



المقدمة
بسم الله
الرّحمن الرّحيم
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
ولعنة الله تعالى
على أعداءهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
فقه آل محمّد عليهمالسلام
نبراس الدين
لا يزال الفقه ـ فقه
أهل البيت عليهمالسلام ـ يحتلّ المكانة الأولى في المعاهد الدينيّة والعلميّة ،
يتناوله الفقهاء بالبحث والتحقيق والتهذيب والتنقيب والتأليف والتصنيف كما أو لوه
عناية خاصّة درسا وتدريسا حتى جاءت دراساتهم فيه ذات عمق وتدقيق وبسط وتفريع قلّ
ما تجد له من نظير ، بل لا نظير له في دراسات فقهيّة لدى المذاهب الإسلاميّة
الأخرى إطلاقا.
ذلك لانه لا يزال
يخطو خطوات بعيدة بحيويّة جادّة في تسيير المجتمع الإسلامي على ضوء هدي أهل البيت عليهمالسلام الذين جعلهم الله عزّ وجل الحجّة بينه وبين خلقه ونوّه الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بذكرهم وجعلهم عدل كتاب الله الكريم .
ولربّما يسمع من
بعض القاصرين بين حينة وفينة من نقود لاذعة تستهدف رجالات الحوزة العلميّة من
الفقهاء لإهتمامهم الأكبر بالفقه وأصوله أكثر من غيره من العلوم.
__________________
والحقيقة إن هؤلاء
لقصورهم وقعوا في التقصير الذي أدّى إلى النكير على المعروف الذي أقام عليه رؤساء
المذهب بإشارة من أئمة الدين من آل محمد عليهمالسلام.
فإن من يرجع إلى
تراث أهل البيت عليهمالسلام يجد العناية الخاصة منهم بالحلال والحرام ما لا يجده في
غيره بهذا المستوى.
صحيح أنهم أمروا ـ
كما أمر القرآن الكريم ـ بالتفقّه في الدين وهو أعمّ من علم الحلال والحرام الذي
هو الفقه بالمعنى الأخص لكنّهم ـ على كلّ حال ـ ركّزوا على الفقه بالمعنى الأخصّ
أكثر من تركيزهم عليه بالمعنى الأعمّ ، وهذا واضح لمن أمعن في النظر وأجال البصر
في روايات مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وقد أشادوا بفقهاء أصحابهم أكثر من تشييدهم بمتكلّمي الأصحاب ومفسّريهم و
.... حتى أنّهم أرجعوا الطائفة إليهم وجعلوهم أمناء الله ورسوله على الحلال
والحرام.
ألم تسمع قوله
صلوات الله عليه : « أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لو لا هؤلاء إنقطعت
آثار النبوّة واندرست » وكذا قوله عليه الصلاة والسلام : « أوتاد الأرض وأعلام
الدين أربعة ... » إلى غير ذلك من كثير في هذا المضمار.
على أنّ الباحث
إذا لم يبلغ مرتبة الفقاهة ـ التي يشترط فيها إتقان جميع المقدّمات التي لها نوع
من المدخليّة الرئيسيّة في استنباط الحكم الفقهي ، بل البلوغ إلى الإجتهاد في كلّ
صنعة منها كما عليه بعض مشائخنا الأعاظم أعلى الله تعالى مقامه الشريف ـ كيف
__________________
يمكنه الغور في
مثل التفسير والسيرة والتاريخ والحديث والرجال والفلسفة والكلام والمعارف الإلهيّة؟!!
لا أقول : لا
يستطيع ، فهذا شيء لا يتفوّه به من له حظ من العلم ولكنّي أقول : غير الفقيه ـ بالمعنى
الذي ذكرناه ـ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ، والمصنّفات بين يديك فلاحظ وانصف ولا
تعجل.
وكيف كان : فإن
أقرب المقدّمات إليه هو أصوله التي عليها يقوم وإليها يستند ومن هنا جاء في تعريفه
المدرسي المشهور : انه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الحكم الشرعي الكلّي من
أدلته التفصيليّة.
والأصول ـ كما قال
بعض الأعاظم المؤسّسين في هذا الفن ـ ليس فنّا مستقلاّ ، بل إنّما هو مقدمة جامعة
لمسائل شتّى يذكر فيها كثير ممّا اتّضح في سائر الفنون تذكارا وبعض ما لم يتكفّل
ببيانه فنّ ، كما يذكر فيها بعض الأمور إستطرادا .
هذا إذا نظرنا
إليه كقواعد وأبحاث مدوّنة في كتب الأصحاب وأمّا إذا لوحظ كآلة فعليّة أو فنّ
تطبيقي يمارسه الفقيه الأصولي كلّ يوم في استنباطاته فهو كما قال المحقّق
الخراساني قدسسره حيث عبّر عنه بالصّناعة في مقام تعريفه في مطلع كفايته ، ولا يكون صناعة حتى
يكون ملكة طوع يد الفقيه ، وإلاّ فإن القواعد المرقومة على الدفاتر ليست إلاّ
حاكية عن تلك الصّناعة ولا أثر عملي يترتّب عليها ما لم تبلغ إلى حدّ الملكة
الفعليّة اللهم إلاّ التذكار بها والتعريف عنها.
ومن هنا كانت الإشارة
اللطيفة والنّفيسة في الوقت نفسه في تعريف الآخوند الخراساني لم تسطر في مسفورات
السابقين ولم يلتفت إلى حقيقتها في زبر الّلاحقين حتّى كثرت المناقشات عليه في
المقام وبلغ إلى الحدّ الذي قال عنه بعض الأجلّة قدسسره : انّه
__________________
أسوء التعاريف .
ومهما يكن من أمر
فإنّ المهم للأصولي هو البلوغ إلى المرتبة الفعليّة من ملكة هذه الصناعة كيما
يقتدر بها على الخوض في غمار لجج الفقه الجعفري الطاهر ويمارس عمليّة الإستنباط
بكلّ جدارة واستعداد وينخرط في سلك فقهاء أهل البيت أعلى الله تعالى كلمتهم الذين
هم أمناء الرّسل ونوّاب ائمة الحق وورثة الأنبياء وحجج حجّة المعبود وكلمة المحمود
عجّل الله تعالى له الفرج والعافية والنّصر.
نظرة عابرة إلى
تاريخ الأصول
... وللأصول
تاريخه العريق ، شأنه شأن سائر العلوم الإسلاميّة القديمة التأسيس.
أمّا في مجاله
الميداني قبل أن تؤسّس في مقام التدوين فقد كانت حجّيّة الكتاب الكريم وحجّيّة
السنة المطهّرة مثلا من الأمور الواضحة إجمالا منذ عصر التشريع الأوّل وعليه درجت
القرون الأولى بعد صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآلهوسلم غير أنهم لمّا تركوا الإعتصام بحبل الله الممدود من آل بيت
النبي المحمود صلوات الله تعالى عليهم ، ورضوا بالحياة الدّنيا واطمئنّوا بها
وأخلدوا إلى الأرض وأشربوا في قلوبهم العجل ، وأذلّوا رقابهم لدولة القردة
والخنازير حتّى قلّبوا الشريعة ظهرا لبطن وقتلوا الأطائب من آل محمّد عليهمالسلام وهدموا قواعد العلم من بيت النّبوّة وردموا بابه وأقاموا على خرابه وأزالوا
أهل البيت عن مراتبهم التي رتّبهم الله جل جلاله فيها لم يستفحل عليهم إلاّ الجهل
ولم يتردّدوا إلاّ في مضماره ولم يتفيّؤوا إلاّ بظلاله ولم يخوضوا إلاّ في غماره
بين تيه وضلال ، وطينة من خبال.
لم يزالوا على ذلك
حتى أذن الله عزّ وجل لحجّته على عباده وخليفته في بلاده وصيّ الأوصياء وباقر علوم
الأنبياء صلوات الله تعالى عليه وعليهم بالنطق.
__________________
فكشف السّتر عن
بعض معالم النّبوّة ومآثر الرّسالة وسارت بعلومه الرّكبان فأحيى النّفوس وجدّد
الطقوس على ما جاءت به النواميس الإلهيّة ، فأسفر الحقّ عن محضه واندحض الباطل من
أصله ، وبان الحابل من النّابل لأهله ، وعلى ذلك جرت شيعته من بعده متمسّكة بخلفه
الطّاهر صاحب سؤدده ومجده الإمام جعفر الصّادق صلوات الله تعالى عليه ، فساروا على
هديه ورشده ، ولمّا أتيح لهم مجال التدوين كتبوا في الفنون المختلفة من فقه وأصول
وتفسير وحديث ورجال وفهارس وسيرة وتاريخ وكلام ولغة وأدب وشعر وغيره ، فكانوا هم
السابقون إلى كلّ فضيلة.
دفع وهم
ومن
الشطط : القول بان
الشافعي هو أوّل من أسّس الأصول وأرسى قواعده ، أو هو أوّل من ألّف في الموضوع
كتابا جامعا يضمّ أبحاثه المتفرّقة ويجمع شوارده.
ذلك لأن أصول
الفقه يختلف من طائفة إلى أخرى ؛ لاختلاف فقه المذاهب الإسلاميّة بطبيعة الحال ،
نعم ، إن أصول الفقه الإسلامي طالما تكون له مصادر مشتركة فلا بد أن تكون له أصول
مشتركة أيضا.
ولا بد ان يعقد
البحث في خصوص المشتركات العامّة فحسب ، وأمّا الإختصاصات الطائفيّة فلها حسابها
الخاص ، كما انه لا بد من أن يعلم بان المذاهب الإسلاميّة التي عليها الجمهور أيضا
لها مشتركات لا تمّت إلى الفقه الإمامي بصلة أبدا ، وذلك لاعتزال الجمهور عن
تعاليم مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام واختصاصهم بمدرسة الصحابة ، وإذا
عرفت ذلك تبيّن لك ان الإماميّة هم المؤسّسون في مشتركات الأصول العامّة على
الإطلاق وهم السبّاق في التدوين أيضا.
وعليه : فإن
الشافعي ـ وقد سبقه الثاني في وضع القياس تبعا لسلفه الذي قاس الطين بالنّار ـ هو
أوّل من كتب في مشتركات أصول مدرسة الصحابة فحسب ، وهو ـ مع الفارق الجوهري بين
الأصولين ، متأخّر في هذه الحلبة عن الإماميّين بمراحل كما هو غير
خفي على أهل
الإنصاف ومن جانب العصبيّة والإعتساف.
وكان من جملة ما
زيّنوا به الدفاتر ـ والكلام في الإماميّين ـ أن ضبطوا شطرا من مباحث الأصول من
أيّام الإمام جعفر بن محمّد عليهما الصلاة والسلام وامتد ذلك إلى يومنا هذا ولا
يزال.
والذي يلاحظ ما
ورد من الأخبار من لسان مولانا الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام في علاج تعارض
الأخبار لا محيص له من الإذعان بذلك ، وقد أشارت فهارس الأصحاب إلى عدد غير قليل
مما كتب في مباحث الالفاظ واختلاف الحديث وغيره من المباحث الأصوليّة بقلم أصحابنا
الإماميّة ، وقد ضاع هذا التراث ـ كغيره ـ نتيجة حقد دولة الباطل وفروعها على
أتباع مدرسة أهل البيت عليهمالسلام.
« طليقة الكتب الأصوليّة »
ولعلّ أقدم ما وصل
الينا ـ سوى ما جاء في الأخبار ـ من تراث أصوليّ مدوّن اليوم هو كتاب « تذكرة
الأصول » للشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النّعمان المفيد ( م ٤١٣ ه ).
ومن يعرف الأحقاد
الواردة على طول الخطّ المرير الذي عاشه المضطهدون من شيعة آل محمّد عليهمالسلام لا يتسنّى له التّردد في وجود التراث الضخم الضائع ـ في مختلف المجالات ـ أو
بالأخرى أن نقول : المضيّع حقدا ، والاّ فانّنا وجدنا الأصحاب سبّاقون إلى كلّ
فضيلة من سلمان والمقداد وأبي ذر ومالك بن الحارث الأشتر وشهداء الطفّ وثابت بن دينار
وأبان بن تغلب وحمران ومحمّد بن مسلم وزرارة وبريد وهشام وجميل وصفوان وابن أبي
عمير ويونس والعبيدي والبزنطي وابن مهزيار والوشّاء وأيّوب والأشعريّين والوكلاء
الأربعة وعشرات غيرهم.
وكيف كان : لا
يمكن الجزم بأنّ المفيد هو أوّل من دوّن من الأصحاب في القواعد الأصوليّة في
الغيبة الكبرى إذ لم يصل من تراث بدايات الغيبة إلاّ النّزر القليل بل قد يقال : انّه
لم يصل شيء.
وعلى أيّة حال
فالكتاب الثاني ـ الواصل اليوم ـ هو « العدّة » للشيخ الطوسي ولعلّه مقدّم في
التأليف على « ذريعة » السيّد الشريف أعلى الله تعالى مقامه ـ كما احتمله بعض
الباحثين وفّقه الله تعالى ـ وإن لم يخل من نظر.
وثالثها ـ إن لم
يكن الثاني ـ هو « الذريعة ».
والمدار في حلقات
الإستنباط على هذين الأخيرين إلى عدّة قرون وإن كان قد كتب غير واحد من الأعلام في
هذا الباب أكثر من كتاب كـ « التقريب في أصول الفقه » لسلاّر الديلمي المتوفى سنة
٤٤٨ ه و « الغنية » لابن زهرة الحلبي المتوفى سنة ٥٥٨ ه و « المصادر » لسديد
الدين محمود الحمّصي المتوفي سنة ٦٠٠ ه و « المعارج في أصول الفقه » للفقيه
الأعظم المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي المتوفي سنة ٦٧٢ ه.
ولا بد من الاعتراف
للأخيرين بعبقريّتهما الفذّة خصوصا الأخير منهما حيث استطالت القرون من بعده وإلى
ساعتنا هذه ، ولو لا ان الزّمان ادّخر لنا أبطالا من نظراء المحقق الحلّي فيما بعد
الحمّصي رضوان الله تعالى عليه لما سكن دويّ عظمة الرجل كما طبّقت الأمصار في عصره
وفاقت الأقران في دهره وشهد له بذلك المؤالف والمخالف وأقرّ له القريب والبعيد.
ثم جاء دور نابغة
العراق والعلاّمة على الإطلاق جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن
علي بن المطهّر الأسدي الحلّي ـ حيث تقدّم السابقين واستطال اللاحقين وانخرط في
البارزين الأوّلين ممّن يحقّ للطائفة أن تعتزّ به على كلّ من دبّ على هذه المعمورة
أو ركض ، كيف لا؟ وقد تحلّى بخصال رفعته إلى السماء حتى تقاصرت عن إدراكه نجومها ،
فهو من نوابغ البشريّة والأوّلين من بني نوع الإنسانيّة في طبقة الرعيّة « زاد
الله في شرفه وكرامته » وكم له من أياد جميلة على هذه الطائفة الطاهرة المتمسّكة
بحبل آل محمّد عليهم الصلاة والسلام ـ فكتب في الأصول المقارن ـ كما الفقه ـ وبسط
القول فيها وله في هذا العلم المختصر والمتوسط والمفصّل ، تدرّج في التأليف
مراعيا حال
المبتدي والمتوسط والمنتهي فنسخ الكتب الماضية وأتعب المحصّلين وذوي الفضل ببنات
أفكاره إلى قرون متمادية ، وكلّ من جاء بعده فهو إمّا شارح أو ملخّص أو مدرّس أو
مقتبس منه.
ومؤلفاته في هذا
الفن عبارة عن الكتب التالية :
١ ـ « غاية الوصول
وإيضاح السبل في شرح مختصر منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل » لابن الحاجب
المتوفي سنة ٦٤٦ ه.
٢ ـ « مباديء
الوصول إلى علم الأصول ».
٣ ـ « منتهى
الوصول إلى علمي الكلام والأصول ».
٤ ـ « نهج الوصول
إلى علم الأصول ».
٥ ـ « تهذيب
الوصول إلى علم الأصول ».
٦ ـ « نهاية
الوصول إلى علم الأصول » وهو آخرها وأكبرها.
وقد اعتنت الحوزات
العلميّة بمدرسته الأصوليّة أيّما اعتناء منذ أيّام حياته وإلى عدّة قرون من بعده
، وقد شغلت كتبه الشريفة مساحات كبيرة وحظيت بالإقبال الوافر ، لما فيها من غزارة
في المادّة ومنهجيّة علميّة جادّة وقوّة في البيان وطلاقه في التعبير وتنوّع في
العرض بالإضافة إلى الدراسات المقارنة التي ألمّت بآراء أبطال الأصول العامي
ورجالات مدرسة الجمهور ، وفنّدتها باسلوب متين وناقشتها بروح موضوعيّة بحتة بعيدة
عن العصبيّة العمياء ، متّسمة بقوّة الحجّة وجودة الإستدلال وصراحة الدليل ووضوح
البرهان.
والذي يعزّز ما
ذكرناه انّ « تهذيبه » لم يزل محورا للدراسات الأصوليّة في معاهد العلم إلى طبقة
تلامذة الوحيد البهبهاني المتوفي سنة ١٢٠٥ ه بل وتلامذتهم قبل قرنين تقريبا ويشهد
على ذلك كثرة الشروح المكتوبة عليه في الآونة الأخيرة كما فيما سلفها من الأزمنة.
ولم يستطع أحد ممن
جاء من بعده أن ينسخ محوريّة كتبه كما ذكرنا مع وفرة من
كتب في الباب من
جهابذة وفحول ، فقد كتب ولده فخر المحققين كتابه « غاية الأصول في شرح تهذيب
الأصول » وكذا ابنا اخته السيّدان عميد الدين وضياء الدين « المنية » و « النقول
في شرح تهذيب الأصول » ، بل وكتب الشهيد الأوّل « جامع البين من فوائد الشرحين »
للأخوين المزبورين ، وهذا كلّه إنّما يعزّز المحوريّة والمدار على لباب هذه
الأفكار لصاحب هذه المدرسة ، فالآخرون إنّما يستطعمون على مائدته ويتدرّجون في
مدرسته.
حتى جاء دور ولد
الشهيد الثاني الشيخ حسن بن زين الدين المتوفي سنة ١٠١١ ه فألّف كتابه الشريف «
معالم الدين وملاذ المجتهدين » وقدّم له مدخلا في الأصول فحظى بعناية بالغة من قبل
أعلام الطائفة لم يبلغ « تمهيد » والده ـ الذي كتبه في الأصول ـ عشر معشار ما حصل
عليه الأخير حتى أصبح الكتاب الأوّل في الحوزات العلميّة وانخرط في عداد كتب
العلامة الحلّي بالعناية والإقبال وربّما زاد عليها بل كاد أن ينسخها ، بل نسخها
بعد أكثر من قرنين من تأليفه.
ولم يزل هو
المقدّم المرشّح إلى أيّامنا هذه فكنت في آخر الطبقات ونهاية الحلقات التي منّ
الله جل جلاله عليها بدراسة هذا الكتاب الشريف ثم انقرض دارسوه واستبدلوه بكتاب
المجدّد المعاصر الشيخ محمد رضا المظفّر أعلى الله تعالى مقامه الشريف.
ومن هنا كانت
الكتب التي جاءت من بعده مهمّشة عليه أو شارحة له أو ناقدة ، وقلّما صدر كتاب
مستقل إلى حقبة من الزّمن أمثال كتاب « الوافية » للفاضل التوني المليء بالفوائد
والتحقيقات التي استفاد منها الكثير من أهل العلم والفضيلة وكتب عليها الشروح
العديدة مما يشهد على أنّها كانت محورا للبحوث الأصوليّة في النوادي العلميّة ومن
هذه الشروح ، بل أهمّها هو « شرح السيد صدر الدين الرضوي » المتوفي قبل سنة ١١٦٠ ه
ويتلوه « الوافي في شرح الوافية » للسيّد المحقق الأعرجي الكاظمي المتوفى سنة ١٢٢٨
وكذا « شرح السيد بحر العلوم » المتوفي سنة ١٢١٢ ه وقد استفاد منها الأعلام بعدهم
، ومنهم المحقق الأصولي الميرزا الآشتياني قدسسره. ولا تزال كالنجم اللائح في سماء
الأصول وازدادت
اهميّة حينما قام بنقدها الأصولي المؤسس الشيخ الأعظم أعلى الله تعالى قدره وقدس
سره. وكتاب « زبدة الأصول »
لفخر الطائفة وبهاء الملّة الشيخ محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي
عامله الله عزّ وجل بلطفه الخفي والجلي ، وقد وفّق هذا الكتاب إلى حدّ بعيد جدّا
في المعاهد العلميّة وصار محورا للدراسات الأصوليّة إلى ما ينيف على القرنين وكتب
عليه الشروح الكثيرة ، ولعلّ من أحسن هذه الشروح ما كتبه تلميذه الفذ الفاضل
الجواد المعروف بالمحقق الكاظمي ـ وإن اختصّ باللقب الأوّل وشاركه السيد محسن
الأعرجي في الثاني ـ وهو المسمّى « بغاية المأمول في شرح زبدة الأصول » وهو كتاب
كبير مبسوط.
كما حشّاه عدد من
الأكابر منهم المولى محمد صالح المازندراني قدسسره المتوفي سنة ١٠٨٠ ه.
وأمّا الآخرون فهم
بين معلّق ومهمّش وشارح ومدرس وناقد « للمعالم » ليس أكثر ، ولنشر إلى أهمّ هذه
الحواشي والشروح التي نالت إعجاب الأساطين :
فنها
: حاشية سلطان
العلماء المتوفي ١٠٦٤ ه.
ومنها
: حاشية المولى
محمد صالح المازندراني على « معالم الدين ».
ومنها
: حاشية المدقق
الشيخ محمد بن الحسن الشيرواني ( م ١٠٩٩ ه ).
ومنها
: حاشية الشيخ محمد
تقي الرازي الأيوان كيفي الأصفهاني المتوفي سنة ١٣٤٨ ه المعروفة « بهداية
المسترشدين في شرح معالم الدين ».
والأخيرة أقبل
عليها علماء الدين حيث أثارت إعجاب أرباب التحقيق وصارت من الكتب التي يعكف عليها
المنتهون والمحقّقون ولا تزال هي المادّة الأولى في مباحث الالفاظ من الأصول مشبعة
بالتحقيق ، وكلّ من جاء من بعده فهو عيال عليه في هذا المضمار بشهادة الكثير من
أرباب التدقيق وقد عكف الشيخ الأعظم على تدريسها أكثر من مرّة ، وأفاد منها وتأثّر
بها وكان يكنّ لمبدعها من الإحترام والتعظيم الشيء الكثير ، ومن الطريف أن تعلم
بأنّه درّسها لولد المصنّف المحقق الجليل الشيخ محمد باقر
الإصفهاني قدسسره يوم جاور النجف
الأشرف.
ومنها : ... ومنها
: ....
وهناك ثلّة من
أفاضل تلامذة الوحيد وتلامذتهم ـ ممن عكف على معالم كتاب « المعالم » وأفاد
واستفاد وبرع وفاق وأجاد ـ قاموا بشرح « المعالم » ودوّنوا أفكارهم ونقودهم بصورة
مستقلّة حتى جاءت دراساتهم فوق المراد وتمكّنت بأن تتصدّر في المحافل والندوات
العلميّة.
ومن أكثرها نفعا
وأجلّها قدرا كتاب « القوانين » للمحقق الجليل الميرزا القمّي المتوفى سنة ١٢٣١ ه
حتى نسخ « الزبدة » و « الوافية » بعد عهد قريب من صدوره وفاز بالإقبال الكبير من
عيون الطائفة فضلا عمّن هو دونهم وأصبح محورا للدراسات الأصوليّة منذ تصنيفه وإلى
عهد غير بعيد ، فكثرت شروحه وحواشيه وتناوله الأعلام بالبحث والتنقيح والنقد
والتدريس.
وكان من أهمّ تلكم
الكتب : كتاب « مناهج الأحكام » للفاضل المحقّق الفقيه الشيخ أحمد النّراقي
المتوفى سنة ١٢٤٥ ه وهو من مشائخ الشيخ الأعظم الأجلاّء وقد حضر عليه لمدّة أربع
سنوات متواصلة فاستفاد منه فقها وأصولا ، ولعلّه درس عنده كتابه هذا ، كما يقوى في
الظن انه درّسه فيما بعد لأخيه الأصغر الشيخ منصور حيث كان يرافقه في رحلته هذه
يوم خرج إلى زيارة الإمام الرضا صلوات الله تعالى عليه بعد أن أجازه أستاذه
المذكور بالإجتهاد ، ويظهر اهتمامه البالغ بكتاب أستاذه من كثرة مناقشاته له في «
فرائده » وطرحه لأفكاره معبّرا عنه ببعض المعاصرين.
ومنها : « حاشية
الفقيه الأصولي السيّد علي القزويني » ـ أحد أكابر تلامذة مدرسة الشيخ الأنصاري ـ على
كتاب « القوانين » وهي أعظم وأنفع وأجود ما كتب من الشروح والحواشي على « القوانين
» إطلاقا وليت الحوزة العلميّة اليوم تقدّر أمثال هذه الجهود بأدنى مستويات
التقدير وهي الطبع والنشر حفظا من الضياع وإن كانت مطبوعة على الحجر في أيّام
القجر.
ومنها
: « كتاب الفصول
الغرويّة في الأصول الفقهيّة » ، للأصولي الشهير الشيخ محمّد حسين الاصفهاني الأيوان كيفي
الحائري المتوفى سنة ١٢٥٠ ه شقيق الشيخ محمد تقي صاحب « الهداية » وقد حظى الأخير
بإقبال وافر وكانت حوزة درسه من أوسع الحلقات في الحائر الشريف ومن منافسي علم التحقيق
السيّد ابراهيم القزويني أحد أكابر تلامذة شريف العلماء المازندراني ومقرّر بحثه
الشهير بصاحب « الضوابط ».
استطاع « الفصول »
ان يفرض نفسه كتابا دراسيّا إلى فترة غير قصيرة تنيف على القرن وأفل نجمه تدريجيا
بعد أن ظهرت « كفاية » المحقق الخراساني بمدّة.
وهو من الكتب
المعدودة التي اعتنت بها مدرسة الشيخ الأعظم وكذلك المحقق الخراساني من بعده ، بل
وتلامذته.
واستطيع القول
بأنّ كلّ ما انجز في القرنين الأخيرين فقها وأصولا يعود فضله إلى جهود المحقق
الفريد والفاضل المجيد والجوهر الفرد المجدّد الأكبر الشيخ محمد باقر بن الشيخ
محمد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني المتوفي سنة ١٢٠٥ ه أعلى الله تعالى مقامه
الشريفة.
حيث قد بلغت
الأخبارية في أيّامه ذروتها وانحرفت عن طريقتها وأخذت في غير دربها وسلكت مسلك
مؤسّسها الأوّل محمّد أمين الأستر آبادي المتوفي سنة ١٠٣٧ ه سامحه الله جل جلاله
بعد أن كانت قد لزمت الطريق الأوسط في إحياء التراث وحفظه عن الضياع والإندراس ،
وقد كانت فترة الإعتدال فترة مباركة وضروريّة على كل حال فقد نجزت فيها أعظم
موسوعات الحديث الشيعي في كل مجال « كالبحار » و « الوسائل » و « الوافي » و « نور
الثقلين » و « البرهان » و « كنز الدقائق » و « جوامع الكلم » و « العوالم » إلى
عشرات غيرها كما شرحت الأصول الحديثيّة الأربعة شروحا كثيرة منها : « موسوعة مرآة
__________________
العقول » و « شرح
روضة الكافي والأصول » للعلامة المجلسي وصهره على أخته المولى محمّد صالح
المازندراني وكذا « روضة المتقين » و « اللوامع » للمجلسي الأوّل و « ملاذ الأخيار
» للعلامة المجلسي و « شرح التهذيب » للسيّد الجزائري إلى عشرات غيرها بين مفصّلة
ومتوسطة ومختصرة.
وكيف كان فقد
تجاوزت حدّها بعد أن صوّت لها الأستر آبادي وشدّها وتبعه من مدّها بعصبيّة وعناد ،
وانتقل اللجاج إلى جهلة القوم فأكثروا فيها الفساد وطعنوا بالعلماء والأكابر من
حملة الفقه وأرباب الإجتهاد.
يقول الرّجالي
الكبير أبو على الحائري الذي عاصر تلك الفترة وشاهد أحداثها بأم عينه :
« وقد كانت بلدان
العراق لا سيّما المشهدين الشريفين مملوءة قبل قدومه ( أي قدوم الوحيد البهبهاني قدسسره ) من معاشر
الأخباريين بل ومن جاهليهم والقاصرين حتى أنّ الرّجل منهم إذا أراد حمل كتاب من
كتب فقهاءنا رضي الله عنهم حمله مع منديل ، وقد أخلى الله البلاد منهم ببركة قدومه
واهتدى المتحيّر في الإهتمام بأنوار علومه » .
انصرفت همّته
العلياء إلى عدّة مشاريع أهمّها :
( المشروع الأوّل )
القضاء على أصول
الأخباريّة من جذورها ودحض كافة الشبهات الصادرة عنها ، مستأصلا للتيّار الأخباري
الجارف الذي انتهى بتسليم عماد الأخباريين ورئيسهم الأوّل وفقيههم الذي عليه
المعوّل العالم المحدث الكبير والفاضل النحرير الفقيه الرّباني الشيخ يوسف آل
عصفور البحراني قدسسره والإقرار للوحيد البهبهاني بعد مناظرات طويلة.
ساعده على ذلك
خلوص المحدّث البحراني وشدّة تورّعه وتقواه وصلابة إيمانه
__________________
بالإضافة إلى
إيمان الأخير ببطلان معمعة الأخباريين حيث قال في « حدائقه » :
« وقد كنت في أوّل
الأمر ممن ينتصر لمذهب الأخباريين وقد أكثرت البحث فيه مع بعض المجتهدين من مشائخنا
المعاصرين » ـ ولعلّه يقصد الوحيد البهبهاني ـ إلى أن يقول :
« إلاّ ان الذي
ظهر لي ـ بعد إعطاء التأمّل حقّه في المقام وإمعان النّظر في كلام علماءنا الأعلام
ـ هو إغماض النّظر عن هذا الباب وإرخاء الستر دونه والحجاب وإن كان قد فتحه أقوام
وأوسعوا فيه دائرة النقض والأبرام ... إلى آخر ما ذكره » .
هذا بالإضافة إلى
تعزيز المناهج الأصوليّة وقواعد الإستدلال ووضع الحلول ودفع الأوهام وبناء المدرسة
الأصوليّة من جديد.
استمرار المدرسة
الأصوليّة على طول الخط
ومن الخطل زعم
اندراس المدارس الأصوليّة إلى حدّ الأفول أيام صولة الأخباريين ـ كما ربّما يظنّه
بعض.
كيف! ولم تخل
المحافل العلميّة والمعاهد الدينيّة يوما من حضور المجتهدين لا سيّما في عواصم
البلاد وحواضر العلم والإجتهاد.
وهاك أسماء نبذة
ممّن عاصر الأمين الأستر آبادي إلى طبقة الوحيد البهبهاني ولنبدأ :
١ ـ بالمقدّس الأردبيلي
المتوفي سنة ٩٩٣ ه.
٢ ـ السيد حسين بن
الحسن الكركي المجتهد المتوفي سنة ١٠٠١ ه.
٣ و ٤ ـ وصاحبي
المدارك والمعالم السيّد السند والأصولي المعتمد المتوفيان سنة ١٠٠٩ وتبعه الخال
سنة ١٠٠١١ ه.
__________________
٥ ـ القاضي نور
الله المرعشي التستري المعروف بالشهيد الثالث المشهد سنة ١٠١٩ ه.
٦ ـ والفاضل
المولى عبد الله التستري المتوفي سنة ١٠٢١ ه.
٧ ـ الشيخ عبد
النبي بن سعد الجزائري المتوفي سنة ١٠٢١ ه.
٨ ـ الشيخ محمد بن
الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي ( م ١٠٣١ ه ).
٩ ـ الشيخ نظام
الدين الساوجي المتوفي سنة ١٠٤٠ ه.
١٠ ـ السيد حسين
بن حيدر الكركي المجتهد المفتي المتوفى سنة ١٠٤١ ه.
١١ ـ السيد محمد
باقر الحسيني الشهير بالداماد المتوفى سنة ١٠٤١ ه.
١٢ ـ نجيب الدين
محمد بن علي العاملي المتوفى بعد سنة ١٠٤١ ه.
١٣ ـ محمد بن أبي
الحسن الموسوي المعروف بمعزّ الدين وصاحب كتاب « أنيس الصالحين » المجاور بمشهد
الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام المتوفي بعد سنة ١٠٤٤ ه.
١٤ ـ السيّد مصطفى
التفريشي المتوفى بعد سنة ١٠٤٤ ه.
١٥ ـ عبد اللطيف
بن علي بن أبي جامع العاملي المتوفي سنة ١٠٥٠ ه.
١٦ ـ المولى مراد
بن علي خان التفرشي المتوفى سنة ١٠٥١ ه.
١٧ ـ محمد بن علي
بن أحمد الحرفوشي الكركي العاملي ( م ١٠٥٩ ه ).
١٨ ـ على نقي بن
محمد هاشم الفراهاني الشيرازي الاصفهاني ( م ١٠٦٠ ه ).
١٩ ـ السيد حسين
بن رفيع الدين محمد المرعشي الشهير بسلطان العلماء المتوفي سنة ١٠٦٤ ه.
٢٠ ـ الشيخ جواد
بن سعد الله الكاظمي المعروف بالفاضل الجواد المتوفي سنة ١٠٦٥ ه.
٢١ ـ السيد نور
الدين علي العاملي أخو صاحب « المدارك » لأبيه وأخو صاحب « المعالم » لأمّه
المتوفى سنة ١٠٦٨ ه.
٢٢ ـ السيد حسين
بن صاحب « المدارك » المقيم بخراسان ( م ١٠٦٩ ه ).
٢٣ ـ المولى عبد
الله بن محمد البشروي الخراساني الشهير بالفاضل التوني صاحب « الوافيه » المتوفى
سنة ١٠٧١ ه.
٢٤ ـ السيّد رفيع
الدين محمد بن حيدر الطباطبائي الشهير بملا رفيعا المتوفى سنة ١٠٨٢ ه.
٢٥ ـ المولى محمد
صالح بن أحمد المعروف بحسام الدين المازندراني المتوفى سنة ١٠٨٦ ه صهر المجلسي
الأوّل.
٢٦ ـ الشيخ محمد
باقر بن محمد مؤمن السبزواري المتوفى سنة ١٠٩٠ ه.
٢٧ ـ السيد
ابراهيم بن سلطان العلماء المرعشي المتوفى سنة ١٠٩٨ ه.
٢٨ ـ السيد حسين
بن جمال الدين محمد الخوانساري صاحب « مشارق الشموس » المتوفى سنة ١٠٩٨ ه.
٢٩ ـ المولى محمد
بن الحسن الشيرواني صهر المجلسي الأوّل ( م ١٠٩٨ ه ).
٣٠ ـ السيد محمد
جمال الدين الخوانساري الشهير بآغا جمال ( م ١١٢٩ ه ).
٣١ ـ الشيخ محمد
حسين بن الحسن الديلمائي اللنباني الاصفهاني ( م ١١٢٩ ه ).
٣٢ ـ المولى فتح
الله بن علوان الكعبي القباني الدورقي المتوفى ( م ١١٣٠ ه ).
٣٣ ـ المولى محمد
أكمل بن محمد صالح البهبهاني المتوفى بعد ١١٣٠ ه.
٣٤ ـ المولى كمال
الدين محمد الفسوي المعروف بملاّ كمالا ( م ١١٣٤ ه ).
٣٥ ـ الشيخ بهاء
الدين محمد بن الحسن ملا تاجا المعروف بالفاضل الهندي المتوفي سنة ١١٣٧ ه.
٣٦ ـ الشيخ يعقوب
بن ابراهيم البختياري الحويزي المتوفي سنة ١١٤٧ ه.
٣٧ ـ محمد ابراهيم
بن محمد معصوم القزويني المتوفي سنة ١١٤٩ ه.
٣٨ ـ السيد محمد
حسين سبط المجلسي الثاني ـ الشهير بالخاتون آبادي المتوفي سنة ١١٥١ ه.
٣٩ ـ السيد محمد
بن عبد الكريم الطباطبائي المتوفي حدود سنة ١١٥٥ ه.
٤٠ ـ السيد صدر
الدين محمد بن محمد باقر الرضوي المتوفي قبل سنة ١١٦٠ ه.
٤١ ـ السيد هاشم
بن محمد الموسوي النجفي الشهير بالحطّاب ( م ١١٦٠ ه ).
٤٢ ـ الشيخ محمد
بن محمد زمان الكاشاني المتوفي بعد سنة ١١٧٢ ه.
٤٣ ـ المولى
اسماعيل بن محمد حسين الخواجوئي المتوفي سنة ١١٧٣ ه.
٤٤ ـ الشيخ خضر بن
يحيى المالكي الجناجي المتوفي سنة ١١٨١ ه.
٤٥ ـ الشيخ شرف
الدين محمد تقي الدورقي المتوفي سنة ١١٨٧ ه.
٤٦ ـ السيد حسين
بن جعفر الخوانساري جد والد صاحب « الروضات » المتوفي سنة ١١٩١ ه.
٤٧ ـ المير عبد
الباقي الخاتون آبادي الاصفهاني المتوفي سنة ١١٩٣ ه.
٤٨ ـ الآقا محمد
باقر الهزار جريبي المازندراني المتوفي سنة ١٢٠٥ ه.
( المشروع الثاني )
فتح باب الإجتهاد
في الرّجال على مصراعيه بما لم يتقدّمه قبل ذلك من أحد سوى خاله العلاّمة المجلسي
ووالده التقي في جملة من كتبهم الحديثيّة.
ولا يخفى ما يترتب
على ذلك من فوائد جمّة في الفقه والحديث والتفسير والمعارف الإلهيّة ولا سيّما
الأوّل بالذات ، خصوصا وأنّ الأخباريين يرون صحة جميع الأخبار الواردة في الكتب
الأربعة.
( المشروع الثالث )
نقد الفقه الشاذ
عن الرأي المشهور فإن الممارس الخبير بتاريخ الفقه الشيعي يجد أنّ الشذوذ يبدأ
بابن الجنيد الأسكافي القديم من أصحابنا المتوفي سنة ٣٨١ ه ، ونقصد بالبدء
فقهاءنا الذين عاشوا بدايات الغيبة الكبرى من المجتهدين دون أرباب الحديث من أمثال
الصدوق عليه الرّحمة.
ثم ابن إدريس
الحلّي المتوفي سنة ٥٩٨ ه ثم الشهيد الثاني إلى حدّ ما ثم المقدّس الأردبيلي
المتوفي سنة ٩٩٣ ه ثم تلميذه السيّد السند في « المدارك » المتوفي سنة ١٠٠٩ ه ثم
الشيخ محمد باقر السبزواري صاحب « الكفاية » و « الذخيرة » المتوفي سنة ١٠٩٠ ه ثم
الشيخ المحدث محمد محسن المدعو بالمرتضى والمشهور بالفيض الكاشاني.
وقد كرّس الوحيد
البهبهاني جهوده لنقد مدرسة الشذوذ الفقهي وقد وفّق إلى حدّ كبير حيث علّق على «
المدارك » و « المسالك » وشرح « المفاتيح » للفيض شرحا وافيا وفنّد آراءه ودحض
حجته إلاّ انه لم يوفّق لإكماله.
كما كتب عدّة
رسائل في ردّ معاصره المحدث البحراني فيما شذ فيه من رأي ، وشجّع تلامذته على هذا
المنهج القويم وشدّ عزمهم حتّى قاموا بانجاز موسوعات فقهيّة كبيرة مشحونة بالتحقيق
والتدقيق أمثال الشيخ جعفر النجفي صاحب « كشف الغطاء » والسيد بحر العلوم في «
مصابيحه » والسيّد علي في « رياضه » إلى غيرهم من الفضلاء والأعيان ، فساروا على
دربه ومضوا على نهجه ، ومن بركة ذلك ما بلغ إليه الفقه الشيعي من تجديد وإبداع على
صعيد الفروع والأصول ، بل بلغ الذروة على يد حفيد هذه المدرسة ومشيّد صرحها الشيخ
الاعظم مرتضى الانصاري اعلى الله تعالى مقامه الشريف.
وأعود مرّة أخرى
فأقول :
ومن هنا ظهرت من
الموسوعات الفقهيّة ببركة أنفاس هذا الرجل العظيم في هذا القرن ما لم يظهر قبلها
ولا بعدها لا كثرة ولا مادّة.
فقد كتبت المئآت
من الكتب الفقهية وبرزت العشرات من الموسوعات المفصّلة
ابتداء « بالرياض
» و « مصابيح » بحر العلوم و « كشف الغطاء » و « غنائم الأيّام » و « مفتاح
الكرامة » و « مصابيح الظلام » و « المناهل » و « كشف الظلام » و « غنيمة المعاد »
و « دلائل الأحكام » و « معارج الأحكام » ، و « أساسها » و « أنوار الفقاهة » و ...
وانتهاء « بأسرار الفقاهة » و « جواهر الكلام » و « هداية الأنام » الذي هو أكبر
موسوعة فقهيّة عرفتها الحوزات العلمّية وأغزرها مادّة وأكثرها إحاطة وأوسعها
تفريعا التي نسبتها إلى « الجواهر » نسبة الإجمال إلى التفصيل ولو قدّر لها ان
تخرج إلى النور وتطبع لبلغت عشرات المجلّدات.
وليت شعري من يعرف
إسمها من الأفاضل؟! فكيف بقدرها : أم كيف يتطلّع عليها من دونهم من حملة العلم؟!
ولعلّك تعجب إذا
تسمع بان الكثير من العلماء يجهل إسمها فضلا عن مؤلّفها العبقري الفذ الذي هو آية
من آياته الله عز وجل وبطل من أبطال العلم والفقاهة الفقيه الأكبر الشيخ محمد حسين
الكاظمي المتوفي سنة ١٣٠٨ ه أعلى الله تعالى مقاماته الشريفة.
نعم كل ذلك
باعتقادي يرجع إلى خلوص نيّة الوحيد وهمّته القعساء في خدمة المذهب الطاهر وتشييد
أركانه وطموحه
« في مشروعه الأخير » :
وهو تربية النفوس
وتزكيتها وترويج فقه آل محمد صلوات الله عليهم فقد ربّى ثلّة كبيرة من الفطاحل
الأبرار الذين أصبحوا عيون الطائفة من بعده ، وعلى أيديهم تربّت أجيال وأجيال من
الفقهاء الأعاظم الذين يضنّ بهم الدهر إلاّ في فترات متباعدة ولنتبرّك بذكر جماعة
منهم :
١ ـ الملا مهدي
النراقي المتوفي سنة ١٢٠٩ ه.
٢ ـ السيد مهدي
بحر العلوم المتوفي سنة ١٢١٢ ه.
٣ ـ الشيخ أبو علي
الحائري المتوفي سنة ١٢١٥ ه.
٤ ـ السيد أحمد
العطار البغدادي المتوفي سنة ١٢١٥ ه.
٥ ـ ولده الآقا
محمد علي البهبهاني المتوفي سنة ١٢١٦ ه.
٦ ـ السيد مهدي
الشهرستاني المتوفي سنة ١٢١٦ ه.
٧ ـ السيد محمد
جواد العاملي المتوفي سنة ١٢٢٦ ه.
٨ ـ السيد محسن
الأعرجي الكاظمي المتوفي سنة ١٢٢٧ ه.
٩ ـ الشيخ جعفر
كاشف الغطاء المتوفي سنة ١٢٢٨ ه.
١٠ ـ الميرزا أبو
القاسم القمّي المتوفي سنة ١٢٣١ ه.
١١ ـ السيد علي
الطباطبائي صاحب « الرياض » ( م ١٢٣١ ه ).
١٢ ـ الشيخ أسد
الله التستري الكاظمي ( م ١٢٣٤ ه ).
١٣ ـ الشيخ محمد
تقي الاصفهاني صاحب « الحاشية » ( م ١٢٤٨ ه ).
١٤ ـ الحاج محمد
ابراهيم الكاخكي الكلباسي « م ١٢٦١ ه ».
١٥ ـ السيد محمد
باقر الشفتي المعروف بحجة الاسلام « م ١٢٦٣ ه ».
١٦ ـ السيد صدر
الدين العاملي المتوفي سنة ١٢٦٣ ه.
١٧ ـ الشيخ محمد
حسن باقر النجفي ١٢٦٦ ه [ على ما حقّقناه ].
صلة الحديث :
وممّا نجز في هذا
القرن من الموسوعات الأصوليّة ما أنجزه سبط الوحيد البهبهاني نجل صاحب « الرياض »
صهر بحر العلوم السيّد المقدس محمّد المجاهد المتوفي سنة ١٢٤٢ ه وهو « مفاتيح
الأصول » هذه الموسوعة الضخمة التي تضمّ بين دفّتيها أكبر دائرة معارف أصوليّة وهي
في نفس الوقت من كتب الاصول المقارن حيث تعرّض صاحبها لآراء أكبر رجالات أصول
مدرسة الجمهور وسرد أدلّتهم وناقشهم.
ويحقّ لرجل مثله
أن يتربّى على يده الشيخ الأعظم ليكون نبراسا للشيعة.
ومن المؤسف جدّا
مهجوريّة هذا العلق النفيس.
الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري
قدسسره
وحيث بلغ الحديث
إلى هنا فلنلوي بالقلم إلى صوب ذلك العلم البطل الجبّار شيخنا وشيخ الطائفة الشيخ
الاعظم مرتضى الأنصاري.
ومن باهر آياته
وأعظم كراماته قبل كل شيء نفسه النفيسة ، بل القدّيسة التي نظمته في سلك أساطين
الورع والتقى ممن يضرب بهم المثل في العصور.
ولم يحظ شيخنا
بولد ذكر رغم انه تزوّج أكثر من حليلة ، اللهم إلاّ صبيّا مات بعد قضيّة معروفة
جرت عليه من قابلة أمّه ، ولم يكن الشيخ طاب ثراه ممّن يتفرّغ للنساء والخلوة والتلذّذ
بهنّ ولكنه كان يطلب الولد الذّكر حتى اجتمعن عنده أربعة نسوة ـ على ما قيل ـ إذ
كان يحب أن يبقى له من بعده ولد يأخذ بأطراف العلم والدين ويحافظ عن ثغور شريعة
سيّد المرسلين صلوات الله تعالى عليه وآله الطاهرين ليبقى له بذلك ذكر في الدنيا
ويتباهى به يوم الدين.
فأبدله الله عزّ
وجل ( فأراد ربّك أن يبدله ) بولدين فقيهين ذكرين قام من مجلسهما الآلاف من طلبة
علوم أهل البيت عليهمالسلام والمئات من المجتهدين والفقهاء العظام وقد منّ الله سبحانه
وتعالى عليهما بطول العمر وسعة الصّدر وعادا على أبيهما المرتضى بحسن الذكر ،
فكانا له لسان صدق في الآخرين.
وربّ إنسان يعقّب
سلحفاة خيرا له من أن يعقّب ذريّة ذكرانا حفاة لا تربطهم بالدين صلة ولا يرجى لهم
نجاة ، وهذا « مكاسب » الشيخ و « فرائده ».
نعم الأشبال نعم
الأنجال.
خلّدا لأبيهما
الذّكر الجميل والثناء الجلي ولا يزالان حيّين في خير مجالس الناس في دور العلم
ونوادي الفضل ، ولعلّك لا تصدّق إذا قلت لك :
بأنّ « الفرائد »
لوحده كتب عليه حتى اليوم أكثر من مائتي شرح وحاشية بين مطوّل
ومختصر فارسيّة
وعربيّة ولو لا خوف الملل لسردت لك قائمة أسماء الكثير منها .
ولعلّ أوسع هذه
الشروح والحواشي وأغزرها مادّة وأكثرها نفعا ما خطّته يراعة تلميذة الأصولي الفقيه
الميرزا محمد حسن الآشتياني في كتابه « بحر الفوائد في شرح الفرائد » ويزداد
أهميّة حينما تعلم بأنّه كتبه أيّام حضوره على أستاذه البحر المتلاطم العلاّمة
الأنصاري وتزداد عجبا إذا علمت ان الميرزا حينما كان يقرّر هذه الأبحاث كان في
عنفوان شبابه وكان له المحلّ الرفيع عند أستاذه.
لا أريد أن أتحدّث
عن عظمة الشيخ الأنصاري في إبداعاته الأصوليّة أو إبتكاراته الفقهيّة ـ خصوصا ما
جاء به في الفقه المعاملي حيث قد كتب الناس عن ذلك وتحدّثوا ـ بقدر ما أريد أن
أثير إعجابك حينما تطّلع على كثرة المجتهدين الذين قاموا من مجلس درسه حتى قيل :
إنّه طاب ثراه ربّى أكثر من ثلاثمائة مجتهد ، وتزداد تحيّرا عند ما تتعرّف على
هؤلاء الأعاظم الأفاخم بل تتصاغر وتتقاصر عند أصغرهم.
هذا هو المحقق
الخراساني أصغر من حضر في درسه وآخر من شارك في بحثه فما ظنّك بغيره؟!!
إنّها مواهب الله
إنّها عطيّة الله والله ذو الفضل العظيم.
والعجب كلّ العجب
انّه لم يحفل بأحد من هؤلاء الفحول ـ على ما قيل ـ ما سوى السيّد المجدّد الشيرازي
المتوفى سنة ( ١٣١٢ ه ) والميرزا حبيب الله الرشتى ( ١٣١٢ ه ) والشيخ حسن النجم
آبادي الطهراني المتوفى بعد الشيخ بقليل ومترجمنا بدرجة أدنى.
ويزول الإستغراب
بعد أن تتأمّل في سيرة الشيخ فتراه لا يأبه بالأعاظم من معاصريه حتى مشائخه حيث
يعبّر عنهم ببعض المعاصرين أمثال الشيخ أحمد النراقي ( م ١٢٤٥ ه ) وسيّد «
المفاتيح » ( م ١٢٤٢ ه ) وصاحب « الجواهر » ( م ١٢٦٦ ه ) ونظراءهم فكيف بتلامذته
وهم أبناء حلقة درسه؟!
__________________
وفيهم : الفاضل
الإيرواني الشيخ محمد المتوفى ( سنة ١٣٠٦ ه ) والسيد حسين الترك الكوه كمري
المتوفى سنة ( ١٢٩٩ ه ) والشيخ محمد طه نجف المتوفى ( سنة ١٣٢٣ ه ) والفاضل
الشرابياني المتوفى سنة ( ١٣٢٣ ه ) والسيد علي القزويني المتوفى سنة ( ١٢٩٨ ه )
والشيخ محمد حسن المامقاني المتوفى سنة ( ١٣٢٢ ه ) والسيّد محمد بن السيّد هاشم
ابن شجاعتعلي الهندي الرضوي الكشميري المتوفى سنة ( ١٣٢٢ ه ) والشيخ الميرزا محمد
حسن الآشتياني ( م ١٣١٩ ه ) والشيخ موسى بن جعفر التبريزي المتوفى سنة ( ١٣٠٥ ه )
والمؤسس الأصولي العظيم الشيخ هادي الطهراني المتوفى ( سنة ١٣٢٢ ه ) والسيّد ابو
طالب بن أبي تراب بن قريش القائيني المتوفى سنة ( ١٢٩٩ ه ) والشيخ ابو القاسم
الكلانتري الطهراني المتوفى سنة ( ١٢٩٢ ه ) والسيّد على الشوشتري ( م ١٢٨٢ ه )
والشيخ حسينقلي الهمداني والملا علي النهاوندي ( م ١٢٩١ ه ) ... إلى كثير غيرهم.
والأعجب من ذلك
كلّه انه استطاع ان يبرز بين الأقران مع وفرة الأعاظم من المجتهدين في ذاك الزمان
أمثال الشيخ محسن خنفر المتوفى سنة ( ١٢٧١ ه ) والشيخ أسد الله البروجردي المتوفى
سنة ( ١٢٧١ ه ) والشيخ مشكور الحولاوي النجفي المتوفى سنة ( ١٢٧٢ ه ) والشيخ عبد
الحسين الطهراني شيخ العراقين ( م ١٢٨٦ ه ) والفاضل الدربندي ( م ١٢٨٦ ه )
والشيخ راضي النجفي فقيه العراق المتوفى سنة ( ١٢٩٠ ه ) والشيخ مهدي كاشف الغطاء
المتوفى سنة ( ١٢٨٩ ه ) وكثير من نظراءهم.
عود على بدء :
نعود مرّة أخرى
لنعدّد الكتب الأصوليّة التي دارت عليها القرون وحتى اليوم :
ابتداء « بالذريعة
» و « العدّة » لشيخ الطائفة وسيّدها رضوان الله تعالى عليهما.
ثم كتب العلاّمة
الحلّي قدسسره ( م ٧٢٦ ه )
سيّما « التهذيب ».
ثم معالم صاحب
المعالم الشيخ حسن بن زين الدين شهيدنا الثاني طاب ثراهما.
ثم « زبدة » شيخنا
البهائي ( م ١٠٣٠ ه ).
ثمّ « وافية »
الفاضل التوني ( م ١٠٧١ ه ).
ثم « قوانين
الأصول » للميرزا القمي ( م ١٢٣١ ه ).
ثم « الفصول
الغرويّة » للشيخ محمد حسين الاصفهاني الحائري ( م ١٢٥٠ ه ).
ثم « فرائد الأصول
» لشيخنا الأعظم مرتضى بن محمد امين الانصاري ( م ١٢٨١ ه ).
ثم « كفاية »
الآخوند محمد كاظم الطوسي الخراساني ـ ( م ١٣٢٩ ه ) وكفى.
وبين الطوسيّين
قرون كثيرة لا يعلمهم إلاّ الله جلّ جلاله ، وثمّة إقتراح نقدّمه لأبناء الفضيلة
فعسى ولعلّ ، وبالله عز وجل الأمل.
ضرورة استبدال
الرسائل والكفاية :
شهدت الحوزات
العلميّة اضطرابا ملحوظا في السّاحة الأصوليّة منذ أن حذفت « القوانين » ثم «
المعالم » من قائمة الكتب الدراسيّة ، فمن مستبدل لهما بأصولى السيّد علي نقي
الحيدري والشيخ محمد رضا المظفّر ، وآخر بالموجزات ، وثالث بـ « حلقات » السيد
الشهيد تاركا لل « رسائل » والكفاية جميعا ورابع خالط بينها حيران مذبذب لا إلى
هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
والحقيقة انّ
الدراسة كمّا وكيفا تتبع الغاية المستهدفة ، فالذي لا يريد ان يكمل الشوط إلى
النهاية ليس من الضروري له أن يقرأ هذا الكتاب أو ذاك ، بل المهم أن يقرأ كتابا
يطلّ من خلاله على حقيقة العلم على حدّ الإستطلاع ليس أكثر ، بينما الذي يريد أن
يبلغ الغاية فعليه أن يتدرّج المراحل بشكل دقيق ومدروس.
والطريقة المتّبعة
سابقا هي دراسة « المعالم » ثم « القوانين » ثم « الفصول » ثم « الفرائد » ثم «
الكفاية ».
ولما كانت دراسة
هذه الكتب تستغرق وقتا طويلا حذفت بعضها تدريجا وبقي « الفرائد » و « الكفاية » ،
فمن باديء بالأوّل منته بالآخر ـ كما هي السيرة اليوم ـ ومن
باديء بالفاظ «
الكفاية » ثم « الفرائد » ثم عقليّات « الكفاية » ( مباحث الحجج والأصول العمليّة
والتعارض ) وهذه هي المنهجيّة الموضوعيّة المتّبعة عند النجفيين.
ولكي ينسجم الطالب
مع البحث الأصولي ويتدرّج معه إلى الهدف المنشود ويتسلسل مع القواعد الأصوليّة
ليبلغ إلى المقصود لا بد لنا من أن نقتصر له المسافة أوّلا وننظمه في سلك إبداعات
مدرسة متمحورة على أساس أفكار الشيخ الأعظم ـ أو ما يسمى بالأصول الجديدة ـ ومتفرّعة
عنه ، كما لا بد أن تكون الأساس في الإنشعابات الأصوليّة المعاصرة ـ ثانياً ـ.
على أنّها يجب أنه
تتّسم بقوّة في الدليل وموضوعيّة في البحث وجزالة في التعبير وجودة في البيان وشرح
لأفكار الشيخ ونقد لمباني الآخوند وفي الوقت نفسه غير خالية عن الإبداعات الجديدة
والإبتكارات الفريدة بعيدة كلّ البعد عن طلسمة الأفكار وتعقيد الآراء وخلط ما لا
ينفع ، متجنّبة عن التطويل فيما لا طائل تحته والإختصار المخلّ الذي ليس فيه من
خير للباحث إلاّ التضييع من وقته ....
وهذا ما لا نجده
اليوم إلاّ في مدرسة المحقق الأصولي الجليل الميرزا محمد حسين النائيني قدسسره ( م ١٣٥٥ ه ) فانه
الشارح « للرسائل » والناقد لل « كفاية » والمحقق الأوّل الذي ترجع إليه المدارس
الأصوليّة المتأخرة عنه ، بل والمعاصرة له ، فهذا المحقق العراقي ( م ١٣٦١ ه )
ناقد لأفكاره مرتض للبعض مطوّر للآخر.
والطالب الأصولي
عند ما ينتهي من السطوح يلتقي مع النائيني في الخارج والعاكفين عليه والطائفين
حوله ، رغم انه لم تربطه صلة به قبل ذلك مما يجعله في حيرة من أمره ويلزمه الطفرة
لحفرة غير متوقّعة في مسيره ، هذا مع انه لو كان يدرس « فوائد » كاظميّات النائيني
لكان يتدرّج في مسيره من مباحث الالفاظ إلى الأدلّة العقليّة بسير متوازن وحداني
مكملا لدوره أصوليّة تعتبر أرقى المدارس الأصوليّة المعاصرة غير مبتعد عن آراء
الشيخ الأعظم ولا ناس لمباني الآخوند.
وإذا ما ورد على
الخارج ورده غير مرعوب منه مستأنسا به مشرفا عليه مطلعا
على لباب الفكر
الأصولي الحديث متربّعا عند أحفاد هذه المدرسة غير مستطيل للبحث ولا عاجز منه.
وإذا كان الأمر
كذلك وهو كذلك فما هذا التهالك على « الرسائل » و « الكفاية »؟!! أفي النائيني شكّ
وهو رائد القوم ، أم ليس في « فوائده » من هداية أو كفاية؟!
والمحطة الأخيرة :
العلاّمة الأصولي
الفقيه الميرزا محمد حسن بن جعفر الآشتياني قدس الله تعالى نفسه الشريفة وكتابه «
بحر الفوائد ».
مولده ونشأته
العلميّة :
أمّا هو فقد ولد (
سنة ١٢٤٨ ه ) بين أبوين كريمين من عشّاق أهل البيت عليهمالسلام في مدينة آشتيان التي تقع بين مدن قم وتفرش وأراك.
أمّا أبوه الميرزا
جعفر فلم تكن له أمّ علويّة ـ كما هو نفسه أيضا ـ وإنّما جاءهم هذا اللقب من جهة
أخرى ، يقول الأخ زماني نژاد في تقدّمته لكتاب « قضاء » المترجم له :
« شهدت مدينة
آشتيان في النّصف الأوّل من القرن الثالث عشر الهجري أسرة علميّة تسنّم أفرادها
الفضلاء مناصب [ حكوميّة ] ككتّاب الرّسائل وإدارة المكاتب والمحاسبات وأطلق على
هؤلاء ـ كما كان معتادا آنذاك [ خصوصا عند الأتراك ] ـ [ لقب ] الميرزا » .
وكيف كان : لم
يقدّر له أن يعيش بين أحضان والده أكثر من ثلاث سنوات فملئت له والدته الكريمة هذا
الفراغ بعد وفاة أبيه ريثما يكبر ويتدرج إلى رشده وبعد تعلّم القراءة والكتابة ،
درس القرآن الكريم وأخذ أوّليّات الأدب في آشتيان ثم غادرها إلى حوزة بروجرد حيث
مهبط هواة العلم وبغاة الفضيلة لتميّزها بوجود شخصيّات فذّة أمثال الشيخ أسد الله
البروجردي ( م ١٢٧١ ه ) الذي كان له قسط من الزعامة والمرجعيّة بين أقرانه في
__________________
كثير من بلاد
ايران لا سيّما المدن المجاورة ، وكذا العالم الفاضل الشهير السيّد محمد شفيع
الجاپلقي قدسسره ( م ١٢٨٠ ه )
فجاورها لمدّة أربع سنوات حضر فيها فترة يسيرة على الأخير وقضى سائرها بالدرس
والتدريس وفّق خلالها لتدريس كتاب « المطوّل » للتفتازاني.
ومن الغريب ان
شيخه الأنصاري ورد هذه البلدة قبله بعشرين سنة إلاّ انه لم يرتض الجوّ العلمي
السائد فغادرها إلى كاشان حيث الفقيه النّراقي فأكب على بحثه لمدّة أربعة سنوات
كما مرّت الإشارة إليه.
ثم شاء الله عز
وجل ان تتهيّأ الأسباب لمهاجرة الميرزا محمد حسن إلى العتبات المقدّسة ومجاورة
صاحب الغري مولانا الامام أمير المؤمنين علي صلوات الله تعالى عليه وآله.
فورد النجف الأشرف
عام ١٢٦٥ ه وحضر على كلّ من الزعماء الرؤساء في النجف :
__________________
١ ـ الشيخ محمد
حسن باقر النجفي صاحب « الجواهر » حيث كانت له
الرئاسة العظمى في كافة بلدان الشيعة إلى أن وافاه الأجل سنة ١٢٦٦ ه.
٢ ـ والشيخ محسن
بن محمد بن خنفر ( النجفي المتوفي سنة ١٢٧٠ ه حيث لازمه حتى لفظ آخر أنفاسه
الشريفة.
ولا بأس أن نذكر
نبذة من ترجمته إجلالا وتكريما لعبقريته الفذّة.
ولنكتفي بشيء من
وصفه على لسان آية الله الشيخ ميرزا حسين الخليلي ـ وهو من تلامذته ـ وآية الله
السيّد حسن الصّدر ـ وهو من أعلام المؤرخين لتلك البرهة ـ :
قالا : الشيخ محسن خنفر :
« عالم محقّق فقيه
أصولي بارع خبير متتبع لعلم الرجال والحديث ، بحّاثة زمانه » « طويل الباع كثير الإطلاع حسن الإستحضار لم يكن في عصره من يدانيه في
التبحّر في الفقه والحديث والرجال » .
« وكان حافظة
زمانه ومن المنح التي خصّه الله تعالى ومنحه بها هو أنه كان يحفظ كتاب « القانون
في الطب » لابن سينا وكان استاذا في تدريسه وشرحه ويحفظ كتاب « الوسائل » في
الأخبار للشيخ الحرّ العاملي قدسسره باجزاءها سندا ومستندا مع التحقيق
__________________
والغور العميق في
فهم مطالبها وكان اعجوبة في قوّته وإحاطته وعلمه » .
و « كان يعتبر في
كتاب الحديث أن يكون مشهورا بصحّته من ثقتين من أهل العلم بالحديث » كما « كان يباحث ما يستفاد من ألفاظ النّص أو الحديث الذي يستدل به على حكم
فرعي أيّاما وقد يكون اسبوعا كاملا » « يبحث أولا عن
رجال السند واحدا واحدا ويتكلم فيه بالإستقصاء التامّ في كلمات علماء الجرح
والتعديل وبعد الفراغ من ذلك كلّه يتكلّم في فقه متن الحديث بغاية ما يكون من
التحقيق والتدقيق » .
« فأوّل ما يبحث
لغة النص وما فيه من الحقيقة والمجاز والفصاحة والبلاغة ونسبته من الكتاب العزيز
وما يستفاد من الحديث ومن جمع الأخبار » « ثم يتكلم في
فقه الفقهاء بطبقاتهم [ إلى زمانه ] حيث كان يعتبر في الفقيه أن يكون عند
الإستفراغ من الإطلاع على أقوال طبقات العلماء من زمان أصحاب الأئمة عليهمالسلام إلى زمانه » ، « إلى غير ذلك من التحقيق الواسع » .
وقال السيد محمد
بن السيد هاشم الهندي أحد أكابر تلامذته وهو يتحدّث عنه :
« ما سألنا
الأستاذ عن مسألة فقهيّة إلاّ وجدناه مستحضرا لها مع مستندها وأقوالها وشقوقها
ومحتملاتها بجميع أطرافها وجهاتها بحيث كأنّه قد صدر منها صبيحة يومه ، وكان إذا
باحث مسألة أتى بكل ماله شهادة أو مناسبة ودخل في مطلبه من سائر العلوم
__________________
أيضا على وجه
الإيجاز والإشارة بلا إطناب مخلّ ، وإذا احتاج إلى ذكر رواية أوردها بتمام السند
وأطرافها وما قيل أو يمكن ان يقال فيها من حيث المتن والسند ، ولتبحّره في فن
الدراية والرجال وعلم الحديث وشدّة عنايته بها ربّما ينكر تبحّره وتبرّزه في الفقه
والأصول » .
« وكان متخصّصا في
تدريس الطبّ اليوناني والعلوم الرياضيّة والحكمة والأدب العربي والتاريخ وكان
شاعرا يروى له الشعر الجيّد في المناسبات الأدبيّة » .
« وبالجملة : كان
عالما متبحّرا قلّ في المتأخرين نظيره » « وكفاه فضلا
ومنقبة وحسبك شاهدا على جلالة مقامه وعلوّ مرتبته : أن كان أحد أطراف الشبهة في
الأعلميّة ومرجعيّة التقليد بعد استاذه الشيخ موسى بن جعفر كاشف الغطاء » .
« وكان زاهدا
مترفّعا خشن الملبس والمأكل شديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يحب إظهار
نفسه وعلمه بالرغم من انّ كثيرا من أهل الدين والبصيرة يرجعون إليه في التقليد في
ذلك العصر البهيج الحافل بفطاحل العلماء والمدرسين » .
قال المحدّث
النوري في « دار السلام » : ٤ / ٤١٨.
« أخبرني الثقة
الجليل الحاج مولى علي بن الحاج ميرزا خليل انه كان الشيخ محسن خنفر من أعيان
العلماء كثير الذكر دائم الطهارة بالغا في العلم والتقوى والمعرفة منزلة عظيمة ،
فمما اشتهر من كراماته انه إذا عرض عليه خبز قد اختبزته امرأة حائض فأكل منه أوّل
لقمة أحسّ به ولفظها من فيه ».
__________________
أساتذته :
كان من أكابر
تلامذة الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وولده الفقيه الشيخ موسى رضوان الله
تعالى عليهما.
تلامذته :
« تتلمذ عليه وجوه
أهل الفضل وكثير من العلماء وجلّهم صاروا مراجع تقليد :
حضر عليه الشيخ
ملا علي وأخوه الاستاذ الحاج ميرزا حسين الخليليّان والسيّد محمد الهندي وأخوه السيد علي الهندي والشيخ أحمد المشهدي والأستاذ الشيخ محمد طه نجف والشيخ
محمد لائذ النجفي والشيخ عبد الرضا الطفيلي والشيخ محسن عليوي آل الشيخ خضر والسيد
أبو طالب القائني وقد أجازه أيضا » .
ومترجمنا الشيخ
الميرزا محمد حسن الآشتياني طاب ثراه.
« توفي في النجف
بالحمّى المطبقة ليلة السبت [ بعد العشاء الآخرة ] آخر ربيع الأوّل سنة ١٢٧٠ ه » أو ١٢٧١ ه.
وقد رثاه جماعة من
معاصريه الأدباء منهم مرتضى قلي خان بقصيدة مطلعها :
أتظنّ أنّي بعد
بعدك باقي
|
|
وأبيك ما
السّلوان من أخلاقي
|
لم أشك من صرف
الزمان وخطبه
|
|
إلاّ لبعدك فهو
غير مطاق
|
__________________
ومنها :
هبني عدلت عن
الطّريق ( فمحسن)
|
|
لي مرشد بمكارم
الأخلاق
|
غيث إذا ما
أمحلوا فكأنّما
|
|
مخلوقة كفّاه
للإنفاق
|
قطب المعالي شمس
أفلاك العلى
|
|
سهل العريكة
طيّب الأعراق
|
كم قلّدت جيد
الوجود هباته
|
|
فتخالهنّ قلائد
الأعناق »
|
٣ ـ والشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري أعلى الله تعالى مقامه
الشريف.
لازمه الميرزا منذ
أوان وروده إلى النجف الأشرف ملازمة الظلّ لصاحبه وكان يكنّ له من المودّة
والإحترام على حدّ التقديس بل كان فانيا فيه ، بل لم يكن أحد من تلامذة الشيخ ـ على
ما قرأنا عنهم فيما سطره لنا التاريخ ـ يبجّل استاذه إلى هذه الدرجة من التعظيم ،
بل لم تكن هذه الحالة ولم تشاهد حتى من الشيخ لأساتذته إطلاقا ومن الشواهد على ذلك
:
انه سمّى أوّل
أولاده الذكور باسم استاذه حيث ولد ابنه الشيخ مرتضى في عشيّة اليوم الذي توفي فيه
الشيخ الأنصاري.
ومنها : تولّعه
بابحاثه الفقهيّة والأصوليّة بحيث لم يشذ منه شاذ طوال السبعة عشر عاما التي حضرها
عليه في حاضرة العلم النجف الأشرف حتى يمكن أن يقال ـ والله العالم ـ : انه لم
تفته ولا محاضرة واحدة من دروس الشيخ وكان حصيلة ذلك أن دوّن جميع تراث الاستاذ
الذي القاه على منبر الدرس وحرّرها بأحسن تحرير وأجود بيان ومن خلال مراجعة بسيطة
إلى ما دوّن من تقريرات بحث الشيخ بواسطة تلامذته نجد ان أكثرهم إهتماما بتراثه
ثلاثة من شركاء بحثه : أوّلهم : الشيخ أبو القاسم الكلانتري النوري الطهراني
المتوفى سنة ١٢٩٢ ه وهو أقدم من الآشتياني في درس الشيخ وأكبر منه وأكثر حضورا
عنده حيث شارك في بحوثه إلى ما يقرب من عشرين سنة.
__________________
ثانيهم : الشيخ
حبيب الله الرشتي ( م ١٣١٢ ه ) حيث كتب جملة وافرة من تقريرات بحثه.
وثالثهم : هو
المترجم له وهو أكثرهم دقّة وإحاطة وأضبطهم نقلا ، بل وأوسعهم بسطا في مقام بيان
مراد الشيخ بل وأثبتهم.
ويتلوه في هذه
المزايا زميله الطهراني ثم الرّشتي كما لا يخفى على من لاحظ المخطوطات والمطبوعات
من دروس الشيخ ومقرّري بحثه به وإن كان المشهور على الألسنة لا يؤكّد ما نقول.
وثمّة عتب جميل
على الأمانة العامّة لمؤتمر تكريم الشيخ الذي انعقد عام ١٤١٤ ه وأخصّ بالذات منهم
الأمين العام للمؤتمر وفقه الله تعالى لكل خير مشكور المساعي محمود الجهود.
فلو لا نفر منهم
طائفة ليتحسّسوا عن تراث الشيخ المدرسي الذي قرّره شركاء بحثه في الدرس ولا سيما
المترجم وزميله النوري الكلانتري ، لا لأن ما قاموا به من عمل قليل كلاّ ، بل لأنّ
أكثر كتب الشيخ المخطوطة بقلمه لم تخل عن نقص لا يسدّه شيء ولا يملأ فراغه إلاّ
بحوثه التي ألقاها على ثلاثمائة مجتهد من نخبة وجوه أهل العلم في ذاك العصر ومنهم
من لم يفوّت شيئا من بحوثه إطلاقا خصوصا من حضر بحثه لمدّة عشرين سنة مقرّرا واعيا
فاهما ناقدا بصيرا أمثال من ذكرناهم ، ومن الخسران تضييع هذا التراث الضخم ، خصوصا
وأنّ الشيخ لا يزال رائد كلّ إبداع وتجديد في مجالي الفقه والأصول ، بل كل من جاء
من بعده طفيليّ أبحاثه وهو الذي به يعول ، بل « فرائده » و « مكاسبه » قرآن الكتب
الدرسيّة ولعلّه لم يوفّق كتاب من كتب علماء الإسلام بعد « شرائع الاسلام » بمقدار
ما حظى هذان الكتابان من الاقبال حتى درسهما الآلاف من طلبة العلم وكتبت عليهما
المئات من الشروح والحواشي ولا تزال تكتب من جديد طالما تبقى متصدّرة أرقى مدراج
البحث والتحقيق على مرّ الدهور والسنين ، فما أحوجنا إلى فهم المقصود من كلامه إذا
كان مبيّنا على لسانه؟
ولم تفت الفرصة
على الإخوان فقد دمّر الله عز وجل طاغوت العراق وفتحت المكتبات أبوابها على
المصراعين مزيدا على ما عندنا من مخطوطات في طهران والمشهدين بل وغيرهما.
ومنها : تسطير جمل
الثناء عليه بعد شرح لطائف أفكاره بين حينة وفنية وهذا ما نلاحظه في « بحر الفوائد
» في موارد متعدّدة.
ومنها : تواضعه
الغريب له بحيث لا يرى نفسه شيئا في قباله إطلاقا والذي يغوص في « بحره » قد يصدّق
بأنّ الشيخ لو أراد أن يشرح آراءه لما استطاع أن يأتي بأكثر مما جاء به المحقق
الميرزا الآشتياني كما ينقل عن بعض وجوه تلامذة الآشتياني.
ومنها : حرصه على
إصلاح ما صدر من شيخه سهوا أو زاغ عنه البصر غفلة دونما عمد مهما أمكن وكيفما
أمكن.
ومنها : محاولة
تصحيح رأي الشيخ ومختاره ما وجد له سبيلا.
ومنها : سعيه
البليغ في أن لا يخالف مدرسة الشيخ ما وجد له طريقا لا لكي يكون مقلّدا ـ كما
ربّما توهمه العبارة ـ فهو في أعلى مراتب الإجتهاد وإذا كان هذا الذي عند
الآشتياني هو الذي يسمى اجتهادا فقليل المجتهدون ، لكن حبّا لأستاذه وايمانا
بعبقريّته وعظمته العلميّة وإساءة الظنّ بنفسه مهما بلغ من مراتب رفيعة في الفقه
والإجتهاد.
إلى غير ذلك ممّا
يدلّل على انّه أشدّ تلامذته حبّا له وأكثرهم تقديرا لجهوده.
والعادة ان من يصل
إلى الدرجات الرفيعة ويبلغ مراده يشتغل بنفسه عن غيره ويسعى لتوليد جديد يتعلّق به
لا أن يكون لسانا لغيره فهذا شأن المتوسطين لا من انتهى وهو في عنفوان شبابه.
ولعلّ هذا هو
السرّ فيما يتردّد على الالسنة في النجف الأشرف وغيرها : بان المحقق الآشتياني هو
لسان الشيخ ، أو أنّ أوّل من نشر آراء الشيخ ومبانيه وتحقيقاته في طهران هو
الآشتياني رغم انه كان قد تقدّمه المحقق الجليل الميرزا أبو القاسم النوري
الكلانتري قدسسره في دخوله إلى طهران بعدّة سنين في أيّام حياة الشيخ ولم يكن غريبا عن
مباني الشيخ فقد
ذكرنا لك انه أكثر حضورا عليه من الآشتياني وأكثر تحريرا لبحوثه فهو زميله وعديله
وقد شغل منصب التدريس في طهران فترة طويلة وتقاطرت عليه الفضلاء من كلّ حدب وصوب ،
إلاّ انه لم يذكر في حقّه ما ذكر في الآشتياني والسرّ هو ما شرحناه ، والله
العالم.
مواقف مشهودة
للميرزا الآشتياني قدسسره :
منها
: حضوره في ندوة ترشيح المراجع من تلامذة الشيخ الأعظم بعد وفاته. بما انّ زعامة الحوزات العلميّة ولا سيّما حوزة النجف
الأشرف كانت للشيخ الأنصاري قدسسره وقد شغلت مرجعيّته مساحات كبيرة من العالم الشيعي فمن
العراق إلى إيران إلى الهند وباكستان وكشمير وآذربايجان وقفقاسيا ولبنان والخليج
وغيرها ، فمن الطبيعي بعد وفاته أن يتحيّر المقلّدون في الرجوع إلى الأعلم من بعده
ولا بد لهم من فحص عن ذلك وتثبّت فيه ، ومن جهة أخرى : فإن الشيخ قد ربّى جيلا
كبيرا من المجتهدين ممن يليق أن يتصدّى الكثير منهم للمرجعيّة.
ومن هنا فقد عقد
أكابر تلامذته ندوة لترشيح أحد هؤلاء ممن هو أليق بهذا المنصب وكان فيهم آية الله
السيد المجدّد الميرزا محمد حسن الشيرازي وآية الله الشيخ عبد الرحيم النّهاوندي
وآية الله الشيخ حسن النجم آبادي الطهراني وآية الله الميرزا حبيب الله الرشتي
وآية الله الميرزا محمد حسن الآشتياني وهو أصغرهم إذ كان عمره لا يعدو الثلاثة
والثلاثين فاتفق الكل على تقديم السيّد المجدّد الشيرازي وبالفعل تصدّى للمرجعيّة
وقام الآخرون بالتعريف به والتنويه باسمه وترجيحه على معاصريه.
إلاّ أنّ
المرجعيّة الكبرى تشاطرا بها ـ بعد الشيخ الأنصاري ـ الفاضل الدربندي وشيخ
العراقين عبد الحسين الطهراني المتوفيان سنة ١٢٨٦ ه ثم من بعدهما آية الله الشيخ
مهدي كاشف الغطاء ( م ١٢٨٩ ه ) وفقيه العراق الشيخ راضي النجفي ( م ١٢٩٠ ه ).
ومن بعدهما السيّد حسين الترك ( م ١٢٩٩ ه ) والفاضل الإيرواني ( م ١٣٠٦ ه )
والشيخ محمد حسين الكاظمي ( م ١٣٠٨ ه ) وبوفاة الأخير ألقت الزعامة الكبرى قيادها
بين يدي السيد
المجدّد الشيرازي
فقام بها أحسن قيام.
ومنها
: انه غادر النجف
الأشرف بعد سنة ونصف من وفاة استاذه الأنصاري فورد طهران عام ١٢٨٢ ه وسرعان ما
شرع بالبحث والتدريس فعكف على بحثه طلبة العلم وشدّت إليه الرحال من كلّ ناحية
ومكان وسمت مكانته وعلت رتبته وانتهت اليه الزعامة في طهران بعد وفاة زعيمها
الأكبر الملا علي الكني قدسسره المتوفى سنة ( ١٣٠٦ ه ) يقول آغا بزرگ الطهراني قدسسره :
« وهو أوّل ناشر
لتحقيقات الشيخ الأنصاري في إيران ... ، وكان حسن التقرير لطيف التعبير ، عظم شأنه
في ايران وانحصرت به الزعامة وحصل له تفوّق على علماء سائر البلاد الإيرانيّة.
ومنها
: مساهمته في دعم
المرجعيّة الدينيّة حينما منح ناصر الدين شاه القاجار ملك ايران امتياز حصر شراء
وبيع الدخانيات ( التبغ والتنباك ) للإستعمار البريطاني سنة ( ١٣٠٧ ه ) والذي تم
الغاؤه سنة ( ١٣٠٩ ه ) بعد إصدار المجدّد الشيرازي لفتواه المعروفة آنذاك وهي :
« بسم
الله الرحمن الرحيم
استعمال الدخانيات
اليوم بأي نحو كان فهو بحكم المحاربة مع صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه
».
بالإضافة إلى صمود
العلماء ومقاومتهم في البلاد ولا سيّما الميرزا محمد حسن الآشتياني في العاصمة
طهران حيث كان هو الرئيس الديني والزعيم الأوّل فيها ، خصوصا وانه كان يتمتع
بشعبيّة واسعة.
يقول السيّد محسن
أمين العاملي في الأعيان :
« حجّ سنة ( ١٣١١ ه
) وجاء إلى دمشق بأبّهة وجلالة وكنت يومئذ في النجف وجرت مباحثات بينه وبين بعض
علماء أهل دمشق تكلّم فيها بأوضح بيان وأجلى
برهان ، ومما
قالوه له : كيف إن الميرزا الشيرازي حرّم التدخين؟ وإذا كان حرّمه فكيف أنت تدخّن؟
فقال : حرّمه لما
يترتب على فعله من المضرّة وهي تمكين الأجنبي من استنزاف منافع البلاد ، فتركناه
يومئذ ، فلما زال هذا المحذور عدنا إليه ، والمباح يصير محرّما إذا كان فيه ضرر ،
ويحلّ إذا زال الضرر فمن كان يضرّه أكل الأرز حرم عليه أكله ، فإذا زال الضرر حلّ.
وجاء من هناك إلى
العراق ولمّا ورد سامراء أمر الميرزا الشيرازي أهل العلم باستقباله فاستقبلوه ،
وأضافه وزاد في إكرامه.
وكانت جرت بينه
وبين الشاه منافرة قبل مجيئه للحج ، ولمّا ورد طهران أمر الشاه بعدم استقباله فلم
يبق أحد في المدينة إلاّ استقبله » .
أولاده
١ ـ نجله الأكبر
آية الله الشيخ مرتضى الآشتياني.
ولد رحمهالله عشية اليوم الذي توفي فيه الشيخ الأنصاري سنة ( ١٢٨١ ه ) فسمّاه والده باسم
استاذه كما ذكرنا سابقا.
أخذ الأوّليّات في
طهران ثم اشترك في بحث والده وتخرّج عليه وتفقّه وأصبح من الفضلاء البارزين ، خرج
مع والده في سفرته إلى زيارة بيت الله الحرام وعند ما دخل سامراء بعد عودته من
الحج وزيارة السيدة زينب سلام الله عليها أمره والده بالبقاء في العراق والاستفادة
من محضر أعلام النجف فآثر البقاء ونهل من دروس الاعلام إلى أن غادر النجف بعد أربع
سنوات من إقامته فيها وورد طهران حدود سنة ( ١٣١٥ ه ) وقام مقام والده بعد وفاته
وقرّر أبحاثه ولده آية الله الحاج ميرزا محمود الآشتياني بعنوان « عقد
__________________
الإجارة وأحكامها
» توفي رحمهالله سنة ( ١٣٦٥ ه ) في مشهد الامام الرضا عليه الصلاة والسلام
ودفن بحضرته.
٢ ـ الشيخ مصطفى
الآشتياني الملقّب بافتخار العلماء.
له ديوان شعر
باللغة الفارسية اسمه « افتخارنامه حيدرى ».
اغتيل في مدينة ري
سنة ( ١٣٢٧ ه ).
٣ ـ الحاج الشيخ
ميرزا هاشم الآشتياني كان من اعضاء مجلس الشورى الوطني في طهران لعدّة دورات.
له في مجال
التأليف : « أبواب الجنّات » في الدعاء مطبوع في مجلّدين.
وهو الذي قام
بطباعة كتاب « القضاء » لوالده رحمهالله توفي سنة ( ١٣٤٠ ه ) ودفن في مدينة مشهد المقدسة.
٤ ـ آية الله
الحاج ميرزا أحمد الآشتياني.
ولد سنة ( ١٣٠٠ ه
) وكان من العلماء الأفاضل وله مؤلفات عديدة أكثرها لا يزال مخطوطا توفي رحمهالله سنة ( ١٣٩٥ ه ).
٥ ـ فاطمة
المعروفة بـ آقازاده خانم.
تزوجت ابن عمّها
المعروف بميرزا كوچك وهو الميرزا جعفر والد الفيلسوف الشهير الميرزا مهدي
الآشتياني.
تلامذته
وهم كثيرون نكتفي
بذكر المشاهير منهم :
١ ـ آية الله
الحاج ميرزا محمد علي الشاه آبادي المتوفي سنة ١٣٦٩ ه.
٢ ـ آية الله
الحاج ميرزا محمد الفيض المتوفي سنة ١٣٧٠ ه.
٣ ـ آية الله
الحاج محمد جواد ابن الشيخ ملا غلام رضا المجتهد القمي صاحب القلائد.
٤ ـ آية الله
الحاج الشيخ محمد علي الحائري القمي المتوفي سنة ١٣٥٨ ه.
٥ ـ آية الله
الحاج آقا حسين الطباطبائي القمي المتوفي سنة ١٣٦٦ ه.
٦ ـ و ٧ ـ و ٨ و ٩
ـ أولاده الأماجد :
آية الله الحاج
الشيخ مرتضى الآشتياني المتوفي سنة ١٣٦٦ ه.
الحاج الشيخ مصطفى
الآشتياني المتوفي سنة ١٣٢٧ ه.
الحاج ميرزا هاشم
الآشتياني المتوفي سنة ١٣٤٠ ه.
الحاج ميرزا أحمد
الآشتياني المتوفي سنة ١٣٩٥ ه.
١٠ ـ ابن أخيه
الميرزا جعفر ( ميرزا كوچك ) والد الفيلسوف الشهير الشيخ ميرزا مهدي الآشتياني.
١١ ـ آية الله
الشيخ علي أكبر الحكمي اليزدي.
١٢ ـ آية الله
الشيخ ملا رحمة الله الكرماني.
١٣ ـ آية الله
الشيخ علي أكبر النهاوندي المتوفي سنة ١٣٦٨ ه.
١٤ ـ آية الله
الشيخ أبو القاسم الكبير القمي المتوفي سنة ١٣٦٩ ه.
١٥ ـ آية الله
الشيخ محمد الكبير القمي المتوفي سنة ١٣٦٩ ه.
١٦ ـ آية الله
المولى عبد الرسول النوري المازندراني ( م ١٣٢٥ ه ).
١٧ ـ آية الله
الشيخ عبد الرسول الفيروز كوهي المتوفي ١٣٢٣ ه.
١٨ ـ آية الله
السيد عباس الشاهرودي المتوفي ١٣٤١ ه.
١٩ ـ آية الله
السيد محمد رضا الحسيني الأفجه اي المتوفي سنة ١٣٦٢ ه وهو مقرّر أبحاث الميرزا
الآشتياني.
٢٠ ـ آية الله
الشيخ عبد الحسين الرشتي المتوفي سنة ١٣٧٣ ه.
٢١ ـ آية الله
الشيخ فيّاض الدين الزنجاني المتوفى سنة ١٣٦٠ ه.
تأليفاته
تعود الأكثرية
الساحقة في مؤلفاته إلى تقريرات أبحاث استاذه الشيخ الأنصاري قدسسره.
ففي مجال الأصول
له :
١ ـ رسالة في
الإجزاء.
٢ ـ رسالة في
إجتماع الأمر والنهي.
٣ ـ رسالة في
إقتضاء الأمر للنهي عن الضد.
٤ ـ بحر الفوائد
في شرح الفرائد ( وهو الكتاب الماثل بين يديك وسيأتي الحديث عنه ).
٥ ـ التعادل
والتراجيح.
٦ ـ حاشية الفرائد
( وهي الحاشية الناقصة ) وقد كثرت الأقوال فيها فمن ظان أنّها « بحر الفوائد »
وآخر أنها حاشية غير « البحر » إلى غير ذلك.
والصحيح ان
الحاشية المزبورة هي « بحر الفوائد » قبل أن تكتمل بهذه الصورة الموجودة وذلك لأن
الميرزا حينما جاء
إلى طهران ودرّس « الفرائد » أضاف إلى حاشيته المزبورة الشيء الكثير ، ويومئذ لم
يكن لها اسم معلوم سوى الحاشية ولمّا أكملها سمّاها « بحر الفوائد » وطبعها.
إلاّ ان الحاشية
هذه كانت قد انتشرت منذ أيام النجف وبعد وروده إلى طهران ولذلك فإن الملاّ رحمة
الله الكرماني كان يرجع إلى الحاشية المزبورة وينقل منها ويناقشها كما أوردنا جملة
من ذلك في ضمن التعليق.
٧ ـ رسالة في
الصحيح والأعم.
٨ ـ مباحث الألفاظ
في الأصول.
٩ ـ رسالة في
المشتق.
١٠ ـ رسالة في
مقدّمة الواجب.
وهذه الكتب ـ كما
ترى ـ أكثرها من تقارير بحث استاذه الانصاري ويتضح ذلك بمراجعة « الذريعة » ونفس
المخطوطات أيضا.
١١ ـ وقد قرّر بعض
تلامذته جملة من بحوثه الفقهيّة والأصوليّة كما أشرنا إلى ذلك آنفا.
وأمّا في مجال
الفقه
١ ـ كتاب الإجارة (
تقرير أبحاث الشيخ الانصاري ).
٢ ـ كتاب إحياء
الموات ( تقرير لأبحاث الشيخ الانصاري ).
٣ ـ إزاحة الشكوك
في حكم اللباس المشكوك.
٤ ـ الإستفتاءات (
رسالة سؤال وجواب ).
٥ ـ رسالة في حكم
أواني الذهب والفضّة.
٦ ـ رسالة في
التقليد.
٧ ـ رسالة في
التحسين والتقبيح العقليين ( ذكرها في استصحاب « بحر الفوائد ».
٨ ـ تعليقات على
المكاسب.
٩ ـ رسالة في
الجمع بين قصد القرآن والدعاء في الصلاة.
١٠ ـ كتاب الخمس (
تقرير بحث الشيخ الانصاري ).
١١ ـ الخلل في
الصلاة ( تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
١٢ ـ كتاب الرهن (
تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
١٣ ـ كتاب الزكاة (
تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
١٤ ـ رسالة في
السلام ( فيما إذا سلّم جماعة على شخص واحد فهل يكتفي بجواب واحد؟ ).
١٥ ـ كتاب الصّيد
والذباحة ( تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
١٦ ـ كتاب الغصب (
تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
١٧ ـ رسالة في
قاعدة نفي العسر والحرج.
١٨ ـ رسالة في
قضاء الأعلم.
١٩ ـ كتاب القضاء (
تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
٢٠ ـ القواعد
الفقهيّة.
٢١ ـ نكاح المريض.
٢٢ ـ كتاب الوقف (
تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
٢٣ ـ كتاب الوكالة
( تقرير بحث الشيخ الأنصاري ).
وله في المجالات
الأخرى :
٢٤ ـ الرسائل
المتبادلة بينه وبين الشخصيّات.
وفاته قدسسره :
توفي رضوان الله
تعالى عليه في ٢٨ من شهر جمادي الأولى سنة ١٣١٩ ه في طهران وشيّعه الآلاف من
جماهير المؤمنين والعلماء والفضلاء وسائر الطبقات ثم نقل جثمانه الشريف إلى النجف
الأشرف ودفن في إحدى حجرات الصحن العلوي إلى جنب الفقيه الكبير والواعظ الشهير آية
الله الحاج الشيخ جعفر الشوشتري المتوفي سنة ١٣٠١ ه حشره الله جل جلاله مع
الأنبياء والصلحاء ومن كان يتولاّه من الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين
وحسن أولئك رفيقا.
بقي الحديث عن «
بحر الفوائد »
ولمّا كان « البحر
» شرحا لمتن « رسائل » الشيخ فلا جرم انه يعتبر الرصّيد الأوّل في التعريف بمباني
مدرسة الشيخ الأعظم ، خاصّة وانّه من شركاء درسه والعاكفين على بحثه إلاّ اننا لم
نجد له حضورا مشاركا في المسار الأصولي في الطبقات اللاحقة بصورة جادة وواضحة إلاّ
نادرا عند بعض مشاهير تلامذته أمثال : الشيخ رحمة الله الكرماني قدسسره والشيخ عبد
الحسين الرشتي قدسسره وأحيانا عند غيرهم كما هو الملاحظ في إشارات عابرة وطفيفة
في نفس الوقت من المحقق الأصولي الشيخ محمد حسين الإصفهاني ( م ١٣٦١ ه ) ثم ينغمر
ذكره إلى طبقة المعاصرين ونجد أكثر من استفاد منه هو السيّد المروّج
الجزائري ( م ١٤١٩
ه ) في شرحه على « الكفاية » في عدّة مواطن وكذا السيّد يوسف المدني التبريزي في
كتابه « درر الفوائد ».
ولعل السرّ يرجع
إلى عدم حضور الآشتياني في حاضرة العلم الكبرى ـ النجف الأشرف على مشرفه آلاف
الصلاة والسلام مدى الليالي والأيّام ـ هذا من جهة ومن جهة ثانية طول الكتاب
وتفصيله ؛ فإنّ للإختصار حظّا من التوفيق والقبول ، ألا ترى الكفاية؟! على انّنا
وجدنا المشاركة الميدانيّة الجادّة في المقام للأصولي المحقق الجليل الميرزا
النائيني قدسسره ( م ١٣٥٥ ه )
الذي هو في طبقة تلامذة الميرزا الآشتياني قدسسره حيث أصبح الشارح الأوّل لمباني الشيخ والناقد لها بالإضافة
إلى نقد مدرسة الآخوند الخراساني قدسسره مما عزّز من مقامه العلمي الرفيع وجعله يحتل المكانة
الأولى في الدراسات الأصوليّة المعاصرة كما سبقت الإشارة إليه.
وبالرغم من ذلك
فإن الباحث الأصولي لا يستغني عن فوائد الآشتياني طالما أراد التعرّف الكامل بأصول
مدرسة الشيخ الأنصاري طاب ثراه ذلك لأنه متدفّق من فلق فم الشيخ نفسه ومستمد من
ذهنيّة تلميذه الوّقادة وكفاءاته العالية واستعداده الموهوب وقلمه السيّال وفكره
الثاقب الجّوال.
ومهما يكن من أمر
، فإن عظمة المحقق الآشتياني وجلالة قدره وصدارته في حوزة آراء الشيخ الأصوليّة
والفقهيّة مما اطبق عليه الأوّل والآخر والسابق واللاحق.
ثم ان الميرزا
الآشتياني أوّل ما كتب « البحر » كتبه في أيّام حضوره على استاذه حتى فرغ منه أيام
حياة الشيخ ولم يكن له يومئذ اسم معروف اللهم إلا الحاشية على « الفرائد » وانتشر
بين أهل العلم.
ولما جاء إلى
طهران واشتغل بتدريس « الفرائد » أضاف إليه الشيء الكثير وغيّر وبدّل وزاد ونقص
ونقّحه وذهّبه وهذّبه حتى فرغ منه بهذه الصورة وسمّاه « بحر الفوائد في شرح
الفرائد » وقام بطبعه سنة ( ١٣١٥ ه ) بطهران بإشراف منه ، فكانت النسبة بين
المطبوع والمخطوط السابق منه نسبة العموم والخصوص من وجه.
يقول البحّاثة
الشيخ آغا بزرك الطهراني قدسسره :
ألّف المترجم
حاشية كبيرة على « الرسائل » ـ تأليف أستاذه ـ سمّاها « بحر الفوائد » ألّفها في
النجف ولما عاد إلى طهران هذّبها ونقّحها وطبعها ». [ نقباء البشر : ١ / ٣٩٠ وانظر
الذريعة : ٣ / ٤٤ و ٦ / ١٥٥ ].
هذا مضافا إلى ما
أشار إليه في ثنايا البحث من ان الكثير مما كتبه سابقا ضاع منه بسبب المهاجرة والظروف
العصيبة التي مرّت به رحمه الله تعالى.
ومن الجميل ان
التعاليق التي أضافها ـ على الكتاب ـ في طهران كلّها معلّمة ومتميّزة ، ذلك لأنه
كلّ ما كتبه في حياة أستاذه أردفه بقوله : ( دام ظله ) وما كتبه بعد ذلك فهو متبع
بقوله قدسسره مما يشير إلى انه كتبه بعد وفاة الشيخ طاب ثراه وهي الفترة التي عاشها في
طهران.
ولنعترف غرفة من
فوائد « بحر الفوائد » ومميّزاته وبكلّ اختصار :
١ ـ فأوّل ما
يمتاز به انه شرح توضيحي علمي يوضّح المادّة توضيحا شافيا من دون أن يخلّ بقيمتها
العلميّة ، ومن هنا يكون نافعا للمبتدي والمتوسّط.
٢ ـ وإجتهاديّ في
نفس الوقت فيصلح مصدرا ومرجعا للمنتهي والمدرّس والمستفيد.
٣ ـ يسير في توضيح
الفكرة على أساس ترتيب الكتاب غالبا ، بل دائما.
٤ ـ كما يشير إلى
المسار البحثي حسب الترتيب الفنّي وما يجب أن يتقدّم أو يتأخّر.
٥ ـ كما انه
استدراكي يستدرك على المتن الكثير من النكات والفوائد والتنبيهات التي يجب
الإلتفات إليها والإطلاع عليها وهو في هذه الجهة فريد في بابه.
٦ ـ والبسط الوافي
حيث انه شرح مبسوط جدّا لا يدانيه شرح آخر في مستواه العلمي والتوضيحي.
٧ ـ ومن مميّزاته
: إرجاع الفكرة المطروحة في كلمات الشيخ إلى مصدرها
الأصلي ونقلها من
هناك.
٨ ـ ومن هنا لم
يعتمد على مجرّد نقل الشيخ للكلمات بل ينقلها من مصادرها الأوّليّة.
٩ ـ وإذا نقل
الشيخ صدر العبارة أو ذيلها ، نقلها هو كاملة ؛ لاعتقاده بان النقل المختزل يضرّ
بفهم العبارة لا سيّما للمبتدئين والمتوسطين.
١٠ ـ وتجده ناقدا
لكلمات السابقين ـ إذا نقلها ـ فهو ناقل ناقد.
١١ ـ كما قد يشرح
كلماتهم شرحا وافيا قبل أن يقوم بنقدها.
١٢ ـ بل قد يتخذ
موقف الدفاع عنهم.
١٣ ـ وقد جرت
عادته على ذكر المصادر المعتمدة في البحث وتبيين ما أجمله استاذه بمثل قوله : (
قال بعض المحققين ) ، أو ( بعض المعاصرين ) ، أو ( بعض مشائخنا ) ، أو ( بعض
الأساطين ).
١٤ ـ وقد قارن
كثيرا بين مدرسة استاذه الأنصاري ومعاصريه لا سيّما الفاضل النراقي وصاحب « الفصول
».
١٥ ـ وتعرّض
بالمناسبات المختلفة للأبحاث العقائديّة والكلاميّة فتراه يدخل فيها دخولا فنّيا
خصوصا في المجالات التي تعرّض المصنّف لمثلها كما في بحث سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والإحباط والتكفير ، وعلم الغيب للأئمة عليهمالسلام وغيرها.
١٦ ـ كما يشير إلى
الأبحاث الفلسفيّة إذا اقتضت الضرورة ويكتفي بنقل كلمات القوم من دون ان يخوض في
مضمارها.
١٧ ـ هذا بالإضافة
إلى ولائيّاته المشهودة في غضون الأبحاث وتصلّبه في حبّ آل محمّد عليهمالسلام.
١٨ ـ ولمّا لم
يوفّق الشيخ طاب ثراه لتصحيح كتابه « فرائد الأصول » أو عز إلى أكابر تلامذته
أمثال السيّد المجدّد الشيرازي قدسسره أن يقوموا بتصحيح الكتاب مادّة ومضمونا على غرار ما وضعه
لهم من منهجّية في أيام البحث والتدريس.
ولم يتقدّم السيّد
ـ ككثير غيره من تلامذة الشيخ ـ إلى ذلك إجلالا وإكراما لمكانة الشيخ واحتراما
لمقامه الرفيع ـ كما هو المعروف على الألسنة ـ ولم نجد أكثر من موضعين ـ إن صدّقه
الظنّ ـ قام بتصحيحهما السيّد المجدّد أعلى الله تعالى مقامه أشار إليهما تلميذه
الميرزا النائيني قدسسره كما في الأجود والفوائد وناقشهما نقاشا جادّا ولم يرتضهما.
ولعلّه لا ينحصر
بهذين الموردين فإنه لم يصل الينا تراث السيّد المجدّد في دورة كاملة والموجود منه
بعنوان التقريرات خليط من بحوث الفاضل الإيرواني ( م ١٣٠٦ ه ) بقلم السيّد اللاري
ومتفرّقات مما كتبها الروزدري من بحوث السيّد المجدّد ، مع العلم بان الكثير من
تلامذته كتبوا الشيء الكثير من بحوثه ، ولعلّ أحسن ما كتب من تقريراته الأصوليّة
ما سطرته يراعة تلميذه الفذ آية الله السيّد محمد الشرموطي بعنوان « التقارير
الأصوليّة » ، إلاّ انّها لم تطبع بعد ولا تزال مخطوطة.
وكيف كان : فقد
قام المحقق الآشتياني بمهمّة تصحيح الكتاب على احسن وجه بما لم يتقدّمه أحد وقد
ملأ « بحره » بتصحيح « الفرائد » وقام بتحرير « رسائل » الشيخ من جديد ولا غرور في
ذلك ؛ فانه أعرف الناس بمقاصد الشيخ ومراداته في عباراته.
١٩ ـ وقد استعان
الشارح قدسسره في توضيح مراد الشيخ في « الفرائد » قبل كلّ شيء بالشيخ نفسه حيث ذكر لنا
تقرير بحوثه يوم لم تكن هناك من مسجّل ولا لاقطة صوت أو تصوير ، وميّزه لنا بقوله
: ذكره في مجلس البحث أو مجلس المذاكرة أو مجلس الدرس ، او عند قراءتي عليه أو ما
شابه ذلك.
٢٠ ـ كما ذكر
مواضع اختلاف النّسخ وتصحيح الشيخ نفسه للعبارة أحيانا.
٢١ ـ هذا بالإضافة
إلى ان نسخته التي كانت بيده مصحّحة في مجلس الدرس.
٢٢ ـ كما ذكر
المواضع التي اعترف الشيخ نفسه فيها بقصور العبارة عن إفادة المعنى المقصود ، فقام
بتحريرها من جديد كما أشرنا آنفا.
٢٣ ـ وبالإضافة
إلى ذلك كلّه فقد أشار إلى المواضع التي تقصر عبارة الكتاب عن
إفادة المراد ـ في
رأيه ـ ولذلك قام بمحاولة تبيين المراد منها.
٢٤ ـ ومن مميّزات
الكتاب :
انه لا يبقى شاردة
ولا واردة إلاّ أحصاها ولا خافية إلاّ شرحها وبيّنها ولا يكتفي في شرحه بالبيان
اليسير ، بل يصرّ على التعرّض لجوانب البحث وزواياه وخفاياه ثم يلمّ بكلّ جهاته ،
بل قد يطنب في البحث بشكل يملّ من متابعة الموضوع من لم يتعوّد على هذه الرّوح
الوثّابة ويتقاعس عن الإستمرار مع صاحب ذلك النفس الطويل الذي لا يكلّ عن التحقيق
والتدقيق والبحث الدائب حتى ربّما وجدته يقول : وقد بقيت خبايا في زوايا لم نتعرّض
لها إختصارا بعد كلّ ذلك الإسهاب والإطناب الذي مرّ.
٢٥ ـ وبالمناسبة
فإن كثيرا من موضوعات الكتاب مشروحة ومبسوطة بشكل قد لا توجد مشبوعة بهذه المثابة
في الكتب الأصوليّة المطوّلة الأخرى فتصلح أن تكون رسالة أو كتابا في حدّ نفسه كما
في كثير من التنبيهات ومنها :
شرحه المبسوط في
حديث الرفع ، وفي تقدّم الأصل السببي على المسببي ، وفي الأصل المثبت ، إلى كثير
غير ذلك.
وفذلكة
الكلام : انه لو لم يكن في
فوائد « بحر الفوائد » سوى :
انه تحرير الفرائد
( من جديد )
ومستدرك الفرائد (
بالتأكيد )
وشرح الفرائد
وتمام الفوائد ، لكفى وكفى.
وبالرغم من أنه
بحر يزخر بالفوائد إلاّ انه يلاحظ فيه كغيره من كتب الأصول : عدم الضبط في نقل
الآيات الكريمة والأخبار الشريفة إتكالا على الحافظة او على نقل السابقين ، أو
النّقل بالمضمون والمعنى ، والإعتماد على مجرّد الإشتهار على الألسنة في حسبان
الكلام رواية إلاّ انه نادر جدّا.
ثم اننا وجدنا
النسخ التي اعتمدها المحقق الآشتياني قدسسره من الكتب التي أرجع إليها كثيرا كـ « الهداية » و « الفصول
» و « المناهج » و « الضوابط » وغيرها تختلف عن
المطبوعة اليوم
زيادة ونقيصة ، ولم ننبّه على ذلك إلاّ في بعض الموارد إكتفاء بالإرجاع إلى المصدر
المطبوع أو الموجود ، ولأنه ليس فيه كثير فائدة إلاّ في موارد نادرة وهي معلومة
بعد المراجعة.
الكلمات والتعاليق
والشروح والحواشي التي استفدنا منها أو أضفناها إلى « البحر » :
صببت الإهتمام على
نقل كلمات أعاظم تلامذة الشيخ ؛ لأنهم أعرف به من غيره وأقرب عهدا به وبنظريّاته ،
ثم تلامذتهم ولم أتعدّ عن ذلك إلاّ نادرا نعم استفدت أحيانا من كتب ثلاثة من
معاصريه وهي :
١ ـ « هداية
المسترشدين » للشيخ محمد تقي الاصفهاني الأيوان كيفي قدسسره المتوفى سنة ١٢٤٨ ه المعروف بصاحب الحاشية.
٢ ـ « قوانين
الأصول » للميرزا أبي القاسم القمي قدسسره المتوفى سنة ١٢٣١ ه.
٣ ـ « والفصول
الغرويّة » للشيخ محمد حسين الحائري الاصفهاني الأيوان كيفي قدسسره المتوفى سنة ١٢٥٥
ه.
وأمّا كتب تلامذة
الشيخ وتلامذتهم فهي :
٤ ـ « حاشية على
معالم الدين » للسيّد علي القزويني قدسسره المتوفى سنة ١٢٩٨ ه.
٥ ـ « أوثق
الوسائل » للشيخ موسى بن جعفر التبريزي المتوفى سنة ١٣٠٥ ه وفي ضمنها كلمات
استاذه السيّد حسين الترك المتوفي سنة ١٢٩٩ ه.
٦ ـ « تقريرات
السيّد المجدّد الشيرازي قدسسره » المتوفى سنة ١٣١٢ ه.
٧ ـ « محجّة
العلماء » للشيخ محمد هادي الطهراني المتوفى سنة ١٣٢٢ ه.
٨ ـ « الفوائد
الرضويّة على الفرائد المرتضويّة » للشيخ آغا رضا الهمداني المتوفى سنة ١٣٢٢ ه صاحب
« مصباح الفقيه » وذكرناها بعنوان « حاشية فرائد الأصول ».
٩ ـ « درر الفوائد
في الحاشية على الفرائد » للمحقق الشيخ محمد كاظم الطوسي الخراساني صاحب « الكفاية
» المتوفى سنة ١٣٢٩ ه.
١٠ ـ « قلائد
الفرائد » للمحقق الشيخ غلام رضا القمي المتوفي سنة ١٣٣٢ هـ
١١ ـ « حاشية
فرائد الأصول » تقرير أبحاث السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي المتوفي سنة ١٣٣٧
ه بقلم تلميذه الشيخ محمد ابراهيم اليزدي ( م سنة ١٣٢٠ ه ).
١٢ ـ تعليقة
السيّد عبد الحسين اللاّري المتوفي سنة ١٣٤٢ ه وفي ضمنها أيضا :
١٣ ـ كلمات أستاذه
الأعظم الفاضل الايرواني المتوفي سنة ١٣٠٦ ه.
١٤ ـ « حاشية رحمة
الله » للفاضل الشيخ رحمة الله الكرماني وهي حاشية مليحة جدا يردّ فيها على المحقق
الخراساني كثيرا.
١٥ ـ « حاشية
المشكيني على الكفاية » للمحقق الميرزا أبي الحسن المشكيني المتوفى سنة ١٣٥٩ ه.
١٦ ـ « فوائد
الأصول » للشيخ محمد على الكاظمي الخراساني المتوفى سنة ١٣٦٥ ه.
١٧ ـ « أجود
التقريرات » للسيد أبي القاسم الخوئي النجفي المتوفي سنة ١٤١٣ ه كلاهما تقريرا
لأبحاث المحقق الميرزا النائيني قدسسره المتوفى سنة ١٣٥٥ ه.
١٨ ـ « نهاية
الأفكار » للشيخ محمد تقي البروجردي المتوفى سنة ١٣٩٢ ه تقريرا لأبحاث المحقق
الأصولي الشيخ آغا ضياء العراقي المتوفى سنة ١٣٦١ ه.
١٩ ـ و « مقالات
الأصول » بقلم المحقق العراقي أيضا.
٢٠ ـ « نهاية
الدراية » للمحقق الشيخ محمد حسين الكاظمي الاصفهاني المتوفى سنة ١٣٦١ ه.
٢١ ـ « وقاية
الأذهان » للشيخ محمد رضا الاصفهاني المتوفى سنة ١٣٦٢ هـ
٢٢ ـ « عمدة
الوسائل في شرح الرسائل » للسيد عبد الله الشيرازي المتوفى سنة ١٤٠٦ ه .
وقد تقول : ما
الحاجة إلى نقل المكرّر في موضع واحد؟
فأقول : لكي تطّلع
من خلال ذلك : ـ
على توارد الأفكار
وتقاربها.
ـ واتحاد المأخذ من
أستاذ وغيره.
ـ كما يتّضح بذلك
الفاصل العلمي بين الرّجال واختلافهم في الافهام.
ـ ويتبين بوضوح
تعدّد الرؤى والنّظرات في كلمات الشيخ.
ـ واختلافهم في
زاوية النظر إلى آراءه ومبانيه.
- ومقدار تعبّدهم
بكلماته وإبداعاته.
__________________

ـ مضافا إلى ما في
ذلك من إحياء للشخصيّات وإحياء للآراء المطروحة في حوزة الأصول سابقا.
ـ وتدرّج الفكرة
الأصوليّة في تطوّرها لاحقا.
ـ إلى غير ذلك من
فوائد.
وقد لاحظنا على
سبيل المثال أن جلّ « القلائد » منظومة من « بحر الفوائد ».
النسخ المعتمدة في
التحقيق :
١ ) النسخة
المتداولة المطبوعة باشراف المحقق الآشتياني على الحجر بطهران سنة ١٣١٥ ه
وجعلناها الأصل لكونها أكثر وضوحا وإتقانا وضبطا ولما إنّها تتميّز باشراف الشيخ
نفسه على طبعها.
٢ ) النسخة
المطبوعة بهامش الفرائد سنة ١٣٧٢ ه بطهران أيضا بأمر المرجع الديني السيد آقا
حسين الطباطبائي البروجردي قدسسره المتوفى سنة ١٣٨٠ ه وقد استعرناها من صديقنا العزيز
الفاضل السيد عباس كاظم الحسيني الشاهرودي حفيد المرجع الديني السيد الشاهرودي
الكبير.
٣ ) النسخة
المصوّرة من مكتبه الفاضلي بخوانسار من الحاشية الصغيرة التي سمّيناها بالبحر
القديم المذكور على الألسن بعنوان الحاشية الناقصة.
واستعنّا بهذه
النسخ الثلاث لضبط النص الصحيح من « بحر الفوائد » ولم نسر على الطريقة المألوفة
من ذكر اختلاف النّسخ لما لا يرجع شيء منه إلى محصّل سوى التشويش على الطالب
والباحث بعد أن توخّينا النّص الصحيح المضبوط إجتهادا ، هذا فضلا عن ان الإختلاف
نادر جدّا ، اللهم إلاّ في النسخة الثالثة وقد ذكرنا ان النسبة بينها وبين « البحر
» الموجود عموم من وجه ، ولم تعد الحاجة إلى ذكر التعليقات الّتيء لم ترد في «
البحر » منها لما أنها كانت بمرأى ومشهد من المؤلف عند طباعته للنسخة المشهورة المتداولة
ولم يأت بها الكاشف عن انه معرض عنها وقتئذ.
ولم نحصل على
مخطوطة كاملة من الكتاب بيد المؤلف أو تلامذته رغم الفحص
الجادّ ، اللهم
إلاّ متفرّقات في مكتبة الخزانة الرضويّة بمشهد الامام الرضا عليهالسلام والمكتبة المرعشيّة بقم المقدّسة.
ولذلك لم نعتمد عليها
أصلا.
منهجنا في
التحقيق وعملنا في الكتاب
لا إشكال ان
التحقيق من الأعمال الشّاقة جدّا التي قد تتطلّب جهودا أكثر من التأليف بأضعاف
مضاعفة لا سيّما مع قلّة البضاعة.
خصوصا إذا انفرد
المحقّق في تحقيقه ولم يكن له ناصر ولا معين ، سيّما إذا كان الكتاب مملوءا من
الطلاسم المعقّدة والرّموز المقيّدة فكيف بما إذا كان أصوليّا والحال هذه.
ومع ذلك كلّه فقد
أمضيت بضعة الآلاف ساعة في تحقيق هذا الكتاب النفيس وحلّ طلاسمه وفكّ رموزه
إبتداءا من جمادي الثانية عام ١٤٢٨ ه وقد ساعدنا على مقابلة الجزء الأوّل وتخريج
شطر من مصادر الكتاب تلميذنا العزيز الشاب المخلص الوفي السيد عبد الصمد الجعفري
العريضي العبّاداني دام عزّه فقد كابد معنا الصعوبات لمدّة ستّة أشهر متواصلة
باخلاص غير مشوب بمنّ ثم فارقنا مشكورا بعد ذلك متّجها نحو انشغالاته الأخرى وفقه
الله تعالى لكل خير وشكر سعيه وأجزل مثوبته.
وقد مرّ التحقيق
عبر المراحل التالية :
أولا
: مقابلة النسخ
المذكورة وقد كانت إحدى العقبات الصعبة جدّا.
ثانيا
: تقويم وضبط نصوص
الكتاب بالدّقة التامة.
ثالثا
: تقطيع وتوزيع
النص حسب المعائير العلميّة.
رابعا
: وضع علائم
الترقيم وفق المناهج المتبعة لدى المحققين.
خامسا
: تخريج الآيات
الكريمة والروايات الشريفة من مصادرها الأوّليّة.
فقدّمنا الكتب
الأربعة على غيرها وراعينا الترتيب الزمني فيما بينها أيضا وإذا
وجدنا الخبر في
كتب سابقة عليها ذكرنا المتقدّم ابتداء كـ « المحاسن » و « البصائر » و « قرب
الإسناد » ونظائرها ثم أردفناها بالكتب الأبعة ثم « الوسائل » واعتمدنا فيها جميعا
الطبعات المشهورة والمعروفة بين أهل العلم والمتداولة في الأوساط.
ونبّهنا على
النصوص التي لا أثر لها في الجوامع الحديثيّة المعتبرة ، كما أشرنا إلى مصادر
الاخبار النبويّة ـ التي لا توجد عندنا ـ من كتب الجمهور.
ثم انه قد تجد
اختلافا ظاهرا بين المصادر في الفاظ النصوص إلاّ انّ جملة من أهل العلم اعتادوا
على النقل من مصدر واحد ظنّا منهم وحدة الألفاظ في المصادر المختلفة وقد نبّهنا
على ذلك في غير مورد وسكتنا عن بعض اكتفاء بهذا التنبيه.
كما اشرنا إلى
النصوص التي أوردها المحقق الآشتياني تبعا لغيره من الأعلام في كتابه وليس لها أثر
في الجوامع الحديثيّة إلا في الكتب الفقهيّة أوردها الشيخ الطوسي في بعض كتبه
إيرادا لا اعتمادا من كتب الجمهور وتبعه بعد ذلك من تأخّر عنه لا سيّما المحقق
والعلاّمة مما أدّى إلى اشتهار تلك النصوص شهرة واسعة لدى الأعلام المتأخّرين
وطفحت بها كتب الإستدلال مع أنّ مصدرها الرئيسي كما ذكرنا ـ عبارة عن كتب الجمهور
، تسرّبت إلى كتبنا من خلال نقل الشيخ أو المحقق رضوان الله تعالى عليهما.
سادسا
: تخريج الأقوال
وعزوها إلى مصادرها أو الحاكي لها أو هما معا جهد المستطاع.
ومن أجل ذلك فقد
كرّرت النظر وراجعت كتابا واحدا أكثر من مرّة من أجل تخريجة واحدة ومن ذلك مراجعتي
مثلا لكتاب « كشف القناع » ومطالعتي له أكثر من خمس مرّات من الدفّة إلى الدفّة
وكذا « مناهج النراقي » و « القوانين » و « الهداية » و « الفصول » بما يزيد على
ذلك ، وقد تفشل المحاولات دون نتيجة.
خصوصا وأن الفطاحل
المعاصرين له كثيرون جدّا ولم يتيسّر لي الحصول على كتبهم أمثال حجّة الإسلام
الشفتي والشيخ محمد ابراهيم الكلباسي الكاخكي والسيد
حسين الترك والشيخ
محمد حسن المامقاني وسيّد « الضوابط » والملا علي الكني وسيّد « البرهان القاطع »
والسيّد المجدّد والفاضل الايرواني والفاضل الأردكاني والفاضل الدربندي وكثير
غيرهم.
هذا مع العلم بان
مصادره الأصليّة عبارة عن :
١ ـ « شرح الوافية
» للسيد صدر الدين الرضوي استاذ الوحيد البهبهاني قدسسرهما.
٢ ـ « شرح الوافية
» للسيد محسن الأعرجي الكاظمي.
٣ ـ « شرح الوافية
» للسيّد بحر العلوم.
٤ ـ « القوانين »
للميرزا القمّي.
٥ ـ « هداية
المسترشدين » للشيخ محمد تقي الاصفهاني.
٦ ـ « الفصول
الغرويّة » لأخيه الشيخ محمد حسين الاصفهاني.
٧ ـ « كشف القناع
».
٨ ـ و « منهج
التحقيق » لمؤلفهما الشيخ أسد الله التستري.
٩ ـ « مناهج
الأحكام في الأصول » للفاضل النراقي.
وأما « ضوابط
السيّد » و « مفاتيح المجاهد » و « إشارات الكلباسي » فبدرجة متأخرة عن ذلكن.
وقد بذلت قصارى
جهدي في تتبّع الأقوال وتخريجها من مظانّها وإن لم أوفّق في هذه العجالة لاستخراج
جميع الأقوال والنصوص والعذر واضح.
سابعا
: تحديد صفحات
الطبعة الحجرية المتداولة على هامش الكتاب.
ثامنا
: ترقيم الحواشي من
بداية الكتاب في كلّ جزء ترقيما تسلسليّا.
تاسعا
: وضع العناوين في
مواضعها المناسبة كما جاءت في الطبعة الحجريّة وأضفنا عناوين أخرى فيما لم يذكر له
عنوان كما أسقطنا العناوين التي لا قيمة لها وصحّحنا العناوين في موارد كثيرة.
عاشرا
: قسّمنا الكتاب
على ترتيب العناوين الرئيسيّة في « الفرائد » وفصّلناه
بفصوله وبوّبناه
كذلك وذكرنا قائمة الابحاث المطروحة في كل جزء أوّل ذلك الجزء وكذلك صنعنا في كل
باب وفصل وقدمنا تلكم العناوين وجعلناها الأساس غالبا في عناوين الصفحات الفرديّة
من « البحر » في كلّ جزء.
الحادي
عشر : وإذا كان هناك من
تقديم وتأخير سهوي في النسخة الحجريّة المطبوعة من « البحر » رتّبناه بشكله
المطلوب.
الثاني
عشر : وضعنا فهرسة كاملة
لجميع الأبحاث المطروحة في كلّ جزء من أجزاء الكتاب.
الثالث
عشر : ووزّعنا أجزاء
الكتاب في ثمان مجلّدات.
الرابع
عشر : لم نتّبع العادة
المألوفة في وضع التراجم للأعلام المذكورين في ثنايا أبحاث الكتاب عند أوّل مرّة
يأتي ذكرهم ، بل جمعنا التراجم كلّها في خاتمة الكتاب لكي تكون أكثر نفعا للمراجع
، ورتّبناها بحسب القرون وسمّيناها « قبسة العجلان في تراجم الأعيان ».
الخامس
عشر : علّمنا جميع
الموارد التي أشار فيها الشارح إلى مجلس بحث الشيخ وأبرزناها بقلم أكثر وضوحا.
السادس
عشر : كما أبرزنا جميع
الكتب التي أتى ذكرها في « البحر » كذلك.
السابع
عشر : نبّهنا على مواضع
المبتدأ والخبر إذا ابتعد الخبر عن صاحبه بأكثر من عشرة أسطر فصاعدا في الكتاب
كلّه إلاّ ما زاغ عنه البصر وذلك بابرازه بالقلم الخشن.
الثامن
عشر : كما أبرزنا جميع
الموارد التي حاول الشارح تحرير عبارة الكتاب من جديد بالطريقة السابقة.
التاسع
عشر : وكذلك في جميع
الموارد التي يذكر فيها اختلاف النسخ أو يمدح الشيخ أو يشير إلى مطلب هام يسترعي
الإنتباه التام.
العشرون
: ثم ان الطبعة
التي اعتمدنا عليها من « الفرائد » في الإرجاعات المشروحة في كلمات الميرزا هي
طبعة مؤتمر تكريم الشيخ الأعظم قدسسره.
كما ينبغي الإشارة
إلى ان الإرجاعات البحريّة المذكورة في الهوامش إنّما هي الطبعة الحجريّة التي
يمكن الوصول اليها بسهولة في طبعتنا هذه.
وأخيرا
: أضفنا إليه
الكثير من كلمات الاعلام وشروحهم وحواشيهم على متن « الفرائد » في الموارد التي أمكن
إدخالها في غضون البحث كما مرّت الإشارة إليهم ، هذا بالإضافة الى التصحيحات
والإضافات التي أوردناها داخل المعقوفتين لضرورة أو غيرها وعلّقنا عليه بالمقدار
الذي تيسّر لنا في هذه العجالة.
والكتاب عربي
فارسي يذكّر فيما من شأنه التأنيث ويؤنّث ما من شأنه التذكير وهكذا دواليك ، كما
هي سيرة غيره من مشائخه ومعاصريه ومن تأخّر عنهم إلى يوم الناس هذا ، وقد نقم
الفاضل الكرماني على المحقق الخراساني بهذا الصدد وأسرف ولم يلتفت إلى انه مبتلى
بمثل ما ابتلى به صاحبه.
أمّا نحن فلم
نتصرّف في تعديل ذلك أصلا ، إلاّ في موارد نادرة جدّا رعاية للأمانة العلميّة ،
ولأن التدخّل في مثل تلك الأمور يتطلّب كتابة « البحر » برمّته من جديد وهو غير
مطلوب ولا محبوب ، نعم صحّحنا الاغلاط الإملائية والنحويّة بقدر ما أمكن. وكيف ما
كان فلم نأل جهدا في اخراج الكتاب بأحسن وجه وأجمل حلّه من الدفّة الى الدقّة فقد
راجعنا الكتاب كرارا وسهرنا معه ليال كثيرة ولا كرامة ، مع الإعتراف بقصور الباع
وقلّة الإطلاع والإقرار بالسهو والإشتباه ؛ فإن السهو والنسيان من طبائع الإنسان
إلاّ من عصمه الرّحمن عز وجل.
لنختم الكلام هنا
بالدعاء للوليّ الناصح ، وسفينة النجاة ، الناموس الأكبر ، وليّ الأمر وصاحب العصر
الحجّة من آل محمد أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، فإن كان فيما قدّمناه من جهود خير
فهو ـ بأبي وأمي ـ أوّله وآخره ومعدنه ومأواه ومنتهاه :
« اللهمّ صلّ على
وليّك المحيى سنّتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك حجتك على خلقك وخليفتك
في أرضك وشاهدك على عبادك.
اللهم أعزّ نصره
ومدّ في عمره وزيّن الأرض بطول بقاءه ، اللهم أكفه بغي
الحاسدين وأعذه من
شرّ الكائدين وازجر عنه إرادة الظالمين وخلّصه من أيدي الجبّارين ، اللهم أعذه من
شرّ جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصوّرت واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن
يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به واحفظ فيه
رسولك ووصيّ رسولك عليهمالسلام.
اللهم وأحي بوليّك
القرآن وأرنا نوره سرمدا لا ظلمة فيه وأحي به القلوب الميتة واشف به الصّدور
الوغرة واجمع به الأهواء المختلفة على الحق وأقم به الحدود المعطّلة والأحكام
المهملة حتى لا يبقى حقّ إلاّ ظهر ولا عدل إلاّ زهر واجعلنا يا ربّ من أعوانه
ومقوّية سلطانه والمؤتمرين لأمره والرّاضين بفعله والمسلّمين لأحكامه وممّن لا
حاجة به إلى التقيّة من خلقك.
أنت يا ربّ الذي
تكشف الضرّ وتجيب المضطرّ إذا دعاك وتنجي من الكرب العظيم فاكشف الضرّ عن وليّك
واجعله خليفتك في أرضك كما ضمنت له.
اللهم ولا تجعلني
من خصماء آل محمّد عليهمالسلام ولا تجعلني من أعداء آل محمّد عليهمالسلام ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على آل محمّد عليهمالسلام فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني واستجير بك فأجرني اللهم صل
على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم فائزا عندك في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين آمين
ربّ العالمين ».
|
قم المقدّسة عش
آل محمّد عليهمالسلام
السيّد محمد حسن
الموسوي العبّاداني
نجل السيد علي
الدورقي
آل السيّد علي
القارون الزاهد البحراني
٢٥ شعبان المعظم
١٤٣٠ ه ق
|








|