بِسْمِ اللَّـهِ
الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
٤٨
(
باب آخر )
*
( في ما ذكره الحكماء والاطباء في تشريح البدن وأعضائه ) *
*
( وفيه فصول )
*
(
الفصل الاول )
* ( في بيان الاعضاء الاصلية للبدن ) *
قالوا إنّ الله
سبحانه خلق أعضاء الحيوان مختلفة لحكم ومصالح ، فجعلها عظاماً وأعصاباً وعضلات
وأوتاراً ورباطات وعروقاً وأغشية ولحوماً وشحوماً و رطوبات وغضاريف ، وهي البسائط .
ثمّ جعل منها الأعضاء
المركّبة الآليّة من القحف والدماغ والفكّين والعين والاُذن والأنف والأسنان واللسان والحلق والعنق والصلب والنخاع والأضلاع والقص والترقوة والعضد والساعد والرُّسغ والمشط والأصابع والأظفار والصدر
والرئة والقلب والمريء والمعدة والأمعاء والكبد والطحال والمرارة والكلى والمثانة ومراق البطن والاُنثيين والقضيب والثدي والرحم والعانة والفخذ والساق والقدم والعقب والكعب وغير ذلك .
أربعة منها رئيس شريف
: وهي الدماغ والقلب والكبد والانثيان ، إذ في
__________________
الأوّل
قوّة الحسّ والحركة ، وفي الثاني قوّة الحياة ، وفي الثالث قوّة التغذية ، والثلاثة ضروريّة لبقاء الشخص ، وفي الرابع قوّة التوليد وحفظ النسل المحتاج إليه في بقاء النوع ، وبه يتمّ الهيئة والمزاج الذكوريّ والأنوثيّ اللّذين
هما من العوارض اللازمة لأنواع الحيوان . وكلٌّ من الثلاثة الأول مشتبك بالآخر محتاج إليه :
إذ لو لا الكبد
وإهداره لسائر الأعضاء بالغذاء لانحلّت وانفشت ، ولو لا ما يتّصل بالكبد من حرارة القلب لم يبق له جوهره الّذي به يتمّ فعله ، ولو لا تسخّن الدماغ بالشرايين وإغذاء الكبد بالعروق الصاعدة إليه لم يدم له طباعه الّذي يكون
به فعله ، ولو لا تحريك الدماغ لعضل الصدر لم يكن التنفّس ولم يبق للقلب جوهره الّذي منه تنبعث الحرارة الغريزيّة في أبداننا ، ولكنّ الرئيس المطلق هو القلب ، وهو أوّل ما يتكوّن في الحيوان ، ومنه يسري الروح الّذي هو محلّ الحسّ والحركة إلى الدماغ ، ثمّ يسري منه إلى سائر الأعضاء ، ومنه أيضاً يسري الروح الّذي هو مبدأ التغذية والنموّ إلى الكبد ، ثمّ يسري منه إلى
سائر الأعضاء . فتبارك الله أحسن الخالقين .
ثمّ اعلم أنّ العظام
أنواع : من طويل وقصير وعريض ودقيق ومصمت ومجوّف على حسب اختلاف المصالح والحكم . فمنها ما قياسه من البدن قياس الأساس وعليه مبناه ، ومنها ما قياسه المجنّ والوقاية ، ومنها ما هو كالسلاح الّذي يدفع به المصادم ، ومنها ما هو حشو بين فرج المفاصل ، ومنها ما هو متعلّق العضلات المحتاجة
إلى علاقة .
وجملة العظام دعامة
وقوام للبدن ولهذا خُلقت صلبة . ثمّ ما لا منفعة فيه سوى هذه خلق مصمتاً وإن كان فيه المسامّ والخلل الّتي لا بدّ منها . وما يحتاج إليه لأجل الحركة أيضاً فقد زيد في تجويفه وجعل تجويفه في الوسط واحداً ليكون
__________________
جرمه
غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرّقة فيصير رخواً ، بل صلب جرمه وجمع غذاؤه وهو المخّ في حشوه . ففائدة زيادة التجويف أن يكون أخفَّ وفائدة توحيد التجويف أن يبقى جرمه أصلب ، وفائدة صلابة جرمه أن لا ينكسر عند الحركات العنيفة ، وفائدة المخّ ليغذوه وليرطبه دائماً فلا يتفتّت بتجفيف الحركة ، وليكون ـ
وهو مجوّف ـ كالمصمت . والتجويف يقلّ إذا كانت الحاجة إلى الوثاقة
أكثر ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفّة أكثر . وخلق بعضها مشاشة
لأجل الغذاء المذكور مع زيادة حاجة بسبب شيء يجب أن ينفذ فيها كالرائحة المستنشقة مع الهواء في العظام الّتي تحت الدماغ ولفضول الدماغ المدفوعة فيها .
والعظام كلّها
متجاورة متلاقية ليس بين شيء منها وبين الّذي يليه مسافة كثيرة وإنّما لم يجعل كلّ ما في البدن منها عظماً واحداً لئلّا يشمل البدن ما أصابته من آفة أو كسر ، وليكون لأجزاء البدن حركات مختلفة متفنّنة
، ولهذا هيّىء كلُّ واحد منها بالشكل الموافق لما اُريد به ، ووصل ما يحتاج منها إلى أن يتحرّك في بعض الأحوال معاً وفي بعضها فرادى برباط أنبته من أحد طرفي العظم ووصل بالطرف الآخر ، وهو جسم أبيض عديم الحسّ ، فجعل لأحد طرفي العظمين زوائد وفي الاخر قعراً موافقة لدخول هذه الزوائد وتمكّنها فيها والنابت بهذه الهيئة بين العظام
مفاصل وصار للأعضاء من أجل المفاصل أن تتحرّك منها بعض دون بعض ، ومن أجل الرُّبط المواصلة بين العظام أن تتحرّك معاً كعظم واحد ، ومن أجل أنّ العظام وسائر الأعضاء
ليس لها أن تتحرّك بذاتها بل بمحرّك وعلى سبيل جهة الانفعال وصل بها من مبدأ الحسّ والحركة وينبوعهما الّذي هو الدماغ وصولا .
__________________
وهذه الوصول هي العصب
، وهو جوهر لدن علك مستطيل مصمت عند الحسّ غير العصبة المجوّفة الّتي في العين ، فائدته بالذات إفادة الدماغ بتوسّطه لسائر
الأعضاء حسّاً وحركة ، وبالعرض تشديد اللحم وتقوية البدن . وليس يتّصل بالعظم مفردة ولكن بعد اختلاطها باللحم والرباط ، وذلك لأنّ الأعصاب لو اتّصلت مفردة بعضو عظيم لكانت إمّا أن لا تقدر على أن تحرّكه البتّة وإمّا أن يكون تحريكها له تحريكاً ضعيفاً ، وخصوصاً عند ما تتوزّع وتنقسم وتنشعب في الأعضاء وتصير حصّة العضو الواحد أدقَّ كثيراً من الأصل ، وعند ما يتباعد من مبدئه ومنبته . ومن أجل ذلك ينقسم العصب قبل بلوغه إلى العضو الّذي أريد تحريكه به وينسج في ما بين تلك الأقسام اللحم وشظايا من الرباط ، فيتكوّن من جميع ذلك شيء يسمّى عضلاً ويكون عظمه وصغره وشكله بمقدار العضو الّذي أريد تحريكه وبحسب الحاجة إليه ووضعه في الجهة الّتي يراد أن يتحرّك إليها ذلك العضو .
ثمّ ينبت من الطرف الّذي
يلي العضو المتحرّك من طرفي العضلة شيء يسمّى وتراً ، وهو جسم مركّب من العصب الآتي إلى ذلك العضو ومن الرباط النابت من العظام وقد خلص من اللحم فيمرّ حتّى يتّصل بالعضو الّذي يريد تحريكه بالطرف الأسفل فيلتئم بهذا التدبير أن يعرض قليل نشج للعضلة نحو أصلها بجذب الوتر جذباً قويّاً وأن يتحرّك العضو بكليّته لأنّ الوتر متّصل منه بطرفه الأسفل .
وقد يتعدّد الأوتار
لعضل واحد إذا كان كبيراً ، وربما تعاونت عدّة عضل على تحريك عضو واحد . وربما لا يكون للعضل وتر لصغره جدّاً . وكلّ عضو يتحرّك حركة إراديّة فإنّ له عضلة بها تكون حركته ، فإن كان يتحرّك إلى جهة متضادّة كانت له عضلات متضادّة المواضع تجذبه كلّ واحدة منها إلى ناحيتها عند كون تلك الحركة وتمسك المضادّة لها عن فعلها وإن عملت المتضادّتان في وقت واحد استوى العضو وتمدّد وقام . مثلاً : الكفّ إذا مدّها العضل الموضوع في باطن الساعد ، انثنى
__________________
وإن
مدّه العضل الموضوع في ظهره رجع إلى خلف ، وإن مدّاه جميعاً استوى وقام بينهما .
ثمّ إنّ مبدء الحسّ والحركة جميعاً في
الأعضاء قد يكون عصبة واحدة وقد يكون اثنتين . ومبدئيّة العصب للحسّ والحركة إنّما هو بسبب حمله للقوّة اللامسة والقوّة المحرّكة من جهة الروح الحيوانيّة المنبثّة فيه من الدماغ . فالقوّة
اللامسة منبثّة في جملة جلد البدن وأكثر اللحم والغشاء وغير ذلك بسبب انبثاث حاملها الّذي هو الروح إلّا ما يكون عدم الحسّ أنفع له كالكبد والطحال والكلية والرئة والعظم .
وتدرك هذه القوّة
الكيفيّات الأول : الحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة وتدرك أيضاً الخفّة والثقل والملامسة والخشونة والصلابة واللين والهشاشة واللزوجة كلّها بالمماسّة .
وكذلك القوّة المحرّكة
منبثّة في جميع الأعضاء بواسطة الروح المنبثّة في العضلات ، ثمّ لمّا كانت أسافل البدن وما بُعد عن الدماغ يحتاج أن ينال الحسّ والحركة وكان نزول العصب إليها من الدماغ بعيد المسلك غير حريز ولا وثيق .
وأيضاً لو نبتت الأعصاب
كلّها من الدماغ لاحتيج أن يكون الرأس أعظم ممّا هو عليه بكثير ولثقل على البدن حمله ، فلذلك جعل الله ـ عزّ اسمه ـ في أسفل القحف ثقباً وأخّر منها شيئاً من الدماغ وهو النخاع ، وحصّنه
لشرفه وعزّته بالعنق والصلب كما حصّن الدماغ بالقحف ، وأجراه في طول البدن وهو محصن موقيّ ، وأنبت منه حين قارب وحاذى عضواً ما عصباً يخرج من ثقب في خرز العنق والصلب ويتّصل بتلك الأعضاء الّتي يأتيها العصب من ذلك الموضع فيعطيها الحسّ والحركة بقوّة مبدئهما الّذي فيه .
فإن حدث على الدماغ
حادثة عظيمة فقد البدن كلّه الحسّ والحركة ، وإن حدثت على النخاع فقدتهما الأعضاء الّتي يجيئها العصب من ذلك الموضع وما دونه
__________________
فحسب
، لأنّ الدماغ بمنزلة العين والينبوع لذلك ، والنخاع بمنزلة النهر العظيم الجاري منه ، والأعصاب بمنزلة الجداول . وأوّل مبادىء الأعصاب الخارجة من الدماغ والنخاع تكون لينة شبيهة بهما ، ثمّ إنّها تصلب متى تباعدت منهما حتّى يصير عصباً تامّ النوع .
ثمّ اعلم أنّ العضلات
كلّها مجلّلة بغشاء لطيف ، وكذلك جميع الأحشاء مجلّلة بأغشية والغشاء جسم لطيف رقيق منتسج من العصب والرباط ليفيد العضو الّذي هو غشاء له ومحيط به ممّا لا حسّ له الحسّ والشعور العرضيّين ، فيتبادر إلى دفع الألم في
الجملة وليحفظ أيضاً الأعضاء على أشكالها وأوضاعها ويصونها
عن التبدّد والتفرّق ، وليربطها بواسطة العصب والرباط الّذي يشظى إلى ليفها بعضو آخر .
وجميع الأشياء
الملفوفة في الغشاء ممّا هو داخل الأضلاع فمنبت غشائها من أحد غشائي الصدر والبطن المستبطنين والأعضاء اللّحميّة ، إمّا ليفيّة كلحم العضل ،
وأمّا ليس فيها ليف كالكبد ولا شيء من الحركات إلّا بالليف ، أمّا الإراديّة فبسبب
ليف العضل ، وأمّا الطبيعيّة كحركة الرحم والعروق ، والمركّبة كحركة الازدراد فبليف مخصوص بهيئة من وضع الطول والعرض والتورّب وللجذب اللّيف المطوّل
وللدفع الليف الذاهب عرضاً العاصر ، وللإمساك الليف المؤرّب .
وأمّا العروق فنوعان :
إحداهما النابضة الضوارب ، ومنبتها القلب ، ويسمّى بالشرايين ، ولها حركتان : انقباضيّة ، وانبساطيّة . وشأنها أن تنفض البخار
الدخانيّ من القلب بحركتها الانقباضيّة ، وتجذب بحركتها الانبساطيّة نسيماً طيّباً صافياً يستريح به القلب ويستمدّ منه الحرارة الغريزيّة ، وبهذه الحركة ينتشر الروح والقوّة الحيوانيّة والحرارة الغريزيّة في جميع البدن .
وخلقت كلّها ذات
صفاقين ، احتياطاً في وثاقة جسميّتها ، لئلّا تنشقّ بسبب
__________________
قوّة
حركتها بما فيها ، ولئلّا يتحلّل ما فيها ، إلّا واحدة منها تسّمى بالشريان الوريديّ ، فإنّها ذات صفاق واحد ليكون ألين وأطوع للانبساط والانقباض ، فإنّ الحاجة إلى السلاسة أمسّ منها إلى الوثاقة ، لأنّها كما أنّها منفذ للنسيم كذلك منفذ لغذاء الرئة فإنّ غذاءها من القلب ، وهي تغوص في الرئة وتصير شعباً ولحم الرئة ليّن لطيف لا تخشى مصادمته عند النبض ، ويحتاج إلى ترشّح الغذاء إليه بسرعة وسهولة . وجعل الصفاق الداخلانيّ من ذوات الصفاقين أصلب ، لأنّه كالبطانة الّتي تحمي الطهارة ، وهو الملاقي لقوّة الحرارة الغريزيّة ولمصادمته حركة الروح ، فأوجبت الحكمة تقوية منفذ الروح والحرارة الغريزية بهذه البطانة و إحرازها بها .
والنوع الثاني العروق
الساكنة ، ومنبتها الكبد ، وتسمّى الأوردة ، وشأنها إمّا جذب الغذاء إلى الكبد وإمّا إيصال الغذاء من الكبد إلى الأعضاء ، وكلّها ذات صفاق واحد ، إلّا واحد يسمّى بالوريد الشريانيّ فإنّه ذو غشاءين صلبين ، لأنّه
ينفذ في التجويف الأيمن من القلب ويأتي بغذاء الرئة إلى القلب ، ولحم الرئة لحم لطيف خفيف لا يصلح له إلّا دم رقيق لطيف .
ومن الشرايين ما
يرافق الأوردة لترتبط الأوردة بالأغشية المجلّلة بها فيستقي في ما بينهما من الأعضاء فيستقي كلّ واحد منهما عن الآخر ، وكلّما ترافقا
على الصلب في داخل امتطى الشريان الوريد ليكون أخسّهما حاملاً
للأشرف وما ترافقا في الأعضاء الظاهرة غاص الشريان تحت الوريد ليكون أستر وأكنّ له ، ويكون الوريد له كالجنّة .
وأمّا الغضروف فهو
ألين من العظم فينعطف ، وأصلب من سائر الأعضاء . وفائدته أن يحسن به اتّصال العظام بالأعضاء الليّنة ، فلا يكون الصلب واللّين قد تركّبا
بلا
__________________
متوسّط
، فيتأذّى اللّين بالصلب خصوصاً عند الضربة والضغطة ، وليحسن
به تجاور المفاصل المستحاكة فلا تتراضّ لصلابتها ، وليستند به ويقوى بعض العضلات الممتدّة إلى عضو غير ذي عظم ، وليعتمد عليه ما افتقر إلى الاعتماد على شيء قويّ ليس بغاية الصلابة .
فهذه هي الأعضاء
المتشابهة الأجزاء الّتي تركّب عنها الأعضاء الآليّة ، لواهبها الحمد كما هو أهله . وكلّها يتكوّن عن المنيّ ما خلا اللحم والشحم فإنّهما يتكوّنان عن الدم .
(
الفصل الثاني )
* ( في تشريح الرأس
وأعضائه وما اشتملت عليه ) *
فمنها
قحف الرأس وهو الّذي خلقه الله لحفظ الدماغ ووقايته عن الآفات فخلقه الله مستديراً إلى طول لأنّ المستدير أعظم مساحة من الأشكال المستقيمة
الخطوط إذا تساوت إحاطتها ، ولئلّا ينفعل عن المصادمات ما ينفعل عنه ذو الزوايا . وأمّا
طوله فلأنّ منابت الأعصاب الدماغيّة موضوعة في الطول لئلّا يزدحم ولا ينضغط ، وقد يفقد النتوء المقدّم أو المؤخّر أو كلاهما .
[ و ] القحف مؤلّف من
ستّة أعظم ، اثنان منها بمنزلة السقف ، وأربعة بمنزلة الجدران ويتّصل بعضها ببعض بدروز تسمّى بالشؤون ، وجعل الجدران أصلب من اليافوخ لأنّ السقطات والصدمات عليها أكثر ، ولانّ الحاجة إلى تخلخل
اليافوخ أمسّ لينفذ فيه البخار المتحلّل ، ولئلّا يثقل على الدماغ . وجعل أصلب الجدران
__________________
مؤخّرها
لأنّها غائبة عن حراسة الحواسّ .
وفي القحف ثقب كثيرة
ليخرج منها أعصاب كثيرة ، ويدخل فيها عروق وشرايين ويخرج منها الأبخرة الغليظة الممتنعة النفوذ في العظم فينقى بتحلّلها الدماغ وليتشبّث بها الحجاب الثقيل الغليظ الآتي ذكره فيخفّ عن الدماغ . وأعظم ثقب فيه الّذي من أسفل عند فقرة القفا ، وهو يخرج النخاع . ويتّصل بالقحف اللّحي
الأعلى وهو الّذي فيه الخدّان والأذنان والأسنان العليا . ويتركّب من أربعة عشر عظماً يتّصل بعضها ببعض بدروز . ثمّ اللّحي الأسفل وهو الّذي فيه الأسنان السفلى ، إلّا أنّه لم يتّصل به اتّصال التحام وركز بل اتّصال مفصل لاحتياجه إلى حركة ، ويسمَّى موضع اتّصاله به « الزرفين » وهو مركّب ـ سوى الأسنان ـ من عظمين بينهما شان في وسط الذقن .
وتحت القحف من ناحية
الخلف فيما بينه وبين اللّحي الأعلى عظم مركوز قد ملىء به الخلل الحادث من تقسيم أشكال هذه العظام ويسمّى بالوتد ، فجميع عظام الرّأس إذا عدّت على ما ينبغي خلا الأسنان ثلاثة وعشرون عظما .
وأما الدماغ فخلقه الله سبحانه ليّناً دسماً لينطبع
المحسوسات فيه بسهولة ولتكون الأعصاب النابتة منه لدناً لا ينكسر ولا ينقطع ، وجعل مزاجه بارداً
رطباً لتنفعل القوى المودعة فيه عن مدركاتها ، ولئلّا يشتعل بالحرارة المتولّدة فيه من
الحركات الفكريّة والخياليّة ، ولتعدل قوّة الروح والحرارة الصاعدة إليه من القلب ، وجعل مقدّمه الّذي هو منبت الأعصاب الحسيّة ألين من مؤخّره الّذي هو منبت الأعصاب الحركيّة ، لأنّ الحركة لا تحصل إلّا بقوّة ، والقوّة إنّما تحصل بصلابة . وهو ذو
قسمين طولاً وعرضاً لئلّا تشمل الآفة جميع أجزائها ، وفي طوله تجاويف ثلاثة يفضي بعضها إلى بعض تسمّى بطون الدماغ ، وهي محلّ الرّوح النفسانيّ ومواضع الحواسّ ومقدّمها أعظمها ، ويتدرّج إلى الصغر حتّى يعود إلى قدر النخاع وشكله .
__________________
وله زائدتان شبيهتان
بحلمتي الثدي يبلغان إلى العظم الكثير الثقب الشبيه بالمصفّى في موضعه من القحف حيث ينتهي إليه أقصى الأنف ، فيهما حسّ الشمّ ، وبهما يندفع الفضول من هذا البطن المقدّم إلى العظم المذكور وينزل منه إلى الخيشوم بالعطاس .
وأمّا فضول البطنين
الآخرين فتندفع إلى العظم المثقب الّذي تحت الحنك والبطن المقدّم هو موضع انجذاب الهواء إلى الدماغ ، والهواء بعد مكثه في البطون وتغيّره إلى المزاج الدماغيّ يصير روحاً نفسانيّاً ، وكثيراً ما يزيد على ما تسعه
البطون فيصعد إلى بطون للدماغ تسمّى بالتزاريد ، ويستحيل فيها إلى المزاج الدماغيّ وإلى صلوحه له .
والزرد الموضوع من
جانبي البطن الأوسط يتمدّد تارة ويتقلّص اُخرى مثل الدودة ، ويسمّى بها كما يسمّى هذا البطن أيضاً لأنّ بتمدّده يستطيل هو وينتظم
معه ، وبتقلّصه يستعرض وينفرج عنه ، والأوّل حركة الانقباض ، بها يندفع الفضلة والثاني حركة الانبساط بها تتأدّى صور المدركات إلى القوّة الحافظة بتقدير العزيز الحكيم .
ثمّ إنّه تعالى قد جلّل
الدماغ بغشائين : رقيق ليّن ملاصق [ له ] ومخالط في مواضع ، وغليظ صلب فوقه ملاصق للقحف وله في أمكنة منه ، وهو مثقب ، ثقباً كثيرة في
موضعين عند العظم الشبيه بالمصفّى والعظم الّذي في الحنك لاندفاع الفضول ، ويتشعّب
منه شعب دقاق يصعد من دروز القحف إلى ظاهر يتشبّث أوّلاً الغشاء بالقحف بتلك الشعب فيتجافى بها عن الدماغ ويرتفع ثقله عنه ثمّ ينسج من تلك الشعب على ظاهر القحف غشاء يجلّله .
ويتوسّط أيضاً جزئي
الدماغ المقدّم والمؤخّر حجابٌ لطيف يحجب الجزء الألين عن مماسّة الأصلب . وتحت الدماغ بين الغشاء الغليظ والعظم نسجة شبيهة بالشباك الكثيرة الّتي اُلقيت بعضها على بعض حصلت من الشرايين الصاعدة إلى الرّأس من القلب والكبد ، ويخرج منها عرقان فيدخلان الغشاء الصلب ويتّصلان بالدماغ
وإنّما
فرشت الشبكة تحت الدماغ ليبرد فيها الدم الشرياني والروح فيتشبّه بالمزاج الدماغيّ بعد النضج ، ثمّ يتخلّص إلى الدماغ على التدريج . والفرج الّتي تقع بين فروع هذه الشريانات محشوّة بلحم غدديّ لئلّا تبقى خالية ولتعتمد عليه تلك الفروع وتبقى على أوضاعها .
وأما الاعصاب النابتة من الدّماغ فسبعة أزواج أوّلها ينشأ من مقدّم الدماغ ويجيء إلى العين فيعطيها حسَّ البصر بتوسّط القوّة الباصرة ، وهاتان العصبتان مجوّفتان
وإذا نشأتا من الدماغ وبعدتا عنه قليلاً اتّصلتا وأفضى ثقب كلّ واحد منهما إلى
صاحبه ثمّ يفترقان أيضاً وهما بعد داخل القحف ، ثمّ يخرجان ويصير كلّ واحد منهما إلى العين الّتي من جانبه .
والزوج الثاني ينشأ
من خلف منشأ الأوّل ، ويخرج من القحف في الثقب الّذي في قعر العين ويتفرّق في عضل العين فتكون به حركاتها .
والثالث منشأه من خلف
الثاني بحيث ينتهي البطن المقدّم إلى البطن الثاني ويخالط الزوج الرابع الّذي بعده ثمّ يفارقه .
وينقسم أربعة أقسام :
أحدها ينزل إلى البطن إلى ما دون الحجاب ، والباقي منها يتفرّق في أماكن من الوجه والأنف ، ومنها ما يتّصل بالزوج الّذي بعده .
والرابع منشأه من خلف
منشأ الثالث ، ويتفرّق في الحنك فيعطيه حسّاً خاصّاً له .
والخامس يكون ببعضه
حسّ السمع وببعضه حركة العضل الّذي يحرّك الخدّ .
والسادس يصير بعضه
إلى الحلق واللّسان وبعضه إلى العضل الّذي في ناحية الكتف وما حواليه ، وبعضه ينحدر من العنق ويتشعّب منها في مرورها شعب تتّصل بعضل الحنجرة ، فإذا بلغت إلى الصدر انقسمت أيضاً فرجع منها بعضها مصعداً حتّى يتّصل بعضل الحنجرة ، ويتفرّق شيء منها في غلاف القلب والرئة والمريء وما جاورهما ويمرّ الثاني وهو أكبره حتّى ينفذ الحجاب ويتّصل بفم المعدة منه أكثره ، ويتّصل
الباقي
بغشاء الكبد والطحال وسائر الأحشاء ، ويتّصل به هناك بعض أقسام الزوج الثالث .
والسابع يبتديء من
مؤخّر الدماغ حيث ينشأ النخاع ويتفرّق في عضل اللسان والحنجرة ، والعضلات المحرّكة لأعضاء البدن كلّها ينشأ من هذه الأعصاب والأعصاب النخاعيّة الآتي ذكرها . ولمّا لم يمكن تصويرها بالكلام ما يمكن من تصوير الأعصاب والعظام بل لا بدّ في ذلك من مشاهدة ودرية كثيرة بالغة أعرضنا عنه . وعدد كلّ ما في البدن من العضلات خمسمائة وتسعة وعشرون عضلاً على رأي جالينوس .
وأما العين فهي مركّبة من سبع طبقات وثلاث رطوبات ما خلا الأعصاب والعضلات والعروق . وبيان هيآتها أنّ العصبة المجوّفة الّتي هي اُولى العصب
الخارجة من الدماغ تخرج من القحف إلى حيث قعر العين ، وعليها غشاءان هما غشاءا الدماغ فإذا برزت من القحف وصارت في حومة عظم العين فارقها الغشاء الغليظ وصار لباساً وغشاء على عظم العين الأعلى كلّه ، ويسمّى هذا الغشاء « الطبقة الصلبة » ويفارقها أيضاً الغشاء الرقيق فيصير غشاءً ولباساً دون الطبقة الصلبة ويسمّى « الطبقة
المشيمية » لشبهها بالمشيمة . وتعرض العصبة نفسها ويصير فيها غشاء دون هذين وتسمّى « الطبقة
الشبكيّة .» .
ثمّ يتكوّن في وسط
هذا الغشاء جسم ليّن رطب حمراء صافية غليظة مثل الزجاج الذائب يسمّى « الرطوبة الزجاجيّة » ويتكوّن في وسط هذا الجسم جسم آخر مستدير إلّا أنّ فيه أدنى تفرطح شبيه بالجليد في صفائه ، وتسمّى « الرطوبة
الجليديّة » وتحيط الزجاجيّة من الجليديّة بمقدار النصف ، ويعلو النصف الآخر جسم شبيه بنسج العنكبوت شديد الصفاء والصقال يسمّى « الطبقة العنكبوتيّة » .
ثمَّ يعلو هذا [ الـ ]
ـجسم سائل في لون بياض البيض يسمّى « الرطوبة البيضيّة » و يعلو الرطوبة البيضيّة جسم رقيق مخمل الداخل حيث يلي البيضية ، أملس الخارج ، ويختلف
لونه في الأبدان ، فربما كان شديد السواد وربما كان دون ذلك ، في وسطه [ بـ ] ـحيث
__________________
يحاذي
الجليديّة ثقب يتّسع ويضيق في حال دون حال بمقدار حاجة الجليديّة إلى الضوء ، فيضيق في الضوء الشديد ويتّسع في الظلمة ، وبانسداده يبطل الابصار ، وهو مثل ثقب حبّ عنب ينزع من العنقود ، وهو الحدقة ، وفيها رطوبة لطيفة وروح ، ولهذا يبطل الناظر عند الموت . ويسمّى هذا الغشاء « الطبقة العنبيّة » .
ويعلو هذه الطبقة
ويغشاها جسم كثيفٌ صافٍ صلبٌ يشبه صفحة صلبة رقيقة من قرن أبيض ، وتسمّى « القرنيّة » غير أنّها تتلوّن بلون الطبقة الّتي تحتها
المسمّاة عنبيّة ، كما تلصق وراء جام من زجاج شيئا ذا لون ، فيميل ذلك المكان من الزجاج إلى لون ذلك الشيء . ويعلو هذا ويغشاه ـ لكن لا كلّه بل إلى موضع سواد العين ـ لحم أبيض دسم مشفٌّ مختلط بالعضلات المحرّكة للعين غليظ ملتحم عليه تسمّى ﺑـ « الملتحمة » وهو بياض العين ، وينشأ من الغشاء الّذي على القحف من خارج
كما ينشأ القرنيّة من الطبقة الصلبة ، والعنبيّة من الطبقة المشيميّة ، والعنكبوتيّة
من الشبكيّة ، وكلٌّ يجذب الغذاء من الّتي هي منشأها ، فإنّها تتغذّى بنصيبها وتؤدّي الباقي إليها .
وألوان العيون
باعتبار اختلاف ألوان الطبقة العنبيّة أربعة : كحلاء وزرقاء وشهلاء وشعلاء . وسبب الكحل إمّا قلّة الروح وعدم إشراقها على جميع أجزاء العين أو كدورتها وقلّة إشراقها على لون العنبيّة أو صغر الجليديّة أو غورها وكونها
داخلة جدّا فلا يظهر صفاؤها كما ينبغي ، أو كثرة الرطوبة البيضيّة أو كدورتها فتستر بريق
الجليديّة ، أو شدّة سواد العنبية . فإذا اجتمعت هذه الأسباب كانت العين شديدة الكحل .
وأسباب الزرقة أضداد
ذلك ، وإذا اختلطت أسباب الكحل والزرقة وتكافأت كانت العين شهلاء وإذا زادت أسباب الزرقة على أسباب الكحل كانت شعلاء .
وإنّما خلقت هذه
الطبقة على هذا اللون لأنّه أوفق الألوان لنور البصر ، إذ الأبيض يفرّق نوره ، والأسود يجمعه ويكثفه ، والآسمانجوني لاعتداله يجمع النور جمعاً معتدلاً ويقوّيه . وإنّما خلقت غليظة لتمنع عن إشراق الشمس على نور
البصر
، وليكون وسيطاً قويّاً بين الرطوبات وبين الطبقة الصلبة القرنيّة الّتي قدّامها ولهذا جعل ظاهرها الّذي يليها أصلب .
وفي صلابة ظاهرها
فائدة اُخرى ، هي أن تبقى الثقبة العنبيّة لصلابة ما يحفظ بها مفتوحة لا تتشوّش من أطرافها تشوُّش الشيء الرخو للّين . وفي الحقيقة هذه
الطبقة طبقتان : داخلانيّة ذات خمل ، واُخرى صلبة .
وجعلت القرنيّة شفيفة
لئلّا تحجب نور البصر عن النفوذ فيها ، وصلبة لتكون وقاية للطبقات الاُخر وللرطوبات عن الآفات ، ولتحفظها على أوضاعها وأشكالها .
وجعلت الرطوبة البيضيّة
قدّام الجليديّة لتحجب منها قوة الأشعّة والأضواء لكيلا تغلبها ، وجعل ظاهر الجليديّة مفرطحة لأن تقع الأشباح المدركة في جزء كبير منها ، فيكون الإبصار به أقوى ، إذ المدوّر لا يحاذي الشيء إلّا بجزء صغير وجعلت الزجاجيّة غليظة لئلّا تسيل ، وجعلت من وراء الجليديّة ليكون إلى مبدء الغذاء أقرب .
والرطوبة الجليديّة
هي أشرف أجزاء العين ، وسائر الطبقات والرطوبات خادمة لها ووقاية ، وهي محلّ المدركات البصريّة من جهة الروح الآتي إليها من العصبتين المجوَّفتين اللّتين هما محلّ القوَّة الباصرة المدركة للأضواء والألوان
والحركات والمقادير وغيرها بتوسّط الروح الّتي فيها .
وإنّما جعلت العصبتان
مجوَّفتين للاحتياج إلى كثرة الروح الحامل لهذه القوّة ، بخلاف سائر الحواسّ ، وإنّما جعلتا متلاقيتين ليجمع عند تلاقيهما الروح حتّى لو أصاب إحدى العينين آفة لا يضيع نورها بل يندفع النور من هذا المجمع بالكلّية إلى العين الصحيحة فيصير بسبب ذلك أشدَّ إبصاراً ، ولهذا كلُّ من غمض إحدى عينيه تقوى عينه الاخرى وتتّسع ثقبتها العنبيّة ، ولأن يكون للعينين مؤدّى واحد تؤدّيان إليه شبح المبصر فيتّحد هناك ويكون الإبصار بالعينين إبصاراً واحداً ليتمثّل الشبح في القدر المشترك ، ولذلك يعرض للحول
أن يروا الشيء الواحد
__________________
شيئين
عند ما تزول إحدى الحدقتين إلى فوق أو إلى أسفل ، فتبطل به استقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع ، ويعرض قبل الحدّ المشترك حدّ مشترك آخر لانكسار العصبة وكذلك كلّ من استرخى أعضاؤه وتمايلت حدقتاه كالسكارى .
ومن هذا القبيل
الإحساس بشيئين عن شيء واحد لمن يلوي إصبعه الوسطى على السبّابة وأدار بهما شيئاً مدوّراً فإنّ الوسطى تحسّ عن محاذاة الأعلى والسبّابة
عن محاذاة الأسفل ، ولأن يستدعم كلّ عصبة بالاُخرى ويستند إليها ويصير كأنّها نبتت
من قرب الحدقة ، فيكون اندفاع النور إلى العين أقوى ، مثل مجمع الماء الّذي يتّخذ للماء القليل ، ولأنّه لو لا هذا الالتقاء لكانت العصبتان عند كلّ نظرة وتحديق
والتفات تتمايلان وتتزايل إحدى الحدقتين عن محاذاة الاُخرى ، فيكون أكثر الناس في أكثر الأحوال يرى الشيء الواحد شيئين .
واما الجفن فمنشأه من الجلد الّذي على ظاهر القحف ، وفائدته أن يمنع نكاية ما يلاقي الحدقة من خارج ، ويمنع عند انطباقها وصول الغبار والدخان والشعاع ، ويصقل الحدقة دائماً ويبعد عنها ما أصابها من الهباء والقذى . وجعل الأسفل أصغر من الأعلى لأنّ الأعلى يستر الحدقة مرّة ويكشفها أخرى بتحرّكه وأمّا الأسفل فغير متحرّك ، فلو زيد على هذا القدر يستر شيئاً من الحدقة دائماً
وكان تجتمع فيه الفضول ولا تسيل .
واما الاهداب فتمنع من الحدقة بعض الأشياء الّتي لا يمنعها الجفن مع انفتاح العين ، كما يرى عند هبوب الرياح الّتي تأتي بالقذى ، فيفتح أدنى فتح ، وتتّصل
الأهداب الفوقانيّة بالسفلانيّة ، فيحصل له شبه شباك ينظر من ورائها فتحصل الرؤية مع اندفاع القذى .
واما الاذن فهو مخلوق من العصب واللحم والغضروف ، وخلق مرتفعاً كالشراع ليجتمع فيه الهواء الّذي يتحرّك من قوّة صوت الصائت ويطنّ فيه
__________________
وينفذ
في المنفذ الّذي في عظم صلب يسمّى « الحجريّ » ويحرّك الهواء الّذي هو داخل الأذن ويموّجه كما يرى من دوائر الماء لما وقع فيه ، فيقع هناك على جلدة مفروشة على عصبة مقعّرة كمدّ الجلد على الطبل ، فيحصل طنين يشعر بهيئته القوّة السامعة للأصوات المودعة في تلك العصبة بتوسّط ما هو وراءها من جوهر الروح . وذلك المنفذ كثير التعاريج والعطفات ، وعند نهايته تجويف يسمّى بالجوفة ، والعصبة على حواليها وإنّما جعل كذلك لتطول به مسافة ما ينفذه من قوّة الصوت والرياح الحارّة والباردة فينفذ فيه وهي مكسورة القوى فاترة .
وحال تلك العصبة في
السمع كحال الرطوبة الجليديّة في الإبصار ، ومحلّها مثل محلّها وكما أنّ جميع أجزاء العين خلقت إمّا خادمة للجليديّة وإمّا وقاية لها كذلك
جميع أجزاء الاُذن خلقت خادمة لهذا العصب وفائدة الصماخ فائدة الثقبة العنبيّة . والصدى
إنما هو لانعطاف الهواء المصادم لجبل أو غيره من عالي أرض ، وهي كرمي حصاة في طاس مملوء ماء ، فيحصل منه دوائر متراجعة من المحيط إلى المركز . وقيل : إنّ لكلّ صوت صدى ، وفي البيوت إنّما لم يقع الشعور لقرب المسافة ، فكأنّهما يقعان في زمان واحد ، ولهذا يسمع صوت المغنّي في البيوت أقوى ممّا في الصحراء .
وأما الانف فهو مخلوق من العظم والغضروف ما خلا العضلات المحرّكة . وبيان هيئته أنّ له عظمين هما كالمثلّثين تلتقي زاويتاهما من فوق وقاعدتاهما تتماسّان
عند زاوية وتتفارقان بزاويتين ، وعلى طرفيهما السافلين غضروفان ليّنان ، وفيما
بينهما على طول الدرز غضروف حدّه الأعلى أصلب من الأسفل ، ومجراه إذا علا انقسم قسمين يفضي أحدهما إلى أقصى الفم ، وبه يكون استنشاق الهواء إلى الرئة والتنفّس الجاري على العادة ، لا الكائن بالفم ، ويمرّ الآخر صاعداً حتّى ينتهي إلى العظم الشبيه بالمصفّى الموضوع في وجه زائدتي الدماغ المشبهتين بحلمتي الثدي ، وبه يكون تنفّض الفضول من الدماغ واستنشاق الهواء إليه والتنفّس . وبالزائدتين
حسّ الشمّ ، إذ هما محلّ القوّة الشامّة للروائح بتوسّط الهواء المنفعل بها ، ومحلّيتهما
__________________
لها
من جهة الروح المودعة فيهما . وفي أقصى الأنف مجريان إلى المأقين ،
ولذلك قد يتأدّى طعم الكحل إلى اللّسان .
وإنّما خلق الأنف على
هذه الهيئة ليعين بالتجويف اّلذي يشتمل عليه في الاستنشاق حتّى ينحصر فيه هواء كثير ، وليعتدل فيه الهواء قبل النفوذ إلى الدماغ وليجمع الهواء الّذي يطلب منه الشمّ أمام آلة التشمّم ليكون الإدراك أكثر ، وليعين
في تقطيع الحروف ، وتسهيل إخراجها لئلّا يزدحم الهواء كلّه عند الموضع الّذي يحاول
فيه تقطيع الحروف ، وليكون للفضول المندفعة من الرأس ستراً ووقاية عن الأبصار وآلة معينة على نفضها بالنفخ .
ومنفعة غضروفيّة
الطرفين بعد المنفعة المشتركة للغضاريف أن ينفرج ويتوسّع إن احتيج إلى فضل استنشاق ونفخ ، وليعين في نفض البخار
باهتزازهما عند النفخ وانتفاضهما وارتعادهما . ومنفعة الوسطانيّ أن يفصل الأنف إلى منخرين حتّى إذا نزلت من الدماغ فضلة نازلة مالت في الأكثر إلى أحدهما ولم يسدّ جميع طريق
الاستنشاق .
وأما الاسنان فستّة عشرة سنّاً في كلّ لحي ، منها ثنيّتان ورباعيّتان للقطع
، ونابان للكسر ، وخمسة أضراس يمنة ويسرة للطحن . ولأكثرها مدخل في تقطيع الحروف وتبيينها وربما نقصت الأضراس فكانت أربعاً بانعدام الأربعة الطرفانيّة المسمّاة بالنواجد ، وهي تنبت في الأكثر بعد البلوغ إلى قريب من ثلاثين سنة ، ولهذا
تسمّى أسنان الحلم .
وللأسنان أصول هي رؤس
محدّدة ترتكز في ثقب العظام الحاملة لها من الفكّين ، وتنبت على حافة كلّ ثقب زائدة مستديرة عليها عظميّة تشتمل على السنّ وهناك روابط قويّة . وأصول الأضراس الّتي في الفكّ الأعلى ثلاثة ، وربما كانت ـ وخصوصاً للناجدين ـ أربعاً ، والّتي في الفكّ الأسفل لها أصلان ، وربما كانت ـ و
__________________
خصوصاً
للناجدين ـ ثلاثة . وأمّا سائر الأسنان فإنّما لها أصل واحد . وإنّما كثرت رؤس الأضراس لكبرها وزيادة عملها وزيدت للعليا لأنّها معلّقة ، والثقل يجعل ميلها إلى خلاف جهة رؤسها ، أمّا السفلى فثقلها لا يضادّ ركزها .
ومن عجيب الخلقة في
هيئة الأسنان أنّ الثنايا والرباعيّات تتماسّ ويتلاقى بعضها بعضا في حالة الحاجة إلى ذلك ، وهي عند العضّ على الأشياء ، ولو لم يكن كذلك لم يتمّ العضّ ، وذلك يكون بجذب الفكّ إلى قدّام حتّى تلاقي هذه بعضها بعضاً ، وعند المضغ والطحن يرجع الفكّ إلى مكانه فتدخل الثنايا والرباعيّات
التحتانيّة إلى داخل . وتحيد عن موازاة العالية ، فيتمّ بذلك للأضراس وقوع بعضها إلى بعض وذلك أنّه لا يمكن مع تلاقي الثنايا والرباعيّات الفوقانيّة والتحتانيّة أن تتلاقى
الأضراس ولعلّ الحكمة فيه أن لا تنسحق إحداهما عند فعل الاُخرى من غير طائل .
وإنّما جعل المتحرّك
من الفكّين عند المضغ والتكلّم الأسفل دون الأعلى إلّا نادراً كما في التمساح لأنّه أصغر وأخفّ ، ولأنّ الأعلى مجمع الحواسّ والدماغ فلو تحرّك لتأذَّى الدماغ بحركته وتشوّشت الحواسّ ، ولكان أيضاً مفصل الرأس مع العنق غير وثيق ، والواجب فيه الوثاقة .
وإنّما جعل هذا الفكّ
من الإنسان أخفَّ وأصغر من سائر الحيوانات لأنّ أغذية الإنسان لحم وخبز مطبوخ وفواكه نضيجة ، وأمثال ذلك ممّا لا يعسر مضغه وغيره من الحيوانات أغذيتها إمّا حشائش وحبوب واُصول للنبات وأغصان للأشجار ، وإمّا لحوم نيّة وعظام صلبة فاُعطي كلّ عالف
بقدر احتياجه .
واما اللسان فهو مخلوق من لحم أبيض ليّن رخو قد التفّت به عروق صغار كثيرة
منها شرايين ومنها أوردة ، وبسببها يحمرّ لونه ، وعند مؤخّره لحم غدديّ يسمّى
__________________
مولد
اللّعاب ، وتحته فوهتان تفضيان إلى هذا اللحم تسمّيان بساكبي اللعاب بهما تنسكب الرطوبة والرضاب من اللحم الغدديّ إلى اللسان والفم ، وتحته
أيضاً عرقان كبيران أخضران تسمّيان الصردان .
وهو ذو شفتين طولاً ،
ولكنّهما في غشاء واحد متّصل بغشاء الفم والمريء والمعدة إلّا في بعض الحيوانات كالحيّة فإنّ شفتي لسانها ليسا في غشاء واحد ، ولهذا
يظهران وعلى جرم اللسان عصبة منبثّة هي محلّ القوّة الذائقة للطعوم بتوسّط الأجسام
المماسّة المخالطة للرطوبة اللعابيّة المستحيلة إلى طعم الوارد ، ومحلّيتها له من
جهة ما هو وراءها من جوهر الروح .
وعلى اللسان زائدتان
نابتتان إلى فوق كأنّهما اُذنان صغيرتان تسمّيان باللوزتين وجوهرهما لحم عصبانيّ غليظ كالغدّة ، ومنفعتهما مثل منفعة اللهاة ويأتي ذكرها . وإنّما خلق اللسان ليكون آلة تقطيع الصوت وإخراج الحروف وتبيينها ، وآلة تقليب الممضوغ كالمجرفة ، وآلة تمييز المذوق . وأعدلها في الطول والعرض أقدر على الكلام من عظيمها جدّاً أو من الصغير المتشنّج .
(
الفصل الثالث )
* ( في الحلق والحنجرة
وسائر آلات الصوت ) *
فبيان هيئاتها أنّ
أقصى الفم يفضي إلى مجريين : أحدهما من قدّام وهو الحلقوم ويسمّيه المشرّحون « قصبة الرئة » فيها ومنها منفذ الريح الّتي تدخل وتخرج بالتنفّس
والآخر موضوع من خلف ناحية القفار علي خرز العنق ، ويسمّى « المريء » وفيه ينفذ الطعام والشراب ويخرج القيء ، وسيأتي شرحهما .
والحنجرة
مؤلّفة من ثلاثة غضاريف : أحدها من قدّام وهو الّذي يظهر تحت الذقن قدّام الحلق ، وهو محدّب الظاهر ، مقعّر الباطن . والثاني من خلف
__________________
بانضمامهما
يضيق الحنجرة عند السكوت ، ويتباعد أحدهما عن الآخر ويتّسع عند الكلام . والثالث مثل مكبّة بينه وبين الّذي من خلف مفصل يلتمء بزائدتين من ذلك تتهندمان في فقرتين منه ، ويرتبط هناك برباطات ، وهو يتحرّك بهذا
المفصل ، وبانكبابه عليهما تنغلق الحنجرة وبتجافيه عنهما تنفتح .
والحاجة إلى انغلاق
الحنجرة عند الأكل والشرب شديدة جدّاً ، لئلّا يقع أو ينقطر في قصبة الرئة شيء من المأكول والمشروب ، وذلك لأنّ قصبة الرئة والمريء متجاوران متلاصقان مربوط أحدهما بالآخر ، وعند انغلاق الحنجرة يمرّ الطعام والشراب على ظهر الغضروف المكبّي وينزل في المريء ، وإذا انفتحت الحنجرة على غفلة من الإنسان بأن يبتلع ويتصوّت أو يتنفّس في حالة واحدة ربما وقع شيء من المأكول والمشروب في قصبة الرئة فتحدث فيها دغدغة وحالة مؤذية شبيهة بما يحدث في الأنف عند اجتلاب العطاس بإدخال شيء فيه ، فتستقبله القوّة الدافعة لدفعه ، فيورث
السعال إلى أن يندفع قلّ أم كثر ، لأنّ القصبة إنّما تنتهي إلى الرئة ، وليس لها منفذ من أسفلها يندفع فيها ، فأنعم الخالق سبحانه بتأليف الحنجرة من هذه الغضاريف على هذا الشكل ليغلق بها عند الأكل والشرب منفذ الصوت والتنفّس ، فيسلم الإنسان ويتخلّص من السعال المغلق ، ولهذا لا يجمع الازدراد والتنفّس معاً في حالة
واحدة .
وفي داخل الحنجرة
رطوبة لزجة دهنيّة تملّسها وترطبها دائماً ليخرج الصوت صافياً حسناً ، ولهذا ما يذهب أصوات المحمومين الّذين تحترق رطوبات حناجرهم بسبب حميّاتهم المحرقة ، ويذهب أيضاً أو يضعف أو يتغيّر أصوات المسافرين في
الفيافي المحترقة ، وكذلك كلّ من تكلّم كثيراً تجفّ حنجرته فلا يقدر على التكلّم
إلّا بعد أن يرطب حلقه أو يبلع ريقه . والفائدة في دهنيّتها أن لا يجفّ بالسرعة ولا
يفنى وأن تسلس بها حركات الحنجرة .
__________________
وفي أعلى الحنجرة عضو
لحميّ معلّق يسمّى باللهاة يتلقّى ما شأنه النفوذ في الحنجرة من خارج ، مثل برد الهواء وحرّه وحدّة الدخان ومضرّته ، فيمنع نفوذها دفعة ليتدرّج وصولها إلى الرئة ، ويتلقّى أيضاً ما شأنه الصعود من داخل مثل قرع الصوت الصاعد من الحنجرة . وبالجملة هي كالباب المرصد على مخرج الصوت تقديره فلا يندفع دفعة ولا ينقطع مدده جملة فيزداد بذلك قوّة الصوت ويتّصل بذلك مدده .
وكذلك اللوزتان
المشار إليهما فيما سبق ، فإنّهما يعاونانها في ذلك وتحتها لحم صفاقيّ لاصق بالحنك يسمّى بالغلصمة يصفّي ما قد يقرب الهواء من كدورة الغبار والدخان لئلّا يصل شيء منها إلى الحنجرة والرئة ، فهي كالمفزعة لآلات الصوت والحنك كالقبّة يطنّ فيها الصوت فهذه جملة آلات الصوت .
والصوت إنّما يكون من
النَفس ، وأصله دويّ في قصبة الرئة ، وإنّما يصير صوتاً عند طرف القصبة المسمّى « رأس المزمار » وهو أشرف آلاته بل هو بالحقيقة آلته
والباقي من المعينات والمتمّات . وإنّما سمّي بذلك لتضايقه ثمّ اتّساعه
عند الحنجرة ، فيبتدىء من سعة إلى ضيق ثمّ إلى فضاء أوسع كما في المزمار ، إذ لا بدّ ،
للصوت من ضيق ليحبس الدويّ ويقدّره ، ولا بدّ أيضاً من الانضمام والانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت .
واللهاة تقوم مقام
إصبع المزمار ، والغلصمة مثل الشيء الّذي يسدّ به رأس المزمار . وعضلات آلات الصوت كثيرة حسب حركاتها المحتاج إليها في هذا الموضع فيكون من ضروب أشكالها ضروب الأصوات . وعند الحنجرة من قدام عظم هو منشأ رباطات عضلاتها ، وللعظم أيضاً عضلات تمسك بها غير عضلات الحنجرة .
واعلم أنه لمّا لم
يكن غذاء الإنسان طبيعيّاً ولا لباسه طبيعيّاً بل يحتاج في ذلك وأمثاله إلى صنائع كثيرة وآلات مختلفة قلّما يحصل بإلهام أو وحي بل لا يستحفظ وجوده البقائيّ إلّا بتعليم وتعلّم مفتقر إلى طلب ونهي ووعد ووعيد وترغيب وتخويف وتعجيل وتأجيل وغيرها من إعلان مكنونات الضمائر وإعلام مستورات البواطن
__________________
فلهذه
الأسباب وغيرها صار من بين الحيوانات أحوج إلى الاقتدار على أن يعلم غيره من المتشاركين في التعيّش ونظام التمدّن ما في نفسه بعلامة وضعيّة ، ولا يصلح لذلك
شيء أخفّ من الصوت أو الإشارة ، والأوّل أولى لأنّه مع خفّة مؤونته لوجود النَفس الضروريّ المنشعب بالتقاطيع إلى حروف مهيّأة بالتأليف لهيئات تركيبيّة غير محصورة بلا تجشّم تحريكات كثيرة كما في الإشارة لا يختصّ إشعاره بالقرب والحاضر ، بل يشمل
هدايته لهما ولغيرهما من البعيد والغائب ، ويشمل أيضاً الصور والمعاني ، والمحسوس والمعقول ، فلذلك أنعم الله سبحانه عليه بذلك .
(
الفصل الرابع )
* ( في العنق والصلب والاضلاع
) *
اما العنق والصلب فمخلوقتان من الفقرات ، والفقرة عظم مدوَّر في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع . وإنّما خلقت لتكون وقاية للنخاع ودعامة للبدن ، ونسبتها إلى النخاع كنسبة القحف إلى الدماغ ، وهي ثلاثون عدداً : سبع للعنق ، واثنا عشر للظهر ، وربما زادت أو نقصت واحدة منها في الندرة والزيادة أندر ، وخمس للقطن
وثلاث للعجز وهما كالقاعدة للصلب ، وثلاث للعصعص . وإنّما خلقت صلبة ليكون للإنسان استقلال به وقوام وتمكّن من الحركات إلى الجهات ، ولذلك جعلت المفاصل بينهما لا سلسلة فيوهن القوام ، ولا موثقة فيمنع الانعطاف .
ومنها ما لها زوائد
من فوق ومن أسفل بها ينتظم الاتّصال بينهما اتّصالاً مفصليّاً بنقر في بعضها ورؤوس لقميّة في بعض ، ولبعضها زوائد من نوع آخر
عريضة صلبة موضوعة على طولها للوقاية والجنّة والمقاومة لما يصاك ولأن ينتسج عليها رباطات .
__________________
فما كان منها موضوعاً
إلى خلف يسمّى شوكاً وسناسن ، وما كان يمنة ويسرة يسمّى أجنحة ، ولكلّ جناح ممّا يلي الأضلاع نقرتان ، ولكلّ ضلع زائدتان محدّبتان ،
تتهندم الزائدة في النقرة وترتبط برباطات قويّة . وللفقرات غير الثقبة المتوسّطة ثقب اُخرى تخرج منها الأعصاب وتدخل فيها العروق .
والعنق وفقراته وقاية
للمريء وقصبة الرئة ، ولمّا كانت فقراته محمولة على ما تحتها من الصلب وجب أن يكون أصغر ، ولمّا كانت مسلكاً لأصل النخاع وأوّله الّذي يجب أن يكون أغلظ وأعظم مثل أوّل النّهر وجب أن يكون الثقب الوسطانيّ منها أوسع . والصغر وسعة التجويف ممّا يرفق جرمها ويوهنه فالخالق سبحانه تدارك ذلك بأن خصّها بزيادة صلابة وحرز ليس لما تحتها ، وجعل سناسنها أصغر ليكون أخفّ عليها . ثمّ تدارك صغر سناسنها بكبر أجنحتها ، وجعلها ذوات رأسين .
ولمّا كان أكثر منافع
العنق في حركاته جعل مفاصله سلسة ولم يجعل زوائدها المفصليّة كثيرة كزوائد ما تحتها ، لتكون حركاته أسرع وتدارك تلك السلاسة بأعصاب وعضلات كثيرة محيطة به ، وجعل أيضاً مسالك الأعصاب الّتي تتفرّع عن النخاع مشتركة من فقرتين ، لئلّا يقع ثقبة تامّة من فقرة واحدة فتوهنها .
والصلب وفقراته وقاية
وجنّة للأعضاء الشريفة الموضوعة قدّامه ، ولذلك خلق له شوك وسناسن وهو مبنى لجملة عظام البدن مثل الخشبة الّتي تهيّأ في نجر السفينة أوّلاً ثمّ يركز فيها ويربط بها سائر الخشب ، ولذلك خلق صلباً ، وهو كشيء واحد مخصوص بأفضل الأشكال وهو المستدير إذ هذا الشكل أبعد الأشكال عن قبول آفات الصادمات .
ولمّا كان الصلب قد
يحتاج إلى حركة الانثناء والانحناء نحو الجانبين وذلك بأن يزول الوسط إلى ضدّ الجهة ويميل ما فوقه وما تحته عن نحو تلك الجهة وكان طرفي الصلب يميلان إلى الالتقاء لم يخلق للفقرة الّتي هي الوسط في
الطول وهي
__________________
العاشرة
لقم بل نقر ، ثمّ جعلت اللقم السفلانيّة والفوقانيّة متّجهة إليها ، أمّا الفوقانيّة
فنازلة ، وأمّا السفلانيّة فصاعدة ليسهل زوالها إلى ضدّ جهة الميل ، ويكون
للفوقانيّة ، أن تنجذب إلى أسفل ، وللسفلانيّة أن تنجذب إلى فوق .
وأمّا النخاع فهو جسم
أبيض ليّن دسم دماغّي منشأه مؤخّر الدماغ كما أشرنا إليه ، وهو خليفته ليتوزّع منه الأعصاب والعضلات على الأعضاء ليفيدها الحسَّ
والحركة فجملة ما ينشأ منه أحد وثلاثون زوجاً من العصب ، وفرد لا مقابل له فالزوج الأوَّل يخرج من الثقب الّذي في الفقرة الاُولى من فقار العنق ، ويصعد حتّى يتفرّق في عضل الرأس . والثاني يخرج ممّا بين الثقب الملتئم فيما بين الفقرة الاُولى والثانية
ويتّصل بجلدة الرّأس فيعطيها حسَّ اللمس ، وبعضل العنق وعضل الخدّ فيعطيهما الحركة .
والزوج الثالث مخرجه
من الثقب الملتئمة فيما بين الفقرة الثانية والثالثة ، وينقسم قسمين : فبعضه يصير إلى العضل المحرّك للخدّ ، وبعضه يتفرّق في العضل الّذي
بين الكتفين .
والرابع منشأه ما بين
الفقرة الثالثة والرابعة ، وينقسم قسمين : أحدهما في العضل الّذي في الظهر ، والآخر يأخذ إلى قدّام ويتفرّق في العضل الموضوع بحذائه وفوقه .
والخامس يخرج فيما
بين الفقرة الرابعة والخامسة وينقسم أقساماً : بعضها يصير إلى الحجاب ، وبعضها إلى العضل الّذي يحرّك الرأس والرّقبة ، وبعضها إلى عضل الكتف .
والسادس والسابع
والثامن تخرج ما بين الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة وينقسم بعضها في عضل الرأس والرقبة ، وبعضها في عضل الصلب والحجاب ، ما خلا الثامن فإنّه لا يأتي بالحجاب منه شيء ، وبعضها يصير إلى العضد وإلى الذراع وإلى الكتف فيتّصل من السادس بعضه بعضل الكتف ويحرّك العضد ، وبعضه بعضل أعالي العضد وينيله الحسَّ ومن السابع بعضه يصير إلى العضل الّذي من العضد وبه حركة الذراع ، وبعضه تفرّق في جلد العضد الباقي وينيله الحسَّ وبعض من الثامن ينبت
في
جلدة الذراع فيعطيها الحسَّ ، وبعضه يصير في عضل الذراع ويحرّك الكفَّ .
والزوج التاسع يخرج
ما بين الفقرة الثامنة والتاسعة ، وهما أوّل فقار الظهر وينقسم بعضه في العضل الّذي فيما بين الأضلاع ، وبعضه في عضل الصلب وبعضه ينزل إلى الكعب ، وينبثّ فيه فينيله الحسّ ، وبعض الحركة .
والعاشر يخرج ما بين
الفقرة التاسعة والعاشرة ، ويصير منه جزء إلى جلد العضد فيعطيه الحسَّ ، وباقيه ينقسم فيأخذ منه قسم إلى قدّام فيتفرّق في العضل الّذي
على البطن ، وبعضها يتفرّق في عضل الظهر والكتف ، وعلى نحو هذا يكون خروج العصب وتفرّقه إلى الزوج التاسع عشر .
والزوج العشرون يخرج
مما بين [ الفقرة ] التاسع عشر والعشرين ، وهي أوّل فقرات القطن . وعلى هذا القياس إلى أن تخرج خمسة أزواج من بين هذه الفقار ويصير بعضها في القدّام فيتفرَّق في العضل الّذي على القطن ، ويتفرّق بعضها في
العضل الّذي على المتن . ويخالط الثلاثة الأزواج العليائيّة ، عصب ينحدر من الدماغ . والزوجان اللّذان تحت هذه الثلاثة الأزواج ينحدر منها شعب كبار إلى الساق حتّى يبلغ طرف القدم . وثلاثة أزواج تخرج من فقرات العجز وتخالط القطنيّة ، وتنحدر منها إلى الساق ، وتتفرّق في العضلات الّتي هناك . وثلاثة تخرج من نخاع العصعص مشتركة المخارج كالعنقيّة وفرد من آخره ، إذ الفقرة الأخيرة منه لا ثقبة فيها غير الوسطانيّة ، وكلّها ينبثّ في القضيب وفي عضل المقعدة والمثانة والرحم وفي غشاء
البطن أو في العضل الموضوع بقرب هذه المواضع .
وأما الاضلاع فهي أربعة وعشرون عظماً ، من كلّ جانب اثنا عشر ، كلّها محدّبة ، أطولها أوسطها . سبع منها يتّصل أحد طرفيها من خلف بفقار الظهر بزوائد منها ونقرات من الفقرات وارتباط برباطات وحدوث مفاصل مضاعفة ، ومن قدّام بعظام القَصّ برؤوس غضروفيّة ، وتسمّى أضلاع الصدر
لاتّصالها بالقصّ واشتمالها على أحشاء الصدر . وخمس منها يقطع دون الاتّصال بالقصّ متقاصرة ورؤوسها متّصلة
__________________
بغضاريف
وتسمّى ضلوع الخلف .
وإنّما خلقت لتكون
وقاية لما يحيط به من آلات التنفّس وأعالي آلات الغذاء ولهذا جعل ما يحيط منها بالعضو الرّئيس متّصلاً بالقصّ ليكون متحصّناً به من جميع جهاته ، وما يلي آلات الغذاء جعل كالمحرزة من خلف حيث لا تدركه حراسة البصر ولم يتّصل من قدّام بل درجت يسيراً يسيراً في الانقطاع ، وجعل أعلاها أقرب مسافة ،
ما بين أطرافها البارزة ، وأسفلها أبعد مسافة ، ليجمع إلى وقاية أعضاء الغذاء من
الكبد والطحال وغير ذلك توسيعاً لمكان المعدة ، فلا ينضغط عند امتلائها من الأغذية ومن النفخ .
وهذا هو السبب في تعدّدها
كلّها وكونها ذا فرج في الكلّ ، مع إعانة ذلك على جذب الهواء الكثير وتخلّل العضلات المعينة في أفعال التنفّس وغير ذلك .
(
الفصل الخامس )
* ( في تشريح الصدر والبطن وما اشتمل عليه من الاحشاء
واليدين ) *
اما القص
فهو سبعة عظام على عدد أضلاع الصدر متّصلة بها ، وهي عظام هشّة
موثوقة ، وقد اتّصل بآخرها غضروف عريض يشبه الخنجر يسمّى خنجريّا . وإنّما جعلت هشّة لتكون أخفّ ، والحركات الخفيفة الّتي بها أسهل ، وليتحلّل منها البخار ولا يحتقن فيها . ووثاقة مفاصلها لئلّا ينضغط عن ضاغط أو مصادم فينضغط القلب ، والخنجريّ جنّة لفم المعدة .
وأما الترقوة فعظم موضوع على كلّ واحد من جانبي أعلا القصّ ، فيه طول وانحداب إلى الجانب الوحشي وتقعير إلى الجانب الاُنسي ، يتّصل أحد رأسيه بالقصّ والآخر برأس الكتف ، فيرتبط به الكتف وبهما جميعاً العضد . ورأسه الآخر عريض . وينفذ في مقعّره العروق الصاعدة إلى الدماغ والعصب النازل منه ، وهو وقاية لهما .
__________________
وأما الكتف فعظم طرفه الوحشيّ إلى الاستدارة يستدقّ من ذلك الطرف ويغلظ فيحدث عليه نقرة غير غائرة يدخل فيها طرف العضد للدّور ، ولها زائدتان تمنعان
العضد ، عن الانخلاع : إحداهما إلى فوق ومن خلف ، ويسمّى « منقار الغراب » وبها رباط الكتف
مع الترقوة ، والاُخرى إلى أسفل ومن داخل ، ثمَّ لا يزال يستعرض كلّما أمعنت في الجهة الاُنسيّة ، ليكون اشتمالها الوافي أكثر ، حتّى ينتهي إلى غضروف مستدير
الطرف يتّصل بها . وعلى ظهره زائدة كالمثلّث يسمّى « عير
الكتف » قاعدته إلى الجانب الوحشيّ وزاويته إلى الاُنسيّ ، حتّى لا يختلّ سطح الظهر بإشالة الجلد وتألّمه عن المصادمات . وهي بمنزلة السنسنة للفقرات مخلوقة للوقاية .
وإنّما خلق الكتف لأن
يتعلّق به العضد فلا يكون ملتزقاً بالصدر ، ولأن يسلس به حركات اليدين ولا يضيق مجالهما ، وأن يكون جنّة ووقاية ثانية للأعضاء المحصورة في الصدر ، ويقوم بدل سناسن الفقرات وأجنحتها .
وأما العضد فهو عظم مستدير مثل اُنبوبة قصب مدوّر مجوّف مملوء مخّاً محدّب
إلى الوحشيّ مقعّر إلى الاُنسيّ ليكنّ بذلك ما ينتضد عليه من العضل والعصب والعروق ، وليجوّد تأبّط ما يتأبّطه الإنسان وإقبال إحدى اليدين على الاُخرى . وطرفه
الأعلى المحدّب يدخل في نقرة الكتف بمفصل رخو غير وثيق جدّاً تضمّه رباطات أربعة وبسبب الرخاوة يعرض له الخلع كثيراً وإنّما جعل رخواً لتسلس الحركة في الجهات كلّها مع عدم الاحتياج إلى دوام هذه الحركة وكثرتها ليخاف انتهاك الأربطة أو تخلعها بل العضد في أكثر الأحوال ساكن وسائر اليد متحرّكة ، وأمّا طرفه السافل فإنّه قد ركب عليه زائدتان متلاصقتان :
فالّتي تلي الجانب الاُنسيّ
منهما أطول وأدقّ ، ولا مفصل لها مع عظم آخر وليس يرتبط بها شيء لكنّها وقاية للعروق والعصب الّتي تأتي اليد ، والاُخرى الّتي تلي الجانب الوحشيّ يتمّ بها مفصل المرفق ، وفيما بين هاتين الزائدتين حزّ
شبيه
__________________
بحزّ
البكرة عند نهايته نقرتان من قدّام ومن خلف تسمّيان عتبتين ، فالّتي إلى قدّام مسوّاة مملّسة لا حاجز عليها ، والاُخرى وهي الكبرى اُنزل إلى تحت وغير مستدير الحزّ ، لكنّه كالجدار المستقيم إذا تحرّك فيها رأس عظم الساعد إلى الجانب الوحشيّ
ووصل إليه وقف .
وأما الساعد فهو مؤلّف من عظمين متلاصقين طولاً ويسمّيان الزندين والفوقانيّ الّذي يلي الإبهام منها أدقُّ لأنّه محمول ، ويسمّى الزند الأعلى ، والسفلانيّ
الّذي يلي الخنصر أغلظ لأنّه حامل ويسمّى الزند الأسفل ، وجملتها تسمّى ذراعاً . وبالأعلى تكون حركة الساعد على الالتواء والانبطاح
، ولهذا خلق معوجّاً كأنّه يأخذ من الجهة الاُنسيّة ويتحرّف يسيراً إلى الوحشيّة ، ليحسن استعداده
للحركة الالتوائيّة .
وبالأسفل تكون حركة
الساعد إلى الانقباض والانبساط ، ولهذا خلق مستقيماً ليكون أصلح لهما . ودقّق الوسط من كلّ منهما لاستغنائه بما يحفّه من العضل الغليظة
عن الغلظ المثقل ، وغلّظ طرفاهما لحاجتهما إلى كثرة نبات الروابط عنهما لكثرة ما يلحقهما من المصاكّات والمصادمات العنيفة عند حركات المفاصل وتقربهما عن اللحم والعضل .
والزند الأعلى في
طرفه نقرة مهندمة فيها لقمة من أطراف الوحشيّ من العضد ويرتبط فيها برباطات وبدورانها في تلك النقرة تحدث الحركة المنبطحة والملتوية .
وأمّا الزند الأسفل
فله زائدتان بينهما حزٌّ يتهندم في الحزّ الّذي على طرف العضد ، ومنهما يلتئم مفصل المرفق . فإذا تحرك الحزّ إلى خلف وتحت انبسط اليد وإذا اعترض الحزّ الجداريّ من النقرة الحابسة للّقمة ، حبسها ومنعها عن زيادة انبساط ، فوقف العضد والساعد على الاستقامة . وإذا تحرّك أحد الحزّين على الآخر إلى قدّام وفوق انقبضت اليد حتّى يماسّ الساعد العضد من الجانب الاُنسيّ والقدّام وطرفا الزندين من أسفل يجتمعان معاً كشيء واحد ويحدث فيهما نقرة واسعة مشتركة
__________________
أكثرها
في الزند الأسفل ، وما يفصل عن الانتقار يبقى محدّباً مملّساً ليبعد عن منال الآفات .
واما الرسغ والمشط ، فالرُّسغ مؤلّفة من ثمانية أعظم مدوّرة منضودة في صفّين ، وهي عظام صلبة عديمة المخّ مقبّبة الشكل تقبيباً تلتئم من اجتماعها هيئة
موافقة لما ينبغي أن يكون الرسغ عليه .
والمشط مؤلّف من
أربعة أعظم متّصلة بأعظم الرسغ بأربطة موثّقة : والصفُّ الأعلى من الرسغ ـ وهو الّذي يلي الساعد ـ ثلاثة عظام موثوقة المفاصل ، وعظامه أدقّ ثمّ رؤوسها الّتي تلي الساعد أدقُّ وأشدُّ تهندماً واتّصالاً كأنّها واحدة ،
ورؤوسها الّتي تلي الصفّ الأسفل أعرض وأقلّ تهندماً واتّصالاً . والصفّ الأسفل أربعة عظام بعدد عظام المشط لاتّصالها بها ، وأمّا العظم الثامن فليس مما يقوّم صفّي
الرسغ بل خلق لوقاية عصبة تلي الكفَّ .
وعظام المشط متقاربة
من الجهة الّتي تلي الرسغ ، ليحسن اتّصالها بعظام كالمتّصلة المتلاصقة ، وتنفرج يسيراً في جهة الأصابع ليحسن اتّصالها بعظام منفرجة متبائنة . وللرسغ مع الساعد مفصلان : أحدهما للانبساط والانقباض ، وهو أكبرهما يحدث من تهندم عظام الرسغ في النقرة المشتركة بين طرفي الزندين ، والآخر للالتواء ، ويحدث من تهندم زائدة تنبت على طرف الزند الأسفل على الخنصر في نقرة وقعت في طرف عظم الرسغ محاذية لها ، فتدور النقرة على الزائدة ، ويلتوي الرسغ وما يتّصل بها .
ومفصل الرسغ مع المشط
يلتئم بنقر في أطراف عظام الرسغ يدخلها زوائد من عظام المشط قد اُلبست غضاريف ، وهذه العظام كلّها موثّقة المفاصل مشدودة بعضها ببعض لئلّا تتشتّت فتضعف عند ضبط الكفّ لما يحويه ويحبسه ، حتّى لو كشفت جلدة الكفّ لوجدتها كأنّها متّصلة بعد فصولها عن الحسن ، ومع وثاقتها مطاوعة لانقباض يسير . وفي جميع عظام الرسغ والمشط تقعير من جانب الكفّ يمكن الكفّ بتلك المطاوعة وهذا التقعير من قبض المستديرات وضبط السيّالات .
وأما الاصابع فكلّ واحد منها مخلوقة من ثلاثة عظام تسمّى بالسلاميّات . والسفلانيّة منها أعظم ، والفوقانيّة أدقّ وأصغر على التدريج ليتحسّن نسبة ما بين الحامل والمحمول . وعظامها مستديرة لتتوقّى الآفات ، وجعلت صلبة عديمة التجويف والمخّ مقعّرة الباطن محدّبة الظاهر لتكون أقوى في القبض والضبط والجرّ .
والوسطى أطول ، ثمّ
البنصر ، ثمّ السّبابة ، ثمّ الخنصر ، لتستوي أطرافها عند القبض ولا تبقى فرجة ، وليتقعّر هي في الرّاحة ويشتمل على المستدير المقبوض عليه .
ووصلت سلاميّاتها كلّها
بحروف ونقر متداخلة بينها رطوبة لزجة ، ليدوم بها الابتلال ولا تجفّفها الحركة . وتشتمل على مفاصلها أربطة قويّة ، وتتلاقى بأغشية غضروفيّة . ويحشو الفرج في مفاصلها لزيادة الاستيثاق عظام صغار تسمّى سمسمانيّة : وجعل باطنها لحميّاً لتتطامن تحت الملاقيات المقبوضة ، ولم يجعل كذلك من خارج لئلّا يثقل ، ولتكون حالة الجمع سلاحاً موجعاً ، ووفّرت لحومها لتهندم جيّداً عند التقاء كالمتلاصق .
ولم تخلق في الأصل
لحميّة خالية من العظام وإن كان قد يمكن مع ذلك اختلاف الحركات كما لكثير من الدود والسمك إمكاناً واهياً لئلّا تكون أفعالها واهية وأضعف
ما يكون للمرتعشين ، ولم تخلق من عظم واحد لئلّا تكون أفعالها متعسّرة كما يعرض للمكزوزين .
واقتصر على عظام
ثلاثة لأنّه إن زيد في عددها وأفاد ذلك زيادة عدد حركات لها أورث لا محالة وهناً وضعفاً في ضبط ما يحتاج في ضبطه إلى زيادة وثاقة ، وكذلك لو خلقت من أقلّ من ثلاثة مثل أن تخلق من عظمين كانت الوثاقة تزداد والحركات تنقص عن الكفاية ، والحاجة إلى التصرّفات المتفنّنة أمسُّ منها إلى الوثاقة
المجاوزة للحدّ . ولم يجعل لبعضها عند بعض تحديباً ولا تقعيراً لتكون كأنّها شيء واحد إذا
__________________
احتيج
إلى أن يحصل منها منفعة عظم واحد ، وجعل للإبهام والخنصر تحديباً في الجانب الوحشيّ الّذي لا يلقاه إصبع لتكون بجملتها عند الانضمام كالمستدير الّذي يقي من الآفات . ولم يربط الإبهام بالمشط لئلّا يضيق البعد بينه وبين سائر الأصابع
ويكون عدلاً لسائر الأصابع الأربع :
فإذا اشتمل الأربعة
من جهة على شيء صغير وعاونها الإبهام بأن يحفظها على هيئة الاشتمال عادلت قوّة الإبهام في ضبط ذلك الشيء قوى الأربعة ، وليكون الإبهام من وجه آخر كالصّمامة على ما يقبضه الكفُّ . ولو وضع في غير
موضعه لبطلت منفعته ، ولو وضع إلى جانب الخنصر لما كانت اليدان كلّ واحدة منهما مقبلة على الاُخرى فيما يجتمعان على القبض عليه ، وأبعد من هذا لو وضع من خلف أو على الرّاحة .
واما الظفر فهو عظم ليّن دائم النشوء ، لأنّه ينسحق دائماً كالسنّ ، وإنّما
خلق ليكون سنداً للأنامل لئلّا تنعطف ولا تنضغط عند الشدّ على الشيء فيوهن وليتمكّن به الإصبع من لقط الأشياء الصغيرة ومن الحكّ والتفتية ، وليكون سلاحاً في بعض الأوقات ، وهذا في غير الإنسان أظهر . وخلق مستدير الطرف ليشقّ بعض الأشياء ويقطع به ما يهون قطعه ، وليّناً ليتطامن تحت ما يصاكّها فلا يتصدّع .
وأما ماهية الصدر فبيانها أنّ تجويف البطن كلّه من لدن الترقوة إلى عظم الخاصرة ينقسم إلى تجويفين عظيمين : أحدهما فوق ، يحوي الرئة والقلب ؛ والثاني أسفل ، يحوي المعدة والأمعاء والكبد والطحال والمرارة والكلى والمثانة والأرحام . ويفصل بين هذين التجويفين العضو المسمّى بالحجاب وهذا الحجاب يأخذ من رأس القصر ويمرّ بتاريب إلى أسفل [ في ] واحد من الجانبين حتّى يتّصل
بفقار الظهر
__________________
عند
الفقرة الثانية عشر ، ويصير حاجزاً بين ما فوقه وما تحته .
ثمّ ينقسم هذا
التجويف الأرفع إلى قسمين يفصل بينهما حجاب آخر ويمرّ في الوسط حتّى يلصق أيضاً بفقار الظهر ، ويسمّى هذا التجويف الأعلى كلّه صدراً وحدّه من فوق الترقوتين إلى الحجاب القاسم للبطن عرضاً .
وإنّما خلق الصدر من
أجل التنفّس ، وذلك لأنّه إذا انبسط جذب الرئة وبسطها ، وإذا انبسطت الرئة اجتذبت الهواء من خارج ، وكان ذلك أحد جزئي التنفّس ، وهو تنشّق الهواء . ثمّ إنّ الصدر ينقبض فتنقبض الرئة ، ويكون بانقباضها إخراج النفس ، وهو الجزء الثاني .
وإنّما احتيج إلى تنشّق
الهواء الخارج ثمّ إخراجه لترويح القلب وتعديل حرارته ، وإمداد الروح بجوهر ملائم له ، فإنّ الهواء يصير مركباً للروح منفذاً له مثل ما يصير الماء المشروب مركباً للغذاء . فالهواء الّذي يستنشق يصل منه إلى
القلب في المنافذ الّتي بينها وبين القلب ، فإذا سخن ذلك الهواء الّذي اجتذب احتيج إلى إخراجه والاستبدال به ، فانقبض الصدر وقبض الرئة ثمّ عاد فانبسط وبسط الرئة فدخلها هواء آخر على مثال الزقاق الّتي ينفخ بها النار ، فإنّها إذا انبسطت امتلأت
من الهواء ثمّ إذا انقبضت انفرغت .
واما الرئة فإنّ قصبتها تنتهي من أقصى الفم على ما ذكرنا حتّى إذا ما جائت
إلى ما دون الترقوة انقسمت قسمين ؟ وينقسم كلّ قسم منها أقساماً كثيرة ، وانتسج
واحتشى حواليها لحم أبيض رخو متخلخل هوائيّ غذاؤه دم في غاية اللطافة والرّقة ، فيملأ القصبة والفرج الّتي بين شعبها وشعب العروق الّتي هناك فصار من جملة القصبة
المنقسمة والعروق الّتي تحتها .
واللحم الّذي يحتشي
حواليها بدن الرئة ، ونصفه في تجويف الصدر الأيمن ، والآخر في الأيسر ، فهي ذات شقّين في جزئي الصدر ، لكي يكون التنفّس بآلتين
__________________
فإن
حدث على واحد منهما حادثة قام الآخر بما يحتاج إليه ، كالحال في العينين . وجلّلت بغشاء عصبيّ ليحفظها على وضعها وليفيدها حسّاً ما .
وإنّما تخلخل لحمها
لينفذ فيه الهواء الكثير فوق المحتاج إليه للقلب ، ليكون للحيوان عند ما يغوص في الماء وعند ما يصوت صوتاً طويلاً متّصلاً يشغله عن التنفّس
وجذب الهواء وعند ما يعاف الإنسان استنشاق هواء منتن أو هواء
مخلوط بدخان أو غبار ، هواء معدٌّ يأخذه القلب ، وأن يكون معيناً
بالانقباض على دفع الهواء الدخانيّ وعلى النفث .
وسبب بياض لحمها هو
كثرة تردّد الهواء فيه وغلبته على ما يغتذي به : وإنّما تشعّب شعباً لئلّا يتعطّل التنفّس لآفة تصيب إحدى الشعب . ولا رئة للسمك ، وإنّما يتنفّس بالهواء من طريق الاُذنين .
واما قصبة الرئة فمؤلّفة من غضاريف كثيرة منضود بعضها فوق بعض ، مربوط بعضها إلى بعض برباطات ، بعضها دوائر تامّة ، وهي الّتي في داخل الرئة ، وبعضها نصف دائرة ، وهي الّتي تجاور المريء وتماسّه في فضاء الحلق ، وبين كلّ اثنين منها فرجة ، ويجلّلها غشاءان يجريان عليها ويشملان الفرج الّتي بينها ، ويصلان بين طرفي أنصافها داخلاً وخارجاً . وإنّما جعلت غضروفيّة لتبقى مفتوحة ولا تنطبق ، ولتكون صلابته سبباً لحدوث الصوت أو معيناً فيه .
وإنّما كثرت لئلّا
يشملها الآفة ، وإنّما ربطت بأغشية لتتّسع تارة وتجتمع أخرى عند الاستنشاق والتنفّس ، فإنّ القابل للتمدّد والاجتماع هو الغشاء دون الغضروف . وإنّما لاقت المريء بجانبها الناقص وبالغشاء ليندفع عند الازدراد
عن وجه اللقمة النافذة إذا احتاج المريء إلى التمدّد والاتّساع ، فينبسط إلى الغشاء
__________________
ويأخذ
حظّاً من فضاء القصبة فيتّسع وينفذ اللقمة بسهولة ، فيكون تجويف القصبة حينئذ معيناً للمريء عند الازدراد . وجعل الغشاء الداخلانيُّ أصلب وأشدَّ ملاسة ليقاوم حدّة النوازل والنفوث الرديّة والدخان المردود من القلب ، ولئلّا يسترخي عن وقوع الصوت .
وإنّما انقسمت في
داخل الرئة أقساماً كثيرة لينفذ فيها الهواء الكثير ويستعدّ فيها للقلب . ومنفعتها في إعداد الهواء للقلب مثل منفعة الكبد في إعداد الغذاء
لجميع البدن . وإنّما ضيّقت فوهاتها لينفذ فيها النسيم إلى الشرايين المؤدّية إلى القلب بالتدريج ، وأن لا ينفذ فيها الدم فيحدث نفث الدم .
واما القلب فهو مؤلّف من لحم وعصب وغضروف ، وأوردة وشرايين تنبت منه ورباطات يتعلّق هو بها ، وغشاء ثخين يغشى به للوقاية غير ملاصق له إلّا عند أصله
لئلّا ينضغط عند الانبساط . أما لحمه فصلب غليظ منتسج من ثلاثة أصناف : من الليف اللحميّ الطويل الجاذب ، والعريض الدافع ، والمورّب لتكون له أصناف الحركات والأفعال وصلابته لئلّا ينفعل بالسرعة ، وليكون أبعد عن قبول الآفات . وهو صنوبريُّ الشكل ، قاعدته إلى فوق منها تنبت الشرايين ، وعرّض ليكون في المنبت وفاء بالنابت . وغضروفه أساس له وثيق ، وهو كالقاعدة له .
وله تجاويف ثلاثة تسمّى
البطون : اثنان منها كبيران ، والثالث في الوسط صغير يسمّى بالدهليز والايمن وعاء لدم متين مشاكل لجوهره ، والأيسر وعاء للروح والدم الرقيق . وخصّ بزيادة تصلّب لعدم الأمن من تحلّل ما فيه وترشّحه للطافة أحدهما ورقّة الآخر ، بخلاف الأيمن ، والأوسط منفذ بينهما ، له انضمام وانفراج بحسب انبساط القلب وانقباضه ، بهما ينفذ كلّ من صنفي الدم فيه ويختلط أحدهما بالآخر ويعتدلان فيه ، وقياسه من البطنين في المنفذيّة والتصرّف قياس البطن الأسط من الدماغ بين المقدّم والمؤخّر .
وللأيمن فوهتان يدخل
من إحداهما العروق النابتة من الكبد وينصبّ منه
__________________
الدم
فيه ، والاُخرى يتّصل بالرئة وهي الوريد الشريانيّ ، وللأيسر أيضاً فوهتان : إحداهما فوهة الشريان العظيم الّذي منه تنبت شرايين البدن كلّها ، والثانية فوهة الشريان الّذي يتّصل بالرئة ، وفيها يكون نفوذ الهواء من الرئة إلى القلب ، وهو الشريان الوريدي ، وعليها زائدتان شبيهتان بالاُذنين تقبلان الدم والنسيم من
المنافذ والعروق وترسلان إلى القلب ، جرمهما أرقُّ من لحم القلب ليحسن إجابتهما إلى الحركات ، وفيهما مع رقتهما صلابة ليكون أبعد عن قبول الآفات .
وإنّما وضع القلب في
الصدر لأنّه أعدل موضع في البدن وأوفقه ، وميل إلى اليسار قليلاً لكي يبعد عن الكبد فلا يجمع الحارّ كلّه في جانب واحد ، وأن يعدّل الجانب الأيسر لأنّ الطحال في ذلك الجانب وليس هو بنفسه كامل الحرارة ، ولكي يكون للكبد والعروق الأجوف النابت منه مكان واسع ، وتوسّع المكان للكبد أولى من توسّعه للطحال لأنّه أشرف .
والرئة مجلّلة للقلب
ليمنع من أن يلقاه عظام الصدر من قدّام ، وهو موضع صلابة جوهره لا يحمل ألماً وورماً لشرفه ، وعظمه وصغره يكون في الأكثر سبباً للجرأة والجبن لقوّة الحياة وضعفها وممّا يوجد بخلاف ذلك فالسبب فيه قلّة الحرارة بالنسبة إلى جثّته أو كثرتها . وقد يوجد في قلب بعض الحيوانات
الكبير الجثّة عظم وخصوصاً في الجمل والبقر وهو مائل إلى الغضروفيّة ، والصلب ما يوجد من ذلك في الفيل .
واما الشرايين فمنبتها التجويف الأيسر من القلب كما أشرنا إليه ، وذلك لأنّ الأيمن أقرب إلى الكبد فيشتغل بجذب الغذاء أو استعماله . ويخرج من هذا التجويف شريانان : أحدهما أصغر وهو الشريان الوريديّ المتّصل بالرئة ، والآخر
__________________
أكبر
كثيراً وهو حين يطلع تتشعّب منه شعبتان يصير أحدهما إلى التجويف الأيمن من تجويفي القلب وهي أصغر الشعبتين ، والآخر يستدير حول القلب كما يدور ثمّ يدخل إليه ويتفرّق فيه .
ثمّ إنّ الباقي من
العروق النابتة من تجويف القلب الأيسر بعد انشعاب هاتين الشعبتين منه ينقسم قسمين : يأخذ أحدهما إلى أسافل البدن ، والآخر إلى أعاليه
والثاني ينقسم في مصعده في الجانبين إلى شعب تتّصل بما يحاذيها من الأعضاء ، فتعطيها الحرارة
الغريزيّة حتّى إذا حاذى الإبط خرجت منه شعبة مع العرق الإبطيّ من عروق الكبد إلى اليد ، وينقسم فيها كتقسيمه على ما سنذكره .
واتّصلت منه شعب صغار
بالعضل الظاهر والباطن من العضد ، وهو مع ذلك غائر مندفن حتّى إذا صار عند المرفق صعد إلى فوق حتّى أنّ نبضه يظهر في هذا الموضع
في كثير من الأبدان ، ولم يزل تحت الإبطيّ ملاصقاً له حتّى ينزل عن المرفق قليلاً ثمّ إنّه يغوص أيضاً في العمق ، وينشعب منه شعب شعريّة ، متّصل بعضل الساعد إلى أن يقطع من الساعد مسافة صالحة ، ثمّ ينقسم قسمين ، فيأخذ أحدهما إلى الرسغ مادّاً مارّاً على الزند الأعلى وهو العرق الّذي يحبسه الأطباء ، ويأخذ الآخر إلى الرسغ أيضاً مارّاً على الزند الأسفل وهو أصغرهما ، ويتفرّقان في الكفّ وربّما ظهر
لهما نبض من ظاهر الكفّ .
وإذا بلغ هذا القسم
الأعلى موضع اللبّة انقسم قسمين ، وانقسم كلّ قسم إلى قسمين آخرين ، وجاوز أحد هذين القسمين الوداج الغائر من عروق الكبد ، ومرّ مصعداً حتّى يدخل القحف . ويتّصل في مروره منه شعبة بالأعضاء الغائرة الّتي هناك .
وإذا دخل القحف انقسم هناك انقساماً عجيباً ، وصار منه الشيء المعروفة بالشبكة المفروشة تحت الدماغ ، وقد مرّ ذكرها ، وبعد انقسامه إلى هذه الشبكة يجتمع ويعود أيضاً فيخرج من هذه الشبكة عرقان متساويان في العظم كحالها قبل الانقسام إليها ويدخلان حينئذ حرم الدماغ فيقسمان فيه .
__________________
وأمّا القسم الآخر من
هذين القسمين وهو أصغرهما فإنّه يصعد إلى ظاهر الوجه والرّأس ، ويتفرّق فيهما هناك من الأعضاء الظاهرة كتفرّق الوداج الظاهر الآتي ذكره . وقد يظهر نبض هذا القسم خلف الاُذن وفي الصّدغ ، فأمّا النبض الظاهر عند الوداجين فإنّه نبض القسم العظيم المجاور للوداج الغائر ويسمّى هذان الشريانان شرياني السبات .
وأمّا القسم النازل
إلى أسافل البدن فإنّه يركب فقرات القلب مبتدئاً من الفقرة الخامسة المحاذية للقلب نازلاً منه إلى أسفل ، وينشعب منه عند كلّ فقرة شعب
يمنةً ويسرةً ، ويتّصل بالأعضاء المحاذية لها . وأوّل شعبة ينشعب منه شعبة تأتي الرئة ثمّ شعب تأتي العضل الّتي بين الأضلاع ، ثمّ شعبتان تأتيان الحجاب ثمّ شعب تأتي المعدة والكبد والطحال والثرب والأمعاء والكلى والأرحام ، وشعب تخرج حتّى تتّصل بالعضل المحاذية لهذه المواضع ، حتّى إذا جاء إلى آخر الفقار انقسم
قسمين أخذ كلّ واحد منهما نحو إحدى الرجلين ، وانقسما فيهما كانقسام العروق الكبديّة إلّا أنّهما غائران ، ويظهر نبضهما عند الاُربيّتين
وعند العقب تحت الكعبين الداخلتين وفي ظهر القدمين بالقرب من الوتر العظيم .
وأما المريء والمعدة ، فالمريء مؤلّف من جوهر لحميّ وطبقات غشائيّة تحيط بها شعب من الأوردة والشرايين وشعب من الأعصاب . أمّا اللّحميّة فظاهرة ، والطبقة الداخلانيّة مطاولة الليف بها يجذب ، والخارجة مستعرضة الليف بها يدفع المزدرد إلى المعدة ويعصر ، وبها وحدها يتمّ القيء ، ولذلك يعسر .
وموضعه خلف قصبة
الرئة كما مرّ على استقامة فقار العنق ، وينحدر معه زوج العصب النازل من الدماغ ملتوياً عليه ، فإذا جاوز الفقرة الرّابعة من فقار الصلب المسمّاة بفقار الصدر ينحرف يسيراً إلى الجانب الأيمن ليوسّع المكان على العرق
النابت من القلب ، ثمّ ينحدر على استقامة الفقرات الباقية حتّى إذا وافى الحجاب انفتح له
منفذ
__________________
فيه
، ويرتبط عند المنفذ رباطات تشمله وتحوطه ، لئلّا يزدحم العرق الكبير المارّ فيه ولا يضغطه عند الازدراد ، فإذا جاوز الحجاب أخذ يتّسع ويسمّى حينئذ « فم المعدة » ويتدرّج في الاتّساع حتّى تتمّ المعدة مستديرة إلّا أنّ ما يلي الصلب منها منبطح
ليحسن ملاقاتها به ، وأسفلها واسع لأنّه مستقرُّ الطعام .
وهي ذات طبقتين : داخلتهما
طولانيّة الليف ، لأنّ أكثر أفعالها الجذب ويخالطها ليف مورّب ليعين على الإمساك ، وهي متّصلة بغشاء المريء وغشاء داخل الفم ، بل كلّها غشاء واحد فيه قوّة هاضمة كما مرّ . والخارجة مستعرضة اللّيف لم يختلط به شيء من المورّب ، لأنّه آلة العصر والدفع فقط .
ويأتيها من عصب
الدماغ شعبة تفيدها الحسَّ ، ولهذا ما يفثى الروائح الكريهة والمشاركة بين المعدة والدماغ بهذه العصبة ، وبها يحسُّ الإنسان ببرد الماء
المشروب وبها يتنبّه للشهوة ويحسُّ بالحاجة إلى الغذاء إذا خلا المعدة والبدن فيتحرّك
لطلبه . وإنّما لم يحسّ جميع الأعضاء بذلك مثل ما يحسّ فم المعدة لأنّه لو أحسّت الجميع لم يحمل الحيوان الجوع ساعة البتّة ، ولكان يلدغ جميع الأعضاء .
ويتّصل بقدّام المعدة
عرق كبير يذهب في طولها ، ويرسل إليها شعباً كثيرة ويلازمه شريان ينشعب مثل ذلك . وجميع تلك الشعب تعتمد على طيّ الصفاق وينسج من جملته الثرب ، ويترشّح دائماً إليه رطوبة لزجة دهنيّة هي الشحم بها يتمّ الثرب .
وفائدته أن يعين
بحرارته المعدة في الهضم من قدّام ، كما يعينها في ذلك الكبد من يمينها من فوق والطحال من يسارها من تحت ، ولحم الصلب من خلف
. وفوق الثرب الغشاء الصفاقيّ ، وفوقه المراق ، وفوقه عضلات البطن . وبهذه المجاورات
تكتسب المعدة حرارة تامّة هاضمة مع ما في لحمها من الحرارة الغريزيّة ، لأنّها خادمة
لجميع البدن في طلب الغذاء وهضمه ، فلا بدّ أن يتمّ اقتدارها على تمام فعلها .
__________________
والغشاء الصفاقيّ هو
الغشاء الّذي يحوي جميع الأحشاء ويجتمع طرفاه عند الصلب من جانبه ، ويتّصل بالحجاب من فوقه ، ويتّصل بأسفل المثانة والخاصرتين من أسفل ، وهناك تثقب فيه ثقبتان عند الاُربيّتين ، هما مجريان ينفذ فيهما عروق
ومعاليق وإذا اتّسعا نزل فيهما المعاء ويسمّى الفتق . وفائدة هذا الغشاء أن يكون وقاية
للأحشاء ويحفظها على أوضاعها لئلّا تتشوّش حركاتها وأفعالها ، ويربط بعضها بالبعض وبالصلب ليكون اجتماعها وثيقاً ، وليكون حاجزاً بين الأمعاء وعضل المراق ، إلى غير ذلك من المنافع .
وأما الامعاء فكلّها طبقتان ، وعلى الداخلانيّة لزوجات قد لبستها بمنزلة الترصيص يسمّى مع الشحم الّذي عليها « صهروج الأمعاء » لوقايتهما لها . وكلّها مربوطة بالصلب برباطات يشدّها ويحفظها على أوضاعها إلّا واحدة تسمّى بالأعور فإنّه مخلّى غير مربوط . وخلقت ستّة قبائل : ثلاثة دقاق ، وهي أعلى ، وثلاثة
غلاظ وهي أسفل . فأوّل الدقاق هو المعاء المتّصل بأسفل المعدة ويسمّى « الاثنى
عشريّ » لأنّ طوله في كلّ إنسان اثنا عشر إصبعا من أصابعه مضمومة .
وفوهته المتّصلة بقعر
المعدة يسمّى « البوّاب » لأنّها تنضمّ عند امتلاء المعدة وتنغلق حتّى لا يخرج منه الطعام ولا الماء حتّى يتمّ الهضم أو يفسد ، ثمّ ينفتح حتّى
يصير ما في المعدة إلى الأمعاء . وكما أنّ المريء للجذب إلى المعدة من فوق ، فكذلك
هذا المعاء للدفع عنها من تحت ، وهو أضيق من المريء وأقلّ سخونة ، لأنّ المريء منفذ الشيء الممضوغ ، وهذا منفذ الشيء المهضوم المختلط بالماء المشروب ، وأيضاً
فإنّ النافذ في المعاء يرافده الثقل الّذي يحصل في المعدة عند الامتلاء والحركات الّتي
تتّفق لبعض الناس فيسهل اندفاعه ، فاُعين بالتضيّق لتقوى على الانضمام والإمساك إلى أن يتمّ النضج والهضم . وهو ممتدّ من المعدة إلى أسفل على الاستقامة ليس فيه ما في
غيره من التلافيف ليكون اندفاع ما يندفع إليه عنه متيسّراً ليخلو بالسرعة ولا يزاحم ما
يجاوره من اليمين واليسار .
__________________
ويتلوه معاء يسمّى
بالصائم ، لأنّه يوجد في الأكثر خالياً فارغاً ، وذلك لأنّ الكيلوس الّذي ينجذب إليه يتّصل به وينجذب منه إلى الكبد
أكثر ممّا ينجلب إليه بالسرعة ، وأيضاً فإنّ المرّة الصفراء الّتي تنجلب من المرارة إلى الأمعاء ليغسلها
إنّما تنجلب أوّلاً إلى هذه المعاء فتغسلها بقوّتها الغسّالة ويهيّج الدافعة بقوّتها
اللدّاغة فيبقى خالياً . ويتّصل بالصائم معاء آخر طويل متلفّف مستدير استدارات كثيرة يسمّى بالدقيق .
وفائدة طول الأمعاء
وتلافيفها أن لا ينفصل الغذاء منها سريعاً فاحتاج الحيوان إلى أكل دائم وقيام للحاجة دائماً ، وليكون للكيلوس المنحدر من المعدة مكث صالح فيها ليتمّ القوّة الهاضمة الّتي فيها هضمه ، ولتنجذب صفوته إلى الكبد في العروق الماساريقيّة المتّصلة بتلك التلافيف . وسعة هذه الأمعاء الثلاثة كلّها بقدر سعة
البوّاب والهضم فيها أكثر منه في الغلاظ ، وإن كانت تلك أيضاً لا يخلو من هضم كما لا تخلو
عن عروق ماساريقيّة مصّاصة تتّصل بها . وأوّلها المعاء الأعور ويتّصل بأسفل الدقاق وسمّي به لأنّه مثل كيس ليس له إلّا ممرّ واحد به يقبل
ما يندفع إليه من فوق ومنه يندفع ما يدفعه إلى ما هو أسفل منه ، ووضعه إلى الخلف قليلاً وميله إلى
اليمين وفائدته أن يكون للثفل مكان يجتمع فيه فلا يحوج كلّ ساعة إلى القيام للتبرّز
وليستفيد من حرارة الكبد بالمجاورة هضماً بعد هضم المعدة .
ونسبة هذا المعاء إلى
ما تحته من الأمعاء نسبة المعدة إلى الأمعاء الدقاق الّتي فوقها ، ولذلك ميل إلى اليمين ليقرب من الكبد فيستوفي تمام الهضم ثمّ ينفصل عنه إلى معاء آخر تمصّ منه الماساريقا . وإنّما يكفيه فم واحد لأنّ وضعه ليس وضع المعدة على طول الثدي لكنّه كالمضطجع . ومن فوائد عوره أنّه مجمع الفضول الّتي لو تفرّق كلّها في سائر الأمعاء لتعذّر اندفاعها وخيف حدوث القولنج ، فإنّ المجتمع
أيسر اندفاعاً من المتفرّق ، وهو أيضاً مسكن لما لا بدّ من تولّده في الأمعاء من
الديدان
__________________
فإنّه
قلّما يخلو عنها بدن ، وفي تولّدها أيضاً منافع إذا كانت قليلة العدد صغيرة الحجم .
وفي هذا المعاء يتعفّن الثفل وتتغيّر رائحته . وهو
أولى بأن ينحدر في فتق الأربيّة لأنّه مخلّى عنه غير مربوط ولا متعلّق بما يأتي الأمعاء من الماساريقا ، فإنّه ليس
يأتيه منها شيء .
ويتّصل بهذا المعاء من
أسفل ، معاء يسمّى « قولون » وهو غليظ صفيق ، وكلّما يبعد عنه يميل إلى اليمين متلاحقة القرب من الكبد ، ثمّ ينعطف إلى اليسار منحدراً فإذا حاذى جانب اليسار انعطف ثانياً إلى اليمين وإلى خلف حتّى يحاذي فقرة القطن وهناك يتّصل بمعاء آخر يسمّى بالمستقيم ، وهو عند مروره في الجانب الأيسر بالطحال مضيّق ، ولذلك ورم الطحال يمنع خروج الريح ما لم يغمز عليه .
وهذا المعاء يجتمع
فيه الثفل لتدرّج إلى الاندفاع ليستصفي الماساريقا ما عسى يبقى فيها من جوهر الغذاء ، وفيه يعرض القولنج في الأكثر ، ومنه اشتقّ اسمه . والمعاء المستقيم المتّصل بأسفله ينحدر على الاستقامة ليكون اندفاع الثفل أسهل وهو
آخر الأمعاء ، وطرفه هو الدبر ، وعليه العضلة المانعة من خروج الثفل حتّى تطلقه الإرادة وخلق واسعاً يقرب سعته من سعة المعدة ليكون للثفل مكان يجتمع فيه كما يجتمع البول في المثانة ، ولا يحوج كلّ ساعة إلى القيام وليس يتحرّك شيء من الأمعاء إلّا طرفاها وهما المريء والمقعدة ، وتأتي الأمعاء كلّها أوردة وشرايين
وعصب أكثر من عصب الكبد لحاجتها إلى حسّ كثير .
واما الكبد فهو لحم أحمر مثل دم جامد ، ليس يحيطه عصب بل غشاء عصبيّ يجلّله يتولّد من عصب صغير ، وهو يربط الكبد بغيرها من الأحشاء وبالغشاء المجلّل للمعدة والمعاء ، ويربطها أيضاً بالحجاب برباط قويّ ، وبأضلاع الخلف برباطات دقاق . وهي موضوعة في الجانب الأيمن تحت الضلوع العالية من ضلوع الخلف وشكلها هلاليّ حدبته تلي الحجاب لئلّا يضيق عليه مجال حركته ، وتقعيره يلي
__________________
المعدة
ليتهندم على تحدّبها ، ويأتيها من هناك شريان صغير يتفرّق فيها ، ينفذ فيه الروح إليها ، ويحفظ حرارتها ، ويعدّلها بالنبض . وجعل مسلكه إلى مقعّرها لأنّ حدبتها تروّح بحركة الحجاب . ولها زوائد أربعة أو خمسة يحتوي بها على المعدة كما يحتوي الكفّ على المقبوض بالأصابع .
وشأنها أن تمتصّ
الكيلوس من المعدة والأمعاء وتجذبه إلى نفسها في العروق المسمّاة بماساريقا ، وليس في داخلها فضاء يجتمع فيه الكيلوس ، لكنّه يتفرّق في الشعب الّتي فيها من العرقين النابتين منها ، يسمّى أحدهما الباب ، والآخر الأجوف .
وبيان ذلك أنّ الباب
ينبت من تقعيرها وينقسم أقساماً ، ثمّ تنقسم تلك الأقسام إلى أقسام كثيرة جدّاً ، ويأتي منها أقسام يسيرة إلى قعر المعدة والاثنى عشريّ وأقسام كثيرة إلى المعاء الصائم ثمّ إلى سائر الأمعاء حتّى يبلغ المعاء المستقيم ،
وفيها ينجذب الغذاء إلى الكبد ، فلا يزال كلّما انجذب يصير من الأضيق إلى الأوسع حتّى يجتمع في الباب . ثمّ الباب ينقسم أيضاً في داخل الكبد إلى أقسام في دقّة الشعر ، ويتفرّق ما انجذب من الغذاء فيها ، ويطبخه لحم الكبد حتّى يصير دماً .
والأجوف ينبت من
حدبتها ، وهو عرق عظيم منه ينبت جميع العروق الّتي في البدن ، وأصله ينقسم في الكبد إلى أقسام في دقّة الشعر تلتقي مع الأقسام المنقسمة فيها من الباب ، فيرتفع الدم من تلك الأقسام إليها ، ثمّ يجتمع من أدقّها إلى
أوسعها ، حتّى يحصل جملة الدم كلّه في الأجوف ، ثمّ يتفرّق منه في البدن في شعبة الخارجة وهو إذا طلع من الكبد لم يمرّ كثيراً حتّى ينقسم قسمين :
أحدهما وهو الأعظم
يأخذ إلى أسفل البدن يسقي جميع الأعضاء الّتي هناك والثاني يأخذ إلى الأعلى ليسقي الأعضاء العالية . وهذا القسم تمرّ حتّى يلاصق الحجاب ، وينقسم من هناك عرقان يتفرّقان في الحجاب ليغذواه ثمّ ينفذان الحجاب فإذا نفذاه انقسمت منهما عروق دقيقة ، واتّصلت بالغشاء الّذي يقسم الصدر بنصفين وبغلاف القلب ، وبالغدّة الّتي تسمّى « التوثة »
وتفرّقت فيها .
__________________
ثمّ تنشعب منه شعبة
عظيمة تتّصل بالاُذن اليمنى من اُذني القلب ، وتنقسم ثلاثة أقسام : أحدها يدخل إلى التجويف الأيمن من تجويفي القلب ، وهو أعظم هذه الأقسام وهو الوريد الشريانيّ ، والثاني يستدير حول القلب من ظاهره وينبثّ فيه كلّه ، والثالث
يتّصل بالناحية السفلى من الصدر ويغذو ما هناك من الأجسام ،
وإذا جاوز القلب مرّ على استقامة إلى أن يحاذي الترقوتين وينقسم منه في مسلكه هذا شعب صغار من كلّ جانب تسقي ما يحاذيها ، ويقرب منها ويخرج منها شعب إلى خارج ، فيسقي العضل الخارج المحاذي لتلك الأعضاء الداخلة ، وعند محاذاته للإبط يخرج إلى خارج شعبة عظيمة تأتي اليد من ناحية الابط ، وهو القسم الباسليق .
فإذا حاذى من الترقوة
الوسط منها موضع اللبّة انقسم قسمين : فصار أحدهما إلى ناحية اليمين ، والآخر إلى ناحية الشمال ، وانقسم كلّ واحد من هذين القسمين إلى قسمين يسقي أحد القسمين الكتف ، وجاء إلى اليد من الجانب الوحشيّ ، وهو العرق المسمّى بالقيفال ، وانقسم الباقي قسمين في كلّ جانب : فمرّ أحدهما غائراً مصعداً في العنق حتّى يدخل القحف ويسقي ما هناك من أعضاء الدماغ والأغشية ، وفي مروره في العنق إلى أن يدخل الدماغ تنشعب منه شعب صغار تسقي ما في العنق من الأعضاء ويسمّى هذا القسم « الوداج الغائر » وأمّا الثاني فيمرّ مصعداً في الظاهر
حتّى ينقسم في الوجه والرأس والعنق والأنف ، ويسقي جميع هذه الأعضاء ، وهو « الوداج الظاهر » وينشعب من العرق الكتفيّ في مروره بالعضد شعب صغار تسقي ظاهر العضد وتنشعب من الإبطيّ شعب تسقي باطنه .
وإذا قارب العرق
الكتفيّ والعرق الإبطيّ مفصل المرفق انقسما فأخذ انقسام
__________________
العرق
الكتفيّ يمازج قسماً من العرق الإبطيّ ويتّحد به ، فيكون منهما عند المرفق العرق المسمّى بالأكحل . والقسم الثاني من أقسام العرق الكتفيّ يمتدّ في ظاهر
الساعد ويركب بعد ذلك الزند الأعلى . وهذا القسم حبل الذّراع . وقسم من العرق الإبطيّ وهو الأصغر مكاناً يمرّ في الجانب الدّاخل من الساعد حتّى يبلغ رأس الزند الأسفل ويكون من بعض شعبه العرق الّذي بين الخنصر والبنصر المسمّى بالاُسيلم .
وأمّا القسم الّذي
يأخذ إلى أسافل البدن فإنّه يركب فقار الظهر آخذاً إلى أسفل ، وتتشعّب منه أوّلاً شعب تأتي لفائف الكلى وأغشيتها والأجسام الّتي تقرب منها فتسقيها ، ثمّ تنشعب منه شعبتان عظيمتان تدخلان تجويف الكلى ، ثمّ شعبتان تصيران إلى الاُنثيين ، ثمّ تنشعب منه عند كلّ فقرة عرقان يمرّان في الجانبين
ويسقيان الأعضاء القريبة منها : ما كان منها داخلاً كالرحم والمثانة ، وما كان منها خارجاً
كمراق البطن والخاصرتين ، حتّى إذا بلغ آخر الفقار انقسم قسمين وأخذ أحدهما إلى الرجل اليمنى ، والاُخرى إلى اليسرى .
وتشعّبت منه شعب تسقي
عضل الفخذين . منها غائرة تسقي العضل الغائرة ومنها ظاهرة تسقي العضل الظاهرة . حتّى إذا بلغ مشاش مثنّى الركبة انقسم ثلاثة
أقسام فمرّ قسم منها في الوسط وسقى بشعب له جميع عضل الساق الداخل والخارج ، ومرّ قسم في الجانب الداخل من الساق حتّى يظهر عند الكعب الداخل وهو الصافن ، والقسم الآخر يمرّ في الجانب الظاهر من الساق وهو غائر إلى ناحية الكعب الخارج ، وهو عرق النساء وينشعب من كلّ واحد من هذين عند بلوغه القدم شعب متفرّقة في القدم فتكون الشعب الّتي في القدم في ناحية الخنصر والبنصر من شعب عرق النساء ، والّتي
في الإبهام من شعب الصافن .
وأما المرارة فهي كيس عصبانيّ يعلق من الكبد إلى ناحية المعدة ، موضوعة على أعظم زوائدها ، وهي ذات طبقة واحدة منتسجة من أصناف الليف الثلاثة ، ولها منفذان : أحدهما متّصل بتقعير الكبد ، وبه تنجذب المرّة الصفراء إليها ، والآخر
__________________
يتشعّب
فيتّصل بالأمعاء العليا وبأسفل المعدة ، وبه تندفع أجزاء من الصفراء إليها لغسلها عن الفضول ، وتنبيهها على الحاجة والنهوض للتبرّز كما مرّ . وليست المرارة لبعض الحيوانات كالإبل لأنّ معاءه مرّ جدّاً كأنّه مفرغة للمرّة ، ولذلك لا تأكلها
الكلاب ما لم تضطرّ جوعاً ، وكذلك الفرس والبغل .
وأما الطحال فهو عضو لحميٌّ مستطيل على شكل اللسان متّصل بالمعدة من يسارها إلى خلف حيث الصلب ، مهندماً مقعّره على محدّب المعدة ، مرتبطاً بها بعرق يصل بينهما ويوثقه شعب كثيرة العدد صغيرة المقادير تتشعّب من الصفاق وتتّصل به وتتفرّق فيه . وحدبته تلي الأضلاع تستند بأغشيتها ، لأنّه ليس متعلّقاً بها
برباطات كثيرة قويّة بل بقليلة ليفيّة .
ومن هذا الجانب تأتيه
العروق الساكنة والضاربة الكثيرة لتسخّنه ويقاوم برد السوداء المندفعة إليه ويهضمها . ولحميّته متخلخل ليسهل قبوله الفضول السوداوية . وله عنق يتّصل بمقعّر الكبد حيث يتّصل عنق المرارة ، به ينجذب
السوداء من الكبد وعنق آخر ينبت من باطنه متّصل بفم المعدة به يدفع السوداء إليها . ويغشيه غشاء نبت
من الصفاق كما مرّ ، وشأنه أن يكون مفرغة للسوداء الطبيعيّ كما دريت . وليس لبعض الحيوانات ، والّذي للجوارح منها صغير .
وأما الكليتان فكلّ واحدة منهما مثل نصف دائرة ، محدّبها يلي الصلب لتسهل الانحناء إلى قدّام . ولحمها لحم ملزَّز ليكون قويَّ الجوهر غير سريع الانفعال عمّا ينجذب إليها من المائيّة الحادّة الّتي يصحبها خلط حادّ ، وليقدر على إمساك المائيّة ريثما يتميّز عنها الدم ليغتذي به ، وليقدر الإنسان بسبب قدرة الكلية على
هذا الإمساك على إمساك البول إلى وقت اختياره ، وليمنع عن نشف غير الرقيق وجذبه ولتدورك بتلزيزه ما وجب من صغر حجمه . وفي باطن كلّ واحد منهما تجويف يجتمع فيه ما يتحلّل إليها لتميّز قوّتها الغاذية الدمويّة من المائية وتصرفها إلى
غذائها ، ثمّ
__________________
يرسل
المائيّة إلى المثانة . ولكلّ منهما عنق متّصل بالأجوف من الكبد ليجذب المائيّة وآخر متّصل بالمثانة ليرسل مائيّته إليها . ووضعت اليمنى أرفع من اليسرى ليكون أقرب من الكبد .
وإنّما جعلت زوجاً
لكثرة المائيّة وتضييق المكان على الكبد والأعور والطحال والقولون إن جعلت واحدة في أحد الجانبين وكان مع ذلك لا يستوي القامة بل تكون مائلة إلى جهتها ، أو على المعدة والأمعاء إن جعلت في الوسط وكان مع ذلك يمنع الانحناء إلى قدّام . على أنّ كلّ عضو من الحيوان خلق زوجاً ، والّذي لا يرى زوجاً
فهو ذو شقّين ، كما يظهر بالتأمّل فيما مرّ ، وقد قال سبحانه « وَمِن
كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » .
وأما المثانة فهي عصبانيّة مخلوقة من عصب الرباط ليكون أشدَّ قوّة ووثاقة ومع القوّة قابلة للتمدّد . وهي ككيس بلوطيّ الشكل طرفاه أضيق ووسطه أوسع مبطن بغشاء ، منتسج من الأصناف الثلاثة والليف ليقوم بإتمام الأفعال الثلاثة
وهي ذات طبقتين ، والبطانة ضعف الظهارة عمقاً وغلظاً ، لأنّها هي
الملامسة للمائيّة الحادّة ، وهي القائمة بالأفعال الثلاثة
، والظهارة وقاية لها لئلّا تنفسخ عند ارتكازها وتمدّدها . وهي موضوعة بين الدرز والعانة ، وشأنها أن تكون وعاءً للبول ومقبضة له إلى أن يخرج دفعة واحدة بالاختيار والإرادة ، فيستغني الإنسان بذلك عن مواصلة الإدرار ، كالمعاء للثفل .
والبول يأتيها من
منفذي الكليتين كما مرّ ، والمنفذان إذا بلغا إليها خرقا إحدى طبقتيها ومرّا فيما بين الطبقتين في طولهما ، ثمّ يغوصان في الطبقة الباطنة مفجّرين إيّاه إلى تجويف المثانة إليها حتّى إذا امتلأت وارتكزت انطبقت البطانة
__________________
على
الظهارة مندفعة إليها من الباطن كأنّهما طبقة واحدة لا منفذ بينهما . ولها عنق دفّاع للماء إلى القضيب معوجّ كثيرة التعاويج ،
ولأجلها لا يندفع الماء بالتمام دفعة ، وخصوصاً في الذكران ، فإنّه فيهم ذو ثلاث تعاويج ، وفي الإناث ذو تعويج
واحد لقرب مثانتهنّ من أرحامهنّ . وعلى فمه عضلة تضمّه وتمنع خروج البول حتّى تطلقه الإرادة المرخية لها .
أما الثدي فمركّب من شرايين وعروق وعصب يحتشى ما بينها نوع من اللحم غدديّ أبيض ، طبيعته اللين ، خلقه الله ليكون المُحيل والمولّد للّبن
. و هذه الشرايين والعروق تنقسم في الثدي إلى أقسام دقاق وتستدير وتلتفّ لفائف كثيرة ،
ويحتوي عليها ذلك اللحم الّذي هو مولد اللبن ، فيحيل ما في تجويفها من الدم حتّى يصير لبناً بتشبيهه إيّاه بطبيعته ، كما يحيل لحم الكبد ما يجتذب من المعدة
والأمعاء حتّى يصير دماً بتشبيهه إيّاه .
(
الفصل السادس )
* ( في تشريح آلات التناسل ) *
أما الانثيان فجوهرهما لحم غدديّ أبيض ، مثل لحم الثدي يحيل الدم النضيج الأحمر اللطيف المنجذب إليه كأنّها فضلة الهضم الرابع في البدن كلّه منيّاً
أبيض ، بسبب ما يتخضخض فيه هوائيّة الروح وانجذاب تلك المادّة إليهما ، في شعب عروق ساكنة ونابضة كثيرة الفوهات ، كثيرة التعاويج والالتفافات ، ومجرى تلك العروق
الصفاق وينزل منه مجريان شبه البرنجين ، ثمّ يتشعبان
فيكون منهما الطبقة الداخلة عن كيس البيضتين ، ثمّ يصير من هناك فيهما ، فيستحكم استحالته ويكمل نوعه ، ويصير منيّاً تاماً ، ويصير في مجريين يفيضان إلى القضيب .
__________________
وبسبب كثرة شعب
العروق الّتي يأتيها صار الإخصاء الّذي في صورة قطع عرق واحد كأنّه قطع من كلّ عضوٍ عرق لكثرة الفوهات الّتي تظهر هناك . ولهذا يوجد الخصيان تذهب قواهم وتسترخى مفاصلهم ، ويظهر ذلك في مشيهم وجميع حركاتهم ، وفي عقولهم وأصواتهم .
واما القضيب فهو عضو مؤلف من رباطات وأعصاب وعضلات وعروق ضاربة وغير ضاربة يتخلّلها لحم قليل ، وأصله جسم رباطيّ ينبت من عظم العانة كثير
التجاويف واسعها تكون في الأكثر منطبقة ، وتحته وفوقه شرايين كثيرة واسعة فوق ما يليق به . وتأتيه أعصاب من فقار العجز ، وإن كانت ليست غائصة في جوهره . وله ثلاث مجاري : للبول ، والمنيّ ، والوذي . والإنعاظ يكون بامتلاء تجاويفه من ريح غليظة وامتلاء عروقه من الدم . والإنزال يكون عند ما تمتدّ وتنتصب الأوعية الّتي فيها المنيّ وتهيج لقذف ما فيها لكثرته أو للدغه . وأحد الأسباب الداعية إلى ذلك احتكاك الكمرة وتدغدغها من الجسم المصاكّ لها فإنّ ذلك يدعو إلى تمدّد أوعية
المنيّ وقذف ما فيها وقوّة الانتشار . وريحه ينبعث من القلب ، وكذا قوّة الشهوة ينبعث منه بمشاركة الكلية والأصل هو القلب .
وأما الرحم فهو للإناث بمنزلة القضيب للرجال ، فهو آلة توليدهنّ ، كما أنّ القضيب آلة تناسلهم . وفي الخلقة تشاكله ، إلّا أنَّ إحداهما تامّة بارزة ، والاُخرى
ناقصة محتبسة في الباطن . وكأنّ الرحم مقلوب القضيب أو قالبه ، وفي داخله طوق مستدير عصبيٌّ في وسطه ، وعليه زوائد . وخلق ذا عروق كثيرة ليكون هناك عدّة للجنين
ويكون أيضاً للعضل الطمثيّ منافذ كثيرة . وهو موضوع فيما بين المثانة والمعاء
المستقيم إلّا أنّه يفضل على المثانة إلى ناحية فوق ، كما تفضل هي عليه بعنقها من تحت . وهو
يشغل ما بين قرب السرّة إلى آخر منفذ الفرج ، وهو رقبته . وطوله ما بين ستّ أصابع إلى أحد عشر ، ويطول ويقصر بالجماع وتركه ، ويتشكّل مقداره بشكل مقدار من
__________________
يعتاد
مجامعتها ، ويقرب من ذلك طول الرحم ، وربّما مسّ المعاء العليا . وهي مربوط بالصلب برباطات كثيرة قويّة إلى ناحية السرّة والمثانة والعظم العريض ، لكنّها سلسة .
وجعل من جوهر عصبيّ
له أن يتمدّد ويتّسع على الاشتمال ، وأن يتقلّص ويجتمع عند الاستغناء . ولن تستتمّ تجويفه إلّا مع استتمام النموّ كالثدي لا يستتمّ حجمها
إلّا مع ذلك . لأنّه يكون قبل ذلك معطّلاً . وهو يغلظ ويثخن كأنّه يسمن في وقت الطمث ثمّ إذا طهر ذبل . وخلق ذا طبقتين باطنتهما أقرب إلى أن تكون عرقيّة ، وخشونتها
لذلك . وفوهات هذه العروق هي الّتي تنقر في الرحم ، وتسمّى « نقر الرحم » وبها تتّصل أغشية الجنين ، ومنها يسيل الطمث ، ومنها يعتدل الجنين . وظاهرتهما أقرب إلى أن تكون عصبيّة وهي ساذجة واحدة ، والداخلة كالمنقسمة قسمين متجاورتين لا كملتحمتين .
ولرحم الإنسان
تجويفان ، ولغيره بعدد الأثداء ، وينتهيان إلى مجرى محاذٍ لفم الفرج الخارج ، فيه يبلغ المنيّ ، ويقذف الطمث ، ويلد الجنين ، ويكون في حال العلوق في غاية الضيق لا يكاد يدخله طرف ميل ، ثمّ يتّسع بإذن الله فيخرج
منه الجنين .
وقبل افتضاض البكر
تكون في رقبة الرحم أغشية تنتسج من عروق ورباطات رقيقة جدّاً يهتكها الافتضاض . ومن النساء من رقبة رحمها إلى اليمين ، ومنهنّ من
هي منها إلى اليسار ، وهي من عضلة اللحم كأنّها غضروفيّة ، وكأنّها غصن على غصن يزيدها السمن والحمل صلابة . وللرحم زائدتان تسمّيان قرني الرحم ، وهما الاُنثيان للنساء ، وهما كما في الرجال إلّا أنّهما باطنتان وأصغر وأشدّ تفرطحاً ، يخصّ كلّ واحد منهما غشاء عصبيّ لا يجمعهما كيس واحد . وكما أنّ أوعية المنيّ في الرجال بينهما وبين المستفرغ من أصل القضيب ، كذلك للنساء بينهما وبين المقذف إلى داخل
__________________
الرحم
، إلّا أنّها فيهنّ متّصلة بهما ، لقربهما بها في اللين ، ولم يحتج إلى تصليبهما وتصليب غشائهما .
قال في القانون : كما
أنّ للرجال أوعية المنيّ بين البيضتين وبين المستفرغ من أصل القضيب ، كذلك للنساء أوعية المنيّ بين الخصيتين وبين المقذف إلى داخل الرحم لكن الّذي للرجال يبتدىء من البيضة ويرفع إلى فوق ويندسّ في النقرة الّتي تنحطّ منها علاقة البيضة محرزة موثّقة ثمّ ينشأها بطاً منفرجاً متعرّجاً متورّباً ، ذا
التفافات يتمّ فيما بينها نضج المنيّ حتّى يعود ويفضي إلى المجرى الّذي في الذكر من أصله من الجانبين ، وبالقرب منه ما يفضي إليه أيضاً طرف عنق المثانة ، وهو طويل في
الرجال قصير في النساء .
فأمّا في النساء
فيميل من البيضتين إلى الخاصرتين كالقرنين ، مقوّمتين شاخصتين إلى الحالبين ، يتّصل طرفاها بالاُربيّتين ، ويتوتّران عند الجماع فيستويان عنق الرّحم للقبول بأن يجذباه إلى جانبين فيتوسّع وينفتح ويبلع المنيّ . ويختلفان في
أنّ أوعية المنيّ في النساء تتّصل بالبيضتين ، وينفذ في الزائدتين القُرنيّتين شيء
ينفذ من كلّ بيضة يقذف المنيّ إلى الوعاء ، ويسمّيان قاذ في المنيّ .
وإنّما اتّصلت أوعية
المنيّ في النساء بالبيضتين لأنّ أوعية المنيّ فيهنّ قريبة في اللين من البيضتين ولم يحتج إلى تصليبهما وتصليب غشائهما ، لأنّهما في كنّ ولا
يحتاج إلى درق بعيد ، وأمّا في الرجال فلم يحسن وصلهما بالبيضتين ولم يخلط بهما ، ولو
فعل ذلك لكانتا تؤذيانها إذا توتّرتا بصلابتهما ، بل جعل بينهما واسطة تسمّى « أقَنديدوس
» ـ انتهى.
(
الفصل السابع )
* ( في تشريح سائر الاعضاء من أسافل البدن ) *
اما هيئة الخاصرة والعانة والورك فبيانها أنّ عند العجز عظمين كبيرين يمنة ويسرة ، يتّصلان في الوسط من قدّام بمفصل موثّق ، وهما كالأساس لجميع العظام الفوقانيّة ، والحامل الناقل للسفلانيّة . وكلّ واحد منهما ينقسم إلى أربعة أجزاء :
فالّذي يلي الجانب الوحشيّ يسمّى « الحرقفة » ، وعظم الخاصرة ، والّذي يلي الخلف يسمّى « عظم الورك » والّذي يلي الأسفل يسمّى « حُقّ الفخذ » لأنّ فيه
التقعير الّذي يدخل فيه رأس الفخذ المحدّب . وقد وضع عليه أعضاء شريفة مثل المثانة والرحم وأوعية المنيّ من الذكران والمقعدة والسرّة .
وأمّا الفخذ فله عظم
هو أعظم عظم في البدن ، لأنّه حامل لما فوقه وناقل لما تحته وقبّب طرفه العالي ليتهندم في حُقّ الورك . وهو محدّب إلى الوحشيّ وقدّام ، مقعّر إلى الأنسيّ وخلف ، فإنّه لو وضع على استقامة وموازاة للحقّ لحدث نوع من الفحج كما يعرض لمن خلقته تلك ، ولم يحسن وقايته للعضل الكبار
والعصب والعروق ، ولم يحدث من الجملة شيء مستقيم ، ولم يحسن هيئة الجلوس . ثمّ لو لم يردّ ثانياً إلى الجهة الاُنسيّة لعرض فحج من نوع آخر ، ولم يكن للقوام واسطة عنها وإليها الميل فلم يعتدل .
وفي طرفه الأسفل
زائدتان تتهندمان في نقرتين في رأس عظم الساق ، وقد وثّقتا برباط ملتفّ ورباط في الغور ورباطين من الجانبين قويّين ، فهندم مقدّمهما بالرضفة ، وهي عين الركبة ، وهو عظم عريض في الاستدارة فيه غضروفيّة فائدته مقاومة
__________________
ما
يتوقّى عن الجثوّ وجلسة التعلّق من الانتهاك والانخلاع ، فهو دعامة للمفصل . وجعل موضعه إلى قدّام ، لأنّ أكثر ما يلحقه من عنف الانعطاف يكون إلى قدّام إذ ليس له إلى خلف انعطاف عنف ، وأمّا إلى الجانبين فانعطافه شيء يسير ، بل جعل انعطافه إلى قدّام ، وهناك يلحقه العنف عند النهوض والجثوّ وما أشبه ذلك .
واما الساق فهو كالساعد مؤلّف من عظمين أحدهما أكبر وأطول وهو الاُنسيّ ويسمّى « القصبة الكبرى » والثاني أصغر وأقصر لا يلاقي الفخذ بل يقصر دونه إلّا أنّه
من أسفل ينتهي إلى حيث ينتهي إليه الأكبر ويسمّى « القصبة الصغرى » وهي متبرّئة عن الكبرى في الوسط بينهما فرجة قليلة . وللساق تحدّب إلى الوحشيّ ، ثمّ عند الطرف الأسفل تحدّب آخر إلى الاُنسيّ ، ليحسن به القوام ويعتدل . والقصبة الكبرى وهي الساق بالحقيقة قد خلقت أصغر من الفخذ ، وذلك أنّه لمّا اجتمع لها موجَبا الزيادة في الكبر ـ وهو الثبات وحمل ما فوقه ـ والزيادة في الصغر ـ وهو الخفّة للحركة ـ وكان الموجب الثاني أولى بالغرض المقصود في الساق فخلق أصغر ، والموجب الأوّل أولى بالغرض المقصود في الفخذ فخلق أعظم .
واُعطي الساق قدراً
معتدلاً حتّى لو زيد عِظماً عرض من عسر الحركة ما يعرض لصاحب داء الفيل والدّوالي ، ولو انتقص عرض من الضعف وعسر الحركة والعجز عن حمل ما فوقه ما يعرض لدقاق السوق في الخلقة . ومع هذا كلّه فقد دعم وقوي
بالقصبة الصغرى . وللقصبة الصغرى منافع اُخرى ، مثل ستر العصب والعروق بينهما . ومشاركة القصبة الكبرى في مفصل القدم ليتأكّد ويقوى مفصل الانثناء والانبساط .
وأما القدم فمؤلّفة من ستّة وعشرين عظماً : كعب به يكمل المفصل مع الساق وعقب به عمدة الثبات ، وهو أعظمها ، وزورقيّ به الأخمص ، وأربعة عظام للرسغ بها يتّصل بالمشط ، وواحد منها عظم نرديٌّ كالمسدّس موضوع إلى الجانب الوحشيّ وبه يحسن ثبات ذلك الجانب على الأرض ، وخمسة عظام للمشط بعدد الأصابع في صفّ واحد ، وأربعة عشر سلاميّات الأصابع ، لكلّ منها ثلاثة ، سوى الإبهام فإنّ له اثنين .
أما الكعب فإنَّ الانسانيّ منه أشدّ تكعيباً من كعوب سائر الحيوانات ، وكأنّه
أشرف عظام القدم النافعة في الحركة ، كما أنّ العقب أشرف عظام الرجل النافعة في الثبات ، وهو موضوع بين الطرفين النابتين من قصبتي الساق ، يحتويان عليه بمقعّرهما
من جوانبه ، ويدخل طرفاه في العقب في نقرتين ، دخول ركز . وهو واسطة بين الساق والعقب ، به يحسن اتّصالهما ويتوثّق المفصل بينهما ، ويؤمن عليه الاضطراب . وهو موضوع في الوسط بالحقيقة ، ويرتبط به العظم الزورقيّ من قدّام ، ارتباطاً مفصليّاً
. وهذا الزورقيّ متّصل بالعقب من خلف ، ومن قدّام بثلاثة من عظام الرسغ ، ومن الجانب الوحشيّ بالعظم النرديّ .
وأما العقب فهو موضوع تحت الكعب ، صلب مستدير إلى خلف ، ليقاوم المصاكّات والآفات مملّس الأسفل ليحسن استواء الوطء وانطباق القدم على المستقرّ عند القيام . وخلق مثلّثاً إلى الاستطالة يدقّ يسيراً يسيراً حتّى ينتهي فيضمحلّ
عند الأخمص إلى الوحشيّ ليكون تقعير الأخمص متدرّجاً من خلف إلى متوسّطة .
واما الرسغ فيخالف رسغ الكفّ بأنّه صفّ واحد وذاك صفّان ، وعظامه أقلّ عدداً ، وذلك لأنّ الحاجة في الكفّ إلى الحركة والاشتمال أكثر ، وفي القدم إلى الوثاقة أشدّ . وخلق شكل القدم مطاولاً إلى قدّام ليعين على الانتصاب
بالاعتماد عليه ، وخلق له أخمص من الجانب الأنسيّ ليكون ميل القدم عند الانتصاب ـ وخصوصاً لدى المشي ـ إلى الجهة المضادّة لجهة الرّجل المشيلة للنقل ، فيعتدل القوام وليكون الوطء على الأشياء المدوّرة والناتئة مهندماً من غير ألم ، وليحسن اشتمال القدم على ما يشبه الدرج ، وليكون بعض أجزائها متجافية عن الأرض فيكون المشي أخفّ والعدو أسهل . ولمثل هذه المنافع خلقت من عظام كثيرة وإنّها بذلك تحتوي على الموطوء عليه كالكفّ على المقبوض .
ايضاح :
في القاموس : الزّرفين ـ بالضمّ وبالكسر ـ : حلقة للباب أو عامّ معرّب . وقد زرفن صدغيه : جعلهما كالزرفين . وقال الجوهريّ الزّرد مثل السرد وهو مداخل حلق الدروع بعضها في بعض . والزرد ـ بالتحريك ـ : الدروع المزرودة
والزرّاد
صانعها ـ انتهى ـ فشبّهوا اتّصال بطون الدماغ بعضها ببعض وتداخلها بالدروع ونسجها .
قال
في القانون : للدماغ في طوله ثلاثة بطون ، وإن كان كلّ بطن في عرضه ذا جزئين ، والجزء المقدّم محسوس الانفصال إلى جزئين يمنة ويسرة . وهذا الجزء يعين على الاستنشاق ، وعلى نفض الفضل بالعطاس ، وعلى توزيع أكثر الروح الحسّاس وعلى أفعال القوى المتصوّرة من قوى الإدراك الباطن .
وأمّا البطن المؤخّر
فهو أيضاً عظيم ، لأنّه يملأ تجويف عضو عظيم ، ولأنّه مبدء شيء عظيم أعني النخاع ومنه يتوزَّع أكثر الروح المتحرّكة . وهناك أفعال القوّة
الحافظة ، لكنّه أصغر من المقدّم بل كلُّ واحد من بطني المقدّم ، ومع ذلك فإنّه يتصغّر تصغّراً مدرّجاً إلى النخاع ، ويتكاثف تكاثفا إلى الصلابة .
فأمّا البطن الوسط
فإنّه كمنفذ من الجزء المقدّم إلى الجزء المؤخّر ، كدهليز مضروب بينهما . وقد عظم لذلك ، وطوّل لأنّه مؤدّ من عظيم إلى عظيم ، وبه يتّصل الروح المقدّم بالروح المؤخّر ، ويتأدّى أيضاً الأشباح المتذكّرة . ويتسقّف مبدأ هذا البطن الأوسط بسقف كريّ الباطن كالأزج
ـ ويسمّى به ـ ليكون منفذاً ، ومع ذلك مبتعداً بتدويره عن الآفات ، وقويّاً على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج .
وهناك يجتمع بطنا
الدماغ المقدّمان اجتماعاً يتراءيان للمؤخّر في هذا المنفذ وذلك الموضع يسمّى « مجمع البطنين » وهذا المنفذ نفسه بطن . ولمّا كان منفذاً يؤدّي التصوّر إلى الحفظ كان أحسن موضع للفكر والتخيّل على ما علمت . ويستدلّ على أنّ هذه البطون مواضع قوى تصدر عنها هذه الأفعال من جهة ما يعرض لها من الآفات ، فيبطل مع آفة كلّ جزء فعله ، أو يدخله خلافه .
والغشاء الرقيق
يستبطن بعضه فيغشى بطون الدماغ إلى « القمحدوة »
الّتي
__________________
عند
الطاق ، وأمّا ما وراء ذلك فصلابته تكفيه تغشية الحجاب إيّاه . فأمّا التزريد الّذي في بطون الدماغ فليكون للروح النفسانيّ نفوذ في جوهر الدماغ كما في بطونه إذ ليس في كلّ وقت تكون البطون متّسعة منفتحة ، أو الروح قليلاً بحيث يسع البطون فقط ، ولأنّ الروح إنّما تكمل استحالة عن المزاج الّذي للقلب إلى المزاج الّذي للدماغ ، بأن ينطبخ فيه انطباخاً يأخذ به من مزاجه ، وهو أوّل ممّا يتأدّى
إلى الدماغ يتأدّى إلى بطنه الأوّل لينطبخ فيه ، ثمّ ينفذ إلى البطن الأوسط فيزداد
فيه انطباخاً ، ثمّ يتمّ انطباخه في البطن المؤخّر والانطباخ الفاضل إنّما يكون بممازجة ومخالطة ونفوذ في أجزاء الطابخ كحال الغذاء في الكبد .
لكن زرد المقدّم أكثر
أفراداً من زرد المؤخّر ، لأنّ نسبة الزرد إلى الزرد كنسبة العضو إلى العضو بالتقريب ، والسبب المصغّر للمؤخّر من المقدّم
موجود في الزرد ، وبين هذا البطن وبين البطن المؤخّر ومن تحتهما مكان هو متوزّع العرقين العظيمين الصاعدين إلى الدماغ اللّذين سنذكرهما إلى شعبهما الّتي ينتسج منها
المشيمة من تحت الدماغ .
وقد عمدت تلك الشعب
بجرم من جنس الغدد يملأ ما بينها ويدعمها كالحال في سائر المتوزّعات العرقيّة ، فإنّ من شأن الخلأ الّذي يقع بينها أن يملأ أيضاً بلحم
غدديّ . وهذه الغدّة تتشكّل بشكل الشعب المذكورة على هيئة التوزّع الموصوف ، فكما أنّ التشعّب أو التوزّع المذكور يبتدىء من ضيق ويتفرّع إلى سعة توجبها الانبساط كذلك صارت هذه الغدّة صنوبريّة رأسها يلي مبدأ التوزّع من فوق ، وتذهب متوجّهة نحو غايتها إلى أن يتمّ تدلّي الشعب ، ويكون هناك منتسج على مثال المنتسج في
المشيمة فيستقرّ فيه .
فالجزء من الدماغ
المشتمل على هذا البطن الأوسط عامّة وأجزاؤه الّتي هي من فوق دوريُّ الشكل ، مزرّدة من زرد موضوعة في طوله ، مربوطة بعضها ببعض
__________________
ليكون
له أن يتمدّد وأن يتقلّص كالدود . وباطن فوقه مغشيٌّ بالغشاء الّذي يستبطن الدماغ إلى حدّ المؤخّر ، وهو مركّب على زائدتين من الدماغ مستديرتين إحاطة الطول كالفخذين ، يقربان إلى التماسّ ، ويتباعدان إلى الانفراج ، تركيباً بأربطة تسمّى « وترات » لئلّا يزول عنها ، لتكون الدودة إذا تمدّدت وضاق عرضها ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع ، فينسدّ المجرى ، وإذا تقلّصت إلى القصر وازدادت عرضاً تباعدت إلى الافتراق ، فانفتح المجرى .
وما يلي منه مؤخّر
الدماغ أدقّ ، وإلى التحدّب ما هو ويتهندم في مؤخّر الدماغ كالوالج منه في مولج ، ومقدَّمه أوسع من مؤخّره على الهيئة الّتي يحتملها الدماغ . والزائدتان المذكورتان تسمّيان القبّتين ، ولا تزريد فيهما البتّة ، بل ملساوان ، ليكون شدّهما وانطباقهما أشدّ ، ولتكون إجابتهما إلى التحريك بسبب حركة شيء آخر أشبه بإجابة الشيء الواحد .
ولدفع فضول الدماغ
مجريان : أحدهما في البطن المقدّم عند الحدّ المشترك بينه وبين الّذي بعده ، والآخر في البطن الأوسط . وليس للبطن المؤخّر مجرى مفرد ، وذلك لأنّه موضوع في الطرف صغير أيضاً بالقياس إلى المقدّم لا يحتمل ثقباً ويكفيه والأوسط مجرى مشترك بينهما ، وخصوصاً وقد جعل مخرجاً للنخاع يتحلّل بعض فضوله ويندفع من جهته .
وهذان المجريان إذا
ابتدءا من البطنين ونفذا في الدماغ نفسه تورّبا نحو الالتقاء عند منفذ واحد عميق مبدأه الحجاب الرّقيق ، وآخره وهو أسفله عند الحجاب الصلب وهو مضيّق كالقمع يبتدىء من سعة ، مستديرة إلى مضيق ، ولذلك
يسمّى « قمعاً » ويسمّى أيضاً ، « مستنقعاً » فإذا نفذ في الغشاء الصلب لاقى هناك مجرى في غدّة كأنّها
كرة مغمورة من جانبين متقابلين : من فوق ، وأسفل ، وهي بين الغشاء الصلب وبين
__________________
مجرى
الحنك ، ثمّ تجده هناك المنافذ الّتي في مشاشية المصفّاة من أعلى الحنك ـ انتهى ـ .
وفي القاموس : الأزج ـ
محرّكة : ضرب من الأبنية . وفي المصباح : الأزج بيت يبنى طولاً ، ويقال : الازج السقف . وقال القمحدوة فعللوة ـ بفتح الفاء والعين وسكون اللام الأولى وضمّ الثانية . هي ما خلف الرأس ، وهو مؤخّر القذال والجمع قماحد . ـ وفي القاموس : القمع ـ بالكسر ، وبالفتح ، وكعنب ـ :ما التزق بأسفل التمرة والبسرة ونحوهما .
وقال الجوهريّ : الصدى
الّذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها . يقال : أصمّ الله صداه أي أهلكه ، لأنّ الرجل إذا مات لم يسمع الصدى منه شيئاً فيجيبه .
وقال الفيروز آباديّ :
الرضاب ـ كغراب ـ :الريق المرشوف ، أو قطع الريق في الفم . وقال : الصردان عرقان يستبطنان اللسان . وقال المجرفة ـ كمكنسة ـ المكسحة : وقال : « شيء مهندم » مصلح على مقدار ، وله « هندام » معرّب أندام .
والدغدغةُ : الزعزعة .
والصفق : الضرب وصفَق : الباب ردّه أو أغلقه وفتحه ضدٌّ . والريح الأشجار : حرّكتها . والصفوق : الصخرة الملساۤء المرتفعة . وقال
: الغلصمة اللحم بين الرأس والعنق ، أو العجرة على ملتقى اللهاة والمريء ، أو رأس الحلقوم بشواربه وحرقدته ، أو أصل اللسان . وقال : العير : العظم الناتىء وسطها . وقال : الكزاز ـ كغراب ورمّان ـ : داء من شدّة البرد ، أو الرعدة منها .
وقال : الاُربيّة ـ كأثفيّة
ـ أصل الفخذ ، أو ما بين أعلاه وأوسطه . وقال : المريء ـ كأمير ـ .مجرى الطعام والشراب ، وهو رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم . وقال : الصفاق ـ ككتاب ـ : الجلد الأسفل تحت الجلد الّذي عليه الشعر أو ما بين الجلد والمصران ، وجلد البطن كلّه . وقال : الثرب : شحم رقيق يغشى الكرش
والأمعاء . وقال : مراقّ البطن ما رقّ منه ولان ، جمع « مرقّ » أو لا واحد لها . وقال رصّه ألصق بعضه ببعض وضمّ كرصّصه .
[ وفى القاموس : رصّه
ألزق ] . وقال : الصاروج النورة وأخلاطها ، معرّب .
وصرّج
الحوض تصريجاً .
وقال : المصهرج
المعمول بالصاروج . والارتكاز : الاستقرار والاعتماد . وقال : نبض العرق ينبض نبضاً ونبضاناً : تحرّك والبربخ على ما ذكره الأطبّاء ما يعمل من السفال ويوضع في مجرى الماء ويقال له بالفارسية « گنگ » : والكمرة ـ محرّكة ـ : رأس الذكر . والمفرطح : العريض . ويقال توتّر العصب والعنق إذا اشتدّ .
وفي القاموس : الحرقفة
عظم الحجبة أي رأس الورك . وقال : القبب دقّة الخصر وضمور البطن قبَّ بطنه وقِبب ، وسرّة مقبوبة ومقبّبة : ضامرة . وقال الحقّ ـ بالضمّ ـ : رأس الورك الّذي فيه عظم الفخذ . وقال : فحج في مشيته ـ كمنع ـ : تدانى صدور قدميه وتباعد عقباه وقال الاُنسيّ الأيسر من كلّ شيء ، ومن القوس ما أقبل عليك منها . والوحشيّ الجانب الأيمن من كلّ شيء ، أو الأيسر ، ومن القوس ظهرها . وقال : الرّضف عظام في الركبة كالأصابع المضمومة قد أخذ بعضها بعضاً ، وهي من الفرس ما بين الكراع والذراع ، واحدتها « رضفة » وتحرّك .
أقول :
ما في كتب الطبّ لعلّه على المجاز . والزورق : السفينة الصغيرة .
فذلكة
اعلم أنّ عظام الرأس
أحد عشر ، وعظام الوجه ستّة عشر ، والأسنان اثنان وثلاثون ، وفقرات العنق والظهر والعجز والعصعص ثلاثون ، وعظام الترقوة اثنان والكتفان اثنان ، وقلّة الكتف اثنان ، والعظام الأصليّة لليدين ستّون سوى العظام الصغيرة في المواصل المسمّاة بالسمسمانيّة ، والأضلاع من الجانبين أربعة وعشرون وعظام الصدر سبعة ، وعظام الخاصرة اثنتان ، وعظام الرجلين ستّون .
فالمجموع مائتان
وثمانية وأربعون سوى السمسمانيّة ، ومعها مائتان وأربعة وستّون ، لأنّها في كلّ يد ورجل أربعة . وعدد العضلات على ما ذكره جالينوس خمسمائة وتسعة وعشرون ، وعلى ما ذكرها أبو القاسم بن أبي صادق خمسمائة وثمانية عشر .
__________________
والأعصاب على المشهور
ثمانية وعشرون زوجاً وواحد فرد فيكون سبعة وخمسين .
وأمّا الشريانات
النابضة المنشعبة من القلب والأوردة الساكنة المنبعثة من الكبد فقد مرّ مجملاً اُصولهما وكيفيّة انشعابهما ، ولا يحصر شعبهما عدد مضبوط ليمكن ذكرها ، وقد مرّ في الأخبار أنّ الجميع ثلاثمائة وستّون ، نصفها متحرّكة ، ونصفها ساكنة .
واقول :
إنّما بسطنا الكلام في هذا الباب لمدخليّتها في معرفة الحكيم الكريم الوهّاب ، ولطفه وكرمه وحكمه ونعمه في جميع الأبواب ، وهي أفضل فنون الطبّ والحكمة وأدقّهما وأشرفهما ، والله الموفّق للصواب .
٤٩
( باب نادر )
*
( في علة اختلاف صور المخلوقات وعلة السودان والترك والصقالبة )
*
١ ـ العلل : عن محمّد بن إبراهيم الطالقانيّ ، عن ابن عقدة
الحافظ ، عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام
قال : قلت له لم خلق
الله عزّ وجلّ الخلق على أنواع شتّى ، ولم يخلقه نوعاً واحداً ؟ فقال لئلّا يقع في
الأوهام أنّه عاجز ولا يقع صورة في وهم ملحد إلّا وقد خلق الله عزّ وجلّ عليها خلقاً لئلّا
يقول قائل : هل يقدر الله عزّ وجلّ أن يخلق صورة كذا وكذا لأنّه لا يقول من ذلك
__________________
شيئاً
إلّا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى ، فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه أنّه على كلّ شيء قدير .
٢ ـ ومنه : عن عليّ بن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ،
عن سهل بن زياد عن عبد العظيم الحسنيّ ، قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ عليهالسلام يقول : عاش نوح عليهالسلام ألفين وخمسمائة سنة ، وكان يوماً في
السفينة نائماً فهبّت ريح فكشفت عورته ، فضحك حام ويافث ، فزجرهما سام ونهاهما عن الضحك ، وكان كلّما غطّى سام شيئاً تكشفه الريح كشفه حام ويافث .
فانتبه نوح عليهالسلام فرآهم وهم يضحكون ، فقال : ما هذا ؟ فأخبره سام بما كان فرفع نوح عليهالسلام يده إلى السماء يدعو ويقول : اللّهمّ
غيّر ماء صلب حام حتّى لا يولد له إلّا السودان ، اللّهمّ غيّر ماء صلب يافث . فغيّر الله ماء صلبيهما . فجميع
السودان حيث كانوا من حام وجميع التّرك والصقالبة ويأجوج ومأجوج والصين من يافث حيث كانوا ، وجميع البيض سواهم من سام . وقال نوح لحام ويافث : جعل
ذرّيتكما خولا لذرّيّة سام إلى يوم القيامة لأنّه برّ بي وعققتماني ، فلا زالت سمة عقوقكما لي في
ذرّيتكما ظاهرة ، وسمة البرّ بي في ذرّيّة سام ظاهرة ما بقيت الدنيا .
بيان :
« تكشفه الريح » الجملة صفة « شيئاً » وفي القاموس : السقلب جيل من الناس ، وهو سقلبيٌّ ، والجمع سقالبة . وقال : الصقالبة جيل تتاۤخم بلادهم
بلاد الخزر بين بُلغَر وقسطنطينيّة . وقال : الخول ـ محرّكة ـ : ما أعطاك الله من النعم
والعبيد والإماء وغيرهم من الحاشية للواحد والجمع والذكر والاُنثى .
٣ ـ العلل : في خبر يزيد بن سلام أنّه سأل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ آدم خلق من الطين كلّه أو من طين واحد ؟ قال بل من الطين كلّه ، ولو خلق من طين واحد لما
__________________
عرف
الناس بعضهم بعضاً ، وكانوا على صورة واحدة . قال : فلهم في الدنيا مثل ؟ قال : التراب فيه أبيض ، وفيه أخضر ، وفيه أشقر ، وفيه أغبر ، وفيه أحمر ، وفيه أزرق ، وفيه
عذب ، وفيه ملح ، وفيه خشن ، وفيه لين ، وفيه أصهب ، فلذلك صار الناس فيهم لين ، وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر ، وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب .
بيان :
قال الفيروز آباديّ الأشقر من الدوابّ الأحمر في مُغرة
، ومن الناس من تعلو بياضه حمرة . وقال : الصهب ـ محرّكة ـ : حمرة أو شقرة في الشعر كالصّهبة بالضمّ . والأصهب بعير ليس بشديد البياض ، وشعر يخالط بياضه حمرة .
__________________
( أبواب )
* ( الطب ومعالجة الامراض وخواص الادوية )
*
٥٠
( باب )
*
( أنه لم سمى الطبيب طبيباً وما ورد في عمل الطب ) *
*
( والرجوع الى الطبيب ) *
١ ـ العلل
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان يسمّى الطبيب « المعالج » فقال
موسى بن عمران : يا ربّ ممّن الداء ؟ قال : منّي . قال فممّن الدواء ؟ قال : منّي . قال : فما يصنع الناس بالمعالج ؟ قال : يطيب بذلك أنفسهم فسمّي الطبيب لذلك .
٢ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : قال موسى بن
عمران : يا ربّ من أين الداء ؟ قال : منّي . قال : فالشفاء ؟ قال : منّي . قال : فما يصنع عبادك
بالمعالج ؟ قال : يطيب بأنفسهم . فيومئذ سمّي المعالج الطبيب
.
بيان :
« يطبب بأنفسهم » في بعض النسخ بالباء الموحّدة ، وفي بعضها بالياء المثنّاة من تحت . قال الفيروز آباديّ : طبّ تأنّى للاُمور وتلطّف . أي إنّما سّموا
بالطبيب لرفعهم الهمّ عن النفوس المرضى بالرفق ولطف التدبير ، وليس شفاء الأبدان منهم .
وأمّا على الثاني
فليس المراد أنّ مبدء اشتقاق الطبيب الطيب والتطييب ، فإنّ
__________________
أحدهما
من المضاعف والآخر من المعتلّ .
بل المراد أنّ
تسميتهم بالطبيب ليست لتداوي الأبدان عن الأمراض بل لتداوي النفوس عن الهموم والأحزان فتطيب بذلك . قال الفيروز آباديّ الطبّ ـ مثلّثة الفاء ـ
علاج الجسم والنفس .
٣ ـ قرب
الاسناد : عن أحمد بن محمّد ، عن
الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليهالسلام : أرأيت إن احتجت إلى طبيب وهو نصرانيّ اُسلّم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم ، لأنّه لا ينفعه دعاؤك
.
العلل :
عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهديّ ، عن ابن محبوب مثله .
السرائر : نقلاً من كتاب السيّاريّ عنه عليهالسلام مثله .
بيان :
يدلّ على جواز العمل بقول الطبيب الذّميّ والرجوع إليه والتسليم عليه والدعاء ، ولعلّ الأخيرين محمولان على الضرورة بل الجميع ، ولو كان فيجب أن لا يكون على جهة الموادّة للنهي عنها . وقد روى الكلينيّ في الموثّق عن أبي عبد الله ، قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: لا تبدؤوا أهل الكتاب
بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم فقولوا « وعليكم » .
وروى هذا الخبر أيضاً
عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد .
٤ ـ العلل
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن الجعفريّ ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهماالسلام وهو يقول : ادفعوا معالجة الأطبّاء ما اندفع المداواة عنكم فإنّه بمنزلة البناء قليله يجرّ
إلى كثيره .
__________________
بيان :
أي الشروع في المداواة لقليل الداء يوجب زيادة المرض والاحتياج إلى دواء أعظم .
٥ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن أحمد
بن إدريس ، عن سهل ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : من ظهرت صحّته على سقمه فيعالج [
نفسه ] بشيء فمات فأنا إلى الله بريء منه .
بيان :
ظاهره حرمة التداوي بدون شدّة المرض والحاجة الشديدة إليه . لكنّ الخبر ضعيف فيمكن الحمل على الكراهة لمعارضة إطلاق بعض الأخبار ، وإن كان الأحوط العمل به .
٦ ـ طب
الائمة : [ عن ] محمّد بن
إبراهيم العلويّ الموسويّ ، عن إبراهيم بن محمّد ـ يعني أباه ـ . عن أبي الحسن العسكريّ قال : سمعت الرضا عليهالسلام يحدّث عن أبيه ، قال : سأل يونس بن يعقوب الرجل الصادق ـ يعني جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال :
يا ابن رسول الله ، الرّجل يكتوي بالنار وربما قتل وربما تخلّص . قال : [
قد ] اكتوى رجل من أصحاب رسول الله على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قائم على رأسه .
٧ ـ ومنه ، عن جعفر بن عبد الواحد ، عن النضر بن
سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام
: هل يعالج بالكيّ ؟ قال
: نعم ، إنَّ الله تعالى جعل في الدواء بركة وشفاءً وخيراً كثيراً ، وما على الرّجل
أن يتداوى وإن لا بأس به .
بيان :
« وإن لا بأس به » الظاهر أنّه بالكسر للوصل ، أي وإن كان غير مضطرّ إلى التداوي ، أو مخفّفة فالضمير راجع إلى مصدر يتداوى ، أو الواو للحال فيرجع إلى الأوّل . وفي بعض النسخ « ولا بأس به » وهو أظهر .
__________________
٨ ـ الطب
: عن المظفّر بن عبد
الله اليمانيّ ، عن محمّد بن يزيد الأشهليّ ، عن سالم بن أبي خيثمة عن الصادق عليهالسلام قال : من ظهرت صحّته على سقمه فشرب
الدواء فقد أعان على نفسه .
٩ ـ ومنه
: عن مرزوق بن محمّد
الطائيّ ، عن فضالة ، عن العلا ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام عن الرجل يداويه النصرانيّ واليهوديّ
ويتّخذ له الأدوية . فقال : لا بأس بذلك ، إنّما الشفاء بيد الله تعالى .
بيانٌ :
قال ابن ادريس ( ره ) في السرائر : قد ورد الأمر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ووردت الأخبار عن
الأئمّة من ذريّته عليهالسلام بالتداوي ، فقالوا :
تداووا ، فما أنزل الله داءاً إلّا أنزل معه دواءً إلّا السّام ، فإنّه لا دواء له
ـ يعني الموت ـ ويجب على الطبيب أن يتّقي الله سبحانه فيما يفعله بالمريض ، وينصح فيه . ولا بأس بمداواة اليهوديّ والنصرانيّ للمسلمين عند الحاجة إلى ذلك . وإذا أصاب المرأة علّة في جسدها واضطرّت إلى مداواة الرجال لها كان جائزاً .
وقال الشهيد ـ ره ـ في
الدروس : يجوز المعالجة بالطبيب الكتابيّ وقدح العين عند نزول الماء .
وقال العلّامة ـ قدّس
سرّه ـ في المنتهى : يجوز الاستيجار للختان وخفض الجواري والمداواة وقطع السلع وأخذ الاجرة عليه لا نعلم فيه خلافا لانّه فعل مأذون
فيه شرعا ، يحتاج إليه ويضطرّ إلى فعله فجاز الاستيجار عليه كسائر الأفعال المباحة
وكذا عقد الاستيجار للكحل سواء كان الكحل من العليل أو الطبيب وقال بعض الجمهور إن شرط على الطبيب لم يجز .
__________________
١٠ ـ الطب
: عن إبراهيم بن مسلم ،
عن ابن أبي نجران ، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشرب الدواء وربما قتله وربما
يسلم منه وما يسلم أكثر . قال : فقال : أنزل الله الداء وأنزل الشفاء ، وما خلق الله داءً
إلّا جعل له دواء . فاشرب وسمّ الله تعالى .
١١ ـ العياشي : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام في المرأة أو الرجل يذهب بصره ، فتأتيه الأطبّاء فيقولون : نداويك شهراً أو
أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلّي ، فرجعت إليه له . فقال :« فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
» .
١٢ ـ المكارم
: قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تداووا ، فإنّ الله عزّ وجلّ لم ينزل داءً إلّا وأنزل له شفاءً .
١٣ ـ وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اثنان عليلان :صحيحٌ محتمٍ ، وعليل مخلّط .
١٤ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تجنّب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء .
١٥ ـ عن أبي عبد الله
عليهالسلام قال : إنّ نبيّاً من الأنبياء مرض ، فقال
: لا أتداوى حتّى يكون الّذي أمرضني هو الّذي يشفيني . فأوحى الله تعالى إليه : لا أشفيك حتّى تتداوى ، فإنّ الشفاء منّي .
١٦ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن يحيى ، عن أخيه العلا ، عن إسمعيل بن الحسن المتطبّب قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام :
__________________
إنّي
رجل من العرب ، ولي بالطبّ بصر ، وطبّي طبٌّ عربيٌّ ولست آخذ عليه صفَداً . فقال : لا بأس . قلت : إنّا نبطّ الجرح ونكوي بالنار . قال : لا بأس . قلت : ونسقي
هذه السموم : الإسمحيقون ، والغاريقون . قال لا بأس . قلت : إنّه ربما مات . قال :
وإن مات قلت : نسقي عليه النبيذ . قال ليس في الحرام
شفاء . قد اشتكى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالت له عائشة : بك ذات الجنب . فقال
أنا أكرم على الله من أن يبتليني بذات الجنب . قال فأمر فلدَّ بصبر .
بيان :
قال في القاموس : الصفد ـ محرّكة ـ : العطاء . وقال : بطّ الجرح والصرّة : شقّه .
وأقول :
« الاسمحيقون » لم أجده في كتب اللغة ولا الطّبّ والّذي وجدته في كتب الطّبّ هو « إصطمخيقون » ذكروا أنّه حبّ مسهل للسوداء والبلغم . وكأنّه كان كذا فصحّف . قوله « ليس في الحرام شفاۤء » يدلّ على عدم جواز التداوي
بالحرام مطلقاً ، كما هو ظاهر أكثر الأخبار ، وهو خلاف المشهور ، وحملوا على ما إذا لم يضطرّ إليه ، ولا اضطرار إليه .
وقوله « قد اشتكى » لعلّه
استشهاد للتداوي بالدواء المرّ . « أنا أكرم على الله » كأنّه لاستلزام هذا المرض اختلال العقل وتشويش الدماغ غالباً وقال الفيروز اباديّ :
اللّدود ـ كصبور ـ : ما يصبّ بالمسعط من الدواء في أحد شقّي الفم . وقد لدّه لدّاً
ولدوداً ولدّه إيّاه وألدّه ولدّ فهو ملدود :
١٧ ـ الكافي
: عن عليّ بن إبراهيم ،
عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرّجل يشرب الدواء ويقطع العرق ، وربّما
انتفع به وربّما قتله . قال : يقطع ويشرب .
__________________
١٨ ـ ومنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن
الحسن ، عن معاوية بن حكيم عن عثمان الأحول قال : سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : ليس من دواء إلّا وهو يهيّج داءً ، وليس شيءٌ في البدن أنفع من إمساك اليد إلّا عمّا يحتاج إليه .
بيان :
« إلّا وهو » أي نفسه أو معالجته . « إلّا عّما يحتاج إليه » من الأكل بأن يحتمي عن الأشياء المضرّة ولا يأكل أزيد من الشبع ، أو من المعالجة ، أو منهما
.
١٩ ـ النهج
: قال أمير المؤمنين عليهالسلام : امش بدائك ما مشى بك .
٢٠ ـ دعوات
الراوندي :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : تداووا ، فإنّ الّذي أنزل الدّاء أنزل الدواء .
٢١ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءًا .
٢٢ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
عليّ بن إبراهيم الجعفريّ ، عن حمدان بن إسحاق قال : كان لي ابن ، وكان تصيبه الحصاة . فقيل لي : ليس له علاج إلّا أن تبطّه ، فبططته ، فمات . فقالت الشيعة : شركت في دم ابنك . قال : فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر ، فوقّع ـ صلوات الله عليه ـ يا أحمد ، ليس عليك فيما فعلت شيء ، إنّما التمست الدواء ، وكان أجله فيما فعلت .
٢٣ ـ قرب
الاسناد : عن عبد الله بن
الحسن العلويّ عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : سألته عن المريض ، يكوي أو
يسترقي ؟ قال : لا بأس إذا استرقى بما يعرفه .
توضيح :
في القاموس : « كواه يكويه كيّاً : أحرق جلده بحديدةٍ ونحوها . وقال : الرقية ـ بالضمّ ـ : العوذة ، والجمع : رقى . ورقاه رقياً ورقياً ورقية فهو
رقّاء : نفث في عوذته ( انتهى ) . قوله عليهالسلام « بما يعرفه » أي بما يعرف معناه من القرآن والأدعية والأذكار ، لا بما لا يعرفه من الأسماء السريانيّة والعربيّة
__________________
والهنديّة
وأمثالها كالمناطر المعروفة في الهند ، إذ لعلّها يكون كفراً وهذياناً .
أو المعنى : ما يعرف
حسنه بخبر أو أثر ورد فيه ، والأوّل أظهر . والأحوط أن لا يكون معه نفث لا سيّما إذا كان في عقدةٍ ، وتمام القول فيه في كتاب الدعاء .
قال في النهاية : قد
تكرّر ذكر الرقية والرُّقى والرَّقي والاسترقاۤء في الحديث ، والرقية : العوذة الّتي يرقى بها صاحب الآفة كالحمّى والصرع وغير ذلك من الآفات :
وقد جاۤء في
بعض الأحاديث جوازها ، وفي بعضها النهي عنها . فمن الجواز قوله « استرقوا لها فإنّ بها النظرة » أي اطلبوا لها من يرقيها ، ومن النهي
قوله « لا يسترقون ولا يكتوون » والأحاديث في القسمين كثيرة ، ووجه الجمع بينهما أنّ الرُّقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربيّ وبغير أسماۤء الله تعالى
وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة ، وأن يعتقد أنّ الرقيا نافعة لا محالة فيتّكل عليها . وإيّاه
أراد بقوله « ما توكّل من استرقى » ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك ، كالتعوّذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرُّقى المرويّة . ولذلك قال للّذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجراً : « من أخذه برقية باطل فقد أخذت برقية حقّ » .
وكقوله في حديث جابر
أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اعرضوها عليّ ، فعرضناها فقال : لا بأس بها ، إنّما هي مواثيق . كأنّه خاف أن يقع فيها شيء ممّا كانوا يتلفّظون به
ويعتقدونه من الشرك في الجاهليّة . وما كان بغير اللسان العربيّ ممّا لا يعرف له
ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله . فأمّا
قوله « لا رقية إلّا من عين أو حمّة » فمعناه لا رقية أولى وأنفع من أحدهما ، هذا كما قيل « لا فتى إلّا
عليّ » وقد أمر صلّى الله عليه وآله غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر
عليهم .
__________________
وأمّا الحديث الآخر
في صفة أهل الجنّة الّذين يدخلونها بغير حساب « هم الّذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربّهم يتوكّلون » فهذا من صفة الأولياء
المعرضين عن أسباب الدنيا ، لا يلتفتون إلى شيء من علايقها ، وتلك درجة الخواصّ لا يبلغها غيرهم ، فأمّا العوامّ فمرخّص لهم في التداوي والمعالجات ، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله تعالى بالدعاء كان من جملة الخواصّ والأولياء ، ومن لم يصبر رخّص له في الرقية والعلاج والدواء ـ انتهى ـ .
وعدّ الشهيد ـ قدّس سرّه
ـ من المحرّمات الأقسام والعزائم بما لا يفهم معناه ويضرّ بالغير فعله .
٢٤ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه عليهمالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا يتداوى المسلم حتّى يغلب مرضه صحّته .
٢٥ ـ الشهاب
: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : تداووا ، فإنّ الّذي أنزل الداء أنزل الدواء . وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له
شفاءً .
الضوء :
لفظ الإنزال هنا يفيد رفعة الفاعل ، لا الإنزال من فوق إلى أسفل كما قال تعالى « وَأَنزَلْنَا
الْحَدِيدَ
» أي كان تكوين ذلك وخلقه وإيجاده برفعة وقوّة . والداء المرض ، وأصله « دوء » وقد داء يداء داءً إذا مرض ، مثل خاف يخاف . والدواء ما يتعالج به ، وربما يكسر فاؤه ، وهو بمصدر « داويته » أشبه . والدوّي ـ مقصوراً ـ أيضاً المرض . وقد دوي يدوى دوىً ، تقول منه « هو يدوي و
__________________
يداوي
» يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : تعالجوا ولا تتكلّموا
، فإنّ الله الّذي أمرض قد خلق الأدوية المتعالج بها بلطيف صنعه ، وجعل بعض الحشائش والخشب والصموغ والأحجار أسباباً للشفاء من العلل والأدواء ، فهي تدلّ على عظيم قدرته وواسع رحمته .
وهذا الحديث يدلّ على
خطاء من ادّعى التوكّل في الأمراض ولم يتعالج . ووصف صلىاللهعليهوآلهوسلم « الشّبرم »
بأنّه حارٌّ يارٌّ . فلو لا أنّ التعالج بالأدوية صحيح لما وصف الشّبرم بذلك . وفائدة الحديث الحثُّ على معالجة الأمراض بالأدوية . وراوي الحديث أبو هريرة .
وقال : الشفاء البرء
من الداء ، وقد شفاه الله . فهو مصدر سمى كما ترى يقول : كما أنّ الداء من الله تعالى فكذلك الشفاء منه ، بخلاف ما يقوله الطبيعيّون
من أنّ الداء من الأغذية والشفاء من الأدوية . ولئن قيل : إنّ الله تعالى قد أجرى العادة بأنّه يستضرُّ بعض الناس ببعض الأغذية وفي بعض الأحوال فلعمري إنّه لصحيح ولكنّه من فعل الله تعالى ، وإن كان تناول تلك الطعام السبب في ذلك .
وسئل طبيب العرب « الحارث
بن كلدة » عن إدخال الطعام على الطعام ، فقال : هو الّذي أهلك البريّة ، وأهلك السباع في البريّة . فجعل إدخال الطعام على الطعام الّذي لم ينضج في المعدة ولم ينزل منها ، داءً مهلكاً . وهذا على عادة أكثريّةٍ
أجراها
__________________
الله
تعالى ، وقد تنخرم بأصحاب المعد الناريّة الملتهبة الّتي تهضم ما اُلقي فيها ، وكلّه
متعلّق بقدرة الله جلّت عظمته .
وروي في سبب هذا
الحديث أنّ رجلاً جرح على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : ادعوا له الطبيب ، فقالوا : يا رسول الله ، وهل يغني الطبيب من شيء ؟ فقال نعم ، ما
أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءً . وفائدة الحديث الحثُّ على التداوي والتشفّي
بالمعالجة ومراجعة الطّبّ وأهل العلم بذلك والممارسة ، وراوي الحديث هلال بن يساف .
٢٦ ـ التهذيب
: بإسناده عن الحسين
بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يعالج الدواء
للناس فيأخذ عليه جعلاً قال : لا بأس .
٢٧ ـ طب
النبى : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما خلق الله داءً إلّا وخلق له دواءً إلّا السام .
بيان :
السّام الموت ، أي المرض الّذي حتم فيه الموت .
دعائم الاسلام : روينا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن الأئمّة الصادقين من أهل بيته عليهمالسلام آثارا في التعالج والتداوي وما يحلّ من
ذلك وما يحرم . وفيما جاء عنهم عليهمالسلام لمن تلقّاه بالقبول وأخذه بالتصديق
بركةٌ وشفاءٌ إنشاء الله تعالى ، لا لمن لم يصدّق في ذلك وأخذه على وجه التجربة .
٢٨ ـ وقد روينا عن
جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّه حضر يوماً عند محمّد بن خالد أمير
المدينة ، فشكى محمّد إليه وجعاً يجده في جوفه ، فقال حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهالسلام أنّ رجلاً شكى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعاً يجده في جوفه ، فقال :
__________________
خذ
شربة عسل وألق فيها ثلاث حبّات شونيز ، أو خمساً أو سبعاً ، واشربه تبرأ بإذن الله . ففعل ذلك الرجل فبرىء ، فخذ أنت ذلك .
فاعترض عليه رجل من
أهل المدينة كان حاضراً فقال : يا أبا عبد الله قد بلغنا هذا وفعلناه فلم ينفعنا ، فغضب أبو عبد الله عليهالسلام وقال : إنّما ينفع الله بهذا أهل
الإيمان به والتصديق لرسوله ، ولا ينتفع به أهل النفاق ومن أخذه على غير تصديق منه للرّسول
. فأطرق الرجل .
٢٩ ـ ومنه
: عن جعفر بن محمد ، عن
آبائه عليهمالسلام أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : تداووا ، فما أنزل الله داءً إلّا أنزل معه دواءً إلّا السّام ـ يعني الموت ـ فإنّه
لا دواء له .
٣٠ ـ وعنه عليهالسلام أنّ قوماً من الأنصار قالوا له : يا رسول الله ، إنّ لنا جاراً
اشتكى بطنه ، أفتأذن لنا أن نداويه ؟ قال : بماذا تداوونه ؟ قالوا : يهوديٌّ ههنا
يعالج من هذه العلّة قال : بماذا ؟ قالوا : بشقّ البطن فيستخرج منه شيئاً ، فكره ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم . فعاودوه مرّتين أو ثلاثاً ، فقال : افعلوا
ما شئتم . فدعوا اليهوديَّ فشقَّ بطنه ونزع منه رجرجاً كثيراً ثمّ غسل بطنه ثمّ خاطه وداواه فصحّ . واُخبر النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : إنّ الّذي خلق الأدواء جعل لها
دواءً ، وإنّ خير الدواء الحجامة والفصاد والحبّة السوداء ـ يعني الشونيز ـ .
بيان :
« رجرجاً » كذا في النسخ ، ولعلّ المراد القيح ونحوها مجازاً . قال في القاموس : الرّجرجة ـ بكسرتين ـ بقيّة الماء في الحوض والجماعة الكثيرة في الحرب والبزاق ، وكفلفل نبت ـ انتهى ـ .
ولا يبعد أن يكون
أصله « رجزاً » يعني القذر . والفصد ـ بالفتح ـ والفصاد ـ بالكسر ـ شقّ العرق .
٣١ ـ الدعائم
: عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّه سئل عن الرجل يداويه اليهوديّ والنصرانيّ ، قال : لا بأس ، إنّما الشفاء بيد الله .
__________________
٣٢ ـ وعن أبي جعفر
محمّد بن عليّ عليهماالسلام أنّه سئل عن المرأة تصيبها العلل في جسدها ، أيصلح أن يعالجها الرجل ؟ قال عليهالسلام : إذا اضطرّت إلى ذلك فلا بأس .
٣٣ ـ وعن عليّ عليهالسلام أنّه قال : من تطبّب فليتّق الله ولينصح وليجتهد .
٣٤ ـ وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه نهى عن الكيّ .
٣٥ ـ وعن جعفر بن محمّد
عليهماالسلام أنّه رخّص في الكيّ فيما لا يتخوّف فيه
الهلاك ولا يكون فيه تشويه .
العقايد
للصدوق : قال ـ رضي الله عنه ـ : اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه : منها ما قيل على هواء مكّة والمدينة فلا يجوز
استعماله في سائر الأهوية . ومنها ما أخبر به العالم على ما عرف من طبع السائل ، ولم يعتبر بوصفه ، إذ كان أعرف بطبعه منه . ومنها ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس . ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله . ومنها ما حفظ بعضه ونسى بعضه .
وما روي في العسل أنّه
شفاء من كلّ داء فهو صحيح ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد .
وما روي في الاستنجاء
بالماء البارد لصاحب البواسير فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من الحرارة .
وما روي في الباذنجان
من الشفاء فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات ، فأدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة عليهمالسلام هي الأدعية وآيات القرآن وسوره على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القويّة والطرق الصحيحة .
فقال الصادق عليهالسلام : كان فيما مضى يسمّى الطبيب « المعالج » فقال موسى بن عمران : يا ربّ ، ممّن الداء ؟ قال منّي . قال فممّن الدواء ؟ قال : منّي قال :
__________________
فما
يصنع الناس بالمعالج ؟ فقال : تطيب بذلك نفوسهم فسمّي الطبيب طبيباً لذلك
. وأصل الطبيب المداوي .
وكان داود عليهالسلام تنبت في محرابه كلَّ يوم حشيشة ، فتقول : خذني ، فإنّي أصلح لكذا وكذا . فرأى في آخر عمره حشيشة نبتت في محرابه ، فقال له : ما اسمك قالت : أنا الخرنوبة . فقال داود عليهالسلام : خرب المحراب . ولم ينبت فيه شيء بعد ذلك .
وقال النبيّ عليهالسلام : من لم يشفه الحمد فلا شفاه الله .
وقال الشيخ المفيد ـ
قدّس الله روحه ـ في شرحه عليها : الطبُّ صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه الوحي ، وإنّما أخذه العلماء به عن الأنبياء . وذلك أنّه لا طريق
إلى علم حقيقة الداء إلّا بالسمع ، ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلّا بالتوفيق فثبت
أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيّات تعالى . والأخبار عن الصادقين عليهمالسلام مفسّرة بقول أمير المؤمنين عليهالسلام « المعدة بيت الأدواء
والحمية رأس الدواء . وعوّد كلّ بدن ما اعتاد » .
وقد ينجع في بعض أهل
البلاد من الدواء من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد ، ويصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة .
وكان الصادقون عليهمالسلام يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يضرّ بمن كان به المرض فلا يضرّه ، وذلك لعلمهم عليهمالسلام بانقطاع سبب المرض فإذا استعمل الإنسان
ما يستعمله كان مستعملاً له مع الصحّة من حيث لا يشعر بذلك ، وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالى على سبيل المعجز لهم والبرهان لتخصيصهم به وخرق العادة بمعناه ، فظنّ قوم أنّ ذلك الاستعمال إذا حصل مع مادّة المرض نفع ، فغلطوا فيه واستضرّوا به
وهذا قسم لم يورده أبو جعفر ، وهو معتمد في هذا الباب . والوجوه الّتي ذكرناها من
__________________
بعد
هي على ما ذكره ، والأحاديث محتملة لما وصفه حسب ما ذكرناه ( انتهى ) .
وأقول :
يحتمل بعضها وجهاً آخر ، وهو أن يكون ذكر بعض الأدوية الّتي لا مناسبة لها بالمرض على سبيل الافتنان والامتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القويّ الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيقان ، فإذا استعمله الأوّل انتفع به لا لخاصيّته وطبعه بل لتوسّله بمن صدر عنه ، ويقينه وخلوص متابعته ، كالانتفاع بتربة الحسين عليه السّلام وبالعوذات والأدعية .
ويؤيّد ذلك أنّا
ألفينا جماعة من الشيعة المخلصين كان مدار علمهم ومعالجتهم على الأخبار المرويّة عنهم عليهمالسلام ، ولم يكونوا يرجعون إلى طبيب ، وكانوا
أصحَّ أبداناً وأطول أعماراً من الّذين يرجعون إلى الأطبّاء والمعالجين .
ونظير ذلك أنّ الّذين
لا يبالون بالساعات النجوميّة ولا يرجعون إلى أصحابها ولا يعتمدون عليها بل يتوكّلون على ربّهم ويستعيذون من الساعات المنحوسة ومن شرّ البلايا والأعادي بالآيات والأدعية أحسن أحوالاً وأثرى أموالاً وأبلغ آمالاً من الّذين يرجعون في دقيق الاُمور وجليلها إلى اختيار الساعات ، وبذلك يستعيذون من الشرور والآفات ، كما مرّ في باب النجوم ، والتكلان على الحيّ القيّوم .
فائدة
روى المخالفون عن أبي
الدرداء أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فتداووا ولا تتداووا بحرام . وعن جابر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ لكلّ داء دواءً : فإذا اُصيب
دواء الداء برأ بإذن الله تعالى . وعن اُسامة بن شريك قال : قالت الأعراب : يا رسول الله ، ألا نتداوى ؟ قال : نعم
يا عباد الله تداووا ، فإنّ الله لم يضع داءً إلّا وضع له شفاءً ودواءً إلّا داءً
واحداً ، قالوا : يا رسول الله ، وما هو ؟ قال الهرم . وعن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
ما
أنزل الله من داء إلّا أنزل له دواءً . وفي حديث ابن مسعود بعد ذلك : علمه من علمه
وجهله من جهله .
أقول :
قال بعضهم : المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبيّ مثلاً ، أو عبّر بالإنزال عن التقدير . وفي بعض الأخبار التقييد بالحلال ، فلا
يجوز التداوي بالحرام . وفي حديث جابر الإشارة إلى أنّ الشفاء متوقّف على الإصابة بإذن الله تعالى ، وذلك أنّ الدواء قد تحصل له مجاوزة الحدّ في الكيفيّة أم الكميّة
فلا ينجع ، بل ربما أحدث داءً آخر . وفيها كلّها إثبات الأسباب ، وأنّ ذلك لا
ينافي التوكّل على الله لمن اعتقد أنّها بإذن الله وبتقديره ، وأنّها لا تنجع بدوائها بل
بما قدّره الله تعالى فيها ، وأنّ الدواء قد ينقلب داءً إذا قدّر الله تعالى . وإليه
الإشارة في حديث جابر « بإذن الله » فمدار ذلك كلّه على تقدير الله وإرادته .
والتداوي لا ينافي
التوكّل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنّب المهلكات ، والدعاء لطلب العافية ورفع المضارّ وغير ذلك . ويدخل في عمومه أيضاً الداء القاتل الّذي اعترف حذّاق الأطبّاء بأن لا دواء له وبالعجز
عن مداواته .
ولعلّ الإشارة في
حديث ابن مسعود بقوله « وجهله من جهله » إلى ذلك ، فتكون باقية على عمومها . ويحتمل أن يكون في الخبر حذف ، تقديره : لم ينزل داء يقبل الدواء إلّا أنزل له شفاءً . والأوّل أولى . وممّا يدخل في قوله « جهله من جهله » ما يقع لبعض المرضى أنّه يداوي من داء بدواء فيبرأ ، ثمّ يعتريه ذلك الداء بعينه ،
فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع . والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فربّ مرضين تشابها ويكون أحدهما مركّباً لا ينجع فيه ما ينجع في الّذي ليس مركّباً
فيقع الخطاء من هناك ، وقد يكون متّحداً لكن يريد الله أن لا ينجع ، فلا ينجع
وهناك تخضع رقاب الأطبّاء .
وقد روي أنّه قيل : يا
رسول الله ، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به ، هل يردّ من قضاء الله شيئاً ؟ قال : هي من أقدار الله تعالى . والحاصل أنّ حصول
الشفاۤء
بالدواء إنّما هو كدفع الجوع بالأكل ، والعطش بالشرب ، فهو ينجع في ذلك في الغالب ، وقد يتخلّف لمانع ، والله أعلم .
واستثناء الموت في
بعض الأحاديث واضح ، ولعلّ التقدير : إلّا داء الموت ، أي المرض الّذي قدّر على صاحبه الموت . واستثناء الهرم في الرواية الاُخرى إمّا لأنّه
جعله شبيهاً بالموت ، والجامع بينهما نقص الصحّة ، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه
. ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً ، والتقدير : لكنّ الهرم لا دواء له .
تتمة
قال بعض المحقّقين : الطبيب
الحاذق في كلّ شيء ، وخصّ المعالج به عرفاً . والطبّ نوعان : نوع طبّ جسد ، وهو المراد هنا ، وطبّ قلب ومعالجته خاصّة بما جاء به رسول الله عن ربّه تعالى . وأمّا طبّ الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه
صلىاللهعليهوآله ومنه ما جاء عن غيره ، وغالبه راجع إلى التجربة .
ثمّ هو نوعان : نوع
لا يحتاج إلى فكر ونظر ، بل فطر الله عليه الحيوانات ، مثل ما يدفع الجوع والعطش ، ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث في البدن ممّا يخرجه عن الاعتدال ، وهو إمّا إلى حرارة أو برودة ، وكلٌّ منهما إمّا إلى رطوبة أو يبوسة ، أو إلى ما يتركّب منهما . والدفع قد يقع من خارج البدن وقد يقع من داخله ، وهو أعسرهما والطريق إلى معرفته بتحقيق السبب والعلامة . والطبيب الحاذق هو الّذي يسعى في تفريق ما يضرّ بالبدن جمعه أو عكسه ، وفي تنقيص ما يضرّ بالبدن زيادته أو عكسه .
ومدار ذلك على ثلاثة
أشياء : حفظ الصحّة ، والاحتماء عن المؤذي ، واستفراغ المادّة الفاسدة . وقد اُشير إلى الثلاثة في القرآن : فالأوّل من قوله تعالى في
القرآن « فَمَن
كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ » وذلك أنّ السفر مظنّة
__________________
النصب
، وهو من مغيّرات الصحّة ، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فاُبيح الفطر إبقاء على الجسد ، وكذا القول في المرض . والثاني وهو الحمية من قوله تعالى « وَلَا
تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ
» وإنّه استنبط منه جواز التيمّم عند خوف استعمال الماء البارد . والثالث عن قوله « أَوْ
بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ » وإنّه اُشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الّذي منع منه المحرم ، لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس .
٥٢
(
باب التداوى بالحرام )
الايات :
البقرة :
فَمَنِ
اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ .
المائدة : فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
الأنعام : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ
.
وقال تعالى : وَقَدْ
فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ .
النحل :
فَمَنِ
اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
تفسير :
تدلّ هذه الآيات على جواز الأكل والشرب من المحرّم عند الضرورة إذا لم يكن باغياً أو عادياً . وفسّر الباغي بوجوه : منها الخارج على إمام زمانه .
ومنها الاۤخذ عن مضطرّ مثله ، بأن يكون لمضطرّ آخر شيء يسدّ به رمقه فيأخذه
__________________
منه
، وذلك غير جائز ، بل يترك نفسه حتّى يموت ولا يميت الغير . ومنها الطّالب للّذّة ، كما ذهب إليه جمع من الأصحاب .
وأمّا العادي فقيل : هو
الّذي يقطع الطريق ، وقيل : [ هو ] الّذي يتجاوز مقدار الضرورة ، وقيل : الّذي يتجاوز مقدار الشبع . وفي بعض الروايات عن الصادق عليه السّلام أنّه قال : الباغي الّذي يخرج على الامام ، والعادي الّذي يقطع
الطريق لا تحلّ لهما الميتة . وستأتي الأخبار في ذلك وغيره .
وقوله سبحانه « غَيْرَ
مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ
» أي غير مائل إلى إثم ، بأن يأكل زيادة على الحاجة ، أو للتلذّذ ، أو غير متعمّد لذلك ولا مستحلّ ، أو غير عاص بأن يكون باغياً على الإمام أو عادياً متجاوزاً عن قدر الضرورة ، أو عمّا شرع الله بأن يقصد
اللذّة لا سدَّ الرمق . وسيأتي تمام القول في ذلك في محلّه إنشاء الله .
واختلف فيما إذا كانت
الضرورة من جهة التداوي هل هي داخلة في عموم تلك الآيات ؟ وهل يجوز التداوي بالحرام عند انحصار الدواء فيه ؟ فذهب بعض الأصحاب إلى عدم جواز التداوي بالحرام مطلقاً ، وبعضهم إلى عدم جواز التداوي بالخمر وسائر المسكرات وجواز التداوي بسائر المحرّمات ، وبعضهم إلى جواز التداوي بكلّ محرّم عند انحصار الدواء فيه .
قال المحقق ـ قدّس
الله روحه ـ في الشرائع : ولو اضطرّ إلى خمر وبول قدّم البول ، ولو لم يوجد إلّا الخمر قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز دفع الضرورة بها ،
وفي النهاية : يجوز ، وهو الأشبه . ولا يجوز التداوي بها ولا بشيء من الأنبذة ولا بشيء
من الأدوية معها شيء من المسكر أكلاً وشرباً ، ويجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين .
وقال الشهيد الثاني ـ
رفع الله درجته هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعى عليه في الخلاف الإجماع ، وأطلق ابن البرّاج جواز التداوي به إذا لم يكن له عنه مندوحة ، وجعل الأحوط تركه . وكذا أطلق في الدروس جوازه للعلاج كالترياق والأقوى الجواز مع خوف التلف بدونه وتحريمه بدون ذلك . وهو اختيار العلّامة
في
المختلف ، وتحمل روايات المنع على تناول الدواء لطلب العافية ، جمعاً بين الأدلّة ـ انتهى ـ .
وقال الشهيد ـ روّح
الله روحه ـ في الدروس : ويباح تناول المائعات النجسة لضرورة العطش وإن كان خمراً مع تعذّر غيره . وهل تكون المسكرات سواءً أو تكون الخمرة مؤخّرة عنها ؟ الظاهر نعم ، للإجماع على تحريمها بخلافها . ولو وجد خمراً وبولاً وماءً نجساً ، فهما أولى من الخمر ، لعدم السكر بهما ، ولا فرق بين
بوله وبول غيره .
وقال الجعفيّ : يشرب
للضرورة بول نفسه لا بول غيره ، وكذا يجوز التناول للعلاج كالترياق والاكتحال بالخمر للضرورة ، ورواه هارون بن حمزة عن الصادق عليهالسلام . وتحمل الروايات الواردة بالمنع من الاكتحال به والمداواة على الاختيار . ومنع
الحسن من استعمال المسكر مطلقاً بخلاف استعمال القليل من السموم المحرّمة عند الضرورة لأنّ تحريم الخمر تعبّد . وفي الخلاف لا يجوز التداوي بالخمر مطلقاً ، ولا يجوز شربها للعطش . وتبعه ابن إدريس في أحد قوليه في التداوي ، وجوّز الشرب للضرورة ثمّ جوّز في القول الآخر الأمرين .
وقال الشيخ ابن فهد ـ
قدّس [ الله ] سرّه ـ في كنز العرفان : أمّا الخمر فيحرم التداوي بها إجماعاً بسيطاً ومركّباً ، وأمّا دفع التلف فقيل بالمنع أيضاً ، والحقّ
عدمه بل يباح دفعاً للتلف ، وكذا باقي المسكرات . نعم لو وجد الخمر وباقي المسكرات أخّر الخمر .
وقال ـ ره ـ في المهذّب
:
أمّا التداوي بالخمر
أو بشيء من المسكرات أو المحرمّات فلا يجوز ، فيحلّ تناول الخمر لطلب السلامة في صورة دفع الهلاك ، ولا يجوز لطلب الصحّة في دفع الأمراض .
وهل يجوز التداوي به
للعين ؟ منع منه ابن إدريس ، والشيخ في أحد قوليه
وأجازه في الآخر ، واختاره المحقّق ، والعلّامة . ثمّ قال : فإن كان مضطرّاً فليكتحل به ، وكذا نقول في المريض إذا تيقّن التلف لو لا التداوي بها جاز إذا كان لدفع التلف لا لطلب الصحّة . قاله القاضي ، واختاره العلّامة ، ومنع الشيخ وابن إدريس . قال القاضي : والأحوط تركه . أمّا التداوي ببول الإبل فجائز إجماعاً ، وغيرها من الطاهرة على الأصحّ ـ انتهى ـ .
والمسألة في غاية
الإشكال ، وإن كان ظنّ انحصار الدواء في الحرام بعيداً ، لا سيّما في خصوص الخمر والمسكرات .
١ ـ العلل
والمجالس للصدوق :
عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع
، عن محمّد بن عذافر عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : لم حرّم الله الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر ؟ فقال إنّ الله لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ، ولا زهد فيما حرّم عليهم ! ولكنّه عزّ وجلّ خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحها
فأحلّه لهم ، وأباحه ، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه ، ثمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الّذي لا يقوم بدنه إلّا به فأحّله له بقدر
البلغة لا غير ذلك ـ الخبر ـ .
٢ ـ المحاسن
: عن حمّاد بن عيسى ، عن
ابن اُذينة ، عن محمّد بن مسلم وإسماعيل الجعفيّ وعدّة ، قالوا : سمعنا أبا جعفر عليهالسلام يقول : التقيّة في كلّ شيء ، وكلُّ شيء
اضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له .
__________________
٣ ـ كتاب
المسائل : بإسناده عن عليّ بن
جعفر ، عن أخيه موسى ، قال : سألته عن الدّواء هل يصلح بالنبيذ ؟ قال لا .
٤ ـ العياشي
: عن سيف بن عميرة ، عن
شيخ من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : كنّا عنده
فسأله شيخ فقال : إنّ بي وجعاً ، وإنّما
أشرب له النبيذ ، ووصفه له الشيخ . فقال ما يمنعك من الماء الّذي جعل الله منه كلَّ شيء حيّ ؟ قال :
لا يوافقني . قال : فما يمنعك من العسل ، قال الله « فيه شفاء للناس » ؟ قال : لا
أجده قال : فما يمنعك من اللبن الّذي نبت منه لحمك واشتدّ عظمك ؟ قال : لا يوافقني . قال
أبو عبد الله عليهالسلام : أتريد أن آمرك بشرب الخمر ؟! لا
والله لا آمرك .
٥ ـ العلل
: عن عليّ بن حاتم ، عن
محمّد بن عمير ، عن عليّ بن محمد بن زياد عن أحمد بن الفضل ، عن يونس بن عبد الرحمان ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : المضطرّ لا يشرب الخمر ، فإنّها
لا تزيده إلّا شرّاً ، ولأنّه إن شربها قتلته فلا تشرب منها قطرة .
قال : وروي : لا
تزيده إلّا عطشاً .
العياشي : عن أبي بصير مثله ، إلى قوله « فلا تشربنّ منها قطرة » .
٦ ـ المكارم
: عن أمير المؤمنين عليهالسلام : قال : ألبان البقر دواء .
__________________
٧ ـ وسئل عليهالسلام عن بول البقر يشربه الرجل ؟ إن كان محتاجاً يتداوى به فلا بأس .
٨ ـ وعن الجعفريّ قال
سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول أبوال الإبل خير من ألبانها ، ويجعل الله الشفاء في ألبانها .
بيان :
اعلم أنّه لا خلاف في نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه ممّا له نفس سائلة ، سواء كان نجس العين أم لا فيحرم بوله للنجاسة . وقد مرّ خلاف في بول الطيور . وأمّا
الحيوان المحلّل ففي تحريم بوله قولان :
أحدهما ـ وبه قال
المرتضى وابن إدريس والمحقّق في النافع الحلّ ، للأصل وكونه طاهراً ، وعدم دليل يدلّ على تحريمه فيتناول قوله تعالى « قُل
لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ » ـ الآية ـ » .
والثاني ـ وهو الّذي
اختاره المحقّق في الشرائع والعلّامة وجماعة ـ التحريم عدا بول الإبل ، للاستخباث فيتناوله « وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
» ولا يلزم من طهارته حلّه .
ولعلّ الأوّل أقوى ، لأنّ
الظاهر أنّ المراد بالخبث في الآية ما فيه جهة قبح واقعيّ يظهر لنا ببيان الشارع ، لا ما تستقذره الطبائع كما سنبيّنه إنشاء الله
في محلّه . وإنّما استثنوا بول الإبل لما ثبت عندهم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر قوماً اعتلّوا بالمدينة
__________________
أن
يشربوا أبوال الإبل ، فيجوز الاستشفاء بها . وبعضهم جوَّزوا الاستشفاء بسائر
الأبوال الطاهرة أيضاً . والحاصل أنّه على القول بالتحريم يرجع إلى الخلاف المتقدّم ، ويقيّد
بحال الضرورة ، وعلى القول الآخر يجوز مطلقاً ، والله يعلم .
٧ ـ رجال
الكشي : قال : وجدت في بعض
كتبي عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن ابن أبي يعفور ، قال : كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدّت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه ، فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فأخبره بوجعه وأنّه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه . فقال له : لا تشربه ، فلمّا أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه ، فأقبل عليه أهله فلم يزالوا به حتّى
شرب فساعة شرب منه سكن عنه .
فعاد إلى أبي عبد
الله عليهالسلام فأخبره بوجعه وشربه . فقال له : يا ابن
أبي يعفور ! لا تشرب ، فإنّه حرام . إنّما هو الشيطان موكّل بك ، ولو قد يئس منك ذهب . فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشدَّ ما كان ، فأقبل أهله عليه ، فقال لهم :
والله ما أذوق منه قطرة أبداً . فأيسوا منه [ أهله ] وكان يتّهم على
شيء ولا يحلف ، فلمّا سمعوا أيسوا منه . واشتدّ به الوجع أيّامًا ، ثمَّ أذهب الله به عنه ، فما عاد
إليه حتّى مات رحمة الله عليه .
بيان :
قوله « وكان يتّهم » بيان لعلّة يأسهم من شربه ، وحاصله أنّه كان يتّهم باليمين والامتناع منه بحيث كان إذا اتّهم على أمر عظيم يخاف ضرراً عظيماً فيه لا
يحلف لنفي هذه التّهمة عن نفسه ، فمثل هذا معلوم أنّه لا يخالف اليمين ، ولا يحلف إلّا [
على ] ما عزم عليه .
٨ ـ الخرائج
: روي عن أبي عبد الله
عليهالسلام أنّ حبابة الوالبيّة مرّت بعليّ عليه السلام ومعها سمك فيها جرّية . فقال : ما هذا الّذي معك ؟ قالت : سمك ابتعته
__________________
للعيال
. فقال : نعم ، زاد العيال السمك . ثمّ قال : وما هذا الّذي معك ؟ قالت : أخي اعتلّ من ظهره ، فوصف له أكل جريّ فقال : يا حبابة ، إنّ الله لم يجعل الشفاء فيما
حرَّم والّذي نصب الكعبة لو تشاء أن اُخبرك باسمها واسم أبيها ! فضربت بها الأرض وقالت : أستغفر الله من حملي هذا .
٦ ـ طب
الائمة عن محمّد بن عبد
الله بن مهران الكوفيّ ، عن إسماعيل بن يزيد عن عمر بن يزيد الصيقل ، قال : حضرت أبا عبد الله عليهالسلام فسأله رجل به البواسير الشديد ، وقد وصف له دواء سكرجة من نبيذ صلب لا يريد به اللّذَّة ولكن يريد به الدواء . فقال لا ، ولا جرعة قلت : لم ؟ قال : لأنّه حرام ، وإنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل في
شيء ممّا حرّمه دواءً ولا شفاءً .
١٢ ـ الكافي
: عن عليّ بن إبراهيم ،
عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن الرجل ينعت
له الدواء من ريح البواسير ، فيشربه بقدر سكرجة من نبيذ صلب ، ليس يريد به اللّذة إنّما
يريد به الدواء . فقال : لا ، ولا جرعة . وقال :
إنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل في شيء ممّا حرّم شفاءً ولا دواءً .
١١ ـ الطب
: عن أيّوب بن جرير ، عن
أبيه جرير بن أبي الورد ، عن
__________________
زرعة
بن محمّد الحضرميّ ، عن سماعة ، قال : قال لي أبو عبد الله الصادق عليهالسلام عن رجل كان به داء فاُمر له بشرب البول ، فقال : لا يشربه . قلت إنّه مضطرّ إلى شربه . قال
: فإن كان يضطرّ إلى شربه ولم يجد دواءً لدائه فليشرب بوله أمّا بول غيره فلا .
١٢ ـ ومنه
: عن حاتم بن إسماعيل ،
عن النضر ، عن الحسين بن عبد الله الأرجانيّ ، عن مالك بن مسمع المسمعيّ ، عن قائد بن طلحة ، قال : سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن النبيذ يجعل في دواء ، قال : لا ينبغي لأحد أن يستشفي
بالحرام .
الكافي :
عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد مثله .
١٣ ـ الطب
: عن إبراهيم بن محمّد
، عن فضالة ، عن إسماعيل بن محمّد ، قال : قال جعفر بن محمّد عليهماالسلام : نهى رسول الله عن الدواء الخبيث أن
يتداوى به .
بيان :
قال في النهاية : في الحديث أنّه نهى عن أكل دواء خبيث . هو من جهتين : إحداهما النجاسة . وهو الحرام كالخمر ، والأرواث والأبوال كلّها نجسة خبيثة وتناولها حرام إلّا ما خصّته السنّة من أبوال الإبل عند بعضهم ، وروث ما يؤكل لحمه
عند آخرين . والجهة الاُخرى من طريق الطعم والمذاق ، ولا ينكر أن يكون كره ذلك لما فيه من المشقّة على الطباع وكراهية النفوس لها ـ انتهى ـ .
وقال في شرح السنّة :
روي عن أبي هريرة قال : نهى النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الدواء الخبيث . ثمّ ذكر الوجهين المتقدّمين .
١٤ ـ ومنه
: عن عبد الحميد بن
عمر بن الحرّ ، قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق عليهالسلام أيّام قدم
[ من ] العراق ، فقال : ادخل على إسماعيل بن جعفر ، فإنّه
__________________
شاك
وانظر ممّا وجعه . قال : فقمت من عند الصادق عليهالسلام ودخلت عليه ، فسألته عن وجعه الّذي يجده ، فأخبرني به . فوصفت له دواءً فيه نبيذ ، فقال
لي إسماعيل : يا ابن الحرّ ، النبيذ حرام ، وإنّا أهل البيت لا نستشفي بالحرام
.
الكافي :
عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعاً عن النضر بن سويد ، عن الحسين بن عبد الله عن عبد الله بن عبد الحميد عن عمرو ، عن ابن الحرّ عنه عليهالسلام مثله
.
١٥ ـ الطب
: عن عبد الله بن جعفر
، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبيّ قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن دواء يعجن بالخمر لا يجوز أن يعجن
بغيره ، إنّما هو اضطرار ؟ فقال : لا والله ، لا يحلّ لمسلم أن ينظر إليه ، فكيف يتداوى به ؟! وإنّما
هو بمنزلة شحم الخنزير الّذي يقع في كذا وكذا لا يكمل إلّا به ، فلا شفى الله أحداً
شفاه خمر وشحم خنزير ! .
بيان :
« في كذا وكذا » أي من الأدوية « لا يكمل » أي الدواء .
١٦ ـ الكافي
: عن محمّد بن الحسن ،
عن بعض أصحابنا ، عن إبراهيم بن خالد عن عبد الله بن وضّاح ، عن أبي بصير ، قال : دخلت اُمُّ خالد العبديّة على أبي عبد
الله عليه السلام وأنا عنده ، فقالت : جعلت فداك ، إنّه يعتريني قراقر في بطني ، وقد وصف لي أطبّاء العراق النبيذ بالسويق ، وقد وقفت وعرفت كراهتك له ، فأحببت أن أسألك عن ذلك .
فقال لها : وما يمنعك
عن شربه ؟ قالت قد قلّدتك ديني فألقى الله عزّ وجلّ
__________________
حين
ألقاه فاُخبره أنّ جعفر بن محمّد عليه السّلام أمرني ونهاني . فقال يا با محمّد ألا تسمع إلى هذه المرأة وهذه المسائل ! لا والله ، لا آذن لك في قطرة منه ولا
تذوقي منه قطرة ، فإنّما تندمين إذا بلغت نفسك ههنا ـ وأومأ بيده إلى حنجرته ـ يقولها ثلاثاً : أفهمت ؟ قالت : نعم ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء ـ يقولها ثلاثاً ـ .
بيان :
كأنّ أوّل الحديث محمول على التقيّة ، أو على امتحان السائل . و المراد بالنجاسة إمّا المصطلحة ، أو كناية عن الحرمة ، فيدلّ على أنّ الاستهلاك لا
ينفع في رفع الحظر .
١٧ ـ الكافي
: عن العدّة ، عن سهل
بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، قال : أخبرني أبي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال له رجل : إنّ بي ـ جعلت فداك أرواح البواسير ، وليس يوافقني إلّا شرب النبيذ . قال : فقال له : ما
لك ولما حرّم الله عزّ وجلّ ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم . ! ـ يقول له ذلك ثلاثاً ـ عليك بهذا
المريس الّذي تمرسه بالليل وتشربه بالغداة وتشربه بالعشيّ . فقال
له : هذا ينفخ البطن . قال له فأدلّك على ما هو أنفع لك من هذا ، عليك بالدعاء فإنّه شفاء من كلّ داء . قال :
فقلنا له : فقليله وكثيره حرام ؟ فقال : نعم ، قليله وكثيره حرام
.
بيان :
قال الجوهريّ : مرس التمر بالماء نقعه ، والمريس التمر الممروس .
١٨ ـ الكافي
: عن أبي عليّ الأشعريّ
عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان عن ابن مسكان ، عن الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن دواء عجن بالخمر ، قال : لا والله ، ما اُحبّ أن أنظر إليه ، فكيف أتداوى به ! إنّه بمنزلة شحم الخنزير أو
لحم
__________________
الخنزير
وإنّ اُناسا ليتداوون به .
١٩ ـ ومنه
: عن عدّة من أصحابه ،
عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب عن الحلبيّ ، قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن دواء عجن بخمر ، فقال ما اُحبّ أن أنظر إليه ولا أشمّه ، فكيف أتداوى به ؟!
.
٢٠ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن الحسن الميثميّ ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عن
دواء عجن بالخمر يكتحل منها ؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ما جعل الله عزّ وجلّ في
حرام شفاءً .
٢١ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن مروك بن عبيد ، عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : من اكتحل بميل من مسكر كحله الله
عزّ وجلّ بميل من النار .
ثواب الاعمال : عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن مروك مثله .
٢٢ ـ قرب
الاسناد : عن عبد الله بن
الحسن ، عن جدّه عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليهالسلام قال : سألته عن الكحل يصلح أن يعجن
بالنبيذ ؟ قال لا .
كتاب المسائل : بإسناده عن عليّ بن جعفر مثله .
الكافي :
عن عليّ بن محمّد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبد الله عن عدّة من أصحابنا ، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن جعفر مثله
.
__________________
٢٣ ـ التهذيب
: بإسناده عن محمّد بن
أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين والحسن بن موسى الخشّاب ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن هارون بن حمزة الغنويّ عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل اشتكى عينيه فبعث له بكحل يعجن
بالخمر ، فقال هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به
.
بيان :
قد عرفت أنّ الأصحاب اختلفوا في التداوي بالمسكر للعين ، فالأكثر جوّزوه عند الضرورة للرواية الأخيرة ، ومنع ابن إدريس منه مطلقاً ، لإطلاق النصّ والاجماع بتحريمه الشامل لموضع النزاع ، وبالروايات السابقة . واُجيب بأنّ النصَّ والإجماع على تحريمه مختصّان بتناوله بالشرب ونحوه ، وبأنّ الروايات مع ضعف سندها مطلقة فلا تنافي المقيّد من الجواز عند الضرورة .
٢٤ ـ العيون
: عن عبد الواحد بن
محمّد بن عبدوس ، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان ، فيما كتب الرضا عليهالسلام للمأمون من دين أهل البيت عليهمالسلام المضطرّ لا يشرب الخمر لأنّها تقتله .
٢٥ ـ الطب
: عن محمد بن عبد الله
الأجلح ، عن صفوان ، عن عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سأل رجل أبا الحسن عليهالسلام عن الترياق ، قال ليس به بأس . قال : يا ابن رسول الله ، إنّه يجعل فيه لحوم الأفاعي . فقال : لا تقدره علينا
.
بيان :
قوله « لا تقدره » في بعض النسخ بصيغة الخطاب ، وفي بعضها بصيغة الغيبة ، وفي بعضها بالذال المعجمة ، وفي بعضها بالمهملة ، فالنسخ أربع : فعلى
الخطاب والمعجمة كان المعنى لا تخبر بذلك فيصير سبباً لقذارته عندنا ، فالكلام إمّا مبنيٌّ
على أنّه لا يلزم التجسّس والأصل الحلّيّة فيما نأخذه من مسلم ، أو أنّه عليهالسلام حكم بالحلّية فيما لم يكن مشتملاً عليها ، أو على أنّه ليس بحرام لكنّ الطبع يستقذره
__________________
وهو
خلاف المشهور لكن يومىء إليه بعض الأخبار . وعلى الغيبة والإعجام ظاهره الأخير أي ليس جعلها فيه سبباً لقذارته وحرمته ويمكن حمله وما مرّ على ما إذا لم يكن التداوي بالأكل والشرب كالطلي ، وإن كان بعيداً وعلى الخطاب والإهمال ظاهره النهي عن تعليم ذلك ، فإنّه كان أعرف به ، فالظاهر الحلّيّة ويمكن حمله على أنّ ما جوّزه عليهالسلام غير هذا الصنف . وعلى الغيبة والإهمال
يمكن فهم الحلّيّة منه بأن يكون من القدر بمعنى الضيق ، كقوله تعالى « وَمَن قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ
» أو المعنى أنّ الطبيب لا يذكر أجزاءه لنا ويحكم بحلّيّته ويكفينا ذلك وبالجملة الاستدلال بمثل هذا الحديث مع جهالة مصنّف الكتاب وسنده وتشويش متنه واختلاف النسخ فيه وكثرة الاحتمالات يشكل الحكم بالحلّ ببعض المحتملات ، مع مخالفته للمشهور وسائر الأخبار .
ومن الغرائب أنّه كان
يحكم بعض الأفاضل المعاصرين بحلّ المعاجين المشتملة على الأجزاء المحرّمة متمسّكاً بما ذكره بعض الحكماء من ذهاب الصور النوعيّة للبسائط عند التركيب وحصول المزاج وفيضان الصورة النوعيّة التركيبيّة ، وكان يلزمه القول بحلّيّة المركّب من جميع المحرّمات والنجاسات العشرة ، بل الحكم بطهارتها أيضاً ، وكان هذا ممّا لم يقل به أحد من المسلمين . ولو كانت الأحكام
الشرعيّة مبتنية على المسائل الحكميّة يلزم على القول بالهيولى الحكم بطهارة الماء النجس بل مطلق المائعات بأخذ قطرة منه أو بصبّه في إنائين ! وهل هذا إلّا سفسطة لم يقل به أحد ؟
٢٦ ـ الكافي
: [ في الروضة ] عن
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابنا وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير جميعاً عن محمّد
بن أبي حمزة عن حمران ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث طويل يذكر فيه المنكرات الّتي
تحدث في آخر الزمان ـ وساق الحديث إلى أن قال ـ ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في
__________________
الزور
، ويتقامر بها ، وتشرب بها الخمور ، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها .
٥٣
(
باب )
* ( علاج الحمى واليرقان وكثرة الدم وبيان
علاماتها ) *
١ ـ المحاسن
: عن السيّاريّ ، عن
أبي جعفر ، عن إسحاق بن مطهّر ، قال أبو عبد الله عليهالسلام كل التفّاح ، فإنّه يطفىء الحرارة ، ويبرّد
الجوف ، ويذهب بالحمّى .
٢ ـ ومنه
: عن أبي يوسف ، عن
القنديّ ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ذكر له الحمّى فقال : إنّا أهل بيت لا نتداوى إلّا بإفاضة
الماء البارد يصبّ علينا وأكل التفّاح .
٣ ـ ومنه
: عن بعضهم عن أبي عبد
الله عليهالسلام : أطعموا محموميكم التفّاح فما من شيء أنفع من التفّاح .
٤ ـ ومنه
: عن أبيه ، عن يونس ،
عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لو يعلم الناس ما في التفّاح ما داووا مرضاهم إلّا به
.
٥ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ
الهمدانيّ ، عن عبد الله بن سنان ، عن درست قال : بعثني المفضّل بن عمر إلى أبي عبد الله عليهالسلام فدخلت عليه في يوم صائف ،
وقدّامه طبق فيه تفّاح أخضر ، فوالله إن صبرت أن قلت له : جعلت فداك ، أتأكل
__________________
هذا
والناس يكرهونه ؟ قال : ـ كأنّه لم يزل يعرفني ـ إنّي
وعكت في ليلتي هذه فبعثت فاُتيت به ، وهذا يقطع الحمّى ويسكن الحرارة . فقدمت فأصبت أهلي محمومين ، فأطعمتهم فأقلعت عنهم .
الكافي :
عن عليّ بن محمّد بن بندار ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليّ الهمدانيّ ، عن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، قال : بعثني
المفضّل بن عمر إلى أبي عبد الله عليهالسلام بلطف ، فدخلت عليه ـ إلى قوله ـ فاقلعت
الحمّى عنهم .
بيان :
« بلطف » بضمّ اللام وفتح الطاء ، جمع « لطفة » بالضمّ بمعنى الهديّة كما في القاموس ، أو بضمّ اللّام وسكون الطاء أي لطلب لطف وبرّ ، والأوّل كأنّه أظهر .
وقوله « بحوائج » في
الخبر الآتي أيضاً يحتمل الوجهين فتأمّل . و « إن » في قوله « إن صبرت » نافية « كأنّه لم يزل يعرفني » أي قال ذلك على وجه الاستئناس واللطف في مقابلة سوء أدبي .
واعلم أنّ أكثر الأطبّاء
يزعمون أنّ التفّاح بأنواعه مضرّ للحمّى يهيّج لها وقد ألفيت أهل المدينة . ـ زادها الله شرفاً ـ يستشفون في حمّياتهم الحارّة بأكل التفّاح الحامض وصبّ الماء البارد عليهم في الصيف ، ويذكرون أنّهم ينتفعون بها . وأحكام البلاد في أمثال ذلك مختلفة جدّاً .
٦ ـ المحاسن
: عن محمّد بن جمهور ،
عن الحسن بن المثنّى ، عن سليمان بن
__________________
درستويه
الواسطيّ ، قال : وجّهني المفضّل بن عمر بحوائج إلى أبي عبد الله عليهالسلام
فإذا قدّامه تفّاح
أخضر ، فقلت له : جعلت فداك ، ما هذا ؟ فقال : يا سليمان ، إنّي وعكتُ البارحة ، فبعثت إلى هذا لآكله ، أستطفىء به الحرارة ، ويبرد الجوف ، و يذهب بالحمّى : ورواه أبو الخزرج عن سليمان .
٧ ـ الطب
: عن أحمد بن المرزبان
بن أحمد ، عن أحمد بن خالد الأشعريّ ، عن عبد الله بن بكير ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام وهو محموم ، فدخلت عليه مولاة له ، فقالت : كيف تجدك ـ فديتك نفسي ـ وسألته عن حاله وعليه ثوب خلق قد طرحه على فخذيه . فقالت له : لو تدثّرت حتّى تعرق ، فقد أبرزت جسدك للريح . فقال اللّهمّ أولعتهم بخلاف نبيّك صلىاللهعليهوآله ! قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحمّى من فيح جهنّم ـ وربما قال من فور جهنّم ـ فأطفؤها بالماء البارد .
بيان :
« أولعتهم » أي جعلتهم حرصاء على مخالفته ، بأن تركتهم حتّى اختاروا ذلك وفي بعض النسخ « والعنهم » وعلى التقديرين ضمير الجمع راجع إلى المخالفين أو الأطبّاء لأنّها كانت أخذت ذلك عنهم . وقال في النهاية : فيه « شدّة الحرّ من
فيح جهنّم » الفيح سطوح الحرّ وفورانه ، ويقال بالواو . وفاحت القدر تفوح وتفيح إذا غلت . وقد أخرجه مخرج التشبيه والتمثيل ، أي كأنّه نار
جهنّم في حرّها .
٨ ـ الطب
: عن الخضيب بن المرزبان العطّار ، عن صفوان بن يحيى وفضالة عن علاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الحمّى من فيح جهنّم فأطفؤها بالماء البارد .
٩ ـ ومنه
: عن أبي غسّان عبد
الله بن خالد بن نجيح ، عن حمّاد بن عيسى
__________________
عن
الحسين بن المختار ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه كان إذا حمَّ بلَّ ثوبين يطرح عليه أحدهما ، فإذا جفّ طرح عليه الآخر .
وقال محمّد بن مسلم :
سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ما وجدنا للحمّى مثل الماء البارد والدعاء .
بيان :
الاستشفاء بصبّ الماء البارد على البدن وترطيب هواء الموضع الّذي فيه المريض برشّ الماء على الأرض والجدار والحشايش والرياحين وغير ذلك ممّا ذكره الأطبّاء في الحمّيات الحارّة والمحترقة .
١٠ ـ الطب
: عن عون بن محمّد بن
القاسم ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي اُسامة الشّحام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ما اختار جدُّنا صلّى الله عليه وآله للحمّى إلّا وزن عشرة دراهم سكّر بماء بارد على الرّيق
.
١١ ـ العيون
: عن محمّد بن عليّ بن
الشاه ، عن أبي بكر بن عبد الله النيسابوريّ عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائيّ ، عن أبيه ، عن الرضا عليهالسلام وعن أحمد بن إبراهيم الخوزيّ ، عن إبراهيم بن مروان عن جعفر بن محمّد بن زياد عن أحمد بن عبد الله
الهروي عن الرضا عليهالسلام وعن الحسين بن محمّد الأشنانيّ المعدّل
، عن عليّ بن مهروبة القزوينيّ عن داود بن سليمان ، عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن عليّ عليهالسلام أنّه دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وهو محموم ، فأمره بأكل الغبيراء .
بيان :
قال بعض الأطبّاء : الغبيراء يابس في آخر الثانية ، بارد في الاُولى ، قبضه وعقله أقلُّ من الزعرور ، يدفع الصفراء المنصبّة إلى الأحشاء ، ويقطع كلّ سيلان وينفع من السعال الحارّ ، ويحبس القيء ، وينفع من السجج
الصفراويّ ، ويعقل
__________________
البطن
، وينفع من كثرة البول . وقيل : إنّه يضرّ بالمعدة والهضم ، ويصلحه الفانيد ـ انتهى ـ .
ولا يبعد نفعه في بعض
الحمّيات .
١٢ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن عليّ
بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس ، عن أبي الحسن عليهالسلام
قال : علامات الدم
أربعة : الحكّة ، والبثرة والنعاس ، والدوران .
١٣ ـ ومنه
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ، عن أبي بصير ، ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام
عن آبائه عليهمالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ليس من داء إلّا وهو من داخل الجوف إلّا الجراحة والحمّى ، فإنّهما يردان وروداً . اكسروا حرّ الحمّى بالبنفسج والماء
البارد فإنّ حرَّها من فيح جهنّم .
وقال عليهالسلام : صبّوا على المحموم الماء البارد في الصيف ، فإنّه يسكن حرّها
.
وقال عليهالسلام ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الرّيب
.
وقال عليهالسلام : اشربوا ماء السماء ، فانّه يطهّر البدن ويدفع الأسقام . قال
الله تبارك وتعالى « وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ
الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ » .
بيان :
« فإنّهما يردان وروداً » أي بلا مادّة في الجسد كورود الجراحة من الخارج والحمّى بسبب هواء بارد أو حارّ . « بالبنفسج » أي بشرب الشراب المعمول منه ، فإنّ الأطبّاء ذكروا لأكثر الحمّيات سيّما المحترقة شراب البنفسج ، أو
__________________
استشمامه
أيضاً فإنّهم ذكروا للمحترقة : يقرّب إليه من الأزهار النّيلوفر والبنفسج .
قوله عليهالسلام « فإنّه يطهّر البدن » يدلّ على أنّ التطهير في الآية أعمُّ
من تطهير الظاهر والباطن .
١٤ ـ مجالس
ابن الشيخ :
عن والده ، عن هلال بن محمّد الحفّار ، عن إسماعيل بن عليّ الدعبلي ، عن أبيه عليّ بن عليّ أخي دعبل الخزاعيّ عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام أنّه قال : بلّلوا جوف المحموم بالسويق والعسل ثلاث مرّات ، ويحوّل من إناء إلى إناء ويسقى المحموم ، فإنّه يذهب بالحمّى الحارّة
وإنّما عمل بالوحي .
بيان :
لعلّه محمول على الحمّيات البلغميّة الغالبة في البلاد الحارّة .
١٥ ـ المحاسن
: عن عدّة من أصحابه ،
عن ابن أسباط ، عن يحيى بن بشير النبّال ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام لأبي : يا بشير ، بأيّ شيء تداوون
مرضاكم ؟ قال : بهذه الأدوية المرار . قال : لا ، إذا مرض أحدكم فخذ السكّر الأبيض ، فدقّه ثمّ صبّ عليه الماء البارد واسقه إيّاه ، فانّ الّذي جعل الشفاء في المرار قادر أن
يجعله في الحلاوة .
بيان :
كأنّ المراد بالسكّر الأبيض ما يسمّى بالفارسيّة بالقند ، ويحتمل النبات الأبيض ، وكأنّه في الحمّيات البلغميّة .
١٦ ـ المحاسن
: عن أحمد بن محمّد بن
أبي نصر البزنطيّ ، عن حمّاد بن عثمان عن محمّد بن سوقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الكباب يذهب بالحمّى
.
١٧ ـ ومنه : عن يونس بن يعقوب ، عن بعض أصحابه ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : مرضت سنتين أو أكثر ، فألهمني الله الأرز ، فأمرت به فعسل وجفّف ثمّ اُشمّ
__________________
النار
وطحن ، فجعلت بعضه سفوفاً وبعضه حسواً .
بيان :
الإشمام كناية عن تشويته بالنار قليلاً ، وفي القاموس : حسا المرق شربه شيئاً بعد شيء كتحسّاه واحتساه . واسم ما يتحسّى « الحسية » و « الحسا » ويمدّ
والحسوة ـ بالضمّ ـ الشيء القليل منه .
١٨ ـ المحاسن
: عن أحمد بن النضر ، عن
عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : البصل يذهب بالحمّى
.
١٩ ـ الطب
: عن عون ، عن أبي
عيسى ، عن الحسين ، عن أبي اُسامة ، قال : سمعت الصادق عليهالسلام يقول : إنّ الحمّى تضاعف على أولاد
الأنبياء .
بيان :
أي الحمّى العارضة لهم أشدُّ من حمّى غيرهم .
٢٠ ـ الطب
: عن السّريّ بن أحمد
بن السّريّ ، عن محمّد بن يحيى الأرمنيّ عن محمّد بن سنان ، عن يونس بن ظبيان ، عن محمّد بن إسماعيل بن أبي زينب ، قال : سمعت الباقر عليهالسلام يقول : إخراج الحمّى في ثلاثة أشياء : في
القيء ، وفي العرق ، وفي إسهال البطن .
٢١ ـ ومنه
: بهذا الإسناد عن محمّد
بن سنان ، عن الرضا عليهالسلام قال : سمعت موسى بن جعفر عليهماالسلام وقد اشتكى فجاءه المترفّعون بالأدوية ـ
يعني الأطبّاء ـ فجعلوا يصفون له العجائب ، فقال : أين يذهب بكم ؟! اقتصروا على سيّد هذه الأدوية : الهليلج والرازيانج والسّكّر ، في استقبال الصيف ثلاثة أشهر في كلّ شهر ثلاث مرّات
وفي استقبال الشتاء ثلاثة أشهر في كلّ شهر ثلاثة أيّام ثلاث مرّات ، ويجعل موضع الرازيانج مصطكي ، فلا يمرض إلّا مرض الموت .
بيان :
« ويجعل موضع الرازيانج » أي في الشتاء .
__________________
٢٢ ـ الطب
: عن عبد الله بن
بسطام ، عن كامل ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفيّ عن أبيه ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فقال : ما لي أراك شاحب
الوجه ؟ قلت : أنا في حمّى الربع . فقال : من أين أنت عن المبارك الطيّب ! اسحق السكّر ثمّ
خذه بالماء واشربه على الريق عند الحاجة إلى الماء . قال : ففعلت ، فما عادت إليّ بعد .
٢٣ ـ ومنه
: عن الحسن بن شاذان ،
عن أبي جعفر ، عن أبي الحسن عليهالسلام
قال : سئل عن الحمّى
الغبّ الغالبة ، قال : يؤخذ العسل والشونيز ، ويلعق منه ثلاث لعقات ، فإنّها تنقلع . وهما المباركان ، قال الله تعالى في العسل : « يَخْرُجُ
مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ » وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : في الحبّة السوداء شفاء من كلّ داء إلّا السام . قيل : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال : الموت . قال
: وهذان لا يميلان إلى الحرارة والبرودة ، ولا إلى الطبائع ، إنّما هما شفاء حيث وقعا .
بيان :
لا يميلان أي ليس تأثيرها بالطبع بل بالخاصيّة .
٢٤ ـ الطب
: عن الحسن بن شاذان ،
عن أبي جعفر ، عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام قال : خير الاَشياء لحمّى الربع أن يؤكل
في يومها الفالوذج المعمول بالعسل ، ويكثر زعفرانه ، ولا يؤكل في يومها غيره
.
٢٥ ـ ومنه
: عن عبد الله بن عبيد
، عن محمّد بن عيسى ، عن ميسر ، عن ابن سنان قال : قال الصادق عليهالسلام : إنّ للدم وهيجانه ثلاث علامات : البثرة
في الجسد ، والحكّة
__________________
ودبيب
الدوابّ .
بيان :
البثور والحكّة غالبهما بمدخليّة كثرة الدم ، وإن كانتا من غيره من الأخلاط أيضاً . وكأنّ المراد بدبيب الدوابّ ما يتخيّله الإنسان من دبيب نملة أو
دابّة في جلده ، وتسمّيه الأطبّاء « التنمّل » .
٢٦ ـ الطب
: عن الحسين بن بسطام ،
عن محمّد بن خلف ، عن الوشّاء ، عن الحسين بن عليّ ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال جعفر بن محمّد عليهماالسلام : لو يعلم الناس ما في التفّاح ما داووا مرضاهم إلّا به .
٢٧ ـ ومنه
: عن إبراهيم بن خالد ،
عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليهالسلام عن مريض اشتهى التفّاح وقد نهي عنه أن
يأكله ، فقال : أطعموا محموميكم التفّاح ، فما من شيء أنفع من التفّاح .
٢٨ ـ ومنه
: عن حمّاد بن مهران
البلخيّ قال : كنّا نختلف إلى الرضا عليهالسلام
بخراسان فشكى إليه
يوماً من الأيّام شابّ منّا اليرقان ، فقال : خذ « خيار باذرنج » فقشّره ، ثمّ اطبخ قشوره بالماء ، ثمّ اشربه ثلاثة أيام على الريق ، كلّ يوم مقدار
رطل فأخبرنا الشابّ بعد ذلك أنّه عالج به صاحبه مرّتين فبرأ بإذن الله تعالى
.
٢٩ ـ المكارم
: عن طبّ الأئمّة ، قال
الصادق عليهالسلام : إنّ للدم ثلاث علامات : البثر في الجسد ، والحكّة ، ودبيب الدوابّ وفي حديث آخر « النعاس » وكان إذا اعتلّ إنسان من أهل الدار قال : انظروا في وجهه ، فإن قالوا أصفر قال : هو من المرّة
الصفراء ، فيأمر بماء فيسقى ، وإن قالوا أحمر قال : دم ، فيأمر بالحجامة
.
٣٠ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن
__________________
بكير
، عن أبي أيّوب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ما من داء إلّا وهو شارع
إلى الجسد ينظر متى يؤمر به فيأخذه . وفي رواية اُخرى : إلّا الحمّى ، فإنّها ترد وروداً .
بيانٌ :
« إلّا وهو شارع » أي له طريق إليه ، من قولهم « شرعت الباب إلى الطريق » أي أنفذته إليه ، ولعلّ المعنى أنّ أكثر الأدواء لها مادّة في الجسد تشتدّ
ذلك حتّى ترد عليه بإذن الله ، بخلاف الحمّى فإنّها قد ترد بغير مادّة بل بالأسباب
الخارجة كتصرّف هواء حارّ أو بارد أو عفن أو سمّيّ .
٣١ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم عليهالسلام
قال : قال لي : إنّي
لموعوك منذ سبعة أشهر ، ولقد وعك ابني اثني عشر شهراً ، وهي تضاعف علينا . اُشعرت أنّها لا تأخذ في الجسد كّله ، وربما أخذت في أعلا الجسد ولم تأخذ في أسفله ، وربما اُخذت في أسفله ولم تأخذ في أعلا الجسد كلّه . قلت : جعلت فداك ، إن أذنت لي حدّثتك بحديث عن أبي بصير عن جدّك أنّه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان : ثوب في الماء البارد ، وثوب على جسده ، يراوح
بينهما ثمّ ينادي حتّى يسمع صوته على باب الدار : يا فاطمة بنت محمّد فقال : صدقت .
قلت : جعلت فداك فما وجدتم للحمّى عندكم دواء ؟ فقال : ما وجدنا لها عندنا دواء إلّا الدعاء والماء البارد . إنّي اشتكيت فأرسل إليّ محمّد بن إبراهيم بطبيب له ، فجاءني
بدواء فيه قيء ، فأبيت أن أشربه ، لأنّي إذا قيّئت زال كلّ مفصل منّي .
توضيح :
قال الجوهريّ : الوعك الحمّى ، وقيل : ألمها ، وقد وعكه المرض فهو موعوك . قوله عليهالسلام « اُشعرت » بصيغة المتكلم على بناء
المجهول من الإفعال أو على صيغة الخطاب المعلوم مع همزة الاستفهام ، أي هل أحسست بذلك . ولعلّ
__________________
المعنى
أنّ الحرارة قد تظهر آثارها في أعالي الجسد وقد تظهر في أسافلها قوله عليهالسلام « ثمّ ينادي » لعلّ النداء كان استشفاعاً بها ـ صلوات الله عليها ـ للشفاء . « زال
كلّ مفصل منّي » أي لا أقدر لكثرة الضعف على القيء . والخبر يدلّ على أنّ بيان كيفيّة المرض ومدّته ليس من الشكاية المذمومة .
٣٢ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : الحمّى يخرج في ثلاث : في العرق ،
والبطن ، و القيء .
بيان :
« في العرق » بالتحريك ، أو بالكسر ، أي إخراج الدم من العرق يريد به الفصد أو الأعمّ منه ومن الحجامة ، والأوّل أظهر . « والبطن » أي إسهال البطن كما مرّ .
٣٣ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن كامل بن محمّد ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفيّ ، قال : حدّثني أبي قال :
دخلتُ على أبي عبد الله عليهالسلام فقال [ لي ] : ما لي أراك ساهم الوجه ؟!
فقلت : إنّ بي حمّى الربع . قال : فما يمنعك من المبارك الطيّب ؟ اسحق السكّر
ثمّ امخضه بالماء واشربه على الريق وعند المساء . قال : ففعلت ، فما عادت إليّ .
بيان :
قال الجوهريّ : السهام ـ بالضمّ ـ الضّمر والتغيّر . وقد سهم وجهه وسهم أيضاً بالضمّ ـ انتهى ـ .
والسكر معرّب « شكر »
والواحدة بهاء ، ورطب طيّب ، والظاهر هنا الأوّل بقرينة السحق . « ثمّ امخضه » أي حرّكه تحريكاً شديداً .
٣٤ ـ الدعائم
: عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : الحمّى من فيح جهنّم فأطفؤها بالماء ، وكان إذا وعك دعا بماء فأدخل فيه يده .
__________________
٣٥ ـ وعن عليّ عليهالسلام أنّه قال : اعتلّ الحسن عليهالسلام فاشتدّ وجعه فاحتملته فاطمة عليهاالسلام فأتت به النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مستغيثة مستجيرة ، وقالت له : يا رسول الله ، ادع الله لابنك أن يشفيه ، ووضعته بين يديه . فقام صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى جلس عند رأسه ثمّ قال : يا فاطمة ! يا بنيّة ، إنّ الله هو الّذي وهبه لك وهو قادر على أن يشفيه . فهبط
عليه جبرئيل فقال :يا محمّد ، إنّ الله جلّ وعزّ لم ينزل عليك سورة من القرآن إلّا
وفيها فاء وكلّ فاء من آفة ، ما خلا الحمد فإنّه ليس فيها فاء ، فادع قدحاً من ماء فاقرأ فيه
الحمد أربعين مرّة ثمّ صبّه عليه ، فإنّ الله يشفيه . ففعل ذلك ، فكأنّما اُنشط من
عقال .
٣٥ ـ الشهاب
: الحمّى رائد الموت ؛
الحمّى من فيح جهنم ؛ الحمّى حظُّ كلّ مؤمن من النار .
الضوء :
الحمّى عبارة عن التهاب الحرارة على البدن وهي فعلى من حممتُ الماء أحمّه ، وأحممته أي أسخنته والحميم الماء الحارّ ، يقال حمّ الرجل ، وأحمّه
الله وهو محموم وهو شاذّ ، مثل : زكم الرجل ، وأزكمه الله ، فهو مزكوم . « والرائد » الّذي يتقدّم القوم يطلب لهم الماء والكلأ . وفي المثل : « الرائد لا يكذب أهله » والموت عبارة عن تعطّل الجسد من حلية الحياة ، وهو عند المحقّقين ليس بذات ، إنّما المرجع فيه إلى النفي . يعني صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الحمّى عنوان الموت ورسول الّذي قدَّمه ، وما أقرب وصول المرسل بالمرسل ! وفيه إعلام أنّ العاقل ينبغي أن يكون متأهّباً لأمره ، مستعدّاً لشأنه ، مرتّباً أحواله أحسن الترتيب ، حتّى لا يخترمه
الموت عن أمور متشعّثة ، وأحوال غير منتظمة ، وحسرات غير مجدية ، فالواجب عليه أن يعتقد أنّ حمّاه النازلة به هي القالعة له من الأهل والولد ، والمعطّلة من القوّة والجلد .
وفائدة الحديث الأمر
بالاستشعار من الموت ، والحذر منه ، والتوقّع لهجومه وقلّة الإخلاد إلى الحياة الفانية والوثوق بها ، وسوء الظنّ بأدنى مرض يعتري ، و حسبان أنّه مرض الموت . وراوي الحديث الحسن ، وتمامه : « وهي سجن الله في
الأرض
، يحبس بها عبده إذا شاء ، ويرسله .
وقال : الفيح تصاعد
الحرّ ، يقال : فاحت القدر تفيح إذا غلت ، وأفحتها أنا يعني أنّ الحمّى وشدّة توهّجها على الإنسان ممّا يحتّ ذنوبه ، ويخلصه من خبث المعاصي ، ويكفّر عنه سيّئاته ، فكأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل اشتعالها على بدنه وفاء ما يستحقّه
من العذاب ، على طريق التشبيه والتمثيل ، فإذا استوفى عقابه المستحقّ بقي له
الثواب الدائم .
وهذا الحديث قريب
المعنى من الّذي يليه ، وهو متضمّن لتسلية المؤمن وتصبيره على مزاولة ما يسوقه الله تعالى إلى بدنه تصفية له وتطهيراً من الذنوب .
وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم « من حمّ ثلاث ساعات فصبر فيها باهى الله به ملائكته ، فقال : ملائكتي ، انظروا إلى عبدي وصبره على بلائي ، اكتبوا لعبدي براءة من النار قال : فيكتب :
« بسم الله الرحمن
الرحيم . هذا كتاب من الله العزيز الحكيم ، براءة من الله لعبده فلان بن فلان ، إنّي قد أمنتك عن عذابي ، وأوجبت لك جنّتي فادخلها بسلام » .
وعن أبي الدرداء قال :
ما يسرّني من وصب ليلة حمر النعم مرض المؤمن تكفير خطيئته .
وعن الحسن البصريّ أنّ
الله تعالى يكفّر عن المؤمن خطاياه كلّها بحمّى ليلة .
وفائدة الحديث الأمر
بالتصبّر والاستسلام لله تعالى فيما يؤدّب به من الأمراض والأسقام ، وإعلام أنّها لا تخلو من التطهير والتمحيص ، فضلاً عمّا فيها من الأعواض وفي الصبر عليها من الثواب . وراوية الحديث عائشة ، وتمامه : فأبردوها بالماء .
وقال في الحديث
الثالث : هو قريب المعنى من الّذي قبله . والحظّ النصيب ، وجمعه القليل « أحظّ » والكثير : حظوظ ، وحظاظ قال :
وليس الغنى والفقر
من حيلة الفتى
|
|
ولكن أحاظٍ أقسمت
وجدود
|
« وأحاظ » جمع أحظّ جمع القلّة لحظّ ـ على
قلب إحدى الظّائين ياءً ، من باب « قصيت أظفاري » و « خَابَ مَن دَسَّاهَا » فهو إذاً جمع جمع القلّة . ومعنى
الحديث : أنّ الله تعالى يحطّ عنه أوزاره ، ويغفر له بما ساقه من المرض إليه ، فتصبّر عليه
، ولا يعاقبه بالنار فكأنّ الحمّى كان حظّه من نار جهنّم .
وروي في حديث آخر عنه
صلىاللهعليهوآلهوسلم « ما من آدميّ إلّا وله حظّ من النار ،
وحظُّ المؤمن الحمّى »
وعن مجاهد في قوله
تعالى « وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ
حَتْمًا مَّقْضِيًّا
» قال : من حمّ من المسلمين فقد وردها ، وهو حظّ المؤمن منها .
وفائدة الحديث
التسلية وتطييب القلوب عمّا يكابده الإنسان من الآلام والأدواء بما يحطّ فيها من الأوزار والأعباء ، وإعلام أنّه ممّا يقتصر عليه في عقوبته ، وتوفية
استحقاقه على التقريب . وراوي الحديث عبد الله بن مسعود ، وتمام الحديث : وحمّى ليلة تكفّر خطايا سنة مجرمة ـ .
وأقول :
« مجرَمة : أي تامّة . قال في القاموس حولٌ مجرمٌ ـ كمعظم : تامٌّ .
٣٦ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن يحيى الخزاعيّ ، عن الحسين بن الحسن ، عن عاصم بن يونس ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لرجل : بأيّ شيء تعالجون
محموميكم ؟ قال : أصلحك الله بهذه الأدوية المرّة : بسفايج ، والغافث ، وما أشبهه فقال : سبحان الله ! الّذي
__________________
يقدر
أن يبرىء بالمرّ يقدر أن يبرىء بالحلو . ثمّ قال : إذا حمّ أحدكم فليأخذ إناء نظيفاً فيجعل فيه سكّرة ونصفاً ، ثمّ يقرأ عليه ما حضر من القرآن ، ثمّ يضعها تحت النجوم ، ويجعل عليها حديدة فإذا كان في الغداة صبّ عليه
الماء ومرسه بيده ثمّ شربه .
فإذا كانت الليلة
الثانية زاده سكّرة اُخرى فصارت سكّرتين ونصفاً ، فإذا كانت الليلة الثالثة زاده سكّرة اُخرى فصارت ثلاث سكّرات ونصفا
.
بيان :
يدلّ على أنّه كان للسكّر مقدار معيّن ، وكأنّه الّذي يصبّونه في الرجاج ونحوه وينعقد منه حبّات صغيرة وكبيرة متشابهة ، ويسمّونها في العرف « النبات » ويحتمل غيره كما سيأتي في بابه إنشاء الله تعالى . وقال الجوهريّ : مرست
التمر وغيره في الماء إذا نقعته ومرسته بيدك ـ انتهى ـ .
والبسفايج كما ذكره
الأطبّاء عود أغبر إلى السواد والحمرة اليسيرة . دقيق عريض ذو شعب كالدودة الكثيرة الأرجل ، وفي مذاقه حلاوة مع قبض ، فتسقى المسكر . قال بعضهم : إنّه ينبت على شجرة في الغياض . وقيل : إنّه ينبت على الأحجار ، حارٌّ في الثانية ، يابس إلى الثالثة ، بالغ في التجفيف ، يجفّف الرطوبات ، ويسهل منه وزن ثلاثة دراهم من السوداء بلا مغص وبلغماً وكيموساً مائيّاً . ونحو ذلك ذكر في القانون .
وقال : الغافث من
الحشايش الشاكة ، وله ورق كورق الشهدانج ، وزهر كالنيلوفر هو المستعمل أو عصارته ، حارٌّ في الاُولى يابس في الثانية ، لطيف قطّاع
جلّاء بلا جذب ولا حرارة ظاهرة ، وفيه قبض يسير وعفوصة ومرارة شديدة كمرارة
__________________
الصبر
جيّد من ابتداء داء الثعلب وداء الحيّة ، يطلى بشحم عتيق على القروح العسرة الاندمال .
عصارته نافعة من
الجرب والحكّة إذا شربت بماء الشاهترج والسكنجبين وكذلك زهره نافع لأوجاع الكبد وسددها ويقوّيها ، ومن صلابة الطحال وأورام الكبد وأورام المعدة حشيشاً وعصارة ، ومن سوء القنية وأعراض الاستسقاء ، نافع من الحمّيات المزمنة والعتيقة خصوصاً عصارته ، وخصوصاً مع عصارة الأفسنتين .
أقول
سيأتي كثير من الأخبار في أبواب الأدوية والرياحين والفواكه والحبوب إن شاء الله تعالى .
٥٤
(
باب )
* ( الحجامة والحقنة والسعوط والقىء ) *
١ ـ الخصال
: عن محمّد بن الحسن
بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختريّ ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الدواء أربعة : الحجامة ، والسعوط ، والحقنة ، والقيء .
بيان :
قال الفيروز آباديّ : سعطه الدواء ـ كمنعه ونصره ـ وأسعطه إيّاه سعطة واحدة وإسعاطة واحدة ، أدخله في أنفه فاستعط . والسعوط ـ كصبور ـ ذلك الدواء .
٢ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن الحسين بن أسد البصريّ ، عن الحسين بن سعيد ، عمّن رواه عن خلف بن حمّاد عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه مرّ بقوم يحتجمون ، فقال : ما كان
عليكم لو أخّرتموه لعشيّة الأحد ، فكان يكون أنزل للداء .
__________________
المكارم : عنه عليهالسلام مرسلاً مثله .
٣ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن أحمد
بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد الأشعريّ عن عليّ بن السنديّ ، عن محمّد بن عمرو بن سعيد ، عن يونس بن يعقوب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : احتجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الاثنين وأعطى الحجّام برّاً .
٤ ـ ومنه
: عن محمّد بن الحسن ،
عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد الأشعريّ عن الحسن بن الحسين اللّؤلوئيّ ، عن محمّد بن إسماعيل وأحمد بن الحسن الميثميّ أو أحدهما ، عن إبراهيم بن مهزم ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحتجم يوم الاثنين بعد العصر .
٥ ـ ومنه
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن حمّاد بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الحجامة يوم الاثنين من آخر النهار تسلّ الداء سلاً من البدن
.
بيان :
لا يبعد كون أخبار الاثنين محمولة على التقيّة ، لكثرة الأخبار الواردة في شؤمه ، ويمكن تخصيصها بهذه الأخبار ، وفيه نكتة وهو أنّ شؤمه لوقوع مصائب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام فيه والاحتجام كأنّه مشاركة معهم في
الألم والمصيبة . لكن جرّبنا غالباً أنّ المحجتم والمفتصد فيه وفي الأربعاء لا ينتفع به .
٦ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ ، عن زكريّا المؤمن عن محمّد بن رباح القلّاء ، قال : رأيت
أبا إبراهيم عليهالسلام يحتجم
__________________
يوم
الجمعة ، فقلت : جعلت فداك ، تحتجم يوم الجمعة ؟ قال أقرء آية الكرسيّ . فإذا هاج بك الدّم ليلاً كان أو نهاراً فاقرأ آية الكرسيّ واحتجم
.
٧ ـ ومنه
: عن محمّد بن الحسن
بن الوليد ، عن سعد ، عن البرقيّ ، عن أبي الخزرج عن سليمان بن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من احتجم يوم الثلثاء لسبع عشرة أو أربع عشرة أو لإحدى وعشرين من الشهر كانت له شفاء أدواء السنة كلّها ، وكانت لما سوى ذلك شفاء من وجع الرأس والأضراس والجنون والجذام والبرص .
بيان :
« وكانت لما سوى ذلك » أي الحجامة في غير الأيّام الثلاثة لكن في الثلثاء أو مطلقاً .
٨ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، قال : دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهالسلام يوم الأربعاء وهو يحتجم ، فقلت له : إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض فلا يلومنّ إلّا نفسه . فقال : كذبوا ، إنّما
يصيب ذلك من حملته أمّه في طمث .
٩ ـ ومنه
: عن أبيه ، عن سعد ، عن
يعقوب بن يزيد ، عن مروك بن عبيد عن محمّد بن سنان ، عن معتّب بن المبارك قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام في يوم خميس وهو يحتجم ، فقلت له : يا ابن رسول الله ، تحتجم في يوم الخميس ؟ قال : نعم من كان منكم محتجماً فليحتجم في يوم الخميس ، فإنّ كلّ عشيّة جمعة يبتدر الدم فرقاً
من القيامة ولا يرجع إلى وكره إلى غداة الخميس . ثمّ التف عليهالسلام إلى غلامه زينج
__________________
فقال
: يا زينج ، اشدد قصب الملازم ، واجعل مصبّك رخيّاً ، واجعل
شرطك زحفاً .
بيان :
يحتمل أن يكون المراد بالملازم المحاجم ، لأنّها تلزم البدن وتوضع عليه ، وبقصبها رأسها الّذي يمصّ ، وشدّه بشدّ الجلد عليه كما هو الشائع ، وبالمصبّ
طرفها الواسع الّذي يوضع على الجسد ، فإنّ الدم الخارج يصبّ عليه ، وبكونه رخيّا عدم الاعتماد عليه كثيراً فيؤلم الجسد . ويحتمل أن يكون في الأصل « مصّك » بتشديد الصاد بدون الباء ، أي مصّ بالتأنّي بدون شدّة وإسراع . أو يكون مكان « رخياً ـ رحباً بالحاء المهملة والباء الموحّدة ـ أي اجعل الظرف الّذي تصبّ فيه الدم واسعاً
مكشوفاً ليمكن استعلام كيفيّة الدم . « واجعل شرطك زحفاً » أي أسرع في البضع
واستعمال المشرط . ولا يبعد أن يكون في الكلام تصحيف كثير .
١٠ ـ الطب
: قال قال أبو عبد
الله عليهالسلام : من احتجم في آخر خميس من الشهر في أوّل النهار سلّ منه الداء سلاً .
١١ ـ معاني
الاخبار : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن سنان ، عن خلف بن حمّاد ، عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام
أنّه قال لرجل من
أصحابه : إذا أردت الحجامة وخرج الدم من محاجمك فقل قبل أن تفرغ ويسيل الدم « بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ
بالله الكريم في حجامتي هذه من العين في الدم ، ومن كلّ سوء » ثمّ قال : وما علمت يا فلان أنّك إذا قلت هذا فقد جمعت الأشياء كلّها ، إنَّ الله تبارك وتعالى يقول « وَلَوْ
كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ
__________________
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ » يعني الفقر . وقال عزّ وجلّ « كَذَٰلِكَ
لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ
» يعني أن يدخل في الزنا . وقال لموسى عليهالسلام « وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ » قال : من غير مرض ،
الطب :
عن محمّد بن القاسم بن سنجاب ، عن خلف بن حمّاد ، عن ابن مسكان ، عن جابر الجعفيّ ، قال : قال أبو جعفر عليهالسلام لرجل من أصحابه ـ إلى قوله ـ من غير مرض . ثمّ قال : واجمع ذلك عند حجامتك والدم يسيل بهذه العوذة المتقدّمة
.
المكارم : عن الصادق عليهالسلام مرسلاً مثله
.
بيانٌ :
« من العين في الدم » أي إصابة العين في خروج الدم أو العين بمعنى العيب . « وما علمت » استفهام تقرير ، أي اعلم أنّ قولك « من كلّ سوء » يشمل الاستعاذة من جميع الآفات الدينيّة والدنيويّة ، من الأمراض البدنيّة والأحوال الدينيّة ، ثمّ استشهد عليهالسلام بالآيات الّتي استعمل السوء فيها بجميع
تلك المعاني .
١٢ ـ معاني
الاخبار : عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : احتجم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في رأسه وبين كتفيه وفي قفاه ثلاثاً ، سمّى واحدة « النافعة » والاُخرى « المغيثة » والثالثة
« المنقذة » .
١٣ ـ ومنه
: بهذا الإسناد عن
أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن عليّ ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي سلمة وهو أبو خديجة واسمه سالم بن مكرَم ـ عن أبي ـ
__________________
ـ
عبد الله عليهالسلام قال : الحجامة على الرأس على شبر من
طرف الأنف وفِتر من [ بين ] الحاجبين . وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسمّيها بالمنقذة .
وفي حديث آخر قال : كان
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحتجم على رأسه ، ويسمّيه المغيثة أو المنقذة .
بيان :
فضل حجامة الرأس ومنافعها وردت في روايات الخاصّة والعامّة ، وقال بعض الأطبّاء : الحجامة في وسط الرأس نافعة جدّاً ، وقد روي أنّ النبيّ صلّى الله
عليه وآله فعلها .
وقال بعضهم : فصد
الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرّئة ، ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدمويّة العارضة من أسفل الركبة إلى الورك . وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويّاً ولا سّيما إن كان فسد .
وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد . وفصد الودجين لوجع الطحال والرَّبو ووجع الجنبين .
والحجامة على الكاهل
ينفع من أمراض الرأس والوجه كالاُذنين والعينين و الأسنان ووجه الأنف والحلق ، وينوب عن فصد القيفال . والحجامة تحت الذقن ينفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وينقّي الرأس والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن ـ وهو عرق تحت الكعب ـ . وتنفع من عروق الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكّة العارضة في الاُنثيين . والحجامة على أسفل الصدر نافعة عن دماميل الفخذ وجربه وبثوره ، ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكّة الظهر ومحلّ ذلك كلّه إذا كان من دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه . والحجامة على المعدة ينفع الأمعاء وفساد الحيض .
١٤ ـ الخصال
: عن محمّد بن الحسن ،
عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن أسلم ، قال : رأيت أبا الحسن موسى بن
__________________
جعفر
عليهماالسلام احتجم يوم الأربعاء ، وهو محموم فلم
تتركه الحمّى ، فاحتجم يوم الجمعة فتركته الحمّى .
١٥ ـ ومنه
: عن محمّد بن الحسن
بن الوليد ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد الأشعريّ ، عن السّياريّ ، عن محمّد بن أحمد الدقّاق ، قال : كتبت إلى أبي
الحسن الثاني عليهالسلام أسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا تدور
. فكتب عليهالسلام : من احتجم في يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة عوفي من كلّ آفة ، ووقي من كلّ عاهة ، ولم تخضرّ محاجمه .
١٦ ـ ومنه
: عن أبيه ، عن محمّد
بن يحيى عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، قال : رأيت أبا عبد الله
عليه السلام احتجم يوم الأربعاء بعد العصر .
١٧ ـ ومنه
: عن محمّد بن الحسن
بن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد الأشعريّ عن إبراهيم بن إسحاق ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه عن أبي بصير ، عن أبي
عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهمالسلام قال : توقّوا الحجامة يوم الأربعاء والنورة ، فإنّ يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ ، وفيه خلقت جهنّم
.
١٨ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ ، عن عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهمالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ الحجامة تصحّح البدن وتشدّ العقل .
١٩ ـ وقال عليهالسلام : الحقنة من الأربع . قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ أفضل
__________________
ما
تداويتم به الحقنة ، وهي تعظم البطن ، وتنقّي داء الجوف ، وتقوّي البدن . استعطوا بالبنفسج ، وعليكم بالحجامة
.
وقال عليهالسلام : توقّوا الحجامة والنورة يوم الأربعاء ، فإنّ يوم الأربعاء
يوم نحس مستمرّ ، وفيه خلقت جهنّم . وفي الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلّا مات
.
بيانٌ :
« من الأربع » كأنّ الثلاث الاُخر الحجامة والسعوط والقيء ، أو مكان أحد الأخيرين العسل ، أو الكيّ ، أو الحمأ ، أو المشي . ويشهد لكلّ منها بعض الأخبار .
وقال في النهاية : « فيه
أنّه شرب الدواء واستعط » . يقال سعطته وأسعطته فاستعط ، والاسم السعوط ـ بالفتح ـ وهو ما يجعل من الدواء في الأنف ـ انتهى ـ .
وقال ابن حجر : السعوط
هو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركّب ، ليتمكّن
بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس . وروي عن ابن عبّاس أنّ خير ما تداويتم به السعوط .
٢١ ـ مجالس
الصدوق : في مناهي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نهى عن الحجامة يوم الأربعاء .
٢٢ ـ العلل
والعيون : عن محمّد بن عمرو
البصريّ ، عن عبد الله بن أحمد بن جبلة ، عن عبد الله بن أحمد بن عامر ؛ عن الرضا عن آبائه عليهمالسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام
قال : يوم الثلثاء
يوم حرب ودم .
٢٣ ـ العيون
: عن أبيه ومحمّد بن
الحسن ، عن محمّد بن يحيى ، وأحمد بن
__________________
إدريس
، عن محمّد بن أحمد الأشعريّ ؛ عن أحمد بن محمّد أبي عبد الله البرقيّ ، عن أبيه عن بكر بن صالح ، عن سليمان الجعفريّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : قلّموا أظفاركم يوم الثلثاء ، واستحموا يوم الأربعاء ، وأصيبوا من الحجامة حاجتكم ،
يوم الخميس ، وتطيّبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة .
٢٤ ـ ومنه
: عن محمّد بن موسى بن
المتوكّل ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن إسحاق بن إبراهيم ، عن مقاتل بن مقاتل ، قال : رأيت أبا الحسن الرّضا عليهالسلام
في يوم الجمعة في وقت
الزوال على ظهر الطريق يحتجم وهو محرم .
قال الصدوق ـ رحمه الله
ـ : في هذا الحديث فوائد : أحدها إطلاق الحجامة في يوم الجمعة عند الضرورة ، ليعلم أنّ ما ورد من كراهة ذلك إنّما هو في حالة
الاختيار والثانية الإطلاق في الحجامة في وقت الزوال . والثالثة أنّه يجوز للمحرم أن يحتجم إذا اضطرّ ولا يحلق مكان الحجامة ، ولا قوّة إلّا بالله .
٢٥ ـ العيون
: بالأسانيد الثلاثة
المتقدّمة في الباب السابق عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة الحجّام
أو في شربة العسل .
بيان :
قال الجوهريّ : المشرط المبضع ، والمشراط مثله . وقد شرط الحاجم يشرُط ويشرط إذا بزغ ، أي قطع . وفي القاموس : الشرط بزغ الحجّام .
٢٦ ـ معاني
الاخبار : عن محمّد بن الحسن
بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ، بإسناده رفعه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
نعم العيد
عيد الحجامة ! ـ يعني العادة ـ تجلو البصر ، وتذهب بالداء
.
__________________
بيانٌ :
قال الجوهريّ : العيد ما اعتادك من همّ أو غيره .
٢٧ ـ المحاسن
: عن ابن فضّال عن أبي
جميلة ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام :
نزل جبرئيل بالسواك
والخلال والحجامة .
٢٨ ـ فقه
الرضا : قال عليهالسلام : إذا أردت الحجامة فاجلس بين يدي الحجّام وأنت متربّع وقل « بسم الله الرحمن الرحيم . أعوذ بالله الكريم في حجامتي من العين في الدم ، ومن كلّ سوء وإعلال وأمراض وأسقام وأوجاع ، وأسألك العافية والمعافاة والشفاء من كلّ داء » .
٢٩ ـ وقد روي عن أبي عبد
الله عليهالسلام أنّه قال : اقرء آية الكرسيّ واحتجم أيَّ يوم شئت ، وتصدَّق واخرج أيَّ يوم شئت .
٣٠ ـ الطب
: عن ابن ما شاء الله
أبي عبد الله عن المبارك بن حمّاد ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : الحقنة هي من الدواء ، وزعموا أنّها تعظم البطن ، وقد فعلها رجال صالحون .
٣١ ـ ومنه
: حفص بن محمّد عن
القاسم بن محمّد عن إسماعيل بن أبي الحسن ، عن حفص بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : خير ما تداويتم به الحجامة والسعوط والحمّام والحقنة .
تأييد :
روى العامّة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : إنّ أمثل ما تداويتم به
الحجامة . وقال بعضهم : الخطاب بذلك لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارّة لميل الدم إلى سطح البدن . ويؤخذ من هذا أنّ الخطاب أيضاً لغير الشيوخ لقلّة الحرارة في أبدانهم . وعن ابن سيرين قال : إذا بلغ أربعين سنة لم يحتجم .
قال الطبريّ : وذلك
أنّه يصير من حينئذ في انتقاص عمره ، وانحلال من قوى جسده ، فلا ينبغي أن يزيده وهناً بإخراج الدم ـ انتهى ـ . وهو محمول على
__________________
من
لم يتعيّن حاجته إليه وعلى من لم يعتد به . وقال ابن سينا في أرجوزته :
ومن تعوّدت له
الفصادة
|
|
فلا يكن يقطع تلك
العادة
|
بل يقلّل ذلك
بالتدريج إلى أن ينقطع [ جملة ] في عشر الثمانين .
٣٢ ـ الطب
: عن المنذر بن عبد
الله ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : الدواء أربعة : الحجامة ، والطلي
، والقيء ، والحقنة .
بيان :
المراد بالطلي النورة ، أو الأعمّ منه ومن طلي الأدوية .
٣٣ ـ الطب
: عن إبراهيم بن محمّد
، عن عبد الرحمن ، عن إسحاق بن حسّان عن عيسى بن بشير الواسطيّ ، عن ابن مسكان وزرارة قالا : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ
عليهما السّلام : طبُّ العرب في ثلاث : شرطة الحجامة ، والحقنة
، وآخر الدواء الكيّ .
٣٤ ـ وعن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : طبُّ العرب في خمسة : شرطة
الحجامة والحقنة ، والسعوط ، والقيء ، والحمّام ، وآخر الدواء الكيّ .
٣٥ ـ وعن أبي جعفر الباقر
عليهالسلام : طبُّ العرب في سبعة : شرطة الحجامة والحقنة ، والحمّام ، والسعوط ، والقيء ، وشربة العسل ، وآخر الدواء الكيّ . وربما يزاد فيه النورة .
٣٦ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى
البرسيّ عن محمّد بن يحيى الأرمني ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، قال : سأل طلحة بن زيد أبا عبد الله عليهالسلام عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء ، وحدّثته بالحديث الّذي ترويه العامّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأنكروه وقالوا : الصحيح
عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : إذا تبيّغ بأحدكم الدم فليحتجم لا يقتله . ثمّ قال : ما علمت أحداً من أهل بيتي يرى به بأساً
.
٣٧ ـ وروي أيضاً عن
أبي عبد الله عليهالسلام : إنّ أوّل ثلثاء تدخل في شهر « آذار »
__________________
بالروميّة
، الحجامة فيه مصحّة سنته بإذن الله تعالى .
٣٨ ـ وروي أيضاً عنهم
عليهمالسلام : أنّ الحجامة يوم الثلثاء لسبعة عشر
من الهلال مصحّة سنته .
بيان :
قال في النهاية : فيه « لا يتبيّغ بأحدكم الدم فيقتله » أي غلبة الدم على الإنسان ، يقال : تبيّغ به الدم ؛ إذا تردّد فيه . ومنه تبيّغ الماء إذا تردّد
وتحيّر في مجراه . ويقال فيه « تبوّغ » بالواو . وقيل : إنّه من المقلوب ؛ أي لا يبغي
عليه الدم فيقتله من البغي مجاوزة الحدّ ؛ والأوّل أوجه
ـ انتهى ـ .
وصحّح الأكثر « المصحّة
» بفتح الميم والصاد ، وقد تكسر الصاد ، مفعلة من الصحّة بمعنى العافية . ويمكن أن يقرأ بكسر الميم ، اسم آلة ، وبالضمّ أيضاً اسم فاعل ؛ والأخير أبعد .
٣٩ ـ الطب
: عن محمّد بن الحسين ،
عن فضالة بن أيّوب ، عن إسماعيل ، عن أبي عبد الله جعفر الصادق عن أبي جعفر الباقر عليهماالسلام أنّه قال : ما اشتكى رسول الله صلىاللهعليهوآله
وجعاً قطّ إلّا كان
مفزعه إلى الحجامة .
وقال أبو طيبة : حجمت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأعطاني ديناراً وشربت دمه . فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أشربت
؟ قلت : نعم . قال : وما حملك على ذلك ؟ قلت أتبرّك به . قال : أخذت أماناً من الأوجاع والأسقام والفقر والفاقة ، والله ما تمسّك
النار أبداً .
بيان :
« أبو طيبة » بفتح الطاء وسكون المثنّاة التحتانيّة ثمّ الباء الموحّدة هو من الصحابة ، واسمه نافع ، وكان حجّاماً ، مولى محيّصة بن مسعود الانصاريّ . كذا ذكره بعض الرجاليّين من العامّة .
__________________
٤٠ ـ الطب
: عن الزبير بن بكار ،
عن محمّد بن عبد العزيز ، عن محمّد بن إسحاق عن عمّار ، عن فضيل الرسّان ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : من دواء الأنبياء الحجامة والنورة والسعوط .
٤١ ـ ومنه
: عن أحمد بن عبد الله
بن زريق ، قال : مرّ جعفر بن محمّد عليهماالسلام
بقوم كانوا يحتجمون ،
قال : ما كان عليكم لو أخّرتموه إلى عشيّة الأحد فكان أبرأ للداء .
٤٢ ـ وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : احتجموا إذا هاج بكم الدم ، فإنّ الدم ربما تبيّغ بصاحبه فيقتله .
٤٣ ـ وعن الباقر عليهالسلام أنّه قال : خير ما تداويتم به الحقنة والسعوط والحجامة والحمّام .
٤٤ ـ ومنه
: عن أحمد بن محمّد ، عن
أبيه محمّد بن خالد ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهالسلام يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
الحجامة في الرأس
شفاء من كلّ داء إلّا السام .
٤٥ ـ ومنه
: عن الخضر بن محمّد ،
عن الخراذينيّ عن أبي محمّد بن البردعيّ عن صفوان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحتجم ثلاثة : واحدة منها في الراس يسمّيها « المتقدّمة » وواحدة بين الكتفين يسمّيها « النافعة »
وواحدة بين الوركين يسمّيها « المغيثة » .
__________________
٤٦ ـ ومنه
: عن عبد الله بن موسى
الطبريّ ، عن إسحاق بن أبي الحسن ، عن اُمّ أحمد ، قالت : قال سيّديّ عليهالسلام : من نظر إلى أوّل محجمة من دمه أمن
الواهنة إلى الحجامة الاُخرى . فسألت سيّدي : ما الواهنة ؟ فقال : وجع العنق .
بيان :
قال في النهاية : في حديث عمران بن حصين : إنّ فلاناً دخل عليه وفي عضده حلقة من صفر ـ وفي رواية : وفي يده خاتم من صفر ـ فقال : ما هذا ؟ قال هذا من الواهنة . قال : أما إنّها لا تزيدك إلّا وهنًا ! » الواهنة عرق يأخذ في المنكب
، وفي اليد كلّها فيرقى منها . وقيل : هو مرض يأخذ في العضد ، وربما علق عليها جنس من الخرز يقال لها « خرز الواهنة » وهي تأخذ الرجال دون النساء ، وإنّما نهاه عنها
لأنّه إنّما اتّخذها على أنّها تعصمه من الألم ، فكان عنده في معنى التمائم
المنهيّ عنها ـ انتهى ـ .
وفي القاموس : الواهنة
ريح تأخذ في المنكبين أو في العضد أو في الأخدعين
عند الكبر ، والقصيراء ، وفقرة في القفا والعضد .
وفي بعض النسخ « الواهية
» بالياء المثنّاة التحتانيّة والأوّل أظهر ، ويدلّ على أنّها تطلق على وجع العنق أيضاً ، أو فسّرت به لأنّه يلزمها غالباً .
٤٧ ـ الطب
: عن إبراهيم بن عبد
الله الخزامي ، عن الحسين بن سيف بن عميرة عن أخيه ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفيّ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام قال : ومن احتجم فنظر إلى أوّل محجمة من دمه أمن من الرمد إلى الحجامة الاُخرى
.
__________________
٤٨ ـ ومنه
: عن أبي زكريّا يحيى
بن آدم ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن بكير ، عن شعيب العقرقوفيّ ، عن أبي إسحاق الأزديّ ، عن أبي إسحاق السبيعيّ ، عمّن ذكره أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان يغتسل من الحجامة والحمّام قال
شعيب : فذكرته لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام فقال : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا احتجم هاج به الدم وتبيّغ فاغتسل بالماء البارد ليسكن عنه حرارة الدّم . وإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام
كان إذا دخل الحمّام
هاجت به الحرارة صبّ عليها الماء البارد فتسكن عنه الحرارة
.
٤٩ ـ ومنه
: عن الحارث بن محمّد
بن الحارث من ولد الحارث الأعور الهمدانيّ عن سعيد بن محمّد ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : كان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
يحتجم في الأخدعين ، فأتاه
جبرئيل عن الله تبارك وتعالى بحجامة الكاهل .
بيان :
في القاموس : الأخدع عرق في المحجمتين ، وهو شعبة من الوريد . وفي المصباح : الأخدعان عرقان في موضع الحجامة وفي النهاية : الأخدعان عرقان في جانب العنق . والكاهل مقدّم أعلى الظهر . وفي القاموس : الكاهل ـ كصاحب ـ : الحارك ، أو مقدّم أعلى الظهر ممّا يلي العنق . وهو الثلث الأعلى ، وفيه ستّ فقر ،
أو ما بين الكتفين ، أو موصل العنق في الصلب .
٥٠ ـ الطب
: عن داود بن سليمان
البصريّ الجوهريّ ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبيه قال : قال أبو بصير : سألت الصادق عليهالسلام عن الحجامة يوم الأربعاۤء فقال : من احتجم يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة عوفي من كلّ عاهة ، ووقي
من كلّ آفة .
٥١ ـ ومنه
: عن إبراهيم بن سنان ،
عن أحمد بن محمّد الدارمي ، عن زرارة عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام أنّه احتجم فقال : يا جارية هلمّي ثلاث
__________________
سكّرات
. ثمّ قال : إنّ السكّر بعد الحجامة يورد الدم الصافي ، ويقطع الحرارة
.
٥٢ ـ وعن أبي الحسن
العسكريّ عليهالسلام : كل الرّمان بعد الحجامة ، رمّاناً حلواً ، فانّه يسكن الدم ، ويصفّي الدم في الجوف
.
٥٣ ـ ومنه
: عن جعفر بن منصور ، عن
الحسين بن عليّ بن يقطين ، عن محمّد بن فضيل . عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : من تقيّأ قبل أن يتقيّأ كان أفضل من سبعين دواء ، ويخرج القيء على هذا السبيل كلّ داء وعلّة
.
بيانٌ :
« قبل أن يتقيّأ » أي قبل أن يسبقه القيء بغير اختياره ، أو المراد به أوّل ما يتقيّأ في تلك العلّة .
٥٤ ـ الطب
: عن الرضا عليهالسلام قال : حجامة الاثنين لنا ، والثلثاء لبني اُميّة
.
٥٥ ـ ومنه
: عن الأشعث بن عبد
الله ، عن إبراهيم بن المختار ، عن محمّد بن سنان عن طلحة بن زيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحجامة يوم السبت ، قال : يضعّف .
٥٦ ـ المكارم
: روى الأنصاريّ قال :
كان الرضا عليهالسلام ربما تبيّغه الدم فاحتجم في جوف الليل .
٥٧ ـ عن جعفر بن محمّد
عليهماالسلام قال : يحتجم الصائم في غير شهر رمضان
متى شاء فأمّا في شهر رمضان فلا يغرّر بنفسه ، ولا يخرج الدم إلّا أن يتبيّغ
به . فأمّا
__________________
نحن
فحجامتنا في شهر رمضان بالليل ، وحجامتنا يوم الأحد ، وحجامة موالينا يوم الاثنين .
٥٨ ـ وعن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : إيّاك والحجامة على الريق
.
٥٩ ـ عنه عليهالسلام قال في الحمّام : لا تدخله وأنت ممتلىء من الطعام ، ولا تحتجم
حتّى تأكل شيئاً ، فانّه أدرّ للعروق ، وأسهل لخروجه ، وأقوى للبدن .
٦٠ ـ وروي عن العالم عليهالسلام أنّه قال : الحجامة بعد الأكل ، لأنّه إذا شبع الرّجل ثمّ احتجم اجتمع الدم وأخرج الداء ، وإذا احتجم قبل الأكل خرج الدم وبقي الداء .
٦١ ـ وعن زيد الشحّام
، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فدعا بالحجّام ، [ فـ ] ـﻘال له : اغسل محاجمك وعلّقها ، ودعا برمّانة فأكلها ، فلمّا فرغ
من الحجامة دعا برمّانة اُخرى فأكلها فقال : هذا يطفىء المرار
.
٦٢ ـ وعن أبي بصير
قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : أيّ شيء يأكلون
بعد الحجامة ؟ فقلت الهندباء والخلّ . قال : ليس به بأس
.
٦٣ ـ وروي عن أبي عبد
الله عليهالسلام أنّه احتجم فقال : يا جارية هلمّي ثلاث
سكّرات ، ثمّ قال : إنّ السكّر بعد الحجامة يردّ الدم الطريّ
، ويزيد في القوّة .
__________________
٦٣ ـ عن الكاظم عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كان منكم محتجماً فليحتجم يوم السبت .
٦٥ ـ وقال الصادق عليهالسلام الحجامة يوم الأحد فيه شفاء من كلّ داء
.:
٦٦ ـ عنه عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : احتجموا
يوم الاثنين بعد العصر .
٦٧ ـ عن أبي سعيد
الخدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من احتجم يوم الثلثاء لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو لإحدى وعشرين كان له شفاء من داء السنة
.
٦٨ ـ وقال أيضاً : احتجموا
لخمس عشرة وسبع عشرة وإحدى وعشرين ، لا يتبيّغ بكم الدم فيقتلكم .
٦٩ ـ وفي الحديث أنّه
نهى عن الحجامة في الأربعاء إذا كانت الشمس في العقرب .
٧٠ ـ عن زيد بن عليّ ،
عن آبائه عن عليّ عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
من احتجم يوم
الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومنّ إلّا نفسه .
٧١ ـ وروى الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : نزل عليّ جبرئيل بالحجامة واليمين مع الشاهد ويوم
الأربعاء يوم نحس مستمرّ .
٧٢ ـ عن الصادق عليهالسلام قال : من احتجم في آخر خميس في الشهر آخر النهار سلّ الداء سلّاً .
٧٣ ـ وعنه عليهالسلام قال : إنّ الدم يجتمع في موضع الحجامة يوم الخميس فإذا
__________________
زالت
الشمس تفرّق ، فخذ حظّك من الحجامة قبل الزوال .
٧٤ ـ عن المفضّل بن
عمر ، قال : دخلت على الصادق عليهالسلام وهو يحتجم يوم الجمعة ، فقال : أو ليس تقرأ آية الكرسيّ ؟ ونهى الحجامة مع الزوال في يوم الجمعة .
٧٥ ـ عن أبي الحسن عليهالسلام قال : لا تدع الحجامة في سبع من حزيران ، فإن فاتك فالأربع عشرة .
٧٦ ـ عن الصادق عليهالسلام قال : اقرأ آية الكرسيّ واحتجم أيّ وقت شئت
.
٧٧ ـ عن شعيب
العقرقوفيّ قال : دخلت على أبي الحسن عليهالسلام وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس . فقلت إنّ هذا يوم يقول الناس من احتجم فيه فأصابه البرص فقال : إنّما يخاف ذلك على من حملته أمّه في حيضها
.
٧٨ ـ عن الصادق عليهالسلام قال : إذا ثار بأحدكم الدم فليحتجم ، لا يتبيّغ به فيقتله . وإذا أراد أحدكم ذلك فليكن من آخر النهار
.
٧٩ ـ من الفردوس عن
أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحجامة على الريق دواء ، وعلى الشبع داء ، وفي سبع وعشر من الشهر شفاء ، ويوم الثلاثاء صحّة للبدن ولقد أوصاني جبرئيل بالحجم حتّى ظننت أنّه لا بدّ منه
.
٨٠ ـ وقال عليهالسلام : الحجامة يوم الثلثاء لسبع عشرة يمضي من الشهر دواء لداء سنة .
٨١ ـ وقال عليهالسلام : الحجامة في الرأس شفاء من سبع : من الجنون ، والجذام والبرص ، والنعاس ، ووجع الضرس ، وظلمة العين ، والصداع
.
٨٢ ـ وعنه عليهالسلام قال : الحجامة تزيد العقل وتزيد الحافظ حفظاً
.
__________________
٨٣ ـ وعنه عليهالسلام قال : الحجامة في النقرة تورث النسيان
.
٨٤ ـ وعنه عليهالسلام قال : احتجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في رأسه وبين كتفيه وقفاه وسمّى الواحدة « النافعة » : والاُخرى « المغيثة » والثالثة « المنقذة » .
وفي غير هذا الحديث :
الّتي في الرأس المنقذة ، والّتي في النقرة المغيثة ، والّتي في الكاهل النافعة ، وروي : المغيثة .
٨٥ ـ وعن الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأشار بيده إلى رأسه ـ : عليكم بالمغيثة ، فانّها تنفع من الجنون والجذام والبرص والأكلة ووجع الأضراس .
٨٦ ـ عنه عليهالسلام قال : إذا بلغ الصبيُّ أربعة أشهر فاحتجموه في كلّ شهر مرّة في النقرة فإنّه يجفّف لعابه ويهبط بالحرّ من رأسه وجسده .
٨٧ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الداء ثلاث ، والدواء ثلاث . فالدّاء : المرّة والبلغم ، والدم . فدواء الدّم الحجامة ، ودواء المرّة المشي ، ودواء البلغم الحمّام .
عن معاوية بن حكم ، قال
: إنّ أبا جعفر عليهالسلام دعا طبيبا ففصد عرقاً من بطن كفّه .
٨٩ ـ عن محسن الوشّاء
قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام وجع الكبد فدعى بالفاصد ففصدني من قدمي وقال : اشربوا الكاشم لوجع الخاصرة .
٩٠ ـ روى عن الصادق عليهالسلام أنّه شكى إليه رجل الحكّة ، فقال : احتجم ثلاث مرّات في الرجلين جميعاً فيما بين العرقوب والكعب . ففعل الرجل ذلك ، فذهب عنه . وشكى إليه آخر فقال : احتجم في واحد عقبيك أو من الرجلين جميعاً ثلاث
__________________
مرّات
تبرء إنشاء الله . قال وشكى بعضهم إلى أبي الحسن عليهالسلام كثرة ما يصيبه من الجرب ، فقال : إنّ الجرب من بخار الكبد ، فاذهب وافتصد من قدمك اليمنى والزم أخذ درهمين من دهن اللوز الحلو على ماء الكشك ، واتّق الحيتان والخلّ . ففعل فبرىء بإذن الله .
٩١ ـ عن المفضّل بن عمر ، قال : شكوت إلى أبي عبد
الله عليهالسلام الجرب على جسدي والحرارة ، فقال : عليكم بالافتصاد من الأكحل ، ففعلت فذهب عنّي ، و الحمد لله شكراً .
٩٢ ـ وروي أنَّ رجلاً
شكى إلى أبي عبد الله عليهالسلام الحكّة ، فقال له : شربت الدواء ؟ فقال : نعم ، فقال فصدتَ العرقَ ؟ فقال : نعم فلم أنتفع به ، فقال : احتجم
ثلاث مرّات في الرجلين جميعاً فيما بين العرقوب والكعب . ففعل فذهب عنه .
بيان :
في القاموس : غرّر بنفسه تغريراً وتغرّة ـ كتحلّة ـ عرَّضها للهلكة والاسم الغرر . وقال : النّقرة منقطع القَمحدُوة من القفا . وقال الإكلة ـ بالكسر ـ
الحكّة ، كالأكال والأكلة كغراب وفرحة . وكفرحة داء في العضو يأتكل منه ـ انتهى ـ .
والمرّة ـ بالكسر وشدّ
الرّاء ـ : تشمل السوداء والصفراء . وقال في النهاية : فيه « خير ما تداويتم به المشي » يقال : شربت مشيّاً ومشوّاً وهو الدّواء المسهل لأنّه يحمل شاربه على المشي والتردّد إلى الخلاء . وفي القاموس : العرقوب عصب غليظ فوق عقب الإنسان ـ انتهى ـ . والمراد بالكعب هنا الّذي بين الساق والقدم أو النابتين عن يمين القدم وشماله ، لا الّذي في ظهر القدم .
قوله عليهالسلام « في واحد عقبيك » لعلّ المعنى : احتجم على التناوب : مرّة في
هذا ومرَّة في الاُخرى ، والمراد بالعقب الكعب بالمعنى الثاني مجازاً . وفي
القاموس : الكشك ماء الشعير .
__________________
٩٣ ـ الكافي
: عن عدّة من أصحابه ،
عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الحجامة في الرأس هي المغيثة تنفع من كلّ داء إلّا السام ، وشبر من الحاجبين إلى حيث بلغ إبهامه . ثمّ قال : ههنا .
بيان :
هي المغيثة ، أي يغيث المرء « وشبر من الحاجبين » أي من بين الحاجبين إلى حيث انتهت من مقدّم الرأس كما مرّ .
٩٤ ـ الكافي
: عن الحسين بن محمّد ،
عن المعلّى ، عن محمّد بن جمهور ، عن حمران قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : فيم يختلف الناس ؟ قلت : يزعمون أنّ
الحجامة في يوم الثلثاء أصلح ، قال : فقال : وإلى ما يذهبون في ذلك ؟ قلت : يزعمون أنّه يوم الدم .
قال فقال : صدقوا فأحرى أن لا يهيّجوه في يومه ، أما علموا أنّ في يوم الثلثاء ساعةً من وافقها لم يرق دمه حتّى يموت أو ما شاء الله !
بيان :
« يوم الدّم »أي يوم هيجانه ، أو يوم سفكه ، لما مرّ من أنّ المنجّمين ينسبونه إلى المرّيخ فيناسبه سفك الدم . والأخبار في ذلك مختلفة ، وقد مرّ في باب سعادة أيّام الاسبوع نقلاً عن ديوان أميرالمؤمنين عليهالسلام :
ومن يرد الحجامة
فالثلثاء
|
|
ففي ساعاته هرق
الدماء .
|
وإن شرب امرء يوماً
دواء
|
|
فنعم اليوم يوم
الأربعاء
|
ويمكن الجمع بينهما
بحمل النهي على ساعة من ساعاته وهي الساعة المنسوبة إلى المرّيخ أيضاً وهي الساعة الثامنة ، وإن كان ظاهر الخبر عدم ارتكابه في جميع اليوم لإمكان مصادفته تلك الساعة ، إمّا لكون الساعة غير منضبطة ، أو لعدم المصلحة
في بيانها ، فتأمّل .
قوله عليهالسلام « لم يرق دمه » أي لم يجفّ ولم يسكن ، وهو في الأصل مهموز
__________________
والظاهر
أنّ المراد عدم انقطاع الدم حتّى يموت بكثرة سيلانه ، ويحتمل على بعد أن يكون المعنى سرعة ورود الموت عليه بسبب ذلك أي يموت في أثناء الحجامة . قوله عليهالسلام « أو ما شاء الله » أي من بلاء عظيم
ومرض شديد يعسر علاجه ، ويمكن حمل هذا الخبر على التقيّة لورود مضمونه في روايات العامّة كما سيأتي إنشاء الله .
٩٥ ـ الكافي
: عن عدّة من أصحابه ،
عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد عن رجل من الكوفيّين ، عن أبي عروة أخي شعيب ـ أو عن شعيب العقرقوفيّ ـ قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل عليهالسلام وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس ، فقلت
له : إنّ هذا يوم يقول الناس من احتجم فيه أصابه البرص ، فقال : إنّما يخاف ذلك على من حملته اُمّه في حيضها .
بيان :
« إنّما يخاف ذلك » أي البرص مطلقاً لا مع الحجامة في ذلك اليوم .
٩٦ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال ، فإنّ من احتجم مع الزوال في يوم الجمعة فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه .
٩٧ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن أبي سلمة ، عن معتب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الدواء أربعة : السعوط ،
والحجامة والنورة . والحقنة .
٩٨ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن ثعلبة ، عن عمّار الساباطيّ ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما يقول من قبلكم في الحجامة قلت : يزعمون أنّها على الريق أفضل منها على الطعام قال : لا ، هي على الطعام أدرّ
للعرق وأقوى للبدن .
__________________
٩٩ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى
عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اقرأ آية الكرسيّ واحتجم أيَّ يوم شئت ، وتصدّق واخرج أيَّ يوم شئت .
١٠٠ ـ ومنه
: عن العدّة ، عن سهل
بن زياد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السمط ، قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : إذا بلغ الصبيّ أربعة أشهر فاحجمه في كلّ شهر في النقرة ، فإنّها تجفّف لعابه ، وتهبط الحرارة من رأسه وجسده .
١٠١ ـ ومنه
: عن عليّ بن محمّد ، عن
الحسن بن الحسين ، عن محمّد بن الحسن المكفوف ، قال : حدّثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر من النصارى أنّ أبا محمّد عليهالسلام بعث
إليه يوماً في وقت صلوة الظهر ، فقال لي : افصد هذا العرق ، قال : وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق الّتي تفصد . فقلت في نفسي ما رأيت أمراً أعجب
من هذا ، يأمرني أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد ، والثانية عرق لا أفهمه ! ثمّ قال لي : انتظر وكن في الدار ، فلمّا أمسى دعاني وقال : سرّح الدم ، فسرّحت ، ثمّ قال لي : أمسك فأمسكت ، ثمّ قال لي : كن في الدار ، فلمّا كان نصف الليل أرسل إليّ وقال لي : سرّح الدم ، قال فتعجّبت أكثر من عجبي الأوّل وكرهت أن أسأله . قال : فسرّحت ، فخرج دم أبيض كأنّه الملح . قال : ثمّ قال لي : احبس ، قال : فحبست
قال : ثمّ قال : كن في الدار ، فلمّا أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير ، فأخذتها وخرجت حتّى أتيت ابن بختيشوع النصرانّي ، فقصصت عليه القصّة . قال : فقال لي : والله ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شيء من الطبّ ولا قرأته في كتاب ، ولا
أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانيّة من فلان الفارسيّ فاخرج إليه . قال : فاكتريت
__________________
زورقاً
إلى البصرة وأتيت الأهواز ثمّ صرت إلى فارس إلى صاحبي ، فأخبرته الخبر قال : فقال لي : أنظرني أيّاماً ، فأنظرته ثمّ أتيته متقاضياً ، قال : فقال لي : إنّ
هذا الّذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرّة
.
١٠٢ ـ الخرائج
: قال : حدّث
نصرانيّ ، متطبّب بالريّ ـ وقد أتى عليه مائة سنة ونيّف ـ وقال : كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكّل ، وكان يصطفيني فبعث إليه الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا عليهم السلام
أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده ، فاختارني وقال : قد طلب منّي ابن
الرضا من يفصده ، فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا ممّن هو تحت السماۤء ، فاحذر أن لا
تعترض فيما يأمرك به . فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة وقال : كن
إلى أن أطلبك . قال : وكان الوقت الّذي دخلت إليه فيه عندي جيّداً محموداً للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود
له ، وأحضر طشتاً عظيماً ، ففصدت الأكحل ، فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطّشت . ثمّ قال لي :
اقطع ، فقطعت وغسل يده وشدّها وردّني إلى الحجرة ، وقدّم من الطعام
الحارّ و البارد شيء كثير وبقيت إلى العصر ، ثمّ دعاني فقال : سرّح ، ودعا بذلك الطشت ،
__________________
فسرَّحت
وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت ، فقال : اقطع ، فقطعت وشدّ يده وردّني إلى الحجرة فبتُّ فيها ، فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال : سرِّح ، فسرَّحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ
الطشت ثمّ قال : اقطع فقطعت وشدّ يده ، وقدَّم إليّ تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال : خذ هذا واعذر وانصرف ، فأخذت وقلت : يأمرني السيّد بخدمة ؟ قال : نعم
، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول .
فصرت إلى بختيشوع
وقلت له القّصة ، فقال : أجمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم ، وهذا الّذي حكيت
لو خرج من عين ماء لكان عجباً ، وأعجب ما فيه اللبن ! ففكّر ساعة ثمّ
مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه الفصدة ذكراً في العالم فلم نجد . ثمّ قال : لم
يبق اليوم في النصرانيّة أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتاباً
يذكر فيه ما جرى .
فخرجت وناديته ، فأشرف
عليَّ فقال : من أنت ؟ قلت : صاحب بختيشوع . قال : معك كتابه ؟ قلت : نعم ، فأرخى لي زنبيلاً
فجعلت الكتاب فيه ، فرفعه وقرأ الكتاب ونزل من ساعته . فقال : أنت الّذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم ، قال طوبى
__________________
لاُمّك
! وركب بغلاً وسرنا فوافينا سرَّ من رأى وقد بقي من اللّيل ثلثه ، قلت : أين تحبّ ؟ دار اُستاذنا أم دار الرجل ؟ قال دار الرجل ، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأوّل .
ففتح الباب وخرج
إلينا خادم أسود وقال : أيّكما راهب دير العاقول ؟ فقال : أنا ، جعلت فداك . فقال : انزل ، وقال لي الخادم : احتفظ
بالبغلين ، وأخذ بيده ودخلا .
فأقمت إلى أن أصبحنا
وارتفع النهار ، ثمّ خرج الراهب وقد رمى ثياب النصرانيّة ولبس ثياب بياض وأسلم . فقال : خذ بي إلى دار اُستاذك ، فصرنا
إلى باب بختيشوع ، فلمّا رآه بادر يعدو إليه ، فقال : ما الّذي أزالك عن دينك ؟
قال : وجدت المسيح فأسلمت على يده . قال : وجدت المسيح ؟! قال :
ونظيره فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلّا المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه ،
ثمّ انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات .
١٠٣ ـ الدعائم
: عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : لا بأس بالحقنة لو لا أنّها تعظم البطن .
١٠٤ ـ وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من احتجم يوم أربعاء أو يوم سبت وأصابه
__________________
وضح
فلا يلم إلّا نفسه . والحجامة في الرأس شفاء من كلّ داء . والدواء في أربعة : الحجامة والحقنة . والنورة ، والقيء ، فإذا تبيّغ الدم بأحدكم فليحتجم في أيّ الأيّام كان ، وليقرأ آية الكرسيّ وليستخر الله ويصلّي على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
١٠٥ ـ وقال : لا
تعادوا الأيّام فتعاديكم ، وإذا تبيّغ الدم بأحدكم فليهرقه ولو بمشقص .
قوله « تبيّغ » يعني
تبغّى من البغي .
١٠٦ ـ الفردوس
: عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام قال : في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل يحتجم فيها إلّا مات .
١٠٧ ـ وعن جابر بن
عبد الله عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : في الحجم شفاء .
فوائد
الاولى :
روى الخطابيّ في كتاب « أعلام الحديث » باسناده عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « الشفاء في ثلاثة : شربة عسل ، وشرطة
محجم ، وكيّة بنار . وأنهى أمّتي عن الكيّ » . وقال : هذه القسمة في التداوي منتظمة جملة ما
يتداوى به الناس .
وذلك أنّ الحجم
يستفرغ الدم ، وهو أعظم الأخلاط وأنجحها شفاءً عند الحاجة إليه ، والعسل مسهل وقد يدخل أيضاً في المعجونات المسهلة ليحفظ على تلك الأدوية قواها فيسهل الأخلاط الّتي في البدن ، وأمّا الكيُّ إنّما
هو للداء العضال والخلط الباغي الّذي لا يقدر على حسم مادّته إلّا به ، وقد وصفه النبيُّ صلىاللهعليهوآله ثمّ نهى عنه نهي كراهة ، لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم ، ولذلك قالت العرب في أمثالها « آخر الدواء الكيّ » وقد كوى صلىاللهعليهوآله سعد بن معاذ على الكحلة ، واكتوى غير واحد من الصحابة بعد .
__________________
وقال ابن حجر في فتح
الباري : لم يرد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الحصر في الثلاثة ، فإنّ الشفاء قد يكون في غيرها ، وإنّما نبّه على اُصول العلاج وذلك أنّ الأمراض
الامتلائيّة تكون دمويّة ، وصفراويّة ، وبلغميّة ، وسوداويّة . وشفاء الدمويّة بإخراج الدم وإنّما خصّ الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب واُلفتهم له بخلاف الفصد ، وإن كان في معنى الحجم لكنّه لم يكن معهوداً لها غالباً على أنّ في التعبير بقوله « شرطة محجم » ما قد يتناول الفصد أيضاً ، فالحجم في البلاد الحارّة أنجح من الفصد ، والفصد
في الباردة أنجح من الحجم .
وأمّا الامتلاۤء
الصفراويّ وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل ، وقد نبّه عليه بذكر العسل . وأمّا الكيّ فإنّه يقع أخيراً لإخراج ما يتعسّر إخراجه من الفضلات ، وما نهى عنه مع إثبات الشفاء فيه إمّا لكونهم كانوا يرون أنّه يحسم الداء بطبعه وكرهه لذلك ، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء ، لظنّهم أنّه يحسم الداء فيتعجّل
الّذي يكتوى التعذيب بالنار لأمر مظنون ، وقد لا يتّفق أن يقع له ذلك المرض الّذي يقطعه الكيّ . ويؤخذ من الجمع بين كراهيته صلىاللهعليهوآلهوسلم للكيّ وبين استعماله أنّه لا يترك مطلقاً ولا يستعمل مطلقاً ، بل يستعمل عند تعيّنه طريقاً إلى الشفاء مع
مصاحبة اعتقاد أنّ الشفاء بإذن الله تعالى .
وقد قيل : إنّ المراد
بالشفاء في هذا الحديث الشفاء من أحد قسمي المرض ، لأنّ الأمراض كلّها إمّا ماديّة أو غيرها ، والمادّة كما تقدّم حارّة أو باردة ، وكلٌّ
منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركّبة فالأصل الحرارة والبرودة ، فالحارّ يعالج بإخراج الدم ، لما فيه من استفراغ المادّة وتبريد المزاج ، والبارد بتناول
العسل لما فيه من التسخين والإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين ، فيحصل بذلك استفراغ المادّة برفق ، وأمّا الكيّ فخاصٌّ بالمرض المزمن ، لأنّه يكون عن مادّة
باردة قد تغير مزاج العضو ، فإذا كوي خرجت منه وأمّا الأمراض الّتي ليست بمادّية فقد أشير إلى علاجها بحديث « الحمّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء » انتهى .
وقال الجزريّ في
النهاية : الكيّ بالنار من العلاج المعروف في كثير من الأمراض
وقد
جاء في أحاديث كثيرة النهي عن الكيّ ، فقيل : إنّما نهي عنه من أجل أنّهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنّه يحسم الداء ، وإذا لم يُكوَ العضو عطب وبطل . فنهاهم إذا كان على هذا الوجه ، وأباحه إذا جعل سبباً للشفاء لا علّة له ، فإنّ الله
تعالى هو الّذي يبرئه ويشفيه لا الكيّ والدواء ، وهذا أمر تكثر فيه شكوك الناس ، يقولون : لو شرب الدواء لم يمت ، ولو أقام ببلده لم يقتل ، وقيل : يحتمل أن يكون نهيه عن الكيّ إذا استعمل على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبل الحاجة إليه ، وذلك مكروه ، وإنّما أبيح للتداوي والعلاج عند الحاجة ، ويجوز أن يكون النهي عنه من قبيل التوكّل ، كقوله « هم الّذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربّهم يتوكّلون »
والتوكّل درجة اُخرى غير الجواز ، والله أعلم .
الثانية : روى الخطابي أيضاً عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول : إن كان في شيء
من أدويتكم خير ففي شرطة حجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحبّ أن أكتوي .
ثمّ قال : الطبّ على
نوعين : الطبّ القياسيّ ، وهو طبّ اليونانيّين الّذي يستعمله أكثر الناس في أوسط بلدان أقاليم الأرض ، وطبّ العرب والهند . وهو الطبّ التجاربيّ .
وإذا تأمّلت أكثر ما
يصفه النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من الدواء إنّما هو على مذهب العرب إلّا ما خّص به من العلم النبويّ الّذي طريقه الوحي ، فإنّ ذلك فوق كلّ ما يدركه الأطبّاء أو يحيط به حكمة الحكماء والألبّاء ، وقد يكون بعض تلك الأشفية من ناحية التبرّك بدعائه وتعويذه ونفثه ، وكلّ ما قاله من ذلك وفعل صواب ، وحسن جميل ، يعصمه الله أن يقول إلّا صدقاً وأن يفعل إلّا حقّاً ـ انتهى ـ .
وقد أومأنا إلى علّة
تخصيص الحجامة في أكثر الأخبار بالذكر وعدم التعرّض للفصد فيها ، لكون الحجامة في تلك البلاد أنفع وأنجح من الفصد ، وإنّما ذكر الفصد في بعض الأخبار عن بعضهم عليهمالسلام بعد تحوّلهم عن بلاد الحجاز إلى البلاد
الّتي الفصد
فيها
أوفق وأليق .
قال الموفّق البغداديّ
: الحجامة تنقّي سطح البدن أكثر من الفصد ، والفصد لأعماق البدن والحجامة للصبيان وفي البلاد الحارّة أولى من الفصد ، وآمن غائلة ، وقد يغني
عن كثير من الأدوية ، ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد ، لأنّ العرب غالباً ما كانت تعرف إلّا الحجامة .
وقال صاحب الهداية : التحقيق
في أمر الفصد والحجامة أنّهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج ، فالحجامة في الأزمان الحارّة والأمكنة الحارّة والأبدان الحارّة الّتي دم أصحابها في غاية النضج أنفع ، والفصد بالعكس ، ولهذا كانت
الحجامة أنفع للصبيان ، ولمن لا يقوى على الفصد .
والثالثة : ظهر من الأخبار المتقدّمة رجحان الحجامة يوم الخميس والأحد بلا معارض ، وأكثر الأخبار تدلّ على رجحانه في يوم الثلثاء لا سيّما إذا صادف بعض الأيّام المخصوصة من الشهور العربيّة أو الرومية ، ويعارضه بعض الأخبار . ويظهر من أكثر الأخبار رجحان الحجامة يوم الاثنين ، ويعارضه ما مرّ من شؤمه مطلقاً في أخبار كثيرة ، وتوهّم التقيّة لتبرّك المخالفين به في أكثر الأمور . وأمّا
الأربعاء فأكثر الأخبار تدلّ على مرجوحيّة الحجامة فيها ، ويعارضها بعض الأخبار ، ويمكن حملها على الضرورة . والسبت أيضاً الأخبار فيه متعارضة ، ولعلّ الرجحان أقوى . و كذا الجمعة ، ولعلّ المنع فيه أقوى . ثمّ جميع ذلك إنّما هو مع عدم الضرورة ، فأمّا
معها يجوز في أيّ وقت كان لا سيّما إذا قرأ آية الكرسيّ .
وهل الفصد حكمه حكم
الحجامة ؟ يحتمل ذلك ، لكنّ الظاهر الاختصاص بالفصد .
وقال الشهيد ـ رحمه الله
ـ في الدروس : يستحبّ الحجامة في الرأس ، فإنّ فيها شفاءً من كلّ داء ، وتكره الحجامة في الأربعاء والسبت خوفاً من الوضح ، إلّا أن يتبيّغ به الدم أي يهيج ، فيحتجم متى شاء ويقرأ آية الكرسيّ ويستخير الله ويصلّي
__________________
على
النبيّ وآله . وروي أنّ الدواء في الحجامة والنورة والحقنة والقيء . وروي مداواة الحمّى بصبّ الماء ، فإن شقَّ فليدخل يده في ماء بارد ـ انتهى ـ .
وقال في فتح الباري :
عند الأطبّاء أنّ أنفع الحجامة ما يقع في السّاعة الثانية أو الثالثة ، وأن لا تقع عقيب استفراغ عن حمّام أو جماع أو غيرهما ، ولا عقيب شبع
ولا جوع وقد وقع في تعيين أيّام الحجامة حديث لابن عمر في أثناء حديث « فاحتجموا على بركة
الله يوم الخميس ، واحتجموا يوم الاثنين والثلثاء ، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاۤء
والجمعة والسبت والأحد » ونقل الحلال عن أحمد أنّه كره الحجامة في الأيّام المذكورة ، و إن كان الحديث لم يثبت .
وحكي أنّ رجلاً احتجم
يوم الأربعاء فأصابه برص لتهاونه بالحديث وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنّه كان يكره الحجامة يوم الثلثاء ، وقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يوم الثلثاء يوم الدم ، وفيه
ساعة لا يرقا فيها .
وورد في عدد من الشهر
أحاديث ، منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه « من احتجم بسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاءً لكلّ داء » وقد اتّفق الأطبّاء على أنّ الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثمّ في الربع الثالث
من أرباعه أنفع من الحجامة في أوّله وآخره . وقال الموفّق البغداديّ ، وذلك أنّ الأخلاط في أوّل الشهر تهيج .
٥٥
(
باب الحمية )
١ ـ معاني
الاخبار والعيون :
عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن أحمد ، عن إسماعيل
الخراسانيّ ، عن الرضا عليهالسلام قال : ليس الحمية من الشيء تركه . إنّما
الحمية من الشيء الإقلال منه .
٢ ـ العلل
: عن محمّد بن عليّ
ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن اُورمة ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسحاق ، عن
محمّد بن الفيض ، قال : قلت : جعلت فداك ، يمرض منّا المريض فيأمره المعالجون
بالحمية قال : لا ، ولكنّا أهل البيت لا نتحمّى إلّا من التمر ،
ونتداوى بالتفّاح والماء البارد . قال قلت : ولم تحتمون من التمر ؟ قال لأنّ نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حمى عليّاً عليه السلام منه في مرضه .
الكافي :
عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الرحمان بن حمّاد ، عن محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن الفيض ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : يمرض منّا المريض ـ وذكر مثله ـ .
الطب :
عن إسحاق بن يوسف ، عن محمّد بن الفيض مثله ، وزاد في آخره : و قال : لا يضرّ المريض ما حميت عنه الطعام .
__________________
بيان :
« ما حميت عنه » أي ما حميته عنه سوى التمر ، ويحتمل أن يكون المراد بالحمية الإقلال منه كما في سائر الأخبار ، فالمراد بالحمية المنفيّة الترك مطلقاً
، فعلى الأوّل تأكيد ، وعلى الثاني تقييد .
٣ ـ المعاني
: عن أبيه ، عن محمّد
بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله بن أحمد ، عن عليّ بن جعفر بن الزبير ، عن جعفر بن إسماعيل عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته : كم يحمى المريض ؟ فقال :
ربقاً ، فلم أدر كم ربقا ؟ فقال عشرة أيّام وفي حديث آخر : أحد عشر ربقاً ، وربق صباح بكلام الروم ، عنى أحد عشر صباحاً .
بيان :
النسخ هنا مختلفة جدّاً ، ففي بعضها بالدال المهملة والباء
الموحّدة والقاف ، وفي بعضها بالياء المثنّاة التحتانيّة ، وفي بعضها بالراء المهملة ثمّ
الباء الموحّدة وفي طبّ الأئمّة بالدال ثمّ المثناة التحتانيّة ، ثمّ النون ، وليس شيء منها
مستعملاً بهذا المعنى في لغة العرب ممّا وصل إلينا ، واللغة روميّة .
٤ ـ فقه
الرضا : قال : قال العالم عليهالسلام : رأس الحمية الرفق بالبدن .
٥ ـ وروى عنه عليهالسلام أنّه قال : اثنان عليلان أبداً : صحيح محتمى ، وعليل مخلط .
٦ ـ وأروي أنّ أقصى
الحمية أربعة عشر يوماً وأنّها ليس ترك أكل الشيء ولكنّها ترك الإكثار منه .
٧ ـ الطب
: عن أحمد بن محمّد ، عن
الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن الحلبيّ قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لا تنفع الحمية بعد سبعة أيّام
.
الكافي :
عن محمّد بن يحيى عن أحمد ـ إلى قوله ـ لا تنفع الحمية لمريض
.
__________________
بيان :
حمله بعض الأطبّاء على ما إذا برىء بعد السبعة أو الأحد عشر ، وهو بعيد ويمكن حمله على الحمية الشديدة ، أو على تلك الأهوية والأمزجة .
٨ ـ الطب
: عن الحسن بن رجاء ، عن
يعقوب بن يزيد ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الحمية أحد عشر دينا ، فلا حمية .
قال : معنى قوله « ديناً » كلمة روميّة يعني أحد عشر صباحاً .
٩ ـ المكارم
: عن الرضا عليهالسلام قال : لو أنّ الناس قصروا في الطعام لاستقامت أبدانهم .
١٠ ـ وعن العالم عليهالسلام قال : الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعوّد بدناً ما تعوّد .
١١ ـ الكافي
: عن عدّة من أصحابه ،
عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام قال : ليس الحمية أن تدع الشيء أصلاً لا تأكله ، ولكنّ الحمية أن تأكل من الشيء وتخفّف
.
١٢ ـ نوادر
الراوندي :
بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّا أهل بيت ولا نحمي ولا نحتمي إلّا
من التمر .
١٣ ـ الدعائم
: عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فإنّ الله يطعمهم ويسقيهم .
__________________
٥٦
(
باب علاج الصداع )
١ ـ قرب
الاسناد : عن الحسن بن ظريف ، عن
الحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يستعط بدهن الجلجلان إذا وجع رأسه .
بيان :
قال ابن بيطار : الجلجلان هو السمسم ، وهما صنفان : أبيض ، وأسود .
٢ ـ الطب
: عن سالم بن إبراهيم ،
عن الديلميّ ، عن داود الرّقيّ قال : حضرت أبا عبد الله الصادق عليهالسلام وقد جاءه خراسانيٌّ حاجٌّ فدخل عليه
وسلّم فسأله عن شيء من أمر الدين فجعل الصادق عليهالسلام يفسّره ، ثمّ قال له : يا ابن رسول
الله ما زلت شاكياً منذ خرجت من منزلي من وجع الرأس . فقال له : قم من ساعتك هذه فادخل الحمّام فلا تبتدئنّ بشيء حتّى تصبّ على رأسك سبعة
أكفّ ماءً حارّاً وسمّ الله تعالى في كلّ مرَّة ، فإنّك لا تشتكي بعد ذلك إنشاء الله تعالى
.
٣ ـ ومنه
: عن عليّ بن الحسن
الخيّاط ، عن عليّ بن يقطين قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام أنّي أجد برداً شديداً في رأسي حتّى
إذا هبّت عليه الرياح كدتُ أن يغشى عليّ . فكتب إليّ عليك بسعوط العنبر والزنبق بعد الطعام تعافى منه بإذن الله تعالى .
__________________
بيان :
قال في القاموس الزنبق ـ كجعفر ـ دهن الياسمين وورده . وقال ابن بيطار : هو دهن الحل المرتب بالياسمين .
أقول : ويظهر من كلام
أكثر الأطبّاء أنّه الزنبق الأبيض المعروف عند العجم وقيل : هو السوسن الأبيض ، وهو خطاء ، وسيأتي تفسيره بالرازقيّ . وقال ابن بيطار : الرازقيّ هو السوسن الأبيض ، ودهنه هو دهن الرازقيّ ، ذكره أبو سهل المسيحيّ وذكر بعض من لا خبرة له أنّ الدهن الرازقيّ يتّخذ من فقّاح
الكرم الرازقيّ ، وادّعى بعضهم أنّه دهن بذر الكتان ـ انتهى ـ . ولعلّ مرادهم بالسوسن الأبيض الزنبق الأبيض .
٥٧
(
باب )
* (معالجات العين والاذن ) *
١ ـ الخصال عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد
بن أحمد الأشعريّ ، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ عن عبيد الله الدّهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد
الحميد عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال : ثلاثة يجلين
البصر : النظر إلى الخضرة ، و النظر إلى الماء الجاري ، والنظر إلى الوجه الحسن
.
٢ ـ المحاسن
: عن السيّاريّ ، عن
عمرو بن إسحاق ، عن محمّد بن صالح ، عن عبد الله بن زياد ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
السداب جيّد لوجع الاُذن
.
__________________
تأييد :
قال في القانون : السداب الرطب حارٌّ يابس في الثاني ، واليابس حارٌّ يابس في الثالثة ، واليابس السريّ حارّ يابس في الرابعة ، وعصارته المسخّنة في قشور الرمّان يقطر في الاُذن فينقّيها ، ويسكن الوجع والطنين والدويّ ، ويقتل الدود ، ويطلى به قروح الرأس ، ويحدّ البصر خصوصاً عصارته مع عصارة الرازيانج والعسل كحلاً وأكلاً ، وقد يضمد به مع السويق على ضربان العين .
٣ ـ المحاسن
: عن النوفليّ ، عن
عيسى بن عبد الله الهاشميّ ، عن إبراهيم بن عليّ الرافعيّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الكماة من نبت الجنّة ، ماؤه نافع من وجع العين .
٤ ـ ومنه
: عن النوفليّ ، عن
السكونيّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : السواك يجلو البصر .
٥ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ ، عن
عليّ بن فضّال ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : السواك يذهب بالدمعة ، ويجلو
البصر .
٦ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ ، عن
أحمد بن المحسن الميثميّ ، عن زكريّا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : عليكم بالسواك ، فإنّه يجلو
البصر .
٧ ـ الطب
: دواء لوجع الاُذن : يؤخذ
كفُّ سمسم غير مقشّر ، وكفُّ خردل يدقُّ كلُّ واحد علا حدة ، ثمّ يخلطان جميعاً ، ويستخرج دهنهما ويجعل في قارورة ويختم بخاتم حديد ، فإذا أردت شيئاً منه فقطّر منه في الأذن قطرتين ، وسدّها بقطنة
ثلاثة أيّام ، فإنّها تبرأ بإذن الله تعالى .
٨ ـ ومنه
: دواء الاُذن إذا
ضربت عليك : يؤخذ السداب ويطبخ بزيت ويقطر
__________________
فيها
قطرات ، فإنّه يسكن بإذن الله عزّ وجلّ .
بيان :
« إذا ضربت عليك » أي إذا وجعت .
٩ ـ الطب
: عن عبد الله بن
الأجلح ، عن إبراهيم بن محمّد المتطبّب ، قال : شكى رجل من الأولياء إلى بعضهم عليهمالسلام وجع الاذن وأنّه يسيل منه الدم والقيح
قال له : خذ جبناً عتيقاً أعتق ما تقدر عليه ، فدقّه دقاً ناعماً
جيّداً . ثمّ اخلطه بلبن امرأة وسخّنه بنار ليّنة ، ثمّ صبّ منه قطرات في الاذن الّتي يسيل منها الدم فإنّها تبرأ بإذن الله عزّ وجلّ .
١٠ ـ ومنه
: عن أحمد بن بشير ، عن
جعفر بن محمّد بن عبد الله الجمّال ، رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليهالسلام قال : اشتكت عين سلمان وأبي ذرّ ـ رضي
الله عنهما ـ قال : فأتاهما النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عائداً لهما ، فلمّا نظر إليهما قال
لكلّ واحد منهما : لا تنم على جانب الأيسر ما دمت شاكياً من عينيك ، ولن
تقرب التمر حتّى يعافيك الله عزّ وجلّ .
١١ ـ ومنه
: عن أحمد بن أبي عبد
الله ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي الحسن قال : قال أبو عبد الله الصادق عليهالسلام : من أخذ من أظفاره كلَّ خميس لم ترمد
عيناه ، ومن أخذها كلّ جمعة خرج من تحت كلّ ظفر داء . قال : والكحل يزيد في ضوء
__________________
البصر
، وينبت الأشفار .
١٢ ـ وعنه عليهالسلام أنّه كان يقلّم أظفاره كلّ خميس يبدأ بالخنصر الأيمن ثمّ يبدأ بالأيسر ، وقال : من فعل ذلك كان كمن أخذ أماناً من الرّمد
.
١٣ ـ ومنه
: عن أحمد بن الجارود
العبديّ ، عن عثمان بن عيسى عن ميسّر الحلبيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : السمك يذيب شحمة العين
.
١٤ ـ وعنه عليهالسلام قال : قال الباقر عليهالسلام : إنّ هذا السمك لرديء لغشاوة العين وإنّ هذا اللحم الطريّ ينبت اللّحم .
١٥ ـ ومنه
: عن الحسين بن بسطام ،
عن عبد الله بن موسى ، عن المطلّب بن زياد ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الخفّ مصحّة للبصر
.
١٦ ـ ومنه
: عن عبد الله والحسين
ابني بسطام ، عن محمّد بن خلف ، عن عمر بن توبة ، عن أبيه ، عن الصادق عليهالسلام أنّ رجلا شكى إليه بياضاً في عينه
ووجعاً في ضرسه ورياحاً في مفاصله ، فأمره أن يأخذ فلفلاً أبيض ودار فلفل ، من كلّ واحد وزن
درهمين ونشادراً جيّداً صافياً وزن درهم ، واسحقها كلّها وانخلها ، واكتحل بها في كلّ عين
ثلاثة مراود ، واصبر عليها ساعة ، فإنّه يقطع البياض ، وينقّي لحم العين ، ويسكن الوجع بإذن الله تعالى . فاغسل عينيك بالماء البارد ، واتبعه بالإثمد
.
بيان :
المرود الميل .
١٧ ـ الطب
: عن أحمد بن حبيب ، عن
نضر بن سويد ، عن جميل بن صالح ، عن ذريح ، قال : شكى رجل إلى أبي جعفر الباقر عليهالسلام بياضاً في عينه ، فقال : خذ توتيا هندي جزءً واقليمياء الذهب جزءً وإثمد جيّداً جزءً وليجعل معها جزءاً من الهليلج الأصفر ، وجزءاً من اندراني ، واسحق كلّ واحد منهما عليحدة بماء
__________________
السماء
، ثمّ اجمعه بعد السحق فاكتحل به ، فإنّه يقطع البياض ، ويصفّي لحم العين وينقّيه من كلّ علّة بإذن الله عزّ وجلّ .
١٨ ـ ومنه
: عن الحسن بن اُورمة ،
عن عبد الله بن المغيرة . عن بزيع المؤذّن قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
إنّي اُريد أن أقدح
عيني ، فقال لي : استخر الله وافعل قلت : هم يزعمون أنّه ينبغي للرّجل أن ينام على ظهره كذا وكذا ولا يصلّي قاعداً فقال : افعل .
١٩ ـ كشف
الغمة : من كتاب الحافظ عبد
العزيز ، عن جميل بن درّاج ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فدخل عليه بكير بن أعين وهو أرمد ، فقال
له أبو عبد الله عليه السلام : الظريف يرمد ؟! فقال : وكيف يصنع ؟ قال إذا غسل يده من الغمر
مسحها على عينه ، قال : ففعلت ذلك فلم أرمد .
بيان :
« الظريف يرمد » استفهام انكاريّ والظريف الكيّس ، والظرف البراعة وذكاء القلب والحذق ذكرها الفيروز آبادي .
٢٠ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن رجل قال : دخل رجل على أبي عبد الله عليهالسلام وهو يشتكي عينه ، فقال له : أين أنت عن
هذه الأجزاء الثلاثة : الصبر ، والكافور ، والمرّ ؟ ففعل الرجل ذلك ، فذهب عنه
.
الطب :
عنه عليهالسلام مرسلاً مثله
.
بيان :
الصبر من الأدوية المشهورة للعين عند الأطبّاء أكلاً وكحلاً . قال في القانون : ينقّي الفضول الصفراويّة الّتي في الرّأس وينفع من قروح العين وجربها
__________________
وأوجاعها
، ومن حكّة المأق ويجفّف رطوبتها . وقال في الكافور : يقع في أدوية الرمد الحارّ . وقال : المرّ يملأ قروح العين ، ويجلو بياضها ، وينفع من خشونة الأجفان ، ويحلّل المدّة في العين بغير لدغ ، وربّما حلّل الماء في ابتداء نزوله
إذا كان رقيقاً .
٢١ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ لنا فتاة كانت ترى الكوكب مثل
الجرّة . قال : نعم ، وتراه مثل الحبّ ! قلت : إنّ بصرها ضعيف ، فقال : اكحلها بالصبر والمرّ
والكافور ، أجزاءً سواءً . فكحلناها به فنفعها .
بيان :
« وتراه » أي بعد ذلك إن لم تعالج ، أو أنّها ترى في الحال كذلك .
٢٢ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن داود بن محمّد ، عن محمّد بن الفيض ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كنت عند أبي جعفر ـ يعني أبا
الدوانيق ـ فجاءه خريطة ، فحلّها ونظر فيها ، فأخرج منها شيئاً فقال : يا أبا عبد الله أتدري ما هذا
؟ قلت : ما هو ؟ قال : هذا شيء يؤتى به من خلف إفريقية من طنجة أو طينة ـ شكَّ محمّد
قلت : ما هو ؟ قال : جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد ، وهو جيّد للبياض يكون في العين يكتحل بهذا فيذهب بإذن الله عزّ وجلّ . قلت : نعم ، أعرفه ، وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله . قال : فلم يسألني عن اسمه .
قال : وما حاله ؟ فقلت
: هذا جبل كان عليه نبيٌّ من أنبياۤء بني إسرائيل هارباً من قومه يعبد الله عليه ، فعلم به قومه فقتلوه وهو يبكي على ذلك النبيّ ، وهذه
القطرات من بكائه ، وله من الجانب الآخر عين ينبع من ذلك الماء بالليل والنهار ، ولا يوصل إلى تلك العين .
__________________
توضيح :
قال الفيروز اباديّ ، الإفريقيّة بلاد واسعة قبالة الأندلس . وقال : طنجة بلد بساحل بحر المغرب . وقال : الطينة بلد قرب دمياط .
وأقول :
كأنّه المعروف بالدّهنج المنسوب إلى الإفرنج . في بعض الكتب : دهنج أنواع كثيرة : الأخضر الشديد الخضرة ، والموسى يحدّ عليه ، وعلى لون ريش الطاوس والكمد . ونسبة الدهنج إلى النحاس كنسبة الزبرجد إلى الذهب ، وهو حجر يصفو بصفاء الجوّ وينكدر بكدورته .
ومن عجيب خواصّه أنّه
إذا سقي إنسان من محكوكه يفعل فعل السمّ ، وإن سقي شارب السمّ نفعه ، وإن لدغ إنسان فمسح الموضع به سكن وجعه ويسحق بالخلّ ويطلى به القوابي فإنّه يذهب بها . وقيل : ينفع من خفقان القلب ، ويدخل في أدوية العين ، يشدّ أعصابها ، وإذا طلى بحكاكته بياض البرص أزاله ، وإن علّق على إنسان تغلبه قوَّة الباه .
٢٣ ـ الكافي
: عن عليّ بن إبراهيم ،
عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم مولى عليّ بن يقطين ، أنّه كان يلقى من عينيه أذى ، قال : فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام ابتداءً من عنده : ما يمنعك من كحل أبي جعفر عليهالسلام : جزء كافور رباحيّ وجزء صبر أسقوطرّي ، يدقّان جميعاً وينخلان بحريرة ، يكتحل منه مثل ما يكتحل من الإثمد . الكحلة في الشهر تحدر كلّ داء في الرّأس وتخرجه من البدن . قال : وكان يكتحل به ، فما اشتكى عينه حتّى مات .
بيانٌ :
قال في القاموس : الرباحيّ جنس من الكافور وقول الجوهريّ : الرّباح دويّبة يجلب منها الكافور خلف ، وأصلح في بعض النسخ وكتب « بلد » بدل
__________________
دويبة
، وكلاهما غلط ، لأنّ الكافور صمغ شجر يكون داخل الخشب ، ويتخشخش فيه إذا حُرّك فينشر ويستخرج وقال : اُسقطري جزيرة ببحر الهند على يسار الجائي من بلاد الزنج ، والعامّة تقول « سُقوطرة » يجلب منها الصبر ودم الأخوين وقال : الإثمد ـ بالكسر ـ حجر الكحل .
أقول :
وزعم الأطبّاء أنّ الكافور أصناف : قيصوريّ ، ورباحيّ ، والازاد ، والاسفرك الأزرق ، وأجوده القيصوريّ ، ثمّ الرباحيّ الأبيض الكبار . وقالوا : الصبر أجوده السقوطرّي ، وقلب السين بالصاد للتعريب .
« قال » أي ابن أبي
عمير « وكان يكتحل » أي سليم .
٢٤ ـ دعوات
الراوندي :
قال الصادق عليهالسلام : الكحل عند النوم أمان من الماء وقال : إنّ الرجل إذا صام زالت عيناه وبقي مكانهما ، فإذا أفطر عادتا إلى مكانهما .
بيان :
لعلّ الغرض أنّ الصوم ممّا يضعف البصر في أثنائه لكن لا يضرّ بأصل النور بل يعود عند الإفطار .
٢٥ ـ الدعائم
: عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نهى أن يحتمي المريض إلّا من التمر في الرمد ، فإنّه نظر إلى سلمان يأكل تمراً وهو رمد ، فقال : يا سلمان ، أتأكل
التمر وأنت رمد ! إن لم يكن بدٌّ فكل بضرسك اليمنى إن رمدت بعينك اليسرى وبضرسك اليسرى إن رمدت بعينك اليمنى .
٢٦ ـ وعنه
صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نهى أن يكتحل إلّا وتراً وأمر
بالكحل عند النوم ، وأمر بالاكتحال بالإثمد ، وقال : عليكم به ، فإنّه مذهبة للقذى ، مصفّاة للبصر .
٢٧ ـ وعن عليّ عليهالسلام أنّه قال : الكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين .
قال زيد بن عليّ بن
الحسين : صفة ذلك أن يأخذ كمأة فيغسلها حتّى ينقّيها ثمّ يعصرها بخرقة ويأخذ ماءها ، فيرفعه على النار حتّى ينعقد ، ثمّ يلقي فيه
قيراطاً من مسك ، ثمّ يجعل ذلك في قارورة ويكتحل منه من أوجاع العين كلّها فإذا جفّ فاسحقه بماء السماء أو غيره ، ثمّ اكتحل منه .
٢٨ ـ المحاسن
: عن محمّد بن عليّ ، عن
محمّد بن الفضيل ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الكمأة من المنّ والمنّ من الجنّة ، وماؤها شفاء للعين .
الكافي :
عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عليّ مثله .
الطب :
عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن يونس بن ظبيان عن جابر الجعفيّ عن الباقر عن أبيه عن جدّه عليهمالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مثله .
بيان :
مضمون هذا الخبر مروي في روايات العامّة من صحاحهم وغيرها بأسانيد فمنها ما رووه عن سعيد بن زيد قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : الكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء العين . وفي بعضها : الكمأة من المنّ الّذي أنزل الله على بني إسرائيل ، وماؤها
شفاء للعين .
وعن أبي هريرة قال :
كنّا نتحدّث على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الكمأة جدريّ الأرض ، فنمى الحديث إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : الكمأة من المنّ ، و ماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنّة وهو شفاء من السمّ .
وعن أبي هريرة قال : أخذت
ثلاثة أكماۤء أو خمساً أو سبعاً فعصرتهنّ ، فجعلت ماءهنّ في قارورة كحلت به جارية لي فبرأت .
وقال الجزريّ في قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم « من المنّ » : أي هي ممّا من الله به
على عباده . وقيل : شبّهها بالمنّ وهو العسل الحلو الّذي ينزل من السماء عفواً بلا علاج ، و كذلك الكمأة لا مؤنة فيها ببذر ولا سقى ، وقال : الكمأة واحدها كموء على غير قياس ، وهي من النوادر ، فإنّ القياس العكس .
__________________
وفي القاموس : الكموء
نبات معروف ، والجمع أكموء وكمأة أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكموء للجمع ، أو هي تكون واحدة وجمعاً ـ انتهى ـ . وقيل : هو شيء أبيض مثل شحم ينبت من الأرض ، يقال له شحم الأرض .
وقال النوريّ في شرح
حديث أبي هريرة : شبّه الكمأة بالجدريّ وهو الحبّ الّذي يظهر في جسد الصبيّ لظهورها من بطن الأرض كما يظهر الجدريّ من باطن الجلد ، واُريد ذمّها فمدحها صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّها من المنّ ، ومعناه أنّها من منّ
الله [ تعالى ] وفضله على عباده . وقيل : شبّهت بالمنّ الّذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل لأنّه كان يحصل لهم بلا كلفة ولا علاج ولا زرع ولا بذر ولا سقي ولا غيره .
وقيل : هي من المنّ
الّذي أنزل الله على بني إسرائيل حقيقة ، عملاً بظاهر اللّفظ .
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « وماؤها شفاء للعين » قيل هو نفس الماء مجرّداً قيل : معناه
أن يخلط ماؤها بدواء يعالج به العين .
وقيل إن كان لتبريد
ما في العين من حرارة فماؤها مجرّداً شفاء ، وإن كان غير ذلك فمركّباً مع غيره ، والصحيح بل الصواب أنّ ماءها مجردا شفاء للعين مطلقاً ، فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه . وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان أعمى وذهب بصره حقيقة ، فكحل عينه بماء الكمأة مجرّداً فشفى وعاد إليه بصره ـ انتهى ـ .
وأقول :
قال الشيخ في القانون : ماؤه كما هو يجلو العين ، مرويّاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، واعترافاً عن مسيح الطبيب وغيره ـ انتهى
ـ .
وقال ابن حجر : قال
الخطابيّ : إنّما اختصّت الكمأة بهذه الفضيلة لأنّها من الحلال المحض الّذي ليس في اكتسابه شبهة ، ويستنبط منه أنّ استعمال الحلال المحض يجلو البصر ، والعكس بالعكس .
قال ابن الجوزيّ : في
المراد بكونها شفاءً للعين قولان : أحدهما ماؤها حقيقة
إلّا
أنّ أصحاب هذا القول اتّفقوا على أنّه لا يستعمل صرفاً في العين ، لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين :
أحدهما أنّه يخلط في
الأدوية الّتي يكتحل بها . حكاه أبو عبيد . قال ويصدّق هذا الّذي حكاه أبو عبيد أنّ بعض الأطبّاء قالوا : أكل الكمأة يجلو البصر .
وثانيهما أن يؤخذ
فيشقّ ويوضع على الجمر حتّى يغلي ماؤها، ثمّ يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشقّ وهو فاتر ، فيكتحل بمائها ، لأنّ النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة وتبقي النافع منه ، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع .
وقد حكى إبراهيم
الجرفيّ عن صالح وعبد الله ابني أحمد بن حنبل أنّهما اشتكت أعينهما ، فأخذا كمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما ورمدا .
قال ابن الجوزيّ : وحكى
شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي أنّ بعض الناس عصر ماء كمأة فاكتحل به فذهبت عينه .
والقول الثاني أنّ
المراد ماؤها الّذي ينبت به ، فإنّه أوّل مطر يقع في الأرض فتربّى به الأكحال . قال ابن التميم : وهذا أضعف الوجوه .
قلت : وفيما ادّعاه
ابن الجوزيّ من الاتّفاق على أنّها لا تستعمل صرفاً نظر فحكى عياض عن بعض أهل الطبّ في التداوي بماء الكمأة تفصيلاً ، وهو : إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة ، وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركّبة .
وبهذا جزم ابن العربيّ
فقال : الصحيح أنّه ينفع بصورته في حال ، وبإضافته في اُخرى ، وقد جرّب ذلك فوجد صحيحاً . نعم جزم الخطابيّ بما قال ابن الجوزيّ فقال : يربّى بها التوتيا وغيرها من الأكحال ، ولا يستعمل صرفاً فإنّ ذلك يؤذي العين .
__________________
وقال العافقيّ في
المفردات : ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به ، فإنّه يقوّي الجفن ، ويزيد الروح الباصرة حدّةً وقوةً ويدفع عنها النوازل .
ثمّ ذكر ما مرّ من
كلام النوريّ ، ثمّ قال : وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوّة اعتقاد في صحّة الحديث والعمل به .
وقال ابن التميم . اعترف
فضلاء الأطبّاء بأنّ ماء الكمأة يجلو العين ، منهم المسيحيّ وابن سينا وغيرهما . والّذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أنّ الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضارّ ثمّ عرضت لها الآفات باُمور اُخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب الّتي أرادها الله تعالى ، فالكمأة
في الأصل نافعة لما اختصّت به من وصفها بأنّها من الله ، وإنّما عرضت لها المضارّ بالمجاورة واستعمال كلّ ما وردت به السنّة بصدق ينتفع به من يستعمله ، ويدفع الله عنه الضرر لنيّته ، والعكس بالعكس ، والله أعلم .
٥٨
(
باب )
* ( معالجة الجنون والصرع والغشى واختلال الدماغ )
*
١ ـ الطب
: عن محمّد بن جعفر بن
مهران ، عن أحمد بن حمّاد ، عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه وصف بخور
مريم لاُمّ ولد له ، وذكر أنّه نافع لكلّ شيء من قبل الأرواح من المسّ والخبل والجنون والمصروع والمأخوذ وغير ذلك ، نافع مجرَّب بإذن الله تعالى . قال : تأخذ لباناً ، وسندروساً ، وبزاق الفم ، وكور
سندي وقشور الحنظل ، وحزاء برّيّ ، وكبريتاً أبيض ، وكسرت
داخل المقل وسعد يمانيّ ، ويكثر فيه مرّ ، وشعر قنفذ ملتوت بقطران شاميّ قدر ثلاث قطرات يجمع ذلك كلّه وتصنع بخوراً ، فإنّه جيّد نافع إنشاء الله
.
بيان :
اللبان ـ بالضمّ ـ : الكندر والسندروس يشابه الكهرباء ، وهو صمغ حارّ يابس في الثانية قابض ، يحبس الدم بالخاصيّة ، والتدخين به يجفف النواصير ويمنع النوازل ، وينفع من الخفقان كالكهرباء ، ودخانه ينفع البواسير .
__________________
وفي بعض النسخ « وسندا
» وفسّر بالعود الهنديّ ، والّذي وجدته في الكتب أنّ « سندهان » هو العود .
« وبزاق الفم » وفي
بعض النسخ « وبزاق القمر » فالمراد بصاق القمر .
قال ابن بيطار : بصاق
القمر ويسّمى أيضاً رغوة القمر وزبد القمر ، وهو الحجر القمريّ .
قال : وزعم قوم أنّه
حجر يقال له بزاق القمر ، لأنّه يؤخذ بالليل في زيادة القمر ، وقد يكون ببلاد المغرب ، وهو حجر أبيض له شفيف ، وقد يحمل هذا الحجر ويسقى ما يحكّ مَن به صرع ، وقد تلبسه النساء مكان التعويذ ، وقد يقال : [ إنّه ] إذا
علّق على الشجر ولد فيها الثمر .
والكور : المقل ، وفي
بعض النسخ « وكوز سندي » فالمراد إمّا الجوز الهنديّ أعني ، جوزبوّا ، أو النّارجيل ، يقال له : الجوز الهنديّ ، أو جوز جندم دواء معروف .
« وحزاء برّيّ » قال
ابن بيطار الحزاة اسم لنبته جزريّة الورق إلى البياض ما هي ، أصلها أبيض جزريّ الشكل إلى الطول ما هو .
وقال الغافقيّ : ورقها
نحو من ورق السداب ، وقيل إنّه سداب البرّ . وقال الطبريّ : شبيه بالسداب في صورته وقوّته وقال ابن دريد : الحزاة بقلة ورقها مثل ورق الكرفس ، ولها أصل كالجزر ـ انتهى ـ .
وفي بعض النسخ « مرّا
برّياً » والمرّ صمغ معروف عند الأطبّاء بكثرة المنافع أكلاً وطلاءً وتدخيناً موصوف . وكذا المقل . « وكسرت داخل المقل » أي تأخذ من وسطه .
وفي بعض النسخ « وتكسره
داخل المقل » أي تكسر الكبريت أو كلّ واحد من المذكورات فيه ، وهو بعيد .
وقال ابن بيطار : السعد
له ورق شبيه بالكراث ، غير أنّه أطول منه وأدقّ وأصلب ، وله ساق طولها ذراع أو أكثر ، واُصوله كأنّها زيتون ، منه طوال ، ومنه
مدوّر
متشبّك بعضه ببعض ، سود طيّب الرائحة ، فيها مرارة . وأجود السعد منه ما كان ثقيلاً كثيفاً غليظاً عسر الرضّ خشناً طيّب الرائحة مع شيء من حدّة ـ انتهى ـ .
وقال بعضهم : يحرق
الدم ، ويطيّب النكهة ، ويدمل الجراحات ، وينفع من عفن الأنف والفم والقلاع واسترخاء اللثة ، ويزيد في الحفظ ، ويسخّن المعدة والكبد ويخرج الحصاة ، وينفع من البواسير ، والحمّيات العفنة .
قوله « ويكثر فيه مرّا
» في بعض النسخ بالسين ، وفي بعضها بالثاۤء المثلّثة ، وهو أظهر . وكأن المراد بشعر القنفذ شوكه . وقال الفيروز آباديّ : القطران ـ بالفتح والكسر وكظربان ـ عصارة الأبهل .
وقال بعض الأطبّاء : هو
دمعة شجرة تسمّى « الشربين » حارّ يابسة في الرابعة يقوّي اللحم الرخوة ، ويحفظ جثّة الميّت ، وينفع سيّما دهنه من الجرب حتّى جرب ذوات الأربع والكلاب والجمل ويقتل القمل ـ انتهى ـ .
وأقول :
كان في الخبر تصحيف وتحريف كثير ، صحّحناه من النسخ المتعدّدة وبقي بعد فيه شيء .
٢ ـ تفسير
الامام : في حديث اليونانيّ
الّذي أتى أمير المؤمنين عليهالسلام فرأى منه معجزات غريبة حتّى غشي عليه فقال عليهالسلام صبّوا عليه ماءً ، فصبّوا عليه فأفاق .
٥٩
(
باب )
* ( معالجات علل سائر أجزاء الوجه والاسنان والفم )
*
١ ـ العيون
: عن أحمد بن عليّ
الثعالبيّ ، عن عبد الله بن عبد الرحمان المعروف بالصفوانيّ قال : خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان ، فقطع اللصوص عليهم الطريق وأخذوا منهم رجلاً اتّهموه بكثرة المال ، فبقي في أيديهم مدّة يعذّبونه ليفتدي
منهم نفسه ، وأقاموه في الثلج ، فشدّوه وملاؤا فاه من ذلك الثلج ، فرحمته امرأة من
نسائهم فأطلقته وهرب ، فانفسد فمه ولسانه حتّى لم يقدر على الكلام ، ثمّ انصرف إلى خراسان وسمع بخبر عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام وأنّه بنيشابور ، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلاً يقول له : إنّ ابن رسول الله قد ورد خراسان فسله عن علّتك دواءً
تنتفع به .
قال فرأيت كأنّي قد
قصدته عليهالسلام وشكوت إليه ما كنت وقعت فيه ، وأخبرته بعلّتي ، فقال لي : خذ الكمون والسعتر والملح ودقّه وخذ منه في فمك مرّتين أو
ثلاثاً فإنّك تعافى .
فانتبه الرجل من
منامه ولم يفكّر فيما كان رأى في منامه ولا اعتدّ به حتّى ورد باب نيسابور ، فقيل له : إنّ عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد ، فوقع في نفس الرجل أن يقصده ويصف له أمره ليصف له ما ينتفع به من الدواء ، فقصده إلى رباط سعد فدخل إليه ، فقال [ له ] : يا ابن رسول الله ، كان من أمري كيت وكيت ، وقد انفسد عليّ فمي ولساني حتّى لا أقدر على الكلام إلّا بجهد ، فعلّمني دواءً أنتفع به .
فقال عليهالسلام : ألم اُعلّمك ! اذهب فاستعمل ما وصفته في منامك فقال له الرّجل
يا ابن رسول الله ، إن رأيت أن تعيده عليّ فقال عليهالسلام خذ من الكمون والسعتر والملح
فدقّه
وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثاً . فإنّك ستعافى . قال الرجل : فاستعملت ما وصفه لي ، فعوفيت .
قال أبو حامد أحمد
الثعالبيّ : سمعت الصفوانيّ يقول : رأيت هذا الرجل و سمعت منه هذه الحكاية .
توصيف :
في القانون : الكمون منه كرمانيّ ، ومنه فارسيّ ، ومنه شاميّ ومنه نبطيّ . والكرمانيّ أسود اللون ، والفارسيّ أصفر اللون ، والفارسيّ أقوى من الشاميّ ، والنبطيّ هو الموجود في سائر المواضع . ومن الجميع برّيّ وبستانيّ ، والبرّي أشدّ حراقة ، ومن البرّي صنف يشبه بزره بزر السوسن ، حارّ في الثانية ، يابس في الثالثة ، يطرد الرياح ويحلّل ، فيه تقطيع وتجفيف ، وفيه قبض ، يدمل الجراحات خصوصاً البرّيّ الّذي يشبه بزره بزر السوسن إذا حشيت به الجراحات .
وقال : السعتر حارّ
يابس في الثالثة ، محلّل مفش ملطف ، يمضع فيسكن وجع السنّ .
وقال : الملح حارّ
يابس في الثانية أكّال للّحوم الزّائدة ، ويشدّ اللثة المسترخية خصوصاً الأندراني وهو الّذي كالبلّور .
٢ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن يعقوب بن يزيد ، رفعه قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : من ذرّ على [ أوّل ] لقمة من طعامه
الملح ذهب عنه بنمش الوجه .
بيان :
في القاموس : النمش ـ محرّكة ـ : نقط بيض وسود تقع
في الجلد تخالف لونه .
٣ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
عليّ بن الحسن بن عليّ ، عن أحمد بن الحسين بن عمر ، عن عمّه محمّد بن عمر ، عن رجل عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال :
__________________
قال
: من استنجى بالسعد بعد الغائط وغسل به فمه بعد الطعام لم تصبه علّة في فمه ، ولا يخاف شيئاً من أرياح البواسير .
٤ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : أخذني العبّاس بن موسى فأمر فوجىء فمي فتزعزعت أسناني ، فلا أقدر أن أمضغ الطعام . فرأيت أبي في المنام ومعه شيخ لا أعرفه ، فقال أبي : سلّم عليه
فقلت : يا أبه ، من هذا ؟ فقال : هذا أبو شيبة الخراسانيّ .
قال : فسلّمت عليه ، فقال
لي : ما لي أراك هكذا ؟ قال : فقلت : إنّ الفاسق عبّاس بن موسى أمر بي فوجىء فمي ، فتزعزعت أسناني . فقال لي : شدّها
بالسعد فأصبحت فتمضمضت بالسعد ، فسكنت أسناني .
بيان :
في القاموس : وجأه باليد والسكّين ـ كوضعه ـ : ضربه . وقال : الزعزعة : تحريك الريح الشجرة ونحوها ، أو كلّ تحريك شديد .
٥ ـ الكافي
: عن محمّد ، عن أحمد ،
عن ابن محبوب ، عن أبي ولّاد ، قال : رأيت أبا الحسن عليهالسلام في الحجر وهو قاعد ومعه عدّة من أهل
بيته ، فسمعته يقول : ضربت عليّ أسناني ، فأخذت السعد فدلكت به أسناني ، فنفعني ذلك وسكنت عنّي
.
٦ ـ العلل
: عن أحمد بن محمّد بن
عيسى العلويّ ، عن محمّد بن أسباط ، عن أحمد بن محمّد بن زياد القطّان ، عن أبي الطيب أحمد بن محمّد بن عبد الله ، عن عيسى بن
جعفر العلويّ ، عن عمر بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بمدينة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : مرّ أخي عيسى عليهالسلام بمدينة وإذا وجوههم صفر ، وعيونهم زرق ، فصاحوا إليه وشكوا ما بهم من العلل ، فقال لهم : [ أنتم ] دواؤه معكم ، أنتم إذا أكلتم اللحم
طبختموه
__________________
غير
مغسول ، وليس يخرج شيء من الدنيا إلّا بجنابة . فغسلوا بعد ذلك لحومهم فذهبت أمراضهم .
وقال : مرّ أخي عيسى
بمدينة وإذا أهلها أسنانهم منتثرة ، ووجوههم منتفخة فشكوا إليه ، فقال : أنتم إذا نمتم تطبقون أفواهكم فتغلى الريح في الصدور حتّى
تبلغ إلى الفم فلا يكون لها مخرج فترجع إلى اُصول الأسنان فيفسد الوجه ، فإذا نمتم فافتحوا شفاهكم وصيّروه لكم خُلقاً . ففعلوا فذهب ذلك عنهم
.
٧ ـ الطب
: روي عن أبي الحسن
الماضي عليهالسلام قال : ضربت عليَّ أسناني فجعلت عليها السعد . وقال : خلُّ الخمر يشدّ اللثة . وقال : تأخذ حنظلة وتقشّرها وتستخرج دهنها ، فإن كان الضرس مأكولا متحفّراً تقطر فيه قطرتين
من الدهن . واجعل منه في قطنة ، واجعلها في اُذنك الّتي تلي الضرس ثلاث ليال ، فإنّه يحسم ذلك
إنشاء الله تعالى .
بيان :
في القانون : السعد أصل نبات يشبه الكراث والزرع أيضاً ، إلّا أنّه أدقُّ وأطول في أكثر البلدان ، إلّا أنّ الجيّد منه هو الكوفيُّ ، ينفع من عفن
الأنف والفم والقلاع واسترخاۤء اللثة ـ انتهى ـ .
وقيل : المراد بخلّ
الخمر هو ما جعل بالعلاج خلّاً أو كلّ خلّ كان أصله خمراً ، إن أمكن الاستحالة خلّاً بدون الاستحالة خمراً ، كما يدّعى ذلك كثيراً . قال
في القاموس : الخلّ ما حمض من عصير العنب وغيره ، وأجوده خلّ الخمر ، مركّب من جوهرين : حارّ وبارد ، نافع للمعدة واللثة والقروح الخبيثة والحكّة ونهش الهوامّ وأكل الافيون وحرق النار وأوجاع الأسنان ، وبخار حارّة للاستسقاء وعسر السّمع والدويّ والطنين ـ انتهى ـ .
والظاهر أنّ المراد
بخلّ الخمر خلّ خمر العنب ، فإنّ الخمر تطلق غالباً
__________________
عليها
. وقال صاحب « بحر الجواهر » : خلّ الخمر هو أن يعصر الخمر ويصفّى ويجعل على كلّ عشرة أرطال من مأة رطل من خلّ العنب جيد ، ويجعل في خزف مقيّر في الشمس ـ انتهى ـ .
وهذا معنى غريب ، وإعمال
الحنظل سيأتي مفصّلاً ، وكأنّه سقط منه شيء .
٨ ـ الكافي
: عن أحمد بن محمّد
الكوفيّ ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال عن محمّد بن عبد الحميد ، عن الحكم بن مسكين ، عن حمزة بن الطيّار ، قال : كنت عند
أبي الحسن الأوّل ، فرآني أتأوّه فقال : ما لك ؟ قلت : ضرسي . فقال : احتجم فاحتجمت فسكن ، فأعلمته
فقال لي : ما تداوى الناس بشيء خير من مصّة دم أو مزعة عسل . قال : قلت جعلت فداك ، ما المزعة عسل ؟ قال : لعقة عسل
.
بيان :
المذكور في كتب الرجال هو أنّ حمزة بن الطيّار مات في حياة الصادق عليه السّلام وترحّم عليه ، فروايته عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام لعلّها كانت في حياة والده عليهالسلام .
وقال الجوهري : المزعة
ـ بالضمّ والكسر ـ قطعة لحم ، يقال : ما عليه مزعة لحم ، وما في الإناء مزعة من الماء ، أي جرعة .
٩ ـ الكافي
: عن عدّة من أصحابه ،
عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن سليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال سمعت أبا الحسن [ موسى ] عليهالسلام يقول : دواء الضرس ، تأخذ حنظلة فتقشّرها ثمّ تستخرج دهنها ، فإن كان الضرس مأكولاً منحفراً تقطر فيه قطرات . وتجعل منه في قطن شيئاً ، وتجعل في جوف الضرس ، وينام صاحبه مستلقياً ، يأخذه ثلاث ليال . فإن كان الضرس لا أكل فيه وكانت ريحاً قطر في الاُذن
الّتي تلي ذلك الضرس ثلاث ليالٍ كلّ ليلة قطرتين أو ثلاث قطرات ، يبرأ بإذن الله .
قال : وسمعته يقول ـ لوجع
الفم والدم الّذي يخرج من الأسنان والضربان
__________________
والحمرة
الّتي تقع في الفم : يأخذ حنظلة رطبة قد اصفرّت ، فيجعل عليها
قالباً من طين ، ثمّ يثقب رأسها ويدخل سكّيناً جوفها ، فيحكّ جوانبها برفق ، ثمّ يصبّ عليها خلّ خمر حامضاً شديد الحموضة ثمّ يضعها على النار ، فيغليها غلياناً شديداً ،
ثمّ يأخذ صاحبه كلّ ما احتمل ظفره ، فيدلك به فيه ويتمضمض بخلّ وإن أحبّ أن يحوّل ما في الحنظلة في زجاجة أو بُستوقة فعل ، وكلّما فنى خلّه أعاد مكانه ، وكلّما عتق
كان خيراً له إنشاء الله تعالى .
بيان :
« ثمّ يستخرج دهنها » دهنها معروف ، يخرج بوضعها في الشمس ، ونحو ذلك . قوله عليهالسلام « منحفراً » أي حدثت فيه حفرة . وقال
الجوهريّ : تقول : في أسنانه حفر ، وقد حفرت تحفر حفراً ، إذا فسدت اُصولها . قوله « فيجعل عليها قالباً من طين
» أي يطلى جميعها بالطين لئلّا تفسدها النار إذا وضعت عليها ، ولا يخرج منها شيء إذا
حصل فيه خرق أو ثقبة .
وفي القانون : الحنظل
المختار منه هو الأبيض الشديد البياض اللّين ، وينبغي أن لا يجتنى ما لم تأخذ في الصفرة ولم ينسلخ الخضرة بتمامها ، وإلّا فهو ضارٌّ رديء ،
حارٌّ في الثالثة يابس ، نافع لأوجاع العصب والمفاصل وعرق النسا والنقرس البارد ، ينقّي
الدماغ ويطبخ أصله مع الخلّ ويتمضمض به لوجع الأسنان ، أو يقوّر
ويرمى بما فيه ويطبخ الخلّ فيه في رماد حارّ ، وإذا طبخ في الزيت كان ذلك الزيت قطوراً نافعاً من
الدويّ في الاُذن ، ويسهّل قلع الأسنان .
__________________
٦٠
(
باب علاج دود البطن )
١ ـ العيون
: عن محمّد بن عليّ بن
الشاه عن أبي بكر بن عبد الله النيسابوري عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائيّ ، عن أبيه ، عن الرضا عليهالسلام . وعن أحمد بن إبراهيم الخوزيّ ، عن إبراهيم بن مروان ، عن جعفر بن محمّد بن زياد ، عن أحمد
بن عبد الله الهرويّ عنه عليهالسلام . وعن الحسين بن محمّد الاشنانيّ العدل
، عن عليّ بن مهرويه القزوينيّ ، عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهمالسلام قال : كلوا خلّ الخمر ، فإنّه يقتل الديدان في البطن .
٢ ـ وبهذا الاسناد
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كلوا التمر على الريق ، فإنّه يقتل الديدان في البطن .
قال الصدوق : يعني
بذلك كلّ التمور إلّا البرنيّ ، فإنّ أكله على الريق يورث الفالج .
صحيفة الرضا : عنه عليهالسلام مثل الخبرين
.
٣ ـ المحاسن
: عن أبى القاسم
ويعقوب بن يزيد معا عن زياد ، بن مروان عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام من أكل سبع تمرات عجوة عند مضجعه
قتلن الدود في بطنه .
__________________
٤ ـ الطب
: عن الحسن بن عبد
الله ، عن فضالة ، عن محمّد بن مسلم بن يزيد السكونيّ ، عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام : من أكل سبع تمرات عجوة عند مضجعه قتلن الدود في بطنه .
٥ ـ وعنه عليهالسلام أنّه قال : اسقه خلّ الخمر ، فإنّ خلّ الخمر يقتل دوابّ البطن .
٦ ـ وعن أمير
المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : كل العجوة ، فإنّ تمرة
العجوة تميتها وليكن على الريق .
٦١
(
باب )
* ( علاج دخول العلق منافذ البدن ) *
١ ـ الخرائج
: رووا أنّ تسعة إخوة
أو عشرة في حيّ من أحياء العرب كانت لهم اُخت واحدة ، فقالوا لها : كلُّ ما يرزقنا الله نطرحه بين يديك ، فلا ترغبي في
التزويج فحميّتنا لا تحمل ذلك . فوافقتهم في ذلك ورضيت به وقعدت في خدمتهم وهم يكرمونها . فحاضت يوماً فلمّا طهرت أرادت الاغتسال وخرجت إلى عين ماء كانت بقرب حيّهم فخرجت من الماء علقة ، فدخلت في جوفها وقد جلست في الماء ، فمضت عليها الأيّام والعلقة تكبر ، حتّى علت بطنها ، وظنّ الإخوة أنّها حبلى وقد خانت ، فأرادوا قتلها .
فقال بعضهم : نرفع
أمرها إلى أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام فإنّه يتولّى ذلك . فأخرجوها إلى حضرته وقالوا فيها ما ظنّوا بها ، واستحضر عليٌّ عليهالسلام طستاً مملوّاً
__________________
بالحمأة
، وأمرها أن تقعد عليه ، فلمّا أحسّت العلقة رائحة الحمأة نزلت من جوفها ـ الخبر ـ .
٢ ـ وأقول قد روى جمٌّ
غفير من علمائنا منهم شاذان بن جبرئيل ، ومن المخالفين منهم أسعد بن إبراهيم الأردبيليّ المالكيّ ، بأسانيدهم عن عمّار بن ياسر
وزيد بن أرقم ، قالا : كنّا بين يدي أمير المؤمنين عليهالسلام وإذا بزعقة عظيمة ، وكان على دكّة القضاء ، فقال : يا عمّار ، ائت بمن على الباب . فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمل وهي تشتكي وتصيح : يا غياث المستغيثين ، إليك توجّهت وبوليّك توسّلت ، فبيّض وجهي ، وفرّج عنّي كربتي . قال عمّار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة ، وقوم لها ، وقوم عليها . فقلت : أجيبوا أمير المؤمنين عليهالسلام
فنزلت المرأة ، ودخل
القوم معها المسجد ، واجتمع أهل الكوفة ، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال : سلوني ما بدا لكم يا أهل الشام . فنهض
من بينهم شيخ وقال : يا مولاي !
هذه الجارية ابنتي قد
خطبها ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين عشيرتي لأنّها عاتق حامل ، فاكشف هذه الغمّة . فقال عليهالسلام : ما تقولين يا جارية ؟ قالت : يا مولاي أمّا قوله إنّي عاتق صدق ، وأمّا قوله إنّي حامل فو حقّك يا مولاي
ما علمت من نفسي خيانة قطّ . فصعد عليهالسلام المنبر وقال : عليَّ بداية الكوفة ! فجاءت
امرأة تسمّى « لبناء » وهي قابلة نساء أهل الكوفة فقال لها : اضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري هذه الجارية عاتق حامل أم لا . ففعلت ما أمر
عليهالسلام به
__________________
ثمّ
خرجت وقالت : نعم ، يا مولاي هي عاتق حامل . فقال عليهالسلام : من منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة ؟ قال أبو الجارية : الثلج في بلادنا كثير ، ولكن لا
نقدر عليها ههنا .
قال عمّار : فمدّ يده
من أعلى منبر الكوفة وردّها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها ، ثمّ قال : يا داية ، خذي هذه القطعة من الثلج ، واخرجي بالجارية من المسجد ، واتركي تحتها طستاً ، وضعي هذه القطعة ممّا يلي الفرج ، فسترى
علقة وزنها سبعمائة وخمسون درهماً ! ففعلت ورجعت بالجارية والعلقة إليه عليهالسلام
وكانت كما قال عليهالسلام .
ثمّ قال عليه السّلام
لأبي الجارية : خذ ابنتك ، فو الله ما زنت ولكن دخلت الموضع الّذي فيه الماء ، فدخلت هذه العلقة ، وهي بنت عشر سنين ، وكبرت إلى الآن في بطنها .
والروايات طويلة
مختلفة الألفاظ ، اقتصرنا منها على موضع الاتفاق والحاجة . والروايتان تدلّان على أنّ العلق إذا دخل شيئاً من منافذ البدن يمكن إخراجها بإدناء الحمأة والثلج إلى الموضع الّذي هي فيه .
٦٢
(
باب )
* ( علاج ورم الكبد وأوجاع الجوف والخاصرة ) *
١ ـ الطب
: عن عبد الله والحسين
ابني بسطام ، قالا : أملى علينا أحمد بن رياح المتطبّب هذه الأدوية ، وذكر أنّه عرضها على الإمام فرضيها في وجع الخاصرة . قال : تأخذ أربعة مثاقيل فلفل ، ومثله زنجبيل ، ومثله دار فلفل ، وبربخ ، وبسباسة ،
و دارچيني من كلّ واحد مقداراً واحداً ـ يعني أربعة مثاقيل ـ ومن الزبد
الصافي الجيّد خمسة وأربعين مثقالاً ، ومن السكّر الأبيض ستّة وأربعين مثقالاً ، يدقّ وينخل
بخرقة أو بمنخل شعر صفيق ، ثمّ يعجن بزنة جميعه مرّتين بعسل منزوع الرغوة . فمن شربه للخاصرة فليشرب وزن ثلاثة مثاقيل ، ومن شربه للمشي فليشرب وزن سبعة مثاقيل أو ثمانية مثاقيل بماء فاتر ، فإنّه يخرج كلّ داء بإذن الله ، ولا يحتاج مع هذا
الدواء إلى غيره فإنّه يجزيه ويغنيه عن سائر الأدوية ، وإذا شربه للمشي وانقطع مشيه
فليشرب بعسل فإنّه جيّد مجرّب .
بيان :
في القاموس : البربخ ـ كهرقل ـ دواء معروف يسهل البلغم . قوله « للمشي » أي للإسهال .
٢ ـ الكافي
: عن عدّة من أصحابه ،
عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن حسان عن موسى بن بكر ، قال : اشتكى غلام إلى أبي الحسن عليهالسلام فسأل عنه فقيل . إنّ به طحالاً ، فقال : أطعموه الكرّاث ثلاثة أيّام ، فأطعموه إيّاه ،
فقعد الدم ثمّ برىء .
__________________
بيان :
في القاموس : فقعد الدم أي سكن . وكأنّ طحاله كان من طغيان الدم فقد يكون منه نادراً ، وإنّهم ظّنوا أنّه الطحال فأخطأوا ، أو المعنى : انفصل عنه الدم عند البراز . قال في النهاية : فيه « نهى أن يقعد على القبر » قيل : أراد
القعود لقضاء الحاجة من الحدث .
٣ ـ المكارم
: قال الصادق عليهالسلام : اشربوا الكاشم لوجع الخاصرة
.
٤ ـ القصص
: بإسناده إلى الصدوق ،
بإسناده عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبي أبا عبد الله عليهالسلام : هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟
قال : نعم ، ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره ، ويصيبه وجع الصغار في كبره ، ويصيبه
المرض . وكان إذا مسّه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار قال لاُمّه : ابغي لي عسلاً وشونيزاً وزيتاً فتعجني به ، ثمّ ائتني به . فأتته به ، فأكرهه ، فتقول :
لم تكرهه وقد طلبته ؟ فقال هاتيه ، نعتّه بعلم النبوّة ، وأكرهته لجزع الصبي ويشمُّ الدواء ، ثمّ يشربه بعد ذلك .
٥ ـ المحاسن
: عن أبيه ، عن ابن
أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عبيد الله بن صالح الخثعميّ ، قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام وجع الخاصرة فقال : عليك بما يسقط من الخوان فكله . ففعلت ذلك فذهب عنّي .
قال إبراهيم : قد كنت
أجد في الجانب الأيمن والأيسر ، فأخذت ذلك فانتفعت به .
٦ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ ، عن
إبراهيم بن مهزم ، عن ابن الحرّ قال : شكا رجل إلى أبي عبد الله عليهالسلام ما يلقى من وجع الخاصرة ، فقال : ما
يمنعك من أكل ما يقع من الخوان ؟
__________________
٧ ـ ومنه
: عن القاسم بن يحيى ،
عن جدّه الحسن ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كلوا الكمّثرى ، فإنّه يجلو
القلب ، ويسكن أوجاع الجوف بإذن الله تعالى .
٨ ـ الطب
: عن محمّد بن جعفر
البرسيّ ، عن محمّد بن يحيى الأرمنيّ ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اشربوا الكاشم ، فإنّه جيّد لوجع الخاصرة .
٩ ـ ومنه
: عن أحمد بن يزيد ، عن
الصحّاف الكوفيّ . عن موسى بن جعفر عن الصادق عن الباقر عليهالسلام قال : شكى إليه رجل من أوليائه وجع
الطحال وقد عالجه بكلّ علاج وأنّه يزداد كلَّ يوم شرّاً حتّى أشرف على الهلكة ، فقال : اشتر بقطعة فضّة كرّاثاً واقله قلياً جيّداً بسمن عربيّ وأطعم من به هذا الوجع ثلاثة أيّام ، فإنّه
إذا فعل ذلك برىء إنشاء الله تعالى .
__________________
٦٣
(
باب )
* ( علاج البطن والزحير ووجع المعدة وبرودتها
ورخاوتها ) *
١ ـ المحاسن
: عن أبيه ، عن ابن
سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أصابني بطَن ، فذهب لحمي وضعفت عليه ضعفاً شديداً ، فاُلقي في روعي أن آخذ الأرز فأغسله ثمّ أقليه وأطحنه ، ثمّ أجعله حسا ، فنبت عليّ لحمي وقوي عليه عظمي .
فلا يزال أهل المدينة
يأتون فيقولون : يا با عبد الله ، متّعنا بما كان يبعث العراقيّون إليك ، فبعثت إليهم منه .
بيان :
البطن ـ محرّكة ـ داء البطن . وقلاه : أنضجه في المقلى . وحسا المرق : شربه شيئاً بعد شيء كتحسّاه واحتساه ، واسم ما يتحسّى الحسيّة والحسا . ذكره الفيروز آباديّ . وقال الجوهريّ : الحسوّ ـ على فعول ـ : طعام معروف ، وكذلك الحساء ـ بالفتح والمدّ ـ .
٢ ـ المحاسن
: عن أبيه ، عن النضر ،
عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن مروان قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام وبه بطن ذريع ، فانصرفت من عنده عشيّة
وأنا من أشفق الناس عليه .
فأتيته من الغد
فوجدته قد سكن ما به ، فقلت له : جعلت فداك ، قد فارقتك عشيّة أمس وبك من العلّة ما بك ، فقال : إنّي أمرت بشيء من الأرز ، فغسل وجفّف ودقّ ثمّ استففته فاشتدّ بطني
.
__________________
بيان :
الذريع السريع .
٣ ـ المحاسن
: عن عثمان بن عيسى عن
خالد بن نجيح ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : وجع بطني ، فقال لي أحد : خذ الأرز فاغسله ثمّ جفّفه في الظلّ ، ثمّ
رضّه وخذ منه راحة كلَّ غداة . وزاد فيه إسحاق الجريريُّ : تقليه قليلاً
.
بيان :
رواه في الكافي عن العدّة ، عن البرقيّ ، عن عثمان ، عن ابن نجيح قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام وجع بطني ، فقال لي : خذ الأرز ـ وذكر
مثله إلى قوله ـ وزاد فيه إسحاق الجريريّ تقليه قليلاً وزن أوقية واشربه
.
[ بيان ] : الرضّ الدقّ ، أو الدقّ غير الناعم . وفي الصحاح : الأوقية في
الحديث أربعون درهماً ، وكذلك كان فيما مضى ، فأمّا اليوم فيما يتعارفه الناس ويقدر عليه الأطبّاء فالأوقية عندهم عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم .
٤ ـ المحاسن
: عن ابن سليمان الحذّاء
، عن محمّد بن الفيض ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فجاءه رجل فقال له : إنّ ابنتي قد ذبلت
وبها البطن ، فقال ما يمنعك من الأرز بالشحم ؟ خذ حجاراً أربعاً أو خمساً واطرحها تحت النار ، واجعل الأرز في القدر واطبخه حتّى يدرك ، وخذ شحم كلى طريّاً ، فإذا بلغ الأرز فاطرح الشحم في قصعة مع الحجارة ، وكبّ عليها قصعة اُخرى ، ثمّ حرّكها تحريكاً شديداً ، واضبطها
[ كي ] لا يخرج بخاره ، فإذا ذاب الشحم فاجعله في الأرز ، ثمّ تحساه
.
بيان :
قال في بحر الجواهر في منافع الأرز : إذا صنع في دقيقه حسو رقيق وبولغ في طبخه مع شحم كلى ماعز نفع من السجج ، وهو مجرّب .
__________________
٥ ـ المحاسن
: عن أبيه ، عن ابن
أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : مرضت مرضاً شديداً فأصابني بطن
فذهب جسمي ، فأمرت بأرز فقلي ثمّ جعلته سويقاً ، فكنت آخذه ؛ فرجع إليّ جسمي
.
٦ ـ الطب
: عن بشير بن عبد
الحميد الأنصاريّ ، عن الوشّاء ، عن محمّد بن فضيل عن الثماليّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهالسلام أنّ رجلاً شكى إليه الزحير فقال له : خذ من الطين الأرمنيّ ، واقله بنار ليّنة ، واستفَّ منه ، فإنّه يسكن عنك .
٧ ـ وعنه عليهالسلام أنّه قال في الزحير : تأخذ جزءً من خربق
أبيض ، وجزءً من بزر قطونا ، وجزءً من صمغ عربيّ ، وجزءاً من الطين الأرمنيّ يقلى بنار ليّنة ويستفّ منه .
بيان :
يدلّ على جواز التداوي بالطين الأرمنيّ ، والمشهور تحريمه إلّا عند الضرورة وانحصار الدواء فيه ، فإنّ المشهور حينئذ الجواز ، بل قيل بالوجوب ، وقيل بالمنع من التداوي بالحرام مطلقاً ، والمسألة لا تخلو من إشكال .
٨ ـ وروى الشيخ في
المصباح عن محمّد بن جمهور العمّي ، عن بعض أصحابه ؛ قال : سئل جعفر بن محمّد عليهماالسلام عن الطين الأرمنيّ يؤخذ للكسير ، أيحلّ
أخذه ؟ قال لا بأس به ، أما إنّه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين بن عليّ عليهماالسلام
خير منه
.
__________________
ورواه الطبرسيّ ـ ره ـ
في المكارم مرسلاً عنه عليهالسلام : وفيه : يؤخذ للكسير و المبطون .
٩ ـ الطب
: عن أحدهم عليهمالسلام لوجع المعدة وبرودتها وضعفها قال : يؤخذ خيار شنبر مقدار رطل ، فينقّى ثمّ يدقّ وينقع في رطل من ماء يوماً وليلة ، ثمّ يصفّى ويطرح ثفله ، ويجعل مع صفوه رطل من عسل ، ورطلان من أفشرج السفرجل وأربعون مثقالاً من دهن الورد ، ثمّ يطبخ بنار ليّنة حتّى يثخن ، ثمّ ينزل القدر عن النار ويترك حتّى يبرد ، فإذا برد جعل فيه الفلفل ودار فلفل وقرفة القرنفل وقرنفل وقاقلة وزنجبيل ودارچيني وجوزبوّا ، من كلّ واحد ثلاث مثاقيل مدقوق منخول .
فإذا جعل فيه هذه
الأخلاط عجن بعضها ببعض وجعل في جرّة خضراء ، الشربة منه وزن مثقالين على الريق مرّة واحدة ، فإنّه يسخن المعدة ، ويهضم الطعام ، و يخرج الرياح من المفاصل كلّها بإذن الله تعالى .
١٠ ـ الطب
: عن إسماعيل بن
القاسم المتطبّب الكوفيّ ، عن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسحاق بن الفيض ، قال : كنت عند الصادق عليهالسلام فجاءه رجل من الشيعة فقال له : يا ابن رسول الله ، إنّ ابنتي ذابت ، ونحل جسمها وطال سقمها ، وبها بطن ذريع . فقال الصادق عليهالسلام : وما يمنعك من هذا الأرز بالشحم
المبارك ؟ إنّما حرّم الله الشحوم على بني إسرائيل لعظم بركتها أن تطعمها حتّى يمسح الله ما بها لعلّك تتوهّم أن تخالف لكثرة ما عالجت .
قال : يا ابن رسول
الله ، وكيف أصنع به ؟ قال : خذ أحجاراً أربعة فاجعلها تحت النار ، واجعل الأرز في القدر واطبخه حتّى يدرك ، ثمّ خذ شحم كليتين
__________________
طريّاً
، واجعله في قصعة ، فإذا بلغ الأرز ونضج فخذ الأحجار الأربعة فألقها في القصعة الّتي فيها الشحم ، وكبّ عليها قصعة اُخرى ، ثمّ حرّكها تحريكاً شديداً ولا يخرجنّ بخاره ، فإذا ذاب الشحم فاجعله في الأرز لتحساه ، لا حارّاً ولا بارداً
فإنّها تعافى بإذن الله عزّ وجل .
فقال الرجل المعالج :
والله الّذي لا إله إلّا هو ، ما أكلته إلّا مرّة واحدة حتّى عوفيت .
١١ ـ ومنه
: عن يوسف بن يعقوب
الزعفرانيّ ، عن عليّ بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب ، قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام وكنت أخدمه في وجعه الّذي كان فيه ـ وهو الزحير ـ : ويحك يا يونس ، أعلمت أنّي اُلهمت في مرضي أكل الأرز فأمرت به فغسل ثمّ جفّف ثمّ قلي ثمّ رضّ فطبخ فأكلته بالشحم ، فأذهب الله بذلك الوجع عنّي .
١٢ ـ الطب
: أيّوب بن عمر ، عن
محمّد بن عيسى ، عن كامل ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفيّ ، قال : شكى رجل إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام مغصاً كاد يقتله وسأله أن يدعو الله عزّ وجلّ له ، فقد أعياه كثرة ما يتّخذ له من الأدوية ، وليس
ينفعه ذلك بل يزداد غلبة وشدّة .
قال فتبسّم عليهالسلام وقال : ويحك ، إنّ دعاءنا من الله بمكان ، وإنّي
أسأل الله أن يخفّف عنك بحوله وقوّته ، فإذا اشتدّ بك الأمر والتويت منه فخذ جوزة واطرحها على النار حتّى تعلم أنّها قد اشتوى ما في جوفها وغيّرته النار ، قشّرها وكلها ، فإنّها تسكن من ساعتها .
قال : فو الله ما
فعلت ذلك إلّا مرّة واحدة ، فسكن عنّي المغص ، بإذن الله عزّ وجلّ .
__________________
بيان :
في القاموس : المغص ـ ويحرَّك ـ : وجع في البطن .
١٣ ـ الطب
: عن أحمد بن محارب ، عن
صفوان بن عيسى ، عن عبد الرحمان بن الجهم ، قال : شكى ذريح المحاربيّ قراقر في بطنه إلى أبي عبد الله عليهالسلام فقال : أتوجعك ؟ قال : نعم ، قال : ما يمنعك من الحبّة السوداء والعسل لها
.
١٤ ـ العياشي
: عن أبي عبد الله بن
القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام
قال : جاء رجل إلى أمير
المؤمنين عليهالسلام فقال يا أمير المؤمنين ، لي
وجع في بطني . فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : لك
زوجة ؟ قال : نعم ، قال : استوهب منها طيّبة به نفسها من مالها ، ثمّ اشتر به عسلاً ثمّ اسكب عليه من ماء السماء ثمّ اشربه ، فإنّي
أسمع الله يقول في كتابه : « وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا » وقال : « يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ » وقال تعالى : « فَإِن
طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا » شفيت إنشاء الله . قال : ففعل ذلك فشفي .
١٥ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
غير واحد ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عمرو بن إبراهيم ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام وشكوت إليه ضعف معدتي ، فقال : اشرب الحزاءة بالماء البارد . ففعلت ، فوجدت منه ما اُحبّ
.
__________________
بيان :
الحزاءة نبت بالبادية يشبه الكرفس إلّا أنّه أعرض ورقاً ، ويسمّى بالفارسيّة بيوزا .
١٦ ـ الكافي
: عن عدّة من أصحابه ،
عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمران ، قال : كان بأبي عبد الله عليهالسلام وجع البطن ، فأمر أن يطبخ له الأرز ويجعل عليه السماق ، فأكله فبرىء
.
١٧ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
بعض أصحابنا ، عن عليّ بن حسان ، عن عبد الرحمان بن كثير ، قال : مرضت بالمدينة واُطلق
بطني فقال لي أبو عبد الله عليهالسلام
وأمرني أن آخذ سويق
الجاورس وأشربه بماء الكمون ، ففعلت فأمسك بطني وعوفيتُ .
بيان :
قال ابن بيطار : قال الرازيّ : الجاورس والدخن والذرّة فإنّها عاقلة للطبيعة ، مجفّفة للبدن ، ولذلك ينتفع بها حيث يراد عقل الطبيعة . وقال : ديسفوريدس : هو أقلّ غذاء من سائر الحبوب الّتي يعمل منها الخبز ، وإذا عمل منه خبز عقل البطن وأدرّ البول ، وإذا قلي وكمد به حارّاً نفع من المغص وغيره من الأوجاع ـ انتهى ـ .
وأقول لعلّ ضمّ
الكمون لدفع غائلة الجاورس وثقله ولتقويته للمعدة وتحليله للنفخ ، مع أنّه قد ذكر بعض الأطبّاء أنّ الجاورس قد يليّن ، ويدفع ذلك ببعض الأبازير .
١٨ ـ الكافي
: عن العدّة ، عن سهل ،
عن ابن فضّال ، عن ثعلبة عن حمران
__________________
قال
: كان بأبي عبد الله عليهالسلام وجع البطن فأمر أن يطبخ له الأرز ويجعل
عليه السماق فأكله فبرىء .
اقول :
سيأتي ما يناسب الباب في باب الأرز .
٦٤
(
باب )
* ( الدواء لاوجاع الحلق والرئة والسعال والسل ) *
١ ـ الطب
: عن جعفر بن محمّد بن
إبراهيم ، عن أحمد بن بشارة ، قال : حججت فأتيت المدينة ، فدخلت مسجد الرسول ، فإذا أبو إبراهيم جالس في جانب البئر ، فدنوت
فقبّلت رأسه ويديه وسلّمت عليه ، فردّ عليَّ السلام وقال : كيف أنت من علّتك ؟ قلت
: شاكياً بعد ـ وكان بي السلّ ـ فقال : خذ هذا الدواء بالمدينة قبل أن تخرج إلى مكّة
فإنّك توافيها وقد عوفيتَ بإذن الله تعالى .
فأخرجت الدواة
والكاغذ وأملى علينا : يؤخذ سنبل وقاقلة وزعفران و عاقر قرحا وبنج وخربق وفلفل أبيض أجزاء بالسويّة ، وأبرفيون جزئين ، يدقّ
وينخل بحريرة ، ويعجن بعسل منزوع الرغوة ويسقى صاحب السلّ منه مثل الحمّصة بماء مسخن عند النوم . وإنّك لا تشرب ذلك إلّا ثلاث ليال حتّى تعافى منه بإذن الله
تعالى . ففعلت ، فدفع الله عنّي فعوفيت بإذن الله تعالى .
بيان :
المراد بالبنج بزره أو ورقه قبل أن يعمل ويصير مسكراً ، وقد يقال : إنّه نوع آخر غير ما يعمل منه المسكر . قال ابن بيطار في جامعه : بنج هو السيكران بالعربيّة قال ديقوريدس : له قضبان غلاظ ، وورق عراض صالحة الطول ، مشقّقة
__________________
الأطراف
إلى السواد عليها زغب ، وعلى القضبان ثمر ، شبيه بالجلنار في
شكله متفرّق في طول القضبان واحد بعد واحد ، كلُّ واحد منها مطبق بشيء شبيه بالترس وهذا الثمر ملاۤن بزر شبيه ببزر الخشخاش . وهو ثلاثة أصناف :
منه ما له دهن لونه
إلى لون الفرفير ، وورق شبيه بورق النبات الّذي يقال له عين اللوبيا ، وورق أسود ، وزهره شبيه بالجلنار مشوك . ومنه ما له زهر لونه شبيه بلون التفّاح ، وورقه وزهره ألين من ورق وحمل الصنف الأوّل ، وبزر لونه إلى الحمرة شبيه ببزر النبات الّذي يقال له « أروسمين » وهو التوذري . وهذان الصنفان يجنّنان ويسبّتان ، وهما رديّان لا منفعة فيهما في أعمال
الطبّ .
وأمّا الصنف الثالث
فإنّه ينتفع به في أعمال الطبّ ، وهو ألينها قوّة وأسلسها ، وهو ألين في المجسّ وفيه رطوبة تدبق
باليد ، وعليه شيء فيما بين الغبار والزغب ، وله زهر أبيض ، وبزر أبيض ، وينبت في القرب من البحر ، وفي الخرابات . فإن لم يحضر هذا الصنف فليستعمل بدله الصنف الّذي بزره أحمر .
وأمّا الصنف الّذي
بزره أسود فينبغي أن يرفض ، لأنّه شرّها . وقد يدقّ الثمر مع الورق والقضبان كلّها رطبة ، وتخرج عصارتها وتجفّف في الشمس . وإنّما تستعمل نحو من سنة فقط لسرعة العفونة إليها ، وقد يؤخذ البزر على حدته وهو يابس ، يدقّ ويرشّ عليه ماء حارّ في الدقّ وتخرج عصارته . وعصارة هذا النبات هي أجود من صمغه ، وأشدّ تسكيناً للوجع ، وقد يدقّ هذا النبات ويخلط بدقيق الحنطة وتعمل منه أقراص وتخزن . قال : وإذا أكل البنج أسبت وخلط الفكر مثل الشوكران من الطلا .
__________________
وقال الرازيّ : يعرض
لمن شرب البنج سكر شديد ، واسترخاء الأعضاء ، وزبد يخرج من الفم ، وحمرة في العين .
وقال عيسى بن عليّ : من
شرب من بزر البنج الأسود درهمين قتله ، ويعرض لشاربه ذهاب العقل ، وبرد البدن كلّه ، وصفرة اللون ، وجفاف اللسان ، وظلمة في العين ، وضيق نفس شديد ، وشبيه بالجنون ، وامتناع الكلام .
وقال جالينوس : أمّا
البنج الّذي بزره أسود فهو يحرّك جنوناً أو سباتاً ، والّذي بزره أيضاً أحمر حمرة معتدلة هو قريب من هذا في القوّة ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يتوقّاهما جميعاً ويحذرهما ويجانبهما مجانبة من لا ينتفع به وأمّا البنج الأبيض
البزر والزهرة فهو أنفع الأشياء في علاج الطبّ ، وكأنّه في الدرجة الثالثة من درجات الأشياء الّتي تبرد ـ انتهى ـ .
و « أبرفيون » معرّب «
فربيون » ويقال له « فرفيون » . قالوا : هو صمغ المازربون حارُّ يابس في الرابعة ، وقيل : يابس في الثالثة ، الشربة منه قيراط إلى دانق ، يخرج
البلغم من الوركين والظهر والأمعاء ، ويفيد عرق النسا والقولنج .
٢ ـ الطب
: عن أحمد بن صالح ، عن
محمّد بن عبد السلام ، قال : دخلت مع جماعة من أهل خراسان على الرضا عليهالسلام فسلّمنا عليه فردّ ، وسأل كلّ واحد
منهم حاجة فقضاها ، ثمّ نظر إليّ فقال لي : وأنت تسأل حاجتك ؟
فقلت : يا ابن رسول
الله ، أشكو إليك السعال الشديد . فقال : أحديث أم عتيق ؟ قلت : كلاهما . قال : خذ فلفلاً أبيض جزءً ، وأبرفيون جزءين ، وخربقا أبيض جزء واحداً ، ومن السنبل جزءً ، ومن القاقلة جزءاً واحداً ، ومن الزعفران جزءاً ومن البنج جزءً ، وينخل بحريرة ويعجن بعسل منزوع الرغوة مثل
وزنه ، وتتّخذ
__________________
للسعال
العتيق والحديث منه حبّة واحدة بماء الرازيانج عند المنام ، وليكن الماء فاتراً لا بارداً ، فإنّه يقلعه من أصله .
٣ ـ الكافي
: عن عليّ بن إبراهيم ،
عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة : قال : شكى رجل إلى أبي عبد الله عليهالسلام السعال وأنا حاضر ، فقال له : خذ في راحتك شيئاً من كاشم ، ومثله من سكّر فاستفّه يوماً أو يومين . قال ابن اُذينة : فلقيتُ
الرجل بعد ذلك فقال : ما فعلته إلّا مرّة حتّى ذهب
.
بيان :
الكاشم : الأنجدان الروميّ ، ذكره الفيروز اباديّ . وقال الأطبّاء : إنّه حارٌّ يابس في الثالثة وكأنّه كان سعاله بلغميّاً بارداً ، مع أنّه يمكن أن
يكون ليبسه ، بمنع انصباب الأخلاط إلى الرئة . وقال في القانون : ينفع من الدُّبيلات الباطنة .
٤ ـ الطب
: عن الكلابيّ البصريّ
، عن عمر بن عثمان البزّاز ، عن النضر بن سويد ، عن محمد بن خالد ، عن الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما وجدنا لوجع الحلق مثل حسو اللّبن .
٥ ـ ومنه
: عن أحمد بن محمّد بن
خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام قلت : يا ابن رسول الله ، إنّه يصيبني
ربو شديد إذا مشيت حتّى لربما جلست في مسافة ما بين داري ودارك في موضعين . فقال : يا مفضّل ، اشرب
له أبوال اللقاح . قال : فشربت ذلك ، فمسح الله دائي
.
بيان :
قال الجوهريّ : الربو النفس العالي . وقال اللقاح ـ بالكسر ـ : الإبل بأعيانها ، الواحدة لقوح ، وهي الحلوب .
__________________
٦٥
(
باب الزكام )
١ ـ الطب
: عن سعيد بن منصور ، عن
زكريّا بن يحيى المزنيّ ، عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : شكوت إليه الزكام ، فقال : صنع
من صنع الله ، وجند من جند الله ، بعثه الله إلى علّة في بدنك ليقلعها ،
فإذا قلعها فعليك بوزن دانق شونيز ، ونصف دانق كندس ، يدقّ وينفخ في الأنف ، فإنّه يذهب بالزكام . وإن أمكنك أن لا تعالجه بشيء فافعل ، فإنّ فيه منافع كثيرة
.
بيان :
الكندس بالفارسيّة بالشين المعجمة ، قال في القاموس : الكندس عروق نبات ، داخله أصفر وخارجه أسود ، مقيّىء ومسهّل جلّاء للبهق ، وإذا سحق ونفخ في الأنف عطس وأنار البصر الكليل وأزال العشا ـ انتهى ـ .
وقال ابن البيطار : شجرته
ـ فيما يقال ـ شبيهة بالكنكر . وقال بذيغورس : خاصيّته قطع البلغم والمرّة السوداء الغليظة ويحلّل الرياح من الخياشيم .
وقال حبيش بن الحسن :
في الحرارة من أوّل الدرجة الرابعة ، وفي اليبوسة من آخر الدرجة الثالثة ، هو دواء شديد الحرارة ، وشربه خطر عظيم .
وقال ماسرجويه : الكندس
حديد الطعم ، وإذا سحق ونفخ في الأنف هيّج العطاس ، وإذا شرب منه مقدار ما ينبغي قيّأ الإنسان جدّاً .
وقال الكنديّ : كان
أبو نصر لا يبصر القمر ولا الكوكب بالليل فاستعط بمثل عدسة كندس بدهن بنفسج ، فرأى الكوكب بعض الرؤية في أوّل ليلة ، وفي الثالثة برىء تامّاً ، وجرَّبه غيره فكان كذلك ، وهو جيّد للعشا جدّاً .
٢ ـ الطب
: عن عليّ بن الخليل ،
عن عبد العزيز بن حسّان ، عن حمّاد ، عن
__________________
حريز
، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال لمؤدّب أولاده : إذا اُزكم
أحد من أولادي أعلمني . فكان المؤدّب يعلمه فلا يردّ عليه شيئاً ، فيقول المؤدّب أمرتني أن اُعلمك
بهذا ، فقد أعلمتك فلم تردَّ عليّ شيئاً . قال : إنّه ليس من أحد إلّا وبه عرق من
الجذام فإذا هاج دفعه الله بالزكام .
٣ ـ المكارم
: روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : الزكام جند من جنود الله عزّ وجلّ يبعثه على الداء فينزله إنزالاً .
٤ ـ وروي في الزكام
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : تأخذ دهن بنفسج في قطنة فاحتمله في سفلتك عند منامك ، فإنّه نافع للزكام إن شاء الله تعالى
.
٥ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الزكام جند من جنود الله عزّ وجلّ يبعثه على الداء فيزيله .
٦ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
موسى بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الحميد بإسناده رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من أحد من ولد آدم إلّا وفيه عرقان : عرق في رأسه يهيّج الجذام ، وعرق في بدنه يهيّج البرص
.
فإذا هاج العرق الّذي
في الرأس سلّط الله عزّ وجلّ عليه الزكام حتّى يسيل ما فيه من الداء ، وإذا هاج العرق الّذي في الجسد سلّط الله عليه الدماميل حتّى يسيل ما فيه من الداء ، فإذا رأى أحدكم به زكاماً ودماميل ، فليحمد الله جلّ وعزّ على العافية . وقال : الزكام فضول في الرأس .
٧ ـ دعوات
الراوندي :
قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ما من إنسان إلّا وفي رأسه عرق
__________________
من
جذام فيبعث الله عليه الزكام فيذيبه ، فإذا وجد أحدكم فليدعه ولا يداويه حتّى يكون
الله يداويه .
٨ ـ الكافي
: عن العدّة ، عن سهل
بن زياد ، عن بكر بن صالح ، والنوفليّ وغيرهما يرفعونه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يتداوى من الزكام ويقول : ما من أحد إلّا وبه عرق من الجذام ، فإذا أصابه الزكام قمعه
.
٩ ـ الخصال
: عن أحمد بن زياد
الهمدانيّ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهمالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا تكرهوا أربعة فإنّها لأربعة :
الزكام فانّه أمان من الجذام ولا تكرهوا الدماميل فإنّها أمان من البرص ، ولا تكرهوا الرمد فإنّه أمان من العمى
ولا تكرهوا السعال فإنّه أمان من الفالج .
أقول :
قال في النهاية : فيه « الحزاءة تشربها أكايس النساء للطشّة » هي داء يصيب الناس كالزكام ، سمّيت طشّة لأنّه إذا استنثر
صاحبها طشّ كما يطشّ المطر وهو الضعيف القليل منه .
__________________
٦٦
(
باب )
* ( معالجة الرياح الموجعة ) *
١ ـ الطب
: عن جعفر بن جابر الطائيّ
، عن موسى بن عمر بن يزيد ، عن عمر بن يزيد ، قال : كتب جابر بن حيّان الصوفيّ إلى أبي عبد الله عليهالسلام فقال : يا ابن رسول الله ، منعتني ريح شابكة شبكت بين قرني إلى قدمي ، فادع الله لي . فدعا
له وكتب إليه : عليك بسعوط العنبر والزنبق على الريق تعافى منها إنشاء الله . ففعل
ذلك فكأنّما نشط من عقال .
٢ ـ ومنه
: عن أحمد بن إبراهيم
بن رياح ، قال : حدّثنا الصباح بن محارب قال : كنت عند أبي جعفر ابن الرضا عليهماالسلام فذكر أنّ شبيب بن جابر ضربته الريح
الخبيثة فمالت بوجهه وعينه .
فقال : يؤخذ له
القرنفل خمسة مثاقيل ، فيصير في قنينة يابسة ويضمّ رأسها ضمّاً شديداً ، ثمّ تطيّن وتوضع في الشمس قدر يوم في الصيف ، وفي الشتاء قدر يومين
ثمّ يخرجه فيسحقه سحقاً ناعماً ثمّ يديفه بماء المطر حتّى يصير بمنزلة الخلوق ثمّ يستلقي على قفاه ويطلي ذلك القرنفل المسحوق على الشقّ المائل ، ولا يزال
مستلقياً حتى يجفّ القرنفل ، فإنّه إذا جفّ رفع الله عنه وعاد إلى أحسن عاداته
__________________
بإذن
الله تعالى . قال فابتدر إليه أصحابنا فبشّروه بذلك فعالجه بما أمره به ، فعاد إلى أحسن ما كان بعون الله تعالى .
بيان :
في القاموس القنينة كسكينة إناء زجاج للشراب .
٣ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن بكر بن صالح قال : سمعت أبا الحسن الأوّل عليهالسلام يقول : من الريح الشابكة والحام والأبردة
في المفاصل تأخذ كفَّ حلبة وكفَّ تين يابس تغمرهما بالماء وتطبخهما في قدر نظيفة ، ثمّ تصفّي ثمّ تبرد ثمَّ تشربه يوماً وتغبّ يوماً ، حتّى تشرب تمام أيّامك قدر قدح
رومي .
توضيح :
كأن المراد بالشابكة الريح الّتي تحدث فيما بين الجلد واللحم فتشبك بينهما ، أو الريح الّتي تحدث في الظهر وأمثاله شبيهة بالقولنج فلا يقدر الإنسان أن يتحرّك . و « الحام » لم نعرف له معنى ، وكأنّه بالخاء المعجمة أي
البلغم الخام الّذي لم ينضج ، أو المراد الريح اللّازمة من حام الطير على الشيء أي دوّم .
« والأبردة » قال الفيروز آباديّ : هي برد في الجوف وقال في النهاية : بكسر الهمزة
والراء علّة معروفة من غلبة البرد والرطوبة يفتر عن الجماع .
وفي القانون : الحلبة
حارّ في آخر الاُولى ، يابس في الاُولي ، ولا تخلو عن رطوبة غريبة منضجة مليّنة ، يحلّل الأورام البلغميّة والصلبة ، ويليّن الدبيلات وينضجها ، ويصفّي الصوت ، ويليّن الصدر والحلق ، ويسكن السعال والربو خصوصاً إذا طبخ بعسل أو تمر أو تين ، والأجود أن يجمع مع تمر لجيم ويؤخذ عصيرهما فيخلط بعسل كثير ويثخن على الجمر تثخيناً معتدلاً ويتناول قبل الطعام بمدّة طويلة . وطبيخها
بالخلّ ينفع ضعف المعدة ، وطبيخها بالماء جيّد للزحير والإسهال .
__________________
٦٧
(
باب )
* ( علاج تقطير البول ووجع المثانة والحصاة ) *
١ ـ الطب
: عن محمّد بن إبراهيم
العلويّ ، عن فضالة ، عن محمّد بن أبي نصر عن أبيه ، قال : شكى عمرو الأفرق إلى الباقر عليهالسلام تقطير البول ، فقال : خذ
الحرمل واغسله بالماء
البارد ستّ مرّات وبالماء الحارّ مرّة واحدة ، ثمّ يجفّف في الظلّ ، ثمّ يلتّ بدهن حلّ خالص ، ثمّ يستفّ على الريق سفّاً ، فإنّه
يقطع التقطير باذن الله تعالى .
بيان :
قال ابن بيطار : الحرمل أبيض وأحمر ، فالأبيض هو الحرمل العربيّ ويسمّى باليونانيّة مولى ، والأحمر هو الحرمل العاميّ ويسمّى بالفارسيّة الإسفند .
قال جالينوس : قوّته لطيفة حارّة في الدرجة الثالثة ، ولذلك صار يقطع الأخلاط اللزجة ويخرجها بالبول . وقال مسيح الدمشقيّ : يخرج حبّ القرع من البطن وينفع من القولنج وعرق النساء ووجع الورك إذا نطل بمائه ويجلو ما في الصدر والرئة من البلغم اللزج ويحلّل الرياح العارضة في الأمعاء . وقال الرازيّ : يدرّ الطمث والبول .
وقال حبيش : يقيّىء
ويسكر مثل ما يسكر الخمر أو قريباً من ذلك ، يؤخذ من حبّه خمسة عشر درهماً فيغسل بالماء العذب مراراً ، ثمّ يجفّف ويدقّ في الهاون
__________________
وينخل
بمنخل ضيّق ، ويصبّ عليه من الماء المغليّ أربع أواقي ، ويساط في الهاون بعود ، ويصفّى بخرقة ضيّقة ويرمى بثفله ، ثمّ يصبّ على ذلك الماء من العسل ثلاث أواقي ، ومن دهن الحلّ أوقيتان ، ويستعمل ، فإنّه يقيّىء قيئاً كثيراً .
وقال غيره : إذا استفّ
منه زنة مثقال ونصف غير مسحوق اثنتي عشرة ليلة شفى عرق النساء ، مجرّب ـ انتهى ـ . والحلّ دهن السمسم .
٢ ـ الطب
: عن الخضر بن محمّد ،
عن الخرازينيّ ، قال : دخلت على أحدهم عليهم السلام فسلّمت عليه وسألته أن يدعو الله لأخ لي ابتلى بالحصاة لا ينام ، فقال
لي : ارجع فخذ له من الإهليلج الأسود والبليلج والأملج ، وخذ الكور والفلفل والدار فلفل والدارچيني وزنجبيل وشقاقل ووجّ وأنيسون وخولنجان
أجزاء سواء يدقّ وينخل ويلتّ بسمن بقر حديث ، ثمّ يعجن جميع ذلك بوزنه مرّتين من عسل منزوع الرغوة أو فانيد جيّد ، الشربة منه مثل البندقة أو عفصة .
بيان :
« الكور » بالراء المهملة ، وهو بالضمّ المقل ، وهو صمغ شجرة تكون في بلاد العرب .
قال ابن بيطار عن
جالينوس قد يظنّ بالمقل العربيّ أنّه يفتت الحصاة المتولّدة في الكليتين إذا شرب ويدرّ البول ويذهب الرياح الغليظة الّتي لم تنضج ويطردها . وفي القاموس : الشقاقل عرق شجر هنديّ يربّى فيليّن فيهيّج الباه ـ انتهى ـ .
والوجّ ـ بالفتح ـ : هو
أصل نبات ينبت في الحياض وشطوط المياه ، حارٌ يابس في الثالثة يلطف الأخلاط الغليظة أو يدرّ البول ويزيل صلابة الطحال وينفع أوجاع الجنب والصدر والمغص . وأنيسون دواء معروف ذكروا أنّه حارٌّ يابس في الثالثة محلّل للرياح ، ويدرّ للبول والحيض ، يزيل سدّة الكبد والطحال . وقال ابن سينا : يفتح سدد الكلى والمثانة والرحم . واللّتّ : الدقّ والفتّ والسحق والخلط .
__________________
والفانيذ كأنّه الّذي
يقال بالفارسيّة « شكر پنير » وشبهه من الأقراص . وقال في بحر الجواهر هو صنف من السكر أحمر اللون حارٌّ رطب في الاُولى . والفانيد السنجريّ هو الجيّد منه لا دقيق له ، والخزايني دونه . وفي القاموس : العفص شجرة من البلوط ، تحمل سنة بلوطاً وتحمل سنة عفصاً .
أقول :
هو الّذي يقال له بالفارسيّة « مازو » .
٦٨
(
باب )
* ( معالجة أوجاع المفاصل وعرق النساء ) *
١ ـ الطب
: عن عبد الله والحسين
ابني بسطام ، قالا : حدّثنا أحمد بن رياح المتطبّب ، وذكر أنّه عرض على الإمام لعرق النساء ، قال : يأخذ قلامة ظفر من به عرق النساء فيعقدها على موضع العرق فإنّه نافع بإذن الله ، سهل حاضر النفع .
وإذا غلب على صاحبه
واشتدّ ضربانه يأخذ نكتين فيعقدهما ويشدّ فيهما الفخذ الّذي به عرق النسا من الورك إلى القدم شدّاً شديداً أشدّ ما يقدر عليه حتّى
يكاد يغشى عليه ، يفعل ذلك به وهو قائم ، ثمّ يعمد إلى باطن خصر
القدم الّتي فيها الوجع فيشدّها ثمّ يعصره عصراً شديداً ، فإنّه يخرج منه دم أسود ، ثمّ يحشى بالملح والزيت ، فإنّه يبرء بإذن الله عزّ وجلّ .
__________________
٦٩
(
باب )
* ( علاج الجراحات والقروح وعلة الجدري ) *
١ ـ الطب
: عن أحمد بن العيص ، عن
النضر بن سويد ، عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدِّه الباقر عليهمالسلام للجرح ، قال : تأخذ قيراً طريّاً ، ومثله
شحم معز طريّ ثمّ تأخذ خرقة جديدة ، أو بستوقة جديدة ، فتطلى ظاهرها بالقير ، ثمّ تضعها على قطع
لبن وتجعل تحتها ناراً ليّنة ما بين الأولى إلى العصر ، ثمّ تأخذ كتاناً بالياً
وتضعه على يدك وتطلي القير عليه ، وتطليه على الجرح ، ولو كان الجرح له قعر كبير فافتل الكتان وصبّ القير في الجرح صبّاً ثمّ دسّ فيه الفتيلة .
بيان :
« قيراً طريّاً » في بعض النسخ « قعر قير » أي أصله وداخله . والدسّ : الإخفاء .
٢ ـ دعوات
الراوندي :
عن عليّ بن إبراهيم الطالقانيّ ، قال : مرض المتوكّل من خراج خرج به فأشرف على الموت ، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة فنذرت أمّه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن العسكريّ عليهالسلام مالاً جليلاً من مالها .
فقال الفتح بن خاقان
للمتوكّل : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسن عليه السلام ـ فسألته ، فإنّه ربما كان عنده صفة شيء يفرّج الله به عنك . فقال
: ابعثوا إليه . فمضى الرسول ورجع وقال : قال أبو الحسن عليهالسلام : خذوا كسب الغنم وديفوه بماء الورد ، وضعوه على الخراج ، فإنّه نافع بإذن الله .
فجعل من بحضرة المتوكّل
يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما قال ! فو الله إني لأرجو الصلاح . فأحضر الكسب وديف بماء الورد ووضع على الخراج
فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشّرت اُمُّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها ، واستقلّ المتوكّل من علّته .
__________________
أقول :
تمامه في أبواب تاريخه عليهالسلام .
بيان :
المراد بالكسب ما تلبّد تحت أرجل الغنم من روثها قال في
القاموس : الكسب ـ بالضمّ ـ : عصارة الدهن وقال : الدوف الخلط والبلّ بماء ونحوه .
٣ ـ العلل
: لمحمّد بن عليّ بن
إبراهيم : علّة الجدري أنّه لما جاءت الحبشة بالفيل ليهدموا به الكعبة فبعث الله عليهم طيراً أبابيل مع كلّ طير ثلاثة أحجار : حجران
في مخاليبه ، وحجر في منقاره ، فكانت ترميهم فتقع على رؤوسهم وتخرج من أدبارهم حتّى ماتوا ، ومن كان منهم في الدنيا أصابهم الجدري وانتفخت أبدانهم ونضجت حتّى هلكوا فهذا هو الجدريّ ، ثمّ توالد الناس عنها .
٤ ـ مجمع
البيان : قال : روى الواحديّ
بإسناده عن سهل بن سعد الساعديّ قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم اُحد وكسرت رباعيته وهشمت البيضة
على رأسه وكانت فاطمة بنته عليهاالسلام تغسل عنه الدم ، وعليُّ بن أبي طالب عليهالسلام يسكب عليها بالمجنّ .
فلمّا رأت فاطمة أنّ
الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقت حتّى إذا صار رماداً ألزمته ؛ فاستمسك الدم .
تأييد :
قال بعض أحاذق الأطبّاء : رماد البرديّ له فعل قويٌّ في حبس الدم لأنّ فيه تجفيفاً قويّاً وقلّة لدغ ، فإنّ الأشياء القويّة التجفيف إذا كان فيها
لدغ ربما عادت وهيّجت الدم وجلبت الورم . وهذا الرماد إذا نفخ وحده أو مع الخلّ في أنف الراعف قطع رعافه ، وقد يدخل في حقن قروح الأمعاء .
والقرطاس المصريّ
يجري هذا المجرى وقد شكره جالينوس وكثيراً ما يقطع به الدم . وهذا القرطاس المصريّ الّذي يذكره جالينوس كان قديماً يعمل من البرديّ وأمّا اليوم فلا ، والبرديّ بارد يابس في الثانية ، ورماده يمنع القروح الخبيثة أن
تسعى .
__________________
وأقول : وروى هذه
الرواية الشيخ أبو الحسن عليُّ بن عبد الكريم الحمويّ في كتاب « الأحكام النبويّة في الصناعة الطبيّة » هذا الحديث نقلاً عن الصحيحين عن
أبي حازم عن سهل بن سعد مثله .
ثمّ قال المؤلف : المراد
ههنا الحصير المعمول من البرديّ ، ورق نبات ينبت في المياه يكون في وسطه عسلوج طويل أخضر مائل إلى البياض ، ولرماده فعل قويٌّ في حبس الدم .
ثمّ ذكر نحواً مما مرّ
ـ إلى أن قال ـ قال ابن سينا : ينفع من النزف ويمنعه ويذرّ على الجراحات الطريّة فيدملها . والقرطاس المصريّ كان قديماً يعمل منه ومزاجه بارد يابس ، ورماده نافع من أكلة الفم ، ويحبس نفث الدم ، ويمنع القروح الخبيثة أن تسعى .
والمجنّ : الترس الّذي
يستتر به ، ومنه سمّيت الجنّ لاستتارهم عن أعين الناس والجنّة جنّة لاستتارها بالأورق .
__________________
٧٠
(
باب )
* ( الدواء لوجع البطن والظهر ) *
١ ـ الطب
: عبد الله والحسين
ابنا بسطام قالا : أملى علينا أحمد بن رياح المتطبّب وذكر أنّه عرض على الإمام عليهالسلام فرضيها لوجع البطن والظهر ، قال : تأخذ
لبنى عسل يابس ، وأصل الأنجدان ، من كلّ واحد عشرة مثاقيل ، ومن الأفتيمون مثقالين ، يدقّ كلّ واحد من ذلك علا حدة وينخل بحرير
أو بخرقة ضيّقة ، خلا الأفتيمون فإنّه لا يحتاج أن ينخل بل يدقّ دقّاً ناعماً ، ويعجن جميعاً بعسل منزوع
الرغوة . والشربة منه مثقالين إذا أوى إلى فراشه بماء فاتر
.
بيان :
قال ابن بيطار نقلاً عن الخليل بن أحمد : اللّبنى شجر له لبن كالعسل ، يقال له « عسل اللّبنى » . وقال مرّة اُخرى : عسل اللّبنى يشبه العسل ، لا حلاوة
له ، يتّخذ من شجر اللّبنى .
قال : وقال أبو حنيفة
: حلب من حلب شجرة كالدودم ولذاك سمّيت « الميعة » لانمياعها وذوبها .
وقال الرازيّ في
الحاوي : اللّبنى هي الميعة .
وقال : قال إسحاق بن
عمران : [ شجرة ] الميعة شجرة جليلة ، وقشرها الميعة اليابسة ، ومنه تستخرج الميعة السائلة ، وصمغ هذه الشجرة هو اللّبنى ، وهو « ميعة الرهبان » وهو صمغ أبيض شديد البياض .
وقال أبو جريح : الميعة
صمغة تسيل من شجرة تكون ببلاد الروم ، تحلب منه
__________________
فتؤخذ
وتطبخ . ويعتصر أيضاً من لحى تلك الشجرة ، فما عصر سمّي ميعة سائلة ويبقى الثخين فيسمّى ميعة يابسة .
وقال جالينوس : الميعة
تسخّن وتلين وتنضج ، ولذلك صارت تشفي السعال والزكام والنوازل والبحوحة ، وتحدر الطمث إذا شربت وإذا احتملت من أسفل .
وقال حبيش بن الحسن :
تنفع من الرياح الغليظة ، وتشبك الأعضاء إذا شربت أو طليت من خارج البدن ـ انتهى ـ وفي القاموس : اللّبنى ـ كبشرى ـ .
وفي بحر الجواهر : الأنجدان
معرّب « أنكدان » وهو نبات أبيض اللون وأسود ، والأسود لا يؤكل ، والحلتيت صمغه ، حارٌّ يابس في الثالثة ، ملطف هذّاب بقوّة أصله
وقال : أفتيمون هو بزر وزهر وقضبان صغار ، وهو خريف الطعم ، وهو أقوى من الحاشا . وقيل هو نوع منه ، حارٌّ يابس في الثالثة وقيل : يابس في آخر الاُولى يسهّل السوداء والبلغم والصفراء ، وإسهاله للسوداء أكثر .
٢ ـ الكافي
: عن العدّة ، عن أحمد
بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عليّ ، عن نوح بن شعيب ، عمّن ذكره عن أبي الحسن عليهالسلام قال : من تغيّر عليه ماء الظهر فلينفع
له اللبن الحليب والعسل .
بيان :
تغيّر ماء الظهر كناية عن عدم حصول الولد منه . والحليب احتراز عن الماست ، فإنّه يطلق عليه اللبن أيضاً .
قال الجوهريّ : الحليب
اللبن المحلوب .
__________________
٧١
(
باب )
معالجة البواسير وبعض
النوادر
١ ـ المحاسن
: عن أبيه ، عن يونس
بن عبد الرحمان ، عن هشام بن الحكم ، عن زرارة ، قال : رأيت داية أبي الحسن عليهالسلام تلقمه الأرز وتضربه عليه ، فغمّني ذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فقال إنّي أحسبك غمّك الّذي رأيته من
داية أبي الحسن عليهالسلام ، قلت : نعم جعلت فداك ، فقال لي : نعم
، نعم الطعام الاَرز ، يوسّع الأمعاء ، ويقطع البواسير ، وإنّا لنغبط أهل العراق بأكلهم الأرز والبسر ، فإنّهما
يوسّعان الأمعاء ، ويقطعان البواسير .
٢ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ ، عن
عمر بن عيسى ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : الكراث يقمع البواسير ، وهو أمان من
الجذام لمن أدمنه .
تأييد :
قال في القانون : الكراث منه شاميٌّ ومنه نبطيٌّ ومنه الّذي يقال له الكراث البرّيّ ، وهو بين الكراث والثوم ، وهو بالدواء أشبه منه بالطعام ، والنبطيُّ
أدخل في المعالجات من الشاميّ ، حارٌّ في الثالثة ، يابس في الثانية ، والبرّيُّ
أحرّ و أيبس ، ولذلك هو أردأ ـ إلى أن قال ـ وينفع البواسير مسلوقه مأكولاً وضماداً ، و يحرّك الباه ، وبزره مقلوًّا مع حبّ الآس للزحير ودم المقعدة .
وقال صاحب بحر
الجواهر : منه بستانيٌّ ومنه برّيٌّ ، حارٌّ يابس في الثالثة ، وهو أقلّ إسخاناً وتصديعاً وإظلاماً للبصر من الثوم والبصل ، بطيء الهضم ، رديء للمعدة ، يولد كيموساً رديئاً ، وفيه قبض قليل ، ينفع البواسير إذا سلق في الماء
مراراً ثمَّ جعل في الماء البارد وطحن بزيت . وقال ابن بيطار : نقلاً عن ابن ماسة : إذا
أكل الكراث أو شرب طبيخه نفع من البواسير الباردة .
وعن ماسرجويه : إذا
دخّنت المقعدة ببزر الكراث أذهب البواسير . وعن ابن
__________________
ماسويه
: إن قلى مع الحرف نفع من البواسير .
٣ ـ المحاسن
: عن داود بن أبي داود
، عن رجل رأى أبا الحسن عليهالسلام بخراسان يأكل الكراث في البستان كما هو ، فقيل : إنّ فيه السّماد ، فقال : لا يعلق
منه شيء ، وهو جيّد للبواسير .
٤ ـ الطب
: عن محمّد بن عبد
الله بن مهران الكوفيّ ، عن إسماعيل بن يزيد عن عمرو بن يزيد الصيقل ، قال : حضرت أبا عبد الله الصادق عليهالسلام فسأله رجل به البواسير الشديد ، وقد وصف له دواء سكرّجة من نبيذ صلب ، لا يريد به اللذّة ولكن يريد به الدواء .
فقال : لا ، ولا جرعة
. قلت : لم ؟ قال : لأنّه حرام ، وإنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل في شيء ممّا حرّمه دواءً ولا شفاءً . خذ كراثاً بيضاء
، فتقطع رأسه الأبيض ولا تغسله ، وتقطعه صغاراً صغاراً ، وتأخذ سناماً فتذيبه وتلقيه على الكراث ، و تأخذ عشر جوزات فتقشرها وتدقّها مع وزن عشرة دراهم جبناً فارسيّاً وتغلي الكراث
فإذا نضج ألقيت عليه الجوز والجبن ، ثمّ أنزلته عن النار فأكلته على الريق بالخبز ثلاثة أيّام أو سبعة ، وتحتمي عن غيره من الطعام .
وتأخذ بعدها أبهل محمّصاً
قليلاً بخبز وجوز مقشّر بعد السنام والكراث ، تأخذ على اسم الله نصف أوقية دهن الشيرج على الريق ، وأوقية كندر ذكر تدقّه وتستفّه ، وتأخذ بعده نصف أوقية شيرج آخر ثلاثة أيّام ، وتؤخّر أكلك إلى بعد الظهر ، تبرأ إنشاء الله تعالى .
توضيح :
قال في النهاية : فيه « لا أكل في سكرّجة » هي بضمّ السين والكاف
__________________
والراء
والتشديد إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الادم ، وهي فارسيّة . قوله « كراثا بيضاء » كذا في أكثر النسخ ، وكأنّ المراد كون أصلها أبيض ، فإنّ بعضها
أصله أحمر كالبصل ، والظاهر « نبطيّا » كما في بعض النسخ الصحيحة وكأنّ المراد بالجبن الفارسيّ : المالح منه ، أو الّذي يقال له التركيّ .
وقال في القاموس : أبهل
شجر كبير ورقه كالطرفاء وثمره كالنّبق وليس بالعرعر كما توهّم الجوهريّ .
وقال في القانون : هو
ثمرة العرعر يشبه الزعرور إلّا أنّها أشدُّ سواداً ، حادّة الرائحة طيّبة ، وشجره صنفان : صنف ورقه كورق السرو كثير الشوك يستعرض فلا يطول والآخر ورقه كالطرفة وطعمه كالسرو وهو أيبس وأقل حرّاً ، وإذا أخذ منه ضعف الدارصينيّ قام مقامه . وقال بعضهم حارٌّ يابس في الثالثة .
وقال ابن بيطار نقلاً
عن إسحاق بن عمران : هو صنف من العرعر كثير الحبّ وهو شجر كبير له ورق شبيه بورق الطرفاء ، وثمرته حمراء دميمة يشبه النبق في قدرها ولونها ، وما داخلها مصوف ، له نوى ولونه أحمر ، إذا نضج كان حلو المذاق وبعض طعم القطران .
وقال : إذا اُخذ من
ثمرة الأبهل وزن عشرة دراهم فجعل في قدر وصبّ عليه ما يغمره من سمن البقر ، ووضع على النار حتّى ينشف السمن ، ثمّ سحق وجعل معه وزن عشرة دراهم من الفانيد ، وشرب كلّ يوم منه وزن درهمين على الريق بالماء الفاتر ، فإنّه نافع لوجع أسفل البطن من البواسير ـ انتهى ـ . وفي القاموس : حبّ محمّص ـ كمعظّم ـ : مقلوّ .
« وتأخذ بعدها » أي
بعد الأيّام الثلاثة أو السبعة ، بعد السنام والكراث أي بعد ما أكلت الدواء المذكور الأيّام المذكورة . « آخر ثلاثة أيّام » أي إلى آخر ثلاثة أيّام ، ويحتمل أن يكون « آخر » صفة للنصف ، فالمعنى أنّه يشرب الشيرج قبل السفوف وبعده .
__________________
وقال في القانون : الكندر
أجوده الذكر الأبيض المدحرج الدبقى الباطن والدهين المكسّر حارٌّ في الثانية ، مجفّف في الاُولى .
٥ ـ الطب
: عن أحمد بن إسحاق ، عن
عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي نجران عن أبي محمّد الثماليّ ، عن إسحاق الجريريّ قال : قال الباقر عليهالسلام : يا جريريّ ، أرى لونك قد انتُقع أبك بواسير ؟ قلت : نعم يا ابن رسول الله ، وأسأل الله عزّ وجلّ أن لا يحرمني الأجر .
قال : أفلا أصف لك
دواءً ؟ قلت : يا ابن رسول الله والله لقد عالجته بأكثر من ألف دواء فما انتفعت بشيء من ذلك ، وإنّ بواسيري تشخب دماً !
قال : ويحك يا جريريّ
، فإنّي طبيب الأطبّاء ، ورأس العلماء ، ورئيس الحكماء ، ومعدن الفقهاء ، وسيّد أولاد الأنبياء على وجه الأرض قلت : كذلك يا سيّدي ومولاي . قال : إنّ بواسيرك اُناث تشخب الدماء . قال : قلت صدقت يا ابن رسول الله .
قال : عليك بشمع ودهن
زنبق ولبنى عسل وسماق وسرو كتان ، اجمعه في مغرفة على النار ، فإذا اختلط فخذ منه قدر حمصة ، فالطخ بها المقعدة تبرأ بإذن الله
تعالى . قال الجريريّ : فو الله الّذي لا إله إلّا هو ما فعلته إلّا مرّة واحدة حتّى برىء
ما كان بي ، فما حسست بعد ذلك بدم ولا وجع .
قال الجريريّ : فعدت
إليه من قابل ، فقال لي : يا أبا إسحاق قد برئت والحمد لله ، قلت : جعلت فداك نعم ، فقال : أما إنّ شعيب بن إسحاق بواسيره ليست كما كانت بك ، إنّها ذكران . فقال : قل له : ليأخذ بلاذراً
فيجعلها ثلاثة أجزاء وليحفر حفيرة وليخرق آجرة فيثقب فيها ثقبة ، ثمّ يجعل تلك البلاذر على النار ويجعل الآجرة عليها ، وليقعد على الآجرة وليجعل الثقبة حيال المقعدة ، فإذا ارتفع البخار إليه فأصابه حرارة فليكن هو يعدّ ما يجد ، فإنّه ربما كانت خمسة
__________________
ثآليل
إلى سبعة ثآليل ، فإن ذابت [ وأتته ] فليقلعها ويرم بها ، وإلّا
فليجعل الثالث من البلاذر عليها فإنّه يقلعها باُصولها .
ثمّ ليأخذ المرهم
الشمع ودهن الزنبق ولبنى عسل وسرو كتان هكذا . قال : [ وصفت لك ] للذكران ، فليجمعه على ما ذكرت ههنا
ليطلى به المقعدة ، فإنّما هي طلية واحدة .
فرجعت فوصفت له ذلك
فعمله فبرىء بإذن الله تعالى فلمّا كان من قابل حججت فقال لي : يا أبا إسحاق أخبرنا بخبر شعيب . فقلت له : يا ابن رسول الله والّذي قد اصطفاك على البشر وجعلك حجّة في الأرض ما طلا بها إلّا طلية واحدة .
بيان :
في القاموس « انتُقع لونه » مجهولاً : تغيّر . وقد مرّ تعريف اللبنى وبعض أوصافه . وقال بعضهم : إنّ اللبنى هو الميعة ، وسائله عسل اللبنى . قيل : هو دمع شجرة كالسفرجل ، وقيل : إنّها دهن شجرة اُخرى روميّة . أجود أصناف الميعة السائل بنفسه الشهديّ الصمغي الطيّب الرائحة الضارب إلى الصفرة ليس بأسود تخالى حارٌّ في الاُولى يابس في الثانية . فيه إنضاج وتليين وتسخين وتحليل وتحدير
بالطبخ ، ودهنه الّذي يتّخذ بالشام يليّن تلييناً شديداً ، وهو ضماد على الصلابات في اللّحم ، وطلاء على البثور الرطبة واليابسة مع الإدهان ، وعلى الجرب الرطب واليابس جيّد ، وشربه ينفع تشبّك المفاصل ، وكذلك طلاؤه ، ويقوّي الأعضاء .
وبخار رطبه ويابسه
ينفع النزلة وهو بالغ للزكام جدّاً ، وينفع من السعال المزمن ووجع الحلق ، ويصفّي الصوت الأبحّ إلى تليين شديد ، ويهضم الطعام ، ويدرّ
__________________
البول
والطمث شرباً واحتمالاً إدراراً صالحاً ، ويليّن صلابة الرحم ، ويابسه يعقل الطبع ـ انتهى ـ .
« وسرو كتان » لم
أجده في كتب الطبّ ولا كتب اللغة ، وكأنّه كان « بزر كتان » أو المراد به ذلك ، وهو معروف . والمغرفة ـ بالكسر ـ ما يغرف به . « ليأخذ بلاذرا »
في بعض النسخ « ابرازراً » ولعلّه تصحيف ، وعلى تقديره أيضاً فالمراد به البلاذر .
قال في القانون : البلاذر إذا تدخّن به خفّف البواسير ويذهب بالبرص ـ انتهى ـ « هكذا قال للذكران » هذا كلام الراوي ، أي المرهم هنا موافق لما مرّ .
٦ ـ الطب
: عن أبي الفوارس بن
غالب بن محمّد بن فارس ، عن أحمد بن حمّاد البصريّ ، عن معمّر بن خلّاد ، قال : كان أبو الحسن الرضا عليهالسلام كثيراً ما يأمرني بأخذ هذا الدواء ، ويقول : إنّ فيه منافع كثيرة ، ولقد جرّبته في
الرياح والبواسير ، فلا والله ما خالف . تأخذ هليلج أسود ، وبليلج ، وأملج ، أجزاء سواء ،
فتدقّه وتنخله بحريرة ، ثمّ تأخذ مثله لوزاً أزرق ـ وهو عند العراقيّين مقل أزرق ـ فتنقع اللوز في ماء الكراث حتّى يماث فيه ثلاثين ليلة ، ثمّ تطرح عليها هذه
الأدوية وتعجنها عجناً شديداً حتّى يختلط .
ثمّ تجعله حبّاً مثل
العدس ، وتدهن يديك بالبنفسج أو دهن خيري أو شيرج لئلا يلتزق ، ثمّ تجفّفه في الظلّ ، فإن كان في الصيف أخذت منه مثقالاً ، وإن
كان في الشتاء مثقالين ، واحتم من السمك والخلّ والبقل ، فإنّه مجرّب
.
__________________
بيان :
قال ابن بيطار : قال ديسقوريدوس : الخيرى نبات معروف ، له زهر مختلف ، بعضه أبيض ، وبعضه فرفيريّ ، وبعضه أصفر ، والأصفر نافع في الأعمال الطبّيّة .
٧ ـ الكافي
: بإسناده عن عمر بن
يزيد ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام
وعنده رجل فقال له : جعلت
فداك ، إنّي اُحبّ الصبيان . فقال أبو عبد الله عليهالسلام :
فتصنع ماذا ؟ فقال :
أحملهم على ظهري . فوضع أبو عبد الله عليهالسلام يده على جبهته وولّى وجهه عنه ، فبكى الرجل ، فنظر إليه أبو عبد الله عليهالسلام كأنّه رحمه ، فقال : إذا أتيت بلدك فاشتر جزوراً سمينا ، واعقله عقالاً شديداً ، وخذ السيف فاضرب السنام ضربة تقشر عنه الجلدة ، واجلس عليه بحرارته .
فقال عمر : فقال
الرجل : فأتيت بلدي واشتريت جزوراً وعقلته عقالاً شديداً وأخذت السيف فضربت به السنام ضربة وقشرت عنه الجلد ، وجلست عليه بحرارته فسقط منّي على ظهر البعير شبه الوزغ أصغر من الوزغ ، وسكن ما بي
.
__________________
٧٢
(
باب )
* ( ما يدفع البلغم والرطوبات واليبوسة وما يوجب )
*
* ( شيئاً من ذلك والفالج ) *
١ ـ المحاسن
: عن محمّد بن الحسن
بن شمون قال : كتبت إلى أبي الحسن عليهالسلام
أنّ بعض أصحابنا يشكو
البخر ، فكتب إليه : كل التمر البرنيّ . وكتب إليه آخر يشكو يبساً ، فكتب إليه : كل التمر البرنيّ على الريق واشرب عليه الماء . ففعل فسمن وغلبت عليه الرطوبة ، فكتب إليه يشكو ذلك : فكتب إليه كل التمر البرنيّ على الريق ولا تشرب عليه الماء ، فاعتدل .
٢ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ ، عن
عمرو بن عثمان ، عن أبي عمرو ، عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : خير تموركم البرنيُّ ، يذهب
بالداء ولا داء فيه ، ويشبع ويذهب بالبلغم ، ومع كلّ تمرة حسنة .
٣ ـ ومنه
: عن ياسر الخادم عن
أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : البطّيخ على الريق يورث الفالج .
٤ ـ ومنه
: عن أبي القاسم وأبي
يوسف ، عن القنديّ ، عن ابن سنان ، وأبي البختريّ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : السواك وقراءة القرآن مقطعة
للبلغم .
٥ ـ الطب
: عن تميم بن أحمد
السيرافيّ ، عن محمّد بن خالد البرقيّ عن عليّ بن النعمان ، عن داود بن فرقد والمعلّى بن خنيس ، قالا : قال أبو عبد الله عليهالسلام : تسريح العارضين يشدّ الأضراس ، وتسريح اللّحية يذهب بالوباء ، وتسريح الذوابتين يذهب
__________________
ببلابل
الصدر ، وتسريح الحاجبين أمان من الجذام ، وتسريح الرأس يقطع البلغم .
قال : ثمّ وصف دواء
البلغم وقال : خذ جزءً من علك الروميّ ، وجزءً من كندر ، وجزءً من سعتر ، وجزءً من نانخواه ، وجزءً من شونيز ، أجزاء سواء ، يدقّ كلّ واحد على حدة دقّاً ناعماً ، ثمّ ينخل ويعجن
ويجمع ويسحق حتّى يختلط ، ثمّ تجمعه بالعسل ، وتأخذ منه في كلّ يوم وليلة بندقة عند المنام ، نافع إنشاء
الله تعالى .
٦ ـ ومنه
: عن عبد الله بن
مسعود اليمانيّ ، عن الطريانيّ ، عن خالد القمّاط ، قال : أملى عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام هذه الأدوية للبلغم قال : تأخذ إهليلج
أصفر وزن مثقال ، ومثقالين خردل ، ومثقال عاقرقرحا ، فتسحقه سحقاً ناعماً وتستاك به على الريق ، فإنّه ينفى البلغم ، ويطيّب النكهة ، ويشدّ الأضراس إنشاء الله تعالى .
بيان :
نفع الهليلج للاُمور المذكورة ظاهر ، وفي القانون : الخردل يحلّل الأورام الحارّة . وقال : عاقرقرحا يجلب البلغم مضغاً وطبيخه نافع من وجع الأسنان ، وخصوصاً البارد ، وخلّه يشدّ الأسنان المتحرّكة إن طبخ بالخلّ واُمسك في الفم .
٧ ـ الطب
: عن حريز بن أيّوب
الجرجانيّ ، عن محمّد بن أبي نصر ، عن محمّد بن إسحاق ، عن عمّار النوفليّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام يرفعه إلى أمير المؤمنين عليهالسلام
قال : قراءة القرآن
والسواك والبان منقاة للبلغم .
٨ ـ ويروى عن الصادق عليهالسلام أنّه قال من دخل الحمّام على الريق أنقى البلغم وإن دخلته بعد الأكل أنقى المرّة ، وإن أردت أن يزيد في لحمك فادخل الحمّام
__________________
على
شبعك ، وإن أردت أن ينقص من لحمك فادخله على الريق
.
٩ ـ ومنه
: عن سالم بن إبراهيم ،
عن الديلميّ ، عن داود الرّقيّ ، قال : شكى رجل إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام الرطوبة ، فأمره أن يأكل التمر البرنيّ
على الريق ولا يشرب الماء ، ففعل ذلك فذهبت عنه الرطوبة وأفرط عليه اليبس ، فشكى ذلك إليه فأمره أن يأكل التمر البرنيّ ويشرب الماء ، ففعل فاعتدل
.
١٠ ـ ومنه
: عن محمّد بن السراج ،
عن فضالة بن إسماعيل ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن أبيه عن عليّ بن أبيطالب عليهمالسلام قال : ثلاث يذهبن بالبلغم : قراءة القرآن ، واللبان ، والعسل .
١١ ـ وعن أبي جعفر الباقر
عليهالسلام قال : كثرة التمشّط يذهب بالبلغم ، وتسريح
الرأس يقطع الرطوبة ، ويذهب بأصله .
__________________
٧٣
(
باب )
* ( دواء البلبلة وكثرة العطش ويبس الفم ) *
١ ـ الطب
: عن إبراهيم بن عبد
الله ، عن حمّاد بن عيسى ، عن المختار ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : اشتكى رجل من إخواننا إلى أبي عبد الله عليهالسلام كثرة العطش ويبس الفم والريق ، فأمره أن يأخذ سقمونيا وقاقلة وسنبلة وشقاقل وعود البلسان وحبّ البلسان ونارمشك وسليخة مقشّرة وعلك رومي وعاقرقرحا ودارچيني
من كلّ واحد مثقالين تدقّ هذه الادوية كلها وتعجن بعد ما تنخل ، غير السقمونيا فإنّه
يدقّ عليحدة ولا ينخل ، ثمّ تخلط جميعاً وتأخذ خمسة وثمانين مثقالاً فانيد سجزيّ جيّد ، ويذاب في الطبخير بنار ليّنة ، ويلتّ به الأدوية ، ثمّ يعجن ذلك كلّه بعسل منزوع الرغوة ، ثمّ ترفع في قارورة أو جرّة خضراء ، فإن احتجت إليه فخذ منه على الريق مثقالين بما شئت من الشراب ، وعند منامك مثله
.
بيان :
في القاموس السجزيّ بالفتح وبالكسر نسبة إلى سجستان . وقال الطّبخير ـ بالكسر ـ معروف معرّب فارسيّه پاتيله .
__________________
٧٤
(
باب )
* ( علاج السموم ولدغ المؤذيات ) *
١ ـ المحاسن
: عن أبيه ، عن عمرو
بن إبراهيم وخلف بن حمّاد ، عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لدغت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عقرب فنفضها وقال : لعنك الله فما يسلم عنك مؤمن ولا كافر ، ثمّ دعا بملح فوضعه على موضع اللدغة ، ثمّ
عصره بإبهامه حتّى ذاب ، ثمّ قال : لو علم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى ترياق .
٢ ـ ومنه
: عن محمّد بن عيسى
اليقطينيّ ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست عن ابن اُذينة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لدغت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عقرب وهو يصلّي بالناس ، فأخذ النعل فضربها ثمّ قال بعد ما انصرف : لعنك الله فما تدعين برّاً ولا
فاجراً إلّا آذيتيه . قال ثمّ دعا بملح جريش فدلك به موضع
اللدغة ، ثمّ قال : لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه إلى ترياق وإلى غيره
[ معه ] .
بيان :
في القاموس : جرشه يجرشه ويجرشه حكّه ، والشيء لم ينعم دقّه ، وقال : الجريش كأمير من الملح ما لم يطيّب . وقال ابن بيطار نقلاً عن ديسقوريدس في منافع الملح : وقد يتضمّد به مع بزر الكتان للدغة العقرب ، ومع فودنج الجبل والزوفا لنهشة الأفعى الذكر ، ومع الزفت والقطران أو العسل لنهشة الأفعى الّتي يقال لها « قرطس » وهي حيّة لها قرنان ، ومع الخلّ والعسل
لمضرّة سمّ الحيوان
__________________
الّذي
يقال له « أربعة وأربعون » ولدغ الزنابير ، وقد ينفع من نهشة التمساح الّذي يكون في نيل مصر . وإذا سحق وصيّر في خرقة كتان وغمس في خلّ حاذق وضرب به ضرباً دقيقاً العضو المنهوش من بعض الهوامّ نفع من النهشة وقد ينفع من مضرّة الأفيون والقطر القتّال إذا شرب بالسكنجبين .
٣ ـ الطب
: عن أحمد بن محمّد ، عن
أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن ظبيان عن جابر الجعفيّ ، عن الباقر عن أبيه عن جدّه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الكمأة من المنّ ، والمنّ من الجنّة ، وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنّة ، وفيها
شفاء من السمّ .
٤ ـ دعوات
الراوندي :
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لسعته عقرب وهو قائم يصلّي ، فقال : لعن الله العقرب لو ترك أحداً لترك هذا المصلّي ـ يعني
نفسه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ثمّ دعا بماء وقرء عليه الحمد والمعوّذتين
، ثمّ جرع منه جرعاً ،ثمّ دعا بملح ودافه في الماء ، وجعل يدلك صلىاللهعليهوآلهوسلم الموضع حتّى سكن .
٥ ـ الكافي
: عن عليّ بن إبراهيم ،
عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : إنّ العقرب لدغت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : لعنك الله ، فما تبالين مؤمناً آذيت أم كافراً ! ثمّ دعا بالملح فدلكه ، فهدأت . ثمّ
قال أبو جعفر عليهالسلام : لو يعلم الناس ما في الملح ما بغوا
معه درياقاً .
بيان :
في القاموس : هدأ ـ كمنع ـ سكن ، ولا أهدأه الله أي لا أسكن عناءه ونصبه . وقال : الدرياق والدرياقة ـ بكسرهما ويفتحان ـ : الترياق .
٦ ـ الطب
: عن محمّد بن عبد
الله الأجلح ، عن صفوان بن يحيى البيّاع
__________________
عن
عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سأل رجل أبا الحسن عليهالسلام عن الترياق ، قال : ليس به بأس ، قال : يا ابن رسول الله ، إنّه يجعل فيه لحوم الأفاعى ، قال : لا
تقذره علينا .
بيان :
قال الفيروز آباديّ : الترياق ـ بالكسر ـ دواء مركّب اخترعه « ماغنيس » وتمّمه « اندروماخس » القديم بزيادة لحوم الأفاعى فيه ، وبه كمل الغرض ، وهو مسمّيه بهذا لأنّه نافع من لدغ الهوامّ السّبعة ، وهي باليونانيّة « تريا » نافع
من الأدوية المشروبة ، وهي باليونانيّة « قاء » ممدودة ، ثمّ خفّف وعرّب . وهو طفل إلى ستّة أشهر ، ثمّ مترعرع إلى عشر سنين في البلاد الحارّة وعشرين في غيرها ، ثمّ
يقف عشراً فيها وعشرين في غيرها ثمَّ يموت ويصير كبعض المعاجين ـ انتهى ـ .
قوله عليهالسلام « لا تقذره علينا » بصيغة الأمر ، أي لا تجعله قذراً حراماً
علينا فإنّا نأخذ من المسلمين وهم يحكمون بحلّيّته ، أو المعنى لا تحكم بحرمته علينا فنحن أعرف به منك ، إمّا لعدم الدخول فيها ، أو لعدم الحرمة عند الضرورة . أو
بصيغة الغائب بإرجاع المستتر إلى لحوم الأفاعى ، أي لا تصير سبباً لقذارته وحرمته .
وفي بعض النسخ بالدال
المهملة ، أي لا تبيّن أجزاءها ومقدارها لنا ، فإنّا نعرفها ، على الوجهين السابقين ، وعلى بعض الوجوه يدلّ على جواز التداوي بالحرام عند الضرورة [ وسيأتي القول فيه ] .
وأقول : سيأتي في باب
الأدوية الجامعة أدوية للسعة العقرب وسائر الهوامّ .
__________________
٧٥
(
باب )
* ( معالجة الوباء ) *
١ ـ المحاسن
: عن عبد الرحمان
بن حمّاد ويعقوب بن يزيد ، عن القنديّ قال : أصاب الناس وباء ونحن بمكّة فأصابني ، فكتبت إليه ، فقال كتب إليّ : كل التفّاح ، فأكلته فعوفيت .
٢ ـ ومنه
: عن أبي يوسف ،
عن القنديّ ، قال : أصاب الناس وباء بمكّة فأصابني ، فكتبت إلى
أبي الحسن عليهالسلام فكتب إليّ : كل التفّاح . فأكلته
فعوفيت .
توضيح :
قال في القاموس : الوباء ـ محرّكة ـ : الطاعون ، أو كلّ مرض عام والجمع أوباء ويمدّ ، وبئت الأرض ، كفرح ـ تيبأ وتوبأ وباء .
__________________
٧٦
(
باب )
* ( دفع الجذام والبرص والبهق والداء الخبيث ) *
١ ـ المحاسن
: عن الحسن بن عليّ بن
أبي عثمان سِجادة ، رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن الله رفع عن اليهود الجذام
بأكلهم السلق وقلعهم العروق .
بيان :
المراد بقلع العروق إخراجها من اللّحوم كما تفعله اليهود الآن ، وقد ورد في بعض أخبارنا أيضاً النهي عن أكل العروق كما سيأتي إنشاء الله .
٢ ـ المحاسن
: عن بعضهم رفعه إلى
أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ قوماً من بني إسرائيل أصابهم البياض ، فأوحي إلى موسى عليهالسلام أن مرهم أن يأكلوا لحم البقر بالسلق .
ومنه
: عن عليّ بن الحسن بن
عليّ بن فضّال ، عن سليمان بن عباد عن عيسى بن أبي الورد ، عن محمّد بن قيس الأسديّ عن أبي جعفر عليهالسلام مثله
.
٣ ـ ومنه
: عن أبي يوسف ، عن
يحيى بن المبارك ، عن أبي الصباح الكنانيّ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : مرق السلق بلحم البقر يذهب
البياض .
٤ ـ الطب
: عن عبد الله والحسين
ابني بسطام ، عن محمّد بن خلف ، عن الوشّاء عن عبد الله بن سنان ، قال : شكى رجل إلى أبي عبد
الله عليهالسلام الوضح والبهق فقال : ادخل الحمّام واخلط الحنّاء بالنورة واطل بهما ، فإنّك لا تعاين بعد ذلك شيئاً . قال الرّجل : فو الله ما فعلته إلّا مرّة واحدة فعافاني الله منه ، وما
عاد بعد ذلك .
__________________
٥ ـ ومنه
: عن أبي الحسن الأوّل
عليهالسلام قال : من أكل مرقاً بلحم بقر
أذهب الله عنه البرص والجذام .
٦ ـ ومنه
: عن الحسن بن الخليل ،
عن أحمد بن زيد ، عن شاذان بن الخليل عن ذريع ، قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليهالسلام فشكى إليه أنّ بعض مواليه أصابه الداء الخبيث ، فأمره أن يأخذ طين الحير بماء المطر فأشربه
، قال : ففعل ذلك فبرىء .
٧ ـ وعنه
عليهالسلام أنّه قال : ما من شيء أنفع للداء
الخبيث من طين الحير . قلت : يا ابن رسول الله ، وكيف نأخذه ؟ قال : تشربه بماء المطر وتطلي به الموضع
والأثر فإنّه نافع مجرّب إنشاء الله تعالى .
بيان :
لعلّ المراد بالداء الخبيث الجذام أو البرص ، وطين الحير طين حائر الحسين عليهالسلام وفي بعض النسخ « الحرّ » أي الطيّب
والخالص ، وأكله مشكل إلّا أن يحمل أيضاً على طين القبر المقدّس . وفي بعض النسخ « طين الحسين » وهو يؤيّد الأوّل .
٨ ـ الطب
: عن إبراهيم ، عن
الحسن بن عليّ بن فضّال ، والحسين بن عليّ بن يقطين ، عن سعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سعة الجنب والشعر الّذي يكون في الأنف أمان من الجذام
.
٩ ـ وعنه عليه السّلام
أنّه قال : تربة المدينة ـ مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ تنفي
__________________
الجذام
.
وعن أبي عبد الله عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أقلّوا من النظر إلى أهل البلاء ولا تدخلوا عليهم ، وإذا مررتم بهم فأسرعوا المشي لا يصيبكم
ما أصابهم .
توضيح :
« سعة الجنب » بالجيم والنون في أكثر النسخ ، فالمراد إمّا سعة خلقه ، أو كناية عن الفرح والسرور كما أنَّ ضيق الصدر كناية عن الهمّ ، وذلك لأنّ كثرة الهموم تولد الموادّ السوداويّة المولّدة للجذام ، وفي بعض النسخ بالجيم
والياء المثنّاة التحتانيّة ، وله وجه إذ لا تحتبس البخارات في الجوف فيصير سبباً
لتولّد الأخلاط الرديّة وفي بعضها « سعة الجبين » وهو أيضاً يحتمل الحقيقة والمجاز .
« والشعر الّذي يكون
في الأنف » أي كثرة نباته ، أو عدم نتفه ، كما ورد أنّ نتفه يورث الجذام ، لأنّ بشعر الأنف تخرج الموادّ السوداويّة ، وبنتفه يقلّ خروجه ولذا تبتدىء الجذام غالباً بالأنف .
قوله عليهالسلام « تربة المدينة » كأنّ المعنى أنّ الكون بها يوجب عدم
الابتلاء بتلك البليّة . قوله « إلى أهل البلاء » أي أصحاب الأمراض المسرية .
١٠ ـ الطب
: عن أحمد بن نصير عن
زياد بن مروان القنديّ ، عن محمّد بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام ، والشعر في الأنف أمان منه أيضاً
.
١١ ـ ومنه
: عن أبي بكر بن محمّد
بن الجريش عن عليّ بن مسيّب ، قال قال العبد الصالح عليهالسلام : عليك باللفت ـ يعني السلجم ـ فكله ، فإنّه
ليس من أحد
__________________
إلّا
وبه عرق من الجذام ، وإنّما يذيبه أكل اللفت . قلت : نيّاً أو مطبوخاً ؟ قال : كلاهما .
١٢ ـ وعن أبي جعفر عليهالسلام قال : ما من خلق إلّا وفيه عرق الجذام ، أذيبوه بالسلجم .
بيان :
في القاموس اللفت ـ بالكسر ـ : السلجم . وقال : السلجم ـ كجعفر ـ . نبت معروف ، ولا تقل ثلجم ولا شلجم أو لُغيّة .
وأقول : وسيأتي إنشاء
الله في باب الماش ما يتعلّق بالباب .
__________________
( أبواب )
*
( الادوية وخواصها ) *
٧٧
(
باب الهندباء )
١ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن المثنّى بن الوليد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : من بات وفي جوفه سبع طاقات من
الهندباء أمن من القولنج ليلته تلك إنشاء الله .
٢ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمد وأبي عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، جميعاً عن الحجّال ، عن ثعلبة ، عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام
أنّه قال : عليك بالهندباء
، فإنّه يزيد في الماء ، ويحسن الولد ، وهو حارٌّ لين يزيد في الولد الذكورة .
٣ ـ ومنه
: عن عدّة من أصحابه ،
عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبي سليمان الحذّاء ، عن محمّد بن الفيض ، قال : تغدّيت مع أبي عبد الله عليهالسلام وعلى الخوان بقل ومعنا شيخ فجعل يتنكّب الهندباء ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : أما إنّكم تزعمون
أنّها باردة وليست كذلك ، إنّما هي معتدلة ، وفضلها على البقول كفضلنا على الناس
.
٤ ـ ومنه
: عن العدّة ، عن سهل ،
عن محمّد بن إسماعيل ، قال : سمعت الرضا
__________________
عليه
السّلام يقول : أكل الهندباء شفاء من كلّ داء . ما من داء
في جوف ابن آدم إلّا قمعه الهندباء .
قال : ودعا به يوماً
لبعض الحشم ، وكان تأخذه الحمّى والصداع ، فأمر أن يدقّ ثمّ صيره على قرطاس وصبّ عليه دهن البنفسج ووضعه على رأسه
ثمّ قال أما إنّه يذهب بالحمّى وينفع من الصداع ويذهب به .
٥ ـ ومنه
: عن عليّ بن إبراهيم ،
عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : نعم البقلة
الهندباء وليس من ورقة إلّا وعليها قطرة من الجنة ، فكلوها ولا تنفضوها عند أكلها . قال : وكان أبي عليهالسلام ينهانا أن ننفضه إذا أكلناه .
٦ ـ المكارم
: من الفردوس : عن النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من أكل الهندباء ونام عليه لم يحرك فيه سمّ ولا سحر ، ولم يقربه شيء من
الدوابّ حيّة ولا عقرب .
تأييد :
قال ابن سينا في القانون وغيره : الهندباء منه برّيٌّ ومنه بستانيٌّ وهو صنفان : عريض الورق ، ودقيق الورق وهو يجري مجرى الخس ، لكنّه كما قالوا دونه في الخصال وعندي أنّها تفوقه في التفتيح وسدد الكبد وإن قصر عنه في التغذية
والتطفية وأنفعها للكبد أمرُّها .
وأجودها الحديثة
الرطبة الغذية البستانيّة ، وأجودها الشاميّة وتسمّى
__________________
«
انطوليا » وهي باردة في الاُولى ويابسها يابسة فيها ، ورطبها رطبة في آخر الاُولى .
والبستانيّ أرطب وأبرد ، والبرّيّ أقلُّ رطوبة ، ويسمّى « الطرخشعوق » فيه تفتيح وتبريد وتقوية وقبض يفتح سدد الأحشاء والعروق .
وضماده مع دقيق الشعر
نافع للخفقان الحارّ ، ويقوّي القلب والمعدة ، وهو من أجود الأدوية لمن كان مزاج معدته حارّاً . والبرّيّ أجود للمعدة من البستانيّ وفيه قبض صالح ليس بشديد ، وماؤه مع الخلّ والإسفيداج طلاء عجيب في تبريد ما يراد تبريده ، وينفع النقرس ضماداً .
والتّغرغر بماء
المحلول فيه الخيار شنبر نافع من أورام الحلق ، وينفع من الرمد الحارّ ضماداً ، وهو يسكن الغثيان وهيجان الصفراء ، وأكله مع الخلّ يعقل الطبع لا سيّما البرّي ، وهو نافع للربع والحمّيات الدائرة ، وضماده مع اُصوله و كذلك مع السويق نافع للسع العقرب والحيّات والزنابير والهوامّ وسام أبرص . ولبن البرّيّ يجلو بياض العين .
وقال ابن سينا : البستانيّ
أبرد وأرطب . وقد يشتدّ مرارته في الصيف فيميل إلى حرارة لا تؤثر .
أقول : ستأتي الأخبار
في فضل الهندباء وخواصّها في أبواب البقول إنشاء الله تعالى .
٧٨
(
باب )
* ( الشبرم والسنا ) *
١ ـ قرب
الاسناد : عن سعد بن طريف ، عن
الحسين بن علوان ، عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : تداووا بالسنا ، فإنّه لو كان شيء يردّ الموت لردّه السنا .
٢ ـ المكارم
: عن الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالسنا فتداووا به ، فلو دفع الموت شيء دفعه السنا .
٣ ـ وعنه عليهالسلام قال : لو علم الناس ما في السنا لبلغوا
مثقالا منه مثقالين ذهباً ! أما إنّه أمان من البهق والبرص والجذام والجنون والفالج واللقوة . ويؤخذ مع الزبيب
الأحمر الّذي لا نوى له ، ويجعل معه هليلج كابليّ وأصفر وأسود أجزاء سواء ، يؤخذ على الرّيق مقدار ثلاثة دراهم ، وإذا أويت إلى فراشك مثله ، وهو سيّد الأدوية .
تأييد وتوضيح : قال ابن بيطار : قال : أبو حنيفة الدّينوريّ : يسمّى سنا المكّيّ ، ويخلط ورقه بالحناء ويسوّد الشعر .
وقال اُميّة بن أبي
الصلت : حارٌّ يابس في الدرجة الاُولى ، يسهل المرّة الصفراء والمرّة السوداء ، والبلغم ، ويغوص إلى أعماق الأعضاء ، ولذلك ينفع المنقرسين ، وعرق النسا ووجع المفاصل الحادث عن أخلاط المرّة الصفراء والبلغم .
وقال يونس : إنّه
ينفع من الوسواس السوداويّ ، ومن الشقاق العارض في
__________________
البدن
، وينفع من تشنّج العضل ، وعن انتشار الشعر ، ومن داء الثعلب والحيّة ، ومن القمل العارض في البدن ومن الصداع العتيق ، ومن الجرب والبثور والحكّة ومن الصرع .
٤ ـ الدعائم
: عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إيّاكم والشبرم فإّنه حارٌّ بارّ ، و عليكم بالسنا فتداووا به ، فلو دفع شيء الموت لدفعه السنا .
بيان :
قال في القاموس : الشبرم ـ كقنفذ ـ : شجرة ذو شوك يقال له
ينفع من الوباء ، ونبات آخر له حبٌّ كالعدس وأصل غليظ ملاۤن لبناً ، والكلّ مسهل ،
واستعمال لبنه خطر ، وإنّما يستعمل أصله مصلحاً بأن ينقع في الحليب يوماً وليلةً ويجدَّد اللبن ثلاث مرّات ثمّ يجفّف وينقع في عصير الهندباء والرازيانج ويترك ثلاثة أيّام ، ثمّ يجفّف ويعمل منه أقراص مع شيء من التربد والهليلج والصبر ،
فإنّه دواء فائق .
وقال : حارّ يارّ ، وحرّان
يرّان ، إتباع . ويقال : هذا الشرّ والبرّ ، كأنّه إتباع .
وقال في الفائق : رئى
الشبرم عند أسماء بنت عميس وهي تريد أن تشربه ، فقال إنّه حارّ يارّ ـ أو قال بارّ و ـ أمره بالسنا . الشبرم نوع من الشيح ، حارّ ويارّ
إتباعان ويقال : حرّان برّان ـ انتهى ـ .
وأقول : سيأتي بعض
القول فيه أيضاً إنشاء الله .
__________________
٧٩
(
باب )
* ( بزر قطونا ) *
١ ـ المكارم
: عن الصادق عليهالسلام قال : من حمّ فشرب تلك الليلة وزن درهمين بزر القطونا أو ثلاثة أمن من البرسام في تلك العلّة
.
بيان :
قال ابن بيطار : بزر قطونا هو الاسقيوس بالفارسيّة وفسليون باليونانيّة وتأويله البرغوثيّ .
قال جالينوس : أنفع
ما في هذا النبات بزره وهو بارد في الثانية ، وسط ما بين الرطوبة واليبس معتدل .
وقال ديسقوريدس : له
قوّة مبرّدة إذا تضمّد به مع الخلّ ودهن الورد والماء نفع من وجع المفاصل والأورام الظاهرة في اُصول الآذان والجراحات والأورام البلغميّة والتواء العصب ، وإذا ضمد به قبل الأمعاء العارضة للصبيان والسرر الناتئة
أبرأها .
وقال الشيخ : يسكن
الصداع ضماداً ، ولعابه مع دهن اللوز يقطع العطش الشديد الصفراويّ ، والمقلوّ منه الملتوت بدهن الورد قابض ، ويشرب منه وزن درهمين فيعقل البطن ، وينفع من السجج وخصوصاً للصبيان .
وقال بعضهم بدل بزر
قطونا في تليين الطبيعة حبّ السفرجل ، وفي التبريد والتّرطيب بزر بقلة الحمقاء .
__________________
٨٠
(
باب )
* ( البنفسج والخيري والزنبق وأدهانها ) *
١ ـ الخصال
: عن محمّد بن الحسن
بن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد السياريّ ، عن محمّد بن أسلم ، عن نوح بن شعيب النيسابوريّ ، عن عبد العزيز
بن المهتدي ، يرفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : أربعة يعدّلن الطبائع : الرّمان
السورانيّ والبسر المطبوخ ، والبنفسج ، والهندباء .
٢ ـ ومنه
: عن أبيه ، عن سعد بن
عبد الله ، عن محمّد بن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهم السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : اكسروا حرّ الحمّى بالبنفسج والماء
البارد فإنّ حرّها من فيح جهنّم .
٣ ـ وقال عليهالسلام : استعطوا بالبنفسج ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لو علم الناس ما في البنفسج لحسوه حسواً .
٤ ـ نوادر
الراوندي :
بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فضلنا أهل البيت على سائر الناس كفضل
دهن البنفسج على سائر الأدهان .
٥ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن أبي ـ زيد ، عن أبيه ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، قال : أهديت إلى أبي عبد الله عليهالسلام
__________________
بغلة
فصرعت بالّذي أرسلت بها معه فأمّته ، فدخلنا المدينة
فأخبرنا أبا عبد الله عليهالسلام
فقال : أفلا أسعطتموه
بنفسجاً ؟! فاُسعط بالبنفسج فبرىء ثمّ قال : يا عقبة ، إنّ البنفسج بارد في الصيف حارّ في الشتاء ، ليّن على شيعتنا يابس على عدّونا لو يعلم الناس ما
في البنفسج قامت أوقية بدينار .
بيان : « فأمّته » أي
شجّته شجّة بلغت اُمّ الدماغ . وفي بعض النسخ « فأوهنته » أي أضعفته ، وكأنّه أظهر .
٦ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما يأتينا من ناحيتكم شيء أحبُّ
إلينا من البنفسج .
٧ ـ ومنه
: عن العدّة ، عن أحمد
بن أبي عبد الله ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : فضل البنفسج على الأدهان كفضل الإسلام على الأديان . نعم الدهن البنفسج ، ليذهب بالداء من الرأس والعين ،
فادّهنوا به .
٨ ـ ومنه
: بهذا الإسناد عن عبد
الرحمان ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام
فدخل عليه مهزم ، فقال
لي أبو عبد الله عليهالسلام : ادع لنا الجارية تجيئنا بدهن وكحل . فدعوت بها ، فجاءت بقارورة بنفسج ، وكان يوماً شديد البرد ، فصبّ مهزم في راحته منها ، ثمّ قال : جعلت فداك ، هذا البنفسج وهذا البرد الشديد ؟! فقال : إنّ متطبّبينا بالكوفة يزعمون أنّ البنفسج بارد . فقال : هو بارد في الصيف ، ليّن حارّ
في الشتاء .
__________________
٩ ـ ومنه
: عن العدّة ، عن سهل ،
عن البزنطيّ ، عن حمّاد بن عثمان . عن محمّد بن سوقة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : دهن البنفسج يرزن الدماغ .
بيان :
الرزانة الوقار ، وكأنّها هنا كناية عن القوّة .
١٠ ـ ومنه
: عن العدّة ، عن سهل ،
عن عليّ بن أسباط ، رفعه قال : دهّن الحاجبين بالبنفسج ، فإنّه يذهب بالصداع .
١١ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد وأبي عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، جميعاً عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ذكر
البنفسج فزكّاه ، ثمّ قال : والخيريّ لطيف .
١٢ ـ ومنه
: عن العدّة ، عن أحمد
بن أبي عبد الله ، عن أبيه وابن فضّال عن الحسن بن الجهم ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السّلام يدهّن بالخيريّ ، فقال لي : ادّهن !
فقلت : أين أنت عن
البنفسج وقد روي فيه عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : أكره ريحه قال : قلت له : وإنّي
قد كنت أكره ريحه وأكره أن أقول ذلك لما بلغني فيه عن أبي عبد الله عليهالسلام فقال : لا بأس .
بيان :
قوله « إنّه قال » ليس في بعض النسخ كلمة « إنّه » وهو أظهر ، فالمعنى أنّك لم لا تدّهن بالبنفسج وقد روي فيه وفي فضله عن أبي عبد الله عليهالسلام ما روي ؟ فقال : إنّي أكره ريحه . فقال ابن الجهم : أنا أيضاً كنت أكره ريحه ولكن كنت أكره
__________________
أن
أقول إنّي أكره ريحه لما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام في فضله . فقال عليهالسلام : لا بأس به فإنّ كراهة الريح لا تنافي فضله ونفعه .
وعلى نسخة « انّه » يحتاج
إلى تكلّفات بعيدة ، كأن يقال : ضمير « فيه » في قوله « وقد روي فيه » راجع إلى الخيري ، وفاعل « قال » أبو الحسن عليهالسلام والضمير في « قلت له » إلى الصادق عليهالسلام . وقوله « وإنّي كنت » جملة حاليّة . وقوله
« أقول » إمّا بمعنى أفعل ، أو آمر الناس بالادّهان به .
والحاصل أنّ أبا الحسن
عليهالسلام قال : أنا أيضاً كنت سمعت هذه الرواية
مرويّاً عن أبي ، ولذلك كنت أكره ريحه والادّهان به ، فلمّا سألت أبي قال : لا بأس به . ولا يخفى بعده ، والظاهر أنّ كلمة « انّه » زيدت من النسّاخ .
١٣ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
عبد الله بن جعفر ، عن السيّاريّ ، رفعه قال : قال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّه ليس شيء خيرا للجسد من دهن
الزنبق ـ يعني الرازقيّ ـ .
بيان :
قد مرّ تفسير الزنبق والرازقيّ في باب الصداع ، ويرجع إلى أنّه إمّا الرازقيّ المعروف ، وهو نوع من الياسمين ، أو هو المعروف عندنا بالزنبق الأبيض . قال ابن بيطار : دهن السوسن الأبيض هو الرازقيّ . قال ديسقوريدس : قوّة دهن السوسن مسخّنة مفتّحة لانضمام فم الرحم ، محلّلة لأورامها الحارّة ، وبالجملة ليس له نظير في المنفعة من أوجاع الرحم ، ويوافق قروح الرأس
الرطبة ، والثواليل ونخالة الرأس وهو بالجملة محلّل ، وإذا شرب أسهل مرّة الصفراء ، ويدرّ البول وهو رديء للمعدة مغث .
وقال ماسرجويه : دهن
الرازقيّ حارٌّ لطيف ينفع من وجع العصب والكليتين الّذي يكون من البرد ، ومن الفالج والارتعاش والكزاز ، ووجع الأمراض الّتي
__________________
تكون
من البرد ، وضعف الأعضاء ، إذا تمرّخ به ، وقد يقوّي الأعضاء الباطنة إذا تمرّخ بها لطيبها .
وقال التميميُّ في المرشد
: حسن التأثير في تحليل أوجاع الأعصاب الكائنة من البرودة ، ورياح البلغم ، مسكّن لها ، محلّل لما يعرض لأصلها من التعقيد والالتواء
والتقبّض ، ويحلّل الورم الحادث في عصبة السمع ، ومن السدّة الكائنة فيها من النزلات البلغميّة المنحدرة من الرأس . وإذا سخّن اليسير منه وقطر منه قطرات في الاُذن الثقيلة السمع حلّل ما فيها من الورم ، وفتح السدد الكائنة في مجرى السمع وسكن ما يعرض من الأوجاع الباردة السبب ، وقد ينفع من الخزاز وأنواع السعفة والثآليل والنار الفارسيّ والجراحات الحارّة والباردة . وقال في دهن الزنبق : قال سليمان بن حسان : يربّى السمسم بنَور الياسمين الأبيض ، ثمّ يعتصر منه دهن يقال له الزنبق .
وقال غيره : دهن
الياسمين حارٌّ يابس نافع من الفالج والصرع واللقوة و الشقيقة الباردة والصداع البارد إذا دهّنت به الصدغان أو قطر في الأنف منه .
وإذا تمرّخ به جلب
العرق وحلّل الإعياء ، ونفع من وجع المفاصل ، وإذا عمل منه الشمع الأبيض قيروطى وحمل على الأورام الصلبة أنضجها وحلّلها ، وإذا دقّ ورق الياسمين الرطب وطلي بدهن الخلّ قام مقام الزنبق ـ انتهى ـ .
وأمّا الخيريّ فكأنّه
الّذي يقال له بالفارسيّة « شب بو » . وقال ابن بيطار : هو نبات معروف ، له زهر مختلف : بعضه أبيض وبعضه فرفريّ ، وبعضه أصفر . والأصفر نافع من أعمال الطبّ . قال جالينوس : جملة هذه النبات قوّته [ قوة ] تجلو وهي لطيفة مائيّة ، وأكثر ما توجد هذه القوّة في زهرته ، وفي اليابس من الزهرة أكثر منها في الرطب الطريّ . وقال في دهن الخيريّ : قال التميميّ : لطيف محلّل يوافق الجراحات ، وخاصّةً ما عمل من الأصفر منه ، وهو شديد التحليل لأورام الرحم ، والأورام الكائنة في المفاصل ، ولما يعرض من التعقّد والتحجّر في الأعصاب
__________________
والتقبّض
، وفعله في ذلك أكثر من جميع الأدهان المتّخذة من سائر الأزهار ، وقد يقوّي شعر الرأس ويكثفه ، ويدخل في المراهم المحلّلة للجراحات .
وقال في البنفسج : في
البرودة من الدرجة الأولى ، وفي الرطوبة من الثانية وفيه لطافة يسيرة ، يحلّل الأورام ، وينفع من السعال العارض من الحرارة ، وينوّم نوماً معتدلاً ، ويسكن الصداع من المرّة الصفراء والدم الحريف إذا شرب وإذا شمّ . والبنفسج اليابس يسهل المرّة الصفراء المحتبسة في المعدة والأمعاء ، وإن ضمد به
الرأس والجبين سكن الصداع الّذي يكون من الحرارة . وقال : دهن البنفسج يبرد ويرطب فينوّم ، ويعدل الحرارة الّتي لم تعتدل ، وهو طلاء جيّد للجرب ، وينفع من الحرارة والحراقة الّتي تكون في الجسد ، ومن الصداع الحارّ الكائن في الرأس سعوطاً ، وإذا قطر الحديث منه في الإحليل سكن حرقته وحرقة المثانة ، وإذا حلّ فيه شمع مقصور أبيض ودهّن به صدور الصبيان نفعهم من السعال منفعة قويّة ، وينفع من يبس الخياشيم وانتشار شعر اللحية والرأس تقصفه وانتشار شعر الحاجبين دهناً . وإذا تحسّى منه في حوض الحمّام وزن درهمين بعد التعّرق على الريق نفع من ضيق النفس ، ويتعاهد المستعمل له ذلك في كلّ جمعة مرّة واحدة ، وهو مليّن لصلابة المفاصل والعصب ، ويسهل حركة المفاصل ، ويحفظ صحّة الأظفار طلاء ، وينوّم أصحاب السهر لا سيّما ما عمل منه بحبّ القرع واللوز .
٨١
(
باب )
* ( الحبة السوداء ) *
١ ـ فقه الرضا عليهالسلام : قال : أروي عن العالم عليهالسلام أنّ حبّة السوداء مباركة يخرج الداء الدفين من البدن .
٢ ـ وعنه عليهالسلام أنّ حبّة السوداء شفاء من كلّ داء إلّا السام ، وعليكم بالعسل
وحبّة السوداء .
٣ ـ الطب
: عن الحسن بن شاذان ،
عن أبي جعفر ، عن أبي الحسن عليهالسلام
قال : سئل عن الحمّى
الغبّ الغالبة ، قال : يؤخذ العسل والشونيز ، ويلعق منه ثلاث لعقات ، فإنّها تنقلع ، وهما المباركان ، قال الله تعالى في العسل « يَخْرُجُ
مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ » . وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحبّة السوداء : شفاء من كلّ داء إلّا السام . قيل : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال
الموت . قال : وهذان لا يميلان إلى الحرارة والبرودة ولا إلى الطبائع ، إنّما هما شفاۤء
حيث وقعا .
٤ ـ ومنه
: عن القاسم بن أحمد
بن جعفر ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبي جعفر عن محمّد بن يعلى بن أبي عمرو ، عن ذريح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّي لأجد في بطني قراقراً ووجعاً . قال : ما يمنعك من الحبّة السوداء ؟ فإنّ فيها شفاءً من كلّ داء إلّا السام .
__________________
٥ ـ وعن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الحبّة السوداء إنّ فيها شفاءً من كلّ داء إلّا السام . فقيل : يا رسول الله وما السام ؟ قال : الموت
.
٦ ـ وعن زرارة بن
أعين ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام وقد سئل عن قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في الحبّة السوداء ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : نعم ، قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله واستثنى فيه فقال « إلّا السام » ولكن ألا أدلّك على ما هو
أبلغ منها ولم يستثن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ؟! قلت : بلى يا ابن رسول الله . قال
: الدعاء يردّ القضاء وقد اُبرم إبراماً ، والصدقة تطفىء الغضب ـ وضمّ أصابعه
ـ .
بيان :
كأنَّ ضمّ الأصابع تأكيد فعليّ للإبرام .
٧ ـ المكارم
: قال : قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّ هذه الحبّة السوداء فيه
شفاء من كلّ داء إلّا السام . فقلت : وما السام ؟ قال : الموت . قلت : وما الحبّة السوداء ؟ قال : الشونيز . قلت : وكيف أصنع ؟ قال : تأخذ إحدى وعشرين حبّة فتجعلها في خرقة وتنقعها في الماء ليلة ، فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن قطرة ،
وفي الأيسر قطرة ، فإذا كان في اليوم
الثاني قطرت في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة ، فإذا كان في اليوم الثالث قطرت في الأيمن قطرة
وفي الأيسر قطرتين تخالف بينهما ثلاثة أيّام . قال سعد : وتجدّد الحبّ في كلّ يوم
.
٨ ـ وعن الصادق عليهالسلام قال : الحبّة السوداء شفاء من كلّ داء ، وهي حبيبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم . فقيل له : إنّ الناس يزعمون أنّها
الحرمل ، قال : لا ، هي الشونيز فلو أتيت أصحابه فقلت أخرجوا إليّ حبيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله لأخرجوا
إليَّ الشونيز .
__________________
٩ ـ عن الفضل
قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أنّي ألقى من البول شدّة فقال : خذ من الشونيز في آخر الليل .
١٠ ـ عنه عليهالسلام قال : إنّ في الشونيز شفاءً من كلّ داء ، فأنا آخذه للحمّى والصداع والرمد ، ولوجع البطن ولكلّ ما يعرض لي من الأوجاع ، يشفيني الله عزّ وجلّ به .
بيان وتأييد : أقول الخبر الأوّل لعلّه مأخوذ من كتب العامّة ، رووه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وفيها « وإذا أصبحت قطرت في المنخر [ ين
] الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين ، فإذا كان من الغد قطرات في المنخر الأيمن اثنتين
وفي الأيسر واحدة ، فإذا كان اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين
» وهو الصواب .
وقال صاحب فتح الباري
بعد إيراد هذه الرواية : ويؤخذ من ذلك أنّ معنى كون الحبّة شفاءً من كلّ داء أنّها لا تستعمل في كلّ داء صرفاً ، بل ربما استعمل مسحوقة وغير مسحوقة ، وربما استعملت أكلاً وشرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك .
وقيل : إنّ قوله « من
كلّ داء » تقديره : تقبل العلاج بها ، فإنّها إنّما تنفع من الأمراض الباردة ، وأمّا الحارّة فلا ، نعم قد يدخل في بعض الأمراض الحارّة
اليابسة بالعرض ، فيوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها ، واستعمال
الحارّ في بعض الأمراض الحارّة لخاصيّة فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنّه حارٌّ
ويستعمل في أدوية الرمد المركّبة ، مع أنّ الرمد ورم حارّ باتّفاق الأطبّاء .
وقد قال أهل العلم
بالطبّ : إنّ طبع الحبّة السوداء حارٌّ يابس ، وهي مذهبة للنفخ ، نافعة من حمّى الرِّبع والبلغم ، مفتّحة للسدد والريح ، وإذا دقّت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحارّ أذابت الحصاة وأدرّت البول والطمث ، وفيها جلاء وتقطيع ، وإذا دقّت وربطت بخرقة من كتان وأديم شمّها نفع من الزكام البارد
__________________
وإذا
نقع منها سبع حبّات في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان أفاده ، وإذا شرب منها وزن مثقال بماء أفاده من ضيق النفس . والضماد بها ينفع من الصداع البارد . و إذا طبخت بخلّ وتمضمض بها نقعت من وجع الأسنان الكائن عن برد .
وقد ذكر ابن بيطار
وغيره ممّن صنّف المفردات في منافعها هذا الّذي ذكرته وأكثر منه .
وقال الخطابيّ : قوله
« من كلّ داء » هو من العامّ الّذي يراد به الخاصّ ، لأنّه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور الّتي تقابل الطبائع كلّها في
معالجة الأدواء بمقابلها ، وإنّما المراد أنّها شفاء من كلّ داء يحدث من الرطوبة .
قال أبو بكر ابن
العربيّ : العسل عند الأطبّاء أقرب إلى أن يكون دواء من كلّ داء ومع ذلك فإنّ من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذّى به ، فإذا كان المراد بقوله في العسل « فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ » الأكثر الأغلب فحمل الحبّة السوداء على ذلك أولى .
وقال غيره : كان عليهالسلام يصف الدواء بحسب ما يشاهد من حال المريض ، فلعلّ قوله في الحبّة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد ، فيكون معنى قوله « شفاء من كلّ داء » أي من هذا الجنس الّذي وقع القول فيه ، والتخصيص بالجنسيّة كثير شائع ، والله أعلم .
وقال الشيخ محمّد بن
أبي حمزة : تكلّم الناس في هذا الحديث ، وخصّوا عمومه وردّوه إلى قول أهل الطبّ والتجربة ، ولا خفاء بغلط قائل ذلك ، لأنّا إذا صدّقنا أهل الطبّ ـ ومدار علمهم غالباً إنّما هو على التجربة الّتي بناؤها على الظنّ
غالباً ـ فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم ـ انتهى ـ . وقد تقدّم توجيه حمله على عمومه ، بأن يكون المراد بذلك ما هو أعمُّ من الإفراد والتركيب ، ولا
محذور في ذلك ، ولا خروج عن ظاهر الحديث ، والله أعلم .
وقال : الشونيز بضمّ
المعجمة وسكون التحتانيّة بعدها زاي . وقال القرطبيّ :
__________________
قيّد
بعض مشايخنا الشين بالفتح ، وحكى عياض عن ابن الأعرابيّ أنّه كسرها فأبدل الواو ياءً ، فقال : « الشينيز » وتفسير الحبّة السوداء بالشونيز لشهرة
الشونيز عندهم إذ ذاك ، وأمّا الآن فالأمر بالعكس ، والحبّة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير . وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر ، الأشهر وهي الكمون الأسود
ويقال لها أيضاً الكمون الهنديّ .
ونقل إبراهيم الحربيّ
في غريب الحديث عن الحسن البصريّ أنّها الخردل . وحكى أبو عبيد الهرويّ في الغريبين أنّها ثمرة البطم ـ بضمّ الموحّدة وسكون المهملة ـ .
وقال الجوهريّ : هو
صمغ شجرة يدعى « الكمكام »يجلب من اليمن ورائحتها طيّبة ، ويستعمل في البخور . قلت : وليس المراد هنا جزماً . وقال القرطبيّ : تفسيرها
بالشونيز أولى من وجهين : أحدهما أنّه قول الأكثر ، والثاني كثرة منافعها بخلاف الخردل والبطم ـ انتهى كلام ابن حجر ـ .
وقال ابن بيطار : الحبّة
السوداء يقال على الشونيز وعلى التشميزج والبشمة عند أهل الحجاز . وقال : البشمة اسم حجازيّ للحبّة السوداء المستعملة في علاج
العين يؤتى بها من اليمن .
١١ ـ الدعائم
: عن جعفر بن محمّد ، عن
أبيه عليهماالسلام أنّه سئل عن قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في الحبّة السوداء ، قال : قد قال ذلك . قيل وما قال ؟ قال
: فيها شفاء من كلّ داء إلّا السام ـ يعني الموت ـ ثمّ قال أبو جعفر عليهالسلام للسائل : ألا أدلّك على ما لم يستثن فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ قال : بلى ، قال : الدّعاء فإنّه يردّ
القضاء وقد اُبرم إبراماً وضمّ أصابعه من كفيّه وجمعهما جميعاً واحدة إلى الاُخرى : الخنصر
بحيال الخنصر كأنّه يريك شيئاً ـ .
__________________
٨٢
(
باب العناب )
١ ـ المكارم
: عن عليّ عليهالسلام قال : العنّاب يذهب بالحمىّ
.
٢ ـ عن ابن أبي
الخضيب قال : كانت عيني قد ابيضّت ولم أكن اُبصر بها شيئاً ، فرأيت أمير المؤمنين عليهالسلام في المنام فقلت : يا سيّدي ، عيني قد
أصابت إلى ما ترى . فقال : خذ العنّاب ، فدقّه فاكتحل به . فأخذت
العنّاب فدققته بنواه و كحلتها ، فانجلت عن عيني الظلمة ، ونظرت أنا إليها إذا هي
صحيحة .
٢ ـ قال الصادق عليهالسلام : فضل العنّاب على الفاكهة كفضلنا على سائر الناس
.
بيان :
« قد أصابت » أي العلّة صائراً إلى ما ترى . وقال في عجائب المخلوقات : العنّاب شجرة مشهورة ، وورقها ينفع من وجع العين الحارّ ، وثمرها تنشف الدم فيما زعموا ، حتّى ذكروا أنّ مسّها أيضاً يفعل ذلك الفعل فإذا أرادوا حملها من بلد
إلى بلد كلّ يوم حملوها على دابّة اُخرى حتّى لا ينشف دم الدابّة الواحدة .
وقال جالينوس : ما
ينشف الدم وإنّما يغلظه ـ انتهى ـ .
وقال ابن بيطار نقلاً
عن المسيح : حارٌّ رطب في وسط الدرجة الاُولى ، والحرارة فيه أغلب من الرطوبة ، ويولّد خلطاً محموداً إذا اُكل أو شرب ماؤه ، ويسكن حدّة الدم وحراقته ، وهو نافع من السعال ومن الربو ووجع الكليتين والمثانة ووجع الصدر ، والمختار منه ما عظم من حبّه ، وإذا اُكل قبل الطعام فهو أجود .
__________________
٨٣
(
باب الحلبة )
١ ـ من أصل قديم لبعض
أصحابنا أظنّه التلعكبريّ ، عن سهل بن أحمد الديباجيّ عن محمّد بن محمّد بن الأشعث ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالحلبة ولو بيع وزنها ذهباً .
٢ ـ المكارم
: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليكم بالحلبة ، ولو يعلم اُمّتي ما لها في الحلبة لتداووا بها ولو بوزنها ذهباً
.
٣ ـ الدعائم
: عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : تداووا بالحلبة ، فلو يعلم اُمّتي ما لها في الحلبة لتداوت بها ولو بوزنها من ذهب .
٨٤
(
باب )
* ( الحرمل والكندر ) *
١ ـ الطب
: عن إبراهيم بن خالد ،
عن إبراهيم بن عبد ربّه ، عن عبد الواحد بن ميمون عن أبي خالد الواسطيّ ، عن زيد بن عليّ رفعه إلى آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما أنبت الحرمل من شجرة ولا ورقة ولا ثمرة إلّا وملك موّكل
بها حتّى تصل إلى من وصلت إليه أو تصير حطاماً . وإنّ في أصلها وفرعها نشرة
__________________
وإنّ
في حبّها الشفاء من اثنين وسبعين داءً ، فتداووا بها وبالكندر
.
٢ ـ وعن أبي عبد الله
الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن الحرمل واللبان ، فقال : أمّا
الحرمل فما تقلقل له عرق في الأرض ولا ارتفع له فرع في
السماۤء إلّا وكّل به ملك حتّى يصير حطاماً أو يصير إلى ما صارت ، وإنّ الشيطان ليتنكّب سبعين داراً دون الدار الّتي هو فيها ، وهو شفاء من سبعين داءً أهونه الجذام فلا تغفلوا عنه
.
بيان :
قال الجوهريّ : النشرة هي كالتعويذ والرقية . وقال في النهاية : النشرة ـ بالضمّ ـ : ضرب من الرقية والعلاج ، يعالج به من كان يظنّ أنّ به مسّاً من الجنّ ، سمّيت نشرة لأنّه ينشر بها عنه ما خامره من الداء ، أي يكشف ويزال .
٣ ـ المكارم
: عن محمّد بن الحكم
قال : شكى نبيٌّ إلى الله عزّ وجلّ جبن اُمّته فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : مر اُمّتك تأكل الحرمل .
وفي رواية : مرهم
فليسقوا الحرمل ، فإنّه يزيد الرجل شجاعة .
٤ ـ ومنه
: سئل الصادق عليهالسلام عن الحرمل واللبان ، فقال : أمّا الحرمل فما تقلقل له عرق في الأرض ولا ارتفع له فرع في السماء إلّا وكّل الله
عزّ وجلّ به ملكاً حتّى يصير حطاماً أو يصير إلى ما صار إليه ، فإنّ الشيطان قد يتنكّب
سبعين داراً دون الدار الّتي فيها الحرمل ، وهو شفاء من سبعين داءً أهونه الجذام ، فلا
يفوتنّكم قال : وأمّا اللبان فهو مختار الأنبياء عليهمالسلام من قبلي ، وبه كانت تستعين مريم عليهاالسلام
وليس دخان يصعد إلى
السماء أسرع منه ، وهو مطردة الشياطين ، ومدفعة للعاهة فلا يفوتنّكم .
__________________
٥ ـ الفردوس
: عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من شرب الحرمل أربعين صباحاً كلّ يوم مثقالاً لاستنار الحكمة في قلبه ، وعوفي من اثنين وسبعين داءً أهونه
الجذام .
توضيح :
قد مرّ وصف الحرمل . وقال ابن بيطار : اللبان هو الكندر ، وقال : يحرق الدم والبلغم ، وينشف رطوبات الصدر ، ويقوّي المعدة الضعيفة ، ويسخّنه والكبد إذا بردتا ، وإن أنقع منه مثقالاً في ماء وشرب كلّ يوم نفع من البلغم وزاد في الحفظ وجلا الذهن وذهب بكثرة النسيان ، غير أنّه يحدث لشاربه إذا أكثر منه صداعاً ، ويهضم الطعام ويطرد الريح . وقال جالينوس : إذا اكتحل به العين الّتي
فيها دم محتقن نفع من ذلك وحلّله . ثمّ ذكر له خواصَّ كثيرة .
٨٥
(
باب )
* ( السعد والاشنان ) *
١ ـ المكارم
: عن إبراهيم بن بسطام
قال : أخذني اللصوص وجعلوا في فمي الفالوذج حتّى نضج ثمّ حشوه بالثلج بعد ذلك ، فتساقطت
أسناني وأضراسي فرأيت الرضا عليهالسلام في النوم فشكوت إليه ذلك قال : استعمل
السعد ، فإنّ أسنانك تنبت . فلمّا حمل إلى خراسان بلغني أنّه مارٌّ بنا ، فاستقبلته وسلّمت
عليه وذكرت له حالي وأنّي رأيته في المنام وأمرني باستعمال السعد ، فقال : وأنا آمرك به في
اليقظة . فاستعملته فعادت إليَّ أسناني وأضراسي كما كانت
.
__________________
٢ ـ ومنه
: عن الباقر عليهالسلام كان إذا توضّأ بالاشنان أدخله فاه فتطاعمه
ثمّ رمى به ، وقال : الإشنان رديء ، يبخّر الفم ، ويصفّر اللون ، ويضعّف الركبتين وأنا اُحبّه .
بيان :
كأنّ المراد بالتطاعم المضغ ، والحبّ لعلّه للمضغ وغسل الفم ، والمفاسد على الأكل .
وقال الفيروز آباديّ :
الاشنان ـ بالضمّ والكسر ـ معروف نافع للجرب والحكّة ، جلّاء منقّ مدرٌّ للطمث مسقط للأجنّة .
أقول : وذكر ابن
بيطار له فوائد كثيرة ، وقد مرّ الكلام في السعد وفوائده .
٣ ـ الخصال
: عن أبيه ، عن محمّد
بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله الرازيّ ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : أكل الإشنان يوهن الركبتين
ويفسد ماء الظهر .
٤ ـ المحاسن
: عن الحسين بن سعيد ،
عن أحمد بن يزيد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : أكل الاشنان يبخّر الفم .
الكافي :
عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد مثله
.
٥ ـ ومنه
: عن بعض أصحابه ، عن
جعفر بن إبراهيم الحضرمي ، عن سعد بن سعد ، قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام إنّا نأكل الإشنان . فقال : كان أبو الحسن
عليهالسلام
إذا توضّأ ضمّ شفتيه
وفيه خصال تكره إنّه يورث السلّ ويذهب بماء الظهر ويوهن
__________________
الركبتين
ـ الخبر ـ .
بيان :
قوله عليهالسلام « إذا توضّأ » أي كان عليهالسلام إذا غسل يده وفمه بعد الطعام بالإشنان ضمّ شفتيه لئلّا يدخل الفم شيء منه فكيف يكون أكله حسناً .
٦ ـ الكافي
: عن العدّة ، عن أحمد
بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن الزّبرقان عن الفضيل بن عثمان ، عن أبي عزيز المراديّ قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : اتّخذوا في أسنانكم السعد ، فإنّه يطيّب الفم ويزيد في الجماع
.
٨٦
(
باب )
* ( الهليلج والاملج والبليلج ) *
١ ـ الطب
: عن المسيّب بن واضح ـ
وكان يخدم العسكريَّ عليهالسلام ـ عن أبيه ، عن جدّه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام قال : لو علم الناس ما في الهليلج
الأصفر لاشتروها بوزنها ذهباً . وقال لرجل من أصحابه : خذ هليلجة صفراء وسبع حبّات فلفل واسحقها وانخلها واكتحل بها .
٢ ـ الفردوس
: عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : الهليلجة السوداء من شجر الجنّة .
توضيح وتأييد : قال ابن بيطار نقلاً عن البصريّ : الهليلج على أربعة أصناف : فصنف أصفر ، وصنف أسود هنديّ صغار ، وصنف أسود كابليّ كبار ، وصنف حشف دقاق يعرف بالصينيّ . وقال الرازيّ : الأصفر منه يسهل الصفراء ، والأسود الهنديُّ يسهل السوداء ، فأمّا الّذي فيه عفوصة فلا يصلح للإسهال بل يدبغ المعدة ولا ينبغي
أن
__________________
أن
يتّخذ للإسهال ـ انتهى ـ .
وقال ابن سينا في
القانون : الهليلج معروف ، منه الأصفر الفج ، ومنه الأسود الهنديُّ وهو البالغ النضيج وهو أسخن ، ومنه كابليٌّ وهو أكبر الجميع ، ومنه صينيٌّ
وهو دقيق خفيف ، وأجوده الأصفر الشديد الصفرة الضارب إلى الخضرة الرزين الممتلىء الصلب ، وأجود الكابليّ ما هو أسمن وأثقل يرسب في الماء وإلى الحمرة وأجود الصينيّ ذو المنقار . وقيل : إنّ الأصفر أسخن من الأسود .
وقيل : إنّ الهنديَّ
أقلّ برودة من الكابليّ ، وجميعه بارد في الاُولى يابس في الثانية ، وكلّها تطفىء المرّة ، وتنفع منها ، والأسود يصفّي اللون ، وكلّها
نافعة من الجذام .
والكابليّ ينفع
الحواسّ والحفظ والعقل ، وينفع أيضاً من الصداع ، وينفع الأصفر للعين المسترخية وينفع موادّ تسيل كحلاً ، وينفع الخفقان والتوحّش شرباً وهو نافع لوجع الطحال وآلات الغذاء كلّها خصوصاً الأسودان فإنّهما يقوّيان المعدة وخصوصا المربّيان . ويهضم الطعام ، ويقوّي خمل المعدة بالدّبغ والتفتيح والتنشيف والأصفر دبّاغ جيّد للمعدة ، وكذلك الأسود ، والصينيّ ضعيف فيما يفعل الكابليّ وفي الكابليّ تغشية .
والكابليّ ينفع من
الاستسقاء . والكابليُّ والهنديُّ مقلوّان بالزيت يعقلان البطن . والأصفر يسهل الصفراء وقليلاً من البلغم ، والأسود يسهل السوداء وينفع من البواسير ، والكابليّ يسهل السوداء والبلغم .
وقيل : إنّ الكابليَّ
ينفع من القولنج ، والشربة من الكابليّ للإسهال منقوعاً من خمسة إلى أحد عشر درهما وغير منقوع إلى درهمين .
وأقول : وإلى أكثر
والأصفر . أقول : قد يسقي إلى عشرة وأكثر مدقوقاً منقوعاً في الماء . وينفع الكابليُّ من الحمّيات العتيقة ـ انتهى ـ .
وسيأتي ذكر الأملج في
الأدوية المركّبة . وذكر الأطبّاء له منافع عظيمة
__________________
قالوا
: بارد في الاُولى ، يابس في الثانية ، قابض يشدّ أصول الشعر ، ويقوّي المعدة والمقعدة ويدبغهما ويقبضهما ، ويقطع العطش ، ويزيد الفؤاد حدّةً وذكاءً ، ويهيّج الباه ، ويقطع البزاق والقيء ويطفىء حرارة الدم ، ويعقل البطن ويسوّد الشعر .
والمربّا منه يليّن
البطن ، وينفع البواسير ، ويشهّي الطعام ، ويقوّي الأعضاء الباطنة ، وخاصّة المعدة والأمعاء ، وهو مقوّ للعين أيضاً ، ويقوّي القلب والذهن والحفظ .
وقال ابن سينا : وبالجملة
هو من الأدوية المقوّية للأعضاء كلّها ، وإصلاحه بالعسل . وقالوا في البليلج : هو قريب الطعم من الأملج ، ولبّه حلو قريب من البندق .
قال ابن سينا : بارد
في الاُولى ، يابس في الثانية ، وفيه قوّة مطلقة ، وقوّة قابضة ، يقوّي المعدة بالدبغ والجمع وينفع من استرخائها ورطوبتها ولا شيء أدبغ للمعدة منه وربما عقل البطن وعند بعضهم يلين فقط وهو الظاهر وهو نافع للمعاء
المستقيم والمقعدة ـ انتهى ـ .
وقال بعضهم : هو لاحق
بالأملج في العمل والقوّة .
__________________
٨٧
(
باب )
* ( الادوية المركبة الجامعة للفوائد النافعة
لكثير من الامراض ) *
١ ـ الكافي
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن سعيد بن جناح عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : إنّ موسى بن عمران عليهالسلام شكى إلى ربّه تعالى البلّة والرطوبة ، فأمره الله أن يأخذ الهليلج والبليلج والأملج فيعجنه بالعسل
ويأخذه ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام : هو الّذي يسمّونه عندكم الطريفل
.
بيان :
للطريفل عند الأطبّاء نسخ كثيرة ، وعمدة أجزاء جميعها ما ورد في الخبر وأقربها منه الطريفل الصغير وهو مركّب من الهليلج الكابليّ والأسود والأصفر والأملج والبليلج أجزاء سواء ، وتلتّ بدهن اللوز ، ويعجن بالعسل ثلاثة أضعاف جميع الأجزاء ، ويستعمل بعد شهرين إلى ثلاث سنين ، وهو من أنفع الأدوية عندهم .
٢ ـ الفردوس
: عن ابن عبّاس ، عن النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم : الهليلج الأسود وبليلج وأملج يغلى بسمن البقر ويعجن بالعسل ـ يعني الطريفل ـ .
٣ ـ الطب
: عبد الله والحسين
ابنا بسطام قالا : أملى علينا أحمد بن رياح المتطبّب هذه الأدوية وذكر أنّه عرضها على الإمام فرضيها وقال : إنّها تنفع بإذن الله تعالى من المرّة السوداء والصفراء والبلغم ووجع المعدة والقيء والحمّى
والبرسام وتشقّق اليدين والرجلين والاُسر والزّحير ووجع الكبد والحرّ في الرأس ، وينبغي أن يحتمي من التمر والسمك والخلّ والبقل ، وليكن طعام من يشربه زيرباجة بدهن سمسم ، يشربه ثلاثة أيّام كلّ يوم مثقالين ، وكنت أسقيه مثقالاً فقال العالم عليه السلام : مثقالين ، وذكر أنّه لبعض الأنبياء على نبيّنا وآله وعليه السلام .
يؤخذ من الخيار شنبر
رطل منقّى ، وينقع في رطل من ماء يوماً وليلةً ثمّ يصفّى
__________________
فيؤخذ
صفوه ويطرح ثفله ، ويجعل مع صفوه رطل من عسل ، ورطل من أفشرج السفرجل وأربعين مثقالاً من دهن الورد ، ثم يطبخه بنار لينة حتّى يثخن ، ثمّ ينزل عن النار
و يتركه حتّى يبرد . فإذا برد جعلت فيه الفلفل ودارفلفل وقرفة القرنفل وقرنفل وقاقلة
وزنجبيل ودارچيني وجوز بوا ، من كلّ واحد ثلاثة مثاقيل مدقوق منخول ، فإذا جعلت فيه هذه الأخلاط عجنت بعضه ببعض وجعلته في جرّة خضراء أو في قارورة ، والشربة مثقالين على الريق نافع بإذن الله عزّ وجلّ وهو
نافع لما ذكر ، وهو نافع لليرقان والحمّى الصلبة الشديدة الّتي يتخوّف على صاحبها البرسام والحرارة ووجع المثانة والإحليل :
قال : تأخذ خيار باذرنج
فتقشره ، ثمّ تطبخ قشوره بالماء ، مع اُصول الهندباء ثمّ تصفّيه وتصبّ عليه سكّر طبرزد ، ثمّ تشرب منه على الريق ثلاثة أيّام في كّل
يوم مقدار رطل ، فإنّه جيّد مجرّب نافع بإذن الله تعالى . لخفقان
الفؤاد والنفس العالي ووجع المعدة وتقويتها ووجع الخاصرة ، ويزيد في ماء الوجه ، ويذهب بالصفار ،
وأخلاطه أن تأخذ من الزنجبيل اليابس اثنين وسبعين مثقالاً ومن الدار فلفل أربعين مثقالاً ومن شبه وسادج وفلفل وإهليلج أسود وقاقلة مربّى وجوز طيب ونانخواه وحبّ الرمّان الحلو وشونيز وكمون كرمانيّ ، من كلّ واحد أربع مثاقيل ، يدقّ كلّه وينخل ثمّ تأخذ ستّمائة مثقال فانيد جيّد ، فتجعله في برنيّة وتصبّ فيه شيئاً
من ماء ثمّ توقد تحتها وقوداً ليّناً حتى يذوب الفانيد ، ثمّ تجعله في إناء نظيف ، ثمّ
تذرّ عليه الأدوية المدقوقة وتعجنها به حتّى تختلط ، ثمّ ترفعه في قارورة أو جرّة خضراء ، الشربة منه مثل الجوزة ، فإنّه لا يخالف أصلاً بإذن الله تعالى
.
__________________
دواء عجيب ينفع بإذن الله تعالى من ورم البطن ووجع المعدة ويقطع البلغم ويذيب الحصاة والحشو الّذي يجتمع في المثانة ولوجع الخاصرة : تأخذ من الهليلج الأسود والبليلج والأملج وكور وفلفل ودارفلفل ودارچيني وزنجبيل وشقاقل ووجّ وأسارون وخولنجان أجزاء سواء ، تدقّ وتنخل وتلتّ بسمن بقر حديث وتعجن جميع ذلك بوزنه مرّتين عسل منزوع الرغوة أو فانيذ جيّد ، الشربة منه مثل البندقة أو عفصة .
دواء لكثرة الجماع
وغيره ـ قال : هذا عجيب ـ : يسخّن الكليتين ، ويكثر صاحبه الجماع ، ويذهب بالبرودة من المفاصل كلّها ، وهو نافع لوجع
الخاصرة والبطن ، ولرياح المفاصل ، ولمن يشقّ عليه البول ولمن لا يستطيع أن يحبس بوله ولضربان الفؤاد والنفس العالي والنفخة والتخمة والدود في البطن ، ويجلو الفؤاد ويشهّي الطعام ، ويسكن وجع الصدر وصفرة العين وصفرة اللون واليرقان وكثرة العطش ، ولمن يشتكي عينه ، ولوجع الرأس ونقصان الدماغ ، وللحمّى النافض ولكلّ داء قديم وحديث جيّد مجرّب لا يخالف أصلاً ، الشربة منه مثقالان ، وكان عندنا مثقال فغيّره الإمام عليهالسلام .
تأخذ إهليلج أسود
وإهليلج أصفر وسقمونيا ، من كلّ واحد ستَّ مثاقيل ، وفلفل ودارفلفل وزنجبيل يابس ونانخواه وخشخاش أحمر وملح هنديّ ، من كلّ واحد أربعة مثاقيل ، ونارمشك وقاقلة وسنبل وشقاقل وعود البلسان وحبّ البلسان وسليخة مقشّرة وعلك رومي وعاقرقرحا ودارچينيّ ، من كلّ واحد مثقالين ، تدقّ هذه الأدوية كلّها ، وتعجن بعد ما تنخل غير السقمونيا ، فإنّه يدقّ على حدة ولا ينخل ، ثمّ يخلط جميعاً ، ويؤخذ خمسة وثمانون مثقالاً فانيد سجزيّ جيّد ، ويذاب كلّه في الطنجير بنار لينة ، ويلتّ به الأدوية ، ثمّ يعجن ذلك كلّه بعسل منزوع الرغوة ، ثمّ
__________________
يرفع
الرغوة في قارورة أو جرّة خضراء ، فاذا احتجت إليه فخذ منه على الريق مثقالين بما شئت من الشراب وعند منامك مثله فإنّه عجيب نافع لجميع ما وصفناه إنشاء الله تعالى .
بيان :
في القاموس : الاُسر ـ بالضمّ ـ : احتباس البول . وقال صاحب بحر الجواهر : الزيرباج هي المرقة الّتي تتّخذ من الخلّ والفواكه اليابسة ، وتطيّب بالزعفران ، ويطرح فيها مثل الكمون ، ويحلى ببعض الأشياء الحلوة . وفي بعض النسخ « اماجة » وكأنّها الشورباجة المعمولة من الخمير .
قوله « وذكر أنّه » الظاهر
أنّه متعلّق بالدواء الآتي ويحتمل تعلّقه بالدواء الماضي . « حتّى يثخن » في أكثر النسخ بالثاء المثلّثة أي يحصل فيه قوام ، وفي بعض
النسخ بالسين ، والأوّل أظهر .
وقال صاحب بحر
الجواهر : « أفشرج » معرّب « أفشرده » وهي الّتي تتّخذ من النباتات الّتي لها مياه فتدقّ ويعصر ماؤها ولا تطبخ ، وتشمّس
حتّى تصير ربّاً .
وفي القاموس : القرف ـ
بالكسر ـ : القشر ، أو قشر المقل ، وقشر الرمّان ولحاء الشجر وبهاء القشرة ، وضرب من الدارصينيّ ، لأنّ منه الدارصينيّ على الحقيقة ، ويعرف بدارصينيّ الصين . وجسمه أشحم وأثخن وأكثر تخلخلاً ، ومنه المعروف بالقرفة على الحقيقة أحمر أملس مائل إلى الحلو ظاهره خشن ، برائحة عطرة وطعم حارّ حريف . ومنه المعروف بقرفة القرنفل ، وهي رقيقة صلبة إلى السواد بلا تخلخل أصلاً ، ورائحتها كالقرنفل ، والكلّ مسخّن ملطّف مدرّ مجفّف محفظ باهيّ ـ انتهى ـ .
وقد مرّ هذا الدواء
بعينه في باب علاج البطن .
وقوله « والحمّى
الصلبة » يحتمل أن يكون استئناف كلام وبياناً للدواء
__________________
المذكور
بعده ، ويحتمل تعلّقه بالسابق ، ويكون قوله « والحرارة » أوّل الكلام ويحتمل أن يكون « وهو نافع لليرقان » أوّل الكلام ويكون الضمير راجعاً إلى الدواء الآتي ، لما مرّ في باب الحمّى أنّ الرضا عليهالسلام داوى صاحب اليرقان بماء قشور الخيار باذرنج .
وقال ابن بيطار : شبه
ويقال له شبهان ، وهو ضرب من الشوك ، وهي شجرة شبه شجرة الملوخ ، وعلى أغصانها شوك صغار وتورد ورداً لطيفاً أحمر حمرة خفيفة وتعقد حبّاً كالشهدانج إذا اعتصر خرجت منه لزوجة كثيرة مائيّة لزجة جدّاً ، وهذا الخشب وعصارته من أبلغ الأدوية نفعاً لنهش ذوات السموم من الهوامّ ، وقيل : بزرها دسم لزج إذا شرب نفع من السعال ، وفتّت الحصاة الّتي في
المثانة ، وكان صالحاً ، وأدرّ البول ، وأصلها وورقها إذا دقّت وسحقت
وتضمد بها حلّلت الجراحات في ابتدائها والأورام البلغميّة .
وقال : السادج تشبه
رائحتها رائحة الناردين ، تنبت في أماكن من بلاد الهند فيها حصاة ، وهو ورق يظهر على وجه الماء في تلك المواضع بمنزلة عدس الماء ، وليس له أصل ، وإذا جمعوه على المكان يشيلونه في خيط كتان ويجفّفونه ويخزنونه . وقال جالينوس : قوّته شبيهة بقوّة الناردين ، غير أنّ الناردين أشدُّ فعلاً منه . وأمّا
السادج فإنّه أدرُّ للبول منه ، وأجود للمعدة ، وهو صالح لأورام العين الحارّة إذا
غلى بشراب ولطخ بعد السحق على العين ، وقد يوضع تحت اللسان لطيب النكهة ويجعل مع الثياب ليحفظها من التأكّل ويطيّب رائحتها . وقال الرازيّ : حارٌّ في الثالثة يابس في الثانية . وقال في المنصوريّ : إنّه نافع للخفقان والبخر .
وقال : جوزبوا هو جوز
الطيب ، وقوّته من الحرارة واليبوسة من الدرجة الثانية ، حابس للطبيعة ، مطيّب للنكهة والمعدة ، نافع من ضعف الكبد والمعدة
__________________
هاضم
للطعام ، نافع للطحال وينفع من السّبل ، ويقوّي البصر ، وينفع من عسر البول ويمنع من لزق الأمعاء ، ومن استطلاق البطن إذا كان عن برد ، وبالجملة فهو نافع للمرطوبين المبرودين .
وفي القاموس : البرنيّة
إناء من خزف . والوجّ دواء معروف . قال في بحر الجواهر : هو بالفتح أصل نبات ينبت بالحياض وشطوط المياه ، فارسيّة « برج » حارّ يابس في الثالثة ، ملطف للأخلاط الغليظة ، ويدرّ البول ، ويذهب صلابة الطحال ويقلع بياض العين ، ويجلو ظلمتها ، وينفع أوجاع الجنب والصدر والمغص ، وإذا شرب مع العسل ينفع من وجع الرأس العتيق ، وإذا شرب منه درهم أسهل الصفراء والبلغم والسوداء ، وينفع من نزول الماء في العين ، جيّد لثقل اللسان . وقال : أسارون حشيشة ذات بزور كثيرة طيّبة الرائحة ، لذّاعة للّسان ،
لها زهر بين الورق عند اُصولها ، لونها فرفيريّ شبيه بزهر البنج ، حارّ يابس في الثانية ، وقيل : يبسه
أقلُّ من حرّه ، يسكن أوجاع الباطن كلّها ، ويلطف ويسخن ويفتح سدد الكبد ويفيد وجع الورك ، ويسهل البلغم من الاستسقاء ، مدرٌّ مقوّ للمثانة والكلية
والمعدة مفتّت لحصاة الكلية . وقال : العفص ـ كفلس ـ : مازو . وقال ابن بيطار : فانيذ سجزيّ ـ بالسين والزّاي ـ : منسوب إلى سجستان .
٤ ـ الطب
: عن أحمد بن العبّاس
بن المفضّل ، عن أخيه عبد الله ، قال : لدغتني العقرب فكادت شوكته حين ضربتني تبلغ بطني من شدّة ما ضربتني ، وكان أبو الحسن العسكريّ عليهالسلام جارنا ، فصرت إليه فقلت :
إنّ ابني عبد الله لدغته العقرب وهو ذا يتخوّف عليه .
فقال : اسقوه من دواء
الجامع فإنّه دواء الرضا عليهالسلام . فقلت : وما هو ؟ قال : دواء معروف . قلت : مولاي فإنّي لا أعرفه . قال : خذ سنبل وزعفران وقاقلة :
__________________
وعاقرقرحا
وخَربق أبيض وبنج وفلفل أبيض ، أجزاء سواء بالسويّة ، وأبرفيون جزءين ، يدقّ دقّاً ناعماً وينخل بحريرة ويعجن بعسل منزوع الرغوة ، ويسقى منه للسعة الحيّة والعقرب حبّة بماء الحلتيت ، فإنّه يبرأ من ساعته . قال فعالجناه به ، وسقيناه فبريء من ساعته ، ونحن نتّخذه ونعطيه للناس إلى يومنا هذا .
بيان :
قوله « فصرت إليه » كذا في النسخ ، والظاهر « فصار إليه أبي » أو « فقال أبي » . وقال في القانون : الخربق الأسود أشدُّ حرارة من الأبيض ، وحارٌّ يابس إلى
الثالثة وهو محلّل ملطف قويّ الجلاء ، والأبيض أشدُّ مرارة ، وإذا أكلته الفار ماتت . وذكر لهما منافع ومضارّ لا حاجة بنا إلى ذكرها .
والحلتيت ـ بالتاء
والتاء أيضاً في الأخير ـ صمغ الأنجدان . وقال بعضهم : ينفع من لسعة العقرب منفعة بالغة شرباً وطلاء .
٥ ـ الطب
: عن إبراهيم بن محمّد
، عن إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم ، عن الفضل بن ميمون الأزديّ عن أبي جعفر ابن عليّ بن موسى عليهمالسلام قال : قلت يا ابن رسول الله إنّي أجد من هذه الشوصة وجعاً شديداً . فقال له خذ حبّة واحدة من دواء الرضا عليهالسلام مع شيء من زعفران ، واطل به حول الشوصة . قلت : وما دواء أبيك ؟ قال الدواء الجامع وهو معروف عند فلان وفلان . قال : فذهبت إلى أحدهما وأخذت منه حبّة واحدة ، فلطخت به ما حول الشوصة مع ما ذكره من ماء الزعفران فعوفيت منها .
بيان :
قال الفيروز آباديّ : الشوصة وجع في البطن ، أو ريح تعتقب
في الأضلاع ، أو ورم في حجابها من داخل ، واختلاج العروق . وقال جالينوس : هو ورم في حجاب الأضلاع من داخل .
٦ ـ الطب
: عن أحمد بن المستعين
، عن صالح بن عبد الرحمان ، قال : شكوت إلى الرضا عليهالسلام داء بأهلي من الفالج واللقوة . فقال : أين
أنت من دواء أبي ؟ قلت :
__________________
وما
هو ؟ قال : الدواء الجامع ، خذ منه حبّة بماء المرزنجوش ، واسعطها به فإنّها تعافى بإذن الله تعالى .
٧ ـ ومنه
: عن محمّد بن عليّ بن
زنجويه المتطبب ، عن عبد الله بن عثمان ، قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهمالسلام برد المعدة في معدتي وخفقاناً في فؤادي . فقال : أين أنت عن دواء أبي ـ وهو الدواء الجامع ـ ؟ ! قلت : يا ابن رسول
الله وما هو ؟ قال : معروف عند الشيعة . قلت : سيّدي ومولاي ، فأنا كأحدهم فأعطني صفته حتّى اُعالجه واُعطي الناس . قال : خذ زعفران وعاقرقرحا وسنبل وقاقلة وبنج وخربق أبيض وفلفل أبيض أجزاء سواء ، وأبرفيون جزءين ، يدقّ ذلك كلّه دقّاً ناعماً وينخل بحريرة ويعجن بضعفي وزنه عسلا منزوع الرغوة ، فيسقى صاحب خفقان الفؤاد ، ومن به برد المعدة حبّة بماء كمون يطبخ ، فإنّه يعافى بإذن الله تعالى .
٨ ـ ومنه
: عن عبد الرحمان بن
سهل بن مخلّد عن أبيه قال : دخلت على الرضا عليه السلام فشكوت إليه وجعاً في طحالي أبيت مسهراً منه وأظلّ نهاري متلبّداً من شدّة وجعه . فقال : أين أنت من الدواء الجامع ؟ يعني الأدوية المتقدّم ذكرها غير أنّه قال : خذ حبّة منها بماء بارد وحسوة خلّ . ففعلت ما أمرني به ، فسكن ما
بي بحمد الله .
بيان :
قال في القاموس : لبد ـ كصرد وكتف ـ : من لا يبرح منزله ولا يطلب معاشاً ، وتلبّد الطائر بالأرض جثم عليها . وفي بعض النسخ « متلدّداً » أي متحيّراً
.
٩ ـ الطب
: عن محمّد بن كثير
البروديّ ، عن محمّد بن سليمان ، وكان يأخذ علم أهل البيت عن الرضا عليهالسلام قال : شكوت إلى عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام وجعاً
__________________
بجنبي
الأيمن والأيسر ، فقال لي : أين أنت عن الدواء الجامع ؟ فانّه دواء مشهور وعنى به الأدوية الّتي تقدّم ذكرها .
وقال : أمّا للجنب
الأيمن ، فخذ منه حبّة واحدة بماء الكمون يطبخ طبخاً وأمّا للجنب الأيسر فخذ بماء أصول الكرفس يطبخ طبخاً فقلت : يا ابن رسول الله !آخذ منه مثقالاً أو
مثقالين ؟ قال ، لا بل وزن حبّة واحدة تشفى بإذن الله تعالى
.
ومنه :
عن محمّد بن عبد الله الكاتب ، عن أحمد بن إسحاق ، قال : كنت كثيراً ما اُجالس الرضا عليهالسلام فقلت : يا ابن رسول الله ، إنّ أبي
مبطون منذ ثلاث ليال لا يملك بطنه ، فقال : أين أنت من الدواء الجامع ؟ قلت لا أعرفه . قال : هو
عند أحمد بن إبراهيم التمّار ، فخذ منه حبّة واحدة واسق أباك بماء الآس المطبوخ فإنّه يبرء من ساعته .
قال :
فصرت إليه ، فأخذت منه شيئاً كثيراً ، وأسقيته حبّة واحدة فسكن من ساعته .
بيان :
قال ابن بيطار : الآس كثير بأرض العرب ، وخضرته دائمة ، ينموّ حتّى يكون شجراً عظيماً ، وله زهرة بيضاء طيّبة الرائحة ، وثمرة سوداء إذا أينعت ، و تحلو وفيها مع ذلك علقمة . وقد يؤكل ثمره رطباً ويابساً لنفث الدم ولحرقة المثانة . وعصارة الثمر وهو رطب يفعل فعل الثمرة . وهي جيّدة للمعدة ، مدرّة للبول .
وورقه إذا دقّ وسحق
وصبّ عليه الماء وخلط به شيء يسير من زيت أو دهن ورد وخمر وتضمد به وافق القروح الرطبة ، والمواضع الّتي تسيل إليها الفضول ، و الإسهال المزمن .
__________________
وقيل :
الآس بارد في الأولى يابس في الثانية ، ونافع من الحرارة والرطوبة قاطع للإسهال المتولّد من المرّة الصفراء ، نافع للبخار الحارّ الرطب إذا شمّ ، وحبّه
صالح للسعال واستطلاق البطن الحادث من المرّة الصفراء .
وقال في القانون : ليس
في الأشربة ما يعقل وينفع من أوجاع الرّئة والسعال غير شرابه . وورقه ينفع السجج الخفّ ذروراً وضماداً ، وربّه يمنع سيلان الفضول إلى المعدة ، وينفع حرقة البول ، وهو جيّد في منع درور الحيض ، وماء ورقه يعقل الطبيعة ، ويحبس الإسهال المراريّ طلاءً ، وإذا شرب ذلك مع دهن الحلّ عصر البلغم وأسهله .
١١ ـ الطب
: عن محمّد بن حكام
، عن محمّد بن النضر مؤدّب ولد أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهمالسلام قال : شكوت إليه ما أجد من الحصاة . فقال
: ويحك ! أين أنت عن الجامع دواء أبي ؟ فقلت : يا سيّدي ومولاي أعطني صفته : فقال هو عندنا ، يا جارية أخرجي البستوقة الخضراء . قال : فأخرجت البستوقة ، وأخرج منها مقدار حبّة . فقال : اشرب هذه الحبّة بماء السداب ، أو بماء الفجل المطبوخ ، فانّك
تعافى منه . فقال . فشربته بماء السداب ، فوالله ما
أحسست بوجعه إلى يومنا هذا .
١٢ ـ ومنه
: عن عبد الله بن
بسطام ، عن إبراهيم بن النضر من ولد ميثم التمّار بقزوين ونحن مرابطون عن الأئمّة بها ، أنّهم وصفوا هذه
الدواء لأوليائهم ، وهو الدواء الّذي يسمّى [ الدواء ] الشافية ، وهو خلاف الدواء الجامعة ،
فإنّه [ نافع ] للفالج العتيق والحديث ، وهو للّقوة العتيقة والحديثة ، والدبيلة ما حدث منها و
__________________
ما
عتق ، والسعال العتيق والحديث ، والكزاز ، وريح الشوكة ، ووجع العين ، و ريح السبل ـ وهي الريح الّتي تنبت الشعر في العين ـ ولوجع الرجلين من الخام العتيق ، وللمعدة إذا ضعفت ، وللأرواح الّتي تصيب الصبيان من أمّ الصبيان ، و
الفزع الّذي يصيب المرأة في نومها وهي حامل ، والسلّ الّذي يأخذ بالنفخ ـ وهو الماء الأصفر الّذي يكون في البطن ـ والجذام ، ولكلّ علامات المرّة والبلغم و النهشة ، ولمن تلسعه الحيّة والعقرب .
نزل به جبرئيل الروح
الامين على موسى بن عمران عليهالسلام حين أراد فرعون أن يسمّ بني إسرائيل ، فجعل لهم عيداً في يوم الأحد ، وقد تهيّأ فرعون واتّخذ لهم
طعاماً كثيراً ، ونصب موائد كثيرة ، وجعل السمّ في الأطعمة ، وخرج موسى عليهالسلام ببني إسرائيل وهم ستّمائة ألف ، فوقف لهم موسى عليهالسلام عند المضيف ، فردَّ النساء والولدان
وأوصى لبني إسرائيل فقال : لا تأكلوا من طعامهم ، ولا تشربوا من شرابهم حتى أعود إليكم
ثمّ أقبل على الناس يسقيهم من هذا الدواء مقدار ما تحمله رأس الابرة وعلم أنّهم
يخالفون أمره ويقعون في طعام فرعون ، ثمّ زحف وزحفوا معه .
فلمّا نظروا إلى نصب
الموائد أسرعوا إلى الطعام ووضعوا أيديهم فيه ، ومن قبل ما نادى فرعون موسى وهارون ويوشع بن نون ومن كلّ خيار بني إسرائيل وجّههم إلى مائدة لهم خاصّة وقال : إنّي عزمت على نفسي أن لا يلي خدمتكم وبرّكم غيري أو كبراء أهل مملكتي ! فأكلوا حتى تملّوا من الطعام ، وجعل فرعون يعيد السمّ مرّة بعد اُخرى .
فلمّا فرغوا من
الطعام وخرج موسى عليهالسلام وخرج أصحابه قال لفرعون : إنّا تركنا النساء والصبيان والأثقال خلفنا وإنّا ننتظرهم . قال فرعون إذاً يعاد
لهم الطعام ونكرمهم كما أكرمنا من معك ، فتوافوا وأطعمهم كما أطعم أصحابهم ، وخرج موسى عليه السلام إلى العسكر .
__________________
فأقبل فرعون على
أصحابه وقال لهم : زعمتم أنّ موسى وهارون سحرا بنا و أريانا بالسحر أنّهم يأكلون من طعامنا فلم يأكلوا من طعامنا شيئاً وقد خرجا وذهب السحر ، فأجمعوا ممّا قدرتم عليه على الطعام الباقي يومهم هذا ومن الغد لكي
يتفانوا ففعلوا ، وقد أمر فرعون أن يتّخذ لأصحابه خاصّة طعام لا سمّ فيه فجمعهم عليه ، فمنهم من أكل ومنهم من ترك ، فكلّ من اُطعم من طعامه نفخ
، فهلك من أصحاب فرعون سبعون ألفاً ذكراً ومائة وستّون ألفاً اُنثى ، سوى الدوابّ والكلاب وغير ذلك ، فتعجّب هو وأصحابه بما كان الله أمره أن يسقي أصحابه من الدواء والّذي يسمّى الشافية .
ثمَّ أنزل الله تعالى
على رسوله هذا الدواء ، نزل به جبرئيل عليهالسلام ، ونسخة الدواء هذه : تأخذ جزءً من ثوم مقشّر ، ثمَّ تشدخه ولا تنعم دقّه وتضعه في طنجير أو في قدر على قدر ما يحضرك ، ثمَّ توقد تحته بنار ليّنة ، ثمّ تصبّ عليه من سمن البقر قدر ما يغمره ، وتطبخه بنار ليّنة حتّى يشرب ذلك السمن ، ثمّ تسقيه مرّة بعد اُخرى حتّى لا يقبل الثوم شيئاً ، ثمّ تصبّ عليه اللبن الحليب ، فتوقد تحته
بنار ليّنة وتفعل ذلك مثل ما فعلت بالسمن ، وليكن اللبن أيضاً لبن بقرة حديثة الولادة حتّى لا يقبل شيئاً ولا يشرب .
ثمَّ تعمد إلى عسل
الشهد فتعصره من شهده وتغليه على النار على حدة ولا يكون فيه من الشهد شيء ، ثمّ تصبّه على الثوم وتوقد تحته بنار ليّنة كما صنعت بالسمن واللبن ، ثمّ تعمد إلى عشرة دراهم من الشونيز وتدقّه دقّاً ناعماً وتنظف الشونيز ولا تنخله ، وتأخذ وزن خمسة دراهم فلفل ومرزنجوش وتدقّه ثمّ ترمي فيه وتصيّره مثل خبيصة على النار .
__________________
ثمّ تجعله في إناء لا
يصيبه الغبار ولا شيء ولا ريح ، ويجعل في الإناء شيء من سمن البقر وتدهن به الإناء ، ثمَّ تدفن
في الشعير أو رماد أربعين يوماً ، وكلّما عتق كان أجود . ويأخذ صاحب العلّة في الساعة الّتي يصيبه فيه الأذى
الشديد مقدار حمّصة .
قال : فإذا أتى على
هذا الدواء شهر فهو ينفع من ضربان الضرس وجميع ما يثور من البلغم بعد أن يأخذه على الريق مقدار نصف جوزة وإذا أتى عليه شهران فهو جيّد للحمّى النافض ، يأخذ منه عند منامه مقدار نصف جوزة ، وهو غاية لهضم الطعام و [ غاية ] كلّ داء في العين .
فإذا أتى عليه ثلاثة
أشهر فهو جيّد من المرّة الصفراء والبلغم المحترق وهيجان كلّ داء يكون من الصفراء يأخذه على الريق . فإذا أتى عليه أربعة أشهر فهو جيّد من الظلمة تكون في العين والنفس الّذي يأخذ الرجل إذا مشى ، يأخذه بالليل إذا نام .
وإذا أتى عليه خمسة
أشهر يؤخذ دهن بنفسج أو دهن حلّ ويؤخذ من هذا الدواء نصف عدسة يداف بالدهن ويسعط به صاحب الصداع المطبق . وإذا أتى عليه ستّة أشهر يؤخذ منه قدر عدسة يسعط به صاحب الشقيقة بالبنفسج في الجانب الّذي فيه العلّة
وذلك على الريق من أوّل النهار .
وإذا أتى عليه سبعة
أشهر ينفع من الريح الّذي يكون في الأذن ، يقطر فيها بدهن ورد مثل العدسة من أوَّل النهار وإذا أتى عليه ثمانية أشهر ينفع من المرّة
الحمراء والداء الّذي يخاف منه الآكلة ، يشرب بماء ، وتدهن بأيّ دهن شئت ، و
__________________
تضع
على الداء ، وذلك على الريق مع طلوع الشمس وإذا أتى عليه تسعة أشهر ينفع باذن الله من السدد وكثرة النوم والهذيان في المنام والوجع والفزع ، يؤخذ بدهن بزر
الفجل على الريق ، وعند منامه قدر عدسة .
وإذا أتى عليه عشرة
أشهر جيّد للمرّة [ السوداء و ] الصفراء الّتي تأخذ بالبلبلة والحمّى الباطنة ، واختلاط العقل ، يؤخذ منه مثل العدسة بخلّ وبياض البيض وتشربه على الريق بأيّ دهن شئت عند منامك . وإذا أتى عليه أحد عشر
شهراً فإنّه ينفع من المرّة السوداء الّتي أخذ صاحبها بالفزع والوسواس قدر الحمصة بدهن الورد ويشربه على الريق وقدر الحمصة يشربه عند المنام ، فيشربه
بغير دهن .
وإذا أتى عليه ثلاثه
عشر شهراً فإنّه ينفع من الفالج الحديث والعتيق بماء المرزنجوش يأخذ منه قدر حمصة ويدهن رجليه بالزيت والملح عند منامه ، ومن القابلة مثل ذلك ويحمي من الخلّ واللبن والبقل والسمك ، ويطعم بعد ذلك ما يشاء .
وإذا أتى عليه ثلاثة
عشر شهراً فإنّه ينفع من الدبيلة والضحك من غير شيء وعبث الرجل بلحيته ، يؤخذ منه قدر الحمصة [ مرّة أو مرّتين ] يداف بماء السداب ويشرب عند أوّل الليل .
وإذا أتى عليه أربعة
عشر شهراً ينفع من السموم كلّها ، وإن كان سقي سمّاً يؤخذ بزر الباذنجان فيدقّ ثمّ يغلى على النار ثمّ يصفّى ، ويشرب من هذا
الدواء قدر الحمصة مرّة أو مرّتين أو ثلاث مرّات أو أربع مرّات بماء فاتر ، ولا
يتجاوز أربع مرّات ، و [ لـ ]يشربه عند السحر .
__________________
وإذا أتى عليه خمسة
عشر شهراً فإنّه ينفع من السحر والخامة والإبردة و الأرواح يؤخذ منه قدر نصف بندقة ويغلى بتمر ، ويشربه إذا أخذ مضجعه ولا يشرب في ليلة ومن الغد حتّى يطعم طعاماً كثيراً .
وإذا أتى عليه ستّة
عشر شهراً يؤخذ منه نصف عدسة فيداف بماء المطر ، مطر حديث من يومه أو [ من ] ليلته ، أو برد فيكتحل صاحب العمى العتيق والحديث غدوة وعشيّة وعند منامه أربعة أيّام ، فإن برىء وإلّا فثمانية أيّام ، ولا أراه يبلغ الثمان حتّى يبرأ بإذن الله عزّ وجلّ .
وإذا أتى عليه سبعة
عشر شهراً ينفع بإذن الله عزّ وجلّ من الجذام بدهن الأكارع ـ أكارع البقر لا أكارع الغنم ـ يؤخذ منه قدر بندقة عند المنام وعلى الريق
ويؤخذ منه قدر حبّة فيدهن به جسده ، يدلك دلكاً شديداً ، ويؤخذ منه شيء قليل فيسعط به بدهن الزيت ـ زيت الزيتون ـ أو بدهن الورد ، وذلك في آخر النهار في الحمّام .
وإذا أتى عليه ثمانية
عشر شهراً ينفع بإذن الله تعالى من البهق الّذي يشاكل البرص ، إلّا أن يشرط موضعه فيدمى ، ويؤخذ من الدواء مقدار حمصة ويسقى مع دهن البندق أو دهن لوز مرّ أو دهن صنوبر يسقى بعد الفجر ويسعط منه بمقدار حبّة مع ذلك الدهن ، ويدلك به جسده مع الملح .
قال : ولا ينبغي أن
يغيّر هذه الأدوية عن حدّها ووضعها الّتي تقدّم ذكرها لأنّه إن خالف خولف به ، ولم ينتفع بشيء منه .
وإذا أتى عليه تسعة
عشر شهراً يؤخذ حبّ الرمّان ـ رمّان حلو ـ فيعصره ويخرج ماءه ، ويؤخذ من الحنظلة قدر حبّة ، فيستقي
من السهو والنسيان
__________________
والبلغم
المحترق والحمّى العتيقة والحديثة على الريق بماء حارّ .
وإذا أتى عليه عشرون
شهراً ينفع بإذن الله من الصمم ، ينقع بماء الكندر ثمّ يخرج ماؤه فيجعل معه مثل العدسة اللطيفة ، فيجعل
في اُذنه ، فإن سمع وإلّا اُسعط من الغد بذلك الماء بمثل العدسة ، وصبّ على يافوخه من فضل السعوط . والمبرسم إذا ثقل به وطال لسانه ، يؤخذ حبّ العنب الحامض ثمّ يسقى المبرسم بهذا الدواء فإنّه ينتفع به ويخفّف عنه ، وكلّما عتق كان أجود ، ويؤخذ منه الأقلّ .
توضيح :
كأنّ تأنيث الشافية والجامعة لاشتمالهما على الأدوية الكثيرة . وقال في بحر الجواهر : الفالج ـ بكسر اللام ـ : استرخاء عامّ لأحد شقّي البدن طولاً من الرأس إلى القدم . واللغة موافقة لهذا المعنى ، يقال فلجتُ الشيء فلجين أي شققته بنصفين . ومنهم من يقول : إنّه استرخاء أحد شقّي البدن دون الرأس . وعليه صاحب الكامل ، والقدماء لا يفرِّقون بينه وبين الاسترخاء .
قال الشيخ : وإذا اُخذ
الفالج بمعنى الاسترخاء مطلقاً فقد يكون منه ما يعمّ الشقّين جميعاً سوى أعضاء الرأس الّتي لو عمّتها كان سكتة كما يكون ما يختصّ بإصبع
واحدة . وقال : اللّقوة ـ بالفتح والكسر ـ : علّة ينجذب لها شقّ الوجه إلى جهة غير طبيعيّة ، فيخرج النفخة والبزقة من جانب واحد ، ولا يحسن التقاء الشفتين ، ولا تنطبق إحدى العينين . وقال : الدبيلة ـ بالتصغير ـ : كلّ ورم فإمّا أن يعرض في داخله موضع تنصبّ فيه المادّة فتسمّى دبيلة ، وإلّا خّص باسم الورم ، وما كان من الدبيلات حارّاً خصّ باسم الخراج .
وقال الآمليّ : الدبيلة
ورم كبير مستدير الشكل يجمع المدّة . وقيل : هي دمل كبير ذو أفواه كثيرة فارسيّتها « كفگيرك » . وقال الكزاز والكزازة ـ بالضمّ ـ يقال على تشنّج يبتدىء من عضلات الترقوة فيمدّها إلى قدّام أو [ إلى ] خلف أو إلى
__________________
الجهتين
جميعاً . وقد يقال على كلّ ممدود ، وقد يختص باسم الكزاز منه ما كان بسبب برد مجمد من داخل أو خارج ، سواء كان من جانب أو جانبين . وفي القاموس : الشوكة داء معروف ، وحمرة تعلو الجسد . وقال في بحر الجواهر : « الشوك ـ بالفتح ـ .
خار ، وأطبّاء إطلاق ميكنند بر زوايدى كه از پس فقرات ناشى شده باشد ، والشوكة أيضاً حمرة تعلو الوجه والجسد ، وشوكة باد آورد » ـ انتهى ـ .
وقيل المراد هنا ريح
تحدث من لدغ العقارب وأمثالها . وهو بعيد ، مع أنّه يوجب التكرار . والتعريف المذكور للسَّبل خلاف ما هو المشهور بين الأطبّاء . قال ابن سينا : هو غشاوة تعرض للعين من انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة والقرنيّة
ومن انتساج شيء فيما بينهما كالدخان .
وقال العلّامة: اعلم
أنّ الأطبّاء لم يحقّقوا الكلام في السبل حتّى الشيخ مع جلالة قدره ، والحقّ أنها عبارة عن أجسام غريبة شبيهة بالعروق في غشاء رقيق متولّد على العين .
قوله عليهالسلام « من الخام » أي البلغم الّذي لم ينضج بعد . قال في بحر
الجواهر : الخام بلغم غير طبيعيّ اختلف أجزاؤه في الرقّة والغلظ ، ويطلق أيضاً على شيء يرسب في القارورة رقيق الأجزاء غير منتن .
قوله عليهالسلام « والسلّ الّذي يأخذ بالنفخ » قيل : كأنّ المراد به القولنج
المراريّ وقال بعضهم : السلّ في اللغة الهزال ، وفي الطبّ قرحة في الرئة ، وإنّما سمّي المرض
به لأنّ من لوازمه هزال البدن ، ولمّا كانت الحمّى الدقيّة
لازمة لهذه القرحة ذكر القرشيّ أنّ السلّ هو قرحة الرئة مع الدقّ ، وعدّه من الأمراض المركّبة . وقال بعضهم : يقال السلّ لحمّى الدقّ ، ولدقّ الشيخوخة ، ولقرحة الرئة . وقال الفيروز آباديّ السلّ ـ بالكسر والضمّ وكغراب ـ : قرحة تحدث في الرئة إمّا
__________________
بعقب
ذات الرئة أو ذات الجنب ، أو زكام ونوازل وسعال طويل ، ويلزمها
حمّى هادئة والنهشة لسع الهوامّ .
قوله عليهالسلام « عند المضيف » أي محلّ الضيافة ، وفي بعض النسخ « عند المضيق
» أي عند محلّ الضيق لردّ النساء والصبيان . وفي القاموس : الشدخ
ـ كالمنع ـ الكسر في كلّ رطب ، وقيل يابس . والخبيص : حلواء معمول من الرطب
والسمن . وقوله عليهالسلام « من المرّة الحمراء » أي طغيان الدم
أو الرياح الّتي توجب احمرار البدن .
« من السدد » في بعض
النسخ بالدال ثمّ الراء المهملتين ، وفي بعضها بالدالين المهملتين .
قال في بحر الجواهر :
السدد ـ محرّكة ـ في اللغة تحيّر البصر ، وهو لازم لهذا المرض . وفي الطبّ هو حالة يبقى الإنسان مع حدوثها باهتاً يجد في رأسه ثقلاً عظيماً
وفي عينيه ظلمة ، وربما وجد طنيناً في اُذنيه ، وربما زال معها عقله . وقال : السدد
لزوجات وغلظ تنشب في المجاري والعروق الضيّقة ، وتبقى فيها وتمنع الغذاء و الفضلات من النفوذ فيها . ويطلق على ما يمنع بعضها دون بعض .
قال العلّامة: واعلم
أنّ الانسداد عند الأطبّاء غير السدّة ، لأنّ الانسداد إنّما يطلقونه على مسامّ الجلد وأفواه العروق إذا انضمّت ، وقد يطلق السدد على صلابة تنبت على رأس الجراحة بمنزلة القشر . والبلبلة شدّة الهمّ والوسواس .
قوله عليهالسلام « ومن القابلة » بالباء الموحّدة أي الليلة الآتية . وفي بعض
النسخ بالمثنّاة التحتانيّة أو بالهمزة أي يفعل ذلك عند القيلولة أيضاً . قوله « ويشرب
من هذا الدواء » أي قبل ماء الباذنجان أو بعده أو معه مدافاً فيه .
__________________
وفي بحر الجواهر : الابردة
ـ بكسر الهمزة والراء ـ : علّة معروفة من غلبة البرد أو الرطوبة ، مفتر عن الجماع ، وهمزتها زائدة . وقد مرّ
الكلام فيه . قوله عليهالسلام « ولا يشرب في ليلته » أي من هذا
الدواء ، بل يكتفي بالمرّة الواحدة . وقيل : أي لا يشرب ماء ، ولا يخفى بعده . قوله « أو برَد » أي ماء برد بالتحريك . قوله « زيت الزيتون » إنّما قيّد عليهالسلام بذلك لأنّ الزيت يطلق على كلّ دهن
يعتصر وإن لم يكن من الزيتون . وقيل : أي من الزيتون المدرك اليانع .
قال جالينوس : كلّما
كان من الأدهان يعتصر من غير الزيتون فإنّه يسمّى بزيت بطريق الاستعارة . وقال بعضهم : الزيت قد يعتصر من الزيتون الفجّ
، وقد يعتصر من الزيتون المدرك . وزيت الإنفاق هو المعتصر من الفجّ ، وإنّما سمّي به لأنّه يتّخذ للنفقة . ويقال له الركاب أيضاً ، لأنّه كان يحمل على الركاب ، أي على الإبل
من الشام إلى العراق .
أقول : سيأتي تمام
الكلام في بابه إنشاء الله .
قوله عليهالسلام « إلّا أن يشرط موضعه » لعلّ المعنى أنّ البهق والبرص يشتبهان
إلّا أن يبضع بشرط الحجّام وشبهه فيخرج الدم ، فإنّه يعلم
حينئذٍ أنّه بهق وليس ببرص ، وإذا كان برصاً يخرج منه ماء أبيض .
واعلم أنّ البرص
نوعان : أبيض وأسود ، وكذا البهق ، والفرق بينهما أنّ البهق مخصوص بالجلد ولا يغور في اللحم ، والبرص بنوعيه يغور فيه . والبندق هو الفندق بالفارسيّة . وقال ابن بيطار : البندق فارسيٌّ ، والجلّوز عربيّ .
قوله « من الحنظلة » كذا
فيما وجدنا من النسخ ، ولعلّها كناية عن الشافية لمرارتها ، أو المعنى إدخال الدواء والحنظل معاً في ماء الرمّان . قوله « ينقع
بماء » بالتنوين أي ينقع الكندر بماء . « وإلّا اُسعط » أي في أنفه ، لا في اُذنه كما توهّم
.
__________________
١٣ ـ الطب
: عن محمّد بن جعفر بن
عليّ البرسيّ ، عن محمّد بن يحيى البابيّ ـ وكان باباً للمفضّل بن عمر وكان المفضّل باباً لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام ـ قال محمّد بن يحيى الأرمنيّ : حدّثني محمّد بن سنان السنانيّ الزاهريّ أبو عبد الله ، قال : حدّثني
المفضّل بن عمر ، قال : حدّثني الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : هذا الدواء دواء محمّد صلّى الله عليه وآله وهو شبيه بالدواء الّذي أهداه
جبرئيل الروح الأمين إلى موسى بن عمران عليهمالسلام إلّا أنَّ في هذا ما ليس في ذلك من
العلاج والزيادة والنقصان وإنّما هذه الأدوية من وضع الأنبياء عليهمالسلام والحكماء من أوصياء الأنبياء ، فإن زيد فيه أو نقص منه أو جعل فيه فضل حبّة أو نقصان حبّة ممّا وضعوه انتقص الأصل وفسد الدواء ولم ينجع ، لأنّهم متى خالفوهم خولف بهم .
فهو أن يأخذ من الثوم
المقشّر أربعة أرطال ويصبّ عليه في الطنجير أربعة أرطال لبن بقر ، ويوقد تحته وقوداً ليّناً رقيقاً حتّى يشربه ، ثمّ يصبّ عليه
أربعة أرطال سمن بقر ، فإذا شربه ونضج صبّ عليه أربعة أرطال عسل ، ثمّ يوقد
تحته وقوداً رقيقاً ، ثمّ اطرح عليه وزن درهمين قراصا ، ثمّ اضربه
ضرباً شديداً حتّى ينعقد .
فإذا انعقد ونضج
واختلط به حوّلته وهو حارٌّ إلى بستوقة ، وشددت رأسه ودفنته في شعير أو تراب طيّب مدّة أيّام الصيف . فإذا جاء الشتاء أخذت منه كلّ غداة مثل الجوزة الكبيرة على الريق ، فهو دواء جامع لكلّ شيء دقّ أو جلّ ، صغر
أو كبر ، وهو مجرّب معروف عند المؤمنين .
__________________
١٤ ـ ومنه
: عن أحمد بن محمّد
أبي عبد الله ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز عن أبي عبد الله عليهالسلام في دواء محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هو الدواء الّذي لا يؤخذ لشيء من الأشياء إلّا نفع صاحبه هو لما يشرب له من جميع العلل والأرواح ، فاستعمله وعلّمه إخوانك المؤمنين ، فإنَّ لك بكلّ مؤمن ينتفع به عتق رقبة من النار
.
بيان :
قوله « والزيادة والنقصان » أي المنع من زيادة المقادير ونقصانها . فانّه في هذا الدواء أشدّ ، أو زيد فيه بعض الأدوية ونقص بعضها . وقال في القاموس : القرّاص ـ كرمّان ـ : البابونج ، وعشب ربعيّ والورس . وفي بحر الجواهر : القرّاص ـ كزنّار ـ البابونج .
٨٨
(
باب )
* ( نوادر طبهم عليهم السلام وجوامعها ) *
١ ـ فقه
الرضا عليهالسلام
: أروي عن العالم عليهالسلام أنّه قال : الحمية رأس كلّ دواء ، والمعدة بيت الأدواء ، وعوّد بدناً ما تعوّد .
٢ ـ وقال : رأس
الحمية الرفق بالبدن .
٣ ـ وروي : اجتنب
الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء .
٤ ـ وأروي عنه عليهالسلام أنّه قال : اثنان عليلان أبداً : صحيح محتمي ، وعليل مخلّط .
٥ ـ وروي : إذا جُعت
فكل ، وإذا عطشت فاشرب ، وإذا هاج بك البول
__________________
فبل
، ولا تجامع إلّا من حاجة ، وإذا نعست فنم ، فإنَّ ذلك مصحّة للبدن .
٦ ـ وقال العالم عليهالسلام : كلُّ علّة تسارع في الجسم ينتظر أن يؤمر فيأخذ إلّا الحمّى ، فإنّها ترد ورودًا ، وإنّ الله عزّ وجلّ يحجب بين الداء والدواء حتّى تنقضي المدّة ثمّ يخلّي بينه وبينه فيكون برؤه بذلك الدواء ، أو يشاء فيخلّي قبل انقضاء المدّة بمعروف أو صدقة أو برّ ، فإنّه يمحو ما يشاء ويثبت ، و هو يبدىء ويعيد .
٧ ـ وقال العالم عليهالسلام : في العسل شفاء من كلّ داء . من لعق لعقة عسل على الريق يقطع البلغم ، ويكسر الصفراء ، ويقمع المرّة السوداء ، ويصفو الذهن ، ويجوّد
الحفظ إذا كان مع اللبان الذكر . والسكّر ينفع من كلّ شيء ولا يضرّ من شيء وكذلك الماء المغليّ .
٨ ـ وأروي في الماء
البارد أنّه يطفىء الحرارة ، ويسكن الصفراء ، ويهضم الطعام ، ويذيب الفضلة الّتي على رأس المعدة ، ويذهب بالحمّى .
٩ ـ وأروي أنّه لو
كان شيء يزيد في البدن لكان الغمز يزيد والليّن من الثياب وكذلك الطيب ودخول الحمّام ، ولو غمز الميّت فعاش لما أنكرت ذلك .
١٠ ـ وأروي أنّ
الصدقة ترجع البلاء من السماء .
١١ ـ وقيل : إنّ
الصدقة تدفع القضاء المبرم عن صاحبه .
١٢ ـ وقيل : لا يذهب
بالأدواء إلّا الدعاء والصدقة والماء البارد .
١٣ ـ وأروي أنّ أقصى
الحمية أربعة عشر يوماً ، وأنّها ليس ترك أكل الشيء ولكنّها ترك الإكثار منه .
١٤ ـ وأروي أنّ الصحّة
والعلّة تقتتلان في الجسد ، فإن غلبت العلّة الصحّة استيقظ المريض ، وإن غلبت الصحّة العلّة اشتهى الطعام ، فإذا اشتهى الطعام فأطعموه
فلربما كان فيه الشفاء .
١٥ ـ ونروي : من
كفران النعمة أن يقول الرجل : أكلت الطعام فضرّني .
__________________
١٦ ـ ونروي أنّ الثمار
إذا أدركت ففيها الشفاء ، لقوله جلّ وعزّ « كُلُوا مِن ثَمَرِهِ » وبالله التوفيق .
١٧ ـ وأروي عن العالم
عليهالسلام : في القرآن شفاء من كلّ داء .
١٨ ـ وقال : داووا
مرضاكم بالصدقة ، واستشفوا بالقرآن ، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاء له .
بيان :
« مخلط » أي يخلط في الأكل والشرب الضارّ مع النافع ولا يميّز بينهما .
١٩ ـ الطب
: عبد الله بن بسطام ،
عن محمّد بن زريق ، عن حمّاد [ بن عيسى ] عن حريز ، عن أبي عبد الله عن أبيه عليهماالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : من أراد البقاء ولا بقاء فليخفّف الرداء وليباكر الغداء ، وليقلّ مجامعة النساء
.
بيان :
« من أراد البقاء » أي طول العمر « ولا بقاء » جملة معترضة ، أي لا يكون البقاء في الدنيا أبداً أو يحتمل الحاليّة وقال في النهاية : في حديث عليّ « من
أراد البقاء ولا بقاء فليخفّف الرداء قيل : وما خفّة الرداء ؟ قال : قلّة الدَّين »
. سمّي رداءً لقولهم « دينك في ذمّتي ، وفي عنقي ، ولازم في رقبتي » وهو موضع الرداء ـ انتهى ـ .
وعن الفارسيّ : يجوز
أن يقال : كنّى بالرداء عن الظهر ، لأنّ الرداء يقع عليه ، فمعناه : فليخفّف ظهره ولا يثقله بالدين . وأقول مع عدم التفسير كما في هذه
الرواية فظاهره عدم ثقل ما يكون على عاتقه من الأثواب .
٢٠ ـ الطب
: عن إبراهيم بن عبد
الرحمان ، عن إسحاق بن حسان ، عن عيسى ابن بشير الواسطيّ ، عن ابن مسكان وزرارة ، قالا : قال أبو جعفر عليهالسلام : طبّ العرب
__________________
في
ثلاث : شرطة الحجامة ، والحقنة ، وآخر الدواء الكيّ
.
٢١ ـ عن أبي عبد الله
عليهالسلام قال : طبُّ العرب في خمسة شرطة الحجامة
، والحقنة والسعوط ، والقيء ، والحمّام ، وآخر الدواء الكيّ
.
٢٢ ـ وعن أبي جعفر الباقر
عليهالسلام : طبُّ العرب في سبعة : شرطة الحجامة والحقنة ، والحمّام ، والسعوط ، والقيء ، وشربة عسل ، وآخر الدواء الكيّ . وربما تزاد فيه النورة .
٢٣ ـ ومنه
: عن الزبير بن بكار ،
عن محمّد بن عبد العزيز ، عن محمّد بن إسحاق ، عن عمّار ، عن فضيل الرسّان ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : من دواء الأنبياء الحجامة والنورة والسعوط .
٢٤ ـ ومنه
: عبد الله بن بسطام ،
عن محمّد بن إسماعيل بن حاتم ، عن عمرو بن أبي خالد ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : شكوت إلى جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام بعض الوجع ، وقلت له : إنّ الطبيب وصف لي شراباً وذكر أنَّ هذا الشراب موافق لهذا الداء .
فقال له الصادق عليهالسلام : وما وصف لك الطبيب ؟ قال : خذ الزبيب وصبّ عليه الماء ، ثمّ صبّ عليه عسلاً ، ثمّ اطبخه حتّى يذهب الثلثان
فيبقى الثلث . فقال : أليس هو حلواً ؟ قلت : بلى ، يا ابن رسول الله . قال : اشرب الحلو حيث وجدته ، أو
حيث أصبته ، ولم يزدني على هذا .
بيان :
لعلّ السؤال عن كونه حلواً للعلم بعدم تغيّره وإسكاره ، فإنّه مع الحلاوة لا يكون مسكراً . وفي الكافي : وصف لي شراباً : آخذ الزبيب وأصبّ عليه
__________________
الماء
للواحد اثنين ، ثمّ أصبّ عليه العسل ، ثمّ اطبخه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث فقال : أليس حلواً قلت : بلى قال : اشربه . ولم اُخبره كم العسل
.
٢٥ ـ الطب
: محمّد بن جعفر
البرسيّ ، عن محمّد بن يحيى الأرمنيّ ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن محمّد بن إسماعيل بن أبي طالب ، عن جابر الجعفيّ عن محمّد الباقر عن أبيه عليهماالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا كان بأحدكم أوجاع في جسده وقد غلبت الحرارة فعليه بالفراش . قيل للباقر عليهالسلام : يا ابن رسول الله ، ما معنى الفراش ؟ قال غشيان النساء ، فإنّه يسكنه ويطفيه
.
بيان :
في القاموس : الفراش ـ بالكسر ـ زوجة الرجل .
٢٦ ـ الطب
: عن محمّد بن بكير ، عن
صفوان بن اليسع ، عن منذر بن هامان عن محمّد بن مسلم وسعد المولى ، قالا : قال أبو عبد الله عليهالسلام : إنّ عامّة هذه الأرواح من المرّة الغالبة أو دم محترق أو بلغم غالب ، فليشتغل الرجل بمراعاة نفسه قبل أن يغلب عليه شيء من هذه الطبائع فيهلكه .
بيان :
الأرواح جمع الريح كالأرياح ، وكأنّ المراد هنا الجنون والخبل والفالج واللقوة ، بل الجذام والبرص وأشباهها .
٢٧ ـ الطب
: عن إبراهيم بن يسار ،
عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : داووا مرضاكم بالصدقة .
٢٨ ـ وعنه
صلىاللهعليهوآلهوسلم
: الصدقة تدفع البلاء
المبرم ، فداووا مرضاكم بالصدقة .
__________________
٢٩ ـ وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : الصدقة تدفع ميتة السوء عن صاحبها
.
٣٠ ـ وعن موسى بن جعفر
عليهماالسلام أنّ رجلاً شكى إليه أنّني في عشر نفر
من العيال كلّهم مرضى ، فقال له موسى عليهالسلام : داووهم بالصدقة ، فليس شيء أسرع
إجابة من الصدقة ، ولا أجدى منفعة على المريض من الصدقة
.
٣١ ـ العياشي
: عن حمران ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال اشتكى رجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : سل من امرأتك درهماً من
صداقها ، فاشتر به عسلاً فاشربه بماء السماء . ففعل ما أمر به فبرىء .
فسأل أمير المؤمنين عليهالسلام عن ذلك أشيء سمعته من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ قال : لا ، ولكنّي سمعت الله يقول في كتابه « فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ
هَنِيئًا مَّرِيئًا »
وقال « يَخْرُجُ
مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ » وقال « وَنَزَّلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا » فاجتمع الهنيىء والمريء والبركة والشفاء ، فرجوت بذلك البرء .
٣٢ ـ ومنه
: عن سيف بن عميرة ، عن
شيخ من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : كنّا عنده
فسأله شيخ فقال : إنّ بي وجعاً وأنا أشرب له النبيذ ، ووصفه له الشيخ ، فقال له : ما يمنعك من الماء الّذي جعل الله منه كلّ شيء حيّ ؟ قال : لا
يوافقني قال : فما يمنعك من العسل ، قال الله : فِيهِ شِفَاءٌ
لِّلنَّاسِ
؟ قال : لا أجده . قال : فما يمنعك من اللبن الّذي نبت منه لحمك واشتدّ عظمك ؟ قال : لا يوافقني . فقال له أبو عبد
الله عليه السّلام : أتريد أن آمرك بشرب الخمر ؟! لا والله لا آمرك
.
__________________
٣٣ ـ الكافي
: عن العدّة ، عن
البرقيّ ، عن محمّد بن عليّ ، عن نوح بن شعيب عمّن ذكره عن أبي الحسن عليهالسلام قال : من تغيّر عليه ماء الظهر فلينفع
له اللبن الحليب والعسل .
٣٤ ـ ومنه
: عن محمّد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبي يحيى الواسطيّ عن بعض أصحابنا ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : إنّ المشي للمريض نكس ، إنّ أبي عليه السلام كان إذا اعتلّ جعل في ثوب فحمل لحاجته ـ يعني الوضوء ـ وذاك أنّه
كان يقول : إنّ المشي للمريض نكس .
٣٥ ـ الدعائم
: عن عليّ عليهالسلام أنّه كان يقول : من أراد البقاء ولا بقاء فليخفّف الرداء ، ويدمن الحذاء ، ويقلّل مجامعة النساء ، ويباكر الغداء .
٣٦ ـ وعن جعفر بن محمّد
عليهماالسلام أنّه قال : لو اقتصد الناس في المطعم
لاستقامت أبدانهم .
٣٧ ـ وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك العشاء مهرمة .
٣٨ ـ وعنه عليهالسلام قال : ترك العشاء خراب الجسد ، وينبغي للرجل إذا أسنّ أن لا يبيت إلّا وجوفه مملوّ طعاماً .
٣٩ ـ وعنه عليهالسلام قال : ثلاثة يذهبن النسيان ويحدثن الذكر: قراءة القرآن والسواك ، والصيام .
٤٠ ـ وعنه عليهالسلام قال : في المرأة الّتي يستمرّ بها الدم فتستحاض ، قال : تغتسل
عند كلّ صلاة احتساباً ، فإنّه لم تفعله امرأة قطّ احتساباً إلّا عوفيت من ذلك .
٤١ ـ دعوات
الراوندي :
قال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إيّاكم والبطنة ، فإنّها مفسدة
__________________
للبدن
، ومورثة للسقم ، ومكسلة عن العبادة .
٤٢ ـ وقال الأصبغ بن
نباتة : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول لابنه الحسن عليه السلام : يا بنيّ ألا اُعلّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطّب ؟ فقال : بلى .
قال لا تجلس على الطعام إلّا وأنت جائع ، ولا تقم عن الطعام إلّا وأنت تشتهيه، وجوّد
المضغ ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء . فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ . وقال : إنّ في القرآن لآية تجمع الطبّ كلّه « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلَا تُسْرِفُوا
» .
٤٣ ـ وعن أمير
المؤمنين عليهالسلام : من أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغذاء
، وليؤخّر العشاء ، وليقلّ غشيان النساۤء ، وليخفّف الرداء . قيل : وما خفّة الرداء ؟ قال
: الدين . وفي رواية : من أراد النسأ ولا نسأ .
بيان :
قال في النهاية : النسء التأخير ، يقال : نسأت الشيء نسأً وأنسأته إنساءً : إذا أخّرته ، والنساء الاسم ، ومنه حديث عليّ عليهالسلام « من سرّه النساء ولا نساء » أي تأخير العمر والبقاء .
٤٤ ـ الدعوات
: قال النبيُّ صلىاللهعليهوآله : أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ، ولا تناموا عليها فتقسوا قلوبكم .
٤٥ ـ وقال : صوموا
تصحّوا .
٤٦ ـ وقال : سافروا
تصحّوا وتغنموا .
٤٧ ـ قال زين
العابدين عليهالسلام : حجّوا واعتمروا تصحّ أجسامكم ، وتتّسع
أرزاقكم ويصلح إيمانكم ، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة
عيالكم .
٤٨ ـ وقال أمير
المؤمنين عليهالسلام : قيام الليل مصحّة للبدن .
٤٩ ـ وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بقيام الليل ، فإنّه دأب الصالحين قبلكم وإنّ قيام الليل قربة إلى الله ، وتكفير السيّئات ، ومنهاة عن الإثم ومطردة الدّاء
عن الجسد .
__________________
٥٠ ـ وقال أبو عبد
الله عليهالسلام : صلاة الليل تحسن الوجه ، وتحسن الخلق
، وتطيّب الرزق ، وتقضي الدين ، وتذهب الهمّ ، وتجلو البصر ، عليكم بصلاة الليل ، فإنّها سنّة
نبيّكم ، ومطردة الداء عن أجسادكم .
٥١ ـ ويروى أنّ الرجل
إذا قام يصلّي أصبح طيّب النفس ، وإذا نام حتّى يصبح أصبح ثقيلاً موصما .
بيان :
في النهاية : الوصم الفترة والكسل والتواني .
٥٢ ـ الدعوات
: قال أمير المؤمنين عليهالسلام : المعدة بيت الأدواء ، والحمية رأس الدواء . لا صحّة مع النّهم ، لا مرض أضنى من العقل .
٥٣ ـ وروي : من قلّ
طعامه صحّ بدنه وصفا قلبه ، ومن كثر طعامه سقم بدنه وقسا قلبه .
٥٤ ـ وعن الصادق عليهالسلام قال : أوحى الله إلى موسى بن عمران عليهالسلام : تدري لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك بكلامي ؟ قال : لا ، يا ربّ . فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أنّي اطّلعت إلى الأرض فلم أعلم لي عليها أشدَّ تواضعاً منك . فخرّ موسى
ساجداً وعفّر خدّيه بالتراب تذلّلاً منه لربّه [ تعالى ] . فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك وأمرّ يدك في موضع سجودك ، وامسح بها وجهك وما نالته
من بدنك ، فإنّي اُومنك من كلّ داء وسقم .
٥٥ ـ وروي عنهم عليهمالسلام : قلّم أظفارك ، وابدأ بخنصرك من يدك اليسرى واختم بخنصرك من يدك اليمنى ، وخذ شاربك وقل حين تريد ذلك « بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله » فإنّه من فعل ذلك كتب الله له بكلّ قلامة وجزازة عتق رقبة ولم يمرض إلّا المرض الّذي يموت فيه .
٥٦ ـ وقال أبو عبد
الله عليهالسلام : تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن
الجذام والبرص والعمى ، فإن لم تحتج فحكّها حكّاً .
__________________
٥٧ ـ وقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من مسلم يعمر في الإسلام أربعين سنة إلّا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء : الجذام ، والبرص ، والجنون .
٥٨ ـ وعنه : شرب
الماء من الكوز العامّ أمان من البرص والجذام .
٥٩ ـ وروي : لا تأكل
ما قد عرفت مضرّته ، ولا تؤثر هواك على راحة بدنك . والحمية هو الاقتصاد في كلّ شيء ، وأصل الطبّ الأزم ، وهو ضبط الشفتين والرفق باليدين . والدّاء الدويٌّ إدخال الطعام على الطعام . واجتنب الدواء ما لزمتك الصحّة
فإذا أحسست بحركة الداء فأحرقه بما يردعه قبل استعجاله .
٦٠ ـ وقال الباقر عليهالسلام عجباً لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف
لا يحتمي من الذنوب مخافة النار .
٦١ ـ وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله لا إله إلّا هو ليدفع
بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والغرق والهدم والجنون فعدّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعين باباً من الشرّ .
٦٢ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : الصدقة دواء منجح .
٦٣ ـ وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنَّ الله ليدرء بالصدقة سبعين ميتة من
السوء .
٦٤ ـ وقال الصادق عليهالسلام : داووا مرضاكم بالصدقة ، وما على أحدكم أن يتصدّق بقوت يومه ، إنّ ملك الموت يُدفع إليه الصكّ بقبض روح العبد فيتصدّق فيقال له : ردّ الصكّ .
٦٥ ـ وقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا اُعلّمكم بدعاء علّمني جبرئيل عليهالسلام ما لا تحتاجون معه إلى طبيب ودواء ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : يأخذ ماء المطر ويقرء
عليه فاتحة الكتاب وقل أعوذ بربّ الناس وقل أعوذ بربّ الفلق ويصلّي على النبيّ صلىاللهعليهوآله
ويسبّح كلّها سبعين
مرَّة ، ويشرب من ذلك الماء غدوة وعشيّة سبعة أيّام متوالية ـ الخبر بتمامه .
٦٦ ـ وجاء رجل إلى أمير
المؤمنين عليهالسلام وقال أشتكي بطني فقال : ألك
__________________
زوجة
؟ قال : نعم ، قال : استوهب منها درهماً من صداقها بطيبة نفسها من مالها فاشتر به عسلاً ثمّ اسكب عليه من ماء السماء واشربه ، ففعل الرجل ما أمر به فبرىء فسأل أمير المؤمنين عليهالسلام : أشيء سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ .
قال : لا ، ولكن سمعت
الله يقول في كتابه « فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا » وقال « يَخْرُجُ مِن
بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ » وقال « وَنَزَّلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا » قال : قلت : إذا اجتمعت البركة والشفاء
و الهنيىء والمرىء رجوت في ذلك البرء ، وشفيت إنشاء الله .
٦٧ ـ وفي رواية عن الصادق
عليهالسلام أنّه شكى إليه رجل الداء العضال . فقال
: استوهب درهماً امرأتك من صداقها واشتر به عسلاً وامزجه بماء المزن واكتب به القرآن واشربه .
ففعل ، فأذهب الله
عنه ذلك ، فأخبر أبا عبد الله عليهالسلام بذلك فتلا « فَإِن
طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا » و « يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا
شَرَابٌ » و « وَنَزَّلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا
» « وَنُنَزِّلُ
مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ » وكان أمير المؤمنين إذا أصابه المطر مسح به صلعته وقال : بركة من السماء لم يصبها يد ولا سقاء .
توضيح :
« لا صحّة مع النّهم » في القاموس : النهم محرّكة ـ : إفراط الشهوة في الطعام ، وأن لا يمتلىء عين الآكل ولا يشبع . وقال : ضني ـ كرضي ـ مرض مرضاً مخامراً كلّما ظنّ برؤه نكس ، وأضناه المرض ـ انتهى ـ .
وحاصل الفقرة الأولى
أنَّ شدّة الحرص في الطعام أو الأعمّ من جملة الأمراض بل أشدُّها ، وحاصل الثانية أنَّ العقل يوجب الحزن والألم في الدنيا ، لأنّ العاقل
محزون لآخرته لما يصيبه من الدنيا ، وأنّه يدرك قبحه بعقله بخلاف الأحمق الجاهل
__________________
فإنّه
في سعة منهما والقلامة ـ بالضمّ ـ ما سقط من قلم الظفر ، وكذا الجزازة ما سقط من جزّ الشعر .
وفي النهاية : فأزم
القوم أي أمسكوا عن الكلام كما يمسك الصائم عن الطعام . ومنه سمّيت الحمية أزماً ومنه حديث عمر وسأل الحارث بن كلدة : ما الدواء ؟ قال : الأزم ، يعني الحمية وإمساك الأسنان بعضها على بعض . والداء الدويّ توصف على المبالغة أي داء لا علاج له ، أو بعيد علاجه ، من دوي ـ بالكسر ـ يدوى أي مرض .
وفي النهاية الدبيلة
هي خراج ودمّل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً ، وهي تصغير « دبلة » . وقال : الداء العضال هو المرض الّذي يعجز الاطباء
فلا دواء له .
٦٨ ـ النهج
: قال عليهالسلام : توقّوا البرد في أوّله وتلقّوه في آخره ، فإنّه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار ، أوّله يحرق ، وآخره يورق .
٦٩ ـ دعوات
الراوندي :
عن عامر الشعبيّ ، قال : قال زرّ بن حبيش : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أربع كلمات في الطبّ لو قالها بقراط
أو جالينوس لقدّم أمامها مائة ورقة ثمّ زيّنها بهذه الكلمات وهي قوله « توقّوا البرد ـ إلى قوله ـ يورق » . ثمّ
قال : وروي : توقّوا الهواء .
بيان :
« لقدّم أمامها » أي لحفظها أو في وصفها ومدحها . وتوقّى واتّقى بمعنى ، أي احترزوا واحفظوا أبدانكم من البرد أوّل الشتاء بالثياب ونحوها والتلقّي الاستقبال .
وإحراقه إسقاط الورق
والمنع من النموّ ، والإيراق إنبات الورق . ورووا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله اغتنموا برد الربيع فانّه يفعل
بأبدانكم ما يفعل بأشجاركم ، و اجتنبوا برد الخريف فإنّه يفعل بأبدانكم ما يفعل بأشجاركم .
٧٠ ـ الجنة
للكفعميّ :
ما يورث الحفظ من العقاقير والأدوية . فمن ذلك
__________________
ما
رواه ابن مسعود عن النبيّ صلىاللهعليهوآله لحفظ القرآن ويقطع البلغم والبول ويقوّي
الظهر : يؤخذ عشرة دراهم قرنفل وكذلك من الحرمل ، ومن الكندر الأبيض ، و من السّكر الأبيض ، يسحق الجميع ويخلط إلّا الحرمل فانّه يفرك فركاً باليد ، و يؤكل منه غدوة زنة درهم ، وكذا عند النوم .
ورأيت هذا بعينه في
كتاب « لقط الفوائد » وفي لقط الفوائد أيضاً أنّه من أراد أن يكثر حفظه ويقلّ نسيانه فليأكل كلَّ يوم مثقالاً من زنجبيل مربّى .
قال : وممّا جرّب
للحفظ أن يأخذ زبيباً أحمر منزوع العجم عشرين درهماً ومن السّعد الكوفي مثقالاً ومن اللبان الذكر درهمين ، ومن الزعفران نصف درهم يدقّ الجميع ويعجن بماء الرازيانج حتّى يبقى في قوام المعجون ، ويستعمل على الرّيق كلّ يوم وزن درهم . قال : ومن أدمن أكل الزبيب على الريق رزق الفهم و الحفظ والذّهن ونقص من البلغم .
وفي كتاب طريق النجاة
: ثلاثة تذهب البلغم وتزيد في الحفظ : الصوم ، و السواك ، وقراءة القرآن .
٧١ ـ ومن أدوية الحفظ
عن أبي بصير : قال : قلت للصادق عليهالسلام : كيف نقدر على هذا العلم الّذي فرَّعتموه لنا ؟ قال : خذ وزن عشرة دراهم قرنفل ، ومثلها كندر
ذكر ، دقّها ناعماً ثم استفَّ على الريق كلّ يوم قليلاً .
ومنها لمن يكون بعيد
الذهن قليل الحفظ : يؤخذ سنا مكّي ، وسعد هنديّ وفلفل أبيض ، وكندر ذكر وزعفران خالص ، أجزاء سواء يدقّ ويخلط بعسل و يشرب منه زنة مثقال كلّ يوم ، سبعة أيام متوالية ، فإن فعل ذلك أربعة عشر يوماً خيف عليه من شدّة الحفظ أن يكون ساحراً .
٧٢ ـ ومنها عن عليّ عليهالسلام : من أخذ من الزعفران الخالص جزءً ومن السعد جزءً ويضاف إليهما عسلاً ، ويشرب منه مثقالين في كلّ يوم فانّه يتخوّف
عليه
__________________
من
شدّة الحفظ أن يكون ساحراً .
ومنها ما وجد بخط
الشيخ أحمد بن فهد ـ رحمه الله ـ دواء للحفظ شهدت التجربة بصحّته : وهو : كندر وسعد وسكّر طبرزد ، أجزاء متساوية ، ويسحق ناعماً ويستفّ منه على الريق كلّ يوم خمسة دراهم ، يستعمل ثلاثة أيّام ويقطع خمسة ، ثمّ يستعمل كذلك ثلاثة أيّام ويقطع خمسة ، وهكذا . قلت : وهذا بعينه رأيته في كتاب « لقط الفوائد » .
اقول :
وقال الشيخ محمّد بن إدريس ـ رحمه الله ـ في كتاب السرائر : من كان يستضرّ جسده بترك العشاء فالأفضل له أن لا يتركه ولا يبيت إلّا وجوفه مملوء من
الطعام وقد روي أنّ ترك العشاء مهرمة .
وإذا كان الإنسان
مريضاً فلا ينبغي له أن يكرهه على تناول الطعام والشراب بل يتلطّف به في ذلك وروي أنَّ أكل اللحم واللبن ينبت اللّحم ويشدّ العظم . وروي أنّ [ أكل ] اللحم يزيد في السمع والبصر .
وروي أنَّ أكل اللحم
بالبيض يزيد في الباه .
وروي أنَّ ماء الكمأة
فيه شفاء للعين .
وروي أنّه يكره أن
يحتجم الانسان في يوم الأربعاء أو سبت ، فإنّه ذكر أنّه يحدث منه الوضح . والحجامة في الرأس فيها شفاء من كلّ داء .
وروي أنّ أفضل الدواء
ـ في أربعة أشياء : الحجامة ، والحقنة ، والنورة ، والقيء . فإن تبيّغ الدم ـ بالتاء المنقطة بنقطتين من فوق ، والباء المنقطة من
تحتها نقطة واحدة ، والياء المنقطة بنقطتين من تحتها وتشديدها والغين
المعجمة ، و معنى ذلك هاج به ، يقال : تبوّغ الدم بصاحبه وتبيّغ أي هاج به ـ فينبغي أن يحتجم
__________________
في
أيّ الأيّام كان من غير كراهة وقت من الاوقات ، ويقرء آية الكرسي
ويستخير الله سبحانه ويصلّي على النبيّ وآله عليهم السلام .
وروي أنّه إذا عرضت
الحمّى للإنسان فينبغي أن يداويها بصبّ الماء عليه ، فإن لم يسهل عليه ذلك فليحضر له إناء فيه ماء بارد ويدخل يده فيه . والاكتحال بالإثمد عند النوم يذهب القذى ويصفّي البصر .
وروي أنّه إذا لدغت
العقرب إنساناً فليأخذ شيئاً من الملح ويضعه على الموضع ثمّ يعصره بابهامه حتّى يذوب وروي أنّه من اشتدّ وجعه فينبغي أن يستدعي بقدح فيه ماء ويقرأ عليه الحمد أربعين مرّة ثمَّ يصبّه على نفسه .
وروي أنَّ أكل الزبيب
المنزوع العجم على الريق فيه منافع عظيمة ، فمن أكل منه كلّ يوم على الريق إحدى وعشرين زبيبة منزوعة العجم قلّ مرضه . وقيل إنّه لم يمرض إلّا المرض الّذي يموت فيه . ومن أكل عند نومه تسع تمرات عوفي من القولنج ، وقتل دود البطن ، على ما روي .
وروي أنَّ أكل الحبّة
السوداء فيه شفاء من كلّ داء ، على ما روي . وفي شراب العسل منافع كثيرة . فمن استعمله انتفع به ما لم يكن به مرض
.
وروي أنّ لبن البقر
فيه منافع ، فمن تمكّن منه فليشربه . وروي أنَّ أكل البيض نافع للأحشاء . وروي أنّ أكل القرع يزيد في العقل وينفع الدماغ . ويستحبّ أكل الهندباء .
وروي عن سيّدنا أبي
عبد الله جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّه قال : إذا دخلتم أرضاً فكلوا من بصلها ، فإنّه يذهب عنكم وباءها . وروي أنّ رجلاً من أصحابه عليهالسلام
شكى إليه اختلاف
البطن ، فأمر أن يتّخذ من الأرز سويقاً ويشربه ، ففعل فعوفي . وروي أنّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إيّاكم والشبرم ، فانّه حارّ يارّ
وعليكم بالسنا فتداووا به ، فلو دفع شيء الموت لدفعه السنا وتداووا بالحلبة ، فلو علم اُمّتي ما لها في
الحلبة
__________________
لتداووا
بها ولو بوزنها ذهباً .
وروي عنه عليهالسلام أنّه قال : إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسم . وروي أنَّ أكل التّمر بعد [ أكل ] السمك الطريّ يذهب أذاه .
وروي عنه عليهالسلام أنّ رجلا شكى إليه وجع الخاصرة ، فقال عليهالسلام له : عليك بما يسقط من الخوان فكله ، ففعل فعوفي .
وروي عنه عليهالسلام أنّه قال : الريح الطيّبة تشدّ العقل وتزيد في الباه . وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نهى عن أكل الطفل الطين والفحم . وقال
: من أكل الطين فقد أعان على نفسه ، ومن أكله فمات لم يصلّ عليه ، وأكل الطين يورث النفاق .
وروي عنه صلىاللهعليهوآله قال : فضلنا أهل البيت على الناس كفضل البنفسج على سائر الأدهان .
وروي عن أمير
المؤمنين أنّه قال : من أكل الرمّان بشحمه دبغ معدته ، و السفرجل يذكي القلب الضعيف ويشجّع الجبان .
وروي عن سيّدنا أبي
عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال : الخلّ يسكن المرار ، ويحيي القلب ، ويقتل دود البطن ، ويشدّ الفم .
فهذه جملة مقنعة من
جملة ما ورد عن الأئمة عليهمالسلام في هذا الباب ، وإيراد جميعه لا يحصى ولا يسعه كتاب .
فأمّا ما ورد عنهم عليهمالسلام في الاستشفاء بفعل الخير والبرّ والتعوّذ
والرّقي فنحن نورد من جملة ما ورد عنهم عليهمالسلام في ذلك جملة مقنعة بمشيّة الله سبحانه
.
روي عن سيّدنا أبي
عبد الله جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّه قال : ثلاث يذهبن النسيان و يحدّدن الفكر : قراءة القرآن ، والسواك ، والصوم
.
__________________
وروي عنه عليهالسلام أنّ بعض أهل بيته ذكر له أمر عليل عنده ، فقال : ادع بمكتل
فاجعل فيه بُرّاً واجعله بين يديه وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه إليه
فليناوله منه بيده ويأمره أن يدعو له . قال : أفلا اُعطي الدنانير والدراهم ؟ قال اصنع ما آمرك به ، فكذلك رويناه . ففعل فرزق العافية .
وروي عنه عليهالسلام أنّه قال : ارغبوا في الصدقة وبكّروا فيها ، فما من مؤمن تصدّق بصدقة حين يصبح يريد بها ما عند الله إلّا دفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السماء
ذلك اليوم ثمّ قال : لا تستخفّوا بدعاء المساكين للمرضى منكم ، فإنّه يستجاب
لهم فيكم ، ولا يستجاب لهم في أنفسهم .
وروي عنه عليهالسلام أنّ رجلاً من أصحابه شكى إليه وضحاً أصابه بين عينيه ، وقال : بلغ منّي يا ابن رسول الله مبلغاً شديداً . فقال : عليك بالدعاء وأنت ساجد .
ففعل فبرىء منه .
وروي عنه عليهالسلام أنّه قال : إذا أصابك همٌّ فامسح يدك
على موضع سجودك ثمّ مرّ يدك على وجهك من جانب خدّك الأيسر وعلى جبينك إلى جانب خدّك الأيمن ، ثمّ قل : بسم الله الّذي لا إله الّا هو عالم الغيب والشهادة الرّحمن
الرّحيم اللهمَّ أذهب عنّي الهمَّ والحزن ـ ثلاثاً ـ .
وروي عنه عليهالسلام أنّه قال : من قال كلّ يوم ثلاثين مرّة « بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين تبارك الله أحسن الخالقين ولا حول ولا قوّة إلّا
بالله العلّي العظيم » دفع الله عنه تسعة وتسعين نوعاً من البلاء أهونها الجذام .
وروي عن أمير
المؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهالسلام أنّه قال : مرضت فعادني رسول الله
__________________
صلّى
الله عليه وآله وأنا لا أتقارّ على فراشي . فقال : يا علي ، إنّ أشدّ
الناس بلاءً النبيّون ثمّ الأوصياء ثمّ الّذين يلونهم . أبشر ، فانّها حظّك من عذاب الله مع ما
لك من الثواب .
ثمّ قال : أتحبّ أن
يكشف الله ما بك ؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله قال : قل « اللّهم ارحم جلدي الرقيق ، وعظمي الدقيق ، وأعوذ بك من فورة الحريق . يا اُمَّ ملدم
، إن كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ، ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم ، وانتقلي إلى من يزعم أنّ مع الله إلهاً ﺁخر ، فانّي أشهد أن لا إله إلّا الله وحده
لا شريك له ، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك ، و [ أشهد ] أنَّ محمّداً عبده ورسوله » قال
: فقلتها فعوفيت من ساعتي .
قال جعفر بن محمّد عليهماالسلام : ما فزعت قطّ إليه إلّا وجدته ، وكنّا نعلّمه النساء والصبيان .
وروي عن سيّدنا جعفر
بن محمد عليهماالسلام أنّه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يجلس الحسن على فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر
، ثمّ يقول : أعيذكما بكلمات الله التامّات كلّها من شرّ كلّ شيطان وهامّة ، ومن [ شرّ ] كلّ عين لامّة .
ثمّ يقول : هكذا كان إبراهيم يعوّذ ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام .
وروي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : من ساء خلقه فأذّنوا في
أذنه .
وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه نهى عن السحر والكهانة والقيافة والتمايم
،
__________________
فلا
يجوز استعمال شيء من ذلك على حال .
وهذه جملة مقنعة ، واستقصاء
دلك يطول به الكتاب ، ويحصل به الإسهاب .
بيان :
قال في النهاية : في حديث اُمّ سلمة أنّها شربت الشبرم فقال : إنّه حارّ جارّ : الشبرم حبّ يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوي ، وقيل : إنّه نوع من الشيح و « جارّ » إتباع للحارّ ، ومنهم من يرويه « يارّ » وهو أيضاً بالتشديد
إتباع للحارّ ، يقال : حارّ يارّ وحرّان يرّان .
وقال ابن بيطار : قال
ديسقوريدس : قد يظنّ أنّه من أصناف النوع المسمّى ماريس شبيه بالنوع من شجر الصنوبر ، وله زهر صغير لونه إلى لون
الفرفير ، و ثمر عريض يشبه بالعدس .
وقال جالينوس : قد
يظنّ قوم أنّ هذا النبات من أنواع اليَتوع وذلك لأنّ له من اللبن ما لليتوع ، ويسهل أيضاً مثل ما يسهل اليتوع .
وقال حبيش : حارٌ في
الدرجة الثالثة ، يابس في آخر الثانية ، وفيه مع ذلك قبض وحدّة ، وإذا شرب غير مصلح وجد له قبض على اللهاة وفي الحنك ، وقد كانت القدماء تستعمله في الأدوية المسهلة فوجدوه ضارّاً لمن كان الغالب على مزاجه
الحرارة ويحدث لأكثر من شربه منهم حمّيات ، ومضرّ للبواسير .
ثمّ قال : الشبرم اسم
عند بعض الأعراب لنوع من الشوك ينبت بالجبال ، لونه أبيض ، وورقه صغير ، وشوكه على شبه شوك الجولق الكبير الّذي عندنا ، ويزعمون أنّه ينفع للوباء إذا شرب ـ انتهى ـ .
وله في كتب الطبّ ذمّ
كثير . والسكر سدّ النهر .
وقال الشهيد ـ قدس سرّه
ـ : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اللّهمّ بارك لنا في الخبز .
__________________
وقال عليهالسلام : أكرموا الخبز فإنّه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض ، والارض
وما فيها .
ونهى الصادق عليهالسلام عن وضع الرغيف تحت القصعة . وقال عليهالسلام في إكرام الخبز إذا وضع به فلا ينتظر به غيره ، ومن كرامته أن لا يوطأ ولا يقطع .
ونهى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن شمّه ، وقال : إذا أتيتم بالخبز واللحم فابدؤا بالخبز .
وقال عليهالسلام : صغّروا رغفانكم ، فإنّه مع كلّ رغيف بركة .
ونهى الصادق عليهالسلام عن قطعه بالسكّين . وعن الرضا عليهالسلام : فضل خبز الشعير على البرّ كفضلنا على الناس ، وما من نبيّ إلّا وقد دعا لأكل الشعير وبارك عليه ،
وما دخل جوفاً إلّا وأخرج كلَّ داء فيه ، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار . وروي إطعام المسلول والمبطون خبز الاُرز ، وفي السويق ونفعه أخبار جمّة ، وفسّره الكلينيّ بسويق الحنطة .
وقال الصادق عليهالسلام : سويق العدس يقطع العطش ، ويقوّي المعدة ، وفيه شفاء من سبعين داءً . ومن يتّخم فليتغدّ وليتعشّ ولا يأكل بينهما شيء . ويكره ترك العشاء لما روي أنّ تركه خراب البدن .
وقال الصادق عليهالسلام : من ترك العشاء ليلة السبت وليلة الأحد متواليين ذهبت منه قوّته ولم ترجع إليه أربعين يوماً وقال الصادق عليهالسلام : العشاء بعد العشاء الآخرة عشاء النبيّين عليهمالسلام .
وقال عليهالسلام : مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف ـ وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم أو لون بين الحمرة والسواد ـ ويزيد في الرزق . وأمر بمسح الحاجب وأن يقول « الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل » فلا ترمد عيناه . ويكره مسح اليد بالمنديل وفيها شيء من أثر الطعام تعظيماً له حتّى يمصّها . ويستحبّ الأكل ممّا يليه ، وأن لا يتناول من قدّام غيره شيئاً .
وقال الصادق عليهالسلام : إنّ الرجل إذا أراد أن يطعم فأهوى بيده وقال « بسم الله والحمدلله ربّ العالمين » غفر الله له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه . وقال عليهالسلام : لا
تأكلوا
من جوانبه ، فإنّ البركة في رأسه . وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يلطع القصعة [ بالأصابع ] أي يلحسها . ومن لطع قصعة فكأنّما تصدّق بمثلها . ويستحبّ الأكل بجميع الأصابع .
وروي أنّ رسول الله
كان يأكل بثلاث أصابع . ويكره الأكل بإصبعين ، و يستحبّ مصّ الأصابع .
ولا بأس بكتابة سورة
التوحيد في القصعة . وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أكل لقم من بين عينيه وإذا شرب سقى من عن يمينه . وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : كلوا ما يسقط من الخوان بالكسر فإنّه شفاء من كلّ داء . وروي أنّه ينفي الفقر ، ويكثر الولد ويذهب بذات الجنب .
ومن وجد كسرة فأكلها
فله حسنة ، وإن غسلها من قذر وأكلها فله سبعون حسنة .
ثمّ ذكر ـ قدّس سره ـ
بعد ذلك منافع أطعمة مأثورة عنهم عليهمالسلام . قال : روي مدح لحم الضأن عن الرضا عليهالسلام . وروي أنّ أكل اللحم يزيد في السمع
والبصر وأكله بالبيض يزيد في الباه ، وأنّه سيّد الطعام في الدنيا والآخرة . وعن الباقر عليهالسلام
لحم البقر بالسلق
يُذهب البياض وعن عليّ عليهالسلام وقد قال عمر إنّ أطيب اللّحمان
لحم الدجاج : كلّا ! تلك خنازير الطير ، إنّ أطيب اللحم لحم الفرخ قد نهض أو كاد ينهض .
وعن الكاظم عليهالسلام : لحم القبج يقوّي الساقين ، ويطرد الحمّى . وعن أبي الحسن عليهالسلام : القديد لحم سوء ، يهيّج كلَّ داء .
وعن الصادق عليهالسلام : شيئان صالحان : الرمّان والماء الفاتر ، وشيئان فاسدان : الجبن والقديد . وعنه عليهالسلام : ثلاث لا يؤكلن ويسمّن : استشعار
الكتان ، والطيب والنورة . وثلاثة يؤكلن ويهزلن ـ بكسر الزاي ـ : اللحم اليابس ، والجبن والطّلع .
__________________
وعن الصادق عليهالسلام : الجبن ضارٌّ بالغداة ، نافع بالعشيّ ، ويزيد في ماء الظهر .
وعنه عليهالسلام : الجبن والجوز إذا اجتمعا كانا دواءً ،
وإذا افترقا كانا داءً . وروي أنّ الجبن كان يعجبه عليهالسلام .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : أكل الجوز في شدّة الحرّ يهيّج الحرّ في الجوف ويهيّج القروح في الجسد ، وأكله في الشتاء يسخن الكليتين ، ويدفع البرد . وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعجبه من اللحم الذراع ، ويكره الورك
لقربها من المبال .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا ضعف المسلم فليأكل اللحم باللبن . وفي رواية عن الصادق عليهالسلام أنّه اللبن الحليب . وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مدح الثريد . وعن الصادق عليه السلام : أطفئوا نائرة الضغائن باللحم والثريد . وعن أبي الحسن عليهالسلام فيمن شكى إليه ضعف مرض فأمره بأكل الكباب ـ بفتح الكاف ـ . قال الجوهريّ : هو الطباهج . وكأنّه المقليّ ، وربما جعل ما يلقى على الفحم وروي أنّه يزيل الصفرة ، ويذهب بالحمّى ومدح الصادق عليهالسلام الرأس .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : عليكم بالهريسة ، فإنّها تنشط للعبادة أربعين يوماً . وشكى رسول الله إلى ربّه وجع الظّهر فأمره بأكل الهريسة . وشكى نبيٌّ الضعف وقلّة الجماع فأمره بأكلها .
وروي : إنّا وشيعتنا
خلقنا من الحلاوة فنحن نحبّ الحلاوة . ويكره الطعام الحارّ لنهى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والبركة في البارد . ويستحبّ لمن بات
وفي جوفه سمك أن يتبعه بتمر أو عسل ليندفع الفالج .
وروي أنّه يذيب الجسد
.
وشكى رجل إلى أبي الحسن
عليه السّلام قلّة الولد ، فقال عليه السّلام :
استغفر الله وكل
البيض بالبصل . روي للنسل اللحم والبيض . وروي أنّ الخلّ
__________________
والزيت
طعام الأنبياء ، وأنّه كان أحبَّ الصباغ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الخلّ والزيت . والصباغ : جمع صبغ ـ بالكسر ـ وهو ما يصطبغ به من الإدام ، أي يغمس فيه الخبز وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يكثر أكلهما . وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : نعم الإدام الخلّ وما افتقر بيت فيه خلّ .
وروي
أنّه يشدّ الذهن ، ويزيد في العقل ، ويكسر المرَّة ويحيي القلب ويقتل دوابّ البطن ، ويشدّ الفم ، ويقطع شهوة الزنا الاصطباغ به ، وعيّن في بعضها خلّ الخمر .
والمرّيّ
إدام يوسف لما شكى إلى ربّه وهو في السجن أكل الخبز وحده فأمره أن يأخذ الخبز ويجعل في خانية ويصبّ عليه الماء والملح ، وهو المُرّيّ .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : كلوا الزيت وادّهنوا به ، فإنّه من شجرة مباركة . وعن الصادق عليهالسلام : الزيتون يطرد الرياح ، ويزيد في
الماء . وما استشفى الناس بمثل العسل ، وهو شفاء من كلّ داء . والسكّر ينفع من كلّ شيء ولا يضرّ شيئاً . وأكل سكّرتين عند النوم تزيل الوجع والسكّر بالماء البارد جيّد للمرض . والسكّر يزيل البلغم .
والسمن دواء ، وخصوصاً
في الصيف . وروي : من بلغ الخمسين لا يبيتنّ إلّا وفي جوفه منه . ونهى عنه للشيخ ، وأمره بأكل الثريد .
ومدح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم اللبن ، وقال : إنّه طعام المرسلين . ولبن الشاة السوداء خير من لبن الحمراء ، ولبن البقرة الحمراء خير من لبن السوداء . وروي أنّ اللبن ينبت اللحم ويشدّ العضد . وعن أبي الحسن عليهالسلام لماء الظهر اللبن الحليب والعسل . وعن عليّ عليهالسلام : ألبان البقر دواء ينفع للذرب . وعن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بألبان البقر ، فإنّها تخلط من الشجر .
وعن أبي الحسن عليهالسلام في النانخواه إنّها هاضومة . وعن الصادق عليهالسلام : نعم
__________________
الطعام
الأرز ، يوسّع الأمعاء ، ويقطع البواسير . وروي أنّ الحمص بارك فيه سبعون نبيّاً ، وإنّه جيّد لوجع الظهر . وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : أكل العدس يرقّ القلب ويسرع الدمعة .
وروي أنّ أكل
الباقلاء يمخّخ الساقين ـ أي يجري فيهما المخّ ـ ويسمنهما ويزيد في الدماغ ، ويولد الدم الطريّ . وأنّ أكله بقشره يدبغ المعدة . وأنّ اللوبيا تطرد الرياح المستنبطة . وأنّ طبيخ الماش يذهب بالبهق .
وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّاً والحسنين وزين العابدين والباقر والصادق والكاظم عليهمالسلام كانوا يحبّون التمر ، وأنّ شيعتهم تحبّه
. وأنّ البرنيّ يشبع ويهنىء ويمرىء ويذهب بالعياء ، ومع كلّ تمرة حسنة ، وهو الدواء ولا داء له ، ويكره تقشير التمر .
وروي أنّ العنب
الرازقيّ والرطب المشان والرمّان الإمليسيّ من فواكه الجنّة . وأنّ أكل العنب الأسود يذهب الغمّ . وليؤكل مثنى ، وروي : فرادى أمرء وأهنأ .
وروي شيئان يؤكلان
باليدين جميعاً : العنب والرمّان . والاصطباح بإحدى وعشرين زبيبة حمراء يدفع الأمراض ، وهو يشدّ العصب ويذهب بالنصب ويطيب النفس والتين أشبه شيء بنبات الجنّة ، ويذهب بالداء ، ولا يحتاج معه إلى دواء ، وهو يقطع
البواسير ، ويذهب النقرس .
والرمّان سيّد
الفواكه ، وكان أحبّ الثمار إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يمرىء الشبعان ويجزي الجائع ، وفي كلّ رمّانة حبّة من الجنّة ، فلا يشارك الأكل فيها ، ويحافظ فيها على حبّها بأسره ، وأكله بشحمه دباغ المعدة ، وأكله يذهب وسوسة الشيطان وينير القلب ، ومدح رمّان سوراء . وأكل رمّانة يوم الجمعة على الريق ينوّر أربعين
__________________
صباحاً
، والرمّانتان ثمانون ، والثلاث مائة وعشرون ، فلا وسوسة ولا
معصية . ودخان عوده ينفي الهوامّ .
والتفّاح ينفع من
السمّ والسحر ، وسويقه ينفع من السمّ واللّمم والبلغم ، وأكله يقطع الرعاف ، وخصوصاً سويقه .
والسفرجل يذكّي ويشجّع
ويصفّي اللون ويحسّن الولد ويذهب الغمَّ وينطق أكله بالحكمة وما بعث الله نبيّاً إلّا ومعه رائحة السفرجل .
والكمّثرى يجلو القلب
ويدبغ المعدة وخصوصاً على الشبع . والإجاص يطفيء الحرارة ويسكن الصفراء ، ويابسه يسكن الدم ويسلّ الداء .
ويؤكل الأترج بعد
الطعام ، وكان رسول الله يعجبه النظر إلى الاُترج الأخضر . والغبيراء تدبغ المعدة وأمان من البواسير ، ونقوّي الساقين ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يأكل الرطب بالبطّيخ .
ثمّ قال ـ رحمه الله
ـ : درسٌ في البقول وغيرها .
يستحبّ أن يؤتى
بالبقل الأخضر على المائدة تأسّياً بأمير المؤمنين عليهالسلام . وسبع ورقات من الهندباء أمان من القولنج ليلته ، وعلى كلّ ورقة قطرة من الجنّة ، فليؤكل
ولا ينفض ، وهو يزيد في الباه ويحسن الولد ، وفيه شفاء من ألف داء . والباذروج
يفتح السدد ، ويشهّي الطعام ، ويذهب بالسلّ ، ويهضم الطعام ، وكان يعجب أمير
المؤمنين عليه السلام .
والكراث ينفع من
الطحال ، فيؤكل ثلاثة أيّام ، ويطيّب النكهة ، ويطرد الرياح ، ويقطع البواسير ، وهو أمان من الجذام ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يأكله بالملح .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالكرفس ، فإنّه طعام إلياس واليسع ويوشع . وروي أنّه يورث الحفظ ، ويذكّي القلب ، وينفي الجنون والجذام والبرص . ولا
__________________
بقلة
أشرف من الفرفخ ـ بالخاء المعجمة وفتح الفائين ـ وهي بقلة فاطمة عليهاالسلام والخس يصفّي الدم . والسداب يزيد في العقل . والجرجير بقل بني اُمية وهو مذموم .
والسلق يدفع الجذام والبرسام
ـ بكسر الباء ـ . وعن الصادق عليهالسلام : رفع عن اليهود الجذام بأكلهم السلق وقلعهم العروق . وروي : نعم البقلة السلق ، ينبت
بشاطىء الفردوس ، وفيها شفاء من الأوجاع كلّها ، وتشدّ العصب ، وتظهر الدم ، وتغلظ العظم .
والكمأة من المنّ ، وماؤها
شفاء للعين . والدبّاء يزيد في العقل والدماغ
وكان يعجب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم . وأصل الفجل يقطع البلغم ، وورقه يحدر
البول والجزر أمان من القولنج والبواسير ، ويعين على الجماع .
والسلجم ـ بالسين
المهملة والشين المعجمة ، وصحّح بعضهم بالمهملة لا غير ـ يذيب الجذام . وكان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يأكل القثّاء بالملح ، ويؤكل عن أسفله
، فإنّه أعظم لبركته . والباذنجان للشابّ والشيخ ، وينفي الداء ويصلح الطبيعة . والبصل يزيد في الجماع ، ويذهب البلغم ويشدّ القلب ويذهب الحمّى ، ويطرد
الوباء ـ بالقصر والمدّ ـ . والسعتر على الريق يذهب بالرطوبة ، ويجعل للمعدة خملاً ـ بسكون الميم ـ .
والتخلّل يصلح اللثة ،
ويطيّب الفم ، ونهي عن التخلّل بالخوص والقصب والريحان فإنّهما يهيّجان عرق الجذام ، وعن التخلّل بالرمان والآس . وغسل الفم بالسعد ـ بضمّ السين ـ بعد الطعام يذهب علل الفم ، ويذهب بوجع الأسنان .
والماء سيّد الشراب
في الدنيا والآخرة ، وطعمه طعم الحياة ، ويكره الإكثار منه ، وعبّه ـ أي شربه بغير مصّ . ويستحبّ مصّه . وروي من شرب الماء فنحّاه
__________________
وهو
يشتهيه فحمد الله ، يفعل ذلك ثلاثاً وجبت له الجنّة . وروي : باسم الله في المرّات
الثلاث في ابتدائه . وعن الصادق عليهالسلام : إذا شرب الماء يحرَّك الإناء ويقال :
يا ماء ماء زمزم وماء الفرات يقرئك السلام . وماء زمزم شفاء من كلّ داء ، وهو دواء ممّا شرب له . وماء الميزاب يشفي المريض ، وماء السماء يدفع الأسقام . ونهي عن البرد لقوله تعالى « يُصِيبُ
بِهِ مَنْ يَشاءُ
» .
وماء الفرات يصبّ فيه
ميزابان من الجنّة ، وتحنيك الولد به يجبّه إلى الولاية وعن الصادق عليهالسلام : تفجّرت العيون من تحت الكعبة . وماء
نيل مصر يميت القلب ، والأكل في فخارها وغسل الرأس بطينها يذهب بالغيرة ، وتورث الدياثة . وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعجبه الشرب في القدح الشاميّ والشرب
في اليدين أفضل ومن شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله كتب له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة .
ثمّ قال ـ طيّب الله
تربته ـ : درس ملتقط من طبّ الأئمّة عليهمالسلام :
يستحبُّ الحجامة في
الرأس ، فإنّ فيها شفاءً من كلّ داء ، وتكره الحجامة في الأربعاء والسبت خوفاً من الوضح ، إلّا أن يتبيّغ به الدّم ـ أي يهيج ـ فيحتجم متى شاء ، ويقرأ آية الكرسيّ ويستخير الله ويصلّي على النبيّ وآله ـ صلوات الله عليهم ـ . وروي أنّ الدواء في الحجامة والنورة والحقنة والقيء .
وروي مداواة الحمّى
بصبّ الماء ، فإن شقّ فليدخل يده في ماء بارد . ومن اشتدّ وجعه قرأ على قدح فيه ماء الحمد أربعين مرّة ، ثمّ يضعه عليه ، وليجعل
المريض عنده مكتلاً فيه برٌّ ويناول السائل منه بيده ، ويأمره أن يدعو له فيعافى إنشاء
الله تعالى .
والاكتحال بالإثمد ـ
بكسر الهمزة والميم ـ عند النوم يذهب القذى ويصفّي البصر . وأكل الحبّة السوداء شفاء من كلّ داء . والحرمل ـ بالحاء المهملة والميم
__________________
المفتوحة
ـ شفاء من سبعين داءً ، وهو يشجّع الجبان ، ويطرد الشيطان . والسنا ـ بالقصر ـ دواء ، وكذا الحلبة . والريح الطيّبة يشدّ العقل ويزيد في الباه . والبنفسج
أفضل الأدهان .
وقراءة القرآن
والسواك والصيام يذهبن النسيان ويحدّدن الفكر . والدعاء في حال السجود يزيل العلل . ومسح اليد على المسجد ثمّ مسحها على العلّة كذلك .
وعلّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً عليهالسلام للحمّى « اللّهمّ ارحم جلدي الرقيق
وعظمي الدقيق ، وأعوذ بك من فورة الحريق . يا اُمّ مِلدم ـ بكسر الميم وفتح الدال ـ إلى قوله ـ قال الصادق عليهالسلام : ما فزعت إليه قط إلّا وجدته . وكان
عليهالسلام يمرّ يده على الوجع ويقول ـ ثلاثاً ـ الله ربّي حقّاً لا اُشرك به شيئاً : اللّهمّ أنت لها ولكلّ
[ داء ] عظيمة .
وقال للأوجاع كلّها :
باسم الله وبالله كم [ من ] نعمة لله في عرق ساكن وغير ساكن على عبد شاكر وغير شاكر .
ويأخذ لحيته بيده
اليمنى عقيب الصلاة المفروضة ويقول : اللّهمّ فرّج عنّي كربتي ، وعجّل عافيتي ، واكشف ضرّي ـ ثلاث مرّات ـ . وروي اجتناب الدواء ما احتمل البدن الداء . والتقصير في الطعام يُصحّ البدن ، ومن كتم وجعاً ثلاثة أيّام
من الناس وشكى إلى الله عزّ وجلّ عوفي .
ومن أخذ الرازيانج
والسكّر والإهليلج استقبال الصيف ثلاثة أشهر في كلّ شهر ثلاثة أيّام لم يمرض إلّا مرض الموت . وروي استعمال الإهليلج الأسود في كلّ ثلاثة أيّام ، وأقلّه في كلّ جمعة وأقلّه في كلّ شهر ، وفي الإهليلج شفاء من سبعين
داءً والسعتر دواء أمير المؤمنين عليهالسلام .
وطين قبر الحسين عليهالسلام شفاء من كلّ داء . والاكتحال بالإثمد سراج العين وليكن أربعاً في اليمين وثلاثاً في اليسار عند النوم .
__________________
ويجوز المعالجة
بالطبيب الكتابيّ ، وقدح العين عند نزول الماء . ودهن الليل يروي البشرة ويبيّض الوجه .
بيان :
قال في القاموس : الطباهجة اللحم المشرّح ، معرّب « تباهة » وقال : الكباب ـ بالفتح ـ . اللحم المشرّح . وقال : الذرب ـ محرّكة ـ : فساد الجرح واتّساعه ، وفساد المعدة وصلاحها ، ضدّ ، والمرض الّذي لا يبرأ ـ انتهى ـ . وقال في بحر الجواهر : الذرب ـ محرّكة ـ : إسهال معديّ . وقيل : هو انطلاق
البطن المتّصل . وقيل : هو أن ينهضم الطعام في المعدة والأمعاء ولا يغذو جميع البدن بل يستفرغ من أسفل فقط استفراغاً متّصلاً .
أقول :
تلك الأدوية والأدعية والآداب الّتي نقلناها من هؤلاء الأفاضل الكرام والمشيخة العظام وإن كان مرّ أكثرها أو ستأتي بأسانيدها فإنّما أوردتها هنا
تأييداً وتأكيداً ، مع ما فيها من الفوائد الجليلة .
__________________
كتاب
( طب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
)
[ بسم الله الرحمن
الرحيم ]
٨٩
(
باب نادر )
نورد فيه كتاب « طبّ
النبيّ » المنسوب إلى الشيخ أبي العبّاس المستغفريّ .
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما خلق الله [ كلّ ] داء إلّا [ و ]خلق له دواءً إلّا السام .
وقال صلىاللهعليهوآله : الّذي أنزل الداء أنزل الشفاء .
وقال صلىاللهعليهوآله : بشّروا المحرورين بطول العمر .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أصل كلّ داء البرودة .
وقال صلىاللهعليهوآله : كل وأنت تشتهي ، وأمسك وأنت تشتهي .
وقال صلىاللهعليهوآله : المعدة بيت كلّ داء ، والحمية رأسّ كل دواء ، وأعط كلّ نفس ما عوّدتها .
وقال صلىاللهعليهوآله : أحبُّ الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي .
وقال صلىاللهعليهوآله : الأكل بإصبع واحد أكل الشيطان ، وبالاثنين
أكل الجبابرة
__________________
وبالثلاث
أكل الأنبياء .
وقال صلىاللهعليهوآله : برّد الطعام ، فإنّ الحارّ لا بركة فيه .
وقال صلىاللهعليهوآله : إذا أكلتم فاخلعوا نعالكم ، فإنّه أروح لأقدامكم ، وإنّه سنّة
جميلة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الأكل مع الخدّام من التواضع ، فمن أكل معهم اشتاقت إليه الجنّة .
وقال صلىاللهعليهوآله : الأكل في السوق من الدناءة .
وقال صلىاللهعليهوآله : المؤمن يأكل بشهوة أهله ، والمنافق يأكل أهله بشهوته .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا وضعت المائدة فليأكل أحدكم ممّا يليه ، ولا يتناول ذروة
الطعام فإنّ البركة تأتيها من أعلاها ، ولا يقوم أحدكم ولا يرفع يده وإن شبع حتّى يرفع
القوم أيديهم ، فإنَّ ذلك يخجل جليسه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : البركة في وسط الطعام فكلوا من حافاته ، ولا تأكلوا من وسطه
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : البركة في ثلاثة : الجماعة ، والسحور ، والثريد .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من استعمل الخشبتين أمن من عذاب الكلبتين
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تخلّلوا على أثر الطعام ، وتمضمضوا ، فإنّها
مصحّة الناب والنواجد .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تخلّلوا فإنّه من النظافة ، والنظافة من الإيمان ، والإيمان
مع صاحبه في الجنّة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : طعام الجواد دواء ، وطعام البخيل داء .
وقال صلىاللهعليهوآله : القصعة تستغفر لمن يلحسها .
وقال صلىاللهعليهوآله : كلوا جميعاً ولا تفرّقوا ، فإنّ البركة في الجماعة .
وقال صلىاللهعليهوآله : كثرة الأكل شؤم .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من جاع أو احتاج وكتمه من الناس ومضى إلى الله تعالى كان حقّاً عليه أن يفتح له رزق سنة حلالاً .
وقال صلىاللهعليهوآله : من أكل ما يسقط من المائدة عاش ما عاش في سعة من رزقه ، وعوفي
ولده وولد ولده من الحرام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه المؤمن .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من قلّ أكله قلّ حسابه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يشربنّ أحدكم قائماً ، ومن نسي فليتقيّأ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : المحتكر ملعون .
وقال صلىاللهعليهوآله : الاحتكار في عشرة : البرّ ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والذرّة
والسمن ، والعسل ، والجبنّ ، والجوز ، والزيت .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا لم يكن للمرء تجارة إلّا في الطعام طغى وبغى .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من جمع طعاماً يتربّص به الغلاء أربعين يوماً فقد برىء من
الله وبرىء الله منه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تسحّروا ، فإنَّ السحور بركة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تسحّروا خلاف أهل الكتاب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير طعامكم الخبز ، وخير فاكهتكم العنب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالحزازمة ـ أي كونوا منهم ـ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالهريسة ، فإنّها تنشط للعبادة أربعين يوماً ، وهي
الّتي نزلت علينا بدل مائدة عيسى عليهالسلام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تقطعوا الخبز بالسكّين ، وأكرموه ، فإنّ الله تعالى
أكرمه .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاث لقمات بالملح قبل الطعام تصرف عن ابن آدم اثنين وسبعين
نوعاً من البلاء ، منه الجنون والجذام والبرص .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : سيد إدامكم الملح .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل الملح قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء دفع الله عنه
ثلاثمائة وستّين نوعاً من البلاء أهونها الجذام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : افتتحوا بالملح ، فإنّه دواء من سبعين داءً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أفضل الصدقة الماء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : سيّد الأشربة في الدنيا والآخرة الماء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الحمّى من فيح جهنّم ، فبرّدوها بالماء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا اشتهيتم الماء فاشربوه مصّاً ، ولا تشربوه عبّاً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : العبّ يورث الكباد .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كلّ طعام وشراب وقعت فيه دابّة ليست لها نفس سائلة فماتت
فهو حلال وطهور .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من تعوّد كثرة الطعام والشراب قسا قلبه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا شرب أحدكم الماء وتنفّس ثلاثاً كان آمناً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : شرار أمّتي الّذين يأكلون مخاخ العظام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ إبليس يخطب شياطينه ويقول : عليكم باللحم والمسكر و النساء ، فإنّي لا أجد جماع الشرّ إلّا فيها .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بأكل الجزور مخالفة لليهود .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللحم ينبت اللحم ، ومن ترك اللحم أربعين صباحاً ساء خلقه .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من ترك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الاضطرار ومات فله النار خالداً مخلّداً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تقطعوا اللحم بالسكّين على الخوان ، فإّنه من صنع
الأعاجم وانهشوه فإنّه أهنأ وأمرأ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تأكلوا من صيد المجوس إلّا السّمك .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل اللحم أربعين صباحاً
قسا قلبه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه حين شكى إليه ضعفه أن اطبخ اللحم مع اللبن ، فإنّي قد جعلت شفاءً وبركة فيهما .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الأرز في الأطعمة كالسيّد في القوم ، وأنا في الأنبياء
كالملح في الطعام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل الفاكهة وتراً لم تضرّه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادّهنوا بالبنفسج ، فإنّه بارد في
الصيف ، حارٌّ في الشتاء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اسقوا نساءكم الحوامل الألبان ، فإنّها تزيد في عقل الصبيّ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا شربتم اللبن فتمضمضوا ، فإنّ
له دسماً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاثة لا تردّ : الوسادة ، واللبن ، والدهن .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الجبن داء ، والجوز داء ، فإذا اجتمعا معاً صارا دواء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : شرب اللبن محض الإيمان .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم باللبان ، فإنّه يمسح
الحرّ من القلب كما يمسح الإصبع العرق عن الجبين ، ويشدّ الظهر ، ويزيد في العقل ، ويذكّي الذهن ، ويجلو البصر ، و
يذهب النسيان .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عشر خصال تورث النسيان : أكل الجبنّ ، وأكل سؤر الفأر ، وأكل التفّاح الحامض ، والجلجلان ، والحجامة على النقرة ، والمشي
بين المرأتين ، والنظر إلى المصلوب ، والتعارّ ، وقراءة لوح المقابر .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ليس يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الشاة بركة ، والشاتان بركتان ، وثلاث شياه غنيمة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاث يفرح بهنّ الجسم ويربو : الطيب ، واللباس اللّين ، وشرب
العسل .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالعسل ، فوالّذي نفسي بيده ما من بيت فيه عسل إلّا ويستغفر الملائكة لذلك البيت ، فإن شربه رجل دخل في جوفه ألف
دواء وخرج عنه ألف ألف داء ، فإن مات وهو في جوفه لم تمسّ النار جسده .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قلب المؤمن حلو يحبّ الحلاوة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من لقم في فم أخيه لقمة حلو لا يرجو بها رشوة
ولا يخاف بها من شرّه ولا يريد إلّا وجهه صرف الله عنه بها حرارة الموقف يوم القيامة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعم الشراب العسل ، يرعى
القلب ويذهب برد الصدر .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أراد الحفظ فليأكل العسل .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا اشترى أحدكم الخادمة فليكن أوّل ما يطعمه العسل ، فإنّه
أطيب لنفسها .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا ولدت امرأة فليكن أوَّل ما تأكل الرطب الحلو أو
التمر
__________________
فإنّه
لو كان شيء أفضل منه أطعمه الله تعالى مريم حين ولدت عيسى عليهالسلام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا جاء الرطب فهنّئوني ، وإذا ذهب فعزّوني .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : بيت لا تمر فيها كأن ليس فيها طعام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : خلقت النخلة والرّمان والعنب من فضل طينة آدم عليهالسلام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أكرموا عمّتيكم : النخلة ، والزبيب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل التمر على الريق ، فإنّه يقتل الدود .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعم السحور للمؤمن التمر .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من وجد التمر فليفطر عليه ، ومن لم يجد فليفطر على الماء
فإنّه طهور .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تردُّوا شربة العسل على من أتاكم بها .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لحم البقر داء ، ولبنها دواء . ولحم الغنم دواء ، ولبنها
داء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالفواكه في إقبالها ، فإنّها مصحّة للأبدان ، مطردة للأحزان ، وألقوها في إدبارها فإنّها داء الأبدان .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أفضل ما يبدأ به الصائم الزبيب أو التمر أو شيء حلو .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أكل التين أمان من القولنج ، وأكل السفرجل يذهب ظلمة البصر .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ربيع اُمّتي العنب والبطّيخ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تفكّهوا بالبطّيخ ، فإنّها فاكهة الجنّة
، وفيها ألف بركة وألف رحمة ، وأكلها شفاء من كلّ داء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عضِّ البطّيخ لا تقطعها قطعاً ، فإنّها فاكهة مباركة طيّبة ،
مطهرة الفم ، مقدسة القلب ، وتبيّض الأسنان ، وترضي الرحمان ، ريحها من
العنبر ، و
__________________
ماؤها
من الكوثر ، ولحمها من الفردوس ، ولذّتها من الجنّة ، وأكلها من العبادة .
وعن ابن عباس أنّه
قال : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالبطيخ ، فإنّ فيه عشر خصال :
هو طعام ، وشراب ، وسنان ، وريحان ، ويغسل المثانة ، ويغسل البطن ، ويكثر ماء الظهر ، ويزيد في الجماع ، ويقطع البرودة ، وينقي البشرة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالرّمّان ، وكلوا شحمه ، فانّه دباغ المعدة . وما من
حبّة تقع في جوف أحدكم إلّا أنارت قلبه ، وجنّبته من الشيطان والوسوسة أربعين يوماً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالاُترج ، فإنّه ينير الفؤاد ، ويزيد في الدماغ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل العنب حبّة حبّة ، فإنّها أهنأ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل التين ، فإنّه ينفع البواسير والنقرس .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل الباذنجان وأكثر ، فإنّها شجرة رأيتها في الجّنة ، فمن
أكلها على أنّها داء كانت داءً ، ومن أكلها على أنّها شفاء
كانت دواء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل اليقطين ، فلو علم الله تعالى شجرة أخفّ من هذا لأنبتها
على أخي يونس عليهالسلام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا اتّخذ أحدكم مرقًا فليكثر فيه الدّبا ، فإنّه يزيد في
الدّماغ ، والعقل .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل رمّانة حتى يتمّها نوّر الله قلبه أربعين يوماً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعم الإدام الزبيب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من أحد أكل رمّانة إلّا مرض شيطانه أربعين يوماً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الكرفس بقلة الأنبياء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل الخلّ قام عليه ملك يستغفر له حتّى يفرغ منه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعم الإدام الخلّ .
__________________
وقال : كان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يحبّ من الفاكهة العنب والبطّيخ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالزبيب ، فإنّه يطفىء المرّة ، ويسكن البلغم ، ويشدّ
العصب ، ويذهب النصب ، ويحسن القلب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالقرع ، فإنّه يزيد في الدماغ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : العنّاب يذهب بالحمّى والكمّثرى يجلي القلب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : شكى نوح إلى الله الغمّ ، فأوحى الله إليه أن يأكل العنب ، فإنّه
يذهب الغمّ .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا أكلتم القثّاء فكلوه من أسفله .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تفكّهوا بالبطّيخ وعضّوه ، فإنّ ماءه رحمة ، وحلاوته من
حلاوة الإيمان فمن لقم لقمة من البطّيخ كتب الله له سبعين ألف حسنة ، ومحا
عنه سبعين ألف سيّئة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : في البطيخ عشرة خصال ذكرها .
وقال : اُهدي إلى النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم بطيخ من الطائف ، فشمّه وقبّله . وقال : عضّوا البطيخ ، فإنّه من حلل الأرض ، وماؤه من رحمة
، وحلاوته من الجنّة .
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً في محفل من أصحابه فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ذكر الله
من أطعمنا بطيخاً ، فقام عليٌّ عليهالسلام فذهب فجاء بجملة من البطيخ ، فأكل هو
وأصحابه ، فقال
__________________
صلّى
الله عليه وآله : رحم الله من أطعمنا هذا ، ومن أكل ومن يأكل من يومنا هذا إلى
يوم القيامة من المسلمين .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من امرأة حاملة أكلت البطّيخ بالجبن إلّا يكون مولودها
حسن الوجه والخلق .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : البطيخ قبل الطعام يغسل البطن ويذهب بالداء أصلاً .
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم : يأكل القثّاء بالملح ، ويأكل البطيخ بالجبن . وكان يأكل
الفاكهة الرّطبة ، وربما أكل البطيخ باليدين جميعاً .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : شمّوا النرجس ولو في اليوم مرَّة ، ولو في الاُسبوع مرّة ، ولو
في الشهر مرّة ، ولو في الدهر مرّة ، ولو في السنة
مرّة ، فإنّ في القلب حبّة من الجنون والجذام والبرص وشمّه يقلعها .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحنّاء خضاب الإسلام ، يزيد في المؤمن عمله ، ويذهب
بالصداع ويحدّ البصر ، ويزيد في الوقاع ، وهو سيّد الرياحين في الدنيا والآخرة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالمرزنجوش ، شمّوه فإنّه جيّد للخشام ، والخشام داء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : فضل دهن البنفسج على الأدهان كفضل الإسلام على الأديان .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من ورقة من ورق الهندباء إلّا عليها قطرة من ماء الجنّة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أراد أن يشمّ ريحي فليشمّ الورد الأحمر .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما خلق الله شجرة أحبّ إليه من الحناء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : نفقة درهم في سبيل الله بسبعمائة ، ونفقة درهم في خضاب
الحناء بتسعة آلاف .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا أكلتم الفجل وأردتم أن تجتنبوا نتنه فصلّوا عليّ عند أوّل
قضمة منه .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : زيّنوا موائدكم بالبقل ، فإنّها مطردة للشياطين مع التسمية .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الشونيز دواء من كلّ داء إلّا السام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : كلوا الجبن ، فإنّه يورث النعاس ، ويهضم الطعام .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل السداب ونام عليه أمن من الدوار وذات الجنب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا ولا يقرب المسجد .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا دخلتم بلداً فكلوا من بقله وبصله يطرد عنكم داءه ، ويذهب
بالنصب ، ويشدّ العضد ، ويزيد في الماء ، ويذهب بالحمّى .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالكرفس ، فإنّه إن كان شيء يزيد في العقل فهو هو .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو كان في شيء شفاء لكان في السنا .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليكم بالهليلج الأسود فإنّه من شجر الجنّة ، طعمه مرٌّ
وفيه شفاء من كلّ داء .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّه يستحبّ الحجامة في تسعة عشر من الشهر ، وواحد وعشرين .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : في ليلة اُسري بي إلى السماء ما مررت بملاٍ من الملائكة إلّا
قالوا : يا محمّد مر اُمّتك بالحجامة . وخير ما تداويتم به الحجامة والشونيز
والقسط .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أكل الطين حرام على كلّ مسلم
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من مات وفي بطنه مثقال ذرّة منه
أدخله النار .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أكل الطين فكأنّما أعان على قتل نفسه .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تأكلوا الطين ، فإنّ فيها ثلاث خصال : تورث الداء ، وتعظم
البطن وتصفر اللون .
__________________
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحمّى نصيب كلّ مؤمن من النار .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من مرض سبعة أيّام مرضاً سخيناً كفّر الله عنه ذنوب سبعين سنة .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تكرهوا أربعة ، الرّمد فإنّه يقطع عروق العمى ، والزكام فإنّه يقطع عروق الجذام ، والسعال فإنّه يقطع عروق الفالج ، والدماميل فإنّها تقطع
عروق البرص .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا وجع إلّا وجع العين ، ولا همَّ إلّا همُّ الدَّين .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحمّى تحطّ الخطايا كما تحطّ من الشجرة الورق .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من سبق العاطس بالحمد لله أمن من الشوص واللوص والعلوص .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما قال عبد عند امرىء مريض « أسئل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك » سبع مرّات ، إلّا عوفي .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من شكا ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأ « وَهُوَ
الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » « قَدْ فَصَّلْنَا
الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ » « وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ » الآية .
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا أتى مريضاً قال : أذهب الوسواس والباس ربّ الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلّا شفاؤك .
وقيل : عاد رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : مريضاً فقال : أرقيك رقية علّمنيها
جبرئيل ؟ فقال : نعم يا رسول الله . قال : بسم الله يشفيك من كلّ داء ، ولا يأتيك ، ومن شرّ النفّاثات
في العقد ، ومن شرّ حاسد إذا حسد .
__________________
بيان :
« أصل كلّ داء » أي غالباً ، أو في تلك البلاد الغالب على أهلها البرودة « الجماعة » أي الاجتماع في الأكل ، والحمل على الصلاة بعيد ، وسيأتي التصريح بالأوّل . « من استعمل الخشبتين » أي الخلال والسواك « أمن من عذاب الكلبتين » أي لا يحتاج إلى إدخال الكلبتين في فمه لقلع أسنانه . « فإنّها ضجعة الناب » في
أكثر النسخ « مضجعه » .
قال في القاموس : الضجع
غاسول للثياب ، الواحدة بهاء . وفي بعض النسخ « مصحّة » وهو أظهر .
قوله « فليستقىء » أي
فليتقيّأ . قال في النهاية : فيه « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم استقاء عامداً فأفطر » هو استفعل من القيء ، والتقيّوء أبلغ منه ، لأنّ في الاستقاء تكلّفاً
أكثر منه ، وهو استخراج ما في الجوف تعمّداً .
ومنها الحديث « لو
يعلم الشارب قائماً ماذا عليه لاستقا ما شرب منه » . وقال في النهاية : الأخشم الّذي لا يجد ريح الشيء ، وهو الخشام . قوله « مرضاً سخينا » أي
حاراً شديداً مولماً .
قال في القاموس : ضرب
سخين : مولم حارّ . وفي النهاية : فيه « شرّ الشتاء السخين » أي الحارّ الّذي لا برد فيه .
أقول :
ويحتمل أن يكون بالثاء المثلّثة ، من قولهم « أثخن في العدوّ » : بالغ في الجراحة فيهم ، وفلاناً أوهنه . ومنه قوله تعالى « حَتَّىٰ إِذَا
أَثْخَنتُمُوهُمْ
» أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح .
وقال في النهاية ، فيه
« من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص و العلوص » الشوص وجع الضرس ، وقيل : الشوصة وجع في البطن من ريح تنعقد تحت الأضلاع . واللوص . وجع الاُذن . وقيل : وجع النحر . والعلوص : وهو وجع البطن وقيل التخمة ـ انتهى ـ .
__________________
وأقول :
إنّما أوردت جميع هذه الرسالة في هذا المقام مع أنَّ كثيراً من أجزائها يناسب أبواباً اُخرى لكون جميعها بمنزلة خبر واحد ، فأحببت اجتماعها في مكان واحد وعدم الاعتناء كثيراً بسندها وذكر الأجزاء بأسانيد اُخرى في محالّها .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « عليكم بالحزازمة » كذا في النسخ الّتي رأينا ، ولم أر ما
يناسبه في روايات الفريقين ، وكونه من الاحتزام وهو شدّ الوسط بعيد لفظاً ومعنى ، وإن كان
يناسب التفسير الّذي ذكره المستغفريّ .
قال في النهاية : فيه
نهى أن يصلّي الرجل بغير حزام . أي من غير أن يشدّ ثوبه عليه لئلّا تنكشف عورته ، ومنه الحديث : نهى أن يصلّي الرجل حتّى يحتزم . أي يتلبّب بشدّ وسطه . والحديث الآخر أنّه أمر بالتحزّم في الصلاة ـ انتهى ـ .
ومناسبته للمقام لأنّه
حمل الخبر على مطلق شدّ الوسط ، ففيه مصلحة طبّيّة وإنّما فسّره بما قال لأنّ الحزازمة الّذين يفعلون ذلك لا هذا الفعل لكن في مجىء الحزازمة بهذا المعنى نظر . وقد يقال إنّه تصحيف المرازمة بالمهملة أولاً ثمّ
المعجمة . قال في النهاية : فيه « إذا أكلتم فرازموا » المرازمة الملازمة والمخالطة ، أراد :
اخلطوا الأكل بالشُكر ، وقولوا بين اللقم : الحمد لله . وقيل : أراد : اخلطوا
أكلكم وكلوا ليناً مع خشن ، وسائغاً مع جشب .
وقيل : المرازمة في
الأكل المعاقبة ، وهو أن تأكل يوما لحماً ويوماً لبناً ويوما تمراً ويوماً خبزاً قفاراً . يقال للإبل إذا رعت يوماً خلّة ويوما خمصاً قد رازمت ـ انتهى ـ .
وقال الإصبهانيّ في
شرح المقامات الحريريّة : رزمت الشيء أي جمعته . ومنه الحديث « إذا أكلتم فرازموا » أي اجمعوا بين حمد الله والأكل ، ومنه المرازمة الّتي
كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يحبّها ، وهي الجمع بين الخبز والعنب
والائتدام به .
وأقول : التفسير لا
يناسب هذا ، ولو فتحنا باب التصحيف يمكن أن يكون تصحيف
«
الحضارمة » أي الحضرميّون نسبة إلى « حضر موت يمن » أو حضارمة مصر ، ويناسبه التفسير أيضاً ، فيكون مدحاً لهم وأمراً بمعاشرتهم وسكنى بلادهم ، أو « الخضارمة »
بالمعجمتين .
قال في القاموس : الخضرم
ـ كزبرج ـ : الجواد العطاء والسيّد الحمول ، و الجمع : خضارم وخضارمة . والخضارمة ـ بالمعجمتين ـ قوم من العجم خرجوا في بدء الإسلام فسكنوا الشّام .
( الرسالة الذهبية )
[ بسم الله الرحمن
الرحيم ]
٩٠
(
باب آخر )
* ( في الرسالة المذهبة المعروفة بالذهبية ) *
أقول :
وجدت بخطّ الشيخ الأجل الأفضل ، العلّامة الكامل في فنون العلوم والأدب ، مروّج الملّة [ والدين ] والمذهب ، نور الدين عليّ بن عبد العالي الكركيّ
ـ جزاه الله سبحانه عن الإيمان و [ عن ] أهله الجزاء السنيّ ـ ما هذا لفظه :
الرسالة الذهبيّة في
الطبّ ، الّتي بعث بها الإمام عليُّ بن موسى الرضا عليهالسلام
إلى المأمون العبّاسيّ
في حفظ صحّة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية .
قال إمام الأنام ، غرّة
وجه الإسلام مظهر الغموض بالرويّة اللّامعة ، كاشف الرموز في الجفر والجامعة ، أقضى من قضى بعد جدّه المصطفى ، وأغزى من غزا بعد أبيه عليّ المرتضى ، إمام الجنّ والإنس أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا ، صلوات الله
عليه وعلى آبائه النجباء [ النّقباء ] الكرام الأتقياء : اعلم يا أمير المؤمنين ـ إلى
آخر ما سيأتي من الرسالة ـ .
ووجدت في تأليف بعض
الأفاضل بهذين السندين : قال موسى بن عليّ بن
جابر
السلامي ، أخبرني الشيخ الأجلّ العالم الأوحد سديد الدين يحيى بن محمّد بن علبان الخازن ـ أدام الله توفيقه ـ قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن
جمهور .
وقال : هارون بن موسى
التلعكبريّ ـ رضي الله عنه ـ حدّثنا محمّد بن هشام بن سهل ـ رحمه الله ـ . قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثني أبي
وكان عالماً بأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهالسلام خاصّة به ، ملازماً لخدمته ، وكان معه
حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان واستشهد عليه الصلاة والسلام بطوس ، وهو ابن تسع وأربعين سنة .
قال : وكان المأمون
بنيسابور ، وفي مجلسه سيّدي أبو الحسن الرضا عليهالسلام وجماعة من المتطبّبين والفلاسفة ، مثل يوحنّا بن ماسويه ، وجبرئيل بن بختيشوع ، وصالح بن سلهمة الهنديّ ، وغيرهم من منتحلي العلوم وذوي البحث والنظر ، فجرى
ذكر الطبّ وما فيه صلاح الأجسام وقوامها ، فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام وتغلغلوا في علم ذلك ، وكيف ركّب الله تعالى هذا الجسد وجميع ما فيه من هذه
الأشياء المتضادّة من الطبائع الأربع ، ومضارّ الأغذية ومنافعها ، وما يلحق الأجسام من مضارّها من العلل .
قال : وأبو الحسن عليهالسلام ساكت لا يتكلّم في شيء من ذلك . فقال له المأمون : ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الّذي نحن فيه هذا اليوم ، والّذي لا بدّ منه
من معرفة هذه الأشياء والأغذية ، النافع منها والضارّ ، وتدبير الجسد ؟ فقال أبو الحسن
عليه السّلام : عندي من ذلك ما جرّبته وعرفت صحّته بالاختبار ومرور الأيّام ، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف ، ممّا لا يسع الإنسان جهله ، ولا يعذر في تركه ، فأنا
أجمع ذلك مع ما يقاربه ممّا يحتاج إلى معرفته .
قال : وعاجل المأمون
الخروج إلى بلخ ، وتخلّف عنه أبو الحسن عليهالسلام ، وكتب المأمون إليه كتاباً يتنجّزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته على ما
سمعه منه
__________________
وجرّبه
من الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والسواك والحمّام والنورة والتدبير في ذلك .
فكتب الرضا عليهالسلام إليه كتاباً نسخته : « بسم الله الرحمن الرحيم . اعتصمت بالله
.
أمّا بعد ، فإنّه وصل إليّ كتاب أمير المؤمنين فيما أمرني من توقيفه على ما يحتاج
إليه ممّا جرّبته و [ ما ] سمعته في الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والحمّام والنورة والباه وغير ذلك ممّا يدبّر استقامة أمر الجسد ، وقد فسّرت له ما يحتاج إليه ، وشرحت له ما يعمل عليه ، من تدبير مطعمه ومشربه وأخذه الدواء وفصده وحجامته وباهه وغير ذلك ممّا يحتاج إليه من سياسة جسمه ، وبالله التوفيق . اعلم أنّ الله عزّ وجلّ لم يبتل الجسد بداء حتّى جعل له دواء » ـ إلى آخر ما سيأتي
ـ .
اقول : وذكر الشيخ
أبو جعفر الطوسيّ ـ قدس الله روحه القدّوسي ـ في الفهرست في ترجمة محمّد بن الحسن بن جمهور العمّيّ البصريّ : له كتب ، منها كتاب الملاحم ،
و كتاب الواحدة ، وكتاب صاحب الزمان عليهالسلام وله الرسالة المذهبّة عن الرضا عليهالسلام أخبرنا برواياته كلّها إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط جماعة ، عن محمّد بن عليّ بن
الحسين ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن جمهور .
ورواها محمّد بن عليّ
بن الحسين ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسن بن متّيل ، عن محمّد بن أحمد العلويّ عن العمركيّ بن علي ، عن محمّد بن
جمهور .
وذكر النجاشيّ أيضاً
طريقه إليه هكذا : أخبرنا محمّد بن عليّ الكاتب ، عن محمّد بن عبد الله ، عن عليّ بن الحسين الهذليّ المسعوديّ قال : لقيت الحسن بن محمّد بن جمهور ، فقال لي : حدّثني أبي محمّد بن جمهور وهو ابن مائة وعشر سنين .
__________________
وأخبرنا ابن شاذان عن
أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن سعد ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن محمّد بن جمهور بجميع كتبه .
وقال محمّد بن شهر اشوب
ـ قدّس سرّه ـ في كتاب معالم العلماء في ترجمة محمّد بن الحسن : له الرسالة المذهّبة عن الرضا عليهالسلام في الطبّ ـ انتهى ـ .
وذكر الشيخ منتجب
الدين في الفهرست أنّ السيّد فضل الله بن عليّ الراونديّ كتب عليها شرحاً سمّاه ترجمة العلويّ للطبّ الرضوي .
فظهر أنّ الرسالة
كانت من المشهورات بين علمائنا ، ولهم إليه طرق وأسانيد لكن كان في نسختها الّتي وصلت إلينا اختلاف فاحش أشرنا إلى بعضها ، ولنشرع في ذكر الرسالة ثمّ في شرحها على الإجمال .
« اعلم يا أمير
المؤمنين أنّ الله تعالى لم يبتل العبد المؤمن ببلاء حتّى جعل له دواء يعالج به ، ولكلّ صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت ، وذلك أنّ الأجسام
الإنسانية جعلت على مثال الملك ، فملك الجسد هو القلب
، والعمّال العروق و الأوصال والدماغ ، وبيت الملك قلبه وأرضه الجسد ، والأعوان يداه ورجلاه و شفتاه وعيناه ولسانه واُذناه ، وخزانته معدته وبطنه ، وحجابه صدره .
فاليدان عونان يقرّبان
ويبعّدان ويعملان على ما يوحي إليهما الملك والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء .
والعينان تدلّانه على
ما يغيب عنه ، لأنّ الملك من وراء الحجاب لا يوصل إليه شيء إلّا بهما ، وهما سراجان أيضاً ، وحصن الجسد وحرزه
الاُذنان لا يُدخلان على الملك إلّا ما يوافقه ، لأنّهما لا يقدران أن يدخلا شيئاً حتّى يوحي الملك
إليهما فإذا أوحى الملك إليهما أطرق الملك منصتاً لهما حتّى يسمع منهما ، ثمّ يجيب بما
يريد فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة ، منها ريح الفؤاد ، وبخار المعدة ، ومعونة
الشفتين
__________________
وليس
للشفتين قوّة إلّا باللسان ، وليس يستغني بعضها عن بعض . والكلام
لا يحسن إلّا بترجيعه في الأنف ، لأنّ الأنف يزيّن الكلام كما يزيّن النافخ
في المزمار وكذلك المنخران ، وهما ثقبتا الأنف ، يدخلان على الملك ممّا يحبّ من
الرياح الطيّبة ، فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك الرّيح .
وللملك مع هذا ثواب
وعقاب ، فعذابه أشدُّ من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا ، وثوابه أفضل من ثوابهم ! فأمّا عذابه فالحزن ، وأمّا ثوابه فالفرح ، وأصل
الحزن في الطحال ، وأصل الفرح في الثرب والكليتين ، ومنهما عرقان موصلان إلى الوجه .
فمن هناك يظهر الفرح
والحزن ، فترى علامتهما في الوجه . وهذه العروق كلّها طرق من العمّال إلى الملك ومن الملك إلى العمّال ، ومصداق ذلك أنّك
إذا تناولت الدواء أدّته العروق إلى موضع الداء بإعانتها .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ الجسد بمنزلة الأرض الطيّبة ، متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق . ولا ينقص منه فتعطش ، دامت عمارتها ، و كثر ريعها ، وزكى زرعها ، وإن تغوفل عنها فسدت ، ولم ينبت فيها العشب ، فالجسد بهذه المنزلة .
وبالتدبير في الأغذية
والأشربة يصلح ويصحّ ، وتزكو العافية [ فيه ] فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ، ويوافق معدنك ، ويقوى عليه بدنك ، ويستمرئه من
الطعام فقدّره لنفسك واجعله غذاءك .
__________________
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ كلّ واحدة من هذه الطبائع تحت ما يشاكلها ، فاغتذِ ما يشاكل جسدك ، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه . وكذلك الماء فسبيله أن تأخذ من الطعام كفايتك في أيّامه
وارفع يديك منه ويك
إليه بعض القرم ، وعندك إليه ميل ، فإنّه أصلح لمعدتك ولبدنك ، وأزكى لعقلك وأخفّ لجسمك
.
يا أمير المؤمنين كل
البارد في الصيف ، والحارّ في الشتاء ، والمعتدل في الفصلين على قدر قوّتك وشهوتك . وابدأ في أوّل الطعام بأخفّ الأغذية الّتي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك وبحسب طاقتك ونشاطك . وزمانك الّذي يجب أن يكون أكلك في كلّ يوم عند ما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة ، أو ثلاث أكلات في يومين تتغدّى باكراً في أوّل يوم ، ثمّ تتعشّى ، فإذا كان في اليوم الثاني ، فعند مضيّ
ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة ولم تحتج إلى العشاء . وكذا أمر جدّي محمّد صلىاللهعليهوآله
عليّاً عليهالسلام في كلّ يوم وجبة ، وفي غده وجبتين . وليكن ذلك بقدر لا
يزيد ولا ينقص
وارفع يديك من الطعام
وأنت تشتهيه ، وليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق ممّا يحلّ شربه ، والّذي أنا واصفه فيما بعد .
ونذكر الآن ما ينبغي
ذكره من تدبير فصول السنة وشهورها الرومية الواقعة فيها في كلّ فصل على حدة ، وما يستعمل من الأطعمة والأشربة وما يجتنب منه ، وكيفيّة
حفظ الصحّة من أقاويل القدماء ونعود إلى قول الأئمّة عليهمالسلام في صفة شراب يحلّ شربه ويستعمل بعد الطعام .
__________________
(
ذكر فصول السنة )
أمّا فصل الربيع فإنّه
روح الأزمان وأوّله « آذار » وعدد
أيّامه ثلاثون يوماً ، وفيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض . ويذهب سلطان البلغم ، ويهيج الدم ، ويستعمل فيه من الغذاء اللطيف واللّحوم والبيض النّيمبرشت ، ويشرب الشراب بعد تعديله بالماء ، ويتّقى فيه أكل البصل والثوم والحامض ، ويحمد فيه شرب المسهل ويستعمل فيه الفصد والحجامة .
نيسان
ثلاثون يوماً ، فيه يطول النهار ويقوى مزاج الفصل ، ويتحرّك الدّم وتهبّ فيه الرياح الشرقيّة ، ويستعمل فيه من المآكل المشويّة ، وما يعمل بالخلّ ولحوم الصيد ويعالج الجماع والتمريخ
بالدهن في الحمّام ، ولا يشرب الماء على الريق ، ويشمّ الرياحين والطيب .
ايار
أحد وثلاثون يوماً ، [ و ] تصفو فيه الرياح ، وهو آخر فصل الربيع ، و قد نهي فيه عن أكل الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحم
البقر واللبن ، و ينفع فيه دخول الحمّام أوّل النهار ويكره فيه الرياضة قبل الغذاء .
حزيران
ثلاثون يوماً ، يذهب فيه سلطان البلغم والدم ، ويقبل زمان المرّة الصفراوية ونهي فيه عن التعب وأكل اللحم داسماً
والإكثار منه ، وشمّ المسك و
__________________
العنبر
، وينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء وبقلة الحمقاء ، وأكل الخضر كالخيار والقثّاء ، والشيرخشت ، والفاكهة الرطبة ، واستعمال المحمّضات ، ومن
اللحوم لحم المعز الثنيّ والجَذَع ، ومن الطيور الدجاج والطيهوج والدرّاج
والألبان والسمك الطريّ .
تموز
أحد وثلاثون يوماً ، فيه شدّة الحرارة وتغور المياه ، ويستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق ، ويؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة
ويكسر فيه مزاج الشراب ، وتؤكل فيه الأغذية اللطيفة السريعة الهضم ، كما ذكر في حزيران ويستعمل فيه من النَّور والرياحين الباردة الرطبة الطيّبة الرائحة .
آب
أحد وثلاثون يوماً فيه تشتدّ السموم ، ويهيج الزكام بالليل ، وتهبّ الشمال ، ويصلح المزاج بالتبريد والترطيب ، وينفع فيه شرب اللبن الرائب
و يجتنب فيه الجماع والمسهل ، ويقلّ من الرياضة ، ويشمّ من الرياحين الباردة .
أيلول
ثلاثون يوماً ، فيه يطيب الهواء ، ويقوى سلطان المرّة السوداء ، ويصلح شرب المسهل ، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة كالجداء والحوليّ
من الضّأن ، ويجتنب فيه لحم البقر ، والإكثار من الشواء ، ودخول الحمّام ، و يستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثّاء .
تشرين
الاول أحد وثلاثون يوماً ، فيه تهبّ الرياح
المختلفة ، ويتنفّس فيه ريح الصبا ، ويجتنب فيه الفصد وشرب الدواء ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع فيه أكل اللحم السمين والرّمان المزّ والفاكهة بعد الطعام ، ويستعمل فيه أكل اللحوم
__________________
بالتوابل
، ويقلّل فيه من شرب الماء ، ويحمد فيه الرّياضة .
تشرين الاخر ثلاثون يوماً ، فيه يقطع المطر الوسميّ
، وينهى فيه عن شرب الماء باللّيل ، ويقلّل فيه من دخول الحمّام والجماع ، ويشرب بكرةً كلَّ يوم جرعة ماء حارّ ، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير .
كانون الاول أحد وثلاثون يوماً ، يقوى فيه العواصف ، وتشتدّ
فيه البرد وينفع فيه كلّ ما ذكرناه في تشرين الآخر ، ويحذر فيه من أكل الطعام البارد ، ويتّقى
فيه الحجامة والفصد ، ويستعمل فيه الأغذية الحارَّة بالقوّة والفعل .
كانون الاخر أحد وثلاثون يوماً ، يقوى فيه غلبة البلغم وينبغي أن يتجرّع فيه الماء الحارّ على الريق ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع الأحشاء
فيه مثلُ البقول الحارّة كالكرفس والجرجير والكراث ، وينفع فيه دخول الحمّام أوّل النهار ، و التمريخ بدهن الخيري وما ناسبه ، ويحذر فيه الحلو وأكل السمك الطريّ واللبن .
شباط
ثمانية وعشرون يوماً ، تختلف فيه الرياح ، وتكثر الأمطار ، ويظهر فيه العشب ، ويجري فيه الماء في العود ، وينفع فيه أكل الثوم ولحم الطير والصيود والفاكهة اليابسة ، ويقلّل من أكل الحلاوة ، ويحمد فيه كثرة الجماع والحركة و الرّياضة .
صفة الشراب الّذي يحلّ شربه واستعماله بعد الطعام ، وقد تقدّم ذكر نفعه
في ابتدائنا بالقول على فصول السنة وما يعتمد فيها من حفظ الصحّة .
وصفته أن يؤخذ من
الزبيب المنقّى عشرة أرطال ، فيغسل وينقع في ماء صاف في
__________________
غمرة
وزيادة عليه أربع أصابع ، ويترك في إنائه ذلك ثلاثة أيّام في
الشتاء وفي الصيف يوماً وليلة . ثمّ يجعل في قدر نظيفة ، وليكن الماء ماء السماء ، إن قدر
عليه وإلّا فمن الماء العذب الّذي ينبوعه من ناحية المشرق ماءً برّاقاً أبيض خفيفاً ، وهو
القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة ، وتلك دلالة على صفة
الماء ويطبخ حتّى ينشف الزبيب وينضج ، ثمّ يعصر ويصفّى ماؤه
ويبرد ، ثمّ يردّ إلى القدر ثانياً ويؤخذ مقداره بعود ويغلى بنار ليّنة غلياناً ليّناً رقيقاً حتّى يمضي
ثلثاه ويبقى ثلثه .
ثمّ يؤخذ من عسل
النحل المصفّى رطل ، فيلقى عليه ويؤخذ مقداره ومقدار الماء إلى أين كان من القدر ، ويغلى حتّى يذهب قدر العسل ويعود إلى حدّه ويؤخذ خرقة صفيقة فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم ، ومن القرنفل نصف درهم ، ومن الدارچينيّ نصف درهم ، ومن الزعفران درهم ، ومن سنبل الطيب نصف درهم ، ومن الهندباء مثله ، ومن مصطكي نصف درهم ، بعد أن يسحق الجميع كلّ واحدة على حدة ، وينخل ويجعل في الخرقة ، ويشدّ بخيط شدّاً جيّداً ، وتلقى فيه
وتمرّس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير الّتي فيها ، ولا يزال يعاهد بالتحريك على نار ليّنة
برفق حتّى يذهب عنه مقدار العسل ، ويرفع القدر ويبرد ويؤخذ مدّة ثلاثة أشهر حتّى يتداخل مزاجه بعضه ببعض وحينئذ يستعمل .
ومقدار ما يشرب منه
أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح .
فإذا أكلت يا أمير
المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك ، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله تعالى يومك
وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس ، والرياح ، وغير ذلك من أوجاع العصب و
__________________
الدماغ
والمعدة وبعض أوجاع الكبد والطحال والمعاء والأحشاء .
فإن صدقت بعد ذلك
شهوة الماء فليشرب منه مقدار النصف ممّا كان يشرب قبله فإنّه أصلح لبدن أمير المؤمنين ، وأكثر لجماعه ، وأشدُّ لضبطه وحفظه ، فإنّ صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب ، وفساده يكون بهما ، فإن أصلحتهما
صلح البدن ، وإن أفسدتهما فسد البدن .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ قوّة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان ، وأنّ الأمزجة تابعة للهواء ، وتتغيّر بحسب تغيّر الهواء في الأمكنة . فإذا برد الهواء مرّة وسخن
اُخرى تغيّرت بسببه أمزجة الأبدان ، وأثّر ذلك التغيّر في الصور ، فإذا كان الهواء
معتدلاً اعتدلت أمزجة الأبدان ، وصلحت تصرّفات الأمزجة في الحركات الطبيعيّة كالهضم والجماع والنوم والحركة وسائر الحركات .
لأنّ الله تعالى بنى
الأجسام على أربع طبائع ، وهي : المرّتان والدم والبلغم وبالجملة حارّان وباردان ، قد خولف بينهما فجعل الحارّين ليناً ويابساً ، وكذلك الباردين رطباً ويابساً ، ثمّ فرّق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد ، [ و ]على الرأس
والصدر والشراسيف وأسفل البطن .
واعلم يا أمير المؤمنين
أنّ الرأس والاذنين والعينين والمنخرين والفم والأنف من الدم ، وأنّ الصدر من البلغم والرّيح ، والشراسيف من المرّة الصفراء ، وأنّ أسفل البطن من المرّة السوداء .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ النوم سلطان الدماغ ، وهو قوام الجسد وقوّته فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعك أوّلاً على شقّك الأيمن ، ثّم انقلب على الأيسر وكذلك فقم من مضجعك على شقّك الأيمن كما بدأت به عند نومك .
وعوّد نفسك القعود من
الليل ساعتين [ مثل ما تنام . فإذا بقي من الليل
__________________
ساعتان
فادخل ] وادخل الخلاء لحاجة الإنسان ، والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك ولا تطل فيه ، فإنّ ذلك يورث داء الفيل .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ أجود ما استكتَ به ليف الأراك ، فإنّه يجلو الأسنان ويطيّب النكهة ، ويشدّ اللثة ويسننها ، وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال والإكثار منه يرقّ الأسنان ويزعزعها ، ويضعف اُصولها ، فمن أراد حفظ الأسنان فليأخذ قرن الايّل محرقاً وكزمازجاً وسعداً وورداً وسنبل الطيب وحبّ الاثل أجزاءً سواءً وملحاً أندرانيّاً ربع جزء فيدقّ الجميع ناعماً ويستنّ به فإنّه يمسك
الأسنان ، ويحفظ اُصولها من الآفات العارضة .
ومن أراد أن يبيّض
أسنانه فليأخذ جزءً من ملح أندرانيّ ومثله زبد البحر فيسحقهما ناعماً ويستنّ به .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ أحوال الإنسان الّتي بناه الله تعالى عليها وجعله متصرّفاً بها فإنّها أربعة أحوال : الحالة الاُولى لخمس عشرة سنة
، وفيها شبابه و حسنه وبهاؤه ، وسلطان الدم في جسمه .
ثمّ الحالة الثانية
من خمس وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة ، وفيها سلطان المرّة الصفراء وقوّة غلبتها على الشخص ، وهي أقوى ما يكون ، ولا يزال كذلك حتّى يستوفي المدّة المذكورة ، وهي خمس وثلاثون سنة .
ثمّ يدخل في الحالة
الثالثة إلى أن تتكامل مدّة العمر ستّين سنة ، فيكون في سلطان المرّة السوداء ، وهي سنّ الحكمة والموعظة والمعرفة والدراية ، وانتظام الاُمور ، وصحّة النظر في العواقب ، وصدق الرأي ، وثبات الجأش في التصرّفات .
ثمّ يدخل في الحالة
الرابعة . وهي سلطان البلغم ، وهي الحالة الّتي لا يتحوّل
__________________
عنها
ما بقي إلّا إلى الهرم ، ونكد عيش ، وذبول ، ونقص في القوّة ، وفساد في كونه
ونكتته أنّ كل شيء كان لا يعرفه حتّى ينام عند القوّة ، ويسهر عند النوم ، ولا يتذكّر ما تقدّم ، وينسى ما يحدث في الأوقات ويذبل عوده ، ويتغيّر معهوده ، و يجفّ ماء رونقه وبهائه ، ويقلّ نبت شعره وأظفاره ، ولا يزال جسمه في انعكاس و إدبار ما عاش ، لأنّه في سلطان المرّة البلغم ، وهو بارد وجامد ، فبجموده وبرده يكون فناء كلّ جسم يستولي عليه في آخر القوّة البلغميّة .
وقد ذكرت لأمير
المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج وأحوال جسمه وعلاجه .
وأنا أذكر ما يحتاج
إلى تناوله من الأغذية والأدوية ، وما يجب أن يفعله في أوقاته . فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمس عشرة ،
فإنّه أصحّ لبدنك ، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلّا أن تكون مضطرّاً إلى ذلك . و هو لأنّ الدم ينقص في نقصان الهلال . ويزيد في زيادته .
ولتكن الحجامة بقدر
ما يمضي من السنين : ابن عشرين سنة يحتجم في كلّ عشرين يوماً ، وابن الثلاثين في كلِّ ثلاثين يوماً
مرّة واحدة ، وكذلك من بلغ من العمر أربعين سنة يحتجم في كلّ أربعين يوماً [ مرّة ] وما زاد فبحسب ذلك .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ الحجامة إنّما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم ، ومصداق ذلك ما أذكره أنّها لا تضعّف القوّة كما يوجد من الضعف عند الفصد .
وحجامة النقرة تنفع
من ثقل الرأس ، وحجامة الأخدعين تخفّف عن الرأس والوجه والعينين ، وهي نافعة لوجع الأضراس .
وربما ناب الفصد عن
جميع ذلك ، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم
__________________
ومن
فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع الفم ، وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الّذي يكون من الامتلاء والحرارة ، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصاً بيّناً ، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام ،
و يدرّ الطمث ، غير أنّها تنهك الجسد .
وقد يعرض منها الغشي
الشديد ، إلّا أنّها تنفع ذوي البثور والدماميل .
والّذي يخفّف من ألم
الحجامة تخفيف المصّ عند أوّل ما يضع المحاجم ثمّ يدرج المصّ قليلاً قليلاً ، والثواني أزيد في المصّ من الأوائل ، وكذلك الثوالث فصاعداً ، ويتوقّف عن الشرط حتّى يحمرّ الموضع جيّداً بتكرير المحاجم عليه ، ويلين
المشراط على جلود ليّنة ، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن .
وكذلك الفصد يمسح
الموضع الّذي يفصد فيه بالدهن ، فإنّه يقلّل الألم ، و كذلك يليّن المشرط والمبضع بالدهن عند الحجامة ، وعند الفراغ منها يليّن الموضع بالدهن . وليقطر على العروق إذا فصد شيئاً من الدهن ، لئلّا
يحتجب فيضرّ ذلك بالمفصود .
وليعمد الفاصد أن
يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم ، لأنّ في قلّة اللّحم من العروق قلّة الألم .
وأكثر العروق ألماً
إذا فصد حبل الذراع والقيفال ، لاتّصالهما بالعضل وصلابة الجلد ، فأمّا الباسليق والأكحل فإنّهما في الفصد أقلّ ألماً إذا لم يكن فوقهما
لحم .
والواجب تكميد موضع
الفصد بالماء الحارّ ليظهر الدم ، وخاصّة في الشتاء فإنّه يليّن الجلد ، ويقلّل الألم ، ويسهّل الفصد . ويجب في كلّ ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثني عشرة ساعة .
ويحتجم في يوم صاحٍ
صافٍ لا غيم فيه ولا ريح شديدة ويخرج من الدم بقدر
__________________
ما
ترى من تغيّره ، ولا تدخل يومك ذلك الحمّام ، فإنّه يورث الداء . وصبّ
على رأسك وجسدك الماء الحارّ ، ولا تفعل ذلك من ساعتك .
وإيّاك والحمّام إذا
احتجمت ، فإنّ الحمّى الدائمة يكون فيه ، فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغرى فألقها على محاجمك ، أو ثوباً ليناً من
قزّ أو غيره ، وخذ قدر حمّصة من الترياق الأكبر واشربه
إن كان شتاء وإن كان صيفاً فاشرب السكنجبين العنصليّ ، وامزجه بالشراب المفرّح المعتدل ، وتناوله أو بشراب الفاكهة .
وإن تعذّر ذلك فشراب
الاُترج فإن لم تجد شيئاً من ذلك فتناوله بعد عركه ناعماً تحت الأسنان ، واشرب عليه جرع ماء فاتر .
وإن كان في زمان
الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين [ العنصليّ ] العسليّ فإنّك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام بإذن الله تعالى وامتصّ من الرمّان المزّ ، فإنّه يقوّي النفس ، ويحيي
الدم ، ولا تأكل طعاماً مالحاً بعد ذلك بثلاث ساعات ، فإنّه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب .
وإن كان
شتاء فكل من الطباهيج إذا احتجمت ، واشرب عليه من الشراب المذكّى الّذي ذكرته أوّلاً ، وادّهن بدهن الخيريّ أو شيء من المسك وماء ورد ،
وصبّ منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة .
وأمّا في الصيف فإذا
احتجمت فكل السكباج والهلام والمصوص أيضاً والحامض
__________________
وصبّ
على هامتك دهن البنفسج بماء الورد وشيء من الكافور ، واشرب من ذلك الشراب الّذي وصفته لك بعد طعامك ، وإيّاك وكثرة الحركة والغضب ومجامعة النساء ليومك .
واحذر يا أمير
المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد فإنّهما متى اجتمعا في جوف الإنسان ولد عليه النقرس والقولنج والبواسير ووجع الأضراس .
واللبن والنبيذ الّذي
يشربه أهله إذا اجتمعا ولد النقرس والبرص ، و مداومة أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه وأكل المملوحة واللحمان المملوحة وأكل السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق والجرب ، وأكل كلية الغنم وأجواف الغنم يغيّر المثانة .
ودخول الحمّام على
البطنة يولد القولنج ، والاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج ، وأكل الاترج باللّيل يقلب العين ويوجب الحول . وإتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد ، والجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب الحصاة .
والجماع بعد الجماع
من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون . وكثرة أكل البيض وإدمانه يولد الطحال ورياحاً في رأس المعدة . والامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو والانبهار ، وأكل اللحم النيّ
يولد الدود في البطن .
وأكل التين يقمل منه
الجسد إذا أدمن عليه ، وشرب الماء البارد عقيب الشيء
__________________
الحارّ
أو الحلاوة يذهب بالأسنان ، والإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر
يورث تغيّر العقل ، وتحيّر الفهم ، وتبلّد الذهن ، وكثرة النسيان .
وإذا أردت دخول الحمّام
وأن لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر ، فإنّك تسلم ـ إنشاء الله تعالى ـ
من وجع الرأس والشقيقة . وقيل : خمس مرّات يصبّ الماء الحارّ عليه عند دخول
الحمّام .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ الحمّام ركّب على تركيب الجسد : للحمّام أربعة بيوت مثل أربع طبائع الجسد :
البيت الأوّل بارد
يابس ، والثاني بارد رطب ، والثالث حارٌّ رطب ، والرابع حارٌّ يابس . ومنفعة عظيمة ، يؤدّي إلى الاعتدال ، وينقّي الدرن
، ويلين العصب والعروق ، ويقوّي الأعضاء الكبار ، ويذيب الفضول ، ويذهب العفن .
فإذا أردت أن لا يظهر
في بدنك بثرة ولا غيرها فابدء عند دخول الحمّام فدهّن بدنك بدهن البنفسج .
وإذا أردت استعمال
النورة ولا يصيبك قروح ولا شقاق ولا سواد فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنوّر .
ومن أراد دخول الحمّام
للنورة فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة وهو تمام يوم ، وليطرح في النورة شيئاً من الصبر والأقاقيا والحضض
، أو يجمع
__________________
ذلك
، ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعاً أو متفرّقاً ، ولا يلقي في النورة شيئاً من ذلك حتّى تماث النورة بالماء الحارّ الّذي طبخ فيه بابونج ومرزنجوش أو ورد بنفسج يابس ، أو جميع ذلك ، أجزاء يسيرة ، مجموعة أو متفرّقة ، بقدر ما يشرب الماء
رائحته وليكن الزرنيخ مثل سدس النورة .
ويدلك الجسد بعد
الخروج منها بشيء يقلع رائحتها كورق الخوخ وثجير
العصفر والحنّاء والورد والسنبل مفردة أو مجتمعة .
ومن أراد أن يأمن
إحراق النورة فليقلل من تقليبها ، وليبادر إذا عملت في غسلها ، وأن يمسح البدن بشيء من دهن الورد . فإن أحرقت البدن ـ والعياذ بالله ـ يؤخذ عدس مقشّر ، يسحق ناعماً ، ويداف في ماء ورد وخلّ ، يطلى
به الموضع الّذي أثرت فيه النورة ، فإنّه يبرأ بإذن الله تعالى . والّذي يمنع من آثار
النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخلّ العنب العنصل الثقيّف
ودهن الورد دلكا جيّداً .
ومن أراد أن لا يشتكي
مثانته فلا يحبس البول ولو على ظهر دابّته .
ومن أراد أن لا يؤذيه
معدته فلا يشرب بين طعامه ماءً حتّى يفرغ ومن فعل ذلك رطب بدنه ، وضعفت معدته ، ولم يأخذ العروق قوّة الطعام ، فإنّه يصير في المعدة
فجّاً إذا صبّ الماء على الطعام أوّلاً فأوّلاً .
__________________
ومن أراد أن لا يجد
الحصاة وعسر البول فلا يحبس المنيّ عند نزول الشهوة
، ولا يطل المكث على النساء .
ومن أراد أن يأمن من
وجع السفل ولا يظهر به وجع البواسير فليأكل كلَّ ليلة سبع تمرات برنيّ بسمن البقر ، ويدهن بين أنثييه بدهن
زنبق خالص .
ومن أراد أن يزيد في
حفظه فليأكل سبع مثاقيل زبيباً بالغداة على الريق .
ومن أراد أن يقلّ
نسيانه ويكون حافظاً فليأكل كلَّ يوم ثلاث قطع زنجبيل مربّى بالعسل ، ويصطبغ بالخردل مع طعامه في كلّ يوم .
ومن أراد أن يزيد في
عقله يتناول كلّ يوم ثلاث هليلجات بسكّر أبلوج .
ومن أراد أن لا ينشقّ
ظفره ولا يميل إلى الصفرة ولا يفسد حول ظفره فلا يقلم أظفاره إلّا يوم الخميس . ومن أراد أن لا يؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة .
ومن أراد ردع الزكام مدّة
أيّام الشّتاء فليأكل كلّ يوم ثلاث لقم من الشهد .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضرّه ، وذلك أنّ منه شيئاً إذا أدركه الشمّ عطش ، ومنه شيء يسكر
، وله عند الذوق حراقة شديدة فهذه الأنواع من العسل قاتلة .
ولا يؤخّر شمّ النرجس
، فإنّه يمنع الزكام في مدّة أيّام الشتاء ، وكذلك الحبّة السوداء . وإذا خاف الإنسان الزكام في زمان الصيف فليأكل كلّ يوم خيارة وليحذر الجلوس في الشمس .
ومن خشي الشقيقة
والشوصة فلا يؤخّر أكل السمك الطريّ صيفاً وشتاءً . و من أراد أن يكون صالحاً خفيف الجسم [ واللحم ] فليقلّل من عشائه باللّيل . ومن
__________________
أراد
أن لا يشتكي سرّته فليدهنها متى دهن رأسه .
ومن أراد أن لا تنشقّ
شفتاه ولا يخرج فيها باسور فليدهن حاجبه من دهن رأسه .
ومن أراد أن لا تسقط اُذناه
ولهاته فلا يأكل حلواً حتّى يتغرغر بعده بخلّ .
ومن أراد أن لا يصيبه
اليرقان فلا يدخل بيتاً في الصيف أوّل ما يفتح بابه ، ولا يخرج منه أوّل ما يفتح بابه في الشتاء غدوة .
ومن أراد أن لا يصيبه
ريح في بدنه فليأكل الثوم كلّ سبعة أيّام مرّة .
ومن أراد أن لا تفسد
أسنانه فلا يأكل حلواً إلّا بعد كسرة خبز .
ومن أراد أن يستمرء
طعامه فليستك بعد الأكل على شقّه الأيمن ثمَّ ينقلب بعد ذلك على شقّه الأيسر حتّى ينام .
ومن أراد أن يذهب
البلغم من بدنه وينقصه فليأكل كلّ يوم بكرة شيئاً من الجوارش الحريف ، ويكثر دخول الحمّام ، ومضاجعة النساء ، والجلوس في الشمس ويجتنب كلّ بارد من الأغذية ، فإنّه يذهب البلغم ويحرقه .
ومن أراد أن يطفىء
لهب الصفراء فليأكل كلّ يوم شيئاً رطباً بارداً . ويروّح بدنه ، ويقلّ الحركة ، ويكثر النظر إلى من يحبّ .
ومن أراد أن يحرق
السوداء فعليه بكثرة القيء وفصد العروق ومداومة النورة .
ومن أراد أن يذهب
بالريح الباردة فعليه بالحقنة والأدهان اللّينة على الجسد وعليه بالتكميد بالماء الحارّ في الابزن [ ويجتنب كلَّ بارد ، ويلزم كلّ حارّ ليّن
] .
ومن أراد أن يذهب عنه
البلغم فليتناول بكرة كلّ يوم من الاطريفل الصغير مثقالاً واحداً .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ المسافر ينبغي له أن يتحرّز بالحرّ إذا سافر وهو ممتلىء من الطعام ولا خالي الجوف ، وليكن على حدّ الاعتدال ، وليتناول من الأغذية الباردة مثل القريص والهلام والخلّ والزيت وماء الحضرم
ونحو ذلك من الأطعمة الباردة .
__________________
واعلم يا أمير المؤمنين
أنّ السير في الحرّ الشديد ضارّ بالأبدان المنهوكة إذا كانت خالية عن الطعام ، وهو نافع في الأبدان الخصبة .
فأمّا صلاح المسافر
ودفع الأذى عنه فهو أن لا يشرب من ماء كلّ منزل يرده إلّا بعد أن يمزجه بماء المنزل الّذي قبله [ أو بـ ] شراب
واحد غير مختلف يشوبه بالمياه [ على الاهواء ] على اختلافها . والواجب أن يتزوّد المسافر من تربة بلده
وطينته الّتي ربّي عليها ، وكلّما ورد إلى منزل طرح في إنائه الّذي يشرب منه الماء
شيئاً من الطين الّذي تزوّده من بلده ، ويشوب الماء والطين في الآنية بالتحريك ، و
يؤخّر قبل شربه حتّى يصفو صفاءً جيّداً .
وخير الماء شرباً لمن
هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة المشرقيّة من الخفيف الأبيض . وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي ، وأصحّها وأفضلها ما كان بهذا الوصف الّذي نبع منه وكان مجراه في جبال الطين ، وذلك أنّها تكون في الشتاء باردة وفي الصيف مليّنة للبطن نافعة لأصحاب الحرارات .
وأمّا الماء المالح
والمياه الثقيلة فإنّها ييبس البطن . ومياه الثلوج والجليد رديّة لسائر الأجساد ، وكثيرة الضرر جدّاً وأمّا مياه السحب فإنّها خفيفة عذبة
صافية
__________________
نافعة
للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض وأمّا مياه الجبّ فانّها عذبة صافية نافعة إن دام جريها ولم يدم حبسها في الأرض .
وأمّا البطائح
والسباخ فإنّها حارّة غليظة في الصيف لركودها ودوام طلوع الشمس عليها وقد يتولّد من دوام شربها المرّة الصفراوية وتعظم به أطحلتهم .
وقد وصفت لك يا أمير
المؤمنين فيما تقدّم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به . وأنا أذكر أمر الجماع فلا تقرب النساء من أوّل الليل صيفاً
ولا شتاءً وذلك لأنّ المعدة والعروق تكون ممتلئة وهو غير محمود ويتولّد منه القولنج والفالج
واللقوة والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقّته . فإذا أردت ذلك فليكن في آخر الليل ، فإنّه أصلح للبدن ، وأرجى للولد ، وأزكى للعقل في الولد الّذي يقضي الله بينهما .
ولا تجامع امرأة حتّى
تلاعبها ، وتكثر ملاعبتها ، وتغمز ثدييها ، فإنّك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها واجتمع ماؤها ، لأنّ ماءها يخرج من ثدييها ، والشهوة تظهر من وجهها وعينيها ، واشتهت منك مثل الّذي تشتهيه منها . ولا تجامع النساء إلّا وهي طاهرة .
فإذا فعلت ذلك فلا
تقم قائماً ، ولا تجلس جالساً ولكن تميل على يمينك . ثمّ انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئاً ، فإنّك تأمن الحصاة بإذن الله تعالى . ثمّ اغتسل واشرب من ساعتك شيئاً من الموميائي بشراب العسل ، أو بعسل منزوع الرغوة فإنّه يردّ من الماء مثل الّذي خرج منك .
واعلم يا أمير
المؤمنين أنّ جماعهنَّ في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل ، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور ، لكونه شرف القمر . ومن عمل فيما وصفت في كتابي هذا ودبّر به جسده أمن بإذن الله تعالى من كلّ داء ، وصحّ جسمه بحول الله وقوّته ، فإنّ الله تعالى يعطي العافية لمن يشاء ، ويمنحها إيّاه والحمد
لله
__________________
أوّلاً
وآخراً وظاهراً وباطناً .
ولنوضح بعض ما ربما
اشتبه على الناظر فيها . قوله عليهالسلام « على مثال الملك » بالضمّ أي المملكة الّتي يتصرّف فيها الملك ، فملك الجسد ـ بفتح الميم وكسر اللّام
. أي سلطانه هو القلب . كذا في أكثر النسخ ، وربما يتوهّم التنافي بينه وبين ما
سيأتي من أنّ بيت الملك قلبه .
ويمكن رفع التنافي
بأنّ للقلب معاني : أحدها اللحم الصنوبريّ المعلّق في الجوف ، الثاني الروح الحيوانيّ الّذي ينبعث من القلب ويسري في جميع البدن ، الثالث النفس الناطقة الإنسانيّة الّتي زعمت الحكماء وبعض المتكلّمين أنّها مجّردة
متعلّقة بالبدن ، إذ زعموا أنّ تعلّقها أوّلاً بالبخار اللطيف المنبعث من القلب
المسمّى بالروح الحيوانيّ ، وبتوسّطه تتعلّق بسائر الجسد ، فإطلاقه على الثاني لكون القلب منشأه ومحلّه ، وعلى الثالث لكون تعلّقها أوّلاً بما في القلب . فيحتمل أن يكون مراده عليهالسلام بالقلب ثانياً المعنى الأوّل ، وبه أوّلاً
أحد المعنيين الآخرين .
وفي بعض النسخ « هو
ما في القلب » فلا يحتاج إلى تكلّف . لكن يحتمل المعنى الثاني على الظرفيّة الحقيقيّة ، والثالث على الظرفيّة المجازيّة ، بناء على القول
بتجرّد الروح ، وقد مرّ الكلام فيه . وعلى التقديرين كونه ملك البدن ظاهر ، إذ كما أنّ الملك يكون سبباً لنظام اُمور الرعيّة ومنه يصل الأرزاق إليهم ، فمنه يصل الروح الّذي به الحياة إلى سائر البدن .
وعلى رأي أكثر
الحكماء إذا وصل الروح الحيوانيّ إلى الدماغ صار روحاً نفسانيّاً يسري بتوسّط الأعصاب إلى سائر البدن ، فمنه يحصل الحسّ والحركة فيها وإذا نفذ إلى الكبد صار روحاً طبيعيّاً فيسري بتوسّط العروق النابتة من الكبد إلى جميع الأعضاء ، وبه يحصل التغذية والتنمية . وكما أنّ السلطان قد يأخذ من الرعايا
ما يقوم به أمره ، كذلك يسري من الدماغ والكبد إليه القوّة النفسانيّة والقوة الطبيعيّة
كما مرّت الإشارة إلى جميع ذلك . وسيأتي منّا تحقيق آخر في ذلك في كتاب الإيمان
__________________
والكفر
هو بذلك المقام أنسب . فيمكن تعميم العروق بحيث تشمل العروق المتحرّكة النابتة من القلب والساكنة النابتة من الكبد والأعصاب النابتة من الدماغ .
والمراد بالأوصال
مفاصل البدن وما يصير سبباً لوصالها ، فإنّ بها تتمّ الحركات المختلفة من القيام والقعود وتحريك الأعضاء .
« وخزانته معدته » لما
عرفت أنّ الغذاء يرد أوّلاً المعدة ، فإذا صار كيلوساً نفذ صفوه في العروق الماساريقيّة إلى الكبد ، وبعد تولّد الأخلاط فيه إلى سائر
البدن لبدل ما يتحلّل ، فالمعدة والبطن وما احتوى عليه البطن من الأمعاء والكبد [ والأخلاط ] بمنزلة خزانة الملك ، يجمع فيهما ثمّ يفرّق إلى سائر البدن .
« وحجابه صدره » لما
عرفت أنّ الله تعالى جعله في الصدر ، لأنّه أحفظ أجزاء البدن ، لأنّه فيه محاط بعظام الصدر ، وبفقرات الظهر وبالأضلاع ، وحجاب القلب بمنزلة غلاف محيط به .
والحجابان اللّذان
يقسمان الصدر محيطان به أيضاً ، فهو محجوب بحجب كثيرة كما أنّ الملك يحتجب بحجب وحجّاب كثيرة « لأنّ الملك من وراء حجاب » إذ هو بالمعنى الثاني في القلب ، وهو مستور بالحجب كما عرفت ، فلا بدّ له من آلة ظاهرة توصل إليه أحوال الأشياء النافعة والضارَّة .
وبالمعنى الثالث لمّا
كان إدراكه موقوفاً على الأعضاء والآلات ولا يكفي في ذلك الروح الّذي في القلب حتّى يسري إلى الأعضاء الّتي هي محلّ الإدراك فيصدق أنّه محجوب بالحجب بهذا المعنى .
ثمّ إنّ سائر الحواسّ
الخمس من السامعة والشامّة والذائقة واللامسة وإن كانت اُسوة للباصرة في ذلك ، فإنّ بالسامعة يطّلع على الأصوات الهائلة ، والأشياء النافعة الّتي لها صوت فيجلبها ، والضارّة فيجتنبها ، وكذا الشامّة تدلّه على
المشمومات
__________________
الضارّة
والنافعة ، والذائقة على الأشياء النافعة والسموم المهلكة ، واللامسة على الحرّ والبرد وغيرهما .
لكن فائدة الباصرة
أكثر ، إذ أكثر تلك القوى إنّما تدرك ما يجاورها وما يقرب منها ، والباصرة تدرك القريب والبعيد ، والضعيف والشديد ، فلذا خصّه عليهالسلام بالذكر ولذلك جعلها الله في أرفع المواضع في البدن وأحصنها وأكشفها . « حتّى يوحي الملك إليهما » وحي الملك كناية عن إرادة السماع وتوجّه النفس إليه ، وإنصاته
عبارة عن توجّه النفس إلى إدراكه وعدم اشتغاله بشيء آخر ليدرك المعاني بالألفاظ الّتي تؤدّيها السامعة .
وريح الفؤاد هي
الهواء الّتي يخرج من القلب إلى الرئة والقصبة . وبخار المعدة تصل إلى تجاويف الرئة أو إلى الفم فيعين الكلام ، أو المراد ببخار المعدة الروح الّذي
يجري من الكبد بعد وصول الغذاء من المعدة إليه إلى آلات النفس .
« إلّا بالأسنان » كذا
في أكثر النسخ ، وتقوّي الشفة بالأسنان ظاهر ، لأنّها كالعماد له ، وفي بعض النسخ « إلّا باللسان » وهو أيضاً صحيح « وليس يستغني بعضها »
أي بعض أدوات الصوت عن بعض ، لمدخليّة الجميع في خروج الصوت وتقطيع الحروف وإرجاع الضمير إلى الأسنان بعيد .
« كما يزيّن النافخ
في المزمار » أي كما يزيّن النافخ في المزمار صوته بترديد صوته في الأنف ، وقيل : أي كما يزيّن النافخ في المزمار صوت المزمار بثقبة تكون خلف المزمار تكون مفتوحة دائماً .
وذلك لأنّ الهواء
يخرج بالعنف من قصبة الرئة في حال التنفّس ، فإذا وصل إلى الحنجرة حدثت فيه تقطيعات مختلفة لإصاغة الحروف فإذا كثرت الأهوية وازدحمت ولم يخرج بعضها من المنخرين أشكل تقطيع الحروف ولم يتزيّن الصوت ، كما أنّ الثقبة الّتي خلف المزمار منفتحة دائماً لئلا تزدحم الأهوية المتموّجة فيها ، فلا
يحسن صوته .
__________________
وأيضاً يعين الهواء
الخارج من المنخرين على بعض الحروف وصفات بعضها كالنّون وأشباهه ، وكلّ ذلك يشاهد فيمن سدّ الزكام أنفه .
وأمّا أنّ أصل الحزن
في الطحال فلما عرفت أنّه مفرغة للسوداء البارد اليابس الغليظ ، وهي مضادّة للروح في صفاتها ، وفرح الروح وانبساطه إنّما هو من صفاء الدم وخلوصه من الكدورات ، فإذا امتزج الدم بالسوداء غلظ وكثف وفسد ، ويفسد به الروح ، ولذا ترى أصحاب الأمراض السوداويّة دائماً في الحزن والكدورة والخيالات
الباطلة ، وعلاجهم تصفية الدم من السوداء .
و « الثرب » غشاء على
المعدة والأمعاء ذو طبقتين ، بينهما عروق وشرايين وشحم كثير ، ومنشاؤه من فم المعدة ، ومنتهاه عند المعاء الخامس المسمّى بقولون كما مرّ وسبب كون الفرح منه أنّه بسبب كثرة عروقه وشرايينه يجذب الدم ورطوبته إلى الكلية ، فيصير سبباً لصفاء الدم ورقّته ولطافته ، فينبسط به الروح .
« من العمّال » أي
الأعضاء والجوارح .
« إلى الملك » أي
القلب لما عرفت أنّ الروح بعد سريانه إلى الدماغ وإلى الكبد يرجع إلى القلب ، وسريانه من القلب إلى الأعضاء والجوارح ظاهر .
ومثّل عليهالسلام لذلك مثالاً ومصدّقاً ، وهو أنّه إذا تناول الإنسان الدّواء
وورد المعدة تصرّفت فيه الحرارة الغريزيّة ، ثمّ تتأدَّى آثاره وخواصه من طرق العروق
إلى موضع الداء بإعانة الجوارح والأعضاء ، فهي طرق للقلب إلى الأعضاء .
وأقول :
يحتمل أن يراد بالعمّال هنا وفي أوّل الخبر القوى المودعة في كلّ عضو بتوسّط الروح الساري فيه ، وهي بكونها عمّالاً ونوّاباً للروح الّذي [ هي ] في القلب أنسب ، والتمثيل حينئذٍ أظهر ، لأنّه يسري أثر الدواء في العروق إلى كلّ عضو ، ثمّ تتصرّف فيه القوى المودعة فيه [ من ] الغاذية والنامية والدافعة
والماسكة و غيرها ، حتى يتمّ تأثيرها فيه . كما أنّ الملك إذا بعث شيئاً إلى عامل من عمّاله
فهو يأخذه ويصرفه فيما يناسبه من المصالح . فالمراد بالعروق في صدر الخبر القوى المودعة فيها
، وههنا نفس العروق .
وتعاهد الشيء رعايته
ومحافظته والسّؤال عنه ومعرفته وملاقاته والوصيّة به . « وزكى زرعها » أي نما . والعشب . بالضمّ ـ الكلاء الرطب . ومراءة الطعام حسن عاقبته وعدم ترتّب الضرر عليه .
« من هذه الطبائع » أي
الأخلاط الأربعة ، أو الأمزجة الأربعة من الحارّ ، والبارد ، والرطب ، واليابس ، أو الأربعة المركّبة من الحارّ اليابس ، والحارّ الرطب ، والبارد
اليابس والبارد الرطب .
« تحبّ ما يشاكلها » أي
تطلب ما يوافقها ، فصاحب المزاج الحارّ يطلب البارد ، والرطب يطلب اليابس ، وهكذا .
« فاغتذ » في بعض
النسخ بالغين والذال المعجمتين ، أي اجعل غذاءك ، وفي بعضها بالمهملتين من الاعتياد . « لم يغذه » يقال غذوت الصبيَّ اللبن ، فضمير « لم
يغذه » إمّا راجع إلى الطعام أي لم يجعل الطعام غذاءً لجسده ، أو إلى الجسد ، وعلى
التقديرين أحد المفعولين مقدّر ، والحاصل أنّك إذا تناولت من الغذاء أكثر من قدر الحاجة يصير
ثقلاً على المعدة ، وتعجز الطبيعة عن التصرّف فيه ، ولا ينضج ، ولا يصير جزء البدن
ويتولّد منه الأمراض ، ويصير سبباً للضعف . « وكذلك الماء » أي ينبغي أن تشرب من الماء أيضاً قدر الحاجة .
« فسبيله » أي طريقه
وأكله وإدامه ، وفي بعض النسخ « وكذلك سبيلك » أي طريقتك الّتي ينبغي أن تسلكها وتعمل بها . « في أيّامه » أي في كلّ يوم تأكل الطعام فيه ، أو في أوقاته ، فإنّ اليوم يطلق على المقدار من الزمان مطلقاً . وفي
بعض النسخ « إبّانه » بكسر الهمزة وتشديد الباء ، أي حينه .
والقرم ـ محرّكة ـ : شدّة
شهوة اللحم ، ثمّ اتّسع حتّى استعمل في الشوق إلى الحبيب وكلّ شيء . « فإنّه أصلح لمعدتك » فإنّه يسهل عليها الهضم « ولبدنك » فإنّه يصير جزءً له .
__________________
« وأزكى لعقلك » أي
أنمى . وفي بعض النسخ بالذال ، وهو أنسب ، لأنّ الذكاء سرعة الفهم وشدّة لهب النار ، وذلك لأنّ مع امتلاء المعدة تصعد إلى الدماغ الأبخرة الرديّة ، فتصير سبباً لغلظة الروح النفسانيّ وقلّة الفهم وتكدّر الحواسّ .
« وأخفّ على جسمك » فإنَّ البدن يثقل بكثرة الأكل .
« كل البارد في الصيف
» يحتمل أن يكون المراد بالبارد البارد بالفعل كالماء الّذي فيه الجمد والثلج ، أو البارد بالقوّة بحسب المزاج كالخيار والخس ، وكذا الحارّ يحتملهما .
وذلك لأنّه لمّا كان
في الصيف ظاهر البدن حارّاً بسبب حرارة الهواء ، فإذا أكل أو شرب الحارّ بأحد المعنيين اجتمعت الحرارتان ، فصار سبباً لفساد الهضم و كثرة تحليل الرطوبات . وكذا أكل البارد وشربه في الشتاء يصير سبباً لاجتماع البرودتين الموجب لقلّة الحرارة الغريزيّة . ومنه يظهر علّة رعاية الاعتدال في
الفصلين المعتدلين .
وقوله عليهالسلام « على قدر قوّتك وشهوتك » إعادة لما مرّ تأكيداً ، وإشارة إلى
أنّ كثرة الأكل وقلّته تختلفان بحسب الأمزجة ، فالمزاج القويّ والمعدة القويّة يقدران على هضم كثير من الغذاء ، وصاحب المزاج الضعيف والمعدة الضعيفة ، قليل من الغذاء بالنسبة إليه كثير .
« وابدأ في أوّل
الطعام » هذا إشارة إلى الترتيب بين الأغذية ، بأنّه إذا أراد أكل غذاء لطيف مع غذاء غليظ بأيّهما يبدأ ، فحكم عليهالسلام بالابتداء باللطيف من الغذاء وكذا ذكره بعض الأطبّاء ، فإنّه إذا عكس فيسرع إليه هضم اللطيف ، والغذاء الغليظ لم يهضم بعد ، وهو في قعر المعدة قد سدّ طريق نفوذ المهضوم إلى الأمعاء ، فيفسد المنهضم ويختلط بالغليظ فيفسده أيضاً ويصير سبباً للتخمة .
وجوّزوا ذلك فيما إذا
كانت المعدة خالية من الغذاء والصفراء ، وكان في غاية الاشتهاء وأكل قليل من الغذاء الغليظ ، ومرّ عليه زمان حصل فيه بعض الهضم ثمّ أكل اللطيف ليتمّ هضمها معاً في زمان واحد . وإذا ابتدأ في تلك الحالة بأكل اللطيف
اشتملت
عليه المعدة وأسرع في هضمه ، فإذا أكل الغليظ بعده لم تقبله المعدة ، فتنفّرت منه فيفسد .
ومنهم من منع من
الابتداء باللطيف مطلقاً ، معلّلين بأنّه إذا ورد المعدة وأخذت في هضمه كان هضمه قبل الغليظ ، فينفذ في الأمعاء ويختلط به بعض غير المنهضم
من الغليظ ، ويصل إلى الأمعاء ، ويصير سبباً للسدّة . ومنهم من منع من الجمع بينهما مطلقاً ، وما ورد في الخبر على تقدير صحّته هو المتّبع .
ثمّ شرع عليهالسلام في بيان زمان الأكل ومقدار الأزمنة بين الأكلات ، فجعل له طريقين : أحدهما أن يأكل في كلّ يوم أكلة واحدة عند مضيّ ثمان ساعات من النهار والثاني أن يأكل في كلّ يومين ثلاث أكلات ، والاعتياد بهما لا سيّما بالأوّل أعون على الصوم ، وعلى قلة النوم ، لكنّهما مخالفان لما ورد من الأخبار في فضل التغدّي والتعشّي ، وفضل مباكرة الغذاء ، وفضل السحور في الصوم وغير ذلك من الأخبار .
ويمكن حمله على أنّه عليهالسلام علم بحسب حال المخاطب أنّ ذلك أصلح له فأمره بذلك ، فيكون ذلك لمن كانت معدته ضعيفة لا تقدر على الهضم مرّتين في كلّ يوم ، وقد جرّب أنّ ذلك أصلح التدابير لأصحاب تلك الحالة .
أو يكون المراد
بالغذاء ما يأكله بقدر شهوته من الأغذية الغليظة المعتادة ، فلا ينافي مباكرة الغذاء بشيء قليل خفيف ينهضم في ثمان ساعات ، ويمنع من انصباب
الصفراء في المعدة .
بل يمكن أن يكون ما
ذكره عليهالسلام من الابتداء بأخفّ الأغذية إشارة إلى ذلك ، فيحصل عند ذلك المباكرة في الغذاء كلّ يوم والتعشّي أيضاً ، لأنّ بعد ثمان ساعات يحصل التعشّي بأكثر معانيه .
وفي القاموس : الوجبة
الوظيفة ، ووجب يجب وجباً أكل أكلة واحدة في النهار كأوجب ووجّب . ووجّب عياله وفرسه عوّدهم أكلة واحدة . والوجبة الأكلة في اليوم واللّيلة ، وأكلة في اليوم إلى مثلها من الغد ـ انتهى ـ .
ثمّ أكّد عليهالسلام ما ذكره مرّتين لشدّة الاهتمام بقلّة الأكل ، وترك الطعام مع
اشتهائه ، فإنّ هذا الاشتهاء المفرط كاذب ويذهب ذلك عند الشروع في الهضم وانتفاخ الطعام . ثمّ أوصاه عليهالسلام بأن يشرب بعد الطعام الشراب الحلال الّذي سيأتي ذكره فإنّه معين على الهضم .
ثمّ أخذ عليهالسلام في ذكر ما يناسب أكله وشربه واستعماله في الفصول الأربعة وكلّ شهر من الشهور الروميّة الّتي مضى ذكرها .
« فإنّه روح الزمان »
لأنّه لاعتداله ونموّ الأشياء فيه بالنسبة إلى سائر أجزاء الزمان كالروح بالنسبة إلى سائر الجسد ، أو لميله إلى الحرارة والرطوبة طبعه
طبع الروح . « وفيه يطيب الليل والنهار » لاعتدال الهواء فيه وعدم الاختلاف الكثير فيه بين الليل والنهار . « وتلين الأرض » إذ بحرارة الهواء ورطوبته تذهب الصلابة الحاصلة في الأرض من يبس الشتاء ، فتنبت فيها الأعشاب ، وتذهب سلطنة البلغم المتولّد في الشتاء .
« ويشرب الشراب » أي
الشراب الحلال الّذي سيأتي ذكره . « بعد تعديله بالماء » بأن يمزح بمقدار من الماء لتقلّ حرارته . « ويحمد فيه شرب المسهل » لتنقية البدن من الفضلات والموادّ المحتبسة في الشتاء المتولّدة من الأغذية الغليظة وهي لانسداد
المسامات محتبسة في البدن ، فإذا أثرت حرارة الربيع في البدن حدثت فيها رقّة و سيلان ، فإذا لم يدفع بالمسهل يمكن أن تتولّد منها الأمراض والدماميل والأورام وأشباهها . « والفصد والحجامة » لما مرّ من تولّد الدم في هذا الفصل وهيجانه .
ويقوى مزاج الفصل
لظهور الحرارة [ فيه ] فإنّ الشهر الأوّل شبيه بالشتاء بارد في أكثر البلاد ، وحركة الدّم وتولّده في هذا الشهر أكثر . « ويعالج الجماع »
أي يزاول ويرتكب ، لمناسبته لكثرة الدم وسيلانه ، وكثرة تولّد المنيّ فيه . وفي القاموس : مرخ جسده ـ كمنع دهنه بالمروخ ، وهو ما يمرخ به البدن من دهن وغيره ، كمرّخه ـ انتهى ـ .
« ولا يشرب الماء » وفي
بعض النسخ « ويشرب » والأوّل أوفق بقول الأطبّاء
__________________
«
تصفو فيه الرياح » أي من الغبار لعدم شدّتها أو لحدوث الرطوبات في الأرض ، أو كناية عن عدم تضرّر الناس بها . وفي القاموس : البقرة للمذكّر والمؤنّث . والجمع بقر وبقرات وبقر ـ بضمّتين ـ وبقار وابقور وبواقر . وأمّا باقر وبقير وبيقورة و باقور وباقورة فأسماء للجمع ـ انتهى ـ .
والرّياضة : التعب
والمشقّة في الأعمال . « زمان المرّة الصفراوية » لأنّ الفصل حارّ يابس ، وموافق لطبع الصفراء ، فهو يولّدها ويقوّيها .
« عن التعب » لأنّه
بسبب شدّة حرارة الهواء وتخلخل مسام البدن يتحلّل كثير من الموادّ البدنيّة ، والتعب والرياضة موجبة لزيادة التحليل وضعف البدن .
وأكل اللحم الدسم
يوجب تهيّج الصفراء ، وشمّ المسك والعنبر ليبسهما لا يناسبان الفصل ، ويوجبان وجع العين والصداع والزكام .
« وبقلة الحمقاء » والبقلة
الحمقاء هي الّتي يسمّونها بالفارسية « خرفة » و الجداء ـ بالكسر ـ جمع الجدي من أولاد المعز . وإنّما يناسب أكل هذه اللحوم في هذا الفصل للطافتها وسرعة هضمها ، وضعف الهاضمة في هذا الفصل لتفرّق الحرارة الغريزيّة وضعف القوى .
ويحتمل أن يكون
المراد باللّبن الماست ، لشيوع استعماله فيه ، وهو يناسب الفصل ؛ ويحتمل اللبن الحليب لأنّه يدفع اليبوسة ، ويوجب تليين الصفراء في بعض الأمزجة .
« مزاج الشراب » أي
الشراب الحلال بتبريده بالماء البارد . « البارد الرطب » كالبنفسج والنيلوفر « فيه يشتدّ السموم » أي الرياح الحارّة « ويهيج الزكام بالليل
» لأنّ جوهر الدماغ لشدّة الحرارة يضعف ويتخلخل ، فإذا برد الهواء بالليل تحتبس البخارات المتصاعدة إليه فيحصل الزكام .
واللبن الرائب : الماست
، أو الّذي اُخرج زبده في القاموس : راب اللبن روباً ورؤوبا ـ خثر أي غلظ ـ ولبن رؤب ورائب أو هو ما يمخض ويخرج زبده ـ انتهى ـ . « ويقوى سلطان المرّة السوداء » أي سلطنتها واستيلاؤها ، لكونها
باردة
يابسة ، والفصل أيضاً كذلك ، ولذا يكثر فيه حدوث الأمراض السوداويّة .
والحوليّ : ما أتى
عليه حول من ذي حافر وغيره . « وتتنفّس » أي تشرع في الهبوب . والمزّ ـ بالضمّ ـ بين الحامض والحلو . ولعلّ المراد بالتوابل هنا الأدوية الحارّة ، ويحتمل شمولها لغيرها ممّا يمزج باللحم من الحمّص والماش و العدس وأشباهها . وفي القاموس : التابل ـ كصاحب وهاجر وجوهر ـ : أبزار الطعام والجمع توابل ـ انتهى ـ .
« فيه يقطع المطر »
إمّا مطلقاً ، أو ينقلب بالثلج ، ويؤيّد الأخير أنّ في أكثر النسخ « المطر الوسميّ » وفي القاموس : الوسميّ مطر الربيع الأوّل ـ انتهى ـ و يحتمل أن يكون المعنى الأمطار الدفعيّة الكبيرة القطر . ولعلّ المراد بالبقول الحارّة منها ، لأنّ ما ذكره على التشبيه كلّها حارّة ، ويحتمل التعميم .
والعواصف : الرّياح
القويّة الشديدة . والحارّة بالقوّة هي الّتي حرارتها بحسب المزاج كالعسل . والظاهر أنّ المراد بالبارد أيضاً أعمُّ من البارد بالقوّة
وبالفعل بقرينة المقابلة . « تقوى فيه غلبة البلغم » لأنّه بارد رطب ، والفصل أيضاً كذلك .
والتجرّع : شرب الشيء جرعة جرعة بالتدريج ، وتجرّع الماء الحارّ يرقّق البلغم ويذيبه ، وكذا دخول الحمّام يلطف البلغم ويحلّله .
والخيري هو الّذي
يقال له بالفارسيّة « شبّو » وله أنواع من ألوان مختلفة .
« ويحذر فيه الحلق » في
بعض النسخ « الحلو » وهو مخالف لقول الأطبّاء بل الأوّل أيضاً ، ولذا حمله بعضهم على الحلق في موضع تؤثّر برودة الهواء في الرأس
ويصير سبباً للزكام ، وهو خطأ ، لأنّه قد جرّب أصحاب الزكام أنّ ترك حلق [ كلّ ] الرأس أو وسطه في الشتاء ينفعهم ، لعدم انصبابه على العين والأسنان والصدر .
« من الزبيب المنقّى »
أيّ الّذي اُخرج حبّه . والرطل : مائة وثلاثون درهماً والدرهم نصف المثقال الصيرفيّ وربع عشره . « في غمره » أي في مقدار من الماء يغمره
__________________
ويستره
، ويرتفع عنه مقدار أربعة أصابع . « وهو القابل » أي الماء الخفيف ماء يقبل « ما يعترضه » أي يعرضه من الحرارة والبرودة « بسرعة » . « صفيقة » أي غير
رقيقة « ومن سنبل » أي سنبل الطيب كما في بعض النسخ .
وفي بعضها : بعد أن
يسحق كلّ صنف من هذه الأصناف ، وينخل في خرقة ويشدّ بخيط شدّا جيّداً ، ويكون للخيط طرف طويل تعلق به الخرقة المصرورة في عود معارض به على القدر ، ويكون إلقاء هذه الصرّة في القدر الوقت الّذي فيه العسل ثمّ تمرس الخرقة ساعة فساعة لينزل ما فيها قليلاً قليلاً ، ويغلى إلى أن يعود إلى
حاله وتذهب زيادة العسل ، ولتكن النار ليّنة ، ويصفّى ويبرّد ، ويترك في إناء ثلاثة أشهر مختوماً عليه ، فإذا بلغ المدّة فاشربه .
والأوقية تطلق على
أربعين درهماً ، وعلى سبعة مثاقيل ، وفي عرف الأطبّاء عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم . والظاهر أنّ المراد هنا الثاني أو الثالث ، والثالث
يقرب من ستّة مثاقيل . والنقرس من أوجاع مفاصل الرجلين ، ولعلّ المراد بالأوجاع المذكورة ما كانت مادّتها البلغم .
« تغيّراً في الصور »
أي في صورة الإنسان وبشرته ، أو في الصور الفائضة على الأخلاط المتولّدة من الأغذية بعد نفوذها بتوسّط العروق الكبار والصغار إلى الأعضاء ، ليصير شبيهاً بالعضو المغتذي ، ويصير جزء منه ، بدلاً لما يتحلّل ، كما
مرّت الإشارة إليه .
والمرّتان : الصفراء
والسوداء . « وقد خولف ما بينهما » أي بين كلّ من الحارّين وكلّ من الباردين ، بأن جعل أحد الحارّين « ليناً » أي رطباً ، وهو الدم ،
والآخر « يابساً » وهو الصفراء ، وأحد الباردين رطباً وهو البلغم ، والآخر يابساً وهو السوداء .
وفي بعض النسخ : « واعلم
أنّ قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان ، ومزاجات الأبدان تابعة لتصرّف الهواء ، فإذا برد مرّة وسخن مرّة تغيّرت لذلك الأبدان والصور ، فإذا استوى الهواء واعتدل صار الجسم معتدلاً ، لأنّ الله تعالى عزّ وجلّ
بنى
الأبدان على أربع طبائع : المرّة الصفراء ، والدم ، والبلغم ، والمرّة السوداء فاثنتان حارّتان واثنتان باردتان وخولف بينهما فجعل حارّ يابس ، وحارّ ليّن وبارد يابس وبارد ليّن .
قوله عليهالسلام « على أربعة أجزاء » إنّما خصّ عليهالسلام تلك الأعضاء لأنّها العمدة في قوام البدن ، والمنبع لسائر الأعضاء . وفي القاموس : الشرسوف ـ كعصفور ـ غضروف معلّق بكلّ ضلع ، أو مقط الضلع ، وهو الطرف المشرف على البطن .
« إنّ الرأس والاُذنين
» كأنّه عليهالسلام خصّ الدم بهذه الأعضاء لأنّه لكثرة العروق والشرايين فيها يجتمع الدم فيها أكثر من غيرها ، ولأنّها محلّ الإحساسات والإدراكات ، وهي إنّما تحصل بالروح الّذي حامله الدّم . وخصّ البلغم بالصدر لاجتماع البلاغم فيها من الدماغ وسائر الأعضاء ، وتكثر الريح فيها باستنشاق الهواء
وخصّ الشراسيف بالصفراء لقرب الحرارة الّتي هي مجتمع الصفراء منها ، أو لكون تلك المرّة أدخل في خلقها وخصّ أسفل البطن بالسوداء لأنّ الطحال الّذي هو محلّها فيه .
« سلطان الدماغ » إذ
هو مسلّط عليه ، إذ بوصول البخارات الرطبة إليه واسترخاء الأعصاب وتغليظ الروح الدماغيّ يستولي النوم الّذي يوجب سكون الحواسّ الظاهرة وبه قوام البدن وقوّته لاستراحة القوى عن حركاتها وإحساساتها ، وبه يستكمل هضم الطعام والأفعال الطبيعيّة للبدن ، لاجتماع الحرارة في الباطن .
« على شقّك اليمنى » كما
قاله الأطبّاء لنزول الغذاء إلى قعر المعدة « ثمّ انقلب على الأيسر » قال الأطبّاء : ليقع الكبد على المعدة ويسير سبباً لكثرة
حرارتها فيقوى الهضم « وكذلك فقم » لعلّ المعنى : ثمّ انتقل إلى شقّك الأيمن ، ليكون قيامك من النوم عن الجانب الّذي بدأت بالنوم عليه أوّلاً ، وهو اليمين .
وهذا أيضاً موافق
لقول الأطبّاء ، وعلّلوه بانحدار الكيلوس إلى الكبد . وهذا التفصيل مخالف لظواهر كثير من الأخبار الدالّة على أنّ النوم على اليمين أفضل مطلقاً ، ولو كان هذا الخبر معادلاً في السند لها لأمكن حملها عليه ، وسيأتي
بعض
القول فيه إنشاء الله .
« القعود من الليل » أي
من أوّله . وحدوث داء الفيل لكثرة الجلوس على الخلاء لعلّه لحدوث ضعف في الرجلين يقبل بسببه الموادّ النازلة من أعالي البدن .
وفي النسخ « الداء الدفين » أي الداء المستتر في الجوف .
وليف النخل معروف ، ولعلّ
المراد هنا ما يعمل من ورق الأراك ، وهو غير معروف ، وفسّره بعضهم بعرقه ، ولم أجده في اللغة . ويحتمل أن يكون المراد به غصن الأراك الّذي عمل للاستياك بمضغ طرفه ، فإنّه حينئذ شبيه
الليف .
وفي بعض النسخ : « إنّ
خير ما استكت به الأشياء المقبضة الّتي يكون لها ماء » ولعلّه من إصلاح الأطبّاء .
وفي القاموس : الحفر ـ
بالتحريك ـ : سلاق في اُصول الأسنان ، أو صفرة تعلوها ، ويسكن والسلاق تقشّر في اُصول الأسنان . وقال الأطبّاء : هي تشبه الخزف ، تركب على اُصول الأسنان ، وتتحجّر عليها . « ويزعزعها » أي يحرّكها . والأيّل ـ كقنّب وخلّب وسيّد ـ : تيس الجبل ، ويقال له بالفارسيّة « گوزن » . وطريق إحراقه كما ذكره الأطبّاء أن يجعل في جرّة ويطيّن رأسه ويجعل في التنّور حتّى يحرق .
وكزمازج معرَّب
كزمازك وهو ثمرة الطرفاء ، والورد هو الاحمر ، والأثل هو الطرفاء ، وقيل : هو السمر ، ولعلّه هنا أنسب . وقال بعض الأطبّاء
كزمازج هو ثمرة الأشجار الصغار من الطرفاء ، وحبّ الأثل هو ثمرة كبارها .
والملح الأندرانيّ [ والدرانيّ
] هو الّذي يشبه البلّور كما في القانون ، و يسمّونه بالفارسيّة « التركيّ » .
__________________
« وفيها سلطان المرّة
الصفراء » إذ تقلّ الرطوبات فيها فتحتدّ فيها الصفراء . « وتقوى في سلطان المرّة السوداء » لأنّه تضعف وتقلّ الحرارة الغريزيّة والرطوبات البدنيّة يوماً فيوماً ، فتغلب السوداء لكونها باردة يابسة . وفي القاموس : الجاش رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع ، ونفس الإنسان ، وقد يهمز . وقال : نكد عيشهم ـ كفرح ـ : اشتدّ ـ انتهى ـ . « في كونه » أي في حياته ووجوده « وتكوّنه » أي تكوّن الأخلاط الصالحة فيه . وفي أكثر النسخ « ونكتته » أي دليله وعلامته .
وفي بعض النسخ ، من
أوّله هكذا : « وفيها سلطان المرّة الصفراء وغلبتها عليه وهو أقوم ما يكون وأثقفه وألعبه ، فلا يزال كذلك حتّى يستوفي خمساً وثلاثين سنة .
ثمّ يدخل في الحالة
الثالثة ، وهي من خمس وثلاثين سنة إلى أن يستوفي ستّين سنة ، فيكون في سلطان السوداء ، ويكون أحلم ما يكون وأدربه وأكتمه سرّاً وأحسنه نظراً في [ عواقب الاُمور وفكراً في ] عواقبها ومداراة
لها وتصرّفاً فيها .
ثمّ يدخل في الحالة
الرابعة ، وهي سلطان البلغم ، وهي الحالة الّتي لا يتحوّل عنها ما بقي ، وقد دخل في الهرم حينئذ وفاته الشباب واستنكر كلّ شيء كان يعرف من نفسه ، حتّى صار ينام عند القوم ، ويسهر عند النوم ، ويذكّر ما تقدّم ، وينسى ما يحدث به ، ويكثر من حيث النفس ، ويذهب ماء الجسم وبهاؤه ـ إلى قوله ـ فلجمود رطوبته في طباعه يكون فناء جسمه » .
وفي القاموس : ثقف ـ ككرم
وفرح ـ : صار حاذقاً خفيفاً فطناً . « وألعبه » أي أشدُّ ميلا إلى اللعب من سائر أيّام عمره . والدربة : العادة والجرأة على الأمر
والتجربة والعقل ، ويمكن أن يقرأ « يذكّر » على بناء المفعول من التفعيل أي
__________________
لا
يذكر ما تقدّم حتّى يذكّر .
و « يذبل » بالذال
المعجمة والباء الموحّدة ، يقال : ذبل النبات ـ كنصر وكرم ـ ذبلاً وذبولاً ذوي ، وذبل الفرس : ضمر . وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة التحتانيّة
من قولهم ذالت المرءة أي هزلت ، والشيء : هان ، وحالهُ تواضعت ، فيحتمل أن يكون كناية عن انحنائه . وفي بعضها بالزاي والياء على بناء المفعول من التفعيل ، أي
يتفرّق جميع أجزاء بدنه ، كناية عن عدم استحكام الأوصال ، والأوّل أظهر .
وعلى التقادير « عوده
» بضمّ العين تشبيهاً لقامة الإنسان بعود الشجر ، وربما يقرأ بالفتح ويفسّر بأنّ المعنى : يقلّ عوده في الاُمور ، ولا يخفى ضعفه .
« ويتغيّر معهوده » أي
ما عهده سابقاً من أحوال بدنه وروحه . والرونق : الحسن والبهاء . « وهو بارد جامد » ليس المراد بجموده يبوسته ، لأنّه بارد رطب بل غلظته وعدم سيلانه كالماء المنجمد ، وعدم قابليّته للانقلاب إلى الدم .
والأطبّاء حدّوا سنّ
النموّ إلى ثلاثين سنة أو إلى ثمان وعشرين ـ بحسب اختلاف الأمزجة ـ ويسمّونها سنَّ الحداثة أيضاً ، وبعده سنّ الوقوف ، ومنتهاه خمس وثلاثون إلى الأربعين ، ثمّ سنّ الانحطاط ، وهو من آخر سنّ الوقوف إلى قريب من الستّين ، ويسمّونه سنّ الكهولة أيضاً ثمّ سنّ الشيخوخة ، وهو من الستّين إلى آخر العمر .
قوله عليهالسلام « في اثنتي عشرة ليلة » قال الشيخ في القانون : يؤمر باستعمال
الحجامة لا في أوّل الشهر ، لأنّ الأخلاط لا تكون قد تحرّكت وهاجت ، ولا في آخره لأنّها قد نقصت ، بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة تابعة في تزيّدها لتزيّد
النور في جرم القمر ، يزيد الدماغ في الأقحاف ، والمياه في الأنهار ذوات المدّ و الجزر . وأفضل أوقاتها في النهار هي الساعة الثانية والثالثة ـ انتهى ـ .
والنقرة ـ بالضمّ ـ :
حفرة في القفا فوق فقرات العنق بأربع أصابع وتحت القَمحدُوَة ، وهي الموضع المرتفع خلف الرأس يقع على الأرض عند النوم على القفا . والأخدعان : عرقان خلف العنق من يمينه وشماله .
وفي القاموس : القلاع
ـ كغراب ـ : الطين يتشقّق إذا نضب عنه الماء ، وقشر الأرض يرتفع عن الكمأة ، وداء في الفم ـ انتهى ـ وفي كتب الطبّ أنّه قرحة تكون في جلد الفم واللسان مع انتشار واتّساع ، ويعرض للصبيان كثيراً ، ويعرض من كلّ خلط ، ويعرف بلونه من الامتلاء ، أي امتلاء الدم وكثرته .
والطمث : دم الحيض . ويقال
: نهكه الحمّى ـ كمنع وفرح ـ أضنته وهزلته وجهدته . والبثور : الصغار من الخراج .
وقال في القانون : الحجامة
على النقرة خليفة الأكحل ، وينفع من ثقل الحاجبين [ والعينين ] ويجفّف الجفن ، وينفع من جرب العين والبخر في الفم . وعلى الكاهل خليفة الباسليق ، وينفع من وجع المنكب والحلق . وعلى أحد الأخدعين خليفة القيفال وينفع من ارتعاش الرأس ، وينفع الأعضاء الّتي في الرأس مثل الوجه والأسنان والضرس والاُذنين [ والعينين ] والحلق والأنف .
لكنّ الحجامة على
النقرة تورث النسيان حقّاً كما قال سيّدنا ومولانا صاحب شريعتنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ مؤخر الدماغ موضع الحفظ ، وتضعفه
الحجامة . وعلى الكاهل يضعّف فم المعدة ، والأخدعيّة ربما أحدثت رعشة الرأس ، فلتسفل النقريّة ولتصعد الكاهليّة قليلاً إلّا أن يتوخّى بها معالجة نزف الدم والسعال ، فيجب أن
تنزل ولا تصعد .
وهذه الحجامة الّتي
تكون على الكاهل وبين الكتفين نافعة من أمراض الصدر الدمويّة ، والربو الدمويّ ، لكن تضعّف المعدة ، وتحدث الخفقان . والحجامة على الساق يقارب الفصد ، وينقّي الدم ، ويدرّ الطمث . ومن كانت من النساء بيضاء متخلخلة رقيقة الدم فحجامة الساقين أوفق لها من فصد الصافن .
والحجامة على
القمحدوة وعلى الهامة ينفع ـ فيما ادّعاه بعضهم ـ من اختلاط العقل والدوار ، ويبطىء ـ فيما قالوا ـ بالشيب . وفيه نظر ، فإنّها قد تفعل ذلك في
أبدان دون أبدان ، وفي أكثر الأبدان تسرع بالشيب ، وتضرّ بالذّهن ، وتنفع من
أمراض
العين ، وذلك أكثر منفعتها ، فإنّها تنفع من جربها وبثورها من المورسرج ، ولكنّها تضرّ بالذهن ، وتورث بلهاً ونسياناً ورداءة فكر ، وأمراضاً مزمنة ، وتضرّ بأصحاب الماء في العين ، إلّا أن تصادف الوقت والحال الّتي يجب فيها استعمالها ، فربما لم تضرّ .
والحجامة تحت الذقن
ينفع الأسنان والوجه والحلقوم ، وينقّي الرأس والفكّين .
والحجامة على القطن
نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ، ومن النقرس والبواسير وداء الفيل ورياح المثانة والرحم ، ومن حكّة الظهر . فإذا كانت هذه الحجامة بالنّار شرط أو غير شرط نفعت من ذلك أيضاً ، والّتي بشرط أقوى في غير الريح ، والّتي بغير شرط أقوى في تحليل الريح البارد واستئصالها ههنا ، وفي كلّ موضع .
والحجامة على الفخذين
من قدّام ينفع من ورم الخصيتين وخراجات الفخذين والساقين ، وعلى أسفل الركبتين ، فالّتي على الفخذين ينفع من الأورام والخراجات الحادثة في الأليتين ، وعلى أسفل الركبة تنفع من ضربان الركبة الكائن من أخلاط حارّة ، ومن الخراجات الرديّة والقروح العتيقة في الساق
والرجل ، والّتي على الكعبين تنفع من احتباس الطمث ، ومن عرق النسا والنقرس ـ انتهى ـ .
قوله عليهالسلام « تخفيف المصّ » هذا ممّا ذكره الأطبّاء أيضاً ، قال في
القانون : تكون الوضعة الأولى خفيفة سريعة القلع ، ثمّ يتدرّج إلى إبطاء القلع والإمهال انتهى ـ . وعلّلوا ذلك بوجهين : الأوّل اعتياد الطبيعة لئلّا تتألّم كثيراً . والثاني
أنّ في المرّة الأولى تسرع الدماء القريبة من المحجمة فتجتمع سريعاً ، وفي المرّة
الثانية أبطأ لبعد المسافة ، فيكون زمان الاجتماع أبطأ ، وهكذا .
والظاهر أنّه لو كان
المراد بالمرّات ، المرّات بعد الشرط ، فالوجه الثاني أظهر ولو كان المراد المرّات قبله فالأوّل ، وكأنّ الثاني أظهر من الخبر .
__________________
وشرط الحاجم : قطع
اللحم بآلته ، وهي المشرط والمشراط بالكسر فيهما « على جلود ليّنة » أي بمسحه عليها « ويمسح الموضع » لأنّه يصير الموضع ليّناً ، فلا
يتألّم كثيراً من الشرط ، وقال بعض الأطبّاء : تدهين موضع الحجامة والفصد يصير سبباً لبطء برئهما
وقال الشيخ في القانون : إذا دهّن موضع الحجامة فليبادر إلى إعلاقها ولا يدافع بل يستعجل في الشرط ـ انتهى ـ .
« ولينقّط » أي وليضع
على الموضع الّذي يريد أن يفصده من العروق نقطة ، لئلّا يشتبه عند البضع . وفي بعض النسخ « وليقطر » والماۤل واحد .
وحبل الذراع هو
الوريد الّذي يظهر ممتدّاً من اُنسيّ الساعد إلى أعلاه ، ثمّ على وحشيّه . والقيفال هو الوريد الّذي يظهر عند المرفق على الجانب الوحشيّ . والباسليق هو وريد يظهر عند مأبض المرفق مائل إلى الساعد من وسط اُنسيّه ، وقد يطلق الباسليق على عرق آخر تحته فيسمّى الأوّل الباسليق الأعلى ، وهذا الباسليق « الإبطيّ » لقربه من الإبط .
والأكحل هو المعروف
بالبدن بين الباسليق والقيفال . وتكميد موضع الفصد هو أن يبلَّ خرقة بالماء الحارّ ويضعه عليه . وقيل : أو يبخّر
الموضع ببخار الماء الحارّ .
قوله عليهالسلام « قبل ذلك » قال الأطبّاء : بعده أيضاً كذلك ، بل هو أضرّ ، ويمكن
أن يكون التخصيص لظهور الضرر بعده ، أو لعدم وقوعه غالباً بعده ، لطروء الضعف المانع منه . واليوم الصاحي هو الّذي لا غيم فيه ، وما سيأتي تفسيره « ولا تدخل يومك » أي قبل الحجامة ، أو الأعمّ ، فيكون ما سيأتي تأكيداً .
وفي القاموس : المِرغِر
والمرغري ، ويمدّ إذا خفّف ، وقد تفتح الميم في الكلّ : الزغب الّذي تحت شعر العنز ، وفي بعض النسخ « قزعوني » ولم نجد له معنى . وفي
بعضها « فرعونيّ » وهو أيضاً كذلك ، وقد يقرأ « قزّعونيّ » نسبة إلى « عون » قرية على
الفرات
__________________
وكلّ
ذلك تصحيف ، والأوّل أصوب . والمحاجم مواضع الحجامة . والقزّ : نوع من الإبريسم ، وقد يقال : لا يطلق عليه الإبريسم . وفي المصباح المنير : القزّ معرّب ،
قال الليث : هو ما يعمل منه الإبريسم . ولهذا قال بعضهم : القزّ والإبريسم مثل الحنطة والدقيق ـ انتهى ـ .
وأقول : يستنبط منه
أحد أمرين : إمّا كون حكم القزّ مخالفاً لحكم الابريسم في عدم جواز اللبس ، أو يكون استعمال ما لا يتمّ الصلاة من الحرير مجوّزاً للرجال ،
ويمكن حمله على ما إذا لم يكن قزّاً محضاً .
والظاهر أنّ الترياق
الأكبر هو الفاروق ، ولا بدّ من حمله على ما إذا لم يكن مشتملاً على الحرام كالخمر ولحم الأفاعي والجند وأشباهها ، وقد مرّ القول فيه . والشراب المفرّح المعتدل كشربة التفّاح والسفرجل . وشراب الفاكهة : شربة الفواكه « بعد عركه » وفي بعض النسخ « علكه » والعرك : الدلك والحكّ ، والعلك : المضغ ، وهو أنسب .
وفي بعض النسخ : « وخذ
قدر حمّصة من الترياق الأكبر فاشربه أو كله من غير شراب إن كان شتاءً ، وإن كان صيفاً فاشرب السكنجبين الخلّيّ » وفي أكثر النسخ « سكنجبين عسل » وفي بعضها « السكنجبين العنصليّ العسليّ أي بالخلّ المعمول المتّخذ
من بصل العنصل . وفي القاموس : العنصل ـ كقنفذ وجندب ، ويمدّان ـ : البصل البرّيّ ، ويعرف بالإسقال ، وببصل الفار ، نافع لداء الثعلب والفالج والنساء وخلّه
للسعال المزمن والربو والحشرجة ، ويقوّي البدن الضعيف ـ انتهى ـ . وذكر الأطبّاء لأصله وخلّه فوائد جمّة لأنواع الأمراض .
« من الرمّان المزّ »
في بعض النسخ « الأمليسيّ » . « بثلاث ساعات » في بعض النسخ « بثلثي ساعة » والطياهيج : جمع « طيهوج » معرّب « تيهو » .
« من الشراب الزكيّ »
أي الشراب الحلال الزبيبيّ . والسكباج معرّب ، وكأنّه « شورباج الخلّ » وفي القاموس : الهلام ـ كغراب ـ طعام من لحم عجل بجلدة ، أو مرق السكباج المبرّد المصفّى من الدهن . وقال : المصوص ـ كصبور ـ طعام من لحم
يطبخ
وينقع في الخلّ ، أو يكون من لحم الطير خاصّة ـ انتهى ـ .
وقيل : الهلام لحم
البقر أو العجل أو المعز يطبخ بماء وملح ، ثمّ يخرج و يوضع حتى يذهب ماؤه ، ثمّ يطبخ البقول الباردة مع الخلّ ويطرح فيه ذلك اللحم ، ثمّ يؤكل . والمصوص : مطبوخ من لحم الدرّاج أو الديك ، ويطبخ في الخلّ والبقول الباردة .
قوله عليهالسلام « يومك » أي يوم حجامتك « الّذي يشربه أهله » أي الفسّاق
والمخالفون المحلّلون له وفي القاموس : النقرس ـ بالكسر ـ ورم ووجع في مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين . وقال : الكلف محرّكة ـ : شيء يعلو الوجه كالسمسم ، ولون بين السواد والحمرة ، وحمرة كدرة تعلو الوجه .
قوله « يغيّر المثانة
» وفي بعض النسخ « يعكر » أي يصير سبباً لحجر المثانة و ما هو مبدأ تولّده . في القاموس : العكر ـ محرّكة ـ : درديّ كلّ شيء . عكر الماء والنبيذ ـ كفرح ـ وعكّره تعكيراً وأعكره : جعله عكراً ، وجعل فيه العكر . والبطنة ـ
بالكسر ـ : امتلاء المعدة من الطعام . وعلّل ذلك بأنّه بسبب حرارة الحمّام ينجذب الغذاء المنهضم إلى الأمعاء ، فيصير سبباً للسدّة والقولنج . « يورث الفالج » إذ
يتولّد من السمك الطري بلغم لزج هو مادّة الفالج والماء البارد يضعّف الأعصاب ويقوّي المادّة .
« يورث الجذام » قيل :
لأنّ النطفة حينئذٍ تستمدّ من الدم الكثيف الغليظ السوداويّ « من غير إهراق الماء » أي البول بعده . وما قيل : إنّ المراد به الجماع
بغير إنزال ، فهو بعيد يأبى عنه قوله « على أثره » مع أنّ ما ذكرنا مصرّح به في
أخبار اُخرى . وإهراق الماء كناية شائعة عن البول في عرف العرب والعجم . وقيل : المراد الجماع بعد الجنابة من غير غسل بينهما ، وهو يوجب التكرار ، إلّا أن يخصّ هذا بالجنابة بغير الجماع فيصير أبعد . وفي القاموس : سلق الشيء أغلاه بالنار ـ انتهى ـ .
والربو بالفتح ـ : ضيق
النفس والبهر بالضمّ ـ : نوع منه . وفي القاموس :
هو
انقطاع النفس من الإعياء ، وقد انبهر ـ انتهى ـ .
وربما يفرق بين الربو
والانبهار بأنّ الأوّل يحدث من امتلاء عروق الرئة ، والثاني من امتلاء الشرايين . والنيّ ـ بكسر النون وتشديد الياء ـ الّذي لم ينضج ،
وأصله الهمزة فقلبت ياءً ، ولعلّه أعمّ من أن لم يطبخ أصلاً أو طبخ ولم ينضج .
« يقمل منه الجسد » قيل
: لأنّ تولّد القمل من الرطوبات المعفّنة الّتي تدفعها الطبيعة إلى ظاهر الجلد ، ومن خواصّ التين دفع الفضلات إلى مسامّ البدن ، فيصير سبباً لمزيد تولّد القمل . « وشرب الماء البارد عقيب الحارّ » لأنَّ أكل الحارّ
وشربه يوجبان تخلخل المسامّ فينفذ فيها البارد إلى اُصول الأسنان فيضرّ بها ، وكذا بعد الحلو أيضاً يضرّ لهذه العلّة .
قوله عليهالسلام « يورث تغيّر العقل » إذ حدّة الذهن وذكاء الفهم إنّما يكون
من صفاء الروح ولطافته ، وإدمان أكل هذه اللحوم يوجب تولّد الأخلاط السوداويّة والدم الغليظ الكثيف في البدن ، فيغلظ ويكثف الروح بسببه ، فيعجز عن الحركات الفكريّة .
وأمّا النسيان
فلاستيلاء البرودة والرطوبة على الدماغ . لكن هذا في لحوم الوحش بعيد ، لأنّ أكثرها حارّة ولذا قيل : لعلّ كثرة يبسها تصير سبباً لكثرة يبس الدماغ ، فلا يقبل الصور بسرعة ، فلذا يصير سبباً للنّسيان .
« قبل دخولك » لعلّ
المعنى قبل دخول الماء ، وفي بعض النسخ « عند دخول الحمّام » وهو أظهر . وفي القاموس : فتر الماء : سكن حرّه وهو فاتر وفاتور ـ انتهى
ـ وفي بعض النسخ « فابدأ عند دخول الحمّام بخمس حسوات ماءً حارّاً وقيل : خمس مرّات يصبّ الماء الحارّ » وفي بعض النسخ « خمس أكفّ ماءً حارّاً تصبّها على رأسك » .
« البيت الأوّل » أي
المسلخ « بارد يابس » لتأثير حرارة الحمّام فيه ، وقلّة الرطوبة « والثاني بارد رطب » لكثرة الماء وقلّة الحرارة المجفّفة ، والثالث حارٌّ
رطب » لكثرة الحرارة والرطوبة ، وتعادلهما وتقاومهما .
« والرابع حارٌّ يابس
» لغلبة الحرارة على الرطوبة . ولعلّ المراد بها إحداث تلك الآثار في البدن ، لا أنّها في نفسها طبعها كذلك .
« إلى الاعتدال » أي
اعتدال مزاج الإنسان . والأعضاء الكبار كالرأس واليد والرجل والفخذ . والعفن ـ بالتحريك ـ أي العفونة ، أو بكسر الفاء ، أي الخلط العفن ، وهذا أظهر . وفي بعض النسخ « والعفونات » وفي بعضها « العقق » بالتحريك وهو الشقاق في البدن . « أو ورد بنفسج » في بعض النسخ « وبنفسج » فالمراد بالورد الورد الأحمر .
« بقدر ما يشرب الماء
» إمّا بيان لقدر الأجزاء وقلّتها أو لمقدار الطبخ « مثل سدس النّورة » وفي بعض النسخ « ثلث النورة » وفي بعضها « ولتكن النورة والزّرنيخ مثل ثلثها » وفي بعضها « وليكن زرنيخ النورة مثل ثلثها » . وثجير العصفر أي ثفله .
قال في القاموس : ثجر التّمر خلطه بثجير البسر أي ثفله .
« والسنبل » في بعض
النسخ « والنيل » وفي بعضها « والسّكّ » . وفي القاموس السّك ـ بالضمّ ـ طيب يتّخذ من الرامك مدقوقاً منخولاً معجوناً في الماء ، ويعرك شديداً ، ويمسح بدهن الخيريّ لئلّا يلصق بالإناء ، ويترك ليلته
، ثمّ يسحق السك ويلقّمه ويعرك شديداً ويقرَّص ويترك يومين ، ثمّ يثقب بمسلّة وينظم في خيط قنّب ويترك سنة ، وكلّما عتق طابت رائحته ـ انتهى ـ .
« من تقليبها » أي
عند عملها ، لأنّه تشتدّ حرارته بكثرة التقليب ، أو عند طليها على البدن لأنّه يشتدّ اختلاطه بالجلد ، وينفذ في مسامّه فيحرق ، ولعلّه
أظهر . « إذا عمل » أي طلي بها ، ويحمل على ما إذا أزال الشعر ، والضمير راجع إلى النورة بتأويل الدواء .
وقيل : المراد أنّه
إذا أراد عمل النورة فليغسل النورة أوّلاً كما هو المقرّر عند الأطبّاء في عمل مرهم النورة ، ثمّ يدخل فيها الزرنيخ ، فتقلّ حدّتها . وفي
بعض
__________________
النسخ
« عملت » أي النورة في إزالة الشعر ، وهو أظهر .
« من آثار النورة » أي
ممّا يحدث أحياناً بعد النورة من سواد البدن أو جراحة أو غير ذلك . وفي بعض النسخ « من تبثير النورة » أي إحداث البثور في الجسد ، وفي القاموس : خلّ ثقيف ـ كأمير وسكّين ـ : حامض جدّاً .
والمثانة : محلّ
اجتماع البول . « ولو على ظهر دابّة » أي ينزل ويبول ، ولا يؤخّره إلى وقت النزول ولو كان قريباً . « وأن لا تؤذيه » عطف على أن لا تشتكي « ومن فعل ذلك » أي الشرب في أثناء الطعام . والفجّ ـ بالكسر ـ : الّذي لم ينضج .
« قوّة الطعام » أي
الّذي يصير سبباً لقوّة الأعضاء من الطعام ، لأنّ الغذاء الّذي لم ينضج لا تجذبها العروق ، وإن جذبتها لا تصير غذاءً للأعضاء وجزء لها بل توجب فسادها . « أن لا يجد الحصاة » أي حجر المثانة . « ولا يطل المكث » أي لا يطيل المجامعة اختياراً بالتمكّث وحبس المنيّ . « ووجع السفل » أي أسافل البدن أو خصوص المقعدة . « تربّى بسمن البقر » لعلّه المراد خلطها به ، وفي بعض النسخ : « برنيّ » بالباء الموحّدة والنون ، وهو نوع من التّمر ، لكنّه كان الأصوب حينئذ « برنيّات » . في القاموس : البرنيّ تمر معروف أصله « برنيك » أي الحمل الجيّد . وفي بعض النسخ ليس شيء منهما ، ولعلّه أصوب . والمراد برياح البواسير عللها وأنواعها ، أو الرياح الّتي تحدث من البواسير . « على الريق » أي قبل أن يأكل شيئاً . « ويصطبغ » أي يجعله صبغاً وإداماً .
وفي بعض النسخ بالحاء
من الاصطباح ، وهو الأكل أو الشرب في الصباح والغداة وفي القاموس : ابلوج السكّر معرّب ولعلّ المراد هنا ما يسمّى بالفارسيّة « النبات »
والمراد سحق الهليلج معه أو ما ربّي به . وفي بعض النسخ « ومن أراد أن يزيد في عقله فلا يخرج كلّ يوم بالغداة حتّى يلوك ثلاث إهليلجات سود مع سكّر طبرزد » .
__________________
« إذا أدركه الشمّ » في
بعض النسخ « وذلك أنّ منه ما أدركه عطش ، ومنه ما يسكر ، وله عند الذوق حرقة شديدة » .
وقال في القانون عند
ذكر أنواع العسل وخواصّه : ومن العسل جنس حرّيف سمّي ، ثمّ قال : الحرّيف من العسل الّذي يعطش شمّه ، وأكله
يورث ذهاب العقل بغتةً والعرق البارد ـ انتهى ـ . فيمكن أن يكون في النسخة الأولى أيضاً « عطش » بالشين المعجمة .
« ولا تؤخّر شمّ
النرجس » في بعض النسخ وشمّ النرجس يؤمن من الزكام » . وكذلك الحبّة السوداء » أي شمّها ، قال في القانون : الشونيز ينفع من الزكام ، خصوصاً
مقلوّاً مجعولاً في خرقة كتان ، ويطلى على جبهة من به صداع بارد ، وإذا نقع في الخلّ ليلة ثمّ سحق ناعماً في الغد واستعط به وتقدّم إلى المريض حتّى يستنشقه ، نفع
من الأورام المزمنة في الرأس ، ومن اللقوة ـ انتهى ـ .
وفي القاموس : الشقيقة
ـ كسفينة ـ وجع يأخذ نصف الرأس والوجه ، وقال : الشوصة وجع في البطن ، أو ريح تعقّب في الأضلاع ، أو ورم في حجابها من داخل
، واختلاج العرق ـ انتهى ـ .
وفسّرت الشوصة في
القانون وغيره بذات الجنب ، وفي بعض النسخ « ومن خشي الشقيقة والشوصة فلا ينام حتّى يأكل السمك ـ إلخ ـ » .
« أن لا تسقط أذناه
ولهاته » في القاموس : اللّهاة اللحمة المشرفة على الحلق ـ انتهى ـ . وهي الّتي تسمّى بالملاذة ، وسقوطها استرخاؤها وتدلّيها للورم العارض لها ، وقيل : المراد بالاُذنين [ هنا ] اللّوزتان الشبيهتان باللّوز [ في طرفي
الحلق ] ويسمّيها الأطبّاء أصول الاُذنين ، لقربهما منهما .
« من الجوارش الحرّيف
» كالكمونيّ والفلافليّ وأشباههما . « لهب الصفراء » بسكون الهاء والتحريك ، وفي بعض النسخ « لهيب » .
__________________
وفي القاموس : اللهب
واللهيب اشتعال النار . وفي بعض النسخ : « ومن أراد أن يطفيء المرّة الصفراء فليأكل كلَّ بارد لين ، ويريح بدنه ، ويقلّ الانتصاب ، ويكثر
النظر » ، والظاهر أنّ المراد بالترويح تحريك الهواء بالمروحة ، وقيل : المراد
إراحة البدن بقلّة الحركة ، وهو بعيد ، وأبعد منه ما قيل إنّه استعمال الرّوائح الطيّبة .
نعم على نسخه « يريح » المعنى الوسط أنسب .
« ومداومة النورة » في
بعض النسخ « والإطلاء بالنورة بالتكميد » لعلّ المراد به صبّ الماء الحارّ مجازاً أو بلّ خرقة به ووضعه على الجسد .
والأبزن : ظرف فيه ماء
حارّ بأدوية يجلس المريض فيه قال في القاموس : الكماد ككتاب ـ : خرقة وسخة تسخّن وتوضع على الموجوع ، يستشفى بها من الريح ووجع البطن ، كالكمادة ، وتكميد العضو تسكينه بها . وقال : الأبزن ـ مثلّثة الاوّل
ـ : حوض يغتسل فيه ، وقد يتّخذ من نحاس ، معرّب « آب زن » . وقال : القريض ضرب من الأدم . وفي بعض النسخ بالغين والضاد المعجمتين ، وهو اللحم الطريّ .
وفي القاموس : الهلس
الدقّة والضمور ، مرض السلّ ، كالهلاس بالضمّ هلس كعنى فهو مهلوس ، وهلسه المرض يهلسه : هزله ، والهوالس الخفاف الأجسام ـ انتهى ـ واستعير الخصب هنا للسمن .
« أو بشراب واحد » أي
يأخذ ماءً جيّداً من أوَّل المنازل أو عرضها ، ثمّ يمزجه بالماء في كلّ منزل .
وفي بعض النسخ « أو
بتراب » أي بتراب عذب أخذه معه ، يمزجه كلّ منزل بالماء . « يشوبه بالمياه على اختلافها » في بعض النسخ « يسوّى به فإنه يصلح الأهواء
على اختلافها » يسوّى به أي يصلح به الماء . وذكر محمّد بن زكريّا وغيره من الأطّباء
ضمّ الماء المنزل السابق بماء المنزل اللاحق ، أو إدخال قليل من الخلّ فيه . وكذا
ذكروا خلط تراب بلده ووطنه في الماء عند النزول ، والصبر إلى أن يصفو الماء .
وأمّا كون أفضل
المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس فهو خلاف المشهور بين أكثر الأطبّاء وجريانه على الطين موافق لهم . قال الشيخ في القانون : المياه
مختلفة
، لا في جوهر المائيّة ولكن بحسب ما يخالطها ، وبحسب الكيفيّات الّتي تغلب عليها . فأفضل المياه مياه العيون ، ولا كلّ العيون ولكن ماء العيون الحرّة الأرض
الّتي لا يغلب على تربتها شيء من الأحوال والكيفيّات الغريبة ، أو تكون حجريّة فيكون أولى بأن لا يعفن عفونة الأرضية ، لكن الّتي من طينة حرّة خير من الحجريّة ، ولا
كلّ عين حرّة بل الّتي هي مع ذلك جارية ، ولا كلّ جارية بل الجارية المكشوفة للشمس والرياح ، فانّ هذا ممّا يكتسب به الجارية فضيلة . وأمّا الراكدة فربما اكتسب
بالكشف رداءة لا يكسبها بالغور والستر .
واعلم أنّ المياه الّتي
تكون طيّنة المسيل خير من الّتي تجري على الأحجار فإنّ الطين ينقّي الماء ، ويأخذ منه الممتزجات الغريبة ويروّقه ، والحجارة لا تفعل
ذلك ، لكنّه يجب أن يكون طين مسيلها حرّاً لا حمئة ولا سبخة ولا غير ذلك ، فإن اتّفق
أن كان هذا الماء غمراً شديد الجرية ، يحيل بكثرته ما يخالطه إلى طبيعته ، يأخذ إلى الشمس في جريانه ، فيجري إلى المشرق وخصوصاً إلى الصيفي أعني المطلع الصيفيّ منه ، فهو أفضل ، لا سيّما إذا بعد جدّاً من مبدئه . ثمّ ما يتوجّه إلى الشمال
والمتوجّه إلى المغرب بالجنوب رديّ وخصوصاً عند هبوب الجنوب ، والّذي ينحدر من مواضع عالية مع سائر الفضائل أفضل ـ انتهى ـ .
وفي بعض النسخ « وأفضل
المياه الّتي تجري بين مشرق الشمس الصيفيّ ومغرب الشمس الصيفيّ ـ إلى قوله ـ في جبال الطين ، لأنّها تكون حارّة ـ إلى قوله ـ وأمّا
المياه المالحة الثقيلة فإنّها تيبّس البطن » على بناء التفعيل .
والجليد : ما يسقط
على الأرض من الندى فيجمد ، فيحتمل شموله لماء الجمد أيضاً ، ولا ينافي كون الماء المبرد بالجمد نافعاً كما ذكره الأطبّاء . وبعضهم فسّره
عنا بماء البرد ، وهو بعيد نعم يمكن شمول الثلج له مجازاً . قال في القانون : وأمّا
مياه الآبار والقنى بالقياس إلى ماء العيون فرديّة . ثمّ
قال : وأمّا المياه الجليديّة
__________________
والثلجيّة
فغليظة .
والمياه الرّاكدة
خصوصاً المكشوفة الآجاميّة رديّة ثقيلة ، إنّما تبرد في الشتاء بسبب الثلوج ، ويولّد البلغم ، وتسخّن في الصيف بسبب الشمس والعفونة فيولّد المرار
ولكثافتها واختلاط الأرضيّة بها وتحلّل اللّطيف منها تولّد في شاربيها أطحلة ، وترقّ
مراقّهم وتجسأ أحشاءهم ، وتقضف منهم الأطراف والمناكب والرقاب ، ويغلو
عليهم شهوة الأكل والعطش ، وتحبس بطونهم ، ويعسر قيئهم . وربما وقعوا في الاستسقاء لاحتباس المائيّة فيهم ، وربما وقعوا في زلق الأمعاء وذات الرئة والطحال ، ويضمر أرجلهم ، وتضعف أكبادهم ، وتقلّ من غذائهم بسبب الطحال ، ويتولّد فيهم الجنون والبواسير والدّوالي وذات الرئة والأورام الرخوة في الشتاء ، ويعسر على نسائهم
الحمل والولادة ـ إلى آخر ما ذكره من المفاسد والأمراض
وقال : الجمد والثلج
إذا كان نقيّاً غير مخالط لقوّة رديّة فسواء حلّل ماءً أو برّد به الماء من خارج أو اُلقي في الماء فهو صالح ، وليس يختلف حال أقسامه
اختلافاً [ كثيراً ] فاحشاً ، إلّا أنّه أكثف من سائر المياه ، ويتضررّ به صاحب وجع العصب ،
وإذا طبخ عاد إلى الصلاح .
وأمّا إذا كان الجمد
من مياه رديّة ، أو الثلج مكتسباً قوّةً غريبة من مساقطه فالأولى أن يبرّد به الماء محجوباً عن مخالطته .
وقال في موضع آخر : المياه
الرديّة ، هي الراكدة البطائحيّة ، والغالب عليها طعم غريب ورائحة غريبة ، والكدرة الغليظة الثقيلة الوزن ، والمبادرة إلى التحجّر ،
و الّتي يطفو عليها غشاء رديّ ، ويحمل فوقها شيئاً غريباً ـ انتهى ـ .
__________________
« إن دام جريها » أي
كثر النزح منها ، أو المراد بها القنوات . « وأمّا البطايح » أي المياه الراكدة فيها . وفي القاموس : البطيحة والبطحاء والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصا ، والجمع أباطح وبطاح وبطائح ـ انتهى ـ .
« والتقطير » أي
تقطير البول من غير إرادة . « لأنّ ماءها يخرج من ثدييها » قيل : أي عمدة مائها ، فانّ المشهور بين الأطبّاء أنّ المنّي يخرج من جميع الجسد وفي بعض النسخ : « فإنّك إذا فعلت ذلك اجتمع ماؤها وعرفت الشهوة ، وظهرت عند ذلك في عينيها ووجهها ، واشتهت منك الّذي تشتهيه منها » .
وأقول : كلّ ذلك
ذكرها الأطبّاء في كتبهم ، من الملاعبة التّامّة ليتحرّك منيُّ المرأة ويذوب ، ودغدغة الثدي ليهيّج شهوتها وتتحرّك منها ، لأنّ الثدي شديد المشاركة للرّحم . قالوا : فإذا تغيّرت هيئة عينها إلى الاحمرار بسبب قّوة اللذّة
فعند ذلك يتحرّك الرّوح إلى الظاهر ، ويصحبه الدم ، ويظهر ذلك في العين لصفاء لونه . وقد يتغيّر شكل العين وينقلب سواده إلى الفوق ، لأنّه شديد المشاركة لآلات التناسل
خصوصاً للرحم ، وتواتر نفسها ، وطلبت التزام الرجل ، أولج
الذكر وصبّ المنيّ ليتعاضد المنيّان .
قوله عليهالسلام « ولكن تميل » أي تتّكىء على يمينك « إلّا طاهرة » أي من
الحيض والنفاس . وفي بعض النسخ « ولا تجامعها إلّا وهي طاهرة ، فإذا فعلت ذلك كان أروح لبدنك ، وأصحَّ لك إذا اتّفق الماءان عند التمازج نتاج الولد بإذن الله عزّ وجلّ ـ
إلى قوله ـ مثل الّذي خرج منك ، ولا تكثر إتيانهنّ تباعاً ، فإنّ المرأة تحمل من القليل وتقذف الكثير » وليس فيها « واعلم ـ إلى قوله ـ شرف القمر » وهو أظهر . وشرف القمر في الدرجة الثالثة من الدّلو ، وقيل : علّة
مناسبة الحمل للجماع لكونه من البروج الناريّة المذكّرة المناسبة للشهوة ، وفيه شرف الشمس ، ومناسبة الدّلو
لكونه من البروج الهوائيّة الحارّة الرطبة ، وموجبة لزيادة الدم والروح . والثور لأنّه
بيت
__________________
الزّهرة
المتعلّقة بالنساء والشهوات ، ولعلَّ ذكر هذه الاُمور [ و ] إن كان منه عليهالسلام لبعض المصالح موافقة لما اشتهر في ذلك الزمان عند المأمون وأصحابه من العمل بآراء
الحكماء والتّفوّه بمصطلحاتهم .
وكأنّ أكثر ما ورد في
هذه الرواية من هذا القبيل ، كما أومأ عليهالسلام إليه في أوّل الرسالة حيث قال « من أقاويل القدماء ، ونعود إلى قول الأئمة عليهمالسلام » وفي بعض النسخ آخر الرسالة هكذا .
« واعلم أنّ من عمل
بما وصفت في كتابي هذا ودبّر جسده ولم يخالفه سلم بإذن الله تعالى من كلّ داء ، وصحّ جسمه بحول الله وقوّته ، والله يرزق العافية من
يشاء ، ويمنح الصحّة بلا دواء . فلا يجب أن يلتفت إلى قول من يقول ممّن لا يعلم ولا ارتاض بالعلوم والآداب ولا يعرف ما يأتي وما يذر : طال ما أكلتُ كذا فلم يضرّني
وفعلت كذا ولم أر مكروهاً ! » وإنّما هذا القائل في الناس كالبهيمة البهماء ، و الصورة الممثّلة ، لا يعرف ما يضرّه ممّا ينفعه ! ولو أصيب اللّصّ أوّل ما يسرق
فعوقب لم يعد ، ولكانت عقوبته أسهل ، ولكنّهُ يرزق الإمهال والعافية ، فيعاود ثمّ يعاود حتّى يؤخذ على أعظم السّرقات فيقطع ، ويعظم التنكيل به ، وما أورده عاقبة طمعه والاُمور كلّها بيد الله سيّدنا ومولانا جلّ وعلا وإليه نرجع ونصير ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم .
قال أبو محمّد الحسن
القميّ : فلمّا وصلت هذه الرسالة من أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام إلى المأمون ، قرأها وفرح بها ، وأمر
أن تكتب بالذهب ، وأن تترجم بالرسالة المذهّبة ، وفي بعض النسخ بالرسالة الذهبيّة في العلوم الطبّية .
اقول :
لعلّ المشبّه به سارق أخذه الملوك وحكام العرف ، وإلّا فحاكم الشرع يقطع يده في أوّل مرّة أو المراد به من أخذ أقلّ من النصاب ، فإنّه يعزّر لو ثبتت سرقته ، ولو لم تثبت واجترأ وتعدّى إلى أن بلغ النصاب تقطع يده . و « ما أورده » على المعلوم ، عطفاً على التنكيل ، أي يعظم ما أورده عليه عاقبة طمعه ، أو « ما
أورده » مبتدء و « عاقبة » خبره . وعلى الأخير يمكن أن يقرأ على بناء المجهول على الحذف والإيصال
.
(
مراجع التصحيح والتخريج والتعليق )
قوبل هذا الجزء بعدّة
نسخ مطبوعة ومخطوطة ، منها النسخة المطبوعة بطهران سنة ( ١٣٠٥ ) المعروفة بطبعة أمين الضرب ، ومنها النسخة المطبوعة بتبرير ومنها النسخة المخطوطة النفيسة لمكتبة صاحب الفضيلة السيّد جلال الدين الاُرمويّ الشهير بـ « المحدّث » واعتمدنا في التخريج والتصحيح والتعليق على كتب كثيرة نسرد بعض أساميها :
١
ـ القرآن الكريم .
٢
ـ تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي
٣
ـ تفسير فرات الكوفيّ
٤
ـ تفسير مجمع البيان
٥
ـ تفسير أنوار التنزيل للقاضي البيضاويّ
٦
ـ تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازيّ
٧
ـ الاحتجاج للطبرسيّ
٨
ـ اُصول الكافي للكليني
٩
ـ الاقبال للسيّد بن طاوس
١٠
ـ تنبيه الخواطر لورّام بن أبي فراس
١١
ـ التوحيد للصدوق
١٢
ـ ثواب الأعمال للصدوق
١٣
ـ الخصال للصدوق
١٤
ـ الدرّ المنثور للسيوطيّ
١٥
ـ روضة الكافي للكليني
|
|
المطبوع
سنة ١٣١١ في ايران
المطبوع
سنة ١٣٥٤ في النجف
المطبوع
سنة ١٣٧٣ في طهران
المطبوع
سنة ١٢٨٥ في استانبول
المطبوع
سنة ١٢٩٤ في استانبول
المطبوع
سنة ١٣٥٠ في النجف
المطبوع
سنة ١٣٥٠ في طهران
المطبوع
سنة ١٣١٢ في طهران
المطبوع
سنة ١٣١٢ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٥ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٥ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٤ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٤ في طهران
|
١٦
ـ علل الشرائع الصدوق
١٧
ـ عيون الأخبار
١٨
ـ فروع الكافي للكليني
١٩
ـ المحاسن للبرقيّ
٢٠
ـ معاني الاخبار للصدوق
٢١
ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب
٢٢
ـ من لا يحضره الفقيه للصدوق
٢٣
ـ نهج البلاغة للشريف الرضي
٢٤
ـ أسد الغابة لعزّ الدين ابن الأثير
٢٥
ـ تنقيح المقال للشيخ عبد الله المامقاني
|
|
المطبوع
سنة ١٣٧٨ في قم
المطبوع
سنة ١٣٧٧ في قم
المطبوع
سنة ١٣٧٧ في قم
المطبوع
سنة ١٣٧١ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٩ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٨ في قم
المطبوع
سنة ١٣٧٦ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٧٦ في مصر
المطبوع
سنة ١٣٧٦ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٥٠ في النجف
|
٢٦ ـ تهذيب الاسماء واللغات للحافظ محيى
الدين بن شرف النوري المطبوع في مصر
٢٧
ـ جامع الرواة للاردبيلي
٢٨
ـ خلاصة تذهيب الكمال للحافظ الخزرجي
٢٩
ـ رجال النجاشي
٣٠
ـ روضات الجنات للميرزا محمّد باقر الموسوي
٣١
ـ الكنى والألقاب للمحدّث القمي
٣٢
ـ لسان الميزان لابن حجر العسقلاني
|
|
المطبوع
سنة ١٣٣١ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٢٢ في مصر
المطبوع
سنة ١٣٢٢ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٦٧ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٦٧ في صيدا
المطبوع
سنة ١٣٦٧ في حيدر آباد الدكن
|
٣٣ ـ الرواشح السماوية للسيد محمّد باقر
الحسيني الشهير بالداماد
|
|
المطبوع
سنة ١٣١١ في ايران
|
٣٤ ـ القبسات للسيد محمّد باقر الحسينى
الشهير بالداماد
|
|
المطبوع
سنة ١٣١٥ في ايران
|
٣٥ ـ رسالة مذهب ارسطاطاليس للسيد محمّد
باقر الحسينى الشهير بالداماد
٣٦ ـ اُثولوجيا المنسوب إلى ارسطاطاليس
المطبوع بهامش القبسات
٣٧
ـ رسالة الحدوث لصدر المتألهين
٣٨
ـ الشفاء للشيخ الرئيس أبي على بن سينا
|
|
المطبوع
سنة ١٣٠٢ في ايران
المطبوع
سنة ١٣٠٣ في ايران
|
٣٩ ـ شرح التجريد تأليف المحقق الطوسي
للعلامة الحلي
٤٠
ـ عين اليقين للمولى محسن الفيض الكاشاني
٤١
ـ مروج الذهب للمسعودي
٤٢
ـ القاموس لمحيط للفيروز آبادي
٤٣
ـ الصحاح للجوهريّ
٤٤
ـ النهاية لمجد الدين ابن الاثير
|
|
المطبوع
سنة ١٣٦٧ في قم
المطبوع
سنة ١٣١٣ في طهران
المطبوع
سنة ١٣٤٦ في مصر
المطبوع
سنة ١٣٣٢ في مصر
المطبوع
سنة ١٣٧٧ في مصر
المطبوع
سنة ١٣١١ في مصر
|
|
بسمه تعالى
إلى
هنا تمَّ الجزء السادس من المجلّد الرابع عشر ـ كتاب السماء والعالم ـ من بحار الأنوار ، الجامعة لدرر أخبار الائمّة الأطهار ، وهو الجزء التاسع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة النفيسة ، وقد قابلناه على النسخة الّتي نمّقها الفاضل الخبير الشيخ محمّد تقي المصباح اليزديّ بما فيها من التعليق والتنميق والله وليُّ التوفيق .
محمد الباقر
البهبودي
|
|
(
فهرس )
* ( ما في هذا الجزء من الابواب ) *
٤٨ ـ باب آخر في ما ذكره الحكماء والأطبّاء
في تشريح البدن و أعضائه ٥٩ ـ ١
٤٩
ـ باب نادر في علّة اختلاف صور المخلوقات وعلّة السودان والصقالبة ٦١ ـ ٥٩
( أبواب )
* ( الطب ومعالجة الامراض وخواص الادوية ) *
٥٠
ـ باب أنّه لم سمّي الطبيب طبيباً وما ورد في عمل الطبّ والرجوع إلى الطبيب ٧٩ ـ ٦٢
٥١
ـ باب التداوى بالحرام ٩٣ ـ ٧٩
٥٢
ـ باب علاج الحمّى واليرقان وكثرة الدم وبيان علاماتها ١٠٨ ـ ٩٣
٥٣
ـ باب الحجامة والحقنة والسعوط والقيء ١٣٩ ـ ١٠٨
٥٤
ـ باب الحمية ١٤٢ ـ ١٤٠
٥٥
ـ باب علاج الصداع ١٤٣
٥٦
ـ باب معالجات العين والأذن ١٥٥ ـ ١٤٤
٥٧
ـ باب معالجة الجنون والصرع والغشي واختلال الدماغ ١٥٨ ـ ١٥٦
٥٨
ـ باب معالجات علل سائر أجزاء الوجه والأسنان والفم ١٦٤ ـ ١٥٩
٥٩
ـ باب علاج دود البطن ١٦٦ ـ ١٦٥
٦٠
ـ باب علاج دخول العلق منافذ البدن ١٦٨ ـ ١٦٦
٦١
ـ باب علاج ورم الكبد وأوجاع الجوف والخاصرة ١٧١ ـ ١٦٩
٦٢
ـ باب علاج البطن والزحير ووجع المعدة وبرودتها ورخاوتها ١٧٩ ـ ١٧٢
٦٣
ـ باب الدواء لأوجاع الحلق والرئة والسعال والسلّ ١٨٢ ـ ١٧٩
٦٤
ـ باب الزكام ١٨٥ ـ ١٨٣
٦٥
ـ باب معالجة الرياح الموجعة ١٨٧ ـ ١٨٦
٦٦
ـ باب علاج تقطير البول ووجع المثانة والحصاة ١٩٠ ـ ١٨٨
٦٧
ـ باب معالجة أوجاع المفاصل وعرق النساء ـ
١٩٠
٦٨
ـ باب علاج الجراحات والقروح وعلّة الجدريّ ١٩٣ ـ ١٩١
٦٩
ـ باب الدواء لوجع البطن والظهر ١٩٥ ـ ١٩٤
٧٠
ـ باب معالجة البواسير وبعض النوادر ٢٠٢ ـ ١٩٦
٧١
ـ باب ما يدفع البلغم والرطوبات واليبوسة وما يوجب شيئاً من ذلك والفالج ٢٠٥ ـ ٢٠٣
٧٢
ـ باب دواء البلبلة وكثرة العطش ويبس الفم ٢٠٦
٧٣
ـ باب علاج السموم ولدغ المؤذيات ٢٠٩ ـ ٢٠٧
٧٤
ـ باب معالجة الوباء ٢١٠
٧٥
ـ باب دفع الجذام والبرص والبهق والداء الخبيث ٢١٤ ـ
٢١١
أبواب
الادوية وخواصها
٧٦
ـ باب الهندباء ٢١٧ ـ ٢١٥
٧٧
ـ باب الشبرم والسنا ٢١٩ ـ ٢١٨
٧٨
ـ باب بزر قطونا ٢٢٠
٧٩
ـ باب البنفسج والخيريّ والزنبق وأدهانها ٢٢٦ ـ ٢٢١
٨٠
ـ باب الحبّة السوداء ٢٣١ ـ ٢٢٧
٨١
ـ باب العنّاب ٢٣٢
٨٢
ـ باب الحلبة ٢٣٣
٨٣
ـ باب الحرمل والكندر ٢٣٥ ـ ٢٣٣
٨٤
ـ باب السعد والاشنان ٢٣٧ ـ ٢٣٥
٨٥
ـ باب الهليلج والاملج والبليلج ٢٣٩ ـ ٢٣٧
٨٦
ـ باب الأدوية المركّبة الجامعة للفوائد النافعة لكثير من الأمراض ٢٦٠ ـ ٢٤٠
٨٧
ـ باب نوادر طبّهم عليهمالسلام وجوامعها
٢٨٨ ـ ٢٦٠
٨٨
ـ باب نادر نورد فيه كتاب طبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ٣٠٤ ـ ٢٩٠
٨٩
ـ باب آخر في الرسالة المذهبّة المعروفة بالذهبيّة ٣٥٦ ـ ٣٠٦

* ( رموز الكتاب ) *
لقرب الاسناد .
لبشارة المصطفى .
لفلاح السائل .
لثواب الاعمال .
للاحتجاج .
لمجالس المفيد .
لفهرست النجاشي .
لجامع الاخبار .
لجمال الاسبوع .
للجنة .
لفرحة الغري .
لكتاب الاختصاص .
لمنتخب البصائر .
للعدد .
للسرائر .
للمحاسن .
للارشاد .
لكشف اليقين .
لتفسير العياشي .
لقصص الانبياء .
للاستبصار .
لمصباح الزائر .
لصحيفة الرضا (ع) .
لفقه الرضا (ع) .
لضوء الشهاب .
لروضة الواعظين .
للصراط المستقيم .
لامان الاخطار .
لطب الائمة .
|
للعلل الشرائع .
لدعائم الاسلام .
للعقائد .
للعدة .
لاعلام الورى .
للعيون والمحاسن .
للغرر والدرر .
لغيبة الشيخ .
لغوالي اللئالى .
لتحف العقول .
لفتح الابواب .
لتفسير فرات بن ابراهيم .
لتفسير علي بن ابراهيم .
لكتاب الروضة .
للكتاب العتيق الغروي .
لمناقب ابن شهر آشوب .
لقبس المصباح .
لقضاء الحقوق .
لاقبال الاعمال .
للدروع .
لاكمال الدين .
للكافي .
لرجال الكشي .
لكشف الغمة .
لمصباح الكفعمي .
لكنز جامع الفوائد و تاويل الايات الظاهرة معاً .
للخصال .
|
للبلدين الامين .
لامالي الصدوق .
لتفسير الامام العسكري (ع) .
لامالي الطوسي .
للتمحيص .
للعمدة .
لمصباح الشريعة .
للمصباحين .
لمعاني الاخبار .
لمكارم الاخلاق .
لكامل الزيارة .
للمنهاج .
لمهج الدعوات .
لعيون اخبار الرضا (ع) .
لتنبيه الخاطر .
لكتاب النجوم .
للكافية .
لنهج البلاغة .
لغيبة النعماني .
للهداية .
للتهذيب .
للخرائج .
للتوحيد .
لبصائر الدرجات .
للطرائف .
للفضائل .
لكتابي الحسين بن سعيد او لكتابه والنوادر .
لمن لا يحضره الفقيه .
|



|