

بسم الله الرحمن الرحيم
( قل يا أهل الكتاب لا
تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا
عن سواء السبيل )
[ المائدة / ٧٧ ]
صدق الله العلي العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على
أفضل خلقه وخاتم رسله محمد ابن عبد الله ، بعثه بالحق هادياً وللعباد منقذاً.
الدليل على الصراط ، والسراج الوقّاد ، الذي نور هدايته رحمة ، وأنفاسه بين
المخلوق عصمة ، هو السبيل إلى النجاة ، والقائد إلى الرشاد ، فاز المتمسكون بنهجه
، وربح السائرون بهديه ، والسلام عليه وعلى آله الطيبين البررة وأصحابه الكرام
الخيرة.
قال سبحانه مخاطباً أهل الكتاب ـ الذين
سبقوا ـ ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ، وأضلوا كثيراً ، وضلوا عن سواء السبيل ).
خطاب وجهه سبحانه وتعالى إلى عباده من
اليهود والنصارى حث فيه على أن لا يخرجوا عن إطار العبودية الحقة وأن لا يتبعوا
أهواء قوم قد تحكمت فيهم المصالح والماديات ، غير أن أغلب اليهود والنصارى زاغوا
عن الحق وابتعدوا عن الهدى ، هم عرتهم الأماني والشهوات حتى استحوذ عليهم الشيطان
وجنوده فأصبحوا اسرى الهوى ، فضلوا وأضلوا ، وكانت عاقبتهم سوء المنقلب ، وما جزاء
الظالمين إلا خسارا.
الغلو حالة غير طبيعية يمر بها الإنسان
، وإذا اردنا الدقة ، فنقول مرض فكري يغزو معتقدات الناس بوسائل عديدة ، وضمن
عوامل كثيرة ، قد يمكن تحديد البعض منها ، والاخرى يتعذر تحديدها للملابسات
المتداخلة ، والظروف المعقدة التي يمر بها المجتمع.
ربما يعود الغلو في العقيدة الى ما قبل
الإسلام ، فمثلاً بني إسرائيل بعد
غياب موسى عنهم
سقطوا في شرائك إبليس لما زين لهم العجل ، فعبدوه من دون الله ، وهارون 7 يؤنبهم تارة ، ويغلظ عليهم تارة أخرى ،
ويعظهم ثالثة ، إلا أن هؤلاء أبوا الامتثال وأصروا على جهلهم وعنادهم ... فترى أن
الغلو برز بذريعة شخص واحد الذي صنع لهم العجل وما فيه من خوار.
ثم أن النصارى عبدوا المسيح وأمه
الصديقة مريم ، والحواريون يمنعونهم من ذلك ، ولكن أنّي لهم الزجر وقد شاهدوا
المعجزات تظهر على يده في إبراء الأكمه والأبرص والأعمى؟! فكانت تلك المعجزات
سبباً واضحاً في غلوهم.
إن تلك المشاهدات الباهرات سلبت توازن
النصارى حتى صيروا المسيح 7
ابن الله ، تعالى الله عما يشركون.
هذا النوع من الغلو سببه الإعجاب الشديد
والحب الأعمى البعيد عن أسس التفكير والتعقل ..
وهكذا شأن الأمم الاخرى ، قد تضل عن
الطريق عندما تتوسل بالأمور المادية أو الأفراد دون الاتجاه إلى خالقها والإنقطاع
إليه.
ففي أواخر القرنين الأول للهجرة والثاني
منه برزت الزندقة ، وظهرت معالم الفساد في الدولة العباسية واستحوذت المادة
والشهوات على النفوس ، مما أوجدت أشخاص يشعرون بالنقص وآخرين يحملون عقداً نفسية ،
وأمزجة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه السامية. فاختلقوا بعض الأساطير والتراهات ،
وزينوا للناس هذا الإنحراف حتى استطاعوا أن يكسبوا طائفة منهم تسير وفق تعاليمهم
وتخضع لإرادتهم ، فالبعض إتبعهم لمصلحة ما ، ولبعض الآخر سلك معهم لضعف عقلي ، أو
يقص في نفسه.
فجدير بنا أن ندرس هذه الظاهرة على ضوء
القرآن الكريم والسنة المباركة حتى يقف القارئ الكريم على الأجواء التي نشأ فيها
الغلو ، والعوامل المساعدة على ذلك ، وموقف أهل البيت منه.
وقبل أن نلج في صلب الموضوع نمهد للبحث
مدخلاً يوضح بعض المصطلحات والمفاهيم.
|
المؤلف
الدكتور عبد الرسول الغفار
بيروت
|
بسم الله
الرحمن الرحيم
المدخل
قبل أن نلج في بحث ( تاريخ الغلو ) كان
لزاماً على كل مسلم يطلب الحقيقة أن يبحث عن الفرقة الناجية التي هي واحدة من بين
ثلاث وسبعين فرقة ، كما أشار إليها الرسول 6
، ولا بد أن يهتدي المرء إلى العقيدة الصحيحة ويمسك بعراها بعدما يقوم الدليل من
الكتاب والسنة على موفقتها لأصول الشريعة ومبدأ التوحيد وما يستتبع ذلك من الأمور
العبادية ..
لقد تكاثرت الأهواء ، وتعددت الطرق وذهب
المسلمون شيعاً وطوائف بيد أن الرسول لم يرحل عنهم إلا وقد خلف بينهم الثقلين ؛
كتاب الله والعترة الطاهرة وأوصاهم في التمسك بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه
الحوض ..
ولكن ـ وفي غاية الأسف ـ لم يع المسلمون
هذه الوصية التي فيها سعادتهم وخلودهم إلى النعيم ، بل ذهبت الأطماع والأهواء
الشخصية كل مذهب وأخذ من كان في قلبه مرض يزور الحقائق ويختلق الأحاديث ويدذب على
الله وعلى الرسول 9
غير مكترث بالعواقب وسوء المنقلب ، فظهرت الأحزاب وتعددت المذاهب ، وكثرت الطوائف
والفرق وبرزت البدع ، حتى أصبح التفكير ديدن المنحرفين عن الصراط المستقيم ، فذهبت
في عرض ذلك التخبط نفوس بريئة وأزهقت الأرواح واستبيحت الحرمات وغصبت الحقوق ونال
كل طائفة الويل والثبور ، حتى تقهرت بعضها فاندثرت وكتب لبعضها الآخر الدوام
والاستمرار إما لظروف سياسية أو لعوامل اقتصادية أو لرعاية إلهية خاصة ..
أقول قبل الخوض في غمار الحديث لا بد من
الوقوف على بعض المفردات فنعرف شيئاً من معانيها اللغوية ثم ما أريد بها في المعنى
الاصطلاحي ولو بصورة موجزة ، ومن هذه المفردات هي :
كلمة الحزب ، المذهب ، والفرقة ، والمشايعة
، والدين ، والملة.
الحزب
الحزب : الصنف من الناس : أو الطائفة ، والأحزاب
: الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء : وقال
ابن الأعرابي الحزب الجماعة والأحزاب : جنود الكفار تألبوا وتظاهروا على حزب النبي
وهم : قريش وغطفان وبنو قريظة قوله تعالى : ( يا قوم إني أخاف
عليكم مثل يوم الأحزاب )
، والأحزاب هنا قوم نوح وعاد وثمود ومن أهلك بعدهم ، أما الأحزاب الذين اجتمعوا
على محاربة الرسول 9
هم قبائل العرب في يوم الخندق ، وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش ومن
كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان وغطفان في ألف وهوازن وبني قريضة والنضير وحزب
الرجل أصحابه وجنده الذين على رأية.
والمنافقون والكافرون حزب الشيطان ، وهم
جنوده وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وإن لم يلق بعضهم بعضاً بمنزلة
عاد وثمود وفرعون أولئك الأحزاب.
وكل حزب بما لديهم فرحون : كل طائفة
هواهم واحد.
والحزب الورد في صلاة وقراءة وتنفل.
والحزب النصيب أو القسم والجزء ، ومنه
الحزب من القرآن وفي الحديث : طرأ علي حزبي من القرآن فأحببت أن لا أخرج حتى أقضيه.
وفي حديث أوس بن حذيفة : سألت اصحاب رسول الله 9
كيف تحزبون القرآن؟
وحازب القوم وتحزبوا : تجمعوا وصالوا
أحزاباً ( وهزم الأحزاب وحده ) لما كان يوم الخندق والمسلمون أقل عدة وعدداً من
الكافرين أرسل سبحانه وتعالى على الأحزاب ريح الصبا في ليلة شاتية فأحصرتهم وحفت
التراب في وجوههم وأطفأت النيران وكفت القدور وقلعت الأوتاد وبعث ألفاً من
الملائكة في ذوائب عسكرهم فماحت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب فانهزموا
من غير قتال .
أقول بعد معرفتنا لمدلول الكلمة لفة ، ونشير
إلى أن الاستعمال الاصطلاحي أصبح اليوم مقروناً بالجانب السياسي ، فمجرد أن نطلق
كلمة حزب سرعان ما يتبادر إلى الذهن المفهوم السياسي.
__________________
المذهب
المذهب المتوضأ ، المكان الذي يذهب إليه
لقضاء حاجته ـ موضع الغائط ـ ويسمى أيضاً الخلاء والمرحاض والمرفق. قاله الكسائي.
وفي الحديث ان النبي 9 كان إذا أراد الغائط أبعد في المذهب ، وهو
مفعل من الذهاب.
قال الزبيدي : ومن المجاز المذهب
المعتقد الذي يذهب إليه وذهب فلان لذهبة أي لمذهبه الذي يذهب فيه ، والمذهب
الطريقة ، يقال ذهب فلان مذهباً حسناً أي طريقة حسنة. والمذهب الأصل.
والمذهب بالضم الشيء المطلي بالذهب .
والذهب : المعدن ، معروف.
ولما عرفت من اللغة أن المذهب يراد به
المعتقد الذي يذهب إليه ، فهذا الاستعمال يرد كذلك في الاصطلاح لكنه يشمل الحوانب
السياسية والفقهية والاقتصادية وغيرها بيد أن أكثر ما يستعمل في الجانب الفقهي عند
المسلمين ، وفي الجانب الاقتصادي عند الماديين.
__________________
الفرقة ـ الفرق
الفرق
:
قوله تعالى : ( فيها يفرق
كل أمر حكيم )
أي يقدر في
ليلة كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية
أو مولود أو رزق عما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحترم.
وقوله تعالى : ( وقرآناً
فرقناه )
تفرأ
بالتخفيف أي بيناه وهو من فرق يفرق وتقرأ بالتشديد أي أنزلناه مفرقاً.
الفرق بمعنى الفلق قوله تعالى : ( فرقنا بكم
البحر )
أي فلقنا
بكم.
والفرقان : القرآن ويوم الفرقان : يوم
بدر ، وعن الفراء يوم الفتح والفريق الطائفة قوله تعالى : ( فريق منهم
) أي طائفة
منهم وقوله تعالى : ( فريقاً من أموال
الناس )
أي طائفة. وقوله تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى
والأصم ) أراد بهما المؤمنين والكفار.
والفارقات : الملائكة قوله تعالى : ( فالفارقات
فرقا )
الملائكة تنزل تفرق ما بين الحلال والحرام.
__________________
والفارق الذي يفرق بين الحق والباطل
والحلال والحرام وفي قول أمير المؤمنين 7
:
« أنا الفاروق الأعظم » فالفارق اسم سمي
به علي 7 وربما
انتحله غيره.
وفرق ـ بالتخفيف ـ للصلاح فرقاً
وبالتشهيد فرق للإفساد تفريقاً والتفرق والافتراق شيء واحد ، ومنهم من يجعل التفرق
للأبدان والافتراف في الكلام والفرق والفرقة والفريق الطائفة من الشيء المتفرق
والفرقة : طائفة من الناس ، والفريق أكثر منه.
والفرقان القرآن. وكل ما فرق به بين
الحق والباطل فهو فرقان قوله تعالى ( وإذ آتينا موسى
الكتاب والفرقان )
كل ما يفرق
بين الحق والباطل.
وقيل الفرقان : الحجة ، والنصر قوله
تعالى : ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان )
أي يوم بدر ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ) يمكن حملها على النصر بمناسبة لعلكم
تهتدون وقوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى
وهارون الفرقان وضياء )
.
فسمي جل ثناؤه الكتاب المنزل على النبي
محمد 9 فرقانا وسمي
الكتاب المنزل على موسى وهارون 8
فرقانا .
وقال الراغب : الفرق مقارب الفلق لكن
الفلق يقال اعتباراً بالانشقاق والفرق يقال اعتباراً بالانفصال قوله تعالى : ( فانفلق
فكان كل فرق كالطود العظيم )
، والفريق
الجماعة المتفرقة عن آخرين قوله تعالى : ( وإن منهم
__________________
لفريقاً
يلوون السنتهم بالكتاب )
.
( فريق في الجنة وفريق في
السعير )
، ( إنه كان
فريق من عبادي )
، ( أي الفريقين .. ) ( وتخرجون فريقاً منكم
من ديارهم )
، ( وإن
فريقاً منهم ليكتمون الحق )
. وفريقاً
يفرق بين الإشياء أي يفصل بينهما قوله تعالى : ( وقرآنا فرقناه ) أي بينا فيه الأحكام وفصلناه ، وقيل
فرقناه أي أنزلنا مفرقاً ، والتفريق أصله للتكثير ، ويقال ذلك في تشتيت الشمل قوله
تعالى : ( يفرقون به بين المرء وزوجه )
، ( وفرقت بين بني إسرائيل ) ، ( لا نفرق بين أحد من
رسله )
، ( إن الذين فرقوا دينهم ).
والفرق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر
قوله تعالى : ( هذا فراق بيني وبينك )
، ( وظن أنه الفراق )
أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت.
( ويريدون أن يفرقوا
بين الله ورسله )
أي يظهرون
الإيمان بالله ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم الله به.
ويوم الفرقان أي اليوم الذي يفرق فيه
بين الحق والباطل وبين الحجة والشبهة : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا
إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً )
أي نوراً وتوفيقا على قلوبكم ويفرق به بين الحق والباطل .
وقال الزبيدي : والفرق الطريق في شعر
الرأس ، والمفرق وسط الرأس ومن الطريق الموضع الذي يتشعب منه طريق آخر.
__________________
وقد جعل البعض التفرق للأبدان والافتراق
في الكلام ، وفي الحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا قال متمم بن نويره يرثي أخاه
مالكاً :
فلما تـفـرقـنـا كـأني ومـالـكـاً
|
|
لطول اجتـمـاع لم نـبـت ليلـة معا
|
وتفارق القوم فارق بعضهم بفضاً
وفارق فلان امرأته مفارقة وفراقاً باينها وذلك مأخوذ من الفرقة بالضم .
ولو تجاوزنا المعنى اللغوي إلى المعنى
الاصطلاحي لرأينا المعنى هنا مساوق للغة أيضاً ، بحيث يراد من الفرقة هي الطائفة
أو المجموعة من الناس الذي يجمعها هوى واحد وعقيدة واحدة لذا استعمالها في الجانب
العقيدي أكثر من بقية الاستعمالات إن صحت.
إلا أن افتراق الأمة وانشعابها إلى
طوائف واتجاهات مختلفة متناحرة كل واحدة منها قد سلكت واد متمسكة بما يحلو لها من
الأوهام والعقائد ، إنه عمل أضعف الجامعة الإسلامية وقادها إلى الذل والهوان وجعل
المسلمون أشبه ما يكون بحالة الفريسة أمام عدوها الكاسر الغاشم. وقد حذر الرسول 9 من هذه العاقبة التي ستؤول بالمسلمين ،
إليك بعض تلك الأخبار :
قال 9
: ليأبين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حدو النعل بالنعل.
وقال 9
: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة
كلهم في النار إلا واحدة.
وقال أمير المؤمنين 7 : لتفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين
فرقة والذي نفسي بيده إن الفرق كلها ضالة إلا من اتبعني وكان من شيعتي .
المشايعة
الشيع : مقدار من العدد كقولهم أقمت
عنده شهراً أو شيع شهر.
واشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر.
وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع.
__________________
قال الأزهري : معنى الشيعة الذين يتبع
بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين ثم استشهد بالآية الكريمة : ( إن الذين
فرقوا دينهم وكانوا شيعاً )
قال : كل فرقة تكفر الفرقة المخالفة لها ، يعني به اليهود والنصاري لأن النصاري
بعضهم يكفر بعضاً ، وكذلك اليهود بعضهم يكفر بعضاً.
ثم النصاري تكفر اليهود ، واليهود
تكفرهم.
والشيع الفرق أي يجعلكم فرقاً متخلفين
قوله تعالى : ( أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض )
وأما قوله تعالى : ( وإن من شيعته
لإبراهيم )
قال ابن
الأعرابي الهاء ـ من شيعة ـ لمحمد 9
أي إبراهيم خبر مخبره فاتبعه ودعا له. وقال الفراء : يقول هو على منهاجه ودينه وإن
كان إبراهيم سابقاً له ، وقيل معناه أي من شيعته نوح ومن أهل ملته. قال الأزهري
وهذا القول أقرب لأنه معطوف على قصة نوح.
أقول وما ذكره الفراء والأزهري حسب ظهور
الآية أن إبراهيم من شيعة نوح 7
وهذا قول ويعني أنه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق وأيضاً هذا عن
مجاهد.
وقول ثان إن من شيعة محمد 9 إبراهيم كما قال تعالى : ( أنا حملنا
ذريتهم )
أي من هو أب
لهم فجعلهم ذرية وقد سبقوهم. وهذا عن الفراء.
ثم روي عن النبي 9 أنه جلس ليلاً يحث أصحابه في المسجد
فقال : يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء الأولين فصلوا عليهم ، وإذا ذكرتم أبي إبراهيم
فصلوا عليه ثم صلوا عليّ.
قالوا يا رسول الله بما نال إبراهيم ذلك؟
قال : اعلموا أن ليلة عرج بي إلى السماء
فرقيت السماء الثالثة نصب لي منبر من نور فجلست على رأس المنبر وجلس إبراهيم تحتي
بدرجة وجلس
__________________
جميع الإأنبياء
الأولين حول المنبر فإذا بعلي قد أقبل وهو راكب ناقة من نور ووجهه كالقمر وأصحابه
حوله كالنجوم فقال إبراهيم يا محمد هذه أي نبي معظم وأي ملك مقرب؟
قلت : لا نبي معظم ولا ملك مقرب هذا أخي
وابن عمي وصهري ووارث علمي علي بن أبي طالب.
قال : وما هؤلاء الذين حوله كالنجوم؟
قلت : شيعته. فقال إبراهيم : اللهم
اجعلني من شيعة علي. فأتى جبرائيل بعده ( وإن من شيعته لإبراهيم ).
الشيعة : الاتباع والأعوان والأنصار
مأخوذ من الشياع. وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ثم صارت جماعة مخصوصة.
وقال الزجاج : والشيعة : اتباع الرجل
وأنصاره وجمعها شيع ، وأشياع جمع الجمع ويقال شايعه كما يقال والاه من الولي ، ومنه
شيعة الرجل ، وفي الحديث : القدرية شيعة الدحال أي أولياؤه وأنصاره وأصل الشيعة
الفرقة من الناس ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بافظ واحد ومعنى
واحد.
قال الطبرسي : الشيعة الجماعة التابعية
لرئيس لهم ، وصار بالعرف عبارة عن شيعة علي بن أبي طالب 7 الذين كانوا معه على أعدائه وبعده مع
من قام مقامه من أبنائه وروى ابو بصير عن أبي جعفر 7
قال ليهنكم الاسم قلت وما هو قال الشيعة قلت إن الناس يعيرننا بذلك قال أما تسمع
قول الله سبحانه وتعالى : ( وإن من شيعته
لإبراهيم )
[ الصافات ٨٣ ] وقوله : ( فاستغاثه الذي من
شيعته على الذي من عدوه )
.
قال ابن منظور : وقد علب هذا الاسم على
من يتولى علياً وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين حتى صار لهم اسماً خاصاً فإذا
قيل : فلان من الشيعة عرف أنه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم واصل ذلك من
المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة. انتهى.
__________________
وقال الأزهري : والشيعة قوم يهوون هوى
عترة النبي 9 ويوالونهم.
والاتباع الأمثال قوله تعالى : ( كما فعل
بأشياعهم من قبل )
أي بأمثالهم
من الأمم الماضية ومن كان مذهبه مذهبهم وقوله : ( ولقد أهلكنا أشياعكم ) [ القمر آية ٥١ ] أي أشباهكم ونظراءكم
في الكفر.
والشيعة الفرقة وبه فسر الزجاج قوله
تعالى : ( ولقد أرسانا من قبلك في شيع الأولين )
أي في فرقهم وطوائفهم.
وقوله تعالى : ( ثم لننزعن
من كل شيعة )
[ مريم آية ٦٩ ] أي من كل فرقة.
وقد عرفت أن أصل الشيعة الفرقة من الناس
ثم غلبت التسمية على كل من يوالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قولاً وعملاً.
وفي الحديث : ( طال ما اتكؤوا على
الأرائك وقالوا نحن من شيعة علي ) ولعل هذا الحديث وأضرابه مما يقتضي بظاهره نفي
الاسم عمن ليس فيهم أوصاف مخصوصة زيادة على المذكر المتعارف مخصةص بنفس الكمال من
التشيع.
وتشيع الرجل : إذا ادعى دعوى الشيعة .
قال ابن خلدون : اعلم أن الشيعة لغة هم
الصحب والاتباع ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على اتباع علي
وبينه رضي الله عنهم
انتهى.
أقول بعدما استقرينا بعض آيات من الذكر
الحكيم في شأن استعمال كلمة شيعة بمعنى الجماعة أو الطائفة أو الفرقة والاتباع.
أقول جاءت نصوص كثيرة حتى بلغت حد
التواتر ، كلها تؤكد ان المصطلح الذي خصص بمن والى علياً وأبناءه إنما صدر من صاحب
الرسالة وفي الأيام الأولى من دعوته المباركة نذكر بعض الأحاديث.
__________________
١ ـ روى الزمخشري في ربيع الابرار عن
النبي 9 أنه قال يا
علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله وأنت أخذت بحجزتي ، وأخذ ولذك بحجزتك
وأخذ شيعة ولدك تحجزهم فنرى اين مؤمر بنا .
الأخذ بالحجزة كناية عن شدة الاعتصام
والمبالغة في الاتباع.
٢ ـ قال العلامة الكنجي في التذكرة ص ٢٢
ط النجف بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كنا عند النبي 9 فأقبل علي بن أبي طالب. فقال صلوات
الله عليه قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : والذي نفسي بيده
أن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة .. الحديث ثم قال : ونزلت الآية : ( إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) [ البينة آية ٧ ].
٣ ـ قال ابن حجر العسقلاني في صواعقة : وأخرج
الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس أن هذه الآية وهي قوله تعالى : ( إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية )
لما نزلت قال 9
هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابى مقمحين.
وبلفظ مقارب له نقله السيوطي في الدر المثور ومقارب له في النهاية لابن الأثير
ومما أورده ابن حجر في فضل أهل البيت : قوله
تعالى : ( ولسوف
يعطيك ربك فترضى ) [ الضحى آية ٥ ]
قال وأخرج أحمد في المناقب أنه 9
قال لعلي : أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا.
وأخرج الدارقطين عن النبي قال : يا أبا
الحسن أما إنك وشيعتك في الجنة.
وأخرج ابن مردويه عن علي 7 قال رسول الله 9 : أما تسمع قول الله : ( إن الذين آمنوا
وعملوا الصاحات أولئك هم خير البرية )
أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غداً غراً محجلين . .
__________________
٤ ـ وفي مناقب ابن المغازلي بسنده عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله 9
: يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً لا حساب عليهم ، ثم التفت إلى علي 7 فقال : هم من شيعتك وأنت إمامهم ص ٢٩٢.
وقد عرفت مما ذكرناه لك من الاستعمال
اللغوي أن الشيعة والمشايعة بمعنى الموالاة والمتابعة وإن إأول من والى علياً
وتابعه هم جل الصحابة وفي حياة الرسول. لنذكر في المقام شاهداً واحداً من بين
عشرات الشواهد :
٥ ـ قال محمد كرد علي في خططه : عرف
جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله 9
مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله على النصح للسلمين والائتمام بعلي بن
أبي طالب والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول : أمر الناس بخمس فعملوا
بأربع وتركوا واحدة ، ولما سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان
والحج.
قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال : ولاية
علي بين أبي طالب.
قيل له : وإنها لمفروضة معهن قال : نعم
هي مفروضة معهن ، ومثل أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وذي
الشهادتين خزيمة بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وقيس بن
سعد بن عبادة.
ثم أردف المصنف قائلاً : وأما ما ذهب
إليه بعض الكتاب من أن أهل مذهب التشيع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن
السوداء ، فهم وهم ، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم ، ومن علم منزلة هذا الرجل عند
الشيعة وبراءتهم منه ومن أقوله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم
علم مبلغ هذا القول من الصواب لا ريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد
التشيع ..
وقال وفي دمشق يرجع عهدهم إلى القرن
الأول للهجرة .
__________________
الدّين
أقول فيه عدة معان ، ويمكن أن نوجوها
بما يلي :
الدَّينُ : الجزاءُ والمكافأة. ودنته
بفعله ديناً : جزيته.
وقيل الدَّينُ المصدرُ ، والدِّينّ ـ
بالكسر ـ الإسم ، ويوم الدين : يوم الجزاء. وفي المثل السائر : كما تدين تدان أي
كما تجازي تجازى ، أي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت وقيل : كما تفعل يفعل بك.
ودانه ديناً أي جازاه.
وقوله تعالى : « إنا لمدينون »
أي مجزيون محاسبون ؛ ومنه الديان في صفة الله عز وجل.
والدِّين : الحسابُ ، وفيه قوله تعالى :
( مالك يوم الدين ) [ الحمد آية ٤ ] وقوله تعالى ( ذلك الدين
القيم )
[ التوبة آية ٣٦ ].
أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوى.
والدِّينُ : الطاعة. وقد دنته ودنت له
أي أطعته يقال دان بكذا ديانة وتدين به فهو دين ومتدين.
والدِّينُ : الإسلام وقد دنت به. وفي
حديث امير المؤمنين 7
: محبةُ العلماء دين يدان به.
والدّينُ : العادة والشأن ، تقول العرب
ما زال ذلك ديني وديدني ، أي عادتي.
ثم الدين لله هو طاعته والتعبد له.
ودانه ديناً أي أذله واستعبده.
من هنا نعرف أن كلمة دان الرجل إذا
اعتاد خيراً أو شراً ، ودان إذا أصابه الدين ، وهو داءٌ.
ومن معاني الدين : ما يتدين به الرجل.
والدين : السلطان. والدينُ : الورعُ. والدينُ : القهرُ. والدينُ : المعصية.
والدينُ : الطاعة.
وقد جاء في الحديث ما يخص الخوارج : أنهم
يمرقون من الدين مروق السهم من الرّمية ، يريد أن دخولهم في الإسلام ثم خروجهم منه
لم يتمسكوا منه بشيءٍ كالسهم الذي دل في الرمية ثم نفذ فيها وخرج منها ولم يعلق به
منها شيء.
قال الخطابي : يمرقون من الدين : يعني
يخرجون من الطاعة ، أي من طاعة الإمام المفترض الطاعة وينسلخون منها .
الملّة
الملَّة : الشريعة والدين ، وفي الحديث
: لا يتوارث أهل ملتين ؛ الملَّة : الدين كملة الإسلام والنصرانية واليهودية ، وقيل
: هي معظم الدين ، وجملة ما يجيءُ به الرسل وتملل وامتلَّ : دخل في الملّة.
وفي القرآن الكريم : ( حتى تتبع
ملتهم )
[ البقرة آية ١٢٠ ] قال أبو إسحاق : الملّة في اللغة وسنتهم وطريقهم .
__________________
الفَصْلُ
الأَوّلْ
شُبْهُة
الغُلوّ في أَحاديِث الكافِي
تعريف
الغلو
نشوء
الغلو وأسبابه
حد
الغلو وأقسامه في الألوهية والنبوّة
تعريف الغُلوّ
الغلو لغة : الإرتفاع ومجاوزة القدر في
كل شيء ، وغلا فلان في الدين والأمر يغلو غلواً : جاوز حده.
في التهذيب : وقال بعضهم فلوت في الأمر
غُلُوَّاً وغلانية وغلانياً إذا جاوزت فيه الحد وأفطرت فيه.
وبهذا المعنى ورد النهى في القرآن
الكريم ، قوله تعالى : ( لا تغلو في دينكم ) [ النساء آية ١٧١ ] أي لا تجاوزوا الحد.
وفي الحديث : ( لا تغلوا في صداق النساء
).
وفي الحديث أيضاً : ( كونوا النمرقة
الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي ) .
وفي الحديث أيضاً : ( حامل القرآن غير
الغالي فيه ولا الجافي عنه ).
اصطلاحاً : هو مجاوزة الحد المعقول
والمفروض ، في العقائد الدينية والواجبات الشرعية ، والغالي ـ عند الشيعة الإمامية
ـ من يقول في أهل البيت : ما
لا يقولون في أنفسهم كما يدعون فيهم النبوة والألوهية.
وفي الخبر : ( أن فينا أهل البيت في كل
خلف عدولاً ينفون عنا تحريف الغالين ) أي الذين لهم غلو في الدين ، كالنصيرية
والمبتدعة ونحوهم.
__________________
والغلاة هم الذين يغالون في علي
ويجعلونه رباً ، والتخميس عندهم ـ لعنهم الله ـ وهو أن سلمان الفرسي ، والمقداد
وأبا ذر وعمار وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم عن علي 7 وهو رب .. قاتلهم الله.
الغلو ظاهرة غير طبيعية ناتجة من الفساد
في العقيدة ، ومرد هذا الفساد إلى عدم فهم الدين والابتعاد عن حقيقة العبودية لله
والإنبهار بكرامات المخلوق دون معجزات الخالق .. وهذه الظاهرة كانت في الأمم
السابقة والقرآن الكريم يدلل على ذلك ـ مثلاً ـ في أمة عيسى 7 عندما ألهوا نبيهم ، قال تعالى : ( يا أهل
الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ) [ النساء آية ١٧١ ] .
وقوله تعالى : ( لقد كفر
الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم )
. وقوله
تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) .
وقوله تعالى : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل )
.
وقوله تعالى : ( قل يا أهل
الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا
كثيراً وضلوا عن سواء السبيل )
.
وقال تعالى : ( ما كان
البشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كانوا عباداً لي من دون
الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن
تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) .
__________________
وآيات أخرى حذرت الناس من أن يتخذوا
أنبيائهم أرباباً من دون الله سبحانه. ومع كل ذلك فما حدث في الأمم السالفة قد حدث
مثله في الأمة الإسلامية.
جاء رجل إلى رسول الله 6 فقال : يا رسول الله نسلم عليك كما
يسلم بعضنا على بعض؟ أفلا نسجد لك.
قال : لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون
الله ، ولكن اكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله .
قيل إن الذي سأله أبو رافع القرظي
والسيد النجراني قالا : يا محمد أتريد أن تعبدك ونتخذك رباً ، فقال 6 : معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر
بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني.
حدّ الغلو
بعدما عرفنا تعريف الغلو لغة ، واصطلاحاً
، وأنه صدر من أناس ـ في الأمم السابقة ـ فتجاوزوا فيه الحد المعقول في أنبيائهم ،
كالذي حدث بين اليهود لمّا ادّعوا ( عزير ابن الله ) ، وفي الخبر أن عزيراً جال في
صدره ذاك المعنى الذي قالوا فيه ، فمحا الله اسمه من قائمة النبوة .
وأما النصارى ، فقد عرفت من الآيات
المتقدمة ، أنهم أشركوا بإدعائهم المسيح ابن مريم ابن الله ، تعالى الله عما يصفون
، وقد تبرأ عيسى 7
ممن قال فيه بالربوبية فما هو إلا عبد مخلوق ورسول قد خلت من قبله الرسل.
__________________
وأما المسلمون فإنما يصدق الغلو على من
يقول في النبي والأئمة بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله سبحانه في المعبودية أو
كونهم يرزقون ويخلقون ، أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم ، أو أنهم يعلمون
الغيب من غير وحي أو إلهام ، أو الاعتقاد بكونهم من القدم مع نفي الحدوث عنهم ، أو
القول في الأئمة : أنهم
كانوا أنبياء ، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأن معرفتهم تغني
عن جميع الطاعات والعبادات ولا تكليف مع تلك المعرفة أو القول بأن الله فوض إليهم
أمر العباد بالتفويض المطلق وغير ذلك من العقائد التي تنقص من عظمة الخالق وقدرته
وشأنه وإنزال المخلوق بمنزلته .. تعالى علواً كبيراً ، ثم القول بكل واحد من هذه
خروج عن الدين وصاحبها كافر بإجماع الطائفة المحقة الاثنا عشرية كما أن الأدلة
العقلية هي الأخرى تكفر أهل تلك المقالات والنحل. وإلى جانب هذا الغلو في النبي والأئمة
: فإن هناك
قصوراً عند بعض علماء الشيعة لما نسبوا الغلوا إلى القائلين بنفي السهو والنسيان
عن النبي والأئمة فهذا تفريط في حق المعصومين : وانتقاص
من قدرهم وحطاً من مكانتهم بل إن أوائل العلماء كالشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد 5 لم يقفوا على أحوال النبي أو الأئمة : ولم يعرفوا مكانتهم الحقة عند الله
تعالى منزلتهم وشأنهم ودورهم في إبلاف الرسالة والحفاظ عليها وتنفيذ أحكامها ، بل
جعلوهم كسائر الناس ، وهذا أمر غريب بل وفي غاية العجب والغرابة ...
بل واقتضى أثر القدامى بعض المعاصرين
فأنكر ما لهم : من
معاجز وكرامات ومناقب بحيث دهب به الركبان وقد شهد لها الموآلف والمخالف ، فهدا
ابن بطوطة يشهد في رحلته ـ قبل ستمائة عام ـ ما للإمام تشملهم ، لذا قد شدوا لها
الرحال من أقاصي بلاد الأعاجم وفيرها فقال : ( وأهل هذه المدينة كلهم رافضية وهذه
الروضة ظهرت لها كرمات منها أن في ليلة السابع والعشرين من رجب تسمى عندهم ليلة
المحيى يؤتى إلى تلك الروضة بكل مقعد من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم
فيجتمع
منهم الثلاثون
والأربعون ونحو ذلك فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدس والناس
ينتظرون قيامهم وهم ما بين مصل وذاكر وتال ومشاهد الروضة فإذا مضى من الليل نصفه
أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع أصحاء من غير سوء وهم يقولون : لا إله إلا الله
محمد رسول الله علي ولي الله. وهذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثقات ولم أحضر تلك
الليلة لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال أحدهم من أرض الروم والثاني من
أصبهان والثالث من خراسان وهم مقعدون فاستخبرتهم عن شأنهم فأخبروني أنهم لم يدركوا
ليلة المحيى وأنهم منتظرون أوانها من عام آخر .. )
أضف إلى ذلك الأخبار المستفيضة
والمتواترة عنهم : في
علو منزلتهم عند الله تعالى وكراماتهم ، منها قول الرسول 9 لعلي 7
: لولا أني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا
تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا تراب نعليك وفضل وضوئك يستشفون به ، ولكم حسبك أن
تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك .
وفي الخرائج بإسناده عن ابن أبي عمير عن
علي بن الحكم عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله 7
قال : أتى الحسين 7
أناس فقالوا له : يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم فقال : إنكم لا
تحتملون ولا تطيقون ، فقالوا بلى نحتمل ، قال : إن كنتم صادقين فليتنجّ اثنان
وأحدّت واحداً فإن احتمله حدثكم فتنحي اثنان وأحدث واحداً فإن احتمله حدّثكم فتنحى
اثنان وحدّت واحداً فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وكلمه صاحباه فلم يرد عيلهما
شيئاً وانصرفوا .
وبنفس الإسناد قال : أتى رجل الحسين بن
علي 7 فقال : حدثني
بفضلكم الذي جعل الله لكم ، فقال : إنك لن تطيق حمله ، قال بلى حدثني يا ابن رسول
الله إني أحتمل ، فحدثه بحديث فما فرغ الحسين 7
من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسى الحديث فقال
__________________
الحسين 7 : أدركته رحمة الله حيث أنسى الحديث .
وفي الكافي بإسناده عن جابر قال : قال
أبو جعفر 7 قال رسول
الله 9 : إن حديث
آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن قلبه للإيمان ،
فما ورد عليكم من حديث آل محمد 6
فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله
وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وإنما الهلاك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا
يحتمله فيقول : والله ما كان هذا والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر .
محمد بن يعقوب بإسناده عن مسعدة بن صدقة
، عن أبي عبد الله 7
قال : ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين 7
فقال : والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخا رسول الله 6 بينهما ، فما ظنّك بسائر الخلق ، إن
علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن
قلبه للإيمان ، فقال : وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرء منا أهل البيت ، فلذلك
نسبته إلى العلماء .
وقد ورد عنهم 7 لا تقولوا فينا رباً وقولوا ما شئتم
ولن تبلغوا. إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث المستفيضة المتواترة التي دلت على
عظمة منزلتهم عند خالقهم فكيف سمحت لأولئك عقولهم أن يذكروا مقامهم العلي ونور
فضلهم الجالي ..؟!
كيفما كان سوف نفصل في قسمين :
الأول
: في حد الغلو الذي عرفته فيما سبق وهو القدر المتيقن كالمختصات بالباري سبحانه
فتنسب لغيره ، أو المختصات بالنبي فتنسب إلى الأئمة : فهذا
التجاوز عن الحد الطبيعي نطلق عليه بالغلو ، وسيأتي التفصيل قريباً إن شاء الله.
__________________
كما سيكون التفصيل الثاني : فيمن نسب
القائلين بنفي السهو عن النبي والأئمة إلى الغلو حيث ستعرف ان نفي السهو عن النبي
والآئمة : هو نشوء
الغلو وأسبابه.
الغلو ـ نشوءه
وأسبابه
المجتمع الذي انتشر فيه الإسلام خلال
القرن الأول الهجري هو المجتمع العربي في الجزيرة العربية وما والها من الأراضي
المجاورة كالبصرة والكوفة واليمن والبحرين ثم مصر والشام ، ثم سائر البلدان بعد
ذلك ، ولا يخفى أن تلك المجتمعات قبيل مجيء الإسلام كانت تعيش حالة من الاضطراب
والغزو والنهب والفتك والفساد ، فالنازعات الشخصية والعصبية القبلية والأطماع
المادية والمجون واللهو واللعب والسلب كل ذلك كان هو السائد في بلاد العرب وكانت
قريش تتوسط هذه القبائل وهي الوحيدة احتفظت بميزات لم تكن لغيرها لما لها من شرف
وسؤدد وسيادة.
ولما أصبح الإسلام قوياً واتسعت رقعته ،
وأنذر الرسول بالرحيل إلى الرفيق الأعلى ، جعل النبي 6
الأمير والخليفة من بعده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 فوكل إليه قيادة المسلمين لأنه وصيه
وخليفته من بعده يؤدي عنه دينه وينجز له مواعيده . إلا أن هذا الجعل من قبل النبي 6 لوصيّه علي بن أبي طالب 7 لم تطب له نفوس بعض الصحابة ، إذ لم
يرق لهم أن يروا علياً خليفة عليهم فما كانوا يتحملوا النبوة والخلافة في بني هاشم
...
لهذا طمع بالخلافة بعيد وفاة الرسول
وقبل تجهيزه كل من المهاجرين
__________________
والأنصار وعلى رأسهم
أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ومن الأنصار سعد بن عبادة. فصدر منهم ما صدر وحدث الذي
حدث في سقيفة بني ساعدة وحرفت وصية الرسول 6
وغصبوا الخلافة ـ والتي هي حق شري سماوي ـ من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب 7 لينقمصها
الخليفة الأول ثم ليدلي بها إلى الثاني وهكذا شورى مفتعلة في ستة لينقهبها الثالث
...
في غضون ربع قرن على وفاة الرسول شهد
العالم الإسلامي آنذاك صراع سياسي حاد بين كبار الصحابة ومن ثم بين كبار التابعين
ليكون ثمرة هذا الصراع بشكيل اللّبنة الأولى للأفكار والعقائد التي برزت في خلافة
أمي المؤمنين علي بن أبي طالب لتشكيل فيما بعد أبرز المذاهب والأحزاب السياسية
آنذاك.
فالغلو في أية فكرة إنما ينشأ في الوسط
الفكري المضطرب والمشوب بالذين أي في الوسط الذي يكون فيه صراع سياسي ديني وهذا ما
حدث يوم وفاة الرسول 6
: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال 6
: معاذ الله أن نعبد غير الله وأن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك
أمرني.
والذي سألاه أبو رافع القرظي والسيد
النجراني.
فنشوء مثل هذا الغلو إنما يكون في
المركز الدينية والسياسية أي مركز الخلافة الإسلامية وحواليها.
والدواعي البارزة إنما هي ظاهرة متلبسة
باسم الدين ، والحقيقة إنما هي دواعي خفية ذات مصالح سياسية ، كما اتضح ذلك من قول
أبي رافع القرظي والسيد النجراني وعمر بن الخطاب. وكل ذاك إنما كان في المدينة
عاصمة الخلافة الإسلامية.
__________________
ولما انتقلت الخلافة إلى العراق وأصبحت
الكوفة المركز الرسمي لخلافة أمير المؤمنين علي بي أبي طالب 7 ، انتقل الصراع السياسي إلى هذا البلد
وأصبح مركزاً مهماً لنشوء الأحزاب والمذاهب السياسية ومراكزاً للصراع الفكري
والعقائدي والمذهبي ، ثم الأحداث السياسية الخطيرة التي واجهها الإمام أمير
المؤمنين 7 كانت لها
دور كبير لنشوء أفكار وعقائد برزت منها معتقدات غالى أصحابها وشكلت منعطفاً خطيراً
في تاريخ المسلمين.
فمن تلك الأحداث المهمة الحروب التي
خاضها أمير المؤمنين 7
ضد طلحة والزبير ، ومعاوية ، والخوارج ، فكانت الحروب الثلاثة المهمة ؛ حرب الجمل
في البصرة ، وحرب صفين ، والنهروان هي الحروب التي خلقت معتقدات كثيرة منشؤها ذاك
الاختلاف السياسي والصراع بين كبار الصحابة والتابعين ، والذي كان يدور خلافهم
أولاً حول الخلافة والإمامة ثم تطور ليشمل تقديم الفاضل على المفضول أو بالعكس ، والخلاف
في الحسن والقبح العقليين وهكذا الخلاف بين القيم والحادث وأمور أخرى مردها سياسي
بحت.
إذن الكوفة والبصرة أصبحتا من المراكز
المهمة في العالم الإسلامي إذ فيهما نشأت أهم الأحزاب السياسية والمذاهب الفكرية ،
فالكوفة كانت علوية الهوى والبصرة كانت عثمانية المذهب.
ففي البصرة نشأت فكرة الاعتزال ، ونضجت
فيها أفكار في الدين والسياسة والتي بعضها إلى الغلو أقرب.
وأما الكوفة ، فلم يستتب لها قرار بعد
مقتل الإمام أمير المؤمنين 7
، وإنما أصبحت مركزاً عملياً كبيراً يجمع مختلف الطوائف والعقائد ، إلا أن أبرزها
هو الفكر الأصيل المتمثل بخط أهل البيت :.
فاحتفظت بولائها للأئمة 7
إلى جانب الإشعاع المذهبي الديني الذي كان يفذيه الإئمة المعصومين :.
قد يتصور الباحث أن بإنتهاء الدولة
الإسلامية الشرعية من الكوفة ستقوم مقامها دولة لقيطة في الشام يحكمها معاوية بن
أبي سفيان ، ثم مصالحة الإمام الحسن عليه اسلام لمعاوية ، سوف تنتقل الاضطرابات
السياسة والأحزاب من القراق ـ وبالخصوص الكوفة ـ إلى الشام .. إلا أن هذا التصور
غير صحيح ، بل بقبت الكوفة والبصرة مركزاً لتلك المناوشات
الفكرية والسياسية
والصراع الدموي الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً ...
ونوعز السبب الأول إلى الدولة الأموية
نفسها ، ورغبة الحكام الأمويين كمعاوية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وعبد
الملك بن مروان ... إلى خلق أحاديث واعتعال أخبار ، والوضوع على الرسول وتقويل
الصحابة لصالحهم السياسي ولتثبيت شرعية حكومتهم ودولتهم ، لهذا برز أبو هريرة من
الصحابة كأول وضاع عرفه التاريخ الإسلامي.
ثم كثر الوضع في أحاديث الرسول وكثر
الوضاعون عليه نصرة للحزب الأموي وعلى رأسهم عمرو بن العاص وأبو بردة عامر بن أبي
موسى الأشعري ، والزهري محمد بن شهاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والمغيرة بن
شعبة ، وعروة بن الزبير ، وحريز بن عثمان ، وسيف بن عمر ، وعوانه بن الحكم الكوفي
، وغيرهم ...
وأهم شيء الذي حدث في خضم هذه الأجواء
السياسية المتناحرة بسبب الأمويين ، هو ظهور حركة جديدة وليدة الفساد والتسيب
السياسي ألا وهي حركة الزندقة في الكوفة ، ثم انتشرت في البصرة ، وبعدها في بغداد
، ثم اتسع نطاقها لتشمل بلاد فارس والصين وتركستان ...
وهذا هو الذي كان يطمح إليه حكام الدولة
الأموية لنشر الفساد في أوساط المسلمين والفاحشة ، ليكون سبباً من أسباب التخدير
الجمعي وعزل المجتمع عن السياسة والسلطة ، وتحكم الأمويين على الناس ، وقد حدث ...
وأول رجل بث فكرة الزندقة هو كعب
الأحبار المعاصر لكبار الصحابة في صدر الإسلام كالخليفة أبو بكر وعمر بن الخطاب
وعثمان بي عفان ، وقد دخل كعب الأحبار والإسلام وأخذ يبث الأقاصيص والحكايات عن
أسلافة اليهود والنصاري ، ولم يجد الخليفة الأول والثاني بد من رواج مثل تلك
الأخبار والقصص المرتبطة بالأمم السالفة وهذا شأنه شأن تميم بن أوس الداري
النصراني الذي سنحت له الفرصة أن يبث بين المسلمين أخبار اليهود والنصارى
والحكايات والإسرائيليات كيفما شاء وذلك لما خصص له عمر بن الخطاب ساعة كل أسبوع
يتحدث بها قبل صلاة الجمعة بمسجد الرسول. ولما جاء عثمان بن عفان سمح لتميم أكثر
من قبل في التحدث فجعلها ساعتين ليومين في الأسبوع.
أما كعب الأحبار فكان دوره خطيراً لأن
كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان كانوا يسألونه
عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن ، وما إلى ذلك من العقائد والمفاهيم
الإسلامية ، وهكذا أخذ كعب الأحبار مجموعة من الصحابة مثل عبد الله بن عمر بن
الخطاب ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك ، وعبدالله بن الزبير ...
وأكثر من ذلك ، فإن معاوية استعمل
النصارى وقرب الكثير منهم ، فهذا الشاعر النصراني الأخطل ، استعمله معاوية لهجاء
الأنصار وأهل البيت : ،
قال الجاحظ في البيان والتبيين في سبب تقرب الأخطل النصراني إلى معاوية :
إن معاوية أراد أن يهجو الأنصار لأن
أكثرهم كانوا أصحاب علي بن أبي طالب ولا يرون رأي معاوية في الخلافة ، فطلب ابنه
يزيد من كعب بن جعيل أن يهجوهم فأبى ذلك وقال : ولكني أدلل على غلام من نصارني ، كان
لسانه لسان ثور لا يبالي أن يهجوهم فدلهم على الأخطل .
كيفما كان ، فإن الزندقة صادفت لها
رواجاً عند بغض النفوس الطائشة وأهل الشذوذ وقد انتشرت في الكوفة والبصرة وشجع
عليها بعض حكام الدولة الأموية كالوليد الثاني الأموي ١٢٥ ـ ١٢٦ هـ ومروان بن محمد
، تلميذ الجعد بن درهم لذا سمي مروان بن محمد الجعدي ت ١٣٢.
وروج للزندقة بعض الشعراء والأدباء كعبد
الله بن المقفع ١٠٦ ـ ١٤٢ هـ ومطيع بن أياس الذي مات في خلافة الرشيد ، وبشار بن
برد ، ويحيى بن زياد الحارثي ، وحماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي
وكان أغلب هؤلاء الشعراء والأدباء في الكوفة.
ذكر ابن قتيبة في طبقات الشعراء نصاً
قال فيه :
كان في الكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون
: حماد عجرد وحماد الراوية ، وحماد بن الزبرقان النحوي وكانوا يتعاشرون وكانوا
كلهم يرمون بالزندقة .
أما من المتكلمين فانتشرت الزندقة
بترويج عبد الكريم بن أبي
__________________
العوجاء ، الذي أثار
التشكيك في كل لامعتقدات الإسلامية وبين الأحداث من المسلمين حتى أنه كان يستهزئ
بالحج والطواف ورمي الجمار ، وكان يسخرمن الصلاة وهكذا حتى وصل به الأمر أن يعلن
كفره بالنبي وبالله وأمام الناس وفي مسجد الرسول 6.
قال محمد بن سنان ، حدثني المفضل بن عمر
قال : كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الروضة بين القبر والمنبر ، وأنا مفكر فيما
خص الله تعالى به سيدنا محمد 6
من الشرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرفه وحباه مما لا يعرفه الجمهور من الأمة
وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته ، وخطير مرتبته فإني لكذلك إذ أقبل ابن أبي
العوجاء فجلس بحيث اسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذ رجل من أصحابه قد جاء فجلس
إليه ، فتكلم ابن أبي العوجاء فقال : لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله ، وجاز
الشرف بجميع خصاله. ونال الحظوة في كل أحواله ، فقال له صاحبه : إنه كان فيلسوفاً
ادّعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، وضلت
فيها الأحلام ، وفاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر ، فرجعت خاسئات هي حسّر
، فلما استحاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء ، ودخل الناس في دينه أفواجاً ، فقرن
اسمه باسم ناموسه فصار يهتف به على رؤوس الصوامع ، في جميع البلدان والمواضع التي
انتهت إليها دعوته ، وعلتها كلمته ، وظهرت فيها حجته براً وبحراً ، سهلاً وجبلاً
في كل يوم وليلة خمس مرات مردداً في الأذان والإقامة ، ليتجدد في كل ساعة ذكره ، ولئلا
يخمل أمره.
فقال ابن أبي العوجاء : دع ذكر محمد 6 فقد تحير فيه عقلي ، وضل في أمره فكري.
حدثنا في ذكر الأصل الذي نمشي له ...
ثم ذكر ابتداء الأشياء ، وزعم أن ذلك
بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ولا صانع ولا ندبر بل الأشياء تتكوم من ذاتها بلا
مدبر ، وعلى هذا كانت الدنيا لم نزل ولا نزال
وللإمام الصادق 7
عدة محاورات ومناظرات
__________________
حاسمة أفحم بها ابن
أبي العوجاء ، وهكذا للمفضل بن عمر محاورات معه ولهذا السبب أملى الإمام الصادق
عليه اسلام كتاب التوحيد على المفضل في أربعة مجالس في أربعة أيام .
أما ابن أبي العوجاء أخذ يتنقل في
الأمصار والبلدان يبث فكره الإلحاد بين الناس حتى قبل في سنة ١٥٥ هـ على يد والي
الكوفة محمد بن سليمان زمن أبي جعفر المنصور العباسي ، قال الطبرسي فيه :
ذكر أن محمد بن سليمان أتى في عمله على
الكوفة بعبد الكريم بن أبي العوجاء وكان خال معن بن زائدة فأمر بحسبه ، قال أبو
زيد فحدثني قثم ابن جعفر والحسين بن أيوب وغيرها ان سفهاءه كثروا في مدينة السلام
ثم الحوا على أبي جعفر فلم يتكلم فيه إلا ظنين فامر بالكتاب إلى محمد بالكف عنه
إلى أن يأبيه رأيه فكلم ابن أبي العوجاء أبا الجبار وكان منقطعاً إلى أبي جعفر
ومحمد ثم إلى أبنائهما بعدهما فقال له : إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف
ولك أنت كذا وكذا ، فاعلم أبو الجبار محمداً فقال أذكرتنيه والله قد كنت نسيته ، فإذا
انصرفت من الجمعة فاذكرنيه ، فلما انصرف اذكره فدعا به وأمر بضرب عنقه ، فلما أيقن
أنه مقتول قال : أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرم فيها
الحلال وأحلل فيها الحرام ، والله لقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم
فضربت عنقه
...
وفي لسان الميزان قال :
إنه كان في البصرة ، وصار في آخر أمره
ثنوياً ، وكان يفسد الأحاداث ، فتهدده عمرو بن عبيد ، فلحق بالكوفة فدل عليه محمد
بن سليمان والي الكوفة فقتله وصلبه .
أجواء كهذه تنتشر فيها الزندقة والأفكار
الدخيلة ، ويبرز فيها التناحر العقائدي والصراع السياسي والمخاصمات المذهبية وتعدد
الاحزاب إنها
__________________
أجواء مناسبة لظهور
الغلو فيها ، فإن بيئة الكوفة والبصرة كانتا ملائمة جداً لنشوء كل فكرة لها مساس
بالحياة السياسية آنذاك. وقد عرفنا بأن الغلو هو ظاهرة من ظواهر الفساد العقائدي
والانحطاط الفكري الذي ينشأ في الوسط السياسي المضظرب وفي الأجواء التي تسودها
النزاعات الدينية ، كما أنه نشأ في المراكز الحساسة من نقاط الدولة الإسلامية
وبالذات في الكوفة والبصرة وبغداد اما الأمكان البعيدة عن مركز الخلافة والدولة
فإن التأثير فيها أقل ، لبعدها عن الاضطرابات السياسية والنزاعات ...
وهذا يدّلل أن سبب نشوء الغلو في
العقائد والأفكار الدينية إنما هو سبب سياسي بالدرجة الأولى.
ومن الأسباب الأخرى لنشوء الغلو :
ثانياً
: الإنحراف في العقائد الدينية المتبناة في بدء الأمر.
ثالثاً
: الأطماع الشخصية والنزوات الفردية.
رابعاً
: الإنحراف الجنسي ، وهو من الأسباب المهمة لانتشار الغلو وذلك أن الكثير من
المغالين كانوا مصابين إما بداء قوم لوط أو أنهم يبيحون نكاح المحارم أو أنهم
يشتهون الغلمان وكل ذلك متولد من الشذوذ الجنسي والعقد النفسية.
قال أبو عمر الكشي : وقالت فرقة بنبوة
محمد بن نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري 7 أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في
أبي الحسن 7 ويقول فيه
بالربوبية ، ويقول بإباحة المحارم ، ويحلل نكاح الرجال بغضهم بعضاً في أدبارهم ، ويقول
إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات ، وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك.
وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات
يقوي أسبابه ويعضده ، وذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عيناً ، وغلام له على
ظهره ، وأنه عاتبه على ذلك فقال : إن هذا من اللذات وهو من التواضعلله وترك التجبر
، وافتراق الناس فيه بعده فرقاً .
__________________
وفي الإغاني قال : وكان مطيع ـ ابن أياس
ـ يرمى بمرض قوم لوط ، فدخل عليه قومه فلاموه على فعله ، وقالوا له : أنت في أدبك
وشرفك وسؤددك ترمى بهذه الفاحشة القذرة ، فلو أقتصرت عنها.
فقال : حرّبوه أنتم ، ثم دعوا إن كنتم
صادقين. فانصرفوا عنه وقالوا : قبح الله فعلك وعذرك وما استقبلتنا به .
وأخبار هؤلاء الغلاة والزنادقة كثيرة في
ولوعهم بالغلمان وانتشار داء قوم لوط بينهم.
خامساً
: الأمن من سطوة الحكام والانفلاة في الانضباط ، وهذا السبب دفع بالغلاة أن
يتحدثوا في كل مكان من فير أن يردعهم رادع أو يحدّثهم خوف من سلطان أو قائد أو
والي ، بل إن حكام الدولتين الأموية والعباسية كانت ترغب في انتشار هذه الأمور
والخرافات والترهات بين الناس وتغص الطرف عنها ، وهذه سياسة كل حكومة لا ترى من
وجودها أو كيانها المبرر الشرعي ، فلا بد إذن من السكوت عن هذه وأمثالها وترك
الناس في صراعاتهم حتى يصفو لهم الجو ويخلو من منافس.
سادساً
: الهروب من العبادات والركون إلى اللهو والدعة والتمرد على الخالق ، في أمالي
الطوسي بإسناده عن فضيل بن يسار قال : قال الصادق 7
احذروا على شبابكم الغلاة لايفسدوهم فإن الغلاة شر خلق الله ، يصفرون عظمة الله
ويدعون الربوبية لعباد الله ، والله إن الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس
والذين أشركوا ، ثم قال 7
إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يا
ابن رسول الله. قال :
الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة
والصيام والحج فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله أبداً ، وإن
المقصر إذا عرف عمل وأطاع .
سابعاً
: ومن أي الغلو هي المصالح المادية
وابتزاز الناس أموالهم والأكل بالباطل وهذا ما فعله الحلاج ، الحسين بن منصور الذي
ادّعى الربوبية وقال بالتناسخ وأصحابه قالوا إن اللاهوت حل فيه ...
في عام ٢٩٩ هـ ادّعى للناس إنه إله وإنه
يقول بحلول اللاهوت في الأشرف من الناس ، وانتشر له في الحاشية ذكر عظيم ، ووقع
بينه وبين الشبيلي وغيره من مشايخ الصوفية ، فبعث به المقتدر إلى عيسى ليناظره ، فأحضر
مجلسه وخاطبه خطاباً فيه غلظة ، فحكى أنه تقدم إليه وقال له فيما بينه وبينه : قف
من حيث انتهيت ولا تزد شيئاً وإلا خسفت الأرض منه تحتك ، وكلاماً في هذا المعنى ، فتهيب
عيسى مناظرته واستعفى منها ، فنقل في سية ٣٠٩ هـ إلى حامد بن العباس الوزير ، فحدث
غلام لحامد كان موكلاً بالحلاج قال : دخلت عليه يوماً ومعي الطبق الذي عادتي أن
اقدمه إليه كل يوم فوجدته قد ملأ البيت نفسه وهو من سقفه إلى أرضه وجوانبه ليس فيه
موضع ، فهالني ما رأيت وبقي مدة محموماً ، فكذبه حامد وشتمه وقال : ابعد عني ، وكان
دخوله إلى بغداد مشهراً على جمل وحبس في بغداد مشهراً على جمل وحبس في دار المقتدر
، وأفتى العلماء بإباحة دمه.
وكان الحلاج قد أنفذ أحد أصحابه إلى بلد
من بلدان الجبل ووافقه على حيلة يعملها ، فخرج الرجل فأقام عندهم سنتين يظهر النسك
والعبادة وقراءة القرآن والصوم ، فغلب على البلد حتى إذا تمكن أظهر أنه عمي فكان
يقاد إلى مسجده ويتعامى في كل أحد شهوراً ، ثم أظهر أنه زمن فكان يحبو ويحمل إلى المسجد
حتى مظت سنة وتقرر في النفوس عماه وزمانته فقال لهم بعد ذلك : رأيت النبي 6 في النوم يقول أنه يطرق هذا البلد عبد
صالح مجاب الدعوة تكون عافيتك على يده ودعائه ، فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء
أو من الصوفية لعل الله تعالى يفرج عني ، فتعلقت النفوس لورود العبد الصالح ومضى
الأجل الذي بينه وبين الحلاج فقدم البلد ولبس الثياب الصوف الرقاق وتفرد في الجامع
فقال الأعمى : احملوني إليه ، فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال له : يا عبد الله
رأيت في النوم كذا وكذا فادع الله تعالى لي ، فقال : ومن أنا وما تحكي. ثم ععى له
ومسح يده عليه فقام مبصراً صحيحاً ، فانقلب البلد وكثر الناس على الحلاج ، فتركهم
وخرج
من البلد وأقام
المتعامي المبرأ مما فيه شهوراً ثم قال لهم : إن من حق الله عندي ورده جوارحي عليّ
أن أنفرد أكثر من هذا ، وأن يكون مقامي في الغزو ، وقد عملت على الخروج إلى طرطوس
، فمن كانت له حاجة يحملها ، فأخرج هذا ألف درهم وقال أغز بهذه عني ، وأخرج هذا
مائة دينار وقال : أخرج بها غزاة من هناك ، وأعطاه كل أحد شيئاً فاجتمع له ألوف
دنانير ودراهم ، فلحق بالحلاج وقاسمه عليها .
ومن لامثال الحلاج وابن أبي العزاقر
العشرات بل المئات الذين أظهروا الزهو ولبسوا ثياب الصوفية وخدعوا الناس يشتى
ألوان الخداع والمكر والشعودة ليديروا منها معاشهم ويصلحوا شأنهم المادي.
لقد صدرت من الحلاج عدة مقولات تؤكد على
كفره ، ومنها قوله : ( أنا الحق ) وقوله : ( ما في الجنة إلا الله ).
ومن الشعر قوله المشهور :
ألـقاه في الـيم مـكـتوفـاً وقال لـه
|
|
إيّـاك إيّـاك أن تـبـتل بـالـماء
|
ومما ينسب إليه :
أرسـلت تـسأل عني كيف كـنت وما
|
|
لاقـيت بـعدك من هـم ومـن حـزن
|
لاكـمت إن كنت أدري كيف كنت ولا
|
|
لاكـنت إن كنت أدري كيف لم أكن
|
وقد انخدع بالحلاج جماعة من الناس حيث
كان يوجه إليهم الكتب والمرسلات ويدعوهم إلى نفسه ويوهمهم أنه الباب والوكيل م قبل
الإمام صاحب الزمان 7
ولما أراد الله أن يفضحه ويكشفه للناس ، أنه كتب إلى أبي سهل بن إسماعيل بن علي
النوبختي يقول له في مراسلة إياه :
إني وكيل صاحب الزمان عليه اسلام وقد
أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوى نفسك ، ولا ترباب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل يقول له :
__________________
إني أسألك امراً يسيراً يخف مثل عليك ، وفي
جنب ما ظهر على يديك ، من الدلائل والبراهين ، هو أني رجل أحب الجواري وأصبوا
إليهن ، ولي منهن عدة اتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ، وأحتاج أن اخضبه في كل جمعة
وأتحمل منه مشقة شديدة لا سترغبهن ذلك ، وإلا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعداً
، والوصال هجراً وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته ، تجعل لحيتي سوداء ، فإني
طوع يديك ، وصائر إليك ، وقائل بقولك ، وداع إلى مذهبك مع مالي في ذلك من البصيرة
ولك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه ، علم
أنه أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه.
ثامناً
: من أسباب الغلو هو التسلط على الرقاب وطلب الرياسة والزعامة.
فهؤلاء الذين اذعوا الألوهية أو النبوة
، إنما تخيلوها ملكاً ومنزلة ينالها الإنسان بمجاهداته وعهائه ، فما كانوا يتغقلوا
أ ، الربوبية والعبودية لله وحده لا شريك له خالق الكائنات باريء النسمة ، الواحد
الأحد الفرد الصمد ...
كما أن النبوة ليست من صنع انسان عاجز
ولا منصب يناله المرء من حيث يشتهي أو يتمنى بل إنها منصب إلهي يختار الله لرسالته
من يشاء حيث عي عبء كبي يختار الله تعالى له من يصلح من البشر ...
لكن هؤلاء الذين في قلوبه مرض ويعتريهم
الهوس والخبل ذهبوا إلى أطماعهم وسوّلت لهم أنفسهم لأن يدعوا النبوة لهم.
الكشي بإسناده عن علي بن عقبة ، عن أبيه
قال دخلت علي أبي عبد الله 7
قال فسلمت وجلست ، فقال لي : كان في مجلسك هذا أبو الخطاب ، ومعه سبعون رجلاً
كلّهم إليه ينالهم منهم شيء رحمتهم فقلت لهم : ألا أخبركم بفضائل المسلم ، فلا
أحسب أصغرهم إلا قال : بلى جعلت فداك.
قلت : من فضائل المسلم أن يقال : فلان
قارئ كتاب الله عز وجل ، وفلان ذو حظ من ورع ، وفلان يجتهد في عبادته لربه ، فهذه
فضائل
المسلم ، ما لكم
وللرياسات. إنما المسلمون رأس واحد ، إياكم والرجال فإن الرحال للرجال مهلكة.
فإني سمعت أبي يقول : إن شيطاناً يقال
له المذهب يأتي في كل صورة : إلا أنه لا يأتي في صورة نبي ولا وصي نبي ، ولا أحسبه
إلا وقد تراءى لصاحبكم فاحذروه فبلغني أنهم قتلوا معه فأبعدهم الله وأسحقهم إنه لا
يهلك على اله إلى هالك .
وبعد هذه الجولة السريعة في نشوء الغلو
وأسبابه ، نبدأ حديثنا عن الغلو وأقسامه ، مبتدئين الحديث بمت غالى في النبي 6 ، ومنتهين بمن غالى في الإمام المهدي
المنتظر ( عج ) ذاكرين بغض مقولات الغلات في أهل البيت : أو في حق أصحابهم.
__________________
حد الغلو وأقسامه
من أبرز مصاديق الغلو أولئك الذين قالوا
بألوهية النبي محمد والأئمة :.
والألوهية والربوبية والعبودية كلها لله وحده لا شريك له دعنا نتابع هذه الفقرة من
الغلو :
أولاً
: في رجال الكشي ، حمدوية وإبراهيم عن
محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حمزة ، قال أبو جعفر محمد بن عيسى : ولقد
لقيت محمداً ـ بن أبي حمزة ـ رفعه إلى أبي عبد الله 7
قال : جاء رجل إلى رسول الله 6
فقال : السلام عليك يا ربي ، فقال 6
مالك لعنك الله ، ربي وربك الله ، أما والله لكنت ما علمتك لجباناً في الحرب
لئيماً في السلم .
ثانياً
: في حديث تميم بن عبد الله بن تميم
القرشي عن أبيه عن أمد بن علي الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون
يوماً وعنده علي بن موسى الرضا 7
وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة ... قال له المأمون يا أبا الحسن
بلغني إن قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد ، فقال الرضا 7 حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه عن
جعفر بن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن 'بي عن أبيه علي بن
أبي طالب 7 قال : قال
رسول الله 6 : لا
ترفعوني فرق حقي فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن
__________________
يتخذني نبياً ، قال
الله تبارك وتعالى ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول
للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربّانيين بما كنتم تعلمون الكتاب
وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر
بعد إذا انتم مسلمون
... الخ الحديث .
وفي نوادر الراوندي بإسناده عن جعفر بن
محمد عن آبائه : قال
: قال رسول الله 6
: لا ترفعوني فوق حقّى فإن الله تعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً .
ثالثاً
: ومن الغلو في النبي 6
قول عمر بن الخطاب في موت النبي 6
من قال أن محمداً مات قتلته بسيفي هذا ، وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى 7 .
لما توفي الرسول 6 قالت عائشة : فاستأذن عمر والمغيرة بن
شعبة ودخلا عليه فكشفا الثةب عن وجهه ، قال عمر : واغشيتاه ، ما أشد غشي رسول الله
6. ثم قاما.
فلما انتهيا إلى الباب ، قال المغيرة : يا غعمر مات والله رسول الله 6 فقال عمر : كذبت ما مات رسول الله
ولكنك رجل تحوسك فتنة ولن يموت رسول الله حتى يفنى المنافقين .
بل وأكثر من هذا ، حيث أخذ عمر يهدّد
بالقتل من قال رسول الله قد مات. قال الطبري حدّثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال لما توفي رسول الله 6 قام عمر بي الخطاب فقال إن رجالاً من
المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي وأن رسول الله والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه
كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات والله
__________________
ليرجعن رسول الله
فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات ...
وفي سيرة زيني دحلان قال عمر ( من قال
أن محمداً قد مات ضربته بسيفي )
وهكذا تجد الكثير من كتب التاريخ والسيرة نقلت هذا النص أو ما يشابهه كتاريخ
الذهبي ١/ ٣١٧ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٥/ ٢٤٢ ، وتاريخ أبي الفداء ١/ ١٦٤ ،
وأنساب الأشراف ١/ ٥٦٥ ، وتاريخ الخميس ٢/ ١٨٥ ، ومسند أحمد ٦/ ٢١٩ ، ونهاية الأرب
١٨/ ٣٨٥.
وقد وصل الغلو بعمر بن الخطاب أنه لم
يذعن لابن أم مكتوم ـ عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم ـ لما قرأ عليه الآية الشريفة
( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن
مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلت على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي
الله الشاكرين )
ولما وجد العباس بن عبد المطلب إصرار عمر بن الخطاب وتهديده للناس إن قالوا بموت
النبي ، خرج على الناس فقال : هل عندكم عهد من رسول الله 6 في وفاته فليحدثنا؟ قالوا لا.
قال : هل عندك يا عمر من علم؟ قال : لا.
فقال العباس : اشهدوا أيها الناس أن
أحداً لا يشهد على رسول الله بعهد عهد إليه في وفاته والله الذي لا إله إلا هو لقد
ذاق رسول الله الموت .
مع هذا لم ينته عمر ...!
فقال العباس : إن رسول الله يأسن كما
يأسن البشر وإن رسول الله قد مات فادفنوا صاحبكم ، أيميت أحدكم إمامته ويميته
إماتتين؟! هو أكرم على
__________________
الله من ذاك فإن كان
تقولون فليس على الله بعزيز أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله ، ما مات حتى
ترك السبيل نهجاً واضحاً
...
فهل ينتهي عمر بن الخطاب وينصاع لتلك
الأدلة المفحمة ، والكلمات المعقولة؟!! كلا ، فما زال عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه .
إذن متى هدأت فورة عمر وسكن غلوائه
وتراجع عن مقولته؟
عندما جاء شريكه في الأمر وصاحبه!
فأقبل أبو بكر فوجد عمر بن الخطاب
قائماً يوعد الناس ويقول إن رسول الله حي لم يمت وإنه خارج إلى من أرجف به وقاطع
أيديهم وضارب أعناقهم وصالبهم.
جلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلاً فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال
من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ثم
قرأ : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم
...
فقال عمر : هذا في كتاب الله ...؟!
قال نعم.
فقال عندها عمر بن الخطاب :
والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها
فعرقت حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله قد مات .
ماذا تفسر قول عمر وموقفه من موت النبي 6 لمّا قال له المغيرة بن شعبة يا عمر
مات والله رسول الله ...؟
__________________
فلم ينته ابن الخطاب.
ولمّا قرأ عليه عمرو بن قيس بن زائدة بن
الأصم الآية : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ...
فلم ينته أبا حفص ...
ولّما قال العباس بن عبد المطلت : إن
رسول الله قد مات ولمّا خرج على الناس وسألهم هل عند أحدكم عهد من رسول الله 6 في وفاته ...
فلم ينته عمر الفاروق ...
فهل المغيرة بن شعبة وعمرو بن قيس بن
زائدة بن الأصم والعباس بن عبد المطلب والأنصار والمهاجرون وجميع صحابة رسول الله
يكذبون على عمر الفاروق؟! إذن فعلام يعلو سيفه رؤوس المسلمين القائلين بوم النبي 6 ، أم هل يصح قول البعض بأن عمر خبل في
ذلك اليوم ؟!
أم هوي سياسي كان يضمره ، وإن صاحبه هو
بطل الموقف الذي سيحق لهم المآرب التي عقدرها قبل هذا اليوم؟!
ام كان علو من عمر في حق نبيه ...؟!
في الوقت الذي اطبقت المصادر ـ جميعاً ـ
التاريخية والرجالية وكتب السير أن اتشكيك في موت الرسول بوم وفاته إنما هومن
مختصات عمر بن الخطاب وقد انفرد به دون بقية المسلمين بإجماع المؤرخين!!.
أقول : لا يمكن تفسير موقف عمر بن
الخطاب من موت النبي 6
إلا بأحد اللحتمالين : الاحتمال الأول أن نعتبر هكذا موقف نابعاً من سذاجة الخليفة
عمر الفاروق ، وقصر إدراكه مما بعثة إلى الدهشة والتحيّر ...
والاحتمال الثاني أن نجزم بتنفيذ
المؤامرة التي حيكت خيوطها في زمن النبي 6
، وأحكم نسجها يوم وفاته. والذين أقدموا على تنفيذ هذه المؤامرة ، فيقيناً أن
الإسلام لم يتغلغل في صدروهم.
__________________
اما مفاد تلك المؤامرة ، هو اقصاء
الإمام امير المؤمنين 7
عن الخلافة مهما بلغ الثمن. ولو دققنا النظر في الاحتمالين لوجدنا أن الأول منه لا
يمكن الأخذ به لما عرف عن الخليفة من حنكة ودهاء ، وإن كتب التراجم والسيرة تنصّ
على ذلك.
قال الذهبي في تذكرة الحافظ في ترجمة
عمر بن الخطاب : أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله 6 ومن أيد الله به الإسلام وفتح به
الأمصار وهو الصادق المحدث الملهم الذي جاء عن المصطفى 6 أنه قال : لو كان بعدي نبي لكان عمر
الذي فر منه الشيطان وأعلن به الإيمان وأعلى الأذان .
أما الاحتمال الثاني ، فالحقيقة تكمن
فيه ، إذ نجد خيوط المؤامرة تنكشف للباحث بصورة جلية لا غبار عليها يوم احتضار
الرسول 6.
قال ابن سعد بسنده عن ابي عباس عن عكرمة
، قال : إن النبي قال في مرضه الذي مات فيه : آتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً
لن تضلوا بعده أبداً. فقال عمر بن الخطاب : من لفلانة وفلانة إن رسول الله ليس بميت حتى يفتحها ولو
مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى ، فقالت زينب زوج النبي : ألا تسمعون
النبي 6 يعهد إليكم؟!
فلغطوا فقال 6 : قوموا
فلما قاموا قبض النبي مكانة .
أقول : لاتعجب من ذلك ، ولاتعجب مما
تقدم من قول الذهبي إذ على مذهبه أن يكون الوحي قد نزل علىعمر بن الخطاب دون النبي
محمد 6 ، لأن عمر
في تصور الذهبي وأقرانه أحق بالنبوة من محمد 6
أو هو بمنزلة محمد دون سائر البشر!!.
وإلا فما معنى مشاكسة عمر للرسول 6 ورد طلبه ، ومنعه الصحابة من إتباعهم
بالقرطاس والدواة؟! حتى قال أبو حفص أن النبي غلبه الوجع
__________________
وعندكم كتاب الله
فحسبنا كتاب الله .
فهل كان عمر بن الخطاب أحرص من الرسول
في تقدير مصلحة الإسلام والمسلمين ... أم ماذا؟ وهل عمر الفاروق أصدق من النبي
فيما يخبره 6 عن حاله وما
نزل به من الموت الذي لا بدّ منه...؟! أليس قوله ذاك تكذيباً للرسول والقرآن ...؟!
والرسول يقول لهم أكتب لكم كتاباً لن
تضلوا بعده أبداً ...
نحن لا نريد أن نناقش هذا الأمر الذي
أوقع الأمة في الغط وضجيج ، حتى أزعجوا تبيهم وساءه الذي صدر منهم فأمرهم أن
يقوموا من عنده وهو القائل لهم لا ينبغي عندي التنازع.
بل نريد أن نبين خيوط المؤامرة كيف بدأت
، وكيف بدأ الغلو يمهّد لنفسه حتى اتسعت رقعته بين صنوف السذح من الناس من جانب ، وبين
أهل البدع والأطماع والأهواء السياسية من جانب آخر.
نعم لقد صدق ابن أبي الحديد لمّا قال :
إن عمر لما علم أن رسول الله قد مات خاف
من وقوع فتنة في الإمامة وتغلب أقوام عليها ، إما من الأنصار أو غيرهم وخاف أيضاً
من حدوث ردّة ورجوع عن الإسلام ... ثم قال فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن
اظهر ما أظهر من كون الرسول 6
لم يمت ، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم ... حراسة للدين والدولة أن جاء أبو بكر وكان
غائباً بالسنح
...
__________________
الغلو في أمير
المؤمنين 7
في
خلافة أمير المؤمنين 7 :
أولاً
: جاء رهط من الكوفة إلى الإمام علي 7 وهم يقولون بربوبيته ويبدو أنهم كانوا
اثني عشر رجلاً فاستتابهم فلم يتوبوا ، فأمر بالنار ليحرقوهم ، غير أنهم أصروا على
مقولتهم فقتلهم جميعاً ، وقيل ألقاهم في النار.
فهؤلاء قد أظهروا غُلوهم في الإمام علي 7 ، وقد سبق للرسول 9 أن أشار إلى أمير المؤمنين في هذا ، حيث
قال له : يا علي فيك شبهاً من عيسى بن مريم 7
أحبته النصارى حتى أنزلوه منزلة ليس بها ، وابغضته اليهود حتى بهتوا أمه.
ثانياً
: وقال أمير المؤمنين 7
يهلك في رجلان محب غال ومبغض قال .
ثالثاً : وعن الحسين بن الحسن بن بندار
القمي بإسناده عن مسمع بن عبد الملك أبي سيّار ، عن رجل ، عن أبي جعفر 7 قال : إن علياً لما فرغ من قتال أهل
البصرة : أتاه سبعون رجلاً من الزط
فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم.
__________________
وقال لهم : إني لست كما قلتم أنا عبد
الله مخلوق ، قال ، فأبوا عليه وقالوا له أنت أنت هو ، فقال لهم : لئن لم ترجعوا
عما قلتم فيّ وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم.
قال : فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا ، فامر
أن تحفر لهم آبار فحفرت ، ثم خرق بعضها إلى بعض ثم فرقهم فيها ثم طم رؤوسها ثم
ألهب النار في بثر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتا .
وفي ذلك يقول 7 :
إني إذا أبـصرت أمـراً مـنـكراً
|
|
أوقـدت نـاراً ودعـوت قـنبراً
|
ثـم احـتـفرت حـفراً فـحـفراً
|
|
وقـنبر يحـطم حـطماً مـنكراً
|
هذا ما حدث في خلافة أمير
المؤمنين علي بي أبي طالب 7
، ولما قتل افترقت الشيعة التي قالت سابقاً بإمامة أمير المؤمنين إلى ثلاث فرق ، منها
قالت أن علياً 7
لم يقتل ولم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً
وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ، وهذه هي ثاني فرقة في الإسلام قالت بالوقوف بعد
النبي 6 ثم غالت في
ذلك.
كتب التراجم والفرق والمذاهب والكتب
الرجالية القديمة وتوعز نشوء هذه الفرقة إلى عبد الله بن سبأ وهذا مما ترجم له في
أغلب الكتب ، قديماً وحديثاً ، فمثلاً : ذكر النوبختي المتوفى بين عام ٣٠٠ ـ ٣١٠
هـ في كتابه ( فرق الشيعة ) ، وأبو خلف سعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة
٣٠١ هـ ذكره في كتابه المقالات والفرق وذكره الكشي المتوفى في ق ٤ هـ في رجاله ، والطوسي
المتوفى عام ٤٦٠ هـ ذكره في رجاله ، والشهرستاني المتوفى عام ٥٤٨ هـ والعلامة
الحلي وابن داوود وابن طاووس والمجلسي ومن المتاخرين الشيخ عبد الله المامقاني
والسيد مرتضى العسكري ، والسيد الخوئي. ويجدر بنا أن نذكر طرفاً من تلك المقولات
نسب إلى عبد الله بن سبأ :
١ ـ قال أبو خلف الأشعري ... وهذه
الفرقة تسمى السبائية أصحاب عبد
__________________
الله بن سبأ وهو عبد
الله بن وهب الراسبي الهمداني وساعده على ذلك عبد الله بن حرس وابن أسود وهما من
أجلة أصحابه ، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ
منهم وادعى أن علياً 7
أمره بذلك ، وأن التقية لا تجوز ولا تحل ، فأخذه علي وسأله عن ذلك فأقربه وأمر
بقتله ، فصاح الناس إليه من كل ناحية يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم
أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك قسيرة علي إلى المدائن ، ثم قال : وحكي
جماعة من أهل العلم : أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ، وكان
يقول وهوعى يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد
وفاة رسول الله 6
في علي بمثل ذلك ، وهو أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب ، وأظهر
البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم.
فمن ها هنا من خالف الشيعة : إن اصل
الرفض مأخوذ من اليهودية ، ولما بلغ ابن سبأ وأصحابه نعى علي وهو بالمدائن وقدم
عليهم راكب فسأله الناس فقالوا : ما خبر أمير المؤمنين ، قال ضربه أشقاها ضربة قد
يعيش الرجل من أعظم منها ويموت من وقتها. ثم اتصل خبر موته فقالوا للذي نعاه كذبت
يا عدو الله لو جئتنا والله بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدّقناك ، ولعلمنا
أنه لم يمت ولم يقتل أنه لا يموت حتى أماخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان
الواثق بحياته والطامع في الوصول إليه ، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده.
سبحان الله ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد ، قالوا إنا لنعلم أنه لم يقتل
ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفة وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه وأنه ليسمع النجوى
ويعرف تحت الديار العتل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام ...
وقالوا بعد ذلك في علي أنه إله العالمين
وأنه توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم وسيظهر .
__________________
٢ ـ ذكر الكشي في رجاله عن محمد بن قوله
القمي بإسناده عن عبد الله ابن سنان قال حدثني أبي جعفر 7 أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة
ويزعم أن أمير المؤمنين 7
هو الله ، تعالى عن ذلك.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين 7 فدعاه وسأله ، فأقر بذلك وقال نعم أنت
هو وقد كان القمي في روعي إنك أنت الله وإني نبي. فقال له أمير المؤمنين 7 ويلك قد سخر منك الشيطان فأرجع عن هذا
ثكلتك أمك وتب ، فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار وقال : إن
الشيطان استهواه ، فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك .
٣ ـ وقال الكشي حدثني محمد بن قولويه ، يإسناده
عن هشام بن سالم ، قال سمعت أبا عبد الله 7
يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال إنه لمّا ادعى ذلك فيه استتابه أمير المؤمنين 7 فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار .
٤ ـ وفي رواية ابن قولويه بإسناده عن
علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب الأزهري عن أبان بن عثمان ، قال سمعت أبا عبد
الله 7 يقول : لعن
الله عبد الله بن سبأ أنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين 7 وكان والله أمير المؤمنين 7 عبداً لله طائعاً ، الويل لمن كذب
علينا وإن قوماً يقولون فينا ما ال نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى
الله منهم .
٥ ـ وعن أبي عمير عن هشام بن سالم عن
أبي حمزة الثمالي ، قال ، قال علي بن الحسين 7
لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله ابن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادع
أمراً عظيماً ما له لعنه الله ، كان علي 7
والله عبداً لله صالحاً أخو رسول الله ، ما
نال الكرامة من الله
إلا بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول الله 6
الكرامة من الله إلا بطاعته لله.
٦ ـ الكشي بإسناده عن محمد بن خالد
الطيالسي ، عن ابن أبي نجران عن عبد الله قال. قال أبو عبد الله 7 إنا أهل بيت صدّيقون لا نخلو من كذاب
يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله 6 أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها
وكان مسيلمة يكذب عليه.
وكان أمير المؤمنين 7 أصدق من برأ الله بعد الرسول ، وكان
الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ .
وفي البحار زيادة على ما تقدم ... وكان
أبو عبد الله الحسين بن علي 7
قد ابتلى بالمختار ثم ذكر أبو عبد الله 7
الحارث الشامي وبنان فقال : كانا يكذبان على علي بن الحسين 7 ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعا والسري
وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الشعيري وحمزة الترمذي وصائد النهدي فقال : لعنهم الله
إنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأى كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم حر
الحديد .
هذه جملة من الروايات والتي مصدرها عبد
الله بن سبأ :
فمن هو عبد الله بن سبأ...؟
١ ـ قال الكشي : كان يدعي النبوة وأن
علياً 7 هو الله
فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه بالنار في جملة سبعين رجلاً ادعوا فيه ذلك .
٢ ـ وقال الشهرستاني : السبائية : أصحاب
عبد الله بن سبأ ، الذي قال لعلي كرم الله وجهه : ( أنت أنت ) يعني : أنت الإله.
فنفاه إلى المدائن. زعموا أنه كان يهودياً فأسلم ، وكان في اليهودية يقول في
__________________
يوشع بن نون وصي
موسى 7 مثل ما قال
في علي رضي الله عنه. وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه ، ومنه
انشعبت أصناف الغلاة .
٣ ـ وقال الشيخ الطوسي في رجاله في باب
أصحاب أمير المؤمنين 7
: عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
٤ ـ وقال الحلي في الخلاصة في القسم
الثاني منه : عبد الله بن سبأ ... غال ملعون حرّقه أمير المؤمنين 7 بالنار كان يزعم أن علياً 7 إله وأنه نبي لعنة الله .
٥ ـ وقال ابن داود : عبد الله بن سبأ
رجع إلى الكفر وأظهر الغلو
، فلفظه مطابق إلى الشيخ الطوسي.
هذه أهم المصادر القديمة التي ترجمت
لعبد الله بن سبأ. إلا أنها لم تتحر الحقيقة فتكشف النقاب عنه ، حتى قيض الله لنا
العلامة المحقق آية الله السيد مرتضى العسكري ليثبت إلى التاريخ بعد مضي ١٤ ق من
الزمان أن عبد الله بن سبأ رجل مختلق وأسطورة مفتعله من نسج سيف بن عمر التميمي
المتوفى بعد عام ١٧٩ هـ ، والمعروف بالوضع والكذب والتحريف قال فيه يحيى بن معين ت
٢٣٣ : ( ضعيف الحديث ، فَلسٌ خير منه ) .
قال النسائي ت ٣٠٣ هـ : ( ضعيف متروك
الاحديث ليس بثقة ولا مأمون ... ) وقال ابن حيان ت ٣٥٤ هـ : يروي الموضوعات عن
الاثبات اتهم بالزندقة ، وقال : قالوا : كان يضع الحيث.
وقال الحاكم ت ٤٠٥ هـ : متروك اتهم
بالزندقة.
وهكذا جميع المصادر التاريخية والرجالية
تؤكّد على كذبه وزندقته ... فراجع. وعبد الله بن سبأ من مختلقات سيف بن عمر
التميمي ولم يذكرهُ من
__________________
قبله أحد. وقد بحث
العلامة العسكري في كتابه عبد الله بن سبأ بجزئين كبيرين أحوال هذا الرجل وأبطال
قصصه المفتعلة والروايات التي وضعها والدس الذي بثه في كتاباته ومروياته.
فالروايات التي جاءت تحدّث عن عبد الله
بن سبأ وفي طريقها الإمام علي أمير المؤمنين 7
والإمام الحسين 7
والإمام علي بن الحسين 7
والإمام الباقر 7
والإمام الصادق 7
كلها من مفتعلات سيف بن عمر حيث كان أموّياً متعصباً لهم ، معادياً لأهل البيت : ، وقد نشط في زمانه أهل الوضع واتسعت
حركة الزندقة وذلك في أواخر العصر الأموي والذي وقف حكام بني أمية من وراء الحركة
يمدّونها بالمال والدّعم والتأييد والتبنّي لبعض أفكارها حقداً منهم وحسداً لأهل
البيت : وللإطاحة
بالدّين الجديد حتى يتسنّى لهم التحكم في رقاب الناس واستعبادهم .
وبالتالي لا يشك أدنى باحث بأن السبائية
ليست لها أي وجود وإنما ابتدعها سيف بن عمرو وخلق لها بطلها عبد الله بن سبأ
اليهودي الأصل ـ على حدّ زعمه ـ ثم أسلم ، وبعد ذلك أصبح من أقطاب المألّهين
للإمام علي 7 وهذا كله
مختلق لا يقبل الشك ولو قارنت بين مرواياته لبدا لك التناقض فيها جلياً واضحاً ، وما
كتبه العلامة يغنينا عن كل تفصيل.
نعم هناك فرقة تسمى الحربية نسبة إلى
عبد الله بن عمر بن حرب الكندي ، قالت هذه الفرقة بأن علياً إله العالمين وأنه
توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم وسيظهر .
رابعاً
: أبو عمرو الكشي عن محمد بن الحسين
البراثي ، وعثمان بن حامد قالا : حدّثنا محمد بن يزداد ، عن محمد بن الحسين عن
موسى بن يسار ، عن عبد الله بن شريك عن أبيه قال ، بينا علي 7 عند أمرأة من عنزة وهي أم عمرو إذا
أتاه قنبر فقال : إن عشرة نفر بالباب يزعمون أنك ربّهم ، قال : ادخلهم ، قال : فدخلوا
عليه.
__________________
فقال : ما تقولون؟ فقالوا : إنك ربنا ، وأنت
الذي خلقتنا وأنت الذي ترزقنا. فقال لهم : ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم ،
فأبوا أن يفعلوا ، فقال لهم : ويلكم ربّي ربّكم الله ، ويلكم توبوا وارجعوا ، فقالوا
: لا نرجع عن مقالتنا أنت ربّنا ترزقنا وأنت خلقتنا.
فقال يا قنبر اتني بالفعلة ، فخرج فأتاه
بعشر رجال مع الزبل والمرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الأرض ، فلما حفروا خداً
أمرنا بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد قال لهم : ويلكم توبوا وارجعوا
فأبوا وقالوا : لا نرجع فقذف علي 7
بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار ، ثم قال علي 7
:
إنـي إذا أبـصـرت شـيـئـاً منكراً
|
|
أوقـدت نـاري ودعوت قـنـبـراً
|
خامساً
: ما دار بين الإمام الرضا والمأمون قال له الإمام 7
قال علي 7 : يهلك فيّ
اثنان ولا ذنب لي ، محبّ مفرط ، ومبغض مفرط وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممن
يغلو فينا ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي
إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلبه فقد
علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب ما قلت لهم إلا
ما امرتني به أن اعبدوا الله ربّي وربّكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما
توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد .
وقال عزّ وجّل : ( لن يستنكف
المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ) .
وقال عزّ وجّل : ( ما المسيح
ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ) .
__________________
ومعناه أنهما كانا يتغوطان ، فمن ادعى
للأنبياء ربوبية وادعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه براء
في الدنيا والآخرة
...
اقول : ويمكن توضيح العبارة بهذا
الاستدلال ، وهو أن أكل الطعام يستلزم كون الآكل محتاج لا يكون ربّاً ؛ لأن
الأشياء كلّها محتاجة إليه وهو سبحانه غني عن الكُل.
سادساً
: الكشّي عن يحيى بن عبد الحميد
الحمّاني في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنين 7 قلت لشريك أن أقواماً يزعمون أن جعفر
بن محمد ضعيف في الحديث فقال : أخبرك القصة :
كان جعفر بن محمد رجلاً صالحاً مسلماً
ورعا فاكتنفه قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويولون حدّثنا جعفر بن محمد ، ويحدّثون
بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر ، يستأكلون الناس بذلك ويأخذون منهم
الدارهم فكانوا يأتون من ذلك بكل منكر ، فسمعت العوام بذلك منهم فمنهم من هلك ، ومنهم
من أنكر.
هؤلاء مثل المفضل بن عمر ، وبنان ، وعمرو
النبطي وغيرهم ، ذكروا جعفراً حدثهم أن معرفة الإمام تكفي عن الصوم والصلاة ، وحدّثهم
عن أبيه عن جدّه أنه حدثهم 7
ـ بالرجعة ـ قبل القيامة ، وأن علياً 7
في السحاب يطير مع الريح ، وإنه كان يتكلم بعد الموت ، وإنه كان يتحرك على المغتسل
، وإن إله السماء وإله الأرض الإمام ، فجعلوا لله شريكاً ، جهال ضلال.
والله ما قال جعفر شيئاً من هذا قط ، كان
جعفر أتقى لله وأورع من ذلك فسمع الناس فضعفوه ولو رأيت جعفراً لعلمت أنه واحد من
الناس .
سابعاً
: الكشي عن حمدويه وإبراهيم بن نصير قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن
مرازم ، قال قال لي أبو عبد الله 7
: تعرف مبشر بشر ، بتوهم الاسم قال : الشعيري ، فقلت : بشار؟ قال : بشار ، فقلت :
__________________
نعم جار لي ، قال أن
اليهود قالوا وحدوا الله ، وإن النصارى قالوا وحدوا الله ، وإن بشاراً قال قولاً
عظيماً إذا قدمت الكوفة فأته وقل له : يقول لك جعفر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك.
قال مرازم : فلما قدمت الكوفة فوضعت
متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم فخرج إلي فقلت
له : يقول لك جعفر بن محمد يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك ، فقال لي وقد
ذكرني سيدي ، قال : قلت نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ، فقال : جزاك الله خيراً وفعل
بك وأقبل يدعو لي.
ومقالة بشار هي مقالة العلياوية ، يقولون
إن علياً 7 هرب وظهر
بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في
أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين : وإن
معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول
هذه الأشخاص في الإمامة.
وأنكروا شخص محمد 6 وزعموا أن محمداً عبد ع وع ب وأقاموا محمداً مقام ما أقامت المخمسة
سلمان وجعلوه رسولاً لمحمد 6
فوافقهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ ، والعليائية سمتها المخمسة العليائية
وزعموا أن بشاراً الشعيري لما أنكر رسالة سلمان مسخ صدره طيراً يقال له علياء يكون
في البحر فلذلك سمّوهم العليائية.
ثامناً
: في الاحتجاج عن أبي محمد الحسن العسكري 7
: إن أبا الحسن الرضا 7
قال : إن من تجاوز بأمير المؤمنين 7
لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وإياكم والغلو كغلو
النصارى فإني بريء من الغالين.
فقال إليه رجل فقال : يا ابن رسول الله
صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا. فوصفه الرضا 7 أحسن وصف ، ومجّده ونزّهه عمّا لا
__________________
يليق به تعالى ، فقال
الرجل بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله فإن معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه
كلها من صفات علي 7
وأنه هو رب العالمين.
قال : فلما سمعها الرضا 7 ارتعدت فرائصه وتصبّب عرقاً وقال : سبحان
الله عما يشركون سبحانه عما يقول الكافرون غلواً كبيراً ، أو ليس علي كان أكلا في
الأكلين ، وشارباً في الشاربين ، وناكحاً في الناكحين ، ومحدثاً في المتحدثين؟
وكان مع ذلك مصلياً خاضعاً بين يدي الله
ذليلاً ، وإليه أواها منيباً أفمن هذه صفته يكون إلهاً؟ فإن كان هذا إلهاً فليس
منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفة الدالات على حث كل موصوف بها.
فقال الرجل : يا ابن رسول الله إنهم
يزعمون أن علياً لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله دل على
أنه إله ، ولما اظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم وامتحنهم ليعرفوه
، وليكون إيمانهم اختياراً من انفسهم.
فقال الرضا 7 أول ما هاهنا أن لا ينفصلون ممن قلب
هذا عليهم فقال : لما ظهر منه الفقر والفاقة دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها
الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله ، فعلم بهذا أن الذي أظهره من المعجزات
إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين ، لا فعل المحدث المشارك للضعفاء في
صفات الضعف .
من ادعى الألوهية : المخمّسة
من الذين ادعوا الالوهية المخمّسة وهم
أصحاب أبي الخطاب ، وإنما سموا المخمّسة لأنهم زعموا أن الله عزّ وجّل هو محمد
وأنه ظهر في خمسة أشباح وخمس صول مختلفة ظهر في صورة محمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين ، وزعموا أن أربعة من هذه الخمسة تلتبس لا حقيقة لها والمعنى
__________________
شخص محمد وصورته
لأنه أول شخص ظهر وأول ناطق نطق ولم يزل بين خلقه موجوداً بذاته يتكون في أي صورة
شاء ...
ولهذه الفرقة اعتقادات فاسدة كثيرة أغلبها
تدور في التشبيه والتناسخ ، ويدعون أن الله ظهر لهم أي للناس بالنورانية فدعاهم
إلى وحدانَية فلم يقبلوا ثم ظهر لهم من باب التوبة والرسالة فأنكروا عليه ذلك ، ثم
ظهر لهم من باب الإمامة فقبلوه.
فظاهر الله عزّ وجّل عندهم الإمامة
وباطنه الله ، وهذا سبيلهم في كل الأنبياء والملوك من آدم حتى ظهور محمد 9.
ثم قالوا كل من كان من الأوائل مثل أبي
الخطاب ، وبيان التبّان ، وصائد النهدي والمغيرة بن سعيد ، وحمزة بن عمّار البربري
وبزيع الحائك ، وبيان بن سمعان النهدي ، والسري ، ومحمد بن بشير الشعيري ... هم
أنبياء أبواب بتغيير الجسم وتبديل الاسم وزعمت هذه الفرقة أن الشرائع التي وضعت عن
الانسان وأنه ممتحن بها وأن جميع ما حرم الله مباح ، وإن المحرمات هي رجال ونساء
من أهل الجحود والكفر ، وإن جميع العبادات والرائض من صوم ، وحج وزكاة ... هي
الأغلال وإنّما كانت واجبة على أهل الجحود والإنكار ، أما الزنا والسرقة والخمر
واللواط والرّبا وغير ذلك من المحرّمات إنّما هي رجال ونساء فإذا حرمت على نفسك
توايتهم واجتنابهم فقد اجنبت ما حرم الله عليك.
وقد أباحوا الفروج وأبطلوا النكاح
والطلاق ، ثم ادعوا أن النكاح باطنه مواصلة أخيك المؤمن. فإذا نكحته فقد وصلته
وأديت ما عليك من حق .
وهؤلاء المخمسة قبل أن يظهر لهم أبو
الخطاب كانت بينهم عقيدة سائدة إن تلك الأشباح الخمسة قد حلوا في أبدان وكل إليهم
تدبير العالم وإنهم مأمورون من الله عزّ وجّل في اداء هذه المهمة والرّبّ ـ عندهم
ـ هو الذي على 6
أرسل هؤلاء الخمسة وهم : سلمان الفرسي ، وعمار بن
__________________
ياسر ، والمقداد بن
الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمر بن أمية الصيمري ، وإنهم مأمورون من عند
الله ـ علي ـ بإدارة مصالح العالم وسلمان رئيسهم.
وهذه الفرقة تسمى بالعلياوية أو
العلبائية ، وقال فيهم الشهرستاني : أصحاب العباء بن ذارع الدوسي وقال قوم ، هو
الأسدي. وكان يفضّل علياً على النبي 6
وزعم أنه الذي بعث محمداً ، يعني علياً وسماه إلهاً. وكان يقول بذم محمد 6 ، وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعاه
إلى نفسه. ويسمون هذه الفرقة ( الذميّة ).
ومنهم من قال بالألهية جميعاً ويقدمون
علياً في الأحكام الإلهية ويسمونهم ( العينية ).
ومنهم من قال بإلهيتهما جميعاً ويفضلون
محمداً في الإلهية ويسمونهم ( الميمية ) ومنهم من قال لالألهية لجملة أشخاص أصحاب
الكساء : محمد وعلي ، وفاطمة والحسن والحسين ، وقالوا خمستهم شيء واحد والروح حاله
فيهم بالسوية
... وتابع هذه الفرقة في معتقداتها الباطلة بشّار الشعيري ، ومقالته هي مقالة
العلياوية الذي تقتقد أن علياً ربّ وظهر بالعلوية الهاشمية وأظهر أنه عبده ورسوله
بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخصاص علي وفاطمة والحسن والحسين : ، وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة
والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول هذه الأشخاص في الإمامة.
وانكروا شخص محمد 6 وزعموا أن محمداً عبد علي وعلي هو
الربّ وأقاموا محمداً مقام ما أقامت المخمّسة سلمان وجعلوه رسولاً لمحمد صلوات
الله عليهم ، فوافقهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ ، والعليائية سمتها المخمسة كما تقدم.
أقول يطابق هذه الفرق من المخمسة
والعليائية والبشرية
هي بعض
__________________
فرق الكيسائية
والحربية ، زعم بعضهم أن الله القديم عزّ وجّل قد حلّ في علي وفاطمة الحسن والحسين
: والكل في
معنى واحد هو الرب الخالق الذي خلف لنفسه فأسكنها أجساد هؤلاء الأربعة فحلّت فيهم
وكانت وعاء سكناً لروح الله فالسكن الفعلي والحالي في هذه الأجساد هو الرب محمد ثم
قالوا حل الله في جسد محمح اللحماني الدماني فأصبح ظرفاً للرب والنطق منه الله
القديم.
وأحلت المحرمات والفروج ... وكل ذلك تجده في معتقدات محمد بن
أبي زينب ، أبو الخطاب.
وللخطابية عقائد كثيرة يمكن ذكر بعضها :
١ ـ إن أبا الخطاب تصدى لبعث الأنبياء
والرسل ، وكما ورد أن أصحابه من الأنبياء الذين يقولون به قد بلغ عددهم سبعين
نفراً.
٢ ـ زعموا أن الإمام جعفر الصادق هو
الله وإنما هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها فكان ذلك النور في جعفر ثم
خرج منه فدخل في أبي الخطاب.
وبعضه زعموا أن جعفراً هو الإسلام
والإسلام هو السلم والسلم هو الله ونحن بنو الإسلام كما قالت اليهود : نحن أبناء
الله وأحباؤه.
٣ ـ صلوا وصاموا وحجوا لجعفر الصادق 7 فقالوا : لبيك يا جعفر لبيك.
٤ ـ ثم الخطابية لما برز فيهم بيان
وادعى النبوة أمر أصحابه بإباحة كل الأمور وأحل لهم الشهوات ما حل منها وما حرم
وادعى أن الله لم يحرم شيئاً على خلقه ، لذا حلل السرقة والزنا والخمر والربا
والدم ولحم الخنزير ونكاح جميه ما حرمه الله في كتبه من الأمهات والبنات والأخوات
ونكاح الرجال ، ووضع عن أصحابه غسل الجنابة.
٥ ـ قالوا الأرواح تتناسخ وتحل في أجسام
غيرها فإن الله كان نوراً حل في عبد المطلب ثم صار هذا النور في أبي طالب ثم صار
في محمد
__________________
ثم صار في علي
فهؤلاء كلهم آلهة إلى أن انتهى هذا النور في معمر أحد مريديهم ومّمن ادّعى النبوة
لنفسه.
قول الرسول 6 في علي وتنبؤه عن
الغلاة
عن محمد بن أحمد بن شاذان بإسناده إلى
الصادق 7 عن آبائه عن
علي 7 قال قال : رسول
الله 6 : يا علي
مثلك في أمتي مثل المسيح عيسى بن مريم افترق قومه ثلاث فرق ، فرقة مؤمنة وهم
الحواريون ، وفرقة عادوه وهم اليهود وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الإيمان ، وإن أمتي
ستفترق فيك ثلاث فرق : فقرقة شيعتك وهم المؤمنون وفرقة عدوك وهم الشاكون ، وفرقة
تغلو فيك وهم الجاحدون وأنت في الجنة يا علي وشيعتك ومحب شيعتك عدوك والغالي في
النار .
أمير المؤمنين 7 يتبرّأ من الغلاة
في أمالي الطوسي بإسناده عن ابن نباتة
قال : قال أمير المؤمنين 7
: اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ، الله اخذلهم أبداً
ولا تنصر منه أحداً .
وفي الخصال قال أمير المؤمنين 7 : إياكم والغلو فينا ، قولوا : إنا
عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم .
الكليني بإسناده عن أبي عبد الله 7 قال : جاء رجل من الأحبار إلى
أميرالمؤمنين 7
فقال :
يا أمير المؤمنين متى كان ربك؟ فقال له 7 : ثكلتك أمك ومتى لم يكن. حتى يقال متى
كان. كان ربي قبل القبل بلا قبل وبعد العبد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغاية ، انقطعت
الغايات عنده فهو منتهى كل غاية فقال : يا أمير المؤنين افنبي أنت.
__________________
فقال : ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد 6 .
وفي رواية أبي الحسن الموصلي ... إنما
أنا عبد من عبيد رسول الله 6
.
من ادعى الألوهية في
محمد بن الحنفية
لما استشهد الإمام الحسين 7 في كربلاء اختلف فيه أناس فمنهم من
ققال لم يقتل بل إنه رفع إلى السماء وقد شبه به ، وإنما وقع شبهه على حنظلة بن سعد
الشامي وأن الحسين قد أشبه عليسى ابن مريم في أمره حيث رفعا إلى السماء ويحتجون
بالآية : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ) .
ومنهم شكّك في إمامة الحسين 7 ذلك أنه لما خرج بأهل بيته ونفر من
أصحابه للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا إنه عرّض نفسه للهلكة وهل
يصح ذلك منه فإذا صح فلماذا لن يخرج الحسن من قبله مع وجود الأعوان والأنصار
والإمرة لم تخرج من يده؟ ...
فهؤلاء شكّكوا في إمامة الحسين 7 كما أنهم شكّكوا في إمامة الحسن من قبل.
وفريق ثالث كان يقول بإمامة الحسن وكذلك
بإمامة الحسين ولما استشهد الحسين 7
قال بإمامة محمد بن الحنفية وقالوا أنه أوصى إليه الإمام أمير المؤمنين 7 من قبل وأنه وقي بنفسه إخواته وأبيه في
حرب النهروان والجمل وصفين .. إلى غير ذلك من الإفتراءات والإدعاءات ...
ولما توفي محمد بن الحنفية صار الذين
قالوا بإماته إلى ثلاث فرق ، قال النوبختي أحدها قالت : إن محمد بن الحنفية هو
المهدي سماه علي 7
مهدياً لم يمت ولا يجوز ذلك ولكنه غاب ولا يدري أين هو سيرجع ويملك الأرض ولا إمام
بعد غيبته إلى رجوعه وهؤلاء هم أصحاب ( ابن
كرب ) وكان حمزة بن
عمارة البربري منهم ، وكان من أهل المدينة ففارقهم واذعى انه نبي وأن محمد بن
الحنفية هو الله عزّ وجّل تعالى عن ذلك علواً كبيراً وأن حمزة هو الإمام وأنه ينزل
عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها فتبعه على ذلك ناس من أهل
المدينة وأهل الكوفة فلعنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين 7 وبرئ منه وكذبه وبرأت منه الشيعة
فاتبعه على رأيه رجلان من نهد لأحدهما صائد وللآخر بيان.
فكان بيان تباناً يتبن التبن بالكوفة ثم
ادعى أن محمد بن علي بن الحسين أوصى إليه ، وأخذه خالد بن عبد الله القسري هو
وخمسة عشر رجلاً من أصحابه فشدّهم بإطناب القصب ، وصبّ عليهم النفط في مسجد الكوفة
وألهب فيهم النار ، فأفلت منهم رجل فخرج بنفسه ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار
فكرّ راجعاً إلى أن ألقى نفسه في النار فاحترق معهم.
وكان حمزة بن عمار نكح ابنته وأحل جميع
المحارم وقال : من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه ...
وفرقة من البيانّية زعمت أن الإمام
القائم المهدي أبو هشام بن محمد ابن الحنفية ، ثم غلو فيه لما توفي وادّعى بيان
النبّوة وتأول أصحابه قول الله تعالى ( هذا بيان للناس ) ثم كتب بيان إلى الإمام جعفر الصادق 7 يدعوا إلى نفسه والإقرار بنبوته ويقول
له : ( اسلم تسلم وترتق في سلم وتنج وتغنم فإنك لا تدري أين يجعل الله النبوة
والرسالة وما على الرسول إلا البلاغ ، وقد أعذر من أنذر ) .
من أدعى الغلو فيهم : زمن الإمام السجاد
لا يخفى أن الأئمة : كانوا يحذّرون أصحابهم من الغلو فيهم أو
القول بما لا يوافق مبدأ التوحيد كاعتقاد البعض فيهم أنهم آلهة أو أنبياء ، كما
قالت الغلاة فيهم ذلك ...
فالإمام علي بن الحسين زين العابدين 7 أخبر أبا خالد
__________________
الكابلي بما سيقع من هذا الأئمة وأن بعضهم سيقول
بمقالة اليهود والنصارى ، غير أنهم براء من أولئك.
قال أبو عمرو بإسناده عن ضريس قال : قال
لي أبو خالد الكابلي : أما إني سأحدثك بحديث إن رأيتموه وأنا حيّ فقلت صدقني ، وإن
مت قبل أن تراه ترحمت عليّ ودعوت لي.
سمعت علي بن الحسين 7 يقول : إن اليهود أحبّوا عزيراً حتى
قالوا فيه ما قاولوا ، فلا عزير منهم ولا هم من عزير ، وأن النصارى أحبّوا عيسى
حتى قالوا فيه ما قالوا ، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى.
وأنا على سنّة من ذلك أن قوماً من
شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما
__________________
قالت الهيود في عزير
، وما قالت النصارى في عيسى بن مريم فلا هم منا ولا نحن منهم .
وقال الكشي بإسناده عن أبي عبد الله
عليه والسلام قال : ارتد الناس بعد قتل الحسين 7
إلا ثلاثة : ابو خالد الكابلي ، ويحيى بن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ثم إن الناس
لحفوا وكثورا.
وروي يونس ، عن حمزة بن محمد الطيار ، مثل
وزاد فيه وجابر بن عبد الله الأنصاري .
من ادعى بهتاناً زمن
الإمام الباقر 7
لما توفي الإمام زين العابدين 7 اجتمع أمر الشيعة على إمامة محمد
الباقر 7 ولم يخالف
في ذلك إلا رجل واحد إسمه ( عمر بن رياح ) إذ انقلب إلى البترية فصار منهم ، ثم
تبعه نفر يسير .
ولما توفي الإمام محمد الباقر 7 انقسم أصحابه إلى فرقتين
__________________
أحدها قالت بإمامة
جعفر الصادق 7. والآخر
قالت بإمامة محمد ـ المعروف بالنفس الزكية ـ بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن
الحسن السبط 7. الذي خرج
بالمدينة عام ١٤٥ هـ وقتله عيسى بن موسى الهاشمي بأمر من المنصور الدوانيقي.
هذه الفرقة قالت أن محمد بن عبد الله هو
القائم المهدي ، وانكروا قتله وقالوا : إنه حي يرزق ومقيم في جبل يسمى ( الطمية )
وقد وافق أن خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله في البصرة زمن المنصور الدوانيقي ، ودارت
بينهما حروب دامية كانت أخرها الغلبة للمنصور ، والذي حسم النزاع هو استشهاد
إبراهيم. وممن قال بإمامة محمد بن عبد الله هو المغيرة بن سعيد ـ مولى خالد بن عبد
الله القرشي ـ لكن تبرأت منه الشيعة القائلة بإمامة الصادق 7 ورفضوه ولعنوه.
وقد التف حول المغيرة بن سعيد جماعة ثم
نصبوه إماماً لهم ، بل إن المغيرة زعم أن الحسين قد أوصى إليه وأنه الإمام المهدي.
وبعد ذلك ادعى أنه رسول نبي وإن جبرائيل
يأتيه بالوحي من عند الله فلما اطلع عليه خالد بن عبد الله القرشي سأله عن ذلك
فأقر به ، ودعا خالداً إليه فاستتابه فأبى أن يرجع عن ذلك مما عمد إليه فقتله
وصلبه ، لعنه الله عليه.
ومن عقائد المغيرة قوله بالتناسخ ، وقد
ادعى أنه يحيي الموتى.
من ادعى الألوهية في
الأمام الصادق 7
الفترة التي عاشها الإمام جعفر الصادق 7 وذاع فيها صيته هي فترة أفول الدولة
الأموية والدعوة إلى أهل البيت والتمهيد لقيام دولة عباسية تحت ستار العلويين ، غير
أن الأئمة عاشت اضطراباً كبيراً في عقائدها وتزلزل عندها فكرة الإمامة حتى وجدنا
فرقنا ومذاهب عديدة تعين بعضها بإمامة
__________________
محمد بن الحنفية
وأخرى قالت بإمامة ابنه عبد الله بن محمد ( أبي هشام ) وأخرى قالت بغيرهم
كالكيسانية والمختارية والبيانية والروندية والرياحية والمنصورية ، والهاشمية
والمعاوية وهكذا من الفرق الباطلة المضلة.
كل هذا الفرق اختلفت في الإمامة كما
أنها أوجدت عقائد باطلة وأفكاراً فاسدة بعضها إن شاء الله.
فمن تلك العقائد الباطلة في زمن الصادق 7 أنأناساً قالوا بألوهية جعفر بن محمد
الصادق 7 وروجوا لهذا
المبدأ الفاسدة ، إلا أن الإمام 7
نفي ذلك وتبرّأ منهم.
عن الكليني بإسناده عن سدير قال : قلت
لأبي عبد الله 7
أن قوماً يزعمون أنكم آلهة يتلون بذلك علينا قرآناً : ( وهو الذي
في السماء إله وفي الأرض إله )
، فقال : يا
سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبريء الله منهم ، ما هؤلاء
على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط
عليهم ، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآناً : ( يا أيها
الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ) .
فقال يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبريء الله منهم ورسوله ،
ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا
وهو ساخط عليهم قال : فقلت فما أنتم؟ قال : نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر
الله نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن
الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض
،
وهناك طائفة زعمت أن الإمام بعد أبي
الخطاب مفضّل الصيرفي. كانوا يقولون بربوبية جعفر الصادق 7 دون نبوته ورسالته وتسمى هذه
__________________
الفرقة ( المفضّلية
) تبرّأ منهم الإمام الصادق 7
، وطردهم ولعنهم .
عن جعفر بن بشير الخزّاز عن إسماعيل بن
عبد العزيز قال : قال أبو عبد الله 7
يا إسماعيل ضع لي في المتوضأ ماء ، فقمت فوضعت له ، قال فدخل ، قال : فقلت في نفسي
أنا أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ ويتوضأ.
قال ، فلم يلبث أن خرج فقال يا أبا عبد
إسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن
تبلغوا ، فقال إسماعيل : وكنت أقول إنه وأقول وأقول.
قال المجلسي ، كذا وكذا أي أنه رب ورزاق
وخالق ومثل ومثل هذا ، كما أنه المراد بقوله : كنت أقول إنه وأقول .
وفي الكشي عن حمدويه قال : حدّثنا يعقوب
، عن ابن أبي عمير عن عبد الصمد بن بشير عن مصادف ، قال : لمّا أتى القوم الذين
اتوا بالكوفة.
ودخلت على أب عبد الله 7
فأخبرته بذلك فخر ساجداً وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى ، واقبل يلوذ ياصبعه ويقول ، بل
عبد الله قن داخر مراراً كثيرة ، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته ، فندمت على
إخباري إياه.
فقلت : جعلت فداك وما عليك أنت ومن ذا؟
فقال : يا مصادف إن عيسى لن سكت على ما
قالت النصارى فيه لكان حقاً على الله أن يصم سمعه ويعمى بصره ولو سكت عما قال في
أبو الخطاب لكان حقاً على الله أن يصم سمعي ويعمي بصري .
وروى محمد بن يعقوب عن عدته عن أحمد بن
محمد عن أبي محبوب عن مالك بن عطية عن بعض أصحاب أبي عبد الله 7 قال :
__________________
خرج إلينا أبو عبد
الله 7 وهو مغضب
فقال : إني خرجت آنفاً في حاجة فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبيك يا جعفر
بن محمد لبيك ، فرجعت عودي على بدئي إلى منزلي خائفاً ذعراً مما قال حتى سجدت في
مسجدي لربّي وعفرت له وجهي وذللت له نفسي وبرئت إليه مما هتف بي ولو أن عيسى بن
مريم عدا ما قال الله فيه إذا لصم صماً لا يسمع بعده وعمي عمي لا يبصر بعده أبداً
وخرس خرساً لا يتكلم بعده أبداً ، ثم قال : لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحديد .
كل الروايات التي بأيدينا تؤكد أن أبا
الخطاب محمد بن مقلاص هو الذي ادعى الألوهية للإمام الصادق 7 والنبوة لنفسه وروج هذا المذهب في
الكوفة وأرجئها وحاول أن يبث هذه الفكرة أولاً بين الزط من أهالي السودان والهنود
لما فيهممنضعف العقل والنظر والتمكن من خداعهم واستمالتهم بالمال أو الطعام.
روي أبو عمر عن محمد بن مسعود قال : حدّثني
عبد الله بن محمد ابن خالد ، عن علي بن حسان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله
7 قال : ذكره
عند جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب ، فقيل : إنه صار إلى غرور ، وقام فيهم
: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، قال : هو الإمام .
فقال أبو عبد الله 7 ك لا والله لا يأويني وإياه سقف بيت
ابداً ، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، والله ما صغّر عظمة
الله تصغرهم شيء قط ، إن عزيراً جال في صدره ما قالت فيه اليهود فمحى الله اسمه من
النبوة والله لو أن عيسى أقرّ بما قال النصارى لأورثه الله صمماً إلى يوم القيامة
والله لو أقررت بما يقول في أهل الكوفة لأخذتني الأرض ، وما أنا إلا عبد مملوك لا
أقدر على شيء ضر ولا نفع .
الآية المتقدمة أعني : ( وهو الذي
في السماء إله وفي الأرض إله )
من
__________________
سورة الزخرف | ٨٤ قد
تأولها أبو الخطاب وادّعى أن إله السماء غير إله الأرض وأن إله الأرض هو الإمام ، تعالى
عما يصفون.
أقول : وهذه الآية الكريمة التي بأولها أبو
الخطاب قد سبقه غيره إلى ذلك وهو بنان التبّان
المعاصر للإمام علي بن الحسين 7.
روى أبو عمر عن سعد ، قال : حدثني أحمد
بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد
الله 7 قال : إن
بناناً والسري وبزيعاً لعنم الله تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة أدمي من
قرنه إلى سرته.
قال : فقلت إن بناناً يتأول هذه الآية ( وهو الذي في السماء
إله وفي الأرض إله ) أن الذي في الأرض
غير إله السماء ، وإله السماء غير إله الأرض وأن إله السماء أعظم من إله الأرض وأن
أهل الأرض يعرفون فضل إله السماء ويعظمونه فقال : والله ما هو إلا الله وحده لا
شريك له إله من في السماوات وإله من في الأرضيين ، كذب بنا عليه لعنة الله ، لقد
صغّر الله جّل وعزّ وصغّر عظمته .
لقد ورد لعن بنان من قبل الإمام الباقر
والإمام الصادق 7
وتبرّأ منه وكذلك لعنه الإمام الرضا 7
، مما ورد في لعنه من قبل الإمام الباقر 7
: قال أبو عمرو حدثني الحسين بن الحسن بن بيدار ومحمد ابن قولويه القميان قالا : حدثنا
سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن
محمد بن أبي عمير ، عن أبي بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : سمعته يقول لعن الله بنان البيان
، وأن بناناً لعنه الله كان يكذب على أبي ، أشهد أن أبي علي بن الحسين كان عبداً
صالحاً .
ومما ورد في لعنه من قبل الإمام الصادق 7 ، قال أبو عمر
__________________
الكشي بإسناده عن
أبي عبد الله 7
في قول الله عز وجل : ( هل أنبئكم على من
تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم )
.
قال 7
هم سبعة : المغيرة بن سعيد ، وبنان ، وصائد ، وحمزة بن عمار الزبيدي ، والحارث
الشامي ، وعبد الله بن عمرو بن الحارث ، وأبو الخطاب. وفي خبر آخر عن الكشي
بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله 7
قال : إن بناناً والسري وبزيعاً لعنهم الله تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون
صولة أدمي من قرنه إلى سرته ... إلخ الحديث .
ومما ورد في لعنه وذمه عن الإمام الرضا
:
قال الكشي عن سعد : قال حدثني أحمد بن
محمد بن عيسى بإسناده عن أبي الحسن الرضا 7
قال : كان بنان يكذب على علي بن الحسين 7
فأذاقه الله حر الحديد ، وممن لعنه الإمام الرضا 7
هو محمد ابن فرات الذي اذعى النبوة في زمنه.
عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : قال أبو
الحسن الرضا 7 : يا يونس
أما ترى إلى محمد بن فرات وما يكذب علي؟ فقلت : أبعده الله واسحقه وأشقاه ، فقال :
قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا يا
يونس إنما قلت ذلك لتحذر عنه أصحابي وتأمرهم بلعنه والبراءة منه فإن الله يريء منه
.
من ادّعى الألوهية
في الإمام الكاظم 7
ومن جملة الغلاة الذين ادعوا الألوهية
والربوبية للأئمة : هم
بعض البشرية نسبة إلى محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة وهذا من أصحاب
الإمام الكاظم 7
ثم غالى فيه وقال بربوبيته بعد وفاته واذّعى النبوة لنفسه.
قال أبو عمرو : وكان سبب قتل محمد بن
بشير لعنه الله أنه كان معه
__________________
شعبذة ومخاريق فكان
يظهر الواقفة ـ أنه ممن وقف على علي بن موسى 7
ـ وكان يقول في موسى بالربوبية ويدعي لنفسه أنه نبي.
وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً
كأنه صولة أبي الحسن 7
في ثياب حرير قد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها حتى صارت شبيهاً بصورة
إنسان وكا يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان وكان
يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ، وكان يقول لأصحابه إن أبا الحسن 7 عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني
نبي فهلمّوا أعرضه عليكم فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه.
فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو
ترون فيه غيري وغيركم؟ فيقولون لا وليس في البيت أحد ، فيقول : اخرجوا فيخرجوا من
البيت فيصير هو وراء الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ثم يرفع الستر بينه
وبينهم.
فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص
أبي الحسن لا يذكرون منه شيئاً ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طيق الشعبذة أهه
يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يساره ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر
بينه وبينهم فلا يرون شيئاً .
وللبشرية عقائد وآراء فاسدة منها :
١ ـ قالوا : الظاهر من الإنسان ارضي
والباطن أزلي.
٢ ـ وزعموا ـ لعنهم الله ـ أن علي بن
موسى الرضا 7 ـ وكل من
ادعى الإمامة من ولده وولد موسى بن جعفر 7
بعده ـ مبطل كاذب بل قالوا فيه وفي الأئمة من بعدهم أنهم غير طيبي الولادة ونفروهم
عن أنسابهم وكفّروهم لدعواهم الإمامة وكفّروا القائلين بإمامتهم واستتحلوا دماءهم
وأموالهم.
٣ ـ زعموا أن العبادات المفروضة عليهم
والواجب أداءها هي إقامة الصلاة
__________________
وإعطاه الخمس وصوم
شهر رمضان ، أما الزكاة والحج وسائر الفروض الأخرى فقد أنكروها.
٤ ـ قالوا بالتناسخ وأن الأئمة عندهم
إمام واحد ، إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن ، والمواساة بينهم واحدة في المأكولات
والأموال والفروج وأباحوا وطء الرجل واعتلوا في ذلك بقول الله : ( أو يزوجهم
ذكرانا وإناثاً )
.
٥ ـ أوصوا أن الإمامة من بعد محمد بي
بشير إلى ولده سميع وأن كل من أوصى من رجالهم بشيء من الأموال في سبيل الله فهو
لسميع بن محمد لأنه الوصي من بعد أبيه والإمام القائم مقامه.
٦ ـ ادعى محمد بن بشير والبشيرية أن
موسى هو كان ظاهر بين الخلق يرونه جميعاً يتراءى لأهل النور بالنور ولأهل الكدورة
بالكدورة ، في مثل خلقهم بالإنسانية ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه وهو قائم بينهم
موجود كما كان ، غير أنهم محجوبون عنه وعن إدراكه وهو قائم بينهم موجود كما كان ، غير
أنهم محجوبون عنه وغعن إدراكه كالذي كانوا يدركونه.
٧ ـ ولما توفي الإمام الكاظم 7 فلم يجدوا بُداً إلا أن قالوا لم يمت
ولم يحبس وأنه غاب واستتر وهو القائم المهدي ، وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة
محمد بن بشير ، وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلمه وجميع ما تحتاج إليه رعيته من أمر
دينهم ودنياهم وفوض إليه جميع امره وأقامه مقام نفسه...
٨ ـ ومن جملة عقائدهم ، انهم يقولون
بالأثنينية.
هذه الفرقة لعنت على لسان الإمامين
الهمامين الصادق والكاظم 7
وقد دعيا عليه أن يذيقه الله حر الحديد وقد استجاب دعوتهما فقتل شر قتلة وحرق
بالنار.
وروى الكشي بإسناده عن علي بن حديد
المدايني قال : سمعت من
__________________
سأل أبا الحسن الأول
7 فقال : إني
سمعت محمد بن بشير يقول : إنك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا وحجتنا فيما بيننا
وبين الله تعالى.
قال : فقال : لعنه الله ثالثاً أذاقه
الله حر الحديد ، قتله. الله أخبث ما يكون من قتله فقلت له : جعلت فداك إذا أنا
سمعت منه أوليس حلال لي دمه مباح ، كما ابيح دم الساب لرسول الله 6 وللإمام؟ فقال : نعم حل والله دمه
وأباحه لك ولمن سمع ذلك منه.
قلت أوليس هذه بساب لك؟ قال : هذا ساب
الله وساب لرسوله وساب لأبائي وسابي ، وأي سب يقصر عن هذا ولا يفوقه هذا القول.
فقلت : أرأيت إذا أتاني لم أخف أن أغمز
بذلك بريئاً ثم أفعل ولم أقتله ما علي من الوزر؟
فقال : يكون عليك وزره أضعافاً مضاعفة
من غير أن ينتقص من وزره شيء أما علمت أن أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر
الله ورسوله يظهر الغيب ورد عن الله وعن رسوله 6
.
ومن النصوص الواردة في لعن محمد بن بشير
، وما رواه الكشي بإسناده عن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : سمعت أبا الحسن
موسى 7 يقول : لعن
الله محمد بن بشير وأذاقه حر الحديد ، إنه يكذب علي ، برأ الله منه وبرئت إلى الله
منه اللهم إني أبرأ إليك مما يدّعي في ابن بشير ، اللهم ارحني منه.
ثم قال : يا علي ما أحد اجترأ أن يعتمد
الكذب علينا إلا أذاقه الله حر الحديد وأن بناناً كذب على علي بن الحسن علي السلام
فأذاقه الله حر الحديد ، وأن أبا المغيرة بم سعيد كذب على أبي جعفر 7 فأذاقه الله حر الحديد ، وأن أبا
الخطاب كذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد ، وأن محمد بن بشير لعنه الله يكذب علي
برئت إلى الله منه اللهم إني أبرأ إليك مما يدّعيه فيّ محمد بن بشير اللهم أرحني
منه ، اللهم إني أسألك أن تخلّصني
__________________
من هذا الرجس النجس
محمد بن بشير ، فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمه.
قال علي بن أبي حمزة ، فما رأيت أحداً
قتل بأسوأ قتلة من محمد بن بشير لعنه الله .
من ادعى الألوهية في
الإمام الرضا 7
روى الصدوق بأسناده عن عبد السلام بن
صالح الهروي قال : جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا 7 بسرخس وقد قيّد 7 فاستأذنت عليه السجان ، فقال : لا سبيل
لك إليه 7 قلت : ولم؟
قال : لأنه ربما صلى في يومه وليلته ألف ركعة وإنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر
النهار وقبل الزوال وعند اصفرار الشمس فهو في هذه الأوقات قاعدة في مصلاه ويناجي
ربه ، قال : فقلت له : فاطلب لي منه في هذه الأوقات إذناً عليه ، فاستأذن لي ، فدخلت
عليه وهو قاعد في مصلاه متفكراً. قال : وما هو. قلت : يقولون أنكم تدعون أن الناس
لكم عبيد فقال : اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت شاهد بأني لم
أقل ذلك قط ولا سمعت أحداً من آبائي : قاله
قط وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة وأن هذه منها ثم أقبل علي ، فقال
لي : يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا ما حكوه عنا فممن تبيعهم؟ قلت : يابن
رسول الله صدقت. ثم قال عبد السلام أمنكر أنت لما أوجبت الله تعالى لنا من الولاية
كما ينكره غيرك؟ قلت : معاذ الله ، بل أنا مقر بولايتك .
من ادعى الألوهية في
الإمام علي الهادي 7
من الذين ادعوا الألوهية في الأئمة : هي فرقة النصيرية نسبة إلى محمد بن نصير
الفهري النميري ، ادّعى هذا اللعين أنه نبي وأن علي بن
__________________
محمد العسكري أرله ،
فهو يقول بربوبيته ، وتابع ابن نصير في هذه المقالة كل من ابن بابا القمي وفارس بن
حاتم القزويني.
قال أبو عمر : وقالت فرقة بنبوة محمد بن
نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري 7 أرسله وكان يقول بالتناسخ والغلو في
أبي الحسن 7 ويقول فيه
بالربوبية ويقول بإباحة المحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً ويقول إنه من
الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك.
وقد رآه يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان
وغلام له على ظهره قال : لقيته فعاتبته فقال إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله
وترك التجبر.
وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات
يقوي أسبابه ويعضده ، ذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً ، وغلام له على
ظهره وأنه عاتبه على ذلك ، فقال إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر
، وافترق الناس فيه وبعده فرقاً ثلاث.
قال ابن خاقان ـ المتقدم ـ فلما اعتل
محمد بن نصير العلة التي توفي فيها قيل له في علته وهو معتقل اللسان لمن يكون
الأمر بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد فلن يدر من هو .
قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد
المعروف بابن بابا ومحمد ابن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني لعن هؤلاء
الثلاثة علي بن محمد العسكري 7.
وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذّابين المشهورين ابن بابا
القمي.
وقال سعد : حدّثني العبيدي ، قال : كتب
إلى العسكري ابتداء منه : ابرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي
فأبرأ منهما ، فإني محذرك وجميع موالي وإني ألعنهما لعنة الله ، مستأكلين يأكلان
بنا الناس ، فتانين مؤذين ، آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً. يزعم ابن بابا
أني بعثته نبياً وأنه باب ، علهي لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله
من قبل
__________________
منه ذلك ، يا محمد
إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة .
وممن قال بربوبية الهادي 7 كل من علي بن مسعود بن حسكة القمي
والقاسم بن يقطين الشعراني القمي.
وهؤلاء تأولوا قوله تعالى : ( إن الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر )
، وقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ) ، قالوا : معناهما رجل لا ركوع ولا
سجود. وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال.
وهناك أشياء كثيرة من الفرائض والسنن والمعاصي
تأولوها وصيّروها رجلاً.
ثم من مقولة هؤلاء : أن أبا الحسن
العسكري هو الأول القديم وأنه أمر علي بن مسعود بن حسكة أن يكون باباً له ونبيه
المرسل من قبله.
وأن جميع الفرائض والعبادات من صوم
وصلاة وحج وزكاة وغير ذلك هي معرفة أبي الحسن العسكري ونبيه ابن حسكة ، قاتلهم
الله ...
عن أبي عمرو عن الحسين بن الحسن بن
بندار القمي ، قال : حدثنا سهل بن زياد الآدمي ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي
الحسن العسكري 7
: جعلت فداك يا سيدي إن علي بن حسكة يدعي من أوليائك ، وأنت الأول القديم وأنه
بابك ونبيك أمرته أن يدعو إلى ذلك ، ويزعم أن الصلاة والحج والزكاة والصوم كل ذلك
معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة فهو مؤمن
كامل سقط عنه الاستعباد بالصوم والصلاة والحج ، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك
كله ما ثبت لك ، ومال الناس إليه كثيراً فإن رأيت أن تمن على موليك بجواب في ذلك
تنجيهم من الهلكة.
قال فكتب 7
: كذب ابن حسكة عليه لعنة الله ويحسبك أني لا
__________________
أعرفه في موالي ما
له؟ لعنه الله ، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنفية والصلاة
والزكاة والصيام والحج والولاية ، وما دعى محمد 6
إلا إلى الله وحده لا شريك له.
وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله
لا نشرك به شيئاً ، إن أطعناه رحمنا ، وإن عصيناه عذّبنا ، ما لنا على الله من حجة
، بل الحجة لله عز وجل علينا وعلى جميع خلقه أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك وانتفى
إلى الله من هذا القول ، فاهجروهم لعنهم الله والجؤوهم إلى ضيق الطريق فإن وجدت من
أحد منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر .
وعن إبراهيم بن شيبة أنه كتب للإمام
الهادي 7 فقال : جعلت
فداك إن عندنا قوماً يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئز منها القلوب ، وتضيق
لها الصدور ويرون في ذلك الأحاديث ، لا يجوز لنا الإقرار بها لما فيها من القول
العظيم ولا يجوز ردها ولا الجحود بها إذا نسبت إلى آبائك ، فنحن وقوف عليها.
من ذلك أنهم يقولون ويتأولون في معنى
قول الهل عز وجل : ( إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء والمنكر )
، وقوله عز وجل ( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ) معناها رجل لا ركوع ولا سجود ، كذلك
الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا أخراج مال.
وأشياء بشبهها من الفرائض والسنن
والمعاصي قالوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت لك ، فإن رأيت أن تمن على مواليك
بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الأقاويل التي تصيرهم إلى العطب والهلاك؟ والذين ادعوا
هذه الأشياء ادعوا أنهم أولياء ، ودعوا إلى طاعتهم ، منهم علي بن حسكة والقاسم
اليقطيني ، فما تقول في القبول منهم جميعاً.
فكتب 7
: ليس هذا ديننا فاعتزله .
هناك روايات عديدة في لعن علي بن مسعود
بن حسكة ، وفارس
__________________
القزويني ، والقاسم
اليقطيني والشعراني ، ومحمد بن موسى بن الحسن بن فوات الشريعي وأبي الغمر ، وجعفر
بن واقد وهاشم بن أبي هاشم.
من أدعى الأولهية في
الإمام العسكري 7
أهل الغلو في زمن الإمام أبي محمد الحسن
العسكري 7 وبعده جماعة
كثيرة ، حيث بلغت المذاهب بعد وفاته 7
فروعاً شتى ، قال أبو خلف الأشعري : وقال سائر أصحاب لي بن محمد بإمامة ابنه الحسن
بن علي وثبتوا له الإمامة بتوصية أبيه إليه ... فافترق أصحابه من بعده خمس عشرة
فرقة .
ويبدو أن الكتاب فيه نقص أو سقط من قبل
الناسخ بعض الشيء وهو المؤكد ، حيث ذكر العلامة محمد صادق بحر العلوم في تعليقه
على الكتاب فقال :
كذا في الأصول الخطية ولكن التي عدها في
الكتاب ثلاث عشرة فرقة وكأن فيه سقطاً ، ونقل السيد المرتضى فيه الفصول المختارة
عن أبي محمد الحسن النوبختي صاحب كتاب فرق الشيعة الأربع عشرة فرقة كلها جعل
الفرقة الرابعة عشر كما يلي :
قالت فرقة أخرى أن الإمام بعد الحسن
ابنه محمد وهو المنتظر غير أنه قد مات وسيحيا يقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطاً
وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً
...
ومن جملة الغلاة في الإمام الحسن
العسكري 7 أحمد بن
هلال الكرخي وأبو طاهر محمد بن علي بن بلال والحسن بن محمد بن بابا القمي.
__________________
قال أبو منصور الطبرسي : وكان أيضاً من
جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي ، وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد 7 ثم تغيير عما كان عليه وأنكر بابيه أبي
جعفر محمد بن عثمان فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان والبراءة منه ، في
جملة من لعن وتبرأ منه. وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور
الحلاج ومحمد ابن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، لعنهم الله فخرج
التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح وهذا
نصه :
عرف ـ اطال الله بقاءك وعرفك الله الخير
كله وختم به عملك ـ من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا آدام الله سعادتهم : بأن
محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن
الإسلام وفارقه ، والحد في دين الله وادعى : ما كفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى
كذاباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً
بعيداً ، وخسروا خسراناً منيباً.
وإنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله
صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه ، ولعناه ، عليه لعائن الله تترى ، في
الظاهر منا والباطن ، والسر والجهر ، وفي كل وقت على كل حال ، وعلى كل من شايعه
وبلغه هذا القول منا فأقاه على تولاه بعده.
اعلمهم ـ تولاك الله ـ أننا في التوقي
والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من : ( السريعي ، والنميري
، والهلالي ، والبلالي ) وغيرهم وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا
جميلة ، وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل .
من ادّعى فيهم : أو في غيرهم النبوة
لا يقتصر مفهوم الغلو على ما تقدم كما
لا يقتصر على من قال بألوهية النبي 6
والأئمة سلام الله عليهم ، بل إن العقول التي نسبت الألوهية
لهؤلاء المعصومين
ولا يمكن ترويجها والأكل منها أو تمشية أمورها بواسطتها ، قد التفتت أن مريديها بل
وحتى ضعاف الناس لا يقبلون منها ذلك مما ادعت النبوة للأئمة عليهم اسلام أو لبعض
أصحابهم الأجلاء. ولا يشك أحد أن وراء هذه المزاعم مصالح ومنافع وأغراض وقد بينا
قسماً منها فيما تقدم ...
ثم إن فكرة النبوة قد تنطلي على ضعاف
العقول والمعتوهين والبله ومن حذا حذوهم من أهل الشذوذ الجنسي والنفعيين ، وقد
تنطلي أمثال هذه العقائد على بعض السذج من الناس إذا صادف أن المبلّغ لها مفوه
مصقع وذو لسان سليط ، فيسحر أولئك المساكين بالألفاظ المنمقة والبيان المعسول
والكلمات المبطنة المحتملة للتأويل.
وأول هذه الفرق هي المخمسة التي ادعت أن
الله حل في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فهم بمنزلة الشخص الواحد ولا فرق
بينهم ثم ادعوا أن سلمان الفارسي نبي ورسول من قبلهم وأنه الباب لهم وهو يظهر مع
محمد في كل حال من الأحوال في العرب والمعجم
...
ثم جاءت الخطابية لتحذوا حذوهم وتقول
بفكرة النبوة فمنهم ادعاها للإمام الصادق 7
ومنهم جعلها لأبي الخطاب وأنه مرسل من قبل جعفر بن محمد 7 وقد اتسعت الخطابية في الكوفة والبصرة
وجذبت إليها أراذل البلد وأصحاب المطامع ومن فيه عقدة الأنحراف الجنسي والخلقي.
وقد روج للخطابية عدة أشخاص ، منهم
السجادة الحسن بن علي بن أبي عثمان ، وكان هذا يتقص من الرسول محمد 6 ويجادل أصحاب الأئمة ويثير الشكوك
ويفتعل الأكاذيب ومما حدث من ذلك أنه ناظر نصر بن الصباح فقال له يوماً ما تقول في
محمد بن أبي زينب ـ أبي الخطاب ـ ومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب 6 ايهما أفضل؟
قال نصر : قلت له : قل أنت ، فقال : بل
محمد بن أبي زينب ، ألا
__________________
ترى أن الله عز وجل
عاتب في القرآن محمد بن عبد الله في مواضع ولم يعاتب محمد بن أبي زينب؟ فقال لمحمد
بن عبد الله : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً
قليلا )
و ( لئن أشركت ليحبطن عملك )
الآية وفي غيرهما ، ولم يعاتب محمد بن أبي زينب بشيء من أشباه ذلك ...
وقد تفادى أمر أبي الخطاب حتى قيل أن
مريديه والذين قالوا به
نفراً وهؤلاء جميعاً ادعوا النبوة.
قال الكشي : وذكرت الطيارة الغالية في
بعض كتبها عن المفضل
أنه قال : لقد قتل مع أبي إسماعيل يعني أبا الخطاب سبعون نبيا كلهم رأى وهلل
بنباوته .
وقد لعنهم الإمام الصادق 7 وغيره من الأئمة :. ثم قتلوا شر قتله على يد عيسى بن موسى
عامل المنصور على الكوفة .
لقد مر فيها سبق أن جماعة غالت في
الإمام الكاظم بعد وفاته ، منها بعض البشرية التي قالت بألوهية الإمام الكاظم وهذه
الجماعة سميت بالبشيرية ، نسبه إلى محمد بن بشير وهذا كان صاحب شعوذة وسحر وقد
__________________
ادعى النبوة فيما
بعد ، زعم أن الإمام موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس وأنه غاب واستتر وهو القائم
المهدي وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير وجعله وصيه وأعطاه خاتمه
وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته من أمر دينهم ودنياهم وفوض إليه جميع أمره وأقامه
مقام نفسه
...
وقد رفع خبره إلى هارون الرشيد فأراد قتله
لما أظهره من الإلحاد والكفر والزندقة إلا أنه استعطفه فقال له : يا أمير المؤمنين
استبقني فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه.
فاتخذ له الدوالي التي تعمل من غير
مستعمل فتصب الماء في البساتين. وذلك أنه عمد إلى الزئبق فرضعه بين ألواح الدوالي
فهذه عندما تتحرك بضورة فنية دقيقية تتحرك بصورة فنية دقيقة تحرك الدوالي تمتلئ
بالماء وهكذا تصب في السواقي
...
__________________
لكن عمله هذا لم يدم حيث انكسر بعض
الخشب فتعطلت عن العمل ، بعدها بمدة قتله الخليفة العباسي شر قتله .
لقد استمرت حركة الغلاة وتعددت فرقهم في
العراق واتخذت من الكوفة والبصرة قاعدة البث أفكارها بين الناس والستقطبت من كان
في نفسه هوى أو رغب عن الأئمة : ،
ومن جملة هذه الفرق هي :
المغيرية نسبة إلى المغيرة بن سعيد ، والبيانية
نسبة إلى بيان بن سمعان ، والبزيعية نسبة إلى بزيع الحائك ، والصائدية نسبة إلى
صائد الكوفي.
هؤلاء قد نصبوا أنفسهم أنبياء وجعلوا آل
محمد 9 سلم أرباباً
خالقين ، قال سعد بن عبد الله الأشعري : وزعموا أنهم أبواب وصفوة وأنهم يرون جعفر
بن محمد رباً وخالقاً في ملكوته وعظمته ، بخلاف ما تراه الشيعة المقصرة ؛ فإنهم
يرونه بوادي ولا يدركه بالنورانية إلا هم إذا كانوا أنبياء وصفوة وإن لم يكن من
صفوته يدركه بالبشرية اللحمانية الدموية يلتبس على أهل الجحود لربوبيته من مقصرة
الشيعة .
روى الكشي عن أحمد بن علي ، عن سهل ، عن
عبد الرحمن بن حماد ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن عمار بن أبي عتبة ، قال
: هلكت بنت لأبي الخطاب فلما دعنها اطلع يونس بن ظبيان في قبرها فقال : السلام
عليك يا بنت رسول الله 6
.
وفي زمن الإمام الرضا 7 كان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات
البغدادي يكذب على الأئمة وبالخصوص على الإمام علي بن موسى الرضا 7 حتى لعنه وأمر بلعنه والتبرى منه لأنه
كان يدعي النبوة وأنه باب للرضا 7.
وروى الكشي عن محمد بن قولويه ، عن سعد
، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ـ ابن عبد الرحمن ـ قال : سمعت رجلاً من الطيارة
__________________
يحدث أبا الحسن
الرضا 7 عن يونس بن
ظبيان أنه قال : كنت في بعض الليالي وأنا في الطواف فإذا نداء من فوق رأسي : يا
يونس إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري ، فرفعت رأسي فإذا ج
، فغضب أبو
الحسن 7 غضباً لم
يملك نفسه ثم قال للرجل : أخرج عني لعنك الله ولعن من حدثك ولعن يونس بن ظبيان ألف
لعنة تتبعهما ألف لعنة كل لعنة منهما تبلغ مقر جهنم ، أشهد ما ناداه إلا الشيطان ،
أما يونس ـ بن ظبيان ـ مع أبي الخطاب في أشد العذاب مقرونان ، وأصحابهما إلى ذلك
الشيطان مع فرعون وآل فرعون في أشد العذاب سمعت ذلك من أبي 7.
فقال يونس ـ بن عبد الرحمن ، فقام الرجل
من عنده فما بلغ الباب إلا عشر خطاً حتى صرع مغشياً عليه قد قاء رجيعه وحمل ميتاً
فقال أبو الحسن 7
: أتاه ملك بيده عمود فضربه على هامته ضربة قلب منها مثانته حتى رجعه وعجل الهل
بروحه إلى الهاوية وألحقه بصاحبه الذي حدثه يونس بن ظبيان ، ورأى الشيطان الذي كان
يتراءى له .
وممن كان يدعى النبوة في زمن علي بن
محمد الهادي هو علي بن حسكة الجواز القمي. والقاسم اليقطيني الشعراني.
قال محمد بن عيسى فأخبراني ـ جعفر بن
عيسى وعلي بن إسماعيل الميثمي ـ وغيرهما أنه ما لبث محمد بن فرات إلا قليلاً حتى
قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتله وكان محمد بن فرات يدعى أنه باب وأنه نبي ، وكان
القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان لعنهما الله .
وممن ادعى النبوة زمن الإمام الهادي 7 محمد بن نصير الفهري النميري وزعم أن
علي بن محمد العسكري أرسله نبياً للناس وقد مرّ الحديث عنه وعن اعتقاده الفاسد.
قال نصير بن الصباح : الحسن بن محمد
المعروف بابن بابا ـ القمي ـ
__________________
ومحمد بن نصير
النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، هؤلاء الثلاثة ورد لعنهم على لسان الإمام علي
بن محمد العسكري 7.
وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض
كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن باب القمي.
قال سعد : حدثني العبيدي ، قال : كتب
إلى العسكري ابتداءاً فيه : أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي
، فأبرأ منهما ، فإني محذرك وجميع موالي وإني ألعنهما ، عليهما لعنة الله ، مستاكلين
يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذيين آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً.
يزعم ابن باب أني بعثته نبياً وأنه باب
عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فاغواه
...
هذه نظرة سريعة عمن قال بنبوة بعض
الأئمة أو من ادعاها لنفسه وأنه مرسل من قبل لعنهم الله أنى يؤفكون.
وقد عرفت أن الأئمة سلام الله عليهم
لعنوا أصحاب تلك المقالات وتبرؤوا منهم وأمروا مواليهم وشيعتهم أن يتبوؤوا من
أولئك ، بل عرفت فيما تقدم أمر به الإمام الكاظم 7
السائل وقد حرضه على قتل محمد بن بشير. ومثل ذلك الأمر قد صدر من الإمام الحسن
العسكري وتحريضه على قتل علي تن حسكة.
فأصحاب هذه المقالات ليست من الشيعة
الإمامية ، بل إنها كافرة مشركة قد خرجت عن الإسلام بارتدادها ، فما كان يروونه
ويؤخذ برواياتهم إنما هو في زمن استقامتهم وقبل منقلبهم ، فالعبرة في زمن الأداء
لا في وقت التحمل ، فإذا كان الأداء زمن الاستقامة فيؤخذ بها ، وما كان في زمن
الإنحراف والخبط فذاك مردود ، سواء كان من هؤلاء أو من غيرهم ممن خالفنا في
العقيدة والمبدأ.
فمثل هذا الغلو لا تجد له سبيل في
مرواياتنا. بل إن الشيخ الكليني دون من الحداديث وأخبار المعصومين ما يرد على
أصحاب الأهواء الباطلة
__________________
والعقائد الفاسدة ، وقد
بينا في كتابنا ( الكليني والكافي ) منهجية الشيخ في الكافي خصوصاً في كتاب الحجة
، قد بين الشيخ هناك وفي الأبواب التي أفردها للإمامة ما تؤكد سلامه عقيدته في
الأئمة : حيث جاءت
الأخبار المتواترة الصحيحة عنهم : تؤكد
عبوديتهم لله وأنهم عبيد مخلوقون له جل وعز ، وأنهم عباد مكرمون معصومون.
فأي شيء من الغلو يصدق على مرويات
الكليني في كتابه؟ ...
كما أن ضعف الراوي أو فساد مذهبه لا
يعني عدم صحة المروي فيك كل الحالات ، بل لو قام الدليل أو وجدت بعض الإمارات
الدالة على صحة المتن عمل به.
الفصل
الثاني
الغلو في العقائد
القول
بالتشبيه
القول
بالجبر والتفويض
القول
بالحلول والتناسخ
القول
بأن الأئمة يعلمون الغيب
القول
بالتفويض المطلق للرسول والأئمة :
من الغلو ـ القول
بالتشبيه
لقد بحث علماء الكلام والعقائد عن صفات
الله تعالى وأسمائه المباركة وأن صفاته الكمالية والجلالية إنما هي مختصة به ولا
يشاركه أحد ، لذا لا يوصف بما توصف به المخلوقات لأنه ليس بجسم ولا صورة ، ولو
قلنا بذلك فقد جسدناه معاذ الله.
فهو تعالى منزه عن الجسمية ، وقد كفر من
جسده كاليهود لما قالوا اشتكت عيناه فعادته الملائكة ، وبكى على طوفان نوح حتى
رمدت عيناه وإن العرش ليئط من تحته كأطيط الرحل الجديد ... الخ وكذا لما قال آخرون
وهم الحشوية من أصحاب الحديث أنه يجلس على الكرسي كما يجلس البشر متخذين قوله
سبحانه دليلاً : ( وكان عرشه على الماء )
وقوله تعالى : ( ثم استوى على العرش يدبر الأمر )
فإن اليهود جعلوا لله صفات هو منزه عنها بل إنما هي للمخلوقين.
وقد حذا بعض طوائف المسلمين حذو اليهود
، كالمجسمة والمشبه إذ وصفوه كيف ينظر وكيف ينزل يتكلم ... ثم روى الحشوية أخباراً
عن النبي 6 تظمنت
الصورة وغيرها من أعضاء البدن منها : إنهم رووا عنه 6
إنه سبحانه وتعالى : « خلق آدم على صورة الرحمن » ، وقوله : حتى يضع الجبار قدمه
في النار ، وقوله : قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن ،
__________________
وقوله : وضع يده أو
كفه على كتفي ، وقوله : حتى وجدت برد أنامله على كتفي وقد زادوا في الأخبار أكاذيب
وضعوها ونسبوها إلى النبي 6
وقد أجروا كل هذه على ما يتعارف في صفات الأجسام. وهذه كلها من مستلزمات المادة
بالعرض ، وإذا قلت بهذه العوارض المادية فلا بد من القول باجوهر وبالتالي تنتهي
إلى الجسمية وهذا على الله لا يجوز بل إنه من مستلزمات الحادث وسبحانه قديم.
فسبحانه لا يمكن تشبيهه بشيء ولا شيء له
شبيه به. ومما يذكر أن اليهود جاءت إلى النبي 6
: صف لنا ربك فإن الله أنزل نعمته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو؟ ومن أي جنس هو؟
أذهب أم نحاس أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها؟
فأنزل الله تبارك وتعالة سورة الإخلاص ،
وهي نسبته.
لو حرص البشر جميعاً أن يميزوا سبحانه
بأوصاف المخلوقات ولو في أدق المعاني وأجمل العبارات ، فإن ذلك من الأوهام
والتخرصات ومهما بالغ العقلاء على أن يصفوه بصفات البشر فلا محالة أنه سيكون
مخلوقاً مثلنا ، وكل مخلوق ومصنوع حادث وسبحانه ليس بحادث بل إنه قديم منذ الأزل.
ولا يخفى أن بعض الطوائف والفرق التي
انتحلت الإسلام كالحشوية القائلين بالجبر والتشبيه وأن الله تعالى موصوف عندهم
بالنفس واليد والسمع والبصر هي مجسمة ومشبه ، إذ جمدوا على ظواهر الألفاظ من
القرآن الكريم فلم يسعهم المقام أن يفهموا القرآن فهما صحيحاً وإدراكاً شاملاً
لدقائق المعنى وجمال التأويل الوارد من أهل البيت :.
لما كانت معرفة الله تعالى أساس الطاعة
والعبادة ، وما لم يعرف لا يمكن أن يطاع ، كما أن معرفته سبحانه لا تتم بإذعان
العبد بوجوب وجوده ، ولا يكون هذا الإذعان ما لم يؤمن العبد بوحدانيته أي لا شريك
له ، لأن الواجب لا يتعدد.
فعلى كل فرد أ ، يوحد هذا الواجب القديم
الفرد الصمد ، وهذا التوحيد ، لا يتم إلا بإخلاص له ، ومن جملة الإخلاص هو نفي
الصفات الزائده عنه ، فصفاته عين ذاته ، فإن علمه وقدرته وأرادته وسمعه وبصره كلها
موجودة بوجود ذاته الأحدية وذاته جامعة ومستوعبة لها ، وهي عينها وليست زائدة على
الذات , ولا خارجة عنها أما من حيث الصفات فهي على قمسين.
أولاً
: الصفات الثبوتية وهذه على نحوين :
١ ـ الصفات الثبوتية الحقيقية والتي
تسمى بالصفات الكمالية. ( صفات الجمال والكمال ) كالعلم والقدرة والغنى والإرادة
والحياة.
٢ ـ الصفات الثبوتية الإضافية : كالخالقية
والرزاقية وهذه ترجع إلى صفة القيومية لمخلوقاته.
ثانياً
: الصفات السلبية ( الجلال ) وهي ترجع جميعها إلى سلب واحد وهو سلب الإمكان عنه أو
قل سلب نقصه عنه سبحانه ، مثل سلب الجسمية والسكون والحركة والثقل والخفة ...
وقد ذكرنا فيما تقدم أن الحشوية كانت
تذهب إلى التجسم أو التشبيه ، فإن مضر وكهمس وأحمد الهجيمي : إنهم أجزوا على ربهم
الملامسة والمصافحة وإن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا
في الرياضة والاجتهاد إلى حد الخلاص والاتحاد المحض.
بل وأكثر من هذا فقد حكي عن الكعبي عن
بعضهم : إنه كان يجور الرؤية في دار الدنيا ، وان يزوروه ويزورهم.
وحكي عن داود الجورابي أنه قال بالنسبة
لله تعالى : أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك. وقال أن معبوده : جسم
ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين ، ومع ذلك فهو جسم
لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء.
ثم إن الحشوية قد أجرت الألفاظ التي هي
في القرآن على ظاهرها كالاستواء والوجه واليدين والجنب والمجيء والاتيان والفوقية
وغير ذلك فهي تعني في إطلاقها المعاني الخارجية الصادقة على الأجسام.
وقد زادت الحشوية على تلك المعاني إنهم
ضعوا الأكاذيب وافتعلوا الأخبار ونسبوها إلى النبي 6
وهي في الحقيقة أخبار مقتبسة من اليهود ، فمثلاً قالوا اشتكت عيناه فعادته
الملائكة ، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ، وأن العرش ليئط من تحته كأطيط
الرحل الجديد.
ثم نسبت المشبهة إلى النبي أقوال منها :
أنه قال : ( لقيني ربي ،
فصافحني وكافحني
ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله
...
ولو تخطينا البحث لوجدنا أن الحشوية
كمصطلح يشمل عامة جمهور المسلمين إلا أنهم في عقائد متباينة ومذاهب مختلفة فهي
تشمل فرقة الشكاك والبترية أصحاب الحديث وعلى نذهبهم سفيان بن سعيد الثوري وشريك
بن عبد الله ولبن أبي ليلى ومحمد بن إدريس والشافعي ومالك بن أنس وإضرابهم ...
وقد اختلف جمهور المسلمين ـ أي السلف
منهم ـ مع المعتزلة فالأولى كانت تثبت الصفات للخالق والمعتزلة كانت تنفي عنه ، ورأي
السلف في الصفات أنها كما وردت في القرآن وغير قابلة للتأويل بل تحمل على ظاهرها ،
وفي نفس الوقت اعتقادهم بالله أنه لا شريك له وليس كمثله شيء ... غير أن متأخري
السلف ، قالوا لا بد من إجراء هذه الصفات على ظاهرها والقول بتفسيرها كما وردت من
غير تعرض للتأويل ولا توقف في الظاهر ، فوقعوا في التشبيه الصرف ، وذلك على خلاف
ما اعتقده السلف .
ومن جملة المجسمة أو المشبهة طائفة تسمى
بالكرامية وهم أصحاب عبد الله محمد بن كرام وربما تشعبت هذه الفرقة لتشمل اثنتي
عشرة فرقة تقول بالتجسيم مع اختلاف في صورة هذا التجسيم وهيئته.
وإن مقالة محمد بن كرام تنص على أم
معبوده جوهر استقر على العرش ، وفي وجوده ذاتاً من فرق وأنه مماس للعرش من الصفحة
العليا ، وجوز الانتقال والتحول النزول وإلى غير ذلك من مقولات التجسيم التي قالت
به أصول هذه الفرقة كالعابدية والتونية والزرمينية والاسحاقية والواحدية
والهيمصمية ، فهذه الفرق أثبتت الجهات الست لله سبحانه ، ومنهم أثبت له سبحانه بعض
الجهات كافوقية والتحتية وقد أخطأ الشهرستاني عندما نسب التشبيه إلى الشيعة فقال :
وكان التشبيه بالأصل والواصع في الشيعة ، وإنما عادت إلى بعض أهل السنة بعد ذلك ، وتمكن
الاعتزال فيهم لما رأوا أن
__________________
ذلك أقرب إلى
المعقول وأبعد من التشبيه والحلول .
في الحقيقة أن التشبيه والتجسيم أخذه
السلف أي جمهور السنة من اليهود والنصارى لما دخلت الأخبار والإسرائيليات في
ثقافتهم وقام رواة الأحاديث يسألون بعض اليهود والنصارى في مسألة الخالق وبدء
الكون وقصص تميم بن اوس الداري النصراني الذي كان يبثها بين المسلمين في مسجد
الرسول بإجازة من الخليفة عمر بن الخطاب وذلك في الأسبوع ساعة واحدة وقد زادها
عثمان بن عفان في زمنه فجعلها ساعتين في يومين في الاسبوع.
أما الغلاة الذين لعنوا على لسان الأئمة
المعصومين وتبرؤوا منهم إنما هم خرجوا من ربقة الإسلام بمقولتهم الفاسدة فكيف يصدق
عليهم أنهم من الشيعة؟!.
ففي حديث الإمام علي بن موسى الرضا 7 للحسين بن خالد توضيح ذلك : قال 7 : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر
مشرك ونحن منه يراء في الدنيا والآخرة يا بن خالد إنما وضع والأخبار عنا في
التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله تعالى ...
ثم إن صدر الحديث هو قول ابن خالد الرضا
7 يكشف هذه
ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار في ذلك عن أبائك الأئمة :
... فكان جواب الرضا أن الغلاة هي التي وضعت تلك الأخبار. وإليك نص الحديث :
قال الصدوق بإسناده عن الحسن بن خالد عن
أبي الحسن علي بن موسى الرضا 7
قال : قلت له : يا ابن رسول الله إن الناس ينسبونا إلى القول بالتشبيه والجبر لما
روي من الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة : فقال
: يا ابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمة
__________________
: في
التشبيه والجبر أكثر أم الأخبار رويت عن النبي 6
في ذلك؟
فقلت بل ما ريو عن النبي في ذلك أكثر ، قال
:
فليقولوا ان رسول الله 6 كان يقول بالتشبيه والجبر إذاً ، فقلت
له : إنهم يقولون : إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئاً وإنماروي ذلك عليه ، ثم قال 6 : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر
مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة يا ابن خالد إنما وضع الأخبار عنا في
التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله تعالى من أحبهم فقد أبغضنا ومن
أبغضهم فقد أحبنا ومن والاهم فقد عادانا ومن عادهم فقد والانا ومن وصلهم فقد قطعنا
ومن قطعهم فقد وصلنا ومن جفاهم فقد برانا ومن برهم فقد جافانا ومن اكرمهم فقد
أهاننا ومن أهانهم فقد أكرمنا ومن قبلهم فقد ردنا ومن ردهم فقد قبلنا ومن أحسن
إليهم فقد أساءنا ومن أساهء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدقهم فقد كذبنا ومن كذبهم
فقد صدقنا ومن أعطاهم فقد حرمنا ومن حرمهم فقد أعطانا ، يا ابن خالد من كان من
شيعتنا فلا يتخذن منهم ولياً ولا نصيراً .
إن كتبنا العقائدية والحديثية زاخرة
بالأخير والواردة عن أهل البيت والأئمة المعصومين 7
التي تؤكد على نفي التشبيه والتجسيم منه سبحانه وعلى سبيل المثال نذكر بعضها :
الكليني بإسناده عن الحسين بن سعيد قال
سئل ابو جعفر الثاني 7
يجوز أن يقال لله إنه شيء؟ قال نعم نخرجه من الحدين : حد التعطيل وحد التشبيه .
محمد بن يعقوب بإسناده عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله 7
أنه قال للزنديق حين سأله : ما هو؟ قال هو شيء بخلاف الأشياء أرجع بقولي إلى إثبات
معنى وإنه شيء بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يحبس ولا يدرك
بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام ولا
__________________
تنقصة الدهور ولا
تغيره الأزمان ، فقال له السائل : فتقول إنه سميع بصير؟ قال هو سميع بصير : سميع
بغير جارحة وبصير بغير إله ، بل يسمع ويبصر بنفسه ليس قولي : إنه سميع بنفسه وبصير
يبصر بنفسه إنه شيء والنفس شيء آخر ولكن أردت عبارة عن نفسي إذا كنت مسؤولاً
وإفهاماً لك إذا كنت سائلاً ، قأقول : إنه سميع بكله لا إن الكل منه له بعض وكني
أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك إلا إلى إنه السميع البصير العالم
الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى.
قال هل السائل : فما هو؟ قال أبو عبد
الله 7 : هو الرب
وهو المعبود وهو الله وليس قولي : الله إثبات هذه الحروف : ألف ولام وهاء ولا راء
ولا باء ولكن ارجع إلى معنى وشيء خالق الأشياء وصانعها ونعت هذه الحروف وهو المعنى
سمي به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود جل وعزّ.
قال له السائل : فإنا لم نجد موهوماً
إلا مخلوقاً ، قال أبو عبد الله 7
لو كان ذلك كما نقول لكان التوحيد عنا مرتفعاً لأنا لم نكلف غير موهوم ، لكنا نقول
: كل موهوم بالحواس مدرك به تحده الحواس مدرك به تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق ، إذ
كان النفي هو الإبطال والعدم.
والجهة الثانية : البشبيه ، إذ كان
التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود
المصنوعين والاضطرار إليهم ، إنهم مصنوعون وإن صانعهم غير وليس مثلهم إذ كان مثلهم
شبيهاً بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد إذ لم يكونوا
وتنقلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا
إلى تفسيرها لبيانها ووجودها
...
الكليني بإسناده عن داود الرقي قال : سألت
ابا عبد الله 7
عن قول الله عز وجل ( وكان عرشه على الماء )
فقال ما يقولون؟ قلت : يقولون : إن العرش كان على الماء والرب فوقه ، فقال كذبوا
من زعم هذا
__________________
فقد صير الله
محمولاً ووصفه بصفة المخلوق ولزمه أن الشيء الذي يحمله أقوى منه ...
من الغلو ـ القول
بالجبر أو التفويض
من العقائد المهمة والشائكة الملتبسة هي
مسألة الجبر والتفويض ، والتي ترتبط بالمصطلح العقائدي الآخر ( القضاء والقدر ).
لقد برزت عقائد وفرق تنادي كل واحد منها
بما يميزها عن الأخرى في تلك المسألة وأصل الموضوع هو البحث عن مسألة حرية الإرادة
التي تعتبر الجذر الأساس لفكرة القضاء والقدر ، والتي شغلت علماء المسلمين منذ
القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع منه. ولم يشهد العالم الإسلامي تياراً فكرياً
جاوفاً وصراعاً عقائدياً حاداً كالتيار الذي أحدثه هذا الموضوع.
ولا ننسى أن جذور هذا البحث إنما ورثه
السملمون من الأمم السابقة والحضارات المتقدمة وبالخصوص الحاضرة اليونانية
والمعتقادات والدينية السائدة هناك ، والخلافات التي أحدثتها تلك المذاهب بين
اليونايين.
مسألة الجبر والتفويض أو القضاء والقدر
ترتبط بالتوحيد من جانب ، وبالعدل الإلهي والقدرة الإلهية من جانب آخر.
وقد انقسم المسلمون المتكلمون في هذه
المسألة إلى فرقتين متميزتين :
الفرقة
الأولى : قالت إن كل أفعال الإنسان كسائر
الموجودات الكونية هي افعال الله تعالى. وليس للإنسان أي مشيئة أو إرادة في ذلك
الفعل وبعبارة أخرى أنكروا حرية الإنسان في أعماله وتصرفاته. وهذه تسمى بالمجبرة.
الفرقة
الثانية : قالت إن أفعال الإنسان هي أفعال
حقيقية اختارها بإرادته وحريته من دون أن يكون لله عليه سلطان أو إرداة فيها.
وبعبارة أخرى قالوا بأصالة اختيار الإنسان ، وإنمه يتمتع بكامل الحرية في أفعاله
وتصرفاته ، وأما دائرة حريته فهي واسعة لا يحدثا شيء ولا يردعها رادع. وهذه تسمى
بالمفوضة. وقد ذهب كل فريق إلى استنباط الأدلة والتدليل على صحة
__________________
إن التفكير في هذه
الأمور تورثه الحيرة والندم لأنها قد توصله إلى التشكيك في كثير من معتقداته
الدينية ، لهذا جاء النهي عن البحث في هذا الموضوع فقال أمير المؤمنين 7 لما سئل عن القدر : طريق مظلم فلا
تسلكوه وبحر عميق فلا تلجوه وسر الله فلا تكلفوه.
ثم إن الرسول 6 ذم القدرية فقال : ( إن القدرية مجوس
هذه الأمة ) وقال 6
: القدرية خصماء الله في القدر وقد تذرع بهذا الحديث كل من المجبرة والمفوضة وكل
واحد منها كفرت الأخرى ونسبتها إلى القدرية.
فالمجبرة تسمى المفوضة بالقدرية لأنهم
ينكرون القدر وينفون الإرادة الإلهية عن كل تصرفات الإنسان لأن الإنسان مختار في
أفعاله ، له مطلق الحية والإرادة في تصرفاته.
والمفوضة تسمى المجبرة بالقدرية لأنهم
يثبتون القدر لله ويقولون أن أفعال العباد مخلوقة لله والإنسان عديم الإرادة.
والمستفاد من أخبار المعصومين : إن كلا الفريقين هم ينتمون إلى القدرية
لكن إنتماء تضاد بينها ، فالمجبرة ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية وكل أفعال
الخلق إلى غير الإنسان أي إلى الله سبحانه وهذا ما يوافق المجوس القائلين بكون
فاعل الخير والشر غير الإنسان ، وهذا مما ينطبق على المجبرة من حيث إثبات القدر
لله وسلب الاختيار من الإنسان.
وأما المفوضة فهم القائلون بخالقين : الأول
وهو الله الذي خلق الأشياء وأكملها ثم انفصلت عنه فلا سبيل لها في الأرتباط به
سبحانه والثاني وهو الإنسان بالنسبة لأفعاله ، لأنه مختار في كل تصرفاته وحريته
مطلقاً لا دخل لإرادة الله فيها. وهذا مما يوافق المانوية الذين قالوا أن العالم
مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والأخر ظلمة وأنهما أزاليان لم يزلا وهذه أثنينية ، وهي شرك بالله ، ويوافق
المجوسية إذ أثبتوا أصلين قديمين مدبرين هما يزدان وأهرمن أي النور والظلمة.
__________________
المذهب من خلال
الأدلة العقلية والآيات الكريمة فمثلاً استدل المجبرة على صحة عقيدتهم بالآيات
القرآنية منها :
قوله تعالى : ( يضل من
يشاء ويهدي من يشاء )
وقوله تعالى
: ( والله خلقكم وما تعملون )
وقولة تعالى ( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً ) .
أما المفوضة فقد استدلوا بآيات غيرها منها : قوله تعالى : ( اليوم
تجزي كل نفس بما كسبت )
وقوله تعالى
( كل امرئ بما كسبت رهين )
وقوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء
بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها )
وقوله تعالى
( ذلك بإن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على
قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
وقوله تعالى
: ( اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) .
وقوله تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )
وتعالى ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله )
وهكذا آيات كثيرة استدلوا بها على أن الإنسان مختار في فعله له حرية الإرادة في
تصرفاته.
الإنسان عندما يستعرض شريط الحياة
والوجود والحوادث والحركة الدؤبة في هذا الكون فإنه يجد نفسه لا ينفلت من إطار
الجبر والقهر في وجوده قبل أن يولد وإلى أن يلقى حتفه ، فليست له إرادة أو اختيار
في وجوده كما أن عدمه أو موته هو الآخر ليس من فعل إرادته وحرية أفعاله.
وفي الوقت نفسه لو أن الإنسان أنعم
النظر فيما حوره من تصرفات وافعال سوف يجد أن حياته اليومية وما يصحبها من حركة
وسكون تصرفات كلها تنطلق من حريته الخاصة وإرادته الجيدة التي لا قسر ولا جبر ولا
إكراه عليه من غيره.
هذا اللون من النتائج سوف يجعل الإنسان
في حيرة ويجد نفسه عاجزاً في تبني أي فكرة كي يطبقها أو يجعلها محوراً لعقائده
الفكرية والدينية ، بل
__________________
فيصدق عليهم جميعاً
ـ المجبرة والمفوضة ـ تسميتهم بالقدرية ، لما عرفت من أنهم ينفقون القدر ويجعلون
سلطان الإنسان هو المتحكم ، كما أنه يصدق عليهم قول الرسول 6 مجوس هذه الأمة. فالقدرية القائلون
بالاختيار يلتقون مع المعتزلة.
والقدرية القائلون بالجبر يلتقون مع
الأشاعرة والفقهاء من أهل الحديث والسنة ، وأول من قال بالقدرية بمعنى الاختيار هو
أحد النصارى من أهل العراق الذي اعتنق الإسلام ثم رجع عنه وقد أخذ عنه معبد الجهني
وغليان الدمشقي فالأول تبنى هذه الفكرة ونشرها في الكوفة وحواليها ثم البصرة وبعد
ذلك أصبح الداعي الأول لأهل العراق. أما غيلان الدمشقي فأخذ على عاتقه نشر فكرة
الاختيار في بلاد الشام.
وقد اعتنق فكرة الاختيار والتفويض جماعة
كبيرة من أهل العراق بسبب دعوة معبد الجهني إياها ، الذي عمل لها زمناً طويلاً إلى
أن اشترك مع ثورة عبد الرحمن بن الاشعث ثم أسر وأخيراً صلبه الحجاج بن يوسف الثقفي.
وبعد الجهني برز واصل بن عطاء كصاحب مدرسة. أما غيلان الدمشقي لما استفحل أمره في
الشام وضواحيها وقد آل الأمر في الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز عمل له مناظرة
كلامية استطاع بها أن يقنعه ووعده أن يرجع ...
ثم قيل أنه قتله هشام بن عبد الملك لما
أفحمه الأوزاعي في إحدى مناظراته في القدر. وقيل أن هشام بن الحكم تصدى لقتله
بعدما أن تناطرا في القدر.
وأول من قال بالقدر بمعناه السائد عند
الأشاعرة والجهمية والفقهاء من أهل السنة ، هو الجعد بن درهم مولى بني الحكم وهو
من قاطني الشام ، وله اتصال مع اليهود هناك ، ومنهم أخذ فكرة الجبر وبثها بين
المسلمين ، ثم استعمله الحكام الأمويون وكان يتولى لهم تربية أبنائهم ويروج لما
يعتقده ، وقد أخذ منه الجهم بن صفوان
فكرة الجبر عندما إلتقى به في الكوفة وأصبحت مدرسته هي الأخرى في الكوفة تناقض
مدرسة واصل بن عطا وقد
تبنى الحكام
الأمويين المجرسة الجهمية أي الجبرية وروجوا لها بل تحمس للدفاع عنها طبقة الأمراء
والولاة والقضاة ، وهم الذين يوعزون تصرفاتهم وظلمهم إلى الباري عز وجل وعلى الناس
مجاراتهم لأنهم مجبرون في الرضوخ والتسليم طالما أفعال هؤلاء الظلمة مخلوقة لله ـ
على حد زعمهم ـ فهي ليس من إرادة الإنسان وحريته.
بهذا التعليل استطاع بني أمية أن يذلوا
الرقاب وبستولوا على السلطة ويرتكبوا أفظع الجرائم في التاريخ ويقارفوا المنكرات
ويلهو ويولعوا في الشهوات والملذات وكان على رأسهم يزيد بن معاوية.
فليس من الغريب أن نجد الجعد بن درهم
والجهم بن صفوان وأمثالهم يحتلون الصدارة في قصور الحكام وتشملهم الرعاية الخاصة
من قبل الأمويين طالما نفسوا لهم كربتهم في أعذارهم وأباحوا لهم ارتكاب كل جرم
يخطر ببالهم.
فمثلاً من جملة ما قاله الجهم بن صفوان
: إن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنما يخلق الله تعالى
الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتنسب إليه الأفعال مجازاً ، كما
تنسب إلى الجمادات ... والثواب والعقاب جبر ، كما أن الأفعال كلها جبر ، وإذا ثبت
الجبر فالتكليف أيضاً كان جبراً.
وعلى هذا قال : لا يجوز أن يوصف الباري
تعالى بصفة يوصف بها خلقه ، لأن ذلك يقضي تشبيها فنفى كونه : حياً عالماً ، وأثبت
كونه : قادراً ، فاعلاً ، خالقاً ، لأنه لا يوصف شيء من خلقه : بالقدرة ، والفعل ،
والخلق
...
وممن قال بفكرة الجهمية من الجبرية هم
النجارية
والضرارية
وأكثر معتزلة أهل الري.
__________________
قال الحسين النجار : الباري تعالى مريد
نفسه كما هو عالم لنفسه فألزم عموم التعلق ، فالتزم ؛ وقال : هو مريد الخير والشر
، والنفع والضر. وقال أيضاً : معنى كونه مريداً أنه غير مستكره ولا مغلوب. وقال : هو
خالق أعمال العباد خيرها وشرها ، حسنها وقبحها ، والعبد مكتسب لها ...
أما ضرار بن عمرو فقال : الباري تعالى
عالم قادر على معنى أنه ليس بجاهل ولا عاجز ، وأن أفعال العباج مخلوقة للباري
تعالى حقيقة ، والعبد مكتسبها حقيقة وجوز لذلك حصول فعل بين فاعلين .
هذه هي الجبرية التي صيرت الإنسان
كالريشة في مهب الريح لا يملك شيئاً من تصرفاته وأفعاله.
ثم جاء الأشعري ليؤكد تلك المقالة التي ذهب إليها
المجبرة ، فقال إن أعمال العباد مخلوقة لله ومقدروة له ، ولقوله تعالى : ( والله
خلقكم وما تعملون )
لا يشاركه
في الخلق غيره ، وقال : أخص وصفه تعالى هو القدرة على الاختراع ثم قال : الإيمان
والطاعة بتوفيق الله تعالى ، والفكر والمعيصية بخذلانه ، والتوفيق عنده : خلق
القدرة على الطاعة ، والخذلان عنده : خلق القدرة على المعصية .
استدل المجبرة القائلون بأن الأفعال
مخلوقة لله بعدة أمور يمكن إيجازها بما يأتي :
أولاً
: قالوا أن الإسلام غير قادر على أفعاله ولا موجوداً لها بنفسه ، ولو كان الإنسان
قادراً ، لزم اجتماع قادرين على فعل أو مقدور واحد ، لأن الله قادر على كل شيء ، والإنسان
إذا قلنا قادراً على إيجاد فعله ، كانت قدرتان قد اجتمعتا وهذا باطل بدليل لو أراد
الإنسان إيجاد فعل وكانت ارادة الله تعالى عدمه ، أدى إلى اجتماع النقيضين ، وإن
وقع أحدهما دون الآخر
__________________
أدى إلى ترجيح
أحدهما وترك الآخر بدون مرجح ، وكل ذلك باطل ... إذن لا بد من القول بقدرة واحدة
هي قدرة الخالق وإن أفعال العباد مخلوقة له.
ثانياً
: لما كانت قدرة الله تعالى مطلقة ، أي
أنه قادر على كل شيء ، ويفعل ما يريد وإرادته لا تقهر ولا ترد ، إذن لا مجال للقول
بأي قدرة للعبد ، وإذا قلنا أن العبد يعنل بقدرته ، أدى بنا إلى تعطيل قدرة الله
ووصفه بالعجز ، وهذا يناقض قدرته وإشاءته في كل آن.
ثالثاً
: كون الأفعال الصادرة من العباد مخلوقة لله ، لأنها محتاجة إلى مرجح وهذا المرجح
لا بد أن يكون مرجعه إلى الله وإلا لو كان بترجيح من العبد فلا يؤدي إلى النتيجة
الفاعلة ، بمعنى أن كل ترجيح ـ لو كان من العبد ـ هو محتاج إلى ترجيح آخر ، والترجيح
الثاني مفتقر إلى ترجيح ثالث ، وهكذ يقع التسلسل.
إذن لا بد من القول بأن ، افعال العبد
صادرة بترجيح خارجي منوط بالله سبحانه.
هذه بعض استدلالات الأشاعرة وأهل الجبر
ومن تابعهم من الفقهاء من أهل السنة والحديث ، إلا أنها استدلالات ضعيفة قابلة للرد
ليس هذا محلها ، وقد تصدى لردها المعتزلة وعلماء الكلام على مر التاريخ ، وإن
كتبهم زاخرة بالردود والنقوض ، على أنها هي الأخرى قابلة للرد والنقض.
فمن جملة الردود التي تصح في المقام هي
:
أولاً
: لو كانت أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأن الإنسان مجبور عليها فهذا يعني إبطال
الثواب والعقاب وهذا خلاف ما يصرح به القرآن الكريم حيث قال تعالى : ( فمن يعمل
مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )
وقوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسؤولون )
وقال تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة )
وقال تعالى : ( ولتسألن عما كنتم تعملون )
وقوله تعالى : (... هل تجزون إلا ما كنتم تعملون )
وقوله تعالى : ( فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون إلا ما
كنتم تعملون )
وقوله تعالى
: ( إن
__________________
الذين
يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون )
وهكذا آيات
كثيرة تنص على المجازاة وإداء المعروف لمن أحسن في الدنيا والعقوبة لمن أساء فيها.
ثانياً
: إذا كانت أفعال العبد مخلوقة لله ، فإن
ذلك سوف يؤدي إلى تكليف بما لا يطاق وهذا غير صحيح ، عن أبي عبد الله الصادق 7 قال : الله أكرم من أن يكلف الناس ما
لا يطيقون والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد .
ثالثاً
: إذا كانت أفعال العبد مخلوقة لله ، فما فائدة بعض الأنبياء والرسل وإنزال الكتب
والشرائع؟! أو لم تكن الغاية من بعثهم لهداية الناس وإنذارهم وتعليمهم العبادة
الحقة وتحذيرهم من السقوط والهلكة؟!
قال تعالى : ( هو الذي
بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته )
وقال تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين
ومنذرين ... )
وإلى غير
ذلك من الآيات البينات .
رابعاً
: إن كانت أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وقد أجبرهم عليها ، فإن عقابه للعاصي ظلم
ـ لأن العبد مجبور على فعله ـ والظلم قبيح على الله ...
قال تعالى : ( يا قوم
إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذك العجل .. )
وقال تعالى
: ( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ... )
وقال تعالى :
__________________
( وما كان ربك ليهلك
القرى بظلم وأهلها مصلحون ... )
وإلى ذلك
عشرات الآيات المباركات.
خامساً
: إذا كانت أفعال العباد مخلوقة لله ، إذن فلا حجة لله على عباده في ارتكاب
المعاصي ، بل إن الحجة البالغة سوف تكون للعصاة ...
إلا أن القرآن الكريم يصرح بأن الفعل
القبيح إنما صدر بإرادة الإنسان وهو المسؤول عنها والحجة لله تعالى.
قال تعالى : ( ما سلككم
في سقر؟ قالوا : لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا
نكذب بيوم الدين )
. فقوله
تعالى : ( كنا نخوض مع الخائضين ) واضحة الدلالة من أن أفعالهم كانت
صادرة باختيارهم.
إلى غير ذلك من الادلة التي لا يصمد
عندها المجبر وبها تبطل مزاعمهم الفاسدة. لكن أنى لهم الردع وقد ترعرعوا في نعيم
العيش ، ينقلبون في قصور الحكام والخلفاء وينهلون من أموالهم ومنحهم. فهم الوسيلة
لتعضيد الملوك والخلافاء على جورهم والدرع الحصين الذي وقى أولئك الجبابرة ، ومنحهم
الشرعية الكاملة لتصرفاتهم وغصبهم للخلافة وجورهم ... فهم بغية أهل الفسق والفجور
من الحكام والولاة كما أنهم وجدوا من الظلمة المتنفذين المرتع الخصب لتحقيق
المصالح وإشباع الرغبات ...
هذا بيان يكشف لنا فساد عقيدة المجبرة
بل وكفرنا وقد مر في الصفحات المتقدمة قول الرسول 6
فيهم.
أما المعتزلة التي غربت قبال تشريق
المجبرة والأشاعرة وأهل الحديث ، فقد اتفقوا على أن العبد خالق لأفعاله قادر عليها
، صادرة منه بحريته المطلقة وإرادته الكاملة ، وبهذا الاعتقاد أظهرت الخاق الباريء
بمظهر العاجز الذي لا يتمكن إعمال إرادته في إرادة مخلوقه .. لأنه ـ حسب زعمهم ـ
قد أوجد الكائنات وأبدعها وانتهى من خلقها وتركها وشأنها من دون إعمال مشيئته فيها
، وإن أفعال العباد هي إحدى ظواهر الوجود المتحررة عن مباشر المشيئة الإلهية.
__________________
والمعتزلة تضم اثنتي عشر فرقة : منها
الواصلية والهزلية والنظامية والجاحظية والجبائية ... وكلها قائلة بفكرة معبد
الجهني المؤسس الأول ثم تابعه الحسن البصري وواصل بن عطاء ... والجميع يقرون
الحرية المطلقة للإنسان ، وإنه في معزل عن إرادة الله تعالى ، وهذا لا يخفى من
كونه من معتقدات المجوس الثنوية الذين قالوا بإله الخير وإله الشر.
لأن فكرة المعتزلة تجعل للإنسان إرادة
خاصة متفكة عن إرادة الله تعالى وهذا يبعد الإنسان عن إطار التوحيد ليقذفه في حياض
الشرك حيث يصبح الإنسان في هذه الحرية صاحب إرادة وحكومة مطلقة ، بعبارة أخرى أن
الله ـ على حد زعمهم ـ أوجد المخلوقات بأسبابها الخاصة ثم انفصل عنها وجعلها ذوات
مستقلة لا ارتباط لها بالأسباب والعلل المؤثرة من قبل الله تعالى. وهذا يقضي أن في
الوجود قوتين وقدرتين ، وهذا هو الشرك بعينه ... إلا أن المعتزلة أغمضت عن ذلك.
المؤتمر الحقيقي هو الله وحده لا شريك
له حيث لو أراد سبحانه أن يذهب بأثر إرادة الإنسان في أفعاله لفعل. فلا ينفك
الوجود بما فيه من أسباب وعلل وناقصة من القدرة الإلهية بل لا يخرج من كونه من فعل
الله سبحانه وإنه مفتقر إليه في كل آن. وبعبارة أخرى أن إعطاء القدرة والاختيار هو
فعل الله سبحانه لكن الفعل المقدور والمختار من قبل العبد هو فعل العبد.
من كل ماتقدم عرفت عقيدة المجبرة
والمعتزلة واتضح أن كل واحد منها غالت في عقائدها وأصبحت على طرفي نقيض ، وهما في
الشرك والكفر قد سقطوا من حيث شاؤوا أو أبوا.
وهذا الغلو لا يوجد عند متكلمي الشيعة ،
بل هو مرفوض ، بل إن نسبة إلى الفرق المتقدمة هو أليق.
والذي يعطينا الحل المناسب والصحيح هو
الأخذ بقول أهل البيت 7
حيث وضعوا القول الفيصل في المسألة وأقروا أن الأمر بين الأمرين فلا جبر إذن ولا
تفويض ، وهذا هو مذهب الإمامية الإثنا عشرية فلا هم على رأي المجبرة ولا هم على
رأي المعتزلة ، بل أقروا أن الإنسان موجود لأفعاله ، ولكن بالقدرة التي أودعها
الله فيه ، فإذا وجد الداعي وارتفع المحذور صدر الفعل عن فاعله ، ونسب إليه ما
فعله ، وشأنه في ذلك شن الإحراق للنار من حيث قيام المعلول بعلته.
فلو لم يكن سبحانه يفيض علينا من قدرته
حرية الإرادة والإمكانات والقوى والحياة في كل آن ، لما كنا قادرين على أي عمل
نفعله ، لهذا إن أفعالنا الإرادية ترتبط بنا لكونها صاردى من عندنا وفق مصالح
يشخصها العبد. وفي نفس الوقت إن هذه الإرادة هي ذخائر المولى ـ الخالق ـ في العبد.
وبهذا التقرير يتضح أن الأمور لا بد أن
تجري بأسبابها ، وأن من جملة الأسباب هو خلق الإنسان وخلق الإرادة فيه ، وإن
أفعالنا الاختيارية صاردة من ذلك السبب وهي الإرادة ، وهذه تقع في آخر جزء من
سلسلة الأسباب فإزادة الله هي الإرادة ، وهذه تقع في آخر جزء من سلسلة الأسباب
فإرادة الله هي منذ الأزل ولا تنافي هذه الارادة مع حرية البشر في اختيارهم
لأفعالهم وبهذا الاختيار تحسن المكافئة على فعل الخير ويجزي العاصي بما فعل من سوء
، قوله تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ... )
وقوله تعالى : ( إن هذه تذكرة فمن شاء إنخذ إلى ربه سبيلا )
وقوله تعالى : ( إن هو إلا ذكر للعاملين لمن شاء منكم أن
يستقيم ... )
.
عن الصدوق بإسناده عن بريد بن عمير بن
معاوية الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا 7
بمرو ، فقلت له يا بن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد 7 قال : إنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين
أمرين فما معناه؟ قال 7
: من زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه 7 فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر
كافر ، والقائل بالتفويض مشرك.
فقلت له يابن رسول الله فما أمر بين
أمرين؟
فقال وجود السبيل إلى اتيان ما أمروا به
، وترك ما نهوا عنه. فقلت له : فهل لله عز وجل مشية وإرادة في ذلك؟ فأما الطاعات
فإرادة الهل ومشته فيها الأمر بها والرضى لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيته في
المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها قلت : فهل لله فيها القضاء؟ قال : نعم
ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قصاء ، قلت : ما
__________________
معنى هذا القضاء؟
قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة .
وقال الإمام علي بن موسى الرضا 7 وقد ذكر عنده الجبر والتفويض ، فقال : ألا
أعطيكم في هذا أصلاً لا يختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أخذ إلا كسرتموه؟
قلنا إن رأيت ذلك ، فقال : إن الله
تعالى لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبه ، ولم يهمل العباد في ملكه ، وهو المالك لما
ملكهم ، والقادر على ما أقدرتم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها
صادراً ولا منها مانعاً ، وإن ايتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن
لم يحل ففعلوا فليس هو الذي أدخلهم فيه. ثم قال 7
من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه .
عن الحسن بن علي الوشاء قال سألت الإمام
أبا الحسن الرضا 7
فقلت : الله فوض الأمر إلى العباد؟ قال : الله أعز من ذلك ، قال : ثم قال : قال
الله يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني ، عملت المعاصي بقوتي
التي جعلتها فيك .
اهذا يستجب الدعاء بهذا المأثور : (
إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) لأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. كما
يستجب الإكثار من قوله تعالى : ( لا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم )
والإمعان فيها دائماً.
ومن الأخبار المأثورة عن أهل البيت : الجماعة لأمهات المطالب المتقدمة والتي
تكشف عن معنى القصاء والقدر وتوضح عقيدة أهل الجبر وتفضح مقولة أهل الاختيار
والتفويض وتبين الأمر بين الأمرين هو قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 لما رجع من حرب صفين إذ كان جالساً في
الكوفة فأتاه شيخ فجثا بين يديه ثم قال له : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا
إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين 7 أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم
وبطن واد إلا بقضاء من الله
__________________
وقدر ، فقال له
الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟
فقال له : مه يا شيخ فوالله لقد عظم
الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم
منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.
فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من
حالاتنا مكرهين ولا إليه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً؟ أنه لو كان كذلك لبطل
الثواب والعقاب والأمر والنهي والوجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن
لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسنين أولى بالعقوبة من المذنب تلك مقالة إخوان عبدة
الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الأمة ومجوسها. إن الله تبارك
وتعالى كلف تهيراً ونهى تحذيراً وأعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً ولم يطع
مكرهاً ولم يملك مفوضاً ولم يخلق السماوات والأرض وما بنيهما باطلاً ، ولم يبعث
النبيين مبشرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
فأنشأ الشيخ يقول :
أنـت الإمـام الـذي تـرجوا بطاعته
|
|
يوم الـنجاة مـن الـرحمـن غـفرانـا
|
أوضحت مـن أمـرنا ما كان ملتـبسا
|
|
جـزاك ربـك بـالإحـسان إحسانا
|
وسيأتي البحث إن شاء الله عن التفويض
بمعنى التشريع أو التخويل للرسول أمر العباد.
من الغلو ـ القول
بالحلول والتناسخ
فكرة الحلول والتناسخ تعتمد على مسألة
الروح ، ومنها تنبثق الفلسفات القديمة الحاكية عن العقائد المتبناة ودورها في بناء
الثقافة الزراداشتية واليهودية والنصرانية كما أن المسلمين اوغلوا في البحث عن
الروح منذ القرن الأول الهجري وتنامت هذه المسألة بحهنا وجدلاً في القرن الثاني
الهجري.
والإنسان الذي تبرز فيه بعض الغرائز
وتتحكم في سيره الفكري والثقافي ، سوف تشغله كثيراً عن أصول المسائل ومهام الأمور
ليرتمي في المسائل والذي أغمض عنها الشارع المقدس ـ كالروح ـ وسكت عن أجزائها ، وإنما
جعل الروح من أمر الله فحسب.
والإنسان حريص على ما منع ، فيجب أن
يخوض غمار كل مجهول ويسلك كل واد قفر ويتجشم الصعاب في بغيته وهذا التطلع هو شيء
غريزي ، وتنفلت هذه الغريزة عن حدودها المعقولة إذا صادفت التعنت في طريقها
المرسوم ، كالاقتحام في لحح الغوامض والبحث عما لا طائل من ورائه.
فقد تطلع الإنسان منذ أقدم العصور ليعرف
روح آدم 7 التي انحدر
هو منها وكذا روح المسيح عيسى بن مريم التي شابهتها في الإبداع والكينونة.
وقد غفل الإنسان أن هذه وأمثالها من
الأمور الغيبية التي استأثرها الله سبحانه بعلمه الذي لم يطلع عليه أحد. ومع ذلك
فقد نوه القرآن الكريم إلى معنى الروح ولو إجمالاً فقد تعرض إلى روح آدم وروح عيسى
8 ...
ففي معرض خلق آدم وسجود الملائكة ـ بإمر
من الله تعالى : ـ ، قال عز وجل ( فإذا سويته ونفخت فيه
من روحي فقعوا له ساجدين )....
وفي خلق عيسى 7 قال تعالى : ( يا أهل
الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم
رسول الله وكلمته ألقيها إلى مريم وروح منه )
وقوله تعالى : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه
من روحنا )
أما بالنسبة إلى خلق الإنسان قال تعالى
: ( .. الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من
طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه...) .
فما هي الروح...؟ ويسئلونك عن الروح ...
لقد أجاب سبحانه تعالى بجملة واحدة ( قل ـ
يا محمد 6 ـ الروح من أمر ربي وما
أوتيتم من العلم إلا قليلا )
.
إذن الروح ليست قديمة كما يزعم الفلاسفة
القدماء والنصارى والمجوس بل هي حادثة مخلوقة ، لكن هل هي كسائر الموارد المخلوقة
التي لها ورن وتشغل حيزاً من المكان؟! وهل تتصف بأشياء يدركها الحس الخارجي كاللون
والطعم والشكل والأبعاد ... لقد عرف العلم الحديث أكثر من ست وثلاثين نوعاً من
أحوال المادة وقد غاب عنه أضعاف ما عرفه ولا
__________________
زالت البحوث العلمية
تكبشف مواصفات جديدة أخرى وأحوال لم تكن معروفة من قبل ...
الروح قد تطلق على إحدى المعاني الآتية
:
أولا : قد تطلق ويراد بها الحياة والتي
هي قوام لكل كائن حي له إحساس وحركة إرادية.
ثانياً : قد تطلق فيراد بها الوحي وقوله
تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
) أي القرآن الكريم فسمى الوحي أو القرآن
روحاً.
ثالثاً
: قد تطلق فيراد بها النفس الناطقة التي
هي محل لجميع الكمالات والعلوم ، والمدبرة لشؤون البدن وإصلاحه هذا على حد زعم
الحكماء.
رابعاً
: قد تطلق فيراد بها جبريل قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين
على قلبك )
الروح قد
تكون مع الملائكة قوله تعالى : ( يوم يقوم الروح
والملائكة صفا..)
وقد تكون مع
الأنبياء قوله تعالى : ( ينزل الملائكة بالروح
من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا...)
وقد تكون مع المؤمنين قوله تعالى : ( أولئك كتب في قلوبهم
الإيمان وأيدهم بروح منه...)
وقد تكون مع
الإنسان كالنفخ فيه قوله تعالى : ( فإذا سويته ونفخت فيه
من روحي )
وقد تكون
الروح بمعنى الحياة مع سائر الكائنات الحية.
أما حقيقة الروح فهي بين أهل الكلام
والحكماء والمفسرين مختلفة ذات أقوال متعددة ، فمنهم قال أنها جسم هوائي متردد في
مخارق البدن.
__________________
وقسم ثان قائل بأنها
جسم هوائي في هيئة البدن حال فيه إذا ما خرجت منه صدق عليه الموت ، وقسم ثالث قائل
بأنها بخار لطيف دخاني.
وقسم رابع قائل بأنها شيء عرض في البدن
وإلى غير ذلك الأوقال.
فمهما يكن من اختلاف أو تعدد الأقوال في
حقيقة الروح فإن قوله تعالى : ( قل الروح من أمر ربي ) جواب لما تقدم من سؤال اليهود للنبي 6 أو سؤال بعض قريش له 6 وهذا الجواب في نفسه خطاب لهم بترك
التقصي والإحجام عن التوغل في فهم حقيقة الروح ، لأنها أمر غيبي ومن السر المكنون
المخزون عند الله سبحانه ، استأثره بعلمه فلم يطلع على هذا العلم أحد.
بعدما فهمنا موقف القرآن الكريم ، أو قل
النظرة الكلية من قبل الشريعة الإسلامية لأمر الروح ، والتي قيدت المسلمين ومنعتهم
من الخوض في هذا الموضوع ، وإن تركه أسلم للعاقبة وأشمل للتقوى ، إذن ما بال هؤلاء
الذين أوغلوا البحث في متاهات هذه المسألة؟! أوليس ذلك قد يؤدي إلى الوقوع في
المحذور؟! وإذا كان الأمر كذلك ، قلنا انصاف المرء لنفسه : تركه ما لا يعينه ..
فلنقف عند هذا الحد في أمر الروح ، حتى
نبين وجه الارتباط بينها وبين الحلول والتناسخ الذي قالت به أمم سبقت المسلمين
بمئات السنين.
من أوائل الأمم التي قالت بالتناسخ
والحلول هي المجزس التي قالت تالتثنية ومحصل قولها : إنها أثبتت مدبرين قديمين
يقتسمان الخير والشر ، والنفع والضر ، والإصلاح والفساد.
وهذان الأصلان هما ( يزدان وأهرمن )
وتعني ( النور والظلمة ). وكل شيء عندهم يدور وفق قاعدتين ، الأولى كيفية امتزاج
النور بالظلمة هذا هو المبدأ والقاعدة الثانية سبب خلاص النور من الظلمة وهذا هو
المعاد.
على أن المجوس فرق متعددة ، فعليه بعضهم
زعم أن الأصلين النور والظلمة لم يكونا قديمين منذ الأزال ، بل أحدهما قديم أزلي
وهو ( النور ) والأصل الثاني ( الظلمة ) محدثة أي ليست أزلية ، ولهذا اختلفوا في
الأصل
الثاني ومما تكون؟!
لأن النور خير والخير لا يحدث شراً وهو الظلمة ..
وهؤلاء يزعمون أن المبدأ الأول من
الأشخاص هو كيومرث والمعنى به آدم 7
وبعضهم قال المبدأ الأول هو زوران الكبير ويعد أول معلم لهم ثم النبي زرادشت.
وللكيومرثية مزاعم في خلق الظلمة
وسيطرته على النور وهكذا بالنسبة للزورانية والزرادشتية كلها بهذين الأصلين النور
والظلمة واختلفوا في الأصلين أنهما قديمان أزليان ، أم أحدهما قديم أزلي والآخر
محدث؟ ثم قالوا أن بعض النور انمسخ فصار ظلمة. وأجلى صورة للتناسخ والحلول عند
المجوس ظهرت في الزرادشتية ، وهؤلاء يعتقدون أن الله سبحانه خلق في غابر الأزمان
وفي ملكوته الأعلى خلقاً روحانياً ولما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من
نور على تركيب صورة إنسان ثم أيده بالملائكة والكواكب والشمس والقمر ، ثم جعل روح
زرادشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين وبعدها مزج شبح زرادشت بلبن بقرة فشربه أبو
زرادشت والتي صارت منها نطفة زرادشت وبعد أن ولد وبلغ من العمر ثلاثين سنة وبعضهم
قال أربعين سنة بعثه الله نبياً ..
فزرادشت لا يحيد عن مقالة الفرق
المجوسية إذ يقر النور والظلمة ، ويقول أنهما أصلان متضادان وكذلك يزدان واهرمن
وهما مبدأ الموجودات وحصلت التراكيب من امتزاجهما. كما أن الخير والشر والفساد
والصلاح والطهارة والخبث وكل شيء يضاده شيء آخر إنما حاصل ذلك كله من امتزاج النور
والظلمة.
ومن مقولات الزرادشتية : أن أول ما خلق
من الملائكة ( بهمن ) ثم ( ارديبهشت ) ثم ( شهريور ) ثم ( خرداد ) ثم ( مرداد )
وخلق بعضهم من بعض ، كما يؤخذ السراج من السراج من غير أن ينقص من الأول شيء. ومن
مقالاتهم أن للعالم قوة إلهية هي المدبرة لجميع ما في العالم المنتهية مبادئها إلى
كمالاتها. وهذه القوة تسمى : ( ماسبند ) وهي على لسان الصابئة : ( المدبر الأقرب )
وعلى لسان الفلاسفة ( العقل الفعال ) ومنه الفيض الالهي ، والعناية الربانية ، وعلى
لسان المانوية ( الأرواح الطيبة ) وعلى لسان العرب ( الملائكة ) وعلى لسان الشرع
والكتاب الإلهي ( الروح ) إذ قال
تعالى : ( تنزل
الملائكة والروح فيها )
.
وممن قال بالحلول والتناسخ الثنوية وهي
القائلة بالنور والظلمة إلا أنهما أزليان قديميان وأنهما متساويان في القدم
مختلفان في الجوهر والطبع ، وللأبدان والأرواح.
وعلى هذا المبدأ المانوية نسبة إلى
الحكيم ماني بن فاتك الذي ظهر في زمن سابور بن اردشير ، وقتله بهرام بن هرمز بن
سابور ، وذلك بعد نبوة عيسى بن مريم 7
إذ أن ماني ابتدع ديناً جديداً بين المجوسية والنصرانية ، فهو يقول بنبوة عيسى
وينكر نبوة موسى 7.
من عقائد ماني : قال أن العالم مصنوع من
مركب من أصلين قديمين أحدهما النور والآخر الظلمة وأنهما أزليان لم يزلا إلى الأبد
، وكل شيء إنما صائر من أصل قديم أما النور وأما الظلمة وأما من امتزاجهما سوية.
أما سبب الامتزاج فمختلف عندهم ، فمنهم
قال أن النور والظلمة كان امتزاجهما بالخبط والاتفاق لا بالقصد والاختبار ، والبعض
الآخر وهم الأكثرية قالوا أن سبب المزاج إنما كان بتشاغل الظلمة عن روحها بعض
البشاغل فنظرت الروح فرأت النور فبعث الأبدان على ممازجة النور فأجابتها لإسراعها
إلى السر ، فلما رأى ذلك ملك النور بعث ملكاً في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة
فاختلطت النورية بالخمسة الظلامية.
وعلى هذا المنوال تلتقي المزدكية مع
المانوية في الأصلين وامتزاجهما إلا أن هؤلاء يجعلون الأصول والأركان للخير والشر
ثلاثة : الماء والأرض والنار. وتابع المانوية فرقة تسمى بالديصانية وقد أثبتت
الأصلين النور الظلمة واختلفت في عملية التمازج بينهما.
وقد تابع المزدكية من المجوس عدة فرق
منها الكيونية والصيامية والتناسخية والأخيرة قالت بتناسخ الأرواح في الأجساد
والانتقال من شخص إلى شخص ... وهؤلاء يخالفون جميع مذاهب الثنوية إذ يغنون بأيام
الخلاص هو رجوع أحزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد ، وبقاء أجزاء الظلام في
عالمه الخسيس الذميم.
__________________
والمجوس قاطبة بكل فرقها ومذاهبها تعظم
النار وتعبدها لجلالتها وقدسيتها وهي رمز الخير وآية النور وهي جوهر شريف علوي لا
تفعل إلا الخير والصالح لذا لم تحرق إبراهيم الخليل 7
وأن عبادتها تنجيهم من العذاب الأخروي ..
وقد انتشرت المجوسية ـ عبدة النار ـ في
الصين والهند والشرق الأقصى كاليابان ومنغوليا وما تاخمهما من البلدان ولا زالت
عبادتهم وثنية لا تعدو النار والهياكل والأصنام وقد شاهدت جملة منها في مناطق
عديدة من بلاد الهند.
ومن أبرز الطوائف القائلة بالتناسخ في
تلك التي تقطن في الهند وتمارس طقوسها العبادية بكامل الحرية حيث مبدأ الدولة هناك
الوثنية الصرفة.
من مظاهر الحلول والتناسخ عندهم ، أنهم
يعتقدون أن طائراً يظهر في وقت معلوم ، فيقع على شجرة معلومة ، فيبيض ويفرخ ثم إذا
تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطائر ، ويسيل منه
دهم يجتمع في أصل الشجرة في مغارة ، ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا
الدهن مثله طير يطير ويقع على الشجرة وهو أبداً كذلك. قالوا فما مثل الدنيا وأهلها
في الأدوار والأكوار إلا كذلك .
ومن الذين قالوا بالحلول والتناسخ فرقة
من الصابئة يسمون بالحرنانية ، هؤلاء قالوا أن الصانع المعبود واحد وكثير.
أما واحد ، ففي الذات والأول والأصل
والأزال. وأما كثير فلأنه يتكثر بالأشخاص في رأي العين.
وصور التناسخ عندهم أن تكرر الأكوار
والأدوار إلى ما لا نهاية ويحدث في كل دور ما حدث في الدور الأول وأما الحلول فهو
الشخص وربما يكون بحلول ذات الصانع المعبود في المدبرات السبعة والأشخاص الأرضية
وإذا حل فيهم مضت على ذلك آلاف من السنين حتى ينتهي هذا
__________________
الدور ليأتي دور آخر
جديد كسابقه يتكون من الإنسان والحيوان والنبات وهكذا الدنيا والحياة أبد الدهر.
كيف ما كان فإن سائر الطوائف القائلة
بالحلول والتناسخ ـ مما تقدم ـ تجعل الأرواح الشريرة الفاسدة تحل بعد الموت بأجساد
أخرى مثلها شريرة ، أما أن تحل في أبدان الآدميين ، أو أن تحل في أبدان حيوانات
مفترسة.
وأما الأرواح الصالح الخيرة الطاهرة
والنافعة فهي تحل بعد الموت في أجساد أخرى مثلها. وقد اختلفوا هل أن الحلول يقع
جزئياً فيكون جزء منه في كل أو أن المسخ والحلول يقع كلياً ، لتحل الروح في بدن
آخر بعد انتقالها من الجسد الأول كما كانت؟!
هذه مزاعم الوثنية التي سادت معتقداتها
أكبر بقاع الأرض ومند آلاف السنين وإلى اليوم ، وقد اتضحت مقولتها في التناسخ
والحلول.
وأما النصارى فهم الذين قضوا بتجسيد
الكلمة ، اما كيفية هذا التجسيد فهم على مذاهب وفرق ، قالت بعضها أن الكلمة مازجت
المسيح ممازجة اللبن والماء والماء واللبن.
وأخرى قالت : اشرق على الجسد إشراق
النور على الجسم الرقراق ، وطائفة ثالثة قالت أن تجسيد الكلمة عملية انطباع كالنقش
في الشمع ، وطائفة رابعة قالت : تدرع اللاهوت بالناسوت ، وطائفة خامسة ادعت أن
التجسيد ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني. وجميع هذه الفرق والطوائف ادعت أن الخالق
جوهر واحد ظاهر بالأقانيم الثلاثة ، أي الصفات المعروفة لديهم : الوجود والحياة
والعلم ، واسطلحوا على هذه الأقانيم الثلاثة : بالاب ، والابن ، وروح القدس. وأن
العلم هو روح القدس تجسيد في المسيح دون سائر الأقانيم ، فالأب هو الله والابن هو
المسيح ن لذا نفوا القتل عن الجزء اللاهوتي وإنما وقع القتل والصلب على الجزء
الناسوتي.
وفرق النصارى لا تختلف في أصل هذه
الأقانيم الثلاثة ، بل تختلف
في كيفية حلولها في
المسيح 7 فمثلاً
الملكانية أثبتت التثليث إذ ( قالت إن الله ثالث ثلاثة ) وأن المسيح ناسوت كلي لا
جزئي وهو قديم أزلي ، وقد ولدت مريم إلهاً أزلياً والقرآن قد كذبهم على زعمهم
المتقدم فقال تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا
إن الله ثالث ثلاثة )
.
أما اليعاقبة ، اصحاب يعقوب فهم
كالملكانية في تقرير الأقانيم الثلاثة إلا أنهم ادعوا أن الكلمة انقلب إلى اللحم
والدم فصار الإله هو المسيح.
والقرآن الكريم يبين لنا كفرهم ، قال
تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو السميح ابن
مريم )
.
أما النسطورية اصحاب نسطور الحكيم فقد
تابعت مقولة الفرقتين المتقدمتين في الأقانيم واختلفت معهم في كيفية امتزاج الكلمة
بالجسد ، وقد أظهر نسطور الحكيم بعض الإصلاحات وتصرف بالأناجيل زمن المأمون وقال
اتحدت الكلمة بجسد عيسى على سبيل النقش في الشمع ، وإن الإله هو واحد بالجوهر
وبسيط ، وأما الحياة والعلم فهما جوهران وأصلان لمبدأ العالم.
ثم زعمت النسطورية أن الابن متولد من
الأب وقد تجسدت الكلمة بجسد المسيح حين ولد ، فالكلمة هو الإله والمسيح هو الإنسان
، وهذان جوهران اتحدا ، فلان يؤثران على قدم القديم ولا على حدوث المحدث.
وخلاصة المذاهب النصرانية أنها تؤمن
بالمسيح عيسى أنه ابن الله وهذه النبوة صائرة بالتبني وآخرون قالوا بل أنها صائة
بالولادة ، فهو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي خلق العالم. وأن مريم 7 هي وعاء الكلمة وروح القدس فلا يمكن
قذفها بل أنها أحصنت فرجها ، فهي طاهرة مطهرة ، كما أنها إنسان جزئي والجزئي لا
يلد الكلي ، والمسيح عيسى 7
إنما هو كلي أولده الأقنوم القديم. وقد زعم آريوس إن الله تعالى روحاً مخلوقة أكبر
من سائر الأرواح ، وأنها واسطة بين الأب والابن تؤدي إليه الوحي.
__________________
هذه جملة من عقائد النصارى في حلول
الروح من الرب في المسيح بواسطة الأقنوم الثالث وهو العلم والمصطلح عليه بروح
القدس.
ولا يخفى أن شبهة الحلول واضحة على أنها
اتخذت صوراً مختلفة في تصويرها وحقيقتها.
هذه الفكرة في التناسخ والحلول لما كانت
عند الأمم ، وقد اطلع عليها المسلمون من خلال الكتب المترجمة من اليونانية
والفارسية والهندية والصينية إلى اللغة العربية. وقد نشطت حركة الترجمة منذ النصف
الثاني من القرن الأول للهجرة وقد شجع عليها الحكام كما أولع بها بعضهم كخالد بن
يزيد بن معاوية. ولما اطلع المسلمون على تلك المذاهب أخذوا يتدارسونها ويبحثون
فيها حتى أوجدوا في الإسلام تلك العقائد الفاسدة والخرافات الواضحة التي يأباها
العقل ومن دان تدين التوحيد.
ظهرت فكرة التناسخ والحلول عند المسلمين
بعدما تأثروا بالثقافات والأديان السابقة ، وأن المذاهب المشبهة هي التي انتحلتها
، حيث قالت يجوز للباري أن يظهر بصورة شخص ، كما كان جبريل ينزل بصورة أعرابي وقد
تمثل لمريم بصورة إنسان سوي وللنبي محمد 6
بصورة دحية الكلبي.
والمشبهة من الفرق الغالية كما أنها
تنتسب إلى السلف من أهل السنة والحديث ، وقد بالغت بالصافت المنعوتة للخالق ، وعلى
نقيضهم المعتزلة التي نفت الصفات عنه سبحانه لذا يسمون بالمعطلة.
أما الغلاة ممن انتحل التشيع ، فأول
فرقها تلك التي ادعت الألوهية للإمام علي 7
وكانت على زمانه وقد أحرقهم الإمام أمير المؤمنين في خلافته وقد مر حديثهم فيما
تقدم. ثم تطورت الفكرة بعدما كانت بدائية لتكون عقيدة ولها مريدون ثم تشكلت منهم
فرقة تسمى بالكيسانية والتي قالت بإمامة محمد بن الحنفية ومن بعده ابنه علي ، وعلي
أوصى إلى ابنه الحسن وهكذا فإن الإمامة لا تخرج عن بني الحنفية ، ومن فرق الكيسانية
القائلة بالتناسخ هي الحربية ـ نسبة إلى عبد بن عمرو بن حرب الكندي ـ التي زعمت أن
أبا هاشم بن محمد بن الحنفية قد أوصى إلى عبد الله بن عمرو أن روح أبي هاشم تحولت
إليه ، وقد ادعت الحربية أن الأرواح تناسخ من شخص إلى شخص ، وأن الخير والشر كائن
في هذه الأشخاص ، أشخاص الآدميين أو أشخاص الحيوانات.
ثم قالوا أن روح الله تناسخت حتى وصلت
إلى عبد الله وحلت فيه ، فهو الإله وقد اجتمعت فيه النبوة أيضاً ، وتبعه على هذه
السخرية من ضعاف العقول وعبدوه ، لانهم يعتقدون أن التناسخ يكون في الدنيا ، وأن
الخير والشر في هذه الأشخاص ، فالثواب والعقوبة لا تعدوهم.
واقتفى أثر هذه الفرقة الضالة بيان بن
سمعان التميمي حيث ادعى أن الإمامة صائرة من أبي هاشم إليه وهو القائل بألوهية
أمير المؤمنين 7
حيث حلت فيه روح الرب مما ظهرت فيه القوة الملكوتية وأنه قلع باب خيبر بقوة ليست
جسدية وإنما بقوة رحمانية ملكوتية مشرقة بنور ربها المضيئة فيه ، وادعى بيان أن
الجزء الإلهي الذي كان في أمير المؤمنين قد حل فيه بنوع من التناسخ وهذا الجزء
الذي هو فيه عينه في آدم والذي استحق به السجود من قبل الملائكة.
ومن الطريف أنه راسل الإمام جعفر الصادق
في زمن والده الإمام محمد الباقر يدعوه إلى نفسه ومما كتب إليه : أسلم تسلم ويرتقي
من سلم ، فإنك لا تدري حيث يجعل الله النبوة. فأمر الباقر 7 أن يأكل الورقة التي جاء بها فأكلها
فمات من وقته ، والفرقة البيانية تنسب إليه ، وقد قتله خالد بن عبد الله القسري.
ومن الفرق الغالبة العباسية وهذه في
الأصل كانت تنتمي إلى الرزامية نسبة إلى رزام بن رزم الذي ساق الإمامة من علي إلى
ولده محمد بن الحنفية ثم إلى ولده أبي هاشم ثم انتقلت الإمامة بالوصاية إلى علي بن
عبد الله بن عباس ثم إلى محمد بن علي ، وهذه أوصى بالإمامة إلى ولده إبراهيم وهو
صاحب أبي مسلم الخراساني الذي دعى إلى إمامته وعلى يده انتهى ملك بني أمية لتقوم
مكانها دورة بني العباس ، والعباسية ادعت أن الإمامة أيضاً حلت في أبي مسلم لأن
روح الإله قد حلت فيه .
وراح هذه المذهب في خراسان. ثم انتهى بمقتل أبي مسلم الخراساني على يد أبي جعفر
المنصور الدوانيقي بحيلة دبرها له. قالت هذه الطائفة أن الأئمة آلهة
__________________
وأنهم أنبياء وأنهم
رسل وأنهم ملائكة ، وأقروا فكرة التناسخ في الأرواح ، وقد أبطلوا البعث والقيامة
والحساب ، وزعموا أن الدنيا هي المبدأ والمعاد لأن الروح تخرج من بدن لتدخل في بدن
آخر غيره وهذا هو معنى القيامة فإن كانت خيراً فهي كذلك وإن كانت شراً فهي شر ، وهذه
الأبدان هي محل السرور أو الحزن فهي أما منعمة وأما معذبة وتكون جانب إن حلها
السرور وتكون النار أن حلها الحزن والعذاب. والأرواح الحسنة تحل في أبدان جميلة
أنيسة منعمة والأرواح الشريرة تحل في ارداء الاجسام وأزذلها كالقدرة والخنازير
والكلاب والعقارب والحيات فهي ـ الأبدان ـ أما منعمة إلى الأبد وأما معذبة إلى
الأبد.
ثم قالوا أن النعيم أو العذاب ينصب على
الأرواح دون الأبدان ، وتأولوا قوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض
ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم )
إذ قالوا
جميع الحيوانات ؛ السباع والطيور والدواب كانت أمماً وقد سبقت فيها كلمة الإنذار
والتبليغ والنبوات وقامت عليهم الحجة وما صلح من تلك الأرواح السابقة قد فسدت
بذنوبها وعصيانها وكفرت بخالها فإنها لا محال قد حلت بعد وفاتها في أبشع صورة
كريهة ، إذ أن روحه قد سكنت في بدن خبيث ذات صور قبيحة ، وعلى هذا تأولوا قوله تعالى
: ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه
فيقول ربي أكرمني وأما إذا ما ابتلاه فقدره عليه رزقه فيقول ربي أهانني ) .
ومن الفرق الغالية التي قالت بالتناسخ
والحلول ، تلك التي تنتسب إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهي فرقة تنتمي في
الاصل إلى المختارية ، ادعت هذه الفرق الإمامة في عبد الله بن معاوية ، وزعمت أنهم
يتعارفون في كل بدن يحلون فيه ومنشأ هذا التعارف عندهم منذ تواجدهم في زمن نوح 7 عندما كانت أرواحهم في تلك الأبدان
التي دخلت السفينة ثم صارت تتقلب من جسد إلى آخر بتوالي الزمان حتى مجيء الرسول محمد
6 فتعارفت
أرواحهم من أصحاب النبي وقد تأولوا
__________________
الحديث الصادر عن
الرسول 6 لما قال : (
أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اخنلف ).
فنحن نتعارف كما قال 7. ثم قالوا أن الأرواح المؤمنة تخرج من
أبدانها بعد الموت حتى تحل في أبدان الحيوانات الجميلة كالخيل والطيور والحيوانات
الأليفة وهذه أيضاً على مراتب حسب أيمانها المتقدم ؛ قد تكون تلك الحيوانات مما
يرتع في قصور الخلافاء والملوك فيحسن إليها المأكل ويهتم بتربيتها غاية الاهتمام ،
وقد تكون من نصيب عامة المؤمنين من الناسس فتحظى باهتمام أقل وهذا كله منوط بدرجة
إيمان تلك الأرواح التي خرجت من أبدانها الأولى لتحل في أبدان هذه الحيوانات ، ثم
أن هذه الأرواح لا تحل في أبدان هذه الحيوانات إلا لفرض الامتحان والابتلاء ، وهي
في هذا المكث تمضي ألف سنة ومن بعد تصير إلى عالم آخر فتحل في الأبدان الأنسية مرة
أخرى ، أما الأرواح الكافرة والشريرة والمنافقة ، فهي تحل في الحيوانات الشرسة
والذميمة والقبيحة كالخنزير والقرد والفيل والجمل ، وقد تأولوا قوله تعالى : ( حتى يلج
الجمل في سم الخياط )
وهذه
الأرواح تخرج منها بعد ذلك فهي صائرة إلى الأبدان الإنسية ، وقد خرجت من الامتحان
مرضية فتحل في الأبدان الأنسية مدة ألف سنة وبعدها كذلك تعود إلى الأجسام الخبيثة
الشريرة وهكذا أبد الأبدين بين عذاب طويل ونعيم قصير.
ومن الفرق الأخرى التي قالت بالتناسخ هي
الخطابية نسبة إلى محمد ابن مقلاص أبي زينب المشهور بأبي الخطاب ، قال أبو الخطاب
بعدما ادعى الألوهية للإمام الصادق فتبرأ منه الإمام 7
ولعنه ، قال اللغين إن الله هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها فكان ذلك
النور في جعفر الصادق 7
ثم انتقل منه ليحل في أبي الخطاب ثم خرجت هذه الروح من أبي الخطاب وحلت في معمر بن
الأحمر بياع الطعام ، فمعمر هو الله ، حيث ورث هذه الروح بالتناسخ من واحد إلى آخر
حتى وصلت إليه بعدما كانت هذه في بدن عبد المطلب وهي على شكل نور ثم انتقلت
بالتناسخ إلى عبد
__________________
الله ثم إلى محمد (
ص ) إلى علي بن أبي طالب وهكذا ...
ولم تقف الخطابية عند ذلك بل روحت فكرة
الحلول والتناسخ على يد النساء ومن طريف ما يذكر هنا القصة التي يرويها الشيخ
الطوسي ( قدس ) في كتاب الغيبة ، قال : أخبرني الحسين بن إبراهيم عن أحمد بن نوح
عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر
المعمري ( رض ) قال : كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام وذاك أن
الشيخ أبا القاسم ( رض ) كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً فكان عند ارتداده
يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ، وبسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه
ويأخذونه عنه حتى انكشف ذلك لأبي القاسم ( رض ) فأنكره واعظمه ونهى بني بسطام عن
كامه وأمرهم بلعنه والبراءة وأقاموا على توليه وذاك أنه كان يقول لهم : أنني أذعت
السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص لأن الأمر عظيم لا يحتمله
إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته ، فبلغ
ذلك أبا القاسم ( رض ) فكتب غلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله
، وأقام على تولية فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاءً عظيماً ، ثم قال : إن
لهذا القول باطناً عظيماً وهو ان اللعنة الإبعاد ، فمعنى قوله لنعه الله أي باعده
الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ، ومرغ خديه على التراب وقال : عليك
بالكتمان لهذا الأمر.
قالت الكبيرة ( رض ) : وقد كنت أخبرت
الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها
فاستقبلتني وعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت على رجلي تقبلهما ، فأنركت ذلك وقلت
لها : مهلاً يا ستي فإن هذا أمر عظيم وانكببت على يدها فبكت ثم قالت : كيف لا أفعل
بك هذا وأنت مولاتي فاطمة.
فقلت لها وكيف ذاك يا ستي؟
فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر بن علي
خرج إلينا بالسر.
قالت : فقلت لها وما السر؟
قالت : قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن
أنا أذعته عوقبت.
قالت وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد
واعتقدت في نفسي الاستثناء
بالشيخ ( رض ) يعني
أبا القاسم الحسين بن روح ، قال : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله 6 انتقلت إلى أبيك ، فكيف لا أعظمك يا
ستنا؟
فقلت لها : مهلاً لا تفعلي فإن هذا كذب
يا ستنا ، وقالت لي : سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف لأحد فالله الله في لا
يحل لي العذاب ، ويا ستي لو أنك حملتينى على كشفه لما لك ولا لأحد غيرك.
قالت الكبيرة أم كلثوم ( رض ) : فلما
انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ( رض ) فأخبرته بالقصة وكان يثق
بي ويركن إلى قولي ، فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى
منها ولا تقلبي لها رفعة إن كاتبتك ولا رسولاً إن أنفذته إليك ، ولا تلقيها بعد
قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء
القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول
النصارى في المسيح 7
ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله ، قالت : فهجرت بني بسطام وتركت المضى إليهم ولم
أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد إلا
وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن
يتولاه ورضى بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته ، ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان 7 بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة
منه تابعه وشايعه ورضي بقوله ، أقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع وله
حكايات قبيحة وأمور فظيعة .
ومن الخطابية نشأت فرق ومذاهب كثيرة ـ
كلها غالية تقول بالتناسخ والحلول ، وتأولت الكثير من الآيات والأخبار ـ منها
المخمسة والبشيرية والعلبائية والبزيعية والسرية نسبة إلى السري الأقصم ، والمغيرية
، والسلمانية وهي فرقة من الغلاة ، أظهروا دعوة التشيع واستبطنوا المجوسية ، فزعموا
أن سلمان هو الرب وأن محمداً 6
داع إليه. وأن سلمان لم يزل يظهر نفسه لأهل كل دين وملة ، وهؤلاء في عقائدهم
يقتفون آثار المجوس وتعاليمهم .
__________________
ومن العباسية التي انتحلت التشيع هي
المسلمية ، وقد مر ذكرها ، والروندية نسبة إلى أبي هريرة عبد الله الروندي وقد
تسمى بالهريرية. وطائفة ممن قالت بإمامة أبي هاشم بن محمد بن الجنفية ، فلما مات
أبو هاشم قالت بانتقال الوصية إلى ولد العباس بن عبد المطلب إلى أن صارت إلى
إبراهيم ، وتسمى هذه الطائفة بالهاشمية.
كل هذه الفرق التي تنتمي إلى الباسية
كانت تدعوا في الخلافاء إلى بني العباس إلى أن تم لهم سقوط الدولة الأموية ، آنذاك
أعلنوا حقيقة أمرهم وانكشف للناس كذبهم وزورهم والذي خدعوا فيه المسلمين لما كانوا
يدعونهم إلى أهل البيت : في
العلن. أما في السر فقد دعوا إلى أنفسهم.
جميع الفرق التي تقدمت والتي انتحلت
الإسلام استطاعت أن تنفذ إلى المجتمع من خلال تزوير الحقائق والكذب على الرسول
والأئمة الأطهار : وتأويل
الآيات والأخبار وفق مصالحها ، والتستر بالصلاح والزهد والتقوى ، وبذل المال
والهدايا ، وتحليل ما حرم الله سبحانه وإباحة كل شيء لأصحابهم ، والتشكيك في عقائد
المؤمنين وكل ما يقف دونهم أو يشهر السلاح بوجههم حتى أن بعض الفرق استعملت الخنق
كوسيلة للقضاء على مناوئيم ...
هذه نبذة مختصرة عن الفرق القائلة
بالحلول أو التناسخ ، وقد عرفت أن الفرقة الناجية الإمامية الإثنا عشرية تكفر كل
الآراء المتقدمة وهي بريئة من مقالات أولئك الأشخاص المنبوذين الذين يدعون الإسلام
وينتحلون مذهب التشيع.
قال الصدوق ( رض ) بإسناده عن الحسين بن
خالد الصيرفي قال : قال أبو الحسن الرضا 7
من قال بالتناسخ فهو كافر ، ثم قال : لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً ألا كانوا
مجوساً ، ألا كانوا نصارى ، ألا كانوا قدرية ، ألا كانوا مرجئة ، ألا كانوا حرورية
، ثم قال 7 : لا
تقاعدوهم ولا تصادقوهم ، وأبرؤا منهم ، برئ الله منهم .
__________________
من الغلو ـ القول
بأنهم يستقلون في العلم بالغيب
الغيب نقيض الشهادة ، يصدق على ما يقع
عليه الحس وهو الباري سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسنا كالوحي والقيامة
وأهوالها والقبر وعذابه ...
اختلف العلماء في القوة المدركة وهل
يقتصر الإدراك على الحس أم يتعداه إلى العقل ليؤمن بالأشياء التي خفيت عليه وقصرت
الحواس الخارجية عن إدراكها؟ أغلب القدماء وحكماء المسلمين جوزوا التأويل على الحس
والعقل معاً ، بل قالوا إن البرهان العلمي لا يشمل المحسوس ، وهذا ما يخالف علماء
الطبيعة القائلون بالملاحظة والتجربة وإنما تدرك الأشياء عندهم من خلال الحواس ، لذا
لا يعتمدون على غيره ، ودللوا على صحة مقولتهم بعدة أدلة منها : قالوا إن العقل
كثيراً ما يعتريه الخطأ في التفكير وبالتالي الخطأ في البرهان ، أما الأسلوب
الصحيح الذي يعتمده في نتائجه على الملاحظة والإستقراء والتجرية على أن هذا الدليل
واه جداً ، لأن العقل إذا كان يخطأ أحياناً فهذا لا يعني تعطيله وعدم الاعتماد
عليه مطلقاً ، كما أن الحواس هي الأخرى قد لا تصيب الواقع بالملاحظة والتجربة
والقرآن يؤكد لنا هذه الصورة وذلك أن الظمآن يشاهد من بعيد السراب فيحسبه ماء ... وهو
توهم وخيال غير قابل الاعتماد ، وهكذا بقية الحواس فلا شك من وقوع الخطأ في
تشخيصها الخارجي.
ثم أن موضوع الخطأ والصواب تشترك فيه
مقدمات حية ليستنتج منها كليات عقلية قابلة للاحتجاج كالقياس المنطقي لعملية
استقراء شامل.
علم الغيب مختص بالله سبحانه ، كما أن
مفتاح الغيب وخزائن الغيب هي عند الله تعالى ، قال عز من قائل : ( وعنده
مفتاح الغيب لا يعلمها إلا هو )
وقال تعالى
: ( ولله خزائن السماوات والأرض )
وقال تعالى : ( عالم الغيب والشهادة...) .
ثم علمه سبحانه لا يقتصر على الغيب أو
الشهادة بل إنه عام كلي يشمل هذا وذاك وغيره قوله تعالى : ( ويعلم ما
في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا
يابس إلا في كتاب مبين )
.
لقد أدرك الإنسان الأشياء الشاخصة
المحسوسة بقواه وإدراكاته الحسية وما عداها فهي أما غائبة عنه وأما هي غيب وسبحانه
قد أحاط علمه بكل هذه الأقسام وقبل ان تقع ، قوله تعالى : ( وإن من
شيء إلا عندنا خزائنة وما ننزله إلا بقدر معلوم ) .
والغيب قد يكون مطلقاً بحيث لا يمكن
معرفته وإنما علمه عند الله سبحانه ، وقد يكون الغيب نسبياً ، وذلك ما غاب عنا ولم
تدركه حواسنا الآن كبعض مجاهيل البحار وغرائب مخلوقاته وبعض الحقائق التي ممكن
معرفتها فيما لو توفرت لها مقدماتها الخاصة وتهيأت لها الإستعدادات الكاملة.
ثم إن الإنسان المحدود في الأبعاد ، والحواس
والإدراك كيف يستطيع أن يدرك المطلق الذي يحده زمان ولا مكان؟ والإنسان والمخلوق
العاجز كيف يستطيع أن يدرك كل ما غاب عنه وخفي؟
فالغيب شيء خارج عن حد الإنسان. كما أن
العلم الذي يكسبه العبد بأي وسيلة كانت ومهما بلغ ، فلا يستطيع أن يحيط بكل العلوم
والمعارف الإكتسابية فكيف به أن يحيط بالعلم اللدني؟!.
__________________
أما سبحانه فيعلم الغيب لأنه غير محدود
الوجود ، وهو بكل شيء محيط فلا يمتنع شيء عنه فما امتنع علينا فهو غيب لا نعرفه ، ولا
يصدق شيء من هذا الامتناع علي الباري ، فلا يكون غيباً بالنسبة إليه ، بل كل شيء
قد أحصاء علمه ...
وهذا العلم الذي استأثره الله لنفسه ، قد
يظهر بعضه لأنبيائه ورسله ، فالوحي غيب ، وكثيراً ما يخبر الرسول أو النبي 6 عن أمور لم تقع أو ستقع في القريب
العاجز أو في البعيد الآجل ، فهذا من علم الله الذي استأثره لنفسه وقد أظهر لعبده
المختار للنبوة والرسالة وهذا الإظهار نوع كرامة وتأييد بل إنه نوع معجزة للتدليل
على صدق الرسول والرسالة ...
قال تعالى : ( عالم
الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول )
، إذاً سبحانه وتعالى يعلم الغيب بالأصالة وأنه يعلم لذاته ، وغيره ـ النبي وسائر
المعصومين ـ يعلمون بالتبعية أي أنهم يعلمون بعض ذلك الغيب بتعليم من الله سبحانه.
وشأن العلم هنا يساوق التوفي ويضارعه ، فإن
التوفي ينسب إلى الله تعالى أصالة ، قوله سبحانه : ( الله يتوفى الأنفس )
وقوله تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ )
وقوله تعالى : ( والله خلقكم ثم يتوفاكم ... )
فهذه وغيرها من الآيات صريحة أن التوفي من قبل الله تعالى هو بالأصالة لكن لا
ينافي لو نسب التوفي إلى الملائكة إلا أنه على نحو التبعية والتكليف من قبل المولى
لكونهم أسباباً متوسطة مسخرة له يعلمون بأمره ولا يحيدون عنه ، قوله تعالى : ( قل يتوفاكم
ملك الموت )
وقوله تعالى
: ( الذين تتوفاهم الملائكة ) .
وعلى هذا التقرير فإن الأنبياء والرسل
والأولياء إذا علموا من الغيب شيئاً فإنما هو على نحو التبعية ، وبتعليم منه تعالى
لمن ارتضى من رسول ، والذي يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : ( قل ما كنت
بدعاً من الرسل وما
__________________
أدري
ما يفعل بكم بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحي إلي ) .
ولا يخفى أن الوحي هو من علم الغيب الذي
ينزله الله على أنبيائه ورسله ليكون الوحي جزءاً مهماً من حياة الرسالة الرسول
الذي سوف يؤدي إلى تبليغ رسالة السماء العادلة وبها يهتدي المهتدون ويضل من أبى.
فما يخبر بها النبي عن طريق الوحي هو من
العلم الذي استأثره الله وبالتالي هو غيب أظهره الله لنبيه قوله تعالى : ( ذلك من
أنباء الغيب نوحيه إليك )
وقوله تعالى
: ( فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به
يستهزؤون )
وقوله تعالى
: ( فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا ... ) .
وهذا المقياس لا يقتصر على النبي بل
يدخل فيه الرسول والإمام ... لأنك عرفت أن النبي خارج عن الاستثناء في الآية
الشريفة حيث أن النبي ينزل عليه الوحي وينبأه بما يريد سبحانه وهذا من سنخ الغيب
أظهره الله لتعليم نبيه والنبي يعلمه بالتبعية لأنه مكلف بأداء الرسالة فهو الوسيط
بين الله والناس وأما الرسول فإنه مستثنى بالآية الشريفة : ( وجعلنا
منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .
فما كان للنبي ـ معرفته للغيب ـ
بالتبعية ، صار إلى الأئمة : بالوراثة
فهم : يعلمون الغيب
بهذا المقدار. ولا أعني بالوراثة هو تعليم النبي 6
لهم فحسب ، بل كل ما ورثوه منه وما نالوه بواسطة المحادثة والنقر في الأسماع
والإلهام وغير ذلك .
كتب الإمام الرضا رسالة قال فيها : قال
علي بن الحسين 7
أن
__________________
محمداً 6 كان أمين الله في أرضه فلما قبض محمد 6 كنا أهل البيت ورثته ونحن أمناء الله
في أرضه عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وأنا لنعرف الرجل
إذا رأيناه ، بحقيقة الإيمان وحقيقية النفاق وأن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء
آبائهم أخذ الله علينا وعليهم اليثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا نحن النجباء
وإفراطنا إفارط الانبياء نحن أبناء الأوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله ونحن
أولى الناس بالله ومحن أولى الناس بكتاب الله ونحن أولى الناي بدين الله ونحن
الذين شرع لنا دينه فقال في كتابه شرع لكم ـ يا آل محمد ـ من الدين ما وصى به
نوحاً. وقد وصنا بما أوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ـ يا محمد ـ وما وصينا بما
أوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ـ يا محمد ـ وما وصينا به إبراهيم وإسماعيل وموسى
وعيسى وإسحاق ويعقوب فقد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ، نحن ورثة
الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرسل أن أقيموا الدين ـ يا آل محمد ـ ولا
تفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه
من ولاية علي أن الله ـ يا محمد ـ يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي 7. .
صرح الإمام 7 أنهم أهل البيت ورثة النبي وأمناء الله
في الأرض وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ... وغير ذلك من العلوم التي
ورثوها من علم النبي 6
، والنبي علمه من الوحي من الله الذي علمه بعض الغيب فأظهره له ، فكان يعرفه
بالتبعية لا بالأصالة.
وهذا العلم لو انتقل إلى الأئمة
المعصومين أبناء رسول الله 6
وأمنائه على دينه لم يكن فيه أي ضير ولا ينافي أصل العقيدة التي أثبتناها قبل قليل
، فأي بدعة فيه؟!
وهل تعتقد أن ذلك غلو في حق الأئمة :؟!
بل هم أكثر من ذلك لو عرفنا حقيقتهم
ومنزلتهم عند الله سبحانه وتعالى ، وقد أشار الباري جل وعلا فقال : ( وجعلنا
منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقتون ) فهم أولى من غيرهم بهداية الناس. وهم
__________________
أولى من غيرهم
بالصبر وهم أولى من غيرهم باليقين في آياته ...
نعم في الغلو لو قلنا أنهم يعلمون الغيب
على وجه الإطلاق أو كونه بالأصالة والاستقلالية ، وهذا ما تقره الشيعة الإمامية
الإثنا عشرية. والأئمة : نفوا
عن أنفسهم هذه المرتبة وأغلظوا على من قال به ممن انتحل التشيع ، وأظهر حبه لهم ، بل
ولعنده وأمروا الناس بلعنه. والأخبار في هذا الجانب كثيرة ، منها التوقيع الصادر
عن الإمام الحجة ( عج ) حيث نفى ذلك الاعتقاد وتلك الرتبة التي قال بها الغلاة من
الفرق التي أحدثتها السياسة القائمة آنذاك وساعدت الظروف على نموها إذ قال الإمام 7 : إني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن
يقول إنا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه ...
وكذلك الخبر الوارد عن أبي بصير عن
الإمام الصادق 7
لما سأله عن مقالة بعض الغلاة فقال له يقولون : تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق
الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب ...
فأجابه الإمام 7 ... والله ما يعلم هذا إلا الله.
وهكذا سنورد بعض الأخبار التي تنتفي
عنهم ما كان من مختصات الباري وتثبت بعض ما كان لهم والذي حصلوه عن جدهم بالوراثة
كما يرث سائ الناس من آبائهم وأجدادهم مع الفارق حيث يرث الناس الأموال وبعض
الذخائر المادية والمعنوية ، أما الأئمة المعصومون ، فإنهم ورثوا العلم والهيبة
والوقار والكمالات الروحية والبدنية ...
عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن
أعين يسأل أبا جعفر 7
عن قوله عز وجل : ( بديع السماوات والأرض )
قال أبو جعفر 7
: إن الله عز وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قلبه ، فابتدع
السماوات والأرضيين ولم يكن قبلهن سموات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : ( وكان عرشه
على الماء )
؟ فقال له
حمران : أرأيت قوله جل
__________________
ذكره : ( عالم
الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً )
فقال أبو
جعفر 7 : ( إلا من
ارتضى من رسول ) ، كان الله محمد ممن ارتضاه ، وأما قوله تعالى : ( عالم الغيب )
فإن الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ، ويقضيه في علمه قبل أن
يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة ، فذلك يا حمران ، علم موقوف عنده إليه فيه
الشيئة ، فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأما العلم الذي يقدره الله عز
وجل فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله 6 ثم إلينا .
الإمام سلام الله عليه في حديثه مع
حمران يفرق بين العلم الذي استأثره الله لنفسه ، وهو الذي إن شاء يمضيه وإن لم
يشاء لن يمضيه. هذا علم خاص به ، وبين العلم الذي قدره وأمضاه ، وهذا قد ينتهي إلى
الرسول ومنه 6 إلى الأئمة :.
وعن سدير أيضاً قال : كنت أنا وأبو بصير
ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله 7
إذا خرج إلينا وهو مغضب ، فلما أخذ مجلسه قال : يا عجباً لأقوام يزعمون أنا نعلم
الغيب ، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني
فما علمت أي بيوت الدار هي ، قال سدير : فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت
أنا وأبو بصير ومسير وقلنا له : جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر
جاريتك ونحن نعلم أنك تعلم عملاً كثيراً ، ولا ننسبك إلى علم الغيب ، قال : فقال :
يا سدير ، ألم تقرأ القرآن؟ قلت : بلى ، قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز
وجل : ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل
أن يرتد إليم كرفك )
قال : قلت
جعلت فداك قد قرأته ، قال : فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟
قال : قلت أخبرني به؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال : قلت أخبرني به؟
قال قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال : قلت
جعلت فداك ما أقل هذا فقال : يا سدير ما أكثر هذا ، أن ينسبه الله عز وجل إلى
العلم الذي أخبرك به ، يا سدير فهل
__________________
وجدت فيما قرأت من
كتاب الله عز وجل أيضاً : ( قل كفى بالله شهيداً
بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب )
قال : قلت
جعلت فداك ما أقل هذا فقال يا سدير : ما أكثر هذا ، وأن ينسبه الله عز وجل إلى
العلم الذي أخبرك به يا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضاً : ( قل كفى
بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب )
قال : فقلت : قد قرأته جعلت فداك ، قال : أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من
عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت : لا ، بل من عنده علم الكتاب كله ، قال : فأوما بيده
إلى صدره وقال : علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله عندنا .
وعن عمار السباطي قال : سألت أبا جعفر 7 يقول : نزل جبرائيل على محمد 6 برمانتين من الجنة ، فلقيه علي 7 فقال : ما هاتان الرمانتان اللتان في
يدك؟ فقال : أما هذا فالنبوة ، ليس لك فيها نصيب ، وأما هذا فالعلم ثم فلقها رسول
الله 6 بنصفين
فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله 6
نصفها ثم قال : أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه ، قال : فلم يعلم والله رسول الله 6 حرفاً مما علمه الله عز وجل إلا وقد
علمه علياً ثم انتهى العلم إلينا ، ثم وضع يده على صدره .
يستفاد من الحديث عدة أمور منها :
١ ـ أن النبوة مختصة بالرسول محمد 6 وليس للإمام علي نصيب فيها وهذا خير
ذليل للرد على من غلا في حق أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين.
__________________
٢ ـ أن علم الرسول عند الإمام أمير
المؤمنين ، وقد صار إليه أما بتعليم وأما بوراثة أو بطريق ما.
٣ ـ ما كان عند الإمام أمير المؤمنين 7 انتقل إلى ولده المعصومين وكان الإمام
أبي جعفر واحداً منهم حيث أشار إلى صدره.
عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي الحسن 7 : روينا عن أبي عبد الله 7 أنا قال : إن علمنا غابر ومزبور ونكت
في القلوب ونقر في الاسماع ، فقال أما الغابرفما تقدم من علمنا ، وأما المزبور فما
يأتينا ، وأما النكت في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع فامر الملك .
في الحديث إشارة إلى نوع العلم وأقسامه
، وإلى طريق أخذ العلم فنوع العلم قسمان ما كان وما يكون. أما كيفية أخذه فيتم أما
بطريق الإلهام ، وأما بطريق أمر الملك.
الطبرسي في الاحتجاج يذكر التوقيع الذي
خرج عن صاحب الزمان 7
رداً على الغلاة لكتاب كتبه محمد بن علي بن هلال الكوفي إليه 7 ، قال 7
:
يا محمد بن علي تعالى الله عز وجل عما
يصفون سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في عمله ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره
كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : ( قل لا يعلم من في
السماوات والأرض الغيب إلا الله )
.
وأنا وجميع آبائي من الأولين : آدم ونوح
وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين ومن الآخرين محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب
وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجميعن ، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري
عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل : ( ومن أعرض عن ذكري فإن
له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً.
قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) .
__________________
يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة
وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه ، فأشد الله الذي لا إله إلا هو به
شهيداً ، ورسوله محمداً 6
وملائكته وأنبياءه وأولياءه : وأشهدك
وأشهد كل من سمع كتابي هذا أني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول أنا نعلم الغيب
ونشاركه في ملكه ، أو يحلنا محلاً سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو
يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبيتنه في صدر كتابي.
وأشهدكم : أن كل من نبرأ منه فإن الله
يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في
عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي ، حتى يظهر على هذا التوقيع
الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق ، وينتهون
عما لا يعلمون منتهى أمره ، ولا يبلغ منتهاه ، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما
قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين .
نقل الكشي عن حمدويه قال : حدثنا يعقوب
بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن المغيرة قال : كنت عند أبي الحسن 7 أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن 7 فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك
تعلم الغيب؟ فقال سبحان الله ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا
في رأسي إلا قامت.
قال ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة
عن رسول الله 6
.
وبهذا الخبر يتأكد أن علمهم : إنما ورثوه من النبي 6 وإن علم الغيب الذي هو مختص بالله ليس
لهم ، بل استأثرهم الله سبحانه بفيوضات وإلهام ، والقرآن الكريم يؤكد ذلك المعنى
أو المقدار المستأثر : ( عالم الغيب فلا يظهر
على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول ... )
.
ومما يؤكد الذي قلناه الخبر المروي عن
أبي عمرو عن حمدويه قال :
__________________
حدثنا يعقوب عن ابن
أبي عمير عن شعيب عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله 7 أنهم يقولون ، قال : وما يقولون؟ قلت
يقولون تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب. فرفع
يده إلى السماء وقال سبحان الله سبحان الله لا والله ما يعلم هذا إلا الله .
والخبر المروي عن أحمد بن علي القمي
السلولي ، قال : حدثني أحمد ابن محمد بن عيسى عن صفوان ، عن عنبسة بن مصعب ، قال :
قال لي أبو عبد الله 7
: أي شيء سمعت من أبي الخطاب؟
قال سعمته يقول : إنك وضعت على صدره
وقلت له عه ولا تنس! وإنك تعلم الغيب وأنك قلت له : هو عيبة علمنا ، وموضع سرنا ، أمين
على أحيائنا وأمواتنا.
قال : لا والله ما مس شيء من جسدي إلا
يده ، وأما قوله أني قلت أعلم الغيب : فوالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم الغيب ، ولا
آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنا قلت له ، قال : وقدامه وجويريه
سوداء تدرج.
قال : لقد كان مني إلى أم هذه ، أو إلى
هذه كخطة القلم فأتتني هذه ، فلو كنت أعلم الغيب ما كانت تأتيني.
ولقد قاسمت مع عبد الله بن الحسن حائطاً
بيني وبينه ، فأصابه السهل والشراب وأصابني الجبل ، فلو كنت أعلم الغيب لأصابني
السهل والشراب وأصابه الجبل. وأما قوله إني قلت له هو عيبة علمنا ، وموضع سرنا ، أمين
على أحيائنا وأمواتنا ، فلا أجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إي كنت
قلت له شيء من هذا قط .
بجد فيما تقدم عبارات صريحة منهم : في نفي الغيب الذي كان يتصوره الغلاة في
حقهم وهو الغيب الذاتي ، أما العرضي أو الذي يكون بالتبعية من قبيل علم النبي 6 أو الوصايا وما ورثوه ، فهذا أمر محقق
__________________
وشيء عادي بالنسبة
لهم ، لأن علمهم هذا ليس طويلاً قبال علم الله ، بل إنما هو في العرض يتحقق لهم. وما
ورد في الأخبار أنهم يعلموم ما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة ، أو أنهم يعلمون
أسماء أصحابهم وشيعتهم وهم في الاصلاب ، وكذا يعلمون أسماء أعدائهم ويعلمون متى
يموتون وأي شيء يحصل لهم من البلايا والمصائب ، وما أخبروه عن الحوادث التي تقع في
المستقبل ، وأنهم يعرفون الإضمار وحديث النفس ، ويعرفون منطق الطير ولغة الحيوانات
... إلى غير ذك من العناوين التي قد يتصورها المخالف أنها من الغلو في حق الأئمة : ، بل وربما بعض المواقف أيضاً يدعيها
غلواً فيهم ... فهذا الإدعاء وذاك التصور من المخالفين غير صحيح.
وأقول كل ذلك لم يكن من الغلو بشيء بل
هي مراتب حقة لهم ، وأنهم عباد مكرمون أكرمهم الله بالعلم واليقين الثابت ، وليس
هم أقل شأناً من النبي سليمان عندما أطاعته الريح والحيوانات والجن والطير ، ليس
هم أقل شأناً من عيسى الذي كان يحيى الموتى بإذن الله!
نعم إن هؤلاء الأنبياء سلام الله عليهم
امتازوا بالنبوة ونزول الوحي عليهم ، والأئمة المعصومون لم يكن لهم ذلك ، وقد ورد
عنهم : أنهم قالوا :
نزهونا عن الألوهية وقولوا فينا ما شئتم ، وفي بعض الأخبار يستفاد منها تنزيههم عن
التبوة كذلك.
ورب سائل يسأل كيف ورثوا هذه العلوم من
النبي؟ وهل علمهم كان فقط بالوراثة؟ من أن علمهم قد يكون بالوراثة وقد يكون بغيره
، فأما الأول الأخبار والروايات مستفيضة ومتواترة حتى بلغت حد الشهرة ، فإن علومهم
ورثوها عن الكتب التي أملاها رسول الله 6
على الإمام أمير المؤمنين 7
والتي فيها علم كل شيء وما كان وما سيكون ، ومن الأحكام فيها تبيان كل شيء حتى ارش
الخد ، وكذلك ورثوا الصحيفة الجامعة ، وورثوا مصحف فاطمة وكتاب الجفر ...
وأما القسم الثاني مع علومهم فكان
بالإلهام والنقر في الأسماع و ...
عن أبي جعفر الباقر 7 عن أبائه قال : قال رسول الله 6 لأمير المؤمنين اكتب ما أملي عليك ، قال
علي 7 يا نبي الله
وتخاف ـ علي ـ النسيان؟
قال لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت
الله لك أن يحفظك فلا ينساك لكن اكتب لشر كائك. قال : قلت ومن شركائي يا نبي الله
، قال الآئمة من ولدك بهم يسقي أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف البلاء
عنهم وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم وأومى بيده إلى الحسن ثم أومى بيده
إلى الحسين ثم قال الآئمة من ولدك .
عن بكر بن كرب قال كنا عند أبي عبد الله
7 فسمعنا ، يقول
أما والله عندنا ما لا نحتاج إلى الناس وإن الناس يحتاجون إلينا إن عندنا الصحيفة
سبعون ذراعاً بخط علي واملاء رسول الله 6
فيها من كل حلال وحرام وإنكم لتأتون فتدخلون علينا فنعرف خياركم من شراركم .
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر 7 قال إن عندنا صحيفة من كتب علي طولها
سبعون ذراعاً فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها ، وسألته عن ميراث العلم ما بلغ أجوامع
هو من العلم أم فيه تفسير كل شيء من هذه الأمور التي تتكلم فيه الناس مثل الطلاق
والفرايض؟
فقال إن علياً كتب العلم كله القضاء
والفرايض ، فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء إلا فيه نمضيها .
وعن جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر 7 قال : قال أبو جعفر إن عندي لصحيفة
فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله 6
.
عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد
الله 7 يقول إن
جبرائيل أتى رسول الله بصحيفة مختومة بسبع خواتيم من ذهب وأمر إذا حضره أجله أن
يدفعها إلى علي بن أبي طالب فيعمل بما فيه ولا يجوزه إلى غيره وأن يأمر كل وصي من
بعده أن يفك خاتمه ويعمل بما فيه ولا يجوز غيره .
وعن علي بن ميسرة عن أبي أراكة قال كنا
مع علي 7 فحدثنا
__________________
أن علياً ورث من
رسول الله السيف وبعض يقل البغلة ، وبعض يقول ورث صحيقة في حمائل السيف إذ خرح علي
7 ونحن في
حديثه فقال أيم الله لو انبسط ويؤذن لي لحدثتكم حتى يحول الحول لا أعبد حرفاً وأيم
الله إن عندي لصحف كثيرة قطايع رسول الله 6
وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة وما ورد على العرب أشد عليهم منها وإن
فيها لستين قبيلة من العرب مبهرجة ما لها في دين الله من نصيب .
وعن محمد بن حكيم عن أبي الحسن الكاظم 7 قال إنما هلك من كان قبلكم بالقياس إن
الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمل له جميع دينه حلاله وحرامه فجاءكم مما
تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته وإنها مصحف عند أهل بيته
حتى أن فيه لأرش خدش الكف ، ثم قال : إن أبا حذيفة لعنه الله ممن يقول قال علي
وأنا قلت
لا يخفى أن أبا حنيفة كان يعمل بالقياس وكانت بينه وبين الإمام الصادق 7 عدة مناظرات وقد تتلمذ في أواخر عمره
على الإمام الصادق حتى قال كلمته المشهورة ( لو لا السنتان لهلك النعمان ... ).
ومن الصحف التي عندهم هي صحف إبراهيم
موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، عن فيض بن المختار عن أبي عبد الله قال إن رسول
الله 6 أفيضت إليه
صحف إبراهيم وموسى فائتمن عليها 6
علياً وائتمن عليها الحسن وائتمن عليها الحسين حتى انتهت إلينا .
وعن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن
الحكم في حديث بريهة حين سئل موسى ابن حعفر 7
فقال يا بريهة كيف علمك بكتاب الله؟
قال أنا به عالم. قال فكيف ثقتك بتأويله؟
قال ما أوثقني بعلمي فيه ، قال فابتدأ
موسى 7 في قراءة
الإنجيل فقال بريهة والمسيح ـ صيغة قسم ـ لقد كان يقرأها هكذا وما قرأ هذه القراءة
إلا المسيح ثم قال إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة قال هشام فدخل بريهة والمرأة على
أبي عبد الله وحكى هشام الكلام الذي يجري بين
__________________
موسى وبين بريهة
فقال بريهة جعلت فداك أين لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ فقال هي عندنا
وراثة من عندهم مقرؤها كما قرؤها ونقولها كما قالوها والله لا يجعل حجة في أرضه
يسأل عن شيء فيقول لا أدري ، فلزم بريهة أبا عبد الله 7 حتى مات .
وعن ليث المرادي أنه حدثه عن سدير بحديث
فأتيته فقلت فإن ليث المرادي حدثني عن بحديث فقال ما هو قلت جعلت فداك حديث اليماني
قال نعم كنت عند أبو عبد الله 7
فمر بنا رجل من أهل اليمن فسأله أبو جعفر عن اليمن فأقبل يحث فقال له أبو جعفر 7 هل تعرف صخرة في موضع كذا وكذا قال نعم
ورايتها فقال الرجل ما رأيت رجلاً أعرف بالبلاد منك فلما قام الرجل قال لي أبو
جعفر 7 يا أبا
الفضل تلك الصرخة التي حيث غضب موسى فألقى الألواح فما ذهب من التوراة التقمته
الصخرة فلما بعث الله رسوله أدته إليه وهي عندنا .
وعن الأصبغ بن نباتة قال : قال لما تقدم
علي الكوفة صلى بهم أربعين صباحاً فقرأ بهم سبح اسم ربك الأعلى ، فقال المنافقون
والله ما يحس أن يقرأ ابن أبي طالب القرآن ولو أحسن أن يقرأ بنا غير هذه السورة ، قال
فبلغه ذلك فقال ويلهم إني لأعرف ناسخة ومنسوخة ومحكمه ومتشابهه وفصله من وصله
وحروفه من معانية والهل ما حرف نزل على محمد 6
إلا وأنا أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم نزل وفي أي موضع نزل ، ويلهم أما يقرأون أن هذا
لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى. والله عندي ورثتها من رسول الله 6 من إبراهيم وموسى ، ويلهم ، والله إني
أنا الذي أنزل الله في ( وتعيها إذن واعية )
فإنا كنا عند رسول الله فخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا ماذا قال
آنفا .
ومن جملة الكتب التي ورثوها ، مصحف
فاطمة 3 وهي ليست
قرآن أو أحكام بل فيها علم غزير وهو علم ما سيكون.
__________________
عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله
7 يقول تظهر
الزنادقة في سنة ثمانية عشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة. قال فقلت : وما
مصحف فاطمة 3 فقال إن
الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه 6
دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل إليها ملكاً
يسلي عنها غمها يحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين 7
فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي فأعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى
أثبت من ذلك مصحفاً قال : ثم قال أما أنه ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم
ما يكون .
وعن علي ابن رئاب عن أبي عبيدة قال سأل
أبا عبد الله 7
بعض أصحابنا عن الجفر ، فقال هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له ما الجامعة؟ فقال
تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج
الناس إليه وليس من قضية إلا وفيها ـ حتى ـ ارش الخدش.
قال له فمصحف فاطمة؟ فسكت طويلاً ثم قال
إنكم تبحثون عما تريدون وعما لا تريدون. إن فاطمة مكثت بعد رسول الله 6 خمس وسبعين يوماً وقد دخلها حزن شديداً
على أبيها وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن
أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة
.
ويعلم من الحديث أن مصحف فاطمة ليس كما
يزعمه المخالفون أنه قرآن آخر غير الذي بأيدي الناس حتى يكفرون الشيعة به ، ولا هو
كتاب مسائل في الحلال والحرام ، بل إنه علم ما يكون ...
وعن أبي بصير ، قال دخلت على أبي عبد
الله 7 فقلت له إني
أسئلك جعلت فداك عن مسألة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبد الله 7 ستراً بيني بين بيت آخر فاطلع في ثم
قال يا أبا محمد سل عما بدا لك. قال قلت : جعلت فداك أن الشيعة يتحدثون أن رسول
الله 6 علم علياً 7 باباً يفتح منه ألف باب. قال فقال : أبو
عبد الله 7 يا أبا محمد
علم والله رسول الله
علياً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب.
قال : قلت له والله هذا لعلم فنكت ساعة
في الأرض ثم قال إنه لعلم وما هو بذلك ثم قال يا أبا محمد وإن عندنا الجماعة وما
يدريهم ما الجامعة قال قلت جعلت فداك وما الجامعة؟
قال صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع
رسول الله 6 واملأ من
فلق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل حلال وحرام ، كل شيء يحتاج الناس إليه حتى الارش
في الخدش ، وضرب بيده إلي ، فقال بأذن لي يا أبا محمد؟ قال : قلت جعلت فداك إنما
أنا لك أصنع ما شئت قال فغمزني بيده ، فقال حتى ارش هذا كأنه ـ مغضب ـ قال : قلت
جعلت فداك هذا والله العلم. قال إنه لعلم وليس بذلك ثم سكت ساعة ، ثم قال إن عندنا
الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك شاة أو جل بعير. قال : قلت جعلت فداك ما الجعفر؟
قال وعاء أحمر أو أدم أحمر فيه علم النبيين والوصيين ، قلت هذا والله العلم ، قال
إنه لعلم ، وماهو بذلك ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة 3 وما يدريهم ما مصحف فاطمة. قال مصحف
فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد وإنما هو شيء
أملاها الله وأوحى إليها قال قلت هذا والله ه العلم. قال إنه لعلم وليس بذاك. قال
ثم سكت ساعة ثم قال إن عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. قال : قلت
جعلت فداك هذا والله هو العلم قال : إنه لعلم وما هو بذاك ،. قال : قلت جعلت فداك
فأي شيء هو العلم؟ قال ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر ، والشيء إلى يوم
القيامة .
لقد اشتمل الحديث على عدة فقرات مهمة
وهي :
إن الإمام الصادق 7 بين أن الرسول علم علياً ألف باب ومن
كل باب يفتح له ألف باب ، لا كما قال أبو بصير باب واحد ...
ثم بين الإمام سلام الله عليه الجامعة
وطولها سبعون ذراعاً وإنه من املاء الوحي على الرسول وقد خطه الإمام علي بيمينه ، وإن
فيها كل المسائل الشرعية من الحلال والحرام ما كبر وصغر.
ثم بين سلام الله عليه الجفر وإنه وعاء
علم النبيين سواء على شكل كتاب
__________________
مخطوط فيه آثارهم
ووصاياهم أو أنه سر مكنون مستودع في ذلك الوعاء.
ثم بين مصحف فاطمة 3 وأن حجمه ثلاث أضعاف حجم القرآن الكريم
وقد توهم البعض أنه ( القرآن ) الذي نزل على صدر نبينا محمد 6 وأن حجمه الحقيقي هو ثلاث مرات ، وهو
ليس كذلك ، بل الإمام عين حجم هذا المصحف لا إنه هو القرآن الحقيقي ، وفرق بين أن
يقول هو القرآن وبين أن يمثل حجمه بالقرآن وهذا لا يخفى على أدنى شخص يعرف اللغو
أو شيئاً من البلاغة.
والعبارة صريحة منه 7 قال : والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
إنما هو شيء املاها الله وأوحى إليها ...
وقد طبل المخالفون والمغرضون ، فقالوا
إن الشيعة تزعم أن لديها القرآن الأصلي وهو الذي يسمى بمصحف فاطمة. وبعضهم قال إن
الشيعة تدعى أن لها قرآنين أحدهما أكبر من الآخر. وإلى غير ذلك من أكاذيبهم
وطعونهم ثم بين الإمام الصادق 7
في آخر فقرة من الحديث أن عنده علم ما كان علم ما كائن أي أخبار المستقبل.
أقول : دلت الأخبار الكثيرة على أن
فاطمة كانت تسمع صوتاً ولا ترى له شخصاً فعلم أنها كانت محدثة ، تحدثها الملائكة
وهكذا الأئمة : وهذا
ليس غلو في حقهم ، بل إنما أمر خصه الله بهم على وجه التكريم.
وعن الحكم بن عيينة قال دخلت على علي بن
الحسين يوماً فقال لي يا حكم : هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب 7 يعرف صاحب قتله ويعلم بها الأمور
العظام التي كان يحدث به الناس؟
قال الحكم فقلت في نفسي قد وقفت على علم
من علم علي بن الحسين 7
أعلم بذلك تلك الأمور العظام.
قال فقلت : لا والله لا أعلم به أخبرني
بها يابن رسول الله 6.
قال والله : قول الله : ( وما أرسلنا من رسول )
( ولا نبي ولا محدث ) فقلت وكان علي بن أبي طالب 7؟ قال نعم وكل إمام من أهل البيت فهو
محدث .
__________________
وعن حمران عن أبي جعفر 7 قال : قال رسول الله من أهل بيتي اثنا
عشر محدثاً. فقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي لأمه سبحان الله كان محدثاً ـ
كالمنكر لذلك ـ فأقبل عليه أبو جعفر 7
فقال أما والله إن ابن أمك بعد وقد كان يعرف ذلك. قال فلما قال ذلك سكت الرجل.
فقال أبو جعفر هي التي هلك فيها أبو الخطاب لم يدر تأويل المحدث والنبي .
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله قال : كان
علي محدثاً وكان سلمان محدثاً قال : قلت فما آية المحدث؟ قال يأتيه فينكت في قلبه
كيت وكيت .
وعن علي بن جعفر الحضرمي عن سليم بن قيس
أنه سمع علياً 7
يقول إن أوصياني من ولدي مهديون كلنا محدثون فقلت يا أمير المؤمنين من هم؟ قال
الحسن والحسين 8
ثم ابني علي بن الحسين :.
قال : وعلي يومئذ رضيع ثم ثمانية من بعده واحداً بعد واحد وهم الذين أقسم الله بهم
فقال ( ووالد وما
ولد ) ، أما الوالد فرسول الله 6 ، وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء قلت : يا
أمير المؤمنين 7
أيجتمع إمامان؟
قال : لا إلا واحدهما مصمت لا ينطق حتى
يمضى الأول. قال سليم الشامي سألت محمد بن أبي بكر ، قلت كان علي 7 محدثاً؟ قال نعم. قلت : وهل يحدث
الملائكة إلا الأنبياء؟ قال أما تقرأ ( وما أرسلنا من قبلك
من رسول ولا نبي ولا محدث )؟
قلت فأمير المؤمنين محدث؟ قال نعم وفاطمة كانت محدثة ولم تكن نبيه .
يدل هذا الحديث وحديث حمران عن أبي جعفر
7 أن فاطمة 3 كانت محدثة وأن سلمان الفارسي كان
أيضاً محدث.
وقد عرفت أن ذلك من علوهم في الصفاء
ومنزلتهم في الإيمان والتقوى وما نالوا هذه المنزلة إلا بطاعتهم لله وعبوديتهم
الخالصة له سبحانه ، فأكرمهم الله ، بأن جعل لهم ملائكة تحدثهم فيأنسون بأنسهم في
الحديث الذي يكون على شكل القذف في القلب أو الوقر في السمع.
__________________
عن الحسن بن محبوب عن الأحوال قال سمعت
زرارة يسأل أبا جعفر الباقر 7
قال أخبرني عن الرسول والنبي والمحدث؟
فقال أبو جعفر 7 الرسول الذي يأتيه جبرائيل قبلاً فيراه
يكلمه فهذا الرسول. وأما النبي فإنه يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم 7 ونحو ما رآى رسول الله 6 ومن أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه
جبرائيل من عنده بالرسالة كان محمداً 6
حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرائيل ويكلمه بها قبلاً
، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه يأتيه الروح فيكلمه ، ويحدثه من
غير أن يكون رآه في اليقظة ، وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى
في منامه .
عن زرارة عن أبي جعفر 7 قال كنت بالمدينة فلما شدوا على دوابهم
وقع في نفسي شي من أمر الحدث فأتيت أبا جعفر 7
فاستأذنت فقال من هذا قلت زرارة ، قال ادخل ، ثم قال كان رسول الله 6 يملي على علي 7 فنام نومة ونعس فلما رجع نظر إلى
الكتاب فمد يده قال من أملى هذا عليك قال أنت قال لا بل جبرائيل .
عن أبي حمزة الثمالي قال كنت أنا
والمغيرة بن سعيد جالسين في المسجد فأتانا الحكم بن عيينه فقال سمعت من أبي جعفر 7 حديثاً ما سمعه أحد قط فسألناه فأبى أن
يخبرنا به فدخلنا عليه فقلنا إن الحكم بن عيينة أخبرنا أنه سمع منك ما لم يسمعه
منك أحد قط فأبى أن يخبرنا به فقال نعم وجدنا علم علي 7 في آية من كتاب الله : ( وما
ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث )
فقلنا ليست هكذا هي ، فقال في كتاب علي وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا
محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، فقلت وأي شيء المحدث فقال ينكت في
أذنه فيسمع طنيناً كطنين الطست فقلت إنه نبي ثم قال لا مثل الخضر ومثل ذي القرنين .
__________________
أقول سبق في كيفية أخذ العلم بواسطة
الإلهام أو بأمر الملك. والنكت في القلب والأذن واحد ، حيث أن الأذن طريق محسوس
وموصل إلى القلب ، والقلب وعاء للخطابات والمعرفة ، لهذا كانت الخطابات القرآنية
تصور القلوب وهي وعاز الفهم ، والفقه ، والمعرفة ، والإيمان والكسب ، والطهارة ، والقساوة
، والزيغ ، والمرض ، والخشوع ، والنفاق ... الخ.
اتضح من كل ما تقدم أن الأئمة : لم يعلموا الغيب ولم يقل أحد منهم بذلك
أما علمهم بالمغيبات وأخبارهم بما يجري على شيعتهم وما سيقع من الحوادث ، فقد عرفت
إنما كان من العلم الذي ورثوه من الرسول 6
ومن الصحف التي كانت عندهم.
قال الزجاج كما يحكيه الشيخ الطوسي في
معنى الآية : ( وعنده مفتاح الغيب لا يعلمه إلا هو ... ) قال : يريد عنده الوصله إلى علم الغيب
وكل ما لا يعلم إذا استعلم يقال فيه افتح علي.
وقال ابن عمر مفتاح الغيب خمس ثم قرأ : ( إن الله
عنده علم الساعة ... )
الآية قال الشيخ الطوسي : وتأويل الآية إن الله تعالى عالم بكل شيء من مبتدات
الأمور وعواقبها فهو يعجل ما تعجيله أصوب وأصلح ويؤخر ما تأخيره أصوب وأصلح وإنه
الذي يفتح باب لمن يريد من الأنبياء والأولياء ، لأنه لا يعلم الغيب سواه ولا يقدر
أحد أن يفتح باب العلم به للعباد إلا الله .
أم ما ورد في أن مفاتيح الغيب خمس فهي
كما يذكرها الطبرسي ( قدس ) في تفسيره لقوله تعالى : ( إن الله عنده علم
الساعة ).
قال : أي استأثره سبحانه ولم يطلع عليه أحد من خلقه فلا يعلم وقت قيام الساعة سواه
أو ينزل الغيث ، فيما يشاء من زمان أو مكان والصحيح أن معناه ويعلم نزول الغيث في
مكانه وزمانه كما جاء في الحديث أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، ويقرأ
هذه الآية : ( ويعلم ما في الأرحام ) أي ويعلم ما في أرحام الحوامل ، أذكر
أم أنثى ، أصحيح أم سقيم ، واحد أو أكثر؟ ( وما تدري نفس ماذا
تكسب غداً )
أي ماذا تعمل في المستقبل وقيل ما يعلم بقاءه غداً فكيف يعلم تصرفه ، ( وما تدري
نفس بأي أرض تموت )
أي في
__________________
أي أرض يكون موته
وقيل إنه إذا رفع خطوة لم يدر أنه يموت قبل أن يضع الخطوة أم لا. وإنما قال بأي
أرض لأنه أراد بالأرض المكان ...
وقد روي عن أئمة الهدى : إن هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على
التفصيل والتحقيق غيره تعالى .
إلا أن تلك الأخبار غير تامة ن لأن النبي 6
والائمة الأطهار : كانوا
يعلمون تلك الأشياء على التفصيل والتحقيق ، لكن ليس على أوجه الاستقلال ، بل الله
سبحانه اطلعهم على ذلك. الآيات الخمسة الأخيرة من سرة لقمان أوضحت لنا الأمور
الغيبية التي لا يعرفها إلا الله وهي :
١ ـ قيام الساعة إلا الله وهي :
٢ ـ نزول الغيث أي المطر.
٣ ـ ما يكون في أرحام الحوامل من حمل.
٤ ـ ماذا تفعل النفس في المستقبل من
الطاعات أو المعاصي.
٥ ـ موت الإنسان وبأي أرض يحصل له ذلك.
لقد بينا فيما تقدم أن علم الله الذي
استأثره لنفسه يشمل الغيب بكل صوره وهذه الأقسام الخمسة إنما هي بعض مصاديقه. علوم
آل محمد 6 كثيرة
وغزيرة وأسرارهم عجيبة مما تدهش العقول ، وكراماتهم لا تعد ولا تحصى ومما ذهبت به
الركبان ، وكيف لا يكونوا كذلك حيث أن فضائلهم تحصى أخفاها المؤالف والمخالف ، أخفى
فضائلهم المؤلف من مواليم حباً لهم وتقية ، كما أخفى فضائلهم المخالف وأعداءهم
كرهاً منهم لهم ، وحقداً وبغضاً وحسداً ... ومع ذلك فإن الذي يشاع قد ملأ الخافقين
...
والمحب الحقيقي لا بد أن يسلك الطريق
والمنهج السليم ، ولا بد ان يترفع عن الغلو في حق أهل البيت : ، قد يظن المغالي إنما يحسن صنعاً في
محبوبه ، وما درى أنه قد يخرج بغلوه ذاك من ربقة الإيمان بل من كونه مسلماً فيقع
في الشرك أو الكفر ، أعاذانا الله منه...
نعم
قد يتوهم البعض فيقول :
ومن أحد مصاديق الخروج عن الحد المعقول
في موضوع علم
__________________
الغيب وإن الأئمة : يعلمون على الإطلاق وإن علمهم احاط
باللوح المحفوظ بل إنهم أفضل من اللوح المحفوظ و ... هو قول الحافظ رجب ابن محمد
البرسي الحلي صاحب كتاب ( مشارق أنوار اليقين في أسرار المؤمنين ) حيث قال :
... وكيف لا يطلعون على الغيب وعلمه واجب لهم من
وجوه :
الأول
: إن الله سبحانه سطر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون ثم أبرز إلى كل نبي
منهم ما يكون له ولأوصيائه إلى ظهور الشريعة التي يأتي بعده حتى ختمت الرسل
بخاتمهم وختمت الشرايع بخاتمها ، فوجب أن يكون عندهم ما سبق وما لحق إلى يوم
القيامة .
أقول وهذا كلام متين ليس فيه غلو ولم يخرج عن الحد المعقول.
نعم إنهم يطلعون على قدر ما اطلعهم الله
عليه ، أما كونهم يعلمون كل الغيب على وجه الاستقلال فهذا باطل.
وقال ... وماذا عرف الناس من معنى على
العلي ، إنما شاهدوا منه ليثاً خلائلاً ، وهذا صائلاً وهزبراً صلائلاً وعصباً
قائلاً وبليغاً قالبلاً إلى أن يقول ... يؤيد هذا المدعي ما رواه طارق بن شهاب عن
أمير المؤمنين أنه قال يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله وحجاب الله
وآية الله ، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على
جميع خلقه فهو وليه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن
تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء.
ويكتب على عضده ( وتمت كلمة
ربك صدقاً وعدلاً )
فهو الصدق
والعدل وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ويلبس
الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب
ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه من شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطي
منطق الطير عند ولايته.
__________________
فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه
لغيبه ويؤيده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيئته وينادي له بالسلطنة
ويذعن له بالأمره ، ويحكم له بالطاعة وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة
الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسل الله فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ، وإنه تمام
الدين ورجح الموازين
...
وقال في موضع آخر من كتابه :
فصل ثم صرح لنا أن الوالي هو المحيط بكل
شيء فهو محيط بالعالم والله من ورائهم محيط ، فقال : ( وكل شيء أحصيناه في
إمام مبين ... )
فأخبرنا
سبحانه أن جميع ما جرى به قلمه وخطه في اللوح الحفيظ مما في الأرض والسماء ، هو
الإمام المبين وعلي ، فاللوح المحفوظ علي وهو أعلى وأفضل من اللوح بوجوه.
الأول
: إن اللوح وعاء الخط وظرف المسطور والإمام محيط بالسطور ، وأسرار السطور فهو أفضل
من اللوح.
الثاني
: إن اللوح المحفوظ بوزن مفعول ، والإمام المبين بوزن فعيل ، وهو بمعنى فاعل فهو
علام بأسرار اللوح واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول.
الثالث
: إن الوالي المطلق ولايته شاملة للكل ومحيط بالكل ، واللوح داخل فيها فهو دال على
اللوح ودال عليه وعالم بما فيه
...
__________________
من الغلو ـ القول
بالتفويض المطلق
تقدم الكلام عن معنى الجبر والتفويض أو
( القضاء والقدر ) وما يرتبط بموضوع حرية الإرادة ، ثم لمحنا هناك عن موضوع
التفويض ، الذي يراد به تخويل أمر العباد إلى الرسول والأئمة وهو ما نبحثه هنا إن
شاء الله.
الحديث عن التفويض بمعنى التخويل ، والذي
يتضمن معنى التشريع أيضاً ، سوف يكون من عدة جوانب ، أهمها الحديث عن :
الآيات المنصوصة على إطاعة الرسول.
التفويض للرسول ـ بمعنى التشريع
والأخبار في ذلك.
حق التشريع ..
مصاديق من تشريع الرسول 6.
دور الأئمة المعصومين : في التشريع.
معرفة الإمام ومنزلته.
تفويض أمر الخلق.
خلاصة البحث.
الآيات التي تنص على
إطاعة الرسول 6
أكثر من أربعين مورداً في القرآن الكريم
ينص على حق الطاعة ، الذي هو في الأساس حق مشروع لله سبحانه وتعالى في ذمة الخلق
وفي أعناقهم ، وهذا الحق يتفرع منه عنوان ثانوي ليشمل دائرة أوسع ، بحيث يكون
للنبي
ولأولى الأمر حق
أيضاً ، على العباد إطاعتهم. وجل تلك النصوص الكريمة قرنت إطاعة النبي بإطاعة الله
سبحانه ، قال تعالى : ( وأطيعوا الله والرسول
لعلكم ترحمون )
وقوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
وقوله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا )
وقوله تعالى : ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله
ورسوله )
وقوله تعالى
: ( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله
ورسوله )
آيات كثيرة عطفت إطاعة الرسول على إطاعة
الله سبحانه وكأنها إطاعة واحدة حيث إطاعة الله توجب إطاعة الرسول ، وكذلك إطاعة
الرسول توجب إطاعة الله تعالى لذا أكد اقرآن الكريم على هذه الثمرة ، فقال تعالى :
( من يطع الرسول فقد أطاع الله )
وقال تعالى :
ثم أن الرسول 6 لما جاءهم برسالة السماء التي تدعو
قريش والعرب والناس كافة إلى توحيد الله أولاً ، وامتثال أوامره في العبادات
والمعاملات ثانياً ، والاقتداء بسنة نبيه ثالثاً ، كان لا بد م التمهيد في الخطاب
حتى يستعد الناس لتلقي هذه الأوامر والإذعان لها. وقد حصل ذلك بأروع الصور ، وبالتفاتات
مهمة صاغها المولى لعباده حتى يفقهوا قول الرسول ويعوه ، فمثلاً صورت بعض الآيات
الكريمة أن مهمة الرسول هو الإبلاغ والإنذار والإرشاد ، أما اجر ذلك فليس في حسبان
الرسول شيء منه بل أجر ما يؤديه أنما هو على الله سبحانه قال تعالى يحكي عن قول
الرسول
__________________
والأنبياء : لأممهم : ( إن أجري إلا على الله
وأمرت أن أكون من المسلمين )
وقوله تعالى
: ( وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلى على رب
العالمين )
لقد تكرر هذا المعنى في تسع مواضع من
القرآن الكريم
ومن الالتفاتات والتمهيد في الخطاب أن
أشارت بعض الآيات إلى مهمة الرسول وهو البلاغ ولا يضره مخالفة من خالف وليس عليه
تبعة من كفر ، قال تعالى : ( وإن تطيعوه تهتدوا
وما على الرسول إلا البلاغ المبين )
وقال تعالى : ( ... وأطيعوا
الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين )
ومن جملة التمهيد لأمر الطاعة ، هو
الفات المخاطبين ـ الأمم ـ إلى ما هم عليه من اختلاف ، قوله تعالى : ( قال قد
جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه )
وآيات كثيرة أكدت اختلاف الأمم وأهل
الكتاب بالخصوص ..
ومن جملة التمهيد لأمر الطاعة ، الإخبار
بأمانة الرسول وصدق الرسالة : قال تعالى يصف أنبياءه. ( هذا ما
وعد الرحمن وصدق المرسلون )
وقوله تعالى
عن لسان نبيه 7
( إني لكم رسول أمين )
هذا التمهيد في الخطاب سوف يجعل النفوس
في معرض الاستعداد
__________________
لتلقي كلمات الرسول ومقدمة
الإذعان والقبول لهاذا أمرهم الله سبحانه بالتقوى بعد الإيمان لأن إن لم يكن
الإيمان لم تكن التقوى فهي رتبة أعلى ودرجة أسمى وشأنها في النسبة كالإيمان إلى
الإسلام ...
وقوله تعالى : ( أن اعبدوا
الله واتقوه وأطيعون ... )
وقوله تعالى : ( وجئتكم
بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون )
وقوله تعالى : ( إني لكم
رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون )
هذه التقوى المنشودة لها أثر عميق في
تحريك الضمائر والسلوك إلى الله سبحانه ، والانشاد إلى أقوال الرسول والاستسماع
إليه ، على أي إن من مثل هذه الخطابات تخلق جواً من الحماس والتهيوء الفطري لينتفض
الإنسان من واقعة المتردي وتحريكة إلى واقع أسمى وأفضل يصبوا إليه ...
ولو سألنا ما الثمرة المترتبة على
الإطاعة...؟
قلنا أن الإطاعة بكل صورها وأشكالها
تؤدي إلى السعادة الأبدية والفوز برضوان الله تعالى ورحمته : قال تعالى : ( ومن يطع
الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )
وقوله تعالى : ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقيه فأولئك
هم الفائزون )
وقوله تعالى
: ( وأطيعوا الله ورسوله والرسول لعلكم ترحمون )
وقوله تعالى : ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً .. )
وقوله تعالى : ( وإن تطيعوا الله رسوله لا يلتكم من أعمالكم
شيئاً )
أما الذين أبوا الاستماع إلى الرسول
واختاروا الكفر على الإيمان فهؤلاء سوف تكون عليهم حسرة على ما فاتهم من أمر
الطاعة والتفريط في جنب الله وتكذيب رسوله عند ذاك يندموا على ما فعلوا وولات حين
مندم ...
__________________
قال تعالى : ( يوم تقلب
وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. )
نستنتج مما سبق من الآيات أن طاعة الله
ورسوله واجبة لأن صلاح الأمة ورقيها بتلك الطاعة لا يحق لأحد من الناس ومخالفتهما
: قال تعالى : ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا. )
وقوله تعالى : ( إن الذين
يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي
عزيز )
التفويض وأقسامه
يقسم التفويض إلى فرعين رئيسيين :
أولاً : تفويض أمر الخلق والرزق ...
ثانياً : تفويض أمر الدين والسياسة ...
ثم لكل فرع قسمان :
القسم الأول : التفويض ـ المطلق ـ
بالمعنى الأعم.
القسم الثاني : التفويض ـ المقيد ـ
بالمعنى الأخص.
أولاً : التفويض
بالمعنى الأعم
هذا القسم من كلا الفرعين مختص بالله
وحده لا شريك له ، حيث هو المشرع الأساس والأول وهو الخالق والصانع ومبدع كل شيء ـ
الكائنات وكل الموجودات ـ لذا فإن امر العباد ومآلهم إليه سبحانه ، فهو اللطيف
الخبير ، والبصير ، له الأمر من قبل ومن بعد. من مصاديق القسم الأول من الفرع
الأول هي :
__________________
الرازقية والخالقية والإهداء والإظلال ،
والإحاطة ، والإماتة ، والإحياء والابتلاء ـ بالمرض ـ والإشفاء ، ... الخ
وغير ذلك من خصوصيات الرب الخالق الواحد
الفرد الصمد.
قال تعالى في شأن الرزق : ( إن الله
هو الرزاق ذو القوة المتين ... )
وقوله تعالى : ( والله
الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم..)
وقوله تعالى : ( الله لطيف
بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز )
وقوله تعالى : ( قل من
يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار )
وهناك عشرات الآيات لا منازع فيها أن
الرازق هو الله سبحانه وتعالى وقال تعالى في شأن الخالقية :
( يا أيها الناس اعبدوا
ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )
وقوله تعالى : ( خلق
الإنسان من صلصال كالفخار )
وقوله تعالى : ( الحمد لله
الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور )
وقوله تعالى : ( هو الذي
خلق لكم ما في الأرض جميعاً )
وقوله تعالى : ( وهو الذي
خلق الليل والنهار والشمس والقمر...)
وقوله تعالى : ( الذي خلق
الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً )
__________________
وقوله تعالى : ( وخلق كل
شيء فقدره تقديراً )
.
آيات كثيرة مورد في الخلق والإيجاد ..
وقال تعالى في شأن الهداية والضلالة :
( ... إن الله يضل من
يشاء ويهدي من أناب )
.
وقوله تعالى : ( إنك لا
تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )
.
والآيات كثيرة جداً في هذا الباب.
وفي الإحاطة ، قال تعالى : ( وأن الله
قد أحاط بكل شيء علماً )
.
وفي الإماتة والإحياء قال تعالى : ( لا إله إلا
هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين )
.
وقوله تعالى : ( وهو الذي
أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدة
ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعامً وأناسي كثيراً .. ) .
وأما في الابتلاء والإشفاء قوله تعالى :
( الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني
ويسقين ، وإذا مرضت فهو يشفين ، والذي يميتني ثم يحيين .. ) .
هذه جملة من الآيات في بعض الموارد لبعض
الخصوصيات التي انفرد بها الله سبحانه دون سائر خلقه ، وهناك خصوصيات كثيرة في أمر
التفويض ؛ التفويض بالمعنى المطلق أو الأعم بحيث هي ثابتة للمولى دون غيره في أمر
الخلق والرزق والأحياء والابتلاء والإهداء والإضلال ... الخ.
أما القسم الأول من الفرع الثاني (
تفويض أمر الدين بالمعنى الاعم ) فهو كذلك من مختصات الله سبحانه وتعالى ، لأن هذا
القسم من التفويض
__________________
يراد به التشريع.
والتشريع بالمعنى الأعم أو المطلق يكون من مختصات الباري سبحانه :
قال تعالى : ( لكل جعلنا
منكم شرعه ومنهاجا...)
وقوله تعالى : ( ... ثم
جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها..)
وقوله تعالى : ( شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن
أقيموا الدين...)
وقوله تعالى : ( ... أم
لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله...)
أما الأخبار الدالة على أن هذا التفويض
من مختصات الله تعالى فهي كثيرة نذكر منها :
وروى الصدوق بإسناده عن بريد بن عمير بن
معاوية الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا بمرو ، فقلت له يا ابن رسول الله
روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد 7
قال أنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين بالجبر ، ومن زعم أن الله عز وجل فوض أمر
الخلق والرزق إلى حججه : فقد
قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك.
فقلت له يابن رسول الله فما أمر بين
أمرين؟
فقال وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به
، وترك ما نهوا عنه ... الخ
التفويض الذي ورد ـ والنهي عنه ـ هو ذلك
التفويض في أمر العباد والخلق والرزق وغير ذلك التي هي من مختصات الله تعالى وما
ورد من
__________________
الأحاديث في أمر
التفويض الذي فوض الله به ذنبه أو الأئمة : إنما
هو في أمر الدين أي وكل لهم بيان أحكام الحلال والحرام والمندوب والمكروه ، وإنهم
أمناء الله على دينه فيحللون ما أحل الله ويحرمون ما حرم الله تعالى.
قال الصدوق حدثنا محمد بن علي ماجلويه
قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ياسر الخادم ، قال : قلت للرضا 7 ما تقول في التفويض؟ فقال 7 إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه 6 أمر دينه فقال : ( وما أتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).
فأما الخلق
والرزق فلا ، ثم قال 7
، إن الله عز وجل يقول : ( قل الله خالق كل شيء
وهو الواحد القهار )
.
ويقول تعالى : ( الله الذي
خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم هل من شركائكم من يفعل ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما
يشكرون )
إشارة وتوضيح :
قوله سلام الله عليه « فأما الخلق
والرزق فلا » ليس المراد أن الله تعالى لم يجعل بيد نبيه أو وليه والرزق الرزق والخلق
اصلاً بل المراد نفي تفويض الأمر إليهم كما تقوله المفوضة ، وهو ان الله سبحانه
فوض إليهم ذلك وليس بقدر على الحيلولة دونهم وإنهم العلة التامة في ذلك ، وعلى هذا
التقدير يتفق هؤلأ مع اليهود في قولهم ( يد الله مغلولة ) بل غلت ايديهم ولعنهم
الله في الدنيا والاخرة.
فالمفوضة كانت تعتقد بأن النبي
والأولياء كانوا يفعلون الرزق والخلق حقيقة وبدرتهم أي استقلالاً وبدون إذن الله
وهذا هو الكفر بعينه.
نعم لو قلنا أنهم يفعلون ذلك حقيقة لكن
بإذن الله تعالي واقداره لهم على ذلك فلا مانع منه ، حيث قوله تعالى في خطابه لعيس
( ع ) : ( وتبرأ الاكمة
__________________
والابرص باذني وتحي
الموتى باذني ) والأحاديث في ذم المفوضة بالمعنى الأعم كثيرة منها :
قال الصدوق بإسناده عن أبي هشام الجعفري
، قال : سألت أبا الحسن الرضا 7
عن الغلاة والمفوضة. فقال الغلاة كفار والمفوضة مشركون ، من جالسهم أو خالطهم أو
آكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم أو تزوج منهم أو آمنهم أو ائتمنهم على أمانة
أو صدّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية رسول الله 6 وولايتنا أهل البيت : .
__________________
القسم الثاني
التفويض بالمعنى
الأخص
عرفنا مما تقدم أن التفويض بالمعنى
الأعم غير ثابت لهم : لأنه
من مختصات الله سبحانه. أما التفويض بالمعنى الأخص وقل عنه بالمعنى الضيق فهو يسمل
الفرعين أعني الفرع الأول ( تفويض أمر الخلق والرزق ... الخ ) والفرع الثاني (
تفويض أمر الدين والسياسة ).
التفويض في أمر الخلق والرزق لا يتم لهم
إلا من خلال مسألتهم ودعائهم. أما كونهم يخلقون أو يرزقون أو يحيون ... بمحض
إرادتهم ، أو أنهم يفعلون ذلك حقيقة او بقدرتهم وما شابه ذلك ، على وجه الاستقلال
، فهو غير صحيح ، بل إنه كفر وشرك ، والذي يدلل على أن القائل بهذا التفويض كافر
هو الأدلة العقلية والنقلية وعليه يصدق الغلو على من يقول بهذا التفويض ، فهو ظال
ومظل.
وما جاء في الأخبار والروايات على أهم
يرزقون أو يخلقون أو مما فوض إليهم أمر الخلق والرزق والأحياء فلا بد من تأويلها
أو حملها على كونهم أسباب لإيجاد هذه المصاديق في الخارج وذلك بتوسلهم إلى الله
سبحانه وطلبهم الحثيث من الباري ، فسبحانه إن فعل ذلك فإنما يفعله مقارناً
لإرادتهم واستجابة لطلبهم ، وهذا أحد أقسام التفويض المعقول ، وكما عرفت قبل قليل
القسم الآخر ، وهو التفويض إليهم أمر الرزق والخلق ، وأنهم يفعلون ذلك بأنفسهم
ولكن بإذن الله. وأنت عارف خبيراً أن الأئمة المعصومين كرامتهم من الله كبيرة
ومنزلتهم عنده عظيمة ولما كانوا يشخصون بعض المصالح الخارجية ويدركون في الجملة
المنافع والمضار
التي سوف تترتب على
مسألتهم ، كان منهم السؤال والتوسل إلى الله بقضاء حاجتهم وإنجاح طلبتهم وقد ترتب
على سؤالهم الإجابة الصادقة الحقة السريعة إكراماً لهم ، وسبحانه يقول : ( وإذا سألك
عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني ) ، وقال تعالى : ( أدعوني
أستجب لكم...).
هذا شأن أي مؤمن يدعو الله ، كيف لو كان
الداعي إماماً معصوماً وولياً من أوليائه؟! مهما يكن ، لو حصلت لهم الإجابة فهي
تعد من باب المعجزة والكرامة ، إظهاراً لعلو منزلتهم وجلالة قدرهم وعظم شأنهم
وإخلاصهم ...
عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلال القمي
قال : اختلفت جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم
أن يخلقوا ويرزقوا فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا
يقدر على خلقها غير الله عز وجل ، وقال آخرون : بل الله أقدر الأئمة على ذلك وفوض
إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً ، فقال قائل : ما بالكم لا
ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه ، فإنه
الطريق إلى صاحب الأمر ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا
المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهة توقيع ، نسخة :
إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام ، قسم
الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأما الأئمة : ، فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه
فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاماً لحقهم .
فهذه الرواية ناظرة إلى نفي التفويض
بالمعنى المتعارف المستلزم لسلب القدرة عن الله تعالى الذي يقوله المفوضة ، ومما
يدل على ذلك الرواية الآتية :
__________________
عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال
: وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى ابي محمد 7 قال : كامل فقلت في نفسي أسأله لا يدخل
الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي ، قال : فلما دخلت على سيدي أبي محمد نظرت
إلى ثياب بيضاء ناعمة عليه ، قلت في نفسي ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب
بيضاء ناعمة عليه ، قلت في نفسي ولي الله وحجته بليس الناعم من الثاياب ويأمرنا
نحن بمواساة الإخوان وينهاناً عن لبس مثله فقال متبسماً : يا كامل وحسر عن ذراعيه
، فإذا مسح أسود خشن على جلده ، فقال : هذه لله وهذا لكم ، فسلمت جلست إلى باب
عليه ستر مرخى فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع
سنين أو مثلها ، فقال : لي يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت : لبيك
يا سيدي فقال : جئت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل النة إلا من عرف
معرفتك وقال بمقالتك فقلت أي والله قال إذن والله يقل داخلها ، والله إنه لدخلها
قوم يقال لهم الحقيقة ، قلت يا سيدي ومن هم؟
قال قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا
يدرون ما حقه وفضله ، ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة ثم قال : وجئت تسأله عن
مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء شئنا ، والله يوقول : ( وما
تشاؤون إلا أن يشاء الله...)
ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه .
توضيح :
قوله 7
: ( بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء شئنا ). يعني إن إرادتنا تابعة لإرادة
الله في الأمور التكوينية ، فنحن يمكن أن نخلق ونرزق ونحيي ونميت ، لكن بإرادة
الله وإذنه ، لا بدون إرادته منه ولا إذن ، ومن المعورف أن السؤال كان عن التفويض
أمر الخلق والرزق وأشباه ذلك إليهم.
ومما ورد في دعاء الإمام الرضا 7 :
__________________
اللهم إني بريء من الحول والقوة ولا حول
ولا قوة إلا بك ، الله إني أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق
الله إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا ، الله لك الخلق
ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين ، الله أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين
وآبائنا الآخرين ، اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ولا تصلح الإلهية إلا لك ، فالعن
النصارى الذين صفروا عظمتك والعن المضاهين لقولهم من بريتك.
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك
لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، الله من زعم إنا أرباب
فنحن منه براء ومن زعم أ ، إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن براء منه كبراءة عيسى
ابن مريم 7 من النصارى
، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون ، فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما يدعون
ولا تدع على الأرض منهم دياراً ، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً
كفاراً .
العبارات المنضودة في كلام الإمام سلام
الله عليه كلها صريحة ناطقة بعبوديتهم لله سبحانه وأن حولهم وقوتهم بالله ومن الله.
ثم براءته 7 ممن غالى
فيهم او جعلهم يخلقون أو يرزقون ... ثم أكد 7
مقام الربوبية والتي لا يستحقها إلى الله جل ثناؤه وعلى مقامه ...
أقول لا بد أن لا يتوهم القاريء عندما
يطلع على الأخبار التي فيها معاجز أهل البيت : كإحياء
الميت على أيديهم وأمثاله ...
فقد اشرنا في ذلك أنه من باب الكرامة أو
المعجزة أولاً. ثم إنه تجري تلك المعاجز والمناقب لإظهار مكانتهم عند الله ، وقد
شرفهم سبحانه وأكرمهم باستجابة دعواتهم ثانياً.
وثالثاً : إن الذي يجري على أيديهم ليس
من محض قدرتهم أو إرادتهم بل إنما هو بإشاءة ، فما شاء يشاؤون .. فهم الفاعلون
الحقيقيون ، سواء كان إحياء أو إماتة ، لكن كل ذلك بإذن الله وحوله وقوته إرادته
وإقداره ، لا أنهم مستقلون في ذلك بحيث لم يستمدوا قدرتهم من الله تعالى وهو لا
يتمكن من ردعهم ومنعهم.
__________________
عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله
وأبي جعفر 7 وقلت لهما
أنتما ورثة رسول الله 6
قال نعم قلت فرسول الله وارث الأنبياء علم كلما علموا؟ فقال لي نعم ، فقلت أنتم
تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤوا الأكمه والابرص؟ فقال لي نعم بإذن الله.
ثم قالوا ادنوا مني يا أبا محمد فمسح يده على عيني ووجهي وأبصرت الشمس
والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار قال : أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس
وعليك ما عليهم يوم القيامة او تعود كما كنت ولك الجنة خالصاً قلت أعود كما كنت ، قال
فمسح علي عيني فعدت كما كنت ، قال علي فحدثت به ابن أبي عمير فقال أشهد أن هذا حق
كما أن النهار حق .
عن صالح بن ميثم الأسدي ، قال دخلت أنا
وعباية بن ربعي على امرأة في بني والبة ، قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها
عباية يا حبابة هذا ابن أخيك قالت وأي أخ؟ قال صالح بن ميثم. قالت ابن أخي والله
حقاً. ابن أخي ألا أحدثك حديثاً سمعته من الحسين بن علي 7 قالت فحدث بين عيني وضح فشق ذلك علي
واحتسبت عليه اياماً ، فسأل عني ، ما فعلت حبابة الوالبية؟ فقالوا إنها حدث بها
حدث بين عينينها ، فقال لأصحابه : قوموا إليها فجاء مع أصحابه حتى دخل علي وأنا في
مسجدي هذا فقال يا حبابة ما أبطأ بك علي؟ قلت يابن رسول الله ، ماذا الذي منعني إن
لم أكن اضطررت إلى المجيء إليك اضطراراً ، لكن حدث هذا بي قال فكشفت القناع فتفل
عليه الحسين بن علي 7
، فقال : يا حبابة أحدثي لله شكراً فإن الله قد درئه عنك ، قال : فخررت ساجدة ، قالت
: فقال يا حبابة ارفعي رأسك وانظري في مرآتك ، قال فرفعت رأسي فلم أحسن منه شيئاً
فحمدت الله
...
__________________
قول الإمام صريح جداً في هذا الحديث
الذي يدلل أن هذه الكرامة التي ظهرت على يده المباركة إنما كانت من الله ( ... أحدثني
لله شكراً فإن الله قد درثه عنك ... ) فالإمام لم يدعي هذه المنقبة هي بقدرته
استقلالاً ولم ينسبها لنفسه بل قال إن الله قد درثه عنك ... فالإمام نسب هذا الفعل
إلى الله تعالى لأنه هو الذي أعطاه القدرة على ذلك ، ولكن الفعل فعل الإمام 7 ، وهو الذي عافاها ، لكن بإذن الله ، ومعلوم
أن المرأة يجب أن تشكر الله سبحانه لأن الشفاء كان بإذنه ، وقد مر في رواية أبي
بصير عن الإمام الصادق الباقر 7
حيث قال : فقلت أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤوا الأكمه والأبرص؟ فقال نعم
بإذن الله. وهذا الأذن لا في مقابلة وعرضه بل في طوله ، لأن العمل أسند إليهم.
دفع وهم :
لقد مر في رواية أبي بصير أن الأئمة : يحيون الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص
فهو من عملهم لكن بإذن الله ، وفي رواية صالح بن ميثم الاسدي ذكرت أن كرامات
الأئمة : كانت عمل
الله بطلب الأئمة.
أقول قد يتصور القارئ أن بين الروايتين
شيء من التعارض ، ولكن ليس كذلك ، بل إن كلتا الصورتين متحققة ، أي بعض الأوقاب
يطلب الأئمة من الله فيجيب دعوتهم ، وبعض الأوقات هم يفعلون بإذن الله.
وكيفما كان فما يوافق رواية أبي بصير
المتقدمة قوله تعالى على لسان عيسى : ( وابرأ الأكمه والأبرص
وأحيي الموتى بإذن الله )
، وقوله تعالى : ( وتبريء الأكمه والأبرص وتحيي الموتى بإذني ).
حيث أسند الإحياء إلى عيسى إلا أنه لم
يكن بمعزل من الإرادة الإلهية ، بل ربما الذي حصل هو بدعاء عيس حيث طلب من الله
فأجاب دعوته. وبما أن الأئمة : أفضل
من الأنبياء بني إسرائيل فبطريق أولى ، فإذا ثبت الإحياء والإبراء إلى عيسى بنص
القرآن فيثبت للأئمة بطريق الأولوية. فكل ما يجاب عنه بالنسبة إلى عيسى يجاب
بالنسبة إلى الأئمة وبالتالي يرتفع الإشكال.
أما التفويض في الدين والسياسة والأحكام
... بالمناظر الضيق أو
المعنى الأخص مما لا
شك في ثبوته للأئمة المعصومين الذين ورثوا هذا الحق من النبي 6 ، وكما ستعرف أن هذا القسم يراد به
تشريع بعض الأحكام التي تركها الله سبحانه لنبيه ليعلم من يطجع الرسول ومن يعصيه ،
وهذا قد كان سبق في علم الله ، إلا أن الرسول لم يكن ليطلع على هؤلاء ، فوكل إليه
هذا المقدار من التشريع حتى يكون على بينة من أمر أصحابه بصورة خاصة والمسلمين
بصورة عامة.
التفويض للرسول
والاخبار في ذلك
لابد من القول بأن معرفة النبي ومنزلته
عند الله أمر مهم في غاية الأهمية ، وهذا المعرفة سوف تكون الفصيل لفهم الأخبار
والأحاديث الواردة في هذا الباب فمن كرامة الله لنبيه 6 أمضى منته في أمته والتي أصبحت لزاماً
على المسلمين اتباعها فأنزلها الله منزلة التشريع من حيث الوجوب في الأمر والنهي
والعلة في هذا الإمضاء ، لينظر كيف طاعة المسلمين لنبيهم وإخلاصهم له.
عن الكليني بإسناده عن أب إسحاق النحوي
قال : دخلت على أبي عبد الله 7
فسمعته يقول : إن الله عز وجل إدب نبيه على على محبته فقال ( وإنك لعلى
خلق عظيم )
، ثم فوض
إليه فقال عز وجل : ( وما اتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
وقال عز وجل
: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله )
، قال : ثم قال وإن نبي الله فوض إلى علي وائتمنه فسلمتم وحجد الناس فوالله لنحيكم
أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين الله عز وجل ، ما
جعل الله لأحد خيراً في خلاف أمرنا .
__________________
وعنه بإسناده عن زرارة قال : سمعت أبا
جعفر وأبا عبد الله : يقولان
: إن الله عز وجل فوض إلى نبيه أمر خلقه
لينظر كيف كاعته ثم تلا هذه الآية : ( وما أتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
.
وعنه أيضاً بإسناده عن زيد الحشام قال
سمعت أبا عبد الله 7
في قوله تعالى : ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب )
قال أعطى سليمان ملكاً عظيما ثم حرت هذه الآية في رسول الله 6 فكان له أن يعطي ما شاء ويمنع من شاء ،
وأعطاه الله أفضل مما أعطى سليمان لقوله : ( وما أتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
.
عن محمد بن الحسين الصفار بإسناده عن
أبي أسامة عن أبي جعفر 7
قال : إن الله خلق محمداً 6
عبداً فأدبه حتى إذا بلغ أربعين سنة أوحى إليه وفوض إليه الأشياء فقال : ( وما أتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
.
وعنه بإسناده عن إسماعيل بن عبد العزيز
قال : قال لي جعفر بن محمد أن رسول الله 6
كان يفوض إليه أن الله تبارك وتعالى فوض إلى سليمان ملكه فقال هذا عطاؤنا فامنن أو
أمسك بغير حساب ، أن الله الله فوض إلى محمد نبيه فقال : ( وما أتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
فقال رجل إنما كان رسول الله 6
مفوضاً إليه في الزرع والضرع. فلوى جعفر عنه عنقه مغضباً فقال في كل شيء والله في
كل شيء .
__________________
وعنه بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال :
قرأت هذه الآية إلى أبي جعفر ليس لكم من الأمر شيء قول الله تعالى لنبيه وأنا أريد
أن أسأله عنها فقال أبو جعفر 7
: بل وشيء يشيء مرتين وكيف لا يكون له من الأمر شيء فقد فوض الله إليه دينه فقال :
( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
) فما أحل
رسول الله 6 فهو حلال
وما حرم فهو حرام .
عن محمد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر
7 فذكرت
اختلاف الشيعة فقال إن الله لم يزل فرداً متفرداً في الوحدانية ثم خلق محمداً
وعلياً وفاطمة 8
فمكثوا ألف دهر ثم خلق الأنبياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما
شاء ، وفوض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق ،
لأنهم الولاة فلهم الأمر والولاية والهداية فهم أبوابه ونوابه وحجابه يحللون ما
يشاء ويحرمون ما شاء ولا يفعلون إلا ما شاء عباد مكرمون لا يشبقون بالقول وهم
بأمره يعملون.
فهذه الديانة التي من تقدمها غرق في بحر
الإفراط ومن نقصهم عن هذه المتراتب التي رتبهم الله فيها زهق في بر التفريط ، ولم
يوف آل محمد حقهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم ثم قال : خذها يا محمد فإنها من
مخزون العلم ومكنونه .
هذه الأخبار وغيرها قد وصلت في الشهرة
حد التواتر ، وكلها قائلة بالتفويض للرسول في أمر الدين ، وستعرف بعد قليل إن شاء
الله ما هو حدود هذا التفويض.
__________________
حق التشريع
التشريع مظهر من مظاهر الخير ، يعطي
للإنسان كياناً خاصاً وحياة فاظلة من تنسيق الشارع لعلاقات الفرد الواحد مع
الآخرين وصياغة مجتمع مثالي يقوم على أسس العدالة والمساواة وحفظ التوازن ومراعاة
المصالح العام زماناً ومكاناً.
ولما كان مصدر الوجود والخير هو الله
سبحانه وتعالى ، وهو الذي أبدع صنع الإنسان وباقي الموجودات ، فسبحانه خلق فسوى ، وقدر
فهدى ، وهو الذي سخر كل ما في الوجود لهذا الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم.
فسبحانه هو المنعم الحقيقي وهو المصدر
المطلق للوجود والحياة ، وإذا سلمنا بهذا عرفنا أن جمسع الأسرار الموعودة في هذه
الموجودات لا يعلمها غيره ولا يستطيع أن ينظمها أحد إلا هو ، فهو عالم الغيب
والشهادة وهو العزيز الحكيم القادر البارئ المصور.
ولما كانت الحياة لا يمكن التمتع بها
على وجه الأمن والاستقرار والاطمئنان إلا بشريعة أو نظام ، يحدد الواجبات والمصالح
بين الأفراد ، فقد حدث أن توالت نعم الباري على العباد ، وذلك بإنزال الشرائع وبعث
الرسول على مر الأزمان إذا لا يعدو الشك في قولنا بأن المشرع الأول هو الله سبحانه
، لأنه المنعم الأول وواهب الحياة ومصدر الوجود ، وعلى هذا استحق الباري حق الطاعة.
ثم للإنعام مصاديق متواجدة بين البشر
أنفسهم إذ أحدهم ينعم على
الآخر فيستحق الشكر
أو بعضهم يملك حق الطاعة كالأب ، والسيد ومولاه ، والحاكم ، والزوج ... إلخ.
وهذه المصاديق كلما اختلفت في رتبة
الإنعام ، اختلفت في مقدار الطاعة فكلما كان المنعم في رتبة أعالى من الإحسان ، وجبت
له رتبة من الطاعة تساوي درجة الإنعام. إلا أن كل هذه الرتب والدرجات من الطاعة لا
يمكن مقايستها مع درجة الطاعة المطلقة للمنعم المطلق وهو الله سبحانه.
فما يستحقه الإنسان من شكر وطاعة إنما
هو محدود في دائرة ذلك الإحسان أما إطاعة الله تعالى لا بد أن تكون في كل آن تتجدد
بإظهار الشكر الحقيقي الخالص للمولى وبما أن نعمه غير محدودة ومواهبه لا تعد ولا
تحصى ، فلا بد إذا من اإذعان له كما يجب ويريد في أوامره ونواهيه والتزام أحكامه.
قال تعالى : ( ومن لم
يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )
، وقال
تعالى : ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه )
، وقال تعالى : ( ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين )
، وقال تعالى : ( له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه
ترجعون )
. بعدما
عرفنا المصدر الأساسي للتشريع هو الله سبحانه ، علينا أن نسأل وهل لغير الله حق في
التشريع؟
هذا ما اختلف عليه فقهاء المسلمين فمنهم
من جوز ومنهم من منع ذلك.
إلا أن من بين الأحاديث والروايات نجد
سبحانه وتعالى أعطى نبيه محمد 9
سلم صلاحية التشريع والذي هو أساس بحثنا الذي صدرنا عنوانه بالتفويض فالذي أجاز
التشريع بغير الله استدل بالآية الكريمة : ( وما أتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).
__________________
وهذا ما ذهبت إليه الإمامية الإثنا
عشرية إذ جوزت للرسول 9
سلم أن يشرع للأمة ما ينظم مصالحها ، وهذه هي السنة التي جاءت مكملة للشريعة
السمحاء ، وتابع الرسول في هذا الحق الأئمة المعصومين :. أما بقية المذاهب الإسلامية فقد أنكرت
ذلك على الشيعة الإمامية ، إلا أنها لم تنكر ما للحكام وأولي الأمر ـ على مذاقهم
في التفسير ـ من حق التصرف والتشريع وتعطيل الحدود ، إذ له صلاحية كبرى في التقنين
، بل وجعلوا لذلك قدسية وشرافة ، والالتزام به واجب ، وإن كان يعارض النصوص
القرآنية.
وهذا ماحدث في زمن الخليفة الأول إذ منع
الزهراء من إرثها ، وقد خالف بحكمه هذا نصوص القرآن ، وقد استدل بما ينسب للرسول
قوله : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ) وفي رواية لا نورث ما تركناه صدقة على أن هذا لم يثبت صدوره من النبي 6 كما أن الذي رواه فقط أبو بكر ، وقد
احتجت الزهراء سلام الله عليها بنصوص من الذكر الحكيم كاد أن يقنع بها أبو بكر
لولا نهي عمر بن الخطاب له.
ثم خالف عمر بن الخطاب نصوص القرآن
بتحريمه متعة الحج ومتعة النساء ، فقال : كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا
أنهي عنهما وأعاقب عليها ؛ أحدهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج إمرأة إلى
أجل إلا غيبته بالحجارة والأخرى متعتة الحج افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم.
وهذا التحريم هو الآخر مخالف لنصوص
القرآن الكريم. ثم لم يجر الحد على خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويره ودخل
بزوجته من ليلته ، فأي تعطيل للحدود ولحكم الله بعد هذا وأي مخالفة وراء هذا ... وهناك
عشرات بل المئات من تلك المواقف التي خالفت النصوص القلرآنية ناهيك عن مخالفتها
لسنة الرسول 6.
__________________
مصاديق من تشريع
الرسول 6
لقد سبق الاستدلال بالقرآن والسنة على
جواز ممارسة الرسول لحق التشريع وقد تبين هذا في موضوع التفويض ، وسنذكر هنا
مصاديق لتشريع الرسول فمن تلك المصاديق :
١ ـ إنه حرم النبيذ وكل مسكر ، وقد
أمضاه الله له ذلك.
٢ ـ إنه شرع في الصلاة الركعتين
الأخيرتين للرباعية وللمغرب بركعة ثالثة ، وقد أسقط الركعتين في السفر ولم يسقط
الركعة الثالثة من صلاة المغرب فأجازه الله له ذلك.
٣ ـ أمر الله فرائض الصلب ، وفرض رسول
الله للجد السدس فأمضاه الله له ذلك.
٤ ـ حرم الله مكة ، وحرم رسول الله
المدينة ، فأجازه الله له ذلك.
٥ ـ وضع الرسول 6 دية العين ، ودية النفس ودية الأنف.
٦ ـ فرض الله صوم شهر رمضان ، وسن
الرسول صوم شعبان وثلاثة أيام من كل شهر.
٧ ـ ولما صارت الفرائض الخمسة (١٧) سبعة
عشر ركعة سن الرسول مثلي الفريضة وهي النوافل أربعاً وثلاثين ركعة ، فأجازه الله
له ذلك...
٨ ـ أنزل الله الصلاة ، والرسول وقت
أوقاتها فأجازه الله له ذلك.
مع النصوص
عن محمد بن عبد الحسن الصفار بإسناده عن
القاسم بن محمد قال : إن الله أدب نبيه فأحسن تأديبه فقال : خذ العفو وامر
بالمعروف واعرض عن الجاهلين ، فلما كان ذلك أنزل الله وإنك لعلى خلق عظيم ، وفوض
إليه أمر دينه وقال : ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهنا ، فحرم الله
الخمر بعينها وحرم رسول الله 6
كل مسكر فأجازه الله ذلك ، وكان يضمن على الله الجنة فيجيز الله ذلك له وذكر
الفرائض فلم يذكر الجد فأطعمه رسول الله
6
سهماً فأجازه الله ذلك ولم يفوض إلى أحد من الأنبياء غيره .
محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله 7
قال : قلت له كيف كان يصنع أمير المؤمنين بشارب الخمر؟ قال : كان يحده ، قلت فإن
عاد قال يحده ثلاث مرات فإن عاد كان يقتله ، قلت فمن شرب الخمر كما شرب المسكر قال
سواء فاستعظمت ذلك. فقال لا تستعظم ذلك إن الله لما أدب نبيه انتدب ففوض إليه وأن
الله حرم مكة وأن الرسول حرم المدينة فاجاز الله له ذلك وأن الله حرم الخمر وأن
رسول الله حرم المسكر فأجاز الله ذلك له ثم قال حرف وما حرف من يطع الرسول فقد
أطاع الله .
عن محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن
زرارة قال : سألت أبا جعفر 7
عن أشياء من الصلاة والديات والفرائض وأشياء من أشباه هذا ، فقال : إن الله فوض
إلى نبيه 6.
عن محمد بن يعقوب الكليني بإسناده عن
زرارة عن أبي جعفر 7
قال : وضع رسول الله 6
دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكل مسكر ، فقال له رجل : وضع رسول الله 6 من غير أن يكون جاء فيه شيء؟ قال : نعم
ليعلم من يطع الرسول ممن يعصيه .
الكليني بإسناده عن فضيل بن يسار قال : سمعت
أبا عبد الله 7
يقول لبعض أصحاب قيس الماصر : إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له
الأدب قال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس
عباده ، فقال عز وجل : ( وما أتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
وأن رسول الله كان مسدداً موفقاً مؤيداً بروح القدس ، لا يزل ولا يخطيء في شيء مما
يسوس به الخلق ، فتأدب بآداب الله ، ثم إن
__________________
الله عز وجل فرض
الصلاة ركعتين ، ركعتين عشر ركعات ، فأضاف رسول الله 6
إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في
سفر وأفرد الركعة في المفرد فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عز وجل له
ذلك كله ، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ، ثم سن رسول الله 6 النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي
الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسين ركعة منها ركعتان
بعد العتمة جالساً تعد بركعة مكان الوتر وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن
رسول الله صلى الله 6
صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة ، فأجاز الله عز وجل له ذلك.
وحرم الله عز وجل الخمر بعينها وحرم
رسول الله 6 المسكر في
كل شراب فاجاز الله له ذلك كله وعاف رسول الله 6
أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهى إعانة وكراهة ، ثم رخص فصار
الأخذ برخصة واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول
الله 6 فيما نهاهم
عنه نهي حرام ، لم يرخص فيه لأحد ولم ، يرخص رسول الله 6 لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى
ما فرض الله عز وجل ، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً ، لم يرخص لأحد في شيء من ذلك
إلا للمسافر ليس لأحد أن يرخص شيئاً ما لم يرخصه رسول الله 9 ولم فوافق أمر رسول الله 6 أمر الله عز وجل ونهيه نهي الله عز وجل
ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى .
محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله 7
قال : إن الله أدب نبيه حتى إذا أقامه على ما أراد قال له وأمر بالمعروف وأعرض عن
الجاهلين ، فلما فعل ذلك له رسول الله 6
زكاه الله فقال إنك لعلى خلق عظيم ، فلما زكاه فوض إليه دينه فقال ما أتاكم الرسزل
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، فحرم الله الخمر وحرم رسول الله 6 كل مسكر فأجاز الله له ذلك كله وأن
الله أنزل الصلاة وأن رسول الله
__________________
6
وقت أوقاتها فأجاز الله ذلك له .
وعن محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن
أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر 7
يقول من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال لأن الأئمة منا مفوض
إليهم فما أحلوا فهو حلال وما حرموا فهو حرام .
وعن الصفار بإسناده عن أبي إسحاق عن أبي
عبد الله 7 يقول : إن
الله أدب نبيه على محبته فقال إنك لعلى خلق عظيم ثم فوض إليه فقال ما أتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، وقال من يطيع الرسول 6
فقد أطاع الله ، قال : ثم قال وإن نبي الله فوض إلى علي 7 وائتمنه فسلمتم وجحد الناس ، والله
لحسبكم أن تقولوا إذا قلنا وتصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين الله فما جعل
الله لأحد من خير في خلاف أمرنا .
وفي رواية على بن فضال عن عاصم عن النحوي
عن أبي عبد الله ... قال أن رسول الله 6
فوض إلى علي بن ابي طالب وائتمنه .
عن زكريا الزجاجي ، عن الباقر 7 كان يذكر علياً فقال : كان فيما ولي
بمنزلة سليمان بن داود قال الله تعالى امنن أو امسك بغير حساب .
محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن رفيد
مولى ابن هبيرة ، قال أبو عبد الله 7
: إذا رأيت القائم أعطى رجلاً مائة ألف وأعطى آخر درهماً فلا يكبر في صدرك وفي
رواية أخرى فلا يكبر ذلك في صدرك فإن الأمر مفوض إليه .
أقول الرواية وإن كانت في تقسيم المال
إلا أن هذا التصرف يدخل في ضمن تفويض الأحكام.
__________________
وعن الصفار أيضاً قال : وما وجدت في
نوادر محمد بن سنان قال : قال أبو عبد الله 7
لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله 6 وإلى الأئمة : فقال إنا أنزلناه الكتاب لتحكم بين
الناس بما أراك الله وصي اراك الله وهي جارية في الأوصياء .
وعن الصفار بإسناده عن عبد الله بن
سليمان عن أبي عبد الله 7
قال : سألته عن الإمام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان؟ فقال : نعم وذلك أن رجلاً
سأله عن مسألة فأجابه فيها سأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأول ثم
سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين
، ثم قال هذا عطاؤنا فأمسك أو أعط بغير حساب وهكذا هي في قراءة علي قال : قلت
أصلحك الله فحين اجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام ، فقال سبحان الله أما تسمع
الله يقول في كتابه إن في ذلك لآيات للمتوسمين وهم الأئمة وإنها لبسبيل مقيم لا
يخرج منها أبداً ، ثم قال نعم إن الإمام إذا نظر إلى الرجل عرفه وعرف لونه وإن سمع
كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو إن الله يقول ومن آية خلق السماوات والأرض
واختلاف السنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين فهم العلماء وليس يسمع شيئاً
من الألسن تنطق إلا عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم به .
رفع إشكال :
رب سائل يقول إن الرواية لا تدل على
تفويض الأحكام والتشريع ، وإنما تدل على علم الإمام بموضوعات الأحكام ، وأن الشخص
الفلاني موضوع للحكم الفلاني ، والآخر موضوع لحكم آخر ، وإن كانا متشابهين في
الخصوصيات ، كما لو سئل المفتي ماذا يصنع المسافر؟ فيقول يقصر ، ثم يسأل ماذا يصنع
المسافر الآخر؟ فيقول يقصر ، ثم يسأل ماذا يصنع المسافر الآخر؟ فيقول يتم ، لأنه
يعلم أن الثاني قد أقام عشرة أيام.
أقول ويدفع هذا الإشكال صريح العبارة : قال
ـ عبد الله بن سليمان ـ سألته عن الإمام فوض إليه كما فوض إلى سليمان؟
فقال ـ الإمام ـ نعم.
وأن سليمان نبي من الأنبياء وقد عرفنا
في الصفحات السابقة أن الرسول 6
؛ وهو كنموذج لأحد الأنبياء ، قد فوض إليه التشريع ـ هذا من جانب ـ وقد دلت آيات
عديدة في إثبات حق التشريع لسليمان 7
ـ هذا من جانب آخر ـ منها سن العقوبة ؛ وذلك لما رأى الهدهد غائباً. وحتماً إن تلك
العقوبة كانت بحق ، وإلا يكون عمله 7
جوراً ، والجور قبيح بحد ذاته فكيف لو صدر من نبي؟!
إذاً قول الإمام الصادق 7 : نعم ، يستشف منه أن الإمام فوض إليه
في التشريع والأحكام كما فوض إلى سليمان ... والله العالم.
دور الأئمة في
التشريع والتفويض إليهم
أشرنا إلى أن كلمة ( أولي
الأمر منكم )
في الآية الكريمة : ( أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم )
المعني بها هم الأئمة المعصومون 7.
قد دلت الروايات المتواترة على أن التفويض الذي كان للنبي قد ثبت للإمام علي 7 ولولده من بعده نذكر طرفاً من تلك
الأحاديث والروايات حتى يتبين لنا دور الأئمة : في
التشريع.
الكليني بإسناده عن موسى بن اشيم قال : كنت
عند أبي عبد الله 7
فساله رجل عن آية من كتاب عز وجل فاخبره به ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية
فإخبره بخلاف ما أخبر به الأول ، فدخلني في ذلك ما شاء عن تلك الآية فأخبره بخلاف
ما أخبر به الأول ، فدخلني في ذلك ما شاء الله حتى كان قلبي يشرح بالسكاكين فقلت
في نفسي : تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا
الخطأ كله ن فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما
أخبرني وأخبر صاحبي ، فسكنت نفسي فعلمت أن ذلك من تقية ، قال : ثم التفت إلي فقال
لي : يا ابن اشيم إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود فقال : ( هذا
عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب )
وفوض إلى نبيه 6
فقال : ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
) فما فوض
إلى رسول الله 6 فقد فوضه إلينا .
وفي رواية الصفار فإن الله تبارك وتعالى
فوض إلى الأئمة منا وإلينا ما فوض إلى محمد 6
فلا تجزع .
معرفة الإمام
ومنزلته
هذه الأحاديث وما ضارعها في المعنى تنص
على أن خصوصية التفويض التي كانت للرسول كانت للأئمة : وأنها
توارثها منه : فالتفويض لهم
أحد الأسرار التي أودعها الله سبحانه فيهم لكرامتهم على الله وعلو منزلتهم فهم
عباد مكرمون.
عن الصفار بإسناده عن أبي الجارود عن
أبي جعفر قال : إن رسول الله 6
دعا علياً 7 في المرض
الذي توفى فيه ، فقال يا علي ادن مني حتى أسر إليك ما أسر الله إلى وأئتمنك على ما
ائتمنني الله عليه ففعل ذلك رسول الله 6
بعلي 7 وفعله علي
بالحسن 7 وفعله الحسن
بالحسين 7 وفعله
الحسين 7 بأبي وفعله
أبي بي صلوات الله عليهم أجمعين .
أقول لو علمن امنزلة الإمام المعصوم عند الله سبحانه وما يمتلك من صفات وميزات
وقدرات انطلاقاً من الواقع الإيماني الذي هم عليه ومعرفتهم بالله وعبوديتهم له
وطاعتهم الخالصة ... لو علمنا ذلك حقاً لهان الخطاب ولأرتفع الشك والأصبح كل ماقبل
في حقهم قليل بعد تنزيههم عن الربوبية والنبوة .
ولمعرفة الإمام ومنزلته نذكر الخبر
المروي عن عبد العزيز بن مسلم عن الرضا 7
حيث قال : كنا مع الرضا 7
بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا
كثرة اختلاف
__________________
الناس فيها ، فدخلت
على سيدي 7 فأعلمته خوض
الناس فيه ، فتبسم 7
ثم قال : يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم ، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه
6 حتى أكمل له
الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء ، بين فيه الحلال والحرام ، والحدود
والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً ، فقال عز وجل : ( ما فرطنا
في الكتاب من شيء )
وأنزل في
حجة الوداع وهي آخر حجة كانت له 6
: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام ديناً )
وأمر
الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض 6
حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم
علياً 7 علماً
وإماماً وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الا بينه ، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل
دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فهو كافر به.
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة
فيجوز فيها اختيارهم ، إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع
جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا
إماماً باختيارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل 7 بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة ، وفضلية
شرفه بها وأشاد بها ذكره ، فقال : ( إني جاعلك للناس
إماماً )
فقال الخليل
7 سروراً بها
: ( ومن ذريتي ) قال الله تبارك وتعالى : ( لا ينال
عهدي الظالمين )
فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة الطاهرة فقال : ( ووهبنا له
إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين
، وجعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا
لنا عابدين )
.
فلم تزل في ذريته يرثها بعض ، قرناً فقرناً
حتى ورثها الله تعالى النبي 6
فقال جل شأنه : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا
النبي
__________________
والذين
آمنوا والله ولي المؤمنين )
فكانت له
خاصة فقلدها 6 علياً 7 بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله
فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى : ( وقال
الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث )
فهي في ولد علي 7
خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبي بعد محمد 6
خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبي بعد محمد 6
فمن اين يختار هؤلاء الجهال.
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث
الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول 6
ومقام أمير المؤمنين 7
وميراث الحسن والحسين :.
إن الآمامة زمام الدين ونظام المسلمين
وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الإمامة الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمامة
تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء
الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف.
الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ،
ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ويدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة
والحجة البالغة ، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث
لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام البدر المنير والسراج الزاهر
والنوور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ، ولجج
البحار ، الإمام الماء العذب على الظلماء والدال في المهالك ، من فارقه فهالك ، الإمام
السحاب الماطر ، والغيث الهاطل والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة والارض البسيطة ،
والعين الغريرة والروضة.
الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق ، والأخ
الشقيق ، والأم البرة بالولد الصغير ومفرع العباد في الداهية النآد ، الإمام أمين
الله في خلقه ، وحجته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذاب عن
حرم الله.
__________________
الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن
العيوب ، والمخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين وعز المسلمين وغيظ
المنافقين وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره ، لا يدانيه ، ولا
يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ولا له مثيل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير
طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب.
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام. أو
يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت
العيون ، وتصارغت العظماء وتجبرت الحكماء ، وتقاصرت الحكماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت
الألباء ، وكلت الشعراء وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو
فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير ، وكيف يو صف بكله أو ينعت بكنهه ، أو يفهم
شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه لا كيف وأنى؟ هو بحيث النجم من يد
المتناولين ووصف ا لواصفين ، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد
مثل هذا؟!
أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل محمد 6 كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطيل
فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً ، تزل عنده إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام
بعقول حائرة ناقصة ، وآراء مضلة ، فلم يزدادوا منه إلا بعداً ( قاتلهم الله أنى
يؤفكون ) ولقد راموا صعباً ، وقالوا إفكاً وضلوا ضلالاً بعيداً ، ووقعوا في الحيرة
، إذ تركوا الإمام عن بصيرة ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا
مبصرين.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله
6 وأهل بيته
إلى اختيارهم والقرآن يناديهم : ( وربك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون )
وقال عز وجل : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )
وقال : ( ما لكم
كيف تحكمون ، أم لكم كتاب فيه
تدرسون. إن لكم فه لما تخيرون. أم
__________________
لكم
إيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون. سلهم ايهم بذلك زعيم ، أم
لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين )
وقال عز وجل : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
أم ( وطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون )
أم ( قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند
الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم
لتولوا وهم معرضون )
أم ( قالوا
سمعنا وعصينا )
بل هو فضل
الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم
لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة ، والنسك والزهادة ، لا مغمز فيه في
نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم ، والعترة من الرسول 6 والرضا من الله عز وجل شرف الأشراف ، والفرع
من عبد مناف ، نامي العلم كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة ، ومفروض
الطاعة ، قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله حافظ لدين الله.
إن الانبياء والأئمة صلوات الله عليهم
يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يأتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق
علم أهل الزمان في قوله تعالى : ( أفمن يهدي إلى الحق
أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون )
وقوله في طالوت : ( إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم
والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم )
وقال لنبيه
__________________
6
: ( أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن
تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً )
وقال في
الائمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم ( أم يحسدون
الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم
ملكاً عظيماً فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً ) .
إن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور
عباده ، شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يع
عبده بجواب ، ولا يحيد فيه عن الصواب ، فهو معصوم ، مؤيد ، موفق مسدد ، قد أمن من
الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده ، وشاهده على خلقه ، وذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء ذو الفضل العظيم.
فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو
يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه تعدوا ـ وبيت الله ـ الحق ونبذوا كتاب الله وراء
ظهورهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وعلا : ( ومن أضل ممن اتبع
هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
وقال : ( كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك
يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )
وصلى الله
على النبي محمد وآله وسلم تسلمياً كثيراً .
الحديث الشريف المتقدم عن الإمام الرضا 7 يحتوي على مضامين عالية واستدلالات
قوية ، وبراهين قاطعة وحجج متينة كلها مستمدة من القرآن الكريم ونستطيع أن نقف ع
لى أهم النقاط التي ذكرها الإمام سلام الله عليه في معرض حديثه مع عبد العزيز بن
مسلم ، منها أنه تطرق 7
إلى :
__________________
١ ـ بيان جهل الناس في أمر الإمامة.
٢ ـ بيان إكمال الدين وتبيان كل شيء ، وإن
الله لم يقبض رسوله 6
إلا بعدما أنجز كل ما يحتاجه المسلمون من تشريع.
٣ ـ بيان دور الرسول في توضيح الرسالة ،
ولم يرحل من هذه الدنيا حتى وضح للمسلمين ما غمض عليهم والتبس...
٤ ـ إن الإمامة منصب إلهي وتخصيص من
الله لذوات معنية.
٥ ـ إن الظالم لا ينال منصب الإمامة.
٦ ـ إن الإمامة في ذرية إبراهيم
يتوارثونها ، وقد ورثها الرسول 6
من آبائه وأجداده من إبراهيم.
٧ ـ إن الإمامة انتقلت إلى أمير
المؤمنين 7 ثم صارت في
ولده.
٨ ـ تعريف الإمامة وإنها امتداد لخلافة
الأنبياء.
٩ ـ مهمة الإمام ودوره في الحافظ على ما
شرعه الله من الحلال والحرام.
١٠ ـ صفة الإمام.
١١ ـ الشروط اللازمة توفرها في الإمام.
١٢ ـ إن الناس لا يمكن لهم الإحاطة بكل
ما لدى الإمام.
١٣ ـ الإمامة اودعت في آل الرسول وهم من
صلب علي وفاطمة ، ومن ادعاها لنفسه من دونهم فهو كاذب.
١٤ ـ سوء اختيار القوم ، عندما رغبوا عن
اختيار الله وما اختاره الرسول 6
لهم.
١٥ ـ الموازنة بين الإمام المنصوب من
قبل الله سبحانه وبين غيره.
١٦ ـ بيان تصور الناس وعجزهم عن الاتيان
بمثل تلك الصفات المودعة في الإمام من قبل الله ، وإن ما تتحلى به شخصياتهم : من الحلم والأخلاق والشجاعة والجود
والسؤدد والطاعة الكاملة للمولى ... الخ إنما هي صفات خاصة مودعة في ذوات معينين ،
قد نصبهم الله أمناء وخلفاء على العباد.
هذه بعض النقاط التي تصمنها الحديث.
خلاصة البحث في
التفويض
كما عرفت أن التفويض ينقسم إلى فرعين :
أولاً
: تفويض أمر الخلق والرزق والحياة
والممات ...
ثانياً
: تفويض أمر الدين والسياسة والتربية
والأحكام ...
والفرع الأول ينقسم إلى :
أ ـ تفويض أمر الخلق والرزق بالمعنى
الأعم أو المطلق.
ب ـ تفويض أمر الخلق والرزق بالمعنى
الأخص الضيق أو المقيد.
والفرع الثاني :
أ ـ تفويض أمر الدين والسياسة ... بالمعنى
الأعم أو المطلق.
ب ـ تفويض أمر الدين أو السياسة ... بالمعنى
الأخص الضيق أو المقيد.
ما يثبت تفويضه للمعصومين : هو القسم الثاني والرابع فقط.
القسم الثاني يثبت ،
ويصح عقلاً من خلال سؤالهم ودعائهم طلب حاجتهم من الله سبحانه ، فإذا شاء الله
شاءوا ، وإذا دعوا الله أجابهم ، فما يصدر منهم إنما هو من باب الكرامة والمنقبة ،
لا أنه يصدر بقدرتهم أو بإرادتهم ، ولا هم فاعلون حقيقيون لتلك الخوارق للعادة
والطبيعة ـ على وجه الاستقلال ، بل إنه فاعلون حقيقيون لكن بإذن الله تعالى ... كما
تقدم.
فلا حول لهم ولا قوة إلا بالله ، وهم لا
يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، وقد ورد عنهم في المأثور من قولهم وكلماتهم في
الأدعية ... ربي لا تكلني إلى نفسي طرقة عين ... فمن كان شأنه في دعائه أن لا يوكله
الله إلى نفسه طرفة عين ، فكيف يوكل أمرالعباد والرزق والأحياء إليهم...؟!!
أما القسم الرابع ، فقد ثبت التفويض فيه
للنبي 6 حتى يعلم
المطيع منهم والعاصي ، أي شأنه في ذلك التمييز بين الطيب والخبيث ...
وهذا لا يمنعه أهل العقل إضافة إلى
الشرع. وقد عرفت إنما كان لهم هذا التفويض في هذين القسمين خصوصاً ، كي يطلع
العباد على منزلتهم ، فما تخويلهم إلا بتشريفهم وإكرامهم وإظهار عظمتهم للملأ.
ما كان يعينه النبي من الأحكام فذاك
مصدره الوحي ، وما كان يختاره 6
فمصدره الإلهام ، ولا يخفى أن هذا الاختيار كان يمضيه الله سبحانه بطريق الوحي
أيضاً.
عدا ذلك من التوجية أو القول فيهم
بالرازقية والخالقية وبالتفويض عموماً فهو باطل وكفر وإلحاد وخروج عن الحد الشرعي
والدين ن كما دلت عليه الآيات والأخبار. كما أن الأئمة : تبرؤوا ممن قال بذلك التف يض ، وحكموا
بكفرهم ، بل أمروا بقتلهم لأنهم غلاة مشركون.
هذا هو موقف الفرقة الناجية الإمامية
الإثنا عشرية ، وقد عرفت أن الشيخ الكليني ( رض ) هو أحد أعلامها البارزين ومجدد
هذا المذهب على رأس سنة (٣٠٠) ولم نجد فيما أودعه في كتاب الكافي شيئاً يخالف تلك
العقيدة التي ورثناها من أهل البيت : بل
أنه صرح في عدة أبواب من كتاب الحجة في الجزء الأول من أصول الكافي بأن علم الأئمة
: إنه وراثة من
النبي ، وفي بعض الأحاديث قسم علم الله سبحانه وتعالى إلى
قسمين فقال بإسناده
عن أبي عبد الله الصادق 7
قال : إن الله تبارك وتعالى علمين : علماً أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله ، فما
أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبيائه فقد علمناه وعلما استأثر به ...
وفي الحديث الثاني من نفس الباب ، الكليني
بإسناده عن أبي عبد الله 7
قال : إن لله عز وجل علمين : علماً عنده لم يطلع عليه أحد من خلقه وعلماً نبذه إلى
ملائكته ورسله فما نبذه إلى ملائكته ورسله فقد انتهى إلينا .
وفي الحديث الثالث من نفس الباب الكليني
بإسناده عن أبي جعفر 7
قال : إن الله عز وجل علمين : علم مبذول ، وعلم مكفوف ، فأما المبذول فإنه ليس من
شيء تعلمه الملائكة والرسل إلى ونحن نعلمه ، وأما المكفوف فهو الذي عند الله عز
وجل علمين : علم لا يعلمه إلا هو وعلم علمه ملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته
ورسله فنحن نعلمه .
في باب ( إن الأئمة عليهم اسلام يعلمون
علم ما كان وما يكون وإنه لا يخفى عليهم شيء من صلوات الله عليهم ) ذكر الشيخ أبو
جعفر الكيني ستة أحاديث وجميعها تدلل على أن علمهم 7
وراثة من النبي 6
وإنهم حجج الله على عباده ويستحيل أن ينصب حجة عباده وهو جاهل بأمورهم أو بما
يحتاجون إليه ، فإنهم يلهمون العلم والمعرفة وكل ما يحتاجه العباد إليه ، وذلك
الإلهام لا يعني أنه الغيب الذي استأثره الله سبحانه لنفسه.
الكليني بإسناده عن سيف التمار قال : كنا
مع أبي عبد الله 7
جماعة من الشيعة في الحجر فقال : علينا عين؟ فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحداً
__________________
فقلنا ليس علينا عين
فقال : ورب الكعبة ورب البنية ـ ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر 8 لأخبرتهما أني اعلم منهما ولأنبئتهما
بما ليس في أيديهما ، لأن موسى والخضر 8
أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه
من رسول الله 6
وراثة .
لقد اشار الإمام 7 أن علمهم بما يكون وما هو كائن إنما هو
علم خاص ورثوه من جدهم رسول الله 6.
وهذا العلم لا يخفى أن فيه خبر ما كان وما يكون وما هو كائن أنه علم فيه خبر
السماء وخبر الأرض وكل ما يحتاجه الإمام المنصوب من قبل الله سبحانه والذي هو
الدليل لأهل الأرض.
وفيما سأل المفضل أبا عبد الله 7 قال : جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد
على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء؟ قال : لا ، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من
أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً أقول وهذا الحديث لا يعارضه الأول كما
أنه يوافق الأحاديث التي تنص على أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا أعلموا .
هذه الأحاديث وعشرات غيرها ذكرها الشيخ
الكليني ، لم نجد فيها ما يشم منها رائحة الفلو او الخروج عن الحد المعقول أو
المألوف عند الإمامية ، فلم يقر الشيخ بما كان يفعله الغلاة في خصوص علم الغيب ، بل
أكد الكليني عكسه وخلافه وعبارته صريحة فيما تقدم.
لقد ذكر الشيخ باباً مستقلاً ( في أن
الأئمة : يزدادون في
ليلة الجمعة ) وفي هذا الباب يؤكد على أن الأئمة يزدادون في كل ليلة جمعة علماً
وإلا لنفذ علمهم ومع ذلك يتضح مما أودعه في كتابه تلك الأحاديث إن ذاك العلم هو من
قبيل الإلهام ، فيوض من الرحمن ، كرامة للنبي وأهل بيته الأطهار.
الكليني بإسناده عن أبي عبد الله قال : ما
من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله
__________________
فيها سرور قلت : كيف
ذلك؟ جعلت فداك قال : إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله 6 العرش ووافى الأئمة ووافيت معهم فما
أرجع إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفذ ما عندي .
ثم إن الزيادة في العلم لا تعني أنه سوف
يطلع أحدهم فيكون أعلم ممن سبقه من المعصومين : ،
قال الكليني بإسناده عن أبي عبد الله 7
قال : ليس يخرج شيء من عند الله عز وجل حتى يبدأ برسول الله 6 ثم بأمير المؤمنين 7 ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون آخرنا
أعلم من أولنا .
وقال الكليني في ( باب نادر فيه ذكر
الغيب ) بإسناده عن معمر بن خلاد قال : سأل أبا الحسن 7 رجل من أهل فارس له : أتعلمون الغيب؟
فقال : قال أبو محمد 7 : يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا
نعلم وقال : سر الله عز وجل أسره إلى جبرائيل 7
وأسره جبرائيل إلى محمد 6
، وأسره محمد إلى من شاء الله
وكان يعني بذلك أمير المؤمنين 7.
صريحة كلماتهم 7
إنهم لا يعلمون الغيب ، بل إنه فضل وكرامة من الله سبحانه فإذا اراد بسط لهم
وألهمهم من علمه ما يشاء ، وإذا لم يرد فلا يبسط لهم ، وعبارة الإمام واضحة
الضلالة ( ... ويقبض عنا فلا نعلم ).
هذا هو مسلك الشيخ الكليني كمن سبقه من
أعلام الطائفة وكمن لحقه إلى يومنا هذا.
وأما التفويض فقد عرفت أيضاً مسلك الشيخ
فهو ما كان في أمر الخلق والرزق والدين وغير ذلك من الأمور على وجه التقييد لا أنه
تفويض مطلق ، ونعني على وجه التقييد الذي يتخذ صورتين. الصورة الأولى ما
__________________
فوض الله سبحانه
لنبيه ، فخوله تنظيم حياة الأمة وتدبير شؤونها الدينية والسياسية والاقتصادية ـ
وهذا التخويل بعض صوره هي للإمام كذلك ـ وإنما فوض إليه سبحانه كي يعلم من يطع
الرسول ممن يعصيه.
أمام الصورة الثانية وهي التي ترتبط
بسؤال الإمام ودعائه فلو طلبوا من الله عز وجل شيئاً لما أخلف ولا امتنع عن
إجابتهم ، فلو سألوه سبحانه أن يرزق فلاناً أو ينطق الميت أو يحييه أو غير ذلك من
الأمور الخارقة للعادة فهي تجري لهم على وجه الكرامة والإكرام ، ومن وجه أنهم
يرزقون ويميتون ويحييون لكن بإذن الله تعالى ، على أي أن منزلتهم عند الله عظيمة
جداً لا يمكن أن يتصورها أحد من البشر ، فلا يرد لهم سؤال إن سألوا ، فافهم وتدبر.
الفصل
الثالث
ما
خرج عن حد الغلو
نفي السهو عن النبي 6
والأئمة :
روايات
سهو النبي 6 عند الشيعة
إختلاف
الروايات « من كتب الأربعة »
روايات
سهو النبي 6 عند جمهور السنة
أدلة
عدم السهو
السهو والنسيان
النسيان لغة له معنيان.
الأول
: يراد به الغفلة عن الشيء وعدم التذكر
الثاني : يراد به الشيء الساقط من متاع
المرتحلين
أما اصطلاحاً : عند الأصوليين تعريفه : (
الغفلة عن معلوم في غير حال السنة ) ، كما في التعريفات للجارجاني ٨١٦ ص ٢١٥.
وعرفه ابن نجيم : ( عدم الاستحضار للشيء
وفي وقت حاجته ) وربما قيل « عدم ملااحظة الصورة الحاصلة عند العقل عما من شأن
الملاحظة في الجملة » حاشية الأزميري ٢ | ٤٤٠. وفي كشف الأستار عدة تعريفات :
١ ـ معنى يعتري الإنسان بدون اختياره
فيوجب له الغفلة عن الحفظ.
٢ ـ عبارة عن الجهل الطارئ.
٣ ـ جهل الإنسان بما كان يعلمه ضرورة مع
علمه بأمور كثيرة لا بآفة.
٤ ـ آفة تعترض للمخيلة مانعة من انطباع
ما يرد من الذكر فيها.
ما الفرق بين السهو والنسيان
ربما أدعى البعض أن لا فرق بين اللفظين
إلا أن العسكري الحسن بعض عبد الله في ( الفرق في اللغوية ) يذكر عدة وجوه.
الأول
: إن النسيان إنما يكون عما كان ، والسهو
عما لم يكن ، تقول نسيت ما عرفته ، ولا تقول سهوت عما عرفته ، وأنما تقول سهوت عن
السجود في الصلاة ، فتجعل
السهو بدلاُ عن السجود الذي لم يكن.
الثاني
: إن الإنسان إنما ينسى ما كان ذاكراً له ، والسهو يكون عن ذكر وعن غير ذكر ، لأنه
خفاء المعنى بما يمتنع إدراكه.
الثالث
: الشيء الواحد محال أن يسهى عنه في وقت ، ولا يسهى عنه في وقت آخر ، وإنما يسهى
في الوقت الآخر عن مثله ، ويجوز أن ينسى الشيء الواحد في وقت ، ويذاكره في وقت آخر.
الفروق في اللغة ص ٩٠
وعرفه التفتاراني كما في التلويح ثم قال
وهو ما يسمى ذهولاً وسهواً.
التلويح ٢ | ١٦٠
( وإذكر ربك إذا نسيت
وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا )
الكهف | ٢٤.
قال ابن كثير في تفسيره
هذا إرشاد من الله ... تعالى لرسوله 6
الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد ذلك إلى مشيئة الله عز وجل
علام الغيوب الذي يعلم ما كان ، وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، ٣ | ٧٨.
وكذلك أورد ابن كثير وجهاً آخر فقال هذا
إرشاد من الله تعالى لمن شاء الشيء بذكر الله تعالى لأن النسيان منشؤة الشيطان كما
قال في فتى موسى :
وذكر الله تعالى طارد للنسيان ، فإذا
ذهب الشيطان ذهب النسيان ، فذكر الله سبب للذكر.
من معاني النسيان : عدم الذكر.
كما في قوله تعالى : في قصة موسى وفتاه
: ( فلما بلغا مجمع بينهما
نسيا حوتهما ) الكهف ٦١.
وقوله تعالى : ( قال أرأيت
إذا اوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت )
، الكهف ٦٣.
فالمراد هنا عدم الذكر أي التذكر.
ومن معنى النسيان الغفلة.
منه وقوله تعالى : ( ولكن
متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا فرقا بورا ) الفرقان ١٨.
بمعنى غفلوا عن ذكر الله ونسوا موعظته.
ومن معاني النسيان التأخير.
قوله تعالى : ( ما ننسخ
من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )
إذا همزت ( ننساها ) بمعنى نؤخرها البقرة ١٠٦.
وإذا قرأت ننساها بدون همزة فتكون بمعنى
التركر ومنه قوله تعالى : ( المنافقون والمنافقات
بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعورف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم...) التوبة ٦٧.
لما تركوا أوامر الله وارتكبوا نواهيه
تركهم الله من رحمته عقوبة لهم.
ومن معاني النسيان : الساقط المتروك منه
قوله تعالى : ( قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ) بمعنى متروكاً مريم ٢٣.
إلتزاماً فيما مضى أن نذكر بعض المصاديق
البارزة للغلو والطوائف التي التزمت بها وبيان فساد العقائد وانحراف الطوائف عن
مبدأ التوحيد.
وقد ظهر ان تلك الطوائف التي لا تمت إلى
الشيعة الإمامية بصلة ، بل هي طوائف وفرق منحرفة ضالة توخت الطرق الملتوية لتحقيق
مآربها وأهدافها المادية ، بل وبعضها كان لهدف الإطاحة بالإسلام لأنهم يعدون من
الزنادقة الذين نشطت دعوتهم في أواخر الحكم الأموي واستمروا إلى عهد المتوكل
العباسي.
وفي هذا الفصل سوف أتحدث عن موضوع سهو
النبي في الصلاة ونومه عنها ونسيانه لعدد الركعات وما قبل في ذلك.
لقد اشتبه البعض عندما جعل نفي السهو
عنه 6 من باب
الغلو بل أخذ يدلل على صحة معتقده بذكر أحاديث متعددة ، البعض منها مؤداها أن
الرسول 6 قد سها في
الصلاة الرباعية البعض الآخر من تلك الأحاديث أنه سها في صلاة الصبح ، وفي غيرها
أنه سها في صلاة المغرب ، كيفما كان إن أغلب تلك الروايات والأخبار راويه ( ذو
الشمالين ) وسيأتي التحقيق عن هذا الراوي إن شاء الله تعالى.
ولما كان الحديث ذا أهمية بالغة حرصت أن
أذكر الروايات في هذا الموضوع وما فيها من اختلاف ، حتى نصل إلى النتيجة التي
يقرها البحث العلمي والأسلوب المنطقي من خلال الإمعان في مضمون تلك الروايات
والتدقيق في أسانيدها ، والبحث عن الوقائع التاريخية التي لها مساس بها.
اختلاف الروايات في
وقوع السهو منه (ص)
وفي أي الصلوات المكتوبة
كانت
١ ـ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد
بن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد الله 7 : من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا
السهو ، فإن رسول الله 6
صلى بالناس والظهر ركعتين ثم سها فسلم ، فقال له ذو الشمالين : يا رسول الله أنزل
في الصلاة شيء؟
فقال وما ذلك؟
فقال : إنما صليت ركعتين ، فقال رسول
الله 6 : أتقولون
مثل قوله؟ قالوا : نعم فقام رسول الله 6
فأتم بها الصلاة وسجد بهم سجدتي السهو قال : قلت : أرأيت من صلى ركعتين وظن أنهما
أربعاً فسلم وانصرف ثم ذكر بعدما ذهب أنه صلى ركعتين ، قال : يستقبل الصلاة من
أولها ، فقال : قلت : فما بال رسول الله 6
لم يستقبل الصلاة وإنما أتم بهم ما بقي من صلاته؟ فقال : أن رسول الله 6 لم يبرح من مجلسه ، فإن كان لم يبرح من
مجلسه فليتم ما نقص من صلاته إذا كان قد حفظ الركعتين الأوليتين
٢ ـ الكليني في عدته عن البرقي ، عن
منصور بن العباس عن عمرو بن
__________________
سعيد بن صدقة قال : قلت
لأبي الحسن الأول 7
أسلم رسول الله 6
وفي الركعتين الأوليتين؟ فقال : نعم ، قلت : وحاله حالة؟ قال : إنما أراد الله عز
وجل أن يفقههم
٣ ـ الكليني : عن محمد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران : قال سألته عن رجل نسي أن
يصلى الصبح حتى طلعت الشمس قال يصليها حين يذكرها ، فإن رسول الله 6 رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثم
صلاها حين استيقظ ، ولكنه تخلى عن مكانه ثم صلى
قال العلامة المجلسي : نوم النبي 6 كذلك أي فوت الصلاة مما رواه الخاصة
والعامة ، وليس من قبيل السهو ولذا لم يقل بالسهو الاشاذ ، ولم يرو ذلك أحد كما
ذكره الشهيد ( ره ).
فإن قيل : قد ورد في الأخبار أن نومه 6 مثل يقظته ويرى في النوم ما يرى في
اليقظة فكيف ترك 6
الصلاة مع تلك الحال؟
قلت : يمكن الجواب عنه بوجه :
الأول
: أن اطلاعه في النوم محمور على غالب
أحواله ، فإذا أراد الله أن ينيمه كنوم سائر الناس لمصلحة فعل ذلك.
الثاني
: أنه 6 لم يكن
مكلفاً بهذا العلم كما كان يعلم كفر المنافقين ويعالم معهم معاملة المسلمين.
الثالث
: أن يقال : أنه 6 كان في ذلك الوقت مكلفاً بعدم القيام
لتلك المصلحة ولا استبعاد فيه ، والأول ظاهر ...
__________________
٤ ـ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد
بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : نام رسول الله 6 عن الصبح والله عز وجل أنامه حتى طلعت
الشمس عليه ، وكان ذلك رحمة من ربك للناس ألا ترى أن رجلاً نام حتى طلعت الشمس
لعيره الناس وقالوا : لا تتورع لصلاتك فصارت أسوة وسنة ، فإن قال رجل لرجل : نمت
عن الصلاة قال : قد نام رسول الله 6
فصارت أسوة ورحمة ، رحم الله سبحانه بها هذه الأمة
الصدوق عن الحسن بن محبوب ، عن الرباطي
، عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله 7
يقول : إن الله تبارك وتعالى أنام رسول الله 6
عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثم قام فبدأ فصلى الركعتين التين قبل الفجر ، ثم
صلى الفجر ، وأسهاه في صلاته ؛ فسلم في الركتين ، ثم وصف ما قاله ذو الشمالين ، وإنما
فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة ، لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها
فيها فقال : قد أصاب ذلك رسول الله 6
.
٥ ـ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أبي
عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال سمعت أبا عبد الله 7 يقول : صلى رسول الله ثم سلم في ركعتين
فسأله من خلفه يا رسول الله 6
أحدث في الصلاة شيء؟ قال وما ذلك؟ قالوا : إنما صليت ركعتين قال : أكذاك يا ذا
اليدين؟ وكان يدعى ذا الشاملين فقال : نعم : فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعأ ، وقال
: إن الله هو الذي أنساه رحمة للأمة ألا ترى لو أن رجلاً صنع هذا العير ، وقيل : ما
تقبل صلاتك فمن دخل عليه اليوم ذاك قال : قد سن رسول الله 6 وصارت أسوة ، وسجد سجدتين لمكان الكلام
.
__________________
الطوسي عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن
محمد عن الحسين عن فضالة عن سيف بن عمير عن أبي بكر الحضرمي قال : صليت بأصحابي
المغرب فلما أن صليت ركعتين سلمت فقال : بعضهم إنما صليت ركعتين فأدعت فأخبرت أبا
عبد الله 7 فقال : لعلك
أعدت؟ فقلت نعم فضحك ثم قال : إنما يجزيك أن تقوم وتركع ركعة أن رسول الله 6 سهى فسلم في ركعتين ثم ذكر ذو الشمالين
قال : ثم قام فأضاف إليها ركعتين .
الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن
أبي عمير عن جميل قال سألت أبا عبد الله 7
عن رجل صلى ركعتين ثم قام ، قال يستقبل. قلت فما يروي الناس؟ فذكر له حديث ذو
الشمالين فقال أن رسول الله 6
لم يبرح من مكانه ولو برح لاستقبل .
الطوسي بإسناده عن فضاله عن حسين بن
عثمان عن سماعة عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله 7
عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجة قال يستقبل الصلاة. قلت فما بال رسول الله 6 لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال إن
رسول الله 6 لم ينقل من
موضعه .
الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد عن
الحسن بن علي بن فضال عن ابي جميلة عن زيد الشحام قال سألته عن رجل صلى العصر ست
ركعات أو خمس ركعات قال إن استيقن أنه صلى ستاً أو خمساً فليعد وإن كان لا يدري
إزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وفي آخر
صلاته يتشهد وإن هو استيقن أنه صلى ركعتين أو ثلاثاً ثم انصرف فتكلم ولم يعلم أنه
لم يتم الصلاة أتم ما بقي منها فإن نبي الله 6
صلى بالناس ركعتين ثم انصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله أحدث ف الصالة شيء
فقال أيها الناس أصدق ذو الشمالين يا رسول الله صلى أحدث في الصلاة شيء فقال أيها
الناس أصدق ذو الشمالين فقالوا له نعم لم تصل إلا ركعتين فقام ما بقى من صلاته .
__________________
الطوسي عن سعد بن عبد الله عن محمد بن
يحى عن موسى بن عمر بن يزيد عن ان سنان عن أبي سعيد القماط قال سمعت رجلاً يسأل
أبا عبد الله 7
عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول وهو في الصلاة المكتوبة في
الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة قال : فقال إذا أصاب شيئاً من ذلك
فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني
على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقص الصلاة بكلام قال قلت وإن
التفت يميناً أو شمالاً أو ولى عن القبلة؟ قال نعم كل ذلك واسع إنما هو بمنزلة رجل
سها فانصرف في ركعة أو ركتعين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه أن يبني على صلاته
ثم ذكر سهو النبي 6
.
الطوسي عن سعد بن عبد الله عن محمد بن
الحسين عن جعفر بن بشير عن الحارث بن مغيرة النضري قال : قلت لأبي عبد الله 7 إنا صلينا المغرب فسهى الإمام فسلم في
الركعتين فأعدنا الصلاة فقال : ولم أعدتم أليس قد انصرف رسول الله 6 في الركعتين فأتم بركعتين ألا أتممتم؟!
.
وعن
فقه الرضا :
... وكنت يوماً عن العالم 7 ورجل سأله عن رجل سها فسلم فري
الركعتين من المكتوبة ثم ذكر أنه لم يتم صلاته قال فليتمها وليسجد سجدتي السهو
وقال 7 أن رسول
الله 6 صلى يوماً
الظهر فسلم في الركعتين فقال ذو اليدين يا رسول الله أمرت بتقصير الصلاة أم نسيت؟
فقال رسول الله 6
للقوم صدق ذو اليدين؟ فقالوا نعم يا رسول لم تصل إلا ركعتين فقام فصلى إليها
ركعتين فقام فصلى إليها ركعتين ثم سلم وسجد سجدتي السهو .
الطوسي عن سعد بن عبد الله عن أبي
الجوزاء عن الحسين بن علوان
__________________
عن عمرو بن خالد عن
زيد بن علي عن آبائه عن علي 7
قال : صلى بنا رسول الله 6
الظهر خمسركعات ثم انتقل فقال له بعض القوم يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء؟
قال ما ذاك؟ قال : صليت بنا خمس ركعات قال : فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد
سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم وكان يقول هما المرغمتان .
أحمد بن محمد البرقي عن جعفر بن محمد بن
الأشعث ، عن ابن القداح ، عن أبيه 7
عن ابي عبد الله عن أبيه 7
قال : صلى النبي 6
صلاته وجهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال لأصحابه : هل أسقطت شيئاً في القراءة؟
قال فسكت القوم ، فقال النبي 6 أفيكم أُبي بن كعب؟
فقالوا ، نعم ، قال : هل أسقطت فيها
بشيء؟ قال : نعم يا رسول الله أنه كان كذا وكذا ، فغضب 6 ثم قال : ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب
الله فلا يدرون ما يتلى عليهم منه ، ولا ما يترك! هكذا هلكت بنوا إسرائيل ححضرت
أبدانهم وغابت قلوبهم ولا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه .
__________________
سهو النبي عند 6 السنة
ـ
روايات السهو من مسند الشافعي
ـ
روايات السهو من صحيح البخاري
ـ
روايات السهو من سنن ابي داود
ـ
روايات السهو من صحيح مسلم
ـ
روايات السهو من ابن ماجه
ـ
روايات السهو من الترمذي
ـ
روايات السهو من النسائي
ـ
فتاوى أهل السنة
ـ
خلاصة البحث
الروايات من مصادر
أهل السنة
أولاً : مسند
الشافعي
الشافعي في باب ما جاء في من نام عن
صلاة أو فرط منها حتى ذهب وقتها قال :
١ ـ أخبرنا أحمد قال : أخبرنا المزني
قال ، حدثنا الشافعي ;
قال أخبرنا مالك بن أنس بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله 6 حين قفل من خيبر سرى حتى إذا كان من
آخر الليل عرس وقال لبلال أكلأ لنا الصبح ونام رسول الله 6 وأصحابه وكلأ بلال ما قدر. ثم أسند إلى
راحلته وهو مقابل الفجر فغلبه عيناه ، فنام ولم يستيقظ رسول الله 6 ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس
فكان رسول الله أولهم استيقاظاً ، ففزع رسول الله 6
فقال يا بلال. فقال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله 6 اقتادوا فبعثوا رواحلهم فاقتادوا شيئاً
ثم أمر رسول الله 6
بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى لهم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة من نسي الصلاة
فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول ( وأقم لذكرى ) .
١ ـ المزني قال حدثنا الشافعي ; قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد
__________________
الحميد الثقفي عن
يونس بن عبيدة عن الحسن عن عمران بن حصين قال عمران : كنا مع رسول الله 6 في مسير له فنمنا عن صلاة الفجر حتى
طلعت الشمس فأمر المؤذن فأذن ثم صلينا ركعتي الفجر حتى إذا أمكنتنا الصلاة صلينا .
الشافعي في الباب التاسع في سجود السهو
قال :
٣ ـ أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن
الأعرج عن ابن بحينة أن رسول الله 6
قام من اثنين من الظهر لم يجلس فيها لما قضى لصلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك .
٤ ـ الشافعي : أخبرنا مالك عن ابن شهاب
عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة قال صلى بنا رسول الله 6 ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه
فلما قضى الصلاة ونظرنا تسلميه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم بعد
ذلك .
٥ ـ الشافعي أخبرنا مالك عن أيوب
السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله 6 انصرف من اثنتين فقال ذو اليدين أقصرت
الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله 6
أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس نعم ، فقام رسول الله 6
فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع .
٦ ـ الشافي : أخبرنا مالك عن داود بن
حصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمر قال سمعت أبا هريرة يقول : صلى بنا رسول الله 6 صلاة العصر فسلم في ركعتين ، فقام ذو
اليدين فقال أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول الله 6 فقال أصدق ذو اليدين؟
__________________
فقالوا : نعم. فأتم رسول الله 6 ما بقي من الصلاة ثم سجد وهو جالس بعد
التسليم .
٧ ـ الشافي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن
خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال : سلم رسول الله 6 في ثلاث ركعات من العصر ثم قال فدخل
الحجرة فقام الخرباق رجل طويل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله 6 أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضباً يجر رداءه
فسأل فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان تركها ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم .
قال السيد يوسف الزواري من علماء الأهر
في تحقيقه لمسند الشافعي في ذيل الحديث الذي ذكرناه تحت رقم ٤.
قال في دليل على أن التشهد الأول
والجلوس ليسا بركنين في الصلاة ولا فرضين إذا لو كانا كذلك لما جبرهما كالركوع
والسجود وغيرهما وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وقال أحمد هما واجبان وإذا
سها جبرهما السجود على مقتضى الحديث. وفيه دليل أيضاً على جواز النسيان عليه 6 وفي أحكام الشرع وهو مذهب جمهور
العلماء وهو ظاهر القرآن والحديث وانفقوا على أنه 6
لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به وقال الأكثرون شرطه تنبيهه 6 له على الفور بدون تأخير وجوزت طائفة
تأخيره مدة حياته واختاره إمام الحرمين ومنعت طائفة السهو عليه في العبادات
والأقوان التبليغية وإليه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني. والصحيح الأول ، لأن
السهو لا يناقض النبوة وإذا لم يقر عليه لا تحصل منه مفسدة .
وفي ذيل الحديث الخامس بترقيمنا المتقدم
قال :
وفي هذا الحديث فوائد منها :
جواز النسيان في الأفعال والعبادات على
الأنبياء وأنهم لا يقرون عليه
__________________
ومنها : إثبات سجود
السهو. ومنها : أن كلام الناس للصلاة الذي يظن أنه نسي فيها لا يبطلها وبه قال
الجمهور من السلف والخلف ومنهم ابن عباس وعبد الله ابن الزبير وأخوه عروة وعطاء
والحسن والشعبي وقتادة والاوزاعي ومالك والشافعي والحمد وخالفهم أبو حنيفة وأصحاب
الثوري فقالوا تبطل الصلاة ناسياً أو جاهلاً لحديث ابن مسعود وزيد بن أرم وزعموا
أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم.
وفيه دليل على أن العامل الكثير
والهفوات إذا كانت في الصلاة سهواً لا تبطلها كما يبطلها الكلام سهواً فإنه ثت في
مسلم أن النبي 6
مشى إلى الجذع وفي رواسة دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته .
سيأتي تعليقنا على فتاوي أهل السنة
وإبطال قول السيد الزواوي الذي ذهب غلى تأييد قول السلف من علماء الجمهور ..
ثانياً : الروايات
من مصادر أهل السنة : صحيح البخاري
قال البخاري في باب ما جاء في السهو إذا
قام من ركعتي الفريضة :
١ ـ حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك
بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينه ( رضي الله عنه )
أنه قال صلى لنا رسول الله 6
ركعتين من بعض الصلوات ثم قام فلم يجلس الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه
كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم .
٢ ـ البخاري بإسناده المتقدم عن يحيى بن
سعيد عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة ( رضي الله عنه ) أنه قال أن
رسول الله 6 قام من
اثنين من الظهر لم يجلس بينهما فلم قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك .
ـ البخاري في باب إذا صلى خمساً قال :
__________________
٣ ـ حدثنا ابو الوليد حدثنا شعبة عن
الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ( رضي الله عنه ) أن رسول الله 6 صلى الظهر خمساً فقيل له أزيد في
الصلاة فقال وما ذاك؟ قالوا صليت خمساً فسجد سجدتين بعدما سلم .
ـ البخاري في باب إذا سلم في ركعتين أو
في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود صلاة أو أطول قال :
٤ ـ حدثنا آدم حدثنا شعبة عن سعد بن
إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال صلى بنا النبي 6
الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين الصلاة يا رسول الله انقصت ، فقال النبي 6 لأصحابه أحق ما يقول ، قالوا نعم فصلى
ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين.
قال سعد ورأيت عروة بن الزبير صلى من
المغرب ركعتين فسلم ثم صلى ما بقي وسجد سجدتين وقال هكذا فعل النبي 6 .
ـ البخاري في من لم يتشهد في سجدتين
السهو وسلم قال :
٥ ـ حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك
بن أنس عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول
الله 6 انصرف من
اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله 6 فقام رسول الله 6 أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم ، فقام
رسول الله 6 فصلى اثنتين
أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع .
ـ البخاري في باب من يكبر في سجدتي
السهو قال :
٦ ـ حدثنا حفص بن عمر حدثنا يزيد بن
إبراهيم عن محمد عن أبي هريرة قال صلى النبي 6
إحدى صلاتي العشى قال محمد وأكثر ظني العصر ركعتين ثم سلم ، ثم قال إلى خشبة في
مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه وخرج سرعان
الناسي
__________________
فقالوا أقصرت الصلاة
ورجل يدعوه النبي 6
ذو اليدين فقال أنسيت ام قصرت؟ فقال لم أنس ولم تقصر. قال بلى نسيت فصلى ركعتين ثم
سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم وضع رأسه فكبر ثم وضع رأسه
فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر .
٧ ـ البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا
ليث بن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة الأسدي حليف بني عبد المطلب أن رسول الله
6 قام في صلاة
الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين فكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم
وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس .
ثالثاً : الروايات
من مصادر أهل السنة ـ سنن أبي داود
١٠ ـ قال أبو داود في باب السهو في
السجدتين ـ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد ، عن أبي هريرة
، قال : صلى بنا رسول الله 6
إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر ، قال : فصلى بنا ركعتين ثم سلم ، ثم قام إلى
خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها أحدهما على الأخرى ، يعرف في وجه الغضب ، ثم
خرج سرعان الناس أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلماه ن فقام رجل كان رسول الله 6 يسميه ذا اليدين فقال : يا رسول الله ،
أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال : لم أنس ولم تقصر الصلاة. قال : بل نسيت يا رسول الله ، فأقبل رسول الله 6 إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ، ثم
سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر ، ثم كبر
__________________
وسجد مثل سجوده أو
اطول ثم رفع وكبر ، وقال : فقيل لمحمد : سلم في السهو؟ فقال : لم أحفظه عن أبي
هريرة ، ولكن نبئت أن عمران ابن حصين قال : ثم سلم .
ومثله الحديث ١٠٠٩ و ١٠١٠ و ١٠١١ و ١٠١٢
و ١٠١٣ و ١٠١٤ و ١٠١٥ و ١٠١٦ و ١٠١٧ فهذه عشرة أحاديث كلها تنص على سهو النبي في
صلاة العشى وأسانيدها غير ما تقدم ولا يخفى أن في بعضها لم يوجد فيما أسند إلى أبي
هريرة أو غيره أن النبي سجد سجدتي السهو بل صرح أبو داود في ذيل الحديث ١٠١٣ فقال
: رواه الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر ابن سليمان بن أبي حثمة عن النبي 6 قال فيه : ولم يسجد سجدتي السهو.
١١ ـ أبو داود حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن
زريع وفي سند آخر قال وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد قال حدثنا خالد أبو قلابة
عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال : سلم رسول الله 6
في ثلاث ركعات من العصر ، ثم دخل ، قال عن مسلمة الحجر فقام إليه رجل يقال له
الخرباق كان طويل اليدين فقال له أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر
رداءه فقال أصدق؟ قالوا : نعم ، فصلى تلك الركعة ، ثم سلم سجد سجدتيها ثم سلم .
١٢ ـ قال أبو داود ـ في باب إذا صلى
خمساً ـ حدثنا حفص بن عمر ومسلم ابن إبراهيم ، المعنى قال حفص حثنا شعبة عن الحكم
عن إبراهيم عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : صلى رسول الله 6 الظهر خمساً فقيل له : أزيد في الصلاة؟
قال : وما ذلك؟ قال : صليت خمساً ، فسجد سجدتين بعدما سلم .
١٣ ـ ومثله الحديث ١٠٢٢ وفي ذيله نفى
الرسول أن تكون زيادة في الصلاة ثم قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون بمعنى آخر
أنه صلى خمساً.
__________________
١٤ ـ وهكذا الحديث ١٠٢٠ ، إلا أن
إبراهيم ـ الذي يروي الحديث عن علقمة ـ قال : فلا أدري زاد أم نقص فلما سلم قيل له
يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء...
١٥ ـ أبو داود حدثنا قتيبة بن سعد حدثنا
الليث ـ يعني ابن سعد ـ عن يزيد ابن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره عن معاوية بن
خديج أن رسول الله 6
صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال : نسيت من الصلاة ركعة
فرجع فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة ن فأخبرت بذلك الناس
فقالوا لي : أتعرف الرجل قلت لا ، إلا أن أراه فمر بي فقلت : هذا هو ، فقالوا : هذا
طلحة بن عبيد الله .
١٦ ـ قال ابو داود ـ في باب من قام من
اثنين ولم يتشهد ـ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد
الله بن بحنية أنه قال : صلى لنا رسول الله 6
ركعتين ثم قام فلم يجلس ، فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته وانتظرنا التسليم كبر
فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم 6
.
١٧ ـ ومثله الحديث ١٠٣٥ مع زيادة بسيطة.
١٨ ـ أبو داود حدثنا عبيد الله بن عمر
الجشمي حدثنا يزيد بن هارون؟ أخبرنا المسعودي عن زيادة بن علاقة ، قال : صلى بنا
المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين قلنا : سبحان الله ، ومضى ، فلما أتم صلاته وسلم
سجد سجدتي السهو ، فلما انصرف قال : رأيت رسول الله 6
يصنع كما صنعت قال أبو داود : وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن
شعبة ورفعه ، ورواه أبو عيسى عن ثابت بن عبيد قال : صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل
حديث زياد بن علاقة ، قال أبو داود ، أبو عميس أخو المسعودي ، وفعل بن أبي وقاص
مثل ما فعل المغيرة ، وعمران بن حصين والضحاك بن عيس
__________________
ومعاوية بن أبي
سفيان وابن عباس أفتى بذلك وعمران بن عبد العزيز ، قال أبو داود : هذا فيمن قام من
اثنتين ، ثم سجدوا بعدما سلموا .
١٩ ـ قال أبو داود ـ في باب سجدتي السهو
فيهما تشهد وتسليم ـ حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثني أشعث ، عن محمد بن
سيرين. عن خالد ـ يعني الحذاء ـ عن أبي قلابة عن أبي المهلب ، عن عمران ابن حصين ،
أن النبي 6 صلى بهم
فيها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم .
رابعاً : الروايات
من مصادر أهل السنة ـ صحيح مسلم
١ ـ قال مسلم في صحيحه باب السهو في
الصلاة والسجود له ، حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبد
الرحمن الأعرج ، عن عبد الله بن بحينة ، قال صلى لنا رسول الله 6 ركعتين من بعض الصلوات. ثم قام فلم
يجلس فقام الناس معه. فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين قبل التسليم.
ثم سلم .
٢ ـ قال مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد
حدثنا ليث. وفي إسناد آخر قال وحدثنا ابن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن الأعرج
عن عبد الله بن بحينة الأسدي ، حليف بني عبد المطلب أن رسول الله 6 قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم
صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس. قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه. مكان
ما نسي من الجلوس .
٣ ـ قال مسلم : وحدثنا أبو الربيع
الزهراني حدثنا حماد حدثنا حماد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد
الله بن مالك ؛ ابن بحينة الأزدي
__________________
أن رسول الله 6 قام في الشفع الذي يريد أن يجلس في
صلاته فمضى في صلاته. فلما كان في آخر الصلاة سجد قبل أن يسلم. ثم سلم .
٤ ـ قال مسلم : وحدثنا عثمان وأبو بكر
ابنا أبي شيبة وإسحاق وإبراهيم جميعاً عن جريرة قال : قال عبد الله : صلى رسول
الله 6 ( قال
إبراهيم : زاد أو نقص ) فلما سلم قيل له : يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال
: وما ذاك؟ قالوا : صليت كذا وكذا. قال فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم
سلم ، ثم أقبل علينا بوجه فقال إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به. ولكن إنما
أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني. وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر
الصواب. فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين .
٥ ـ قال مسلم : حدّثنا عبيد الله بن
معاذ العنبري حدّثنا أبي حدّثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله ، أن
النبي 9 صلى الظهر
خمساً. فلمّا سلّم قيل له : أزيد في الصلاة؟ قال وما ذاك؟ قالوا : صليّت خمساً
فسجد سجدتين .
٦ ـ قال مسلم : حدثنا عثمان بن أبي شيبة
واللفظ له حدثنا جريرة عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد قال : صلى بنا
علقمة الظهر خمساً. فلما سلم قال القوم : يا أبا شبل قد صليت خمساً. قال كلا ما
فعلت. قالوا : بلى قال وكنت في ناحية القوم وأنا غلام فقلت : بلى قد صليت خمساً
قال لي وأنت أيضاً يا أعور! تقول ذلك؟ قال قلت : نعم قال فانفتل فسجد سجدتين ثم
سلم. ثم قال : قال عبد الله : صلى بنا رسول الله 6
خمساً فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال ما شأنكم؟ قالوا : يا رسول الله! هل زيد
في الصلاة؟ قال : لا ، قالوا :
__________________
فإنك قد صليت خمساً
فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ، ثم قال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون وزاد ابن
نمير في حديثه فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين .
٧ ـ قال مسلم : وحدثنا عون بن سلام
الكوفي أخبرنا أبو بكر النهشلي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله ، قال
: صلى بنا رسول الله 6
خمساً فقلنا : يا رسول الله أزيد في الصلاة؟ قال وما ذاك؟ قالوا : صليت خمساً ، قال
: إنما أنا بشر مثلكم. أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو .
٨ ـ قال مسلم : وحدثنا منجاب بن الحارث
التميمي أخبرنا ابن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، قال : صلى رسول
الله 6 فزاد أو نقص
( قال إبراهيم : والوهم مني ) فقيل : يا رسول الله أزيد في الصلاة شيء؟ فقال إنما
أنا بشر مثلكم. أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ، وهو جالس ثم تحول
رسول الله 6 فسجد سجدتين
.
٩ ـ قال مسلم : وحدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة وأبو كريب قالا : حدثنا أبو معاوية ، وبسند آخر قال وحدثنا ابن نمير حدثنا
حفص وأبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن النبي 6 سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام .
١٠ ـ قال مسلم : وحدثني القاسم بن زكريا.
حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ؛
قال : صلينا مع رسول الله 6
فإما زاد أو نيقص. ( قال إبراهيم وأيم والله! ما جاء ذلك إلا من قلبي ) قال فقلنا
يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ فقال : لا. قال فقلنا له الذي صنع. فقال إذا
زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين قال ثم سجد سجدتين .
١١ ـ قال مسلم حدثني عمرو الناقد وزهير
بن حرب جميعاً عن ابن عيينة
__________________
قال عمرو ؛ حدثنا
سفيان ابن عيينة حدثنا أيوب. قال سمعت محمد ابن سيرين يقول سمعت أبا هريرة يقول : صلى
بنا رسول الله 6
إحدى صلاتي العشي. أما الظهر وأما العصر فسلم في ركعتين ثم أتى جذعاً في قبلة
المسجد فاستند إليها مغضباً. وفي القوم أبو بكر وعمر. فهاباً أن يتكلما وخرج سرعان
الناس وهم يقولون. قصرة الصلاة. فقام ذو اليدين فقال : يا رسول الله أقصرت الصالة
أم نسيت؟ فنظر النبي 6
يميناً وشمالاً فقال ما يقول ذو اليدين؟ قالوا : صدق. لم تصل إلا ركعتين فصلى
ركعتين وسلم. ثم كبر ثم سجد. ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع. قال أخبرت عن
عمران بن حصين أنه قال : وسلم .
١٢ ـ قال مسلم : حدثنا أبو الربيع
الزهراني حدثنا حماد حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة .. كما في حديث سفيان .
١٣ ـ قال مسلم : حدثنا قتيبة عن سعيد عن
مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مورى ابن أبي أحمد ، أنه قال : سمعت
أبا هريرة يقول صلى بنا رسول الله 6
صلاة العصر. فسلم في ركعتين. فقام ذو اليدين فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله! أم
نسيت؟ فقال رسول الله 6
: كل ذلك لم يكن فقال : قد كان بعض ذلك يا رسول الله! فأقبل رسول الله 6 على الناس فقال أصدق ذو اليدين؟ فقالوا
: نعم يا رسول الله! فأتم رسول الله صلى 6
ما بعي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس. بعد التسليم .
١٤ ـ قال مسلم : وحدثني حجاج بن الشاعر
حدثنا هارون بن إسماعيل الخزاز حدثنا علي وهو ابن المبارك حدثنا يحيى حدثنا أبو
سلمة حدثنا أبو هريرة أن رسول الله 6
صلى ركعتين من صلاة الظهر. ثم سلم فأتاه رجل من بني سليم. فقال : يا رسول الله
أقصرت الصلاة أم نسيت؟ وساق الحديث .
__________________
١٥ ـ قال مسلم : وحدثني إسحاق بن منصور
أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان بن يحيى عن أم سلمة عن أبي هريرة ، بينما أنا
أصلي مع النبي 6
صلاة الظهر سلم رسول الله 6
من الركعتين فقام رجل من بني سليم واقتصر الحديث .
١٦ ـ قال مسلم : وحدثنا ابو بكر بن أبي
شيبة وزهير بن حرب جميعاً عن ابن علية قال زهير : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن
خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله 6 صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ثم دخل
منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول. فقال : يا رسول الله فذكر
له صنيعه. وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا؟ قالوا : نعم!
فصلى ركعة. ثم سلم. ثم سجد سجدتين. ثم سلم .
١٧ ـ قال مسلم : وحدثنا إسحاق بن إبراهيم
أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا خالد وهو الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران بن الحصين قال : سلم رسول الله 6
في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة. فقام رجل بسيط اليدين. فقال : أقصرت
الصلاة؟ يا رسول الله فخرج مغضباً فصلى الركعة التي كان ترك. ثم سلم. ثم سجد سجدتي
السهو ثم سلم .
خامساً : الروايات
من مصادر السنة ـ سنن ابن ماجة
١ ـ قال ابن ماجة ـ في باب السهو في
الصلاة ـ حدثنا عبد الله بن عامر ابن زرارة حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن
إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله ، قال : صلى رسول الله 6 فزاد أو نقص ( قال إبراهيم : والوهم
مني ) فقيل له ، يا رسول الله! أزيد في الصلاة شيء؟ قال! إنما أنا بشر أنسى كما
تنسون. فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين
__________________
وهو جالس ثم تحول
النبي 6 فسجد سجدتين
.
٢ ـ ابن ماجة ـ في باب من صلى الظهر
خمساً وهو ساه ـ حدثنا محمد بن يشار وأبو بكر بن خلاد ، قالا : حدثنا يحيى بن سعيد
عن شعبة حدثني الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ، قال : صلى النبي 6 الظهر خمساً. فقيل له : أزيد في الصلاة؟
قال ما ذاك؟ فقيل له. فثنى رجله ، فسجد سجدتين .
٣ ـ وقال في باب ما جاء فيمن قام من
اثنتين ساهياً : حدثنا عثمان وأبو بكر إبنا أبي شيبة وهشام بن عمار ، قالوا حدثنا
سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن ابن بحينة ، أن النبي 6 صلى صلاة أظن أنها الظهر ( العصر ). فلما
كان في الثانية قام قبل أن يجلس فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين .
٤ ـ وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
حدثنا ابن نمير ، وابن فضيل ويزيد ابن هارون وبسند آخر قال : وحدثنا عثمان بن أبي
شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر ويزيد بن هارون وأبو معاوية كلهم عن يحيى بن سعيد عن
عبد الرحمن الأعرج ، أن ابن بحينة أخبره ، أن النبي قام في اثنتين من الظهر نسي
الجلوس حتى إذا فرغ من صلاته إلا أن يسلم ، سجد سجدتي السهو وسلم .
٥ ـ قال ابن ماجة ـ في باب ما جاء فيمن
شك في صلاته فتحرى الصواب ـ حدثنا عمر بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن
منصور قال شعبة : كتب إلى وقرأته عليه. قال أخبرني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ،
قال : صلى رسول الله 6
صلاة لا ندري أزاد أو نقص. فسأل فحدثناه فثنى رجله واستقبل القبلة وسجد سجدتين ، ثم
سلم. ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : لو حدث في الصلاة شيء
__________________
لأنبأتكموه وإنما
أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت وفذكروني وأيكم ما شك في الصلاة فليتحر أقرب ذلك
من الصواب فيتم عليه ويسلم ويسجد سجدتين .
٦ ـ قال ابن ماجة ـ في باب فيمن سلم من
اثنتين أو ثلاث ساهياً ـ حدثنا علي بن محمد ، وأبو كريب ، وأحمد بن سنان ، قالوا :
حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمير ، أن رسول الله 6 سها فسلم في الركعتين فقال له رجل يقال
له ذو اليدين : يا رسول الله أقصرت الصلاة أو نسيت؟ قال : ما قصرت وما نسيت قال
إذن فصليت ركعتين قال أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا : نعم فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم.
ثم سجد سجدتي السهو .
٧ ـ وقال حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو
أسامه عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة ، قال : صلى بنا رسول الله 6 إحدى صلاتي العشي ركعتين. ثم سلم ثم
قام إلى خشبة كانت في المسجد يستند إليها فخرج سرعان الناس يقولون : قصرت الصلاة ،
وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يقولا له شيئاً .. وفي القوم رجل طويل اليدين ، يسنى
ذا اليدين. فقال : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال ( لم تقصر ولم أنس )
قال : فإنما صليت ركعتين ، فقال أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا : نعم. قال : فقام
فصلى ركعتين. ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ثم سلم .
٨ ـ وقال : حدثنا محمد بن المثنى وأحمد
بن ثابت الجحدري. حدثنا عبد الوهاب حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب
، عن عمران بن الحصين ، قال سلم رسول الله 6
في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة. فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى ،
يا رسول الله أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضباً يجر إزارة فسأل
__________________
فأخبر. فصلى تلك
الركعة التي كان ترك ثم سلم. ثم سجد سجدتين ثم سلم .
٩ ـ قال ابن ماجة ـ في باب ماجاء فيمن
سجدهما بعد السلام ـ حدثنا أبو بكر بن خلاد. حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن
إبراهيم عن علقمة ، أن ابن مسعود سجد سجدتي السهو بعد السلام وذكر أن النبي 6 فعل ذلك .
١٠ ـ قال ابن ماجة ـ في باب ما جاء في
البناء على الصلاة ـ حدثنا يعقوب ابن حميد بن كاسب حدثنا عبد الله بن موسى التميمي
عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن
ابن ثوبان عن أبي هريرة قال : خرج النبي 6
إلى الصلاة وكبر. ثم أشار إليهم فمكثوا. ثم انطلق فاغتسل. وكان رأسه يقطر ماء.
فصلى بهم ، فلما انصرف قال : إني خرجت إليكم جانباً. وإني نسيت حتى قمت في الصلاة .
قال ابن ماجة في الزوائد : هذا إسناده
ضعيف لضعف اليمامة بن زيد رواه الدارقطني في سننه من طريق أسامه بن زيد.
سادساً : الروايات
من مصادر أهل السنة ـ سنن الترمذي
١ ـ ذكر الترمذي في باب ما جاء في سجدتي
السهو قبل التسليم حديث ابن بحينة والذي أدرجناه فيما تقدم من صحيح البخاري الحديث الأول.
ثم قال الترمذي : قال أبو عيسى : حديث
ابن بحينة حديث حسن صحيح.
__________________
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم. وهو
قول الشافعي يرى سجدتي السهو كله قبل السلام ويقول هذا الناسخ لغيره من الأحاديث ،
ويذكر أن آخر فعل النبي 6
كان على هذا.
وقال أحمد وإسحاق : إذا أقام الرجل في
الركعتين فإنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث ابن بحينة.
قال أبو عيسى : واختلف أهل العلم في سجدتي
السهو ، متى يسجدهما الرجل : قبل السلام أو بعده؟
فرأى بعضهم أن يسجدها بعد السلام ، وهو
قول سفيان الثوري وأهل الكوفة.
وقال بعضهم يسجدهما قبل السلام. وهو
أكثر الفقهاء من أهل المدينة ، مثل يحيى بن سعيد وربيعة وغيرهما ، وبه يقول
الشافعي.
وقال بعضهم : إذا كانت زيادة في الصلاة
فبعد السلام ، وإذا كان نقصاناً فقبل السلام. وهو قول مالك بن أنس.
قال أحمد : ما روي عن النبي 6 في سجدتي السهو فيستعمل كل على جهته
يرى إذا قام في الركعتين على حديث ابن بحينة فإنه يسجدهما قبل السلام وإذا صلى
الظهر خمساً فإنه يسجدهما بعد السلام ، وإذا سلم في الركعتين من الظهر والعصر فإنه
يسجدهما بعد السلام ، وكل يستعمل على جهته ، وكل سهو ليس فيه عن النبي 6 ذكر فإن سجدتي السهو قبل السلام .
٢ ـ ٤ ـ وذكر الترمذي في باب ما جاء في
سجدتي السهو بعد السلام والكلام حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود في أن النبي صلى
الظهر خمساً ، وقد ذكرنا الحديث بنصه من صحيح البخاري تحت الرقم ـ ٣ ـ بترقيمنا
المتقدم.
والترمذي نقل في هذا الباب ثلاثة أحاديث.
٥ ـ وذكر في باب ما جاء في التشهد في
سجدتي السهو حديثاً واحداً وهو الحديث الذي ذكره أبو داود في سننه عن عمران بن
حصين وقد أدرجناه تحت الرقم ١٩.
٦ ـ وذكر في باب ما جاء في الرجل يسلم
في الركعتين من الظهر والعصر
حديث أبي هريرة من أن النبي 6
انصرف من اثنتين وفيه سؤال ذي اليدين وقد ذكرنا الحديث من صحيح البخاري وتحت الرقم
ـ ٥ ـ من ترقيمنا كما تقدم.
سابعاً : الروايات
من مصادر أهل السنة ـ سنن النسائي
١ و ٢ ـ ذكر النسائي في باب ما يفعل من
قام من اثنتين ناسياً ولم يتشهد حديثين كالذي ذكرهما أبو داود في الحديث ١٠٣٤ . بترقيمنا المتقدم الحديث ١٦.
٣ ـ ١١ ـ وذكر في باب ما يفعل من سلم ن
ركعتين ناسياً وتكلم. تسعة أحاديث مضمونها كالذي ذكره أبو داود في الحديث ١٠٠٨
بترقيمنا المتقدم الحديث الأول والقصة في سهو النبي منقولة عن ذي اليدين .
١٤ ـ ١٧ ـ وذكر في الباب ذكر الاختلاف
على أبي هريرة في السجدتين ستة أحاديث يؤكد راويها ـ أبو هريرة ـ على سجود النبي
لسجدتي السهو عندما سها في صلاته ، ففي بعضها كانت صلاة العصر والبعض الآخر غير
مصرح بها .
١٨ ـ ٢٠ ـ وفي باب التحري ذكر النسمائي
جملة من الأحاديث ثلاثة منها تصرح بسهو النبي وأنه زاد أو نقص في بعض صلواته وفي
أحدها
__________________
كانت صلاة الظهر
ومضمون هذه الأحاديث ذكرها أبو داود وابن ماجة في سننه الحديث ١٢٠٣ وبترقيمنا
المتقدم الحديث الأول .
٢١ ـ ٢٦ ـ وفي باب ما يفعل من صلى الظهر
أو العصر خمساً والنبي لما ذكر بالزيادة سجد سجدتي السهو ، والأحاديث هذه ذكر
بعضها أبو داود ـ مع اختلاف يسير ـ في سننه الحديث ١٠١٩ وبترقيمنا الحديث ١٢ .
٢٧ ـ وفي باب التكبير في سجدتي السهو ، ذكر
النسائي حديثاً واحداً عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة وقد مر في
الحديث ١٦ ـ بترقيمنا ـ من سنن أبي داود ، وفي الأصل الحديث ١٠٣٤ .
__________________
فتاوى أهل السنة
قال الإمام أحمد : يحفظ عن النبي خمسة
أشياء سلم من اثنتين فسجد ، سلم من ثلاث فسجد ، وفي الزيادة والنقصان وقام من
اثنتين ولم يتشهد :
وقال الخطابي : المعتمد عند أهل العلم
هذه الأحاديث الخمسة يعين حديثي ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة .
عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : صلى
بنا رسول الله 6
إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن انا نسيت فصلي ركعتين ثم سلم
فقام إلى خشبة معروضة في المسجد ثم وضع يده عليها كأنه فضبان فشبك أصابعه ووضع يده
اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من المسجد فقالوا : أقصرت الصلاة؟
قال : ( لم أنس ولم تقصر ـ فقال ـ أكما
يقول ذو اليدين؟) قالوا : نعم ، قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سم ثم كبر وسجد
مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر قال فربما سألوه ثم سلم ، قال : ثبت أن عمران
بن الحصين
__________________
قال ثم سلم .
وروى مسلم بإسناده عن أبي المهلب عن
عمران بن حصين قال : سلم رسول الله 6
في ثلاث ركعات من العصر ثم قال فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت
الصلاة يا رسول الله؟
فخرج مغضباً فصلى الركعة التي كان ترك
ثم سل ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم .
وفي شرح المغني في مسألة : فإن زاد ركعة
فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها : قال لما روى عبد الله بن مسعود قال : صلى بنا
رسول الله 6 خمساً فلما
انفتل توشوش القوم بينهم فقال : ( ما شأنكم ) قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟
قال : لا. قالوا فإنك صليت خمساً فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال : إنما أنا
بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ثم سجد سجدتي السهو .
قال القاضي عياض : والصحيح من الأحاديث
الوارجة في سهوه 6
في الصلاة أحاديث : أولها حديث ذي اليدين في السلام من اثنتين. الثاني حديث ابن
بحينة في ا لقيام من اثنين. الثالث حديث ابن مسعود أن النبي 6 صلى الظهر خمساً ...
باب سجود السهو
قال القفال في كتابه حلية العلماء
الأحاديث الصحيحة التي عليها مدار باب سجود السهو ، وعنها تشعب مذاهب العلماء ستة
أحاديث
الأول
: حديث أبي هريرة الذي يروي عن الرسول 6 قال : إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان
له ضراط حتى لا يسمع الأذان ... الخ وقد ذكره مسلم.
__________________
الثاني
: عن أبي هريرة قال : صلى رسول الله 6 إحدى صلاتي العشي ، أما الظهر وأما
العصر ، فسلم في ركعتين ثم أتى جذعاً في قبلة المسجد فاستند إليها وخرج سرعان
الناس فقام ذو اليدين فقال : يا رسول الله : أقصرت الصلاة أم نسيت فنظر النبي 6 يميناً وشمالاً فقال : ما يقول ذو
اليدين؟ قالوا صدق لم تصل إلا ركعتين ، فصلى ركعتين وسلم ثم كبر ، ثم سجد ثم كبر
فرفع ثم كبر ورفع. رواه البخاي ومسلم.
الثالث
: عن عبد الله بن بحينة : أن رسول الله 6
: قام من صلاة الظهر وعليه جلوس ، فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة ، وهو
جالس قبل أن يسلم ، وسجدها الناس معه مكان ما نسي من الجلوس.
رواه البخاري ومسلم.
الرابع
: عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن
مسعود قال صلى رسول الله 6
قال إبراهيم زاد أو نقص ـ فلما سلم قيل له : يا رسول الله : أحدث في الصلاة شيء
قال : وما ذلك؟ قالوا : صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة ، فسجد سجدتين ثم
سلم ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : أنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن
إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته ، فليتحر
الصواب ، فليتم عليه ، ثم ليسجد سجدتين رواه البخاري ومسلم.
الخامس
: عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله 6
: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى .... الخ.
السادس
: عن عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت رسول
الله 6 يقول إذا
سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين ... الخ
بعد استعرضنا الأحاديث التي وردت في كتب
الصحاح الستة ظهر لنا من مجموعها في هذا الباب أن الصحيح منها عند علماء جمهور
السنة هي ستة أحاديث ، ثلاثة منها صرحت بسهو النبي.
__________________
قال القفال : إذا شك في ركعة من ركعات
الصلاة ، افعلها أم لا فإنه يبني الأمر على اليقين وهو الأقل ، فإن شك أنه صلى
واحدة ، أو اثنتين فإنه يبني الأمر على أنه صلى ركعة. وبه قال مالك ، وبه قال أحمد
في المنفرد .
أقول هذا الرأي ينبغي أن لا يخصص بالأقل
طالما المعول هو اليقين ، لأن اليقين أينما دار فهو المعول به فإذا كان المصلي
يقينه مع الأكثر فيتابع صلاته بناء على الأكثر. وعمل الرسول ـ كما تزعمه الروايات
المنقولة في الصحاح الستة ـ سوف يناقض بعض موارده تلك الأخبار ...
قال أبو حنيفة ، إن كان شكه في ذلك أول
مرة ، بطلت صلاته وإن كان الشك يعتاده ويتكرر له ، يبني على غالب ظنه بحكم التحري
، فإن لم يقع له ظين يبني على الأقل .
فما روي عن النبي كان أول مرة ، ولم
تذكر لنا كتب الحديث أو التاريخ أن السهو كان يعترض الرسول 6 كثيراً ، ومع ذلك بالنسبة لمعالجة
الصلاة أن الرسول 6
لم يبطل صلاته التي سها بها ـ كما يزعمون ـ سواء كانت الصلاة هي الظهر أم العصر أم
أحد صلاتي العتمة ..
وبهذا يسقط الاستدلال بأحاديث سهو النبي
التي أثبتوها ، لأن ما أفتى به أبو حنيفة من أن الشك لو كان لأول مرة بطلت الصلاة
، إلا أن صلاة النبي التي دخلها الشك لأول مرة لم يبطلها الرسول 6 ولو قيل أن الشك تكرر منه 6 ، قلنا إذا لا بد من فعلين متغايرين
للرسول 6 في مورد
علاجه للشك وهذا أيضاً لم يحصل منه 6
بل جميع الروايات المنقولة في هذا الباب تأكد على حالة واحدة وهو بالنسبة للزيادة
سجد سجدتي السهو وأما بالنسبة للنقيصة فقد أضاف إليها من الركعات ما أكملها.
__________________
قال الحسن البصري : يأخذ بالأكثر ويسجد
للسهو.
وقال الأوزاعي : متى شك في صلاته بطلت.
وقال القفال : وإن نسي ركعة من ركعات
الصلاة ، وذكرها بعد السلام ، فإن لم يتطاول الفصل ، أتى بها وبنى على صلاته ، وإن
تطاول الفصل ، استأنفها ، وفي حد التطاول أوجه :
أحدها
: قال أبو إسحاق : إن مضى قدر ركعة فهو
فهو تطاول ، وقد نص عليه الشافعي.
الثاني
: أنه يرجع فيه إلى العرف والعادة ، فإن
مصى ما يعد تطاولاً استأنف وإن مضى ما لا يعد تطاولاً بنى ...
والثالث
: قال أبو علي بن أبي هريرة : إن مضى قدر الصلاة التي نسي فيها ، استأنف ، وإن كان
دون ذلك بنى .
أقول من حديث أبي هريرة جليلاً للقارئ
أن الرسول 6 عندما انفتل
من صلاته أتى جذعاً في قبلة المسجد والناس قد خرجت مسرعة ثم الغلط الذي جرى بينهم
وبعد ذلك سؤالهم الرسول 6
بأمر الزيادة أم النقيصة وتودهه إلى ذي اليدين وما خامر هذه القصو من سؤال وجواب
وحوار كل ذلك بحاجة إلى زمن وهذا الزمن عند أهل العرف مما يفسد الصلاة ويذهب
بصورتها علماً أن الفاصل الزمني الذي تخلله الكلام كهذا مبطل عند أغلب فقهاء السنة.
قال القاضي عياض : أجمع المسلمون على
عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر والمبوقات ومسنتدهم في ذلك الإجماع .. واختاره
الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني.
وكذلك لا خلاف في أنهم معصومون عن كتم
الرسالة والتقصير في التبليغ ... قال القاضي أبو الفضل عياض قال بعض أئمتنا ـ
المالكية ـ ولا يجب على القولين ـ في العصمة عن الصغائر وعدمها ـ أن يختلف أنهم
__________________
معصومون عن تكرار
الصغائر وكثرتها إذ يلحقها ذلك بالكبائر ولا في صغيرة أدت إلى الحشمة وأسقطت
المروءة وأوجبت الإزراء والخساسة وهذا أيضاً مما يعصم فيه الأنبياء إجماعا لأن هذا
يحط منصب المتسم به ويزري بصاحبه وينفر القلوب عنه والأنبياء منزهون عن ذلك بل
يلحق بهذا ما كان من قبيل المباح .
وقال القاضي عياض : وأما ما يكون بغير
قصد وتعمد كالسهو والنسيان في الوظائف الشريعة مما تقرر الشرع بعدم تعلق الخطاب
وترك المؤاخذة عليه فأحوال الأنبياء في ترك المؤاخذة به وكونه ليس بمعصية لهم مع
أممهم سواء ، ثم ذلك على نوعين ما طريقة البلاغ وتقرير الشرع وتعلق الأحكام وتعليم
الأمة بالفعل وأخذهم باتباعهم فيه وما هو خارج عن هذا مما يختص بنفسه.
أما النوع الأول فحكمه عند جماعة من
العلماء حكم السهو في القول في هذا الباب وقد ذكرنا الإتفاق على امتناع ذلك في حق
النبي 6 وعمته من
جواءه عليه قصداً أو سهواً فكذلك قالوا في الأفعال في هذا الباب لا يجوز طرو
المخالفة فيها لا عمداً ولا سهواً لأنها بمعنى القول من جهة التبليغ والآراء وطرو
هذه العوارض عليها يوجب التشكيك وتسبيب المطاعن ..
__________________
خلاصة البحث
إن الأحاديث المتضمنة لسهو النبي 6 عند علماء الجمهور هي محل نقاش فيما
بينهم ، فمنهم من نفى عنه السهو ، وهو ما ذهب إليه أبو إسحاق الأسفرايني الشافعي ومنهم جوز عليه 6 السهو بشرط التنبيه عليه من قبل الله
سبحانه. وقسم ثالث جوز عليه 6
السهو بشرط عدم الإصرار على أنه يعد من الخطأ.
ثم اختلفوا ف أصل الحديث المروي عن ذي
اليدين بكونه منسوخاً بحديث ابن مسعود.
وبعد كل ذلك فإن فتاواهم قد اختلفت ، ولهم
في ذلك مذاهب متعددة ، بالخصوص عند جمهور السلف.
والذي استعرضناه يكفي لإبطال ، قول
السيد الزواوي في تعليقه على مسند الإمام الشافعي ، والذي ذهب إلى تجويز السهو على
النبي 6.
__________________
أدلة عدم السهو
بعد استعراضنا للروايات والأخبار من
الخاصة والعامة في سهو النبي بينا بعض فتاوى أهل السنة من المذاهب الأربعة
واختلافهم في سهو النبي مع اختلاف الروايات التي نقلوها في هذا الصدد ، ثم أشرنا
إلى من خالف قولهم كأبي إسحاق الأسففرايني وأبو حنيفة ...
أقول أن القائلين بسهو النبي من بين
المسلمين هم أغلب علماء الجمهور وقد مر ، ومن الخلاصة الشيخ الصدوق وشيخه محمد بن
الحسن ابن أحمد بن الوليد. ولم يتابعهم إلا الشذاذ من الناس ، وأما الطائفة المحقة
ـ قديماً وحدثاً ـ فإجماعهم على خلاف ما ذهب إليه ابن الوليد والشيخ الصدوق ( رض )
قال الصدوق في الفقيه : أن الغلاة
والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي 6
ويقولون : لو جاز أن يسهو 7
في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه
فريضة ، وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي 6 فيما يقع على غيره ، وهو متعبد بالصلاة
كغيره ممن ليس بنبي وليس كل من سواه بنبي كهو ، فالحالة التي أختص بها هي النبوة
والتبليغ ما يقع الصلاة لأنها عبادة مخصومة ، والصلاة عبادة مشتركة ، وبها يثبت له
العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة وله قصد منه إليه نفي
الربوبية عنه ، لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم ، وليس سهو
النبي 6 كسهونا من
الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ رباً معبوداً دونه وليعلم
الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا.
وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على
النبي 6 والأئمة
سلطان ، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ، وعلى ن تبعه من
الغاوين ثم يقول :
وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد يقول : أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي 6
ولو جاز أن يرد الأخبار الواردة في هذا
المعنى لجاز أن يرد
جميع الأخبار ...
هذا خلاصة ما قاله الشيخ الصدوق وشيخه
ابن الوليد.
أما ردنا على من قال بسهو النبي 6 فهي الأدلة النقلية والعقلية :
أما الأدلة
النقلية فهي المأخوذة من الكتاب والسنة والإجماع المنقول ، أما من الكتاب : فقوله
تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )
وقال تعالى : ( إن اتبع
إلا ما يوحى إلي )
وقوله تعالى : ( وكذلك
أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً
نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في
السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )
عن الصفار قال حدثنا محمد بن عبد الحميد
عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله 7
جعلت فداك عن قول الله تبارك وتعالى : ( وكذلك أوحينا إليك
روحاً من أمرنا ).
قال 7
يا أبا محمد خلق الله أعظم من جبرائيل وميكائيل وقد كان مع رسول الله 6 يخبره ويسدده وهو مع الأئمة يخبرهم
ويسددهم
__________________
وقال تعالى : ( وما أتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
وقال تعالى : ( سنقرئك
فلا تنسى )
وقال تعالى : ( إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
وقال تعالى : ( وتعيها
إذن واعية )
روى المفسرون من العامة والخاصة أنها
نزلت في أمير المؤمنين 7
وأنه قال ما سمعت من رسول الله 6
فنسيته ، وهذا عام مطلق في التبليغ وغيره فإذا كان أمير المؤمنين 7 ينفي عنه السهو والنسيان فالنبي 6 بطريق الأولوية يثبت عنه نفي السهو
والنسيان.
وقال تعالى : ( إن الله
اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين )
والاصطفاء والاختيار والاجتباء نظائر
على وزن افتعال ، والاصطفاء من الصفوة والصافي الذي خلص من الشوائب والأشياء
العالقة الكدرة.
فمثل سبحانه خلوص هؤلاء القوم من الفساد
والنقص ظاهراً وباطناً بخلوص الصافي من شوائب الأدناس وذمائم الصفات وقبائح
الأفعال ولا شك أن السهو والنسيان من الصفات الذميمة ، وأن الساهي أو الناسي إن لم
يستحق الذم فهو قطعاً لا يستحق المدح. فإن آل عمران من آل إبراهيم وآل
__________________
إبراهيم هم آل محمد 6 وهؤلاء : بحكم
العقل معصومون منزهون عن كل قبيح ونقص وقد علمت أن النسيان والهو قبح ونقص ، كما
أن الله سبحانه لا يختار لأمته ولا يصطفى لهم إلا من يكون طاهره مثل باطنه في
الطهارة والعصمة.
وقال تعالى : ( قل إن
كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
دلت الآية
على وجوب متابعة الرسول في أفعاله وأوامره وأقواله ، فلو جاز عليه السهو والنسيان
لوجبت متابعته فيهما وهذا باطل لا يقول به أدنى عاقل ، وأقله أنه يلزم جواز
المتابعة وهذا كذلك واضح بطلانه.
وقال تعالى : ( ورحمتي
وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ، ويؤتون الزكاة ، والذي هم بآياتنا يؤمنون ، الذي
يتبعون الرسول النبي الأمي )
دلالة الآية واضحة كما تقدم في الآية
السابقة.
ومن السنة : فالأدلة
كثيرة نقتصر على بعض الروايات الصادرة عنهم : :
الصفار عن الحسين بن محمد ، ، عن المعلى عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان
عن المفضل ، عن أبي عب الله 7
قال : يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل للنبي 6
خمسة أراح : روح الحياة ، فيه دب ودرج ، وروح القوة فيه نهض وجاهد ، وروح الشهوة
فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإيمان فيه أمر وعدل ، وروح القدس لا
ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح
القدس ثابت يرى به ما في الأرض شرقها وغربها برها وبحرها ، قلت : جعلت فداك يتناول
الإمام ما ببغداد بيده؟ قال : نعم وما دون العرش
__________________
الطوسي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب
عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا
جعفر 7 هل سجد رسول
الله 6 سجدتي السهو
قط؟ قال : لا ولا يسجدها فقيه. قال الشيخ الذي أفتى به ما تضمنه هذا الخبر فأما
الأخبار التي قدمناها من أنه سها فسجد فهي موافقة للعامة وإنما ذكرناها لأن مما
تضمنه من الأحكام معمول بها ...
وعن الصاادق 7 عن آبائه عن أمير المؤمنين 7 في بيان صفة الإمام : فمنها أنه يعلم
الإمام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صفيرها وكبيرها لا يزل في الفتيا
ولا يخطئ في الجواب ، لا يسهو ولا ينسى ، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا ..
وفي طيات الحديث قال علي 7 : وعدلوا عن أخذ الأحكام من أهلها ممن
فرض الله طاعتهم ، ممن لا يزل ولا يخطيء ولا ينسى .
الكليني ، عدة من أصحابنا عن أحمد بن
محمد عن علي بن حديد عن سماعه بن مهران قال كنت عند أبي عبد الله 7 وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل
والجهل فقال أبو عبد الله 6
اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا قال سماعه : فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا
ما علمتنا ... ثم ذكر الإمام الصادق 7
ما للعقل من جنده وما للجهل منن جند ، ثم قال 7
: فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند :
الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو
وزير الجهل. والعلم وضده الجهل والتسليم وضده الشك .. والتذكير وضده السهو .. والحفظ
وضده النسيان .. والطاعة وضدها المعصية .. الخ
ثم قال 7
فلا تتجمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن امتحن
قلبه للإيمان وأما سائر ذلك من موالينا فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه
الجنود حتى يستكمل وينقى
__________________
من جنود الجهل فعند
ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء وإنما يدرك ذلك بمعرفة العقل
وجنوده وبمجانبة الجهل وجنوده .
وفي الخبر المروي عن الإمام الرضا 7 في فضل الإمام وضفاته قال 7 ... والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل
، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة ، العلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول 6 ونسل المطهرة البتول ، لا مغمرز فيه في
نسب ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول 6 والرضا من الله عز وجل شرف الأشراف
والفرع من عبد مناف نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض
الطاعة قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله ...
إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم
يوفهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه فيرهم فيكون علمهم فوق علم
أهل الزمان ... إلى أن يقول :
وأن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور
عباده ، شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً فلم يع
بعده بجواب ، ولا يجيد فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيد ، موفق ، مسدد ، قد أمن من
الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته وشاهد على خلقه ، وذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ...
وفي الحديث المستفيض المشهور بين الخاصة
والعامة عن رسول الله 6
قال صلوا كما رأيتموني أصلي
فلو جاز عليه السهو والنسيان ـ وبالخصوص
في مورد الزيادة الركنية أو النقصية الركنية المبطلة للصلاة حتى سهواً ـ لما جاز
الاقتداء به في شيء من الصلاة التي يحتمل وقوع السهو في كل واحد منها ، فالرسول 6 يأمر
__________________
المسلمين بمتابعته
لكونه في مقام التبليغ فكيف يأمرهم بالمتابعة مع جواز وقوع السهو منه في صلاته؟!
وهذا يعني متابعته حتى في السهو والمبطل وهذا باطل لا محالة.
في الخصال عن العجلي عن ابن زكريا
القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن ابن معاوية عن سلمان بن مهران عن أبي عبد الله
7 قال : عشر
خصال من صفات الإمام :
العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس
، واتقاهم لله ، وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة ، ويكون له
المعجزة والدليل وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيء ، ويرى من خلفه كما
يرى من بين يديه
وفي كشف الغمة من كتاب الدلائل للحميري
عن محمد بن الأقرع قال : كتبت إلى أبي محمد 7
أسأله عن الإمام هل يحتلم؟
وقلت في نفسي بعدما فصل الكتاب : الاحتلام
شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه ، من ذلك فرد الجواب :
الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة
لا يغير النوم منهم شيئاً قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك .
وفي الحديث المشهور المستفيض بين الخاصة
والعامة قوله 6
:
( خذوا عني مناسككم ) ووجه الاستدلال
واضح حيث يأمرهم 6
بمتابعته في الأفعال والأقوال والأوامر ، وقد عرفت فيما تقدم أنا لا يأمر بمتابعته
في الأفعل إلا لكونه ما يصدر عنه 6
هو على أتم الصحة والصواب.
وروى الكليني في كتاب الحجة عن علي بن محمد
عن بعض أصحابنا عن ابن أبي عمير عن جرير عن زرارة عن أبي جعفر 7 : قال :
__________________
للإمام عشرة علامات
يولد مطهراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته للشهادتين ولا
يجنب ولا تنام عينه ولا ينام قلبه ولا يتثأب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من
أمامه ، ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه وإذ لبس درع رسول الله 6 كان عليه وافقاً وإذا لبسها غيره من
الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه .
وجه دلالة الحديث واضحة وهو دال على نفي
السهو عنهم في حال النوم فضلاً عن حال اليقظة.
وروى الصدوق في العلل ، في باب العلة
التي من أجلها صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن 7 الصدوق بإسناده عن أبي جعفر 7 قال : قال رسول الله 6 لأمير المؤمنين 7 اكتب ما أخاف عليك النسيان ، وقد دعوت
الله لك أن يحفظك ولا ينسيك ولكن اكتب لشركائك. قال قلت : ومن شركائي يا نبي الله؟
قال الأئمة من ولدك ... الحديث .
أقول كيف لا يخاف 6 على الوصي النسيان ويقع ذلك منه فينسى
نصف صلاته ويحتاج إلى ذي الشمالين أي ذي اليدين فيذكره ما نسي ويدليه على اشتباهه
وخطأه فيرده عن الشك والسهو كي يضيف ركعتين لتتم بها الصلاة؟! أليس ذلك اجتراء على
الرسول فيما نسبوه إلى السهو والنسيان؟!
عن محمد بن الحسن الصفار قال حدثنا أحمد
بن عيسى عن الحسين القلانسي قال سمعته يقول في هذه الآية يسألونك عن الروح قل
الروح من أمر ربي قال ملك أعظم من جبرائيل وميكائيل ولم يكن مع أحد ممن مضى غير
محمد 6 وهو مع
الأئمة وليس كما ظننت .
__________________
وعن الصفار قال حدثنا محمد بن عيسى بن
أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر 6
سألته عن قول الله عز وجل ( ينزل الملائكة بالروح
من أمره على من يشاء من عباده )
فقال
جبرائيل الذي نزل على الأنبياء والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقههم
وتسددهم من عند الله وأ ، ه لا إله إلا الله محمد رسول الله 6 وبهما عبد الله واستعبد الخلق وعلى هذا
الجن والأنس والملائكة ولم يعبد الله ملك ولا نبي ولا إنسان ولا جان إلا بشهادة أن
لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما خلق الله خلقاً إلا للعبادة .
والأحاديث الرابعة عنهم في هذا الباب أي
تسديدهم وتوفيقهم ، وأن روح القدس يحفظهم من الخطأ والزلل والسهو والنسيان أنها
لأحاديث كثيرة معتبرة وقد اكتفينا بما أوردناه ، وقد أورد الحر العاملي إحدى
وأربعين دليلاً من السنة في نفي السهو فراجع.
الإجماع :
أولاً
: قال السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء في الرد على النظام وجعفر ابن مبشر ومن
وافقهما في باب السهو والغفلة :
... لأن السهو يزيل التكليف ويخرج الفعل من أن
يكون ذنباً مؤاخذاً به ولهذا لا يصح مؤاخذة المجنون والنائم وحصول السهو في أنه
مؤثر في ارتفاع التكليف بمنزلة فقد القدرة والآلاف والأدلة فلو جاز أن يخالف حال
الأنبياء : في صحة
تكليفهم مع السهو جاز أن يخالف حالهم لحال أمتهم في جواز التكليف مع فقد سائر ما
ذكرنا وهذا واضح فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة : لا
يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة فهو أن اإمام أنما احتيج إليه لجهة معلومة ، وهي
أن يكون المكتفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب ... ، فلو جاز
عليه الكبائر لكانت علة الحاجة إليه ثابتة فيه وموجبة وجود إمام يكون إماماً له
والكلام في إمامته
كالكلام فيه وهذا
يؤدي إلى وجود ما لا نهاية له من الأئمة وهو باطل والانتهاء إلى إمام معصوم وهو
المطلوب
ثانياً
: قال الشيخ المجلسي ( قدس ) : أن
أصحابنا الإمامية اجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ من
الذنوب الصغيرة والكبيرة عمداً وخطأ ونسياناً قبل النبوة والإمامة وبعدهما : بل من
وقت ولادتهم إلى أن يقولوا الله سبحانه ، ولم يخالف فيه إلا الصدوق محمد بن بابوية
وشيخه ابن الوليد ( قدس الله روحهما ) فجوزوا الإسهاء من الله تعالى ، لا السهو
الذي يكون من الشيطان ، ولعل خروجهما لا يخل بالإجماع ، لكونهما معروفي النسب ، وأما
ا لسهو في غير ما تعلق بالواجبات والمحرمات كالمباحات والمكروهات فظاهر أكثر
أصحابنا أيضاً الإجماع على عدم صدوره عنهم
قال المفيد في أوائل المقالات : أن
الأئمة القائمين مقام الأنبياء : في
تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الأنام معصومون كعصمة الأنبياء
وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء وأنه لا يجوز منهم سهو في شيء في الدين
ولا ينسون في الأحكام وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم وتعلق بظاهر
روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد في هذا الباب والمعتزلة
__________________
بأسرها تخالف في ذلك
وقال المفيد في تصحيح الاعتقاد : وأما
نص أبي جعفر ( رض ) بالغلو على من نسب مشائخ القميين وعلمائهم إلى التقصير فليس
نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس ، إذ في جملة المشار إليهم
بالشيخوخة والعلم من كان مقصراً وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحققين إلى
التقصير سواء كانوا من أهل قم أم من غيرها من البلاد وسائر الناس ، وقد سمعنا
حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد ;
لم نجد لها دافعاً في التفسير ، وهي ما حكي عنه أن قال أول درجة الغلو نفي السهو
عن النبي والإمام 7
عن مراتبهم ورأينا في أولئك من يقول أنهم ملتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي
والظنون ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه ..
قال أبو صلاح الحلبي : والصفات التي يجب
كون الرسول 6 عليها هي أن
يكون معصوماً فيما يؤدي ، لأن الخطأ عليه في الآداء تمنع من الثقة به ، ويسقط فرض
أتباعه ، وذلك ينقص جملة الغرض بإرساله ، وأن يكون معصوماً من القبائح لكونه
رئيساً وملطوفاً برئاسته لغيره حسب ما دللنا عليه ولان تجويز القبيح عليه يقتضي
إيجاب القبيح ولأن تعظيمه واجب على الاطلاق والستخفاف به فسق ـ على مذاهب من
خالفنا ـ وكفر عندنا ووقع القبيح منه يوجب الإستخفاف فيقتضي ذلك وجوب البراءة منه
مع وجوب الموالاة له .
قال المحقق الطوسي : ويجب في النبي
العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض ولوجوب متابعته وضدها والإنكار عليه ، وكنال
العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنه من دناءة الأباء
__________________
وعهر الأمهات
والفظاظة والغلظة والابنة وشبهها والأكل على الطريق وشبهه .
قال العلامة الحلي ( قدس ) في شرح كلام
المحقق الطوسي الآنف الذكر : يجب أن يكون في النبي هذه الصفات التي ذكرها وقوله
وكمال العقل عطف على العصمة وقوة الراي بحيث لا يكون ضعيف الراي متردداً في الأمور
متحيراً لان ذلك من أعظم المنفرات عنه وأن لا يصح عليه السهو لئلا يهو عن بعض ما
أمر بتبليغه وأن يكون منزهاً عن دناءه الاباء وعهر الأمهات لان ذلك منفر عنه وأن
يكون منزها عن الغلظة لئلا يحصل النفرة عنه وأن يكون منزها عن الأمراض المنفة نحو
الابنة وسلس الريح والجذام والبرص وعن كثير من المباحات الصارفة عن القبول القادحة
في تعظيمه نحو الأكل على الطريق وغير ذلك لأن ذلك كله ما ينفر عنه فيكون منافياً
للغرض من البعثة .
وقال العلامة الحلي في الرسالة السعدية
: أنه لا يجوز عليه الخطأ والنسيان وذهبت أخرى إلى جواز ذلك حتى قالوا أن النبي 6 كان يصلي الصبح يوماً فقرأ مع الحمد
والنجم إذا هوى إلى أن يصل إلى قوله : ( افرأيتم اللات والعزى
ومناة الثلاثة الاخرى )
قرأ تلك الغرانيق الأولى منها الشفاعة ترجى ، ثم استدرك. وهذا في الحقيقة كفر.
وأنه صلى يوماً العصر ركعتين وسلم ثم
قام إلى منزله وتنازعت الصحابة في ذلك وتجادلوا في الحديث إلى أن طلع النبي 6 فقال لهم في ماحدث بينكم؟ فقالوا يا
رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال لم أقصر ولم أنس فيما سئلتم قالوا يا رسول
الله صليت العصر ركعتين فلم يقبل النبي 6
حتى شهد بذلك جماعة فاقام فاتم صلاته وهذا المذهب في غاية الردائة ، والحق الأول
فإنه لو جاز عليه السهو والخطأ لجاز ذلك في جميع أفعاله فلم يبق وثوق بإخباراته عن
الله تعالى ولا بالشرائع والأديان لجواز أن يزيد فيهما سهوا ، فتنفى فائدة البعثة
ومن المعلوم بالصروره وصف النبي
__________________
6
بالعصمة أحسن وأكمل من وصفة بضدها فيجب المصير إليه لما فيه من الأحراز عن الضرر
والمظنون بل المعلوم .
قال الفاضل المقداد : من صفات النبي 6 كونه معصوماً ... والدليل على أنه
معصوم أنه لو لم يكن معصوماً لجوز المكلفون عند أمره لهم ونهيه أياهم أن يكون
كاذباً في ذلك فلا يمتثلون ما يأمرهم به وينهاهم عنه فتنتهي فائدة البعثة لان
فائدة البعثة تبليغ التكليف من الله تعالى للمكلف وفيه تعريض للثواب الذي هو وجه
حسنن التكليف فلا يكون في بعثة الأنبياء فائدة وكل ما لا فائدة فيه عبث والعبث
قبيح والقبيح لا يصدر منه .
قال المحقق في مختصر النافع ، بعدما
أورد جملة من فتاواه في أحكام السهو في الزيادة والنقيصة :
( والحق رفع منصب الإمامة عن السهو في
العبادة ) .
أقول مقام النبوة أرفع شأناً من منصب
الإمامة فمن باب أولى أن ينزه النبي 6
عن السهو.
وقال العلامة في المنتهى ، في مسألة
التكبير في سجدتي السهو : احتج المخالف بما رواه أبو هريرة عن النبي 6 قال : ثم كبر وسجد ، والجواب : هذا
الحديث عندنا باطل لاستحال السهو على النبي 6
.
__________________
وقال في مسألة بيان محل سجدتي السهو ...
احتج مالك بأن النبي 6 سجد للنقصان في الصلاة وللزيادة بعدها
احتج الأخرون من أصحابنا لما رواه الشيخ عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر 7 متى أسجد للسهو قال قبل التسليم فإنك
إذا صليت فقد ذهبت حرمة صلاتك ، واحتج الشافعي بما رواه عن النبي 6 أنه سجد قبل التسليم ثم سلم وعن الزهري
قال كان آخر الأمرين سجود قبل التسليم.
والجواب عن الأول أنه نادر مع ما نقلناه
فالترجيح لما ذكرناه ، ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج التقية قاله الشيخ.
وخبر الشافعي لاحجة فيه لإحتمال أن يكون
الإشاره بالسجود قبل التسليم
...
قال الشهيد في الذكرى.
وخبر ذي اليدين متروك بين الإمامية
لقيام الدليل العقلي على عصمة النبي 6
عن السهو ، ولم يصير إلى ذلك غير ابن بابويه ثم قال هذا حقيق بالإعراض عنه لأن
الأخبار معارضة بمثلها فيرجع إلى قضية العقل ولو صح النقل وجب تاويله على أن إجماع
الامامية في الأعصار السالفة على هذين الشيخين واللاحقة لهما على نفي سهو الأنبياء
والائمة : .
__________________
الأدلة العقلية في
نفي السهو
لقد أجملنا الحديث في الأدلة النقلية كي
لا نخرج عن الإطار الذي رسمناه للبحث ، وإكمالاً للفائدة ، نذكر بعض الأدلة
العقلية في نفي السهو عن النبي 6
ورد أقوال المجوزين :
أولاً : إن الأنبياء الذين اختارهم الله
سبحانه دعاة ومبلغين لرسالاته ، وسفراء إلى خلقه ، وأمناء على وحيه ، إنهم في
الذروة العليا من الكمال والإخلاص والطهارة وقد اختارهم سبحانه بعدما توفرت الشروط
اللازمة فيهم ، فلا يشك أحد في كونهم أفضل المخلوقين وأنهم الصفوة الطاهرة ، ولا
يصل إلى مرتبتهم في الفضل والكمال سائر البشر. فمن لوازم النبوة العصمة في
الأنبياء وخلوصهم من كل عيب أو نقص منفر ؛ والسهو أو النسيان عيب أو نقص عن الكمال
، وهذا مختص بالإنسان العادي ، أما الأنبياء فيستحيل عليهم السهو والنسيان لأنه
قدح بكمالهم وانتقاصاً لفضلهم.
والسهو قد يكون من فعل الساهي ، كما قد
يكون من فعل غيره ، ولما كان مختص بمن يعتريه ، إذا يمكن التحرز منه.
ولما عرفت أن السهو والنسيان عيب ونقص
لهذا حرص الناس أن لا يودعوا أموالهم وأسرارهم عند من عرف بالسهو والنسيان ، كما
أن الفقهاء وأهل النظر يطرحون ما يرويه ذوو السهو من الحديث والأخبار ، إلا أن
يشركهم فيه غيرهم من ذوي الفطنة والذكاء.
ثم لو جاز على النبي أن يسهو في صلاته ،
لجاز عليه أن يسهو في
بقية العبادات
والأفعال ، فيصنع ضوابطاً غير الضوابط التي أقرها الله سبحانه ، حتى يسهو فينقلها
عن حدودها الشرعية ، وعند ذاك لا يؤمن منه الزيادة في العبادة أو النقصان منها.
فلو جاز على النبي أن يسهو في لجاز عليه
السهو أيضاً في صيامه فيفطر في نهار هر الصيام كان يأكل أو يجامع نساءه ساهياً.
لجاز عليه أن يسهو في أدائه للزكاة كأن
يؤخرها عن إخارجها أو يدافعها مستحقيها أو ...
ولجاز عليه أن يسهو في رد المنكر والنهي
عنه ... الخ.
كل ذلك يثبت إذا ثبت سهوه في الصلاة
ونسيانه فيها ، لأن كل ذلك عباد تعبد بها النبي 6
على وجه القربة إلى خالقه. أضف إلى ذلك أنها عبادة مشتركة بينه وبين سائر الناس ، فإذا
تساوى الرسول ـ والذي هو مبلغ للأحكام والأمين على الرسالة ـ مع بقية الناس فيسهو
وينسى كما يحصل لهم من السهو والنسيان ، إذن ما ميزة النبي على أمته؟! وأي فضل
يبقى للنبي ورسالته؟! وإذا جاز السهو عليه 6
فلماذا اختص سهوه ونسيانه بالصلاة دون غيرهما من العبادات؟!
ثانياً
: الروايات المشتملة على سهو النبي 6 شهرتا بين العامو أكثر من شهرتها بين
الخاصة ، لذا حملها على التقية هو المتعين.
ثالثاً
: اختلاف الروايات من حيث وقوع السهو في
الصلاة التي كان يؤديها النبي ، وعدم تحقق تعيينها في كونها صلاة الظهر أو العصر
أو المغرب أو العشاء ، يوجب طرحها.
رابعاً
: بما أن فكرة سهو النبي توافق العامة
وتخالف أصول المذهب عندنا فإن الروايات الحاكية لهذه الفكرة ساقطة عن الاعتبار.
خامساً
: لقد أجمع المسلمون على أن النبي لا يكذب وما صدر منه الكذب طيلة حياته قبل
النبوة وبعدها والأخبار الواردة في سنن أبي داود
__________________
ومسلم وسنن ابن ماجة تذكر أن رجلاً ـ وفي بعضها ذا اليدين ـ
سأله لما سها 6
في عدد الركعات ، فأسقط بعضها فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فكان جوابه
6 : لم أنس
ولم تقصر ، وفي بعضها : ( كل ذلك لم يكن ) وفي بعض الروايات ( لا ).
أقول إذا كان عالماً بالسهو فجوابه
بالنفي كذب ، والكذب قادح بنبوته ومسقط للمروءة لذا لا بد من القول بأن جوابه لم
يخالف الواقع الذي هو عليه حيث أن يقينه 6
قد أتى بالصلاة كاملة وأن الشك الذي ظهر هو من السائل ـ في اليدين ـ لهذا قال 7 : ( لم أنس ولم تقصر ) بل وإن عبارته 6 في بعض الروايات : ( كل ذلك لم يكن )
هي أصرح في النفي وآكد حيث نفى كل سهو ونسيان ، كما أنه لم يفغل 6 عن تبليغ الأمة فيما ينزل عليه من
تشريع جديد أو نسخ في بعض الأحكام والعبادات لهذا لم يطرأ على الصلاة أي تغير.
بل كيف الجمع بين هذه العبارة : ( كل
ذلك لم يكن ) وبين ( استقباله الناس وسؤاله منهم )! أصدق ذو اليدين؟ فقالوا نعم يا
رسول الله ، فأتم ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتي السهو؟!
فهل المأموم أحفظ من الرسول في صلته؟
والمولى سبحانه في القرآن الكريم يخاطب النبي 6
فيقول له : ( سنقرؤك فلا تنسى ).
وقد تواتر من الفريقين أن النبي 6 تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف من لا
ينام قلبه في حال النوم ينام قلبه حال اليقظة عن عبادة ربه التي قوامها التوجه
والإقبال الخالص على الله.
سادساً
: ما يعارض أخبار السهو روايات عديدة
منها موثقة ابن بكير حيث أن النبي لم يسجد للسهو قط بل ولا يسجدهما فقيه.
سابعاً
: فيما ورد عن النبي 6 وقد جاوز حد التواتر أنه قال 6 :
__________________
( إياكم وخشوع
النفاق ؛ يخشع البدن ولا يخشع القلب )
وهو القائل : ( ركعتان مقتصدتان خير من قيام ليلة والقلب ساه ) وهو القائل : ( لا
صلاة لمن لا يتخشع في صلاته )
وهو القائل ( من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قام يصلى صلاة يعلم ما يقول فيها حتى يفرغ
من صلاته كان كهيئته يوم ولدته أمه ) .
وقال 6 : إذا صليت
فصل صلاة المودع ، ولا تتحدثن بكلام يعتذر منه واجمع اليأس مما في أيدي الناس .
إذا كان حال الرسول مع أصحابه في
الموعظة والإرشاد هكذافكيف به وهو يصلي جماعة ساهياً فينقص من صلاة الظهر أو العصر
أو العشاء؟! ...
ألا تجد أن خطاب الله سبحانه : ( أتأمرون
الناس بالبر وتنسون أنفسكم )
سوف يشمل النبي 6؟!
إذا فهل يعقل أن النبي يتوجه إلى لقاء
ربه وفي عبادة يشترك معه المسلمون لأداء صلاة الجماعة ولم يكن لقلبه أدنى حضور حتى
يسهو في صلاته؟!
ثامناً
: ذكر المتقي الهندي أحاديث في باب
السهو منها أن الرسول 6
قد أخبر أصحابه أنه لو نسي في صلاته فعلى الرجال أن يسبحوا حتى يستدرك وعلى النساء
التصفيق .
فلو كان المصلون على علم ويقين من سهو
النبي ، فلماذا لم يجنحوا إلى التسبيح والنساء إلى التصفيق حتى لا يفوتهم شيء من
الصلاة ، وتكون عبادتهم قد أديت على أتم وجه؟!
تاسعاً
: ادعى المجوزون لسهو النبي واستناداً
إلى ذيل بعض الروايات
__________________
أن سهو النبي رحمة
للأمة وفي بعضها ليفقههم بالدين ...
أقول : عجباً أن تكون الرحمة الموهوبة
إلى الأمة عن طريق إسهاء النبي ونسيانه ، ولماذا كانت الرحمة سبيلها الخطأ في
الصلاة دون بقية العبادات؟! وهل اقتصر أمر تفقيه الأمة في أمور دينهم بسهو النبي
فقط؟!
وإذا أراد المولى سبحانه أن يفقه الناس
في أمور دينهم فإسهاء النبي في الصلاة لغرض تعليم الناس أحكام السهو ، فما السبيل
على تفقيهم لبقية الأحكام والعبادات؟!
عاشراً
: إن القائل بسهو النبي يدعي أن سهوهمن
الله سبحانه وهو يفرق بين سهو النبي وسهو الناس ، إذ يزعم أنسهو الناس من الشيطان
لأنهم يتولونه أما سهو النبي فهو من الله.
أقول : هذا أمر عجيب ...
لقد صرح القرآن الكريم في قصة موسى 7 والحوت فقال : وما أنسانيه إلى الشيطان
أن أذكره .
وفي قصة يوسف لما مكث في السجن قال : فأنساه
الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين .
فالنبي موسى والنبي يوسف ـ في هذه الآية
وفي تفسير على أحد الوجوه ـ يعترفان أن الذي أنساهما هو الشيطان ، فهل يعني ذلك أن
للشيطان سبيل عليهما؟! أو أنهما يتولانه ، حتى أنساهم أو أنله عليهما سلطان دون
غيرهما من الأنبياء...؟! ثم ماذا تقول عن الحديث الوارد عن أبي هريرة عن النبي أنه
قال إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم ... الحديث
__________________
الحادي
عشر : قال علماء الجمهور من السنة والشيخ
الصدوق من الخاصة أن الذي حصل للنبي هو إسهاء من الله لا السهو الذي هو من الشيطان
أقول ما الغرض من الإسهاء؟ هل المراد منه تشريع سجدتي السهو فهذا غير متوقف على
السهو في الصلاة بل إنه منوط بالرسول 6
في تبليغه للأمة في أي وقت شاء وبالخصوص يتعين تبليغه إذا حدث من أحدهم. فبيان
سجدتي السهو والركعات المنسية أو التشهد لا يتوقف على الإسهاء.
وإن كان السهو لغرض الإسهاء فهذا الوجه
أقبح من الأول لأن الإسهاء في الحقيقة غير اختياري ، فلا يعقل له حكم كما عرفت أن
الإسهاء من الله ، والعبد لا إرادة له فيه فكيف يشرع له حكم؟ أليس هذا ضرب من
الجبر؟!
الثاني
عشر : أن خبر ذي اليدين الذي يرويه أبو
هريرة لا يصح عندنا لما فيه من الكذب الصريح ، ففي مسند الشافعي ـ وصحيح البخاري
وغيره ـ قال أبو هريرة صلى بنا رسول الله صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين
فقال : أقصرت أم نسيت يا رسول الله ؟!
...
إن الراوي لهذا الخبر أبو هريرة وقد
أسلم أبو هريرة عام خيبر أي في السنة السابعة للهجرة. وذو اليدين قد استشهد في
غزوة بدر أي في السنة الثانية للهجرة فأين كان أبو هريرة عندما استشهد ذو اليدين
وكيف أخذ عنه وقد سبقه ذو اليدين إلى الإسلام بخمس سنين؟!
والحديث الذي رواهأبو هريرة صريح أنه
كان مع النبي وصلى بهم العصر وقد شهد الصلاة ذو اليدين ... ألم يكن هذا من مختلقات
أهل الوضع إنلم نقل إنه من عنديات أبي هريرة؟! ولو سلمنا إن ذا اليدين اسمهذو
الشمالين وذو الشمالين هو الذي استشهد في بدر فالإشكال هو الإشكال.
وإذا قيل أن ذا اليدين شخصان أحدهما
استشهد في بدر والآخر كان
__________________
حياً إلى زمن معاوية
.. قلنا إن ذا اليدين الذي تزعمون أنه كان حياً إلى زمن معاوية مجهول ولم يوثقه
أحد وبهذا سقط الحديث عن الاعتبار وبطل الاستدلال.
الثالث
عشر : تواترت الأحاديث من الفريقين ، من أن
الصلاة عمود الدين كما أن الدعاء مخ العبادة ، والصلاة كلها ذكر ودعاء وخشوع وخضوع
، فلو جاز السهوعلى النبي 6
فينقص منها أو يزيد فيها يعني خروجه عن إطار الخشوع والخضوع وسهوه إنما هو لإنشغال
البال وعدم خضوع القلب ، وهذا باطل لأنه منفر لمن يتابعه في أفعاله وأقواله.
الرابع
عشر : ورد عنه 6
أنه قال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وهذا يعني متابعة الرسول بأي كيفية كانت ، فلو
جاز عليه السهو والخطأ والنسيان لوجبت متابعته ، لأننا مأمورون بذلك ، وهذا يعني
متابعة الخطأ في العبادة والأمر باتباع الخطأ قبيح بالأدلة النقلية والعقلية ، فسبحانه
لا يصدر منه القبيح كما أنه لا يأمر به.
الخامس
عشر : أما رواية سعيد الأعرج وسماعة بن
مهران في شأن نوم النبي 6
عن صلاة الصبح فالخبر موافق لمرويات العامة ومخالف لأصول المذهب. وقد دلت الأخبار
عنه 6 أن عينه
تنام ولا ينام منه القلب ، وفي رواية أخرى أنه يعلم ما وراءه كما ينظر ويعلم ما
أمامه ، فكيف ينام عن صلاته المكتوبة؟!
السادس
عشر : مع كون صحة الخبرين ـ خبر الأعرج وخبر
ابن مهران ـ فقدتركهما الأصحاب لحمل صدورهما للتقية .
هذه جملة من الأدلة ، والتي دأبنا أن لا
نطيل فيها ، وقد اتضح من خلالها عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم قبل وبعد
النبوة والإمامة ، وأنهم منزهون عن المعاصي كبيرها وصغيرها عمدها وسهوها.
وقد كشفنا النقاب عن الروايات القائلة
بسهو النبي من كتب الخاصة
__________________
والعامة ثم كشفنا عن
الاخبار والروايات المعارضة لها وأقوال علماء جمهور السنة وعلماء الإمامية في نفي
السهو عنه 6 ، وقد شارك
علماء الإمامية طائفة كبيرة من علماء السنة على مختلف مذاهبهم وأزمنتهم ، وهكذا
علماء الصوفية وأهل الرياضات ، فأقروا بعصمة الأنبياء : ونزهوهم عن كل عيب ونقص من شأنه ينفر
الأمة عنهم ، أو يكون سبباً للازدراء ...
وإذا ثبت ذلك بإجماع الطائفة كما ثبت
عند المخالفين إذن لا يبقى أدنى شك من كون المعتقد بنفي السهو عن النبي والأئمة : خارج عن حد الغلو ، وأن قول الصدوق
وشيخه ابن الوليد ساقط عن الاعتبار ، وقولهما مرفوض بإجماع الطائفة وليس هذا بغريب فإن لجواد قد يكبو
والسيف قد ينبو ...
أقول : لقد ذكر الشيخ الكليني في الكافي
خمسة أحاديث في باب سهو النبي ونسيانه وقد تقدم ذكرها ، الأولى هي موثقة سماعة بن
مهران ، والرواية الثانية عن الحسن بن صدقة وهي ضعيفة والثالثة موثقة سماعة
والرابعة صحيحة سعيد الأعرج ، والخامسة كذلك صحيحة سعيد الأعرج.
وقد أوردها الشيخ لكونها تتضمن حكماً
فقيهاً ، أما أنه يدين بسهو النبي أو الإمام فذاك ليس من مذهب الشيخ ، وقد تقدم في
الجزء الأول من كتاب الأصول ؛ كتاب الحجة ، حيث ذكر عدة أبواب يؤكد فيها عصمة
النبي والأئمة الأطهار ، وما أورده في الفروع من كتاب الصلاة إنما لحاجة بعض أبواب
هذا الكتاب إلى الدليل المعتبر لغرض إبراز الحكم للمكلف.
ثم بينا أن بعض هذه الأحاديث كانت ضعيفة
وبعضها الآخر لم يعمل بها الأصحاب ثم ماجاء فيها عن النبي في كونه سها أو نسي إنما
يحمل هذا على التقية. ولا مانع من إيرادهما ، وكما عرفنا أن ديدن الشيخ الكليني في
كتابه أنه يذكر حتى ـ بعض ـ الأحاديث الصادرة منهم : على
سبيل التقية ، وهذا لا يقدح في مبنى الشيخ ومسلكه في التأليف وعقيدته المذهبية.
__________________
وخلاصة المطاف أجمعت الطائفة على تنزيه النبي
والأئمة من كل نقص أو سهو أو نسيان وهذا الإجماع مشهور عند علماء المتأخرين كشهرته
عند المتقدمين منهم وبالتالي القائل بعصمة النبي والأئمة : وكذا من ينفي عنهم السهو والنسيان لا
ينطبق عليه مصطلح الغلو ، فافهم.
الخاتمة
سلك الشيعة الإمامية ـ وهم في ظل عصر
التشريع وإلى يومنا هذا ـ خطاً مستقيماً في نهجهم ومعتقداتهم وتبنيهم للأصول
المذهبية ، وكل جيل من العلماء والفضلاء يقتفي أثر من سبقه ويجذو حذو المتقدمين
ولا يقدح من شذ منهم في إجماع علماء العصر الواحد ، على أن الشذاذ من كل وقت إنما
يستند في أداته على ظواهر الكتاب والأخبار دون إحراز المخرج السليم في ذلك
كالتأويل لبعض النصوص أو إتباع أوثق الأخبار ، أو أصحها ، أو أكثرها شهرة بين
الأصحاب ، أو كونها مورد اعتماد وعمل والجميع طوال الأعصر.
وعلى هذا النهج حرص العلماء القدامى ، وبالخصوص
القميين في تنقية الأجواء العلمية ومراقبة المحدثين ومتابعة أحاديثهم واستدراجهم
في طلب الحجة أو المصدر الذي يستند عليه ـ كل ما يقوله ـ المحدث في الدرس أو
المناظرة.
لذا لم تجد أحداً من العلماء يجرأ أن
يخرج عن الحد المألوف في معتقداته وافكاره سواء كان ذلك في الأحكام الشريعة أو
القواعد الفقهية أو ما يتعلق بالأصول المذهبة والضرورات التي درج عليها الشيعة
الاثنا عشرية ، وأن موقف أحمد بن محمد بن عيسى من البعض واضح جداً. حيث أخرج جملة
من علماء قم في وقته ، ظناً منه أنهم كانوا يغالون في عقيدتهم.
إخراج
بعض القميين
لقد عرف أحمد بن محمد بن عيسى أنه الرجل
الثقة والرئيس الذي يلقى السلطان بقم ، وهذا يعني أنه كان متنفذاً ، وله مقام سام
تهابه طبقات المجتمع على اختلافها وله منزلة عند السلطان ..
ولما كان هو الوجه الذي يؤتى والشخص
المبرز في قم. ومكانته الدينية والاجتماعية بل والسياسة معروفة عند الجميع ، فمن
البديهي أن تكون له سطوة على أبناء المدينة ، ويهمه ما يهمها ..
كان في قم بعض من اتهم بالغلو فهو لا
يتفق مع غيره في المشرب وبعض جزئيات المذهب ، لذا حرص الأشعري على سلامة خط أهل
البيت والاحتفاظ بالولاء الصادق الصحيح ، مما أقدم على إخراج جماعة من قم قد اتهموا
بعقيدتهم لأهل البيت : فممن
أخرجهم ابن عيسى : أحمد بن محمد خالد البرقي
وكانإ خراجه لشبهة حدثت ثم زالت بعد ذلك ، ولما اتضح الأمر لديه أعاد الأشعري أحمد
بن محمد بن خالد إلى قم واعتذر إليه ولما توفي أحمد بن محمد بن خالد مشى في جنازته
الأشعري حافياً حاسراً.
وربما يظهر من قول السيد صدر الدين
التنقيص من شخصية الأشعري والخدشة به إيماء منه ـ بأنه كان يلقى السلطان ـ على أن
إخراج الأشعري بعض القميين ما كان برضى من أهل قم ، بل أن سكوتهم لا يخلو من أمر
خفي .. وإلا لا يعقل أن يطبق جميع العلماء والأصحاب الذين عاصروا الاشعري في قم
بالسكوت وتحملهم التقية على عدم إنكار المنكر وعدم الأمر بالمعروف .. إذا إخراج
أولئك النفر لأمر هو حق يراه الأشعري ولا بد ان يتصدق له ..
ومن الذين أخرجهم احمد بن محمد بن عيسى
الأشعري :
سهل بن زياد الرازي الآدمي أبو سعيد.
__________________
قال النجاشي : كان ضعيفاً ، غير معتمدة
فيه. وكان أحمد بن محمد بن عيسى ويشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري
وكان يسكنها ، وقد كاتب أبا محمد العسكري 7
على يد محمد بن عبد الحميد العطار للنصف من شهر ربيع الآخر خمس وخمسين ومائتين ...
أقول واستثنى ابن الوليد ـ من مشايخ
الصدوق ـ جملة من روايات محمد بن أحمد بن يحيى منا روايات عن سهل بن زياد الادمي ،
ثم تبعه على ذلك الصدوق وابن نوح.
وهذا يعني أنهم لا يعتمدوا على رواية
محمد بن أحمد بن يحيىعن سعد بن زياد لضعفه أو لكونه يروي المراسيل.
قال ابن الغضائري : ( .. وكان أحمد بن
محمد بن عيسى الأشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه
والرواية عنه ، ويروي المراسيل ويعتم المجاهيل .
ومن الذين أخرجوا من قم ـ قهرا ـ السيد
أبي جعفر موسى بن محمد ابن علي بن الإمام موسى الكاظم 7 وإليه تنسب عائلة المبرقع ولا يزال لهم
أحفاد وأبناء في قم منتشرين في كل نواحيها داخلها وخارجها والاراضي المجاورة لها
من النواحي والقرى.
وما أشتهر بين لقميين من لقب ( برقعي )
أنما المعنيون هم آل المبرقع نسبة إلى جدهم الكبير موسى بن محمد المبرقع.
وكان سبب اخراج هذا السيد م قم هم بفعل
بعض من ينسب إلى العلم والعلماء بل من نسبته إلى الجهل أقرب إلى العلم وتظافرت
جهود بعض الحاسدين ومن له مقربة إلى السلطان فغرر بالوالي مما أعانهم على إخارج
السيد ن فالتجأ أبو جعفر موسى المبرقع إلى كاشان حيث استقبله هناك أحمد بن عبد
العزيز بن دلف العدلي ، فأنزله المكان وأكرمه بما يليق شأنه على ما في ذلك من آيات
التكريم والحفاوة والتعظيم وقد مر الحديث
__________________
عنه بإختصار في
كتابنا الكليني والكافي الفصل الأول منه فراجع.
وبعد هذا العرض السريع نستخلص أن علماء
الشيعة الإمامية سواء كانوا في قم أم في الري ، قد حرصوا على تنقيح أصول المذهب
والمحافظة على تراث أهل البيت وايصاله إلى الأجيال بصورة نقية سالمة بعد تهذيب
الأحاديث وتمحيص الزائف من الصحيح ثم أو دعوا ـ ما وصل بهم الدليل ـ تلك الأحاديث
الأخبار في مصنفاتهم وموسوعاتهم الحديثية والفقهية ، وقد عرفت أن أول عمل ضخم برز
إلى الوجود ليتناقله العلماء والفقهاء هو عمل الشيخ الكليني ( قدس ).
وأرجو أنك ـ أيها الباحث الجليل والقارئ
الكريم ـ قد أطلعت على كتابنا الكليني والكافي الذي وضعناه في سبعة فصول.
وخلاصة تلك الفصول تبين أن للشيخ
الكليني رحمة الله عليه ورضوانه ، مسلكاً خاصاً قد انفرد به وهو يؤلف كتابه الكافي
، وأن لمسلكه ذلك خصوصيات متعددة كما أنه يختلف عن مذاق المتأخرين ومسلكهم فلا
يمكن بأي وجه من الوجوه أن نخضع أحاديث وروايات الكافي في الأصول والفروع إلى
مقاييس المتأخرين كالحلي والشيخ المجلسي ومن اقتفى منهجهم ، بل أن البعض منهم قد
أساء إلى الفكر الإمامي ، وإلى تراث أهل البيت كالبهبودي ، محمد باقر الذي اختزل
كتاب الشيخ من غير أن يستند في علمه ذلك على منهج علمي صحيح أو مبنى واضح سليم حتى
يعذر فيما صنفه في كتابه ( صحيح الكافي ) ، الذي يعد من أحد مساوئه التي لا تغتفر
، وسبيله إنما ينطوي تحت شعار خالف تعرف. هذا آخر ما حررته وأنا أقل العباد عبد
الرسول الغفار والحمد لله أولنا وآخرنا.
المصادر
والمراجع
أصول كافي
|
|
خطط الشام
|
الأغاني /
الأصفهاني
|
|
الخصال / الصدوق
|
الإحتجاج
|
|
الخرائج والجرائح
/ الراوندي
|
الإستبصار
|
|
ديوان الحلاج
|
البيان والتبيين /
الجاحظ
|
|
الرسالة السعدية /
العلامة الحلي الحسن
|
بصائر الدرجات
|
|
بن المطهر /
منشورات مكتبة المفيد
|
تاج العروس /
الزبيدي
|
|
ربيع الأبرار /
الزمخشري
|
تاريخ الطبري
|
|
رجال الطوسي
|
تاريخ اليعقوبي
|
|
رجال ابن داود
|
تذكرة الحفاظ
|
|
رجال الكشي
|
تاريخ ابن كثير
|
|
ذكري الشيعة في
أحكام الشريعة /
|
التهذيب
|
|
الشهيد بن مكي
العاملي ط
|
التنزيه الأنبياء /
السيد المرتضى٣٥٥ ـ
|
|
حجرية / منشورات
بصيرتي
|
٤٣٦ هـ / منشورات
الرضي قم
|
|
سنن البيهقي
|
تقريب المعارف /
ابو الصلاح الحلبي / ط
|
|
سنن ابن داود /
دار الفكر بيروت
|
١٤٠٤ / قم
|
|
سنن ابن ماجة /
تحقيق فؤاد عبد الباقي
|
تصحيح الإعتقاد /
المفيد
|
|
ط دار الفكر بيروت
|
توحيد المفضل
|
|
سنن الترمذي /
تحقيق أحمد محمد شاكر
|
حلية العلماء
|
|
دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت
|
سنن النسائي
|
|
٩١
|
سيرة ابن هشام
|
|
كشف الغمة
|
سنن الدارمي
|
|
كتابة الغيبة /
الطوسي
|
السيرة الحلبية
|
|
لسان العرب / ابن
منظور
|
شرح النهج / ابن
أبي الحديد
|
|
لسان الميزان
|
شرح الإعتماد على
واجب الإعتماد /
|
|
المفردات /
الأصفهاني
|
منشورات مكتبة
المفيد قم ط
|
|
مختصر النافع /
نجم الدين جعفر بن
|
حجرية ١٣١٥
|
|
حسن الحلي ت ٦٧٦ /
دار الكتاب
|
مشاعر العقيدة
|
|
العربي / القاهرة
|
شرح التجريد /
المحقق الطوسي
|
|
مقدمة ابن خلدون
|
صحيح البخاري
|
|
منتهي الطلب /
العلامة الحسن بن
|
الصواعق المحرقة /
لإبن حجر العسقلاني
|
|
يوسف الحلي ت ٧٩٢
هـ / ط
|
صحيح مسلم / ط ٢ /
١٩٧٨ / دار
|
|
حجرية
|
الفكر بيروت
|
|
مجمع البحرين
|
طبقات الشعراء /
ابن سعد
|
|
مسند الشافعي
|
عيون أخبار الرضا
|
|
المناقب ابن
المغازلي
|
علل الشرائع ـ
الشيخ الصدوق ط ٢ /
|
|
الملل والنحل
|
١٩٦٦ م الحيدرية
|
|
المقالات والفرق
|
فرق الشيعة
|
|
ميزان الإعتدال
|
فروع الكافي
|
|
مشارق أنوار
اليقين
|
كنز العمال
|
|
مرآة العقول
|
كشف المراد في شرح
الإعتقاد / العلامة
|
|
المحاسن
|
الحلي / مؤسسة
النشر الإسلامي قم
|
|
نوادر الراوندي
|
١٤٠٧
|
|
نسيم الرياض في
شرح الشفاء
|
|
|
وفيات الأعيان
|
الفهرس
المقدمة......................................................................... ٧
المدخل......................................................................... ٩
شبه الغلو عفي أحاديث الكافي
الحزب...................................................................... ١١
المذهب..................................................................... ١٣
الفرقة ـ الفرق.............................................................. ١٥
المشايعة..................................................................... ١٨
الدّين....................................................................... ٢٥
الملّة........................................................................ ٢٦
الفَصْلُ الأَوّلْ : شُبْهُة الغُلوّ في أَحاديِث الكافِي................................... ٢٧
تعريف الغُلوّ................................................................. ٢٩
حدّ الغلو.................................................................... ٣١
نشوء الغلو وأسبابه........................................................... ٣٦
حد الغلو وأقسامه............................................................ ٤٩
الغلو في أمير
المؤمنين ....................................................... ٥٦
من ادعى الألوهية :
المخمّسة................................................ ٦٦
قول الرسول 6 في علي وتنبؤه عن
الغلاة............................. ٧٠
أمير المؤمنين يتبرّأ
من الغلاة..................................................... ٧٠
من ادعى الألوهية في
محمد بن الحنفية......................................... ٧١
من أدعى الغلو في زمن
السجاد7.......................................... ٧٢
من ادعى الغلو في زمن
الباقر 7........................................... ٧٤
من ادعى الألوهية في
الأمام الصادق 7..................................... ٧٥
من ادّعى الألوهية في
الإمام الكاظم 7...................................... ٨٠
من ادعى الألوهية في
الإمام الرضا 7....................................... ٨٤
من ادعى الألوهية في
الإمام الهادي 7....................................... ٨٤
من أدعى الأولهية في
الإمام العسكري 7.................................... ٨٨
من ادّعى فيهم : أو في غيرهم النبوة...................................... ٨٩
رجال من الغلاة في أسانيد الكافي
الفصل الثاني الغلو في العقائد................................................... ٩٧
القول بالتشبيه............................................................... ٩٩
القول بالجبر أو
التفويض..................................................... ١٠٦
القول بالحلول
والتناسخ...................................................... ١١٩
القول أنهم : يستقلون في العلم
بالغيب...................................... ١٣٥
القول بالتفويض المطلق...................................................... ١٥٩
الآيات التي تنص على
إطاعة الرسول .......................................... ١٥٩
التفويض وأقسامه........................................................... ١٦٣
أولاً : التفويض
بالمعنى الأعم............................................... ١٦٣
إشارة وتوضيح ............................................................ ١٦٧
ثانياً : التفويض
بالمعنى الأخص............................................. ١٦٩
توضيح :.................................................................. ١٧١
دفع وهم :................................................................. ١٧٤
التفويض للرسول
والاخبار في ذلك............................................ ١٧٦
حق التشريع................................................................ ١٧٩
مصاديق من تشريع
الرسول .................................................. ١٨٢
مع النصوص............................................................... ١٨٢
رفع إشكال :.............................................................. ١٨٦
دور الأئمة في التشريع
والتفويض إليهم......................................... ١٨٧
معرفة الإمام ومنزلته......................................................... ١٨٨
خلاصة البحث في
التفويض.................................................. ١٩٥
الفصل الثالث : ما خرج عن حد الغلو........................................ ٢٠١
السهو والنسيان............................................................. ٢٠٣
اختلاف الروايات في
وقوع السهو منه 6.................................. ٢٠٧
روايات سهو النبي عند
جمهور السنة........................................ ٢١٣
الروايات من مصادر
السنة................................................... ٢١٥
أولاً : مسند الشافعي..................................................... ٢١٥
ثانياً : صحيح البخاري................................................... ٢١٨
ثالثاً : سنن أبي داود...................................................... ٢٢٠
رابعاً : صحيح مسلم..................................................... ٢٢٣
خامساً : سنن ابن ماجة.................................................. ٢٢٧
سادساً : سنن الترمذي................................................... ٢٣٠
سابعاً : سنن النسائي..................................................... ٢٣٢
فتاوى أهل السنة............................................................ ٢٣٤
باب سجود السهو.......................................................... ٢٣٥
خلاصة البحث............................................................. ٢٤٠
أدلة عدم السهو............................................................. ٢٤١
الأدلة النقلية
من الكتاب................................................................ ٢٤٢
من السنة ................................................................. ٢٤٤
الإجماع ................................................................... ٢٤٩
الأدلة العقلية............................................................... ٢٥٥
الخاتمة...................................................................... ٢٦٤
إخراج بعض القميين......................................................... ٢٦٥
المصادر والمراجع............................................................ ٢٦٨
الفهرس..................................................................... ٢٧٠
|