٢٩

(باب)

(الرياح وأسبابها وأنواعها)

الآيات :

البقرة : « وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ » (١)

الأعراف : « وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » (٢)

الحجر : « وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ » (٣)

الإسراء : « فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ » (٤)

الأنبياء : « وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها » (٥)

الفرقان : « وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » (٦)

النمل : « وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » (٧)

الروم : « وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ

__________________

(١) البقرة : ١٦٤.

(٢) الأعراف : ٥٧.

(٣) الحجر : ٢٢.

(٤) الإسراء : ٦٩.

(٥) الأنبياء : ٨١.

(٦) الفرقان : ٤٨.

(٧) النمل : ٦٣.


الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (١)

وقال تعالى « وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ » (٢)

الذاريات : « وَالذَّارِياتِ ذَرْواً » (٣) وقال سبحانه « وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ » (٤)

القمر : « إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ » (٥)

المرسلات : « وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً » (٦)

تفسير : « وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً » قال الرازي حد الريح أنه هواء متحرك فنقول كون هذا الهواء متحركا ليس لذاته ولا للوازم ذاته وإلا لدامت الحركة بدوام ذاته فلا بد وأن يكون بتحريك الفاعل المختار وهو الله جل جلاله قالت الفلاسفة هاهنا سبب آخر وهو أنه يرتفع من الأرض أجزاء أرضية لطيفة مسخنة (٧) تسخينا قويا شديدا فبسبب تلك السخونة الشديدة ترتفع وتتصاعد فإذا وصلت إلى القرب من الفلك كان الهواء الملتصق بمقعر (٨) الفلك متحركا على استدارة الفلك بالحركة المستديرة التي حصلت لتلك الطبقة من الهواء فهي تمنع هذه الأدخنة من الصعود بل تردها عن سمت حركتها فحينئذ ترجع تلك الأدخنة وتتفرق في الجوانب وبسبب ذلك التفرق تحصل الرياح ثم كلما كانت تلك الأدخنة أكثر وكان صعودها أقوى كان رجوعها أيضا أشد حركة فكانت الرياح أشد وأقوى هذا حاصل ما ذكروه وهو باطل ويدل على بطلانه وجوه :

__________________

(١) الروم : ٤٤.

(٢) الروم : ٥١.

(٣) الذاريات : ١.

(٤) الذاريات : ٤١.

(٥) القمر : ١٩.

(٦) المرسلات : ١ ـ ٣.

(٧) في المصدر : تسخنه.

(٨) بقعر ( خ ).


الأول : أن صعود الأجزاء الأرضية إنما يكون لشدة تسخنها ولا شك أن ذلك التسخن عرضي لأن الأرض باردة يابسة بالطبع فإذا كانت تلك الأجزاء الأرضية متصغرة جدا كانت سريعة الانفعال فإذا تصاعدت ووصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء امتنع بقاء الحرارة فيها بل تبرده جدا وإذا بردت امتنع بلوغها في الصعود إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك فبطل ما ذكروه.

الثاني : هب أن تلك الأجزاء الدخانية صعدت إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك لكنها لما رجعت وجب أن تنزل على الاستقامة لأن الأرض جسم ثقيل والثقيل إنما يتحرك بالاستقامة والرياح ليست كذلك فإنها تتحرك يمنة ويسرة.

الثالث : أن حركة تلك الأجزاء الأرضية النازلة لا تكون حركة قاهرة فإن الرياح إذا أحضرت الغبار الكثير ثم عاد ذلك الغبار ونزل على السطوح لم يحس أحد بنزولها وترى هذه الرياح تقلع الأشجار وتهدم الجبال وتموج البحار.

الرابع : أنه لو كان الأمر على ما قالوه لكانت الرياح كلما كانت أشد وجب أن يكون حصول الأجزاء الغبارية الأرضية أكثر لكنه ليس الأمر كذلك لأن الرياح قد يعظم عصوفها وهبوبها في وجه البحر مع أن الحس يشهد بأنه ليس في ذلك الهواء المتحرك العاصف شيء من الغبار والكدرة فبطل ما قالوه.

وقال المنجمون إن قوى الكواكب هي التي تحرك هذه الرياح وتوجب هبوبها وذلك أيضا بعيد لأن الموجب لهبوب الرياح إن كان طبيعة الكواكب وجب دوام الرياح بدوام تلك الطبيعة وإن كان الموجب هو طبيعة الكواكب بشرط حصوله في البرج المعين والدرجة المعينة وجب أن يتحرك هواء كل العالم وليس كذلك وأيضا قد بينا أن الأجسام متماثلة فاختصاص الكوكب المعين والبرج المعين والطبيعة التي لأجلها اقتضت ذلك الأثر الخاص لا بد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار فثبت أن محرك الرياح هو الله سبحانه وثبت بالدليل العقلي أيضا صحة قوله « وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ ».


قوله نشرا أي منتشرة متفرقة فجزء من أجزاء الريح يذهب يمنة وجزء آخر يذهب يسرة وكذا القول في سائر الأجزاء فإن كل واحد منها يذهب إلى جانب آخر فنقول لا شك أن طبيعة الهواء طبيعة واحدة ونسبة الأفلاك والأنجم والطبائع إلى كل واحد من الأجزاء من ذلك الريح نسبة واحدة فاختصاص بعض أجزاء الريح بالذهاب يمنة والجزء الآخر بالذهاب يسرة وجب أن لا يكون ذلك إلا بتخصيص الفاعل المختار. (١)

« بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » أي بين يدي المطر الذي هو رحمته فإن قيل فقد نجد المطر ولا تتقدمه الرياح قلنا ليس في الآية أن هذا التقدم حاصل في كل الأحوال فلم يتوجه السؤال وأيضا فيجوز أن تتقدمه هذه الرياح وإن كنا لا نشعر بها وعن ابن عمر الرياح ثمان أربع منها عذاب وهو القاصف والعاصف والصرصر والعقيم وأربع منها رحمة الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نصرت بالصبا وأهلك عاد بالدبور والجنوب من ريح الجنة. وعن كعب لو حبس الله الريح عن عباده ثلاثة أيام لأنتن أكثر الأرض (٢).

« فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ » قال الطبرسي ره أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا شديدة كاسرة للسفينة وقيل الحاصب الريح المهلكة في البر والقاصف المهلكة في البحر « فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ » من نعم الله (٣).

« أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ » قال البيضاوي أي الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا. وقرأ ابن كثير والحمزة والكسائي الريح على إرادة الجنس « مُبَشِّراتٍ » بالمطر « وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ » يعني المنافع التابعة لها وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها والعطف على علة

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ١٤ ، ص ١٤٠ ( من المطبوع بمصر ).

(٢) مفاتيح الغيب : ج ١٤ ، ص ١٤١.

(٣) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٤٢٨.


محذوفة دل عليها « مُبَشِّراتٍ » أو عليها باعتبار المعنى أو على « يُرْسِلَ » بإضمار فعل معلل دل عليه « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » يعني تجارة البحر (١).

« فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا » أي فرأوا الأثر والزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم وقيل السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله « لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ » جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال وهذه الآية (٢) ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلجئوا (٣) إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولم ييأسوا من رحمته وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ولم يكفروا نعمه (٤).

أقول وقد مر تفسير الذاريات بالرياح التي تذرو التراب وهشيم النبت وقال الطبرسي ره « الرِّيحَ الْعَقِيمَ » هي التي عقمت عن أن تأتي بخير ومن تنشئة سحاب أو تلقيح شجر أو تذرية طعام أو نفع حيوان فهي كالمرأة الممنوعة عن الولادة إذ هي ريح الإهلاك (٥) وقال في قوله تعالى « رِيحاً صَرْصَراً » أي شديدة الهبوب وقيل باردة من الصر وهو البرد « فِي يَوْمِ نَحْسٍ » (٦) « مُسْتَمِرٍّ » أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسته « سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ » حتى أتت عليهم وقيل إنه كان يوم الأربعاء آخر الشهر لا يدور رواه العياشي بالإسناد عن أبي جعفر عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٤٨.

(٢) في المصدر : الآيات.

(٣) في المصدر : يلتجئوا.

(٤) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٤٩.

(٥) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٥٩.

(٦) في المصدر : أى في يوم شوم.

(٧) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٩٠.


أقول وقد مر أيضا تفسير « الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً » بالرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس و « فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً » بالرياح الشديدات الهبوب و « النَّاشِراتِ نَشْراً » بالرياح التي تأتي بالمطر تنشر السحاب نشرا للغيث.

١ ـ الفقيه ، قال علي عليه‌السلام للريح رأس وجناحان (١).

بيان لعل الكلام مبني على الاستعارة أي يشبه الطائر في أنها تطير إلى كل جانب وفي أنها في بدء حدوثها قليلة ثم تنتشر كالطائر الذي بسط جناحه والله يعلم.

٢ ـ الفقيه ، عن كامل قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام بالعريض فهبت ريح شديدة فجعل أبو جعفر عليه‌السلام يكبر ثم قال إن التكبير يرد الريح وقال عليه‌السلام ما بعث الله ريحا إلا رحمة أو عذابا فإذا رأيتموها فقولوا اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما أرسلت له ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت له وكبروا وارفعوا أصواتكم بالتكبير فإنه يكسرها (٢).

٣ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما خرجت ريح قط إلا بمكيال إلا زمن عاد فإنها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق الإبرة فأهلكت قوم عاد (٣).

٤ ـ وقال الصادق عليه‌السلام نعم الريح الجنوب تكسر البرد عن المساكين وتلقح الشجر وتسيل الأودية (٤).

٥ ـ وقال علي عليه‌السلام الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ بالله من شرها وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه واصفر وكان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع إليه لونه ويقول جاءتكم بالرحمة (٥).

٦ ـ توحيد المفضل ، قال قال الصادق عليه‌السلام أنبهك يا مفضل على الريح وما فيها ألست ترى ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد يأتي على

__________________

(١ و ٢) الفقيه : ١٤٢.

(٣ و ٤ و ٥) الفقيه : ١٤٣.


النفوس ويحرض الأصحاء وينهك المرضى ويفسد الثمار ويعفن البقول ويعقب الوباء في الأبدان والآفة في الغلات ففي هذا بيان أن هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الخلق وأنبئك عن الهواء بخلة أخرى فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء والهواء يؤديه إلى المسامع والناس يتكلمون في حوائجهم ومعاملاتهم طول نهارهم وبعض ليلهم فلو كان أثر هذا الكلام يبقى في الهواء كما يبقى الكتاب في القرطاس لامتلأ العالم منه فكان يكربهم ويفدحهم وكانوا يحتاجون في تجديده والاستبدال به أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس لأن ما يلقى من الكلام أكثر مما يكتب فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه هذا الهواء قرطاسا خفيفا يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم (١) حاجتهم ثم يمحى فيعود جديدا نقيا ويحمل ما حمل أبدا بلا انقطاع وحسبك بهذا النسيم المسمى هواء عبرة وما فيه من المصالح فإنه حياة هذه الأبدان والممسك لها من داخل بما يستنشق منه ومن خارج بما تباشر من روحه وفيه تطرد هذه الأصوات فيؤدي بها من البعيد وهو الحامل لهذه الأراييح ينقلها من موضع إلى موضع ألا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح فكذلك الصوت وهو القابل لهذا الحر والبرد اللذين يعتقبان على العالم لصلاحه ومنه هذه الريح الهابة فالريح تروح عن الأجسام وتزجي السحاب من موضع إلى موضع ليعم نفعه حتى يستكثف فيمطر وتفضه حتى يستخف فيتفشى وتلقح الشجر وتسير السفن وترخي الأطعمة وتبرد الماء وتشب النار وتجفف الأشياء الندية وبالجملة إنها تحيي كل ما في الأرض فلو لا الريح لذوى النبات ومات الحيوان وحمت الأشياء وفسدت.

بيان : ركود الريح سكونها والتحريض إفساد البدن ونهكته الحمى أي أضنته وهزلته وقوله والهواء يؤديه يدل على ما هو المذهب المنصور من تكيف الهواء بكيفية الصوت كما فصل في محله ويقال كربه الأمر أي شق عليه وفدحه

__________________

(١) العام ( خ ).


الدين أي أثقله وريث ما فعل كذا أي قدر ما فعله ويبلغ إما على بناء المجرد فالعالم فاعله أو على التفعيل فالهواء فاعله والروح بالفتح الراحة ونسيم الريح واطرد الشيء تبع بعضه بعضا وجرى والأراييح جمع جمع للريح وتزجي السحاب على بناء الإفعال أي تسوقه وتفضه أي تفرقه والتفشي الانتشار وترخي الأطعمة على بناء التفعيل أو الإفعال أي تصيرها رخوة لطيفة وتشب النار أي توقدها.

٧ ـ العلل : عن أبيه عن محمد بن يحيى عن الحسين بن إسحاق التاجر عن علي بن مهزيار عن الحسن بن الحسين عن محمد بن فضيل عن العرزمي قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا في الحجر تحت الميزاب ورجل يخاصم رجلا وأحدهما يقول لصاحبه والله ما تدري من أين تهب الريح فلما أكثر عليه فقال له أبو عبد الله عليه السلام هل تدري أنت من أين تهب الريح (١) فقال لا ولكني أسمع الناس يقولون فقلت أنا لأبي عبد الله عليه‌السلام من أين تهب الريح (٢) فقال إن الريح مسجونة تحت الركن (٣) الشامي فإذا أراد الله عز وجل أن يرسل (٤) منها شيئا أخرجه إما جنوبا فجنوب وإما شمالا فشمال وإما صباء فصباء وإما دبورا فدبور ثم قال آية ذلك إنك ترى (٥) هذا الركن متحركا أبدا في الصيف والشتاء (٦) والليل والنهار (٧).

معاني الأخبار : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن

__________________

(١) في الكافي : هل تدرى انت فقال لا.

(٢) في معاني الأخبار : من اين تهب الريح جعلت فداك.

(٣) في الكافي والمعاني : تحت هذا الركن.

(٤) في الكافي : يخرج.

(٥) في المصادر : لا تزال ترى.

(٦) لفظه « الشتاء » فى المصادر مقدمة على « الصيف ».

(٧) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ١٣٣.


العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسين (١) عن محمد بن الفضيل عن العرزمي مثله (٢) ـ

الكافي ، عن أبي علي الأشعري عن بعض أصحابه عن محمد بن الفضيل مثله (٣)

بيان قوله مسجونة يحتمل أن يكون كناية عن قيام الملائكة الذين بهم تهب تلك الرياح فوقه عند إرادة ذلك كما سيأتي ولعل المراد بحركة الركن حركة الثوب المعلق عليه (٤).

٨ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تسبوا الرياح فإنها مأمورة ولا تسبوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم.

بيان : الغرض النهي عن سب الرياح والبقاع والجبال والأيام والساعات فإنها مقهورة تحت قدرة الله سبحانه مسخرة له تعالى لا يملكون تأخرا عما قدمهم إليه ولا تقدما إلى ما أخرهم عنه فسبهم سب لمن (٥) لا يستحقه ولعن من لا يستحق اللعن يوجب رجوع اللعنة على اللاعن بل هو مظنة الكفر والشرك لو لا غفلتهم عما يئول إليه كما ورد في الخبر لا تسبوا الدهر فإنه هو الله أي فاعل الأفعال التي تنسبونها إلى الدهر وتسبونه بسببها هو الله تعالى.

٩ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ » التي لا تلقح الشجر ولا تنبت النبات وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً » والصرصر الباردة « فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ » أيام مياشيم (٦).

__________________

(١) في المعاني : محمد بن الحصين.

(٢) معاني الأخبار : ٣٨٥.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٧١.

(٤) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ٢٦٤.

(٥) من ( خ ).

(٦) تفسير القمي : ٤٤٨.


١٠ ـ ومنه ، « وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ » قال التي تلقح الأشجار (١).

١١ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن السياري رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له لم سميت ريح الشمال قال لأنها تأتي من شمال العرش (٢).

بيان كون ريح الشمال من شمال العرش لأنها تهب من قبل الركن الشامي وهو في يسار الكعبة إذا فرضت رجلا مواجها إلينا والحجر الأسود عن يمين الكعبة وقد ورد في الخبر أن العرش محاذ للكعبة فيمينه يمينها ويساره يسارها ويوضح ذلك

ما رواه الصدوق أيضا في العلل ، بإسناده عن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف صار الناس يستلمون الحجر والركن اليماني ولا يستلمون الركنين الآخرين قال إن الحجر الأسود والركن اليماني عن يمين العرش وإنما أمر الله تبارك وتعالى أن يستلم ما عن يمين عرشه قلت فكيف صار مقام إبراهيم عن يساره قال لأن لإبراهيم مقاما في القيامة ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مقاما فمقام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمين عرش ربنا عز وجل ومقام إبراهيم عليه‌السلام عن شمال عرشه فمقام إبراهيم في مقامه يوم القيامة وعرش ربنا مقبل غير مدبر.

وحاصله أنه ينبغي أن يتصور أن البيت بإزاء العرش وحذائه في الدنيا والآخرة والبيت بمنزلة رجل وجهه إلى الناس ووجهه الطرف الذي فيه الباب فإذا توجه إنسان إلى البيت من جهة الباب كان المقام والركن الشامي عن يمينه والحجر الأسود والركن اليماني عن يساره فإذا فرض البيت إنسانا مواجها تنعكس النسبة فيمينه يحاذي يسارنا وبالعكس وعرش ربنا مقبل أي بمنزلة رجل مقبل ويمكن أن يكون تسمية الجانب الذي يلي الشامي شمالا في خبر السياري لأنه أضعف جانبي الكعبة كما أن الشمال أضعف جانبي الإنسان لأن أشرف

__________________

(١) المصدر : ٣٥٠.

(٢) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ٢٦٤.


أجزاء الكعبة وهي الحجر والركن اليماني واقعة على الجانب المقابل فهو بمنزلة اليمين.

١٢ ـ العلل ، بالإسناد إلى وهب قال : إن « الرِّيحَ الْعَقِيمَ » تحت هذه الأرض التي نحن عليها قد زمت بسبعين ألف زمام من حديد قد وكل بكل زمام سبعون ألف ملك فلما سلطها الله عز وجل على عاد استأذنت خزنة الريح ربها عز وجل أن تخرج منها في مثل منخر الثور ولو أذن الله عز وجل لها ما تركت شيئا على ظهر الأرض إلا أحرقته فأوحى الله عز وجل إلى خزنة الريح أن أخرجوا منها في مثل ثقب الخاتم فأهلكوا بها وبها ينسف الله عز وجل الجبال نسفا والتلال والآكام والمدائن والقصور يوم القيامة وذلك قوله عز وجل « وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً » (١) والقاع الذي لا نبات فيه والصفصف الذي لا عوج فيه والأمت المرتفع وإنما سميت العقيم لأنها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل (٢) إذا كان عقيما لا يولد له الخبر (٣).

بيان : قال الجوهري نسفت البناء نسفا قلعته وقال القاع المستوي من الأرض وكذا الصفصف وقال الأمت المكان المرتفع وقوله تعالى « لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً » أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع.

١٣ ـ قصص الراوندي ، بإسناده إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا هاجت الرياح فجاءت بالسافي الأبيض والأسود والأصفر فإنه رميم قوم عاد.

بيان : في القاموس سفت الريح التراب تسفيه ذرته أو حملته كأسفته فهو ساف وسفى انتهى أقول يمكن تخصيصه ببعض البلاد القريبة من بلادهم كمدينة ضاعف الله شرفها ولا بعد في التعميم أيضا.

__________________

(١) طه : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٢) الرحم ( خ ).

(٣) علل الشرائع : ج ١ ص ٣١. والخبر موقوف لا اعتداد به.


١٤ ـ العياشي ، عن ابن وكيع عن رجل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قال رسول الله لا تسبوا الريح فإنها بشر وإنها نذر وإنها لواقح فاسألوا الله من خيرها وتعوذوا به من شرها.

بيان أي إنها مأمورة مبعوثة بأمر الله إما للبشارة بالمطر وغيره أو للإنذار أو لإلقاح الأشجار أو لسوق السحب إلى الأقطار كما مر فسبها باطل لا ينفعكم بل يضركم فاسألوا الله الذي بعثها ليجعلها نافعة لكم ويصرف شرها عنكم.

١٥ ـ العياشي ، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لله رياح رحمة لواقح ينشرها « بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ »

١٦ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن محمد بن رئاب (١) وهشام بن سالم عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرياح الأربع الشمال والجنوب والصبا والدبور وقلت له إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة والجنوب من النار فقال إن لله عز وجل جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه فلكل ريح منها ملك موكل بها فإذا أراد الله عز ذكره أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها قال فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب وقال ولكل ريح منهن اسم أما تسمع قوله عز وجل « كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ » (٢) وقال « الرِّيحَ الْعَقِيمَ » (٣) وقال « رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ » (٤) وقال « فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ » (٥) وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه وقال ولله عز

__________________

(١) في المصدر « على بن رئاب » والظاهر أنه الصحيح لعدم ذكر من « محمد بن رئاب » في كتب الرجال.

(٢) القمر : ١٩.

(٣) الذاريات : ٤١.

(٤) الأحقاف : ٢٤.

(٥) البقرة : ٢٦٦.


ذكره رياح رحمة لواقح وغير ذلك ينشرها « بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ » منها ما يهيج السحاب للمطر ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ورياح تعصر السحاب فتمطر بإذن الله ومنها رياح تفرق السحاب ومنها رياح مما عدد (١) الله في الكتاب فأما الرياح الأربع الشمال والجنوب والصبا والدبور فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها فإذا أراد الله أن يهب شمالا أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه (٢) فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر (٣) فإذا أراد الله أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه (٤) فتفرقت (٥) ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله وإذا أراد الله أن يبعث (٦) الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه (٧) فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله عز وجل في البر والبحر وإذا أراد الله أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه (٨) فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر ثم قال أبو جعفر عليه السلام أما تسمع لقوله ريح الشمال وريح الجنوب وريح الصبا وريح الدبور إنما تضاف إلى الملائكة الموكلين بها (٩).

الخصال ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن ابن محبوب مثله إلى قوله « فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » وذكر رياحا في العذاب ثم قال فريح الشمال وريح الصبا وريح الجنوب وريح الدبور أيضا

__________________

(١) عد الله ( خ ).

(٢ و ٤ و ٧ و ٨) بجناحيه ( خ ).

(٣) في المصدر : وإذا.

(٥) فتفرق ( خ ).

(٦) في المصدر : ريح الصبا.

(٩) الكافي : ج ، ص ٩٢.


تضاف إلى الملائكة الموكلين بها (١).

بيان قال الفيروزآبادي الشمال بالفتح ويكسر الريح التي تهب من قبل الحجر أو ما استقبلك عن يمينك وأنت مستقبل القبلة والصحيح أنه ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات النعش أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر ويكون اسما وصفة ولا تكاد تهب ليلا وقال الجنوب ريح تخالف الشمال مهبه (٢) من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا وقال الصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش وقال الدبور ريح تقابل الصبا وقال الشهيد قدس‌سره في الذكرى الجنوب محلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الاعتدالين والصبا محلها ما بين الشمس إلى الجدي والشمال محلها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال والدبور محلها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل قوله تعالى « وَنُذُرِ » أي إنذار لهم بالعذاب قبل نزولها أو لمن بعدهم في تعذيبهم والريح العقيم قيل هي الدبور وقيل هي الجنوب وقيل النكباء وقال الجوهري الإعصار ريح تثير الغبار إلى السماء كأنه عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق قوله عليه‌السلام فتفرقت ريح الشمال لا يتوهم أنه يلزم من ذلك أن يكون مهب جميع الرياح جهة القبلة وذلك لأنه لعظمة الملك وجناحه يمكن أن يتحرك رأس جناحه بأي موضع أراد ويرسلها إلى أي جهة أمر بالإرسال إليها وإنما أمر بالقيام على الكعبة لشرافتها وكونها في محل رحماته تعالى ومصدرها وقيل ضرب الجناح علامة أمر الملك الريح للهبوب قوله عليه‌السلام أما تسمع لقوله أي لقول القائل وكأنه عليه‌السلام استدل بهذه العبارات الشائعة على ما ذكره من أنها أسماء الملائكة إذ الظاهر من الإضافة كونها لامية والبيانية نادرة وإن كان القائلون لم يعرفوا هذا المعنى لأنهم سمعوا ممن تقدمهم وهكذا إلى أن ينتهي إلى من أطلق ذلك على وجه المعرفة.

__________________

(١) الخصال : ١٢٣.

(٢) في القاموس : مهبها.


١٧ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن لله تبارك وتعالى ريحا يقال لها الأزيب لو أرسل منها مقدار منخر الثور لأثارت ما بين السماء والأرض وهي الجنوب (١).

بيان قوله وهي الجنوب من كلام بعض الرواة أو من كلامه عليه‌السلام وعلى التقديرين لعل المراد به أنها نوع منها أو قريب منها قال في القاموس الأزيب كالأحمر الجنوب (٢) والنكباء تجري بينها وبين الصبا وقال النكباء ريح انحرفت ووقعت بين ريحين أو بين الصبا والشمال أو نكب الرياح الأربع الأزيب نكباء الصبا والجنوب والصابية وتسمى النكيباء أيضا نكباء الصبا والشمال والجربياء نكباء الشمال والدبور وهي نيحة الأزيب والهيف نكباء الجنوب والدبور وهي نيحة النكيباء ونحوه قال الجوهري وقال كل ريح استطالت أثرا فهبت عليه ريحا طولا فهي نيحة فإن اعترضته فهي نسيجته.

١٨ ـ نوادر الراوندي ، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام ليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وما هاجت الجنوب إلا سقى الله بها غيثا وأسال بها واديا.

١٩ ـ الاحتجاج ، قال الصادق عليه‌السلام للزنديق الذي سأله مسائل الريح لو حبست أياما لفسدت الأشياء جميعا وتغيرت (٣) وسأله عن جوهر الريح فقال الريح هواء إذا تحرك سمي ريحا فإذا سكن سمي هواء وبه قوام الدنيا ولو كفت (٤) الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء على وجه الأرض ونتن وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن كل شيء وتطيبه فهي بمنزلة الروح إذا

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢١٧.

(٢) في المصدر ، أو.

(٣) الاحتجاج : ٧ ، ١.

(٤) في المخطوطة : كثفت.


خرج عن البدن نتن البدن وتغير « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » (١).

٢٠ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن لله عز وجل رياح رحمته [ رحمة ] ورياح عذاب فإن شاء الله أن يجعل الرياح من (٢) العذاب رحمة فعل قال ولن يجعل الله الرحمة من الريح عذابا قال وذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالا عليهم إلا من بعد تحولهم عن طاعته قال وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم الله بعد ما كان قدر عليهم العذاب وقضاه ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم وذلك لما آمنوا به وتضرعوا إليه قال وأما الريح العقيم فإنها ريح عذاب لا تلقح شيئا من الأرحام ولا شيئا من النبات وهي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم قال فعتت على الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيضا منها على قوم عاد قال فضج الخزان إلى الله عز وجل من ذلك فقالوا ربنا إنها قد عتت عن أمرنا إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك قال فبعث الله إليها جبرئيل فاستقبلها بجناحه فردها إلى موضعها وقال لها اخرجي على ما أمرت به قال فخرجت على ما أمرت به وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم (٣).

٢١ ـ الشهاب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.

الضوء الصبا هي الريح التي تضرب قفا المصلي وبإزائها الدبور والشمال التي تضرب يمين المصلي وبإزائها الجنوب وقالوا مهب الصبا المستوي أن تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار وزعموا أن الدبور تزعج السحاب وتشخصه في الهواء ثم تسوقه فإذا علا كشفت عنه واستقبلته الصبا فوضعته بعضه على بعض حتى تصير

__________________

(١) الاحتجاج : ١٩٢.

(٢) في المصدر : ان يجعل العذاب من الرياح.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٢.


كسفا واحدا والجنوب تحلق روادفه به وتمده من المدد والشمال تمزق السحاب والنكباء هي التي بين الصبا والشمال والذي في الحديث إشارة إلى نصرة الله تعالى رسوله بالصبا لما أرسلها على الأحزاب.

٢٢ ـ وعن ابن عمر الرياح ثمانية أربع منها رحمة وأربع عذاب فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وأما العذاب فالعقيم والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف في البحر.

٢٣ ـ وروي أنه فتح على عاد من الريح التي أهلكتهم مثل حلقة الخاتم.

٢٤ ـ وعن مجاهد ما بعث الله عز وجل ريحا إلا بمكيال إلا يوم عاد فإنها عتت على الخزنة فلم يدر ما مقدارها.

٢٥ ـ وفي الحديث أن الله تعالى خلق في الجنة ريحا وأن من دونها بابا مغلقا ولو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين السماء والأرض وهي الأزيب وهي عندكم الجنوب.

٢٦ ـ وعن العوام بن حوشب أنه قال : تخرج الجنوب من الجنة فتمر على جهنم فغمها منه وبركتها من الجنة وتخرج الشمال من جهنم فتمر على الجنة فروحها من الجنة وشرها من النار قلت وقد سمعت أن السموم لا تكون إلا الشمال تهب على الرمال المضطرمة والأرضين المتوجهة فتكتسي للطافتها ورقتها منها زيادة الحرارة فتهب نارا ملتهبة فتقتل وتسود الجلود.

٢٧ ـ وقال كعب لو حبس الله الريح من الأرض ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض.

٢٨ ـ وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى الريح قد هاجت يقول اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا.

وأكثر ما في القرآن من الرياح للخير والريح بالعكس من ذلك وقيل الريح الهواء المتحرك وفائدة الحديث الإنباء بأن الله تعالى خلق نصره في الأحزاب بريح الصبا تكبهم على وجوههم وتثير السافياء في أعينهم فيعجزون عن مقاومة أصحاب


النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وراوي الحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.

٢٩ ـ الدر المنثور ، عن أبي بن كعب قال : كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب (١).

٣٠ ـ وعن ابن عباس قال : الماء والريح جندان من جنود الله والريح جند الله الأعظم (٢).

٣١ ـ وعن ابن عباس وعن ابن عمر قالا الريح ثمان أربع منها رحمة وأربع منها عذاب فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وأما العذاب فالعقيم والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف وهما في البحر وفي رواية ابن عباس مكان الذاريات الرخاء (٣).

٣٢ ـ وفي رواية أخرى الرياح سبع الصبا والدبور والجنوب والشمال والحزوق والنكباء وريح القائم فأما الصبا فتجيء من المشرق وأما الدبور فتجيء من المغرب وأما الجنوب فتجيء عن يسار القبلة والشمال (٤) عن يمين القبلة وأما النكباء فبين الصبا والجنوب وأما الحزوق فبين الشمال والدبور وأما رياح القائم فأنفاس الخلق (٥).

٣٣ ـ وعن الحسن قال : جعلت الرياح على الكعبة فإذا أردت أن تعلم ذلك فأسند ظهرك إلى باب الكعبة فإن الشمال عن شمالك وهي مما يلي الحجر والجنوب عن يمينك وهي مما يلي الحجر الأسود والصبا عن مقابلك وهي مستقبل باب الكعبة والدبور من دبر الكعبة (٦).

٣٤ ـ وعن حسن (٧) بن علي الجعفي قال : سألت إسرائيل بن يونس على

__________________

(١ _ ٣) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٤) في المصدر : فيجىء عن.

(٥) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٦) الدر المنثور : ج ١ ص ١٦٤.

(٧) في المصدر : حسين.


أي شيء سميت الريح قال على القبلة شماله الشمال وجنوبه الجنوب والصبا ما جاء من قبل وجهها والدبور ما جاء من خلفها (١).

٣٥ ـ وعن ابن عباس قال : الشمال ما بين الجدي ومطلع الشمس والجنوب ما بين مطلع الشمس وسهيل والصبا ما بين مغرب الشمس إلى الجدي والدبور ما بين مغرب الشمس إلى سهيل.

٣٦ ـ وعن كعب لو احتبست الريح عن الناس ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض (٢).

٣٧ ـ وعن صفوان بن سليم قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تسبوا الريح وعوذوا بالله من شرها (٣).

٣٨ ـ وعن ابن عباس أن رجلا لعن الريح فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تلعن الريح فإنها مأمورة فإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه (٤).

٣٩ ـ وعن ابن عباس قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا قال ابن عباس تفسير (٥) ذلك في كتاب الله « أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ » وقال « وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ » (٦).

٤٠ ـ وعن مجاهد قال : هاجت ريح فسبوها فقال ابن عباس لا تسبوها فإنها تجيء بالرحمة وتجيء بالعذاب ولكن قولوا اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا (٧).

٤١ ـ وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح فإنها تبعث عذابا على قوم ورحمة على آخرين (٨).

__________________

(١ _ ٣) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٤) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٥) في المصدر : والله ان تفسير ...

(٦ _ ٨) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٦٥.


٤٢ ـ وعن ابن عباس قال : « الرِّيحَ الْعَقِيمَ » الشديد التي لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب ولا بركة فيها ولا منفعة ولا ينزل منها غيث ولا يلقح بها شجر (١).

٤٣ ـ وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الريح مسجنة في الأرض الثانية فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا قال أي رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور قال له الجبال لا إذا تكفأ الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله « ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ » (٢).

٤٤ ـ وعن سعيد بن المسيب قال : هي الجنوب.

٤٥ ـ وعن علي عليه‌السلام قال : لم تنزل قطرة من ماء إلا بمكيال على يد (٣) ملك إلا يوم الطوفان (٤) فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت وذلك (٥) قوله « إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ » ولم ينزل شيء من الريح إلا بمكيال (٦) على يد (٧) ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت فذلك قوله « بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ » عتت على الخزان (٨).

٤٦ ـ وعنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وقال ما أمر الخزان أن يرسلوا على عاد إلا مثل موضع الخاتم من الريح فعتت على الخزان فخرجت من نواحي الأبواب فذلك قول الله « بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ » قال عتوها عتت على الخزان فبدأت بأهل البادية منهم فحملتهم بمواشيهم وبيوتهم فأقبلت بهم إلى

__________________

(١ و ٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٥. والأولى منهما ثلاث روايات عن ابن عباس جمعها المؤلف ـ ره ـ في رواية واحدة.

(٣) في المصدر : يدى ملك.

(٤) في المصدر : نوح.

(٥) في المصدر : ... دون الخزان ، فطغا الماء على الخزان فخرج ، فذلك.

(٦) في المصدر : الا بكيل.

(٧) في المصدر : يدى ملك.

(٨) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٥٩.


الحاضرة فلما رأوها « قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا » فلما دنت الريح أظلتهم استبقوا (١) الناس والمواشي فيها فألقت البادية على أهل الحاضرة فقصفتهم (٢) فهلكوا جميعا (٣).

٤٧ ـ وعن قبيصة بن ذؤيب قال : ما يخرج من الريح شيء إلا عليها خزان يعلمون قدرها وعددها ووزنها وكيلها حتى كانت الريح التي أرسلت إلى عاد فاندفق منها شيء لا يعلمون قدره ولا وزنه ولا كيله غضبا لله ولذلك سميت عاتية والماء كذلك حتى (٤) كان أمر نوح عليه‌السلام ولذلك سمي طاغية (٥).

٤٨ ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرياح ثمان أربع منها عذاب وأربع منها رحمة فالعذاب منها العاصف والصرصر والعقيم والقاصف والرحمة منها الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر وهن اللواقح ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد (٦).

٤٩ ـ وعن خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى علي فقال ما العاصفات عصفا قال الرياح (٧).

بيان في القاموس الحزيق الريح الباردة الشديدة الهبابة كالحزوق واللينة السهلة ضد والراجعة المستمرة السير أو الطويلة الهبوب واللقحة بالفتح والكسر الناقة الحلوب

ذنابة

ذكر الفلاسفة في سبب حدوث الرياح على أصولهم أن البخار إذا ثقل بواسطة

__________________

(١) في المصدر : استبق.

(٢) في المصدر : تقصفهم.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٤) في المصدر : حين كان.

(٥) المصدر : ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٦ _ ٧) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٠٣.


البرودة المكتسبة من الطبقة الزمهريرية واندفع إلى أسفل فصار لتسخنه بالحركة الموجبة لتلطيفه هواء متحركا وهو الريح وقد يكون الاندفاع يعرض بسبب تراكم السحب الموجبة لحركة ما يليها من الهواء لامتناع الخلأ فيصير السحاب من جانب إلى جهة أخرى وقد يكون لانبساط الهواء بالتخلخل في جهة واندفاعه من جهة أخرى وقد يكون بسبب برد الدخان المتصاعد بعد وصوله إلى الطبقة الزمهريرية ونزوله.

قالوا ومن الرياح ما يكون سموما محرقا لاحتراقه في نفسه بالأشعة السماوية أو لحدوثه من بقية مادة الشهب أو لمروره بالأرض الحارة جدا لأجل غلبة نارية عليها وقد يقع تقاوم في ما بين ريحين متقابلتين قويتين تلتقيان فتستديران أو في ما بين رياح مختلفة الجهة حادثة فتدافع تلك الرياح الأجزاء الأرضية المشتملة عليها فتضغط تلك الأجزاء بينها مرتفعة كأنها تلتوي على نفسها فيحصل الدوران المسمى بالزوبعة والإعصار وربما اشتملت الزوابع العظام على قطعة من السحاب بل على بخار مرتفع (١) فترى نارا تدور ومهاب الرياح اثنا عشر وهي حدود الأفق الحاصلة من تقاطعه مع كل من دائرة نصف النهار والموازيتين لها المماستين للدائمة الظهور والخفاء ودائرة المشرق والمغرب الاعتداليين والموازيتين لها المساويتين (٢) برأس السرطان والجدي ولكل ريح منها اسم والمشهورات عند العرب أربعة ريح الشمال وريح الجنوب وريح الصبا وهي الشرقية ريح الدبور وهي الغربية والبواقي تسمى نكباء

__________________

(١) مشتعل ( خ ).

(٢) في المخطوطة : المارتين.


٣٠

(باب)

(الماء وأنواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها وعلة المد)

(والجزر والممدوح من الأنهار والمذموم منها)

الآيات :

إبراهيم « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » (١)

النحل « وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً » (٢)

الفرقان « وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً » (٣)

النمل « وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً » (٤)

فاطر « وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (٥)

حمعسق « وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ

__________________

(١) إبراهيم : ٣٢.

(٢) النحل : ١٤ ـ ١٥.

(٣) الفرقان : ٥٣.

(٤) النمل : ٦١.

(٥) فاطر : ١٢.


وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ » (١)

الجاثية « اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (٢)

الطور « وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ » (٣)

الرحمن « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ » (٤)

الملك « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ » (٥)

المرسلات « وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً » (٦)

تفسير « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ » إنما نسب إليه سبحانه مع أنه من أعمال العباد لأنه لو لا أنه تعالى خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن ولو لا خلقة الحديد وسائر الآلات ولو لا تعريفه العباد كيف يتخذونها ولو لا أنه تعالى خلق الماء على صفة السلاسة التي باعتبارها يصح جري السفينة فيه ولو لا خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات القوية فيها ولو لا أنه وسع الأنهار وجعل لها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال وهو المدبر لهذه الأمور والمسخر لها حسنت إضافته إليه وقيل لما كان يجري على وجه الماء كما يشتهيه الملاح صار كأنه حيوان مسخر له « بِأَمْرِهِ » أي بقدرته وإرادته.

__________________

(١) الشورى : ٣٢ ـ ٣٥.

(٢) الجاثية : ١٢.

(٣) الطور : ٦.

(٤) الرحمن : ١٩ ـ ٢٤.

(٥) الملك : ٣٠.

(٦) المرسلات : ٢٧.


« سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » لما كان ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات لا جرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار والعيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع والنبات وأيضا ماء البحر لا يصلح للشرب والصالح لهذا مياه الأنهار.

« وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ » أي جعلها بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص « لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا » هو السمك ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله ولإظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق « حِلْيَةً تَلْبَسُونَها » كاللؤلؤ والمرجان « وَتَرَى الْفُلْكَ » أي السفن « مَواخِرَ فِيهِ » أي جواري فيه يشقه بخرومها من المخر وهو شق الماء وقيل صوت جري الفلك « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » أي من سعة رزقه بركوبها للتجارة « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » أي تعرفون نعم الله فتقومون بحقها.

« وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » قال البيضاوي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج دابته إذا خلاها « هذا عَذْبٌ فُراتٌ » قامع للعطش من فرط عذوبته « وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ » بليغ الملاحة (١) « وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً » حاجزا من قدرته « وَحِجْراً مَحْجُوراً » وتنافرا بليغا كأن كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوذ عليه وقيل حدا محدودا وذلك كدجلة يدخل البحر فيشقه فيجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمهما (٢) وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل وبالبحر الملح البحر الكبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية (٣) انتهى ويقال إن نهر آمل تدخل بحر الخزر ويبقى على عذوبته ولا يختلط بالمالح ويأخذون منه الماء العذب في وسط البحر فيمكن على تقدير صحته أن يكون داخلا تحت الآية أيضا.

__________________

(١) في المصدر : الملوحة.

(٢) طعمها ( خ ).

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ١٦٧.


« وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ » ضرب مثل للمؤمن والكافر والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره والأجاج الذي يحرق بملوحته « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ » استطراد في صفة البحرين وما فيهما أو تمام التمثيل والمعنى كما أنهما وإن اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان من حيث إنهما لا يتساويان في ما هو المقصود بالذات من الماء فإنه خالط أحدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته لا يساوي المؤمن والكافر وإن اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما في ما هو الخاصية العظمى وبقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر أو تفضيل للأجاج على الكافر بما يشارك العذب من المنافع والمراد بالحلية اللآلي واليواقيت.

« مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ » قرأ نافع وأبو عمرو الجواري بياء في الوصل والوقف والباقون بحذفها على التخفيف « كَالْأَعْلامِ » أي كالجبال فهذه السفن العظيمة التي تكون كأنها الجبال تجري على وجه الماء عند هبوب الرياح على أسرع الوجوه وعند سكونها تقف ففيه دلالة على وجود الصانع المسبب لتلك الأسباب وقدرته الكاملة وحكمته التامة لأنه تعالى خص كل جانب من جوانب الأرض بنوع من الأمتعة وإذا نقل متاع هذا الجانب إلى ذلك الجانب في السفن وبالعكس حصلت المنافع العظيمة في التجارة « فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ » أي فيبقين ثوابت « عَلى ظَهْرِهِ » أي ظهر البحر « لِكُلِّ صَبَّارٍ » أي لكل من وكل همته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل فإنه روي أن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر. « أَوْ يُوبِقْهُنَ » أي يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرفة والمراد إهلاك أهلها لقوله « بِما كَسَبُوا » وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم « يُسْكِنِ الرِّيحَ » فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله « وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ » إذ المعنى أو يرسلها عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم وينجي ناسا على العفو منهم وقرئ يعفوا على الاستئناف. « وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا » عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم ويعلم أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستة لأنه أيضا غير واجب وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف وقرئ بالجزم عطفا على « يَعْفُ » فيكون


المعنى أو يجمع بين إهلاك وإنجاء قوم وتحذير آخرين « ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ » من محيد من العذاب.

« اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ » بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه « لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ » أي بتسخيره وأنتم راكبوها « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » بالتجارة والغوص والصيد وغيرها « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » هذه النعم.

« وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ » أي المملو وهو المحيط أو الموقد من قوله « وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ » كما روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها جهنم. أو المختلط من السجير وهو الخليط وقيل هو بحر معروف في السماء يسمى بحر الحيوان.

« مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » أي أرسلهما والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب « يَلْتَقِيانِ » أي يتجاوران وتتماس سطوحهما أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ » أي حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض « لا يَبْغِيانِ » أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية أو لا يتجاوزان حديهما أو بإغراق ما بينهما وقال الطبرسي ره قيل المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض فإن في السماء بحرا يمسكه الله بقدرته ينزل منه المطر فيلتقيان في كل سنة وبينهما حاجز يمنع بحر السماء من النزول وبحر الأرض من الصعود عن ابن عباس وغيره وقيل إنهما بحر فارس وبحر الروم فإن آخر طرف هذا يتصل بآخر طرف ذلك والبرزخ بينهما الجزائر وقيل « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » خلط طرفيهما عند التقائهما من غير أن يختلط جملتهما « لا يَبْغِيانِ » أي لا يطلبان أن يختلطا (١).

« يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » أي كبار الدر وصغاره وقيل المرجان الخرر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٠١.


الأحمر وإن صح أن الدر يخرج من المالح (١) فعلى الأول إنما قال منهما لأنه يخرج من مجتمع المالح (٢) والعذب أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشيء الواحد وكان المخرج من أحدهما كالمخرج منها ذكره البيضاوي (٣) وقال الرازي اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح فكيف قال منهما نقول الجواب عنه من وجوه (٤) الأول ظاهر كلام الله أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس الذي لا يوثق بقوله ومن علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب غاية علمكم (٥) أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح ولكن لم قلتم (٦) إن الصدف لا يخرج اللؤلؤ بأمر الله من الماء العذب إلى الماء المالح وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد فكيف لا يخفى عليهم ما في قعور البحور الثاني أن نقول إن صح قولهم إنه لا يخرج إلا من الماء المالح فنقول فيه وجوه أحدها أن الصدف لا يتولد فيه اللؤلؤ إلا من ماء المطر وهو بحر السماء ثانيها أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف في البحر المالح عند انعقاد الدر فيه لحال الملوحة كالمتوخمة التي تشتهي في أوائل الحمل فتثقل هناك فلا يمكنه الدخول في العذب (٧) ثم ذكر بعض الوجوه المتقدمة.

وقال الطبرسي ره قيل يخرج منهما أي من ماء السماء وماء البحر فإن القطر إذا جاء من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ عن ابن عباس ولذلك حمل البحرين على بحر السماء وبحر الأرض وقيل إن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح ولا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي

__________________

(١ و ٢) في أنوار التنزيل : الملح.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٤٨٥.

(٤) في المصدر : من وجهين.

(٥) في المصدر : وهب ان ...

(٦) عبارة المصدر هكذا « لكن لا يلزم من هذا أن لا يوجد في الغير. سلمنا لم قلتم ان الصدف يخرج بامر الله من الماء العذب الى الماء المالح » وكأن فيه تصحيفا.

(٧) مفاتيح الغيب : ج ٢٩ ، ص ١٠١.


فيه العذب والملح وذلك معروف عند الملاحين (١) انتهى.

أقول « وَلَهُ الْجَوارِ » أي السفن جمع جارية « الْمُنْشَآتُ » أي المرفوعات الشرع أو المصنوعات وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير « كَالْأَعْلامِ » جمع علم وهو الجبل الطويل « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره تعالى.

« إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً » أي غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به « بِماءٍ مَعِينٍ » أي جار أو ظاهر سهل المأخذ « وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً » بخلق الأنهار والمنافع فيها.

١ ـ العلل : والعيون ، عن محمد بن عمرو بن علي البصري عن محمد بن عبد الله بن أحمد الواعظ عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام ليهم‌السلام قال : سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن المد والجزر ما هما فقال ملك (٢) موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدميه في البحر فاض وإذا أخرجهما غاض (٣).

٢ ـ العلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران عن عباية بن ربعي عن ابن عباس أنه سئل عن المد والجزر فقال إن الله عز وجل وكل ملكا بقاموس البحر فإذا وضح [ وضع ] رجليه (٤) فيه فاض وإذا أخرجهما (٥) غاض (٦).

__________________

(١) في المصدر « الغواصين » مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٠١.

(٢) في العيون : ملك من ملائكة الله عز وجل.

(٣) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤٠ والعيون : ج ١ ، ص ٢٤٢.

(٤) في المصدر : رجله.

(٥) في المصدر : اخرجها.

(٦) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤٠.


بيان : قال الجزري قاموس البحر وسطه ومعظمه ومنه حديث ابن عباس وسئل عن المد والجزر وذكر الخبر. ثم قال أي زاد ونقص وهو فاعول من القمس انتهى وأقول اختلف الحكماء في سبب المد والجزر على أقوال شتى وليس شيء منها مما يسمن أو يغني من جوع أو يروي من عطش وما ذكر في الخبر أظهرها وأصحها عقلا أيضا وقد سمعت من بعض الثقات أنه قال إني رأيت شيئا عظيما يمتد من الجو إلى البحر فيمتد ماؤه ثم إذا ذهب ذلك شرع في الجزر (١) وأما ما ذكره الحكماء في ذلك ففي رسائل إخوان الصفا أما علة هيجان البحار وارتفاع مياهها ومدودها على سواحلها وشدة تلاطم أمواجها وهبوب الرياح في وقت هيجانها إلى الجهات في أوقات مختلفة من الشتاء والصيف والربيع والخريف وأوائل الشهور وأواخرها وساعات الليل والنهار فهي من أجل أن مياهها إذا حميت من قرارها وسكنت ولطفت وتخلخلت وطلبت مكانا أوسع مما كان فيه فتدافعت بعض أجزائها بعضا إلى الجهات الخمس فوقا وشرقا وغربا وجنوبا وشمالا للاتساع فيكون في الوقت الواحد على سواحلها أمواج مختلفة في جهات مختلفة وأما علة هيجانها في وقت دون وقت فهو بحسب تشكل الفلك والكواكب ومطارح شعاعاتها على سطوح تلك البحار في الآفاق والأوتاد الأربعة واتصالات القمر بها عند حلوله في منازله الثمانية والعشرين كما هو المذكور في كتب أحكام النجوم وأما علة مدود بعض البحار في وقت طلوعات القمر ومغيبه دون غيرها من البحار فهو من أجل أن تلك البحار

__________________

(١) لو كان ما ادعى رؤيته مما يرى بالحس لرآه كل من يسكن السواحل ولتواتر نقله فافهم ، ويمكن أنه كان قد رأى شيئا من الابخرة المتصاعدة من بعيد مقارنا للمد فتوهم انه هو الذي يوجب المد والأسباب المادية لحصول الجزر والمد وسائر ما يحدث في الأرض والبحار والجو صارت اليوم ببركة العلوم التجربية من الواضحات بل تكاد تكون بديهية ولا ينافى ذلك ما ذكر في الروايات من استنادها إلى إرادة الله تعالى أو أفعال الملائكة ، فانها علل طولية تنتهى بالأخرة إلى من إليه المنتهى ، ولا يخفى ان كثيرا من الروايات الواردة في امثال هذه المعاني لم تسلم عن الدس والوضع مضافا الى المناقشة في شمول ادلة حجية الخبر الواحد لغير ما يتضمن بيان الاحكام الفرعية.


في قرارها صخور صلبة وأحجار صلدة فإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح شعاعاته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك راجعة فسخنت تلك المياه وحمت ولطفت وطلبت مكانا أوسع وارتفع إلى فوق ودفع بعضها بعضا إلى فوق وتموجت إلى سواحلها وفاضت على سطوحها ورجعت مياه تلك الأنهار التي كانت تنصب إليها إلى خلف راجعة فلا يزال ذلك دأبها ما دام القمر مرتفعا إلى وتد سمائه فإذا انتهى إلى هناك وأخذ ينحط سكن عند ذلك غليان تلك المياه وبردت وانضمت تلك الأجزاء وغلظت فرجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها فلا يزال ذلك دأبها إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي من تلك البحار ثم يبتدئ المد على عادته وهو في الأفق الشرقي فلا يزال ذلك دأبه حتى يبلغ القمر إلى وتد الأرض فينتهي المد من الرأس ثم إذا زال القمر من وتد الأرض أخذ المد راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي من الرأس فإن قيل لم لا يكون المد والجزر عند طلوعات الشمس وإشرافاتها على سطح هذه البحار فقد بينا علل ذلك في رسالة العلل والمعلولات انتهى.

وقال المسعودي في مروج الذهب المد هو مضي الماء بسجيته وسنن جريه والجزر هو رجوع الماء على ضد سنن مضيه وانعكاس ما يمضي عليه في نهجه وهما يكونان في البحر الحبشي (١) الذي هو الصيني والهندي وبحر البصرة وفارس وذلك أن البحار على ثلاثة أصناف منها ما يأتي فيه الجزر والمد ويظهر ظهورا بينا ومنها ما لا يتبين فيه الجزر والمد ويكون خفيا مستترا ومنها ما لا يجزر ولا يمد وقد تنازع الناس في علتهما فمنهم من ذهب إلى أن علة ذلك القمر لأنه مجانس للماء وهو يسخنه فيبسط وشبهوا ذلك بالنار إذا سخنت ما في القدر وأغلته وإن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين فإذا غلى الماء انبسط في القدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط

__________________

(١) في المصدر : وانكشاف ما مضى عليه في هيجه وذلك كبحر الحبش ...


البرودة أن تضغطها (١) وذلك أن قعور البحار تحمى فتتولد في أرضها (٢) عذوبة وتستحيل وتحمى كما يعرض ذلك في البلاليع والآبار فإذا حمى ذلك الماء انبسط وإذا انبسط زاد وإذا زاد دفع (٣) كل جزء منه صاحبه فطفر عن سطحه (٤) وبان عن قعره واحتاج إلى أكثر من وهدته وإن القمر إذا امتلأ أحمى الجو حميا شديدا فظهر زيادة الماء فسمي ذلك المد الشهري وقالت طائفة أخرى لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء الذي في القدر وبسطته فيطلب أوسع منه فيفيض حتى إذا خلا قعره من الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الأرض بطبعه فيرجع اضطرارا بمنزلة رجوع ما يغلي من الماء في المرجل والقمقم إذا فاض لكان بالشمس أشد سخونة ولو كانت الشمس علة مده لكان بدؤه مع بدء طلوع الشمس والجزر عند غيبوبتها وزعم هؤلاء أن علة المد والجزر الأبخرة التي تتولد في بطن الأرض فإنها لا تزال تتولد وتكثف وتكثر فتدفع حينئذ ماء هذا البحر لكثافتها فلا تزال على ذلك حتى تنقص موادها من أسفل فإذا انقطعت موادها من أسفل تراجع الماء حينئذ إلى قعور البحر وكان الجزر من أجل ذلك والمد ليلا ونهارا وشتاء وصيفا وفي غيبوبة القمر وطلوعه وفي غيبوبة الشمس وطلوعها قالوا وهذا يدرك بحس البصر (٥) لأنه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدو أول المد ولا يفنى (٦) آخر المد حتى يبدو أول الجزر لأنه لا يفتر تولد تلك البخارات حتى إذا خرجت تولد مكانها غيرها وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره تولدت تلك الأبخرة لمكان ما يتصل منها من الأرض بمائه فكلما عاد تولدت وكلما فاض تنفست (٧)

__________________

(١) في المصدر تضمها.

(٢) الأرض ( خ ).

(٣) في المصدر : وإذا زاد ارتفع فدفع.

(٤) في المصدر : فطفا على سطحه.

(٥) في المصدر : بالحس.

(٦) في المصدر : لا ينقضى.

(٧) تنقصت ( خ ).


وذهب آخرون من أهل الديانات أن كل ما لا يعلم له في الطبيعة مجرى ولا يوجد له فيها قياس فله فعل إلهي يدل على توحيد الله عز وجل وحكمته وليس للمد والجزر علة في الطبيعة البتة ولا قياس وقال آخرون ما هيجان ماء البحر إلا كهيجان بعض الطبائع فإنك ترى صاحب الصفراء وصاحب الدم وغيرهما تهتاج طبيعته وتسكن ولذلك مواد تمدها حالا بعد حال فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا حتى تعود وذهب طائفة إلى إبطال سائر ما وصفنا من القول وزعموا أن الهواء المطل على البحر يستحيل دائما فإذا استحال عظم ماء البحر وفار (١) عند ذلك فإذا فار فاض وإذا فاض فهو المد فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتفشى واستحال هواء فعاد (٢) إلى ما كان عليه وهو الجزر وهو دائم لا يفتر متصل مترادف متعاقب لأن الماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ماء وقد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر لأن القمر إذا امتلأ استحال ماء أكثر مما كان يستحيل قبل ذلك وإنما القمر علة لكثرة المد لا للمد نفسه لأنه قد يكون والقمر في محاقه والمد والجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في أغلب الأوقات وقد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر ويختلف إلى جزائره أن المد والجزر لا يكون في معظم هذا البحر إلا مرتين في السنة مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر فإذا كان ذلك طما الماء في مشارق البحر والصين وما والى ذلك الصقع ومرة يمد في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر وإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر والجزر بالصين وقد يتحرك البحر بتحريك الرياح فإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية عالية وتقل المياه في جهة (٣) البحور الشمالية وكذلك إذا كانت الشمس في الجنوب وسار (٤) الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال فسأل (٥) معه ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية

__________________

(١) في المصدر : وفاض عند ذلك ، وإذا فاض البحر فهو المد.

(٢) في المصدر : يتنفس فيستحيل هواء فيعود ...

(٣) في المصدر : البحار.

(٤ و ٥) في المصدر : سال.


قلت المياه في الجهة الجنوبية وتنقل (١) ماء البحر في هذين الميلين أعني في جهة (٢) الشمال والجنوب يسمى جزرا ومدا (٣) وذلك أن مد الجنوب جزر الشمال ومد الشمال جزر الجنوب فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلان وقوي الحر واشتد لذلك (٤) انقلاب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي فيها الشمس وهذا رأي الكندي وأحمد بن الخصيب السرخسي في ما حكي عنهما (٥) أن البحر يتحرك بتحرك الرياح (٦) انتهى.

وجملة القول فيه أن نهر البصرة والأنهار المقاربة له يمد في كل يوم وليلة مرتين ويدور ذلك في اليوم والليلة ولا يخص وقتا كطلوع الشمس وغروبها وارتفاعها وانخفاضها ويسمى ذلك بالمد اليومي ويكون المد عند زيادة نور القمر أشد ويسمى ذلك بالمد الشهري وهذا المد يمكن استناده إلى القمر لكونه تابعا له في الغالب بمعنى أنه يحصل في أيام زيادة نور القمر لكن الظاهر أنه لو كانت العلة زيادة نوره لكان هذا المد مقارنا لها أو بعدها بزمان يتم فيه فعل القمر وتأثيره في البحر والظاهر أنه ليس تابعا له بهذا المعنى وعلى تقدير صحة استناده إليه فلا ريب في بطلان ما جعله القائل الأول مناطا له من سخونة البحر بنور القمر لأنه مجانس للماء وكذا سخونة الجو به بل ربما يدعى أن نور القمر يبرد الجو والأجسام كما هو المجرب نعم ربما يجوز العقل تأثير القمر في المد لنوع من المناسبة والارتباط بين نوره وبين الماء وإن لم نعلمها بخصوصها لكن يقدح فيه ما ذكرناه من عدم انضباط المقارنة (٧) والتأخر على الوجه المذكور وأما المد اليومي فبطلان استناده إلى القمر واضح واستناده

__________________

(١) في المصدر : ينتقل.

(٢) في المصدر : جهتى.

(٣) في المصدر : ومدا شتويا.

(٤) في المصدر : واشتد لذلك سيلان الهواء فاشتد لذلك انقلاب ...

(٥) في المصدر : فى ما حكاه عنه.

(٦) مروج الذهب : ج ١ ، ص ٦٨ ـ ٧٠.

(٧) أو ( خ ).


إلى الكواكب على انفرادها أو بمشاركة القمر بعيد غاية البعد وكون الكواكب عللا له من حيث الحرارة ظاهر الفساد وما ذكره الطائفة الثانية من أنه للأبخرة الحادثة في باطن الأرض فيرد عليه أن الأبخرة الكثيرة الكثيفة التي تفور البحر مع عظمته لخروجها لو اجتمعت واحتبست في باطن الأرض ثم خرجت دفعة كما هو الظاهر من كلامه لزم انشقاق الأرض منها انشقاقا فاحشا ثم التئامها في كل يوم وليلة لعله مما لا يرتاب أحد في أنه خلاف الواقع ولا يظهر للعقل سبب لالتئام الأرض بعد الانشقاق وكون كل التئام مستندا إلى انشقاق حادث في موضع آخر من الأرض قريب من موضع الأول في غاية البعد ولو خرجت تدريجا لاستلزمت غليانا وفورانا في البحر دائما لا هذا النوع من الحركة والامتلاء وهو واضح وما ذكره الطائفة الثالثة من أنه كهيجان الطبائع فيرد عليه أنه لو كان المراد أنه والطبائع تهيج بلا سبب فباطل ولو قيل بأن ذلك مقتضى الطبيعة فذلك مما لم يقل به أحد ولو أريد أنه بسبب ولو لم يكن معلوما لنا فذلك مما لا ثمرة له إذ الكلام في خصوص السبب وما ذكره الطائفة الرابعة من أنه للانقلاب فلا يظهر له وجه ولا ينطبق على تلك الخصوصيات فالأوجه أن يقال إنها بقدرة الله وتدبيره وحكمته إما بتوسط الملك إن صح الخبر أو بما رأى المصلحة فيه من العلل والأسباب فإنه تعالى المسبب لها والمقدر لأوقاتها ولم نكلف بالخوض في عللها وإن أمكنت مدخلية بعض تلك الوجوه التي تقدم ذكرها والعالم بها هو المدبر لها ويكفينا ما ظهر لنا من منافعها وفوائدها.

١ ـ الخصال ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن هلال (١) عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه (٢) قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان فالفرات الماء في الدنيا والآخرة

__________________

(١) أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائى ضعيف جدا ، قال الشيخ في التهذيب : ان أحمد بن هلال مشهور باللعنة والغلو وروى الكشي عن ابى الحسن العسكري عليه‌السلام رواية تشتمل على لعنه والتبرى منه كقوله عليه‌السلام « ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه‌الله ومن لا يبرأ منه ».

(٢) في الخصال : عن علي عليه‌السلام.


والنيل العسل وسيحان الخمر وجيحان اللبن (١).

بيان الفرات أفضل الأنهار بحسب الأخبار وقد أوردتها في كتاب المزار والنيل بمصر معروف وسيحان وجيحان قال في النهاية هما نهران بالعواصم عند المصيصة والطرسوس وفي القاموس سيحان نهر بالشام وآخر بالبصرة وسيحون نهر بما وراء النهر ونهر بالهند وقال جيحون نهر خوارزم وجيحان نهر بالشام والروم معرب جهان انتهى وذكر المولى عبد العلي البرجندي في بعض رسائله أن نهر الفرات يخرج من جبال أرزن الروم (٢) ثم يسيل نحو المشرق إلى ملطية ثم إلى سميساط حتى ينتهي إلى الكوفة ثم تمر حتى ينصب في البطائح وقال النيل أفضل الأنهار لبعد منبعه ومروره على الأحجار والحصيات وليس فيه وحل ولا يخضر الحجر فيه كغيره ويمر من الجنوب إلى الشمال وهو سريع الجري وزيادته في أيام نقص سائر المياه ومنبعه مواضع غير معمورة في جنوب خط الإستواء ولذا لم يعلم منبعه على التحقيق ونقل عن بعض حكماء اليونان أن ماءه يجتمع من عشرة أنهار بين كل نهرين منها اثنان وعشرون فرسخا فتنصب تلك الأنهار في بحيرة ثم منها يخرج نهر مصر متوجها إلى الشمال حتى ينتهي إلى مصر فإذا جازها وبلغ شنطوف انقسم قسمين ينصبان في البحر وقال سيحان منبعه من موضع طوله ثمان وخمسون درجة وعرضه أربع وأربعون درجة ويمر في بلاد الروم من الشمال إلى الجنوب إلى بلاد أرمن ثم إلى قرب مصيصة ثم يجتمع مع جيحان وينصبان في بحر الروم فيما بين أياس وطرسوس ونهر جيحان منبعه من موضع طوله ثمان وخمسون درجة وعرضه ست وأربعون درجة وهو قريب من نهر الفرات في العظمة ويمر من الشمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم إلى أن يمر إلى شمال مصيصة وينصب في البحر انتهى.

ثم اعلم أن هذه الرواية مروية في طرق المخالفين أيضا إلا أنه ليس فيها

__________________

(١) الخصال : ١١٧.

(٢) أرزن روم ( خ ).


فالفرات إلى آخر الخبر واختلفوا في تأويله قال الطيبي في شرح المشكاة في شرح هذا الخبر سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون وهما نهران عظيمان جدا وخص الأربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها كأنها من أنهار الجنة أو يراد أنها أربعة أنهار هي أصول أنهار الجنة سماها بأسامي الأنهار العظام من أعذب أنهار الدنيا وأفيدها على التشبيه فإن ما في الدنيا من المنافع فنموذات لما في الآخرة وكذا مضارها وقال القاضي معنى كونها من أنهار الجنة أن الإيمان يعم بلادها وأن شاربيها صائرة إليها والأصح أنه على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة وفي معالم التنزيل أنزلها الله تعالى من الجنة واستودعها الجبال لقوله تعالى « فَأَسْكَنَّاهُ » أقول المشبه في الوجه الأول أنهار الدنيا ووجه الشبه العذوبة والهضم والبركة وفي الثاني أنهار الجنة ووجهه الشهرة والفائدة والعذوبة وفي الثالث وجهه المجاورة والانتفاع انتهى.

وأقول ظاهر الخبر مع التتمة التي في الخصال اشتراك الاسم وإنما سميت بأسماء أنهار الجنة لفضلها وبركتها وكثرة الانتفاع بها ويحتمل أن يكون المعنى أن أصل هذه الأنهار ومادتها من الجنة فلما صارت في الدنيا انقلبت ماء ولا ينافي ذلك معلومية منابعها إذ يمكن أن يكون أول حدوثها بسبب ماء الجنة أو يصب فيها بحيث لا نعلم أو يكون المراد بالجنة جنة الدنيا كما مر في كتاب المعاد وتجري من تحت الأرض إلى تلك المنابع ثم يظهر منها ويؤيد تلك الوجوه في الجملة ما رواه الكليني بسند كالموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يدفق في الفرات في كل يوم دفقات من الجنة (١). وبسند آخر رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : نهركم هذا يعني ماء الفرات يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة (٢). وعن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إن ملكا يهبط من السماء في كل ليلة معه ثلاثة مثاقيل مسك (٣) من مسك الجنة فيطرحها في الفرات وما من نهر في شرق الأرض ولا غربها أعظم بركة

__________________

(١ و ٢) الكافي : ٦ ، ص ٣٨٨.

(٣) في المصدر : مسكا.


منه (١). وأما التأويل بكون أهلها وشاربيها صائرين إلى الجنة فهو في خصوص الفرات ظاهر إذ أكثر القرى والبلاد الواقعة عليه وبقربه من الإمامية والمحبين لأهل البيت عليهم‌السلام كما تشهد به التجربة وقد روى الكليني بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما إخال أحدا يحنك بماء الفرات إلا أحبنا أهل البيت. وقال عليه‌السلام ما سقي أهل الكوفة ماء الفرات إلا لأمر ما وقال يصب فيه ميزابان من الجنة (٢). أقول قوله عليه‌السلام لأمر ما أي لرسوخ ولاية أهل البيت عليه‌السلام في قلوب أهلها وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : أما إن أهل الكوفة لو حنكوا أولادهم بماء الفرات لكانوا لنا شيعة (٣). وأما الأنهار الثلاثة الأخرى فلم أر لها في غير هذا الخبر فضلا بل روى الكليني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : ماء نيل مصر يميت القلب (٤)

٢ ـ الدر المنثور ، عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبرائيل فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعلها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ » (٥) فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبرئيل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى « وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ » فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة (٦).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٩.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٨.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٩.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٩١.

(٥) المؤمنون : ١٩.

(٦) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٨.


٣ ـ شرح النهج ، نهج البلاغة لابن ميثم قال لما فرغ أمير المؤمنين عليه‌السلام من حرب الجمل خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ثم قال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله تمام الرابعة وساق الخطبة كما مر في كتاب الفتن وسيأتي إلى قوله عليه السلام سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحا لمعاشكم والبحر سببا لكثرة أموالكم.

بيان قوله عليه‌السلام الماء يغدو عليكم ويروح إشارة إلى المد والجزر وقوله صلاحا لمعاشكم إلى فائدتهما إذ لو كان الماء دائما على حد النقصان ولم يصل إلى حد المد لما سقي زروعهم ونخيلهم ولو كان دائما على حد الزيادة لغرقت أراضيهم بأنهارهم وفي نقص الأنهار بعد زيادتها فائدة أخرى هي غسل الأقذار وإزالة الخبائث عن شطوطها وربما كان فيهما فوائد أخرى كتأثيرهما في حركة السفن ونحو ذلك.

٤ ـ إعلام الورى ، بإسناده عن الكليني عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن حيان السراج عن داود بن سليمان الكسائي (١) عن أبي الطفيل قال : سأل في أول خلافة عمر يهودي من أولاد هارون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أول قطرة قطرت على وجه الأرض (٢) وأول عين فاضت على وجه الأرض (٣) وأول شجر اهتز على وجه الأرض (٤) فقال عليه‌السلام يا هاروني أما أنتم فتقولون أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم صاحبه وليس كذلك ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد ابنيها وأما أنتم فتقولون أول عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وليس هو كذلك ولكنها

__________________

(١) في المصدر : الكناني.

(٢) في المصدر : أى قطرة هى؟.

(٣) في المصدر : أى عين هى؟.

(٤) في المصدر : اي شجرة هى؟.


عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح فسقط فيها فحيي وهذا الماء لا يصيب ميتا إلا حيي وأما أنتم فتقولون أول شجر اهتز على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح وليس كذلك ولكنها النخلة التي هبطت (١) من الجنة وهي العجوة ومنها تفرع كل ما ترى من أنواع النخل فقال صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجد هذا في كتب أبي هارون عليه‌السلام كتابة (٢) يده وإملاء عمي موسى عليه‌السلام (٣).

٥ ـ إكمال الدين ، عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن الحسن بن علي بن فضال عن أيمن بن محرز عن محمد بن سماعة عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله إلا أنه قال قال اليهودي أخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض وعن أول عين نبعت على وجه الأرض وعن أول حجر وضع على وجه الأرض فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام أما أول شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها الزيتونة وكذبوا وإنما هي النخلة من العجوة هبط بها آدم عليه‌السلام معه من الجنة فغرسها وأصل النخلة كله منها وأما أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها العين التي ببيت المقدس وتحت الحجر وكذبوا هي عين الحياة التي ما انتهى إليها أحد إلا حيي وكان الخضر على مقدمة ذي القرنين فطلب عين الحياة فوجدها الخضر عليه‌السلام وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين وأما أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنه الجحر الذي ببيت المقدس وكذبوا إنما هو الحجر الأسود هبط به آدم عليه‌السلام معه من الجنة فوضعه في الركن والناس يستلمونه وكان أشد بياضا من الثلج فاسود من خطايا بني آدم.

__________________

(١) في المصدر : اهبطت.

(٢) كتابته بيده ( خ ).

(٣) إعلام الورى : ٣٦٨.


أقول : الخبران طويلان أوردتهما بأسانيدهما في باب نص أمير المؤمنين عليه‌السلام على الاثني عشر عليهم‌السلام في المجلد التاسع.

كتاب الأقاليم والبلدان والأنهار للفرات فضائل كثيرة.

٦ ـ روي أن أربعة من أنهار الجنة سيحون وجيحون والنيل والفرات.

٧ ـ وعن علي عليه‌السلام قال : يا أهل الكوفة نهركم هذا ينصب إليه ميزابان من الجنة.

٨ ـ وروي عن جعفر الصادق عليه‌السلام أنه شرب من ماء الفرات ثم استزاد وحمد الله تعالى قال ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب ما انغمس فيه ذو عاهة إلا برئ.

وعن السدي أن الفرات مد في زمن عمر فألقى رمانة عظيمة منها كرمان الحب فأمر المسلمين أن يقسموها بينهم فكانوا يزعمون أنها من الجنة.

٩ ـ وقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يخرج لوجدتم من ورقها.

وقال في وصف بعض البحار نقلا عن صاحب كتاب عجائب الأخبار هذا البحر فيه طائر مكرم لأبويه فإنهما إذا كبرا وعجزا عن القيام بأمر أنفسهما يجتمع عليهما فرخان من فراخهما فيحملانهما على ظهورهما إلى مكان حصين ويبنيان لهما عشا ويتعاهدانهما الزاد والماء إلى أن يموتا فإن مات الفرخان قبلهما يأتي إليهما فرخان آخران من فراخهما ويفعلان بهما كما فعل الفرخان الأولان وهلم جرا وهذا دأبهما.

١٠ ـ قرب الإسناد ، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (١) عليهم‌السلام قال : « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » قال من ماء السماء ومن ماء البحر فإذا أمطرت ففتحت (٢) الأصداف أفواهها في البحر فيقع فيها من ماء المطر

__________________

(١) في المصدر : عن علي عليه‌السلام.

(٢) في المصدر : فتحت.


فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة (١).

١١ ـ كامل الزيارة ، عن أبيه عن الحسن بن متيل (٢) عن عمران بن موسى عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : نهران مؤمنان ونهران كافران نهران كافران نهر بلخ ودجلة والمؤمنان نيل مصر والفرات فحنكوا أولادكم بماء الفرات.

بيان قال الجزري في النهاية فيه نهران مؤمنان ونهران كافران أما المؤمنان فالنيل والفرات وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ جعلهما مؤمنين على التشبيه لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مئونة وجعل الآخرين كافرين لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمئونة وكلفة فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين وهذان في قلة النفع كالكافرين انتهى وأقول ربما يومئ التفريع بقوله فحنكوا إلى أن المراد أن للأولين مدخلا في الإيمان وللآخرين (٣) في الكفر وهو في الفرات ظاهر كما عرفت وأما في النيل فلعل شقاوة أهله لسوء تربة مصر كما ورد في الأخبار فلو جرى في غيره لم يكن كذلك ونهر بلخ هو نهر جيحون وقال البرجندي ويخرج عموده من حدود بدخشان من موضع طوله أربع وتسعون درجة وعرضه سبع وثلاثون درجة ثم يجتمع معه أنهار كثيرة ويذهب إلى جهة المغرب والشمال إلى حدود بلخ ثم يجاوزه إلى ترمد ثم يذهب إلى المغرب والجنوب إلى ولاية زم (٤) وطوله تسع وثمانون درجة وعرضه سبع وثلاثون ثم يمر إلى المغرب والشمال إلى موضع

__________________

(١) قرب الإسناد : ٨٥.

(٢) بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت على ما ضبطه العلامة في الخلاصة والإيضاح ، وحكى عن ابن داود ضم الميم وفتح التاء المشددة. قال النجاشي الحسن بن متيل وجه من وجوه أصحابنا كثير الحديث ، وصحح العلامة حديثه ، وتصحيح حديثه لا يقصر عن توثيقه.

(٣) الأخيرين ( خ ).

(٤) بفتح الزاى وتشديد الميم ، بليدة على طريق جيحون بين ترمذ وآمل ( مراصد الاطلاع ).


طوله ثمان وثمانون درجة وعرضه تسع وثلاثون ثم يمر إلى أن ينصب (١) في بحيرة خوارزم ونهر دجلة مشهور ويخرج من بلاد الروم من شمال ميارقين (٢) من تحت حصار ذي القرنين ويذهب من جهة الشمال والمغرب إلى جهة الجنوب والمشرق ويمر بمدينة آمد والموصل وسرمن رأى وبغداد ثم إلى واسط ثم ينصب في بحر فارس.

١٢ ـ العياشي ، عن إبراهيم بن أبي العلاء عن غير واحد عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لما قال الله « يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي » قالت الأرض إنما أمرت أن أبلع مائي أنا فقط ولم أومر أن أبلع ماء السماء قال فبلعت الأرض ماءها وبقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا (٣).

١٣ ـ الكافي ، عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن جبرئيل عليه‌السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ فما سقت أو سقي منها فللإمام والبحر المطيف بالدنيا.

بيان قال البرجندي نهر مهران هو نهر السند يمر أولا في ناحية ملتان ثم يميل إلى الجنوب ويمر بالمنصورة ثم يمر حتى ينصب في بحر ديبل من جانب المشرق وهو نهر عظيم وماؤه في غاية العذوبة وشبيه بنيل مصر ويكون فيه التمساح كالنيل وقيل إذا وصل إلى موضع طوله مائة وسبع درجات وعرضه ثلاث وعشرون درجة ينقسم إلى شعبتين ينصب إحداهما في بحر الهند والأخرى تمر وتنصب فيه بعد مسافة أيضا فما سقت أي بأنفسها أو سقي منها أي سقي الناس منها وهذا الخبر رواه في الفقيه بسند صحيح عن أبي البختري (٤) وزاد في آخره

__________________

(١) في أكثر النسخ : يصب.

(٢) كذا ، والظاهر أنه مصحف « ميافارقين » اسم مدينة ببلاد الروم.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٠٩.

(٤) الفقيه : ١٥٩.


وهو أفسبكون ولعله من الصدوق فصار سببا للإشكال لأن أفسبكون معرب آبسكون وهو بحر الخزر ويقال له بحر جرجان وبحر طبرستان وبحر مازندران وطوله ثمانمائة ميل وعرضه ستمائة ميل وينصب فيه أنهار كثيرة منها نهر آتل (١) وهذا البحر غير محيط بالدنيا بل محاط بالأرض من جميع الجوانب ولا يتصل بالمحيط ولعله إنما تكلف ذلك لأنه لا يحصل من المحيط شيء وهو غير مسلم وقرأ بعض الأفاضل المطيف بضم الميم وسكون الطاء وفتح الياء اسم مفعول أو اسم المكان من الطواف ولا يخفى ضعفه فإن اسم المفعول منه مطاف بالضم أو مطوف واسم المكان كالأول أو مطاف بالفتح وربما يقرأ مطيف بتشديد الياء المفتوحة وهو أيضا غير مستقيم لأنه بالمعنى المشهور واوي فالمفعول من باب التفعيل مطوف وأيضا كان ينبغي أن يقال المطيف به الدنيا نعم قال في القاموس طيف تطييفا وطوف أكثر الطواف انتهى لكن حمله على هذا أيضا يحتاج إلى تكلف شديد وما في الكافي أظهر وأصوب والمعنى أن البحر المحيط بالدنيا أيضا للإمام عليه‌السلام.

١٤ ـ نوادر الراوندي ، بإسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شر اليهود يهود بيسان وشر النصارى نصارى نجران وخير ماء نبع على وجه الأرض ماء زمزم وشر ماء نبع على وجه الأرض ماء برهوت واد بحضرموت يرد عليه هام الكفار وصداهم.

بيان في القاموس بيسان قرية بالشام وقرية بمرو وموضع باليمامة ولعل الأول هنا أظهر ونجران موضع باليمن وفي النهاية فيه لا عدوى ولا هامة الهامة الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل وقيل هي البومة وقيل إن العرب كانت تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول اسقوني اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه الصدى فنفاه الإسلام ونهاهم عنه وفي القاموس الصدى الجسد من الآدمي بعد موته و

__________________

(١) آمل ( خ ).


طائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية.

١٧ ـ كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه عن الأصبغ بن نباتة قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أول شيء ضج على الأرض قال واد باليمن هو أول واد فار منه الماء.

١٨ ـ كتاب النوادر ، لعلي بن أسباط عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده قال قال عليه‌السلام لو عدل في الفرات لسقى (١) ما على الأرض كله.

بيان يحتمل أن يكون المراد بها الأراضي التي على شطه وبالقرب منه.

١٩ ـ الدر المنثور ، عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ماء زمزم لما شرب له من شربة لمرض شفاه الله أو لجوع أشبعه الله أو لحاجة قضاها الله.

قال الحكيم الترمذي وحدثني أبي قال دخلت الطواف في ليلة ظلماء فأخذني من البول ما شغلني فجعلت أعتصر حتى آذاني وخفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك الأقذار وذلك أيام الحاج فذكرت هذا الحديث فدخلت زمزم فتبلعت منه فذهب عني إلى الصباح (٢).

٢٠ ـ ومنه ، عن ابن عباس « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » قال أرسل البحرين « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ » قال حاجز « لا يَبْغِيانِ » قال لا يختلطان.

وروي أيضا عنه قال : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » قال إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ (٣).

٢١ ـ وعن ابن جبير قال : إذا نزل القطر من السماء تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤا (٤).

٢٢ ـ وعن علي بن أبي طالب قال : المرجان عظام اللؤلؤ. وعن ابن عباس مثله (٥).

__________________

(١) لاسقى ( خ ).

(٢) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٢٢١.

(٣ _ ٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٤٢.


٢١ ـ وفي رواية أخرى عنه المرجان اللؤلؤ الصغار (١).

٢٢ ـ وعن ابن مسعود المرجان الخرز الأحمر (٢).

٢٣ ـ وعن عمير بن سعد قال : كنا مع علي على شط الفرات فمرت سفينة فقرأ هذه الآية « وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ » (٣).

٢٤ ـ مجمع البيان ، روى مقاتل عن عكرمة وعن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله تعالى أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله تعالى من عين واحدة وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم وذلك قوله « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ » (٤).

٢٥ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن أحمد عن علي بن النعمان عن صالح بن حمزة عن أبان بن مصعب عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما لكم من هذه الأنهار (٥) فتبسم وقال إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه يعني بين السماء والأرض ثم تلا هذه الآية « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » المغصوبين عليها « خالِصَةً » لهم « يَوْمَ الْقِيامَةِ » بلا غصب.

توضيح لعل التبسم لأجل من التبعيضية يخرق كينصر ويضرب أي

__________________

(١ و ٢) الدر المنثور : ج ٦ ص ١٤٢.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٤٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٠٢.

(٥) في المصدر : الأرض.


يشق ويحفر ومنهم من حمل الكلام على الاستعارة التمثيلية لبيان أن حدوث الأنهار ونحوها مستندة إلى قدرة الله تعالى ردا على الفلاسفة الذين يسندونها إلى الطبائع وفي أكثر النسخ هنا جيحان بالألف وفي بعضها بالواو وهو أصوب لما عرفت أن نهر بلخ بالواو وعلى الأول إن كان التفسير من بعض الرواة فيمكن أن يكون اشتباها منه ولو كان من الإمام عليه‌السلام وصح الضبط كان الاشتباه من اللغويين والشاش بلد بما وراء النهر كما في القاموس ونهره على ما ذكره البرجندي بقدر ثلثي الجيحون ومنبعه من بلاد الترك من موضع عرضه اثنتان وأربعون درجة وطوله إحدى وسبعون درجة ويمر إلى المغرب مائلا إلى الجنوب إلى خجند ثم إلى فاراب ثم ينصب في بحيرة خوارزم وتسميته بالخشوع غير مذكور فيما رأينا من كتب اللغة وغيرها فما سقت أي سقته من الأشجار والأراضي والزروع أو استقت أي منه أي أخذت الأنهار منه وهو بحر المطيف بالدنيا أو بحر السماء فالمقصود أن أصلها وفرعها لنا أو ضمير استقت راجع إلى ما باعتبار تأنيث معناه والتقدير استقت منها وضمير منها المقدر للأنهار فالمراد بما سقت ما جرت عليها من غير عمل وبما استقت ما شرب منها بعمل كالدولاب وشبهه ونسبة الاستسقاء (١) إليها على المجاز كذا خطر بالبال وهو أظهر وقيل ضمير استقت راجع إلى الأنهار على الإسناد المجازي لأن الاستقاء فعل لمن يخرج الماء منها بالحفر والدولاب يقال استقيت من البئر أي أخرجت الماء منها وبالجملة يعتبر في الاستقاء ما لا يعتبر في السقي من الكسب والمبالغة في الاعتمال إلا ما غصب عليه على بناء المعلوم والضمير للعدو أي غصبنا عليه أو على بناء المجهول أي إلا شيء صار مغصوبا عليه يقال غصبه على الشيء أي قهره والاستثناء منقطع إن كان اللام للاستحقاق وإن كان للانتفاع فالاستثناء متصل وذه إشارة إلى المؤنث أصلها ذي قلبت الياء هاء المغصوبين عليها الحاصل أن خالصة حال مقدرة من قبيل قولهم جاءني زيد صائدا صقره غدا قال في مجمع البيان قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا ثم يخلص الله

__________________

(١) الاستقاء ( ظ ).


الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء (١) انتهى.

ثم اعلم أنه عليه‌السلام ذكر في الأول ثمانية وإنما ذكر في التفصيل سبعة فيحتمل أن يكون ترك واحدا منها لأنه لم يكن في مقام تفصيل الجميع بل قال منها سيحان الخبر وقيل لما كان سيحان اسما لنهرين نهر بالشام ونهر بالبصرة أراد هنا كليهما من قبيل استعمال المشترك في معنييه وهو بعيد ولعله سقط واحد منها من الرواة وكأنه كان جيحان وجيحون فظن بعض النساخ والرواة زيادة أحدهما فأسقطه وحينئذ يستقيم التفسير أيضا.

فائدة قال النيسابوري في تفسير قوله تعالى « وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ » قد سلف أن الماء المحيط (٢) بأكثر جوانب القدر المعمور من الأرض فذلك هو البحر المحيط وقد دخل في ذلك الماء من جانب الجنوب متصلا بالمحيط الشرقي ومنقطعا عن الغربي إلى وسط العمارة أربعة خليجات الأول إذا ابتدأ من المغرب الخليج البربري لكونه في حدود بربر من أرض الحبشة طوله من الجنوب إلى الشمال مائة وستون فرسخا وعرضه خمسة وثلاثون فرسخا وعلى ضلعه الغربي بلاد كفار الحبشة وبعض الزنج وعلى الشرقي بلاد مسلمي الحبشة والثاني الخليج الأحمر طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا وعرضه بقرب منتهاه ستون فرسخا وبين طرفه وفسطاط مصر الذي على شرق النيل مسيرة ثلاثة أيام على البر وعلى ضلعه الغربي بعض بلاد البربر وبعض بلاد الحبشة وعلى ضلعه الشرقي سواحل عليها فرضه مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوافل مصر والحبشة إلى الحجاز ثم سواحل اليمن ثم عدن على الذؤابة الشرقية منه الثالث خليج فارس طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة وستون فرسخا وعرضه قريب من مائة وثمانين فرسخا وعلى سواحل ضلعه الغربي بلاد عمان ولهذا ينسب البحر هناك إليها وجملة ولاية الغرب وإحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم بين الضلع الغربي من هذا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤١٣.

(٢) محيط ( ظ ).


البحر والشرقي من الخليج الأحمر فلهذا سميت العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وفيها مكة زادها الله شرفا وعلى سواحل ضلعه الشرقي بلاد فارس ثم هرموز ثم مكران ثم سواحل السند الرابع الخليج الأخضر مثلث الشكل آخذ من الجنوب إلى الشمال ضلعه الشرقي بلاد فارس ثم هرموز ثم مكران متصل بالمحيط الشرقي وضلعه الغربي خمسمائة فرسخ تقريبا وعلى سواحل هذا الضلع ولايات الصين ولهذا يسمى بحر الصين ومن زاويته الغربية إلى زاوية من بحر فارس يسمى بحر الهند لكون بعض ولايتهم على سواحله وأيضا فقد دخل إلى العمارة من جانب الغرب خليج عظيم يمر من جانب الجنوب على كثير من بلاد المغرب ويحاذي أرض السودان وينتهي إلى بلاد مصر والشام ومن جانب الشمال على بلاد الروس والجلالقة والصقالبة إلى بلاد الروم والشام ويتشعب منه شعبة من شمال أرض الصقالبة إلى أرض مسلمي بلغار يسمى بحر ورنك طوله المعلوم مائة فرسخ وعرضه ثلاث وثلاثون وإذا جاوز تلك النواحي امتد نحو المشرق عما وراء جبال غير مسلوكة وأرض غير مسكونة وتتشعب (١) منه أيضا شعبة يسمى بحر طرابزون فهذه هي البحار المتصلة بالمحيط وأما غير المتصلة فأعظمها بحر طبرستان وجيلان وباب الأبواب والخزر وأبسيكون (٢) لكون هذه الولايات على سواحله مستطيل الشكل آخذ من المشرق إلى المغرب بأكثر من مائتين وخمسين فرسخا ومن الجنوب إلى الشمال بقرب من مائتين ومن عجائب البحار الحيوانات المختلفة الأعظام والأنواع والأصناف ومنها الجزائر الواقعة فيها فقد يقال في بحر الهند من الجزائر العامرة ألف وثلاثمائة وسبعون منها جزيرة عظيمة في أقصى البحر مقابل أرض الهند في ناحية المشرق وعند بلاد الصين تسمى جزيرة سرانديب (٣) دورها ثلاثة آلاف ميل فيها جبال عظيمة وأنهار كثيرة ومنها يخرج الياقوت الأحمر وحول هذه الجزيرة تسع عشرة جزيرة عامرة فيها مدائن

__________________

(١) تنشعب ( خ ) ،.

(٢) آبسكون ( خ ).

(٣) سرنديب ( خ ).


وقرى كثيرة ومن جزائر هذا البحر جزيرة كله التي يجلب منها الرصاص القلعي وجزيرة سريرة التي يجلب منها الكافور وغرائب البحر كثيرة ولهذا قيل حدث عن البحر ولا حرج وسئل بعض العقلاء ما رأيت من عجائب البحر قال سلامتي منه.

تتمة قالت الحكماء في سبب انفجار العيون من الأرض أن البخار إذا احتبس في داخل من الأرض لما فيها من ثقب وفرج يميل إلى جهة فيبرد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء بخارية فإذا كثر لوصول مدد متدافع إليه بحيث لا تسعه الأرض أوجب انشقاق الأرض وانفجرت منها العيون أما الجارية على الولاء فهي إما لدفع تاليها سابقها أو لانجذابه إليه لضرورة عدم الخلاء بأن يكون البخار الذي انقلب ماء وفاض إلى وجه الأرض ينجذب إلى مكانه ما يقوم مقامه لئلا يكون خلاء فينقلب هو أيضا ماء ويفيض وهكذا استتبع كل جزء منه جزء آخر وأما العيون الراكدة فهي حادثة من أبخرة لم تبلغ من كثرة موادها وقوتها أن يحصل منها معاونة شديدة أو يدفع اللاحق السابق وأما مياه القنى (١) والآبار فهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن يشق الأرض فإذا أزيل ثقل الأرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إليه بأدنى حركة فإن لم يجعل هناك مسيل فهو البئر وإن جعل فهو القناة ونسبة القنى إلى الآبار كنسبة العيون السيالة إلى الراكدة ويمكن أن تكون هذه المياه متولدة كما قاله أبو البركات البغدادي من أجزاء مائية متولدة من أجزاء متفرقة في ثقب أعماق الأرض ومنافذها إذا اجتمعت بل هذا أولى لكون مياه العيون والآبار والقنوات تزيد بزيادة الثلوج والأمطار قال الشيخ في النجاة وهذه الأبخرة إذا انبعثت عيونا أمدت البحار بصب الأنهار إليها ثم ارتفع من البحار والبطائح والأنهار وبطون الجبال خاصة أبخرة أخرى ثم قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور دائما.

__________________

(١) القنى والقناء ـ بكسر القاف فيهما ـ : جمع القناة ، وهي ما يحفر من الأرض ليجرى فيها الماء.


٣١

(باب)

(الأرض وكيفيتها وما أعد الله للناس فيها وجوامع أحوال)

(العناصر وما تحت الأرضين)

الآيات :

البقرة « يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (١)

الرعد « وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » (٢)

إبراهيم « اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » (٣)

الحجر « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ » (٤)

النحل « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ

__________________

(١) البقرة : ٢١ ـ ٢٢.

(٢) الرعد : ٣ ـ ٤.

(٣) إبراهيم : ٣٢ ـ ٣٤.

(٤) الحجر : ١٩ ـ ٢٠.


يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » إلى قوله تعالى « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ » (١)

الكهف « إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » (٢)

طه « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى » (٣) وقال تعالى « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » (٤)

الأنبياء « وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ » (٥)

الشعراء « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ » (٦)

وقال تعالى « أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ » (٧)

__________________

(١) النحل : ١٠ ـ ١٨.

(٢) الكهف : ٧.

(٣) طه : ٦.

(٤) طه : ٥٣ ـ ٥٥.

(٥) الأنبياء : ٣١.

(٦) الشعراء : ٧ ـ ٨.

(٧) الشعراء : ١٤٦ ـ ١٤٩.


النمل « أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » (١)

لقمان « خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » (٢)

فاطر « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ » (٣)

يس « وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » (٤)

المؤمن « اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً » (٥)

السجدة « وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (٦)

حمعسق « وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى

__________________

(١) النمل : ٦٠ ـ ٦١.

(٢) لقمان : ١٠ ـ ١١.

(٣) فاطر : ٢٧ ـ ٢٨.

(٤) يس : ٣٣ ـ ٣٦.

(٥) المؤمن : ٦٤.

(٦) فصلت : ٣٩.


جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ » (١)

الزخرف « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » (٢)

الجاثية « وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (٣)

ق « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ » (٤)

الذاريات « وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٥)

الرحمن « وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » (٦)

الحديد « اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (٧)

الطلاق « اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً » (٨)

الملك « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » (٩)

__________________

(١) الشورى : ٢٩.

(٢) الزخرف : ١٠.

(٣) الجاثية : ١٣.

(٤) ق : ٧ ـ ٨.

(٥) الذاريات : ٤٨ ـ ٤٩.

(٦) الرحمن : ١٠ ـ ١٣.

(٧) الحديد : ١٧.

(٨) الطلاق : ١٢.

(٩) الملك : ١٥.


نوح « وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً » (١)

المرسلات « أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » (٢)

النبأ « أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً » (٣)

الطارق « وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ » (٤) الغاشية « أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ » (٥)

الشمس : « وَالْأَرْضِ وَما طَحاها » (٦)

تفسير « الَّذِي خَلَقَكُمْ » قيل إنه تعالى عدد في هذا المقام عليهم خمسة دلائل اثنين من الأنفس وهما خلقهم وخلق أصولهم وثلاثة من الآفاق بجعل الأرض فراشا والسماء بناء والأمور الحاصلة من مجموعهما وهي إنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات بسببه وسبب هذا الترتيب ظاهر لأن أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه ثم مأمنه ومنشؤه وأصله ثم الأرض التي هي مكانه ومستقره يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه ثم السماء التي كالقبة المضروبة والخيمة المبنية على هذا القرار ثم ما يحصل من شبه الازدواج بين المقلة والمظلة من إنزال الماء عليها والإخراج به من بطنها أشباه النسل من الحيوان ألوان الغذاء

__________________

(١) نوح : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) المرسلات : ٢٥ ـ ٢٨.

(٣) النبأ : ٦ ـ ١٦.

(٤) الطارق : ١٢.

(٥) الغاشية : ١٧ ـ ٢٠.

(٦) الشمس : ٦.


وأنواع الثمار رزقا لبني آدم وأيضا خلق المكلفين أحياء قادرين أصل لجميع النعم وأما خلق الأرض والسماء فذلك إنما ينتفع به بشرط حصول الخلق والحياة والقدرة والشهوة وذكر الأصول مقدم على ذكر الفروع وأيضا كل ما كان في السماء والأرض من الدلائل على وجود الصانع فهو حاصل في الإنسان بزيادة الحياة والقدرة والشهوة والعقل ولما كانت وجوه الدلالة فيه أتم كان تقديمه في الذكر أهم.

والفراش اسم لما يفرش كالبساط لما يبسط وليس من ضرورات الافتراش أن يكون سطحا مستويا كالفراش على ما ظن فسواء كانت كذلك وعلى شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم جرمها وتباعد أطرافها ولكنه لا يتم الافتراش عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي وهو وسط الأفلاك لأن الأثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف بالطبع تميل إلى فوق والفوق من جميع الجوانب ما يلي السماء والتحت ما يلي المركز فكما أنه يستبعد حركة الأرض في ما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة ذلك لأن ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فإذن لا حاجة في سكون الأرض وقرارها في حيزها إلى علاقة من فوقها ولا إلى دعامة من تحتها بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها وركز فيها من الميل الطبيعي إلى الوسط الحقيقي بقدرته واختياره « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ».

ومما من الله على عباده في خلق الأرض أن لم تجعل في غاية الصلابة كالحجر ولا في غاية اللين والانغمار كالماء ليسهل النوم والمشي عليها وأمكنت الزراعة واتخاذ الأبنية منها ويتأتى حفر الآبار وإجراء الأنهار ومنها أن لم تخلق في نهاية اللطافة والشفيف لتستقر الأنوار عليها وتتسخن منها فيمكن جوازها (١).

ومنها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيها لتصلح لتعيش الحيوانات البرية عليها وسبب انكشاف ما برز منها وهو قريب من ربعها إن لم تخلق صحيحة الاستدارة بل خلقت هي والماء بمنزلة كرة واحدة يدل على ذلك في ما بين الخافقين

__________________

(١) جوارها ( خ ).


تقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقيين على طلوعها وغروبها للمغربيين وفي ما بين الشمال والجنوب ازدياد ارتفاع القطب الظاهر وانحطاط الخفي للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب وتركب الاختلافين لمن يسير على سمت بين السمتين إلى غير ذلك من الأعراض الخاصة بالاستدارة يستوي في ذلك راكب البر وراكب البحر وهذه الجبال وإن شمخت لا تخرجها عن أصل الاستدارة لأنها بمنزلة الخشونة القادحة في ملاسة الكرة لا في استدارتها.

ومنها الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية ولا يعلم تفاصيلها إلا موجدها ومنها اختلاف بقاعها في الرخاوة والصلابة والدماثة والوعورة بحسب اختلاف الحاجات والأغراض « وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ » ومنها اختلاف ألوانها « وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ » ومنها انصداعها بالنبات « وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ » ومنها جذبها للماء المنزل من السماء « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ » ومنها العيون والأنهار العظام التي فيها « وَالْأَرْضَ مَدَدْناها » ومنها أن لها طبع الكرم والسماحة تأخذ واحدة وترد سبعمائة « كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ » ومنها حياتها وموتها « وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها » ومنها الدواب المختلفة « وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » ومنها النباتات المتنوعة « وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » فاختلاف ألوانها دلالة واختلاف طعومها دلالة واختلاف روائحها دلالة فمنها قوت البشر ومنها قوت البهائم « كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ » ومنها الطعام ومنها الإدام ومنها الدواء ومنها الفواكه ومنها كسوة البشر نباتية كالقطن والكتان وحيوانية كالشعر والصوف والإبريسم والجلود ومنها الأحجار المختلفة بعضها للزينة وبعضها للأبنية فانظر إلى الحجر الذي تستخرج منه النار مع كثرته وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته وانظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير وقلة النفع بهذا الخطير ومنها ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة كالذهب والفضة.

ثم تأمل أن البشر استنبطوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة واستخرجوا


السمك من قعر البحر واستنزلوا الطير من أوج الهواء وعجزوا عن اتخاذ الذهب والفضة والسبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه الحكمة فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا ومن هاهنا اشتهر في الألسنة من طلب المال بالكيمياء أفلس.

ومنها ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار الصالحة للبناء والسقف والحطب وما اشتد إليه الحاجة في الخبز والطبخ ولعل ما تركناه من الفوائد أكثر مما عددناه فإذا تأمل العاقل في هذه الغرائب والعجائب اعترف بمدبر حكيم ومقدر عليم إن كان ممن يسمع ويبصر ويعتبر.

وأما منافع السماء فإن الله تعالى زينها بمصابيح « وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ » وبالقمر « وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً » وبالشمس « وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً » وبالعرش « رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » وبالكرسي « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » وباللوح « فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ » وبالقلم « ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ » وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا وذكر أن خلقها مشتمل على حكم بليغة وغايات صحيحة « رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا » وجعلها مصعد الأعمال ومهبط الأنوار وقبلة الدعاء ومحل الضياء والصفاء وجعل لونها أنقع الألوان وهو المستنير وشكلها أفضل الأشكال وهو المستدير ونجومها رجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وقيض للشمس طلوعا وسهل معه التقلب لقضاء الأوطار في الأطراف وغروبا يصلح معه الهدء والقرار في الأكناف لتحصيل الراحة وانبعاث القوة الهاضمة وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء وأيضا لو لا الطلوع لانجمدت المياه وغلبت البرودة والكثافة وأفضت إلى جمود الحرارة الغريزية وانكسار سورتها ولو لا الغروب لحميت الأرض حتى يحترق كل من عليها من حيوان ونبات فهي بمنزلة السراج يوضع لأهل بيت بمقدار حاجتهم ثم يرفع عنهم ليستقروا ويستريحوا فصار النور والظلمة مع تضادهما متظاهرين على ما فيه صلاح قطان الأرض.


وأما ارتفاع الشمس وانحطاطها فقد جعله الله تعالى سببا لإقامة الفصول الأربعة ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد منه مواد الثمار ويستكثف الهواء فيكثر السحاب والمطر وتقوى أبدان الحيوانات بسبب احتقان الحرارة الغريزية في البواطن وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء وينور الشجر ويهيج الحيوان للسفاد وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار وتتحلل فضول الأبدان ويجف وجه الأرض ويتهيأ للعمارة والزراعة وفي الخريف يظهر البرد واليبس فتدرك الثمار وتستعد الأبدان قليلا قليلا للشتاء.

وأما القمر فهو تلو الشمس وخليفتها وبه يعلم عدد السنين والحساب وتضبط المواقيت الشرعية ومنه يحصل النماء والرواء وقد جعل الله في طلوعه مصلحة وفي غيبته مصلحة يحكى أن أعرابيا نام عن جمله ليلا ففقده فلما طلع القمر وجده فنظر إلى القمر وقال إن الله صورك ونورك وعلى البروج دورك فإذا شاء نورك وإذا شاء كورك فلا أعلم مزيدا أسأله لك فإن أهديت إلي سرورا فقد أهدى الله إليك نورا ثم أنشأ في ذلك أبياتا.

وقال الجاحظ إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والإنسان كما لك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهيأة لمنافعه وصنوف الحيوان متصرفة في مصالحه فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل وتقدير شامل وحكمة بالغة وقدرة غير متناهية.

ثم إنهم اختلفوا في أن السماء أفضل أم الأرض قال بعضهم السماء أفضل لأنها معبد الملائكة وما فيها بقعة عصي الله فيها ولما أتى آدم بالمعصية أهبط من الجنة وقال الله لا يسكن في جواري من عصاني وقال تعالى « وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً » وقال « تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً » وورد في الأكثر ذكر السماء مقدما على ذكر الأرض والسماوات مؤثرة والأرضيات متأثرة والمؤثر أشرف من المتأثر.


وقال آخرون بل الأرض أفضل لأنه تعالى وصف بقاعا من الأرض بالبركة « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً » و « فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها » يعني أرض الشام ووصف جملة الأرض بالبركة « وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ »

فإن قيل أي بركة في المفاوز المهلكة قلت إنها مساكن الوحوش ومراعيها ومساكن الناس إذا احتاجوا إليها ومساكن خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فلهذه البركات قال « فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ » تشريفا لهم لأنهم هم المنتفعون بها كما قال « هُدىً لِلْمُتَّقِينَ » وخلق الأنبياء منها « مِنْها خَلَقْناكُمْ » وأودعهم فيها « وَفِيها نُعِيدُكُمْ » وأكرم نبيه المصطفى فجعل الأرض كلها له مسجدا وطهورا.

ومعنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيته أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها كالنطفة في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الأشياء بلا أسباب ومواد كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ولكن له في هذا التدريج والتسبيب حكما يتبصر بها من يستبصر ويتفطن لها من يعتبر.

ومن في « مِنَ الثَّمَراتِ » للتبعيض كما أنه قصد بتنكير « السَّماءَ » و « رِزْقاً » معنى البعضية فكأنه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم ويجوز أن يكون للبيان كقولك أنفقت من الدراهم ألفا والند المثل المناوي « وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » حال من ضمير « فَلا تَجْعَلُوا » ومفعول « تَعْلَمُونَ » مطروح أي حالكم أنكم من أهل العلم والنظر وأصابه الرأي فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات منفرد بوجود الذات متعال عن مشابهة المخلوقات أو منوي وهو أنها لا تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله.

« وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ » قال الرازي أي جعل الأرض (١) بذلك المقدار المعين الحاصل لا أزيد ولا أنقص والدليل عليه هو أن كون الأرض أزيد مقدارا مما هو الآن أو أنقص منه أمر جائز فاختصاصه بذلك المقدار المعين لا بد وأن يكون

__________________

(١) في المصدر : مختصة بذلك ...


بتخصيص مخصص وبتقدير مقدر وقال أبو بكر الأصم المد البسط إلى ما يدرك منتهاه أي جعل حجمها عظيما وإلا لما كمل الانتفاع بها وقال قوم كانت الأرض مدورة فمدها ودحاها من مكة من تحت البيت فذهبت كذا وكذا وهذا إنما يتم إذا كانت الأرض مسطحة لا كرة وهو خلاف ما ثبت بالدليل ومد الأرض لا ينافي كونها كرة ولأن الكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح (١).

« وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ » أي جبالا ثابتة باقية في أحيازها غير منتقلة عن أمكنتها والاستدلال بها على وجود الصانع القادر الحكيم من وجوه الأول أن طبيعة الأرض طبيعة واحدة فحصول الجبل في بعض جوانبها دون البعض لا بد وأن يكون بتخليق القادر الحكيم قال (٢) الفلاسفة هذه الجبال إنما تولدت لأن البحار كانت في هذا الجانب من العالم فكان يتولد من البحر طين لزج ثم يقوى تأثير الشمس فيها فينقلب حجرا كما نشاهد في كوز الفقاع ثم إن الماء كان يغور ويقل فيتحجر البقية فلهذا السبب تولدت هذه الجبال قالوا وإنما كانت البحار حاصلة في هذا الجانب من العالم لأن أوج الشمس وحضيضها متحركان ففي الدهر الأقدم كان حضيض الشمس في جانب الشمال والشمس متى كانت في حضيضها كانت أقرب إلى الأرض فكان التسخين أقوى وشدة السخونة توجب انجذاب الرطوبات فحين كان الحضيض في جانب الشمال كانت البحار في جانب الشمال والآن لما انتقل الأوج إلى جانب الشمال والحضيض إلى جانب الجنوب انتقلت البحار إلى جانب الجنوب فبقيت هذه الجبال في الشمال هذا حاصل كلام القوم في هذا الباب وهو ضعيف من وجوه:

الأول أن حصول الطين في البحر أمر عام فلم حصل الجبل في بعض الجوانب دون بعض (٣).

الثاني هو أنا نشاهد في بعض الجبال كأن تلك الأحجار موضوعة سافا (٤)

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ١٩ ، ص ٢ ( ملخصا ).

(٢) في المصدر : قالت.

(٣) في المصدر : البعض.

(٤) الساف والسافة ـ بالفاء : الصف من الطين واللبن.


فسافا كان البناء بناه من لبنات كثيرة موضوع بعضها على بعض ويبعد حصول مثل هذا التركيب من السبب الذي ذكروه.

الثالث أن أوج الشمس الآن قريب من أول السرطان فعلى هذا من الوقت الذي انتقل أوج الشمس إلى الجانب الشمالي مضى قريبا من تسعة آلاف سنة وبهذا التقدير إن الجبال كانت في هذه المدة الطويلة في التفتت فوجب أن لا يبقى من الأحجار شيء لكن ليس الأمر كذلك فعلمنا أن السبب الذي ذكروه ضعيف.

والوجه الثاني من الاستدلال بأحوال الجبال على وجود الصانع ذي الجلال ما يحصل فيها من معادن الفلزات السبعة ومواضع الجواهر النفيسة وقد يحصل منها معادن الزاجات والأملاح وقد تحصل معادن النفط والقير والكبريت فكون الأرض واحدة في الطبيعة وكون الجبل واحدا في الطبيعة (١) وكون تأثير الشمس واحدا في الكل يدل دلالة ظاهرة على أن الكل بتقدير قادر قاهر متعال عن مشابهة الممكنات والمحدثات.

والوجه الثالث أن بسببها تتولد الأنهار على وجه الأرض وذلك لأن الحجر جسم صلب فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك ولا يزال يتكامل الأمر (٢) فيحصل تحت الجبال مياه كثيرة ثم إنها لكثرتها وقوتها تنقب (٣) وتخرج وتسيل على وجه الأرض فمنفعة الجبال في تولد الأنهار هو من هذا الوجه ولهذا السبب في أكثر الأمر أينما ذكر الله تعالى الجبال قرن بها ذكر الأنهار مثل هذه الآية ومثل قوله « وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ».

ثم استدل سبحانه بعجائب خلقة النبات بقوله « وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » إلخ فإن الحبة إذا وقعت (٤) في أرض وأثرت فيها نداوة الأرض ربت وكبرت وبسبب

__________________

(١) في المصدر : الطبع.

(٢) في المصدر : فلا تزال تتكامل فيحصل ...

(٣) فيه : تثقب.

(٤) فيه : وضعت.


ذلك ينشق أعلاها وأسفلها فيخرج من الشق الأعلى الشجرة الصاعدة ومن الشق الأسفل العروق الغائصة في أسفل الأرض وهذا من العجائب (١) أن طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والأفلاك والكواكب فيها واحد ثم إنه خرج من الجانب الأعلى من تلك الحبة جرم صاعد إلى الهواء ومن الجانب الأسفل منه جرم غائص في الأرض ومن المحال أن يتولد من الطبيعة الواحدة طبيعتان متضادتان فعلمنا أن ذلك كان بسبب تدبير المدبر الحكيم والمقدر القديم لا بسبب الطبع والخاصية.

ثم إن الشجرة النابتة في تلك الحبة بعضها يكون خشبة وبعضها نورا وبعضها ثمرة ثم إن تلك الثمرة أيضا تحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع فالجوز له أربعة أنواع من القشور القشر الأعلى وتحته القشرة الخشبية وتحته القشرة المحيطة باللب وتحت تلك القشرة قشرة أخرى في غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا وأيضا فقد تحصل في الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالأترج قشره حار يابس ولحمه حار رطب وحماضه بارد يابس وبذره حار يابس وكذلك العنب قشره وعجمه باردان يابسان ولحمه وماؤه حار رطب (٢) فتولد هذه الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع وتأثيرات الأنجم والأفلاك لا بد وأن يكون لأجل الحكيم القديم (٣).

والمراد بزوجين اثنين صنفين اثنين والاختلاف إما من حيث الطعم كالحلو والحامض أو الطبيعة كالحار والبارد أو اللون كالأبيض والأسود وفائدة قوله اثنين بيان أن كل نوع حصل من فردين كالإنسان من آدم وحواء وهكذا.

« إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » إنما قال ذلك لأن الفلاسفة يسندون الحوادث إلى اختلاف الأشكال الكوكبية فما لم تقم الدلالة على دفع هذا السؤال لا يتم المقصود ودفعه بوجهين الأول أنه إن سلمنا جواز ذلك فلا بد من استناد

__________________

(١) فيه : لان.

(٢) في المصدر : حاران رطبان.

(٣) فيه : لاجل تدبير الحكيم القادر القديم.


الأفلاك وأوضاعها إلى واجب الوجود بالذات القادر الحكيم والثاني ما يذكر في الآيات الآتية حيث قال « وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ » الآية وتقريره من وجهين الأول أنه حصل في الأرض قطع مختلفة بالطبيعة وهي مع ذلك متجاورة فبعضها تكون سبخة وبعضها حرة وبعضها صلبة وبعضها حجرية أو رملية وبعضها طينا لزجا ثم إنها متجاورة وتأثير الشمس وسائر الكواكب في تلك القطع على السوية ودل هذا على اختلافها في صفاتها بتقدير المقدر العليم.

والثاني أن القطعة الواحدة من الأرض تسقى بماء واحد يكون تأثير الشمس فيها متشابها (١) ثم إن تلك الثمار تجيء مختلفة في الطعم واللون والطبيعة والخاصية حتى إنك قد تأخذ عنقودا من العنب وتكون جميع حباته حلوة نضيجة إلا الحبة الواحدة فإنها بقيت حامضة يابسة ونحن نعلم بالضرورة أن نسبة الطبائع والأفلاك إلى الكل على السوية بل نقول هاهنا ما يعد أعجب منه وهو أنه يوجد في بعض أنواع الورد ما يكون أحد وجهيه في غاية الحمرة والوجه الثاني في غاية السواد مع أن ذلك الورد في غاية الرقة والنعومة فيستحيل أن يقال وصل تأثير الشمس إلى أحد طرفيه دون الثاني وهذا يدل دلالة قطعية على أن الكل بتقدير الفاعل المختار لا بسبب الاتصالات الفلكية وهو المراد من قوله تعالى « يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ » فبهذا تمت الحجة فإن هذه الحوادث السفلية لا بد لها من مؤثر وبينا أن ذلك المؤثر ليس هو الكواكب والأفلاك والطبائع فعند هذا يجب القطع بأنه لا بد من فاعل مختار آخر سوى هذه الأشياء فعند هذا يتم الدليل ولا يبقى بعده للتفكر مقام فلهذا قال هاهنا « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » لأنه لا دافع لهذه الحجة إلا أن يقال إنها حدثت لا لمؤثر ولا يقوله عاقل والجنة البستان الذي يحصل فيه النخل والكرم والزرع والصنوان جمع صنو مثل قنوان وقنو والصنو أن يكون الأصل واحدا وتنبت منه النخلتان والثلاثة وأكثر فكل واحد صنو وعن ابن الأعرابي الصنو المثل أي متشابهة وغير متشابهة وعن الزجاج الأكل الثمر الذي

__________________

(١) في المصدر : متساويا.


يؤكل وعن غيره الأكل المهيأ للأكل (١).

و « اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » مبتدأ وخبر « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ » امتن على عباده بتسخير الفلك لأن انتفاع العباد يتوقف (٢) عليها لأنه تعالى خص كل طرف من أطراف الأرض بنوع آخر من النعمة حتى أن نعمة هذا الطرف إذا نقلت إلى الجانب الآخر من الأرض أو بالعكس كثر الربح في التجارات ولا يمكن هذا إلا بسفن البر وهي الجمال أو بسفن البحر وهي الفلك ونسبة التسخير إلى نفسه لأنه سبحانه خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن ولو لا خلقه الحديد وسائر الآلات ولو لا تعريفه العباد كيف يتخذونه ولو لا أنه تعالى خلق الماء على صفة السلاسة (٣) التي باعتبارها يصح جري السفينة ولو لا خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات القوية فيها ولو لا أنه وسع الأنهار وجعل لها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال وهو المدبر لهذه الأمور والمسخر لها حسنت إضافته إليه وأضاف التسخير إلى أمره لأن الملك العظيم قل ما يوصف أنه فعل وإنما يقال فيه إنه أمر بكذا تعظيما لشأنه.

« وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » لما كان ماء البحر قل ما ينتفع في الزراعات لعمقه وملوحته ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار والعيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع والنباتات وأيضا ماء البحر لا يصلح للشرب « وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ » قيل أي بلسان حالكم بحسب استعداداتكم وقابلياتكم « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » قال الرازي اعلم أن الإنسان إذا أراد أن يعرف أن الوقوف على أقسام نعم الله ممتنع فعليه أن يتأمل في شيء واحد ليعرف عجز نفسه ونحن نذكر منه مثالين :

المثال الأول أن الأطباء ذكروا أن الأعصاب قسمان منها دماغية ومنها

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ١٩ ، ص ٣ ـ ٨ ( ملخصا ونقلا بالمعنى ).

(٢) في المصدر : انما يكمل بوجود الفلك ...

(٣) في المصدر السيلان.


نخاعية أما الدماغية فإنها سبعة ثم أتعبوا أنفسهم في معرفة الحكم الناشئة من كل واحد من تلك الأرواح السبعة ثم مما لا شك فيه أن كل واحد من تلك الأرواح السبعة تنقسم إلى شعب كثيرة وكل واحد من تلك الشعب أيضا إلى شعب دقيقة أدق من الشعر ولكل واحد منها ممر إلى الأعضاء ولو أن شعبة واحدة اختلت إما بسبب الكمية والكيفية أو بسبب الوضع لاختلت مصالح البنية ثم إن تلك الشعب الدقيقة تكون كثيرة العدد جدا ولكل واحد منها حكمة مخصوصة فإذا نظر الإنسان في هذا المعنى عرف أن لله بحسب كل شظية من تلك الشظايا العصبية على العبد نعمة عظيمة لو فاتت لعظم الضرر عليه وعرف قطعا أنه لا سبيل له إلى الوقوف عليها والاطلاع على أحوالها وعند هذا يقطع بصحة قوله تعالى « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » وكما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية فاعتبر مثله في الشرايين والأوردة في كل واحد من الأعضاء البسيطة والمركبة بحسب الكمية والكيفية والوضع والفعل والانفعال وأقسام هذا الباب بحر لا يساحل وإذا اعتبرت هذا في بدن الإنسان الواحد فاعرف أقسام نعم الله تعالى في نفسه وفي روحه فإن عجائب عالم الأرواح أكثر من عجائب عالم الأجساد ثم لما اعتبرت حال الحيوان الواحد فعند ذلك اعتبر أحوال عالم الأفلاك والكواكب وطبقات العناصر وعجائب البر والبحر والنبات والحيوان وعند هذا تعرف أن عقول جميع الخلائق لو ركبت وجعلت عقلا واحدا ثم بذلك العقل يتأمل الإنسان في عجائب حكمة الله تعالى في أقل الأشياء لما أدرك منها إلا القليل فسبحانه وتقدس عن أوهام المتوهمين.

المثال الثاني أنه إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في الفم فانظر إلى ما قبلها وما بعدها أما الأمور التي قبلها إن (١) تلك اللقمة من الخبز لا تتم ولا تكمل إلا إذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه الأصوب لأن الحنطة لا بد منها وإنها لا تنبت إلا بمعونة الفصول الأربعة وتركيب الطبائع وظهور الأرياح والأمطار ولا يحصل شيء منها إلا بعد دوران الأفلاك واتصال بعض الكواكب ببعض على وجوه مخصوصة

__________________

(١) في المصدر : فاعرف أن ...


في الحركات وفي كيفيتها في الجهة وفي السرعة والبطء ثم بعد تكون الحنطة لا بد من آلات الطحن والخبز وهي لا تحصل إلا عند تولد الحديد في أرحام الجبال ثم إن الآلات الحديدية لا يمكن إصلاحها إلا بآلات أخرى حديدية سابقة عليها ولا بد من انتهائها إلى آلة حديدية هي أول هذه الآلات فتأمل أنها كيف تكونت على الأشكال المخصوصة ثم إذا حصلت تلك الآلات فانظر أنه لا بد من اجتماع العناصر الأربعة وهي الأرض والماء والهواء والنار حتى يمكن طبخ الخبز من ذلك الدقيق فهذا هو النظر في ما تقدم على هذه اللقمة.

أما النظر في ما بعد حدوثها فتأمل في تركيب بدن الحيوان وهو أنه تعالى كيف خلق هذه الأبدان حتى يمكنها الانتفاع بتلك اللقمة وأنه كيف يتضرر الحيوان في الأكل (١) وفي أي الأعضاء تحدث تلك المضار ولا يمكنك أن تعرف القليل من هذه الأشياء إلا بمعرفة علم التشريح وعلم الطب بالكلية فظهر بما ذكرنا أن الانتفاع باللقمة الواحدة لا يمكن معرفته إلا بمعرفة جملة هذه الأمور والعقول قاصرة عن إدراك ذرة من هذه المباحث فظهر بالبراهين (٢) الباهرة صحة قوله تعالى « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها » (٣) انتهى كلامه.

وأقول يمكن سلوك طريق آخر في ذلك أدق وأوسع مما ذكره بأن يقال بعد أن عرفت النعم التي على إنسان واحد كزيد مثلا من السماوات والكواكب والعرش والكرسي وجميع الأرضيات فإن لها جميعا مدخلا في وجوده وبقائه ونموه فنقول جميع هذه النعم متعلقة بعمرو أيضا لمدخليتها في وجوده وبقائه أيضا وكل هذه أيضا نعمة لزيد لتوقف وجود زيد وبقائه على وجود عمرو لكون الإنسان مدنيا بالنوع وكذا بالنسبة إلى بكر وخالد وكذا كل نعمة لله على كل حيوان من الحيوانات التي لها مدخل في نظام أحوال الإنسان فهي نعمة على زيد مرة

__________________

(١) فيه : بالاكل.

(٢) في المصدر : بهذا البرهان القاهر.

(٣) مفاتيح الغيب : ج ١٩ ، ص ١٢٩ ـ ١٣٠.


بذاته ومرة باعتبار كونها نعمة على كل واحد واحد من أفراد البشر لمدخلية وجودهم في وجوده ونظام أحواله فيضرب عدد تلك النعم في عدد الأشخاص والحيوانات مرات لا تتناهى.

ثم لما كان وجود زيد موقوفا على وجود أبويه فكل نعمة على كل من أبويه وعلى كل من كان في عصر أبويه نعمة عليه وكذا كل نعمة على والدي بكر وخالد نعمة عليه لتوقف وجوده وبقائه ونظام أحواله على وجود بكر ووجوده متوقف على وجود والديه ووجودهما وبقاؤهما وسائر أمورهما متوقفة على جميع النعم على أهل عصرهما فمن هذه الجهة أيضا جميعها نعمة عليه فيضرب جميع هذه الأعداد الغير المتناهية في جميع تلك الأعداد الغير المتناهية مرات غير متناهية ثم ننقل الكلام في كل عصر من الأعصار وآباء كل منهم إلى أن ينتهي إلى آدم وحواء عليهما‌السلام ويضرب كل من تلك المراتب في ما حصل من المراتب السابقة وهذا حساب لا يحيط به علم البشر ولو اجتمع جميع المحاسبين من الثقلين وأرادوا استيفاء حساب مرتبة من هذه المراتب لا يقدرون عليه مع أن كل قطرة من قطرات البحار وكل ذرة من ذرات الجو والأرض نعمة على كل شخص من الأشخاص فسبحان من لا يقدر على إحصاء شعبة واحدة من شعب نعمه الغير المتناهية إلا هو وله الحمد بعدد كل نعمة له علينا وعلى كل خلق من مخلوقاته.

« إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ » يظلم النعمة بإغفال شكرها أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان « كَفَّارٌ » شديد الكفران وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع.

« مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ » قيل أي بميزان الحكمة ومقدر بقدر الحاجة وذلك أن الوزن سبب معرفة المقدار فأطلق اسم السبب على المسبب وقيل أي له وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة وقيل أراد أن مقاديرها من العناصر معلومة وكذا مقدار تأثير الشمس والكواكب فيها وقيل أي متناسب محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن واللطافة يقال كلام موزون أي متناسب وفلان موزون الحركات وقيل أراد ما يوزن من نحو الذهب والفضة والنحاس وغيرها من الموزونات كأكثر الفواكه والنبات.


« وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها » أي في الأرض أو في الجبال أو في تلك الموزونات « مَعايِشَ » ما يتوصل به إلى المعيشة « وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ » عطف على محل لكم أو على معايش أي وجعلنا لكم من لستم له برازقين وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين رازقهم في الحقيقة هو الله وحده لا الآباء والسادات والمخاديم ويدخل فيه بحكم التغليب غير ذوي العقول من الأنعام والدواب والوحوش والطير كقوله « وَما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها ».

« يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ » الذي هو الغذاء الأصلي « وَالزَّيْتُونَ » الذي هو فاكهة من وجه وغذاء من وجه لكثرة ما فيه من الدهن « وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ » اللتين هما أشرف الفواكه ثم أشار إلى سائر الثمرات بقوله « وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » قال الزمخشري إنما لم يقل وكل الثمرات لأن كلها لا تكون إلا في الجنة وقيل قدم الغذاء الحيواني في قوله سبحانه « وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ » على الغذاء النباتي لأن النعمة فيه أعظم لأنه أسرع تشبها ببدن الإنسان وفي ذكر الغذاء النباتي قدم غذاء الحيوان وهو الشجر على غذاء الإنسان وهو الزرع وغيره بناء على مكارم الأخلاق وهو أن يكون اهتمام الإنسان بحال من تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه.

« وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ » أي خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك « مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ » فإن ذرء هذه الأشياء على حاله اختلاف الألوان والأشكال مع تساوي الكل في الطبيعة الجسمية وفي تأثير الفلكيات فيها آية على وجود الصانع تعالى شأنه.

« رَواسِيَ » أي جبالا ثوابت « أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ » أي كراهة أن تميد بكم وتضطرب « وَأَنْهاراً » أي وجعل فيها أنهارا لأن ألقى فيه معناه « وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » لمقاصدكم أو إلى معرفة الله « وَعَلاماتٍ » أي معالم تستدل بها السابلة من جبل ومنهل وريح ونحو ذلك « وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » بالليل في البراري والبحار « إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ » حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكرها « رَحِيمٌ » لا يقطعها لتفريطكم فيه ولا يعاجلكم


بالعقوبة على كفرانها.

« إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها » قيل ما على الأرض المواليد الثلاثة المعادن والنباتات والحيوانات وأشرفها الإنسان وقيل لا يدخل المكلف فيه لأن ما على الأرض ليس زينة لها على الحقيقة وإنما هو لأهلها لغرض الابتلاء فالذي له الزينة يكون خارجا عن الزينة « لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » في تعاطيه وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بالكفاف.

« لَهُ ما فِي السَّماواتِ » قال الرازي مالك لما في السماوات من ملك ونجم وغيرهما ومالك لما في الأرض من المعادن والفلزات ومالك لما بينهما من الهواء ومالك لما تحت الثرى فإن قيل الثرى هو السطح الأخير من العالم فلا يكون تحته شيء فكيف يكون الله تعالى مالكا له قلنا الثرى في اللغة هو التراب الندي فيحتمل أن تكون تحته شيء فهو إما الثور أو الحوت أو الصخرة أو البحر أو الهواء على اختلاف الروايات (١) انتهى.

وقال الطبرسي ره الثرى التراب الندي يعني وما وارى الثرى من كل شيء وقيل يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز والأموات (٢).

« الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً » أي كالمهد تتمهدونها « وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً » أي وحصل لكم فيها سبلا بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها « وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » أي مطرا « فَأَخْرَجْنا بِهِ » قيل عدل من لفظ الغيبة إلى التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة بمشيته « أَزْواجاً » أي أصنافا « مِنْ نَباتٍ » بيان وصفة لأزواجا وكذلك « شَتَّى » ويحتمل أن يكون صفة للنبات فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأعراض والمنافع

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٢٢ ، ص ٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢.


يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال « كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ » وهو حال من ضمير « فَأَخْرَجْنا » على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين « كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ » والمعنى معديها لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه « لِأُولِي النُّهى » أي لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية وعن الصادق عليه السلام نحن أولو النهى. وعن الباقر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خياركم أولو النهى قيل يا رسول الله ومن أولو النهى قال هم أولو الأخلاق الحسنة والأحلام الرزينة وصلة الأرحام والبررة بالأمهات والآباء والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ويصلون والناس نيام غافلون.

« مِنْها خَلَقْناكُمْ » فإن التراب أصل خلقه أول آبائكم وأول مواد أبدانكم وسيأتي وجه آخر في الخبر إن شاء الله « وَفِيها نُعِيدُكُمْ » بالموت وتفكيك الأجزاء « وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح فيها.

« وَجَعَلْنا فِيها » أي في الأرض أو في الرواسي « فِجاجاً سُبُلاً » مسالك واسعة وإنما قدم « فِجاجاً » وهو وصف له ليصير حالا يدل على أنه حين خلقها كذلك أو ليبدل منها « سُبُلاً » فيدل ضمنا على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التأكيد « لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ » إلى مصالحهم.

« أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ » أي أولم ينظروا في عجائبها « مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » أي محمود كثير المنفعة وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى قيل وهاهنا يحتمل أن تكون مقيدة لما يتضمن الدلالة على القدرة وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إلا وله فائدة إما وحده أو مع غيره وكل لإحاطة الأزواج وكم لكثرتها « إِنَّ فِي ذلِكَ » أي في إثبات (١) تلك الأصناف أو في كل واحد « لَآيَةً » على أن منبتها تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة.

__________________

(١) انبات ( ظ ).


« أَتُتْرَكُونَ » إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير بالنعمة في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم آمنين ثم فسر بقوله « فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ » أي لطيف لين للطف التمر أو لأن النخل أنثى وطلع إناث النخل ألطف وهو يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو أو متدل منكسر من كثرة الحمل « فارِهِينَ » أي حاذقين أو بطرين « حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ » أي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه ولم يقل ذوات بهجة لأنه أراد تأنيث الجماعة ولو أراد تأنيث الأعيان لقال ذوات « قَوْمٌ يَعْدِلُونَ » أي يشركون بالله غيره « قَراراً » أي مستقرا لا تميل ولا تميد بأهلها « وَجَعَلَ خِلالَها » أي في وسط الأرض وفي مسالكها ونواحيها « أَنْهاراً » جارية ينبت بها الزرع ويحيي به الخلق « وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ » أي ثوابت أثبتت بها الأرض « وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً » أي مانعا من قدرته بين العذب والمالح فلا يختلط أحدهما بالآخر « مُخْتَلِفاً أَلْوانُها » قيل أي أجناسها أو أوصافها على أن كلا منها لها أصناف مختلفة أو هيأتها من الصفرة والخضرة ونحوهما « وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ » أي ذو جدد وخطوط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره « مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها » بالشدة والضعف « وَغَرابِيبُ سُودٌ » عطف على بيض أو على جدد كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون وهو تأكيد مضمر يفسره فإن الغربيب تأكيد للأسود وحق التأكيد أن يتبع المؤكد « مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ » أي كاختلاف الثمار والجبال « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله فمن كان أعلم به كان أخشى منه « إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ » تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه.

« وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا » المراد جنس الحب « فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ » قيل قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به « مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ » أي من أنواع النخل والعنب « مِنَ الْعُيُونِ » أي شيئا من العيون ومن مزيدة عند الأخفش « مِنْ ثَمَرِهِ » أي من ثمر ما ذكر وهو الجنات وقيل الضمير لله على طريقة الالتفات و


الإضافة إليه لأن الثمر مخلوقة « وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ » عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه العصير والدبس ونحوهما وقيل ما نافية والمراد أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم « أَفَلا يَشْكُرُونَ » أمر بالشكر من حيث إنه إنكار لتركه « خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها » أي الأنواع والأصناف « مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ » من النبات والشجر « وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ » الذكر والأنثى « وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » أي وأزواجا مما لم يطلعهم الله عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته.

« تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً » أي يابسة متطأمنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل « اهْتَزَّتْ » أي تحركت بالنبات « وَرَبَتْ » أي انتفخت وارتفعت قبل أن تنبت وقيل اهتزت بالنبات وربت بكثرة ريعها « وَما بَثَ » عطف على السماوات أو الخلق « مِنْ دابَّةٍ » قيل أي من حي على إطلاق اسم السبب على المسبب أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة « إِذا يَشاءُ » أي في أي وقت يشاء « قَدِيرٌ » متمكن منه.

« وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً » بأن خلقها نافعة لكم « مِنْهُ » حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه أو لما في السماوات و « سَخَّرَ لَكُمْ » تكرير للتأكيد أو لما في الأرض « مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » أي من كل صنف حسن « لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ » أي راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه.

« وَالْأَرْضَ فَرَشْناها » أي مهدناها ليستقروا عليها « فَنِعْمَ الْماهِدُونَ » أي نحن « وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ » أي نوعين « لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » فتعلموا أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل الانقسام والتعدد

وروي عن الرضا عليه السلام في خطبة طويلة قد تقدم في كتاب التوحيد مشروحا وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحرور مؤلفا بين متعادياتها مفرقا بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها وذلك قوله « وَمِنْ كُلِ


شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »

« وَالْأَرْضَ وَضَعَها » أي حفظها مدحوة « لِلْأَنامِ » للخلق وقيل الأنام كل ذي روح « فِيها فاكِهَةٌ » أي ضروب مما يتفكه به « وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ » هي أوعية التمر جمع كم أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفرى (١) فإنه ينتفع به كالمكموم وكالجذع « وَالْحَبُ » كالحنطة والشعير سائر ما يتغذى به « ذُو الْعَصْفِ » هو ورق النبات اليابس كالتين « وَالرَّيْحانُ » يعني المشموم أو الرزق من قولهم خرجت أطلب ريحان الله وعن الرضا عليه‌السلام « وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ » قال للناس « فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ » قال يكبر ثمر النخل في القمع ثم يطلع منه قوله « وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ » قال الحب الحنطة والشعير والحبوب والعصف التين والريحان ما يؤكل منه. « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » المخاطبة للثقلين وفي الحديث أنه في الباطن مخاطبة للأولين والمعنى فبأي النعمتين تكفران بمحمد أم بعلي وفي خبر آخر بالنبي أم بالوصي.

« وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » قال الطبرسي ره وفي (٢) الأرض خلق مثلهن في العدد لا في الكيفية لأن كيفية السماء مخالفة لكيفية الأرض وليس في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع مثل السماوات إلا هذه الآية ولا خلاف في السماوات أنها سماء فوق سماء وأما الأرضون فقال قوم إنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات لأنها لو كانت مصمتة لكانت أرضا واحدة وفي كل أرض خلق خلقهم الله تعالى كيف شاء وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار وتظل جميعهن السماء والله سبحانه أعلم بصحة ما استأثر بعلمه واشتبه على خلقه. وقد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : بسط كفيه ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه الأرض الدنيا والسماء

__________________

(١) كفرى ـ بضم الاولين وفتحهما وكسرهما وتشديد الراء المفتوحة ـ ، وعاء طلع النخل.

(٢) كذا في نسخ الكتاب ، وفي المجمع ، وخلق من الأرض مثلهن ...


الدنيا عليها قبة والأرض الثانية فوق سماء (١) الدنيا السماء الثانية فوقها قبة والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة حتى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة فقال والأرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن فوق السماء السابعة وهو قوله « سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ » وإنما صاحب الأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على وجه الأرض وإنما ينزل (٢) الأمر من فوق من بين السموات والأرضين. فعلى هذا يكون المعنى تتنزل الملائكة بأوامره إلى الأنبياء وقيل معناه ينزل (٣) الأمر بين السماوات والأرضين من الله سبحانه بحياة بعض وموت بعض وسلامة حي وهلاك آخر وغنى إنسان وفقر آخر وتصريف الأمور على الحكمة (٤) انتهى.

وقال الرازي قال الكلبي خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض مثل القبة « وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » في كونها طبقات (٥) متلاصقة كما هو المشهور أن الأرض ثلاث طبقات طبقة أرضية محضة وطبقة طينية وهي غير محضة وطبقة منكشفة بعضها في البر وبعضها في البحر وهي المعمورة ولا يبعد من قوله « وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » كونها سبعة أقاليم على (٦) سبع سماوات وسبعة كواكب فيها وهي السيارة فإن لكل واحد من هذه الكواكب خواص تظهر آثار تلك الخواص في كل أقاليم الأرض فتصير سبعة بهذا الاعتبار فهذه هي الوجوه التي لا يأباها العقل وما عداها من الوجوه المنقولة من أهل التفسير فمما يأباه العقل مثل ما يقال السماوات السبع أولها موج مكفوف وثانيها سخر وثالثها حديد ورابعها نحاس وخامسها فضة وسادسها ذهب وسابعها ياقوت وقول من قال بين كل واحدة منها وبين الأخرى مائة (٧) عام وغلظ

__________________

(١) في بعض النسخ وفي المصدر : السماء.

(٢ و ٣) في المصدر : يتنزل.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣١٠.

(٥) في المصدر : طباقا.

(٦) فيه : على حسب ...

(٧) فيه : خمسمائة سنة.


كل واحد منها كذلك فذلك غير معتبر عند أهل التحقيق ويمكن أن يكون أكثر من ذلك والله أعلم بأنه ما هو وكيف هو (١) انتهى.

وأقول وقد مر بعض الوجوه في الأرضين السبع في باب الهواء.

« لِتَعْلَمُوا » علة الخلق أو يتنزل (٢) أو يعمها فإن كلا منهما يدل على كمال قدرته وعلمه.

« ذَلُولاً » قيل أي لينة فسهل (٣) لكم السلوك فيها « فَامْشُوا فِي مَناكِبِها » أي في جوانبها وجبالها وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل « وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ » أي والتمسوا من نعم الله « وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » أي المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم « بِساطاً » أي مبسوطة ليمكنكم المشي عليها والاستقرار فيها « سُبُلاً فِجاجاً » أي طرقا واسعة وقيل طرقا مختلفة عن ابن عباس وقيل سبلا في الصحاري وفجاجا في الجبال.

« كِفاتاً » قال الطبرسي ره كفت الشيء يكفته كفتا وكفاتا إذا ضمه ومنه الحديث اكفتوا صبيانك أي ضموهم إلى أنفسكم ويقال للوعاء كفت وكفيت قال أبو عبيد كفاتا أي أوعية والمعنى جعلنا الأرض كفاتا للعباد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم وتضمهم وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه نظر إلى الجبانة (٤) فقال هذه كفات الأموات ثم نظر إلى البيوت فقال هذه كفات الأحياء. وقوله « أَحْياءً وَأَمْواتاً » أي منها ما ينبت ومنها ما لا ينبت فعلى هذا يكون أحياء وأمواتا نصبا على الحال وعلى القول الأول على المفعول به « رَواسِيَ شامِخاتٍ » أي جبالا ثابتة عالية « وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً » أي

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٣٠ ، ص ٤٠.

(٢) التنزل ( ظ ).

(٣) كذا ، والأظهر « يسهل ».

(٤) الجبانة ـ بتشديد الباء الموحدة من تحت ـ : المقبرة.


وجعلنا لكم سقيا من الماء العذب عن ابن عباس « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » بهذه النعم وأنها من جهة الله (١).

« مِهاداً » أي وطاء وقرارا ومهيأ للتصرف فيه من غير أذية والمصدر بمعنى المفعول أو الحمل على المبالغة أو المعنى ذات مهاد « وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً » أي أشكالا كل واحد شكل للآخر أو ذكرانا وإناثا حتى يصح منكم التناسل ويتمتع بعضكم ببعض أو أصنافا أبيض وأسود وصغيرا وكبيرا إلى غير ذلك « وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً » أي راحة ودعة لأجسادكم أو قطعا لأعمالكم وتصرفكم أي سباتا ليس بموت على الحقيقة ولا مخرج عن الحياة والإدراك « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً » أي غطاء وسترة يستر كل شيء بظلمته وسواده « وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً » أي مطلب معاش أو وقت معاشكم « وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً » أي سبع سماوات محكمة أحكمنا صنعها وأوثقنا بناءها « وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً » يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متلألئا بالنور يستضيئون بها وقيل الوهج مجمع (٢) النور والحر « وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ » أي من الرياح ذات الأعاصير وذلك أن الريح يستدر المطر وقيل المعصرات السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولهم أحصد الزرع أي حان له أن يحصد « ماءً ثَجَّاجاً » أي منصبا بكثرة « لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً » فالحب كل ما تضمنه كمام الزرع الذي يحصد والنبات الكلأ من الحشيش والزروع ونحوها قيل حبا يأكله الناس ونباتا تنبته الأرض مما تأكله الأنعام « وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً » أي بساتين ملتفة بالشجر أو بعضها ببعض وإنما سميت جنة لأن الشجر تجنها أي تسترها.

« ذاتِ الصَّدْعِ » أي ما يتصدع عنه الأرض من النبات أو الشق بالنبات والعيون.

« أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ » خلقا دالا على كمال قدرته وحسن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤١٧ ( ملخصا ).

(٢) يجمع ( خ ).


تدبيره حيث خلقها لجر الثقال إلى البلاد النائية فجعلها عظيمة باركة للحمل ناهضة به منقادة لمن اقتادها طوال الأعنان لتنوء بالأوقار ترعى كل نابت وتحمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البراري والمفاوز مع ما لها من منافع أخر فلذا خصت بالذكر ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع وقيل المراد بها السحاب على الاستعارة « وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ » بلا عمد « وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ » فهي راسخة لا تميل « وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ » أي بسطت حتى صارت مهادا « وَما طَحاها » أي ومن طحيها أو مصدرية وطحوها تسطيحها وبسطها.

١ ـ الإحتجاج ، عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق في ما سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال النهار قبل الليل فقال نعم خلق النهار قبل الليل والشمس قبل القمر والأرض قبل السماء ووضع الأرض على الحوت والحوت في الماء والماء في صخرة مجوفة والصخرة على عاتق ملك والملك على الثرى والثرى على الريح (١) والريح على الهواء والهواء تمسكه القدرة وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شيء يتوهم ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والأرض والكرسي أكبر من كل شيء خلق (٢) ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي (٣).

٢ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن علي بن مهزيار عن علاء المكفوف عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الأرض على أي شيء هي قال [ على ] الحوت فقيل له فالحوت على أي شيء هو قال على الماء فقيل له فالماء على أي شيء هو قال على الثرى قيل له فالثرى على أي شيء هو قال عند ذلك انقضى علم العلماء (٤).

__________________

(١) في المصدر : الريح العقيم.

(٢) في المصدر : خلقه الله.

(٣) الاحتجاج : ١٩٣.

(٤) تفسير القمي : ٤١٨.


٣ ـ ومنه ، عن محمد بن أبي عبد الله عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأرض على أي شيء هي قال على الحوت قلت فالحوت على أي شيء هو قال على الماء قلت فالماء على أي شيء هو قال على الصخرة قلت فالصخرة على أي شيء هي قال على قرن ثور أملس قلت فعلى أي شيء الثور قال على الثرى قلت فعلى أي شيء الثرى فقال هيهات عند ذلك ضل علم العلماء (١).

الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله (٢)

بيان الأملس الصحيح الظهر ولعل المراد هنا أنه لم يلحقه من هذا الحمل دبر وجراحة في ظهره وفي القاموس الثرى الندى والتراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا والخير انتهى ضل علم العلماء أي غير المعصومين أو المراد بالعلماء هم والمعنى أنهم أمروا بكتمانه عن سائر الخلق فكأنه ضل علمهم عن الخلق وقد يقال المراد بالثرى هنا الخير الكامل يعني القدرة فإن استقرار جميع الأشياء على قدرة الله تعالى وقيل المراد بالثرى هنا ما هو منتهى الموجودات ولما كان تعقل النفي الصرف صعبا على الأفهام قال عند ذلك ضل علم العلماء لإلف الناس بالأبعاد القارة وجسم خلف جسم ولذا ذهب بعض المتكلمين إلى أبعاد موهومة غير متناهية وقالوا بالخلإ.

٤ ـ التفسير ، عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قلت أخبرني عن قول الله « وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ » فقال هي محبوكة إلى الأرض وشبك بين أصابعه فقلت كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول « رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها » فقال سبحان الله أليس يقول « بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها » قلت بلى فقال فثم عمد ولكن لا ترونها قلت كيف ذلك جعلني الله فداك قال فبسط

__________________

(١) تفسير القمي : ٤١٨.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٨٩.


كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه أرض الدنيا والسماء الدنيا عليها (١) فوقها قبة والأرض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة والأرض الرابعة فوق السماء الثالثة والسماء الرابعة فوقها قبة والأرض الخامسة فوق السماء الرابعة والسماء الخامسة فوقها قبة والأرض السادسة فوق السماء الخامسة والسماء السادسة فوقها قبة والأرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة وهو قول الله « الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ » فأما صاحب الأمر (٢) فهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم هو على وجه الأرض فإنما ينزل الأمر إليه من فوق السماء من بين السماوات والأرضين قلت فما تحتنا إلا أرض واحدة فقال ما تحتنا إلا أرض واحدة وإن الست لهن (٣) فوقنا (٤).

العياشي ، عن الحسين بن خالد مثله.

بيان قال الفيروزآبادي « الْحُبُكِ » الشد والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب يحبكه ويحبكه فهو حبيك ومحبوك والحبك من السماء طرائق النجوم والتحبيك التوثيق والتخطيط انتهى فالمراد بكونها محبوكة أنها متصلة بالأرض معتمدة عليها وأن كل سماء على كل أرض كالقبة الموضوعة عليها ولما كان هذا ظاهرا مخالفا للحس والعيان فيمكن تأويله بوجهين أولهما وهو أقربهما وأوفقهما للشواهد العقلية أن يكون المراد بالأرض ما سوى السماء من العناصر ويكون المراد نفي توهم أن بين السماء والأرض خلا بل هو مملو من سائر العناصر والمراد بالأرضين السبع هذه الأرض وستة من السماوات التي فوقنا فإن الأرض ما يستقر عليه

__________________

(١) كذا.

(٢) الأرض ( خ ).

(٣) في المصدر : لهى.

(٤) تفسير القمي : ٦٤٦.


الحيوانات وسائر الأشياء والسماء ما يظلهم ويكون فوقهم فسطح هذه الأرض أرض لنا والسماء الأولى سماء لنا تظلنا والسطح المحدب للسماء الأولى أرض للملائكة المستقرين عليها والسماء الثانية سماء لهم وهكذا محدب كل سماء أرض لما فوقها ومقعر السماء الذي فوقها سماء بالنسبة إليها إلى السماء السابعة فإنها سماء وليست بأرض والأرض التي نحن عليها أرض وليست بسماء والسماوات الستة الباقية كل منها سماء من جهة وأرض من جهة وثانيهما أن يكون المعنى أن السماوات سبع كرات في جوف كل سماء أرض وليست السماوات بعضها في جوف بعض كما هو المشهور بل بعضها فوق بعض معتمدا بعضها على بعض فالمراد بقوله إلى الأرض أي مع الأرض أو إلى أن ينتهي إلى هذه الأرض التي نحن عليها قوله عليه‌السلام فأما صاحب الأمر أي الذي ينزل هذا الأمر إليه.

٥ ـ العيون : والعلل ، في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الأرض مم خلق قال من زبد الماء (١).

٦ ـ العياشي ، عن الخطاب الأعور رفعه إلى أهل العلم والفقه من آل محمد عليهم السلام قال : « وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ » يعني هذه الأرض الطيبة يجاورها هذه المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم.

٧ ـ الإختصاص ، عن ابن عباس سأل ابن سلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما الستون قال الأرض لها ستون عرقا والناس خلقوا على ستين لونا (٢).

٨ ـ معاني الأخبار ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه نظر إلى المقابر فقال يا حماد هذه كفات الأموات ونظر إلى البيوت فقال هذه كفات الأحياء ثم تلا « أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً » (٣) وروي أنه دفن الشعر والظفر (٤).

__________________

(١) العيون : ج ١ ، ص ٢٤١ ، علل الشرائع : ج ٢ ، ص ٢٨٠.

(٢) الاختصاص : ٤.

(٣) المرسلات : ٢٥ ـ ٢٦.

(٤) معاني الأخبار : ٣٤٢.


بيان لعل المعنى أن دفن الشعر والظفر في الأرض لما كان مستحبا فهذا أيضا داخل في كفات الأحياء أو في كفات الأموات لعدم حلول الحياة فيهما والأول أظهر.

٩ ـ العيون ، عن المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم‌السلام ن علي بن الحسين عليهم‌السلام في قوله عز وجل « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً » (١) قال جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم ولم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ولا شديدة البرودة فتجمدكم ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ولا شديدة النتن فتعطبكم ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم (٢) وأبنيتكم وقبور (٣) موتاكم ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم وجعل فيها (٤) ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم فذلك « جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً » ثم قال « وَالسَّماءَ بِناءً » سقفا (٥) محفوظا من فوقكم يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم ثم قال عز وجل « وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » يعني المطر ينزله من على (٦) ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم ثم فرقه رذاذا ووابلا وهطلا وطلا لتنشفه أرضوكم ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم ثم قال عز وجل « فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ » يعني مما يخرجه من الأرض رزقا لكم « فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً » أي أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء « وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » أنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك وتعالى (٧).

الاحتجاج ، بالإسناد إلى أبي محمد عليه‌السلام مثله (٨)

__________________

(١) البقرة : ٢٢.

(٢) في الاحتجاج : حرثكم.

(٣) فيه : دفن موتاكم.

(٤) فيه : من اللين ما تنقاد به لحرثكم.

(٥) فيه : يعنى سقفا ...

(٦) فيه : علو.

(٧) العيون : ج ١ ، ص ١٣٧.

(٨) الاحتجاج : ٢٥٣.


تفسير الإمام ، عليه‌السلام مثله.

بيان فتصدع على بناء التفعيل من الصداع وأعطبه أهلكه والرذاذ كسحاب المطر الضعيف أو الساكن الدائم الصغار القطر كالغبار والوابل المطر الشديد الضخم والهطل المطر الضعيف الدائم والطل المطر الضعيف أو أخف المطر وأضعفه والندى أو فوقه ودون المطر كل ذلك ذكره الفيروزآبادي.

١٠ ـ التوحيد ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم وغيره عن خلف بن حماد عن الحسن بن زيد الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي عندهن فقال إذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله فقال إذا بعت فاحشي (٢) ولا تغشي فإنه أتقى وأبقى للمال فقالت ما جئت (٣) لشيء من بيعي وإنما جئتك أسألك عن عظمة الله قال جل جلاله سأحدثك عن بعض ذلك ثم قال إن هذه الأرض بمن فيها (٤) ومن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة (٥) في فلاة قي وهاتان ومن فيهما ومن عليهما عند التي تحتهما كحلقة (٦) في فلاة قي والثالثة حتى انتهى إلى السابعة ثم تلا هذه الآية « خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » والسبع (٧) ومن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة (٨) في فلاة قي والديك له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه في التخوم والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة (٩) في فلاة قي والسبع والديك والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة (١٠) في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت عند البحر المظلم كحلقة (١١) في فلاة

__________________

(١) في الكافي : فجاء.

(٢) في التوحيد والكافي : فأحسنى.

(٣) في الكافي : فقالت : يا رسول الله ما أتيت بشيء من بيعى وإنما أتيت ...

(٤) فيه : بمن عليها.

(٥) في التوحيد : كحلقة في فلاة ...

(٦) في الكافي : كحلقة ملفاة ...

(٧) في الكافي : والسبع الأرضين بمن ...

(٨ _ ١١) فيه : كحلقة ملقاة.


قي والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم عند الهواء كحلقة (١) في فلاة قي والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء عند الثرى كحلقة (٢) في فلاة قي ثم تلا هذه الآية « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى » (٣) ثم انقطع الخبر (٤) والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء الأولى كحلقة في فلاة قي وهذا والسماء (٥) الدنيا ومن فيها ومن عليها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي وهذا وهاتان السماوان عند الثالثة كحلقة في فلاة قي وهذا وهذه الثلاث عند الرابعة بمن فيهن ومن عليهن كحلقة في فلاة قي حتى انتهى إلى السابعة وهذه السبع (٦) ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي والسبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية « وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ » (٧) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد (٨) عند حجب النور كحلقة في فلاة قي وهو سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالأبصار وهذا والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي والسبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء (٩) والحجب في الكرسي كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » (١٠) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء والحجب والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي

__________________

(١ و ٢) وفيه : كحلقة ملقاة.

(٣) طه : ٦.

(٤) في الكافي : عند الثرى.

(٥) في التوحيد والكافي : سماء.

(٦) في الكافي : وهن.

(٧) النور : ٤٣.

(٨) في الكافي : وجبال البرد عند الهواء.

(٩) في الكافي : .. والهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قى ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي.

(١٠) البقرة : ٢٥٥.


ثم تلا هذه الآية « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » (١) ما تحمله الأملاك إلا بقول لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (٢).

الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان عن خلف بن حماد مثله.

بيان فإنه أتقى أي أقرب إلى التقوى وأنسب بها أو احفظ لصاحبه عن مفاسد الدنيا والآخرة وقال الجوهري الفلاة المفازة وقال القي بالكسر والتشديد فعل من القواء وهي الأرض القفر الخالية وقال التخم منتهى كل قرية أو أرض يقال فلان على تخم من الأرض والجمع تخوم قوله عليه‌السلام ثم انقطع الخبر وفي الكافي عند الثرى والمعنى أنا لم نخبر به أو لم نؤمر بالإخبار به قوله المكفوف عن أهل الأرض أي ممنوع عنهم لا ينزل منه ماء إليهم وفي الكافي بعد قوله « مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ » هكذا وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي إلى قوله وتلا هذه الآية « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى » ثم قال وفي رواية الحسن الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب أي كانت الرواية في كتاب الحسن بن محبوب هكذا موافقا لما نقله الصدوق.

ثم اعلم أن الخبر يدل على أن الأرضين طبقات بعضها فوق بعض وقد يستشكل فيما اشتمل عليه هذا الخبر من أن الأرضين السبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى عند السماء الأولى كحلقة في فلاة قي فيدل على أن جميع ذلك ليس لها قدر محسوس عند فلك القمر مع أن الأرض وحدها لها قدر محسوس

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٥٣ ، والآية في سورة طه : ٥.

(٢) التوحيد : ١٩٩.


عنده بدلالة الخسوف واختلاف المنظر وغير ذلك مما علم في الأبعاد والأجرام وقد يجاب عن ذلك بأنه لما لم يمكن أن تحمل النسب التي ذكرت بين هذه الموجودات في هذا الحديث على النسب المقدارية التي اعتبر مثلها بين الحلقة والفلاة اللتين هما المشبه بهما في جميع المراتب فإنه خلاف ما دل عليه العقول الصحيحة السليمة بعد التأمل في البراهين الهندسية والحسابية التي لا يحوم حولها الشك أصلا ولا تعتريها الشبهة قطعا فيمكن أن يأول ويحمل على أن المعنى أن نسبة الحكم والمصالح المرعية في خلق كل من تلك المراتب إلى ما روعي فيما ذكر بعده كنسبة مقدار الحلقة إلى الفلاة ليدل على أن ما يمكننا أن نشاهد أو ندرك من آثار صنعه وعجائب حكمته في الشواهد ليس له نسبة محسوسة إلى أدنى ما هو محجوب عنا فكيف إلى ما فوقه وأجاب آخرون بأن المعنى ارتفاع ثقل كل من تلك الموجودات عما اتصل به فالطبقة الأولى من الأرض رفع الله ثقلها عن الطبقة الثانية فليس ثقلها عليها إلا كثقل حلقة على فلاة سواء كانت أكبر منها حجما أو أصغر وأقول على ما احتملنا سابقا من كون جميع الأفلاك أجزاء من السماء الدنيا داخلة فيها كما هو ظاهر الآية الكريمة يمكن حمل هذا التشبيه على ظاهره من غير تأويل والله يعلم حقائق الموجودات.

١١ ـ توحيد المفضل ، قال قال الصادق عليه‌السلام فكر يا مفضل فيما خلق الله عز وجل عليه هذه الجواهر الأربعة ليتسع ما يحتاج إليه منها فمن ذلك سعة هذه الأرض وامتدادها فلو لا ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس ومزارعهم ومراعيهم ومنابت أخشابهم وأحطابهم والعقاقير العظيمة والمعادن الجسيمة غناؤها ولعل من ينكر هذه الفلوات الخالية (١) والقفار الموحشة يقول ما المنفعة فيها فهي مأوى هذه الوحوش ومحالها ومرعاها ثم فيها بعد متنفس ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم وكم بيداء وكم فدفد حالت قصورا وجنانا بانتقال الناس إليها وحلولهم فيها ولو لا سعة الأرض وفسحتها لكان الناس كمن هو في حصار ضيق لا يجد

__________________

(١) في بعض النسخ « الخاوية » والظاهر من بيان المؤلف انه كان كذلك في نسخته.


مندوحة عن وطنه إذا أحزنه (١) أمر يضطره إلى الانتقال عنه ثم فكر في خلق هذه الأرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة فيكون موطنا مستقرا للأشياء فيتمكن الناس من السعي عليها في مآربهم والجلوس عليها لراحتهم والنوم لهدوئهم والإتقان لأعمالهم فإنها لو كانت رجراجة متكفئة لم يكونوا يستطيعون أن يتقنوا البناء والتجارة والصناعة وما أشبه ذلك بل كانوا لا يتهنئون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم واعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل على قلة مكثها حتى يصيروا إلى ترك منازلهم والهرب عنها فإن قال قائل فلم صارت هذه الأرض تزلزل قيل له إن الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس ليرعوا عن المعاصي وكذلك ما ينزل بهم من البلاء في أبدانهم وأموالهم يجري في التدبير على ما فيه صلاحهم واستقامتهم ويدخر لهم إن صلحوا من الثواب والعوض في الآخرة ما لا يعدله شيء من أمور الدنيا وربما عجل ذلك في الدنيا إذا كان ذلك في الدنيا صلاحا للعامة والخاصة.

ثم إن الأرض في طباعها الذي طبعها الله عليه باردة يابسة وكذلك الحجارة وإنما الفرق بينها وبين الحجارة فضل يبس في الحجارة أفرأيت لو أن اليبس أفرط على الأرض قليلا حتى تكون حجرا صلدا أكانت تنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوان وكان يمكن بها حرث أو بناء أفلا ترى كيف نقصت عن (٢) يبس الحجارة وجعلت على ما هي عليه من اللين والرخاوة وليتهيأ للاعتماد ومن تدبير الحكيم جل وعلا في خلقه الأرض أن مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب فلم يجعل الله عز وجل كذلك إلا لتنحدر المياه على وجه الأرض فتسقيها وترويها ثم يفيض آخر ذلك إلى البحر فكما يرفع أحد جانبي السطح ويخفض (٣) الآخر لينحدر الماء عنه ولا تقوم عليه كذلك جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها ولو لا ذلك لبقي الماء متحيرا على وجه الأرض فكان يمنع الناس من أعمالها ويقطع الطرق والمسالك ثم الماء لو لا كثرته وتدفقه في العيون والأودية والأنهار لضاق عما يحتاج الناس

__________________

(١) في بعض النسخ « حزبه » والظاهر من بيان المؤلف انه موافق لنسخته.

(٢) من ( خ ).

(٣) ينخفض ( خ ).


إليه لشربهم وشرب أنعامهم ومواشيهم وسقي زروعهم وأشجارهم وأصناف غلاتهم وشرب ما يرده من الوحوش والطير والسباع وتتقلب فيه الحيتان ودواب الماء وفيه منافع أخر أنت بها عارف وعن عظم موقعها غافل فإنه سوى الأمر الجليل المعروف من غنائه في إحياء جميع ما على الأرض من الحيوان والنبات يمزج بالأشربة فتلين وتطيب لشاربها وبه تنظف الأبدان والأمتعة من الدرن الذي يغشاها وبه يبل التراب فيصلح للاعتمال وبه نكف عادية النار إذا اضطرمت وأشرف الناس على المكروه وبه يستحم المتعب الكال فيجد الراحة من أوصابه إلى أشباه هذا من المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها فإن شككت في منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار وقلت ما الإرب فيه فاعلم أنه مكتنف ومضطرب ما لا يحصى من أصناف السمك ودواب البحر ومعدن اللؤلؤ والياقوت والعنبر وأصناف شتى تستخرج من البحر وفي سواحله منابت العود اليلنجوج وضروب من الطيب والعقاقير ثم هو بعد مركب الناس ومحمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة كمثل ما يجلب من الصين إلى العراق ومن العراق إلى العراق فإن هذه التجارات لو لم يكن لها محمل إلا على الظهر لبارت (١) وبقيت في بلدانها وأيدي أهلها لأن أجر حملها كان يجاوز أثمانها فلا يتعرض أحد لحملها وكان يجتمع في ذلك أمران أحدهما فقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها والآخر انقطاع معاش من يحملها ويتعيش بفضلها وهكذا الهواء لو لا كثرته وسعته لاختنق هذا الأنام من الدخان والبخار التي يتحير فيه ويعجز عما يحول إلى السحاب والضباب أولا أولا وقد تقدم من صفته ما فيه كفاية.

والنار أيضا كذلك فإنها لو كانت مبثوثة كالنسيم والماء كانت تحرق العالم وما فيه ولم يكن بد من ظهورها في الأحايين لغنائها في كثير من المصالح فجعلت كالمخزونة في الأخشاب تلتمس عند الحاجة إليها وتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها لئلا تخبو فلا هي تمسك بالمادة والحطب فتعظم المئونة في ذلك ولا هي تظهر مبثوثة فتحرق كلما هي فيه بل هي على تهيئة وتقدير اجتمع فيها الاستمتاع بمنافعها

__________________

(١) بار السوق أو السلعة : كسدت.


والسلامة من ضررها ثم فيها خلة أخرى وهي أنها مما خص به الإنسان دون جميع الحيوان لما له فيها من المصلحة فإنه لو فقد النار لعظم ما يدخل عليه من الضرر في معاشه فأما البهائم فلا تستعمل النار ولا تستمتع بها ولما قدر الله عز وجل أن يكون هذا هكذا خلق للإنسان كفا وأصابع مهيأة لقدح النار واستعمالها ولم يعط البهائم مثل ذلك لكنها أغنيت بالصبر على الجفاء والخلل في المعاش لكيلا ينالها في فقد النار ما ينال الإنسان وأنبئك من منافع النار على خلة صغيرة عظيم موقعها وهي هذا المصباح الذي يتخذه الناس فيقضون به حوائجهم ما شاءوا من ليلهم ولو لا هذه الخلة لكان الناس تصرف أعمارهم بمنزلة من في القبور فمن كان يستطيع أن يكتب أو يحفظ أو ينسج في ظلمة الليل وكيف كانت حال من عرض له وجع في وقت من أوقات الليل فاحتاج إلى أن يعالج ضمادا أو سفوفا أو شيئا يستشفي به فأما منافعها في نضج الأطعمة ودفء [ دفاء ] الأبدان وتجفيف أشياء وتحليل أشياء وأشباه ذلك فأكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى.

تبيان (١) العقاقير أصول الأدوية والغناء بالفتح المنفعة والخاوية الخالية والفدفد الفلاة والمكان الصلب الغليظ والمرتفع والأرض المستوية والفسحة بالضم السعة ويقال لي عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح أي سعة وحزبه أمر أي أصابه والراتبة الثابتة والراكنة الساكنة وهدأ هدءا وهدوءا سكن وقوله عليه‌السلام رجراجة أي متزلزلة متحركة والتكفي الانقلاب والتمايل والتحريك والارتجاج الاضطراب والارعواء الرجوع عن الجهل والكف عن القبيح والصلد ويكسر الصلب الأملس قوله عليه‌السلام إن مهب الشمال أرفع أي بعد ما خرجت الأرض من الكروية الحقيقية صار ما يلي الشمال منها في أكثر المعمورة أرفع مما يلي الجنوب ولذا ترى أكثر الأنهار كدجلة والفرات وغيرهما تجري من الشمال إلى الجنوب ولما كان الماء الساكن في جوف الأرض تابعا للأرض في ارتفاعه وانخفاضه فلذا صارت العيون المنفجرة تجري هكذا من الشمال إلى الجنوب حتى

__________________

(١) تبيين ( خ ).


تجري على وجه الأرض ولذا حكموا بفوقية الشمال على الجنوب في حكم اجتماع البئر والبالوعة وإذا تأملت فيما ذكرنا يظهر لك ما بينه عليه‌السلام من الحكم في ذلك وأنه لا ينافي كروية الأرض والتدفق التصبب قوله عليه‌السلام فإنه سوى الأمر الجليل الضمير راجع إلى الماء وهو اسم إن ويمزج خبره أي للماء سوى النفع الجليل المعروف وهو كونه سببا لحياة كل شيء منافع أخرى منها أنه يمزج مع الأشربة وقال الجوهري الحميم الماء الحار وقد استحممت إذا اغتسلت به ثم صار كل اغتسال استحماما بأي ماء كان انتهى والوصب محركة المرض والمكتنف بفتح النون من الكنف بمعنى الحفظ والإحاطة واكتنفه أي أحاط به ويظهر منه أن نوعا من الياقوت يتكون في البحر وقيل أطلق على المرجان مجازا ويحتمل أن يكون المراد ما يستخرج منه بالغوص وإن لم يتكون فيه واليلنجوج عود البخور ومن العراق أي البصرة إلى العراق أي الكوفة أو بالعكس قوله عليه‌السلام ويعجز أي لو لا كثرة الهواء لعجز الهواء عما يستحيل الهواء إليه من السحاب والضباب التي تتكون من الهواء أولا أولا أي تدريجا أي كان الهواء لا يفي بذلك أو لا يتسع لذلك والضباب بالفتح ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان والأحايين جمع أحيان وهو جمع حين بمعنى الدهر والزمان قوله عليه‌السلام فلا هي تمسك بالمادة والحطب أي دائما بحيث إذا انطفت لم يمكن إعادتها والمادة الزيادة المتصلة والمراد هنا الدهر ومثله ودفاء الأبدان (١) بالكسر دفع البرد عنها.

١٢ ـ الدر المنثور ، سئل عن ابن عباس هل تحت الأرض خلق قال نعم ألا ترى إلى قوله تعالى « خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ » (٢).

__________________

(١) الدفاء ـ بالكسر ـ : ما يستدمأ به ( لا الاستدفاء دفع البرد ) ولم نجد في كتب اللغة شاهدا على ما ذكره ، والظاهر أنه هنا « الدفأ » كالظمأ بمعنى التسخن.

(٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٨.


١٣ ـ وعن قتادة في قوله « سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » قال في كل سماء وكل أرض خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه (١).

١٤ ـ وعن مجاهد في قوله « يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ » قال من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ملفوفة (٢).

١٥ ـ وعن الحسن في الآية قال بين كل سماء وأرض خلق وأمر (٣).

١٦ ـ وعن ابن جريح قال : بلغني أن عرض كل سماء (٤) مسيرة خمسمائة سنة وأن بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة وأخبرت أن الريح بين الأرض الثانية والثالثة والأرض السابعة فوق الثرى واسمها تخوم وأن أرواح الكفار فيها فإذا كان يوم القيامة ألقتهم إلى برهوت والثرى فوق الصخرة التي قال الله في صخرة والصخرة على الثور له قرنان وله ثلاث قوائم يبتلع ماء الأرض كلها يوم القيامة والثور على الحوت وذنب الحوت عند رأسه مستدير تحت الأرض السفلى وطرفاه منعقدان تحت العرش ويقال الأرض السفلى عمد (٥) بين قرني الثور ويقال بل على ظهره واسمها يهموت (٦) وأخبرت أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما الحوت قال على ماء أسود وما أخذ منه الحوت إلا كما أخذ حوت من حيتانكم من بحر من هذه البحار وحدثت أن إبليس يغلغل إلى الحوت فيعظم (٧) له نفسه وقال ليس خلق بأعظم منك عزا (٨) ولا أقوى منك فوجد الحوت في نفسه فتحرك

__________________

(١) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٨ ، وليس في الثاني لفظة « ملفوفة ».

(٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٨ ، وليس في الثاني لفظة « ملفوفة ».

(٣) كذا في المصدر وأكثر نسخ الكتاب ، وفي طبعة امين الضرب صحح الرواية على مثل رواية قتادة ، والظاهر أنه سهو من المصحح.

(٤) في المصدر : أرض.

(٥) في المصدر : على عمد من قرنى الثور.

(٦) في المصدر : وبعض نسخ الكتاب : بهموت.

(٧) كذا في جميع نسخ الكتاب ، وفي المصدر « تغلغل الى الحوت فعظم له نفسه » وهو الصواب.

(٨) في المصدر : غنى.


فمنه تكون الزلزلة إذا تحرك فبعث الله حوتا صغيرا فأسكنه في أذنه فإذا ذهب يتحرك تحرك الذي في أذنه فيسكن (١).

١٧ ـ وعن ابن عباس في قوله « وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى (٢).

١٨ ـ وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء والحوت على صخرة والصخرة بيد ملك والثانية مسجن الريح فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا يهلك عادا فقال يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور فقال له الجبار إذن تكفأ الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله في كتابه « ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ » والثالثة فيها حجارة جهنم والرابعة فيها كبريت جهنم فقالوا يا رسول الله أللنار كبريت قال نعم والذي نفسي بيده إن فيها لأودية من كبريت لو أرسل فيها الجبال الرواسي لماعت والخامسة فيها حيات جهنم إن أفواهها كالأودية تلسع الكافر اللسعة فلا يبقى منه لحم على وضم والسادسة فيها عقارب جهنم إن أدنى عقربة منها كالبغال المؤكفة تضرب الكافر ضربة ينسيه ضربها حر جهنم والسابعة فيها سقر وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه (٣).

١٩ ـ وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كنف الأرض مسيرة خمسمائة عام والثانية مثل ذلك وما بين كل أرض أرضين مثل ذلك (٤).

٢٠ ـ وعن ابن عباس قال : سيد السماوات السماء التي فيها العرش وسيد

__________________

(١ و ٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٨.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٨.

(٤) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٩.


الأرضين الأرض التي نحن فيها (١).

٢١ ـ وعن كعب قال : الأرضون السبع على صخرة والصخرة في كف ملك والملك على جناح الحوت والحوت في الماء (٢) على الريح والريح على الهواء ريح عقيم لا تلقح وإن قرونها معلقة بالعرش (٣).

٢٢ ـ وعن أبي مالك قال : الصخرة التي تحت الأرض منتهى الخلق على أرجائها أربعة أملاك رءوسهم تحت العرش (٤).

٢٣ ـ وعنه قال : الصخرة تحت الأرضين على حوت والسلسلة في أذن الحوت (٥).

٢٤ ـ وعن ابن عباس قال : إن أول شيء خلقه الله القلم فقال له اكتب قال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر يجري (٦) من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ثم طوى الكتاب ورفع القلم وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ثم خلق النون فبسطت عليه الأرض والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس « ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ »

٢٥ ـ وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن أول ما خلق الله القلم والحوت وقال ما أكتب قال كل شيء كائن إلى يوم القيامة ثم قرأ « ن وَالْقَلَمِ » فالنون الحوت.

٢٦ ـ وعنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النون السمكة التي عليها قرار الأرضين والقلم الذي خط به ربنا عز وجل القدر خيره وشره ونفعه وضرره « وَما يَسْطُرُونَ » قال الكرام الكاتبون (٧).

بيان : في القاموس ماع الشيء يميع جرى على وجه الأرض منبسطا في هينة

__________________

(١) الدر المنثور : ج ٦ ص ٢٣٨.

(٢) في المصدر : والماء على الريح.

(٣ _ ٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٣٩.

(٦) في المصدر : فجرى من ذلك اليوم ما ....

(٧) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٥٠.


والسمن ذاب وقال الوضم محركة ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب وحصير وقال إكاف الحمار ككتاب وغراب ووكافه برذعته وآكف الحمار إيكافا وأكفه تأكيفا شده عليه.

٢٧ ـ نوادر الراوندي ، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : أقبل رجلان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أحدهما لصاحبه اجلس على اسم الله تعالى والبركة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اجلس على استك فأقبل يضرب الأرض بعصا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تضربها فإنها أمكم وهي بكم برة.

٢٨ ـ وبهذا الإسناد ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تمسحوا بالأرض فإنها أمكم وهي بكم برة.

بيان قال في النهاية في الحديث تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة أي مشفقة عليكم كالوالدة البرة بأولادها يعني أن منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم والتمسح أراد به التيمم وقيل أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل انتهى.

وأقول يحتمل أن يراد به ما يشمل الجلوس على الأرض بغير حائل والأكل على الأرض من غير مائدة بقرينة الخبر الأول.

٢٩ ـ العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم قال : العلة في أن الأرض لا تقبل الدم أنه لما قتل قابيل أخاه هابيل غضب آدم على الأرض فلا تقبل الدم لهذه العلة.

٣٠ ـ العلل ، عن علي بن أحمد الدقاق عن الكليني عن علان بإسناده رفعه قال : أتى علي بن أبي طالب يهودي فسأله عن مسائل فكان فيما سأله أخبرني عن قرار هذه الأرض على ما هو فقال عليه‌السلام قرار هذه الأرض لا يكون إلا على عاتق ملك وقدما ذلك الملك على صخرة والصخرة على قرن ثور والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الأسفل واليم على الظلمة والظلمة على العقيم والعقيم على الثرى وما يعلم تحت الثرى إلا الله عز وجل الخبر (١).

__________________

(١) علل الشرائع : ج ١ ، ص ١ ـ ٢ ( مع تقطيع ).


٣١ ـ النهج ، نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة التوحيد لا يجري عليه السكون والحركة وكيف يجري عليه ما هو أجراه ويعود فيه ما هو أبداه ويحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الأزل معناه ولكان له وراء إذ وجد له أمام ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان (١).

بيان قال بعض شراح النهج في قوله عليه‌السلام ولتجزأ كنهه إشارة إلى نفي الجوهر الفرد وقال قوله عليه‌السلام ولكان له وراء إذ كان له أمام يؤكد ذلك لأن من أثبته يقول يصح أن تحله الحركة ولا يكون أحد وجهيه غير الآخر.

فائدة

اعلم أن الطبيعيين والرياضيين اتفقوا على أن الأرض كروية بحسب الحس وكذا الماء المحيط بها وصارا بمنزلة كرة واحدة فالماء ليس بتام الاستدارة بل هو على هيئة كرة مجوفة قطع بعض منها وملئت الأرض على وجه صارت الأرض مع الماء بمنزلة كرة واحدة ومع ذلك ليس شيء من سطحيه صحيح الاستدارة أما المحدب فلما فيه من الأمواج وأما المقعر فللتضاريس فيه من الأرض وقد أخرج الله تعالى قريبا من الربع من الأرض من الماء بمحض عنايته الكاملة أو لبعض الأسباب المتقدمة لتكون مسكنا للحيوانات المتنفسة وغيرها من المركبات المحوجة إلى غلبة العنصر اليابس الصلب لحفظ الصور والأشكال وربط الأعضاء والأوصال ومما يدل على كروية الأرض ما أومأنا إليه سابقا من طلوع الكواكب وغروبها في البقاع الشرقية قبل طلوعها وغروبها في الغربية بقدر ما تقتضيه أبعاد تلك البقاع في الجهتين على ما علم من إرصاد كسوفات بعينها لا سيما القمرية في بقاع مختلفة فإن ذلك ليس في ساعات متساوية البعد من نصف النهار على الوجه المذكور وكون الاختلاف متقدرا بقدر الأبعاد دليل على الاستدارة المتشابهة السائرة بحدبتها المواضع التي يتلو بعضها بعضا على قياس واحد بين الخافقين وازدياد ارتفاع القطب والكواكب الشمالية وانحطاط الجنوبية للسائرين

__________________

(١) نهج البلاغة : ج ١ ، ص ٣٥٦.


إلى الشمال وبالعكس للسائرين إلى الجنوب بحسب سيرهما دليل على استدارتها بين الجنوب والشمال وتركب الاختلافين يعطي الاستدارة في جميع الامتدادات ويؤيده مشاهدة استدارة أطراف المنكسف من القمر الدالة على أن الفصل المشترك بين المستضيء من الأرض وما ينبعث منه الظل دائرة وكذلك اختلاف ساعات النهر (١) الطوال والقصار في مساكن متفقه الطول إلى غير ذلك ولو كانت أسطوانية قاعدتاها نحو القطبين لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدى الظهور بل إما الجميع طالعة غاربة أو كانت كواكب يكون من كل واحد من القطبين على بعد تستره القاعدتان أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة وليس كذلك وأيضا فالسائر إلى الشمال قد يغيب عنه دائما كواكب كانت تظهر له وتظهر له كواكب كانت تغيب عنه بقدر إمعانه في السير وذلك يدل على استدارتها في هاتين الجهتين أيضا ومما يدل على استدارة سطح الماء الواقف طلوع رءوس الجبال الشامخة على السائرين في البحر أولا ثم ما يلي رءوسها شيئا بعد شيء في جميع الجهات وقالوا التضاريس التي على وجه الأرض من جهة الجبال والأغوار لا تقدح في كرويتها الحسية إذ ارتفاع أعظم الجبال وأرفعها على ما وجدوه فرسخان وثلث فرسخ ونسبتها إلى جرم الأرض كنسبة جرم سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بل أقل من ذلك ويظهر من كلام أكثر المتأخرين أن عدم قدح تلك الأمور في كرويتها الحسية معناه أنها لا تخل بشكل جملتها كالبيضة ألزقت بها حبات شعير لم يقدح ذلك في شكل جملتها واعترض عليه بأن كون الأرض أو البيضة حينئذ على الشكل الكروي أو البيضي عند الحس ممنوع وكيف يمكن دعوى ذلك مع ما يرى على كل منهما ما يخرج به الشكل مما اعتبروا فيه وعرفوه به وربما يوجه بوجه آخر وهو أن الجبال والوهاد الواقعة على سطح الأرض غير محسوسة عادة عند الإحساس بجملة كرة الأرض على ما هي عليه في الواقع بيانه أن رؤية الأشياء تختلف بالقرب والبعد فيرى القريب أعظم مما هو الواقع والبعيد أصغر منه وهو ظاهر وقد أطبق القائلون بالانطباع وبخروج الشعاع كلهم على أن هذا الاختلاف

__________________

(١) النهر ـ بضمتين ـ : جمع النهار.


في رؤية المرئي بسبب القرب والبعد إنما هو تابع لاختلاف الزاوية الحاصلة عند مركز الجليدية في رأس المخروط الشعاعي بحسب التوهم أو بحسب الواقع عند انطباق قاعدته على سطح المرئي فكلما قرب المرئي عظمت تلك الزاوية وكلما بعد صغرت وقد تقرر أيضا بين محققيهم أن رؤية الشيء على ما هو عليه إنما هو (١) في حالة يكون البعد بين الرائي والمرئي على قدر يقتضي أن تكون الزاوية المذكورة قائمة فبناء على ذلك إذا فرضت الزاوية المذكورة بالنسبة إلى مرئي قائمة يجب أن يكون البعد بين رأس المخروط وقاعدته المحيطة بالمرئي بقدر نصف قطر قاعدته على ما تقرر في الأصول فلما كان قطر الأرض أزيد من ألفي فرسخ بلا شبهة لا تكون مرئية على ما هي عليه من دون ألف فرسخ ومعلوم أن الجبال والوهاد المذكورة غير محسوسة عادة عند هذا البعد من المسافة فلا يكون لها قدر محسوس عند الأرض بالمعنى الذي مهدنا.

ثم إنهم استعلموا بزعمهم مساحة الأرض وأجزاءها ودوائرها في زمان المأمون وقبله فوجدوا مقدار محيط الدائرة العظمى من الأرض ثمانية آلاف فرسخ وقصرها ألفين وخمسمائة وخمسة وأربعين فرسخا ونصف فرسخ تقريبا ومضروب القطر في المحيط مساحة سطح الأرض وهي عشرون ألف ألف وثلاثمائة وستون ألف فرسخ وربع ذلك مساحة الربع المسكون من الأرض وأما القدر المعمور من الربع المسكون وهو ما بين خط الاستواء والموضع الذي عرضه بقدر تمام الميل الكلي فمساحته ثلاثة آلاف ألف وسبعمائة وخمسة وستين ألفا وأربعمائة وعشرين فرسخا وهو قريب من سدس سطح جميع الأرض وسدس عشره والفرسخ ثلاثة أميال بالاتفاق وكل ميل أربعة آلاف ذراع عند المحدثين وثلاثة آلاف عند القدماء وكل ذراع أربع وعشرون إصبعا عند المحدثين واثنان وثلاثون عند القدماء وكل إصبع بالاتفاق مقدار ست شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور بعض من الشعيرات المعتدلة.

وذكروا أن للأرض ثلاث طبقات الأولى الأرض الصرفة المحيط بالمركز

__________________

(١) هى ( خ ).


الثانية الطبقة الطينية وهي المجاورة للماء الثالثة الطبقة المنكشفة من الماء وهي التي تحتبس فيها الأبخرة والأدخنة وتتولد منها المعادن والنباتات والحيوانات وزعموا أن البسائط كلها شفافة لا تحجب عن أبصار ما وراءها ما عدا الكواكب وأن الأرض الصرفة المتجاورة (١) للمركز أيضا شفافة والطبقتان الأخريان ليستا بسيطتين فهما كثيفتان فالأرض جعل الله الطبقة الظاهرة منها ملونة كثيفة غبراء لتقبل الضياء وخلق ما فوقها من العناصر مشفة لطيفة بالطباع لينفذ فيها ويصل إلى غيرها ساطع الشعاع فإن الكواكب وسيما الشمس والقمر أكثر تأثيراتها في العوالم السفلى بوسيلة أشعتها المستقيمة والمنعطفة والمنعكسة بإذن الله تعالى وقالوا الأرض في وسط السماء كالمركز في الكرة فينطبق مركز حجمها على مركز العالم وذلك لتساوي ارتفاع الكواكب وانحطاطها مدة ظهورها وظهور النصف من الفلك دائما وتطابق أظلال الشمس في وقتي طلوعها وغروبها عند كونها على المدار الذي يتساوى فيه زمان ظهورها وخفائها على خط مستقيم أو عند كونها في جزءين متقابلين من الدائرة التي يقطعها بسيرها الخاص بها وانخساف القمر في مقاطراته (٢) الحقيقية للشمس فإن الأول يمنع ميلها إلى أحد الخافقين والثاني إلى أحد السمتين الرأس والقدم والثالث إلى أحد القطبين والرابع إلى شيء منها أو من غيرها من الجهات كما لا يخفى وكما أن مركز حجمها منطبق على مركز العالم فكذا مركز ثقلها وذلك لأن الثقال تميل بطبعها إلى الوسط كما دلت عليه التجربة فهي إذن لا تتحرك عن الوسط بل هي ساكنة فيه متدافعة بأجزائها من جميع الجوانب إلى المركز تدافعا متساويا فلا محالة ينطبق مركز ثقلها الحقيقي المتحد بمركز حجمها التقريبي على مركز العالم ومستقرها عند وسط العالم لتكافؤ القوى بلا تزلزل واضطراب يحدث فيها لثباتها بالسبب المذكور ولكون الأثقال المنتقلة من جانب منها إلى الآخر في غاية الصغر بالقياس إليها لا يوجب انتقال مركز ثقلها من نقطة إلى أخرى بحركة شيء منها وكذا الأجزاء

__________________

(١) المجاورة ( خ ).

(٢) المقاطرة : مقابلة القطرين.


المباينة لها تهوي إليها وهي تقبلها من جميع نواحيها من دون اضطراب هذا ما ذكروه في هذا المقام ولا نعرف من ذلك إلا كون الجميع بقدرة القادر العليم وإرادة المدبر الحكيم كما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

وقال الشيخ المفيد قدس‌سره في كتاب المقالات أقول إن العالم هو السماء والأرض وما بينهما وفيهما من الجواهر والأعراض ولست أعرف بين أهل التوحيد خلافا في ذلك أقول لعل مراده قدس‌سره بالسماوات ما يشمل العرش والكرسي والحجب وغرضه نفي الجواهر المجردة التي تقول بها الحكماء ثم قال رحمه‌الله وأقول إن الفلك هو المحيط بالأرض الدائر عليها وفيه الشمس والقمر وسائر النجوم والأرض في وسطه بمنزلة النقطة في وسط الدائرة وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة كثيرة من أهل التوحيد ومذهب أكثر القدماء والمنجمين وقد خالف فيه جماعة من بصرية المعتزلة وغيرهم من أهل النحل وأقول إن المتحرك من الفلك إنما يتحرك حركة دورية كما يتحرك الدائر على الكرة وإلى هذا ذهب البلخي وجماعة من أهل التوحيد والأرض على هيئة الكرة في وسط الفلك وهي ساكنة لا تتحرك وعلة سكونها أنها في المركز وهو مذهب أبي القاسم وأكثر القدماء والمنجمين وقد خالف فيه الجبائي وابنه وجماعة غيرهما من أهل الآراء والمذاهب من المقلدة والمتكلمين ثم قال وأقول إن العالم مملوءة من الجواهر وإنه لا خلا فيه ولو كان فيه خلا لما صح فرق بين المجتمع والمتفرق من الجواهر والأجسام وهو مذهب أبي القاسم خاصة من البغداديين ومذهب أكثر القدماء من المتكلمين وخالف فيه الجبائي وابنه وجماعة متكلمي أهل الحشو والجبر والتشبيه ثم قال وأقول إن المكان هو ما أحاط بالشيء من جميع جهاته ولا يصح تحرك الجواهر إلا في الأماكن والوقت هو ما جعله الموقت وقتا للشيء وليس بحادث مخصوص والزمان اسم يقع على حركات الفلك فلذلك لم يكن الفعل محتاجا في وجوده إلى وقت ولا زمان وعلى هذا القول سائر الموحدين.

وسئل السيد المرتضى رحمه‌الله الفراغ له نهاية والقديم تعالى يعلم


منتهى نهايته وهذا الفراغ أي شيء هو وكذلك الطبقة الثامنة من الأرض والثامنة من السماء نقطع أن هناك فراغا أم لا فإن قلت لا طالبتك بما وراء الملإ القديم تعالى يعلم أن هناك نهاية فإن قلت نعم طالبتك أي شيء وراء النهاية.

فأجاب رحمه‌الله أن الفراغ لا يوصف بأنه منته ولا أنه غير منته على وجه الحقيقة وإنما يوصف بذلك مجازا واتساعا وأما قوله وهذا الفراغ أي شيء هو فقد علمنا (١) أنه لا جوهر ولا عرض ولا قديم ولا محدث ولا هو ذات ولا هو معلوم كالمعلومات وأما الطبقة الثامنة من الأرض فما نعرفها والذي نطق به القرآن « سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » فأما غير ذلك فلا سبيل للقطع به من عقل ولا شرع انتهى.

وأقول بسط الكلام في هذه الأمور خروج عن مقصود الكتاب ومحله علم الكلام.

٣٢

(باب آخر)

(في قسمة الأرض إلى الأقاليم وذكر جبل قاف وسائر الجبال)

(وكيفية خلقها وسبب الزلزلة وعلتها)

الآيات :

النحل « وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ » (٢).

الكهف « حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً » إلى قوله « وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا » (٣).

الأنبياء « وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ

__________________

(١) قلنا ( خ ).

(٢) النحل : ١٥.

(٣) الكهف : ٩٣ ـ ٩٨.


يَهْتَدُونَ » (١) وقال تعالى « حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ » (٢).

لقمان « وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ » (٣).

فاطر « وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ » (٤).

ص « إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ » (٥).

ق ٧ « وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ » (٦).

الطور « وَ » « الطُّورِ » (٧) وقال تعالى « وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً » (٨).

المرسلات « وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ » (٩).

النبأ « أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً » (١٠).

الغاشية « وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ » (١١).

التين « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ » (١٢).

تفسير « أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ » قال المبرد أي منع الأرض أن تميد وقيل لئلا تميد وقيل أي كراهة أن تميد وقال بعض المفسرين الميد الاضطراب في الجهات الثلاث وقيل إن الأرض كانت تميد وترجف رجوف السقف بالوطء فثقلها الله بالجبال الرواسي ليمنع من رجوفها ورووا عن ابن عباس أنه قال إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة فأرساها الله تعالى بالجبال ثم إنهم

__________________

(١) الأنبياء : ٣١.

(٢) الأنبياء : ٩٥.

(٣) لقمان : ١٠.

(٤) فاطر : ٢٧.

(٥) ص : ١٨.

(٦) ق : ٧.

(٧) الطور : ١.

(٨) الطور : ١٠.

(٩) المرسلات : ٢٧.

(١٠) النبأ : ٦.

(١١) الغاشية : ١٩.

(١٢) التين : ١ ـ ٢.


اختلفوا في أنه لما صارت الجبال سببا لسكون الأرض على أقوال وذكروا لذلك وجوها ولنذكر بعضها.

الأول ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره أن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميل (١) من جانب إلى جانب وتضطرب فإذا وقعت الأجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء فكذلك لما خلق الله تعالى الأرض على وجه الماء اضطربت ومادت فخلق الله تعالى عليها هذه الجبال ووتدها بها فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال ثم قال لقائل أن يقول هذا يشكل من وجوه :

الأول أن هذا المعلل إما أن يقول بأن حركات الأجسام بطباعها أو يقول ليست بطباعها بل هي واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها فعلى التقدير الأول نقول لا شك أن الأرض أثقل من الماء والأثقل يغوص في الماء ولا يبقى طافيا عليه فامتنع أن يقال إنها كانت تميد وتضطرب بخلاف السفينة فإنها متخذة من الخشب وفي داخل الخشب تجويفات غير مملوءة (٢) فلذلك تميد وتضطرب على وجه الماء فإذا أرسيت بالأجسام الثقيلة استقرت وسكنت فظهر الفرق وأما على التقدير الثاني وهو أن يقال ليس للأرض والماء طبائع توجب الثقل والرسوب والأرض إنما تنزل لأن الله تعالى أجرى عادته بجعلها كذلك وإنما صار الماء محيطا بالأرض لمجرد إجراء العادة ليس هاهنا طبيعة للأرض ولا للماء توجب حالة مخصوصة فنقول على هذا التقدير علة سكون الأرض هي أن الله تعالى يخلق فيها السكون وعلة كونها مائدة مضطربة هو أن الله تعالى يخلق فيها الحركة فيفسد القول بأن الله تعالى خلق الجبال لتبقى الأرض ساكنة فثبت أن التعليل مشكل على كلا التقديرين.

الإشكال الثاني أن إرساء الأرض بالجبال إنما يعقل لأجل أن تبقى الأرض على وجه الماء من غير أن تميد وتميل من جانب إلى جانب وهذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الأرض على وجهه واقفا فنقول فما المقتضي لسكونه في ذلك الحيز

__________________

(١) في المصدر : تميد.

(٢) في المصدر : مملوة من الهواء.


المخصوص فإن قلت إن طبيعته توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين فحينئذ يفسد القول بأن الأرض إنما وقفت بسبب أن الله تعالى أرساها بالجبال وإن قلت إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن الله تعالى أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص فنقول فلم لا تقول مثله في سكون الأرض وحينئذ يفسد هذا التعليل أيضا.

الإشكال الثالث أن مجموع الأرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته ويضطرب على وجه البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس فإن قيل أليس أن الأرض تحركها البخارات المحتقنة في داخلها عند الزلازل وتظهر تلك الحركات للناس قلنا البخارات احتقنت في داخل قطعة صغيرة من الأرض فلما حصلت الحركة في تلك القطعة ظهرت تلك الحركة فإن ظهور الحركة في تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلاج عضو من بدن الإنسان أما لو تحركت كلية الأرض لم تظهر ألا ترى أن الساكن في سفينة لا يحس بحركة كلية السفينة وإن كانت على أسرع الوجوه وأقواها (١) انتهى كلامه.

ويمكن أن يجاب عنها أما عن الإشكال الأول فبأن يختار أنها طالبة بطبعها للمركز لكن إذا كانت خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية ويزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة فكانت تميد وتضطرب بأهلها وتغوص قطعة منها وتخرج قطعة منها ولما أرساها الله تعالى بالجبال وأثقلها قاومت الماء وأمواجه بثقلها فكانت كالأوتاد مثبتة لها ومنه يظهر الجواب عن الإشكال الثاني على أن توقف إرساء الأرض بالجبال على سكون الماء في حيز معين ممنوع وأما عن الإشكال الثالث فبأن يقال ليس الامتنان بمجرد عدم ظهور حركة الأرض حتى يقال أنه على تقدير حركتها بكليتها لا يظهر للناس بل بخروج البقاع من الماء وعدم غرقها بحركة الأرض وميدانها بأهلها على أن الظاهر أن الحركة التي لا تحس إنما هي إذا كانت في جهة مخصوصة وعلى وضع واحد كحركة وضعية مستمرة أو حركة أينية على جهة

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٢٠ ، ص ٨.


واحدة كحركة السفينة إذا كانت سائرة من غير اضطراب وأما إذا تحركت في جهات مختلفة واضطربت فيحس بها كحركة السفينة عند تلاطم البحر واضطرابه وهذا هو الفرق بين حالة الزلزلة وبين حركة الأرض في الظهور وعدمه فإنا لو فرضنا قطعة منها سائرة غير مضطربة في سيرها لما أحس بها كما لا يحس بحركة كلها بل باضطراب الحركة وكونها في جهات مختلفة تحس الحركة سواء كان محلها كل الأرض أو بعضها.

الوجه الثاني ما ذكره الفاضل المقدم ذكره أيضا في تفسيره واختاره حيث قال والذي عندي في هذا الموضع المشكل أن يقال أنه ثبت بالدلائل اليقينية أن الأرض كره وأن هذه الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى خشونات وتضريسات تحصل على وجه هذه الكرة إذا ثبت هذا فنقول إذا فرضنا أن هذه الخشونات ما كانت حاصلة بل كانت الأرض كرة حقيقية خالية عن هذه الخشونات والتضريسات لصارت بحيث تتحرك بالاستدارة بأدنى سبب لأن الجرم البسيط المستدير وإن لم يجب كونه متحركا بالاستدارة عقلا إلا أنه بأدنى سبب تتحرك على هذا الوجه أما إذا حصل على سطح كرة الأرض هذه الجبال وكانت كالخشونات الواقعة على وجه الكرة فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم وتوجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم وقوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة فكان تخليق هذه الجبال على الأرض كالأوتاد المغروزة في الكرة المانعة لها عن الحركة المستديرة وكانت مانعة للأرض عن الميد والميل والاضطراب بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة فهذا ما وصل إليه خاطري (١) في هذا الباب والله أعلم (٢) انتهى.

واعترض عليه بأن كلامه لا يخلو عن تشويش واضطراب والذي يظهر من أوائل كلامه هو أنه جعل المناط في استقرار الأرض الخشونات والتضريسات من حيث إنها خشونات وتضريسات وذلك إما لممانعة الأجزاء المائية الملاصقة لتلك التضريسات

__________________

(١) في المصدر : بحثى.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢٠ ، ص ٩.


لاستلزام حركة الأرض زوالها عن مواضعها وحينئذ يكون علة السكون هي الجبال الموجودة في الماء لا ما خلقت في الربع المكشوف من الأرض ولعله خلاف الظاهر في معرض الامتنان بخلق الجبال وهو خلاف الظاهر من قوله تعالى « وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها » والقول بأن ما في الماء أيضا فوقها فلعل المراد تلك الجبال لا يخلو عن بعد مع أنها ربما كانت معاونة لحركة الأرض كما إذا تحركت كرة الماء بتموجها بأجمعها أو تموج أبعاضها المقاربة لتلك الخشونات وإنما يمانعها عن الحركة أحيانا عند حركة أبعاضها وإما لممانعة الأجزاء الهوائية المقارنة للجبال الكائنة على الربع الظاهر فكانت الأوتاد مثبتة لها في الهواء مانعة عن تحريك الماء بتموجه إياها كما يمانع الجبال المخلوقة في الماء عن تحريك الرياح إياها وحينئذ يكون وجود الجبال في كل منهما معاونا لحركة الأرض في بعض الصور معاوقا عنها في بعضها ولا مدخل حينئذ لثقل الجبال وتركبها في سكون الأرض واستقرارها والذي يظهر من قوله لأن الجرم البسيط إلخ أن البساطة توجب حركة الأرض إما بانفرادها أو بمشاركة عدم الخشونة ولعله استند في ذلك إلى أن البسيط تتساوى نسبة أجزائه إلى أجزاء المكان وإنما الطبيعة تقتضي انطباق مركز الثقل من الأرض على مركز العالم على أي وضع كان والماء لا يقوى على إخراج الكرة عن مكانها نعم يحركها بالحركة المستديرة بخلاف المركب فإنه ربما كان بعض أجزائه مقتضيا لوضع خاص كمحاذاة أحد القطبين مثلا حتى تكون الفائدة تحصل بتركب بعض أجزاء الأرض وإن لم يكن هناك جبل وارتفاع فلا يكون الامتنان بخلق الجبل من حيث إنه جبل بل من حيث إنه مركب إلا على تقدير كون المراد أن المقتضي للسكون هو الحالة المركبة من التركب والتضريس والظاهر من وصف الجبال بالشامخات في الآية مدخلية ارتفاعها في هذا المعنى إلا أن يكون الوصف لترتب فوائد أخر عليها وحينئذ لا مدخل لثقل الجبال في سكون الأرض كما يظهر من قوله أخيرا فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم وتوجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم وقوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة ومع ذلك لا ينفع في نفي


الحركة المشرقية والمغربية بل يؤيدها ويمكن أن يكون مراده أن العلة هي المجموع من الأمور الثلاثة ولعله جعل الطبيعية الأرضية كافية في استقرارها في مكانها وإنما احتاج إلى المانع عن حركتها بالاستدارة حركة وضعية ولذا قال أخيرا وكانت مانعة للأرض عن الميد والاضطراب بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة.

الوجه الثالث ما يخطر بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الأرض بسبب اشتباكها واتصال بعضها ببعض في أعماق الأرض بحيث تمنعها عن تفتت أجزائها وتفرقها فهي بمنزلة الأوتاد المغروزة المثبتة في الأبواب المركبة من قطع الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا لالتصاق بعضها ببعض وعدم تفرقها وهذا معلوم ظاهر لمن حفر الآبار في الأرض فإنها تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الأحجار الصلبة وأنت ترى أكثر قطع الأرض واقعة بين جبال محيطة بها فكأنها مع ما يتصل بها من القطعة الحجرية المتصلة بها من تحت تلك القطعات كالظرف لها تمنعها عن التفتت والتفرق والاضطراب عند عروض الأسباب الداعية إلى ذلك.

الوجه الرابع ما ذكره بعض المتعسفين من أنه لما كانت فائدة الوتد أن يحفظ الموتود في بعض المواضع عن الحركة والاضطراب حتى يكون قارا ساكنا وكان من لوازم ذلك السكون في بعض الأشياء صحة الاستقرار على ذلك والتصرف عليه وكان من فائدة وجود الجبال والتضريسات الموجودة في وجه الأرض أن لا تكون مغمورة بالماء ليحصل للحيوان الاستقرار والتصرف عليها لا جرم كان بين الأوتاد والجبال الخارجة من الماء في الأرض اشتراك في كونهما مستلزمين لصحة استقراره مانعين من عدمه لا جرم حسنت نسبة الإيتاد إلى الصخور والجبال وأما إشعاره بالميدان فلأن الحيوان كما يكون صادقا عليه أنه غير مستقر على الأرض بسبب انغمارها في الماء لو لم يوجد الجبال كذلك يصدق على الأرض أنه غير مستقرة تحته ومضطربة بالنسبة إليه فثبت حينئذ أنه لو لا وجود الجبال في سطح الأرض لكانت مضطربة ومائدة بالنسبة إلى الحيوان لعدم تمكنه من الاستقرار عليها


الوجه الخامس أن يكون المراد بالجبال الرواسي الأنبياء والأولياء والعلماء وبالأرض الدنيا أما وجه التجوز بالجبال عن الأنبياء والعلماء فلأن الجبال لما كانت على غاية من الثبات والاستقرار مانعة لما يكون تحتها من الحركة والاضطراب عاصمة لما يلتجئ إليها من الحيوان عما يوجب له الهرب فيسكن بذلك اضطرابه وقلقلته أشبهت الأوتاد من بعض هذه الجهات ثم لما كانت الأنبياء والعلماء هم السبب في انتظام أمور الدنيا وعدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالأوتاد للأرض فلا جرم صحت استعارة لفظ الجبال لهم ولذلك صح في العرف أن يقال فلان جبل منيع يأوي إليه كل ملهوف إذا كان يرجع إليه في المهمات والحوائج والعلماء أوتاد الله في الأرض.

الوجه السادس أن يكون المقصود من جعل الجبال كالأوتاد في الأرض أن يهتدى بها إلى طرقها والمقاصد فيها فلا تميد جهاتها المشتبهة بأهلها ولا تميل بهم فيتيهون فيها عن طرقهم ومقاصدهم وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها بعض المتعسفين وهذا دأبه في أكثر الآيات والأخبار حيث يئولها بلا ضرورة داعية وعلة مانعة عن القول بظاهرها وهل هذا إلا اجتراء على مالك يوم الدين وافتراء على حجج رب العالمين.

الوجه السابع أن يقال المراد بالأرض قطعاتها وبقاعها لا مجموع كرة الأرض وبكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى أو لغير ذلك من الأسباب التي يعلمها مبدعها ومنشئها وهذا وجه قريب ويؤيده ما سيأتي في باب الزلزلة من حديث ذي القرنين.

أقول وأما حديث ذي القرنين والسد وغيره من أحواله فقد مضى في المجلد الخامس في باب أحواله ولنذكر هنا بعض ما مضى برواية أخرى :

قال الثعلبي في العرائس روى وهب بن منبه وغيره من أهل الكتب قالوا


كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه إسكندروس ويقال كان اسمه عياش وكان عبدا صالحا فلما استحكم ملكه واستجمع أمره أوحى الله إليه يا ذا القرنين إني بعثتك إلى جميع الخلق ما بين الخافقين وجعلتك حجتي عليهم وهذا تأويل رؤياك وإني باعثك إلى أمم الأرض كلهم وهم سبع أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما عرض الأرض وأمتان بينهما طول الأرض وثلاث أمم في وسط الأرض وهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج فأما الأمتان اللتان بينهما طول الأرض فأمة عند المغرب يقال لها ناسك وأمة أخرى بحيالها عند مطلع الشمس يقال لها منسك وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل وأمة في قطرة الأرض الأيسر يقال لها قاويل فلما قال الله سبحانه ذلك قال ذو القرنين إلهي إنك قد ندبتني إلى أمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت فأخبرني عن الأمم التي بعثتني إليها بأي قوة أكاثرهم أو بأي جمع وحيلة أكابرهم وبأي صبر أقاسيهم وبأي لسان أناطقهم وكيف لي بأن أفهم لغاتهم وبأي سمع أسمع أقوالهم وبأي بصر أنفذهم وبأي حجة أخاصمهم وبأي عقل أعقل عنهم وبأي قلب وحكمة أدبر أمورهم وبأي قسط أعدل بينهم وبأي حلم أصابرهم وبأي معرفة أفصل بينهم وبأي علم أتقن أمورهم وبأي يد أستطيل عليهم وبأي رجل أطأهم وبأي طاقة أحصيهم وبأي جند أقاتلهم وبأي رفق أتألفهم وليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقوم لهم ويقوى عليهم وأنت الرءوف الرحيم الذي لا تكلف نفسا إلا وسعها ولا تكلفها إلا طاقتها فقال الله عز وجل إني سأطوقك ما حملتك أشرح لك سمعك فتسمع كل شيء وتعي كل شيء وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء وأفتح لك بصرك فتنفذ كل شيء وأحصي لك فلا يفوتك شيء وأشد لك عضدك فلا يهولك شيء وأشد لك ركنك فلا يغلبك شيء وأشد لك قلبك فلا يفزعك شيء وأشد لك يدك فتسطو فوق كل شيء وأشد لك وطأتك فتهد على كل شيء وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء وأسخر الظلمة من ورائك فلما قيل له ذلك حدث نفسه بالمسير وألح


عليه قومه بالمقام فلم يفعل وقال لا بد من طاعة الله تعالى.

ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا وأن يجعلوا طول المسجد أربعمائة ذراع وأمرهم أن لا ينصبوا فيه السواري قالوا كيف نصنع قال إذا فرغتم من بنيان الحائط فاكبسوها بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم فرضتم من الذهب على الموسر قدره وعلى المقتر قدره ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر ثم خلطتموه بذلك الكبس وجعلتم خشبا من نحاس ووتدا من نحاس وصفائح من نحاس تذيبون ذلك وأنتم تمكنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية وجعلتم طول كل خشبة مائتي ذراع وأربعة وعشرين ذراعا مائتا ذراع في ما بين الحائطين لكل حائط اثنا عشر ذراعا ثم تدعون المساكين لنقل التراب فيتسارعون إليه لأجل ما فيه من الذهب والفضة فمن حمل شيئا فهو له ففعلوا ذلك فأخرج المساكين التراب واستقر السقف بما عليه واستغنى المساكين فجندهم أربعين ألفا وجعلهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ثم عرضهم فوجدهم في ما قيل ألف ألف وأربعمائة ألف رجل منهم من جنده ثمانمائة ألف ومن جند دارا (١) ستمائة ألف ومن المساكين أربعين ألفا ثم انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس فذلك قوله تعالى « حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ » أي ذات حمأة ومن قرأ حامية بالألف من غير همز فمعناه حارة فلما بلغ مغرب الشمس وجد جمعا وعددا لا يحصيهم إلا الله تعالى وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله عز وجل ورأى ألسنة مختلفة وأهواء متشتتة وذلك قول الله تعالى « وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً » يعني ناسا كثيرة يقال لها ناسك فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها فأحاط بهم من كل مكان حتى جمعهم في مكان واحد ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى الله عز وجل وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأحداقهم وأجوافهم ودخلت في بيوتهم ودورهم وغشيهم من فوقهم ومن كل جانب منهم فهاجوا فيه وتحيروا فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد

__________________

(١) كذا في جميع النسخ.


فكشفها عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جندا واحدا ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم من خلفهم والنور أمامهم يقوده ويدله وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل وسخر الله له قلبه ويده ورأيه وعقله ونظره فلا يخطئ إذا عمل عملا فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه فإذا هي أتت إلى بحر أو مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار أمثال البغال فنظمها في ساعة ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود فإذا هي قطع الأنهار والبحار فتقها ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحا فلم يكرثه حمله فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل فعمل فيها كفعله في ناسك فلما فرغ منها مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند جنودا كفعله في الأمتين قبلهما ثم كر مقبلا حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى وهو يريد قاويل وهي الأمة التي بحيال هاويل وهما متقابلتان بينهما عرض الأرض كله فلما بلغها عمل فيها وجند فيها كفعله في ما قبلها فذلك قوله تعالى « حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً » يعني مسكنا.

قال قتادة لم يكن بينهم وبين الشمس ستر وذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء وكانوا يكونون في أسراب لهم حتى إذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم وقال الحسن كانت أرضهم أرضا لا تحتمل البناء فكانوا إذا طلعت عليهم الشمس هووا في الماء فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما تتراعى البهائم وقال ابن جريح وجاءهم جيش مرة وقال لهم أهلها لا يطلع عليكم الشمس وأنتم بها فقالوا ما نبرح حتى تطلع الشمس فنراها فماتوا وقيل فذهبوا بها هاربين في الأرض وقال الكلبي هم أمة يقال لها منسك حفاة عماة عن الحق قال وحدثنا عمرو بن مالك بن أمية قال وجدت رجلا بسمرقند يحدث الناس وهم يجتمعون حوله فسألت بعض من سمع فأخبرني أنه حدثهم عن القوم الذين تطلع عليهم الشمس


قال قال خرجت حتى إذا جاوزت الصين ثم سألت عنهم فقيل إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة فاستأجرت رجلا فسرت بقية عشيتي وليلتي حتى صبحتهم فإذا أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى وكان صاحبي يحسن لسانهم فسألهم وقال جئنا ننظر كيف تطلع الشمس فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي علي فأفقت وهم يمسحونني بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء فإذا هو يغلي كهيئة الزيت وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط فلما ارتفعت أدخلوني في سرب لهم أنا وصاحبي فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه بالشمس فينضج.

ثم قال الثعلبي قالت العلماء بأخبار القدماء لما فرغ ذو القرنين من أمر الأمم الذين هم بأطراف الأرض وطاف الشرق والغرب عطف فيها إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن والإنس ويأجوج ومأجوج فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله تعالى ليس فيهم مشابه الإنس وهم مشابه البهائم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحش كما تفترسها السباع ويأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله تعالى في الأرض وليست (١) لله تعالى خلق ينمو نماءهم ولا يزداد كزيادتهم فإن أتت مدة على ما يرى من نمائهم وزيادتهم فلا شك أنهم سيملئون الأرض ويجلون أهلها منها ويظهرون عليها ويفسدون فيها وليست تمر بنا سنة مذ جاوزناهم إلا ونحن نتوقعهم أن يطلع علينا أولهم من بين هذين الجبلين « فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً » أي جعلا وأجرا « عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا » حاجزا فلا يصلون إلينا فقال لهم ذو القرنين « ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ » أي ما قواني عليه خير من خرجكم ولكن « فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً » أي حاجزا كالحائط قالوا وما تلك القوة قال فعله وصناع يحسنون البناء والعمل وآلة (٢) قالوا وما تلك الآلة قال « آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ » يعني قطعا واحدتها

__________________

(١) ليس ( ظ ).

(٢) الآلة ( خ ).


زبرة وآتوني بالنحاس فقالوا ومن أين لنا الحديد والنحاس ما يسع هذا العمل قال سأريكم (١) على معادن الحديد والنحاس فضرب لهم في جبلين حتى فلقهما ثم استخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس قالوا بأي قوة نقطع الحديد والنحاس فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الأرض يقال له السامور وهو أشد ما خلق الله تعالى بياضا وهو الذي قطع به سليمان أساطين بيت المقدس وصخوره وجواهره ثم قاس ما بين الجبلين ثم أوقد على جمع (٢) من الحديد والنحاس النار فصنع منه زبرا أمثال الصخور العظام ثم أذاب النحاس فجعله كالطين والملاط لتلك الصخور من الحديد ثم بنى وكيفية بنائه على ما ذكر أهل السير هو أنه لما قاس ما بين الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ فلما أنشأ في عمله حفر له الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل عرضه خمسين فرسخا ثم وضع الحطب بين الجبلين ثم نسج عليه الحديد ثم نسج الحطب على الحديد فلم يزل يجعل الحديد على الحطب والحطب على الحديد « حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ » وهما الجبلان ثم أمر بالنار فأرسلت فيه ثم « قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً » ثم جعل يفرغ القطر عليه وهو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب فيصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد وغبرته فصار سدا طويلا عظيما حصينا كما قال تعالى « فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً » وقال قتادة ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال انعته لي قال كالبرد الحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء قال قد رأيته ويقال إن موضع السد وراء ملاذجرد بقرب مشرق الصيف (٣) بينه وبين الخزرة مسيرة اثنين وسبعين يوما.

وروي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : كان ذو القرنين قد ملك ما بين المشرق والمغرب وكان له خليل من الملائكة اسمه رفائيل يأتيه ويزوره فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال ذو القرنين يا رفائيل حدثني عن عبادتكم في السماء

__________________

(١) لفظة « على » زائدة ظاهرا.

(٢) ما جمع ( ظ ).

(٣) كذا.


فبكى وقال يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا إن في السماء من الملائكة من هو قائم أبدا لا يجلس ومنهم الساجد لا يرفع رأسه أبدا ومنهم الراكع لا يستوي قائما أبدا يقول سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح ربنا ما عبدناك حق عبادتك فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ثم قال إني لأحب أن أعيش فأبلغ من عبادة ربي حق طاعته فقال رفائيل أوتحب ذلك يا ذا القرنين قال نعم فقال رفائيل فإن لله تعالى عينا في الأرض تسمى عين الحياة فيها من الله عز وجل عزيمة أنه من شرب منها لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت فقال ذو القرنين هل تعلمون أنتم موضع تلك العين فقال لا غير أنا نتحدث في السماء أن لله تعالى في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان فنحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة فقال لهم أخبروني هل وجدتم في ما قرأتم من كتب الله تعالى وما جاءكم من أحاديث الأنبياء ومن كان قبلكم من العلماء أن الله تعالى وضع في الأرض عينا سماها عين الحياة فقالت العلماء لا فقال عالم من العلماء واسمه فتحيز (١) إني قرأت وصية آدم فوجدت فيها إن الله خلق في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان ووضع فيها عين الخلد فقال ذو القرنين صدقت ثم حشد إليه الفقهاء والأشراف والملوك وسار يطلب مطلع الشمس فسار اثنتي عشرة سنة إلى أن بلغ طرف الظلمة فإذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل فعسكر هناك ثم جمع علماء عسكره فقال إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فقال العلماء أيها الملك إنه من كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها فإنا نخاف أن ينفتق عليك أمر تكرهه ويكون فيه فساد أهل الأرض فقال لا بد من أن أسلكها فقالوا أيها الملك كف عن هذه الظلمة ولا تطلبها فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لاتبعناك ولكنا نخاف العنت من الله تعالى وفسادا في الأرض ومن عليها فقال

__________________

(١) خضر ( ظ ).


ذو القرنين لا بد من أن أسلكها فقالت العلماء شأنك بها فقال ذو القرنين أي الدواب أبصر قالوا الخيل قال فأي الخيل أبصر قالوا الإناث قال فأي الإناث أبصر قالوا البكارة فأرسل ذو القرنين فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة ثم انتخب من عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلاف رجل فدفع إليهم كل رجل فرسا وعقد للخضر على مقدمته على ألفين وبقي ذو القرنين في أربعة آلاف وقال ذو القرنين للناس لا تبرحوا من معسكركم هذا اثنتي عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم وإلا فارجعوا إلى (١) بلادكم فقال الخضر أيها الملك إنا نسلك ظلمة هو لا ندري كم السير (٢) فيها ولا يبصر بعضنا بعضا فكيف نصنع بالضلال إذا أصابنا فدفع ذو القرنين إلى الخضر خرزة حمراء فقال حيث يصيبكم الضلال فاطرح هذه في الأرض فإذا صاحت فليرجع أهل الضلال إليها أين صاحت فصار الخضر بين يدي ذي القرنين يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين فبينما الخضر يسير إذ عرض له واد فظن أن العين في الوادي وألقي في قلبه ذلك فقام على شفير الوادي وقال لأصحابه قفوا ولا يبرحن رجل من موقفه فرمى بالخرزة فمكث طويلا ثم أجابته الخرزة فطلب صوتها فانتهى إليها فإذا هي على جانب العين فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد فشرب واغتسل وتوضأ ولبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فوقفت الخرزة فصاحت فرجع الخضر إلى صوتها وإلى أصحابه فركب وقال لأصحابه سيروا باسم الله.

ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وليلة ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر ولا أرض حمراء ورملة خشخاشة أي مصوتة فإذا هو بقصر مبني في تلك الأرض طوله فرسخ في فرسخ عليه باب فنزل ذو القرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر فإذا حديدة قد وضعت طرفاها على جانب القصر من هاهنا وهاهنا وإذا بطائر (٣) أسود شبيه بالخطاف مزموم بأنفه إلى الحديدة معلق بين السماء والأرض

__________________

(١) في أكثر النسخ : على.

(٢) نسير ( خ ).

(٣) طائر ( خ ) :.


فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال من هذا قال أنا ذو القرنين فقال الطائر يا ذا القرنين أما كفاك ما وراك حتى وصلت إلي ثم قال الطائر يا ذا القرنين حدثني فقال ذو القرنين سل فقال هل كثر بناء الآجر والجص في الأرض قال نعم فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث الحديدة ثم قال يا ذا القرنين هل كثرت المعازف قال نعم فانتفض الطير وامتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثيها ثم قال هل كثرت شهادات الزور في الأرض قال نعم فانتفض الطائر انتفاضة فملأ الحديدة وسد ما بين جداري القصر فخشي (١) وخاف ذو القرنين وفرق فرقا شديدا فقال الطائر يا ذا القرنين لا تخف حدثني قال سل قال هل يترك (٢) الناس شهادة أن لا إله إلا الله قال لا قال فانضم الطائر ثلثا ثم قال يا ذا القرنين هل ترك الناس الصلاة المفروضة بعد قال لا قال فانضم الطائر ثلثا ثم قال يا ذا القرنين هل ترك الناس غسل الجنابة بعد قال لا قال فصار الطائر كما كان ثم قال اسلك يا ذا القرنين هذه الدرجة درجة إلى أعلى القصر فسلكها ذو القرنين وهو خائف وجل لا يدري على من يهجم حتى استوى على صدر الدرج فإذا سطح ممدود عليه صورة رجل شاب قائم عليه ثياب بيض رافعا وجهه إلى السماء واضعا يديه على فيه فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال ما هذا قال أنا ذو القرنين قال يا ذا القرنين إن الساعة قد اقتربت وأنا أنتظر أمر ربي يأمرني أن أنفخ فأنفخ ثم أخذ صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال خذها يا ذا القرنين فإن شبع هذا شبعت وإن جاع هذا جعت فأخذ ذو القرنين الحجر ونزل إلى أصحابه فحدثهم بأمر الطائر وما قال له وما رد عليه وما قال صاحب الصور ثم جمع علماء عسكره فقال أخبروني عن هذا الحجر ما أمره فقالوا أيها الملك أخبرنا بما قال لك فيه صاحب الصور فقال ذو القرنين إنه قال لي إن شبع هذا شبعت وإن جاع جعت فوضعت العلماء ذلك الحجر في إحدى كفتي الميزان وأخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الأخرى ثم

__________________

(١) فجثى ( خ ).

(٢) ترك ( ظ ).


رفعوا الميزان فإذا الذي جاء به ذو القرنين يميل فوضعوا معه آخر ورفعوا الميزان فإذا هو يميل بهن فلم يزالوا يضعون حتى وضعوا ألف حجر فرفعوا الميزان فمال بالألف جميعا فقالت العلماء انقطع علمنا دون هذا لا ندري أسحر هذا أم علم ما لا نعلمه فقال الخضر وكان قد وافاه نعم أنا أعلمه فأخذ الخضر الميزان بيده ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين فأخذ حجرا من تلك الحجارة فوضعه في الكفة الأخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه على الحجر الذي جاء به ذو القرنين ثم رفع الميزان فاستوى فخرت العلماء سجدا لله تعالى وقالوا سبحان الله هذا علم لا يبلغه علمنا والله لقد وضعنا ألفا فما استقل به فقال الخضر أيها الملك إن سلطان الله عز وجل قاهر لخلقه وأمره نافذ فيهم وحكمه جار عليهم فإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض فابتلى العالم بالعالم والجاهل بالجاهل والعالم بالجاهل والجاهل بالعالم وإنه ابتلاك بي وابتلاني بك فقال ذو القرنين صدقت فأخبرنا عن هذا المثل فقال الخضر هذا مثل ضربه لك صاحب الصور إن الله عز وجل مكن لك في البلاد وأعطاك منها ما لم يعط أحدا وأوطأك منها ما لم يوطئ أحدا فلم تشبع فأبت نفسك شرها حتى بلغت من سلطان الله ما لم يطأه إنس ولا جان فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور إن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب ولا ملأ جوفه إلا التراب فبكى ذو القرنين ثم قال صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل لا جرم لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت ثم انصرف راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمة وطأ الوادي الذي فيه الزبرجد فقال من معه لما سمعوا خشخشة تحت أقدامهم وأقدام دوابهم ما هذا تحتنا يا أيها الملك فقال ذو القرنين خذوا منه فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم فمنهم من أخذ الشيء ومنهم من تركه فلما خرجوا من الظلمة إذا هو الزبرجد فندم الآخذ والتارك.

قال وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بوادي الزبرجد في مبتداه ما ترك منها شيئا حتى يخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا في الدنيا ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيها ثم رجع إلى العراق وملك ملوك الطوائف


ومات في طريقه بشهرروز (١) وقال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ثم إنه رجع إلى دومة الجندل وكان منزله فأقام بها حتى مات.

انتهى وقال الطبرسي ره في قوله تعالى « إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » فسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابس إلا احتملوه عن الكلبي وقيل أراد أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم وورد في الخبر عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يأجوج ومأجوج فقال يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قلت يا رسول الله وما الأرز قال شجر بالشام طويل ومنهم طوله وعرضه (٢) سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه من مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية. قال وهب ومقاتل إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك وقال السدي الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجته وقال قتادة إن ذا القرنين بنى السد على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك وقال كعب هم نادرة من ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم وهذا بعيد (٣).

« وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ » قال ره أي من كل نشز من الأرض يسرعون يعني أنهم متفرقون في الأرض فلا ترى أكمة إلا وقوم منهم يهبطون منها

__________________

(١) بشهرزور ( خ ).

(٢) في المصدر : ... طول ، وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء.

(٣) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٤٩٤.


مسرعين (١) وقال رحمه‌الله في ق قيل هو اسم الجبل المحيط بالأرض من زمردة خضراء خضرة السماء منها عن الضحاك وعكرمة (٢) وقال رحمه‌الله في والطور أقسم سبحانه بالجبل الذي كلم عليه موسى بالأرض المقدسة وقيل هو الجبل أقسم به لما أودع فيه من أنواع نعمه (٣) وفي قوله تعالى « وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ » أي أفلا يتفكرون في خلق الله سبحانه الجبال أوتادا للأرض ومسكنة لها وإنه لولاها لمادت الأرض بأهلها (٤).

١ ـ الخصال ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي بإسناده رفعه إلى الصادق عليه‌السلام قال : الدنيا سبعة أقاليم يأجوج ومأجوج والروم والصين والزنج وقوم موسى وأقاليم بابل (٥).

بيان لعل المراد هنا بيان أقاليم الدنيا باعتبار أصناف الناس واختلاف صورهم وألوانهم وطبائعهم والغرض إما حصرهم فيها فأقاليم بابل المراد بها ما يشمل أشباههم من العرب والعجم والصين يشمل جميع الترك والزنج يشمل الهنود أو بيان غرائب الأصناف من الخلق وهو أظهر والمراد بقوم موسى أهل جابلقا وجابرسا كما مر.

٢ ـ الخصال ، عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه السراج عن علي بن الحسن بن (٦) سعيد البزاز عن حميد (٧) بن زنجويه عن عبد الله بن يوسف عن خالد بن يزيد بن صبيح عن طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطا عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من الجبال التي تطايرت يوم موسى عليه‌السلام سبعة أجبل فلحقت بالحجاز واليمن منها بالمدينة أحد وورقان وب مكة ثور وثبير وحرى و

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٦٤.

(٢) المصدر : ج ٩ ، ص ١٤١.

(٣) المصدر : ج ٩ ، ص ١٦٣.

(٤) المصدر : ج ١٠ : ص ٤٨٠.

(٥) الخصال : ج ٢ ص ١٠ ( أبواب السبعة ).

(٦) في المصدر : أبو الحسن علي بن سعيد البزاز.

(٧) في المصدر وبعض نسخ الكتاب : سعيد بن زنجويه.


باليمن صبر وحضور (١).

توضيح قال الفيروزآبادي ورقان بكسر الراء جبل أسود بين العرج والرويثة بيمين المصعد من المدينة إلى مكة حرسهما الله تعالى وقال ثور جبل بمكة وقال ثبير والأثبرة وثبير الخضراء والنصع والزنج والأعرج والأحدب وغنياء جبال بظاهر مكة وقال حراء ككتاب وكعلى عن عياض يؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أي تعبد واعتزل وقال الصبر ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة شعر جبل مطل على تعز وقال تعز كتقل قاعدة اليمن وقال حضور كصبور جبل وبلد باليمن.

٣ ـ الخصال ، عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار معا عن محمد بن أحمد الأشعري عن محمد بن الحسين عن أحمد بن علي عن زيد بن مهران عن محمد بن عبد الجبار عن الحسين بن زيد قال : بلغني أن الله عز وجل خلق الجبل من أربعة أشياء من البحر الأعظم المحدق بالدنيا ومن النار ومن دموع ملك يقال له إبراهيم ومن بئر طيبة (٢) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

بيان خلق الجبل كذا في بعض النسخ بالجيم والباء الموحدة وفي أكثر النسخ بالخاء المعجمة والياء المثناة التحتانية وعلى التقديرين لعل فيه تجوزا واستعارة مع أن الخبر موقوف لم يسند إلى إمام وكان في البئر أيضا تحريفا.

٤ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ » قال ق جبل محيط بالدنيا وراء يأجوج ومأجوج وهو قسم (٣).

٥ ـ ومنه ، عن أحمد بن علي وأحمد بن إدريس معا عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي عن محمد بن الجمهور عن سليمان بن سماعة عن عبد الله بن القاسم

__________________

(١) الخصال : ج ٢ ص ٣ ( أبواب السبعة ).

(٢) الخصال : ١٢٣.

(٣) تفسير القمي : ٦٤٣.


عن يحيى بن ميسرة الخثعمي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول « عسق » عداد سني القائم (١) و « ق » جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم علي كله في « عسق » (٢).

٦ ـ العيون ، والعلل ، في خبر الشامي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام مما خلقت الجبال قال من الأمواج (٣).

٧ ـ البصائر ، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : إن عليا عليه‌السلام ملك ما في الأرض وما تحتها فعرضت له السحابان الصعب والذلول فاختار الصعب فكان في الصعب ملك ما تحت الأرض وفي الذلول ملك ما فوق الأرض واختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين فوجد ثلاث خراب وأربع عوامر.

٨ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي خالد وأبي سلام عن سورة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أما إن ذا القرنين قد خير بين السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب قال قلت وما الصعب قال ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع خمس عوامر واثنتان خرابان.

بيان لعل الخامسة عمارتها قليلة فعدت في الخبر السابق من الخراب لذلك.

٩ ـ البصائر للصفار ، ومنتخب البصائر لسعد بن عبد الله ، عن سلمة عن أحمد بن عبد الرحمن عن محمد بن سليمان عن يقطين الجواليقي عن قلقلة (٥) عن أبي جعفر

__________________

(١) القسم ( خ ).

(٢) تفسير القمي : ٥٩٥ وفيه : وعلم كل شيء في عسق.

(٣) العيون : ج ١ ، ص ٢٤١ ، العلل : ج ٢ ، ص ٢٨٠.

(٤) الظاهر أنه سورة بن كليب بن معاوية الأسدى لتصريحه في جامع الرواة برواية أبى سلام عنه ذكره العلامة في القسم الأول من الخلاصة ، وروى الكشي حديثا يستشهد به لصحة عقيدته لكنه لا يصير دليلا على قبول قوله. قال الشهيد الثاني في التعليقة « لا يخفى ان الخبر لا يدل على قبول روايته لو سلم سنده فكيف مع ضعفه ».

(٥) لم نجد له ذكرا في كتب الرجال.


عليه السلام قال : إن الله خلق جبلا محيطا بالدنيا من زبرجد أخضر وإنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل وخلق خلقا لم يفترض عليهم شيئا مما افترض على خلقه من صلاة وزكاة وكلهم يلعن رجلين من هذه الأمة وسماهما.

١٠ ـ جامع الأخبار ، سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن القاف وما خلفه قال خلفه سبعون أرضا من ذهب وسبعون أرضا من فضة وسبعون أرضا من مسك خلفه سبعون أرضا سكانها الملائكة لا يكون فيها حر ولا برد وطول كل أرض مسيرة عشرة ألف [ آلاف ] سنة قيل وما خلف الملائكة قال حجاب من ظلمة قيل وما خلفه قال حجاب من ريح قيل وما خلفه قال حجاب من نار قيل وما خلفه قال حية محيطة بالدنيا كلها تسبح الله إلى يوم القيامة وهي ملك الحيات كلها قيل وما خلفه قال حجاب من نور قيل وما خلفه قال علم الله وقضاؤه وسئل صلى‌الله‌عليه‌وآله عن عرض قاف وطوله واستدارته فقال عرضه مسيرة ألف سنة من ياقوت أحمر قضيبه من فضة بيضاء وزجه (١) من زمردة خضراء له ثلاث ذوائب من نور ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب والأخرى في وسط السماء عليها مكتوب ثلاثة أسطر الأول « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » الثاني « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله.

١١ ـ الدر المنثور ، عن كعب في قوله « حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ » قال حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلائق فمنه اخضرت السماء التي يقال لها السماء الخضراء واخضر البحر من السماء فمن ثم يقال البحر الأخضر (٢).

وعن ابن مسعود أيضا مثله.

بيان الأخبار المنقولة من الكتابين ضعيفة عامية وقد مر أشباهها وبعض القول فيها في باب العوالم.

__________________

(١) الزج ـ بضم الزاى وتشديد الجيم ـ ، الحديدة التي في أسفل الرمح ويقابله السنان.

(٢) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٣٠٩. وليس رواية ابن مسعود مثلها بل هي هكذا : قال : تورات بالحجاب من وراء قرية خضرة السماء منها.


١٢ ـ كتاب الأقاليم والبلدان ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قرأ « فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ » إلى « وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ » كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج (١) على جبل سيلان قيل وما السيلان يا رسول الله قال جبل بأرمنية وآذربيجان عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء.

قال أبو حامد الأندلسي على رأس هذا الجبل عين عظيمة مع غاية ارتفاعه ماؤه أبرد من ماء الثلج كأنما يشبه بالعسل لشدة عذوبته وبجوف هذا الجبل ماء يخرج من عين يصلق البيض لحرارته يقصدها الناس لمصالحهم وبحضيض هذا الجبل شجر كثير ومراع وشيء من حشيش لا يتناوله إنسان ولا حيوان إلا مات لساعته.

قال القزويني ولقد رأيت الخيل والدواب ترعى في هذا الجبل فإذا قربت من ذلك الحشيش نفرت وولت منهزمة كالمطرودة وقال قال القزويني في قرية من قرى قزوين جبل حدثني من صعده أن عليه صورة كل حيوان من الحيوان على اختلاف أجناسها وصور الآدميين على أنواع أشكالها عدد لا تحصى وقد مسخوا حجارة وفيه الراعي متكئا على عصاه والماشية حوله كلها حجارة وامرأة تحلب بقرة وقد تحجر والرجل يجامع امرأته وقد تحجر وامرأة ترضع ولدها وهلم جرا هكذا.

١٣ ـ وقال : حكي أنه دخل على جعفر الصادق عليه‌السلام رجل من همدان [ همذان ] فقال له جعفر الصادق عليه‌السلام من أين أنت قال من همدان [ همذان ] فقال له أتعرف جبلها راوند قال له الرجل جعلت فداك إنه أروند قال نعم إن فيه عينا من عيون الجنة.

بيان كان الجبل مسمى بكلا الاسمين والصحيح من اسمه راوند وإنما صدقه لأنه هكذا أعرف عندهم.

وقال جبل قاف محيط بالأرض كإحاطة بياض العين بسوادها وما وراء جبل قاف فهو من حكم الآخرة لا من حكم الدنيا وقال بعض المفسرين إن لله سبحانه وتعالى من وراء جبل قاف أرضا بيضاء كالفضة المجلوة طولها مسيرة أربعين يوما للشمس وبها ملائكة شاخصون إلى العرش لا يعرف الملك منهم من إلى جانبه من هيبة الله تعالى

__________________

(١) .. ثلج تقع على ... ( خ ).


ولا يعرفون ما آدم وما إبليس هكذا إلى يوم القيامة وقيل إن يوم القيامة تبدل أرضنا هذه بتلك الأرض والله أعلم.

وقال السرنديب هو جبل بأعلى الصين في بحر الهند وهو الجبل الذي أهبط عليه آدم عليه‌السلام وعليه أثر قدمه غائص في الصخرة طوله سبعون شبرا وعلى هذا الجبل ضوء كالبرق ولا يتمكن أحد أن ينظر إليه ولا بد لكل يوم فيه من المطر فيغسل قدم آدم عليه‌السلام وحوله من أنواع اليواقيت والأحجار النفيسة وأصناف العطر والأدوية ما لا يوصف فإن آدم خطا من هذا الجبل إلى ساحل البحر خطوة واحدة وهو مسيرة يومين.

وقال حكي عن عبادة بن الصامت قال أرسلني أبو بكر إلى ملك الروم رسولا لأدعوه إلى الإسلام فسرت حتى دخلت بلاد الروم فلاح لنا جبل يعرف بأهل الكهف فوصلنا إلى دير فيه وسألنا أهل الدير عنهم فأوقفونا على سرب في الجبل فوهبنا لهم شيئا وقلنا نريد أن ننظر إليهم فدخلوا ودخلنا معهم وكان عليهم باب من حديد ففتحوه لنا فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلاثة عشر رجلا مضطجعين على ظهورهم كأنهم رقود وعلى كل واحد منهم جبة غبراء وكساء أغبر قد غطوا بها من رءوسهم إلى أقدامهم فلم ندر ما ثيابهم من صوف أو وبر إلا أنها كانت أصلب من الديباج فلمسناها فإذا هي تتقعقع من الصفاقة وعلى أرجلهم الخفاف إلى أنصاف سوقهم مستنعلين بنعال مخصوفة (١) وخفافهم ونعالهم في جودة الخز ولين لجلود ما لم ير مثله قال فكشفنا عن وجوههم رجلا رجلا فإذا هم في وضاءة الوجوه وصفاء الألوان وحسن التخطيط وهم كالأحياء بعضهم في نضارة الشباب وبعضهم قد خطه الشيب وبعضهم شعورهم مظفورة وبعضهم شعورهم مضمومة وعلى زي المسلمين فانتهينا إلى آخرهم فإذا فيهم مضروب على وجهه بسيف كأنما ضرب في يومه فسألنا عن حالهم وما يعلمون من أمورهم فذكروا أنهم يدخلون عليهم في كل عام يوما ويجتمع أهل تلك الناحية على الباب فيدخل عليهم من ينفض التراب عن وجوههم وأكسيتهم ويقلم أظفارهم

__________________

(١) محفوفة ( خ ).


ويقص شواربهم ويتركهم على هيئتهم هذه قلنا لهم هل تعرفون من هم وكم مدة هم هاهنا فذكروا أنهم يجدون في كتبهم أنهم كانوا أنبياء بعثوا إلى هذه البلاد في زمان واحد قبل المسيح بأربعمائة سنة وعن ابن عباس أن أصحاب الكهف سبعة.

١٤ ـ نوادر علي بن أسباط ، عن إبراهيم بن علي المحمودي عن أبيه عن عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن محمد بن علي عليهم‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ونحن في مسجده فقال من هاهنا قلت أنا يا رسول الله وسلمان الفارسي فقال يا سلمان ادع لي مولاك عليا فقد جاءتني فيه عزيمة من رب العالمين قال جابر فذهب سلمان فاستخرج عليا من منزله فلما دنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلا به فأطال مناجاته كل ذلك يسر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرا خفيا عنا ووجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقطر عرقا كنظم الدر يتهلل حسنا ثم قال له لما انصرف من مناجاته قد سمعت ووعيت فاحفظ يا علي ثم قال يا جابر ادع عمر وأبا بكر قال جابر فذهبت إليهما فدعوتهما فلما حضراه قال يا جابر ادع لي عبد الرحمن بن عوف قال جابر فدعوته فلما أتاه قال يا سلمان اذهب إلى بيت أم سلمة فأتني بالبساط الخيبري قال جابر فما لبثنا أن جاءنا سلمان بالبساط فأمره أن يبسط ثم أمر القوم فجلس كل واحد منهم على ركن من أركانه وكانوا ثلاثة ثم خلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأطال مناجاته وأسر إليه سرا خفيا ثم أمره أن يجلس على الركن الرابع من البساط ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي اجلس متوسطا وقل ما أمرتك به فإنك لو قلته على الجبال لسارت أو قلته على الأرض لتقطعت من ورائك ولطويت كل من بين يديك ولو كلمت به الموتى لأجابوك بإذن الله فقال له بعض القوم يا رسول الله هذا لعلي خاصة قال نعم فاعرفوا ذلك له قال جابر فلما أخذ كل واحد مجلسه اختلج البساط فلم أره إلا ما بين السماء والأرض فلما رجع سلمان خبرني أنهم ساروا ما بين السماء والأرض لا يدرون أشرقا أم غربا حتى انقض بهم البساط على كهف عظيم عليه باب من حجر واحد قال سلمان فقمت بالذي أمرني به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال جابر فقلت لسلمان ما أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال


أمرني إذا استقر البساط مكانه من الأرض وصرنا عند الكهف أن آمر أبا بكر بالسلام على أهل ذلك الكهف وعلى الجميع فأمرته فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئا ثم سلم أخرى فلم يجب فشهد أصحابه على ذلك وشهدت عليه ثم أمرت عمر فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئا ثم سلم أخرى فلم يجب فشهد أصحابه على ذلك وشهدت عليه ثم أمرت عبد الرحمن بن عوف فسلم عليهم فلم يجب فشهدوا أصحابه على ذلك وشهدت عليه ثم قمت أنا فأسمعت الحجارة والأودية صوتي فلم أجب فقلت لعلي فداك أبي وأمي أنت بمنزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نرجع لك ولك السمع والطاعة وقد أمرني أن آمرك بالسلام على أهل هذا الكهف آخر القوم وذلك لما يريد الله لك وبك الشرف من شرف الدرجات فقام علي فسلم بصوت خفي فانفتح الباب فسمعنا له صريرا شديدا ونظرنا إلى داخل الغار يتوقد نارا فملئنا رعبا وولى القوم فرارا فقلت لهم مكانكم حتى نسمع ما يقال وإنه لا بأس عليكم فرجعوا فأعاد علي عليه‌السلام فقال السلام عليكم أيها الفتية الذين « آمَنُوا بِرَبِّهِمْ » فقالوا وعليك السلام يا علي ورحمة الله وبركاته وعلى من أرسلك بآبائنا وأمهاتنا أنت يا وصي محمد خاتم النبيين وقائد المرسلين ونذير العالمين وبشير المؤمنين أقرئه منا السلام ورحمة الله يا إمام المتقين قد شهدنا لابن عمك بالنبوة ولك بالولاية والإمامة والسلام على محمد يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا قال ثم أعاد علي عليه‌السلام فقال السلام عليكم أيها الفتية الذين « آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً » فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا مولانا وإمامنا الحمد لله الذي أرانا ولايتك وأخذ ميثاقنا بذلك وزادنا إيمانا وتثبيتا على التقوى قد سمع من بحضرتك أن الولاية لك دونهم « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » قال سلمان فلما سمعوا ذلك أقبلوا على علي عليه‌السلام وقالوا شهدنا وسمعنا فاشفع لنا إلى نبينا ليرضى عنا برضاك ثم تكلم علي عليه‌السلام بما أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما درينا أشرقا أم غربا حتى نزلنا كالطير الذي يهوي من مكان بعيد وإذا نحن على باب المسجد فخرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال كيف رأيتم فقال القوم نشهد كما شهد أهل الكهف ونؤمن كما آمنوا فقال


إن تفعلوا تهتدوا « وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ » فإن لم تفعلوا تختلفوا فمن وافى وافى الله (١) له ومن نكص فعلى عقبيه ينقلب أفبعد المعرفة والحجة والذي نفسي بيده لقد أمرت أن آمركم ببيعته وطاعته فبايعوه وأطيعوه فقد نزل الوحي بذلك « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (٢) قال جابر فبايعناه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن استقمتم على الطريقة لعلي في ولايته أسقيتم ماء غدقا وأكلتم من فوق رءوسكم ومن تحت أرجلكم وإن لم تستقيموا اختلفت كلمتكم وشمت بكم عدوكم ولتتبعن بني إسرائيل شيئا شيئا لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم فيه وطوبى لمن تمسك بولاية علي من بعدي حتى يموت وبلغني وأنا عنه راض قال جابر وكان ذهابهم ومجيئهم من زوال الشمس إلى وقت العصر.

١٥ ـ الدر المنثور ، عن ابن عباس قال : خلق الله تعالى من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له ق السماء الدنيا مترفرفة عليه ثم خلق من وراء ذلك الجبل أيضا (٣) مثل تلك الأرض سبع مرات ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له ق السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل (٤) قال وذلك قوله « وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ » (٥).

١٦ ـ وعن عبد الله بن بريدة قال : ق جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء (٦).

١٧ ـ وعن مجاهد قال : ق جبل محيط بالأرض (٧).

__________________

(١) فمن وفى الله له ( خ ).

(٢) النساء : ٥٨.

(٣) في المصدر « أرضا » وهو الصواب.

(٤) في المصدر : وسبع سماوات.

(٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٠١ ، والآية في سورة لقمان : ٢٧.

(٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٠١.

(٧) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٠٢.


١٨ ـ وعن ابن عباس قال : خلق الله جبلا يقال له ق محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها فمن ثم تحرك القرية دون القرية (١).

١٩ ـ العلل والمجالس للصدوق : عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن عيسى بن محمد عن علي بن مهزيار عن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حماد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين أما كان خلفك مسلك فقال له ذو القرنين من أنت قال أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عز وجل إلا وله عرق إلى هذا الجبل فإذا أراد الله عز وجل أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها (٢).

العياشي ، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الزلزلة فقال أخبرني أبي عن آبائه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد إلى آخر الخبر ـ.

الفقيه ، مرسلا مثله (٣).

بيان أما كان خلفك مسلك أي لأي شيء جئت هاهنا مع سعة الأرض خلفك.

٢٠ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد الأشعري عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابه عن محمد بن سنان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها بقوتي فبعث الله عز وجل حوتا قدر شبر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا فإذا أراد

__________________

(١) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٠٢.

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤١ مرسلا.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١٤٢ ، وفيه : وقد تكون الزلزلة من غير ذلك.


الله عز وجل أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا (١).

الفقيه ، مرسلا مثله وفيه قدر فتر (٢).

بيان الفتر بالكسر ما بين السبابة والإبهام إذا فرقتهما وتأنيث فحملتها وقالت بتأويل الحوتة أو السمكة والفرق بالتحريك الخوف.

٢١ ـ العلل ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار بإسناد له رفعه إلى أحدهم عليهم‌السلام أن الله تبارك وتعالى أمر الحوت بحمل الأرض وكل بلدة من البلدان على فلس من فلوسه فإذا أراد الله عز وجل أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن الله (٣).

الفقيه ، مرسلا عن الصادق عليه‌السلام مثله (٤) بيان قال الصدوق قدس‌سره بعد إيراد تلك الأخبار الثلاثة في الفقيه والزلزلة تكون من هذه الوجوه الثلاثة وليست هذه الأخبار بمختلفة انتهى والظاهر أن مراده أن الزلزلة قد تكون بالعلة الأولى وقد تكون بالعلة الثانية وقد تكون بالعلة الثالثة ويحتمل اجتماع تلك العلل في كل زلزلة ويمكن أن تكون الثانية في الزلزلة العامة لجميع الأرض كزلزلة القيامة والثالثة في ما إذا حصل بسببها خسف وانقلاب وتغير عظيم في الأرض وبالجملة الزلزلة العظيمة والأولى في الزلازل الجزئية اليسيرة ويؤيد الخبر الأول أن أكثر الزلازل تبتدئ من الجبال وكل أرض تكون أقرب من الجبل فهي فيها أشد.

٢٢ ـ الكافي ، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بكر الحضرمي عن تميم بن حاتم قال : كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام فاضطربت الأرض فوجأها (٥) ثم قال لها اسكني ما لك ثم التفت إلينا فقال أما إنها لو كانت التي قال الله لأجابتني ولكنها (٦) ليست بتلك (٧).

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤١.

(٢) الفقيه : ١٤٢.

(٣) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤١.

(٤) الفقيه : ١٤١.

(٥) في المصدر : فوحاها.

(٦) في المصدر : ولكن.

(٧) روضة الكافي : ٢٥٦.


٢٣ ـ العلل ، عن أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن أحمد عن يحيى بن محمد بن أيوب عن علي بن مهزيار عن ابن سنان عن يحيى الحلبي عن عمر بن أبان عن جابر قال حدثني تميم بن حذيم قال : كنا مع علي عليه‌السلام حيث توجهنا إلى البصرة قال فبينما نحن نزول إذا اضطربت الأرض فضربها علي عليه‌السلام بيده ثم قال لها ما لك ثم أقبل علينا بوجهه ثم قال لنا أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه لأجابتني ولكنها ليست بتلك (١).

بيان هذا إشارة إلى ما ورد في الأخبار أن الإنسان في سورة الزلزال هو أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول للأرض ما لك فتحدثه الأرض أخبارها كما روي في العلل ، عن فاطمة عليها‌السلام قالت أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر وساقت الحديث إلى قولها فقال لهم علي عليه‌السلام كأنكم قد هالكم ما ترون قالوا وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط قالت فحرك شفتيه ثم ضرب الأرض بيده ثم قال ما لك اسكني فسكنت فقال أنا الرجل الذي قال الله « إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها » فأنا الإنسان الذي يقول لها ما لك « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها » إياي تحدث. فهذا معنى قوله عليه‌السلام إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله في كتابه أي في سورة الزلزال وهي زلزلة القيامة لأجابتني أي لحدثت وتكلمت معي ولكنها ليست بتلك أي زلزلة القيامة (٢).

٢٤ ـ العلل ، بالإسناد المتقدم عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزلزلة ما هي قال آية قلت وما سببها قال إن الله تبارك وتعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك عروق كذا وكذا قال فيحرك ذلك الملك عروق تلك الأرض التي أمره الله فتتحرك بأهلها قال قلت فإذا كان ذلك فما أصنع قال صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت ساجدا وتقول في سجودك

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤٢.

(٢) المصدر : ج ٢ ، ص ٢٤٣.


يا من « يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » أمسك عنا السوء « إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (١).

الفقيه ، بإسناده عن سليمان الديلمي مثله (٢).

بيان آية أي علامة من علامات غضبه أو قدرته « أَنْ تَزُولا » أي كراهة أن تزولا أو لتضمن الإمساك معنى الحفظ أو المنع عدي به « إِنْ أَمْسَكَهُما » أي ما أمسكهما وفي الفقيه بعد قوله « غَفُوراً » يا من « يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ » أمسك.

٢٥ ـ الكافي ، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن بعض أصحابه عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته فأرسل الله عز وجل إليه حوتا أصغر من شبر وأكبر من فتر فدخل في خياشيمه فصعق فمكث بذلك أربعين يوما ثم إن الله عز وجل رأف به ورحمه وخرج فإذا أراد الله عز وجل بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض (٣).

٢٦ ـ العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم العلة في زلزلة الأرض أن الحوت الذي يحمل الأرض له فلوس فإذا أراد الله عز وجل زلزلة أرض أو مكان رفع الحوت الفلس الذي في ذلك الموضع وحركه فتزلزل الأرض.

٢٧ ـ توحيد المفضل ، قال الصادق عليه‌السلام فإن قال قائل فلم صارت هذه الأرض تزلزل قيل له إن الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهب بها الناس ليرعوا وينزعوا عن المعاصي.

فوائد

الأولى قسمة المعمور من الأرض بالأقاليم السبعة قالوا الدائرة العظيمة

__________________

(١) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ٢٤٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١٤٢.

(٣) روضة الكافي : ٢٥٥.


التي تحدث على سطح الأرض إذا فرض معدل النهار قاطعا للعالم الجسماني تسمى خط الاستواء وإذا فرضت عظيمة أخرى على وجه الأرض تمر بقطبيها انقسمت الأرض بهما أرباعا أحد القسمين الشماليين هو الربع المسكون والباقية إما غامرة في البحار غير مسكونة وإما عامرة غير معلومة الأحوال وطول كل ربع بقدر نصف الدائرة العظيمة وعرضه بقدر ربعها وهذا الربع المسكون أيضا ليس كله معمورا إذ بعضه في جانب الشمال لفرط البرد لا يمكن لحيوان التعيش فيه وهي المواضع التي يكون عرضها أزيد من تمام الميل الكلي وفي القدر المعمور أيضا بحار كثيرة بعضها متصل بالمحيط وبعضها غير متصل كما عرفت وجبال وآكام وآجام وبطائح ومغايض وبراري لا تقبل العمارة ووجدوا في جنوب خط الاستواء قليلا من العمارة من الزنج والسودان لكن لقلتها لم يعدوها من المعمورة ومبدأ العمارة عند المنجمين من جانب الغرب وكانت هناك جزائر تسمى الجزائر الخالدات وهي الآن مغمورة في الماء فجعلها بعضهم مبدأ الطول وآخرون جعلوا ساحل البحر الغربي مبدأ وبينهما عشر درجات ونهاية العمارة من الجانب الشرقي عندهم كنك ذر وهو مستقر الشياطين بزعمهم وسموا ما بين النهايتين على خط الاستواء قبة الأرض ثم قسموا المعمور من هذا الربع في جانب العرض بسبعة أقاليم بدوائر موازية لخط الاستواء طول كل إقليم ما بين الخافقين وعرضه بقدر تفاضل نصف ساعة في النهار الأطول لأن أحوال كل إقليم متشابهة متناسبة بحسب الحر والبرد والمزاج والألوان والأخلاق فمبدأ الإقليم الأول في العرض عند الأكثر مواضع يكون عرضها اثنتا (١) عشرة درجة وثلثا درجة ونهارهم الأطول اثنتا عشرة ساعة ونصف وربع ولم يعدوا من خط الاستواء إلى هذه المواضع من المعمورة لقلة العمارة فيها وبعضهم يجعل مبدأ الإقليم خط الاستواء لكن على التقديرين لا خلاف في أن مبدأ الإقليم الثاني حيث عرضه عشرون درجة ونصف ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربع ومساحة سطح الإقليم الأول على الأول كما ذكره البرجندي ستمائة ألف واثنان وستون ألف فرسخ وأربعة وأربعون فرسخا ونصف

__________________

(١) كذا في جميع النسخ.


فرسخ والبلاد المشهورة الواقعة فيه نجران وجند وصنعاء وصعدة وصحار وسندان وكولم وعلاقي وقال بعضهم وهذا الإقليم يبتدئ في الطول من المشرق وأراضي الصين وتمر هناك على أنهار عظيمة ثم تمر على سواحل البحر الجنوبي وبعض أرض الصين وبعض البلاد الجنوبية من الهند والسند ثم على جزيرة كرك التي والاها من قبل ملك اليمن ثم يمر على خليج فارس وجزيرة العرب وعلى أكثر بلاد اليمن كمعلى وحضرموت وصنعاء وزبيد وعدن وشهر وقلهات وظفار وسبأ ومدينة الطيب وصحار قصبة (١) عمان ثم على الخليج الأحمر ودار ملك الحبشة وبلاد النوبة وعلى غاية معدن الذهب من بلاد السودان (٢) المغرب ثم على بلاد بربر إلى المحيط المغربي وعدد البلاد المشهورة الواقعة في هذا الإقليم خمسون وفيه من الجبال والأنهار العظيمة عشرون جبلا وثلاثون نهرا ولون أكثر أهله السواد ويزعمون أن هذا الإقليم منسوب إلى زحل ومساحة سطح ما بين خط الاستواء والإقليم الأول ألف ألف فرسخ ومائة وستة عشر ألف فرسخ وسبعمائة وخمسة وثلاثون فرسخا وسدس فرسخ والبلاد المشهورة الواقعة فيها عدن وشوام وحضرموت ومرباط وسقوطرة وجزيرة سرنديب وجزيرة لامري وجزيرة كله وغانة وكوكو وسقالة وبربرا وزغاوة من بلاد الزنج وهدية وزيلع كلاهما من بلاد الحبشة.

ومساحة الإقليم الثاني خمسمائة ألف فرسخ واثنان وسبعون ألف فرسخ وستة وستون فرسخا وثلث فرسخ والبلاد المشهورة فيه مكة والمدينة ضاعف الله شرفهما وتيماء من بلاد الشام وينبع وجدة وخيبر وبطن مر والطائف والفيد والفرع ويمامة والأحساء وقطيف والبحرين والقفط وصعيد

__________________

(١) في مراصد الاطلاع : صحار بالضم وآخره راء : هضبة عمان مما يلي الجبل ، وقوام قصبتها مما يلي الساحل مدينة طيبة كثيرة الخيرات مبنية بالاجر والساج ـ انتهى ـ والهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض.

(٢) سودان ( خ ).


وأسيوط وأسوان وإسنا وعيذاب ولمطة من أقصى المغرب وسوس أقصى وسجلماسة وديبل من بلاد السند ومكران وبيرون والمنصورة وصنم صومنات من بلاد الهند وكنبايت وماهورة وقنوج وقال بعضهم هذا الإقليم يأخذ في الطول من بلاد الصين ويمر بمعظم بلاد الهند ومنها دهلي ثم بشمال جبال معروفة في ديارهم ويمر بمعظم ديار السند منها منصورة ويصل إلى عمان ويقطع جزيرة العرب من أرض نجد وتهامة ويمر بالطائف ومكة شرفها الله تعالى ومدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويثرب وهجر وقطيف والبحرين وهرمز من كرمان ويقطع القلزم ويصل إلى صعيد مصر ويقطع النيل ويأخذ في أرض المغرب ويمر بأواسط بلاد إفريقية ثم ببلاد البربر ويصل إلى المحيط والبلاد المشهورة الواقعة في هذا الإقليم أيضا خمسون وفيه من الجبال عشرون ومن الأنهار مثلها ولون عامة أهله بين السواد والسمرة ويزعمون أنه منسوب إلى الشمس.

ومبدأ الإقليم الثالث عرضه سبع وعشرون درجة ونصف ونهاية طول الأيام ثلاث عشرة ساعة وثلاث أرباع ساعة ومساحة سطحه أربعمائة وستون ألف فرسخ وأحد وتسعون فرسخا وخمسا فرسخ والبلاد المشهورة فيه الإسكندرية ومنفلوط من بلاد سعيد وأكثر بلادها الواقعة على النيل ورشيد ودمياط من بلاد مصر وقلزم على ساحل بحر اليمن وفسطاط من بلاد مصر وعين الشمس منها وأسفي (١) من أقصى المغرب وسلا وفاس ومراكش (٢) ودرعة وميلة وتاهرت وقسطينة (٣)

__________________

(١) بفتحتين وكسر الفاء : بلدة على شاطئ البحر المحيط بأقصى المغرب ( مراصد الاطلاع ).

(٢) بالفتح ثم التشديد وضم الكاف وشين معجمة : أعظم مدينة بالمغرب وأجلها وبها سرير ملوكه في وسط بلاد البربر وبينه وبين البحر عشرة أيام. ومعنى مراكش بالبربرية « أسرع المشى » لانها كانت موضع مخافة.

(٣) كذا في نسختين مخطوطتين ، وفي بعضها « قسطنطنية » وهي غلط لأنها من بلاد الروم وهي التي تسمى اليوم « استانبول » من بلاد تركيا ، والظاهر ان الصواب « قسطنطينية » بضم القاف وفتح السين وسكون النون الأولى وفتح الياء المخففة الثانية وهي في افريقية مما يلى المغرب كما في مراصد الاطلاع.


وسطيف كلها من بلاد المغرب وتينزرت وتونس وقابس وقيروان ومهدية وصفاقس وأطرابلس وقصر أحمد كلها من بلاد إفريقية وغزة وعسقلان وقيسارية ورملة وبيت المقدس كلها من بلاد فلسطين ونابلس وعكا وبيسان وصور وعمان وكرك وبيروت وصيدا وأذرعات وبصرى ودمشق وصرخد كلها من بلاد الشام وهيت والقادسية وحيرة والكوفة والأنبار وبغداد وصرصر والمدائن وبابل ونعمانية ونهروان وقصر ابن هبيرة ونهر الملك كلها من بلاد العراق ونواحيها وبصرة وأبله وعبادان وطيب وسوس وقرقوب وتستر وحبى وعسكر مكرم والأهواز ودورق وأرجان كلها ما عدا الثلاثة الأول من بلاد خوزستان وسيف البحر وجور وأبرقوه وكازرون ونوبندجان وفيروزآباد وشيراز والبيضاء وإصطخر وبسا (١) ودارابجرد كلها من بلاد فارس ونواحيها ويزد وبافد وبردسير وجيرفت وسيرجان وزرند وبم وهرمز كلها من بلاد كرمان وزرنج (٢) وشروان (٣) وبست كلها من بلاد سيستان وملتان من بلاد السند وتعبر من بلاد الهند وزيتون من بلاد الصين وأصبهان وأردستان وطبس وبيروزكوه وميمند وغزنة وكابل وقال بعضهم هذا الإقليم يبتدئ من شرقي أرض الصين ودار ملكهم وتمر بوسط مملكة الهند وقندهار وكشمير ويمر بمولتان من أرض السند وبزابل وبست وسيستان وكيج ويزده سير مدينة كرمان وخبيص ويزد وفارس وأصفهان والأهواز وعسكر وكوفة وبصرة وواسط وبغداد والمدائن وإذا جاوز هذه البلاد يمر بديار ربيعة ومضر ودمشق وحمص وبيت المقدس والصورية والطبرية والقيسارية وعسقلان والمدين ويأخذ طرفا من الأرض مصر فيه دمياط وفسطاط

__________________

(١) هى التي تسمى اليوم « فسا ».

(٢) في طبعة امين الضرب « زرنه ».

(٣) في بعض النسخ « سروان » وفي المراصد « شرواد ».


والإسكندرية ثم يمر ببلاد الإفريقية (١) وبلد قيروان والسوس وطرابلس المغرب ثم بقبائل السرير في أرض المغرب وبلاد طنجة وينتهي إلى المحيط وعدد البلاد المشهورة الواقعة فيه مائة وثمانية وعشرون وفيه من الجبال ثلاثة وثلاثون ومن الأنهار اثنان وعشرون ولون أكثر أهله السمرة ويزعمون أنه منسوب إلى عطارد.

وأما الإقليم الرابع فعرض أوله ثلاث وثلاثون درجة وأربعون دقيقة وأطول نهاره أربع عشرة ساعة وربع ومساحة سطحه ثلاثمائة ألف ثمانية وسبعون ألفا وثمانية وثلاثون فرسخا وربع والبلاد المشهورة فيه قصر عبد الكريم وطنجة وسبسته (٢) وتلمسان وبجاية من بلاد المغرب وبوند وقصر أحمد من بلاد إفريقية وإشبيلة (٣) وقرطبة ومالقة وغرناطة وبلنسية كلها من بلاد الشام (٤) وتوابعها وجزيرة يابسة وجزيرة مايرقه (٥) فيها بحيرة محيطها تسعة أميال وجزيرة سردانية وجزيرة صقلية وجزيرة وسامس (٦) وجزيرة رودس وجزيرة قبرس كل هذه الجزائر في بحر الروم وطرسوس وأياس وأرطة (٧) ومصيصة وبرس برت وتل حمدون كلها من بلاد أرمن وأطرابلس وبلنباس وبعلبك وعرقة وجبلة من بلاد الشام وسبس وصهيون وبغراس وحارم وحصن الأكراد والحمص وحماة وشيزر ومرعش وحصن منصور ومنبج ومعرة (٨) وقنسرين وسميساط بعضها من

__________________

(١) افريقية ( خ ).

(٢) كذا وفي المراصد « سبتة ».

(٣) كذا ، وفي المراصد « اشبيلية ».

(٤) بل من بلاد الاندلس ( اسبانيا ).

(٥) ميورقة جزيرة في شرقي الاندلس ( مراصد الاطلاع ).

(٦) وساس ( خ ).

(٧) في بعض النسخ « ارته » وفي بعضها « أرنه ».

(٨) في بعض النسخ « مغرة » وهي أيضا موضع بالشام.


أعمال حلب وبعضها من أعمال الشام وحلب وحران ورقة كلاهما من ديار مضر وماردين من ديار ربيعة وميافارقين من بلاد الجزيرة وقرقيسياء وجيران ونصيبين وجزيرة ابن عمر وسنجار من ديار ربيعة وتل أعفر وموصل والحديثة ودقوقاء وآمد وعانة وسعرت وتكريت وسامراء ودسكرة وجلولاء وخانقين وحلوان بعضها من العراق وبعضها من الجزائر ودهلي من بلاد الهند وأنطاليا من بلاد الروم وأرزن وبدليس وأرجليس (١) كلها من أرمنية وسلماس وخوي ومراغة وأوجان وأردبيل وميانج ومرند وتبريز كلها من بلاد آذربيجان وموقان (٢) وإربل وشهرزور وقصرشيرين وصيمرة ودينور وسيروان وماسبذان وسهرورد وزنجان ونهاوند وهمدان وبروجرد وأبهر وساوه وقزوين وآبة وجرباذقان وقم وطالقان وقاشان والري وكرج أكثرها من بلاد الجبل ولاهجان وروذبار وسالوس وناتل وأرجان وآمل وسارية كلها من بلاد طبرستان وسمنان ودامغان وبسطام وأسترآباد وآبسكون وجرجان ودهستان وخسروجرد وقصبة سبزوار وأسفراين ونيسابور ونسا وطوس ونوقان وأبيورد وقوهستان وقاين وزوزن وجزجرد وبوزجان وسرخس وفوشنج وهراة وبادغيس ومالين وشيورغان (٣) وأسفزار ومروروذ ومرو وشاه جهان وفارياب وشهرستان وسمنجان كلها من خراسان وأعمالها وبدخشان وترمد (٤) وختلان ووخش وصغانيان وشومان وآثينية كلها من بلاد المغرب ويقال أنه بلد حكماء يونان.

وقال بعض الأفاضل هذا الإقليم وسط الأقاليم ووسط معظم عمارة العالم ويبتدئ من شمال بلاد الصين ويمر ببلاد التبت الداخل وجرجير وخطا وختن وبجبال

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، وفي المراصد « ارجيش » بالشين المعجمة.

(٢) الظاهر أنها هي التي تسمى اليوم « دشت مغان ».

(٣) كذا ، والظاهر أنه « شبرقان ».

(٤) قال في المراصد الناس يختلفون في هذا الاسم والمعروف انه بكسر التاء والميم وأهل تلك المدينة متداول على لسانهم بفتح التاء وكسر الميم ، وبعضهم يقول بضمها ـ الخ ـ.


كشمير وبدخشان وصغانيان وكابل ويمر بطخارستان وغور وبلخ وترمد وهرات ومرو وشاهجهان ومرورود وسرخس وجوزجان وفارياب وغرجستان (١) وباورد (٢) ونسا وسبزوار وطوس ونيشابور وأسفراين وقهستان وقومس وجرجان وطبرستان وآمد (٣) وقم وآمل وكاشان وهمدان وأبهر وقزوين والديلم وساوه وألموت وكرج وكيلان ومازندران وساري وسمنان ودامغان وأسترآباد وبسطام ونهاوند ودينور وحلوان وشهرزور وزنجان وسلطانية وأردبيل والموصل وسامرة وأرمنية (٤) ومراغة وتبريز وسنجار ونصيبين وسمياط وملطية وأرزنجان ورأس العين وقاليقلا وسميساط وحلب وأنطاكية وقنسرين وطرابلس الشام وحمص وطرسوس وجزيرة قبرس ورودس ويمر بأرض المغرب على بلاد أفرنجة وطنجة وينتهي إلى المحيط على الرقاق من الأندلس وبلاد المغرب وعدد البلاد المشهورة الواقعة فيه مائتان واثنا عشر وفيه من الجبال خمسة وعشرون ومن الأنهار اثنان وعشرون ولون عامة أهله بين السمرة والبياض وهو منسوب إلى المشتري على الأصح بزعمهم.

وأما الإقليم الخامس فمبدؤه حيث عرضه تسع وثلاثون درجة وغاية طول نهارهم أربع عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة ومساحة سطحه مائتا ألف وتسع وتسعون ألف فرسخ وأربعمائة وثلاثة وتسعون فرسخا وثلاثة أعشار فرسخ ومن البلاد الواقعة فيها أشبونة وشنترين وبطليوس وماردة وطليطلة ومرسية ودانية ومدينة

__________________

(١) في المراصد : غرشستان.

(٢) فيه : وهي أبيورد.

(٣) كذا ، ولعله مصحف « آمو » فان « آمد » بلد قديم تحيط دجلة بأكثره ، ومن البعيد ذكره بين طبرستان وقم مع ما يشاهد من رعاية الترتيب ـ إلى حد ما ـ في ذكر أسماء البلاد.

(٤) ارمية ( ظ ).


سالم وسرقسطة وطرطوشة ولاردة وهيكل الزهرة وأربونة وأنقورية (١) وعمورية وآق شهر وقونية وقيسارية وأقسرا (٢) وملطية وسيواس وتوقات وأرزن وأرزنجان وموش وملازجرد وأخلاط (٣) وشروان ونشوى وبردعة وشمكور وتفليس وبيلقان وباب الأبواب وكنجة وسلطانية وفراوة وكركنج وكات وزمخشر وهزارأسب ودرغان وطواويس وبيكند وكرمنية (٤) ونخشب وكش وأربنجن وإشتيخن وسمرقند وكشانية وشاش وبنكث وإيلاقي (٥) وأسروشة (٦) وساباط وخجند وشاوكث وتنكت وإمسيكث وكاسان وفرغانة وقباء وختن وخيوه ورومية الكبرى وماقذونية من أعمال قسطنطنية.

وقال بعض الأفاضل يبتدئ هذا الإقليم من أقصى بلاد الترك ويمر على مواضع الأتراك المشهورة إلى حد كاشغر وختن وبيت المقدس وفرغانة وطراز وخجند ويمر بشروان وخوارزم وبخارا وشاش ونسف وسمرقند وكش وببحر خزر وديار أرمنية وبعض بلاد الروم كعمورية وقونية وأقسراي وقيصرية وسيواس وأرزن الروم ويمر بساحل بحر الشام وبلاد أندلس إلى أن ينتهي إلى المحيط وعدد البلاد المشهورة الواقعة فيه مائتان وفيه من الجبال ثلاثون ومن الأنهار خمسة عشر ولون عامة أهله البياض وهو منسوب إلى الزهرة بزعمهم.

وأما الإقليم السادس فمبدؤه حيث عرضه ثلاث وأربعون درجة ونصف وغاية طول نهاره خمس عشرة ساعة وربع ومساحة سطحه مائتا ألف وخمسة وثلاثون ألف

__________________

(١) الظاهر أنه « آنقرة » التي هي عاصمة تركيا اليوم.

(٢) ويقال : أقصرى ، وأقصر اي.

(٣) كذا والمضبوط « خلاط ».

(٤) في المراصد : كرمينية.

(٥) كذا والمضبوط « ايلاق ».

(٦) كذا والمضبوط « اسروشنه » بزيادة نون بعد الشين المعجمة.


فرسخ وأربعة وثلاثون فرسخا وثلثا فرسخ وفيه من البلاد المشهورة تطيلة وتبلوته وبردال ولمريا وجزيرة نقربيت وأماسية وقسطمونية وسنوب وجند وفاراب وإسفيجاب وطراز وشلج وخان بالق وكاشغر وسمورة ولنبردية وبيذة وبندقية وبرشان وقسطنطنية وبلنجر وقال بعض المحققين من بلاده معظم الروم والخزر والتركستان فيبتدئ من المشرق ويمر بمساكن أتراك الشرق ويقطع وسط بحر طبرستان ويمر على خزر وموقان وسقسين (١) وعلى الصقالبة وبلاد آس وأران وباب الأبواب والروس ثم بمعظم بلاد الروم مثل قسطنطنية وبشمال أندلس وينتهي إلى المحيط وعدد البلاد المشهورة الواقعة فيه تسعون وفيه من الجبال أحد عشر ومن الأنهار أربعون ولون غالب أهله الشقرة وهو عندهم منسوب إلى القمر.

وأما الإقليم السابع فمبدؤه حيث العرض سبع وأربعون درجة وربع وغاية طول نهاره خمس عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة ومساحة سطحه مائة ألف وسبعة وثمانون ألف فرسخ وسبعمائة وواحد وعشرون فرسخا وثلثا فرسخ وفي هذا الإقليم العمارة قليلة والبلاد المشهورة فيه كرش وأزرق وصراي وهو مستقر سلطان تتر (٢) وأكل ويلار (٣) ويقال له بلغار وأفجاكرمان وصاري كرمان وقرقر وصلغات وكفا (٤) وصقجى (٥) وشنتياقر (٦) وهرقلة وقال بعضهم هذا الإقليم يأخذ في طوله من المشرق ويمر بنهايات الأتراك الشرقية وبشمال بلاد يأجوج ومأجوج ثم على غياض وجبال يأوي إليها أتراك كالوحوش ثم على بلغار الروس والصقالبة ويقطع بحر الشام وينتهي إلى المحيط وعدد بلاد هذا الإقليم اثنان وعشرون وفيه من الجبال أحد عشر ومن الأنهار أربعون ولون أهله بين الشقرة والبياض وهو

__________________

(١) سفسين ( خ ).

(٢) التتر ( خ ).

(٣) بلار ( خ ).

(٤) كفى ( خ ).

(٥) عبقحى ( خ ).

(٦) في المراصد : شنت ياقب.


منسوب عندهم إلى المريخ وأهل بعض بلاده يسكنون مدة ستة أشهر في الحمامات لشدة البرد وآخر الأقاليم حيث عرضه خمسون درجة ونصف وغاية طول نهاره ست عشرة ساعة وربع ثم إلى عرض التسعين لا يعدونه من الأقاليم.

واعلم أن خط الاستواء يبتدئ من شرقي أرض الصين ويمر على جزيرة چمكوت ثم ببلاد الصين مما يلي الجنوب وعلى كنك ذر الذي من أراضي الصين ثم على جزائر زأرة التي تسمى أرض الذهب وعلى جنوب جزيرة سرنديب بين جزيرتي كله وسريره وعلى وسط جزائر ديويره (١) ثم على شمال جزائر الزنج ومعظم بلادهم ثم على شمال جبال القمر وجنوب سودان المغرب إلى المحيط وأما طول النهار لسائر البقاع سوى الأقاليم السبعة فالنهار الأطول يبلغ سبع عشرة ساعة حيث العرض أربع وخمسون درجة وكسر ويبلغ ثماني عشرة ساعة حيث العرض ثمان وخمسون درجة ويبلغ تسع عشرة ساعة حيث العرض إحدى وستون درجة ويبلغ عشرين ساعة حيث العرض ثلاث وستون وهناك جزيرة تسمى تولي يقال إن أهلها يسكنون الحمامات مدة كون الشمس بعيدة عن سمت رءوسهم والمشهور أنها منتهى العمارة في العرض ويبلغ إحدى وعشرين ساعة حيث العرض أربع وستون درجة ونصف قال بطلميوس إن سكان هذا الموضع قوم من الصقالبة لا يعرفون وعلى هذا يكون هو منتهى العمارة في العرض ويبلغ اثنتين وعشرين ساعة حيث العرض خمس وستون درجة وكسر ويبلغ ثلاثا وعشرين ساعة حيث العرض ست وستون درجة ويبلغ أربعا وعشرين ساعة حيث العرض مثل تمام الميل الكلي ويبلغ شهرا حيث العرض سبع وستون درجة وربع وشهرين حيث العرض سبعون درجة إلا ربعا وثلاثة أشهر حيث العرض ثلاث وسبعون درجة ونصف وأربعة أشهر حيث العرض ثمان وسبعون درجة ونصف وخمسة أشهر حيث العرض أربع وثمانون درجة ونصف السنة تقريبا حيث العرض ربع الدور ومنهم من قسم ما سوى الأقاليم من الربع قسمين قسما لم يدخل في الأقاليم ويدخل في المعمورة وقسما لم يدخل فيهما فالأول مبدؤه حيث عرضه خمسون درجة وثلث وغاية

__________________

(١) ديوه ( خ ).


طول نهاره ست عشرة ساعة وربع ومساحة سطحه سبعمائة ألف وخمسون ألف فرسخ ومائة واثنان وثلاثون فرسخا وربع فرسخ وفيه جزيرة برطانية وجزيرة صوداق وجزيرة تولى ومدينة يأجوج ومأجوج قالوا عرض تلك المدينة ثلاث وستون درجة وطولها مائة واثنتان وسبعون درجة ونصف والقسم الثاني مبدؤه حيث عرضه ست وستون درجة ونصف وغاية طول نهاره سبع وأربعون ساعة ومساحة سطحه أربعمائة ألف واثنان وعشرون ألف فرسخ وأربعمائة وسبعة فراسخ وخمس فرسخ وقيل في عرض خمس وسبعين درجة موضع أهله يسكنون في الشتاء في الحمامات ولا يفهم كلامهم.

الفائدة الثانية في ذكر بعض خواص خط الاستواء والآفاق المائلة فأما خط الاستواء فدوائر آفاق البقاع التي تكون عليه تنصف جميع المدارات اليومية فلذلك يكون النهار والليل في جميع السنة متساويين وأيضا يكون زمان ظهور كل نقطة على الفلك مساويا لزمان خفائه فإن كان تفاوت كان بسبب اختلاف السير سرعة وبطئا بالحركة الغربية في النصفين وذلك لا يكون محسوسا وتمر الشمس في السنة الواحدة مرتين بسمت رءوسهم وذلك عند كونها في نقطتي الاعتدالين ولا تبعد الشمس عن سمت رءوسهم إلا بقدر غاية ميل فلك البروج عن معدل النهار وتكون الشمس نصف السنة تقريبا في جهة من جهتي الشمال والجنوب ويكون ظل نصف النهار إلى خلاف تلك الجهة ولكون مبدإ الصيف الوقت الذي يكون فيه الشمس إلى سمت الرأس أقرب ومبدأ الشتاء الوقت الذي يكون الشمس منه أبعد يكون وقت كونها في نقطتي الاعتدال مبدأ صيفهم ووقت كونها في نقطتي الانقلاب مبدأ شتائهم ويكون مبادئ الفصلين الأخيرين أوساط الأرباع ويلزم على ذلك أن يكون لهم في كل سنة ثمانية فصول ويكون دور الفلك هناك دولابيا لأن سطوح جميع المدارات يقطع سطح الأفق على قوائم ويسمى لذلك آفاقها آفاق الفلك المستقيم والشيخ ابن سينا حكم بأنها أعدل البقاع لأن الشمس لا تمكث على سمت الرأس كثيرا بل إنما يمر به وقتي اجتيازها عن إحدى الجهتين إلى الأخرى ويكون هناك حركتها في الميل والبعد عن سمت رأسهم أسرع ما يكون فلا تكون لذلك حرارة صيفهم شديدة وأيضا لتساوي


زماني نهارهم وليلهم دائما تنكسر سورتا كل واحدة من الكيفيتين الحادثتين منهما بالأخرى فيعتدل الزمان وحكم أيضا بأن أحر البقاع صيفا التي تكون عروضها مساوية للميل الكلي فإن الشمس تسامتها وتلبث في قرب مسامتتها قريبا من شهرين ونهارها حينئذ يطول وليلها يقصر ورد الفخر الرازي عليه الحكم الأول بأن قال لبث الشمس في خط الاستواء وإن كان قليلا لكنها لا تبعد كثيرا عن المسامتة فهي طول السنة في حكم المسامتة ونحن نرى بقاعا أكثر ارتفاعات الشمس فيها لا يزيد على أقل ارتفاعاتها بخط الاستواء وحرارة صيفها في غاية الشدة فيعلم من ذلك أن حرارة شتاء خط الاستواء تكون أضعاف حرارة صيف تلك البقاع وحكم بأن أعدل البقاع هو الإقليم الرابع.

وقال المحقق الطوسي ره الحق في ذلك أنه إن عنى بالاعتدال تشابه الأحوال فلا شك أنه في خط الاستواء أبلغ كما ذكره الشيخ وإن عنى به تكافؤ الكيفيتين فلا شك أن خط الاستواء ليس كذلك يدل عليه شدة سواد لون سكانه من أهل الزنج والحبشة وشدة جعود شعورهم وغير ذلك مما تقتضيه حرارة الهواء وأضداد ذلك في الإقليم الرابع تدل على كون هوائه أعدل بل السبب الكلي في توفر العمارات وكثرة التوالد والتناسل في الأقاليم السبعة دون سائر المواضع المنكشفة من الأرض يدل على كونها أعدل من غيرها وما يقرب من وسطها لا محالة يكون أقرب إلى الاعتدال مما يكون على أطرافها فإن الاحتراق والفجاجة اللازمين من الكيفيتين ظاهران في الطرفين انتهى.

فعلى ما ذكره قدس‌سره سكان الإقليم الرابع أعدل الناس خلقا وخلقا وأجودهم فطانة وذكاء ومن ثمة كان معدن الحكماء والعلماء وبعدهم سكان الإقليمين الثالث والخامس وأما سائر الأقاليم فأكثرها ناقصون في الجبلة عما هو أفضل يدل عليه سماجة صورهم وسوء أخلاقهم وشدة احتراقهم من الحر أو فجاجتهم من البرد كالحبشة والزنج في الأول والثاني وكيأجوج ومأجوج وبعض الصقالبة في السادس والسابع وأما الآفاق التي لها عرض أقل من الربع فهي على خمسة أقسام الأول أن يكون عرضه أقل من الميل الكلي الثاني أن يكون عرضه مساويا للميل الكلي


الثالث (١) أن يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلي الرابع أن يكون عرضه أكثر من الميل وأقل من تمامه الخامس أن يكون عرضه أكثر من تمام الميل ففي جميع تلك الآفاق يكون أحد قطبي المعدل فوق الأرض مرتفعا عن الأفق بقدر عرض البلد والآخر منحطا عن الأفق بهذا المقدار وجميع تلك الآفاق ينصف معدل النهار على زوايا قوائم فيكون دور الفلك هناك حمائليا وتقطع المدارات التي تقطعها بقطعتين مختلفتين والقسي (٢) الظاهرة للمدارات الشمالية أعظم من التي تحت الأرض وللجنوبية بالخلاف من ذلك ولا يستوي الليل والنهار فيها إلا عند بلوغ الشمس نقطتي الاعتدال وذلك في يوم النيروز والمهرجان والمساواة في بعض الأوقات تحقيقي وفي بعضها تقريبي ويكون النهار أطول من الليل عند كون الشمس في البروج الشمالية وعند كونها في البروج الجنوبية الأمر بعكس ذلك وكلما كان عرض البلد أكثر كان مقدار التفاوت بين الليل والنهار أكثر وكل مدار بعده عن القطب الشمالي مثل ارتفاع القطب عن الأفق فهو بجميع ما فيه وبجميع ما تحويه دائرته إلى القطب الشمالي من الكواكب والمدارات أبدي الظهور ونظيره من ناحية الجنوب بجميع ما فيه وما تحويه دائرته إلى القطب الجنوبي أبدي الخفاء وهذه هي الأحوال المشتركة.

وأما ما يختص بالقسم الأول من الأقسام الخمسة المتقدمة وهو ما يكون العرض أقل من الميل الكلي فالمدار الذي يكون بعده عن المعدل من جهة القطب الظاهر بقدر عرض البلد يقطع منطقة البروج على نقطتين متساويتي البعد من المنقلب فإذا وصلت الشمس إلى إحدى هاتين النقطتين لا يكون في نصف نهار هذا اليوم لشيء ظل وما دامت الشمس في القوس الذي بين تينك النقطتين في جهة القطب الظاهر يقع

__________________

(١) في أكثر النسخ هكذا : الثالث أن يكون عرضه أكثر من الميل وأقل من تمامه الرابع أن يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلى.

(٢) جمع قوس ، وأصله قووس ـ على ما ذكره الصرفيون ـ فانقلب اللام مكان العين ثم قلبت الواوان ياءين وادغمت الأولى في الثانية وكسرت القاف والسين فصار « قسيا ».


الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الخفي وما دامت الشمس في القوس الآخر يقع الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الظاهر ولارتفاع الشمس في النقصان غايتان إحداهما من جهة القطب الظاهر وهو أكثر والأخرى من جهة القطب الخفي وهو أقل ولا تكون فصول السنة في تلك الآفاق متساوية بل إذا كانت النقطتان المذكورتان متقاربتين كان صيفهم أطول من غيره لأن الشمس تسامت رءوسهم مرتين وليس بعدها على قدر يكون في وسطه فتور للسخونة وإن زادت على الأربعة كما إذا كانت النقطتان متباعدتين لم تكن متشابهة لاختلاف غايتي بعد الشمس عن سمت الرأس في الجهتين بخلاف خط الاستواء لتساويهما.

وأما القسم الثاني فمدار المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر يمر بسمت الرأس ومدار المنقلب الآخر بسمت الرجل ولا يكون لارتفاع الشمس إلا غاية واحدة في جانب النقصان وفي جانب الزيادة يكون تسعين درجة ويكون الظل أبدا عند الزوال في جهة القطب الظاهر إلا في يوم واحد حين كونها في المنقلب الظاهر فإنه لا يكون في هذا اليوم عند الزوال لشيء ظل ويكون أحد قطبي فلك البروج أبدي الظهور والآخر أبدي الخفاء وارتفاعات الشمس تتزايد من أحد الانقلابين إلى الآخر ثم ترجع وتتناقص إلى أن تعود إليه وتصير فصول السنة أربعة لا غير وتكون متساوية المقادير.

وأما القسم الثالث فلا تنتهي الشمس إلى سمت الرأس ويكون لها ارتفاعان أعلى وهو ما يكون بقدر مجموع الميل الكلي وتمام عرض البلد وأسفل وهو يكون بقدر فضل تمام عرض البلد على الميل الكلي وسائر الأحوال كما مر.

وأما القسم الرابع فيصير مدار المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر أبدي الظهور ومدار المنقلب الآخر أبدي الخفاء ويمر مدار قطب فلك البروج الظاهر بسمت الرأس ومدار القطب الآخر بمقابله وفي كل دورة تنطبق منطقة البروج مرة على الأفق ثم يرتفع النصف الشرقي من المنطقة دفعة عن الأفق وينحط نصفها الآخر عنه كذلك ثم يطلع النصف الخفي جزء بعد جزء في جميع أجزاء نصف الأفق الشرقي


ويغيب النصف الظاهر جزء بعد جزء كذلك في جميع نصف الأفق الغربي في مدة اليوم بليلته إلى أن يعود وضع الفلك إلى حالة الأولى ويزيد النهار في تلك الآفاق إلى أن يصير مقدار يوم بليلته نهارا كلها وذلك عند وصول الشمس إلى المنقلب الظاهر وهذا إذا اعتبر ابتداء النهار من وصول مركز الشمس إلى الأفق وإن اعتبر ابتداء النهار من ظهور الضوء واختفاء الثوابت كان نهارهم عند الوصول المذكور شهرا على ما بينه ساوذوسيوس في الرسالة التي بين فيها حال المساكن ثم يحدث ليل في غاية القصر بحيث يتداخل الشفق والفجر ويزيد شيئا فشيئا إلى أن يصير مقدار يوم بليلته ليلة كله وبعد ذلك يحدث نهار قصير وهكذا وفي هذا القسم نهاية العمارة في جانب الشمال ولا تمكن العمارة بعده لشدة البرد.

وأما القسم الخامس فيكون فيه أعظم المدارات الأبدية الظهور قاطعا لمنطقة البروج على نقطتين يساوي ميلهما في جهة القطب الظاهر وأعظم المدارات الأبدية الخفاء قاطعا لها على نقطتين متقابلتين لهما فتنقسم منطقة البروج لا محالة إلى أربع قسي يتوسطها الاعتدالان والانقلابان إحداهما أبدي الظهور وهي التي يتوسطها المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر ومدة كون الشمس فيها نهارهم الأطول والثانية أبدي الخفاء وهي التي يتوسطها المنقلب الآخر ومدة كون الشمس فيها ليلهم الأطول وأما القوسان الباقيتان فالتي يتوسطها أول الحمل تطلع معكوسة أي يطلع آخرها قبل أولها وتغرب مستوية أي يغرب أولها قبل آخرها إن كان القطب الظاهر شماليا وتطلع مستوية وتغرب معكوسة إن كان القطب الظاهر جنوبيا والتي يتوسطها أول الميزان يكون بالضد من ذلك ومثلوا لتصوير الطلوع والغروب المعكوسين مثالا لسهولة تصورهما تركناه مع سائر أحكام هذا القسم لقلة الجدوى.

وأما الموضع الذي عرضه ربع الدور وهو تسعون درجة فأوضاعه غريبة جدا وذلك لا يكون على الأرض إلا عند موضعين يكون أحد قطبي المعدل على سمت الرأس والآخر على سمت القدم فتصير لا محالة دائرة معدل النهار منطبقة على الأفق ويدور الفلك بالحركة الأولى التابعة للفلك الأعظم رحوية ولا يبقى في الأفق مشرق


ولا مغرب باعتبار هذه الحركة أصلا ولا باعتبار غيرها بحيث يتميز أحدهما عن الآخر في الجهة ولا يتعين أيضا نصف النهار بل في جميع الجهات يمكن أن تبلغ الشمس وسائر الكواكب غاية ارتفاعها كما يمكن أن تطلع وتغرب فيها فيكون النصف من الفلك الذي يكون من معدل النهار في جهة القطب الظاهر أبدي الظهور والنصف الآخر أبدي الخفاء والشمس ما دامت في النصف الظاهر من فلك البروج يكون نهارا وما دامت في النصف الخفي منه يكون ليلا فيكون سنة كلها يوما بليلة ويفضل أحدهما على الآخر من جهة بطء حركتها وسرعتها وهو تقريبا سبعة أيام بلياليها من أيامنا ففي هذه الأزمنة يزيد نهاره عن ليله بمثل هذه المدة وهذا إذا اعتبر النهار من طلوع الشمس إلى غروبها وأما إذا كان النهار من ظهور ضوئها واختفاء الثوابت إلى ضدهما فيكون نهارهم أكثر من سبعة أشهر بسبعة أيام وليلهم قريبا من خمسة أشهر إذ من ظهور ضوء الشمس إلى طلوعها خمسة عشر يوما وكذا من غروبها إلى اختفاء الضوء على ما حققه ساوذوسيوس وأما إذا كان النهار من طلوع الصبح إلى غروب الشفق فكان نهارهم سبعة أشهر وسبعة عشر يوما من أيامنا تقريبا.

وقال المحقق الطوسي قدس‌سره ويكون مدة غروب الشفق أو طلوع الصبح في خمسين يوما من أيامنا ويكون غاية ارتفاع الشمس وغاية انحطاطه بقدر غاية الميل وأظلال المقاييس تفعل دوائر متوازية بالتقريب على مركز أصل المقياس أصغرها إذا كانت الشمس في المنقلب الظاهر وأعظمها إذا كانت عند الأفق بقرب الاعتدالين ولا يكون لشيء من الكواكب طلوع ولا غروب بالحركة الأولى بل يكون طلوعها وغروبها بالحركة الثانية المختصة بكل منها لا في موضع بعينه من الأفق ويكون للكواكب التي يكون عرضها من منطقة البروج ينقص من الميل الكلي طلوع وغروب بالحركة الخاصة وتختلف مدة (١) الظهور والخفاء بحسب بعد مدارها عن منطقة البروج وقربها إليه فما كان مداره أبعد عنها في جهة القطب الظاهر كان زمان ظهوره أكثر من زمان ظهور ما مداره أقرب منها في هذه الجهة وينعكس الحكم في

__________________

(١) مدتا ( خ ).


الجهة الأخرى والكواكب التي عرضها مساو للميل كله تماس الأفق في دور واحد من الحركة الثانية مرة واحدة إما من فوق وإما من تحت ولا يكون لها ولا للتي يزيد عرضها في أحد جانبي فلك البروج على الميل الكلي طلوع ولا غروب بل تكون إما ظاهرة أبدا وإما خفية أبدا.

الفائدة الثالثة قالوا السبب الأكثري في تولد الأحجار والجبال عمل الحرارة في الطين اللزج بحيث يستحكم انعقاد رطبه بيابسه بإذن الله تعالى وقد ينعقد الماء السيال حجرا إما لقوة معدنية محجرة أو لأرضية غالبة على ذلك الماء فإذا صادف الحر العظيم طينا كثير الرخا إما دفعة وإما على مرور الأيام تكون الحجر العظيم فإذا ارتفع بأن يجعل الزلزلة العظيمة طائفة من الأرض تلا من التلال أو يحصل من تراكم عمارات تخربت ثم تحجرت أو يكون الطين المتحجر مختلف الأجزاء في الصلابة والرخاوة فتنحفر أجزاؤه الرخوة بالمياه والرياح وتغور تلك الحفر بالتدريج غورا شديدا وتبقى الصلبة مرتفعة أو بغير ذلك من الأسباب فهو الجبل وقد يرى بعض الجبال منضودة ساقا فساقا كأنها سافات الجدار فيشبه أن يكون حدوث مادة الفوقاني بعد تحجر التحتاني وقد سأل على كل ساف من خلاف جوهره ما صار حائلا بينه وبين الآخر وقد يوجد في كثير من الأحجار عند كسرها أجزاء الحيوانات المائية فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الدهر مغمورة في البحر فحصل الطين اللزج الكثير وتحجر بعد الانكشاف ولذلك كثر الجبال ويكون انحفار ما بينها بأسباب تقتضيه كالسيول والرياح كذا قيل وقد مر بعض الكلام فيه سابقا والحق أن الله تعالى خلقها بفضله وقدرته إما بغير أسباب ظاهرة أو بأسباب لا نعلمها وهذه الأسباب المذكورة ناقصة ولو كانت هذه أسبابها فلم لا يحدث من الأزمنة التي أحصى الحكماء تلك الجبال إلى تلك الأزمان جبل آخر إلا أن يقال لما كان في بدء خلق الأرض زلزلة ورجفة واضطراب عظيم في الأرض صارت أسبابا لحدوث تلك الجبال فلما حدثت استقرت الأرض وسكنت فلهذا لا يحدث بعدها مثلها كما دلت عليه الآيات والأخبار.


ثم اعلم أن منافع الجبال كثيرة منها كونها أوتادا للأرض كما مر ومنها أن انبعاث العيون والسحب المستلزمة للخيرات الكثيرة منها أكثر من غيرها بل لا تنفجر العيون إلا من أرض صلبة أو من جوار أرض صلبة كما قال في الشفاء إذا تتبعت الأودية المعروفة في العالم وجدتها كلها منبعثة من عيون جبلية ومنها تكون الجواهر المعدنية منها ومنها إنباتها النباتات الكثيرة والأشجار العظيمة ومنها المغارات الحادثة فيها فإنها مأوى الحيوانات بل بعض الناس ومنها كونها أسبابا لاهتداء الخلق في طرقهم وسبلهم ومنها اتخاذ الأحجار منها للأرحية والأبنية وغيرها إلى غير ذلك من المنافع الكثيرة التي تصل عقول الخلق إلى بعضها وتعجز عن أكثرها قال الصادق عليه‌السلام في خبر التوحيد الذي رواه عنه المفضل بن عمر انظر يا مفضل إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة التي يحسبها الغافلون فضلا لا حاجة إليها والمنافع فيها كثيرة فمن ذلك أن يسقط عليها الثلوج فتبقى في قلالها لمن يحتاج إليه ويذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الأنهار العظام وتنبت فيها ضروب من النبات والعقاقير التي لا ينبت منها في السهل وتكون فيها كهوف ومقائل للوحوش من السباع العادية ويتخذ منها الحصون والقلاع المنيعة للتحرز من الأعداء وينحت منها الحجارة للبناء والأرحاء وتوجد فيها معادن لضروب من الجواهر وفيها خلال أخرى لا يعرفها إلا المقدر لها في سابق علمه.

بيان المقايل كأنه من القيلولة وفي بعض النسخ بالغين المعجمة من الغيل وهو الشجر الملتف وفي بعضها معاقل جمع معقل وهو الشجر الملتف (١).

الفائدة الرابعة قالوا في علة حدوث الزلزلة والرجفة إذا غلظ البخار وبعض الأدخنة والرياح في الأرض بحيث لا ينفذ في مجاريها لشدة استحصافها (٢) وتكاثفها اجتمع طالبا للخروج ولم يمكنه النفوذ فزلزلت الأرض وربما اشتدت الزلزلة

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، والظاهر أنه سهو القلم ، فان المعقل بمعنى الملجأ ومكان عقل الإبل والجبل المرتفع ، والمناسب للعبارة هو « معاقل » بمعنى الملاجئ.

(٢) أي استحكامها.


فخسفت الأرض فتخرج منه نار لشدة الحركة الموجبة لاشتعال البخار والدخان لا سيما إذا امتزجا امتزاجا مقربا إلى الدهنية وربما قويت المادة على شق الأرض فتحدث أصوات هائلة وربما حدثت الزلزلة من تساقط عوالي وهدأت في باطن الأرض فيتموج بها الهواء المحتقن فيتزلزل بها الأرض وقليلا ما تتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لبعض الأسباب وقد يوجد في بعض نواحي الأرض قوة كبريتية ينبعث منها دخان وفي الهواء رطوبة بخارية فيحصل من اختلاط دخان الكبريت بالأجزاء الرطبة الهوائية مزاج دهني وربما اشتعل بأشعة الكواكب وغيرها فيرى بالليل شعل مضيئة.

وقال شارح المقاصد قد يعرض لجزء من الأرض حركة بسبب ما يتحرك تحتها فيحرك ما فوقه ويسمى الزلزلة وذلك إذا تولد تحت الأرض بخار أو دخان أو ريح أو ما يناسب ذلك وكان وجه الأرض متكاثفا عديم المسام أو ضيقها جدا وحاول ذلك الخروج ولم يتمكن لكثافة الأرض تحرك في ذاته وحرك الأرض وربما شقتها لقوته وقد ينفصل منه نار محرقة وأصوات هائلة لشدة المحاكة والمصاكة وقد يسمع منها دوي لشدة الريح ولا يوجد الزلزلة في الأراضي الرخوة لسهولة خروج الأبخرة وقلما تكون في الصيف لقلة تكاثف وجه الأرض والبلاد التي تكثر فيها الزلزلة إذا حفرت فيها آبار كثيرة حتى كثرت مخالص الأبخرة قلت الزلزلة وقد يصير الكسوف سببا للزلزلة لفقد الحرارة الكائنة عن الشعاع دفعة وحصول البرد الحاقن للرياح في تجاويف الأرض بالتحصيف (١) بغتة ولا شك أن البرد الذي يعرض بغتة يفعل ما لا يفعل العارض بالتدريج قال ذلك وأمثاله نقلا عن الحكماء ثم قال ولعمري إن النصوص الواردة في استناد هذه الآثار إلى القادر المختار قاطعة وطرق الهدى إلى ذلك واضحة لكن « مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » انتهى.

وقال بعض من يدعي اقتفاء آثار الأئمة الأبرار وعدم الخروج عن مدلول الآيات والأخبار ولما كانت الأبخرة والأدخنة المحتقنة في تجاويف الأرض بمنزلة عروقها وإنما تتحرك بقوى روحانية ورد في الحديث أن الله سبحانه إذا أراد أن

__________________

(١) بالتخسيف ( خ ).


يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فيتحرك بأهلها وما أشبه ذلك من العبارات على اختلافها والعلم عند الله انتهى.

وأقول قد عرفت مرارا أن تأويل النصوص والآثار والآيات والأخبار بلا ضرورة عقلية أو معارضات نقلية جرأة على العزيز الجبار ولا نقول في جميع ذلك إلا ما ورد عنهم صلوات الله عليهم وما لم تصل إليه عقولنا نرد علم ذلك إليهم.

٣٣

(باب)

(تحريم أكل الطين وما يحل أكله منه)

١ ـ مجالس الصدوق ، عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن إسماعيل المنقري عن جده زياد بن أبي زياد عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال : من أكل الطين فإنه تقع الحكة في جسده ويورثه البواسير ويهيج عليه داء السوء ويذهب بالقوة من ساقيه وقدميه وما نقص من عمله في ما بينه وبين صحته قبل أن يأكله حوسب عليه وعذب به.

مجالس الشيخ ، عن أبيه عن الحسين بن عبيد الله الغضائري عن الصدوق إلى آخر السند مثله ـ

ثواب الأعمال ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى (١) مثله ـ المحاسن ، عن علي بن الحكم مثله (٢).

٢ ـ الخصال ، بإسناده إلى أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام في وصايا النبي ص

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٣٧.

(٢) المحاسن : ٥٦٥.


إلى علي عليه‌السلام يا علي ثلاث (١) من الوسواس أكل الطين وتقليم الأظفار بالأسنان وأكل اللحية (٢).

٣ ـ ومنه ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن عبيد الله الدهقان عن درست عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : أربعة من الوسواس أكل الطين وفت الطين وتقليم الأظفار بالأسنان وأكل اللحية (٣).

بيان من الوسواس أي من وسوسة الشيطان أو من الشيطان المسمى بالوسواس كما قال تعالى « الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ » قال الجوهري الوسوسة حديث النفس يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو والوسواس بالفتح الاسم والوسواس اسم الشيطان انتهى والحاصل أنها من الأعمال الشيطانية التي يولع بها الإنسان ويعسر عليها تركها.

٤ ـ العيون ، عن أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن إبراهيم عن ياسر قال : سأل بعض القواد أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن أكل الطين وقال إن بعض جواريه يأكلن الطين فغضب ثم قال أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فانههن عن ذلك (٤).

٥ ـ مجالس ابن الشيخ ، عن والده عن علي بن محمد بن حشيش عن محمد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن بن فضال عن جعفر بن إبراهيم بن ناجية عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الطين الذي يأكله الناس فقال كل طين حرام كالميتة والدم وما أهل لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام فإنه شفاء من كل داء.

الخرائج ، عن ذي الفقار بن معبد الحسني عن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن ابن حشيش مثله.

__________________

(١) في المصدر : ثلاثة.

(٢) الخصال : ٦٠.

(٣) الخصال : ١٠٣.

(٤) العيون : ج ٢ ، ص ١٥.


٦ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله البرقي عن الحسن بن علي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته (١).

المحاسن ، عن الحسن بن علي مثله (٢).

٧ ـ العلل ، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام الطين حرام أكله (٣) كلحم الخنزير ومن أكله ثم مات فيه لم أصل عليه إلا طين القبر فمن أكله شهوة لم يكن فيه شفاء (٤).

بيان رواه الكليني في الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وابن قولويه في كامل الزيارة ، عن الكليني وجماعة من مشايخه بهذا الإسناد وفيهما حرام كله إلى قوله إلا طين القبر فإن فيه شفاء من كل داء ومن أكله بشهوة لم يكن له فيه شفاء (٥). وعدم صلاته عليه‌السلام عليه لا ينافي وجوب الصلاة عليه وأمره غيره بالصلاة عليه وهذا من التأديبات الشرعية لانزجار الناس عن مثلها فإن ذلك من أبلغ التعذيرات (٦).

٨ ـ العلل ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن إبراهيم بن مهزم عن طلحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من انهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه (٧).

المحاسن ، عن ابن محبوب مثله (٨) بيان قال الجوهري انهمك الرجل في الأمر أي جد ولج.

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢١٩.

(٢) المحاسن : ٥٦٥.

(٣) كله ( خ ).

(٤) العلل : ج ٢ ، ص ٢١٩.

(٥) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٦٥.

(٦) في بعض النسخ « التقديرات » والظاهر « التحذيرات ».

(٧) العلل : ج ٢ ، ص ٢١٩.

(٨) المحاسن : ٥٦٥.


٩ ـ العلل : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من أكل طين الكوفة فقد أكل لحوم الناس لأن الكوفة كانت أجمة ثم كانت مقبرة ما حولها وقد قال أبو عبد الله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أكل الطين فهو ملعون (١).

بيان يدل على عدم جواز أكل طين قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان هذا التعليل لشدة حرمة خصوص طين الكوفة وحواليها ويدل على أن طين قبر الحسين عليه‌السلام أيضا إذا كان من المواضع التي يظن خلط لحوم الناس وعظامهم به لا يجوز أكله وأكثر المواضع القريبة سوى ما اتصل بالضريح المقدس في تلك الأزمنة كذلك.

١٠ ـ العلل : عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن الحكم عن إسماعيل بن محمد بن أبي زياد عن جده زياد عن أبي جعفر عليه‌السلام إن من عمل الوسوسة وأكثر (٢) مصائد الشيطان أكل (٣) الطين إن أكل الطين يورث السقم في الجسد ويهيج الداء ومن أكل الطين فضعفت قوته التي كانت قبل أن يأكله وضعف عن عمله الذي كان يعمله قبل أن يأكله حوسب على ما بين ضعفه وقوته وعذب عليه (٤).

ثواب الأعمال : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم مثله (٥) ـ

المحاسن : عن علي بن الحكم مثله (٦)

بيان في الكافي وغيره عن إسماعيل بن محمد عن جده زياد بن أبي زياد وفي

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢٢٠.

(٢) في المحاسن : أكبر.

(٣) في ثواب الأعمال : ان عمل الوسوسة وأكثر مصائد الشيطان من أكل الطين.

(٤) العلل : ج ٢ ، ص ٢٢٠.

(٥) ثواب الأعمال : ٢٣٧.

(٦) المحاسن : ٥٦٥.


الكافي أن التمني عمل الوسوسة وأكثر مكايد الشيطان (١) وكان ما في سائر النسخ أظهر وفي المحاسن أكبر بالباء الموحدة.

١١ ـ كامل الزيارة : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن عبادة بن سليمان عن سعد بن سعد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الطين قال فقال أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين قبر الحسين عليه‌السلام فإن فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل خوف (٢).

١٢ ـ ومنه : عن محمد بن أحمد بن يعقوب عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من الطين فحرم الطين على ولده قال فقلت ما تقول في طين قبر الحسين عليه‌السلام فقال يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا ولكن الشيء (٣) منه مثل الحمصة (٤).

١٣ ـ ومنه : روي عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كل طين محرم على ابن آدم ما خلا طين قبر أبي عبد الله عليه‌السلام من أكله من وجع شفاه الله (٥).

١٤ ـ المحاسن : عن عثمان بن عيسى عن طلحة بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أكل الطين يورث النفاق (٦).

١٥ ـ ومنه : عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه (٧).

١٦ ـ ومنه : عن ابن فضال عن ابن القداح عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : قيل لعلي عليه‌السلام في رجل يأكل الطين فنهاه وقال لا تأكله فإنك إن أكلته ومت فقد أعنت على نفسك (٨).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٦٦ وفيه « مصائد الشيطان ».

(٢) كامل الزيارة : ٢٨٥.

(٣) في المصدر : الشيء اليسير منه.

(٤) كامل الزيارة : ٢٨٦.

(٥) كامل الزيارة : ٢٨٦.

(٦) المحاسن : ٥٦٥.

(٧) المحاسن : ٥٦٥.

(٨) المحاسن : ٥٦٥.


١٧ ـ ومنه ، عن محمد بن علي عن كلثم بنت مسلم قالت ذكر الطين عند أبي الحسن عليه‌السلام فقال أترين أنه ليس من مصائد الشيطان إنه من مصائده الكبار وأبوابه العظام (١).

١٨ ـ المكارم ، سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن طين الأرمني أيؤخذ للكسير والمبطون أيحل أخذه قال لا بأس به أما إنه من طين قبر ذي القرنين وطين قبر الحسين عليه‌السلام خير منه (٢).

المتهجد ، عن محمد بن جمهور العمي عن بعض أصحابه عنه عليه‌السلام مثله ـ دعوات الراوندي ، عنه عليه‌السلام مثله.

١٩ ـ وروى سدير عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : من أكل طين قبر الحسين عليه‌السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا.

٢٠ ـ طب الأئمة ، عن بشر بن عبد الحميد الأنصاري عن الحسن بن علي الوشاء عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام أن رجلا شكا إليه الزحير فقال له خذ من الطين الأرمني واقله بنار لينة واستشف (٣) منه فإنه يسكن عنك.

٢١ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال في الزحير تأخذ جزءا من خربق أبيض وجزءا من بزر القطونا وجزءا من صمغ عربي وجزءا من الطين الأرمني يقلى بنار لينة يستشف (٤) منه.

٢٢ ـ كامل الزيارة ، عن محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن عبد الله الأصم عن ابن أبي عمير عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديثه أنه سئل عن طين الحائر هل فيه

__________________

(١) المحاسن : ٥٦٥.

(٢) مكارم الأخلاق : ١٩٠.

(٣) استفاف الدواء أخذه غير ملتوت ، وفي بعض النسخ « واستشف منه ».

(٤) في بعض النسخ « تستشف منه ».


شيء من الشفاء فقال يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال وكذلك قبر جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد فخذ منها فإنها شفاء من كل داء وسقم وجنة مما تخاف ولا يعدلها شيء من الأشياء الذي يستشفى بها إلا الدعاء وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها وذكر الحديث إلى أن قال ولقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف بها حتى إن بعضهم يضعها (١) في مخلاة البغل والحمار وفي وعاء الطعام والخرج فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده (٢).

بيان أقول قال الشيخ البهائي قدس الله روحه في الكشكول مما نقله جدي من خط السيد الجليل الطاهر ذي المناقب والمفاخر السيد رضي الدين علي بن طاوس قدس سره من الجزء الثاني من كتاب الزيارات لمحمد بن أحمد بن داود القمي أن أبا حمزة الثمالي قال للصادق عليه‌السلام إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه‌السلام يستشفون فهل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء فقال يستشفى ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال وكذلك قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك قبر الحسن وعلي ومحمد فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم وجنة مما يخاف ثم أمر بتعظيمها وأخذها باليقين بالبرء وتختمها إذا أخذت ـ انتهى ـ.

وأقول هذا الخبر بهذين السندين يدل على جواز الاستشفاء بطين قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأئمة عليهم‌السلام ولم يقل به أحد من الأصحاب ومخالف لسائر الأخبار عموما وخصوصا ويمكن حمله على الاستشفاء بغير الأكل كحملها والتمسح بها وأمثال ذلك والمراد بعلي إما أمير المؤمنين أو السجاد وبمحمد الباقر عليه‌السلام ويحتمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تأكيدا وإن كان بعيدا.

٢٣ ـ المتهجد : عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : من أكل طين قبر الحسين عليه‌السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا الحديث.

__________________

(١) في المصدر : ليطرحها.

(٢) كامل الزيارة : ٢٨٠.


٢٤ ـ قال وروي أن رجلا سأل الصادق عليه‌السلام فقال : إني سمعتك تقول إن تربة الحسين عليه‌السلام من الأدوية المفردة وإنها لا تمر بداء إلا هضمته فقال قد قلت ذلك فما بالك قلت إني تناولتها فما انتفعت بها قال أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها قال فقال له ما يقول إذا تناولها قال تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ولا تناول أكثر من حمصة فإن من تناول أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا فإذا تناولت فقل وذكر الدعاء.

٢٥ ـ العيون ، عن تميم بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن سليمان بن جعفر البصري عن عمرو بن واقد عن المسيب بن زهير عن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنه أخبره بموته ودفنه وقال لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتبركوا به فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا الخبر (١).

٢٦ ـ كامل الزيارة ، عن محمد بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد الله بن حماد عن الأصم عن مدلج عن محمد بن مسلم في حديث أنه كان مريضا فبعث إليه أبو عبد الله عليه‌السلام بشراب فشربه فكأنما نشط من عقال فدخل عليه فقال كيف وجدت الشراب فقال لقد كنت آيسا من نفسي شربته فأقبلت إليك فكأنما نشطت من عقال فقال يا محمد إن الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور (٢) آبائي وهو أفضل ما تستشفي به فلا تعدل به فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى منه كل الخير (٣).

بيان يدل الخبر على جواز إدخال التربة في الأدوية التي يستشفى بها و

__________________

(١) العيون : ج ١ ، ص ١٠٤.

(٢) في المصدر : قبر الحسين عليه‌السلام.

(٣) كامل الزيارة : ٢٧٦.


الأحوط أن لا يكون الداخل فيما يشربه أكثر من الحمصة وإنما قلنا الأحوط في ذلك لأن في دخول التراب والطين في المأكولات مع استهلاكها فيها يشكل الحكم بالحرمة كما سنشير إليه.

٢٧ ـ معاني الأخبار ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن المعاذي عن معمر عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له ما يروي الناس في الطين وكراهته قال إنما ذلك المبلول وذلك المدر (١).

٢٨ ـ وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أكل المدر. حدثني بذلك محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (٢).

بيان ظاهر الخبر الأول أن حرمة الطين مخصوصة بالطين المبلول دون المدر اليابس كما فهمه الصدوق ظاهرا وهذا مما لم يقل به صريحا أحد ويمكن أن يحمل على أن المعنى أن المحرم إنما هو المبلول والمدر لا غيرهما مما يستهلك في الدبس ويقع على الثمار وسائر المطعومات وعلى هذا فالحصر إما إضافي بالنسبة إلى ما ذكرنا أو المراد بالمدر ما يشمل التراب أيضا ويحتمل أن يكون إلزاما على المخالفين النافين للاستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام بأن ما استدللتم من الأخبار على تحريم الطين ظاهرها المبلول وإطلاقه على غيره مجاز فلا يمكنكم الاستدلال بها على تحريم التراب والمدر وعلى التقادير الكراهة محمولة على الحرمة وقال المحدث الأسترآبادي إنما المكروه ذاك الطين المتعارف بين الناس مبلوله ويابسه لا طين الحسين عليه‌السلام انتهى.

وأقول مع قطع النظر عن الشهرة بين الأصحاب بل إجماعهم على تعميم التحريم لم يبعد القول بتخصيصه بالمبلول إذ الظاهر أن الطين في اللغة حقيقة في المبلول وأكثر الأخبار إنما ورد بلفظ الطين وهذا الخبر ظاهره الاختصاص وقال الراغب في المفردات الطين التراب والماء المختلط به وقد يسمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء انتهى لكن استثناء طين الحسين عليه‌السلام منه مما يؤيد التعميم فإنه معلوم

__________________

(١ و ٢) معاني الأخبار : ٢٦٣.


أنه ليس الاستشفاء بخصوص المبلول بل الغالب عدمه وعلى أي حال لا محيص عن العمل بما هو المشهور في ذلك.

قال المحقق الأردبيلي قدس‌سره الظاهر أنه لا خلاف في تحريم الطين وظاهر اللفظ عرفا ولغة أنه تراب مخلوط بالماء ويؤيده صحيحة معمر بن خلاد وذكر الخبر ثم قال وهذه تدل على أنه بعد اليبوسة أيضا حرام ولا يشترط بقاء الرطوبة ولكن لا بد أن يكون ممتزجا فلا يحرم غير ذلك للأصل والعمومات وحصر المحرمات والمشهور بين المتفقهة أنه يحرم التراب والأرض كلها حتى الرمل والأحجار قال في المسالك المراد به ما يشمل التراب والمدر لما فيه من الإضرار بالبدن والضرر مطلقا غير واضح ولعل وجه المشهور أنه إذا كان الطين حراما وليس فيه إلا الماء والتراب ومعلوم عدم تحريم الماء ولا معنى لتحريم شيء بسبب انضمام محلل فلو لم يكن التراب محرما لم يكن الطين كذلك وإنما التراب جزء الأرض فيكون كلها حراما وفيه تأمل واضح فتأمل ولا تترك الاحتياط انتهى.

وأقول الوجه الذي حمل الخبر عليه غير ما ذكرنا ومع احتمال تلك الوجوه بل أظهرية بعضها يشكل الاستدلال بهذا الوجه ثم الحكم بتحريم ما سوى الطين والتراب من أجزاء الأرض كالحجارة والياقوت والزبرجد وأنواع المعادن مما لا وجه له والآيات والأخبار دالة على أن الأصل في الأشياء الحل ولم يرد خبر بتحريم هذه الأشياء وقياسها على التراب باطل وأما المستثنى منه وهو حل طين قبر الحسين عليه‌السلام فالظاهر أنه لا خلاف في حله في الجملة وإنما الكلام في شرائطه وخصوصياته ولنشر إليها وإلى بعض الأحكام المستفادة من الأخبار :

الأول المكان الذي يؤخذ منه التربة ففي بعض الأخبار طين القبر وهي تدل ظاهرا على أنها التربة المأخوذة من المواضع القريبة مما جاور القبر وفي بعضها طين حائر الحسين عليه‌السلام فيدل على جواز أخذه من جميع الحائر وعدم دخول ما خرج منه وفي بعضها عشرون ذراعا مكسرة وهو أضيق وفي بعضها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب من جوانب القبر وفي بعضها تؤخذ طين قبر الحسين عليه‌السلام من


عند القبر على سبعين ذراعا وفي بعضها فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل وفي بعضها البركة من قبره عليه‌السلام على عشرة أميال وفي بعضها حرم الحسين عليه‌السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر وفي بعضها حرمه عليه‌السلام خمس فراسخ في (١) أربع جوانبه وجمع الشيخ ره ومن تأخر عنه بينها بالحمل على اختلاف مراتب الفضل وتجويز الجميع وهو حسن والأحوط في الأكل أن لا يجاوز الميل بل السبعين وكلما كان أقرب كان أحوط وأفضل قال المحقق الأردبيلي طيب الله تربته وأما المستثنى فالمشهور أنه تربة الحسين عليه‌السلام فكل ما يصدق عليه التربة يكون مباحا ومستثنى وفي بعض الروايات طين قبر الحسين عليه‌السلام فالظاهر أن الذي يؤخذ من القبر الشريف حلال ولما كان الظاهر عدم إمكان ذلك دائما فيمكن دخول ما قرب منه وحواليه فيه أيضا ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار طين الحائر وفي بعض على سبعين ذراعا وفي بعض على عشرة أميال انتهى.

الثاني شرائط الآخذ فقد ورد في بعض الأخبار شرائط كثيرة من الغسل والصلاة والدعاء ولوزن المخصوص كما سيأتي في كتاب المزار إن شاء الله تعالى ولما كان أكثر الأخبار الواردة في ذلك خالية عن ذكر هذه الشروط والآداب فالظاهر أنها من مكملات فضلها وتأثيرها ولا يشترط الحل بها كما هو المشهور بين الأصحاب قال المحقق الأردبيلي ره الأخبار في جواز أكلها للاستشفاء كثيرة والأصحاب مطبقون عليه وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة « إِنَّا أَنْزَلْناهُ » ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك بل مع شرائط أخرى حتى ورد أنه قال شخص إني أكلت وما شفيت فقال عليه‌السلام له افعل كذا وكذا وورد أيضا أن له غسلا وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ويكون أخذه مقدارا خاصا ويحتمل أن يكون ذلك لزيادة الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقا فيكون مطلقا جائزا كما هو المشهور وفي كتب الفقه مسطور.

الثالث ما يؤكل له ولا ريب في أنه يجوز للاستشفاء من مرض حاصل وإن

__________________

(١) من ( خ ).


ظن إمكان المعالجة بغيره من الأدوية والظاهر الأمراض الجسمانية أي مرض كان وربما يوسع بحيث يشمل الأمراض الروحانية وفيه إشكال وأما الأكل بمحض التبرك فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض الأخبار وعموم بعضها لكن ورد في بعض الأخبار جواز إفطار العيد به وإفطار يوم عاشوراء أيضا به وجوزه فيهما بعض الأصحاب ولا يخلو من قوة والاحتياط في الترك إلا أن يكون له مرض يقصد الاستشفاء به أيضا قال المحقق الأردبيلي ره ولا بد أن يكون بقصد الاستشفاء وإلا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى ويدل عليه غيرها أيضا وقد نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الإفطار بها يوم العيد ولم تثبت صحته فلا يؤكل إلا للشفاء انتهى وقال ابن فهد قدس‌سره ذهب ابن إدريس إلى تحريم التناول إلا عند الحاجة وأجاز الشيخ في المصباح الإفطار عليه في عيد الفطر وجنح العلامة إلى قول ابن إدريس لعموم النهي عن أكل الطين مطلقا وكذا المحقق في النافع ثم قال يحرم التناول إلا عند الحاجة عند ابن إدريس ويجوز على قصد الاستشفاء والتبرك وإن لم يكن هناك ضرورة عند الشيخ.

الرابع المقدار المجوز للأكل والظاهر أنه لا يجوز التجاوز في كل مرة عن قدر الحمصة وإن جاز التكرار إذا لم يحصل الشفاء بالأول وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار وكان الأحوط عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن الناس يروون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إن العدس بارك عليه سبعون نبيا فقال هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس (١). وفي الصحيح عن رفاعة عنه عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل لما عافى أيوب عليه‌السلام نظر إلى بني إسرائيل قد ازدرعت فرفع طرفه إلى السماء فقال إلهي وسيدي عبدك أيوب المبتلى عافيته ولم يزدرع شيئا وهذا لبني إسرائيل زرع فأوحى الله عز وجل إليه يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره وكانت سبحته فيها ملح فأخذ أيوب كفا

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٤٣.


منها فبذره فخرج هذا العدس وأنتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس (١). لأنهما يدلان على أنه يطلق الحمص على العدس أيضا فيمكن أن يكون المراد بالحمصة في تلك الأخبار العدسة لكن العدول عن الحقيقة لمحض إطلاقه في بعض الأخبار على غيره غير موجه مع أن ظاهر الخبرين أنهم عليهم‌السلام كانوا يسمون الحمصة عدسة لا العكس فتأمل وكذا فهمهما الكليني حيث أوردهما في باب الحمص لا العدس.

الخامس الطين الأرمني هل يجوز الاستشفاء به واستعماله في الأدوية فقيل نعم لأنه ورد في الأخبار المؤيدة بعمومات دلائل حل المحرمات عند الاضطرار وقيل لا لعدم صلاحية تلك الأخبار لتخصيص أخبار التحريم وقد ورد المنع عن التداوي بالحرام والأكثر لم يعتنوا بهذه الأخبار وجعلوا الخلاف فيه فرعا للخلاف في جواز التداوي بالحرام وعدمه ولذا ألحقوا به الطين المختوم وإن لم يرد فيه خبر قال المحقق روح الله روحه في الشرائع وفي الأرمني رواية بالجواز حسنة لما فيه من المنفعة المضطر إليها وقال الشهيد الثاني نور الله ضريحه موضع التحريم في تناول الطين ما إذا لم يدع إليه حاجة فإن في بعض الطين خواص ومنافع لا تحصل في غيره فإذا اضطر إليه لتلك المنفعة بإخبار طبيب عارف يحصل الظن بصدقه جاز تناول ما تدعو إليه الحاجة لعموم قوله تعالى « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » وقد وردت الرواية بجواز تناول الأرمني وهو طين مخصوص يجلب من أرمنية تترتب عليه منافع خصوصا في زمن الوباء وللإسهال وغيره مما هو مذكور في كتب الطب ومثله الطين المختوم وربما قيل بالمنع لعموم ما دل على تحريم الطين وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما جعل شفاؤكم في ما حرم عليكم وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شفاء في محرم وجوابه أن الأمر عام مخصوص بما ذكر وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا إضرار والخبران نقول بموجبهما لأنا نمنع من تحريمه حال الضرورة والمراد ما دام محرما وموضع الخلاف ما إذا لم يخف الهلاك وإلا جاز بغير إشكال انتهى وسيأتي تمام الكلام في التداوي بالحرام في بابه إن شاء الله تعالى وقال ابن فهد ره الطين الأرمني

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٤٣.


إذا دعت الضرورة إليه عينا جاز تناوله خاصة دون غيره وقيل إنه من طين قبر إسكندر والفرق بينه وبين التربة من وجوه الأول أن التربة يجوز تناولها لطلب الاستشفاء من الأمراض وإن لم يصفها الطبيب بل وإن حذر منها والأرمني لا يجوز تناوله إلا أن يكون موصوفا الثاني أن التربة لا يتجاوز منها قدر الحمصة وفي الأرمني يباح القدر الذي تدعو إليه الحاجة وإن زاد عن ذلك الثالث أن التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة وليس كذلك الأرمني.

المتهجد ، يستحب صوم هذا العشر فإذا كان يوم العاشر أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر ثم يتناول شيئا يسيرا من التربة.

٢٩ ـ الإقبال ، روينا بإسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام إني أفطرت يوم الفطر على طين وتمر قال لي جمعت بركة وسنة. قال السيد رضي‌الله‌عنه يعني بذلك التربة المقدسة على صاحبها السلام (١).

٣٠ ـ دعائم الإسلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن أكل الطين وقال إن الله عز وجل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته ومن أكل الطين فقد أعان على نفسه ومن أكله فمات لم أصل عليه.

٣١ ـ وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام أكل الطين يورث النفاق (٢).

__________________

(١) الإقبال : ٢٨١.

(٢) قد مر مرسلا عن المحاسن تحت الرقم (١٤).


٣٤

(باب المعادن)

(وأحوال الجمادات والطبائع وتأثيراتها وانقلابات)

(الجواهر وبعض النوادر)

الآيات :

الحجر « وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ » (١)

النحل « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » (٢)

أسرى « تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » (٣)

الأنبياء « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » (٤) وقال تعالى « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها » (٥)

الحج « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » (٦)

سبأ « وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » إلى قوله تعالى « وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ » (٧)

__________________

(١) الحجر : ١٩.

(٢) النحل : ٤٨ ـ ٤٩.

(٣) الإسراء : ٤٤.

(٤) الأنبياء : ٦٩.

(٥) الأنبياء : ٧٩ ـ ٨١.

(٦) الحج : ١٨.

(٧) سبأ : ١٠ ـ ١٢.


فاطر « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » (١).

ص « إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ » (٢) وقال سبحانه « فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ » (٣).

الحديد « وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ » (٤).

تفسير « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ » قيل استفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع فما بالهم لم يتفكروا ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه وما موصولة مبهمة بيانها « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ » أي أولم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة « عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ » أي عن أيمانها وشمائلها أي جانبي كل واحد منها استعارة عن يمين الإنسان وشماله ولعل توحيد اليمين وجمع الشمائل لاعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد الضمير في « ظِلالُهُ » وجمعه في قوله « سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » وهما حالان عن الضمير في « ظِلالُهُ » والمراد من السجود الانقياد والاستسلام سواء كان بالطبع أو بالاختيار يقال سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب وقال الشاعر :

ترى الأكم فيها سجدا للحوافر

و « سُجَّداً » حال من الظلال « وَهُمْ داخِرُونَ » من الضمير والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدر لها من التفيؤ أو واقعة على الأرض ملتصقة بها كهيئة الساجد والأجرام في أنفسها أيضا داخرة أي صاغرة منقادة لأفعال الله فيها وجمع « داخِرُونَ » لأن من جملتها من يعقل أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء وقيل المراد باليمين والشمائل عن يمين الفلك وهو جانبه الشرقي لأن الكوكب يظهر منه أخذه في

__________________

(١) فاطر : ٤١.

(٢) ص : ١٨.

(٣) ص : ٣٦.

(٤) الحديد : ٢٥.


الارتفاع والسطوع وشماله هو الجانب الغربي المقابل له فإن الأظلال في أول النهار تبتدئ من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض وعند الزوال يبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الأرض كما ذكره البيضاوي وغيره وقال بعضهم كان الحسن يقول أما ظلك فيسجد لربك وأما أنت فلا تسجد لربك بئس ما صنعت وعن مجاهد ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي وقيل ظل كل شيء يسجد لله وسواء كان ذلك ساجدا لله أم لا وقال الطبرسي ره وقيل إن المراد بالظل هو الشخص بعينه قال الشاعر كان في أظلالهن الشمس أي في أشخاصهن فعلى هذا يكون تأويل الظلال في الآية تأويل الأجسام التي عنها الظلال « وَهُمْ داخِرُونَ » أي أذلة صاغرون قد نبه الله سبحانه بهذا على أن جميع الأشياء تخضع له بما فيها من الدلالة على الحاجة إلى واضعها ومدبرها بما لولاه لبطلت ولم يكن لها قوام طرفة عين فهي في ذلك كالساجد من العباد بفعله الخاضع بذله انتهى وقال النيسابوري في تأويلها بعد تفسيرها بما مر « إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ » هو عالم الأجسام فإن عالم الأرواح خلق من لا شيء « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ » فإن الأجسام ظلال الأرواح فتارة تميل بعمل أهل السعادة إلى أصحاب اليمين وأخرى تميل بعمل أهل الشقاء إلى أصحاب الشمال سجدا لله منقادين لأمره مسخرين لما خلقوا لأجله وإنما وحد اليمين وجمع الشمائل لكثرة أصحاب الشمال وسجود كل موجود يناسب حالة كما أن تسبيح كل منهم يلائم لسانه انتهى.

وأقول ويحتمل أن يكون المراد بظلالة مثاله على القول بعالم المثال كما مر تحقيقه أو روحه كما عبر في الأخبار الكثيرة عن عالم الأرواح بالظلال فالمراد بالتفيؤ عن اليمين ميلهم إلى السعادة والتشبه بأصحاب اليمين وبالشمائل خلافه وهذا كلام على سبيل الاحتمال في مقابلة ما ذكروه من ذلك والله يعلم تفسير كلامه وحججه الكرام عليهم‌السلام.

« وَلِلَّهِ يَسْجُدُ » قال الرازي قد ذكرنا أن السجود على نوعين سجود هو عبادة كسجود المسلمين لله تعالى وسجود هو عبارة عن الانقياد والخضوع ويرجع حاصل


هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما لأنه لا يرجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح إذا عرفت هذا فنقول من الناس من قال المراد بالسجود المذكور في هذه الآية السجود بالمعنى الثاني وهو التواضع والانقياد والدليل عليه أن اللائق بالدابة ليس إلا هذا السجود ومنهم من قال المراد بالسجود هاهنا هو المعنى الأول لأن اللائق بالملائكة هو السجود بهذا المعنى لأن السجود بالمعنى الثاني حاصل في كل الحيوانات والنباتات والجمادات ومنهم من قال السجود لفظ مشترك بين المعنيين وحمل اللفظ المشترك لإفادة مجموع معنييه جائز فحمل لفظ السجود في هذه الآية على الأمرين معا أما في حق الدابة فبمعنى التواضع وأما في حق الملائكة فبمعنى سجود المسلمين لله تعالى وهذا القول ضعيف لأنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لإفادة جميع مفهوماته معا غير جائز قوله « مِنْ دابَّةٍ » قال الأخفش يريد من الدواب وقال ابن عباس يريد كل ما دب على الأرض فإن قيل ما الوجه في تخصيص الدواب والملائكة بالذكر قلنا فيه وجوه الأول أنه تعالى بين في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله تعالى لأن أخسها الدواب وأشرفها الملائكة فلما بين في أخسها وأشرفها كونها منقادة لله تعالى وبين بهذه الآية أن الحيوانات بأسرها منقادة لله تعالى كان ذلك دليلا على أنها بأسرها منقادة خاضعة لله تعالى.

والوجه الثاني قال حكماء الإسلام الدابة اشتقاقها من الدبيب والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانية فالدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب فلما ميز الله الملائكة من الدابة علمنا أنها ليست مما يدب بل هي أرواح محضة مجردة ويمكن الجواب عنه بأن الطير بالجناح مغاير للدبيب (١) بدليل قوله تعالى « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ » (٢) انتهى (٣).

__________________

(١) في المصدر : بان الجناح للطيران مغاير للدبيب.

(٢) الأنعام : ٣١.

(٣) مفاتيح الغيب : ج ٢٠ ، ص ٤٣.


وأقول التخصيص بعد التعميم أيضا شائع كعطف جبرئيل على الملائكة كما ذكره البيضاوي وما ذكره من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه على تقدير تسليمه لا حاجة في التعميم على حمله على ذلك بل يمكن حمله على معنى الانقياد والتواضع وهو يشمل الانقياد لإرادته وتأثيره طبعا والانقياد لتكليفه وأمره طوعا كما حمل عليه البيضاوي وقال بعضهم هذه الآية تدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة إلا كل مخلوق له قوة التفكر وليس إلا النفوس الناطقة الإنسانية والحيوانية خاصة من حيث أعيان أنفسهم لا من حيث هياكلهم فإن هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له والسجود فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة ألا تراها تشهد على النفوس المسخرة لها يوم القيامة من الجلود والأيدي والأرجل والألسنة والسمع والبصر وجميع القوى « فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ » انتهى.

وأقول والأرواح والنفوس أيضا لها جهتان فمن جهة مسخرة منقادة لربها في جميع ما أراد منها ومن جهة أخرى عاصية مخالفة لربها بل من هذه الجهة أيضا مسخرة ساجدة خاضعة لإرادة ربها حيث أقدرها على ما أرادت ودالة على وجود صانعها الذي جعلها مختارة مريدة قادرة على الإتيان بما أرادت فهي من هذه الجهة أيضا مسبحة لربها ذاكرة لها دالة عليها منادية بلسان حالها من جهة إمكانها وحدوثها وافتقارها بأن لي ربا جعلني مريدا مختارا لحكمته وكماله وعنايته الأزلية كما قال بعض العارفين بالفارسية عين إنكار منكر إقرار است والكلام في هذا المقام دقيق لا يمكن إجراء أكثر من ذلك منه على الأقلام ويصعب دركها على الأفهام وقد أومأت إلى شيء منه في شرح كتاب توحيد الكافي في توضيح أخبار إرادة الله تعالى وبيان معانيها.

قوله سبحانه « تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ » قال النيسابوري قالت العقلاء تسبيح الحي المكلف يكون تارة باللسان بأن يقول سبحان الله وأخرى بدلالة أحواله على وجود الصانع الحكيم وتسبيح غيره لا يكون إلا من القبيل الثاني وقد تقرر في الأصول أن اللفظ المشترك لا يحمل على معنييه معا في حالة واحدة فتعين التسبيح


هاهنا على المعنى الثاني ليشمل الكل هذا ما عليه المحققون وأورد عليه أنه لو كان المراد بالتسبيح ما ذكرتم لم يقل « وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » لأن التسبيح بهذا الوجه مفقوه معلوم وأجيب بأن دلالة كل شيء على وجود الصانع معلومة على الإجمال دون التفصيل فإنك إذا أخذت تفاحة واحدة فلا شك أنها مركبة من أجزاء لا تتجزأ ولكن عدد تلك الأجزاء وصفة كل منها من الطبع والطعم واللون والحيز والجهة وغيرها لا يعلمها إلا الله وأيضا الخطاب للمشركين وإنهم وإن كانوا مقرين بالخالق إلا أنهم أثبتوا شريكا وأنكروا قدرته على البعث والإعادة ولم ينظروا في المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنهم لم يفقهوا التسبيح إذ لم يتوسلوا به إلى نتيجة النظر الصحيح ولهذا ختم الآية بقوله « إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » حين لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم وزعم بعض الظاهريين أن ما سوى الحي المكلف يسبح لله تعالى باللسان أيضا كل بلغته ولسانه الذي لا نعرف نحن ولا نفقه وزعم أيضا أن الحيوان إذا ذبح لا يسبح وكذا غصن الشجرة إذا كسر فأورد عليه أن كونه جمادا لا يمنع من كونه مسبحا فكيف صار ذبح الحيوان مانعا عن التسبيح وكذا كسر الغصن ويمكن أن يجاب بأن تسبيح كل شيء لعله يختص بتركيبه الذي خلق عليه فإذا بطل ذلك التركيب وفكك ذلك النظم لم يبق مسبحا مطلقا أو لا على ذلك النحو.

وقال في تأويلها لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوت لقوله « فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ » (١) والملكوت باطن الكون وهو الآخرة والآخرة حيوان لا جماد لقوله « وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » (٢) فلكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح والحمد تنزيها لصاحبه وحمدا له على ما أولاه من نعمه وبهذا اللسان نطق الحصا في كف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه تنطق الأرض يوم القيامة « يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها » (٣) وبه تنطق الجوارح « أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ » (٤) وبه نطقت

__________________

(١) يس : ٨٣.

(٢) العنكبوت : ٦٤.

(٣) الزلزال : ٤.

(٤) فصلت : ٢١.


السماوات والأرض « قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً » في الأزل إذ أخرج من العدم من يكفر به ويجحده « غَفُوراً » لمن تاب عن كفره.

« قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً » قال الطبرسي هذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه والمراد أنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شيء كما قال سبحانه « كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ » (١) والمعنى أنه صيرهم كذلك لا أنه خاطبهم وأمرهم بذلك وقيل يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفا لهم وذكر في كون النار بردا وسلاما على إبراهيم وجوها أحدها أن الله سبحانه أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة فيها فلم تؤذه وثانيها أنه سبحانه حال بينها وبين إبراهيم فلم تصل إليه وثالثها أن الإحراق يحصل بالاعتمادات التي في النار صعدا فيجوز أن يذهب سبحانه تلك الاعتمادات وعلى الجملة فعلمنا أن الله سبحانه منع النار من إحراقه وهو أعلم بتفاصيله (٢) انتهى.

وقال البيضاوي انقلاب النار هواء طيبة ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكنه تعالى دفع عنه أذاها كما في السمندر ويشعر به قوله « عَلى إِبْراهِيمَ » (٣) انتهى.

وأقول على مذهب الأشاعرة لا إشكال في ذلك لأنهم يقولون لا مؤثر في الوجود إلا الله وإنما أجرى عادته بالإحراق عند قرب شيء من النار فإذا أراد غير ذلك لا يخلق الإحراق وأما عند غيرهم من القائلين بتأثير الطبائع ولزوم الصفات لها فيشكل ذلك عندهم والأولى أن يقال إحراق النار وتبريد الثلج وقتل السموم وغير ذلك من التأثيرات لما كانت مشروطة بشروط كقابلية المادة وغيرها فلم لا يجوز أن تكون مشروطة بعدم تعلق إرادة القادر المختار بخلافه (٤) فإذا تعلقت

__________________

(١) البقرة : ٦٥ ، والأعراف : ١٦٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥٤.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٨٦.

(٤) هذا تنزيل لمقام إرادته القاهرة التي بها تسببت الأسباب وانسجم نظام الكون ويستلزم جعلها في عداد الشرائط المادية ، ويترتب عليه لوازم نغمض عن ذكرها. والحق أن.


بذلك انتفى تأثيرها كما أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم لكن بشرط عدم تعلق إرادته القاهرة بخلافه ولذا ورد في الأخبار أنه لا يحدث شيء في السماء والأرض إلا بإذنه سبحانه.

قوله تعالى « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ » قال الطبرسي ره قيل معناه سيرنا الجبال مع داود حيث سار فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على العباد وقيل إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير يسبح بالغداة والعشي معجزة له انتهى (١).

وقال الرازي قال أصحاب المعاني يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » وتخصيص داود عليه‌السلام بذلك إنما كان

__________________

جميع الآيات والمعجزات خرق للنظام المتعارف الذي نتعاهده معاشر الناس في حياتنا ونعرف فيه أسبابا وشرائط وجودية وعدمية ومعدات لكن ليس خرقا للنظام العلى والمعلولى رأسا ، فجعل النار بردا مثلا ليس إبطالا للنظام السببى والمسببى الحاكم على العالم بحذافيره ، بل إعمال لأسباب وشرائط لا نتعاهدها ويكفى له إيجاد مانع من تأثير النار في جسمه عليه‌السلام أو حول بدنه أو تسخير النار لايجاد البرودة كما تسخر قوة الكهرباء اليوم له ، كل ذلك لا من طريق متعارف عند الناس بل بسبب إلهى وطريق غيبى ومجرى نفسى غير مشهود للعامة ، والله على كل شيء قدير.

فان قيل : مرجع الأخير إلى أن الله تعالى أراد أن تتبرد النار فبردت ، وهذه إبطال لسببية النار للاحراق ـ لعدم إمكان سببية شيء واحد لضدين ومتقابلين ـ أو التزام بحصول معلول مادى من غير حصول علته المسانخة له قلنا : الاحتراق عبارة عن تبدل الصورة تبدلا خاصا والنار معدة له لا مفيضة للصورة الحادثة ، ولا يمتنع تأثيرها في ضده كما يشاهد في الكهرباء أضف الى ذلك حديث تعدد الجهات. وأما استناد الحوادث إلى إرادة الله تعالى من غير واسطة فمخالف للسنة الإلهية التي لن تجد لها تبديلا ولن تجد لها تحويلا ، ومستلزم للطفرة واختلال نظام العلل والمعاليل. والحاصل أن إرادة الله تعالى فوق العلل المادية وفي طولها لا في رتبتها وهو القاهر فوق عباده.

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥٨.


بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما وأما المعتزلة فقالوا لو حصل الكلام في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله تعالى فيه والأول محال لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة وما لا يكون حيا عالما قادرا يستحيل منه الفعل والثاني أيضا محال لأن المتكلم عندهم من كان فاعلا للكلام لا من كان محلا له فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله تعالى لكان المتكلم هو الله لا الجبل فجعلوا التسبيح من السباحة وبناء التفعيل للتكثير مثل قوله « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ » والحاصل سيري معه.

واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لا تقبل الحياة وهذا ممنوع وعلى أن التكلم من فعل الله وهو أيضا ممنوع وأما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها الكلام ولكن اجتمعت الأمة على أن المكلفين إما الجن (١) والإنس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق وأيضا دلالته على قدرة الله وعلى تنزيهه مما لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال انتهى (٢).

« وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ » أي علمناه كيف يصنع الدروع قال قتادة أول من صنع الدروع داود وإنما كانت صفائح جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين « وَلِسُلَيْمانَ » أي سخرنا له « الرِّيحَ عاصِفَةً » أي شديدة الهبوب « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ » لعل المراد بالسجود غاية الخضوع والانقياد الممكن من الشيء ففي الجمادات والعجم من الحيوانات يحصل منهم غاية الانقياد الذي يتأتى منهم وكذا الملائكة وصالحو المؤمنين وأما الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية الانقياد أخرجهم وقال « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » لأنهم وإن كانوا في الأوامر التكوينية منقادين فليسوا في الأوامر التكليفية كذلك

__________________

(١) في المصدر : أو.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢٢ ، ص ٢٠٠.


فالسجود محمول على معنى واحد وليس من استعمال المشترك في معنييه كما عرفت سابقا وقال الرازي الرؤية هنا بمعنى العلم وفي السجود وجوه أحدها قال الزجاج أجود الوجوه في سجود هذه الأمور أنها تسجد مطيعة لله تعالى وهو كقوله « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » الآية « أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ » والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع الأعراض التي يحدثها الله تعالى فيها من غير امتناع البتة أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود وأما قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » ففيه وجوه أحدها أن السجود بالمعنى الذي ذكرناه وإن كان عاما في حق الكل إلا أن بعضهم تمرد وتكبر وترك السجود في الظاهر فهذا الشخص وإن كان ساجدا بذاته لكنه متمرد بظاهره أما المؤمن فإنه ساجد بذاته وبظاهره فلأجل هذا الفرق حصل التخصيص بالذكر وثانيها أن نقطع قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » عما قبله ثم فيه ثلاثة أوجه الأول أن نقول تقدير الآية ولله يسجد من في السماوات والأرض ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد والثاني بمعنى الطاعة والعبادة لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه جميعا الثاني أن يكون قوله « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » مبتدأ خبره محذوف وهو مثاب لأن خبر مقابله يدل عليه وهو قوله « حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » والثالث أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف كثير على كثير ثم يخبر عنهم « حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » وثالثها من يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا يقول إن المراد بالسجود في حق الأحياء العقلاء السجود وفي حق الجمادات الانقياد فإن قيل قوله « مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ » لفظ العموم فيدخل فيه الناس فلم قال مرة أخرى « وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » قلنا لو اقتصر على ما تقدم لأوهم أن كل الناس يسجدون فبين أن كثيرا منهم يسجدون طوعا دون كثير منهم فإنه يمتنع عن ذلك.

القول الثاني في تفسير السجود أن كل ما سوى الله تعالى فهو ممكن لذاته والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه إلا عند الانتهاء إلى الواجب لذاته كما قال


« وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » (١) وكما أن الإمكان لازم للممكن حال حدوثه وبقائه فافتقاره إلى الواجب حاصل حال حدوثه وحال بقائه وهذا الافتقار الذاتي اللازم للماهية أدل على الخضوع والتواضع من وضع الجبهة على الأرض فإن ذلك علامة وضعية للافتقار وقد يتطرق إليه الصدق والكذب أما نفس الافتقار الذاتي فإنه ممتنع التغير والتبدل فجميع الممكنات ساجدة بهذا المعنى لله أي خاضعة متذللة معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه وتكوينه وعلى هذا تأولوا قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » وهذا قول القفال القول الثالث أن سجود هذه الأشياء سجود ظلها كقوله تعالى « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ » الآية وهذا قول مجاهد (٢) انتهى.

قوله تعالى « أَوِّبِي مَعَهُ » قال البيضاوي أي ارجعي معه التسبيح على الذنب أو النوحة وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل فيها (٣) أو سيري معه حيث سار و « الطَّيْرَ » عطف على محل الجبال « وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير أحماء وطرق بآلاته أو بقوة « عَيْنَ الْقِطْرِ » أي النحاس المذاب أسال (٤) له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن (٥) « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا » أي كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ أو يمنعهما أن تزولا لأن الإمساك منع « وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما » أي ما أمسكهما « مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ » أي من بعد الله أو من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى مزيدة والثانية للابتداء « إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً » حيث أمسكهما وكانتا جديرتين أن تهدا هدا لأعمال العباد.

قوله تعالى « فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ » فإن آلات الحرب متخذة عنه « وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ » إذ ما من صنعة إلا والحديد آلتها « وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ » باستعمال الأسلحة

__________________

(١) النجم : ٤٢.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٢٣ ، ص ٢٠.

(٣) في المصدر : تأملها.

(٤) فيه : أساله.

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٨٥.


ومجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلا أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله « بِالْغَيْبِ » حال من المستكن في « يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ قَوِيٌ » على إهلاك من أراد إهلاكه « عَزِيزٌ » لا يفتقر إلى نصره وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.

وقال الرازي وأما حديد ففيه البأس الشديد فإن آلات الحرب متخذة منه وفيه أيضا منافع كثيرة منها قوله تعالى « وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ » ومنها أن مصالح العالم إما أصول وإما فروع أما الأصول فأربعة الزراعة والحياكة وبناء البيوت والسلطنة وذلك لأن الإنسان يضطر إلى طعام يأكله وثوب يلبسه وبناء يسكن فيه والإنسان مدني بالطبع فلا تتم مصلحته إلا عند اجتماع جمع من أبناء جنسه ليشتغل كل واحد منهم بمهم خاص فحينئذ ينتظم من الكل مصالح الكل وذلك الانتظام لا بد وأن يفضي إلى المزاحمة ولا بد من شخص يدفع ضرر البعض عن البعض وذلك هو السلطان فثبت أنه لا تنتظم مصلحة العالم إلا بهذه الأصول الأربعة أما الزراعة فمحتاجة إلى الحديد وذلك من كرب الأرض وحفرها ثم عند تكون هذه الحبوب وتولدها لا بد من جزها وتنقيتها وذلك لا يتم إلا بالحديد (١) ثم لا بد من خبزها ولا يتم إلا بالنار ولا بد فيها من المقدحة الحديدية وأما الفواكه فلا بد من تنظيفها من قشورها وقطعها على الوجوه الموافقة للأكل ولا يتم ذلك إلا بالحديد ثم يحتاج في آلات الحياكة إلى الحديد ثم نفزع (٢) في قطع الثياب وخياطتها إلى الحديد والذهب لا يقوم مقام الحديد في شيء من هذه المصالح فلو لم يوجد الذهب في الدنيا ما كان يختل شيء من مصالح الدنيا ولو لم يوجد الحديد لاختل جميع مصالح الدنيا ثم إن الحديد لما كانت الحاجة إليه شديدة جعله سهل الوجدان كثير الوجود والذهب لما قلت الحاجة إليه جعله عزيز الوجود وعند هذا يظهر أثر جود الله ورحمته على عبيده فإن كل ما كانت حاجاتهم إليه أكثر جعل وجدانه أسهل ولهذا قال بعض

__________________

(١) في المصدر : ثم الحبوب لا بد من طحنها وذلك لا يتم الا بالحديد.

(٢) في المصدر : يحتاج.


الحكماء إن أعظم الأمور حاجة إليه هو الهواء فإنه لو انقطع وصوله إلى القلب لحظة مات الإنسان في الحال فلا جرم جعله الله أسهل الأشياء وجدانا وهيأ أسباب التنفس وآلاته حتى أن الإنسان يتنفس دائما بمقتضى طبعه من غير حاجة فيه إلى تكلف عمل وبعد الهواء الماء إلا أنه لما كانت الحاجة إلى الماء أقل من الحاجة إلى الهواء جعل تحصيل الماء أشق قليلا من تحصيل الهواء وبعد الماء الطعام ولما كانت الحاجة إلى الطعام أقل من الحاجة إلى الماء جعل تحصيل الطعام أشق من تحصيل الماء ثم تتفاوت الأطعمة في درجات الحاجة والعزة فكل ما كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل وكل ما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل والجواهر لما كانت الحاجة إليها قليلة جدا لا جرم كانت عزيزة جدا فعلمنا أن كل شيء كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله أشد من الحاجة إلى كل شيء فنرجو من رحمة الله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا (١)

١ ـ العلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن محمد القاساني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى عن إبراهيم بن الخطاب بن الفراء رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : شكت أسافل الحيطان إلى الله عز وجل من ثقل أعاليها فأوحى الله عز وجل إليها يحمل بعضك بعضا (٢).

الكافي ، عن العدة عن البرقي عن إبراهيم الثقفي مثله (٣) ـ

المحاسن ، عن القاساني مثله إلا أن فيه يحمل بعضها بعضا (٤).

بيان لعل الشكاية بلسان الافتقار والاضطرار والوحي بالخطاب التكويني كما قيل في قوله تعالى « وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ » أي بلسان استعداداتكم وقابلياتكم

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٢٩ ، ص ٢٤٢.

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ١٥٠.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣٢.

(٤) المحاسن : ٦٢٣.


أو يكون استعارة تمثيلية لبيان أن الله تعالى خلق الأجزاء الأرضية والترابية بحيث يلتصق بعضها ببعض ولا يكون ثقل الجميع على الأسافل فتنهدم سريعا.

٢ ـ المحاسن ، عن علي بن أسباط عن داود البرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » قال نقض الجدر تسبيحها (١).

الكافي ، عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن أسباط مثله إلا أن فيه تنقض الجدر (٢).

٣ ـ المحاسن ، عن ابن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » قال نقض الجدر تسبيحها قلت نقض الجدر تسبيحها قال نعم (٣).

٤ ـ العياشي ، عن أبي الصلاح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » قال كل شيء يسبح بحمده وإنا لنرى أن تنقض الجدار هو تسبيحها.

ومنه في رواية الحسين بن سعيد عنه عليه‌السلام مثله.

٥ ـ ومنه ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » قال إنا نرى أن تنقض الحيطان تسبيحها.

٦ ـ ومنه ، عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام أنه دخل عليه رجل فقال له فداك أبي وأمي إني أجد الله يقول في كتابه « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » فقال هو كما قال فقال له أتسبح الشجرة اليابسة فقال نعم أما سمعت خشب البيت تنقض وذلك تسبيحه فسبحان الله على كل حال.

__________________

(١) المحاسن : ٦٢٣.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣١.

(٣) المحاسن : ٦٢٣.


٧ ـ العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم قال : بكاء السماء احمرارها من غير غيم وبكاء الأرض زلازلها (١) وتسبيح الشجر حركتها من غير ريح وتسبيح البحار زيادتها ونقصانها وتسبيح الشجر نموه ونشوؤه وقال أيضا ظله يسبح الله.

بيان قد مضى من البيان في تفسير الآيات ما يمكن به فهم هذه الأخبار والحاصل أن تنقض الجدار لدلالتها على حدوث التغير فيها وفنائها نداء منها بلسان حالها على افتقارها إلى من يوجدها ويبقيها منزها عن صفاتها المحوجة إلى ذلك وأيضا نقصانات الخلائق دلائل على كمالات الخالق وكثراتها واختلافاتها ومضاداتها شواهد وحدانيته وانتفاء الشريك عنه والند والضد له كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له (٢) وبمضادته بين الأشياء (٣) عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له (٤). والحاصل أن جميع المصنوعات والممكنات بصفاتها ولوازمها وآثارها دالة على صانعها وبارئها ومصورها وعلمه وحكمته شاهدة بتنزهه عن صفاتها المستلزمة للعجز والنقصان مطيعة لربها في ما خلقها له وأمرها به من مصالح عالم الكون موجه إلى ما خلقت له فسكون الأرض خدمتها وتسبيحها وصرير الماء وجريه تسبيحه وطاعته وقيام الأشجار والنباتات ونموها وجري الريح وأصواتها وهذه الأبنية وسقوطها وتحريق النار ولهبها وأصوات الصواعق وإضاءة البروق وجلاجل الرعود وجري الطيور في الجو ونغماتها كلها طاعة لخالقها وسجدة وتسبيح وتنزيه له سبحانه.

قال بعض العارفين خلق الله الخلق ليوحدوه فأنطقهم بالتسبيح والثناء عليه والسجود فقال « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » (٥) وقال أيضا « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي

__________________

(١) زلزالها ( خ ).

(٢) ليس هذه الجملة في النهج.

(٣) في النهج : الأمور.

(٤) النهج : ج ١ ، ص ٣٥٥.

(٥) النور : ٤١.


الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ » الآية (١) وخاطب بهاتين الآيتين نبيه الذي أشهده ذلك ورآه فقال « أَلَمْ تَرَ » ولم يقل ألم تروا فإنا ما رأيناه فهو لنا إيمان ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عيان فأشهده سجود كل شيء وتواضعه لله وكل من أشهده الله ذلك ورآه دخل تحت هذا الخطاب وهذا تسبيح فطري وسجود ذاتي عن تجل تجلى لهم فأحبوه فانبعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي وهذه هي العبادة الذاتية التي أقامهم الله فيها بحكم الاستحقاق الذي يستحقه.

وفي القاموس تنقض البيت تشقق فسمع له صوت وقوله بكاء السماء احمرارها أي خارجا عن العادة فإنه من علامات غضبه تعالى فكأنه يبكي على من استحق الغضب أو على من يستحق العباد له الغضب كما وقع بعد شهادة الحسين عليه‌السلام وقوله حركتها من غير ريح أي عند الزلزلة أو بالنمو فيكون ما بعده تأكيدا له.

٨ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ » فإن الله تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه هذه لا تباع إلا وزنا (٢).

بيان لعل المراد بالجوهر الأحجار كالياقوت والعقيق والفيروزج وأشباهها.

٩ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجوده لله لأنه ليس شيء إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحويله سجوده (٣).

١٠ ـ ومنه ، في قوله تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » فحركة كل شيء تسبيح لله عز وجل (٤).

١١ ـ ومنه ، في قوله « وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ » لفظ الشجر واحد ومعناه جمع (٥)

__________________

(١) الحج : ١٨.

(٢) تفسير القمي : ٣٥٠.

(٣) التفسير : ٣٦١.

(٤) تفسير القمي : ٣٨٢.

(٥) التفسير : ٤٣٧.


وفي قوله تعالى « وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ » قال الصفر (١).

١٢ ـ المناقب لابن شهرآشوب ، قال : قال ضباع بن نصر الهندي للرضا عليه‌السلام ما أصل الماء قال أصل الماء خشية الله بعضه من السماء ويسلكه في الأرض ينابيع وبعضه ماء عليه الأرضون وأصله واحد عذب فرات قال فكيف منها عيون نفط وكبريت وقار (٢) وملح وأشباه ذلك قال غيره الجوهر وانقلبت كانقلاب العصير خمرا وكما انقلبت الخمر فصارت خلا وكما يخرج « مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً » قال فمن أين أخرجت أنواع الجواهر قال انقلبت منها كانقلاب النطفة علقة ثم مضغة ثم خلقه مجتمعة مبنية على المتضادات الأربع قال (٣) إذا كانت الأرض خلقت من الماء والماء بارد رطب فكيف صارت الأرض باردة يابسة قال سلبت النداوة فصارت يابسة قال الحر أنفع أم البرد قال بل الحر أنفع من البرد لأن الحر من حر الحياة والبرد من برد (٤) الموت وكذلك السموم القاتلة الحارة منها أسلم وأقل ضررا من السموم الباردة (٥).

توضيح قوله خشية الله إشارة إلى ما ورد في بعض الكتب السماوية أن الله تعالى خلق أولا درة بيضاء فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ماء عليه الأرضون أي البحر الأعظم غيره الجوهر أي جوهر الأرض التي نبع منها من حر الحياة أي من جنسه لأن الروح الحيواني والحرارة الغريزية سببان للحياة وزوالهما سبب للموت وفيه إشارة إلى ما ذكره الحكماء في تولد المعادن فلنذكر ما ذكروه في ذلك.

قالوا المركبات التي لها مزاج ثلاثة أنواع تسمى بالمواليد وهي المعادن والنباتات والحيوانات ووجه الحصر أنه إن تحقق فيه مبدأ التغذية فأما مع تحقق مبدإ الحس والحركة الإرادية فهو الحيوان أو بدونه وهو النبات وإن لم تحقق

__________________

(١) التفسير : ٥٣٧.

(٢) في المصدر : ومنها قار ...

(٣) في المصدر : قال عمران.

(٤) بعد ( خ ).

(٥) المناقب : ج ٤ ، ص ٣٥٤.


ذلك فيه فالمعادن وقال بعضهم وإنما قلنا مع تحقق الحس والحركة لأنه لا قطع بعدمهما في النبات والمعدن بل ربما يدعي حصول الشعور والإرادة للنبات لأمارات تدل على ذلك مثل ما يشاهد في ميل النخلة الأنثى إلى الذكر وتعشقها به بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر وميل عروق الأشجار إلى جهة الماء وميل أغصانها في الصعود من جانب الموانع إلى الفضاء ثم ليس هذا ببعيد عن القواعد الفلسفية فإن تباعد الأمزجة عن الاعتدال الحقيقي إنما هو على غاية من التدريج فانتقاض استحقاق الصور الحيوانية وخواصها لا بد أن يبلغ قبل الانتفاء إلى حد الضعف والخفاء وكذا النباتية ولهذا اتفقوا على أن من المعدنيات ما وصل إلى أفق النباتية ومن النباتات ما وصل إلى أفق الحيوانية كالنخلة وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكرموا عمتكم النخلة وقال بعضهم أخرى طبقات المعادن متصلة بأولى طبقات النباتات كما أن المرجان التي هي من المعادن ينمو في قعر البحر وهو قريب من النباتات التي تنبت في فصل الربيع وتذبل وتفنى سريعا وأخرى طبقات النبات تتصل بأولى طبقة الحيوانات كالنخل فإنها شبيهة بالحيوان في أنها إذا غرقت في الماء أو تقطع رأسها تموت ولا تثمر كثيرا بدون اللقاح ورائحة طلعها شبيهة برائحة المني وتعشق بعضها بعضا بحيث لا تحمل إلا إذا صب فيها من طلعه ويميل بعضها إلى بعض وهي قريبة من الحيوانات المتولدة في الأراضي الندية كالخراطين وأشباهها وأخرى طبقة الحيوانات تتصل بأفق الإنسان كالفيل والقردة فإنهما تتعلمان بأدنى تعليم وفي كثير من الصفات شبيهة بالإنسان وهي قريبة من بعض أفراد الإنسان كالسودان والأتراك الذين ليس فيهم من الإنسانية إلا الأكل والشرب والنوم والسفاد.

ثم إنهم قالوا إن الأبخرة والأدخنة المحتبسة في باطن الأرض إذا كثرت يتولد منها ما مر من الرجفة والزلزلة وانفجار العيون وإذا لم تكن كثيرة اختلطت على ضروب من الاختلاطات المختلفة في الكم والكيف والمزج بحسب الأمكنة والأزمنة والإعدادات فتكون منها الأجسام المعدنية بإذن الله تعالى وهي أول ما يحدث من المركبات العنصرية التامة المزاجية ثم إذا غلب البخار على الدخان


تتولد مثل اليشم والبلور والزئبق وغيرها من الجواهر المشفة وإن غلب الدخان يتولد الملح والزاج والكبريت والنوشادر ثم من اختلاط بعض هذه مع بعض يتولد غيرها من المعادن وأصنافها خمسة لأنها إما ذائبة أو غير ذائبة والذائبة إما منطرقة أو غير منطرقة والغير المنطرقة إما مشتعلة أو غير مشتعلة وغير الذائبة أما عدم ذؤبانه لفرط الرطوبة أو لفرط اليبوسة فأقسامها ذائب منطرق وذائب مشتمل وذائب غير منطرق ولا مشتعل وغير ذائب لفرط الرطوبة وغير ذائب لفرط اليبوسة.

فالذائب المنطرق هو الجسم الذي انجمد فيه الرطب واليابس بحيث لا يقدر النار على تفريقهما مع بقاء دهنية قوية بسببها يقبل ذلك الجسم الانطراق وهو الاندفاع في السحق بانبساط يعرض للجسم في الطول والعرض قليلا دون انفصال شيء والذوبان سيلان الجسم بسبب تلازم رطبه ويابسه والمشهور من أنواع الذائب المنطرق سبعة الذهب والفضة والرصاص والأسرب والحديد والنحاس والخارصيني وقيل الخارصيني هو جوهر شبيه بالنحاس يتخذ منها مرايا لها خواص وذكر بعضهم أنه لا يوجد في عهدنا (١) والذي يتخذ منه المرايا ويسمى بالحديد الصيني والهفتجوش فجوهر مركب من بعض الفلزات وليس بالخارصيني والذوبان في غير الحديد ظاهر وأما في الحديد فيكون بالحيلة كما يعرفه أرباب الصنعة وشهدت الأمارات بأن مادة الأجساد السبعة الزئبق والكبريت واختلاف الأنواع والأصناف عائد إلى اختلاف صفاتهما واختلاطهما وتأثر أحدهما عن الآخر أما الأمارات فهي أنها سيما الرصاص يذوب إلى مثل الزئبق والزئبق ينعقد برائحة الكبريت إلى مثل الرصاص والزئبق يتعلق بهذه الأجساد وأما كيفية تكون تلك الأجساد منهما فهي أنه إذا كان الزئبق والكبريت صافيين وكان انطباخ أحدهما بالآخر تاما فإن كان الكبريت مع بقائه أبيض غير محترق تكونت الفضة وإن كان أحمر وفيه قوة صباغة لطيفة غير

__________________

(١) عصرنا ( خ ).


محترقة تكون الذهب وإن كانا نقيين وفي الكبريت قوة صباغة لكن وصل إليه قبل كمال النضج برد مجمد عاقد تكون الخارصيني وإن كان الزئبق نقيا والكبريت رديا فإن كان مع الرداءة فيه قوة إحراقية تكون النحاس وإن كان غير شديد المخالطة بالزئبق بل متداخلا إياه سافا فسافا تولد الرصاص وإن كان الزئبق والكبريت رديين فإن قوي التركيب وفي الزئبق تخلخل أرضي وفي الكبريت إحراق تكون الحديد وإن ضعف التركيب تكون الأسرب ويسمى الرصاص الأسود قال صاحب المواقف بعد إيراد مثل هذا التقسيم وأنت خبير بأن القسمة غير حاصرة وأن التكون على هذا الوجه لا سبيل فيه إلى اليقين ولا يرجى له إلا الحدس والتخمين وإن سلم فتكونها على غير هذا الوجه مما لم يقم على امتناعه دليل كيف والمهوسون بالكيمياء لهم في الأجساد السبعة والأرواح التي تفيد الصورة الذهبية والفضية تفنن والكل عندنا للفاعل المختار من غير إحالة على شيء مما ذكروه انتهى.

والثاني أي الذائب المشتعل هو الجسم الذي فيه رطوبة دهنية مع يبوسة غير مستحكم المزاج ولذلك يقوى النار على تفريق رطبه عن يابسه وهو الاشتعال وذلك كالكبريت المتولد من مائية تخمرت بالأرضية والهوائية تخمرا شديدا بالحرارة حتى صارت تلك المائية دهنية وانعقدت بالبرد وقيل دخانية تخمر بها بخارية تخمرا شديدا بالحر حتى حصل فيها دهنية ثم انعقدت بالبرد وكالزرنيخ وهو كذلك إلا أن الدهنية فيه أقل.

والثالث أي الذائب الذي لا ينطرق ولا يشتمل ما ضعف امتزاج رطبه ويابسه وكثرت رطبته المنعقدة بالحر واليبس كالزاجات وتولدها من ملحية وكبريتية وحجارة وفيها قوة بعض الأجساد الذائبة وكالأملاح وتولدها من ماء خالطه دخان حار لطيف كثير النارية وانعقد باليبس مع غلبة الأرضية الدخانية ولهذا يتخذ الملح من الرماد المحترق بالطبخ والتصفية.

والرابع أي الذي لا يذوب ولا ينطرق لرطوبته ما استحكم الامتزاج بين أجزائه الرطبة الغالبة والأجزاء اليابسة بحيث لا يقول النار على تفريقهما كالزئبق وهو مركب


من مائية صافية جدا خالطتها دخانية كبريتية لطيفة مخالطة شديدة بحيث لا ينفصل منه سطح إلا ويغشاه من تلك اليبوسة شيء فلذلك لا يعلق باليد ولا ينحصر انحصارا شديدا بشكل ما يحويه ومثاله قطارات الماء الواقعة على تراب في غاية اللطافة فإنه يحيط بالقطرة سطح ترابي حاصر للماء كالغلاف له بحيث تبقى القطرة على شكلها في وجه التراب وإذا تلاقت قطرتان منهما فربما ينخرق الغلافان ويصير الماءان في غلاف واحد وبياض الزئبق لصفاء المائية وبياض الأرضية وممازجة الهوائية.

والخامس أي الذي لا يذوب ولا ينطرق ليبوسة ما اشتد الامتزاج بين أجزائه الرطبة والأجزاء اليابسة المستولية بحيث لا يقدر النار على تفريقهما مع إحالة البرد للمائية إلى الأرضية بحيث لا تبقى رطوبة حسية دهنية ولذا لا ينطرق ولما كان تعقده باليبس لا يذوب إلا بالحيلة بحيث لا يبقى ذلك الجوهر بخلاف الحديد المذاب وذلك كالياقوت واللعل والزبرجد ونحو ذلك من الأحجار.

ثم إن من المعادن ما يتولد بالصنعة بتهيئة المواد وتكميل الاستعداد كالنوشادر والملح وإن منها ما يعمل له شبيه يعسر التميز في بادئ النظر كالذهب والفضة واللعل وكثير من الأحجار المعدنية وهل يمكن أن يعمل حقيقة هذه الجواهر بالصنعة من غير جهة الإعجاز فذهب كثير من العقلاء إلى أن تكون الذهب والفضة بالصنعة واقع ذهب ابن سينا إلى أنه لم يظهر له إمكان فضلا عن الوقوع لأن الفصول الذاتية التي بها تصير هذه الأجساد أنواعا أمور مجهولة والمجهول لا يمكن إيجاده نعم يمكن أن يعمل النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص لكن هذه الأمور المحسوسة يجوز أن لا تكون هي الفصول بل عوارض ولوازم وأجيب بأنا لا نسلم اختلاف الأجسام بالفصول والصور النوعية بل هي متماثلة لا تختلف إلا بالعوارض التي يمكن زوالها بالتدبير ولو سلم فإن أريد بمجهولية الصور النوعية والفصول الذاتية أنها مجهولة من كل وجه فممنوع كيف وقد علم أنها مباد لهذه الخواص والأعراض وإن أريد أنها مجهولة بحقائقها وتفاصيلها فلا نسلم أن الإيجاد موقوف على العلم بذلك وأنه لا يكفي العلم بجميع


المواد على وجه حصل الظن بفيضان الصور عنده لأسباب لا تعلم على التفصيل كالحية من الشعر والعقرب من البادروج ونحو ذلك وكفى بصنعة الترياق وما فيه من الخواص والآثار شاهدا على إمكان ذلك نعم الكلام في الوقوع وفي العلم بجميع المواد وتحصيل الاستعداد ولهذا جعل الكيمياء في اسم بلا مسمى.

أقول ويظهر من بعض الأخبار تحققه لكن علم غير المعصوم به غير معلوم ومن رأينا وسمعنا ممن يدعي علم ذلك منهم أصحاب خديعة وتدليس ومكر وتلبيس ولا يتبعهم إلا مخدوع وصرف العمر فيه « لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ».

١٣ ـ توحيد المفضل ، قال قال الصادق عليه‌السلام لو فطنوا طالبوا الكيمياء لما في العذرة لاشتروها بأنفس الأثمان وغالبوا بها.

١٤ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن عبد الله بن عبد الرحمن عن يحيى الحلبي عن الثمالي قال : مررت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في سوق النحاس فقلت جعلت فداك هذا النحاس أيش (١) أصله فقال فضة إلا أن الأرض أفسدتها فمن قدر على أن يخرج الفساد منها انتفع بها (٢).

١٥ ـ المجازات النبوية للرضي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجبل ظهورها حرز وبطونها كنز.

قال السيد ره هذا القول خارج عن طريق المجاز لأن بطون الجبل على الحقيقة كنز وإنما أراد أن أصحابها يستخرجون منها من الأفلاذ ما تنمي به أموالهم وتحسن معه أحوالهم وظهورها حرز أراد أنها منجاة من المعاطب وملجأة عند المهارب.

١٦ ـ الخرائج ، روى أحمد بن عمر الحلال قال : قلت لأبي الحسن الثاني عليه‌السلام جعلت فداك إني أخاف عليك من هذا صاحب الرقة قال ليس علي منه بأس إن لله بلادا تنبت الذهب قد حماها بأضعف خلقه بالذر فلو أرادتها الفيلة ما وصلت إليها

__________________

(١) في المصدر : أى شيء.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٠٧.


قال الوشاء إني سألت عن هذه البلاد وقد سمعت الحديث قبل مسألتي فأخبرت أنه بين البلخ والتبت وأنها تنبت الذهب وفيها نمل كبار أشباه الكلاب على حلقها قلس لا [ خلقها فليس ] يمر بها الطير فضلا عن غيره تكمن بالليل في جحرها وتظهر بالنهار فربما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخا في ليلة لا يعرف شيء من الدواب يصبر صبرها فيوقرون أحمالهم ويخرجون فإذا النمل خرجت في الطلب فلا تلحق شيئا إلا قطعته فتشبه بالريح من سرعتها وربما شغلوهم (١) باللحم يتخذ لها إذا لحقتهم يطرح لها في الطريق إن لحقتهم قطعتهم ودوابهم.

بيان الرقة بلد على الفرات والمراد بصاحبها هارون لأنه كان في تلك الأيام فيها والقلس حبل ضخم من ليف أو خوص أو غيرهما وكأنه وصف المشبه به أي الكلاب المعلمة.

١٧ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عمن ذكره قال : قيل للرضا عليه‌السلام إنك تتكلم بهذا الكلام والسيف يقطر دما فقال إن لله واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل فلو رامته البخاتي لم تصل إليه.

١٨ ـ توحيد المفضل ، قال قال الصادق عليه‌السلام فكر يا مفضل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة مثل الجص والكلس والجبسين والزرانيخ والمرتك والقوينا (٢) والزئبق والنحاس والرصاص والفضة والذهب والزبرجد والياقوت والزمرد وضروب الحجارة وكذلك ما يخرج منها من القار والموميا والكبريت والنفط وغير ذلك مما يستعمله الناس في مآربهم فهل يخفى على ذي عقل أن هذه كلها ذخائر ذخرت للإنسان في هذه الأرض ليستخرجها فيستعملها عند الحاجة إليها ثم قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها على حرصهم واجتهادهم في ذلك فإنهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان لا محالة سيظهر ويستفيض في العالم حتى تكثر الفضة والذهب ويسقطا عند الناس فلا يكون لهما

__________________

(١) شغلوها ( ظ ).

(٢) القوبنا ( خ ).


قيمة ويبطل الانتفاع بهما في الشرى والبيع والمعاملات ولا كان يجبي السلطان الأموال ولا يدخرهما أحد للأعقاب وقد أعطي الناس مع هذا صنعة الشبه من النحاس والزجاج من الرمل والفضة من الرصاص والذهب من الفضة وأشباه ذلك مما لا مضرة فيه فانظر كيف أعطوا إرادتهم في ما لا ضرر فيه ومنعوا ذلك في ما كان ضارا لهم لو ناولوه ومن أوغل في المعادن انتهى إلى واد عظيم يجري منصلتا بماء غزير لا يدرك غوره ولا حيلة في عبوره ومن ورائه أمثال الجبال من الفضة تفكر الآن في هذا من تدبير الخالق الحكيم فإنه أراد جل ثناؤه أن يري العباد مقدرته (١) وسعة خزائنه ليعلموا أنه لو شاء أن يمنحهم كالجبال من الفضة لفعل لكن لا صلاح لهم في ذلك لأنه لو كان فيكون فيها كما ذكرنا سقوط هذا الجوهر عند الناس وقلة انتفاعهم به واعتبر ذلك بأنه قد يظهر الشيء الطريف مما يحدثه الناس من الأواني والأمتعة فما دام عزيزا قليلا فهو نفيس جليل آخذ الثمن فإذا فشا وكثر في أيدي الناس سقط عندهم وخست قيمته ونفاسة الأشياء من عزتها.

بيان : الكلس بالكسر الصاروج والجبس بالكسر الجص وفي أكثر النسخ الجبسين ولم أجده في ما عندنا من كتب اللغة لكن في لغة الطب كما في أكثر النسخ والمرتك كمقعد المرداسنج والقوبنا بالباء الموحدة أو الياء المثناة من تحت ولم أجدهما في كتب اللغة لكن في القاموس القونة القطعة من الحديد أو الصفر يرقع بها الإناء وفي بعض النسخ والتوتياء وفي كتب اللغة أنه حجر يكتحل به والقار القير وجبى الخراج جباية جمعه والإيغال المبالغة في الدخول والذهاب وانصلت مضى وسبق.

تتميم نفعه عميم

اعلم أن الذي يستفاد من الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة هو أن تأثيره سبحانه في الممكنات لا يتوقف على المواد والاستعدادات و « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً

__________________

(١) قدرته ( ظ ).


أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (١) وهو سبحانه جعل للأشياء منافع وتأثيرات وخواص أودعها فيها وتأثيراتها مشروطة بإذن الله تعالى وعدم تعلق إرادته القاهرة بخلافها كما أنه أجرى عادته بخلق الإنسان من اجتماع الذكر والأنثى وتولد النطفة منهما وقرارها في رحم الأنثى وتدرجها علقة ومضغة وهكذا فإذا أراد غير ذلك فهو قادر على أن يخلق من غير أب كعيسى ومن غير أم أيضا كآدم وحواء وكخفاش عيسى وطير إبراهيم وغير ذلك من المعجزات المتواترة عن الأنبياء في إحياء الموتى وجعل الإحراق في النار فلما أراد غير ذلك قال للنار « كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » وجعل الثقيل يرسب في الماء وينحدر من الهواء فأظهر قدرته بمشي كثير على الماء ورفعهم إلى السماء وجعل في طبع الماء الانحدار فأجرى حكمه عليه بأن تقف أمثال الجبال منه في الهواء حتى تعبر بنو إسرائيل من البحر ومع عدم القول بذلك لا يمكن تصديق شيء من

__________________

(١) لا بأس بتذييل لهذا التتميم يجعل نفعه أعم وفائدته أتم ، فنقول :

هناك أمور لا مجال للارتياب فيها لمن له قدم في العلوم الإلهية :

( الأول ) كل ما سوى الله تعالى مخلوق له محتاج إليه في جميع شئونه الوجودية ، سواء في ذلك الشئون العلمية والارادية وغيرها.

( الثاني ) ان الله تعالى غنى عن جميع ما سواه ولا يحتاج إلى غيره في شيء أصلا ، وليس لقدرته تعالى حد ونهاية ، فهو القادر على كل أمر ممكن في ذاته وليس لقدرته على شيء من الأشياء شرط ولا مانع ، « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ ».

( الثالث ) كل ممكن في ذاته يستوى نسبته إلى الوجود والعدم ، ولا بد في ترجح أحدهما من مرجح وهذا حكم ضرورى لا يكاد يشك فيه عاقل فضلا عن الإنكار اللهم الا من لم يتصور طرفى القضية أو عرض له شبهة لم يستطع دفعها أو مكابر ينكر باللسان ما يعترف به قلبا. وهذا أساس جل براهين التوحيد بل المعارف الحقة.

( الرابع ) طريق معرفة العلل والمرجحات ـ سوى ما يعرفه الإنسان وجدانا وبالضرورة اختبار ارتباط وجود شيء بشيء وكشف حدود ذاك الارتباط ، وهذا من معرفة صنع الله تعالى وكشف مجارى مشيئته في خلقه ، لا من باب كشف شرائط قدرته تعالى على الأشياء فتفطن. ومن الواضح ان معرفة سبب ما لشيء لا تنفى سببية شيء آخر له وقد ثبت في محله ان هذا ليس.


المعجزات اليقينية المتواترة عن الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام وكذا جرى عادته على انعقاد الجواهر في المعادن بأسباب من المؤثرات الأرضية والسماوية لبعض المصالح فإذا أراد إظهار كمال قدرته ورفع شأن وليه يجعل الحصا في كفه دفعة جوهرا ثمينا والحديد في يد نبيه عجينا ويخرج الأجساد البالية دفعة من التراب في يوم الحساب فهذه كلها وأمثالها لا تستقيم مع الإذعان بقواعدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة.

وقال بعضهم حذرا من التشهير والتفكير إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي كان لها في الدنيا مخلوق من سنخ هذا البدن بعد مفارقتها عنه في القيامة كما نطقت

__________________

من صدور الواحد من الكثير لمكان تعدد الحيثيات ولا اظن أن يرتاب أحد في سببية الأسباب والعلل لمسبباتها ومعلولاتها وارتباط الثانية بالاولى ارتباطا ذاتيا وجوديا إلا ان تعرض شبهة لمن لا يستطيع على حلها كالاشاعرة حيث قالوا بان عادة الله جرت على ايجاد شيء عقيب شيء آخر دون ان يرتبط به ارتباطا وجوديا ، والتزموا بذلك زعما منهم ان القول بالعلية وارتباط المعلول بالعلة ينافى التوحيد ، وجهلا بأن هذا منهم هدم لاساس التوحيد وإنكار لسنة الله تعالى في خلقه.

( الخامس ) كل علة غير الواجب تعالى ليس مستقلا في التأثير كما أنه ليس مستقلا في الوجود ، فكما انها تحتاج في ذاتها إلى علة اخرى حتى تنتهى إلى الواجب تبارك وتعالى فكذا في أفعالها وجميع شئونها فما من اثر وجودى في شيء من الأشياء من حيث هو اثر وجودى إلا وهو مستند إلى الله تعالى قبل استناده إلى سائر علله ويشهد لهذا المعنى آيات كثيرة جدا نسب فيها أفعال العباد والمخلوقات إلى الله تعالى أو انيط فيها تأثير الأشياء باذن الله تعالى ومشيئته ، لكن استناد الافعال والآثار إلى الله سبحانه لا يوجب صلب انتسابها إلى عللها المتوسطة وتأثير العلل باذن ربها ، فاستناد خلق الإنسان إلى الله تعالى لا ينافى توسط ملائكة وتأثير اسباب ومعدات بل يستلزمها ، لا لانه سبحانه يحتاج إليها وقدرته على الخلق يتوقف عليها بل لان مرتبة الفعل هي التي تقتضى ذلك ، فكل معلول له مرتبة تخصه وحدود يتشخص بها بحيث لو تبدل بعضها إلى بعض لانقلب إلى شيء آخر ، كما ان كل عدد له مرتبة خاصة لا يتقدم عليها ولا يتأخر عنها وإلا لانقلب إلى عدد آخر ، وفيض الوجود مطلق لا يقيد من ناحية ذات المفيض تعالى بشيء بل مجارى الفيض هي التي تحدده حتى تتقدر باقدار خاصة تسعها ظروف المعاليل المتأخرة « وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » فتقدره انما هو عند نزوله واما عنده تعالى فالخزائن التي لا تتناهى وقد جرت سنته تعالى باجراء الأمور من أسبابها « فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً


به الشريعة ممكن غير مستحيل ولا استبعاد أيضا فيها ولا يلزم أن يكون حدوث لياقته واستعداده لتعلقها مما يحصل له شيئا فشيئا ككونه أولا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم طفلا إلى تمام الخلقة حسب ما يقتضيه التوالد والتناسل فإن ذلك نحو خاص من الحدوث والحدوث لا ينحصر للإنسان في هذا النحو لجواز أن يتكون دفعة تاما كاملا لأجل خصوصية بعض الأزمنة والأوقات والأوضاع الفلكية ترجح إرادة الله

__________________

وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ». نعم ، من الأسباب ما يكون واضحا وكيفية تأثيره وشرائطه معروفة ومنها ما يكون خفيا لا يطلع عليها إلا الخواص بعد جهد بالغ وتجارب كثيرة ، ومنها ما يكون غير عادى لا يستطاع الحصول عليه إلا لمن شاء الله تعالى فربما يدعى من لا يعرف هذين النوعين من الأسباب انحصار سبب شيء في ما هو الواضح المتعارف ، كما كان الناس يزعمون استحالة كثير من الأمور التي حصلت اليوم ببركة العلم الحديث ، وكما كان كثير من الاقوام يزعمون استحالة حدوث بعض الآيات قبل مشاهدتها ويسندونها إلى سحر الاعين بعد رؤيتها. لكن العقل السليم لا يأبى وجود أسباب خفية على الناس وغير طائعة لهم كما لا ينكر تأثير نفوس قدسية بأمر الله تعالى ولا يعد المعجزات وخوارق العادات تجويزا للمحال ولا ناقضا لقانون العلية ، لكن يأبى استناد الحوادث أياما كانت بلا واسطة إلى الله تعالى لاستلزام ذلك اختلال سلسلة العلل والمعاليل وتقدر الفيض من غير مقدر والترجح بلا مرجح وأما مرجحية إرادة الله تعالى ومقدريتها للفيض فالارادة ان فرضت حادثة في ذاته سبحانه استلزمت صيرورة الذات محلا للحوادث ومعرضا للكيفيات ـ جل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ وان فرضت حادثة في خارج ذاته كانت مخلوقه له محتاجة إلى إرادة اخرى متسلسلة وتغيير العبارة والتعبير بالمشيئة لا يحل المشكلة وان فرضت قديمة لزم انفكاك المعلول عن العلة وأما الإرادة المنتزعة عن مقام الفعل فمنشأ انتزاعها نفس الفعل فلا تكون مرجحة له وهذا ليس بمعنى اشتراط قدرته تعالى على الفعل بحصول الأسباب واجتماع الشرائط واستعداد المواد ، فان قدرته تعالى ليست محدودة بشيء ولا متوقفة على شيء ، بل بمعنى نقص المقدور ومحدوديته ذاتا وتأخره عن علله رتبة وارتباطه بها ثبوتا ، وبعبارة اخرى المعلول الخاص هو الذي يكون محدودا بحدود وقيود خاصة وإلا لم يكن ذاك المعلول لا أن الله تعالى لا يكون قادرا على ايجاد هذا المعلول إلا بهذه الخصوصيات كما انه لا ينافى تكون الأشياء بنفس امر الله تعالى ، فان أمره يوجب وجودها في ظروفها و.


تعالى (١) في إيجاد الناس وتكوين أجسادهم دفعة واحدة ونفخ أرواحهم في أجسادهم المتكونة نفخة واحدة بتوسط بعض ملائكته فرد الله تعالى بواسطة واهب الصور تلك الصور إلى موادها لحصول المزاج الخاص مرة أخرى كما تتكون ألوف كثيرة من أصناف الحيوانات كالذباب وغيرها في الصيف من العفونات تكونا دفعيا ولا يلزم أن يكون نحو التعلق واحدا في المبدإ والإعادة بل يجوز أن يكون التعلق الأخرى إلى البدن على وجه لا يكون مانعا من حصول الأفعال الغريبة والآثار العجيبة ومشاهدة أمور غيبية لم يكن من شأن النفس مشاهدتها إياها في النشأة الدنيوية وكذا اقتدارها على إيجاد صور عجيبة غريبة حسنة أو قبيحة مناسبة لأوصافها وأخلاقها انتهى وأنت تعلم إذا تأملت في مجاري كلامه أنه مع إعمال التقية فيه لوح إلى مرامه ونقل بعض قدماء الأطباء عن جالينوس في بيان تشريح الأعضاء وفوائدها أنه قال وشعر الحاجبين أيضا مما لم يقصر فيه ولم يتوان عنه وهو والأشفار دون سائر الشعر جعل له مقدار يقف عنده فلا يطول أكثر منه وأما شعر الرأس واللحية فإنه يطول كثيرا والسبب في ذلك أن شعر الرأس واللحية له منفعتان إحداهما تغطية ما تحته من الأعضاء وسترها والأخرى إفناء الفضول الغليظة ومنفعته من جهة التغطية والستر تختلف على وجوه شتى وذلك لأن حاجتنا إلى التغطية والستر تختلف بقدر اختلاف

__________________

على حدودها ، وتعين الحدود والقيود من شئون الموجود بأمر الله تعالى لا من قيود أمره وايجاده فافهم.

إذا عرفت هذه الأمور علمت ان قواعد الفلسفة لا تنفى خوارق العادات وتكون الأشياء من غير طريق أسبابها المتعارفة ، كما لا توجب محدودية قدرته تعالى وتوقفها على حصول استعدادات للمواد ، وان انكر ذلك منكر فلا يعاب به على القواعد العقلية كما لا يعاب بغلط المحاسب على قواعد الحساب ، فنفس القواعد امر واجراؤها في مواردها امر آخر. والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

(١) لا يخفى ما في هذه العبارة ، فارادة الله تعالى قاهرة للأشياء لا مقهورة لها ومترجحة بها ، إلا أن يكون مراده ما أشرنا إليه سابقا.


الأسنان وأزمان السنة والبلدان وإخراج البدن لأن حاجة الرجل التام إلى طول الشعر ليست كحاجة الصبي الصغير إلى ذلك ولا كحاجة الشيخ الفاني ولا كحاجة المرأة وكذلك أيضا ليست الحاجة إلى طول الشعر في الصيف والشتاء سواء ولا في البلاد الحارة والباردة ولا حاجة من كانت عينه معتلة من الرمد أو كان رأسه يصدع إلى ذلك كحاجة من هو صحيح البدن لا علة به فاحتيج لذلك أن نكون نحن نجعل طول الشعر في الأوقات المختلفة بأقدار مختلفة بحسب ما يوافق كل وقت منها وأما الحاجبان والأشفار فإنه إن زيد فيه أو نقص منه فسدت منفعته وذاك أن الأشفار تحوط العين بمنزلة الجدار ليحجب عنها ويمنع من أن يسقط فيها شيء من الأجرام الصغار إذا كانت مفتوحة وشعر الحاجبين جعل يلقي ما ينحدر من الرأس قبل وصوله إلى العين بمنزلة الصور المانع فمتى قصرت من طوله أو قللت من عدده أكثر مما ينبغي كان ما يدخل على منفعته من الفساد بحسب ما ينقص من المقدار الذي يحتاج إليه وذاك أن الأشفار حينئذ تطلق ما قد كانت تمنعه قبل النقصان من الوصول إلى العين وشعر الحاجبين يرسل ما قد كان يحبسه ويمنعه من الوصول إلى العين من الأشياء التي تسيل من الرأس فإن أنت طولت هذا الشعر وكثرته فوق المقدار الذي ينبغي لم يقم حينئذ للعين مقام الحاجب ولا مقام السور المانع لكنه يغطي العين ويعلو عليها حتى يصير منه في مثل حبس ضيق وذاك أنه يستر الحدقة ويحجبها حتى تظلم والحدقة أحوج الحواس كلها إلى أن لا تحجب ولا يحال بينها وبين ما يدركه البصر وإذا كان الأمر على ما وصفت فما الذي ينبغي أن نقول فيه أنقول إن الخالق أمر هذا الشعر أن يبقى على مقدار واحد ولا يطول أكثر منه وإن الشعر قبل ذلك الأمر فأطاع فيبقى لا يخالف ما أمر به إما للفزع والخوف من المخالفة لأمر الله وإما للمجاملة والاستحياء من الله الذي أمره بهذا الأمر وإما لأن الشعر نفسه يعلم أن هذا أولى به وأحمد من فعله أما موسى فهذا رأيه في الأشياء الطبيعية وهذا الرأي عندي أحمد وأولى أن يتمسك به من رأى أفيقورس إلا أن الأجود الإضراب عنهما جميعا والاحتفاظ بأن الله هو مبدئ خلق


كل شيء كما قال موسى وزيادة المبدإ الذي من المادة فإن خالقنا إنما جعل الأشفار وشعر الحاجبين يحتاج أن يبقى على مقدار واحد من الطول لأن هكذا كان أوفق وأصلح فلما علم أن هذا الشعر كان ينبغي أن يجعل على هذا جعل تحت الأشفار جرما صلبا يشبه الغضروف يمتد في طول الجفن وفرش تحت الحاجبين جلدة صلبة ملزقة بغضروف الحاجبين وذلك (١) أنه لم يكن يكتفي في بقاء الشعر على مقدار واحد من الطول بأن يشاء الخالق أن يكون هكذا كما أنه لو شاء أن يجعل الحجر دفعه إنسانا لم يكن ذلك بممكن والفرق في ما بين إيمان موسى وإيماننا وأفلاطون وسائر اليونانيين هو هذا موسى يزعم أنه يكتفي بأن يشاء الله أن يزين المادة ويهيئها لا غير فيتزين ويتهيأ على المكان وذاك أنه يظن أن الأشياء كلها ممكنة عند الله فإنه لو شاء الله أن يخلق من الرماد فرسا أو ثورا دفعة لفعل وأما نحن فلا نعرف هذا ولكنا نقول إن من الأشياء أشياء في أنفسها غير ممكنة وهذه الأشياء لا يشاء الله أصلا أن تكون وإنما يشاء أن تكون الأشياء الممكنة وأيضا لا يختار إلا أجودها وأوفقها وأفضلها ولذا لما كان الأصلح والأوفق للأشفار وشعر الحاجبين أن يبقى على مقداره من الطول على عدده الذي هو عليه دائما أبدا لسنا نقول في هذا الشعر إن الله إنما شاء أن يكون على ما هو عليه فصار من ساعته على ما شاء الله وذاك أنه لو شاء ألف ألف مرة أن يكون هذا الشعر على هذا لم يكن ذلك أبدا بعد أن يجعل منشؤه من جلدة رخوة إلا أنه لو لم يغرس أصول الشعر في جرم صلب لكان مع ما يتغير كثير مما هو عليه لا يبقى أيضا قائما منتصبا وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول إن الله سبب لأمرين أحدهما اختيار أجود الحالات وأصلحها وأوفقها لما يفعل والثاني اختيار المادة الموافقة ومن ذلك أنه لما كان الأصلح والأجود أن يكون شعر الأشفار قائما منتصبا وأن يدوم بقاؤه على حالة واحدة في مقدار طوله وفي عدده جعل مغرس الشجر ومركزه في جرم صلب ولو أنه غرسه في جرم رخو لكان أجهل من موسى وأجهل من قائد جيش سخيف يضع أساس سور مدينة أو حصنه

__________________

(١) ذاك ( خ ).


على أرض رخوة غارقة بالماء وكذلك بقاء شعر الحاجبين ودوامه على حالة واحدة إنما جاء من قبل اختياره للمادة وكما أن العشب وسائر النبات ما كان منه ينبت في أرض رطبة سمينة خصبة فإنه يطول وينشأ نشوءا حسنا وما كان منه في أرض صخرية جافة فإنه لا ينمو ولا يطول كذلك أحد الأمرين انتهى كلامه ضاعف الله عذابه وانتقامه.

وأقول قد لاح من الكلام الرديء المشتمل على الكفر الجلي أمور.

الأول ما أسلفنا من أن الأنبياء المخبرين عن وحي السماء لم يقولوا بتوقف تأثير الصانع تعالى شأنه على استعداد المواد ولا استحالة تعلق إرادته بإيجاد شيء من شيء بدون مرور زمان أو إعداد وله أن يخلق كل شيء كان من أي شيء أراد.

الثاني أن الحكماء لم يكونوا يعتقدون نبوة الأنبياء ولم يؤمنوا بهم وإنهم يزعمون أنهم أصحاب نظر وأصحاب آراء مثلهم يخطئون ويصيبون ولم يكن علومهم مقتبسة من مشكاة أنوارهم كما زعمه أتباعهم.

الثالث أنهم كانوا منكرين لأكثر معجزات الأنبياء عليهم‌السلام فإن أكثرها مما عدوها من المستحيلات.

الرابع أنهم كانوا في جميع الأعصار معارضين لأرباب الشرائع والديانات كما هم في تلك الأزمنة كذلك (١).

__________________

(١) من الناس من يفرط في حسن الظن بفلاسفة اليونان لا سيما الاقدمين منهم ، ويظن أن علومهم مأخوذة من الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ بل يظن أن فيهم من كان نبيا ، ثم يتعب نفسه في تفسير الكلمات المنقولة عنهم والمترجمة من كتبهم وتأويلها بما يوافق الحق في زعمه ومنهم من يفرط في حقهم بل في حق من سمى فيلسوفا من علماء الإسلام ، ويتهم فلاسفة الإسلام أيضا بأنهم أدخلوا انفسهم في المسلمين ليضيعوا عليهم دينهم ويفسدوا عليهم عقائدهم! وربما يقع التصارع بين الطرفين فيتمسك كل منهما لاثبات مدعاه بما لا يليق التمسك به للمحققين. ولعمرى كلاهما خارجان عن طور العدل والحكم بالقسط ، والذي نرى لزوم التنبيه عليه امور.

١ ـ ان وقوع الاختلاف الكثير بين الفلاسفة منذ العهد الاقدم دليل على أن كل رأى.


قال الشيخ المفيد قدس‌سره في كتاب المقالات أقول إن الطباع معان تحل الجسم يتهيأ بها للانفعال كالبصر وما فيه من الطبيعة التي بها يتهيأ لحلول الحس فيه والإدراك ثم قال وإن ما يتولد بالطبع فإنما هو لمسببه بالفعل في المطبوع وإنه لا فعل على الحقيقة لشيء من الطباع وهذا مذهب أبي القاسم الكعبي وهو خلاف مذهب المعتزلة في الطباع وخلاف الفلاسفة الملحدين أيضا في ما ذهبوا إليه من أفعال الطباع ثم قال قد ذهب كثير من الموحدين إلى أن الأجسام كلها مركبة من الطبائع الأربع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واحتجوا في ذلك بانحلال كل جسم إليها وبما يشاهدونه من استحالتها كاستحالة الماء بخارا والبخار ماء والموات حيوانا والحيوان مواتا ووجود النارية والمائية والهوائية والترابية في كل جسم وإنه لا ينفك جسم من الأجسام من ذلك ولا يعقل على خلافه ولا ينحل إلا إليه وهذا ظاهر مكشوف لست أجد لدفعه حجة أعتمد عليها ولا أراه مفسدا لشيء من التوحيد أو العدل أو الوعيد أو النبوات أو الشرائع فاطرحه لذلك بل

__________________

من كل فيلسوف ليس بحيث يعد وحيا منزلا ونصا محكما يستحق بذل الجهود في تفسيره وتأويله والتوفيق بينه وبين آراء سائر الحكماء وتطبيقه على المعارف الدينية الحقيقية.

٢ ـ ان كثيرا من مدارك التأييد والطعن ينتهى إلى ما ترجم عن كتب لا يعرف مؤلفها ومصنفها ، ولا يوثق بناقلها ومترجمها ، مثل ما ينسبه طبيب إلى جالينوس ، أو شكاك إلى سقراط! فربما ينسب كتاب إلى فيلسوف ويترجم بما انه حاك عن آراء مكتب خاص من المكاتب الفلسفية ثم بعد حين يشكك في النسبة وفي الترجمة وينسب إلى فيلسوف آخر من مكتب مخالف للمكتب الأول ، ويلتمس له شواهد وقرائن ربما لا تترجح على شواهد النسبة الأولى. وما ندرى لعله لعبت بكثير من هذه التراجم أيدي خائنة ، أو حرفتها أقلام قاصرة أو مقصرة ، أضف إلى ذلك عويصة الاصطلاحات العلمية ونقلها إلى لسان آخر. فكيف نعتمد على مثلها في تعظيم رجال أو تحطيمهم؟ لا سيما إذا انجر الامر إلى تقديسهم والحكم بلزوم اتباعهم والاقتداء بهم بما أنهم أئمة المعرفة وأصحاب الكشف واليقين ، او الى تكفيرهم والحكم عليهم بالخلود في النار ومضاعفة العذاب!

٣ ـ انه لو سلم إلحاد متفلسف وانكاره للشرائع والنبوات فليس ذلك بحيث يسرى إلحاده إلى كل من سمى فيلسوفا حتى وان كان مصرحا بتصديق الأنبياء ثم يجب علينا ان لا نقصر في.


هو مؤيد للدين مؤكد لأدلة الله تعالى على ربوبيته وحكمته وتوحيده وممن دان به من رؤساء المتكلمين النظام وذهب إليه البلخي ومن اتبعه في المقال.

وقال الشيخ الرضي أمين الدين الطبرسي نور الله مرقده في مجمع البيان في تفسير سورة الفيل بعد إيراد القصة المشهورة وفيه حجة لائحة قاصمة لظهور الفلاسفة والملحدين والمنكرين للآيات الخارقة للعادات فإنه لا يمكن نسبة شيء مما ذكره الله من أمر أصحاب الفيل إلى طبع وغيره كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرها مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية إلى ذلك إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدة مهيأة لهلاك أقوام معينين قاصدات إياهم دون من سواهم فترميهم بها حتى تهلكهم وتدمر عليهم لا يتعدى ذلك إلى غيرهم ولا يشك من له مسكة من عقل ولب أن هذا لا يكون إلا من فعل الله

__________________

قدحه والطعن عليه دون أن نحمل كلامه على التقية من المسلمين والخوف من التكفير والتشهير والحاصل أن الحكم ليس دائرا مدار الاسم ، فليس طعن فقيه على الفلاسفة الملحدين دليلا على بطلان رأى كل فيلسوف في كل عصر وفي كل مسألة ، كما ان تجليل حكيم للفلاسفة الالهيين لا يصير دليلا على حقية جميع آراء الفلاسفة في جميع الأزمنة والامكنة! والحق أحق أن يتبع أينما وجد.

٤ ـ ان الذي ثبت من مدح الفلاسفة الالهيين أنهم رفعوا لواء التوحيد في عهد وفي أرض كان يسيطر فكرة الشرك والوثنية على القلوب ، ووجهوا أنظار الجمهور إلى ما وراء الطبيعة بينما كان ائمة الكفر يدعون الناس إلى الطبيعة والدهر ، وقادوا بالهمم إلى العالم الأبدي وحياة الآخرة حينما كانت تقصر على العالم المادى وتخلد إلى الأرض والحياة الدنيا. وإذا كانت علوم الطب والهندسة وامثالها ترتضع من ثدى النبوة فلا غروان تكون منشأ تلك المعارف العالية تعاليم رجال الوحى وان وقع فيها بعد حين تحريف او سوء تعبير وتفسير. وأما أنهم هل كانوا يدينون دين الحق ، أو كانوا يرفضون دعوة الأنبياء ويجحدون الحق بعد ما تمت عليهم الحجة وقامت عليهم البينة ، أو كانوا مختلفين في ذلك ، فذلك مما لم يتحقق لنا بعد ولعل من يصر على أنهم ملحدون جاحدون للحق ويدعو عليهم بمضاعفة العذاب له حجة على مدعاه ، والله عليم بذات الصدور. نستعيذ بالله تعالى من لحن القول ولهو الحديث ونسأله التوفيق لملازمة الحق وسواء الطريق.


تعالى مسبب الأسباب ومذلل الصعاب وليس لأحد أن ينكر هذا لأن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقروا به وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه وكيف وأنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه ونقلته الرواة عنهم.

وأقول هذه الجناية على الدين وتشهير كتب الفلاسفة بين المسلمين من بدع خلفاء الجور المعاندين لأئمة الدين ليصرفوا الناس عنهم وعن الشرع المبين ويدل على ذلك ما ذكره الصفدي في شرح لامية العجم أن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى أظنه صاحب جزيرة قبرس طلب منهم خزانة كتب اليونان وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال جهزها إليهم ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت الاختلاف بين علمائها وقال في موضع آخر أن المأمون لم يبتكر النقل والتعريب أي لكتب الفلاسفة بل نقل قبله كثير فإن يحيى بن خالد بن برمك عرب من كتب الفرس كثيرا مثل كليلة ودمنة وعرب لأجله كتاب المجسطي من كتب اليونان والمشهور أن أول من عرب كتب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما أولع بكتب الكيمياء ويدل على أن الخلفاء وأتباعهم كانوا مائلين إلى الفلسفة وأن يحيى البرمكي كان محبا لهم ناصرا لمذهبهم ما رواه الكشي بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام شيئا من طعنه على الفلاسفة فأحب أن يغري به هارون ويضربه على القتل ثم ذكر قصة طويلة في ذلك أوردناها في باب أحوال أصحاب الكاظم عليه‌السلام وفيها أنه أخفى هارون في بيته ودعا هشاما ليناظر العلماء وجروا الكلام إلى الإمامة وأظهر الحق فيها وأراد هارون قتله فهرب ومات من ذلك الخوف رحمه‌الله وعد أصحاب الرجال من كتبه كتاب الرد على أصحاب الطبائع و


كتاب الرد على أرسطاطاليس في التوحيد وعد الشيخ منتجب الدين في فهرسه من كتب قطب الدين الراوندي كتاب تهافت الفلاسفة وعد النجاشي من كتب الفضل بن شاذان كتاب رد على الفلاسفة وهو من أجلة الأصحاب وطعن عليهم الصدوق ره في مفتتح كتاب إكمال الدين وقال الرازي عند تفسير قوله تعالى « فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » فيه وجوه ثم ذكر من جملة الوجوه أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان وكانوا إذا سمعوا بوحي الله صغروا علم الأنبياء إلى علمهم وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه‌السلام وقيل له أوهاجرت إليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة إلى من يهذبنا وقال الرازي في المطالب العالية أظن أن قول إبراهيم لأبيه « يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً » إنما كان لأجل أن أباه كان على دين الفلاسفة وكان ينكر كونه تعالى قادرا وينكر كونه تعالى عالما بالجزئيات فلا جرم خاطبه بذلك الخطاب.

٣٥

(باب نادر)

١ ـ الخصال ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما خلق الله عز وجل خلقا إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه به وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق السحاب (١) فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الله عز وجل الفلك فأدارها بها وذللها ثم إن الأرض فخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الجبال فأثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بما عليها فذلت واستقرت ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الله الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت ثم إن الحديد فخر على الجبال وقال

__________________

(١) في المصدر « البحار » وهو الصواب ظاهرا.


أي شيء يغلبني فخلق الله النار فأذابت الحديد فذل الحديد ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الماء فأطفأها فذلت ثم إن الماء فخر وزخر وقال أي شيء يغلبني فخلق الريح فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذل الماء ثم إن الريح فخرت وعصفت وأرخت أذيالها وقالت أي شيء يغلبني فخلق الإنسان فاحتال واتخذ ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح ثم إن الإنسان طغى وقال من أشد مني قوة فخلق الموت فقهره فذل الإنسان ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله جل جلاله لا تفخر فإني أذبحك (١) بين الفريقين أهل الجنة والنار ثم لا أحييك أبدا فذل وخاف (٢).

بيان فخلق الله الفلك فأدارها بها لعل المعنى أن الأفلاك بأجرامها النيرة مسلطة على السحاب تبعثها وتثيرها وتدنيها (٣) وتفرقها وقد مر برواية الكليني هكذا وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت ثم إن الأرض فخرت إلى آخر الخبر وهو الظاهر بل لا يستقيم ما في الخصال كما لا يخفى وقد سبق شرح الخبر في الباب الأول.

٢ ـ الخصال ، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام في ما سأل رسول معاوية لأسئلة ملك الروم الحسن بن علي عليه‌السلام قال وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شيء خلقه الله عز وجل الحجر وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر وأشد من الحديد النار تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء السحاب يحمل الماء وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب وأشد من الريح الملك الذي يرسلها وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت وأشد من الموت أمر الله رب العالمين

__________________

(١) في المصدر : ذابحك.

(٢) الخصال : ٥٨.

(٣) تذيبها ( خ ).


الذي يميت الموت (١).

٣ ـ كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ، عن الشعبي قال : قال ابن الكواء لأمير المؤمنين عليه‌السلام أي [ شيء ] خلق الله أشد قال إن أشد خلق الله عشرة الجبال الرواسي والحديد تنحت به الجبال والنار تأكل الحديد والماء يطفئ النار والسحاب المسخر بين السماء والأرض تحمل الماء والريح تقل السحاب والإنسان يغلب الريح يتقيها بيديه ويذهب لحاجته والسكر يغلب الإنسان والنوم يغلب السكر والهم يغلب النوم فأشد خلق ربك الهم.

٤ ـ العلل ، عن أحمد بن محمد العلوي عن محمد بن إبراهيم بن أسباط عن أحمد بن محمد بن زياد عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عليهم‌السلام ن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه سئل مما خلق الله عز وجل الذر الذي يدخل في كوة البيت فقال إن موسى عليه‌السلام لما قال « رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ » قال الله عز وجل إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إلي وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلاث قطع فقطعة ارتفعت في السماء وقطعة غاضت تحت الأرض وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار غبار الجبل (٢).

بيان هذا الخبر على تقدير صحته وصدوره عن الإمام لعل المعنى أن له أيضا مدخلية في تلك الذرات في بعض البلاد أو كلها بأن تكون تفرقت بقدرة الله تعالى في جميع البلاد.

__________________

(١) الخصال : ٥٨.

(٢) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ١٨٣.


٣٦

(باب)

(الممدوح من البلدان والمذموم منها وغرائبها)

الآيات :

يونس « وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » (١).

الأنبياء « وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ » (٢) وقال تعالى « وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها » (٣).

المؤمنون « وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ » (٤).

القصص « آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً » إلى قوله تعالى « فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » (٥).

سبأ « بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ » إلى قوله تعالى « وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً » (٦).

النازعات « إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً » (٧).

البلد « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ » (٨).

التين « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ » (٩).

تفسير « مُبَوَّأَ صِدْقٍ » أي مكانا محمودا حسنا وهو بيت المقدس والشام و

__________________

(١) يونس : ٩٣.

(٢) الأنبياء : ٧١.

(٣) الأنبياء : ٨١.

(٤) المؤمنون : ٥٠.

(٥) القصص : ٢٩ ـ ٣٠.

(٦) سبأ : ١٥ ـ ١٨.

(٧) النازعات : ١٦.

(٨) البلد : ١ ـ ٢.

(٩) التين ١ ـ ٣.


قيل يريد به مصر وقال علي بن إبراهيم ردهم إلى مصر وغرق فرعون (١) « وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » أي النعم اللذيذة « إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ » قيل هي أرض الشام أي نجينا إبراهيم ولوطا من كوثا إلى الشام وإنما قال « بارَكْنا فِيها » لأنها بلاد خصب وقيل إلى أرض بيت المقدس لأن بها مقام الأنبياء والحاصل أن أكثر أنبياء بني إسرائيل بعثوا في الشام وبيت المقدس فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادئ الخيرات الدينية والدنيوية وقيل نجاهما إلى مكة كما قال « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ » (٢) روي ذلك عن ابن عباس « إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها » وهي أرض الشام لأنها كانت مأواه كما ذكره المفسرون « وَآوَيْناهُما » أي عيسى وأمه « إِلى رَبْوَةٍ » قال الطبرسي ره أي جعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا واسعا والربوة هي الرملة من فلسطين عن أبي هريرة وقيل دمشق عن سعيد بن المسيب وقيل مصر عن ابن زيد وقيل بيت المقدس عن قتادة وكعب قال كعب وهي أقرب الأرض إلى السماء وقيل هي حيرة الكوفة وسوادها والقرار مسجد الكوفة والمعين الفرات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام وقيل « ذاتِ قَرارٍ » أي ذات موضع قرار أي هي أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها وقيل ذات ثمار لأنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها « وَمَعِينٍ » ماء جار وظاهر للعيون (٣).

« فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ » قال الطبرسي ره هي البقعة التي قال فيها لموسى « فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً » وإنما كانت مباركة لأنها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى وقيل مباركة كثيرة (٤) الثمار والأشجار والخير والنعم بها والأول أصح (٥) انتهى وأقول روي في التهذيب عن الصادق عليه‌السلام أنه قال :

__________________

(١) تفسير القمي : ٢٩٢.

(٢) آل عمران : ٩٦.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٠٨.

(٤) في المجع : لكثرة الاشجار والاثمار.

(٥) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٥١.


« شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ » الذي ذكره الله في القرآن هو الفرات و « الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ » هي كربلاء « بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ » قيل أي هذه بلدة نزهة أرضها عذبة تخرج النبات وليست بسبخة وليس فيها شيء من الهوام المؤذية وقيل أراد به صحة هوائها وعذوبة مائها وسلامة تربتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في القيظ وبرد يؤذي في الشتاء « وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها » أي بالتوسعة على أهلها أو بما مر وهي قرى الشام وفي تفسير علي بن إبراهيم هي مكة (١) « قُرىً ظاهِرَةً » أي متواصلة يظهر بعضها لبعض وقد مر تأويل « الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها » بالأئمة عليهم‌السلام والقرى الظاهرة برواة أخبارهم وفقهاء شيعتهم والسير بالعلم « آمِنِينَ » من الشك والضلال « بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ » أي المطهر « طُوىً » اسم الوادي الذي كلم الله فيه موسى عليه‌السلام.

« لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » قال الطبرسي ره أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام « وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ » وأنت يا محمد مقيم به وهو محلك وهذا تنبيه على أن شرف البلد بشرف من حل فيه من الرسول الداعي إلى توحيده وإخلاص عبادته وبيان أن تعظيمه له وقسمه به لأجله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكونه حالا فيه كما سميت المدينة طيبة لأنها طابت به حيا وميتا وقيل معناه « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » وأنت حل فيه منتهك الحرمة فلم يبق للبلد حرمة حيث هتك حرمتك عن أبي مسلم وهو مروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كانت قريش تعظم البلد وتستحل محمدا فيه فقال « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ » يريد أنهم استحلوك فيه فكذبوك وشتموك وكانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه ويتقلدون لحاء شجر الحرم فيأمنون بتقليدهم إياه فاستحلوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يستحلوا من غيره فعاب الله ذلك عليهم (٢). وقال قدس‌سره في قوله سبحانه « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » أقسم الله سبحانه بالتين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر منه الزيت عن ابن عباس وغيره وقيل التين الجبل

__________________

(١) تفسير القمي : ٥٣٨.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٩٢.


الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس عن قتادة وقال عكرمة هما جبلان وإنما سميا بهما لأنهما نبتا (١) بهما وقيل التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس عن كعب الأحبار وغيره وقيل التين مسجد نوح عليه‌السلام الذي بنى على الجودي والزيتون بيت المقدس عن ابن عباس وقيل التين مسجد الحرام والزيتون المسجد الأقصى عن الضحاك « وَطُورِ سِينِينَ » يعني الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه‌السلام عن الحسن وسينين وسيناء واحد وقيل إن سينين معناه المبارك الحسن كأنه قيل جبل الخير الكثير لأنه إضافة تعريف عن مجاهد وقتادة وقيل معناه كثير النبات والشجر عن عكرمة وقيل إن كل جبل فيه شجر مثمر (٢) فهو سينين وسيناء بلغة النبط عن مقاتل وروي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام وطور سيناء. « وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ » يعني مكة البلد الحرام يأمن فيه الخائف في الجاهلية والإسلام فالأمين بمعنى المؤمن مؤمن (٣) من يدخله وقيل هو بمعنى الآمن ويؤيده قوله « أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً » (٤).

١ ـ الكشي ، قال وجدت بخط جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عيسى عن محمد بن الفضيل عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الهيثم بن واقد عن ميمون بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن عليا عليه‌السلام لما أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها ثم قال لعنك الله يا أنتن الأرض ترابا وأسرعها خرابا وأشدها عذابا فيك الداء الدوي قيل ما هو يا أمير المؤمنين قال كلام القدر الذي فيه الفرية على الله وبغضنا أهل البيت وفيه سخط الله وسخط نبيه وكذبهم علينا أهل البيت واستحلالهم الكذب علينا.

٢ ـ معاني الأخبار : والخصال ، عن الحسين بن (٥) إدريس عن أبيه عن

__________________

(١) في المصدر : ينبتان.

(٢) فيه : وثمر.

(٣) في المصدر : يؤمن.

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٥١٠.

(٥) كذا في الخصال ، ورواها في المعاني عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن خالد عن أبي عبد الله الرازي ـ الخ ـ.


محمد بن أحمد الأشعري عن أبي عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله اختار من البلدان أربعة فقال عز وجل « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ » فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة « وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ » مكة الخبر (١).

بيان لعله إنما كنى عن المدينة بالتين لوفوره وجودته فيها أو لكونها من أشارف البلاد كما أن التين من أفاضل الثمار كما سيأتي وكنى عن الكوفة بطور سينين لأن ظهرها وهو النجف كان محل مناجاة سيد الأوصياء كما أن الطور كان محل مناجاة الكليم أو لأن الجبل الذي سأل عليه موسى الرؤية فتقطع وقع جزء منه هناك كما ورد في بعض الأخبار أو أنه لما أراد ابن نوح أن يعتصم بهذا الجبل تقطع فصار بعضها في طور سيناء أو أنه هو طور سيناء حقيقة وغلط فيه المفسرون واللغويون كما روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان في وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء ففعلوا ذلك

٣ ـ المجالس ، لابن الشيخ عن أبيه عن المفيد عن أحمد بن محمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن الحسن بن أبي فاختة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما قتل الحسين عليه‌السلام بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار وما يرى وما لا يرى إلا ثلاثة أشياء البصرة ودمشق وآل الحكم بن العاص الخبر.

بيان بكاء البلاد والبقاع بكاء أهلها وظهور آثار الحزن فيهم.

٤ ـ العلل ، في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أكرم واد على وجه الأرض فقال له واد يقال له سرانديب (٢) سقط فيه آدم من السماء و

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٦٥ ، الخصال : ١٠٥.

(٢) سرنديب ( خ ).


سأله عن شر واد على وجه الأرض فقال واد باليمن يقال له برهوت وهو من أودية جهنم (١).

بيان قال في النهاية في حديث علي شر بئر في الأرض برهوت هي بفتح الباء والراء بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها وقيل برهوت بضم الباء وسكون الراء فتكون تاؤها على الأول زائدة وعلى الثاني أصلية أخرجه الهروي عن علي وأخرجه الطبراني في المعجم عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال الفيروزآبادي برهوت واد وبئر بحضرموت انتهى وكونه من أودية جهنم لشباهته بها ولتعذيب أرواح الكفار فيه كما ورد في الأخبار ويحتمل أن يكون لجهنم طريق إليه.

٥ ـ الخصال ، عن أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطان عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : ستة عشر صنفا من أمة جدي لا يحبونا ولا يحببونا إلى الناس إلى أن قال وأهل مدينة تدعى سجستان هم لنا أهل عداوة ونصب وهم شر الخلق والخليقة عليهم من العذاب ما على فرعون وهامان وقارون وأهل مدينة تدعى الري هم أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء أهل بيته يرون حرب أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جهادا وما لهم مغنما ولهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا والآخرة « وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ » وأهل مدينة تدعى الموصل هم شر من على وجه الأرض وأهل مدينة تسمى الزوراء تبنى في آخر الزمان يستشفون بدمائنا ويتقربون ببغضنا يوالون في عداوتنا ويرون حربنا فرضا وقتالنا حتما يا بني فاحذر هؤلاء ثم احذرهم فإنه لا يخلو اثنان منهم بأحد من أهلك إلا هموا بقتله الخبر (٢).

بيان الموصل بفتح الميم وسكون الواو معروف والزوراء يطلق على دجلة

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢٨٢.

(٢) الخصال : ٩٦.


بغداد وعلى بغداد لأن أبوابها الداخلة جعلت مزورة عن الخارجة ويمكن أن تتبدل أحوال أهل هذه البلاد باختلاف الأزمنة ويكون ما ذكر في الخبر حالهم في ذلك الزمان.

٦ ـ العلل ، عن علي بن عبد الوراق عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى والفضل بن عامر عن سليمان بن مقبل عن محمد بن زياد الأزدي عن عيسى بن عبد الله الأشعري عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام قال حدثني أبي عن جدي عن أبيه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزعفران وأطيب ريحا من المسك فإذا فيها شيخ على رأسه برنس فقلت لجبرئيل ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لونا من الزعفران وأطيب ريحا من المسك قال بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي فقلت من الشيخ صاحب البرنس قال إبليس قلت فما يريد منهم قال يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور فقلت يا جبرئيل أهو بنا إليهم فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامح فقلت قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم فإن شيعتي وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان فسميت قم (١).

بيان : البرنس قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام ذكره الجوهري.

٧ ـ الإختصاص ، روى علي بن محمد العسكري عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ لها أربعة أركان وأربعة أبواب كأنها من إستبرق أخضر قلت يا جبرئيل ما هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها فقال حبيبي محمد هذه صورة مدينة يقال لها قم يجتمع فيها عباد الله المؤمنون ينتظرون محمدا وشفاعته للقيامة والحساب يجري عليهم الغم والهم والأحزان والمكاره قال فسألت علي بن محمد العسكري عليه‌السلام متى ينتظرون الفرج قال إذا ظهر الماء على وجه الأرض (٢).

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢٥٩.

(٢) الاختصاص : ١٠١.


تاريخ قم ، عن أبي مقاتل الديلمي عنه عليه‌السلام مثله.

بيان المراد به إما ظهور الماء في أصل البلد أو لم يكن في هذا الزمان فيه ماء جار أصلا كما ذكر في تاريخ قم مبدأ حدوث الوادي بقم وإنه كانت فيه قنوات ولم يكن فيه نهر جار.

٨ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، عن الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله عن آبائه صلوات الله عليهم قال : لما بلغ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر معاوية وأنه في مائة ألف قال من أي القوم قالوا من أهل الشام قال لا تقولوا من أهل الشام ولكن قولوا من أهل الشوم هم أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه‌السلام فجعل الله « مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ » الخبر (١).

بيان يمكن الجمع بين الآيات والأخبار الواردة في مدح الشام ومصر وذمه بما أومأنا إليه سابقا من اختلاف أحوال أهله في الأزمان فإنه كان في أول الزمان محل الأنبياء والصلحاء فكان من البلاد المباركة الشريفة فلما صار أهله من أشقى الناس وأكفرهم صار من شر البلاد كما أن يوم عاشوراء كان من الأيام المتبركة كما يظهر من بعض الأخبار فلما قتل فيه الحسين عليه‌السلام صار من أنحس الأيام.

٩ ـ قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي قال : قلت للرضا عليه السلام إن أهل مصر يزعمون أن بلادهم مقدسة قال وكيف ذلك قلت جعلت فداك يزعمون أنه يحشر من جيلهم سبعون ألفا « يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ » ... « بِغَيْرِ حِسابٍ » قال لا لعمري ما ذاك كذلك وما غضب الله على بني إسرائيل إلا أدخلهم مصر ولا رضي عنهم إلا أخرجهم منها إلى غيرها ولقد أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه‌السلام أن يخرج عظام يوسف منها فاستدل موسى على من يعرف القبر فدل على امرأة عمياء زمنة فسألها موسى أن تدله عليه فأبت إلا على خصلتين فيدعو الله فيذهب زمانتها ويصيرها معه في الجنة في الدرجة التي هو فيها فأعظم ذلك موسى فأوحى الله إليه

__________________

(١) تفسير القمي : ٥٩٦.


وما يعظم عليك من هذا أعطها ما سألت ففعل فتوعدته (١) طلوع القمر فحبس الله القمر حتى جاء موسى لموعده فأخرجه من النيل في سفط مرمر فحمله موسى عليه‌السلام ولقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تغسلوا رءوسكم بطينها ولا تأكلوا في فخارها فإنه يورث الذلة ويذهب الغيرة قلنا له قد قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال نعم (٢).

العياشي ، عن علي بن أسباط عن الرضا عليه‌السلام مثله.

١٠ ـ البصائر ، عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة.

بيان أي قبولا كاملا كما في الخبر الآتي.

١١ ـ البصائر ، عن يعقوب بن يزيد عن ابن سنان عن عتيبة بياع القصب عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال والأمصار ما قبلها قبول أهل الكوفة.

١٢ ـ النهج ، نهج البلاغة من كلام له عليه‌السلام في ذكر الكوفة كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي تعركين بالنوازل وتركبين بالزلازل وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءا إلا ابتلاه الله بشاغل ورماه بقاتل.

بيان الأديم الجلد أو مدبوغة وعكاظ بالضم موضع بناحية مكة كانت العرب تجتمع في كل سنة ويقيمون به سوقا مدة شهر ويتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون وينسب إليه الأديم لكثرة البيع فيه والأديم العكاظي مستحكم الدباغ شديد المد وذلك وجه الشبه والعرك الدلك والحك وعركه أي حمل عليه الشر وعركت القوم في الحرب إذا مارستهم حتى أتعبتهم (٣) والنوازل المصائب والشدائد والزلازل البلايا وتركبين على بناء المجهول كالفعلين السابقين

__________________

(١) في المصدر وبعض نسخ الكتاب : فوعدته.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٠.

(٣) اتبعتهم ( خ ).


أي تجعلين مركوبة لها أو بها على أن تكون الباء للسببية كالسابقة والشدائد التي أصابت الكوفة وأهلها معروفة مذكورة في السير وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا. وعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : تربة تحبنا ونحبها. وعنه عليه‌السلام اللهم ارم من رماها وعاد من عاداها. وقال محمد الحسين الكيدري في شرح النهج فمن الجبابرة الذين ابتلاهم الله بشاغل فيها زياد وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليا صلوات الله عليه فخرج الحاجب وقال انصرفوا فإن الأمير مشغول وقد أصابه الفالج في هذه الساعة وابنه عبيد الله بن زياد وقد أصابه الجذام والحجاج بن يوسف وقد تولدت الحيات في بطنه حتى هلك وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما البرص وخالد القسري وقد حبس فطولب حتى مات جوعا وأما الذين رماهم الله بقاتل فعبد الله بن زياد ومصعب بن الزبير وأبو السرايا وغيرهم قتلوا جميعا ويزيد بن المهلب قتل على أسوإ حال.

١٣ ـ القصص ، بالإسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن محبوب عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أبو جعفر صلوات الله عليهما يقول نعم الأرض الشام وبئس القوم أهلها اليوم وبئس البلاد مصر أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل ولم يكن دخل بنو إسرائيل مصر إلا من سخطة ومعصية منهم لله لأن الله عز وجل قال « ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ » (١) يعني الشام فأبوا أن يدخلوها وعصوا فتاهوا في الأرض أربعين سنة قال وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد توبتهم ورضا الله عنهم ثم قال أبو جعفر صلوات الله عليه إني أكره أن آكل شيئا طبخ في فخار مصر وما أحب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن تورثني تربتها الذل وتذهب بغيرتي.

العياشي ، عن داود مثله.

١٤ ـ القصص ، بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط عن الحسين بن أحمد عن أبي إبراهيم الموصلي قال : قلت لأبي

__________________

(١) المائدة : ٢٣.


عبد الله عليه‌السلام إن بني (١) ينازعني مصر فقال ما لك ومصر أما علمت أنها مصر الحتوف ولا أحسبه إلا قال يساق إليها أقصر الناس أعمارا.

١٥ ـ ومنه ، بهذا الإسناد عن ابن أسباط عن أحمد بن محمد بن الحضير عن يحيى بن عبد الله بن الحسن رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انتحوا مصر ولا تطلبوا المكث فيها ولا أحسبه إلا قال وهو يورث الدياثة.

بيان : قال في القاموس نحاه قصده كانتحاه.

١٦ ـ القصص ، بالإسناد المتقدم عن ابن أسباط عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : لا تأكلوا في فخارها ولا تغسلوا رءوسكم بطينها فإنها تورث الذلة وتذهب بالغيرة.

١٧ ـ كامل الزيارة ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن الحسين بن عبيد الله عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن عبد الجبار عن أبي سعيد عن الحسين بن ثوير ويونس وأبي سلمة السراج والمفضل بن عمر قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لما مضى أبو عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليهما بكى عليه جميع ما خلق الله إلا ثلاثة أشياء البصرة ودمشق وآل عثمان (٢).

١٨ ـ الكشي ، عن محمد بن مسعود وعلي بن محمد معا عن الحسين بن عبيد الله عن عبد الله بن علي عن أحمد بن حمزة عن عمران القمي عن حماد الناب قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن جماعة إذ دخل عليه عمران بن عبد الله القمي فسأله وبره وبشه فلما أن قام قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام من هذا الذي بررت به هذا البر فقال من أهل البيت النجباء يعني أهل قم ما أرادهم جبار من الجبابرة إلا قصمه الله.

١٩ ـ ومنه ، بهذا الإسناد عن أحمد بن حمزة عن المرزبان بن عمران عن أبان بن عثمان قال : دخل عمران بن عبد الله على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له كيف أنت وكيف ولدك وكيف أهلك وكيف بنو عمك وكيف أهل بيتك ثم حدثه مليا فلما خرج قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام من هذا قال هذا نجيب قوم النجباء ما

__________________

(١) ابنى ( خ ).

(٢) كامل الزيارة : ٨٠.


نصب لهم جبار إلا قصمه الله. قال حسين عرضت هذين الحديثين على أحمد بن حمزة فقال أعرفهما ولا أحفظ من رواهما لي.

٢٠ ـ كتاب تاريخ قم تأليف الحسن بن محمد بن الحسن القمي ، قال روى سعد بن عبد الله بن أبي خلف عن الحسن بن محمد بن سعد عن الحسن بن علي الخزاعي عن عبد الله بن سنان سئل أبو عبد الله عليه‌السلام أين بلاد الجبل فإنا قد روينا أنه إذا رد إليكم الأمر يخسف ببعضها فقال إن فيها موضعا يقال له بحر ويسمى بقم وهو معدن شيعتنا فأما الري فويل له من جناحيه وإن الأمن فيه من جهة قم وأهله قيل وما جناحاه قال عليه‌السلام أحدهما بغداد والآخر خراسان فإنه تلتقي فيه سيوف الخراسانيين وسيوف البغداديين فيعجل الله عقوبتهم ويهلكهم فيأوي أهل الري إلى قم فيؤويهم أهله ثم ينتقلون منه إلى موضع يقال له أردستان.

٢١ ـ وبإسناده عن عبد الواحد البصري عن أبي وائل عن عبد الله الليثي عن ثابت البناني (١) عن أنس بن مالك قال : كنت ذات يوم جالسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل عليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله إلي يا أبا الحسن ثم اعتنقه وقبل ما بين عينيه وقال يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب وفتح إليه بابا من أبواب الجنة.

٢٢ ـ وعن محمد بن قتيبة الهمداني والحسن بن علي الكشمارجاني [ الكمشارجاني ] (٢) عن علي بن النعمان عن أبي الأكراد علي بن ميمون الصائغ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) في أكثر النسخ « ثابتة الشبانى » وفي بعضها « ثابت النباتى » والظاهر ان الصواب ما أثبتناه في المتن وهو ثابت بن أسلم البنانى ـ بضم الموحدة منسوب الى بنانه وهم بنو سعد بن لوى ـ وهو الذي يروى عن أنس بن مالك وغيره.

(٢) الكمشارجانى ( خ ).


إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد واحتج ببلدة قم على سائر البلاد وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس ولم يدع الله قم وأهله مستضعفا بل وفقهم وأيدهم ثم قال إن الدين وأهله بقم ذليل ولو لا ذلك لأسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله فلم يكن حجة على سائر البلاد وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والأرض ولم ينظروا طرفة عين وإن البلايا مدفوعة عن قم وأهله وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق وذلك في زمان غيبة قائمنا عليه‌السلام إلى ظهوره ولو لا ذلك لساخت الأرض بأهلها وإن الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدو وينسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله كما نسوا ذكر الله.

٢٣ ـ ثم قال وروي بأسانيد عن الصادق عليه‌السلام أنه ذكر كوفة وقال ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر [ يأرز ] عنها العلم كما تأزر [ تأرز ] الحية في جحرها ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال وذلك عند قرب ظهور قائمنا فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة ولو لا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم ثم يظهر القائم عليه‌السلام ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة.

٢٤ ـ وعن أبي مقاتل الديلمي نقيب الري قال سمعت أبا الحسن علي بن محمد عليه‌السلام يقول إنما سمي قم به لأنه لما وصلت السفينة إليه في طوفان نوح عليه‌السلام قامت وهو قطعة من بيت المقدس.

٢٥ ـ وعن الحسن بن يوسف عن خالد بن يزيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) في أكثر النسخ « خالد بن أبي يزيد » والظاهر أنه أبو يزيد خالد بن يزيد العكلى الثقة ، فاشتبه على بعض النساخ كنيته بكنية أبيه.


إن الله اختار من جميع البلاد كوفة وقم وتفليس.

٢٦ ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن أبي جميلة المفضل بن صالح عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فإن البلاء مدفوع عنها.

٢٧ ـ وعن أحمد بن خزرج بن سعد عن أخيه موسى بن خزرج قال : قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام أتعرف موضعا يقال له وراردهار قلت نعم ولي فيه ضيعتان فقال الزمه وتمسك به ثم قال ثلاث مرات نعم الموضع وراردهار.

٢٨ ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن سعد بن سعد الأشعري عن جماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا عمت البلايا فالأمن في كوفة ونواحيها من السواد وقم من الجبل ونعم الموضع ، قم للخائف الطائف.

٢٩ ـ وعن محمد بن سهل بن اليسع عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا فقد الأمن من العباد وركب الناس على الخيول واعتزلوا النساء والطيب فالهرب الهرب عن جوارهم فقلت جعلت فداك إلى أين قال إلى الكوفة ونواحيها أو إلى قم وحواليها فإن البلاء مدفوع عنهما.

٣٠ ـ وعن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين عن الصادق عليه‌السلام قال : أهل خراسان أعلامنا وأهل قم أنصارنا وأهل كوفة أوتادنا وأهل هذا السواد منا ونحن منهم.

٣١ ـ وعن سهل بن زياد عن عبد العظيم الحسني عن إسحاق الناصح مولى جعفر عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : قم عش آل محمد ومأوى شيعتهم ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية (١) آبائهم والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء.

٣٢ ـ وعن سهل عن الحسين بن محمد الكوفي عن محمد بن حمزة بن القاسم العلوي عن عبد الله بن العباس الهاشمي عن محمد بن جعفر عن أبيه الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) بعقوبة ( خ ).


قال : إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم فإنه مأوى الفاطميين ومستراح المؤمنين وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا ويحقنوا بذلك دماؤهم وأموالهم وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته.

٣٣ ـ وعن سهل عن أحمد بن عيسى البزاز القمي عن أبي إسحاق العلاف النيشابوري عن واسط بن سليمان عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : إن للجنة ثمانية أبواب ولأهل قم واحد منها فطوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى لهم.

٣٤ ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كنا عنده جالسين إذ قال مبتدئا خراسان خراسان سجستان سجستان كأني أنظر إلى أهلهما راكبين على الجمال مسرعين إلى ، قم.

٣٥ ـ وعن يعقوب بن يزيد عن أبي الحسن الكرخي عن سليمان بن صالح قال : كنا ذات يوم عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر فتن بني عباس وما يصيب الناس منهم فقلنا جعلنا فداك فأين المفزع والمفر في ذلك الزمان فقال إلى الكوفة وحواليها وإلى قم ونواحيها ثم قال في قم شيعتنا وموالينا وتكثر فيها العمارة ويقصده الناس ويجتمعون فيه حتى يكون الجمر بين بلدتهم.

وفي بعض روايات الشيعة أن قم يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم.

٣٦ ـ وفي خطبة الملاحم لأمير المؤمنين عليه‌السلام التي خطب بها بعد وقعة الجمل بالبصرة قال : يخرج الحسني صاحب طبرستان مع جم كثير من خيله ورجله حتى يأتي نيسابور فيفتحها ويقسم أبوابها ثم يأتي أصبهان ثم إلى قم فيقع بينه وبين أهل قم وقعة عظيمة يقتل فيها خلق كثير فينهزم أهل قم فينهب الحسني أموالهم ويسبي ذراريهم ونساءهم ويخرب دورهم فيفزع أهل قم إلى جبل يقال لها وراردهار فيقيم الحسني ببلدهم أربعين يوما ويقتل منهم عشرين رجلا ويصلب منهم رجلين ثم يرحل عنهم.


٣٧ ـ وعن علي بن عيسى عن أيوب بن يحيى الجندل عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلهم الرياح العواصف ولا يملون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ».

٣٨ ـ وبإسناده عن عفان البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال لي أتدري لم سمي قم قلت الله ورسوله وأنت أعلم قال إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه.

٣٩ ـ وعن علي بن عيسى عن علي بن محمد الربيع عن صفوان بن يحيى بياع السابري قال : كنت يوما عند أبي الحسن عليه‌السلام فجرى ذكر قم وأهله وميلهم إلى المهدي عليه‌السلام فترحم عليهم وقال رضي الله عنهم ثم قال إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم.

٤٠ ـ وروى بعض أصحابنا قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا إذ قرأ هذه الآية « فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً » فقلنا جعلنا فداك من هؤلاء فقال ثلاث مرات هم والله أهل قم.

٤١ ـ وروي عن عدة من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد الله عليه‌السلام وقالوا نحن من أهل الري فقال مرحبا بإخواننا من أهل قم فقالوا نحن من أهل الري فأعاد الكلام قالوا ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به أولا فقال إن لله حرما وهو مكة وإن للرسول (١) حرما وهو المدينة وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة وإن لنا حرما وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة

__________________

(١) لرسوله ( خ ).


فمن زارها وجبت له الجنة قال الراوي وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم عليه السلام.

٤٢ ـ وفي روايات الشيعة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به رأى إبليس باركا بهذه البقعة فقال له قم يا ملعون فسميت بذلك.

٤٣ ـ وروي عن الأئمة عليهم‌السلام لو لا القميون لضاع الدين.

٤٤ ـ وروي مرفوعا إلى محمد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى علي بن موسى الرضا عليه‌السلام قال : إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فإن البلاء مرفوع عنها.

٤٥ ـ وقال عليه‌السلام لزكريا بن آدم القمي حين قال الشيخ عنده يا سيدي إني أريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثرت السفهاء فقال لا تفعل فإن البلاء يدفع بك عن أهل قم كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه‌السلام.

٤٦ ـ وعن سهل بن زياد عن علي بن إبراهيم الجعفري عن محمد بن الفضيل عن عدة من أصحابه عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : إن لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال سلام الله على أهل قم يسقي (١) الله بلادهم الغيث وينزل الله عليهم البركات و « يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود هم الفقهاء العلماء الفهماء هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة.

٤٧ ـ وقال أبو عبد الله الفقيه الهمداني في كتاب البلدان إن أبا موسى الأشعري روى أنه سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن أسلم المدن وخير المواضع عند نزول الفتن وظهور السيف فقال أسلم المواضع يومئذ أرض الجبل فإذا اضطربت خراسان ووقعت الحرب بين أهل جرجان وطبرستان وخربت سجستان فأسلم المواضع يومئذ قصبة قم تلك البلدة التي يخرج منها أنصار خير الناس أبا وأما وجدا وجدة وعما وعمة تلك التي تسمى الزهراء بها موضع قدم جبرئيل وهو الموضع الذي نبع منه الماء

__________________

(١) سقى ( خ ).


الذي من شرب منه أمن من الداء ومن ذلك الماء عجن الطين الذي عمل منه كهيئة الطير ومنه يغتسل الرضا عليه‌السلام ومن ذلك الموضع يخرج كبش إبراهيم وعصا موسى وخاتم سليمان.

٤٨ ـ ومن روايات الشيعة في فضل قم وأهلها ما رواه الحسن بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه بأسانيد ذكرها عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أن رجلا دخل عليه فقال يا ابن رسول الله إني أريد أن أسألك عن مسألة لم يسألك أحد قبلي ولا يسألك أحد بعدي فقال عساك تسألني عن الحشر والنشر (١) فقال الرجل إي والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا ما أسألك إلا عنه فقال محشر الناس كلهم إلى بيت المقدس إلا بقعة بأرض الجبل يقال لها قم فإنهم يحاسبون في حفرهم ويحشرون من حفرهم إلى الجنة ثم قال أهل قم مغفور لهم قال فوثب الرجل على رجليه وقال يا ابن رسول الله هذا خاصة لأهل قم قال نعم ومن يقول بمقالتهم ثم قال أزيدك قال نعم حدثني أبي عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظرت إلى بقعة بأرض الجبل خضراء أحسن لونا من الزعفران وأطيب رائحة من المسك وإذا فيها شيخ بارك على رأسه برنس فقلت حبيبي جبرئيل ما هذه البقعة قال فيها شيعة وصيك علي بن أبي طالب قلت فمن الشيخ البارك فيها قال ذلك إبليس اللعين عليه اللعنة قلت فما يريد منهم قال يريد أن يصدهم عن ولاية وصيك علي ويدعوهم إلى الفسق والفجور فقلت يا جبرئيل اهو بنا إليه فأهوى بنا إليه في أسرع من برق خاطف فقلت له قم يا ملعون فشارك المرجئة في نسائهم وأموالهم لأن أهل قم شيعتي وشيعة وصيي علي بن أبي طالب.

٤٩ ـ وروى محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن الحسن الحضرمي عن محمد بن بهلول عن أبي مسلم العبدي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا

__________________

(١) المحشر والمنشر ( خ ).


إخوانهم (١) فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء أما إنهم أنصار قائمنا ودعاة (٢) حقنا ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من كل هلكة.

ثم ذكر صاحب التاريخ المشاهد والقبور الواقعة في بلدة قم فقال منها قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه‌السلام وروي أن زيارتها تعادل الجنة.

وروى مشايخ قم أنه لما أخرج المأمون علي بن موسى الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى المرو في سنة مائتين خرجت فاطمة أخته في سنة إحدى ومائتين تطلبه فلما وصلت إلى ساوه مرضت فسألت كم بيني وبين قم قالوا عشرة فراسخ فأمرت خادمها فذهب بها إلى قم وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد. والأصح أنه لما وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها أن يطلبوا منها النزول في بلدة قم فخرج من بينهم موسى بن خزرج فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى قم وأنزلها في داره فكانت فيها ستة (٣) عشر يوما ثم مضت إلى رحمة الله ورضوانه فدفنها موسى بعد التغسيل والتكفين في أرض له وهي التي الآن مدفنها وبنى على قبرها سقفا من البواري إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه‌السلام عليها قبة. وحدثني الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أنه لما توفيت فاطمة رضي الله عنها وغسلوها وكفنوها ذهبوا بها إلى بابلان ووضعوها على سرداب حفروه لها فاختلف آل سعد بينهم في من يدخل السرداب ويدفنها فيه فاتفقوا على خادم لهم شيخ كبير صالح يقال له قادر فلما بعثوا إليها رأوا راكبين سريعين متلثمين يأتيان من جانب الرملة فلما قربا من الجنازة نزلا وصليا عليها ودخلا السرداب وأخذا الجنازة فدفناها ثم خرجا وركبا وذهبا ولم يعلم أحد من هما. والمحراب الذي كانت فاطمة عليها‌السلام تصلي إليها موجود إلى الآن في دار موسى بن الخزرج ثم ماتت أم محمد بنت موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام فدفنوها في جنب فاطمة رضي الله عنها

__________________

(١) ما لم يحولوا أحوالهم ( خ ).

(٢) رعاة ( خ ).

(٣) في بعض النسخ « سبعة عشر ».


ثم توفيت ميمونة أختها فدفنوها هناك أيضا وبنوا عليهما أيضا قبة ودفن فيها أم إسحاق جارية محمد وأم حبيب جارية محمد بن أحمد الرضا وأخت محمد بن موسى ثم قال ومنها قبر أبي جعفر موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام قال وهو أول من دخل من السادات الرضوية قم وكان مبرقعا دائما فأخرجه العرب من قم ثم اعتذروا منه وأدخلوه وأكرموه واشتروا من أموالهم له دارا ومزارع وحسن حاله واشترى من ماله أيضا قرى ومزارع فجاءت إليه أخواته زينب وأم محمد وميمونة بنات الجواد عليه‌السلام ثم بريهية بنت موسى فدفن كلهن عند فاطمة رضي الله عنها وتوفي موسى ليلة الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر من سنة ست وتسعين ومائتين ودفن في الموضع المعروف أنه مدفنه ومنها قبر أبي علي محمد بن أحمد بن موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام توفي في سنة خمس عشرة وثلاثمائة ودفن في مقبرة محمد بن موسى ثم ذكر مقابر كثير من السادات الرضوية وكثير من أولاد محمد بن جعفر الصادق عليه‌السلام وكثير من أحفاد علي بن جعفر وقبور كثير من السادات الحسنية وكان أكثر أهل قم من الأشعريين وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم اغفر للأشعريين صغيرهم وكبيرهم. وقال : الأشعريون مني وأنا منهم. وروي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأزد والأشعريون وكندة مني لا يعدلون ولا يجبنون. وبهذا الإسناد عن أبي البختري عن الزهري عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأشعريين لما قدموا أنتم المهاجرون إلى الأنبياء من ولد إسماعيل. ثم ذكر أخبارا كثيرة في فضائلهم ثم قال من مفاخرهم إن أول من أظهر التشيع بقم موسى بن عبد الله بن سعد الأشعري.

ومنها أنه قال الرضا عليه‌السلام لزكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري إن الله يدفع البلاء بك عن أهل قم كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بقبر موسى بن جعفر عليهما‌السلام. ومنها أنهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمة عليهم‌السلام ومنها أنهم أول من بعث الخمس إليهم ومنها أنهم عليهم‌السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان كأبي جرير زكريا بن إدريس وزكريا بن آدم وعيسى بن عبد الله بن


سعد وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكلام وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع وأنهم اشتروا من دعبل الخزاعي ثوب الرضا عليه‌السلام بألف دينار من الذهب ومنها أن الصادق عليه‌السلام قال لعمران بن عبد الله أظلك الله يوم لا ظل إلا ظله. انتهى ما أخرجته من تاريخ قم ومؤلفه من علماء الإمامية.

بيان يظهر من هذا التاريخ أن وراردهار اسم بعض رساتيق قم وتوابعه وقال فيه سبع عشرة قرية وكان من رساتيق أصبهان فألحق بقم والجمر اسم نهر من الأنهار التي كانت قبل بناء بلدة قم كما يلوح من التاريخ

وروى الكشي خبر زكريا بن آدم عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن حمزة عن زكريا بن آدم قال : قلت للرضا عليه‌السلام إني أريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم فقال لا تفعل فإن أهل بيتك يدفع عنهم بك كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام

. ٥٠ ـ المجازات النبوية : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرت بقرية تأكل القرى تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد. يريد عليه‌السلام الهجرة إلى المدينة قال السيد ره فقوله أمرت بقرية تأكل القرى مجاز والمراد أن أهلها يقهرون أهل القرى فيملكون بلادهم وأموالهم فكأنهم بهذه الأحوال يأكلونهم وخرج هذا القول على طريقة للعرب معروفة لأنهم يقولون أكل فلان جاره إذا عدا عليه فانتهك حرمته واصطفى حريبته وعلى ذلك قول علقة بن عقيل بن علقة لأبيه في أبيات :

أكلت بيتك أكل الضب حتى

وجدت مدارة الكل (١) الوبيل.

ومن ذلك قوله عليه‌السلام في غزوة الحديبية ويح قريش أكلهم (٢) الحرب يريد أنها قد أفنت رجالهم وانتهكت أموالهم فكانت من هذا الوجه كأنها آكلة لهم قال ذلك في حديث طويل والمراد بقوله تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد إن أهلها يتمحضون [ يتمحصون ] فينتفي عنها الأشرار ويبقى فيها الأخيار ويفارقها الأخلاط

__________________

(١) الكلا ( خ ).

(٢) اكلتهم ( خ ).


والأقشاب ولا يصبر عليها إلا الصميم واللباب فيكون بمنزلة الكير الذي ينفي الأخباث والأدران ويخلص الرصاص وهذا أيضا مجاز وقد ورد هذا الخبر بلفظ آخر ذكره عمر بن عبد العزيز قال سمعنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : المدينة تنفي خبث الرجال كما ينفي الكير خبث الحديد. والمعنى في اللفظين واحد.

٥١ ـ كتاب جعفر بن محمد بن شريح ، عن المعلى الطحان عن محمد بن زياد عن ميمون عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان إذا دخل عليه أناس من اليمن قال مرحبا برهط شعيب وأحبار موسى.

٥٢ ـ وعنه قال سمعت قيس بن الربيع يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : حضرموت خير من الحارثيين.

٥٣ ـ مجالس الشيخ ، عن أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر عن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه فسألنا من أنتم قلنا من أهل الكوفة فقال أما إنه ليس من بلد من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ثم هذه العصابة خاصة إن الله هداكم لأمر جهله الناس أحببتمونا وأبغضنا الناس وصدقتمونا وكذبنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا الخبر.

بيان : ثم هذه العصابة أي هم فيها أكثر من غيرها من البلدان والمراد عصابة الشيعة فإن المحب أعم منها والعصابة بالكسر الجماعة من الناس.

٥٤ ـ مجالس الشيخ ، عن الحسين بن عبيد الله الغضائري عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله الحميري عن الطيالسي عن زريق الخلقاني قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام يوما إذ دخل عليه رجلان من أهل الكوفة من أصحابنا فقال أبو عبد الله عليه السلام أتعرفهما قلت نعم هما من مواليك فقال نعم والحمد لله الذي جعل أجلة موالي بالعراق الخبر.

٥٥ ـ أقول وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي رحمه الله قال


الشيخ محمد بن مكي قدس الله روحه وجد بخط جمال الدين ابن المطهر وجدت بخط والدي ره قال وجدت رقعة عليها مكتوب بخط عتيق ما صورته « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » هذا ما أخبرنا به الشيخ الأجل العالم عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي إملاء من لفظه عند نزوله بالحلة السيفية وقد وردها حاجا سنة أربع وسبعين وخمسمائة ورأيته يلتفت يمنة ويسرة فسألته عن سبب ذلك قال إنني لأعلم أن لمدينتكم هذه فضلا جزيلا قلت وما هو قال أخبرني أبي عن أبيه عن جعفر بن محمد بن قولويه عن الكليني قال حدثني علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي حمزة الثمالي عن الأصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام عند وروده إلى صفين وقد وقف على تل عرير (١) ثم أومأ إلى أجمة ما بين بابل والتل وقال مدينة وأي مدينة فقلت له يا مولاي أراك تذكر مدينة أكان هاهنا مدينة وانمحت آثارها فقال لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة السيفية يمدنها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبر قسمه.

بيان : عرير بالمهملتين أي مفرد وفي القاموس العرير الغريب في القول أو بالمعجمتين أي منيع رفيع والحلة بالكسر بلدة معروفة ووصفها بالسيفية لأنها بناها سيف الدولة.

٥٦ ـ ووجدت أيضا بخط الشيخ المتقدم نقلا من خط الشهيد قدس سره قال الراوندي قال الباقر عليه‌السلام إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح ثم بعث ملائكة فأمرهم ببناء بيت في الأرض بمثاله وقدره فلما كان الطوفان رفع فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم فأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخمر. قال الطبري وهو جبل بدمشق.

بيان قال الفيروزآبادي الخمر بالتحريك جبل بالقدس وقال لبنان

__________________

(١) عزيز ( خ ).


بالضم جبل بالشام.

٥٧ ـ كنز الكراجكي ، قال روى الشريف أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني عن علي بن عثمان الأشج المعروف بأبي الدنيا (١) قال حدثني أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني.

٥٨ ـ شرح النهج لابن ميثم ، قال : لما فرغ أمير المؤمنين عليه‌السلام من حرب الجمل خطب الناس بالبصرة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله تمام الرابعة يا جند المرأة وأعوان البهيمة رغا (٢) فأجبتم وعقر فانهزمتم (٣) أخلاقكم دقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق (٤) بلادكم أنتن بلاد الله تربة وأبعدها من السماء بها تسعة أعشار الشر المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر وساق إلى قوله إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دورا وآجامها قصورا فالهرب الهرب فإنه لا بصرة لكم يومئذ.

__________________

(١) حكى السيد نعمة الله الجزائري عن السيد هاشم بن الحسين الاحسائى عن أستاده الشيخ محمد الحرفوشى قال : لما كنت بالشام عمدت يوما إلى مسجد مشهور بعيد من العمران فرأيت شيخا أزهر الوجه عليه ثياب بيض وهيئة جميلة ... ثم تحققت منه الاسم والنسبة ثم بعد جهد طويل قال : أنا معمر أبو الدنيا المغربى صاحب أمير المؤمنين عليه‌السلام وحضرت معه صفين وهذه الشجة في وجهي من رمحة فرسه ـ سلام الله عليه ـ ثم ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحققت معه صدقه في كل ما قال ثم استجزته كتب الاخبار فاجازنى عن أمير المؤمنين وعن جميع ائمتنا حتى انتهى في الاجازة إلى صاحب الدار ـ عجل الله فرجه ـ وله قصص عجيبة منها ما رواها عنه أبو محمد العلوى حدثه بها في دار عمه طاهر بن يحيى ، وكيف كان فحديثه يعد حسنا إن لم يكن صحيحا.

(٢) أي صوت وضج.

(٣) فهربتم ( خ ).

(٤) أي مر لا يطاق شربه.


ثم التفت عن يمينه فقال كم بينكم وبين الأبلة فقال له المنذر بن الجارود فداك أبي وأمي أربعة فراسخ قال له صدقت فو الذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ وسيكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألف شهيد هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.

فقال له المنذر يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي قال يقتلهم إخوان وهم جيل كأنهم الشياطين سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم طوبى لمن قتلوه ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال ويحك يا بصرة من جيش لا رهج له ولا حس فقال له المنذر يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت وما الويح فقال هما بابان فالويح باب رحمة والويل باب عذاب يا ابن الجارود نعم تارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضا ومنها فتنة يكون بها إخراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال وسباء نساء يذبحن ذبحا يا ويل أمرهن حديث عجيب ومنها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب ثم رجف ثم قذف ثم خسف ثم مسخ ثم الجوع الأغبر ثم الموت الأحمر وهو الغرق.

يا منذر إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول (١) لا يعلمها إلا العلماء منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة وساق إلى أن قال يا أهل البصرة إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولا كرم إلا وقد جعل

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة « زبر الأول » وهو الصواب ظاهرا.


فيكم أفضل ذلك وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة وقارئكم أقرأ الناس وزاهدكم أزهد الناس وعابدكم أعبد الناس وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ومتصدقكم أكرم الناس صدقة وغنيكم أشد الناس بذلا وتواضعا وشريفكم أحسن الناس خلقا وأنتم أكثر الناس جوارا وأقلهم تكلفا لما لا يعنيه وأحرصهم على الصلاة في جماعة ثمرتكم أكثر الثمار وأموالكم أكثر الأموال وصغاركم أكيس الأولاد ونساؤكم أمنع النساء وأحسنهن تبعلا سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحا لمعاشكم والبحر سببا لكثرة أموالكم فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلا و « ظِلًّا ظَلِيلاً » غير أن حكم الله ماض وقضاءه نافذ « لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ » يقول الله « وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً » (١) ثم ساق الخطبة إلى قوله إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي يوما وليس معه غيري إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها وما يكون إلى يوم القيامة ولم يكبر ذلك علي كما لم يكبر على أبي آدم علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون وإني رأيت بقعة على شاطئ البحر تسمى البصرة فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء وإنها لأسرع الأرض خرابا وأخشنها ترابا وأشدها عذابا ولقد خسف بها في القرون الخالية مرارا وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلاؤه وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له ومن بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه وما الله « بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ».

توضيح المؤتفكة المنقلبة والانقلاب هنا إما حقيقة كقرى قوم لوط أو لأنها غرقت كأنها انقلبت طبقها الماء بالتشديد أي غطاها وعمها و

__________________

(١) الإسراء : ٥٨.


الأخصاص جمع خص بالضم بيت يعمل من الخشب والقصب والآجام جمع أجمة بالتحريك وهي منبت القصب وقيل هي الشجر الكثير الملتف والأبلة بضم الهمزة والباء وتشديد اللام الموضع الذي به مدينة البصرة اليوم وكان من قرى البصرة وبساتينها يومئذ وكانوا يعدونه إحدى الجنات الأربع وفي الأبلة اليوم موضع العشارين حسب ما أخبر به والجيل بالكسر الصنف من الناس وقيل كل قوم يختصون بلغة فهم جيل والأرواح جمع الريح بمعنى الرائحة والكلب بالتحريك الشر والأذى وشبه جنون يعرض لمن عضه الكلب الكلب والسلب بالتحريك ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها ينفر لجهادهم أي يخرج لقتالهم ويقال هملت عينه أي فاضت بالدمع والرهج بالتحريك الغبار والحس بالكسر صوت المشي والصوت الخفي وهو إشارة إلى صاحب الزنج كما مر والتارات جمر التارة بمعنى المرة أي فتن عظيمة مرة بعد أخرى والعصبة بالضم الجماعة أو بالتحريك بمعنى الأقرباء وانتهاك الأموال أخذها بما لا يحل وسباء النساء بالكسر والمد أسرهن ويستحل بها الدجال أي يتخذها منزلا ويسكنها والدجال من الدجل وهو الخلط والتلبيس والكذب ووصفه بالأكبر يدل على تعدد من يدعي الأباطيل والأعور من ذهب إحدى عينيه والممسوح صفة مخصصة للأعور والناتئ المرتفع وطفا على الماء علا ولم يرسب والرجفة الزلزلة والاضطراب والقذف الرمي بالحجارة ونحوها والخسف الذهاب في الأرض وخسف المكان أن يغيب في الأرض والمسخ تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها ووصف الجوع بالأغبر إما لأن الجوع يكون في السنين المجدبة وسنوا الجدب تسمى غبرا لاغبرار آفاقها من قلة الأمطار وأرضيها من عدم النبات أو لأن وجه الجائع يشبه الوجه المغبر والموت الأحمر يعبر به في الأكثر عن القتل وفسر هنا بالغرق والخريبة بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة علم محلة من محال البصرة كانوا يسمونها البصرة الصغرى وتدمر كتنصر من الدمار بمعنى الهلاك وفي اللغة أنها بلد بالشام


والخطة بالضم الأمر والقصة والأقاليد جمع إقليد بالكسر وهو المفتاح ولم يكبر ذلك علي أي قويت عليه وقدرت أو لم أستعظمها من فضل ربي والتنوين في زمان لتفخيم أي زمان شديد فظيع والمرابطة الإرصاد لحفظ الثغر.

٥٩ ـ أقول وروى القاضي نور الله التستري قدس الله روحه في كتاب مجالس المؤمنين عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إن لله حرما وهو مكة ألا إن لرسول الله حرما وهو المدينة ألا وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة ألا وإن قم الكوفة الصغيرة ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم.

٦٠ ـ وعن سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام قال : يا سعد من زارها فله الجنة.

٦١ ـ وعنه عليه‌السلام قال : إذا عمت البلدان الفتن والبلايا فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فإن البلايا مدفوع (١) عنها.

٦٢ ـ وعن الرضا عليه‌السلام قال : للجنة ثمانية أبواب فثلاثة منها لأهل قم فطوبى لهم ثم طوبى لهم.

٦٣ ـ وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : صلوات الله على أهل قم ورحمة الله على أهل قم سقى الله بلادهم الغيث إلى آخر ما مر عن الصادق عليه‌السلام.

٦٤ ـ وأقول روى الشيخ الأجل عبد الجليل الرازي في كتاب القصص بإسناده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لما عرج بي إلى السماء مررت بأرض بيضاء كافورية شممت بها رائحة طيبة فقلت يا جبرئيل ما هذه البقعة قال يقال لها آبة عرضت عليها رسالتك وولاية ذريتك فقبلت وإن الله يخلق منها رجالا يتولونك ويتولون ذريتك فبارك الله عليها وعلى أهلها.

٦٥ ـ معجم البلدان ، قال روي أنه في التوراة مكتوب الري باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق. وقال الأصمعي الري عروس الدنيا وإليها متجر

__________________

(١) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا ، والظاهر « مدفوعة ».


الناس. قال وروي عن جعفر الصادق عليه‌السلام أن الري وقزوين وساوة ملعونات مشئومات.

٦٦ ـ كشف الغمة ، عن ابن أعثم الكوفي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : ويحا للطالقان فإن لله تعالى بها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أنصار المهدي في آخر الزمان.

٦٧ ـ وأقول وجدت في أصل عتيق من أصول أصحابنا أظن أنه لوالد الصدوق أو ممن عاصره عن عبد العزيز بن جعفر بن محمد عن عبد العزيز بن يونس الموصلي عن إبراهيم بن الحسين عن محمد بن خلف عن موسى بن إبراهيم عن الكاظم عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قزوين باب من أبواب الجنة.

٦٨ ـ الدر المنثور ، من عدة كتب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمكة ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي لو لا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت.

وفي رواية أخرى ما سكنت غيرك (١).

٦٩ ـ وعن عبد الرحمن بن سابط قال : لما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال إني لأعلم ما وضع الله في الأرض بيتا أحب إليه منك وما في الأرض بلد أحب إليه منك وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني (٢).

٧٠ ـ كتاب قسمة أقاليم الأرض وبلدانها تأليف بعض المخالفين قال : بلد المهدي مدينة حسنة حصينة بناها المهدي الفاطمي وحصنها وجعل لها أبوابا من حديد في كل باب ما يزيد على المائة قنطار ولما بناها وأحكمها قال الآن أمنت على الفاطميين.

بيان أقول لهذه المدينة قصة طويلة غريبة أوردتها في كتاب الغيبة.

٧١ ـ ومن كتاب المذكور ، قال : دخل ذو القرنين جزيرة عظيمة فوجد بها قوما قد أنحلتهم العبادة حتى صاروا كالحمم السود فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم ما عيشكم يا قوم في هذا المكان قالوا ما رزقنا الله من الأسماك وأنواع النبات ونشرب من هذه

__________________

(١) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٢٣.

(٢) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٢٣.


المياه العذبة قال لهم ألا أنقلكم إلى عيشة أطيب مما أنتم فيه وأخصب فقالوا له وما نصنع به إن عندنا في جزيرتنا هذه ما يغني جميع العالم ويكفيهم لو صاروا إليه وأقبلوا عليه قال وما هو فانطلقوا إلى واد لا نهاية لطوله وعرضه وهو منضد من ألوان الدر والياقوت والزبرجد والبلخش والأحجار التي لم تر في الدنيا والجواهر التي لا تقوم ورأى شيئا لا يحتمله العقول ولا يوصف ولو اجتمع العالم على نقله أو بعضه لعجزوا فقال لا إله إلا الله وسبحان من له الملك العظيم ويخلق الله ما لا يعلمه الخلائق ثم انطلقوا به من شفير ذلك الوادي حتى أتوا به إلى مستو واسع من الأرض به أصناف الأشجار وأنواع الثمار وألوان الأزهار وأجناس الأطيار وخرير الأنهار وأفياء وظلال ونسيم ذو اعتدال ونزه ورياض وجنات وغياض فلما رأى ذو القرنين ذلك سبح الله العظيم واستصغر أمر الوادي وما به من الجواهر عند ذلك المنظر البهيج الزاهر فلما تعجب قالوا له في ملك ملك في الدنيا بعض ما ترى قال لا وحق عالم السر والنجوى فقالوا كل هذا بين أيدينا ولا تميل أنفسنا إلى شيء من ذلك واقتنعنا بما نقوى به على عبادة الرب الخالق ومن ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه فسر عنا ودعنا بحالنا أرشدنا الله وإياك ثم ودعوه وفارقوه وقالوا له دونك والوادي فاحمل منه ما تريد فأبى أن يأخذ من ذلك شيئا قال ثم أتى ذو القرنين جزيرة عظيمة فرأى بها قوما لباسهم ورق الشجر وبيوتهم كهوف في الصخر والحجر فسألهم عن مسائل في الحكمة فأجابوه بأحسن جواب وألطف خطاب فقال لهم سلوا حوائجكم لتقضى فقالوا له نسألك الخلد في الدنيا فقال وأنى به لنفسي ومن لا يقدر على زيادة نفس من أنفاسه كيف يبلغكم الخلد فقال كبيرهم نسألك صحة في أبداننا ما بقينا فقال وهذا أيضا لا أقدر عليه فقالوا فعرفنا بقية أعمارنا فقال لا أعرف ذلك لروحي فكيف بكم فقالوا له فرغنا نطلب ذلك ممن يقدر على ذلك وأعظم من ذلك وجعل الناس ينظرون إلى كثرة جنوده وعظمة موكبه وبينهم شيخ صعلوك لا يرفع رأسه فقال له ذو القرنين ما لك لا تنظر إلى ما ينظر إليه الناس قال الشيخ ما أعجبني الملك الذي رأيته قبلك حتى أنظر إليك وإلى ملكك فقال :


وما ذاك قال الشيخ كان عندنا ملك وآخر صعلوك (١) فماتا في يوم واحد ثم جئت إليهما واجتهدت أن أعرف الملك من الصعلوك (٢) فلم أعرفه قال فتركهم ذو القرنين وانصرف عنهم.

٧٢ ـ العيون ، عن تميم بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه فرد عليهم وقربهم ثم قال لهم مرحبا بكم وأهلا فأنتم شيعتنا حقا فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (٣).

٧٣ ـ ومنه ، عن محمد بن أحمد السناني عن محمد بن جعفر الأسدي عن سهل بن زياد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال سمعت علي بن محمد العسكري عليه‌السلام يقول أهل قم وأهل آبة مغفور لهم لزيارتهم لجدي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام بطوس ألا ومن زاره فأصابه في طريقه قطرة من السماء حرم الله جسده على النار (٤).

٧٤ ـ الكافي ، عن أبي علي الأشعري عن محمد بن سالم وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن أحمد بن النضر ومحمد بن يحيى عن محمد بن أبي القاسم عن الحسين بن أبي قتادة جميعا عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعرض الخيل وساق الحديث إلى قوله فمر بفرس (٥) فقال عيينة بن حصين إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال وأنا أعلم بالرجال منك فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له فأي الرجل أفضل فقال عيينة بن حصين رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدما

__________________

(١) صلعوك ( خ ).

(٢) الصلعوك ( خ ).

(٣) العيون : ج ٢ ، ص ٢٦٠.

(٤) العيون : ج ٢ ، ص ٢٦٠.

(٥) في بعض النسخ « فمر به فرس ».


فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل الإيمان يماني (١) والحكمة يمانية ولو لا الهجرة لكنت امرأ من أهل اليمن الجفاء والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة وروى بعضهم خير من الحارث بن معاوية وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان فلا أبالي ثم قال لعن الله الملوك الأربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة وأختهم العمردة وساق الحديث إلى قوله لعن الله رعلا وذكوان وعضلا ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الأسنان وابني مليكة (٢) بن جزيم ومروان وهوذة وهونة (٣).

٧٥ ـ كتاب جعفر بن محمد بن شريح ، عن معلى الطحان عن بريد بن (٤) يزيد بن جابر عن عبد الله بن بشير عن ابن عيينة بن حصين قال : عرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما خيلا وعنده أبي عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أبصر بالخيل منك فقال عيينة وأنا أبصر بالرجال منك يا رسول الله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف قال فقال إن خير الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم ويعرضون رماحهم على مناكب خيولهم من أهل نجد فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذبت إن خير الرجال أهل اليمن والإيمان يمان وأنا يماني وأكثر قبائل دخول الجنة يوم القيامة مذحج وحضرموت خير من بني الحارث بن معاوية حي من كندة إن يهلك لحيان فلا أبالي فلعن الله الملوك الأربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة وأختهم العمردة.

بيان قال الجوهري قال أبو عبيدة يقال كان من الأمر كيت وكيت بالفتح

__________________

(١) يمان ( خ ).

(٢) ملكة ( خ ).

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٧٠ ـ ٧٢.

(٤) وفي بعض النسخ « يزيد بن جابر » وفي بعضها « يزيد بن جابر » وأيا ما كان فلم نجد له ذكرا في كتب الرجال.


وكيت وكيت بالكسر والتاء فيهما هاء في الأصل فصارت تاء وفي النهاية الكواثب جمع كاثبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج وقال رجل قدم بضمتين أي شجاع ومضى قدما أي لم يعرج ولم ينثن وقال فيه الإيمان يمان والحكمة يمانية إنما قال ذلك لأن الإيمان بدا من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن ولهذا يقال الكعبة اليمانية وقيل إنه قال هذا القول للأنصار لأنهم يمانون وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم فنسب الإيمان إليهم وقال الجوهري اليمن بلاد للعرب والنسبة إليهم يمني ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان قال سيبويه وبعضهم يقول يماني بالتشديد انتهى وقال في شرح السنة هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم إياه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا الهجرة لعل المعنى لو لا أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن إذ مكة منها أو المراد أنه لو لا أن المدينة كانت أولا دار هجرتي واخترتها بأمر الله لاتخذت اليمن وطنا أو الغرض أنه لو لا أن الهجرة أشرف لعددت نفسي من الأنصار وفي النهاية فيه إن الجفاء والقسوة في الفدادين الفدادون بالتشديد هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم واحدهم فداد يقال فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته وقيل هم المكثرون من الإبل وقيل هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان وقيل إنما هو الفدادين مخففا واحدها فدان مشددا وهي البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وقسوة (١) انتهى.

قوله أصحاب الوبر أي أهل البوادي فإن بيوتهم يتخذونها منه قوله من حيث يطلع قرن الشمس قال الجوهري قرن الشمس أعلاها وأول ما يبدو منها في الطلوع انتهى ولعل المراد أهل البوادي من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي في شرقي المدينة وروي في شرح السنة بإسناده عن عقبة بن عمرو قال أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده نحو اليمن فقال الإيمان يمان هاهنا إلا أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر

__________________

(١) في النهاية : اهل جفاء وغلظة. ج ٣ ، ص ١٨٧.


وبإسناده عن ابن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إلى المشرق ويقول إن الفتنة هاهنا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان. وقال النووي قرنا الشيطان قبل المشرق أي جمعاه المغويان أو شيعتاه من الكفار يريد مزيد تسلطه في المشرق وكان ذلك في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو في ما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الترك العاتية انتهى ولا يبعد أن يكون في هذا الخبر أيضا قرن الشيطان فصحف وقال الجوهري مذحج كمسجد أبو قبيلة من اليمن وقال حضرموت اسم بلد وقبيلة أيضا وهما اسمان جعلا واحدا إن شئت بنيت الاسم الأول على الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف قلت هذا حضرموت وإن شئت أضفت الأول إلى الثاني قلت هذا حضرموت أعربت حضرا وخفضت موتا وكذلك القول في سام أبرص ورام هرمز وقال عامر بن صعصعة أبو قبيلة هو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وفي القاموس بجيلة كسفينة حي باليمن من معد ورعل وذكوان قبيلتان من بني سليم وقال لحيان أبو قبيلة وقال مخوس كمنبر ومشرح وجمد وأبضعة بنو معديكرب الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعن أختهم العمردة وفدوا مع الأشعث فأسلموا ثم ارتدوا فقتلوا يوم النجير فقالت نائحتهم يا عين بكى للملوك الأربعة وقال العمرد كعملس الطويل من كل شيء إلى أن قال وبهاء أخت الذين لعنهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى والمجذمين لعل المراد بهم المنسوبون إلى الجذيمة ولعل أسدا وغطفان كلتيهما منسوبتان إليها قال الجوهري جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي بالتحريك وكذلك إلى جذيمة بني أسد وقال الفيروزآبادي غطفان محركة حي من قيس ولعل شهبلا بالشين المعجمة والباء الموحدة وفي بعض النسخ بالسين المهملة والياء المثناة اسم وكذا ما بعده إلى آخر الخبر أسماء رجال وأقول قد مضت الأخبار الكثيرة في ذم البصرة في كتب الفتن وسيأتي أخبار مدح الكوفة والغري وكربلاء وطوس ومكة والمدينة في كتاب المزار وكتاب الحج لم نوردها هاهنا حذرا من التكرار.


٧٦ ـ إكمال الدين ، عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زيد الشعراني من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول حكى أبو القاسم محمد بن القاسم البصري أن أبا الحسن حمادويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله فأغري بالهرمين فأشار عليه ثقاته وحاشيته وبطانته أن لا يتعرض لهدم الأهرام فإنه ما تعرض أحد لها فطال عمره فلج في ذلك وأمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب وكانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا وكلوا فلما هموا بالانصراف بعد الإياس منه وترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنه الباب الذي يطلبونه فلما بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة من مرمر فقدروا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها فإذا عليها كتابة يونانية فجمعوا حكماء مصر وعلماءها فلم يهتدوا لها وكان في القوم رجل يعرف بأبي عبد الله المدائني أحد حفاظ الدنيا وعلمائها فقال لأبي الحسن (١) حمادويه بن أحمد أعرف في بلد الحبشة أسقفا قد عمر وأتى عليه ثلاثمائة وستون سنة يعرف هذا الخط وقد كان عزم على أن يعلمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه وهو باق فكتب أبو الحسن إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الأسقف إليه فأجابه أن هذا قد طعن في السن وحطمه الزمان وإنما يحفظه هذا الهواء ويخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقة السفر أن يتلف وفي بقائه لنا شرف وفرج وسكينة فإن كان لكم شيء يقرؤه أو يفسره أو (٢) مسألة تسألونه فالكتب [ فاكتب ] بذلك فحملت البلاطة في قارب إلى بلد أسوان من الصعيد الأعلى وحملت من أسوان على العجلة إلى بلاد الحبشة وهي قريبة من أسوان فلما وصلت قرأها الأسقف وفسر ما فيها بالحبشية ثم نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب أنا الريان بن دومغ فسئل أبو عبد الله عن الريان من هو قال هو والد العزيز ملك يوسف عليه‌السلام واسمه الريان بن دومغ وقد كان

__________________

(١) الجيش ( خ ).

(٢) و ( خ ).


عمر العزيز سبعمائة سنة وعمر الريان والده ألف وسبعمائة سنة وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة فإذا فيها :

أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لأعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مغيضه (١) فخرجت ومعي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر فيه ولم يكن له منفذ وتماوت أصحابي وبقيت (٢) في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي فرجعت إلى مصر وبنيت الأهرام والبرابي وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري وقلت في ذلك شعرا:

وأدرك علمي بعض ما هو كائن

ولا علم لي بالغيب والله أعلم

وأتقنت ما حاولت إتقان صنعه

وأحكمته والله أقوى وأحكم

وحاولت علم النيل من بدء (٣) فيضه

فأعجزني والمرء بالعجز ملجم

ثمانين شاهورا قطعت مسايحا

وحولي بنو حجر وجيش عرمرم

إلى أن قطعت الجن والإنس كلهم

وعارضني لج من البحر مظلم

فأيقنت أن لا منفذا بعد منزلي

لذي هيئة بعدي ولا متقدم

فأبت إلى ملكي وأرسيت ناديا

بمصر ولا الأيام [ للأيام ] بؤس وأنعم

أنا صاحب الأهرام في مصر كلها

وباني برابيها بها والمقدم

تركت بها آثار كفي وحكمتي

على الدهر لا تبلى ولا تتهدم

وفيها كنوز جمة وعجائب

وللدهر أمر مرة وتهجم

سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي

ولي لربي آخر الدهر يسجم

بأكناف بيت الله تبدو أموره

ولا بد أن يعلو ويسمو به السم

ثمان وتسع واثنتان وأربع

وتسعون أخرى من قتيل وملجم

__________________

(١) مفيضه ( خ ).

(٢) فبقيت ( خ ).

(٣) بعد ( خ ).


ومن بعد هذا كر تسعون تسعة

وتلك البرابي تستخر وتهدم

وتبدي كنوزي كلها غير أنني

أرى كل هذا أن يفرقه الدم

رمزت مقالي في صخور قطعتها

ستفنى وأفنى بعدها ثم أعدم (١)

فحينئذ قال أبو الحسن حمادويه بن أحمد هذا شيء ليس لأحد فيها حيلة إلا القائم من آل محمد عليهم‌السلام وردت البلاطة مكانها كما كانت ثم إن أبا الحسن (٢) بعد ذلك بسنة قتله طاهر الخادم على فراشه وهو سكران ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين ومن بناهما فهذا أصح ما يقال في خبر النيل والهرمين.

بيان السرب بالتحريك الحفير تحت الأرض والبلاطة بالفتح الحجارة التي تفرش في الدار والقارب السفينة الصغيرة والأسوان بالضم ويفتح بلد بالصعيد بمصر كل ذلك ذكره الفيروزآبادي وقال الهرمان بالتحريك بناءان أوليان بناهما إدريس عليه‌السلام لحفظ العلوم فيهما عن الطوفان أو بناء سنان بن المشلشل أو بناء الأوائل لما علموا بالطوفان من جهة النجوم وفيهما كل طب وطلسم وهنالك إهرام صغار كثيرة انتهى وقال أبو ريحان في كتاب الآثار الباقية إن الفرس وعامة المجوس أنكروا الطوفان بكليته وزعموا أن الملك متصل فيه من لدن كيومرث گل شاه الذي هو الإنسان الأول عندهم ووافقهم على إنكارهم إياه الهند والصين وأصناف الأمم المشرقية وأقر به بعض الفرس ووصفوه بغير الصفة الموصف بها في كتب الأنبياء وقالوا كان من ذلك شيء بالشام والمغرب في زمان طهمورث لم يعم العمران كلها ولم يغرق فيه إلا أمم قليلة وإنه لم يجاوز عقبة حلوان ولم يبلغ ممالك المشرق وقالوا إن أهل المغرب لما أنذر به حكماؤهم بنوا أبنية كالهرمين المبنيتين في أرض مصر وقالوا إذا كانت الآفة من السماء دخلناها وإذا كانت من الأرض صعدناها فزعموا أن آثار ماء الطوفان وتأثيرات الأمواج بينة على أنصاف هذين الهرمين لم يجاوزهما وقيل إن يوسف عليه‌السلام بناهما وجعل فيهما الطعام و

__________________

(١) عدم ( خ ).

(٢) ابا الجيش ( خ ).


الميرة سني القحط وقالوا إن طهمورث لما اتصل به الإنذار وذلك قبل كونه بمائتين وإحدى وثلاثين سنة أمر باختيار موضع في مملكته صحيح الهواء والتربة فلم يجدوا أحق بهذه الصفة من أصبهان فأمر بتجليد العلوم ودفنها في أسلم المواضع منه وقد يشهد لذلك ما وجد في زماننا يجيء (١) من مدينة أصبهان من التلال التي انشقت عن بيوت مملوءة أعدالا كثيرة من لحاء الشجرة التي يلتبس بها القسي والترسة ويسمى التوز مكتوبة بكتابة لم يدر ما هي وما فيها انتهى.

٧٧ ـ المناقب ، عن محمد بن الفيض عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أبو جعفر الدوانيقي (٢) للصادق عليه‌السلام تدري ما هذا قال وما هو قال جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فيجمد (٣) فهو جيد للبياض يكون في العين يكحل به فيذهب بإذن الله تعالى قال نعم أعرفه وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه فعبد الله عليه فعلم قومه فقتلوه وهو يبكي على ذلك النبي وهذه القطرات من بكائه له ومن الجانب (٤) الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ولا يوصل إلى تلك العين (٥).

٧٨ ـ الدر المنثور ، قال أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : عجائب الدنيا أربعة مرآة كانت معلقة بمنارة الإسكندرية فكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من بالقسطنطنية وبينهما عرض البحر وفرس كان من نحاس بأرض أندلس (٦) قائلا بكفه كذا باسط يده أي ليس خلفي مسلك فلا يطأ تلك البلاد أحد إلا أكلته النمل ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض

__________________

(١) يجىء ( خ ).

(٢) الدوانيق ( خ ).

(٣) كذا في جميع النسخ ، والظاهر « فتجمد ».

(٤) في أكثر النسخ « ومن جانب الآخر » والصواب ما في المتن موافقا لنسخة مخطوطة.

(٥) المناقب : ج ٤ ، ص ٢٣٦.

(٦) الاندلس ( خ ).


عاد فإذا كانت الأشهر الحرم [ أكرم ] هطل منه الماء وسقوا (١) وصبوا في الحياض فإذا انقضت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء وشجرة من نحاس عليها سودانية (٢) من نحاس بأرض رومية فإذا كان أوان الزيتون صفرت السودانية التي من نحاس فتجيء كل سودانية من الطيارات بثلاث زيتونات زيتونتين برجليها وزيتونة بمنقارها حتى تلقيه على تلك السودانية التي هي من نحاس فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لإدامهم وسرجهم سنتهم إلى قابل (٣).

٧٩ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن من وراء اليمن واديا يقال له وادي برهوت ولا يجاوز ذلك الوادي إلا الحيات السود والبوم من الطير (٤) في ذلك الوادي بئر يقال لها بلموت (٥) يغدى ويراح إليها بأرواح المشركين يسقون من ماء الصديد خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم الذريح لما أن بعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله صاح عجل لهم فيهم وضرب بذنبه ونادى فيهم يا آل الذريح بصوت فصيح أتى رجل بتهامة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله قالوا لأمر ما أنطق الله هذا العجل قال فنادى فيهم ثانية فعزموا على أن يبنوا سفينة فبنوها ونزل فيها سبعة منهم وحملوا من الزاد ما قذف الله في قلوبهم ثم رفعوا شراعا (٦) وسيبوها في البحر فما زالت تسير بهم حتى رمت بهم بجدة فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم أهل الذريح نادى فيكم العجل قالوا نعم قالوا اعرض علينا يا رسول الله الدين والكتاب فعرض عليهم رسول الله الدين والكتاب والسنن

__________________

(١) في المصدر : فاذا كانت الأشهر الحرم هطل منه الماء فشرب الناس وسقوا.

(٢) في مخطوطة « سودائية » وكذا في ما يأتي.

(٣) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٩٧.

(٤) في المصدر : الطيور.

(٥) في بعض النسخ وكذا في المصدر : بلهوت.

(٦) في بعض النسخ وكذا في المصدر : شراعها.


والفرائض والشرائع كما جاء من عند الله عز ذكره وولى عليهم رجلا من بني هاشم سيره معهم فما بينهم اختلاف حتى الساعة (١).

٨٠ ـ حياة الحيوان ، الأهرام من عجائب أبنية الدنيا وهي قبور الملوك أرادوا أن يتميزوا على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عليهم في حياتهم قيل إن المأمون لما وصل إلى مصر أمر بنقب أحد الهرمين فنقب بعد جهد جهيد وغرامة نفقة عظيمة فوجد داخله مراق وقهاو يعسر سلوكها ووضع في أعلاها بيت مكعب طول كل ضلع من أضلاعه ثمانية أذرع وفي وسطه حوض فيه مائة رمة بالية قد أتت عليها العصور فكف عن نقب ما سواه ونقل أن هرمس الأول أخنوخ وهو إدريس عليه‌السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان فأمر ببنيان الأهرام ويقال إنه ابتناها في مدة ستة أشهر وكتب فيها قل لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة عام والهدم أيسر من البنيان وكسوناها الديباج فليكسها الحصر والحصر أيسر من الديباج وقال ابن الجوزي في كتاب سلوة الأحزان ومن عجائب الهرمين أن سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع من رخام وزمرد وفيها مكتوب أنا بنيتها (٢) بملكي فمن ادعى قوة فليهدمها (٣).

فإن الهدم أيسر من البناء قال ابن المنادي بلغنا أنهم قدروا خراج الدنيا مرارا فإذا هو لا يقوم بهدمها والله أعلم.

__________________

(١) روضة الكافي : ٢٦١.

(٢) بنيتهما ( خ ).

(٣) فليهمدهما ( خ ).


٣٧

(باب نادر)

أقول وجدت في بعض الكتب القديمة هذه الرواية فأوردتها بلفظها ووجدتها أيضا في كتاب ذكر الأقاليم والبلدان والجبال والأنهار والأشجار مع اختلاف يسير في المضمون وتباين كثير في الألفاظ أشرت إلى بعضها في سياق الرواية وهي هذه.

مسائل عبد الله بن سلام وكان اسمه إسماويل فسماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عليا أن يكتب كتابا إلى الكفار وإلى النصارى وإلى اليهود فكتب كتابا أملاه جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكتب :

« بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » من محمد رسول الله إلى يهود خيبر أما بعد فإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم ختم الكتاب وأرسله إلى يهود خيبر فلما وصل الكتاب إليهم أتوا إلى شيخهم ابن سلام فقالوا يا ابن سلام هذا كتاب محمد إليك فاقرأه علينا فقرأه عليهم فقال لهم ما تريدون من هذا الكلام وقد أرى فيه علامات وجدنا في التوراة أن هذا الذي بشرنا به موسى بن عمران فقالوا ينسخ كتابنا ويحرم علينا ما أحل لنا من قبل فقال لهم ابن سلام يا قوم اخترتم الدنيا على الآخرة والعذاب على المغفرة فقالوا يا ابن سلام لو كان محمد على ديننا لكان أحب إلينا من غيره فقال أنا أروح إليه وأسأله عن أشياء من التوراة فإن أجابني عنها دخلت في دينه وخليت دين اليهودية وقام وأخذ التوراة واستخرج منها ألف مسألة وأربعمائة مسألة وأربع مسائل من غامض المسائل فأخذها وأتى بها إلى محمد وهو في مسجده فقال السلام عليك يا محمد وعلى أصحابك فقالوا و « عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى » السلام ورحمة الله وبركاته من أنت يا هذا الرجل قال أنا عبد الله بن سلام و


أنا من رسل بني إسرائيل وممن قرأ التوراة وأنا رسول اليهود إليك مع شيء لتبينه لنا ما هو وأنت من المحسنين فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اجلس يا ابن سلام وسل عما شئت وإن شئت أخبرتك عما تسألني عنه فقال أخبرني يا محمد فإنني أزداد فيك يقينا فقال يا ابن سلام جئت تسألني عن ألف مسألة وأربعمائة مسألة وأربع مسائل نسختها من التوراة فنكس عبد الله بن سلام رأسه وبكى وقال صدقت يا محمد فقال أنبي أنت أم رسول فقال يا ابن سلام إن الله بعثني نبيا ورسولا وأنا خاتم النبيين أفما قرأت في التوراة « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً » (١) الآية وأنزل علي « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » (٢) قال صدقت يا محمد أخبرني أكليم أنت أم وحي قال يا ابن سلام بل وحي يأتيني به جبرائيل عن رب العالمين قال صدقت يا محمد أخبرني كم خلق الله نبيا من بني آدم قال يا ابن سلام خلق الله مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي قال صدقت يا محمد أخبرني كم المرسلون منهم قال يا ابن سلام كان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر قال صدقت يا محمد فأخبرني من كان أول الأنبياء قال آدم قال صدقت يا محمد أخبرني آدم كان نبيا مرسلا قال نعم أفما قرأت في التوراة « قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ » (٣) الآية قال صدقت يا محمد فأخبرني عن رسل العرب كم كانوا قال ستة (٤) أولهم إبراهيم وإسماعيل ولوط وصالح وشعيب ومحمد قال صدقت يا محمد فأخبرني كم كان بين موسى وعيسى من نبي قال ألف قال صدقت يا محمد فعلى أي دين كانوا قال على دين الله تعالى ودين ملائكته ودين الإسلام قال وما الإسلام وما الإيمان قال أما الإسلام فتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له والإقرار بأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان والحج إلى بيت الله الحرام إن استطعت إليه سبيلا وأما الإيمان فتؤمن بالله وملائكته والكتاب والنبيين والبعث بعد الموت والقدر

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) الأحزاب : ٤٠.

(٣) البقرة : ٣٣.

(٤) سبعة ( خ ).


خيره وشره من الله تعالى قال صدقت يا محمد أخبرني كم من دين الله تعالى قال دين واحد وهو الإسلام قال صدقت يا محمد فبم كانت الشرائع قال كانت مختلفة في الأمم الماضية قال صدقت يا محمد فأهل الجنة يدخلون بالإسلام أم بالإيمان أم بأعمالهم قال يا ابن سلام استوجبوا الجنة بالإيمان ويدخلون برحمة الله ويقسمونها (١) بأعمالهم قال صدقت يا محمد فأخبرني كم أنزل الله كتابا قال يا ابن سلام أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب قال صدقت يا محمد فأخبرني على من أنزلت هذه الكتب قال يا ابن سلام أنزل الله عز وجل على آدم أربع (٢) عشرة صحيفة وأنزل على إبراهيم عشرين صحيفة وفي قول أربع (٣) عشرة صحيفة وعلى شيث بن آدم خمسين صحيفة وأنزل على إدريس ثلاثين (٤) صحيفة وأنزل الزبور على داود وأنزل التوراة على موسى وأنزل الإنجيل على عيسى وأنزل علي الفرقان قال صدقت يا محمد فهل أنزل عليك كتابا قال نعم قال وأي كتاب هو قال الفرقان قال يا محمد لم سماه الرب فرقانا قال يا ابن سلام لأنه يفرق الآيات والسور وأنزل بغير الألواح وغير الصحف والتوراة والإنجيل والزبور كلها جملة في الألواح قال صدقت يا محمد فهل في كتابك شيء من هذه الصحف قال نعم يا ابن سلام قال ما هو يا محمد فقرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى » إلى قوله « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (٥) قال صدقت يا محمد فأخبرني ما ابتداء القرآن وما ختمه قال يا ابن سلام ابتداؤه « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » وختمه صدق الله العلي العظيم قال صدقت يا محمد فأخبرني عن خمسة أشياء خلقها الله بيده ما هي قال يا ابن سلام إن الله عز وجل خلق جنة عدن بيده وغرس شجرة طوبى بيده وصور آدم بيده وكتب التوراة بيده وبنى السماوات بيده قال صدقت يا محمد « وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ » قال صدقت قال يا ابن سلام أما سمعت قوله تعالى « وَالسَّماءَ

__________________

(١) يقتسمونها ( خ ).

(٢) كذا.

(٣) كذا.

(٤) عشرين ( خ ).

(٥) الأعلى : ١٩.


بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ » (١) قال صدقت يا محمد أخبرني من أخبرك بهذا قال أخبرني جبرائيل قال عن من قال عن ميكائيل قال عن من قال عن إسرافيل قال عن من قال عن اللوح المحفوظ قال عن من قال عن القلم قال عن من قال عن رب العالمين قال وكيف ذلك يا محمد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر الله القلم يكتب في اللوح وينزل في اللوح على إسرافيل ويبلغ إسرافيل ميكائيل ويبلغ ميكائيل جبرائيل قال صدقت يا محمد فأخبرني عن جبرائيل في زي الذكران أم في زي الإناث قال يا ابن سلام بل هو في زي الذكران قال فأخبرني ما طعامه وما شرابه قال يا ابن سلام طعامه التسبيح وشرابه التهليل قال صدقت يا محمد فأخبرني ما طوله وما عرضه وما صفته وما لباسه قال يا ابن سلام على قدر الملائكة لا بالطويل الأعلى ولا بالقصير الأدنى أغر مكحول ضوؤه كضوء النهار عند ظلمة الليل له أربعة وعشرون جناحا خضراء (٢) مكللة بالدر والياقوت مختومة باللؤلؤ عليه وشاح بطانته من إستبرق وظهارته الوقار والكرامة وجهه كالزعفران أقنى الأنف مدور الحدق (٣) لا يأكل ولا يشرب ولا يمل ولا يسهو وهو قائم بوحي الله تعالى إلى يوم القيامة قال صدقت يا محمد فأخبرني عن بدء خلق الدنيا وأخبرني عن بدء خلق آدم كيف خلقه الله تعالى قال نعم يا ابن سلام إن الله سبحانه وتعالى تقدست أسماؤه ولا إله غيره خلقه من طين بيده وخلق الطين من الزبد وخلق الزبد من الموج وخلق الموج من الماء قال صدقت يا محمد فأخبرني عن آدم لم سمي آدم قال يا ابن سلام لأنه خلق من طين الأرض وأديمها قال صدقت يا محمد فآدم خلق من الطين كله أو بعضه أو من طين واحد قال يا ابن سلام بل خلقه الله من الطين كله ولو أن آدم خلق من طين واحد لما عرف بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة قال صدقت يا محمد هل لهم مثل بذلك (٤) في الدنيا قال نعم يا ابن سلام

__________________

(١) الزمر : ٦٧.

(٢) خضرا ( خ ).

(٣) الحدقة ( خ ).

(٤) في مخطوطة : هل هم كذلك في الدنيا.


أفما تنظر إلى التراب منه أبيض ومنه أسود ومنه أحمر ومنه أصفر ومنه أشقر ومنه أغبر ومنه أزرق وفيه عذب وخشن وفيه لين وكذلك بنو آدم فيهم خشن وفيهم لين وفيهم عذب كذلك التراب قال صدقت يا محمد فأخبرني من آدم لما خلقه الله عز وجل من أين دخلت الروح فيه قال يا ابن سلام دخلت من فيه قال صدقت يا محمد أدخلت فيه على رضا أم على كره قال يا ابن سلام أدخله (١) الله كرها ويخرجها كرها قال صدقت يا محمد ما قال الله لآدم قال يا ابن سلام قال الله لآدم « يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ » قال صدقت يا محمد فكم أكل منها حبة قال حبتين قال وكم أكلت حواء قال حبتين قال صدقت يا محمد فأخبرني ما صفة الشجرة وكم لها غصن (٢) وكم كان طول السنبلة قال يا ابن سلام كان لها ثلاثة أغصان وكان طول كل سنبلة ثلاثة أشبار قال صدقت يا محمد فكم سنبلة فرك منها آدم قال سنبلة واحدة قال صدقت يا محمد فكم كان في السنبلة من حبة قال كان فيها خمس حبات قال فأخبرني ما صفة الحبة قال يا ابن سلام كانت بمنزلة البيض الكبار قال فأخبرني عن الحبة التي بقيت مع آدم ما صنع بها قال يا ابن سلام أنزلت مع آدم من الجنة فزرع آدم تلك الحبة فتناسل من تلك الحبة البركة (٣) قال صدقت يا محمد فأخبرني عن آدم أين أهبط من الأرض قال أهبط بالهند قال صدقت يا محمد فأين أهبطت حواء قال بجدة قال صدقت يا محمد فأين أهبطت الحبة (٤) قال بأصبهان قال صدقت يا محمد فأين أهبط إبليس قال ببيسان قال صدقت يا محمد قال ما أغزر علمك وما أصدق لسانك فأخبرني ما كان لباس آدم لما أهبط من الجنة قال ثلاث أوراق من ورق الجنة متوشحا بالواحدة متزرا بالأخرى متعمما بالثالثة قال صدقت يا محمد فأخبرني في أي مكان اجتمعا قال بعرفات

__________________

(١) كذا.

(٢) كذا.

(٣) فتناسل منها الحب في الأرض فبورك فيها.

(٤) في بعض النسخ « الحية ».


قال صدقت يا محمد فأخبرني خلقت حواء من آدم أم آدم من حواء قال يا ابن سلام خلقت حواء من آدم ولو أن خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ولم يكن بيد الرجال قال فأخبرني خلقت من كله أو من بعضه قال خلقت من بعضه ولو خلقت من كله لكان القضاء في النساء ولم يكن في الرجال قال صدقت يا محمد فأخبرني عن باطنه خلقت أم من ظاهره قال يا ابن سلام بل خلقت من باطنه ولو خلقت من ظاهره لكشفت النساء من أبدانهن كما تكشف الرجال.

قال : فمن يمينه خلقت أم من شماله قال بل خلقت من شماله ولو خلقت من يمينه لكان حظ الأنثى مثل حظ الذكر وشهادتها كشهادته ومن أجل ذلك جعل الله للذكر مثل حظ الأنثيين قال فأخبرني من أي موضع خلقت قال يا ابن سلام خلقت من ضلعه الأقصر (١) قال صدقت يا محمد فأخبرني من كان يسكن الأرض قبل آدم قال الجن قال فبعد الجن قال الملائكة قال فبعد الملائكة قال آدم وذريته قال وكم كان بين الجن وبين آدم قال سبعة آلاف سنة قال صدقت يا محمد فأخبرني عن آدم فهل حج إلى بيت الله الحرام قال نعم قال فمن حلق رأس آدم قال جبرئيل قال صدقت يا محمد فأخبرني هل اختتن آدم أم لا قال نعم يا ابن سلام ختن نفسه بيده قال صدقت يا محمد فأخبرني عن الدنيا لم سميت دنيا قال يا ابن سلام لأن الدنيا خلقت من دون الآخرة ولو خلقت مع الآخرة لم تفن كما لم تفن (٢) الآخرة قال صدقت يا محمد فأخبرني عن القيامة لم سميت قيامة قال يا ابن سلام لأن مقام الخلائق فيها للحساب قال فأخبرني لم سميت الآخرة آخرة قال لأنها متأخرة عنها بعد الدنيا لا يوصف سنوها ولا تحصى أيامها ولا يموت ساكنها قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أول يوم خلق الله تعالى الدنيا فيه قال يوم الأحد قال ولم سماه أحدا قال لأن الله واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا قال صدقت يا محمد فالإثنين لم

__________________

(١) الايسر ( خ ).

(٢) كذا والظاهر « لا تفنى ».


سمي إثنين قال لأنه ثاني يوم الدنيا قال فالثلاثاء لم سمي ثلاثاء قال لأنه ثالث يوم الدنيا قال فالأربعاء لم سمي أربعاء قال لأنه رابع يوم الدنيا قال فالخميس لم سمي خميسا قال لأنه خامس يوم الدنيا قال فالجمعة لم سمي جمعة قال لأنه « يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ » وهو سادس يوم من أيام الدنيا قال فالسبت لم سمي سبتا قال يا ابن سلام لأنه يوم يوكل فيه ملك لأنه مع كل عبد ملكان ملك عن يمينه وملك عن شماله فالذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات قال صدقت يا محمد فأخبرني عن مقعد الملكين من العبد وما قلمهما وما دواتهما وما لوحهما وما مدادهما قال يا ابن سلام مقعدهما على كتفيه وقلمهما لسانه ودواتهما فوه ومدادهما ريقه ولوحهما فؤاده يكتبان أعماله إلى مماته قال صدقت يا محمد فأخبرني ما خلق الله في ذلك اليوم قال « ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ » قال فأخبرني كم طول القلم وكم عرضه وكم أسنانه قال يا ابن سلام طول القلم خمسمائة عام وله ثلاثون سنا يخرج المداد من بين أسنانه ويجري في اللوح المحفوظ ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة بأمر الله عز وجل قال صدقت يا محمد كم لحظة لله عز وجل في كل يوم وليلة قال يا ابن سلام ثلاثمائة وستون لحظة يمضي ويقضي ويرفع ويضع ويسعد ويشقي ويعز ويذل ويعلي ويقهر ويغني ويفقر قال صدقت يا محمد فأخبرني ما خلق الله تعالى بعد ذلك قال يا ابن سلام السماء السابعة مما يلي العرش وأمرها أن ترتفع إلى مكانها فارتفعت ثم خلق الستة الباقية وأمر كل سماء أن تستقر مكانها فاستقرت قال صدقت يا محمد فلم سماها سماء قال لارتفاعها قال فأخبرني ما بال سماء الدنيا خضراء قال يا ابن سلام اخضرت من جبل قاف قال صدقت يا محمد فأخبرني مم خلقت قال خلقت من موج مكفوف قال وما الموج المكفوف قال يا ابن سلام ماء قائم لا اضطراب له وكانت (١) الأصل دخانا قال صدقت يا محمد فأخبرني عن السماوات ألها أبواب قال نعم لها أبواب

__________________

(١) كذا والظاهر « وكان في الأصل ».


وهي مغلقة ولها مفاتيح وهي مخزونة قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أبواب السماء ما هي قال ذهب قال فما أقفالها قال من نور قال فمفاتيحها قال بسم الله العظيم قال صدقت يا محمد فأخبرني عن طول كل سماء وعرضها وكم ارتفاعها وما سكانها قال يا ابن سلام طول كل سماء خمسمائة عام وعرضها كذلك وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام وسكان كل سماء جند من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى قال صدقت يا محمد فأخبرني عن السماء الثانية مما خلقت قال من الغمام قال صدقت يا محمد فأخبرني عن السماء الثالثة مم خلقت قال من زبرجدة خضراء قال فالرابعة قال من ذهب أحمر قال صدقت يا محمد فالخامسة قال من ياقوتة حمراء قال فالسادسة قال من فضة بيضاء قال فالسابعة قال من ذهب قال صدقت يا محمد فأخبرني ما فوق السماء السابعة قال بحر الحيوان قال فما فوقه قال بحر الظلمة قال فما فوقه قال بحر النور قال فما فوقه قال الحجب قال فما فوقه قال سدرة المنتهى قال فما فوق سدرة المنتهى قال جنة المأوى قال فما فوق جنة المأوى قال حجاب المجد قال فما فوق حجاب المجد قال حجاب الحمد قال فما فوق حجاب الحمد قال حجاب الجبروت قال فما فوق حجاب الجبروت قال حجاب العز قال فما فوق حجاب العز قال حجاب العظمة قال فما فوق حجاب العظمة قال حجاب الكبرياء قال فما فوق حجاب الكبرياء قال الكرسي قال صدقت يا محمد قال قد أوتيت علوم الأولين والآخرين وإنك لتنطق بالحق اليقين قال فما فوق الكرسي قال العرش قال فما فوق العرش قال الله تعالى وهو فوق الفوق وعلمه تحت التحت قال صدقت يا محمد قال فأخبرني هل يستوي مخلوق على عرشه قال معاذ الله يا ابن سلام قال صدقت يا محمد فأخبرني عن الشمس والقمر أهما مؤمنان أم كافران قال يا ابن سلام بل هما مؤمنان طائعان لله عز وجل مسخران تحت قهر المشية قال صدقت يا محمد قال فأخبرني ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال يا ابن سلام إن الله محا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة نعمة من الله وفضلا ولو لا ذلك ما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل


قال صدقت يا محمد فأخبرني عن الليل لم سمي ليلا قال لأنه يلايل الرجال من النساء جعله الله إلفا ولباسا قال صدقت يا محمد فأخبرني لم سمي النهار نهارا قال يا ابن سلام لأن فيه كل من الخلق يطلب معاشه قال صدقت يا محمد قال فأخبرني عن النجوم كم جزءا هي قال يا ابن سلام ثلاثة أجزاء جزء منها بأركان العرش يصل ضوؤها إلى السماء السابعة والجزء الثاني بسماء الدنيا كأمثال القناديل المعلقة وهي تضيء لسكانها وترمي الشياطين بشررها إذا استرقوا السمع والجزء الثالث معلقة في الهواء وهي ضوء البحار وما فيها وما عليها قال صدقت يا محمد فأخبرني ما بال النجوم تبان صغارا وكبارا قال يا ابن سلام لأن بينها وبين سماء الدنيا بحارا تضرب الرياح أمواجها فتبان من تحتها صغارا أو كبارا ومقدار النجوم كلها مقدار واحد قال صدقت يا محمد فأخبرني كم ريحا بيننا وبين سماء الدنيا قال ثلاثة أرياح الريح العقيم التي أرسلت على قوم عاد حملت الأشجار والثمار والريح التي هي سوداء مظلمة يعذب بها أهل النار وريح تحمل البحار وريح لأهل الأرض بها حملت الأشجار والثمار تغدو في جوانبها ولو لا تلك الريح لاحترقت الأرض والجبال من حر الشمس قال صدقت يا محمد فأخبرني عن حملة العرش كم هم صنفا قال ثمانون صنفا طول كل صنف ألف ألف فرسخ وعرضه خمسمائة عام ورءوسهم تحت العرش وأقدامهم تحت سبع أرضين ولو أن طائرا يطير من أذن أحدهم اليمنى إلى اليسرى ألف سنة من سنين (١) الدنيا لم يبلغ إلى الأذن الآخر حتى يموت هرما أي شيخا لهم ثياب من در وياقوت شعرهم كالزعفران طعامهم التسبيح وشرابهم التهليل والصنف الأول نصفه ثلج ونصفه نار لا يذيب النار الثلج ولا الثلج يطفئ النار والصنف الثاني نصفه رعد ونصفه برق والصنف الثالث نصفه ماء ونصفه مدر لا الماء يذيب المدر ولا المدر يذيب الماء والصنف الرابع نصفه ريح ونصفه ماء لا الريح يهيج الماء ولا الماء يسبق الريح قال صدقت يا محمد فأخبرني عن طائر يطير بين السماء والأرض ليس له في السماء مكان ولا في الأرض مسكن ما هم يا محمد قال يا ابن سلام تلك حيات

__________________

(١) سنى ( خ ).


أعرافها كأعراف الخيل تبيض في الجو على أذنابها وتفرخ على مناكبها في الهواء إلى يوم القيامة قال صدقت يا محمد فأخبرني عن مولود أشد من أبيه قال يا ابن سلام ذلك الحديد يولد من الحجر وهو أشد من الحجر قال صدقت يا محمد قال فأخبرني عن بقعة أصابتها الشمس مرة واحدة فلا تعود إليها إلى يوم القيامة قال يا ابن سلام ذلك موضع أغرق الله فيه فرعون حين انفلق البحر وانطبق عليه قال صدقت يا محمد فأخبرني عن بيت له اثنا عشر بابا أخرج منه اثنا عشر عينا لاثني عشر سبطا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما جاوز موسى بني (١) إسرائيل البحر ودخل بهم إلى البرية فشكوا إلى موسى العطش فمر بحجر مربع فأوحى الله إليه « أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ » فضرب به موسى فانفجر « مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً » لاثني (٢) عشر سبطا من بني إسرائيل قال صدقت يا محمد فأخبرني عن نبي لا من الجن والإنس ولا من الطير ولا من الوحش قال يا ابن سلام ذلك النملة التي أنذرت قومها حين قالت « يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ » (٣) قال صدقت يا محمد فأخبرني عن من أوحى الله إليه لا من الجن ولا من الملائكة ولا من الإنس ولا من الوحش ما هو قال يا ابن سلام النحل أوحى الله إليها « أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ » (٤) قال صدقت يا محمد قال فأخبرني ما أوحى الله إليه من الأرض ما هو قال يا ابن سلام أوحى الله إلى جبل طور سيناء أن ارفع موسى إلى السماء حتى يتناول الألواح من رب العالمين قال صدقت يا محمد فأخبرني عن مخلوق أوله عود وآخره روح قال يا ابن سلام تلك عصا موسى بن عمران أمره الله أن يلقيها في بيت المقدس « فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى » قال صدقت يا محمد فأخبرني عن ثلاث (٥) ذكور لم يولدوا عن فحل قال يا ابن سلام ذلك عيسى ابن مريم وآدم وكبش إسماعيل قال صدقت يا محمد فأخبرني

__________________

(١) كذا والظاهر « ببني إسرائيل ».

(٢) في أكثر النسخ « لاثنتى عشرة ».

(٣) النمل : ١٨.

(٤) النحل : ٦٨.

(٥) كذا في جميع النسخ.


عن وسط الدنيا في أي موضع هو قال بيت المقدس قال وكيف ذلك قال لأن فيه المحشر والمنشر والصراط والميزان قال صدقت يا محمد قال فأخبرني عن « الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » ما هو قال يا ابن سلام السفن المبنية في البحر أما قرأت في التوراة « وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ » (١) قال صدقت يا محمد قال ما الألواح قال الأشجار التي سفقت (٢) طولا هي الألواح فأخبرني عن الدسر قال يا ابن سلام المسامير والعوارض من الحديد قال صدقت يا محمد قال فأخبرني كم كان طول السفينة وكم عرضها وكم كان ارتفاعها قال يا ابن سلام كان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها مائة وخمسين ذراعا وارتفاعها مائتي ذراع قال صدقت يا محمد قال فأخبرني من أين ركبها نوح قال من العراق قال أين ثبت قال طافت بالبيت العتيق أسبوعا وببيت المقدس أسبوعا « وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ » قال صدقت يا محمد قال فأخبرني عن البيت المعمور أين كان لما أغرق الله الدنيا قال يا ابن سلام رفعه الله تعالى إلى السماء السابعة قبل الطوفان قال صدقت يا محمد قال فأخبرني أين كانت الصخرة وقت الطوفان قال وأمر الله تعالى أبا قبيس أن يحمل الصخرة في بطنه قال فالبيت المقدس لما أغرق الله الدنيا أين كان قال في جبل أبي قبيس قال صدقت يا محمد فأخبرني عن مولود لم يشبه أباه وربما أشبه خاله وربما أشبه عمه قال يا ابن سلام إذا جامع الرجل امرأته فإن غلبت شهوة المرأة على شهوة الرجل خرج الولد إلى خاله وإن غلبت شهوة الرجل على شهوة المرأة خرج إلى عمه وإن استويا خرج الولد إلى أمه وأبيه قال صدقت يا محمد.

أقول في الرواية الأخرى هكذا قال فأخبرني عن المولود إذا لم يشبه أباه وربما يشبه خاله وعمه قال إذا جامع الرجل امرأته فإن غلبت شهوة الرجل شهوة المرأة خرج الرجل بأبيه أشبه وإن غلبت شهوة المرأة خرج الولد بأمه أشبه وإن استويا خرج شبيها بهما فإن سبقت شهوة الرجل خرج الولد بعمه أشبه وإن سبقت

__________________

(١) القمر : ١٣.

(٢) في مخطوطة « شقت ».


شهوة المرأة كان الولد بخاله أشبه قال صدقت. رجعنا إلى الرواية الأولى :

قال فأخبرني هل يعذب الله عبده بلا حجة قال معاذ الله يا ابن سلام إن الله تبارك وتعالى عدل لا يجور في قضائه قال صدقت قال فأخبرني عن أطفال المشركين في الجنة أم في النار قال يا ابن سلام الله أولى بهم ولكن إذا كان يوم القيامة وجمع الخلق لفصل القضاء أمر الله تعالى بأطفال المشركين فيؤتى بهم فيقول لهم عبادي وأبناء عبادي وإمائي من ربكم وما دينكم وما أعمالكم فيقولون اللهم أنت ربنا وأنت خالقنا ولم نكن شيئا وأمتنا ولم تجعل لنا لسانا ننطق به ولا عقلا نعقل به ولا قوة في الأعضاء نتعبد بها و « لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا » فيقول الله لهم وهو أجل قائل فالآن لكم ألسنة وعقول وقوة للحركة في الأعضاء فإن أمرتكم بأمر يا عبادي تفعلوه فيقولون السمع والطاعة لك يا إلهنا وخالقنا ورازقنا ومالكنا فيأمر الله تعالى مالكا فتزجر جهنم حتى تفور ويأمر أطفال المشركين ألقوا أنفسكم في تلك النار فمن سبق له في علم الله أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها فتكون النار عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم خليل الرحمن ومن سبق له في علم الله أن يكون شقيا امتنع أن يلقي نفسه في تلك النار فيكونون تبعا لآبائهم وأمهاتهم في النار والفرقة الأخرى يخرجون إلى الجنة مع المؤمنين قال صدقت [ قال بررت وبينت وأزلت الشك يا محمد فزدني يقينا ] فأخبرني عن الأرض لم سميت أرضا قال لأنها أرض يداس عليها قال فمم خلقت قال من زبرجد قال فالزبرجدة مم خلقت قال من الموج قال فالموج مم خلق قال من البحر قال صدقت يا محمد فكيف ذلك قال إن الله عز وجل لما خلق البحر أمر الريح أن تضرب الأمواج بعضها في بعض فاضطرب الأمواج حتى ظهر الزبد ثم أمرها أن تجتمع فاجتمعت ثم أمرها أن تلين فلانت ثم أمرها أن تعتدل فاعتدلت ثم أمرها أن تمتد فامتدت فصارت أرضا قال صدقت يا محمد فأخبرني من أين سكونها قال من جبل قاف وهو أصل أوتاد الأرض التي نحن عليها قال فأخبرني ما تحت هذه الأرض قال تحتها ثور قال وما صفته قال يا ابن سلام له أربع قوائم وهو قائم على صخرة بيضاء قال فأخبرني


ما صفته قال يا ابن سلام له أربعون قرنا وأربعون سنا رأسه بالمشرق وذنبه بالمغرب وهو ساجد لله تعالى إلى يوم القيامة من القرن إلى القرن مسيرة خمسين ألف سنة قال صدقت يا محمد فأخبرني ما تحت الصخرة قال تحتها جبل يقال له الصعود قال ولمن ذلك الجبل قال لأهل النار يصعده المشركون إلى يوم القيامة وهو مسيرة ألف سنة حتى إذا بلغوا أعلى ذلك الجبل ضربوا بمقامع فيسقطون إلى أسفله فيسحبون (١) على وجوههم قال صدقت يا محمد فأخبرني ما تحت ذلك الجبل قال أرض قال وما اسمها قال جارية قال وما تحتها قال بحر قال وما اسمه قال سهك قال صدقت يا محمد قال فما تحت ذلك البحر قال أرض قال وما اسمها قال ناعمة قال وما تحتها قال بحر قال وما اسمه قال الزاخر قال وما تحته قال أرض قال وما اسمها قال فسيحة قال فصف لي هذه الأرض قال يا ابن سلام هي أرض بيضاء كالشمس وريحها كالمسك وضوؤها كالقمر ونباتها كالزعفران يحشرون (٢) [ يحشر ] عليها المتقون يوم القيامة قال صدقت يا محمد قال فأخبرني أين تكون هذه الأرض التي نحن عليها اليوم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ابن سلام تبدل هذه الأرض غيرها قال صدقت يا محمد فأخبرني ما تحت تلك الأرض قال البحر قال وما اسمه قال القمقام قال وما فيه قال الحوت قال وما اسمه قال يهموت (٣) قال صدقت يا محمد قال فصف لي الحوت قال يا ابن سلام رأسه بالمشرق وذنبه بالمغرب قال فما على ظهره قال الأرض والبحار والظلمة والجبال قال فما بين عينيه قال سبعة أبحر في كل بحر سبعون ألف مدينة في كل مدينة ألف لواء تحت كل لواء سبعون ألف ملك قال فما يقولون قال يقولون لا إله إلا الله وحده « لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ » وهو حي لا يموت بيده الخير « وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » قال صدقت يا محمد فأخبرني ما تحت الريح قال الظلمة قال فما تحت الظلمة قال

__________________

(١) في أكثر النسخ « فيسبحون » والصواب ما في المتن موافقا لنسخة مخطوطة.

(٢) كذا والظاهر « يحشر ».

(٣) في بعض المخطوطات « بهموت » وفي بعضها « بلهوت ».


الثرى قال فما تحت الثرى قال لا يعلمه إلا الله عز وجل قال صدقت يا محمد فأخبرني عن ثلاث من رياض الجنة في الأرض أين تكون قال يا ابن سلام أولها مكة وثانيها بيت المقدس وثالثها مدينة محمد قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أربع مدائن من مدائن الجنة في الدنيا قال أولها إرم ذات العماد والثانية المنصورية (١) وهي مدينة بالشام والثالثة قيسارية وهي مدينة بساحل البحر في الشام والرابعة هي البلقاء وهي أرمنية (٢) قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أربع منابر من منابر الجنة في الدنيا أي موضع هي قال يا ابن سلام أولها قيروان وهي إفريقية والثانية باب الأبواب وهي بأرض أرمنية (٣) والثالثة عبدان [ عبادان ] (٤) وهي بأرض العراق والرابعة بخراسان وهي خلف نهر يقال له جيحون قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أربع مدائن من مدائن جهنم في الدنيا قال يا ابن سلام أولها مدينة فرعون في أرض مصر والثانية أنطاكية وهي بأرض الشام والثالثة بأرض سيحان وهي بأرض أرمنية (٥) الرابعة المدائن وهي بأرض العراق قال صدقت يا محمد قال فأخبرني عن أربعة أنهار في الدنيا وهي من أنهار الجنة قال أولها الفرات وهو بأرض (٦) الشام والثاني النيل وهو بأرض مصر والثالث نهر سيحان وهو نهر الهند والرابع جيحون وهو بأرض بلخ قال صدقت يا محمد فأخبرني عن شيء لا شيء وشيء بعض شيء وشيء لا يفنى (٧) منه شيء قال يا ابن سلام أما شيء لا شيء فهي الدنيا يذهب نعيمها ويموت ساكنها ويخمد ضوؤها وأما الشيء بعض الشيء وقوف الخلائق في صعيد واحد فهو شيء بعض شيء وأما شيء لا يفنى (٨) منه شيء فالجنة والنار لا يفنى (٩)

__________________

(١) المنصورة من بلاد الهند ( خ ).

(٢) ارمينية ( خ ).

(٣) ارمينية ( خ ).

(٤) عبادان ( خ ).

(٥) ارمينية ( خ ).

(٦) في حدود الشام ( خ ).

(٧) في أكثر النسخ « لا يغنى » ، والظاهر ان الصواب ما في المتن موافقا لبعض النسخ المخطوطة.

(٨) لا يغنى ( خ ).

(٩) يغنى ( خ ).


من الجنة نعيمها ولا ينقص من النار عذابها فمن قال من العباد إن نعيمها يفنى (١) أو عذاب الله ينقضي فهو كافر بالله في كل شيء قال صدقت يا محمد فأخبرني عن جبل قاف ما خلفه وما دونه قال يا ابن سلام خلفه أرض ذهب وسبعون أرضا من فضة وسبعة (٢) أرضين من مسك.

قال : فما سكان هذه الأرضين قال الملائكة قال كم طول كل أرض منها وكم عرضها قال طول كل أرض منها عشرة آلاف سنة وعرضها كذلك قال صدقت يا محمد فما وراء ذلك قال حجاب الريح قال فما وراء ذلك قال [ من صح ] (٣) كيف محيط بالدنيا كلها تسبح الله تعالى قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون ولا يبولون قال نعم يا ابن سلام مثلهم في الدنيا كمثل الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ويشرب مما تشربه ولا يبول ولا يتغوط ولو راث في بطنها وبال لانشق بطنها قال صدقت يا محمد فأخبرني عن أنهار الجنة ما هي قال يا ابن سلام لبن لم يتغير طعمه وخمر وعسل مصفى وماء غير آسن قال صدقت يا محمد فجامدة هي أم جارية قال بل جارية بين أشجارها قال فهل تنقص أم تزيد قال لا يا ابن سلام قال فهل لذلك مثل في الدنيا قال نعم قال وما هو قال يا ابن سلام انظر إلى البحار تمطر فيها السماء وتمدها الأنهار من الأرض فلا تزيد ولا تنقص قال صف لي أنهار الجنة قال يا ابن سلام في الجنة نهر يقال له الكوثر رائحته أطيب من رائحة المسك الأذفر والعنبر حصاه الدر والياقوت عليه ختام من اللؤلؤ الأبيض وهو منزل أولياء الله تعالى.

قال صدقت يا محمد فصف لي أشجار الجنة قال في الجنة شجرة يقال لها طوبى أصلها من در وأغصانها من الزبرجد وثمرها الجوهر ليس في الجنة غرفة ولا حجرة ولا موضع إلا وهي متدلية عليه قال صدقت يا محمد فهل في الدنيا لها من مثل قال نعم الشمس المشرقة تشرق على بقاع الدنيا ولا يخلو من شعاعها مكان قال صدقت يا محمد فهل في الجنة ريح قال نعم يا ابن سلام

__________________

(١) يغنى ( خ ).

(٢) كذا والظاهر « سبع ».

(٣) كذا ، وكان فيه تصحيفا.


فيها ريح واحدة خلقت من نور مكتوب عليها الحياة (١) واللذات يقال لها البهاء فإذا اشتاق أهل الجنة أن يزوروا ربهم هبت تلك الريح عليهم التي لم تخلق من حر ولا من برد بل خلقت من نور العرش تنفخ في وجوههم فتبهي وجوههم وتطيب قلوبهم ويزدادوا نورا على نورهم وتضرب أبواب الجنان وتجري الأنهار وتسبح الأشجار وتغرد الأطيار فلو أن من في السماوات والأرض قيام يسمعون ما في الجنة من سرور وطرب لمات الخلائق شوقا إلى الجنة والملائكة يدخلون عليهم (٢) فيقولون كما قال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز « سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ » (٣) « سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ » (٤) قال صدقت يا محمد.

قال فأخبرني عن أرض الجنة ما هي قال يا ابن سلام أرضها من ذهب وترابها المسك والعنبر ورضراضها الدر والياقوت وسقفها عرش الرحمن قال صدقت يا محمد فأخبرني مما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها قال يا ابن سلام يأكلون من كبد الحوت الذي يحمل الأرض وما عليها واسمه بهموت قال صدقت يا محمد قال فأخبرني عن أهل الجنة كيف يصرفون ما يأكلون من ثمارها وكيف يخرج من أجوافهم قال يا ابن سلام ليس يخرج من أجوافهم شيء بل عرقا صبا أطيب من المسك وأزكى من العنبر ولو أن عرق رجل من أهل الجنة مزج به البحار لأسكر ما بين السماء والأرض من طيب رائحته قال صدقت يا محمد فأخبرني عن لواء الحمد ما صفته وكم طوله وكم ارتفاعه قال يا ابن سلام طوله ألف سنة وأسنانه من ياقوتة حمراء وياقوتة خضراء قوائمه من فضة بيضاء له ثلاث ذوائب من نور ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب والثالثة في وسط الدنيا قال صدقت يا محمد فأخبرني كم سطر فيه مكتوب قال ثلاثة أسطر السطر الأول « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » والسطر

__________________

(١) الحباءات ( خ ).

(٢) في أكثر النسخ « يدخلون عليهم الملائكة ».

(٣) الزمر : ٧٣.

(٤) الرعد : ٢٦.


الثاني « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » والسطر الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله قال صدقت يا محمد فأخبرني عن الجنة والنار أيتهما خلق الله قبل قال يا ابن سلام خلق الله الجنة قبل النار ولو خلق النار قبل الجنة لخلق العذاب قبل الرحمة قال فأخبرني عن الجنة أين هي قال في السماء السابعة والنار في تخوم الأرض السفلى قال صدقت يا محمد فأخبرني كم للجنة من باب وكم للنار من باب قال يا ابن سلام للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب قال فأخبرني كم بين الباب والباب من الجنة قال مسيرة ألف سنة قال وكم ارتفاعه قال خمسمائة عام عليه سرادق من ذهب بطانته من زمرد على كل باب جند من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله تعالى قال فأخبرني فما (١) يقولون قال يقولون طوبى لأهل الجنة وما يلقون من نعيم الله قال فصف لي من يدخل الجنة قال يا ابن سلام يدخلونها أبناء ثلاثين وبنات ثلاثين سنة في حسن يوسف وطول آدم وخلق محمد قال فصف لي بعض نعيم أهل الجنة قال إن أدنى من في الجنة وليس في الجنة دني لو نزل به جميع من في الأرض لأوسعهم طعاما ولا ينقص منه شيء ولو أن رجلا من أهل الجنة يبصق في البحار المالحة لعذبت ولو نزل من ذؤابته من السماء إلى الأرض بلغ ضوؤها كضوء الشمس ونور القمر قال صدقت يا محمد فصف لي الحور العين قال يا ابن سلام الحور العين بيض الوجوه فحام العيون بمنزلة جناح النسر صفاؤهن كصفاء اللؤلؤ الأبيض الذي في الصدف الذي لم تمسه الأيدي قال فصف لي النار قال يا ابن سلام أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة ممزوجة بغضب الله تعالى لا يهدأ لهيبها ولا يخمد جمرها يا ابن سلام لو أن جمرة من جمرها ألقيت في دار الدنيا لألهبت (٢) ما بين المشرق والمغرب لعظم خلقها وهي سبعة أطباق الطبقة الأولى للمنافقين والثانية للمجوس والثالثة للنصارى والرابعة لليهود والخامسة سقر والسادسة السعير وأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) مما ( خ ).

(٢) لسدت ( خ ).


عن السابعة وبكى حتى ارفضت (١) دموعه على لحيته وقال أما السابعة وهي أهونها لأهل الكبائر من أمتي قال صدقت يا محمد فأخبرني عن القيامة وكيف تقوم قال يا ابن سلام إذا كان يوم القيامة كورت الشمس واسودت وطمست النجوم وسيرت الجبال وعطلت العشار وبدلت الأرض غير الأرض قال صدقت يا محمد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقام الخلائق لفصل القضاء ويمد الصراط وينصب الميزان وتنشر الدواوين ويبرز الرب لفصل القضاء قال صدقت يا محمد فأخبرني كيف يميت الله الخلائق يوم القيامة قال يا ابن سلام يأمر الله ملك الموت فيقف على صخرة بيت المقدس فيضع يمينه على السماوات ويده اليسرى تحت الثرى ويصيح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ملك مقرب ولا إنس ولا جان ولا طائر يطير إلا خر ميتا فتبقى السماوات خالية من سكانها والأرض خرابا من عمارها والعشار معطلة والبحار جامدة حيتانها والجبال مدكدكة والشمس منكسفة والنجوم منطمسة قال صدقت يا محمد فأخبرني عن ملك الموت هل يذوق الموت أم لا قال يا ابن سلام إذا أمات الله الخلائق ولم يبق شيء له روح يقول الله عز وجل يا ملك الموت من أبقيته من خلقي وهو أعلم فيقول يا رب أنت أعلم مني بما بقي من خلقك ما خلق إلا وقد ذاق الموت إلا عبدك الضعيف ملك الموت فيقول الله عز وجل يا ملك الموت أذقت عبادي وأنبيائي وأوليائي ورسلي الموت وقد سبق في علمي القديم وأنا علام الغيوب أن كل شيء هالك إلا وجهي وهذه نوبتك فيقول إلهي وسيدي ارحم عبدك ملك الموت فإنه ضعيف فيقول الله عز وجل له يا ملك الموت ضع يمينك تحت خدك الأيمن بين الجنة والنار ومت.

قال عبد الله بن سلام بأبي أنت وأمي يا رسول الله وكم بين الجنة والنار قال مسيرة ثلاثين ألف سنة من سنين (٢) الدنيا فيضطجع ملك الموت على يمينه ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ويده الشمال على وجهه ويصرخ صرخة فلو أن أهل السماوات والأرض أحياء لماتوا لشدة صرخته قال صدقت يا محمد

__________________

(١) أي سالت وترششت.

(٢) سنى ( خ ).


فأخبرني ما يصنع الله بالسماوات إذا مات سكانها قال يطويها بيمينه كطي السجل للكتب ثم يقول الله جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره ولا معبود سواه أين الملوك وأبناء الملوك أين الجبابرة وأبناء الجبابرة فلا يجيبه أحد ثم يقول لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه الملك « لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ » قال صدقت يا محمد فأخبرني كيف يحشر الله الخلائق يوم القيامة بعد موتهم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ابن سلام يحيي الله إسرافيل وهو أول من يحييه من خدمه وهو صاحب الصور أولا (١) فيأمره الله عز وجل أن ينفخ في الصور قال فأخبرني ما يقول إسرافيل في الصور قال يا ابن سلام يقول أيتها العظام البالية والأعضاء المتفرقة والشعور المنفصلة هلموا إلى العرض على الله تعالى الملك الجبار خالق السماوات والأرض ثم ينفخ في الصور (٢) « أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ » قال فكم طول كل نفخة قال مسيرة أربعين ألف سنة قال صدقت يا محمد فكم كلمة يتكلم فيه إسرافيل قال ست كلمات قال وما تلك الكلمات قال الكلمة الأولى يكون الناس طينا والثانية يكونون صورا والكلمة الثالثة تستوي الأبدان والكلمة الرابعة يجري الدم في العروق والكلمة الخامسة ينبت الشعر والكلمة السادسة قوموا « فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ » قال صدقت يا محمد فأخبرني كيف يقوم الخلائق يوم القيامة من القبور قال يا ابن سلام يقومون عراة حفاة أبدانهم خالية بطونهم مظلمة أبصارهم وجلة قال (٣) الرجال ينظرون إلى النساء والنساء ينظرون إلى الرجال قال هيهات يا ابن سلام « لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ » من شدة هول القيامة قال صدقت يا محمد ثم أمسك ابن سلام عن الكلام قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سل عما شئت يا ابن سلام فقال الحمد لله الذي من علي بالنظر إلى

__________________

(١) في مخطوطة : وهو اول من يحييه من المقربين وهو صاحب الصور فيأمره الله ...

(٢) فيه ( خ ).

(٣) في بعض النسخ : حال الرجال والنساء ، الرجال ـ الخ ـ وفي بعضها « جال » بالجيم ، وفي بعضها ، قال : الرجال الى النساء والنساء إلى الرجال ينظرون؟.


وجهك المليح فأخبرني إذا كان يوم القيامة أين يحشر الخلائق قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يحشر الله الخلائق إلى بيت المقدس قال وكيف ذلك قال يأمر الله عز وجل نارا فتحيط بالدنيا وتضرب وجوه الخلائق فيهربون منها ويمرون على وجوههم فيجتمعون إلى بيت المقدس قال صدقت يا محمد فأخبرني ما يصنع الله بالطفل الصغير والشيخ الكبير قال يا ابن سلام من كان مؤمنا بالله سارت به الملائكة وانقضت النار عن وجهه ومن كان كافرا تلفح وجهه النار حتى يؤتى به إلى بيت المقدس قال صدقت يا محمد فأخبرني كم تكون صفوف الخلائق قال يا ابن سلام مائة وعشرون صفا قال فكم طول كل صف وكم عرضه قال يا ابن سلام طوله مسيرة أربعين ألف سنة وعرضه عشرون ألف سنة قال صدقت يا محمد فأخبرني كم صف المؤمنين وكم صف الكافرين قال صفوف المؤمنين ثلاث (١) [ ثلاثة ] صفوف ومائة وسبعة عشر صفا للكافرين قال صدقت يا محمد قال فما صفة المؤمنين وما صفة الكافرين قال يا ابن سلام أما المؤمنون فغر محجلون من أثر الوضوء والسجود وأما الكافرون فمسودون الوجوه فيؤتى بهم إلى الصراط قال وكم طول الصراط قال مسيرة ثلاثون (٢) [ ثلاثين ] ألف سنة قال صدقت يا محمد فأخبرني كيف تمر الخلائق على الصراط قال يا ابن سلام يكسو الله الخلائق نورا فأما نور المسلمين ونور المؤمنين فمن نور العرش ونور الملائكة من نور الكرسي ونور الجنة فلا يطفأ نورهم أبدا وأما الكافرون فمن الأرض والجبال قال فأخبرني عن أول من يجوز على الصراط قال المؤمنون قال صدقت يا محمد فصف لي ذلك قال يا ابن سلام في المؤمنين من يجوز على الصراط عشرين عاما فإذا بلغ أولهم الجنة تركب الكفار على الصراط حتى إذا توسطوا أطفأ الله نورهم فيبقون بلا نور فينادون بالمؤمنين « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ » فيقال لهم أليس فيكم الأنبياء والأصحاب والإخوة فيقولون أولم نكن معكم في دار الدنيا « قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ

__________________

(١) كذا ، والظاهر « ثلاثة ».

(٢) كذا ، والظاهر « ثلاثين ».


لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » (١) فيأمر الله عز وجل جهنم فتصيح بهم صيحة على وجوههم فيقعون في النار حيارى نادمين وينجو المؤمنين (٢) ببركة الله وعونه قال صدقت يا محمد فأخبرني ما يصنع الله بالموت قال يا ابن سلام إذا استوى أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار أتي بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال لأهل الجنة يا أولياء الله هذا الموت أتعرفونه فيقولون نعم فيقولون لهم نذبحه فيقولون نعم يا ملائكة ربنا اذبحوه حتى لا يكون موت أبدا فيقولون لأهل النار يا أعداء الله هذا الموت هل تعرفونه فيقولون نعم فتقول الملائكة نذبحه فيقولون يا ملائكة ربنا لا تذبحوه ودعوه لعل الله يقضي علينا بالموت فنستريح قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويذبح الموت بين الجنة والنار فييأس أهل النار من الخروج منها وتطمئن قلوب أهل الجنة للخلود فيها فعندي لك أن تسلم قال صدقت يا محمد ونهض على قدميه وقال امدد يدك الشريفة أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك (٣) رسول الله وأن الجنة حق والميزان حق والحساب حق والساعة « آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » فكبرت الصحابة عند ذلك وسماه رسول الله عبد الله (٤) بن سلام وصار من الصحابة ونقمة على اليهود.

توضيح إنما أوردت هذه الرواية لاشتهارها بين الخاصة والعامة وذكر الصدوق ره وغيره من أصحابنا أكثر أجزائها بأسانيدهم في مواضع وقد مر بعضها وإنما أوردتها في هذا المجلد لمناسبة أكثر أجزائه لأبوابه وفي بعضها مخالفة ما لسائر الأخبار فهي إما محمولة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره موافقا لما في كتبهم ليصير سببا لإسلامه

__________________

(١) الحديد : ١٤ ـ ١٥.

(٢) كذا ، في جميع النسخ ، والصواب « وينجو المؤمنون » أو « وينجى المؤمنين ».

(٣) لرسول ( خ ).

(٤) في أكثر النسخ « عبد سلام بن سلام ».


أو غير ذلك من الوجوه والمحامل التي تظهر على الناقد البصير وفي بعضها تصحيفات نرجو من الله الظفر بنسخة أخرى لتصحيحها.

قوله كان نبيا مرسلا كان المعنى هل كان في الجنة نبيا مرسلا فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه كان نبيا مرسلا على الملائكة حيث أمر بإنبائهم وفي عد إبراهيم من رسل العرب مخالفة للمشهور قوله فتشهد أي ظاهرا قوله فتؤمن أي باطنا وقلبا.

قوله أربعة كتاب لا يوافق الإجمال التفصيل ولعل في أحدهما خطأ أو تصحيفا وسؤاله هل أنزل عليك كتاب بعد قوله وأنزل علي الفرقان لا يخلو من شيء إلا أن يكون حمل ذلك على أنه قدر أنه سينزل وختمه صدق الله يعني أنه ينبغي أن يختم به لا أنه جزؤه وفي القاموس بيسان قرية بالشام وقرية بمرو وموضع باليمامة أقول وفي بعض النسخ بالنون والأول أظهر وله شواهد ولم يكن في الرجال أي مختصا بهم قوله لأن الله واحد كأنه على هذا يعني يوم الأحد يوم الله قوله لأنه يوم لعل المعنى أول يوم مع أن وجه التسمية لا يلزم اطراده قوله وعلمه تحت التحت أي أحاط علمه بكل تحت ولا ينافي ارتفاع ذاته وعلوه على كل شيء إحاطة علمه بكل شيء مما في العرش أو تحت الثرى.

وفي القاموس غرد الطائر كفرح وغرد تغريدا وأغرد وتغرد رفع صوته وطرب به وفي النهاية الرضراض الحصا الصغار قوله فحام العيون لعله من الفحمة بمعنى السواد وفي القاموس العشراء من النوق التي مضت لحملها عشرة أشهر أو ثمانية أو هي كالنفساء من النساء والجمع عشراوات وعشار والعشار اسم يقع على النوق حتى ينتج بعضها وبعضها ينتظر نتاجها وقال الدكداك (١) ويكسر من الرمل ما تكبس واستوى وما التبد منه بالأرض أو هي أرض فيها غلظ و

__________________

(١) في القاموس : الدكدك ويكسر والدكداك من الرمل. الخ وينتهى الى قوله « مدعوكة ». ج ٣ ، ص ٣٠٢.


أرض مدكدكة مدعوكة كثر بها الناس فكثر آثار المال والأبوال حتى تفسدها انتهى وانقضاض النار عن وجهه كناية عن سرعة ذهابها عنه وعدم إضرارها به كما ينقض الطائر أو الكوكب في الهواء وتلفح وجهه النار أي تحرقه وقال في النهاية فيه أمتي الغر المحجلون أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والأقدام استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه (١).

__________________

(١) النهاية : ج ١ ، ص ٢٠٤.


(أبواب)

(الإنسان والروح والبدن وأجزائه وقواهما وأحوالهما)

٣٨

(باب)

(أنه لم سمي الإنسان إنسانا والمرأة مرأة والنساء)

(نساء والحواء حواء)

١ ـ العلل ، عن علي بن أحمد بن محمد بن جعفر الأسدي عن معاوية بن حكيم عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمي الإنسان إنسانا لأنه ينسى وقال الله عز وجل « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ » (١).

بيان الإنسان فعلان عند البصريين لموافقته مع الأنس لفظا ومعنى وقال الكوفيون هو إفعان من نسي أصله إنسيان على إفعلان فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما يجري على ألسنتهم فإذا صغروه ردوه إلى أصله لأن التصغير لا يكثر وهذا الخبر يدل على مذهب الكوفيين ورواه العامة عن ابن عباس أيضا قال الخليل في كتاب العين سمي الإنسان من النسيان والإنسان في الأصل إنسيان لأن جماعته أناسي وتصغيره أنيسيان بترجيع المدة التي حذفت وهو (٢) الياء وكذلك إنسان العين وحكى الشيخ في التبيان عن ابن عباس أنه قال إنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي قال الله تعالى « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » وقال الراغب في مفرداته الإنسان قيل سمي بذلك لأنه خلق خلقه لا قوام

__________________

(١) العلل : ج ١ ، ص ١٤. والآية في سورة طه ، آية ١١٥.

(٢) كذا ، والصواب : وهى.


له إلا بأنس بعضهم ببعض ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع من حيث إنه لا قوام لبعضهم إلا ببعض ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه وقيل سمي بذلك لأنه يأنس بكل ما يألفه وقيل هو إفعلان وأصله إنسيان سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي.

٢ ـ العلل ، عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء يعني خلقت حواء من آدم (١).

٣ ـ معاني الأخبار ، مرسلا معنى الإنسان أنه ينسى ومعنى النساء أنهن أنس للرجال ومعنى المرأة أنها خلقت من المرء (٢).

بيان : كون النساء من الأنس إما مبني على القلب أو على الاشتقاق الكبير أو على أنه إذا أنسوا بهن نسوا غيرهن فاشتقاقه من النسيان.

٤ ـ الدر المنثور ، عن ابن عباس قال : خلق الله آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسماه آدم ثم عهد إليه فنسي فسماه الإنسان قال ابن عباس فبالله ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة قال وإنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء وسميت حواء لأنها أم كل حي (٣).

٥ ـ العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم ، قال : كان مكث آدم في الجنة نصف ساعة ثم أهبط إلى الأرض لتمام تسع ساعات من يوم الجمعة وذلك في وقت صلاة العصر قال وسميت العصر لأن آدم عصر بالبلاء قال ألقى الله النوم على آدم فأخذ ضلعه القصير (٤) من جانبه الأيسر فخلق منه حواء فلم يؤذه ذلك ولو آذاه ذلك ما عطف عليها أبدا فقال آدم ما هذه قال هذه امرأة لأنها من المرء خلقت قال ما اسمها قال حواء لأنها خلقت من شيء حي فقال ابن عباس سميت حواء لأنها أم

__________________

(١) العلل : ج ١ ، ص ١٦.

(٢) معاني الأخبار : ٤٨.

(٣) الدر المنثور : ج ١ ، ص ٥٢.

(٤) القصيرى ( خ ).


كل حي قال جعفر سمين النساء لأنس آدم بحواء حين أهبط إلى الأرض ولم يكن له أنس غيرها.

فائدة اعلم أنه قد اتفقت كلمة المليين من المسلمين واليهود والنصارى على أن أول البشر هو آدم وأما الآخرون فخالفوا فيه على أقوال أما الفلاسفة فزعموا أنه لا أول لنوع البشر ولا لغيرهم من الأنواع المتوالدة وأما الهند فمن كان منهم على رأي الفلاسفة فهو يوافقهم في ما ذكر ومن لم يكن منهم على رأي الفلاسفة وقال بحدوث الأجسام لا يثبت (١) آدم ويقول إن الله تعالى خلق الأفلاك وخلف فيها طباعا محركة لها بذاتها فلما تحركت وحشوها أجسام لاستحالة الخلأ وكانت الأجسام على طبيعة واحدة فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية وكان القريب من الفلك أسخن وألطف والبعيد أبرد وأكثف ثم اختلطت العناصر وتكونت منها المركبات ومما تكون منه نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة واللحم والبق في البطائح والمواضع العفنة ثم تكون البشر بعضه من بعض بالتوالد ونسي التخليق الأول الذي كان بالتولد ومن الممكن أن يقول يتولد بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقة بالتولد وإنما انقطع التولد لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون (٢) طريقا استغنت عن طريق ثان وأما المجوس فلا يعرفون آدم ولا نوحا ولا ساما ولا حاما ولا يافث وأول متكون من البشر عندهم كيومرث ولقبه كوهشاه أي ملك الجبل وقد كان كيومرث في الجبال ومنهم من يسميه گلشاه أي ملك الطين لأنه لم يكن حينئذ بشر يملكهم وقيل تفسير كيومرث حي ناطق ميت قالوا وكان قد رزق من الحس ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وله وأغمي عليه ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن يزدان وهو الصانع الأول عندهم فكر في أمر أهرمن وهو الشيطان عندهم فكرة أوجبت أن عرق جبينه فمسح العرق ورمى به فصارت منه كيومرث ولهم خبط طويل في كيفية تكون أهرمن عن فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه أو من توحشه و

__________________

(١) لم يثبت ( خ ).

(٢) للكون ( خ ).


بينهم خلاف في قدم أهرمن وحدوثه ثم اختلفوا في مدة بقاء كيومرث في الوجود فقال الأكثرون ثلاثون سنة وقال الأقلون أربعون سنة وقال قوم منهم إن كيومرث مكث في الجنة التي في السماء ثلاثة آلاف سنة وهي ألف الحمل وألف الثور وألف الجوزاء ثم أهبط إلى الأرض وكان بها آمنا مطمئنا ثلاثة آلاف سنة أخرى وهي ألف السرطان وألف الأسد وألف السنبلة ثم مكث بعد ذلك ثلاثين أو أربعين سنة في حرب وخصام بينه وبين أهرمن حتى هلك واختلفوا في كيفية هلاكه مع اتفاقهم على أنه هلك قتلا فالأكثرون قالوا إنه قتل ابنا لأهرمن يسمى جزوذة فاستغاث أهرمن منه إلى يزدان فلم يجد بدا من أن يقاصه حفظا للعهود التي كانت بينه وبين أهرمن فقتله بابن أهرمن وقال قوم بل قتله أهرمن في صراع كان بينه وبين أهرمن وذكروا في كيفيته أن كيومرث كان هو القاهر لأهرمن في بادئ الحال وأنه ركبه وجعل يطوف به في العالم إلى أن سأله أهرمن عن أي الأشياء أخوف (١) وأهوالها عنده فقال له باب جهنم فلما بلغ به أهرمن إليها جمح به حتى سقط من فوقه ولم يستمسك فعلاه وسأله عن أي الجهات يبتدئ به في الأكل فقال له من جهة الرجل لأكون (٢) ناظرا حسن العالم مدة ما فابتدأه أهرمن فأكله من عند رأسه فبلغ إلى موضع الخصي وأوعية المني من الصلب فقطر من كيومرث قطرتا نطفة على الأرض فنبت منهما ريباستان في جبل بإصطخر ثم ظهرت على تينك الريباستين الأعضاء البشرية في أول الشهر التاسع وتمت أجزاؤه فتصور منهما بشران ذكر وأنثى وهما ميشا وميشانة وهما بمنزلة آدم وحواء عند المليين ويسميهما مجوس خوارزم مرد ومردانه وزعموا أنهما مكثا خمسين سنة مستغنيين عن الطعام والشراب منعمين غير متأذيين بشيء حتى ظهر لهما أهرمن في صورة شيخ كبير فحملهما على تناول فواكه الأشجار وأكل منها وهما يبصرانه شيخا فعاد شابا فأكلا منها حينئذ فوقعا في البلايا وظهر فيهما الحرص حتى تزاوجا وولد لهما ولد فأكلاه حرصا ثم

__________________

(١) اخوف له ( خ ).

(٢) فاكون ( خ ).


ألقى الله تعالى في قلوبهما رأفة فولد بعد ذلك ستة أبطن كل بطن ذكر وأنثى وأسماؤهم في كتاب زردشت معروفة ثم كان البطن السابع سيامك وفرواك فتزاوجا فولد لهما الملك المعروف الذي لم يعرف قبله ملك وهو هوشنج وهو الذي خلف جده كيومرث وعقد التاج وجلس على السرير وبنى مدينتين بابل والسوس.

أقول هذه هي الخرافات التي ذكروها والآيات والأخبار ناطقة بما هو الحق المبين وبطل أقوال الفرق المضلين.

٣٩

(باب)

(فضل الإنسان وتفضيله على الملك وبعض جوامع أحواله)

الآيات :

البقرة « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » إلى قوله سبحانه « وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ » (١)

الأنعام « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ » (٢)

الحجر « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » (٣)

الإسراء « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » (٤)

الأنبياء « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » (٥)

الفرقان « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً » (٦)

__________________

(١) البقرة : ٣٠ ـ ٣٤.

(٢) الأنعام : ٩٨.

(٣) الحجر : ٢٦.

(٤) الإسراء : ٧٠.

(٥) الأنبياء : ٣٧.

(٦) الفرقان : ٥٤.


الروم « اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ » (١)

الأحزاب « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » (٢)

فاطر « وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ » (٣)

يس « سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » (٤)

الصافات « إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ » (٥)

الزمر « خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها » (٦)

المؤمن « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » (٧)

الرحمن « خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ » (٨) وقال تعالى « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ » (٩)

التغابن « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » (١٠)

البلد « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ » (١١)

التين « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ » (١٢)

__________________

(١) الروم : ٥٤. (٢) الأحزاب : ٧٢ ـ ٧٣.

(٣) فاطر : ٢٨. (٤) يس : ٣٦.

(٥) الصافات : ١١.

(٦) الزمر : ٦.

(٧) المؤمن : ٦٤.

(٨) الرحمن : ٣ ـ ٤.

(٩) الرحمن : ١٤.

(١٠) التغابن : ٢.

(١١) البلد : ١ ـ ١٠.

(١٢) التين : ٤ ـ ٥.


العلق « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ » (١)

تفسير « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ » هذه الآيات مما استدل به على تفضيل الإنسان على الملائكة وسيأتي وجه الاستدلال بها « مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » أي من آدم عليه‌السلام لأن الله تعالى خلقنا منه جميعا وخلق حواء من فضل طينته أو من ضلع من أضلاعه ومن علينا بهذا لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا أقرب إلى التألف « فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » أي مستقر في الرحم إلى أن يولد ومستودع في القبر أو مستقر في بطون الأمهات ومستودع في الأصلاب أو مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة أو مستقرها أيام حياتها ومستودعها حيث (٢) يموت وحيث يبعث أو مستقر في القبر ومستودع في الدنيا أو مستقر فيه الإيمان ومستودع يسلب منه كما ورد في الخبر.

« مِنْ صَلْصالٍ » أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر وقيل من صلصل إذا نتن تضعيف صل « مِنْ حَمَإٍ » من طين تغير واسود من طول مجاورة الماء « مَسْنُونٍ » أي مصور من سنة الوجه أو مصبوب لييبس أو مصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى نقر وصلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل منهما يكون منتنا يسمى سنين.

« وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » قال الرازي اعلم أن الإنسان جوهر مركب من النفس والبدن فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلى لأن النفس النباتية قواها الأصلية ثلاثة وهي الاغتذاء والنمو والتوليد والنفس الحيوانية لها قوتان أخريان الحاسة والمحركة بالاختيار ثم إن النفس الإنسانية مختصة بقوة أخرى وهي القوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء كما هي وهي التي يتجلى

__________________

(١) العلق : ١ ـ ٥.

(٢) حين ( خ ).


فيها نور معرفة الله ويشرق فيها ضوء كبريائه وهو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق والأمر ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح والأجسام كما هي وهذه القوة من سنخ الجواهر القدسية والأرواح المجردة الإلهية فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى الخمسة النباتية والحيوانية وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم وأما بيان أن البدن الإنساني أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء.

أحدها : روى ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » قال كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه. عن الرشيد أنه أحضرت الأطعمة عنده فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف فقال له جاء في تفسير (١) قوله تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » وجعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه.

وثانيها قال الضحاك بالنطق والتميز (٢) وتحقيق الكلام أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفا بذلك الشيء أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الأول فهو جملة حال الحيوان سوى الإنسان فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفا تاما وافيا وأما القسم الثاني فهو الإنسان فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا وبهذا البيان يظهر أن الإنسان الأخرس داخل في هذا الوصف لأنه وإن عجز عن تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الإشارة وبطريق الكتابة وغيرهما ولا يدخل فيه الببغاء لأنه وإن قدر على تعريفات قليلة فلا قدرة له على تعريف جميع الأحوال على سبيل الكمال والتمام.

وثالثها قال عطاء بامتداد القامة واعلم أن هذا الكلام غير تمام لأن

__________________

(١) في المصدر : جاء في التفسير عن جدك في قوله ...

(٢) فيه : التمييز.


الأشجار أطول قامة من الإنسان بل ينبغي أن يشرط فيه شرط وهو طول القامة مع استكمال القوة العقلية والقوة الحسية والحركية.

ورابعها قال يمان بحسن الصورة والدليل عليه قوله تعالى « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ » ولما ذكر الله تعالى خلقه الإنسان قال « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » وقال « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » وإن شئت فتأمل عضوا واحدا من أعضاء الإنسان وهو العين فخلق الحدقة سوداء ثم أحاط بذلك السواد بياض العين ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة ثم خلق فوق الجبهة سواد الشعر وليكن هذا المثال الواحد أنموذجا لك في هذا الباب.

وخامسها قال بعضهم من كرامات الآدمي أن آتاه الله الخط وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلم الذي يقدر الإنسان الواحد على استنباطه يكون قليلا أما إذا استنبط الإنسان علما وأودعه في الكتاب وجاء الإنسان الثاني واستعان بهذا الكتاب وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى ثم لا يزالون يتعاقبون وضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علوم المتقدمين كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية أقصى الغايات وأكمل النهايات ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتب ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى « اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ».

وسادسها أن أجسام هذا العالم إما البسائط وإما المركبات أما البسائط فهي الأرض والماء والهواء والنار والإنسان ينتفع بكل هذه الأربعة أما الأرض فهي لنا كالأم الحاضنة قال تعالى « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » وقد سماه الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا وهي الفراش والمهاد والمهد وأما الماء فانتفاعنا في الشرب والزراعة والحراسة ظاهر وأيضا سخر البحر لنأكل لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر وأما الهواء فهو مادة حياتنا ولو لا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة وأما النار فبها طبخ


الأغذية والأشربة ونضجها وهي قائمة مقام الشمس والقمر في الليالي المظلمة وهي الدافعة لضرر البرد وأما المركبات فهي إما الآثار العلوية (١) وإما المعادن وإما النبات وإما الحيوان والإنسان كالمستولي على كل هذه الأقسام والمنتفع بها والمستسخر لكل أقسامها فهذا العالم بأسرها جرى مجرى قرية معمورة وخان مغلة (٢) وجميع منافعها ومصالحها مصروفة إلى الإنسان والإنسان فيه كالرئيس المخدوم والملك المطاع وسائر الحيوانات بالنسبة إليه كالعبيد وكل ذلك يدل على كونه مخصوصا من عند الله بمزيد التكريم والتفضيل.

وسابعها أن المخلوقات تنقسم إلى أربعة أقسام إلى ما حصلت له هذه القوة العقلية الحكمية ولم تحصل له القوة الشهوانية وهم الملائكة وإلى ما يكون بالعكس وهم البهائم وإلى ما خلا عن القسمين وهو النبات والجمادات وإلى ما حصل النوعان فيه وهو الإنسان ولا شك أن الإنسان لكونه مستجمعا للقوة العقلية القدسية والقوة الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية يكون أفضل من البهيمة والسبع ولا شك أيضا أنه أفضل من الأجسام الخالية عن القوتين مثل النبات والمعادن والجمادات وإذا ثبت ذلك ظهر أن الله تعالى فضل الإنسان على أكثر أقسام المخلوقات بقي هاهنا بحث في أن الملك أفضل من (٣) البشر والمعنى أن الجوهر البسيط الموصوف بالقوة العقلية القدسية المحضة أفضل (٤) من البشر المستجمع لهاتين القوتين وذلك بحث آخر.

وثامنها الموجود إما أن يكون أزليا وأبديا معا وهو الله سبحانه وإما أن لا يكون أزليا ولا أبديا وهو عالم الدنيا مع كل ما فيه من المعادن والنبات والحيوان وهذا أخس الأقسام وإما أن يكون أزليا ولا يكون أبديا وهذا ممتنع الوجود لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وإما أن لا يكون أزليا ولكنه يكون أبديا وهو

__________________

(١) كذا في المصدر وفي بعض النسخ « الآباء » وفي بعضها « الآيات ».

(٢) في المصدر : معد.

(٣) في المصدر « أم » فى الموضعين.

(٤) في المصدر « أم » فى الموضعين.


الإنسان والملك ولا شك أن هذا القسم أشرف من القسم الثاني والثالث وذلك يقتضي كون الإنسان أشرف من أكثر المخلوقات.

وتاسعها العالم العلوي أشرف من العالم السفلى وروح الإنسان من جنس الأرواح العلوية والجواهر القدسية وليس في موجودات العالم السفلى شيء حصل من العالم العلوي إلا الإنسان فوجب كون الإنسان أشرف موجودات العالم السفلي.

وعاشرها أشرف الموجودات هو الله تعالى وإذا كان كذلك فكل موجود كان قربه من الله أتم وجب أن يكون أشرف لكن أقرب موجودات هذا العالم من الله تعالى هو الإنسان بسبب أن قلبه مستنير بمعرفة الله ولسانه مشرف بذكر الله وجوارحه وأعضاؤه مكرمة بطاعة الله فوجب الجزم بأن أشرف موجودات هذا العالم السفلي هو الإنسان ولما ثبت أن الإنسان موجود ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ثبت أن كلما حصل للإنسان من المراتب العالية والصفات الشريفة فهي إنما حصلت بإحسان الله وإنعامه فلهذا المعنى قال تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ومن تمام كرامته على الله أنه لما خلقه في أول الأمر وصف نفسه بأنه أكرم فقال « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » ووصف نفسه بالتكريم عند تربية الإنسان فقال « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » ووصف نفسه بالكرم في آخر الأحوال الإنسان فقال « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » وهذا يدل على أنه لا نهاية لكرم الله تعالى وتفضله وإحسانه مع الإنسان.

الحادي عشر قال بعضهم هذا التكريم معناه أنه تعالى خلق آدم بيده وخلق غيره بطريق كن فيكون ومن كان مخلوقا بيدي الله كانت العناية به أتم فكان (١) أكرم وأكمل ولما جعلنا من أولاده وجب كون بني آدم أكرم وأكمل.

« وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ » قال ابن عباس في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل وفي البحر على السفن وهذا أيضا من مؤكدات التكريم المذكور

__________________

(١) في بعض النسخ « أتم واكمل » وفي المصدر : كانت العناية به أتم وأكمل وكان أكرم وأكمل.


أولا لأنه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو ويقاتل ويذب عن نفسه وكذلك تسخير الله تعالى المياه والسفن وغيرهما ليركبها وينقل عليها ويتكسب بها بما (١) يختص به ابن آدم كل ذلك مما يدل على أن الإنسان في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع.

« وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » وذلك لأن الأغذية إما حيوانية وإما إنسانية وكلا القسمين فإن الإنسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامها بعد التنقية التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ وذلك مما لا يصلح إلا للإنسان « وَفَضَّلْناهُمْ » الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه تعالى عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل.

« عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » لم يقل وفضلناهم على الكل فهذا يدل على أنه حصل في مخلوقات الله تعالى شيء لا يكون الإنسان مفضلا عليه وكل من أثبت هذا القسم قال إنه هو الملائكة فلزم القول بأن الملك أفضل من الإنسان وهذا القول مذهب ابن عباس واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي في البسيط.

واعلم أن هذا الكلام مشتمل على بحثين :

أحدهما أن الأنبياء أفضل أم الملائكة وقد سبق القول فيه في سورة البقرة.

والثاني أن عوام الملائكة وعوام المؤمنين أيهما أفضل منهم من قال بتفضيل المؤمنين على الملائكة واحتجوا عليه بما روي عن زيد بن أسلم أنه قال قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا (٢) يأكلون فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك في الآخرة فقال تعالى وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان فقال أبو هريرة المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده. هكذا

__________________

(١) في المصدر : مما.

(٢) في المصدر : الدنيا.


أورده الواحدي في البسيط وأما القائلون بأن الملك أفضل من البشر على الإطلاق فقد عولوا على هذه الآية وهو في الحقيقة تمسك بدليل الخطاب (١) انتهى.

وقال الطبرسي قدس‌سره استدل بعضهم بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء قال لأن قوله « عَلى كَثِيرٍ » يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه وليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق وهذا باطل من وجوه :

أحدها أن التفضيل هاهنا لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي عددنا بعضها.

وثانيها أن المراد بالكثير الجميع فوضع الكثير موضع الجميع والمعنى أنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير كما يقال بذلت له العريض من جاهي وأبحته المنيع من حريمي ولا يراد بذلك أني بذلت له عريض جاهي ومنعته ما ليس بعريض وأبحته منيع حريمي ولم أبحه ما ليس منيعا بل المقصود أني بذلت له جاهي الذي من صفته أنه عريض وفي القرآن ومحاورات العرب من ذلك ما لا يحصى ولا يخفى ذلك على من عرف كلامهم.

وثالثها أنه إذا سلم أن المراد بالتفضيل زيادة الثواب وأن لفظة من في قوله « مِمَّنْ خَلَقْنا » تفيد التبعيض فلا يمتنع أن يكون جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم لأن الفضل في الملائكة عام لجميعهم أو أكثرهم والفضل من (٢) بني آدم يختص بقليل من كثير وعلى هذا فغير منكر أن يكون الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كان جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم (٣) انتهى.

وأقول كلامه ره في هذه الآية مأخوذ مما سننقله عن السيد المرتضى رضي الله عنه.

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٢١ ، ص ١٢ ـ ١٦.

(٢) في المصدر : فى.

(٣) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٤٢٩.


« خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » قال البيضاوي كأنه خلقه منه لفرط استعجاله وقلة تأنيه كقولك خلق زيد من الكرم وجعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع هو منه مبالغة في لزومه له ولذلك قيل إنه على القلب ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجاله الوعيد (١) انتهى وفي تفسير علي بن إبراهيم قال لما أجرى الله في آدم الروح (٢) من قدميه فبلغت إلى ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر فقال الله « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » (٣).

« خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً » قيل يعني الذي خمر به طينة آدم ثم جعله جزءا من مادة البشر ليجتمع ويسلس ويقبل الإشكال بسهولة أو النطفة « فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » أي فقسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن « وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً » حيث خلق من مادة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين.

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أعضائه فجرى بذلك الضلع بينهما سبب ونسب ثم زوجها إياه فجرى بينهما بسبب ذلك صهر فذلك قوله « نَسَباً وَصِهْراً » فالنسب ما كان بسبب الرجال والصهر ما كان بسبب النساء. وقد أوردنا أخبارا كثيرة في أبواب فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام أنها نزلت في النبي وأمير المؤمنين وتزويج فاطمة صلوات الله عليهم.

« اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ » قيل أي ابتدأكم ضعفاء أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة « ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً » وهو بلوغكم الأشد « ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً » إذا أخذ منكم السن « يَخْلُقُ ما يَشاءُ » من ضعف وقوة وشيبة (٤).

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٨٢.

(٢) في المصدر : روحه.

(٣) تفسير القمي : ٤٢٩.

(٤) في بعض النسخ المخطوطة : شبيبة وشيبة.


« إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » هذه الآية من المتشابهات وقد اختلف في تأويله المفسرون والروايات على وجوه.

الأول أن المراد بالأمانة التكليف بالأوامر والنواهي والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال العرض على أهلها وعرضها عليهم هو تعريفه إياهم أن في تضييع الأمانة الإثم العظيم وكذلك في ترك أوامر الله تعالى وأحكامه فبين سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك فيكون المعنى عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض والجبال من الملائكة والإنس والجن « فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها » أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأثم فيها « وَأَشْفَقْنَ مِنْها » أي أشفق أهلهن عن (١) حملها « وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً » لنفسه بارتكاب المعاصي « جَهُولاً » بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها فالمراد بحمل الأمانة تضييعها قال الزجاج كل من خان الأمانة فقد حملها ومن لم يحمل الأمانة فقد أداها.

والثاني أن معنى « عَرَضْنَا » عارضنا وقابلنا فإن عرض الشيء على الشيء ومعارضته به سواء والمعنى أن هذه الأمانة في جلالة موقعها وعظم شأنها لو قيست السماوات والأرض والجبال وعورضت بها لكانت هذه الأمانة أرجح وأثقل وزنا ومعنى قوله « فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها » ضعفن عن حملها كذلك « وَأَشْفَقْنَ مِنْها » لأن الشفقة ضعف القلب ولذلك صار كناية عن الخوف الذي يضعف عنده القلب ثم قال إن هذه الأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الأشياء العظيمة تقلدها الإنسان فلم يحفظها بل حملها وضيعها لظلمه على نفسه ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب.

والثالث ما ذكره البيضاوي حيث قال تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين « إِنَّهُ

__________________

(١) من ( خ ).


كانَ ظَلُوماً » حيث لم يف بها ولم يراع حقها « جَهُولاً » بكنه عاقبتها وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب (١) انتهى.

وقال الطبرسي قدس‌سره إنه على وجه التقدير أجرى (٢) عليه لفظ الواقع لأن الواقع أبلغ من المقدر معناه لو كانت السماوات والأرض والجبال عاقلة ثم عرضت عليها الأمانة وهي وظائف الدين أصولا وفروعا عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها وشدتها وقوتها ولامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها ثم حملها الإنسان مع ضعف جسمه ولم يخف الوعيد لظلمه وجهله وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات والأرض فامتنعت من حملها.

والرابع أن معنى العرض والإباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلام بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد والعرب تقول سألت الربع وخاطبت الدار فامتنعت عن الجواب وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب والسؤال وتقول أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال وقال سبحانه « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » وخطاب من لا يفهم لا يصح فالأمانة على هذا ما أودع الله سبحانه السماوات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيته وربوبيته فأظهرتها والإنسان الكافر كتمها وجحدها لظلمه (٣) ويرجع إليه ما قيل المراد بالأمانة الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته فيكون الإباء عنه إتيانا بما يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة للخيانة والتقصير.

والخامس ما قيل إنه تعالى لما خلق هذه الأجرام فيها فهما (٤) وقال لها

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٨١ ـ ٢٨٢.

(٢) في المصدر : الا انه اجرى.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٧٤.

(٤) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا والظاهر « جعل فيها فهما ».


إني قد فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها ونارا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ولما خلق آدم عليه‌السلام عرض عليه مثل ذلك فتحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولا بوخامة عاقبته.

والسادس ما قيل إن المراد بالأمانة العقل والتكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد (١) ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.

والسابع أن المراد بالأمانة أداء الأمانة ضد الخيانة أو قبولها وتصحيح تتمة الآية على أحد الوجوه المتقدمة.

الثامن أن المراد بالأمانة الإمامة (٢) والخلافة الكبرى وحملها ادعاؤها بغير حق والمراد بالإنسان أبو بكر وقد وردت الأخبار الكثيرة في ذلك أوردتها في كتاب الإمامة وغيرها فقد روي بأسانيد عن الرضا عليه‌السلام قال : الأمانة الولاية من ادعاها بغير حق كفر. وقال علي بن إبراهيم الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي عرضت على السماوات والأرض والجبال « فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها » قال أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها « وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ » الأول « إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً » (٣). وعن الصادق عليه‌السلام الأمانة الولاية والإنسان أبو الشرور المنافق. وعن الباقر عليه‌السلام هي الولاية أبين « أَنْ يَحْمِلْنَها » كفرا « وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ » والإنسان أبو فلان.

ومما يدل على أن المراد بها التكليف ما روي أن عليا عليه‌السلام كان إذا حضر وقت

__________________

(١) الحدود ( خ ).

(٢) الامارة ( خ ).

(٣) تفسير علي بن إبراهيم : ٥٣٥ ( مقطعا ).


الصلاة تغير لونه فسئل عن ذلك فقال حضر وقت أمانة عرضها الله « عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها ».

ومما يدل على كون المراد بها الأمانة المعروفة ما في نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين ثم أداء الأمانة فقد خاب من ليس من أهلها أنها عرضت على السماوات المبنية والأرض المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعظم منها ولو امتنع شيء منها بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الإنسان « إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً » وعن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول ابتع لي ثوبا فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » الآية.

والحق أن الجميع داخل في الآية بحسب بطونها كما قيل إن المراد بالأمانة التكليف بالعبودية لله على وجهها والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها وأعظمها الخلافة الإلهية لأهلها ثم تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها وعدم ادعاء منزلتها لنفسه ثم سائر التكاليف والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال النظر إلى استعدادهن لذلك وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة وتحمل الإنسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها أو مع تقصيره بحسب وصف الجنس باعتبار الأغلب فهذه معانيها الكلية وكل ما ورد في تأويلها في مقام يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند التدبر والتوفيق من الله سبحانه.

قال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في أجوبة المسائل العكبرية حيث سئل عن تفسير هذه الآية أنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات والأرض والجبال بقول صريح أو دليل ينوب مناب القول وإنما الكلام في هذه الآية مجاز أريد به الإيضاح عن عظم الأمانة وثقل التكليف بها وشدته على الإنسان وأن السماوات والأرض والجبال لو كانت مما يقبل لأبت حمل الأمانة ولم تؤد مع ذلك حقها و


نظير ذلك قوله تعالى « تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » (١) ومعلوم أن السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر من الإيمان ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون وتفوه به الضالون وأقدم به المجرمون من الكفر بالله تعالى وأنه من عظمه جار مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات والأرض والجبال وأن الوزر به كذلك وكان الكلام في معناه ما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه ومثل ذلك قوله تعالى « وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ » (٢) الآية ومعلوم أن الحجارة جماد لا يعلم فيخشى أو يرجو ويؤمل وإنما المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية الله تعالى وما يجب أن يكون العبد عليه من خشية الله تعالى وقد بين الله ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ » الآية (٣) فبين بهذا المثل عن جلالة القرآن وعظم قدره وعلو شأنه وأنه لو كان كلام يكون به ما عده ووصفه لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلام وقد قيل إن المعنى في قوله « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » عرضها على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال والعرب يخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع ويسميهم باسمه قال الله تعالى « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ » (٤) يريد أهل القرية وأهل العير وكان العرض على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال قبل خلق آدم وخيروا بين التكليف لما كلفه آدم وبنوه فأشفقوا من التفريط فيه واستعفوا منه فاعفوا فتكلفه الإنسان ففرط فيه وليست الآية على ما ظنه السائل أنها هي الوديعة وما في بابها ولكنها التكليف الذي وصفناه ولقوم من أصحاب الحديث الذاهبين إلى الإمامة جواب تعلقوا به من جهة بعض الأخبار وهي أن الأمانة هي الولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام وإنها عرضت قبل خلق آدم على السماوات والأرض والجبال ليأتوا بها على شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها وكلفها الناس فتكلفوها ولم يؤد أكثرهم حقها انتهى.

__________________

(١) مريم : ٩١.

(٢) البقرة : ٧٤.

(٣) الرعد : ٣٣.

(٤) يوسف : ٨٢.


« لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ » تعليل للحمل من حيث إنه نتيجة كالتأديب للضرب في ضربته تأديبا وذكر التوبة في الوعد إشعار بأن كونهم ظلوما جهولا في جبلتهم لا يخليهم عن فرطات « وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً » حيث تاب على فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعاتهم و « كَذلِكَ » أي كاختلاف الثمار والجبال.

« خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها » أي الأنواع والأصناف « مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ » من النبات والشجر « وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ » الذكر والأنثى « وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » أي وأزواجا مما لم يطلعهم الله عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته وسيأتي تأويل آخر برواية علي بن إبراهيم

« مِنْ طِينٍ لازِبٍ » أي ممتزج متماسك يلزم بعضه بعضا يقال طين لازب يلزق باليد لاشتداده وقال علي بن إبراهيم يعني يلزق (١) باليد « ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها » أي من جزئها أو من طينتها أو من نوعها أو لأجلها ولانتفاعها.

« فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ » بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات « وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » أي اللذائذ.

« عَلَّمَهُ الْبَيانَ » قيل إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوانات من البيان وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع وفي تفسير علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه‌السلام في قوله « الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ » قال الله علم محمدا القرآن قلت « خَلَقَ الْإِنْسانَ » قال ذلك أمير المؤمنين قلت « عَلَّمَهُ الْبَيانَ » قال علمه تبيان كل شيء يحتاج الناس إليه الخبر (٢).

« مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ » قيل الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا فلا يخالف

__________________

(١) في المصدر : يلصق. تفسير القمي : ٥٥٥.

(٢) تفسير القمي : ٦٥٨.


ذلك قوله « مِنْ تُرابٍ » ونحوه.

« فَمِنْكُمْ كافِرٌ » أي يصير كافرا أو كان في علم الله أنه كافر وفي الكافي ، وتفسير علي بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن تفسير هذه الآية فقال عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر (١).

« لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ » قيل في تعب ومشقة فإنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة وقال علي بن إبراهيم أي منتصبا (٢) وسيأتي تفسيره في الخبر أنه منتصب في بطن أمه.

« أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ » يبصر بهما « وَلِساناً » يترجم عن ضمائره « وَشَفَتَيْنِ » يستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغيرها « وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ » طريقي الخير والشر وقيل الثديين وأصله المكان المرتفع وفي الكافي ، عن الصادق عليه‌السلام نجد الخير والشر. وفي مجمع البيان ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام سبيل الخير وسبيل الشر. وعنه عليه‌السلام أنه قيل له إن أناسا يقولون في قوله « وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ » أنهما الثديان فقال لا هما الخير والشر (٣).

« لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ » قيل يريد به الجنس « فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » أي تعديل بأن خص بانتصاب القامة وحسن الصورة واستجماع خواص الكائنات ونظائر سائر الممكنات « ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ » بأن جعلناه من أهل النار أو إلى أسفل سافلين وهو النار وقيل أرذل العمر وقال علي بن إبراهيم نزلت في الأول وفي المناقب عن الكاظم عليه‌السلام قال : الإنسان الأول « ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ » ببغضه أمير المؤمنين.

وأقول على سبيل الاحتمال يمكن أن يكون رده إلى أسفل سافلين ابتلاؤه بالقوى الشهوانية والعلائق الجسمانية فإن روحه كان من عالم القدس فلما ابتلي

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٤١٣ ، وتفسير القمي : ٦٨٢.

(٢) تفسير القمي : ٧٢٥.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٩٤.


بعد التعلق بالبدن بالصفات البهيمية والعلائق الدنية (١) فقد تنزل من أعلى عليين إلى أسفل سافلين فهم باقون في تلك الدركات منهمكون في تلك التعلقات « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » فإنهم نفضوا عن أذيالهم أدناس تلك النشأة الفانية واختاروا الدرجات العالية فرجعوا إلى النشأة الأولى وتعلقت أرواحهم بالملإ الأعلى فصاروا أشرف من الملائكة المقربين وسكنوا في غرفات الجنان آمنين.

« بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ » أي جميع المخلوقات على مقتضى حكمته وعن الباقر عليه‌السلام خلق نورك القديم قبل الأشياء. « مِنْ عَلَقٍ » أي من دم جامد بعد النطفة « الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » قال علي بن إبراهيم علم الإنسان بالكتابة (٢) التي بها يتم أمور الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها (٣) « عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ » من أنواع الهدى والبيان وقال علي بن إبراهيم قال يعني علم عليا من الكتابة لك ما لم يعلم قبل ذلك (٤) قيل عدد سبحانه مبدأ الإنسان ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من نقله من أخس المراتب إلى أعلاها تقريرا لربوبيته وتحقيقا لأكرميته.

فائدة اعلم أن المسلمين اختلفوا في تفضيل الملائكة على البشر أو العكس فذهب أكثر الأشاعرة إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة وصرح بعضهم بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر أي غير الأنبياء وذهب أكثر المعتزلة إلى أن الملائكة أفضل من جميع البشر ولا خلاف بين الإمامية في أن الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام أفضل من جميع الملائكة والأخبار في ذلك مستفيضة أوردناها في كتاب النبوة وسائر مجلدات الحجة وأما سائر المؤمنين ففي فضل كلهم أو بعضهم على جميع الملائكة أو بعضهم فلا يظهر من الآيات والأخبار ظهورا بينا يمكن الحكم بأحد الجانبين فنحن فيه من المتوقفين.

قال الشيخ المفيد قدس الله سره (٥) في كتاب المقالات اتفقت الإمامية على أن أنبياء الله ورسله من البشر أفضل من الملائكة ووافقهم على ذلك أصحاب

__________________

(١) المدنية ( خ ).

(٢) في المصدر : الكتابة.

(٣ و ٤) تفسير القمي : ٧٣١.

(٥) روحه ( خ ).


الحديث وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وزعم الجمهور منهم أن الملائكة أفضل من الأنبياء والرسل وقال نفر منهم سوى من ذكرناه بالوقف في تفضيل أحد الفريقين على الآخر وكان اختلافهم في هذا الباب على ما وصفناه وإجماعهم على خلاف القطع بفضل الأنبياء على الملائكة عليهم‌السلام حسب ما شرحناه.

ثم قال أما الرسل من الملائكة والأنبياء عليهم‌السلام فقولي فيهم مع أئمة آل محمد عليهم‌السلام كقولي في الأنبياء والرسل عليهم‌السلام وأما باقي الملائكة فإنهم وإن بلغوا بالملائكة فضلا فالأئمة من آل محمد عليهم‌السلام أفضل منهم وأعظم ثوابا عند الله عز وجل بأدلة ليس موضعها هذا الكتاب انتهى.

وقال صاحب الياقوت الأنبياء أفضل من الملائكة لاختصاصهم بشرف الرسالة مع مشقة التكليف وقال العلامة قدس‌سره في شرحه اختلف الناس في ذلك فذهب (١) الإمامية وجماعة من الأشاعرة إلى أن الأنبياء عليهم‌السلام أشرف من الملائكة وقالت المعتزلة والفلاسفة بل الملائكة أشرف وقال الصدوق قدس‌سره في رسالة العقائد اعتقادنا في الأنبياء والرسل والحجج عليهم‌السلام أنهم أفضل من الملائكة ثم ذكر الدلائل وبسط القول فيها كما ذكرناه في كتاب الإمامة.

وقال السيد الشريف المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب الغرر والدرر في تفضيل الأنبياء على الملائكة عليهم‌السلام اعلم أنه لا طريق من جهة العقل إلى القطع بفضل مكلف على الآخر لأن الفضل المراعي في هذا الباب هو زيادة استحقاق الثواب ولا سبيل إلى معرفة مقادير الثواب من ظواهر فعل الطاعات لأن الطاعتين قد تتساوى في ظاهر الأمر حالهما وإن زاد ثواب واحدة على الأخرى زيادة عظيمة وإذا لم يكن للعقل في ذلك مجال فالمرجع فيه إلى السمع فإن دل سمع مقطوع به من ذلك على شيء عول عليه وإلا كان الواجب التوقف عنه والشك فيه وليس في القرآن ولا في سمع مقطوع على صحته ما يدل على فضل نبي على ملك ولا ملك على نبي وسنبين أن آية واحدة مما يتعلق به في تفضيل الأنبياء على الملائكة عليهم‌السلام يمكن أن يستدل بها

__________________

(١) فذهبت ( خ ).


على ضرب من الترتيب نذكره.

والمعتمد في القطع على أن الأنبياء أفضل من الملائكة على إجماع الشيعة الإمامية على ذلك لأنهم لا يختلفون في هذا بل يزيدون عليه ويذهبون إلى أن الأئمة عليهم‌السلام أفضل من الملائكة أجمعين وإجماعهم حجة لأن المعصوم في جملتهم وقد بينا في مواضع من كتبنا كيفية الاستدلال بهذه الطريقة ورتبناه وأجبنا عن كل سؤال يسأل عنه فيها وبينا كيف الطريق مع غيبة الإمام إلى العلم بمذاهبه وأقواله وشرحنا ذلك فلا معنى للتشاغل به هاهنا ويمكن أن يستدل على ذلك بأمره تعالى للملائكة بالسجود لآدم عليه‌السلام وأنه يقتضي تعظيمه عليهم وتقديمه وإكرامه وإذا كان المفضول لا يجوز تعظيمه وتقديمه على الفاضل علمنا أن آدم عليه‌السلام أفضل من الملائكة وكل من قال إن آدم أفضل من الملائكة ذهب إلى أن جميع الأنبياء عليهم‌السلام أفضل من جميع الملائكة ولا أحد من الأمة فصل بين الأمرين.

فإن قيل ومن أين أنه أمرهم بالسجود على جهة التقديم والتعظيم.

قلنا لا يخلو تعبدهم بالسجود له من أن يكون على سبيل القبلة والجهة من غير أن يقترن به تعظيم وتقديم أو يكون على ما ذكرناه فإن كان الأول لم يجز أنفة إبليس من السجود وتكبره عنه وقوله « أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ » (١) وقوله « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » (٢) والقرآن كله ناطق بأن امتناع إبليس من السجود إنما هو لاعتقاده التفضيل به والتكرمة فلو لم يكن الأمر على هذا لوجب أن يرده الله تعالى عنه ويعلمه أنه ما أمره بالسجود على وجه تعظيمه له ولا تفضيله بل على الوجه الآخر الذي لا حظ للتفضيل فيه وما جاز إغفال ذلك وهو سبب معصية إبليس وضلالته فلما لم يقع ذلك دل على أن الأمر بالسجود لم يكن إلا على جهة التفضيل والتعظيم وكيف يقع شك في أن الأمر على ما ذكرنا وكل نبي أراد تعظيم آدم عليه‌السلام ووصفه بما اقتضى الفخر والشرف نفسه بإسجاد الملائكة له وجعل

__________________

(١) أسرى : ٦٢.

(٢) الأعراف : ١١ ، ص : ٧٦.


ذلك من أعظم فضائله وهذا مما لا شبهة فيه.

فأما اعتماد بعض أصحابنا في تفضيل الأنبياء على الملائكة على أن المشقة في طاعة الأنبياء عليهم‌السلام أكثر وأوفر من حيث كانت لهم شهوات في القبائح ونفار عن الواجبات فليس بمعتمد لأنا لا نقطع على أن مشاق الأنبياء أعظم من مشاق الملائكة في التكليف والشك في مثل ذلك واجب وليس كل شيء لم يظهر لنا ثبوته وجب القطع على انتفائه ونحن نعلم على الجملة أن الملائكة إذا كانوا مكلفين فلا بد من أن تكون عليهم مشاق في تكليفهم لو لا ذلك ما استحقوا ثوابا على طاعاتهم والتكليف إنما يحسن في كل مكلف تعريضا للثواب ولا يكون التكليف شاقا عليهم إلا وتكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ونفار عما أوجب وإذا كان الأمر على هذا فمن أين يعلم أن مشاق الأنبياء عليهم‌السلام أكثر من مشاق الملائكة وإذا كانت المشقة عامة لتكليف الأمة ولا طريق إلى القطع على زيادتها في تكليف بعض ونقصانها في تكليف آخرين فالواجب التوقف والشك ونحن الآن نذكر شبه من فضل الملائكة على الأنبياء عليهم‌السلام ونتكلم عليها بعون الله.

فمما تعلقوا به في ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس مخاطبا لآدم وحواء عليهما‌السلام « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ » (١) فرغبهما في التناول من الشجرة في منزلة الملائكة حتى تناولا وعصيا وليس يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون على منزلة هي دون منزلته حتى يحمله ذلك على خلاف الله تعالى ومعصيته وهذا يقتضي فضل الملائكة على الأنبياء عليهم‌السلام وتعلقوا أيضا بقوله تعالى « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » (٢) وتأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم لأن العادة إنما جرت أن يقال لن يستنكف الوزير أن يفعل هذا ولا الخليفة فيقدم الأدون ويؤخر الأعظم ولم تجر بأن يقال لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا ولا الحارس وهذا يقتضي تفضيل الملائكة

__________________

(١) الأعراف : ١٩.

(٢) النساء : ١٧١.


على الأنبياء عليهم‌السلام وتعلقوا بقوله تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » (١) قالوا وليس بعد بني آدم مخلوق يستعمل في الخبر عنه لفظة من التي لا تستعمل إلا في العقلاء إلا الجن والملائكة ولما لم يقل وفضلناهم على من بل قال على كثير ممن خلقنا علم أنه إنما أخرج الملائكة عمن فضل بني آدم عليه لأنه لا خلاف في بني آدم أنه أفضل من الجن وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضل بنو آدم (٢) فلا شبهة في أنهم الملائكة وتعلقوا بقوله تعالى « وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ » (٣) فلو لا أن حال الملائكة أفضل من حال النبي لما قال ذلك.

فيقال لهم في ما تعلقوا به أولا لم زعمتم أن قوله تعالى « إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ » معناه أن تصيرا أو تتقلبا إلى صفة الملائكة فإن هذه اللفظة ليست بصريح لما ذكرتم بل أحسن الأحوال أن تكون محتملة له وما أنكرتم أن يكون المعنى أن المنهي عن تناول الشجرة غيركما وإذا النهي يختص الملائكة والخالدين دونكما ويجري ذلك مجرى قول أحدنا لغيره ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا وإنما يعني أن المنهي هو فلان دونك ولم يرد إلا أن تتقلب فتصير فلانا ولما كان غرض إبليس إيقاع الشبهة لهما فمن أوكد الشبهة إيهامهما أنهما لم ينهيا وإنما المنهي غيرهما ومن وكيد ما تفسد به هذه الشبهة أن يقال ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلا إلى صفة الملائكة وخلقهم كما رغبهما إبليس في ذلك ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما لأنه بالتقلب إلى خلقة غيره لا يتقلب ولا يتغير الحقيقة بانقلاب الصورة والخلق فإنه إنما يستحق الثواب على الأعمال دون الهيئات (٤) وغير ممتنع أن

__________________

(١) الإسراء : ١٠.

(٢) كذا ، والصواب ، بنو آدم عليه.

(٣) الأنعام : ٥٠.

(٤) الهيئة ( خ ).


يكونا رغبا في أن يصيرا على الهيئة الملائكة (١) وصورها وليس ذلك يرغبه في الثواب ولا الفضل فإن الثواب فضل لا يتبع الهيئات والصور ألا ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين وليس الخلود مما يقتضي مزية في ثواب ولا فضلا فيه وإنما هو نفع عاجل وكذلك لا يمتنع أن يكون الرغبة منهما في أن يصيرا ملكين إنما كانت على هذا الوجه.

ويمكن أن يقال للمعتزلة خاصة وكل من أجاز على الأنبياء الصغائر ما أنكرتم أن يكونا اعتقدا أن الملك أفضل من النبي وغلطا في ذلك وكان منهما ذنبا صغيرا لأن الصغائر عندكم تجوز على الأنبياء فمن أين لكم إذا اعتقدا أن الملائكة أفضل من الأنبياء ورغبا في ذلك أن الأمر على ما اعتقداه مع تجويزكم عليهم الذنوب وليس لهم أن يقولوا إن الصغائر إنما تدخل في أفعال الجوارح دون القلوب لأن ذلك تحكم بغير برهان وليس يمتنع على أصولهم أن تدخل الصغائر في أفعال القلوب والجوارح معا لأن حد الصغيرة عندهم ما نقص عقابه عن ثواب طاعات فاعله وليس يمتنع معنى هذا الحد في أفعال القلوب كما لا يمتنع في أفعال الجوارح.

ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما توجه إلى قوم اعتقدوا أن الملائكة أفضل من الأنبياء فأخرج الكلام على حسب اعتقادهم وأخر ذكر الملائكة لذلك ويجري هذا القول مجرى قول من قال منا لغيره لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ولا أبوك وإن كان القائل يعتقد أن أباه أفضل وإنما أخرج الكلام على حسب اعتقاد المخاطب لا المخاطب.

ومما يجوز أن يقال أيضا أنه لا تفاوت في الفضل بين الأنبياء والملائكة وإن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل منهم ومع التقارب والتداني يحسن أن يؤخر ذكر الأفضل الذي لا تفاوت بينه وبين غيره في الفضل وإنما مع التفاوت والتنافي لا يحسن ذلك ألا ترى أنه يحسن أن يقول القائل ما يستنكف الأمير فلان من كذا ولا الأمير

__________________

(١) في مخطوطة « على الهيئة على الملائكة » وسائر النسخ موافق للمتن ، والظاهر ، على هيئة الملائكة.


فلان من كذا وإن كانا متساويين متناظرين أو متقاربين ولا يحسن أن يقول ما يستنكف الأمير من كذا ولا الحارس لأجل التفاوت وأقوى من هذا أن يقال إنما أخر ذكر الملائكة عن ذكر المسيح لأن جميع الملائكة أكثر ثوابا لا محالة من المسيح منفردا وهذا لا يقتضي أن كل واحد منهم أفضل من المسيح عليه‌السلام وإنما الخلاف في ذلك.

ويقال لهم في ما تعلقوا به ثالثا ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى « عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » إنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير ولم يرد التبعيض ويجري ذلك مجرى قوله تعالى « وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً » (١) معناه لا تشتروا بها ثمنا قليلا فكل ثمن تأخذونه عنها قليل ولم يرد التخصيص والمنع من الثمن القليل خاصة ومثله قول الشاعر :

من أناس ليس في أخلاقهم

عاجل الفحش ولا سوء الجزع.

وإنما أراد نفي الفحش كله عن أخلاقهم وإن وصفه بأنه عاجل ونفي الجزع عنهم وإن وصفه بالسوء وهذا من غريب البلاغة ودقيقها ونظائره في الشعر والكلام الفصيح لا تحصى وقد كنا أملينا في تأويل هذه الآية كلاما منفردا استقصيناه وشرحنا هذا الوجه وأكثرنا من ذكر أمثلته.

ووجه آخر في تأويل هذه الآية وهو أنه غير ممتنع أن يكون جميع الملائكة أفضل من جميع بني آدم وإن كان في جملة بني آدم من الأنبياء عليهم‌السلام من يفضل كل واحد منهم على كل واحد من الملائكة لأن الخلاف إنما هو في فضل كل بني آدم على كل ملك وغير ممتنع أن يكون جميع الملائكة فضلاء يستحق كل واحد منهم الجزيل الأكثر من الثواب فيزيد ثواب جميعهم على ثواب جميع بني آدم لأن الأفاضل من بني آدم أقل عددا وإن كان في بني آدم آحاد كل واحد منهم أفضل من كل واحد من الملائكة.

ووجه آخر ومما يمكن أن يقال في هذه الآية أيضا أن مفهوم الآية إذا تؤملت يقتضي أنه تعالى لم يرد الفضل الذي هو زيادة الثواب وإنما أراد النعم و

__________________

(١) البقرة : ٤١ ، والمائدة : ٤٧.


المنافع الدنيوية ألا ترى إلى قوله تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » والكرامة إنما هي الترقية وما يجري مجراه ثم قال « وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » ولا شبهة في أن الحمل لهم في البر والبحر ورزق الطيبات خارج مما يستحق به والثواب ويقتضي التفضيل الذي وقع إطلاقه فيه ويجب أن يكون ما عطف عليه من التفضيل داخلا في هذا الباب وفي هذا القبيل فإنه أشبه من أن يكون المراد به غير ما سياق الآية وارد به ومبني عليه وأقل الأحوال أن تكون لفظة « فَضَّلْناهُمْ » مجتمعة للأمرين فلا يجوز الاستدلال بها على خلاف ما نذهب إليه.

ويقال لهم فيما تعلقوا به رابعا لا دلالة في هذه الآية على أن حال الملائكة أفضل من حال الأنبياء لأن الغرض في الكلام إنما هو نفي ما لم يكن عليه لا التفضيل لذلك على ما هو عليه ألا ترى أن أحدنا لو ظن أنه على صفة وهو ليس عليها جاز أن ينفيها عن نفسه بمثل هذا اللفظ وإن كان على أحوال هي أفضل من تلك الحال وأرفع وليس يجب إذا انتفى مما تبرأ منه من علم الغيب وكون خزائن الله تعالى عنده أن يكون فيه فضل أن يكون ذلك معتمدا في كل ما يقع النفي له والتبرؤ منه وإذا لم يكن ملكا عنده خزائن الله تعالى جاز أن ينتفي من الأمرين من غير ملاحظة لأن حاله دون هاتين الحالتين.

ومما يوضح هذا ويزيل الإشكال فيه أنه تعالى حكى عنه قوله في آية أخرى « وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً » (١) ونحن نعلم أن هذه منزلة غير جليلة وهو على كل حال أرفع منها وأعلى فما المنكر أن يكون نفي الملكية عنه في أنه لا يقتضي أن حاله دون حال الملك بمنزلة نفي هذه المنزلة والتعلق بهذه الآية ضعيف جدا وفيما أوردناه كفاية وبالله التوفيق انتهى.

وذكر رضي‌الله‌عنه نحوا من هذا في أجوبة المسائل التي وردت عليه من الري.

وقال الدواني في شرح العقائد هم أي الأنبياء أفضل من الملائكة العلوية عند

__________________

(١) هود : ٣١.


أكثر الأشاعرة ومن الملائكة السفلية بالاتفاق وعامة البشر من المؤمنين أيضا أفضل من عامة الملائكة وعند المعتزلة وأبي عبد الله الحليمي (١) والقاضي أبي بكر منا الملائكة أفضل والمراد بالأفضل أكثر ثوابا وذلك أن عبادة الملائكة فطرية لا مزاحم لهم عنها بخلاف عبادة البشر فإن لهم مزاحمات فتكون عبادتهم أشق وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأعمال أضرها (٢). أي أشقها.

قلت وعلى هذا يندفع ما يتوهم أن إساءة الأدب مع الملائكة كفر ومع آحاد المؤمنين ليس بكفر فتكون الملائكة أفضل لأن ذلك يدل على أن كون الملك أشرف بسبب كثرة مناسبته مع المبدإ في النزاهة وقلة الوسط لا على أنه أفضل بمعنى كونه أكثر ثوابا.

وقال شارح المقاصد ذهب جمهور أصحابنا والشيعة إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة خلافا للمعتزلة والقاضي وأبي عبد الله الحليمي وصرح بعض أصحابنا بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر أي غير الأنبياء لنا وجوه عقلية ونقلية.

الأولى أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى وإباء إبليس واستكباره والتعليل بأنه خير من آدم لكونه من نار وآدم من طين يدل أن المأمور به كان سجود تكرمة وتعظيم لا سجود تحية وزيارة ولا سجود الأعلى للأدنى إعظاما له ورفعا لمنزلته وهضما لنفوس الساجدين.

الثاني أن آدم أنبأهم بالأسماء وبما علمه الله من الخصائص والمعلم أفضل من المتعلم وسوق الآية ينادي على أن الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضلية آدم ودفع ما توهموا فيه من النقصان ولذا قال تعالى « أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » (٣) وبهذا يندفع ما يقال إن لهم أيضا علوما جمة أضعاف العلم بالأسماء

__________________

(١) الحلبي ( خ ).

(٢) احمزها ( خ ).

(٣) البقرة : ٣٣.


لما شاهدوا من اللوح وحصلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية.

الثالث قوله تعالى « إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ » (١) وقد خص من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع فيكون آدم ونوح وجميع الأنبياء مصطفون (٢) على العالمين الذين منهم الملائكة إذ لا مخصص للملائكة من العالمين ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.

الرابع أن للبشر شواغل عن الطاعات العلمية والعملية كالشهوة والغضب وسائر الحاجات الشاغلة والموانع الخارجة والداخلة فالمواظبة على العبادات وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق الثواب ولا معنى للأفضلية سوى استحقاق الثواب والكرامة.

لا يقال لو سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملائكة فالعبادة مع كثرة البواعث والشواغل إنما يكون أشق وأفضل من الأخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات وعبادة الملائكة أكثر وأدوم فإنهم « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » والإخلاص الذي به القوام والنظام واليقين الذي هو الأساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم لأن طريقهم العيان لا البيان والمشاهدة لا المراسلة.

لأنا نقول انتفاء الشواغل في حقهم مما لا ينازع فيه أحد ووجود المشقة والألم في العبادة والعمل عند عدم المنافي والمضاد مما لا يعقل قلت أو كثرت وكون باقي الصفات في حق الأنبياء أضعف وأدنى مما لا يسمع ولا يقبل وقد يتمسك بأن للملائكة عقلا بلا شهوة وللبهائم شهوة بلا عقل وللإنسان كليهما فإذا ترجح شهوته على عقله يكون أدنى من البهائم لقوله تعالى « بَلْ هُمْ أَضَلُ » (٣) فإذا ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعلى من الملائكة وهذا عائد إلى ما سبق لأن تمام تقريره هو أن الكافر آثر النقصان مع التمكن من الكمال وكل من فعل كذا فهو أضل

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) كذا في جميع النسخ ، والصواب « مصطفين ».

(٣) الفرقان : ٤٤.


وأرذل ممن آثره بدونه لأن إيثار الشيء مع وجود المضاد والمنافي أرجح وأبلغ من إيثاره بدونه فيلزم أن يكون من آثر الكمال مع التمكن من النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه.

وأما التمسك بقوله تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » والتكريم المطلق لأحد الأجناس يشعر بفضله على غيره فضعيف لأن التكريم لا يوجب التفضيل سيما مع قوله تعالى « وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا » فإنه يشير بعدم التفضيل على القليل وليس غير الملائكة بالإجماع كيف وقد وصف الملائكة أيضا بأنهم « عِبادٌ مُكْرَمُونَ ».

ثم قال واحتج المخالفون أيضا بوجوه نقلية وعقلية :

أما النقليات فمنها قوله تعالى « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » (١) خصهم بالتواضع وترك الاستكبار في السجود وفيه إشارة إلى أن غيرهم ليس كذلك وأن أسباب التكبر والتعظم حاصلة لهم ووصفهم باستمرار الخوف وامتثال الأوامر ومن جملتها اجتناب المنهيات.

ومنها قوله تعالى « وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » (٢) وصفهم بالقرب والشرف عنده وبالتواضع المواظبة على الطاعة والتسبيح.

ومنها قوله تعالى « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » إلى أن قال « وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ » (٣) وصفهم بالكرامة المطلقة والامتثال والخشية وهذه الأمور أساس كافة الخيرات.

والجواب أن جميع ذلك إنما يدل على فضيلتهم لا على أفضليتهم لا سيما على الأنبياء.

__________________

(١) النحل : ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) الأنبياء : ١٩ ـ ٢٠.

(٣) الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٨.


ومنها قوله تعالى « قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ » (١) فإن مثل هذا الكلام إنما يحسن إذا كان الملك أفضل.

والجواب أنه إنما قال ذلك حين استعجله قريش العذاب الذي أوعدوا به بقوله تعالى « وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ » (٢) والمعنى أني لست بملك حتى يكون لي القوة والقدرة على إنزال العذاب بإذن الله كما كان لجبرئيل عليه‌السلام أو يكون له العلم بذلك بإخبار من الله تعالى بلا واسطة.

ومنها قوله تعالى « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ » (٣) أي إلا كراهة أن تكونا ملكين يعني أن الملائكة بالمرتبة العليا وفي الأكل من الشجرة ارتقاء إليهما.

والجواب أن ذلك تمويه من الشيطان وتخييل أن ما يشاهد في الملك من حسن الصورة وعظم الخلق وكمال القوة يحصل بأكل الشجرة ولو سلم فغايته التفضيل على آدم قبل النبوة.

ومنها قوله تعالى « عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى » (٤) يعني جبرئيل عليه‌السلام والمعلم أفضل من المتعلم.

والجواب أن ذلك بطريق التبليغ وإنما تعليم من الله تعالى.

ومنها قوله تعالى « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ » (٥) أي لا يترفع عيسى من العبودية ولا من هو أرفع منه درجة كقولك لن يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان ولو عكست أحلت (٦) بشهادة علماء البيان والبصراء بأساليب الكلام وعليه قوله تعالى « وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى » (٧)

__________________

(١) الأنعام : ٥٠.

(٢) الأنعام : ٤٩.

(٣) الأعراف : ١٩.

(٤) النجم : ٥.

(٥) النساء : ١٧١.

(٦) حلت ( خ ).

(٧) البقرة : ١٢٠.


أي مع أنهم أقرب مودة لأهل الإسلام ولهذا خص الملائكة بالمقربين منهم لكونهم أفضل.

والجواب أن الكلام سيق لرد مقالة النصارى وغيرهم في المسيح وادعائهم فيه مع النبوة البنوة بل الألوهية والترفع عن العبودية لكونه روح الله ولد بلا أب لكونه يبرئ الأكمه والأبرص والمعنى لا يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو فوقه في هذا المعنى وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أم ولا يقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى عليه‌السلام ولا دلالة على الأفضلية بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالات ألا ترى أن فيما ذكرت من المثال لم يقصد الزيادة والرفعة في الفضل والشرف والكمال بل في ما هو مظنة الاستنكاف والرضا كالغلبة والاستكبار والاستعلاء في السلطان وقرب المودة في النصارى.

ومنها اطراد تقديم ذكر الملائكة على ذكر الأنبياء والرسل ولا تعقل له جهة سوى الأفضلية.

والجواب أنه يجوز أن يكون بجهة تقدمهم في الوجود أو في قوة الإيمان بهم والاهتمام به لأنه أخفى فالإيمان بهم أقوى وبالتحريص عليه أحرى.

وأما العقليات فمنها أن الملائكة روحانيات مجردة في ذاتها متعلقة بالهياكل العلوية مبرأة عن ظلمة المادة وعن الشهوة والغضب اللذين هما مبدءا الشرور والقبائح متصفة بالكمالات العلمية والعملية بالفعل من غير شوائب الجهل والنقص والخروج عن القوة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط قوية على الأفعال العجيبة وإحداث السحب والزلازل وأمثال ذلك مطلعة على أسرار الغيب سابقة إلى أنواع الخير ولا كذلك حال البشر.

والجواب أن مبني ذلك على قواعد الفلسفة دون الملة.

ومنها أن أعمالهم الموجبة للمثوبات أكثر لطول زمانهم وأدوم لعدم تخلل الشواغل وأقوم لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم نورانيين يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات وأسرار المغيبات.


والجواب أن هذا لا يمنع كون أعمال الأنبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا لجهات أخر كقهر المضاد والمنافي وتحمل المتاعب والمشاق ونحو ذلك على ما مر انتهى.

وأقول والعمدة في ذلك الأخبار الكثيرة الدالة على فضل الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام على الملائكة وإن كان فيها ما يوهم خلاف ذلك وهي متفرقة في أبواب مجلدات الحجة لم نوردها هاهنا حذرا من الإطناب وحجم الكتاب.

١ ـ الاحتجاج ، في ما سأل الزنديق الصادق عليه‌السلام الرسول أفضل أم الملك المرسل إليه قال عليه‌السلام بل الرسول أفضل (١).

٢ ـ مجالس ابن الشيخ ، عن أبيه عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن علي بن محمد بن الحسن النخعي عن جده سليم بن إبراهيم بن عبيد عن نصر بن مزاحم المنقري عن إبراهيم بن الزبرقان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عليه‌السلام في قوله تعالى « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » يقول فضلنا بني آدم على سائر الخلق « وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ » يقول على الرطب واليابس « وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » يقول من طيبات الثمار كلها « وَفَضَّلْناهُمْ » يقول ليس من دابة ولا طائر إلا هي تأكل وتشرب بفيها لا ترفع بيدها إلى فيها طعاما ولا شرابا غير ابن آدم فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه فهذا من التفضيل.

بيان لعله أراد بالرطب الحيوانات المتحركة النامية وباليابس الأخشاب اليابسة التي تعمل منها السفن ويحتمل كون النشر على خلاف ترتيب اللف فالرطب البحر واليابس البر.

٣ ـ مجالس ابن الشيخ ، عن أبيه عن جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن الحسن بن هارون عن يحيى بن السري الضرير عن محمد بن حازم أبي معاوية الضرير قال : دخلت على هارون الرشيد قيل لي وكانت بين يديه المائدة فسألني عن تفسير هذه الآية « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ

__________________

(١) الاحتجاج : ١٩١.


الآية فقلت يا أمير المؤمنين قد تأولها جدك عبد الله بن عباس أخبرني الحجاج بن إبراهيم الخوزي عن ميمون بن مهران ـ عن ابن عباس في هذه الآية « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » قال كل دابة تأكل بفيها إلا ابن آدم فإنه يأكل بالأصابع قال أبو معاوية فبلغني أنه رمى بملعقة كانت بيده من فضة وتناول من الطعام بإصبعه.

٤ ـ ومنه ، عن أبيه عن جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله تعالى عز وجل « وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ » إلى قوله « تَفْضِيلاً » قال ليس من دابة إلا وهي تأكل بفيها إلا ابن آدم فإنه يأكل بيده.

٥ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فقلت الملائكة أفضل أم بنو آدم فقال قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إن الله عز وجل ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة وركب في البهائم شهوة بلا عقل وركب في بني آدم كلتيهما فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلب (١) شهوته عقله فهو شر من البهائم (٢).

٦ ـ صحيفة الرضا ، بالإسناد عنه عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل المؤمن عند الله كمثل ملك مقرب وإن المؤمن عند الله عز وجل أعظم من الملك وليس شيء أحب إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة (٣).

٧ ـ ومنه ، بهذا الإسناد قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن المؤمن ليعرف في السماء

__________________

(١) في المصدر : غلبت.

(٢) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٥.

(٣) صحيفة الرضا : ٦.


كما يعرف الرجل أهله وولده وإنه أكرم عند الله (١) عز وجل من ملك مقرب (٢).

٨ ـ العياشي ، عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى « وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » قال خلق كل شيء منكبا غير الإنسان فإنه خلق منتصبا.

٩ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن غالب بن عثمان عن بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال الله عز وجل يا ابن آدم اذكرني في ملإ أذكرك في ملإ خير من ملئك (٣).

١٠ ـ ومنه ، بالإسناد المتقدم عن ابن فضال رفعه قال : قال الله عز وجل لعيسى عليه‌السلام يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين (٤).

بيان ربما يستدل بالخبرين على كون الملائكة أفضل من بني آدم ويمكن أن يجاب بأن خيرية ملإ الملائكة باعتبار كون الجميع معصومين بخلاف ملإ البشر لا ينافي كون بعض البشر أفضل من الملائكة على أنه يمكن أن يكون المراد بالملإ الثاني ما يشتمل على أرواح النبيين عليهم‌السلام لكن وقع التصريح في بعض الأخبار بملإ من الملائكة.

١١ ـ كتاب تفضيل أمير المؤمنين ، الكراجكي عن علي بن الحسن بن مندة عن الحسن بن يعقوب البزاز عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال : لما حمل المأمون أبا هدية مولى أنس إلى خراسان بلغني ذلك فخرجت في لقائه فصادفني في بعض المنازل فرأيت رجلا طويلا خفيف العارضين منحنيا من الكبر وقد اجتمع عليه الناس فقلت له حدثني رحمك الله فإني أتيتك من بلد بعيد أسمع منك فلم يحدثني من الزحمة التي كانت عليه ثم رحل فتبعته إلى المرحلة الأخرى فلما نزل أتيته فقلت له حدثني

__________________

(١) في المصدر : على الله.

(٢) الصحيفة : ٨.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٨.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٠٢.


رحمك الله تعالى قال أنت صاحبي بالأمس قلت نعم قال إذا والله لا أحدثك إلا قائما لما بدا مني إليك لأني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول من كان عنده علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ثم قام قائما وقال كنت رأيت مولاي أنس بن مالك وهو معصب بعصابة بيضاء فقلت وما هذه العصابة قال هذه دعوة علي بن أبي طالب فقلت وكيف فقال أهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طائر ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أم سلمة رضي الله عنها وأنا حينئذ أحجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأصلحته أم سلمة رضي الله عنها وأتت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت أم سلمة الزم الباب لينال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منه فلزمت الباب وقدمته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما وضعته بين يديه رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يديه وقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فسمعت دعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحببت أن يكون رجلا من قومي فأتى علي بن أبي طالب فقلت إن رسول الله عنك مشغول فانصرف ثم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثانية وقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فأتى علي بن أبي طالب فقلت إن رسول الله عنك مشغول فانصرف ثم رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه ودعا ثالثة وقال يا رب ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فأتى علي فقلت رسول الله عنك مشغول فقال وما يشغل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عني ودفعني فدخل فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ما بين عينيه وقال يا أخي من الذي حبسك عني وقد دعوت الله ثلاثا أن يأتيني بأحب خلقه إليه يأكل معي من هذا الطائر فقال يا رسول الله قد جئت ثلاثا كل ذلك يردني أنس فقال لم رددت عليا فقلت يا رسول الله إني سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجلا من الأنصار فأفتخر به إلى الأبد فقال علي عليه‌السلام اللهم ارم أنسا بوضح لا يستره من الناس فظهر علي هذا الذي ترى وهي دعوة علي.

بيان في سائر الأخبار أن دعوة أمير المؤمنين عليه‌السلام عليه حين استشهده فأبى أن يشهد وهذا من الأخبار المتواترة ومما احتج به يوم الشورى فصدقوه ويدل على أنه عليه‌السلام أفضل جميع خلق الله وخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإجماع والنصوص المتواترة


فيدل على فضله على الملائكة وكل من قال بفضله قال بفضل سائر الأئمة وجميع الأنبياء عليهم‌السلام فثبت فضل الجميع.

١٢ ـ ومن الكتاب المذكور ، عن محمد بن أحمد بن شاذان عن طلحة بن أحمد عن عبد الحميد القناد عن هشام بن بشير عن ابن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي أفضل من خلق الله غيري والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما وإن فاطمة سيدة نساء العالمين ولو أن لفاطمة خيرا من علي لم أزوجها منه.

١٣ ـ ومنه ، عن ابن شاذان عن محمد بن عبد الله عن جعفر بن علي الدقاق عن عبد الله بن محمد الكاتب عن سليمان بن الربيع عن نصر بن مزاحم عن علي بن عبد الله عن الأشعث عن مرة عن أبي ذر قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال خير الأولين والآخرين من أهل السماوات والأرضين هذا سيد الصديقين وسيد الوصيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين إذا كان يوم القيامة جاء على ناقة من نوق الجنة قد أضاءت القيامة من نورها على رأسه تاج مرصع بالزبرجد والياقوت فتقول الملائكة هذا ملك مقرب ويقول النبيون هذا نبي مرسل فينادي مناد من تحت بطنان العرش هذا الصديق الأكبر هذا وصي حبيب الله رب العالمين هذا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فيجيء علي حتى يقف على متن جهنم فيخرج منها من يحب ويأتي أبواب الجنة فيدخل فيها أولياءه بغير حساب.

١٤ ـ ومنه ، عن ابن شاذان عن الحسن (١) بن أحمد عن أبي بكر بن محمد عن عيسى بن مهران عن عيسى بن عبد الحميد عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية عن حميد المغربي قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا سيد الأولين والآخرين وأنت يا علي سيد الخلائق بعدي أولنا كآخرنا.

أقول : الاستدلال بهذه الأخبار بتقريب ما مر.

__________________

(١) الحسين ( خ ).


١٥ ـ ومن الكتاب المذكور ، عن ابن شاذان عن جعفر بن محمد بن مسروق اللحام عن حسين بن محمد عن أحمد بن علوية عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عبد الله بن صالح عن حريز بن عبد الحميد عن مجاهد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لما أسري بي إلى السماء ما مررت بملإ من الملائكة إلا سألتني عن علي بن أبي طالب حتى ظننت أن اسم علي بن أبي طالب في السماوات أشهر من اسمي فلما بلغت السماء الرابعة ونظرت إلى ملك الموت قال لي يا محمد ما خلق الله خلقا إلا وأنا أقبض روحه إلا أنت وعلي فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته وجزت تحت العرش إذ أنا (١) بعلي بن أبي طالب واقفا تحت العرش فقلت يا علي سبقتني فقال جبرئيل من هذا الذي تكلمه يا محمد فقلت هذا علي بن أبي طالب فقال يا محمد ليس هذا علي بن أبي طالب ولكنه ملك من الملائكة خلقه الله تعالى على صورة علي بن أبي طالب عليه‌السلام فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا إلى وجه علي بن أبي طالب عليه‌السلام زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه.

أقول : دلالته أولا وآخرا على فضله لا يخفى على المتأمل ودلت عليه الأخبار المستفيضة الدالة على مباهاة الله به عليه‌السلام ليلة المبيت ويوم أحد وقول جبرئيل عليه‌السلام أنا منكما.

١٦ ـ العيون : والعلل : وكمال الدين ، عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي عن فرات بن إبراهيم عن ابن عقدة عن العباس بن عبد الله البخاري عن محمد بن القاسم بن إبراهيم عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام ن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما خلق الله عز وجل خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني قال علي عليه‌السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة عليهم‌السلام من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا علي « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ

__________________

(١) اذا انا ( خ ).


يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » بولايتنا يا علي لو لا نحن ما خلق آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه وساق الحديث إلى قوله فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون لكوننا في صلبه وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال لي تقدم يا محمد فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك فقال نعم لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على الملائكة (١) أجمعين وفضلك خاصة إلى آخر الخبر بطوله (٢).

١٧ ـ العلل ، بإسناده إلى عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان جبرئيل عليه‌السلام إذا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قعد بين يديه قعدة (٣) العبيد وكان لا يدخل حتى يستأذنه (٤).

١٨ ـ الاحتجاج : وتفسير الإمام : قال : سأل المنافقون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله أخبرنا عن علي هو أفضل أم ملائكة الله المقربون فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي وقبولها لولايتهما إنه لا أحد من محبي علي نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة الخبر (٥).

١٩ ـ كمال الدين ، بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا سيد من خلق الله وأنا خير من جبرئيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع الملائكة المقربين وأنبياء الله المرسلين الحديث.

__________________

(١) في العلل : ملائكته.

(٢) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٦ ، العيون : ج ١ ، ص ٢٦٢.

(٣) في المصدر : العبد.

(٤) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٧.

(٥) الاحتجاج : ٣١.


وأقول الأخبار في ذلك كثيرة قد أوردناها في أبواب فضائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام فيرجع إليها.

تذييل

قال السيد الأجل المرتضى في كتاب الغرر بعد أن سئل عن تفسير قوله تعالى « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » قد ذكر في هذه الآية وجوه من التأويل نحن نذكرها ونرجح الأرجح منها :

فأولها أن يكون معنى القول المبالغة في وصف الإنسان بكثرة العجلة وأنه شديد الاستعجال لما يؤثره من الأمور لهج باستدناء ما يجلب إليه نفعا أو يدفع عنه ضررا ولهم عادة في استعمال مثل هذا اللفظ عند المبالغة كقولهم لمن يصفونه بكثرة النوم ما خلقت إلا من نوم وما خلق فلان إلا من شر إذا أرادوا كثرة وقوع الشر منه وربما قالوا إنما أنت أكل وشرب وما أشبه ذلك قالت الخنساء تصف بقرة :

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت

وإنما هي إقبال وإدبار.

وإنما أرادت ما ذكرناه من كثرة وقوع الإقبال والإدبار منها ويشهد لهذا التأويل قوله عز وجل في موضع آخر « وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً » ويطابقه أيضا قوله تعالى « فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » لأن وصفهم بكثرة العجلة وأن من شأنهم فعلها توبيخا لهم وتقريعا ثم نهاهم عن الاستعجال باستدعاء الآيات من حيث كانوا متمكنين من مفارقة طريقتهم في الاستعجال وقادرين على التثبت والتأيد.

وثانيها ما أجاب به أبو عبيدة وقطرب بن المستنير وغيرهما من أن في الكلام قلبا والمعنى خلق العجل من الإنسان واستشهدوا على ذلك بقوله سبحانه « وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ » أي قد بلغت الكبر وبقوله تعالى « ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ » والمعنى أن العصبة تنوء بها وتقول العرب عرضت الناقة على الحوض وإنما هو عرضت الحوض على الناقة ثم ذكر ره شواهد وأبياتا كثيرة في ذلك ثم قال ويبقى على صاحب هذا الجواب مع التغاضي له عن حمل كلامه تعالى على القلب أن


يقال وما المعنى والفائدة في قوله عز وجل خلق العجل من الإنسان أتريدون بذلك أن الله تعالى خلق العجلة في الإنسان وهذا لا يجوز لأن العجلة فعل من أفعال الإنسان فكيف تكون مخلوقة فيه لغيره ولو كان كذلك لما جاز أن ينهاهم عن الاستعجال في الآية فيقول « سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » لأنه لا ينهاهم عما خلقه فيهم فإن قالوا لم يرد أنه تعالى خلقها لكنه أراد كثرة فعل الإنسان لها وأنه لا يزال يستعملها قيل لهم هذا هو الجواب الذي قدمناه من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير وإذا كان هذا المعنى يتم وينتظم على ما ذكرناه من غير قلب فلا حاجة بنا إليه وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الجواب في تفسيره واختاره وقواه وسأل نفسه عنه وقال كيف جاز أن يقول « فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » وهو خلق العجلة فيهم وأجاب بأنه قد أعطاهم قدرة على مغالبة طبائعهم وكفها وقد يكون الإنسان مطبوعا عليها وهو مع ذلك مأمور بالتثبت قادر على أن يجانب العجلة وذلك كخلقه في البشر شهوة النكاح وأمرهم في كثير من الأوقات بالامتناع منه وهذا الذي ذكره البلخي تصريح بأن المراد بالعجل غيره وهو الطبع الداعي إليه والشهوة المتناولة له ويجب أيضا أن يكون المراد بمن هاهنا في لأن شهوة العجل لا تكون مخلوقة من الإنسان وإنما تكون فيه وهذا تجوز على تجوز وتوسع على توسع لأن القلب أولا مجاز ثم هو من بعيد المجاز وذكر العجل والمراد به غيره مجاز آخر وإقامة من مقام في كذلك على أنه تعالى إذا نهاهم عن العجلة بقوله عز وجل « فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » أي معنى لتقديم قوله إني خلقت شهوة العجلة فيهم والطبع الداعي إليها على ما عبر به البلخي وهذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجة عليهم وأيسر الأحوال أن لا يكون عذرا ولا احتجاجا فلا يكون لتقديمه معنى وفي الجواب الأول حسن تقديم ذلك على طريق الذم والتوبيخ والتقريع من غير إضافة له إليه عز وجل فالجواب الأول أوضح وأصح.

وثالثها جواب روي عن الحسن قال يعني بقوله « مِنْ عَجَلٍ » أي من ضعف وهي النطفة المنتنة المهينة الضعيفة وهذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل


يكون عبارة عن الضعف أو عن معناه.

ورابعها ما حكي أن أبا الحسن الأخفش أجاب به وهو أن يكون المراد أن الإنسان خلق من تعجيل الأمر لأنه تعالى قال « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (١) فإن قيل كيف يطابق هذا الجواب قوله من بعد « فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » قلنا يمكن أن يكون وجه المطابقة أنه لما استعجلوا بالآيات واستبطئوها أعلمهم تعالى أنه ممن لا يعجزه شيء إذا أراده ولا يمتنع عليه وأن من خلق الإنسان بلا كلفة ولا مئونة بأن قال له كن فكان مع ما فيه من بدائع الصنعة وعجائب الحكمة التي يعجز عنها كل قادر ويحار فيها كل ناظر لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات.

وخامسها ما أجاب به بعضهم من أن العجل الطين فكأنه تعالى قال خلق الإنسان من طين كما قال في موضع آخر « بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ » (٢) واستشهد بقول الشاعر.

والنبع يخرج بين الصخر ضاحية

والنخل ينبت بين الماء والعجل.

ووجدنا قوما يطعنون في هذا الجواب ويقولون ليس بمعروف أن العجل هو الطين وقد حكى صاحب كتاب العين عن بعضهم أن العجل الحمأة ولم يستشهد عليه إلا أن البيت الذي أنشدناه يمكن أن يكون شاهدا له وقد رواه تغلب عن ابن الأعرابي وخالف في شيء من ألفاظه وإذا صح هذا الجواب فوجه المطابقة بين ذلك وبين قوله تعالى « فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » على نحو ما ذكرناه وهو أن من خلق الإنسان مع الحكمة الظاهرة فيه من الطين لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات أو يكون المعنى أنه لا يجب بمن خلق من الطين المهين وكان أصله هذا الأصل الحقير الضعيف أن يهزأ برسل الله تعالى وآياته وشرائعه لأنه تعالى قال قبل هذه الآية « وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ » (٣).

__________________

(١) النحل : ٤٠.

(٢) ألم السجدة : ٧.

(٣) الأنبياء : ٣٦.


وسادسها أن يكون المراد بالإنسان آدم عليه‌السلام ومعنى « مِنْ عَجَلٍ » أي في سرعة من خلقه لأنه تعالى لم يخلقه « مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ » كما خلق غيره وإنما ابتدأه الله ابتداء وأنشأه إنشاء فكأنه تعالى نبه بذلك على الآية العجيبة في خلقه له وأنه عز وجل يري عباده من آياته وبيناته أولا ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه أحوالهم.

وسابعها ما روي عن مجاهد وغيره أن الله تعالى خلق آدم بعد خلق كل شيء آخر نهار يوم الجمعة على سرعة معاجلا به غروب الشمس وروي أن آدم عليه‌السلام لما نفخت فيه الروح وبلغت أعالي جسده ولم تبلغ أسافله قال رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.

وثامنها ما روي عن ابن عباس والسدي أن آدم عليه‌السلام لما خلق وجعلت الروح في أكثر جسده وثب عجلان مبادرا إلى ثمار الجنة. وقال قوم بل هم بالوثوب فهذا معنى قوله « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » وهذه الأجوبة الثلاثة المتأخرة مبنية على أن المراد بالإنسان فيها آدم عليه‌السلام دون غيره.

٤٠

(باب آخر)

نورد ما ذكره محمد بن بحر الشيباني المعروف بالدهني (١) في كتابه من قول مفضلي الأنبياء والرسل والأئمة والحجج على الملائكة صلوات الله عليهم أجمعين على ما

__________________

(١) كذا في جميع نسخ البحار ، والمشهور ضبطه بالراء المهملة المضمومة نسبة الى « رهنه » قرية بكرمان ، وحكى ابن داود عن نسخة « الدهنى » بالدال قال النجاشي ، محمد ابن بحر الرهنى : أبو الحسن الشيباني ساكن نرماشير من ارض كرمان. قال أصحابنا انه كان في مذهبه ارتفاع ، وحديثه قريب من السلامة ، ولا ادرى من اين قيل وقال في محكى الفهرست ، محمد بن بحر الرهنى من أهل سجستان وكان من المتكلمين وكان عالما بالاخبار فقيها الا انه متهم بالغلو وله نحو من خمسمائة مصنف ورسالة ـ انتهى ـ والظاهر ان منشأ اتهامه بالغلو مبالغته في تفضيل الأئمة وعلو رتبتهم عليهم‌السلام ولم يثبت منه قول بحلول او اتحاد أو تفويض ونحوها فلا يبعد كونه حسنا.


أورده الصدوق ره في كتاب علل الشرائع ناقلا عنه حيث قال :

قال مفضلو الأنبياء والرسل والحجج على الملائكة أنا نظرنا إلى جميع ما خلق الله عز وجل من شيء علا علوا طبعا واختيارا أو علي به قسرا واضطرارا وما سفل شيء طبعا واختيارا أو ما سفل به قصرا واضطرارا فإذا هي ثلاثة أشياء بإجماع حيوان نام وجماد وأفلاك سائرة وبالطبع الذي طبعها عليه صانعها دائرة وفي ما دونها عن إرادة خالقها مؤثرة وأنهم نظروا في الأنواع الثلاثة وفي الأشياء التي هي أجناس منقسمة إلى جنس الأجناس الذي هو شيء إذ يعطي كل شيء اسمه.

قالوا ونظرنا أي الثلاثة هو نوع لما فوقه وجنس لما تحته أنفع وأرفع وأيها أدون وأوضع فوجدنا أرفع الثلاثة الحيوان وذلك بحق الحياة التي بان بها النامي والجماد وإنما رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع وترتيبها إن الله تقدست أسماؤه جعل النامي له أغذاء وجعل له عند كل داء دواء وفي ما قدر له صحة وشفاء فسبحانه ما أحسن ما دبره في ترتيب حكمته إذ الحيوان الرفيع مما دونه يغذو ومنه لوقاية الحر والبرد يكسو وعليه أيام حياته ينشو وجعل الجماد له مركزا ومكديا فامتهنه له امتهانا وجعل له مسرحا وأكنانا ومجامع وبلدانا ومصانع وأوطانا وجعل له حزنا محتاجا وسهلا محتاجا إليه وعلوا ينتفع بعلوه وسفلا ينتفع به وبمكاسبه برا وبحرا فالحيوان مستمتع فيستمتع بما جعل له فيه من وجوه المنفعة والزيادة والزبول عند الزبول (١) وتتخذ المركز عند التجسيم والتأليف من الجسم المؤلف « تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ».

قالوا ثم إنا نظرنا فإذا الله عز وجل قد جعل المتخذ بالروح والنمو والجسم أعلى وأرفع مما يتخذ بالنمو والجسم والتأليف والتصريف ثم جعل الحي الذي هو بالحياة التي هي غيره نوعين ناطقا وأعجم ثم أبان الناطق من الأعجم بالنطق والبيان اللذين جعلهما له فجعله أعلى منه بفضيلة النطق والبيان ثم جعل

__________________

(١) في بعض النسخ « الذبول » فى الموضعين ، وفي نسخة « الذلول » فى الموضع الثاني.


الناطق نوعين حجة ومحجوجا فجعل الحجة أعلى من المحجوج لإبانة الله الحجة واختصاصه إياه بعلم علوي يخصه له دون المحجوجين فجعله معلما من جهة باختصاصه إياه وعلما بأمره إياه أن يعلم بأن الله عز وجل معلم الحجة دون أن يكله إلى أحد من خلقه فهو متعال به وبعضهم يتعالى على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من جهة الحجة.

قالوا ثم رأينا أصل الشيء الذي هو آدم فوجدناه قد جعله علما على كل روحاني خلقه قبله وجسماني ذرأه وبرأه منه فعلمه علما خصه به لم يعلمهم قبل ولا بعد وفهمه فهما لم يفهمهم قبل ولا بعد ثم جعل ذلك العلم الذي علمه ميراثا فيه لإقامة الحجج من نسله على نسله ثم جعل آدم لرفعة قدره وعلو أمره للملائكة الروحانيين قبله وأقامه لهم محنة فابتلاهم بالسجود إليه فجعل لا محالة من أسجد له أعلى وأفضل ممن أسجدهم ولأن من جعل بلوى وحجة أفضل ممن حجهم به ولأن إسجاده جل وعز إياهم للخضوع ألزمهم الاتضاع منهم له والمأمورين بالاتضاع بالخضوع والخشوع والاستكانة دون من أمرهم بالخضوع له ألا ترى إلى من أبى الائتمار لذلك الخضوع ولتلك الاستكانة فأبى واستكبر ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع كيف لعن وطرد عن الولاية وأدخل في العداوة فلا يرجى له من كبوته الإقالة آخر الأبد فرأينا السبب الذي أوجب الله عز وجل لآدم عليهم فضلا فإذا هو العلم خصه الله عز وجل دونهم فعلمه الأسماء وبين له الأشياء فعلا بعلمه من لا يعلم ثم أمره جل وعز أن يسألهم سؤال تنبيه لا سؤال تكليف عما علمه بتعليم الله عز وجل إياه مما لم يكن علمهم ليريهم جل وعز علو منزلة العلم ورفعة قدره كيف خص العلم محلا وموضعا اختاره له وأبان ذلك المحل عنهم بالرفعة والفضل.

ثم علمنا أن سؤال آدم إياهم عما سألهم عنه مما ليس في وسعهم وطوقهم الجواب عنه سؤال تنبيه لا سؤال تكليف لأنه جل وعز لا يكلف ما ليس في وسع المكلف القيام به فلما لم يطيقوا الجواب عما سألوا علمنا أن السؤال كان كالتقرير منه لهم يقرن (١)

__________________

(١) في العلل : يقرر.


به اتضاعهم بالجهالة عما علمه إياه وعلو خطره وقدره واختصاصه (١) إياه بعلم لم يخصهم به فالتزموا الجواب بأن قالوا « سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا » (٢) ثم جعل الله عز وجل آدم عليه‌السلام معلم الملائكة بقوله « أَنْبِئْهُمْ » لأن الإنباء من النبأ تعليم والأمر بالإنباء من الأمر تكليف يقتضي طاعة وعصيانا والإصغاء من الملائكة للتعليم والتوقيف والتفهيم والتعريف تكليف يقتضي طاعة وعصيانا فمن ذهب منكم إلى فضل المتعلم على المعلم والموقف على الموقف والمعرف على المعرف كان في تفضيله تعكيس لحكمة الله عز وجل وقلب لترتيبها التي رتبها الله عز وجل فإنه على قياد مذهبه أن تكون الأرض التي هي المركز أعلى من النامي الذي هو عليها الذي فضله الله عز وجل بالنمو والنامي أفضل وأعلى من الحيوان الذي فضله الله جل جلاله بالحياة والنمو والروح والحيوان الأعجم الخارج عن التكليف والأمر والزجر أعلى وأفضل من الحيوان الناطق المكلف للأمر والزجر والحيوان الذي هو المحجوج أعلى من الحجة التي هي حجة الله عز وجل فيها والمتعلم أعلى من المعلم وقد جعل الله عز وجل آدم حجة على كل من خلق من روحاني وجسماني إلا من جعل له أولية الحجة فقد روي لنا أن حبيب بن مظاهر الأسدي بيض الله وجهه أنه قال للحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أي شيء كنتم قبل أن يخلق الله عز وجل آدم عليه‌السلام قال كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمن فنعلم للملائكة التسبيح والتهليل والتحميد. ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه وقد بيناه في غيره.

قال مفضلو الملائكة إن مدار الخلق روحانيا كان أو جسمانيا على الدنو من الله عز وجل والرفعة والعلو والزلفة والسمو وقد وصف الله جلت عظمته الملائكة من ذلك بما لم يصف به غيرهم ثم وصفهم بالطاعة التي عليها موضع الأمر والزجر والثواب والعقاب فقال عز وجل « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » (٣)

__________________

(١) باختصاصه ( خ ).

(٢) البقرة : ٣٢.

(٣) التحريم : ٦.


ثم جعل محلهم الملكوت الأعلى فبراهينهم على توحيده أكثر وأدلتهم عليه أشهر وأوفر وإذا كان ذلك كذلك كان حظهم من الزلفة أجل ومن المعرفة بالصانع أفضل.

قالوا ثم رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار كلها من الجنس الذي فضلتموه على من قال الله عز وجل في نعتهم لما نعتهم ووصفهم بالطاعة لما وصفهم « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » قالوا كيف يجوز فضل جنس فيهم كل عيب ولهم كل ذنب على من لا عيب فيهم ولا ذنب منهم لا صغائر ولا كبائر.

والجواب أن مفضلي الأنبياء والحجج عليهم‌السلام قالوا إنا لا نفضل هاهنا الجنس على الجنس ولكنا فضلنا النوع على النوع من الجنس كما أن الملائكة كلهم ليسوا كإبليس وهاروت وماروت لم يكن البشر كلهم كفرعون الفراعنة وكشياطين الإنس المرتكبين المحارم المقدمين على المأثم وأما قولكم في الزلفة والقربة فإنكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فالله عز وجل أجل ومما توهمتموه أنزه وفي الأنبياء والحجج من هو أقرب إلى قربه بالصالحات والقربات (١) الحسنات وبالنيات الطاهرات من كل خلق خلقهم والقرب والبعد من الله جلت عظمته بالمسافة والمدى تشبيه له بخلقه وهو من ذلك نزيه.

وأما قولهم في الذنوب والعيوب فإن الله جلت أسماؤه جعل الأمر والزجر أسبابا وعللا والذنوب والمعاصي وجوها فالله جل جلاله هو الذي جعل قاعدة الذنوب من جميع المذنبين من الأولين والآخرين إبليس وهو من حزب الملائكة وممن كان في صفوفهم وهو رأس الأبالسة وهو الداعي إلى عصيان الصانع والموسوس والمزين لكل من تبعه وقبل منه وركن إليه الطغيان وقد أمهل الملعون لبلوى أهل البلوى في دار الابتلاء فكم من برية نبيه وفي طاعة الله عز وجل وجيه وعن معصيته بعيد وقد أقمأ إبليس وأقصاه وزجره ونفاه فلم يلوله على أمر إذا أمره ولا انتهى عن زجر إذا زجر له لمات في قلوب الخلق مكافئ من المعاصي لمات الرحمن فلمات الرحمن

__________________

(١) العزمات ( خ ).


دافعة للماته ووسوسته وخطراته ولو كانت المحنة بالملعون واقعة بالملائكة والابتلاء به قائما كما قام في البشر ودائما كما دام لكثرت من الملائكة المعاصي وقلت فيهم الطاعات إذا تمت فيهم الآلات فقد رأينا المبتلي من صفوف (١) الملائكة بالأمر والزجر مع آلات الشهوات كيف انخدع بحيث دنا من طاعته وكيف بعد مما لم يبعد منه الأنبياء والحجج الذين اختارهم الله على علم على العالمين إذ ليست هفوات البشر كهفوة إبليس في الاستكبار وفعل هاروت وماروت في ارتكاب المزجور.

قال مفضلو الملائكة إن الله جل جلاله وضع الخضوع والخشوع والتضرع والخنوع حلية فجعل مداها وغايتها آدم عليه‌السلام ففازت الملائكة في هذه الحلية وأخذوا منها بنصيب الفضل والسبق فجعل للطاعة فأطاعوا الله فيه ولو كان هناك بنو آدم لما أطاعوه فيما أمر وزجر كما لم يطعه قابيل فصار إمام كل قاتل.

جواب مفضلي الأنبياء والحجج عليهم‌السلام قالوا إن الابتلاء الذي ابتلى به الله عز وجل الملائكة من الخشوع والخضوع لآدم عن غير شيطان مغو وعدو مطغي فاصل بغوايته بين الطائعين والعاصين والمقيمين على الاستقامة عن الميل وعن غير آلات المعاصي التي هي الشهوات المركبات في عباده المبتلين وقد ابتلي من الملائكة من ابتلي فلم يعتصم بعصمة الله الوثقى بل استرسل للخادع الذي كان أضعف منها وقد روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إن في الملائكة من باقة بقل خير منه والأنبياء والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه. وقد أقر مفضلو الملائكة بالتفاضل بينهم كما أقر بالتفاضل بين ذوي الفضل من البشر ومن قال إن الملائكة جنس من خلق الله عز وجل تقل فيهم العصاة كهاروت وماروت وكإبليس اللعين إذ الابتلاء فيهم قل (٢) فليس ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل الله عز وجل الملائكة خدمهم إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها حزن ولا هم ولا نصب ولا سقم ولا فقر.

__________________

(١) في المصدر : صنوف.

(٢) في المصدر : قليل.


قال مفضلو الملائكة إن الحسن البصري يقول إن هاروت وماروت علجان من أهل بابل وأنكر أن يكونا من الملائكة فلم تعترضونا بالحجة بهما وبإبليس فتحتجون علينا بجني فيه.

قال مفضلو الأنبياء والحجج عليهم‌السلام ليس شذوذ الحسن عن جميع المفسرين من الأمة بموجب أن يكون ما يقول كما يقول وأنتم تعلمون أن الشيء لا يستثنى إلا من جنسه وتعلمون أن الجن سموا جنا لاجتنانهم عن الرؤية إلا إذا أرادوا الترائي بما جعل الله عز وجل فيهم من القدرة على ذلك وأن إبليس من صفوف (١) الملائكة وغير جائز في كلام العرب أن يقول قائل جاءت الإبل كلها إلا حمارا ووردت البقر كلها إلا فرسا فإبليس من جنس ما استثني وقول الحسن في هاروت وماروت بأنهما علجان من أهل بابل شذوذ شذ به عن جميع أهل التفسير وقول الله عز وجل يكذبه إذ قال « وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » بفتح اللام « بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ » وليس في قولكم عن قول الحسن فرج لكم فادعوا (٢) ما لا فائدة فيه من علة ولا عائدة من حجة.

قال مفضلو الملائكة قد علمتم ما للملائكة في كتاب الله عز وجل من المدح والثناء مما بانوا به عن خلق الله جل وعلا إذ لو لم يكن فيه إلا قوله « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » (٣).

قال مفضلو الأنبياء والحجج عليهم‌السلام لو استقصينا آي القرآن في تفضيل الأنبياء والحجج صلوات الله عليهم أجمعين لاحتجنا لذلك إلى التطويل والإكثار وترك الإيجاز والاختصار وفي ما جئنا به من الحجج النظرية التي تزيح العلل من الجميع مقنع إذ ذكرنا ترتيب الله عز وجل خلقه فجعل الأرض دون النامي والنامي أعلى وأفضل من الأرض وجعل النامي دون الحيوان والحيوان أعلى وأرفع من النامي

__________________

(١) في المصدر : صنوف.

(٢) فدعوا ( خ ).

(٣) الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧. وفي المصدر بعد ذكر الآية « لكفى ».


وجعل الحيوان الأعجم دون الناطق وجعل الحيوان الناطق أفضل من الحيوان الأعجم وجعل الحيوان الجاهل الناطق دون الحيوان العالم الناطق وجعل الحيوان العالم الناطق المحجوج دون الحيوان العالم الحجة ويجب على هذا الترتيب أن المعرب المبين أفضل من الأعجم غير الفصيح ويكون المأمور المزجور مع تمام الشهوات وما فيهم من طباع حب اللذات ومنع النفس من الطلبات والبغيات ومع البلوى بعدو يمهل يمتحن بمعصيته إياه وهو يزينها له محسنا بوسوسته في قلبه وعينه أفضل من المأمور المزجور مع فقد آلة الشهوات وعدم معاداة هذا المتوصل له بتزيين المعاصي والوسوسة إليه ثم هذا الجنس نوعان حجة ومحجوج والحجة أفضل من المحجوج ولم يحجج آدم الذي هو أصل البشر بواحد من الملائكة تفضيلا من الله عز وجل إياه عليهم وحجج جماهير الملائكة بآدم فجعله العالم بما لم يعلموا وخصه بالتعليم ليبين لهم أن المخصوص بما خصه به مما لم يخصهم أفضل من غير المخصوص بما لم يخصه به وهذا الترتيب حكمة الله عز وجل فمن ذهب يروم إفسادها ظهر منه عناد من مذهبه وإلحاد في طلبه فانتهى الفضل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه ورث آدم وجميع الأنبياء ولأنه الاصطفاء الذي ذكره الله عز وجل فقال « إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ » (١) فمحمد الصفوة والخالص نجيب النجابة (٢) من آل إبراهيم فصار خير آل إبراهيم بقوله « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » واصطفى الله جل جلاله آدم ممن اصطفاه عليهم من روحاني وجسماني « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » وصلى الله على محمد وآله و « حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ».

قال الصدوق إنما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب وليس قولي في إبليس إنه كان من الملائكة بل كان من الجن إلا أنه كان يعبد الله بين الملائكة وهاروت وماروت ملكان وليس قولي فيهما قول أهل الحشو بل كانا عندي معصومين

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) في المصدر : النجباء.


ومعنى هذه الآية « وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ » الآية (١) إنما هو واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وقد أخرجت في ذلك خبرا مسندا في كتاب عيون الأخبار عن الرضا عليه‌السلام (٢).

توضيح قوله وجماد لعل مراده بالجماد غير الحيوان ليشمل النبات وكأنه كان هكذا حيوان ونام وجماد فقوله وأفلاك عطف على ثلاثة أو على جماد وهما قسم واحد لأن الأفلاك أيضا على مذهب أهل الحق من الجماد قوله إلى جنس الأجناس الظرف متعلق بنظروا ويحتمل تعلقه بمنقسمه على شبه القلب أي هي أقسامه كأنه جعل جنس الأجناس مفهوم الشيئية ولا يقول بإطلاق الشيء على الواجب تعالى شأنه وفيه نظر من وجوه ويحتمل أن تكون كلمة إذ زائدة فتأمل.

قوله هو نوع صفة للثلاثة أي كل منها بأن بها النامي أي من النامي جعل النامي له أي للحيوان وجعل له أي جعله له وكأنه كان كذلك قوله ومكديا كذا في النسخ وكأنه من الكدية قال في النهاية الكدية قطعة غليظة صلبة لا يعمل فيها الفاس وأكدى الحافر إذا بلغها وفيه إن فاطمة خرجت في تعزية بعض جيرانها فلما انصرفت قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلك بلغت معهم الكدى. أراد المقابر وذلك لأنها كانت مقابرهم في مواضع صلبة وهي جمع كدية انتهى ويشبه أن يكون فيه تصحيف والمهنة بالكسر والفتح والتحريك وككلمة الحذق بالخدمة وامتهنه استعمله للمهنة ذكره الفيروزآبادي وقال المصنعة كالحوض يجمع فيه ماء المطر كالمصنع والمصانع الجمع والقرى والمباني من القصور والحصون انتهى.

دون من أمرهم أي أدون منهم والمدى الغاية ويطلق على المسافة أيضا وفي المصباح نبه بالضم نباهة شرف وهو نبيه وأقمأه صغره وأذله و

__________________

(١) البقرة : ١٠٢.

(٢) علل الشرائع : ج ١ ، ص ١٩ ـ ٢٦. والحديث الذي أشار إليه في العيون : ج ١ ص ٢٦٧.


في النهاية فيه فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد أي لا يلتفت ولا يعطف عليه وقال فيه لابن آدم لمتان لمة من الملك ولمة من الشيطان اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب أراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب منه فما كان من خطرات الخير فهو من الملك وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان.

قوله من طاعته أي طاعة الشيطان والهفوة الزلة وفي النهاية الخانع الذليل الخاضع قوله حلية في أكثر النسخ بالياء المثناة والأظهر أنه بالباء الموحدة في القاموس الحلبة بالفتح الدفعة من الخيل في الرهان وخيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من إصطبل واحد انتهى.

فجعل مداها وغايتها أي غاية الحلبة في السباق وعلى النسخة الأولى كان المعنى أنه كان قبلة للخنوع والخضوع فجعل على بناء المجهول والضمير للسبق أو آدم وفي الصحاح استرسل إليه انبسط واستأنس وقال الباقة من البقل الحزمة منه وفي المصباح العلج الرجل الضخم من كفار العجم وبعض العرب قد يطلق العلج على الكافر مطلقا قوله لاجتنانهم أي استتارهم وفي الصحاح زاح الشيء يزيح زيحا بعد وذهب.

٤١

(باب)

(بدء خلق الإنسان في الرحم إلى آخر أحواله)

الآيات :

آل عمران « هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (١)

النساء « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً » (٢)

__________________

(١) آل عمران : ٦.

(٢) النساء : ١.


الأنعام « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ » (١)

هود « هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها » (٢)

الرعد « اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ » (٣)

النحل « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » (٤)

مريم « أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً » (٥)

الحج « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً » (٦)

المؤمنون « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ » (٧)

الروم « وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ » (٨)

لقمان « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ » (٩)

التنزيل « الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » (١٠)

__________________

(١) الأنعام : ٢.

(٢) هود : ٦١.

(٣) الرعد : ٨.

(٤) النحل : ٤.

(٥) مريم : ٦٧.

(٦) الحج : ٥.

(٧) المؤمنون : ١٢ ـ ١٦.

(٨) الروم : ٢٠.

(٩) لقمان : ١٤.

(١٠) السجدة : ٧ ـ ٩.


فاطر « وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » (١)

يس « أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » (٢)

الزمر « يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » (٣)

المؤمن « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (٤)

حمعسق « لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ » (٥)

النجم « هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ » إلى قوله تعالى « وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى » (٦)

الواقعة « أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ » (٧)

التغابن « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ » (٨)

الملك « قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » (٩)

نوح « ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً » إلى قوله تعالى « وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً » (١٠)

__________________

(١) فاطر : ١١.

(٢) يس : ٧٧.

(٣) الزمر : ٦.

(٤) المؤمن : ٦٧.

(٥) الشورى : ٤٩ ـ ٥٠.

(٦) النجم : ٣٢ ـ ٤٦.

(٧) الواقعة : ٥٨ ـ ٥٩.

(٨) التغابن : ٣.

(٩) الملك : ٢٣ ـ ٢٤.

(١٠) نوح : ١٣ ـ ١٨.


القيامة « أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى » (١)

الدهر « هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً » (٢)

المرسلات « أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » (٣)

النبأ « وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً » (٤)

عبس « قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ » (٥)

الإنفطار « ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » (٦)

الطارق « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » (٧)

تفسير « هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ » قال الطبرسي رحمه‌الله أي يخلق صوركم « فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ » على أي صورة شاء وعلى أي صفة شاء من ذكر وأنثى أو صبيح أو دميم أو طويل أو قصير « لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ » في سلطانه « الْحَكِيمُ » في أفعاله ودلت الآية على وحدانية الله سبحانه وتمام قدرته وكمال حكمته حيث صور الولد في رحم الأم على هذه الصفة وركب فيه أنواع البدائع من غير آلة ولا كلفة وقد تقرر في عقل كل عاقل أن العالم لو اجتمعوا أن يجعلوا من الماء بعوضة ويصوروا منه صورة في حال ما يشاهدونه ويعرفونه لم يقدروا على ذلك ولا وجدوا إليه

__________________

(١) القيامة : ٣٧ ـ ٤٠.

(٢) الدهر : ١ ـ ٢.

(٣) المرسلات : ٢٠ ـ ٢٤.

(٤) النبأ : ٨.

(٥) عبس : ١٧ ـ ٢٣.

(٦) الانفطار : ٦ ـ ٨.

(٧) الطارق : ٥ ـ ٧.


سبيلا فكيف يقدرون على الخلق في الأرحام « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » وهذا الاستدلال مروي عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (١) « مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » أي آدم « وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها » حواء كما مر « وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً » أي نشر وفرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالا كثيرا ونساء وقال البيضاوي واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكن أكثر وذكر كثيرا حملا على الجمع (٢).

« خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ » قيل أي ابتدأ خلقكم منه فإنه المادة الأولى أو إن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه أو خلق أباكم فحذف المضاف إليه (٣) انتهى ويحتمل أن يكون المراد الطين الذي سيأتي في الأخبار أنه يذر في النطفة « هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ » قيل أي هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من الأرض « وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها » قيل أي عمركم فيها واستبقاكم من العمر أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها وقيل هو من العمري بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم.

« اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى » قال الطبرسي رحمه‌الله يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر أو أنثى تام أو غير تام ويعلم لونه وصفاته « وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ » أي يعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر « وَما تَزْدادُ » على ذلك عن أكثر المفسرين وقيل ما تغيض الولد الذي تأتي به المرأة لأقل من ستة أشهر وما تزداد الولد الذي تأتي به لأقصى مدة الحمل وقيل معناه ما تنقص الأرحام من دم الحيض وهو انقطاع الحيض وما تزداد بدم النفاس بعد الوضع (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٤٠٨.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٢٥٥.

(٣) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٣٦٩.

(٤) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٨٠.


وقال البيضاوي أي وما تنقصه وما تزداد في الجنة والمدة والعدد وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده وغاض جاء لازما ومتعديا وكذا ازداد (١). « وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ » قيل أي بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه وفي الأخبار أي بتقدير خلق الإنسان من نطفة قال البيضاوي من جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع والشكل « فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ » منطيق (٢) مجادل « مُبِينٌ » للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل « مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ » (٣) « وَلَمْ يَكُ شَيْئاً » بل كان عدما صرفا فإنه أعجب من جميع المواد بعد التفريق الذي ينكر منكر البعث.

« فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ » قال البيضاوي من إمكانه وكونه مقدورا « فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ » أي فانظروا في بدء خلقكم فإنه يزيح ريبكم فإنا خلقناكم « مِنْ تُرابٍ » بخلق آدم منها (٤) والأغذية التي يتكون منها المني « ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ » أي من مني من النطف وهو الصب « ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ » قطعة من الدم جامدة « ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ » قطعة من اللحم بقدر (٥) ما يمضغ « مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » مسواة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسواة أو تامة وساقطة أو مصورة وغير مصورة « لِنُبَيِّنَ لَكُمْ » بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا فإن ما قبل التغير والفساد والتكون مرة قبلها أخرى وإن من قدر على تغييره وتصويره أولا قدر على ذلك ثانيا وحذف المفعول إيماء إلى أن الأفعال هذه يتبين بها من قدرته وحكمته ما لا يحيط به الذكر « وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ » أن نقره « إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » هو وقت الوضع وقرئ ونقر بالنصب وكذا قوله « ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ » عطفا على نبين كان خلقهم مدرج لغرضين تبيين القدرة وتقريرهم في الأرحام حتى يولدوا وينشئوا أو يبلغوا حد التكليف و « طِفْلاً » حال أجريت على تأويل كل واحد أو للدلالة على الجنس أو لأنه في الأصل مصدر « ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ »

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٦١٦.

(٢) في المصدر : منطيق مناظر مجادل.

(٣) أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٦٥٧.

(٤) في المصدر : اذ خلق آدم منه.

(٥) في المصدر : وهي في الأصل قدر ما يمضغ.


أي كمالكم في القوة والعقل جمع شدة « وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى » عند بلوغ الأشد أو قبله « وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ » أي الهرم والخرف « لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً » أي ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما علمه وينكر من عرفه وأنه استدلال ثان على إمكان البعث بما يعتري الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره (١).

« مِنْ سُلالَةٍ » من خلاصة سلت من بين الكدر « مِنْ طِينٍ » متعلق بمحذوف لأنه صفة لسلالة أو بمعنى سلالة لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأول والإنسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته « ثُمَّ جَعَلْناهُ » أي ثم جعلنا نسله فحذف المضاف « نُطْفَةً » بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة وتذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء « فِي قَرارٍ مَكِينٍ » أي مستقر حصين يعني الرحم « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً » بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء « فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً » أي فصيرناها قطعة لحم « فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً » بأن صلبناها « فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً » مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها واختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات والجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » هو صورة البدن والروح والقوى بنفخة فيه أو المجموع وثم لما بين الخلقتين من التفاوت « أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » أي المقدرين تقديرا « ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ » أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض « وَهْناً » أي ذات وهن أو تهن وهنا « عَلى وَهْنٍ » أي تضعف ضعفا فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال « وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ » أي وفطامه في انقضاء عامين.

« الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » أي خلقه موفرا عليه ما يستعده ويليق به على وفق الحكمة والمصلحة وخلقه بدل من كل بدل الاشتمال وقيل علم كيف يخلقه وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على الوصف « وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ » يعني آدم

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٩٥ ـ ٩٦.


« مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ » أي ذريته سميت به لأنها تنسل منه أي تنفصل « مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » أي ممتهن وقال الطبرسي رحمه‌الله أي ضعيف وقيل حقير مهان أشار إلى أنه من شيء حقير لا قيمة له وإنما يصير ذا قيمة بالعلم والعمل. (١)

« ثُمَّ سَوَّاهُ » قال البيضاوي أي قومه بتصوير أعضائه ما ينبغي « وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ » أضافه إلى نفسه تشريفا وإظهارا (٢) بأنه خلق عجيب وأن له شأنا له مناسبة إلى الحضرة الربوبية ولأجله من عرف نفسه فقد عرف ربه « وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ » خصوصا لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا « قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » أي تشكرون شكرا قليلا (٣).

« مِنْ تُرابٍ » بخلق آدم منه « ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ » بخلق ذريته منها « ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً » ذكرانا وإناثا « إِلاَّ بِعِلْمِهِ » أي إلا معلومة له « وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ » أي وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر « وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ » من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا والضمير له وإن لم يذكر لدلالة مقابله عليه أو للمعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه إلا بحق وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل أن يكون فيه إن حج واعتمر (٤) فعمره ستون سنة وإلا فأربعون وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقص فإنه يكتب في صحيفة عمره يوما فيوما « إِلاَّ فِي كِتابٍ » هو علم الله أو اللوح أو الصحيفة « إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » إشارة إلى الحفظ أو الزيادة والنقص. (٥)

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٢٧.

(٢) في المصدر : إشعارا.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٦٠.

(٤) في المصدر : ان حج عمرو فعمره ...

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٢٩٩.


« يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ » بيان لكيفية خلق ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهارا لما فيه من عجائب القدرة غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون « خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ » حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف « فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو الصلب والرحم والبطن.

أقول الأول رواه الطبرسي رحمه‌الله عن أبي جعفر عليه‌السلام (١).

« ثُمَّ لِتَبْلُغُوا » أي ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا قوله تعالى « ثُمَّ لِتَكُونُوا مِنْ قَبْلُ » أي من قبل الشيخوخة (٢) أو بلوغ الأشد « وَلِتَبْلُغُوا » قيل أي ويفعل ذلك لتبلغوا « أَجَلاً مُسَمًّى » هو وقت الموت أو يوم القيامة « وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » ما في ذلك من الحجج والعبر.

« يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً » قال البيضاوي المعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشية فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ولعل تقديم الإناث لأنه (٣) أكثر لتكثير النسل أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشية الله تعالى لا مشية الإنسان والإناث كذلك أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل (٤).

« هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ » أي أعلم بأحوالكم منكم « إِذْ أَنْشَأَكُمْ » أي علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم وحين ما صوركم في الأرحام « مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى » أي تدفن في الرحم أو تخلق أو يقدر منها الولد من مني إذا قدر « أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ » أي تقذفونه في الأرحام من النطف « أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ » أي تجعلونه

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٩١.

(٢) الشيخوخية ( خ ).

(٣) في المصدر : لانها.

(٤) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٤٠١.


بشرا سويا « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ » قيل أي فصوركم من جملة ما خلق في السماوات والأرض بأحسن صورة حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات وخصكم بخلاصة خصائص المبدعات وجعلكم أنموذج جميع المخلوقات « وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ » فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم « وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ » لتسمعوا المواعظ « وَالْأَبْصارَ » لتنظروا صنائعه « وَالْأَفْئِدَةَ » لتعتبروا وتتفكروا « قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » باستعمالها في ما خلقت لأجلها.

« لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً » قيل أي لا تأملون له توقيرا أي تعظيما لمن عبده وأطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمه إياكم « وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً » حال مقدرة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإن خلقهم أطوارا أي تارات إذ خلقهم أولا عناصر ثم مركباه يغذي الإنسان ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم أنشأهم خلقا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة وقال علي بن إبراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً » يقول لا تخافون لله عظمة. وقال علي بن إبراهيم في قوله « وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً » قال على اختلاف الأهواء والإرادات والمشيات (١). « وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً » قيل أي أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث والتكوين من الأرض وأصله أنبتكم إنباتا فنبتم نباتا فاختصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية « ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها » مقبورين « وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً » بالحشر وأكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالابتداء وأنها تكون لا محالة وقال علي بن إبراهيم من الأرض أي على الأرض (٢) « فَخَلَقَ فَسَوَّى » قيل أي قدره فعدله « فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ » أي الصنفين.

« هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ » قال البيضاوي استفهام تقرير وتقريب ولذلك فسر

__________________

(١) تفسير القمي : ٦٩٧. وفيه : على وجه الأرض.

(٢) تفسير القمي : ٦٩٧. وفيه : على وجه الأرض.


بقد وأصله أهل « حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ » طائفة محدودة من الزمان الممتد الغير المحدود « لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً » بل كان نسيا (١) منسيا غير مذكور بالإنسانية كالعنصر والنطفة والجملة حال من الإنسان أو وصف لحين بحذف الراجع والمراد بالإنسان الجنس لقوله « إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ » أو آدم بين أولا خلفه ثم ذكر خلق بنيه من نطفة « أَمْشاجٍ » أي أخلاط جمع مشيج أو مشج من مشجت الشيء إذا خلطته وجمع (٢) النطفة به لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة وكل منهما مختلفة الأجزاء في الرقة والقوام والخواص ولذلك يصير كل جزء منهما مادة عضو وقيل مفرد كأعشار وقيل ألوان فإن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اختلطا أخضرا أو أطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة إلى تمام الخلقة « نَبْتَلِيهِ » في موضع الحال أي مبتلين له بمعنى مريدين اختباره أو ناقلين له من حال إلى حال فاستعار له الابتلاء « فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً » ليتمكن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات فهو كالمسبب من الابتلاء ولذلك عطف بالفاء على الفعل المقيد به ورتب عليه قوله « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ » (٣).

وقال الطبرسي رحمه‌الله قد كان شيئا إلا أنه لم يكن مذكورا لأنه كان ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح وقيل إنه أتى على آدم أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا لا في السماء ولا في الأرض بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح وروي عن ابن عباس أنه تم (٤) خلقه بعد عشرين ومائة سنة.

وروى العياشي بإسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله « لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً » قال كان شيئا ولم يكن مذكورا.

__________________

(١) في المصدر : شيئا.

(٢) في المصدر : وصف.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٥٦٩.

(٤) في المصدر : انه تعالى خلقه.


وبإسناده عن شعيب (١) الحداد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان مذكورا في العلم ولم يكن مذكورا في الخلق. وعن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله وعن حمران بن أعين قال : سألته عنه فقال كان شيئا مقدرا (٢) ولم يكن مكونا (٣). وفي هذا دلالة على أن المعدوم معلوم وإن لم يكن مذكورا وأن المعدوم يسمى شيئا فإذا حمل الإنسان على الجنس فالمراد أنه قبل الولادة لا يعرف ولا يذكر ولا يدرى من هو وما يراد به بل يكون معدوما ثم يوجد في صلب أبيه ثم في رحم أمه إلى وقت الولادة « أَمْشاجٍ » أي أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة في الرحم فأيهما علا صاحبه كان الشبه له عن ابن عباس وغيره وقيل أمشاج أطوار وقيل أراد اختلاف الألوان فنطفة الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء (٤) فهي مختلفة الألوان وقيل نطفة مشجت بدم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض وقيل هي العروق التي تكون في النطفة وقيل أخلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة جعلها الله في النطفة ثم بناه (٥) البنية الحيوانية المعدلة الأخلاط ثم جعل فيه الحياة ثم شق له السمع والبصر « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » (٦) انتهى (٧).

وأقول على سبيل الاحتمال لا يبعد أن يكون كونه أمشاجا إشارة إلى

__________________

(١) شعيب بن أعين الحداد كوفي ثقة روى عن الصادق عليه‌السلام ويروى عنه سيف بن عميرة وابن أبي عمير وغيرهما ولم يذكروا روايته عن ابى جعفر عليه‌السلام بلا واسطة. وفي مجمع البيان « سعيد الحداد » والصحيح في ضبطه كما عن غير العلامة في الخلاصة « سعد » بلا ياء وهو من أصحاب الباقر عليه‌السلام مجهول.

(٢) مقدورا ( خ ).

(٣) مذكورا ( خ ).

(٤) في المصدر : صفراء.

(٥) في المصدر : بناه الله ...

(٦) في المصدر : رب العالمين.

(٧) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٠٦.


الشئون المختلفة التي جعلها الله في الإنسان بتبعية ما جعل فيه من العناصر المختلفة والصفات المتضادة والمواد المتباينة.

« مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » نطفة قذرة ذليلة وقال علي بن إبراهيم منتن « فِي قَرارٍ مَكِينٍ » قال في الرحم (١).

« إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ » أي إلى قدر (٢) معلوم من الوقت قدره الله للولادة « فَقَدَرْنا » على ذلك أو فقدرناه ويدل عليه قراءة نافع والكسائي بالتشديد « فَنِعْمَ الْقادِرُونَ » نحن « فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة « وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً » أي ذكرا وأنثى « قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ » قيل دعاء عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران « مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » بيان لما أنعم عليه خصوصا من مبدإ حدوثه واستفهام للتحقير ولذلك أجاب عنه بقوله « مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ » أي فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال أو فقدر أطوارا إلى أن تم خلقه « ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ » أي ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم وألهمه أن ينتكس أو ذلل (٣) له سبيل الخير والشر وفيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها ولذا عقبه بقوله « ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » عد الإماتة والإقبار في النعم لأن الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية واللذات الخالصة والأمر بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع.

« ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » أي أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه قيل ذكر الكريم للمبالغة في المنع عن الاغترار والإشعار بما به يغره الشيطان فإنه يقول له افعل ما شئت فإن ربك كريم لا يعذب أحدا وقيل إنما قال سبحانه الكريم دون سائر أسمائه وصفاته لأنه كأنه لقنه الجواب حتى يقول غرني كرم الكريم وفي مجمع البيان روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما تلا هذه الآية قال غره جهله (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ٧٠٨.

(٢) مقدار ( خ ).

(٣) دلل ( خ ).

(٤) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٤٩.


« فَسَوَّاكَ » أي جعل أعضاءك سليمة مسواة معدة لمنافعها فعدلك قيل التعديل جعل البنية معتدلة متناسبة الأعضاء أو معدلة بما يستعدها من القوى وقرأ الكوفيون « فَعَدَلَكَ » بالتخفيف أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت أو فصرفك عن خلقه غيرك وميزك بخلقة فارقت خلقة سائر الحيوانات « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » أي ركبك في أي صورة شاءها وما مزيدة وقيل شرطية وركبك جوابها والظرف صفة عدلك وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك.

« فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ » قيل ليعلم صحة إعادته فلا يملي على حافظيه إلا ما ينفعه في عاقبته « خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ » قال الرازي الدفق صب الماء يقال دفقت الماء إذا صببته فهو مدفوق ومندفق واختلف في أنه كيف وصف بأنه دافق.

الأول أن معناه ذو اندفاق كما يقال دارع وتارس ولابن وتامر أي ذو درع وترس ولبن وتمر.

الثاني أنهم يسمون المفعول باسم الفاعل قال الفراء وأهل الحجاز أجعل لهذا من غيرهم يجعلون الفاعل مفعولا إذا كان في مذهب النعت كقولهم سر كاتم وهم ناصب وليل قائم وكقوله تعالى « فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ».

الثالث ذكر الخليل دفق الماء دفقا ودفوقا إذا انصب.

الرابع صاحب الماء لما كان دافقا أطلق ذلك على المجاز.

« بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال الجوهري التريبة واحدة الترائب وهي عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الشذوة انتهى وقال الرازي ترائب المرأة عظام صدرها حيث تكون القلادة وكل عظم من ذلك تريبة وهذا قول جميع أهل اللغة ثم قال في هذه الآية قولان أحدهما أن الولد مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة وقال آخرون إنه مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائبه واحتج صاحب القول الثاني على مذهبه بوجهين الأول أن ماء


الرجل خارج من الصلب فقط وماء المرأة خارج من ترائب المرأة (١) فقط وعلى هذا التقدير لا يحصل هناك ماء خرج من بين الصلب والترائب وذلك على خلاف الآية الثاني أنه تعالى بين أن الإنسان مخلوق من ماء دافق والذي وصف بذلك هو ماء الرجل ثم وصفه بأنه يخرج هذا الدافق من بين الصلب والترائب وذلك يدل على أن الولد مخلوق من ماء الرجل فقط وأجاب القائلون بالقول الأول عن الحجة الأولى أنه يجوز أن يقال للشيئين المتباينين أنه يخرج من بين هذين خير كثير ولأن الرجل والمرأة عند اجتماعها يصيران كالشيء الواحد فحسن هذا اللفظ هناك وعن الثانية بأن هذا من باب إطلاق اسم البعض على الكل فلما كان أحد قسمي المني دافقا أطلق هذا الاسم على المجموع ثم قالوا والذي يدل على أن الولد مخلوق منهم أن مني الرجل وحده صغير ولا يكفي وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا غلب ماء الرجل يكون ذكرا ويعود شبهه إليه وإلى أقاربه وإذا غلب ماء المرأة فإليها وإلى أقاربها يعود الشبه. وذلك يقتضي صحة القول الأول.

ثم قال واعلم أن الملحدين طعنوا في هذه الآية فقالوا إن كان المراد من قوله « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » أن المني إنما ينفصل من تلك المواضع فليس الأمر كذلك لأنه إنما يتولد عن فضله الهضم الرابع وينفصل عن جميع أجزاء البدن حتى يأخذ من كل عضو طبيعة وخاصية (٢) فيصير مستعدا لأن يتولد منه مثل تلك الأعضاء ولذلك قيل إن المفرط في الجماع يستولي الضعف عليه في جميع أعضائه وإذا كان المراد أن معظم المني يتولد هناك فهو ضعيف بل معظم أجزائه إنما يتولد (٣) في الدماغ والدليل عليه أنه في صورته يشبه الدماغ ولأن المكثر منه يظهر الضعف أولا في عينيه وإن كان المراد أن مستقر المني هناك فهو ضعيف لأن مستقر المني هو أوعية المني وهي عروق تلتف بعضها ببعض عند الأنثيين وإن كان المراد أن مخرج

__________________

(١) في المصدر : الترائب.

(٢) في المصدر : طبيعته وخاصيته.

(٣) في المصدر : يتربى.


المني هناك فهو ضعيف فإن الحس يدل على أنه ليس كذلك.

والجواب لا شك أن معظم الأعضاء معونة في توليد المني هو الدماغ وللدماغ خليفة وهي النخاع في الصلب وشعب كثيرة نازلة إلى مقدم البدن وهو التريبة فلهذا السبب خصص الله هذين العضوين بالذكر على أن كلامكم في كيفية تولد المني وكيفية تولد الأعضاء عن (١) المني محض الوهم والظن الضعيف وكلام الله أولى بالقبول (٢) انتهى.

وقال البيضاوي « مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » بين صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام صدرها ولو صح أن النطفة تتولد من فضلة (٣) الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى يستعد (٤) أن يتولد منها مثل تلك الأعضاء ومقرها عروق التف بعضها ببعض عند البيضتين فالدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها ولذلك تشبهه ويسرع الإفراط في الجماع بالضعف فيه وله خليفة وهي النخاع وهو في الصلب وشعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب إلى أوعية المني فلذلك خصا بالذكر (٥) انتهى.

وأقول على تقدير تسليم ما ذكره الأطباء في ذلك يمكن أن يكون المراد خروج المني من الرجل والمرأة من أعضاء محصورة بين الصلب من جهة الخلف والترائب من جهة القدام بأن يكون الصلب والترائب مقصودين في كل من الرجل والمرأة ويكون هذا التعبير لبيان كثرة مدخلية الصلب والترائب فيهما وكون ماء المرأة غير دافق ممنوع بل الظاهر أن له أيضا دفقا لكنه لما كان في داخل الرحم لا يظهر كثيرا وما ورد في الأخبار من تخصيص الصلب بالرجل والترائب بالمرأة لكون الصلب أدخل

__________________

(١) من ( خ ).

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٣١ ، ص ١٢٩.

(٣) في المصدر : فضل.

(٤) في المصدر : تستعدلان.

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٥٩٧.


في مني الرجل والترائب في مني المرأة ويؤيده أن الأطباء ذكروا من آداب الجماع دغدغة ثدي المرأة لتهييج شهوتها وعللوه بأن الثدي شديد المشاركة للرحم.

١ ـ المناقب ، أبو جعفر الطوسي في الأمالي وأبو نعيم في الحلية وصاحب الروضة بالإسناد عن محمد الصيرفي وعبد الرحمن بن سالم قال : دخل أبو حنيفة على الصادق عليه‌السلام فقال عليه‌السلام له البول أقذر أم المني قال البول قال يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني وقد أوجب الله الغسل من المني دون البول ثم قال لأن المني اختيار ويخرج من جميع الجسد ويكون في الأيام والبول ضرورة ويكون في اليوم مرات (١) قال أبو حنيفة كيف يخرج من جميع الجسد والله يقول « مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال أبو عبد الله عليه‌السلام فهل قال لا يخرج من غير هذين الموضعين ثم قال عليه‌السلام لم لا تحيض المرأة إذا حبلت قال لا أدري قال عليه‌السلام حبس الله الدم فجعله غذاء للولد إلى آخر الخبر بطوله (٢).

٢ ـ تفسير النعماني ، بإسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن مشابه (٣) الخلق فقال هو على ثلاثة أوجه فمنه خلق الاختراع كقوله سبحانه « خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ » (٤) وخلق الاستحالة قوله تعالى « يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » (٥) وقوله « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ » الآية (٦) وأما خلق التقدير فقوله لعيسى « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ » (٧) الآية.

٣ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أحمد

__________________

(١) في المصدر : وهو مختار والآخر متولج.

(٢) المناقب : ج ٤ ، ص ٢٥٣.

(٣) متشابه ( خ ).

(٤) الأعراف : ٥٣ ، يونس : ٣ ، هود : ٥٧ ، الحديد : ٤.

(٥) الزمر : ٣٢.

(٦) المؤمن : ٦٧.

(٧) المائدة : ١١٣.


ابن أشيم عن بعض أصحابه قال : أصاب رجل غلامين في بطن فهنأه أبو عبد الله عليه‌السلام ثم قال أيهما أكبر فقال الذي خرج أولا فقال أبو عبد الله عليه‌السلام الذي خرج آخرا هو أكبر أما تعلم أنها حملت بذاك أولا وأن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه أن يخرج حتى خرج هذا فالذي يخرج آخرا هو أكبرهما (١).

المناقب ، مرسلا مثله (٢).

بيان لم أر قائلا به ولعله ليس غرضه عليه‌السلام الكبر الذي هو مناط الأحكام الشرعية.

٤ ـ الكافي ، عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام يعيش الولد لستة أشهر ولسبعة أشهر ولتسعة أشهر ولا يعيش لثمانية أشهر (٣).

٥ ـ ومنه ، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سيابة عمن حدثه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن أمه كم هو فإن الناس يقولون ربما يبقى (٤) في بطنها سنين فقال كذبوا أقصى حد الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة ولو زاد ساعة لقتل أمه قبل أن يخرج (٥).

٦ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل يونس بن يعقوب فرأيته يئن فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام ما لي أراك تئن قال طفل لي تأذيت به الليل أجمع فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام يا يونس حدثني أبي محمد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن جبرئيل نزل عليه ورسول الله وعلي

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣.

(٢) المناقب : ج ٤ ، ص ٢٧٠.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٢.

(٤) في المصدر : بقى.

(٥) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٢.


يئنان فقال جبرئيل يا حبيب الله ما لي أراك تئن فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أجل طفلين لنا تأذينا ببكائهما فقال جبرئيل مه يا محمد فإنه سيبعث لهؤلاء القوم شيعة إذا بكى أحدهم فبكاؤه لا إله إلا الله إلى أن يأتي عليه سبع سنين فإذا جاز السبع فبكاؤه استغفار لوالديه إلى أن يأتي عليه الحد فإذا جاز الحد فما أتى من حسنة فلوالديه وما أتى من سيئة فلا عليهما (١).

بيان فبكاؤه لا إله إلا الله لعل المعنى أنه يعطى والداه ببكائه ثواب التهليل.

٧ ـ العلل : والعيون ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن حمزة الأشعري عن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يلد (٢) ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ويوم يموت ويعاين (٣) الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله عز وجل على يحيى عليه‌السلام في هذه المواطن الثلاثة (٤) وآمن روعته فقال « وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا » وقد سلم عيسى ابن مريم عليهما‌السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة (٥) فقال « وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا » (٦)

٨ ـ المناقب ، قال عمران الصابي للرضا عليه‌السلام ما بال الرجل إذا كان مؤنثا والمرأة إذا كانت مذكرة قال عليه‌السلام علة ذلك أن المرأة إذا حملت وصار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا وإذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكرة وذلك أن موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها والجارية مما يلي مياسرها.

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ص ٥٢.

(٢) كذا ، والصواب « يولد ».

(٣) في العيون : فيعاين.

(٤) في أكثر النسخ : الثلاثة المواطن :.

(٥) في أكثر النسخ : الثلاثة المواطن :.

(٦) العيون : ج ١ ، ص ٢٥٧. ولم يوجد في العلل.


وربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد فإن عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلا على أنه (١) تلد واحدا إلا أنه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولود ذكرا وإذا كان الأيسر أعظم كان المولود أنثى وإذا كانت حاملا فضمر ثديها الأيمن فإنها تسقط غلاما وإذا ضمر ثديها الأيسر فإنها تسقط أنثى وإذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا قال من أي شيء الطول والقصر في الإنسان فقال من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر وإن استطالت جاء الطول (٢).

٩ ـ تفسير الإمام ، والاحتجاج ، بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله قال : سأل ابن صوريا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة قال صدقت يا محمد ثم قال يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه (٣) من شبه أخواله شيء ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له قال صدقت يا محمد فأخبرني عمن (٤) لا يولد له ومن يولد له فقال إذا مغرت النطفة لم يولد له أي إذا احمرت وكدرت وإذا كانت صافية ولد له الخبر (٥).

١٠ ـ الاحتجاج ، عن ثوبان قال : إن يهوديا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا محمد أسألك عن شيء لا يعلمه إلا نبي قال وما هو قال عن شبه الولد أباه وأمه قال ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله عز وجل ومن قبل ذلك يكون الشبه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى بإذن الله تعالى ومن قبل ذلك يكون الشبه الخبر (٦).

العلل ، عن علي بن أحمد بن محمد عن حمزة بن القاسم العلوي عن علي بن

__________________

(١) كذا.

(٢) المناقب : ج ٤ ، ص ٣٥٤.

(٣) في الاحتجاج : له.

(٤) فيه : عما.

(٥) الاحتجاج : ٢٤.

(٦) الاحتجاج : ٢٩.


الحسين بن الجنيد البزاز عن إبراهيم بن موسى الفراء عن محمد بن ثور عن معمر بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن مرة عن ثوبان مثله (١) أقول سيأتي أخبار الخضر في هذا المعنى في باب النفس وأحوالها.

١١ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا بلغ الولد أربعة أشهر فقد صار فيه الحياة الخبر (٢).

١٢ ـ ومنه ، قال علي بن إبراهيم في قوله « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ » قال النطفة التي تخرج بقوة « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال الصلب الرجل والترائب المرأة وهي صدرها (٣).

١٣ ـ الكافي ، عن علي بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : إن الله عز وجل خلق خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » (٤) فعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة فإذا تمت له (٥) أربعة أشهر قالوا يا رب تخلق ما ذا فيأمرهم بما يريد من ذكر (٦) وأنثى أبيض أو أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة (٧).

بيان خلاقين أي ملائكة خلاقين والخلق هنا بمعنى التقدير لا الإيجاد وظاهره خروج المني الأول بعينها من فيه أو عينه ويمكن أن يحفظ الله تعالى جزء من تلك النطفة مدة حياته ويحتمل أن يكون المراد أن هذا الماء من جنس النطفة فعلة الغسل مشتركة.

__________________

(١) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٩٠.

(٢) تفسير القمي : ٤٤٦.

(٣) التفسير : ٧٢٠.

(٤) طه : ٥٧.

(٥) في المصدر : لها.

(٦) فيه : أو.

(٧) الكافي : ج ٣ ، ص ١٦٢.


١٤ ـ الكافي ، عن العدة عن سهل عن الحجال عن ابن بكير عن أبي منهال عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله عز وجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها (١).

بيان : الموث الخلط والحنين الشوق.

١٥ ـ العلل ، عن علي بن أحمد بن محمد بن (٢) يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال : أتى علي بن أبي طالب يهودي فسأله عن مسائل فكان في ما سأله أخبرني عن شبه الولد أعمامه وأخواله ومن أي النطفتين يكون الشعر (٣) واللحم والعظم والعصب فقال عليه‌السلام أما شبه الولد أعمامه وأخواله فإذا سبق نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه ومن نطفة الرجل يكون العظم والعصب وإذا سبق نطفة المرأة نطفة الرجل إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله ومن نطفتها يكون الشعر والجلد واللحم لأنها صفراء رقيقة الخبر (٤).

١٦ ـ ومنه ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت له إن الرجل ربما أشبه أخواله وربما أشبه عمومته فقال إن نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فإن غلبت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه الرجل أباه وعمومته وإن غلبت نطفة المرأة نطفة الرجل أشبه الرجل أخواله (٥).

١٧ ـ ومنه ، عن علي بن حاتم في ما كتب إلي عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد عن ابن بكير عن عبد الله بن سنان عن

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٠٣.

(٢) في المصدر وفي بعض نسخ الكتاب : عن محمد بن يعقوب.

(٣) في المصدر : والدم.

(٤) العلل : ج ١ ، ص ١.

(٥) العلل : ج ١ ، ص ٨٨.


أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له المولود يشبه أباه وعمه قال إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة فالولد يشبه أباه وعمه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل يشبه الولد أمه وخاله (١).

١٨ ـ ومنه ، عن العباس بن محمد (٢) بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن محمد بن يوسف الخلال (٣) عن محمد بن خليل المحرمي [ المخرمي ] عن عبد الله بن بكر المسمعي (٤) عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : سأل عبد الله بن سلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه الخبر (٥).

بيان في القاموس نزع أباه وإليه أشبهه وأقول يحتمل أن يكون المراد بالسبق الغلبة ليوافق خبر أبي بصير أو العلو ليطابق رواية ثوبان وغيره ويمكن كون كل منها سببا لذلك وأقول مضامين تلك الأخبار مروية من طرق العامة أيضا وفي كتبهم ورووا أيضا أن حبرا من أحبار اليهود سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الولد فقال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله تعالى. وقال بعضهم معنى العلو الغلبة على الآخر ومعنى السبق الخروج أولا وزعم بعضهم أن العلو علة شبه الأعمام والأخوال والسبق علة الإذكار والإيناث ورد ذلك التفصيل بأنه جعل في حديث الحبر العلو علة الإذكار والإيناث وأجاب عنه بعضهم بأن العلو في حديث الحبر بمعنى السبق إلى الرحم لأن ما علا سبق ويتعين تفسيره بذلك فإنه في حديث آخر جعل العلو علة شبه الأعمام والأخوال وجعله في حديث الحبر علة الإذكار والإيناث فلو أبقينا العلو في حديث الحبر على

__________________

(١) العلل : ج ١ ، ص ٨٨.

(٢) كذا ، والصواب : ابو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانى.

(٣) في بعض النسخ بالحاء المهملة وفي بعضها بالجيم ، ولم نجد له ذكرا في كتب الرجال.

(٤) كذا في جميع نسخ الكتاب ، والظاهر ان الصواب « السهمى » كما في المصدر لانه الذي يروى عن حميد الطويل.

(٥) العلل : ج ١ ، ص ٨٩.


بابه لزم بمقتضى الحديث أن يكون العلو علة في شبه الأعمام والأخوال وفي الإذكار والإيناث ولا يصح لأن الحس يكذبه لأنا نشاهد الولد ذكرا ويشبه الأخوال ووجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون الشبه المذكور في هذا الحديث يعني به الشبه الأعم من كونه في التذكير والتأنيث وشبه الأعمام والأخوال والسبق إلى الرحم علة للتذكير والتأنيث ويخرج من مجموع ذلك أن الأقسام أربعة إن سبقه ماء الرجل وعلا أذكر وأشبه الولد أعمامه وإن سبق ماء المرأة وعلا ماؤه أنث وأشبه الولد أعمامه انتهى (١).

١٩ ـ العلل ، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين أبيه إلى آدم ثم خلقه على صورة أحدهم فلا يقولن أحد هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي (٢).

٢٠ ـ ومنه ، عن المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه عن علي بن الحسن عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن علي بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : تعتلج النطفتان في الرحم فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه وقال تحول النطفة في الرحم أربعين يوما فمن أراد أن يدعو الله عز وجل ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق ثم يبعث الله عز وجل ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله عز وجل فيقف منه ما شاء الله فيقول يا إلهي أذكر أم أنثى فيوحي الله عز وجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك ثم يقول إلهي أشقي أم سعيد فيوحي الله عز وجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك

__________________

(١) كذا في جميع نسخ الكتاب ، والظاهر سقوط قسمين من الاقسام الأربعة في العبارة وهما : ان سبق ماء الرجل وعلا ماء المرأة اذكر واشبه الولد اخواله ، وان سبق ماء المرأة وعلا أيضا انث واشبه الولد اخواله.

(٢) العلل : ج ١ ، ص ٩٧.


فيقول اللهم (١) كم رزقه وما أجله ثم يكتبه ويكتب كل شيء يصيبه في الدنيا بين عينيه ثم يرجع به فيرده في الرحم فذلك قول الله عز وجل « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » (٢)

بيان : في القاموس اعتلجوا اتخذوا صراعا وقتالا والأرض طال نباتها والأمواج التطمت.

٢١ ـ العلل ، عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن الهيثم بن واقد عن مقرن (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأل سلمان رضي الله عنه عليا عليه‌السلام عن رزق الولد في بطن أمه فقال إن الله تبارك وتعالى حبس عليها الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه (٤).

٢٢ ـ ومنه ، عن الحسين بن أحمد عن أبيه عن ابن عيسى عن البزنطي عن عبد الرحمن بن حماد قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الميت لم يغسل غسل الجنابة قال إن الله تبارك وتعالى أعلى وأخلص من أن يبعث الأشياء بيده إن لله تبارك وتعالى ملكين خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله في كتابه « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » (٥) فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم فإذا عجنت النطفة بالتربة قالا يا رب ما تخلق قال فيوحي الله تبارك وتعالى (٦) ما يريد من ذلك ذكرا أو أنثى مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض شقيا أو سعيدا فإن مات سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها فمن

__________________

(١) في المصدر : الهى.

(٢) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٨٩ والآية في سورة الحديد : ٢٢.

(٣) ذكر الشيخ في رجاله عدة من أصحاب الصادق عليه‌السلام بهذا الاسم وحال جميعهم مجهول.

(٤) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٢٧٦.

(٥) طه : ٥٧.

(٦) في المصدر : اليهما ما يريد ...


ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة (١).

بيان أمر أولئك الخلاقين كان الجمعية على المجاز أو المراد بالملكين نوعين (٢) من الملك لكل امرأة شخصان فيجري فيهما التثنية والجمع باعتبارين.

٢٣ ـ المحاسن ، عن أبيه عن هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ » (٣) يعني منتصبا في بطن أمه مقاديمه إلى مقاديم أمه ومواخيره إلى مواخير أمه غذاؤه مما تأكل أمه ويشرب مما تشرب تنسمه تنسيما وميثاقه الذي أخذ الله عليه بين عينيه فإذا دنا ولادته أتاه ملك يسمى الزاجر فيزجره فينقلب فيصير مقاديمه إلى مواخر (٤) أمه ومواخيره إلى مقدم أمه ليسهل الله على المرأة والولد أمره ويصيب ذلك جميع الناس إلا إذا كان عاتيا فإذا زجره فزع وانقلب ووقع إلى الأرض باكيا من زجرة الزاجر ونسي الميثاق (٥).

أقول : تمامه وشرحه في باب جوامع أحوال الدواب والأنعام.

٢٤ ـ العياشي ، عن عبد الملك بن أعين قال : إذا زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره ثم عملا جميعا ثم تختلف النطفتان فيخلق الله منهما فيكون شرك الشيطان.

٢٥ ـ ومنه ، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن شرك الشيطان قوله « وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ » قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان قال ويكون مع الرجل حتى يجامع فيكون من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراما.

٢٦ ـ العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم العلة في تحويل آدم لحما ودما بعد أربعين سنة أنه لم يكن في رحم ولا بطن وكان ظاهرا بارزا فتحول لحما ودما بعد أربعين سنة.

٢٧ ـ المناقب ، عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر في خبر طويل يذكر

__________________

(١) العلل : ج ١ ، ص ٢٨٤.

(٢) نوعان ( ظ ).

(٣) البلد : ٤.

(٤) في المصدر : مواخير.

(٥) المحاسن : ٣٠٤.


فيه خلق الولد في بطن أمه قال ويبعث الله ملكا يقال له الزاجر فيزجره زجرة فيفزع الولد منها وينقلب فتصير رجلاه أسفل البطن ليسهل الله عز وجل على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإن احتبس زجره زجرة أخرى شديدة فيفزع منها فيسقط إلى الأرض فزعا باكيا من الزجر (١).

٢٨ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان عن سلام بن المستنير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » (٢) فقال المخلقة هم الذر الذين خلقهم الله في صلب آدم عليه‌السلام أخذ عليهم الميثاق ثم أجراهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق وأما قوله « وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدم عليه‌السلام حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق وهم النطف من العزل والسقط قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء (٣).

بيان على تأويله عليه‌السلام يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير أي ما قدر في الذر أن ينفخ فيه الروح وما لم يقدر.

٢٩ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عمن ذكره عن أحدهما عليهما‌السلام في قول الله عز وجل « يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ » (٤) قال الغيض كل حمل دون تسعة أشهر وما يزداد (٥) كل شيء يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم (٦).

٣٠ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول قال أبو جعفر عليه‌السلام إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما

__________________

(١) المناقب : ج ٤ ، ص ٢٠٠.

(٢) الحج : ٥.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ١٢.

(٤) الرعد : ٨.

(٥) في المصدر : تزداد.

(٦) الكافي : ج ٦ ، ص ١٢.


فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله عز وجل ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى فيؤمران فيقولان يا رب شقيا أو سعيدا فيؤمران فيقولان يا رب ما أجله وما رزقه وما كل شيء من حاله وعدد من ذلك أشياء ويكتبان الميثاق بين عينيه فإذا أكمل الله الأجل بعث الله ملكا فزجره زجرة فيخرج وقد نسي الميثاق وقال الحسن بن الجهم فقلت له أفيجوز أن يدعو الله عز وجل فيحول الأنثى ذكرا أو الذكر أنثى فقال « إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ » (١).

بيان قيل كتابة الميثاق كناية عن مفطوريته على خلقه قابلة للتوحيد وسائر المعارف ونسيان الميثاق كناية عن دخوله في عالم الأسباب المشتمل على موانع تعقل ما فطر عليه.

أقول قد مر بسط القول في تلك الأخبار في كتاب العدل.

٣١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النطفة التي (٢) أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء (٣) يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله تعالى ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي البداء في ما تكتبان

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣.

(٢) في المصدر : مما اخذ.

(٣) في المصدر : يشاء الله فيقتحمان.


فيقولان يا رب ما نكتب قال فيوحي الله عز وجل إليهما أن ارفعا رءوسكما إلى رأس أمه فيرفعان رءوسها فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته ورؤيته (١) وأجله وميثاقه شقيا أو سعيدا وجميع شأنه قال فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء في ما يكتبان ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك إلا في كل عات (٢) أو مارد فإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله عز وجل إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فيفتح الرحم باب الولد فيبعث الله عز وجل إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة (٣).

بيان : قوله أو ما يبدو له فيه من البداء وقد مر معناه في محله والمعنى لم يؤخذ عليه الميثاق أولا في صلب آدم ولكن بدا له ثانيا بعد خروجه من صلبه أن يأخذ عليها الميثاق ويحتمل أن يكون المراد به ما فسر به غير المخلقة في الخبر السابق فيكون مشاركا للأول في بعض ما سيذكر كما أن القسم الأول أيضا قد يسقط قبل كماله فلا يجري فيه جميع ما في الخبر ويحتمل أيضا أن يراد بالأول من يصل إلى حد التكليف ويؤخذ بما أخذ عليه من الميثاق وبالثاني من يموت قبل ذلك حرك الرجل بإلقاء الشهوة عليه والإيحاء كأنه على سبيل الأمر التكويني لا التكليفي أي تنفتح بقدرته وإرادته تعالى أو كناية عن فطرة إياها على الإطاعة طمعا كما قيل فتردد بحذف إحدى التاءين أي تتحول من حال إلى حال وقد مر أن الخلق

__________________

(١) في المصدر : « زينته ».

(٢) ومارد ( خ ).

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣ ـ ١٥.


المنسوب إلى الملك بمعنى التقدير والتصوير والتخطيط كما هو معناه المعروف في أصل اللغة فيقتحمان أي يدخلان من غير اختيار لها وإذن منها وفيها الروح القديمة أي الروح المخلوق في الزمان المتقادم قبل خلق جسده وكثيرا ما يطلق القديم في اللغة والعرف على هذا المعنى كما لا يخفى على من تتبع كتب اللغة وموارد الاستعمالات والمراد بها النفس النباتية أو الروح الحيوانية أو الإنسانية قوله رؤيته أي ما يرى منه ويمكن أن يقرأ بالتشديد بمعنى التفكر والفهم والعتو مجاوزة الحد والاستكبار.

ثم اعلم أن للعلماء في أمثال هذا الخبر مسالك فمنهم من آمن بظاهرها ووكل علمها إلى من صدرت عنه وهذا سبيل المتقين ومنهم من يقول ما يفهم من ظاهره حق ولا عبرة باستبعاد الأوهام في ما صدر عن أئمة الأنام عليهم‌السلام ومنهم من قال هذا على سبيل التمثيل كأنه عليه‌السلام شبه ما يعلمه سبحانه من حاله وطينته وما يستحقه من الكمالات وما أودع فيه من درجات الاستعدادات بمجيء الملكين وكتابتهما على جبهته وغير ذلك وقال بعضهم قرع اللوح جبهة أمه كأنه كناية عن ظهور أحوال أمه وصفاتها وأخلاقها من ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها كأنها جميعا مكتوبة عليها وإنما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية أمه (١) ويكتب ذلك على وفق ما ثمة للمناسبة التي تكون بينه وبينها وذلك لأن جوهر الروح إنما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله إياه واستعداد البدن تابع لاستعداد نفس الأبوين وصفاتهما وأخلاقهما لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء به من ظهر أبيه فهي حينئذ مشتملة على أحواله الأبوية والأمية وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته.

أقول الأحوط والأولى عدم التعرض لأمثال هذه التأويلات الواهية والتسليم لما ورد عن الأئمة الهادية عليهم‌السلام.

٣١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل أو

__________________

(١) أمه مكتوبة ( خ ).


غيره قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك الرجل يدعو للحبلى أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا فقال يدعو ما بينه وبين أربعة أشهر فإنه أربعين ليلة نطفة وأربعين ليلة علقة وأربعين ليلة مضغة فذلك تمام أربعة أشهر ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى شقيا أو سعيدا فيقولان يا رب ما رزقه وما أجله وما مدته فيقال ذلك وميثاقه بين عينيه ينظر إليه فلا يزال منتصبا في بطن أمه حتى إذا دنا خروجه بعث الله عز وجل إليه ملكا فزجره زجرة فيخرج وينسى الميثاق (١).

٣٢ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن إسماعيل بن عمرو (٢) عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن للرحم أربعة سبل في أي سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد أو اثنان وثلاثة وأربعة ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد (٣).

٣٣ ـ ومنه ، عن علي بن محمد رفعه عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل خلق للرحم أربعة أوعية فما كان في الأول فللأب وما كان في الثاني فللأم وما كان في الثالث فللعمومة وما كان في الرابع فللخئولة (٤).

بيان فللأب أي يشبه الولد إذا وقعت فيه وكذا البواقي فسياق هذا الخبر غير سياق الخبر المتقدم من بيان أكثر ما يمكن من أن تلد المرأة وإن كان يظهر ذلك منه إيماء وتلويحا ولذا أوردهما الكليني ره في باب أكثر ما تلد المرأة.

٣٤ ـ النهج ، نهج البلاغة قال : أيها المخلوق السوي والمنشأ المرعي في ظلمات الأرحام

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٦.

(٢) كذا ، ولم يذكر في كتب الرجال « إسماعيل بن عمرو » والظاهر أنه إسماعيل بن عمر بن ابان الكلبى ويروى عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر على ما ذكره في جامع الرواة وهو ضعيف.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ١٦.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ١٧.


ومضاعفات الأستار بدئت « مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ » ووضعت « فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ » وأجل مقسوم تمور في بطن أمك جنينا لا تحير دعاء ولا تسمع نداء ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها ولم تعرف سبل منافعها فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك هيهات إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز ومن تناوله بحدود المخلوقين أبعد (١).

توضيح السوي العدل والوسط ورجل سوي أي مستوي الخلقة غير ناقص وأنشأ الخلق ابتدأ خلقهم والرعاية الحفظ والمرعي من شمله حفظ الراعي ومضاعفات الأستار أي الأستار المضاعفة والحجب بعضها فوق بعض بدئت من سلالة إشارة إلى قوله تعالى « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ » (٢) وقد مر وجوه التفسير فيه وهي جارية هاهنا والمكين المتمكن وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل مبالغة أو المراد تمكن الرحم في مكانها مربوطة برباطات كما سيأتي والمعنى في مستقر حصين هي الرحم إلى قدر معلوم أي مقدار معين من الزمان قدره الله للولادة وقسمه كضربه وقسمه بالتشديد أي جزأه وفرقه وقسم أمره أي قدره والأجل المقسوم المدة المقدرة لحياة كل أحد فالظرف متعلق بمحذوف أي منتهيا إلى أجل مقسوم أو يقال الوضع في الرحم غايته ابتداء الأجل أي مدة حياة الدنيا ويحتمل أن يكون تأكيدا للقدر المعلوم ومار الشيء كقال تحرك أو بسرعة واضطراب والجنين الولد في البطن لاستتاره من جن أي استتر فإذا ولد فهو منفوس والمحاورة الجواب ومراجعة النطق ويقال كلمته فما أحار إلي جوابا أي لم يجبني ودعوته دعاء ناديته وطلبت إقباله لم تشهدها أي لم تحضرها قبل ذلك ولم تعلم بحالها والاجترار الجذب مواضع طلبك قيل أي حلمة الثدي والجمع

__________________

(١) نهج البلاغة : ج ١ ، ص ٣٠٣.

(٢) المؤمنون : ١٣.


باعتبار أن الطفل يمتص من غير ثدي أمه أيضا أو عرفك عند الحاجة إلى كل شيء في دار الدنيا مواضع طلبك وفي بعض النسخ وحرك عند الحاجة فالمراد بمواضع الطلب القوى والآلات التي يحصل بها اجترار الغذاء هيهات أي بعد أن يحيط علما بصفات خالقه الذي هو أبعد الأشياء منه من حيث الحقيقة لعدم المشابهة والمجانسة وليس له حدود المخلوقين من لا يقدر على وصف نفسه مع أنه أقرب الأشياء إليه وغيره من ذوي الهيئة والأدوات المجانس له في الذات والصفات المتصف بحدود المخلوقين.

٣٥ ـ النهج ، نهج البلاغة جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها وأبصارا لتجلو عن عشاها وأشلاء جامعة لأعضائها ملائمة لأحنائها في تركيب صورها ومدد عمرها بأبدان قائمة بأرفاقها وقلوب رائدة لأرزاقها في مجللات نعمه وموجبات مننه وحواجز بليته وجوائز عافيته (١) وقدر لكم أعمارا سترها عنكم وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم إلى قوله عليه‌السلام أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشغف الأستار نطفة دهاقا وعلقة محاقا وجنينا وراضعا ووليدا ويافعا ثم منحه قلبا حافظا ولسانا لافظا وبصرا لاحظا ليفهم معتبرا ويقصر مزدجرا حتى إذا قام اعتداله واستوى مثاله نفر مستكبرا إلى آخر الخطبة (٢).

توضيح وعاه يعيه حفظه وجمعه وعناه الأمر يعنيه ويعنوه أهمه والعشا بالفتح والقصر سوء البصر بالليل والنهار أو بالليل أو العمى وتجلو بمعنى تكشف قيل أقيم المجلو مقام المجلو عنه والتقدير لتجلو عن قواها عشاها وقيل كلمة عن زائدة أو بمعنى بعد والمفعول محذوف والتقدير لتجلو الأذى بعد عشاها وهو بعيد والمراد جلاء العشا عن البصر الظاهر بأن ينظر إلى ما يعتبر به أو عن بصر القلب بأن يفرق بين الضار والنافع والأشلاء جمع شلو بالكسر وهو العضو وفسره في القاموس بالجسد أيضا وجمعها للأعضاء على

__________________

(١) في المصدر : .. مننه ، وحواجز عافيته وقدر ...

(٢) نهج البلاغة : ج ١ ، ص ١٤٣.


الثاني واضح وعلى الأول يمكن حملها على الأعضاء الظاهرة الجامعة للباطنة كما قيل.

وأقول يمكن أن يكون المراد بالأعضاء أجزاء الأعضاء والملاءمة الموافقة والأحناء جمع حنو بالكسر وهو الجانب وفي النهاية لأحنائها أي معاطفها والغرض الإشارة إلى الحكم والمصالح المرعية في تركيب الأعضاء وترتيبها وجعل كل منها في موضع يليق بها كما بين بعضها في علم التشريح وكتب منافع الأعضاء والظرف متعلق بالملاءمة وقيل كأنه قال مركبة ومصورة فأتى بلفظة في كما تقول ركب في سلاحه أو بسلاحه أي متسلحا والأرفاق جمع رفق بالكسر وهو المنفعة وفي القاموس هو ما أستعين به والأرفاق على هذا عبارة عن الأعضاء وسائر ما يستعين به الإنسان والباء للاستعانة أو السببية بخلاف الأول وروي بأرماقها والرمق بقية الروح والرود الطلب في مجللات نعمه بصيغة الفاعل أي النعم التي تجلل الناس أي تغطيهم كما يتجلل الرجل بالثوب وقيل أي التي تجلل الناس وتعمهم من قولهم سحاب مجلل أي يطبق الأرض والظرف متعلق بمحذوف والموضع نصب على الحال والمراد بموجبات المنن على صيغة الفاعل النعم التي توجب الشكر ويروى على صيغة المفعول أي النعم التي أوجبها الله على نفسه لكونه الجواد المطلق وقيل أي ما سقط من نعمه وأفيض على العباد من الوجوب بمعنى السقوط.

وحواجز العافية ما يدفع المضار ويروى حواجز بليته أي ما يمنعها والامتنان بستر الأعمار لكون الاطلاع عليها واشتغال الخاطر بخوف الموت مما يبطل نظام الدنيا والغرض تنبيه الغافل عن انقضاء العمر لستر حده وانتهائه وخلف العبر إبقاؤها بعد ارتحال الماضين كأنها خليفة لهم.

أم هذا الذي قيل أم هاهنا إما استفهامية على حقيقتها كأنه قال أعظكم وأذكركم بحال الشيطان وإغوائه أم بحال الإنسان من ابتداء وجوده إلى حين مماته وإما أن تكون منقطعة بمعنى بل كأنه قال عادلا وتاركا لما وعظهم به


بل أتلو عليكم بناء هذا الإنسان الذي حاله كذا والشغف بضمتين جمع شغاف بالفتح وهو في الأصل غلاف القلب وحجابه استعير هنا لوضع الولد والدهاق بكسر الدال الذي أدهق أي أفرغ إفراغا شديدا وقيل الدهاق المملوءة من قولهم دهق الكأس كجعله ملأها ويروى دفاقا من دفقت الماء أي صببته والمحق المحو والإبطال والنقص وسميت ثلاث ليال من آخر الشهر محاقا لأن القمر يقرب من الشمس فتمحقه واستعير للعلقة لأنها لم تتصور بعد فأشبهت ما أبطلت صورته وفي الأوصاف تحقير للإنسان كما أومئ إليه بالإشارة والراضع الطفل يرضع أمه كيسمع أي يمتص ثديها والأم مرضعة والوليد المولود وكأن المراد به الفطيم واليافع الغلام الذي شارف الاحتلام ولما يحتلم يقال أيفع الغلام فهو يافع وهو من النوادر.

قال في سر الأدب في ترتيب أحوال الإنسان هو ما دام في الرحم جنين فإذا ولد فوليد ثم ما دام يرضع فرضيع ثم إذا قطع منه اللبن فهو فطيم ثم إذا دب ونمى فهو دارج فإذا بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسي فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور فإذا نبتت أسنانه بعد السقوط فهو مثغر فإذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو مترعرع وناشئ فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق فإذا احتلم واجتمعت قوته فهو حرور واسمه في جميع هذه الأحوال غلام فإذا اخضر شاربه قيل قد بقل وجهه فإذا صار ذا فتاء فهو فتى وشارخ فإذا اجتمعت لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع ثم ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شاب ثم هو كهل إلى أن يستوفي الستين وقيل إذا جاوز أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين فإذا جاوزها فهو شيخ.

ثم منحه أي أعطاه واللافظ الناطق ويقال لحظ إذا نظر بمؤخر عينيه وكأن المراد هنا مطلق النظر ويقصر على بناء الإفعال أي ينتهي والمعنى أعطاه القوى الثلاثة ليعتبر بحال الماضين وما نزل بساحة العاصين وينتهي عما يفضيه إلى أليم النكال وشديد الوبال أو ليفهم دلائل الصنع والقدرة ويستدل بشواهد


الربوبية على وجوب الطاعة والانتهاء عن المعصية فينزجر عن الخلاف والعصيان ويتخلص عن الخيبة والخسران والاعتدال التناسب والاستقامة والتوسط بين الحالين في كم أو كيف وقيام الاعتدال تمام الخلقة والصورة وتناسب الأعضاء وخلوها عن النقص والزيادة وكمال القوى المحتاج إليها في تحصيل المآرب واستوى أي اعتدل والمثال بالكسر المقدار وصفه الشيء ويقال استوى الرجل إذا بلغ أشده أي قوته وهو ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين ونفرت الدابة كضرب أي فر وذهب.

٣٦ ـ الفقيه ، عن محمد بن علي الكوفي عن إسماعيل بن مهران عن مرازم عن جابر بن يزيد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وقع الولد في جوف (١) أمه صار وجهه قبل ظهر أمه إن كان ذكرا وإن كان أنثى صار وجهها قبل بطن أمها يداه على وجنتيه وذقنه على ركبتيه كهيئة الحزين المهموم فهو كالمصرور منوط بمعاء من سرته إلى سرة أمه فبتلك السرة يغتذي من طعام أمه وشرابها إلى الوقت المقدر لولادته فيبعث الله تعالى (٢) ملكا فيكتب على جبهته شقي أو سعيد مؤمن أو كافر غني أو فقير ويكتب (٣) أجله ورزقه وسقمه وصحته فإذا انقطع الرزق المقدر له من سرة أمه زجره الملك زجرة فانقلب فزعا من الزجرة وصار رأسه قبل المخرج (٤) فإذا وقع إلى الأرض دفع (٥) إلى هول عظيم وعذاب أليم إن أصابته ريح أو مشقة أو مسته يد وجد لذلك من الألم ما يجده المسلوخ عند جلده يجوع فلا يقدر على استطعام (٦) ويعطش فلا يقدر على استسقاء (٧) ويتوجع فلا يقدر على الاستغاثة فيوكل الله تعالى به الرحمة والشفقة عليه والمحبة له أمه فتقيه الحر والبرد بنفسها وتكاد تفديه بروحها وتصير من التعطف عليه بحال لا

__________________

(١) في المصدر : فى بطن.

(٢) فيه : اليه ملكا.

(٣) فيكتب ( خ ).

(٤) في المصدر : الفرج.

(٥) وقع ( خ ).

(٦) في المصدر : الاستطعام.

(٧) في المصدر : الاستسقاء.


تبالي أن تجوع إذا شبع وتعطش إذا روي وتعرى إذا كسي وجعل الله تعالى ذكره رزقه في ثديي أمه في إحداهما طعامه وفي الأخرى شرابه حتى إذا رضع آتاه الله في كل يوم بما قدر له فيه من الرزق وإذا أدرك فهمه الأهل والمال والشره والحرص ثم هو مع ذلك بعرض (١) الآفات والعاهات والبليات من كل وجه والملائكة تهديه وترشده والشياطين تضله وتغويه فهو هالك إلا أن ينجيه الله تعالى وقد ذكر الله تعالى ذكره نسبة الإنسان في محكم كتابه فقال عز وجل « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ » (٢)

قال جابر بن عبد الله الأنصاري فقلت يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مليا ثم قال يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه (٣) يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة وأرحاما طاهرة يحفظها بملائكته ويربيها بحكمته ويغذوها بعلمه فأمرهم يجل عن أن يوصف وأحوالهم تدق عن أن تعلم لأنهم نجوم الله في أرضه وأعلامه في بريته وخلفاؤه على عباده وأنواره في بلاده وحججه على خلقه يا جابر هذا من مكنون العلم ومخزونه فاكتمه إلا من أهله (٤).

بيان : في القاموس الوجنة مثلثة وككلمة ومحركة ما ارتفع من الخدين والمصرور الأسير لأنه مجموع اليدين من صررت جمعت وقال صر الناقة شد ضرعها وقال ناطه نوطا علقه والشره بالتحريك غلبة الحرص.

__________________

(١) في المصدر : تعرضه.

(٢) المؤمنون : ١٢ ـ ١٦.

(٣) في المصدر : جل ذكره.

(٤) الفقيه : ٥٨٩.


٣٧ ـ الكافي ، عن العدة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال ومحمد بن عيسى عن يونس قالا عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ومما فيه أن أمير المؤمنين عليه‌السلام جعل دية الجنين مائة دينار وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار وذلك أن الله عز وجل خلق الإنسان من سلالة وهي النطفة فهذا جزء ثم علقة فهو جزءان ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء ثم عظما فهو أربعة أجزاء ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار إلى قوله فإذا أنشئ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس فيه ألف دينار كاملة إن كان ذكرا وإن كان أنثى فخمسمائة دينار (١).

٣٨ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة فقال عليه عشرون دينارا فقلت فيضربها فتطرح العلقة فقال أربعون (٢) دينارا قلت فيضربها فتطرح المضغة قال عليه ستون دينارا قلت فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم فقال عليه الدية كاملة بهذا قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت فما صفة خلقة النطفة التي تعرف بها فقال النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ثم تصير إلى علقة قلت فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها فقال هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة قلت فما صفة المضغة وخلقتها التي تعرف بها قال هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر متشبكة ثم تصير إلى عظم قلت فما صفة خلقته إذا كان عظما فقال إذا كان عظما شق له السمع والبصر ورتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٣٤٢.

(٢) في المصدر : عليه أربعون.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٣٤٥.


٣٩ ـ ومنه ، عن صالح بن عقبة عن يونس الشيباني قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام فإن خرج في النطفة قطرة دم قال القطرة عشر النطفة فيها اثنان وعشرون دينارا قلت فإن قطرت قطرتين قال أربعة وعشرون دينارا قال قلت فإن قطرت بثلاث قال فست وعشرون دينارا قلت فأربع قال فثمانية وعشرون دينارا وفي خمس ثلاثون (١) وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى تصير علقة فإذا صارت علقة ففيها أربعون دينارا فقال له أبو شبل وأخبرنا أبو شبل قال حضرت يونس وأبو عبد الله عليه‌السلام يخبره بالديات قال قلت فإن النطفة خرجت متخضخضة بالدم قال فقال لي فقد علقت إن كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وإن كان دما أسود فلا شيء عليه إلا التعزير لأنه ما كان من دم صاف فذلك للولد وما كان من دم أسود فذلك من الجوف قال أبو شبل فإن العلقة صار فيها شبه العرق من لحم قال اثنان وأربعون العشر قال قلت فإن عشر الأربعين أربعة قال لا إنما هو عشر المضغة لأنه إنما ذهب عشرها فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين قال قلت فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا قال فذلك عظم كذلك أول ما يبتدئ العظم فيبتدئ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزاد أربعة أربعة حتى تتم (٢) الثمانين قال قلت وكذلك إذا كسي العظم لحما قال كذلك قلت فإذا وكزها فسقط الصبي فلا يدرى أحيا كان أم لا قال هيهات يا با شبل إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية (٣).

بيان : الخضخضة تحريك الماء ونحوه إنما هو عشر المضغة أي عشر الدية التي زيدت لصيرورتها مضغة والوكز كالوعد الدفع والطعن والضرب بجمع الكف ثم إن الخبر يدل على أن ولوج الروح بعد الخمسة أشهر وهو خلاف المشهور وما

__________________

(١) في المصدر : ثلاثون دينارا.

(٢) في المصدر : يتم.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٣٦٥.


دل عليه غيره من الأخبار من أن ولوج الروح بعد الأربعة أشهر ولعل المراد أنه قد يكون كذلك.

٤٠ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب عن أبيه عن سعيد المسيب قال : سألت علي بن الحسين عليه‌السلام عن رجل ضرب امرأته حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا فقال إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا قلت فما حد النطفة فقال هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما قال وإن طرحته وهو علقة فإن عليه أربعين دينارا قلت فما حد العلقة فقال هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوما قال وإن طرحته وهو مضغة فإن عليه ستين دينارا قلت فما حد المضغة فقال هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة وعشرين يوما قال وإن طرحته وهو نسمة مخلقة له عظم ولحم مرتب (١) الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة قلت له أرأيت تحوله في بطنها إلى حال أبروح كان ذلك أو بغير روح قال بروح عدا الحياة القديم المنقول في أصلاب الرجال وأرحام النساء ولو لا أنه كان فيه روح عدا الحياة ما تحول من حال (٢) إلى حال في الرحم وما كان إذن على من يقتلانه (٣) دية وهو في تلك الحال (٤).

توضيح مرتب الجوارح في بعض النسخ مزيل الجوارح أي امتازت وافترقت جوارحه بعضها عن بعض كما قال تعالى « لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا » (٥) وفي بعضها مربل بالراء المهملة والباء الموحدة قال الجوهري تربلت المرأة كثر لحمها بروح غذاء الحياة المراد إما روح الوالدين أو القوة النامية وفي بعضها عدا بالمهملتين من غير مدة فالمراد به أن تحوله بروح غير الروح الذي خلق لأجله قبل

__________________

(١) في المصدر : مزيل.

(٢) في المصدر : عن حال بعد حال.

(٣) في المصدر : يقتله.

(٤) الكافي : ج ٧ ، ص ٣٤٧.

(٥) الفتح : ٢٥.


خلق الأجساد لأنه لم يتعلق به بعد فالمراد بالروح الأول القوة النامية أو روح الوالدين وعلى النسختين المنقول صفة روح لا الحياة والمراد بالقديم ما تقادم زمانه لأنه خلق قبل خلق الأجساد كما سيأتي إن شاء الله وإطلاق القتل على الإسقاط قبل تعلق الروح مجاز.

٤١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن الحسين بن خالد قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام إنا روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال من شرب الخمر لم يحتسب صلاته أربعين يوما قال فقال صدقوا قلت وكيف لا يحتسب (١) صلاته أربعين صباحا لا أقل من ذلك ولا أكثر فقال إن الله جل وعز قدر خلق الإنسان فصيره نطفة أربعين يوما ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوما فهو إذا شرب الخمر بقي في مشاشته (٢) أربعين يوما على قدر انتقال خلقته ثم قال عليه‌السلام كذلك جميع غذاء أكله وشربه يبقى في مشاشته (٣) أربعين يوما (٤).

٤٢ ـ ومنه ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن علي بن عيسى رفعه في ما ناجى الله به موسى عليه‌السلام قال يا موسى أنا السيد الكبير إني خلقتك من نطفة « مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » من طينة أخرجتها من أرض ممشوجة (٥) فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا الخبر (٦).

٤٣ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن

__________________

(١) في المصدر : لا تحتسب.

(٢) في المصدر : مشاشه.

(٣) في المصدر : مشاشه.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٠٢.

(٥) في المصدر : ارض ذليله ممشوجة. وقال المؤلف ـ ره ـ في مرآة العقول : أى مخلوطة من أنواع ، والمراد : أنى خلقتك من نطفة وأصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الأرض وهو آدم عليه‌السلام واخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على الوان وأنواع مختلفة.

(٦) روضة الكافي : ٤٤.


عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الميت يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق الله منها كما خلق أول مرة (١).

٤٤ ـ ومنه ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن إبراهيم بن مسلم الحلواني عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن في الجنة لثمرة تسمى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله من صلبه مؤمنا (٢).

٤٥ ـ العلل ، عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن إبراهيم بن مخلد عن أحمد بن إبراهيم عن محمد بن بشير عن محمد بن سنان عن أبي عبد الله القزويني قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام فقلت لأي علة يولد الإنسان هاهنا ويموت في موضع آخر قال إن (٣) الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه خلقهم من أديم الأرض فيرجع (٤) كل إنسان إلى تربته (٥).

٤٦ ـ تفسير الإمام ، قال عليه‌السلام في سياق قصة ذبح البقرة ثم ذبحوها وأخذوا قطعة وهي عجب الذنب الذي منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أراد خلقا جديدا فضربوه بها القصة.

٤٧ ـ البصائر ، عن الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل الهمداني وغيره عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أراد الله أن يقبض روح إمام ويخلق من بعده إماما أنزل قطرة من ماء تحت العرش إلى الأرض فيلقيها على ثمرة أو بقلة فيأكل تلك الثمرة أو تلك البقلة الإمام الذي يخلق الله منه نطفة الإمام الذي يقوم من بعده قال فيخلق الله من تلك القطرة نطفة في الصلب ثم يصير إلى الرحم

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥١.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١٤.

(٣) في المصدر : لان.

(٤) وفي المصدر وفي بعض النسخ الكتاب : فمرجع.

(٥) العلل : ج ١ ، ص ٢٩٠.


فيمكث فيها أربعين ليلة فإذا مضى له أربعون ليلة سمع الصوت فإذا مضى له أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (١) فإذا خرج إلى الأرض أوتي الحكمة وزين بالعلم والوقار وألبس الهيبة وجعل له مصباح من نور يعرف به الضمير ويرى به أعمال العباد.

أقول : قد مضت الأخبار في بدء خلق الإمام وخواصه في المجلدات السابقة المتعلقة بالإمامة فلا نعيدها حذرا من التكرار.

٤٨ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي هاشم الجعفري عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في حديث طويل ذكر فيه إتيان الخضر أمير المؤمنين عليه‌السلام وسؤاله عن مسائل وأمره عليه‌السلام الحسن بجوابه فقال الحسن عليه‌السلام في سياق الأجوبة وأما ما ذكرت من أمر الرجل يشبه أعمامه وأخواله فإن الرجل إذا أتى أهله بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب استكنت تلك النطفة في تلك الرحم فخرج الولد يشبه أباه وأمه وإن (٢) أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرحم فوقعت على عرق من العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه (٣) الولد أعمامه وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله إلى آخر ما سيأتي من الخبر الطويل (٤).

بيان : في القاموس هدأ كمنع هدءا وهدوءا سكن وأقول يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم تضطرب النطفة تحصل المشابهة التامة لأن المني يخرج من جميع البدن فيقع كل جزء موقعه وإذا اضطربت حصلت المشابهة الناقصة فيشبه الأعمام إذا كان الأغلب مني الرجل لأنهم أيضا يشبهون الأب مشابهة ناقصة وإن غلب مني الأم أشبه الأخوال كذلك ويمكن أن يكون بعض العروق في بدن الأب منسوبا إلى

__________________

(١) الأنعام : ١١٥.

(٢) في المصدر : وإن هو.

(٣) في المصدر : أشبه الولد.

(٤) علل الشرائع : ج ١ ، ص ٩١.


الأعمام وفي بدن الأم منسوبا إلى الأخوال ففي الاضطراب يعلو المني الخارج من ذلك العرق فالمراد بالعرق مني العرق وهذا لا يخلو من بعد.

٤٩ ـ تفسير الإمام ، قال عليه‌السلام في قوله تعالى « يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ » (١) من نطفة « مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » فجعله « فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ » فقدره فنعم القادر رب العالمين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن النطفة تثبت في الرحم أربعين يوما نطفة ثم يصير علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ثم يجعل بعده عظما ثم يكسى لحما ثم يلبس الله بعده جلدا ثم ينبت عليه شعرا ثم يبعث الله عز وجل ملك الأرحام فيقال له اكتب أجله وعمله ورزقه وشقيا يكون أو سعيدا فيقول الملك يا رب أنى لي بعلم ذلك فيقال له استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ فيستمليه منهم.

٥٠ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي محمد المدائني عن عائذ بن حبيب بياع الهروي عن عيسى بن زيد رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يثغر الغلام لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع ويفرق بينهم في المضاجع لعشر ويحتلم لأربع عشرة (٢) وينتهي طوله إلى اثنتين (٣) وعشرين سنة وينتهي عقله إلى ثمان (٤) وعشرين سنة إلا التجارب (٥).

بيان : قال المطرزي ثغر الصبي فهو مثغور سقطت رواضعه وأما إذا نبت بعد السقوط فهو مثغر بالتاء والثاء وقد اثغر على افتعل.

٥١ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن موسى بن عمر عن علي بن الحسين عن الحسن الضرير عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام يشب الصبي كل سنة أربع أصابع بأصابع نفسه (٦).

٥٢ ـ ومنه ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني

__________________

(١) البقرة : ٢١.

(٢) في المصدر : لاربع عشرة سنة.

(٣) في المصدر : اثنتين.

(٤) في المصدر : لثمان.

(٥) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٦.

(٦) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٦.


عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : الغلام لا يلقح بتفلك ثدياه [ ثدييه ] وبسطح (١) ريح إبطيه (٢).

بيان : لا يلقح لا يجامع (٣) وهو كناية عن البلوغ وفي القاموس فلك ثديها وتفلك استدار.

٥٣ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن خليل بن عمرو اليشكري عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول إذا كان الغلام ملتاث الأدرة صغير الذكر ساكن النظر فهو ممن يرجى خيره ويؤمن شره قال وإذا كان الغلام شديد الأدرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممن لا يرجى خيره ولا يؤمن شره (٤).

توضيح في أكثر النسخ ملتاث الأدرة بالتاء المثناة ثم الثاء المثلثة من اللوثة بالضم وهي الاسترخاء والأدرة نفخة في الخصية وكأن المراد بها هنا نفس الخصية أي مسترخي الخصية متدليها وفي بعضها الإزرة بالزاي أي هيئة الائتزار والتياثة كناية عن أنه لا يجود شد الإزار والمنطقة بحيث يرى منه حسن الائتزار فعجب به كما هو عادة الظرفاء وفي بعضها ملثاث بالثاءين المثلثتين واللث والإلثاث واللثلثة الإلحاح والإقامة ودوام المطر واللثلثة الضعف والحبس (٥) والتردد في الأمر ذكرها الفيروزآبادي والأول أنسب.

٥٤ ـ الكافي ، عن علي بن محمد بن بندار عن أبيه عن محمد بن علي الهمداني عن أبي سعيد الشامي عن صالح بن عقبة قال سمعت العبد الصالح يقول تستحب

__________________

(١) في أكثر النسخ : يتفلك ثدياه ويسطع .. وفي المصدر : وتسطع.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٦.

(٣) في أكثر النسخ « أو ».

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٥١.

(٥) في القاموس [ طبعة مصر ] ، الجيش. والظاهر ان الصواب هو الحبس ، لانه من معاني اللثلثة.


عرامة الغلام (١) في صغره ليكون حليما في كبره ثم قال ما ينبغي إلا أن يكون هكذا وروي أن أكيس الصبيان أشدهم بغضا للكتاب (٢).

بيان : العرامة سوء الخلق والفساد والمرح والأشرار والمراد ميله إلى اللعب وبغضه للكتاب أي عرامته في صغره علامة عقله وحلمه في كبره وينبغي أن يكون الطفل هكذا فأما إذا كان منقادا ساكنا حسن الخلق في صغره يكون بليدا في كبره كما هو المجرب والكتاب بالتشديد المكتب.

٥٥ ـ الدر المنثور ، عن محمد بن كعب القرطي قال : قرأت في التوراة أو قال في صحف إبراهيم فوجدت فيها يقول الله تعالى يا ابن آدم ما أنصفتني خلقتك ولم تك شيئا وجعلتك بشرا سويا خلقتك « مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ » ثم جعلتك « نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ » ثم خلقت « النُّطْفَةَ عَلَقَةً » فخلقت « الْعَلَقَةَ مُضْغَةً » فخلقت « الْمُضْغَةَ عِظاماً » فكسوت « الْعِظامَ لَحْماً » ثم أنشأتك « خَلْقاً آخَرَ » يا ابن آدم هل يقدر على ذلك غيري ثم خففت ثقلك على أمك حتى لا تتبرم بك (٣) ولا تتأذى ثم أوحيت إلى الأمعاء أن اتسعي وإلى الجوارح أن تفرقي فاتسعت الأمعاء من بعد ضيقها وتفرقت الجوارح من بعد تشبيكها ثم أوحيت إلى الملك الموكل بالأرحام أن يخرجك من بطن أمك فاستخلصك (٤) على ريشة من جناحه فاطلعت عليك فإذا أنت خلق ضعيف ليس لك سن يقطع ولا ضرس يطحن فاستخلصت لك في صدر أمك ثديا (٥) يدر لك لبنا باردا في الصيف حارا في الشتاء واستخلصته من بين جلد ولحم ودم وعروق وقذفت لك في قلب والدتك الرحمة وفي قلب أبيك التحنن فيهما يكدان ويجهدان ويربيانك ويغذيانك ولم يناما حتى ينومانك ابن آدم أنا فعلت ذلك بك لا بشيء استأهلته به مني أو لحاجة استعنت على قضائها ابن آدم فلما قطع

__________________

(١) في المصدر : الصبى.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٥١.

(٣) في المصدر : لا تتمرض.

(٤) في المصدر : فاستخلصتك.

(٥) في المصدر : عرقا.


سنك وطلع (١) ضرسك أطعمتك فاكهة الصيف وفاكهة الشتاء في أوانهما فلما (٢) عرفت أني ربك عصيتني فالآن إذ عصيتني فادعني وإني « قَرِيبٌ مُجِيبٌ » وادعني « فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ » (٣)

٥٦ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة قال : كنت أجالس أبا عبد الله عليه‌السلام فلا والله ما رأيت مجلسا أنيل (٤) من مجالسه.

قال فقال لي ذات يوم من أين تخرج العطسة فقلت من الأنف فقال لي أصبت الخطأ فقلت جعلت فداك من أين تخرج فقال من جميع البدن كما أن النطفة تخرج من جميع البدن ومخرجها من الإحليل ثم أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض جميع أعضائه وصاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام (٥).

٥٧ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخلق فقال إن الله تعالى لما خلق الخلق من طين أفاض بها كإفاضة القداح فأخرج المسلم فجعله سعيدا وجعل الكافر شقيا فإذا وقعت النطفة تلقتها الملائكة فصوروها ثم قالوا يا رب أذكر أو أنثى فيقول الرب جل جلاله أي ذلك شاء فيقولان « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » ثم يوضع (٦) في بطنها فتردد تسعة أيام وفي كل عرق ومفصل منها وللرحم ثلاثة أقفال قفل في أعلاها مما يلي أعلى السرة من جانب الأيمن والقفل الآخر في وسطها أسفل (٧) من الرحم فيوضع بعد تسعة أيام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة

__________________

(١) في المصدر : طحن.

(٢) في المصدر : فاكهة الصيف في اوانها وفاكهة الشتاء في اوانها فلما أن عرفت.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣١٦.

(٤) في المصدر وبعض نسخ الكتاب : أنبل.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٦٥٧.

(٦) في المصدر : توضع.

(٧) في المصدر وبعض نسخ الكتاب : والقفل الآخر أسفل ...


أشهر فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوع ثم ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر وسرة الصبي فيها مجمع العروق وعروق المرأة كلها منها يدخل طعامه وشرابه من تلك العروق ثم ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر فذلك تسعة أشهر ثم تطلق المرأة فكلما طلقت انقطع عرق من سرة الصبي فأصابها ذلك الوجع ويده على سرته حتى يقع على الأرض ويده مبسوطة فيكون رزقه حينئذ من فيه (١).

بيان أفاض بها كإفاضة القداح قال الجوهري إفاضة القداح الضرب بها والقداح جمع القدح بالكسر وهو السهم قبل أن يراش وينصل فإنهم كانوا يخلطونها ويقرعون بها بعد ما يكتبون عليها أسماءهم وفي التشبيه إشارة لطيفة إلى اشتباه خير بني آدم بشرهم إلى أن يميز الله الخبيث من الطيب كذا ذكره بعض الأفاضل.

أقول يمكن أن يقرأ القداح بفتح القاف وتشديد الدال وهو صانع القدح أي أفاض وشرع في بريها ونحتها كالقداح فيراهم مختلفة كالقداح قوله فتردد لعل ترددها كناية عما يؤثر فيها من مزاج الأم أو ما يختلط بها من نطفة الأم الخارجة من جميع عروقها ثم إنه يحتمل أن يكون نزولها إلى الأوسط والأسفل ببعضها لعظم جثتها لا بكلها قوله أسفل من الرحم أي هو أسفل موضع منها وفي القاموس الطلق وجع الولادة وقد طلقت المرأة طلقا على ما لم يسم فاعله ويده أي يد الصبي.

٥٨ ـ الكافي ، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إذا وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها أربعين يوما وتكون علقة أربعين يوما وتكون مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقال لهما اخلقا كما يريد الله ذكرا أو أنثى صوراه واكتبا أجله ورزقه ومنيته وشقيا أو سعيدا واكتبا لله

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٥.


الميثاق الذي أخذه (١) في الذر بين عينيه فإذا دنا خروجه من بطن أمه بعث الله إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره فيفزع فزعا فينسى الميثاق ويقع إلى الأرض ويبكي من زجرة الملك (٢).

٥٩ ـ قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت الرضا عليه‌السلام أن يدعو الله عز وجل لامرأة من أهلنا بها حمل فقال قال أبو جعفر عليه‌السلام الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر فقلت له إنما لها أقل من هذا فدعا لها ثم قال إن النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوما وتكون علقة ثلاثين يوما وتكون مضغة ثلاثين يوما وتكون مخلقة وغير مخلقة ثلاثين يوما فإذا تمت الأربعة أشهر بعث الله تعالى إليها ملكين خلاقين يصورانه ويكتبان رزقه وأجله وشقيا أو سعيدا الخبر (٣).

٦٠ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ » أي خلقناكم في الأصلاب وصورناكم في أرحام النساء ثم قال وصور ابن مريم في الرحم دون الصلب وإن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء ورفع وعليه مدرعة من صوف.

حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله المحمدي عن كثير بن عياش عن (٤) أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ » قال أما « خَلَقْناكُمْ » فنطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما (٥) ثم لحما وأما « صَوَّرْناكُمْ » فالعين والأنف والأذنين والفم واليدين والرجلين صور هذا ونحوه ثم جعل الدميم والوسيم والجسيم والطويل والقصير وأشباه هذا (٦).

__________________

(١) في المصدر : اخذه عليه.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٦.

(٣) قرب الإسناد : ٢٠٦.

(٤) في المصدر : عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٥) في المصدر : عظما.

(٦) تفسير القمي : ٢١٢.


٦١ ـ ومنه ، « خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها » يعني آدم وزوجته حواء « فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » قال البطن والرحم والمشيمة (١).

٦٢ ـ ومنه ، « أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ » يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها الله وهي المشيمة والرحم والبطن (٢).

٦٣ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس قال : إنما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة الإنسان لأن الله عز وجل بحكمته خلق الإنسان من ستة أجزاء فوضع المواريث على ستة أسهم وهو قوله عز وجل « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ » ففي النطفة دية « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً » ففي العلقة دية « فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً » وفيها دية « فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً » وفيها دية « فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً » وفيه دية أخرى « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » وفيه دية أخرى فهذا ذكر آخر المخلوق (٣).

٦٤ ـ قصص الراوندي ، بإسناده عن الصدوق بإسناده عن شهر بن حوشب قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة أتاه رهط من اليهود فسألوه عن مسائل منها قالوا كيف يكون الشبه من المرأة وإنما النطفة للرجل فقال أنشدكم بالله أتعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة وأن نطفة المرأة حمراء رقيقة فأيتها غلب (٤) على صاحبتها كان لها الشبه قالوا اللهم نعم الخبر.

٦٥ ـ ومنه ، بإسناده عن الصدوق عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن السياري عن إسحاق بن إبراهيم عن الرضا عليه‌السلام قال : إن الملك قال لدانيال أشتهي أن يكون لي ابن مثلك فقال ما محلي من قلبك قال أجل محل وأعظمه

__________________

(١) التفسير : ٥٧٤.

(٢) التفسير : ١٣٢.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٨٤.

(٤) كذا ، والصواب « غلبت ».


قال دانيال فإذا (١) جامعت فاجعل همتك في قال ففعل الملك ذلك فولد له ابن أشبه خلق الله بدانيال.

بيان أقول ذكر الأطباء أيضا أن للتخيل في وقت الجماع مدخلا في كيفية تصوير الجنين قال ابن سينا في القانون قد قال قوم من العلماء ولم يعدوا عن حكم الجواز إن من أسباب الشبه ما يتمثل حال العلوق في وهم المرأة أو الرجل من الصور الإنسانية تمثلا متمكنا انتهى وقال بعضهم تصور رجل عند الجماع صورة حية فتولد منه طفل كان رأسه رأس إنسان وبدنه بدن حية.

٦٦ ـ قرب الإسناد ، عن السندي بن محمد عن أبي البختري [ عن ] وهب القرشي عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أن رجلا أتى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال إن امرأتي هذه جارية حدثة وهي عذراء وهي حامل في تسعة أشهر ولا أعلم إلا خيرا وأنا شيخ كبير ما افترعتها وإنها لعلى حالها فقال له علي عليه‌السلام نشدتك بالله هل كنت تهريق على فرجها قال نعم فقال علي عليه‌السلام إن لكل فرج ثقبتين ثقب يدخل فيه ماء الرجل وثقب يخرج منه البول وأفواه الرحم تحت الثقب الذي يدخل منه ماء الرجل فإذا دخل الماء في فم واحدة من أفواه الرحم حملت المرأة بولد واحد وإذا دخل في اثنين حملت (٢) باثنين وإذا دخل من ثلاثة حملت بثلاثة وإذا دخل من أربعة حملت بأربعة وليس هناك غير ذلك وقد ألحقت بك ولدها فشق عنها (٣) القوابل فجاءت بغلام فعاش (٤).

٦٧ ـ التهذيب ، بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت تلزمني المرأة أو الجارية من خلفي وأنا متكئ على جنب فتتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة وتنزل الماء أفعليها غسل أم لا قال نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء

__________________

(١) إذا ( خ ).

(٢) في المصدر : من اثنين حملت المرأة باثنين.

(٣) في المصدر « فسوغتها القوابل » وهو الصواب ظاهرا.

(٤) قرب الإسناد : ٩١.


وجب عليها الغسل.

٦٨ ـ ومنه ، بسند موثق عن معاوية بن حكيم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإن عليها الغسل.

٦٩ ـ ومنه ، بإسناده عن يحيى بن أبي طلحة أنه سأل عبدا صالحا عن رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت عليها غسل أم لا قال أليس قد أنزلت من شهوة قلت بلى قال عليها غسل.

٧٠ ـ ومنه ، بسند صحيح عن ابن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج فتنزل المرأة هل عليها غسل قال نعم.

تبيان أقول الأخبار في هذا المعنى كثيرة وهي تدل مع ما مر من الأخبار في شبه الأعمام والأخوال على أن للمرأة منيا كالرجل كما ذهب إليه جالينوس وأكثر الأطباء وذهب أرسطو وجماعة من الحكماء إلى أنه ليس للمرأة مني وإنما تنفصل من بيضتها (١) رطوبة شبيهة بالمني يقال لها المني مجازا إذ عندهم أن المني ما اجتمع فيه خمس صفات بياض اللون وحصول اللذة عند الخروج والقوة العاقدة والدفق ورائحة شبيهة برائحة الطلع وإذا امتزج مني الرجل بتلك الرطوبة تتولد منه مادة الجنين ومني الرجل هي العاقدة والفاعلة ورطوبة المرأة هي المنعقدة والمنفعلة وقال جالينوس وأتباعه في كل منهما قوة عاقدة ومنعقدة والحق أن النزاع في إطلاق المني على رطوبة المرأة وعدمه لفظي لا طائل تحته وقد مر في الأخبار الكثيرة أن الولد يتكون من المنيين معا وسيأتي بعض القول فيه أيضا في آخر الباب إن شاء الله.

٧١ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، قوله « سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ » (٢) قال فإنه حدثني أبي عن النضر

__________________

(١) بيضتيها ( خ ).

(٢) يس : ٣٦.


ابن سويد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر فتأكل الناس منه والبهائم فيجري فيهم (١).

٧٢ ـ العلل ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ابن آدم منتصب في بطن أمه وذلك قول الله عز وجل « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ » (٢) وما سوى ابن آدم فرأسه في دبره ويداه (٣) بين يديه (٤).

٧٣ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ » قال السلالة الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير نطفة والنطفة أصلها من السلالة والسلالة هو من (٥) صفوة الطعام والشراب والطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله « مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ » أي في الأنثيين ثم في الرحم « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً » إلى قوله « أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » وهذه استحالة أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعين يوما ثم يصير علقة (٦).

٧٤ ـ ومنه ، قوله « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ » إلى قوله « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » فهي ستة أجزاء وستة استحالات وفي كل جزء واستحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا وفي العلقة أربعون دينارا وفي المضغة ستون دينارا وفي العظم ثمانون دينارا وإذا كسي لحما فمائة دينار حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة (٧).

٧٥ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » فهو نفخ الروح فيه (٨).

__________________

(١) تفسير القمي : ٥٥١.

(٢) البلد : ٤.

(٣) في نسخة مخطوطة : فرأسه في دبرة بين يديه.

(٤) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ١٨١.

(٥) في المصدر : والنطفة من السلالة والسلالة من صفوة.

(٦) تفسير القمي : ٤٤٥.

(٧) تفسير القمي : ٤٤٥.

(٨) التفسير : ٤٤٦.


٧٦ ـ ومنه ، « وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ » قال هو آدم عليه‌السلام « ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ » أي ولده « مِنْ سُلالَةٍ » وهو الصفوة من الطعام والشراب « مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » قال النطفة المني « ثُمَّ سَوَّاهُ » أي استحاله من نطفة إلى علقة ومن العلقة (١) إلى مضغة ثم (٢) نفخ فيه الروح (٣).

٧٧ ـ ومنه ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً » يعني ليس معهن ذكر « وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ » يعني ليس معهم أنثى « أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً » أي يهب لمن يشاء ذكرانا وإناثا جميعا يجمع له البنين والبنات (٤).

٧٨ ـ ومنه ، عن أبيه عن المحمودي ومحمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن إسماعيل الدارمي (٥) عن محمد بن سعيد أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن علي بن محمد عن مسائل وفيها أخبرنا عن قول الله « أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً » فهل يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري عليه‌السلام فكان من جواب أبي الحسن عليه‌السلام أما قوله « أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً » فإن الله تعالى زوج ذكران المطيعين إناثا من الحور العين وإناث المطيعات من الإنس ذكران المطيعين ومعاذ الله أن يكون الجليل عنى (٦) ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة (٧) لارتكاب المآثم (٨).

بيان لا يخفى بعد ما ذكر في الخبر من سياق الآية وكأنه على سبيل التنزل

__________________

(١) في المصدر : علقة.

(٢) فيه : حتى.

(٣) التفسير : ٥١١.

(٤) التفسير : ٦٠٥.

(٥) كذا في نسخ الكتاب ، وفي المصدر « الرازي » وهو الصواب ظاهرا ، لعدم ذكر من « محمد بن إسماعيل الدارمي » فى كتب الرجال.

(٦) في أكثر النسخ « اعنى ».

(٧) في المصدر : طلبا لرخصة.

(٨) تفسير القمي : ٦٠٥.


أي لو كان المراد بالتزويج ما زعمت لاحتمل محملا صحيحا أيضا أو يكون هذا بطنا من بطون الآية ويمكن تصحيحه بوجه لا يأبى عن سياق الآية بأن يكون الغرض بيان أحوال جميع أفراد البشر أو المؤمنين في الأزواج (١) والأولاد فإنهم إما أن يكونوا تزوجوا في الدنيا أم لا فعلى الأول إما يهب لهم إناثا مع الذكران أو بدونهم أو يهب لهم ذكرانا مع الإناث وبدونهن على سبيل منع الخلو أو يجعلهم عقيما لا يولد لهم وعلى الثاني يزوج المؤمنين والمؤمنات في الآخرة.

٧٩ ـ التهذيب ، عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي جرير القمي قال : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن النطفة ما فيها من الدية وما في العلقة وما في المضغة المخلقة وما يقر في الأرحام قال إنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ففي النطفة أربعون دينارا وفي العلقة ستون دينارا وفي المضغة ثمانون دينارا فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مائة دينار قال الله عز وجل « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » فإن كان ذكرا ففيه الدية وإن كانت أنثى ففيها ديتها.

٨٠ ـ معاني الأخبار ، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد (٢) عن علي بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد الله (٣) عليه‌السلام حيث دخل عليه داود الرقي فقال له جعلت فداك إن الناس يقولون إذا مضى للحمل (٤) ستة أشهر فقد فرغ الله من خلقته فقال أبو الحسن عليه‌السلام يا داود ادع ولو بشق الصفا فقلت (٥) وأي شيء الصفا قال ما يخرج مع الولد فإن

__________________

(١) الزواج ( خ ).

(٢) في المصدر : عن محمد بن أحمد.

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، وفي المصدر : عند أبى الحسن عليه‌السلام.

(٤) في المصدر : للحامل.

(٥) فيه : فقلت جعلت فداك.


الله عز وجل يفعل ما يشاء (١).

٨١ ـ الإقبال ، عن الحسين بن علي عليه‌السلام في دعاء يوم عرفة ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب أمنا لريب المنون واختلاف الدهور فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أيام الكفرة الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا علي للذي سبق لي من الهدى الذي (٢) يسرتني وفيه أنشأتني ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمتك فابتدعت خلقي « مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى » ثم أسكنتني « فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » بين لحم وجلد ودم لم تشهرني بخلقي ولم تجعل إلي شيئا من أمري ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا وحفظتني في المهد طفلا صبيا ورزقتني من الغذاء لبنا مريئا وعطفت علي قلوب الحواضن وكفلتني الأمهات الرحائم وكلأتني من طوارق الجان وسلمتني من الزيادة والنقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمان حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت علي سوابغ الإنعام فربيتني زائدا في كل عام حتى إذا كملت فطرتي واعتدلت سريرتي أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك وروعتني بعجائب فطرتك وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ونبهتني لذكرك وشكرك وواجب طاعتك وعبادتك وفهمتني ما جاءت به رسلك ويسرت لي تقبل مرضاتك ومننت علي في جميع ذلك بعونك ولطفك ثم إذ خلقتني من حر الثرى لم ترض لي يا إلهي نعمة دون أخرى ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنك العظيم علي وإحسانك القديم إلي حتى إذا أتممت علي جميع النعم وصرفت عني كل النقم لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك إن دللتني على ما يقربني إليك ووفقتني لما يزلفني لديك إلى آخر الدعاء (٣).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٥.

(٢) في المصدر : فيه يسرتنى.

(٣) الإقبال : ٢٤٠.


بيان ثم أسكنتني الأصلاب أي جعلت مادة وجودي مودعة في أصلاب آبائي فإن نطفة كل ولد كانت في صلب والده وكلهم كانوا من علل وجوده وريب المنون حوادث الدهر ذكره الجوهري وأمنا مفعول له أي حفظت مادة وجودي في الأصلاب لأكون آمنا من حوادث الدهر واختلاف الدهور وهو معطوف على ريب أو المنون والظاعن السائر وقال الجوهري قدم الشيء بالضم قدما فهو قديم وتقادم مثله انتهى فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأيام المتقادمة والخالية الماضية للذي متعلق بقوله أخرجتني ويحتمل أن يكون اللام للظرفية وللعلة الذي يسرتني أي جعلتني قابلا له كما قال تعالى « فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » (١) بين لحم وجلد ودم الظاهر أنه ليس تفسيرا للظلمات الثلاث أي كونتني أو حال كوني بين لحم الرحم وجلدها والدم الذي فيها أو كنت بين تلك الأجزاء من بدني والأول أظهر لم تشهرني بخلقي أي لم تجعل تلك الحالات الخسيسة ظاهرة للخلق في ابتداء خلقي لأصير محقرا مهينا عندهم بل سترت تلك الأحوال عنهم وأخرجتني بعد اعتدال صورتي وخروجي عن تلك الأحوال الدنية والطفل المولود والصبي الغلام وهما متقاربان في المعنى فالصبي إما تأكيد أو إشارة إلى اختلاف مراتب المولود بأن يكون الطفولية قبل الصبا والأول أظهر إذ يطلق على المولود حين كونه في المهد طفلا وصبيا فيكون الجمع بينهما إشارة إلى حالتي المولود فباعتبار نعومة بدنه طفل وباعتبار قلة عقله صبي فلذا قال تعالى « كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا » (٢) وما قيل من أن الصبي أعم من الطفل لأن المولود إذا فطم لا يسمى طفلا يضعفه قوله تعالى « أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ » (٣).

قال الراغب الصبي من لم يبلغ الحلم قال تعالى « كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ

__________________

(١) الليل : ٧.

(٢) مريم : ٢٩.

(٣) النور : ٣١.


صَبِيًّا » وقال الطفل الولد ما دام ناعما وقد يقع على الجمع قال تعالى « ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً » وقال « أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ » وقد يجمع على أطفال قال عز وجل « وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ » (١) وباعتبار النعمة قيل امرأة طفلة انتهى.

والغذاء ما يتغذى به من الطعام والشراب والمري إما من المهموز أي الموافق للطبع فخفف أو من المعتل من قولهم مريت الناقة مريا إذا مسحت ضرعها لتدر والمري على فعيل الناقة الكثيرة اللبن والعطف الشفقة والإمالة يقال عطف العود أي ميله وعلى الأول يكون على بناء التفعيل والحواضن النساء اللاتي يقمن بتربية الصبيان والحضن ما دون الإبط إلى الكشح وحضن الطير بيضه لأنه يضمه إلى نفسه تحت جناحه ولما كانت الأمهات يحضن الأولاد سمين حواضن والكافل الحافظ لغيره قال تعالى « وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا » (٢) وكلأتني أي حفظتني من طوارق الجان أي جماعة من الجن يطرقون بشر على الأطفال كأم الصبيان والطارق في الأصل الذي يأتي بالليل لاحتياجه إلى طرق الباب ثم استعمل في كل شر نزل سواء كان بالليل أو بالنهار والمراد بالزيادة والنقصان ما يصير منهما سببا لتشويه الخلقة وضعف البنية والاستهلال رفع الصوت واستهلال الصبي صياحه عند الولادة وكمال الفطرة إشارة إلى قوة الأعضاء والقوى الظاهرة واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة أوجبت أي ألزمت وأتممت وروعتني أي أفزعتني وخوفتني والعلم بعجائب الفطرة يصير سببا للخوف للعلم بعظمة الرب سبحانه ووفور نعمه وتقصير المكلف في أداء شكره كما قال تعالى « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (٣) وقال « إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ » (٤) أو المعنى :

__________________

(١) النور : ٥٩.

(٢) آل عمران : ٣٧.

(٣) فاطر : ٢٨.

(٤) المؤمنون : ٥٨.


ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة وقال الفيروزآبادي الحر بالضم خيار كل شيء ومن الطين والرمل الطيب ومن الرمل وسطه والثرى التراب الندي.

أقول سيأتي شرح تلك الفقرات مستوفى عند ذكر الدعاء بتمامه في محله إن شاء الله تعالى.

٨٢ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » قال خلقه من قطرة من ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا (١).

٨٣ ـ ومنه ، « أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » قال أي ناطق عالم بليغ (٢).

٨٤ ـ ومنه ، « هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ » قال يعني ذكرا وأنثى أسود وأبيض وأحمر صحيحا وسقيما (٣).

٨٥ ـ ومنه ، « ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ » قال عرق في الظهر يكون منه الولد (٤).

٨٦ ـ ومنه ، « إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ » أي مستقرين قوله « مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى » قال تتحول النطفة إلى الدم فتكون أولا دما ثم تصير نطفة وتكون في الدماغ في عرق يقال له الوريد وتمر في فقار الظهر فلا تزال تجوز فقرا فقرا حتى تصير إلى (٥) الحالبين فتصير أبيض وأما نطفة المرأة فإنها تنزل من صدرها (٦).

__________________

(١) تفسير القمي : ٣٥٧.

(٢) التفسير : ٥٥٣.

(٣) التفسير : ٨٧.

(٤) التفسير : ٦٩٥.

(٥) في المصدر : فى.

(٦) تفسير القمي : ٦٥٥.


بيان : قال الجوهري الحالبان عرقان مكتنفان بالسرة.

٨٧ ـ التفسير ، « لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً » قال لم يكن في العلم ولا في الذكر (١).

٨٨ ـ وفي حديث آخر كان في العلم ولم يكن في الذكر « نَبْتَلِيهِ » أي نختبره (٢).

٨٩ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله « أَمْشاجٍ » قال ماء الرجل وماء المرأة اختلطا جميعا (٣).

بيان لم يكن في العلم أي علم الملائكة.

٩٠ ـ التفسير ، « مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » قال المخلقة إذا صارت دما وغير المخلقة قال السقط (٤).

٩١ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام « لِنُبَيِّنَ لَكُمْ » أنكم كنتم كذلك في الأرحام « وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ » فلا يخرج سقطا (٥).

٩٢ ـ حدثنا محمد بن جعفر عن محمد بن أحمد عن العباس عن ابن أبي نجران عن محمد بن القاسم عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر (٦).

بيان لا يبعد أن يكون دما تصحيف تاما.

٩٣ ـ التفسير ، « إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ » قال « مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ » (٧).

٩٤ ـ ومنه ، « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ » قال من دم (٨).

__________________

(١ و ٢) التفسير : ٧٠٦.

(٣) التفسير : ٧٠.

(٤ و ٥) التفسير : ٤٣٥.

(٦) تفسير القمي : ٤٣٥.

(٧) التفسير : ٦٩٦.

(٨) التفسير : ٧٣١.


٩٥ ـ مجمع البيان ، روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك لما قدموا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة سألوه فقالوا يا محمد كيف نومك فقد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان فقال تنام عيناي وقلبي يقظان قالوا صدقت يا محمد فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو المرأة فقال أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة قالوا صدقت يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء أو يشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شيء فقال أيهما علا ماؤه كان الشبه له قالوا صدقت يا محمد قالوا أخبرنا عن ربك ما هو فأنزل الله « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » إلى آخر السورة (١) الخبر.

٩٦ ـ الكافي ، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له رجل ذهبت إحدى بيضتيه فقال إن كانت اليسار ففيها الدية قلت ولم أليس قلت ما كان في الجسد اثنان ففيه (٢) نصف الدية قال لأن الولد من البيضة اليسرى (٣).

٩٧ ـ الفقيه ، بإسناده عن أبي يحيى الواسطي رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الولد يكون من البيضة اليسرى فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية وفي اليمنى ثلث الدية (٤).

بيان قال الشهيد الثاني قدس‌سره انحصار التولد في الخصية اليسرى قد أنكره بعض الأطباء ونسبه الجاحظ في حياة الحيوان إلى العامة ولو صح نسبته إليهم عليهم‌السلام لم يلتفت إلى إنكار منكره انتهى.

وأقول هذا شيء لا يمكن العلم به غالبا إلا من طريق الوحي والإلهام والتجربة قاصرة عنه مع أنه يمكن أن يحمل على أن اليسرى أدخل في ذلك.

٩٨ ـ توحيد المفضل ، نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به فأول

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ص ١٩٣.

(٢) في المصدر : ففى كل واحد نصف الدية.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٣١٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٥١١.


ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب « فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ » ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاءه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثديي أمه كالإداوتين المعلقتين لحاجته فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء لين الأعضاء حتى إذا تحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوى بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه ويسهل له إساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعز الرجل الذي يخرج به عن حد الصبا وشبه النساء وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقيا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل وبقاؤه.

اعتبر يا مفضل في ما يدبر به الإنسان في هذه الأحوال المختلفة هل ترى يمكن أن يكون بالإهمال أفرأيت لو لم يجر إليه ذلك الدم وهو في الرحم ألم يكن سيذوى ويجف كما يجف النبات إذا فقد الماء ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ألم يكن سيبقى في الرحم كالموءود في الأرض ولو لم يوافقه اللبن مع ولادته ألم يكن سيموت جوعا أو يغتذي بغذاء لا يلائمه ولا يصلح عليه بدنه ولو لم تطلع عليه الأسنان في وقتها ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته أو يقيمه على الرضاع فلا يشتد بدنه ولا يصلح لعمل ثم كان تشتغل أمه بنفسه عن تربية غيره من الأولاد ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ألم يكن سيبقى في هيئة الصبيان والنساء فلا ترى له جلالة ولا وقارا؟


فقال المفضل فقلت يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته ولا ينبت الشعر في وجهه وإن بلغ حال الكبر فقال ذلك بما قدمت أيديهم « وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » فمن هذا الذي يرصده حتى يوافيه بكل شيء من هذه المآرب إلا الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن ثم توكل له بمصلحته بعد أن كان فإن كان الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطإ والمحال لأنهما ضد (١) الإهمال وهذا فظيع من القول وجهل من قائله لأن الإهمال لا يأتي بالصواب والتضاد لا يأتي بالنظام تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا.

ولو كان المولود يولد فهما عاقلا لأنكر العالم عند ولادته ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم واعتبر ذلك بأن من سبي من ولد [ بلد ] إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع في تعلم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجى في المهد لأنه لا يستغني عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حتى يولد ثم كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج إلى الدنيا غبيا غافلا عما فيه أهله فيلقى الأشياء بذهن ضعيف ومعرفة ناقصة ثم لا يزال يتزيد (٢) في المعرفة قليلا قليلا وشيئا بعد شيء وحالا بعد حال حتى يألف الأشياء ويتمرن ويستمر عليها فيخرج من حد التأمل بها والحيرة فيها إلى التصرف والاضطراب إلى المعاش بعقله وحيلته وإلى الاعتبار والطاعة والسهو والغفلة والمعصية.

وفي هذا أيضا وجوه أخر فإنه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة وما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكافاة بالبر والعطف عليهم عند حاجتهم

__________________

(١) ضدا الاهمال ( ظ ).

(٢) يتزايد ( خ ).


إلى ذلك منهم ثم كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم لأن الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم فيتفرقون عنهم حين يولدون فلا يعرف الرجل أباه وأمه ولا يمتنع من نكاح أمه وأخته وذوات المحارم منه إذ كان لا يعرفهن وأقل ما في ذلك من القباحة بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرج المولود من بطن أمه وهو يعقل أن يرى منها ما لا يحل له ولا يحسن به أن يراه أفلا ترى كيف أقيم كل شيء من الخلقة على غاية الصواب وخلا من الخطاء دقيقة وجليله.

اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة واعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعللا عظيمة من ذهاب البصر وغيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتانه ويتوخيان في الأمور مرضاته لئلا يبكي وهما لا يعلمان أن البكاء أصلح له وأجمل عاقبة فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال ولو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشيء أنه لا منفعة فيه من أجل أنهم لا يعرفونه ولا يعلمون السبب فيه فإن كل ما لا يعلمه المنكرون يعلمه العارفون وكثيرا ما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه وعلت كلمته فأما ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في أبدانهم لأحدثت عليهم الأمور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حد البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من الأمراض المتلفة كالفالج واللقوة وما أشبههما فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم فتفضل على خلقه بما جهلوه ونظر لهم بما لم يعرفوه ولو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته فسبحانه ما أجل نعمته وأسبغها على المستحقين وغيرهم من خلقه وتعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا.

أقول : قد مر شرحه وتمامه في كتاب التوحيد.


٩٩ ـ العلل ، عن علي بن حاتم عن إسماعيل بن علي بن قدامة عن أحمد بن علي بن ناصح عن جعفر بن محمد الأرمني عن الحسن بن عبد الوهاب عن علي بن حديد المدائني عمن حدثه عن المفضل بن عمر قال : سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن الطفل يضحك من غير عجب ويبكي من غير ألم فقال يا مفضل ما من طفل إلا وهو يرى الإمام ويناجيه فبكاؤه لغيبة الإمام عنه وضحكه إذا أقبل إليه حتى إذا أطلق لسانه أغلق ذلك الباب عنه وضرب على قلبه بالنسيان (١).

بيان لا استبعاد في ظاهر الخبر مع صحته ويحتمل أن يكون المراد برؤية الإمام ومناجاته توجه وشمول شفاعته ولطفه ودعائه له فإن لهم تصرفا في العوالم يقصر العقل عن إدراكه.

١٠٠ ـ التوحيد ، عن القاسم بن محمد السراج عن جعفر بن محمد بن موسى (٢) عن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد عن محمد بن أكرم (٣) بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تضربوا أطفالكم على بكائهم (٤) فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله وأربعة أشهر الدعاء لوالديه (٥).

بيان يحتمل أن يكون المراد بالخبر مع ضعفه أن لوالديه ثواب هذه الأذكار والأدعية فينبغي أن لا يملوا ولا يضربوهم وقال بعض المحققين السر فيه أن الطفل أربعة أشهر لا يعرف سوى الله عز وجل الذي فطر على معرفته وتوحيده فبكاؤه توسل إليه والتجاء به سبحانه خاصة دون غيره فهو شهادة له بالتوحيد وأربعة أخرى يعرف أمه من حيث إنها وسيلة لاغتذائه فقط لا من حيث إنها أمه ولهذا يأخذ

__________________

(١) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ٢٧٢.

(٢) كذا في نسخ الكتاب ، وفي المصدر : جعفر بن محمد بن إبراهيم السرندى.

(٣) في المصدر : محمد بن آدم.

(٤) البكاء ( خ ).

(٥) التوحيد : ٢٤٢.


اللبن من غيرها أيضا في هذه المدة غالبا فلا يعرف فيها بعد الله إلا من كان وسيلة بين الله وبينه في ارتزاقه الذي هو مكلف به تكليفا طبيعيا من حيث كونها وسيلة لا غير وهذا معنى الرسالة فبكاؤه في هذه المدة بالحقيقة شهادة بالرسالة وأربعة أخرى يعرف أبويه وكونه محتاجا إليهما في الرزق فبكاؤه فيها دعاء لهما بالسلامة والبقاء في الحقيقة.

١٠١ ـ الدر المنثور ، عن ابن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه عن مسائل فكان في ما سألوه كيف ماء الرجل من ماء المرأة وكيف الأنثى منه والذكر فقال إن ماء الرجل أبيض غليظ وإن ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله تعالى إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن الله وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله تعالى.

١٠٢ ـ وعن أنس قال : سأل عبد الله بن سلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه قال أخبرني جبرئيل أنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها.

١٠٣ ـ وعن ابن عباس في قوله تعالى « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ » قال خلقوا في ظهر آدم ثم صوروا في الأرحام (١).

١٠٤ ـ وفي رواية أخرى عنه خلقوا في أصلاب الرجال ثم صوروا في أرحام النساء (٢).

١٠٥ ـ وفي رواية أخرى عنه قال : أما قوله « خَلَقْناكُمْ » فآدم وأما « صَوَّرْناكُمْ » فذريته (٣).

١٠٦ ـ وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن العزل فقال لا عليكم أن تفعلوا إن يكن مما أخذ الله منها الميثاق فكانت على الصخرة نفخ

__________________

(١_٣) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٧٢.


فيه الروح (١).

١٠٧ ـ وعن ابن مسعود أنه سئل عن العزل فقال لو أخذ الله ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لأخرجه من ذلك الصفا فإن شئت فاعزل وإن شئت لا تعزل (٢).

١٠٨ ـ وعن ابن عباس في قوله تعالى « مِنْ سُلالَةٍ » قال السلالة صفر صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد (٣).

١٠٩ ـ وعن ابن عباس مرفوعا النطفة التي يخرج منها الولد ترعد لها الأعضاء والعروق كلها إذا خرجت وقعت في الرحم (٤).

١١٠ ـ وعن علي عليه‌السلام قال : إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث فذلك قوله « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » يعني نفخ الروح (٥).

١١١ ـ وعن ابن عباس في قوله « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » يقول خرج من بطن أمه بعد ما خرج فكان من بدء خلقه الآخر أن استهل ثم كان من خلقه أن دل (٦) على ثدي أمه ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد إلى أن حبا إلى أن قام على رجليه إلى أن مشى إلى أن فطم فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام إلى أن بلغ الحلم إلى أن بلغ إلى أن يتقلب في البلاد (٧).

١١٢ ـ وعن قتادة « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » قال يقول بعضهم هو نبات الشعر وبعضهم يقول هو نفخ الروح (٨).

١١٣ ـ وعن حذيفة بن أسيد قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربع أو بخمس وأربعين ليلة أي رب أشقي أم سعيد أذكر أم أنثى فيقول الله ويكتبان ثم يكتب عمله ورزقه وأجله وأثره ومصيبته

__________________

(١) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ١٤٤.

(٢) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ١٤٤.

(٣) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٦.

(٤) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٦.

(٥) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٧.

(٦) في المصدر : دله.

(٧) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٧.

(٨) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٧.


ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها (١).

١١٤ ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول يا رب أذكر أم أنثى فيقضي الله ما هو قاض فيقول أشقي أم سعيد فيكتب ما هو لاق وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله « وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ » (٢).

١١٥ ـ وعن عبد الله بن مسعود قال : إذا جئناكم بحديث أتيناكم بتصديقه من كتاب الله إن النطفة تكون في الرحم أربعين ثم تكون علقة أربعين ثم تكون مضغة أربعين فإذا أراد الله أن يخلق الخلق نزل الملك فيقول له اكتب فيقول ما ذا أكتب فيقول شقيا (٣) أو سعيدا ذكرا أو أنثى وما رزقه وأثره وأجله فيوحي الله بما يشاء ويكتبه الملك ثم قرأ عبد الله « إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ » ثم قال عبد الله أمشاجها عروقها (٤).

١١٦ ـ وعن ابن عباس في قوله « مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ » قال ماء الرجل وماء المرأة حين يختلطان (٥).

١١٧ ـ وعن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله « مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ » قال اختلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت أبا ذويب وهو يقول :

كأن الريش والفوقين منه

خلال النسل خالطه مشيج(٦)

١١٨ ـ وعن ابن عباس في قوله « مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ » قال مختلفة الألوان (٧).

__________________

(١) الدر المنثور : ج ٤ ، ص ٣٤٥ ( مقطعا ).

(٢) الدر المنثور : ج ٦ : ص ٢٢٧.

(٣) في المصدر : اكتب شقيا ...

(٤_٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٩٧.

(٧) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٩٨.


١١٩ ـ وعن مجاهد « مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ » قال ألوان نطفة الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء (١).

١٢٠ ـ وعن قتادة « إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ » قال طورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة وطورا عظاما ثم كسونا « الْعِظامَ لَحْماً » وذلك أشد ما يكون إذا كسي اللحم « ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » قال أنبت له الشعر « فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » فأنبأه الله مما خلقه وأبناه إنما بين ذلك ليبتليه بذلك ليعلم كيف شكره ومعرفته لحقه فبين الله له ما أحل له وما حرم عليه ثم قال « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً » لنعم الله « وَإِمَّا كَفُوراً » بها (٢).

١٢١ ـ وعن عكرمة في قوله « أَمْشاجٍ » قال الظفر والعظم والعصب من الرجل واللحم والدم والشعر من المرأة (٣).

١٢٢ ـ وعن مالك بن الحويرث قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد الله أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعصب منها فإذا كان اليوم السابع أحضر الله له كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » (٤)

١٢٣ ـ وعن مجاهد « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » قال إما قبيحا وإما حسنا وشبه أب أو أم أو خال أو عم (٥).

١٢٤ ـ وعن علي بن رياح عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له ما ولد لك قال يا رسول الله ما عسى أن يولد لي إما غلام وإما جارية قال فمن يشبه قال يا رسول الله ما عسى أن يشبه إما أباه وإما أمه فقال لا تقولن هذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم فركب خلقه في صورة من تلك الصور أما قرأت هذه الآية في كتاب الله « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » من نسبك ما بينك وبين آدم (٦).

__________________

(١_٣) الدر المنثور : ج ٦ ص ٢٩٨.

(٤) المصدر : ج ٦ ، ص ٣٢٣.

(٥ و ٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٣.


١٢٥ ـ وعن ابن أبي حاتم في قوله « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال صلب الرجل وترائب المرأة لا يكون الولد إلا منهما (١).

١٢٦ ـ وعن ابن أبزى قال : الصلب من الرجل والترائب من المرأة (٢).

١٢٧ ـ وعن ابن عباس « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال ما بين الجيد والنحر (٣).

١٢٨ ـ وعن مجاهد قال : الترائب أسفل من التراقي (٤).

١٢٩ ـ وعن ابن عباس في قوله « وَالتَّرائِبِ » قال تريبة المرأة وهو موضع القلادة (٥).

١٣٠ ـ وعن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال الترائب موضع القلادة من المرأة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر :

والزعفران على ترائبها

شرقا به اللبات والنحر(٦)

١٣١ ـ وعن عكرمة أنه سئل عن قوله « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال صلب الرجل وترائب المرأة أما سمعت قول الشاعر :

نظام اللؤلؤ على ترائبها

شرقا به اللبات والنحر(٧)

١٣٢ ـ وعن ابن عباس قال : الترائب بين ثديي المرأة (٨).

١٣٣ ـ عن سعيد بن جبير قال : الترائب الصدر (٩).

١٧ ـ وعن عكرمة وابن عياض مثله (١٠).

١٣٤ ـ وعن ابن عباس قال : الترائب أربعة أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع (١١).

__________________

(١_٧) المصدر : ج ٦ ، ص ٣٣٦.

(٨) لم نجد هذه الرواية في الدر المنثور.

(٩ـ١١) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٣٦.


١٣٥ ـ وعن الأعمش قال : يخلق العظام والعصب من ماء الرجل ويخلق اللحم والدم من ماء المرأة (١).

١٣٦ ـ وعن قتادة في قوله « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » قال يخرج من بين صلبه ونحره « إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ » قال إن الله على بعثه وإعادته لقادر « يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ » قال إن هذه السرائر مختبرة فأسروا خيرا وأعلنوه « فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ » يمتنع بها « وَلا ناصِرٍ » ينصره من الله (٢).

١٣٧ ـ وعن ابن عباس في قوله « إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ » قال أن يجعل الشيخ شابا والشاب شيخا (٣).

١٣٨ ـ وعن مجاهد « إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ » قال على رجع النطفة في الإحليل (٤).

بيان : قوله كأن الريش أقول أورد الجوهري البيت هكذا :

كأن النصل والفوقين منها.

خلال الريش سيط به المشيج.

فائدة

قال بعض المحققين مبدأ عقد الصورة في مني الذكر ومبدأ انعقادها في مني الأنثى وهما بالنسبة إلى الجنين كالإنفحة واللبن بالقياس إلى الجبن وقيل إن لكل من المنيين قوة عاقدة وقابلة وإن كانت العاقدة في الذكوري أقوى والمنعقدة في الأنوثي أقوى ورجح ذلك بأنه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يتحدا شيئا واحدا ولم ينعقد مني الذكر حتى يصير جزء من الولد وقال بعضهم ولهذا إذا كان مزاج الأنثى قويا ذكوريا كما تكون أمزجة النساء الشريفة النفس القوية القوى وكان مزاج كبدها حارا كان المني المنفصل من الكلية اليمنى مقام مني الرجل في شدة قوة العقد والمنفصل من اليسرى مقام مني الأنثى في قوة الانعقاد فينخلق الولد بإذن الله وخصوصا إذا كانت النفس متأيدة بروح القدس متقومة به بحيث يسري اتصالها به إلى الطبيعة والبدن ويغير المزاج ويمد جميع القوى في أفعالها بالمدد الروحاني

__________________

(١ـ٤) الدر المنثور : ج ٦ ص ٣٣٦.


فتصير أقدر على أفعالها بما لا ينضبط بالقياس كما وقع للصديقة مريم بنت عمران على نبينا وآله وعلى ابنها وعليها‌السلام حيث تمثل لها روح القدس بشرا سوي الخلق حسن الصورة فتأثر نفسها به فتحركت على مقتضى الجبلة وسري الأثر من الخيال في الطبيعة فتحركت شهوتها فأنزلت كما يقع في المنام من الاحتلام انتهى.

وأقول قد مر أن نفوذ إرادة الله سبحانه وقدرته في أمر لا يتوقف على حصول تلك الأسباب العادية حتى يتكلف أمثال تلك التكلفات التي ربما انتهى القول به إلى نسبة أمور إلى النساء المقدسات المطهرات لا يرضى الله بها والكف عنها أحوط وأحرى.

ثم قالوا ابتداء خلقه الجنين (١) هو حصول الماء في الرحم وشبه بالعجين إذا ألصق بالتنور ثم يتغير عن حاله قليلا ويشبه بالبذر إذا طرح في الأرض ويسمى نطفة ثم تحصل فيه نقط دموية من دم الحيض ويسمى علقة ثم يظهر فيه حمرة ظاهرة منه فيصير شبيها بالدم الجامد ويعظم قليلا ويهيج فيه ريح حارة ويسمى مضغة ثم يتم ويتميز فيه الأعضاء الرئيسة الثلاثة (٢) ويظهر لسائر الأعضاء رسوم خفية ويسمى جنينا ثم يظهر فيه رسوم سائر الأعضاء ويقوى ويصلب ويجري فيه الروح ويتحرك ويسمى صبيا ثم تنفصل الرسوم وتظهر الصورة وينبت الشعر ثم ينفتح لسانه وتتم خلقته وتكمل خلقة الذكر قبل خلقة الأنثى وإذا كمل لم يكتف بما

__________________

(١) والذي ثبت في علم الفسيولوجيا أن في منى الرجل حيوانات صغيرة جدا تسمى « اسبرماتزوئيد » وأن المرأة تبيض كل شهر في الرحم وتخرج بيضاتها بدم الحيض ، فإذا وصل منى الرجل باحدى تلك البيضات اجتمع الاسبرماتزوئيدات حولها ودخل أقواها فيها وربما دخل الاثنان او أكثر معا فيتعدد الجنين وعندئذ يحصل للبيضة حالة لا يمكن معها دخول سائر الاسبرماتزوئيدات ، وبعد ذلك لا يزال ينشأ وينمو ويتزايد بصيرورته بالانفصال اثنين ثم أربعة وهكذا ، ثم يظهر فيه نقطتان حمراوان إحداهما موضع القلب والأخرى موضع المخ ، ثم يظهر رسوم الأعضاء ثم صورها حتى يكتمل جميع الأعضاء وينفخ فيها الروح.

(٢) وهي القلب والكبد والمخ.


يجيئه من الغذاء من دم الحيض فيتحرك حركات صعبة قوية وانتهكت رباطات الرحم فكانت الولادة.

وقال بعضهم الرحم موضوعة في ما بين المثانة والمعى المستقيم وهي مربوطة برباطات على هيئة السلسلة وجسمها عصبي ليمكن امتدادها واتساعها وقت الولادة والحاجة إلى ذلك وتنضم إذا استغنت ولها بطنان ينتهيان إلى فم واحد وزائدتان تسميان قرني (١) الرحم وخلف هاتين الزائدتين بيضتا المرأة وهما أصغر من بيضتي الرجل وأشد تفرطحا والمفرطح العريض ومنهما ينصب مني المرأة إلى تجويف الرحم وللرحم رقبة منتهية إلى فرج المرأة وتلك الرقبة من المرأة بمنزلة الذكر من الرجل فإذا امتزج مني الرجل بمني المرأة من تجويف الرحم كان العلوق ثم ينمي من دم الطمث ويتصل بالجنين عروق تأتي إلى الرحم فتغذوه حتى يتم ويكمل فإذا لم يكتف بما يجيئه من تلك العروق يتحرك حركات قوية طلبا للغذاء فيهتك أربطة الرحم التي قلنا إنها على هيئة السلسلة ويكون منها الولادة انتهى.

واعلم أنهم اتفقوا على أن المني يتولد من فضلة الهضم الرابع في الأعضاء قال بقراط في كتابه في المني إن جمهور مادة المني هو من الدماغ فإنه ينزل منه إلى العرقين اللذين خلف الأذنين ثم منهما إلى النخاع لئلا يبعد من الدماغ وما يشبهه مسافة طويلة فيغير مزاجه ثم منه إلى الكليتين بعد نفوذه في العرقين الطالعين المتشعبين من الأجوف إلى العروق التي تأتي الأنثيين ولهذا قيل إن قطعهما يقطع النسل. ونقل الطبري عن بقراط أن الصقالبة إذا أرادوا أن يرتبوا (٢) أولادهم للدعوة أو للناموس بتروا منهم هذين العرقين فينقطع هذا المقطوع العرق عن الجماع ويصير بصورة النساء فيتبركون به ويتوسلون به إلى الله تعالى ويرون أن دعاءه مستجاب وأن الله قد اصطفاه واختاره وطهره من الخبائث وجالينوس أنكر ذلك وخطأ قول بقراط.

__________________

(١) قرطى الرحم ( خ ).

(٢) يربوا ( ظ ).


وقال الشيخ أنا أرى أن المني ليس يجب أن يكون من الدماغ وحده وإن كانت خميرته منه وصح ما يقوله بقراط من أمر العرقين بل يجب أن يكون له من كل عضو رئيس عين ومن الأعضاء الأخرى ترشح أيضا إلى هذه الأصول.

وقال القرشي في شرح القانون إنما يكون تولد المني من الرطوبة المبثوثة على الأعضاء كالطل ومعلوم أنه ليس في كل عضو من الأعضاء مجرى يسيل فيه ما هناك من تلك الرطوبة إلى الأنثيين ثم إلى القضيب فلا يمكن أن يكون وصولها إلى هناك إلا بأن تتبخر تلك الرطوبة من الأعضاء حتى تتصعد إلى الدماغ وهناك تفارقها الحرارة المتبخرة فتبرد وتتكاثف وتعود إلى قوامها قبل التبخر ثم من هناك ينزل إلى العروق التي خلف الأذنين وينفذ إلى النخاع في عروق هناك لئلا يتغير عن التعدل الذي أفاده الدماغ فلا يتبخر بالحرارة كرة أخرى فإذا نزلت من هناك حتى وصلت إلى قرب الأنثيين صادف هناك عروقا واصلة من الكليتين إلى الأنثيين وتلك العروق مملوءة من الدم فتتسخن في الكليتين وتعدل فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهة بعض استحالة ثم بعد ذلك ينفذ إلى الأنثيين ويكمل فيهما تعدله وبياضه ونضجه ومنهما يندفع إلى أوعيته.

وأيد ذلك بما نقل من كتاب منسوب إلى هرمس في سر الخليقة قد فسره بليناس وهو أن المني إذا خرج من معادنه عند الجماع ائتلف بعضه إلى بعض وسما إلى الدماغ وأخذ الصورة منه ثم نزل في الذكر وخرج منه.

وقال شارح الأسباب مادة المني يأتي من الكبد إلى الكليتين في شعب من الأجوف النازل ويتصفى فيهما من المائية ثم منهما إلى المجرى الذي بينهما وبين الأنثيين وهو عرق كثير المعاطف والاستدارات ليطول المسافة بينهما فينضج فيه المني ويبيض بعد احمراره ثم منه إلى الأنثيين فهما يعينان على تمام تكون المني بإسخانها الدم النافذ في هذه العروق انتهى.

وقالوا ونبت من الأنثيين وعاءان مثل البربخين شبيهين بجوهر الأنثيين يصعدان أولا إلى العانة وإلى معلق البيضتين ثم ينزلان متوربين إلى عنق المثانة أسفل من


مجرى البول ثم يتصلان إلى المجرى الذي في أصل القضيب ويسمى هذان الوعاءان أوعية المني وهذان في الرجال أطول وأوسع منهما في النساء وفي القضيب مجار ثلاثة مجرى المني ومجرى البول ومجرى الودي كذا ذكر الشيخ في القانون وقال صاحب ترويح الأرواح في القضيب مجريان أحدهما مجرى البول والودي والآخر مجرى المني وكلامهم في ذلك كثير اكتفينا بذلك لتطلع في الجملة على بعض مصطلحاتهم فتستعملها في فهم ما مر وسيأتي من الآيات والأخبار والله يعلم حقائق الأمور.

وفي القاموس البربخ منفذ الماء ومجراه وهو الأردبة والبالوعة من الخزف.

(بسمه تعالى)

إلى هنا تم الجزء الرابع من المجلد الرابع عشر كتاب السماء والعالم من بحار الأنوار وهو الجزء السابع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهية. وقد قابلناه على النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ محمد تقي اليزدي بما فيها من التعليق والتنميق والله ولي التوفيق.

محمد الباقر البهبودى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والصلاة والسلام على رسوله وآله.

وبعد فقد بذلنا غاية المجهود في تصحيح هذا الجزء من كتاب « بحار الأنوار » وهو الجزء السابع والخمسون حسب تجزئتنا في هذا الطبعة وتنميقه والتعليق عليه ومقابلته بالنسخ والمصادر. نشكر الله تعالى على ما وفقنا لذلك ونسأله أن يديم توفيقنا ويزيدنا من فضله والله ذو الفضل العظيم.

قم المشرفة : محمد تقى اليزدي


( مراجع التصحيح والتخريج والتعليق )

قوبل هذا الجزء بعدة نسخ مطبوعة ومخطوطة ، منها النسخة المطبوعة بطهران سنة (١٣٠٥) المعروفة بطبعة أمين الضرب ، ومنها النسخة المطبوعة بتبرير ومنها النسخة المخطوطة النفيسة لمكتبة صاحب الفضيلة السيد جلال الدين الأرموي الشهير بـ « المحدث » واعتمدنا في التخريج والتصحيح والتعليق على كتب كثيرة نسرد بعض أساميها :

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ تفسير علي بن إبراهيم القمي المطبوع سنة ١٣١١ في ايران

٣ ـ تفسير فرات الكوفي المطبوع سنة ١٣٥٤ في النجف

٤ ـ تفسير مجمع البيان المطبوع سنة ١٣٧٣ في طهران

٥ ـ تفسير أنوار التنزيل للقاضي البيضاوي المطبوع سنة ١٢٨٥ في استانبول

٦ ـ تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي المطبوع سنة ١٢٩٤ في استانبول

٧ ـ الاحتجاج للطبرسي المطبوع سنة ١٣٥٠ في النجف

٨ ـ اصول الكافي للكليني المطبوع سنة ـ في طهران

٩ ـ الاقبال للسيد بن طاوس المطبوع سنة ١٣١٢ في طهران

١٠ ـ تنبيه الخواطر لورام بن أبي فراس المطبوع سنة ـ في طهران

١١ ـ التوحيد للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٥ في طهران

١٢ ـ ثواب الأعمال للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٥ في طهران

١٣ ـ الخصال الأعمال للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٤ في طهران

١٤ ـ الدر المنثور للسيوطي

١٥ ـ روضة الكافي للكليني المطبوع سنة ١٣٧٤ في طهران


١٦ ـ علل الشرائع الصدوق المطبوع سنة ١٣٧٨ في قم

١٧ ـ عيون الأخبار للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٧ في قم

١٨ ـ فروع الكافي للكلينى المطبوع سنة ـ في ـ

١٩ ـ المحاسن للبرقي المطبوع سنة ١٣٧١ في طهران

٢٠ ـ معاني الاخبار للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٩ في طهران

٢١ ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المطبوع سنة ١٣٧٨ في قم

٢٢ ـ من لا يحضره الفقيه للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٦ في طهران

٢٣ ـ نهج البلاغة للشريف الرضي المطبوع سنة ـ في مصر

٢٤ ـ اسد الغاية لعز الدين ابن الأثير المطبوع سنة ـ في طهران

٢٥ ـ تنقيح المقال للشيخ عبد الله المامقاني المطبوع سنة ١٣٥٠ في النجف

٢٦ ـ تهذيب الاسماء واللغات للحافظ محيى الدين بن شرف النورى المطبوع في مصر

٢٧ ـ جامع الرواة للاردبيلى المطبوع سنة ١٣٣١ في طهران

٢٨ ـ خلاصة تذهيب الكمال للحافظ الخزرجي المطبوع سنة ١٣٢ في مصر

٢٩ ـ رجال النجاشى المطبوع ـ ـ في طهران

٣٠ ـ روضات الجنات للميرزا محمد باقر الموسوى المطبوع سنة ١٣٦٧ في طهران

٣١ ـ الكنى والألغاب للمحدث القمي المطبوع سنة ـ في صيدا

٣٢ ـ لسان الميزان لابن حجر العسقلاني المطبوع سنة ـ فى حيدرآباد الدكن

٣٣ ـ الرواشح السماوية للسيد محمد باقر الحسيني الشهير بالداماد المطبوع سنة ١٣١١ في ايران

٣٤ ـ القبسات للسيد محمد باقر الحسينى الشهير بالداماد المطبوع سنة ١٣١٥ في ايران

٣٥ ـ رسالة مذهب ارسطاطا ليس للسيد محمد باقر الحسينى الشهير بالداماد المطبوعة بهامش القبسات

٣٦ ـ اثولوجيا المنسوب إلى ارسطاطا ليس المطبوعة بهامش القبسات


٣٧ ـ رسالة الحدوث لصدر المتألهين المطبوع سنة ١٣٠٢ في ايران

٣٨ ـ الشفاء للشيخ الرئيس ابى على بن سينا المطبوع سنة ١٣٠٣ في ايران

٣٩ ـ شرح التجريد تأليف المحقق الطوسى للعلامة الحلي المطبوع سنة ١٣٦٧ في قم

٤٠ ـ عين اليقين للمولى محسن الفيض الكاشاني المطبوع سنة ١٣١٣ في طهران

٤١ ـ مروج الذهب للمسعودى المطبوع سنة ١٣٤٦ في مصر

٤٢ ـ القاموس لمحيط للفيروزآبادى المطبوع سنة ١٣٣٢ في مصر

٤٣ ـ الصحاح للجوهري المطبوع سنة ١٣٧٧ في مصر

٤٤ ـ النهاية لمجد الدين ابن الاثير المطبوع سنة ١٣١١ في مصر


فهرس

(ما في هذا الجزء من الأبواب)

٢٩ ـ باب الرياح وأسبابها وأنواعها..................................... ٢٢ ـ ١

٣٠ ـ باب الماء وأنواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها وعلة المد والجزر والممدوح من الأنهار والمذموم منها ٥٠ ـ ٢٣

٣١ ـ باب الأرض وكيفيتها وما أعد الله للناس فيها وجوامع أحوال العناصر وما تحت الأرضين ١٠٠ ـ ٥١

٣٢ ـ باب آخر في قسمة الأرض إلى الأقاليم وذكر جبل قاف وسائر الجبال وكيفية خلقها وسبب الزلزلة وعلتها ١٥٠ ـ ١٠٠

٣٣ ـ باب تحريم أكل الطين وما يحل أكله منه..................... ١٦٣ ـ ١٥٠

٣٤ ـ باب المعادن وأحوال الجمادات والطبائع وتأثيراتها وانقلابات الجواهر وبعض النوادر ١٩٨ ـ ١٦٤

٣٥ ـ باب نادر................................................ ٢٠٠ ـ ١٩٨

٣٦ ـ باب الممدوح من البلدان والمذموم منها وغرائبها............... ٢٤٠ ـ ٢٠١

٣٧ ـ باب نادر ( مسائل ابن سلام عن النبي صلى الله عليه وآله ) ... ٢٦٣ ـ ٢٤١

أبواب الإنسان والروح والبدن وأجزائه وقواهما وأحوالهما

٣٨ ـ باب أنه لم سمي الإنسان إنسانا والمرأة مرأة والنساء نساء والحواء حواء.........

................................................................. ٢٦٨ ـ ٢٦٤

٣٩ ـ باب فضل الإنسان وتفضيله على الملك وبعض جوامع أحواله.. ٣٠٨ ـ ٢٦٨

٤٠ ـ باب آخر ( في تفشيل الأنسان على الملك ) ................. ٣١٧ ـ ٣٠٨

٤١ ـ باب بدء خلق الإنسان في الرحم إلى آخر أحواله.............. ٣٩١ ـ ٣١٧


( رموز الكتاب )

ب : لقرب الاسناد.

ع : للعلل الشرائع.

لد : للبلدين الامين.

بشا : لبشارة المصطفى.

عا : لدعائم الاسلام.

لي : لامالى الصدوق.

تم : لفلاح السائل.

عد : للعقائد.

م : لتفسير الامام العسكري (ع)

ثو : لثواب الاعمال.

عدة : للعدة.

ما : لامالى الطوسى.

ج : للاحتجاج.

عم : لاعلام الورى

محص : للتمحيص.

جا : لمجالس المفيد.

عين : للعيون والمحاسن.

مد : للعمدة.

جش : لفهرست النجاشي.

غر : للغرر والدرر.

مص : لمصباح الشريعة.

جع : لجامع الاخبار.

غط : لغيبة الشيخ.

مصبا : للمصباحين.

جم : لجماع الاسبوع.

غو : لغوالي اللئالي.

مع : لمعاني الاخبار.

جنة : للجنة.

ف : لتحف العقول.

مكا : لمكارم الاخلاق.

حة : لفرحة الغرى.

فتح : لفتح الابواب.

مل : لكامل الزيارة.

ختص : لكتاب الاختصاص

فر : لتفسير فرات بن إبراهيم.

منها : للمنهاج.

خص : لمنتخب البصائر.

فس : لتفسير علي بن إبراهيم.

مهج : لمهج الدعوات.

د : للعدد.

فض : لكتاب الروضة.

ن : لعيون أخبار الرضا (ع).

سر : للسرائر.

ق : للكتاب العتيق الغروى.

نيه : لتنبيه الخاطر.

سن : للمحاسن.

قب : لمناقب ابن شهر آشوب

نجم : لكتاب النجوم.

شا : للارشاد.

قبس : لقبس المصباح.

نص : للكافية.

شف : لكشف اليقين.

قضا : لقضاء الحقوق.

نهج : لنهج البلاغة.

شى : لتفسير العياشي.

قل : لاقبال الاعمال.

نى : لغيبة النعماني.

ص : لقصص الانبياء.

قية : للدروع.

هد : للهداية.

صا : للاستبصار.

ك : لاكمال الدين.

يب : للتهذيب.

صبا : لمصباح الزائر.

كا : للكافي.

يج : للخرائج.

صح : لصحيفة الرضا (ع)

كش : لرجال الكشي.

يد : للتوحيد.

ضا : لفقه الرضا (ع).

كشف : لكشف الغمة.

ير : لبصائر الدرجات.

ضوء : لضوء الشهاب.

كف : لمصباح الكفعمى.

يف : للطرائف.

ضه : لروضة الواعظين.

كنز : لكنز جامع الفوائد وتأويل الايات الظاهرة معاً.

يل : للفضائل.

ط : للصراط المستقيم.

ل : للخصال.

ين : لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه والنوادر.

طا : لامان الاخطار.

يه : لمن لايحضره الفقيه.

طب : لطب الائمة.

بحار الأنوار - ٦٠

المؤلف:
الصفحات: 397