(١٤)
(باب)
(الأيام والساعات والليل والنهار)
١
ـ الخصال : عن محمد بن موسى
بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه
عن ابن أبي عمير عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ساعات الليل اثنتا
عشرة ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وأفضل ساعات الليل والنهار أوقات الصلوات
ثم قال عليه السلام إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وهبت الرياح ونظر الله
عز وجل إلى خلقه وإني لأحب أن يصعد لي عند ذلك إلى السماء عمل صالح ثم قال عليكم
بالدعاء في أدبار الصلوات فإنه مستجاب .
٢
ـ ومنه : عن أبيه عن محمد
بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن الحسن بن
شمون عن أبي هاشم قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام لم جعلت صلاة الفريضة
والسنة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها قال إن ساعة الليل اثنتا عشرة ساعة وفيما
بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل لكل ساعة
ركعتين وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق .
٣
ـ العلل : عن أبيه إلى قوله
عن أبي هاشم الخادم وذكر الحديث وزاد في آخره فجعل للغسق ركعة .
بيان
: المراد بالركعة
ركعتا الوتيرة فإنهما تعدان بركعة والمراد بالساعة في الخبرين الساعات المعوجة الزمانية كما
سيأتي بيانها وعدم
__________________
إدخال الساعتين في
الليل والنهار مبني على اصطلاح خاص كان عند القدماء وأهل الكتاب ونقل أبو ريحان
البيروني في القانون المسعودي عن براهمة الهند أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس
وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق خارجان عن الليل والنهار بل هما بمنزلة الفصل
المشترك بينهما وذكره البرجندي في بعض تعليقاته.
٤
ـ العلل : في خبر ابن سلام
سئل النبي صلى الله عليه واله لم سمي الليل ليلا قال لأنه يلايل الرجال من النساء
جعله الله عز وجل ألفة ولباسا وذلك قول الله عزوجل « وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً » « وَجَعَلْنَا
النَّهارَ مَعاشاً » .
بيان
: الملايلة المعاملة
ليلا كالمياومة المعاملة يوما ويظهر منه أن الليل من الملايلة مع أن الظاهر العكس
ويمكن أن يكون تنبيها على أن أصل الليل الستر.
٥
ـ العلل : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه
عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لا تسبوا الرياح فإنها
مأمورة ولا تسبوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم .
بيان
: حاصله أن تلك
الأمور إن كان فيها شر أو نحوسة أو ضرر فكل ذلك بتقدير خالقها وهي مجبولة عليها
فلعنها لعن من لا يستحقه ومن لعن من لا يستحقه يرجع اللعن عليه.
٦
ـ تحف العقول : قال الحسن بن مسعود دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام وقد نكيت
إصبعي وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي فقلت كفاني الله
شرك من يوم فما أشأمك فقال لي يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له قال
الحسن فأثاب
__________________
إلي عقلي وتبينت
خطائي فقلت مولاي أستغفر الله فقال يا حسن ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا
جوزيتم بأعمالكم فيها قال الحسن أنا أستغفر الله أبدا وهي توبتي يا ابن رسول الله
قال والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه أما علمت يا
حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا قلت بلى يا مولاي
قال لا تعد ولا تجعل للأيام صنعا في حكم الله .
بيان
: هذا أي تقول هذا
وأنت تغشانا أي تدخل علينا فأثاب أي أرجع الإمام إلي عقلي ويدل على أنه ليس لحركات
الأفلاك وحدوث الأزمنة مدخل في الحوادث وهذا لا ينافي ما وقع من التحرز عن بعض
الساعات والأيام للأعمال لأنها بأمره تعالى تحرزا عما قدر الله حدوثه فيها كما قال
: أمير المؤمنين عليه السلام أفر من قضاء الله إلى قدره.
٧
ـ النهج : قال عليه السلام وقد
سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس .
بيان
: لعل عدوله عليه
السلام عن الجواب الحقيقي إلى الإقناعي للإشعار بقلة الفائدة في معرفة تلك المسافة
نحو ما قيل في قوله تعالى « قُلْ هِيَ مَواقِيتُ
لِلنَّاسِ » أو لعسر إثباتها على وجه لا يبقى للمنافقين من الحاضرين
سبيل إلى الإنكار كما صرح عليه السلام به في جواب من سأل عن عدد شعر لحيته أو لعدم
استعداد الحاضرين لفهمه بحجة ودليل وعدم المصلحة في ذكره بلا دليل.
٨
ـ العلل : لمحمد بن علي بن
إبراهيم قال : علة فضل الليل على النهار أن بالليل يكون البيات ويرفع العذاب وتقل
المعاصي وفيه ليلة القدر التي هي « خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ » .
__________________
بيان
: لعل المراد
بالبيات البيتوتة والنوم والاستراحة أو البيات إلى الطاعات والظاهر أنه كان السبات
فصحفه النساخ قال الجوهري السبات النوم وأصله الراحة ومنه قوله تعالى « وَجَعَلْنا
نَوْمَكُمْ سُباتاً » ويرفع العذاب عذاب المخلوقين على الغالب.
٩
ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن إسماعيل بن أبان عن عمرو بن عبد الله الثقفي قال : لما
أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر عليه السلام إلى الشام سأله عالم من علماء النصارى
عن مسائل فكان فيما سأله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا من النهار أي ساعة هي
فقال أبو جعفر عليه السلام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقال النصراني فإذا
لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي فقال أبو جعفر عليه
السلام من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا الخبر .
توضيح
: قد عرفت أن هذا
اصطلاح آخر في الليل والنهار وساعاتهما كان معروفا بين أهل الكتاب فأجابه عليه
السلام على مصطلحهم والحاصل أن هذه الساعة لا تشبه شيئا من ساعات الليل والنهار بل
هي شبيهة بساعات الجنة وإنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة
ولطافته واعتداله.
١٠
ـ إرشاد القلوب : بإسناده رفعه إلى الكاظم عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير
المؤمنين عليه السلام إن الله تعالى فرض على أمة محمد صلى الله عليه واله في الليل
والنهار خمس صلوات في خمسة أوقات اثنتان بالليل وثلاث بالنهار ثم جعل هذه الخمس
صلوات تعدل خمسين صلاة وجعلها كفارة خطاياهم الخبر.
١١
ـ الخصال : عن الحسن بن عبد
الله بن سعيد العسكري عن عمه عن أبي إسحاق قال أملى علينا تغلب ساعات الليل الغسق
والفحمة والعشوة والهدأة والسباع
__________________
والجنح والهزيع
والعفر والزلفة والسحرة والبهرة وساعات النهار الرأد والشروق
والمتوع والترجل والدلوك والجنوح والهجيرة والظهيرة والأصيل
والطفل.
توضيح
: قال الفيروزآبادي
الغسق محركة ظلمة أول الليل وقال الفحمة من الليل أوله أو أشد سواده أو ما بين
غروب الشمس إلى نوم الناس خاص بالصيف جمع فحام وفحوم وقال العشوة بالفتح الظلمة
كالعشاء ما بين أول الليل إلى ربعه والعشاء أول الظلام أو من
المغرب إلى العتمة أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر والعشية آخر النهار والعشاءان
المغرب والعتمة وفي المصباح المنير العشي قيل ما بين الزوال إلى الصباح وقيل العشي
والعشاء من صلاة المغرب إلى العتمة وعليه قول ابن فارس العشاءان المغرب والعتمة
قال ابن الأنباري العشية مؤنثة وربما ذكرتها العرب وقال بعضهم العشية واحدة جمعها
عشي والعشاء بالكسر والمد أول ظلام الليل والعشاء بالفتح والمد الطعام الذي يتعشى
به وقت العشاء وقال أتانا بعد هدء من الليل وهدء وهدأة وهديء ومهدأ وهدوء أي حين
هدأ الليل والرجل أو الهدء أول الليل إلى ثلثه وأما السباع فلم أجده فيما عندنا من
كتب اللغة وكأنه من السباع ككتاب بمعنى الجماع لأنه وقته أو من السبع لأنه مضى من
الليل سبع ساعات أو هو بالياء المثناة التحتانية قال في القاموس بعد سيعاء من
الليل بالكسر وكسيراء بعد قطع منه وبعد سوع من الليل وسواع كغراب بعد هدء وقال
جنوح الليل إقباله والجنح بالكسر الجانب ومن الليل الطائفة ويضم وقال الراغب في
مفرداته الجنح قطعة من الليل مظلمة وفي القاموس هزيع من الليل كأمير طائفة أو نحو
ثلثه أو ربعه والعفر في بعض النسخ بالعين المهملة والفاء وفي بعضها بالمعجمة و
__________________
على التقادير آخره
راء مهملة وفي بعضها الفغد بالفاء ثم الغين المعجمة وفي بعضها بالفاء ثم القاف وفي
بعضها بالنون ثم القاف وعلى التقادير آخره دال مهملة ولم أجد لشيء منها معنى
مناسبا وفي القاموس اليعفور جزء من أجزاء الليل فالأول أنسب إن لم يكن تصحيفه وفي
القاموس الزلفة بالضم الطائفة من الليل والجمع زلف كغرف وغرفات وغرفات وغرفات أو
الزلف ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل وقال الجوهري
الزلفة الطائفة من أول الليل وقال السحر قبل الصبح والسحرة بالضم السحر الأعلى
وقال الراغب في المفردات السحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار وجعل
اسما لذلك الوقت يقال لقيته بأعلى سحرين. وفي القاموس ابهار الليل انتصف أو تراكبت
ظلمته أو ذهبت عامته أو بقي نحو ثلثه والبهرة بالضم من الليل وسطه وقال رائد
الضحى ورأده ارتفاعه وقال الشرق الشمس ويحرك وإسفارها وشرقت الشمس شرقا وشروقا
طلعت كأشرقت وقال متع النهار كمنع متوعا ارتفع قبل الزوال والضحى بلغ آخر غايته
وهو عند الضحى الأكبر أو ترجل وبلغ الغاية وقال ترجل النهار ارتفع وقال دلكت الشمس
دلوكا غربت أو اصفرت أو مالت أو زالت من كبد السماء انتهى.
وأقول
: قد ورد في الأخبار
أن دلوك الشمس زوالها والجنوح لعله هنا بمعنى الميل لميل الشمس إلى المغرب ولم أر
بهذا المعنى في كتب اللغة وفي القاموس الهجير والهجيرة والهجر والهاجرة نصف النهار
عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر لأن الناس يستكنون في بيوتهم
كأنهم قد تهاجروا شدة الحر وقال الظهر ساعة الزوال والظهيرة حد انتصاف النهار وإنما ذلك في القيظ
وقال الراغب الظهيرة وقت الظهر وقال يقال للعشية
__________________
أصيل وأصيلة وقال
الجوهري الأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وقال الطفل بالتحريك
بعد العصر إذا طفلت الشمس للمغرب يقال أتيته طفلا.
أقول
: ورأيت في بعض
الكتب أن العرب قسموا كلا من الليل والنهار باثنتي عشرة ساعة وسموا كلا منها باسم
فساعات النهار البكور والشروق والغدو والضحى والهاجرة والظهيرة والرواح والعصر
والقصر والأصيل والعشي والغروب وساعات الليل الشفق والغسق والعتمة والسدفة والجهمة
والزلفة والبهرة والسحر والسحرة والفجر والصبح والصباح وبعضهم ذكروا في ساعات
النهار الذرور والبزوغ والضحى والغزالة والهاجرة والزوال والدلوك والعصر والأصيل
والصبوب والحدود والغروب وبعضهم هكذا البكور والشروق والإشراق والراد والضحى
والمتوع والهاجرة والأصيل والعصر والقصر والطفل والغروب ففي القاموس البكرة بالضم
الغدوة كالبكر محركة واسمها الإبكار وبكر إليه وعليه وفيه وبكر وابتكر أتاه بكرة
وكل من بادر إلى شيء فقد أبكر إليه في أي وقت كان. وقال الغدوة بالضم البكرة أو ما
بين صلاة الفجر والطلوع الشمس كالغداة والغدية والجمع غدوات وغديات وغدايا وغدوا
ولا يقال غدايا إلا مع عشايا وغدا عليه غدوا وغدوة بالضم واغتدى بكر وقال الضحو
والضحوة والضحية كعشية ارتفاع النهار والضحى فويقه والضحاء بالمد إذا قرب انتصاف
النهار وقال الرواح العشي من الزوال إلى الليل وقال العصر العشي إلى احمرار الشمس
وقال الجوهري قصر الظلام اختلاطه وقد قصر العشي يقصر قصورا إذا أمسيت ويقال أتيته
قصرا أي عشيا وقال الشفق بقية ضوء الشمس له حمرتها في أول الليل إلى قريب من
العتمة. وقال الخليل الشفق الحمرة من
__________________
غروب الشمس إلى
وقت العشاء الآخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق وقال العتمة وقت صلاة العشاء قال الخليل
العتمة هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق وقد عتم الليل يعتم وعتمته
ظلامه. وقال قال الأصمعي السدفة والسدفة في لغة نجد الظلمة وفي لغة غيرهم الضوء
وهو من الأضداد وكذلك السدف بالتحريك وقال أبو عبيد بعضهم يجعل السدفة اختلاط
الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار وقد أسدف الليل أي أظلم
وقال الفيروزآبادي الجهمة أول مآخير الليل أو بقية سواده من آخره ويضم وقال الفجر
ضوء الصباح وهو حمرة الشمس في سواد الليل وقد انفجر الصبح وتفجر وانفجر عنه الليل
وأفجروا دخلوا فيه وأنت مفجر إلى طلوع الشمس وقال الصبح الفجر أو أول النهار
والجمع أصباح وهو الصبيحة والصباح والإصباح انتهى.
وأقول
: الظاهر أن مرادهم
بالفجر الأول وبالصبح الثاني وبالصباح الإسفار وللصبح عند العرب أسماء كثيرة الفلق
بالتحريك والسطيع والصديع والمغرب والصرام والصريم والشميط والسدف والشق والفتق
والذرور من ذرت الشمس تذر ذرورا إذا طلعت وبزوغ الشمس أيضا طلوعها.
وفي القاموس
الغزالة كسحابة الشمس لأنها تمد حبالا كأنها تغزل أو الشمس عند طلوعها أو عند
ارتفاعها وغزالة الضحى وغزالاته أولها أو بعد ما تنبسط الشمس وتضحى أو أولها إلى مضي خمس النهار انتهى.
والصبوب والحدود
لم أر لهما معنى مناسبا ويقال للغداة والعشي البردان والأبردان والعصران والصرعان
والقرتان والكرتان ويقال وسق الليل لساعة منه وسهواء الليل وروبته بالفتح والضم
بغير همز اسمان لبعض ساعات الليل والهبة بكسر الهاء وتشديد الباء الساعة تبقى من
السحر ويقال رأيت بلجة الصبح بالفتح والضم إذا رأيت ضوءه. فهذا ما وجدنا من أسماء
ساعات الليل والنهار عند
__________________
العرب ولليل
والنهار أيضا عندهم أسماء الدائبان والصرفان والجديدان والأجدان والحاديان
والأصرمان والملوان والعصران والردفان والصرعان والأثرمان والمتباديان والفتيان
والطريدان وابنا سبات وابنا جمير وابنا سمير فالدائبان لدءوبهما وجدهما في السير
والصرفان لصروف الدهر فيهما والجديدان لحدوثهما وتجددهما ولذلك سمي الأجدان
والحاديان لسوقهما الناس إلى الموت والأصرمان لقطعهما الأعمار والملوان من قولهم
عشت معه ملاوة من الدهر أي حينا وبرهة ويقال سكت مليا أي طويلا والعصران من العصر
بمعنى الدهر والردفان لترادفهما وتواليهما والصرعان إبلان ترد أحدهما حين تصدر
الأخرى والصرعان أيضا المثلان والأثرمان أي القديمان الشائبان فإن الثرم سقوط
الثنايا من الأسنان والمتباديان من البدو بمعنى الظهور والفتيان لأنهما يتجددان
شابين والطريدان لأنهما يطردان ويدفعان سريعا والسبات بالضم الدهر والجمير من
قولهم أجمر القوم على الشيء إذا اجتمعوا عليه وهذا جمير القوم أي مجتمعهم والسمير
من المسامرة وهو الحديث بالليل والسمير أيضا الدهر وابناه الليل والنهار.
فوائد
جليلة
الأولى
: اعلم أن اليوم
نوعان حقيقي ووسطي فالحقيقي عند بعض المنجمين من زوال الشمس من دائرة نصف النهار
فوق الأرض إلى وصولها إليها وعند بعضهم من زوال مركز الشمس من دائرة نصف النهار
تحت الأرض إلى وصولها إليها وعلى التقديرين يكون اليوم بليلته بمقدار دورة من
المعدل مع المطالع الإستوائية لقوس يقطعه الشمس من فلك البروج بحركتها الخاصة من
نصف اليوم إلى نصف اليوم أو من نصف الليل إلى نصف الليل والوسطى هو مقدار دورة من
المعدل مع مطالع قوس تقطعه الشمس بالسير الوسطي وبسبب الاختلاف بين الحركة الوسطية
والحركة التقويمية يختلف اليوم بالمعنى الأول والثاني اختلافا
يسيرا يظهر في
أيام كثيرة لكن اليوم بالاصطلاحين لا يختلف باختلاف الآفاق وبعضهم يأخذون اليوم من
طلوع الشمس إلى طلوعها وبعضهم من غروبها إلى غروبها وذلك يختلف باختلاف الآفاق كما
تقرر في محله.
قال أبو ريحان
البيروني إن اليوم بليلته هو عودة الشمس بدوران الكل إلى دائرة فرضت ابتداء لذلك
اليوم بليلته أي دائرة كانت إذا وقع عليها الاصطلاح وكانت عظيمة لأن كل واحدة من
العظام أفق بالقوة أعنى بالقوة أنه يمكن فيها أن يكون أفقا لمسكن ما وبدوران الكل
حركة الفلك بما فيه المرئية من المشرق إلى المغرب على قطبيه.
ثم إن العرب فرضت
أول مجموع اليوم والليلة نقط المغارب على دائرة الأفق فصار اليوم عندهم بليلته من
لدن غروب الشمس عن الأفق إلى غروبها من الغد والذي دعاهم إلى ذلك هو أن شهورهم
مبتنية على مسير القمر مستخرجة من حركاته المختلفة مقيدة برؤية الأهلة لا الحساب
وهي ترى لدى غروب الشمس ورؤيتها عندهم أول الشهر فصارت الليلة عندهم قبل النهار
وعلى ذلك جرت عادتهم في تقديم الليالي على الأيام إذا نسبوها إلى أسماء الأسابيع
واحتج لهم من وافقهم على ذلك بأن الظلمة أقدم في المرتبة من النور وأن النور طار
على الظلمة فالأقدم أولى أن يبتدأ به وغلبوا السكون لذلك على الحركة بإضافة الراحة
والدعة وأن الحركة لحاجة وضرورة والتعب عقيب الضرورة فالتعب نتيجة الحركة وبأن
السكون إذا دام في الأسطقسات مدة لم يولد فسادا فإذا دامت الحركة فيها واستحكمت
أفسدت وحدثت الزلازل والعواصف والأمواج وأشباهها فأما عند غيرهم من الروم والفرس
ومن وافقهم فإن الاصطلاح واقع بينهم على أن اليوم بليلته هو من لدن طلوعها من أفق
المشرق إلى طلوعها منه بالغد إذا كانت شهورهم مستخرجة بالحساب غير متعلقة بأحوال
القمر ولا غيره من الكواكب وابتداؤها من أول النهار فصار النهار عندهم قبل الليل
واحتجوا بأن النور وجود والظلمة عدم ومقدمو النور على الظلمة يقولون بتغليب
الحركة على السكون
لأنها وجود لا عدم وحياة لا موت ويعارضونهم بنظائر ما قاله أولئك كقولهم إن السماء
أفضل من الأرض وإن العامل والشاب أصح والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد وأما
أصحاب التنجيم فإن اليوم بليلته عند جلهم والجمهور من علمائهم هو من لدن موافاة
الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في نهار الغد وهو قول بين القولين فصار
ابتداء الأيام بلياليها عندهم من النصف الظاهر من فلك نصف النهار وبنوا على ذلك
حسابهم واستخرجوا عليها مواضع الكواكب بحركاتها المستوية ومواضعها المقومة في
دفاتر السنة وبعضهم آثر النصف الخفي من فلك نصف النهار فابتدءوا به من نصف الليل
كصاحب زيج شهرياران ولا بأس بذلك فإن المرجع إلى أصل واحد.
والذي دعاهم إلى
اختيار دائرة نصف النهار دون دائرة الأفق هو أمور كثيرة منها أنهم وجدوا الأيام
بلياليها مختلفة المقادير غير متفقة كما يظهر ذلك من اختلافها عند الكسوفات ظهورا
بينا للحس وكان ذلك من أجل اختلاف مسير الشمس في فلك البروج وسرعته فيه مرة وبطئه
أخرى واختلاف مرور القطع من فلك البروج على الدوائر فاحتاجوا إلى تعديلها لإزالة
ما عرض لها من الاختلاف وكان تعديلها بمطالع فلك البروج على دائرة نصف النهار
مطردا في جميع المواضع إذ كانت هذه الدائرة بعض آفاق الكرة المنتصبة وغير متغيرة
اللوازم في جميع البقاع من الأرض ولم يجدوا ذلك في دوائر الآفاق لاختلافها في كل
موضع وحدوثها لكل واحد من العروض على شكل مخالف لما سواه وتفاوت مرور قطع فلك
البروج عليها والعمل بها غير تام ولا جار على نظام.
ومنها
: أنه ليس بين دوائر
أنصاف نهار البلاد إلا ما بينهما من دائرة معدل النهار والمدارات المشبهة بها فأما
الآفاق فإن ما بينها مركب من ذلك ومن انحرافها إلى الشمال والجنوب وتصحيح أحوال
الكواكب ومواضعها إنما هو بالجهة التي يلزم من فلك نصف النهار وتسمى الطول ليس له
خط في الجهة الأخرى اللازمة عن الأفق وتسمى العرض فلأجل هذا اختاروا الدائرة التي
تطرد عليها
حسباناتهم وأعرضوا عن غيرها على أنهم لو راموا العمل بالآفاق لتهيأ لهم ولأدتهم
إلى ما أدتهم إليه دائرة نصف النهار لكن بعد سلوك المسلك البعيد وأعظم الخطاء هو
تنكب الطريق المستقيم إلى البعد الأطول على عمد.
الفائدة
الثانية : اعلم أن اليوم قد يطلق على مجموع اليوم والليلة وقد يطلق
على ما يقابل الليل وهو يرادف النهار ولا ريب في أن اليوم والنهار الشرعيين
مبدؤهما من طلوع الفجر الثاني إلى غيبوبة قرص الشمس عند بعض وإلى ذهاب الحمرة
المشرقية عند أكثر الشيعة وعند المنجمين وأهل فارس والروم من طلوع الشمس إلى
غروبها وخلط بعضهم بين الاصطلاحين فتوهم أن اليوم الشرعي أيضا في غير الصوم من
الطلوع إلى الغروب وهذا خطاء وقد أوردنا الآيات والأخبار الكثيرة الدالة على ما
اخترناه في كتاب الصلاة وأجبنا عن شبه المخالفين في ذلك.
قال أبو ريحان بعد
إيراد ما تقدم منه هذا الحد هو الذي نحد به اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في
التركيب فأما على التقسيم والتفصيل فإن اليوم بانفراده والنهار بمعنى واحد وهو من
طلوع جرم الشمس إلى غروبه والليل بخلاف ذلك وعكسه بتعارف من الناس قاطبة فيما
بينهم واتفاق من جمهورهم لا يتنازعون فيه إلا أن بعض علماء الفقه في الإسلام حد
أول النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس تسوية منه بينه وبين مدة الصوم واحتج
بقوله تعالى « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » فادعى أن هذين الحدين هما طرفا النهار ولا تعلق لمن رأى
هذا الرأي بهذه الآية بوجه من الوجوه لأنه لو كان أول الصوم أول النهار لكان
تحديده ما هو ظاهر بين للناس بمثل ما حده به جاريا مجرى التكلف لما لا معنى له كما
لم يحد آخر النهار وأول الليل بمثل ذلك إذ هو معلوم متعارف لا يجهله أحد ولكنه
تعالى لما حد أول الصوم بطلوع الفجر ولم
__________________
يحد آخره بمثله بل
أطلقه بذكر الليل فقط لعلم الناس بأسرهم أنه غروب قرص الشمس علم أن المراد بما ذكر
في الأول لم يكن مبدأ النهار ومما يدل على صحة قولنا قوله تعالى « أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ » إلى قوله تعالى « ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » فأطلق المباشرة والأكل والشرب إلى وقت محدود لا الليل كله
كما كان محظورا على المسلمين قبل نزول هذه الآية الأكل والشرب بعد عشاء الآخرة وما
كانوا يعدون صومهم بيوم وبعض ليلته بل كانوا يذكرونها أياما بإطلاق.
فإن
قيل : إنه أراد بذلك
تعريفهم أول النهار للزم أن يكون الناس قبل ذلك جاهلين بأول الأيام والليالي وذلك
ظاهر المحال فإن قيل إن النهار الشرعي خلاف النهار الوضعي فما ذلك إلا خلاف في
العبارة وتسمية شيء باسم وقع في التعارف على غيره مع تعري الآية عن ذكر النهار
وأوله والمشاحة في مثل ذلك مما نعتزلها ونوافق الخصوم في العبارات إذا وافقونا في
المعاني وكيف يعتقد أمر ظهر للعيان خلافه فإن الشفق من جهة المغرب هو نظير الفجر
من جهة المشرق وهما متساويان في العلة متوازيان في الحالة فلو كان طلوع الفجر أول
النهار لكان غروب الشفق آخره وقد اضطر إلى قبول ذلك بعض الشيعة وعلى أن من
خالفنا فيما قدمناه يوافقنا في مساواة الليل والنهار مرتين في السنة إحداهما في
الربيع والأخرى في الخريف ويطابق قوله قولنا في أن النهار ينتهي في طوله عند تناهي
قرب الشمس من القطب الشمالي وأنه ينتهي في قصره عند تناهي بعدها منه وأن ليل الصيف
الأقصر يساوي نهار الشتاء الأقصر وأن
__________________
معنى قوله « يُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ » وقوله تعالى « يُكَوِّرُ اللَّيْلَ
عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ » راجع إلى ذلك فإن جهلوا ذلك كله أو تجاهلوا لم يجدوا بدا
من كون النصف النهار الأول ست ساعات والنصف الأخير ست ساعات ولا يمكنهم التعامي عن
ذلك لشيوع الخبر المأثور في ذكر فضائل السابقين إلى الجامع يوم الجمعة وتفاضل
أجورهم بتفاضل قصورهم في الساعات الست التي هي أول النهار إلى وقت الزوال وذلك
مقول على الساعات الزمانية المعوجة دون المستوية التي تسمى المعتدلة فلو سامحناهم
بالتسليم لهم في دعواهم لوجب أن يكون استواء الليل والنهار حين تكون الشمس بجنبتي
الانقلاب الشتوي ويكون ذلك في بعض المواضع دون بعض وأن لا يكون الليل الشتوي
مساويا للنهار الصيفي وأن لا يكون نصف النهار موافاة الشمس منتصف ما بين الطلوع
والغروب وخلافات هذه اللوازم هي القضايا المقبولة عند من له أدنى بصر وليس يتحقق
لزوم هذه الشناعات إياهم إلا من له درية يسيرة بحركات الأكر .
فإن تعلق متعلق
بقول الناس عند طلوع الفجر قد أصبحنا وذهب الليل فأين هو عن قولهم عند تقارب غروب
الشمس واصفرارها قد أمسينا وذهب النهار وجاء الليل وإنما ذلك إنباء عن دنوه
وإقباله وإدبار ما هم فيه وذلك جار على طريق المجاز والاستعارة وجائز في اللغة
كقول الله تبارك وتعالى « أَتى أَمْرُ اللهِ
فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » ويشهد لصحة قولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه
قال : صلاة النهار عجماء. وتسمية الناس صلاة الظهر بالأولى لأنها الأولى من صلاتي
النهار وتسمية صلاة العصر بالوسطى لتوسطها بين الصلاة الأولى من صلاتي النهار وبين
الصلاة الأولى من صلوات الليل وليس قصدي فيما أوردته في هذا الموضع إلا نفي
__________________
ظن من يظن أن
الضروريات تشهد بخلاف ما يدل عليه القرآن ويحتج لإثبات ظنه بقول أحد الفقهاء
والمفسرين والله الموفق للصواب انتهى كلامه.
وأقول
: سيأتي جواب ذلك
كله والدلائل الكثيرة الدالة على خلافه وما ذكره على تقدير تمامه لا ينافي ما
ادعيناه مع أن عرف الشرع بل العرف العام قد استقر على أن ابتداء اليوم والنهار
طلوع الفجر الثاني وأكثر ما ذكره يدل على أنه بحسب الحساب والقواعد النجومية
أولهما طلوع الشمس ولا مشاحة في ذلك وقوله لو كان أول الصوم أول النهار إلخ
فالجواب أنه لما كان أول النهار عند أهل الحساب طلوع الشمس بين سبحانه أن المراد
هنا اليوم الشرعي كما أنه لما كانت اليد تطلق على معان قال في آية الوضوء « إِلَى الْمَرافِقِ » لتعيين أحد المعاني ولما لم يكن في آخر النهار اختلاف في
الاصطلاح لم يتعرض لتعيينه وإنما استقر العرف العام والخاص على جعل أول النهار
الفجر وأول الليل الغروب لما سيأتي أن الناس لما كانوا في الليل فارغين عن أعمالهم
الضرورية للظلمة المانعة فاغتنموا شيئا من الضياء لحركتهم وتوجههم إلى أعمالهم
الدينية والدنيوية
__________________
وفي الليل بالعكس
لأنهم لما كلوا وملوا من حركات النهار وأعماله اغتنموا شيئا من الظلمة لتركهم ذلك
فلذا اختلف الأمر في أول النهار وآخره وما وقع في الشرع من أن الزوال نصف النهار
فهو على التقريب والتخمين وما ذكره من استواء الليل والنهار في الاعتدالين فمعلوم
أنه مبني على اصطلاح المنجمين وسيأتي الكلام في جميع ذلك في كتاب الصلاة إن شاء
الله تعالى.
الفائدة
الثالثة : لا ريب في أن
الليل بحسب الشرع مقدم على اليوم فما ورد في ليلة الجمعة مثلا إنما هي الليلة
المتقدمة لا المتأخرة وما يعتبره المنجمون وبعض العرب من تأخير الليلة فهو محض
اصطلاح منهم ولا يبتني عليه شيء من أحكام الشريعة ومما يدل عليه ما رواه الكليني
في الروضة بسند موثق عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن
المغيرية يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة فقال كذبوا هذا اليوم لليلة
الماضية إن أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام .
وتوضيحه
: أن المغيرية هم
أتباع المغيرة بن سعد البجلي وهو من المذمومين المطعونين وقد روى الكشي أخبارا
كثيرة في أنه كان من الكذابين على أبي جعفر عليه السلام وروي أنه كان يدعو الناس
إلى محمد بن عبد الله بن الحسن وكان من الزيدية التبرية وفي بعض النسخ المغيرة أي
الذين غيروا دين الله من المخالفين وقصة بطن نخلة هي ما ذكره المفسرون والمؤرخون
أن النبي صلى الله عليه واله بعث عبد الله بن جحش ومعه ثمانية رهط من المهاجرين
وقيل اثنا عشر وأمره أن ينزل نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشا ويعلم أخبارهم
فانطلقوا حتى هبطوا نخلة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة قريش في آخر يوم
من جمادى الآخرة وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب فاختصم المسلمون فقال قائل منهم
هذه غرة من عدو وغنم رزقتموه فلا ندري أمن
__________________
الشهر الحرام هذا
اليوم أم لا فقال قائل منهم لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن
تستحلوه لطمع أشفيتم عليه فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره فبلغ ذلك كفار
قريش فركب وفدهم حتى قدموا على النبي صلى الله عليه واله فقالوا أيحل القتال في
الشهر الحرام فأنزل الله تعالى « يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ » الآية ويظهر من هذا الخبر كما ورد في بعض السير أيضا أنهم إنما
فعلوا ذلك بعد رؤية هلال رجب وعلمهم بكونه منه واستشهاده عليهالسلام بأن الصحابة حكموا بعد رؤية الهلال بدخول رجب فالليل سابق على النهار ومحسوب
مع اليوم الذي بعده يوما وما سبق من تقدم خلق النهار على الليل لا ينافي ذلك كما
لا يخفى.
الفائدة
الرابعة : اعلم أنهم يقسمون كلا من اليوم الحقيقي واليوم الوسطي إلى
أربعة وعشرين قسما متساوية يسمونها بالساعات المستوية والمعتدلة وأقسام اليوم
الحقيقي تسمى بالحقيقية والوسطي بالوسطية وقد يقسمون كلا من الليل والنهار في أي
وقت كان باثنتي عشرة ساعة متساوية ويسمونها بالساعات المعوجة لاختلاف مقاديرها
باختلاف الأيام طولا وقصرا بخلاف المستوية فإنها تختلف أعدادها ولا تختلف مقاديرها
والمعوجة بعكسها وتسمى المعوجة بالساعات الزمانية أيضا لأنها نصف سدس زمان النهار
أو زمان الليل وكثير من الأخبار مبنية على هذا الاصطلاح كما أومأنا إليه والساعتان
تستويان في خط الإستواء أبدا وعند حلول الشمس أحد الاعتدالين في سائر الآفاق وقد
تطلق الساعة في الأخبار على مقدار من أجزاء الليل والنهار مختص بحكم معين أو صفة
مخصوصة كساعة ما بين طلوع الفجر والشمس وساعة الزوال والساعة بعد العصر وساعة آخر
الليل وأشباه ذلك بل على مقدار من الزمان وإن لم يكن من أجزاء الليل والنهار
كالساعة التي تطلق على يوم القيامة كما أن اليوم قد يطلق على مقدار من الزمان
مخصوص بواقعة أو حكم كيوم القيامة ويوم حنين وقال
__________________
تعالى « وَذَكِّرْهُمْ
بِأَيَّامِ اللهِ »
١٢
ـ الكافي : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا عن النضر عن يحيى الحلبي
عن المثنى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل « كَأَنَّما أُغْشِيَتْ
وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً » قال أما ترى البيت إذا كان الليل أشد سوادا من خارج فكذلك
هم يزدادون سوادا .
١٣
ـ التهذيب : بإسناده عن أحمد
بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف عن أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا
عبدالله عليه السلام فقلت متى أصلي ركعتي الفجر قال حين يعترض الفجر وهو الذي
تسميه العرب الصديع.
بيان
: في القاموس الصديع
كأمير الصبح وفي الأساس ومن المجاز انصدع الفجر وطلع الصديع وهو الفجر.
(١٥)
(باب)
(ما
روي في سعادة أيام الأسبوع ونحوستها)
١
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن علي بن عبديد الأشعري عن ابن محبوب عن حبيب السجستاني عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله يوم الجمعة يوم عبادة فتعبدوا
لله عز وجل فيه ويوم السبت لآل محمد عليهم السلام ويوم الأحد لشيعتهم ويوم الإثنين
يوم بني أمية ويوم الثلاثاء
__________________
يوم لين ويوم
الأربعاء لبني العباس وفتحهم ويوم الخميس يوم مبارك بورك لأمتي في بكورها فيه .
بيان
: ضمير بكورها راجع
إلى الأمة أي مباكرتهم في طلب الحوائج وتوجههم إليها بكرة.
٢
ـ الخصال : عن أبيه عن محمد
بن يحيى العطار عن سهل بن زياد عن عمر بن سفيان رفع الحديث إلى أبي عبد الله عليه
السلام أنه قال لرجل من مواليه يا فلان ما لك لم تخرج قال جعلت فداك اليوم الأحد
قال وما للأحد قال الرجل للحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال احذروا
حد الأحد فإن له حدا مثل حد السيف قال كذبوا كذبوا ما قال ذاك رسول الله صلى الله
عليه واله فإن الأحد اسم من أسماء الله عز وجل قال قلت جعلت فداك فالإثنين قال سمي
باسمهما قال الرجل سمي باسمهما ولم يكونا فقال له أبو عبد الله عليه السلام إذا
حدثت فافهم إن الله تبارك وتعالى قد علم اليوم الذي يقبض فيه نبيه صلى الله عليه
واله واليوم الذي يظلم فيه وصيه فسماه باسمهما قال قلت فالثلاثاء قال خلقت يوم
الثلاثاء النار وذلك قوله عز وجل « انْطَلِقُوا إِلى ما
كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ
وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ » قال قلت فالأربعاء قال بنيت أربعة أركان للنار قال قلت
فالخميس قال خلق الله الخمسة يوم الخميس قال قلت فالجمعة قال جمع الله عز وجل الخلق
لولايتنا يوم الجمعة قال قلت فالسبت قال سبت الملائكة لربها يوم السبت فوجدته لم
يزل واحدا .
بيان
: باسمهما أي باسم
أبي بكر وعمر والخمسة أصحاب العباء عليهم السلام
__________________
سبت الملائكة أي
قطعت أعمالها للتفكر في ذاته تعالى قال الراغب في مفرداته أصل السبت قطع العمل
ومنه سبت السير أي قطعه وسبت شعره حلقه وأنفه اصطلمه وقيل سمي يوم السبت لأن الله
تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع
عمله يوم السبت فسمي بذلك.
٣
ـ الخصال : عن محمد بن موسى
بن المتوكل عن علي بن إبراهيم عن عبد الله بن أحمد الموصلي عن الصقر بن أبي دلف
الكرخي قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري عليه السلام جئت أسأل عن
خبره قال فنظر إلي الزراقي وكان حاجبا للمتوكل فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه فقال
يا صقر ما شأنك فقلت خير أيها الأستاد فقال اقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت
أخطأت في المجيء قال فوحى الناس عنه ثم قال لي ما شأنك وفيم جئت قلت لخبر ما فقال لعلك تسأل
عن خبر مولاك فقلت له ومن مولاي مولاي أمير المؤمنين فقال اسكت مولاك
مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك فقلت الحمد لله قال أتحب أن تراه قلت
نعم قال اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده قال فجلست فلما خرج قال لغلام له خذ
بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وخل بينه وبينه قال فأدخلني
إلى الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت فإذا هو عليه السلام جالس على صدر حصير وبحذائه
قبر محفور قال فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي يا صقر ما أتى بك
قلت سيدي جئت أتعرف خبرك قال ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إلي فقال يا صقر لاعليك
لن يصلوا إلينا بسوء الآن فقلت الحمد لله ثم قلت يا سيدي حديث يروى عن النبي صلى
الله عليه واله لا أعرف معناه قال وما هو فقلت قوله لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما
معناه فقال نعم الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض فالسبت اسم رسول الله
__________________
صلى الله عليه واله
والأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام والإثنين الحسن والحسين والثلاثاء علي
بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد
بن علي وأنا والخميس ابني الحسن بن علي والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق
وهو الذي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا فهذا معنى الأيام فلا تعادوهم في
الدنيا فيعادوكم في الآخرة ثم قال عليه السلام ودع واخرج فلا آمن عليك.
قال الصدوق ره
الأيام ليست بأئمة ولكن كني بها عن الأئمة لئلا يدرك معناه غير أهل الحق كما كنى
الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي وعلي والحسن
والحسين وكما كنى عز وجل بالنعاج عن النساء على قول من روى ذلك في قصة داود
والخصمين وكما كنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن سئل الصادق عليه السلام عن
قول الله عز وجل « أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ » قال معناه أولم ينظروا في القرآن. وكما كنى عز وجل بالسر
عن النكاح في قوله عز وجل « وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا » وكما كنى عز وجل بأكل الطعام عن التغوط فقال في عيسى وأمه « كانا يَأْكُلانِ
الطَّعامَ » ومعناه أنهما كانا يتغوطان وكما كنى بالنحل عن رسول الله
صلى الله عليه واله في قوله « وَأَوْحى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ » ومثل هذا كثير .
بيان
: فأخذني ما تقدم أي
بالسؤال عما تقدم وعما تأخر أي عن الأمور المختلفة لاستعلام حالي وسبب مجيئي لذا
ندم على الذهاب إليه لئلا يطلع على حاله ومذهبه أو الموصول فاعل أخذني بتقدير أي
أخذني التفكر فيما تقدم من الأمور من ظنه التشيع بي وفيما تأخر مما يترتب على
مجيئي من المفاسد
__________________
فوحى الناس أي
أشار إليهم أن يبعدوا عنه أو على بناء التفعيل أي عجلهم في الذهاب عنه أو هو على
بناء المجرد والناس فاعل أي أسرعوا في الذهاب قال في المصباح الوحي الإشارة والوحى
السرعة يمد ويقصر وموت وحي مثل سريع وزنا ومعنى يقال وحيت الذبيحة أحيها من باب
وعد ذبحتها ذبحا وحيا ووحى الدواء للموت توحية عجله وأوحاه بالألف مثله انتهى
وصاحب البريد الرسول المستعجل إذ البريد يطلق على الرسول وعلى دابته ويحتمل أن
يراد به هنا رئيس هذه الطائفة في القاموس البريد المرتب والرسل على دواب البريد وفي الصحاح
البريد المرتب يقال حمل فلان على البريد وصاحب البريد قد أبرد إلى الأمير فهو مبرد
والرسول بريد وفي النهاية البريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل
وأصلها بريدة دم أي محذوف الذنب لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها
فأعربت وخففت ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدا والمسافة التي بين السكتين بريدا انتهى.
لا عليك أي لا حزن
عليك والكناية عن العسكري عليه السلام بالخميس إما لكون إمامته أو ولادته في يوم
الخميس وإن كان ضبط بعضهم مخالفا لذلك إذ الأكثر لم يعينوا خصوص اليوم أو لأن سني
إمامته خمس سنين إذ السنة السادسة لم تكمل أو لأنه عليه السلام خامس من سمي أو كني
بالحسن أو لأنه متصل بالقائم عليه السلام المكنى عنه بالجمعة أو لعلة أخرى لا
نعرفها ولعل هذه من بطون الخبر فإن لأخبارهم عليهم السلام ظهرا وبطنا كالقرآن
ويكون ظاهره أيضا مرادا بأن يكون المعنى أن التشؤم والتطير بها يوجب تأثيرها وهذا
معنى معاداتها لهم فأما المتوكلون
__________________
على الله
المتوسلون بولاء أهل البيت عليهم السلام فلا تضرهم نحوسة الأيام والساعات كما
سيأتي في رواية الشيخ في مجالسه.
٤
ـ العلل ، والعيون ، والخصال : عن محمد بن عمرو البصري عن محمد بن عبد الله الواعظ عن عبد الله بن أحمد بن
عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : سأل الشامي أمير
المؤمنين عليه السلام عن الأيام وما يجوز فيها من العمل فقال عليه السلام يوم
السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم عرس وبناء ويوم الإثنين يوم سفر وطلب ويوم الثلاثاء يوم حرب
ودم ويوم الأربعاء يوم شؤم فيه يتطير الناس ويوم الخميس يوم الدخول على الأمراء
وقضاء الحوائج ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح .
قال الصدوق ره يوم
الإثنين يوم سفر إلى موضع الاستسقاء والطلب للمطر .
بيان
: يمكن حمل ما ورد
في الإثنين على التقية.
٥
ـ العيون : عن أبيه ومحمد بن
الحسن عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس معا عن محمد بن أحمد الأشعري عن أحمد
بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن بكر بن صالح الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليه
السلام يقول قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء واستحموا يوم الأربعاء وأصيبوا من الحجام حاجتكم يوم
الخميس وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة .
__________________
الخصال
: عن أبيه عن محمد
العطار عن الأشعري عن البرقي مثله .
٦
ـ العلل : في خبر ابن سلام
أنه سأل النبي صلى الله عليه واله عن أول يوم خلق الله عز وجل قال يوم الأحد قال
ولم سمي يوم الأحد قال لأنه واحد محدود قال فالإثنين قال هو اليوم الثاني من
الدنيا قال والثلاثاء قال الثالث من الدنيا قال فالأربعاء قال اليوم الرابع من
الدنيا قال فالخميس قال هو يوم خامس من الدنيا وهو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع
فيه إدريس قال فالجمعة قال هو يوم « مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ
مَشْهُودٌ » ويوم « شاهِدٍ
وَمَشْهُودٍ » قال فالسبت قال يوم مسبوت وذلك قوله عز وجل في القرآن « وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ » فمن الأحد إلى الجمعة ستة أيام والسبت معطل .
بيان
: لأنه واحد محدود
لعل المعنى أنه أول زمان حد أوله وآخره فصار يوما لأنه أول يوم خلق فيه العالم
وقبله لم يكن زمان محدود كذلك فينطبق على ما بعده وعلى سائر الأخبار ومشهود أي
مشهود فيه أوله وهو شاهد لمن أتى الجمعة يوم مسبوت أي مقطوع فيه خلق العالم.
٧
ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه عن أبي محمد الفحام عن محمد بن أحمد المنصوري عن سهل بن يعقوب الملقب
بأبي نواس قال : قلت للعسكري عليه السلام ذات يوم يا سيدي قد وقع إلي اختيارات
الأيام عن سيدنا الصادق عليه السلام مما حدثني به الحسن بن عبد الله بن مطهر عن
محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن سيدنا الصادق عليه السلام في كل شهر فأعرضه
عليك فقال لي افعل فلما عرضته عليه وصححته قلت له يا سيدي في أكثر هذه الأيام
قواطع عن المقاصد لما ذكر
__________________
فيها من النحس والمخاوف فتدلني
على الاحتراز من المخاوف فيها فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها
فقال لي يا سهل إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة
وسباسب البيد الغائرة بين سباع وذئاب وأعادي الجن والإنس لأمنوا من مخاوفهم
بولايتهم لنا فثق بالله عز وجل وأخلص في الولاء لأئمتك الطاهرين وتوجه حيث شئت
واقصد ما شئت إذا أصبحت وقلت ثلاثا :
أصبحت اللهم
معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول من كل طارق وغاشم من سائر ما خلقت
ومن خلقت من خلقك الصامت والناطق في جنة من كل مخوف بلباس سابغة ولاء أهل بيت نبيك
محتجزا من كل قاصد إلى أذية بجدار حصين الإخلاص في
الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم جميعا موقنا أن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم أوالي من
والوا وأجانب من جانبوا فأعذني اللهم بهم من شر كل ما أتقيه يا عظيم حجزت الأعادي
عني ببديع السماوات والأرض إنا جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم
فهم لا يبصرون وقلتها عشيا ثلاثا حصلت في حصن من مخاوفك وأمن من محذورك فإذا أردت
التوجه في يوم قد حذرت فيه فقدم أمام توجهك الحمد لله رب العالمين والمعوذتين وآية
الكرسي وسورة القدر وآخر آية في سورة آل عمران وقل اللهم بك يصول الصائل وبقدرتك
يطول الطائل ولا حول لكل ذي حول إلا بك ولا قوة يمتارها ذو قوة إلا منك بصفوتك من
خلقك وخيرتك من بريتك محمد نبيك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام صل عليهم
واكفني شر هذا اليوم وضرره وارزقني خيره ويمنه واقض لي في متصرفاتي بحسن العاقبة
وبلوغ المحبة و
__________________
الظفر بالأمنية
وكفاية الطاغية الغوية وكل ذي قدرة لي على أذية حتى أكون في جنة وعصمة من كل بلاء
ونقمة وأبدلني من المخاوف أمنا ومن العوائق فيه يسرا حتى لا يصدني صاد عن المراد
ولا يحل بي طارق من أذى العباد « إِنَّكَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » والأمور إليك تصير يا من « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ ».
بيان
: اللجة بالضم معظم
الماء ويقال غمر الماء أي كثر وغمره الماء أي غطاه والسبسب المفازة أو الأرض
المستوية البعيدة بلد سبسب وسباسب والبيد بالكسر جمع البيداء وهي الفلاة أي الأرض
الخالية لا ماء فيها والغائرة من الغور أي المنخفضة فإنها أهول وفي بعض النسخ
بالباء الموحدة من الغبار فإنه لا يهتدى إلى الخروج منها والذمام بالكسر العهد
والكفالة والأمان والمطاولة المغالبة في الطول والطول وحاوله رامه والغشم الظلم
بلباس سابغة بغير تنوين فيهما بالإضافة فالأولى من إضافة الموصوف إلى الصفة
والثانية البيانية أو بالتنوين فيهما أو في الثاني منهما فقوله ولاء بدل أو عطف
بيان وكذا قوله بجدار حصين يحتمل الإضافة والتوصيف وفي بعض النسخ حصن بغير ياء
فالإضافة لا غير والحجز المنع والكف ببديع السماوات والأرض أي مبدعهما أو بمن
سماواته وأرضه بديعتان وصال على قرنه سطا واستطال والامتيار جلب الميرة بالكسر وهي
الطعام والسلالة بالضم ما انسل من الشيء والولد.
٨
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال
: السبت لنا والأحد لشيعتنا والإثنين لأعدائنا والثلاثاء لبني أمية والأربعاء يوم
شرب الدواء والخميس تقضى فيه الحوائج والجمعة للتنظيف والتطيب وهو عيد
المسلمين و
__________________
هو أفضل من الفطر
والأضحى ويوم غدير أفضل الأعياد وهو الثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة
ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة وتقوم القيامة يوم الجمعة وما من عمل أفضل يوم الجمعة
من الصلاة على محمد وآله .
بيان
: لأعدائنا أي لجميع
المخالفين وإن كان بنو أمية منهم والثلاثاء لخصوصهم وشيعتهم.
٩
ـ العلل : لمحمد بن علي بن
إبراهيم قال : العلة في صوم الخميس والأربعاء أن الأعمال ترفع يوم الخميس والنار
خلقت يوم الأربعاء.
١٠
ـ الدر المنثور : عن ابن عباس قال : إن الله تعالى خلق يوما فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه
الإثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء وخلق خامسا
فسماه الخميس فخلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء ولذلك
يقول الناس إنه يوم ثقيل وخلق مواضع الأنهار والشجر والقرى يوم الأربعاء وخلق
الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس وخلق الإنسان يوم الجمعة وفرغ من
الخلق يوم السبت.
١١
ـ العيون : عن محمد بن علي بن
الشاه عن أبي بكر عبد الله النيسابوري عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه
وعن أحمد بن إبراهيم الخوزي وإبراهيم بن مروان الخوزي عن جعفر بن محمد بن زياد عن
أحمد بن عبد الله الشيباني وعن الحسين بن محمد الأشناني عن علي بن محمد بن مهرويه
عن داود بن سليمان جميعا عن الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال : السبت
لنا والأحد لشيعتنا والإثنين لبني أمية والثلاثاء لشيعتهم والأربعاء لبني العباس
__________________
والخميس لشيعتهم
والجمعة لسائر الناس جميعا وليس فيه سفر قال الله تبارك وتعالى « فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ » يعني يوم السبت .
صحيفة
الرضا : بالإسناد عنه عليه
السلام مثله بيان فيه مخالفة لسائر الأخبار في ذم الثلاثاء والخميس إلا
أن يقال تبرك المخالفين بهما لا يدل على ذمهما إلا إذا اقترن بهما شيء آخر
كالإثنين ثم على تأويله عليه السلام لعل المراد بقضاء الصلاة العمل بتوابعها
ومكملاتها من سائر أعمال يوم الجمعة.
١٢
ـ المكارم : عن الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام أيكره السفر في شيء من الأيام المكروهة الأربعاء وغيره قال افتتح
سفرك بالصدقة واقرأ آية الكرسي إذا بدا لك.
وعن حماد بن عثمان
عنه عليه السلام مثله إلا أنه قال افتتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك واقرأ
آية الكرسي واحتجم إذا بدالك.
١٣ ـ في الديوان
المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام :
لنعم اليوم يوم
السبت حقا
|
|
لصيد إن أردت
بلا امتراء
|
وفي الأحد
البناء لأن فيه
|
|
تبدى الله في
خلق السماء
|
وفي الإثنين إن
سافرت فيه
|
|
ستظفر بالنجاح
وبالثراء
|
ومن يرد الحجامة
فالثلاثاء
|
|
ففي ساعاته هرق
الدماء
|
وإن شرب امرؤ
يوما دواء
|
|
فنعم اليوم يوم
الأربعاء
|
__________________
وفي يوم الخميس
قضاء حاج
|
|
ففيه الله يأذن
بالدعاء
|
وفي الجمعات
تزويج وعرس
|
|
ولذات الرجال مع
النساء
|
وهذا العلم لا
يعلمه إلا
|
|
نبي أو وصي
الأنبياء
|
بيان
: لنعم اللام لام
الابتداء للتأكيد ولا تدخل على الماضي إلا مع قد في غير نعم وبئس والحق ضد الباطل
واليقين الثابت وهو مفعول مطلق لفعل لازم الحذف أي أقول قولا حقا أو علمت ذلك حقا
يقينا أو حق ذلك حقا والظرف في قوله بلا امتراء متعلق بنعم أو بقوله حقا تبدي أي
ابتدأ قلبت الهمزة ألفا ويؤيده قول الجوهري إن أهل المدينة يقولون بدينا بمعنى
بدأنا كذا قال الشارح. وقال بعض الأفاضل ما ذكره لا يوافقه اللغة والظاهر أن يكون
الأصل في كلامه عليه السلام لأن فيه ابتدأ الله على الماضي من الافتعال فأسقط
الكتاب الهمزة من أوله حفظا لرعاية الوزن عند القطع عن المصراع الأول ولم يتفطنوا
لجواز الوصل لتلك الرعاية ثم كتبوا الهمزة الأخيرة بالياء على ما اشتهر من الخطاء
في أمثاله بينهم انتهى. وفيه متعلق بقوله ستظفر والضمير راجع إلى السفر كذا ذكره
الشارح ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى الإثنين ويكون تأكيدا أو يكون تقدير الكلام
وأقول في الإثنين والثراء كثرة المال وهرق الدماء بالفتح على المصدر سفكها في
المصباح تقول هرقته هرقا من باب نفع انتهى والمشهور فيه الإهراق ويمكن أن يكون هنا
لازما أي انصباب الدماء والحاج جمع الحاجة ذكره الفيروزآبادي وقال أذن بالشيء كسمع
علم به وأذن له في الشيء كسمع إذنا بالكسر إباحة وأذن إليه وله كفرح استمع معجبا
أو عام انتهى وعلى التقادير كناية عن استجابة الدعاء. والتزويج النكاح والعرس الزفاف
أو إطعامه في القاموس العرس بالضم وبضمتين طعام الوليمة والنكاح وقال الشارح قد
تقرر في علم النجوم أن السبت متعلق بزحل والأحد بالشمس والإثنين بالقمر والثلاثاء
بالمريخ والأربعاء بالعطارد والخميس بالمشتري والجمعة بالزهرة ومناسبة
القمر بالسفر
والمريخ بالحجامة وسفك الدم والعطارد لشرب الدواء والمشتري بقضاء الحاجات والدعاء
والزهرة للتزويج والعرس واجتماع الرجال والنساء مسلمة في هذا الفن لكن مناسبة
الزحل بالصيد والشمس بالبناء لا تظهران من هذا الفن. ولعل تخصيص السبت بالصيد مبني
على ما روي عن ابن عباس ومجاهد أن اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به وهو يوم
الجمعة فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله به وحرم عليهم الصيد فيه فإذا كان يوم
السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضت السبت ذهبت وما عادت إلا
في السبت المقبل وذلك بلاء ابتلاهم الله به ووجه التخصيص للأحد بالبناء مذكور في
البيت انتهى.
وأقول
: لعل تخصيص السبت
بالصيد لأن الله رخص لنا فيه ويجب المبادرة إلى رخصة كما يجب المبادرة إلى عزائمه
ولذا يستحب الجماع في أول ليلة من شهر رمضان أو مخالفة لليهود في تحريمهم الصيد
فيه ثم إن البيت الأخير يدل على أن هذا العلم الذي هو شعبة من علم النجوم مختص بهم
عليهم السلام لا يعلمه غيرهم كما مر في الأخبار قال الغزالي في الإحياء المنهي عنه
من النجوم أمران أحدهما أن يصدق بأنها فاعلة لآثارها مستقلة بها والثاني تصديق
المنجمين في أحكامهم لأنهم يقولونها من جهل وهذا العلم كان معجزة لبعض الأنبياء
عليهم السلام ثم اندرس فلم يبق إلا ما هو مختلط لا يتميز فيه الصواب عن الخطاء
فاعتقاد كون الكواكب أسبابا لآثار تحصل بخلق الله ليس قادحا في الدين بل هو الحق
انتهى وقال علاء الدولة من الصوفية إذا أردت أن تعرف أن المطر يحدث بسبب الاتصالات
العلوية التي يسميها المنجمون فتح الباب فاقرأ قوله تعالى « فَفَتَحْنا أَبْوابَ
السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ » وإذا أردت أن تعرف أن علم النجوم علم الأنبياء فاقرأ قوله
تعالى « فَنَظَرَ
نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » ومراد النبي صلى الله عليه واله من قوله من آمن بالنجوم
فقد كفر. أن من آمن بأنها مستقلات بأنفسها في تدبير العالم غير مسخرات بأمر الله
تعالى فقد كفر بالله الذي خلقها وسخرها وجعلها
__________________
مدبرات بأمره
وأودع في كل واحد منها خاصية خاصة دون غيره وفي اجتماعها خاصية دون ما اختص به كل
واحد قبل الاجتماع انتهى وقد مر الكلام منا في ذلك في بابه.
١٤
ـ المكارم : من كتاب المحاسن
عن عبد الله بن سليمان عن أحدهما عليهما السلام قال : كان أبي إذا خرج يوم
الأربعاء أو في يوم يكرهه الناس من محاق أو غيره تصدق بصدقة ثم خرج .
وعن أبي عبد الله
عليه السلام من تصدق بصدقة إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم .
ومن كتاب طب
الأئمة عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلموا أظفاركم يوم الثلاثاء واحتجموا يوم
الأربعاء وأصيبوا من الحمام يوم الخميس وتطيبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة .
(١٦)
(باب)
(ما ورد في خصوص يوم الجمعة)
١
ـ قرب الإسناد : عن أحمد بن محمد عن عبد الرحمن بن عمر بن أسلم قال : رأيت أبا الحسن موسى عليه
السلام احتجم يوم الأربعاء وهو محموم فلم تتركه الحمى فاحتجم يوم الجمعة فتركته
الحمى .
٢
ـ العيون : عن محمد بن موسى
بن المتوكل عن علي بن إبراهيم عن أبيه
__________________
عن إسحاق بن
إبراهيم عن مقاتل بن مقاتل قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام في يوم الجمعة في
وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم وهو محرم.
قال الصدوق ره في
هذا الحديث فوائد إحداها إطلاق الحجامة في يوم الجمعة عند الضرورة وليعلم أن ما
ورد من كراهة ذلك إنما هو في حالة الاختيار والفائدة الثانية الإطلاق في الحجامة في وقت
الزوال والفائدة الثالثة أنه يجوز للمحرم أن يحتجم إذا اضطر ولا يحلق مكان الحجامة
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
٣
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن زكريا المؤمن عن محمد بن رباح القلاء قال : رأيت
أبا إبراهيم عليه السلام يحتجم يوم الجمعة فقلت جعلت فداك تحتجم يوم الجمعة قال
أقرأ آية الكرسي فإذا هاج بك الدم ليلا كان أو نهارا فاقرأ آية الكرسي واحتجم .
٤
ـ ومنه : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي
عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله أطرفوا أهاليكم في كل
جمعة بشيء من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا بالجمعة وكان النبي صلى الله عليه واله إذا
خرج في الصيف من بيت خرج يوم الخميس وإذا أراد أن يدخل البيت في الشتاء من البرد
دخل يوم الجمعة وقد روي أنه كان دخوله و
__________________
خروجه يوم الجمعة .
٥
ـ ومنه : عن أحمد بن
زياد الهمذاني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير وعلي بن الحكم معا عن
هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير
مثل الصدقة والصوم ونحو هذا قال يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم
الجمعة يضاعف .
٦
ـ ومنه : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة
فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به .
٧
ـ ومنه : عن أبيه عن محمد
بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن محمد بن حسان الرازي عن أبي محمد
الرازي عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه واله من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله من أنامله الداء
وأدخل فيه الدواء وروي أنه لا يصيبه جنون ولا جذام ولا برص .
٨
ـ ومنه : عن أبيه عن محمد
العطار عن الأشعري عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن محمد بن موسى بن الفرات عن
علي بن المطر عن السكن الخزاز قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول لله حق على
كل محتلم في كل جمعة أخذ شاربه وأظفاره ومس شيء من الطيب .
٩
ـ المحاسن : عن محمد بن علي عن
عبد الرحمن بن أبي هاشم عن إبراهيم بن يحيى المديني عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : لابأس بالخروج في السفر ليلة الجمعة .
__________________
١٠
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال أمير المؤمنين عليه
السلام في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات .
بيان
: قد جرب مرارا في
الحجامة يوم الجمعة أنه لم يرقأ الدم حتى مات وما ورد من فعلهم عليهم السلام لا
ينافيه لأنهم يعلمون تلك الساعة فيجتنبونها أو هذا فيما إذا لم يقرأ آية الكرسي
ولما ذكره الصدوق ره من الفرق بين الضرورة وعدمها أيضا وجه.
١١
ـ روضة الواعظين : قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله خمس خصال تورث البرص النورة يوم
الجمعة ويوم الأربعاء والتوضي والاغتسال بالماء الذي تسخنه الشمس والأكل على
الجنابة وغشيان المرأة في حيضها والأكل على الشبع .
بيان
: سيأتي عدم كراهة
النورة في يوم الجمعة وأن أخبار النهي محمولة على التقية.
١٢
ـ المكارم : عن أنس قال : كان
أحب الأيام إلى رسول الله صلى الله عليه واله أن يسافر فيه يوم الجمعة .
١٣
ـ ومنه : عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : لا تخرج في يوم الجمعة في حاجة فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس
فاخرج في حاجتك .
١٤
ـ ومنه : عن المفضل بن عمر
قال : دخلت على الصادق عليه السلام وهو يحتجم يوم الجمعة فقال أوليس تقرأ آية
الكرسي ونهى عن الحجامة مع الزوال في يوم الجمعة .
__________________
(١٧)
(باب)
(يوم السبت ويوم الأحد)
١
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن الحسين بن أسد البصري عن الحسين بن سعيد
عمن رواه عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه مر بقوم يحتجمون
فقال ما كان عليكم لو أخرتموه لعشية الأحد فكان يكون أنزل للداء .
٢
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود
المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من كان مسافرا فليسافر
يوم السبت فلو أن حجرا زال عن حجر يوم السبت لرده الله تعالى إلى مكانه ومن تعذرت عليه
الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه
السلام .
ومنه
: عن أبيه عن سعد
إلى قوله إلى مكانه .
٣
ـ العيون : بالأسانيد الثلاثة
المتقدمة في الباب الأول عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى
الله عليه واله اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها .
ومنه
: عن محمد بن أحمد
بن الحسين الوراق عن علي بن محمد بن عنبسة مولى الرشيد عن دارم بن قبيصة عن الرضا
عليه السلام مثله
__________________
صحيفة الرضا : بالإسناد عنه عليه السلام مثله .
٤
ـ الخصال : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب
الخزاز قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل « فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ » قال الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت وقال أبو عبد
الله عليه السلام أف للرجل المسلم أن لا يفرغ نفسه في الأسبوع يوم الجمعة لأمر
دينه فيسأل عنه .
٥
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عن محمد بن حسان عن
أبي محمد الرازي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه واله من قلم أظفاره يوم السبت ويوم الخميس وأخذ من
شاربه عوفي من وجع الأضراس ووجع العين .
٦
ـ المحاسن : عن عثمان بن عيسى
عن عبد الله بن سنان وأبي أيوب الخزاز قالا سألنا أبا عبدالله عليه السلام عن قول
الله عز وجل « فَإِذا
قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ » قال الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت وقال السبت لنا
والأحد لبني أمية .
٧
ـ جمال الأسبوع : الحديث مشهور عن النبي صلى الله عليه واله بورك لأمتي في سبتها وخميسها.
٨
ـ المكارم : عن الكاظم عليه
السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من كان منكم محتجما فليحتجم يوم
السبت .
٩ ـ وقال الصادق
عليه السلام الحجامة يوم الأحد فيها شفاء من كل داء .
__________________
(١٨)
(باب)
(يوم الإثنين ويوم الثلاثاء)
١
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم البجلي عن علي بن جعفر قال : جاء
رجل إلى أخي موسى بن جعفر عليه السلام فقال له جعلت فداك إني أريد الخروج فادع لي
فقال ومتى تخرج قال يوم الإثنين فقال له ولم تخرج يوم الإثنين قال أطلب فيه البركة
لأن رسول الله صلى الله عليه واله ولد يوم الإثنين فقال كذبوا ولد رسول الله صلى
الله عليه واله يوم الجمعة وما من يوم أعظم شؤما من يوم مات فيه رسول الله صلى
الله عليه واله وانقطع فيه وحي السماء وظلمنا فيه حقنا ألا أدلك على يوم سهل ألان
الله لداود فيه الحديد فقال الرجل بلى جعلت فداك فقال اخرج يوم الثلاثاء .
قرب
الإسناد : بإسناده عن علي بن
جعفر عن أخيه عليه السلام مثله .
٢
ـ ومنه : عن الحسن بن ظريف
عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : كان رسول الله صلى الله
عليه واله يسافر يوم الإثنين والخميس ويعقد فيهما الألوية .
٣
ـ الخصال : عن أبيه عن أحمد
بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري عن علي بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن
يونس بن يعقوب قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول احتجم رسول الله صلى الله
عليه واله يوم الإثنين وأعطى الحجام برا .
__________________
٤
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن الحسن بن الحسين
اللؤلؤي عن محمد بن إسماعيل وأحمد بن الحسن الميثمي أو أحدهما عن إبراهيم بن مهزم
عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله يحتجم
يوم الإثنين بعد العصر .
٥
ـ ومنه : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن حماد بن عيسى عمن
ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الحجامة يوم الإثنين من آخر النهار تسل
الداء سلا من البدن .
٦
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبي الخزرج عن سليمان عن أبي
نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من احتجم يوم
الثلاثاء لسبع عشرة أو أربع عشرة أو لإحدى وعشرين من الشهر كانت له شفاء من أدواء السنة كلها وكانت
لما سوى ذلك شفاء من وجع الرأس والأضراس والجنون والجذام والبرص .
بيان
: وكانت لما سوى ذلك
أي كانت الحجامة يوم الثلاثاء في غير تلك الأيام من الشهر.
٧
ـ الخصال : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن
__________________
محمد بن أحمد
الأشعري عن العباس بن معروف عن ابن أبي عمير عن أبي حمزة عن عقبة بن بشير الأزدي
قال : جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم الإثنين فقال كل فقلت إني صائم فقال كيف
صمت قال قلت لأن رسول الله صلى الله عليه واله ولد فيه فقال أما ما فيه ولد فلا
تعلمون وأما ما قبض فيه فنعم ثم قال فلا تصم ولا تسافر فيه .
٨
ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن
علي بن عمر العطار قال : دخلت إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام يوم الثلاثاء
فقال لم أرك أمس قال كرهت الحركة في يوم الإثنين قال يا علي من أحب أن يقيه الله
شر يوم الإثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة « هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ » ثم قرأ أبو الحسن عليه السلام « فَوَقاهُمُ اللهُ
شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » .
٩
ـ المحاسن : عن بعض أصحابه
يرفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام من كانت له حاجة فليطلبها يوم الثلاثاء
فإن الله تبارك وتعالى ألان فيه الحديد لداود عليه السلام .
١٠
ـ ومنه : عن أبيه عن القاسم
بن محمد عن عبد الرحمن بن عمران عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا
تسافر يوم الإثنين ولا تطلب فيه الحاجة .
١١
ـ ومنه : عن القاسم بن محمد
عن جميل بن صالح عن محمد بن أبي الكرام قال : تهيأت الخروج إلى العراق فأتيت أبا
عبدالله عليه السلام لأسلم عليه وأودعه فقال أين تريد قلت أريد الخروج إلى العراق
فقال لي في هذا اليوم وكان يوم الإثنين فقلت إن هذا اليوم يقول الناس إنه يوم
مبارك فيه ولد النبي صلى الله عليه واله فقال والله ما يعلمون أي يوم ولد فيه النبي صلى الله عليه واله وإنه ليوم مشوم فيه قبض
__________________
النبي صلى الله
عليه واله وانقطع الوحي ولكن أحب أن تخرج يوم الخميس وهو اليوم الذي كان يخرج فيه إذا
غزا .
١٢
ـ ومنه : عن عثمان بن عيسى
عن أبي أيوب الخزاز قال : أردنا أن نخرج فجئنا نسلم على أبي عبد الله عليه السلام فقال
كأنكم طلبتم بركة الإثنين فقلنا نعم قال وأي يوم أعظم شؤما من يوم الإثنين يوم
فقدنا فيه نبينا وارتفع فيه الوحي لا تخرجوا يوم الإثنين واخرجوا يوم الثلاثاء .
الفقيه
: بإسناده عن الخزاز
مثله .
الكافي
: عن العدة عن
البرقي عن عثمان مثله .
١٣
ـ مجمع البيان : في تفسير قوله تعالى « قُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ » روى أصحابنا أن أعمال الأمة تعرض على النبي صلى الله عليه
واله في كل يوم الإثنين وخميس فيعرفها وكذلك تعرض على الأئمة القائمين مقامه وهم
المعنيون بقوله والمؤمنون .
١٤
ـ جمال الأسبوع : روي من طريق الخاصة أن وقت عرض الأعمال في هذين اليومين عند انقضاء نهارهما.
١٥ ـ وروى مسلم في
صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه واله تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم
الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبد عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقول
اتركوا أو أرجئوا هذين حتى يفيئا.
__________________
١٦ ـ وروي أيضا
عنه صلى الله عليه وسلم أنه تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل
عبد مؤمن لا يشرك بالله شيئا.
١٧ ـ تفسير علي بن
إبراهيم ، قال قال الصادق عليه السلام اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء فإنه اليوم
الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام .
١٨
ـ رجال الكشي : قال : كتب الهادي عليه السلام إلى علي بن مهزيار أسأل الله أن يحفظك من بين
يديك ومن خلفك وفي كل حالاتك فأبشر فإني أرجو أن يدفع الله عنك والله أسأل أن يجعل
لك الخيرة فيما عزم لك من الشخوص في يوم الأحد وأخر ذلك إلى يوم الإثنين إن شاء
الله صحبك الله في سفرك وخلفك في أهلك وأدى عنك وسلمت بقدرته.
(١٩)
(باب)
(يوم الأربعاء)
١
ـ العلل ، والعيون ، والخصال : عن محمد بن عمر البصري عن محمد بن عبد الله الواعظ عن عبد الله بن أحمد بن
عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في سؤالات الشامي عن أمير
المؤمنين عليه السلام قال أخبرني عن يوم الأربعاء والتطير منه وثقله وأي أربعاء هو
فقال عليه السلام آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل أخاه ويوم
الأربعاء ألقي إبراهيم عليه السلام في النار ويوم الأربعاء وضعوا المنجنيق ويوم
الأربعاء غرق الله فرعون ويوم الأربعاء جعل الله عز وجل أرض قوم لوط عاليها
سافلها ويوم الأربعاء أرسل الله عز
__________________
وجل الريح على قوم
عاد ويوم الأربعاء أصبحت كالصريم ويوم الأربعاء سلط الله على نمرود البقة ويوم
الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله ويوم الأربعاء خر « عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ » ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان ويوم الأربعاء خرب
بيت المقدس ويوم الأربعاء أحرق مسجد سليمان بن داود بإصطخر من كورة فارس ويوم
الأربعاء قتل يحيى بن زكريا ويوم الأربعاء أظل قوم فرعون أول العذاب ويوم الأربعاء
خسف الله عز وجل بقارون ويوم الأربعاء ابتلى الله أيوب عليه السلام بذهاب ماله
وولده ويوم الأربعاء أدخل يوسف عليه السلام السجن ويوم الأربعاء قال الله عز وجل «
أَنَّا
دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ » ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة ويوم الأربعاء عقروا الناقة ويوم
الأربعاء أمطر عليهم حجارة من سجيل ويوم الأربعاء شج النبي صلى الله عليه
واله وكسرت رباعيته ويوم الأربعاء أخذت العماليق التابوت .
قال الصدوق ره من
اضطر إلى الخروج في سفر يوم الأربعاء أو تبيغ به الدم في يوم الأربعاء فجائز له أن
يسافر أو يحتجم فيه ولا يكون ذلك شوما عليه لا سيما إذا فعل ذلك خلافا على أهل
الطيرة ومن استغنى عن الخروج فيه أو عن إخراج الدم فالأولى أن يتوقى ولا يسافر ولا يحتجم .
بيان
: يحتمل أن يكون وضع
المنجنيق في غير يوم الإلقاء في النار ويحتمل اتحادهما ويوم الأربعاء قال الله أي
في شأنه وهذا في قصة صالح وقومه وكذا الصيحة لهم وهو ينافي كون عقر الناقة يوم
الأربعاء لأنه لم يكن بينهما إلا
__________________
ثلاثة أيام إلا أن
يكون المراد ابتداء إرادتهم وتمهيدهم للعقر وأيضا شج النبي صلى الله عليه واله كان
في غزوة أحد والمشهور بين المفسرين والمؤرخين أنها كانت يوم السبت وكل ذلك مما
يضعف الرواية وفي القاموس المحاق مثلثة آخر الشهر أو ثلاث ليال من آخره أو أن
يستتر القمر فلا يرى غدوة ولا عشية سمي لأنه طلع مع الشمس فمحقته وفي القاموس
البيغ ثوران الدم وتبيغ الدم هاج وغلب .
٢
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد
العسكري عليه السلام يوم الأربعاء وهو يحتجم فقلت له إن أهل الحرمين يروون عن رسول
الله صلى الله عليه واله أنه قال من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض فلا يلومن إلا
نفسه فقال كذبوا إنما يصيب ذلك من حملته أمه في طمث .
٣
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الرحمن بن عمرو
بن أسلم قال : رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام احتجم يوم الأربعاء وهو
محموم فلم تتركه الحمى فاحتجم يوم الجمعة فتركته الحمى .
٤
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن السياري عن محمد بن أحمد
الدقاق البغدادي قال : كتبت إلى أبي الحسن الثاني عليه السلام أسأله عن الخروج يوم
الأربعاء لا يدور فكتب عليه السلام من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل
الطيرة وقي من كل آفة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته وكتب إليه مرة أخرى
يسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا يدور فكتب
__________________
عليه السلام : من
احتجم في يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة عوفي من كل آفة ووقي من كل
عاهة ولم تخضر محاجمه .
بيان
: الأربعاء لا يدور
آخر أربعاء من الشهر والجملة صفة ليوم الأربعاء واللام فيه كاللام في قوله ولقد
أمر على اللئيم يسبني.
٥
ـ العيون : عن محمد بن موسى
بن المتوكل عن عبد الله بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن عامر
الطائي قال سمعت الرضا عليه السلام يقول يوم الأربعاء يوم نحس مستمر من احتجم فيه
خيف أن تخضر محاجمه ومن انتار فيه خيف عليه البرص .
بيان
: اخضرار المحاجم
فساد محل الحجامة وسواده ومن انتار أي استعمل النورة والأشهر فيه التنور وإن كان
أصل هذا البناء من اللغات المولدة كما يستفاد من كتب اللغة وفي أكثر النسخ اتنر
بتشديد التاء واتخاذه من النورة لا يوافق القاعدة وليس له معنى آخر ولعله تصحيف
وفي بعض النسخ من تنور وهو أصوب.
٦
ـ الخصال : عن محمد بن أحمد
البغدادي عن علي بن محمد بن عنبسة عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه عليهم
السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر
.
٧
ـ ومنه : عن أبيه عن سعد عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن الأحول عن بشار بن
بشار قال : قلت
__________________
لأبي عبد الله
عليه السلام لأي شيء يصام يوم الأربعاء قال لأن النار خلقت يوم الأربعاء .
٨
ـ ومنه : عن أبيه عن محمد
بن يحيى العطار عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان
عن حذيفة بن منصور قال : رأيت أبا عبدالله عليه السلام احتجم يوم الأربعاء بعد
العصر .
٩
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري عن إبراهيم بن إسحاق عن
القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير
المؤمنين عليه السلام قال : توقوا الحجامة والنورة يوم الأربعاء فإن يوم الأربعاء
يوم نحس مستمر وفيه خلقت جهنم .
١٠
ـ ومنه : بالإسناد المتقدم
عن الأشعري عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ينبغي للرجل
أن يتوقى النورة يوم الأربعاء فإنه يوم نحس مستمر .
١١
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن النضر عن هشام بن سالم
عن الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله سئل عن
صوم خميسين بينهما أربعاء فقال أما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال وأما الأربعاء
فيوم خلقت فيه النار وأما الصوم فجنة .
١٢
ـ مشارق الأنوار : عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : عادانا من كل شيء حتى من
الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء.
__________________
١٣
ـ العلل : لمحمد بن علي بن
إبراهيم العلة في صوم الخميس والأربعاء أن الأعمال ترفع يوم الخميس والنار خلقت
يوم الأربعاء.
١٤
ـ الدروع الواقية : عن الصادق عليه السلام أمرنا بصوم الأربعاء من وسط الشهور لأنه لم يعذب قوم قط
إلا فيه فيرد عنا بصومه نحسه.
١٥ ـ وعن الرضا
عليه السلام يوم الأربعاء يوم نحس مستمر لأنه أول الأيام وآخر الأيام التي ذكرها
الله تعالى في قوله « سَبْعَ
لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً »
١٦
ـ المكارم : عن زيد بن علي عن
آبائه عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من احتجم يوم
الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه .
١٧ ـ وعن شعيب
العقرقوفي قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس
فقلت إن هذا يوم يقول الناس من احتجم فيه أصابه البرص فقال إنما يخاف
ذلك على من حملته أمه في حيضها .
١٨
ـ كتاب المسلسلات : حدثنا محمد بن جعفر الوكيل من بني هاشم قال حدثني أبو بكر حمد بن أحمد بن
الحسين بن زريق البغدادي قال حدثنا محمد بن حمدون السمسار قال حدثني محمد بن حماد
بن عيسى قال سمعت الفضل بن الربيع يقول كنت يوما مع مولاي المأمون فأردنا الخروج
يوم الأربعاء فقال المأمون يوم مكروه سمعت أبي الرشيد يقول سمعت المهدي يقول سمعت
المنصور يقول سمعت أبي محمد بن علي يقول سمعت أبي عليا يقول سمعت أبي عبد الله بن
عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول إن آخر الأربعاء في الشهر يوم
نحس مستمر.
قال المصنف وروي
أن معنى مستمر أن يكون النهار نحسا من أوله إلى الليل وقال عليه السلام إن معنى
المستمر هو أن لا يذهب نحسه إلى أن يذهب من يوم الخميس ساعة.
__________________
(٢٠)
(باب)
(يوم
الخميس)
١
ـ قرب الإسناد : عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : كان
رسول الله صلى الله عليه واله يسافر يوم الإثنين والخميس ويعقد فيهما الألوية .
٢
ـ ومنه : بالإسناد قال قال رسول
الله صلى الله عليه واله يوم الخميس يوم يحبه الله ورسوله وفيه ألان الله الحديد .
٣ ـ وقال قال رسول
الله صلى الله عليه واله اللهم بارك لأمتي في بكورها واجعله يوم الخميس .
بيان
: هذا يخالف ظاهرا
ما مر من أن إلانة الحديد كانت في يوم الثلاثاء ويمكن حمل هذا على التقية لأن
راويه من العامة أو يقال وقعت فيهما معا.
٤
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن مروك بن عبيد عن محمد بن سنان عن معتب بن المبارك
قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في يوم خميس وهو يحتجم فقلت له يا ابن
رسول الله تحتجم في يوم الخميس قال نعم من كان منكم محتجما فليحتجم في يوم الخميس
فإن كل عشية جمعة يبتدر الدم فرقا من القيامة ولا يرجع إلى وكره إلى
غداة الخميس وقال أبو عبد الله عليه السلام من احتجم في آخر خميس من الشهر في أول
النهار سل عنه الداء سلا .
٥
ـ العيون : بالأسانيد الثلاثة
المتقدمة عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال
__________________
قال رسول الله صلى
الله عليه واله اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها .
صحيفة
الرضا : بالإسناد عنه عليه
السلام مثله .
٦
ـ الخصال : عن أبيه عن أحمد
بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري عن أبي عبد الله الرازي عن محمد بن عبد الله عن
محمد بن عقبة عن زكريا عن أبيه عن يحيى قال قال أبو عبد الله عليه السلام من قص
أظافيره يوم الخميس وترك واحدة ليوم الجمعة نفى الله عنه الفقر .
٧
ـ العيون : بالأسانيد الثلاثة
عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله يسافر يوم
الخميس ويقول فيه ترفع الأعمال إلى الله عز وجل وتعقد فيه الألوية .
٨
ـ الخصال : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد الأشعري عن محمد بن حسان عن أبي محمد
الرازي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه واله من قلم أظفاره يوم السبت ويوم الخميس وأخذ من شاربه عوفي
من وجع الأضراس ووجع العين .
بيان
: الظاهر أن الواو
بمعنى أو.
٩
ـ صحيفة الرضا : بالإسناد عنه عن آبائه عليهم السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله يسافر
يوم الإثنين والخميس ويقول فيهما ترفع الأعمال إلى الله عزو جل وتعقد فيهما الألوية .
__________________
١٠
ـ محاسبة النفس : للسيد علي بن طاوس ره نقلا من كتاب الأزمنة لمحمد بن عمران المرزباني قال : كان
رسول الله صلى الله عليه واله يصوم الإثنين والخميس فقيل له لم ذلك فقال صلى الله
عليه واله إن الأعمال ترفع في كل إثنين وخميس فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
١١ ـ وبإسناده
أيضا عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه واله ما من إثنين ولا خميس إلا
ترفع فيه الأعمال إلا عمل المقادير.
١٢
ـ ومنه : بإسناده إلى
شيخ الطائفة بإسناده إلى عنبسة بن بجاد العابد قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول
آخر خميس في الشهر ترفع فيه أعمال الشهر.
بيان
: كأن المراد بعمل
المقادير الأعمال التي لا اختيار للعبد فيها فإنها ليست محلا للتكليف.
١٣
ـ المكارم : عن الصادق عليه
السلام أن الدم يجتمع في موضع الحجامة يوم الخميس فإذا زالت الشمس تفرق فخذ حظك من
الحجامة قبل الزوال .
فذلكة
اعلم أن يوم
الجمعة بضم الجيم وسكون الميم وضمها اسم يوم من الأسبوع وكان يسمى في القديم عروبة
بفتح العين وضم الراء المهملتين قال الجوهري يوم العروبة يوم الجمعة وهو من
أسمائهم القديمة وقال يوم الجمعة يوم العروبة وكذلك الجمعة بضم الميم ويجمع
على جمعات وجمع انتهى وقال في المصباح المنير يوم الجمعة سمي بذلك لاجتماع
الناس به وضم الميم لغة الحجاز وفتحها لغة بني تميم وإسكانها لغة عقيل وقرأ بها
الأعمش ثم قال وأما الجمعة بسكون الميم فاسم لأيام الأسبوع وأولها السبت قال أبو عمرو
الزاهد في كتاب المداخل أخبرنا تغلب عن ابن الأعرابي قال قال
__________________
أول الجمعة يوم
السبت وأول الأيام يوم الأحد هكذا عند العرب وقال في مجمع البيان إنما سميت جمعة
لأن الله تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات وقيل لأنه تجتمع فيه
الجماعات وقيل إن أول من سماها جمعة كعب بن لوي وهو أول من قال أما بعد وقيل إن
أول من سماها جمعة الأنصار انتهى وهو أسعد الأيام وأشرفها كما مر وسيأتي في كتاب
الصلاة إن شاء الله لكن لما كان يوم عبادة وقربه لا ينبغي أن يرتكب فيه ما ينافيها
كالسفر والاشتغال بالأمور الدنيوية وليلته مثل يومه مباركة زاهرة منورة ويستحب
فيهما التزويج والزفاف وحلق الرأس وأخذ الأظفار والشارب والاستحمام وغسل الرأس
بالسدر والخطمي وسائر ما سيأتي في محله فأما التنور فالظاهر أن المنع فيه محمول
على التقية واختلف الأخبار أيضا في الحجامة ولعل الأولى تركها إلا مع الضرورة ولم
أر في الفصد نهيا وقال المنجمون يومه متعلق بالزهرة وليلته بالقمر وأما يوم السبت
فقال الجوهري السبت الراحة والدهر وحلق الرأس وسبت علاوته سبتا إذا ضرب عنقه ومنه
سمي يوم السبت لانقطاع الأيام عنده وقال الراغب قيل سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ خلق
السماوات يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك
انتهى وقيل لقطع اليهود أعمالهم فيه وقيل لاستراحتهم فيه قال السيد الأجل المرتضى
ره في الغرر والدرر في جواب سائل سأل عن قوله تعالى « وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً » فقال إذا كان السبات هو النوم فكأنه قال وجعلنا نومكم نوما وهذا
مما لا فائدة فيه فأجاب ره في هذه الآية بوجوه :
منها : أن يكون المراد بالسبات الراحة والدعة وقد قال قوم إن
اجتماع
__________________
الخلق كان في يوم
الجمعة والفراغ منه في يوم السبت فسمي اليوم بالسبت للفراغ الذي كان فيه ولأن الله
تعالى أمر بني إسرائيل فيه بالاستراحة من الأعمال قيل وأصل السبات التمدد يقال
سبتت المرأة شعرها إذا حلته من العقص وأرسلته.
ومنها
: أن يكون المراد
بذلك القطع لأن السبت القطع والسبت أيضا الحلق يقال سبت شعره إذا حلقه وهو يرجع
إلى معنى القطع والنعال السبتية التي لا شعر عليها فالمعنى جعلنا نومكم قطعا
لأعمالكم وتصرفكم ومن أجاب بهذا الجواب يقول إنما سمي يوم السبت بذلك لأن بدء
الخلق كان يوم الأحد وجمع يوم الجمعة وقطع يوم السبت فترجع التسمية إلى معنى القطع
وقد اختلف الناس في ابتداء الخلق فقال أهل التوراة إن الله تعالى ابتدأه في يوم
الأحد فكان الخلق يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ثم فرغ
في يوم السبت وهذا قول أهل التوراة وقال آخرون إن الابتداء كان في يوم الإثنين إلى
السبت وفرغ في يوم الأحد وهذا قول أهل الإنجيل فأما قول أهل الإسلام فهو أن ابتداء
الخلق كان في يوم السبت واتصل إلى الخميس وجعلت الجمعة عيدا فعلى هذا القول يمكن
أن يسمى اليوم بالسبت من حيث قطع فيه بعض خلق الأرض فقد روى أبو هريرة عن النبي
صلى الله عليه واله أنه قال : إن الله خلق التربة في يوم السبت وخلق الجبال فيها
يوم الأحد إلى آخر ما أفاده ره وما ذكره من كون ابتداء الخلق يوم السبت خلاف
المشهور بين الفريقين.
وبالجملة يوم
السبت يوم مبارك صالح لجميع الأعمال والبكور فيه أسعد وأيمن كما عرفت لا سيما
للسفر وطلب الحوائج ويومه عند الأحكاميين متعلق بزحل وليلته بالمريخ واسمه
بالعربية القديمة شيار كتاب.
ويوم الأحد وكان
يسمى في القديم بالأول وسمي أحدا لأنه أول الأيام أو اليوم الأول من خلق العالم
وهو يوم متوسط لأكثر الأعمال وذمه ومدحه متعارضان بل مدحه أقوى وعند الأحكاميين
يومه متعلق بالشمس وليلته بعطارد.
ويوم الإثنين يسمى
في اللغة القديمة بأهون قال الجوهري كانت العرب تسمي يوم الإثنين أهون في أسمائهم
القديمة أنشدني أبو سعيد قال أنشدني ابن دريد لبعض شعراء الجاهلية.
أؤمل أن أعيش
وأن يومي
|
|
بأول أو بأهون
أو جبار
|
أم التالي دبار
أم فيومي
|
|
بمؤنس أو عروبة
أو شيار .
|
وفي كتاب أبي
ريحان أو التالي دبار فإن أفته فمؤنس إلخ ووجه التسمية ظاهر مما مر وهو أنحس أيام
الأسبوع ولا يصلح لشيء من الأعمال وما ورد في مدحه فمحمول على التقية لتبرك
المخالفين به اقتفاء ببني أمية لعنهم الله وأكثر مصائب أهل البيت عليهم السلام وقع
فيه ولذا وضعوا الأخبار للتبرك به كما وضعوها للتبرك بيوم عاشوراء.
ويمكن حمل بعض
الأخبار على الضرورة ويمكن حمل بعضها على النسخ أيضا بأن يكون في الأول مباركا حيث
لم يقع بعد فيه ما يصير سببا لنحوسته فلما فات فيه رسول الله صلى الله عليه واله وجرت
المصائب فيه على أهل البيت عليهم السلام وتبرك المخالفون به صار أنحس الأيام ويكون
ذلك أيضا بإخباره صلى الله عليه واله لئلا يلزم النسخ بعده صلى الله عليه واله
ويمكن القول بمثله في يوم عاشوراء وهذا وجه قريب للجمع بين الأخبار وإن كان الأول
أقرب وعند المنجمين يومه متعلق بالقمر وليلته بالمشتري.
ويوم الثلاثاء
بفتح الثاء وقد يضم ثم لام ثم ألف وهو ممدود وفي اللغة القديمة يسمى الجبار كغراب
وهو يوم متوسط لأكثر الأعمال لا سيما صعاب الأمور لأن الله تعالى ألان فيه الحديد
لداود عليه السلام وفي مجمع البيان أن الله خلق فيه الجبال وروي أنه سبحانه خلق
فيه الأشجار والأنهار والهوام وورد فيه النهي عن الحجامة وتجويزها والتجويز أقوى
والسفر أيضا فيه محمود و
__________________
عند الأحكاميين
يومه متعلق بالمريخ وليلته بالزهرة.
ويوم الأربعاء
مثلثة الباء ممدودة وفي المصباح هو بكسر الباء ولا نظير له في المفردات وإنما يأتي
وزنه في الجمع وبعض بني أسد يفتح الباء والضم لغة قليلة فيه انتهى وفي اللغة
القديمة اسمه دبار في القاموس دبار كغراب وكتاب يوم الأربعاء وفي كتاب العين ليلته
انتهى وفي المجمع خلق الله فيه الشجر والعمران والخراب وقيل خلق فيه الطير وهو يوم
نحس لا سيما آخر أربعاء من الشهر وليست نحوسته كالإثنين وقد مر أن الله خلق فيه
النار وقد ورد تجويز بعض الأعمال فيه كالاستحمام وشرب الدواء ومنع فيه من الحجامة
والنورة والسفر وعند أرباب النجوم يومه متعلق بالعطارد وليلته بزحل.
ويوم الخميس كانت
العرب تسميه مؤنسا ذكره الجوهري وهو مناسب لما ورد في الخبر أنه يوم أنيس وهو يوم
مبارك صالح لجميع الأعمال لا سيما السفر وطلب الحوائج والبكور فيه أشد بركة وسيأتي
فضله والأعمال المطلوبة فيه في كتاب الصلاة إن شاء الله وقد روي فيه منع عن
الحجامة والتجويز أصح وأقوى وأيد المنع بأن الرشيد احتجم فيه ومات وهذا مؤيد
لسعادة هذا اليوم وعند الأحكاميين يومه منسوب إلى المشتري وليلته إلى الشمس
والمراد بالليلة في جميع ما نقلنا عنهم الليلة المستقبلة على خلاف أهل الشرع فإنهم
يعدون الليلة الماضية من اليوم.
__________________
(٢١)
(باب)
(سعادة أيام الشهور العربية ونحوستها وما يصلح)
(في كل
يوم منها من الأعمال)
١
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال أمير المؤمنين عليه
السلام إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليتوق أول الأهلة وأنصاف الشهور فإن الشيطان
يطلب الولد في هذين الوقتين والشياطين يطلبون الشرك فيهما فيجيئون ويحبلون .
٢
ـ المكارم : عن الصادق عليه
السلام اتق الخروج إلى السفر يوم الثالث من الشهر والرابع منه والحادي والعشرين منه والخامس
والعشرين منه فإنها أيام منحوسة
وكان أمير
المؤمنين عليه السلام يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج والقمر في المحاق.
وروي في بعض الكتب
عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام أن في كل شهر من الشهور العربية يوم نحس لا
يصلح ارتكاب شيء من الأعمال فيه سوى الخلوة والعبادة والصوم وهي الثاني والعشرون
من المحرم والعاشر من صفر والرابع من الربيع الأول والثامن والعشرون من الربيع
الثاني والثامن والعشرون من جمادى الأولى والثاني عشر من جمادى الثانية والثاني
عشر من رجب والسادس والعشرون من شعبان والرابع والعشرون من شهر رمضان والثاني من
شوال والثامن والعشرون من ذي القعدة والثامن ذي الحجة.
__________________
ويظهر من بعض
الروايات نحوسة الثالث والرابع والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرين
والرابع والعشرين والخامس والعشرين والسادس والعشرين.
وروي المنع من
السفر في الثامن من الشهر والثالث والعشرين منه وروي أنه يصلح السفر في الرابع وفي
الحادي والعشرين.
وعن بعض الأفاضل :
النظم.
توق من الأيام
سبع كواملا
|
|
فلا تتخذ فيهن
عرسا ولا سفر
|
ثلاثا وخمسا ثم
ثالث عشرها
|
|
وسادس عشر هكذا
جاء في الخبر
|
وواحد والعشرين
قد شاع ذكره
|
|
ورابع والعشرين
والخمس في الأثر
|
فتوقها مهما
استطعت فإنها
|
|
كأيام عاد لا
تبقي ولا تذر
|
رويناه عن بحر
العلوم بهمة
|
|
علي ابن عم
المصطفى سيد البشر.
|
ولغيره
تخف رابع
العشرين من رمضان
|
|
وأسقط شوال منه
الثاني
|
والثامن العشرين
من ذي قعدة
|
|
وتوق ما بعده
لثمان
|
وثاني العشرين
شهر محرم
|
|
وعاشر من صفر
بلا نكران
|
وربيع رابعة
فحاذر يومه
|
|
وثامن عشري ربيع
الثاني
|
وثامن عشري
جمادى الأولى
|
|
ثم ما يتلوه
ثاني عشر يأمن حثاني
|
وإذا أتى رجب
فثاني عشرها
|
|
والسادس
والعشرون من شعبان
|
فتوقها مهما
استطعت فإنها
|
|
خباث من الأيام
كل زمان
|
٣ ـ المكارم : عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله من
احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو لإحدى وعشرين كانت له شفاء من داء
السنة .
٤ ـ وقال أيضا : احتجموا
يوم الخميس لخمس عشرة وسبع عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم .
__________________
٥ ـ وعن الصادق
عليه السلام : من احتجم في آخر خميس في الشهر آخر النهار سل الداء سلا .
٦ ـ وعن النبي صلى
الله عليه واله قال : الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة تمضي من الشهر دواء لداء سنة
.
٧ ـ وقال صلى الله
عليه واله الحجامة في سبع وعشر من الشهر شفاء ويوم الثلاثاء صحة للبدن .
وأقول
: روي عن الصادق
عليه السلام أخبار في سعادة أيام الشهر ونحوستها جمعت بينها مشيرا إلى مواضعها
ومأخذها.
اليوم
الأول
الدروع
الواقية : قال السيد ره فيما
نذكره من الرواية بأدعية ثلاثين فصلا لكل يوم من الشهر فصل منها مروية عن الصادق
عليه السلام بروايات متكثرة وهي اختيارات الأيام ودعاؤها لكل يوم دعاء جديد إلى أن
قال اليوم الأول من الشهر.
٨ ـ عن الصادق
عليه السلام أنه خلق فيه آدم وهو يوم مبارك لطلب الحوائج وللدخول على السلطان وطلب
العلم والتزويج والسفر والبيع والشراء واتخاذ الماشية ومن هرب فيه أو ضل قدر عليه
إلى ثماني ليال والمريض فيه يبرأ والمولود يكون سمحا مرزوقا مباركا عليه.
وقال سلمان الفارسي
ره هو روز هرمزد اسم من أسمائه تعالى يوم مختار مبارك يصلح لطلب الحوائج والدخول
على السلطان.
٩ ـ قال السيد : وفي
رواية أخرى بحذف الإسناد عن الصادق عليه السلام وقد سأله سائل عن اختيارات الأيام
فقال عليه السلام اليوم الأول خلق فيه آدم عليه السلام يوم صالح مسعود خاطب فيه
السلطان وتزوج واعمل فيه كل شيء تريده من حاجة.
١٠
ـ المكارم : عن الصادق عليه
السلام سعد يصلح للقاء الأمراء وطلب الحوائج
__________________
والشراء والبيع
والزراعة والسفر .
١١
ـ زوائد الفوائد : عن الصادق عليه السلام قال : هو يوم مبارك محمود فيه خلق الله تعالى آدم وهو
يوم سعيد لطلب الحوائج وللدخول على السلطان وابتداء الأعمال والبيع والشراء والأخذ
والعطاء ومن ولد فيه كان محبوبا مقبولا مرزوقا مباركا ومن مرض فيه يبرأ بإذن الله
تعالى.
١٢ ـ وفي رواية
أخرى من خرج فيه هاربا أو ضالا قدر عليه إلى ثمان ليال.
بيان
: ما روي في سياق ما
مر وسيأتي عن سلمان رضياللهعنه موافق لما رواه علماء النجوم وأصحاب التقاويم عن الفرس لكن
في تصحيحها اختلافات نشير إليها قالوا اليوم الأول اسمه أورمزد وبعضهم يسميه فرخ
وبعضهم به روز.
اليوم
الثاني
١٣
ـ الدروع : قال الصادق عليه
السلام فيه خلقت حواء من آدم يصلح للتزويج وبناء المنازل وكتب العهود والسفر وطلب
الحوائج والاختيار ومن مرض فيه أول النهار خف أمره بخلاف آخره والمولود فيه يكون
صالح التربية.
وقال سلمان هو روز
بهمن اسم ملك تحت العرش يوم مبارك للتزويج وقضاء الحوائج سعيد.
١٤ ـ وفي الرواية
الأخرى تزوج وأت فيه أهلك من السفر واشتر وبع واطلب فيه الحوائج واتق فيه السلطان.
١٥
ـ المكارم : عنه عليه السلام يصلح
للسفر وطلب الحوائج .
١٦
ـ الزوائد : عن الصادق عليه
السلام يوم محمود خلق الله تعالى فيه حواء وهو يوم يصلح للتزويج والتحويل والشراء
والبيع والبناء والزرع والغرس والسلف والقرض والمعاملة والدخول بالأهل وطلب
الحوائج ولقاء السلطان ومن مرض فيه يبرأ ومن ولد فيه كان مباركا ميمونا.
__________________
١٧ ـ وفي رواية
أخرى أنه يصلح لكتبة العهد ومن مرض في أوله كان مرضه خفيفا وفي آخره كان ثقيلا.
اليوم
الثالث
١٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم نحس مستمر نزع آدم وحواء لباسهما وأخرجا من الجنة فاجعل شغلك فيه
صلاح منزلك ولا تخرج من دارك إن أمكنك واتق فيه السلطان والبيع والشراء وطلب
الحوائج والمعاملة والمشاركة والهارب فيه يؤخذ والمريض يجهد والمولود فيه يكون
مرزوقا طويل العمر.
وقال سلمان هو روز
أرديبهشت اسم الملك الموكل بالشقاء والسقم يوم ثقيل نحس لا يصلح لأمر من الأمور.
١٩ ـ وفي الرواية
الأخرى عنه عليه السلام يوم نحس فيه سلب آدم وحواء لباسهما ولا تشتر فيه ولا تبع
ولا تأت فيه السلطان ولا تطلب فيه حاجة.
٢٠
ـ المكارم : رديء لا يصلح لشيء
جملة .
٢١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
نحس فيه قتل هابيل قتله أخوه قابيل عليه اللعنة والعذاب السرمد وهو يوم مذموم لا
تسافر فيه ولا تعمل عملا ولا تلق فيه أحدا واستعذ بالله من شره بعوذة أمير
المؤمنين علي عليه السلام ومن ولد فيه كان منحوسا ومن مرض فيه أو في ليلته خيف
عليه إلا أن يشاء الله غير ذلك.
٢٢ ـ وفي رواية أخرى
أن من ولد فيه كان مرزوقا طويل العمر وفيه سلب آدم وحواء لباسهما وأخرجا من الجنة
والهارب فيه يؤخذ والمريض فيه يجهد.
أقول
: المضبوط عند الفرس
أرديبهشت بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة أي الشهر الذي العالم
فيه مثل الجنة لاخضرار
__________________
الأشجار والأراضي
وظهور الأزهار.
اليوم
الرابع
٢٣
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح للزرع والصيد والبناء واتخاذ الماشية ويكره فيه السفر فمن
سافر فيه خيف عليه القتل والسلب أو بلاء يصيبه وفيه ولد هابيل والمولود فيه يكون
صالحا مباركا ما عاش ومن هرب فيه عسر طلبه ولجأ إلى من يمنعه.
وقال سلمان روز
شهريور اسم الملك الذي خلقت فيه الجواهر منه ووكل بها وهو موكل ببحر الروم.
٢٤ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم صالح للتزويج والصيد ويذم فيه السفر فمن سافر فيه سلب وفيه ولد هابيل
بن آدم عليه السلام.
٢٥
ـ المكارم : عنه عليه السلام صالح
للتزويج ويكره السفر فيه .
٢٦
ـ الزوائد : عنه عليه السلام هو
يوم متوسط صالح لقضاء الحوائج فيه ولد هبة الله شيث بن آدم ولا تسافر فيه فإنه
مكروه ومن ولد فيه كان مباركا ومن مرض فيه شفي ليلته وبرئ بإذن الله تعالى.
٢٧ ـ وفي رواية
أخرى أن هابيل عليه السلام ولد فيه أيضا ويخاف فيه على المسافر السلب والقتل وبلاء
يصيبه ومن هرب فيه لجأ إلى من يمنع منه.
أقول
: اسمه عند الفرس
بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وكسر الراء المهملة وسكون الياء وفتح الواو.
اليوم
الخامس
٢٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم نحس مستمر فيه ولد قابيل الشقي الملعون وفيه قتل أخاه وفيه دعا
بالويل على نفسه وهو أول من بكى في الأرض فلا تعمل فيه عملا ولا تخرج من منزلك ومن
حلف فيه كاذبا عجل له الجزاء ومن ولد فيه صلحت حاله.
__________________
وقال سلمان روز
إسفندار اسم الملك الموكل بالأرضين يوم نحس فلا تطلب فيه حاجة ولا تلق فيه سلطانا.
٢٩ ـ وفي الرواية
الأخرى عنه عليه السلام ولد فيه قابيل وفيه قتل أخاه ولا تطلب فيه حاجة.
٣٠
ـ المكارم : عنه عليه السلام رديء
نحس .
٣١
ـ الزوائد : هو يوم نحس فيه لعن إبليس وهاروت وماروت وكل فرعون وجبار
وفيه لعن وعذب وهو يوم نكد عسير لا خير فيه فاستعذ بالله من شره ومن ولد فيه كان
مشوما ثقيلا نكد الحياة عسير الرزق ومن مرض فيه أو في ليلته ثقل مرضه وخيف عليه.
٣٢ ـ وفي رواية
أخرى أن فيه قتل قابيل هابيل وينظر في إصلاح الماشية ومن كذب فيه عجل الله له
الجزاء.
أقول
: المشهور عند الفرس
إسفندارمذ وقد يقال إسپندار وسفندار وسپندار بإلحاق مذ في الجميع.
اليوم
السادس
٣٣
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح للتزويج ومن سافر فيه في بر أو بحر رجع إلى أهله بما يحبه جيد
لشراء الماشية ومن ضل فيه أو أبق وجد ومن مرض فيه برئ ومن ولد فيه صلحت تربيته
وسلم من الآفات.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز خرداد اسم ملك موكل بالجن يصلح للتزويج والمعاش وكل حاجة والأحلام
يظهر تأويلها بعد يوم أو يومين.
٣٤ ـ وفي الرواية
الأخرى : يوم صالح للتزويج والصيد وطلب المعاش وكل حاجة.
٣٥
ـ المكارم : عنه عليه السلام مبارك
يصلح للتزويج وطلب الحوائج .
__________________
٣٦
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح ولد فيه نوح عليه السلام يصلح للحوائج والسلطان والسفر والبيع والشراء
والديون والقضاء والأخذ والعطاء والنزهة والصيد ومن ولد فيه كان مباركا ميمونا
موسعا عليه في حياته ومن مرض فيه أو في ليلته لم يجاوز مرضه أسبوعا ثم يبرأ بإذن
الله.
٣٧ ـ وفي رواية
أخرى يصلح للتزويج وشراء الماشية.
أقول
: خرداد عندهم بضم
الخاء المعجمة.
اليوم
السابع
٣٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لجميع الأمور ومن بدأ بالكتابة أكملها حذقا ومن بدأ فيه
بعمارة أو غرس حمدت عاقبته ومن ولد فيه صلحت تربيته ووسع عليه رزقه.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز مرداد اسم ملك موكل بالناس وأرزاقهم وهو يوم مبارك سعيد فاعمل فيه ما
تشاء من الخير.
٣٩ ـ وفي رواية
أخرى يوم صالح مثل السادس.
٤٠
ـ المكارم : عنه عليه السلام مبارك
مختار يصلح لكل ما يراد ويسعى فيه .
٤١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
سعيد مبارك فيه ركب نوح عليه السلام السفينة فاركب البحر وسافر في البر والق العدو
واعمل ما شئت فإنه يوم عظيم البركة محمود لطلب الحوائج والسعي فيها ومن ولد فيه
كان مباركا ميمونا على نفسه وأبويه خفيف النجم موسعا عيشه ومن مرض فيه أو في ليلته
برئ بإذن الله تعالى.
٤٢ ـ وفي رواية
أخرى يصلح لابتداء الكتابة والعمارة وغرس الأشجار.
أقول
: مرداد أيضا بالضم
وقال أبو ريحان معناه دوام الخلق أبدا من غير موت ولا فناء.
__________________
اليوم
الثامن
٤٣
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لكل حاجة من بيع أو شراء ومن دخل فيه على سلطان قضيت حاجته
ويكره فيه ركوب البحر والسفر في البر والخروج إلى الحرب ومن ولد فيه صلحت ولادته
ومن هرب فيه لم يقدر عليه إلا بتعب ومن ضل فيه لم يرشد إلا بجهد والمريض فيه يجهد.
وقال سلمان روز
نمادر اسم من أسمائه تعالى وهو يوم مبارك سعيد صالح لكل أمر تريد من الخير.
٤٤ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم صالح مبارك صالح لكل حاجة إلا السفر.
٤٥
ـ المكارم : يصلح لكل حاجة سوى
السفر فإنه يكره فيه .
٤٦
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح للشراء والبيع فاشتر فيه وبع وخذ وأعط ولا تعرض للسفر فإنه يكره فيه سفر البر
والبحر ومن ولد فيه كان متوسط الحال طويل العمر ومن مرض فيه أو في ليلته برئ بإذن
الله تعالى.
٤٧ ـ وفي رواية
أخرى تصلح للقاء السلطان وقضاء الحوائج منه ومن هرب فيه لم يقدر عليه إلا بتعب ومن
ضل فيه لم يرشد إلا بجهد وقيل من مرض فيه هلك.
أقول
: المعروف عندهم
ديبازر.
اليوم
التاسع
٤٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم خفيف صالح لكل أمر تريده فابدأ فيه بالعمل واقترض فيه وازرع واغرس
ومن حارب فيه غلب ومن سافر فيه رزق مالا ورأى خيرا ومن هرب فيه نجا ومن مرض فيه
ثقل ومن ضل قدر عليه ومن ولد فيه صلحت ولادته ووفق فيه في كل حالاته.
وقال سلمان روز
آذر اسم ملك موكل بالميزان يوم القيامة محمود والأحلام تصح فيه من يومها.
__________________
٤٩ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم خفيف صالح لكل أمر يريده والمولود فيه يكون مرزوقا في معيشته ولا يصيبه
ضيق.
٥٠
ـ المكارم : عنه عليه السلام مبارك
يصلح لكل ما يريده الإنسان ومن سافر فيه رزق مالا ويرى في سفره كل خير .
٥١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح محمود فيه ولد سام بن نوح وهو يوم مبارك يصلح للحوائج والدخول على السلطان
وجميع الأعمال والدين والقرض والأخذ والعطاء ومن ولد فيه كان محبوبا مقبولا عند
الناس يطلب العلم ويعمل بأعمال الصالحين ومن مرض فيه أو في ليلته برئ بإذن الله
تعالى.
٥٢ ـ وفي رواية
أخرى من سافر فيه رزق ولقي خيرا ويصلح للغرس والزرع ومن حارب فيه غلب ومن هرب فيه
لجأ إلى سلطان يمنع يمنع عليه ومن مرض فيه ثقل.
أقول
: عندهم آذر بالألف
الممدودة ثم الذال المعجمة المفتوحة اسم للنار والملك الموكل بها وصحح بعضهم بضم
الذال والأول أشهر.
اليوم
العاشر
٥٣
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه ولد فيه نوح عليه السلام ومن ولد فيه يكبر ويهرم ويرزق ويصلح للبيع
والشراء والسفر والضالة فيه توجد والهارب فيه يظفر به ويحبس وينبغي للمريض فيه أن
يوصي.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز آبان اسم ملك موكل بالبحار والأودية يوم خفيف مبارك ومن هرب فيه من
سلطان أخذ ومن ولد فيه لم يصبه ضيق وكان مرزوقا والأحلام فيه تظهر في مدة عشرين
يوما.
٥٤ ـ وفي الرواية
الأخرى فيه ولد نوح عليه السلام يوم صالح للحرث والزرع والسلف وكل خير.
٥٥
ـ المكارم : صالح لكل حاجة سوى
الدخول على السلطان ومن
__________________
فر فيه من السلطان
أخذ ومن ضلت له ضالة وجدها وهو جيد للشراء والبيع ومن مرض فيه برأ .
٥٦
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
محمود رفع الله فيه إدريس مكانا عليا وفيه أخذ موسى التوراة تصلح لكتب الكتب
والشروط والعهود وأعمال الدواوين والحساب ومن ولد فيه كان مباركا حليما صالحا
عفيفا ومن مرض فيه أو في ليلته يخاف عليه.
٥٧ ـ وفي رواية
أخرى يصلح للبيع والشراء ومن ضلت له ضالة وجدها ويستحب للمريض فيه أن يوصي ومن هرب
فيه ظفر به وسجن.
اليوم
الحادي العشر
٥٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه ولد فيه شيث عليه السلام صالح لابتداء العمل والبيع والشراء والسفر
ويجتنب فيه الدخول على السلطان ومن هرب فيه رجع طائعا ومن مرض فيه يوشك أن يبرأ
فيه ومن ضل فيه سلم ومن ولد فيه طابت عيشته غير أنه لا يموت حتى يفتقر ويهرب من
سلطان.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز خور اسم ملك موكل بالشمس يوم خفيف مثل الذي تقدمه.
٥٩ ـ وفي الرواية
الأخرى من هرب فيه أخذ ومن ولد فيه يكون مرزوقا في معيشته ويعمر حتى يهرم ولا
يفتقر أبدا.
٦٠
ـ المكارم : عنه عليه السلام يصلح
للشراء والبيع ولجميع الحوائج وللسفر ما خلا الدخول على السلطان وإن التواري فيه
يصلح .
٦١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح للشراء والبيع والمعاملة والقرض ويكره فيه الدخول على السلطان ومعاملته
والتصرف فيه ومن ولد فيه كان مباركا صالح التربية ومن مرض فيه أو في ليلته برئ
بإذن الله تعالى.
__________________
أقول
: عندهم خور بضم
الخاء ومنهم من صححه بالفتح والأول أظهر ويؤيده دخول الواو في الكتابة.
٦٢ ـ وفي رواية
أخرى أنه ولد فيه شيث عليه السلام ومن هرب فيه رجع طائعا ومن ضل فيه سلم وذكر أيضا
أنه يموت فقيرا أو يهرب من السلطان.
اليوم
الثاني عشر
٦٣
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح للتزويج وفتح الحوانيت والشركة وركوب البحار ويجتنب فيه
الوساطة بين الناس والمريض يوشك أن يبرأ والمولود فيه يكون هين التربية.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز ماه يوم مختار وهو اسم ملك موكل بالقمر.
وفي الرواية
الأخرى مثل الحادي عشر.
٦٤
ـ المكارم : عنه عليه السلام يوم
صالح مبارك فاطلبوا فيه حوائجكم واسعوا لها فإنها تقضى .
٦٥
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
مبارك فيه قضى موسى الأجل وهو يوم التزويج والمشاركة وفتح الحوانيت وعمارة المنازل
والبيع والشراء والأخذ والعطاء ومن ولد فيه كان عفيفا ناسكا صالحا ومن مرض فيه أو
في ليلته من حمى خيف عليه إلا أن يشاء الله عز وجل.
٦٦ ـ وفي أخرى : يستحب
فيه ركوب الماء ولا يرتكب فيه الوسائط يعني الوساطة بين الناس.
اليوم
الثالث عشر
٦٧
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم نحس فاتق فيه المنازعة والحكومة ولقاء السلطان وكل أمر ولا تدهن
فيه رأسا ولا تحلق فيه شعرا ومن ضل فيه أو هرب سلم ومن مرض فيه أجهد والمولود فيه
ذكر أنه [ ذكرانه ] لا يعيش.
__________________
وقال سلمان رضي
الله عنه روز تير اسم ملك موكل بالنجوم يوم نحس رديء فاتق فيه السلطان وجميع
الأعمال والأحلام تصح فيه بعد تسعة أيام.
وفي الرواية
الأخرى يوم نحس لا تطلب فيه حاجة.
٦٨
ـ المكارم : عنه عليه السلام يوم
نحس فاتقوا فيه جميع الأعمال .
٦٩
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
نحس فيه هلك ابن نوح وامرأة لوط وهو يوم مذموم في كل حال فاستعذ بالله من شره ومن
ولد فيه كان مشوما عسير الرزق كثير الحقد نكد الخلق ومن مرض فيه أو في ليلته يخاف
عليه والله أعلم.
٧٠ ـ وفي رواية
أخرى تتقى فيه المنازعات ولقاء السلاطين والحكومات وحلق الرأس ودهن الشعر ومن هرب
فيه سلم وإن ولد فيه ذكر لم يعش.
اليوم
الرابع عشر
٧١
ـ الدروع : عن الصادق عليه السلام
أنه صالح لكل شيء ومن ولد فيه يكون غشوما وهو جيد لطلب العلم والبيع والشراء
والسفر والاستقراض وركوب البحر ومن هرب فيه أخذ ومن مرض فيه برئ إن شاء الله تعالى.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز جوش اسم ملك موكل بالإنس والجن والريح يوم سعيد مبارك يصلح لكل شيء
وللقاء السلطان وأشراف الناس وعلمائهم ومن ولد فيه يكون كاتبا أديبا ويكثر ماله
آخر عمره والأحلام تصح بعد ستة وعشرين يوما.
٧٢ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم سعيد صالح لكل حاجة ومن ولد فيه عمر طويلا ويكون مشعوفا بطلب العلم
ويكثر ماله في آخر عمره.
٧٣
ـ المكارم : عنه عليه السلام جيد
للحوائج ولكل عمل .
٧٤
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح لما تريد من قضاء الحوائج ولقاء الملوك
__________________
وطلب العلم وأعمال
الديون ومن ولد فيه عاش سليما سعيدا وكان في أموره مسددا محمودا مرزوقا ومن مرض
فيه أو في ليلته برئ من مرضه ولم يطل والله أعلم.
٧٥ ـ وفي رواية
أخرى أنه من ولد فيه يكون في آخر عمره كثير المال ويكون غشوما ظلوما ويصلح للبيع
والشراء والاستقراض والقرض والركوب في البحر ومن هرب فيه يؤخذ.
أقول
: جوش بضم الجيم
وسكون الواو.
اليوم
الخامس عشر
٧٦
ـ العدد القوية لدفع المخاوف اليومية : للشيخ رضي الدين علي بن يوسف بن مطهر الحلي قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مبارك يصلح لكل حاجة والسفر وغيره فاطلبوا فيه
الحوائج فإنها مقضية.
٧٧ ـ وفي رواية
أخرى محذور نحس في كل الأمور إلا من أراد أن يستقرض أو يقرض أو يشاهد ما يشتري ولد
فيه قابيل وكان ملعونا وهو الذي قتل أخاه فاحذروا فيه كل الحذر ففيه خلق الغضب ومن
مرض فيه مات.
٧٨ ـ وفي رواية
أخرى من مرض فيه برئ عاجلا ومن هرب فيه ظفر به في مكان قريب ومن ولد فيه يكون
سيئ الخلق.
٧٩ ـ وفي رواية
أخرى من ولد فيه يكون ألثغ أو أخرس أو ثقيل اللسان.
٨٠ ـ قال أمير
المؤمنين عليه السلام من ولد فيه يكون أخرس أو ألثغ.
وقالت الفرس إنه
يوم خفيف.
وفي رواية أخرى
يوم مبارك يصلح لكل عمل وحاجة والأحلام فيه تصح بعد ثلاثة أيام يحمد فيه لقاء
القضاة والعلماء والتعليم وطلب ما عند الرؤساء والكتاب.
__________________
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه ديمهروز اسم من أسماء الله تعالى.
٨١
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لكل الأمور إلا من أراد أن يستقرض أو يقرض ومن مرض فيه برئ عاجلا
ومن هرب فيه ظفر به والمولود فيه يكون ألثغ أو أخرس.
وقال سلمان رضي
الله عنه روزديبهر اسم من أسمائه تعالى يصلح لكل حاجة والأحلام فيه تصح بعد
ثلاثة أيام.
وفي الرواية
الأخرى يوم صالح لكل أمر والمولود يكون أخرس أو ألثغ.
٨٢
ـ المكارم : صالح لكل حاجة
تريدها فاطلبوا فيه حوائجكم فإنها تقضى .
٨٣
ـ الزوائد : يوم صالح لكل عمل
وحاجة ولقاء الأشراف والعظماء والرؤساء فاطلب فيه حوائجك والق سلطانك واعمل ما بدا
لك فإنه يوم سعيد ومن ولد فيه يكون ألثغ اللسان أو أخرس ومن مرض فيه أو في ليلته
خيف عليه إلا أن يشاء الله عزوجل.
٨٤ ـ وفي رواية
أخرى يوم محذور ويصلح للاستقراض والقرض ومشاهدة ما يشترى ومن مرض فيه برئ بإذن
الله تعالى ومن هرب فيه ظفر به في مكان غريب.
بيان
: اللثغ محركة
واللثغة بالضم تحول اللسان من السين إلى الثاء أو من الراء إلى الغين أو اللام أو
الياء أو من حرف إلى حرف أو أن لا يتم رفع لسانه وفيه ثقل لثغ كفرح فهو ألثغ
وتصحيح الاسم عندهم بالدال المفتوحة والياء الساكنة والباء المكسورة وفي نسخ
الدروع بسقوط الميم وفتح الباء وإنما ابتدأنا النقل من العدد من هذا اليوم لأنه لم
يصل إلينا من هذا الكتاب إلا من اليوم الخامس
__________________
عشر إلى آخر الشهر
ومن أول الشهر إلى هذا اليوم كان ساقطا.
اليوم
السادس عشر
٨٥
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم نحس مستمر رديء فلا تسافر فيه ومن سافر فيه
هلك ويناله مكروه فاجتنبوا فيه الحركات واتقوا فيه الحوائج ما استطعتم فلا تطلبوا
فيه حاجة ويكره فيه لقاء السلطان.
٨٦ ـ وفي رواية
يصلح للتجارة والبيع والمشاركة والخروج إلى البحر ويصلح للأبنية ووضع الأساسات
ويصلح لعمل الخير.
٨٧ ـ وفي رواية
خلقت فيه المحبة والشهوة وهو يوم السفر فيه جيد في البر والبحر استأجر فيه من شئت
وادفع فيه إلى من شئت من ولد فيه يكون مجنونا لا محالة ويكون بخيلا.
٨٨ ـ وفي رواية من
ولد في صبيحته إلى الزوال كان مجنونا وإن ولد بعد الزوال إلى آخره صلحت حاله ومن
هرب فيه يرجع ومن ضل فيه سلم ومن ضلت له ضالة وجدها ومن مرض فيه برئ عاجلا.
٨٩ ـ قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام من مرض فيه خيف عليه الهلاك.
وقالت الفرس إنه
يوم خفيف.
٩٠ ـ وفي رواية
أنه يوم جيد لكل ما يراد من الأعمال والنيات والتصرفات والمولود فيه يكون عاملا
وهو يوم لجميع ما يطلب فيه من الأمور الجيدة.
وفي رواية أنه يوم
نحس من ولد فيه يكون مجنونا لا بد من ذلك ومن سافر فيه يهلك وتصلح لعمل الخير
ويتقى فيه الحركة والأحلام تصح فيه بعد يومين.
قال سلمان الفارسي
رضي الله عنه مهرروز اسم الملك الموكل بالرحمة.
٩١
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم نحس لا يصلح لشيء سوى الأبنية والأساسات من سافر فيه هلك ومن هرب
فيه رجع ومن ضل سلم ومن مرض
فيه برئ سريعا
والمولود فيه يكون مجنونا إن ولد قبل الزوال وإن ولد بعد الزوال صلحت حاله.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز مهر اسم ملك موكل بالرحمة وهو يوم نحس فاتق فيه الحركة والأحلام تصح
فيه بعد يومين.
٩٢ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم نحس ومن ولد فيه يكون مجنونا ومن سافر فيه هلك.
٩٣
ـ المكارم : رديء مذموم لكل
شيء .
٩٤
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
نحس رديء مذموم لا خير فيه فلا تسافر فيه ولا تطلب حاجة وتوق ما استطعت وتعوذ
بالله من شره ومن ولد فيه يكون مشوما عسر التربية منحوسا في عيشه ومن مرض فيه أو
في ليلته يخاف عليه ويطول مرضه والله أعلم.
٩٥ ـ وفي رواية
أخرى من سافر فيه هلك ويكره فيه لقاء السلطان ويصلح للتجارة والبيع والمشاركة
والخروج إلى البحر والأبنية والأساسات والذي يهرب فيه يرجع ومن ضل فيه سلم ومن ولد
في صبيحته إلى الزوال كان مجنونا ومن بعد الزوال تكون أعماله صالحة.
أقول
: مهر عندهم بكسر
الميم وسكون الهاء.
اليوم
السابع عشر
٩٦
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم صاف مختار لجميع الحوائج ويصلح للشراء والبيع
والتزويج والدخول على السلطان وغير ذلك صالح لكل حاجة فاطلب فيه ما تريد فإنه جيد
خلقت فيه القوة وخلق فيه ملك الموت وهو الذي بارك فيه الحق على يعقوب عليه السلام جيد
صالح للعمارة وفتق الأنهار وغرس الأشجار والسفر فيه لا يتم.
٩٧ ـ وفي رواية
أخرى هذا اليوم متوسط يحذر فيه المنازعة ومن أقرض
__________________
فيه شيئا لم يرد
إليه فإن رد فيجهد ومن استقرض فيه شيئا لم يرده.
٩٨ ـ قال ابن معمر
وفي رواية أخرى أنه يوم ثقيل لا يصلح لطلب الحوائج فاحذر فيه وأحسن إلى ولدك وعبدك
ومن مرض فيه يبرأ والرؤيا فيه كاذبة والآبق فيه يوجدومن ولدفيه عاش طويلا وصلحت
حاله وتربيته ويكون عيشه طيبا لا يرى فيه فقرا.
وقالت الفرس إنه
يوم خفيف.
٩٩ ـ وفي رواية
أخرى أنه يوم ثقيل غير صالح لعمل الخير فلا تلتمس فيه حاجة.
١٠٠ ـ وفي رواية
أخرى يوم جيد مختار يحمد فيه التزويج والختانة والشركة والتجارة ولقاء الإخوان
والمضاربة للأموال.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه سروش روز اسم الملك الموكل بحراسة العالم وهو جبرئيل عليه
السلام.
١٠١ـ
الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم متوسط واحذر فيه المنازعة والقرض والاستقراض فمن أقرض فيه شيئا لم
يرد إليه ومن استقرض لم يرده ومن ولد فيه صلحت حاله.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز سروش اسم ملك موكل بحراسة العالم وهو يوم ثقيل فلا تلتمس فيه حاجة.
وفي الرواية
الأخرى يوم صالح.
١٠٢ ـ قال وفي
رواية أخرى أنه يوم ثقيل لا يصلح لطلب حاجة.
١٠٣
ـ المكارم : عنه عليه السلام صاف
مختار فاطلبوا فيه ما شئتم وتزوجوا وبيعوا واشتروا وازرعوا وابنوا وادخلوا
على السلطان في حوائجكم فإنها تقضى .
١٠٤ـ
الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح مختار محمود لكل عمل وحاجة
__________________
فاطلب فيه الحوائج
واشتر وبع والق الكتاب والعمال ومن شئت ومن ولد فيه كان مباركا سعيدا في كل أمره
ومن مرض فيه أو في ليلته خلص وبرئ بإذن الله تعالى.
١٠٥ ـ
وفي رواية أخرى متوسط
تحذر فيه المنازعة والقرض والاستقراض.
أقول
: سروش عندهم بالسين
والراء المهملتين المضمومتين.
اليوم
الثامن عشر
١٠٦ ـ العدد : قال
مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مختار جيد مبارك سعيد يصلح
للتزويج والسفر ومن سافر فيه قضيت حاجته مبارك لكل ما تريد عمله ولطلب الحوائج
صالح لكل حاجة من بيع وشراء وزرع فإنك تربح واسع في جميع حوائجك فإنها تقضى واطلب
فيه ما شئت فإنك تظفر ويصلح للدخول على السلطان والقضاة والعمال ومن خاصم فيه عدوه
ظفر به بإذن الله وغلبه ومن تزوج فيه يرى خيرا ومن اقترض قرضا رده إلى من اقترض
منه ومن مرض فيه يوشك أن يبرأ والمولود يصلح حاله ويكون عيشه طيبا ولا يرى فقرا ولا
يموت إلا عن توبة.
وقال الفرس إنه
يوم خفيف.
١٠٧ ـ وفي رواية
أخرى تحمد فيه العمارات والأبنية ويشترى فيه البيوت والمنازل وتقضى فيه الحوائج
والمهمات ويصلح للسفر.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه رش روز اسم الملك الموكل بالنيران.
١٠٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم سعيد صالح لكل شيء من بيع أو شراء أو زرع أو سفر ومن خاصم فيه عدوه
ظفر به والقرض فيه يرد والمريض يبرأ ومن ولد فيه صلحت حاله.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز رش اسم ملك موكل بالنيران يصلح للسفر وطلب الحوائج.
١٠٩ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم صالح للسفر وكل ما تريده من حاجة.
١١٠
ـ المكارم : عنه عليه السلام مختار
صالح للسفر وطلب الحوائج ومن خاصم فيه عدوه خصمه وغلبه وظفر به بقدرة الله .
١١١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
مختار للسفر والتزويج ولطلب الحوائج ومن خاصم فيه عدوه خصمه وغلبه وقهره ومن ولد
فيه كان حسن التربية محمود العيش ومن مرض فيه أو في ليلته برئ ونجا بإذن الله
تعالى.
١١٢ ـ وفي رواية
أخرى يصلح للبيع والشراء والزرع.
أقول
: أكثرهم صححوا
الاسم بفتح الراء المهملة وسكون الشين المعجمة والنون وصحح بعضهم رش بغير نون كما
في الدروع.
اليوم
التاسع عشر
١١٣
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم خفيف يصلح لكل شيء والسفر فمن سافر فيه قضي
حاجته وقضيت أموره وكلما يريد يصل إليه صالح للتزويج والمعاش والحوائج وتعلم العلم
وشراء الرقيق والماشية سعيد مبارك ولد فيه إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ومن ضل
فيه أو هرب قدر عليه بعد خمس عشرة ليلة ومن ولد فيه كان صالح الحال متوقعا لكل
خير.
١١٤ ـ وفي رواية
أخرى أنه يوم شديد كثر شره لا تعمل فيه عملا من أعمال الدنيا والزم فيه بيتك وأكثر
فيه ذكر الله عز وجل وذكر النبي صلى الله عليه واله من مرض فيه ينجو ولا تسافر فيه
ولا تدفع فيه إلى أحد شيئا ولا تدخل على سلطان ومن رزق فيه يكون سيئ الخلق.
١١٥ـ وقال أمير
المؤمنين عليه السلام من ولد فيه يكون مرزوقا مباركا.
وقال الفرس يوم
ثقيل.
١١٦ ـ وفي رواية
أخرى : أنه يحمد فيه لقاء الملوك والسلاطين لطلب الحوائج وطلب ما عندهم وفي أيديهم
وهو يوم مبارك.
__________________
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه فروردين روز اسم الملك الموكل بالأرواح وقبضها وفي ليلة تسع
عشرة من شهر رمضان يكتب وفد الحاج ويستحب فيه الغسل وفي ليلة الأربعاء تاسع عشر
شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ضرب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام.
١١٧ـ
الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم سعيد ولد فيه إسحاق وهو صالح للسفر والمعاش والحوائج وتعلم العلم
وشراء الرقيق والماشية ومن ضل فيه أو هرب قدر عليه بعد خمس عشرة ليلة ومن ولد فيه
يكون صالحا موفقا للخيرات إن شاء الله.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز فروردين اسم ملك موكل بالأرواح وقبضها وهو يوم مبارك وفي الرواية
الأخرى مثل الثامن عشر.
١١٨ـ
المكارم : عنه عليه السلام مختار
صالح لكل عمل ومن ولد فيه يكون مباركا .
١١٩
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
مختار مبارك صالح لكل عمل تريد وفيه ولد إسحاق بن إبراهيم عليه السلام فاطلب فيه
الحوائج والق السلطان واكتب الكتب واعمل الأعمال ومن ولد فيه كان كاتبا مباركا
مرزوقا ومن مرض فيه أو في ليلته خيف عليه.
١٢٠ ـ وفي رواية
أخرى يصلح للسفر والمعاش وطلب العلم وشراء الرقيق والماشية ومن ضل فيه أو هرب يقدر
عليه بعد نصف شهر.
أقول
: فروردين عندهم
بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو ثم سكون الراء وكسر الدال.
اليوم
العشرون
١٢١
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم جيد مبارك
__________________
يصلح لطلب الحوائج
والسفر فمن سافر فيه كانت حاجته مقضية والبناء والتزويج والدخول على السلطان
وغيره.
١٢٢ ـ وفي رواية
أخرى أنه ولد فيه إسحاق عليه السلام محمود العاقبة جيد لطلب الحوائج طالب فيه بحقك
وازرع ما شئت ولا تشتر فيه عبدا.
١٢٣ ـ وفي رواية
أخرى يجتنب فيه شراء العبيد.
١٢٤ ـ وفي رواية
أخرى أنه يوم متوسط الحال صالح للسفر والبناء ووضع الأساس وحصاد الزرع وغرس الشجر
والكرم واتخاذ الماشية من هرب فيه كان بعيد الدرك ومن ضل فيه خفي أمره ومن مرض فيه
صعب مرضه.
١٢٥ ـ وفي رواية
من مرض فيه مات ومن ولد فيه يكون في صعوبة من العيش ويكون ضعيفا.
١٢٦ ـ وفي رواية
من ولد فيه كان حليما فاضلا.
١٢٧ ـ قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام من سافر فيه رجع سالما غانما وقضى الله حوائجه وحصنه من جميع
المكاره وقالت الفرس إنه يوم خفيف مبارك.
١٢٨ ـ وفي رواية
أخرى أنه يوم محمود يحمد فيه الطلب للمعاش والتوجه بالانتقال والأشغال والأعمال
الرضية والابتداءات للأمور.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه بهرام روز.
١٢٩
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم متوسط صالح للسفر وقضاء الحوائج والبناء ووضع الأساس وغرس الشجر
والكرم واتخاذ الماشية ومن هرب فيه بعد دركه ومن ضل فيه خيف أمره ومن مرض فيه صعب
مرضه ومن ولد فيه صعب عيشته.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز بهرام اسم ملك موكل بالنصر والخذلان والحروب والجدال وهو يوم جيد
مبارك.
١٣٠ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم مبارك يصلح للسفر وطلب الحوائج.
١٣١ـ
المكارم : عنه عليه السلام جيد
مختار للحوائج والسفر والبناء والغرس والدخول إلى السلطان يوم مبارك بمشية
الله .
١٣٢
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
جيد محمود صالح مسعود مبارك لما يؤتى فاشتر فيه وبع واعمل ما شئت ومن ولد فيه كان
طويل العمر ملكا يملك بلدا أو ناحية منه ومن مرض فيه أو في ليلته يخلص بإذن الله
تعالى.
١٣٣ ـ وفي رواية
أخرى يوم متوسط يصلح للسفر والحوائج والبناء ووضع الأساسات وغرس الشجر والكرم
واتخاذ الماشية ومن هرب فيه كان بعيد الدرك ومن ضل فيه خفي أمره ومن مرض فيه صعب
مرضه ومن ولد فيه عاش في صعوبة.
أقول
: المضبوط عندهم
بهرام بفتح الباء وسكون الهاء.
اليوم
الحادي والعشرون
١٣٤
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم نحس مستمر يصلح فيه إراقة الدماء فاتقوا فيه
ما استطعتم ولا تطلبوا فيه حاجة ولا تنازعوا فيه فإنه رديء منحوس مذموم ولا تلق
فيه سلطانا تتقيه فهو يوم رديء لسائر الأمور ولا تخرج من بيتك وتوق ما استطعت
وتجنب فيه اليمين الصادقة وتجنب فيه الهوام فإن من لسع فيه مات ولا تواصل فيه أحدا
فهو أول يوم أريق فيه الدم وحاضت فيه حواء ومن سافر فيه لم يرجع وخيف عليه ولم
يربح والمريض يشتد علته ولم يبرأ ومن ولد فيه يكون محتاجا فقيرا.
١٣٥ ـ وفي رواية
أخرى من ولد فيه يكون صالحا.
قالت الفرس إنه
يوم جيد.
١٣٦ ـ وفي رواية
أخرى يصلح فيه إهراق الدم ولا تطلب فيه حاجة وتتقي فيه من الأذى.
__________________
١٣٧ ـ وفي رواية
أخرى يكره فيه سائر الأعمال والفصد والحجامة ولقاء الأجناد والقواد والساسة.
قال سلمان الفارسي
رضي الله عنه رام روز.
١٣٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم نحس رديء فلا تطلب فيه حاجة واتق فيه السلطان ومن سافر فيه خيف عليه
ومن ولد فيه يكون فقيرا محتاجا.
وقال سلمان رضي
الله عنه روزماه اسم ملك موكل بالفرح يصلح لإهراق الدماء حسب.
١٣٩ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم نحس وهو يوم إراقة الدم فلا تطلب فيه حاجة.
١٤٠ـ
المكارم : عنه عليه السلام يوم
نحس مستمر .
١٤١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
نحس مذموم أكل فيه آدم من الشجرة وعصى ربه فاحذره ولا تطلب فيه حاجة ولا تلق
سلطانا ولا تعمل عملا ولا تشارك أحدا واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره ومن ولد
فيه كان ضيق العيش نكد الحياة ومن مرض فيه يخاف عليه.
١٤٢ ـ وفي رواية
أخرى يتقى فيه السلطان والسفر.
أقول
: المضبوط عندهم رام
بفتح الراء المهملة.
اليوم
الثاني والعشرون
١٤٣
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مختار حسن ما فيه مكروه يصلح لكل حاجة وللشراء
والبيع والصيد فيه والسفر ومن سافر فيه ربح ويرجع معافى إلى أهله سالما وطلب الحوائج
والمهمات وسائر الأعمال والصدقة فيه مقبولة ومن دخل على سلطان قضيت حاجته ويبلغ
بقضاء
__________________
الحوائج وفي نسخة
أخرى ومن قصد السلطان وجد مخافة.
١٤٤ ـ وفي رواية
أخرى خفيف صالح لكل شيء يلتمس فيه والرؤيا فيه مقصوصة والتجارة فيه مباركة والآبق
فيه يوجد وإن خاصمت فيه كانت الغلبة لك والتزويج فيه جيد ومن ولد فيه يكون عيشه
طيبا ويكون مباركا ومن مرض فيه يبرأ سريعا.
وقالت الفرس إنه
يوم ثقيل.
١٤٥ ـ وفي رواية
أخرى أنه يحمد فيه كل حاجة والأعمال السلطانية وسائر التصاريف في الأعمال المرضية
وهو يوم خفيف يصلح لكل حاجة يراد قضاؤها.
قال سلمان الفارسي
رضي الله عنه بادروز.
١٤٦
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لقضاء الحوائج والبيع والشراء والدخول على السلطان والصدقة
فيه مقبولة والمريض فيه يبرأ سريعا والمسافر فيه يرجع معافى.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز باد اسم ملك موكل بالريح يوم خفيف يصلح لكل حاجة.
١٤٧ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم صالح لكل شيء.
١٤٨
ـ المكارم : عنه عليه السلام مختار
صالح للشراء والبيع ولقاء السلطان والسفر والصدقة .
١٤٩
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
سعيد مبارك مختار لما تريد من الأعمال فاعمل ما شئت والق من شئت فإنه مبارك ومن
ولد فيه كان مباركا ميمونا سعيدا ومن مرض فيه أو في ليلته لا يخاف عليه ويخلص
ويستحب فيه الشراء والبيع.
بيان
: قوله عليه السلام
ويبلغ بقضاء الحوائج أي حوائج غيره أو هو تأكيد
__________________
مقصوصة أي ينبغي
أن يقص لغيره ليعبرها.
اليوم
الثالث والعشرون
١٥٠
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم سعيد مختار ولد فيه يوسف النبي الصديق عليه
السلام يصلح لكل حاجة ولكل ما يريدونه وخاصة للتزويج والتجارات كلها وللدخول على
السلطان والسفر ومن سافر فيه غنم وأصاب خيرا جيد للقاء الملوك والأشراف والمهمات وسائر
الأعمال وهو يوم خفيف مثل الذي قبله يصلح للبيع والشراء والرؤيا فيه كاذبة والآبق
فيه يوجد والضالة ترجع والمريض يبرأ ومن ولد فيه يكون صالحا طيب النفس حسنا محبوبا
حسن التربية في كل حالة رخي البال.
وفي نسخة أخرى يوم
نحس مشوم من ولد فيه لا يموت إلا مقتولا ولد فيه فرعون.
١٥١ ـ قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام ولد فيه ابن يامين أخو يوسف ومن ولد فيه يكون مرزوقا مباركا.
وقالت الفرس إنه
يوم خفيف يحمد فيه التزويج والنقلة والسفر والأخذ والعطاء ولقاء السلاطين صالح
لسائر الأعمال ولقضاء الحوائج.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه ديبدين روز اسم الملك الموكل بالنوم واليقظة وحراسة الأرواح
حتى ترجع إلى الأبدان ومن رواية أنه اسم من أسماء الله تعالى.
١٥٢
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه ولد فيه يوسف عليه السلام وهو يوم صالح لطلب الحوائج والتجارة والتزويج
والدخول على السلطان ومن سافر فيه غنم وأصاب خيرا ومن ولد فيه كان حسن التربية.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز بندين اسم من أسمائه تعالى يوم خفيف صالح لسائر الحوائج وفي الرواية
الأخرى مثل الثاني والعشرين.
١٥٣
ـ المكارم : مختار جيد خاصة
للتزويج والتجارات كلها والدخول إلى السلطان .
١٥٤
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
سعيد مبارك لكل ما تريد للسفر والتحويل من مكان إلى مكان وهو جيد للحوائج ولقاء الملوك ومن ولد
فيه كان سعيدا وعاش عيشا طيبا ومن مرض فيه أو في ليلته نجا بإذن الله تعالى.
١٥٥ ـ وفي رواية
أخرى إن يوسف ولد فيه ويصلح للتزويج.
أقول
: الاسم عندهم
ديبدين بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة التحتانية وكسر الباء أو فتحها
وكسر الدال المهملة ومنهم من صححه ديبادين وفي نسخ الدروع تصحيفات.
اليوم
الرابع والعشرون
١٥٦
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم نحس مستمر مذموم مشوم ملعون ولد فيه فرعون
لعنه الله وهو يوم عسير نكد « فَاتَّقُوا
اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » لا ينبغي أن يبتدأ فيه بحاجة ويكره في جميع الأحوال
والأعمال نحس لكل أمر يطلب فيه من سافر فيه مات في سفره.
١٥٧ ـ وفي رواية
أخرى ومن مرض فيه طالت مرضته ومن ولد فيه يكون سقيما حتى يموت نكدا في عيشه ولا
يوفق لخير وإن حرص عليه جهده ويقتل في آخر عمره أو يغرق.
١٥٨ ـ وفي رواية
أخرى أنه جيد للسفر والرؤيا فيه كاذبة.
١٥٩ ـ قال أمير
المؤمنين عليه السلام من ولد في هذا اليوم علا أمره إلا أنه يكون حزينا حقيرا ومن
مرض فيه طال مرضه وقالت الفرس إنه يوم خفيف جيد.
__________________
١٦٠ ـ وفي رواية
أخرى أنه رديء مذموم لا يطلب فيه حاجة ولد فيه فرعون ذو الأوتاد.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه دين روز اسم الملك الموكل بالسعي والحركة وفي رواية أخرى اسم
الملك الموكل بالنوم واليقظة وحراسة الأرواح حتى ترجع إلى الأبدان.
١٦١
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم رديء نحس فيه ولد فرعون فلا تطلب فيه أمرا من الأمور ومن ولد فيه
نكد عيشه ولم يوفق لخير ويقتل آخر عمره أو يغرق والمريض فيه يطول مرضه.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز دين اسم ملك موكل بالنوم واليقظة والسعي والحركة وحراسة الأرواح إلى
أن ترجع إلى الأبدان يوم نحس مستمر والمولود فيه كما ذكر آنفا.
١٦٢ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم نحس مستمر فيه ولد فرعون من ولد فيه يقتل ولا يكون موفقا وإن حرص جهده
ويكون ما عاش نكدا.
١٦٣
ـ المكارم : عنه عليه السلام يوم
مشوم .
١٦٤
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
نحس مستمر مكروه لكل حال وعمل فاحذره ولا تعمل فيه عملا ولا تلق أحدا واقعد في
منزلك واستعذ بالله من شره ومن ولد فيه كان منحوسا ومن مرض فيه أو في ليلته خيف
عليه أو طال مرضه.
١٦٥ ـ وفي رواية
أخرى ولد فيه فرعون والمولود فيه يقتل في آخر عمره إذا حرص في طلب الرزق أو يغرق.
أقول
: دين بكسر الدال
وسكون الياء.
اليوم
الخامس والعشرون
١٦٦
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مذموم نحس وهو اليوم الذي أصاب مصر فيه تسعة
ضروب من الآفات فلا تطلب فيه حاجة و
__________________
احفظ فيه نفسك
فإنه اليوم الذي ضرب الله عز وجل فيه أهل الآيات مع فرعون وهو شديد البلاء والآبق
فيه يرجع ولا تحلف فيه صادقا ولا كاذبا وهو يوم سوء من سافر فيه لا يربح ومن مرض
فيه أجهد ومن لم يفق من مرضه فاتقه.
١٦٧ ـ وفي رواية
أخرى من مرض فيه لا يكاد يبرأ وهو إلى الموت أقرب من الحياة ومن مرض فيه لا ينجو
ومن ولد فيه كان ملكا مرزوقا نجيبا من الناس تصيبه علة شديدة ويسلم منها.
١٦٨ ـ وفي رواية
أخرى من ولد فيه يكون فقيها عالما.
١٦٩ ـ وفي رواية
أخرى أنه يوم جيد للشراء والبيع والبناء والزرع ويصلح لقضاء الحوائج ومن ولد فيه
كان كذابا نماما لا خير فيه.
١٧٠ ـ وقال أمير
المؤمنين عليه السلام استعيذوا فيه بالله تعالى.
وقالت الفرس إنه
يوم ثقيل رديء مكروه أصيب فيه أهل مصر بسبع ضربات من البلاء وهو يوم نحس تفرغ فيه
للدعاء والصلاة وعمل الخير.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه أردروز اسم الملك الموكل بالجن والشياطين.
١٧١
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم نحس رديء فاحفظ نفسك فيه ولا تطلب فيه حاجة فإنه يوم شديد البلاء
ضرب الله فيه أهل مصر بالآيات مع فرعون والمريض فيه يجهد والمولود فيه يكون مباركا
مرزوقا نجيبا وتصيبه علة شديدة ويسلم منها.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز أرد اسم ملك موكل بالجن والشياطين يوم نحس ضرب الله فيه أهل مصر
بالآيات فتفرغ فيه للدعاء والصلاة وعمل الخير.
١٧٢ ـ وفي الرواية
الأخرى عنه عليه السلام يوم نحس مشوم فيه أصيب أهل مصر بالآيات فاتقه جهدك ومن مرض
فيه لم يفق من مرضه.
١٧٣
ـ المكارم : عنه عليه السلام رديء
مذموم يحذر فيه من كل شيء .
__________________
١٧٤
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
نحس مكروه ثقيل نكد فلا تطلب فيه حاجة ولا تلق أحدا ولا تسافر فيه واقعد في منزلك
واستعذ بالله من شره ومن ولد فيه كان ثقيل التربية نكد الحياة ومن مرض فيه أو في
ليلته يخاف عليه.
١٧٥ ـ وفي رواية
أخرى أنه يوم ضرب الله فيه أهل الآيات مع فرعون والمولود فيه يكون نجيبا مباركا
مرزوقا تصيبه علة شديدة ويسلم منها.
أقول
: المشهور في تصحيح
الاسم أنه بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة ثم الدال المهملة وقد يمد الهمزة
وبعضهم صححه بكسر الهمزة.
اليوم
السادس والعشرون
١٧٦
ـ العدد : قال مولانا جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مبارك للسيف ضرب موسى عليه السلام فيه البحر
فانفلق يصلح لكل حاجة ما خلا التزويج والسفر فاجتنبوا فيه ذلك فإنه من تزوج فيه لم
يتم تزويجه ويفارق أهله ومن سافر فيه لم يصلح له ذلك فليتصدق.
١٧٧ ـ وفيه رواية
أخرى يوم صالح للسفر ولكل أمر يراد إلا التزويج فإنه من تزوج فيه فرق بينهما كما
انفرق البحر لموسى عليه السلام ويكون عيشهما بغيضا ولا تدخل إذا وردت من سفرك فيه
إلى أهلك والنقلة فيه جيدة ومن ولد فيه يكون قليل الحظ ويغرق كما غرق فرعون في
اليم.
١٧٨ ـ وفي رواية
أخرى من ولد فيه طال عمره.
١٧٩ ـ فيه رواية
أخرى من ولد فيه يكون مجنونا بخيلا ومن مرض فيه أجهد.
قالت الفرس إنه
يوم جيد مختار مبارك ومن تزوج فيه لا يتم أمره ويفارق أهله وقال سلمان الفارسي رضي
الله عنه أشتادروز اسم الملك الذي خلق عند ظهور الدين.
١٨٠
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح يصلح للسفر ولكل
أمر يراد إلا
التزويج فمن تزوج فيه فارق زوجته لأن فيه انفلق البحر لموسى عليه السلام ولا تدخل
فيه على أهلك إذا قدمت من سفر والمريض فيه يجهد والمولود فيه يطول عمره.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز أشتاد اسم ملك خلق عند ظهور الدين يوم صالح لكل أمر إلا التزويج.
١٨١ ـ وفي الرواية
الأخرى عنه عليه السلام فيه فرق الله البحر لموسى عليه السلام وهو يوم صالح لكل
أمر إلا للتزويج فمن تزوج فيه فرق بينهما كما فرق الله البحر.
١٨٢
ـ المكارم : عنه عليه السلام صالح
لكل حاجة سوى التزويج والسفر وعليكم بالصدقة فإنكم تنتفعون بها .
١٨٣
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صالح متوسط للشراء والبيع والسفر وقضاء الحوائج والبناء والغرس والزرع وهو يوم جيد
فسافر فيه والق من شئت تغنم وتقض حوائجك ومن ولد فيه كان متوسط الحال ومن مرض
فيه أو في ليلته برئ بعد مدة ويكره فيه التزويج.
١٨٤ ـ وفي رواية
أخرى هو يوم ضرب موسى بعصاه البحر فلا تعبر [ تدخل ] على أهلك إذا أتيت من سفر والمولود يطول عمره
والمريض يجهد.
أقول
: المضبوط عند
أكثرهم أشتاد بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح التاء ثم الألف ثم الدال
المهملة ونقل عن السيد ركن الدين الآملي أنه بالسين المهملة.
اليوم
السابع والعشرون
١٨٥
ـ العدد : قال مولانا أبو
عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم
__________________
مبارك مختار جيد
يصلح لطلب الحوائج والشراء والبيع والدخول على السلطان والبناء والزرع والخصومة
ولقاء القضاة والسفر والابتداءات والأسباب والتزويج وهو يوم سعيد جيد وفيه ليلة القدر فاطلب ما شئت
خفيف لسائر الأحوال اتجر فيه وطالب بحقك واطلب عدوك وتزوج وادخل على السلطان والق
فيه من شئت ويكره فيه إخراج الدم ومن مرض فيه مات ومن ولد فيه يكون جميلا حسنا
طويل العمر كثير الرزق قريبا إلى الناس محببا إليهم.
١٨٦ ـ وفي رواية
أخرى يكون غشوما مرزوقا.
١٨٧ ـ قال أمير
المؤمنين عليه السلام ولد فيه يعقوب عليه السلام من ولد فيه يكون مرزوقا محبوبا
عند أهله لكنه تكثر أحزانه ويفسد بصره.
وقالت الفرس إنه
يوم جيد يحمد للحوائج وتسهيل الأمور والأعمال والتصرفات ولقاء التجار والسفر
والمسافر يحمد فيه أمره من ولد فيه يكون مرزوقا محببا إلى الناس طويلا عمره.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه روز آسمان اسم الملك الموكل بالطير .
١٨٨
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لكل أمر والمولود فيه يكون حسنا جميلا طويل العمر كثير الخير
قريبا إلى الناس محببا إليهم.
قال سلمان رضي
الله عنه روز آسمان اسم ملك موكل بالطير والمولود فيه كما مر آنفا.
١٨٩ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم سعيد صالح لكل شيء تريده.
١٩٠
ـ المكارم : جيد مختار للحوائج
وكل ما يراد ولقاء السلطان .
١٩١
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
صاف مبارك من النحوس صالح للحوائج إلى
__________________
السلطان وإلى
الإخوان والسفر إلى البلدان فالق فيه من شئت وسافر إلى حيث أردت ومن ولد فيه كان مباركا خفيف
التربية ومن مرض فيه أو في ليلته نجا من مرضه سريعا.
١٩٢ ـ ومن رواية
أخرى أنه يكون طويل العمر كثير الخير.
أقول
: آسمان بالألف
الممدود كاسم السماء ولذا قيل اسم ملك موكل بالسماء وقيل موكل بالطير وقيل بالممات
والأمور المتعلقة بهذا اليوم.
اليوم
الثامن والعشرون
١٩٣
ـ العدد : قال مولانا أبو
عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مختار وصالح لكل حاجة وإخراج
الدم وهو يوم سعيد مبارك ولد فيه يعقوب عليه السلام يصلح للسفر وجميع الحوائج وكل
أمر والعمارة والبيع والشراء والدخول على السلطان قاتل فيه أعداءك فإنك تظفر بهم
والتزويج.
١٩٤ ـ وفي رواية
أخرى لا تخرج فيه الدم فإنه رديء من مرض فيه يموت ومن أبق فيه رجع ومن ولد فيه
يكون حسنا جميلا مرزوقا محبوبا محببا إلى الناس وإلى أهله مشغوفا محزونا طول عمره
ويصيبه الغموم ويبتلى في بدنه ويعافى في آخر عمره ويعمر طويلا ويبتلى في بصره.
١٩٥ ـ قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام من ولد فيه يكون صبيح الوجه مسعود الجد مباركا ميمونا ومن
طلب فيه شيئا تم له وكانت عاقبته محمودة وقالت الفرس إنه يوم ثقيل منحوس.
١٩٦ ـ وفي رواية
أخرى يحمد فيه قضاء الحوائج ومبارك فيها وقضاء الأمور والمهمات ودفع الضرورات
ولقاء القواد والحجاب والأجناد وهو يوم مبارك سعيد والأحلام تصح في يومها.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه راهيادروز اسم الملك الموكل بالقضاء بين الخلق وروي اسم
الملك الموكل بالسماوات.
__________________
١٩٧
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لكل أمر ولد فيه يعقوب عليه السلام فمن ولد فيه يكون محزونا
وتصيبه الغموم ويبتلى في بدنه.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز رامياد اسم ملك موكل بالسماوات وقيل بالقضاء بين الخلق يوم مبارك
سعيد والأحلام تصح في يومها.
١٩٨ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم سعيد ولد فيه يعقوب عليه السلام ومن ولد فيه يكون مرزوقا محببا إلى
أهله وإلى الناس ويعمر طويلا وتصيبه الهموم ويبتلى في بصره.
١٩٩
ـ المكارم : ممزوج .
٢٠٠
ـ الزوائد : يوم مبارك سعيد
لكل عمل وحاجة وسفر وبناء وغرس واعمل فيه ما شئت والق من شئت فإنه يوم مبارك سعيد
ومن ولد فيه يكون مباركا مقبلا ومن مرض فيه أو في ليلته برئ من مرضه.
٢٠١ ـ وفي رواية
أخرى إن يعقوب عليه السلام ولد فيه ومن ولد فيه يكون محزونا طويلا عمره ويصيبه
الغم ويبتلى في بدنه.
أقول
: المضبوط في الاسم
رامياد بفتح الراء المهملة ثم الألف وسكون الميم والياء المثناة التحتانية ثم
الألف ثم الدال المهملة.
اليوم
التاسع والعشرون
٢٠٢
ـ العدد : قال مولانا أبو
عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مختار يصلح لكل حاجة وإخراج
الدم وهو يوم سعيد لسائر الأمور والحوائج والأعمال فيه بارك الله تعالى على الأرض
المقدسة ويصلح للنقلة وشراء العبيد والبهائم ولقاء الإخوان والأصدقاء وفعل البر
والحركة ويكره فيه الدين والسلف والأيمان من سافر فيه يصيب مالا كثيرا إلا من كان
كاتبا فإنه يكره له ذلك والرؤيا فيه صادقة ولا تقصها إلا بعد يوم والمريض فيه يموت
والآبق فيه يوجد ولا تستحلف فيه أحدا ولا تأخذ فيه من أحد وادخل فيه على السلطان
ولا
__________________
تضرب فيه حرا ولا
عبدا ومن ضلت له ضالة وجدها.
٢٠٣ ـ وفي رواية
من مرض فيه يبرأ ومن ولد فيه يكون صالحا حليما.
٢٠٤ ـ وفي رواية
أخرى أنه متوسط لا محمود ولا مذموم تجتنب فيه الحركة.
وقالت الفرس إنه
يوم جيد صالح يحمد فيه النقلة والسفر والحركة والمولود فيه يكون شجاعا وهو صالح
لكل حاجة ولقاء الإخوان والأصدقاء والأوداء وفعل الخير والأحلام فيه تصح في يومها.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه مارإسفندروز اسم الملك الموكل بالأوقات والأزمان والعقول
والأسماع والأبصار وفي رواية أخرى الموكل بالأفئدة.
٢٠٥
ـ الدروع : عن الصادق عليه
السلام أنه يوم صالح لكل أمر ومن ولد فيه يكون حليما ومن سافر فيه أصاب مالا جزيلا
ومن مرض فيه برئ سريعا ولا تكتب فيه وصية.
وقال سلمان رضي
الله عنه فارسفند اسم ملك موكل بالأفئدة والعقول والأسماع والأبصار يصلح للقاء
الإخوان والأصدقاء ولكل حاجة والأحلام تصح فيه من يومها.
٢٠٦ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم مبارك صالح لكل حاجة من لقاء السلطان والأصدقاء وفعل البر وغير ذلك.
٢٠٧
ـ المكارم : عنه عليه السلام مختار
جيد لكل حاجة ما خلا الكاتب فإنه يكره له ذلك ولا أرى له أن يسعى في حاجة إن قدر
على ذلك ومن مرض فيه برئ سريعا ومن سافر فيه أصاب مالا كثيرا ومن أبق فيه رجع .
٢٠٨
ـ الزوائد : عنه عليه السلام يوم
مبارك سعيد قريب الأمر يصلح للحوائج والتصرف فيها ولقاء الملوك والسفر والنقلة
فاقض فيه كل حاجة وسافر و
__________________
الق من شئت ومن
ولد فيه كان مباركا ومن مرض فيه أو في ليلته يخاف عليه.
٢٠٩ ـ وفي رواية
أخرى الذي يولد فيه يكون حليما والمسافر فيه يصيب مالا كثيرا وتكره فيه الوصية.
أقول
: الاسم عندهم مار
إسفند بفتح الميم ثم الألف والراء الساكنة ثم الهمزة المكسورة والسين المهملة
الساكنة والفاء المفتوحة والنون الساكنة وقيل مار إسفندان وقيل إسپند وقيل إسپندان
بالباء العجمية فيهما.
اليوم
الثلاثون
٢١٠
ـ العدد القوية : قال مولانا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إنه يوم مختار جيد
يصلح لكل شيء وللشراء والبيع والزرع والغرس والبناء والتزويج والسفر وإخراج الدم.
٢١١ ـ وفي رواية
أخرى لا تسافر فيه ولا تتعرض لغيره إلا المعاملة وقلل فيه الحركة والسفر فيه رديء ومن
ولد فيه يكون حليما مباركا وتعسر تربيته ويسوء خلقه ويرزق رزقا يكون لغيره ويمنع
من التمتع بشيء منه.
٢١٢ ـ وفي رواية
أخرى من ولد فيه كفي كل أمر يؤذيه ويكون المولود فيه مباركا صالحا يرتفع أمره
ويعلو شأنه ولد فيه إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وفيه خلق الله العقل وأسكنه
رءوس من أحب من عباده ومن هرب فيه أخذ ومن ضلت منه ضالة وجدها ومن اقترض فيه شيئا
رده سريعا ومن مرض فيه برئ سريعا.
٢١٣ ـ قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام من ولد فيه يكون حليما مباركا صادقا أمينا يعلو شأنه ومن ضاع
له شيء يجده بإذن الله تعالى.
قالت الفرس : إنه
يوم خفيف يحمد فيه سائر الأعمال والتصرفات ويصلح لشرب الأدوية المسهلة.
وقال سلمان
الفارسي رضي الله عنه إيران روز اسم الملك الموكل
__________________
بالدهور والأزمنة.
٢١٤
ـ الدروع الواقية : عن الصادق عليه السلام أنه يوم جيد للبيع والشراء والتزويج ومن ولد فيه يكون
حليما مباركا وتعسر تربيته ويسوء خلقه ويرزق رزقا يمنع منه ومن هرب فيه أخذ ومن
ضلت له ضالة وجدها ومن اقترض فيه شيئا رده سريعا.
وقال سلمان رضي
الله عنه روز أنيران اسم ملك موكل بالدهور والأزمنة يوم سعيد مبارك يصلح لكل شيء
تريده.
٢١٥ ـ وفي الرواية
الأخرى يوم سعيد مبارك يصلح لكل حاجة تلتمس.
٢١٦
ـ مكارم الأخلاق : عنه عليه السلام مختار جيد لكل شيء ولكل حاجة من شراء وبيع وزرع وتزويج ومن
مرض فيه برئ سريعا ومن ولد فيه يكون حليما مباركا ويرتفع أمره ويكون صادق اللسان
صاحب وفاء .
٢١٧
ـ زوائد الفوائد : عن الصادق عليه السلام يوم مبارك ميمون مسعود مفلح منجح مفرح فاعمل فيه ما شئت
والق من أردت وخذ وأعط وسافر وانتقل وبع واشتر فإنه صالح لكل ما تريد موافق لكل ما
يعمل ومن ولد فيه كان مباركا ميمونا مقبلا حسن التربية موسعا عليه ومن مرض فيه أو
في ليلته لم تطل علته ونجا سالما بإذن الله تعالى.
٢١٨ ـ وفي رواية
أخرى يكره فيه السفر والمولود فيه يرزق رزقا واسعا يكون لغيره ويمنع من التمتع
بشيء منه ومن هرب فيه أخذ وإذا ضلت فيه ضالة وجدت والقرض فيه يعود سريعا والله
أحكم وأعلم .
__________________
بيان
: الاسم عندهم بفتح
الهمزة وكسر النون ثم الياء الساكنة ثم الراء المهملة المفتوحة ثم اعلم أن الظاهر
من أكثر هذه الروايات أن المراد بالأيام المذكورة فيها أيام الشهور العربية ويظهر
من بعضها كخبر سلمان رضياللهعنه أن المراد بها الشهور العجمية وأيامها كما يظهر من أسمائها
وتوافقها لما نقله المنجمون عن الفرس في ذلك ويمكن أن يقال لما كان في بدء خلق
العالم شهر فروردين مطابقا على بعض الشهور العربية ابتداء وانتهاء سرت السعادة
والنحوسة في أيام الشهرين معا كما نقل أن في أول خلق العالم كان الشمس في الحمل
وعند افتراقها سرتا فيهما أو اختصتا بأحدهما ويمكن حمل اختلاف الأخبار أيضا على
ذلك بأن يكون ما ورد في سعادة بعض الأيام في بعض الأخبار ونحوسته بعينه في الأخرى
بسبب اختلاف المقصود من الشهر فيهما وكون المراد في إحداهما العربية وفي الأخرى
الفرسية لكن التعيين والتخصيص مشكل ولو أمكن رعايتهما معا كان أولى وسيأتي تمام
القول في ذلك في الباب الآتي إن شاء الله تعالى.
(٢٢)
(باب)
(يوم النيروز وتعيينه وسعادة أيام شهور الفرس والروم)
(ونحوستها
وبعض النوادر)
١
ـ أقول : رأيت في بعض الكتب
المعتبرة روى فضل الله بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد
بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي
بن أبي طالب تولاه الله في الدارين بالحسنى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد
بن العباس الدوريستي عن أبي محمد جعفر بن
__________________
أحمد بن علي
المونسي القمي عن علي بن بلال عن أحمد بن محمد بن يوسف عن حبيب الخير عن محمد بن
الحسين الصائغ عن أبيه عن معلى بن خنيس قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليه
السلام يوم النيروز فقال عليه السلام أتعرف هذا اليوم قلت جعلت فداك هذا يوم تعظمه
العجم وتتهادى فيه فقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام والبيت العتيق الذي بمكة
ما هذا إلا لأمر قديم أفسره لك حتى تفهمه قلت يا سيدي إن علم هذا من عندك أحب إلي
من أن يعيش أمواتي وتموت أعدائي فقال يا معلى إن يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ
الله فيه مواثيق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وأن يؤمنوا برسله وحججه وأن
يؤمنوا بالأئمة عليهم السلام وهو أول يوم طلعت فيه الشمس وهبت به الرياح وخلقت فيه
زهرة الأرض وهو اليوم الذي « اسْتَوَتْ
» فيه سفينة نوح عليه السلام « عَلَى الْجُودِيِ » وهو اليوم الذي أحيا الله فيه « الَّذِينَ خَرَجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ
أَحْياهُمْ » وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبي صلى الله عليه
واله وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى الله عليه واله أمير المؤمنين عليه
السلام على منكبه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشمها وكذلك إبراهيم
عليه السلام وهو اليوم الذي أمر النبي صلى الله عليه واله أصحابه أن يبايعوا عليا عليه
السلام بإمرة المؤمنين وهو اليوم الذي وجه النبي صلى الله عليه واله عليا عليه
السلام إلى وادي الجن يأخذ عليهم البيعة له وهو اليوم الذي بويع لأمير المؤمنين
عليه السلام فيه البيعة الثانية وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان وقتل ذا
الثدية وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا وولاة الأمر وهو اليوم
الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة وما من يوم نيروز إلا ونحن
نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا وأيام شيعتنا حفظته العجم وضيعتموه أنتم.
وقال إن نبيا من
الأنبياء سأل ربه كيف يحيي هؤلاء القوم الذين خرجوا
__________________
فأوحى الله إليه
أن يصب الماء عليهم في مضاجعهم في هذا اليوم وهو أول يوم من سنة الفرس فعاشوا وهم
ثلاثون ألفا فصار صب الماء في النيروز سنة.
فقلت يا سيدي ألا
تعرفني جعلت فداك أسماء الأيام بالفارسية فقال عليه السلام يا معلى هي أيام قديمة
من الشهور القديمة كل شهر ثلاثون يوما لا زيادة فيه ولا نقصان.
فأول يوم من كل شهر هرمزدروز اسم من أسماء الله تعالى خلق الله
عز وجل فيه آدم عليه السلام تقول الفرس إنه يوم جيد صالح للشرب وللفرح ويقول
الصادق إنه يوم سعيد مبارك يوم سرور تكلموا فيه الأمراء والكبراء واطلبوا فيه
الحوائج فإنها تنجح بإذن الله ومن ولد فيه يكون مباركا وادخلوا فيه على السلطان
واشتروا فيه وبيعوا وزارعوا واغرسوا وابنوا وسافروا فإنه يوم مختار يصلح لجميع
الأمور وللتزويج ومن مرض فيه يبرأ سريعا ومن ضلت له ضالة وجدها إن شاء الله.
الثاني
: بهمن روز يوم صالح
صاف خلق الله فيه حواء عليها السلام وهو ضلع من أضلاع آدم عليه السلام وهو اسم
الملك الموكل بحجب القدس والكرامة تقول الفرس إنه يوم صالح مختار ويقول الصادق إنه
يوم مبارك تزوجوا فيه وأتوا أهاليكم من أسفاركم وسافروا فيه واشتروا وبيعوا
واطلبوا فيه الحوائج في كل نوع وهو يوم مختار ومن مرض فيه من أول النهار يكون مرضه
خفيفا ومن مرض في آخره اشتد مرضه وخيف من موته في ذلك المرض.
الثالث
: أرديبهشت روز اسم
الملك الموكل بالشفاء والسقم يقول الفرس إنه يوم ثقيل ويقول الصادق إنه يوم نحس
مستمر فاتقوا فيه الحوائج وجميع الأعمال ولا تدخلوا فيه على السلطان ولا تبيعوا
ولا تشتروا ولا تزوجوا ولا تسألوا فيه حاجة ولا تكلفوها أحدا واحفظوا أنفسكم
واتقوا أعمال السلطان وتصدقوا ما أمكنكم فإنه من مرض فيه خيف عليه و
هو اليوم الذي
أخرج الله عز وجل فيه آدم وحواء من الجنة وسلبا فيه لباسهما ومن سافر فيه قطع عليه
أبدا.
الرابع
: شهريورروز اسم
الملك الذي خلقت فيه الجواهر عنه ووكل بها وهو موكل ببحر الروم وتقول الفرس إنه يوم
مختار ويقول الصادق إنه يوم مبارك ولد فيه هابيل بن آدم وهو صالح للتزويج وطلب
الصيد في البر والبحر ومن ولد فيه يكون رجلا صالحا مباركا ومحببا إلى الناس إلا
أنه لا يصلح فيه السفر ومن سافر فيه خاف القطع ويصيبه بلاء وغم ومن مرض فيه يبرأ
سريعا إن شاء الله تعالى.
الخامس
: إسفندارمذروز اسم
الملك الموكل بالأرضين يقول الفرس إنه يوم ثقيل ويقول الصادق إنه يوم نحس رديء ولد
فيه قابيل بن آدم وكان ملعونا كافرا وهو الذي قتل أخاه ودعا بالويل والثبور على
أهله وأدخل عليهم الغم والبكاء فاجتنبوه فإنه يوم شؤم ونحس ومذموم ولا تطلبوا فيه
حاجة ولا تدخلوا فيه على السلطان وادخلوا في منازلكم واحذروا فيه كل الحذر من
السباع والحديد.
السادس
: خردادروز اسم
الملك الموكل بالجبال تقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه يوم مبارك صالح
للتزويج ولطلب الحوائج لكل ما يسعى فيه من الأمر في البر والبحر والصيد فيهما
وللمعاش وكل حاجة ومن سافر فيه رجع إلى أهله سريعا بكل ما يحبه ويريده وبكل غنيمة
فجدوا في كل حاجة تريدونها فيه فإنها مقضية إن شاء الله تعالى.
السابع
: مردادروز اسم
الملك الموكل بالناس وأرزاقهم يقول الفرس إنه يوم جيد ويقول الصادق إنه يوم سعيد
مبارك اعملوا فيه جميع ما شئتم من السعي في حوائجكم من البناء والغرس والذرو
والزرع ولطلب الصيد والدخول على السلطان والسفر فإنه يوم مختار يصلح لكل حاجة إن
شاء الله تعالى.
الثامن
: ديبارروز اسم من
أسماء الله تعالى تقول الفرس إنه يوم جيد ويقول الصادق إنه يوم مبارك صالح لكل
حاجة يسعى فيها وللشراء والبيع والصيد ما خلا السفر فاتقوا فيه ومن مرض فيه يبرأ
سريعا وادخلوا فيه على السلطان وغيره فإنه يقضى فيه الحوائج ومن دخل فيه على
السلطان لحاجة فليسأله فيها.
التاسع
: آذرروز اسم الملك
الموكل بالنيران يوم القيامة تقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه يوم صالح
خفيف سعيد مبارك من أول النهار إلى آخر النهار يصلح للسفر ولكل ما تريد ومن سافر
فيه رزق مالا كثيرا ويرى في سفره كل خير ومن مرض يبرأ سريعا ولا يناله في علته
مكروه إن شاء الله تعالى فاطلبوا الحوائج فيه فإنها تقضى لكم بمشية الله تعالى
وتوفيقه.
العاشر
: آبان روز اسم
الملك الموكل بالبحر والمياه تقول الفرس إنه يوم ثقيل ويقول الصادق إنه يوم صالح
لكل شيء ما خلا الدخول على السلطان وهو اليوم الذي ولد فيه نوح عليه السلام ومن
ولد فيه يكون مرزوقا من معاشه ولا يصيبه ضيق ولا يموت حتى يهرم ولا يبتلى بفقر ومن
فر فيه من السلطان أو غيره أخذ ومن ضلت له ضالة وجدها وهو جيد للشراء والبيع
والسفر ومن مرض فيه يبرأ سريعا إن شاء الله تعالى.
الحادي
عشر خورروز اسم الملك
الموكل بالشمس يقول الفرس إنه يوم ثقيل مثل أمسه ويقول الصادق إنه اليوم الذي ولد
فيه شيث بن آدم عليه السلام والنبي صلى الله عليه واله وهو يوم صالح للشراء والبيع
ولجميع الأعمال والحوائج وللسفر ما خلا الدخول على السلطان فإنه لا يصلح
والتواري عنه فيه أصلح من الدخول عليه فاجتنبوا فيه ذلك ومن ولد فيه يكون مباركا
مرزوقا في معاشه طويل العمر ولا يفتقر أبدا فاطلبوا فيه حوائجكم ما خلا السلطان.
الثاني
عشر ماه روز اسم
الملك الموكل بالقمر يقول الفرس إنه يوم
__________________
خفيف يسمى روزبه
ويقول الصادق إنه يوم صالح جيد مختار يصلح لكل شيء تريدونه مثل اليوم الحادي عشر
ومن ولد فيه يكون طويل العمر فاطلبوا فيه حوائجكم وادخلوا على السلطان في أوله ولا
تدخلوا في آخره واستعينوا بالله عز وجل فيها فإنها تقضى لكم بمشية الله تعالى.
الثالث
عشر : تيرروز اسم الملك
الموكل بالنجوم يقول الفرس إنه يوم ثقيل شؤمي جدا ويقول الصادق إنه يوم نحس مستمر
فاتقوه في جميع الأعمال ما استطعتم ولا تقصدوا ولا تطلبوا فيه الحاجة أصلا ولا
تدخلوا فيه على السلطان وغيره جهدكم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الرابع
عشر : جوش روز اسم الملك
الموكل بالبشر والأنعام والمواشي تقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه يوم
جيد صالح لكل عمل وأمر يراد ويحمد فيه لقاء الأشراف والعلماء ولطلب الحوائج ومن
يولد فيه يكون حسن الكمال مشعوفا بطلب العلم ويعمر طويلا يكثر ماله في آخر عمره
ومن مرض فيه يبرأ بمشية الله عز وجل.
الخامس
عشر : ديمهرروز اسم من
أسماء الله تعالى تقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه يوم صالح مبارك لكل
عمل ولكل حاجة تريدها إلا أنه من يولد فيه يكون به خرس أو لثغة فاطلبوا فيه
الحوائج فإنها تقضى إن شاء الله.
السادس عشر : مهرروز
اسم الملك الموكل بالرحمة تقول الفرس إنه يوم خفيف جيد جدا ويقول الصادق إنه يوم
منحوس رديء مذموم فلا تطلبوا فيه حوائجكم ولا تسافروا فيه فإنه من سافر فيه هلك
ومن ولد فيه يكون لا بد مجنونا ومن مرض فيه لا يكاد ينجو فاجهدوا في ترك طلب
الحوائج والحركة فإنها وإن قضيت تقضى بمشقة وربما لم يتم فيها المراد فاتقوا ما
استطعتم وتصدقوا فيه.
السابع
عشر : نمروش روز اسم الملك
الموكل بخراب العالم وهو جبرئيل عليه السلام يقول الفرس إنه يوم مختار خفيف متوسط
ويقول الصادق إنه يوم صالح لكل ما يراد جيد موافق صاف مختار لجميع الحوائج فاطلبوا
فيه ما شئتم وتزوجوا وبيعوا واشتروا وازرعوا وابنوا وادخلوا على السلطان وغيره فإن
حوائجكم تقضى بمشية الله تعالى.
الثامن
عشر : رش روز اسم الملك
الموكل بالنيران يقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه يوم مختار جيد مبارك
صالح للسفر والزرع وطلب الحوائج والتزويج وكل أمر يراد ومن خاصم فيه عدوه أو خصمه
غلب عليه وظفر فيه بقدرة الله تعالى.
التاسع
عشر : فروردين روز اسم
الملك الموكل بأرواح الخلائق وقبضها يقول الفرس إنه يوم ثقيل ويقول الصادق إنه يوم
مختار صالح جيد للسفر والتزويج وطلب الحوائج ومن خاصم فيه عدوا ظفر به وغلبه بقدرة
الله تعالى ويصلح لكل عمل وهو اليوم الذي ولد فيه إسحاق النبي عليه السلام وهو يوم
مبارك يصلح لكل ما تريد ومن يولد فيه يكون مباركا إن شاء الله تعالى.
العشرون : بهرام روز اسم
الملك الموكل بالنصر والخذلان في الحرب يقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه
يوم صالح جيد مختار صاف يصلح لطلب الحوائج والسفر خاصة والبناء والتزويج والعرس والدخول على
السلطان وغيره فيه فإنه يوم مبارك يصلح إن شاء الله تعالى.
الحادي
والعشرون : رام روز اسم الملك
الموكل بالفرح والسرور تقول الفرس إنه يوم جيد يتبرك به ويقول الصادق إنه يوم نحس
مستمر وهو يوم إهراق الدماء فاتقوا فيه ما استطعتم ولا تطلبوا فيه حاجة ولا
تنازعوا فيه
__________________
خصما ومن يولد فيه
يكون [ يكن ] محتاجا فقيرا في أكثر أمره ودهره ومن سافر فيه لم يربح وخيف عليه.
الثاني
والعشرون : بادروز اسم الملك
الموكل بالرياح يقول الفرس إنه يوم ثقيل ويقول الصادق إنه يوم مختار جيد صاف يصلح
لكل حاجة تريدها فاطلبوا فيه الحوائج فإنه يوم جيد خاصة للشراء والبيع وللصدقة فيه
ثواب جزيل جليل عظيم ومن يولد فيه يكون مباركا محبوبا ومن مرض فيه يبرأ سريعا ومن
سافر فيه يخصب ويرجع إلى أهله معافى سالما ومن دخل فيه إلى السلطان بلغ محابه ووجد
عنده نجاحا لما قصد له.
الثالث
والعشرون : ديبدين روز اسم
الملك الموكل بالنوم واليقظة يقول الفرس إنه يوم خفيف ويقول الصادق إنه يوم مختار
ولد فيه يوسف عليه السلام يصلح لكل أمر وحاجة ولكل ما تريدونه وخاصة للتزويج
والتجارات كلها والدخول على السلطان والتماس الحوائج ومن يولد فيه يكون [ يكن ]
مباركا صالحا ومن سافر فيه يغنم ويجد خيرا بمشية الله عز وجل.
الرابع
والعشرون : دين روز اسم الملك
الموكل بالسعي والحركة يقول الفرس إنه يوم خفيف جيد ويقول الصادق إنه يوم منحوس
ولد فيه فرعون لعنه الله وهو يوم عسر نكد فاتقوا فيه ما استطعتم ومن سافر فيه مات
في سفره وفي نسخة أخرى ومن يولد فيه يموت [ يمت ] في سفره أو يقتل أو يغرق ويكون
مدة عمره محزونا مكدودا نكدا ولا يوفق لخير ومن مرض فيه طال مرضه ولا يكاد ينتفع
بمقصد ولو جهد جهده.
الخامس
والعشرون : أردروز اسم الملك
الموكل بالجن والشياطين وتقول الفرس إنه يوم ثقيل ويقول الصادق إنه يوم نحس رديء
مذموم وهو اليوم الذي أصاب فيه أهل مصر سبعة أضرب من الآفات وهو يوم شديد البلاء
ومن مرض فيه لم يكد ينج ولا يبرأ ومن سافر فيه لا يرجع ولا يربح فلا تطلبوا فيه
حاجة واحفظوا فيه أنفسكم واحترزوا واتقوا فيه جهدكم.
السادس
والعشرون : أشتادروز اسم
الملك الموكل الذي خلق عند ظهور الدين تقول الفرس إنه يوم جيد ويقول الصادق إنه
يوم صالح مبارك ضرب فيه موسى عليه السلام البحر فانفلق يصلح لكل حاجة ما خلا
التزويج والسفر واجتنبوا فيه ذلك فإنه من تزوج فيه لم يتم أمره ويفارق أهله وفرق بينهما
ومن سافر فيه لم يصلح ولم يربح ولم يرجع وعليكم بالصدقة فإن المنفعة بها وافرة
ولمضاره دافعة بمشية الله وعونه.
السابع
والعشرون : آسمان روز اسم
الملك الموكل بالسماوات يقول الفرس إنه يوم مختار ويقول الصادق إنه يوم جيد مختار
يصلح لطلب الحوائج ولكل شيء تريده ومن يولد فيه يكون [ يكن ] جميلا حسنا مليحا وهو
جيد للبناء والزرع والشراء والبيع والدخول على السلطان فاعملوا ما شئتم واسعوا في
حوائجكم.
الثامن
والعشرون : راميادروز اسم
الملك الموكل بالقضاء بين الخلق تقول الفرس إنه يوم ثقيل منحوس ويقول الصادق إنه
يوم سعيد مبارك ممدوح ولد فيه يعقوب النبي عليه السلام يصلح للسفر ولجميع الحوائج
ومن يولد فيه يكون [ يكن ] مرزوقا محببا إلى الناس محببا إلى أهله محسنا إليهم إلا
أنه يصيبه الغموم والهموم ويبتلى في آخر عمره ولا يؤمن عليه من ذهاب بصره.
التاسع
والعشرون : مهرإسفندروز اسم
الملك الموكل بالأفنية والأزمان والعقول والأسماع والأبصار تقول الفرس إنه يوم جيد
ويقول الصادق إنه يوم مختار جيد يصلح لكل حاجة ما خلا الكاتب فإنه يكره له ذلك ولا
أرى له أن يسعى لحاجة فيه إن قدر على ذلك ومن مرض فيه يبرأ سريعا ومن سافر فيه
أصاب مالا كثيرا إلا من كان كاتبا فإنه يكره له ذلك ولا أرى السعي في حاجته إن قدر
عليه ومن أبق له فيه آبق رجع إليه سريعا ومن ضلت له ضالة وجدها.
الثلاثون
: أنيران روز اسم
الملك الموكل بالأدوار والأزمان يتبرك فيه الفرس ويقول الصادق إنه يوم مختار جيد
صالح لكل شيء وهو اليوم
__________________
الذي ولد فيه
إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما وعلى ذريتهما وعلى آلهما يصلح لكل شيء ولكل
حاجة من شراء وبيع وزرع وغرس وتزويج وبناء ومن مرض فيه يبرأ سريعا إن شاء الله
وقال أمير المؤمنين عليه السلام من ولد فيه يكون حكيما حليما صادقا مباركا مرتفعا
أمره ويعلو شأنه ويكون صادق اللسان صاحب وفاء ومن أبق له فيه آبق وجده ومن ضلت له
فيه ضالة وجدها إن شاء الله تعالى.
٢ ـ المناقب : حكي
أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر عليه السلام بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز
وقبض ما يحمل إليه فقال إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله فلم
أجد لهذا العيد خبرا وإنه سنة الفرس ومحاها الإسلام ومعاذ الله أن نحيا [ نحيي ]
ما محاها الإسلام فقال المنصور إنما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم إلا
جلست فجلس إلى آخر ما أوردته في أبواب تاريخه عليه السلام .
بيان
: هذا الخبر مخالف
لأخبار المعلى ويدل على عدم اعتبار النيروز شرعا
__________________
وأخبار المعلى
أقوى سندا وأشهر بين الأصحاب ويمكن حمل هذا على التقية لاشتمال خبر المعلى على ما يتقى
فيه ولذا يتقى في إظهار التبرك به في تلك الأزمنة في بلاد المخالفين أو على أن
اليوم الذي كانوا يعظمونه غير النيروز المراد في خبر المعلى كما سيأتي ذكر
الاختلاف فيه.
٣
ـ المتهجد : روى المعلى بن
الخنيس عن مولانا الصادق عليه السلام في يوم النيروز قال إذا كان يوم النيروز
فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما الخبر.
٤
ـ وأقول : وجدت في بعض كتب
المنجمين مرويا عن مولانا الصادق عليه السلام في أيام شهور الفرس :
الأول
: هرمز وهو اسم الله
تعالى وفيه خلق آدم وحواء جيد للتجارة وصحبة الملوك والصيد والبناء واللبس ولا
يصلح الحمام والفصد والقرض والحرب والمناظرة.
الثاني
: بهمن يوم مبارك
يصلح لأكثر الأمور كالشركة والتجارة والسفر والنكاح والتحويل والزراعة وقطع الجديد
ولبسه ولا يصلح للفصد والحجامة والحمام.
والثالث
: أرديبهشت اسم ملك
موكل بالشفاء وفيه أخرج آدم وحواء من الجنة فاتق فيه لكنه يصلح للصيد وشراء الدواب
ومن سافر فيه ذهب ماله وقطع.
والرابع
: شهريور يوم جيد
ولد فيه هابيل يصلح للعمارة والبناء والصلح والنكاح والتجارة والصيد ولا يصلح
للسفر والنقل والتحويل والحلق.
والخامس : إسفندارمذ يوم نحس فيه قتل قابيل هابيل اتق فيه إلا من
العمارة وشرب الدواء وحلق الشعر واحذر الأسواء والمناظرة
__________________
والسادس
: خرداد اسم ملك
موكل بالجبال مبارك جيد للصلح ولبس الجديد والتعليم والمناظرة والتزويج والسفر
واحذر فيه الفصد والتعليم والحرب.
والسابع
: مرداد اسم ملك
موكل بالحيوانات يوم جيد يصلح لكتابة الكتب وإرسال الرسل والعمارة والنكاح
والمعالجة ولا يصلح للفصد والحجامة والزراعة والطلاق.
والثامن
: ديباذر اسم من
أسماء الله تعالى يوم مبارك يصلح للبيع والشراء والضيافة والفصد وطلب الحوائج ولا
يصلح للسفر والصيد والمناظرة والحمام.
والتاسع
: آذر اسم ملك موكل
بالنار أوله جيد وآخره رديء يصلح للقاء الملوك وطلب الحوائج والسفر والصيد وشرب
الدواء ولا يشترى الملك فإنه يخرب سريعا.
والعاشر
: آبان اسم ملك موكل
بالبحار فيه ولد نوح عليه السلام يصلح فيه لقاء العلماء والتجار والأكابر وكتابة
الكتب وإرسال الرسل وليحذر فيه من السفر والصيد والمعالجة والصعود على مرتفع فإنه
يخاف عليه السقوط.
والحادي
عشر : خور اسم ملك موكل
بالشمس ولد فيه موسى عليه السلام جيد للقاء الملوك والزرع والمناظرة والصيد
والبناء والسفر وشراء الدواب رديء للفصد والحمام والنكاح ولبس الجديد وشراء
المماليك.
والثاني
عشر : ماه اسم ملك موكل
بالأرزاق يقال لهذا اليوم مخزن الأسرار صالح لشرب الدواء والصيد والحمام والزرع
والتحويل وليحذر فيه من الهرب فإنه يظفر به.
والثالث
عشر : تير اسم ملك موكل
بالكواكب يوم نحس يصلح لمجالسة أهل الصلاح والاشتغال بالدعاء وليحذر فيه جميع
الأعمال لا سيما لقاء الأكابر.
الرابع
عشر : جوش اسم ملك موكل
بالبهائم ولد فيه إبراهيم عليه السلام جيد للقاء الأشراف والتجارة والشركة
والمناظرة والفصد وليحذر فيه الأعمال السيئة.
الخامس
عشر : ديبمهر اسم ملك موكل بالعرش فيه نجا إبراهيم عليه
السلام من النار يصلح للتجارة والنكاح والسفر والصيد ولبس الجديد وقطعه واحذر فيه
الفصد.
والسادس
عشر : مهر اسم ملك موكل
بالجحيم يوم نحس مستمر صالح لدخول الحمام والحلق ولا يصلح لسائر الأعمال خصوصا
السفر فإنه يخاف عليه الهلاك.
والسابع
عشر : سروش وهو اسم من
أسماء الله تعالى وقيل اسم جبرئيل يوم متوسط يصلح لطلب الحاجات وفعل الخيرات
وليحذر سائر الأعمال الثامن عشر رشن اسم ملك موكل بالنار يوم جيد يصلح للسفر
والتجارة والشركة والزراعة وقطع الثياب والفصد وليحذر فيه الفسق والفجور والأعمال
السيئة.
والتاسع
عشر : فروردين هو اسم
ملك الموت ولد فيه إسحاق يصلح للصيد والحمام والكتب والرسل والتحويل ولقاء الأشراف
وليحذر فيه من إخراج الدم وحلق الشعر.
والعشرون
: بهرام اسم ملك
موكل بالحروب متوسط صالح للسفر والنكاح والفصد وحلق الشعر والمعالجة وليحذر
الخصومة والصيد والتقاضي للعرفاء.
والحادي
والعشرون : رام اسم ملك موكل
بالروح نحس فليذكر الله وليصم وليتصدق وليتب وليستغفر الله ويستعصم من المكاره
وليحذر الأعمال وفي بعض النسخ اسم ملك موكل بالسحاب يوم مبارك جيد للنكاح والسفر
والمناظرة والبيع والشراء والعمارة رديء للصيد والمعالجة ودخول الحمام.
والثاني
والعشرون : باد اسم ملك موكل
بالسحب يوم مبارك صالح للسفر والنكاح والمناظرة والبيع والشراء والعمارة والصيد
وفي بعض النسخ اسم من أسماء الله تعالى يوم جيد جدا صالح للسفر والصيد والنكاح
والحمام
__________________
والحلق وليحذر فيه
من الفسق والفجور.
والثالث
والعشرون : ديبدين اسم من
أسماء الله تعالى يوم جيد صالح للسفر والنكاح والفصد والحمام وأخذ الشعر وفي بعض
النسخ فيه ولد فرعون صالح للفصد حسب وليحذر فيه من الطعام الرديء ومن الأعمال
خصوصا السفر.
والرابع
والعشرون : دين يوم نحس فيه
ولد فرعون لا يصلح إلا للفصد وليحذر الأطعمة وجميع الأعمال سيما السفر وفي بعض
النسخ نحس لا يصلح إلا للفصد.
والخامس
والعشرون : أرد اسم ملك موكل
بالشياطين وفيه هلك أهل مصر يوم نحس وليخل فيه بنفسه وليحذر من جميع الأعمال لا
سيما السفر والتجارة والنكاح والحمام والصيد.
والسادس
والعشرون : أشتاد اسم ملك
موكل بالإنس فيه عبر موسى وقومه البحر صالح لطلب الحاجة وغرس الأشجار وشراء
الأملاك وليحذر التحويل والسفر والعمارة والفصد والتزويج.
والسابع
والعشرون : آسمان اسم ملك
موكل بالسماوات يوم مبارك جدا صالح للسفر خصوصا في الضحى ولدخول الحمام والمناظرة
وليتق الفصد والصيد والنكاح وشراء الدواب.
والثامن
والعشرون : رامياد اسم ملك
موكل بالأرضين يوم مبارك صالح للسفر والبيع والشراء والمناظرة وشرب الدواء ويحذر
الفصد والحمام.
والتاسع
والعشرون : مار إسفندار اسم
ميكائيل عليه السلام يوم جيد جدا صالح للقاء الأشراف وتعمير البلاد والنكاح ولا
يصلح للسفر وطلب العلم ولبس الجديد وقطعه وشراء الدواب.
والثلاثون
: أنيران اسم ملك
موكل بالأيام فيه ولد إسماعيل عليه السلام صالح للسفر والشركة والزرع والفصد
والحمام وليجتنب فيه الأعمال السيئة وليعمل الخيرات وفي بعض النسخ اسم ملك موكل
بالحروب متوسط صالح
للسفر والنكاح
والفصد والحلق والمعالجة وليحذر فيه الأعمال السيئة وليشتغل بالخيرات.
٥
ـ رواية أخرى : روى أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي في كتاب المختار في الاختيارات عن أبي
الحسن القارئ عن الحسن بن أحمد بن روح عن محمد بن إبراهيم عن أبي عبد
الله جعفر الصادق عليه السلام أنه قال :
أول
: يوم من الشهر خلق
الله تعالى آدم فيه وهو يوم سعد يصلح لمناظرة الأمراء.
اليوم
الثاني : يصلح للتزويج
والسفر والبيع والشراء وكل ابتداء.
اليوم
الثالث : يوم نحس لا تلق
فيه سلطانا ولا تطلب فيه حاجة ولا بيعا ولا شراء.
اليوم
الرابع : ولد فيه قابيل بن
آدم وهو يوم صالح للتزويج وطلب الحوائج غير السفر فإنه يسلب كما سلب آدم وحواء
لباسهما.
اليوم
الخامس : ملعون نحس قتل فيه
قابيل هابيل ودعا على أهله بالويل.
اليوم
السادس : صالح للتزويج
والسفر والحجامة ولقاء السلطان في كل حاجة.
اليوم
السابع : صالح للمناظرة
والخصومة وطلب الحوائج ولقاء القضاة وغيرهم والسفر وكل ابتداء.
اليوم
الثامن : مثل أمسه سوى
السفر فإنه مكروه.
اليوم
التاسع : يوم سعيد اطلب فيه
الحوائج تقضى لك.
اليوم
العاشر : يوم سعد مثل أمسه.
اليوم
الحادي عشر : من سافر فيه غنم وإن هرب من السلطان ظفر به ومن ولد فيه رزق رزقا حسنا.
__________________
اليوم
الثاني عشر : صالح لطلب الحوائج والسفر وكل ما يراد.
اليوم
الثالث عشر : نحس رديء فتوق فيه لقاء السلطان وغيره واحذر فيه الرمي فإنه مشوم.
اليوم
الرابع عشر : صالح لكل حاجة من يولد فيه يكون [ يكن ] غنيا ويكثر ماله في آخر عمره.
اليوم
الخامس عشر : نحس من سافر فيه هلك ويناله المكروه ومن ولد فيه يكون مجنونا لا محالة.
اليوم
السادس عشر : صالح لكل أمر فاطلب فيه ما تريد.
اليوم
السابع عشر : صالح لكل حاجة فاطلب فيه ما تريد.
اليوم
الثامن عشر : صالح لكل حاجة وللسفر من سافر فيه قضيت حوائجه.
اليوم
التاسع عشر : مثل أمسه في جميع أحواله.
اليوم
العشرون : مثله.
اليوم
الحادي والعشرون : يوم نحس وفيه إراقة الدماء فلا تلق فيه سلطانا ولا تخرج من بيتك ولا تطلب فيه
حاجة.
اليوم
الثاني والعشرون : مثل أمسه.
اليوم
الثالث والعشرون : مثل أمسه.
اليوم
الرابع والعشرون : يوم نحس مستمر مشوم من ولد فيه قتل.
اليوم
الخامس والعشرون : يوم نحس لا ينبغي أن يبدأ فيه بشيء.
اليوم
السادس والعشرون : صالح فرق الله فيه البحر لموسى فاحذر فيه التزويج فإنه يوجب الفرقة كما انفرق
البحر.
اليوم
السابع والعشرون : صالح للتزويج وقضاء الحوائج وهو يوم سعد فاطلب فيه ما شئت.
اليوم
الثامن والعشرون : ولد فيه يعقوب عليه السلام يوم سعد من ولد فيه كان محبوبا إلى الناس.
اليوم
التاسع والعشرون : صالح للسفر وكل حاجة وهو يوم سعد.
اليوم
الثلاثون : صالح للسفر وطلب
الحوائج وإخراج الدم وهو يوم سعد.
٦
ـ أقول : وروي أيضا في بعض
الكتب عن الصادق عليه السلام اختيارات أيام شهور الفرس على وجه آخر هكذا :
اليوم
الأول : أرمزد مختار في كل
الشهور الاثني عشر لأنه اسم الله تعالى.
الثاني
: بهمن وسط في
الشهور العشرة الأوائل نحس في بهمن ماه وسط في إسفندارمذ ماه.
الثالث
: أرديبهشت وسط في
فروردين سعد في أرديبهشت وخرداد وتير وسط في مرداد نحس في شهريور وسط في مهر ودي
وبهمن سعد في آذر وإسفندارمذ.
الرابع
: شهريور وسط في
فروردين وتير ومهر إلى آخر الشهور سعد في خرداد ومرداد وشهريور.
الخامس
: إسفندارمذ وسط في
فروردين ومرداد ومهر ودي وبهمن سعد في أرديبهشت وخرداد وتير وشهريور وآبان وآذر
نحس في إسفندارمذ.
السادس
: خرداد وسط في
فروردين وأرديبهشت ومهر وآذر وبهمن سعد في خرداد وتير ومرداد وشهريور وآبان ودي
وإسفندارمذ.
السابع
: مرداد وسط في
فروردين وأرديبهشت وخرداد وتير ومهر وآذر وبهمن سعد في مرداد وشهريور وآبان ودي
وإسفندارمذ.
الثامن
: ديباذر وسط في كل
الشهور.
التاسع
: آذر نحس في
فروردين وإسفندار وسط في أرديبهشت ومهر وآبان وآذر سعد في خرداد وتير ومرداد
وشهريور ودي وبهمن.
العاشر
: آبان نحس في آبان
وسط في سائر الشهور.
الحادي
عشر : خور نحس في خرداد
وسط في باقي الشهور.
الثاني
عشر : ماه مختار في كل
الشهور لأنه باسم القمر.
الثالث
عشر : تير سعد في
فروردين وأرديبهشت نحس في تير وسط في سائر الشهور.
الرابع
عشر : جوش سعد في
أرديبهشت وتير ومرداد وسط في باقي الشهور.
الخامس
عشر : دي مهر نحس في
أرديبهشت سعد في آبان وسط في باقي الشهور.
السادس
عشر : مهر سعد في
أرديبهشت وخرداد ومهر وإسفندارمذ وسط في باقي الشهور.
السابع
عشر : سروش سعد في آبان
وآذر وبهمن وسط في باقي الشهور.
الثامن
عشر : رشن سعد في شهريور
ومهر وسط في باقي الشهور.
التاسع
عشر : فروردين سعد في
فروردين وتير وآذر وسط في باقي الشهور.
العشرون
: بهرام نحس في
مرداد وآذر ودي وسعد في إسفندارمذ وسط في تتمة الشهور.
الحادي
والعشرون : رام وسط في خرداد
وتير وآذر ودي سعد في تتمة الشهور.
الثاني
والعشرون : باد نحس في
فروردين وبهمن سعد في مرداد وشهريور ودي وسط في باقي الشهور.
الثالث
والعشرون : ديبدين سعد في
آبان وسط في باقي الشهور.
الرابع
والعشرون : دين سعد في
فروردين ودي وبهمن وإسفندارمذ
وسط في تتمة
الشهور.
الخامس
والعشرون : أرد سعد في
فروردين وأرديبهشت ومهر وبهمن وإسفندارمذ وسط في تتمة الشهور.
السادس
والعشرون : أشتاد سعد في تير
وشهريور ودي وسط في تتمة الشهور.
السابع
والعشرون : آسمان وسط في
فروردين ومرداد ومهر وآبان وآذر وبهمن وإسفندارمذ سعد في تتمة الشهور.
الثامن
والعشرون : رامياد سعد في دي
وسط في باقي الشهور.
التاسع
والعشرون : ماراسفند وسط في
كل الشهور الثلاثون أنيران نحس في خرداد وسط في تتمة الشهور.
أقول
: هذه الروايات
الأخيرة أخرجناه من كتب الأحكاميين والمنجمين لروايتهم عن أئمتنا عليهم السلام ولا
أعتمد عليها وكانت في النسخ اختلافات كثيرة أشرنا إلى بعضها.
٧
ـ العلل والعيون : عن أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي عن
علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : أتى علي بن أبي طالب عليه السلام
قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو فقال له يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب
الرس في أي عصر كانوا وأين كانت منازلهم ومن كان ملكهم وهل بعث الله عز وجل إليهم
رسولا أم لا وبما ذا أهلكوا فإني أجد في كتاب الله عز وجل ذكرهم ولا أجد خبرهم
فقال له علي عليه السلام لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدثك به أحد
بعدي إلا عني وما في كتاب الله عز وجل آية إلا وأنا أعرف تفسيرها وفي أي مكان نزلت
من سهل أو جبل وفي أي وقت من ليل أو نهار وإن هاهنا لعلما جما وأشار إلى صدره ولكن
طلابه يسير وعن قليل يندمون لو قد فقدوني!
__________________
كان من قصتهم يا
أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت كان يافث بن نوح
غرسها على شفير عين يقال لها وشناب كانت أنبطت لنوح عليه السلام بعد الطوفان وإنما
سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض وذلك بعد سليمان بن داود عليه السلام
وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرس من بلاد المشرق وبهم سمي ذلك
النهر ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ولا أعذب منه ولا قرى أكثر ولا أعمر
منها تسمي إحداهن آبان والثانية آذر والثالثة دي والرابعة بهمن والخامسة إسفندار
والسادسة فروردين والسابعة أرديبهشت والثامنة أرداد والتاسعة مرداد والعاشرة تير
والحادية عشر مهر والثانية عشر شهريور وكانت أعظم مدائنهم إسفندار وهي التي ينزلها
ملكهم وكان يسمى تركوز بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم
عليه السلام وبها العين والصنوبرة وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك
الصنوبرة وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة فنبتت الحبة وصارت شجرة
عظيمة وحرموا ماء العين والأنهار فلا يشربون منها ولا أنعامهم ومن
فعل ذلك قتلوه ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ويشربون
هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية
عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كله من حرير فيها من أنواع
الصور ثم يأتون بشاه وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة ويشعلون فيها النيران بالحطب
فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء
خروا للشجرة سجدا ويبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم فكان الشيطان يجيء
فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي أن قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا وقروا
عينا فيرفعون رءوسهم عند ذلك ويشربون الخمر
__________________
ويضربون بالمعازف
ويأخذون الدستبند فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون وإنما سمت العجم
شهورها بآبان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعض
لبعض هذا عيد شهر كذا وعيد شهر كذا حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليهم
صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور
له اثنا عشر بابا كل باب
لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ويقربون لها الذبائح أضعاف ما
قربوا للشجرة في قراهم فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا
فيتكلم من جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم
ومنتهم الشياطين كلها فيرفعون رءوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا
يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد
أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون.
فلما طال كفرهم
بالله عز وجل وعبادتهم غيره بعث الله عز وجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد
يهودا بن يعقوب فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة
ربوبيته فلا يتبعونه فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما دعاهم
إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي
والكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر فأيبس شجرهم أجمع وأرهم قدرتك
وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم وصاروا فرقتين فرقة
قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والأرض
__________________
ليصرف وجوهكم عن
آلهتكم إلى إلهه وفرقة قالت لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها
ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه فأجمع
رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه ثم أرسلوها في قرار
العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء ثم
حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاها
صخرة عظيمة ثم أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا
رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصد عن عبادتها ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه
فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام
وهو يقول سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي وعجل بقبض
روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي حتى مات عليه السلام فقال الله جل جلاله لجبرئيل عليه
السلام يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري
وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ولم
يخش عقابي وإني حلفت بعزتي وجلالي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك
إلا بريح عاصف شديدة الحمرة فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض ثم
صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم
كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في
__________________
النار فتعوذ بالله
تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
بيان
: قال الجوهري رسست
رسا أي حفرت بئرا ورس الميت أي قبر انتهى والكلة بالكسر الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه
من البق والقتار بالضم ريح البخور والقدر والشواء والمعازف الملاهي وكأن المراد
بالدستنبد ما يسمى بالفارسية بالسنج أيضا أو المراد التزين بالأسورة ويقال كلام
جهوري أي عال وفي القاموس قطع بزيد كعني فهو مقطوع به عجز عن سفره بأي سبب كان أو
حيل بينه وبين ما يؤمله والبربخ بالباءين الموحدتين والخاء المعجمة ما يعمل من
الخزف للبئر ومجاري الماء.
فوائد
مهمة جليلة
الأولى
: اعلم أن الأسماء
المذكورة في خبر المعلى لأيام الشهر أكثرها موافق لما نقله المنجمون عن الفرس
وظاهر في أن المراد بالشهور الواردة فيه هي شهور الفرس القديم لا الشهور العربية
وقد تقدم القول فيه وسموا كل يوم من أيام الخمسة المسترقة أيضا باسم الأول أهنود
والثاني أشنود والثالث إسفندمذ والرابع دهشت والخامس هشتويش هذا هو المشهور وذكروا
فيها أسماء أخر وذكروا أن كلا منها اسم ملك موكل بذلك اليوم.
ثم إن المحققين
اختلفوا في هؤلاء الملائكة فمنهم من حملوها على ظواهرها وقالوا إن الله وكل بكل
شيء من المخلوقات ملكا يحفظه ويربيه ويصرفه إلى ما خلق له كما ورد في الأخبار
الملك الموكل بالبحار والملك الموكل بالجبال
__________________
والملائكة الموكلة
بالأشجار وسائر النباتات والملائكة الموكلة بالسحب والبروق والصواعق وبكل قطرة من
الأمطار والملائكة الموكلة بالأيام والليالي والشهور والساعات وبه يوجه ما ورد من
كلام اليوم والشهر والأرض والقبر وغيرها بأن المراد به كلام الملائكة الموكلة بها
ومنهم من حملوها على أرباب الأنواع المجردة التي أثبتها أفلاطون ومن تابعه من
الإشراقيين فإنهم أثبتوا لكل نوع من أنواع الأفلاك والكواكب والبسائط العنصرية
والمواليد ربا يدبره ويربيه ويوصله إلى كماله المستعد له والأول هو الموافق لمسلك
المليين وأرباب الشرائع والثاني طريقة من لا يثبت الصانع ويقول بتأثير الطبائع وإن
تابعهم بعض من يظهر القول بالصانع أيضا وليس هذا مقام تحقيق هذا الكلام.
قال أبو ريحان : كل
واحد من شهور الفرس ثلاثون يوما ولكل يوم منها اسم مفرد بلغتهم وهي ١ هرمز ٢ بهمن
٣ أرديبهشت ٤ شهريور ٥ إسفندارمذ ٦ خرداد ٧ مرداد ٨ دي ٩ باذر ١٠ آذر ١١ آبان ١٢
خرماه ١٣ تير ١٤ جوش ١٥ ديبمهر ١٦ مهر ١٧ سروش ١٨ رشن ١٩ فروردين ٢٠ بهرام ٢١ رام
٢٢ باد ٢٣ ديبدين ٢٤ دين ٢٥ أرد ٢٦ أشتاد ٢٧ آسمان ٢٨ رامياد ٢٩ مارسفند ٣٠ أنيران
لا اختلاف بينهم في أسماء هذه الأيام وهي لكل شهر كذلك وعلى ترتيب واحد إلا في
هرمز فإن بعضهم يسميه فرخ وفي أنيران فإن بعضهم يسميه به روز ويكون مبلغ جميعها
ثلاثمائة وستين يوما وقد تقدم أن السنة الحقيقية هي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما
وربع يوم فأخذوا الخمسة الأيام الزائدة عليها وسموها بأسماء غير الموضوعة لأيام كل
شهر وهي أهشدگاه اشتدكاه إسفندكاه إسفندمذگاه بهشيشگاه.
أقول
: ثم ذكر ما مر مع
وجوه كثيرة أخرى فصار مبلغ أيامهم ثلاث مائة وخمسة وستين يوما وأهملوا ربع يوم حتى
اجتمع من الأرباع أيام شهر تام وذلك في مائة وعشرين سنة فألحقوه بشهور السنة حتى
صار شهور تلك السنة ثلاثة عشر
وسموها كبيسة
وسموا أيام الشهر الزائد بأسماء أيام سائر الشهور وعلى ذلك كانوا يعملون إلى أن
زال ملكهم وباد دينهم وأهملت الأرباع بعدهم ولم يكبس بها السنون حتى يعود إلى
حالها الأولى ولا يتأخر عن الأوقات المحمودة كثير تأخر من أجل أن ذلك أمر كان
يتولاه ملوكهم بمحضر الحساب وأصحاب الكتاب وناقلي الأخبار والرواة ومجمع الهرابذة
والقضاة واتفاق منهم جميعا على صحة الحساب بعد استحضار من بالآفاق من المذكورين
إلى دار الملك ومشاورتهم حتى يتفقوا واتفاق الأموال الجمة حتى قال المقل في
التقدير إنه كان ينفق ألف ألف دينار وكان يتخذ ذلك اليوم أعظم الأعياد قدرا
وأشهرها حالا وأمرا ويسمى عيد الكبيسة ويترك الملوك لرعيته خراجها. والذي كان يحول
بينهم وبين إلحاق ربع يوم في كل أربع سنين يوما واحدا بأحد الشهور أو الخمسة قولهم
إن الكبس يقع على الشهور لا على الأعوام لكراهتهم الزيادة في عدتها وامتناع ذلك في
الزمزمة لما وجب في الدين من ذكر اليوم الذي يزمزم فيه ليصح إذا زيد في عدد الأيام
يوم زائد وكانت الأكاسرة رسمت لكل يوم نوعا من الرياحين والزهر يوضع بين يديه ولونا
من الشراب على رسم منتظم لا يخالفونه في الترتيب والسبب في وضعهم هذه الأيام
الخمسة اللواحق في آخر آبان ماه ما بينه وبين آذر ماه أن الفرس زعموا أن مبدأ
سنتهم من لدن خلق الإنسان الأول وأن ذلك كان روزهرمز وماه فروردين والشمس في نقطة
الاعتدال الربيعي متوسطة السماء وذلك أول الألف السابع من ألوف سني العالم عندهم
وبمثله قال أصحاب الأحكام من المنجمين إن السرطان طالع العالم وذلك أن الشمس في
أول أدوار السند هند هي في أول الحمل على منتصف نهايتي العمارة وإذا كانت كذلك كان
الطالع السرطان وهو لابتداء الدور والنشوء عندهم كما قلنا. وقد قيل إنه سمي بذلك
لأنه أقرب البروج رأسا من الربع المعمور وفيه شرف المشتري المعتدل المزاج والنشوة
لا يكون إلا إذا عملت الحرارة المعتدلة في الرطوبة فهو إذن أولى أن يكون طالع نشوء
العالم
وقيل إنما سمي
بذلك لأن بطلوعه تتم طلوع الطبائع الأربع وبتمامها تم النشوء وأمثال ذلك من
التشبيهات.
قال : ثم لما أتى
زرادشت وكبس السنين بالشهور المجتمعة من الأرباع عاد الزمان إلى ما كان عليه
وأمرهم أن يفعلوا بها بعده كفعله وائتمروا بأمره ولم يسموا شهر الكبيسة باسم على
حدة ولم يكرروا اسم شهر بل كانوا يحفظونه على نوب متوالية وخافوا اشتباه الأمر
عليهم في موضع النوب فأخذوا ينقلون الخمسة الأيام ويضعونها عند آخر الشهر الذي
انتهت إليه نوبة الكبيسة ولجلالة هذا الأمر وعموم المنفعة فيه للخاص والعام
والرعية والملك وما فيه من الأخذ بالحكمة والعمل بموجب الطبيعة كانوا يؤخرون الكبس
إذا جاء وقته وأمر المملكة غير مستقيم لحوادث ويهملونه حتى يجتمع منه شهران
ويتقدمون بكبسها بشهرين إذا كانوا يتوقعون وقت الكبس المستأنف ما يشغل عنه كما عمل
في زمن يزدجرد بن شابور أخذا بالاحتياط وهو آخر الكبائس المعمولة تولاه رجل من
الدستورين يقال له يزدجرد الهزاري وكانت النوبة في تلك الكبيسة لآبان ماه فألحق
الخمسة بآخره وبقيت فيه لإهمالهم الأمر انتهى وإنما أوردت هذا الكلام لما فيه من
تأسيس ما سنورده في الفائدة التالية ومزيد توضيح ما مر في خبر الرضا عليه السلام في
تقدم النهار على الليل وغير ذلك.
الفائدة
الثانية : اعلم أن الشيخ
الطوسي قدسسره القدوسي وسائر من تأخر عنه ذكروا النيروز والأعمال المتعلقة به الغسل والصوم
والصلاة وغيرها ولم يحققوا تعيين اليوم فلا بد من التعرض له والإشارة إلى الأقوال
الواردة فيه قال فحل الفقهاء المدققين محمد بن إدريس ره في السرائر قال شيخنا أبو
جعفر في مختصر المصباح يستحب صلاة أربع ركعات وشرح كيفيتها في يوم نيروز الفرس ولم
يذكر أي يوم هو من الأيام ولا عينه بشهر من الشهور الرومية ولا العربية والذي قد
حققه بعض محصلي الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب له أن يوم النيروز
يوم العاشر من أيار وشهر أيار أحد وثلاثون
يوما فإذا مضى منه
تسعة أيام فهو يوم النيروز يقال نيروز ونوروز لغتان انتهى.
وفسره الشهيد ره
بأول سنة الفرس أو حلول الشمس برج الحمل أو عاشر أيار.
قال جمال السالكين
أحمد بن فهد الحلي ره في كتاب المهذب البارع في شرح المختصر النافع يوم النيروز
يوم جليل القدر وتعيينه من السنة غمض مع أن معرفته أمر مهم من حيث إنه تعلق به
عبادة مطلوبة للشارع والامتثال موقوف على معرفته ولم يتعرض لتفسيره أحد من علمائنا
سوى ما قاله الفاضل المنقب محمد بن إدريس وحكايته والذي قد حققه بعض محصلي أهل
الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب له أن يوم النيروز يوم العاشر من
أيار.
وقال الشهيد : وفسر
بأول سنة الفرس أو حلول الشمس في برج الحمل أو عاشر أيار والثالث إشارة إلى قول
ابن إدريس والأول إشارة إلى ما هو مشهور عند فقهاء العجم في بلادهم فإنهم يجعلونه
عند نزول الشمس الجدي وهو قريب مما قاله صاحب كتاب الأنواء وحكايته اليوم السابع
عشر من كانون الأول هو صوم اليهود وفيه ترجع الشمس مصعدة إلى الشمال ويأخذ النهار
من الليل ثلاث عشرة ساعة وهو مقدار ما يأخذ في كل يوم وينزل الشمس برج الجدي قبله
بيومين وبعض العلماء جعله رأس السنة وهو النيروز فجعله حكاية عن بعض العلماء وقال
بعد ذلك اليوم التاسع من شباط وهو يوم النيروز ويستحب فيه الغسل وصلاة أربع ركعات
لما رواه المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام ثم ذكر الخبر فاختار التفسير
الأخير وجزم به والأقرب من هذه التفاسير أنه يوم نزول الشمس برج الحمل لوجوه :
الأول
: أنه أعرف بين
الناس وأظهر في استعمالهم وانصراف الخطاب المطلق الشامل لكل مكلف إلى معلوم في
العرف وظاهر في الاستعمال أولى من انصرافه إلى ما كان على الضد من ذلك ولأنه
المعلوم من عادة الشرع وحكمته ألا ترى كيف علق أوقات الصلاة بسير الشمس الظاهر
وصوم شهر رمضان برؤية
الهلال وكذا أشهر
الحج وهي أمور ظاهرة يعرفها عامة الناس بل الحيوانات.
فإن
قلت : استعماله في نزول
الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلاد العجم حتى أنهم لا يعرفونه وينكرون
على معتقده فلم خصصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون بعض وأيضا فإن ما ذكرته
حادث ويسمى النيروز السلطاني والأول أقدم حتى قيل إنه منذ زمان نوح عليه السلام.
فالجواب عن الأول أن العرف إذا تعدد انصرف إلى العرف الشرعي فإن لم
تكن فإلى أقرب البلاد واللغات إلى الشرع فيصرف إلى لغة العرب وبلادها لأنها أقرب إلى
الشرع وعن الثاني بأن التفسيرين معا متقدمان على الإسلام.
الثاني
: أنه مناسب لما
ذكره صاحب الأنواء من أن الشمس خلقت في الشرطين وهما أول الحمل فيناسب ذلك إعظام
هذا اليوم الذي عادت فيه إلى مبدإ كونها.
الثالث
: أنه مناسب لما
ذكره السيد رضي الدين علي بن طاوس أن ابتداء العالم وخلق الدنيا كان في شهر نيسان
ولا شك أن نيسان يدخل والشمس في الحمل وإذا كان ابتداء العالم في مثل هذا اليوم
يناسب أن يكون يوم عيد وسرور ولهذا ورد استحباب التطيب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف
الثياب ومقابلته بالشكر والدعاء والتأهب لذلك بالغسل وتكميله بالصوم والصلاة
المرسومة له حيث كان فيه ابتداء النعمة الكبرى وهي الإخراج من حيز العدم إلى
الوجود ثم تعريض الخلق لثوابه الدائم ولهذا أمرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير حيث
كان فيه ابتداء منصب النبوة والإمامة وكذا المولدين.
فإن
قلت : نسبته إلى الفرس
يؤيد الأول لأنهم واضعوه والثاني وضعه قوم مخصوصون ولن يوافقهم الباقون.
قلنا
: يكفي في نسبته
إليهم أن يقول به طائفة منهم وإن قصروا في العدد عمن لم يقل به ألا ترى إلى قوله
تعالى « وَقالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى
الْمَسِيحُ
ابْنُ اللهِ » وليس القائل بذلك كل اليهود ولا كل النصارى ومثله قوله
تعالى « وَالَّذِينَ
آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » ليس إشارة إلى أهل الكتاب بأجمعهم بل إلى عبد الله بن سلام
وأصحابه.
زيادة
: ومما ورد في فضله
ويعضد ما قلناه ما حدثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين علي بن عبد
الحميد النسابة دامت فضائله رواه بإسناده إلى المعلى بن خنيس عن الصادق عليه
السلام أن يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلى الله عليه واله لأمير
المؤمنين عليه السلام العهد بغدير خم فأقروا له بالولاية فطوبى لمن ثبت عليها
والويل لمن نكثها وهو اليوم الذي وجه فيه رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه
السلام إلى وادي الجن فأخذ عليهم العهود والمواثيق وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل
النهروان وقتل ذا الثدية وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفره
الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة وما من يوم نوروز إلا نحن نتوقع فيه
الفرج لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه ثم إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل
ربه أن يحيي القوم « الَّذِينَ
خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ
» فأماتهم الله فأوحى إليه
أن صب عليهم الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا وهم ثلاثون
ألفا فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا « الرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ » وهو أول يوم من سنة الفرس قال المعلى وأملى علي ذلك وكتبته
من إملائه وعن المعلى أيضا قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في صبيحة يوم
النيروز فقال يا معلى أتعرف هذا اليوم قلت لا لكنه يوم يعظمه العجم يتبارك فيه قال
كلا والبيت العتيق الذي ببطن مكة ما هذا اليوم إلا لأمر قديم أفسره لك حتى تعلمه
قلت تعلمي هذا من عندك أحب إلي من أن أعيش أبدا ويهلك الله أعداءكم قال يا معلى
يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ الله ميثاق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا
__________________
به شيئا وأن
يدينوا برسله وحججه وأوليائه وهو أول يوم طلعت فيه الشمس وهبت فيه الرياح اللواقح
وخلقت فيه زهرة الأرض وهو اليوم الذي « اسْتَوَتْ » فيه سفينة نوح عليه السلام
« عَلَى
الْجُودِيِ » وهو اليوم الذي أحيا الله فيه القوم « الَّذِينَ خَرَجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا
ثُمَّ أَحْياهُمْ » الله وهو اليوم الذي هبط فيه جبرئيل عليه السلام على النبي
صلى الله عليه واله وهو اليوم الذي كسر فيه إبراهيم عليه السلام أصنام قومه وهو
اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى الله عليه واله أمير المؤمنين عليه السلام على
منكبيه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام وهشمها الخبر بطوله والشاهد في
هذين الحديثين من وجوه :
الأول
: قوله إنه اليوم
الذي أخذ فيه العهد بغدير خم وهذا تاريخ وكان ذلك سنة عشرة من الهجرة وحسب فوافق
نزول الشمس الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم ولم يكن الهلال رئي
بمكة ليلة الثلاثين فكان الثامن عشر من ذي الحجة على الرؤية.
الثاني
: كون صب الماء في
ذلك اليوم سنة شائعة والظاهر أن مثل هذه السنة العامة الشاملة لسائر المكلفين أن
يكون صب الماء في وقت لا ينفر منه الطبع ويأباه ولا يتصور ذلك مع كون الشمس في
الجدي لأنه غاية القر في البلاد الإسلامية.
الثالث
: قوله في الحديث
الثاني وهو أول يوم خلقت فيه الشمس وهو مناسب لما قيل إن الشمس خلقت في الشرطين.
الرابع
: قوله وفيه خلقت
زهرة الأرض وهذا إنما يكون في الحمل دون الجدي وهو ظاهر انتهى كلامه ره.
وأقول
: تحقيق الكلام في
هذا المقام هو أنك قد عرفت فيما مضى أن السنة الشمسية عبارة عن مدة دورة الشمس
بحركتها الخاصة من أي مبدإ فرض وتلك
__________________
المدة على ما
استقر عليه رصد أبرخس ومن وافقه من المتقدمين ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع تام
من يوم وعلى سائر الإرصاد المشهورة لا يبلغ الكسر إلى الربع بل أقل منه بدقائق
معدودة وهي على ما فصله البيرجندي في شرح التذكرة على رصد التباني ثلاث عشرة دقيقة
وثلاثة أخماس دقيقة وعلى حساب المغربي اثنتا عشرة دقيقة وعلى رصد مراغة إحدى عشرة
دقيقة وعلى رصد بعض المتأخرين تسع دقائق وثلاثة أخماس دقيقة وعلى رصد بطلميوس أربع
دقائق وأربعة أخماس دقيقة فالفرس من زمان جمشيد أو قبله والروم من عهد إسكندر أو
بعده كانوا يعتبرون الكسر ربعا تاما موافقا لرصد أبرخس. وإنما الفرق بينهما أن
الروم كانوا يكبسون الربع المذكور في كل أربع سنين فيزيدون على الرابعة يوما تصير به
ثلاثمائة وستة وستين وأن الفرس إلى عهد يزدجرد آخر ملوك العجم أو بعض الأكاسرة
السابقة عليه كانوا يكبسونه في كل مائة وعشرين سنة فيزيدون على الأخيرة ثلاثين
يوما تصير به ثلاثمائة وخمسة وتسعين يوما وقد كان يتفق لهم تجديد التاريخ وإسقاط
ما مضى من السنة عند جلوس ملك جديد منهم وأما بعد ذلك العهد فكانوا لا يلتفتون إلى
كبس الكسر المذكور أصلا فكانت سنوهم دائما ثلاثمائة وخمسة وستين فمبدأ سني كل من
هذه الطوائف كأول تشرين الأول للروم وأول فروردين ماه المسمى بالنيروز لطوائف
الفرس وكذا كل جزء من شهورهم كان غير مطابق لمبدإ سني الأخرى ولا لجزء معين منها
دائما بل كل جزء من كل من هذه التواريخ لاختلاف طريق حسابهم دائر في كل جزء من
الآخر بمرور الأيام وأيضا لم يكن شيء من تلك المبادي ولا سائر الأجزاء مطابقا
دائما لمبدإ فصل من الفصول ولا لشيء من أجزائها بل كل منها دائر في أجزاء الفصول
وبالعكس هكذا الحال إلى عهد السلطان جلال الدين ملك شاه السلجوقي فأحب أن يوضع
تاريخ في زمانه باسمه ممتازا عن التواريخ المشهورة فأمر من بحضرته من أهل الخبرة
بذلك فبنوا الحساب على رصد بطلميوس أو من وافقه في نقصان الكسر عن الربع اعتقادا
منهم أنه أصح من الرصد المبني عليه التواريخ المذكورة ثم
اعتبروا أول السنة
حفظا من أن يدور في الفصول يوم انتقال الشمس إلى الاعتدال الربيعي قبل نصف النهار
فكان حينئذ قد اتفق ذلك الانتقال يوم الجمعة عاشر شهر رمضان سنة إحدى وسبعين
وأربعمائة وكان مطابقا للثامن عشر من فروردين ماه اليزدجردي أول سنتهم فجعلوا
اليوم المذكور أول فروردين ماه من السنة الجلالية وأسقطوا الأيام السابقة عليه من
درجة الاعتبار وسموا هذا اليوم بالنوروز السلطاني فاستقر الأمر في حساب السنين
الشمسية على أن يعدوا من النيروز المذكور ثلاثمائة وخمسة وستين يوما فيجعلون اليوم
السادس نيروز السنة الآتية ثم يكبسون الكسر لكونه أقل من الربع في كل أربع سنين أو
خمس سنين فتصير سنة الكبيسة ثلاثمائة وستة وستين يوما وهذه الطريقة مستمرة إلى
زماننا.
إذا عرفت هذا
فنقول أولا أن ما يلوح من توقع ابن إدريس عن الشيخ أن يعين نيروز الفرس بيوم من
الشهور العربية أو الرومية وكذا ما نقله عن بعض المحصلين من تعيينه بعاشر أيار من
الشهور الرومية غريب جدا لما عرفت من دوران أيام شهور الفرس قديمهم وحديثهم في
العربية والرومية وبالعكس لاختلاف اعتباراتهم في حساب السنين فكيف يتصور تعيين يوم
معين أو شهر معين من إحداها بيوم أو شهر من الأخرى على وجه مصون من التغيير
والتبديل بمر الدهور فليس لتعيينه بعاشر أيار من بعض المحصلين وجه محصل سوى أنه
وجده مطابقا له في بعض الأزمنة السابقة كزمان الصادق عليه السلام المستند إليه
الروايات الواردة في النيروز فتوهم لزوم حفظ تلك المطابقة له دائما فإنه يستنبط
مما سيتضح عن قريب من التواريخ أن اتفاق المطابقة المذكورة كان في أواسط المائة
الثانية من الهجرة وهو قريب من أواخر زمان الصادق عليه السلام ومثل هذا التوهم غير
عزيز من الناس كما أورد الكفعمي ره في بيان الأعمال المتعلقة بشهر شعبان أن الثالث
والعشرين منه هو النيروز المعتضدي مضبوطا بالحادي عشر من حزيران تاسع شهور الروم
كما هو مذكور في سرائر ابن إدريس مع وجهه ومعلوم أن مثل ذلك لا يمكن
أن ينضبط بالشهور
العربية لدوران كل منهما في الأخرى.
وثانيا : أن ترديد الشهيد ره نيروز الفرس بين أول يوم من سنتهم
وبين غيره كأول الحمل وعاشر أيار ترديد غريب شبيه بترديد مبتدإ السنة المعمولة عند
العرب بين أول المحرم وبين غيره وذلك لأن كون النيروز أول يوم من سنة الفرس أمر في
غاية الظهور ومع ذلك منصوص عليه في أكثر أسانيد الرواية فإنما المطلوب هنا تعيين
أول يوم من سنتهم بيوم معروف في زماننا هل هو أول الحمل أو غيره.
وثالثا
: أن ما ذكره ابن
فهد ره من شهرة كونه أول سنة الفرس بين فقهاء العجم حق موافق للرواية ولكن جعلهم
ذلك عند نزول الشمس الجدي مبني على ما ذكرنا من توهم المطابقة الدائمة من اتفاق
الموافقة في بعض الأزمنة غفلة عن دورانه في الفصول كما بينا وهكذا حال ما نسبه
صاحب كتاب الأنواء إلى بعض العلماء من أنه السابع عشر من كانون الأول المطابق لما
بعد نزول الشمس الجدي بيومين وكذا ما اختاره من أنه اليوم التاسع من شباط.
وبالجملة
: البناء على الغفلة
المذكورة من الأعراض العامة لجميع هذه التفسيرات فمنشأ توهم بعض العلماء الذي نقل
مقالته صاحب كتاب الأنواء يمكن أن يكون اتفاق الموافقة المذكورة في زمانه إن كان
في أواسط المائة الثامنة من الهجرة فإن الضوابط الحسابية كما سيتضح دالة على أن
أول فروردين ماه الفرس الموسوم بالنيروز عندهم كان في السنة العاشرة من الهجرة
قريبا من نزول الشمس أول برج الحمل وكان ذلك موافقا لأواسط آذار من الرومية
ومطابقا لثامن عشر ذي الحجة من العربية يوم عهد النبي صلى الله عليه واله لأمير
المؤمنين عليه السلام بالولاية في غدير خم بعد الرجوع عن حجة الوداع كما صرح به في
الرواية ثم في السنة الحادية عشر منها بعد رحلة النبي صلى الله عليه واله انتقلت
سلطنة العجم إلى يزدجرد آخر ملوكهم فأسقط ما مضى من السنة وجعل يوم جلوسه أول
فروردين ويوم
النيروز كما كان
رسمهم وكان ذلك موافقا لأواسط حزيران ومطابقا للثاني والعشرين من ربيع الأول وقد
عرفت أن بناء حساب الفرس في عهد يزدجرد بل قبيله في زمان النبي صلى الله عليه واله
أيضا على أخذ كل سنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما بدون رعاية الكبائس التي كانت
متداولة بين قدمائهم فلا محالة كان ينتقل نيروزهم في كل أربع سنين إلى يوم آخر من
أيام الشهور الرومية قبل اليوم الذي كان فيه لاعتبارهم الكبيسة في كل أربع وقس
عليه حال انتقاله بالنسبة إلى موضع الشمس من البروج أيضا فإن التفاوت لو كان لكان
في كل سنة بقدر نقصان الكسر عن الربع في الواقع وهو قليل جدا كما مر.
وبالجملة
: انتقاله من أواسط
حزيران وأواخر الجوزاء التي كان فيها في السنة الحادية عشر من الهجرة إلى أواسط
كانون الأول وأوائل الجدي وهو مدة ستة أشهر تقريبا إنما هو في قريب من سبعمائة
وثلاثين سنة فيكون في أواسط المائة الثامنة كما ذكرنا.
وأما منشأ توهم
صاحب كتاب الأنواء فلا يمكن أن يكون مثله من وقوع الموافقة المذكورة في زمانه لئلا
يلزم تقدم زمان الناقل على زمان المنقول عنه فإن انتقاله إلى بعض أيام شباط إنما
يكون قبل انتقاله إلى بعض أيام كانون لما عرفت من أن انتقالاته في تلك الشهور وكذا
في البروج على خلاف تواليهما لزيادة قدرهما على قدره بمقدار ربع يوم أو قريب منه
فغاية توجيهه أن يقال يجوز أن يكون منشأ توهمه موافقا لما مر نقله من بعض المحصلين
في اعتبار زمان الصادق عليه السلام فيه والفرق أن بناء حساب بعض المحصلين كان على
اعتبار الإسقاط اليزدجردي لوقوعه على طبق عادتهم المستمرة وبناء حساب صاحب كتاب
الأنواء على عدم اعتباره لوقوعه بعد زمان النبي صلى الله عليه واله وكونه بمنزلة
سائر التغيرات الواقعة في السنن والآداب المعروفة في زمانه فإن ما بين تاسع شباط
وعاشر أيار قريب من المدة التي أسقطها
__________________
يزدجردكما عرفت.
ورابعا
: بأن ما استدل أولا
على ما اختاره من التفاسير الستة وهو كونه يوم نزول الشمس برج الحمل بأنه أعرف بين
الناس إلى آخره دعوى بين البطلان عند أهل الخبرة بالحساب والتواريخ فإن كون نيروز
الفرس دائرا في الفصول سيما من زمان النبي صلى الله عليه واله إلى زمان ملكشاه أمر
لم يسمع خلافه من أحد منهم بل صرح في شروح التذكرة وغيرها بأن الروم والفرس كانوا
لم يلاحظوا في مبدإ سنيهم موضع الشمس وأن جعل الاعتدال الربيعي مبدأ السنة مخصوص
بالتاريخ الملكي ولا يوافقه شيء من التواريخ المشهورة فكيف يمكن أن يجعل مثل ذلك
مناطا للأحكام الشرعية الثابتة قبل زمان ملكشاه بقريب من خمسمائة سنة وإن ما ذكره
من انصراف اللفظ عند فقدان العرف الشرعي إلى لغة العرب مسلم ولكن أين إطلاق لفظ
النيروز عند العرب على أول يوم نزول الشمس برج الحمل بل إن بعض أهل اللغة فسره على
طبق ما في الرواية بأول سنة الفرس اعتمادا على الشهرة وبعضهم كأحمد بن محمد
الميداني وهو من أقدمهم وأتقنهم لم يكتف به بل صرح في كتابه المسمى بالسامي في
الأسامي بعد ذكر أسامي شهور الفرس وأيامهم المشهورة بترجمة النيروز بنخست روز از
فروردين ماه ثم إن أغمضنا عن مثل تلك الحقيقة والتجأنا إلى حمله على العرف فلا شك
لمن تتبع من مظانه أن العرف فيه لم يكن متعددا في زمان الخطاب بل إنما تجدد بعده
بدهور طويلة فسمى ملكشاه يوم نزول الشمس برج الحمل بالنوروز السلطاني وخوارزم شاه
يوم نزولها الدرجة التاسعة عشر منه وهي شرفها عند المنجمين بالنوروز الخوارزم شاهي
وآخر يوما آخر بالنوروز المعتضدي وهكذا وإنكار الحدوث في الأول منها بل دعوى
التقدم على الإسلام والإغماض عن تقييده تارة بالسلطاني وتارة بالجلالي وتارة
بالملكي نسبة إلى كل من ألقاب السلطان جلال الدين ملكشاه كما هو مضبوط في الدفاتر
والتقاويم ومحفوظ في مدونات أهل الهيئة والتنجيم مما يقضى منه العجب.
فإن
قيل : لعل دعوى التقدم
على الإسلام مبنية على ما اشتهر أن مبدأ
تاريخهم في عهد
جمشيد أو غيره كان موافقا لأول الحمل وانتقاله منه ودورانه في الفصول إنما هو بسبب
الكبائس والإسقاطات التي مر ذكرها.
قلنا
: لو سلمنا ذلك فلا
ريب أن المراد بنيروزهم يوم يتجدد في كل سنة يعتبرونه أولها لا ما لا يتفق وقوعه
إلا نادرا كما يلزم من التزام مطابقته لأول الحمل.
فإن
قلت : لا يخرج عن ثلاثة
احتمالات إما أول الحمل مطلقا وإما فروردينهم مطلقا وإما أول فروردينهم المطابق
لأول الحمل والثالث ساقط بأنه لا يتفق إلا في مدة مديدة ومعلوم أن المراد به ما
يتجدد في كل سنة والثاني أيضا ساقط من جهة الحساب فإنا إذا جمعنا الأيام من
فروردينهم المضبوط في تقاويم زماننا إلى ثامن عشر شهر ذي الحجة من السنة العاشرة
من الهجرة المنصوص في الرواية أنه كان مطابقا لنيروزهم فقسمنا على أيام سنتهم
الخالية من الكبائس من زمان النبي صلى الله عليه واله إلى زماننا وهو ثلاثمائة
وخمسة وستون يبقى اثنان وتسعون أو ثلاث وتسعون فيظهر أن فروردينهم كان بعد التاريخ
المذكور بمثل هذه الأيام فإذا سقط الاحتمالان تعين الاحتمال الأول وهو المطلوب مع
أنه مؤيد أيضا بالحساب الدال على أن التاريخ المذكور كان قريبا من أول الحمل بيوم
أو يومين مع احتمال المطابقة أيضا بنحو المسامحة.
قلنا
: سقوط الثاني ممنوع
والبيان الحسابي المذكور مبني على غفلة أو تغافل عن الإسقاط اليزدجردي الواقع في
السنة الحادية عشر من الهجرة كما مر فإنه لو اعتبر الإسقاط المذكور في الحساب لظهر
أن مطابقة فروردينهم اليزدجردي المضبوط في التقاويم لما بعد التاريخ المذكور لا
ينافي أن يكون التاريخ المذكور أيضا مطابقا لفروردينهم المتداول قبل يزدجرد فإن
جلوس يزدجرد كان في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة
الحادية عشر كما مر وتفاوت التاريخين موافق للمدة المذكورة فتبين أن الحساب لو جعل
دليلا على كون المراد به أول فروردين لكان أوفق للمطابقة من جعله دليلا على أول
الحمل
للتفاوت بيوم أو
يومين فإنه قادح ولو كان قليلا ولو فرضنا مطابقته أيضا لكان غاية الأمر أن يكون في
يوم الغدير اتفق الأمر أن الغير المتفقين إلا في مدة مديدة فلا يفيد المطلوب على
أن مطابقة يوم الغدير للنيروز بأي معنى كان لا ينفع في المطلوب بدون مطابقة سائر
الأيام المذكورة في الروايتين موافقتها له وستتضح عن قريب استحالة مطابقتها لأول
الحمل دون فروردين.
فإن
قيل : يظهر من كلام
كوشيار وأبي ريحان في بعض تصانيفهما أن الاعتدال الربيعي معتبر عند الأحكاميين في
طالع السنة وحساب الأدوار وفيهم المشهورون من أهل الفرس كزردشت وجاماسب فعلى ذلك
يمكن أن يكون المراد بالنيروز المعتبر بأول سنة الفرس في الرواية ذلك الوقت
بالاعتبار المذكور.
قلنا
: أولا سلمنا اعتبار
الوقت المذكور عندهم فيما اعتبروه فيه ولكن لم ينقل أنهم يعبرون عنه بالنيروز أو
يتباركون فيه ويجعلونه عيدا كما يفهم من الرواية.
وثانيا
: إن التعبير عن
الأحكاميين بالفرس بمحض كون بعضهم منهم بعيد جدا بل معلوم لأهل اللسان أن إطلاق
الفرس المستعمل في مقابل الروم والعرب ليس إلا على الطائفة العظيمة التي من رعايا
الملوك المشهورة من جمشيد وأفريدون إلى كسرى ويزدجرد فالمراد بنيروزهم وأول سنتهم
يوم كان جعله عيدا في كل سنة معمولا عند الملوك المذكورة في زمانهم ولا خلاف بين
أهل الخبرة في أنه كان أول فروردينهم الدائر في الفصول بالأسباب التي قررنا.
وثالثا
: أن من تأمل وأنصف
علم أن التعبير عن ذلك اليوم بنيروز الفرس تارة وأول سنتهم أخرى لأجل أنه ليس يوما
معينا بحسب الفصل وإلا فما المانع من التعبير عنه بأول الربيع وأول الحمل المعلوم
لكل أحد بدون احتياج إلى تفسير أصلا؟
ورابعا
: أن أهل اللغة
صرحوا بتفسير النيروز بأول يوم من فروردين الفرس وإطلاقه على أول الربيع من زمان
ملك شاه وفي زماننا مجاز بعلاقة ما
التزموه من موافقة
أول فروردينهم لأول الربيع دائما ووجوب انصراف اللفظ إلى الحقيقة سيما المستعمل
منه قبل حدوث المجاز مما أطبق عليه أهل اللسان والعلامات المذكورة في الروايتين
للنيروز لا يمكن تطبيقها على أول الربيع فيجب حمله على أول فروردين لإمكان
التطبيق.
وخامسا
: أن ما ذكره بقوله
ولأنه المعلوم من عادة الشرع وحكمته إلخ قيام مع الفارق فإن انتقال الشمس من برج
الحوت إلى برج الحمل ليس كوصولها إلى نصف النهار وأمثاله المعلومة بالحس والعيان
بل محتاج إلى رصد وحساب لا يتيسر تحقيقه لأكثر مهرة فن الهيئة والحساب فضلا عن
غيرهم وكفى بذلك عدم توافق رصدين فيه فإن اليوم المذكور على ما يقتضيه رصد
المتأخرين المبني عليه أكثر التقاويم في زماننا مقدم على ما يقتضيه رصد أبرخس
بأيام وعلى ما يقتضيه رصد بطلميوس بأقل منها ومؤخر عما يقتضيه رصد المحقق الطوسي
بقليل وعما يقتضيه رصد التباني والمغربي بأكثر فهل يجوز من له أدنى معرفة بعادة
الشرع في التكليفات أن نكون لمعرفة النيروز مكلفين بتتبع آراء هؤلاء ثم التمييز
بين الحق والباطل منها أو العمل بمقتضى كل منها مع ظهور التناقض أو اختيار ما شئنا
منها أو الاتكال على ما اشتهر في زماننا سيما مع علمنا بأنه غير مشهور بل غير
مذكور أصلا في زمان النبي صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام ولهذا ما وقع
في أحكام الشريعة من أمثاله ككراهة النكاح والسفر في زمان كون القمر في العقرب
حمله المحققون على زمان كونه في صورتها المعلوم لأكثر عوام المكلفين لا في برجها
المحتاج إلى استخراج تقويمه فعلى هذا يكون المناسب لعادة الشرع وحكمته التفسير
الأول من التفسيرات المذكورة لخلوه عن الكبائس وغنائه عن الاحتياج إلى الإرصاد
وتيسر حسابه على عامة المكلفين.
وسادسا
: أن ما ذكره من
مناسبة كون الشمس خلقت في الشرطين على ما نقله من صاحب كتاب الأنواء على تقدير
حجية المنقول عنه لا يفيد إلا كونها حين الخلقة في أوائل صورة الحمل فإنهما نجمان
قريبان من رأسها يعدان منزلا
من منازل القمر
فلو كان ذلك مناسبا لإعظام اليوم الذي عادت الشمس فيه إلى هذا الموضع لكان ينبغي
إعظام يوم كونها فيه وهو في زمان النبي صلى الله عليه واله كان في أواسط برج الحمل
وفي زماننا انتقل إلى أواخره بناء على أن حركة الثوابت ومنها كواكب الصور في كل
سبعين سنة درجة كما هو المشهور بين أهل الإرصاد وبهذا ظهر حال ما ذكره من مناسبة
ما قيل من ابتداء خلق العالم في شهر نيسان لعدم مطابقة شيء من أيام شهر نيسان من
زمان النبي صلى الله عليه واله إلى زماننا لأول الحمل الذي هو المطلوب إثباته
فتأمل أولا في حاصل قوله ولا شك أن نيسان يدخل والشمس في الحمل ثم فيما أتبعه
تفريعا عليه بقوله وإذا كان إلخ فتحير واعتبر.
وسابعا
: أن ما ذكره من
نزول الشمس الحمل في التاسع عشر إلخ فقد عرفت عدم دلالته على المطلوب على تقدير
مطابقته بحسب الحساب أيضا فضلا عن المخالفة.
وثامنا
: أن ما ذكره من كون
صب الماء المسنون في ذلك اليوم أوفق لأول الحمل لا الجدي لو ساغ مثله في إثبات
مناط الأحكام الشرعية لكان مؤيدا لعاشر أيار لا لأول الحمل فإنه أوفق لذلك من كل
من الجدي والحمل لكونه بعد أول الحمل بقريب من شهرين وكونه أقرب إلى اليوم المرسوم
في زماننا آب پاشان هذا إذا كان المراد بصب الماء في الرواية رشه على طريق الرسم
الجاري في بعض البلاد ولكن يظهر من ابن جمهور أنه حمل سنة صب الماء فيها على
استحباب الغسل في النيروز وذلك ليس ببعيد.
وتاسعا
: أن ما ذكره من أن
طلوع الشمس فيه كما في الرواية مناسب لأول الحمل بناء على مناسبة خلقها في الشرطين
مبني كما مر على الخلط بين صورة الحمل وبرجه على أن ما قدمناه من حديث الرضا عليه
السلام يدل على أن أول خلق الشمس في موضع شرفها وهو الدرجة التاسعة عشر من الحمل
ولا يبعد أن يكون الشرطان أيضا حينئذ في تلك الدرجة فلا يكون ما ذكره صاحب كتاب
الأنواء مخالفا للحديث المذكور فيكونان متفقين في عدم مطابقتهما لأول الحمل
كما هو المطلوب ثم
إن خلق الشمس غير طلوعها فلما كانت حين خلقها في وسط السماء كما في الحديث المذكور
فالظاهر أنه أشار به هاهنا إلى موافقة اليوم التالي لخلقها للنيروز لا يوم خلقها
فتدبر.
وعاشرا
: أن ما ذكره من
مناسبة ما في الرواية من خلق زهرة الأرض فيه لأول الحمل دون الجدي غير ظاهر إذ
لقائل أن يقول لعل مبدأ خلقها أول الجدي وظهورها على وجه الأرض بعده مع أن ذلك
متفاوت بحسب البلاد جدا وأيضا كونه غير مناسب للجدي لا يدفع سائر التفسيرات
المذكورة للنيروز ولا يتعين بدونه المطلوب فيجوز أن يكون خلق زهرة الأرض وكذا خلق
الشمس أو طلوعها في يوم يكون موافقا من جهة الحساب المتداول بين الفرس في سنيهم
لأول فروردينهم فجعل يدور في الفصول على طبق دورانه فيها بالأسباب التي ذكرناها
غير مرة فلو فرضناه في أول الخلق مطابقا لأول نزول الشمس برج الحمل أيضا لكان مثل
مطابقته حينئذ لسائر الأوضاع الغير المطلوبة كمواضع سائر الكواكب فحفظ تلك المطابقة
فيه غير لازم لئلا يختل به ما هو المطلوب مما استقر بينهم إلى زمان النبي صلى الله
عليه واله واستمر بعده إلى زماننا من ضوابط حساب السنين.
فإن
قلت : رعاية الكبيسة كما
نقل عن الفرس دالة على أن مقصود أقدميهم منها محافظة وضع معين للشمس بالنسبة إلى
مبدإ سنيهم في الجملة فالمظنون أنهم كانوا عينوا لذلك أول الربيع كما قيل لظهور
امتيازه عن غيره بالحسن واعتدال الهواء وقوة النشوء والنماء في معظم المعمورة
فبمحض حدوث دورانه في الفصول بحسب تجدد الرسوم الاصطلاحية كيف سقط مقصودهم الأصلي
عن درجة الاعتبار بالكلية وصار المعتبر مقتضى ما استقر بينهم من الرسوم الحادثة؟
قلنا
: سلمنا قصدهم بدون
مضايقة في تعيينهم أول الربيع لذلك أيضا مع أن ما يحصل من ضبط كبيستهم في مائة
وعشرين سنة يحصل بدونها أيضا في مدة أكثر منه والفرق بين القلة والكثرة في مثلها
مشكل ومع أن الروم أيضا مشاركون لهم في رعاية الكبيسة بل أضبط منهم فيها بدون
التعيين المذكور ولكن نعلم أن المصالح
متغيرة بتغير
الأزمنة والطبائع والعادات فلعل الباعث لهم على الاتفاق على خلاف ما سبق من بعضهم
عروض مصلحة أهم منه لهم والباعث لاعتبار مقتضى مصلحتهم في نظر الشارع مصلحة وحكمة
أخرى خفية محجوبة عن عقولنا فنحن الآن مكلفون في الأحكام بتتبع آثار الصادقين من
ظواهر ما نقل إلينا عنهم والاحتياط عن الوقوع في متابعة آرائنا بأمثال تلك
الاستحسانات.
قال بعض الأفاضل
بعد إيراد جملة مما ذكرنا فتبين أن المراد بنيروز الفرس لا بد أن يكون أول سنتهم
الذي هو أول فروردينهم بلا خلاف وأنه دائر في الفصول من قديم الأيام بأسباب شتى
وخصوصا من زمان النبي صلى الله عليه واله بسبب إهمال معاصريهم منهم في حفظ الكبيسة
واستقرار أمرهم عليه إلى الآن فيكون أيام سنتهم دائما ثلاثمائة وخمسة وستين بلا
عروض وتفاوت فيه قط وأن يوم الغدير في السنة العاشرة من الهجرة كان مطابقا له فإن
اعتبر بما وقع بعدها في جلوس يزدجرد من إسقاط ما مضى من سنتهم وتجديد فروردينهم في
التاريخ المذكور كما هو الظاهر بناء على أنه على طبق رسمهم المتداول بينهم وأن
النيروز مبني على مقتضى رسمهم يكون النيروز المعتبر شرعا هو ما يضبطه المنجمون في
التقاويم من أول فروردينهم في كل سنة وهو فيما نحن فيه من الزمان سنة ثمان وثمانين
وألف من الهجرة مطابق ليوم الجمعة عاشر شهر شعبان وموافق للثامن والعشرين من أيلول
الرومي والثالث والعشرين من مهر ماه الجلالي وإن لم يعتبر بالإسقاط اليزدجردي بناء
على أنه وقع بعد زمان النبي صلى الله عليه واله وإكمال الدين وأن مثل ذلك في حكم
المبتدعات الغير المعتبرة في الشرع يكون النيروز المذكور قبل فروردينهم المضبوط
عند المنجمين بقدر الأيام الساقطة وعلى كل من الاحتمالين يتقدم في كل أربع سنين
بيوم على اليوم المطابق له من أيام شهور الروم وفي كل أربع سنين أو خمس سنين بيوم
على ما كان مطابقا له من أيام الشهور الجلالية ويتأخر في كل سنة بأحد عشر يوما
غالبا وبعشرة أيام في سني كبائس العرب عما كان موافقا له من أيام الشهور العربية
وأيضا يتأخر في كل سنة بيوم عما كان مطابقا له من أيام الأسبوع دائما. فظهر
من هذا التصوير أن
ما اشتهر من مطابقة نيروزهم ليوم انتقال الخلافة الصورية أيضا إلى أمير المؤمنين
عليه السلام بعد قتل عثمان كمطابقته ليوم الغدير إن كان مستندا إلى نص كما قيل
يؤيد الاحتمال الأول فإن كلا من الواقعتين كان في أواخر شهر ذي الحجة الحرام
وبينهما خمس وعشرون سنة ولا يمكن أن يتفق ذلك بدون إسقاط إلا في نيف وثلاثين سنة
فالنص على كون كل من اليومين مطابقا للنيروز هو في حكم النص على اعتبار الإسقاط
المذكور وأيضا ثبوت الواقعتين المذكورتين في النيروز من أوضح الدلائل على بطلان
كون المراد به يوم نزول الشمس ببرج الحمل فإن اتفاق نيروزين بهذا المعنى في شهر من
الشهور العربية بفاصلة المدة المذكورة غير ممكن قطعا فمن استدل بثبوت الواقعتين
المذكورتين في النيروز على كون المراد به الاعتدال الربيعي فقد جعل ما يدل صريحا
على بطلان شيء دليلا على صحته انتهى.
وأقول
: مما يؤيد ما مر ما
ذكره أبو ريحان في كتاب الآثار الباقية من القرون الخالية حيث قال في عداد
التواريخ المشهورة ثم تاريخ ملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز وهو على سني
الفرس غير مكبوسة وقد استعمل في الأزياج لسهولة العمل به وإنما اشتهر تاريخ هذا
الملك من بين سائر ملوك فارس لأنه قام بعد تبدد الملك واستيلاء النساء عليه
والمتغلبة ممن لا يستحقه وكان مع ذلك آخر ملوكهم وجرت على يده أكثر الحروب
المذكورة والوقائع المشهورة مع عمر بن الخطاب حتى زالت الدولة وانهزم فقتل بمرو
الشاهجان.
ثم
قال : ثم تاريخ أحمد بن
طلحة المعتضد بالله وهو على سني الروم وشهور الفرس بمأخذ آخر وهو أنها تكبس في كل
أربع سنين بيوم وكان السبب في ذلك على ما ذكر أبو بكر الصولي وحمزة بن الحسن
الأصبهاني أن المتوكل بينا هو يطوف في متصيد له إذ رأى زرعا لم يدرك بعد ولم
يستحصد فقال استأذنني عبيد الله بن يحيى في فتح الخراج وأرى الزرع أخضر فمن أين
يعطى الناس الخراج فقيل له إن هذا قد أضر بالناس فهم يقترضون ويتسلفون وينجلون عن
أوطانهم
وكثرت لهم
شكاياتهم فقال هذا شيء حدث في أيامي أم لم يزل كذا فقيل له بل هو جار على ما أسسه
ملوك الفرس من المطالبة بالخراج في إبان النيروز وصاروا به قدوة لملوك العرب فأحضر
المؤبد وقال له قد كثر الخوض في هذا ولست أتعدى رسوم الفرس فكيف كانوا يفتحون
الخراج على الرعية مع ما كانوا عليه من الإحسان والنظر ولم استجازوا المطالبة في
هذا الوقت الذي لم تدرك فيه الغلات والزروع فقال المؤبد وإنهم وإن كانوا يفتحونها
في النيروز فما كان يجبى إلا وقت إدراك فقال وكيف ذلك فبين له حال السنين وكمياتها
واحتياجها إلى الكبس ثم عرف أن الفرس كانوا يكبسونها فلما جاء الإسلام عطل فأضر
ذلك بالناس واجتمع الدهاقنة زمن هشام بن عبد الملك إلى خالد القسري فشرحوا له هذا
وسألوه أن يؤخروا النوروز شهرا فأبى وكتب إلى هشام بذلك فقال إني أخاف أن يكون هذا
من قول الله « إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ » فلما كان أيام الرشيد اجتمعوا إلى خالد بن يحيى بن برمك
وسألوه أن يؤخروا النوروز نحو الشهرين فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه وقالوا إنه
يتعصب للمجوسية فأضرب عن ذلك وبقي الأمر على حاله فأحضر المتوكل إبراهيم بن العباس
الصولي وأمره أن يوافق المؤبد على ما ذكره من النيروز ويحسب الأيام ويجعل له
قانونا غير متغير وينشئ عنه كتابا إلى بلدان المملكة في تأخير النوروز فوقع العزم
على تأخيره إلى سبعة عشر يوما من حزيران ففعل ذلك ونفذت الكتب إلى الآفاق في
المحرم سنة ثلاث وأربعين ومائتين فقال البختري في ذلك قصيدة يمدح فيها المتوكل
وقتل المتوكل ولم يتم له ما دبر حتى قام المعتضد بالخلافة واسترد بلدان المملكة من
المتغلبين عليها وتفرغ للنظر في أمور الرعية فكان أهم شيء إليه أمر الكبيسة
وإتمامه فاحتذى ما فعله المتوكل في تأخير النوروز غير أنه نظر من جهة أخرى وذلك أن
المتوكل أخذ ما بين سنته وبين أول تاريخ الملك يزدجرد وأخذ المعتضد ما بين سنته
وبين السنة التي زال فيها ملك الفرس بهلاك يزدجرد
__________________
ظنا منه أو ممن
تولى ذلك له أن إهمالهم أمر الكبس هو من لدن ذلك الوقت فوجده مائتين وثلاثا
وأربعين سنة وحصتها من الأرباع ستون يوما وكسر فزاد ذلك على النوروز في سنة وجعله
منتهى تلك الأيام وهو أول يوم من خرداد ماه في تلك السنة وكان يوم الأربعاء وافقه
اليوم الحادي عشر من حزيران ثم وضع النوروز على شهور الروم لتنكبس شهوره إذا كبست
الروم شهورها وكان المتولي لإمضاء ما أمر وزيره أبو القاسم عبيد الله بن سليمان بن
وهب وقال علي بن يحيى في ذلك
شعر :
يوم نيروزك يوم
واحد لا يتأخر
|
|
من حزيران يوافي
أبدا في أحد عشر.
|
وهذا وإن دقق في
تحصيله فلم يعد به النوروز إلى ما كان عليه عند الكبس في دولة الفرس وذلك أن إهمال
كبسهم كان قبل هلاك يزدجرد بقريب من سبعين سنة لأنهم كانوا كبسوا السنة في زمان
يزدجرد بن شابور بشهرين أحدهما لما لزم السنة من التأخر وهو الواجب ووضعوا اللواحق
خلفه علامة له وكانت النوبة لآبان ماه كما سنذكره والشهر الآخر للمستأنف ليكون
مفروغا منه إلى مدة طويلة فإذا أسقط عن السنين التي بين يزدجرد بن شابور وبينه
مائة وعشرون سنة بقي بالتقريب سبعون سنة لا بالتحقيق فإن تواريخ الفرس مضطربة جدا
وتكون حصة هذا السبعين سنة من الأرباع قريبا من سبعة عشر يوما فكان يجب بالتحليل
من القياس أن يؤخر سبعة وسبعين يوما لا ستين يوما حتى يكون النوروز في ثمانية
وعشرين من حزيران ولكن المتولي لذلك ظن أن طريقة الفرس في الكبس كانت شبيهة بالتي
يسلكه الروم فيه فحسب الأيام من لدن زوال ملكهم والأمر فيها على خلاف ذلك كما بينا
وسنبين.
ثم قال هذا
التاريخ آخر المشهورة ولعل أن يكون للأمم الشاسعة ديارها من ديارنا تواريخ لم تتصل
بنا أو متروكة كالمجوس في مجوسيتها فإنها كانت تؤرخ بقيام ملوكهم أولا فأولا فإذا
مات أحدهم تركوا تاريخه وانتقلوا إلى تاريخ القائم بعد منهم انتهى ما أردت إيراده
من كتابه.
وهذا وإن كان
مؤيدا لترك الكبس في زمان يزدجرد ودوران النيروز في الفصول لكن لا يدل على الإسقاط
وينافي بعض الضوابط المتقدمة وسيأتي مما سننقل عنه ما يؤيد ذلك أيضا.
وبالجملة الأمر في
الأخبار الواردة في ذلك مردد بين أمور :
الأول
: أن يكون بناؤها
على إسقاط الأرباع والخمسة أيضا كما كانت سنة الملوك البيشدادية أو بعض ملوك الهند
كما أومأنا إليهما سابقا ويومي إليه قوله عليهالسلام في خبر المعلى هي أيام قديمة من الشهور القديمة كل شهر ثلاثون
يوما بلا زيادة فيه ولا نقصان ويؤيده الأخبار الكثيرة الدالة على أن السنة
ثلاثمائة وستون يوما فيكون أول الفروردين على هذا الحساب نوروزا.
ويرد عليه أن
حوالة النيروز والسنة على اصطلاح متروك لا يعلم تعيينه ولا ابتداء شهورها بعيد عن
مقنن القوانين كما عرفت.
الثاني
: أن تكون مبنية على
الفرس القديم الذي مر ذكره وهو قوي لكن بناء أمر من الأمور الشرعية على
اصطلاح متبدل متغير يتبع في كل زمان رأى سلطان من سلاطين الجور أو غفلتهم أو عدم
تمكنهم من الكبس كما وقع بعد يزدجرد بعيد جدا وأيضا الظاهر أن فضل هذا اليوم إما بسبب
الأمور المقارنة له والأحوال الواقعة فيه وكثير من الأمور متعلقة بما قبل زمان
يزدجرد وكان قبل ذلك مبنيا على الكبس وبعده سقط ذلك وإما بسبب بعض الأوضاع الفلكية
أو الأرضية كدخول برج من البروج أو درجة من درجاتها أو ظهور الأزهار ونبات
النباتات والأشجار ونحو ذلك وشيء منها غير منضبط في النيروز بهذا المعنى ومع جميع
ذلك فهو بحسب الدليل كأنه أقوى من الجميع.
الثالث
: أن يكون المراد
بها النيروز القديم المبني على الكبس في كل مائة وعشرين سنة كما عرفت لأنه الأصل
عند الفرس وإنما طرأ إسقاط الكبس لاختلال أحوالهم وعدم تمكنهم من ضبط قواعدهم ويرد
عليه ما مر من أن بناء
__________________
تكليف عام يشترك
فيه عوامهم وخواصهم على أمر غامض لا يطلع عليه إلا الأوحدي من المنجمين والهيويين
بل لا يمكن معرفته على التحقيق لأحد كما مر بعيد غاية البعد إلا أن يقال أنه عليه
السلام علم قاعدته المعلى ولم يروها أو ترك الناس روايتها وهو أيضا بعيد.
الرابع
: أن يكون المراد ما
اصطلح عليه الآن المنجمون وهو دخول الشمس برج الحمل بأن يكون عليه السلام علم أن
قاعدة الفرس في القديم كان كذلك فتركت وأخروا الكبس إلى المائة والعشرين تسهيلا
للأمر أو يقال إن نيروز الفرس هو أول فروردين مع رعاية الكبس بأي وجه كان في زمان
قصير أو زمان طويل فيشمل النيروز الجلالي عموما وإن لم يحدث بعد خصوص هذا النوع
ويؤيده أن الأحكاميين من الفرس وغيرهم جعلوا مبدأ السنة تحويل الشمس إلى الحمل كما
قال كوشيار في كتاب مجمل الأصول معلوم أن تحويل سنة العالم هو حلول الشمس أول
ثانية من الحمل وطالع ذلك طالع السنة وأمثال ذلك من كلماتهم وقد اشتمل الخبر على
أن النيروز أول سنة الفرس وأيد أيضا بما ورد أن ابتداء خلق العالم كان الشمس في
الحمل وبأنا إذا حسبنا على القهقرى وجدنا عيد الغدير في السنة العاشرة من الهجرة
مطابقا لنزول الشمس أول الحمل والظاهر أن ذلك مبني على بعض الإرصاد وعلى بعضها
يتقدم بيوم كما أومأ إليه ابن فهد رحمهالله وعلى بعضها بيومين كما أشار إليه غيره وموافقته على بعض
الإرصاد كاف في ذلك وبأنه أول نمو أبدان الحيوانات والأشجار والنباتات كما قال
سبحانه ألم تر « أَنَّ
اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها » وعنده تظهر قدرة الصانع وحكمته ولطفه ورحمته فهو أولى بأن
يشكر فيه الرب الكريم وأن يجعل مبدأ السنة والعيد العظيم وقد مر الكلام في أكثر
ذلك فيما مضى.
__________________
ومما يدل على عدم
كونه مرادا أنه معلوم أنه لم يكن هذا مشهورا في زمان الصادق عليهالسلام وقد قال المعلى دخلت على الصادق عليه السلام يوم النيروز فلا بد من أن يكون
يوما معروفا في ذلك الزمان ولم يكن إلا التاريخ اليزدجردي فلا يستقيم هذا إلا
بتكلف أومأنا إليه في أول الكلام والله يعلم حقائق الأمور.
الفائدة
الثالثة : اعلم أنه قد
يستشكل في الأحاديث بأن وقوع النيروز بأي تفسير كان في التواريخ الماضية المذكورة
في الروايتين المضبوطة عند المؤرخين سنة وشهرا ويوما كيوم المبعث وفتح مكة ونص
الغدير غير ممكن لعدم جواز اجتماع يومين في ذلك فضلا عن الجميع لأن المبعث كان قبل
الهجرة بقريب من ثلاث عشرة سنة وفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ونص الغدير في
العاشرة منها فكان وضع الأول بالنسبة إلى كل من الأخيرين يقتضي أن تكون الفاصلة
بين النيروزين الواقعين فيهما بحسب الشهور العربية أكثر من سبعة أشهر ووضع أحد
الأخيرين بالنسبة إلى الآخر يقتضي أن تكون الفاصلة أقل من شهر مع أن الأول كان في
أواخر رجب والثاني في أواخر شهر رمضان والثالث في أواخر شهر ذي الحجة.
ويمكن الجواب عنه
بوجهين :
الأول
: ما ذكره بعض
الأفاضل وهو أن يقال من السنة التاسعة عشر من مبعثه صلى الله عليه واله التي وقع فيها
قتل پرويز من ملوك العجم إلى آخر زمانه صلى الله عليه واله اتفق جلوس ثلاثة من
ملوك العجم هم شيرويه وأردشير وتوران دخت وكان الأولان قبل فتح مكة والأخير بعده
فيمكن إسقاط كل منهم برهة مما مضى من السنة عند جلوسه كما هو عادتهم المستمرة فكان
ذلك منشأ لهذا الاختلاف فهذا أيضا دليل بل دلائل أخرى مستنبطة من الروايتين
المذكورتين على بطلان كون المراد بالنيروز المعتبر شرعا هو الاعتدال الربيعي فإنه
على ذلك لا يمكن توجيه التواريخ المذكورة فيهما أصلا وكذا حال سائر ما مر من
تفاسيره سوى أول فروردين فتعين أن المراد به أول فروردين كما هو المطلوب انتهى.
الثاني
: ما خطر ببالي وهو
أنه لم يصرح في الحديث بالمبعث بل قال هبط فيه جبرئيل على النبي صلى الله عليه
واله ولا تلازم بينهما إذ المبعث هو أمر الرسول بتبليغ الرسالة إلى القوم ويمكن أن
يكون نزول جبرئيل عليه صلى الله عليه واله قبل ذلك بسنين كما يومئ إليه بعض
الأخبار أيضا.
وأما كون كسر
الأصنام في فتح مكة فلا يظهر من هذا الخبر ولا من أكثر الأخبار الواردة فيه بل
صريح بعض الأخبار وظاهر بعضها كون ذلك قبل الهجرة فيمكن الجمع بينهما بالقول بتعدد
وقوع ذلك ويكون أحدهما موافقا للنيروزكما روي من كشف الغمة من مسند أحمد بن حنبل
عن أبي مريم عن علي عليه السلام قال : انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه واله حتى
أتينا الكعبة فقال لي رسول الله صلى الله عليه واله اجلس واصعد على منكبي فنهضت به
فرأى بي ضعفا وجلس لي نبي الله صلى الله عليه واله وقال لي اصعد على منكبي فصعدت
على منكبيه قال فنهض بي قال فإنه يختل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت
على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن
خلفه حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلى الله عليه واله اقذف به فقذفت به
فتكسر كما تكسر القوارير ثم نزلت وانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه واله نستبق
حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس. والأخبار بهذا المضمون كثيرة
وقد تقدمت وكلها دالة على أن ذلك كان قبل الهجرة وإلا لم يكن لخوفهما وإخفائهما من
القوم معنى فارتفع التنافي على أي تفسير كان لعدم معلومية تاريخ نزول جبرئيل عليهالسلام ولا كسر الأصنام.
فإن قيل : قد صرح
في الخبر بأنه اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى الله عليه واله إلخ فحمله على ما
وقع في الليل بعيد.
قلنا
: حمل اليوم على ما
يشمل الليل شائع وسراية فضل الليلة وبركاتها إلى اليوم كثيرة كمواليد النبي صلى
الله عليه واله والأئمة عليهم السلام وغير ذلك.
فإن
قيل : تاريخ فتح نهروان
وقتل ذي الثدية أيضا مضبوط في مناقب ابن
شهرآشوب بتاسع شهر
صفر سنة تسع وثلاثين ولا يوافق أول فروردينهم لكونه في السنة المزبورة قبله في
أواسط المحرم أو بعده في أواسط شوال على اختلاف الاعتبارين كما مر ولا أول الربيع
لكونه فيها بعده في أواخر شوال ولا يجري فيه شيء من التوجيهين.
قلنا
: سنة الفتح المذكور
مضبوطة عند جمهور المؤرخين بما ذكر أو بثمان وثلاثين وأما شهره ويومه فهم ساكتون
عنهما فلا اعتماد في مثل ذلك على نقل واحد منهم.
الفائدة
الرابعة : قال أبو ريحان في
الكتاب المذكور قال بعض الحشوية إن سليمان بن داود عليهما السلام لما افتقد خاتمه
وذهب عنه ملكه ثم رد إليه بعد أربعين يوما عاد إليه بهاؤه وأتته الملوك وعكفت عليه
الطيور فقالت الفرس نوروز آمد أي جاء اليوم الجديد فسمي النوروز وأمر سليمان الريح
فحملته واستقبله الخطاف فقال أيها الملك إن لي عشا فيه بيضات فاعدل فعدل ولما نزل
حمل الخطاف في منقاره ماء فرشه بين يديه وأهدى له رجل جرادة فذلك سبب رش الماء
والهدايا في النيروز وقالت علماء العجم هو يوم مختار لأنه سمي بهرمز وهو اسم الله
عز وجل الخالق الصانع المربي للدنيا وأهلها الذي لا يقدر الواصفون على وصف جزء من
أجزاء نعمه وإحسانه.
وقال سعيد بن
الفضل : جبل دماوند وهو بفارس ترى عليه كل ليلة نوروز بروق تسطع وتلمع على صحو
الهواء وتغيمه على كل حال من الزمان وأعجب من هذا نيران كلواذا وإن كان القلب لا
يطمئن إليها دون مشاهدتها فقد أخبرني أبو الفرج الزنجاني الحاسب أنه شاهد ذلك مع
جماعة قصدوا كلواذا سنة دخول عضد الدولة بغداد وإذا بها نيران وشموع لا تحصى كثرة
تظهر في الجانب الغربي من دجلة بإزاء كلواذا في الليلة التي يكون في صبيحتها
النوروز فإن السلطان وضع هناك رصدة يتجسسون الحقيقة كيلا يكون ذلك من المجوس
__________________
أمرا مموها فلم
يقفوا إلا أنها كلما قربوا منها تباعدت وكلما تباعدوا منها قربت فقلت لأبي الفرج
إن يوم النيروز زائل عن مكانه لإهمال الفرس كبيستهم فلم لم يتأخر عنه هذا الأمر
وإن لم يجب تأخره فهل كان يتقدم وقت استعمال الكبيسة فلم يكن عنده جواب مقنع. وقال
أصحاب النيرنجات من لعق يوم النيروز قبل الكلام إذا أصبح ثلاث لعقات عسل وبخر بثلاث
قطاع من شمع كان ذلك شفاء من الأدواء وكان النيروز فيه جرى الرسم بتهادي الناس
بينهم السكر والسبب فيه كما حكي مؤبد بغداد أن قصب السكر إنما ظهر في مملكة جم يوم
النيروز ولم يكن يعرف قبل ذلك الوقت وهو أنه رأى قصبة كثيرة الماء قد مجت شيئا من
عصارتها فذاقها فوجد فيها حلاوة لذيذة فأمر باستخراج مائها وعمل منه السكر فارتفع
في اليوم الخامس وتهادوه تبركا به وكذلك استعمل في المهرجان وإنما خصوا وقت
الانقلاب الصيفي بالابتداء في السنة لأن الانقلابين أولى أن يوقف عليهما بالآلات
والعيان من الاعتدالين وذلك أن الانقلابين هما أوائل إقبال الشمس إلى أحد قطبي
الكل وإدبارها عنه بعينه وإذا رصد الظل المنتصب في الانقلاب الصيفي والظل البسيط
في الانقلاب الشتوي في أي موضع اتفق من الأرض لم يخف على الراصد يوم الانقلاب ولو
كان من علم الهندسة والهيئة بأبعد البعد فأما الاعتدالان فإنه لا يوقف على يومهما
إلا بعد تقدم المعرفة بعرض البلد والميل الكلي ثم لا يكون ذلك ظاهرا إلا لمن تأمل
الهيئة ومهر في علمها وعرف آلات الرصد ونصبها والعمل بها فكان الانقلابان لهذه
الأسباب أولى بالابتداء من الاعتدالين وكان الصيفي منهما أقرب إلى سمت الرءوس
الشمالية فآثروه على الشتوي. وأيضا فلأنه هو وقت إدراك الغلات فهو أصوب لافتتاح
الخراج فيه من غيره وكثير من العلماء والحكماء اليونانيين أقاموا الطالع لوقت طلوع
كلب الجبار واستفتحوا به السنة دون الاعتدال الربيعي من أجل أن طلوعه فيما مضى كان
موافقا لهذا الانقلاب أو بالقرب منه وقد زال هذا اليوم أعني النيروز عن وقته حتى
صار في زماننا يوافق دخول الشمس برج الحمل وهو أول الربيع
فجرى الرسم لملوك
خراسان فيه أن يخلعوا على أساورتهم أي قواد جيوشهم الخلع الربيعية والصيفية واليوم
السادس منه وهو روز خرداد منه النوروز الكبير وعند الفرس عيد عظيم الشأن. قيل إن
فيه فرغ الله عن خلق الخلائق لأنه آخر الأيام الستة المذكورة وفيه خلق المشتري
وأسعد ساعاته ساعات المشتري وقال أصحاب النيرنجات من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل
الكلام السكر وتدهن بالزيت دفع عنه في عامة سنته أنواع البلايا وقالوا أمر جمشيد
الناس أن يغتسلوا يوم النيروز بالماء ليتطهروا من الذنوب ويفعلوا ذلك كل سنة ليدفع
الله عنهم آفات السنة وزعم بعض الناس أن جم كان أمر بحفر أنهار وأن الماء جرى فيها
في هذا اليوم فاستبشر الناس بالخصب واغتسلوا بذلك الماء المرسل فتبرك الخلف
بمحاكاة السلف وقيل بل السبب في الاغتسال هو أن هذا اليوم لهروزا وهو ملك الماء
والماء يناسبه فلذلك صار الناس يقومون في هذا اليوم عند طلوع الفجر فيعمدون إلى
ماء القنا والحياض وربما استقبلوا المياه الجارية فيفيضون على أنفسهم منها تبركا
ودفعا للآفات وفيه يرش الناس الماء بعضهم على بعض وسببه هو سبب الاغتسال ولما كان
بعد جم جعلت الملوك هذا الشهر أعنى فروردين ماه كله أعيادا مقسومة في أسداسه
فالخمسة الأولى للملوك والثانية للأشراف والثالثة لخدام الملوك والرابعة لحواشيه
والخامسة للعامة والسادسة للرعاة إلى آخر ما قال.
وأقول
إنما أوردت هذا
الهذيانات لتطلع على بعض خرافاتهم ولأن فيها تأييدا لبعض ما أسلفنا في الفوائد
السابقة ووجدت في بعض الكتب المعتبرة اعلم أن جمشيد ملك الدنيا وعمر أقاليم إيران
فاستوت له أسبابه واستقامت له أموره يوم النيروز أول فروردين القديم فصار أول سنة
العجم وهو يوم ولد فيه كيومرث بن هبة الله بن آدم عليه السلام وأما النيروز
السلطاني يوم نزول الشمس أول دقيقة من برج الحمل فوضع في عهد السلطان جلال الدين
ملك شاه بن آلب أرسلان واتفق يوم الخميس التاسع من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين
وأربعمائة و
المهرجان هو يوم
النصف من مهر ماه قصد أفريدون الضحاك وأسره بأرض المغرب وسجنه بجبل دماوند هذا
اليوم فقال أفريدون لأصحابه أين كار كه من كردم مهرجان بان هست فسمي لذلك مهرجان
وأول من وضع رسم التهنئة في النيروز والمهرجان أفريدون انتهى.
وأقول
: روى المنجمون
والأحكاميون في كتبهم عن أمير المؤمنين عليه السلام أياما منحوسة في الشهر وحملوه
على شهور الفرس القديم وهي الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي
والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون وجمعوها في هذين البيتين بالفارسية :
هفت روزى نحس
باشد در مهى
|
|
زان حذر كن تا
نيابى هيچ رنج
|
سه وپنج سيزده
با شانزده
|
|
بيست ويك با
بيست وچار وبيست وپنج
|
وربما يحمل على
الشهور العربية كما مر ورووا أيضا عن الصادق عليه السلام نحوسة بعض أيام شهور
الفرس القديمة كما نظمه سلطان المحققين نصير الملة والدين الطوسي قدس الله سره القدوسي
في هذه الأبيات بالفارسية :
ز قول جعفر صادق
خلاصه سادات
|
|
ز ماه فارسيان
هفت روز مذمومست
|
نخست روز سيم
باز پنجم وپس از آن
|
|
چه روز سيزدهم
روز شانزده شومست
|
ديگر زعشرسيم
بيست ويك چه بيست وچهار
|
|
چه بيست وپنج كه
آنهم بنحس مرقومست
|
بجز عبادت كارى
مكن در اين ايام
|
|
اگر چه نيك وبدت
هم ز رزق مقسومست
|
بماند بيست وسه
روز اى خجسته مختار
|
|
كه در عموم
حوائج بخير موسومست
|
ولى چهار وهشتم
سفر مكن زنهار
|
|
كه خوف هلك در
اين هر دو نص محتومست
|
بروز پانزدهم
پيش پادشاه مرو
|
|
اگر چه سنگ دلش
بر تو نيز چون مومست
|
گريز نيز در اين
روز ناپسند آمد
|
|
كه ره مخوف
وهواى خلاص مسمومست
|
مكن دوازدهم با
كسى مناظره اى
|
|
كه در خصومت اين
روز صلح معدومست
|
ز روزهاى گزيده
همين چهار آنگه
|
|
در اين حوائج در
سلك نحس منظومست
|
ورووا أيضا عن
موسى كليم الله عليه السلام أن للشهور الرومية أياما منحوسة من
توجه فيها إلى
القتال قتل ومن سافر فيها لم يظفر بمقصوده ومن تزوج لم يتمتع وهي أربعة وعشرون
يوما في كل شهر يومان وهي العاشر والعشرون من تشرين الأول والأول والخامس عشر من
تشرين الآخر والخامس عشر والسابع عشر من كانون الأول والسابع والرابع عشر من كانون
الآخر والسادس عشر والسابع عشر من شباط والرابع واليوم العشرون من آزار والعشرون
والثالث من نيسان والسادس والثامن من أيار والثالث والثامن من حزيران والعشرون
والسادس من تموز والرابع والخامس عشر من آب والأول والثالث من أيلول وفي بعض النسخ
التاسع والعاشر من تشرين الأول والتاسع والثاني عشر من كانون الأول والثاني
والرابع عشر من كانون الآخر والثاني عشر والسادس عشر من شباط والثالث والعاشر من
حزيران وفي بعضها والرابع والحادي عشر من آب.
٨
ـ المكارم : عن أبي الحسن عليه
السلام قال : لا تدع الحجامة في سبع من حزيران فإن فاتك فأربع عشرة .
__________________
(أبواب
الملائكة)
(٢٣)
(باب)
(حقيقة
الملائكة وصفاتهم وشئونهم وأطوارهم)
الآيات :
البقرة
: « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي
جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » إلى آخر الآيات ـ.
وقال تعالى : « قُلْ مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كانَ
عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ
عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ » .
وقال تعالى « تَحْمِلُهُ
الْمَلائِكَةُ » .
آل
عمران : « شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ » .
وقال سبحانه : « فَنادَتْهُ
الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ » .
وقال عز وجل : « وَإِذْ قالَتِ
الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ » الآية .
وقال عزوجل : « إِذْ قالَتِ
الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ » الآية .
__________________
الأنعام
: « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ
وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ
جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » .
وقال سبحانه : « وَهُوَ الْقاهِرُ
فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » .
وقال تعالى : « وَلَوْ تَرى إِذِ
الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ
أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ
تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ » .
وقال تعالى : « هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ » .
الأنفال
: « أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ » إلى قوله تعالى « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ
أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا » .
الرعد
: « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » .
وقال تعالى : « وَيُسَبِّحُ
الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » .
الحجر
: « ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ
وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ » .
وقال سبحانه : « وَنَبِّئْهُمْ عَنْ
ضَيْفِ إِبْراهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً » إلى آخر القصة .
الإسراء
: « قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ
__________________
السَّماءِ
مَلَكاً رَسُولاً » .
مريم
: « فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ
لَها بَشَراً سَوِيًّا » .
الحج
: « اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً
وَمِنَ النَّاسِ » .
الفرقان
: « يَوْمَ يَرَوْنَ
الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ » إلى قوله تعالى « وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ
وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً » .
الأحزاب
: « فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً
لَمْ تَرَوْها » .
سبأ
: « وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ
لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ
وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ
مُؤْمِنُونَ » .
فاطر
: « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي
أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » .
الصافات : « وَالصَّافَّاتِ
صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً » .
وقال تعالى : « فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ
الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ
شاهِدُونَ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ
لَكاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ
عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ » إلى قوله سبحانه « وَما مِنَّا إِلاَّ
لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ
الْمُسَبِّحُونَ »
__________________
الزمر
: « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ
الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ »
السجدة
: « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ
اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ
أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما
تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ
رَحِيمٍ » وقال سبحانه « فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ
رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ » .
حمعسق
: « وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » .
الزخرف
: « وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ
الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ
بِالْبَنِينَ » إلى قوله « وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ
عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ
» .
وقال « وَلَوْ نَشاءُ
لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » .
الذاريات
: « فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » .
الحاقة
: « وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها » .
المعارج
: « تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ » .
المدثر
: « عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا
أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً
لِلَّذِينَ كَفَرُوا » .
المرسلات
: « وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ
عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً
__________________
فَالْفارِقاتِ
فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً ».
النبأ
: « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ
صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً » .
النازعات
: « وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ
نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » .
عبس
: « بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ قُتِلَ
الْإِنْسانُ » .
تفسير
: « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ » قد مر تفسيرها في المجلد الخامس وتدل الآيات على كثير من
أحوال الملائكة « قُلْ مَنْ
كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ » قال الطوسي رحمهالله
روي أن ابن صوريا وجماعة
من يهود فدك أتوا النبي صلى الله عليه واله فسألوه عن مسائل فأجابهم فقال له ابن
صوريا خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك واتبعتك أي ملك يأتيك بما أنزل الله عليك قال فقال
جبرئيل قال ذلك عدونا وينزل بالقتال والشدة والحرب وميكائيل ينزل باليسر
والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك فأنزل الله هذه الآية « فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ
عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ». لا من تلقاء نفسه وإنما أضافه إلى قلبه لأنه إذا أنزل
عليه كان يحفظه ويفهمه بقلبه ومعنى قوله بإذن الله بأمر الله وقيل أراد بعلمه أو
بإعلام الله إياه ما ينزله على قلبك « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ » أي من الكتب موافقا لها « وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ » معناه كان فيما أنزله من الأمر بالحرب والشدة على الكافرين
فإنه هدى وبشرى للمؤمنين « مَنْ
كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ » معناه من كان معاديا لله أي يفعل فعل المعادي من المخالفة
والعصيان وقيل المراد معاداة أوليائه
__________________
« وَجِبْرِيلَ
وَمِيكالَ » أعاد ذكرهما لفضلهما ولأن اليهود خصوهما بالذكر « فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ
لِلْكافِرِينَ » إنما لم يقل لهم لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة
بالإيمان انتهى .
وأقول
: الظاهر أن التعبير
بالكافرين عنهم لبيان أن هذا أيضا من موجبات كفرهم وتدل الآية على أنه تجب محبة
الملائكة وأن عداوتهم كفر.
« وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ » قال الطبرسي رحمهالله أي نشاهده فنصدقه « وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً » على ما اقترحوه لما آمنوا به فاقتضت الحكمة استئصالهم وذلك
معنى قوله « لَقُضِيَ
الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ » وقيل معناه لو أنزلنا ملكا في صورته لقامت الساعة أو وجب
استئصالهم « وَلَوْ
جَعَلْناهُ مَلَكاً » أي الرسول والذي ينزل عليه ليشهد بالرسالة كما يطلبون ذلك « لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته لأن أعين الخلق
تحار عن رؤية الملائكة إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة ولذلك كانت الملائكة تأتي
الأنبياء في صورة الإنس وكان جبرئيل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه واله في
صورة دحية الكلبي وكذلك « نَبَأُ
الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ » وإتيانهم إبراهيم ولوطا في صورة الضيفان من الآدميين « وَلَلَبَسْنا
عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » قال الزجاج كانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي صلى
الله عليه واله فيقولون إنما هذا بشر مثلكم فقال لو أنزلنا ملكا فرأوهم الملك رجلا
لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم وقيل لو أنزلنا ملكا لما عرفوه
إلا بالتفكر وهم لا يتفكرون فيبقون في اللبس الذي كانوا فيه وأضاف اللبس إلى نفسه
لأنه يقع عند إنزاله الملائكة .
وقال رحمهالله في قوله تعالى « وَيُرْسِلُ
عَلَيْكُمْ حَفَظَةً » أي ملائكة يحفظون
__________________
أعمالكم ويحصونها
عليكم ويكتبونها وفي هذا لطف للعباد لينزجروا عن المعاصي إذا علموا أن عليهم حفظة
من عند الله يشهدون بها عليهم يوم القيامة « تَوَفَّتْهُ » أي تقبض روحه « رُسُلُنا » أي أعوان ملك الموت عن ابن عباس وغيره قالوا وإنما يقبضون
بأمره ولذا أضاف التوفي إليه في قوله « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وَهُمْ
لا يُفَرِّطُونَ » أي لا يضيعون أو لا يغفلون ولا يتوانون أو لا يعجزون .
وقال البيضاوي في
قوله سبحانه « وَلَوْ
تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ » حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه أي ولو ترى الظالمين « فِي غَمَراتِ
الْمَوْتِ » أي في شدائده من غمره الماء إذا غشيه « وَالْمَلائِكَةُ
باسِطُوا أَيْدِيهِمْ » بقبض أرواحهم كالمتقاضي الملظ أو بالعذاب « أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ » أي يقولون لهم أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليظا وتعنيفا
عليهم أو أخرجوها من العذاب وخلصوها من أيدينا « الْيَوْمَ » يريد به وقت الإماتة أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا
نهاية له « تُجْزَوْنَ
عَذابَ الْهُونِ » أي الهوان يريد العذاب المتضمن لشدة وإهانة انتهى.
« لَهُ مُعَقِّباتٌ » قال الطبرسي رحمهالله اختلف في الضمير الذي في له على وجوه :
أحدها
: أنه يعود إلى من
في قوله « مَنْ
أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ».
والآخر
: أنه يعود إلى اسم
الله تعالى وهو عالم الغيب والشهادة.
وثالثها
: أنه يعود إلى النبي
صلى الله عليه واله في قوله « إِنَّما
أَنْتَ مُنْذِرٌ » واختلف في المعقبات على أقوال :
أحدها
: أنها الملائكة
يتعاقبون تعقب ملائكة الليل ملائكة النهار وملائكة النهار ملائكة الليل وهم الحفظة
يحفظون على العبد عمله وقال
__________________
الحسن هم أربعة
أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر وهو معنى قوله « إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً » وقد روي ذلك أيضا عن أئمتنا عليهم السلام.
والثاني
: أنهم ملائكة
يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيحولون بينه وبين
المقادير عن علي عليه السلام وقيل هم عشرة أملاك على كل آدمي يحفظونه من بين يديه
ومن خلفه « يَحْفَظُونَهُ
مِنْ أَمْرِ اللهِ » أي يطوفون به كما يطوف الملك الموكل بالحفظ وقيل يحفظون ما
تقدم من عمله وما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه وقيل يحفظونه من وجوه المهالك
والمعاطب ومن الجن والإنس والهوام وقال ابن عباس يحفظونه مما لم يقدر نزوله فإذا
جاء المقدر بطل الحفظ وقيل من أمر الله أي بأمر الله وقيل يحفظونه عن خلق الله
فتكون من بمعنى عن قال كعب لو لا أن الله وكل بكم ملائكته يذبون عنكم في مطعمكم
ومشربكم وعوراتكم ليخطفنكم الجن انتهى.
وقال الرازي في
تفسيره : روي أنه قيل يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال عليه
السلام ملك عن يمينك للحسنات هو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتب عشرا وإذا
عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين أكتب؟ قال لا لعله يتوب فإذا قال
ثلاثا قال نعم اكتب أراحنا الله منه « فَبِئْسَ الْقَرِينُ » ما أقل مراقبته لله واستحياءه منا فهو قوله تعالى « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ » وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك وإن تجبرت
قصمك وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة وملك على فيك لا يدع
أن تدخل الحية في فيك وملك على عينيك
__________________
فهؤلاء عشرة أملاك
على كل آدمي ملائكة الليل وملائكة النهار فهم عشرون ملكا على كل آدمي.
ثم قال : فإن قيل
ما الفائدة في جعل هؤلاء الملائكة موكلين علينا قلنا اعلم أن هذا الكلام غير
مستبعد وذلك لأن المنجمين اتفقوا على أن التدبير في كل يوم لكوكب على حدة وكذا
القول في كل ليلة ولا شك أن تلك الكواكب لها أرواح عندهم فتلك التدبيرات المختلفة
في الحقيقة لتلك الأرواح وأما أصحاب الطلسمات فهذا الكلام مشهور في ألسنتهم ولذلك
فإنهم يقولون أخبرني طبائع التام ومرادهم بالطبائع التام أن لكل إنسان روحا فلكية تتولى
إصلاح مهماته ورفع بلياته وآفاته وإذا كان هذا متفقا عليه بين قدماء الفلاسفة
وأصحاب الأحكام فكيف يستبعد مجيئه من الشرع وتمام التحقيق فيه أن الأرواح البشرية
مختلفة في جواهرها وطبائعها فبعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها قوية القهر والسلطان
وبعضها سخفة وكما أن الأمر في الأرواح البشرية كذلك الأمر في الأرواح
الفلكية لكنه لا شك أن الأرواح الفلكية في كل باب وصفة أقوى من الأرواح البشرية
فكل طائفة من الأرواح تكون مشاركة في طبيعة خاصة وصفة مخصوصة فإنها تكون في مرتبة روح من
الأرواح الفلكية مشاكلة لها في الطبيعة والخاصية وتكون تلك الأرواح البشرية كأنها
أولاد لذلك الروح الفلكي ومتى كان الأمر كذلك فإن ذلك الروح الفلكي يكون معينا لها
على مهماتها ومرشدا لها إلى مصالحها وعاصما
__________________
لها من صنوف
الآفات فهذا كلام ذكره محققو الفلاسفة وإذا كان الأمر كذلك علمنا أن الذي وردت به
الشريعة أمر معقول مقبول عند الكل فكيف يمكن استنكاره من الشريعة؟
فإن
قيل ما الفائدة في
اختصاص هؤلاء الملائكة مع بني آدم وتسليطهم عليهم؟
قلنا
: فيه وجوه :
الأول : أن
الشياطين يدعون إلى الشرور والمعاصي وهؤلاء الملائكة يدعون إلى الخيرات والطاعات.
الثاني
: قال مجاهد ما من
عبد إلا ومعه ملك موكل يحفظه من الجن والإنس والهوام في نومه ويقظته.
الثالث
: أنا نرى أن
الإنسان قد يقع في قلبه داع قوى من غير سبب ثم يظهر بالأخرة أن وقوع تلك الداعية
في قلبه كان سببا من أسباب مصلحته وخيراته وقد ينكشف أيضا بالأخرة أنه كان سببا لوقوعه في
آفة أو معصية ومفسدة فظهر أن الداعي إلى الأمر الأول كان مريدا للخير والراحة وإلى
الأمر الثاني كان مريدا للفساد والمحنة والأول هو الملك الهادي والثاني هو الشيطان
المغوي.
الرابع
: أن الإنسان إذا
علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب لأن من آمن يعتقد
جلالة الملائكة وعلو مراتبهم فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها
زجرة الحياء منهم عن الإقدام عليها كما يزجره إذا حضر من يعظمه من
البشر وإذا علم أن الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل.
__________________
فإن
قيل ما الفائدة في
كتب أعمال العباد؟
قلنا
: هاهنا مقامان .
المقام
الأول : أن تفسير الكتبة
بالمعنى المشهور من الكتب قال المتكلمون الفائدة في تلك الصحف وزنها فإن رجحت كفة
الطاعات ظهر للخلائق أنه من أهل الجنة وبالضد قال القاضي هذا يبعد لأن الأدلة قد دلت على أن كل أحد قبل مماته عند المعاينة
يعلم أنه من السعداء أو من الأشقياء فلا يجوز توقيف حصول تلك المعرفة على الميزان
ثم أجاب وقال لا يمتنع ما رويناه لأمر يرجع إلى حصول سروره عند
الخلق العظيم أنه من أولياء الله في الجنة وبالضد من ذلك في أعداء الله.
والمقام
الثاني : وهو قول حكماء
الإسلام إن الكتبة عبارة عن نقوش مخصوصة وضعت بالاصطلاح لتعريف بعض المعاني
المخصوصة فلو قدرنا تلك النقوش دالة على تلك المعاني لأعيانها وذواتها كانت تلك
الكتبة أقوى وأكمل إذا ثبت هذا فنقول إن الإنسان إذا أتى بعمل من الأعمال مرات
وكرات كثيرة متوالية حصلت في نفسه بسبب تكرارها ملكة قوية راسخة
فإن كانت تلك الملكة نافعة في السعادات الروحانية عظم ابتهاجه بها بعد الموت وإن كانت
تلك الملكة ضارة في الأحوال الروحانية عظم تضرره بها بعد الموت إذا ثبت هذا فنقول
إن التكرير الكثير لما كان سببا لحصول تلك الملكة الراسخة كان لكل واحد من
__________________
تلك الأعمال
المتكررة أثر في حصول تلك الملكة الراسخة وذلك الأثر وإن كان غير محسوس إلا أنه
حاصل في الحقيقة وإذا عرفت هذا ظهر أنه لا يحصل للإنسان لمحة ولا حركة ولا سكون
إلا ويحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو أثر من آثار الشقاوة قل أو كثر
فهذا هو المراد من كتبة الأعمال عند هؤلاء والله العالم بحقائق الأمور انتهى.
وإنما نقلنا كلامه
لتطلع على تحريفات الفلاسفة وتأويلاتهم للآيات والأخبار من غير ضرورة سوى
الاستبعادات الوهمية وعدم الاعتناء بكلام صاحب الشريعة.
« وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً » أي العابدين لغير الله والمعبودين « أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ
كانُوا يَعْبُدُونَ » على الإنكار ليعترفوا بخلافه « قالُوا سُبْحانَكَ » أي تنزيها لك عن أن يعبد سواك « أَنْتَ وَلِيُّنا » أي ناصرنا وأولى بنا « مِنْ دُونِهِمْ » أي من دون هؤلاء الكفار وما كنا نرضى بعبادتهم إيانا « بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ
الْجِنَ » أي إبليس وذريته حيث أطاعوهم فيما دعوهم إليه من عبادة
الملائكة وغيرهم « أَكْثَرُهُمْ
بِهِمْ مُؤْمِنُونَ » مصدقون بالشياطين مطيعون لهم.
« جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً » قال الطبرسي رحمهالله أي إلى الأنبياء بالرسالات والوحي « أُولِي أَجْنِحَةٍ » جعلهم كذلك ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول
إلى الأرض فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعة أجنحة عن
قتادة وقال يزيد فيها ما يشاء وهو قوله « يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ »
قال ابن عباس رأى رسول
الله جبرئيل ليلة المعراج وله ستمائة جناح. وقيل أراد بقوله « يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ
ما يَشاءُ » حسن الصوت وقيل هو الملاحة في العينين وعن النبي صلى الله
عليه واله قال : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن .
وقال الرازي : أقل
ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان وما بعدهما
__________________
زيادة وقال قوم
فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة وبيانه هو أن الله ليس فوقه شيء وكل شيء فهو تحت
قدرته ونعمته والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم ما
أخذوا بإذن الله كما قال تعالى « نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » وقوله « عَلَّمَهُ
شَدِيدُ الْقُوى » وقال تعالى في حقهم « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » فهما جناحان وفيهم من يفعل الخير بواسطة وفيهم من يفعله لا
بواسطة فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات وفيهم من له أربع جهات وأكثر والظاهر ما
ذكرناه أولا وهو الذي عليه إطباق المفسرون .
وقال في قوله
تعالى « وَالصَّافَّاتِ
صَفًّا » الآيات هذه الأشياء الثلاثة المقسم بها يحتمل أن تكون صفات
ثلاثة لموصوف واحد ويحتمل أن تكون أشياء ثلاثة متبائنة أما على التقدير الأول ففيه
وجوه :
الأول
: أنها صفات
الملائكة وتقريره أن الملائكة يقفون صفوفا إما في السماوات لأداء العبادات كما
أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ » وقيل إنهم يصفون أجنحتهم في الهواء ويقفون منتظرين وصول
أمر الله إليهم ويحتمل أيضا أن يقال معنى كونهم صفوفا أن لكل واحد منهم مرتبة
ودرجة معينة في الشرف والفضيلة أو في الذات والعلية وتلك الدرجات
المترتبة باقية غير متغيرة وذلك نسبة الصفوف وأما قوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » فقال الليث زجرت البعير أزجره زجرا إذا حثثته ليمضي وزجرت
فلانا عن سوء فانزجر أي نهيته فانتهى فعلى هذا الزجر للبعير كالحث وللإنسان
كالنهي. فنقول في وصف الملائكة بالزجر وجوه :
الأول
: قال ابن عباس يريد
الملائكة التي وكلوا بالسحاب يزجرونها بمعنى أنهم يأتون بها من موضع إلى موضع.
__________________
الثاني
: المراد منه أن
الملائكة لهم تأثيرات في قلوب بني آدم على سبيل الإلهامات فهم يزجرونهم عن المعاصي
زجرا.
الثالث
: لعل الملائكة أيضا
يزجرون الشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر والإيذاء.
وأقول
: قد ثبت في العلوم
العقلية أن الموجودات على ثلاثة أقسام مؤثر لا يقبل الأثر وهو الله سبحانه وهو
أشرف الموجودات ومتأثر لا يؤثر وهو عالم الأجسام وهو أخس الموجودات وموجود يؤثر في
شيء ويتأثر عن شيء آخر وهو عالم الأرواح وذلك لأنها تقبل الأثر عن عالم كبرياء
الله ثم إنها تؤثر في عالم الأجسام واعلم أن الجهة التي باعتبارها تقبل الأثر من
عالم كبرياء الله غير الجهة التي باعتبارها تستولي على عالم الأجسام وتقدر على
التصرف فيها وقوله « فَالتَّالِياتِ
ذِكْراً » إشارة إلى الأشرف من الجهة التي باعتبارها يقوى على
التأثير في عالم الأجسام إذا عرفت هذا فقوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » إشارة إلى وقوفها صفا صفا في مقام العبودية والطاعة
والخضوع والخشوع وهو الجهة التي باعتبارها تقبل تلك الجواهر القدسية أصناف الأنوار
الإلهية والكمالات الصمدية وقوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » إشارة إلى تأثير الجواهر الملكية في تنوير الأرواح القدسية
البشرية وإخراجها من القوة إلى الفعل وذلك أنه كالقطرة بالنسبة إلى البحر وكالشعلة بالنسبة إلى الشمس وأن
هذه الأرواح البشرية إنما تنتقل من القوة إلى الفعل في المعارف الإلهية والكمالات
الروحانية بتأثيرات جواهر الملائكة ونظيره قوله تعالى « يُنَزِّلُ
الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » وقوله « نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » و
__________________
قوله « فَالْمُلْقِياتِ
ذِكْراً » .
إذا عرفت هذا
فنقول في هذه الآية دقيقة أخرى وهي أن الكمال المطلق للشيء إنما يحصل إذا كان تاما
وفوق التام والمراد بكونه تاما أن تحصل الكمالات اللائقة به حصولا بالفعل والمراد
بكونه فوق التام أن يفيض منه أصناف الكمالات والنوالات على غيره ومن
المعلوم أن كونه كاملا في ذاته مقدم على كونه مكملا لغيره إذا عرفت هذا فقوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا
» إشارة إلى استكمال جواهر الملائكة في ذواتها وقت وقوفها في
مواقف العبودية وصفوف الخدمة والطاعة وقوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ زَجْراً » إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إزالة ما لا ينبغي عن جواهر
الأرواح البشرية وقوله تعالى « فَالتَّالِياتِ
ذِكْراً » إشارة إلى كيفية تأثيراتها في إفاضة الجلايا القدسية
والأنوار الإلهية على الأنوار الناطقة البشرية فهذه مناسبات عقلية واعتبارات دقيقة تنطبق عليها هذه
الألفاظ الثلاثة.
الثاني
: أن تحمل هذه
الصفات على النفوس البشرية الطاهرة المقدسة المقبلة على عبودية الله تعالى الذين
هم ملائكة الأرض وبيانه من وجهين :
الأول
: أن قوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا
» المراد به الصفوف الحاصلة عند أداء الصلاة بالجماعة وقوله
« فَالزَّاجِراتِ
زَجْراً » إشارة إلى قراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كأنهم بسبب
قراءة هذه الكلمة يزجرون الشياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصلاة
وقوله « فَالتَّالِياتِ
ذِكْراً » إشارة إلى قراءة القرآن في الصلاة وقيل إلى رفع الصوت
بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت.
__________________
والوجه الثاني أن
المراد بالأول الصفوف الحاصلة من العلماء المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى
وبالثاني اشتغالهم بالزجر عن الشبهات والشهوات وبالثالث اشتغالهم بالدعوة إلى دين
الله والترغيب في العمل بشرائع الله.
الوجه
الثالث : أن نحملها على
أحوال الغزاة والمجاهدين في سبيل الله فالمراد بالأول صفوف القتال كقوله تعالى « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا » وبالثاني رفع الصوت بزجر الخيل وبالثالث اشتغالهم وقت
شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن وذكر الله بالتهليل والتقديس.
والوجه
الرابع : أن نجعلها صفات
لآيات القرآن فالأول المراد به كونها أنواعا مختلفة بعضها في دلائل التوحيد وبعضها
في بيان التكاليف والأحكام وبعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة وهذه الآيات مترتبة ترتيبا لا يتغير
ولا يتبدل فهي تشبه أشخاصا واقفين في صفوف معينة وبالثاني الآيات الزاجرة عن
الأفعال المنكرة وبالثالث الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير
ووصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر وكلام قائل قال تعالى « إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ » وأما الاحتمال الثاني هو أن يكون المراد بهذه الثلاثة
أشياء متغايرة فقيل المراد بقوله « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » الطير من قوله تعالى « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ » والزاجرات كل ما زجر عن معاصي الله والتاليات كل ما يتلى
من كتاب الله.
وأقول
: فيه وجه آخر وهو
أن مخلوقات الله إما جسمانية وإما روحانية أما الجسمانية فإنها مترتبة على طبقات ودرجات
لا يتغير البتة
__________________
فالأرض وسط العالم
وهي محفوفة بكرة الماء والماء محفوف بالهواء والهواء بالنار ثم هذه الأربعة بكرات
الأفلاك إلى آخر العالم الجسماني فهذه الأجسام كأنها صفوف واقفة على عتبة جلال
الله تعالى وأما الجواهر الروحانية الملكية فهي على اختلاف درجاتها وتباين صفاتها
مشتركة في صفتين أحدهما التأثير في عالم الأجسام بالتحريك والتصرف وإليه الإشارة
بقوله « فَالزَّاجِراتِ
زَجْراً » فإنا بينا أن المراد من هذا الزجر الشوق والتحريك والثاني
الإدراك والمعرفة والاستغراق في معرفة الله والثناء عليه وإليه الإشارة بقوله
تعالى « فَالتَّالِياتِ
ذِكْراً » ولما كان الجسم أدنى منزلة من الأرواح المشتغلة بالتصرف في
الجسمانيات وهي أدون منزلة من الأرواح المستغرقة في معرفة جلال الله المقبلة على
تسبيح الله كما قال « وَمَنْ
عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ » لا جرم بدأ في المرتبة الأولى بذكر الأجسام ثم ذكر الأرواح
المدبرة لأجسام هذا العالم ثم ذكر أعلى الدرجات وهي الأرواح المقدسة المتوجهة
بكليتها إلى معرفة جلال الله والاستغراق في الثناء عليه فهذه احتمالات خطرت بالبال
والعالم بأسرار كلام الله ليس إلا الله .
« فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ
وَلَهُمُ الْبَنُونَ » قال البيضاوي أمر باستفتائهم حيث جعلوا لله البنات
ولأنفسهم البنين في قولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخرى
التجسيم وتجويز الفناء على الله فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة
وتفضيل أنفسهم عليه على وجه القسمة حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم
واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مرارا
وجعله مما « تَكادُ
السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ
هَدًّا » والإنكار هاهنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة
بهما ولأن فسادهما مما تدركه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل
__________________
المعادل للاستفهام
على التقسيم « أَمْ
خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ » وإنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا به فإن
الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم ليمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء
والإشعار بأنهم لفرط جهلهم ينبئون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم « أَلا إِنَّهُمْ مِنْ
إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ » لعدم ما يقتضيه وقيام ما ينفيه « وَإِنَّهُمْ
لَكاذِبُونَ » فيما يتدينون به « أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ » استفهام إنكار واستبعاد والاصطفاء أخذ صفوة الشيء « ما لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ » بما لا يرتضيه عقل « أَفَلا تَذَكَّرُونَ » أنه منزه عن ذلك « أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ » حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بناته « فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ
» الذي أنزل عليكم « إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » في دعواكم « وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ
نَسَباً » يعني الملائكة ذكرهم باسم جنسهم وضعا منهم أن يبلغوا هذه
المرتبة وقيل قالوا إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة وقيل قالوا الله والشيطان
أخوان « وَلَقَدْ
عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ » أن الكفرة أو الإنس أو الجنة إن فسرت بغير الملائكة « لَمُحْضَرُونَ » في العذاب « وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية بالرد على عبدتهم
والمعنى وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر
الله تعالى في تدبير العالم « وَإِنَّا
لَنَحْنُ الصَّافُّونَ » في أداء الطاعة ومنازل الخدمة « وَإِنَّا لَنَحْنُ
الْمُسَبِّحُونَ » المنزهون الله عما لا يليق به ولعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة
وهذا في المعارف .
وقال الطبرسي رحمهالله « وَما
مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » هذا قول جبرئيل للنبي صلى الله عليه واله وقيل إنه قول
الملائكة وفيه مضمر أي وما منا معشر الملائكة ملك إلا وله مقام معلوم في السماوات
يعبد الله فيه وقيل معناه أنه لا يتجاوز ما أمر به ورتب له كما لا يتجاوز صاحب
المقام مقامه الذي حد له فكيف يجوز
__________________
له أن يعبد من هو
بهذه الصفة وهو عبد مربوب « وَإِنَّا
لَنَحْنُ الصَّافُّونَ » حول العرش ننتظر الأمر والنهي من الله تعالى وقيل القائمون
صفوفا في الصلاة قال الكلبي صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض
وقال الجبائي صافون بأجنحتنا في الهواء للعبادة والتسبيح « وَإِنَّا لَنَحْنُ
الْمُسَبِّحُونَ » أي المصلون المنزهون الرب عما لا يليق به ومنه قيل فرغت من
سبحتي أي من صلاتي وذلك لما في الصلاة من تسبيح الله وتعظيمه والمسبحون القائلون
سبحان الله على وجه التعظيم لله .
وقال في قوله
تعالى « وَتَرَى
الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ » معناه ومن عجائب أمور الآخرة أنك ترى الملائكة محدقين
بالعرش يطوفون حوله « يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » أي ينزهون الله تعالى عما لا يليق به ويذكرونه بصفاته التي
هو عليها وقيل يحمدون الله تعالى حيث دخل الموحدون الجنة .
وفي قوله « تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ » يعني عند الموت روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام وقيل
تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله تعالى وقيل إن
البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث « نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ
» أي نحن معاشر الملائكة أنصاركم وأحباؤكم « فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا » نتولى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله تعالى « وَفِي الْآخِرَةِ » نتولاكم بأنواع الإكرام والمثوبة وقيل نحن أولياؤكم في
الحياة الدنيا أي نحن نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي الآخرة عن أبي جعفر عليه
السلام .
وقال الرازي في
قوله تعالى « نَحْنُ
أَوْلِياؤُكُمْ » الآية هذا في مقابلة ما ذكره في وعيد الكفار حيث قال « وَقَيَّضْنا لَهُمْ
قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ » ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين أن للملائكة تأثيرات في
الأرواح البشرية بالإلهامات و
__________________
المكاشفات
اليقينية والمقامات الحقة كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بإلقاء الوساوس فيها وتخييل الأباطيل
إليها وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة
معلومة لأرباب المكاشفات والمشاهدات فهم يقولون كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في
الدنيا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق لازمة غير قابلة
للزوال بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة
وهي كالشعلة بالنسبة إلى الشمس والقطرة بالنسبة إلى البحر والتعلقات الجسدانية هي تحول بينها وبين
الملائكة كما قال صلى الله عليه واله لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم
لنظروا إلى ملكوت السماوات. فإذا زالت العلائق الجسمانية والتدبيرات البدنية فقد
زال الغطاء والوطاء فيتصل الأثر بالمؤثر والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس فهذا هو
المراد من قوله « نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ » ثم قال والأقرب عندي أن قوله « وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ » إشارة إلى الجنة الجسمانية « وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ » إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله تعالى « دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ
اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ » انتهى.
« فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ » أي جميع الملائكة أو طائفة مخصوصة منهم وعلى الأول دوام
تسبيحهم لا ينافي اشتغالهم بسائر الخدمات مع أن تلك الخدمات أيضا نوع من تسبيحهم «
وَهُمْ لا
يَسْأَمُونَ » أي لا يملون ولايفترون.
وقال الرازي في
قوله تعالى « وَالْمَلائِكَةُ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » اعلم
__________________
أن مخلوقات الله
نوعان نوع عالم الجسمانيات وأعظمها السماوات وعالم الروحانيات وأعظمها الملائكة
فبين سبحانه كمال عظمته باستيلاء هيبته على الجسمانيات فقال « تَكادُ السَّماواتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ » ثم انتقل إلى ذكر الروحانيات فقال « وَالْمَلائِكَةُ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » والجواهر الروحانية لها تعلقان تعلق بعالم الجلال
والكبرياء وهو تعلق القبول فإن الأضواء الصمدية إذا شرقت على الجواهر الروحانية
استضاءت جواهرها وأشرقت ماهياتها ثم إن الجواهر الروحانية إذا استفادت تلك القوى
الربانية قويت بها على الاستيلاء على عالم الجسمانيات وإذا
كان كذلك فلها وجهان وجه إلى حضرة الجلال ووجه إلى عالم الأجسام والوجه الأول أشرف
من الثاني إذا عرفت هذا فنقول أما الجهة الأولى وهي الجهة المقدسة العلوية فقد
اشتملت على أمرين أحدهما التسبيح والثاني التحميد لأن التسبيح عبارة عن تنزيه الله
تعالى عما لا ينبغي والتحميد عبارة عن وصفه بكونه معطيا لكل الخيرات
وكونه منزها في ذاته عما لا ينبغي مقدم بالرتبة على كونه فياضا للخيرات والسعادات
لأن وجود الشيء وحصوله في نفسه مقدم على تأثيره في حصول غيره فلهذا السبب
كان التسبيح مقدما على التحميد ولهذا قال « يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » وأما الجهة الثانية وهي الجهة التي لتلك الأرواح إلى عالم
الجسمانيات فالإشارة إليها بقوله « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » والمراد منها تأثيراتها في نظم أحوال هذا العالم وحصول
الطريق الأصوب فيها انتهى.
واستدل بالآية على
عصمة الملائكة لأنهم لو كانوا مذنبين كانوا يستغفرون
__________________
لأنفسهم قبل
استغفارهم لغيرهم وفيه نظر.
« وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً » فقالوا الملائكة بنات الله وسماء جزءا لأن الولد جزء من
الوالد وهو يستلزم التركيب المنافي لوجوب الوجود « لَكَفُورٌ مُبِينٌ » أي ظاهر الكفران « وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ
لِلرَّحْمنِ مَثَلاً » أي بالجنس الذي جعله له مثلا إذ الولد لا بد أن يماثل
الوالد « ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا » أي صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة « وَهُوَ كَظِيمٌ » أي مملو قلبه من الكرب « أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ » أي أو جعلوا له أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات « وَهُوَ فِي الْخِصامِ » أي في المجادلة « غَيْرُ مُبِينٍ » أي غير مقرر لما يدعيه من نقصان العقل وضعف الرأي « وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً » كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم وهو جعلهم أكمل العباد
وأكرمهم على الله أنقصهم عقلا وأخصهم صنفا « أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ » أي أحضروا خلق الله أيام فشاهدوهم إناثا فإن ذلك مما يعلم
بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم لهم « سَتُكْتَبُ
شَهادَتُهُمْ » التي شهدوا بها على الملائكة « وَيُسْئَلُونَ » أي عنها يوم القيامة.
« فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » أي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به قال
الطبرسي رحمهالله
روي أن ابن الكواء سأل أمير
المؤمنين عليه السلام وهو يخطب على المنبر فقال ما « الذَّارِياتِ ذَرْواً » قال الرياح قال « فَالْحامِلاتِ وِقْراً » قال السحاب قال « فَالْجارِياتِ يُسْراً » قال السفن قال « فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » قال الملائكة وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد .
« فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ » قيل أي كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة وذلك من
أسفل الأرضين إلى فوق السماوات السبع وقيل امتداد ذلك اليوم على بعض الكفار كذلك
وقيل معناه أن أول نزول الملائكة في الدنيا بأمره ونهيه وقضائه بين الخلائق إلى
آخر عروجهم إلى السماء وهو القيامة هذه المدة.
__________________
« عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ » قال الطبرسي رحمهالله أي من الملائكة وهم خزنتها مالك وثمانية عشر
أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة
تسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر نزعت منهم الرحمة يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث
أراد من جهنم.
« وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ
مَلائِكَةً » أي وما جعلنا الموكلين بالنار المتولين تدبيرها إلا ملائكة
جعلنا شهوتهم في تعذيب أهل النار « وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً
لِلَّذِينَ كَفَرُوا » أي لم نجعلهم على هذا العدد إلا محنة وتشديدا في التكليف لأن الكفار
استقلوا هذا العدد وزعموا أنهم يقدرون على دفعهم وقد مر الكلام في تلك الآيات في
كتاب المعاد.
« وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً »
روى الطبرسي عن أبي حمزة
الثمالي عن أصحاب علي عنه عليه السلام أنها الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله
ونهيه. « فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً » يعني الرياح الشديدات الهبوب « وَالنَّاشِراتِ نَشْراً » الملائكة تنتشر الكتب عن الله « فَالْفارِقاتِ فَرْقاً » هي آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال « فَالْمُلْقِياتِ
ذِكْراً » الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء وتلقيه الأنبياء إلى
الأمم .
وقال البيضاوي : أقسم
بطوائف من الملائكة أرسلهن الله متتابعة فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره ونشرن الشرائع في
الأرض أو نشرن النفوس
__________________
الميتة بالجهل بما
أوحين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فألقين إلى الأنبياء ذكرا عذرا للمحقين
ونذرا للمبطلين أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد صلى الله عليه واله فعصفن
سائر الكتب أو الأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب وفرقن بين
الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى
الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء وفرقن بين
الحق بذاته والباطل بنفسه فرأون كل شيء هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في
القلوب والألسنة إلا ذكرهم أو برياح عذاب أرسلن فعصفن ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو
ففرقن فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها أو آثارها ذكر الله
تعالى وتذكر كمال قدرته وعرفا إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للإحسان
والمعروف أو بمعنى المتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال « عُذْراً أَوْ نُذْراً » مصدران لعذر إذا محا الإساءة وأنذر إذا خوف أو جمعان لعذر بمعنى المعذرة
ونذر بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر والمنذر ونصبهما على الأولين بالعلية أي عذرا
للمحقين ونذرا للمبطلين أو البدلية من ذكرا على أن المراد به الوحي أو ما يعم
التوحيد والشرك والإيمان والكفر وعلى الثالث بالحالية وقرأهما أبو عمرو وحمزة
والكسائي وحفص بالتخفيف .
« يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ
صَفًّا » قال الطبرسي رحمهالله اختلف في معنى الروح هنا على أقوال :
__________________
أحدها
: أن الروح خلق من
خلق الله تعالى على صورة بني آدم وليسوا بناس وليسوا بملائكة يقومون صفا
والملائكة صفا هؤلاء جند وهؤلاء جند عن مجاهد وقتادة وأبي صالح قال الشعبي هما سماطا رب
العالمين يوم القيامة سماط من الروح وسماط من الملائكة.
وثانيها
: أن الروح ملك من
الملائكة وما خلق الله مخلوقا أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا
وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثل صفهم عن ابن مسعود وعن عطاء عن
ابن عباس.
وثالثها
: أنه أرواح الناس تقوم
مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الأرواح إلى الأجساد عن عطية عن ابن
عباس.
ورابعها
: أنه جبرئيل عليه
السلام عن الضحاك وقال وهب إن جبرئيل واقف بين يدي الله عز وجل ترعد فرائصه يخلق الله عز وجل
من كل رعدة مائة ألف ملك فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسو رءوسهم فإذا أذن
الله لهم في الكلام قالوا لا إله إلا أنت « وَقالَ صَواباً » أي لا إله إلا الله وروى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق
عليه السلام قال : هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل .
وخامسها
: أن الروح بنو آدم
عن الحسن وقوله « صَفًّا » معناه مصطفين .
وقال في قوله « وَالنَّازِعاتِ
غَرْقاً » اختلف في معناه على وجوه :
أحدها
: أنه يعني الملائكة الذين
ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم
__________________
بالشدة كما يغرق النازع في القوس
فيبلغ بها غاية المد روي ذلك عن علي عليهالسلام وغيره وقال مسروق هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم وقيل هو
الموت ينزع النفوس عن مجاهد وروي ذلك عن الصادق عليه السلام.
وثانيها
: أنها النجوم تنزع
من أفق إلى أفق أي تطلع ثم تغيب قال أبو عبيدة تنزع من مطالعها وتغرق في مغاربها.
وثالثها
: النازعات القسي تنزع بالسهم
والناشطات الأوهاق فالقسم بفاعلها وهم المجاهدون .
« وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً » فيه أيضا أقوال :
أحدها
: ما ذكرناه.
وثانيها
: أنها الملائكة
تنشط أرواح الكفار ما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أجوافهم بالكرب والغم عن علي
عليه السلام والنشط الجذب يقال نشطت الدلو نشطا نزعته.
وثالثها
: أنها الملائكة
تنشط أنفس المؤمنين فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها عن ابن
عباس.
ورابعها
: أنها أنفس
المؤمنين تنشط عند الموت للخروج عند رؤية موضعه من الجنة عن ابن عباس أيضا.
وخامسها
: أنها النجوم تنشط
من أفق إلى أفق أي تذهب يقال حمار ناشط.
« وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً » فيه أقوال أيضا :
أحدها
: أنها الملائكة
يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ثم
__________________
يدعونها حتى
تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرمى به عن علي عليه السلام.
وثانيها
: أنها الملائكة
ينزلون عن السماء مسرعين وهذا كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه.
وثالثها
: أنها النجوم تسبح
في فلكها وقيل هي خيل الغزاة تسبح في عدوها كقوله « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً » وقيل هي السفن تسبح في الماء.
« والسَّابِقاتِ سَبْقاً » فيه أيضا أقوال :
أحدها
: أنها الملائكة
لأنها سبقت ابن آدم بالخير والإيمان والعمل الصالح وقيل إنها تسبق الشياطين بالوحي
إلى الأنبياء وقيل إنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة عن علي عليه السلام.
وثانيها
: أنها أنفس
المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها وقد عاينت السرور شوقا إلى رحمة الله
ولقاء ثوابه وكرامته.
وثالثها
: أنها النجوم يسبق
بعضها بعضا في السير.
ورابعها
: أنها الخيل يسبق
بعضها بعضا في الحرب.
« فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » فيها أيضا أقوال :
أحدها
: أنها الملائكة
تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة عن علي عليهالسلام.
وثانيها
: أن المراد بذلك
جبرئيل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام يدبرون أمور الدنيا فأما جبرئيل
عليه السلام فموكل بالرياح والجنود وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات وأما ملك
الموت فموكل بقبض الأنفس وأما إسرافيل فهو يتنزل بالأمر عليهم.
وثالثها
: أنها الأفلاك يقع
فيها أمر الله تعالى فيجري بها القضاء في الدنيا رواه علي بن إبراهيم .
__________________
وقال في قوله
تعالى : « فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ » أي هذا القرآن أو هذه التذكرة في كتب معظمة عند الله وهي
اللوح المحفوظ وقيل يعني كتب الأنبياء المنزلة عليهم « مَرْفُوعَةٍ » في السماء السابعة وقيل مرفوعة قد رفعها الله عن دنس
الأنجاس « مُطَهَّرَةٍ
» لا يمسها إلا المطهرون وقيل مصونة عن أن تنالها أيدي
الكفرة لأنها في أيدي الملائكة في أعز مكان وقيل مطهرة من كل دنس وقيل مطهرة من
الشك والشبهة والتناقض « بِأَيْدِي
سَفَرَةٍ » يعني الكبة من الملائكة وقيل يعني السفراء بالوحي بين الله
تعالى وبين رسله من السفارة وقال قتادة هم القراء يكتبونها ويقرءونها وروى فضيل بن
يسار عن الصادق عليه السلام قال : الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام
البررة « كِرامٍ » على ربهم « بَرَرَةٍ » مطيعين. وقيل « كِرامٍ » عن المعاصي يرفعون أنفسهم عنها « بَرَرَةٍ » أي صالحين متقين .
١
ـ الإحتجاج : بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام فيما احتج رسول الله صلى الله عليه
واله به على المشركين والملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه
ولو شاهدتموه بأن يزداد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر الخبر .
٢
ـ تفسير علي بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر
المعراج قال النبي صلى الله عليه واله وصعد جبرائيل وصعدت معه إلى السماء الدنيا
وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة الذي قال الله عز وجل
« إِلاَّ
مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك ثم مررت
وساق الحديث إلى قوله حتى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلا ضاحكا مستبشرا حتى
لقيني ملك
__________________
من الملائكة لم أر
خلقا أعظم منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقلت من هذا يا جبرئيل قال هذا مالك خازن النار ثم ساق
الحديث إلى قوله ثم مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس وإذا جميع الدنيا بين
ركبتيه وإذا بيده لوح من نور مكتوب فيه كتاب ينظر فيه لا يلتفت يمينا ولا شمالا
مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك الموت فقال رسول الله
صلى الله عليه واله ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجيبا نصف جسده النار
والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار وهو ينادي بصوت رفيع
ويقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفئ حر
هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين فقلت من هذا
يا جبرئيل فقال ملك وكله الله بأكناف السماء وأطراف الأرضين وهو أنصح ملائكة الله
لأهل الأرض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق ورأيت ملكين يناديان في
السماء أحدهما يقول اللهم أعط كل منفق خلفا والآخر يقول اللهم أعط كل ممسك تلفا ثم
مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوههم كيف شاء ليس
شيء من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم
مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم فقال كما ترى خلقوا إن
الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه كلمة قط ولا رفعوا رءوسهم إلى ما فوقها ولا
خفضوها إلى ما تحتها خوفا لله وخشوعا ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا فيها من
الملائكة وعليهم الخشوع وقد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح الله
ويحمده بأصوات مختلفة وكذا السماء الثالثة ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها
من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات
__________________
فبشروني بالخير لي
ولأمتي ثم رأيت ملكا جالسا على سرير وتحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف
ملك وساق الحديث إلى قوله ثم صعدنا إلى السماء السابعة قال ورأيت من العجائب التي
خلق الله وصور على ما أراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه
عند العرش وهو ملك من ملائكة الله خلقها الله كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم
أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعدا حتى انتهى
قرنه إلى قرب العرش وهو يقول سبحان ربي حيث ما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه
وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في السحر نشر
جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول سبحان الله الملك القدوس سبحان الله الكبير
المتعال لا إله إلا الله الحي القيوم وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها وخفقت
بأجنحتها وأخذت بالصراخ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكت ديوك الأرض كلها ولذلك
الديك زغب أخضر وريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه
الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط .
أقول
: الخبر بطوله قد
مضى في باب المعراج.
٣
ـ التفسير : عن بعض أصحابه
يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين عليه السلام إن لله ملكا في صورة
الديك الأملح الأشهب براثنه في الأرض السابعة وعرفه تحت العرش له
جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب
__________________
فأما الجناح الذي
في المشرق فمن ثلج وأما الجناح الذي في المغرب فمن نار وكلما
حضر وقت الصلاة قام على براثنه ورفع عرفه من تحت العرش ثم أمال أحد جناحيه على
الآخر يصفق بهما كما يصفق الديكة في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفئ النار ولا
الذي من النار يذيب الثلج ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وأن وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب
الملائكة والروح فلا يبقى في الأرض ديك إلا أجابه وذلك قوله « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ
كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » .
٤
ـ ومنه : في قوله تعالى « الْحَمْدُ لِلَّهِ
فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ » قال الصادق عليه السلام خلق الله الملائكة مختلفة وقد رأى رسول
الله صلى الله عليه واله جبرئيل وله ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على
البقل قد ملأ ما بين السماء والأرض وقال إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا
صارت رجله اليمنى في السماء السابعة والأخرى في الأرض السابعة وإن لله ملائكة
أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلف بين البرد والنار
ثبت قلوبنا على طاعتك وقال إن لله ملكا بعد ما بين شحمة أذنه إلى عينيه مسيرة
خمسمائة عام خفقان الطير وقال إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون
وإنما يعيشون بنسيم العرش وإن لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة وإن لله ملائكة
سجدا إلى يوم القيامة ثم قال أبو عبد الله
__________________
عليه السلام قال رسول
الله صلى الله عليه واله ما من شيء خلقه الله أكثر من الملائكة وإنه ليهبط في كل يوم وفي كل ليلة
سبعون ألف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه
واله ثم يأتون أمير المؤمنين عليه السلام فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين فيقيمون
عنده فإذا كان السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا.
٥ ـ وقال أبو جعفر
عليه السلام إن الله خلق إسرافيل وجبرئيل وميكائيل من سبحة واحدة وجعل لهم السمع
والبصر وموجود العقل وسرعة الفهم.
٦
ـ ومنه : قال أمير المؤمنين
عليه السلام في خلقة الملائكة وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة
ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك وأخوف خلقك منك وأقرب خلقك إليك وأعملهم بطاعتك
ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان لم يسكنوا الأصلاب ولم
تضمهم الأرحام ولم تخلقهم من ماء مهين أنشأتهم إنشاء فأسكنتهم سماواتك وأكرمتهم
بجوارك وائتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات ووقيتهم البليات
وطهرتهم من الذنوب ولو لا تقويتك لم يقووا ولو لا تثبيتك لم يثبتوا ولو لا رحمتك لم يطيعوا
ولو لا أنت لم يكونوا أما إنهم على مكانتهم منك وطواعيتهم إياك ومنزلتهم عندك وقلة
غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ولأزروا على أنفسهم ولعلموا أنهم لم
يعبدوك حق عبادتك سبحانك
__________________
خالقا ومعبودا ما
أحسن بلاءك عند خلقك .
بيان
: في القاموس
الطواعية الطاعة وقال زرى عليه زريا وزراية ومزرية عابه وعاتبه كأزرى لكنه
قليل .
٧
ـ التفسير : عن أبيه عن القاسم
بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل
هل الملائكة أكثر أم بنو آدم فقال والذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد
التراب في الأرض وما في السماء موضع قدم إلا وفيها ملك يسبحه ويقدسه ولا في الأرض
شجر ولا مدر إلا وفيها ملك موكل بها يأتي الله كل يوم بعملها والله أعلم بها وما
منهم أحد إلا ويتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت ويستغفر لمحبينا ويلعن
أعداءنا ويسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا .
البصائر
: عن علي بن محمد عن
القاسم بن محمد الأصبهاني مثله.
٨
ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما خلق
الله خلقا أكثر من الملائكة وإنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك فيأتون البيت المعمور
فيطوفون به فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي
صلى الله عليه واله فسلموا عليه ثم أتوا قبر أمير المؤمنين عليه السلام فسلموا
عليه ثم أتوا قبر الحسين عليه السلام فسلموا عليه ثم عرجوا وينزل مثلهم أبدا إلى
يوم القيامة.
٩ ـ وقال عليه
السلام : من زار أمير المؤمنين عليه السلام عارفا بحقه غير متجبر ولا
__________________
متكبر كتب الله له
أجر مائة ألف شهيد وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبعث من الآمنين وهون
عليه الحساب واستقبلته الملائكة فإذا انصرف شيعته إلى منزله فإن مرض عادوه وإن مات
تبعوه بالاستغفار إلى قبره.
١٠
ـ الخصال : عن علي بن محمد بن
الحسن القزويني المعروف بابن مقبرة عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن أحمد بن يحيى
الأحول عن خلاد المنقري عن قيس عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال : كان
على الحسن والحسين عليهما السلام تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرئيل عليه السلام .
١١
ـ ومنه : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن محمد بن مروان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن جبرئيل
أتاني فقال إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال
فيه .
الكافي
: عن أبي علي
الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان مثله .
بيان
: لعله مخصوص بغير
الحفظة مع أنه يمكن أن يكونوا مع عدم الدخول أيضا مطلعين على ما يصدر عنه.
١٢
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن محمد بن طلحة بإسناده يرفعه إلى
النبي صلى الله عليه واله قال : الملائكة على ثلاثة أجزاء فجزء لهم جناحان وجزء
لهم ثلاثة أجنحة وجزء لهم أربعة أجنحة .
__________________
الكافي
: عن عدة من أصحابه
عن سعد بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن طلحة
مثله .
بيان
: لعل المراد أن
أكثر الملائكة كذلك فلا ينافي ما ورد من كثرة أجنحة بعض الملائكة.
١٣
ـ التوحيد والخصال : عن أحمد بن الحسن القطان عن محمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب
عن تميم بن بهلول عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمرو بن سعد عن أبي مخنف لوط بن يحيى
عن أبي منصور عن زيد بن وهب قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قدرة الله جلت
عظمته فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن
ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته ومنهم من لو كلفت الجن
والإنس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته وكيف يوصف من
ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنه ومنهم من يسد
الأفق بجناح من أجنحته دون عظم يديه ومنهم من السماوات إلى حجزته ومنهم من قدمه على غير قرار
في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع
المياه لوسعتها ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين « فَتَبارَكَ اللهُ
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » .
١٤
ـ العيون : عن محمد بن أحمد
بن الحسين بن يوسف البغدادي عن علي بن محمد بن عنبسة عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن
آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن لله ديكا عرفه تحت
العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى إذا كان في الثلث الأخير من الليل سبح
الله تعالى ذكره بصوت يسمعه
__________________
كل شيء ما خلا
الثقلين الجن والإنس فتصيح عند ذلك ديكة الدنيا .
١٥
ـ الإحتجاج : عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق فيما سأل أبا عبدالله عليه السلام فقال ما
علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم والله عالم السر وما هو أخفى قال
استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة
الله مواظبة أو عن معصيته أشد انقباضا وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانها فارعوى
وكف فيقول ربي يراني وحفظتي علي بذلك تشهد وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم
بعباده يذبون عنهم مردة الشياطين وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن
الله إلى أن يجيء أمر الله عز وجل .
١٦
ـ تفسير علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » يقول بأمر الله من أن يقع في ركي أو يقع عليه حائط أو
يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان
يحفظانه بالليل وملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبان .
بيان
: الركي جمع الركية
وهو البئر.
١٧ـ
التفسير : « لَهُ مُعَقِّباتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » إنها قرئت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال لقارئها ألستم
عربا كيف تكون المعقبات من بين يديه وإنما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك
كيف هذا فقال إنما نزلت له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله
ومن الذي يقدر أن يحفظ الشيء من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس .
__________________
بيان
: قال الطبرسي رحمهالله في الشواذ قراءة أبي البرهشم « لَهُ
مُعَقِّباتٌ » « مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ » ورقباء من خلفه يحفظونه بأمر الله وروي عن أبي عبد الله
عليه السلام له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله. وروي عن علي
عليه السلام وابن عباس وعكرمة وزيد بن علي يحفظونه بأمر الله
١٨
ـ التوحيد : عن أحمد بن محمد
العطار عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن ابن أورمة عن زياد القندي عن درست
بن أبي منصور عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لله تبارك وتعالى ملكا
بعد ما بين شحمة أذنه إلى عنقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير .
الكافي
: عن العدة عن أحمد
بن محمد عن بعض أصحابه عن القندي مثله .
بيان
: قال الجوهري خفقت
الراية تخفق وتخفق خفقا وخفقانا وكذلك القلب والسراب إذا اضطربا ويقال خفق الطير أي طار وأخفق إذا
ضرب بجناحيه .
١٩
ـ التوحيد : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن يونس بن يعقوب عن عمرو بن
مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن لله تبارك وتعالى ملائكة أنصافهم من
برد وأنصافهم من نار يقولون
__________________
يا مؤلفا بين
البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك .
٢٠
ـ ومنه : عن علي بن عبد
الله بن أحمد الأسواري عن مكي بن أحمد البردعي عن عدي بن أحمد بن عبد الباقي عن
أحمد بن محمد بن البراء عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه واله قال : إن لله تبارك وتعالى ديكا رجلاه في تخوم الأرض السابعة
السفلى ورأسه عند العرش باقي عنقه تحت العرش وملك من ملائكة الله خلقه الله تعالى
ورجلاه في تخوم الأرض السابعة مضى مصعدا فيها مد الأرضين حتى خرج منها إلى أفق
السماء ثم مضى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش وهو يقول سبحانك ربي ولذلك الديك جناحان إذا
نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ
بالتسبيح وهو يقول سبحان الله الملك القدوس الكبير المتعال « لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ » فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت
في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الأرض فإذا كان في بعض
السحر نشر جناحيه فجاوزا المشرق والمغرب وخفق بهما وصرخ بالتسبيح سبحان الله
العزيز سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد
سبحان الله ذي العرش الرفيع فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض فإذا هاج هاجت الديكة في
الأرض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله تعالى ولذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض ما
رأيته قط له زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط فما زلت مشتاقا إلى
أن أنظر إلى ريش ذلك الديك .
بيان
: قال الجوهري التخم
منتهى كل قرية أو أرض والجمع تخوم
__________________
وملك أي وهو ملك
وفي بعض النسخ وملكا فيكون عطف تفسير لقوله ديكا والصراخ الصوت والزغب الشعيرات
الصفر على ريش الفرخ ذكره الجوهري .
٢١
ـ التوحيد : بالإسناد المتقدم
عن النبي صلى الله عليه واله قال : إن لله تبارك وتعالى ملكا من الملائكة نصف جسده
الأعلى نار ونصفه الأسفل الثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار وهو
قائم ينادي بصوت له رفيع سبحان الله الذي كف حر هذه النار فلا تذيب هذا الثلج وكف
برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار اللهم يا مؤلفا بين الثلج والنار ألف بين
قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك .
٢٢ ـ ومنه بهذا
الإسناد عن النبي صلى الله عليه واله قال : إن لله تبارك وتعالى ملائكة ليس شيء من
أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله تعالى ويحمده من ناحيته بأصوات مختلفة لا يرفعون
رءوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية لله عز وجل .
٢٣
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن السياري عن عبد الله بن حماد عن
جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام هل في السماء بحار قال نعم
أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن
في السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسيرة خمسمائة عام فيها ملائكة قيام منذ خلقهم
الله عز وجل والماء إلى ركبهم ليس منهم ملك إلا وله ألف وأربعمائة جناح في كل جناح
أربعة وجوه في كل وجه أربعة السن ليس فيها جناح ولا وجه ولا لسان ولا فم إلا وهو
يسبح الله تعالى بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه .
__________________
٢٤
ـ ومنه : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن ابن أورمة عن
أحمد بن الحسن الميثمي عن أبي الحسن الشعيري عن سعد بن طريف عن الأصبغ قال : جاء
ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين والله إن في كتاب
الله تعالى لآية قد أفسدت على قلبي وشككتني في ديني فقال له عليه السلام ثكلتك أمك
وعدمتك وما تلك الآية قال هو قول الله تعالى « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » فقال له أمير المؤمنين عليه السلام يا ابن الكواء إن الله
تعالى خلق الملائكة في صور شتى ألا إن لله تعالى ملكا في صورة ديك أبج أشهب براثنه
في الأرضين السابعة السفلى وعرفه مثني تحت العرش له جناحان جناح في المشرق وجناح
في المغرب واحد من نار والآخر من ثلج فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع
عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم فينادي أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا سيد النبيين وأن وصيه
سيد الوصيين وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال فتخفق الديكة بأجنحتها في
منازلكم فتجيبه عن قوله وهو قوله عز وجل « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » من الديكة في الأرض .
الإحتجاج
: عن الأصبغ مثله .
بيان
: ديك أبج في بعض
النسخ بالباء الموحدة والجيم وهو واسع ماق العين ذكره الجوهري وفي بعضها بالحاء
المهملة من البحة وهي غلظة الصوت
__________________
وقد مر في التفسير
أملح والملحة بياض يخالطه السواد فالأشهب تفسير إذ الشهبة بياض يصدعه سواد والبرثن
الكف مع الأصابع ومخلب الأسد والصفق الضرب يسمع له صوت والآية سيأتي تفسيرها
المشهور.
٢٥
ـ التوحيد : عن أحمد بن الحسن
القطان عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن علي بن زياد عن مروان
بن معاوية عن الأعمش عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال
: ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه
حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه الخبر .
٢٦
ـ البصائر : عن أحمد بن محمد
السياري عن عبيد الله بن أبي عبد الله الفارسي وغيره رفعوه إلى أبي عبد الله عليه
السلام قال : إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو
قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ثم قال إن موسى عليه السلام لما أن سأل
ربه ما سأل أمر واحدا من الكروبيين فتجلى للجبل فـ « جَعَلَهُ دَكًّا ».
السرائر
: عن السياري مثله .
٢٧
ـ إكمال الدين : عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله
البرقي عن محمد بن علي الكوفي عن أبي الربيع الزهراني عن جرير عن ليث بن أبي سليم
عن مجاهد قال قال ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول إن لله تبارك
وتعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح
هواء والهواء كما بين السماء والأرض فجعل يوما يقول في نفسه أفوق ربنا جل جلاله
شيء فعلم الله تبارك وتعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف
جناح ثم أوحى الله عز وجل إليه أن طر فطار مقدار خمسمائة عام فلم ينل رأسه قائمة
من قوائم
__________________
العرش فلما علم
الله عز وجل إتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم وليس
فوقي شيء ولا أوصف بمكان فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة فلما ولد
الحسين عليه السلام هبط جبرئيل في ألف قبيل من الملائكة لتهنئة النبي صلى الله
عليه واله فمر بدردائيل فقاله [ فقال له ] سل النبي صلى الله عليه واله بحق مولوده
أن يشفع لي عند ربي فدعا له النبي صلى الله عليه واله بحق الحسين فاستجاب الله
دعاءه ورد عليه أجنحته ورده إلى مكانه.
أقول
: تمامه في باب
ولادة الحسين عليه السلام.
بيان
: أفوق ربنا لعله
كان ذلك بمحض خطور البال بغير شك لئلا ينافي العصمة والجلالة.
٢٨
ـ الإكمال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس عن داود بن
فرقد قال : قال لي بعض أصحابنا أخبرني عن الملائكة أينامون قلت لا أدري قال يقول
الله عز وجل « يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » ثم قال لا أطرفك عن أبي عبد الله عليه السلام بشيء؟ فقلت
بلى فقال سئل عن ذلك فقال ما من حي إلا وهو ينام [ ما ] خلا الله وحده عز وجل
والملائكة ينامون فقلت يقول الله عز وجل « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا
يَفْتُرُونَ » قال أنفاسهم تسبيح.
٢٩
ـ الخرائج : بإسناده عن سعد بن
عبد الله عن عبد الله بن عامر عن العباس بن معروف عن عبد الله بن عبد الرحمن
البصري عن أبي المغراء عن أبي بصير عن خيثم عن أبي جعفر عليه السلام قال : نحن
الذين تختلف الملائكة إلينا فمنا من يسمع الصوت ولا يرى الصورة وإن الملائكة لتزاحمنا
على تكأتنا وإنا لنأخذ من زغبهم فنجعله سخابا لأولادنا.
بيان
: التكأة كهمزة ما
يتكأ عليه قاله الجوهري وقال السخاب
__________________
قلادة تتخذ من سك
غيره ليس فيها من الجوهر شيء والجمع سخب.
٣٠ـ الخرائج : بإسناده عن سعد عن عبد الله بن عمر عن الربيع بن الخطاب عن
جعفر بن بشير عن أبان عن عثمان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في
قوله تعالى « إِنَّ
الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا » فقال أما والله لربما وسدناهم الوسائد في منازلنا قيل
الملائكة تظهر لكم فقال هم ألطف بصبياننا منا بهم وضرب بيده إلى مساور في البيت
فقال والله لطال ما اتكأت عليه الملائكة وربما التقطنا من زغبها.
بيان
: في القاموس المسور
كمنبر متكأ من أدم كالمسورة .
٣١
ـ العياشي : عن مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » ثم قال ما من عبد إلا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر
من عند الله خليا بينه وبين أمر الله.
٣٢
ـ المناقب : سأل الصادق عليه
السلام أبا حنيفة أين مقعد الكاتبين قال لا أدري قال مقعدهما على الناجدين والفم
الدواة واللسان القلم والريق المداد .
بيان
: يحتمل أن يكون
المراد فم الملك ولسانه وريقه ولو كان المراد تلك أعضاء من الإنسان فيمكن أن يكون
بمحض تكلمه ينقش في ألواحهم فيكون مخصوصا بالكلام.
٣٣
ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم
عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن صالح الحذاء عن أبي أسامة قال : كنت عند أبي عبد الله عليه
السلام فقال رجل ما السنة في دخول الخلاء قال يذكر الله ويتعوذ بالله من الشيطان
__________________
الرجيم فإذا فرغت
قلت الحمد لله على ما أخرج مني الأذى في يسر وعافية قال رجل فالإنسان يكون على تلك
الحال ولا يصير حتى ينظر إلى ما يخرج منه قال إنه ليس في الأرض آدمي إلا
ومعه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا برقبته ثم قالا يا ابن آدم انظر
إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر .
٣٤
ـ ومنه : عن العدة عن سهل
عن ابن محبوب عن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا صعدا [ صعد ]
ملكا العبد المريض إلى السماء عند كل مساء يقول الرب تبارك وتعالى ما ذا كتبتما
لعبدي في مرضه فيقولان الشكاية فيقول ما أنصفت عبدي إن حبسته في حبس من حبسي ثم
أمنعه الشكاية اكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير في صحته لا تكتبا عليه
سيئة حتى أطلقه من حبسي فإنه في حبس من حبسي .
٣٥
ـ ومنه : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن درست قال سمعت أبا
إبراهيم عليه السلام يقول إذا مرض المؤمن أوحى الله عز وجل إلى صاحب الشمال لا
تكتب على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ذنبا ويوحي إلى صاحب اليمين أن اكتب لعبدي ما
كنت تكتب له في صحته من الحسنات .
٣٦
ـ ومنه : عن العدة عن
البرقي عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من
عاد مريضا من المسلمين وكل الله به أبدا سبعين ألفا من الملائكة يغشون رحله
ويسبحون فيه ويقدسون ويهللون ويكبرون إلى يوم القيامة نصف صلاتهم لعائد المريض .
__________________
٣٧
ـ ومنه : عن العدة عن أحمد بن محمد عن
عثمان بن عيسى عن مهران بن محمد قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول إن الميت
إذا مات بعث الله ملكا إلى أوجع أهله فمسح على قلبه فأنساه لوعة الحزن ولو لا ذلك
لم تعمر الدنيا .
٣٨
ـ ومنه : عن الحسين بن محمد
عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبان عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه
السلام قال : قال جبرئيل يا رسول الله إنا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان ولا بيتا
يبال فيه ولا بيتا فيه كلب .
٣٩
ـ ومنه : عن علي بن إبراهيم
بن عمر اليماني عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله
عليه واله حدثني جبرئيل أن الله عزوجل أهبط إلى الأرض ملكا فأقبل ذلك الملك يمشي
حتى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على رب الدار فقال له الملك ما حاجتك إلى رب هذه
الدار قال أخ لي مسلم زرته في الله تبارك وتعالى قال له الملك ما جاء بك إلا ذاك
فقال ما جاء بي إلا ذاك قال فإني رسول الله إليك وهو يقرئك السلام ويقول وجبت لك
الجنة وقال الملك إن الله عز وجل يقول أيما مسلم زار مسلما فليس إياه زار إياي زار
وثوابه علي الجنة .
٤٠
ـ ومنه : عن العدة عن أحمد
بن محمد عن علي بن الحكم عن إسحاق بن عمار عن أبي قرة قال سمعت أبا عبدالله عليه
السلام يقول من زار أخاه في الله في مرض أو صحة لا يأتيه خداعا ولا استبدالا
وكل الله به سبعين ألف ملك ينادون
__________________
في قفاه أن طبت
وطابت لك الجنة فأنتم زوار الله وأنتم وفد الرحمن حتى يأتي منزله فقال له يسير
جعلت فداك فإن كان المكان بعيدا قال نعم يا يسير وإن كان المكان مسير سنة
فإن الله جواد والملائكة كثير يشيعونه حتى يرجع إلى منزله .
٤١
ـ ومنه : عن محمد بن يحيى
عن محمد بن الحسين عن ابن بزيع عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي
جعفر عليه السلام قال : إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكا
فيضع جناحا في الأرض وجناحا في السماء يطلبه فإذا دخل على منزله نادى الجبار تبارك وتعالى أيها العبد المعظم لحقي
المتبع لآثار نبيي حق علي إعظامك سلني أعطك ادعني أجبك اسكت أبتدئك فإذا انصرف
شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله ثم يناديه تبارك وتعالى أيها العبد
المعظم لحقي حق علي إكرامك قد أوجبت لك جنتي وشفعتك في عبادي .
٤٢
ـ ومنه : عن العدة عن سهل
عن يحيى بن المبارك عن ابن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال
: إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عز وجل الرحمة عليهما فكانت تسعة
وتسعين [ تسعون ] لأشدهما حبا لصاحبه فإذا توافقا غمرتهما الرحمة وإذا قعدا
يتحدثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستره الله عليهما
فقلت أليس الله عزوجل يقول « ما
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » فقال يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم
__________________
السر يسمع ويرى .
٤٣
ـ ومنه : عن العدة عن أحمد
بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن إسحاق بن عمار عن الوصافي عن أبي
جعفر عليه السلام قال : كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى عليه السلام قال يا
موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان
ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك ويسألونك فيما نولتك فانظر كيف أنت صانع يا ابن
عمران .
٤٤
ـ ومنه : عن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من كتم صومه قال
الله عز وجل لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه ووكل الله عز وجل ملائكة بالدعاء
للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه .
٤٥
ـ ومنه : عن عدة من أصحابه
عن سهل بن زياد عن محمد بن سنان عن منذر بن يزيد عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد
الله عليه السلام من صام لله عز وجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف
ملك يمسحون وجهه ويبشرونه .
٤٦
ـ ومنه : عن أحمد بن محمد
عن علي بن الحسن التيملي عن علي بن أسباط عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد
الله عليه السلام قال : إذا كان أيام الموسم بعث الله ملائكة في صورة الآدميين
يشترون متاع الحاج والتجار قلت فما يصنعون؟
__________________
قال : يلقونه في
البحر .
٤٧
ـ ومنه : عن العدة عن سهل
وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه
السلام قال : ليس خلق أكثر من الملائكة إنه لينزل كل ليلة من السماء سبعون ألف ملك
فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم وكذلك في كل يوم .
٤٨
ـ الإختصاص : بإسناده عن المعلى بن محمد رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله
عز وجل خلق الملائكة من نور الخبر .
٤٩
ـ ومنه : بإسناده عن عمرو
بن شمر عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : استأذن ملك ربه أن ينزل إلى
الدنيا في صورة آدمي فأذن له فمر برجل على باب قوم يسأل عن رجل من أهل الدار فقال
الملك يا عبد الله أي شيء تريد من هذا الرجل الذي تطلبه قال هو أخ لي في الإسلام
أحببته في الله جئت لأسلم عليه قال ما بينك وبينه رحم ماسة ولا نزعتك إليه حاجة
قال لا إلا الحب في الله عز وجل فجئت لأسلم عليه قال فإني رسول الله إليك وهو يقول
قد غفرت لك بحبك إياه .
٥٠
ـ في كتاب الحسين بن سعيد : عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته
يقول إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.
٥١
ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله
عليه واله أتاني جبرئيل عليه السلام فقال يا محمد كيف ننزل عليكم وأنتم لا تستاكون
ولا تستنجون بالماء ولا تغسلون براجمكم.
__________________
بيان
: قال في النهاية فيه من الفطرة غسل البراجم هي العقد التي في ظهور
الأصابع يجتمع فيها الوسخ الواحدة برجمة بالضم.
٥٢
ـ مجالس الشيخ : عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمود بن عيسى بن عبيد عن
أحمد بن الحسن الميثمي عن المفضل بن صالح عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن آبائه
عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه واله قال : لقي ملك رجلا على باب دار كان
ربها غائبا فقال له الملك يا عبد الله ما جاء بك إلى هذه الدار فقال أخ لي أردت
زيارته قال ألرحم ماسة بينك وبينه أم نزعتك إليه حاجة قال ما بيننا رحم أقرب من
رحم الإسلام وما نزعتني إليه حاجة ولكني زرته في الله رب العالمين قال فأبشر فإني
رسول الله إليك وهو يقرئك السلام ويقول لك إياي قصدت وما عندي أردت بصنعك فقد
أوجبت لك الجنة وعافيتك من غضبي ومن النار حيث أتيته.
٥٣
ـ ومنه : عن جماعة عن أبي
المفضل عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن إسحاق بن إبراهيم النهشلي عن زكريا بن
يحيى عن مندل بن علي عن الأعمش عن ابن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى
الله عليه واله يغدو إليه علي عليه السلام في الغداة وكان يحب أن لا يسبقه إليه
أحد فإذا النبي صلى الله عليه واله في صحن الدار وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة
الكلبي فقال السلام عليك كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه واله قال بخير يا أخا رسول
الله صلى الله عليه واله فقال علي عليه السلام جزاك الله عنا أهل البيت خيرا قال
له دحية إني أحبك وإن لك عندي مديحة أهديها إليك أنت أمير المؤمنين وقائد الغر
المحجلين وسيد ولد آدم إلى يوم القيامة ما خلا النبيين والمرسلين ولواء الحمد بيدك
يوم القيامة تزف أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان فقد أفلح من والاك وخاب وخسر
من خلاك بحب محمد أحبوك وببغضه أبغضوك لا تنالهم شفاعة محمد صلى الله عليه واله ادن
من صفوة الله فأخذ رأس النبي صلى الله عليه واله فوضعه في حجره فانتبه النبي صلى
الله عليه واله فقال ما هذا الهمهمة
__________________
فأخبره الحديث
فقال لم يكن دحية كان جبرئيل سماك باسم سماك الله تعالى به وهو الذي ألقى محبتك في
قلوب المؤمنين ورهبتك في صدور الكافرين.
٥٤
ـ العلل : لمحمد بن علي بن
إبراهيم سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الملائكة يأكلون ويشربون وينكحون فقال لا
إنهم يعيشون بنسيم العرش فقيل له ما العلة في نومهم فقال فرقا بينهم وبين الله عز
وجل لأن الذي « لا
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ » هو الله.
٥٥
ـ ومنه : قال : العلة في
الصيحة من السماء كيف يعلمها أهل الدنيا والصيحة هي بلسان واحد ولغات الناس تختلف
فقال إن في كل بلد ملائكة موكلون فينادي في كل بلد ملك بلسانهم وكذلك لإبليس
شياطين موكلون بكل بلدة ينادون فيهم بلسانهم ولغاتهم ألا إن الأمر لعثمان بن عفان.
٥٦
ـ الإقبال : في تعقيبات نوافل
شهر رمضان وغيرها وصل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومالك خازن النار
ورضوان خازن الجنة وروح القدس والروح الأمين وحملة عرشك المقربين وعلى منكر ونكير
وعلى الملكين الحافظين وعلى الكرام الكاتبين .
٥٧
ـ النهج : عن نوف البكالي
قال قال أمير المؤمنين عليه السلام أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرئيل وميكائيل
وجنود الملائكة المقربين في حجرات القدس مرجحنين متوالهة عقولهم أن يحدوا أحسن
الخالقين .
بيان
: التكلف التجشم
وارتكاب الشيء على مشقة وحجرة القوم بالفتح ناحية دارهم والجمع حجرات كجمرة وجمرات
وفي بعض النسخ حجرات بضمتين جمع حجرة بالضم وهي الغرفة وقيل الموضع المنفرد وارجحن
الشيء كاقشعر أي مال من ثقله وتحرك قال في النهاية أورد الجوهري هذا
__________________
الحرف في حرف
النون على أن النونين أصلية وغيره يجعلهما زائدة من رجح الشيء كمنع إذا ثقل قال
ابن أبي الحديد أي مائلين إلى جهة التحت خضوعا لله سبحانه وقال الكيدري الارجحنان
الميل وارجحن الشيء اهتز انتهى ولعل المراد بحجرات القدس المواضع المعدة لهم في
السماوات وهي محال القدس والتنزه عن المعاصي ورذائل الأخلاق والوله الحزن والحيرة
والخوف ومتولهة عقولهم على صيغة اسم الفاعل أي محزونة أو حائرة أو خائفة وفي بعض
النسخ على صيغة اسم المفعول والأول أظهر أن يحدوا أحسن الخالقين أي يدركوه بكنهه
أي يدركوا مبلغ قدرته وعلمه أو مقدار عظمته.
٥٨
ـ كتاب النوادر : لعلي بن أسباط عن يعقوب بن سالم الأحمر عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما
قبض رسول الله صلى الله عليه واله بات آل محمد بليلة أطول ليلة ظنوا أنهم لا سماء
تظلهم ولا أرض تقلهم مخافة لأن رسول الله صلى الله عليه واله وتر الأقربين
والأبعدين في الله فبينما هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه فقال السلام
عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته في الله عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة
ودرك لما فات إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه صلى الله عليه
واله واستودعكم علمه وأورثكم كتابه وجعلكم تابوت علمه وعصا عزه وضرب لكم مثلا من
نوره وعصمكم من الزلل وآمنكم من الفتن فاعتزوا بعزاء الله فإن الله لم ينزع منكم
رحمته ولم يدل منكم عدوه فأنتم أهل الله الذين بكم تمت النعمة واجتمعت
الفرقة وائتلفت الكلمة وأنتم أولياء الله من تولاكم نجا ومن ظلمكم يزهق مودتكم من
الله في كتابه واجبة على عباده المؤمنين والله على نصركم إذا يشاء قدير فاصبروا
لعواقب الأمور فإنها إلى الله تصير فقد قبلكم الله من نبيه صلى الله عليه واله وديعة
واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض فمن أدى أمانته آتاه الله صدقه فأنتم الأمانة
المستودعة والمودة الواجبة ولكم الطاعة المفترضة وبكم تمت النعمة وقد قبض الله
نبيه
__________________
صلى الله عليه
وآله وقد أكمل الله به الدين وبين لكم سبيل المخرج فلم يترك للجاهل حجة فمن تجاهل
أو جهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه والله من وراء حوائجكم فاستعينوا
بالله على من ظلمكم واسألوا الله حوائجكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فسأله يحيى بن أبي القاسم فقال
جعلت فداك ممن أتتهم التعزية فقال من الله عزوجل.
أقول
: قد مر مثله
بأسانيد جمة في المجلد السادس وسيأتي أيضا في أبواب الجنائز.
٥٩
ـ الكافي : عن الحسين بن محمد
عن معلى بن محمد عن الوشاء عن محمد بن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن
لله عز وجل ديكا رجلاه في الأرض السابعة وعنقه مثنية تحت العرش
وجناحاه في الهواء إذا كان في نصف الليل أو الثلث الثاني من آخر الليل ضرب بجناحه وصاح سبوح قدوس
ربنا الله الملك الحق المبين فلا إله غيره رب الملائكة والروح فتضرب الديكة
بأجنحتها وتصيح .
٦٠
ـ الإحتجاج : في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبدالله عليه السلام عن مسائل فأسلم إنه سأل ما
علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم ولهم والله عالم السر وأخفى فقال عليه
السلام استعبدهم بذلك وجعلهم شهودا على خلقه لتكون العباد لملازمتهم
إياهم أشد على طاعة الله مواظبة وعن معصيته أشد انقباضا وكم من عبد يهم بمعصيته
فذكر مكانها فارعوى وكف ويقول ربي يراني وحفظتي
__________________
علي بذلك تشهد وإن
الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشياطين وهوام الأرض وآفات
كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجيء أمر الله عزوجل .
بيان
: وكلهم بعباده أي
جنس الملائكة أو هذا النوع يعني الكتبة والأول أوفق بسائر الأخبار الدالة على
المغايرة وإن كان الثاني أنسب بسياق هذا الخبر.
٦١
ـ الكافي : عن محمد بن أحمد
عن عبد الله بن الصلت عن يونس عمن ذكره عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه
السلام يا أبا محمد إن لله عز ذكره ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما تسقط
الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل « يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » والله ما أراد بهذا غيركم .
٦٢
ـ دلائل الإمامة : للطبري عن محمد بن هارون بن موسى عن أبيه عن محمد بن همام عن أحمد بن الحسين
المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن بعض رجاله عن حسن بن شعيب عن محمد بن سنان عن
يونس بن ظبيان قال : استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فخرج إلي معتب فأذن لي
فدخلت ولم يدخل معي كما كان يدخل فلما أن صرت في الدار نظرت إلى رجل على صورة أبي
عبد الله عليه السلام فسلمت عليه كما كنت أفعل قال من أنت يا هذا لقد وردت على كفر
أو إيمان وكان بين يديه رجلان كأن على رءوسهما الطير فقال ادخل فدخلت الدار
الثانية فإذا رجل على صورته عليه السلام وإذا بين يديه خلق كثير كلهم صورهم واحدة
فقال من تريد قلت أريد أبا عبدالله عليه السلام فقال قد وردت على أمر عظيم إما كفر
أو إيمان ثم خرج من البيت رجل حين بدا به البيت [ الشيب ]
__________________
فأخذ بيدي فأوقفني
على الباب وغشي بصري من النور فقلت السلام عليكم يا بيت الله ونوره وحجابه فقال
وعليك السلام يا يونس فدخلت البيت فإذا بين يديه طائران يحكيان فكنت أفهم كلام أبي
عبد الله عليه السلام ولا أفهم كلامهما فلما خرجا قال يا يونس سل نحن محل النور في
الظلمات ونحن البيت المعمور الذي « مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » نحن عترة الله وكبرياؤه قال قلت جعلت فداك رأيت شيئا عجيبا
رأيت رجلا على صورتك قال يا يونس إنا لا نوصف ذلك صاحب السماء الثالثة يسأل أن
أستأذن الله له أن يصير مع أخ له في السماء الرابعة قال فقلت فهؤلاء الذين في
الدار قال هؤلاء أصحاب القائم من الملائكة قال قلت فهذان قال جبرئيل وميكائيل نزلا
إلى الأرض فلن يصعدا حتى يكون هذا الأمر إن شاء الله وهم خمسة آلاف يا يونس بنا
أضاءت الأبصار وسمعت الآذان ووعت القلوب الإيمان.
بيان
: على كفر أو إيمان
أي إن أنكرت ما رأيت كفرت وإن قبلت آمنت كان على رءوسهما الطير أي لا يتحركان.
٦٣
ـ الكافي : عن علي عن أبيه عن
النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه
واله إن لله ملكا رجلاه في الأرض السفلى مسيرة خمسمائة عام ورأسه في السماء العليا
مسيرة ألف سنة يقول سبحانك حيث كنت فما أعظمك قال فيوحي الله عز وجل إليه ما يعلم ذلك
من يحلف بي كاذبا .
٦٤
ـ ومنه : عن علي عن أبيه
ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد
الحميد عن شيخ من أصحابنا يكنى أبا الحسن عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله
تبارك وتعالى خلق ديكا أبيض عنقه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة له جناح
في المشرق وجناح
__________________
في المغرب لا تصيح
الديوك حتى يصيح فإذا صاح خفق بجناحيه ثم قال سبحان الله سبحان الله العظيم الذي «
لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » قال فيجيبه الله تبارك وتعالى فيقول لا يحلف بي كاذبا من
يعرف ما تقول .
٦٥
ـ الدر المنثور : للسيوطي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن أول من لبى الملائكة
قال الله « إِنِّي
جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ » قال فرادوه فأعرض عنهم فطافوا بالعرش ست سنين يقولون لبيك لبيك
اعتذارا إليك لبيك نستغفرك ونتوب إليك .
٦٦ ـ وعن ابن جبير
أن عمر سأل النبي صلى الله عليه واله عن صلاة الملائكة فلم يرد عليه شيئا فأتاه
جبرئيل فقال إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي الملك
والملكوت وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزة
والجبروت وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا
يموت .
٦٧ ـ وعن ابن عباس
قال : لما تواقف الناس يوم بدر أغمي على رسول الله صلى الله عليه واله ساعة ثم كشف
عنه فبشر الناس بجبرئيل في جند من الملائكة ميمنة الناس وميكائيل في جند آخر ميسرة
الناس وإسرافيل في جند آخر وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك المدلجي يؤيد
المشركين ويخبر أنه « لا
غالِبَ لَكُمُ » « الْيَوْمَ
مِنَ النَّاسِ » فلما أبصر عدو الله الملائكة « نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ
__________________
إِنِّي
بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ » فتثبت به الحرث بن هشام وهو يرى أنه سراقة لما سمع من
كلامه فضرب في صدر الحرث فسقط الحرث وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع
يديه وقال يا رب موعدك الذي وعدتني .
٦٨ ـ وعن الحسن في
قوله « إِنِّي
أَرى ما لا تَرَوْنَ » قال رأى جبرئيل عليه السلام معتجرا بردائه يقود الفرس بين
يدي أصحابه ما ركبه .
٦٩ ـ وعن أبي ذر
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إني أرى ما لا ترون وأسمع ما
لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك
واضع جبهته لله ساجدا والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما
تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني كنت شجرة
تعضد.
بيان
: أطت السماء قال في
النهاية الأطيط صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها أي إن كثرة ما فيها من
الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط
وإنما هو كلام تقريب أريد منه تقرير عظمة الله وقال الصعدات الطرق جمع صعد وصعد
جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات وقيل هي جمع صعدة كظلمة وهي فناء باب الدار وممر الناس
بين الأندية انتهى.
وقال الطيبي في
شرح هذا الحديث أي فخرجتم إلى الطرقات والصحاري وممر الناس كفعل المحزون الذي يضيق
به المنزل فيطلب الفضاء لبث الشكوى
__________________
وقال في قوله
لوددت أني شجرة تعضد هو بكلام أبي ذر أشبه والنبي صلى الله عليه واله أعلم بالله
من أن يتمنى عليه حالا أوضع عما هو فيه انتهى.
وأقول
: هو إظهار الخوف
منه تعالى وهو لا ينافي القرب منه سبحانه بل يؤكده « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ
الْعُلَماءُ ».
٧٠
ـ الدر المنثور : عن ابن عباس قال : جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار
يحفظان عمله ويكتبان أثره .
٧١ ـ وعن ابن عباس
قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من
ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث
حاجات الغائط والجنابة والغسل .
٧٢ ـ وعن رجل من
بني تميم قال : كنا عند أبي العوام فقرأ هذه الآية « عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ » ألفا قلت لا بل تسعة عشر ملكا فقال ومن أين أنت علمت ذلك
قلت لأن الله يقول « وَما
جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا » قال صدقت هم تسعة عشر ملكا بيد كل ملك منهم مرزبة من حديد
لها شعبتان فيضرب بها الضربة يهوي بها سبعين ألفا بين منكبي كل ملك منهم مسيرة كذا وكذا .
٧٣ ـ وعن أبي سعيد
الخدري أن رسول الله صلى الله عليه واله حدثهم عن ليلة أسري به قال فصعدت أنا
وجبرئيل إلى السماء الدنيا فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا
وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة
__________________
ألف وتلا هذه
الآية « وَما
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ » .
٧٤ ـ وعن ابن عباس
قال : ما أنزل الله على نبيه آية من القرآن إلا ومعه أربعة حفظة من
الملائكة يحفظونها حتى يؤدونها إلى النبي صلى الله عليه واله ثم قرأ « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا
يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ
يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً » يعني الملائكة الأربعة « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ
رَبِّهِمْ » .
٧٥ ـ وعن سعيد بن
جبير في قوله « فَإِنَّهُ
يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً » قال أربعة حفظة من الملائكة مع جبرئيل « لِيَعْلَمَ » محمد « أَنْ
قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ » قال وما جاء جبرئيل بالقرآن إلا ومعه أربعة من الملائكة
حفظة .
٧٦ ـ وعن الضحاك
بن مزاحم في قوله « إِلاَّ
مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَداً » قال كان النبي صلى الله عليه واله إذا بعث إليه الملك بعث ملائكة يحرسونه
من بين يديه ومن خلفه أن يتشبه الشيطان على صورة الملك .
٧٧ ـ وعن ابن عباس
في قوله « إِلاَّ
مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَداً » قال هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه
واله من الشياطين حتى يتبين الذي أرسل إليهم .
٧٨ ـ وعن سعيد بن
جبير « وَما
مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » قال الملائكة ما في السماء موضع إلا عليه ملك إما ساجد
وإما قائم حتى تقوم الساعة .
٧٩ ـ وعن العلا بن
سعد أن رسول الله صلى الله عليه واله قال يوما لجلسائه أطت السماء
__________________
وحق لها أن تئط
ليس منها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد ثم قرأ « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا
لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » .
٨٠ ـ وعن مجاهد « وَإِنَّا لَنَحْنُ
الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » قال أطت السماء وما تلام أن تئط إن السماء ما فيها موضع
شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه .
٨١ ـ وعن أبي ذر
قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إن
السماء أطت وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله .
٨٢ ـ وعن حكيم بن
حزام قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله فقال هل تسمعون ما أسمع قلنا يا
رسول الله ما تسمع قال أطيط السماء وما تلام أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك
راكع أو ساجد .
٨٣
ـ فردوس الأخبار : عن سعد بن معاذ قال قال النبي صلى الله عليه واله نقوا أفواهكم
بالخلال فإنها مسكن الملكين الحافظين الكاتبين وإن مدادهما الريق وقلمهما اللسان
وليس شيء أشد عليهما من فضل الطعام في الفم.
٨٤
ـ سعد السعود : قال : بعد أن ذكر الملكين الموكلين بالعبد وفي رواية أنهما إذا أرادا النزول
صباحا ومساء ينسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك فإذا صعد
[ صعدا ] صباحا ومساء بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخ التي انتسخ لهما حتى يظهر
أنه كان كما نسخ منه.
تكملة
: اعلم أنه أجمعت الإمامية بل جميع
المسلمين إلا من شذ منهم من
__________________
المتفلسفين الذين
أدخلوا أنفسهم بين المسلمين لتخريب أصولهم وتضييع عقائدهم على وجود الملائكة وأنهم
أجسام لطيفة نورانية « أُولِي
أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ » وأكثر قادرون على التشكل بالأشكال المختلفة وإنه سبحانه
يورد عليهم بقدرته ما يشاء من الأشكال والصور على حسب الحكم والمصالح ولهم حركات
صعودا وهبوطا وكانوا يراهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام والقول بتجردهم
وتأويلهم بالعقول والنفوس الفلكية والقوى والطبائع وتأويل الآيات المتظافرة
والأخبار المتواترة تعويلا على شبهات واهية واستبعادات وهمية زيغ عن سبيل الهدى
واتباع لأهل الجهل والعمى.
قال المحقق
الدواني في شرح العقائد الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكلات المختلفة وقال
شارح المقاصد ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الأمة أن الملائكة أجسام لطيفة
نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الأفعال
الشاقة شأنها الطاعة ومسكنها السماوات هم رسل الله تعالى إلى أنبيائه وأمناؤه على
وحيه ، يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ولا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.
__________________
وقال الملائكة عند
الفلاسفة هم العقول المجردة والنفوس الفلكية ويخص باسم الكروبيين ما لا تكون له
علاقة مع الأجسام ولو بالتأثير وذهب أصحاب الطلسمات إلى أن لكل فلك روحا كليا يدبر
أمره ويتشعب منه أرواح كثيرة مثلا للعرش أعني الفلك الأعظم روح يرى أثره في جميع
ما في جوفه يسمى بالنفس الكلية والروح الأعظم ويتشعب منه أرواح كثيرة متعلقة
بأجزاء العرش وأطرافه كما أن النفس الناطقة تدبر أمر بدن الإنسان ولها قوة طبيعية
وحيوانية ونفسانية بحسب كل عضو وعلى هذا يحمل قوله تعالى « يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » وقوله تعالى « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ
الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » وهكذا سائر الأفلاك وأثبتوا لكل درجة روحا يظهر أثره عند
حلول الشمس تلك الدرجة وكذا لكل من الأيام والساعات والبحار والجبال والمفاوز
والعمران وأنواع النبات والحيوانات وغير ذلك على ما ورد في لسان الشرع من ملك
الأرزاق وملك البحار وملك الأمطار وملك الموت ونحو ذلك وبالجملة فكما ثبت لكل من
الأبدان البشرية نفس مدبرة فقد أثبتوا لكل نوع من الأنواع بل لكل صنف روحا يدبره
يسمى بالطبائع التام لذلك النوع تحفظه عن الآفات والمخافات ويظهر أثره في
النوع ظهور أثر النفس الإنسانية في الشخص انتهى.
وقال الرازي في
تفسيره إنه لا خلاف بين العقلاء في أن أشرف الرتبة للعالم العلوي هو وجود الملائكة
فيه كما أن أشرف الرتبة للعالم السفلي هو وجود الإنسان فيه إلا أن الناس اختلفوا
في ماهية الملائكة وحقيقتهم وطريق ضبط المذاهب أن يقال الملائكة لا بد وأن تكون
ذوات قائمة بأنفسها ثم إن تلك الذوات إما أن تكون متحيزة أو لا تكون أما الأول
ففيه أقوال : أحدها
__________________
أنها أجسام لطيفة
هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السماوات وهذا قول أكثر المسلمين
وثانيها قول طوائف من عبدة الأوثان وهو أن الملائكة في الحقيقة هو هذه الكواكب
الموصوفة بالأسعاد والأنحاس فإنها بزعمهم أحياء ناطقة وأن المسعدات منها ملائكة
الرحمة والمنحسات منها هي ملائكة العذاب. وثالثها قول معظم المجوس والثنوية وهو أن
هذا العالم مركب من أصلين أزليين وهما النور والظلمة وهما في الحقيقة جوهران
شفافان حساسان مختاران قادران متضادا النفس والصورة مختلفا الفعل والتدبير فجوهر
النور فاضل خير نقي طيب الريح كريم النفس يسر ولا يضر وينفع ولا يمنع ويحبي ولا
يبلي وجوهر الظلمة على ضد ذلك ثم إن جوهر النور لم يزل يولد الأولياء وهم الملائكة
لا على سبيل التناكح بل على سبيل تولد الحكمة من الحكيم والضوء من المضيء وجوهر
الظلمة لم يزل يولد الأعداء وهم الشياطين على سبيل تولد السفه من السفيه لا على
سبيل التناكح فهذه أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيزة جسمانية.
القول
الثاني : إن الملائكة ذوات
قائمة بأنفسها وليست بمتحيزة ولا أجسام فهاهنا قولان أحدهما قول طوائف من النصارى
وهو أن الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة بذاتها المفارقة لأبدانها على نعت
الصفا والخيرية وذلك لأن هذه النفوس المفارقة إن كانت صافية خالصة فهي الملائكة
وإن كانت خبيثة كدرة فهي الشياطين وثانيها قول الفلاسفة وهي أنها جواهر قائمة
بأنفسها ليس بمتحيزة البتة وأنها بالماهية مخالفة لنوع النفوس الناطقة البشرية
وأنها أكمل قوة منها وأكثر علما وأنها للنفوس البشرية جارية مجرى الشمس بالنسبة
إلى الأضواء ثم إن هذه الجواهر على قسمين منها ما هي بالنسبة إلى أجرام الأفلاك
والكواكب كنفوسنا الناطقة بالنسبة إلى أبداننا ومنها ما هي أعلى شأنا من تدبير
أجرام الأفلاك بل هي مستغرقة في معرفة الله ومحبته ومشتغلة بطاعته وهذا القسم هم
الملائكة المقربون ونسبتهم إلى الملائكة الذين يدبرون السماوات كنسبة أولئك
المدبرين إلى
نفوسنا الناطقة فهذا القسمان قد اتفقت الفلاسفة على إثباتهما ومنهم من أثبت أنواعا
أخر من الملائكة وهي الملائكة الأرضية المدبرة لأحوال هذا العالم السفلي ثم إن
مدبرات هذا العالم إن كانت خيرات فهم الملائكة وإن كانت شريرة فهم الشياطين ثم
اختلف أهل العلم في أنه هل يمكن الحكم بوجودها من حيث العقل أو لا سبيل إلى
إثباتها إلا بالسمع فالفلاسفة على الأول.
أقول
: ثم ذكر بعض
دلائلهم فقال وأما الدلائل النقلية فلا نزاع البتة بين الأنبياء عليهم السلام في
إثبات الملائكة بل ذلك كالأمر المجمع عليه بينهم ثم ذكر كثرة الملائكة وبعض
الأخبار في ذلك ثم قال رأيت في بعض كتب التذكير أن النبي صلى الله عليه واله حين
عرج به رأى الملائكة في موضع بمنزلة سوق بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل رسول الله صلى
الله عليه واله أنهم إلى أين يذهبون فقال جبرئيل عليه السلام لا أدري إلا أني
أراهم منذ خلقت ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألوا واحدا منهم وقيل له
منذ كم خلقت فقال لا أدري غير أن الله تعالى يخلق كوكبا في كل أربعمائة ألف سنة
فخلق مثل ذلك الكواكب منذ خلقني أربعمائة ألف كوكب.
ثم قال : واعلم أن
الله ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم وأما الأصناف فأحدها حملة العرش « وَيَحْمِلُ عَرْشَ
رَبِّكَ » الآية وثانيها الحافون حول العرش « وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ » الآية وثالثها أكابر الملائكة فمنهم جبرئيل وميكائيل لقوله « جِبْرِيلَ وَمِيكالَ » ثم إنه وصف جبرئيل بأمور الأول أنه صاحب الوحي إلى الأنبياء
« نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ » والثاني أنه قدمه على ميكائيل والثالث جعله ثاني نفسه « فَإِنَّ اللهَ هُوَ
مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ » .
__________________
الرابع
: سماه روح القدس
الخامس ينصر أولياءه ويقهر أعداءه مع آلاف « مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ » السادس أنه مدحه بصفات ستة « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » إلى قوله « أَمِينٍ » .
ومنهم إسرافيل
صاحب الصور وعزرائيل قابض الأرواح وله أعوان عليه ورابعها ملائكة الجنة « وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ
كُلِّ بابٍ » الآية وخامسها
ملائكة النار « عَلَيْها تِسْعَةَ
عَشَرَ » وقوله « وَما
جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً » ورئيسهم مالك « يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ » وأسماء جملتهم الزبانية « سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ » وسادسها الموكلون ببني آدم لقوله تعالى « عَنِ الْيَمِينِ
وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ » وقوله تعالى « لَهُ مُعَقِّباتٌ » الآية وقوله « وَيُرْسِلُ
عَلَيْكُمْ حَفَظَةً » وثامنها الموكلون بأحوال هذا العالم « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » وقوله « فَالْمُدَبِّراتِ
أَمْراً » .
وعن ابن عباس قال
إن لله ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عجزه بأرض
فلاة فليناد أعينوا عباد الله رحمكم الله.
وأما أوصاف
الملائكة فمن وجوه أحدها أنهم رسل الله « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ
__________________
رُسُلاً
» وقوله « اللهُ
يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً » وثانيها قربهم من الله بالشرف وهو المراد من قوله سبحانه «
وَمَنْ
عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ » وقوله « بَلْ
عِبادٌ مُكْرَمُونَ » وثالثها وصف طاعاتهم وذلك من وجوه الأول قوله تعالى حكاية
عنهم « وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ » وقولهم « وَإِنَّا
لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ » والله تعالى ما كذبهم في ذلك الثاني مبادرتهم إلى امتثال
أمر الله وهو قوله « فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ » الثالث أنهم لا يفعلون إلا بوحيه وأمره وهو قوله تعالى « لا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » .
ورابعها
: وصف قدرتهم وذلك
بوجوه الأول أن حملة العرش وهم ثمانية يحملون العرش والكرسي الذي هو أصغر من العرش
أعظم من جملة السماوات السبع لقوله تعالى « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » والثاني أن علو العرش شيء لا يحيط به الوهم ويدل عليه قوله
تعالى « تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ » ثم إنهم لشدة قدرتهم ينزلون منه في لحظة واحدة الثالث قوله
تعالى « وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ » الآية فصاحب الصور بلغ في القوة إلى حيث إن بنفخة واحدة منه يصعق
من في السماوات والأرض وبالثانية
__________________
منه يعدون أحياء
الرابع أن جبرئيل بلغ من قوته أن قلع جبال آل لوط وبلادهم دفعة واحدة.
وخامسها
: وصف خوفهم ويدل
عليه بوجوه الأول أنهم مع كثرة عبادتهم وعدم إقدامهم على الزلات يكونون خائفين
وجلين حتى كان عباداتهم معاصي قال تعالى « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ » وقال « وَهُمْ
مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ » .
الثاني
: قوله تعالى « حَتَّى إِذا فُزِّعَ
عَنْ قُلُوبِهِمْ » الآية روي في التفسير أن الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمعه أهل
السماوات مثل صوت السلسلة على الصفوان ففزعوا فإذا انقضى الوحي قال بعضهم لبعض« ما ذا قالَ رَبُّكُمْ
قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ».
الثالث
: روى البيهقي في
شعب الإيمان عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بناحية ومعه جبرئيل
عليه السلام إذا انشق أفق السماء فأقبل جبرئيل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض إلى آخر
ما سيأتي برواية السيوطي في الباب الآتي انتهى .
وأقول
: وإن قال في أول
كلامه إن أكثر المسلمين قالوا بتجسم الملائكة لكن يظهر من آخر كلامه أن المخالف في
ذلك ليس إلا النصارى والفلاسفة الذين لم يؤمنوا بشريعة وتكلموا في جميع أمورهم على
آرائهم السخيفة وعقولهم الضعيفة .
وأقول
: سئل المرتضى نزول
جبرئيل بالوحي في صورة دحية الكلبي كيف
__________________
كان يتصور بغير
صورته هو القادر عليها أو القديم تعالى يشكل صورة وليست صورة جبرئيل فإن كان الذي
يسمع من القرآن من صورة غير جبرئيل ففيه ما فيه وإن كان من جبرئيل فكيف يتصور
بصورة للبشر وهذه القدرة قد رويت أن إبليس يتصور وكذلك الجن أريد أن توضح أمر ذلك
وما كان يسمعه جبرئيل من الوحي من البارئ تعالى أو من حجاب وكيف كان يبلغه وهل
جبرئيل يعلم من صفات البارئ أكثر مما نعلمه أو مثله وأين محله من السماء وهل
القديم إذا خطر ببال جبرئيل يكون متحيرا فيه مثلنا ويكون سبحانه لا تدركه الأوهام
أو ميزه علينا وجميع الملائكة أيضا.
فأجاب رحمهالله بأن نزول جبرئيل بصورة دحية كان بمسألة من النبي صلى الله عليه واله لله
تعالى في ذلك فأما تصوره فليس بقدرته بل الله يصوره كذلك صورة حقيقة لا تشكيل
والذي كان يسمعه النبي صلى الله عليه واله من القرآن كان من جبرئيل في الحقيقة
وأما إبليس والجن فليس يقدرون على التصور وكل قادر بقدرة فحكمهم سواء في أنهم لا
يصح أن يصوروا نفوسهم بل إن اقتضت المصلحة أن يتصور بعضهم بصورة صوره الله للمصلحة
فأما جبرئيل عليه السلام وسماعه الوحي فيجوز أن يكلمه الله بكلام يسمعه فيتعلمه
ويجوز أن يقرأه من اللوح المحفوظ فأما ما يعلم جبرئيل من صفات الله فطريقه الدليل
وهو والعلماء فيه واحد فأما محله من السماء فقد روي أنه في السماء الرابعة فأما ما
يخطر بباله فلا يجوز أن يتحير فيه لأن جبرئيل معصوم لا يصح أن يفعل قبيحا انتهى
وفي بعض ما أفاده نظر لا يخفى على المتأمل.
وسئل رحمهالله أيضا إذا حصل أهل الجنة في الجنة ما حكم الملائكة
__________________
هل يكونون في جنة
بني آدم أو غيرها وهل يراهم البشر وهم يأكلون ويشربون مثل البشر أو تسبيح وتقديس
وهل يسقط عنهم التكليف وكذلك الجن.
فأجاب رحمهالله أنه يجوز أن يكونوا في الجنة مع بني آدم ويجوز أن يكونوا في جنة سواها فإن
الجنان كثيرة « جَنَّةُ
الْخُلْدِ » وجنة عدن و « جَنَّةُ الْمَأْوى » وغير ذلك مما لم يذكره الله تعالى فأما رؤية البشر لهم فلا
يصلح إلا على أحد وجهين إما أن يقوي الله تعالى شعاع بصر البشر أو يكثف الملائكة
فأما الأكل والشرب فتجوز والله تعالى يثيبهم بما فيه لذتهم فإن جعل لذتهم في الأكل
والشرب جاز وأما التكليف فإنه يسقط عنهم لأنه لا يصح أن يكونوا مكلفين مثابين في
حالة واحدة والكلام في الجن يجري هذا المجرى.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله في كتاب المقالات القول في سماع الأئمة عليهمالسلام كلام الملائكة الكرام وإن كانوا لا يرون منهم الأشخاص وأقول بجواز هذا من جهة العقل
وأنه ليس بممتنع في الصديقين من الشيعة المعصومين من الضلال وقد جاءت بصحته وكونه
في الأئمة عليهمالسلام وكذا سميت من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجة
والبرهان وهو مذهب فقهاء الإمامية وأصحاب الآثار منهم وقد أباه بنو نوبخت وجماعة
من أهل الإمامة لا معرفة لهم بالأخبار ولم يمنعوا النظر ولا سلكوا طريق الصواب.
وقال رحمهالله في رؤية المحتضر الملائكة جائز من أن يراهم ببصره بأن يزيد الله تعالى في
شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة.
وقال : القول في
نزول الملكين على أصحاب القبور ومساءلتهما الاعتقاد وأقول إن ذلك صحيح وعليه إجماع
الشيعة وأصحاب الحديث وتفسير مجمله أن الله تعالى ينزل على من يريد تنعيمه بعد
الموت ملكين اسمهما مبشر وبشير فيسألانه عن ربه جلت عظمته وعن نبيه ووليه عليهما
السلام فيجيبهما بالحق الذي فارق الدنيا على اعتقاده والصواب ويكون الغرض في
مساءلتهما استخراج العلامة بما
__________________
يستحقه من النعيم
فيجد لذتها منه في الجواب وينزل جل جلاله على من يريد تعذيبه في البرزخ ملكين
اسمهما ناكر ونكير فيوكلهما بعذابه ويكون الغرض في مساءلتهما له
استخراج علامة استحقاقه من العقاب بما يظهر في جوابه من التلجلج عن الحق أو الخبر
عن سوء اعتقاد أو إبلاسه وعجزه عن الجواب وليس ينزل الملكان من أصحاب القبور إلا
على ما ذكرناه.
وأما ما ذكره
السيد الداماد رحمهالله تبعا للفلاسفة حيث قال من الدائر على الألسن أن وصف القرآن
بالنزول التي لا يتصف به إلا المتحيز بالذات دون الأعراض وسيما غير القارات كالأصوات
إنما هو بتبعية محله سواء أخذ حروفا ملفوظة أو معاني محفوظة وهو الملك الذي يتلقف
الكلام من جناب الملك العلام تلقفا سماعيا أو يتلقاه تلقيا روحانيا أو يتحفظه من
اللوح المحفوظ ثم ينزل به على الرسول ولا يتمشى هذا النمط إلا على القول بتجسم
الملائكة وإنما الخارجون عن دائرة التحصيل ممشاهم ذلك فأما ما هو صريح الحق وعليه
الحكماء الإلهيون والمحصلون من أهل الإسلام أن الملائكة على قبائل سفلية وعلوية
أرضية وسماوية جسمانية وقدسانية وفي القبائل شعوب وطبقات كالقوى المنطبعة والطبائع
الجوهرية وأرباب الأنواع والنفوس المفارقة السماوية والجواهر العقلية القادسية بطبقات أنواعها
وأنوارها ومنها روح القدس النازل بالوحي النافث في أرواح أولي القوة القدسية بإذن
الله سبحانه « وَما
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ »
وفي الحديث عنه عليه
السلام أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع. فالأمر
غير خفي اللهم إلا أن يسمى ظهورهم العقلاني لنفوس الأنبياء عليهم السلام نزولا
تشبيها للهيولى العقلي والاعتلاق الروحاني بالنزول الحسي والاتصال المكاني فيكون
قولنا نزول الملك
__________________
استعارة تبعية
وقولنا نزل الفرقان مجازا مرسلا بتبعية تلك الاستعارة التبعية. قلت لا يطمئن مني
أحد من الناس أن أستصح ذلك بجهة من الجهات وأن فيه شقا لعصا الأمة بفرقها المفترقة
وأحاديثها المتواترة وخرقا للقوانين العقلية الفلسفية ونسخا للضوابط المقررة
البيانية فالأمة مطبقة على أن النبي صلى الله عليه واله يرى جبرئيل عليه السلام وملائكة
الله المقربين ببصره الجسماني ويسمع كلام الله الكريم على لسانهم القدسي بسمعه
الجسماني وقوائم الحكمة قائمة بالقسط إنه إنما ملاك الرؤية البشرية والإبصار الحسي
انطباع الصورة في الحس المشترك وإنما المبصر المرئي بالحقيقة من الشيء الماثل بين
يدي الحس الصورة الذهنية المنطبعة وأما ذو الصورة بهويته العينية ومادته الخارجية
فمبصر بالعرض مرئي بالمجاز وإن كان مثوله العيني شرط الإبصار والجليديتان هما مسلكا
التأدية لا لوحا الانطباع وعلى هذه السنة شاكلة السمع أيضا والإفاضة مطلقا من
تلقاء واهب الصور فإذا كانت النفس واغلة الهمة في الجنبة الجسدانية طفيفة الانجذاب
إلى صقع الحق وعالم القدس لم يكن لنبطاسياها سبيل إلى التطبع بالصورة من تلقاء
واهب الصور إلا من مسلك الحاسة الظاهرة ومثول المادة الخارجية بين يديها فأما إذا
كانت قدسية الفطرة مستنيرة الغريزة في جوهر جبلتها المفطورة ثم في سجيتها المكسوبة
صارت نقية الجوهر طاهرة الذات أكيدة العلاقة بعالم العقل شديدة الاستحقاق لعالم
الحس قاهرة الملكة قوية المنة على خلع البدن ورفض الحواس والانصراف إلى صقع القدس
حيث شاءت ومتى شاءت بإذن ربها وقوتها المتخيلة أيضا قليلة الانغماس في جانب الظاهر
قوية التلقي من عالم الغيب فإنها تخلص من شركة الطبيعة وتعزل اللحظ عن الجسد في
اليقظة فترجع إلى عالمها وتتصل بروح القدس وبمن شاء الله من الملائكة المقربين
وتستفيد من هنالك العلم والحكمة بالانتقاش على سبيل الرشح كمرآة مجلوة حوذي بها
شطر الشمس ولكن حيث إنها يومئذ في دار غريبتها بعد بالطبع ولم تنسلخ عن علاقتها
__________________
الطبيعية بتدبر
جيوشها الجسدية وأمورها البدنية تكون مثالها فيما تناله بحسب ذلك الشأن وتلك
الدرجة تحول الملك لها على صورة مادية متمثلة في شبح بشرى ينطبق بكلمات إلهية
مسموعة منظومة كما قال عز من قال « فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ
لَها بَشَراً سَوِيًّا » وأعنى بذلك ارتسام الصورة في لوح الانطباع لا من سبيل
الظاهر والأخذ عن مادة خارجية بل بالانحدار إليه من الباطن والحصول عن صقع الإفاضة
فإذن في السماع والإبصار المشهوريين يرتفع المسموع والمبصر من المواد الخارجية إلى
لوح الانطباع ثم منه إلى الخيال والمتخيلة ثم يصعد الأمر إلى النفس العاقلة وفي
إبصار الملك وسماع الوحي وهما الإبصار والسماع الصريحان ينعكس الشأن فينزل الفيض
إلى النفس من عالم الأمر فهي تطالع شيئا من الملكوت مجردة غير مستصحبة لقوة خيالية
أو وهمية أو غيرهما ثم يفيض عن النفس إلى القوة الخيالية فتخيله مفصلا منضما
بعبارة منظومة مسموعة فتمثل لها الصورة في الخيال من صقع الرحمة وعالم الإفاضة ثم
تنحدر الصورة المتمثلة والعبارة المنتظمة من الخيال والمتخيلة إلى لوح الانطباع
وهو الحس المشترك فتسمع الكلام وتبصر الصورة فهذا أفضل ضروب الوحي والإيحاء. ويقال
إنه مخاطبة العقل الفعال للنفس بألفاظ مسموعة مفصلة وله أنحاء مختلفة ومراتب
متفاصلة بحسب درجات للنفس متفاوتة وقد يكون في بعض درجاته لا يتخصص المسموع
والمبصر بجهة من جهات العالم بخصوصها بل الأمر يعم الجهات بأسرها في حالة واحدة
وفي الحديث أن الحارث بن هشام سأل رسول الله كيف يأتيك الوحي قال أحيانا يأتي مثل
صلصلة الجرس وهو أشد علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يمثل إلي الملك
رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. وربما تكون النفس المتنورة صقالتها في بعض الأحايين
أتم وسلطانها على قهر الصوارف الجسدانية والشواغل الهيولانية أعظم فيكون عند
الانصراف عن عالم
__________________
الحس والاتصال
بروح القدس استئناسها بجوهر ذاته المجردة منه بالشبح المتمثل فتشاهده ببصر ذاته
العاقلة ويستفيد منه وهو في صورته القدسية كما ما ورد في الحديث أن جبرئيل أتى النبي
صلى الله عليه واله مرة في صورته الخاصة كأنه طبق الخافقين. ثم دون هذه الضروب
لسائر درجاته ما يتفق له من القوة القدسية نصيب مرتبة النبوة أن يرى ملائكة الله
ويسمع كلام الله ولكن في النوم لا في اليقظة وسبيل القول فيه أيضا ما دريت إلا أن
الأمر هناك ينتهي إلى القوة المتخيلة ويقف عندها بمحاكاتها وتنظيمها وتفصيلها لما
قد طالعته النفس من عالم الملكوت من دون انحدار الصورة المتمثلة والعبارة المنتظمة
منها إلى الحس المشترك. فأما الرؤيا الصالحة لنفوس العرفاء والصالحين فواقعة في
هذا الطريق غير واصلة إلى درجة النبوة وبلوغ الغاية وفي الحديث أنها جزء من ستة
وأربعين أو سبعين جزءا من النبوة على اختلافات الروايات وقصارها في مرتبة الكمال
وأقصاها للمحدثين بالفتح على البناء للمفعول من التحديث وهم الذين يرفضون عالم
الشهادة ويصعدون إلى عالم الغيب فربما يسمعون الصوت في اليقظة عن سبيل الباطن
ولكنهم لا يعاينون شخصا متشبحا. وفي كتاب الحجة من كتاب الكافي لشيخ الدين أبي
جعفر الكليني رضياللهعنه باب في الفرق بين الرسول والنبي صلى الله عليه واله والمحدث
وأن الأئمة عليهمالسلام محدثون مفهمون وإذ قد انصرح لك من المسألة من سبيلها فقد استبان أن قولنا
نزل الملك مجاز عقلي مستعمل طرفاه في معنييهما الحقيقيين والتجوز فيه في الإسناد
إذ النزول حقيقة منسوب إلى الصورة المتشبحة المتمثلة وقد أسند بالعرض إلى الجوهر
المجرد القدسي وهو الملك وليس هو من الاستعارة في شيء أصلا كما قولنا تحرك جالس
السفينة وقولنا أنا متحرك وأنا ساكن وقولنا رأيت زيدا إذا عنينا به شخصه الموجود
في الخارج بهويته العينية لا صورته الذهنية المرئية المنطبعة في الحس المشترك
وسائر المقولات في وجود الاتصافات بالعرض كلها على هذه الشاكلة وأما نزل الفرقان
فمجاز مرسل
__________________
لاتباعه استعارة
تبعية بل من حيث إن النازل على الحقيقة محله وهو تلك الصورة البشرية المتشبحة
النازلة أو تجوز عقلي لا في شيء من الطرفين بل في الإسناد على أن الأصوات والحروف
والألفاظ ليست أعراضا حالة في لسان المتكلم بل هي تقطيعات عارضة للهواء من تلقاء
حركة اللسان.
إن
قلت : بنيت الأمر فيما
أفدت على القول بالانطباع في باب الرؤية فما سبيل القول هنالك على المذهبين
الآخرين وهما خروج الشعاع أي في فيضانه من المبدإ الفياض منبثا في الهواء المتوسط
بين الجليدية وسطح المرئي على هيئة المخروط وحصول الإضافة الإشراقية للنفس
المستوجبة للانكشاف الإبصاري ما دامت المقابلة بين المرئي والجليدية على تلك
الهيئة.
قلت
: لست أكترث لذلك إذ
إنما يسمى ذلك الخلاف وتثليث القول في المواد الخارجية والرؤية من مسلك الجليدية
ومن مذهب الظاهر لا في الإبصار من سبيل الباطن ومذهب الغيب من دون الأخذ من مادة
خارجية ثم الآراء الثلاثة متحاذية الأقدام في تطابق اللوازم واتحاد الأحكام حذو
القذة بالقذة والسواد الأعظم على مسلك الانطباع ويشبه أن يكون الحق لا يتعداه وما
يتجشمه فرق من فرق الإضافة الإشراقية من إثبات صور معلقة خيالية في عالم معلق
مثالي ليستتب الأمر في صور المرايا والصور الخيالية وأمور الإيحاءات ومواعيد
النبوات قلت لا أجد لاتجاه البرهان إليه مساقا بل أجده بتماثيل الصوفية أشبه منه
بقوانين الحكماء وحق القول الفصل فيه على ذمة كتبنا البرهانية انتهى.
فلعله رحمهالله حاول تحقيق الأمر على مذاق المتفلسفين ومزج رحيق الحق بمموهات آراء المنحرفين
عن طرق الشرع المبين مع تباين السبيلين ووضوح الحق من البين وقد اتضح بما أسلفنا
صريح الأمر لذي عينين وسنذكر ما يكشف أغشية الشبه رأسا عن العين.
٨٥
ـ أقول : روينا بإسنادنا عن
الحسن بن محمد بن إسماعيل بن أشناس البزاز
عن محمد بن عبد
الله بن المطلب الشيباني عن جعفر بن محمد بن جعفر العلوي عن عبد الله بن عمر بن
الخطاب الزيات عن خاله علي بن نعمان الأعلم عن عمير بن المتوكل الثقفي البلخي عن
أبيه المتوكل بن هارون عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عن جده
علي بن الحسين عليهم السلام وبإسنادنا عن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان
عن أحمد بن محمد بن عياش الجوهري عن الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن المعروف بابن
أبي طاهر العلوي عن محمد بن مطهر الكاتب عن أبيه عن محمد بن شلقان المصري عن علي
بن النعمان إلى آخر السند المتقدم قال : وكان من دعائه عليه السلام في الصلاة على
حملة العرش وكل ملك مقرب اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك ولا يسأمون
من تقديسك ولا يستحسرون عن عبادتك ولا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك ولا يغفلون
عن الوله إليك وإسرافيل صاحب الصور الشاخص الذي ينتظر منك الإذن وحلول الأمر فينبه
بالنفخة صرعى رهائن القبور وميكائيل ذو الجاه عندك والمكان الرفيع من طاعتك
وجبرئيل الأمين على وحيك المطاع في أهل سماواتك المكين لديك المقرب عندك والروح
الذي هو على ملائكة الحجب والروح الذي هو من أمرك اللهم فصل عليهم وعلى الملائكة
الذين من دونهم من سكان سماواتك وأهل الأمانة على رسالاتك والذين لا يدخلهم سأمة
من دءوب ولا إعياء من لغوب ولا فتور ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات ولا يقطعهم عن
تعظيمك سهو الغفلات الخشع الأبصار فلا يرومون النظر إليك النواكس الأعناق الذين قد طالت
رغبتهم فيما لديك المستهترون بذكر آلائك والمتواضعون دون عظمتك وجلال كبريائك
والذين يقولون إذا نظروا إلى جهنم تزفر على أهل معصيتك سبحانك ما عبدناك حق عبادتك
فصل عليهم وعلى الروحانيين من ملائكتك وأهل الزلفة عنك وحملة الغيب إلى رسلك
والمؤتمنين على وحيك وقبائل الملائكة
__________________
الذين اختصصتهم
لنفسك وأغنيتهم عن الطعام والشراب بتقديسك وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك والذين هم
على أرجائها إذا نزل الأمر بتمام وعدك وخزان المطر وزواجر السحاب والذي بصوت زجره
يسمع زجل الرعود وإذا سبحت به حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق ومشيعي الثلج والبرد والهابطين
مع قطر المطر إذا نزل والقوام على خزائن الرياح والموكلين بالجبال فلا تزول والذين
عرفتهم مثاقيل المياه وكيل ما تحويه لواعج الأمطار وعوالجها ورسلك من الملائكة إلى
أهل الأرض بمكروه ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخاء والسفرة الكرام البررة والحفظة
الكرام الكاتبين وملك الموت وأعوانه ومنكر ونكير ومبشر وبشير ورومان فتان القبور
والطائفين بالبيت المعمور ومالك والخزنة ورضوان وسدنة الجنان والذين « لا يَعْصُونَ اللهَ ما
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » والذين يقولون « سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ
عُقْبَى الدَّارِ » والزبانية الذين إذا قيل لهم « خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ » ابتدروه سراعا ولم ينظروه ومن أوهمنا ذكره ولم نعلم مكانه
منك وبأي أمر وكلته وسكان الهواء والأرض والماء ومن منهم على الخلق فصل عليهم يوم
تأتي « كُلُّ
نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ » وصل عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم وطهارة على
طهارتهم اللهم وإذا صليت على ملائكتك ورسلك وبلغتهم صلواتنا عليهم فصل علينا
بما فتحت لنا من حسن القول فيهم إنك جواد كريم.
تبيان
: أقول الدعاء مروية
برواية الحسني أيضا في الصحيفة الشريفة الكاملة المشهورة ورواية الشيخ ورواية
المطهري كما فصلناه في آخر المجلدات ولنوضحه بعض الإيضاح وإن استقصينا الكلام في
شرحه في الفرائد الطريفة اللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك. وفي
رواية الحسني عن
__________________
تسبيحك والواو في
قوله وحملة للعطف على الجمل المتقدمة في الدعاء السابق أو من قبيل عطف القصة على
القصة وقيل زائدة وقيل استئنافية وقيل عطف بحسب المعنى على قوله اللهم فإنه أيضا
جملة لأنه بتأويل أدعوك ولا يخفى بعد ما سوى الأولين وقوله وحملة مبتدأ وخبره مقدر
أي هم مستحقون لأن نصلي عليهم ويحتمل أن يكون فصل عليهم خبرا بتأويل مقول في حقه
فدخول الفاء إما على مذهب الأخفش حيث جوز دخول الفاء على الخبر مطلقا أو بتقدير
أما أو باعتبار الاكتفاء بكون صفة المبتدإ موصولا ويحتمل أن يكون الموصول خبرا لا
صفة وكذا صاحب في الثاني وذو الجاه في الثالث والأمين في الرابع وكذا الموصول في
الأخيرين أو يقدر فيهما بقرينة ما سبقهما هما مقربان عندك وقد مضى الكلام في معاني
العرش وحملته وإن كان الأظهر هنا كون المراد بالعرش الجسم العظيم وبحملته الملائكة
الذين يحملونه والفتور الانكسار والضعف ولا يسأمون من تقديسك. سئم من الشيء كعلم
مل أي لا يحصل لهم من التسبيح والتقديس سأمة وملال بل يتقوون بهما كما مر والتسبيح
والتقديس كلاهما بمعنى التنزيه عن العيوب والنقائص ويمكن حمل الأول على تنزيه
الذات والثاني على تنزيه الصفات والأفعال ويحتمل وجوها أخر ولا يستحسرون عن
عبادتك. الاستحسار استفعال من حسر إذا أعيا وتعب وعدم ملالهم لشدة شوقهم وكون
خلقتهم خلقة لا يحصل بها لهم الملال بكثرة الأعمال ولا يؤثرون التقصير على الجد في
أمرك. الإيثار الاختيار والجد بالكسر الاجتهاد والسعي ولا يغفلون عن الوله إليك. محركة
الحزن أو ذهاب العقل حزنا والحيرة والخوف ولعل المراد هنا التحير في غرائب خلقه
سبحانه أو لشدة حبهم له تعالى أو للخوف منه جل وعلا والأوسط لعله أظهر.
وإسرافيل هو ملك
موكل بنفخ الصور والصور هو قرنه الذي ينفخ فيه كما قال سبحانه « وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ
ثُمَّ
نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ » وقال تعالى « إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا
هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ » وقد مر تفصيله في كتاب المعاد.
الشاخص الذي ينتظر
منك الإذن أي شخص ببصره لا يطرف من يوم خلقته انتظارا لما سوف يؤمر به بعد انقضاء
أمر الدنيا والمرتفع الماد عنقه لذلك أو الرفيع الشأن والأول أظهر قال
الفيروزآبادي شخص كمنع شخوصا ارتفع وبصره فتح عينيه وجعل لا يطرف وبصره رفعه
والإذن في النفخ والأمر أيضا فيه أو المراد أمر القيامة فينبه بالنفخة صرعى رهائن
القبور. في القاموس الصرع الطرح على الأرض وكأمير المصروع والجمع صرعى انتهى
والصريع يطلق على الميت وعلى المقتول لأنهما يطرحان على الأرض وفي القاموس الرهن
ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك وكل ما احتسب به شيء فرهينة وراهن الميت القبر
ضمنه إياه والرهينة كسفينة واحد الرهائن.
أقول
: يمكن أن يكون
المراد برهائن القبور مودعاتها أي الذين أقاموهم فيها إلى يوم البعث أو من ارتهن
بعمله في القبر كما قال تعالى « كُلُّ
نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » وروي عن النبي صلى الله عليه واله أن أنفسكم مرهونة
بأعمالكم ففكوها باستغفاركم. ومثله في الأخبار كثير فيكون من قبيل الإضافة إلى
الظرف لا إلى المفعول كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار وكما قيل في « مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ » أي مالك الأشياء يوم الدين ثم اعلم أن أكثر نسخ الصحيفة
متفقه على نصب الرهائن فهو إما بدل عن صرعى أو حال أو بيان أو صفة لأن الإضافة
لفظية وفي رواية ابن أشناس بالجر بالإضافة والأول أصوب ثم إنه عليهالسلام اقتصر على ذكر النفخة الثانية لأنه أشد وأفظع لاتصالها بالقيامة واحتمال كون
الكلام مشتملا عليهما بأن يكون في الإذن والأمر إشارة إلى الأولى
__________________
وقوله فينبه إلى
الثانية في غاية البعد.
وميكائيل هو من
عظماء الملائكة وروي أنه رئيس الملائكة الموكلين بأرزاق الخلق كملائكة السحب
والرعود والبروق والرياح والأمطار وغير ذلك وفي اسمه لغات قال الزمخشري قرئ ميكال
بوزن قنطار وميكائيل بوزن ميكاعيل وميكئيل كميكعيل وميكائل كميكاعل وميكئل كميكعل
قال ابن جني العرب إذا نطقت بالعجمي خلطت فيه انتهى والجاه القدر والمنزلة والمكان
الرفيع من طاعتك. لعل المراد بالمكان المكانة والمنزلة وبالرفعة العلو المعنوي ومن
ابتدائية أي رفعة مكانه بسبب إطاعتك أو تبعيضية أي له من درجات طاعتك منزلة رفيعة.
وجبرئيل من أعاظم
الملائكة وفي سائر روايات الصحيفة جبرئيل بالكسر أو بالفتح وفيه أيضا لغات قال
الزمخشري قرئ جبرئيل بوزن فقشليل وجبرئل بحذف الياء وجبريل بحذف الهمزة وجبريل
بوزن قنديل وجبرال باللام المشددة وجبرائيل بوزن جبراعيل وجبرائل بوزن جبراعل
انتهى وقيل معناه عبد الله وقيل صفوة عبد الله وقيل صفوة الله وهو عليه السلام حامل
الوحي إما على جميع الأنبياء أو إلى أولي العزم منهم أو إلى بعض من غير أولي العزم
أيضا والمطاع في أهل سماواتك. أي هم جميعا يطيعونه بأمر الله والفقرتان إشارتان
إلى قوله تعالى « مُطاعٍ
ثَمَّ أَمِينٍ »
المكين لديك المكين
ذو المكانة والمنزلة ولدى ظرف مكان بمعنى عند كلدن إلا أنهما أقرب مكانا من عند
وأخص منه فإن عند يقع على مكان وغيره تقول لي عند فلان مال أي في ذمته ولا يقال
ذلك فيهما.
والروح الذي هو
على ملائكة الحجب قد مر ذكر الحجب ويدل على أن الروح رئيس الملائكة الموكلين
بالحجب والساكنين فيها والظاهر أنه شخص واحد موكل بالجميع ويحتمل أن يكون اسم جنس
بأن يكون لملائكة كل حجاب
__________________
رئيس يطلب عليه
الروح.
والروح الذي هو من
أمرك إشارة إلى قوله تعالى « وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » وظاهر هذه الفقرة أن الروح من جنس الملائكة أو شبيه بهم
ذكر بينهم تغليبا لا الروح الإنساني واختلف المفسرون فيه كما سيأتي في باب النفس
والروح فقيل إنه روح الإنسان وقيل إنه جبرئيل وظاهر الدعاء المغايرة وقيل إنه ملك من
عظماء الملائكة وهو الذي قال تعالى « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ
صَفًّا »
وروي عن أمير المؤمنين
عليه السلام أن له سبعين ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة
يسبح الله بتلك اللغات كلها يخلق الله تعالى بكل تسبيحه ملكا يطير مع الملائكة إلى
يوم القيامة ولم يخلق الله خلقا أعظم من الروح غير العرش ولو شاء أن يبلع السماوات
والأرضين السبع بلقمة واحدة لفعل. والجواب حينئذ أنه من غرائب خلقه تعالى وقيل خلق
عظيم ليس من الملائكة وهو أعظم قدرا منها وهذا أظهر من سائر الأخبار كما رواه
الكليني وعلي بن إبراهيم والصفار وغيرهم بالأسانيد الصحيحة عن أبي بصير قال : سألت
أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي » قال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى
الله عليه واله وهو مع الأئمة عليهم السلام وهو من الملكوت . وروى الكليني
بإسناده أنه أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام جبرئيل من الملائكة والروح غير جبرئيل فكرر ذلك
على الرجل فقال له لقد قلت عظيما من القول ما يزعم أحد أن الروح غير جبرئيل فقال
له أمير المؤمنين عليه السلام إنك ضال تروي عن أهل الضلال يقول الله
__________________
عزوجل لنبيه صلى
الله عليه واله « يُنَزِّلُ
الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ » والروح غير الملائكة وقد مرت الأخبار
في ذلك فذكره عليه السلام الروح في دعاء الملائكة إما تغليبا كما عرفت أو بزعم
المخالفين تقية وعلى الملائكة الذين من دونهم. أي بحسب المكان الظاهري لأن
السابقين كانوا حملة العرش والكرسي والساكنين فيهما وفي الحجب وتلك فوق السماوات
السبع أو بحسب المنزلة والرتبة أو بحسبهما معا.
وأهل الأمانة على
رسالاتك يدل على عدم انحصار التبليغ في جبرئيل عليهالسلام فيمكن أن يكون نزولهم على غير أولي العزم أو إليهم أيضا
نادرا كما يدل عليه بعض الأخبار أو المراد بهم الوسائط بينه تعالى وبين جبرئيل
كالقلم واللوح وإسرافيل وغيرهم كما مر وفي بعض الأخبار القدسية عن رسول الله صلى
الله عليه واله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الله عز وجل
أو المراد بهم الرسل إلى ملائكة السحاب والمطر والعذاب والرحمة وغيرهم من الملائكة
الموكلين بأمور العباد والملائكة الحافظين للوحين الذين أثبت فيهما جميع الكتب
السماوية أو الذين ينزلون على الأنبياء والأوصياء في ليلة القدر.
والذين لا تدخلهم
سأمة من دءوب ولا إعياء من لغوب ولا فتور السامة الملالة والتضجر والدءوب التعب
والإعياء والعجز واللغوب أيضا الإعياء ومنه قوله وما مسنا من لغوب ويمكن الفرق
باختلاف مراتب التعجب والعجز وهذه الفقرة إما تعميم بعد التخصيص فإن هذا وما سيأتي
حال جميع الملائكة فتشمل ملائكة الأرض أيضا بل ملائكة الحجب والعرش والكرسي أو
تخصيص بعد التعميم لذكر بعض الصفات الظاهرة الاختصاص بالبعض فيما بعد ولا ينافي
عموم هذه الصفات لأنها كمال لهم أيضا ومجموع الصفات مختصة بهم أو يكون العطف
__________________
للتفسير لبيان بعض
الصفات الأخر الثابتة لهم ولذكر ما يستحقون به الصلاة من الفضائل.
ولا تشغلهم عن
تسبيحك الشهوات أي ليست لهم شهوة حتى تشغلهم ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات. إضافة
السهو إلى الغفلات من قبيل إضافة المسبب إلى السبب أو الجزء إلى الكل أو بيانية أي
لا يمنعهم عن ذكر عظمتك أو العبادات المستلزمة لتعظيمك السهو الحاصل من الغفلات أو
السهو الذي هو من جملة الغفلات أو هو عينها الخشع الأبصار فلا يرومون النظر إليك.
في النسخ المشهورة فلا يرمون النظر إليك والخشوع الخضوع وخشوع العين التذلل بها
وعدم رفعها عن الأرض أو غمضها أو الروم الطلب ولعل المراد أنهم ينظرون إلى جهة
أقدامهم حياء أو خوفا أو إلى الجهة التي جعلها الله قبلتهم ولا يرفعون أبصارهم إلى
جهة العرش ويحتمل أن يكون المراد النظر القلبي أي لا يتفكرون في كنه ذاتك وصفاتك
وما لا يصل إليه عقولهم من معارفك النواكس الأعناق الذين قد طالت رغبتهم فيما
لديك. في أكثر الروايات النواكس الأذقان وعلى التقديرين هو أن يطأطئ رأسه وهو أزيد
تذللا من الخشوع والمراد بما لديه الدرجات العالية المرتفعة ويحتمل أن يكون لهم
بعض اللذات غير الطعام والشراب والظاهر أن الوصفين لطائفة مخصوصة من الملائكة كما
مر في خبر المعراج ويحتمل التعميم.
المستهترون بصيغة
المفعول قال الجوهري فلان مستهتر بالشراب أي مولع به لا يبالي ما قيل فيه والآلاء
النعم واحدها ألى بالفتح وقد يكسر مثل معى وأمعاء أي هم متلذذون حريصون في ذكر
نعمائك الظاهرة والباطنة عليهم وعلى غيرهم والمتواضعون دون عظمتك وجلال كبريائك. التواضع
التذلل ودون معناه أدنى مكان من الشيء ثم استعمل بمعنى قدام الشيء وعنده وبين يديه
مستعارا من معناه الحقيقي وهو ظرف لغو متعلق بمتواضعون والجلال والكبرياء العظمة
والعطف والإضافة للتأكيد والمبالغة ويمكن أن يخص العظمة بالذات والكبرياء بالصفات والذين
يقولون إذا نظروا إلى جهنم تزفر على أهل معصيتك. قال :
الجوهري الزفير
اغتراق النفس للشدة والزفير أول صوت الحمار والشهيق آخره وقال الفيروزآبادي زفر
يزفر زفرا وزفيرا أخرج نفسه بعد مدة إياه والنار سمع لتوقدها صوت انتهى أي إذا
سمعوا زفير جهنم على العاصين خافوا من أن يكونوا مقصرين في العبادة فقالوا سبحانك
ما عبدناك حق عبادتك. أي ننزهك تنزيها عن كون عباداتنا لائقة بجنابك فإنهم لما
رأوا شدة عقوباته تعالى نظروا إلى أنفسهم وأعمالهم وإلى عظمته وجلاله فوجدوا
أعمالهم قاصرة عما يستحقه سبحانه ففزعوا إليه واعترفوا بالتقصير ولجئوا إلى رحمته
وعفوه وكرمه أو أنه لما طرأ عليهم الخوف عند سماع صوت العذاب وكان ذلك مظنة أن
يكون خوفهم من أن يعاقبهم ظلما من غير استحقاق لعصمتهم نزهوه تعالى عن أن يكون
الخوف منه عن تلك الجهة وعللوا الخوف بالتقصير فيما يستحقه من العبادة.
وقال الوالد رحمهالله يمكن أن يكون قولهم ذلك للتعجب من مخالفتهم حتى استحقوا العذاب أو من الصوت
المهول على خلاف العادة فهذا توبة لهم من المكروه ويمكن أن يكون ذلك على سبيل
الشفاعة لهم بأن ضموا أنفسهم مع العاصين فكأنهم يقولون نحن وهم مقصرون في عبادتك
فارحمنا وإياهم.
فصل عليهم يمكن أن
يكون خبرا أو كالخبر لقوله عليه السلام والذين لا تدخلهم مع ما عطف عليه وأن يكون
الموصول في محل الجر عطفا على سكان سماواتك ويكون قوله فصل تأكيدا للسابق وتمهيدا
لأن يعطف عليهم غيرهم وعلى هذا يكون قوله الخشع والمستهترون مرفوعين على المدح.
وعلى الروحانيين
من ملائكتك قال في النهاية الملائكة الروحانيون يروى بضم الراء وفتحها كأنه نسب
إلى الروح والروح وهو نسيم الريح والألف والنون من زيادات النسب ويريد به أنهم
أجسام لطيفة لا يدركهم البصر انتهى وما قيل من أنهم الجواهر المجردة العقلية
والنفسية فهو رجم بالغيب وإنما المعلوم أنهم نوع من الملائكة وأهل الزلفة عندك قال
الجوهري الزلفة والزلفى القرب والمنزلة انتهى وهو إما صفة أخرى للروحانيين أو
طائفة أخرى غيرهم.
وحملة الغيب إلى رسلك والمؤتمنين على وحيك في أكثر النسخ وحمال الغيب والحمال جمع
الحامل والغيب يطلق على الخفي الذي لا يدركه الحس ولا يقتضيه بديهة العقل وهو
قسمان القسم الأول لا دليل عليه وهو المعنى بقوله « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها
إِلاَّ هُوَ » وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته واليوم الآخر وأحواله كذا ذكره
البيضاوي والمراد هنا إما الأعم أو الأول والمؤتمنين إما تأكيد أو عطف تفسير
لسابقه أو المراد بهم طائفة أخرى شأنهم تبليغ الأحكام والشرائع فقط أو مع الثاني
إن حملنا الأولى على الأول والظاهر أن هاتين الفقرتين مؤكدتان لما سبق من
قوله وأهل الأمانة على رسالتك ويمكن تخصيص ما سبق ببعض المعاني التي ذكرناها هنا
وهاتان بالبعض الآخر إذ يمكن أن يكون لحمل الغيب طائفة مخصوصة كملائكة ليلة القدر
وغيرهم والأول أظهر وتكرير المطلب الواحد بعبارات مختلفة في مقام الدعاء والخطب
والمواعظ مما يؤكد البلاغة.
وقبائل الملائكة
الذين اختصصتهم لنفسك القبائل جمع القبيلة وهي الشعوب المختلفة والكلام في التأكيد
والتأسيس كما مر والمراد بالاختصاص به تعالى أنهم مشغولون بعبادته بخلاف ما سيأتي
ممن له شغل في النزول والعروج وسائر الأمور وإن كان هذه الأمور أيضا عبادة لهم أو
أنه سبحانه يطلعهم على أسرار لم يطلع عليها غيرهم من الملائكة
وأغنيتهم عن
الطعام والشراب بتقديسك أي خلقتهم خلقة لا يحتاجون في بقائهم إلى الغذاء وكما أنا
نتقوى بالغذاء فهم يتقوون بتسبيحه وتقديسه وعبادته.
وأسكنتهم بطون
أطباق سماواتك الأطباق جمع طبق يقال السماوات أطباق وطباق أي بعضها فوق بعض قال
الراغب المطابقة هو أن يجعل الشيء
__________________
فوق آخر بقدرة
ومنه طابقت النعل ثم يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة
وفي ما يوافق غيره تارة كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين ثم يستعمل في أحدهما دون
الآخر كالكأس والراوية ونحوهما قال الله تعالى « سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً » أي بعضها فوق بعض انتهى ويدل على الفرجة بين السماوات
وكونها مساكن الملائكة كما مر.
والذين هم على أرجائها
إذا نزل الأمر بتمام وعدك إشارة إلى قوله سبحانه « وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ
واهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ
يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ » قال الطبرسي رحمهالله « عَلى
أَرْجائِها » معناه على أطرافها ونواحيها والملك اسم يقع
على الواحد والجمع والسماء مكان الملائكة فإذا وهت صارت في نواحيها وقيل إن
الملائكة على جوانب السماء تنتظر ما يؤمر به في أهل النار من السوق
إليها وفي أهل الجنة من التحية والتكرمة فيها انتهى وقيل إنه تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء
أهلها إلى أطرافها وحواليها ولفظة إذا ظرفية للمستقبل والباء صلة للأمر ويحتمل
السببية وتمام الوعد تمام مدة الدنيا وانقضاؤه وحلول القيامة أو المراد إتمام ما وعده الله من
الثواب والعقاب للمطيعين والعاصين وكلمة هم ليست في الروايات المشهورة.
وخزان المطر أي
الملائكة الموكلين بالبحر الذي ينزل منه المطر كما يظهر من بعض الأخبار أو
الموكلين بتقديرات الأمطار أو الذين يهيجون السحاب
__________________
بأمره تعالى ولو
كان من بخارات الأرض والبحار كما هو المشهور فيكون قوله وزواجر السحاب عطف تفسير
له أي سائقتها من زجر البعير إذا ساق وبه فسر قوله تعالى « فَالزَّاجِراتِ
زَجْراً »كما مر والسحاب جمع السحابة وهي الغيم والذي بصوت زجره يسمع
زجل الرعود قال في النهاية في حديث الملائكة لهم زجل بالتسبيح أي صوت رفيع عال وفي
القاموس الرعد صوت السحاب أو اسم ملك يسوقه كما يسوق الحادي الإبل بحدائه انتهى
والرعد هنا يحتمل الوجهين وإن كان كونه اسما للملك أظهر وسيأتي تحقيق الرعد والبرق
والسحاب في الأبواب الآتية وصيغة الجمع هنا تدل على أن الرعد اسم لنوع هذا الملك
إن كان اسما له وإضافة الرجل إلى الرعود بيانية إن أريد به الصوت ولامية إن أريد
به الملك.
وإذا سبحت به خفيفة
السحاب التمعت صواعق البروق أقول النسخ مختلفة في هذه الفقرة اختلافا فاحشا ففي
بعضها سبحت بتشديد الباء وفي بعضها بتخفيفها وحفيفة في بعضها بالحاء المهملة
والفاءين وفي بعضها بالخاء المعجمة ثم الفاء ثم القاف وفي بعضها بالمهملة ثم الفاء
ثم القاف والسبح الجري والعوم والخفيف أنسب وعلى التشديد يحتمل أن يكون إشارة إلى
قوله تعالى « وَيُسَبِّحُ
الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ » قال الفيروزآبادي سبح بالنهر وفيه كمنع سبحا وسباحة بالكسر
عام وأسبحه عومه وسبحان الله تنزيها له عن الصاحبة والولد ونصبه على المصدر أي
أبرئ الله من السوء براءة أو معناه السرعة إليه والخفة في طاعته وقال حف الفرس
حفيفا سمع عند ركضه صوت وكذلك الطائر والشجرة إذا صوتت وقال الخفق صوت النعل وخفقت
الراية تخفق وتخفق خفقا وخفقانا محركة اضطربت وتحركت وخفق فلان حرك رأسه إذا نعس
والطائر طار والخفقان محركة اضطراب القلب وأخفق الطائر ضرب بجناحيه وفي النهاية
خفق النعال صوتها وأما المهملة ثم الفاء ثم القاف كما كان في نسخة ابن إدريس رحمهالله بخطه فلم أجد له معنى فيما عندنا من كتب اللغة ولعله من
طغيان القلم وفي
الصحاح لمع البرق لمعا ولمعانا أي أضاء والتمع مثله. ولا يخفى أن هذه الفقرة من
تتمة الكلام السابق وليس وصف الملك الآخر وضمير به إما راجع إلى الملك أو إلى زجره
أو إلى الرجل والباء للمصاحبة أو للسببية وإضافة الخفيفة إلى السحاب على التقادير
من إضافة الصفة إلى الموصوف والتأنيث باعتبار جمعية السحاب وإذا حمل على المصدر
فأسناد السبح إليه مجازي أو هو مؤول بذات الخفيفة وعلى المعجمة والفاءين أي السحاب
الخفيفة سريعة السير والحاصل على التقادير إذا زجرت بسبب الملك أو
زجره أو صوته السحاب ذات الصوت أو الاضطراب أو السرعة أضاءت الصواعق التي هي من
جنس البروق وأشدها فالإضافة من قبيل خاتم حديد وربما يقال هو من إضافة الصفة إلى
الموصوف أي البروق المهلكة قال الجزري الصاعقة الموت وكل عذاب مهلك وصيحة العذاب
والمحراق الذي بيد الملك سائق السحاب ولا يأتي على شيء إلا أحرقه أو نار تسقط من
السماء وصعقتهم السماء كمنع صاعقة مصدرا كالراعية أصابتهم بها انتهى وفي رواية ابن
شاذان وإذا ساق به متراكم السحاب التمعت صواعق البروق.
ومشيعي الثلج
والبرد والهابطين مع قطر المطر إذا نزل أي إذا نزل المطر إلى الأرض لا عند نزوله
إلى السحاب ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى كل من الثلج والبرد والمطر لكنه بعيد
وقال الوالد الظاهر أنه عليه السلام أراد بقوله إذا نزل العموم أي كلما نزل ليفيد
فائدة يعتد بها وتغيير العبارة في التشييع والهبوط إما لمحض التفنن أو لأن الغالب
في الثلج والبرد في أكثر البلاد أنهما للضرر فلم ينسب الضرر إليهم صريحا بخلاف
المطر.
وأقول
: يمكن على ما سيأتي
في الخبر أن البرد ينزل من السماء إلى السحاب فتذيبه حتى تصير مطرا أن يكون إشارة
إلى ذلك فإن الثلج والبرد يشايعونهما
__________________
من أول الأمر
بخلاف المطر فإنهم يهبطون معه بعد الذوبان أو يقال النكتة إسناد الخير إلى الله
والضرر إليهم لأن في التشييع نوع معاونة بخلاف الهبوط.
أقول
: قد مر وسيأتي
الأخبار في تفاصيل تلك الأمور.
والقوام على خزائن
الرياح القوام جمع قائم ككفار وكافر أي الحافظين لها في خزائنها المرسلين لها قدر
الحاجة بأمره تعالى ويمكن أن يكون كناية عن كون أسبابها بيدهم وقيل كل ما ورد في
الكتاب الكريم الرياح بلفظ الجمع فهو في الخير كقوله تعالى « أَنْ يُرْسِلَ
الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ » وكلما كان بلفظ المفرد فهو للشر كقوله سبحانه « وَأَرْسَلْنا
عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ » وأقول إذا اطردت القاعدة في تلك العبارة فالنكتة في تخصيص
الخير بالذكر ظاهرة وستأتي الأخبار في أنواع الرياح وأساميها وصفاتها في الباب
المختص بها.
فلا تزول أي
الجبال بسبب حفظ الموكلين لها أو هم دائما فيها لا يزولون عنها والأول أظهروالذين
عرفتهم مثاقيل المياه المياه جمع الماء وأصلها ماه وقيل موه ولهذا يرد إلى أصله في
الجمع والتصغير فيقال مياه ومويه وأمواه وربما قالوا أمواء بالهمزة وماهت الركية
كثر ماؤهاو كيل ما تحويه أي مقدار ما تجمعه وتحيط به لواعج الأمطار أي شدائدها
ومضراتها وما تحرق النبات وتخرب الأبنية كما أفيدوعوالجها أي متراكماتها قال السيد
الداماد رحمهالله اللواعج جمع لاعجة أي مشتداتها القوية يقال لاعجه الأمر
إذا اشتد عليه والتعج من لاعج الشوق ولواعجه ارتمض واحترق وضرب لاعج أي شديد يلعج
الجلد أي يحرقه وكذلك عوالجها جمع عالج يعني متلاطماتها ومتراكماتها وفي الحديث إن
الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة يعني أن الدعاء في صعوده يلقى
البلاء في نزوله فيعتلجان
__________________
قال في الفائق أي
يصطرعان ويتدافعان وفي النهاية في حديث الدعاء ما تحويه عوالج الرمال هي جمع عالج
وهو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض.
ورسلك جمع الرسول من
الملائكة بيان للرسل أو من للتبعيض وقيل إن الملك اسم مكان والميم فيه غير أصلية
بل زائدة فالأصل ملأك ولذلك يجمع على الملائكة والملائكة نقلت حركة الهمزة إلى
اللام ثم حذفت لكثرة الاستعمال فقيل ملك وقال بعضهم أصله مألك بتقديم الهمزة من
الألوكة الرسالة فقلبت الهمزة مكانا ثم حذفت في كثرة الاستعمال للتخفيف فقيل ملك وجمع على
الملائكة وقد يحذف الهاء فيقال ملائك إلى أهل الأرض متعلق برسلك بمكروه ما ينزل الباء
للملابسة أو السببية أي بالذي ينزل وهو مكروه للطباع.
من البلاء بيان
للمكروه والنازل وإنما سمي المكروه النازل على العباد بلاء لابتلاء الله تعالى
العباد وامتحانهم به هل يصبرون أم لا وإن كان على المجاز ومحبوب الرخاء عطف على
مكروه وهو أيضا من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الرخاء المحبوب وقيل الإضافة بيانية
والرخاء النعمة يقال رجل رخي البال أي واسع الحال والمراد إما نزولهم لأصل حصول
البلاء والرخاء وتسبب أسبابهما أو للإخبار بهما في ليلة القدر وغيرها والسفرة
الكرام البررة السفرة كالكتبة لفظا ومعنى جمع سافر والسفر الكتاب قال الجوهري
السفرة الكتبة قال تعالى « بِأَيْدِي
سَفَرَةٍ » وقد يظن أنه جمع سفير وهو المصلح بين الناس لكن الغالب في
جمع السفير السفراء والكرام ضد اللئام وقيل الكرام على الله الأعزاء عليه وقيل
الأسخياء الباذلين الاستغفار للعباد مع تماديهم في العصيان والبررة الأتقياء وقد
مر الكلام فيها والمراد هنا الملائكة الكاتبون للوحي المؤدون إلى غيرهم أو
الموكلون باللوح المحفوظ. وقيل : هم
__________________
الكاتبون لأعمال
العباد وما بعده تأكيد له ولا يخلو من بعد إذ التأسيس أولى من التأكيد وأيضا
الظاهر أنه إشارة إلى ما ورد في الآية وهي في سياق وصف القرآن كما عرفت سابقا ينفي
هذا الدعاء ما مر من الأقوال في الآية سوى القول بأنهم الملائكة.
والحفظة الكرام
الكاتبين إشارة إلى قوله سبحانه « وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » وقال الطبرسي رحمهالله « وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ » من الملائكة يحفظون عليكم ما تعملون من الطاعات والمعاصي
ثم وصف الحفظة فقال « كِراماً
» على ربهم « كاتِبِينَ » يكتبون أعمال بني آدم انتهى ويدل على تعددهم
لكل إنسان قوله تعالى « عَنِ
الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ » ويدل كثير من الأخبار على أن ملائكة الليل غير ملائكة
النهار كما ورد في تفسير قوله تعالى « إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً » أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار والحكمة في خلقهم
وتوكيلهم على العباد مع كونه سبحانه أعلم بهم منهم كثيرة قد مر بعضها في بعض
الأخبار.
وملك الموت
وأعوانه اسم ملك الموت عزرائيل ويدل على أن له أعوانا كما دلت عليه الآيات
والأخبار فإنه تعالى قال « اللهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » وقال سبحانه « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي
وُكِّلَ بِكُمْ » وقال جل وعلا « تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ » وقال عز وجل « الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ
__________________
الْمَلائِكَةُ
طَيِّبِينَ » وقال « الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ »
وروى الصدوق في التوحيد
أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في جواب الزنديق المدعي للتناقض في القرآن
المجيد حيث سأل عن هذه الآيات إن الله يدبر الأمور كيف يشاء ويوكل من خلقه من يشاء
بما يشاء أما ملك الموت فإن الله عز وجل يوكله بخاصة من يشاء من خلقه ويوكل رسله
من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه تبارك وتعالى والملائكة الذين سماهم الله عز
وجل يوكلهم بخاصة من يشاء من خلقه والله تعالى يدبر الأمور كيف يشاء . وروى الطبرسي
رحمه الله هذا الخبر في الإحتجاج والجواب فيه هكذا هو تبارك وتعالى أجل وأعظم من
أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم « بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم
الذين قال الله فيهم « اللهُ
يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ » فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن
كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة
الرحمة وملائكة النقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتونه منسوب إليه وإذا
كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من
يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء وإن فعل أمناؤه فعله كما قال « وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ
أَنْ يَشاءَ اللهُ ».
٦ ـ وروى الصدوق
في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه قال في ذلك إن الله تبارك وتعالى جعل لملك
الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس
يبعثهم في حوائجه فتتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت عن الملائكة مع ما يقبض هو
ويتوفاهم الله عز وجل عن ملك الموت .
__________________
ومنكر ونكير ومبشر
وبشير الأخيران لم يكونا في أكثر الروايات وقد مر في كتاب المعاد أن الأسماء
لملكين أو لنوعين من الملائكة يأتيان الميت في قبره للسؤال عن العقائد أو عن بعض
الأعمال أيضا فإن كان مؤمنا أتياه في أحسن صورة فيسميان مبشرا وبشيرا وإن كان
كافرا أو مخالفا أتياه في أقبح صورة فيسميان منكرا ونكيرا ويحتمل مغايرة هذين
النوعين للأولين لكن ظاهر أكثر الأخبار الاتحاد ويؤيده ترك الآخرين هنا في أكثر
الروايات بل في أكثر الأخبار عبر عنهما بمنكر ونكير للمؤمن وغيره وقد مضت الأخبار
في ذلك وتحقيق القول فيه فيمن يسأل وفيما يسأل عنه وكيفية الإحياء والسؤال قد مر
في المجلد الثالث فلا نعيدها حذرا من التكرار.
ورومان فتان
القبورأي ممتحن القبور والمختبر فيها في المسألة ولم أر ذكر هذا الملك في أخبارنا
المعتبرة سوى هذا الدعاء وهو مذكور في أخبار المخالفين روى مؤلف كتاب زهرة الرياض
عن عبد الله بن سلام أنه قال : سألت رسول الله عن أول ملك يدخل في القبر على الميت
قبل منكر ونكير قال صلى الله عليه واله يا ابن سلام يدخل على الميت ملك قبل أن
يدخل نكير ومنكر يتلألأ وجهه كالشمس اسمه رومان فيدخل على الميت فيدخل روحه ثم
يقعده فيقول له اكتب ما عملت من حسنة وسيئة فيقول بأي شيء أكتب أين قلمي وأين
دواتي فيقول قلمك إصبعك ومدادك ريقك اكتب فيقول على أي شيء أكتبه وليس معي صحيفة
قال فيمزق قطعة من كفنه فيقول اكتب فيها فيكتب ما عمل في الدنيا من حسنة فإذا بلغ
سيئة استحيا منه فيقول له الملك يا خاطئ أفلا كنت تستحيي من خالقك حيث عملتها في
الدنيا والآن تستحيي مني فيكتب فيها جميع حسناته وسيئاته ثم يأمره أن يطويه ويختمه
فيقول بأي شيء أختمه وليس معي خاتم فيقول اختمها بظفرك ويعلقها في عنقه إلى يوم
القيامة كما قال الله تعالى « وَكُلَّ
إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ » الآية ثم يدخل بعد ذلك منكر ونكير.
وروى شاذان بن جبرئيل رحمه الله في كتاب الفضائل عن أصبغ بن نباتة
قال : إن سلمان رضي الله عنه قال لي اذهب بي إلى المقبرة فإن رسول الله صلى الله
عليه واله قال لي يا سلمان سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك فلما ذهبت به إليها ونادى
الموتى أجابه واحد منهم فسأله سلمان عما رأى من الموت وما بعده فأجابه بقصص طويلة
وأهوال جليلة وردت عليه إلى أن قال لما ودعني أهلي وأرادوا الانصراف من قبري أخذت
في الندم فقلت يا ليتني كنت من الراجعين فأجابني مجيب من جانب القبر« كَلاَّ إِنَّها
كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » فقلت له من أنت قال أنا منبه أنا ملك وكلني الله عز وجل
بجميع خلقه لأنبههم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عز وجل ثم
إنه جذبني وأجلسني وقال لي اكتب عملك فقلت إني لا أحصيه فقال لي أما سمعت قول ربك
« أَحْصاهُ
اللهُ وَنَسُوهُ » ثم قال لي اكتب وأنا أملي عليك فقلت أين البياض فجذب جانبا من كفني
فإذا هو ورق فقال هذه صحيفتك فقلت من أين القلم فقال سبابتك قلت من أين المداد قال
ريقك ثم أملى علي ما فعلته في دار الدنيا فلم يبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة إلا
أملاها كما قال تعالى « وَيَقُولُونَ
يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ
أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً » ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي أن
جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت له يا منبه ولم تفعل بي كذا قال ألم
تسمع قول ربك « وَكُلَّ
إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ
حَسِيباً » فهذا تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك وكتابك بين عينيك
منشورا تشهد فيه على نفسك ثم انصرف عني تمام الخبر.
__________________
وفي رواية ابن
شاذان ومنكر ورومان فتان القبور وسائر الفقرات فيها بالرفع على سياقة صدر الدعاء والطائفين
بالبيت المعمور قد مر وصف البيت وطائفيه ومالك والخزنة أي خزان النار من الملائكة
الموكلين بها وبتعذيب أهلها ومالك رئيسهم ورضوان بالكسر وفي بعض النسخ بالضم وهو
اسم رئيس خزنة الجنان وخدمتها والمشهور في الاسم الكسر والمصدر وجاء بهما في
القرآن واللغة وسدنة الجنان. أي خدمتها في القاموس سدن سدنا وسدانة خدم الكعبة أو
بيت الصنم وعمل الحجابة فهو سادن والجمع سدنة.
والذين لا يعصون الله
ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون عطف تفسير لقوله مالك والخزنة إشارة إلى قوله سبحانه «
يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ »
والذين يقولون عطف تفسير
لقوله رضوان وسدنة الجنان فالنشر على ترتيب اللف ويحتمل أن يكون هذا حال بعض سدنة
الجنان فيكون تخصيصا بعد التعميم كذكر الزبانية بعد خزنة النيران وتقديم أحوال أهل
النار فيهما لأن الخوف أصلح بالنسبة إلى غالب الناس من الرجاء لغلبة الشهوات
الداعية إلى ارتكاب السيئات عليهم سلام عليكم إشارة إلى قوله تعالى في وصف أهل
الجنة « وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ
فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ » وقال البيضاوي « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » بشارة بدوام السلامة « بِما صَبَرْتُمْ » متعلق بعليكم أو بمحذوف أي هذا بما صبرتم لا بسلام فإن
الخبر فاصل والباء للسببية أو البدلية .
« فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ » العقبى الجزاء أي نعم العقبى عقبى الدار لكم خاصة أيها
المؤمنون وروى الكليني وعلي بن إبراهيم بأسانيد معتبرة عن أبي جعفر
__________________
عليه السلام في
وصف حال المتقين في القيامة وبعد دخولهم الجنة قال ثم يبعث الله إليه ألف ملك
يهنئونه بالجنة ويزوجونه الحوراء قال فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل
بأبواب جنانه استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه فيقول لهم الملك
حتى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم قال فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث
جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب
العالمين ليهنئوا ولي الله وقد سألوا أن آذن لهم عليه فيقول
الحاجب إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو مع زوجته الحوراء قال وبين
الحاجب وبين ولي الله جنتان قال فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له إن على باب
العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن فيقدم القيم إلى الخدام
فيقول لهم إن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون ولي الله فأعلموه بمكانهم
قال فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب
وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح
كل ملك بابه الموكل به قال فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة قال
فيبلغونه رسالة الجبار جل وعز وذلك قول الله عزوجل
__________________
« وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ
كُلِّ بابٍ » أي من أبواب الغرفة « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » إلى آخر الآية قال وذلك قوله عزوجل : « وَإِذا رَأَيْتَ
ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » يعني بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك
العظيم الكبير أن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلا
بإذنه فذلك الملك العظيم الكبير الخبر .
والزبانية الذين
إذا قيل لهم خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه الزبانية هم الملائكة التسعة عشر الموكلون
بالنار وهم الغلاظ الشداد قال الجوهري الزبانية عند العرب الشرط وسمي بذلك بعض
الملائكة لدفعهم أهل النار إليها قال الأخفش قال بعضهم واحدها زباني وقال بعضهم
زابن وقال بعضهم زبنية مثال عفرية وقال والعرب لا تكاد تعرف هذا وتجعله من الجمع
الذي لا واحد له مثل أبابيل وعباديد وقال صليت اللحم وغيره أصليه صليا مثل رميته
رميا إذا شويته وفي الحديث أنه أتي بشاة مصلية أي مشوية ويقال أيضا صليت الرجل
نارا إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت
أصليته بالألف وصليته تصلية وقرئ ويصلى سعيرا ومن خفف فهو من قولهم صلي فلان النار
بالكسر يصلى صليا احترق ويقال أيضا صلي بالأمر إذا قاسى حره وشدته ابتدروه سراعا أي
حالكونهم مسرعين جمع سريع ولم ينظروه أي لم يمهلوه ومن أوهمنا ذكره أي الملائكة
الذين تركنا ذكرهم على الخصوص وإن كانوا داخلين في العموم قال الجوهري أوهمت الشيء
تركته كله يقال أوهم من الحساب مائة أي أسقط وأوهم من صلاته ركعة ولم نعلم مكانه
منك أي منزلته عندك أو نسبته إلى عرشك وبأي أمر وكلته عطف على قوله مكانه والظرف
متعلق بوكلته قدم عليه لمزيد الاهتمام لأن
__________________
المجهول هذا القيد
لا أصل التوكيل والمعنى ولم نعلم توكيلك إياه بأي أمر من أمورك وفيه بعض المنافاة
لما يظهر من أكثر الأخبار من سعة علمهم عليهم السلام واطلاعهم على جميع العوالم أو
المخلوقات وإن الله أراهم ملكوت الأرضين والسماوات إلا أن يقال إنه عليه السلام
قال ذلك على سبيل التواضع والتذلل أو المعنى لا نعلمهم من ظاهر الكتاب والسنة وإن
علمنا من جهة أخرى لا مصلحة في إظهارها أو لا نعلم في هذا الوقت خصوص مكانه وعمله
فإنه لا استبعاد في عدم علمهم عليهم السلام ببعض تلك الخصوصيات الحادثة أو قال
عليه السلام ذلك بلسان غيره ممن يتلو الدعاء فإنه عليهالسلام جمع الأدعية وأملاها لذلك بل هو من أعظم نعمهم على شيعتهم
صلوات الله عليهم.
وسكان الهواء
والأرض والماء يدل على أن لكل منها سكانا من الملائكة كما روى الشيخ بسنده عن أبي
عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام إنه [ ص ] نهى أن يبول
الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة وقال إن للماء أهلا وفي وصية النبي صلى الله
عليه واله لعلي عليه السلام قال كره الله لأمتي الغسل تحت السماء إلا بمئزر وكره
دخول الأنهار إلا بمئزر فإن فيها سكانا من الملائكة. وفي رواية أخرى رواها الصدوق
في المجالس قال : في الأنهار عمار وسكان من الملائكة. وروى أيضا في العلل بإسناده
عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عز وجل وكل ملائكة بنبات الأرض من الشجر
والنخل فليس من شجرة ولا نخلة إلا ومعها من الله عز وجل ملك يحفظها وما كان فيها
ولو لا أن معها من يمنعها لأكلها السباع وهوام الأرض إذا كان فيها ثمرها الخبر .
ومن منهم على
الخلق أي الملائكة الذين هم مع الخلق أو مستولون عليهم أو موكلون بهم من جملة سائر
الملائكة وهم أصناف شتى قد مر أكثرها كالمعقبات ومن يثني برقبة المتخلي ليعتبر بما
صار إليه طعامه والمشيعين لعائد المريض ولزائر المؤمن ومن يأتي منهم للسؤال ابتلاء
ومن يمسح ومن يمسح
__________________
يده على قلب
المصاب ليسكنه والموكلين بالدعاء للصائمين والذين يمسحون وجه الصائم في شدة الحر
ويبشرونه والملائكة الساكنين في حرم حائر الحسين عليهالسلام يشيعون الزائرين ويعودون مرضاهم ويؤمنون على دعائهم والذين
يدفعون وساوس الشياطين عن المؤمنين وأمثال ذلك كثيرة في الأخبار وهذا بناء على أن
الخلق بمعنى المخلوق ويمكن حمله على المعنى المصدري فيكون إشارة إلى ما روي في
أخبار كثيرة أن لله ملكين خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين
فأخذوا من التربة التي قال الله تعالى في كتابه « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ
وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » فعجنوها في النطفة المسكنة في الرحم فإذا عجنت النطفة
بالتربة قالا يا رب ما تخلق قال فيوحي الله تبارك وتعالى ما يريد من ذلك الخبر فصل عليهم يوم
تأتي كل نفس يوم ظرف للصلاة وربما يومئ إلى أن هذا الحكم يعم الملائكة أيضا غير السائق
والشهيد وذكر اليوم بهذا الوصف لبيان أن الملائكة في هذا اليوم أيضا لهم أشغال
عظيمة أو لبيان أن هذا اليوم يوم الاحتياج إلى الملائكة « مَعَها سائِقٌ
وَشَهِيدٌ » هما ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر والآخر يشهد بعمله وقيل
ملك واحد جامع للوصفين وقيل السائق كاتب السيئات والشهيد كاتب الحسنات وقيل السائق
نفسه والشهيد جوارحه وأعماله ومحل معها النصب على الحالية من كل لإضافته إلى ما هو
في حكم المعرفة ذكره البيضاوي عند قوله تعالى « وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ
» وفي بعض النسخ قائم مكان السائق والسائق أوفق بالآية ولا
يتغير المعنى إذ المراد بالقائم من يقوم بأمره ويسوقه إلى محشره ولعل المراد أقل
من يكون مع كل أحد أو المراد بهما الجنس إذا ورد في كثير من الأخبار أنه يشايع
الأخيار آلاف من الملائكة ومع بعض الأشرار أيضا كذلك لشدة تعذيبهم وكذا الشهداء من
الملائكة في أكثر الأخبار أكثر من واحد وصل عليهم تأكيد لما سبق صلاة تزيدهم كرامة
__________________
على كرامتهم أي تصير سببا
لمزيد قدرهم ومنزلتهم عند ربهم وطهارة على طهارتهم أي موجبا لمزيد عصمتهم وتقدسهم وتنزههم وإن كانت العصمة عن
الكبائر والصغائر لازمة لهم ويمكن أن يكون فائدة هذا الدعاء راجعة إلينا لا إليهم اللهم وإذا صليت في بعض النسخ إذ
بدون الألف وعليهم مكان علينا فعلى الأول المعنى كل وقت صليت عليهم وبلغتهم
صلواتنا عليهم فصل علينا وارحمنا بسبب أنك وفقتنا لذلك وصرنا سببا لهذه الرحمة
وأيضا الجواد الكريم يشفع كل نعمة منه بأخرى ولا يكتفي بواحدة منها وعلى النسخة
الأخرى المعنى لما صليت عليهم وبلغتهم وصلاتنا عليهم فصل عليهم تارة أخرى بسبب
أنهم صاروا سببا لتوفيقك إيانا للصلاة عليهم وحسن القول فيهم وفي بعض النسخ إذ
وعلينا وهو أظهر والجواد في أسمائه تعالى هو الذي لا يبخل بعطائه ويعطي كلا ما
يستحقه والكريم فيها هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه أو الجامع لأنواع الخير
والشرف والفضائل والكريم أيضا الصفوح.
وأقول
: إنما أوردت هذا
الدعاء الشريف هنا وأعطيت في شرحه بعض البسط لكونه فذلكة لسائر الأخبار والآيات
الواردة في أصنافهم ودرجاتهم ومراتبهم مع تواتره سندا ومتانته لفظا ومعنى.
وقال النيسابوري
في تفسيره روي أن بني آدم عشر الجن والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر وهؤلاء كلهم
عشر الطيور وهؤلاء عشر حيوان البحر وكلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين بها وكل هؤلاء
عشر ملائكة سماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية وعلى هذا الترتيب إلى
ملائكة السماء السابعة ثم الكل في مقابلة الكرسي نزر قليل ثم كل هؤلاء عشر ملائكة
السرادق الواحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق وعرضه وسمكه
إذا قوبلت به السماوات والأرض وما فيها فإنها كلها يكون شيئا يسيرا وقدرا قليلا
وما مقدار موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم زجل بالتسبيح والتقديس
ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول
العرش كالقطرة في
البحر ولا يعرف عددهم إلا الله ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل
والملائكة الذين هم جنود جبرائيل وهم كلهم سامعون مطيعون « لا يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبادَتِهِ » و « لا يَسْأَمُونَ ».
فائدة
: قال بليناس في
كتاب علل الأشياء إن الخالق عز وجل لما ضرب الخلقة بعضها ببعض وطال مكثها خلق
الأرواح المتفكرة القادرة فخلقهن من حرارة الريح ونور النار فمنهم خلق خلقوا من حر
الريح الباردة ومنهم خلق خلقوا من نور النار الحارة ومنهم خلق خلقوا من حركة الماء
البارد ومنهم خلق خلقوا من حركة الماء الحار ومنهم خلق خلقوا من الماء المالح فخلق
الله الخلقة العلوية من هذه الثلاث طبائع وليس فيهم من طبيعة التراب شيء ومن خلق
منهم في السفل فإنها خلقت من الطبائع الثلاث التي ذكرت مفردات غير مركبات إذ لو
كانوا مركبين إذا لأدركهم الموت والافتراق. فهذه جميع أجناس المتفكرة من الملائكة
والجن والشياطين وسكان الريح الباردة والبحر والأرض السود والبيض والكواكب العلوية
تشرق بنورها عليهم فتتصل أنوارهم بنورها ولا يشغلون مكانا لأنهم نور ولا يأخذون
مكان غيرهم فهم ملئوا الطبائع يدبرونها ويقبلون عليها وكل طبيعة من الطبائع فيها
خلق عظيم من الروحانيين ولا يقع عليهم التفصيل والفناء لأنهم ليسوا مركبين وإنما
هم من جوهر واحد فلذلك صاروا أكثر شيء عددا لا يسأمون ولا ينامون ولا يملون يعملون
دائبين بالليل والنهار بما وكلوا به من حركة الفلك وإدخال بعضها في بعض وحركة
الشمس والقمر والكواكب والأمطار والرياح والحر والبرد والإقبال والإدبار في النبات
والحيوان والمعادن وأفاعيل الإنس والحيوان وكلهم يعمل دائبا بالأمر الذي وكل به
وهم أجناس جنس منهم في الفلك الأعلى وهم قيام على أرجلهم لا يجلسون لأن طبيعتهم
روحانية لطيفة فبلطافتهم لا يقدرون أن يجلسوا لأنها تجذبهم إلى العلو وكلهم يسبحون
للذي خلقهم منذ يوم خلقهم لا يعملون ولا يتحركون يمينا ولا شمالا وليس لهم عمل غير
التسبيح للرب لهم غلظ وشدة
لحدة طبائعهم
لأنهم خلقوا من حر النار. وعلى فلك المشتري خلق عظيم من الروحانيين كذلك وهم خلق
معتدل ساكن لأنهم خلقوا من روح الماء ليس لهم قسوة وفظاظة يدبرون فلك المشتري
ويقبلون ويتحركون مع حركته ويمجدون الذي خلقهم وفي فلك المريخ خلق عظيم من
النورانيين وهم غلاظ شداد لأنهم خلقوا من نور النار اليابسة فلذلك لا رأفة لهم ولا
رحمة يدبرون ويقبلون مع المريخ في دوران الفلك لم يملكوا غير ذلك لأنهم لا رحمة
لهم ولذلك لم يوكلوا بشيء من أعمال الناس وفي فلك الشمس خلق من الكروبيين لهم قسوة
وفظاظة لشدة طبائعهم لأنهم خلقوا من الريح والروح ولهم أناة ونور فهم موكلون
بأعمال بني آدم على الحرث والنسل وهم الذين يحركون الشمس وبحركتها يخرج البخار
والدخان فيرفعون ذلك البخار إلى القمر ثم إلى الشمس ثم يصدونه إلى الكواكب العالية
فيكون لهم غذاء وهم على الثمار والزروع وولادة الحيوان وهم المسلطون على جميع
الروحانيين من تحتهم يعملون بأمرهم وهم لطاف نورانيون يدورون مع فلك الشمس ويعملون
معها ويعملون في إصلاح العالم وتوالد المواليد وهم الذين يحفظون شيعة الشيطان
وولده عن فساد العالم وخرابه وحفظ الحيوان منهم وإنما سموا ملائكة لأنهم ملكوا
زمام الشيطان لئلا يخربوا العالم. وفي فلك الزهرة أيضا خلق من الروحانيين لهم
اعتدال وصلاح فهم أحسنهم وجوها ولهم ريح طيب وبشر حسن يحبون الإنس وجميع ما تحتهم
من الحيوان حبا شديدا ولهم بهم رأفة ورحمة ورقة وهم الذين يسعون في تأليف الذكران
والإناث من كل شيء لمكان النسل والولادة وبذلك وكلوا وفي فلك عطارد روحانيون خلقوا
من حر الريح الحارة فاتصلوا بالروحانيين الذين خلقوا من النور وهم بين أيديهم مثل
العبيد لا يغيبون عن أعينهم طرفة عين يسارعون في خدمة ملائكة فلك الشمس ويعملون
بمسرتهم فهم لهم شبيه الوزراء وهم الموكلون بالنبات وإصلاحه وحفظ
النبت إذا طلع
__________________
عن وجه الأرض حتى
يتم بتمامه وهم أيضا موكلون بصغار الحيوان والحفظ لهم عن مردة الشياطين وإن القمر
جرمه من الشمس وضوؤه من نورها وهما دائبان يعملان في الليل والنهار وفلك القمر
مملو من الملائكة وهم ملائكة الرحمن مستبشر الوجوه لهم جمال وحسن صور وليس فيهم
غضب ولا شدة ولا قسوة على ولد آدم لقربهم منهم وهم أشبه الروحانيين بالآدميين وهم
متعطفون على الحيوان مصلحون للنبات دائبون في مسيرة بني آدم فلاتصالهم بهم ربما
ظهروا لهم وكلموهم وهم مسلطون على السماء يحرسون السماء من شيطانك وولده أن يسترقوا
السمع من الملائكة الأعلى المتصلين بفلك الشمس وهم الموكلون أيضا بالحب المبذور في
الأرض يحفظونه لئلا تعرض له الشياطين ليفسدونه فإن شيطانك وولده لهم قوة
عظيمة في العالم والحرث والنسل وكلما لطفت خلقه من الروحانيين ورقت كان أكثر أجنحة
ومنهم من له ستة أجنحة ومنهم من له خمسة أجنحة ومنهم من له أربعة أجنحة وكذلك إلى
جناح واحد وأما المفكرة التي في الطبائع حين ظهرت لحقوا بالطبائع فهم مستجنون في
الماء والتراب والريح لأنهم خلقوا من حر الماء المالح والريح العاصف والتراب
المنتن وهم يسمون شيطائيل وولده وهم عصاة جفاة مفسدون في الأرض لهم خبث عظيم وقوة
شديدة ومنظر قبيح ووجوه سمجة وأرواحهم قذرة وهم على الفساد والطغيان وفي خراب
العالم والخلقة العليا مسلطة عليهم يمنعونهم من خراب العالم وفساده انتهى .
__________________
وأقول
: إنما وردت ملخصا
من كلامه لتعلم أن أكثر كلمات قدماء الحكماء الذين أخذوا العلوم من الأنبياء
موافقة لما ورد في لسان الشرع وإنما أحدث المتأخرون منهم ما أحدثوا بآرائهم
العليلة الفاسدة.
(٢٤)
(باب)
(آخر في وصف الملائكة المقربين)
الآيات :
الشعراء
: « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ » .
النجم
: « عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » .
التكوير
: « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ
عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ » .
تفسير
: « نَزَلَ بِهِ » قال الطبرسي رحمهالله أي نزل الله بالقرآن « الرُّوحُ الْأَمِينُ » يعني جبرئيل عليه السلام وهو أمين الله عليه لا يغيره ولا
يبدله وسماه روحا لأنه يحيي به الدين وقيل لأنه يحيي به الأرواح بما ينزل من
البركات وقيل لأنه جسم روحاني « عَلى قَلْبِكَ » يا محمد وهذا على سبيل التوسع لأنه تعالى يسمعه جبرئيل
فيحفظه فينزل به على الرسول فيقرئه عليه فيعيه ويحفظه
__________________
بقلبه فكأنه نزل
به على قلبه وقيل معناه لقنك الله حق تلقينه وثبته على قلبك وجعل قلبك وعاء له .
وقال البيضاوي : القلب
إن أراد به الروح فذاك وإن أراد به العضو فتخصيصه لأن المعاني الروحانية إنما تنزل
أولا على الروح ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق ثم تتصعد إلى الدماغ
فينتقش بها لوح المتخيلة والروح الأمين جبرئيل فإنه أمين على وحيه « لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ » عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك .
« عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى » قال الطبرسي رحمهالله يعني به جبرئيل عليه السلام أي القوي في نفسه وخلقه « ذُو مِرَّةٍ » أي ذو قوة وشدة في خلقه عن الكلبي وقال من قوته أنه اقتلع
قرى قوم لوط من الماء الأسود فرفعها إلى السماء ثم قلبها ومن شدته صيحته لقوم ثمود
حتى أهلكوا وقيل معناه ذو صحة وخلق حسن عن ابن عباس وغيره وقيل شديد
القوى في ذات الله « ذُو
مِرَّةٍ » أي صحة في الجسم سليم من الآفات والعيوب وقيل « ذُو مِرَّةٍ » أي ذو مرور في الهواء ذاهبا وجائيا نازلا وصاعدا « فَاسْتَوى » جبرئيل على الصورة التي خلق عليها بعد انحداره إلى محمد
صلى الله عليه واله « وَهُوَ
» كناية عن جبرئيل أيضا « بِالْأُفُقِ الْأَعْلى » يعني أفق المشرق والمراد بالأعلى جانب المشرق وهو فوق جانب
المغرب في صعيد الأرض لا في الهواء. قالوا إن جبرئيل عليه السلام كان يأتي النبي
صلى الله عليه واله في صورة الآدميين فسأله رسول الله صلى الله عليه واله أن يريه
نفسه على صورته التي خلق عليها فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء أما
في الأرض ففي الأفق الأعلى وذلك أن محمدا صلى الله عليه واله كان بحراء فطلع له جبرئيل
عليه السلام من المشرق فسد الأفق إلى المغرب فخر
__________________
النبي صلى الله
عليه واله مغشيا عليه فنزل جبرئيل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه وهو قوله « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى
» وتقديره ثم دنا أي قرب بعد بعده وعلوه في الأفق الأعلى
فدنا من محمد صلى الله عليه وآله قال الحسن وقتادة ثم دنا جبرئيل بعد استوائه
بالأفق الأعلى من الأرض فنزل إلى محمد صلى الله عليه واله وقال الزجاج معنى دنا
وتدلى واحد لأن معنى دنا قرب وتدلى زاد في القرب وقيل إن المعنى استوى جبرئيل أي
ارتفع وعلا إلى السماء بعد أن علم محمدا صلى الله عليه واله عن ابن مسيب وقيل
استوى أي اعتدل واقفا في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة ليراه النبي صلى الله عليه
وآله وقيل : معناه استوى جبرئيل عليه السلام ومحمد بالأفق الأعلى يعني السماء
الدنيا ليلة المعراج « فَكانَ
قابَ قَوْسَيْنِ » أي كان ما بين جبرئيل عليه السلام وبين رسول الله صلى الله
عليه واله قاب قوسين والقوس ما يرمى به وخصت بالذكر على عادتهم يقال قاب قوس وقاد قوس وقيل
معناه كان قدر ذراعين كما روي عن النبي صلى الله عليه واله فمعنى القوس ما يقاس به
والذراع يقاس به « أَوْ
أَدْنى » قال الزجاج إن العباد قد خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم
وقيل لهم في هذا ما يقال للذي يحزز فالمعنى فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك
وقال عبد الله بن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه واله رأى جبرئيل وله ستمائة
جناح . وقال في قوله تعالى « إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » أي إن القرآن قول رسول كريم على ربه وهو جبرئيل عليه
السلام وهو كلام الله أنزله على لسانه « ذِي قُوَّةٍ » أي فيما كلف وأمر به من العلم والعمل وتبليغ الرسالة وقيل
ذي قدرة في نفسه ومن قوته قلع ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم
قلبها « عِنْدَ ذِي
الْعَرْشِ مَكِينٍ » معناه متمكن عند الله صاحب العرش وخالقه رفيع المنزلة عظيم
القدر عنده كما يقال فلان مكين عند السلطان والمكانة القرب « مُطاعٍ ثَمَ » أي في السماء تطيعه ملائكة السماء قالوا ومن طاعة الملائكة
لجبرئيل عليه السلام أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد صلى الله عليه
واله أبوابها فدخلها ورأى ما فيها وأمر
__________________
خازن النار ففتح
له عنها حتى نظر إليها « أَمِينٍ
» أي على وحي الله ورسالته إلى أنبيائه وفي الحديث أن رسول
الله صلى الله عليه واله قال لجبرئيل ما أحسن ما أثنى عليك ربك « ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ
ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » فما كانت قوتك وما كانت أمانتك فقال أما قوتي بعثت إلى مدائن لوط
فهي أربع مدائن وفي كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري فحملتهم من الأرض
السفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج ونباح الكلاب ثم هويت بهن فقلبتهن وأما
أمانتي فإني لم أومر بشيء فعدوته إلى غيره
« وَلَقَدْ
رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ » أي رأى محمد صلى الله عليه واله جبرئيل على صورته التي
خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق « وَما هُوَ عَلَى
الْغَيْبِ بِضَنِينٍ » قرأ أهل البصرة غير سهل وابن كثير والكسائي بالظاء
والباقون بالضاد فعلى الأول المعنى أنه ليس على وحي الله تعالى وما يخبر به من
الأخبار بمتهم فإن أحواله ناطقة بالصدق والأمانة وعلى الثاني أي ليس ببخيل فيما
يؤدي عن الله إذ يعلمه كما علمه الله تعالى .
١
ـ مجالس الصدوق : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن
حماد عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس قال : إن
رسول الله صلى الله عليه واله لما أسري به إلى السماء انتهى به جبرئيل إلى نهر
يقال له النور وهو قول الله عزوجل « خَلَقَ الظُّلُماتِ
وَالنُّورَ » فلما انتهى به إلى ذلك النهر قال له جبرئيل يا محمد اعبر
على بركة الله فقد نور الله لك بصرك ومد لك أمامك فإن هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك
مقرب ولا نبي مرسل غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه ثم أخرج منه فأنفض أجنحتي فليس
من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها
__________________
ملكا مقربا له
عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر.
٢
ـ تفسير علي بن إبراهيم : في خبر المعراج قال جبرئيل أقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل .
٣
ـ ومنه : عن أبيه عن ابن
أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله
عليه واله لما أسري بي إلى السماء رأيت ملكا من الملائكة بيده لوح من نور لا يلتفت
يمينا ولا شمالا مقبلا عليه ثبة كهيئة الحرير فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك الموت مشغول في قبض
الأرواح فقلت أدنني منه يا جبرئيل لأكلمه فأدناني منه فقلت له يا ملك الموت أكل من
هو مات أو هو ميت فيما بعد أنت تقبض روحه قال نعم قلت وتحضرهم بنفسك قال نعم ما
الدنيا كلها عندي فيما سخره الله لي ومكنني منها إلا كدرهم في كف الرجل يقلبه كيف
يشاء وما من دار في الدنيا إلا وأدخلها في كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى أهل
البيت على ميتهم لا تبكوا عليه فإن لي إليكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد قال رسول
الله صلى الله عليه واله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال جبرئيل ما بعد الموت أطم
وأعظم من الموت .
٤
ـ ومنه : في قوله تعالى « لَقَدْ رَأى مِنْ
آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى » قال رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل له
ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء والأرض .
٥
ـ التوحيد : عن أبيه عن سعد عن
القاسم بن محمد الأصفهاني عن سليمان المنقري عن حفص بن غياث أو غيره قال : سألت أبا
عبدالله عليه السلام عن قول الله
__________________
عزوجل « لَقَدْ رَأى » الآية وذكر مثله .
٦
ـ معاني الأخبار : قال : جبرئيل معناه عبد الله وميكائيل معناه عبيد الله وكذلك معنى إسرافيل
عبيد الله .
٧
ـ الخصال : عن الحسين بن أحمد
بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أحمد عن أبي عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن
أبي عثمان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن الأول قال قال رسول الله صلى الله عليه
واله إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شيء أربعة اختار من الملائكة جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل وملك الموت الخبر .
٨
ـ تفسير علي بن إبراهيم : عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان بينا رسول الله جالسا وعنده جبرئيل
عليه السلام إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السماء فانتقع لونه حتى صار كأنه كركم ثم لاذ برسول
الله صلى الله عليه واله فنظر رسول الله إلى حيث جبرئيل فإذا شيء قد ملأ بين
الخافقين مقبلا حتى كان كقاب من الأرض ثم قال يا محمد إني رسول الله إليك أخيرك أن
تكون ملكا رسولا أحب إليك أو أن تكون عبدا رسولا فالتفت رسول الله صلى الله عليه
واله إلى جبرئيل وقد رجع إليه لونه فقال جبرئيل بل كن عبدا رسولا فقال رسول الله
بل أكون عبدا رسولا فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع الأخرى
فوضعها في الثانية ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء
السابعة بعد كل سماء خطوة وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الصر فالتفت رسول
الله
__________________
صلى الله عليه
وآله إلى جبرئيل عليه السلام فقال قد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا كان أذعر لي من
تغير لونك فقال يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا قال لا قال هذا إسرافيل حاجب
الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض ولما رأيته منحطا
ظننت أنه جاء بقيام الساعة فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك فلما رأيت ما اصطفاك
الله به رجع إلي لوني ونفسي أما رأيته كلما ارتفع صغر إنه ليس شيء يدنو من الرب
إلا صغر لعظمته إن هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين عينيه من ياقوتة
حمراء فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم ألقاه
إلينا فنسعى به في السماوات والأرض إنه لأدنى خلق الرحمن منه وبيني وبينه تسعون حجابا من نور
تقطع دونها الأبصار ما لا يعد ولا يوصف وإني لأقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة
ألف عام.
بيان
: قال الجوهري حان
له أن يفعل كذا يحين حينا أي آن وحان حينه أي قرب وقته وقال قال الكسائي امتقع
لونه إذا تغير من حزن أو فزع قال وكذلك انتقع وابتقع وبالميم أجود وقال الكركم الزعفران
وقال لاذ به لواذا ولياذا أي لجأ إليه وعاذ به وفي القاموس الصر طائر كالعصفور
وأصغر يدنو من الرب أي من موضع مناجاته أو من عرشه سبحانه ما لا يعد ولا يوصف أي
دونها وقبل الوصول إليها ما لا يعد ولا يوصف انقطع عندها الأبصار
ولا تقدر على النظر إليها وفي بعض النسخ ما يعد بدون لا فيمكن أن يكون بدلا من
تسعون حجابا وما موصولة أي يحيط به العدد دون الوصف والمراد بالحجب إما الحجب
المعنوية كما مر أو المراد بينه وبين
__________________
عرشه أو بين منتهى
خلقه أو بين محل يصدر منه الوحي.
أقول
: ورأيت بخط بعض
المشايخ هذا الحديث منقولا من كتاب مدينة العلم للصدوق رحمهالله بحذف الإسناد عن جابر مثله.
٩
ـ ومنه : أيضا عن الصادق
عليه السلام قال : إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا فيما يأمره به صارت
رجله في السماء السابعة والأخرى في الأرض السابعة.
١٠
ـ ومنه : عن الصادق عليه
السلام قال : إن الله خلق حية قد أحدقت بالسماوات والأرض قد جمعت رأسها وذنبها تحت
العرش فإذا رأت معاصي العباد أسفت واستأذنت أن تبلع السماوات والأرض.
١١
ـ القصص : بالإسناد المتقدم
في باب العوالم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : إن الله خلق الملائكة روحانيين
لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله فأسكنهم فيما بين أطباق السماوات يقدسونه
الليل والنهار واصطفى منهم إسرافيل وميكائيل وجبرئيل.
١٢
ـ صحيفة الرضا : عنه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لما أسري بي
إلى السماء رأيت في السماء الثالثة رجلا قاعدا رجل له في المشرق ورجل له في المغرب
وبيده لوح ينظر فيه ويحرك رأسه فقلت يا جبرئيل من هذا قال هذا ملك الموت .
١٣
ـ الخرائج : عن سعد بن عبد
الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن الحسن بن علي عن جعفر بن بشير عن معتب غلام الصادق
عليه السلام قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام بالعريض فجاء يمشي حتى دخل
مسجدا كان يعبد الله فيه أبوه وهو يصلي في موضع من المسجد فلما انصرف قال يا معتب
ترى هذا الموضع قلت نعم قال : بينما أبي عليه السلام قائم يصلي في هذا المكان إذ
دخل شيخ يمشي حسن السمت فجلس فبينما هو جالس إذ جاء رجل آدم حسن الوجه والتمسه
فقال للشيخ ما يجلسك ليس بهذا أمرت فقاما وانطلقا وتواريا عني فلم أر شيئا فقال يا
بني
__________________
هل رأيت الشيخ
وصاحبه فقلت نعم فمن الشيخ وصاحبه قال الشيخ ملك الموت والذي جاء فأخرجه جبرئيل.
١٤
ـ ومنه : عن سعد بن عبد
الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان بن عثمان عن
زرارة قال قال أبو عبد الله عليه السلام بينما أنا في الدار مع جارية لي إذ أقبل
رجل قاطب بوجهه فلما رأيته علمت أنه ملك الموت فاستقبله رجل آخر أطلق منه وجها
وأطلق منه بشرا فقال له ليس بذا أمرت فبينما أنا أحدث الجارية إذ قبضت.
بيان
: ليس بهذا أمرت أي
بالتأخير أو بملاقاة غير المتوفى أو بالقطوب للإمام وفي الخبر السابق يحتمل الجلوس
أو قبض الإمام عليه السلام مع الاحتمالين الأولين والله يعلم.
١٥
ـ المتهجد : في تعقيب صلاة
أمير المؤمنين وباسمك المكتوب على جبهة إسرافيل وبقوة ذلك الاسم الذي ينفخ به
إسرافيل في الصور وأسألك باسمك المكتوب على راحة رضوان خازن الجنان.
١٦
ـ الإختصاص : بإسناده عن ابن عباس قال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه واله فيما سأله
من أخبرك قال النبي صلى الله عليه واله جبرئيل قال عمن قال قال عن ميكائيل قال عمن
قال قال عن إسرافيل قال عمن قال قال عن اللوح المحفوظ قال عمن قال عن القلم قال
عمن قال قال عن رب العالمين قال صدقت فأخبرني عن جبرئيل في زي الإناث أم في زي الذكور قال في زي
الذكور قال فأخبرني ما طعامه قال طعامه التسبيح وشرابه التهليل قال صدقت يا محمد
فأخبرني ما طول جبرئيل قال إنه على قدر بين الملائكة ليس بالطويل العالي ولا
بالقصير المتداني
__________________
له ثمانون ذؤابة
وقصة جعدة وهلال بين عينيه أغر أدعج محجل ضوؤه بين الملائكة كضوء النهار عند ظلمة
الليل له أربع وعشرون جناحا خضراء مشبكة بالدر والياقوت مختمة باللؤلؤ وعليه وشاح
بطانته الرحمة وأزراره الكرامة ظهارته الوقار ريشه الزعفران واضح الجبين أقنى
الأنف سائل الخدين مدور اللحيين حسن القامة لا يأكل ولا يشرب ولا يمل ولا يسهو قام
بوحي الله إلى يوم القيامة قال صدقت يا محمد ثم ساق الحديث إلى أن قال وما
الثلاثة قال صلى الله عليه واله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وهم رؤساء الملائكة وهم
على وحي رب العالمين .
بيان
: طعامه التسبيح أي
يتقوون بالتسبيح والتهليل كما يتقوى الإنسان بالطعام والشراب ولا يبقى بدونهما
والقصة بالضم شعر الناصية ذكره الجوهري وقال الغرة بالضم بياض في جبهة الفرس فوق
الدرهم يقال فرس أغر والأغر الأبيض ورجل أغر أي شريف وقال الدعج شدة سواد العين مع
سعتها والأدعج من الرجال الأسود وقال التحجيل بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها
أو في رجليه قل أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين لأنها
مواضع الأحجال وهي الخلاخيل والقيود يقال فرس محجل وقال الوشاح ينسج من أديم عريضا
ويرصع بالجواهر وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها انتهى والمراد بالوشاح إما المعنوي
فالصفات ظاهرة أو الصوري فالمعنى أن بطانته علامة رحمة الله له أو للعباد وكذا
الباقيتان والقنى احديداب في الأنف.
١٧
ـ الكافي : عن عدة من أصحابه
عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن حنان بن سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت
له أخبرني عن قول يعقوب لبنيه « اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ » أكان يعلم أنه حي وقد
__________________
فارقه منذ عشرين
سنة قال نعم قال قلت كيف علم قال إنه دعا في السحر وسأل الله أن يهبط عليه ملك
الموت فهبط عليه بريال وهو ملك الموت فقال له بريال ما حاجتك يا يعقوب قال له
أخبرني عن الأرواح التي تقبضها مجتمعة أو متفرقة قال بل أقبضها متفرقة روحا روحا
قال أخبرني فهل مر بك روح يوسف فيما مر بك قال لا فعلم يعقوب أنه حي فعند
ذلك قال لولده « اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ » .
بيان
: فتحسسوا التحسس
طلب الإحساس أي تعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما تقبضها مجتمعة لعل السؤال عن
الاجتماع والتفرق في الأخذ لأنه إذا قبضها مجتمعة يمكن أن يغفل عن خصوص كل واحد
بخلاف ما إذا أخذ روحا روحا أو لأنه إذا قبضها مجتمعة يمكن أن تسلم إليه بعد مرور
الأيام ليجتمع عدد كثير منها ولما يصل روح يوسف عليه السلام إليه بعد ذلك وهذا
الملك إما عزرائيل يقبض الأرواح من أعوانه أو غيره ويقبض منه والأخير أظهر.
١٨
ـ الكافي : عن عدة من أصحابه
عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن ميسرة عن الحكم بن عيينة عن أبي
جعفر عليه السلام قال : إن في الجنة نهرا يغتمس فيه جبرئيل كل غداة ثم يخرج منه
فينفض فيخلق الله عز وجل من كل قطرة منه تقطر ملكا .
١٩
ـ ومنه : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين أبي العلا الخفاف عن أبي عبد
الله عليه السلام قال : لما انهزم الناس يوم أحد وساق الحديث الطويل إلى أن قال
قال النبي صلى الله عليه واله يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك فأقبل علي
عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه واله فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا
وأسمع أقدم حيزوم وما أهم أضرب أحدا إلا
__________________
سقط ميتا قبل أن
أضرب فقال هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في الملائكة ثم جاءه جبرئيل فوقف إلى جنب رسول
الله صلى الله عليه واله فقال يا محمد إن هذه هي المواساة فقال إن عليا مني وأنا
منه فقال جبرئيل عليه السلام وأنا منكما ثم انهزم الناس وساق الحديث إلى قوله
فأتبعهم جبرئيل عليه السلام فكلما سمعوا وقع حوافر فرسه جدوا في السير فكان يتلوهم
فإذا ارتحلوا قال هو ذا عسكر محمد قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر وجاء
الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان ونزلوا
يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه إلى
آخر الخبر .
٢٠
ـ ومنه : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبي يزيد الحمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم
لوط جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل عليهم السلام فمروا بإبراهيم عليه السلام وهم
معتمون فسلموا عليه فلم يعرفهم ورأى هيئة حسنة فقال لا يخدم هؤلاء أحدا إلا أنا
بنفسي وكان صاحب أضياف فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قربه إليهم « فَلَمَّا » وضعه بين أيديهم و « رَأى أَيْدِيَهُمْ لا
تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً » فلما رأى ذلك جبرئيل حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه فعرفه
إبراهيم فقال أنت هو فقال نعم ومرت امرأته سارة فبشرها « بِإِسْحاقَ وَمِنْ
وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ » فقالت ما قال الله فأجابوها بما في الكتاب العزيز فقال إبراهيم
عليه السلام لهم فيما ذا جئتم قالوا له في إهلاك قوم لوط وساق الحديث إلى أن قال
فأتوا لوطا وهو في زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه وهم معتمون فلما رآهم رأى
هيئة حسنة عليهم عمائم بيض وثياب بيض فقال لهم المنزل فقالوا نعم فتقدمهم ومشوا
خلفه فندم على عرضه عليهم المنزل وقال أي شيء صنعت آتي بهم قومي وأنا أعرفهم
فالتفت إليهم فقال إنكم تأتون شرارا من خلق الله وساق إلى قوله فلما رأتهم امرأته
رأت هيئة
__________________
حسنة فصعدت فوق
السطح وصفقت فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون إلى الباب وساق إلى قوله
فكاثروه حتى دخلوا البيت فأهوى جبرئيل نحوهم بإصبعه فذهبت أعينهم وساق إلى قوله ثم
اقتلعها جبرئيل عليه السلام بجناحه من سبع أرضين ثم رفعها حتى سمع أهل السماء
الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة « حِجارَةً مِنْ
سِجِّيلٍ » .
٢١
ـ ومنه : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن
أبان بن عثمان عن محمد بن مروان عمن رواه عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما اتخذ
الله عز وجل إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض
عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا فدخل إبراهيم عليه السلام الدار فاستقبله
خارجا من الدار وكان إبراهيم رجلا غيورا وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ
مفتاحه معه ثم رجع ففتح فإذا هو برجل أحسن ما يكون من الرجال فأخذ بيده وقال يا عبد الله من
أدخلك داري فقال ربها أدخلنيها فقال ربها أحق بها مني فمن أنت قال أنا ملك الموت
ففزع إبراهيم وقال جئتني لتسلبني روحي قال لا ولكن اتخذ الله عبدا خليلا فجئت
لبشارته فقال من هو لعلي أخدمه حتى أموت قال أنت هو فدخل على سارة فقال لها إن
الله تبارك وتعالى اتخذني خليلا .
٢٢
ـ الدر المنثور : عن عدة كتب عن ابن عباس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه واله ومعه جبرئيل
يناجيه إذ انشق أفق السماء فأقبل جبرئيل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض
فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه فقال يا محمد إن ربك يقرئك
السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا
__________________
ملكا وبين أن تكون
نبيا عبدا قال رسول الله صلى الله عليه واله فأشار جبرئيل إلي بيده أن تواضع فعرفت
أنه لي ناصح فقلت عبد نبي فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت يا جبرئيل قد كنت أردت
أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبرئيل قال هذا
إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه بينه وبين الرب
سبعون نورا ما منها نور يدنو منه أحد إلا احترق بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله في شيء في
السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه فإن كان من عملي أمرني
به وإن كان من عمل ميكائيل أمره به وإن كان من عمل ملك الموت أمره به قلت يا
جبرئيل على أي شيء أنت قال على الرياح والجنود قلت على أي شيء ميكائيل قال على
النبات والقطر قلت على أي شيء ملك الموت قال على قبض الأنفس وما ظننت أنه هبط إلا
لقيام الساعة وما ذاك الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة .
٢٣ ـ وعن ابن عباس
قال قال رسول الله صلى الله عليه واله أفضل الملائكة جبرئيل .
٢٤ ـ وعن موسى بن
أبي عائشة قال : بلغني أن جبرئيل إمام أهل السماء .
٢٥ ـ وعن جابر بن
عبد الله قال : إن جبرئيل موكل بحاجات العباد فإذا دعاه المؤمن قال يا جبرئيل احبس
حاجة عبدي فإني أحبه وأحب صوته وإذا دعا الكافر قال يا جبرئيل اقبض حاجة عبدي فإني
أبغضه وأبغض صوته .
٢٦ ـ وعن شريح بن
عبيد أن النبي صلى الله عليه واله لما صعد إلى السماء رأى جبرئيل في خلقته منظوم
أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت قال فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق وكنت
أراه قبل ذلك على صور مختلفة وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي وكنت أحيانا
أراه كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال .
__________________
٢٧ ـ وعن حذيفة
لجبرئيل جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا أجلى الجبين ورأسه محبك حبك
مثل اللؤلؤ كأنه الثلج وقدماه إلى الخضرة .
بيان
: قال في النهاية
رأسه محبك أي شعر رأسه متكثر من الجعودة مثل الماء الساكن والرمل إذا هبت عليهما
الريح فيتجعدان ويصيران طرائق.
٢٨
ـ الدر المنثور : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله قال : ما بين منكبي جبرئيل مسيرة
خمسمائة عام للطائر السريع الطيران .
٢٩ ـ وعن وهب أنه
سئل عن خلق جبرئيل فذكر أن ما بين منكبيه من ذي إلى ذي خفق الطير سبعمائة عام .
٣٠ ـ وعن ابن شهاب
أن رسول الله سأل جبرئيل أن يتراءى له في صورته فقال جبرئيل إنك لن تطيق ذلك قال
إني أحب أن تفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه واله إلى المصلى في ليلة مقمرة
فأتاه جبرئيل في صورته فغشي على رسول الله صلى الله عليه واله حين رآه ثم أفاق
وجبرئيل مسنده وواضع إحدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه فقال رسول الله صلى
الله عليه واله ما كنت أرى أن شيئا ممن يخلق هكذا فقال جبرئيل فكيف لو رأيت
إسرافيل إن له لاثني عشر جناحا منها جناح في المشرق وجناح في المغرب وإن العرش على
كاهله وإنه ليتضاءل الأحيان لعظمة الله حتى يصير مثل الوصع حتى ما يحمل عرشه إلا
عظمته .
بيان
: قال في النهاية
فيه إن العرش على منكب إسرافيل وإنه ليتواضع لله حتى يصير مثل الوصع يروى بفتح الصاد
وسكونها وهو طائر أصغر من العصفور والجمع وصعان.
__________________
٣١
ـ الدر المنثور : عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه واله قال : إن في الجنة لنهرا ما يدخله
جبرئيل من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه ملكا .
٣٢ ـ قال : وروي
أن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه واله وهو يبكي فقال له ما يبكيك قال ما لي لا
أبكي فو الله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار مخافة أن أعصيه فيقذفني فيها وقال
ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار .
٣٣ ـ وعن عكرمة
قال : سأل رسول الله صلى الله عليه واله جبرئيل عن أكرم الخلق على الله فعرج ثم
هبط فقال أكرم الخلق على الله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فأما جبرئيل
فصاحب الحرب وصاحب المرسلين وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت وكل
ورقة تسقط وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر أو بحر وأما إسرافيل
فأمين الله بينه وبينهم .
٣٤ ـ وعن ابن عباس
أن جبرئيل وقف على رسول الله صلى الله عليه واله وعليه عصابة خضراء قد علاها
الغبار فقال رسول الله صلى الله عليه واله ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك قال
إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها
.
٣٥ ـ وعن ابن عباس
قال : جلس رسول الله صلى الله عليه واله مجلسا فأتاه جبرئيل فجلس بين يدي رسول
الله صلى الله عليه واله واضعا كفيه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه واله فقال
يا رسول الله حدثني عن الإسلام قال الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل وأن تشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال فإذا فعلت ذلك فقد
أسلمت فقال يا رسول الله حدثني عن الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر
والملائكة والكتاب والنبيين والموت والحياة بعد الموت وتؤمن بالجنة والنار والحساب
والميزان وتؤمن بالقدر كله خيره وشره قال فإذا فعلت ذلك فقد آمنت قال يا رسول الله
حدثني ما الإحسان قال الإحسان أن تعمل
__________________
لله كأنك تراه فإن
لم يكن تراه فإنه يراك .
٣٦ ـ وعن أنس
وغيره بأسانيد قال : بينما رسول الله صلى الله عليه واله جالسا مع أصحابه إذ جاءه
رجل عليه ثياب السفر يتخلل الناس حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله فوضع
يده على ركبة رسول الله صلى الله عليه واله فقال يا محمد ما الإسلام وساقوا الحديث
مثل ما مر إلى قولهم يا رسول الله متى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من
السائل وأدبر الرجل فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه واله علي بالرجل فاتبعوه
يطلبونه فلم يروا شيئا فقال رسول الله ذلك جبرئيل جاءكم ليعلمكم دينكم.
٣٧ ـ وعن وهب بن
منبه قال : خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور
فتعلق به ثم قال كن فكان إسرافيل فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح
مخلوقة ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد وفي وسط الصور كوة كاستدارة السماء
والأرض وإسرافيل واضع فمه على ذلك الكوة ثم قال له الرب تعالى قد وكلتك بالصور فأنت للنفخة وللصيحة
فدخل إسرافيل في مقدم العرش فأدخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف منذ
خلقه الله ينظر متى يؤمر به .
٣٨ ـ وعن ابن عباس
عن النبي صلى الله عليه واله في قوله تعالى « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ » قال الروح الأمين جبرئيل رأيت له ستمائة جناح من لؤلؤ قد
نشرهما فيهما مثل ريش الطواويس .
٣٩ ـ وعن أبي سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله كيف أنعم وقد
__________________
التقم صاحب القرن
القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ قال المسلمون فكيف نقول
يا رسول الله قال قولوا « حَسْبُنَا
اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا » .
توضيح
: قال الجوهري فيه
كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه أي كيف أتنعم من النعمة بالفتح وهي المسرة والفرح
والترفه.
٤٠
ـ الدر المنثور : عن ابن مسعود قال : الصور كهيئة القرن ينفخ فيه .
٤١ ـ وعن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله ما طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعدا
ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينه كوكبان
دريان .
٤٢ ـ وعن أبي سعيد
قال : إن صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران .
٤٣ ـ وعنه عن النبي
صلى الله عليه واله قال : وما من صباح إلا وملكان موكلان بالصور ينتظران متى
يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا .
٤٤ ـ وعن كعب قال
: إسرافيل له أربعة أجنحة جناحان في الهواء وجناح قد تسرول به وجناح على كاهله
والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي كتب القلم ودرست الملائكة وملك الصور أسفل منه جاث
على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى فالتقم الصور فحنى ظهره وطرفه إلى إسرافيل وقد أمر
إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحه أن ينفخ في الصور .
__________________
وعن عائشة مثله.
٤٥ ـ وعن ابن عباس
قال : لما نزلت « فَإِذا
نُقِرَ فِي النَّاقُورِ » قال رسول الله صلى الله عليه واله كيف أنعم وصاحب الصور قد
التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر قالوا كيف نقول يا رسول الله قال قولوا « حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » و « عَلَى
اللهِ تَوَكَّلْنا » .
٤٦ ـ عن قتادة « فَإِذا نُقِرَ فِي
النَّاقُورِ » قال « فَإِذا
نُفِخَ فِي الصُّورِ » .
٤٧ ـ وعن ابن
مسعود « لَقَدْ
رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ » قال جبرئيل في رفرف أخضر قد سد الأفق .
٤٨ ـ وعنه أيضا
قال رأى جبرئيل له ستمائة جناح قد سد الأفق .
٤٩ ـ وعن ابن عباس
في الآية قال إنما عنى جبرئيل أن محمدا رآه في صورته عند سدرة المنتهى .
٥٠ ـ وعن معاوية
بن قرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لجبرئيل ما أحسن ما أثنى عليك ربك
« ذِي
قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » ما كانت قوتك وما كانت أمانتك قال أما قوتي فإني بعثت إلى
مدائن قوم لوط وهي أربع مدائن وفي كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري حملتهم
من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الكلاب وهويت بهن فقتلتهن وأما أمانتي فلم
أومر بشيء فعدوته إلى غيره .
٥١ ـ وعن أبي صالح
في قوله « إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » قال جبرئيل « مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » قال على سبعين حجابا يدخلها بغير إذن .
__________________
٥٢ ـ وعن الخزرج
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من
الأنصار فقال يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال ملك الموت طب نفسا وقر عينا
واعلم بأني بكل مؤمن رفيق واعلم إني يا محمد لأقبض روح ابن آدم فإذا صرخ صارخ قمت
في الدار ومعي روحه فقلت ما هذا الصارخ والله ما ظلمنا ولا سبقنا أجله ولا
استعجلنا قدره وما لنا في قبضه من ذنب فإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا وإن تسخطوا
تأثموا وتوزروا وإن لنا عندكم عودة بعد عودة فالحذر الحذر وما من أهل بيت شعر ولا
مدر بر ولا فاجر سهل ولا جبل إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم وليلة حتى لأنا أعرف
بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم والله لو أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك
حتى يكون الله هو يأذن بقبضها .
٥٣ ـ وعن ابن عباس
قال : وكل ملك الموت بقبض أرواح الآدميين فهو الذي يلي قبض أرواحهم وملك في الجن
وملك في الشياطين وملك في الطير والوحش والسباع والحيتان والنمل فهم أربعة أملاك
والملائكة يموتون في الصعقة الأولى وإن ملك الموت يلي قبض أرواحهم ثم يموت وأما
الشهداء في البحر فإن الله يلي قبض أرواحهم لا يكل ذلك إلى ملك الموت لكرامتهم
عليه .
٥٤ ـ وعن أبي جعفر
محمد بن علي عليه السلام قال : دخل النبي صلى الله عليه واله على رجل من الأنصار
يعوده فإذا ملك الموت عند رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه واله يا ملك الموت
ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال أبشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق واعلم يا محمد إني
لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله فأقوم في جانب من الدار فأقول والله ما لي ذنب وإن
لي لعودة وعودة الحذر الحذر وما خلق الله من أهل بيت مدر ولا شعر ولا وبر في بر
ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم فيه في كل
__________________
يوم وليلة خمس
مرات حتى إني لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم والله يا محمد إني لا أقدر أن
أقبض روح بعوضة حتى يكون الله تبارك وتعالى الذي يأمر بقبضه .
٥٥
ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن يونس عن الهيثم بن واقد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام مثله بأدنى
تغيير .
٥٦ ـ وعن علي عن
أبيه عن ابن محبوب عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام مثله أيضا
لكن فيهما خمس مرات عند مواقيت الصلوات .
بيان
: لا يخفى عدم دلالة
هذه الأخبار على كون قابض أرواح الحيوانات ملك الموت فإن الغرض منها المبالغة في
عدم قدرته على فعل صغير أو كبير بدون إذنه سبحانه فلا ينافي خبر ابن عباس لكن ليس
في أخبارنا تصريح بأحد الطرفين والتوقف في مثله أحوط وقد مضت الأخبار المناسبة لهذا
الباب والذي قبله في كتاب المعاد وغيره.
(٢٥)
(باب)
(عصمة الملائكة وقصة هاروت وماروت وفيه ذكر)
(حقيقة السحر وأنواعه)
الآيات :
البقرة
: « وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى
مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ
النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ
وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا
تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ
وَيَتَعَلَّمُونَ
__________________
ما
يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » .
النساء
: « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ
عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ »
الأعراف
: « إِنَّ
الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ
وَلَهُ يَسْجُدُونَ »
النحل
: « وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ
وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما
يُؤْمَرُونَ »
مريم
: « وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ
لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ
نَسِيًّا » .
الأنبياء
: « وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا
يَفْتُرُونَ » .
وقال تعالى : « وَقالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما
خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ
مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ » .
التحريم
: « عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا
يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ »
تفسير
: « وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ
» أقول هذه الآية مما يوهم نفي عصمة الملائكة وللعلماء في تأويلها مسالك نشير إلى
بعضها وإن أفضى إلى الإطناب.
__________________
قال السيد المرتضى
رحمهالله في كتاب الغرر والدرر إن سأل سائل عن قوله عز وعلا « وَاتَّبَعُوا ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ » إلى قوله تعالى « وَلَبِئْسَ ما
شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » فقال كيف ينزل الله سبحانه السحر على الملائكة أم كيف تعلم
الملائكة الناس السحر والتفريق بين المرء وزوجه وكيف نسب الضرر الواقع عند ذلك إلى
أنه بإذنه وهو تعالى قد نهى عنه وحذر من فعله وكيف أثبت العلم لهم ونفاه عنهم
بقوله « وَلَقَدْ
عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » ثم بقوله « لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ »؟
الجواب
: قلنا في الآية
وجوه كل منها يزيل الشبهة الداخلة على من لم يمعن النظر فيها :
أولها
: أن يكون ما في
قوله تعالى « وَما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » بمعنى الذي فكأنه تعالى خبر عن طائفة من أهل
الكتاب بأنهم اتبعوا ما تكذب فيه الشياطين على ملك سليمان وتضيفه إليه من السحر
فبرأه الله عز وجل من قرفهم وأكذبهم في قولهم فقال تعالى « وَما كَفَرَ
سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا » باستعمال السحر والتمويه على الناس ثم قال « يُعَلِّمُونَ النَّاسَ
السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » وأراد أنهم يعلمونهم السحر وما الذي أنزل على الملكين
وإنما أنزل على الملكين وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال فيه ليعرفا ذلك ويعرفاه
الناس فيجتنبوه ويحذروا منه كما أنه تعالى قد أعلمنا ضروب المعاصي ووصف لنا أحوال
القبائح لنجتنبها لا لنواقعها إلا أن الشياطين كانوا إذا علموا ذلك وعرفوه
استعملوه وأقدموا على فعله وإن كان غيرهم من المؤمنين لما عرفه اجتنبه وحارزه وانتفع باطلاعه
على كيفيته ثم قال « وَما
يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ » يعني الملكين ومعنى يعلمان يعلمان والعرب تستعمل لفظة علمه
بمعنى أعلمه. قال القطامي :
__________________
تعلم أن بعد
الغي رشدا
|
|
وأن لتانك الغمر
انقشاعا
|
وقال كعب بن زهير
:
تعلم رسول الله
أنك مدركي
|
|
وأن وعيدا منك
كالأخذ باليد
|
ومعنى تعلم في
البيتين معنى اعلم والذي يدل على أنه هاهنا الإعلام لا التعليم قوله « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ » أي أنهما لا يعرفان صفات السحر وكيفيته إلا بعد أن يقولا
إنما نحن محنة لأن الفتنة بمعنى المحنة من حيث ألقيا إلى المكلفين أمرا لينزجروا
عنه وليتمتعوا من مواقعته وهم إذا عرفوه أمكن أن يستعملوه ويرتكبوه فقالا لمن
يطلعانه على ذلك لا تكفر باستعماله ولا تعدل عن الغرض في إلقاء هذا إليك فإنه إنما
ألقي إليك واطلعت عليه لتجتنبه لا لتفعله ثم قال « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ
بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » أي فيعرفون من جهتهما ما يستعملونه في هذا الباب وإن كان
الملكان ما ألقياه إليهم لذلك ولهذا قال « وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا
يَنْفَعُهُمْ » لأنهم لما قصدوا بتعلمه أن يفعلوه ويرتكبوه لا أن يجتنبوه
صار ذلك بسوء اختيارهم ضررا عليهم.
وثانيها
: أن يكون « ما أُنْزِلَ » موضعه موضع جر ويكون معطوفا بالواو على « مُلْكِ سُلَيْمانَ » أي واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل
على الملكين ومعنى « ما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » أي معهما وعلى ألسنتهما كما قال تعالى « رَبَّنا وَآتِنا ما
وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ » أي على ألسنتهم ومعهم وليس بمنكر أن يكون « ما أُنْزِلَ » معطوفا على ملك سليمان وإن اعترض بينهما من الكلام ما
اعترض لأن رد الشيء إلى نظيره وعطفه على ما هو أولى هو الواجب وإن اعترض بينهما ما
ليس منهما ولهذا نظائر في القرآن وكلام العرب كثيرة قال الله تعالى « الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً »
__________________
وقيم من صفات
الكتاب حال منه لا من صفة عوج وإن تباعد ما بينهما ومثله « يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ
اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ » فالمسجد الحرام هاهنا معطوف على الشهر الحرام أي يسألونك
عن الشهر وعن المسجد الحرام وحكي عن بعض علماء أهل اللغة أنه قال العرب تلف
الخبرين المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بأن السامع يرد إلى كل خبره كقوله
عز وجل « وَمِنْ
رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » وهذا واضح في مذهب العرب كثير النظائر ثم قال تعالى « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » والمعنى أنهما لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه ويبلغ من
نهيهما عنه وصدهما عن فعله واستعماله أن يقولا إنما نحن فتنة « فَلا تَكْفُرْ » باستعمال السحر والإقدام على فعله وهذا كما يقول الرجل ما
أمرت فلانا بكذا ولقد بالغت في نهيه حتى قلت له إنك إن فعلته أصابك كذا وكذا وهذا
هو نهاية البلاغة في الكلام والاختصار الدال مع اللفظ القليل على المعاني الكثيرة
لأنه أشعر بقوله تعالى « وَما
يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » عن بسط الكلام الذي ذكرناه ولهذا نظائر في القرآن قال الله
تعالى « مَا
اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ
إِلهٍ بِما خَلَقَ » ومثل قوله تعالى « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ
فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ » أي فيقال للذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم وأمثاله
أكثر من أن نورد ثم قال تعالى « فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » وليس يجوز أن يرجع الضمير على هذا الجواب إلى الملكين وكيف
يرجع إليهما وقد نفى تعالى عنهما التعليم بل يرجع إلى
__________________
الكفر والسحر وقد
تقدم ذكر السحر وتقدم أيضا ذكر ما يدل على الكفر ويقتضيه في قوله تعالى « وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا » فدل كفروا على الكفر والعطف عليه مع السحر جائز وإن كان
التصريح وقع بذكر السحر دونه ومثل ذلك قوله تعالى « سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَيَتَجَنَّبُهَا
الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى » أي يتجنب الذكرى الأشقى ولم يتقدم تصريح بالذكرى لكن دل
عليها قوله « سَيَذَّكَّرُ
» ويجوز أيضا أن يكون معنى « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما » أي بدلا مما علمهم الملكان ويكون المعنى أنهم يعدلون عما
علمهم ووقفهم عليه الملكان من النهي عن السحر إلى تعلمه واستعماله. كما يقول
القائل ليت لنا من كذا وكذا كذا أي بدلا منه كما قال الشاعر :
جمعت من الخيرات
وطبا وعلبة
|
|
وصرا لأخلاف
المزممة البزل
|
ومن كل أخلاق
الكرام تميمة
|
|
وسعيا على الجار
المجاور بالبخل
|
يريد جمعت مكان
الخيرات ومكان أخلاق الكرام هذه الخصال الذميمة. وقوله « ما يُفَرِّقُونَ بِهِ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » فيه وجهان أحدهما أن يكونوا يغوون أحد الزوجين ويحملونه
على الشرك بالله تعالى فيكون بذلك قد فارق زوجه الآخر المؤمن المقيم على دينه
ليفرق بينهما اختلاف النحلة والملة والوجه الآخر أن يسعوا بين الزوجين بالنميمة
والوشاية والإغراء والتمويه بالباطل حتى يؤول أمرهما إلى الفرقة والمباينة.
وثالث الوجوه في
الآية أن تحمل ما في قوله تعالى « وَما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » على الجحد والنفي فكأنه تعالى قال واتبعوا ما تتلوا
الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان وما أنزل الله السحر على الملكين ولكن
الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت ويكون قوله تعالى « بِبابِلَ هارُوتَ
وَمارُوتَ » من المؤخر الذي معناه التقديم فيكون على هذا التأويل هاروت
وماروت رجلين من جملة الناس هذان اسماهما وإنما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا
__________________
وتبيينا ويكون
الملكان المذكوران اللذان نفى تعالى عنهما السحر جبرئيل وميكائيل لأن سحرة اليهود
فيما ذكر كانت تدعي أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبرئيل وميكائيل إلى سليمان
فأكذبهما الله تعالى بذلك ويجوز أن يكون هاروت وماروت يرجعان إلى الشياطين كأنه
تعالى قال ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا ويسوغ ذلك كما ساغ في قوله « وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ
شاهِدِينَ » يعني تعالى حكم داود وسليمان ويكون قوله تعالى على هذا
التأويل : « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا
إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » راجعا إلى هاروت وماروت اللذين هما من الشياطين أو من
الإنس المتعلمين للسحر من الشياطين والعاملين به ومعنى قولهما « إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ » يكون على طريق الاستهزاء أو التماجن والتخالع كما يقول
الماجن من الناس إذا فعل قبيحا أو قال باطلا هذا فعل من لا يفلح وقول من لا ينجو
والله لا حصلت إلا على الخسران وليس ذلك منه على سبيل النصيحة للناس وتحذيرهم من
مثل فعل فعله بل على جهة المجون والتهالك ويجوز أيضا على هذا التأويل الذي تضمن
الجحد والنفي أن يكون هاروت وماروت اسمين للملكين ونفى عنهما إنزال السحر بقوله
تعالى « وَما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » ويكون قوله تعالى « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ » يرجع إلى قبيلتين من الجن أو إلى شياطين الجن والإنس فتحسن
التثنية لهذا وقد روي هذا التأويل في حمل ما على النفي عن ابن عباس وغيره من
المفسرين وحكي عنه أيضا أنه كان يقرأ على الملكين بكسر اللام ويقول متى كان
العلجان ملكين إنما كانا ملكين وعلى هذه القراءة لا ينكر أن يرجع قوله تعالى « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ
أَحَدٍ » إليهما ويمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر وهو أن لا
يحمل قوله تعالى « وَما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ » على الجحد والنفي وهو أن لا يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم
اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتدعيه على ملك سليمان واتبعوا ما أنزل على هذين الملكين
من السحر ولا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى وإن أطلق لأنه عز وجل لا ينزل
السحر بل يكون منزله إليهما بعض الضلال والعصاة وأن يكون معنى أنزل وإن كان من
الأرض حمل إليهما لا من
السماء أنه أتى به
عن نجود الأرض والبلاد وأعاليهما فإن من هبط من نجد من البلاد إلى غورها يقال نزل
وهبط وما جرى هذا المجرى.
فأما قوله تعالى «
وَما هُمْ
بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » فيحتمل وجوها منها أن يريد تعالى بالإذن العلم من قولهم
أذنت فلانا بكذا وكذا إذا أعلمته وأذنت بكذا وكذا إذا أسمعته وعلمته وقال الشاعر :
في سماع يأذن
الشيخ له
|
|
وحديث مثل ماذي
مشار.
|
ومنها
: أن يكون إلا زائدة
ويكون المعنى وما هم بضارين به من أحد إلا بأن يخلي الله تعالى بينهم وبينه ولو
شاء لمنعهم بالقهر والقسر زائدا على منعهم بالنهي والزجر.
ومنها
: أن يكون الضرر
الذي عنى به أنه لا يكون إلا بإذنه وأضافه إليه ما هو يلحق المسحور عن الأدوية
والأغذية التي أطعمه إياه السحرة ويدعون أنها موجبة لما يقصدونه فيه من الأمور
ومعلوم أن الضرر الحاصل عن ذلك من فعل الله تعالى بالعادة لأن الأغذية لا توجب
ضررا ولا نفعا وإن كان المعرض للضرر من حيث كان كالفاعل له هو المستحق للذم وعليه
يجب العوض.
ومنها
: أن يكون الضرر
المذكور إنما هو ما يحصل من التفريق بين الأزواج لأنه أقرب إليه في ترتيب الكلام
والمعنى أنهم إذا أغروا أحد الزوجين فكفر فبانت منه زوجته فاستضر بذلك كانوا ضارين
له بما حسنوا له من الكفر إلا أن الفرقة لم تكن إلا بإذن الله وحكمه لأنه تعالى هو
الذي حكم وأمر بالتفريق بين المختلفتين الأديان فلهذا قوله تعالى « وَما هُمْ بِضارِّينَ
بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » والمعنى أنه لو لا حكم الله تعالى وإذنه في الفرقة بين
هذين الزوجين باختلاف الملة لم يكونوا بضارين له هذا الضرر من الضرر الحاصل عند
الفرقة ويقوى هذا الوجه ما روي أنه كان من دين سليمان أنه من سحر بانت منه امرأته.
وأما قوله تعالى « وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » ثم قوله تعالى « لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » ففيه وجوه أولها أن يكون الذين علموا غير الذين
لم يعلموا ويكون
الذين علموا الشياطين أو الذين خبر عنهم بأنهم نبذوا « كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ
لا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ » والذين لم يعلموا هم الذين عملوا السحر وشروا به أنفسهم.
وثانيها أن يكون الذين علموا هم الذين لم يعلموا لأنهم علموا شيئا ولم يعلموا غيره
فكأنه تعالى وصفهم بأنهم عالمون بأنه لا نصيب لمن اشترى ذلك ورضيه لنفسه على
الجملة ولم يعلموا كنه ما يصير إليه من العقاب الذي لا نفاد له ولا انقطاع.
وثالثها أن تكون الفائدة في نفي العلم بعد إثباته أنهم لم يعملوا بما علموه فكأنهم
لم يعلموا وهذا كما يقول أحدنا لغيره ما أدعوك إليه خير لك وأعود عليك لو كنت تعقل
وتنظر في العواقب وهو يعقل وينظر إلا أنه لم يعمل بموجب علمه فحسن أن يقال له مثل
هذا القول وقال كعب بن زهير يصف ذئبا وغراباه تبعاه ليصيبا من زاده :
إذا حضراني قلت
لو يعلمانه
|
|
ألم تعلما أني
من الزاد مرمل.
|
فنفى عنهما العلم
ثم أثبته بقوله ألم تعلما أني من الزاد مرمل وإنما المعنى في نفيه العلم عنهما
أنهما لم يعملا بما علما فكأنهما لم يعلما ورابعها أن يكون المعنى أن هؤلاء القوم
الذين قد علموا أن الآخرة لا حظ لهم فيها مع عملهم القبيح إلا أنهم ارتكبوه طمعا
في طعام الدنيا وزخرفها فقال تعالى « وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ
كانُوا يَعْلَمُونَ » أي الذي آثروه وجعلوه عوضا عن الآخرة لا يتم لهم ولا يبقى
عليهم وإنه منقطع زائل ومضمحل باطل وأن المآل إلى المستحق في الآخرة وكل ذلك واضح
بحمد الله انتهى.
وأقول
: قال في الصحاح
والغمرة الشدة والجمع غمر قال القطامي يصف سفينة نوح وحان لتالك الغمر انحسار وقال
الانحسار الانكشاف وقال قشعت الريح السحاب أي كشفته فانقشع وتقشع وقال الوطب سقاء
اللبن خاصة وقال العلبة محلب من جلد وقال صررت الناقة شددت عليها الصرار وهو خيط
يشد فوق الخلف والتودية لئلا يرضعها ولدها وقال الخلف بالكسر حلمة ضرع الناقة
والمزممة من الزمام والبزل جمع البازل وهو جمل أو ناقة كمل
لها تسع سنين
والماذي العسل الأبيض ويقال شرت العسل أي اجتنيتها وأشرت لغة ذكره الجوهري واستشهد
بالبيت.
وقال الرازي في تفسير هذه الآية : أما
قوله « وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ » ففيه
مسائل : المسألة الأولى قوله « وَاتَّبَعُوا » حكاية عما تقدم ذكره وهم اليهود ثم
فيه أقوال أحدها أنهم اليهود الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه واله وثانيها
أنهم الذين تقدموا من اليهود وثالثها أنهم الذين كانوا في زمن سليمان من السحرة
لأن أكثر اليهود ينكرون نبوة سليمان ويعدونه من جملة الملوك في الدنيا فالذين منهم
كانوا في زمانه لا يمتنع أن يعتقدوا فيه أنه إنما وجد ذلك الملك العظيم بسبب السحر
ورابعها أنه يتناول الكل وهذا أولى لأنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى
غيره إذ لا دليل على التخصيص وخامسها أنه عائد إلى من تقدم ذكره في قوله « نَبَذَ
فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » قال السدي لما جاءهم محمد صلى الله
عليه واله عارضوا بالتوراة فخاصموه بها فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة
وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن فهذا هو قوله « وَلَمَّا
جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ » ثم أخبر عنهم
بأنهم اتبعوا كتب السحرة.
المسألة
الثانية : ذكروا في تفسير « تَتْلُوا » وجهين أحدهما أن المراد منه التلاوة والإخبار وثانيهما قال أبو مسلم « تَتْلُوا » أي تكذب على ملك سليمان يقال تلا عليه إذا كذب وتلا عنه
إذا صدق وإذا أبهم جاز الأمران والأقرب هو الأول لأن التلاوة حقيقة في الخبر إلا
أن المخبر لا يقال في خبره إذا كان كذبا أنه يقول على فلان وإنه قد
تلا على فلان ليميز بينه وبين الصدق الذي لا يقال على فلان بل يقال
روي عن فلان وأخبر عن فلان وتلا عن
__________________
فلان وذلك لا يليق
إلا بالإخبار والتلاوة ولا يمتنع أن يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان ما يتلى
ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف.
المسألة
الثالثة : اختلفوا في
الشياطين فقيل المراد شياطين الجن وهو قول الأكثرين وقيل شياطين الإنس وهو قول
المتكلمين من المعتزلة وقيل شياطين الإنس والجن معا أما الذين حملوه على شياطين
الجن فقالوا إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب
يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرءونها ويعلمونها الناس وفشا
ذلك في زمان سليمان حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب فكانوا يقولون هذا علم سليمان
وما تم له ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والريح التي تجري بأمره وأما
الذين حملوه على شياطين الإنس فقالوا روي في الخبر أن سليمان كان قد دفن كثيرا من
العلوم التي خصه الله بها تحت سرير ملكه حرصا على أنه إن هلك الظاهر منها بقي ذلك
المدفون فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك
أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك
الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه ما وصل إلى ما وصل إليه إلا بسبب هذه
الأشياء فهذا معنى « ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ » واحتج القائلون بهذا الوجه على فساد القول الأول بأن
شياطين الجن لو قدروا على تغيير كتب الأنبياء وشرائعهم بحيث يبقى ذلك التحريف
مخفيا فيما بين الناس لارتفع الوثوق عن جميع الشرائع وذلك يفضي إلى الطعن في كل
الأديان فإن قيل إذا جوزتم ذلك على شياطين الإنس فلم لا يجوز مثله من شياطين الجن
قلنا الفرق أن الذي يفتعله الإنسان لا بد وأن يظهر من بعض الوجوه أما لو جوزنا هذا
الافتعال من الجن وهو أن يزيد في كتب سليمان بخط مثل خط سليمان فإنه لا يظهر ذلك
ويبقى مخفيا فيفضي إلى الطعن في جميع الأديان.
المسألة
الرابعة : أما قوله « عَلى مُلْكِ
سُلَيْمانَ » فقيل في ملك سليمان عن
__________________
ابن جريح وقيل على
عهد ملك سليمان والأقرب أن يكون المراد واتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك
سليمان لأنهم كانوا يقرءون من كتب السحر فيقولون إن سليمان إنما وجد ذلك الملك
بسبب هذا العلم فكانت تلاوتهم لتلك الكتب كالافتراء على ملك سليمان والله أعلم.
المسألة
الخامسة : اختلفوا في المراد
بملك سليمان فقال القاضي إن ملك سليمان هو النبوة أو يدخل فيها النبوة وتحت النبوة
الكتاب المنزل عليه والشريعة فإذا صح ذلك ثم أخرج القوم صحيفة فيها ضروب السحر وقد
دفنوها تحت سرير ملكه ثم أخرجوها بعد موته وأوهموا أنها من جهته صار ذلك منهم
تقولا على ملكه في الحقيقة والأصح عندي أن يقال القوم لما ادعوا أن سليمان إنما
وجد تلك المملكة بسبب ذلك العلم كان ذلك الادعاء كالافتراء على ملك سليمان والله
أعلم.
المسألة
السادسة : السبب في أنهم
أضافوا السحر إلى سليمان وجوه أحدها أنهم أضافوا السحر إلى سليمان تفخيما لشأنه
وتعظيما لأمره وترغيبا للقوم في قبول ذلك منهم. وثانيها أن اليهود ما كانوا يقرون
بنبوة سليمان بل كانوا يقولون إنما وجد ذلك الملك بسبب السحر. وثالثها أن الله
تعالى لما سخر الجن لسليمان فكان يخالطهم ويستفيد منهم أسرارا عجيبة. فغلب على الظنون
أنه عليهالسلام استفاد السحر منهم. أما قوله تعالى « وَما كَفَرَ
سُلَيْمانُ » فهذا تنزيه له عليهالسلام عن الكفر وذلك يدل على أن القوم نسبوه إلى الكفر والسحر
وقيل فيه أشياء أحدها ما روي عن بعض أحبار اليهود أنهم قالوا ألا تعجبون من محمد
يزعم أن سليمان كان نبيا وما كان إلا ساحرا فأنزل الله هذه الآية. وثانيها أن
السحرة من اليهود زعموا أنهم أخذوا السحر عن سليمان فنزهه الله منه. وثالثها أن
قوما زعموا أن قوام ملكه كان بالسحر فبرأه الله منه لأن كونه نبيا ينافي كونه
ساحرا كافرا ثم بين تعالى أن الذي برأه منه لاحق بغيره فقال « وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا » يشير به إلى ما تقدم ذكره ممن اتخذ السحر كالحرفة لنفسه
وينسبه إلى
سليمان ثم بين
تعالى ما به كفروا فقد كان يجوز أن يتوهم أنهم كفروا لا بالسحر فقال تعالى « يُعَلِّمُونَ النَّاسَ
السِّحْرَ »
واعلم أن الكلام
في السحر يقع من وجوه الأول في البحث عنه بحسب اللغة فنقول ذكر أهل اللغة إنه في
الأصل عبارة عما لطف وخفي سببه والسحر بالفتح هو الغذاء لخفائه ولطف مجاريه قال
لبيد :
ونسحر بالطعام
وبالشراب.
قيل فيه وجهان
أحدهما أنا نعلل ونخدع كالمسحور والمخدوع والآخر نغذي وأي الوجهين كان فمعناه
الخفاء وقال :
فإن تسألينا مم نحن فإننا
|
|
عصافير من هذا
الأنام المسحر.
|
وهذا الوجه يحتمل
من المعنى ما احتمله الأول ويحتمل أيضا أن يريد بالمسحر أنه ذو السحر والسحر هو
الرئة وما تعلق بالحلقوم وهذا أيضا يرجع إلى معنى الخفاء ومنه قول عائشة توفي رسول
الله بين سحري ونحري وقوله تعالى « إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ » يعني من المجوف الذي يطعم ويشرب يدل عليه قولهم « ما أَنْتَ إِلاَّ
بَشَرٌ مِثْلُنا » وقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام أنه قال للسحرة « ما جِئْتُمْ بِهِ
السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ » وقال « فَلَمَّا
أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ » فهذا هو معنى السحر في أصل اللغة.
الوجه
الثاني : اعلم أن لفظ السحر
في عرف الشرع مختص بكل أمر مخفي سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع و
__________________
متى أطلق ولم يقيد
أفاد ذم فاعله قال تعالى « سَحَرُوا
أَعْيُنَ النَّاسِ » يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى وقال
تعالى « يُخَيَّلُ
إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » وقد يستعمل مقيدا فيما يمدح ويحمد روي أنه قدم على رسول
الله صلى الله عليه واله الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقال لعمرو خبرني عن
الزبرقان فقال مطاع في ناديه شديد العارض مانع لما وراء ظهره قال الزبرقان هو
والله يعلم أني أفضل منه فقال عمرو إنه زمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب لئيم
الخال يا رسول الله صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت أسوأ ما
علمت فقال رسول الله صلى الله عليه واله إن من البيان لسحرا. فسمى النبي صلى الله
عليه واله بعض البيان سحرا لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل ويكشف عن حقيقته بحسن
بيانه وبليغ عبارته.
فإن
قيل : كيف يجوز أن يسمى ما يوضح الحق وينبئ عنه سحرا وهذا
القائل إنما قصد إظهار الخفي لا إخفاء الظاهر ولفظ السحر إنما يكون عند إخفاء
الظاهر؟
قلنا
: إنما سماه سحرا
لوجهين الأول أن ذلك العذر للطفه وحسنه استمال القلوب فأشبه السحر الذي يستميل القلوب
فمن هذا الوجه سمي سحرا لا من الوجه الذي ظننت. الثاني أن المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا
وتقبيح ما يكون حسنا فذلك يشبه السحر من هذا الوجه في أقسام السحر.
واعلم أن السحر على أقسام : القسم الأول
سحر الكلدانيين والكذابين
الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ومنها تصدر
الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة وهم الذين
__________________
بعث الله تعالى
إبراهيم مبطلا لمقالتهم ورادا عليهم في مذاهبهم.
وهؤلاء فرق ثلاث :
الفريق
الأول هم الذين زعموا أن هذه الأفلاك
والكواكب واجبة الوجود في ذواتها وأنه لا حاجة بهذية ذواتها وصفاتها إلى موجب ومدبر وخالق وعلة البتة ثم إنها
هي المدبرة لعالم الكون والفساد وهؤلاء هم الصابئة الدهرية والفريق الثاني الذين قالوا الجسم يستحيل أن يكون واجبا لذاته لأن كل جسم
مركب وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل جسم
فهو مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته وكل ممكن لذاته فهو مؤثر فله مؤثر وهذه الأجرام
الفلكية والكوكبية لا بد لها من مؤثر ثم قالوا ذلك المؤثر إما أن يكون حادثا أو
قديما فإن كان حادثا افتقر إلى مؤثر آخر ولزم التسلسل وهو محال وإن كان قديما فإما
أن يكون كل ما لا بد منه في مؤثريته حاصلا في الأزل أو ليس كذلك ويدخل في هذا
التقسيم قول من يقول إنه إنما خلق العالم في الحيز الذي خلقه فيه لأن خلقه في ذلك
الحيز أصلح من خلقه في حيز آخر أو لأن خلقه كان موقوفا على انقضاء الأزل أو لأن
خلقه كان موقوفا على حضور وقت معين إما مقدر أو محقق فإن قلنا إن كل ما لا بد منه
في مؤثريته كان حاصلا في الأزل لزم أن يكون الأثر واجب الترتب عليه في أزل لأن
الأزل لو لم يكن واجب الترتب عليه فهو إما ممتنع الترتب عليه فهو ليس بمؤثر البتة
وقد فرضناه مؤثرا هذا خلف وإن كان ممكن الترتب عليه وممكن اللاترتب عليه أيضا
فلنفرض تارة مصدرا للأثر بالفعل وأخرى غير مصدر له بالفعل فامتياز الحيز الذي صار
المؤثر فيه مصدرا للأثر بالفعل عن الحيز الذي لم يصر فيه كذلك إما أن يتوقف على
انضمام قيد إليه أو لم يتوقف فإن توقف لم يكن الحاصل قبل انضمام هذا القيد إليه كل
ما لا بد منه في المؤثرية وقد فرضناه كذلك وهذا خلف وإن لم يتوقف فقد ترجح الممكن
من غير مرجح البتة وتجويزه يسد باب الاستدلال بالممكن على وجود الصانع وأما إن
قلنا بأن كل ما لا بد
منه في المؤثرية
ما كان حاصلا في الأزل فإن استمر ذلك السلب وجب أن لا يصير البتة مؤثرا لكنا قد
فرضناه مؤثرا في الأزل هذا خلف وإن تغير فقد حدث بعض ما لا بد منه في المؤثرية فإن
كان حدوثه لا لأمر فقد وقع الممكن لا عن مؤثر وهو محال وإن كان حدوثه لأمر لم يكن
الشيء الذي فرضناه حادثا أولا كذلك لأنه حصل قبله حادث آخر وكنا فرضناه حادثا أولا
وهذا خلف وأيضا فإنا ننقل الكلام إليه ويلزم التسلسل وهو محال.
قالوا : وهذا
يقتضي استناد الممكنات إلى مؤثر تام المؤثرية في الأزل ومتى كان كذلك وجب كون
الآثار أزلية دائمة فهذا يقتضي أن لا يحصل في العالم شيء من التغيرات البتة لكن
التغيرات مشاهدة قطعا فلا بد من حيلة فنقول ذلك المؤثر القديم الواجب لذاته إلا أن
كل حادث مسبوق بحادث آخر حتى يكون انقضاء المتقدم شرطا لحصول المتأخر عن ذلك
المبدإ القديم وعلى هذا الطريق يصير المبدأ القديم مبدأ للحوادث المتغيرة فإذن لا
بد من توسط حركة دائمة يكون كل جزء منها مسبوقا بالآخر لا إلى أول وهذه الحركة
يمتنع أن تكون مستقيمة وإلا لزم القول بأبعاد غير متناهية وهو محال فلا بد من جرم
متحرك بالاستدارة وهو الفلك فثبت أن حركات الأفلاك كالمبادئ القريبة للحوادث
الحادثة في هذا العالم والمدبرات الملاصقة بها فلا جرم قالوا بإلهيتها واشتغلوا
بعبادتها وتعظيمها واتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا وصمنا معينا فاشتغلوا
بخدمتها فهذا هو دين عبدة الأصنام والأوثان ثم إن هؤلاء قالوا إن المبدأ الفاعلي
لا يكفي وجوده في حصول الفعل بل لا بد من حضور المبدإ القابلي المنفعلي ولا يكفي
حضوره أيضا ما لم تكن الشرائط حاصلة والموانع زائلة وربما حدث أمر مشكل غريب في
العالم الأعلى يصلح لإفادة هيئة غريبة في مادة العالم الأسفل فإذا لم تكن المادة
السفلية متهيئة لقبول تلك الهيئة من الأشكال العلوية لم تحدث تلك الهيئة ثم إن
فوات تلك التهيؤ تارة تكون لأجل كون المادة ممنوة بالمعوقات المانعة عن قبول ذلك
الأثر وتارة لأجل فوات
بعض الشرائط لكن
لو تهيأت لنا تقدمه المعرفة بطبيعة ذلك التشكل وبوقت حدوثه وبطبيعة الأمور
المعتبرة في كون المادة السفلية قابلة لذلك الأثر لكان يمكننا تهيئة المادة لقبول
ذلك الأثر وإماطة الموانع عنها وتحصيل المعدات لها حتى يتم ذلك الفيضان ويسري في
القابليات لما تقرر أن الفاعل التام متى لقي المنفعل التام ظهر الفعل التام لا
محالة فإذا عرفت هذا فالساحر هو الذي يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها
ومركباتها ويعرف ما يليق بكل واحد من العوالم السفلية ويعرف المعدات ليعدها
والعوائق لينحيها معرفة بحسب الطاقة البشرية فحينئذ يكون الإنسان متمكنا من
استجذاب ما يخرق العادة ومن دفع ما يدافعها بتقريب المنفعل من الفاعل وهذا معنى
قول بطلميوس علم النجوم منك ومنها فهذا هو الإشارة إلى خلاصة قوله الفلاسفة
الصابئة في حقيقة السحر وماهيته.
الفريق
الثالث : الذين أثبتوا لهذه الأفلاك والكواكب فاعلا مختارا خلقها وأوجدها بعد
العدم إلا أنهم قالوا إنه سبحانه أعطاه قوة عالية نافذة في هذا العالم وفوض تدبير
هذا العالم إليهم قالوا الدليل على كون هذه الأجرام الفلكية أحياء وجهان الأول أنه
لا شك أن الحياة أشرف من الجمادية فكيف يحسن في الحكمة خلق الحياة في الأجسام
الخسيسة نحو أبدان الديدان والخنافس وإخلاء هذه الأجرام الشريفة النورانية
الروحانية عن الحياة الثاني أن هذه الأفلاك متحركة بالاستدارة فحركتها إما أن تكون
طبيعية أو قسرية أو إرادية لا جائز أن تكون طبيعية لأن المهروب عنه بالطبع لا يكون
بعينه مطلوبا بالطبع وكل نقطة فرضنا الفلك متحركا عنه فإن حركته عنها هي عين حركته
إليها فيستحيل كون تلك الحركة طبيعية ولا جائز أن تكون قسرية لأن القسر هو الذي
يكون على خلاف الطبيعة فإذ قد بطلت الطبيعية وجب بطلان كونها قسرية ولما بطل
القسمان ثبت كونها إرادية فثبت أن الأفلاك والكواكب أجرام حية عاقلة قالوا إذا ثبت
هذا فنقول الوقوف على جميع
الطبائع العلوية
والسفلية مما لا يفي به وسع البشر وطاقة النفس الناطقة لوجوه أربعة أولها أنه لا
سبيل إلى إثبات الكواكب إلا بواسطة القوة الباصرة ولا ارتياب أنها عن إدراك الصغير
من البعيد قاصرة فإن أصغر كوكب مما في القدر السابع من الفلك الثامن وهو الذي
يمتحن به حدة البصر مثل كرة الأرض بضع عشرة مرة وإن كرة الأرض أعظم من العطارد كذا
ألف مرة فلو تكوكب الفلك الأعظم بكواكب على قدر الكواكب الصغيرة المذكورة من
الثوابت فلا شك أن الحس لا يدركه والبصر لا يمتد عليه فضلا عما يكون في مقدار
عطارد أو أصغر منه وعلى هذا التقدير لا يبعد أن يكون في السماوات كواكب كثيرة
فعالة وإن كنا لا نعرف وجودها فضلا عن أن نعرف طبائعها ولهذا نقل صاحب كتاب
تتكلوشا عن رواياي البشر أنه بقي في الفلك وراء الكواكب المرصودة كواكب لم
ترصد إما لفرط صغرها أو لخفاء آثارها وأفعالها.
وثانيها
: أن الكواكب التي
نراها ليست بأسرها مرصودة بل المرصودة منها ألف واثنان وعشرون والبواقي غير مرصودة
ومما يحقق ذلك ما ثبت بالدلالة أن المجردة ليست إلا أجرام كوكبيه صغيرة جدا مرتكزة
في فلك الثوابت على هذا السمت المخصوص وظاهر أن الوقوف على طبائعها متعذرة.
وثالثها
: أن هذه الكواكب
المرصودة مما لم يحصل الوقوف التام على طبائعها لأن أقوال الأحكاميين ضعيفة قليلة
الحاصل لا سيما في طبائع الثوابت.
ورابعها
: أنا بتقدير أن
نعرف طبائع هذه الكواكب على بساطتها لكنه لا يمكننا الوقوف على طبائعها حال
امتزاجها إلا على سبيل التقريب البعيد عن التحقيق.
ثم إنا نعلم أن
الحوادث الحادثة في هذا العالم لا يصدر عن طبائعها البسيطة وإلا لدامت هذه الحوادث
بدوام تلك الطبائع بل إنما يحصل عن امتزاجاتها وتلك الامتزاجات غير متناهية فلا
سبيل إلى الوقوف عليها على سبيل القياس فقد ثبت
__________________
بهذه الوجوه
الأربعة تعذر الوقوف على طبائعها الفعالة وأما القوى المنفعلة فالوقوف التام عليها
كالمتعذر لأن القبول التام لا يتحقق إلا مع شرائط مخصوصة في القابل من الكم والكيف
والوضع والأين وسائر المقولات والمواد السفلية غير ثابتة على حالة واحدة بل هي
أبدا في الاستحالة والتغير وإن كان لا يظهر في الحس فقد ظهر بما قررنا أن الوقوف
التام على أحوال القوى الفعالة السماوية والقوى الأرضية المنفعلة غير حاصل للبشر
ولو حصل ذلك لأحد لوجب أن يكون ذلك الشخص عالما بجميع التفاصيل الحاصلة من الماضية
والآتية وأن يكون متمكنا من إحداث جميع الأمور التي لا نهاية لها.
ثم قالوا فهذه
المباحث والملامح مما يوهن العقل عن التمكن من هذه الصناعة إلا أنه نعم ما
قيل من أن ما لا يدرك كله لا يترك كله فالقوى البشرية وإن قصرت عن اكتناه هذه
القوى العالية الفعالة والسافلة المنفعلة ولكن يمكنها الاطلاع على بعض أحوالها وإن
كان ذلك القدر تافها حقيرا بالنسبة إلى ما في الوجود لكنه عظيم بالنسبة إلى قدرة
الإنسان وقوته لأن الأحكاميين من أهل النجوم قد وقفوا بسبب التجارب المتطاولة قرنا
بعد قرن على كثير من أحوال السبعة السيارة وكثير من الثوابت وعرفوا من أحوال
البروج والحدود والوجوه والمثلثات ما يعظم الانتفاع بمعرفته لمن اطلع عليه وأحاط
به وليس يلزمنا أنه لما تعذر علينا تحصيل اليقين التام بها بواسطة البراهين
المنطبقة أن يترك الانتفاع بها مع ما تشاهد من صحة قوانينها الكلية كما لا يلزم من
عدم قيام الدلائل الطبيعية على طبائع الأغذية والأدوية البسيطة والمركبة أن لا ينتفع
بها بل هذه الصناعة أولى بالرعاية من صناعة الطب وذلك لأنهما بعد اشتراكهما في عدم
البراهين المنطبقة على مطالبها امتازت هذه الصناعة عن صناعة الطب بوصف نافع وذلك
أن الدواء المتناول لو لم ينفع يحصل من تناوله ضرر عظيم وأما هذه الصناعة فلو لن
تنفع لم تضر
__________________
وأما ظن حصول
النفع فهو قائم في الموضعين وإذا كان كذلك كانت هذه الصناعة أولى بالرعاية من
صناعة الطب.
فإن قال قائل كيف
السبيل إلى معرفة طبائع هذه الكواكب والبروج وأما التجربة فهي متعذرة وذلك لأن أقل
ما لا بد منه في التجربة أن يعود الأمر مرتين وعودة الفلك إلى شكله المعين ممتنع
عند بعض الفلاسفة ولو أمكن على بعده فإنما يقع لو عاد جميع الكواكب إلى الموضع
الذي كان واقفا عليه في المرة الأولى وذلك مما لا يحصل إلا بعد المدة التي تسمى
بعمر العالم فأي عمر يفي بذلك وأي عقل يصل إليه؟
الجواب أنه لا حاجة في هذه التجربة إلى عود الفلك إلى الشكل الأول
من جميع الوجوه بل لما رأينا كوكبا حصل في برج وصدر عنه أثر وشاهدنا هذا الأثر مع
حصوله في ذلك البرج مدة بعد أخرى غلب على ظننا أن حصوله في ذلك البرج مستعقب لهذا
الأثر وهذا القدر كاف في حصول الظن وأيضا قد تحصل معرفة طبائع هذه الكواكب على
سبيل الإلهام يحكى عن جالينوس أنه عرف كثيرا من الأمور الطبية برؤيا رآها وإذا كان
ذلك ممكنا فلا سبيل إلى دفعه.
قالوا إذا ثبت ذلك
فإن التجارب التي مارسها الأحكاميون من المنجمين دلت على أن لكل اختصاصا بأشياء
معينة في هذا العالم من الأمكنة والأزمنة والأيام والساعات والأغذية والروائح
والأشكال التي يتعلق بها كوكب معين في وقت يكون الكوكب فيه قويا على ذلك الفعل
الذي يطلب منه لم يبعد أن يحصل ذلك الأثر الخارق للعادة لا سيما إذا كان المتولي
لمباشرة ذلك العمل القوي النفس صافي الروح بحيث يكون روحه في الاستعلاء والاستيلاء من
جوهر الأرواح السماوية فهناك يتم الأمر ويحصل الغرض فهذا مجموع أقوال الصابئة في
تقرير هذا النوع من السحر.
أما المعتزلة فقد
اتفقت كلمتهم على أن غير الله لا يقدر على خلق الجسم
__________________
والحياة واللون
والطعم واحتجوا بوجوه ذكرها القاضي ولخصها في تفسيره وفي سائر كبته ونحن ننقل تلك
الوجوه وننظر فيها :
أولها
: وهو النكتة
العقلية التي عليها يقولون إن كل ما سوى الله إما متحيز أو قائم بالمتحيز فلو كان غير
الله فاعلا للجسم والحياة لكان ذلك الغير متحيزا وذلك المتحيز لا بد وأن يكون
قادرا بالقدرة إذ لو كان قادرا لذاته لكان كل جسم كذلك بناء على أن الأجسام
متماثلة لكن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم والحياة ويدل عليه وجهان الأول
أن العلم الضروري حاصل بأن الواحد منا لا يقدر على خلق الجسم والحياة ابتداء
فقدرتنا مشتركة في امتناع ذلك عليها فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة
مشتركة ولا مشترك هاهنا إلا كوننا قادرين بالقدرة وإذا ثبت هذا وجب في من كان
قادرا بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم والحياة. الثاني أن هذه القدرة التي لنا لا
شك أن بعضها يخالف بعضا فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم والحياة لم يكن مخالفتها
لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في
صلاحيتها لخلق الجسم لوجب في هذه القدرة التي يخالف بعضها بعضا أن تكون صالحة
لخلق الجسم والحياة ولما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق
الجسم والحياة.
وثانيها
: أنا لو جوزنا ذلك
لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات لأنا لما جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى
السماوية بالقوى الأرضية لم يمكننا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي
الأمناء صدرت عن الله تعالى بل يجوز فيها أنهم أتوا بها من طريق
السحر وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه.
__________________
وثالثها
: أنا لو جوزنا أن
يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم والحياة والألوان لقدر ذلك الإنسان على تحصيل
الأموال العظيمة من غير تعب لكنا نرى من يدعي السحر متوسلا إلى اكتساب الحقير من
المال بجهد جهيد فعلمنا كذبه وبهذا الطريق يعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء
فإنا نقول لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذهب ذهبا لكان إما أن يمكنهم
ذلك بالقليل من الأموال فكان ينبغي أن يغنوا أنفسهم بذلك عن المشقة والذلة أو لا
يمكن إلا بالآلات العظام والأموال الخطيرة فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك
المتمكنين من ذلك بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك لأنه أنفع لهم من فتح البلاد
التي لا يتم إلا بإخراج الأموال والكنوز وفي علمنا بانصراف النفوس والهمم عن ذلك
دلالة على فساد هذا القول قال القاضي فثبت بهذه الجملة أن الساحر لا يصح أن يكون
فاعلا لشيء من ذلك.
واعلم أن هذه
الدلائل ضعيفة جدا أما الوجه الأول فنقول ما الدليل على أن كل ما سوى الله تعالى
إما أن يكون متحيزا أو قائما بالمتحيز أما علمتهم أن الفلاسفة مصرون على إثبات
العقول والنفوس الفلكية والنفوس الناطقة وزعموا أنها في أنفسها ليست بمتحيزة ولا
قائمة بالمتحيز فما الدليل على فساد القول بها؟
فإن قالوا لو وجد
موجود هكذا لزم أن يكون مثلا لله تعالى :
قلنا
: لا نسلم وذلك لأن
الاشتراك في السلوب لا يقتضي الاشتراك في الماهية سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن
يكون بعض الأجسام يقدر على ذلك لذاته قوله الأجسام متساوية فلو كان جسم كذلك
لكان كل جسم كذلك قلنا ما الدليل على تماثل الأجسام؟
فإن
قالوا : إنه لا معنى للجسم
إلا الممتد في الجهات الشاغل للأحياز فلا تفاوت بينها في هذا المعنى.
__________________
قلنا
: الامتداد في
الجهات والشغل للأحياز صفة من صفاتها ولازم من لوازمها ولا بد أن تكون الأشياء
المختلفة في الماهية مشتركة في بعض اللوازم سلمنا أنه يجب أن يكون قادرا بالقدرة
فلم قلتم إن القادر بالقدرة لا يصح منه خلق الجسم والحياة قوله لأن القدرة التي
لنا مشتركة في هذا الامتناع فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة ولا
مشترك سوى كوننا قادرين بالقدرة قلنا هذه المقدمات بأسرها ممنوعة فلا نسلم أن
الامتناع حكم معلل وذلك لأن الامتناع عدمي والعدمي لا يعلل سلمنا أنه أمر وجودي
ولكن من مذهبهم أن كثيرا من الأحكام لا يعلل فلم لا يجوز أن يكون هاهنا كذلك سلمنا
أنه معلل فلم قلتم إن الحكم المشترك لا بد له عن علة مشتركة أليس أن القبح حصل في
الظلم معللا بكونه ظلما وفي الكذب بكونه كذبا وفي الجهل بكونه جهلا سلمنا أنه لا
بد من علة مشتركة لكن لا نسلم أنه لا مشترك إلا كوننا قادرين بالقدرة فلم لا يجوز
أن تكون هذه القدرة التي لنا مشتركة في وصف معين وتلك القدرة التي تصلح لخلق الجسم
تكون خارجة عن ذلك الوصف فما الدليل على أن الأمر ليس كذلك؟
أما الوجه الثاني
وهو أنه ليست مخالفة تلك القدرة لبعض هذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة
للبعض فنقول هذا أضعف لأنا لا نعلل صلاحيتها لخلق الجسم بكونها مخالفة لهذه
القدرة بل لخصوصيتها المعينة التي لأجلها خالفت سائر القدر وتلك الخصوصية معلوم
أنها غير حاصلة في سائر القدر ونظير ما ذكروه أن يقال ليست مخالفة الصوت للبياض
أشد من مخالفة السواد للبياض فلو كانت تلك المخالفة مانعة للصوت من صحة أن يرى
لوجب لكون السواد مخالفا للبياض أن يمتنع رؤيته ولما كان هذا الكلام فاسدا فكذا ما
قالوه والعجب من القاضي أنه لما حكي هذه الوجوه عن الشعرية في مسألة الرؤية زيفها
بهذه الأسئلة ثم إنه نفسه تمسك بها في هذه المسألة التي هي الأصل في
__________________
إثبات النبوة
والرد على من أثبت متوسطا بين الله وبيننا.
أما الوجه الثالث
وهو أن القول بصحة النبوات لا يبقى مع تجويز هذا الأصل فنقول إما أن يكون القول
بصحة النبوات متفرعا على فساد هذه القاعدة أو لا يكون فإن كان الأول امتنع إفساد
هذا الأصل بالبناء على صحة النبوات وإلا وقع الدور وإن كان الثاني فقد سقط هذا
الكلام بالكلية.
وأما الوجه الرابع
فلقائل أن يقول الكلام في الإمكان غير وفي الوقوع غير ونحن لا نقول بأن هذه الحالة
حاصلة لكل أحد بل هذه الحالة لا تحصل للبشر إلا في الأعصار المتباعدة فكيف يلزمنا
ما ذكرتموه فهذا هو الكلام في النوع الأول من السحر.
(النوع الثاني من السحر)
(سحر أصحاب الأوهام والنفوس
القوية)
قالوا
: اختلف الناس في أن
الذي يشير إليه كل إنسان بقوله أنا ما هو فمن الناس من يقول إنه هو هذه البنية
ومنهم من يقول إنه جسم سار في هذه البنية ومنهم من يقول إنه موجود ليس بجسم ولا
جسماني أما إذا قلنا إن الإنسان هو هذه البنية فلا شك أن هذه البنية مركبة من
الأخلاط الأربعة فلم لا يجوز أن يتفق في بعض الأعصار النادرة أن يكون مزاج من
الأمزجة في ناحية من النواحي يقتضي القدرة على خلق الجسم والعلم بالأمور الغائبة
عنا وهكذا الكلام إذا قلنا إن الإنسان جسم سار في هذه البنية أما إذا قلنا إن
الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس أن تكون
لذاتها قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغائبة عنا فهذا
الاحتمال مما لم يقم دلالة على فساده سوى الوجوه المتقدمة وقد بان بطلانها.
ثم الذي يؤكد هذا
الاحتمال وجوه أولها أن الجذع الذي يتمكن الإنسان
من المشي عليه لو
كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على هاوية تحته وما ذاك
إلا لأن تخيل السقوط متى قوي أوجبه وثانيها أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن
النظر إلى الأشياء الحمر والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان والدوران
وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام وثالثها حكى صاحب الشفاء عن أرسطو في
طبائع الحيوان أن الدجاجة إذا تشبهت كثيرا بالديكة في الصوت وفي الجواب مع الديكة
نبت على ساقيها مثل الشيء النابت على ساق الديك ثم قال صاحب الشفاء وهذا يدل على
أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية.
ورابعها أجمعت
الأمم على أن الدعاء مظنة للإجابة وأجمعوا على أن الدعاء اللساني الخالي عن المطلب
النفساني قليل البركة عديم الأثر فدل ذلك على أن للهمم والنفوس آثارا وهذا الاتفاق
غير مختص بملة معينة ونحلة مخصوصة وخامسها أنك لو أنصفت لعلمت أن المبادي القريبة
للأفعال الحيوانية ليست إلا التصورات النفسانية لأن القوة المحركة المخلوقة
المطبوعة المغروزة في العضلات صالحة للفعل وتركه أو ضده ولن يترجح أحد
الطرفين على الآخر إلا لمرجح وما ذاك إلا تصور كون الفعل جميلا أو لذيذا أو تصور
كونه قبيحا أو مؤلما فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العضلية مبادئ بالفعل
لوجود الأفعال بعد أن كانت كذلك بالقوة وإذا كانت هذه التصورات هي المبادئ لمبادئ
هذه الأفعال فأي استبعاد في كونها مبادئ للأفعال بأنفسها وإلغاء الواسطة
عن درجة الاعتبار وسادسها التجربة والعيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة
لحدوث الكيفيات في الأبدان فإن الغضبان يشتد سخونة مزاجه حتى أنه يفيد سخونة قوية
يحكى عن بعض الملوك أنه عرض له فالج فأعيا الأطباء مزاولة علاجه فدخل عليه بعض
الحذاق منهم على حين غفلة منه وشافهه بالشتم والقدح
__________________
في العرض فاشتد
غضب الملك وقفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة ذلك الكلام فزالت تلك
العلة المزمنة والمرضة المهلكة وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في
البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن وسابعها أن الإصابة
بالعين أمر قد اتفق عليها العقلاء وذلك أيضا يحقق إمكان ما قلناه.
إذا عرفت هذا
فنقول النفوس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن
الاستعانة بالآلات والأدوات وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه وتحقيقه أن
النفس إذا كانت قوية مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات كانت
كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم أما إذا
كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا
في هذا البدن فإذا أراد هذا الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن
آخر اتخذ تمثال ذلك الغير ووضعه عند الحس ليشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه
وأقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية والتصرفات الروحانية ولذلك
اجتمعت الأمم على أنه لا بد لمزاول هذه الأعمال من الانقطاع عن المألوفات
والمشتهيات وتقليله الغذاء والانقطاع عن مخاطبة القلب فكلما كانت
هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الأمر
نظرا إلى ماهيتها وخاصيتها عظم التأثير والسبب اللمي فيه أن النفس إذا
اشتغلت بالجانب الواحد استعملت جميع قوتها في ذلك الفعل وإذا اشتغلت بالأفعال
الكثيرة تفرقت قوتها وتوزعت على تلك الأفعال فتصل إلى كل واحد من تلك الأفعال شعبة
من تلك القوة وجدول من ذلك النهر ولذلك ترى أن إنسانين يستويان في قوة الخاطر إذا
اشتغل أحدهما بصناعة واحدة واشتغل الآخر بصناعتين فإن ذا
__________________
الفن الواحد يكون
أقوى من ذي الفنين ومن حاول الوقوف على حقيقة مسألة من المسائل فإنه حال تفكره
فيها لا بد وإن يفرغ خاطره عما عداه فإنه عند تفريغ الخاطر يتوجه الخاطر بكليته إليه فيكون
الفعل أسهل وأحسن وإذا كان كذلك فإذا كان الإنسان مشغول الهم والهمة بقضاء اللذات
وتحصيل الشهوات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مستغرقة فيها فلا يكون انجذابها
إلى تحصيل الفعل الغريب الذي يحاوله انجذابا قويا لا سيما وهنا آفة أخرى وهي أن
مثل هذه النفس اعتادت الاشتغال باللذات من أول أمرها إلى آخره ولم تشتغل قط
باستحداث هذه الأفعال الغريبة فهي بالطبع حنون إلى الأول عزوف للثاني فإذا وجدت
مطلوبها من النمط الأول فإني تلتفت إلى الجانب الآخر. فقد ظهر من هذا أن مزاولة
هذه الأعمال لا تتأتى إلا مع التجرد عن الأحوال الجسمانية وترك مخالطة الخلق
والإقبال بالكلية على عالم الصفا والأرواح وأما الرقي فإن كانت معلومة فالأمر فيها
ظاهر لأن الغرض منها أن حس البصر كما شغلناه بالأمور المناسبة لذلك الغرض فحس
السمع نشغله أيضا بالأمور المناسبة لذلك الغرض فإن الحواس متى تطابقت نحو التوجه إلى الغرض
الواحد كان توجه النفس إليه حينئذ أقوى وأما إذا كانت بألفاظ غير معلومة حصلت
للنفس هناك حالة شبيهة بالحيرة والدهشة ويحصل للنفس في أثناء ذلك انقطاع عن المحسوسات وإقبال على
ذلك الفعل وجد عظيم فيقوى التأثير النفساني فيحصل الغرض وهكذا القول في الدخن.
قالوا فقد ثبت أن هذا القدر من القوة النفسانية مستقل
__________________
بالتأثير فإن انضم
إليه النوع الأول من السحر وهو الاستعانة بالكواكب وتأثيراتها عظم التأثير بل
هاهنا نوعان آخران الأول أن النفوس التي فارقت الأبدان قد يكون فيها ما هو شديد
المشابهة لهذه النفس في قوتها وفي تأثيراتها فإذا صارت هذه النفوس صافية لم يبعد
أن ينجذب إليها ما تشابهها من النفوس المفارقة ويحصل لتلك النفوس نوع ما من التعلق
بهذا البدن فتعاضد النفوس الكثيرة على ذلك الفعل وإذا كملت القوة تزايدت قوى
التأثير الثاني أن هذه النفوس الناطقة إذا صارت صافية عن الكدورات البدنية صارت
قابلة للأنوار الفائضة من الأرواح السماوية والنفوس الفلكية فتتقوى هذه النفوس
بأنوار تلك الأرواح فتقوى على أمور غريبة خارقة للعادة فهذا شرح سحر أصحاب الأوهام
والرقى.
(النوع الثالث)
(من السحر
الاستعانة بالأرواح الأرضية)
واعلم أن القول
بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما
أنكروا القول به إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية وهي في أنفسها مختلفة منها خيرة
ومنها شريرة فالخير منهم الجن والشريرة هم كفار الجن وشياطينهم ثم قال خلق منهم هذا الأرواح
جواهر قائمة بأنفسها لا متحيزة ولا حالة في المتحيز وهي قادرة عالمة مدركة
للجزئيات واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية إلا أن
القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية أضعف من القوة
الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الأرواح السماوية إما أن الاتصال أسهل فلأن
المناسبة بين نفوسنا وبين هذه الأرواح الأرضية أرسل فإن المشابهة
والمشاكلة بينها
__________________
أتم وأشد من
المشاكلة بين نفوسنا وبين الأرواح السماوية وإما أن القوة الحاصلة بسبب الاتصال
بالأرواح السماوية أقوى فلأن الأرواح السماوية بالنسبة إلى الأرواح الأرضية كالشمس
بالنسبة إلى الشعلة والبحر بالنسبة إلى القطرة والسلطان بالنسبة إلى الرعية قالوا
وهذه الأشياء وإن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال والإمكان ثم
إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل
بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد فهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل
تسخير الجن.
(النوع الرابع)
(من السحر التخيلات والأخذ
بالعيون)
فهذا النوع مبني
على مقدمات أحدها أن أغلاط البصر كثيرة فإن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى
السفينة واقفة والشط متحركا وذلك يدل على أن الساكن يرى متحركا والمتحرك يرى ساكنا
والقطرة النازلة ترى خطا مستقيما والزبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة والقبة ترى
في الماء كالإجاصة والشخص الصغير يرى في الضباب عظيما وكبخار الأرض الذي يريك قرص
الشمس عند طلوعها عظيما فإذا فارقته وارتفعت صغرت وأما رؤية العظيم من البعيد
صغيرا فظاهر فهذه الأشياء قد هدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد تبصر الشيء على
خلاف ما هو عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة.
وثانيها
: أن القوة الباصرة
إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدار فأما إذا
أدركت المحسوس في زمان صغير جدا ثم أدركت بعده محسوسا آخر وهكذا فإنه يختلط البعض
بالبعض ولا يتميز بعض المحسوسات عن البعض ولذلك فإن الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى
محيطها خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإن الحس يرى لونا واحدا كأنه
مركب من كل تلك
الألوان.
وثالثها أن النفس
إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحس شيء آخر فلا يشعر الحس به البتة كما أن
الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان ويتكلم معه فلا يعرفه ولا يفهم كلامه لما أن قلبه مشغول
بشيء آخر وكذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها ولا يرى
ما هو أكثر منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي
تقابل المرآة وربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في
المرآة إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر وذلك لأن
المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا
استفز عنهم الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة
شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون الشيئين أحدهما اشتغالهم بالأمر الأول والثاني سرعة
الإتيان بهذا العمل الثاني وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه
جدا ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمل ولم تتحرك
النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله فهذا هو
المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير
الجهة التي يحتال وكلما كان أخذه للعيون والخواطر وجذبه لها إلى سواء مقصوده أقوى كان
أحذق في عمله وكلما كانت الأحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان
هذا العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا فإن الضوء الشديد يفيد البصر
كلالا
__________________
واختلالا وكذا
الظلمة الشديدة وكذلك الألوان المشرقة القوية تفيد البصر كلالا واختلالا والألوان
المظلمة قلما تقف القوة الباصرة على أحوالها فهذا مجامع القول في هذا النوع من
السحر.
(النوع الخامس)
(من السحر)
الأعمال العجيبة
التي تطرأ من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية تارة وعلى
ضروب الخيلاء أخرى مثل فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر وكفارس على
فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد ومنها الصور
التي تصورها الروم وأهل الهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان حتى يصورونها
ضاحكة وباكية وحتى يفرق فيها بين ضحك السرور وضحك الخجل وضحك الشامت فهذه الوجوه
من لطيف أمور التخائيل وكان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب ومن هذا الباب تركيب
صندوق الساعات ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال وهو أن يجر ثقيلا عظيما بآلة
خفيفة وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعده من باب السحر لأن لها أسبابا معلومة
تعيينية من اطلع عليها قدر عليها إلا أن الاطلاع عليها لما كان
عسرا شديدا لا يصل إليه إلا الفرد بعد الفرد لا جرم عد أهل الظاهر ذلك من باب
السحر ومن هذا الباب عمل ارجعانوس الموسيقات في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه
__________________
وذلك أنه اتفق له
أن كان مجتازا بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل والبراصل هو طائر
عطوف فكان يصفر صفيرا حزينا بخلاف صفير سائر البراصل فكانت البراصل تجيئه بلطائف
الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها ويفضل بعضها عن حاجته فوقف هذا الموسيقات هناك وتأمل حال
هذا الفرخ وعلم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التوجع والاستعطاف حتى
رقت له الطيور وجاءته بما يأكله فتلطف لعمل آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها
أدت ذلك الصفير ولم يزل يجرب ذلك حتى وثق بها وجاءته البراصل بالزيتون كما كانت
تجيء إلى ذلك الفرخ لأنها تظن أن هناك فرخا من جنسها فلما صح له ما أراد أظهر
النسك وعمد إلى هيكل أورشليم وسأل عن الليلة التي دفن فيها اسطرحن الناسك القيم
بعمارة ذلك الهيكل فأخبر أنه دفن في أول ليلة من آب فأخذ صورة من زجاج
مجوف على هيئة البرصلة ونصبها فوق ذلك الهيكل وجعل فوق تلك الصورة قبة وأمرهم
بفتحها في أول آب فكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة وكانت
البراصل تجيء بالزيتون حتى كانت تمتلئ القبة كل يوم من ذلك الزيتون والناس اعتقدوا
أنه من كرامات ذلك المدفون ويدخل في هذا الباب أنواع كثيرة لا يليق شرحها في هذا
الموضع.
النوع
السادس من السحر : الاستعانة بخواص الأدوية من أن يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلدة المزيلة للعقل والدخن
المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناول الإنسان تبلد عقله وقلت فطنته واعلم أنه لا
سبيل إلى إنكار الخواص فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه وخلطوا
الصدق بالكذب والباطل بالحق.
__________________
النوع
السابع من السحر : تعليق القلب وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم وأن الجن يطيعونه
وينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التميز
اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة فإذا حصل الخوف
ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل حينئذ ما شاء وإن من جرب
الأمور وعرف أحوال العالم علم أن لتعلق القلب أثرا عظيما في تنفيذ الأعمال وإخفاء
الأسرار.
النوع
الثامن من السحر : السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفية لطيفة وذلك شائع في الناس
فهذا جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه والله أعلم.
المسألة
الحادية عشر : في أقوال المسلمين
أن هذه الأنواع هل هي ممكنة أم لا أما المعتزلة فقد اتفقوا على إنكارها إلا النوع
المنسوب إلى التخيل والمنسوب إلى إطعام بعض الأدوية المبلدة والمنسوب إلى التضريب
والنميمة وأما الأقسام الخمسة الأول فقد أنكروها ولعلهم كفروا من قال بها وجوز
وجودها وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ويقلب
الإنسان حمارا والحمار إنسانا إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء
عند ما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك
والنجوم فلا وأما الفلاسفة والمنجمون والصابئة فقولهم على ما سلف تقريره.
واحتج أصحابنا على
فساد قول الصابئة أنه قد ثبت أن العالم محدث فوجب أن يكون موجودة قادرا فإن الشيء
الذي حكم العقل بأنه مقدوره إنما يصح أن يكون مقدورا له لكونه ممكنا والإمكان قدر
مشترك بين كل الممكنات فإذن كل الممكنات مقدور لله ولو وجد شيء من تلك المقدورات
بسبب آخر يلزم أن
__________________
يكون ذلك السبب
مزيلا لتعلق قدرة الله تعالى بذلك المقدور فيكون الحادث سببا لعجز الله وهو محال
فثبت أنه يستحيل وقوع شيء من الممكنات إلا بقدرة الله وعنده يبطل كل ما قاله
الصابئة.
قالوا إذا ثبت هذا
النوع فندعي أنه لا يمتنع وقوع هذه الخوارق بإجراء العادة عند سحر السحرة فقد
احتجوا على وقوع هذا النوع من السحر بالقرآن والخبر أما القرآن
فقوله تعالى في هذه الآية « وَما
هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » والاستثناء يدل على حصول الآثار بسببه وأما الأخبار فأحدها ما روي
أنه عليه السلام سحر وأن السحر عمل فيه حتى قال إنه ليخيل إلي أني أقول الشيء
وأفعله ولم أقله ولم أفعله وإن امرأة يهودية سحرته وجعلت ذلك السحر تحت راعوفة
البئر فلما استخرج ذلك زال عن النبي صلى الله عليه واله ذلك العارض ونزلت المعوذتان بسببه.
وثانيها
: أن امرأة أتت
عائشة فقالت لها إني ساحرة فهل لي من توبة فقالت وما سحرك فقالت صرت إلى الموضع
الذي فيه هاروت وماروت ببابل أتعلم علم السحر فقالا لي يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا
فأبيت فقالا لي اذهبي فبولي على ذلك الرماد فذهبت لأبول عليه ففكرت في نفسي فقلت
لا فعلت وجئت إليهما فقلت قد فعلت فقالا لي ما رأيت لما فعلت فقلت
ما رأيت شيئا فقالا لي أنت على رأس أمرك فاتقي الله ولا تفعلي فأبيت فقالا لي
اذهبي فافعلي فذهبت ففعلت فرأيت كأن فارسا مقنعا بالحديد قد خرج من فرجي فصعد إلى
السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا :
__________________
إيمانك قد خرج عنك
فقد أحسنت السحر فقلت وما هو؟ قالا : لا تريدين شيئا فتصورينه في وهمك إلا كان
فصورت في نفسي حبا من حنطة فإذا أنا بحب فقلت انزرع فانزرع فخرج من ساعته سنبلا
فقلت انطحن فانطحن فقلت انخبز فانخبز وأنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل
فقالت عائشة ليست لك توبة.
وثالثها
: ما يذكرونه من
الحكايات الكثيرة في هذا الباب وهي مشهورة أما المعتزلة فقد احتجوا على إنكاره
بوجوه أحدها قوله تعالى « وَلا
يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » وثانيها قوله تعالى في صفة محمد صلى الله عليه واله « وَقالَ الظَّالِمُونَ
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً » ولو صار صلى الله عليه واله مسحورا لما استحقوا الذم بسبب
هذا القول وثالثها أنه لو جاز ذلك من الساحر فكيف يتميز المعجز من السحر ثم قالوا
هذه الدلائل يقينية والأخبار التي ذكرتموها من باب الآحاد فلا تصلح معارضة لهذه
الدلائل.
المسألة
الثانية عشر : في أن العلم
بالسحر ليس بقبيح ولا محظور.
اتفق المحققون على
ذلك لأن العلم لذاته شريف وأيضا لعموم قوله تعالى « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » ولأن السحر لو لم يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجز والعلم بكون المعجز
معجزا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر
واجبا وما يكون واجبا كيف يصير حراما وقبيحا.
المسألة
الثالثة عشر : في أن الساحر هل يكفر أم لا اختلف الفقهاء في أن الساحر هل
يكفر أم لا روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : من أتى كاهنا أو عرافا
فصدقهما بقول فقد كفر بما أنزل على محمد واعلم أنه لا نزاع بين الأمة في أن
__________________
من اعتقد أن
الكواكب هي المدبرة لهذا العالم وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور
فإنه يكون كافرا على الإطلاق وهذا هو النوع الأول من السحر وأما النوع الثاني وهو
أن يعتقد أنه قد يبلغ روح الإنسان في التصفية والقوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد
الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البنية والشكل فالأظهر إجماع الأمة أيضا على
تكفيره أما النوع الثالث وهو أن يعتقد الساحر أنه قد يبلغ في التصفية وقراءة الرقي
وتدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى في عقب أفعاله على سبيل العادة
الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البنية والشكل فهنا المعتزلة اتفقوا على تكفير من
يجوز ذلك قالوا لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه أن يعرف صدق الأنبياء والرسل وهذا
ركيك من القول فإن لقائل أن يقول إن الإنسان لو ادعى النبوة وكان كاذبا في دعواه
فإنه لا يجوز من الله تعالى إظهار هذه الأشياء على يده لئلا يحصل التلبيس أما إذا
لم يدع النبوة وظهرت هذه الأشياء على يده لم يفض ذلك إلى التلبيس لأن المحق يتميز
عن المبطل بما أن المحق تحصل له هذه الأشياء مع ادعاء النبوة وأما سائر الأنواع
التي عددناه من السحر فلا شك أنه ليس بكفر.
فإن
قيل : إن اليهود لما
أضافوا السحر إلى سليمان قال الله تعالى تنزيها عنه « وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ » وهذا يدل على أن السحر على الإطلاق كفر وأيضا قال « وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » وهذا أيضا يقتضي أن يكون السحر على الإطلاق كفرا وحكي عن
الملكين أنهما لا يعلمان أحدا السحر « حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا
تَكْفُرْ » وهو يدل على أن السحر كفر على الإطلاق.
قلنا
: حكاية الحال يكفي
في صدقها صورة واحدة فنحملها على سحر من يعتقد إلهية النجوم.
ثم قال بعد إيراد
المسألة الرابعة عشر في حكم قتل الساحر فهذا هو
__________________
الكلام الكلي في
السحر ولنرجع إلى التفسير :
أما قوله تعالى : « وَلكِنَّ
الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون
الناس السحر لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية وتعليم ما لا يكون كفرا لا
يوجب الكفر فصارت الآية دالة على أن تعليم السحر كفر وعلى أن السحر أيضا كفر ولمن
منع ذلك أن يقول لا نسلم أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية بل المعنى أنهم
كفروا وهم مع ذلك يعلمون السحر.
فإن
قيل : هذا مشكل لأن الله
أخبر في آخر الآية أن الملكين يعلمان السحر فلو كان تعليم السحر كفرا لزم تكفير
الملكين وأنه غير جائز لما ثبت أن الملائكة بأسرهم معصومون وأيضا فلأنكم دللتم على
أنه ليس كلما يسمى سحرا فهو كفر.
قلنا
: اللفظ المشترك لا
يكون عاما في جميع مسمياته فنحن نحمل هذا السحر الذي هو كفر على النوع الأول من
الأشياء المسماة بالسحر وهو اعتقاد إلهية الكواكب والاستعانة بها في إظهار
المعجزات وخوارق العادات فهذا السحر كفر والشياطين إنما كفروا بإتيانهم بهذا السحر
لا بسائر الأقسام وأما الملكان فلا نسلم أنهما إنما علما هذا النوع من السحر بل
لعلهما يعلمان سائر الأنواع على ما قال تعالى « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ
بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » وأيضا فبتقدير أن يقال إنهما علما هذا النوع إنما يكون
كفرا إذا قصد المعلم أن يعتقد المتعلم حقيته وكونه صوابا فأما أن يعلمه ليحترز عنه
فهذا التعليم لا يكون كفرا وتعليم الملائكة كان لأجل أن يصير المكلف محترزا عنه
على ما قال تعالى حكاية عنهما « وَما
يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » وأما الشياطين الذين علموا السحر الناس فكان مقصودهم
اعتقاد حقية هذه الأشياء فظهر الفرق.
المسألة
الخامسة عشر : قرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبو عمرو بتشديد « لكِنَ » و « الشَّياطِينُ
» بالنصب على أنه اسم لكن والباقون لكن بالتخفيف
__________________
والشياطين بالرفع
والمعنى واحد.
أما قوله تعالى « وَما أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ
» ففيه مسائل الأولى
ما في قوله « وَما
أُنْزِلَ » فيه وجهان الأول أنه بمعنى الذي ثم هؤلاء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال
أولها أنه عطف على السحر أي يعلمون الناس السحر ويعلمونهم ما أنزل على الملكين
أيضا. وثانيها أنه عطف على قوله « ما
تَتْلُوا الشَّياطِينُ » أي واتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان « وَما أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ » لأن السحر منه ما هو كفر وهو الذي تتلوا الشياطين ومنه ما
تأثيره بالتفريق بين المرء وزوجه وهو الذي أنزل على الملكين فكأنه تعالى أخبر عن
اليهود بأنهم اتبعوا كلا الأمرين ولم يقتصروا على أحدهما. وثالثها أن موضعه جر
عطفا على ملك سليمان وتقديره ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان وعلى ما
أنزل على الملكين وهو اختيار أبي مسلم وأنكر في الملكين أن يكون السحر نازلا
عليهما. واحتج عليه بوجوه الأول أن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزله هو الله
تعالى وذلك غير جائز لأن السحر كفر وعبث ولا يليق بالله تعالى إنزال ذلك. الثاني
أن قوله « وَلكِنَّ
الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » يدل على أن تعليم السحر كفر ولو ثبت في الملائكة أنهم
يعلمون السحر لزمهم الكفر وذلك باطل. الثالث كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا
لتعليم السحر فكذلك في الملائكة بالطريق الأولى. الرابع أن السحر لا يضاف إلا إلى
الكفرة والفسقة والشياطين المردة فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه ويتوعد عليه
بالعقاب وهل السحر إلا الباطل المموه وقد جرت عادة الله تعالى بإبطاله كما قال في
قصة موسى عليه السلام « ما
جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ »
ثم إنه سلك في
تفسير الآية مسلكا آخر يخالف قول أكثر المخالفين فقال كما أن الشياطين نسبوا السحر
إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين
إلى السحر مع أن المنزل عليهما كان مبرأ عن السحر وذلك لأن المنزل عليهما كان هو
الشرع والدين والدعاء إلى
الخير وأنهما كانا
يعلمان الناس ذلك مع قولهما « إِنَّما
نَحْنُ فِتْنَةٌ » توكيدا لبعثهم على القبول والتمثل فكانت طائفة تتمثل وأخرى
تخالف وتعدل عن ذلك « فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُما » أي من الفتنة والكفر مقدار « ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ » وهذا تقرير مذهب أبي مسلم.
الوجه
الثاني : أن يكون ما بمعنى
الجحد ويكون معطوفا على قوله « وَما
كَفَرَ سُلَيْمانُ » كأنه قال لم يكفر سليمان ولم ينزل على الملكين سحر لأن
السحرة كانت تضيف السحر إلى سليمان وتزعم أنه مما أنزل على الملكين ببابل هاروت
وماروت فرد الله عليهم في القولين وقوله « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ » جحد أيضا أي لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه أشد النهي وأما
قوله « حَتَّى
يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » أي ابتلاء وامتحان « فَلا تَكْفُرْ » فهو كقولك ما أمرت فلانا بكذا حتى قلت له إن فعلت كذا نالك
كذا أي ما أمرته به بل حذرته عنه.
واعلم أن هذه
الأقوال وإن كانت حسنة إلا أن القول الأول أحسن منها وذلك لأن عطف قوله « وَما أُنْزِلَ » على ما يليه أولى من عطفه على ما بعد عنه إلا لدليل منفصل
أما قوله لو نزل السحر عليهما لكان منزل ذلك السحر هو الله تعالى قلنا تعريف صفة
الشيء قد يكون لأجل الترغيب في إدخاله في الوجود وقد يكون لأجل أن يقع الاحتراز
عنه كما قال الشاعر.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه.
قوله ثانيا إن
تعليم السحر كفر لقوله تعالى « وَلكِنَّ
الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » فالجواب أنا بينا أنه واقعة حال فيكفي في صدقها صورة واحدة
وهي ما إذا اشتغل بتعليم سحر من يقول بإلهية الكواكب ويكون قصده من ذلك التعليم
إثبات أن ذلك المذهب حق قوله ثالثا إنه لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليم السحر فكذا
الملائكة قلنا لا نسلم أنه لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليمه بحيث يكون الغرض من ذلك
التعليم التنبيه على إبطاله قوله رابعا إنما يضاف السحر إلى الكفرة أو المردة فكيف
يضاف إلى الله ما ينهى عنه قلنا فرق بين العمل وبين
التعليم فلم لا
يجوز أن يكون العمل به منهيا عنه وأما تعليمه لغرض التنبيه على فساده فإنه يكون
مأمورا به.
المسألة
الثانية : قرأ الحسن الملكين بكسر اللام وهو مروي أيضا عن الضحاك وابن عباس ثم
اختلفوا فقال الحسن كانا عجلين أقلفين ببابل يعلمان الناس السحر وقيل كانا رجلين
صالحين من الملوك والقراءة المشهورة بفتح اللام وهما كانا ملكين نزلا من السماء
وهاروت وماروت اسمان لهما ثم قيل هما جبرئيل وميكائيل عليهما السلام وقيل غيرهما
أما الذين كسروا اللام فقد احتجوا بوجوه أحدها أنه لا يليق بالملائكة تعليم السحر.
وثانيها كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله « وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ
ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ » وثالثها لو أنزل الملكين لكان إما أن يجعلهما في صورة
رجلين أو لا يجعلهما كذلك فإن جعلهما في صورة رجلين مع أنهما ليسا برجلين كان ذلك
تجهيلا وتلبيسا وهو غير جائز ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون كل واحد من الناس
الذين نشاهدهم لا يكون في الحقيقة إنسانا بل ملكا من الملائكة وإن لم يجعلهما في
صورة الرجلين قدح ذلك في قوله تعالى « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ
رَجُلاً » والجواب عن الأول أنا سنبين وجه الحكمة وإنزال الملائكة
لتعليم السحر وعن الثاني أن هذه الآية عامة وقراءة « الْمَلَكَيْنِ » بفتح اللام متواترة وخاصة والخاص يقدم على العام وعن
الثالث أن الله تعالى ينزلهما في صورة رجلين وكان الواجب على المكلفين في زمان
الأنبياء أن لا يقطعوا على من صورته صورة الإنسان بكونه إنسانا كما أن في زمان
الرسول صلى الله عليه واله كان الواجب على من شاهد دحية الكلبي أن لا يقطع بكونه
من البشر بل الواجب التوقف فيه.
المسألة
الثالثة : إذا قلنا بأنهما
كانا من الملائكة فقد اختلفوا في سبب نزولهما فروي عن ابن عباس أن الملائكة لما
قالت « أَتَجْعَلُ
فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ » فأجابهم الله تعالى بقوله « إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » ثم إن الله وكل عليهم جمعا من الملائكة وهم الكرام
الكاتبون فكانوا يعرجون بأعمالهم الخبيثة فعجبت الملائكة منهم ومن تبقية الله
إياهم مع ما يظهر منهم من القبائح ثم أضافوا إليها
عمل السحر فازداد
تعجب الملائكة فأراد الله تعالى أن يبتلي الملائكة فقال لهم اختاروا ملكين من أعظم
الملائكة علما وزهدا وديانة لإنزالهما إلى الأرض فاختبرهما فاختاروا هاروت وماروت
وركب فيهما شهوة الإنس وأنزلهما ونهاهما عن الشرك والقتل والزنا والشرب فنزلا فذهب
إليهما امرأة من أحسن النساء وهي الزهرة فراوداها عن نفسها فأبت إلا بعد أن يعبدا
الصنم وإلا بعد أن يشربا فامتنعا أولا ثم غلبت الشهوة عليهما فأطاعا في كل ذلك فعند
إقدامهما على الشرب وعبادة الصنم دخل سائل عليهم فقالت إن أظهر هذا السائل للناس
ما رأى منا فسد أمرنا فإن أردتما الوصول إلي فاقتلا هذا الرجل فامتنعا منه ثم
اشتغلا بقتله فلما فرغا من القتل طلبا المرأة فلم يجداها ثم إن الملكين عند ذلك
ندما وتحسرا وتضرعا إلى الله تعالى فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا
عذاب الدنيا وهما معذبان ببابل معلقان بين السماء والأرض يعلمان الناس السحر.
ثم لهم في الزهرة
قولان أحدهما أن الله تعالى لما ابتلى الملكين بشهوة بني آدم أمر الله الكوكب الذي
يقال له الزهرة وفلكها حتى هبط إلى الأرض إلى أن كان ما كان فحينئذ ارتفعت الزهرة
وفلكها إلى موضعها من السماء موبخين لهما على ما شاهداه منهما والقول الثاني أن
المرأة كانت فاجرة من أهل الأرض وواقعاها بعد شرب الخمر وقتل النفس وعبادة الصنم
ثم علماها الاسم الذي به كانا يعرجان إلى السماء فتكلمت به وعرجت إلى السماء وكان
اسمها بيدخت فمسخها الله تعالى وجعلها هي الزهرة.
واعلم أن هذه
الرواية فاسدة مردودة غير مقبولة لأنه ليس في كتاب الله ما يدل عليها بل فيه ما
يبطلها من وجوه الأول ما تقدم من الدلائل الدالة على عصمة الملائكة عن كل المعاصي
وثانيها أن قولهم إنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاسد بل كان الأولى أن
يخيرا بين التوبة والعذاب لأن الله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره فكيف
يبخل عليهما بذلك وثالثها أن من أعجب الأمور قولهم إنهما يعلمان الناس السحر في
حال كونهما معذبين ويدعوان
إليه وهما
يعاقبان.
ولما ظهر فساد هذا
القول فنقول السبب في إنزالهما وجوه أحدها أن السحرة كثرت في ذلك الزمان واستنبطت
أبوابا غريبة وكانوا يدعون النبوة ويتحدون الناس بها فبعث الله تعالى هذين الملكين
لأجل أن يعلما الناس أبواب السحر حتى يتمكنوا من معارضة أولئك الذين كانوا يدعون
النبوة كذبا ولا شك أن هذا من أحسن الأغراض والمقاصد.
وثانيها أن العلم
بكون المعجزة مخالفا للسحر متوقف على العلم بماهية المعجزة والناس كانوا
جاهلين بماهية السحر فلا جرم تعذرت عليهم معرفة حقيقة المعجزة فبعث الله هذين
الملكين لتعريف ماهية السحر لأجل هذا الغرض وثالثها لا يمتنع أن يقال السحر الذي
يوقع الفرقة بين أعداء الله والألفة بين أولياء الله كان مباحا عندهم أو مندوبا
فالله تعالى بعث الملكين لتعليم السحر لهذا الغرض ثم إن القوم تعلموا ذلك منهما
واستعملوه في الشر وإيقاع الفرقة بين أولياء الله والألفة بين أعداء الله ورابعها
أن تحصيل العلم بكل شيء حسن ولما كان السحر منهيا عنه وجب أن يكون متصورا معلوما
لأن الذي لا يكون متصورا امتنع النهي عنه وخامسها لعل الجن كان عندهم أنواع من
السحر لم يقدر البشر على الإتيان بمثلها فبعث الله الملائكة ليعلموا البشر أمورا
يقدرون بها على معارضة الجن وسادسها يجوز أن يكون ذلك تشديدا في التكليف من حيث
إذا علمه ما أمكنه أن يتوصل به إلى اللذات العاجلة ثم منعه من استعمالها كان ذلك
في نهاية المشقة فيستوجب به الثواب الزائد كما ابتلى قوم طالوت بالنهر على ما قال
« فَمَنْ
شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي » فثبت بهذه الوجوه أنه لا يبعد من الله تعالى إنزال الملكين
لتعليم السحر.
المسألة
الرابعة : قال بعضهم هذه
الواقعة إنما وقعت في زمان إدريس عليه السلام
__________________
لأنهما إذا كانا
ملكين نزلا بصورة البشر لهذا الغرض فلا بد من رسول في وقتهما ليكون ذلك معجزة له
ولا يجوز كونهما رسولين لأنه ثبت أنه تعالى لا يبعث الرسول من الملائكة إلى الإنس
والله أعلم.
المسألة
الخامسة :
« هارُوتَ
وَمارُوتَ » عطف بيان لملكين علمان لهما وهما اسمان أعجميان بدليل منع
الصرف ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر كما زعم بعضهم لانصرفا وقرأ الزهري
هاروت وماروت بالرفع على هما هاروت وماروت وأما قوله تعالى « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ » فاعلم أنه تعالى شرح حالهما فقال وهذان الملكان لا يعلمان
السحر إلا بعد التحذير الشديد من العمل به وهو قولهما « إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ » والمراد هاهنا بالفتنة المحنة التي بها يتميز المطيع عن
العاصي كقولهم فتنت الذهب بالنار إذا عرض على النار ليتميز الخالص عن المشوب وقد
بينا الوجوه في أنه كيف يحسن بعثة الملكين لتعليم السحر فالمراد أنهما لا يعلمان
أحدا السحر ولا يصفانه لأحد ولا يكشفان له وجوه الاحتيال حتى يبذلا له النصيحة
فيقولا له « إِنَّما
نَحْنُ فِتْنَةٌ » أي هذا الذي نصفه لك وإن كان الغرض فيه أن يتميز السحر من المعجز ولكنه
يمكنك أن تتوصل إلى المفاسد والمعاصي فإياك بعد وقوفك عليه أن تستعمله فيما نهيت
عنه أو تتوصل به إلى شيء من الأغراض العاجلة.
أما قوله « فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » ففيه مسائل :
المسألة
الأولى : ذكروا في تفسير
هذا التفريق وجهين الأول أن هذا التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في
هذا التفريق فيصير كافرا وإذا صار كافرا بانت منه امرأته فيحصل التفريق بينهما
الثاني يفرق بينهما بالتمويه والتخييل والتضريب وسائر الوجوه المذكورة.
المسألة
الثانية : أنه تعالى لم يذكر
ذلك لأن الذي يتعلمون منهما ليس
__________________
إلا هذا القدر لكن
هذه الصورة تنبيها على سائر الصور فإن استنامة المرء إلى زوجه وركونه
إليها معروف زائد على كل مودة فنبه بذكر ذلك على أن السحر إذا ما أمكن به هذا
الأمر على شدته فغيره به أولى.
أما قوله « وَما هُمْ بِضارِّينَ
بِهِ مِنْ أَحَدٍ » فإنه يدل على ما ذكرناه لأنه أطلق الضرر ولم يقصره على
التفريق بين المرء وزوجه فدل ذلك على أنه تعالى إنما ذكره لأنه أعلى مراتبه.
أما قوله « بِإِذْنِ اللهِ » فاعلم أن الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر ولأنه
تعالى أراد عيبهم وذمهم ولو كان قد أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه فلا بد من
التأويل وفيه وجوه :
أحدها قال الحسن المراد منه التخلية يعني الساحر إذا سحر إنسانا
فإن شاء الله منعه منه وإن شاء خلي بينه وبين ضرر السحر وثانيها قال الأصم المراد
إلا بعلم الله وإنما سمي الأذان أذانا لأنه إعلام الناس وقت الصلاة وسمي
الأذن أذنا لأن بالحاسة القائمة بذلك يدرك الإذن وكذلك قوله « وَأَذانٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ » أي إعلام وقوله « فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ » معناه فاعلموا وقوله « فَقُلْ آذَنْتُكُمْ » يعني أعلمتكم وثالثها أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما
يحصل بخلق الله تعالى وإيجاده وإبداعه وما كان كذلك فإنه يصح أن يضاف إلى إذن الله
تعالى كما قال « إِنَّما
قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » ورابعها أن يكون المراد بالإذن الأمر وهذا الوجه لا يليق
إلا بأن يفسر التفريق بين المرء وزوجه بأن يصير كافرا والكفر يقتضي التفريق فإن
هذا حكم شرعي وذلك لا يكون إلا بأمر الله.
أما قوله « وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » ففيه مسائل :
المسألة
الأولى إنما ذكر لفظ
الشراء على سبيل الاستعارة لوجوه : أحدها
__________________
أنهم لما نبذوا
كتاب الله وراء ظهورهم وأقبلوا على التمسك بما تتلوا الشياطين فكأنهم قد اشتروا
ذلك السحر بكتاب الله وثانيها أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه
ليصل بذلك الاحتراز إلى منافع الآخرة فلما استعمل السحر فكأنه اشترى بمنافع الآخرة
منافع الدنيا وثالثها أنه لما استعمل السحر علمنا أنه إنما تحمل المشقة ليتمكن من
ذلك الاستعمال فكأنه اشترى بالمحن التي تحملها قدرته على ذلك الاستعمال.
المسألة
الثانية قال الأكثرون الخلاق النصيب قال القفال يشبه أن يكون أصل
الكلمة من الخلق معناه التقدير ومنه خلق الأديم ومنه يقال قدر الرجل كذا درهما
رزقا على عمل كذا وقال الآخرون الخلاق الخلاص قال أمية بن أبي صلت :
يدعون بالويل
فيها لا خلاق لهم
|
|
إلا سرابيل
قطران وأغلال.
|
بقي في الآية سؤال
وهو أنه كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله « وَلَقَدْ عَلِمُوا » ثم نفاه عنهم في قوله « لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » والجواب من وجوه أحدها أن الذين علموا غير الذين لم يعلموا
فالذين علموا هم الذين علموا السحر ودعوا الناس إلى تعلمه وهم الذين قال الله في
حقهم « نَبَذَ
فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ
كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » وأما الجهال الذين يرغبون في تعلم السحر فهم الذين لا
يعلمون وهذا جواب الأخفش وقطرب وثانيها لو سلمنا أن القوم واحد ولكنهم علموا أشياء
وجهلوا أشياء أخر علموا أنه ليس لهم في الآخرة خلاق ولكنهم جهلوا مقدار ما
فاتهم من منافع الآخرة وما حصل لهم من مضارها وعقوباتها وثالثها لو سلمنا أن القوم
واحد والمعلوم واحد ولكنهم لم ينتفعوا بعلمهم بل أعرضوا عنه فصار ذلك العلم كالعدم
كما سمى الله تعالى الكفار صما وبكما
__________________
وعميا إذ لم
ينتفعوا بهذه الحواس ويقال للرجل في شيء يفعله لكنه لا يضعه موضعه صنعت ولم تصنع
انتهى .
وإنما أوردت أكثر
كلامهم في هذا المقام مع طوله واشتماله على الزوائد الكثيرة لمناسبته لما سيأتي في
بعض الأبواب الآتية ولتطلع على مذاهبهم الواهية في تلك الأبواب وسأل شيخنا البهائي
رحمهالله بعض أخلائه عن قول البيضاوي في تفسير هذه الآية حيث قال
وما روي من أنهما مثلا بشرين وركبت فيهما الشهوة فتعرضا لامرأة يقال لها الزهرة
فحملتهما على المعاصي والشرك ثم صعدت السماء بما تعلمت منهما فمحكي عن اليهود
ولعله من رموز الأوائل وحله لا يخفى على ذوي البصائر بينوا حتى نصير من ذوي
البصائر فأجاب الشيخ رحمهالله بعد أن أورد هذه القصة نحوا مما رواه الرازي في هذه القصة
هي ما رواه قدماء المفسرين من العامة عن ابن عباس ولم يرتض بهذه الرواية متأخروهم
وأطنب الفخر الرازي وغيره في تزييفها وقال إنها فاسدة مردودة غير مقبولة لوجوه
ثلاثة إلى آخر ما نقلناه من الوجوه في عرض كلامه ثم قال وفي كل من هذه الوجوه نظر
أما الأول فلأنه لم يثبت بقاؤهما على العصمة بعد أن مثلهما الله سبحانه بصورة
البشر وركب فيهما قوتي الشهوة والغضب وجعلهما كسائر بني آدم كما يظهر من القصة
وأما الثاني فلأن التخيير بين التوبة والعذاب وإن كان هو الأصلح بحالهما لكن فعل
الأصلح مطلقا غير واجب عليه سبحانه على مذهب هذا المفسر بل فعل الأصلح الذي من هذا
القبيل غير واجب عندنا أيضا فإنا لا نوجب عليه سبحانه كل ما هو أصلح بحال العبد
كما ظنه مخالفونا وشنعوا علينا بما شنعوا بل إنما نوجب عليه سبحانه كل أصلح لو لم
يفعله كان مناقضا لغرضه كما ذكرته في الحواشي التي علقتها على تفسير البيضاوي
ولعله سبحانه لم يلهمهما التوبة وأغفلهما عنها لمصلحة لا يعلمها إلا هو فلا بخل
منه سبحانه على هذا التقدير.
وأما
الثالث فلأن التعليم حال
التعذيب غير ممتنع وظني أن تزييف الفخر
__________________
الرازي لهذه
الرواية هو الباعث على عدول البيضاوي عن حمل هذه القصة على ظاهرها وتنزيلها على
محض الرمز والذي سمعته من والدي رحمهالله في حله أنه إشارة إلى أن شخص العالم العامل الكامل المقرب
من حظائر القدس قد يوكل إلى نفسه الغرارة ولا يلحقه التوفيق والعناية فينبذ علمه
وراء ظهره ويقبل على مشتهيات نفسه الخبيثة الخسيسة ويطوي كشحه عن اللذات الحقيقية
والمراتب العلية فينحط إلى أسفل سافلين والشخص الناقص الجاهل المنغمس في الأوزار
قد يختلط بذلك الشخص العالم قاصدا بذلك الفساد والفحشاء فيدركه بذلك التوفيق
الإلهي فيستفيد من ذلك العلم ما يضرب بسببه صفحا عن أدناس دار الغرور وأرجاس عالم
الزور ويرتفع ببركة ما يعلمه عن حضيض الجهل والخسران إلى أوج العزة والعرفان فيصير
به المتعلم في أرفع درج العلاء والمعلم في أسفل درك الشقاء ورأيت في بعض التفاسير
أن المراد بالملكين المذكورين الروح والقلب فإنهما من العالم الروحاني اهبطا إلى
العالم الجسماني لإقامة الحق فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا ووقعا في شبكة الشهوة
فشربا خمر الغفلة وزنيا ببغي الدنيا وعبدا صنم الهوى وقتلا نفسهما بحرمانهما من
النعيم الباقي فاستحقا أليم النكال وقطيع العذاب هذا وهذه القصة كما رواها علماء
العامة عن ابن عباس فقد رواها علماؤنا رضوان الله عليهم عن الإمام أبي جعفر الباقر
عليه السلام وذكرها الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في مجمع البيان لكن بين ما رواه العامة
وما رواه أصحابنا اختلاف يسير فإن الرواية التي رواها أصحابنا ليس فيها أنهما
يعلمان الناس السحر في وقت تعذيبهما بل هي صريحة في أن التعليم كان قبل التعذيب
وكذلك ليس فيها أن تلك المرأة تعلمت منهما الاسم الأعظم وصعدت ببركته إلى السماء
والحاصل أن هذه القصة مروية من طرقنا ومن طرق العامة معا وليس من جملة الحكايات
الغير المسندة كما يظهر من كلام الفاضل الدواني في شرح العقائد العضدية حيث قال إن
هذه القصة ليست في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ما يدل على صدقها ثم إنه
__________________
استدل على أنه من
جملة الأكاذيب بأن تمكن تلك المرأة من الصعود إلى السماء بما تعلمته من الملكين
أعني الاسم الأعظم وعدم تمكنهما من ذلك مع علمهما به غير معقول ولا يخفى أن دليله
هذا إنما يتم لو ثبت أنه جل اسمه لم ينسهما الاسم الأعظم بعد اقترافهما تلك
الكبائر العظيمة واستحقاقهما الطرد والخذلان ودون ثبوته خرط القتاد انتهى كلامه رحمهالله.
« لَنْ يَسْتَنْكِفَ » أي لم يأنف ولم يمتنع « الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ » أي من أن يكون « عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ » أي ولا هم يستكبرون من الإقرار بعبودية الله سبحانه قال
الطبرسي رحمهالله استدل بهذه الآية من قال إن الملائكة أفضل من الأنبياء
قالوا إن تأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم لأن العادة لم تجر
بأن يقال لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا ولا الحارس بل يقدم الأدون ويؤخر الأعظم فيقال
لن يستنكف الوزير أن يفعل كذا ولا السلطان وأجاب أصحابنا عن ذلك بأن قالوا إنما أخر ذكر الملائكة لأن
جميع الملائكة أفضل وأكثر ثوابا من المسيح وهذا لا يقتضي أن يكون كل واحد منهم
أفضل منه وإنما الخلاف في ذلك وأيضا فإنا وإن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل من
الملائكة فإنا نقول مع قولنا بالتفاوت إنه لا تفاوت كثيرا في الفضل بينهما ومع
التقارب والتداني يحسن أن يقدم ذكر الأفضل ألا ترى أنه يحسن أن يقال ما يستنكف
الأمير فلان ولا الأمير فلان إذا كانا متساويين في المنزلة أو متقاربين وقال البيضاوي
لعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير لا باعتبار التكبير كقولك أصبح الأمير
لا يخالفه رئيس ولا مرءوس .
« إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ » أي مطلق الملائكة أو المقربين منهم « وَلَهُ يَسْجُدُونَ » أي يخضعون بالعبادة أو التذلل ولا يشركون به غيره.
__________________
« وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ » قال البيضاوي أي ينقاد انقيادا يعم الانقياد لإرادته
وتأثيره طبعا والانقياد لتكليفه وأمره طوعا ليصح إسناده إلى عامة أهل السماوات
والأرض وقوله « مِنْ
دابَّةٍ » بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية سواء كان في أرض
أو سماء والملائكة عطف على المبين به عطف جبرئيل على الملائكة للتعظيم أو عطف
المجردات على الجسمانيات وبه احتج من قال إن الملائكة أرواح مجردة أو بيان لما في
الأرض والملائكة تكرير لما في السماوات وتعيين له إجلالا وتعظيما والمراد بهما
ملائكتهما من الحفظة وغيرهم وما لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان
استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق من تغليبا للعقلاء « وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ
» عن عبادته « يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ » يخافون أن يرسل عذابا من فوقهم أو يخافونه وهو فوقهم
بالقهر وقوله « وَهُوَ
الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ » والجملة حال من الضمير في « لا يَسْتَكْبِرُونَ » أو بيان له وتقرير لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته « وَيَفْعَلُونَ ما
يُؤْمَرُونَ » من الطاعة والتدبير وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون
مدارون بين الخوف والرجاء وقال في قوله « وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ » حكاية قول جبرئيل حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه
واله لما سئل عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ورجا أن يوحى
إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوما وقيل أربعين حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه
ثم نزل تبيان ذلك والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول
مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل والمعنى وما ننزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله تعالى
على ما تقتضيه حكمته « لَهُ
ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ » وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا تنتقل من مكان إلى مكان
أو لا تنزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيته
__________________
« وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » أي تاركا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ولم
يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه « وَلا يَسْتَحْسِرُونَ » أي لا يعبئون منها « لا يَفْتُرُونَ » حال من الواو في يسبحون.
« وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً » نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله « سُبْحانَهُ » تنزيه له عن ذلك « بَلْ عِبادٌ » أي بل هم عباد من حيث هم مخلوقون وليسوا بأولاد « مُكْرَمُونَ » مقربون « لا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ » لا يقولون شيئا حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المقربين « وَهُمْ بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ » ولا يعملون قط ما لم يأمرهم به « يَعْلَمُ ما بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ » لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا أو هو كالعلة لما
قبله والتمهيد لما بعده فإنه لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم « وَهُمْ مِنْ
خَشْيَتِهِ » من عظمته ومهابته « مُشْفِقُونَ » مرتعدون وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء
والإشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس.
« وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ » أي من الملائكة أو من الخلائق « كَذلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ » أي من ظلم بالإشراك وادعاء الربوبية وعلى تقدير إرجاع
الضمير إلى الملائكة لا ينافي عصمتهم فإن الفرض لا ينافي امتناع الوقوع كقوله
تعالى « لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » .
« عَلَيْها » أي على النار « مَلائِكَةٌ » يلي أمرها وهم الزبانية « غِلاظٌ شِدادٌ » غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق
أقوياء على الأفعال الشديدة « لا
يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ » فيما مضى « وَيَفْعَلُونَ ما
يُؤْمَرُونَ » فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها
ويؤدون ما يؤمرون به.
__________________
قال الطبرسي رحمهالله في هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون عن القبائح لا يخالفون
الله في أوامره ونواهيه وقال الجبائي إنما عنى أنهم لا يعصونه ويفعلون ما يأمرهم
به في دار الدنيا لأن الآخرة ليست بدار تكليف وإنما هي دار جزاء المؤمنين وإنما
أمرهم الله تعالى بتعذيب أهل النار على وجه الثواب لهم بأن جعل سرورهم ولذاتهم في
تعذيب أهل النار كما جعل سرورهم ولذاتهم في الجنة انتهى.
وأقول
: كون الآخرة دار
جزاء الملائكة غير معلوم وإنما المعلوم أنها دار جزاء الإنس فلا ينافي كون
الملائكة مكلفين فيها بل يمكن أن يكون جزاؤهم مقارنا لأفعالهم من حصول اللذات
الحقيقية ورفع الدرجات الصورية والمعنوية بل أصل خدماتهم وجزاؤهم كما ورد أن
طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس وقال الشيخ المفيد رحمهالله في كتاب المقالات أقول إن الملائكة مكلفون وموعودون
ومتوعدون قال الله تبارك وتعالى « وَمَنْ
يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ
نَجْزِي الظَّالِمِينَ » وأقول إنهم معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار وعلى هذا
القول جمهور الإمامية وسائر المعتزلة وأكثر المرجئة وجماعة من أصحاب الحديث وقد
أنكر قوم من الإمامية أن تكون الملائكة مكلفين وزعموا أنهم إلى الأعمال مضطرون
ووافقهم على ذلك جماعة من أصحاب الحديث.
١
ـ العلل : عن محمد بن علي بن
بشار القزويني عن المظفر بن أحمد القزويني قال سمعت أبا الحسين محمد بن جعفر
الأسدي الكوفي يقول في سهيل والزهرة إنهما دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا في
موضع لا تبلغه سفينة ولا تعمل فيه حيلة وهما المسخان المذكوران في أصناف المسوخ
ويغلط من يزعم أنهما
__________________
الكوكبان ولو كانا ملكين
لعصما فلم يعصيا وإنما سماهما الله عز وجل في كتابه ملكين بمعنى أنهما خلقا ليكونا
ملكين كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه واله « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » بمعنى ستكون ميتا ويكونون موتى .
بيان
: المطيف بالدنيا
على بناء الإفعال أي المحيط يقال فلان يرشح للوزارة أي يربى ويؤهل لها ثم إن هذا
الكلام إن كان قاله الأسدي من قبل نفسه فيرد عليه أن الملائكة ليست أمرا تحصل لذات
بعد أن لم تكن بل الظاهر أنها من الحقائق التي لا تنفك كالإنسانية والحيوانية إلا
أن يكون مراده أنهما لم يكونا من الملائكة بل كانا مما يصلحان ظاهرا أن يخلطا
بالملائكة كالشيطان.
٢ ـ تفسير علي بن
إبراهيم ، عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليه السلام قال : سأله عطا ونحن بمكة عن هاروت وماروت فقال أبو جعفر عليه السلام إن
الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة يحفظون أعمال أوساط
أهل الأرض من ولد آدم والجن فيكتبون أعمالهم ويعرجون بها إلى السماء قال فضج أهل
السماء من معاصي أهل أوساط الأرض فتوامزوا فيما بينهم مما يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله
تبارك وتعالى وجرأتهم عليه ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه ويصفون فقالت طائفة من
الملائكة يا ربنا ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك وما يصفون فيك الكذب ويقولون
الزور ويرتكبون المعاصي وقد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك
وخلال عافيتك قال أبو جعفر عليه السلام فأحب الله أن يري الملائكة القدرة ونافذ
أمره في جميع خلقه ويعرف الملائكة ما من به عليهم
__________________
مما عدله عنهم من صنع
خلقه وما طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم به من الذنوب قال فأوحى الله إلى الملائكة
أن انتدبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم أجعل فيهما من طبائع
المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم أختبرهما في
الطاعة لي قال فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا أشد الملائكة قولا في
العيب لولد آدم واستئثار غضب الله عليهم قال فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض
فقد جعلت فيكما من طبائع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلت في ولد
آدم قال ثم أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم
الله ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم
أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم فهبطا ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا
بحضرته امرأة جميلة حسناء مزينة معطرة مسفرة مقبلة نحوهما قال فلما نظرا إليها
وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموضع الشهوة التي جعلت فيهما
فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسها فقالت لهما إن لي دينا أدين به وليس
أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به
فقالا لها وما دينك قالت لي إله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى
كل ما سألني فقالا لها وما إلهك قالت إلهي هذا الصنم قال فنظر أحدهما إلى صاحبه
فقال هاتان خصلتان مما نهينا عنهما الشرك والزنا لأنا إن سجدنا لهذا الصنم وعبدناه
أشركنا بالله وإنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا وهو ذا نحن نطلب الزنا فليس تعطى
إلا بالشرك قال فائتمرا بينهما فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما
__________________
فقالا لها نجيبك
إلى ما سألت فقالت فدونكما فاشربا هذه الخمر فإنه قربان لكما وبه تصلان إلى ما
تريدان فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب
الخمر وإنما ندخل في شرب الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما فقالا ما
عظم [ أعظم ] البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت قالت فدونكما فاشربا من هذه الخمر
واعبدا هذا الصنم واسجدا له فشربا الخمر وعبدا الصنم ثم راوداهما عن نفسها فلما
تهيأت لهما وتهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل [ هذه ] فلما أن رآهما ورأياه ذعرا
منه فقال لهما إنكما نابان ذعران قد خلوتما بهذه المرأة المعطرة الحسناء إنكما لرجلا
سوء وخرج عنهما فقالت لهما لا وإلهي ما تصلان الآن إلي وقد اطلع هذا الرجل على
حالكما وعرف مكانكما ويخرج الآن ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه
قبل أن يفضحكما ويفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنان آمنان قال فقاما
إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوآتهما ونزع عنهما
رياشهما وأسقطا في أيديهما قال فأوحى الله إليهما أن أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي
ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها وتقدمت إليكما فيها
فلم تراقباني ولم تستحييا مني وقد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض
المعاصي واستجر أسفي وغضبي عليهم لما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إياكما من
المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقال
أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتنا في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب
الآخرة فقال الآخر إن عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة دائم لا انقطاع له
فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال
فاختارا عذاب الدنيا فكانا يعلمان الناس السحر في أرض بابل ثم لما علما الناس
__________________
السحر رفعا من
الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة .
العياشي
: عن محمد بن قيس
مثله.
بيان
: أن انتدبوا في بعض
النسخ أن اندبوا وهو أصوب إذ الظاهر من كلام أكثر اللغويين أن الانتداب لازم قال
الجوهري ندبه إلى الأمر فانتدب أي دعاه فأجاب ونحوه قال الفيروزآبادي لكن قال في
المصباح المنير انتدبته في الأمر فانتدب يستعمل لازما ومتعديا وقال كشطت البعير
كشطا من باب ضرب مثل سلخت الشاة إذا نحيت جلده وكشطت الشيء كشطا نحيته وقال
الفيروزآبادي الكشط رفعك الشيء عن الشيء قد غشاه وإذا السماء كشطت قلعت كما يقلع السقف
وكشط الجل عن الفرس كشفه وفي النهاية فيه يراود عمه على الإسلام أي يراجعه ويراوده
وفي القاموس سقط في يده وأسقط مضمومتين ذل وأخطأ أو ندم وتحير وقال نكسه قلبه على
رأسه كنكسه انتهى وأقول يمكن حمل الخبر على التقية بقرينة كون السائل من علماء
العامة.
٣
ـ العيون وتفسير الإمام : بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام في
قول الله عز وجل « وَاتَّبَعُوا
ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ » قال اتبعوا ما تتلو كفرة الشياطين من السحر والنيرنجات على
ملك سليمان الذين يزعمون أن سليمان به ملك ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد
لنا الناس ونستغني عن الانقياد لعلي وقالوا كان سليمان كافرا ساحرا ماهرا بسحره
ملك ما ملك وقدر على ما قدر فرد الله عز وجل عليهم فقال « وَما كَفَرَ
سُلَيْمانُ » ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون « وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » الذي نسبوه إلى سليمان « وَ
» إلى « ما أُنْزِلَ
__________________
عَلَى
الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ » وكان بعد نوح عليه السلام قد كثر السحرة والمموهون فبعث
الله عز وجل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به
سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز
وجل وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا به الناس وهذا كما
يدل على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم ثم يقال للمتعلم ذلك هذا السم فمن
رأيته يسم فادفع غائلته بكذا وإياك أن تقتل بالسم أحدا ثم قال عز وجل « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ » يعني أن ذلك النبي أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين
ويعلماهما ما علمهما الله من ذلك فقال الله عز وجل « وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ » ذلك السحر وإبطاله « حَتَّى يَقُولا » للمتعلم « إِنَّما
نَحْنُ فِتْنَةٌ » امتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا
به كيد الساحر ولا يسحروهم « فَلا تَكْفُرْ » باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به ودعاء الناس إلى أن
يعتقدوا أنك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فإن ذلك كفر قال
الله عز وجل « فَيَتَعَلَّمُونَ
» يعني طالبي السحر « مِنْهُما » يعني مما كتبت الشياطين « عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ » من النيرنجات « وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ
هارُوتَ وَمارُوتَ » يتعلمون من هذين الصنفين « ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ » هذا من يتعلم للإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل
والتمائم والإيهام أنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل والرجل
إلى المرأة أو يؤدي إلى الفراق بينهما ثم قال عز وجل « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ
بِإِذْنِ اللهِ » أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا بإذن الله يعني
بتخلية الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر ثم قال « وَيَتَعَلَّمُونَ ما
يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ » لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا فقد تعلموا
ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه بل ينسلخون عن دين الله
__________________
بذلك ولقد علم
هؤلاء المتعلمون « لَمَنِ
اشْتَراهُ » بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه « ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » أي من نصيب في ثواب الجنة ثم قال عز وجل « وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ » وهنوها بالعذاب « لَوْ
كانُوا يَعْلَمُونَ » أنهم قد باعوا الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لأن المتعلمين
لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور فقال « وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » لأنهم يعتقدون أن لا آخرة فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن
آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا وإن كان بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لا
خلاق لهم فيها ثم قال « وَلَبِئْسَ
ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ » إذ باعوا الآخرة بالدنيا ورهنوا بالعذاب الدائم أنفسهم « لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ » أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم
به فلما تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا عذابهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم
الحق قال يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما أنهما قالا فقلنا
للحسن أبي القائم عليه السلام فإن قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان
اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا وأنهما
افتتنا بالزهرة وأرادا الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحترمة وأن الله تبارك
وتعالى يعذبهما ببابل وأن السحرة منهما يتعلمون السحر وأن الله مسخ تلك المرأة هذا
الكوكب الذي هو الزهرة فقال الإمام عليه السلام معاذ الله من ذلك إن ملائكة الله
معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله قال الله عز وجل فيهم « لا يَعْصُونَ اللهَ ما
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » وقال عز وجل « وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَمَنْ عِنْدَهُ » يعني من الملائكة « لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا
يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » وقال عز وجل في الملائكة أيضا « بَلْ عِبادٌ
مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ
ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ
__________________
مُشْفِقُونَ
» ثم قال عليه
السلام لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء على الأرض وكانوا كالأنبياء
في الدنيا أو كالأئمة فيكون من الأنبياء والأئمة عليهم السلام قتل النفس والزنا ثم
قال عليه السلام أولست تعلم أن الله عز وجل لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من
البشر أوليس الله عزوجل يقول « وَما
أَرْسَلْنا قَبْلَكَ » يعني إلى الخلق « إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ
الْقُرى » فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما
وإنما أرسلوا إلى أنبياء الله قالا قلنا له فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا فقال
لا بل كان من الجن أما تسمعان الله عز وجل يقول « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ » فأخبر عز وجل أنه كان من الجن وهو الذي قال الله عزوجل « وَالْجَانَّ
خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ».
قال الإمام الحسن
بن علي عليه السلام حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه واله إن الله عز وجل اختارنا معاشر آل محمد واختار
النبيين واختار الملائكة المقربين وما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا
يواقعون ما يخرجون به عن ولايته وينقلعون به عن عصمته وينتمون به إلى المستحقين
لعذابه ونقمته قالا فقلنا له فقد روي لنا أن عليا عليه السلام لما نص عليه رسول
الله صلى الله عليه واله بالإمامة عرض الله عز وجل ولايته في السماوات على فئام من الناس وفئام
من الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع فقال عليه السلام معاذ الله هؤلاء المكذبون
لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله ورسله إلى الخلق
فيكون منهم الكفر بالله قلنا لا قال فكذلك الملائكة إن شأن الملائكة لعظيم وإن
خطبهم لجليل .
الإحتجاج
: بالإسناد إلى أبي محمد
العسكري عليه السلام من قوله فقلنا للحسن
__________________
أبي القائم إلى
آخر الخبر .
توضيح
: قال في النهاية
الفئام مهموزا الجماعة الكثيرة انتهى.
وأقول
: قد فسر في خبر فضل
يوم الغدير بمائة ألف.
٤
ـ العيون : عن تميم بن عبد
الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن محمد بن الجهم قال : سمعت
المأمون يسأل الرضا علي بن موسى عليه السلام عما يرويه الناس من أمر الزهرة وأنها
كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت وما يروونه من أمر سهيل وأنه كان عشارا باليمن
فقال كذبوا في قولهم إنهما كوكبان وإنما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس
وظنوا أنهما كوكبان وما كان الله ليمسخ أعداءه أنوارا مضيئة ثم يبقيها ما بقيت
السماء والأرض وإن المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت وما تناسل منها شيء
وما على وجه الأرض اليوم مسخ وإن التي وقع عليها اسم المسوخية مثل القردة والخنزير
والدب وأشباهها إنما هي مثل ما مسخ الله على صورها قوما غضب عليهم ولعنهم بإنكارهم
توحيد الله وتكذيبهم رسله وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر
ليتحرزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وما علما أحدا من ذلك إلا قالا له « إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ » فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه وجعلوا
يفرقون بما يعرفونه بين المرء وزوجه قال الله عز وجل « وَما هُمْ بِضارِّينَ
بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » يعني بعلمه .
٥
ـ العلل : عن أبيه عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران عن محمد بن الحسن زعلان عن أبي الحسن عليه
السلام أنه عد المسوخ وساق الحديث إلى أن قال ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن
بها هاروت وماروت .
__________________
٦
ـ ومنه : بإسناد آخر عن الصادق
عليه السلام وأما الزهرة فإنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي تقول الناس إنه
افتتن بها هاروت وماروت .
٧
ـ ومنه : بإسناد آخر عن الرضا
عليه السلام وأما الزهرة فكانت امرأة فتنت [ فتن ] بها هاروت وماروت فمسخها الله
عز وجل الزهرة .
٨
ـ ومنه : بإسناد آخر عن الصادق
عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال النبي صلى الله عليه واله وأما الزهرة
فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هاروت وماروت
وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد .
أقول
: سنذكر الأخبار
بأسانيدها في باب المسوخات إن شاء الله.
٩
ـ العياشي : عن زرارة عن أبي
الطفيل قال : كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليا وهو على المنبر وناداه ابن الكواء وهو
في مؤخر المسجد فقال يا أمير المؤمنين ما الهدى قال لعنك الله ولم يسمعه ما الهدى
تريد ولكن العمى تريد ثم قال له ادن فدنا منه فسأله عن أشياء فأخبره فقال أخبرني
عن هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة قال إن الله اطلع ملائكته على خلقه وهم على
معصية من معاصيه فقال الملكان هاروت وماروت هؤلاء الذين خلقت أباهم بيدك وأسجدت له
ملائكتك يعصونك قال فلعلكم إذا ابتليتم بمثل الذي ابتلوهم [ ابتليتهم ] به
عصيتموني كما عصوني قالا لا وعزتك قال فابتلاهما بمثل الذي ابتلى به بني آدم من
الشهوة ثم أمرهما أن لا يشركا به شيئا ولا يقتلا النفس التي حرم الله ولا يزنيا
ولا يشربا الخمر ثم أهبطهما إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس هذا في ناحية وهذا
في ناحية فكانا بذلك حتى أتت أحدهما هذه الكوكبة تخاصم إليه وكانت من أجمل الناس
فأعجبته فقال لها الحق لك ولا أقضي لك حتى تمكنيني من نفسك فواعدت يوما ثم أتت
الآخر فلما خاصمت إليه وقعت في نفسه و
__________________
أعجبته كما أعجبت
الآخر فقال لها مثل مقالة صاحبه فواعدته الساعة التي واعدت صاحبه فاتفقا جميعا
عندها في تلك الساعة فاستحيا كل واحد من صاحبه حيث رآه وطأطآ رءوسهما ونكسا ثم نزع
الحياء منهما فقال أحدهما لصاحبه يا هذا جاء بي الذي جاء بك قال ثم راوداها عن
نفسها فأبت عليهما حتى يسجدا لوثنها ويشربا من شرابها وأبيا عليها وسألاها فأبت
إلا أن يشربا من شرابها فلما شربا صليا لوثنها ودخل مسكين فرآهما فقالت لهما يخرج
هذا فيخبر عنكما فقاما إليه فقتلاه ثم راوداها عن نفسها فأبت حتى يخبراها بما
يصعدان به إلى السماء فأبيا وأبت أن تفعل فأخبراها فقالت ذلك لتجرب مقالتهما وصعدت
فرفعا أبصارهما إليها فرأيا أهل السماء مشرفين عليهما ينظرون إليهما وتناهت إلى
السماء فمسخت فهي الكوكبة التي ترى.
١٠
ـ ومنه : عن الحسن بن محبوب
عن أبي ولاد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا
ورعا مسلما كثير الصلاة قد ابتلي بحب اللهو وهو يسمع الغناء فقال أيمنعه ذلك من
الصلاة لوقتها أو من صوم أو من عيادة مريض أو حضور جنازة أو زيارة أخ قال قلت لا
ليس يمنعه ذلك من شيء من الخير والبر قال فقال هذا من خطوات الشيطان مغفور له ذلك
إن شاء الله ثم قال إن طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللذات والشهوات أعني
ذلكم الحلال ليس الحرام قال فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم
قال فألقى الله في همة أولئك الملائكة اللذات والشهوات كيلا يعيبون المؤمنين قال
فلما أحسوا ذلك من هممهم عجوا إلى الله من ذلك فقالوا ربنا عفوك عفوك ردنا إلى ما
خلقتنا له واخترتنا عليه فإنا نخاف أن نصير في أمر مريج قال فنزع الله ذلك من
هممهم قال فإذا كان يوم القيامة وصار أهل الجنة في الجنة استأذن أولئك الملائكة
على أهل الجنة فيؤذن لهم فيدخلون عليهم فيسلمون عليهم ويقولون لهم « سَلامٌ عَلَيْكُمْ
بِما صَبَرْتُمْ » في الدنيا عن اللذات والشهوات الحلال.
بيان
: أنف من الشيء كعلم
استنكف ومرج الدين والأمر خلط واضطرب.
١١
ـ الإقبال : عن زين العابدين عليه
السلام في دعاء عرفة اللهم إن ملائكتك مشفقون من خشيتك سامعون مطيعون لك وهم بأمرك
يعملون لا يفترون الليل والنهار يسبحون .
١٢
ـ الإحتجاج : سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام قال فما تقول في الملكين هاروت وماروت
وما يقول الناس بأنهما يعلمان السحر قال إنهما موضع ابتلاء وموقف فتنة تسبيحهما
اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا ولو يعالج بكذا وكذا لصار كذا أصناف السحر
فيتعلمون منهما ما يخرج منهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم
ولا ينفعكم .
__________________
(أبواب)
(العناصر وكائنات الجو
والمعادن والجبال والأنهار)
(والبلدان والأقاليم)
(٢٦)
(باب النار وأقسامها)
الآيات :
يس « الَّذِي
جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ
تُوقِدُونَ » .
الواقعة
« أَفَرَأَيْتُمُ
النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ » .
تفسير
: قال الطبرسي رحمهالله في قوله « جَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً » أي جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة يعني
بذلك المرخ والعفار وهما شجران تتخذ الأعراب زنودها منهما فبين سبحانه أن من قدر
على أن يجعل في الشجر الأخضر الذي هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار
للرطوبة حتى إذا احتاج الإنسان حك بعضه ببعض فخرج منه النار وينقدح قدر على
الإعادة وتقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وقال الكلبي كل شجر
تنقدح منه النار إلا العناب .
__________________
« أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ » أي تستخرجونها بزنادكم من الشجر « أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها » التي تنقدح النار منها « أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ » لها فلا يمكن أحدا أن يقول إنه أنشأ تلك الشجرة غير الله
تعالى والعرب تقدح بالزند والزندة وهو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار « نَحْنُ جَعَلْناها
تَذْكِرَةً » أي نحن جعلنا هذه النار تذكرة للنار الكبرى فإذا رآها
الرائي ذكر جهنم واستعاذ بالله منها وقيل تذكرة لقدرة الله تعالى على المعاد « وَمَتاعاً
لِلْمُقْوِينَ » أي بلغة ومنفعة للمسافرين يعني الذين نزلوا الأرض القي وهو
القفر وقيل للمستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين والمعنى أن جميعهم
يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون في البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز وعلى هذا
فيكون المقوي من الأضداد أي الذي صار ذا قوة من المال والنعمة والذاهب ماله النازل
بالقواء من الأرض أي متاعا للأغنياء والفقراء انتهى.
وقال الرازي في
شجرة النار وجوه أحدها أنها الشجرة التي توري النار منها بالزند والزندة وثانيها
الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار لأن
النار لا تتعلق بكل شيء كما تتعلق بالحطب وثالثها أصول شعلها وفروعها شجرتها ولو
لا أنها ذات شعب لما صلحت لإنضاج الأشياء .
وقال البيضاوي « نَحْنُ جَعَلْناها
تَذْكِرَةً » أي تبصرة في أمر البعث أو في الظلام أو تذكيرا أو أنموذجا
لنار جهنم « وَمَتاعاً » أي منفعة « لِلْمُقْوِينَ » للذين ينزلون القوى وهي القفراء وللذين خلت بطونهم أو
مزاودهم من الطعام من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها انتهى.
__________________
وقال الجوهري : وفي
المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثرا منها كأنهما أخذا من النار
ما هو جسمهما ويقال لأنهما يسرعان الوري فشبها بمن يكثر من العطاء طلبا للمجد وقال
المرخ شجر سريع الوري والعفار الزند وهو الأعلى والمرخ الزندة وهي الأسفل.
١
ـ الخصال : عن محمد بن علي
ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن يحيى الأشعري عن صالح يرفعه بإسناده قال : أربعة
القليل منها كثير النار القليل منها كثير والنوم القليل منه كثير والمرض القليل
منه كثير والعداوة القليل منها كثير .
بيان
: النار أي نار
القيامة القليل منها كثير في الضرر أو الأعم من نار الدنيا ونار الآخرة فالقليل
منها كثير في النفع والضرر معا فإن قليلا من النار يضيء كثيرا من الأمكنة وينتفع
بها في جميع الأمور ويحرق قليل منها عالما والنوم القليل منه كثير في المنفعة
والمرض والعداوة في الضرر فقط وإن احتمل التعميم في الأول بل في الثاني أيضا على
تكلف شديد.
٢
ـ الخصال : عن محمد بن الحسن
بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن
سنان عن المفضل قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النيران فقال نار تأكل
وتشرب ونار تأكل ولا تشرب ونار تشرب ولا تأكل ونار لا تأكل ولا تشرب فالنار التي
تأكل وتشرب فنار ابن آدم وجميع الحيوان والتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود والتي
تشرب ولا تأكل فنار الشجرة والتي لا تأكل ولا تشرب فنار القداحة والحباحب الخبر.
بيان
: فنار ابن آدم أي
الحرارة الغريزية في بدن الحيوانات فإنها تحلل الرطوبات وتخرج الحيوان إلى الماء
والغذاء معا ونار الوقود النار التي
__________________
تتقد في الحطب
وتشتعل فإنها تأكل الحطب مجازا أي تكسره وتفنيه وتقلبه ولا تشرب ماء بل هو مضاد
لها ونار الشجرة هي الكامنة مادتها أو أصلها في الشجر الأخضر كما مر فإنها تشرب
الماء ظاهرا وتصير سببا لنمو شجرتها ولا تأكل ظاهرا وإن كان للتراب أيضا مدخل في
نموها أو المعنى أن عند احتكاك الغصنين الرطبين يظهر الماء فكأن النار الظاهر منها
يشربها والقداحة والقداح الحجر الذي يوري النار ذكره الجوهري وقال الحباحب بالضم اسم رجل
بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثال حتى قالوا نار
الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها وربما قالوا نار أبي حباحب وهو ذباب يطير بالليل
كأنه نار وربما جعلوا الحباحب اسما لتلك النار وقال الفيروزآبادي الحباحب بالضم
ذباب يطير بالليل له شعاع كالسراج ومنه نار الحباحب أو هي ما اقتدح من شرر النار
في الهواء من تصادم الحجارة أو كان أبو حباحب من محارب وكان لا يوقد ناره إلا
بالحطب الشخت لئلا ترى أو هي من الحبحبة الضعف أو هي الشرر يسقط من الزناد انتهى
والمراد بهذه النار ما كمن منها أو من مادتها في الحجر والحديد فإنها لا تصل إليها
ماء ولا غذاء أو عند قدحها قبل اتقادها في قطن أو حطب لا تصادف ماء ولا شيئا آخر.
٣
ـ الإحتجاج : عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الزنديق له أخبرني عن
السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره قال يذهب ولا يعود قال فما أنكرت أن يكون الإنسان
مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا قال لم تصب
القياس إن النار في الأجسام كامنة والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد فإذا
ضرب أحدهما الآخر سطعت من بينهما نار تقتبس منها سراج له الضوء فالنار ثابتة
في أجسامها والضوء ذاهب الخبر.
__________________
٤
ـ تفسير علي بن إبراهيم : « الَّذِي
جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ
تُوقِدُونَ » وهو المرخ والعفار يكون في ناحية بلاد العرب فإذا أرادوا أن
يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدوا منه النار .
فائدة
: اعلم أن المشهور
بين الحكماء والمتكلمين أن العناصر أربعة النار والهواء والماء والأرض كما تشهد به
الشواهد الحسية والتجربية والتأمل في أحوال التركيبات والتحليلات ولقدماء الفلاسفة
فيها اختلافات فمنهم من جعل أصل العناصر واحدا والبواقي تحصل بالاستحالة فقيل هو
النار وقيل الهواء وقيل الماء وقيل الأرض وقيل البخار ومنهم من جعله اثنين فقيل
النار والأرض وقيل الماء والأرض وقيل الهواء والأرض ومنهم من جعله ثلاثة فقيل
النار والهواء والأرض وإنما الماء هواء متكاثف وقيل الهواء والماء والأرض وإنما
النار هواء شديد الحرارة وهذه الأقوال عندهم ضعيفة وقد مر في الأخبار ما يدل على
كون أصل العناصر بل الأفلاك الماء أو هو مع النار أو هما مع الهواء وبالجملة لا
ريب في وجود تلك العناصر الأربعة تحت فلك القمر وإنما الإشكال في وجود كرة النار
وعلى تقدير وجودها هل كانت هواء انقلبت نارا بحركة الفلك أو كانت في الأصل نارا
والمشهور أن هذه الأربعة عناصر المركبات التامة وأسطقساتها ومنها تتركب وإليها
تنحل وقيل النار غير موجودة في المركبات لأنها لا تنزل عن الأثير إلا بالقسر ولا
قاسر هناك.
ثم المشهور أن صور
البسائط باقية في المركبات وقال الشيخ في الشفاء لكن قوما اخترعوا في قريب من
زماننا هذا مذهبا غريبا قالوا إن البسائط إذا امتزجت وانفعل بعضها من بعض تأدى ذلك
بها إلى أن يخلع صورها فلا تكون لواحد منها صورته الخاصة وليست حينئذ صورة خاصة
واحدة فيصير لها هيولى
__________________
واحدة وصورة واحدة
فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسطا بين صورها ومنهم من جعلها صورة أخرى من
النوعيات واحتج على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها.
وذهب انكساغورس
وأصحابه إلى الخلط والكمون والبروز وأنكروا التغيير في الكيفية والصورة وزعموا أن
الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعية كاللحم
والعظم والعصب والتمر والعسل والعنب وغير ذلك وإنما سمي بالغالب الظاهر منها ويعرض
لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحس بعد ما كان
مغلوبا غائبا عنه لا على أنه حدث بل على أنه برز ويكمن فيها ما كان بارزا فيصير
مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا وبإزائهم قوم زعموا أن الظاهر ليس على سبيل
البروز بل على سبيل النفوذ من غيره فيه كالماء مثلا فإنه إنما يتسخن بنفوذ أجزاء
نارية فيه من النار والمجاورة له وهذان القولان سخيفان والمشهور عندهم أن العناصر
تفعل بعضها في بعض فيستحيل في كيفيتها وتحصل للجميع كيفية متوسطة متشابهة هي
المزاج فتستعد بذلك لإفاضة صورة مناسبة لها من المبدإ.
ثم المشهور بينهم
أن النار التي تسطع عند ملاقاة الحجر والحديد أو عند احتكاك الخشبتين الرطبتين أو
اليابستين إنما هي بانقلاب الهواء الذي بينهما نارا بسبب حرارة حدثت فيه من
الاصطكاك والاحتكاك لا بأن يخرج من الحجر أو الحديد أو الشجر نار وظواهر الآيات
والأخبار المتقدمة لا ينافي ذلك.
وأما قوله عليه
السلام في حديث هشام أن النار في الأجسام كامنة فالمراد بها إما النار التي تركب
الجسم منها ومن سائر العناصر أو المعنى أن ما هو سبب لإحداث النار حاصل في الأجسام
وإن انطفت النيران المتولدة منها وانقلبت هواء والأول أظهر والحاصل أن قياسك الروح
على نار الفتيلة وغيرها حيث لم يمكن إعادتها إلى الأجسام قياس مع الفارق فإن الروح
إما جسم أو جوهر مجرد ثابت محفوظ يمكن إعادته والنار الذي ذكرت انقلبت هواء
وذهبت فعلى تقدير استحالة
__________________
إعادتها لا توجب
إعادة الروح بل ما يشبه الروح هو النار الكامن في الجسم الموجود فيه لا هذا الضوء
الذاهب وأما نار الشجرة فذات احتمالات أومأنا إليها سابقا.
(٢٧)
(باب)
(الهواء وطبقاته وما يحدث فيه من الصبح والشفق وغيرهما)
الآيات :
الأنعام
: « فالِقُ الْإِصْباحِ » .
المدثر
: « وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ » .
التكوير
: « وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ » .
الإنشقاق
: « فَلا أُقْسِمُ
بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ » .
الفجر
: « وَالْفَجْرِ » .
تفسير
: « إِذا تَنَفَّسَ » قال الرازي إشارة إلى تكامل طلوع الصبح وفي كيفية المجاز
قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا له على
المجاز والثاني أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي خنق بحيث لا يتحرك
واجتمع الحزن في قلبه وإذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك
الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة .
« فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ » أي بالحمرة التي عند المغرب في الأفق وقيل البياض
__________________
« وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ » أي وما جمع وما ضم مما كان منتشرا بالنهار وقيل وما ساق
لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مسكنه وقيل وما طرد من الكواكب فإنها تظهر بالليل
وتخفى بالنهار « وَالْقَمَرِ
إِذَا اتَّسَقَ » أي إذا استوى واجتمع وتكامل وتم « وَالْفَجْرِ
» أقسم بفجر النهار وهو
انفجار الصبح كل يوم وقيل أراد بالفجر النهار كله.
واعلم أن المذكور
في كتب الحكماء والرياضيين هو أن الصبح والشفق الأحمر والأبيض إنما يظهر من وقوع
ضوء الشمس على كرة البخار قالوا المستضيء بالشمس من كرة الأرض أكثر من نصفها دائما
لما بين في محله أن الكرة الصغرى إذا قبلت الضوء من الكبرى كان المستضيء منها أعظم
من نصفها وظل الأرض على هيئة مخروط يلازم رأسه مدار الشمس وينتهي في فلك الزهرة
كما علم بالحساب والنهار مدة كون المخروط تحت الأفق والليل مدة كونه فوقه فإذا
ازداد قرب الشمس من شرقي الأفق ازداد ميل المخروط إلى غربيه ولا يزال كذلك حتى يرى
الشعاع المحيط به وأول ما يرى منه هو الأقرب إلى موضع الناظر لأنه صدق رؤيته وهو
موقع خط يخرج من بصره عمودا على الخط المماس للشمس والأرض فيرى الضوء مرتفعا عن
الأفق مستطيلا وما بينه وبين الأفق مظلما لقربه من قاعدة المخروط الموجب لبعد
الضوء هناك عن الناظر وهو الصبح الكاذب ثم إذا قربت الشمس جدا يرى الضوء معترضا
وهو الصبح الصادق ثم يرى محمرا والشفق بعكس الصبح يبدو محمرا ثم مبيضا معترضا ثم
مرتفعا مستطيلا فالصبح والشفق متشابهان شكلا ومتقابلان وضعا لأن هيئة آخر غروب
الشمس مثل أول طلوع الفجر ويختلفان لونا بسبب اختلاف كيفية الهواء المخلوط فإن لون
البخار في جانب المشرق مائل إلى الصفا والبياض لاكتسابه الرطوبة من برودة الليل
وفي جانب المغرب مائل إلى الصفرة لغلبة الجزء الدخاني المكتسب بحرارة النهار
والجسم الكثيف كلما كثر صفاؤه وبياضه ازداد قبوله للضوء وكان الشعاع المنعكس منه
أقوى من المنعكس من غيره وقد عرف بالآلات
الرصدية أن انحطاط
الشمس من الأفق عند طلوع الصبح الأول وآخر غروب الشفق يكون ثماني عشرة درجة من
دائرة الارتفاع المارة بمركز الشمس في جميع الآفاق ولكن لاختلاف مطالع قوس
الانحطاط تختلف الساعات التي بين طلوع الصبح والشمس وكذا بين غروب الشمس والشفق.
قال العلامة رحمهالله في كتاب المنتهى اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس وإنما يستضيء بها ما كان
كذا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة وكلما
يستضيء من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه وقد قدر الله تعالى بلطف حكمته دوران
الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون
الهواء المستضيء بضياء الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فتستضيء نهايات الظل بذلك
الهواء المضيء لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط
بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فإذن متى تكون في وسط المخروط تكون في أشد الظلام
فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء
المستضيئة في حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند
قرب الصباح وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا
من البصر إلى أن تطلع الشمس وأول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا
مستطيلا كالعمود ويسمى الصبح الكاذب ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته ويسمى
الأول لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق أنه نور الشمس
لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه الأرض على
ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا فينبسط في أرض الأفق
كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك.
١
ـ الكافي : عن علي بن محمد
ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن
__________________
محبوب عن أبي ولاد
قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله خلق حجابا من ظلمة مما يلي المشرق ووكل
به ملكا فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيديه [ بيده ] ثم
استقبل بها المغرب يتبع الشفق ويخرج من بين يديه قليلا قليلا ويمضي فيوافي المغرب
عند سقوط الشفق فيسرح في الظلمة ثم يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه
فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس .
بيان
: هذا الخبر من
معضلات الأخبار ولعله من غوامض الأسرار ومن في قوله عليه السلام من ظلمة يحتمل
البيان والتبعيض والاستياق السوق ولعل الكلام مبني على استعارة تمثيلية لبيان أن
شيوع الظلمة واشتدادها تابعان لقلة الشفق وغيبوبته وكذا العكس وأن جميع ذلك بتدبير
المدبر الحكيم وبتقدير العزيز العليم وربما يؤول الخبر بأن المراد بالحجاب
الظلماني ظل الأرض المخروطي من الشمس وبالملك الموكل به روحانية الشمس المحركة لها
الدائرة بها وبإحدى يديه القوة المحركة لها بالذات التي هي سبب لنقل ضوئها من محل
إلى آخر وبالأخرى القوة المحركة لظل الأرض بالعرض بتبعية تحريك الشمس التي هي سبب
لنقل الظلمة من محل إلى آخر وعوده إلى المشرق إنما هو بعكس البدء بالإضافة إلى
الضوء والظل وبالنسبة إلى فوق الأرض وتحتها ونشر جناحيه كأنه كناية عن نشر الضوء
من جانب والظلمة من آخر.
وأقول
: لعل السكوت عن
أمثال ذلك ورد علمها إلى الإمام عليه السلام أحوط وأولى.
٢
ـ الكافي : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن علي بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه
السلام قال سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق وتدري كيف ذلك قلت لا
قال لأن المشرق مطل
__________________
على المغرب هكذا
ورفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا .
بيان
: أطل عليه أي أشرف
وفي بعض النسخ بالظاء المعجمة والمعنيان متقاربان والمراد بالمشرق إما النصف
الشرقي من السماء أو ما قرب من الأفق الشرقي منها والحاصل أن المغرب والمعتبر في دخول وقت
الصلاة والإفطار هو غيبوبة القرص وذهاب آثاره من جانب المشرق مطلقا سواء كانت على
الجدران والجبال أو على كرة البخار وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب الصلاة إن
شاء الله تعالى.
٣
ـ الكافي : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن عمران الحلبي قال : سألت أبا
عبدالله عليه السلام متى تجب العتمة فقال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة فقال عبيد
الله أصلحك الله إنه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض فقال أبو عبد الله عليه
السلام إن الشفق إنما هو الحمرة وليس الضوء من الشفق .
٤
ـ ومنه : عن علي بن إبراهيم
عن علي بن محمد القاساني عن سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن العسكري عليه
السلام قال : إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضيء له
الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب ويظلم فإذا بقي ثلث الليل ظهر بياض من قبل المشرق
فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب فيكون وقت صلاة الليل ثم يظلم قبل الفجر ثم يطلع الفجر الصادق من
قبل المشرق وقال ومن أراد أن يصلي صلاة الليل في نصف الليل فذاك له .
__________________
بيان
: قوله ويظلم أي
البياض مجازا وفي بعض النسخ بالتاء أي الدنيا ويمكن أن يكون المراد بالإضاءة ظهور
الأنوار المعنوية للمقربين بسبب فتح أبواب سماء الرحمة ونزول الملائكة لإرشاد
العباد وتنبيههم وندائهم إياهم من ملكوت السماوات كما ورد في سائر الروايات ويمكن
أن تكون أنوارا ضعيفة تخفى على أكثر الناس في أكثر الأوقات وتظهر على أبصار
العارفين الذين ينظرون بنور الله كما أن الملائكة يراهم الأنبياء والأوصياء عليهم
السلام ولا يراهم غيرهم وقد يقال ظهور البياض كناية عن نزول الملك الذي ينزل نصف
الليل إلى سماء الدنيا لينادي العباد فتضيء له الدنيا أي يقوم الناس للعبادة فيظهر
له نور من الأرض بسبب عبادتهم كما ورد في الخبر أنهم يضيئون لأهل السماء ثم يذهب
لأنهم ينامون قليلا كما ورد من سيرة رسول الله صلى الله عليه واله ثم يقومون إذا بقي
ثلث الليل وظهور البياض من قبل المشرق لأن الملك ينتقل إليه ثم يظلم قبل الفجر أي
ينامون قليلا وبالجملة الخبر من المتشابهات وعلمه عند من صدر عنه إن لم يكن من
الموضوعات.
٥
ـ الخرائج : روي عن صفوان
الجمال قال : كنت بالحيرة مع أبي عبد الله عليه السلام إذ أقبل الربيع وقال أجب
أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد قلت أسرعت الانصراف قال إنه سألني عن شيء فاسأل
الربيع عنه فقال صفوان وكان بيني وبين الربيع لطف فخرجت إلى الربيع وسألته فقال
أخبرك بالعجب إن الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البر خلقا ملقى فأتوني به
فأدخلته على الخليفة فلما رآه قال نحه وادع جعفرا فدعوته فقال يا أبا عبد الله
أخبرني عن الهواء ما فيه قال في الهواء موج مكفوف قال ففيه سكان قال نعم قال وما
سكانه قال خلق أبدانهم أبدان الحيتان ورءوسهم رءوس الطير ولهم أعرفة كأعرفة الديكة
ونغانغ كنغانغ الديكة وأجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياضا من الفضة المجلوة
فقال الخليفة هلم الطشت فجئت بها وفيها ذلك الخلق وإذا هو والله كما وصفه جعفر
فلما خرج جعفر
قال يا ربيع هذا
الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس.
بيان
: قال الفيروزآبادي
الكمء نبات معروف والجمع أكمؤ وكمأة أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكمء للجمع
وقال النغنغ الفرج ذو الربلات وموضع بين اللهاة وشوارب الحنجور واللحمة في الحلق
عند اللحام والذي يكون عند عنق البعير إذا اجتر تحرك وقال الديك بالكسر معروف والجمع
ديوك وأدياك وديكة كقردة وقال الشجا ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه انتهى ولما
كان عليه السلام مستحقا للخلافة متصفا بشرائطها دونه ولم يمكنه دفعه شبهه بالشجا
المعترض في الحلق الذي لا يمكن إساغته ولا دفعه ولعل المراد بالموج المكفوف البحر
المواج المكفوف عن السيلان ويحتمل أن يكون إشارة إلى البحر المحيط ويكون هذا
الحيوان مما ارتفع منه مع السحاب لكن ظاهر هذا الخبر والخبر الآتي أنه بحر بين
السماء والأرض غير المحيط.
٦
ـ كشف الغمة : قال محمد بن طلحة إن أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام لما توفي والده علي الرضا
عليه السلام وقدم الخليفة إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز
بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرة
سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو جعفر محمد عليه
السلام فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وعلا قد ألقى عليه
مسحة من قبول فوقف الخليفة وقال له يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان فقال
له محمد مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي ولم يكن لي
جريمة فأخشاها وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقف فأعجبه كلامه ووجهه فقال
له ما اسمك قال محمد قال ابن من أنت قال يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا فترحم
على أبيه وساق جواده إلى وجهته وكان معه بزاة فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا
__________________
فأرسله على دراجة
فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة
فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب ثم أخذها في يده إلى داره في الطريق الذي أقبل منه
فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو
جعفر لم ينصرف ووقف كما وقف أولا فلما دنا منه الخليفة قال يا محمد قال لبيك يا
أمير المؤمنين قال ما في يدي فألهمه الله عز وجل أن قال يا أمير المؤمنين إن الله
تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون
بها سلالة أهل النبوة فلما سمع المأمون كلامه عجب منه وجعل يطيل نظره إليه وقال
أنت ابن الرضا حقا وضاعف إحسانه إليه.
قال علي بن عيسى
إني رأيت في كتاب لم يحضرني الآن اسمه أن البزاة عادت وفي أرجلها حيات خضر وأنه
سئل بعض الأئمة فقال قبل أن يفصح عن السؤال إن بين السماء والأرض حيات خضر تصيدها
بزاة شهب يمتحن بها أولاد الأنبياء وما هذا معناه والله أعلم .
٧
ـ الدلائل للطبري : عن علي
بن هبة الله عن الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن
أحمد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه لما خرج من عند المنصور نزل الحيرة فبينا هو بها إذ أتاه الربيع فقال
أجب أمير المؤمنين فركب إليه وقد كان وجد في الصحراء صورة عجيبة لا تعرف خلقتها
ذكر من وجدها أنه رآها وقد سقطت مع المطر فلما دخل عليه قال له يا أبا عبد الله
أخبرني عن الهواء أي شيء فيه قال بحر مكفوف قال له فله سكان قال نعم قال وما سكانه
قال أبدانهم أبدان الحيتان ورءوسهم رءوس الطير ولهم
__________________
أعرفة كأعرفة
الديكة ونغانغ كنغانغ الديكة وأجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشد بياض [ بياضا ] من
الفضة فدعا المنصور بالطست فإذا الخلق فيها لا يزيد ولا ينقص فأذن له فانصرف ثم
قال للربيع ويلك يا ربيع هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس.
٨
ـ شرح النهج : لمحمد بن الحسين الكيدري ولابن ميثم رحمة الله عليهما قالا روي أن زرارة
وهشاما اختلفا في الهواء أهو مخلوق أم لا فرفع إلى الصادق عليه السلام بعض مواليه
وقال إني متحير فإني أرى أصحابنا يختلفون فقال ليس هذا بخلاف يؤدي إلى الكفر
والضلال.
بيان
: يدل على أن الخطاء
في أمثال تلك الأمور التي لا تعلق لها بأصول الدين ولا فروعه لا يوجب ضلالا ووبالا
بل يومئ إلى أن العلم بها ليس مما يورث للإنسان فضلا وكمالا ثم إنه يحتمل أن يكون
اختلافهما في وجود الهواء بمعنى الخلإ والبعد الذي هو مكان عند المتكلمين كما ذكره
ابن ميثم وقد تقدم كلامه في ذلك في الباب الأول ويحتمل أن يراد به الهواء الذي هو
أحد العناصر.
فائدة
: اعلم أن في عدد
طبقات الهواء مع طبقات سائر العناصر بين الحكماء خلافا فقال نصير الملة والدين في
التذكرة طبقات العناصر ثمان طبقة للنار الصرفة ثم طبقة لما يمتزج من النار والهواء
الحار التي تتلاشى فيه الأدخنة المرتفعة من السفل وتتكون فيها الكواكب ذوات
الأذناب والنيازك وما يشبههما من الأعمدة وذوات القرون ونحوها وربما يوجد هذه
الأمور المتكونة في هذه الطبقة متحركة بحركة الفلك الأعظم ثم طبقة الهواء الغالب
التي تحدث فيها الشهب ثم طبقة الزمهريرية الباردة التي هي منشأ السحب والرعد
والبرق والصواعق ثم طبقة الهواء الحار الكثيف المجاور للأرض والماء ثم طبقة الماء
وبعض هذه الطبقة منكشفة عن الأرض عناية من الحضرة الإلهية لتكون مسكنا للحيوانات
المتنفسة ثم طبقة الأرض المخالطة لغيرها التي تتولد فيها الجبال والمعادن وكثير من
النباتات والحيوانات ثم طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز.
وقيل إنها تسع
ثامنها الطبقة الطينية التي يخلط فيها الأرض بالماء وتاسعها طبقة الأرض الصرفة
وباقي الطبقات على النحو المذكور وقيل إنها سبع الأولى طبقة النار الصرفة ثم
الطبقات الخمس التي تحت النار الصرفة على النحو المذكور وسابع الطبقات هي طبقة
الأرض وقيل إنها سبع الأولى طبقة للنار وطبقة للماء والطبقات الثلاث الأخيرة التي
تعلقت بالأرض بحالها على النحو المذكور والهواء ينقسم إلى طبقتين باعتبار مخالطة
الأبخرة وعدمها إحداهما الهواء اللطيف الصافي من الأبخرة والأدخنة والهيئات
المتصاعدة من كرتي الأرض والماء بسبب أشعة الشمس وغيرها من الكواكب لأن تلك
الهيئات تنتهي في ارتفاعها إلى حد لا يتجاوزه وهو من سطح الأرض وجميع نواحيها أحد
وخمسون ميلا وكسر قريب من تسعة عشر فرسخا فمن هذه النهاية إلى كرة الأثير هو
الهواء الصافي وهو شفاف لا يقبل النور والظلمة والألوان كالأفلاك. وثانيتهما هي
الهواء المتكاثف بما فيهما من الأجزاء الأرضية والمائية وشكل هذا الهواء شكل كرة
محيطة بالأرض والماء على مركزها وسطح مواز لسطحها لتساوي غاية ارتفاع الهيئات
المذكورة عن مركز الأرض في جميع النواحي المستلزم لكرية هذه الطبقة لكنها مختلفة
القوام لأن الأقرب إلى الأرض أكثف من الأبعد لأن الألطف يتصاعد أكثر من الأكثف لكن
لا يبلغ في التكاثف بحيث يحجب ما وراءه عن الإبصار وهذه الكرة تسمى كرة البخار
وعالم النسيم يعني مهب الرياح لأن ما فوقها من الهواء الصافي ساكن لا يضطرب وتسمى
كرة الليل والنهار إذ هي القابلة للنور والظلمة بما فيها من الأجزاء الأرضية
والمائية القابلة لهما دون ما عداهما من الهواء الصافي.
وقال بعض المحققين
منهم الأولى أن يقال طبقات العنصريات سبع أولاها طبقة النار الصرفة وثانيتها طبقة
الهواء الصافي الذي يصل إليه الدخان وثالثتها طبقة الهواء الذي يصل الدخان إليه
ولم يصل إليه البخار ويتكون في الطرف الأعلى منه النيازك وشبهها وفي الطرف الأدنى
منه الشهب ورابعتها طبقة الهواء
الذي يصل إليه
البخار ويبقى على برودته الحاصلة وهي الطبقة الزمهريرية التي تتكون فيها السحب
والرعد والبرق والصواعق وخامستها طبقة الهواء الكثيف المجاور للأرض والماء
وسادستها طبقة الماء وسابعتها طبقة الأرض وهو الترتيب المختار عند بعض في تفسير
قوله تعالى « اللهُ
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ » بأن يكون المراد بالأرض غير السماوات وما فيها وقالوا إن
الزرقة التي يظن الناس أنها لون السماء فإنها تظهر في كرة البخار لأنه لما كان
الألطف منه أشد صعودا عن الأكثف كانت الأجزاء القريبة من سطح كرة البخار أقل قبولا
للضوء لكثرة البعد واللطافة من الأجزاء القريبة من الأرض ولهذا تكون كالظلمة
بالنسبة إلى هذه الأجزاء فيرى الناظر في كرة البخار لونا متوسطا بين الظلام
والضياء لأن الناظر إذا رأى شيئا مظلما من خلف شيء مضيء رأى لونا مخلوطا من الظلمة
والضياء أو لأن كرة البخار مستضيئة دائما بأشعة الكواكب وما وراءها لعدم قبول
الضوء كالمظلم بالنسبة إليها فإذا نفذ نور البصر من الأجزاء المستنيرة بأشعة
الكواكب ووصل إلى المظلم رأى الناظر ما فوقه من الجو المظلم بما يمازجه من الضياء
الأرضي والضياء الكوكبي لونا متوسطا بين الظلام والضياء وهو اللون اللاجوردي كما
إذا نظرنا من وراء جسم مشف أحمر مثلا إلى جسم أخضر فإنه يظهر لنا لون مركب من
الحمراء والخضرة وهذا اللون اللاجوردي أشد الألوان مناسبة وتقوية بالنسبة إلى
الأبصار فظهوره للأبصار إنما هو من العناية الإلهية ليكون للناظرين المتأملين في
السماوات لذة وقوة للأبصار في النظر كما يكون لعقولهم لذة عقلية في التأمل فيها.
أقول
: هذا ما قالوا في
ذلك رجما بالغيب وأخذا بالظن والله يعلم حقائق مخلوقاته وحججه الكرام عليهم السلام.
(٢٨)
(باب)
(السحاب والمطر والشهاب والبروق والصواعق والقوس)
(وسائر ما
يحدث في الجو)
الآيات :
البقرة
: « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً
وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ » وقال تعالى « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » .
الأنعام
: « وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً
فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ »
الأعراف
: « وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً
بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ
الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » .
الرعد
: « هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً
وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ
يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ » .
__________________
إبراهيم
: « وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ
بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ » .
الحجر
: « إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ
شِهابٌ مُبِينٌ » وقال تعالى « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ
وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ
فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ
بِخازِنِينَ » .
النحل
: « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً
لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ » وقال تعالى « وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » .
الحج
: « وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا
عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » وقال تعالى « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ » .
المؤمنون
: « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ
فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا
لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ
وَمِنْها تَأْكُلُونَ »
النور
: « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً
ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ
مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ
فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ
يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ
__________________
لَعِبْرَةً
لِأُولِي الْأَبْصارِ » .
الفرقان
: « وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً
بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ
بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ
كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ
النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً » .
النمل
: « وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً
فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا
شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ » إلى قوله تعالى « وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ » .
العنكبوت
: « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ » .
الروم
: « وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً
وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » وقال تعالى « اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ
سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى
الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ
مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ
بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ » .
لقمان
: « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً
فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ » .
__________________
فاطر
: « وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ
سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ » .
الصافات
: « إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ
شِهابٌ ثاقِبٌ » .
الزمر
: « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً
مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ
حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ » .
المؤمن
: « هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ
لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً » .
حمعسق
: « هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ
ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ »
الزخرف
: « وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً
بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ » .
الجاثية
: « وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما
أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » .
ق
: « وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً
فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ
نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ
الْخُرُوجُ » .
الذاريات
: « وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً
فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » .
__________________
القمر
: « فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ
مُنْهَمِرٍ » .
الواقعة
: « أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ
نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ » .
الجن
: « وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها
مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ
لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً » إلى قوله تعالى « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » .
تفسير
: « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً » قال البيضاوي خروج الثمار بقدرة الله ومشيته ولكن جعل
الماء الممزوج بالتراب سببا في إخراجها ومادة لها كالنطفة للحيوان بأن أجرى عادته
بإفاضة صورها وكيفياتها على المادة الممزوجة منهما أو أبدع في الماء قوة فاعلة وفي
الأرض قوة قابلة تتولد من اجتماعهما أنواع الثمار وهو قادر على أن يوجد الأشياء
كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والمواد ولكن له في إنشائها مدرجا من
حال إلى حال صنعا وحكما يجدد فيها لأولي الأبصار عبرا وسكونا إلى عظم قدرته ليس في
إيجادها دفعة ومن الأولى للابتداء سواء أريد بالسماء السحاب فإن ما علاك سماء أو
الفلك فإن المطر يبتدئ من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه
الظواهر أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جو الهواء
فتنعقد سحابا ماطرا .
« إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » قيل إنما جمع السماوات وأفرد الأرض لأن السماوات طبقات
متفاصلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين « بِما يَنْفَعُ النَّاسَ » أي ينفعهم أو بالذي ينفعهم « وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ » من الأولى
__________________
للابتداء والثانية
للبيان وقال البيضاوي السماء يحتمل الفلك والسحاب وجهة العلو وقال الرازي فإن
قيل أفتقولون إن الماء ينزل من السماء على الحقيقة أو من السحاب أو تجوزون ما قاله
بعضهم من أن الشمس تؤثر في الأرض فتخرج منها أبخرة متصاعدة فإذا وصلت الجو بردت
فثقلت فنزلت من فضاء المحيط إلى ضيق المركز اتصلت فتتولد من اتصال بعض تلك الذرات
بالبعض قطرات هي قطرات المطر قلنا بل نقول إنه ينزل من السماء كما ذكر الله تعالى
وهو الصادق في خبره وإذا كان قادرا على إمساك الماء في السحاب فأي بعد في أن يمسكه
في السماء وأما قول من يقول إنه من بخار الأرض فهذا ممكن في نفسه لكن القطع بأنه
كذلك لا يمكن إلا بعد القول بنفي الفاعل المختار وقدم العالم وذلك كفر لأنا متى
جوزنا أن الفاعل المختار قادر على خلق الجسم فكيف يمكننا مع إمكان هذا القسم أن
نقطع بما قالوه انتهى.
« فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ » أي بالنبات مجازا « وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » قال البيضاوي عطف على أنزل كأنه استدل بنزول المطر وتكون
النبات به وبث الحيوانات في الأرض أو على أحيا فإن الدواب ينمون بالخصب ويعيشون
بالحيا والبث النشر والتفريق وقال الرازي في تصريف الرياح وجه الاستدلال أنها مخلوقة
على وجه يقبل التصريف وهو الرقة واللطافة ثم إنه سبحانه يصرفها على وجوه يقع بها النفع
العظيم في الإنسان والحيوانات ثم ذلك من وجوه أحدها أنها مادة النفس التي لو انقطع
ساعة عن الحيوان لمات لا جرم كان وجدانه أسهل من وجدان كل شيء وبعد الهواء الماء
لأن الماء لا بد
__________________
فيه من تكلف
الاغتراف بخلاف الهواء فإن الآلات المهيأة لجذبه حاضرة أبدا ثم بعد الماء الحاجة
إلى الطعام شديدة لكن دون الحاجة إلى الماء فلا جرم كان تحصيل الطعام أصعب من
تحصيل الماء وبعد الطعام الحاجة إلى تحصيل المعاجين والأدوية النادرة قليلة فلا
جرم عزت هذه الأشياء وبعد المعاجين الحاجة إلى أنواع الجواهر من اليواقيت والزبرجد
نادرة جدا ولا جرم كانت في نهاية العزة فثبت أن كلما كان الاحتياج إليه أشد كان
وجدانه أسهل وكلما كان الاحتياج إليه أقل كان وجدانه أصعب وما ذلك إلا رحمة منه
على العباد ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله أعظم الحاجات نرجو أن يكون وجدانها
أسهل من وجدان كل شيء وثانيها لو لا تحرك الهواء لما جرت الفلك وهذا مما لا يقدر
عليه أحد إلا الله تعالى فلو أراد كل من في العالم أن يقلب الريح من الشمال إلى
الجنوب إذا كان الهواء ساكنا أن يحركه لتعذر.
« وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ » سمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء ومعنى التسخير
التذليل وإنما سماه مسخرا لوجوه أحدها أن طبع الماء يقتضي النزول فكان بقاؤه في جو
الهواء على خلاف الطبع فلا بد من قاهر يقسره على ذلك ولذلك سماه بالمسخر الثاني أن
هذا السحاب لو دام لعظم ضرره من حيث إنه يستر ضوء الشمس ويكثر الأمطار ولو انقطع
لعظم ضرره لأنه يفضي إلى القحط وعدم العشب الثالث أن السحاب لا يقف في موضع معين
بل يسوقه الله تعالى بواسطة تحريك الرياح إلى حيث أراد وشاء وذلك هو التسخير انتهى.
« لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » قال البيضاوي يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم
والكلام المجمل في دلالة هذه الآيات على وجود الإله ووحدته أنها أمور ممكنة وجد كل
منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة إذ كان من الجائز مثلا أن لا تتحرك
السماوات أو بعضها كالأرض وأن تتحرك بعكس حركتها
__________________
وبحيث تصير
المنطقة دائرة مارة بالقطبين وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا أو على هذا الوجه
لبساطتها وتساوي أجزائها فلا بد لها من موجد قادر حكيم يوجدها على ما تستدعيه
حكمته وتقتضيه مشيته متعاليا عن معارضة غيره إذ لو كان معه إله يقدر على ما يقدر
عليه الآخر فإن توافقت إرادتهما فالفعل إن كان لهما لزم اجتماع مؤثرين على أثر
واحد وإن كان لأحدهما لزم ترجيح الفاعل بلا مرجح وعجز الآخر النافي لإلهيته وإن
اختلفت لزم التمانع والتطارد كما أشار إليه بقوله تعالى « لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا » انتهى.
وأقول
: قد مر في كتاب
التوحيد بسط القول في الاستدلال بحدوث تلك الأشياء وإمكانها على افتقارها إلى صانع
قديم واجب بذاته واشتمالها على الحكم المتناهية على قدرته سبحانه وعلمه وحكمته
ولطفه وبانتظامها وتلازمها على وحدة صانعها فلا نعيد الكلام فيها.
« وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » قال الرازي اختلف الناس فيه فقال الجبائي إنه تعالى ينزل
الماء من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض قال لأن ظاهر النص يقتضي نزول
المطر من السماء والعدول عن الظاهر إلى التأويل إنما يحتاج إليه عند قيام الدليل
على أن إجراء اللفظ على ظاهره غير ممكن وفي هذا الموضع لم يقم دليل على امتناع
نزول المطر من السماء فوجب إجراء اللفظ على ظاهره وأما قول من يقول إن البخارات
الكثيرة تجتمع في باطن الأرض ثم تصعد وترتفع إلى الهواء فينعقد الغيم منها ويتقاطر
وذلك هو المطر فقد احتج الجبائي على فساده بوجوه الأول أن البرد قد يوجد في وقت
الحر بل في صميم الصيف ونجد المطر في أبرد وقت ينزل غير جامد وذلك يبطل قولهم الثاني إن البخارات إذا ارتفعت وتصاعدت وتفرقت لم يتولد منها
قطرات الماء الثالث لو كان تولد المطر من صعود البخارات فالبخارات دائمة
الارتفاع من البحار فوجب أن يدوم هناك نزول المطر وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا
__________________
فساد قولهم قال
فثبت بهذه الوجوه أنه ليس تولد المطر من بخار الأرض.
ثم قال : والقوم
إنما احتاجوا إلى هذا القول لأنهم اعتقدوا أن الأجسام قديمة وإذا كان الأمر كذلك
امتنع دخول الزيادة والنقصان فيها وحينئذ لا معنى لحدوث الحوادث إلا اتصاف تلك
الذوات بصفة بعد أن كانت موصوفة بصفات أخرى فلهذا السبب احتالوا
في تكوين كل شيء عن مادة معينة وأما المسلمون فلما اعتقدوا أن الأجسام محدثة وأن
خالق العالم فاعل مختار قادر على خلق الأجسام كيف شاء وأراد فعند هذا لا حاجة إلى
استخراج هذه التكلفات فثبت أن ظاهر القرآن يدل على أن الماء إنما ينزل من السماء
ولا دليل على امتناع هذا الظاهر فوجب القول بحمله على ظاهره فثبت أن الحق سبحانه
ينزل المطر من السماء بمعنى أنه يخلق هذه الأجسام في السماء ثم ينزلها إلى السحاب
ثم من السحاب إلى الأرض.
والقول الثاني
المراد أنزل من جانب السماء ماء.
القول الثالث أنزل
من السحاب ماء وسمى الله السحاب سماء لأن العرب تسمي كل ما فوقك سماء كسماء البيت.
ثم قال نقل
الواحدي في البسيط عن ابن عباس يريد بالماء هاهنا المطر .
أقول
: ورجح في موضع آخر
نزول المطر من السحاب قال لأن الإنسان ربما كان واقفا على قلة جبل عال ويرى الغيم
أسفل فإذا نزل من ذلك الجبل يرى ذلك الغيم ماطرا عليهم وإذا كان هذا الأمر مشاهدا
بالبصر كان النزاع فيه باطلا ولا ينزل نقطة من المطر إلا ومعها ملك والفلاسفة
يحملون ذلك الملك على الطبيعة الحالة في تلك الجسمية الموجبة لذلك النزول انتهى.
« وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً » منهم من قرأ نشرا بضم النون والشين
__________________
جمع نشور مثل رسل
ورسول أي رياحا منشرة مفرقة من كل جانب وقرأ ابن عامر بضم النون وإسكان الشين
بتخفيف العين وقرأ حمزة بفتح النون وإسكان الشين مصدر نشرت الثوب ضد طويته وهنا
بمعنى المفعول أو بمعنى الحياة فهو بمعنى الفاعل وقرأ عاصم بالباء جمع بشير أي
مبشرات بالمطر أو الرحمة « حَتَّى
إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً » قال الرازي يقال أقل فلان الشيء إذا حمله أي حتى إذا حملت
هذه الرياح سحابا ثقالا بما فيها من الماء والمعنى أن السحاب المسيطر بالمياه
العظيمة إنما يبقى معلقا في الهواء لأنه تعالى دبر بحكمته أن يحرك الرياح تحريكا
شديدا. فيحصل منها فوائد أحدها أن أجزاء السحاب ينضم بعضها إلى بعض ويتراكم وينعقد
السحاب الكثيف الماطر وثانيها أن بسبب تلك الحركات الشديدة التي في تلك الرياح
يمنة ويسرة يمتنع على تلك الأجزاء المائية النزول فلا جرم يبقى معلقا في الهواء
وثالثها أن بسبب حركات تلك الرياح ينساق السحاب من موضع إلى موضع آخر وهو الموضع
الذي علم الله تعالى احتياجهم إلى نزول الأمطار وانتفاعهم بها ورابعها أن حركة
الرياح تارة تكون مفرقة لأجزاء السحاب مبطلة لها وخامسها أن هذه الرياح تارة تكون
مقوية للزرع والأشجار مكملة لما فيها من النشوء والنماء وهي الرياح اللواقح وتارة
تكون مبطلة لها كما تكون في الخريف وسادسها أن هذه الرياح تارة تكون طيبة لذيذة
موافقة للأبدان وتارة تكون مهلكة إما بسبب ما فيها من الحرارة الشديدة كما في
السموم أو بسبب ما فيها من البرد الشديد كما في الرياح المهلكة جدا وسابعها أن تلك
الرياح تارة تكون شرقية وتارة تكون غربية وشمالية وجنوبية وهذا ضبط ذكره بعض الناس
وإلا فالرياح تهب من كل جانب من جوانب العالم ولا ضبط لها ولا اختصاص لجانب من
جوانب العالم بها وثامنها أن هذه الرياح تارة تصعد من قعر الأرض فإن من ركب البحر
يشاهد أن البحر يحصل له غليان شديد فيه بسبب تولد الرياح في قعر البحر إلى ما فوق
البحر وحينئذ يعظم هبوب الرياح في وجه البحر وتارة ينزل الريح من جهة الفوق
فاختلاف الرياح بسبب هذه
المعاني أيضا عجيب
وعن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف
يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك ورحمته
هو المطر.
إذا عرفت هذا
فنقول اختلاف الرياح في الصفات المذكورة مع أن طبيعة الهواء واحدة وتأثيرات
الطبائع والأنجم والأفلاك واحدة تدل على أن هذه الأحوال لم تحصل إلا بتدبير الفاعل
المختار سبحانه وتعالى ثم قال تعالى « سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ » والمعنى أنا نسوق ذلك السحاب إلى بلد ميت لم ينزل فيه غيث
ولا تنبت فيه خضرة والسحاب لفظه مذكر وهو جمع سحابة فيجوز فيه التذكير والتأنيث
فلذا أتى بهما في الآية واللام في قوله لبلد إما بمعنى إلى أو المعنى سقناه لأجل
بلد ميت ليس فيه حب نسقيه والضمير في قوله به إما راجع إلى البلد أو إلى السحاب
وفي قوله « فَأَخْرَجْنا
بِهِ » عائد إلى الماء وقيل إلى البلد وعلى القول الأول فالله
تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء.
وقال أكثر
المتكلمين إن الثمار غير متولدة من الماء بل الله تعالى أجرى عادته بخلق النبات
ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب وقال جمهور الحكماء لا يمتنع أن يقال أنه تعالى
أودع في الماء قوة وطبيعة ثم إن تلك القوة والطبيعة توجبان حدوث الأحوال المخصوصة
والمتكلمون احتجوا على فساد هذا القول بأن طبيعة الماء والتراب واحدة ثم إنا نرى
أنه يتولد في النبات الواحد الأحوال المختلفة مثل العنب فإن قشره بارد يابس ولحمه
وماؤه حار رطب وعجمة بارد يابس فتولد الأجسام الموصوفة بالصفات المختلفة من الماء
والتراب يدل على أنها إنما حدثت بإحداث الفاعل المختار لا بالطبع والخاصية انتهى.
« خَوْفاً وَطَمَعاً » قال الزمخشري في انتصابهما وجوه الأول أنه لا يصح أن يكونا
مفعولا لهما لأنهما ليسا بفاعل الفعل المعلل به إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة
خوف وطمع أو على معنى إخافة وإطماعا الثاني يجوز أن
__________________
يكونا منتصبين على
الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع والتقدير ذا خوف وذا طمع الثالث أن يكونا حالا من المخاطبين أي خائفين وطامعين.
وقال الرازي في
كونهما خوفا وطمعا وجوه الأول أن عند لمعان البرق يخاف وقوع الصواعق ويطمع في نزول
الغيث الثاني أنه يخاف من المطر من له فيه ضرر كالمسافر وكمن في جرابه التمر والزبيب
ويطمع فيه من له نفع الثالث أن كل شيء يحصل في الدنيا فهو خير بالنسبة إلى قوم وشر
بالنسبة إلى آخرين فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه شر في حق من يضره
ذلك إما بحسب المكان أو بحسب الزمان.
ثم اعلم أن حدوث
البرق دليل عجيب على قدرة الله سبحانه وبيانه أن السحاب لا شك أنه جسم مركب من
أجزاء مائية وأجزاء هوائية ولا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية والماء جسم بارد
رطب والنار جسم حار يابس فظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل فلا بد من صانع
مختار يظهر الضد من الضد.
فإن
قيل : لم لا يجوز أن
يقال إن الريح احتقن في داخل جرم السحاب واستولى البرد على ظاهره فانجمد السطح
الظاهر منه ثم إن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك التمزيق الشديد حركة
عنيفة والحركة العنيفة موجبة للسخونة وهي البرق؟
فالجواب : أن كل ما
ذكرتموه على خلاف المعقول وبيانه من وجوه الأول أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن
يقال أينما يحصل البرق فلا بد وأن يحصل الرعد وهو الصوت الحادث من تمزق السحاب
ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك فإنه كثيرا ما يحدث البرق القوي من غير حدوث الرعد
الثاني أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة بالطبيعة المائية الموجبة للبرد
وعند حصول هذا المعارض القوي كيف تحدث النارية بل نقول النيران العظيمة تنطفئ بصب
الماء عليها والسحاب كله ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية
الثالث من مذهبكم
أن النار الصرفة لا لون لها البتة فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة
في أجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر فثبت أن السبب الذي ذكروه ضعيف
وأن حدوث النار الخالصة في جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلا بقدرة القادر
الحكيم.
« وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ » السحاب اسم الجنس والواحدة سحابة والثقال جمع ثقيلة أي
الثقال بالماء واعلم أن هذا أيضا من دلائل القدرة والحكمة وذلك لأن هذه الأجزاء
المائية إما يقال إنها حدثت في جو الهواء أو يقال إنها تصاعدت من وجه الأرض فإن
كان الأول وجب أن يكون حدوثها بإحداث محدث حكيم قادر وهو المطلوب وإن كان الثاني
وهو أن يقال إن تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض فلما وصلت إلى الطبقة الباردة من
الهواء بردت فثقلت ورجعت إلى الأرض فنقول هذا باطل وذلك لأن الأمطار مختلفة فتارة
تكون القطرات كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة تكون متقاربة وأخرى تكون متباعدة تارة
تدوم مدة نزول المطر زمانا طويلا وتارة قليلا فاختلاف الأمطار في هذه الصفات مع أن
طبيعة الأرض واحدة وطبيعة الأشعة المسخنة للبخارات واحدة لا بد وأن يكون بتخصيص
الفاعل المختار وأيضا فالتجربة دلت على أن للدعاء والتضرع في نزول الغيث أثرا
عظيما ولذلك شرعت صلاة الاستسقاء فعلمنا أن المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة
الخاصة انتهى.
« وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ » قال الطبرسي ره تسبيح الرعد دلالته على تنزيه الله تعالى
ووجوب حمده فكأنه هو المسبح وقيل إن الرعد هو الملك الذي يسوق السحاب ويزجره بصوته
فهو يسبح الله ويحمده وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : إن ربكم سبحانه
يقول لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم
أسمعهم صوت الرعد وكان صلى الله عليه واله إذا سمع صوت الرعد قال سبحان من « يُسَبِّحُ الرَّعْدُ
بِحَمْدِهِ » وكان ابن عباس يقول : سبحان
__________________
الذي سبحت له وروى
سالم بن عبد الله عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا سمع الرعد
والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك قال ابن
عباس من سمع الرعد فقال سبحان الذي « يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » فإن أصابته صاعقة فعلي ذنبه .
« وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » أي وتسبح الملائكة من خيفة الله تعالى وخشيته قال ابن عباس
إنهم خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره
لا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء « وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ
يَشاءُ » ويسرفها عمن يشاء إلا أنه حذف ورووا عن أبي جعفر الباقر عليه
السلام أن الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكرا انتهى .
وقال الرازي في قوله
تعالى « وَيُسَبِّحُ
الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ » أقوال الأول أن الرعد اسم ملك من الملائكة والصوت المسموع
هو صوت ذلك الملك بالتسبيح والتهليل عن ابن عباس أن اليهود سألت النبي صلى الله
عليه واله عن الرعد ما هو فقال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق
بها السحاب حيث يشاء الله تعالى قالوا فالصوت الذي يسمع قال زجرة السحاب وعن الحسن
أنه خلق من الله ليس بملك فعلى هذا القول الرعد اسم للملك الموكل بالسحاب وصوته
تسبيح لله تعالى وذلك الصوت أيضا مسمى بالرعد ويؤكد هذا ما روي عن ابن عباس كان
إذا سمع الرعد قال سبحان الذي سبحت له وعن النبي صلى الله عليه واله أن الله ينشئ
السحاب فينطق أحسن المنطق ويضحك أحسن الضحك فنطقه الرعد وضحكه البرق واعلم أن هذا
القول غير مستبعد وذلك لأن عند أهل السنة البنية ليست شرطا لحصول الحياة فلا يبعد
من الله تعالى أن يخلق الحياة والعلم والقدرة والنطق في أجزاء السحاب فيكون هذا
الصوت المسموع فعلا له فكيف
__________________
يستبعد ذلك ونحن
نرى أن السمندر يتولد في النار والضفادع تتولد في السحاب والدودة العظيمة
ربما تولدت في الثلوج القديمة وأيضا إذا لم يبعد تسبيح الجبال في زمن داود عليه
السلام ولا تسبيح الحصى في زمن محمد صلى الله عليه واله فكيف يبعد تسبيح السحاب؟
وعلى هذا القول
فهذا الشيء المسمى بالرعد ملك أو ليس بملك فيه قولان أحدهما أنه ليس بملك لأنه عطف
عليه الملائكة والثاني أنه لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة وأفرد بالذكر على سبيل
التشريف.
القول
الثاني : إن الرعد اسم لهذا
الصوت المخصوص ومع ذلك فإن الرعد يسبح لله تعالى لأن التسبيح والتقديس وما يجري
مجراهما ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول النزاهة والتقديس لله تعالى فلما كان حدوث
هذا الصوت دليلا على وجود موجود متعال عن النقص والإمكان كان ذلك في الحقيقة
تسبيحا وهو معنى قوله « وَإِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ».
الثالث
: أن المراد من كون
الرعد مسبحا أن من سمع الرعد فإنه يسبح الله تعالى فلهذا المعنى أضيف هذا التسبيح
إليه.
الرابع
: من كلمات الصوفية
الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم.
ثم قال واعلم أن
المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية
فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وسائر الآثار
العلوية وهذا غير ما نقلنا أن الرعد اسم الملك.
ثم قال : أمر
الصاعقة عجيب جدا وذلك لأنها نار تتولد في السحاب فإذا نزلت من السحاب فربما غاضت
البحر وأحرقت الحيتان تحت البحر والحكماء بالغوا في وصف قوتها ووجه الاستدلال أن
النار حارة يابسة وطبيعتها ضد طبيعة السحاب فوجب أن يكون طبيعتها في الحرارة
واليبوسة أضعف من طبيعة النيران
__________________
الحادثة عندنا على
العادة لكنه ليس الأمر كذلك فإنها أقوى من نيران هذا العالم فثبت أن اختصاصها
بمزيد تلك القوة لا بد وأن يكون بسبب تخصيص الفاعل المختار.
« وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ » أي هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الدلائل يجادلون في الله وهو
يحتمل وجوها أحدها أن يكون المراد الرد على الكافر الذي قال أخبرنا عن ربنا أمن
نحاس أم حديد وثانيها أن يكون المراد الرد على جدالهم في إنكار البعث وإبطال الحشر
وثالثها الرد عليهم في طلب سائر المعجزات ورابعها الرد عليهم في استنزال عذاب
الاستئصال.
« وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ » المشهور أن الميم أصلية وقيل زائدة والمعنى شديد القوة
وقيل شديد المكر وقيل شديد العقوبة وقيل شديد المغالبة وقيل شديد الجدال .
« رِزْقاً لَكُمْ » قال البيضاوي أي تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس
مفعول أخرج و « مِنَ
الثَّمَراتِ » بيان له أو حال عنه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به
المصدر فينتصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق .
« إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ » قال البيضاوي بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاسه سرا
شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان السماوات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو
بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها وعن ابن عباس أنهم كانوا لا يحتجبون عن
السماوات فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات فلما ولد محمد صلى الله عليه
واله منعوا من كلها بالشهب ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها
أسباب أخر وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع « فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ » أي فتبعه ولحقه شهاب « مُبِينٌ » ظاهر للمبصرين و
__________________
الشهاب شعلة نار
ساطعة وقد يطلق للكوكب والسنان لما فيها من البريق انتهى.
وقال الرازي لقائل
أن يقول إذا جوزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماوات ويختلط بالملائكة ويسمع
أخبارا من الغيوب عنهم ثم إنها تنزل وتلقي تلك الغيوب فعلى هذا التقدير يجب أن
يخرج الإخبار عن المغيبات عن كونه معجزا دليلا على الصدق ولا يقال إن الله تعالى
أخبر عن أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه واله لأنا نقول هذا
المعجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمد صلى الله عليه واله رسولا والقطع
بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز وكون الإخبار عن الغيب معجزا لا يثبت إلا بعد
إبطال هذا الاحتمال وحينئذ يلزم الدور وهو باطل محال.
ويمكن أن يجاب عنه
بأنا نثبت كون محمد صلى الله عليه واله رسولا بسائر المعجزات ثم بعد العلم بنبوته
نقطع بأن الله عجز الشياطين عن تلقف الغيب بهذا الطريق وعند ذلك يصير الإخبار عن
الغيب معجزا وحينئذ يندفع الدور انتهى.
وأقول
: يمكن أن يقال يجب
في لطف الله وحكمته أن لا يمكن الكاذب في دعوى النبوة والإمامة من هذا وإلا لزم
الإغراء بالقبيح ولو بالنسبة إلى العوام ولذا قيل لا تجري الشعبذة أيضا على يد
المدعي الكاذب فتأمل.
« وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا
خَزائِنُهُ » قيل أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه
أضعاف ما وجد منه فضرب الخزائن مثلا لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة
التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد « وَما نُنَزِّلُهُ » من تلك الخزائن « إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » اقتضته الحكمة وتعلقت به المشية فإن تخصيص بعضها بالإيجاد
في بعض الأوقات على بعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم وقال علي بن
إبراهيم الخزانة الماء الذي ينزل من السماء
__________________
فينبت لكل ضرب من
الحيوان ما قدر الله له من الغذاء .
وقال بعض المحققين
أقول الأول كلام من خلا من التحصيل والثاني تمثيل للتقريب من أفهام الجمهور وتفسير
في الظاهر وأما في الباطن والتأويل فالخزائن عبارة عما كتبه القلم الأعلى أولا على
الوجه الكلي في لوح القضاء المحفوظ عن التبديل الذي منه يجري ثانيا على الوجه
الجزئي في لوح القدر الذي فيه المحو والإثبات تدرجا على التنزل فإلى الأول أشير
بقوله « وَإِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ » وبقوله « وَعِنْدَهُ
أُمُّ الْكِتابِ » وإلى الثاني بقوله « وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » ومنه ينزل ويظهر في عالم الشهادة وعن السجاد عليه السلام أن
في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر والبحر قال وهذا تأويل قوله « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ » الآية أراد عليه السلام به ما ذكرناه انتهى.
« وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ » قيل أي حوامل شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر
بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر والسحاب ونظيره الطوائح
بمعنى المطيحات في قوله ومختبط مما تطيح الطوائح.
« فَأَسْقَيْناكُمُوهُ » أي فجعلناه لكم سقيا يقال سقيته حتى روي وأسقيته نهرا أي
جعلته شرابا له « وَما
أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ » أي قادرين متمكنين من إخراجه نفى عنهم ما أثبته لنفسه أو
حافظين في الغدران والعيون والآبار وذلك أيضا يدل على المدبر الحكيم كما يدل عليه
حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس فإن طبيعة الماء
تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له من سبب مخصص « لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ » قيل أي ما تشربونه ولكم صلة أنزل أو خبر شراب ومن تبعيضية
متعلقة به وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه
لقوله « فَسَلَكَهُ
يَنابِيعَ » وقوله « فَأَسْكَنَّاهُ
فِي الْأَرْضِ
__________________
وَمِنْهُ
شَجَرٌ » أي ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي يرعاه المواشي وقيل كل
ما ينبت على الأرض شجر « فِيهِ
تُسِيمُونَ » أي ترعون مواشيكم من سامت الماشية وأسامها صاحبها وأصلها
السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات « فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها » أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها « لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » أي سماع تدبر وإنصاف.
« وَتَرَى
الْأَرْضَ هامِدَةً » أي ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا « اهْتَزَّتْ » أي تحركت بالنبات « وَرَبَتْ » أي انتفخت « وَأَنْبَتَتْ » على المجاز لأن المنبت هو الله تعالى « مِنْ كُلِّ زَوْجٍ » أي من كل نوع من أنواع النبات « بَهِيجٍ » البهجة حسن الشيء ونضارته والبهيج بمعنى المبهج قال المبرد
هو الشيء المشرق الجميل.
« أَلَمْ تَرَ » أي ألم تعلم وقيل المراد الرؤية بالبصر « فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ » إنما لم يقل أصبحت ليدل على بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان
وإنما لم ينصب جوابا للاستفهام لأنه لو نصب لأعطي عكس ما هو الغرض لأن معناه إثبات
الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار « إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ » يصل علمه أو لطفه إلى كل ما جل ودق « خَبِيرٌ » بالتدابير الظاهرة والباطنة.
« وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً » قال الرازي من قال إن المراد بالسماء السحاب قال إن الله
تعالى أصعد الأجزاء المائية من قعر الأرض ومن البحار إلى السماء حتى صارت عذبة
صافية بسبب ذلك التصعيد ثم إن تلك الذرات تأتلف وتتكيف ثم ينزله الله
على قدر الحاجة إليه ولو لا ذلك لم ينتفع بتلك المياه لتفرقها في قعر الأرض ولا
بماء البحر لملوحته ولأنه لا حيلة في إجراء مياه البحار على وجه الأرض لأن البحار
هي الغاية في العمق وهذه الوجوه إنما يتمحلها من ينكر الفاعل المختار وأما من أقر
به فلا حاجة له إلى شيء منها « بِقَدَرٍ
» أي بتقدير يسلمون معه من المضرة ويصلون به إلى المنفعة في
الزرع والغرس والشرب
__________________
وبمقدار ما علمنا
من حاجاتهم ومصالحهم « فَأَسْكَنَّاهُ
فِي الْأَرْضِ » قيل جعلناه ثابتا في الأرض قال ابن عباس أنزل الله تعالى
من الجنة خمسة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل ثم يرفعها عند خروج يأجوج
ومأجوج ويرفع أيضا القرآن « وَإِنَّا
عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ » أي كما قدرنا على إنزاله نقدر على رفعه وإزالته ولما نبه
سبحانه على عظم نعمته بخلق الماء ذكر بعده النعم الحاصلة من الماء فقال « فَأَنْشَأْنا لَكُمْ
بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ » وإنما خصهما لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام
ومقام الإدام ومقام الفاكهة رطبا ويابسا وقوله « لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ » أي في الجنات فكما أن فيها النخيل والأعناب فيها الفواكه
الكثيرة وقوله « وَمِنْها
تَأْكُلُونَ » قال الزمخشري يجوز أن يكون هذا من قولهم فلان يأكل من حرفة
يحترفها ومن صنعة فعلها يعنون أنها طعمته وجهته التي يحصل منها رزقه كأنه قال وهذه
الجنات وجوه أرزاقكم ومعاشكم منها تتعيشون .
« أَلَمْ تَرَ » بعين عقلك ولم تعلم « أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً » أي يسوقه ومنه البضاعة المزجاة فإنها يزجيها كل أحد « ثُمَّ يُؤَلِّفُ
بَيْنَهُ » بأن يكون قزعا فيضم بعضها إلى بعض وبهذا الاعتبار صح بينه
إذ المعنى بين أجزائه « ثُمَّ
يَجْعَلُهُ رُكاماً » أي متراكما بعضه على بعض « فَتَرَى الْوَدْقَ » أي المطر « يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ » أي من فتوقه جمع خلل كجبال في جبل « وَيُنَزِّلُ مِنَ
السَّماءِ » قيل أي من الغمام وكل ما علاك فهو سماؤك « مِنْ جِبالٍ فِيها
مِنْ بَرَدٍ » قيل أي قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها من برد
بيان للجبال والمفعول محذوف أي ينزل حينئذ ماء من السماء من جبال ويجوز أن تكون من
الثانية والثالثة للتبعيض واقعة موقع المفعول وقيل المراد بالسماء المظلة وفيها
جبال من برد كما في الأرض جبال من حجر وعليه ظواهر كثير من الأخبار ولم يدل دليل
قاطع على نفيه.
قال الرازي : قال
أهل الطبائع إن تكون السحاب والمطر والثلج
__________________
والبرد والطل
والصقيع في أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار وفي الأقل من تكاثف الهواء أما الأول
فالبخار الصاعد إن كان قليلا وكان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فحينئذ
ينحل وينقلب هواء وإما إن كان البخار كثيرا ولم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلله
فتلك الأبخرة المتصاعدة إما أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا
تبلغ فإن بلغت فإما أن يكون البرد قويا أو لا يكون فإن لم يكن البرد هناك قويا
تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد واجتمع وتقاطر فالبخار المجتمع هو السحاب
والمتقاطر هو المطر والديمة والوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم وأما إن كان
البرد شديدا فلا يخلو إما أن يصل البرد إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها
وانحلالها أو بعد صيرورتها كذلك فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجا وإن كان على
الوجه الثاني نزل بردا وأما إذا لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة الباردة فهي إما أن
تكون قليلة أو تكون كثيرة فإن كانت كثيرة فهي تنعقد سحابا ماطرا وقد لا تنعقد أما
الأول فذاك لأحد أسباب خاصة. أولها إذا منع هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة
وثانيها أن تكون الرياح ضاغطة لها إلى اجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح وثالثها
أن تكون هناك رياح متقابلة متصادفة فتمنع صعود الأبخرة حينئذ ورابعها أن يعرض
للجزء المتقدم وقوف لثقله وبطء حركته ثم تلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة المدد
وخامسها لشدة برد الهواء القريب من الأرض فقد يشاهد البخار يصعد في الجبال صعودا
يسيرا حتى كأنه مكبة موضوعة على وهدة ويكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة والذين
يكونون تحت الغمامة يمطرون والذين يكونون فوقها يكونون في الشمس أما إذا كانت
الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة فإذا ضربها برد الليل وكثفها وعقدها ما يكون
محسوسا ونزل نزولا متفرقا لا يحس به إلا عند اجتماع شيء يعتد به فإن لم يجمد كان
طلا وإن جمد كان صقيعا ونسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر.
وإما أن يكون
السحاب من انقباض الهواء وذلك عند ما يبرد الهواء و
ينقبض وحينئذ تحصل
منه الأقسام المذكورة.
والجواب
: أنا لما دللنا على
حدوث الأجسام وتوسلنا بذلك إلى كونه سبحانه قادرا مختارا يمكنه إيجاد الأجسام لم
يمكنا القطع بما ذكرتموه لاحتمال أنه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطريق
الذي ذكرتموه وأيضا فهب أن الأمر كما ذكرتم ولكن الأجسام بالاتفاق ممكنة في ذواتها
ولا بد لها من مؤثر ثم إنها متماثلة فاختصاص كل واحد منها بصفته المعينة من الصعود
والهبوط واللطافة والكثافة والحرارة والبرودة لا بد له من مخصص فإذا كان هو سبحانه
خالقا لتلك الطبائع وتلك الطبائع مؤثرة في هذه الأحوال وخالق السبب خالق المسبب
فكان سبحانه هو الذي يزجي سحابا لأنه هو الذي خلق تلك الطبائع المحركة لتلك
الأبخرة من باطن الأرض إلى جو الهواء ثم تلك الأبخرة ترادفت في صعودها والتصق
بعضها بالبعض فهو سبحانه هو الذي جعله ركاما فثبت أنه على جميع التقديرات وجه
الاستدلال بهذه الأشياء على القدرة والحكمة ظاهر بين انتهى.
« فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ
مَنْ يَشاءُ » الضميران للبرد والإصابة بإهلاك الزرع والمال وقد يهلك
الأنفس أيضا « يَكادُ
سَنا بَرْقِهِ » أي يقرب ضوء برق السحاب أن « يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ » أبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة « يُقَلِّبُ اللهُ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ » بالمعاقبة بينهما أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير
أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور أو ما يعم ذلك « إِنَّ فِي ذلِكَ » أي في ما تقدم ذكره « لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ » أي لأولي البصائر والعقول لدلالته على وجود الصانع القديم
وكمال قدرته وإحاطة علمه ونفاذ مشيته وتنزهه عن الحاجة وما يفضي إليها لمن يرجع إلى
بصيرة.
« بُشْراً » قرأ عاصم بالباء المضمومة أي مبشرات جمع بشور وابن عامر
بالنون والسكون أي ناشرات للسحاب والكسائي بفتح النون مصدرا « بَيْنَ
__________________
يَدَيْ
رَحْمَتِهِ » أي المطر كما مر.
« ماءً طَهُوراً » أي مطرا وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود وقيل بليغا
في الطهارة « لِنُحْيِيَ
بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً » بالنبات والتذكير لأن البلدة في معنى البلد « وَأَناسِيَّ كَثِيراً » قيل يعني أهل البوادي الذين يعيشون بالحياء ولذلك نكر
الأنعام والأناسي وتخصيصهم لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار والمنابع
فبهم وبما حولهم من الأنعام غنية عن سقي السماء.
« وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ » قال البيضاوي أي صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن
وسائر الكتب أو المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة والصفات
المتفاوتة من وابل وطل وغيرهما وعن ابن عباس ما عام أمطر من عام ولكن الله قسم ذلك
بين عباده على ما شاء وتلا هذه الآية أو في الأنهار أو في المنابع « لِيَذَّكَّرُوا » أي ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة في ذلك
ويقوموا بشكره أو ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم « فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً » أي إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث لها أو جحودها بأن
يقولوا مطرنا بنوء كذا ومن لا يرى الأمطار إلا من الأنواء كان كافرا بخلاف من يرى
أنها من خلق الله والأنواء وسائط أو أمارات يجعله الله تعالى.
« فَأَنْبَتْنا » عدل به عن الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته
والتنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطبائع من المواد المتشابهة
لا يقدر عليه غيره تعالى كما أشار إليه بقوله « ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها » أي شجر الحدائق وهي البساتين من الأحداق وهو الإحاطة « مِنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ » أي بأسباب سماوية وأرضية.
« يُرِيكُمُ الْبَرْقَ » مقدر بأن أو الفعل فيه منزل منزلة المصدر كقولهم تسمع
__________________
بالمعيدي خير من
أن تراه أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق « خَوْفاً » من الصاعقة وللمسافر « وَطَمَعاً » في الغيث وللمقيم « فَيَبْسُطُهُ » أي متصلا تارة « فِي السَّماءِ » أو في سمتها « كَيْفَ يَشاءُ » سائرا وواقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير
ذلك « وَيَجْعَلُهُ
كِسَفاً » أي قطعا تارة أخرى « فَتَرَى الْوَدْقَ » أي المطر « يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ » في التارتين « فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » يعني بلادهم وأراضيهم « إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ » بمجيء الخصب « أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ » أي المطر « مِنْ قَبْلِهِ » تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالبطر واستحكام
يأسهم وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال « لَمُبْلِسِينَ » أي لابسين قانطين « فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ » أي أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه
ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص « إِنَّ
ذلِكَ » يعني الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها « لَمُحْيِ الْمَوْتى » لقادر على إحيائهم « فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا » أي فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم وقيل
السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله «
لَظَلُّوا » جواب سد مسد الجزاء.
« مِنْ كُلِّ زَوْجٍ » أي صنف « كَرِيمٍ
» أي كثير المنفعة « فَتُثِيرُ سَحاباً » على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة
الدالة على كمال الحكمة ولأن المراد بيان إحداثها بهذه الخاصية ولذلك أسنده إليها
ويجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر « فَأَحْيَيْنا بِهِ
الْأَرْضَ » أي بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره أو بالسحاب فإنه
سبب السبب أو الصائر مطرا « بَعْدَ
مَوْتِها » أي بعد يبسها « كَذلِكَ النُّشُورُ » أي مثل إحياء الموات نشور الأموات في صحة المقدورية إذ ليس
بينهما إلا احتمال اختلاف المادة في المقيس وذلك لا مدخل له فيها وقيل في كيفية
الإحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش ينبت منه أجساد الخلق.
__________________
« إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ » الخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة وأتبع
بمعنى تبع والشهاب ما يرى كوكبا انقض وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل
فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله
تعالى « وَلَقَدْ
زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ » فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض
وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه ولا يبعد أن يصير الحادث لما ذكر في
بعض الأوقات رجما للشياطين يتصعد إلى قرب الفلك للتسمع وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي
صلى الله عليه واله إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه أو مصيره دحورا واختلف في أن
المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحرق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج
لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأسا ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق
لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية
إذا استولت على الضعيفة استهلكتها « ثاقِبٌ » أي مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه.
« أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » قال الرازي وهو المطر وقيل كل ماء كان في الأرض فهو من السماء
ثم إنه تعالى ينزله إلى بعض المواضع ثم يقسمه « فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ » أي فأدخله ونظمه ينابيع في الأرض عيونا ومسالك ومجاري
كالعروق في الأجسام « ثُمَّ
يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ » من خضرة وحمرة وصفرة وبياض وغير ذلك أو مختلفا أصنافه من
بر وشعير وسمسم « ثُمَّ
يَهِيجُ » وذلك لأنه إذا تم جفافه جاز له أن ينفصل من منابته وإن لن
تتفرق أجزاؤه فتلك الأجزاء كأنها هاجت للتفرق ثم يصير « حُطاماً » فتاتا « إِنَّ
فِي ذلِكَ لَذِكْرى » يعني أن من شاهد هذه الأحوال في النبات علم أن أحوال الحيوان
والإنسان كذلك وأنه وإن طال عمره فلا بد له من الانتهاء إلى أن يصير مصفر اللون
منحطم الأعضاء والأجزاء ثم
__________________
عاقبته الموت فإذا كانت
مشاهدة هذه الأحوال في النبات مذكرة حصول مثل هذه الأحوال في نفسه وفي حياته
فحينئذ تعظم نفرته من الدنيا وطيباتها قال الواحدي الينابيع جمع ينبوع وهو يفعول
من نبع وهو نصب بنزع الخافض كان التقدير فسلكه في ينابيع « ثُمَّ يَهِيجُ » أي يخضر والحطام ما تفتت وتكسر من النبت انتهى.
« مِنَ السَّماءِ رِزْقاً » أي أسباب رزق كالمطر « يُنَزِّلُ الْغَيْثَ » قال البيضاوي أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص
بالنافع منها « مِنْ
بَعْدِ ما قَنَطُوا » أيسوا منه « وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ » في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان « وَهُوَ الْوَلِيُ » الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته « الْحَمِيدُ » المستحق للحمد على ذلك .
« ماءً
بِقَدَرٍ » أي بمقدار ينفع ولا يضر « فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً » مال عنه النماء « كَذلِكَ » مثل ذلك الإنشاء « تُخْرَجُونَ » تنشرون من قبوركم « مِنْ رِزْقٍ » أي من مطر وسماه رزقا لأنه سببه « بَعْدَ مَوْتِها » بعد يبسها « وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ » باختلاف جهاتها وأحوالها « ماءً مُبارَكاً » أي كثير المنافع « فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ » أي أشجارا وثمارا « وَحَبَّ
الْحَصِيدِ » أي حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير « وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ » طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون من أفعل فهو
فاعل وإفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة منافعها « لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ » أي منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه
من التمر « رِزْقاً
لِلْعِبادِ » علة لأنبتنا أو مصدر فإن الإنبات رزق « وَأَحْيَيْنا بِهِ
بَلْدَةً مَيْتاً » أي أرضا
__________________
جدته لا نماء فيها
« كَذلِكَ
الْخُرُوجُ » كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم.
« وَالذَّارِياتِ ذَرْواً » قال الطبرسي ـ ره ـ : روي أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين
عليه السلام وهو يخطب على المنبر فقال ما « الذَّارِياتِ ذَرْواً » قال الرياح قال « فَالْحامِلاتِ وِقْراً » قال السحاب قال : « فَالْجارِياتِ
يُسْراً » قال السفن قال « فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » قال الملائكة وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد فالذاريات
الرياح تذرو التراب وهشيم النبت أي تفرقه فالحاملات السحاب تحمل ثقلا من الماء من
بلد فتصير موقرة به والوقر بالكسر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن « فَالْجارِياتِ يُسْراً
» أي السفن تجري في الماء جريا سهلا إلى حيث سيرت وقيل هي
السحاب تجري يسيرا إلى حيث سيرها الله من البقاع وقيل هي النجوم السبعة السيارة « فَالْمُقَسِّماتِ
أَمْراً » الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به أقسم
الله تعالى بهذه الأشياء لكثرة ما فيها من المنافع للعباد ولما تضمنته من الدلالة
على وحدانية الله تعالى وبدائع صنعه وقيل التقدير القسم برب هذه الأشياء انتهى.
« بِماءٍ مُنْهَمِرٍ » أي منصب قال الرازي المراد من الفتح والأبواب والسماء إما
حقائقها فنقول للسماء أبواب تفتح وتغلق ولا استبعاد فيه وهو على طريقة الاستعارة
فإن الظاهر أن الماء كان من السحاب وعلى هذا فهو كما يقول القائل في المطر الوابل
جرت ميازيب السماء وفتح أفواه القرب أي كأنه كان ذلك .
« أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ » قال البيضاوي أي العذب الصالح للشرب « مِنَ الْمُزْنِ » أي من السحاب وقيل هو السحاب الأبيض وماؤه أعذب « أَمْ نَحْنُ
__________________
الْمُنْزِلُونَ
» بقدرتنا « جَعَلْناهُ
أُجاجاً » أي مالحا « فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ » أمثال هذه النعم الضرورية « لَأَسْقَيْناهُمْ
ماءً غَدَقاً » أي لوسعنا عليهم الرزق وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير
بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة وعزة وجوده بين العرب .
أقول
: سيأتي تفسير باقي
السورة في باب الجن وفيه ما يناسب هذا الباب.
١
ـ تفسير علي بن إبراهيم : عن أبيه عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : خرج هشام بن عبد الملك حاجا معه الأبرش الكلبي فلقيا أبا عبد
الله في المسجد الحرام فقال هشام للأبرش تعرف هذا قال لا قال هذا الذي تزعم الشيعة
أنه نبي من كثرة علمه فقال الأبرش لأسألنه عن مسألة لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي
نبي فقال هشام وددت أنك فعلت ذلك فلقي الأبرش أبا عبدالله عليه السلام فقال يا أبا
عبد الله أخبرني عن قول الله « أَوَلَمْ
يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً
فَفَتَقْناهُما » فما كان رتقهما وما كان فتقهما فقال أبو عبد الله عليه
السلام يا أبرش هو كما وصف نفسه « كانَ
عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » والماء على الهواء والهواء لا يحد ولم يكن يومئذ خلق
غيرهما والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى
صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى
الأرض من تحته فقال الله تبارك وتعالى « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً » ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد أن يخلق السماء
أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع
من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها
__________________
البروج والنجوم
ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر
وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ولم يكن
للأرض أبواب وهو النبت ولم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات
وذلك قوله عز وجل « أَوَلَمْ
يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً
فَفَتَقْناهُما » فقال الأبرش والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد
علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال وأنا أشهد أنك ابن نبي ثلاث مرات .
٢
ـ العلل : عن أبيه عن
الحميري عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : كان علي
عليه السلام يقوم في المطر أول مطر يمطر حتى يبتل رأسه ولحيته وثيابه فيقال له يا
أمير المؤمنين الكن الكن فيقول إن هذا ماء قريب العهد بالعرش ثم أنشأ يحدث فقال إن
تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت به أرزاق الحيوان وإذا أراد الله تعالى أن ينبت به ما
يشاء لهم رحمة منه أوحى الله عز وجل فمطر منه ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير
إلى السماء الدنيا فتلقيه إلى السحاب والسحاب بمنزلة الغربال ثم يوحي الله عز وجل
أن اطحنيه وأذيبيه ذوبان الملح في الماء ثم انطلقي به إلى موضع كذا وكذا وعبابا وغير عباب فتقطر
عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلا ومعها ملك حتى يضعها موضعها
ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلا بقدر معدود ووزن معلوم إلا ما كان يوم الطوفان
على عهد نوح عليه السلام فإنه نزل منها ماء منهمر بلا عدد ولا وزن .
__________________
القرب
: عن هارون عن ابن
صدقة مثله .
٣
ـ التفسير : في رواية أبي
الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ » فهي الأنهار والعيون والآبار .
وقال علي بن
إبراهيم في قوله تعالى « أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يُزْجِي سَحاباً » أي يثيره من الأرض « ثُمَّ يُؤَلِّفُ
بَيْنَهُ » فإذا غلظ بعث الله ريحا فتعصره فينزل منه
الماء وهو قوله « فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ » أي المطر .
٤
ـ ومنه : عن أبيه عن
العرزمي عن أبيه عن أبي إسحاق عن حارث الأعور عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : سئل
عن السحاب أين يكون قال يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي إليها فإذا أراد
الله أن يرسله أرسل ريحا فأثاره .
٥
ـ قرب الإسناد : عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه
السلام قال : السحاب غربال المطر ولو لا ذلك لأفسد كل شيء يقع عليه .
٦ ـ وقال عليه
السلام في قوله تعالى « يَخْرُجُ مِنْهُمَا
اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » قال من ماء السماء ومن ماء البحر فإذا أمطرت فتحت الأصداف
أفواهها في البحر فيقع فيها من ماءالمطرفيخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة
واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة .
__________________
بيان
: هذا أحد الوجوه في
تأويل الآية الكريمة ورواه المفسرون عن ابن عباس ويؤيده أن البحر العذب لا يخرج
منه اللؤلؤ على المشهور ولعل الخلق من القطرتين معناه أن لهما مدخلا في خلقهما لا
أنهما مادتهما وسيأتي تمام القول في ذلك في محله.
٦
ـ معاني الأخبار : عن الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن النيسابوري عن أبيه عن عبيد الله بن محمد
بن سليمان عن أبي عمرو الضرير عن عباد بن عباد المهلبي عن موسى بن محمد بن إبراهيم
التيمي عن أبيه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله فنشأت سحابة فقالوا يا
رسول الله هذه سحابة ناشئة فقال كيف ترون قواعدها قالوا يا رسول الله ما أحسنها
وأشد تمكنها قال كيف ترون بواسقها قالوا يا رسول الله ما أحسنها وأشد تراكمها قال
كيف ترون جونها قالوا يا رسول الله ما أحسنه وأشد سواده قال كيف ترون رحاها قالوا
يا رسول الله ما أحسنها وأشد استدارتها قال فكيف ترون برقها أخفوا أم وميضا أم يشق
شقا قالوا يا رسول الله بل يشق شقا قال رسول الله صلى الله عليه واله الحيا فقالوا
يا رسول الله ما أفصحك وما رأينا الذي هو أفصح منك فقال وما يمنعني من ذلك وبلساني
نزل القرآن « بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » .
ثم قال : حدثنا
الحاكم قال حدثني أبي قال حدثني أبو علي الرياحي عن أبي عمرو الضرير بهذا الحديث وقال
أخبرني محمد بن هارون الزنجاني قال حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال : القواعد
هي أصولها المعترضة في آفاق السماء وأحسبها تشبه بقواعد البيت وهي حيطانه والواحدة
قاعدة قال الله عز وجل « وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
__________________
وَإِسْماعِيلُ
» وأما البواسق ففروعها المستطيلة التي في وسط السماء إلى
الأفق الآخر وكذلك كل طويل فهو باسق قال الله عزوجل : « وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ
لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ » والجون هو الأسود اليحمومي وجمعه جون وأما قوله فكيف ترون
رحاها فإن رحاها استدارة السحابة في السماء ولهذا قيل رحى الحرب وهو الموضع الذي
يستدار فيه لها والخفو الاعتراض من البرق في نواحي الغيم وفيه لغتان يقال خفا
البرق يخفو خفوا ويخفى خفيا والوميض أن يلمع قليلا ثم يسكن وليس له اعتراض وأما
الذي شق شقا فاستطالته في الجو إلى وسط السماء من غير أن يأخذ
يمينا ولا شمالا قال الصدوق الحيا المطر .
بيان
: قال الزمخشري في
الفائق سئل النبي صلى الله عليه واله عن سحائب مرت فقال كيف ترون قواعدها وبواسقها
ورحاها أجون أم غير ذلك ثم سئل عن البرق فقال أخفوا أم وميضا أم يشق شقا قالوا يشق
شقا فقال رسول الله صلى الله عليه واله جاءكم الحيا. أراد بالقواعد ما اعترض منها
كقواعد البنيان وبالبواسق ما استطال من فروعها وبالرحى ما استدار منها الجون في
الجون كالورد في الورد والخفو والخفي اعتراض البرق في نواحي الغيم قال أبو عمرو هو
أن يلمع من غير أن يستطير وأنشد :
يبيت إذا ما لاح
من نحو أرضه
|
|
سنا البرق يكلا
خفيه ويراقبه.
|
والوميض لمعة ثم
سكونه ومنه أومض إذا أومأ والشق استطالته إلى وسط السماء من غير أن يأخذ يمينا
وشمالا أراد أيخفو خفوا أم يميض وميضا
__________________
ولذلك عطف عليه
يشق شقا وإظهار الفعل هنا بعد إضماره في ما قبله نظير المجيء بالواو في قوله عز
وجل « وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ » بعد تركها في ما قبلها انتهى.
وأقول
: قد مر بعض القول
فيه في المجلد السادس.
٧
ـ العلل : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله
عليه السلام الصاعقة لا تصيب المؤمن فقال له رجل فإنا قد رأينا فلانا يصلي في
المسجد الحرام فأصابته فقال أبو عبد الله عليه السلام إنه كان يرمي حمام الحرم .
٨ ـ وبهذا الإسناد
قال : الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكرا .
بيان
: لعل المراد
بالمؤمن أولا الكامل في الإيمان وثانيا مطلق المؤمن بقرينة أن رمي حمام الحرم لا
يخرج عن مطلق الإيمان ويحتمل أن يكون الرامي مخالفا وأسند الإصابة إلى الرمي تقية.
٩
ـ التفسير : عن أبيه عن ابن
أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر المعراج قال قال رسول
الله صلى الله عليه واله فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال
له إسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله عز وجل « إِلاَّ مَنْ خَطِفَ
الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك الخبر .
١٠
ـ ومنه : « وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ » قال المارد الخبيث « لا يَسَّمَّعُونَ
إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً » يعني الكواكب التي يرمون بها « وَلَهُمْ عَذابٌ
واصِبٌ » أي واجب « إِلاَّ مَنْ خَطِفَ
الْخَطْفَةَ » يعني يسمعون الكلمة
__________________
فيحفظونها « فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ
ثاقِبٌ » وهو ما يرمون به فيحرقون وفي رواية أبي الجارود عن أبي
جعفر عليه السلام قال : « عَذابٌ واصِبٌ » أي دائم وجع قد خلص إلى قلوبهم وقوله « شِهابٌ ثاقِبٌ » مضى إذا أصابهم بقوة .
١١
ـ العيون ومعاني الأخبار : عن محمد بن إبراهيم الطالقاني عن أبي عقدة عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه
قال قال الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل « هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً » قال خوف للمسافر وطمع للمقيم .
١٢
ـ الإحتجاج والخصال : في ما أجاب الحسن بن ١ علي عليه السلام من أسئلة ملك الروم وقال السائل ما قوس
قزح قال ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم شيطان وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان
لأهل الأرض من الغرق .
١٣
ـ الإحتجاج : عن الأصبغ قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير
المؤمنين أخبرني عن قوس قزح قال ثكلتك أمك يا ابن الكواء لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان ولكن
قل قوس الله إذا بدت يبدو الخصب والريف .
١٤
ـ العلل : عن محمد بن شاذان
بن أحمد البرواذي عن محمد بن محمد بن الحرث السمرقندي عن صالح بن سعيد الترمذي عن
عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه قال : أهل الكتابين يقولون لما هبط
نوح من السفينة أوحى الله عز وجل إليه يا نوح إنني خلقت خلقي لعبادتي وأمرتهم
بطاعتي فقد عصوني وعبدوا غيري واستوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم وإني قد جعلت قوسي
أمانا لعبادي و
__________________
بلادي وموثقا بيني
وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ومن أوفى بعهده مني ففرح نوح عليه
السلام بذلك وتباشر وكانت القوس فيها سهم ووتر فنزع الله عز وجل السهم والوتر من
القوس وجعلها أمانا لعباده وبلاده من الغرق .
بيان
: هذه الأخبار تدل
على أنه ما دام يظهر القوس في الجو لا تصيبهم الطوفان والغرق.
١٥
ـ قصص الراوندي : بإسناده إلى الصدوق عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن
هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام أن قوما من بني إسرائيل قالوا لنبي لهم
ادع لنا ربك يمطر علينا السماء إذا أردنا فسأل ربه ذلك فوعده أن يفعل فأمطر السماء
عليهم كلما أرادوا فزرعوا فنمت زروعهم وحسنت فلما حصدوا لم يجدوا شيئا فقالوا إنما
سألنا المطر للمنفعة فأوحى الله تعالى أنهم لم يرضوا بتدبيري لهم أو نحو هذا.
١٦
ـ المحاسن : عن أبيه عن علي بن
الحكم عن الوشاء عن أبان الأحمر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لو لا
أن الله حبس الريح على أهل الدنيا لأخوت الأرض ولو لا السحاب لخربت الأرض فما
أنبتت شيئا ولكن الله يأمر السحاب فيغربل الماء فينزل قطرا وإنه أرسل على قوم نوح
بغير حساب.
بيان
: لأخوت الأرض أي
خلت من الناس أو من الخير أو خربت وانهدمت قال الفيروزآبادي خوت الدار تهدمت وخوت
وخويت خلت من أهلها وأرض خاوية خالية من أهلها وخوى كرمى تابع عليه الجوع
والزند لم يور كأخوى والنجوم خيا أمحلت فلم تمطر كأخوت وخوت.
١٧
ـ الخصال : عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن اليقطيني عن القاسم
__________________
ابن يحيى عن جده
الحسن عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير
المؤمنين عليه السلام ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عز وجل ولو قد
قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها .
١٨
ـ تفسير الإمام : في قوله تعالى « وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً » يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملكا يضعها في موضعها الذي
يأمره به ربه عزوجل.
١٩
ـ العياشي : عن يونس بن عبد
الرحمن أن داود قال : كنا عنده فارتعدت السماء فقال سبحان من « يُسَبِّحُ » له « الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » فقال له أبو بصير جعلت فداك إن للرعد كلاما فقال يا أبا
محمد سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك.
بيان
: يدل على أن التفكر
في حقائق المخلوقات وأمثالها مما لم يؤمر الخلق به بل لا فائدة لهم فيه .
٢٠
ـ العياشي : عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرعد أي شيء يقول قال إنه بمنزلة الرجل يكون
في الإبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك قلت فما البرق قال لي تلك مخاريق الملائكة تضرب السحاب فتسوقه إلى الموضع
الذي قضى الله فيه المطر.
الفقيه
: عن أبي بصير مثله.
__________________
٢١ ـ قال وروي أن
الرعد صوت ملك أكبر من الذباب وأصغر من الزنبور .
٢٢
ـ الكافي : عن محمد بن يحيى
عن ابن عيسى عن ابن بزيع عن محمد بن الفضيل عن الكناني عن أبي عبد الله عليه
السلام قال : يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة لا تأخذه وهو يذكر الله عزوجل .
٢٣
ـ ومنه : عن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن بريد قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن
الصاعقة لا تصيب ذاكرا .
٢٤
ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم
عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان علي
عليه السلام يقوم في المطر أول ما يمطر حتى يبتل رأسه ولحيته وثيابه فقيل له يا
أمير المؤمنين الكن الكن فقال إن هذا ماء قريب العهد بالعرش ثم أنشأ يحدث فقال إن
تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات فإذا أراد الله عز ذكره أن ينبت به
ما يشاء لهم رحمة منه لهم أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير
إلى سماء الدنيا فيما أظن فيلقيه إلى السحاب والسحاب بمنزلة الغربال ثم يوحي إلى
الريح أن اطحنيه وأذيبيه ذوبان الماء ثم انطلقي به إلى موضع كذا وكذا فامطري عليهم فيكون كذا
وكذا عبابا وغير ذلك فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلا
ومعها ملك حتى يضعها موضعها ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود ووزن
معلوم إلا ما كان من يوم الطوفان على عهد
__________________
نوح عليه السلام فإنه
نزل [ من ] ماء منهمر بلا وزن ولا عدد .
٢٥ ـ قال وحدثني أبو
عبد الله عليه السلام قال قال لي أبي عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام قال
رسول الله صلى الله عليه واله إن الله عز وجل جعل السحاب غرابيل للمطر هي تذيب
البرد حتى يصير ماء لكي لا يضر شيئا يصيبه والذي ترون فيه من البرد والصواعق نقمة
من الله عز وجل يصيب بها من يشاء من عباده ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه
واله لا تشيروا إلى المطر ولا إلى الهلال فإن الله يكره ذلك .
العلل
: عن أبيه عن عبد
الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم مثله إلى قوله فإنه نزل منها ماء منهمر بلا
عدد ولا وزن ]وقد مر في ما تقدم[ .
قرب
الإسناد : عن هارون مثله إلى
آخر الخبر .
بيان
: أول ما يمطر أي
أول كل ما مطر أو المطر الذي يمطر أول السنة وفي العلل أول مطر يمطر وهو يؤيد
الثاني والكن بالنصب على الإغراء أي اطلبه أو ادخله وهو بالكسر ما يستتر به من
بناء ونحوه في ما أظن ليس هذا في العلل وقرب الإسناد وعلى تقديره هو كلام الراوي
أي أظن أن الصادق عليه السلام ذكر السماء الدنيا ثم يوحي إلى الريح في الكتابين ثم
يوحي الله إلى السحاب أن اطحنيه وأذيبيه ذوبان الملح في الماء وهذا ظاهر وآخر
الخبر صريحا يدل على أن ما ينزل من السماء برد فإذا أراد أن يصيره مطرا أمر الريح
أو السحاب أن يطحنه ويذيبه والآية أيضا تحتمل ذلك بل هو أظهر فيها إذ الظاهر أن
مفعول ينزل هو الودق لكن ذكر البحر في أول الخبر لا يلائم ذلك إلا أن يقال الجبال
في ذلك البحر أو يكون مرور ذلك الماء على تلك الجبال فبذلك ينجمد أو يحمل من ذلك
البرد فينزل وعلى ما فتحه المتفلسفون
__________________
من أبواب التأويل
فالأمرهين.
ماء منهمر أي منصب
سائل من غير تقاطر أو كثير من غير أن يعلم وزنها وعددها الملائكة لا تشيروا إلى
المطر لعل المراد به الإشارة إليهما على سبيل المدح كأن يقول ما أحسن هذا الهلال
وما أجود هذا المطر أو أنه ينبغي عند رؤيتهما الاشتغال بالدعاء لا الإشارة إليهما
كما يفعله السفهاء أو لا ينبغي عند رؤيتهما التوجه إليهما عند الدعاء والتوسل بهما
كما أن بعض الناس يظنون أن للهلال وأمثاله مدخلا في نظام العالم فيتوسلون به
ويتوجهون إليه وهذا أظهر بالنسبة إلى الهلال ويؤيده ما روي في الفقيه عن الصادق
عليه السلام أنه قال : إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة
وارفع يديك إلى الله عز وجل وخاطب الهلال الخبر . وقيل المراد
بالإشارة الإشارة المعنوية والقول بأنهما مؤثران في العالم وقيل هو نهي عن الإشارة
إلى كيفية حدوثهما فإن ذلك يضر باعتقاد العامة كما قيل نظيره في قوله تعالى « يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ »
٢٦
ـ الكافي : عن محمد بن يحيى
عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن العرزمي رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه
السلام وسئل عن السحاب أين تكون قال تكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي
إليه فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته ووكل به ملائكة يضربونه
بالمخاريق وهو البرق فيرتفع ثم قرأ هذه الآية « وَاللهُ الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ » الآية والملك اسمه الرعد .
تفسير
علي بن إبراهيم : عن أبيه عن العرزمي عن أبيه عن أبي إسحاق
__________________
عن الحارث الأعور عنه
عليه السلام مثله إلى قوله فيرتفع .
بيان
: تكون على شجر
يحتمل أن يكون نوع من السحاب كذلك أو يكون كناية عن انبعاثه عن البحر وما قرب منه
وقيل على شجر أي على أنواع منها ما يكون على الكثيب وهو اسم موضع على ساحل البحر
اليمن يأتي السحاب إلى مكة منها وفي النهاية في حديث علي عليه السلام البرق مخاريق
الملائكة هي جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا أراد
أنها آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه ويفسره حديث ابن عباس البرق سوط من نور
تزجر بها الملائكة السحاب.
٢٧
ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال علي عليه السلام المطر
الذي منه أرزاق الحيوان من بحر تحت العرش فمن ثم كان رسول الله صلى الله عليه واله
يستمطر أول مطر ويقوم حتى يبتل رأسه ولحيته ثم يقول إن هذا ماء قريب عهد بالعرش
وإذا أراد الله تعالى أن يمطر أنزله من ذلك إلى سماء بعد سماء حتى يقع على الأرض
ويقال المزن ذلك البحر وتهب ريح من تحت ساق عرش الله تعالى تلقح السحاب ثم ينزل من
المزن الماء ومع كل قطرة ملك حتى تقع على الأرض في موضعها.
٢٨
ـ مجالس الشيخ : عن الحسين بن عبيد الله الغضائري عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله
الحميري عن الطيالسي عن زريق الخلقاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما برقت قط في ظلمة ليل
ولا ضوء نهار إلا وهي ماطرة.
الكافي
: عن علي بن إبراهيم
عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن زريق عن أبي العباس عنه عليه السلام مثله .
بيان
: قال الفيروزآبادي
برقت السماء بروقا لمعت أو جاءت ببرق و
__________________
البرق بدا والرجل
تهدد وتوعد كأبرق انتهى والحاصل أن البرق يلزمه المطر وإن لم يمطر في كل موضع يلوح
فيه البرق.
٢٩
ـ دعوات الراوندي : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أصابه المطر مسح به صلعته وقال بركة من
السماء لم يصبها يد ولا سقاء.
٣٠
ـ كتاب الغارات : لإبراهيم الثقفي بإسناده قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام عن
قوله تعالى « وَالذَّارِياتِ ذَرْواً » قال الرياح ويلك قال فما الحاملات وقرا قال السحاب ويلك
قال فما الجاريات يسرا قال السفن ويلك قال فما المقسمات أمرا قال الملائكة ويلك
قال فما قوس قزح قال ويلك لا تقل قوس قزح فإن قزحا [ قزح ] الشيطان ولكنها القوس
وأمان أهل الأرض فلا غرق بعد قوم نوح.
٣١ ـ كتاب جعفر بن
محمد بن شريح ، عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الصاعقة
لا تصيب ذاكرا لله تعالى.
٣٢
ـ تفسير علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ » فهي الأنهار والعيون والآبار. وقال علي بن إبراهيم في قوله
« أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً » أي يثيره من الأرض « ثُمَّ يُؤَلِّفُ
بَيْنَهُ » فإذا غلظ بعث الله رياحا فتعصره فينزل منه الماء وهو قوله « فَتَرَى الْوَدْقَ
يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ » أي المطر .
٣٣
ـ الكافي : عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي
عبد الله عليه السلام قال : يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة لا تأخذه وهو يذكر
الله .
٣٤
ـ ومنه : عن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن
__________________
أذينة عن بريد العجلي
قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قلت وما الذاكر قال من
قرأ مائة آية .
٣٥
ـ ومنه : عن حميد بن زياد
عن الحسن بن محمد بن سماعة عن وهب بن حفص عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن
ميتة المؤمن قال يموت المؤمن بكل ميتة يموت غرقا ويموت بالهدم ويبتلى بالسبع ويموت
بالصاعقة ولا تصيب ذاكرا لله عزوجل .
٣٦
ـ توحيد المفضل : قال قال الصادق عليه السلام فكر يا مفضل في الصحو والمطر كيف يعتقبان على هذا
العالم لما فيه صلاحه ولو دام واحد منهما عليه كان في ذلك فساده ألا ترى أن الأمطار
إذا توالت عفنت البقول والخضر واسترخت أبدان الحيوان وخصر الهواء فأحدث ضروبا من
الأمراض وفسدت الطرق والمسالك وإن الصحو إذا دام جفت الأرض واحترق النبات وغيض ماء
العيون والأودية فأضر ذلك بالناس وغلب اليبس على الهواء فأحدث ضروبا أخرى من
الأمراض فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء ودفع كل واحد منهما
عادية الأخرى فصلحت الأشياء واستقامت.
فإن قال قائل ولم
لا يكون في شيء من ذلك مضرة البتة قيل له ليمض ذلك الإنسان ويؤلمه بعض الألم
فيرعوي عن المعاصي فكما أن الإنسان إذا سقم بدنه احتاج إلى الأدوية المرة البشعة
ليقوم طباعه ويصلح ما فسد منه كذلك إذا طغى وأشر احتاج إلى ما يعضه ويؤلمه ليرعوي
ويقصر عن مساويه ويتنبه على ما فيه حظه ورشده.
ولو أن ملكا من
الملوك قسم في أهل مملكته قناطير من ذهب وفضة ألم يكن سيعظم عندهم ويذهب له به
الصوت فأين هذا من مطرة رواء إذ يعمر به البلاد
__________________
ويزيد في الغلات
أكثر من قناطير الذهب والفضة في أقاليم الأرض كلها أفلا ترى المطرة الواحدة ما
أكبر قدرها وأعظم النعمة على الناس فيها وهم عنها ساهون وربما عاقت عن أحدهم حاجة
لا قدر لها فيذمر ويسخط إيثارا للخسيس قدره على العظيم نفعه جهلا بمحمود العاقبة
وقلة معرفة لعظيم الغناء والمنفعة فيها.
تأمل نزوله على
الأرض وتدبر في ذلك فإنه جعل ينحدر عليها من علو ليغشى ما غلظ وارتفع منها فيرويه
ولو كان إنما يأتيها من بعض نواحيها لما علا الموضع المشرفة منها ولقل ما يزرع في
الأرض ألا ترى أن الذي يزرع سيحا أقل من ذلك فالأمطار هي التي تطبق الأرض وربما
تزرع هذه البراري الواسعة وسفوح الجبال وذراها فتغل الغلة الكثيرة وبها يسقط عن
الناس في كثير من البلدان مئونة سياق الماء من موضع إلى موضع وما يجري في ذلك
بينهم من التشاجر والتظالم حتى يستأثر بالماء ذو العزة والقوة ويحرمه الضعفاء.
ثم إنه حين قدر أن
ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قعر الأرض فيرويها ولو
كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها ثم كان يحطم الزرع
القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا فينبت الحب والمزروع ويحيي الأرض
والزرع القائم وفي نزوله أيضا مصالح أخرى فإنه يلين الأبدان ويجلو كدر الهواء
فيرتفع الوباء الحادث من ذلك ويغسل ما يسقط على الشجر والزرع من الداء المسمى
اليرقان إلى أشباه هذا من المنافع.
فإن قال قائل أوليس
قد يكون منه في بعض السنين الضرر العظيم الكثير لشدة ما يقع منه أو برد يكون فيه
تحطم الغلات وبخورة يحدثها في الهواء فيتولد كثير من الأمراض في الأبدان والآفات
في الغلات قيل بلى قد يكون ذلك الفرط لما فيه من صلاح الإنسان وكفه عن ركوب
المعاصي والتمادي فيها فيكون المنفعة فيها يصلح له من دينه أرجح مما عسى أن يرزأ
في ماله.
بيان
: يعتقبان أي يأتي
كل منهما عقيب صاحبه وخصر الهواء
بكسر الصاد
المهملة يقال خصر يومنا أي اشتد برده وماء خاصر بارد وفي أكثر النسخ بالحاء
المهملة والسين من حسر أي كل وهو لا يستقيم إلا بتكلف وتجوز وفي بعضها بالخاء
المعجمة والثاء المثلثة من قولهم خثر إذا غلظ والبشع الكريه المطعم الذي يأخذ
بالحلق والقنطار معيار ويروى أنه ألف ومائتا أوقية ويقال هو مائة وعشرون رطلا
ويقال هو ملء مسك الثور ذهبا قوله عليه السلام ويذهب له به الصوت أي يملأ صيت كرمه
وجوده الآفاق والذمر الملامة والتهدد والحطم الكسر والاندفاق الانصباب واليرقان
آفة للزرع وقوله مما عسى أن يرزأ من الرزء المصيبة.
٣٧
ـ الدر المنثور : عن ابن عباس قال : السحاب الأسود فيه المطر والأبيض فيه الندى وهو الذي ينضج
الثمار .
٣٨ ـ وعن ابن عباس
قال : ما من عام بأقل مطرا من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء ثم قرأ هذه الآية « وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ
بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا » الآية .
٣٩ ـ وعن عمر مولى
عفرة قال : سأل النبي صلى الله عليه واله جبرئيل فقال إني أحب أن أعلم أمر السحاب
فقال جبرئيل هذا ملك السحاب فاسأله فقال تأتينا صكاك مختمة اسق بلاد كذا وكذا كذا
وكذا قطرة .
٤٠ ـ وعن ابن عباس
قال : إذا رمي الشهاب لم يخط من رمي به وتلا « فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ
ثاقِبٌ » .
٤١ ـ وفي رواية
أخرى عنه قال : لا يقتلون بالشهاب ولا يموتون ولكنها تخرق وتخرج من غير قتل .
٤٢ ـ وعن ابن عباس
قال : ما أرسل الله شيئا من ريح أو ماء إلا بمكيال
__________________
إلا يوم نوح ويوم
عاد فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ « إِنَّا لَمَّا طَغَى
الْماءُ » وأما يوم عاد فإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها
سبيل ثم قرأ « بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ »
وعن علي عليه السلام مثله
إلا أنه قال لم تنزل قطرة من ماء إلا بمكيال على يد ملك .
٤٣ ـ وعن الزهري
عن علي بن الحسين عليهما السلام عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه
واله جالسا في نفر من أصحابه فرمي بنجم فاستنار قال ما كنتم تقولون إذا كان هذا في
الجاهلية قالوا كنا نقول يولد عظيم أو يموت عظيم قال فإنها لا يرمى بها لموت أحد
ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم يسبح أهل السماء الذين يلون
حملة العرش فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ما ذا قال ربكم فيخبر أهل كل
سماء سماء حتى ينتهي الخبر إلى أهل هذه السماء وتخطف الجن السمع فيرمون فما جاءوا
به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون فيه قال معمر قلت للزهري أكان يرمى بها
في الجاهلية قال نعم قال أرأيت « أَنَّا كُنَّا
نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهاباً رَصَداً » قال غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول الله صلى الله عليه واله
.
(تتميم)
اعلم أن الفلاسفة
أثبتوا عناصر أربعة النار والهواء والماء والأرض وقالوا النار حار يابس والهواء
حار رطب والماء بارد رطب والأرض بارد يابس وكرة النار عندهم ملاصقة لكرة فلك القمر
متحركة بحركتها بالتبع و
__________________
لها كرة واحدة
وتحتها الهواء وله أربع طبقات الأولى ما يمتزج منه مع النار وهي التي تتلاشى فيها
الأدخنة المرتفعة من السفل وتتكون فيها الكواكب ذوات الأذناب وما يشبهها من
النيازك والأعمدة وغيرها الثانية الهواء الصرفة أو القريب من الصرافة وتضمحل فيها
الأدخنة اللطيفة ويحصل منها الشهب الثالثة الهواء الباردة بما يخالطه من الأبخرة
الباقي على برودته لعدم وصول أثر الشعاع المنعكس من وجه الأرض إليه الرابعة الهواء
الكثيف المجاور للأرض والماء الغير الباقي على صرافة برودته المكتسبة لمكان الأشعة
المنعكسة.
ثم كرة الماء وهي
غير تامة محيطة بثلاثة أرباع الأرض تقريبا ثم الأرض وهي كرة مصمتة وقد أحاط بقريب
من ثلاثة أرباعها الماء فالماء على هيئة كرة مجوفة غير تامة قد قطع بعض جوانبها
وملئت من الأرض فالآن مجموع الماء والأرض بمنزلة كرة واحدة تامة الهيئة وللماء
طبقة واحدة هي البحر المحيط بالأرض ولم يبق على صرافته لنفوذ آثار الأشعة فيه
ومخالطته بالأجزاء الأرضية وليس له ما يميز بين أبعاضه بحيث تختلف في الأحكام
اختلافا يعتد به والأرض ساكنة في الوسط بحيث ينطبق مركز حجمها على مركز العالم هذا
هو المشهور بينهم وزعم بعض الأوائل منهم أن الأرض متحركة حركة وضعية دورية من
المغرب إلى المشرق وأن شروق الكواكب وغروبها بسبب ذلك لا بسبب حركة الفلك وهذا قول
ضعيف متروك عندهم.
وللأرض ثلاث طبقات
الأولى الأرض الصرفة المحيطة بالمركز الثانية الطبقة الطينية وهي المجاورة للماء الثالثة الطبقة المنكشفة من الماء وهي التي تحتبس فيها الأبخرة
والأدخنة وتتولد فيها المعادن والنباتات والحيوانات وتنقسم إلى البراري والجبال
وهي المعروفة بالربع المسكون المنقسم إلى الأقاليم السبعة وأما السبب في انكشافها
فقد قيل هو انجذاب الماء إلى ناحية الجنوب لغلبة الحرارة فيها بسبب قرب الشمس لكون
حضيض الشمس في البروج الجنوبية وكونها في القرب أشد شعاعا من كونها في البعد وكون
الحرارة اللازمة من الشعاع
الأشد أقوى لا
محالة وشأن الحرارة جذب الرطوبات وعلى هذا يمكن أن تنتقل العمارة من الشمال إلى
الجنوب ثم من الجنوب إلى الشمال وهكذا بسبب انتقال الأوج من أحدهما إلى الآخر
وتكون العمارة دائما إلى حيث أوج الشمس لئلا يجتمع في الصيف قرب الشمس من سمت
الرأس وقربها من الأرض فتبلغ الحرارة إلى حد النكاية والإحراق ولا البعدان في
الشتاء فيبلغ البرد إلى حد النكاية والتفجيع وقيل سببه كثرة الوهاد والأغوار في
ناحية الشمال باتفاق من الأسباب الخارجة فتنحدر المياه إليها بالطبع وتبقى المواضع
المرتفعة مكشوفة وقيل ليس له سبب معلوم غير العناية الإلهية ليصير مستقرا للإنسان
وغيره من الحيوانات ومادة لما يحتاج إليه من المعادن والنباتات.
ثم إنهم يقولون
بأن كلا من تلك العناصر الأربعة قابل للكون والفساد أي ينقلب بعضها إلى بعض بلا
توسط أو بتوسط واحد أو أكثر كالماء ينقلب حجر المرمر فإنه يحصل من مياه صافية
جارية مشروبة تجتمع في وهاد تتحجر حجرا قريب الحجم من حجمها في زمان قليل كما ينقل
من بعض محال مراغة من بلاد آذربايجان وقيل الحق أن ذلك إنما هو بخاصية في بعض
المواضع من الأرض خلق الله فيها قوة معدنية شديدة التأثير في التحجير إذا صادفتها
المياه تحجرت وربما كانت في باطن الأرض فظهرت بالزلازل ومن هذا القبيل ما نقل من
انقلاب بعض الناس حجرا وقد شوهدت في بعض البلاد أشباح حجرية على هيئة أشخاص إنسية
من رجال ونساء وولدان لا يعوزها من التشكيل والتخطيط شيء وأشخاص بهيمية وسائر أمور
تتعلق بالإنسان على حالات مخصوصة وأوضاع يغلب على الظن أنها كانت قوالب إنسية وما
يتعلق بها فلا يبعد ظهور مثل هذه القوة على قوم غضب الله عليهم انتهى.
وقالوا : الحجر
ينحل بالحيل الإكسيرية ماء سيالا والهواء ينقلب ماء كما يشاهد في قلل الجبال
وغيرها أن الهواء بسبب البرد يغلظ ويصير سحابا متقاطرا وكما يشاهد من ركوب القطرات
على الطاس المكبوب على الجمد والماء ينقلب
هواء بالحر الحاصل
من تسخين الشمس أو النار كما يشاهد من البخار الصاعد من الماء المسخن فإن البخار
أجزاء هوائية متكونة من الماء مستصحبة لأجزاء مائية لطيفة مختلطة بها والهواء
ينقلب نارا كما في كور الحدادين إذا ألح النفخ عليها وسد الطرق التي يدخل منها
الهواء الجديد يحدث فيه نار من انقلاب الهواء إليها ومن هذا القبيل الهواء الحار
الذي منه السموم المحرقة والنار أيضا تنقلب هواء كما يشاهد في شعلة المصباح فإنها
لو بقيت على النارية لتحركت إلى مكانها الطبيعي على خط مستقيم فاحترقت ما حاذاها
وليس كذلك.
ثم إنهم قالوا إذا
تصغرت تلك العناصر وامتزجت وتماست وفعل بعضها في بعض بقواها المتضادة تحصل منها
كيفية متوسطة هي المزاج والتركيب قد يكون تاما يحصل به مزاج ويستعد بذلك لإفاضة
صورة نوعية تحفظ التركيب زمانا طويلا وقد يكون ناقصا لا يبقى مدة مديدة بل تنحل
بأدنى سبب مثل كائنات الجو.
قال صاحب المقاصد
المركبات التي لا مزاج لها ثلاثة أنواع لأن حدوثه إما فوق الأرض أعني في الهواء
وإما على وجه الأرض وإما في الأرض فالنوع الأول منه ما يتكون من البخار ومنه ما
يتكون من الدخان وكلاهما بالحرارة فإنها تحلل من الرطب أجزاء هوائية ومائية وهي
البخار ومن اليابس أجزاء أرضية تخالطها أجزاء نارية وقلما يخلو عن هوائية وهي
الدخان فالبخار المتصاعد قد يلطف بتحليل الحرارة أجزاؤه المائية فيصير هواء وقد
يبلغ الطبقة الزمهريرية فيتكاثف فيجتمع سحابا ويتقاطر قطرا إن لم يكن البرد شديدا
وإن أصابه برد شديد يجمد السحاب قبل تشكله بشكل القطرات نزل ثلجا أو بعد تشكله
بذلك نزل بردا صغيرا مستديرا إن كان من سحاب بعيد لذوبان الزوايا بالحركة
والاصطكاك وإلا فكبيرا غير مستدير في الغالب وإنما يكون البرد في هواء ربيعي أو
خريفي لفرط التحليل في الصيفي والجمود في الشتوي وقد لا يبلغ البخار المتصاعد
الطبقة الزمهريرية فإن كثر صار ضبابا وإن قل وتكاثف ببرد
الليل فإن انجمد
نزل صقيعا وإلا فطلا فنسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر وقد يكون السحاب
الماطر من بخار كثير تكاثف بالبرد من غير أن يتصعد إلى الزمهريرية لمانع مثل هبوب
الرياح المانعة للأبخرة من التصاعد أو الضاغطة إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال
قدام الريح وثقل الجزء المتقدم وبطء حركته.
وقد يكون مع
البخار المتصاعد دخان فإذا ارتفعا معا إلى الهواء البارد وقد انعقد البخار سحابا
واحتبس الدخان فيه فإن بقي الدخان على حرارته قصد الصعود وإن برد قصد النزول وكيف
كان فإنه يمزق السحاب تمزيقا عنيفا فيحدث من تمزيقه ومصاكته صوت هو الرعد ونارية
لطيفة هي البرق أو كثيفة هي الصاعقة.
وقد يشتعل الدخان
الغليظ بالوصول إلى كرة النار كما يشاهد عند وصول دخان سراج منطفئ إلى سراج مشتعل
فيرى فيه الاشتعال فيرى كأنه كوكب انقض وهو الشهاب وقد يكون لغلظه لا يشتعل بل
يحترق ويدوم فيه الاحتراق فيبقى على هيئة ذؤابة أو ذنب أو حية أو حيوان له قرون
وربما يقف تحت كوكب ويدور مع النار بدوران الفلك إياها وربما تظهر فيه علامات
هائلة حمر وسود بحسب زيادة غلظ الدخان وإذا لم ينقطع اتصال الدخان من الأرض ونزل
اشتعاله إلى الأرض يرى كان تنينا ينزل من السماء إلى الأرض وهو الحريق انتهى.
وقال في المواقف
وأما الدخان فربما يخالط السحاب فيحرقه إما في صعوده بالطبع أو عند هبوطه للتكاثف
بالبرد فيحدث من خرقه له ومصاكته إياه صوت هو الرعد وقد يشتعل بقوة التسخين الحاصل
من الحركة والمصاكة فلطيفه ينطفئ سريعا وهو البرق وكثيفه لا ينطفئ حتى يصل إلى
الأرض وهي الصاعقة.
وقال شارحه وإذا
وصل إليها فربما صار لطيفا ينفذ في المتخلخل ولا يحرقه ويذيب الأجسام المندمجة
فيذيب الذهب والفضة في الصرة مثلا ولا يحرقها إلا
ما احترق من الذوب
وقد أخبرنا أهل التواتر بأن الصاعقة وقعت بشيراز على قبة الشيخ الكبير أبي عبد
الله بن حفيف فأذاب قنديلا فيها ولم يحرق شيئا منها وربما كان كثيفا غليظا جدا
فيحرق كل شيء أصابه وكثيرا ما تقع على الجبل فتدكه دكا ويحكى أن صبيا كان في صحراء
فأصاب ساقيه صاعقة فسقط رجلاه ولم يخرج منه دم لحصول الكي بحرارتها.
وقال الرازي في
المباحث المشرقية إذا ارتفع بخار دخاني لزج دهني وتصاعد حتى وصل إلى حيز النار من
غير أن ينقطع اتصاله عن الأرض اشتعلت النار فيه نازلة فيرى كأن تنينا ينزل من
السماء إلى الأرض فإذا وصلت إلى الأرض احترقت تلك المادة بالكلية وما يقرب منها
وسبيل ذلك سبيل السراج المنطفئ إذا وضع تحت السراج المشتعل فاتصل الدخان من الأول
إلى الثاني فانحدر اللهب إلى فتيلته.
وقال في شرح
المواقف في سبب الهالة والقوس قد تحدث في الجو أجزاء رطبة رشية صقيلة كدائرة تحيط
تلك الأجزاء بغيم رقيق لطيف لا تحجب ما وراءه عن الإبصار فينعكس منها أي من تلك
الأجزاء الواقعة على ذلك الوضع ضوء البصر لصقالتها إلى القمر فيرى في تلك الأجزاء
ضوؤه دون شكله فإن الصقيل الذي ينعكس منه شعاع البصر إذا صغر جدا بحيث لا ينقسم في
الحس أدى الضوء واللون دون الشكل والتخطيط كما في المرآة الصغيرة
وتلك الأجزاء الرشية مرايا صغار متراصة على هيئة الدائرة فيرى جميع تلك الدائرة
كأنها منورة بنور ضعيف وتسمى الهالة وإنا لا نرى الجزء الأول الذي يقابل القمر من
ذلك الغيم لأن قوة الشعاع تخفي حجم السحاب الذي لا يستره فلا يرى فيه خيال القمر
كيف والشيء إنما يرى على الاستقامة نفسه لا شبحه بخلاف أجزائه التي لا تقابله
فإنها تؤدي خيال ضوئه كما عرفت قيل وأكثر ما تتولد الهالة عند عدم الريح فإن تمزقت
من جميع الجهات دلت على الصحو وإن ثخن
__________________
السحاب حتى بطلت
دلت على المطر لأن الأجزاء المائية قد كثرت وإن انخرقت من جهة دلت علي ريح تأتي من
تلك الجهة وإن اتفق أن توجد سحابتان على الصفة المذكورة إحداهما تحت الأخرى حدثت
هناك هالة تحت هالة وتكون التحتانية أعظم لأنها أقرب إلينا وزعم بعضهم أنه رأى سبع
هالات معا.
واعلم أن هالة
الشمس وتسمى الطفاوة نادرة جدا لأن الشمس تحلل السحب الرقيقة ومع ذلك فقد زعم ابن
سينا أنه رأى حول الشمس هالة تامة في ألوان قوس قزح ورأى بعد ذلك هالة فيها قوسية
قليلة وإنما تنفرج هالة الشمس إذا كثف السحاب وأظلم وحكي أيضا أنه رأى حول القمر
هالة قوسية اللون لأن السحاب كان غليظا فشوش في أداء الضوء وعرض ما يعرض للقوس وقد
يحدث مثل ذلك الذي ذكرناه من الأجزاء الرشية الصقيلة على هيئة الاستدارة في جهة
خلاف الشمس وهي قوس قزح.
وتفصيله أنه إذا وجد في خلاف جهة الشمس أجزاء رشية لطيفة صافية على
تلك الهيئة وكان وراءها جسم كثيف إما جبل أو سحاب كدر وكانت الشمس قريبة من الأفق
فإذا أدبر على الشمس ونظر إلى تلك الأجزاء انعكس شعاع البصر عنها إلى الشمس ولما
كانت صغيرة جدا لم يؤد الشكل بل اللون الذي يكون مركبا من ضوء الشمس في لون المرآة
وتختلف ألوانها بحسب اختلاف أجزاء السحاب في ألوانها وبحسب ألوان ما وراءها من
الجبال وألوان ما ينعكس منها الضوء من الأجرام الكثيفة.
وفي المباحث
المشرقية زعم بعضهم أن السبب في حدوث أمثال هذه الحوادث اتصالات فلكية وقوى
روحانية اقتضت وجودها وحينئذ لا تكون من قبيل الخيالات وهو أن يرى صورة شيء مع
صورة شيء آخر مظهر له كالمرآة فيظن أن الصورة الأولى حاصلة في الشيء الثاني ولا
يكون فيه بحسب نفس الأمر.
قال الإمام هذا
الذي ذكره لا ينافي ما ذكرناه فإن الصحة والمرض قد يستندان إلى أسباب عنصرية تارة
وإلى اتصالات فلكية وتأثيرات نفسانية
أخرى لكن هذا
الوجه يؤيده أن أصحاب التجارب شهدوا بأن أمثال هذه الحوادث في الجو تدل على حدوث
حوادث في الأرض فلو لا أنها موجودات مستندة إلى تلك الاتصالات والأوضاع لم يستمر
هذا الاستدلال انتهى.
وقال بعضهم : إن
الله سبحانه إذا أراد أن يلطف بقوم أو يغضب عليهم بإحداث حدث في الأرض وتكوين كائن
من إمطار مطر أو إرسال ريح وما أشبههما أمر الملائكة السماوية خصوصا الملكين
الموكلين بالشمس أن يفعلوا في الأرض بتوسط الملائكة الموكلين بها أفاعيل الملائكة
أن يحركوا شيئا منها ويخلطوه حتى يحصل من اختلاطه ما يشاء فإن كل ما يتكون في الجو
والأرض إنما يحدث من اختلاط العناصر والأرضيات فأول ما يحدث من ذلك قبل أن يمتزج
امتزاجا تاما يحصل بسبب الكيفية الوحدانية المسماة بالمزاج هو البخار والدخان وذلك
لأن الملائكة إذا هيجوا بإسخان السماويات الحرارة بخروا من الأجسام المائية ودخنوا
من الأجسام الأرضية وأثاروا أجزاء إما هوائية ومائية مختلطين وهو البخار وإما
نارية وأرضية كذلك وهو الدخان ثم حصل بتوسطهما موجودات شتى غير تامة المزاج من
الغيم والمطر والثلج والبرد والضباب والطل والصقيع والرعد والبرق والصاعقة والقوس
والهالات والشهب والرياح والزلازل وانفجارات العيون والقنوات والآبار والنزوز كل
ذلك بإذن الله سبحانه وتوسط ملائكته كما قال سبحانه إشارة إلى بعض ذلك « أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يُزْجِي سَحاباً » الآية والتأمل في بناء الحمام وعوارضه نعم العون على إدراك
ماهية الجو وكثير من حوادثه بل التدبر في ما يرتفع من أرض معدة الإنسان إلى زمهرير
دماغه ثم ينزل منه في ثقب وجهه يعين على ذلك كسائر الأمور الأنفسية على الأحكام
الآفاقية انتهى.
وقال بعض المحققين
في تحقيق ألوان القوس توضيح المقام يستدعي مقدمتين الأولى أن سائر الألوان المتوسطة بين الأسود والأبيض إنما تحدث عن
اختلاط هذين اللونين وبالجملة الأبيض إذا رئي بتوسط الأسود أو بمخالطة
الأسود حدثت عن
ذلك الألوان الأخر فإن كان النير هو الغالب رئي الأحمر وإن لم يكن غالبا رئي
الكراثي والأرجواني وغلبته في الكراثي أكثر وفي الأرجواني أقل الثانية أن اللون
الأسود هو بمنزلة عدم الإبصار لأنا إذا لم نر الشمس والمضيء ظننا أنا نرى شيئا
أسود فالمكان من الغمام الذي يكون الأبيض فيه غالبا على الأسود نراه أحمر والمكان
الذي يكون فيه الأسود غالبا نراه أرجوانيا والمكان الذي فيه الأسود بين الغالب
والمغلوب نراه كراثيا.
فإذا تمهد هذا
فنقول إذا رأى البصر النير بتوسط الغمام على تلك الشرائط رأى القوس على الأكثر ذات
ألوان ثلاثة الأول منها وهو الدور الخارج الذي يلي السماء أحمر لقلة سواده وكثرة
بياضه والثاني وهو الذي دونه كراثي لتوسطه بين الأول والثالث في قلة السواد وكثرته
وقلة البياض وكثرته والدور الثالث مما يلي الأرض أرجواني لكثرة سواده وقلة بياضه
فأما الدور الأصفر الذي قد يرى أحيانا بين الدور الأحمر والكراثي فإنه ليس يحدث
بنحو الانعكاس فإنما يرى بمجاورة الأحمر اللون الكراثي والعلة في ذلك أن الأبيض
إذا وقع على جنب الأسود رئي أكثر بياضا ولما كان الدور الأحمر فيه بياضا والكراثي
مائلا إلى السواد رئي طرف الأحمر لقربه من الكراثي أكثر بياضا من الأحمر وما هو
أكثر بياضا من الأحمر هو الأصفر فلهذا يرى طرف الدور الأحمر القريب من الكراثي
أصفر وقد يظهر أحيانا قوسان معا كل واحدة منهما ذات ثلاثة ألوان على النحو الذي
ذكرناه في الواحدة لكن وضع ألوان القوس الخارجة بالعكس من الداخلة يعني دورها
الخارج الذي يلي السماء أرجواني والذي يليه كراثي والذي يتلو هذا أحمر ولا يبعد أن
يكون أحد القوسين عكسا للآخر انتهى.
وأقول
: هذا ما ذكره القوم
في هذا المقام وكلها مخالفة لما ورد في لسان الشريعة ولم يكلف الإنسان الخوض فيها
والتفكر في حقائقها ولو كان مما ينفع المكلف لم يهمل صاحب الشرع بيانها وقد ورد في
كثير من الأخبار النهي عن
تكلف ما لم يؤمر
المرء بعلمه قال صاحب المواقف وشارحه بعد إيراد هذه المباحث ما ذكرناه كله آراء
الفلاسفة حيث نفوا القادر المختار فأحالوا اختلاف الأجسام بالصور إلى استعداد في
موادها وأحالوا اختلاف آثارها إلى صورها المتباينة وأمزجتها المتخالفة وكل ذلك إلى
حركات الأفلاك وأوضاعها وأما المتكلمون فقالوا الأجسام متجانسة بالذات لتركبها من
الجواهر الفردة وأنها متماثلة لا اختلاف فيها وإنما يعرض الاختلاف للأجسام لا في
ذواتها بل بما يحصل فيها من الأعراض بفعل القادر المختار انتهى.
ثم اعلم أن ما
يشاهد من انعقاد السحب في قلل الجبال وتقاطرها مع أن الواقف على قلة الجبل لا يرى
سحابا ولا مطرا ولا ماء والذين تحت السحاب ينزل عليهم المطر لا ينافي الظواهر
الدالة على أن المطر من السماء بوجهين أولهما أنه يمكن أن ينزل عليهم المطر من
السماء إلى السحاب رشحا ضعيفا لا يحس به أو قبل انعقاد السحاب على الموضع الذي
يرتفع منه وثانيهما أن نقول بحصول الوجهين معا وانقسام المطر إلى القسمين فمنه ما
ينزل من السماء ومنه ما يرتفع من بخار البحار والأراضي الندية ويؤيده مارواه شيخنا
البهائي قدس الله روحه في كتاب مفتاح الفلاح حيث قال نقل الخاص والعام أن المأمون
ركب يوما للصيد فمر ببعض أزقة بغداد على جماعة من الأطفال فخافوا وهربوا وتفرقوا
وبقي واحد منهم في مكانه فتقدم إليه المأمون وقال له كيف لم تهرب كما هرب أصحابك
فقال لأن الطريق ليس ضيقا فيتسع بذهابي ولا بي عندك ذنب فأخافك لأجله فلأي شيء
أهرب فأعجب كلامه المأمون فلما خرج إلى خارج بغداد أرسل صقره فارتفع في الهواء ولم
يسقط على وجه الأرض حتى رجع وفي منقاره سمكة صغيرة فتعجب المأمون من ذلك فلما رجع
تفرق الأطفال وهربوا إلا ذلك الطفل فإنه بقي في مكانه كما في المرة الأولى فتقدم
إليه المأمون وهو ضام كفه على السمكة وقال له قل أي شيء في يدي فقال إن الغيم حين
أخذ من ماء البحر تداخله سمك صغار فتسقط منه فيصطادها الملوك
فيمتحنون بها
سلالة النبوة فأدهش ذلك المأمون فقال له من أنت قال أنا محمد بن علي الرضا وكان
ذلك بعد واقعة الرضا عليه السلام وكان عمره عليه السلام في ذلك الوقت إحدى عشرة
وقيل عشر سنة فنزل المأمون عن فرسه وقبل رأسه وتذلل له ثم زوجه ابنته.
أقول
: وقد مر في أبواب
تاريخه عليه السلام وسئل السيد المرتضى الرعد والبرق والغيم ما هو وقوله تعالى « وَيُنَزِّلُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ » وهل هناك برد أم لا فأجاب قدسسره أن الغيم جسم كثيف وهو مشاهد لا شك فيه وأما الرعد والبرق
فقد روي أنهما ملكان والذي نقوله هو أن الرعد صوت من اصطكاك أجرام السحاب والبرق
أيضا من تصادمهما وقوله من جبال إلى آخره لا شبهة فيه أنه كلام الله وأنه لا يمتنع
أن تكون جبال البرد مخلوقة في حال ما ينزل البرد.
|
بسمه تعالى
إلى هنا تم
الجزء الثالث من المجلد الرابع عشر كتاب السماء والعالم من بحار الأنوار وهو
الجزء التاسع والخمسون حسب تجزئتنا من هذه الطبعة البهية.
وقد قابلناه على
النسخة التي صححها الفاضل الخبير الشيخ محمد تقي اليزدي بما فيها من التعليق
والتنميق والله ولي التوفيق.
محمد الباقر البهبودى
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو
أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والصلاة والسلام على رسوله وآله.
وبعد فقد بذلنا غاية مجهودنا في تصحيح هذا الجزء من كتاب « بحار
الأنوار » وهو الجزء التاسع والخمسون حسب تجزئتنا في هذا الطبعة وتنميقه والتعليق
عليه ومقابلته بالنسخ والمصادر. نشكر الله تعالى على ما وفقنا لذلك ونسأله أن يديم
توفيقنا ويزيدنا من فضله والله ذو الفضل العظيم.
|
قم المشرفة : محمد تقى
المصباح اليزدي
ربيع الأول ١٣٨٠
|
( مراجع التصحيح والتخريج والتعليق )
قوبل هذا الجزء
بعدة نسخ مطبوعة ومخطوطة ، منها النسخة المطبوعة بطهران سنة (١٣٠٥) المعروفة بطبعة
أمين الضرب ، ومنها النسخة المطبوعة بتبرير ومنها النسخة المخطوطة النفيسة لمكتبة
صاحب الفضيلة السيد جلال الدين الأرموي الشهير بـ « المحدث » واعتمدنا في التخريج
والتصحيح والتعليق على كتب كثيرة نسرد بعض أساميها :
١ ـ القرآن
الكريم.
٢ ـ تفسير علي بن
إبراهيم القمي المطبوع سنة ١٣١١ في ايران
٣ ـ تفسير فرات
الكوفي المطبوع سنة ١٣٥٤ في النجف
٤ ـ تفسير مجمع
البيان المطبوع سنة ١٣٧٣ في طهران
٥ ـ تفسير أنوار
التنزيل للقاضي البيضاوي المطبوع سنة ١٢٨٥ في استانبول
٦ ـ تفسير مفاتيح
الغيب للفخر الرازي المطبوع سنة ١٢٩٤ في استانبول
٧ ـ الاحتجاج
للطبرسي المطبوع سنة ١٣٥٠ في النجف
٨ ـ اصول الكافي
للكليني المطبوع سنة ـ في طهران
٩ ـ الاقبال للسيد
بن طاوس المطبوع سنة ١٣١٢ في طهران
١٠ ـ تنبيه
الخواطر لورام بن أبي فراس المطبوع سنة ـ في طهران
١١ ـ التوحيد
للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٥ في طهران
١٢ ـ ثواب الأعمال
للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٥ في طهران
١٣ ـ الخصال
الأعمال للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٤ في طهران
١٤ ـ الدر المنثور
للسيوطي
١٥ ـ روضة الكافي
للكليني المطبوع سنة ١٣٧٤ في طهران
١٦ ـ علل الشرائع
الصدوق المطبوع سنة ١٣٧٨ في قم
١٧ ـ عيون الأخبار
للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٧ في قم
١٨ ـ فروع الكافي
للكلينى المطبوع سنة ـ في
١٩ ـ المحاسن
للبرقي المطبوع سنة ١٣٧١ في طهران
٢٠ ـ معاني
الاخبار للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٩ في طهران
٢١ ـ مناقب آل أبي
طالب لابن شهرآشوب المطبوع سنة ١٣٧٨ في قم
٢٢ ـ من لا يحضره
الفقيه للصدوق المطبوع سنة ١٣٧٦ في طهران
٢٣ ـ نهج البلاغة
للشريف الرضي المطبوع سنة ـ في مصر
٢٤ ـ اسد الغاية
لعز الدين ابن الأثير المطبوع سنة ـ في طهران
٢٥ ـ تنقيح المقال
للشيخ عبد الله المامقاني المطبوع سنة ١٣٥٠ في النجف
٢٦ ـ تهذيب
الاسماء واللغات للحافظ محيى الدين بن شرف النورى المطبوع في مصر
٢٧ ـ جامع الرواة
للاردبيلى المطبوع سنة ١٣٣١ في طهران
٢٨ ـ خلاصة تذهيب
الكمال للحافظ الخزرجي المطبوع سنة ١٣٢ في مصر
٢٩ ـ رجال النجاشى
المطبوع ـ في طهران
٣٠ ـ روضات الجنات
للميرزا محمد باقر الموسوى المطبوع سنة ١٣٦٧ في طهران
٣١ ـ الكنى
والألغاب للمحدث القمي المطبوع ـ في صيدا
٣٢ ـ لسان الميزان
لابن حجر العسقلاني المطبوع ـ فى حيدرآباد الدكن
٣٣ ـ الرواشح السماوية
للسيد محمد باقر الحسيني الشهير بالداماد المطبوع سنة ١٣١١ في ايران
٣٤ ـ القبسات
للسيد محمد باقر الحسينى الشهير بالداماد المطبوع سنة ١٣١٥ في ايران
٣٥ ـ رسالة مذهب
ارسطاطا ليس للسيد محمد باقر الحسينى الشهير بالداماد المطبوعة بهامش القبسات
٣٦ ـ اثولوجيا
المنسوب إلى ارسطاطا ليس المطبوعة بهامش القبسات
٣٧ ـ رسالة الحدوث
لصدر المتألهين المطبوع سنة ١٣٠٢ في ايران
٣٨ ـ الشفاء للشيخ
الرئيس ابى على بن سينا المطبوع سنة ١٣٠٣ في ايران
٣٩ ـ شرح التجريد
تأليف المحقق الطوسى للعلامة الحلي المطبوع سنة ١٣٦٧ في قم
٤٠ ـ عين اليقين
للمولى محسن الفيض الكاشاني المطبوع سنة ١٣١٣ في طهران
٤١ ـ مروج الذهب
للمسعودى المطبوع سنة ١٣٤٦ في مصر
٤٢ ـ القاموس
لمحيط للفيروزآبادى المطبوع سنة ١٣٣٢ في مصر
٤٣ ـ الصحاح
للجوهري المطبوع سنة ١٣٧٧ في مصر
٤٤ ـ النهاية لمجد
الدين ابن الاثير المطبوع سنة ١٣١١ في مصر
(فهرس)
(ما في
هذا الجزء من الأبواب)
١٤ ـ باب الأيام
والساعات والليل والنهار............................... ١٨
ـ ١
١٥ ـ باب ما روي في
سعادة أيام الأسبوع ونحوستها................... ٣١
ـ ١٨
١٦ ـ باب ما ورد في
خصوص يوم الجمعة............................. ٣٤
ـ ٣١
١٧ ـ باب يوم السبت
ويوم الأحد.................................... ٣٦
ـ ٣٥
١٨ ـ باب يوم الإثنين
ويوم الثلاثاء................................... ٤١
ـ ٣٧
١٩ ـ باب يوم الأربعاء.............................................. ٤٦
ـ ٤١
٢٠ ـ باب يوم الخميس.............................................. ٥٣
ـ ٤٧
٢١ ـ باب سعادة أيام
الشهورالعربية ونحوستها وما يصلح في كل يوم منها من الأعمال ٩١ ـ ٥٤
٢٢ ـ باب يوم النيروز
وتعيينه وسعادة أيام شهور الفرس والروم ونحوستها وبعض النوادر ١٤٣ ـ ٩١
(أبواب الملائكة)
٢٣ ـ باب حقيقة
الملائكة وصفاتهم وشئونهم وأطوارهم................ ١٤٤ـ٢٤٥
٢٤ ـ باب آخر في وصف
الملائكة المقربين......................... ٢٦٥
ـ ٢٤٥
٢٥ ـ باب عصمة
الملائكة وقصة هاروت وماروت وفيه ذكر حقيقة السحر وأنواعه ٣٢٦ ـ ٢٦٥
(أبواب)
(العناصر وكائنات الجو والمعادن والجبال والأنهار)
(والبلدان والأقاليم)
٢٦ ـ باب النار
وأقسامها........................................ ٣٣٣
ـ ٣٢٧
٢٧ ـ باب الهواء
وطبقاته وما يحدث فيه من الصبح والشفق وغيرهما... ٣٤٣
ـ ٣٣٣
٢٨ ـ باب السحاب
والمطر والشهاب والبروق والصواعق والقوس وسائر ما يحدث في الجو ٣٩٨ ـ ٣٤٤
*(رموز
الكتاب)*
ب
: لقرب الاسناد.
|
ع
: للعلل الشرائع.
|
لد
: للبلدين الامين.
|
بشا
: لبشارة المصطفى.
|
عا
: لدعائم الاسلام.
|
لي
: لامالى الصدوق.
|
تم
: لفلاح السائل.
|
عد
: للعقائد.
|
م
: لتفسير الامام العسكري (ع)
|
ثو
: لثواب الاعمال.
|
عدة
: للعدة.
|
ما
: لامالى الطوسى.
|
ج
: للاحتجاج.
|
عم
: لاعلام الورى
|
محص
: للتمحيص.
|
جا
: لمجالس المفيد.
|
عين
: للعيون والمحاسن.
|
مد
: للعمدة.
|
جش
: لفهرست النجاشي.
|
غر
: للغرر والدرر.
|
مص
: لمصباح الشريعة.
|
جع
: لجامع الاخبار.
|
غط
: لغيبة الشيخ.
|
مصبا
: للمصباحين.
|
جم
: لجماع الاسبوع.
|
غو
: لغوالي اللئالي.
|
مع
: لمعاني الاخبار.
|
جنة
: للجنة.
|
ف
: لتحف العقول.
|
مكا
: لمكارم الاخلاق.
|
حة
: لفرحة الغرى.
|
فتح
: لفتح الابواب.
|
مل
: لكامل الزيارة.
|
ختص
: لكتاب الاختصاص.
|
فر
: لتفسير فرات بن إبراهيم.
|
منها
: للمنهاج.
|
خص
: لمنتخب البصائر.
|
فس
: لتفسير علي بن إبراهيم.
|
مهج
: لمهج الدعوات.
|
د
: للعدد.
|
فض
: لكتاب الروضة.
|
ن
: لعيون أخبار الرضا (ع).
|
سر
: للسرائر.
|
ق
: للكتاب العتيق الغروى.
|
نيه
: لتنبيه الخاطر.
|
سن
: للمحاسن.
|
قب
: لمناقب ابن شهر آشوب
|
نجم
: لكتاب النجوم.
|
شا
: للارشاد.
|
قبس
: لقبس المصباح.
|
نص
: للكافية.
|
شف
: لكشف اليقين.
|
قضا
: لقضاء الحقوق.
|
نهج
: لنهج البلاغة.
|
شى
: لتفسير العياشي.
|
قل
: لاقبال الاعمال.
|
نى
: لغيبة النعماني.
|
ص
: لقصص الانبياء.
|
قية
: للدروع.
|
هد
: للهداية.
|
صا
: للاستبصار.
|
ك
: لاكمال الدين.
|
يب
: للتهذيب.
|
صبا
: لمصباح الزائر.
|
كا
: للكافي.
|
يج
: للخرائج.
|
صح
: لصحيفة الرضا (ع).
|
كش
: لرجال الكشي.
|
يد
: للتوحيد.
|
ضا
: لفقه الرضا (ع).
|
كشف
: لكشف الغمة.
|
ير
: لبصائر الدرجات.
|
ضوء
: لضوء الشهاب.
|
كف
: لمصباح الكفعمى.
|
يف
: للطرائف.
|
ضه
: لروضة الواعظين.
|
كنز
: لكنز جامع الفوائد وتأويل الايات الظاهرة معاً.
|
يل
: للفضائل.
|
ط
: للصراط المستقيم.
|
ل
: للخصال.
|
ين
: لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه والنوادر.
|
طا
: لامان الاخطار.
|
|
يه
: لمن لايحضره الفقيه.
|
طب
: لطب الائمة.
|
|
|
|