابن عباس إذا
نعق الغراب يقول اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك.
ويقال إن الغراب
يبصر من تحت الأرض بقدرة منقاره وروي أن قابيل حمل أخاه ومشى به حتى أروح فلم يدر
ما يصنع به فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر
__________________
ثم بحث في الأرض
بمنقاره ودفن أخاه فاقتدى به قابيل فلما رجع آدم من مكة قال أين هابيل قال لا أدري
فقال اللهم العن أرضا شربت دمه فمن ذلك الوقت ما شربت الأرض دما .
قال مقاتل وكان
قبل ذلك السباع والطيور تستأنس بآدم فلما قتل قابيل هابيل هربت منه الطير والوحش
وشاكت الأشجار وحمضت الفواكه وملحت المياه واغبرت الأرض .
ويحرم أكل الغراب
الأبقع الفاسق وأما الأسود الكبير الجبلي فهو حرام أيضا على الأصح وغراب الزرع حلال على الأصح.
وفي صحيح البخاري
، عن ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : خمس من الدواب ليس
على قاتلهن جناح الغراب والحدأة والفأرة والحية والكلب العقور.
وفي سنن ابن ماجه قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
الحية فاسقة والفأرة
فاسقة والغراب فاسق .
وقال الفأر بالهمز
جمع فأرة وهي أصناف الجرذ والفأر المعروفان ومنها اليرابيع والزباب والخلد فالزباب
صم والخلد أعمى واليربوع وفأرة البيش وفأرة الإبل وفأرة المسك وذات النطاق فأما
فأرة البيت فهي الفويسقة التي أمر النبي صلىاللهعليهوآله بقتلها في الحل والحرم وإنما سميت فواسق لخبثهن وقيل
لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لهن بحال وقيل سميت بذلك لأنها عمدت
إلى حبال سفينة نوح فقطعتها.
__________________
وروى الطحاوي عن
يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة فويسقة قال استيقظ النبي
صلىاللهعليهوآله
ذات ليلة وقد أخذت فأرة
فتيلة السراج لتحرق على رسول الله صلىاللهعليهوآله البيت فقام صلىاللهعليهوآله إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم.
وروى الحاكم عن
عكرمة عن ابن عباس قال : جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فذهبت الجارية فزجرتها فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
دعيها فجاءت بها فألقتها
بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
على الخمرة التي كان
قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم فقال صلىاللهعليهوآله إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا
فتحرقكم.
والخمرة السجادة
التي يصلي عليها المصلي سميت بذلك لأنها تخمر الوجه أي تغطيه.
وفي صحيح مسلم
وغيره أن النبي صلىاللهعليهوآله
أمر بإطفاء النار عند
النوم وعلل ذلك بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم نارا.
والفأر نوعان
جرذان وفئران وكلاهما له حاسة السمع والبصر وليس في الحيوانات أفسد من الفأر ولا
أعظم أذى منه ومن شأنه أنه يأتي القارورة الضيقة الرأس فيحتال حتى يدخل فيها ذنبه
فكلما ابتل بالدهن أخرجه وامتصه حتى لا يدع فيها شيئا ولا يخفى ما بين الفأر والهر
من العداوة والسبب في ذلك أن نوحا عليهالسلام لما حمل في السفينة من كل زوجين اثنين شكا أهل السفينة
الفأرة وأنها تفسد طعامهم ومتاعهم فأوحى الله إلى الأسد فعطس فخرجت الهرة منه
فتخبأت الفأرة منها .
والزباب جمع
الزبابة بالفتح الفأرة البرية تسرق كل ما تحتاج إليه وتستغني
__________________
عنه وقيل هي فأرة
عمياء صماء ويشبه بها الرجل الجاهل .
والخلد بالضم وقد
يفتح ويكسر هي دويبة عمياء صماء لا تعرف ما بين يديها إلا بالشم وقيل فأر أعمى لا
يدرك إلا بالشم وقال أرسطو كل حيوان له عينان إلا الخلد وإنما خلق كذلك لأنها ترابي
جعل الله له الأرض كالماء للسمك وغذاؤه من بطنها وليس له في ظاهرها قوة ولا نشاط
ولما لم يكن له بصر عوضه الله تعالى حدة السمع فتدرك الوطء الخفي من مسافة بعيدة
فإذا أحس بذلك يختفي في الأرض وقيل إن سمعه مقدار بصر غيره .
واليربوع حيوان
طويل اليدين جدا وله ذنب كذنب الجرذ يرفعه صعدا لونه كلون الغزال وهو يسكن
بطن الأرض لتقوم رطوبتها له مقام الماء وهو يؤثر النسيم ويكره البخار أبدا يتخذ
حجرة في نشز من الأرض ثم يحفر بيته في مهب الرياح الأربع ويتخذ فيه كوى ويسمى
النافقاء والقاصعاء والراهطاء فإذا طلب من إحدى هذه الكوى نافق أي خرج من النافقاء
وإن طلب من النافقاء خرج من القاصعاء.
وظاهر بيته تراب
وباطنه حفر وكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر وبه سمي المنافق قال القزويني هو
من نوع الفأر وهو من الحيوان الذي له رئيس مطاع
__________________
ينقاد إليه وإذا
كان فيها يكون من بينها في مكان مشرف أو على صخرة ينظر إلى الطريق من كل ناحية فإن
رأى ما يخافه ضرب بأسنانه وصوت فإذا سمعته انصرفت إلى حجرتها فإن قصر الرئيس حتى
أدركهم أحد وصاد منهم شيئا اجتمعوا على الرئيس فقتلوه وولوا غيره وإذا خرجت لطلب
المعاش خرج الرئيس أولا يشرف فإن لم ير شيئا يخافه مر إليها يصوت ويضرب بأسنانه فتخرج
واليا .
وروى الزمخشري عن
سفيان بن عيينة أنه قال ليس من الحيوان شيء يخبأ قوته إلا الإنسان والنمل والفأر
والعقعق.
والعقعق طائر على
قدر الحمامة وعلى شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة وهو ذو لونين أبيض
وأسود طويل الذنب ويقال له القعقع أيضا وهو لا يأوي تحت السقف ولا يستظل به بل
يهيئ وكره في المواضع المشرفة وفي طبعه الزنا والخيانة ويوصف بالسرقة والخبث
والعرب تضرب به المثل في جميع ذلك .
وروى البخاري
ومسلم عن أبي هريرة قال إن النبي صلىاللهعليهوآله قال : فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا أراها
إلا الفأر ألا تراها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه وإذا وضع لها ألبان الشاة
شربته.
قال النووي وغيره
ومعنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها
فدل على أن امتناع الفأرة من لبن الإبل دون لبن الغنم على أنها مسخ من بني
إسرائيل.
وأما فأرة البيش
بالكسر وهو السم فدويبة تشبه الفأر وليست بفأرة ولكن هكذا تسمى وتكون في الرياض
والغياض وهي تتخللها طلبا لمنابت السموم لتأكلها ولا
__________________
تضرها وكثيرا ما
تطلب البيش.
وأما ذات النطاق
فهي فأرة منقطة ببياض وأعلاها أسود شبهوها بالمرأة ذات النطاق وهي التي تلبس
قميصتين ملونين وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل قاله القزويني أيضا.
وأما فأرة المسك
مهموزة كفأرة الحيوان قال ويجوز ترك الهمزة كما في نظائره وقال الجوهري وابن مكي
ليست مهموزة وهو شذوذ منهما قال الجاحظ فأرة المسك نوعان الأول منهما دويبة تكون
في بلاد التبت تصاد لنوافجها وسررها فإذا صيدت شدت بعصائب وهي متدلية فيجتمع فيها دمها
فإذا أحكم ذلك ذبحت وما أكثر من يأكلها عندنا فهي غير مهموزة لأنها من فار
يفور وهي النافجة كذا قاله القزويني وفي التحرير فارة المسك.
والثاني : جرذان
سود تكون في البيوت ليس عندها إلا تلك الرائحة اللازمة ورائحته كرائحة المسك إلا
أنه لا يوجد منه المسك وأما فأرة الإبل فقال في الصحاح هي أن يفوح منها رائحة طيبة
إذا رعت العشب وزهرة ثم شربت وصدرت عن الماء ففاحت منها رائحة طيبة
ويقال لتلك الرائحة فأرة الإبل ويحرم أكل جميع الفأر إلا اليربوع ويكره أكل سؤر
الفأر .
٨ ـ العياشي : عن
محمد بن يوسف عن أبيه قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله : « وَأَوْحى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ » قال إلهام .
__________________
٩ ـ الكافي ، عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان عن أبي الخطاب عن عبد صالح
عليهالسلام
قال : إن الناس أصابهم
قحط شديد على عهد سليمان بن داود عليهالسلام فشكوا ذلك إليه وطلبوا إليه أن يستسقي لهم قال فقال لهم إذا
صليت الغداة مضيت فلما صلى الغداة مضى ومضوا فلما أن كان في بعض الطريق إذا هو
بنملة رافعة يدها إلى السماء واضعة قدميها على الأرض وهي تقول اللهم إنا خلق من
خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم قال فقال سليمان
عليهالسلام
ارجعوا فقد سقيتم بغيركم
فسقوا في ذلك العام ولم يسقوا مثله قط .
١٠ ـ الخرائج : عن
سليمان الجعفري عن الرضا عليهالسلام
أن عصفورا وقع بين يديه
وجعل يصيح ويضطرب فقال أتدري ما يقول فقلت لا قال قال لي إن حية تريد أن تأكل
فراخي في البيت فقم وخذ تلك النسعة وادخل البيت واقتل الحية فقمت وأخذت النسعة ودخلت البيت
وإذا حية تجول في البيت فقتلتها .
١١ ـ الفقيه :
بإسناده عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن قتل الحيات قال اقتل كل شيء تجده في البرية إلا الجان
ونهى عن قتل عوامر البيوت قال لا تدعهن مخافة تبعاتهن فإن اليهود على عهد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قالت من قتل عامر بيت
أصابه كذا وكذا فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله من تركهن مخافة تبعاتهن فليس مني وإنما تتركها لأنها لا
تريدك وقال ربما قتلهن في بيوتهن .
بيان : قال
الدميري الجان حية بيضاء وقيل الحية الصغيرة وقال الجوهري حية بيضاء.
وقال الفيروزآبادي
حية أكحل العين لا تؤذي كثيرة في البيوت.
__________________
وفي النهاية في
حديث قتل الحيات إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا العوامر
الحيات التي تكون في البيوت واحدها عامر وعامرة قيل سميت عوامر لطول أعمارها .
١٢ ـ التهذيب :
بإسناده عن محمد بن أحمد عن محمد بن موسى السمان عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير
عن حماد عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أن يؤكل ما تحمله النملة
بفيها وقوائمها .
بيان : النهي على
المشهور محمول على الكراهة.
قال الدميري يكره
أكل ما حملت النملة بفيها وقوائمها لما روى الحافظ أبو نعيم في الطب النبوي عن
صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
نهى عن أن يؤكل ما حملته
النمل بفيها وقوائمها .
١٣ ـ البصائر : عن
أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عبد الله
بن فرقد قال : خرجنا مع أبي عبد الله عليهالسلام متوجهين إلى مكة حتى إذا كنا بسرف استقبله غراب ينعق في
وجهه فقال مت جوعا ما تعلم شيئا إلا ونحن نعلمه إلا أنا أعلم بالله منك فقلنا هل
كان في وجهه شيء قال نعم سقطت ناقة بعرفات .
دلائل الطبري : عن
علي بن هبة الله عن الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن البرقي عن النضر مثله .
__________________
بيان
: لعله كان متوجها إلى عرفات لأكل الناقة الميتة وكان جائعا
ولم يكن علمه من جهة المشاهدة بل بما أعطاه الله من العلم بجهة رزقه أو ببعض
الوقائع كما هو المشهور في الغراب.
١٤ ـ المكارم :
قال الصادق عليهالسلام
تعلموا من الغراب ثلاث
خصال استتاره بالسفاد وبكوره في طلب الرزق وحذره .
١٥ ـ الخصال :
بإسناده عن سفيان بن أبي ليلى أن ملك الروم سأل الحسن بن علي
عليهالسلام
عن سبعة أشياء خلقها الله
عز وجل لم تخرج من رحم فقال آدم وحواء وكبش إبراهيم وناقة صالح وحية الجنة والغراب
الذي بعثه الله يبحث في الأرض وإبليس لعنه الله .
١٦ ـ الفقيه : روي
من قتل وزغا فعليه الغسل وقال بعض مشايخنا إن العلة في ذلك أنه يخرج من ذنوبه
فيغتسل منها .
١٧ ـ حياة الحيوان
: في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل وزغة من أول
ضربة فله كذا وكذا من الحسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون
الأولى وفيه أيضا أن من قتلها في الأولى فله مائة حسنة وفي
الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك.
وروى الطبراني عن
ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : اقتلوا الوزغ ولو
في جوف الكعبة.
وفي حديث عائشة
أنه كان في بيتها رمح موضوع فقيل لها ما تصنعين بها فقالت نقتل به الوزغ فإن النبي
صلىاللهعليهوآله
أخبرنا أن إبراهيم
عليهالسلام
ألقي في النار
__________________
ولم تكن في الأرض
دابة إلا أطفأت عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ عليه فأمر عليهالسلام بقتل الوزغ.
وكذلك رواه أحمد
في مسنده.
وفي تاريخ ابن
النجار عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول من قتل وزغة محا الله عنه سبعة خطيئات.
وفي الكامل عن ابن
عباس أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل وزغة فكأنما
قتل شيطانا.
ثم قال وأما تقييد
الحسنات في الضربة الأولى بمائة وفي الثانية بسبعين كما هو في بعض الروايات فجوابه
أنه كقوله في صلاة الجماعة بسبع وعشرين وبخمس وعشرين إن مفهوم العدد لا يعمل به
فذكر السبعين لا يمنع المائة فلا تعارض بينهما أو لعله أخبرنا بالسبعين ثم تصدق
الله بالزيادة فأعلم به صلىاللهعليهوآله حين أوحي إليه بعد ذلك أو أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ
بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها فتكون المائة للكامل منهم والسبعون
لغيره وقال يحيى بن يعمر سبب كثرة الحسنات في المبادرة أن تكرر الضرب في قتلها يدل
على عدم الاهتمام بأمر صاحب الشرع إذ لو قوي عزمه واشتدت حميته لقتلها في المرة
الأولى لأنه حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة مئونة في الضرب فحيث لم يقتلها في المرة
الأولى دلت على ضعف عزمه ولذلك نقص أجره عن المائة إلى السبعين وعلل عز الدين بن
عبد السلام كثرة الحسنات في الأولى بأنه إحسان في
__________________
القتل فدخل في
قوله صلىاللهعليهوآله
إذا قتلتم فأحسنوا القتلة
ولأنه مبادرة إلى الخير فيدخل تحت قوله تعالى :
«
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ » وقال وعلى كل المعنيين فالحية والعقرب أولى بذلك لعظم مفسدتهما .
١٨ ـ قرب الإسناد
: عن علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : سألته عن قتل النملة قال لا تقتلها إلا أن تؤذيك
وسألته عن قتل الهدهد أيصلح قال لا تؤذيه ولا تقتله ولا تذبحه فنعم الطير هو .
١٩ ـ العيون :
والعلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن
محمد القاساني عن أبي أيوب المديني عن سليمان بن جعفر الجعفري عن الرضا عن أبيه عن
آبائه عن علي عليهالسلام
أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
نهى عن قتل خمسة الصرد
والصوام والهدهد والنحلة والنملة والضفدع وأمر بقتل خمسة الغراب والحدأة والحية
والعقرب والكلب العقور.
قال الصدوق هذا
أمر إطلاق ورخصة لا أمر وجوب وفرض .
بيان : يدل على
اتحاد الصرد والصوام كما يظهر من كلام الدميري وأكثر اللغويين لكن الفقهاء عدوهما
اثنين قال في القاموس الصرد بضم الصاد وفتح الراء طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير
وهو أول طائر صام لله تعالى والجمع صردان.
وقال في النهاية
فيه أنه نهى المحرم عن قتل الصرد وهو طائر ضخم الرأس
__________________
والمنقار له ريش
عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود ومنه حديث ابن عباس أنه نهى عن قتل أربع من الدواب
النملة والنحلة والهدهد والصرد.
قال الخطابي إنما
جاء في قتل النمل عن نوع منه خاص وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى
والضرر وأما النحلة فلما فيها من المنفعة وهو العسل والشمع وأما الهدهد والصرد
فلتحريم لحمهما لأن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو الضرر فيه
كان لتحريم لحمه ألا ترى أنه نهى عن قتل الحيوان لغير مأكله ويقال إن الهدهد منتن
الريح فصار في معنى الجلالة والصرد تتشأم به العرب وتتطير بصوته وشخصه وقيل إنما
كرهوه من اسمه من التصريد وهو التقليل .
وقال فيه خمس يقتلن في الحل
والحرم وعد منها الحداء وهو هذا الطائر المعروف من الجوارح واحدها حدأة بوزن عنبة .
وقال فيه خمس
يقتلن في الحل والحرم وعد منها الكلب العقور وهو كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل ويفترس
كالأسد والنمر والذئب سماها كلبا لاشتراكها في السبعية والعقور من أبنية المبالغة
انتهى .
وأقول التعميم
الذي ادعاها غير معلوم وكأن المراد بالعقور الكلب الهراش الذي يضر ولا
ينفع.
٢٠ ـ الخصال : عن
أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن الحسن بن زياد عن
داود بن كثير الرقي قال : بينما نحن قعود عند أبي
__________________
عبد الله
عليهالسلام
إذ مر بنا رجل بيده خطاف
مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليهالسلام حتى أخذه من يده ثم دحى به الأرض ثم قال أعالمكم أمركم بهذا
أم فقيهكم لقد أخبرني أبي عن جدي عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله نهى عن قتل ستة النحلة والنملة والضفدع والصرد والهدهد
والخطاف فأما النحلة فإنها تأكل طيبا وتضع طيبا وهي التي أوحى الله عز وجل إليها
ليست من الجن ولا من الإنس وأما النملة فإنهم قحطوا على عهد سليمان بن داود
عليهالسلام
فخرجوا يستسقون فإذا هم
بنملة قائمة على رجليها مادة يدها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك لا
غنى بنا عن فضلك فارزقنا من عندك ولا تؤاخذنا بذنوب سفهاء ولد آدم فقال لهم سليمان
ارجعوا إلى منازلكم فإن الله تبارك وتعالى قد سقاكم بدعاء غيركم وأما الضفدع فإنه
لما أضرمت النار على إبراهيم عليهالسلام شكت هوام الأرض إلى الله عز وجل واستأذنته أن تصب عليها
الماء فلم يأذن الله عز وجل لشيء منها إلا للضفدع فاحترق منه الثلثان وبقي منه
الثلث وأما الهدهد فإنه كان دليل سليمان عليهالسلام إلى ملك بلقيس وأما الصرد فإنه كان دليل آدم
عليهالسلام
من بلاد سرانديب إلى بلاد
جدة شهرا وأما الخطاف فإن دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمد
صلىاللهعليهوآله
وتسبيحه قراءة :
« الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ألا ترونه وهو يقول :
« وَلَا
الضَّالِّينَ » .
٢١ ـ العلل :
والعيون ، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق عن أحمد بن محمد الهمداني عن الحسن بن
القاسم عن علي بن إبراهيم المعلى عن محمد بن خالد عن عبد الله بن بكر المرادي عن
موسى بن جعفر عن آبائه عليهالسلام
قال قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
نهي عن أكل الصرد والخطاف
.
__________________
٢٢ ـ العيون : عن
محمد بن عمر الجعابي عن الحسن بن عبد الله التميمي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عن
علي عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
من قتل حية قتل كافرا .
٢٣ ـ معاني
الأخبار : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن
فضالة عن أبان قال : سئل أبو الحسن عليهالسلام عن رجل يقتل الحية وقال له السائل إنه قد بلغنا أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قال من تركها تخوفا من
تبعتها فليس مني قال إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال من تركها تخوفا من تبعتها فليس مني فإنها حية لا تطلبك
فلا بأس بتركها .
٢٤ ـ مجالس الصدوق
: والفقيه ، في مناهي النبي صلىاللهعليهوآله أنه نهى أن يحرق شيء من الحيوان بالنار ونهى عن قتل النحل .
٢٥ ـ ثواب الأعمال
: عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله عن ابن أبي
عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشا .
٢٦ ـ المحاسن : عن
النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين
عليهالسلام
قال : بعثني رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إلى المدينة فقال لا تدع
صورة إلا محوتها ولا قبرا إلا سويته ولا كلبا إلا قتلته .
٢٧ ـ السرائر : من
كتاب أبان بن تغلب عن القاسم بن عود [ عروة ] البغدادي عن عبيد بن زرارة قال قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام
ما تقول في قتل الذر قال
اقتلهن آذتك
__________________
أو لم تؤذك .
٢٨ ـ ومنه : عن
أبان بن تغلب عن محمد بن غالب عن محمد الحلبي عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد
الله عليهالسلام
لا بأس بقتل النمل آذتك
أو لم تؤذك .
٢٩ ـ المكارم : من
كتاب المحاسن عن الصادق عليهالسلام
قال : أقذر الذنوب ثلاثة
قتل البهيمة وحبس مهر المرأة ومنع الأجير أجره .
بيان : كأن المراد
بقتل البهيمة قتلها بغير الذبح أو عند الحاجة إليها في الجهاد وغيره .
٣٠ ـ نوادر
الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه
عليهالسلام
قال : مر رسول الله
صلىاللهعليهوآله
على قوم نصبوا دجاجة حية
وهم يرمونها بالنبل فقال من هؤلاء لعنهم الله .
٣١ ـ وبهذا
الإسناد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله رأيت في النار صاحب الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة كانت أوثقتها
ولم تكن تطعمها ولا ترسلها تأكل من خشاشة الأرض .
بيان : قال في
النهاية في الحديث إن امرأة ربطت هرة فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض أي
هوامها وحشراتها وفي رواية من خشيشها وهي بمعناه ويروى بالحاء المهملة وهو يابس
النبات وهو وهم وقيل إنما هو خشيش بضم الخاء المعجمة تصغير خشاش على الحذف أو خشيش
من غير حذف ومنه حديث العصفور لم ينتفع بي ولم يدعني أختش من الأرض أي آكل من
خشاشها .
__________________
٣٢ ـ الدر المنثور
، عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن قتل الحيات قال خلقت هي والإنسان كل واحد منهما عدو
لصاحبه إن رآها أفزعته وإن لذعته أوجعته فاقتلها حيث وجدتها .
٣٣ ـ الشهاب : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إن الله يحب البصر النافذ
عند مجيء الشهوات والعقل الكامل عند نزول الشبهات ويحب السماحة ولو على تمرات ويحب الشجاعة ولو
على قتل حية .
الضوء قوله
عليهالسلام
يحب الشجاعة هذا مثل يعني
أنه عز وجل يحبه على قدر عنائه ومبلغ بلائه وإن لم يكن إلا يسيرا فكثير الشجاعة
عنده محمود وقليله غير مردود وعلى ذكر الحية فلنذكر مما ورد فيه طرفا وروي عنه
صلىاللهعليهوآله
اقتلوا الأبتر وذو [ ذا ]
الطفيتين . فالأبتر القصير الذنب وذو الطفيتين الذي على ظهره
خطان كالخوصتين والطفي الخوص.
وقال
عليهالسلام
: من ترك الحيات مخافة
طلبهن فليس منا.
وقال
صلىاللهعليهوآله
: اقتلوا الحيات فمن خاف
إثارهن فليس منا.
وسئل عن حيات
البيوت فقال صلىاللهعليهوآله
إذا رأيتم شيئا في
مساكنكم فقولوا أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح
عليهالسلام
أنشدكم العهد الذي أخذ
عليكم سليمان عليهالسلام
أن تؤذونا فإن عدن
فاقتلوهن.
وعن ابن مسعود
اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض لأنه قصبة فضة.
__________________
وقال
صلىاللهعليهوآله
من ترك قتل الحية خشية
النار فقد كفر يعني كفر بأمري لأني أمرت بقتلهن .
بيان : إثارهن كذا
في النسخ القديمة وكأنه من الثأر بمعنى طلب الدم وفي النهاية في الحديث أنه ذكر
الحيات فقال من خشي إربهن فليس منا الإرب بكسر الهمزة وسكون الراء الدهاء أي من
خشي غائلتها وجبن عن قتلها للذي قيل في الجاهلية إنها تؤذي قاتلها أو تصيبه بخبل
فقد فارق سنتنا وخالف ما نحن عليه .
٣٤ ـ الشهاب : عن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل عصفورا عبثا
جاء يوم القيامة وله صراخ حول العرش يقول رب سل هذا فيم قتلني من غير منفعة .
الضوء العبث من
فعل العالم ما ليس فيه غرض مثله وقيل هو ما خلط به لعب يقول
صلىاللهعليهوآله
ناهيا عن العبث رادا من
اللعب ضاربا المثل بالعصفور الذي يقتله العابث من غير غرض صحيح إن العصفور المقتول
باطلا يجيء يوم القيامة ويصرخ حول العرش متظلما يسأل ربه أن يسأل قاتله لم قتله من
غير جلب منفعة ولا دفع مضرة وهذا مثل ضربه بالعصفور وإذا كان ظلم العصفور في صغر
جسمه وحقارته لا يترك ولا يهمل بل يستوفى عوض ما أصابه من الألم فكيف بما فوقه من
بني آدم وغيرهم وإذا كان الله تعالى قد مكن المؤلم من الإيلام فلا بد أن يكون هو
المستوفي لعوضه منه وكلام العصفور يجوز أن يكون على طريق المثل وتقريب الحال ويكون
المعنى أن الله تعالى لا شك مستوف عوض ألم القتل من القاتل فكأنه يتظلم حول العرش
وينصفه ويجوز أن يكون على حقيقته وينطقه الله تعالى فيتظلم حول العرش ويكون ذكر
ذلك لطفا لمن يسمعه وفيه أن الصيد لغير غرض قبيح وكذلك صيد اللهو واللعب وفي
__________________
الحديث دلالة على
أن جميع الحيوانات من الوحوش والطيور تنشر وفيه إثبات الأعواض وفائدة الحديث تعظيم
أمر الظلم وإعلام أن الله تعالى لا يهمله ولو كان بالعصفور وراوي الحديث أنس بن
مالك .
٣٥ ـ الدر المنثور
: عن خالد قال : لما حمل نوح في السفينة ما حمل جاءت العقرب فقالت يا نبي الله
أدخلني معك قال لا أنت تلذعين الناس وتؤذينهم قالت لا احملني معك فلك الله علي أن
لا ألذع من يصلي عليك تلك الليلة .
٣٦ ـ قرب الإسناد
: عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد
عليهالسلام
يقول وسئل عن قتل الحيات
والنمل في الدور إذا آذين قال لا بأس بقتلهن وإحراقهن إذا آذين ولكن لا تقتلوا من
الحيات عوامر البيوت ثم قال إن شابا من الأنصار خرج مع رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يوم أحد وكانت له امرأة
حسناء فغاب فرجع فإذا هو بامرأته تطلع من الباب فلما رآها أشار إليها بالرمح فقالت
له لا تفعل ولكن ادخل فانظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية مطوقة على فراشه فقالت
المرأة لزوجها هذا الذي أخرجني فطعن الحية في رأسها ثم علقها فجعل ينظر إليها وهي
تضطرب فبينما هو كذلك إذ سقط فاندقت عنقه فأخبر رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فنهى يومئذ عن قتلها وأما
من قال من تركهن مخافة تبعتهن فليس منا لما سوى ذلك فأما عمار الدار
فلا تهاج لنهي رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن قتلهن يومئذ .
__________________
٣٧ ـ النجاشي : عن
محمد بن جعفر عن أحمد بن محمد بن سعيد عن أحمد بن يوسف الجعفي عن علي بن الحسين عن
إسماعيل بن محمد بن عبد الله عن إسماعيل بن الحكم الرافعي عن عبد الله بن عبد الله
بن أبي رافع عن أبيه عن أبي رافع قال : دخلت على رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وهو نائم أو يوحى إليه
وإذا حية في جانب البيت إلى أن قال فاستيقظ فأخبرته خبر الحية فقال اقتلها فقتلتها
الخبر .
٣٨ ـ تحف العقول :
عن النبي صلىاللهعليهوآله
في وصيته لعلي
عليهالسلام
قال إذا رأيت حية في رحلك
فلا تقتلها حتى تحرج عليها ثلاثا فإن رأيتها الرابعة فاقتلها فإنها كافرة يا علي
إذا رأيت حية في طريق فاقتلها فإني اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحيات .
توضيح : حتى تحرج
عليها أي تعزم وتقسم عليها بأن لا تضر ولا تظهر في النهاية الحرج الإثم والضيق
ومنه الحديث اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة أي أضيقه وأحرمه على من
ظلمهما يقال حرج على ظلمك أي حرمه .
٣٩ ـ الدر المنثور
: عن جويرية بن أسماء عن عمه قال : حججت مع قوم فنزلنا منزلا ومعنا امرأة فنامت
وانتبهت وحية متطوقة عليها جمعت رأسها مع ذنبها بين ثدييها فهالنا ذلك وارتحلنا
فلم تزل متطوقة عليها لا تضرها شيئا حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت فدخلنا مكة
فقضينا نسكنا وانصرفنا حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية وهو المنزل
الذي نزلنا فيه فنامت فاستيقظت والحية متطوقة عليها ثم صفرت الحية فإذا بالوادي
يسيل علينا حيات فنهشتها حتى بقيت عظاما فقلت للتي كانت الجارية لها ويحك أخبرينا
عن هذه المرأة قالت بغت ثلاث مرات
__________________
كل مرة تلد ولدا
فإذا وضعته سجرت التنور فألقته فيه .
٤٠ ـ الخرائج : عن
سليمان الجعفري عن الرضا عليهالسلام
أن عصفورا وقع بين يديه
وجعل يصيح ويضطرب فقال أتدري ما يقول فقلت لا فقال قال لي إن حية تريد أن تأكل
فراخي في البيت فقم وخذ تلك النسعة وادخل البيت واقتل الحية فقمت وأخذت النسعة
ودخلت البيت وإذا حية تجول في البيت فقتلتها .
٤١ ـ الكافي : عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال :
إن العقرب لذعت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال لعنك الله فما تبالين مؤمنا آذيت أم كافرا ثم دعا
بالملح فدلكه فهدأت ثم قال أبو جعفر عليهالسلام لو يعلم الناس ما في الملح ما بغوا معه درياقا .
بيان : هدأ كمنع سكن.
٤٢ ـ الكافي : عن
العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه وعمرو بن إبراهيم جميعا عن خلف بن حماد عن
يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لذعت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عقرب فنفضها وقال لعنك
الله فما يسلم منك مؤمن ولا كافر ثم دعا بملح فوضعه على موضع اللذعة ثم عصره
بإبهامه حتى ذاب ثم قال لو يعلم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى ترياق .
٤٣ حياة الحيوان ،
قال أصحابنا ما ليس مأكولا من الدواب والطيور إن كان فيه مضرة متمحضة استحب قتله
للمحرم وغيره كالفواسق الخمس والذئب و
__________________
الأسد والنمر
والنسر والحدأة والبرغوث والقمل والبق وأشباهها فإن كان فيه
منفعة ومضرة كالفهد والكلب المعلم والعقاب والبازي والصقر ونحوها فلا يستحب قتلها
لما فيها من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيها من الضرر وهو الصيال على حمام الناس
والعقر وإن لم يكن فيه نفع ولا ضرر كالخنافس والديدان والجعلان والسرطان والنعامة
والرخمة والعظاءة والذباب وأشباهها فيكره قتلها ولا يحرم على ما قطع به الجمهور
وحكى الإمام وجها شاذا أنه يحرم قتل الطيور دون الحشرات لأنه عبث بلا حاجة وقال في الحية
اسم يطلق على الذكر والأنثى فإن أردت التمييز قلت هذا حية ذكر وهذه أنثى قاله المبرد في
الكامل وإنما دخلته الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة على أنه قد روي عن بعض
العرب أنه قال رأيت حيا على حية أي ذكر على أنثى والنسبة إلى حية حيوي والحيوت ذكر
الحيات أنشد الأصمعي
وتأكل الحية
والحيوتا
|
|
وتخنق العجوز أو
تموتا
|
وذكر ابن خالويه
لها مائتي اسم ونقل السهيلي عن المسعودي أن الله تعالى لما أهبط الحية إلى الأرض
أنزلها بسجستان فهي أكثر أرض الله حيات ولو لا العربد يأكلها ويفني كثيرا منها
لخلت من أهلها لكثرة الحيات وقال كعب الأحبار أهبط الله الحية بأصبهان وإبليس بجدة
وحواء بعرفة وآدم بجبل سرانديب وهو بأعلى الصين في بحر الهند عال يراه البحريون من
مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم عليهالسلام مغموسة في الحجر وترى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من
غير سحاب ولا بد له في كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم
عليهالسلام
ويقال إن الياقوت الأحمر
يوجد على هذا الجبل فتحدره السيول والأمطار من
__________________
ذروته إلى الحضيض
ويوجد فيه ألماس أيضا وبه يوجد العود كذا قاله القزويني والحية أنواع منها الرقشاء
وهي التي فيها نقط سواد وبياض ويقال لها الرقطاء أيضا وهي من أخبث الأفاعي وتزعم
الأعراب أن الأفاعي صم وكذلك النعام ومن أنواعها الأزعر وهو غالب فيها ومنها ما هو
أزب ذو شعر ومنها ذوات القرون وأرسطو ينكر ذلك قال الراجز
وذات قرنين طحون
الضرس
|
|
تنهش لو تمكنت
من نهش
|
تدير عينا كشهاب القيش
|
ومنها الشجاع
بالضم والكسر وهو الحية العظيمة التي تواثب الفارس والراجل وتقوم
على ذنبها وربما لقت رأس الفارس وتكون بالصحاري ومنها العربد وهي
حية عظيمة تأكل الحيات ومنها الأصلة وهو عظيم جدا وله وجه كوجه الإنسان ويقال إنه
يصير كذلك إذا مرت عليه ألوف من السنين ومن خاصية هذا أن يقتل بالنظر ومنها الصل
وسمي المكللة لأنها مكللة الرأس وقيل الصل الأول وهذه المكللة شديدة الفساد تحرق
كل ما مرت عليه ولا ينبت حول جحرها شيء من الزرع أصلا وإذا جاذى مسكنها طائر سقط
ولا يمر حيوان بقربها إلا هلك وتقبل بصفيرها على غلوة سهم ومن وقع عليها بصره ولو من بعد مات
ومن نهشته مات في الحال وضربها فارس برمحه فمات هو وفرسه وهي كثيرة ببلاد الترك ومنها
ذو الطفيتين والأبتر ـ في الصحيحين أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : اقتلوهما فإنهما
يلتمسان البصر ويستسقطان الحبالى.
قال الزهري ونرى
ذلك من سمها.
__________________
ومنها الناظر متى
وقع نظره على إنسان مات الإنسان من ساعته ومنها نوع آخر إذا سمع الإنسان صوته مات
وقد جاء في حديث الخدري عن الشاب الأنصاري الذي طعن الحية برمحه فماتت ومات الشاب
من ساعته ومن أسماء الحية العين والعيم والأين والأرقم والأصلة والجان والثعبان والشجاع والأزب
والأزعر والأبتر والناشر والأفعى والأفعوان الذكر من الأفاعي والأرقم والأرقش
والصل والأرقط وذو الطفيتين والعربد قال ابن الأثير ويقال للحيات أبو البختري وأبو
الربيع وأبو عثمان وأبو العاصي وأبو دعور وأبو وثاب وأبو يقظان وأم طبق وأم عافية
وأم عثمان وأم الفتح وأم محبوب وبنات طبق والحية الصماء وهي شديدة الشر والصمة الذكر من الحيات وبه
سمي والد دريد بن الصمة وزعم أهل الكلام في طبائع الحيوان أن الحية تعيش ألف سنة
وهي في كل سنة تسلخ جلدها وتبيض ثلاثين بيضة على عدد أضلاعها فتجمع النمل فيفسد غالب بيضها
ولا يصلح منه إلا القليل وإذا لذعتها العقرب ماتت. ومن أنواعها الحريش وشرها
الأفاعي ومساكنها الرمال وبيض الحيات مستطيل وهو أكدر اللون وأخضر وأسود وأرقط
وأبيض وفي بعضه نمش ولمع والسبب في اختلاف ذلك لا يعرف وداخله شيء كالصديد وهو
في جوفها متصل طولا على خط واحد وليس للحيات سفاد يعرف وإنما هو التواء
بعضها على بعض ولسانها مشقوق فيظن بعض الناس أن لها لسانين وتوصف بالنهم والشرة
لأنها
__________________
تبتلع الفراخ من
غير مضغ كما يفعل الأسد ومن شأنها أنها إذا ابتلعت شيئا له عظم أتت شجرة أو نحوها
فتلتوي عليه التواء شديدا حتى يتكسر ذلك في بطنها ومن عادتها أنها إذا نهشت انقلبت
فيتوهم بعض الناس أنها فعلت لتفرغ سمها وليس كذلك ومن شأنها إذا لم تجد طعاما عاشت
بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل وتبلغ الجهد من الجوع ولا تأكل إلا لحم الشيء الحي
وهي إذا كبرت صغر جرمها وأقنعت بالنسيم ولا تشتهي الطعام ومن غرائب أمرها أنها لا
تريد الماء ولا ترده إلا أنها لا تضبط نفسها عن الشراب إذا شمته لما في طبعها من
الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر وربما كان السكر سبب هلاكها والذكر لا
يقيم بموضع واحد وإنما تقيم الأنثى على بيضها حتى يخرج فراخها وتقوى على الكسب ثم
هي سائرة وعينها لا تدور في رأسها كأنها مسمار مضروب في رأسها وكذلك
عين الجراد وإذا قلعت عادت وكذلك نابها إذا قلع عاد بعد ثلاثة أيام وكذلك ذنبها
إذا قطع نبت ومن عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلبها
وتتعجب من أمرها وتحب اللبن حبا شديدا وإذا ضربت بسوط مسه عرق الخيل ماتت وتذبح
فتبقى أياما لا تموت وإذا عميت أو خرجت من الأرض وهي لا تبصر طلبت
الرازيانج الأخضر فتحك به بصرها فتبصر فسبحان من :
« قَدَّرَ فَهَدى
» قدر عليها العمى وهداها إلى ما يزيله عنها وليس في الأرض مثل الحية إلا
وجسم الحية أقوى منه وكذلك إذا أدخلت صدرها في جحر أو صدع لم يستطع أقوى الناس
إخراجها منه وربما تقطعت ولا تخرج وليس لها قوائم ولا أظفار تنشب بها وإنما قوى ظهرها
هذه
__________________
القوة بسبب كثرة
أضلاعها فإن له ثلاثين ضلعا وإذا مشت مشت على بطنها فتدافع أجزاؤها وتسعى بذلك
الدفع الشديد والحيات من أصل الطبع مائية وتعيش في البحر بعد أن كانت برية وفي
البر بعد أن كانت بحرية قال الجاحظ الحيات ثلاثة أنواع منها ما لا ينفع للسعته
ترياق ولا غيره كالثعبان والأفعى والحية الهندية ونوع منها ينفع في لسعته الدرياق
وما كان سواهما مما يقتل فإنما يقتل بواسطة الفزع كما حكي أن شخصا نام تحت شجرة
فتدلت عليه حية فعضت رأسه فانتبه مخمر الوجه فحك رأسه وتلفت فلم ير أحدا فلم يرتب بشيء ووضع رأسه
ونام فلما كان بعد ذلك بمدة قال له بعض من رآه هل علمت مم كان انتباهك تحت الشجرة
قال لا والله ما علمت قال إنما كان من حية تدلت عليك فعضت رأسك فلما قمت فزعا
تقلصت ففزع فزعة فاتت فيها نفسه قال فهم يزعمون أن الفزع هو الذي هيج السم وفتح مسام البدن
حتى مشى السم فيه انتهى وذكر القرطبي في سورة غافر عن ثور بن يزيد عن خالد بن
معدان عن كعب الأحبار أنه قال لما خلق الله تعالى العرش قال لم يخلق الله خلقا
أعظم مني واهتز تعاظما فطوقه بحية لها سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها
كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد الحصى والثرى وعدد أيام
الدنيا وعدد الملائكة أجمعين فالتوت الحية على العرش فالعرش إلى نصف الحية وهي
ملتوية عليه فتواضع عند ذلك انتهى.
وذكر أبو الفرج بن
الجوزي عن بشر بن الفضل قال خرجنا حجاجا فمررنا
__________________
بماء من مياه
العرب فوصف لنا فيه ثلاث جوار أخوات بارعات في الجمال وأنهن يتطببن ويعالجن
فأحببنا أن نراهن فعمدنا إلى صاحب لنا فحكينا ساقه بعود حتى أدميناه ثم حملناه وأتينا به إليهن وقلنا
هذا سليم فهل من راق فخرجت إلينا الأخت الصغرى فإذا جارية كالشمس الطالعة فجاءت
حتى وقفت عليه ونظرته فقالت ليس بسليم قلنا وكيف ذلك قالت إنه خدشه عود بال عليه
حية ذكر والدليل على ذلك أنه إذا طلعت الشمس مات قال فلما طلعت الشمس مات فعجبنا
من ذلك وانصرفنا وقال أيضا إن عيسى عليهالسلام مر بحواء يطارد حية فقالت الحية يا روح الله قل له لئن لم يلتفت عني
لأضربنه ضربة أقطعه قطعا فمر عيسى ثم عاد فإذا الحية في سلة الحاوي فقال لها عيسى ألست
القائلة كذا وكذا فكيف صرت معه فقالت يا روح الله إنه قد حلف لي والآن غدرني فسم غدره أضر
عليه من سمي.
وفي عجائب
المخلوقات للقزويني أن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى أنوشيروان وإنما وجد في
زمانه وسببه أنه كان ذات يوم جالسا للمظالم إذ أقبلت حية عظيمة تنساب تحت سريره
فهموا بقتلها فقال كسرى كفوا عنها فإني أظنها مظلومة فمرت تنساب فأتبعها كسرى بعض
أساورته فلم يزل سائرة حتى نزلت على فوهة بئر فنزلت فيها ثم أقبلت تتطلع فنظر الرجل فإذا في قعر
البئر حية مقتولة وعلى متنها عقرب أسود فأدلى رمحه إلى العقرب ونخسها به وأتى
الملك فأخبره بحال الحية فلما كان في العام القابل أتت تلك الحية في اليوم الذي
كان كسرى جالسا فيه للمظالم وجعلت تنساب حتى وقفت بين يديه فأخرجت من فيها بزرا أسود
فأمر
__________________
الملك أن يزرع
فنبت منه الريحان وكان الملك كثير الزكام وأوجاع الدماغ فاستعمل منه فنفعه جدا وذكر المسعودي عن
الزبير بن ركاز أن أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا في ظل شجرة بجنب
صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته إليهما
فقالا إن هذا لمن كنز هنا فأقاما ثلاثة أيام وهي في كل يوم تخرج إليهما دينارا
فقال أحدهما للآخر إلى متى ننتظر هذه الحية ألا نقتلها ونحفر هذا الكنز فنأخذه فنهاه
أخوه وقال ما تدري لعلك تعطب ولا تدرك المال فأبى عليه ثم أخذ فأسا ورصد الحية حتى
خرجت فضربها ضربة جرح رأسها ولم يقتلها وبادرت إليه الحية فقتلته ورجعت إلى جحرها
فدفنه أخوه وأقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها وليس معها شيء فقال يا
هذه والله ما رضيت ما أصابك ولقد نهيت أخي عن ذلك فلم يقبل فإن رأيتي أن تجعلي
الله بيننا على أن لا تضرني ولا أضرك وترجعين إلى ما كنت عليه أولا فقالت الحية لا
قال لأي شيء قالت لأني أعلم أن نفسك لا تطيب لي أبدا وأنت ترى قبر أخيك ونفسي لا
تطيب لك أبدا وأنا أذكر هذه الشجة .
وفي مسند أحمد عن
ابن مسعود أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل حية فكأنما
قتل رجلا مشركا بالله ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا.
وقال ابن عباس إن
الحيات مسخن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وكذا رواه الطبراني عنه عن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وكذا ابن حبان.
__________________
وأما الحيات التي
في البيوت فلا تقتل حتى تنذر ثلاثة أيام لقوله
صلىاللهعليهوآله
إن بالمدينة جنا قد
أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام.
وحمل بعض العلماء
ذلك على المدينة وحده والصحيح أنه عام في كل بلد لا تقتل حتى تنذر.
روى مسلم ومالك في
آخر الموطإ وغيرهما عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال : دخلت على أبي سعيد
الخدري في بيته فوجدته يصلي فجلست أنتظر فراغه فسمعت حركة تحت السرير في ناحية
البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس فجلست فلما انصرف من صلاته
أشار إلى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت قلت نعم قال كان فيه فتى منا حديث عهد
بعرس فخرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الخندق وكان ذلك الفتى يستأذن على رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عند انتصاف النهار ويرجع
إلى أهله فاستأذنه يوما فقال له صلىاللهعليهوآله خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فأخذ الفتى سلاحه
ثم رجع إلى أهله فوجد امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وقد
أصابته غيره فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا
هو بحية عظيمة مطوقة على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فوكزه في الدار فاضطربت
عليه وخر الفتى ميتا فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى قال فجئنا النبي
صلىاللهعليهوآله
فأخبرناه بذلك وقلنا
ادعوا [ ادع ] الله تعالى أن يحييه فقال استغفروا لصاحبكم.
ثم قال إن
بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام
__________________
فإن بدا لكم بعد
ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.
واختلف العلماء في
تفسير الإنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاث مرات والأول عليه الجمهور وكيفيته أن يقول
أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان عليهالسلام أن لا تبدوا لنا ولا تعادونا
وفي أسد الغابة عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إذا ظهرت الحية في المسكن
فقولوا لها إنا نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان
عليهالسلام
لا تؤذينا فإن عادت
فاقتلوها.
وروي عن عمران بن
الحصين قال : أخذ النبي صلىاللهعليهوآله
بعمامتي من ورائي وقال يا
عمران إن الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار فأنفق وأطعم ولا تصرصر فيعسر عليك الطلب
واعلم أن الله عز وجل يحب البصر النافذ عند هجم الشبهات والعقل الكامل عند نزول
الشهوات ويحب السماحة ولو على تمرات ويحب الشجاعة ولو على قتل حية.
وعند الحنفية
ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء لأنها من الجان وقال الطحاوي لا بأس بقتل الجميع
والأولى هو الإنذار
وقال في موضع آخر
في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : لعن الله من مثل بالحيوان.
وفي رواية لعن
الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا .
__________________
أي يرمي كالغرض من
الجلود وغيرها وهذا النهي للتحريم لأن النبي
صلىاللهعليهوآله
لعن فاعله ولأنه تعذيب
للحيوان وإتلاف لنفسه وتضييع لماليته وتفويت لذكاته إن كان يذكى ولمنفعته إن لم
يكن يذكى .
٤٤ ـ العيون :
والعلل ، عن محمد بن عمر البصري عن محمد بن عبد الله بن جبلة عن عبد الله بن أحمد
بن عامر عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهالسلام قال : سأل شامي أمير المؤمنين
عليهالسلام
كم حج آدم من حجة فقال له
سبعين حجة ماشيا على قدميه وأول حجة حجها كان معه الصرد يدله على مواضع الماء وخرج
معه من الجنة وقد نهي عن أكل الصرد والخطاف وسأله ما باله لا يمشي قال لأنه ناح
على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه ولم يزل يبكي مع آدم
عليهالسلام
فمن هناك سكن البيوت ومعه
تسع آيات من كتاب الله عز وجل مما كان آدم يقرؤها في الجنة وهي معه إلى يوم
القيامة ثلاث آيات من أول الكهف وثلاث آيات من سبحان وهي :
« فَإِذا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ » وثلاث آيات من يس :
«
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا »
٤٥ ـ العيون : عن
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن منصور بن عبد الله عن المنذر بن محمد عن الحسين
بن محمد عن سليمان بن جعفر عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين
عليهالسلام
قال : في جناح كل هدهد
خلقه الله عز وجل مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية .
٤٦ ـ البصائر : عن
أحمد بن محمد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن محمد بن سيف التميمي عن محمد بن جعفر
عن أبيه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله استوصوا بالصائيات خيرا يعني الخطاف فإنه آنس طير الناس
بالناس ثم قال رسول الله
__________________
صلىاللهعليهوآله
: أتدرون ما تقول الصائية
إذا ترنمت تقول : « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » حتى تقرأ أم الكتاب فإذا كان في آخر ترنمها قالت :
« وَلَا
الضَّالِّينَ » .
الكافي : عن العدة
عن سهل بن زياد وأحمد بن أبي عبد الله جميعا عن الجاموراني مثله وفيه استوصوا
بالصئينات وما تقول الصئينة إذا مرت وترنمت وزاد في آخره مد بها رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: « وَلَا
الضَّالِّينَ » .
بيان : قال
الدميري السنونو بضم السين والنونين الواحدة سنونوة وهو نوع من الخطاطيف ولذلك سمي
حجر اليرقان حجر السنونو ولكن تصحف على عجائب المخلوقات فقال حجر الصنونو بالصاد
والصواب أنه بالسين المهملة نسبة إلى هذا النوع من الخطاطيف .
٤٧ ـ المختلف :
نقلا من كتاب عمار بن موسى عن الصادق عليهالسلام قال : خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه ولكن كره أكله
لأنه استجار بك وآوى في منزلك وكل شيء يستجير بك فأجره .
التهذيب : بإسناده
عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن
عمار مثله إلا أنه أسقط لفظة خرء
٤٨ ـ ومنه :
بالإسناد المتقدم عن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله قال هو مما
يؤكل وعن الوبر يؤكل قال
__________________
لا هو حرام .
بيان : حمل الشيخ
قوله هو مما يؤكل على التعجب والإنكار وهو بعيد والأولى حمل أخبار النهي على
الكراهة كما فعله الأكثر.
٤٩ ـ التهذيب :
بالإسناد المتقدم عن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سئل عن الشقراق فقال كره قتله لحال الحيات قال وكان
النبي صلىاللهعليهوآله
يوما يمشي فإذا شقراق قد
انقض فاستخرج من خفه حية .
بيان : قوله
عليهالسلام
لحال الحيات أي لأنه
يأكلها وفي وجوده منفعة عظيمة فلذا كره قتله أو لأنه أخرج الحية من خفه
صلىاللهعليهوآله
فصار بذلك محترما أو لأنه
يأكل الحية ففيه سميته فالمراد بقتله قتله للأكل والأول أظهر.
٥٠ ـ الخرائج : عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سأله رجل عن الخطاف فقال لا تؤذوه فإنه لا يؤذي شيئا
وهو طير يحبنا أهل البيت .
٥١ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن علي بن سليمان عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح
قال سمعت أبا الحسن عليهالسلام
يقول لا أرى بأكل الحبارى
بأسا وإنه جيد للبواسير ووجع الظهر وهو مما يعين على كثرة الجماع .
٥٢ ـ حياة الحيوان
: الهدهد بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة وبفتح الهاءين وإسكان الدال المهملة
بينهما طائر معروف ذو خطوط وألوان كثيرة والجمع الهداهد بالفتح هو طير منتن الريح
طبعا لأنه يبني أفحوصته في الزبل وهذا عام في جميع جنسه
__________________
ويذكر عنه أنه يرى
الماء في باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج وزعموا أنه كان دليل سليمان
عليهالسلام
على الماء وبهذا تفقده
لما فقده وكان سبب غيبة الهدهد عن سليمان عليهالسلام أنه لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض
الحرم فتجهز واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطير والوحش ما بلغ عسكره مائة
فرسخ فحملتهم الريح فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم وكان ينحر كل يوم
طول مقامه خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وإنه
قال لمن حضره من أشراف قومه إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي من صفته كذا وكذا يعطى
النصر على من ناواه وتبلغ هيبته مسيرة الشهر القريب والبعيد عنده في الحق سواء لا
تأخذه في الله لومة لائم قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله قال بدين الحنيفية فطوبى
لمن أدركه وآمن به قالوا فكم بيننا وبين خروجه قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد
منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل وأقام سليمان
عليهالسلام
بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج
من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا
حسنا تزهو خضرتها فأحب النزول فيها ليصلي ويتغذى فلما نزل قال الهدهد إن سليمان قد
اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فنظر إلى طول الدنيا وعرضها يمينا وشمالا فرأى
بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد من هداهد اليمن فهبط عليه
وكان اسم هدهد سليمان يعفور فقال ليعفور من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع
صاحبي سليمان بن داود عليهالسلام
فقال ومن سليمان قال ملك
الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش والرياح وذكر له من عظمة ملك سليمان
__________________
وما سخر له من كل
شيء فمن أين أنت قال الهدهد الآخر أنا من هذه البلاد ووصف له ملك بلقيس وأن تحت
يدها اثني عشر ألف قائد تحت كل قائد مائة ألف مقاتل ثم قال فهل أنت
منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها فقال أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا
احتاج إلى الماء فقال الهدهد اليماني إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فمضى
معه ونظر إلى ملك بلقيس وما رجع إلى سليمان إلا بعد العصر فكان سليمان
عليهالسلام
قد نزل على غير ماء فسأل الإنس والجن
والشياطين عن الماء فلم يعلموا له خبرا فتفقد الطير وتفقد الهدهد فدعا عريف الطير
وهو النسر وسأله عن الهدهد فلم يجد علمه عنده فغضب سليمان
عليهالسلام
عند ذلك وقال :
«
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً » الآية ثم دعا بالعقاب وهو سيد الطير وقال علي بالهدهد
الساعة فارتفع في الهواء ونظر إلى الدنيا كالقصعة في يد الرجل ثم التفت يمينا
وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض يريده فناشده الله تعالى وقال
أسألك بحق الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني ولم تتعرض لي بسوء فتركه ثم قال له
ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف ليعذبك أو ليذبحنك فقال الهدهد أوما استثنى نبي
الله قال بلى : « أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » فقال الهدهد فنجوت إذا ثم طار الهدهد والعقاب حتى أتيا
سليمان عليهالسلام
فلما قرب منه الهدهد أرخى
ذنبه وجناحه يجرهما على الأرض تواضعا له فأخذ سليمان
عليهالسلام
برأسه فمده إليه فقال يا
نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله عن سبب
غيبته فأخبره بأمر بلقيس.
__________________
وقد تقدمت الإشارة
إلى طرف من قصتها.
وأما قوله :
«
لَأُعَذِّبَنَّهُ » أراد تعذيبه بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه وقيل
كان عذاب سليمان عليهالسلام
للطير أن ينتف ريشه وذنبه
ويلقيه ممعطا لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض وهو أظهر الأقاويل
وقيل أن يطلى بالقطران ويشمس وقيل أن يلقى للنمل تأكله وقيل إيداعه القفص وقيل
التفريق بينه وبين إلفه وقيل إلزامه صحبة الأضداد وعن بعضهم أنه قال أضيق السجون
صحبة الأضداد وقيل حبسه مع غير جنسه وقيل إلزامه خدمة أقرانه وقيل تزويجه عجوزا.
فإن قلت من أين حل
تعذيب الهدهد قلت يجوز أن يبيح الله له ذلك كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل
وغيره من المنافع.
حكى القزويني أن
الهدهد قال لسليمان عليهالسلام
أريد أن تكون في ضيافتي
قال أنا وحدي قال لا بل أنت وأهل عسكرك في جزيرة كذا في يوم كذا فحضر سليمان
بجنوده فطار الهدهد فاصطاد جرادة وخنقها ورمى بها في البحر وقال كلوا يا نبي الله
من فاته اللحم ناله المرق فضحك سليمان وجنوده من ذلك حولا كاملا.
وقال عكرمة إنما
صرف سليمان عليهالسلام
عن ذبح الهدهد لأنه كان بارا
بوالديه ينقل الطعام إليهما فيزقهما في حالة كبرهما.
قال الجاحظ هو
وفاء حفوظ ودود وذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشتغل بطلب طعم ولا
غيره ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه فإن حدث حادث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى
أبدا ولم يزل صائحا عليها ما عاش ولم يشبع أبدا من طعم بل يناله منه ما يمسك رمقه
إلى أن يشرف على الموت فعند ذلك ينال منه يسيرا.
وفي الكامل وشعب
الإيمان للبيهقي أن نافعا سأل ابن عباس فقال سليمان
عليهالسلام
مع ما خوله الله تعالى من
الملك كيف عني بالهدهد مع صغره فقال ابن عباس إنه احتاج إلى الماء والهدهد كانت
الأرض له كالزجاج فقال ابن الأزرق
__________________
لابن عباس قف يا
وقاف كيف ينظر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطي له بقدر إصبع من تراب فقال
ابن عباس إذا نزل القضاء عمي البصر.
ثم قال والأصح
تحريم أكله لنهي النبي صلىاللهعليهوآله
عن قتله ولأنه منتن الريح
ويقتات الدود وقيل يحل أكله .
وقال الحبارى بضم
الحاء المهملة طائر معروف وهو اسم جنس يقع على الذكر والأنثى واحده وجمعه سواء وإن
شئت قلت في الجمع حبارات وهو من أشد الطير طيرانا وأبعدها صوتا وهو طائر طويل
العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول ويضرب بها المثل في الحمق .
وقال الصرد كرطب
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح هو مهمل الحروف على وزن جعل كنيته أبو كثير وهو طائر
فوق العصفور يصيد العصافير والجمع صردان قاله النضر بن شميل وهو أبقع ضخم الرأس
يكون في الشجر نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم المنقار له برثن عظيم يعني أصابعه عظيمة
لا يرى إلا في سعفة أو في شجرة لا يقدر عليه أحد وهو شرس النفس شديدة النقرة غذاؤه
من اللحم وله صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه إلى التقرب منه
فإذا اجتمعوا إليه شد على بعضهم وله منقار شديد فإذا نقر واحدا قده من ساعته وأكله
ولا يزال كذلك هذا دأبه ومأواه الأشجار ورءوس القلاع. ونقل أبو الفرج بن الجوزي في
المدهش في قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ مُوسى
لِفَتاهُ » الآية عن ابن عباس والضحاك ومقاتل قالوا إن موسى
عليهالسلام
لما أحكم التوراة وعلم ما
فيها قال في نفسه لم يبق في الأرض أحد أعلم مني من غير أن يتكلم مع أحد فرأى في
منامه كان الله أرسل الماء بالماء حتى غرق ما بين المشرق والمغرب فرأى
__________________
فتاه على البحر فيها
صردة فكانت الصردة تجيء للماء الذي غرق الأرض فتنقل الماء بمنقارها ثم تدفعه في
البحر فلما استيقظ الكليم هاله ذلك فجاءه جبرائيل فقال ما لي أراك يا موسى كئيبا
فأخبره بالرؤيا فقال إنك زعمت أنك استغرقت العلم كله فلم يبق في الأرض من هو أعلم
منك وإن لله عبدا علمك في علمه كالماء الذي حملته الصردة بمنقارها فدفعته في البحر
فقال يا جبرائيل من هذا العبد فقال الخضر بن عاميل من ولد الطيب يعني إبراهيم
الخليل عليهالسلام
قال من أين أطلبه قال
اطلبه من وراء هذا البحر فقال من يدلني عليه قال بعض زادك قالوا فمن حرصه على
رؤياه لم يستخلف في قومه ومضى لوجهه وقال لفتاه يوشع هل أنت موازري قال نعم قال
اذهب فاحتمل لنا زادا فانطلق يوشع فاحتمل أرغفة وسمكة عتيقة مالحة ثم سارا في
البحر حتى خاضا وحلا وطينا ولقيا تعبا ونصبا حتى انتهيا إلى صخرة ناتئة في البحر
خلف بحر أرمنية [ إرمينية ] يقال لتلك الصخرة قلعة الحرس.
فأتياها فانطلق
موسى ليتوضأ فاقتحم مكانا فوجد عينا من عيون الجنة في البحر فتوضأ منها وانصرف
ولحيته تقطر ماء وكان عليهالسلام
حسن اللحية ولم يكن أحد
أحسن لحية منه فنفض موسى لحيته فوقعت منها قطرة على تلك السمكة المالحة وماء الجنة
لا يصيب شيئا ميتا إلا عاش فعاشت السمكة ووثبت في البحر فسارت فصار مجراها في
البحر سربا ونسي يوشع ذكر السمكة : « فَلَمَّا جاوَزا قالَ
» موسى : « لِفَتاهُ آتِنا
غَداءَنا » الآية فذكر له أمر السمكة فقال له ذلك الذي نريده فرجعا
يقصان أثرهما فأوحى الله إلى الماء فجمد وصار سربا على قامة موسى وفتاه فجرى الحوت
أمامهما حتى خرج إلى البر فصار مسيره لهما جادة فسلكاها فناداهما مناد من السماء
إن دعا الجادة فإنه طريق الشياطين إلى عرش إبليس وخذا ذات اليمين.
فأخذا ذات اليمين
حتى انتهيا إلى صخرة عظيمة وعندها مصلى فقال موسى
__________________
ما أحسن هذا
المكان ينبغي أن يكون لذلك العبد الصالح فلم يلبثا أن جاء الخضر حتى انتهى إلى ذلك
المكان والبقعة فلما قام عليها اهتزت خضرا قالوا وإنما سمي الخضر لأنه لا يقوم على
بقعة بيضاء إلا صارت خضراء فقال موسى عليهالسلام السلام عليك يا خضر فقال وعليك السلام يا موسى يا نبي بني
إسرائيل فقال ومن أدراك من أنا قال أدراني الذي دلك على مكاني فكان من أمرهما ما
كان وما قصه القرآن العظيم انتهى.
وقال القرطبي
ويقال له الصرد الصوام روينا في معجم عبد الغني بن قانع عن أبي غليظة أمية بن خلف
الجمحي قال رآني رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلى يده صرد فقال هذا أول طير صام عاشوراء وكذلك أخرجه الحافظ أبو موسى
والحديث مثل اسمه غليظ قال الحاكم وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين
عليهالسلام
رواه أبو عبد الله بن
معاوية بن موسى بن أبي غليظ نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي عن أبيه عن أبي
غليظ قال رآني رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعلى يده صردة قال هذا أول طير
صام عاشوراء.
وهو حديث باطل
ورواته مجهولون.
وقيل لما خرج
إبراهيم عليهالسلام
من الشام لبناء البيت
كانت السكينة معه والصرد وكان الصرد دليله على الموضع والسكينة بمقداره فلما صار
إلى موضع البيت وقفت السكينة في موضع البيت ونادت ابن يا إبراهيم على مقدار ظلي.
وروى أحمد وأبو
داود وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوآله نهى عن قتل النحلة والنملة والهدهد والصرد.
والعرب تتشأم
بصوته وشخصه قال القاضي أبو بكر إنما نهى النبي
صلىاللهعليهوآله
عن قتله لأن العرب كانت
تتشأم به فنهى عن قتله ليخلع عن قلوبهم ما ثبت فيها من اعتقادهم الشوم فيه لا أنه
حرام .
__________________
وقال الشقراق بفتح
الشين وكسرها وربما قالوا الشرقراق طائر ضعيف يسمى الأخيل والعرب تتشأم به وهو أخضر مليح بقدر الحمام
خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد ويكون مخططا بحمرة وخضرة أو سواد وفي طبعه شره
وشراسة وسرقة فراخ غيره وهو لا يزال متباعدا من الإنس ويألف الروابي ورءوس الجبال
لكنه يحضن بيضه في العمران العوالي التي لا تناله الأيدي وعشه شديد النتن.
وقال الجاحظ إنه
نوع من الغربان وفي طبعه العفة عن الفساد وهو كثير الاستغاثة إذا حاربه طائر ضربه
وصاح كأنه المضروب ثم قال والأكثر على تحريمه وقال بعض الأصحاب بحله وقال
الفيروزآبادي الشقراق ويكسر الشين والشقراق كقرطاس والشرقراق بالفتح والكسر والشرقرق
كسفرجل طائر معروف مرقط بخضرة وحمرة وبياض وتكون بأرض الحرم انتهى.
وقال الدميري
الحداء بكسر الحاء أخس الطائر وجمعها حدأ مثل عنبة وعنب ومن ألوانها السود والرمد وهي لا
تصيد وإنما تخطف ومن طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر وزعم
بعضهم أن الحدأة والعقاب يتبدلان فتصير الحدأة عقابا أو العقاب حدأة وقال القزويني
إنها سنة ذكر وسنة أنثى.
وروى البخاري
ومسلم أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : خمس فواسق يقتلن في
الحل والحرم.
وفي رواية ليس
للمحرم في قتلهن جناح الحدأة والغراب الأبقع والعقرب والفأرة والكلب العقور.
نبه
صلىاللهعليهوآله
بذكر هذه الخمسة على جواز
قتل كل مضر فيجوز قتل الفهد والنمر والذئب والصقر والباشق والشاهين والزنبور والبق
والبرغوث والبعوض والوزغ والذباب والنمل إذا آذاه .
__________________
وقال الخطاف جمعه
خطاطيف ويسمى زوار الهند وهو من الطيور القواطع إلى الناس يقطع البلاد البعيدة
إليهم رغبة في القرب منهم ثم إنها تبني بيوتها في أبعد المواضع عن الوصول إليها
وهذا الطائر يعرف عند الناس بعصفور الجنة لأنه زهد فيما بأيديهم من الأقوات فأحبوه
لأنه إنما يتقوت بالبعوض والذباب ومن عجيب أمره أن عينه تقلع وترجع ولا يرى واقفا
على شيء يأكله أبدا ولا مجتمعا بأنثاه والخفاش يعاديه فلذلك إذا أفرخ يجعل في عشه
قضبان الكرفس فلا يؤذيه إذا شم رائحته ولا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد
ويبني عشه بناء عجيبا وذلك أنه يبني الطين مع التبن فإذا لم يجد طينا مهيأ ألقى
نفسه في الماء ثم يتمرغ في التراب حتى يمتلئ جناحاه ويصير شبيها بالطين فإذا هيأ
عشه جعله على القدر الذي يحتاج إليه هو وأفراخه ولا يلقي في عشه زبلا بل يلقيه إلى
خارج فإذا كبرت فراخه علمها ذلك وأصحاب اليرقان يلطخون فراخ الخطاف بالزعفران فإذا
رآها صفرا ظن أن اليرقان أصابها من شدة الحر فيذهب فيأتي بحجر اليرقان من أرض
الهند فيطرحه على فراخه وهو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة والسواد ويعرف بحجر
السنونو فيأخذه المحتال فيعلقه عليه أو يحكه ويشرب من مائه يسيرا فإنه يبرأ بإذن
الله تعالى والخطاف متى سمع صوت الرعد يكاد أن يموت.
وقال أرسطو في
كتاب النعوت الخطاطيف إذا عميت أكلت من شجرة يقال لها عين شمس فيرد بصرها لما في
تلك الشجرة من المنفعة للعين.
وفي رسالة القشيري
في آخر باب المحبة أن خطافا راود خطافة على قبة سليمان
عليهالسلام
فامتنعت منه فقال لها أتمنعين
علي ولو شئت لقلبت القبة على سليمان فسمعه سليمان فدعاه وقال ما حملك على ما قلت
فقال يا نبي الله العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم قال صدقت.
وذكر الثعلبي
وغيره في تفسير سورة النمل أن آدم عليهالسلام لما خرج من
__________________
الجنة اشتكى
الوحشة فآنسه الله بالخطاف وألزمها البيوت فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم قال
ومعها أربع آيات من كتاب الله العزيز وهي :
« لَوْ
أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ » إلى آخر السورة وتمد صوتها بقوله :
«
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » والخطاطيف أنواع منها نوع يألف سواحل البحر يحفر بيته هناك
ويعشش فيه وهو صغير الجثة دون عصفور الجنة ولونه رمادي والناس يسمونه سنونو بضم
السين المهملة ونونين ومنها نوع أخضر على ظهره بعض حمرة أصغر من الدرة يسميه أهل
مصر الخضيري لخضرته يقتات الفراش والذباب ونحو ذلك ومنها نوع طويل الأجنحة رقيقها
يألف الجبال ويأكل النمل وهذا النوع يقال له السمائم مفردة سمامة ومنهم من يسمي
هذا النوع السنونو الواحدة سنونوة وهو كثير في المسجد الحرام يعشش في سقفه في باب بني شيبة وبعض
الناس يزعم أن ذلك هو الأبابيل الذي عذب الله تعالى به أصحاب الفيل.
ثم قال يحرم أكل
الخطاطيف لما روى عبد الرحمن بن معاوية عن النبي
صلىاللهعليهوآله
أنه نهى عن قتل الخطاطيف .
وعن إبراهيم بن
طهمان عن عبادة بن إسحاق عن أبيه أنه قال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عن قتل الخطاطيف عواد
البيوت .
وعن ابن عمر قال
لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخطاف فإنه لما خرب بيت المقدس
قال رب سلطني على البحر حتى أغرقهم .
وقال في الضفدع هو
بكسر الضاد مثل الخنصر واحد الضفادع والأنثى
__________________
ضفدعة وناس يقولون
ضفدع بفتح الدال قال الخليل ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجرع وهو
الطويل وهبلع وهو الأكول وقلعم وهو اسم.
وقال ابن الصلاح
الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال وفتحها أشهر في السنة العامة وأشباه العامة من
الخاصة وقد أنكره بعض أئمة اللغة وقال البطليوسي في شرح أدب الكاتب وحكي أيضا ضفدع
بضم الضاد وفتح الدال وهو نادر حكاه المطرزي أيضا قال في الكفاية وذكر الضفادع
يقال له العلجوم بضم العين والجيم وإسكان اللام والواو وآخره ميم والضفدع أنواع
كثيرة وتكون من سفاد وغير سفاد وتتولد من المياه القائمة الضعيفة الجري ومن
العفونات وعقب الأمطار الغزيرة حتى يظن أنه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على
الأسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وأنثى وإنما الله تعالى يخلقه في تلك
الساعة من طباع تلك التربة وهي من الحيوان التي لا عظام لها ومنها من ينق ومنها ما
لا ينق والذي منها ينق يخرج صوته من قرب أذنه ويوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق وكانت
خارج الماء وإذا أرادت أن تنق أدخلت فكها الأسفل في الماء ومتى دخل الماء في فيها
لا تنق قال عبد القاهر والثعبان يستدل بصياح الضفدع عليه فيأتي على صياحه فيأكله
وتعرض لبعض الضفادع مثل ما يعرض لبعض الوحوش من رؤية النار حيرة إذا رأتها وتتعجب
منها لأنها تنق فإذا أبصرت النار سكتت ولا تزال تدمن النظر إليها وأول نشوها في
الماء أن تظهر مثل حب الدخن الأسود ثم تخرج منه وهي كالدعموص ثم بعد ذلك ينبت لها
الأعضاء فسبحان القادر على ما يشاء وعلى ما يريد سبحانه لا إله غيره إلا هو.
وفي الكامل لابن
عدي عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل ضفدعا فعليه
شاة محرما كان أو حلالا.
قال سفيان يقال
أنه ليس شيء أكثر ذكرا لله منه.
وفيه أنه روي عن
جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس أن ضفدعا ألقت
نفسها في النار من
مخافة الله فأثابهن الله بها برد الماء وجعل نقيقهن التسبيح وقال : نهى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عن قتل الضفدع والصرد
والنحلة. قال ولا أعلم لحماد بن عبيد غير هذا الحديث قال البخاري لا يصح حديثه
وقال أبو حاتم ليس بصحيح الحديث.
وفي كتاب الزاهر
لأبي عبد الله القرطبي أن داود عليهالسلام قال لأسبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه به أحد من خلقه
فنادته ضفدعة من ساقية في داره يا داود تفخر على الله بتسبيحك إن لي لسبعين سنة ما جف
لساني من ذكر الله تعالى وإن لي لعشر ليال ما طعمت خضرا ولا شربت ماء اشتغالا
بكلمتين فقال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال داود في نفسه وما
عسى أن أقول أبلغ من هذا.
وروى البيهقي في
شعبه عن أنس بن مالك أنه قال : إن نبي الله داود ظن في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه
بأفضل مما يمدحه به فأنزل الله عليه ملكا وهو قاعد في محرابه والبركة إلى
جانبه فقال يا داود افهم ما تصوت به الضفدعة فأنصت إليها فإذا هي تقول سبحانك
وبحمدك منتهى علمك فقال له الملك كيف ترى فقال والذي جعلني نبيا إني لم أمدحه
بهذا.
وفي كتاب فضل
الذكر لجعفر بن محمد الفريابي الحافظ العلامة عن عكرمة أنه قال صوت الضفدع تسبيح.
وفيه أيضا عن
الأعمش عن أبي صالح أنه سمع صوت صرير باب فقال هذا منه تسبيح.
قال الرئيس ابن
سينا إذا كثرت الضفادع في سنة وزادت عن العادة يقع الوباء عقيبها.
وقال القزويني
الضفادع تبيض في الرمل مثل السلحفاة وهي نوعان جبلية ومائية.
__________________
ونقل الزمخشري في
الفائق عن عمر بن عبد العزيز قال سأل رجل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب ابن آدم
فرأى فيما يرى النائم رجلا كالبلور يرى داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورة
الضفدع له خرطوم كخرطوم البعوضة قد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس له فإذا
ذكر الله خنس.
وروى ابن عدي عن
ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : لا تقتلوا الضفادع
فإن نقيقها تسبيح.
وقال الزمخشري
إنها تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس.
وعن أنس لا تقتلوا
الضفادع فإنها مرت بنار إبراهيم عليهالسلام فحملت في أفواهها الماء وكانت ترشه على النار.
وفي شفاء الصدور
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهن تسبيح .
فذلكة اعلم أن
أكثر الأصحاب حكموا بكراهة أكل الهدهد والفاختة والقبرة والحبارى والصرد والصوام
والشقراق واختلفوا في الخطاف فذهب أكثر المتأخرين إلى الكراهة وذهب الشيخ في
النهاية والقاضي وابن إدريس إلى التحريم بل ادعى ابن إدريس عليه الإجماع واستدلوا
على كراهة أكثر ما ذكر بما مر من الأخبار الناهية عن قتلها وإيذائها ولا يخفى أنها
لا تدل على كراهة أكل لحمها بعد القتل فإن الظاهر أن ذلك لكرامتها واحترامها لا
لكراهة لحومها وحرمتها والأخبار الآتية في الفاختة إنما تدل على كراهة إيوائها في
البيوت بل ربما يشعر بحسن قتلها وأكلها قال المحقق الأردبيلي قدسسره بعد إيراد روايات
النهي عن قتل الهدهد وظاهر الدليل هو التحريم والحمل على الكراهة كأنه للأصل والعمومات
وحصر المحرمات ولعدم القائل بالتحريم على الظاهر تأمل.
ثم اعلم أن الكلام
في كراهة أكل اللحم والدليل ما دل عليه بل على النهي عن أذاه وقتله وهو غير مستلزم
للنهي عن أكل لحمه وهو ظاهر فإن في أكله بعد
__________________
القتل ليس أذاه
وأيضا يحتمل أن يكون المراد بالنهي قتله لا للأكل بل لأذاه يؤيده قوله لا يؤذي
والعلة أيضا فإن كونه نعم الطير لا يستلزم عدم قتله للأكل فإن الغنم أيضا موصوف
بأنه نعم المال أو مال مبارك ونحو ذلك مع أنه خلق للأكل ولا شك أن الاجتناب عن
أذاه أولى وأحوط.
ثم قال رحمهالله في حديث الخطاف المتقدم يفهم منه أن المراد بالنهي عن القتل النهي عن الأكل
حيث دحا به بعد أن كان مذبوحا ثم نقل النهي عن القتل فتأمل ولكن في السند جهالة واضطراب.
وقال قدسسره وأما كراهة
الحبارى فليس عليها دليل واضح سوى أنه مذكور في أكثر الكتب قال في التحرير وبها
رواية شاذة نعم في صحيحة عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله
عليهالسلام
وأنا أسمع ما تقول في
الحبارى قال إن كانت له قانصة فكل الخبر وهي مشعرة بعدم ظهور حالها فالاجتناب أولى
فتأمل انتهى.
وأقول كان وجه
التأمل أنه لا إشعار في كلامه عليهالسلام بالكراهة بل الظاهر أن غرضه
عليهالسلام
بيان القاعدة الكلية لبعد
عدم علمه عليهالسلام
بذلك ويحتمل أن يكون في
هذا التعبير مصلحة أخرى كتقية ونحوها وبالجملة عدم الكراهة أظهر لما ورد في الصحيح
عن كردين المسمعي قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحبارى قال لوددت أن عندي منه فآكل حتى أمتلئ .
ولرواية بسطام بن
صالح.
وأما الحيات
فالظاهر جواز قتلها مطلقا إلا عوامر البيوت إذا لم تؤذ أصحاب البيت فإنه يحتمل أن
تكون فيها كراهة لكن ينبغي أن لا يكون الاحتراز عن قتلهن لتوهم إثم في قتلهن أو
ضرر منهن وأما التفاصيل الواردة في أخبار العامة
__________________
فلم نجده في
أخبارنا وأما سائر المؤذيات فلا بأس بقتلهن وما لم يؤذ منها فلعل الأفضل الاجتناب
عن قتلها تنزها لا تحريما للتعليلات الواردة في بعض الأخبار فتفطن.
وأما تعذيب
الحيوان الحي بلا مصلحة داعية إلى ذلك فهو قبيح عقلا ويشعر فحاوي بعض الأخبار
بالمنع عنه فالأحوط تركه ولم يتعرض أكثر أصحابنا لتلك الأحكام إلا نادرا.
١١
(باب)
القبرة
والعصفور وأشباههما
١ ـ الكافي : عن
العدة عن سهل بن زياد عن أبي عبد الله الجاموراني عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا
الحسن الرضا عليهالسلام
يقول لا تقتلوا القبرة ولا تأكلوا لحمها
فإنها كثيرة التسبيح وتقول في آخر تسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد
عليهالسلام
.
٢ ـ ومنه : عن
محمد بن الحسن وعلي بن إبراهيم الهاشمي عن بعض أصحابنا عن سليمان بن جعفر الجعفري
عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام
قال قال علي بن الحسين
عليهالسلام
القنزعة التي هي على رأس القبرة من مسحة سليمان بن داود
عليهالسلام
وذلك أن الذكر أراد أن
يسفد أنثاه فامتنعت عليه فقال لها لا تمتنعي ما أريد إلا أن يخرج الله
عز وجل مني نسمة يذكر ربه فأجابته إلى ما طلب فلما أرادت أن تبيض قال لها أين تريدين
أن تبيضين فقالت له لا أدري أنحيه عن الطريق فقال لها إني خائف أن يمر بك مار
الطريق ولكني أرى لك أن تبيضي قرب الطريق فمن رآك قربه توهم أنك
تعرضين للقط الحب من الطريق فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت حتى أشرفت على النقاب فبينما هما كذلك
إذ
__________________
طلع سليمان بن
داود عليهالسلام
في جنوده والطير تظله
فقالت له هذا سليمان قد طلع علينا في جنوده ولا آمن أن يحطمنا ويحطم بيضنا فقال
لها إن سليمان عليهالسلام
لرجل رحيم بنا فهل عندك
شيء هيأته لفراخك إذا نقبن قالت نعم عندي جرادة خبأتها منك أنتظر بها فراخي
إذا نقبن فهل عندك أنت شيء قال نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخنا فقالت خذ أنت تمرتك
وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان عليهالسلام فنهديهما له فإنه رجل يحب الهدية فأخذ التمرة في منقاره
وأخذت هي الجرادة في رجليها ثم تعرضا لسليمان
عليهالسلام
فلما رآهما وهو على عرشه
بسط يديه لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمنى ووقعت الأنثى على اليسرى فسألهما عن
حالهما فأخبره [ فأخبراه ] فقبل هديتهما وجنب جنوده عن بيضهما فمسح على رأسهما
ودعا لهما بالبركة فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحة سليمان
عليهالسلام
.
تبيان قال الجوهري
القبرة واحدة القبر وهو ضرب من الطير والقنبراء لغة فيها والجمع القنابر والعامة
تقول القنبرة.
أقول الأخبار تدل
على أنها مع النون أيضا لغة فصيحة كما مر عن القاموس قولا ونقل الدميري عن
البطليوسي في شرح أدب الكاتب أنها أيضا لغة فصيحة قال وفي طبعه أنه لا يهوله صوت
صائح وربما رمى بالحجر فاستخف بالرامي ولطئ بالأرض حتى يجاوزه الحجر وهو يضع وكره
على الجادة حبا للإنس انتهى .
وقال الجوهري حضن
الطائر بيضه يحضنه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحه
__________________
على النقاب أي شق
البيضة عن الفرخ والحطم الكسر ولعل الخوف لاحتمال النزول أو لاجتماع الناس للنظر
إلى شوكته وزينته وغرائب أمره فيحطمون فالإسناد إليه إسناد إلى السبب البعيد.
وقال المحقق الأردبيلي
روح الله روحه بعد إيراده الرواية الأخيرة فيها أحكام مثل قصد النسل من النكاح
والتجنب عن كسر بيض الطيور وأخذها والهدية وقبولها وإن كان قليلا جدا وكان لصاحبها
طلب من المهدي إليه والدعاء له بالبركة وغيرها وإن كان في شرع سليمان
عليهالسلام
فتأمل انتهى.
وقال شارح اللمعة
نور الله ضريحه كراهة القبرة منضمة إلى البركة بخلاف الفاختة.
٣ ـ دلائل الطبري
: عن أحمد بن محمد المعروف بغزال قال : كنت جالسا مع أبي الحسن
عليهالسلام
في حائط له إذ جاء عصفور
فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب فقال لي تدري ما يقول هذا العصفور
قلت الله ورسوله ووليه أعلم فقال يقول يا مولاي إن حية تريد أن تأكل فراخي في
البيت فقم بنا ندفعها عنه وعن فراخه فقمنا ودخلنا البيت فإذا حية تجول في البيت
فقتلناها .
٤ ـ البصائر : عن
يعقوب بن يزيد عن الوشاء عمن رواه عن الميثمي عن منصور عن الثمالي قال : كنت مع
علي بن الحسين عليهالسلام
في داره وفيها عصافير وهن
يصحن فقال لي أتدري ما يقلن هؤلاء العصافير قلت لا أدري قال يسبحن ربهن ويطلبن
رزقهن .
دلائل الطبري : عن
ابن يزيد عن الوشاء عمن رواه عن الميثمي عن علي بن منصور عن الثمالي مثله إلى قوله
يسبحن ربهن ويهللن ويسألنه قوت يومهن ثم قال يا با حمزة :
« عُلِّمْنا
مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » .
__________________
٥ ـ البصائر : عن
أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ثعلبة عن سالم مولى أبان بياع الزطي قال : كنا في
حائط لأبي عبد الله عليهالسلام
ونفر معي قال فصاحت
العصافير فقال أتدري ما تقول فقلنا جعلنا الله فداك لا ندري ما تقول فقال تقول
اللهم إنا خلق من خلقك لا بد لنا من رزقك فأطعمنا واسقنا .
٦ ـ مشارق الأنوار
: بإسناده عن محمد بن مسلم قال خرجت مع أبي جعفر
عليهالسلام
فإذا نحن بقاع مجدب يتوقد
حرا وهناك عصافير فتطايرن حول بغلته فزجرها فقال لا ولا كرامة قال ثم سار إلى
مقصده فلما رجعنا من الغد وعدنا إلى القاع فإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته
ورفرفت فسمعته يقول اشربي واروي قال فنظرت وإذا في القاع ضحضاح من الماء فقلت يا
سيدي بالأمس منعتها واليوم سقيتها فقال اعلم أن اليوم خالطها القنابر فسقيتها ولو
لا القنابر لما سقيتها فقلت يا سيدي وما الفرق بين القنابر والعصافير فقال ويحك
أما العصافير فإنهم موالي عمر لأنهم منه وأما القنابر فإنهم من موالينا أهل البيت
وإنهم يقولون في صفيرهم بوركتم أهل البيت وبوركت شيعتكم ولعن الله أعداءكم ثم قال
عادانا من كل شيء حتى من الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء .
٧ ـ مجالس الشيخ :
عن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان عن أبيه عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي
القاسم عن أحمد بن البرقي عن علي بن محمد القاساني عن أبي أيوب المدني عن سليمان
الجعفري عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن جده عليهالسلام قال : لا تأكلوا القنبرة ولا تسبوها ولا تعطوها الصبيان
يلعبون بها فإنها كثيرة التسبيح لله وتسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد .
__________________
٨ ـ وبهذا الإسناد
قال كان علي بن الحسين عليهالسلام
يقول ما أزرع الزرع لطلب
الفضل فيه وما أزرعه إلا ليتناوله الفقير وذو الحاجة وليتناول منه القنبرة خاصة من
الطير .
الكافي : عن العدة
عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان عن أبي أيوب مثل الخبرين .
تبيين يظهر من
المجالس أن علي بن محمد بن سليمان هو القاساني وأن سليمان تصحيف شيرة فإن القاساني
هو علي بن محمد بن شيرة كما ذكره النجاشي ثم اعلم أنه لا يبعد أن تكون الأخبار
الواردة في حب بعض الحيوانات والنباتات والجمادات لهم
عليهالسلام
وبغض بعضها لهم وكونها
منسوبة إلى أعدائهم محمولة على أنه للأشياء الحسنة ارتباط واقعي منسوب بعضها إلى
بعض وللأجناس الخبيثة ربط واقعي لبعضها إلى بعض سواء كانت من الإنسان والحيوانات
أو الجمادات أو الأعمال أو الأفعال أو الأخلاق أو غيرها فالطيور الحسنة
مثلا من جهة حسنها الواقعي كأنها تحب المقدسين من البشر لاشتراكها معهم في الحسن
وكذا النباتات والجمادات وغيرها والأمور القبيحة والأشياء الخبيثة لها مناسبة
بالملعونين من البشر فكأنها تحبهم لمناسبتها لهم وتبغض الأئمة وشيعتهم لمباينتها
إياهم والتسليم لها مجملا وتفويض علمها إليهم أحوط وأولى وقد مر بعض القول في
مثله.
٩ ـ حياة الحيوان :
العصفور بضم العين وحكى ابن رشيق الفتح أيضا والأنثى عصفورة قال حمزة سمي عصفورا
لأنه عصى وفر وهو أنواع منها ما يطرب بصوته ومنها ما يعجب بصوته وحسنه والعصفور
الصوار هو الذي يجيب إذا دعي وعصفور الجنة هو الخطاف وأما العصفور الدوري فإن في
طباعه اختلافا وذلك أن فيه من الطباع ما يشبه طباع السباع وهو أكل اللحم ولا يزق
فراخه ومن
__________________
البهائم أنه ليس
بذي مخلب ولا منسر ويأكل الحب وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر الدابرة
وسائر سباع الطير تقدم إصبعين وتفرج إصبعين ويأكل الحب والبقول ويتميز الذكر
منها بلحية سوداء كما مر للرجل والتيس والديك وليس في الأرض طائر ولا سبع ولا
بهيمة أحنى من العصفور على ولده ولا أشد له عشقا وذلك مشاهد عند أخذ فراخها ووكره
في العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح وإذا خلت مدينة من أهلها ذهبت العصافير
منها فإذا عادوا إليها عادت العصافير بها والعصفور لا يعرف المشي وإنما يثب وثبا
وهو كثير السفاد فربما سفد في الساعة الواحدة مائة مرة ولذلك قصر عمره فإنه لا
يعيش في الغالب أكثر من سنة ولفرخه تدرب على الطيران حتى أنه يدعى فيجيب قال
الجاحظ بلغني أنه يرجع من فرسخ ومن أنواعه عصفور الشوك ومأواه السباخ وزعم أرسطو
أن بينه وبين الحمار عداوة لأن الحمار إذا كان به دبر حكه بالشوك الذي يأوي إليه
هذا العصفور فيقتله وربما نهق الحمار فتسقط فراخه أو بيضه من جوف وكره فلذلك هذا
العصفور إذا رأى الحمار رفرف فوق رأسه وعلى عينه وآذاه بطيرانه وصياحه ومن أنواعه
القبرة وحسون وهو ذو ألوان بحمرة وصفرة وبياض وسواد وزرقة وخضرة وهو
يقبل التعليم فيتعلم أخذ الشيء من يد الإنسان المتباعد ويأتي به إلى مالكه ومنها البلبل
والصعوة والحمرة والعندليب والمكاكي والصافر والتنوط والوضع والبرقش والقبعة.
وروى البيهقي وابن
عساكر بسندهما إلى أبي مالك قال : مر سليمان بن داود
عليهالسلام
بعصفور يدور حول عصفورة
فقال لأصحابه أتدرون ما يقول قالوا وما
__________________
يقول يا نبي الله
قال يخطبها إلى نفسه ويقول تزوجيني أسكنك أي قصور دمشق شئت قال سليمان وقصور دمشق
مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها لكن كل خاطب كذاب.
وروى ابن قانع أن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل عصفورا عبثا
عج إلى الله يوم القيامة ويقول يا رب عبدك قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة.
وفي الحلية للحافظ
أبي نعيم قال أبو حمزة الثمالي كنت عند علي بن الحسين زين العابدين
عليهالسلام
إذا عصافير يطرن حوله
ويصرخن فقال يا با حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير قلت لا قال إنها تقدس ربها
جل وعلا وتسأله قوت يومها.
وقال ابن عباس لما
ركب موسى والخضر عليهالسلام
السفينة جاء عصفور حتى وقع
على حرف السفينة ثم نقر في البحر فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا
العصفور من البحر قال العلماء لفظ النقص ليس هنا على ظاهره وإنما معناه أنما علمي
وعلمك بالنسبة إلى علم الله كنسبة ما نقره هذا العصفور من هذا البحر قلت وهذا على التقريب إلى
الأفهام وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر
وقال عبد الله بن
عمر قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما من إنسان يقتل عصفورا
فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها قيل يا رسول الله وما حقها قال أن يذبحها
فيأكلها وأن لا يقطع رأسها ويرمي به.
رواه النسائي ولحم
العصافير حار يابس أجود من لحم الدجاج وأجودها الشتوية السمان وأكلها يزيد في
المني والباه لكنها تضر أصحاب الرطوبات الأصلية ويدفع ضررها دهن اللوز وهي تولد
خلطا صفراويا توافق من الإنسان الشيوخ ومن الأمزجة
__________________
الباردة ومن
الأزمان الشتاء .
وروى الحافظ أبو
نعيم وصاحب الترغيب والترهيب من حديث مالك بن دينار أن سليمان بن داود
عليهالسلام
مر على بلبل فوق شجرة
تصفر وتحرك رأسها وتميل ذنبها فقال لأصحابه أتدرون ما يقول قالوا لا قال إنه يقول
أكلت نصف تمرة وعلى الدنيا العفا.
وهو الدروس وذهاب
الأثر وقيل التراب وقال الصعوة من صغار العصافير أحمر الرأس وقال الحمر بضم الحاء
المهملة وتشديد الميم والراء المهملة ضرب من الطير كالعصفور.
وروي عن ابن مسعود قال
: كنا عند النبي صلىاللهعليهوآله
فدخل رجل غيضة فأخرج منها
بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترفرف على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأصحابه فقال لأصحابه
أيكم فجع هذه فقال رجل أنا يا رسول الله أخذت بيضها وفي رواية فريخها فقال رده رده
رحمة لها.
وفي الترمذي وابن
ماجه عن عامر الدارمي مثله وقال العندليب الهزار والجمع العنادل والبلبل يعندل إذا
صوت وقال المكاء بالمد والتشديد طائر وجمعه المكاكي والمكاء الصغير وهذا
__________________
الطائر يصفر ويصوت
كثيرا وقال القزويني هو من طير البادية يتخذ أفحوصة عجيبا وبينه وبين الحية معاداة
فإن الحية تأكل بيضه وفراخه وحدث هشام بن سالم أن حية أكلت بيض مكاء فجعل المكاء
يشرشر على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها ألقى في فيها حسكة فأخذت بحلق الحية
فماتت وقال الصافر ويقال الصفار طائر معروف من أنواع العصافير ومن شأنه أنه إذا أقبل الليل
يأخذ بغصن شجرة ويضم عليه رجليه وينكس رأسه ثم لا يزال يصيح حتى يطلع الفجر ويظهر
النور قال القزويني إنما يصيح خوفا من السماء أن تقع عليه قال غيره الصافر التنوط
وإنه إن كان له وكر جعله كالخريطة وإن لم يكن له وكر شرع يتعلق بالأغصان كما
ذكرناه وقال التنوط بضم التاء وكسرها وقد يفتح وفتح النون وضم
الواو المشددة وقيل يجوز الفتح أيضا قال الأصمعي إنما سمي بذلك لأنه يدلي خيطا من
شجرة يفرخ فيها والواحدة تنوطة ومن شأنه إذا أقبل عليه الليل ينتقل في زوايا بيته
ويدور فيها ولا يأخذه قرار إلى الصبح خوفا على نفسه وقال الوضع بفتح
الواو والضاد المعجمة والعين المهملة الصعوة وقيل هو طائر أصغر من العصفور وفي
الحديث أن إسرافيل عليهالسلام
له جناح بالمشرق وجناح
بالمغرب وأن العرش
__________________
على منكب إسرافيل
ليتضاءل الأحيان لعظمة الله تعالى حتى يصير مثل الوضع والبرقش بالكسر
طائر صغير مثل العصفور ويسميه أهل الحجاز السرسوز وقال القبعة بضم
القاف وتخفيف الباء الموحدة والعين المهملة المفتوحتين طوير أبقع مثل العصفور
ويكون عنده حجرة الجرذان فإذا فرغ أو رمى بجحر انقبع فيها قاله ابن السكيت وقوله
انقبع فيها أي دخل الجحر فالتجأ فيه .
__________________
١٢
(باب)
الذباب
والبق والبرغوث والزنبور والخنفساء والقملة والقرد والحلم وأشباهها
الآيات البقرة ٢ :
« إِنَّ
اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها » ٢٦.
الحج :
٢٧ « يا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ
الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ما
قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ » ٧٢.
تفسير :
« أَنْ
يَضْرِبَ مَثَلاً ما » أي للحق يوضحه به لعباده المؤمنين أي مثل كان ما بعوضة فما
فوقها وهو الذباب رد بذلك على من طعن في ضربه الأمثال بالذباب وبالعنكبوت وبمستوقد
النار والصيب في كتابه وفي مجمع البيان عن الصادق
عليهالسلام
إنما ضرب الله المثل
بالبعوضة لأنها على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق الله في الفيل مع كبره
وزيادة عضوين آخرين فأراد الله أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب
صنعه : « فَاسْتَمِعُوا لَهُ » أي استماع تدبر وتفكر :
« إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » يعني الأصنام : « لَنْ يَخْلُقُوا
ذُباباً » أي لا يقدرون على خلقه مع صغره :
« وَلَوِ
اجْتَمَعُوا لَهُ » أي ولو تعاونوا على خلقه :
« وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ » إلخ أي فكيف يكونون آلهة قادرين على المقدورات كلها.
وروي في الكافي عن
الصادق عليهالسلام
قال : كانت قريش تلطخ
الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر وكان يغوث قبال الباب ويعوق عن يمين
الكعبة ونسر عن يسارها وكانوا إذا دخلوا خروا سجدا ليغوث ولا ينحنون ثم يستديرون
__________________
بحيالهم إلى يعوق
ثم يستديرون عن يسارها بحيالهم إلى نسر ثم يلبون فيقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا
شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك قال فبعث الله ذبابا أخضر له أربعة أجنحة
فلم يبق من ذلك المسك والعنبر شيئا إلا أكله فأنزل الله :
« يا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ » الآية : « ما قَدَرُوا اللهَ
حَقَّ قَدْرِهِ » أي ما عظموه حق تعظيمه أو ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا
به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة .
١ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن أحمد عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : لا بأس بقتل
البرغوث والقملة والبقة في الحرم .
٢ ـ ومنه : عن
العدة عن سهل عن البزنطي عن مثنى بن عبد السلام عن زرارة عن أحدهما
عليهالسلام
قال : سألته عن المحرم
يقتل البقة والبرغوث إذا آذياه قال نعم .
٣ ـ التهذيب :
بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير يعني
المرادي عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : سألته عن الذباب
يقع في الدهن والسمن والطعام فقال لا بأس كل .
٤ ـ السرائر :
نقلا من كتاب البزنطي عن جميل قال : سألت أبا عبد الله
عليهالسلام
عن المحرم يقتل البقة والبراغيث
إذا آذياه قال نعم .
٥ ـ العلل : عن
محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي
عن أبيه عمن ذكره عن الربيع صاحب المنصور قال : قال المنصور
__________________
يوما لأبي عبد
الله عليهالسلام
وقد وقع على المنصور ذباب
فذبه عنه ثم وقع عليه فذبه عنه فقال يا أبا عبد الله لأي شيء خلق
الله عز وجل الذباب قال ليذل به الجبارين .
٦ ـ ومنه : عن
الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أبي الصهبان عن ابن أبي عمير عن هشام
بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : لو لا ما يقع من الذباب
على طعام الناس ما وجد منهم إلا مجذوما .
٧ ـ طب الأئمة :
عن سهل بن أحمد عن محمد بن أورمة عن صالح بن محمد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي
جعفر الباقر عليهالسلام
قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إذا وقع الذباب في إناء
أحدكم فليغمسه فيه فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الأخرى سما وإنه يغمس جناحه
المسموم في الشراب ولا يغمس الذي فيه الشفاء فاغمسوها لئلا يضركم .
وقال
عليهالسلام
لو لا الذباب الذي يقع في
أطعمة الناس من حيث لا يعلمون لأسرع فيهم الجذام .
٨ ـ وعن محمد بن
علي الباقر عليهالسلام
لو لا أن الناس يأكلون
الذباب من حيث لا يعلمون لجذموا أو قال لجذم عامتهم .
٩ ـ التهذيب :
بإسناده عن محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن هارون بن خارجة
عن شعيب عن عيسى بن حسان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كنت
__________________
عنده إذ أقبلت
خنفساء فقال نحها فإنها قشة من قشاش النار .
بيان
: في القاموس القشة
بالكسر دويبة كالخنفساء.
وقال الدميري
الخنفساء بفتح الفاء ممدودة والأنثى خنفساة بالهاء تتولد من عفونة
الأرض وبينها وبين العقرب صداقة وهي أنواع منها الجعل وحمار قبان وبنات وردان
والحنطب وهو ذكر الخنافس والخنفساء مخصوصة بكسرة الفسو.
وروى ابن عدي عن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : ليدعن الناس فخرهم
في الجاهلية أو ليكونن أبغض إلى الله من الخنافس.
وحكى القزويني أن
رجلا رأى خنفساء فقال ما يريد الله من خلق هذه أحسن شكلها أو طيب ريحها
فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك علاجها فسمع يوما صوت طبيب من
الطرقيين وهو ينادي في الدرب فقال هاتوه حتى ينظر في أمري فقالوا ما تصنع بطريقي وقد عجز عنك حذاق
الأطباء فقال لا بد لي منه فلما أحضروه ورأى القرحة استدعى بخنفساء فضحك الحاضرون
فتذكر العليل القول الذي سبق منه فقال أحضروا له ما طلب فإن الرجل على بصيرة فأحرقها وذر
رمادها على قرحته فبرأ بإذن الله تعالى فقال للحاضرين إن الله تعالى أراد أن
يعرفني أن أخس المخلوقات أعز الأدوية .
وقال الذباب معروف
واحدته ذبابة وجمعه أذبة وذبان بكسر الذال وتشديد الباء الموحدة وبالنون في آخره
قال أفلاطون إن الذباب أحرص الأشياء
__________________
ولم يخلق للذباب
أجفان لصغر أحداقها ومن شأن الأجفان أن تصقل مرآة الحدقة من الغبار فجعل الله لها
عوض الأجفان يدين تصقل بهما مرآة حدقتها فلذا ترى الذباب يمسح بيديه عينيه وهو
أصناف كثيرة متولدة من العفونة قال الجاحظ الذباب عند العرب يقع على الزنابير
والبعوض بأنواعه كالبق والبراغيث والقمل والصواب والناموس والفراش
والنمل والذباب المعروف عند الإطلاق العرفي وهو أصناف النغر والقمع والخازباز
والشعراء وذباب الكلاب وذباب الرياض وذباب الكلاء والذباب الذي يخالط الناس يخلق
من السفاد وقد يخلق من الأجسام ويقال إن الباقلاء إذا عتق في موضع استحال كله
ذبابا فطار من الكوى التي في ذلك الموضع ولا يبقى فيه غير القشر.
وعن أنس أن النبي
صلىاللهعليهوآله
قال : عمر الذباب أربعون
ليلة والذباب كله في النار إلا النحل.
قيل كونه في النار
ليس بعذاب وإنما هو ليعذب به أهل النار لوقوعه عليهم.
وعن أبي أمامة أن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : وكل بالمؤمن مائة
وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه فمن ذلك سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن
قصعة العسل الذباب في يوم الصائف ولو بدوا لكم لرأيتموهم على كل سهل وجبل كل باسط
يده فاغر فاه ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين.
والعرب يجعل
الذباب والفراش والدبر ونحوه كلها واحدا وجالينوس يقول إنه ألوان فللإبل ذباب
وللبقر ذباب وأصله دود صغار تخرج من أبدانهن فتصير ذبابا وزنابير وذباب الناس يتولد
من الزبل إذا هاجت ريح الجنوب ويخلق في تلك الساعة وإذا هبت ريح الشمال خف
وتلاشى وهو من ذوات الخراطيم كالبعوض انتهى.
ومن عجيب أمره أنه
يلقى رجيعه على الأبيض أسود وعلى الأسود أبيض
__________________
ولا يقع على شجرة
اليقطين ولذلك أنبتها الله على يونس عليهالسلام حين خرج من بطن الحوت ولو وقعت عليه ذبابة لآلمته فمنع الله
تعالى عنه الذباب فلم يزل كذلك حتى تصلب جسمه ولا يظهر كثيرا إلا في الأماكن
العفنة ومبدأ خلقه منها ثم من السفاد وربما بقي الذكر على الأنثى عامة اليوم ومن
الحيوان الشمسية لأنه يخفى شتاء ويظهر صيفا.
وروى البخاري
وغيره أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : إذا وقع الذباب في
إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء وإنه يتقي بجناحه الذي
فيه الداء.
وفي رواية النسائي
وابن ماجه أن إحدى جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه
يقدم السم ويؤخر الشفاء.
وقال الخطابي وقد
تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له وقال كيف يكون هذا وكيف يجتمع الداء
والشفاء في جناحي ذبابة وكيف تعلم ذلك في نفسها حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح
الشفاء وما أداها إلى ذلك قال وهذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن الذي يجد نفسه ونفوس
عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي
أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى الله سبحانه قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى
الحيوان التي منها بقاؤه وصلاحه لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزءين
من حيوان واحد وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه
وألهم الذرة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة وجعل
لها الهداية إلى أن تقدم جناحا وتؤخر
__________________
جناحا لما أراد من
الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار التكليف وله في كل شيء
حكمة وعنوان : « وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ » انتهى.
وقد تأملت الذباب
فوجدته يتقي بجناحه الأيسر وهو مناسب للداء كما أن الأيمن مناسب للشفاء وقد استفيد
من الحديث أنه إذا وقع في المائع لا ينجسه لأنه ليست له نفس سائلة.
ولو وقع الزنبور
أو الفراش أو النحل أو أشباه ذلك في الطعام فهل يؤمر بغمسه لعموم قوله
صلىاللهعليهوآله
إذا وقع الذباب في إناء
أحدكم الحديث وهذه الأنواع كلها يقع عليها اسم الذباب في اللغة كما تقدم وقد قال
علي عليهالسلام
في العسل إنه مذقة ذبابة
وقد مر أن الذباب كله في النار إلا النحل فسمي الكل ذبابا فإذا كان كذلك فالظاهر
وجوب حمل الأمر بالغمس على الجميع إلا النحل فإن الغمس قد يؤدي إلى قتله.
وفي شفاء الصدور
وتاريخ ابن النجار مسندا أن النبي صلىاللهعليهوآله كان لا يقع على جسده ولا على ثيابه ذباب أصلا.
والذباب أجهل
الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة .
وقال البق المعروف
هو الفسافس يقال إنه يتولد من النفس الحار و
__________________
لشدة رغبته في
الإنسان إذا شم رائحته رمى بنفسه عليه .
وفي حديث الطبراني
بإسناد جيد عن أبي هريرة قال : سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وهو آخذ بكفيه جميعا حسنا
أو حسينا وقدماه على قدمي رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يقول حزقة حزقة ترق عين بقة فيرقى الغلام فيضع قدميه
على صدر رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثم قال افتح فاك ثم قبله
ثم قال من أحبه فإني أحبه.
رواه البزار ببعض
هذا اللفظ والحزقة الضعيف المتقارب الخطو ذكر له ذلك على سبيل المداعبة والتأنيس
وترق معناه اصعد وعين بقة كناية عن ضعف العين مرفوع خبر مبتدإ محذوف.
وفي تاريخ ابن
النجار عن ابن نباتة قال سمعت علي بن أبي طالب
عليهالسلام
يقول في خطبته ابن آدم
تؤلمه بقة وتنتنه عرقة وتقتله شرقة .
وقال الزنبور
الدبر وهي تؤنث والزنابير لغة فيها وربما سميت النحلة زنبورا والجمع الزنابير وهو
صنفان جبلي وسهلي فالجبلي يأوي الجبال ويعيش في الشجر ولونه إلى السواد
وبداءة خلقه دود حتى يصير كذلك ويتخذ بيوتا من تراب كبيوت النحل ويجعل لبيوته
أربعة أبواب لمهاب الرياح الأربع وله حمة يلسع بها وغذاؤه من الثمار والأزهار
ويتميز ذكورها من إناثها بكبر الجثة والسهلي لونه أحمر ويتخذ عشه تحت الأرض ويخرج
التراب منه كما يفعل النمل ويختفي في الشتاء لأنه متى ظهر فيه هلك فهو ينام طول الشتاء
كالميتة ولا يجمع القوت للشتاء بخلاف النمل فإذا جاء الربيع وقد صار من البرد وعدم
__________________
القوت كالخشب
اليابس نفخ الله في تلك الجثة الحياة فعاشت مثل العام الأول وذلك دأبها وفي هذا
النوع صنف مختلف اللون مستطيل الجسد في طبعه الحرص والشره يطلب المطابخ ويأكل ما
فيها من اللحوم ويطير مفردا ويسكن بطن الأرض والجدران وهذا الحيوان بأسره مقسوم في
وسطه ولذلك لا يتنفس من جوفه البتة ومتى غمس في الدهن سكنت حركته وإنما ذلك لضيق
منافذه فإن طرح في الخل عاش ويحرم أكله ويستحب قتله.
لما روي عن أنس أن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : من قتل زنبورا اكتسب
ثلاث حسنات.
لكن يكره إحراق
بيوتها بالنار وسئل أحمد عن تدخين بيوت الزنابير فقال إذا يخشى أذاها فلا بأس وهو
أحب إلي من تحريقه .
وقال الدبر بفتح
الدال جماعة النحل قال السهيلي الدبر الزنابير وقال الأصمعي لا واحد له من لفظه
ويقال إن واحده خشرمة.
وفي الفائق أن
سكينة بنت الحسين عليهالسلام
جاءت إلى أمها الرباب وهي
صغيرة تبكي فقالت ما بك قالت مرت بي دبيرة فلسعتني بأبيرة.
أرادت تصغير دبرة
وهي النحلة سميت بذلك لتدبيرها في عمل العسل .
وقال البرغوث واحد
البراغيث وضم بائه أكثر من كسرها وحكى الجاحظ أن البرغوث من الحيوان الذي يعرض له
الطيران كما يعرض للنحل وهو يطيل السفاد ويبيض فيفرخ بعد أن يتولد وهو ينشأ أولا
من التراب لا سيما في الأماكن المظلمة وسلطانه في أواخر فصل الشتاء وأول فصل
الربيع ويقال إنه على صورة الفيل وله أنياب يعض بها وخرطوم يمص به ولا يسب لما روي
عن أنس أن النبي
__________________
صلىاللهعليهوآله سمع رجلا يسب برغوثا فقال لا تسبه فإنه أيقظ نبيا لصلاة
الفجر.
ومن معجم الطبراني
عن علي عليهالسلام
قال : نزلنا منزلا فآذتنا
البراغيث فسببناها فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا تسبوها فنعمت الدابة فإنها أيقظتكم لذكر الله.
وفي دعوات
المستغفري عن أبي ذر أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع
مرات : « وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ
وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا » الآية ثم يقول إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم
ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها ويستحب قتله للمحل والمحرم .
١٠ ـ الكافي : عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن سعيد بن جناح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد
الله عليهالسلام
قال : ما خلق الله عز وجل
خلقا أصغر من البعوض والجرجس أصغر من البعوض والذي نسميه نحن الولع أصغر من الجرجس
وما في الفيل شيء إلا وفيه مثله وفضل على الفيل بالجناحين .
بيان : قال
الجوهري الجرجس لغة في القرقس وهو البعوض الصغار.
وأقول لعل قوله
عليهالسلام
أصغر من البعوض يعني به
أصغر من سائر أنواعه ليستقيم قوله عليهالسلام ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض ويوافق كلام أهل اللغة على
أنه يحتمل أن يكون الحصر في الأول إضافيا كما أن الظاهر أنه لا بد من تخصيصه
بالطيور إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض إلا أن يقال
__________________
يمكن أن يكون
للبعوض أنواع صغار لا يكون شيء من الحيوانات أصغر منها والوالع غير مذكور في كتب
اللغة والظاهر أنه أيضا صنف من البعوض وقال الدميري البعوض دويبة وقال الجوهري إنه
البق الواحدة بعوضة وهو وهم والحق أنهما صنفان صنف كالقراد لكن له أرجل خفية ورطوبة ظاهرة
يسمى بالعراق والشام الجرجس قال الجوهري وهو لغة في القرقس وهو البعوض الصغار
والبعوض على خلقة الفيل إلا أنه أكثر أعضاء منه فإن للفيل أربعة أرجل وخرطوما
وذنبا وللبعوض مع هذه الأعضاء رجلان زائدتان وأربعة أجنحة وخرطوم الفيل مصمت
وخرطومه مجوف نافذ للجوف فإذا طعن به جسد الإنسان استقى الدم وقذف به إلى جوفه فهو
له كالبلعوم والحلقوم فلذلك اشتد عضها وقويت على خرق الجلود الغلاظ ومما ألهمه
الله تعالى أنه إذا جلس على عضو من أعضاء الإنسان لا يزال يتوخى بخرطومه المسام
التي يخرج منها العرق لأنها أرق بشرة من جلد الإنسان فإذا وجدها وضع خرطومه فيها
وفيه من الشره أن يمص الدم إلى أن ينشق ويموت أو إلى أن يعجز عن الطيران فيكون ذلك
سبب هلاكه ومن ظريف أمره أنه ربما قتل البعير وغيره من ذوات الأربع فيبقى
طريحا في الصحراء فيجتمع حوله السباع والطير مما يأكل الجيف فمتى أكل منها
شيئا مات لوقته وكان بعض جبابرة الملوك بالعراق يعذب بالبعوض فيأخذ من يريد قتله
فيخرجه مجردا إلى بعض الآجام التي بالبطائح ويتركه فيها مكتوفا فيقتل في أسرع وقت.
وروى الترمذي أن
النبي صلىاللهعليهوآله
قال : لو كانت الدنيا
تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء.
وروى وهب بن منبه
أرسل الله البعوض على نمرود واجتمع منه في عسكره
__________________
ما لا يحصى عددا
فلما عاين نمرود ذلك انفرد عن جيشه ودخل بيته وأغلق الباب وأرخى الستور
ونام على قفاه مفكرا فدخلت بعوضة في أنفه فصعدت إلى دماغه فتعذب بها أربعين يوما
إلى أن كان يضرب برأسه الأرض وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقط منه كالفرخ
وهو يقول كذلك يسلط الله : « رُسُلَهُ عَلى مَنْ
يَشاءُ » من عباده ثم هلك حينئذ.
وروى جعفر بن محمد
عن أبيه عليهالسلام
قال : نظر رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إلى ملك الموت عند رأس
رجل من الأنصار فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله ارفق بصاحبي فإنه مؤمن قال إني بكل مؤمن رفيق وما من أهل
بيت إلا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ولو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت حتى
يكون من الله الأمر بقبضها قال جعفر بن محمد بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة.
ومن هذا يعلم أن
ملك الموت هو الموكل بقبض كل روح .
والبعوضة على صغر
جرمها قد أودع الله تعالى في مقدم دماغها قوة الحفظ وفي وسطه قوة الفكر وفي مؤخره
قوة الذكر وخلق لها حاسة البصر وحاسة اللمس وحاسة الشم وخلق لها منفذا للغذاء
ومخرجا للفضلة وخلق لها جوفا ومعاء وعظاما فسبحان من :
« قَدَّرَ
فَهَدى » ولم يخلق شيئا من المخلوقات سدى .
__________________
١٣
(باب)
الخفاش
وغرائب خلقه وعجائب أمره
الآيات آل عمران :
٣ « أَنِّي
أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ » ٤٩.
تفسير : المشهور
بين المفسرين من الخاصة والعامة أن الطير كان هو الخفاش قال أبو الليث في تفسيره
إن الناس سألوا عيسى على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن
كنت من الصادقين فأخذ طينا وجعل خفاشا ونفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض
وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى عليهالسلام والخلق من الله تعالى ويقال إنما طلبوا منه خلق خفاش لأنه
أعجب من سائر الخلق.
ومن عجائبه أنه دم
ولحم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ويكون له
الضرع ويخرج منه اللبن ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل وإنما يرى في
ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدا ويضحك كما يضحك
الإنسان وتحيض كما تحيض المرأة فلما رأوا ذلك منه ضحكوا و :
« قالُوا
هذا سِحْرٌ مُبِينٌ » فذهبوا إلى جالينوس فأخبروه بذلك فقال آمنوا به الخبر.
١ ـ العيون :
والعلل ، في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين
عليهالسلام
عن ستة لم يركضوا في رحم
فقال آدم وحواء وكبش إسماعيل وعصا موسى وناقة صالح و
__________________
الخفاش الذي عمله
عيسى بن مريم عليهالسلام
فطار بإذن الله تعالى .
٢ ـ نهج البلاغة :
من خطبة له عليهالسلام
يذكر فيها بديع خلقة
الخفاش الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته وردعت عظمته العقول فلم يجد
مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته هو الله الملك الحق المبين أحق وأبين مما ترى العيون
لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثلا خلق
الخلق على غير تمثيل ولا مشورة مشير ولا معونة معين فتم خلقه بأمره وأذعن بطاعته
فأجاب ولم يدافع وانقاد فلا ينازع ومن لطائف صنعته وعجائب خلقته ما أرانا من غوامض الحكمة في
هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لكل شيء ويبسطها الظلام القابض لكل حي
وكيف غشيت [ عشيت ] أعينها عن أن تستمد من الشمس المضيئة نورا
تهتدي به في مذاهبها وتصل بعلانية برهان الشمس إلى معارفها وردعها بتلألؤ ضيائها عن
المضي في سبحات إشراقها وأكنها في مكامنها عن الذهاب في بلج ائتلاقها فهي مسدلة
الجفون بالنهار على أحداقها وجاعلة الليل سراجا تستدل به في التماس أرزاقها فلا
يرد أبصارها إسداف ظلمته ولا تمتنع من المضي فيه لغسق دجنته فإذا ألقت الشمس
قناعها وبدت أوضاح نهارها ودخل من إشراق نورها على الضباب في وجارها أطبقت الأجفان
على مآقيها وتبلغت ما اكتسبته من المعاش في ظلم لياليها فسبحان من جعل الليل لها
نهارا ومعاشا والنهار سكنا وقرارا وجعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة
إلى الطيران كأنها شظايا الآذان غير ذوات ريش ولا قصب إلا أنك ترى مواضع العروق
بينة أعلاما لها جناحان لما
__________________
يرقا فينشقا ولم
يغلظا فيثقلا تطير وولدها لاصق بها لاجئ إليها يقع إذا وقعت ويرتفع إذا ارتفعت لا
يفارقها حتى تشتد أركانها ويحمله للنهوض جناحه ويعرف مذاهب عيشه ومصالح نفسه
فسبحان البارئ لكل شيء على غير مثال خلا من غيره .
تبيان الخفاش
كرمان معروف وحسر حسورا كقعد كل لطول مدى ونحوه وحسرته أنا يتعدى ولا يتعدى
وانحسرت أي كلت وأعيت وكنه الشيء حقيقته ونهايته وردعت كمنعت لفظا ومعنا والمساغ
المسلك والملكوت العز والسلطان والحق المتحقق وجوده أو الموجود حقيقة وأبين أي أوضح
وكونه سبحانه أحق وأبين مما ترى العيون لأن العلم بوجوده سبحانه عقلي يقيني لا
يتطرق إليه ما يتطرق إلى المحسوسات من الغلط والحد في اللغة المنع الحاجز بين
الشيئين ونهاية الشيء وطرفه وفي عرف المنطقيين التعريف بالذاتي والمراد بالتحديد
هنا إما إثبات النهاية والطرف المستلزم للمشابهة بالأجسام أو التحديد المنطقي
والأول أنسب بعرفهم والتقدير إثبات المقدار وكأن المراد بالتمثيل إيجاد الخلق على
حذو ما قد خلقه غيره أو أنه لم يجعل لخلقه مثالا قبل الإيجاد كما يفعله البناء
تصويرا لما يريد بناءه والمشورة مفعلة من أشار إليه بكذا أي أمره به والمشورة بضم
الشين كما في بعض النسخ والشورى بمعناه والمعونة الاسم من أعانه وعونه فتم خلقه أي
بلغ كل مخلوق إلى كماله الذي أراده الله سبحانه منه أو خرج جميع ما أراده من العدم
إلى الوجود بمجرد أمره وأذعن أي خضع وأقر وأسرع في الطاعة وانقاد والجملتان
كالتفسير للإذعان ولعل المراد بالإذعان دخوله تحت القدرة الإلهية وعدم الاستطاعة
للامتناع.
وقوله
عليهالسلام
لم يدافع بيان للإجابة
كما أن لم ينازع بيان للانقياد وإلا لكان العكس أنسب ويحتمل أن يكون إشارة إلى
تسبيحهم بلسان الحال كقوله تعالى
__________________
: « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ
إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » كما مر واللطائف جمع لطيفة وهي ما صغر ودق والعجائب جمع
عجيبة وعجيب قيل يجمع على عجائب كأفيل وأفائل وقيل لا يجمع عجيب ولا عجب والغامض
خلاف الواضح وكل شيء خفي مأخذه وقال بعضهم حاصل الكلام التعجب من مخالفتها لجميع
الحيوانات في الانقباض عن الضوء والإشارة إلى خفاء العلة في ذلك والمراد بالانقباض
انقباض أعينها في الضوء ويكون ذلك عن إفراط التحلل في الروح النوري لحر النهار ثم
يستدرك ذلك برد الليل فيعود الأبصار.
وقيل الأظهر أنه
ليس لمجرد الحر وإلا لزم أن لا يعرضه الانقباض في الشتاء إلا إذا ظهرت الحرارة في
الهواء وفي الصيف أيضا في أوائل النهار بل ذلك لضعف في قوتها الباصرة ونوع من
التضاد والتنافر بينها وبين النور كالعجز العارض لسائر القوى المبصرة عن النظر إلى
جرم الشمس وأما أن علة التنافر ما ذا ففيه خفاء وهو منشأ التعجب الذي يشير إليه
الكلام ويمكن أن يعود الضمير إليها من غير تقدير مضاف ويكون المراد بانقباضها ما
هو منشأ اختفائها نهارا وإن كان ذلك ناشئا من جهة الأبصار والعشى بالفتح مقصورا
سوء البصر بالنهار أو بالليل والنهار أو العمى والمعنى كيف عجزت وعميت عن أن تستمد
أي تستعين وتتقوى تقول أمددته بمدد إذا أعنته وقويته ومذاهبها طرق معاشها ومسالكها
في سيرها وانتفاعها وتصل بالنصب عطفا على تستمد وفي بعض النسخ بالرفع عطفا على
تهتدي وفي بعضها وتتصل والاتصال إلى الشيء الوصول إليه.
والبرهان الدليل
ومعارفها ما تعرفه من طرق انتفاعها وردعها أي كفها وردها وتلألأ البرق أي لمع
والسبحات بضمتين جمع سبحة بالضم وهي النور وقيل سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأيت
الوجه الحسن قلت سبحان الله وقيل سبحان الله تنزيه له أي سبحان وجهه والكن بالكسر
الستر وأكنه ستره واستكن استتر وكمن كنصر ومنع أي استخفى والمكمن الموضع والبلج
__________________
بالتحريك مصدر بلج
كتعب أي ظهر ووضح وصبح أبلج بين البلج أي مشرق ومضيء ذكره الجوهري وقيل البلج جمع
بلجة بالضم وهو أول ضوء الصبح وجاء بلجة أيضا بالفتح ولم أجده في كلامهم والائتلاق
اللمعان يقال ائتلق وتألق إذا التمع وسدل ثوبه يسدله وأسدله أي أرسله وأرخاه
والجفن بالفتح غطاء العين من أعلاها وأسفلها والجمع أجفان وجفون وأجفن والحدقة
محركة سواد العين وتجمع على حداق كما في بعض النسخ وعلى أحداق كما في بعضها وإسدال
جفونها لانقباضها وتأثر حاستها عن الضياء وقيل لأن تحلل الروح الحامل للقوة
الباصرة سبب للنوم أيضا فيكون ذلك الإسدال ضربا من النوم والالتماس الطلب وأسدف
الليل أي أظلم وفي بعض النسخ أسداف بفتح الهمزة جمع سدف بالتحريك كجمل وإجمال وهو
الظلمة والإضافة للمبالغة والضمير في فيه راجع إلى الليل والغسق بالتحريك ظلمة أول
الليل والدجنة بضم الدال المهملة والجيم وتشديد النون كحزقة والدجن كعتل الظلمة
وحاصل الكلام التعجب من كون حالها في الإبصار والتماس الرزق على عكس سائر
الحيوانات وقناع الشمس كناية عن الظلمة أو ما يحجبها من الآفاق وإلقاء القناع
طلوعها والوضح بالتحريك البياض من كل شيء وبياض الصبح والقمر وفي بعض النسخ دخل من
إشراق نورها أي دخل الشيء من إشراق نورها.
والضباب بالكسر
جمع الضب الدابة المعروفة ووجارها بالكسر جحرها الذي تأوي إليه ومن عادتها الخروج
من وجارها عند طلوع الشمس لمواجهة النور على عكس الخفافيش ومأقيها بفتح الميم
وسكون الهمزة وكسر القاف وسكون الياء كما في أكثر النسخ لغة في المؤق بضم الميم
وسكون الهمزة أي طرف عينها مما يلي الأنف وهو مجرى الدمع من العين وقيل مؤخرها
وقال الأزهري أجمع أهل اللغة أن المؤق والمأق بالضم والفتح طرف العين الذي يلي
الأنف وأن الذي يلي الصدغ يقال له اللحاظ والمأقي لغة فيه وقال ابن القطاع مأقي
العين فعلي وقد غلط فيه جماعة من العلماء فقالوا هو مفعل وليس كذلك بل الياء في
آخره.
للإلحاق قال
الجوهري وليس هو مفعل لأن الميم أصلية وإنما زيدت في آخره الياء للإلحاق ولما كان
فعلي بكسر اللام نادرا لا أخت لها ألحق بمفعل ولهذا جمع على مآق على التوهم وفي
بعض النسخ مآقيها على صيغة الجمع وتبلغ بكذا أي اكتفى.
والمعاش ما يعاش
به وما يعاش فيه ومصدر بمعنى الحياة والمناسب هاهنا الأول وفيما سيجيء الثاني وفي
بعض النسخ ليلها موضع لياليها والسكن بالتحريك ما تسكن إليه النفس وتطمئن وقر
الشيء كفر أي استقر بالمكان والاسم القرار بالفتح وقيل هو اسم مصدر والشظية الفلقة
من الشيء فعيلة من قولك تشظت العصا إذا صارت فلقا والجمع شظايا والقصب الذي في
أسفل الريش للطيور.
والأعلام جمع علم
بالتحريك وهو طراز الثوب ورسم الشيء ورقمه وأعلاما في المعنى كالتأكيد لبينة وكلمة
لها غير موجودة في بعض النسخ فيكون قوله جناحان خبر مبتدإ محذوف أي جناحاه لم
يجعلا رقيقين بالغين في الرقة ولا في الغلظ حذرا من الانشقاق والثقل المانع من
الطيران ولجأ إلى الشيء أي لاذ واعتصم به ووقوع الطير ضد ارتفاعه وأركان كل شيء
جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها والنهوض التحرك بالقيام ونهض الطائر إذا بسط
جناحه ليطير والعيش الحياة ومصالح الشيء ما فيه صلاحه ضد الفساد والبارئ الخالق
ومثال الشيء شبهه وخلا أي مضى وسبق أي لم يخلق الأشياء على حذو خالق سبقه بل
ابتدعها على مقتضى الحكمة والمصلحة.
قال الدميري
الخفاش بضم الخاء وتشديد الفاء واحد الخفافيش التي تطير في الليل وهو غريب الشكل
والوصف والخفش صغر العين وضيق البصر والأخفش صغير العين ضعيف البصر وقيل هو عكس
الأعشى وقيل هو من يبصر في الغيم دون الصحو وقال الجوهري هو نوعان فالأعشى من يبصر
نهارا لا ليلا والعمش ضعف الرؤية مع
__________________
سيلان الدمع غالب
الأوقات والعور معروف.
قال البطليوسي
الخفاش له أربعة أسماء خفاش وخشاف وخطاف ووطواط وتسميته خفاشا يحتمل أن يكون
مأخوذا من الخفش والأخفش في اللغة نوعان ضعيف البصر خلقة والثاني لعلة حدثت وهو
الذي يبصر بالليل دون النهار وفي يوم الغيم دون الصحو.
وما ذكره من أن
الخفاش هو الخطاف فيه نظر والحق أنه صنفان وقال قوم الخفاش الصغير والوطواط الكبير وهو لا يبصر في
ضوء القمر ولا في ضوء النهار ولما كان لا يبصر نهارا التمس الوقت الذي لا يكون فيه
ظلمة ولا ضوء وهو قريب غروب الشمس لأنه وقت هيجان البعوض فإن البعوض يخرج ذلك
الوقت يطلب قوته وهو دماء الحيوان والخفاش يطلب الطعم فيقع طالب رزق
على طالب رزق والخفاش ليس هو من الطير في شيء لأنه ذو أذنين وأسنان وخصيتين ويحيض ويطهر
ويضحك كما يضحك الإنسان ويبول كما تبول ذوات الأربع ويرضع ولده ولا ريش له.
قال بعض المفسرين
لما كان الخفاش هو الذي خلقه عيسى بن مريم عليهالسلام بإذن الله تعالى كان مباينا لصنعة الله تعالى ولهذا جميع
الطير تقهره وتبغضه فما كان منها يأكل اللحم أكله وما لا يأكل اللحم قتله فلذلك لا
يطير إلا ليلا.
وقيل لم يخلق عيسى
عليهالسلام
غيره لأنه أكمل الطير
خلقا وهو أبلغ في القدرة لأن له ثديا وأسنانا وأذنا وقيل إنما طلبوا
خلق الخفاش لأنه من أعجب الطير إذ هو لحم ودم يطير بغير ريش وهو شديد الطيران سريع التقلب
__________________
يقتات بالبعوض
والذباب وبعض الفواكه وهو مع ذلك موصف بطول العمر فيقال إنه أطول عمرا من النسر
ومن حمار الوحش وتلد أنثاه ما بين ثلاثة أفراخ وسبعة وكثيرا ما يسفد وهو طائر في
الهواء وليس في الحيوان ما يحمل ولده غيره والقرد والإنسان ويحمله تحت جناحه وربما
قبض عليه بفيه وهو من حنوه عليه وإشفاقه عليه وربما أرضعت الأنثى ولدها وهي طائرة
وفي طبعه أنه متى أصابه ورق الدلب حذر ولم يطر ويوصف بالحمق ومن ذلك إذا قيل له
أطرق كرى التصق بالأرض .
١٤
(باب
البوم)
١ ـ كامل الزيارة
: عن محمد بن الحسن بن الوليد وجماعة مشايخي عن سعد بن عبد الله عن اليقطيني عن
صفوان عن الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : سمعته يقول في
البومة فقال هل أحد منكم رآها نهارا قيل له لا تكاد تظهر بالنهار ولا تظهر إلا ليلا قال أما
إنها لم تزل تأوي العمران فلما أن قتل الحسين
عليهالسلام
آلت على نفسها أن لا تأوي
العمران أبدا ولا تأوي إلا الخراب فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتى يجنها الليل
فإذا جنها الليل فلا تزال ترن على الحسين عليهالسلام حتى تصبح .
٢ ـ ومنه : عن
حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة عن الحسين بن علي بن صاعد البربري وكان قيما لقبر
الرضا عليهالسلام
قال حدثني أبي قال : دخلت
على الرضا عليهالسلام
فقال لي ما يقول الناس
قال قلت جعلت فداك جئنا نسألك قال فقال ترى هذه البومة كانت على عهد جدي
رسول الله صلىاللهعليهوآله
تأوي المنازل والقصور
والدور
__________________
وكانت إذا أكل
الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام وتسقى ثم ترجع إلى مكانها ولما
قتل الحسين بن علي عليهالسلام
خرجت من العمران إلى
الخراب والجبال والبراري وقالت بئس الأمة أنتم قتلتم ابن نبيكم ولا آمنكم على نفسي
.
٣ ـ ومنه : عن
محمد بن جعفر الرزاز عن ابن أبي الخطاب عن ابن فضال عن رجل عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : إن البومة لتصوم
النهار فإذا أفطرت تدلهت على الحسين عليهالسلام حتى تصبح .
بيان :
تدلهت كذا في أكثر النسخ
بالدال المهملة وفي القاموس الدله والدلهة محركة والدلوة ذهاب الفؤاد من هم ونحوه
ودلهه العشق بكذا تدليها فتدله والمدله كمعظم الساهي القلب الذاهب العقل من عشق
ونحوه وفي بعض النسخ بالواو وفي القاموس الوله محركة الحزن وذهاب العقل حزنا
والحيرة والخوف وله كورث ووجل ووعد فهو ولهان وواله وتوله واتله وهي ولهى ووالهة
وواله وميلاه شديدة الحزن والجزع على ولدها.
٤ ـ الكامل : عن
علي بن الحسين عن سعد بن موسى بن عمر عن الحسن بن علي الميثمي قال قال أبو عبد
الله عليهالسلام
يا با يعقوب رأيت بومة قط
تنفس بالنهار فقال لا قال وتدري لم ذلك قال لا قال لأنها تظل يومها صائمة فإذا
جنها الليل أفطرت على ما رزقت ثم لم تزل ترنم على الحسين
عليهالسلام
حتى تصبح .
بيان :
تنفس كذا في أكثر النسخ
بالنون والفاء وكأنه كناية عن التصويت والترنم ولا يبعد أن يكون تنغش بالنون
والغين المعجمة قال في القاموس النغش تحرك الشيء من مكانه كالانتغاش والتنغش وكل
طائر أو هامة تحرك في مكانه فقد تنغش.
__________________
٥ ـ دلائل الطبري :
عن الحسن بن علي الوشاء عن عبد الصمد بن بشير عن عطية أخي أبي العوام قال : كنت مع
أبي جعفر عليهالسلام
في مسجد الرسول
صلىاللهعليهوآله
إذ أقبل أعرابي على لقوح له فعقله ثم دخل
فضرب ببصره يمينا وشمالا كأنه طائر العقل فهتف به أبو جعفر
عليهالسلام
فلم يسمعه فأخذ كفا من
حصى فحصبه فأقبل الأعرابي حتى نزل بين يديه فقال له يا أعرابي من أين
أقبلت قال من أقصى الأرض فقال له أبو جعفر الأرض أوسع من ذلك فمن أين أقبلت قال من
أقصى الدنيا وما خلفي من شيء أقبلت من الأحقاف قال أي الأحقاف قال أحقاف عاد قال
يا أعرابي فما مررت به في طريقك قال مررت بكذا فقال أبو جعفر
عليهالسلام
ومررت بكذا قال الأعرابي
نعم قال أبو جعفر عليهالسلام
ومررت بكذا فلم يزل يقول
الأعرابي إني مررت ويقول له أبو جعفر عليهالسلام ومررت بكذا إلى أن قال له أبو جعفر فمررت بشجرة يقال له
شجرة الرقاق قال فوثب الأعرابي على رجليه ثم صفق بيده وقال والله ما رأيت رجلا
أعلم بالبلاد منك أوطئتها قال لا يا أعرابي ولكنها عندي في كتاب يا أعرابي إن من
ورائكم لواديا يقال له البرهوت تسكنه البوم والهام يعذب فيه أرواح المشركين إلى
يوم القيامة .
٦ ـ حياة الحيوان :
البوم بضم الباء طائر يقع على الذكر والأنثى حتى تقول صدى أو قيادا فيختص بالذكر
كنية الأنثى أم الخراب وأم الصبيان ويقال لها غراب الليل ومن طبعها أن تدخل على كل
طائرة في وكره وتخرجه منه وتأكل فراخه وبيضه وهي قوية السلطان في الليل لا يحتملها
شيء من الطير ولا تنام الليل فإذا رآها الطير في النهار قتلوها ونتفوا ريشها
للعداوة التي بينها وبينهم ومن
__________________
أجل ذلك صار
الصيادون يجعلونها تحت شباكهم ليقع لهم الطير ـ ونقل المسعودي عن الجاحظ أن البومة
لا تطير بالنهار خوفا من أن تصاب بالعين لحسنها وجمالها ولما تصور
في نفسها أنها أحسن الطير لم تظهر إلا بالليل وتزعم العرب في أكاذيبها أن الإنسان
إذا مات أو قتل يتصور نفسه في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشة لجسدها والبوم
أصناف وكلها تحب الخلوة بنفسها والتفرد وفي أصل طبعها عداوة الغربان وفي تاريخ ابن النجار
أن كسرى قال لعامل له صد لي شر الطير واشوه بشر الوقود وأطعمه شر الناس فصاد بومة
وشواها بحطب الدفلى وأطعمها ساعيا وفي سراج الملوك لأبي بكر الطرطوسي أن عبد الملك
بن مروان أرق ليلة فاستدعى سميرا له يحدثه فكان فيما حدثه به أن قال يا أمير المؤمنين كان
بالموصل بومة وبالبصرة بومة فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها فقالت
بومة البصرة لا أفعل إلا أن تجعل لي صداقها مائة ضيعة خراب فقالت بومة الموصل لا
أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام والينا علينا سلمه الله تعالى سنة واحدة فعلت ذلك
فاستيقظ لها عبد الملك وجلس للمظالم وأنصف الناس بعضهم عن بعض وتفقد أمر الولاة
ورأيت في بعض المجاميع بخط بعض العلماء الأكابر أن المأمون أشرف يوما من قصره فرأى
رجلا قائما وبيده فحمة وهو يكتب بها على حائط قصره فقال المأمون
__________________
لبعض خدمه اذهب
إلى ذلك الرجل فانظر ما كتب وائتني به فبادر الخادم إلى الرجل مسرعا وقبض عليه وتأمل
ما كتب فإذا هو :
يا قصر جمع فيك
الشوم واللوم
|
|
حتى يعشش في
أركانك البوم
|
يوما يعشش فيك
البوم من فرحي
|
|
أكون أول من
يرعاك مرغوم
|
ثم إن الخادم قال
له أجب أمير المؤمنين فقال له الرجل سألتك بالله لا تذهب بي إليه فقال الخادم لا
بد من ذلك فلما مثله بين يدي المأمون أعلمه بما كتب فقال له المأمون
ويلك ما حملك على هذا قال يا أمير المؤمنين إنه لن يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من
خزائن الأموال والحلي والحلل والطعام والشراب والفرش والأواني والأمتعة والجواري
والخدم وغير ذلك مما يقصر عنه وصفي ويعجز عنه فهمي وإني يا أمير المؤمنين قد مررت
عليه الآن وأنا في غاية من الجوع والفاقة فوقفت متفكرا في أمري فقلت في نفسي هذا
القصر عامر عال وأنا جائع ولا فائدة لي فيه فلو كان خرابا ومررت به لم أعدم منه
رخامة أو خشبة أو مسمارا أبيعه وأتقوت بثمنه أوما علم أمير المؤمنين ما قال الشاعر
:
إذا لم يكن
للمرء في دولة امرئ
|
|
نصيب ولا حظ
تمنى زوالها
|
وما ذاك من بغض
له غير أنه
|
|
يرجى سواها فهو
يهوي انتقالها
|
فقال المأمون يا
غلام أعطه ألف دينار ثم قال له هي لك في كل سنة ما دام قصرنا عامرا بأهله .
__________________
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد فقد وفقنا الله تبارك
وتعالى لتصحيح هذا الجزء من كتاب بحار الأنوار وهو الجزء الرابع والستون حسب
تجزئتنا قد بذلنا الجهد والمجهود في تصحيحه وتنميقه ومقابلته بالنسخ وبمصادره
وعلقنا عليه تعليقا مختصرا تتميما لما لم يذكره المصنف من غريب الغة وغيره وتبيانا
لما اختلف في مصادره من نصوصه وكان المرجع في تصحيحنا مضافا إلى النسخة المطبوعة
المعروفة بطبعة أمين الضرب والنسخة المعروفة بطبعة الخونساري نسخة مخطوطة أرسلها
الفاضل المحترم السيد جلال الدين الأرموي دامت توفيقاته استكتبها أبو القاسم
الرضوي الموسوي الخونساري في سنة ١٢٣٥ نشكر الله تعالى على توفيقنا لذلك ونسأله
المزيد من توفيقه وإفضاله إنه ذو الفضل العظيم.
|
عبد الرحيم الرباني
الشيرازي
عفى عنه وعن والديه
ربيع الأول ١٣٩٢ ق
|
بسمه تعالى
انتهى الجزء
الثامن من المجلد الرابع عشر كتاب السماء والعالم من بحار الأنوار الجامعة لدرر
أخبار الأئمة الأبرار وهو الجزء الواحد والستون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة النفيسة
الرائقة. وقد قابلناه على النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ عبد الرحيم
الرباني المحترم بما فيها من التعليق والتنميق والله ولي التوفيق.
محمد الباقر البهبودى
فهرس
ما في هذا
الجزء من الأبواب
أبواب
الحيوان وأصنافها وأحوالها وأحكامها
١ ـ باب عموم أحوال
الحيوان وأصنافها................................ ٩٦ ـ ١
٢ ـ باب أحوال الأنعام
ومنافعها ومضارها واتخاذها................... ١٤٣ ـ ٩٧
٣ ـ باب البحيرة
وأخواتها........................................ ١٤٦ ـ ١٤٣
٤ ـ باب نادر في ركوب الزوامل والجلالات....................... ١٤٨ ـ ١٤٧
٥ ـ باب آداب الحلب
والرعي وفيه بعض النوادر................... ١٥١ ـ ١٤٩
٦ ـ باب علل تسمية
الدواب وبدء خلقها.......................... ١٥٧ ـ ١٥٢
٧ ـ باب فضل ارتباط
الدواب وبيان أنواعها وما فيه شؤمها وبركتها ٢٠٠ ـ ١٥٨
٨ ـ باب حق الدابة على
صاحبها وآداب ركوبها وحملها وبعض النوادر
................................................................. ٢٢٠
ـ ٢٠١
٩ ـ باب إخصاء الدواب
وكيها وتعرقبهاو الإضرار بها وبسائر الحيوانات والتحريش
بينها وآداب إنتاجها
وبعض النوادر.................................. ٢٢٨
ـ ٢٢١
١٠ ـ باب النحل والنمل وسائر ما نهي عن قتله من الحيوانات وما يحل
قتله منها من
الحيات والعقارب
والغربان وغيرها والنهي عن حرق الحيوانات وتعذيبها
................................................................. ٢٩٩
ـ ٢٢٩
١١ ـ باب القبرة
والعصفور وأشباههما............................ ٣٠٩ ـ ٣٠٠
١٢ـ باب الذباب والبق
والبرغوث والزنبور والخنفساء والقملة والقرد والحلم وأشباهها ٣٢١ ـ ٣١٠
١٣ ـ باب الخفاش
وغرائب خلقه وعجائب أمره................... ٣٢٩ ـ ٣٢٢
١٤ ـ باب البوم................................................ ٣٣٣ ـ ٣٢٩
*(رموز الكتاب)*
ب : لقرب الاسناد.
|
ع : للعلل الشرائع.
|
لد : للبلدين الامين.
|
بشا : لبشارة المصطفى.
|
عا : لدعائم الاسلام.
|
لي : لامالى الصدوق.
|
تم : لفلاح السائل.
|
عد : للعقائد.
|
م : لتفسير الامام العسكري (ع)
|
ثو : لثواب الاعمال.
|
عدة : للعدة.
|
ما : لامالى الطوسى.
|
ج : للاحتجاج.
|
عم : لاعلام الورى
|
محص : للتمحيص.
|
جا : لمجالس المفيد.
|
عين : للعيون والمحاسن.
|
مد : للعمدة.
|
جش : لفهرست النجاشي.
|
غر : للغرر والدرر.
|
مص : لمصباح الشريعة.
|
جع : لجامع الاخبار.
|
غط : لغيبة الشيخ.
|
مصبا : للمصباحين.
|
جم : لجماع الاسبوع.
|
غو : لغوالي اللئالي.
|
مع : لمعاني الاخبار.
|
جنة : للجنة.
|
ف : لتحف العقول.
|
مكا : لمكارم الاخلاق.
|
حة : لفرحة الغرى.
|
فتح : لفتح الابواب.
|
مل : لكامل الزيارة.
|
ختص : لكتاب الاختصاص.
|
فر : لتفسير فرات بن إبراهيم.
|
منها : للمنهاج.
|
خص : لمنتخب البصائر.
|
فس : لتفسير علي بن إبراهيم.
|
مهج : لمهج الدعوات.
|
د : للعدد.
|
فض : لكتاب الروضة.
|
ن : لعيون أخبار الرضا (ع).
|
سر : للسرائر.
|
ق : للكتاب العتيق الغروى.
|
نيه : لتنبيه الخاطر.
|
سن : للمحاسن.
|
قب : لمناقب ابن شهر آشوب
|
نجم : لكتاب النجوم.
|
شا : للارشاد.
|
قبس : لقبس المصباح.
|
نص : للكافية.
|
شف : لكشف اليقين.
|
قضا : لقضاء الحقوق.
|
نهج : لنهج البلاغة.
|
شى : لتفسير العياشي.
|
قل : لاقبال الاعمال.
|
نى : لغيبة النعماني.
|
ص : لقصص الانبياء.
|
قية : للدروع.
|
هد : للهداية.
|
صا : للاستبصار.
|
ك : لاكمال الدين.
|
يب : للتهذيب.
|
صبا : لمصباح الزائر.
|
كا : للكافي.
|
يج : للخرائج.
|
صح : لصحيفة الرضا (ع).
|
كش : لرجال الكشي.
|
يد : للتوحيد.
|
ضا : لفقه الرضا (ع).
|
كشف : لكشف الغمة.
|
ير : لبصائر الدرجات.
|
ضوء : لضوء الشهاب.
|
كف : لمصباح الكفعمى.
|
يف : للطرائف.
|
ضه : لروضة الواعظين.
|
كنز : لكنز جامع الفوائد وتأويل
الايات الظاهرة معاً.
|
يل : للفضائل.
|
ط : للصراط المستقيم.
|
ل : للخصال.
|
ين : لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه
والنوادر.
|
طا : لامان الاخطار.
|
|
يه : لمن لايحضره الفقيه.
|
طب : لطب الائمة.
|
|
|
|