دراسة عن حياة

شيخنا الكبير آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي قدس‌سره

أعدّها

العلاّمة الدكتور السيد محمد بحر العلوم



مدخل البحث

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « العلماء أمناء الله على خلقه » (٢).

وقال الإمام علي عليه‌السلام : « من وقّر عالما فقد وقّر ربّه » (٣).

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين الطيبين ، وعلى أصحابه المنتجبين ، وألف شكر لله على ما تفضل وأنعم.

وبعد فإن المرحوم آية الله العظمى شيخنا الجليل وأستاذنا الكبير الشيخ حسين الحلّي من مشاهير علماء النجف الأشرف في القرن الماضي الهجري ، أستاذ في الفقه والاصول ، تعترف به الحوزة العلمية في جامعة النجف الأشرف الدينية ، وتراه من الطراز الأول من أساتذة هذه الجامعة العريقة في القرن الماضي الهجري ، ـ والتي هي إحدى أربع جامعات علمية دينية في العالم الإسلامي ـ ويضاف إلى تعمقه الفقهي والاصولي ، اطلاعه الواسع في التاريخ الإسلامي ، والأدب العربي.

ومن المؤسف أن مصادر البحث عن هذه الشخصية الفذة شحيحة إلى درجة كبيرة بسبب ابتعاده عن المظاهر الاجتماعية التي تتوجه الأضواء

__________________

(١) سورة فاطر آية : ٢٨.

(٢) على المتقي بن حسام الدين الهندي ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ١٠ / ١٣٤ طبع بيروت مؤسسة الرسالة ١٩٧٩.

(٣) علي بن محمد الليثي الواسطي ـ عيون الحكم والمواعظ : ٤٣٩ طبع قم دار الحديث ١٣٧٦.


إليها ، وتصطدم محاولات التعرف على شخصيته الفذة بقلة المصادر ، لتكون أمام الباحث عقبة كأداء ، ورغم كل هذا فسوف أسير في محاولتي الشاقة رغم كوني قريبا إلى سيدي الأستاذ ، ولم أفارقه إلاّ حين اضطرتني الظروف الخاصة إلى الابتعاد عن الوطن قرابة أربعة عقود بائسة استولى عليها نظام دكتاتوري شمولي فخلط الأوراق قسرا ، وعاث بالبلاد فسادا. وانتقل إلى رحمة ربه وأنا رهين الغربة ، وحرمت من إلقاء نظرة الوداع على جثمانه الطاهر عرفانا بأبوّته الروحية لي.

وأرى من الواجب أن أقدّم جميل الشكر ومتكاثر التقدير لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام ظله ) فقد أمر بتشكيل لجنة من فضلاء الحوزة العلمية لتحقيق « التراث الاصولي » لأستاذه المرحوم آية الله العظمى الشيخ الحلي قدس‌سره ، وهذا تمام الوفاء بالنسبة لأستاذه الراحل.

كما حملني سماحته ( حفظه الله ) مسئولية كتابة دراسة عن حياة شيخنا الحلي ، ورأيت خير مناسبة أن أسدي إلى سيدي الإمام الراحل الأب العطوف ، والمربي العظيم بعض ما عليّ ـ وعلى أخويّ الشهيدين السيدين علاء الدين وعزّ الدين ـ من واجب الوفاء والتقدير مقابل ما أولانا به من عطف أبوي ، ورعاية لا تقدّر بثمن ، راجيا أن أوفق لذلك ، مستمدا منه سبحانه العون والتسديد.

محمد بحر العلوم النجف الأشرف في ٢٠ / ربيع الثاني / ١٤٢٨ هـ


مواضيع البحث

مدخل البحث

الباب الأول : النجف الأشرف جامعة علمية دينية من القرن الخامس الهجري.

الفصل الأول : جامعة النجف إحدى أبرز الجامعات الإسلامية منذ تاريخها القديم.

الفصل الثاني : الجامعة العلمية النجفية بعد عهد السيد بحر العلوم حتى السيد الاصفهاني.

الباب الثاني : شيخنا الحلي وجود شاخص في الجامعة العلمية الدينية النجفية.

الفصل الأول : عصر الشيخ الحلي وموقعه فيه :

أ ـ مراجع عصره.

ب ـ جذور الشيخ الحلي ونشأته.

ت ـ الشيخ الحلي علم بين مراجع عصره.

ث ـ تأثر الشيخ بالميرزا النائيني.

ج ـ علاقته بالإمام الراحل السيد محسن الحكيم.

الفصل الثاني : عطاء الشيخ الحلي قدس‌سره :

أ ـ حياته عطاء ثر.

ب ـ تركه .. الشيخ العلمية.

الأول : عطاؤه الفكري.

أولا : في ميدان الفقه.


ثانيا : في مجال اصول الفقه.

ثالثا : كتب متنوعة.

رابعا : مجاميع استفتاءات.

الثاني : ما اقتبسه تلامذته من عطاء استاذهم.

١ ـ تقريرات تلامذته.

٢ ـ المطبوع منها :

أولا : « دليل العروة الوثقى » للمرحوم الشيخ حسن السعيد.

ثانيا : « بحوث فقهية » للشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم.

٣ ـ مميزات بحثيه الفقهي والاصولي.

أ ـ الفقهي توجه في مسارين.

ب ـ يحمل طابع اصول الميرزا النائيني.

ج ـ لمحات عن انطباعات المرحوم السيد محمد تقي الحكيم عن اصول الشيخ.

د ـ المرجعية المعاصرة تعتمد في نتاجها أفكار الشيخ الفقهية والاصولية.

هـ ـ بعض من تلمّذ عليه.

الباب الثالث : الوجه الآخر لشيخنا الحلي.

الفصل الأول : ملامح إنسانية لها أثرها في بناء شخصية مترجمنا الحلي.

أوّلا : ورعه وتقواه.

ثانيا : كرمه وعطاؤه.

ثالثا : أصدقاؤه ( الصفوة ).


رابعا : وفاؤه لإخوانه وأصدقائه.

خامسا : أخلاقه وتواضعه.

الفصل الثاني : الشيخ الحلي والسياسة.

١ ـ مشاركة الحلي في جهاد العلماء ضد الإنكليز.

٢ ـ الحلي في خضمّ المشروطة والمستبدة.

٣ ـ مع المشروطة أو المستبدة.

٤ ـ أحداث العراق المعاصرة وموقفه منها.

نهاية الحديث :

أوّلا : العالم المؤمن.

ثانيا : العالم المجدد.

ثالثا : العالم المحقق.

رابعا : العالم العارف.

خامسا : العالم الموسوعي.

سادسا : العالم الوطني الرزين.

سابعا : العالم المربّي.

الملحق


الباب الأول

النجف الأشرف جامعة علمية دينية من القرن الخامس الهجري


الفصل الأوّل

جامعة النجف إحدى أبرز الجامعات الإسلامية منذ تاريخها القديم

المجتمع المتحضّر هو الذي يملك قيادات متنوعة توجّه الامة للطريق السوي ، وترشده لما فيه المصلحة العامّة ، وتنوّره لكل ما به الخير والصواب لبناء المجتمع الإنساني الذي خلقه الله سبحانه ليكون ظله فيه ينوّر الحياة ، ويرشد العاملين في سبيل التكامل الإنساني ، ويوجّههم لما فيه بقاء الإسلام حيا كما يريده الله عزّ وجل.

من هذه الصفوة المبلّغة لرسالة الإسلام ، والعاملة في أداء الرسالة الإرشادية مراجع الدين « فالعلماء باقون ما دامت الدنيا باقية » (١) ـ كما يقول الحديث الشريف ـ لما لهم من ضرورة وجودهم المرتبط ببقاء حركة الإنسان المسلم في هذه الحياة الطويلة ، والمسددة بوجود المعصوم الحجة ابن الحسن عليه‌السلام ، حسب « قاعدة اللطف الإلهي » فليس من المعقول أن يترك الله عباده في أحكامهم الحياتية يتخبطون فيما يتعلق بدينهم ودنياهم ، وخاصة المترتب عليها الحساب والجزاء والثواب والعقاب ، فالعقوبة من غير بيان تتنافى وصفات الله الرحيمة ، فالرحمة والمغفرة وأمثالهما من الصفات الكمالية لله جل ثناؤه وعزّ اسمه.

والجهات التي تولّت هذه المسئولية التبليغية بعد الأئمّة الاثني عشر

__________________

(١) الري شهري ـ ميزان الحكمة ٦ / ٤٨٣.


عليهم‌السلام ، هم هذه الطبقة من أهل العلم ، والذين أطلق عليهم « الإمامة النائبة » ، فهم حملة مسئولية الدين ، والرسالة التبليغية ، والذين بدأت مسيرتهم بعد الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، ونواب الإمام الثاني عشر عليه‌السلام الأربعة ، والتي انتهت مهمتهم بغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام الكبرى بعد وفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري عام ٣٢٩ ه‍.

بدأ مركز هذه الصفوة التي حملت الرسالة الدينية من بعد أئمتهم عليهم‌السلام ونوابهم في « بغداد » حيث توسعت آفاقها من الشيخ المفيد محمد بن محمد ابن النعمان (١) وبعده السيد المرتضى علي بن الحسين بن موسى الموسوي (٢) وبعد وفاته عام ٤٣٦ ه‍ انتقلت زعامة المرجعية الشيعية إلى تلميذهما الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (٣) ، وفي عهده تجددت

__________________

(١) محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري ، المنتهى نسبه إلى قحطان ، أبو عبد الله ، المعروف بالشيخ المفيد ، ولد في عكبرا على عشرة فراسخ من بغداد عام ٣٣٦ ه‍ ، ونشأ في بغداد ، انتهت إليه رئاسة الشيعة في العراق ، له نحو مائتي مصنف في الاصول والكلام والفقه ، توفي في بغداد عام ٤١٣ ه‍. ترجمه خير الدين الزركلي ـ الأعلام ٧ / ٢١ / طبع بيروت دار العلم للملايين ( الطبعة الخامسة عشرة ٢٠٠٢ ).

(٢) علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام الملقب بعلم الهدى ، المولود في بغداد عام ٣٥٥ ه‍ نقيب الطالبيين ، من أعلام الشيعة ، وأجمع على فضله العلماء والأدباء ، وعدّه بعض المؤرخين : انه من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة الهجرية ، له مؤلفات كثيرة متنوعة ، توفّي في بغداد عام ٤٣٦ ه‍. ترجمه عباس القمي ـ الكنى والألقاب ٢ / ٤٤٥ ـ ٤٤٨ طبع النجف المطبعة الحيدرية ١٩٥٦ ، وخير الدين الزركلي ـ الأعلام ٤ / ٣٧٨ ، طبع بيروت دار العلم للملايين ( الطبعة الخامسة عشرة ).

(٣) محمد بن الحسن بن علي الطوسي ولد عام ٣٨٥ ه‍ انتقل من خراسان إلى بغداد ـ


الحوادث الطائفية التي بدأت منذ دخول طغرل بك السلجوقي (١) إلى بغداد عام ٤٤٧ ه‍ بين المسلمين الشيعة والسنة ، وقتل المئات من الطرفين ، مما اضطر الشيخ الطوسي على أثرها الانتقال من بغداد إلى النجف الأشرف عام ٤٤٩ ه‍ ، ونقل معه حوزته العلمية إلى النجف الأشرف ، وأسس جامعة علمية دينية فيها (٢).

ومن ذلك اليوم أصبحت مدينة الإمام علي عليه‌السلام ـ الذي قال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » مركزا لحوزة العلم الامامية ، ومقرا

__________________

سنة ٤٠٨ ه‍ وتلمّذ على الشيخ المفيد ومن بعد وفاته تلمّذ على السيد المرتضى ، وبعد وفاته عام ٤٣٦ ه‍ انتقلت إليه رئاسة الشيعة في بغداد ، وبعد الحوادث الطائفية التي حصلت في بغداد انتقل إلى النجف وأسس الحوزة العلمية فيها حتى وفاته عام ٤٦٠ ه‍. ترجمه الزركلي ـ الأعلام ٦ / ٨٤ ، والقمي ـ المصدر السابق ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥.

(١) السلطان محمد بن ميكائيل بن سلجوق الملقب ركن الدين ، طغرل بك ، أول ملوك الدولة السلجوقية ، كانوا قبل تملكهم يسكنون وراء النهر قريبا من بخارى ، وهم أتراك ، ولد طغرل عام ٣٨٥ ه‍ وله مع ولاة خراسان وقائع ، ردّ ملك بني العباس بعد أن خطب للمستنصر الفاطمي على منابر بغداد والعراق ، وأبعد القائم بأمر الله العباسي من الحكم فناشده القائم العباسي بانقاذ العراق ، واستنهضه إلى المسير لبغداد وعودتها لحكم العباسيين ، وكان حينذاك بنواحي خراسان ، فعجّل التوجه إلى بغداد فدخلها عام ٤٤٧ ه‍ وقوّض حكم البويهيين وولي العراق من قبل القائم بأمر العباسي وأرجع الخطبة إلى العباسيين ، فزوّجه القائم ابنته وزفّت إليه ببغداد ، توفّي عام ٤٥٥ ه‍ بالري. لزيادة الاطلاع راجع : ابن الجوزي ـ المنتظم ٨ / ٢٣١ طبع حيدرآباد دكن ، وابن تغرى بردي ـ النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة ٥ / ٥٦ ـ ٥٩ والقاهرة ، ٥ / ٧٣ طبع مصر ، وخير الدين الزركلي ـ الاعلام ٧ / ١٢٠.

(٢) انظر محمد بحر العلوم ـ الدراسة وتاريخها في النجف الأشرف ( بحث ) منشور ضمن موسوعة العتبات المقدسة ـ جعفر الخليلي / قسم النجف الجزء الثاني : ٧ ـ ١١٢ طبع بيروت ١٩٦٦ إصدار دار التعارف بغداد ( الطبعة الأولى ).


لمرجعيتهم الدينية. وتوجّهت أنظار المسلمين الشيعة إليها.

وبمرور الزمن أصبحت الجامعة النجفية من أبرز مراكز العلم وحوزاتها في العالم الإسلامي ، وتخرّج منها علماء كبار ومراجع عظام رجعت لهم الامة في تقليدها بصفتهم الدينية والعلمية ، وإذا كانت ظروف خاصة حكمت على الحوزة العلمية أن تنتقل إلى خارج النجف لسبب من الأسباب الاجتماعية أو الدينية أو الأمنية ، فان ذلك الانتقال لم يدم طويلا ، بل عادت الحوزة إلى مقرها الأساس لتجدد عهدا بصاحب العتبة المقدسة « الإمام علي عليه‌السلام » وتستقر إلى جواره ما أتاحت لها الظروف الممكنة في عهدها المشرق.

إن المركز الذي يمر عليه عدة قرون وهو حافل وناشط بحلقات العلوم الدينية المختلفة كالتفسير والحديث والفقه واصول الفقه ، والمنطق ، وعلوم العربية ، والبيان والبديع ، وغيرها من العلوم التي تقتضيها دراسة طالب العلم الحوزوي ، جدير أن يكون عالميا ، له شخوصه في عالم الاختصاص ، وهو بهذه الصفة يتوافد إليه طالب العلم ، والذين يرغبون بالانخراط بالصفة الحوزوية ، ويعودون إلى ديارهم يحملون من سمات حوزة الإمام علي عليه‌السلام ما يبشّر بالتوسع الفكري في العالم الإسلامي ، ويؤسسون معاهدا تحمل طابع جامعة النجف العلمية ، والتي عرفت في العالم بواقعها المعرفي ، والتاريخي ، والاجتماعي ، والأدبي قرابة ألف عام.

وقد تمر ظروف غير طبيعية على هذه الجامعة العلمية تعرقل مسيرتها التاريخية ، ولكن لا تؤثر على استمراريتها كمركز علمي ، وإن أثّرت على مسيرتها من حيث التواصل والالتحام في فترة محددة ، كما حدثت في عهد ما بعد الشيخ المؤسس الطوسي وأعلام أسرته الذين واكبوا المسيرة من


بعده ، وأبقوا للجامعة العلمية النجفية شخوصها حتى وإن انتقلت إلى الحلّة ـ على سبيل المثال ـ في عهد نضوجها العلمي أوائل القرن السابع الهجري ، وانتقال عدد كبير من أعلام الحلّيين ليكوّنوا حوزة علمية حلّية.

وتوضح بعض المصادر ما أشرنا إليه إذ تقول :

« ولكن بوادر النشاط العلمي ، أو التفتح الذهني للتفاعل مع آراء الشيخ ( الطوسي ) بدت بأجلي مظاهرها في أوائل القرن السابع الهجري ، وخاصة على مسرح التفكير الحلّي ، والذي عبّر عن اتساع كبير في الذهنية العلمية التي يتمتع بها الحلّيون في تلك الفترة ، ويمكن أن تكون طليعتها متجلية في عهد الشيخ ابن إدريس الحلّي (١) ، وتوالت الأسر الحلّية العلمية ترفد مركزها العلمي ، كآل البطريق ، وآل نما ، وآل سعيد ، وآل طاوس ، وآل المطهر ، وآل بنو الأعرج ، وآل القزويني ، وغيرهم من الأسر العلمية العريقة التي كوّنت الحركة العلمية فيها ، وبقيت إلى هذا اليوم تحتفظ بمكانة مميزة عن كثير من محافظات العراق (٢) ، وممن وطد مركزها العلمي بعد الشيخ ابن إدريس ، واشتهروا بالمرجعية الدينية للشيعة الإمامية ، نجم الدين أبو إبراهيم

__________________

(١) محمد بن أحمد بن إدريس الحلي المولود عام ٥٤٣ ه‍ عرّفته المصادر الرجالية : كان الشيخ فقيها اصوليا بحتا ، ومجتهدا صرفا ، وهو أول من فتح باب الطعن على آراء الشيخ الطوسي ، وقد أكثر الطعن عليه بعض العلماء لكونه خرج على آراء الشيخ ، حتى وصفه العلاّمة الحلي بـ « الشاب المترف » وأهم مؤلفاته « السرائر » توفّي عام ٥٩٨ ه‍ ، وناقش بعض الأعلام أنه صهر الشيخ الطوسي أو أحد أحفاده ، للزمن الفاصل بينهما. للاطلاع يراجع الشيخ يوسف البحراني ـ لؤلؤة البحرين : ٢٧٦ ـ ٢٨٠ وتعليقة السيد محمد صادق بحر العلوم في هامش لؤلؤة البحرين : ٢٧٧ هامش ٢٠.

(٢) للاطلاع على معلومات عن الأسر العلمية المشهورة وبعض شخصياتهم العلمية ، راجع كتاب ( تاريخ الحلة لمؤلفه الشيخ يوسف كركوش الحلي : القسم الثاني : ١٣ ـ ١٣٣ / طبع النجف الأشرف المطبعة الحيدريّة ١٣٨٥ ه‍ ).


محمد بن أبي الباقر هبة الله بن نعمة الحلي المتوفّى عام ٦٤٥ ه‍ ، ورضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاوس الحسيني المتوفّى عام ٦٩١ ه‍ ، والمحقّق الحلي جعفر بن الحسن بن يحيى ، المتوفّى عام ٦٧٦ ه‍ (١) ، والعلاّمة الحلي جمال الدين أبو منصور ، الحسن ابن يوسف بن مطهر الحلي المتوفّى عام ٧٢٦ ه‍ (٢) ، وأمثالهم كثيرون ممن حملوا راية العلم في الحلة ، وأسسوا لها مجدا شامخا (٣). ولعلنا نستفيد مدى أهمية جامعة الحلة الدينية حينها مما ذكرته بعض المصادر : بأن مجلس بحث المحقق الحلي في الحلة كان يضم أربعمائة مجتهد (٤).

__________________

(١) جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي الهذلي ، الملقب بـ « المحقّق الحلي » من أعلام فقهاء الإمامية ومشاهيرهم ، تقول بعض المصادر : كان يحضر مجلس درسه ما يقارب ٤٠٠ شخص من أهل الفضل في الحوزة العلمية في الحلة ، وبلغت الحركة العلمية في عصره شأوا عظيما ، ومن مصنفاته القيمة كتاب « شرائع الإسلام » وهو ما زال مرجعا للفقهاء والباحثين إلى هذا اليوم. راجع ترجمته : يوسف البحراني ـ المصدر المتقدم : ٢٢٧ ـ ٢٣٥ وهوامش الصفحات المشار إليها.

(٢) الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي ، أبو منصور ، المعروف بـ « العلاّمة الحلي » ولد بالحلة عام ٦٤٨ ه‍ وصفته المصادر : بأنه من الأعلام المشهورين ، برع في المعقول والمنقول ، مصنف كبير ، مؤلفاته تعدت الستين كتابا في الفقه والاصول ، وعلم الكلام والحديث والرجال ، وسائر علوم الشريعة ، توفّي في الحلة عام ٧٢٦ ه‍ ودفن في النجف إلى جوار الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. ترجمه يوسف البحراني ـ المصدر المتقدم : ٢١٠ ـ ٢٣٥ ، مع هوامش الصفحات المذكورة.

(٣) محمد بحر العلوم ـ الدراسة وتاريخها في النجف ( بحث ) ضمن موسوعة العتبات المقدسة ـ جعفر الخليلي / قسم النجف : ٢ / ٥٢ طبع بغداد دار التعارف بغداد ١٩٦٦ ـ ١٣٨٦ وراجع علي أحمد البهادلي ـ الحوزة العلمية في النجف : ٤٢٨ ـ ٤٣١ ملحق رقم (٥) يتضمن أسماء مراجع التقليد لدى الإمامية بعد الغيبة الكبرى / طبع بيروت دار الزهراء للطباعة والنشر ١٩٩٣ ( رسالة ماجستير ).

(٤) محمد صادق بحر العلوم ـ مقدمة رجال الطوسي : ١٩.


واستمرت هذه الحركة العلمية الحلّية يشار إليها قرابة ثلاثة قرون ، ثم عادت إلى النجف في أواخر القرن العاشر الهجري ، بعد أن زالت أغلب المعوّقات التي كانت تقف أمام طلاب العلم من الابتعاد عن حوزة الأمّ « النجفية » ، وإن كانت ثمة حركة علمية بقيت تواصل عملها الحوزوي ولم تجمد جذوتها العلمية فيها (١).

وأيضا انتقلت الحوزة من النجف إلى كربلاء بين عام ١١٥٠ ـ ١٢٠٨ ه‍ بسبب تمركز مدرسة الاستاذ الوحيد البهبهاني المتوفّى عام ١٢٠٨ ه‍ (٢) ، وباتت مدرسته الاصولية معروفة بالعمق والنضج الاصولي ، بالإضافة إلى تمركز الحركة الفقهية بشخصية علمية موسوعية هامة احتضنتها تلك الفترة ، تمثلت بالعلاّمة المحدث الشيخ يوسف البحراني (٣) صاحب الموسوعة الفقهية المعروفة بـ « الحدائق الناضرة » المتوفّى عام ١١٨٦ ه‍.

واستمرت الحوزة العلمية في كربلاء تنتهل من هذين المنبعين المهمين قرابة سبعين عاما ، واستطاعت أن « تفتح آفاقا جديدة في الكيان

__________________

(١) لزيادة الاطلاع على الأسباب والعوامل التي أدت إلى الانتقال يراجع بحر العلوم البحث المتقدم ٥٣ ـ ٥٦.

(٢) المولى محمد باقر بن محمد أكمل الاصبهاني البهبهاني ، المولود في اصفهان عام ١١١٨ ه‍ ودرس شوطه العلمي في بهبهان ، ثم انتقل إلى كربلاء واستفاد من أعلامها جولة علمية رشحته لتسنم زعامة الحركة العلمية فيها ، وباتت مدرسته الاصولية معروفة فيها حتى وفاته عام ١٢٠٨ ه‍. ترجمه الخونساري ـ روضات الجنات : ١٢٠ ـ ١٢٥ ( الطبعة الاولى ).

(٣) يوسف بن أحمد بن إبراهيم المنتهى نسبه إلى ابن عصفور البحراني ، ولد في قرية الدراز إحدى قرى البحرين عام ١١٠٧ ه‍ ، وبعد الدراسة الأولية هناك انتقل إلى كرمان ثم شيراز ، ثم إلى كربلاء ليقيم فيها مدرسا وعالما ومرجعا ، وأكمل فيها موسوعته الفقهية كتابه « الحدائق الناضرة » حتى توفّي عام ١١٨٧ ه‍. ترجمه الزركلي ـ الاعلام ٨ / ٢١٥.


العلمي الكربلائي ، كان له صدى حافل بالإكبار والتقدير » (١).

وعادت جامعة النجف إلى ميدانها العلمي كمركز شاخص للحركة العلمية على يد السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفّى عام ١٢١٢ ه‍ (٢) تلميذ الوحيد البهبهاني ليفتح فيها آفاقا جديدة لإدارة الجامعة العلمية النجفية ، لعلها هي الاولى من نوعها في حياة المرجعية بعد عصر الأئمّة عليهم‌السلام.

وتتجسد مسئولية المرجع الديني بصفته المركز الذي يرجع إليه الناس في امور دينهم ودنياهم ، ويتولى شئون المسلمين بأن ينظم أعمال المرجعية بما تنسجم وطبيعة الظروف ، وقد وفق السيد بحر العلوم لهذه المهمة الكبيرة حيث كانت من أولويات أعماله المرجعية تنظيم المناصب التي تخص الإنسان في حياته اليومية ، كالتقليد ، والفتوى ، والقضاء ، وحل الخصومات ، وإمامة الجماعة ، وغيرها من المسئوليات التي تخص مراجع

__________________

(١) محمد باقر الصدر ـ المعالم الجديدة : ٨٤ ـ ٨٥ الطبعة الاولى / النجف.

(٢) محمد مهدي بن مرتضى بن محمد بن عبد الكريم ، المنتهى نسبه إلى إبراهيم المعروف بـ « طباطبا » ابن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن عليه‌السلام ، المولود في كربلاء عام ١١٥٥ ه‍ ونشأ فيها ، وربّاه والده المرحوم السيد مرتضى ، حيث درس أوليات مقررات الحوزة فيها على أعلام من الحوزة ، ثم حضر درس خارج الاصول على والده ، وعند ما تقدم في المسيرة العلمية ، اختص بالشيخ الاستاذ الوحيد البهبهاني في بحث الاصول ، وفي الفقه بالشيخ يوسف البحراني ، وبقي فيها مفيدا ومستفيدا لعام ١١٦٩ ه‍ حيث انتقل إلى النجف ، وحضر بحوث أعلام عصره في الفلسفة والحكمة ، ثم مرجعا شاخصا حتى وفاته عام ١٢١٢ ه‍ ودفن في الساحة الخارجية لجامع الشيخ الطوسي في النجف الأشرف. انظر ترجمته مفصلا في مقدمة كتابه « الفوائد الرجالية » بقلم العلمين السيد محمد صادق والسيد حسين بحر العلوم ، الجزء الأول : ٨ ـ ١٢٦ / طبع النجف مطبعة الآداب ١٩٦٥.


التقليد ، وتقتضيها طبيعة العصر ، حيث رأى إسناد هذه المراكز الهامة إلى شخصيات مؤهلة لهذه المناصب بجدارة.

فقد ركز الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفّى عام ١٢٢٨ ه‍ (١) للتقليد والفتوى حتى أجاز لأهله وذويه الرجوع إلى الشيخ كاشف الغطاء (٢).

وقدّم الشيخ حسين نجف المتوفّى ١٢٥١ ه‍ (٣) للإمامة والمحراب ،

__________________

(١) جعفر بن خضر بن شلال الجناجي النجفي ، ( جناجة : إحدى قرى العذار في الحلة ) ، وقد لقب باسم كتابه الفقهي « كشف الغطاء ». ولد في النجف عام ١١٥٤ ه‍ ، فقيه مشهور من شيوخ الشيعة في عصره ، وزعيم اسرته المعروفة بالعلم والأدب والفضيلة في النجف. وآل كاشف من أقطاب الجامعة العلمية النجفية ، وكان الشيخ معاصرا للسيد بحر العلوم ، وأرجع له تقليد الامة في زمانه ، له مؤلفات عديدة من أبرزها كتابه « كشف الغطاء » وله مواقف مشهورة في مجابهة الوهابية ، كما له موقف مع رئيس الأخبارية الميرزا محمد أمين الأسترآبادي الأخباري ، توفّي بالنجف عام ١٢٢٨ ه‍ ودفن بها في مقبرتهم الخاصة. ترجمه محمد حرز الدين ـ معارف الرجال ١ / ١٥٠ ـ ١٥٧ ، والزركلي ـ الأعلام ٢ / ١٢٤ ، والقمي ـ المصدر المتقدم ٣ / ٨٧.

(٢) مقدمة رجال السيد بحر العلوم ١ / ٤١ ـ ٤٢ / طبعة النجف.

(٣) حسين بن الحاج نجف بن محمد النجفي المولود في النجف سنة ١١٤٩ ونشأ فيها ، من أعلام القرن الثالث عشر الهجري ، وقد وصفته المصادر : إن الشيخ حسين نجف كان مثلا في التقوى والصلاح وطهارة النفس ، حتى كان اعتقاد الناس جميعا فيه على نحو اعتقادهم في سلمان الفارسي رضوان الله عليه ، وأشارت بعض المصادر : إنه كان أخص الناس بالسيد محمد مهدي بحر العلوم ، حتى أنه كان وصيا من بعده ، كما كان إمام جماعة يصلي بمسجد الهندي في النجف بطلب من السيد بحر العلوم ، وعرّفته بعض المصادر : إنه شاعر ، وله ديوان شعر في مدح أهل البيت عليهم‌السلام « ومن الغريب ـ كما تنقل بعض المصادر ـ أنه كان يعجز عن النظم في غير أهل البيت ، وكانت قريحته لا تجود والقوافي لا تطيعه إذا رام النظم في غيرهم ، ولهذا لم يرث استاذه السيد مهدي بحر العلوم مع كونه خصيصه ووصيه » وله قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام تزيد على أربعمائة وخمسين بيتا ، ومطلعها :

أيا علة الإيجاد حاربك الفكر

وفي فهم معنى ذاتك التبس الأمر


فكان يقيم الجماعة في « جامع الهندي » ، ويؤمه المصلون على اختلاف طبقاتهم بإرشاد وتوجيه من السيد بحر العلوم.

كما خصص للقضاء وحلّ الخصومات الشيخ شريف محي الدين (١) « فكان يرشد إليه في ذلك علما منه بمهارته في القضاء ، بتثبته في الدين ، وسعة صدره لتلقي الدعاوي والمخاصمات ».

وتفرّغ هو لأعباء التدريس ، والزعامة الكبرى ، وإدارة شئون الخاصة والعامة.

إن هذا التقسيم من السيد بحر العلوم لإدارة شئون الجامعة النجفية دلل على وعي كبير للقيادة الدينية ، وأبرز عصره السيد بحر العلوم بطابع جماعي في تحمل المسئولية القيادية ، وعبّر عن نضج ووعي يختلف كل الاختلاف عن العمل الفردي الذي يسود المرجعية الدينية بما يرهقها بزخم المسئوليات الكبيرة والعديدة.

ولنا أن نسمي هذا العصر عصر النهضة العلمية ، لكثرة من نبغ فيه من

__________________

وقصيدة اخرى في مدح الإمام علي عليه‌السلام مطلعها :

لعلي مناقب لا تضاها

لا نبي ولا وصي حواها

وقصيدة اخرى في نفس الموضوع مطلعها :

بأكرم خلق الله رب الشريعة

بدأت بمدحي إذ به بدء فطرتي

توفّي في النجف عام ١٢٥١ ه‍ ، ودفن في إحدى غرف الصحن الحيدري. ترجمه الطهراني ـ الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ١ / ٤٣٢ ـ ٤٣٥ ، وحرز الدين ـ معارف الرجال ١ / ٢٥٨ ـ ٢٦٢ ، وكاظم عبد الأمير الفتلاوي ـ مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف : ١٢٤ / طبع قم ٢٠٠٦ ( الطبعة الاولى ).

(١) في حدود المصادر المتوفرة لدي لم أجد ترجمة للشيخ شريف محي الدين سوى ما جاء في مقدمة كتاب السيد بحر العلوم « الفوائد الرجالية » عنه. الجزء الأول / ٤١ النص الذي أشرنا إليه.


الفحول الكبار والعلماء ، وكثرة تهافت طلاب العلم على الجامعة العلمية.

ومن المؤسف أن هذا التوجه الإداري لم يقدّر له البقاء في الجامعة النجفية إلاّ في حدود حياة السيد بحر العلوم ، ومن بعد وفاته وانتقال المرجعية إلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفّى عام ١٢٢٨ ه‍ عادت الامور إلى الانفراد بمسئولية المرجعية ، وتحملها كل الالتزامات التابعة لشأن القيادة الدينية ، لأن الظروف لم تسمح باستمرار ذلك المنهج ، وانتقلت بعد الشيخ كاشف الغطاء إلى الشيخ محمد حسن النجفي « صاحب الجواهر » المتوفّى ١٢٦٦ ه‍ (١).

__________________

(١) محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم الشريف النجفي ، المولود في النجف بحدود عام ١٢٠٢ ه‍ ونشأ فيه ، ودرس في أوليات دروسه على علماء عصره ، وحضر في دروسه الخارجية على السيد محمد جواد العاملي ـ صاحب كتاب مفتاح الكرامة ـ ، والشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب ( كشف الغطاء ) ، وانتهت إليه زعامة الشيعة ورئاسة المذهب الإمامي في سائر الأقطار ، وثنيت له وسادة المرجعية العامة زمنا طويلا ، وصنف كتاب « جواهر الكلام » وهو موسوعة فقهية جمعت أبواب الفقه عرضا وتحليلا ، ومناقشة لآراء العلماء السابقين عليه. وبقيت هذه الموسوعة الفقهية مصدرا هاما في الفقه إلى يومنا هذا. توفّي عام ١٢٦٦ ه‍ ودفن في مقبرته الخاصة الملاصقة إلى مسجده في النجف. ترجمه الطهراني ـ الكرام البررة ٢ / ٣١٠ ـ ٣١٤ ، ومحبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٢٨ وحرز الدين ـ المصدر السابق ٢ / ١٣٧.


الفصل الثاني

الجامعة العلمية النجفية بعد عهد السيد بحر العلوم حتى السيد الاصفهاني

حفلت جامعة النجف الأشرف العلمية خلال القرن الثالث عشر الهجري بمركزية واسعة في الحركة الفكرية بحيث كوّنت وجودها العلمي في الميدان الفقهي والاصولي بعد فترة السيد بحر العلوم ( رضوان الله عليه ).

وكانت مظاهر هذا الدور بارزة جلية في هذين المجالين ، إلى جانب بقية العلوم المتعلقة بالمجال الحوزوي ، والتي دللت على أن النجف برعت في اختصاصها بالفقه والاصول ، إضافة إلى نهضتها الفكرية والمعرفية في الميادين الاخرى ، كالتفسير والفلسفة وعلم الحديث والأدب ، وخاصة في ميدان الشعر.

ولا شك أن شخصية رائد النهضة الفكرية الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفّى عام ١٢٨١ ه‍ (١) والذي احتضنته الحوزة العلمية زعيما لقيادة جامعتها ، بعد انتهاء دور مؤسس المرحلة الثالثة السيد محمد مهدي بحر

__________________

(١) مرتضى بن محمد بن أمين الأنصاري ، الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، ولد في مدينة دزفول سنة ١٢١٤ ه‍ ، كان مرجعا وإماما ، وانتهت إليه زعامة الحوزة العلمية في النجف ، ورجعت له الشيعة بالتقليد ، بعد أن اشتهرت مرجعيته ، حتى نقل عن العلاّمة الكبير الشيخ أحمد النراقي أنه قال في حقه « لقيت خمسين مجتهدا لم يكن أحدهم مثل الشيخ مرتضى الأنصاري ». ترجمه الشاهرودي ـ المصدر المتقدم : ١١٣.


العلوم المتوفّى ١٢١٢ ه‍ والشخصيات العلمية التي رفدت تلك الفترة ، كالشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والشيخ محمد حسن النجفي « صاحب الجواهر » وأمثالهما كان له كل الأثر في تنشيط حركة جامعة النجف العلمية ، واعتبار الشيخ الأنصاري رائدا لمرحلة مهمة من مراحل الدور الثالث الذي تمثل فيه الفكر العلمي منذ أكثر من مائة عام (١).

ولكن المواجهة الفكرية بين الاصوليين والأخباريين التي احتدمت في أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، وتفجّرت في عهد المرحوم الميرزا محمد أمين الأسترآبادي (٢) والمرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء فترة طويلة (٣) ، أدت إلى تطور علم الاصول تطورا هائلا في مدرسة الشيخ الأنصاري ( عطر الله مرقده ).

وقد أكسبت هذه المعركة ( علم الاصول ) قوة ومتانة واستحكاما يؤهله لمثل هذا التطور الهائل الذي حدث في مدرسة الشيخ الأنصاري رحمه‌الله (٤).

__________________

(١) الشهيد محمد الباقر الصدر ـ المصدر السابق ٨٨ ـ ٨٩.

(٢) الميرزا محمد أمين الأسترآبادي مفجّر الحركة الأخبارية ، قال عنه الشيخ يوسف البحراني المتوفّى عام ١١٨٦ ه‍ : « كان أخباريا صلبا ، وهو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين ، وتقسيم الشيعة إلى أخباري ومجتهد ، وأكثر في كتابه « الفوائد المدنية » ( المطبوع بايران سنة ١٣٢١ ) من التشنيع على المجتهدين ، بل ربما نسبهم على تخريب الدين ، وما أحسن وما أجاد ، ولا وافق الصواب والسداد ، لما ترتب على ذلك من عظيم الفساد » راجع يوسف البحراني ـ لؤلؤة البحرين : ١١٨ تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم / طبع مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر قم / مطبعة مهر الطبعة الثانية.

(٣) ولمزيد من الاطلاع على الحركة الأخبارية والاصولية يراجع كتاب محمد بحر العلوم ـ الاجتهاد اصوله واحكامه : ١٦٨ ـ ١٨٣ طبع بيروت دار الزهراء للطباعة والنشر ١٩٩١ ( الطبعة الثالثة ).

(٤) لمزيد من الاطلاع على هذا التطور الاصولي يراجع بحث « الشيخ محمد مهدي


بعد وفاة رائد الجامعة العلمية النجفية الشيخ الأنصاري عام ١٢٨١ ه‍ أسند منصب زعامة المرجعية الدينية لجامعة النجف الأشرف للسيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ، وعرف بـ « المجدد الشيرازي » (١) ، وأنه تم ذلك بانتخاب من تلامذة الشيخ الأنصاري ، الذين تدارسوا أمر المرجعية العامة بعد الشيخ الأنصاري قدس‌سره ، وترشيح من هو مؤهل لها ، فاتفقت كلمتهم على ترشيح السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي (٢).

والظاهر أن السيد الشيرازي قدس‌سره تمتع بقابلية جيدة من الذكاء والفطنة ، فقد تقبّل العلوم المقررة للحوزة في مقتبل عمره بصورة أهّلته

__________________

الآصفي » تطور علم اصول الفقه في مدرسة النجف الحديثة على يد الشيخ الأنصاري وتلاميذ مدرسته ، مطبوع ضمن موسوعة النجف الأشرف ـ جعفر الدجيلي : ٧ / ٣٠٧ ـ ٣٦٥ إصدار دار الأضواء للطباعة والنشر ١٩٩٧.

(١) السيد محمد حسن بن الميرزا محمود بن الميرزا إسماعيل بن مير فتح الله بن عائد لطف الله بن مير محمد مؤمن الحسيني الشيرازي ، المعروف بـ « المجدد الشيرازي » المولود في شيراز عام ١٢٣٠ ه‍ ونشأ فيها ، وهاجر إلى أصفهان ، وأكمل مقدمات العلوم الحوزوية بها ، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف وحضر على حلقات بحوث علماء وقته ، واختص بالشيخ مرتضى الأنصاري حتى وفاته عام ١٢٨١ ه‍ فرجع المقلدون إليه بالتقليد ، واتسعت مرجعيته ، وانتقل إلى سامراء لغرض التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وتخرّج على يده جمع من الأعلام ، توفّي في سامراء عام ١٣١٢ ، ونقل إلى النجف محمولا على الرءوس ، ودفن في مقبرته الشهيرة بجوار باب الطوسي للصحن الحيدري. راجع ترجمته : حرز الدين ـ المصدر المتقدم : ٢ / ٢٢٣ ـ ٢٣٨. ولزيادة الاطلاع على هذا الموضوع يراجع محمد بحر العلوم ـ الإمام المجدد الشيرازي ( بحث ) مقدمة لكتاب تقريرات آية الله المجدد الشيرازي : ١ / ١٩ طبع قم مطبعة مهر ١٤٠٩ تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ـ قم المشرفة ١٤٠٩.

(٢) الشيخ آغا بزرگ الطهراني ـ نقباء البشر في القرن الرابع عشر ( طبقات أعلام الشيعة ) : ١ / ٤٣٦ طبع في خراسان إيران ، مطبعة سعيد سنة ١٤٠٤ ( الطبعة الثانية علّق عليها المرحوم المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي ).


لدراسة كتاب « شرح اللمعة الدمشقية » لمؤلفه الشهيد الثاني (١) وهو في حداثة عمره ، وهذا الكتاب فقهي استدلالي علمي يعتبر من أهم مصادرنا الفقهية ، وقد درسه السيد الشيرازي وهو في الخامسة عشر من عمره. كما ذكر أنه حصلت له إجازة الاجتهاد من الشيخ صاحب الجواهر وهو في سن مبكرة (٢).

وأضاف الشيخ الطهراني : كان شيخ الطائفة المرتضى الأنصاري يعظّمه بمحضر طلابه ، وينوّه بفضله ، ويعلي سموّ مرتبته في العلم ، وقد أشار إلى اجتهاده غير مرة ، فقد سمعت جمعا من أشياخنا الأعاظم أن الشيخ قال مرارا : بأني اباحث لثلاثة : الميرزا حسن الشيرازي ، والميرزا حبيب الله الرشتي ، والآغا حسن الطهراني (٣).

وقد تمتعت مرجعية السيد الشيرازي بمميزات عديدة ومهمة وجديرة بالاقتداء في بعض خصائصها من قبل المرجعية العامة (٤) ، فقد مثلت تطورا

__________________

(١) زين الدين بن نور الدين ، علي بن أحمد بن محمد العاملي الجبعي ، المعروف بـ « الشهيد الثاني » المقتول عام ٩٦٦ ه‍.

(٢) الطهراني ـ المصدر السابق : ١ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ، هامش : ١.

(٣) الطهراني ـ المصدر المتقدم : ١ / ٤٣٨.

(٤) تميزت مرجعية السيد المجدد الشيرازي بجوانب بالغة الأهمية نوجزها بالآتي :

أوّلا : انتقال مركز المرجعية الشيعية إلى سامراء :

للسيد الشيرازي نظرة شمولية للعراقيين لوحدتهم وتماسكهم ، في سبيلها خطى خطوته الرائعة من أجل الوحدة العراقية ، وخاصة بين الشيعة والسنة ، حيث قرر نقل المرجعية الدينية من مركزها في النجف الأشرف إلى سامراء التي تحتضن مرقد الإمامين : العاشر علي الهادي ، والحادي عشر الحسن العسكري ـ عليهما‌السلام ـ أئمة الهدى من آل بيت المصطفى عليهم‌السلام ، وتقع هذه المدينة شمالي بغداد على بعد ١٣٠ كيلومتر ، على الضفة اليسرى من نهر دجلة سابقا ، أسسها المعتصم بن هارون


__________________

الرشيد العباسي سنة ٢٢١ ه‍ ، واتخذها بعض الخلفاء العباسيين عاصمة لملكهم ، وهجروا بغداد.

وتسكن سامراء عشائر عراقية من المسلمين السنّة ، وبحكم تردد الكثير من المسلمين الشيعة وزوار العتبات المقدسة من داخل العراق وخارجه لهذه المدينة لغرض تجديد عهدهم بإمامين من أئمتهم الميامين عليهم‌السلام ، فقد فكّر الإمام السيد ميرزا حسن الشيرازي بتقوية أواصر وحدة المسلمين العراقيين أولا ، وترسيخ الاخوة بين الوافدين من الأقطار الإسلامية وسكان المدينة ثانيا ، لذا قرر نقل مركزه المرجعي من النجف إلى سامراء ، وإذا انتقل المرجع إلى سامراء فسوف يتبعه المسلمون الشيعة وخاصة الذين يقصدون زعيمهم الديني تعضيدا للوحدة الإسلامية بين المسلمين ، ولما في ذلك من مصلحة للامة ، وفعلا حقق ما أراد عام ١٢٩١ ه‍ وانتقل معه جمع غفير من أعلام وطلاب الحوزة العلمية النجفية ، وتبعهم وجوه شيعة الفرات والجنوب ، وجمع من الشيعة ، وأصبحت سامراء مركز المرجعية الدينية الإمامية فيها حتى وفاة السيد الشيرازي ١٣١٢ ه‍.

ثانيا : اعتداده برأي الآخرين من أهل الحل والعقد :

قد يكون الكثير من مراجع الدين يستعينون برأي الآخرين ممن يصطفونهم لهم كمستشارين ، والسيد الشيرازي بالرغم مما عرف عنه من حصافة الرأي وبعد النظر والتفكير برويّة في الامور العامة التي تتعلق بالبلاد سياسية كانت أو اجتماعية ، فانه كان يدعو أهل الرأي والمشورة من وجوه تلاميذه وغيرهم ، ويعرض عليهم القضية التي من أجلها دعاهم ، وبعد أن يجمع آراءهم ويناقشها يبتّ فيما يقتضي ذلك الأمر.

ويصف الراوي ذلك حين يتحدث فيقول : « وكان زمام اموره الداخلية والخارجية بيده عدا الوقائع العرفية العامة والسياسية ، فانه يعقد لها مجلسا يحضره وجوه تلامذته الأعلام وأهل التدبر ».

ثالثا : فتوى تحريم التنباك :

توسعت مرجعية السيد الشيرازي في ذلك العهد إلى درجة أنها استقطبت المناطق الشيعية في العالم الإسلامي والعربي ، ورجعت إليه بالتقليد ، وقد توضحت بصورة جلية في فتوى السيد بتحريم « التنباك » وقضية « التنباك » يمكن إيجازها بالآتي :


__________________

تحدثنا المصادر : أن الحكومة الإيرانية القاجارية عقدت اتفاقية مع شركة إنكليزية باحتكار ( التبغ الإيراني ) خمسين عاما ، بدءا من سنة ١٨٩٠ م ، وهذا الامتياز للشركة الأجنبية رأى الشعب الإيراني فيه أنه مؤثر سلبيا على الحركة التجارية الداخلية والسوق المحلية ، فطالب الإيرانيون الشاه بعدم عقد هذه الاتفاقية للضرر الكبير الذي يصيب البلاد ، فلم يستجب الشاه لذلك ، وأصر على إبرامها ، وعلى أثر عدم أخذ الشاه بمصلحة الشعب اندلعت انتفاضة شعبية بقيادة علماء الدين الايرانيين ، وطلبوا من المرجع الديني في سامراء السيد الشيرازي أن يتدخل في الأمر ، ولم ينفع تدخله مع الشاه فقرر السيد أن يصدر فتواه الشهيرة بتحريم التنباك ، ونصّها :

بسم الله الرحمن الرحيم

« استعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو ، ومن استعمله كمن حارب الإمام عجل الله فرجه » محمد حسن الحسيني الشيرازي.

وكانت هذه الفتوى بمثابة القنبلة التي فجّرت الواقع الديني لدى المسلمين الايرانيين ، وامتنع الأهالي من استعمال تدخين التنباك ، وسرى الإضراب عن التدخين إلى قصر الشاه وعائلته حيث امتنعوا عنه بتاتا ، كما نقل أن زوجة الشاه امتنعت عن التدخين ، وأمرت بتكسير آلات التدخين الموجودة في القصر ، وعلم الشاه بذاك ، وتيقن أن « سلطان الدين أقوى من كل سلطان » فألغى الشاه الاتفاقية وخضع لأمر الدين.

رابعا : بحثه الفقهي مبنيا على حاجة الجماهير :

من إبداعات السيد الشيرازي في درسه الفقهي أنه كان يطلع على الرسائل الواردة له ولطلابه والتي تتضمن الاستفتاء عن المسائل الشرعية ، فكان يختار المهم منها ويعنونها لدرسه اليومي ، ويعتقد أنها أكثر أهمية لحاجة الناس إلى جانب درسه التقليدي ، وهذه نظرة إبداعية هامة تعالج الكثير من القضايا التي تتناول حل المشاكل التي يصطدم بها المقلدون ، هذا بالإضافة إلى المواضيع الرئيسية من أبواب الفقه ، والتي كانت مدار بحثه اليومي. وتحدثنا بعض المصادر في هذا الصدد فتقول :

وكان مجلس بحثه مزدحما بالعلماء والمدرسين ، وتأتيه الاستفتاءات من سائر الأقطار الإسلامية ، ويحرر المسائل المهمة منها ، ويجعلها عنوانا يدرس به


هاما بالنسبة للمرجعية الامامية حينذاك ، وكانت نقلة تاريخية في مسيرة المرجعية الامامية (١).

وبعده عاد مركز المرجعية إلى النجف بعد هذه الهجرة التي دامت قرابة ربع قرن بعد وفاة المرحوم الشيرازي.

والملفت أن حوزة الشيخ الأنصاري ومن بعده السيد الشيرازي حفلت بجهابذة العلم وفطاحله ، وكانوا أركان المرجعية بعد الشيرازي ، وممن برزوا في الميدان الفقهي والاصولي في الجامعة النجفية لفترة ما بين عام ١٣١٣ ه‍ إلى ١٣٥٠ ه‍ السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي المتوفّى عام ١٣٣٧ ه‍ (٢) كان متبحرا في الفقه ، والشيخ ملا كاظم الخراساني المتوفّى عام ١٣٢٩

__________________

تلامذته ، وكان ينصت لكل تلميذ له قابلية النقاش في الدرس ، ليستفيد بآرائهم حتى يصفو له الوجه في المسألة : لزيادة الاطلاع يراجع حرز الدين ـ معارف الرجال ٢ / ١٣٤ و ٢٣٥ طبع قم مطبعة الولاية ١٤٠٥ ، ود. علي الوردي ـ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ٣ / ٩٣ طبع أوفسيت ـ طهران ، ومحمد بحر العلوم ـ مقدمة كتاب تقريرات آية الله المجدد الشيرازي : ١ / ٣٨ ـ ٤٠ / طبع مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث قم ١٤٠٩ ه‍.

(١) لزيادة الاطلاع على مسيرة الإمام المجدد الشيرازي يراجع د. محمد بحر العلوم ـ مقدمة كتاب تقريرات آية الله المجدد الشيرازي : ١ / ٧ ـ ٨١.

(٢) السيد محمد كاظم بن عبد العظيم النجفي الطباطبائي اليزدي ، ولد عام ١٢٤٧ ه‍ في قرية قرب مدينة يزد في ايران ، باشر أوليات دروسه الحوزوية في مدينة يزد ، ثم قرأ قسطا من الدروس في اصفهان ، وفي عام ١٢٨١ هاجر إلى النجف ودرس على أساتذة معروفين في الحوزة ، ثم عرف بمكانته العلمية واشتهرت مرجعيته ، وألف كتابه الفقهي « العروة الوثقى » الذي أصبح مصدرا فقهيا مهما ، شرح من قبل بعض أعلام المراجع ، ومن تلك الشروح « مستمسك العروة الوثقى » للإمام الراحل السيد محسن الحكيم في ١٤ مجلدا. توفي السيد الطباطبائي اليزدي عام ١٣٣٧ ه‍ ودفن في الصحن الحيدري. ترجمه نور الدين الشاهرودي ـ المصدر المتقدم : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، والفتلاوي ـ المصدر المتقدم : ٣٣٣.


هـ (١) ، الذي فتح آفاقا جديدة لعلم الاصول ، وقدّر لهما ولمن خلفهما أن يقدّموا فكرا اصوليا معمقا فيه من البحوث القيمة التي قدمتها المدرسة الاصولية الحديثة في تاريخ الجامعة العلمية النجفية ما يعتبر فتحا جديدا في الميدان الاصولي ، وكان لفرسان هذا العصر الريادة فيه ، كالميرزا محمد حسين النائيني المتوفّى عام ١٣٥٥ ه‍ (٢) ، والشيخ محمد حسين الاصفهاني ( الكمپاني ) المتوفّى عام ١٣٦١ ه‍ (٣) ، والشيخ آغا ضياء العراقي المتوفّى

__________________

(١) ملا محمد كاظم بن ملا حسين الهروي الخراساني النجفي ، المعروف بالشيخ الآخوند المولود في طوس عام ١٢٥٥ ه‍ ، ونشأ فيها وقرأ مقدمات دروسه العلمية في خراسان ، حتى إذا أكملها هاجر إلى النجف عام ١٢٧٩ ، وله من العمر أربعة وعشرون عاما ، وحضر لدى أعلام الحوزة ، بعد ذلك استقل بتدريس الفقه والاصول ، وتخصص بعلم الاصول ، ووضع كتابا أسماه « كفاية الاصول » الذي أصبح من بعده مرجعا لطلاب العلم يدرس في الحوزات إلى هذا اليوم ، وشرحه علماء وفضلاء من أعلام الحوزة العلمية في الحوزات الدينية ، توفّي عام ١٣٢٩ ه‍. ترجمه حرز الدين ـ المصدر السابق ٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٥.

(٢) الشيخ الميرزا محمد حسين بن الشيخ عبد الرحيم النائيني ، من المراجع المحققين ، ولد في بلد نائين بحدود عام ١٢٧٣ ه‍ ودرس أوليات العلوم الحوزوية في بلده وأصفهان ، وهاجر إلى العراق عام ١٣٠٢ والتحق بالسيد المجدد ميرزا حسن الشيرازي في سامراء وبقي ملازما درسه إلى أن توفّي سنة ١٣١٢ ه‍ وفي عام ١٣١٤ هاجر إلى مدينة كربلاء ، وبقي فيها سنين عديدة يفيد ويستفيد في حوزتها العلمية ، ثم انتقل إلى النجف الأشرف وكان حينذاك زعيمها الروحي الشيخ محمد كاظم الخراساني يحتل المنزلة الاولى في المرجعية الدينية ، وتوثقت العلاقة بين العلمين خاصة في المباحثات العلمية حتى وفاة المرحوم الخراساني عام ١٣٢٩ ه‍ فاستقل بزعامة الاستاذية في النجف الأشرف حتى وفاته عام ١٣٥٥ ه‍. ترجمه الشاهرودي ـ المصدر المتقدم ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٣) محمد حسين بن الحاج معين التجار الاصفهاني الشهير بـ الكمپاني ، المولود عام ١٢٩٦ ه‍ ، كان عالما محققا فيلسوفا ماهرا في علمي الكلام والحكمة ، كما كان


عام ١٣٦١ ه‍ (١) والسيد أبو الحسن الاصفهاني المتوفّى عام ١٣٦٥ ه‍ (٢) والشيخ محمد كاظم الشيرازي المتوفّى عام ١٣٦٧ ه‍ (٣) وغيرهم من

__________________

شاعرا ، وله منظومة شعرية في أهل البيت عليهم‌السلام ، وله اطلاع واسع في الشعر العربي والفارسي ، وله عدة مؤلفات في الفلسفة واصول الفقه والعرفان ، وديوان شعر في العرفان والحكمة ، وديوان شعر فارسي ، توفّي في النجف عام ١٣٦١ ه‍. ترجمه حرز الدين ـ المصدر المتقدم ٢ / ٢٦٣ ـ ٢٦٧.

(١) آغا ضياء الدين علي بن المولى محمد العراقي النجفى ، ولد في « سلطان آباد العراق » في ايران ، ودرس فيها أوليات دروس الحوزة العلمية ، وهاجر منها إلى النجف فحضر حلقات درس صفوة من أعلام مدرسي الحوزة العلمية النجفية حينذاك ، وبعد وفاة استاذه المرحوم الشيخ محمد كاظم الخراساني تفرّغ للتدريس ، وعرف بالتحقيق والتدقيق الفقهي والاصولي ، واختص بصفوة من أعلام النجف الذين احتضنوا المرجعية الدينية من بعده حتى عام وفاته ١٣٦١ ه‍ في النجف الأشرف. ترجمه الشاهرودي ـ المصدر المتقدم : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) أبو الحسن بن محمد بن عبد الحميد الموسوي الاصفهاني ، المولود في قرية من قرى أصفهان سنة ١٢٨٤ ه‍ ، أكمل دراساته الأولية في مسقط رأسه اصفهان على بعض أهل العلم ، وهاجر بعد ذلك إلى النجف في أوائل العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري ، والتحق بحلقة درس الشيخ محمد كاظم الخراساني فقها واصولا ، وبعد وفاته استقل بالتدريس والتصدي للفتوى ، وبعد وفاة المرجع الديني ميرزا محمد تقي الشيرازي وخلفه المرجع الديني شيخ الشريعة الاصفهاني عام ١٣٣٩ شارك الميرزا محمد حسين النائيني بالزعامة الدينية ، واستقل بها بعد وفاة الميرزا النائيني عام ١٣٥٥ ه‍ إلى حين وفاته عام ١٣٦٥ ه‍ حيث فجع العالم الإسلامي بوفاته. راجع ترجمة الشاهرودي آل علي ـ المصدر المتقدم : ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٣) محمد كاظم بن الحاج حيدر الشيرازي النجفي ، من فقهاء الحوزة العلمية ، تلمّذ على الميرزا محمد تقي الشيرازي ، وبقي ملازما له في مدينة سامراء ، وحين انتقل إلى كربلاء انتقل معه ، وبعد وفاة الميرزا محمد تقي عام ١٣٣٨ انتقل إلى النجف ، بدأ بالتدريس في الفقه والاصول ، وبعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني رجع الكثير إليه بالتقليد ، وله مؤلفات عديدة في الفقه والاصول ، توفّي عام ١٣٦٧ ه‍ بالنجف ودفن في إحدى حجرات الصحن الحيدري ، وطبعت بعض مؤلفاته بعد


العلماء الأعلام الذين أثروا الجامعة العلمية النجفية ببحوثهم وحلقات دروسهم سواء في الميدان الفقهي أو الاصولي ، وحققوا بحق قفزة علمية في عهدهم.

إن هذه النخبة من الأعلام المجتهدين ، ومراجع التقليد العظام لأقطاب الحوزة العلمية ممن أشرنا إلى ذكرهم أو لم نشر ـ خشية التطويل ـ هم في الواقع أركان الحوزة العلمية في جامعة النجف الأشرف للفترة التي حفلت بجيل القرن الثالث عشر الهجري ، والذي لشيخنا آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي المتوفّى عام ١٣٩٤ ه‍ رحمه‌الله دور فيه ، وسيكون محور حديث الفصل التالي عنه بأذن الله.

__________________

وفاته. ترجمه الشاهرودي ـ المصدر المتقدم : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ٣٣١.


الباب الثاني

شيخنا الحلي وجود شاخص في الجامعة العلمية الدينية النجفية


الفصل الأول

عصر شيخنا الحلي وموقعه فيه

أ ـ مراجع عصره

بعد وفاة المرجع الديني السيد أبو الحسن الاصفهاني في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي الهجري كانت المرجعية العلمية الامامية قد توزعت بين نخبة من أعلام الجامعة العلمية النجفية وبعض المراجع الذين كانت دراستهم الأساسية في النجف وعادوا إلى ايران ، وأبرزهم فيها : آية الله العظمى السيد آقا حسين بن السيد علي الطباطبائي البروجردي المتوفّى عام ١٣٨٠ ه‍ (١).

__________________

(١) آغا حسين بن السيد علي الطباطبائي المنتهى نسبه إلى إبراهيم المعروف بـ ( طباطبا ) الذي ينتهي إلى الإمام الحسن عليه‌السلام ، المولود في بروجرد ـ إيران عام ١٢٩٢ ه‍ ، ونشأ في مسقط رأسه وأنهى دروسه الأولية فيها ، ثم رحل عام ١٣١٠ ه‍ إلى أصفهان حيث واصل دروسه في الفقه والاصول إلى جانب علوم الفلسفة والرياضيات ، وفي عام ١٣١٩ ه‍ سافر إلى النجف ليحضر بحث الملا محمد كاظم الخراساني ، وداوم بالحضور في حلقة درسه فترة تصل إلى عشر سنوات ، كما حضر درس الفقه على شيخ الشريعة الاصفهاني ، وفي أواخر عام ١٣٢٨ عاد إلى بروجرد يؤدي رسالته الدينية فيها ، وفي سنة ١٣٦٤ ه‍ انتقل إلى قم المقدسة ، وكان فيها أحد مراجع الدين ، وبمرور الزمن ثنيت له وسادة المرجعية الدينية حتى وفاته عام ١٣٨٠ ه‍ ، ودفن فيها. ترجمه آل علي ـ المصدر السابق : ١٤٩ ـ ١٥٠.


وفي الوقت نفسه كانت جامعة النجف تزخر بأعلام عظام لهم مكانتهم العلمية فيها ، كما كانوا مراجع تقليد يشار إليهم عند ذكر مراجع التقليد في النجف ـ باستثناء آية الله العظمى السيد الحاج آقا حسين بن السيد محمود القمي ١٣٦٦ ه‍ في كربلاء (١) ـ وسنشير إلى أسماء المبرّزين منهم حسب سني وفياتهم ـ كالشيخ محمد رضا آل ياسين المتوفّى عام ١٣٧٠ ه‍ (٢) ،

__________________

(١) آغا حسين بن السيد محمود القمي ، المولود في عام ١٢٨٢ ه‍ ونشأ وتلقى علومه الدينية الأولية فيها ، وهاجر إلى النجف ، وحضر بحث الشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي وغيرهما من أساطين البحث العلمي في النجف ، ثم انتقل إلى سامراء وحضر بحث المجدد الشيرازي الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي ، وبعد وفاته سنة ١٣١٢ ه‍ حضر بحث خلفه الميرزا محمد تقي الشيرازي لفترة تسع سنوات ، وعد من أركان بحثه ، وبعده حضر بحث الميرزا النائيني حين كان يدرس في سامراء ، وعند انتقاله إلى النجف انتقل معه إلى النجف وواصل بحثه معه حتى وفاته ، وانتقل بعد ذلك إلى مشهد الرضا عليه‌السلام في خراسان ، وكان ذلك في عهد الشاه رضا ، وأخذ يدرس هناك ، وساءت علاقته مع الشاه فنفاه إلى العراق ، فسكن كربلاء ، وتصدى للمرجعية فيها حتى وفاته عام ١٣٦٦ ه‍ حيث نقل إلى النجف ودفن في إحدى مقابر الصحن الحيدري. ترجمه الشاهرودي ـ المصدر السابق : ١٤٤ ـ ١٤٧.

(٢) محمد رضا بن الشيخ عبد الحسين بن باقر بن الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي ، المولود سنة ١٢٩٧ ه‍ ونشأ على أبيه الجليل نشأة عالية ثم حضر في الفقه والاصول على علماء أعلام ، ورجع له المؤمنون بالتقليد والزعامة بعد السيد أبو الحسن الأصفهاني ، وحضر نخبة من أعلام الفضل بحثه الفقهي ، توفّي في الكوفة سنة ١٣٧٠ ه‍ وحمل على الرءوس إلى النجف حيث دفن في مقبرتهم الخاصة في محلة العمارة ، ثمّ نقل إلى وادي السلام بعد فتح الشوارع الحديثة في المحلة نفسها حول الصحن الحيدري فشملت مقبرته. ترجمه الطهراني ـ نقباء البشر ١ / ٧٥٧ ـ ٧٥٨ ، والزركلي ـ الأعلام ٦ / ١٢٧ ، ومحمد هادي الأميني ـ رجال الفكر : ٤٧١ وكوركيس عواد ـ معجم المؤلفين العراقيين ٣ / ١٦٣ طبع بغداد.


والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المتوفّى عام ١٣٧٣ ه‍ (١) ، والسيد عبد الهادي الشيرازي المتوفّى عام ١٣٨٢ ه‍ (٢) ، والسيد محسن الحكيم المتوفّى عام ١٣٩٠ ه‍ (٣) والسيد محمود الشاهرودي المتوفّى عام ١٣٩٤

__________________

(١) محمد حسين بن الشيخ علي بن محمد بن رضا بن موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المولود في النجف عام ١٢٩٤ ه‍ ونشأ فيها ودرس سطوح العلوم الحوزوية مبكرا ، وأكملها وهو شاب فاختص ببحث الشيخ محمد كاظم الخراساني ، وحضرها ست دورات ، كما حضر بحث السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي ، وبحث الشيخ آغا رضا الهمداني ، وكان محترما عند أساتذته لغزارة فضله ، وكذلك درس الفلسفة والكلام لدى أساتذة مشهورين في المدرسة العلمية في النجف الأشرف ، وألف عدة كتب في الفقه والاصول ، والدعوة الإسلامية والدين والإسلام ، وحضر مؤتمرات عالمية وإسلامية في القدس وباكستان وإيران ، والتقى بشخصيات علمية وسياسية وثقافية عربية وإسلامية كبيرة ، وملوك بعض الدول. وسافر إلى كرند ـ إيران ـ للراحة والاستجمام. وتوفي فيها عام ١٣٧٣ ه‍ ، ونقل إلى النجف ودفن في مقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام. انظر ترجمته : الطهراني ـ نقباء البشر ٢ / ٦١٢ ـ ٦١٩ وحرز الدين ـ المصدر السابق ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٦.

(٢) الميرزا عبد الهادي بن الميرزا إسماعيل بن رضي الدين بن الميرزا إسماعيل الحسيني الشيرازي ، المولود في سامراء سنة ١٣٠٥ ه‍ ، ونشأ برعاية السيد ميرزا حسن المجدد الشيرازي ، وولد السيد المجدد الميرزا علي الشيرازي ، وبعد أن أكمل دراسة السطوح بدقة واهتمام انتقل إلى النجف سنة ١٣٢٦ ه‍ والتحق بحلقة الشيخ محمد كاظم الخراساني ، وبحث شيخ الشريعة في الفقه والاصول ، وقلده الناس بعد وفاة السيد البروجردي الطباطبائي عام ١٣٨٠ ه‍ ، والتف حول درسه نخبة من أهل العلم والفضل في النجف. وقد وافته المنية عام ١٣٨٢ ه‍. ترجمه الطهراني ـ نقباء البشر ٣ / ١٢٥٠ ـ ١٢٥٥.

(٣) محسن بن مهدي بن صالح المنتهى نسبه إلى إبراهيم الطباطبا بن إسماعيل الغمر بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن عليه‌السلام ، المولود في النجف عام ١٣٠٦ ه‍ المعروف بـ ( محسن الطباطبائي الحكيم ) وبعد أن أكمل دراسته الأولية درس مراحلها العالية في بحث الشيخ محمد كاظم الخراساني ، والشيخ آغا ضياء العراقي ، والميرزا حسين النائيني. وكانت مرجعيته واسعة الآفاق في العالم الإسلامي ، مرت في أحرج


هـ (١) والسيد أبو القاسم بن السيد علي أكبر الخوئي المتوفّى عام ١٤١٣ ه‍ (٢) ، وهؤلاء كلهم تسلّموا مقاليد المرجعية العامة بمدد متفاوتة بعد السيد أبو الحسن الاصفهاني ، ولكن السيد محسن الحكيم ثنيت له المرجعية

__________________

الظروف التي خيمت على العالمين الإسلامي والعربي خاصة ، توفّي عام ١٣٩٠ ه‍.

انظر ترجمته في كتاب « الإمام الحكيم » بقلم ولده الشهيد السيد محمد باقر الحكيم / منشورات دار الحكمة طهران.

(١) محمود بن السيد علي الحسيني الشاهرودي ، المولود ١٣٠١ ه‍ في احدى القرى التابعة لشاهرود ، حين أكمل مقدمات الدروس الحوزوية توجه إلى النجف ، والتحق بدرس الشيخ محمد كاظم الخراساني وله من العمر ٢٨ سنة ، كما التحق بدرس الميرزا النائيني ، وبعد وفاة طبقة الميرزا النائيني رجعت إليه الامة في التقليد في حياة مرجعية الإمام الراحل السيد محسن الحكيم ، وعرفته المصادر بالورع والزهد ، وكانت له حلقة درس في الجامع الهندي ، وله تقريرات استاذه الميرزا النائيني في بعض أبواب الفقه ، توفّي عام ١٣٩٤ ه‍. ترجمه آل علي ـ المصدر المتقدم : ١٥٥.

(٢) أبو القاسم بن السيد علي أكبر بن المير هاشم الموسوي الخوئي ، المولود في مدينة خوي عام ١٣١٧ ه‍ ، ونشأ على والده في دروسه الأولية ، وفي حدود ١٣٣٠ هاجر إلى النجف ، وحضر على بحوث أساتذة العصر : الميرزا النائيني ، وآغا ضياء العراقي ، والكمپاني الشيخ محمد حسين ، وكتب تقريراتهم في الفقه والاصول ، وطبع معظمها ، واستقل بالتدريس ، فكانت حوزته في الفقه والاصول من أكبر حوزات العصر الدراسية ، والكثير ممن تلمذ عليه أصبح من مراجع التقليد ، وقد توسعت ساحة مقلّديه بعد رحيل الإمام السيد محسن الحكيم ، وخطى خطوة هامة إذا أمر بفتح المؤسسات في العالم كلندن ونيويورك وكندا وباكستان والهند ولبنان وغيرها في بعض الدول.

عاش في الفترة القاسية من عهد صدام ، ولم يخضع للنظام رغم الضغوط عليه ، توفّي عام ١٤١٣ ه‍ ، وضيّق النظام الحاكم المباد على الجماهير بالاحتفال بتشييع جثمانه في النجف ، منع إقامة الفاتحة عليه في النجف وبعض مدن العراق ، أما في الخارج فقد أقيمت على روحه الطاهرة مجالس التأبين في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. ترجمه الطهراني ـ نقباء البشر ١ / ٧١ ـ ٧٢ والشاهرودي ـ المصدر السابق : ١٦٠ ـ ١٦٢.


العامة في البلاد الإسلامية والعربية مع وجود بعض هؤلاء الأعلام ـ المشار إليهم أعلاه ـ وبعد أن غيّب الآخرين الموت.

ب ـ نسب الشيخ الحلي ونشأته :

ومن بين هذه الصفوة المرحوم آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي الذي لا يقل وزنا علميا ومكانة في الحوزة العلمية في النجف التي ازدهرت بهم المرجعية العليا في أوائل القرن الماضي الهجري في الجامعة العلمية النجفية ، وكان من المنتظر أن يكون له دور شاخص مع زملائه أقطاب ذلك الدور في الجامعة العلمية ، والذي يمكن أن نطلق عليه دور « الازدهار المرجعي الديني » ورغم اعتراف الجميع بمنزلته المحترمة ، ولكنه ابتعد عن تحمل مسئولية الزعامة الدينية ، ولم يكن ناشئا من تقدم الآخرين عليه بسبب علمي ، أو شخوص اجتماعي ، إنما هو عزوف عن تحمل مسئولية المرجعية الدينية ، وعدم التصدي لها لأسباب خاصة لم يفصح بها لأحد حتى لأخلص لأصحابه كالسيد الوالد وبقية الصفوة التي عاشت معه كأعز أصدقائه (١) ، وذهب هذا السر معه إلى القبر ، وما ينقل في ثنايا كتابات بعض من كتب عنه فلا تتعدى التكهنات والاجتهادات ، أو التخرصات الاحتمالية.

لم يكن الشيخ حسين الحلي بعيدا عن الجو العلمي في بداية حياته ، فهو ابن الشيخ علي بن الحسين بن حمود المنتهى نسبه إلى عشيرة « العيفار » (٢) من قبيلة طفيل ، والتي تقطن في أرياف الجنوب الغربي من

__________________

(١) سيأتي الحديث عن الصفوة والإشارة إلى موجز تراجمهم.

(٢) إن جد الشيخ حسين الأعلى نزح إلى الحلة مع جماعة من أفراد اسرته وغيرهم


الحلة (١).

كان والده المرحوم الشيخ علي الحلي هو رب اسرته ، وقد لمس في نفسه إحساسا عميقا ورغبة ملحّة إلى طلب العلم ، وأن حياة « العيفار » لا تلبّي طموحه ، فيمّم وجهه إلى النجف الاشرف لينتمي إلى جامعتها العلمية ، تلبية منه إلى العامل الذي يمور في نفسه ، ليكون كأصحاب الفضل الذين يفدون على مدينة الحلة من مدينة العلم ، فيحترمهم الناس ، ويلتفّون حولهم للاستفادة والإفادة ، خاصة وأن النجف على مقربة من الحلة ، فلما ذا لا يجمع أمره وينتقل إلى تحقيق هدفه رغم كونه رب اسرة ، وله ضياع في القرية التي أنشأها جده الأعلى « حسين بن حمود » لاسرته ، فقد كان من وجوه عيفار ، ورئيس فخذ من أفخاذ قبيلة طفيل.

وعلى كل حال ودّع الشيخ علي بن حسين بن حمود بيته وقريته ، وهاجر إلى النجف ، وسكن أوّلا في « مدرسة المهدية » (٢) وهي واحدة من

__________________

وأنشئوا قرية تعرف بـ « العيفار » وهي بين مقام النبي أيوب والحلة ، وتبعد عنها بنحو عشرين دقيقة. انظر : آغا بزرك الطهراني ـ طبقات أعلام الشيعة ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ / القسم الرابع / ١٤٢٣ / طبع مشهد إيران مطبعة سعيد ١٤٠٤ تحقيق المرحوم السيد عبد العزيز الطباطبائي ) ويوسف كركوش ـ تاريخ الحلة : القسم الثاني في الحياة الفكرية : ٢ / ٢٠٢ طبع النجف المطبعة الحيدرية ١٩٦٥.

(١) الطهراني ـ المصدر المتقدم : ١ / القسم الرابع / ١٤٢٣ وكركوش ـ المصدر المتقدم : القسم الثاني في الحياة الفكرية : ٢ / ٢٠٢.

(٢) هذه المدرسة تنسب إلى مؤسسها الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المولود في النجف عام ١٢٢٦ ه‍ عالم فقيه واصولي ، ومؤلف ومحقق ، من آثاره الخيرية ( المدرسة المهدية ) الواقعة خلف جامع الطوسي في محلة المشراق من محلات النجف الأشرف ، توفي عام ١٢٨٩ ه‍ ودفن في مقبرتهم المعروفة في محلة العمارة بالنجف. راجع : الطهراني ـ المصدر المتقدم : ١٤٢٤ وجعفر محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها ٣ / ٢٠٥ طبع النجف مطبعة النعمان ١٩٥٨.


عشرات المدارس المخصصة لإيواء طلاب العلوم الدينية الذين يهاجرون إلى النجف الأشرف طلبا للعلم ، ولم يكن له بيت يسكنه (١).

ضمّت الجامعة العلمية في النجف الأب المهاجر كطالب من طلاب حوزتها ، ثم تدرّج في الدراسة ، وانتهى من الأوليات ، ثم حضر بحث آية الله الشيخ محمد طه نجف المتوفّى عام ١٣٢٣ ه‍ (٢) ، وادعى أحد الباحثين عن حياة الشيخ الحلي أن والده الشيخ علي حضر بعد ذلك بحث المرحوم آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي ، ولم أر أحدا ممن ترجمه يذكر أن الشيخ علي حضر بحث السيد الطباطبائي اليزدي إلا بعض من تصدى لترجمته ، ولم يسند قوله بمصدر ما (٣).

لقد برز المرحوم الشيخ علي في المجتمع العلمي النجفي شخصية لها مكانتها بين أقرانه من أعلام الحوزة العلمية ، وعرف أخيرا بـ « أحد العلماء الأبدال ، والصلحاء الأبرار الذين أجمعت على صلاحه وجدارته كلمة الخواص والعوام ، فقد اتصف بالورع والزهد والتقى والنسك » (٤).

__________________

(١) انظر بحث المرحوم الشيخ محمد الخليلي ـ مدارس النجف القديمة والحديثة ( بحث منشور ضمن موسوعة العتبات المقدسة / قسم النجف : ج ٢ / ص ١١٣ ـ ١٩٤.

(٢) الشيخ محمد طه بن الشيخ مهدي بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد ابن المقدس الحاج نجف المولود عام ١٢٤١ ه‍ عالم جليل معاصر للسيد ميرزا حسن الشيرازي ، وتلمّذ على الشيخ مرتضى الأنصاري ، وذكرته المصادر الرجالية بالاحترام والتقدير ، توفي عام ١٣٢٣ ه‍. راجع ترجمة حرز الدين ـ المصدر المتقدم ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠٤.

(٣) هاشم الحسيني ـ لمحات من حياة آية الله الشيخ حسين الحلي : ٨ إصدار مركز البحوث والدراسات الإسلامية الطبعة ٣ الاولى ١٤٢٣ ه‍ ٢٠٠٤ م.

(٤) آغا بزرك الطهراني ـ طبقات أعلام الشيعة ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) :


ويتحدث عنه المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني قائلا :

« صحبته ( الشيخ علي ) مدة طويلة ، واقتديت به في الصلاة مرارا ، وكان يأتم به من صلحاء الناس وثقاتهم عدد كبير ، ويميل إليه كل عارف بحقيقته وخبير بشئونه ، كان حسن الملتقى والخلق ، دائم الذكر ، شديد القناعة ، يقتات بالعبادة ، ويزهد بما يزيد على سد الرمق ، وكنت أزوره في بيته ، وأطلع على أحواله وخصوصياته فأرى التقى والصبر والقناعة والعفاف متمثلة في شخصه » (١).

لقد كان الشيخ علي من أصحاب الفضل والفقاهة ، وكان الصديق الحميم ، والأخ الودود للتقي الورع الشيخ علي رفيش (٢) والذي كان يقيم صلاة الجماعة في الصحن الحيدري في النجف الأشرف وملازما له وكان بينهما إخاء تام ومودة ثابتة ، ولمّا توفي عام ١٣٣٤ ه‍ خلفه الشيخ علي الحلّي في إقامة الجماعة في الصحن الشريف مكان الشيخ رفيش (٣).

وقد لبّى الشيخ علي نداء ربه في السابع من شعبان عام ١٣٤٤ ه‍ ودفن في النجف ، وكان لفقده صدى واسع في الأوساط العلمية والاجتماعية لما له من مكانة طيبة في نفوس عارفيه ، وشيّع بتبجيل وتقدير وبما يتناسب ومنزلته لدى أهل العلم والفضل ومحبيه (٤).

__________________

القسم الرابع / ج ١ / ١٤٢٣ ( الطبعة الثانية ) تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي / طبع مشهد ـ إيران مطبعة سعيد ١٤٠٤.

(١) الطهراني ـ المصدر المتقدم : ١٤٢٤.

(٢) علي رفيش من علماء النجف ( ١٢٦٠ ـ ١٣٣٤ ) راجع ( أعيان الشيعة ورسالة الشيخ الحلي : ٨ / ه ٢ ).

(٣) الطهراني ـ المصدر المتقدم : ١٤٢٤.

(٤) محبوبة ـ المصدر المتقدم ٣ / ٢٨٤ ، والطهراني : ١٤٢٤.


وعلى ما هو المألوف والمتعارف أن يخلف ولده شيخنا الحسين أباه في صلاة الجماعة في مكانه بالصحن الحيدري ، ولكن الشيخ آثر على نفسه استاذه الميرزا النائيني في إقامة صلاة الجماعة ، وبعد وفاته توجهت الأنظار إليه مرة اخرى إلاّ أنه طلب من أخصائه أن يخلف والده ، الإمام الراحل السيد محسن الحكيم ، وأصر على ذلك ، وكان له ما أراد (١).

إن المرحوم الشيخ علي كان وجها نقيا من بين الوجوه التي عايشتهم النجف الأشرف وحوزتها العلمية ، فهو « أحد الأبرار والأبدال ومن الأتقياء والنسّاك ، وكان يأتم به خلق كثير من أهل التقوى والصلاح ، ولم ير إلاّ ذاكرا. يقول أحد المقربين له : كنت أزوره في داره في بعض الأحيان فأراه رجلا ناسكا متعبدا ، وكلما ازددت قربا منه زدت وثوقا به » (٢).

من هذا الرجل المؤمن الورع انحدر شيخنا الجليل الشيخ حسين الحلي ، وهو أصغر ولديه.

والأكبر منه الشيخ حسن بن الشيخ علي ( ١٣٠٥ ـ ١٣٣٧ ه‍ ) كان فاضلا وشاعرا ، عرفته الندوات الأدبية من الشعراء اللامعين ، « فقد أجاد وأبدع وساجل وطارح حتى صقلت مواهبه وذاع صيته » (٣).

والأصغر شيخنا الجليل آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي من مواليد ١٣٠٩ في النجف الأشرف ، وعاش في ظل والده الشيخ علي يتنقل

__________________

(١) الطهراني ـ آيت نور : ١ / ١٥٩ تأليف جمع من تلامذة السيد الطهراني / صدّر بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة السيد محمد حسين الطهراني / نشر انتشارات علامة الطباطبائي ـ مشهد ١٤٢٧ ( الطبعة الاولى ).

(٢) جعفر محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها ٣ / ٢٨٤ طبع النجف ، مطبعة النعمان ١٩٥٧.

(٣) الطهراني ـ المصدر المتقدم : ٤١٤.


معه في مجالس العلماء والوجهاء ، ويرتاد مع أخيه الشيخ حسن الذي يكبره بأربع أو خمس سنوات مجالس الأدب والشعر ، فقد عرّفته بعض المصادر بأنه : « من نوابغ عصره ... شديد الملازمة لحضور نادي العلاّمة السيد محمد سعيد الحبوبي (١) الذي كان من أزهى الأندية العلمية الأدبية التي لها تأثيرها الخاص في التوجيه والتربية ، وبث روح الفضيلة ، وصقل الأفكار والقرائح » (٢).

وشبّ الشيخ مترجمنا ـ من خلال ملازمة والده لمجالس أهل العلم والفضل ، وملازمته لأخيه الشيخ حسن لمجالس المعرفة والآداب ـ على حب العلم والأدب والفضيلة ، فمن يوم معرفته للحياة ـ رغم أنه كان متجها في بداية حياته لخياطة الملابس ـ أخذ يتطلع لمستقبل يشدّه إلى الحوزة العلمية ليكون فيها وجودا شاخصا ، وفعلا حقق ما يصبو إليه بجده واجتهاده.

__________________

(١) محمد سعيد بن محمود بن قاسم بن كاظم بن الحسين الحبوبي الحسني ، من كبار فقهاء وأدباء عصره ، ولد في النجف سنة ١٢٦٦ ه‍ ونشأ بها على والده ، وقرأ المقدمات الأولية على خاله الشيخ عباس الأعسم ، وحضر في دراساته العليا في الفقه والاصول على أساتذة معروفين كالشيخ محمد حسين الكاظمي والفاضل الشربياني والشيخ آغا رضا الهمداني والشيخ محمد طه نجف وغيرهم من علماء الحوزة العلمية ، ثم استقل بالبحث والتدريس ، وأصبح من كبار الفقهاء والمجتهدين وأعلام الفضل والتقوى والصلاح. كما قاد الجيوش الكبيرة لصدّ الإنكليز خلال احتلالهم العراق عام ١٩١٤ م ، كما كان من أعلام الأدب والشعر ، توفّي في محافظة الناصرية عام ١٣٣٣ بعد انكسار الجيش العثماني ، ونقل إلى النجف حيث دفن بالصحن الحيدري. طبع له ديوانه الشعري. ترجمه الأميني ـ رجال الفكر والأدب ١ / ٣٨٧ ـ ٣٨٩ ، والزركلي ـ الأعلام ٦ / ١٤٢ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

(٢) محمد علي اليعقوبي ـ البابليات ٣ ص / ق ٢ / ٢٩ طبع النجف المطبعة العلمية ١٣٧٣ ه‍.


كانت دراسته الأوّلية على يد والده ، ثم تنقل إلى أساتذة في علوم الفقه والاصول المعروفين في الحوزة بالاختصاص في السطوح ، وقد ساعده ذكاؤه إلى تقبّل ما يمليه عليه أساتذته حتى إذا أنهى دراسة السطوح انتقل إلى بحوث الخارج التي يتلقاها طالب العلم في المرحلة الثانية من الحياة العلمية ، وهي مرحلة مهمة بالنسبة لمن يصبو إلى تسلق المجد الحوزوي ليكون من فرسان حلباتها.

ج ـ الشيخ الحلي علم بين مراجع عصره :

وكان في فترة النصف الأول من القرن الماضي الهجري ( ألف وثلاثمائة ) قد عرفت المرجعية الدينية في النجف ثلاثة فرسان اشتهروا بالفقه والاصول والبحث العلمي الخارجي ، وهم : الميرزا حسين النائيني ، والسيد أبو الحسن الاصفهاني ، والشيخ آغا ضياء العراقي ، وقد ركّز شيخنا الحلي على حضور دروس هذه النخبة من الأعلام للاستفادة منهم فقها واصولا ، وإن أشتهر باختصاصه بالميرزا النائيني كما تحدّثنا بعض المصادر ، فتقول :

« وكانت عمدة تتلمذه وتخرّجه على الحجة الميرزا محمد حسين النائيني ، فقد حضر دروسه سنين طوالا ». واستفاد كل منهما من الآخر ، فكانت المنفعة بينهما متبادلة ، كما وضحها أحد تلاميذ الشيخ بقوله :

« اختص ( الشيخ الحلي ) بصحبة الحجة الكبرى الميرزا حسين النائيني فتبادلت المنفعة بينهما :

استفاد ( الحلي ) خبرة بأقوال العلماء ، وإحاطة بآرائهم في مسائل الفقه والاصول ، لأنه أخذها من معدنها ومصدرها ، هو ذلك الاستاذ الكبيرة الذي خلّدته آراؤه واستنباطاته للأحكام.


استفاد ( الشيخ النائيني ) رحمه‌الله به ، إذ وجد فيه مساعدا ومحررا ومهذبا لفتاواه الكثيرة التي كانت ترد على. ( وأصبح الشيخ الحلي ) الباب لذلك الأب الروحي العظيم ، ومنه يؤتى » (١).

كما نقل أحد الأعلام المتصلين بالميرزا النائيني : بأن الشيخ الحلي تأثر كثيرا بالميرزا إذ اعتبره من تلاميذه المقرّبين إليه لما له من مكانة في نفسه ، حتى نقل عن حفيد الميرزا عن والده المرحوم حجة الإسلام المسلمين الشيخ ميرزا علي النائيني أن والده الشيخ النائيني كان يرى الشيخ الحلي أفضل تلاميذه (٢).

ونقل عن أحد تلاميذ الشيخ : أن المرحوم الميرزا علي ينقل أيضا عن والده المرحوم المعظم « أنه كان يعتمد كثيرا على الشيخ الحلي ويمدحه ويقول عنه : ما من مسألة تطرح حتى يكتب عنها رسالة مشتملة على التحقيق والتدقيق ، ونقل كافة الأقوال فيها ».

كما ينقل أن الشيخ الحلي هو الذي حمل الميرزا النائيني على تأسيس « مجلس الاستفتاء » له.

د ـ تأثره العلمي بالميرزا النائيني :

والغريب أن أحد الباحثين في تطور الدرس الاصولي في الحوزة العلمية النجفية تحدث عن مدرسة الميرزا النائيني وأبرز طلابه ، ولم يذكر شيخنا

__________________

(١) محبوبة ـ المصدر المتقدم ٣ / ٢٨٣.

(٢) نقلا عن آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم عن الشيخ عباس عن المرحوم والده آية الله الشيخ ميرزا علي النائيني أنه « قال كان الميرزا النائيني يقول : إن الشيخ حسين أفضلهم » قال السيد الحكيم : نقل ذلك لي في فاتحة المرحوم الشيخ حسين الحلي ».


الحلي من روادها ، وإنما يصنفه من طلاب مدرسة آغا ضياء العراقي (١) ، وأعتقد أن الأستاذ الكاتب تجنب الحقيقة ـ وقد لا يكون عن قصد ـ. والمعروف أن الشيخ الحلي من روّاد مدرسة الميرزا النائيني ، بل ومبرّزيها ـ كما تقدم ـ وبالإضافة إلى معلوماتي الخاصة ، فقد أكد لي بعض الأعلام ممن تلمّذ على الشيخ الحلي هذا الرأي ، وقال : إن الشيخ الحلي يعترف بأن الميرزا النائيني أحد منابعه الفكرية المهمة.

ونقل بعض الباحثين عن حياة الشيخ قائلا :

« لقد كان الشيخ حسين الحلي من أعاظم تلامذة الميرزا النائيني ، وكان هو الذي حمل الميرزا النائيني على تأسيس مجلس الاستفتاء ، كما كان الميرزا النائيني يرجع إليه في مهام اموره ، وعنه يصدر الرأي ، فكانت أغلب أجوبة المسائل الشرعية التي ترد إلى الميرزا النائيني تصدر عن الشيخ الحلي وبقلمه ، فكانت له عند استاذه مكانة سامية للغاية ».

وهناك أمر آخر يؤكد على التزامه بالميرزا النائيني وهو ما نقله بعض الثقات :

« بعد وفاة الإمام الراحل السيد محسن الحكيم جاء بعض المؤمنين إلى الشيخ الحلي وطلبوا منه طبع رسالته العلمية لأجل تقليده ، فأرجعهم الشيخ إلى رسالة الميرزا النائيني ».

ويعلّق سماحة السيد محمد سعيد الحكيم ـ ناقل النص ـ فيقول : « ويستفاد من هذا أن بصمات الشيخ الحلي مركّزة على رسالة الميرزا النائيني ، وهي تعبّر عن رأيه ، وإلاّ فما معنى قول الشيخ « ارجعوا إلى رسالة

__________________

(١) انظر منذر الحكيم ـ تطور الدرس الاصولي في النجف الأشرف ( بحث ) منشور ضمن موسوعة النجف الأشرف ٧ / ١٩٨ ـ ١٩٩ إصدار جعفر الدجيلي.


الميرزا » (١).

ولا نستغرب من هذا إذا رجعنا إلى الأقوال المتقدمة عن الميرزا النائيني في حق الشيخ ، وأهمها « أفضلهم » ويقصد أفضل طلابه ، وهي شهادة مهمة من الشيخ الكبير الميرزا النائيني إلى تلميذه المقرب له الشيخ الحلي.

وإن كان هناك من يرى أنه التزم بآراء استاذيه فقيهي العصر : الشيخ النائيني ، والمحقق العراقي رحمهما الله ، ويغلب عليه ـ فيما حضرته من أبحاثه ـ نهج استاذه الفقيه العراقي الشيخ ضياء الدين (٢).

ولكنّ عددا كبيرا من جهابذة العلم والفضيلة ـ الذين ازدهت بهم الحوزة العلمية النجفية ، وأشار إليهم التاريخ العلمي بكل تقدير واحترام ، واستفادوا منه ، في مجالي الفقه والاصول ـ ذكروا أنه من رواد مدرسة الإمام النائيني.

ومن خلال النصوص المصدرية لأساتذة شيخنا الحلي نلحظ جليا أنه تتلمذ على ثلاثة أساتذة من أعلام الجامعة العلمية النجفية ، وجميعهم اختصوا بعلم الاصول ، وعرفوا به إلى جانب تبحّرهم الفقهي ، وقد عرفت عنه أنه حضر لدى السيد الاصفهاني دورتين اصوليتين ، وحضر عند الشيخ العراقي دورة ونصف الاصول ، ثم حضر دورة كاملة في الاصول عند الميرزا النائيني ـ ويظهر أن الفرسان الثلاثة اختصوا بالبحث الاصولي ـ فتأثر بهم ، وقد نقل إنه قال : بأني « اشتهرت بالفقه عند الناس ، واصولي أقوى من فقهي ».

وإذا رجعنا بعد هذا كله إلى إجازة المرحوم الميرزا النائيني إلى تلميذه

__________________

(١) مقابلة شخصية مع آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم في النجف الأشرف بتاريخ ٢ / ذي الحجة ١٤٢٧ كما أكد هذا القول سماحة آية الله السيد محمد علي الحكيم ، بأن رسالة الشيخ النائيني هي من شغل الشيخ الحلي.

(٢) لقاء مع سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي في ١٩ محرم ١٤٢٨ ودار الحديث عن تأثر الشيخ الحلّي بالنائيني أو العراقي؟


الشيخ الحلي بالاجتهاد والرواية ، وما فيها من تعبير يدل على اهتمام الميرزا به وجدنا ما يدل على اعتزازه بهذا التلميذ الذي يصفه « وبعد ... فان شرف العلم لا يخفى ، وفضله لا يحصى ، قد ورثه أهله من الأنبياء ، وأدركوا به درجات الصديقين والشهداء.

وممن جدّ في الطلب والعمل به هو قرة عيني العالم العامل العلاّم ، والفاضل الكامل الهمام ، صفوة المجتهدين العظام ، وعماد الأعلام ، وركن الإسلام ، المؤيد المسدد ، والتقي الزكي ، جناب الآغا الشيخ حسين النجفي الحلي كثر الله تعالى في أهل العلم أمثاله ، وبلغه في الدارين آماله.

فلقد بذل في هذا السبيل برهة من عمره ، واشتغل به شطرا من دهره. وقد حضر أبحاثي الفقهية والاصولية باحثا فاحصا مجتهدا ، باذلا جهده في كتابة ما استفاده وضبطه وتنقيحه ، فأصبح وبحمد الله تعالى من المجتهدين العظام ، والأفاضل الأعلام ، وحق له العمل بما يستنبطه من الأحكام على النهج الجاري بين المجتهدين الأعلام ، فليحمد الله تعالى على ما أولاه ، وليشكره على ما أنعمه به وحباه ، فلقد كثر الطالبون وقل الواصلون ، وعند الصباح يحمد القوم السرى ، وينجلي عنهم غلالات الكرى ... الخ ».

وكتب في آخر الاجازة « حرره بيمناه الداثرة في يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٧ ربيع الأول ١٣٥٢ ، أفقر البرية إلى رحمه ربه الغني محمد حسين الغروي النائيني » (١).

إن شيخنا الحلي نتيجة اتصاله بالمشايخ الثلاثة ـ وهم جهابذة في الفكر الاصولي ـ تأثر بهم إلى درجة الاعتراف منه ـ كما تقدم ـ « أن اصوله

__________________

(١) راجع نص الاجازة في ( الملحق ).


أقوى من فقهه ». ولكن هذا لا يمنع أن اختصاصه كان بالميرزا النائيني وتأثره بأفكاره. ولعل الكتاب الاصولي الذي نقدم له سيكشف مدى الحقيقة العلمية الاصولية التي يتمتع بها شيخنا المعظم ، وتأثره بآراء الميرزا النائيني العظيم.

ه ـ علاقته بالإمام الراحل السيد محسن الحكيم ـ والمرجعية العامة في النجف :

تقدم أن الشيخ الحلي بحكم منزلته العلمية والاجتهادية ، كان من الممكن أن يتصدى للمرجعية بعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني كما تصدى أقرانه من العلماء ، خاصة أن احترام أهل العلم له في المجالس العلمية قبل الاجتماعية والاخوانية خير علامة تقدير له ، وهذه تزكية مناسبة لأهليته لتسنم مركز المرجعية ، لكنه رفض ذلك رفضا قاطعا.

في الوقت نفسه دعم مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم رحمه‌الله تأييدا مطلقا ، وتبعه كل أصحابه من « الصفوة » (١) ، ولم يكن هذا الموقف التأييدي من الشيخ الحلي للإمام الحكيم مبعثه عاطفيا لأنه كان صديقه وزميله في دروس بعض الفرسان الثلاثة ( النائيني ، والعراقي ، والاصفهاني ) ولا تعصبا « عربيا » لأن السيد الحكيم عربي وأغلب المتصدين كانوا من الإيرانيين ، فالقضية في التقليد عند الشيعة الإمامية ترتبط بشروط عديدة ، وليس فيها شرط القومية ، أو العصبية المحلية ، إنما هي القناعة الخاصة التي انطلق منها الشيخ الحلي في هذا الدعم المطلق. واستمرار الصلة بينهما قائمة على

__________________

(١) كان الشيخ الحلي أحد النخبة العلمية التي اطلق عليها اسم « الصفوة » ، وسوف يأتي الحديث عنها في الفصول القادمة.


أساس من الأيمان بهذه الحقيقة رغم اختلاف الذوق بين العلمين ، كما صرّح بذلك سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم.

وقد لاحظت في كثير من المناسبات التي تجمعهما كان السيد الحكيم يجلّ الشيخ ويحترمه بما يشعر الطرف المشاهد هذا التأييد ، مضافا إلى ما يكنّ له من المودة والتقدير ، فضلا عن الناحية العلمية ، فقد كان يعتمد رأيه في المسائل التي يتناقش معه فيها ، ويأخذ رأيه بكل اهتمام وقبول.

إن عناية واهتمام الإمام الراحل السيد الحكيم رحمه‌الله من الناحية الشخصية ، يكشف عن مكانته العلمية لديه ، وقد ذكر سماحة السيد محمد سعيد الحكيم أن سماحة جدّه الإمام الراحل الحكيم في أواخر أيامه كان كثير الاستفسار عن الشيخ ، وكان يتتبع خبره عن حاله ووحشته بعد ذهاب أصدقائه وأقرانه ، وكان يتألم كثيرا ، ويوصينا به ويشيد بمنزلته العلمية (١).

كما أني على علم واطلاع أن الشيخ كان يلتقي بالسيد ليلا في مجلسه بالنجف إلاّ ما ندر ، ويطلعه على الكثير مما يرده من الاستفسارات والاستفتاءات ، وحتى الفترة التي اعتكف بها السيد في منزله بالكوفة احتجاجا على موقف النظام المباد من عملية التسفيرات التي طالت طلاب الحوزات العلمية في العراق ، وخاصة في النجف الأشرف ، وكانت الاتصالات تتم بين السيد والشيخ إما مباشرة أو بواسطة أولاد السيد أو أحد مقربيه.

وحين مرت على العراق أزمات عاصفة سياسية بعد النصف الأول من القرن الماضي ، وكان السيد الحكيم في طليعة المعنيين بها والمهتمين بأحداثها نظرا لمكانة المرجعية العامة في العالم الإسلامي ، وزعامة المسلمين الشيعة في العالم خاصة ، كان رأي الشيخ الحلي مؤيدا للسيد الحكيم في كل

__________________

(١) مقابلة شخصية مع سماحة المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم.


المواقف ، وإن اختلف معه في مبدأ جمع السلطتين الدينية والسياسية في أيام غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، لأنه كان يرى أن تعضيد المرجعية الرشيدة تقتضيها مصلحة الإسلام والمسلمين ، ولعله هذا هو « الاختلاف الذوقي » الذي أشار إليه سماحة السيد محمد سعيد الحكيم فيما تقدم.

والشيخ الحلي وإن كان لا يرى التصدي لإقامة حكومة إسلامية في عصر الغيبة ـ كما أشرنا ـ ولكنه لا يتخلف من الوقوف إلى جانب الإمام الحكيم في ساعة محنته وما ترتب عليها من أضرار تخص المرجعية الدينية الممثلة للإسلام عامة ، والسيد الإمام الحكيم خاصة.

ويصف أحد تلاميذ الشيخ الحلي وهو آية الله المرحوم السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري علاقة الشيخ الحلي بالإمام السيد الحكيم بأنها كانت متينة للغاية ، والاحترام المتبادل بينهما يدل على معرفة تامة كل منهما لمكانة الآخر ، وأن الشيخ الحلي كان يحرص كل الحرص أن يسدد خطى السيد الحكيم بما يتناسب ومكانته ، حتى أنه في بعض المناسبات يتجاوز الشكليات المجلسية فيحضر في بعض مجالس السيد الحكيم مع الزوار المسئولين كباقي الحاضرين مسددا له (١) ، قناعة منه بأن تسديد المرجعية الدينية يقتضيها الواجب الشرعي والعرفي.

كذلك لم يكن شيخنا الحلي بعيدا عن الجو السياسي العراقي أو الإيراني حين عصف بالعراق الجمهوري الشأن السياسي الحزبي المتطرف فمثّل البعد الاديولوجي بينهما صراعا عنيفا انتهى بحرب طاحنة أكلت

__________________

(١) آيت نور ـ إصدار مجموعة من تلاميذ السيد الطهراني اللاله زاري : ١ / ١٥٩ ( فارسي ) بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة السيد الطهراني / الناشر انتشارات علاّمة طباطبائي مشهد الطبعة الاولى ١٤٢٧.


الأخضر واليابس فى الدولتين ، وكان على مراجع الدين في الدرجة الاولى ـ بما يتحملون من المسئولية الاجتماعية ، والسياسية ـ أن يحددوا الموقف الديني من القضية ، وهذا ما اصطدم به الشيخ الحلي وأمثاله ، وفي مقدمتهم المرجع الديني آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ، وأن الموقف لا يختلف بينهما من

حيث الرأي الأولي ، فالسيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) متصد بصفته مركز القيادة الدينية في العراق خاصة والعالم الإسلامي عامة ، وشيخنا الحلي يعيش نفس الأمر ولكن درجة المسئولية الشرعية تختلف عما عاشها السيد الحكيم من قبل والسيد الخوئي لاحقا ، ولهذا كان الشيخ الحلي يقف إلى جانب المرجعية في مثل هذه الظروف ، ويساعدهم في الرأي ، وتحديد الموقف المقتضي ، على أساس تأييد المرجعية الدينية في أحلك ظروفها.

ومن هذا المنطلق المبدئي لم يترك الشيخ الحلي المرجعية الدينية وحيدة تغوص في اعماق السياسة ما لم يشاركها الرأي الذي يقتضيه الشرع الشريف في الميدان الخطير. فالظروف القاسية التي مرّ بها العراق بصورة عامة ، والنجف الأشرف على الخصوص ، وما عانته المرجعية الدينية من نظام لم يحترم القيم الدينية ، ولا يبالي في اجتثاثها ليخلو له الجو بكل فعالياته وليقيم على أطلاله سلطته الدكتاتورية الدنيوية. ورغم هذا فان المرجعية الدينية الشريفة في النجف الأشرف التي كانت تعاني مداهمة الأخطار لكنها كانت تقف إلى صف الشعب لم يرهبها سيف الحاكم ، وشراسة الجلادين ، وسجلت موقفا رائعا في المحنة السوداء التي مرت على عراقنا ، مثّلت الصمود والتضحية والفداء من أجل عقيدتها وقيمها العليا ، وشرف الحوزة العلمية النجفية.


الفصل الثاني

عطاء الشيخ الحلي العلمي

أ ـ عطاء ثر :

في تاريخ المرجعية الدينية للمسلمين الشيعة مكان حافل لأعلام الحلّة عبر منعطف علمي مهم في ميدان الجامعة العلمية الإمامية ، ومرجعيتها الدينية وقيادتها المركزية العامة ، بداية من فخر الدين محمد بن إدريس الحلي والمحقق الحلي والعلاّمة الحلي ، وغيرهم من جهابذة الحوزة العلمية الحلّية ، ضمن أعلام القرن السادس الهجري ، وأخيرا وليس آخرا الحسين بن علي بن حمود الحلّي من أعلام القرن الرابع عشر الهجري ، باعتراف جهابذة المعاصرين له من فحول العلمين ـ الفقه والاصول ـ المهمين في المدرسة الإمامية لمرحلة التكامل العلمي المعاصر ، والتي فتحت آفاقا واسعة يمكن وصفها بأنها « النقلة العلمية » ذات الأبعاد الأوسع للفقه واصوله ، حتى وصف الأخير بأنه ليس أقل منزلة علمية من العلاّمة الحلي (١).

وإذا سمعنا لشيخنا الحلي الحسين بن علي مكانة علمية كبيرة في مدرسة النجف ـ رغم محاولاته الجادة في عدم التظاهر والبروز في ميدان المرجعية التقليدية لسبب وآخر حمل سرّه معه إلى القبر حين ودّع دنياه في

__________________

(١) الطهراني ـ آيت نور ١ / ١٦٠.


أوائل العشرة الأخيرة من القرن الماضي الهجري (١٣٩٤) ـ فان تاريخه العلمي ومكانته كشخصية يشار لها في عداد مراجع العلم برزت في الحوزة العلمية التي تحتضنها مدرسة النجف ذات التاريخ العريق لا يختلف عليه اثنان من أهل المعرفة والعلم.

وإلى جانب هذا الشموخ العلمي فانه سجّل له دورا مركزيا لربط الحاضر بالماضي لتلك النخبة العالية الشأن في الاعلام المعرفي الامامي للذين كان لهم الفضل في إظهار فضل الحوزة العلمية في « الحلة » كشاخص مستقل عن المدرسة النجفية العلمية في مسيرتها التاريخية الضخمة ، وتراثها الحضاري ، وإن كانت جذورها الفكرية تغذت ونمت على أفكار علماء مدرسة الشيخ الطوسي محمد بن الحسن مؤسس مدرسة النجف الاشرف العلمية عام ٤٤٨ ه‍ ، وامتدادها إلى هذا اليوم ، حيث مثلت تاريخا طويلا لعمر المرجعية الدينية ومدرستها الفكرية ، وأثبتت وجودها الفكري ، وعطاءها الأوفر في حقل العلوم الدينية : العقلية منها والنقلية ، وخير ما نستدل به على ذلك موسوعتا العلمين : السيد محسن الأمين في « أعيان الشيعة » والشيخ آغا بزرك الطهراني في « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » إلى جانب عدد كبير من مصنفات التراجم ، وكتب فهارس المؤلفات القديمة والحديثة ، ومن هذه المصادر نستطيع استبيان ما قدمه أعلام بيوتاتها العلمية الحلية من ثروة علمية ك : السرائر لابن إدريس ، وشرائع الإسلام للمحقق الحلي ، والتذكرة للعلاّمة الحلي ، وغيرها من المؤلفات لأعلام الحلة ، والتي أصبحت مصدرا لفقه آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلم اصوله في مدرسة اهل البيت عليهم‌السلام.

إن المرحوم الشيخ الحلي قدس‌سره هو تلك النبعة الطاهرة التي مثّل بعطائه


العلمي سواء في حقل الفقه أو الاصول ما أكد على تطور مهم في إطار هذين الحقلين ، فقد جذر فكره العلمي على فرسان الفقه والاصول في المدرسة العلمية النجفية ـ كما مرت الإشارة إليه ـ حيث كان من أبرز تلاميذ الشيخ ميرزا حسين النائيني ، والشيخ آغا ضياء العراقي ، والسيد أبو الحسن الاصفهاني ، والذين هم فرسان الحوزة العلمية الثلاثة في الجامعة العلمية الدينية في النجف الأشرف في الميدان الاصولي والفقهي في أوائل القرن الرابع عشر الهجري.

ب ـ تركة الشيخ العلمية :

لقد ترك شيخنا الحلي في المجال الفقهي والاصولي بحوثا مهمة قيّمة في ميدان الفكر العلمي ، سواء أكانت من تقريرات بحوث أساتذته العظام ، أو ما خلّده تلامذته الكرام من تقريراته وبحوثه.

الأول : عطاؤه الفكري.

وقد حصلت على قائمة لمؤلفاته من مكتبة الإمام السيد الحكيم العامة في النجف تصل إلى عدة مجلدات مخطوطة ، تفضل بها الأخ الاستاذ السيد جواد الحكيم أمين المكتبة ، وبعد الاطلاع عليها يمكننا تصنيفها على الوجه التالي :

أولا : في مجال الفقه.

١ ـ الاجتهاد والتقليد

٩٠ صفحة

٢ ـ شرح العروة الوثقى الطهارة

٨٧٨ صفحة


٣ ـ شرح العروة الوثقى الإجارة

٨٢ صفحة

٤ ـ شرح المكاسب / شروط العوضين ـ الغرر

٩٩ صفحة

٥ ـ شرح المكاسب / المعاطاة

٤٤ صفحة

٦ ـ صلاة المسافر من بحث الميرزا النائيني

٦٦ صفحة

٧ ـ قاعدة لا تعاد من بحث النائيني

٨ صفحات

٨ ـ قاعدة « لا ضرر »

١٨ صفحة

٩ ـ كتاب الصلاة من بحث النائيني

١٨٠ ورقة

ثانيا : في مجال اصول الفقه.

١ ـ تقريرات خارج الاصول من بحث السيد الاصفهاني على كفاية الاصول في ٥٩٧ صفحة والتي استمرت من سنة ١٣٣٤ ـ ١٣٣٨ ه‍ وهي في مجلدين.

٢ ـ تقريرات خارج الاصول من بحث الشيخ النائيني في خمسة مجلدات ما يقارب ٨٣٧ ورقة ، والتي استغرقت ما بين ١٣٤٢ ـ ١٣٤٨ ه‍ ، ( أكثر من دورة اصولية ).

٣ ـ تقريرات خارج الاصول من بحث المحقق العراقي في مجلد واحد تقع في ٥١١ صفحة ابتداء من سنة ١٣٣٨ ه‍.

٤ ـ حاشية على أجود التقريرات ( وهي تقريرات الميرزا النائيني كتبها السيد الخوئي ) في مباحث الألفاظ في ٧٠٦ صفحة.

٥ ـ حاشية على فوائد الاصول ( وهي تقريرات الميرزا النائيني كتبها الشيخ محمد علي الكاظمي ) في مباحث الأدلة والاصول العلمية في ١٠٨١


صفحة.

وهما في الواقع الدروس التي كان يلقيها على تلامذته في خارج الاصول طيلة الدورات الثلاثة التي درّسها قدس‌سره ابتداء من سنة ١٣٦٦ متخذا الكتابين متنا لدرسه ، كما دوّنه هو رحمه‌الله في هامش المخطوطة.

٦ ـ رسالة في تعريف علم الاصول وبيان موضوعه تقع في ١٩ صفحة.

٧ ـ مباحث اصولية متفرقة في مواضيع شتى.

ثالثا : كتب مشتركة.

١ ـ مجموعة مسائل فقهية واصولية متعددة تزيد على ١٠٠٠ صفحة.

٢ ـ مجموعة استفتاءات السيد الاصفهاني في ٤١٨ صفحة.

٣ ـ مجموعة استفتاءات الميرزا النائيني في ٤١٤ صفحة.

٤ ـ كشكول يتضمن مختارات من الطرائف والحكم والروايات التاريخية والنوادر الأدبية والعلمية المختلفة التي انتقاها أثناء مطالعاته ، ويقع فيما يزيد على ٣٠٠ صفحة.

هذه مجموعة مؤلفات شيخنا الحلي المخطوطة والمصوّرة في مكتبة الإمام الراحل السيد محسن الحكيم العامة في النجف الاشرف ـ كما أشرنا إليها ـ.

للاطلاع : ورد في بعض القوائم التي وردت لنا عن مؤلفات المرحوم الشيخ كتاب « كتاب البيع تقريرات الميرزا النائيني » وعند التحقيق ظهر أن الكتاب المشار إليه هو من تقريرات بعض تلاميذ الميرزا النائيني ، وليس للمرحوم الشيخ الحلي مما دوّنه هو في أول المخطوطة ، وإنما استنسخها


للاستفادة منها (١).

ولدى مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ قسم الذخائر للمخطوطات في النجف الأشرف ، والتي يديرها الأخ الفاضل الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء ـ مجموعة من مؤلفات شيخنا الحلي ، ولكنها لم تكن بخطه ، وإنما منقولة عنه بخط تلميذه الشيخ محمد حسين الكرباسي (٢) ، وقد أشرنا إليها في الهامش (٣).

__________________

(١) كتب هذا التقرير ولدنا السيد محمد علي بحر العلوم بتاريخ ٢٥ جمادى الأول ١٤٢٨.

(٢) محمد حسين بن الشيخ محمد رضا بن محمد علي بن محمد جعفر بن محمد إبراهيم الكرباسي ، ولد سنة ١٣٢٣ في اصفهان ونشأ بها ، وفي سنة أربعين من الهجرة انتقل إلى النجف ودرس على أعلام الحوزة النجفية الدروس المقررة حوزويا وحضر بحوث أعلامها كالشيخ الحلي ، وكان حيا في حياة الشيخ جعفر محبوبة ، يقول عنه : وهو اليوم أحد الأفاضل في التحصيل ، منزو عن الناس مكبّ على العمل. راجع محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها ٣ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٣) تفضل الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء بتزويدنا صور مجموعة من تقريرات الشيخ الحلي ، وبعد الاطلاع عليها ظهر أنها بخط أحد تلاميذه على الظاهر ، ووردت أسماؤها بدليل مخطوطات مؤسسة كاشف الغطاء العامة : ٦٨ ـ ٦٩ ، النجف الأشرف ـ العراق ١٤٢٦ ه‍ ٢٠٠٥ لا يوجد اسم المطبعة ، وهي :

تعليقة على أبحاث النائيني ـ اصول فقه ، عدد صفحاتها ٢٩٦ تسلسل المخطوطة في الدليل ٦٧٠.

تعليقة على أبحاث النائيني ـ اصول فقه ، عدد صفحاتها ٧٠ تسلسل المخطوطة في الدليل ٦٧١.

تعليقة على رسالة لا ضرر للنائيني ـ فقه ، عدد صفحاتها ٣١ خط عام ١٣٨١ ه‍ ، تسلسل المخطوطة في الدليل ٦٧٩.

تقريرات أبحاث النائيني ـ اصول فقه ، عدد صفحاتها ٢٦٦ خط عام ١٣٧٤ ه‍ تسلسل المخطوطة في الدليل ٦٩٦.


إن اصول هذه الكتب والرسائل لا زالت خطية ومحفوظة لدى ولده الأخ محمد جواد الحلي ، وليت الظروف تساعده على طبعها من أجل فائدة طلاب العلم والمعرفة ، وهذا ما نأمله إن شاء الله ، وإذا لم تتهيأ له ظروفه الخاصة بذلك فعسى أن يسمح بها لجهات علمية لتقوم بطبعها للاستفادة منها.

الثاني : ما تركه تلاميذه من عطاء الشيخ العلمي.

إن شيخنا الحلي ترك عطاء علميا ثرا فقهيا واصوليا ، نستعرضهما بإيجاز وهي :

أولا : تقريرات تلاميذه.

١ ـ تقريرات سماحة السيد علي السيستاني في الفقه والاصول.

٢ ـ تقريرات سماحة السيد محمد سعيد الحكيم ، وتتضمن ما يلي :

أ ـ تقرير بحث استاذه المحقق الحلي في علم الاصول ، ويقع في مجلدين ، وقد اشتملا على مبحث الاستصحاب ولواحقه ، ومبحث التعارض.

ب ـ تقرير بحث استاذه الحلي في الفقه ، ويقع في مجلدين.

٣ ـ تقريرات سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، في الفقه والاصول.

__________________

تقريرات أبحاث النائيني ـ اصول فقه ، عدد صفحاتها ٤٩٥ تسلسل المخطوطة في الدليل ٦٩٧.

تعليقة على رسالة لا ضرر للشيخ موسى ـ فقه ، عدد صفحاتها ٢١ خط عام ١٣٨١ ه‍ تسلسل المخطوطة في الدليل ٦٨٠.

كما أن بعض من كتب عن حياة الشيخ ذكر من مؤلفات المرحوم شيخنا الحلي في دراسته قائمة تضم أسماء سبعة عشر مؤلفا في الفقه والاصول ، ومن المؤسف أنه لم يذكر المصادر التي اعتمدها في ذكر هذه الكتب ، يراجع السيد هاشم فياض الحسيني ـ المصدر المتقدم : ٣٨.


٤ ـ تقريرات سماحة الشيخ حسن السعيد ، وقد تضمنت بعض المسائل الفقهية كالتقية والعدالة وصلاة الجمعة وغيرها.

٥ ـ تقريرات الشهيد السيد علاء الدين بحر العلوم في علم الاصول.

٦ ـ تقريرات الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم في الفقه والاصول.

٧ ـ تقريرات سماحة الشيخ عباس النائيني في الفقه والاصول.

٨ ـ تقريرات سماحة الشيخ جعفر النائيني في الفقه.

٩ ـ تقريرات الشيخ الشهيد ميرزا علي الغروي (١).

١٠ ـ تقريرات المرحوم السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري في الفقه والاصول (٢).

وكان بودّي أن أوثق كل ما مر ، سواء مما كتبه هو رحمه‌الله عن أساتذته ، أو ما كتبه تلاميذه من دروسه ، وتمكنت أن أطلع على بعض تقريرات تلاميذه حيث أشرت لها بالخاتمة ، ومنها :

ـ تقريرات الشهيد السيد علاء الدين بحر العلوم في الفقه ، وقد اطلعت على مخطوطة هذا التقرير ، وجاء في بداية الصفحة الاولى منه :

« قال شيخنا الاستاذ العم الحلي دامت بركاته : الفقه : وقد عرّف بانه عبارة ... ».

وجاء في نهاية الصفحة الثانية من هذه المخطوطة الآتي : « لقد عدل سيدنا العم دام ظله عن متن الشرائع ، وأخذ في دراسة العروة الوثقى للسيد

__________________

(١) كاظم عبد الأمير الفتلاوي ـ المنتخب من أعلام الفكر والأدب : ٣١٢.

(٢) قال السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري في كتابه آيت نور : ج ١ / ١٦١ ( فارسي ) طبع إيران : أنه حضر بحث الشيخ في الاصول ودورة كاملة في المكاسب ، وبعض من كتاب الطهارة ، وكتب تقريراته.


الطباطبائي اليزدي قدس‌سره. كما أرخ بداية بحث الشيخ هذا في يوم السبت ٧ ذي القعدة سنة ١٣٧٥.

و ـ تقريرات السيد الشهيد علاء الدين في موضوع « الاجتهاد والتقليد » وقد أشار السيد الشهيد إلى تاريخ الشروع في هذا البحث في ١٠ / جمادى الاولى عام ١٣٧٥.

و ـ تقريرات الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم عن بحث الشيخ في كتاب الطهارة بدأ به في سنة ١٣٧٧ ه‍ ، وكان حديثه في حرمة تنجيس المشاهد المشرفة كالمساجد ، جاء فيه « وقال شيخنا الاستاذ متعنا الله ببقائه : يبحث في هذه المسألة من جهتين ... ».

ثانيا : المطبوع منها.

وقد طبع في المجال الفقهي منها ـ حسب اطلاعي ـ كتابان ، هما :

الأول : كتاب « دليل العروة الوثقى » للمرحوم الشيخ حسن سعيد الطهراني ، وتضمن تقريرات الشيخ الحلي لشرح كتاب « العروة الوثقى » للمرحوم آية الله السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي المتوفى عام ١٣٣٧ ه‍ ومتابعة كثير من مبانيه الفقهية ، ومناقشة أدلتها ، وقد عرّفه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ حيث قال :

« وكان من نعم الله تعالى التي لا تحصى أن وفقني لإلقاء بحوث في الفقه على نخبة من طلائع أهل الفضل تعليقا على كتاب « العروة الوثقى » لآية الله العظمى السيد الطباطبائي قدس‌سره وكان ممن حضرها وضبط دقائقها وحررها فضيلة العلاّمة المحقق الثقة قرة عين الفضل ، جناب الشيخ حسن


آغا سعيد نجل آية الله الشيخ الأجل الحاج الميرزا عبد الله الطهراني ... وقد أطلت النظر في الكثير مما حرر في هذا الكتاب عني فوجدته وافيا بما هو المراد ، مستوعبا لجملة ما ذكرته في مجلس الدرس بتعبير جزل وبيان جميل. فشكرت الله عزّ وجل أن كان في طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف أمثاله من العلماء الأجلاء ممن تفخر بهم الحوزة. وأن من بواعث غبطتي وسروري أن ألمس بنتاجه هذا ثمرات ما بذلته من جهد متواضع في إعداد أمثاله من أعلام الحوزة ، فشكرا له تعالى على ما منحني من توفيق وأساله تعالى أن يأخذ بيده ويوفقه لمواصلة اجتهاده في طلب العلم ، وكسب الفضائل الإلهية ويسدده وينفع به الامة بعلمه وينفعني بدعائه والسلام عليه وعلى إخواننا المؤمنين كافة ورحمة الله وبركاته. حسين الحلي ٩ / ج ٢ / ١٣٧٩ » (١).

وجاء في نهاية الكتاب « هذا هو الجزء الأول من دليل العروة الوثقى ويتلوه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى ، والحمد لله رب العالمين » ولم أطلع على الجزء الثاني ولعله لم يطبع بعد.

وقد تضمن الكتاب مبحثي المياه والنجاسات ، ويقع في ٥٥٢ صفحة ، وقد أخبرني ممن له علاقة بعائلة المؤلف أن الأجزاء البقية من الكتاب لا زالت خطية موجودة لديهم ، واخبرت أن الجزء الثاني من هذا الكتاب قد طبع ، ولكني لم اطلع عليه ، أرجو أن يهيئ الله لتراث الشيخ رحمه‌الله من يطبعها للفائدة العامة.

__________________

(١) حسن سعيد ـ مقدمة دليل العروة الوثقى : ١ / المقدمة ب ـ ط / طبع في النجف / مطبعة النجف ١٣٧٩.


كما ضم الجزء الأول من الكتاب مقدمة ضافية تحدث فيها عن تطور الفقه من بدو نشأته إلى يومنا هذا ، وقد مرّ بأدوار سبعة ، وتحدث عن الأدوار السبعة بايجاز (١).

الثاني : كتاب « بحوث فقهية » للشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم من تقريرات آية الله العظمى الشيخ الحلي ، ضم مواضيع هامة تمس حاجة المقلد في يومه هذا ، خاصة فيما يتعلق بالمسائل المستجدة في هذا العصر كمسائل تخص البنوك وشرعيتها ، والمعاملات المصرفية ، وما يتخللها من عمليات مثار إشكال شرعي ، ومسألة التأمين وأنواعه ، والذي أصبح في هذه السنوات جزءا من المعاملات التي يتداولها سوق الإنسان في مسيرة حياته اليومية ، وكذلك اليانصيب ، والتعامل بالأوراق النقدية ، وتصفية الوقف الذري ، وحقوق الزوجية ، والسرقفلية ، وقاعدة الإلزام وتطبيقاتها ، والبيع القهري ، وإزالة الشيوع ، وغيرها من المواضيع الهامة التي يعيشها المواطن هذا اليوم ، ويحتاج لها حكما شرعيا في التعامل بها.

__________________

(١) تحدث الشيخ حسن سعيد في مقدمة كتابه دليل العروة الوثقى : ١ / المقدمة بـ عن تطور الفقه ، وأنه : مرّ بسبعة أدوار ، هي بإيجاز :

١ ـ دور التشريع ، من مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم وفاته.

٢ ـ دور البيان والتدوين والتسجيل والنشر من وفاته إلى يوم زمان غيبة الحجة عليه‌السلام عام ٣٢٨ ه‍.

٣ ـ دور التبويب من زمان الغيبة إلى زمان الشيخ المفيد رحمه‌الله ( ٤٠٠ ه‍ ).

٤ ـ دور التنقيح من زمان الشيخ المفيد إلى زمان ابن إدريس رحمه‌الله ( ٥٥٥ ه‍ ).

٥ ـ دور الاستدلال والاستنباط من زمن ابن إدريس إلى زمان المحقق والعلاّمة ( الحليين ) قدس‌سرهما (٦٨٠) ه.

٦ ـ دور التوسعة والتدقيق ، وهو دور المحقق والعلاّمة قدس‌سرهما ومن بعدهما.

٧ ـ دور التكامل ، وهو دور الشيخ الأنصاري رحمه‌الله ومن بعده إلى يومنا هذا.


وقد جاء في مقدمة هذا الكتاب ما قاله المرحوم الشيخ نفسه :

وبعد ، فقد كثر الحديث والتساؤل عن موقف الشريعة الإسلامية المقدسة من بعض المسائل المهمة التي اقتضتها طبيعة عصورنا هذه ، ولم تكن موجودة في عصر الرسالة ، وعصور حماتها من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

وكان هذا من بواعث الرغبة في نفوس جملة من أفاضل أهل العلم ممن اعتادوا حضور دروسنا في الفقه والاصول في أن أجعل هذه المواضيع محورا للدرس والبحث ، وإن ممن حضر تلك الدروس ووعاها ودوّن الكثير منها ولدنا الأعز العلاّمة السيد عزّ الدين بحر العلوم وفقه الله تعالى. ثم بدا له أن يوسع في بحوثها ، ويعززها بجملة من المصادر الحديثة التي عنيت بتحديد موضوعاتها ، ويضيف إليها مواضيع لم يسبق لي تدريسها ، ولكنه استخلص رأيي فيها بالمذاكرة ، فكان له من كل ذلك هذا الكتاب الجليل.

ولقد سرحت النظر في كل ما كتبه فوجدته قد أوفى على الغاية فكرة وأسلوبا ، واستوعب كل ما يتصل بها من بحوث ، ورأيت آرائي التي استقاها في مجلس الدرس أو المذاكرة ممثلة فيه بأمانة ودقة. وهذا ما يبعث في نفسي التفاؤل والأمل الكبير في أن ما بذلته من جهد في إعداد أمثاله من أهل الفضل في النجف الأشرف لم يذهب سدى والحمد لله تعالى ، بل جاء بأطيب الثمرات.

أخذ الله تعالى بيد مؤلفه الفاضل ، وبارك في جهوده ، ونفع به إخوانه من المؤمنين ، إنه وليّ التوفيق. حسين الحلي ٤ ذي الحجة الحرام ١٣٨٣ ه‍ (١).

__________________

(١) عزّ الدين بحر العلوم ـ بحوث فقهية : ص ١ / طبع الديواني بغداد ١٩٩٠ ( الطبعة الرابعة ).


وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مرة نظرا إلى أن المواضيع المبحوثة تلامس حاجة الناس ، والتي فرضتها مقتضيات المجتمع المتطور ، والذي يرى ضرورة قبول الشريعة الإسلامية لها ، تيسيرا للحالة الإنسانية والاجتماعية.

ويقع الكتاب في ٣٣٦ صفحة ، وكان له وقع كبير في الأوساط العلمية والاجتماعية والاقتصادية ، خاصة وأن القضايا المستجدة في مسيرة الحياة اليومية بحاجة إلى تقنين شرعي يبرر قبول العمل بها ، فالدين يسر ، وليس عسر.

مميزات بحثيه الفقهي والاصولي :

ويلاحظ أن شيخنا الحلي وجّه بحثه الفقهي إلى مسارين متوازيين :

الأول : أن لا يتعدى الخط التقليدي ، وهو ما نهجه في بحثه حول كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي رحمه‌الله ، كبحوث الطهارة ، والنجاسات ، والصلاة والصوم ، وإلى آخر العبادات ، ثم الانتقال إلى المعاملات ، وهكذا إلى آخر أبواب الفقه ، كما هو جار في المصادر الفقهية المعروفة. وكتاب الشيخ حسن السعيد يتضمن هذا الخط التقليدي ، وكذلك في كتبه الخطية.

الثاني : كشفه الشهيد الأخ عزّ الدين بحر العلوم في كتابه القيم « بحوث فقهية » وهو خلاصة أفكار شيخنا الحلي في كثير من قضايا ومسائل الساعة المستحدثة التي يتطلبها الإنسان في حياته العامة والخاصة ، كالتلقيح الصناعي ، ومعاملات البنوك ، والشوارع المفتوحة من قبل الحكومة ، واليانصيب ، وأمثالها من المواضيع التي يصطدم بها الإنسان في مجتمعه المدني كل يوم ، وخاصة في السنوات التي توسعت فيها الحضارة ،


وتقدمت بها المدنية الحديثة كما أشرنا إليها.

الشيخ الحلي الاصولي :

ذكر الشيخ الحلي رحمه‌الله لبعض تلاميذه قائلا : « إني مشهور عند الناس بالفقه ، واصولي أقوى من فقهي » وليس بالبعيد منه هذا القول ، فلقد تأثر شيخنا بفرسان علم الاصول في عصره ، وهم : الميرزا النائيني ، وآغا ضياء العراقي ، والسيد أبو الحسن الاصفهاني.

ومنهجه في بحوثه الاصولية ـ كما نقل عنه قدس‌سره ـ يمتد إلى المدرسة الاصولية التي تصل إلى الشيخ الأنصاري وطلابه الذين تبنوا منهجه في محاولاته التجديدية ، ومميزاته التي أعطت المدرسة الاصولية الحديثة حيوية ونشاطا لم تعهد قبلا بالرغم من انحسار التيار الأخباري ، فلم يكن مثل هذا النشاط مجرد رد فعل للتيار المذكور ، بل هو انفتاح لآفاق جديدة لعلم الاصول ، وتسرب الفكر الفلسفي والدقة العلمية بالتدريج إلى الفكر الاصولي ، واجتماع خيرة القدرات العلمية من أرجاء هذه المدرسة ، انتهت إلى حدوث تطورات واسعة وسريعة جدا ، بحيث نجد الطلاب الذين ينتهون من الرسائل في هذا اليوم يشعرون بالقفزة الكبيرة بين ما درسوه في مرحلة السطوح وما يدرسونه في البحث الخارج ، حتى كأنهم يحتاجون إلى استيعاب ما دوّنته الأجيال الثلاثة من أفكار عميقة بعد الشيخ ، كي يمكنهم استيعاب ما يطرحه أساتذة الخارج في عصرنا هذا (١).

__________________

(١) منذر الحكيم ـ تطوّر الدرس الاصولي في النجف الأشرف ( بحث ) منشور ضمن موسوعة النجف الأشرف ـ إصدار جعفر الدجيلي ٧ / ١٩٣ ـ ١٩٤ / طبع بيروت دار الأضواء ١٩٩٧.


إن الشيخ الحلي كان يهتم كثيرا ببلورة آراء أساتذته ، ثم يعطي الرأي المختار فيها ، اعتقادا منه أن طلابه يجب أن يطلعوا على أفكار الأساتذة الذين سبقوه في الموضوع ، التي تعبّر عن تطور الفكر الاصولي تبعا لأساتذتهم.

وليس معنى هذا أن لا يكون له رأي في الموضوع ، وكمثل على ذلك انطباعات السيد محمد تقي الحكيم عن محاضرات استاذه الاصولية ، فقد نقل استاذنا المرحوم السيد محمد تقي الحكيم عن انطباعاته لمحاضرات استاذه الشيخ الحلي في الاصول ، وآرائه المميزة ، نذكر منها الآتي :

١ ـ في التعريف :

يرى أن إضافة كلمة اصول إلى الفقه تعطي أن لكل مسألة استقلالها الذاتي في القيام بوظيفتها ، ولا ارتباط لها بالباقي ، ولذا لا تكون مسائل اصول الفقه علما واحدا ، وإنما هي مجموعة مسائل لها مدخلية ما في استنباط الحكم الشرعي أو الوظيفة العقلية ، شرعية أو عقلية. ومدخليتها في الاستنباط قد تكون مباشرة كالكبريات المنتجة لها ، وقد تكون غير مباشرة كمباحث الألفاظ التي تقع صغريات ـ غالبا ـ للقياس الشرعي.

وبناء عليه إذا لم تكن علما قائما بذاته استغنينا عن التماس بحث موضوع العلم وما يتعلق به من بحث الأعراض.

وكذلك لا خصوصية لما ذكر من مباحث الألفاظ دون بقية البحوث اللغوية أو النحوية ، وكل ما هنالك أن هذه البحوث لم تقع بحثا في مضانها فحررت هذه في الاصول (١).

٢ ـ تحقيق مصطلح « الحكومة » و « الورود » :

__________________

(١) السيد محمد تقي الحكيم ـ انطباعاتي عن محاضرات الشيخ حسين الحلي في الاصول : ١ ( مخطوط ).


حيث إن هاتين الكلمتين مصطلح متأخر جرى على ألسنة بعض أعلام النجف منذ ما يزيد على القرن ، وتداول على ألسنة جميع الأعلام بعد ذلك ، وبحثوا كل ما يميزهما عن التخصيص والتخصص ، وهما المصطلحان اللذان شاع استعمالهما على ألسنة الاصوليين قديما وحديثا. والمعروف أن الشيخ الأنصاري ـ رائد المدرسة الاصولية في عصره المتوفى ١٢٨١ ه‍ ـ هو أول من وضع هذا الاصطلاح وتبنى مفاهيمه ، إلا أن استاذنا الشيخ حسين الحلي تتبع هذا المصطلح فوجده في كتاب « جواهر الكلام » في أكثر من موضع ، وصاحب الجواهر ( الشيخ محمد حسن ) أقدم طبقة منه ، وإن كانت بينهما معاصرة (١).

٣ ـ الوضع :

يقول أستاذنا السيد محمد تقي الحكيم ـ تغمده الله برحمته ـ :

« قال أستاذنا السيد أبو القاسم الخوئي قدس‌سره بعد أن ناقش مبدأ التوقيفية في اللغات ودعوى أن الواضع هو الله عزّ وجل : ثم إن الوضع وليد الحاجة بين طبقات البشر لغرض التفاهم وسير حركة الحياة ، وهو يختلف باختلاف الامم والأزمان ومقدار الحاجة إليه ».

وأضاف سيدنا الاستاذ الحكيم : « ومن رأي أستاذنا الشيخ حسين الحلي قدس‌سره أن الوضع لدى البدائيين يختلف عنه لدى الامم المتحضرة من حيث توفر عنصر الإرادة فيه وعدمه ، فهو لدى البشر في بدأ تكوينهم لم يكن سوى تعبير لا شعوري عن حاجة من الحاجات يصدر عنه ، كما يصدر أي صوت من أي حيوان ، وكما يصدر البكاء منه عند ما يحس بما

__________________

(١) محمد تقي الحكيم ـ الاصول العامة : ٨٧ ، هامش ١ من الصفحة نفسها طبع قم / مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر ١٩٧٩ ( الطبعة الثانية ).


يدعوه إلى الألم والبكاء. فالبكاء في حقيقته تعبير عن الألم كما أن الألفاظ تعابير عن معانيها ، ومثل هذا التعبير في حقيقته تعبير عن الألم ، كما أن الألفاظ تعبير عن معانيها ، ومثل هذا التعبير لا يسبق بتصور. ثم يقول : أما بعد تبلور اللغة وتطورها فهذا الكلام ربما يتأتى فيه ، لأن الواضعين سواء في الأعلام الشخصية أم غيرها يسبقون الاستعمال باختيار اللفظة وتصورها بعد تصور المعنى الموضوع » (١).

وينتهي استاذنا التقي الحكيم قائلا : ومن هنا يرى أن تقسيمات الوضع القادمة لا تتأتى من البدائيين ، وإن صح ورودها بعد مرور البشر بمراحل حضارية (٢).

المرجعية المعاصرة تعتمد آراء الشيخ الحلي :

١ ـ إن القارئ لكتاب « المحكم في اصول الفقه » (٣) لسماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم ( دام ظله ) يجد آراء الشيخ الحلي في أغلب أبواب الاصول ومواضيعه منتثرة بين سطوره نقاشا واستشهادا رغم أن الكتاب ليس من تقريرات الشيخ قدس‌سره بل هو من تأليفات السيد ( حفظه الله ) وعلى ما علمت منه أنه يحتفظ بتقريرات بحث الشيخ.

٢ ـ وبأمر من سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي

__________________

(١) محمد تقي الحكيم ـ من تجارب الاصوليين : ٢٦ ـ ٢٧ / طبع بيروت المؤسسة الدولية ( الطبعة الثانية ) ٢٠٠٢ عن السيد علاء بحر العلوم ـ مصابيح الاصول ١ / ٣٧ وعن كتابه : انطباعاتي عن محاضرات الاستاذ الشيخ حسين الحلي ( مخطوط ).

(٢) المصدر المتقدم : ٢٧.

(٣) المحكم في اصول الفقه مطبوع في ستة مجلدات يتناول بحوث الاصول في جوانبه المتعددة ، وقد طبع مرتين ، الطبعة الثانية طبعت في مؤسسة المنار عام ١٤١٨ ـ ١٩٩٨.


السيستاني ( دام ظله ) تألفت لجنة لإعداد طبع دورة كاملة اصولية للمرحوم الشيخ الحلي كتبها نفسه ، ولا زالت اللجنة مشغولة بها ، وللعلم أن هذه الدراسة الموجزة عن حياة شيخنا الاستاذ الحلي ستكون مقدمة لهذا الكتاب ، الذي سيرى النور عن قريب إن شاء الله.

والخلاصة : أن الشيخ الحلي في بحوثه الفقهية والاصولية نجد فيها الرأي الدقيق والعمق الفكري ، وأنه اجتهد أن تكون بحوثه ملامسة الواقع المعاش وخاصة في البحوث الفقهية.

ويصف أحد طلاب الشيخ محاضراته وما فيها من جدة وتطور علمي ، وكان حينها يحاضر في « الوضع » وتصور أنه يتناول بحث الوضع على نهج مشايخنا في الاصول ، فلما دخل في بحث الوضع وجده أنه قدس‌سره ينحو في هذه المسألة نهج الدراسات الحديثة في تكوين اللغة ، ويواصل المتحدث فيقول : « وهي شيء جديد لم نعهده من قبل عند أساتذتنا ومشايخنا رحمهم‌الله وكان يضرب لنا مثلا في ذلك بتكوين اللغة عند الطفل وتكاملها لديه ، فكان يقول : إن اللغة أية لغة تتكون بنفس الطريقة التي تتكون فيها اللغة عند الطفل ، غير أن اللغة عند الأطفال تتكون في بضع سنين ، واللغة عند الشعوب والامم تتكون في بضع قرون » (١).

من تتلمذ عليه؟

ـ قال أحد طلابه :

« ... كان الشيخ الحلي مدارا للبحث والتحقيق ، ومحطا لأنظار أهل

__________________

(١) سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي ، حديث خاص في ٥ صفر ١٤٢٨ ه‍.


الفضل ، يؤمّونه للارتواء من مناهل علومه ، لما عرف به من غزارة العلم ، وعمق التجربة ، وسعة الأفق ، ووفرة الاطلاع. وقد تخرّج على يديه جيل من أهل العلم ، هم الطليعة اليوم في جامعة النجف » (١).

فقد ذكر بعض من كتب عنه في حقل من تتلمذ عليه : كان عددهم ثلاثة وخمسين شخصية علمية ، بعضهم تسنم زعامة المرجعية الدينية العامة كآية الله العظمى السيد علي السيستاني ، وآية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم ، وهما من المراجع العظام اليوم. وآخر تعرض لذكر من تتلمذ عليه فعد أكثر من هذا العدد (٢).

الحقيقة التي شاهدتها ـ وعلى معرفة تامة بأغلب الشخصيات العلمية التي كانت تحضر بحث سيدي الاستاذ ـ أن وجوه الحوزة العلمية حينذاك هم من الملتزمين بالحضور في أغلب حلقات بحوث الشيخ الحلي الفقهية والاصولية لغرض التعرف على مدى عمق المحاضرين في المادة العلمية ، وسعة آفاقهم المعرفية في مدرسة النجف الأشرف العريقة ، وللاستفادة من تضلعهم الفكري في مجالات الاختصاص ، ولذا نرى أن الكثير من طلاب العلم قد يحضر على أكثر من استاذ حلقة بحث خارج للاستفادة من تنوع أفكار المحاضرين.

__________________

(١) المرحوم الشيخ حسن السعيد ـ دليل العروة الوثقى : ١ المقدمة ج / طبع مطبعة النجف ١٣٧٩.

(٢) راجع في هذا الصدد هاشم الحسيني ـ لمحات من حياة آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي : ٢٠ ـ ٢١ / طبع النجف إصدار مركز البحوث والدراسات الإسلامية الطبعة الاولى ٢٠٠٤ ، ومحمد شريف رازي ـ گنجينه دانشمندان ٧ / ٢٨٠ ( فارسي ) طبع قم مطبعة برويز ، ومجلة الموسم إصدار محمد سعيد الطريحي العدد ١١ المجلد الثالث ص ٧٩٧.


والشيخ الحلي حين يتحدث في المادة التي يحاضر فيها فهو يعبّر عن خلاصة أفكار فرسان المادة وعرض آرائهم المتنوعة فيها ، وهذا ما يروق لنخبة من أهل العلم الذين يهتمون للعمق المعرفي.

يقول أحد تلاميذه في ترجمته لأستاذه : « في أي وقت يسأل الشيخ عن رأيه في مسألة سواء كان في الدرس أو في خارجه وما هي فتواه يكون جوابه لا شأن لي بالفتوى ، إن عملنا أن نبحث حول المسألة في الكتب ونستنسخها لنناقشها مع الأصحاب ».

ويتم السيد اللاله زاري حديثه عن استاذه فيقول :

« كان الشيخ رجلا دقيقا في كل المسائل ، وتحقيقا لا أستطيع أن أقول إن الشيخ حسين الحلي أقل من العلاّمة الحلي » (١).

وآخر ممن تتلمذ عليه ذكر لي قائلا :

« حضرت أبحاث شيخنا الفقيه المحقق آية الله الشيخ حسين الحلي قدس‌سره وكان له درسان في الفقه والاصول ، وكنت أقتصر على درسه في الاصول ، وأذكر أن درسه في الاصول يومئذ كان في مباحث الألفاظ ـ وفي غرفة في الضلع الشرقي من الصحن الشريف ـ ولم أستسغ الدرس لأول وهلة بسبب أسلوبه البياني في التدريس ، غير أني وجدت أن وراء هذا الأسلوب البياني الذي لم أستسغه لأول وهلة علما جما ، ومعرفة غزيرة بكلمات الأعلام وآرائهم ، ونضجا وجدة في الطرح ...

وكان رحمه‌الله متأثرا بآراء أستاذيه فقيهي العصر المحقق النائيني ، والمحقق العراقي قدس‌سرهما ولكن يغلب عليه فيما حضرته من أبحاثه نهج أستاذه الفقيه

__________________

(١) آيت نور : ١ / ١٥٨ ( ترجم عن الفارسية ) طبع ايران.


العراقي الشيخ ضياء الدين رحمه‌الله.

ومن أبرز خصاله الشخصية تحرره رحمه‌الله عن التكلف ، وبساطته في المعيشة ، وفي علاقاته الاجتماعية مع تلامذته ومع سائر الناس ، وابتعاده عن الزعامة ، وما تكتنفها من القيود والكلفات » (١).

لقد أشرنا فيما سبق أن شيخنا الحلي تأثر بأستاذه الشيخ النائيني ، ونظرة إلى ما سجله من تقريرات استاذه النائيني ، وما عبر عنه بأنه أفضل تلامذته ، وتوجيه من طلب منه طبع رسالته بغية تقليده فيرشده إلى رسالة الشيخ النائيني ، يتأكد بأن الشيخ تأثر بالنائيني كثيرا.

وليس معنى هذا أن الآخرين من أعلام الحلقات العلمية لم يتطرقوا إلى هذا الجانب ، إنما كانوا يختصون بأفكارهم ويناقشون أفكار مخالفيهم في المسألة.

ومن هنا نرى أن حلقة بحث الشيخ الحلي تقتصر على النخبة ممن يهتم لهذا الجانب التحقيقي ، ولذا نرى أن حلقة بحث الشيخ الحلي العلمية لم تصل إلى ثلث حلقة الآخرين ممن هم بدرجته من العلم والمعرفة.

وهذا ما يرشدنا إلى التعرف على مزية مهمة للشيخ هي : إذ كان يهتم لكل طالب من طلابه الجادين الذين يكتبون بحثيه يوميا ، ويهتم كثيرا على الاطلاع مما كتبه ، فإذا رأى نقصا أو تشويشا لرأيه علّق على الصفحة بخطه.

وتصوري أن الاهتمام في الامور العلمية يأخذ الجانب الكيفي ، لأن الجانب الكمي لا قيمة له بالنسبة للجانب العلمي ، ومن هنا نستطيع أن نفسر عدم اتساع عدد أفراد الذين يحضرون بحثي الشيخ في الفقه

__________________

(١) الآصفي ـ حديث خاص تقدمت الإشارة إليه.


والاصول ، كما كان في بحثي المرجعين المعاصرين له ، وهما العلمان الكبيران : السيد محسن الحكيم ، والسيد أبو القاسم الخوئي قدس‌سرهما.

وحين أستعرض لذكر تلاميذ شيخنا الحلي فأنا أسجل أسماء من أعرف أنهم لازموا البحث ، وأسجل حضور الآخرين معتمدا على بعض المصادر ، سأشير إلى ذكرها في الهامش. وأعتقد أنه لا يمكن اعتبار جميع من ورد اسمه في هذه القائمة من طلابه الملازمين لبحوثه ، فبعضهم حضر في فترات متفاوتة ، ولذا يمكن اعتبارهم طبقتين. وفي مقدمة الملازمين المرجعان السيد السيستاني ، والسيد محمد سعيد الحكيم ( حفظهما الله ) وكذلك الأخوان العلمان السيد محمد حسين ، والسيد محمد تقي الحكيم ، والشهيدان السيدان علاء الدين ، وعزّ الدين بحر العلوم ، وغيرهم ممن لا أستحضر أسماءهم بالضبط ، وسوف اورد أسماء الجميع حسب الحروف الهجائية معتمدا على المصادر التي تشير إلى ذلك :

الشيخ إبراهيم الشيخ صفر علي المشكيني الاردبيلي ( ١٣٤٣ ـ ١٤١٦ ) (١).

السيد إبراهيم الكماري بن ساجد السيد باقر الزنجاني التبريزي ( ٠٠ ـ ١٣٨٦ ) (٢).

السيد إسماعيل السيد حيدر الصدر ( ١٣٤٠ ـ ١٣٨٨ ) (٣).

السيد تقي بن السيد حسين الطباطبائي القمي (١٣٤١) (٤).

الشيخ جعفر محبوبة ( ١٣١٤ ـ ١٣٧٨ ).

__________________

(١) ذكره مجتهدي عن كتاب أصحاب الإجماع : ٢٨٣.

(٢) محمد هادي الاميني ـ معجم رجال الفكر والأدب ٢ / ٦٤٣ وكاظم عبد الأمير الفتلاوي ـ المنتخب من أعلام الفكر والأدب : ١٣.

(٣) الفتلاوي ـ المصدر المتقدم : ٥٣.

(٤) الاميني ـ المصدر المتقدم : ٣ / ١٠١٨ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ٧٢.


السيد جعفر المرعشي ( ١٣٢٦ ـ ١٤٠٧ ).

الشيخ جعفر ميرزا علي النائيني (١٣٦٢).

السيد جمال الدين السيد رءوف الملايري ( ١٣٠٩ ـ ١٣٨٢ ) (١).

الشيخ حسن سعيد الطهراني ( ١٣٤٣ ـ ١٤١٦ ).

الشيخ حسن الشيخ محسن الجواهري ( ١٣٢٠ ـ ١٤٠٨ ).

السيد حسن المرتضوي الشاهرودي (١٣٥١) (٢).

السيد حسن موسى الشميساوي ( ١٣٣٩ ـ ١٤٠٩ ).

السيد حسين باقر الموسوي الهندي ( ١٣٢٨ ـ ١٣٨٣ ) (٣).

السيد رضا السيد زين العابدين الخلخالي الموسوي ( ١٣٤٧ لم يعثر على رفاته بعد سقوط النظام الصدامي المباد الذي اعتقله ) (٤).

السيد رضي السيد محمد حسين الشيرازي (١٣٤٥) (٥).

الشيخ صادق الشيخ باقر القاموسي ( ١٣٢٨ ـ ١٤٢٣ ) (٦).

السيد ضياء الدين الاشكوري النجفي ( ١٣٥٦ ـ ١٤٢١ ) (٧).

السيد عباس الحسيني الكاشاني (١٣٥١).

__________________

(١) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان ٧ / ١٧٣.

(٢) ذكره مجتهدي وذكره السيد رضي المرعشي عن أبيه المرحوم السيد جعفر المرعشي أنه كان زميلا له في بحث الشيخ.

(٣) الأميني ـ المصدر السابق ٣ / ١٣٤٧ ، والفتلاوي ـ المصدر المتقدم : ١٢٠.

(٤) ذكره سماحة السيد رضي المرعشي أنه كان زميل أبيه في درس الشيخ.

(٥) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان : ٧ / ٢٨٤ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ١٥٥.

(٦) ذكره السيد الحسيني ـ الفيض القدسي في ترجمة العلمين من آل القاموسي : ٧٨ منشورات مركز الحكمة للدراسات الإسلامية ـ النجف.

(٧) ذكره محمد شريف رازي ـ گنجينه دانشمندان : ٧ / ٢٨٠.


السيد عباس المدرسي اليزدي (١٣٦٢) (١).

الشيخ عباس ميرزا علي النائيني (١٣٥٨).

الشيخ عبد الجليل الشيخ ميرزا هادي كرمانشاهي الجليلي (١٣٤٢).

السيد عبد الرزاق السيد محمد الموسوي المقرم ( ١٣١١ ـ ١٣٩١ ) (٢).

الشيخ عبد الرضا الروحاني القوچاني (١٣٤٥).

السيد عبد الرسول شريعتمداري جهرمي نزيل قم (١٣٤٧) (٣).

الشيخ عبد الرسول الواعظي ( ١٣٥٣ ـ ١٣٨٦ ) (٤).

السيد عبد العزيز السيد جواد الطباطبائي اليزدي ( ١٣٤٨ ـ ١٤١٦ ) (٥).

السيد عبد الكريم آل علي خان ( ١٣١٧ ـ ١٤١٠ ) (٦).

السيد عبد المجيد شمس الدين السيد عبد العظيم الحسيني الكابلي ( ١٣٤٣ ـ ... ) (٧).

الشيخ عبد المهدي الشيخ عبد الحسين مطر ( ١٣١٨ ـ ١٣٩٥ ) (٨).

__________________

(١) ذكره مجتهدي.

(٢) الاميني ـ المصدر السابق ٣ / ١٢٣١.

(٣) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان : ٥ / ١١.

(٤) ذكره الحسيني ـ المصدر السابق : ٢٠.

(٥) ذكره محمد شريف رازي ـ گنجينه دانشمندان : ٧ / ٢٨٠. ولم يرد اسم الشيخ الحلي في ذكر أساتذته ضمن من ذكرهم المرحوم السيد عبد العزيز نفسه في الترجمة التي كتبها بطلب من المرحوم السيد حسن الأمين ونشرت في مستدرك أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ٨ / ١٣٣ / طبع دار التعارف بيروت ، وكذلك الفتلاوي ـ المصدر المتقدم : ٢٥٥.

(٦) ذكره مجتهدي والفتلاوي ـ المصدر المتقدم : ٢٦٦ عن ذكراه المطبوعة.

(٧) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان : ٦ / ١١٩.

(٨) ذكره الحسيني ـ المصدر السابق : ٢٠ ، في حين لم يشر محبوبة ـ المصدر السابق


الشيخ عبد الهادي حموزي ( ... ـ ١٣٩٤ ) (١).

السيد الشهيد عزّ الدين بحر العلوم ( ١٣٥٢ ـ لم يعثر على رفاته بعد سقوط النظام الصدامي عام ٢٠٠٣ ).

السيد الشهيد علاء الدين السيد علي بحر العلوم ( ١٣٥٠ ـ لم يعثر على رفاته بعد سقوط نظام صدام عام ٢٠٠٣ ).

الشهيد الشيخ ميرزا علي بن أسد الله بن حسن التبريزي الغروي ( ١٣٤٩ ـ ١٤١٩ ) (٢).

الشيخ علي حرج ( ... ـ ... ) (٣).

الشيخ علي زين الدين بن الشيخ عبد العزيز ( ١٣٣٩ ـ ١٤٠٦ ) (٤).

السيد علي السيستاني (١٣٤٩).

الشيخ علي الشيخ قاسم المعروف بقسام ( ١٣٢٥ ـ ١٤٠٠ ) (٥).

__________________

٣ / ٣٥٧ إلى اسم الشيخ الحلي حين ذكر أسماء أساتذته ، وكذلك الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٢٠٩١.

(١) ذكره الحسيني ـ المصدر السابق : ٢٠. ولم أعثر في مصدر آخر ممن يشير إلى أساتذته من يذكر الشيخ الحلي.

(٢) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٣١١ عن ولده الشيخ جواد الغروي ، وله تقريرات الاصول من بحث الشيخ الحلي / مخطوط.

(٣) نقل سماحة السيد محمد صالح الحكيم عن والده آية الله السيد محمد علي الحكيم أن الشيخ علي حرج كان ثالث زميل لهم في درس المكاسب عند الشيخ الحلي.

(٤) ذكره الحسيني ـ المصدر السابق : ٢٠.

(٥) نقل السيد محمد صالح الحكيم ( في لقاء مساء ٢٥ محرم ١٤٢٧ ) نقلا عن والده سماحة آية الله السيد محمد علي الحكيم : أنه والمرحوم السيد يوسف الحكيم ، والشيخ علي قسام ، والشيخ علي حرج كنا نحضر عند الشيخ الحلي درس المكاسب. كما ذكر السيد الحسيني ـ المصدر السابق : ٢٠.


الشيخ علي الشيخ محمد طه الكرمي الحويزي ( ١٣٤٣ ـ ١٤٢٨ ) (١).

الشيخ قربان علي بن محمد رضا الأفغاني الشهير بالمحقق التركماني الكابلي نزيل قم (١٣٤٧) (٢).

الشيخ ميرزا كاظم القاروبي التبريزي النجفي ( ١٣٤٠ ـ ١٤١٦ ) (٣).

السيد كاظم الحسيني السرابي النجفي (١٣٤٨) (٤).

السيد الشهيد كاظم السيد محسن الحكيم ( ١٣٥٦ ـ ١٣٩٥ ) (٥).

الشيخ محمد إبراهيم البروجردي ( ١٣٤٤ ـ ١٣٩٠ ).

الشيخ محمد إبراهيم الجناتي (١٣٥١) (٦).

السيد محمد السيد إسماعيل السدهي الموسوي ( ١٣٣٤ ـ ١٤٢١ ) (٧).

الشيخ محمد الشيخ عبد الله آل راضي ( ١٣٤٥ ـ ١٤١٤ ).

السيد الشهيد محمد باقر السيد حيدر الصدر ( ١٣٥٠ ـ ١٤٠٠ ).

الشيخ محمد باقر الطاهري الشاهرودي ( ١٣٥٠ ـ ١٤١٤ ) (٨).

السيد محمد تقي السيد محمد سعيد الحكيم ( ١٣٤١ ـ ١٤٢٣ )

السيد محمد السيد جمال الهاشمي ( ١٣٣٢ ـ ١٣٩٧ ).

السيد محمد جواد الأمين (١٣٤٦) (٩).

__________________

(١) ذكره في مجلة الموسم ١٨ / ١٢٣.

(٢) ذكره مجتهدي.

(٣) ذكره مجتهدي.

(٤) ذكره مجتهدي.

(٥) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٣٦٦ والحسيني ـ المصدر السابق : ٢٠.

(٦) ذكره مجتهدي عن مجلة كيهان فرهنگي / السنة ٩ ص ٣.

(٧) محمد هادي الاميني ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف ١ / ١٥٣.

(٨) ذكره مجتهدي.

(٩) الحسيني ـ المصدر السابق : ٢١ لم أعثر على ترجمة له في المصادر المتوفرة لدي.


الشيخ محمد جواد الشيخ عبد الرضا آل راضي ( ١٣٢٩ ـ ١٤١١ ).

السيد محمد جواد السيد عبد الرءوف فضل الله ( ١٣٥٧ ـ ١٣٩٥ ) (١).

الشيخ محمد حسن الشيخ عبد اللطيف الجزائري ( ١٣٢٦ ـ .. ) (٢).

الشيخ محمد حسن القافي اليزدي (١٣٥٤) (٣).

السيد محمد حسين فضل الله (١٣٥٤) (٤).

الشيخ محمد حسين محمد رضا الكلباسي ( ١٣٢٣ ـ ١٤١٨ ) (٥).

السيد محمد حسين السيد محمد سعيد الحكيم ( ١٣٣٣ ـ ١٤١٠ ).

الشيخ محمد رضا محمد علي الحويزي العامري ( ١٣٤٠ ـ ١٤٢٣ ) (٦).

السيد محمد سعيد السيد محسن الحكيم البصري ( ١٣١٧ ـ ١٣٨٦ ) (٧).

السيد محمد سعيد السيد محمد علي الحكيم (١٣٥٣).

السيد محمد صادق السيد باقر الحكيم ( ١٣٣٤ ـ ١٤٠٢ ) (٨).

السيد محمد السيد علي بحر العلوم (١٣٤٧) (٩). ( درس فقه خاص )

السيد محمد علي السيد أحمد الحكيم (١٣٢٩).

__________________

(١) ذكره الحسيني ـ المصدر السابق : ٢١ ، والفتلاوي لم يشر إلى ذلك رغم ذكره لأساتذته ـ المصدر السابق : ٤٣٣.

(٢) جعفر محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها ٢ / ٩٥.

(٣) ذكره مجتهدي عن كتاب دانشنامه مشاهير يزد ٢ / ١١٦٥.

(٤) الأميني ـ المصدر المتقدم ٢ / ٩٤٣ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ٤٦٢.

(٥) محبوبة ـ ماضي النجف وحاضرها ٣ / ٢٣٦ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ٤٧٥.

(٦) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٥٠٦.

(٧) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٥١٢.

(٨) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٥٩٥.

(٩) مجتهدي عن مجلة حوزة عدد ٥١ / ٢٧.


الشيخ محمد بن محمد إسماعيل القزويني الغروي (١٣٤٥) (١).

السيد محمد علي صادقي اصفهاني ( ١٣٤٦ ـ ١٤١٧ ) (٢).

السيد محمد علي السيد محمد حسين العلاق ( ١٣١٤ ـ ١٣٨٣ ) (٣).

السيد محمد علي المدرسي اليزدي ( ١٣٥٨ ـ ١٤٢٢ ) (٤).

الشيخ محمد كاظم فقيهي مازندراني نزيل قم (١٣٤٤).

السيد محمد مفتي الشيعة الأردبيلي (١٣٤٧) (٥).

الشيخ محمد مهدي الشيخ علي محمد الآصفي (١٣٥٧) (٦).

السيد محمد مهدي السيد ميرزا حسن البجنوردي (١٣٥٣) (٧).

السيد محمد مهدي السيد فاضل الموسوي الخلخالي (١٣٤٤) (٨).

الشيخ محمد الشيخ مهدي زين العابدين ( ١٣٤٠ ـ ١٤١٨ ) (٩).

الشيخ محمد هادي معرفت الحائري ( ١٣٥٢ ـ ١٤٢٨ ) (١٠).

السيد محمود السيد حسين الحبوبي الحسني ( ١٣٢٣ ـ ١٣٨٩ ) (١١).

__________________

(١) الأميني ـ المصدر السابق ٢ / ٩١٥.

(٢) مجتهدي عن گنجينه دانشمندان : ٢ / ٢٤٤.

(٣) الاميني ـ المصدر السابق ٢ / ٨٩٧.

(٤) مجتهدي عن گنجينه دانشمندان ٩ : ٣٦٧.

(٥) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان ٧ : ٢٨٠.

(٦) أخبرني هو حضر عنده في مبحث القطع ، ومعه بعض الإخوة الواردة أسماؤهم في هذه القائمة بتاريخ مساء ٢٤ محرم ١٤٢٨.

(٧) الاميني ـ المصدر السابق : ١ / ٢٠٢.

(٨) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٦١٧.

(٩) الأميني ـ المصدر السابق ٢ / ٦٥٢.

(١٠) ذكره مجتهدي عن مجلة حوزة عدد : ٣٢ / ١٣٥.

(١١) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٦٢٩ في بداية حياته العلمية ثمّ انتقل إلى الحياة الأدبية.


الشيخ مرتضى الأشرفي الشاهرودي (١٣٥٢) (١).

الشيخ مرتضى الشيخ علي محمد البروجردي ( ١٣٥٨ ـ ١٤١٨ ) (٢).

السيد مرتضى الحائري ( .. ـ .. ) (٣).

السيد مرتضى السيد محمد حسين الحكمي ( ١٣٤٥ ـ ١٤٢٤ ) (٤).

السيد مسلم السيد حمود الحسيني الحلي ( ١٣٣٤ ـ ١٤٠١ ) (٥).

الشيخ مصطفى الأشرفي الشاهرودي (١٣٥٤) (٦).

الشيخ مصطفى النوراني الأردبيلي ( .. ـ .. ) (٧).

السيد موسى السيد جعفر بحر العلوم ( ١٣٢٧ ـ ١٣٩٧ ) (٨).

السيد مهدي السيد محسن الحكيم ( ١٣٥٣ ـ ١٤٠٨ ) (٩).

الشيخ نور الشيخ حسين مشكور ( ١٣٣٠ ـ ١٤٢٣ ) (١٠).

الشيخ نور الدين بن حامد الواعظي ( ١٣٥٢ ـ ١٣٩١ ) (١١).

الشيخ موسى الشيخ هادي زين العابدين (١٣٥٤) (١٢).

__________________

(١) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان : ٥ / ٢٦٣.

(٢) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٦٤٢.

(٣) الحسيني ـ المصدر السابق : ٢١.

(٤) ذكره مجتهدي.

(٥) حسن الأمين ـ مستدرك أعيان الشيعة ٣ / ٢٥١ ، والحسيني ـ المصدر السابق : ٢١.

(٦) ذكره مجتهدي عن گنجينه دانشمندان : ٥ / ٢٨٣ ..

(٧) ذكره مجتهدي.

(٨) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٦٧٦.

(٩) حسن الأمين ـ المصدر المتقدم : ٢٦٠.

(١٠) ذكره مجتهدي.

(١١) الفتلاوي ـ المصدر السابق : ٦٩٠.

(١٢) ذكره الأميني ـ المصدر السابق ٢ / ٦٥٣.


السيد هاشم الطهراني ( ١٣٣٩ ـ ١٤١١ ) (١).

السيد يوسف السيد محسن الحكيم ( ١٣٢٧ ـ ١٤١١ ) (٢).

وغيرهم من الأعلام والفضلاء الذين كان لهم دور معروف في الجامعة العلمية في النجف ، والبعض من هؤلاء انتقلوا في الظروف القاسية التي فجّرها صدام حسين بوجه طلاب العلم الشيعة في العتبات المقدسة في النجف الأشرف ، وكربلاء ، والكاظمية ، وسامراء ، حيث سفّرهم إلى خارج العراق ، وبعضهم عادوا إلى أوطانهم في لبنان ، وإيران ، وباكستان ، والهند ، والبحرين ، والأحساء ، والقطيف ، وغيرها من الدول الإسلامية الشيعية التي تعارف في أجوائها أن ترسل أبناءها إلى الجامعة العلمية النجفية ليتفقهوا في الدين ، ويرجعوا إلى أوطانهم لتحمل مسئولية إدارة حوزتها العلمية ، والإرشاد الديني فيها (٣).

ونقل أن الشيخ كان في سن الشباب يحرص على مجالسة العلماء من الطبقة المتقدمة عليه ليستفيد منهم ما يمكن استفادته ، وقد نقل لي أحد الفضلاء من تلاميذه : أن السيد الطباطبائي اليزدي كان يكتب « العروة الوثقى » وكانت مسوداته تعرض على تلميذه المقرب له المرحوم آية الله الشيخ

__________________

(١) الحسيني ـ المصدر السابق : ٢١.

(٢) حسن الأمين ـ المصدر السابق ٦ / ٣٣٦ ، والفتلاوي ـ المصدر السابق : ٧١٣.

(٣) لزيادة الاطلاع على أسماء تلاميذ الشيخ الحلي انظر : الشيخ محمد شريف رازي ـ گنجينه دانشمندان ( فارسي ) / طبع قم ـ ايران مطبعة برويز ، والشيخ محمد هادي الأميني ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف بأجزائه الثلاثة ( الطبعة الثانية ) عام ١٩٢٢ ، وكاظم عبد الأمير الفتلاوي ـ المنتخب من أعلام الفكر والأدب ( الطبعة الاولى ) طبع بيروت مؤسسة المواهب للطباعة والنشر ١٩٩٩ ، بالاضافة إلى المصادر المذكورة في الهامش.


أحمد كاشف الغطاء ، وكان الشيخ الحلي على حضور مجلس الشيخ كاشف الغطاء للاستفادة من المسائل العلمية التي تعرض فيه ، وخاصة تلك التي كان يثيرها بين حضار المجلس الشيخ كاشف الغطاء من خلال مسودّات كتاب العروة الوثقى من المسائل القابلة للنقاش ، وكان الشيخ الحلي يشارك في النقاش المثار حول بعض الآراء الطباطبائية وغيرها ، وكان الشيخ كاشف الغطاء يهتم بمناقشات الشيخ الحلي لما يتوسم فيها من عمق علمي ، وحسن رأي ، ويتنبأ له بمنزلة علمية مستقبلية ، وعمره حينذاك لم يتجاوز ٣١ سنة.


الباب الثالث

الوجه الآخر لشيخنا الحلي


الفصل الأول

ملامح إنسانية لها الأثر في بناء شخصية مترجمنا الشيخ

هناك قضايا إنسانية وأخلاقية تبرز صاحبها مدرسة تعج بالفضائل الكريمة ، وتميزه عن كثير من الذين عاشوا وماتوا وهم على هامش الحياة ، ويهملهم التاريخ ، والإنسان مهما كانت مكانته العلمية والاجتماعية إذا لم تكن مثمرة ومشوبة بما يخلدها فلا خير فيها.

شيخنا الحلي جم الفضائل ، وإذا أردنا اختزالها بما يتسع هذه الأوراق المعدودة فيمكن اختصارها بالنقاط التالية :

أولا : ورعه وتقواه.

لقد عشت معه زمنا يزيد على عدة عقود لاحظت فيه عامل التقوى والورع يبعده الولوج في المظاهر « الدعائية » التي يتطلبها أغلب الناس لأيام دنياه وتلوين الواجهة ، بما يعشيه عن حقيقة الإنسانية الطبيعية غير المتكلفة ، وبما يرضي الله سبحانه.

وكمثل لذلك فالمعتاد إذا دخل أحد العلماء إلى مجلس الفاتحة في النجف يستعيد مقرئ القرآن الفاتحة تكريما له ، والشيخ الحلي من العلماء الذين يستحقون استعادة الفاتحة كما هو المألوف لأقرانه ، ولكن ذلك القارئ ما كان يقوم بهذه المهمة ، فاستهجنت منه هذا الموقف ، وقررت أن أستفسر عن السبب ، فالتقيت به مرة ، فاستوقفته وسألته عن السبب ، فقال بكل صراحة : عمك ما يرضى بذلك.


ومرة جاءه شخص من أهل المال فأعطاه مبلغا رفضه ولم يقبل منه ، فقال له بعض الخاصة : لما ذا لم تقبل منه الهدية؟ قال : أمواله فيها شبهة ، وأنا لا أريد لنفسي أن أحترق بها.

وحصل مثل هذا الكثير ، ولا أريد أن أطيل بها ، ولو أراد الشيخ أن يقبل مثل هذه الأمور لكان حاله غير ما عرف فيه من بساطة العيش التي قضى فيها حياته.

ثانيا : كرمه وعطاؤه.

الكرم سجية إنسانية محبوبة ترفع من شأن الانسان وتحفظ مقامه في اسرته وأهله وبلده ، وشيخنا الحلي من هذا الصنف الذي حباهم الله سبحانه خصلة أحبها لنفسه ، وأحب أن تكون في عباده المكرمين أيضا ، فكان المال لا قيمة له في حساب الشيخ الحلي ، وقبل في العيش البسيط ، زاهدا في دنياه ، فلا يفرح به حين يغوص في جيبه لأنه سوف ينتقل إلى يد غيره إن آجلا أو عاجلا ، ولا يأسف عليه إذا أعطاه لمن يستحقه.

لقد نقل لي من أثق به من الأصدقاء أن أحد طلابه الموثوقين نقل أنه ذهب إلى بيت الشيخ الحلي ليناقشه في مسألة فقهية علقت في ذهنه ، ولما دخل عليه في غرفته الخاصة المتواضعة في أثاثها ، استقبله بكل بشاشة وترحاب ، وبعد أن استقر به المقام أتم مناقشة المسألة وخرجا سوية باتجاه الصحن الحيدري ، وفي الطريق التقى به أحد خدم الروضة العلوية ، ومعه رجل عرّف نفسه للشيخ وسلّم عليه ، وقدّم له ظرفا فيه بعض المال ، وودعه وانصرف ، وبعد دقائق عاد خادم الروضة الذي صحب الرجل ، وقال للشيخ : اعطني بعض المساعدة مما وصل لكم يا مولانا ، فقال له الشيخ :


أنت محتاج ، فقال الرجل : وحق جدي رسول الله إني محتاج ، فدفع الشيخ الحلي له الظرف بما فيه ، ولم يأخذ منه دينارا واحدا. يقول الناقل : وبقيت مندهشا ، فقبل فترة وجيزة طلب منه ولده بعض المال لشراء حاجة ضرورية للبيت اعتذر له من عدم مال لديه ، وجاء له رزق فأعطاه بسخاء ولم يقدّم حاجته عليه.

هكذا كان كرم الشيخ ، يقدّم المحتاج ويؤثره على نفسه حتى في أضيق الأوقات.

ثالثا : أصدقاؤه « الصفوة ».

وهم أصدقاؤه الأعزاء ، حيث اطلق هذا اللقب على مجموعة من الأعلام كان عددهم تسعة أشخاص ، وهم :

السيد إبراهيم السيد محمد شبر توفي (١٣٧٨).

الشيخ حسن البهبهاني توفي (١٣٦٢).

الشيخ حسين الحلي (١٣٩٤).

السيد علي بحر العلوم (١٣٨٥).

الشيخ كاظم علي بيج ( .. ـ .. ).

الشيخ محمد جواد الحجامي (١٣٧٦).

الشيخ محمد حسين الجواهري (١٣٨٩).

الشيخ محمد حسين المظفر (١٣٨١).

السيد موسى الجصاني (١٣٦٠).

السيد مير علي أبو طبيخ (١٣٦١).

تحدث المرحوم الاستاذ جعفر الخليلي في تعريف الصفوة الذين نشير إليهم قائلا :


« وإذا بهذا الرهط من خيار الأصحاب الذين يصاحبون السيد علي ( بحر العلوم ) ويماسونه ، ينشطون في اتجاهاتهم العلمية والأدبية فيختارون لأنفسهم اسم « الصفوة » ، والحق أنهم كانوا صفوة القوم في بحوثهم وآدابهم وأخلاقهم وهزلهم ، ولم يبق من الصفوة اليوم (١) إلاّ الشيخ حسين الحلي ، وكانت هذه الصفوة تتخذ من بيت السيد علي ( بحر العلوم ) ندوة عامة وخاصة ، فهي لا تفارق « ديوانه » صباحا ولا مساء ، فإذا انصرف الناس وقضيت بعض حاجات المراجعين ممن طلب وساطة السيد علي في امورهم لدى العلماء أو لدى الحكومة ، أو حل مشاكلهم الخاصة ، وفض النزاع فيما بينهم ، وانتهى المجلس فيما هو فيه من مناقشات ، وانفرط عقد الاجتماع ، بقي أعضاء الصفوة في أماكنهم وتحول المجلس العام إلى مجلس خاص ، وعمر هنالك بألوان شتى من جد وسمر برئ كانت تسوده النكتة والظرف والدعابة » (٢).

هذه الصفوة من أهل الفضل والعلم والأدب جمعتهم الفضيلة والمحبة والأخوّة الصادقة ، فكانوا لا يفترقون من شبابهم حتى شيخوختهم ، وقد توفي الشيخ الحلي آخرهم ، وكانوا جميعا متقاربين في السن ، وكان بينهم للعلم مكان ، وللأدب مكان ، وللفضيلة مكان ، ومن مآثرهم الوفائية أن المرحوم السيد مير علي أبو طبيخ اصيب بمرض « الروماتزم » فأقعده في البيت ، فكان من وفاء هذه الصفوة أن خصصوا لزيارته في كل أسبوع يوم « الأربعاء » بأن التزم الشيخ الحلي وباقي الصفوة أن يجمعوا غذاءهم كل يوم

__________________

(١) حين كتابة المقال للمرحوم الخليلي.

(٢) جعفر الخليلي ـ هكذا عرفتهم ١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ / طبع قم ـ إيران ١٤١٢ اوفست عن نسخة طبع بغداد.


الأربعاء في بيت السيد مير علي ويقضوا نهارهم معه بعد إتمام الدروس الصباحية ، تسلية لصاحبهم الذي أقعده المرض في بيته ، وكان هذا الاجتماع يعتبر ندوة علمية أدبية تثار فيه المسائل العلمية ، والمناقشات الأدبية ، والطرائف والنكات ، وبقي هذا المجلس حتى وفاة السيد مير علي ، وهذه واحدة من وفائه مع كل إخوانه يتعهدهم بما يمكنه (١).

رابعا : وفاؤه لإخوانه وأصدقائه.

ومن السجايا الكريمة التي يمتدح الإنسان عليها ويقدّر فيها وفاؤه لإخوانه وأصدقائه ، ولها من الصفات العليا والفضائل الرفيعة ما تحفز على التقدير والإكبار ، لقد بقي الشيخ الحلي وفيا لإخوانه وأصدقائه يتعهدهم ، ويذكرهم بخير ويحنو عليهم ، وكان آخر من توفي من أصدقائه السيد علي بحر العلوم فرثاه بأروع رثاء أثار الحزن والألم في نفوس المستمعين (٢) ،

__________________

(١) جعفر الخليلي ـ المصدر المتقدّم ١ / ١٢ ـ ١٤.

(٢) جاء في كلمته التي ألقيت في الحفل التأبيني بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة الزعيم الديني حجة الإسلام والمسلمين السيد علي بحر العلوم رحمه‌الله منها :

ما كنت أحسب أن الزمن يمتد بي لأرى هذا اليوم الحزين ، وهو يلم علي أطرافي فأضطر لأقول كلمة في أخ رعيته ورعاني ، وكنت انتظر أن يوسّدني ملحود قبري ، ويرعى أهل بيتي من بعدي ، فإذا بالمقادير تقلب هذا الظن ، وإذا بي أنا المعزى والمثكول ، وأنا الذي أوسده في منزله الأخير ... فيا ساعد الله قلبي الوجيع ، وكدت أن لا اجيب لشدة تألمي وتأثري ..

عزّ عليّ أبا محمد أن أجر نفسي جرا إلى بيتك ، واناديك فلا أرى شخصك الكريم ، وأدخل كالمدهوش ألتفت يمينا ويسارا فأرى أولادك الأعزاء يلتفون حولي ليجددوا بي ذكرى والدهم الراحل ... وتمر بي الخواطر الغالية أمام ناظري تعكس علي حبك وإخلاصك ، وأكاد أغيب عن الوجود ، وأتمنى الموت ، وأنا بانتظاره


ولم يقتصر هذا الوفاء لهم فحسب ، بل تعدى إلى أولاد بعض أصدقائه بعد أن فقدوا آباءهم ، فتكفلهم بالرعاية والتوجيه ، ولم ينقطع عن رعايتهم حتى كبروا وأصبحوا آباء ، ومن هؤلاء أولاد أصدقائه الذين اطلق عليهم لقب « الصفوة ».

وأكثر من هذا فان بعض أولاد الصفوة خاصة أشرف على تثقيفهم العلمي والأدبي ، وللوفاء أقول بكل اعتزاز وفخر فانا أولاد السيد علي نعترف أن شيخنا الجليل كان نعم الموجّه لنا ، وإذا كان عندنا في ميزان الفضل والأدب بعض الشيء فالفضل له.

وأذكر أنه كان رحمه‌الله قارئا متنوع القراءة ، وكان من عادته إذا قرأ أي كتاب ومن أي نوع كان ويرى فيه بعض الفائدة فيعمل له فهرسا خاصا لما يعجبه مما في الكتاب ، وخاصة لكتب المصادر المهمة في التاريخ والأدب ومختلف العلوم ، وكان يتفضل عليّ بنسخة منها لاستفادتي ، ولا يبخل على أحد إذا طالبه بذلك. كما كان يرشدنا ـ أنا وأخويّ الشهيدين السيدين علاء الدين وعزّ الدين ـ إلى قراءة الكتب التي يراها من الضروري أن نطلع عليها لغرض المعرفة العامة ، وبقي معنا على مثل هذه الحالة حتى وفاته.

خامسا : أخلاقه وتواضعه.

الواقع أن المرحوم الشيخ الحلي ـ وأنا مطلع على واقعه الأخلاقي الرائع ـ كان جم التواضع ، يحترم الصغير المستحق للاحترام كما يحترم الكبير ، وكان لا يأبه بالشكليات في حياته الاجتماعية ، ويؤكد على القاعدة

__________________

ساعة بعد ساعة ، فما ذا أرجو بالحياة من بعدك ... عن مجلة النجف عام ١٠٦٠ م والحسني ـ المصدر السابق : ٢٩.


الشهيرة « المكان بالمكين » ، وكان مقتنعا أن شكليات المجالس لا تؤهل الإنسان للعلو والرفعة ، إنما ما يحمله من فضل وعلم وأدب هي التي تبرز صاحبها ، وتضفي عليه المكانة اللائقة ، وهذا هو منطق السلوك الأخلاقي في المجتمع الإنساني للعظماء من العلماء والأدباء وأصحاب الشأن ، وهذا هو مبدأ شيخنا أبي الجواد الحلي.

وقد سمعت شخصيا من آية الله المرحوم الشيخ محمد علي الكاظمي أحد أبرز تلاميذ الميرزا النائيني ، وهو يتحدث إلى المرحوم والدي ـ السيد علي بحر العلوم ـ بصفته الصديق الحميم للشيخ الحلي وللشيخ الكاظمي ـ يقول : « أبو محمد خلّ صاحبك شيخ حسين يختار في المجالس مكانه اللائق ليجلس في صدر المجلس ، ولا يتواضع كثيرا ويجلس في آخر المجلس ، فيضطرنا إلى الإحراج لأننا لا نريد أن نتقدم عليه في الجلوس فهو من كبارنا ، وعلينا أن نحترمه ، فأين يكون موضعنا إذا لم يختر المكان اللائق به ».

هذا اللون من التواضع لم نألفه عند الكثير ممن تسنّموا هذه المنزلة العلمية ، وهو أسلوب الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأولين من الناس المحترمين.


الفصل الثاني

الشيخ الحلي والسياسة

أصبحت السياسة جزءا من حياة غالبية مراجع الدين وعلماء الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية في بداية القرن الماضي الثالث عشر الهجري ١٣٠٠ القرن التاسع عشر الميلادي ١٩٠٠ رغم المحاولات المتعاقبة من قبل بعض رجال الدين في فصل الدين عن السياسة ، وحصر مهامهم في الفتيا بما يتعلق بشأن الامور الدينية التي لا علاقة لها بالسياسة ، واقتصار دور الفقيه على العبادات والمعاملات ، والأحوال الشخصية وثبوت الهلال ، وما يشابه. وهذا الرأي وإن قال به بعض علماء الشيعة على أساس أن الدولة الإسلامية لا تقوم إلا بظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، ولكن الحاجة الزمنية المتطورة أدت إلى القول بتطور الفقه الشيعي. في مقابل ذلك انتقل أغلب فقهاء الإمامية إلى معالجة القضايا الملحة التي لها لصوق بالحياة العامة كالحكومة والولاية ، والتصرف بالثروة الاقتصادية الوطنية على مختلف أوجهها ، وضرورة ممارسة حق السلطة ، التي تنظم الحياة العامة ما دام العالم تطور إلى حكومات مقننة ، وتوجهات تربط الدول بعضها ببعض ، وإقرار نظرية للحكم على أساس تنسجم وقواعد الدين الإسلامي ، وخاصة ما دامت حكومات غازية تحتل البلاد ،


وتسيطر على ثرواتها الفكرية والمادية ، والضرورة تحكمت بذلك ، وخاصة بعد أن مارست إيران هذا الحق ، وشارك رجل الدين في السلطة في إدارة الحكم.

وترى بعض المصادر أن أول رجل دين شارك في السلطة هو الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (١) ، ومنح لقب « شيخ الإسلام » ولأول مرة في إيران ، وهو لقب كان معروفا في الدولة العثمانية ، يمنحه السلطان العثماني عادة لعالم دين يترأس المشيخة (٢).

الشيخ الحلي وجهاد العلماء ضد الانكليز :

وحين بدأ الإنكليز في غزو العراق لاحتلاله وإخراجه من عهد الحكم العثماني ، وأبعدت ولاية العثمانيين من البلاد الإسلامية بصفتها الحكومة الإسلامية على أساس الخلافة العثمانية ، ورغم أن المسلمين الشيعة في العراق عانوا من الحكومة العثمانية معاناة طائفية مقيتة ، ولكن حين توجه

__________________

(١) الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقق الثاني ، أبو الحسن ، ولد عام ٨٦٨ ه‍ في جبل عامل بلبنان ، ورحل إلى سوريا ومصر فأخذ عن علمائها ، ثم انتقل إلى النجف ودرس فيها زمنا ، وانتقل إلى إيران لأداء رسالته ، والتقى بالشاه طهماسب الصفوي وأعجب بعلمه ، وجعل له الولاية في إدارة ملكه ، وكتب إلى حكام بلاده بامتثال أوامره باعتباره « ولي الأمر » وبصفته « نائب الإمام » ، فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان الخاضعة لحكم الشاه الصفوي طهماسب بدستور العمل في شأن الرعية وأمر البلاد ، توفي عام ٩٤٠ ه‍. ترجمه : الزركلي ـ الأعلام ٤ / ٢٨١ / طبع دار العلم للملايين ٢٠٠٢ ، والقمي ـ الكنى والألقاب ٣ / ١٤١ ، وآل علي ـ المصدر المتقدّم : ٧٥.

(٢) رشيد الخيون ـ المشروطة والمستبدة : ٧١ / بيروت ٢٠٠٦ عن الشيخ مرتضى مطهري ـ الإسلام وايران : ٣٣٨ / طبع دار التعارف للمطبوعات بيروت.


الإنكليز لاحتلال العراق في عام ١٣٣٢ ه‍ ـ ١٩١٣ م ، وقف علماء الشيعة في العراق إلى جانب الحكومة العثمانية على أساس أنها حكومة إسلامية رغم طائفيتها ، واستنادا إلى القاعدة المعروفة « الوجود الناقص خير من العدم » فقد تنادى مراجع الدين في العراق بدعوة المسلمين العراقيين للجهاد ضد الغزاة الصليبيين ، وأفتوا بالجهاد المقدس ، ووجوب الدفاع عن بيضة الإسلام.

وترى بعض المصادر : أن إفتاء معظم العلماء من الشيعة والسنة بوجوب الجهاد إلى جانب العثمانيين منشؤه دفع الضرر عن المسلمين ، ورأوا أن تعزيز موقف العثمانيين المسلمين أمر لا مناص منه حسبما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية (١).

وقاد مراجع الحوزة العلمية في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية والشخصيات الدينية المجاهدين والعشائر العراقية إلى البصرة لمقاتلة الجيش الانكليزي الغازي المتمركز في الشعيبة والقرنة وغيرهما من المناطق الواقعة ضمن محيط محافظة البصرة ، فإن الجيوش الانكليزية قصدت العراق من ناحية البحر.

قال الشيخ جعفر محبوبة :

« بعد إعلان الحرب العامة واشتراك الأتراك بها وندائهم بالنفير العام اشترك العراقيون مع الأتراك فيها ، ووقفوا معهم جبنا إلى جنب ، وصفا لصف ، ونهض علماء الشيعة في النجف وأفتوا بوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام ، فهاجت الشيعة لدفع الإنكليز عن العراق ، وانتظمت الجبهات

__________________

(١) د. عبد الله فياض ـ المصدر السابق : ١٤٩ / طبع بغداد مطبعة دار السلام ١٩٧٥.


الحربية ، وأكثرها من عشائر العراق ، ولم يكتف العلماء بالفتيا فقط ، بل خاضوا تلك المعامع بأنفسهم ، ووقفوا وقوف الإبطال ، وأبلوا بلاء حسنا ، وكان أشدهم جهادا وأكثرهم صبرا وجلادا المرحوم العلاّمة السيد محمد سعيد الحبوبي (١) ، فانه قاد جيشا جرّارا إلى جبهة الشعيبة. وإزاء هذه المقابلة من العلماء والمجاهدين العراقيين قابلت القيادة العثمانية المجاهدين مقابلة سيئة للغاية » (٢).

وبعد هذه المقدمة الموجزة عن موقف علماء الشيعة في الجهاد ضد الإنكليز لنا أن نتساءل ، هل لشيخنا الحلي مشاركة فيها؟

قبل أن نردّ على السؤال لا بد أن نحدد عمر الشيخ خلال هذا التحرك الديني والوطني؟

أشرنا في بداية الحديث أن الشيخ حسين الحلي ولد في حدود عام ١٣٠٩ م (٣) وثورة الجهاد ضد الإنكليز عام ١٣٣٢ فمعناه أن الشيخ كان عمره

__________________

(١) محمد سعيد بن محمود بن القاسم بن كاظم بن الحسين الحبوبي الحسني. ولد في النجف عام ١٢٦٦ ه‍ ونشأ بها ، ودرس في جامعتها الدينية وحضر في الفقه والاصول على أعلامها كالشيخ محمد حسن الكاظمي ، والفاضل الشربياني ، والشيخ آغا رضا الهمداني والشيخ موسى شرارة ، والسيد مهدي الحكيم ، والشيخ محمد طه نجف ، ولازمه ، وبعد ذلك استقل بالبحث والتدريس ، وكان من كبار الفقهاء والمجتهدين وأعلام الفضل والتقوى والصلاح ، كما عرف بمكانته الشعرية في الأوساط الأدبية ، توفي في الناصرية متأثرا من خسارة المعركة ضد الانكليز عام ١٣٣٣ ه‍. راجع ترجمته : محسن الأمين ـ أعيان الشيعة : ٩ / ٣٤٤ ، ومحمد حرز الدين ـ معارف الرجال : ٢ / ٢٩١ ، وعلي الخاقاني ـ شعراء الغري ٩ / ١٤٧ ، وكاظم عبود الفتلاوي ـ مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف : ٢٩٧ ـ ٢٩٩ / طبع قم ٢٠٠٦.

(٢) محبوبة ـ المصدر المتقدم ١ / ٣٤٠ ـ ٣٤٤.

(٣) الطهراني ـ طبقات أعلام الشيعة / القسم الثاني / ٦٠٣.


حينذاك في أوائل العشرينات ، بين الاثنين أو الثلاثة والعشرين ، وبالامكان مشاركته في الجهاد بهذا العمر ، قال الاستاذ حسن الأسدي ـ مؤرخ ثورة النجف ـ : « في ٤ صفر ١٣٣٣ غادر للجهاد عن طريق بغداد جعفر الشيخ عبد الحسين (١) ، والشيخ عبد الكريم الجزائري (٢) ، والشيخ حسين الحلي ، والشيخ حسين الواسطي (٣) ، والشيخ منصور المحتصر (٤) ، ومعهم الكثير من

__________________

(١) الشيخ جعفر الشيخ عبد الحسين آل الشيخ راضي ، المنتهى نسبه إلى الشيخ خضر الجناجي النجفي ، من علماء وزعماء الاسرة البارزين الشهيرة بـ « آل الشيخ راضي » النجفية ، والتي عرفت بالعلم والفقاهة والزعامة ، حضر في دروس الفقه والاصول على أعلام منهم : الشيخ محمد كاظم الخراساني ، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ آغا رضا الهمداني ، وغيرهم ، توفي عام ١٣٤٤ ه‍ في النجف. ترجمه الطهراني ـ المصدر المتقدم : القرن الرابع عشر : ٢٩٠.

(٢) الشيخ عبد الكريم بن الشيخ علي بن الشيخ كاظم ، المنتهى نسبه إلى الشيخ أحمد ـ صاحب كتاب « آيات الأحكام » عالم كبير وزعيم ديني معروف ، ولد عام ١٢٨٩ ه‍ في النجف ودرس على يد أعلام الحوزة النجفية ، وقد حضر في درس الاصول على الشيخ محمد كاظم الخراساني ، والشيخ حسن بن صاحب الجواهر ، وفي الفقه على الشيخ محمد طه نجف ، والسيد محمد كاظم اليزدي ، وغيرهم من العلماء ، كما عرف بالمكانة الأدبية والشعرية ، كما أنه من الشخصيات الوطنية التي عرفت بالجهاد ضد الاستعمار ، وقائد محنك ، ومرجع لمختلف الناس ، توفي في النجف عام ١٣٨٢ ه‍ ترجمه الطهراني ـ نقباء البشر في القرن الرابع عشر : ١١٧٣ ـ ١١٧٩.

(٣) لم أعثر على ترجمته في حدود المصادر المتوفرة لدي.

(٤) الشيخ منصور بن الشيخ محمد بن الشيخ علي المحتصر ، ولد عام ١٢٩٨ من قبيلة بني سعيد في المنتفك ، وصفته المصادر : بأنه من العلماء الفقهاء الثقاة ، حضر على أعلام الحوزة العلمية النجفية ، منهم الشيخ محمد كاظم الخراساني في الاصول ، والسيد محمد كاظم اليزدي في الفقه ، وكذلك من أساتذته الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري ، توفي عام ١٣٥٥ ه‍ ودفن في الصحن الحيدري في النجف. ترجمه : الشيخ محمد حرز الدين ـ معارف الرجال ٣ / ٢٥ ـ ٢٦ ، والفتلاوي ـ المصدر المتقدم : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.


رجال الدين وطلبة العلم » (١).

ولم أعثر على مصدر آخر ـ في حدود تتبعي ـ يذكر الشيخ الحلي في عداد المجاهدين في حركة الجهاد ضد الإنكليز عام ١٣٣٣ ه‍ ولكن لم استبعد حضوره في هذه الحركة لسببين :

أوّلا : أن الشيخ حسن (٢) الأخ الكبير للشيخ الحلي كان من حلقة المرحوم السيد محمد سعيد الحبوبي ، ومن الملازمين لمجلسه (٣) ، وكما هو معروف أن السيد الحبوبي هو بطل حركة الجهاد ضد الإنكليز ، وقاد جموع المجاهدين إلى البصرة. ومن الطبيعي أن يتأثر الأخوان ـ الحسن والحسين أبناء الشيخ علي الحلي ـ بالأجواء المفعمة بالحماس للتحرك إلى البصرة لمقاتلة الإنكليز بالمشاركة في الحركة ، والانخراط في موكب المجاهدين ، وهذا لا يتنافى أن يكون خروج كل منهما مع جهة ما ، فكان الشيخ حسين مع الشيخ الجزائري عن طريق بغداد.

ومما يؤكد ذلك ما نقل لي أن المرحوم السيد محسن الحكيم ـ الذي كان ساعد السيد الحبوبي في تحركه الجهادي ـ قد التقى بالشيخ الحلي بالبصرة فنقله إلى صفوف المجاهدين مجموعة السيد الحبوبي (٤).

__________________

(١) حسن الأسدي ـ ثورة النجف : ٩١ / طبع دار الحرية للطباعة ١٩٧٥.

(٢) الشيخ حسن الشيخ علي الأخ الأكبر للشيخ الحلي ، ولد في النجف عام ١٣٠٥ ه‍ ونشأ على أبيه العالم الجليل ، وغيره من الأجلاء ، واختلف على أندية أعلام الأدب ، وقرض الشعر وأجاد فيه وأبدع ، وكان شديد الملازمة لحضور نادي العلاّمة السيد محمد سعيد الحبوبي ، توفي ١٣٣٧ ه‍ انظر ترجمته : الطهراني ـ طبقات البشر في القرن الرابع عشر ٤٠٤ ، ومحمد علي اليعقوبي ـ البابليات : ٣ / ق ٢ / ٢٨ طبع النجف المطبعة العلمية ١٣٧٣ ه‍.

(٣) محمد علي اليعقوبي ـ البابليات : ٣ / ق ٢ / ٢٩ طبع النجف المطبعة العلمية ١٣٧٣ ه‍.

(٤) حديث شخصي مع سماحة السيد محمد سعيد الحكيم.


ثانيا : والذي عرفته من بعض الإخوة الذين لهم معرفة برحلة الجهاد ، أن الشيخ الحلي كان مشاركا في حركة الجهاد بصفته عسكريا مشمولا حينذاك بالجندية ، وبحكم الواجب العسكري خرج للجهاد ، وحين التقى به المرحوم السيد محسن الحكيم في البصرة طلب السيد الحكيم من قائد المجاهدين السيد محمد سعيد الحبوبي أن ينقله من معسكر الجندية إلى معسكر المجاهدين ، ففي بداية الأمر تردد السيد الحبوبي لأنه جندي رسمي ، لكنه بالأخير خوّل السيد الحكيم العمل بما يراه مناسبا ، وفعلا نقله إلى معسكر المجاهدين.

وفي خضمّ المشروطة والمستبدة

ثانيا ـ كان الاستعداد للمشاركة في التحركات الوطنية عارما في نفوس هذا البيت ـ الأب والولدان ـ وقد ذكرهم الاستاذ حسن الأسدي في حديثه عن انقسام النجفيين حول موضوع المشروطة والمستبدة ، فعدّ الشيخ علي وولديه الحسن والحسين من جماعة المرحوم السيد محمد كاظم اليزدي الذي وقف إلى جنب « المستبدة » مقابل الشيخ محمد كاظم الخراساني الذي اعتمد « المشروطة » (١).

وبمرور الزمن حكم الدور البرلماني في المنطقة ، وإيران جزء من المحيط الذي اتسع فيه حكم الدولة ، وخاصة بعد أن شارك رجل الدين بالسلطة ـ كما تقدم ـ فكان السؤال الأساس لمسيرة الحكم الإسلامي في الدولة الإيرانية بعد أن تجاوز المتنازعون عن سلطة الدولة ، هل الحكم يحد

__________________

(١) انظر حسن الأسدي ـ المصدر المتقدّم : ١٠.


بدستور يقرّه البرلمان ، أو تبقى الامور خاضعة لاستبداد الحاكم؟

وهنا برزت نظريتان في هذا الشأن نوجزهما بالآتي :

الاولى : تلزم الحكومة بنظام دستوري تحد من تصرفات الحاكم المعتمد على رأيه ، وأطلق على هذا التوجه مصطلح « المشروطة ».

الثانية : الحاكم في إدارته للدولة لا يعتمد دستورا محددا ، وإنما هو حرّ في رأيه ، وأطلق على هذا التوجه « الاستبداد ».

وعلى هذا الضوء انقسم علماء المرجعية الشيعية إلى فريق يؤيد الحياة الدستورية ، ليضع حدا للاستبداد السياسي والديني في نفس الوقت ، وفريق آخر تشبث بنظام الحكم الاستبدادي خشية من انهيار التقاليد الدينية ، والتفريط بسطوتها على المجتمع ، لأن فصل الدين عن الدولة أو الحكم العلماني بالبلدان الاروبية كان طريق الحكم البرلماني والدستوري بالبلدان الأوروبية (١).

وكانت النجف من أهم المراكز الدينية الحساسة ، وبخاصة بالنسبة لإيران والعراق ، بل تكاد تكون المركز الديني الحساس الوحيد ، لذلك فان جميع الحركات السياسية العنيفة في إيران والعراق كانت تنعكس آثارها في النجف انعكاسا مؤثرا نافذا تترتب عليه كثير من النتائج والأحداث ، وما الفتاوى والبرقيات الشديدة اللهجة التي كانت تصدر عن النجف لكل من سلاطين تركيا ، وشاهات إيران ، إلاّ صورة واحدة من صور ذلك التأثير.

الشيخ الحلي مع المشروطة أو المستبدة؟

وعند ما تطورت المعارضة في تينك الإمبراطوريتين إلى حركات

__________________

(١) انظر رشيد خيون ـ المصدر السابق : ٥.


دستورية ديمقراطية ، نشأت في النجف بحوث ودراسات عميقة في الديمقراطية والدستور ، وتناولها رجال الدين الأكابر من مختلف وجهات النظر الإسلامية ، وألّفوا في تأييد الديمقراطية الدستورية مختلف التأليف. وربما كان حجة الإسلام الميرزا حسين النائيني في مقدمة من وضعوا الكتب في هذا الباب. وبنتيجة هذه الحركة الفكرية الصاخبة انشطرت النجف كل النجف بعد صدور الدستور العثماني عام ( ١٩٠٨ م ـ ١٣٢٦ ه‍ ) إلى شطرين متناحرين بلغ الخصام بينهما أقصى حدوده.

شطر يتزعمه آية الله الملا كاظم الخراساني ، وتلتف حوله الأكثرية الساحقة من العلماء ، والطبقة الخاصة المثقفة من النجفيين ، جميع آل الجواهري ـ عدا الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري ، والشيخ حسن بن الشيخ محمد حسن ـ ، وآل الشبيبي ، وآل كمال الدين ـ عدا السيد حسين كمال الدين ، الذي كان يعمل مع اليزدي إلى عام ١٩١٨ عند ما اختلف مع اليزدي في كيفية تعامله مع الإنكليز بشأن ثورة النجف فترك صحبته ـ ، وآل مرزة خليل الذين كانوا لواء الدعوة الدستورية قبل الخراساني ، ومن الأفراد : الشيخ علي الشرقي ، والسيد هاشم الهندي ، والشيخ حسن دخيل ، والشيخ علي مانع ، والسيد مسلم زوين ، والشيخ محمد جواد الجزائري ، والشيخ محمد حسين شليلة ، وغيرهم. وهؤلاء سواء منهم الاسر أو الأشخاص عراقيون ، ولهم مكانتهم الدينية والاجتماعية في النجف وخارجه.

أما الشطر الثاني فيتزعمه السيد محمد كاظم اليزدي ، ومعه جميع أسرة آل كاشف الغطاء وبخاصة الشيخ أحمد والشيخ محمد حسين ـ عدا آل الشيخ عباس الشيخ علي ـ. و ( مع اليزدي ) أيضا معظم المعممين العرب ، أمثال : آل سميسم ، وآل مطوك ، وآل محي الدين ، وآل الدجيلي ،


وآل محبوبة ، وغيرهم من المعممين. وكان معه من الأفراد صالح حجي ، وجواد حجي ، والشيخ حسن الحلي ، والشيخ حسين الحلي ، وأبوهما الشيخ على الحلي المعروف بالزهد ... والشيخ عبد الحسين الحلي ...

وكان يطلق على جماعة الخراساني اسم المشروطة ، لأنهم يؤيدون الحكم المشروط بالدستور. أما جماعة اليزدي الذين كانوا يعتبرون « المشروطة » كفرا وإلحادا ، فكان يطلق عليهم اسم « المستبدة » (١).

ولكن المصدر المتقدم يشير إلى أن وفاة الشيخ الخراساني عام ١٣٣٠ ه‍ وضع حدا لمظهر العنف بين التيارين ، وأن جميع رجال الدين ـ المرشحين للزعامة الدينية بعد السيد اليزدي ـ أيدوا رأي الشيخ الخراساني ، وشاركوه نفس الفكرة الدستورية المتحررة ، وعملوا على تحقيقها (٢).

وكان من نتاج هذا الصراع الفكري أن كتب آية الله العظمى الميرزا محمد حسين النائيني كتابه القيّم « تنبيه الامة وتنزيه الملة ».

من خلال هذا النص توضح لنا بأن اسرة شيخنا الحلي بما فيها هو كانت تعيش جوا سياسيا قبل ثورة الجهاد على الإنكليز إلى جانب العثمانيين ، وكانت تتبنى رأي السيد محمد كاظم اليزدي الذي كان يقر الاستبداد السياسي ، ـ كما جاء في النص المشار إليه ـ ولكن بعد وفاة السيد كانت الحركة التثقيفية نشطة بالنسبة لتأييد المشروطة ، بجهود النخبة من المؤمنين بفكرة الدستورية التي نادى بها المرحوم الخراساني والتي أثرت على التوجه العام بعد وفاة المرحوم اليزدي (٣).

__________________

(١) حسن الأسدي ـ ثورة النجف : ٩ ـ ١١ طبع بغداد دار الحرية للطباعة ١٩٧٥.

(٢) الأسدي ـ المصدر السابق : ١١.

(٣) انظر الأسدي ـ المصدر المتقدم : ١١ ـ ١٢.


والمهم الذي يتصل ببحثنا المتمحور حول الشيخ حسين الحلي يهمنا أن نعرف ، هل بقي على رأيه السابق بأن لا شأن لعلماء الدين في شئون السلطة زمن الغيبة ، أم تغير مع التطور المشار إليه؟

الإجابة على هذا التساؤل ليس بالأمر البسيط ، خاصة وأن المصادر التي تتحدث عن حياته لا تشير لهذه الخصوصيات ، ولا تتحدث عن الموضوع من قريب أو بعيد ، غير أننا نستطيع أن نتصيده من ثنايا أحاديثه الشخصية مع المقربين له ، حيث يرى عدم جواز التصدي للسلطة الحكومية في زمن الغيبة ، ولعل اتصاله بالميرزا النائيني في أيام مرجعيته العامة أثر على أستاذه في تبديل رأيه بالمشروطة الذي ضمّنه في كتابه « تنبيه الامة وتنزيه الملة » ، خاصة إذا عرفنا أن الميرزا النائيني ـ كما نقلت المصادر ـ في آخر الأيام أخذ يجمع نسخ الكتاب سواء المطبوع باللغة الفارسية أو المترجم للعربية. ونقل أنه بذل على تحصيل كل نسخة منه مالا يصل إلى ليرة ذهبية ، وقيل خمسة ليرات ذهبية. وتصفه أنه كان ذا ثراء ، ومال غزير (١).

ويعزز هذا الرأي أن الشيخ النائيني كان يهتم بالشيخ الحلي لعلاقته الوثيقة به ، وأنه من حضّار مجلسه العلمي أكثر من ١٨ عاما مما زاده وثوقا به ، وقد نقل أن سئل الميرزا النائيني عن سر اعتنائه البالغ واهتمامه الكبير بالشيخ الحلي ، فردّ بكل اعتزاز « إنه ما من مسألة تطرح حتى يكتب عنها رسالة مشتملة على التحقيق والتدقيق ونقل كافة الأقوال فيها ».

ولعل هناك سببا آخر دفع الميرزا النائيني تغيير رأيه بالنسبة

__________________

(١) حرز الدين ـ المصدر المتقدم ١ / ٢٨٦ ، وراجع : الأمين ـ أعيان الشيعة ٦ / ٥٤ وخيون ـ المصدر المشار إليه : ٢١٢.


للمشروطة وجمع كتابه « تنبيه الامة » هو ما حصل في إيران من استغلال أصحاب المشروطة الاعتداءات على الناس باسم مخالفة التوجه للمشروطة ، والإعدامات التي حصلت باسم مخالفة خط المشروطة ، كما حصل مع الشيخ فضل الله النوري (١) ، والشيخ باقر الاصطهباناتي (٢) لانهما ضدها ، وغيرهما ممن نالهما الاضطهاد والقمع ، وهذه من الامور التي ترفضها الشريعة الإسلامية. كل هذا دعا الميرزا النائيني لتغيير رأيه في موضوع المشروطة.

الشيخ الحلي وأحداث العراق المعاصرة

لقد تفجرت بالعراق في القرن الماضي أحداث كثيرة من انقلابات إلى ثورات ومؤامرات نجحت بعضها ، وفشلت بعضها ، وأدى كل ذلك إلى تعاقب حكومات تختلف في توجهاتها وايديولوجياتها. ومن أبرزها تغيير الحكم من الملكي إلى الجمهوري ، ومدى المآسي التي عاناها الشعب

__________________

(١) الشيخ فضل الله بن عباس النوري المولود في إيران عام ١٢٥٨ ه‍ هاجر إلى العراق ، وسكن في النجف ، ودرس فيها ، وعاد إلى إيران ١٣٠٠ ه‍ ، وأقام في طهران ، وكان علما من أعلام الإسلام ، واستنكر أعمال رجال المشروطة وعارضهم ، فالقي القبض عليه وحاكموه فحكم بالإعدام ونفذ فيه الحكم سنة ١٣٢٧ ه‍ ودفن في قم. انظر ترجمة : حرز الدين ـ المصدر السابق ٢ / ١٥٨.

(٢) الشيخ باقر بن عبد المحسن الاصطهباناتي الشيرازي ، وصفته المصادر بأنه فقيه عالم ، حكيم محقق في العلوم العقلية والنقلية ، هاجر إلى النجف عام ١٣٠٣ ه‍ ثم انتقل إلى سامراء للالتحاق بالسيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ، وكان من المقربين له ، وبعد وفاة السيد عاد إلى النجف ، وانشغل بالدرس والتدريس ، وعاد إلى موطنه شيراز ، وصادف فيها أحداث المشروطة وقتل فيها عام ١٣٢٦ ه‍. انظر ترجمة حرز الدين ـ المصدر السابق ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.


العراقي من هذه الأحداث ، كان أشدها وأضيقها وأمرّها عهد صدام حسين الأسود ، ولمّا كانت المرجعية الدينية الشيعية في العراق تمثل الثقل الأكبر في المعادلة السياسية العراقية ، كان من الطبيعي أن يكون لها رأيها في التطورات السياسية العامة والخاصة التي تخص البلاد.

ولو تابعنا مسيرة المرجعية الدينية في القرن الماضي ، وما بعد سقوط النظام الشمولي لاحظنا أن المرجعية الدينية المتصدية في العراق بالأمس :

١ ـ تمثلت بالإمامين الراحلين السيد محسن الحكيم ، والسيد أبو القاسم الخوئي ـ قدس‌سرهما ولم يكن شيخنا الحلي بعيدا عن الجو السياسي العراقي أو الإيراني ، وحين عصف بالعراق الجمهوري الشأن السياسي الحزبي المتطرف فمثّل البعد الايديولوجي بينهما صراعا عنيفا انتهى بحرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس في الدولتين ، وكان على مراجع الدين في الدرجة الاولى ـ بما يتحملوا من المسئولية الاجتماعية والسياسية ـ أن يحددوا الموقف الديني من القضية ، وهذا ما اصطدم به الشيخ الحلي وأمثاله ، وفي مقدمتهم المرجعان الدينيان السيد الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي ، وأن الموقف لا يختلف بينهم من حيث الرأي ، فلقد تصديا بصفتهما مركزي القيادة الدينية في العراق خاصة والعالم الإسلامي عامة ، وشيخنا الحلي يعيش الأمر نفسه ، ولكن درجة المسئولية الشرعية تختلف عما عاشها السيد الحكيم من قبل والسيد الخوئي بعده ، وكان الشيخ الحلي يقف إلى جانب المرجعية في مثل هذه الظروف ، ويساعدهم في الرأي ، وتحديد الموقف المقتضي ، على أساس تأييد المرجعية الدينية في أحلك ظروفها ضرورة دينية.

ومن هذا المنطلق المبدئي لم يترك الشيخ الحلي المرجعية الدينية


وحيدة تغوص في أعماق السياسة ما لم يشاركها الرأي الذي يقتضيه الشرع الشريف في الميدان الخطير. فالظروف القاسية التي مرّ بها العراق بصورة عامة والنجف الأشرف على الخصوص ، وما عانته المرجعية الدينية من نظام لم يحترم القيم الدينية ، ولا يبالي في اجتثاثها ليخلو له الجو بكل فعالياته ، ليقيم على أطلاله سلطته الدكتاتورية الدنيوية. ورغم هذا فان المرجعية الدينية الشريفة في النجف الأشرف التي كانت تعاني مداهمة الأخطار لكنها كانت تقف إلى صف الشعب لم يرهبها سيف الحاكم ، وشراسة الجلادين ، وسجلت موقفا رائعا في المحنة السوداء التي مرت على عراقنا مثل الصمود والتضحية والفداء من أجل عقيدتها وقيمها العليا ، وشرف الحوزة العلمية النجفية.

٢ ـ أما اليوم والمتمثلة بالإمام السيد علي السيستاني ( دامت بركاته ) وبقية المراجع ( أدام الله ظلهم ) التي تحتفي بهم مدينة النجف الأشرف اليوم دخلت بكلها في خضمّ السياسة العراقية العامة ، ولو على سبيل التوجيه والإرشاد ، نتيجة رجوع الجماهير إليها لتحديد الموقف المناسب والأصلح من الأحداث الجارية رغم عدم أخذها الكلي بمبدإ « ولاية الفقيه » كما هو رأي السيد الإمام الراحل السيد روح الله الخميني ( عطر الله مرقده ).

إن الشيخ الحلي مع كونه انضم مع السيد اليزدي في الشأن السياسي العام ، إلاّ أن من خلال أبحاثه نرى أنه توسع في صلاحيات الحاكم الشرعي ، ولا يحصرها بامور ضيّقة ، ويمكن أن نتعرف عليها من خلال هذين النصين.

الأول : صلاحيات الحاكم الشرعي على الطلاق جبرا على الزوج متى طلبت الزوجة منه ذلك من غير فرق بين :


١ ـ من لم ينفق على زوجته.

٢ ـ أو من اصيب بعنن بعد الوطء ولو مرة واحدة.

٣ ـ أو من ترك زوجته ولم يباشرها ولم يضاجعها مما ينطبق عليه عنوان الهجران بلا تقصير صادر منها ، أو غير ذلك من الموارد التي يعسر معها بقاء للزوجة بدون زوج ، فيرى الشيخ الحلي رحمه‌الله التوسعة في صلاحيات الحاكم الشرعي وشمولها لهذه السلطة ، وإجراء الطلاق جبرا على الزوج متى طلبت الزوجة ذلك منه (١).

وفي موضع آخر « إنه في هذا المورد الذي يتمادى الزوج في امتناعه من القيام بشئون الزوجية أن يجبر الزوج أوّلا بأن يوقع الطلاق بنفسه ، فإن امتنع أجرى الحاكم بنفسه الطلاق جبرا عليه ، لأن الحاكم الشرعي لا يقف مكتوف اليد في مثل هذه الموارد » (٢).

الثاني : ما جاء في بحثه الشوارع المفتوحة من قبل الدولة ـ أن ذكر طرقا خمسة لعدم جواز المرور عليها ، قال شيخنا الاستاذ الحلي : بعد انسداد تلك الطرق الخمسة يحتاج إلى إثبات ولاية الحاكم الشرعي وعمومها لما يتوقف عليه النظام ، وقد حققنا في محله عدم قصور أدلة ولاية الحاكم عن مثل ذلك ، وإن منعنا منها فيما لا يتوقف عليه الانتظام كالحدود مما هو من خصائص الإمام عليه‌السلام (٣).

ونلاحظ من ذلك أن شيخنا الحلي لم يطلق صلاحيات الحاكم الشرعي ، فاعتبر مثل إقامة الحدود وغيرها من مختصات الإمام ، فلا تكون

__________________

(١) عزّ الدين بحر العلوم ـ بحوث فقهية : ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) عزّ الدين بحر العلوم ـ المصدر المتقدم : ١٩١.

(٣) عزّ الدين بحر العلوم ـ المصدر المتقدم : ٢٤٦.


له ولاية عامة وسلطة مطلقة ، لكنه لم يضيّقها في الموارد المنصوص عليها فقط ، بل سار في الجادة الوسطى حسب ما استفاده من الأدلة الشرعية.

إن شيخنا الحلي أحد الشخصيات العلمية الكبيرة في الوسط الإسلامي الشيعي لم يكن في العراق فحسب ، وإنما تعرفه المجتمعات الشيعية في أغلب مدن العالم الشيعي ، وعرف أكثر بقربه لكل المراجع العظمى التي حظيت بالرئاسة الكبرى في العالم الشيعي ، نظرا إلى أن الذين تسنموا هذه المكانة هم زملاؤه لدى دروسهم عند أعلام النجف السابقين ، وكان الغالب من المراجع لهم رأي في الأحداث السياسية التي حصلت في البلاد الإسلامية في مقدمتها العراق وإيران خلال تلك الحقبة ، بالإضافة إلى أن الشيخ لم يكن بعيدا عن هذه الأحداث الخطيرة التي عمّت المنطقة وتعامل معها العلماء إيجابا أو سلبا على اختلاف مواقفهم.

وبحكم صلتنا به ـ وهو بمنزلة الأب الروحي لنا ـ لم نر منه قولا أو كتابة بما يشير من قريب أو بعيد عن التأييد أو الرفض لتلكم الأحداث ، مع أنني شخصيا ـ وبحكم قربي منه ـ كنت أناقشه في كثير من الأحداث ، وخاصة في وجود المرحوم والدي الذي كان بحكم مركزه الاجتماعي والسياسي في العراق لا يتباطأ في إعلان رأيه ، ومن أجل تحديد الموقف الشرعي كان يتشاور مع الشيخ ، ويستنير برأيه في مثل تلكم الملمات الخطيرة ، وكان الشيخ رحمه‌الله لا يبخل عليه برأي ومشورة ، لكنه عند ما يطلب منه الادلاء برأيه الشخصي في الاعلام الخارجي كان يتوقف عن الإجابة ، بالخصوص إذا كان المقصود التصريحات الصحفية ، ولعله كان ملتزما برأيه بفصل الدين عن السياسة ، ومن هذا المنطق كان حذرا من التدخل في القضايا السياسة خاصة الساخنة منها.


إن الشيخ الحلي بحكم معايشته للأحداث السياسية العراقية ، وما حصل فيها من سفك دماء ، وإرعاب للناس ، وغمط لحقوق الجماهير ، واستغلال الأحزاب الظروف المواتية لصالح مراكزها ، ترك أثرا كبيرا في نفوس المتحمسين الوطنيين ودعاهم إلى الابتعاد من السياسة بل هجرها ، وهجر العراق إلى دول تتعاطف مع الديمقراطية ، وتؤمن بحقوق الجماهير في التعايش السلمي ، وحرية الرأي بدلا من الاستحواذ السياسي. هذه الصورة القاتمة التي عكستها أوضاع العراق الحديثة بالإضافة إلى رواسب أحداث المشروطة والمستبدة في ايران ، وما دعا الميرزا النائيني إلى الارتداد عن رأيه الخاص بالنسبة للحرية السياسية ، ونبذ الاستبداد في السلطة ، وتناوب المآسي الفضيعة في العراق منذ ما يسمى بالحكم الوطني في العشرينات من القرن الماضي ، تركت الشيخ للابتعاد عن الشأن السياسي ، وفك الارتباط معها كمتصد ورائد لتلكم التحركات التي عاشها الإنسان العراقي من بداية القرن الماضي إلى يوم وفاته بالثمانينات.

إن هذه النظرة الفاحصة على مجمل الوضع السياسي العراقي من خلال هذه الأزمنة التي تعبّر عن نظرة عميقة لقراءة السجل التاريخي للعراق ، وحينها قد يكون من حقه الشرعي أن يبتعد عن الانزلاق في هذا الخط المثير للشبهات الشرعية ، والمشاكل الوطنية.

نهاية الحديث

بعد هذا التطواف المختصر في حياة شيخنا الحلي قدس‌سره نستطيع أن نوجز أهم المراحل التي تؤرخ حياة شيخنا المعظم ، وتعكس للقارئ الكريم شخصيته الفذة ، إلى جانب ما تقدم نضيف الآتي :


أوّلا : العالم المؤمن.

الإنسان الذي يحمل في دخيلته عقيدة معمّقة بالله سبحانه وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام ويتكل عليهم في مهماته قطعا ينال التوفيق من الله عزّ وجل ، ويتبدل الضراء بالسراء من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب ، وينعكس ذلك على منظومة حياته في سلوكه وأخلاقه وأي جانب له علاقة بهذين المقوّمين : السلوك والأخلاق.

وشيخنا الحلي حين تنسجم معه في أقواله وأفعاله تراه مثلا للايمان العميق بتوجهه السلوكي والأخلاقي ، ولعلنا نفهم ذلك من خلال ما نقل عنه أحد طلابه ، وأنه كان الشيخ في حالة عسرة وتوجه لله سبحانه ، فأبدله من حال إلى أحسن حال.

فقد نقل الشيخ إلى طلابه ذات يوم وهو يحدّثهم عن أثر المعتقد في نفس الإنسان ، فقال :

« في أحد الأيام تحدث لنا الاستاذ في درسه قائلا : كان أخي حائكا ، وكنت أعمل في الخياطة ، وكان والدنا من العلماء العظام ، ويصلي في الصحن الشريف ، فدخلت يوما عليه وهو جالس في مكتبته مهموما مغموما ، فسألته عن سبب ذلك؟ فقال : جمعت كل هذه الكتب ، ولكن لا أجد من يستفيد منها من بعدي. فتأثرت بكلماته ، وأظهرت له استعدادي في تحصيل العلم ، فسرّ بذلك واستبشر كثيرا ، فقام بتهيئة كافة مستلزمات وحاجيات طالب العلم من لباس وعمة وعباءة وقباء وما إلى ذلك ، وقام بتوجيه الدعوة للأساتذة والأصدقاء لإجراء حفل ارتداء العمة وتاج الملائكة والانخراط بسلك الروحانيين ، وقد اختار يوم الحفل ذكرى ولادة أمير


المؤمنين علي عليه‌السلام تبركا بالمناسبة ، وفي الحفل انتابني الفرح والسرور الشديدان حيث أصبحت موضع الاحترام والتقدير من قبل الأصدقاء والاساتذة الأفاضل.

وأخذت غرفة في مدرسة القوام ، واشتغلت بالدراسة عند أساتذة الصرف والنحو ، وفي يوم دعاني والدي وسألني عن المرفوعات والمنصوبات في باب النحو ، ولم أتمكن من الإجابة ، ووجدت الأمر عسيرا عليّ ، فتأثر والدي كثيرا لضياع الوقت والجهد من دون فائدة. وقال لي زاجرا : إن كنت غير قادر على الفهم فدع تحصيل العلم جانبا وارجع إلى الخياطة.

وكانت هذه بمثابة صدمة لي ، لأنني كنت مستأنسا باللباس الروحاني ، ومسرورا بما أجده من احترام وتقدير الآخرين لي ، وخرجت من والدي باكيا ، وتوجهت إلى غرفتي في مدرسة القوام ، وخطر ببالي أن أتوضأ وأصلي صلاة الحاجة ، فدخلت الحجرة وصليت ركعتين ، وبعد الصلاة بكيت ، وخاطبت ربي قائلا : إلهي أنت أعرف بحال والدي ، وأنا لا اريد إيذاءه ، وهو لا يتركني من دون أحد أمرين : إما تحصيل العلم ، أو نزع العمة ، وأنا كلما حضرت الدرس لا أفهم شيئا منه ، كما ليس بامكاني نزع العمة. فطلبت بدعائي : إما الفهم أو الموت ، ومكثت في الغرفة باكيا متضرعا لله حتى الصباح.

وكالعادة أخذت الكتاب في الصباح وذهبت إلى الدرس ، فوجدت نفسي أفهم كل ما يلقيه الاستاذ عليّ ، بل أصبحت فاهما لما سلف من الدروس ، فحمدت الله كثيرا على ما حباني من الفهم وتقبل الدرس ، وهي نعمة بالغة.


ثم ختم حديثه الاستاذ الحلي رحمه‌الله قائلا : تعجبت لسرعة استجابة الدعاء ».

والظاهر أن نشوة الانفراج أنسته الآية الكريمة : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداعي إذا دعان ) (١) وإذا انقطع الإنسان إلى خالقه فلا بدّ أن يجيب فهو الرحيم الودود ، وهكذا كانت تلك الساعة الفريدة التي انقطع فيها الشيخ إلى خالقه فألهمه الفهم والتوجه.

ثانيا : العالم المجدد.

ولعل الشيخ الحلي أول فقيه لجامعة النجف الأشرف يعيش المواضيع المستجدة المستحدثة ، والتي تتطلب رأي الشريعة الغراء فيها ، وحسب متطلبات العصر ، بمنهج رصين ، وأسلوب متميز ، ظهرت خاصة في تقريرات تلميذه الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم في كتابه « بحوث فقهية ».

كما أبرز تصوراته الاصولية التي عبّرت عن آرائه الجديدة تلميذه المرحوم آية الله السيد محمد تقي الحكيم في انطباعاته في بعض محاضراته الاصولية ، خاصة في الوضع والعرف والمعنى الحرفي وغيرها.

ثالثا : العالم المحقق.

المطلع على مقتنيات مكتبته المتنوعة ، وما أجرى على أغلبها من ملاحظات وتعليقات وتصحيحات وهوامش ، يستطيع أن يحكم حينها على أن هذه الشخصية موسوعية ، ملمّة بالفقه والاصول والحديث والتاريخ

__________________

(١) سورة البقرة / آية ١٨٦.


والأدب. وليت الأخ ولده الفاضل الشيخ محمد جواد أن يفسح المجال لرواد الفكر بطبع هذا التراث القيّم ليستفيد منها الكثير من طلاب المعرفة.

رابعا : الرجل العارف.

إن شيخنا الجليل من أولئك الأبدال الورعين الذين تركوا بهرجة الدنيا زادا للآخرة ، ورغم أنه قدس‌سره لم يتظاهر بما يثير فيه الحرص على طلب هذه المظاهر التي لا علاقة بها مع الناس ، وإنما لتقربه من خالقه الذي منّ عليه بلطف المعرفة والفضل ، وإذا كانت ثمة دلالة على ذلك فحياته البسيطة ، والعيش الكفاف ، وعدم قبوله للمظاهر الدنيوية خير دليل على المدعى.

خامسا : العالم الموسوعي.

ولا شك أن شيخنا كان من الذين تبحروا في اختصاصه الفقهي والاصولي نتيجة انتمائه إلى مدرسة الفرسان الثلاثة : النائيني ، والعراقي ، والاصفهاني أقطاب الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف ، بالإضافة إلى الاطلاع الواسع على تراث العصر الذي خلفه أساتذة القرن من بناة المدرسة الفقهية والاصولية في جامعة النجف بداية من عهد الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، إلى جيل أجداده الحليين ، إلى عصره ، وما طرأ عليه من تطور فكري عظيم ، مضافا إلى تضلعه في التاريخ والأدب ، وما يتصل بهما من علوم ، وكان ما يقرأه من الكتب المصدرية يفهرس لها فهرسا خاصا بما يتعلق بالمذهب أو القضايا المتعلقة بالدين أو بعض النكات التاريخية أو الأدبية التي يرى فيها فائدة تاريخية أو معرفية ، وقد أكد هذا الأمر أحد تلاميذه السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري ،


حيث يقول :

هذا العالم متضلع وخبير ومنظم ، وكل كتبه سواء الشيعية أو العامة بعد مطالعتها يعمل لها فهرسا خاصا لما يتعلق بالمواضيع التي يرى فيها خصوصية للمذهب أو غيره ، وكانت هذه الفهارس موضع استفادة من يرغب للاستفادة بها (١).

بعد هذا فان كل هذه المؤهلات الضخمة تساعدنا بدون تردد أن نقبل اللقب الذي اطلق عليه بحق « شيخ فقهاء عصره » وإن كان يعتز هو باصوليته ـ كما أشار إليها ـ ونقل عنه « إني مشهور عند الناس بالفقه ، واصولي أقوى من فقهي ».

سادسا : العالم الوطني الرزين.

وأخيرا إلى جانب كل ذلك وطني شارك في الثورة ضد احتلال العراق في جهاد العلماء ضد الإنكليز ، وعاش أحداث العراق في تطوراتها التي مرت عليه من ثورة العلماء في العشرينات إلى يوم وفاته في أشق مأساة يشهدها العراق في قرنه المختم بالأحداث المؤلمة ، والسابحة في برك الدماء البريئة ، والقهر المبرمج ، والضيم القاتل ، والشعب هو الضحية بين تلكم الآلام التي تتمدد على حافة التاريخ لتربط الحاضر المقهور بالماضي المهزوز ، ولم يعلن رأيه ضدها ، وهو ـ حسب رأيي ـ من الذين يرون لا شأن لعلماء الدين في السلطة زمن الغيبة ، ورغم أن خلع نفسه من ممارسة مسئولية المرجعية المتصدية ، فان مشاعره المرهفة والحساسة لم

__________________

(١) آيت نور محمد حسين الطهراني اللاله زاري : ١ / ١٦١.


تتخل عن معايشة الكارثة وتفاعلاتها الخطيرة على الوطن والمواطن.

سابعا : العالم المربي.

كان شيخنا الراحل الحلي يحرص كل الحرص على أن يولي غالب طلابه الاهتمام الكامل للاطلاع على ما يكتبه تلاميذه سواء أكانت من محاضراته التي يلقيها عليهم فقها واصولا ، أو غيرهما من المواضيع التي تثار معه فتألف بحثا قائما في ذاته ، كما حدث مع الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم في كتابه « بحوث فقهية » فقسم من مواضيع كتابه المذكور لم يتطرق لها المرحوم الشيخ في بحثه « التعطيلي » ، وحين رغب السيد الشهيد أن تكون ضمن بحوث الشيخ بدأ يهيئ المواضيع ويعرضها على الشيخ حتى إذا تبناها ضمها إلى كتابه المشار إليه.

وقد لاحظت أنه كان يهتم كثيرا أن يجري على بعض تقريرات دروسه التصحيحات المقتضية لشرح رأيه ، ونجدها مثبتة بعضها في صفحات.

وأذكر أني جئته مستفسرا عن فقرة وردت في بعض خطب الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حيث يقول فيها : « ثم يظهر صاحب القيروان الغض البض ذو النسب المحض من سلالة ذي البداء المسجى بالردى ... » (١) من هو هذا؟ فردّ رحمه‌الله بالامكان أن تبحث وتعرف من هو المقصود ، وعرفني بذلك!

راجعت كثيرا من المصادر حتى وقفت على أن المقصود بعبارة الإمام

__________________

(١) ابن أبي الحديد ـ شرح النهج.


هو جدّ الفاطميين الذين أسسوا الدولة الفاطمية بالمغرب ومصر في نهاية القرن الثالث الهجري ، ولعله هو « عبيد الله المهدي » ، وطلب مني أن أبحث تاريخيا عنهم. وأن أتابع بحثي عن الدولة الفاطمية ، وهو يطلع على ما وصلت إليه ويقرأ ما أكتب ويصحح حين يرى استنتاجاتي مجافيات للواقع حتى وصل بي البحث إلى ثلاثة أجزاء ، ولا زالت مخطوطة.

هكذا كان مربيا ويحرص كل الحرص على من يهتم لأمره أن يشجّعه على البحث والكتابة ، ويرشده في كثير من الأحيان إلى المصادر المقتضية للبحث.


نهاية البحث

في نهاية الحديث ، يقول الاستاذ المرحوم محمد علي الحوماني الكاتب والأديب اللبناني الشهير عن الشيخ الحلي ، وكان يلتقي به في مجلس المرحوم السيد علي بحر العلوم اليومي :

« كنت أجلس أحيانا إلى العلاّمة المحقق الشيخ حسين الحلي فأجده منكمشا على نفسه يسامر « نارجيلته » وهو مطرق لا يرفع رأسه إلاّ لسائل أو قائل ، فإذا أجاب أو وعى رجع إلى إطراقه يساجل سميرته ، ويكاد الشاعر الحساس يشرف على قلبه وهو مضغوط بين يدى اليأس من هذا المجتمع ، والنقمة على هذا النفر من الناس ـ عنيت النفر الذي هو منهم ـ وفي الطليعة من مقدمة جمهورهم الصاخب في وجه الطغيان.

الحلي كان الساعد الأيمن للمجتهد الكبير الميرزا النائيني المتوفى قبل أعوام ، ولقد كانت تثنى له الوسادة بين يدي عميده ، وكان هو المرجع الثاني إذ يرجع الناس إلى استاذه ، وها هو اليوم معطل قابع يتلمس في ظلام هذا الأفق القاتم وجها يتذرع به إلى السلوى عما يرى ويسمع ، وهل هناك أشقى من عالم هجره قومه ، وفرغوا للالتفاف بمن هو دونه ، حتى انطوى على نفسه كما انطوى إمامه من قبل ، فحرم الناس من جوهر مرّ به ثلاثون عاما وهو يصقله ليشع الأنفس القاتمة بما ينبعث عنه من نور » (١).

لبى شيخنا الحلي نداء ربه في الرابع من شهر شوال عام ١٣٩٤ ه‍ ،

__________________

(١) محمد علي الحوماني ـ بين النهرين : ٩٤ ـ ٩٥ / طبع بيروت مطبعة الكشاف ١٩٦٤.


ودفن في الصحن الحيدري الشريف في مقبرة استاذه الشيخ محمد حسين النائيني بالحجرة السادسة على يسار الداخل إلى الصحن الحيدري من الباب الكبير ( باب الساعة ).

وقد أرخ وفاته المرحوم السيد محمد الحلي قال :

فجع الغري وأصبحت

تبكي القداسة والعلوم

لما قضى شيخ الفضائل

من به العليا تريم

إن ( الحسين ) لآية

فيها الشريعة تستقيم

الحلة الفيحاء صارت

فيه تحسدها النجوم

وبه الغري سما مقاما

حين راح به يقيم

ساد الظلام بفقده

فوفاته خطب جسيم

فجع الوصي فأرخوا

( رزء الحسين به عظيم) (١)

١٣٩٤ هـ

رحمك الله يا سيدي ، وحباك من رضاه وغفرانه في آخرتك ما آنس وحشتك ، ووفقنا لنحفظ حقك علينا ما دمنا نشعر بالحياة ، ونستضيء بالنور.

__________________

(١) الحسيني ـ المصدر السابق : ٣٩.



[ نص إجازة آية الله العظمى الميرزا النائيني

لآية الله الشيخ الحلي قدس‌سرهما في الاجتهاد والرواية ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته وأزكى تحياته وتسليماته على من اصطفاه من الأولين والآخرين وبعثه رحمة للعالمين محمد وآله الأئمّة الطيبين الطاهرين الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وعصمة المعتصمين وملجأ الهاربين ومنجى الخائفين واللعنة الدائمة على أعدائهم أبد الآبدين.

وبعد ؛ فإن شرف العلم لا يخفى وفضله لا يحصى ، قد ورثه أهله من الأنبياء ، وأدركوا به درجات الصديقين والشهداء. وممن جدّ في الطلب والعمل به هو قرّة عيني العالم العامل العلاّم والفاضل الكامل الهمام ، صفوة المجتهدين العظام وعماد الأعلام وركن الإسلام المؤيد المسدد التقي الزكي جناب الآغا الشيخ حسين النجفي الحلي كثّر الله تعالى في أهل العلم أمثاله ، وبلّغه من الدارين آماله. فلقد بذل في هذا السبيل برهة من عمره واشتغل به شطرا من دهره ، وقد حضر أبحاثي الفقهية والاصولية باحثا فاحصا مجتهدا باذلا جهده في كتابة ما استفاده وضبطه وتنقيحه ، فأصبح وهو بحمد الله تعالى من المجتهدين العظام والأفاضل الأعلام ، وحقّ له العمل بما يستنبطه من الأحكام على النهج الجاري بين المجتهدين الأعلام ، فليحمد الله تعالى على ما أولاه ، وليشكره على ما أنعمه به وحباه ، فلقد كثر الطالبون وقلّ الواصلون ، وعند الصباح يحمد القوم السرى وينجلي عنهم غلالات


الكرى.

ولقد أجزت له أن يروي عني جميع ما صحّت لي روايته من كتب الأدعية والتفسير والفقه والحديث وغير ذلك ، سيما الصحيفة المباركة العلوية والسجادية ونهج البلاغة والكتب الأربعة التي عليها المدار : الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكذلك الجوامع الأخيرة : الوسائل ومستدركه والوافي والبحار ، وغير ذلك من كتب أصحابنا الإمامية ، وما رووه عن غيرنا بحق إجازتي من مشايخي العظام بأسانيدهم الكثيرة المفصّلة في فهارست الشيوخ وكتب المشيخة والمنتهية إلى أرباب الجوامع العظام والكتب والاصول ، ومنهم إلى أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ومهبط الوحي ومعدن العصمة صلوات الله عليهم أجمعين.

فمن ذلك ما أرويه عن شيخي العلاّمة فقيه دهره ووحيد عصره حضرة الحاج الميرزا حسين الميرزا خليل الطهراني النجفي قدس‌سره ، وكان كثير الاهتمام بتكثير طرقه ويروي عن ثلّة من الأساطين الذين عاصرهم أو أدركهم ، وبعد أن أجازني أن أروي عنه عن جميعهم قال ما يقرب من هذه العبارة ( أعلاها سندا وأقلها واسطة ما أرويه عن العلاّمة الطباطبائي بحر العلوم ( نوّر ضريحه ) بواسطة واحدة ) وهو قدس‌سره سمّى لي الواسطة ، لكني الآن متردد في شخصه ، ولا يسعني استقصاء سائر من كان يروي عنهم فإنهم كثيرون ، ولنقتصر من ذكر مشايخه في الإجازة على ذلك ، وفيه الغنى والكفاية ، والحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته وتحياته على رسوله وآله الطاهرين.

وأوصيك يا ولدي وقرة عيني بملازمة التقوى والتحذر من أن تغرّك الدنيا ، فإنها بحر عميق وقد غرق فيها عالم كثير ، لا ينجو من الغرق فيها إلاّ


من ركب سفينة التقوى ، مراعيا في حشوها وقيّمها وسكّانها ودليلها وشراعها ما في رواية هشام المروية في الكافي في أوائل كتاب العقل والجهل ، وعليك يا ولدي بالإكثار من ذكر الموت وإقلال الغفلة عنه ، وأن تكثر التأمل والتدبر فيما رواه في النهج عن مولانا أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين في هذا الشأن ، خصوصا فيما رواه عنه بعد تلاوته ( ألهكم التكاثر ) ، فإن في كثرة التأمل والتدبر فيه شأنا من الشأن ، عصمنا الله تعالى جميعا من مرديات الهوى ، ووفقنا لما يحب ويرضى ، ورزقنا التجافي عن دار الغرور والانابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الفوت بالنبي وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، وأرجوه أن لا ينساني من صالح دعواته إن شاء الله تعالى.

وحرره بيمناه الداثرة في يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٧ ربيع الأول ١٣٥٢ أفقر البرية إلى رحمة ربه الغني محمد حسين الغروي النائيني


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين عليهم‌السلام.

شهد الفكر الاصولي الإمامي مراحل وأدوارا ساهمت جميعها في منحه نضجا معرفيا كبيرا وكيانا استقلاليا واضحا وعمقا ذاتيا فريدا ، ممّا أثمر عن تكاملية نسبيّة مثّلتها ـ ولا زالت ـ مدرسة الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره ، التي ما دمنا نقتات على مائدة مبانيها ونغرف من معين آرائها ، فهي الضاربة جذورها والشاهقة آثارها في الافق العلمي الرحيب. وميدان الثقافة بكل جلاء وبهاء. وكان حقّا أن تستمر هذه المدرسة بنتاجها الغض الطري المتجدّد ، بفضل المراجعات الدءوبة والمناقشات السديدة والمحاكاة الهادفة البنّاءة ، الأمر الذي أضفى عليها مزيدا من النضارة والإحكام.

وممّن أسهموا في تفعيل وتطوير هذه المدرسة الرائدة : العالم الجليل والمتتبع النبيل استاذ الفقهاء والمجتهدين سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين الحلّي قدس‌سره ، الذي رفد المكتبة الاصولية وأتحف الأوساط العلمية بأثره القيّم كتاب « اصول الفقه » ، هذا السفر الذي اكتنف آخر آراء المصنّف الاصولية التي طرحها بأسلوب التعليقات المبسوطة على مباني استاذه الكبير المحقق النائيني قدس‌سره.

وقد كان متن تعليقاته قدس‌سره كلاّ من : كتاب « أجود التقريرات » في مباحث الألفاظ ، وكتاب « فوائد الاصول » في مباحث الحجج.


والجدير بالذكر أنّ النهوض بهذا المشروع كان بأمر من سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني ـ مد ظله ـ ، وتأكيدات نجله الفاضل حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد رضا السيستاني زيد عزّه.

مراحل العمل في تحقيق الكتاب :

قد يستغرب القارئ الكريم إذا ما قيل له إنّه لمّا شاهدت اللجنة المخوّلة للتحقيق ( مع ما لها من خبرات سابقة ) تلك الأوراق والدفاتر المرسلة من النجف الأشرف المتضمنة لما سجّله قلمه الشريف قدس‌سره ( مع اضافات وملحقات أضافها المصنّف ، ويبدو أنها نتيجة ثلاث دورات بحث خارج في الاصول ) ظهرت عليها بوادر اليأس من إمكان تحقيق هذا السفر وإعداده للطبع لو لا من كان يقف وراء الأمر خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك الأنفاس القدسية لذلك الرجل العظيم صاحب هذا الكتاب القيّم الذي كان دعامة كبرى في حل المشكلات التي كانت تبرز في طيّات العمل ، هذا.

ونستطيع أن نلخّص عملنا الدءوب في هذا الكتاب ضمن امور :

١ ـ واجهنا في بدء العمل مشكلة وهي أن تلك الدفاتر التي كانت بخط المصنّف قدس‌سره لم يمكن للطباعين ( الذين نعرفهم ) طبعها ، من هنا قامت اللجنة باستنساخها وإعادة كتابتها باليد بخط واضح ثمّ تقديمها لصف الحروف ، مما كان يستغرق وقتا كبيرا ، وقد تم العمل على ذلك في المجلّد الأوّل والثاني والثالث التي تم طبعها بيد الأخ السيد مهدي يوسف الحكيم ، ولكن بفضل جهود الأخ السيد فاضل الموسوي استغنينا في الأجزاء الأخيرة عن الاستنساخ فجزاه الله خير جزاء العاملين.

٢ ـ الكتاب الذي بأيدينا كان عبارة عن دفاتر كبيرة ، قسّمناها إلى اثني


عشر جزءا ، فخرجت بحمد الله كما هي عليها الآن.

٣ ـ الجزء الأوّل إلى الخامس هو شرح وتعاليق المصنّف قدس‌سره على قسم الألفاظ من أجود التقريرات ، ولكن تعاليقه كانت على الأجود المطبوع قديما والذي تختلف عباراته أحيانا ـ إن لم نقل كثيرا ما ولو بلا تغيير أساسي في المعنى ـ مع الأجود المطبوع حديثا ، كما أن ذلك الأجود المطبوع قديما ـ غير المتوفر في الأسواق ، ولذا كنا نتكلف بالذهاب إلى مكتبة السيد المرعشي قدس‌سره ـ لم يكن يشتمل على هوامش للسيد الخوئي قدس‌سره ، ولذا قمنا بتطبيق ومقارنة ما هو موجود في الطبعة القديمة مع ما هو الموجود في الطبعة الحديثة أعني المطبوعة مع تعاليق السيد الخوئي قدس‌سره ، وحيث إن المتوفر في الاسواق فعلا هو الأجود المطبوع حديثا من هنا كان المعوّل في التخريجات عليه. إلاّ أننا حاولنا الاشارة إلى موضع الاختلاف في الهامش.

كما أن من الجزء السادس إلى آخر الموسوعة وهي سبع مجلّدات علّق الماتن فيها على كتاب فوائد الاصول مباحث الحجج ، ولا تختلف نسخ الفوائد في عباراتها وإن تعددت طبعاتها ، لكنا اخترنا الطبعة الحديثة طبع مؤسسة النشر الإسلامي.

٤ ـ قمنا بمطالعة علمية دقيقة للكتاب وتصحيح الأخطاء الإملائية وغيرها ، وغالبا ما أشرنا إلى التصحيحات ، وأشرنا إلى ما غيّرناه في الهامش ، كما أن ما أضفناه جعلناه بين معقوفتين وربما أشرنا في الهامش إلى أنه لم يكن في الأصل وإنما أضفناه لاستقامة العبارة به ، كل ذلك بعد حرصنا على التحفظ على ما رسمه قلمه الشريف ـ مهما أمكن ـ ولو بتكلف


توجيهات غير قريبة.

٥ ـ قمنا باستخراج المصادر من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال العلماء وأهل اللغة مهما أمكن ، وإذا لم نعثر عليه فغالبا ما أشرنا إليه في الهامش ، كما قمنا بارجاع ما تقدم أو يأتي ، كل ذلك حرصا منّا على إخراج هذا السفر بحلّة قيّمة تتناسب مع مقام مؤلفه العظيم قدس‌سره.

٦ ـ قمنا بتقطيع النص وضبطه وتقويمه واخراجه بهذا الشكل الذي تسهل مراجعته.

٧ ـ هناك ملحقات واضافات ذكرها المصنّف قدس‌سره في دورات مختلفة من درسه لخارج الاصول حاولنا جهد الامكان درجها في المتن وإذا عصى علينا ذلك أدرجناها في الهامش وأشرنا إلى أنه منه قدس‌سره.

٨ ـ قام المصنّف قدس‌سره بنفسه في موارد كثيرة بالتعرض للمجلّد وللصفحة التي ينقل المطلب منه ، ولكن بما أن استخراجه كان من الطبعات القديمة فقمنا بحذف ما ذكره في المتن من رقم المجلّد والصفحة وذكرنا المصدر بتمامه في الهامش. نعم فيما ينقل مضمونا من أحد وليس نصا وقد أعطى رقم الصفحة ، حاولنا ابقاء ذلك في المتن ولكنا في الهامش استخرجناه من المصدر الجديد ، فمن باب المثال إذا ذكر المصنّف هكذا « قال في الحاشية على الطبعة الجديدة ص ٥٠ : والتحقيق ... » حذفنا رقم الصفحة من المتن وذكرنا المصدر في الهامش من أجود التقريرات. وأما إذا ذكر هكذا « كما في تحريرات السيد سلّمه الله ص ٥٠ » من دون أن ينقل نص عبارته ، ففي هذه الصورة أبقينا رقم الصفحة ثمّ أدرجنا في الهامش رقم المجلّد والصفحة من الطبعة الحديثة ، كل ذلك حرصا منا على عدم


التصرف مهما أمكن فيما سجّله قلمه الشريف قدس‌سره.

٩ ـ هذا ، ونتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الحجة الشيخ محمد الكلباسي حيث تفضل علينا بنسخة اخرى من هذا الكتاب بخط والده آية الله الشيخ محمد حسين الكلباسي قدس‌سره.

ـ وأخيرا لا يمكننا أن ندّعي خلو هذا الكتاب عن أخطاء زاغ عنها البصر ، إلاّ أننا حاولنا مهما أمكن تفادي تلك الأخطاء ، ولكن العصمة لأهلها.

جواد الشيرازي

محمّد صادق سيبويه

محمّد تقي الغروي

علي الايرواني

اصول الفقه - -١

المؤلف:
الصفحات: 127