

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
مقدمة
هذه دراسة تنظم
جهود المستشرقين في الدراسات القرآنية المتنوّعة وتتناول بالبحث الموضوعي عطاءهم
الفكري ، وتشير إلى أبرز أعمالهم في هذا المجال.
وليس في استقراء
هذا الأثر حبّ بالمستشرقين أو تعصبا لهم ، بقدر ما فيه من حب للقرآن الكريم وإعجاب
بذيوعه وانتشاره ، حتى بحثه من لا يؤمن بإعجازه ، وصنّف فيه من لا يراه وحيا
إلهيا.
لقد ظلّ القرآن
الكريم مثار دهشة الغربيين من مستعربين ومستشرقين ، بما أحدثه من تغيير شامل في
المجتمع العربي والإسلامي وما أضافه إلى الحضارات الإنسانية من زخم وحياة ، وما
قدّمه للثقافة من تطوّر وتجديد.
فحدبوا على دراسته
بمثابرة ، وتتبعوا نصوصه بإمعان ، فرآه البعض مادّة للأبحاث الموضوعية فدرسه بهذا
المنظور ، واشتد على البعض الآخر وقعه فأثار عنده الحقد الدفين ، ومن هذا وذاك طغت
على السطح الأكاديمي دراسات الاستشراق القرآنية ، فاتسم بعضها بالموضوعية ، وبدا
على قسم منها تبعات الهوى حينا ، وروائح الاستعمار حينا آخر ، وملامح التبشير بعض
الأحايين ، فخلص لنا من كل أولئك مزيج عجيب يدعو إلى الحيرة ، وقد حاولنا في هذه
الدراسة تصنيفه وتنقيته والوقوف فيه عند حدوده العلمية.
في هذه الدراسة
الموجزة عرض ونقد وتحليل وفهرسة ، عني العرض بكشف أبرز البحوث القيّمة في موضوع
الدراسات القرآنية ، وتكفل النقد بتهذيب وجهات النظر الضيقة والعودة بها إلى
المناخ الطبيعي ، واقتصر التحليل على أفضل المعطيات العلمية للجهود الاستشراقية في
دراسات
القرآن ، وحاولت
الفهرسة تصنيف أغلب الأبواب والموضوعات والدراسات والبحوث والمؤلّفات والتحقيقات
والتراجم والتعقيبات في الموضوع والإشارة إلى زمان ومكان طبعها ونشرها قدر
الإمكان.
ولقد كانت الجهود
مضنية احتجت معها إلى ترجمة بعض النصوص ، من الإنكليزية ، والاستعانة ببعض
الأساتيذ في الألمانية ، مضافا إلى عملية الإحصاء استعيابا واستقصاء ، لئلا يكون
النقص في الحث كبيرا والهوّة واسعة.
وكانت المراجع
للموضوع ما كتب عن المستشرقين ، وما كتبه المستشرقون أنفسهم.
أمّا ما كتب عن
المستشرقين فكان دليلا هاديا إلى اكتشاف المجهول ، واستقراء ترجمة الجهود ، وإضافة
قائمة بمؤلفات لم يحصل عليها ولم يطّلع على أسرارها. وأمّا ما كتبه المستشرقون في
موضوع القرآن فكان مادّة البحث الأولى التي اعتمدناها في النصوص والتقييم والنقد.
ومن خلال هاتين
الحصيلتين سلطت الأضواء على كوامن البحث في مصادره القيمة ومعالمه المتشعّبة. وكان
ذلك بفضل جمع ما تناثر هنا وهناك ولمّ شمله وشعثه من صروف الشتات والتمزّق ، فعاد
مجتمعا في بحث ومتداولا في كتاب.
ومن خلال استقراء
متنوع الجهود الاستشراقية في الدراسات القرآنية وجدنا أهمّ أعمالهم تدور حول
الموضوعات التالية بحسب أهميتها عندهم ، أو بحسب ما أنتجوه فيها :
١ ـ تأريخ القرآن
الكريم ، وكل ما يتعلق بأسباب نزوله ، وتأريخ سوره ، ومكيّه ومدنيّه ، وقراءاته
ولهجاته ، وكتابته وتدوينه ، وما دار في هذا الفلك من رأي ، أو فكرة أو نظرية.
٢ ـ ترجمة القرآن
إلى مختلف اللغات العالمية والألسن الحيّة ، ترجمة حرفية أو تفسيرية أو لغوية ،
جزئية وكلية.
٣ ـ نشر ما كتب عن
القرآن وما ألّف فيه ، وتحقيق النصوص القديمة في آثاره ، والتدوين والفهرسة بمختلف
الأصناف.
٤ ـ بعد هذا وجدنا
البحوث العامّة ، والدراسات المتنوعة التي تنبثق عن القرآن في علومه وفنونه
وبلاغته ، ومسايرته للحياة في الفن والفلسفة والاجتماع فكانت أداة صالحة للدراسات
الموضوعية الجادة.
٥ ـ وقد عقبنا هذه
الدراسات المتشعبة الموضوعات بتقويم نقدي لأشهر الجهود الاستشراقية في الدراسات
القرآنية تأريخيا وتدوينيا وتفسيريا وموضوعيا ، كشفنا فيه طبيعة الفهم الاستشراقي
للقرآن ، وتوثيق القرآن عند المستشرقين من ينابيعه الأولى ، واستقراء المجهول في
مختلف الأبحاث الاستشراقية.
٦ ـ واستيعابا
لمادة البحث الأولى صنّفنا معجما إحصائيا بأبرز الدراسات الاستشراقية للقرآن
الكريم ، وبوّبنا ذلك أبجديا تيسيرا للقارئ ، وتنظيما لهذا التراث الضخم.
وكان نتيجة ذلك أن
تكونت هذه الدراسة من ستة فصول ، انتظمت كل فقرة فيما سبق على فصل خاص بها.
وسنقف بإذن الله
تعالى وقفة تمحيصية احصائية عند هذه الأركان الأساسية من الموضوع ، بعد أن نعطي
لمحة خاطفة عن تعريف الاستشراق ودوافعه في مدخل الكتاب ، قد تكون هذه اللّمحة
ضرورية بين يدي هذا البحث لاستكمال عناصره واستقراء معالمه.
وما
توفيقي إلاّ بالله العليّ العظيم
عليه
توكّلت وإليه أنيب
وهو حسبنا
ونعم الوكيل
الجامعة المستنصرية ـ كلية
الفقه
النجف الأشرف
|
الدكتور
محمد
حسين علي الصغير
|
المدخل
١ ـ تعريف
الاستشراق
٢ ـ دوافع
الاستشراق
(١)
تعريف الاستشراق
الاستشراق بتعبير
موجز : دراسة يقوم بها الغربيّون لتراث الشرق وبخاصة كل ما يتعلق بتأريخه ، ولغاته
، وآدابه ، وفنونه ، وعلومه ، وتقاليده وعاداته .
وإذا كان
الاستشراق يستقطب هذه الصيغة ، فالمستشرق ـ بهذا الاعتبار ـ هو الغربي الذي يدرس
تراث الشرق ، وكل ما يتعلق بتأريخه ، ولغاته ، وآدابه ، وفنونه وعلومه وتقاليده ،
وعاداته.
ولا بدّ لدراسة
هذا التراث من أداة توصله إلى ثماره المنشودة وهذه الأداة التي يجب أن يتحصّن بها
المستشرق : هي اتقان لغة الشّرق ، والتخصّص بأبرزها آثارا في التأريخ والفنون
والآداب والعلوم ، وهي اللغة العربية لا ريب.
لهذا يرى المستشرق
الألماني المعاصر « ألبرت ديتريش » أن المستشرق : هو ذلك الباحث الذي يحاول دراسة
الشرق وتفهمه ، ولن يتأتّى له الوصول إلى نتائج سليمة ما لم يتقن لغات الشرق .
ومصطلح الاستشراق
يرجع إلى العصر الوسيط ، بل إلى العصور القديمة ، أي إلى الوقت الذي كان فيه البحر
المتوسط كما قيل يقع في
__________________
وسط العالم ،
وكانت الجهات الأصلية تتحدّد بالنسبة إليه. فلمّا انتقل مركز ثقل الأحداث السياسية
بعد ذلك من البحر المتوسط إلى الشمال بقي مصطلح الشرق رغم ذلك دالاّ على الدول الواقعة
شرق البحر المتوسط .
ويبدو أن مصطلح
الشرق لم يقتصر على هذه الرّقعة جغرافيا فحسب ، بل تجاوزها إلى غرب الجزيرة
العربية ، وشمال إفريقيا ، وذلك بعد الفتوحات الإسلامية ، فعدّت كل من مصر والمغرب
وشمال إفريقيا وما تعرّب من سكان هذه الدول من الشرق ، فشملها هذا الاسم باعتبار
دينها الإسلام ، ولغتها العربية.
وكما تخطّى مصطلح
الشرق حدوده الجغرافية إلى غرب الجزيرة العربية وشمال إفريقيا ، فقد تخطّى مصطلح
الاستشراق الغربيين ، وتجاوزهم إلى المستعربين بعامّة ، ممن لم يعتنقوا الإسلام
دينا ، ولم ينطقوا بالعربية لغة ، وكان من شأنهم أن بحثوا في تراث الشرق لغة وأدبا
، وإن كانوا شرقيين ، فشملهم هذا التعبير ، وغمرهم هذا المصطلح ، فعادوا مستشرقين.
وفي ضوء ذلك يصحّ
لنا إطلاق الاستشراق الروسي على المعنيين بالشئون المشار إليها من قضايا الشرق
الثقافية ، وهكذا يقال الاستشراق الياباني أو الاستشراق الصيني. كما يقال
الاستشراق الأمريكي أو الانكليزي جنبا إلى جنب.
لقد عاد الإسلام
واللغة العربية مادة خصبة لموضوع الاستشراق ، وطغت هذه المادة على ما سواها ، ولقد
قدّر للقرآن الكريم أن يحتضن الإسلام واللغة العربية بوقت واحد ، حتى أضحى القرآن
أغنى المواضيع عند المستشرقين على الإطلاق ، فبحثوا جزئيّاته وكلّياته ، وانصبّت
بحوثهم الأكاديمية حوله بشكل يلفت النظر ، ويستوقف الباحث.
__________________
(٢)
دوافع الاستشراق
للاستشراق بوجه
عام من خلال دراساته العربية والإسلامية دوافع متفاوتة شدّة وضعفا ، اتّسم بعضها
بهدف تبشيري ، واتجه البعض الآخر منها بغرض استعماري ، وخلص القسم الثالث باتجاه
علمي ، فشكلت بذلك دوافع تبشيرية ، ودوافع استعمارية ، ودوافع علمية ، وسنلقى على
هذه الدوافع بعض الضوء الكاشف لنخلص إلى الحقيقة المجردة.
أ ـ الدوافع
التبشيرية :
ذهب « رودي بارت »
إلى أن الهدف الرئيسي من جهود المستشرقين في بدايات الاستشراق في القرن الثاني عشر
الميلادي وفي القرون التالية له : هو التبشير ، وعرّفه بأنه : إقناع المسلمين
بلغتهم ببطلان الإسلام ، واجتذابهم إلى الدين المسيحي ، ويمكن الاطلاع على هذا
الموضوع في الكتاب الكبير الذي وضعه : « نور من دانيل » باسم : الإسلام والغرب (
١٩٦٠ م ) .
وقد أكّدتهم
المستشرقين التبشيرية الأستاذ « محمد البهي » بكتاب أسماه « المبشرون والمستشرقون
» في موقفهم من الإسلام وقد ناقشه فيه وردّ عليه الدكتور « محمد يحيى الهاشمي » ،
الذي فنّد أغلب النوايا الهامشية للاستشراق .
__________________
إننا لا نستطيع أن
ننفي هذه التهم جملة وتفصيلا ، فلهذه التهم أصل من الصحة ، ولا يمكننا أن نزيّف
جميع الجهود الاستشراقية ونصمها بالتبشير ففي هذا بعض الغلو والتطرف ، ولكننا
نستطيع أن ننزه قسما ونتهم قسما آخر. فالمستشرقون بشر ، والبشر فيه الموضوعي وفيه
السطحي ، والمستشرقون مجتهدون ، وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب.
يلحظ أن جماعة من
المستشرقين قد دأبوا منذ زمن حتى عصرنا الحاضر على وصف القرآن بأنه نسيج من
السخافات ، وبأن الإسلام مجموعة من البدع ، وبأن المسلمين وحوش ، وكان نموذج ذلك
من المشترقين : « نيكولا دكيز ، وفيفش ، وفراتشي ، وهو تنجر ، ويلياندر ، وبريدو »
، وغيرهم .
وهذا النوع من
المستشرقين قد دفع تبشيريا إلى الغض من مكانة القرآن والإسلام ، لتقليل أهميتهما
وزعزعة النفوس عنهما ، وإسدال ظلال كثيفة قاتمة حول التأريخ الإسلامي لخدع البسطاء
والمترددين ، تبعا لهوى في نفوس القوم. ولكن الحديث المتأطر بهذا القناع لا يمكن
أن يوافق قبولا لدى الباحثين لأنه حديث عاطفي.
وقد عمد قسم من
المستشرقين الألمان واليهود أمثال ، « فيل ، وجولد سهير ، وبول » ، وغيرهم إلى
القول بأن القرآن حرّف وبدّل بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي صدر الإسلام الأول ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصاب بالصرع! وأنّ ما كان يسميه الوحي الذي ينزل عليه إنّما كان أثرا
لنوبات الصرع! فكان يغيب عن صوابه ، ويسيل منه العرق ، وتعتريه التشنّجات ، وتخرج
من فيه الرّغوة ، فإذا أفاق من نوبته ذكر أنّه أوحي إليه ، وتلا على المؤمنين ما
يزعم أنه من وحي ربه .
__________________
وقد تكفل بالردّ
على هذه المزاعم الكاذبة جملة من المستشرقين المنصفين لا سيما « السير وليام موير
» في كتاب « حياة محمّد » : فكان ما تحدث فيه عن منزلة القرآن ودقّة وصوله سالما ،
خير ردّ على التجنّي والحقد الأعمى ، واعتبر ذلك تهرّبا عن البحث العلمي الرّصين.
وعقّب على ظاهرة
الوحي ، فنفى ما افتراه الجاهلون على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
من حالات الصرع المدعاة ،
لأن نوبة الصرع لا تذر عند من تصيبه أي ذكر لما مر به أثناءها ، ذلك لأن حركة
الشعور والتفكير تتعطل فيه تمام العطل .
وهذا ما نشاهده
عيانا في حالات الإغماء وقد أيّد كل من « الأب هنري لامنس » ، و « فون هامر » مذهب
« موير » في التفريق بين حالة الصرع والوحي .
بينهما زعم آخرون
: بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في القرآن ساحرا ، وأنه لم ينجح في الوصول إلى كرسي
البابويّة فاخترع دينا جديدا لينتقم من زملائه .
وقد هزّ هذا
التحدي السافر المستشرق « آميل درمنجهام » ، ففند أباطيل هؤلاء الدعاة وحمل عليهم
، ورد هذه التهم الرخيصة التي خالفت الواقع .
وبذلك أدين
المستشرقون المتطرّفون بفم المستشرقين المنصفين.
إن كثيرا من الصيغ
التي نهجها بعض المستشرقين لم تتسم بصفة
__________________
29 ـ Life of Mohammad. PP.14
البحث العلمي ،
لهذا ردت من قبل مستشرقين آخرين ، لأنها لم تدعم بدليل نصي أو تأريخي أو واقع
اجتماعي مدروس ، سوى الميل إلى الهوى والجنوح إلى العاطفة ، وهذا ما يؤسف له حقا.
ب ـ الدوافع الاستعمارية :
وقد يكون دافع
الاستشراق دافعا استعماريا تمليه طبيعة عمل المستشرقين في البلدان العربية
والإسلامية ، من ضرورة إتقان اللغة ، والتخصص بجملة من فنون الشرق ، ومن ثم يتولد
لدى المستشرق ولع خاص يحدو به إلى الاضطلاع بمهماته ، ولكنه لا يخضع هذا الولع على
سجيته ، بل يخضعه لمفاهيم استعمارية قد خطط لها من ذي قبل ، كأن يشكّك المسلمين
بعقيدتهم ، أو يسفّه أحلامهم ، أو ينحو باللائمة على أئمتهم ، أو يقلل من أهمية
تراثهم.
وقد لا تملي هذا
طبيعة العمل بل يكون هو الهدف الأول والأخير للاستعمار من عمل المستشرق في هذا
المحيط أو ذاك.
ومن هنا قد يكون
المنهج الاستعماري فاضحا للاستشراق بالطريقة التي برمجها للمستشرق من تشتيت أمر
الأمّة ، والدعوة إلى تفريق الكلمة ، وإبراز وجهات الاختلاف ، أو تعدد المذاهب ،
فيدعى المستشرق من قبل دوائره إلى تضخيم هذه النزعات ، وتكثيف تلك الدعاوى ، فيبث
سمومه من خلال هذه الثغرات ، ويمثل الإسلام بأنه : دين فرقة وخصومة وتصدع ،
والأغلب أن يضيف من عنديّاته ما لم يكن ، فيصور ما لم يحدث ، ويناقش ما لم يقع. لا
سيما إذا كانت كتابته تتعلق بدين أو تراث أو تاريخ تخطيط للبلدان ، أو تصوير
للاجتماع ، أو دراسة نفسية لطبيعة الشعوب المستعمرة.
فعلى سبيل المثال
: كان « كرستيان سنوك هورجرونية » ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٣٦ م ) رجلا يعتمد على خبرته
العلمية بالشرق ، وقد قام في رسالته ـ ( العيد المكّي ـ ١٨٨٠ م ) تلك التي لم تفقد
قيمتها إلى اليوم ـ بفحص ناقد للتصريحات القرآنية الخاصة بإبراهيم عليهالسلام ، واعتباره الأب الأول للإسلام ومنشئ الكعبة ، وقد أقام ـ استعدادا
للعمل في خدمة الاستعمار ـ نصف عام متخفّيا في ١٨٨٥ م بين المسلمين في مكّة ،
وأنجز كتابا عن مكّة خدمة
لمهمته
الاستعمارية الهولندية الهندية .
وقد أغدقت الدول
الاستعمارية على جملة من المستشرقين بمختلف الامدادات حتى شكل ذلك دافعا اقتصاديا
لدى البعض منهم ، أو مكسبا شخصيا أو سياسيا يحقق للبعض مطمحا أو مطمعا أو منصبا ،
ويمكن أن يندرج ضمن الدافع الاستعماري ، أو من جملة مرجّحاته ومقتضياته ، أو من
طبيعة مستلزماته ومغرياته.
يقول الأستاذ نجيب
العقيقي : « فلما أرادت معظم دول الغرب عقد الصلات السياسية بدول الشرق والاغتراف
من تراثه ، والانتفاع بثرائه ، والتزاحم على استعماره ، أحسنت كل دولة إلى
مستشرقيها فضمهم ملوكها إلى حاشياتهم أمناء أسرار وتراجمة ، وانتدبوهم للعمل في
سلكي الجيش والدبلوماسية إلى بلدان الشرق ، وولوهم كراسي اللغات الشرقية في كبرى
الجامعات والمدارس الخاصة ، والمكتبات العامة ، والمطابع الوطنية ، وأجزلوا عطاءهم
في الحل والترحال ، ومنحوهم ألقاب الشرف وعضوية المجامع العلمية » .
وقد يكون الدافع
الاقتصادي الذي أوجده الجهد الاستعماري مرتبطا بالهدف العلمي باعتبار الاستشراق
مهنة عملية يوظف لها الاكفاء والمتخصصون ، « فأساتذة اللغات الشرقية في العصر
الوسيط وتراجمته عملوا لقاء أجر ، وأوائل المستشرقين وعلماء الجدل والموسرون نالوا
جزاءهم بإرساء النهضة الأوروبية على التراث العربي » .
ج ـ الدوافع العلميّة :
ويبدو لي من خلال
معايشة الحركة الاستشراقية بوجه عام أن الهدف العلمي من وراء دراسة القرآن الكريم
والتراث العربي قد يشكل أسلم
__________________
الدوافع وأنبل
الأهداف ترجيحا لدي ، فكثير من هؤلاء المستشرقين لمسوا في اللغة العربية لغة ثقافة
وأدب وحضارة ، ووجدوا القرآن في الذروة من هذه اللغة ، فحدبوا على دراسته بدافع
علمي محض تحدو به المعرفة ، وتصاحبه اللذة ، فأبقوا لنا جهودا عظيمة مشكورة.
وهذا الحكم لا
يؤخذ على عمومه ، ولكنه الأعم الأغلب ، وسواه شاذ ، والشاذ لا يقاس عليه. ولكن
الهدف العلمي ـ مهما كانت الضمائم ـ هو الهدف الأسمى لأغلبية هؤلاء المستشرقين.
ومن الجدير بالذكر
أن معركة كبيرة تدور رحاها بين علمائنا وأدبائنا وبين المستشرقين حول صحة هذا
الغرض أو التشكيك فيه ، وقد عرض لها الأستاذ « نجيب العقيقي » وناقش كثيرا من
أبعادها ، ودافع عن المستشرقين دفاعا مخلصا ، ورأى أن الاستشراق مهنة علمية حرة
ترسى قواعدها على أصول التحقيق والترجمة والتصنيف .
ومع كل ما تقدم ،
فالمفروض أن نقف موقف الحذر والحيطة من جملة جهود المستشرقين واجتهاداتهم بالنسبة
للدراسات القرآنية ، فهم يخضعون القرآن ـ عادة ـ إلى مناهج وطرائق واستنتاجات قد
تكون بعيدة عن الفهم القرآني الأصيل ، لا سيما في مجالي التفسير والترجمة ،
فالتفسير مهما كان دقيقا ، قد لا يتوافر منه المراد في اللغات الأخرى كما يتوافر
في اللغة العربية ، والترجمة مهما كانت حرفية فقد تشذ عن الأصول البلاغية
والأساليب الجمالية التي جاء بها القرآن الكريم.
وكما يجب أن نقف
من التفسير والترجمة هذا الموقف ، يجب أن نرصد ما كتب في تاريخ القرآن ، ودعوى
التحريف بمنظور متيقظ لئلا نقع بما وقع به بعض المستشرقين من الإسفاف والخلط.
إن هذا الملحظ لا
يعني أننا نغض من قيمة وأصالة الجهود الاستشراقية ، ولكننا ندعو إلى تقويمها
ورصدها للوصول إلى الحقيقة العلمية الخالصة.
__________________
الفصل الأول
تأريخ القرآن
لعل من أهم ما
بحثه المستشرقون في الدراسات القرآنية هو موضوع : تأريخ القرآن في عدة مؤشرات من
ذلك ؛ اشتملت في الغالب على الحديث عن نزوله ، وأدواره ، وبنيته ، وتركيبه ،
وقراءاته ، ولهجاته ، وتدوينه ، وكتابته.
إلا أن هذه
الدراسات جاءت متأخرة بعض الشيء بالنسبة لما كتبه العلماء العرب والمسلمون في
تأريخ القرآن سبقا منهم إلى هذا الميدان ، ولعل من أبرز من أشار لذلك « أبا عبد
الله الزنجاني » في كتابه : ( تأريخ القرآن ) .
١ ـ لقد عني
المستشرقون بتأريخ القرآن ، وكانت عنايتهم مطردة ابتداء من أوائل القرن التاسع عشر
إلى المنتصف الثاني من القرن العشرين ، فقد خصص المستشرق الفرنسي بوتيه ( ١٨٠٠ م ـ
١٨٨٣ م ) وقتا كبيرا لدراسة تأريخ القرآن الكريم ، فعكف على ذلك وبحث تأثره بما
تقدمه من ديانات وظروف أحاطت بنزوله وغايته ، والعقائد الموافقة والمضادة له في
غيره من الأديان ، وتأثيره في الاجتماع والتمرين ، ثم الأشهر والجمع التي يقدسها ،
والمذاهب التي نشأت عنه لدى المسلمين ، وقد نشرت دراسته هذه في باريس عام ( ١٨٤٠ م
) .
وكما يبدو من
الشئون التي أثارها هذا الكتاب أن بحثه لم يكن متكاملا بموضوعاته ، ولا دقيقا
باختياره.
__________________
٢ ـ حتى إذا جاء
المستشرق الألماني جوستاف فايل ( ١٨٠٨ م ـ ١٨٨٩ م ) وجدنا الحال مختلفة فيما كتبه
في رسالته : « مدخل تأريخي نقدي إلى القرآن » ، إذ امتازت بحوثه بشمولية الموضوع ،
ومعرفة المنهج التأريخي ، وإن كان لا يخلو من الثقافة التلمودية ، لأن الكاتب من
أصل يهودي ، وقد قسّم فيه السور المكية لأول مرة إلى ثلاث مجموعات ، تقسيما أخذ
عنه ( نولدكه ) فيما بعد . ولعل من أطرف ما جاء به ( فايل ) :
في هذه الدراسة :
ذهابه إلى أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعرف القراءة والكتابة ، وأن القرآن يشير إلى ذلك ،
ولكنه أخفق في الاستدلال المقنع في الموضوع .
٣ ـ وجاء المستشرق
الألماني الأستاذ ( نولدكه ) ( ١٨٣٦ م ـ ١٩٣٠ م ) ففتح لنا عمقا جديدا في الدراسات
التأريخية للقرآن ، وكتابه : ( تأريخ القرآن ) ، هو الذي فتح هذا العمق الجديد ،
وكان رسالته للدكتوراه واسمه ( أصل وتركيب سور القرآن ) جوتنجن ( ١٨٥٦ م ).
أ ـ ولما نمي إليه
أن مجمع الكتابات والآداب في باريس قد وضع جائزة للتصنيف في موضوعه قصد ( جوتنجن
وبرلين ) وغيرهما في طلب المزيد من المصادر لرسالته ، وتوسع فيها ونال جائزة
المجمع عليها سنة ( ١٨٥٨ م ) ، ثم أعاد النظر فيها وترجمها إلى الألمانية ونشرها
بعنوان : ( تأريخ النص القرآني ) جوتنجن ( ١٨٦٠ م ).
ب ـ وقد جدد طبع
هذا الكتاب « شوللي » بعد تحقيقه والتعليق عليه ، ونشر في مجلدين ، ليزيج ، ( ١٩٠٩
م / ١٩١٩ م ).
ج ـ ونشر «
براجشتراسر وبرتسل » الجزء الثالث منه في ليبزيج ( ١٩٢٦ م / ١٩٣٥ م ) .
د ـ وقد عالج فيه
بمنهجه العلمي الدقيق مشكلة تأريخ السور والآيات فجاء كتابه هذا أساسا مهما لكل
بحث في هذا الموضوع ، وقد أعيد طبع
__________________
هذا الكتاب على يد
« براجشتراسر » وغيره بعد تنقيحه واستكماله » .
هـ ـ وقد عدّه «
دودي بارت » من أهمّ كتب ( نولدكه ) على الإطلاق حتى أصبح منذ زمن طويل كتابا
أساسيا من كتب هذا الفرع من التخصص ، فقد حدد الكتاب سور القرآن بفتراتها المكية
والمدنية ، وأوضح ميزات كل مجموعة من مجموعات السور من ناحية الأسلوب والمضمون
تحديدا ممتازا.
و ـ ويعطي المجلّد
الثاني من الكتاب كلّ ما يتطلبه الباحث من مؤلف علمي بهذا الحجم في موضوع جمع
القرآن والمسائل المتصلة بذلك ، وينطبق هذا الكلام أيضا على المجلد الثالث الذي
يعالج تأريخ النص القرآني ... ويكتمل هذا الكتاب بتكملة قيّمة من إنشاء ( نولدكه )
هي دراسته في لغة القرآن ، التي نشرت في مجموعة مقالات جديدة عن علم اللغات
السامية ( ١٩١٠ م ) والتي تضم الأجزاء التالية :
القرآن والعربية ،
وخصائص أسلوبية ، وخصائص تكوين الجمل في لغة القرآن ، وكلمات أجنبية مستعملة عن
عمد وغير عمد في القرآن .
ز ـ ويرى الأستاذ
« بلا شير » أنه : بفضل « نولدكه » ومدرسته أصبح ممكنا من الآن فصاعدا أن نوضح
للقارئ غير المطلع ما يجب أن يعرفه عن القرآن ، ليفهمه بتوعيته ، وليتخطى القلق
الذي ينتابه في اطّلاعه على نص يغلب عليه الغموض .
ح ـ ومع الجهد
الكبير الذي بله « نولدكه » في تأريخ القرآن إلا أننا نجد موقفه أحيانا غريبا
ومتناقضا ، ففي الوقت الذي يعقد فيه بكتابه فصلا بعنوان : ( الوحي الذي نزل على
محمد ولم يحفظ في القرآن ) والذي يبدو فيه قائلا بالتحريف تلميحا ، نجده يصرح بذلك
في مادة قرآن فيقول بدائرة
__________________
المعارف الإسلامية
: « أنه مما لا شك فيه أن هناك فقرات من القرآن ضاعت » ويثني على هذا الموضوع
الخطر في دائرة المعارف البريطانية ، مادة قرآن فيقول : « إن القرآن غير كامل
الأجزاء » .
وهذا خلط عجيب لا
يقوم على صحته دليل ، وهو غريب الصدور من هذا العالم الجليل ، وسنناقش هذا الموضوع
فيما بعد عند عرض آراء الأستاذ بول فيه.
ط ـ وحينما ظهر
كتاب المستشرق الألماني « فوللرز » عن لغة الكتابة واللغة الشعبية عند العرب
القدماء ، أثار نقاشا حادا ، فقد زعم « فوللرز » في كتابه هذا أن القرآن الكريم قد
ألف بلهجة قريش وأنه قد عدل وهذب حسب أصول اللغة الفصحى في عصر ازدهار الحضارة
العربية ، وقد انبرى ( نولدكه ) للرد عليه موضحا أن كلامه عار من الصحة والتحقيق
العلميين .
لقد فتح ( نولدكه
) الطريق أمام القول بتحريف القرآن ، ثم بدا مدافعا عنه مما بدا فيه متناقضا بين
السّلب والإيجاب في الموضوع.
ي ـ وفي الوقت
الذي يعجب فيه بسحر القرآن البلاغي ، وإعجازه البياني ، نراه في بحثه عن القرآن
وأسلوبه في دائرة المعارف البريطانية تحت لفظ قرآن ـ والذي يعالج فيه عدة موضوعات
من القرآن معالجة تتسم بالدقة حينا ، وبالتجني حينا أخر ـ يغمز أسلوب القرآن
الكريم باعتباره أسلوبا قصصيا ينقصه التسلسل في طريقة الأخبار والسير ، ويرى في
قصصه انقطاعا حتى ليصعب فهمها على من لم يطلع عليها في مصدر آخر. وانتقد في القرآن
الكريم تكرير بعض الألفاظ أو العبارات تكريرا لا مسوغ له في رأيه!!!
وأشار إلى كثرة
انتقال القرآن في خطاباته من صيغة إلى أخرى ، ومن حال إلى حال ، فمن غيبة إلى خطاب
، ومن ظاهر إلى مضمر وبالعكس ، واعتبر ذلك مجالا للتجريح ، وأن رأي كل عالم أوروبي
في القرآن بعد
__________________
الإمعان والتصفح
بروح الإنصاف ، يأخذ عليه هذه الثغرات ، أما المتمسكون من أهل الإسلام فينكرون هذا
الكلام ويرمون صاحبه بالالحاد .
ك ـ والحق أن (
نولدكه ) قد تطرق كثيرا في هذه الوجوه التي عرضها ، ومرده في هذا ـ مع حسن الظن ـ إلى
عدم تمرسه في ضروب البلاغة العربية التي لا يدرك أبعادها إلا العرب الأقحاح ، ولعل
في آرائه مزيجا بين الهراء والدس الذي لا يحمد عليه عالم مثله ، ومتى كان العالم
جانبيا في التفكير ، أو هامشيا في التعليق ، أو سطحيا في الاستنتاج ، أخذت عليه
هذه المآخذ الفجة.
ل ـ وقد تكفل
الأستاذ أنيس المقدسي بالرد عليه فذهب أنه : « لا يجوز مقابلة هذا الأسلوب بأسلوب
القصة في التوراة لاختلاف الغرض فيهما. ففي التوراة عدا أسفار الأنبياء والأمثال
والأناشيد الروحية حوادث تأريخية منظمة تجري الأخبار مجراها الواضح العادي أما
القرآن فإنه يشير إلى الحوادث التأريخية ، بوثبات أو بحملات روحية خطابية لا يقصد
بها تسلسل الخبر ، بل يقصد بها إلى التذكير والتهويل. ولذلك ترد مرارا بحسب ما
يقتضيه الكلام ، وكثيرا ما تروى عن سبيل الإشارة والتلميح ، والنسق الخطابي يقتضي
التكرير كما هو معروف ... » .
٤ ـ وقد تصدى بعض
المستشرقين ـ بعد نولدكه ـ إلى دراسة جزء معين من تأريخ القرآن الكريم ، فهناك بحث
للمستشرق الانكليزي ( أدوارس ) أسماه : ( التطور التاريخي للقرآن ) صدر في مدارس
عام ( ١٨٩٨ م ) بحث به النزول المكي والمدني والتدوين والكتابة ولكنه جاء مختصرا
لا يفي بالغرض.
٥ ـ وقد عرض لجزء
من هذا التأريخ المستشرق المجري جولد تسهير ( ١٨٥٠ م ـ ١٩٢١ م ) في اقتضاب من
مذاهب التفسير الإسلامي ولعل أبرز ما عنده إثارته لبعض المآخذ التي يمكن تلخيصها
بما يلي :
__________________
أ ـ إيراده
الاختلاف في القراءات واعتقاده بأن ذلك كان عن هوى من القراء لا عن توقيف ورواية.
ب ـ تحميله
القراءة ما لا تحتمل من المعاني والآراء من أجل إثبات أنها محض آراء لا نقل نصوص
كما هو الحال في الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة الفتح.
ج ـ تشكيكه في
الزيادات الشارحة لنصوص القرآن هل هي من القرآن أو زيادة في تفسيره؟
د ـ ذهابه إلى أنه
وجد بعض القراءات المتناقضة في المعنى ، والمختلفة في التأويل مما لا يمكن أن يجمع
بينها ، واعتباره ذلك مخالفات جوهرية.
هـ ـ ذهابه إلى أن
بعض الاختلاف في القراءات مرجعه إلى الخوف من أن تنسب إلى الله ورسوله صلى عليه
وآله وسلّم عبارات قد يلاحظ فيها بعض أصحاب وجهة النظر الخاصة ، ما يمس الذات
الإلهية العالية أو الرسول .
إن ما أثاره (
جولد تسهير ) عبارة عن فرضيات يصعب الاستدلال عليها ، ومحض اجتهادات بل تصورات ،
تتنافى مع طبيعة البحث
الموضوعي ، وتحمل
القضايا أكثر من وقائعها ، وقد تكفل الأستاذ ( عبد الوهاب حمودة ) بالرد على هذه
الآراء المشتتة .
٦ ـ وقد عرض
المستشرق الألماني ( كارل بروكلمان ) ( ١٨٦٨ م ـ ١٩٥٦ م ) لتأريخ القرآن في الفصل
الثاني من الباب الثاني من تأريخ الأدب العربي ، وقد خصص هذا الفصل الموجز له ،
فعرض للوحي ، وجمل القرآن المؤثرة ، وأخطأ باعتباره القرآن يأخذ طابع سجع الكهان .
__________________
وكان مولر قد ذهب
إلى أن القرآن من القوالب الشعرية ، وقد أيد ذلك ( جاير ) إلا أن ( نولدكه ) قد
رفض ذلك وأيده ( بروكلمان ) في هذا الرفض .
وذهب ـ كما رجح
تور أندريه ـ (٣٢) أن أسلوب النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
قد تأثر بموعظة التبشير
المسيحي على لسان المبشرين العرب من جنوب الجزيرة. ولا يقوم على صحة هذه الدعوى
أثر من القرآن ، أو لمح من التأريخ ، وكذلك ما ادعاه من وضوح التأثير النصراني في
لغة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم باطّراد .
ولعل من المفيد
عرضه لرفض لا جارد لاشتقاق كلمة : سورة ، من العبرية الحديثة ، بينما دافع عن ذلك (
نولدكه ) ، وتشكك فيه ( شفلي وبول ) الذي ذهب إلى أن اللفظ عربي أصيل .
وتحدث ( بروكلمان
) بإيجاز عن التقسيم المكي والمدني وسيماء كل منهما ، وذهب إلى أن نجوما متفرقة من
الوحي كانت قد كتبت في حياة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم
.
ووثق المصحف
العثماني ، وذهب إلى أن الكتابة فتحت مجالا لبعض الاختلاف في القراءة ... فاشتغل
القراء على هذا الأساس بتصحيح القراءات .
٧ ـ وتكاد أن
تختتم الدراسة الرصينة لتأريخ القرآن بما كتبه المستشرق الفرنسي ( ريجيس بلاشير )
المولود ( ١٩٠٠ م ) في كتابه القرآن ، المكوّن من سبعة فصول ، اختصت أربعة منها في
تأريخ القرآن على النحو التالي :
__________________
الفصل
الأول : المصحف بنيته
وتكوينه.
الفصل
الثاني : الرسالة
القرآنية في مكة.
الفصل
الثالث : رسالة القرآن
في المدينة.
الفصل
الرابع : الواقعة
القرآنية وعلوم القرآن .
وقد عالج بلاشير
في الفصل الأول النقاط التالية :
أ ـ الأصل اللغوي
لكلمة القرآن ، التي ربما تكون مأخوذة عن السريانية التي يرد فيها لفظ مشابه جدا
لها في المعنى.
ب ـ فكرة التدوين
القرآني ومرورها بثلاث مراحل : الأولى بعد إقامة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة ، والثانية تبتدئ مع وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. والثالثة بعد مقتل الإمام عليّ عليهالسلام.
ولعل من المرجح بل
المؤكد أن التدوين بدأ مع القرآن في مكة عند نزوله مباشرة.
ج ـ تلويحه أن في
القرآن تحريفا لا بالمعنى الدقيق ، يعزى إلى الشيعة والخوارج ، وأن هذه الفرضية
التي ساقها راجت عندهما ، ثم ينفي عن الامامية هذه التهمة لأنهم يعملون بالنص
العثماني للقرآن.
وسنعالج هذه
القضية فيما بعد عند موضعها من تأريخ القرآن.
د ـ يعرض تأريخيا
إلى تقسيم القرآن إلى أجزاء والأجزاء إلى سور ، وتتابع السور بكون ذلك التنظيم
توقيفيا ، وما تتميز به هذه الحلقات من تحذير وإنذار وقصص عذاب الغابرين.
هـ ـ ويصور حيرة
القارئ غير العربي وموقفه السلبي من القرآن لأنه ييأس من فهم القرآن ، ثم يقترح
لذلك بتجزئة القرآن في القراءة والتحليل ، لا أن يقرأ نصا متكاملا فيتعذر فهمه
وتحليله .
__________________
ويبدو لي أن (
بلاشير ) في هذا الفصل قد اتكأ اتكاء ملحوظا على آراء ( نولدكه ) في الكتابة عن
تأريخ النص القرآني لا سيما في ترجيحه في النهاية إلى مقترحاته بالتقيد بالمراحل
الزمنية.
ويبحث ( بلاشير )
في الفصل الثاني :
أ ـ الرسالة
القرآنية في مكة في تأكيدها على الانذار الإلهي وقيام الساعة وتصور الحساب الأخير
، والتذكير بالملذات الفردوسية ، بما يعتبر بحثا رائعا فيما وراء الغيب.
ب ـ التصريح بسمو
المهمة التي كلّف بها الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم
، في الحض على التوبة ،
وإدانة الأغنياء ، والأمر بالصدقة ، بما يعتبر الجانب الإصلاحي للحياة الاجتماعية
في القرآن.
ج ـ الخلوص إلى أن
فترة هذه الدعوة في مكة تتمثل باثنتين وعشرين سورة تبتدئ بسورة الكهف وتنتهي بسورة
النجم ، وهي نصوص موسعة ومختلفة العناصر .
ويتناول ( بلاشير
) في الفصل الثالث رسالة القرآن في المدينة على الشكل التالي :
أ ـ يعتبر الهجرة
النبوية قد أحدثت تحوّلا أساسيا في حياة المسلمين بكون الإسلام قد تأطر اجتماعيا
ودينيا بشريعة جديدة مرتبطة بوحي القرآن.
ب ـ تلقي النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم في القرآن التوجيهات السديدة من السماء والتي تمكنه من
مجابهة الصعوبات أيا كان نوعها.
ج ـ إبراز تحذير
المؤمنين وتهديد المشركين في الآيات المدنية ، وإن كانت الأفضلية فيها لموضوعات
أخرى تتعلق بالحياة السياسية والمسائل والنزاع المسلح ، بالإضافة إلى ما في المصحف
من إيراد تهكم اليهود بالمؤمنين.
د ـ عرض موقف
الإسلام الفني من الطوائف المسيحية في جنوب
__________________
الجزيرة العربية
التي بقيت على علاقات متواصلة مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكن القرآن يشجب طريقة التثليث مرارا ، بينما يستميلهم
من جهة أخرى.
وقد عرض ( بلاشير
) هذا الموضوع عرضا جيّدا يقف به عند مقاومة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للعالم البيزنطي خاصة يوم سقوط مؤتة ، وهو الوقت الذي
تساوى به النصارى واليهود في لعنة واحدة.
هـ ـ تحديد
مسئوليات الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم باعتباره زعيما دينيا ، مع ما هو موجود من المشاكل التي
أثيرت مع الوثنيين وأهل البدو.
و ـ ويختتم هذا
الفصل بما لمسه من السور المدنية من طرح لاستبدال النظام القبلي بنظام جديد ، كما
طرحت التحديدات الجديدة بالعبادة والمحرّمات الجنسية والغذائية ، والأحلاف ، وبعض
فروض الكفاية .
إن معالجة (
بلاشير ) لتأريخ المرحلة الإسلامية في المدينة من خلال القرآن تكاد تكون جيّدة جدا
بغرضها الموجز ، وكثافتها التأريخية ، وتحديدها لأبرز النقاط الرئيسيّة التي مر
بها النبي والقرآن معا.
وفي الفصل الرابع
عرض ( بلاشير ) للواقعة القرآنية وأثرها في تكوين علوم القرآن بالشكل التالي :
أ ـ إنّ جميع
التبليغات التي تلقاها محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم صادرة من الله ذاته ، وأن الله كان قد ثبتها في لوح محفوظ.
ب ـ إن كتابة
القرآن بلغة أهل مكة ـ باعتبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مكيا ـ وإن مشكلة النموذج اللغوي المفهوم في شبه الجزيرة
العربية قد طرحت لاهوتيا ، وقد عاد هذا النموذج موضوعا للدراسة فأنشئت في ضوئه
قواعد النحو.
ج ـ بحث موضوع
الرسم القرآني في الكتابة ، وتكوين مفردات هذه الكتابة من حروف أربعة أو خمسة ،
بعضها صامت غير معلم ، إلا أن استظهار النص القرآني قد ستر هذه النواقص كما يدعي.
__________________
د ـ عرض لمدرسة
القراءة ودور الواقعة القرآنية في تفتح النظريات النحوية ، وتأليف الدراسات في
اللغة وتأريخها ، وطرح مسألة تعدد القراءات ، وأشار إلى مدرستي الكوفة والبصرة ،
وقد اعتبر ذلك باعثا قويا على ازدهار الدراسات النحوية والمعجمية.
هـ ـ اعتبر علم
البيان العربي منطلقا من القرآن ، وركز في الموضوع على الاعجاز القرآني ، وقناعة
علماء البيان بأن القرآن يحتوي على جميع المواد الضرورية لهذا العلم ، مما شكل
حالة حضارية زيادة على الجانب الأساسي وهو تكوين الشريعة .
إن الآراء التي
أثارها بلاشير في الفصل الرابع قد عمدت إلى كشف الآثار الحضارية ، والقيمة
التراثية ، والمناخ الأدبي للقرآن ، في تأسيس المدارس اللغوية ، وشحذ الفكر
البلاغي ، وخلق القوة التعبيرية في البيان العربي.
ومما تقدم يبدو
لنا أثر المستشرقين في دراسة تأريخ القرآن ، فالصيغة العلمية هي الطابع العام لها
، والهوى قد يصاحب بعض الأقلام. وقد عرضنا الجزء المهم من ذلك ، وناقشنا الجزء
الآخر في حدود مقاييسنا في النقد والأدب.
٨ ـ وهناك مسألة
مهمة تتعلق بتأريخ القرآن ، بل بقدسيته وتوثيقه ، وهي مسألة التحريف التي أثارها
المستشرقون ، بكثير من عدم التورع ، وقد ألقت بثقلها عند الأستاذ بول ( Fr. Bull ) ، فكتب في موضوع التحريف بحثا في دائرة
المعارف الإسلامية الألمانية .
اعتبر ( بول )
التحريف تغييرا مباشرا لصيغة مكتوبة وإن الأمر الذي حدا بالمسلمين إلى الاشتغال
بهذه الفكرة هو ما جاء بالقرآن من آيات اتهم فيها محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم اليهود بتغيير ما أنزل إليهم من كتب وبخاصة التوراة. ولكن عرضه للوقائع
والشرائع التي جاءت في التوراة انطوى على إدراك خاطئ
__________________
أثار عليه النقد
والسخرية من جانب اليهود ، فكان في نظرهم مبطلا.
وهنا أثار الكاتب
دعاوى لم يستطع أن يدلل على صحة واحدة منها على الإطلاق ، وكيف استنتج أن ما عرضه
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من شرائع اليهود انطوى على إدارك خاطئ ، وما هو مصدر هذا
الزعم ومن صرح به ، وكيف أصبح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مبطلا في نظر اليهود؟ ولما ذا لم يذهب إلى تعصب اليهود في
ذلك؟ وليته اكتفى بهذا بل أضاف من عنديّاته العجيبة بأن دعوى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعوى جريئة بأنه هو الذي يأتي بالنص الصحيح نظرا لأن كتب اليهود كانت مجهولة
عند أتباع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من المؤمنين بصدق كلماته ، وإذا كانت هذه الكتب مجهولة عند
قومه ، فهل جهلت عند اليهود ، ولما ذا لم يعارض ذلك بدليل تأريخي عندهم.
وقد خلط الأستاذ (
بول ) في هذا البحث خلطا غير متناسق ، واكبته فيه النزعات المنحرفة ، وصاحبه إسراف
وإفراط لا يمتان إلى استكناه الحقائق بصلة ، وقد تكفل بالرد على أغلب هفواته
الأستاذ أمين الخولي .
والذي يهمنا من
بحثه أن نشير إلى ما يلي :
أ ـ إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرد الحصول على تأييد أهل الكتاب بالمعنى الذي أشار إليه ، وإنما هو تعبير
عن وحدة الديانات والشرائع والأنبياء في جميع الأطوار ، وأنّ أصول هذه الديانات
واحدة ، وإن تغيير هذه الحقيقة الواقعة يعتبر تحريفا بالمعنى الذي أشار إليه
القرآن : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ
مَواضِعِهِ ) النساء / ٤٦
وفي قوله تعالى : ( مِنَ
الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا
وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً
فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا
يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦) ) النساء / ٤٦.
ب ـ إن الألفاظ
التجريحية التي وردت في المقال بالنسبة للرسول
__________________
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تتفق مع المنهج الموضوعي ، فقد أشار بل صرح بأن القرآن من تلقاء نفس النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنه تحدث في القرآن بطريقة مبهمة ، وأن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم يستعمل لفظ حرف بدل القرآن.
وهذه مواد لا
يفترض بعالم أن يتولى التحدث بها بأسلوب الغمز واللمز وهو ما لا يقبل في بحث علمي
، ولسنا نرى ذلك غفلة أو هفوة بل هو تغافل وجفوة.
ج ـ ادعى الباحث
أن خصوم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذوا عليه نسخ بعض أحكام القرآن بأحكام أخرى مما حدا
بعلماء المسلمين أن يذهبوا مذاهب شتى في تقديرهم للحقائق التي يقوم عليها هذا
الاتهام.
وبإيجاز نقول إن
نسخ الأحكام شيء والتحريف شيء آخر ، فالنسخ لا يكون تحريفا ، وإنما هو إحلال لحكم
مكان حكم ، أو دفع لحكم من الأحكام من قبل الله تعالى ، تخفيفا عن العباد ، أو
رعاية لمصلحة المسلمين ، أو استغناء عن حكم موقوت بحكم مستديم ، وما أشبه ذلك مما
يتعلق بالشريعة أو بمعتنقيها ، ولا مجال إلى اللمز في هذه الناحية على ادعاء
التحريف في القرآن.
د ـ يقول الباحث :
« وقد أثيرت تهمة التحريف فيما وقع من جدل بين الفرق الإسلامية المختلفة. فالشيعة
يصرون عادة على أن أهل السنة قد حذفوا وأثبتوا آيات في القرآن بغية محو أو تفنيد
ما جاء فيه من الشواهد معززا لمذهبهم وقد كال أهل السنة بطبيعة الحال نفس التهمة
للشيعة » .
وهذا الكلام عجيب
الصدور من هذا الرجل ، إذ أثار مسألة مهمة في أقدس أثر من تراث المسلمين ، ولم يعط
دليلا واحدا على صحتها ، ولم يثبت مرجعا واحدا يتتبع هذا الاتهام.
والمسلمون جميعا
قد اتفقوا على سلامة القرآن من التحريف ، فنصوصه هي النصوص نفسها التي نزلت على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحفظت
__________________
وستبقى محفوظة كما
تعهد الله تعالى بذلك في الآية التاسعة من سورة الحجر ( إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ
(٩) ) الحجر / ٩.
لقد كان الأجدر
بالباحث أن يتناول الموضوع بشكل آخر ـ لو كان موضوعيا ـ فيعرض إلى آراء المسلمين
بخلو القرآن من التحريف بدلا من تجريح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونسبة ما لم يكن إلى المسلمين ، بما لا علاقة له بأصول
البحث.
الفصل الثاني
ظاهرة الوحي والمستشرقون
ما برحت حياة
النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم موضع عناية الدارسين من أبعاد مختلفة وبقدر ما عبئ للموضوع
من أهمية واستعداد ، ومنهجية في أغلب الأحيان فما تزال هناك بقية للبحث. فقد
تنقصنا كثير من الوثائق عن حياته الروحية قبل البعثة ، وصلتها بحياته العامة
والخاصة بعد البعثة.
هناك شذرات
متناثرة في كتب السيرة والتاريخ والآثار ، تتعلق بحياة الروحية قبل البعثة ،
وصلتها بحياته العامة والخاصة بعد البعثة.
هناك شذرات
متناثرة في كتب السيرة والتاريخ والآثار ، تتعلق بحياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هامشيا ، تتخذ مجال الثناء والاطراء حينا ، وتتسم بطابع الحب والتقديس حينا
آخر ، وهي مظاهر لا تزيد من منزلة النبي الذاتية ولا تكشف عن مكنونات مثله العليا
، ذلك باستثناء الاجماع على عزلته في عبادته وتحنثه ، والاقتناع بصدقه وأمانته ،
وهي شذرات غير غريبة في أصالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الكريمة ، وتقويمه الخلقي الرصين.
وتطالعنا ـ أحيانا
ـ أحداث في تاريخ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة ، لها مداليل من وثاقة ، ورجاحة من عقل ،
كالمشاركة الفاعلة في حلف الفضول ؛ وتميزه بالدفاع عن ذوي الحقوق المهتضمة ،
وكاللفتة البارعة في رفع الحجر الأسود ، ووضعه بموضعه من الكعبة اليوم. بما أطفأ
به نائرة وأخمد فتنة.
وهناك انفراد عن
شباب عصره بالحشمة والاتزان ، وهو في شرخ الصبا وعنفوان العمر ، والتأكيد على
الخلوة الروحية بين جبال مكة وشعابها ، وفي غار حراء بخاصة ، والحديث عن تجواله في
سفرتين تجاريتين لا يفصح كثيرا عن ثمرة تجربتهما النفسية ، ولا يعرف صدى
مشاهداتهما روحيا واجتماعيا.
في حياته العائلية
قبل البعثة نجده يتيما يسترضع في بني سعد ، ويفقد أبويه تباعا ، ويحتضنه جده عبد
المطلب حضانة العزيز المتمكن ، وبوفاته يوصي به لأبي طالب ، ويتزوج وهو فتى في
الخامسة والعشرين من عمره من السيدة العربية خديجة بنت خويلد ، وكان زواجا ناجحا
في حياة عائلية سعيدة ، تكد وتكدح في تجارة تتأرجح بين الربح والخسران ، وفجأه
الوحي الحق ، والتجأ إلى خديجة ، تزمله آنا ، وتدثره آنا آخر.
وينهض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعوته ، فتجد الدعوة مكذبين ومصدقين وتقف قريش بكبريائها وجبروتها في صدر
الدعوة ، ويلقى الأذى والعنت من قومه وعشيرته الأقربين ، وفي حمأة الأحداث يموت
كافله وزوجته في عام واحد ، فيكون عليه عام الأحزان ، فلا اليد التي قدمت المال
للرسالة ، ولا الساعد التي آوى وحامى ، ويوحى إليه بالهجرة ، فتمثل حدثا عالميا
فيما بعد.
هذه لمحات يذكرها
كل من يترجم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يطيل بها البعض ويوجز البعض الآخر ، وليست هي كل شيء في
حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد تكون غيضا من فيض.
ولست في صدد
تأريخية هذه الأحداث ، ولا بسبيل برمجتها لألقي عليها ظلالا مكثفة من البحث ،
ولكنها لمسات تمهيدية تستدعي الإشارة فحسب.
ومهما يكن من أمر
، فقد تبقى طريقة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المنهجية في التوفيق بين واجباته ومهماته القيادية من جهة
، وبين حياته العامة ومساره الدنيوي من جهة ثانية لا تجد تأريخا يمثل بدقة ووضوح
تامّين : المنهج الرئيسي الذي اختطه لنفسه هذا القائد العظيم وهو في مكة المكرمة.
في المدينة
المنورة حيث العدد والعدة ، والنصرة والفداء ، نلمس إيحاء قرآنيا بنقطتين مهمتين :
الأولى : مواجهته
للمنافقين وتحركهم جهرة وخفاء ، وتذبذبهم أزاء الرسالة بين الشك المتمادي والتصديق
الكاذب ، يصافحون أهل الكتاب تارة ، ويوالون مشركي مكة تارة أخرى ، حتى ضاق بهم
ذرعا ، ونهاهم القرآن الكريم عن التردي في هذه الهاوية مرارا وتكرارا ، وهددهم
بالاستئصال والتصفية بعض الأحيان ، ولم ينقطع كيدهم ، فمثلوا ثورة
مضادة داخلية تفتك
بالصفوف وتفرق الجموع ، لو لا الوقوف في نهاية الأمر بوجه ترددهم الخائف ،
وهزائمهم المتلاحقة ، أثر ما حققه الإسلام من انتصارات في غزواته وحروبه الدفاعية
، إلا أن جذوتهم بقيت نارا تحت الرماد ، وعاصفة بين الضلوع ، تخمد تارة وتهب أخرى.
الثانية : مجابهته
للفضوليين ، الذين كانوا يأخذون عليه راحته ويزاحمونه وهو في رحاب بيته ، بين
أفراد أسرته وزوجاته ، فينادونه باسمه المجرد ويطلبون لقاءه دون موعد مسبق ، بما
عبر عنه القرآن بصراحة :
( إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) ) .
واستأثر البعض من
هؤلاء وغيرهم بوقت القائد ، فكانت الثرثرة والهذر وكان التساؤل والتنطع ، دون
تقدير لملكية هذا الوقت ، وعائدية هذه الشخصية فحد القرآن من هذه الظاهرة واعتبرها
ضربا من الفوضى ، وعالجها بوجوب دفع ضريبة مالية تسبق هذا التساؤل أو ذاك الخطاب ،
فكانت آية النجوى :
( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ
صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) ) .
وكان لهذه الآية
وقع كبير ، فامتنع الأكثرون عن النجوى ، وتصدق من تصدق فسأل ووعى وعلم ، وانتظم
المناخ العقلي بين يدي الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم فكف الفضول ، وتحددت الأسئلة ، ليتفرغ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للمسئولية القيادية ، ولما وعت الجماعة الإسلامية مغزى الآية ، وبلغ الله
منها أمره ، نسخ حكمها ورفع ، وخفف الله عن المسلمين بعد شدة مؤدبة وفريضة رادعة
وتأنيب في آية النسخ :
( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ
اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ
وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) ) .
__________________
كان هذا وذاك
يستدعي الوقوف فترة زمنية عند رعاية الوحي للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في التوفيق بين واجباته القيادية ، وحياته الاعتيادية ،
فأمام المنافقين نجد الحذر واليقظة يتبعهما الإنذار النهائي بإغراء النبي بهم ، وعند
الحادثتين التاليتين نجد الوحي حاضرا في اللحظة الحاسمة ، فيسليه في الأولى بأن
أكثر هؤلاء لا يعقلون. ويعظهم في الثانية بجعل مقامه متميزا فلا يخاطب إلا بصدقة ،
ولا يسأل إلا بزكاة.
وما زلنا في هذا
الصدد فإننا نجد الوحي رفيقا أمينا لهذا القائد الموحى إليه ، من هذه الزاوية
التوفيقية بين التفرغ لنفسه ، والتفرغ لمسئولياته ، وهذا أهم جانب يجب أن يكشف في
حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والكشف عنه إنما يتم بدراسة حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الخاصة مرتبطة بهذه الظاهرة وهي ظاهرة الوحي الإلهي ، ومدى الاتصال والانفصال
بينها وبين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحاجته الملحة إلى هذا الشعاع الهادي ، منذ البدء وحتى
النهاية.
لم يكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بدعا من الرسل ، ولم يختص بالوحي دونهم بل العكس هو الصحيح ، فقد شاركهم هذه
الظاهرة ، وقد أوحي إليه كما أوحي إليهم من ذي قبل.
قال تعالى :
( إِنَّا أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا
إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى
وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً
(١٦٣) وَرُسُلاً
قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ
وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً
(١٦٤) ) .
فقد هدفت الآية
وما بعدها إلى بيان حقيقة الوحي الشاملة للأنبياء كافة ممن اقتص خبرهم وممن لم
يقتص ، وإيثار موسى عليهالسلام بالمكالمة وحده.
ويبقى التساؤل
قائما ؛ بما ذا تفسر هذه الظاهرة ، وكيف تعلل نفسيا
__________________
وكيف تنطبق كونيا
، وكيف عولجت قرآنيا؟ وما هو سبيل معرفتها جوهريا عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وعند الناس؟ وكيف آمن به بكل قوة ويقين وآمن بها من حوله؟
وللإجابة عن هذه
الافتراضات ، لا بدّ من رصد جديد لهذه الأبعاد كافة ، وقد يرى ذلك غريبا في تاريخ
القرآن ، ولكن نظرة تمحيصية خاطفة ، تؤصل حقيقة هذا المناخ ، وتؤكد ضرورة هذا
المنهج ، لأن الوحي يشكل بعدا زمنيا معينا يقترن بنزول القرآن ، وذلك أول تأريخ
القرآن ، ويستمر معه بوحي القرآن متكاملا ، وكل ذلك تفصيلات تاريخ القرآن في عهد
الرسالة ، وهو الجزء المهم والأساس في هذا التاريخ.
وباستعراض هذه
الافتراضات سوف نلمس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عبدا مأمورا محتسبا ، ينفذ ولا يسأل ، ويبلغ ولا يضيف ،
مهمته التلقي والأداء مستقلا بذاته ، منفصلا عن ظاهرته ، ويبقى الجمع بين حياته
العامة والخاصة من اختصاصه بتوجيه من الله تعالى ، وبعناية من وحيه ، فلا تعارض
بينهما فيرتفع بذلك ما أثرناه مسبقا ، ويتلاشى الأشكال بهذا الملحظ ، مع أننا نلمس
بشكل جاد أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد وهب حياته للوحي ، مبلغا أمينا ورسولا كريما ، إلا أن
شخصيته حقيقة ، والوحي حقيقة أخرى ، وهذا ما ندأب إلى إثباته علميا.
ان ما يذهب إليه
بعض المستشرقين من أن ظاهرة الوحي ، قد يراد بها المكاشفة ، وقد يعبر عنها بالوحي
النفسي تارة ، أو الإلهام المطلق تارة أخرى ، دون تحديد مميز ، لا يتوافق مبدئيا
مع دراسة النهج الموضوعي لظاهرة الوحي. ان كلمة الإلهام ليس لها أي مدلول نفسي
محدد ، مع أنها مستخدمة عموما لكي ترد معنى الوحي إلى ميدان علم النفس. والوحي
النفسي يدور حول معرفة مباشرة لموضوع قابل للتفكير ، والوحي الإلهي يجب أن يأخذ
معنى المعرفة التلقائية والمطلقة لموضوع لا يشغل التفكير ، وأيضا غير قابل
للتفكير.
والمكاشفة لا تنتج
عند صاحبها يقينا كاملا ، ويقين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالوحي قد كان كاملا ، مع وثوقه بأن المعرفة للوحي بها غير
شخصية ، وطارئة
وخارجة عن ذاته والوحي الالهي هو الفعل الذي يكشف به الله للإنسان عن الحقائق التي تجاوز
نطاق عقله .
وإذا كان الوحي
فعلا متميزا ، فهو صادر عن فاعل مريد ، وهذا الفاعل المريد هو الله تعالى ، وليس
الإلهام والكشف كذلك ، وهذا ما يميز الوحي عن المكاشفة ، والوحي النفسي ، والإلهام
، إذ أن مرد الإلهام يعود عادة إلى الميدان التجريبي لعلم النفس ، ونزعة الوحي
النفسي في انتداحها تعتمد على التفكير في الاستنباط ، والمكاشفة تتأرجح بين الشك
واليقين.
أما الوحي فحالة
فريدة لا تخضع إلى التجربة أو التفكير ومتيقنة لا مجال معها للشك. مضافا إلى أن
حالات الكشف والإلهام والإيحاء النفسي حالات لا شعورية ولا إرادية ، والوحي ظاهرة
شعورية تتسم بالوعي والادراك التّامّين.
والوحي بالمعنى
المشار إليه يختص بالأنبياء ، وليس الإلهام أو الكشف كذلك ، فهما عامان وشائعان
بين الناس.
ولقد فرق المستشرق
الألماني الدكتور تبودور نولدكه ( ١٨٣٦ ـ ١٩٣٠ م ) بين الوحي والإلهام تفريقا فيه
مزيج بين الواقع والصوفية فعد الوحي خاصا بالأنبياء ، والإلهام خاصا بالأولياء إذ
لا يوحى إليهم .
ويتجلى الفرق بين
الإلهام والوحي بتعبير آخر ، وبتصور متغاير ، أن مصدر الإلهام باطني ، وأن مصدر
الوحي خارجي ، بل الإلهام من الكشف المعنوي ، والوحي من الواقع الشهودي ، لأن
الوحي إنما يتحصل بشهود الملك وسماع كلامه ، أما الإلهام فيشرق على الإنسان من غير
واسطة ملك فالإلهام أعم من الوحي ، لأن الوحي مشروط بالتبليغ ، ولا يشترط ذلك في
الإلهام. والإلهام ليس سببا يحصل به العلم لعامة الخلق ، ويصلح للبرهان والإلزام ،
وإنما هو كشف باطني ، أو حدس ، يحصل به العلم للإنسان في
__________________
حق نفسه لا على
وجه اليقين والقطع ، كما هي الحالة في الوحي ، بل على أساس الاحتمال الاقناعي .
ولهذا فلا اعتبار
بما حاوله الأستاذ محمد عبده : بجعل الإلهام وجدانا تستيقنه النفس ، وحسبان ذلك
طريقا لإمكان الوحي .
ان طريق الوحي هو
التلقي ، وطريق هذا التلقي هو الملك ، وفي ضوئه نجد عبد القاهر الجرجاني ( ت : ٤٧١
ه ) جديا بتمثل الوحي متفردا بما ألقاه جبرئيل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن القول بأنه : « قد كان على سبيل الإلهام ، وكالشيء يلقى في نفس الإنسان ،
ويهدى له من طريق الخاطر والهاجس الذي يهجس في القلب ، فذلك مما يستعاذ بالله منه
، فإنه تطرق للإلحاد .
ولقد تطرق بعض
الباحثين الكهنوتيين فادعى بأن الوحي : « هو حلول روح الله في روح الكتاب الملهمين
لإطلاعهم على الحقائق الروحية والأخبار الغيبية من غير أن يفقد هؤلاء الكتاب
بالوحي شيئا من شخصياتهم فلكل منهم نمطه في التأليف ، وأسلوبه في التعبير » .
وهذا التعبير عن
الوحي بهذا الفهم ، يختلف جذريا عن المفهوم القرآني للوحي ويضفي مناخا باطنيا في
الحلول والاتحاد ، يدفعه الإسلام ، وهو سبيل مختصر إلى تقمص الصفاء الروحي وادعائه
من قبل من لم يحصل عليه وفيه استهواء للدجل الاجتماعي عند الكهنة والكذبة ، وبعد
هذا : فهو مغاير لمفهوم الوحي وطريقته اللذين خاطب الله بهما رسله وعلمهم من
خلالهما ، مع استقلال في شخصية الوحي ، بعيدة عن مراتب الفراسة والتجانس الروحي ،
واستقلال في المتلقى بعيد عن الاستنتاج الذاتي ، أو التعبير المطلق بكل صوره.
ان عملية الوحي
الإلهي إنما تخضع لتصور حوار علوي بين ذاتين :
__________________
« ذات متكلمة آمرة
معطية ، وذات مخاطبة مأمورة متلقية » .
ولم تتشاكل في
مظهر من مظاهر الوحي وظاهرته ، الذات المتكلمة والذات المخاطبة في قالب واحد ، ولم
يتحدا في صورة واحدة على الإطلاق فهما متغايران.
إن ظاهرة الوحي
الإلهي مرئية ومسموعة. ولكنها خاصة بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحده فما اتفق ولو مرة واحدة ، أن سمع أصحابه صوت الوحي ،
ولا حدث أن رأوا هذا الكائن الموحي ، ومع هذا فقد أدركوا صحة ما نزل عليه وصدق ما
أوحي إليه ، بدلائل الإعجاز ، وقرائن الأحوال واعتبارات الاختصاص ، فالنفس
الإنسانية وإن كانت واحدة في الأصل والجوهر ، ولكنها تختلف شفافية كما تختلف
تخويلا من قبل الله تعالى ، فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرى ويسمع ويعي ما حوله من الظاهرة بيقين مرئي مشاهد ، ومن
حوله لا يرون ولا يسمعون ولكنهم يصدقون ويؤمنون. وربما قيل : إن ما يتلقاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الروح الأمين وهو رسول الوحي : « هو نفسه الشريفة من غير مشاركة الحواس
الظاهرة ، التي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يرى ويسمع حينما يوحى إليه من غير أن يستعمل حاستي البصر والسمع .. فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يرى الشخص ، ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت غير أنه ما كان يستخدم
حاستي بصره وسمعه الماديتين كما نستخدمها ، ولو كانت رؤيته وسمعه بالبصر والسمع
الماديين لكان ما يجده مشتركا بينه وبين غيره ، فكان سائر الناس يرون ما يراه
ويسمعون ما يسمع والنقل القطعي يكذب ذلك ، فكثيرا ما كانت تأخذه برحاء الوحي وهو
بين الناس فيوحى إليه ، ومن حوله لا يشعرون بشيء ، ولا يشاهدون شخصا يكلمه » .
وقد يفسر هذا بأنه
ظاهرة ذاتية ، ولكن عمى الألوان مثلا يقدم لنا
__________________
حالة نموذجية ، لا
يمكن في ضوئها أن ترى بعض الألوان بالنسبة لكل العيون.
« هناك مجموعة من
الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر ، وفوق الضوء البنفسجي لا تراها أعيننا ، ولا
شيء يثبت علميا أنها كذلك بالنسبة لجميع العيون ، فلقد توجد عيون يمكن أن تكون أقل
أو أكثر حساسية أمام تلك الأشعة ، كما يحدث في حالة الخلية الضوئية الكهربائية » .
وهذا مطرد بالنسبة
للبصر المادي المتفاوت ، أما على التفسير الأول فينتفي الاشكال جملة وتفصيلا ، فهو
من باب الأولى.
ولقد توصل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليقين القطعي بصدق الرؤية والسمع عند حدوث ظاهرة الوحي طيلة ثلاثة
وعشرين عاما ، وكان لذلك أمارات خارجية تبدو على وجهه وعينيه وجبينه ، من شحوب أو
احتقان أو تصبب عرق وقد يرافق ذلك دوي بحسه أو أصداء أو أصوات كما تقول الروايات .
ولكن هذه المظاهر
لم تمتلك عليه وعيه الكامل ، وإحساسه اليقظ لأنها امارات خارجية لا تغير من حقيقة
شعوره على الإطلاق ، فقسمات الوجه ، وتعرق الجبين ، وشحوب المحيا لا تدل في حالة
اعتيادية على تغير في الوعي أو انعدام للذاكرة ، أو فقدان للشعور ، وما هي إلا
طوارئ عارضة لا تمس الجوهر بشيء.
ولقد تعجل بعض
النقاد من المستشرقين ، حين ألموا بهذه الدلائل النفسية والامارات الشكلية
الخارجية التي لا تنتاب الوعي إطلاقا ولا تؤثر في الإدراك في حال ، فعدوها ـ مخطئين
ـ أعراضا للتشنج تارة ، وللاغماء تارة أخرى. « وهذا الرأي يشمل خطأ مزدوجا حين
يتخذ من هذه الأعراض الخارجية مقياسا يحكم به على الظاهرة القرآنية بمجموعها ،
ولكن من
__________________
الضروري أن نأخذ
في اعتبارنا قبل كل شيء الواقع النفسي المصاحب الذي لا يمكن أن يفسر أي تعليل مرضي
... فإذا نظرنا إلى حالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجدنا أن الوجه وحده هو الذي يحتقن ، بينما يتمتع الرجل
بحالة عادية وبحرية عقلية ملحوظة من الوجهة النفسية ، بحيث يستخدم ذاكرته استخداما
كاملا خلال الأزمة نفسها ، على حين يمحى وعي المتشنج وذاكرته خلال الأزمة فالحالة
إذن ليست حالة تشنج.
هذا التلازم
الملحوظ بين ظاهرة نفسية في أساسها وحالة معينة هو الطابع الخارجي المميز للوحي » .
وهكذا كان لظاهرة
الوحي عند بعض المستشرقين تفسيرات خاطئة أملاها حقد ودجل وافتراء ، فقد كان الوحي
على حدّ زعمهم أثرا لنوبات الصرع التي تعتري الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان يغيب عن صوابه ، ويسيل منه العرق ، وتعتريه التشنجات ، وتخرج من فيه
الرغوة فإذا أفاق من نوبته ذكر أنه أوحي إليه ؛ وتلا على المؤمنين به ما يزعم ـ أنه
وحي من ربه ـ كما صنع هذا قسم من المستشرقين الألمان واليهود أمثال :
فيل ؛ جولد سيهر ، وبول.
ومع ما في هذا
الزعم من الكذب المضحك ، والغض المتعمد من منزلة النبي الرسالية ، فالطريف أن
ينبري له المستشرقون أنفسهم ، لا سيما هنري لامنس ، وفون هامر ، وأمثالهما ، للرد
عليه ، إلا أن في طليعة هؤلاء جميعا السير وليم موير ( ١٨١٩ م / ١٩٠٥ م ) .
لقد فند هذا
الباحث المحايد في كتابه ( حياة محمد ) مزاعم الجهلة الحاقدين وعقب على ظاهرة
الوحي وأعراضها الخارجية بقوله : « وتصوير ما كان يبدو على محمد في ساعات الوحي على
هذا النحو لخاطئ من الناحية العلمية أفحش الخطأ. فنوبة الصرع لا تذر عند من تصيبه
أي ذكر لما مر به أثناءها ، بل هو ينسى هذه الفترة من حياته بعد إفاقته من نوبته
__________________
نسيانا تاما ، ولا
يذكر شيئا مما صنع أو حل به خلالها ، لأن حركة الشعور والتفكير تتعطل فيه تمام
العطل. هذه أعراض الصرع كما يثبتها العلم ، ولم يكن ذلك ما يصيب النبي العربي
أثناء الوحي ، بل كانت تتنبه حواسه المدركة في تلك الأثناء تنبها لا عهد للناس به
، يذكر بدقة ـ غاية الدقة ـ ما يتلقاه بعد ذلك على أصحابه ، ثم نزول الوحي لم يكن
يقترن حتما بالغيبوبة الحسية مع تنبه الادراك الروحي غاية التنبه ، بل كثيرا ما
يحدث والنهي في تمام يقظته العادية » .
بينما زعم جملة من
المستشرقين : بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في القرآن والوحي ساحرا ، وأنه لم ينجح في الوصول إلى
كرسي البابوية ، فاخترع دينا جديدا لينتقم من زملائه .
وقد هز هذا التحدي
السافر المستشرق ( اميل درمنجهام ) ففند أباطيل هؤلاء الدعاة ، وحمل عليهم ؛ ورد
هذه التّهم الرخيصة التي خالفت الواقع .
في حين نلحظ أن
جماعة من المستشرقين قد دأبوا منذ زمن مبكر حتى عصرنا الحاضر ، على وصف القرآن
بأنه نسيج من الخرافات ، وبأن الوحي مجموعة من البدع ، وبأن المسلمين وحوش ، وكان
نموذج ذلك كل من : تيكولا دكيز ، وهو تنجر ، وبلياندر ، وبريدو .
وهذا النوع من
المستشرقين قد دفع تبشيريا إلى الغض من مكانة القرآن والإسلام ، لتقليل أهميتهما
وزعزعة النفوس عنهما ؛ وإسدال ظلال كثيفة قائمة حول تأريخ الوحي دون دليل علمي
يستند عليه ، بيد أن الحديث المتأطر بهذا القناع لا يمكن أن يوافق قبولا لدى
الباحثين لأنه عاطفي.
وأني لأستغرب حقا
مما أبداه المستشرق الفرنسي الدكتور غوستاف لوبون حينما ينفي تهمة الصرع عن الرسول
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكنه يصفه بالهوس ، وهو أمر يدعو إلى الحيرة والعجب لما
في بحوث هذا الرجل من
__________________
الاعتدال والإنصاف
غالبا ، فكيف يتم على يديه هذا النص المخجل : « وقيل إن محمدا كان مصابا بالصرع
ولم أجد في تواريخ العرب ما يبيح هذا القطع في هذا الرأي ، وكل ما في الأمر هو ما
رواه معاصر ومحمد وعائشة منهم ، من أنه كان إذا نزل الوحي عليه اعتراه احتقان وجهي
فغطيط فغشيان ، وإذا عدوت هوس محمد ، ككل مفتون ، وجدته حصيفا سليم الفكر.
ويجب عد محمد من
فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كما هو واضح وذلك كأكثر مؤسسي الديانات ، ولا
كبير أهمية لذلك فأولو الهوس وحدهم لا ذو المزاج البارد من المفكرين ، هم الذين
ينشئون الديانات ويعودون الناس ، ومن يبحث في عمل المفتونين في العالم يعترف بأنه
عظيم .. ولو كان العقل ، لا الهوس هو الذي يسود العالم لكان للتأريخ مجرى آخر ...
ولا يقف أي قول بخداع محمد ثانية أمام سلطان النقد كما يلوح لي ، ومحمد كان يجد في
هوسه ما يحفزه إلى اقتحام كل عائق ، ويجب على من يود أن يفرض إيمانه على الآخرين
أن يؤمن بنفسه قبل كل شيء .. » .
وهذا دس رخيص ،
وتناقض فاضح ، مزج فيهما السم بالعسل ؛ فبينا ينفي الصرع عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإذا به يثبت الهوس له ولينفي الوحي والرسالة جملة وتفصيلا.
وفي ضوء ما تقدم
يمكن أن نرصد في ظاهرة الوحي عملية إرسال واستقبال بوقت واحد ، إرسال بوساطة الملك
المؤتمن ، واستقبال من قبل النبي المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يتم ذلك في حالة إدراك متماسكة ، يسيطر فيها الوعي
والشعور والإحساس ، كما لو كان أمرا عاديا في يقظة حقيقية ، قبل الوحي وأثناء
الوحي ، وبعد الوحي ، مهما صاحب عملية الوحي من شدة وطأة ومفاجأة ، فالوحي حقيقة
خارجية مستقلة عن كيان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم النفسي ولكنها لا تغير ذلك الواقع النفسي ، بل تزيده جلاء
وفطنة وذاكرة ويمثل فيها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دور المتلقي الواعي من جهة ، ودور المبلغ الأمين من جهة
أخرى ، لا يقدم ولا يؤخر ؛ ولا يغير ولا يقترح ؛ ولا يفتر ولا يتكاسل.
__________________
ولقد كان ذلك بحق
:
« استقبالا من
النبي لحقيقة ذاتية مستقلة ؛ خارجة عن كيانه وشعوره الداخلي ؛ وبعيدة عن كسبه أو
سلوكه الفكري أو العملي » .
وليس من الضروري
أن تتوافر هذه الظاهرة مع رغبات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الآنية أو تطلعاته النفسية الملحة ؛ فقد ينقطع عنه الوحي ؛
وقد يتقاطر عليه ، ولكنه لا يعدو الوقت المناسب في تقدير الله عزوجل ؛ وما تحويل
القبلة إلى الكعبة ؛ وإبطاء الوحي في حادثة الإفك ؛ وفترة الوحي حينا ؛ والتلبث في
قصة أهل الكهف ؛ إلا شواهد تطبيقية على ما نقول ؛ وأدلة مثبتة بأن الوحي خارج عن
إرادته ومستقل عن ذاته. ولا شك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آمن منذ اللحظة الأولى ـ بقناعة شخصية متوازنة ـ بأن ما
يوحى إليه ليس من جنس الأحلام وأضغاثها ؛ ولا من سنخ الرياضات ومسالكها ، ولا من
باب الأحاسيس القائمة على أساس من الذكاء والفطنة ، ولا من قبل التخيلات المستنبطة
من الحدس والفراسة وإنما كان بإيمان نفسي محض بأنه نبي يوحى إليه من قبل الله
تعالى ، وما الروايات والاسرائيليات القائلة بشكه في الظاهرة إلا ضرب من الأخيلة
التي لا يدعمها دليل « والحق أن وحي النبوة والرسالة يلازم اليقين من النبي
والرسول بكونه من الله تعالى على ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام » .
ويوحي الله عزوجل لملك الوحي ، ما
يوحيه الملك إلى النبي عن الله ويتسلم النبي الوحي ، فالوحي واحد هنا مع تقاسم
المسئولية وهو عام بالنسبة لكل الأنبياء ؛ وخاص بالنسبة لوحي القرآن أيضا ؛ فالملك
ويؤدي عن الله لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يتلقى ذلك الوحي من الملك ويؤدي ما يوحي به إليه إلى الناس
وكان ذلك طريق الوحي القرآني فحسب ؛ وقد صرح به القرآن الكريم بقوله تعالى :
( وَإِنَّهُ
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ
(١٩٢) نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
(١٩٤) ) .
__________________
والروح الأمين هو
جبرئيل عليهالسلام بإجماع الأمة والروايات ؛ قال الطبرسي ( ت : ٥٤٨ ه ) «
يعني جبرئيل عليهالسلام ؛ وهو أمين الله لا يغيره ولا يبدله .. لأن الله تعالى
يسمعه جبرئيل فيحفظه : وينزل به على الرسول ويقرؤه عليه ، فيعيه ويحفظه بقلبه ؛
فكأنه نزل به على قلبه » .
وهذا صريح يكفيه
تلقي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للقرآن من جبرئيل عليهالسلام على قلبه تثبيتا وحفظا ورعاية ؛ والقلب أشرف الأعضاء للتدبر
والتفكر أن أريد به هذا الجهاز العضلي ؛ وإلا فهو الإدراكات النفسية الخاصة لدى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المستعدة للتلقي والصيانة والاستيعاب دون ريب. وكان ما نزل
به جبرئيل عليهالسلام بإيحاء من الله تعالى هو النص الصريح من الوحي القرآنى دون
زيادة أو نقصان ؛ بألفاظه المدونة في المصحف من ألفه إلى يائه.
ولما كان الأمر
كذلك ؛ فقد تحدث هذا النص المحفوظ بين الدفتين عن ظاهرة الوحي بوحي القرآن وسواه ؛
وطرقها ؛ وكيفيتها ؛ وأقسامها ومن الضروري حقا استعراض مختلف أنشطة الموضوع من
القرآن نفسه مع الاستعانة باللغة حينا ، وبالتبادر العربي العام حينا آخر ، لأن
القرآن عربي ، والتبادر علامة الحقيقة.
لقد صرحت الآية :
( وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
(٥١) ) .
بطرق الوحي الالهي
؛ وحددت كيفية هذا الوحي ؛ ومراتب إيصاله على النحو الآتي :
١ ـ الوحي :
وأصل الوحي هو :
الإشارة السريعة على سبيل الرمز والتعريض ؛ وما جرى مجرى الإيماء والتنبيه على
الشيء من غير أن يفصح به .
__________________
وقد يكون أصل
الوحي في اللغة كلها الإعلام في خفاء . ومؤدى التعريفات
واحد فيما يبدو ، إذ الإشارة السريعة ، اعلام عن طريق الرمز ، والرمز إيماء يستفيد
منه المتلقي أمرا إعلاميا قد يخفى على الآخرين. ومن ثم قيل « الكلمة الإلهية التي
تلقى إلى أنبيائه وحي » باعتبار أسرارها إليهم من قبل ملك الوحي : واختصاصها بهم
دون سائر الناس قال ابن الأنباري :
سمي الوحي وحيا
لأن الملك أسره على الخلق ؛ وخص به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
ومن هنا يبدو أن
التعريف الشرعي منحدر عن الأصل اللغوي في خصوصية الأسرار والاعلام السريع ؛ وما
يصاحب ذلك من الإشارة والرمز اللذين يخفيان على الآخرين. وقد عبر الأستاذ محمد
عبده عن ذلك بما يقارب هذا المؤدى فقال : « بأنه عرفان يجده الشخص في نفسه مع
اليقين بأنه من قبل الله بواسطة ؛ أو بغير واسطة ، والأول يتمثل لسمعه بصوت أو
بغير صوت » .
ولعل المراد بما
يتلقاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من العرفان اليقيني بغير صوت هو الالقاء في الروع ؛ وذلك
بأن ينفث الله في روع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يشاء من أمر ؛ أو ينفث روح القدس ما أوحى إليه بتبليغه
إياه ؛ فيكون ذلك من الوحي بوجه من الوجوه. وقد يؤيد هذا الملحظ ما نسب إلى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : « إن روح القدس نفث في روعي » .
٢ ـ سماع كلام الله تعالى مباشرة من وراء حجاب دون معاينة أو رؤية ؛ لامتناع ذلك
عقلا وشرعا ؛ كما كلم الله موسى بن عمران عليهالسلام ( وَكَلَّمَ اللهُ
مُوسى تَكْلِيماً ) وكان ذلك من وراء حجاب « وهو أن يحجب ذلك الكلام عن جميع
خلقه إلا من يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى عليهالسلام لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا عن موسى عليهالسلام وحده ؛
__________________
لأن الحجاب لا
يجوز إلا على الأجسام المحدودة » .
٣ ـ أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ؛ كما في تبليغ جبرئيل عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في صورة معينة أو صور متعددة ؛ وحي القرآن الكريم عن الله
؛ من غير أن يكلم الله نبيه على النحو الذي كلم به موسى عليهالسلام. هذه الأصناف والمراتب في الإيحاء حددتها الآية الكريمة السابقة فيما يتعلق
بوحي الأنبياء كما يبدو ؛ إلا أننا من متابعة هذه الظاهرة في القرآن الكريم لاحظنا
بعض الدلالات الإيحائية لهذا التعبير قد تختلف عما تقدم ، ويمكن الإشارة إلى أهمها
بما يأتي :
أ ـ إلهام :
وهو أن يلقي الله
تعالى في النفس أمرا يبعث على الفعل أو الترك وهو نوع من الوحي ، يخص به الله من
يشاء من عباده غير قابل للتفكير به أو التخطيط له مسبقا ، ليفرق بينه وبين الحالات
اللاشعورية من جهة والسلوك الكسبي من جهة أخرى ، كما يدل على ذلك قوله تعالى :
( وَأَوْحَيْنا إِلى
أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) .
وقوله تعالى : ( إِذْ
أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ) .
ب ـ التسخير :
وهو أن يسخر الله
تعالى بعض مخلوقاته إلى عمل ما بهديه وإشاءته وتسخيره ، بشكل من الأشكال التي لا
تستوعبها بعض مداركنا أحيانا ، ويستيقنها الذين آمنوا دون أدنى شبهة ، ما يدل على
هذا النوع قوله تعالى :
( وَأَوْحى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ) .
__________________
ج ـ الرؤيا
الصادقة :
وهي وحي إلهي
بالنسبة للأنبياء خاصة ، يتلقون فيها الأوامر ويتسلمون التعليمات من السماء ، كما
دل على ذلك قوله تعالى ـ فيما اقتص الله من خبر إبراهيم عليهالسلام مع ولده ـ
( فَلَمَّا بَلَغَ
مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ
اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا
إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) ) .
فأشارت الآيات إلى
الرؤيا الصادقة في المنام ، إلى استفادة إبراهيم وولده عليهالسلام ، الأمر الإلهي فيها ، للدلالة على أنها وحي يستلزم العمل به ، بدليل تعقيب
ذلك من قبل الله في خطاب إبراهيم عليهالسلام بتصديق الرؤيا وجزاء المحسنين. وقد تكون الرؤيا في جزء من
هذا الملحظ تمهيدا للوحي المباشر وقد يعبر عنها بالصادقة أو الصالحة ، كما حصل هذا
المعنى بالنسبة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أول بدء الوحي ، كما في رواية أم المؤمنين عائشة :
« أول ما بدئ به
رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة ( الصالحة ) في النوم. فكان لا يرى الرؤيا إلا
جاءت مثل فلق الصبح » .
وقد تكون الرؤيا
نوعا من الوعد الحق الذي يقطعه الله لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم كما هو الحال في شأن فتح مكة ، قال تعالى :
( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ
اللهُ آمِنِينَ (٢٧) ) .
وقد دل على جميع
ما تقدم مضافا للدلالات القرآنية ما يروى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم « انقطع الوحي ، وبقيت المبشرات. رؤيا المؤمن ؛ فالالهام
والتسخير والمنام » .
__________________
وفيه ـ إذا صح ـ تفريق
بين الوحي المباشر ؛ وهو جبرئيل عليهالسلام ، وبين ما أشار إليه من المبشرات التي يبدو أنها غير الوحي
الذي يريده الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث. وقد يكون الوحي بملحظ آخر عام بين جميع
الأنبياء والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد يكون خاصا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فما كان عاما يكون مشتركا بينه وبين الأنبياء والمرسلين
لأنه أحدهم بل سيدهم ، وما كان خاصا ينفرد به وحده. فالأول : كقوله تعالى :
( وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ
(٢٥) ) .
ويبدو أن هذا
الوحي يشتمل على جميع أقسام الوحي وكيفياته ، ولا يختص بالإيحاء بمعناه الدقيق ،
لأن الإيمان بالوحدانية فطرة إنسانية تحتمها طبيعة العقل السّوي ، والأنبياء بعامة
يتمتعون بهذه الفطرة نفسيا وعقليا.
قال الراغب
الأصبهاني ( ت : ٥٠٢ ه ) : « فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه ، وذلك أن معرفة
وحدانية الله تعالى ، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي
العزم من الرسل بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع ، فاذن المقصود من
الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ووجوب عبادته » .
والثاني : ما هو
مختص بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحده ، كالأمر له في قوله تعالى :
( اتَّبِعْ ما أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ (١٠٦) ) .
وكإخباره عن نفسه
كقوله تعالى :
( إِنْ أَتَّبِعُ
إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ )
وكالطلب إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّما أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ
يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ
__________________
فَلْيَعْمَلْ
عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) ) .
وفي هذا الضوء ،
فإن ما يوحى به إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يخلو : إما أن يكون تعليمات يؤمر بإشاعة مفاهيمها بين
الناس بحال من الأحوال وإما أن يكون كلاما يؤمر بتدوينه ، ويثبته الله في قلبه ،
ويتلوه بلسانه فيكون كتابا فيما بعد وإلى هذا أشار الزهري بقوله : « ما يوحي الله
به إلى نبيّ من الأنبياء فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله ، ومنه ما
لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته لأحد ولكنه يحدث الناس به حديثا ،
ويبين لهم أن الله أمره أن يبيّنه للناس ويبلّغهم إياه » . والقرآن الكريم من النوع الذي ثبت في قلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتكلم به وأمر بكتابته وتدوينه ، بعد إنزاله وحيا من قبله. وقد أورد الزركشي
عن السمرقندي ثلاثة أقوال في المنزل من القرآن :
١ ـ أنه اللفظ
والمعنى ، وأن جبرئيل عليهالسلام حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به.
٢ ـ أن جبرئيل عليهالسلام إنما نزل بالمعاني الخاصة ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علم تلك المعاني ، وعبر عنها بلغة العرب.
٣ ـ أن جبرئيل عليهالسلام ، إنما ألقي إليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب والأول هو الصحيح دون ريب ، لأن جبرئيل عليهالسلام وصف بالروح الأمين لأمانته المتناهية فلا يضيف ولا يغير
ولا يبدل ولا ينسى ولا يخون ولا يتجوز ، كيف لا وهو روح القدس بقوله تعالى :
( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ
الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً
وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) ) .
والقرآن نازل من
عند الله بألفاظه نفسها ، وما مهمة جبرئيل عليهالسلام إلا
__________________
تبليغ الوحي كما
تسلمه وهو آيات الكتاب الكريم بنصوصها خالصة بدلالة قوله تعالى :
( تِلْكَ آياتُ اللهِ
نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ (١٠٨) ) .
وقد اختار السيوطي
ذلك تعبدا بلفظ القرآن إعجازا ، فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه ، وإنّ تحت
كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة ، فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه . وخصوصية القرآن التعبد بتلاوته لأن ألفاظه نازلة من الله تعالى فلا تدانيها
خصوصية أخرى ، لأن هناك ما هو نازل من السماء كالأحاديث القدسية ، ولكنها ليست
بقرآن ، فلا خصوصية للتعبد بتلاوتها. وإن أخذنا بمضامينها حرفيا ولكنها لم تنزل
بألفاظها المخصوصة لها كما هو شأن القرآن. والحديث النبوي نتعبد به أمرا ونهيا ، وكان
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يرسل الحديث ويقوله ويتبع ذلك أهله وأصحابه ، ثم يتلو
القرآن ويقرؤه فما اتفق يوما أن تشاكل النصان أو تشابه القولان ، ولو كان معنى
القرآن ينقل إلى النبي وحيا ، أو وحيه ينقل إليه معنى ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصوغه بلفظه ويعبر عنه بكلامه لاشتبه القرآن بالحديث والحديث بالقرآن من وجهة
نظر بلاغية في الأقل بينما العكس هو الصحيح ، فالخصائص الأسلوبية في القرآن تدل
عليه ، فكل له أسلوبه المتميز ، ومنهجه الخاص حتى عرف ذلك القاصي والداني ممن آمن
بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن وممن جحدهما. فالقرآن كلام الله ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ينقله كما سمعه بلفظه الدّال على معناه وبمعناه الذي نطق به لفظه ، لا شيء من
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا النقل الأمين ، والحديث كلام محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يتفوه به فيشرع ويحكم ، لأنه المصدر الثاني بعد القرآن للشريعة الإسلامية قال
تعالى :
( وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )
وثمة دليل قرآني
في توجيه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعبارة ( قل ) في
__________________
القرآن الكريم ،
وتكرارها فيه أكثر من ثلاثمائة مرة ، تصريح وأي تصريح بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « لا دخل له في الوحي ، فلا يصوغه بلفظه ، ولا يلقيه بكلامه ، وإنما يلقى
إليه الخطاب إلقاء ، فهو مخاطب لا متكلم ، حاك لما يسمعه ، لا معبر عن شيء يجول في
نفسه » .
لهذا كان إذا نزلت
عليه آية أو سورة ، بل وجزء من آية ، يدعو كتبته لتدوينها على الفور نصا.
ولقد بهت العرب
أمام ظاهرة الوحي القرآني ، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة وأئمة البيان والفن القولي
، وتذرعوا للتشكيك فيها بمختلف الوسائل ، فأثاروا الشبهات ، وتعلقوا بالأوهام ،
فوصفوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالضلال ، والقرآن من ورائهم يناديهم بقوله :
( وَالنَّجْمِ إِذا
هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤) ) .
وتداعوا مرة أخرى
إلى افتراضات متناقضة ، فقالوا أضغاث أحلام وقد أيقنوا بصحوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقظته ، وردوه إلى الكذب والاختلاق وهم أنفسهم وصفوه من ذي قبل بالصادق
الأمين ، ونسبوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الشعر ، وقد علموا بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أبعد ما يكون عن مزاج الشاعر وأخيلته ، وما ترك في هذا المجال أثرا يركن إليه
بهذه السمة ، وقد عبر القرآن عن ذلك :
( قالُوا أَضْغاثُ
أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ ) .
وما استقامت لهم
الدعوى في شيء ، ووصموه بالجنون :
( وَقالُوا يا أَيُّهَا
الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) ) .
( ثُمَّ تَوَلَّوْا
عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) ) .
__________________
وقد دلت الأحداث
الاستقرائية ، والسيرة الذاتية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على رجاحة عقله واتزانه في تصرفاته ، وتأكد لهم افتراؤهم
بما شاهدوه من مجريات الأمور ، وقد لبث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيهم حقبا طويلة قبل البعثة فما مسكوا زلة ولا
أدركوا غفلة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النكتة الدقيقة بقوله :
( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ
عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .
وترددوا بقول
الكهانة من بعد الجنون ، فرد افتراءهم القرآن بما أمره به :
( فَذَكِّرْ فَما
أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) ) .
فما كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا بشيرا ونذيرا ، وما كان الوحي إلا ذكرا للعالمين فأين هو من الكهانة؟
( وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ
قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) ) .
وحينما أعيتهم
الحيلة ، ووقف بهم المنطق السليم ، انطلقوا إلى القول : ( إِنْ هذا
إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) .
شأنهم في هذا شأن
من تقدمهم من الأمم مع أنبيائهم ورسلهم ، حذو القذة بالقذة ؛ وفي الادعاءات قال
تعالى :
( كَذلِكَ ما أَتَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) ) وقد علموا جديا ؛ أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم في أصالته العقلية ؛ أبعد ما يكون عن السحر والشعبذة
والتمويه من قبل ومن بعد.
وتمسكوا بأوهن من
بيت العنكبوت ؛ فأشاعوا بكل غباء أن لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم معلما من البشر ؛ وهو غلام رومي يحترف صناعة السيوف بمكة ؛
فألقمهم القرآن حجرا بردهم ردا فطريا :
__________________
( لِسانُ الَّذِي
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) .
وأغلقت السبل كافة
في الوجوه والألسن والأقاويل ، فرجموا بالغيب وتشبثوا بالطحلب ، وحسبوا وجدان
الضالة ، فقالوا بما حكى الله عنهم ( إِنْ هذا إِلاَّ
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .
وتمادى بهم القوم
، ففصلوا بعد الاجمال ، وأبانوا بعد الإبهام :
( وَقالُوا أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) ) . وهكذا تبدو الحيرة مترددة بين عدة ادعاءات ، هم أنفسهم يعلمون بمجانبتها
للواقع المشهود ، إذ لم يؤيدها نص استقرائي واحد في حياة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويبقى الوحي وحيا
رغم كل هذه الأراجيف :
( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها
وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ
فِي السَّعِيرِ (٧) ) .
ويبقى القرآن
مقترنا بظاهرة الوحي الإلهي.
__________________
الفصل الثالث
ترجمة القرآن
من أبرز جهود
المستشرقين عنايتهم الخاصة بترجمة القرآن الكريم إلى أمهات اللغات العالمية ،
والترجمة تحتاج إلى ذائقة فنية بارعة ، وأصالة في الفكر ، وإحاطة بصنوف البيان
العربي ، إذ ليس من اليسير أن ينبري أفراد أو جماعات ، لغتهم الأصلية هي غير اللغة
العربية ، لترجمة أعظم نص عربي ، اتسم ببلاغته الفائقة ، وأقدس كتاب عند المسلمين
رأوا إعجازه في نظمه وتأليفه ، وسحره في أسلوبه وجودة تعبيره ، لذا فالترجمة تعني
تمرس المترجم بكثير من فنون البيان ، وجملة من أساليب القول ، واضطلاع في اللغة
والبلاغة ، وكفاية في المفردات المترادفة والمشتركة والمتضادة. وفي هذا الضوء
تعتبر ترجمة القرآن من أعقد الدراسات القرآنية التي تحتاج إلى العلم والصبر والدقة
والإحاطة.
وبمعاينة جهود
المستشرقين في هذا المجال نجد ترجمة القرآن قد جاءت على نحوين : ترجمة كلية ،
وترجمة جزئية ، ولا بد من الوقوف عند هاتين الظاهرتين لاستقراء موضوع الترجمة.
أولا ـ الترجمة الكلية :
لقد حاول كثير من
المستشرقين ترجمة القرآن ترجمة كلية من ألفه إلى يائه رغم كل الصعوبات اللغوية
والزمنية ، وقد وفق بعضهم في ذلك ، وخاب البعض الآخر ، وباستقراء الموضوع يبدو لنا
أن بداية العمل في هذا الشأن ترجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي.
١ ـ ففي أوروبا
تمت أول ترجمة للقرآن بين عامي ( ١١٤١ م ـ ١١٤٣ م ) ، إلى اللغة اللاتينية بتوجيه
وبطلب من الأب : ( بيتروس فينيرا
بيليس ) ( بطرس
المبجل ) رئيس ( ديركلوني ) بفرنسا ، وكانت مركزا مهما وكان ذلك على أرض أسبانية .
ويعتقد الأستاذ (
بلاشير ) أن هذه الترجمة لم تكن أمينة أو كاملة النص .
وقد قام بهذه
الترجمة ( روبرت الرتيني ) ، و ( هرمان الدلماشي الألماني ) ، وراهب اسباني عربي ،
ولم تنشر هذه الترجمة إلا بعد أربعة قرون .
وقد جاء في خطاب (
بطرس ) المكرم إلى القديس ( برنار ) : قابلت ( روبرت ) وصديقه ( هرمان الدلماطي )
، بالقرب من ( الأبرو ) في اسبانيا ، وقد صرفتهما عن علم الفلك إلى ترجمة القرآن
باللاتينية ، فأتماها عام ١١٤٣ م ، وكانت أول ترجمة للقرآن استعانا فيها باثنين من
العرب ، نشرها ( ببلياندر ) في ثلاثة أجزاء في ( بال ) عام ( ١٥٤٣ م ) ، وكانت (
بال ) من أسبق المدن السويسرية إلى نشر ترجمة القرآن ، وقد أنجز ترجمته الثانية
الأب ( ماركوس الطليطلي ) بتوجيه من الأسقف ( روديك دي وادا ) ، في القرن الثالث
عشر .
٢ ـ ونشر المستشرق
الإيطالي ( أريفاين ) أول ترجمة من القرآن إلى الإيطالية ، فلما دخلت الحروف
الشرقية إليها ، نشر فيها الساندرو ( باجيني ) أول طبعة من القرآن للنص العربي ، (
البندقية ، ١٥٣٠ م ) . وفي عام ١٥٩٤ م أصدر هنكلمان ترجمته للقرآن .
٣ ـ ثم ترجم
القرآن إلى اللغة الألمانية من قبل ( شنيجر النور
__________________
مبرجي ، ( عام
١٦١٦ م ) ، وأعقبت ذلك ترجمة إلى الفرنسية بقلم ( سيور دوريز ) ( باريس ١٦٤٧ م )
وقد انتفع بهذه الترجمة : الكسندروس ، أحد قساوسة كاريسبروك ، حينما نقلها إلى
الانجليزية ( لندن ، ١٦٤٩ م ) .
٤ ـ وفي إيطاليا
يبدو أن الأب ( دومينيك جرمانوس ) ( ١٥٨٨ م ـ ١٦٧٠ م ) قام بأول ترجمة للقرآن إلى
اللاتينية. وكان المستشرق الفرنسي ( مارسل ديفيك ) ( ت : ١٨٨٦ م ) أول من عثر
عليها عام ( ١٨٨٣ م ) .
٥ ـ وترجمة (
جرمانوس ) قد سبقت ( ماداتشي ) بثلاثين عاما ، إذ يوجد نص لاتيني للأب ( ماداتشي )
يعود إلى عام ( ١٦٩٨ م ) في ترجمة القرآن ، وقد أفاد من هذه الترجمة ( ج سيل ـ Geo
ـ Salee ( الانجليزي ) ( ١٧٣٤ م ـ ١٧٦٤ م ) .
وما تمتاز به
ترجمة ماداتشي ( ١٦١٢ م ـ ١٧٠٠ م ) أنه نشر القرآن متنا وترجمة إيطالية أيضا مع
شواهد من مصادر عربية لم ينشر معظمها حتى يومنا هذا ( بادوري ، ١٦٩٨ م ) .
٦ ـ وقد قام جورج
سيل ( ١٦٩٧ م ـ ١٧٣٦ م ) بترجمة القرآن إلى اللغة الإنكليزية ، وقد نجح في ترجمته
، فذكرها ( فولتير ) في القاموس الفلسفي ، وأعيد طبعها مرارا ، وقد اشتملت على
شروح وحواش ومقدمة مسهبة هي في الحقيقة بمثابة مقالة إضافية عن الدين الإسلامي
عامة ، حشاها بالإفك واللغو والتجريح ، وقد نقلها إلى العربية : ابن الهاشم العربي
( القاهرة ، ١٩١٣ م ) .
٧ ـ وقد صدرت
الترجمة الروسية للقرآن في عام ( ١٧٧٦ م ) بـ ( سنت بطرسبرج ) ( لينينجراد ) .
__________________
٨ ـ بينما نجد أن
أول ترجمة علمية إلى الروسية قام بها ( سابلوكوف ) ( ١٨٠٤ م ـ ١٨٨٠ م ) ( عام ١٨٧٨
م ) ثم تكرر طبعها بين الأعوام ( ١٨٧٩ م ـ ١٨٩٨ م ) .
٩ ـ وفي هذه
الأثناء توالت ترجمة القرآن ترجمة كلية إلى عدة لغات يمكن الإشارة إليها على الوجه
التالي :
أ ـ الترجمة
الفرنسية ، سافاراي ( ١٧٨٣ م ) وكازيميرسكي ، ( ١٨٤٠ م ) ، ( ١٨٤١ م ، ١٨٥٧ م ).
وقد اشترك المستشرق الفرنسي ( أوكتاف بل ) مع ( سي محمد التيجاني ) في ترجمة
القرآن الكريم إلى الفرنسية .
وهناك ترجمة
فرنسية للقرآن الكريم تمتاز بالضبط والدقة للأستاذ إدوارد مونتير ، وقد تحدث عنها
الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي بما نصه : « كنت طالعت في مجلة المنار مقالا للأمير
شكيب أرسلان عن ترجمة فرنسوية حديثة للقرآن الكريم ، وضعها الأستاذ إدوارد مونتيه.
وقد قال عنها :
أنها أدق الترجمات
التي ظهرت حتى الآن وقد نقل عنها إلى العربية مقدمة هذه الترجمة. وهي في تأريخ
القرآن وتأريخ سيدنا رسول الله ، وقد نشرت في المنار.
فاقتنيت هذه
الترجمة. فوجدتها قد أوفت على الغاية في الدقة والعناية. وقد ذيلها المترجم بفهرس
لمواد القرآن مفصل أتم تفصيل » .
وقد قام الأستاذ
بلاشير المولود : (١٩٠٠) بترجمة القرآن ترجمة جديدة إلى الفرنسية في ثلاثة أجزاء (
باريس ١٩٤٧ م ـ ١٩٥٢ م ).
ب ـ الترجمة
الألمانية ، بويسن ( ١٧٧٣ م ) ، ثم حققها وأعادها چ. قاهل؟؟؟ ( ١٨٢٨ م ) ، ول.
أوهلمان ( ١٨٤٠ م ـ ١٨٥٣ م ).
__________________
ولا شك أن أجود
الترجمات هي ترجمة الأستاذ فلوجل ( ١٩٤١ م ).
يقول المستشرق
الألماني المعاصر رودي بارت : « وقد ظهرت بين عامي ( ١٩٦٣ م ـ ١٩٦٦ م ) ترجمة
كاملة للقرآن بقلمي هي ثمرة اشتغال عميق بالنص القرآني استمرت سنوات طويلة ، وتقصد
هذه الترجمة إلى المساعدة على فهم القرآن فهما تأريخيا ، فهي تضع الأجزاء المختلفة
على النحو الذي اعتقد أنها عنيت به عند ما نطق بها النبي العربي. وكثيرا ما تتصف
بالإيجاز والاقتضاب ، وتضع هذه الاضافات بين أقواس حتى يفرق بينها وبين النص
الأصلي » .
ج ـ الترجمة
الانجليزية. وقد ترجم ج. م. روديل القرآن إلى الانجليزية عام ( ١٨٦١ م ) ، وتمتاز
هذه الترجمة بأن السور فيها مرتبة بحسب ترتيبها التأريخي على ما يدعي ، وصدرت
بعدها ترجمة ف. ه. بالمو ، اكسفورد ، ( ١٨٨٠ م ) .
وقد جاء مارمادوك
وليم بكثول ( ١٨٧٥ ـ ١٩٣٦ ) وأعلن إسلامه ، وقضى ثلاث سنوات في ترجمة معاني القرآن
، قصد بعدها مصر لمراجعة ترجمته مع بعض العلماء ، وتعد ترجمته من خيرة الترجمات ، (
١٩٣٠ م ) .
وريتشارد بل ، وهو
من رجال الدين في بريطانيا ، قد صرف سنين كثيرة في دراسة القرآن ، وترجمته له (
١٩٣٧ م ـ ١٩٤١ م ) وإن لم يعرها الناس اهتمامهم ، إلا أن جل غرضه منها تحليل السور
المتفرقة بوضع قوانين النقد الأدبي لها كما هي الحال في التواليف الغربية للأدب
العالي .
ومما لا شك فيه أن
الجهود الانجليزية المتأخرة في الترجمة لها
__________________
قيمتها الفنية ،
إذ لم يكتف بترجمة القرآن إلى الانجليزية بل تعدت ذلك إلى اللغات الإقليمية ، فقد
ترجم المسلم الانجليزي خالد شلدريك القرآن ، إلى لغة الإسبرانتو عام ( ١٩١٤ م ) .
وقد كان البروفسور
أ. ج. آربري المولود ( ١٩٠٥ م ) دقيقا حينما اعتبر ترجمته للقرآن تفسيرا لفظيا
فسماها : القرآن مفسرا ، وقد طبع في نيويورك ( ١٩٥٥ م ) ولندن ( ١٩٥٩ م ).
د ـ الترجمة
السويدية ، وقد نقل المستشرق السويدي تورنبرج ( ١٨٠٧ م ـ ١٨٧٧ م ) القرآن إلى
السويدية ، وطبع في لوند ، (١٨٧٤) ، وأعقبه ستر ستين السويدي ( ١٨٦٦ م ـ ١٩٥٣ م )
بترجمته إلى السويدية ، وطبع في استوكهلم ( ١٩١٧ م ) .
هـ ـ الترجمة
الهندية ، وقد قام المستشرق الهولندي الأستاذفت ( ١٨١٤ م ـ ١٨٩٥ م ) بترجمة القرآن
إلى اللغة الهندية .
و ـ الترجمة
الهولندية ، قام المستشرق الهولندي كرامرز ( ١٨٩١ م ـ ١٨١٥ م ) بنشر ترجمة القرآن
إلى الهولندية ، أمستردام ـ بروكسل ، ( ١٩٥٦ م ) .
ز ـ الترجمة
الإيطالية المتأخرة ، قام المستشرق الإيطالي برانكلي بترجمة القرآن من العربية إلى
الإيطالية ، ترجمة حرفية ، روما ( ١٩١٣ م ) ونشر فراكاسي ، القرآن متنا وترجمة
إيطالية في (٣٥٩) صفحة خلا المقدمة ، ميلانو ، ( ١٩١٤ م ) ، وأعقبهما الأستاذ
بونللي ( ١٨٦٥ م ـ ١٩٤٧ م ) بترجمة القرآن ترجمة حرفية بالإيطالية مع التفسير في (٥٢٤)
صفحة وطبع مرتين ، الأولى : نابولي ، ( ١٩٢٩ م ) ، والثانية : ميلانو ، ( ١٩٤٠ م )
.
__________________
ولعلنا بما تقدم
قد استقصينا الحديث عن أغلب وأشهر الترجمات القرآنية الكلية ، ويستحسن الرجوع
بالإضافة إلى ما سبق إلى ما ذكره شفلي في تأريخ القرآن في هذا المجال ، وإلى قائمة
بروكلمان في أحدث الترجمات للقرآن .
ثانيا ـ الترجمة الجزئية :
أ ـ هناك جهود
متناثرة في ترجمة القرآن جزئيا ، باقتطاف بعض سوره ، وإخضاعها إلى الترجمة في لغات
شتى ؛ ففي حروب بولونيا مع الأتراك اقتنى اندراي أكولوتوس ( ١٦٥٤ م ـ ١٧٠٤ م )
نسخة من القرآن بترجمتين تركية وفارسية فترجمها ، ولكنه لم يوفق إلى نشرها فاكتفى
بنماذج منها ، مرفقا كل نص عربي بترجمة فارسية وتركية ولاتينية بعنوان : نصوص من
القرآن مترجمة إلى أربع لغات ، برلين ، ( ١٧٠١ م ) .
ب ـ وقد ترجم
القرآن جزئيا البركازيميرسكي البولوني ( ١٨٠٨ م ـ ١٨٨٧ م ) إلى الفرنسية ترجمة
تعوزها بعض الأمانة العلمية وفهم البلاغة العربية .
ج ـ وقد ترجم عدة
فصول من القرآن إلى الاسبانية المستشرق السويدي سترستين ، ونشرها في مجلة العالم
الشرقي ( ١٩١١ م ) .
د ـ وقد نقل
المستشرق الدانماركي ( بول ـ Bull ) عدة أجزاء من القرآن
إلى الدانماركية فأظهر في ذلك سعة اطلاع على الإسلام .
هـ ـ وقد أورد
الأستاذ بروكلمان قائمة ببعض الترجمات الجزئية تلحظ بالشكل التالي :
__________________
الانجليزية
|
M. Alc
|
لاهور ١٩٢٨ م
|
الفرنسية
|
لاماس
|
١٩٣٠ م
|
الانجليزية
|
Gr. Sarwar
|
لندن ١٩٣١ م. لا
هور ١٩٣٥ م
|
التشيكية
|
أ. ر. نيكل
|
براغ ١٩٣٤ م
|
وفي هذا القدر مما
ذكرناه حول ترجمة القرآن الكلية والجزئية نكون قد ألقينا مزيدا من الضوء على أجواء
هذه الظاهرة.
__________________
الفصل الرابع
التحقيق والفهرسة والتدوين
من معالم جهود
المستشرقين البارزة في مجالات الدراسات القرآنية : نشر جملة نفيسة من الكتب ،
وتحقيق طائفة من المصادر التي تبحث في القراءة والتفسير وعلوم القرآن ، وقد جاءت
هذه الذخائر محققة في أغلبها على الوجه الأكمل ، مما يكشف لنا عن صدق المعاناة ،
والصبر والجلد والأناة ، في إيصال النص للمتلقي كما تركه مؤلفه ، وكما كتبه مصنفه
، ولم يكتف بهذا عند المستشرقين ، بل توج العمل التحقيقي بفهارس وملاحق تنير أمام
القارئ الطريق في الافادة من النصوص.
أ ـ التحقيق :
والحق أن المانيا
قد سبقت في هذا المجال سبقا مجليا ، فنشرت لنا من التراث القرآني على يد علمائها ،
ما نحن بحاجة ماسة إليه ، وقد تكفل القرن التاسع عشر بتأصيل هذا الجهد الاستشراقي
، وإعطاء ثماره يانعة.
لقد قرر المجمع
العلمي البافاري في ميونخ جمع المصادر الخاصة بالقرآن الكريم وعلومه ، وضبط
قراءاته لنشرها ، فتولى الأستاذ براجشتريسر ( ١٨٨٦ م ـ ١٩٣٣ م ) هذه المهمة
الفريدة ، وعاونه في بعضها الأستاذ أوتو بريتسل ( ١٨٩٣ م ـ ١٩٤١ م ). فقد انتدب
المجمع المذكور بريتسل بعد وفاة براجشتريسر لاستكمال هذا الجهد ، فبادر من فوره
إلى تصوير تلك المصادر والمصاحف تصويرا شمسيا في عدة نسخ لتيسير الاطلاع عليها في
ميونخ ، والحصول على صور منها ، ثم تدوين كل آية من القرآن الكريم في لوح خاص ،
يحوي متنوع الرسم في مختلف المصاحف ، مع بيان قراءاتها ومتعدد تفاسيرها.
وقد انجلت هذه
المهمة الخاصة عن نشر هذه الطائفة من المصادر في القراءة والتدوين وعلوم القرآن
على الوجه الآتي :
١ ـ كتاب التيسير
في القراءات السبع : لأبي عمر وعثمان بن سعيد الداني.
٢ ـ كتاب المقنع
في رسم مصاحف الأمصار ، من كتاب النقط : للداني.
٣ ـ كتاب مختصر
الشواذ : لابن خالويه : المكتبة الإسلامية ، مجلد ٧ ، ١٩٣٤ م.
٤ ـ كتاب المحتسب
لابن جنّي : وقد طبع بحروف لاتينية ، منشورات المجمع العلمي البافاري ، ميونخ ،
١٩٣٣ م.
٥ ـ غاية النهاية
في طبقات القراء ، لابن الجزري ، المكتبة الإسلامية ، مجلد ٨ ، ( ١٩٣٣ م ـ ١٩٣٥ م
) ثم بالقاهرة.
٦ ـ كتاب معاني
القرآن للفراء النحوي.
٧ ـ كتاب الإيضاح
في الوقف والابتداء لأبي بكر الأنباري : إسلاميكا ، ٦ ، ٢٣٤ ، ثم طبع بالقاهرة
للمكتبة ـ الإسلامية .
٨ ـ ويبدو أن
براجشتريسر وبريتسل ، كانا على جانب كبير من الاهتمام بدراسة القرآن الكريم ، ونشر
ما يتعلق بآثاره ، فقد اشتركا في نشر الجزء الثالث من تأريخ النص القرآني لنولدكه.
٩ ـ ولقد نشر
بريتسل بمعاونة إيزني : فصائل القرآن ـ وآدابه ، لأبي عبيد القاسم بن سلام.
١٠ ـ ومما تجدر
الإشارة إليه إنّ لبريتسل بحوثا تتعلق في مخطوطات نادرة بعلوم القرآن ، وتحقيقات
في أهمية هذه الكتب ، ووصفا لمحتوياتها ، وتعليقات على مناهجها.
__________________
فله في مجلّة
إسلاميكا :
أ ـ كتاب معاني
القرآن لابن منظور ( ٦ / ١٦ ).
ب ـ كتاب تعليل
القراءات السبع للشيرازي ( ٦ / ١٧ ).
ج ـ كتاب المشتبه
في القرآن للكسائي ( ٦ / ٢٤ ).
* * *
ونضيف إلى ما تقدم
حصره بالاشارة إلى أهم معالم النشر والتحقيق لجملة من المستشرقين من مختلف
الجنسيات والهويات ، ويتراوح ضبطها بين الدقة ، وبين القبول بوجه حسن كالآتي :
١ ـ المستشرق
الألماني فرايتاج ( ١٧٨٨ م ـ ١٨٦١ م ) حقق ونشر بمجهوده :
أسرار التأويل
وأنوار التنزيل للبيضاوي ، ليبزيج ، ١٨٤٥.
٢ ـ المستشرق
الانكليزي وليم ناسوليز ( ١٨٢٥ م ـ ١٨٨٩ م ) حقق طيلة أربع سنوات : ( ١٨٥٦ م ـ ١٨٥٩
م ) ، الكشاف لجاد الله الزمخشري في ٤٨٥ صفحة.
٣ ـ المستشرق
النمساوي شبرنجر ( ١٨١٣ م ـ ١٨٩٣ م ) ، حقق ونشر : الاتقان في علوم القرآن ، لجلال
الدين السيوطي.
٤ ـ المستشرق
الانكليزي السير وليم موير ( ١٨١٩ م ـ ١٩٠٥ م ) حقق كتاب : شهادة القرآن لكتب
أنبياء الرحمن ، نشر ( ١٩٦٠ م ).
٥ ـ المستشرق
المريكي آرثر جفري ، قام بتحقيق ونشر :
١ ـ كتاب المصاحف
للسجستاني ( مؤسسة دي خويه ، ليدن ، ١٩٣٧ م ).
٢ ـ مقدمتان في
علوم القرآن ، لابن عطية ومجهول ، طبع في دار الصاوي ، القاهرة ، ١٩٧٢ م.
إن هذه القوائم
المتقدمة لا تمثل كل نتاج المستشرقين في عالم التحقيق ، بل تمثل أبرز الأعمال
وأهمها من خلال استقرائنا فحسب.
ب ـ الفهرسة :
وأما فهرسة القرآن
الكريم فقد ظهرت بشكلها البدائي في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع
عشر حينما وضع المستشرق الانكليزي وليم بدويل ( ١٥٦١ م ـ ١٦٣٢ م ) فهرسا للقرآن
باللغة التركية ، مع تعداد تفاسير القرآن ، وطبع في ليدن ، ( ١٦١٥ م ) .
أما فهرسة القرآن
بإطارها العلمي المنظم فقد بدأت في أوائل القرن التاسع عشر ، وقد تأصلت ـ فيما وصل
إلينا ـ عند المستشرق الألماني الأستاذ جوستاف فلوجل ( ١٨٠٢ م ـ ١٩٧٠ م ) حينما
ألّف أول معجم مفهرس للقرآن الكريم في اللغة العربية ، عني بألفاظ القرآن ومفرداته
وأسماه :
( نجوم الفرقان في
أطراف القرآن ) وطبع لأول مرة عام ( ١٨٤٢ م ) في ليبزيج ، وقد كان هذا الكتاب نواة
صالحة ، بل أساسا محكما ، اعتمد عليه محمد فؤاد عبد الباقي في وضع : ( المعجم
المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) فتعقب عليه ما فاته ، واستدرك فيه ما خفي عليه من
وجه الصواب . لقد كان عمل الأستاذ فلوجل من أعمال المستشرقين الجليلة
حتى أننا لم نجد مثله في فهرسة مواد القرآن وألفاظه ، حتى إذا جاء المستشرق
الألماني مالير ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٤٥ م ) وجدناه قد استند على معجم فلوجل ، فألف ( دليل
القرآن ) وقد جمع فيه مفرداته وأفعاله حتى حروف الجر والعطف ، وقد رقمت فيه السور
والآيات لهذه الغاية ، وطبع للمرة الثانية في باريس ( ١٩٢٥ م ).
ولقد قام المستشرق
الفرنسي ( جول لابوم ) بوضع ( تفصيل آيات القرآن الكريم ) باللغة الفرنسية ، وذلك
بترتيب الآيات الخاصة بالموضوع الواحد في فصل واحد ، فكأنه قد فرق القرآن نجوما
بحسب موضوعاته فجمعها موضوعا موضوعا ، ولقد قام الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي
__________________
صاحب المعجم
المفهرس لألفاظ القرآن الكريم بترجمة هذا العمل الجليل إلى اللغة العربية بإشارة
من السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار ، وقضى في ترجمتها سبعة شهور كاملة ، كان
نهايتها يوم ( ٨ مارس سنة ١٩٢٤ م ) وطبعت عدة مرات ، ولقد ذيّلها بعد نفاد الطبعة
الأولى بفهرس تفصيلي وضعه المستشرق الفرنسي الأستاذ ادوار مونتيه وسماه بالمستدرك
بعد أن نقله إلى العربية أيضا ، وقد وفّر الأستاذ عبد الباقي رحمهالله للباحثين فرصة كبيرة حينما ترجم هذين العملين الخالدين ، فكان أحدهما مكملا
للآخر وان لم يستوعبا مواد القرآن وموضوعاته ولا آياته بعامة.
بل ندت بعض الآيات
في بعض الأبواب التي بلغت العشرات ثم قسمت إلى مئات المفردات من الموضوعات
القرآنية. ولقد طبع التفصيل والمستدرك حديثا طبعة أنيقة ومنقحة بتاريخ ١٧ / ٣ /
١٩٦٩ بدار الكتاب العربي في بيروت وعليها اعتمدنا في وصفنا لها.
وهناك بحث عن
مفردات القرآن للمستشرق الأمريكي تشارلز توادي المولود ١٨٦٣ م ، نشر في مجلة عالم
الإسلام ١٩٣٩.
ولما كان عمل
الأستاذ فلوجل ومالير من بعده متكاملا إلى حد كبير ، فقد رأينا جهود المستشرقين في
الفهرسة تنصب في قناة أخرى تمثل اتجاها يدور حول فهرسة ما ألف في القرآن تارة ،
وفي قرائه تارة أخرى ، وتقتصر ثالثة على فهرسة بعض كتب التفسير بما يعتبر عملا «
ببلغرافيا » محضا.
١ ـ فمن النوع
الأول ما قام به المستشرق الانكليزي ( ستوري ) المولود ١٨٨٨ م فقد وضع فهرسا حاصا
بأدب القرآن لمكتبة ديوان الهند في لندن في ٤٥٠ صفحة ، وطبع في كمبريدج عام ١٩٣٠
م.
وهناك بحث في هذا
المجال للمستشرق الألماني الأستاذ هلموت ريتر ، عن القرآن والحديث في مكتبات
استانبول نشره في مجلة الإسلام الألمانية ١٩٢٨ م.
٢ ـ ومن النوع
الثاني ما قام به الأستاذ براجشتريسر في وضع معجم
لقراء القرآن مع
تراجمهم ، وكان ذلك بحثا رقّي به صاحبه إلى درجة الاستاذية عام ١٩١٢ م.
ومن الجدير بالذكر
في هذا المجال ، أن نجد بريتسل قد صنف كتابا عن ( مراجع القرآن وعلومه ) ، ورسالة
في ( تأريخ علم قراءة القرآن ) ، والكتابان مرجعان في فهرسة مراجع القرآن وقراءاته
.
٣ ـ ومن النوع
الثالث ما حققه المستشرق الألماني هوسلاتير إذ وضع فهرسا لتفسير الطبري (
ستراسبورج ـ ١٩١٢ م ).
وترجم جوزيف شاخت
مقتطفات منه ، ليدن ١٩٣٠ م (٧٨) .
* * *
ج ـ التدوين :
وفي مجال التدوين
وحفظ النصوص نجد أن في مكتبة باريس الوطنية ١٦٥٤ قد تجمعت قطع من القرآن على الرق
من القرون الثاني والثالث والرابع للهجرة .
وبإشراف المجمع
العلمي البافاري في ميونيخ تم تدوين كل آية من القرآن الكريم في لوح خاص يحوي ،
متنوع الرسم في متعدد المصاحف مع بيان قراءاتها وتنوع تفاسيرها .
وهناك بحث عن هذا
الموضوع بعنوان ( صحائف القرآن ) للمستشرق الأمريكي : كورما رازومي ( ١٧٨٨ م ـ ١٩٤٧
م ) تراه في نشرة المتحف الفني في بوسطن ١٩٢٠.
وهناك جهد تدويني
من نوع خاص يدور حول فهرسة المخطوطات المتعلقة بالقرآن أو تفاسير أو علومه ، ويمثل
هذه الظاهرة اثنان من المستشرقين :
__________________
١ ـ فيراتشكو
فسكايا ، ( ولدت ١٨٨٤ م ) ، زوجة المستشرق الروسي كراتشكوفسكي ، فقد بحثت بأصالة
عن نوادر مخطوطات القرآن من القرن السادس عشر ، وقد كتب الأستاذ أمين الخولي عن
هذا الجهد في بحثه الذي مثل به الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر المستشرقين
الدولي الخامس والعشرين ، فقال : « قدمت السيدة كراتشكوفسكي بحثا عن نوادر مخطوطات
القرآن الكريم في القرن السادس عشر الميلادي ، وإني أشك في أن كثيرين من أئمة
المسلمين يعرفون شيئا عن هذه المخطوطات ، وأظن أن هذه مسألة لا يمكن التساهل في
تقديرها » .
٢ ـ الأستاذ كارل
بروكلمان ( ١٨٦٨ م ـ ١٩٥٦ م ) الذي لخص لنا في صورة إجمالية أسماء من ألف
بالقراءات ، مستعينا بما كتبه براجشتريسر في كتابه : ( تأريخ القرآن ) ، وما جاء
في الفهرس ، وما اطلع عليه هو شخصيا ، ثم تدرج تأريخيا بإعطاء جدول بأبرز المفسرين
ما بين القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن الرابع الهجري ، مبتدئا بابن عباس ( ت
: ٦٩ ه ـ ٧٠ ه ) ومنتهيا بتفسير القرآن ، لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم .
* * *
__________________
الفصل الخامس
الدراسات الموضوعية في القرآن الكريم
تميز طابع بعض
الدراسات القرآنية عند المستشرقين بصيغة البحث الموضوعي لبعض الجزئيات في القرآن
الكريم ، وهذا المنهج سليم للغاية ، ففي القرآن مئات الموضوعات المهمة ، والبحث
فيها جملة قد لا يعطي ثماره ، ولا يفي حق كل موضوع ، أما تجزئتها وسبرها وإحصاؤها
في عدة أبحاث متكافئة ، فمما ييسر للمتلقي فرصة الامعان الحثيث في كل جزء وحيثية
من هذه الموضوعات المتشعبة.
وقد سبق لنا أن
أكدنا على هذا الاتجاه في بعض الأبحاث التي ألقيناها على طلبتنا في الجامعة ،
وأوضحنا فيها أن هذا المنهج يعني أن يقوم جملة من المتخصصين على دراسة شذرات ونجوم
من القرآن كل حسب تخصصه ، فيجمع المتخصص مادة موضوع من مواضيع القرآن ، ويستقصيها
إحصاء لتكون هيكلا مترابطا يشكل وحدة موضوعية متكاملة واحدة ، ثم يقوم بتفسيرها
وبرمجتها بحسب منهجه .
وأوضحنا أن هذه
المهمة تتبلور قيمتها في بيان مواكبة القرآن للحياة ، وتتأكد في ممازجة الهدف
الديني في القرآن للهدف الاجتماعي ، وتبرز دور القرآن الكريم بإعطاء الحلول
الإنسانية المناسبة لمشكلات الجيل في الحياة .
ويبدو أن هذا
المنهج مما راق اتباعه لبعض المستشرقين فكتبوا في
__________________
ضوئه بعض الدراسات
المناسبة وتجنبوا كثيرا من الأبحاث العسيرة لا سيما المتعلق منها بأحكام القرآن
بعامة ، والأحوال الشخصية ، فابتعدوا عن آيات الأحكام في التشريع ، وعن الوصايا
والمواريث والعقود والحدود والديات ، وقاربوا الموضوعات التي يجدر بهم تناولها
سهولة ومرونة.
ولدى التدقيق في
هذا الجانب ، وإلقاء الضوء الكاشف عليه برزت هناك عشرات البحوث المتنوعة ،
والدراسات المختلفة عن
القرآن الكريم
لجمهرة من المستشرقين ، ويمكن تصنيف تلك الدراسات والبحوث إلى مجموعات على سبيل
المثال لا الحصر :
أ ـ العقائد والديانات :
ويشتمل هذا الجزء
من الموضوع على ما كتبه المستشرقون عن القرآن في عقائده ، أو التشريع في آياته ،
أو المقارنة بين ديانة وديانة من خلاله ، أو كشف العلاقات العامة بين شريعة وأخرى
في ضوء معطياته ، أو الإشارات إلى الديانات والعقائد السابقة في محتوياته.
١ ـ ومن السابقين
إلى هذا الموضوع المستشرق الهولندي فت ( ١٨١٤ م ـ ١٤٩٥ م ) ، فقد كتب خمس دراسات
عن : محمد والقرآن في مجلة الدليل الهولندية عام ١٨٤٥ م.
٢ ـ ثم وجدنا
المستشرق الفرنسي جوزيف هاليفي ( ١٨٣٧ م ـ ١٩١٧ م ) كتب موضوع ( السامريون في
القرآن ) ، المجلة الآسيوية ، ١٩٠٨ م.
٣ ـ ثم كتب
المستشرق الدانماركي : بدرسين ولد عام ١٨٨٣ م ، ( الدليل على اليوم الآخر في
القرآن ) ١٩١٢ م.
٤ ـ وبحث أدولف
جروهمان في الصحيفة الشرقية لفينا عام ١٩١٤ م موضوع : ( عيسى في القرآن ).
٥ ـ للأستاذ
بومشتارك المستشرق الألماني المولود عام ١٨٧١ بحثان في علاقة الإسلام بغيره من
الديانات هما :
أ ـ النصرانية
واليهودية في القرآن ، مجلة الإسلام ، ١٩٢٧ م.
ب ـ مذهب الطبيعة
الواحدة النصراني في القرآن ، مجلة الشرق
المسيحي ، ١٩٥٣ م .
٦ ـ وللمستشرق
الإيطالي جويدي ( ١٨٨٦ م ـ ١٩٤٦ م ) : ( شرح المعتزلة للقرآن ) ، روما ١٩٢٥ م.
٧ ـ وفي الكلاميات
قام الفونس منغنا ( ١٨٨١ م ـ ١٩٣٧ م ) بنشر أخبار المتوكل بخلق القرآن متنا وترجمة
انجليزية ، مانشستر ، ١٩٢٢ م ـ ١٩٢٣ م.
٨ ـ وذكر بروكلمان
ثلاثة مباحث تتعلق بذات الموضوع وهي :
أ ـ طابع الانجيل
في القرآن بقلم ولكر ١٩٣١ م.
ب ـ عناصر نصرانية
في القرآن بقلم اهرنس ( د. ت ).
ج ـ مجادلة
المشركين في القرآن ، آتنجهانسن ، ١٩٤٣ م .
٩ ـ وقد ألف يوزف
كورت ذولفرنك عام ١٩٣٤ م كتابه القيم : ( إشارات إلى صيغ تشريعية عربية قديمة في
القرآن ).
١٠ ـ وألف اليونوره
هونز عام ١٩٣٩ م : ( إشارات قرآنية إلى الثقافة المادية للعرب الأقدمين ).
١١ ـ وكتب ي.
ريخلين : ( الشرع في القرآن ) .
١٢ ـ وكتب
المستشرق الهولندي : فان جنيب : ( إبراهيم في القرآن ) ، مجلة العالم الإسلامي (
١٩١٢ م ).
١٣ ـ وكتب
المستشرق الانكليزي : ت. بوركهارت : ( التوراة والإنجيل والقرآن ).
١٤ ـ وبحث
المستشرق الهولندي أيتما ( ولد ـ ١٩١٠ م ) عن : ( القرآن ) ، ( ١٩٥٢ م ).
__________________
١٥ ـ بحث جوتين (
الصلاة في القرآن ) ، ( ١٩٥٥ م ).
١٦ ـ وأخيرا نجد
المستشرق الانجليزي ريتشارد بل ، وهو من رجال الدين قد صرف سنين كثيرة في دراسة
القرآن وتأريخه دراسة وافية متوالية وأوّل كتبه عنه أكد فيه العلاقات المسيحية
بالنبي .
ب ـ الفن القصصي في القرآن :
وهو يدور حول قصص
الأنبياء والأمم الغابرة ، والقرون الماضية ، وأسلوب القصة وعرضها ، وأهداف القصص
وثمارها ، وقد بدأ متأخرا بالنسبة لغيره من البحوث ، فالمستشرق الألماني هوروفيتش (
١٨٧٤ م ـ ١٩٣١ م ) تحتوي بحوثه القرآنية على طائفة كبيرة من الملاحظات والمعلومات
الصائبة ، والجزء الأول منها يعالج النصوص القصصية في القرآن ويقسم كلامه إلى :
عموميات وشكليات ، أساطير رادعة ، قصص الأنبياء والصالحين ، النبوة في القرآن ،
والجزء الثاني : الأسماء الاعلام في القرآن .
ويورد الأستاذ
بركلمان بعض العناوين البارزة لموضوعات كتبت في قصص القرآن ، وهي تأريخيا كما يلي :
١ ـ ( الهجادة في
قصص القرآن ) بقلم سجبار ، ليبزيج ١٩٠٧ م.
٢ ـ ( مصادر القصص
الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء ) بقلم : سايدر سكاي ، باريس ، ١٩٣٢ م.
٣ ـ ( القصص الكتابي
في القرآن ) بقلم : سباير ، جريفنا ينخن ، ١٩٣٩ م.
وبعد هذا نجد
المستشرق المجري بيرنات هيللر ، ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٤٣ م ) يتخصص تقريبا في جزء من قصص
القرآن ، فينشر بحثا في مجلة الفصول بعنوان :
__________________
أ ـ ( قصة أهل
الكهف ) عام ( ١٩٠٧ م ).
ب ـ ( عناصر
يهودية في مصطلحات القرآن الدينية ) ، ١٩٢٨ م.
ج ـ ( قصص القرآن
) ، عالم الإسلام ، ( ١٩٣٤ م ) .
* * *
ج ـ فقه اللغة العربية في
القرآن :
ويدور هذا الجزء
من البحث حول الاشتقاق وأصول الكلمات ، وبعض المصطلحات ، وجزء من المفردات ،
وإشارة إلى اللهجات في القرآن الكريم ، وأبرز ما لاحظناه ووصل إلينا إدراكه يمكن
أن يشار إليه على النحو التالي :
١ ـ كتب فرانكيل
الألماني ( ١٨٥٥ م ـ ١٩٠٩ م ) رسالته للدكتوراه بعنوان ( الكلمات الأجنبية في
القرآن ) ، ليدن (١٨٧٨) .
٢ ـ وكتب المستشرق
النمساوي كارل فولليرس ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٠٩ م ) موضوعا بعنوان : ( القرآن بلهجة مكة
الشعبية ).
٣ ـ وكتب المستشرق
الألماني كارل هنريخ بيكر ( ١٨٧٦ م ـ ١٩٣٣ م ) ، ( قواعد لغة القرآن في دراسات
نولدكه ) ، مجلة الإسلام ( ١٩١٠ م ).
٤ ـ وكتب الأستاذ
مرجليوث ( ١٨٥٨ م ـ ١٩٤٠ م ) موضوعا بعنوان ( نصوص القرآن ) مجلة العالم الإسلامي
، ( ١٩٢٥ م ).
٥ ـ وكتب يوزف
هوروفيتش ( ١٨٧٤ م ـ ١٩٣١ م ) مقالا بعنوان : ( الأسماء الأعلام اليهودية في
القرآن ـ مشتقاتها ) في عام ( ١٩٢٥ م ) ، وله أيضا : ( اشتقاق لفظ القرآن ) .
٦ ـ وفي روسيا قام
كاشتاليفا ( ١٨٩٧ م ـ ١٩٣٩ م ) بكتابة تقارير إلى
__________________
مجمع العلوم في
مصطلحات : أناب ، أسلم ، أطاع ، شهد وحنف في القرآن ، وله ( مصطلحات القرآن في ضوء
جديد ) ( ١٩٢٨ م ) .
٧ ـ وكتب المستشرق
الألماني كاله ، ( ولد : ١٨٧٥ م ) بحثا بعنوان : ( القرآن والعربية ) ، ذكرى جولد
سهير ، ( ١٩٤٨ م ).
* * *
د ـ بلاغة القرآن :
ويتناول هذا الجزء
من الموضوع بعض السمات البلاغية ، والمظاهر الاعجازية للقرآن الكريم ، وما يدور
حول هذا الفلك ، وأهم ذلك البحوث التالية :
١ ـ بيان القرآن
بقلم : ه. و. ستانتون ، ( ١٩١٩ م ).
٢ ـ سحر الآيات
القرآنية بقلم : كريستنس ، ( ١٩٢٠ م ).
٣ ـ الإعجاز في
القرآن بقلم : روبسون ، صحيفة جمعية جلاسجو ، ( ١٩٢٩ م / ١٩٣٣ ).
٤ ـ حول التشبيه
والتمثيل في القرآن ، بحثان مستقلان للأستاذ بول ، كوبنهاكن ، (١٩٢٣).
٥ ـ كسب واكتسب
ومعناهما المجازي في القرآن ، بونيشي ، مجلة الدراسات الشرقية ( ١٩٥٥ م ).
* * *
هـ ـ بحوث أخرى :
وهناك بحوث مختلفة
أخرى في الدراسات القرآنية تدور حول علاقته بالإنسان والكون والحياة والطب
والفلسفة ، وقد يتحدث بعضها عن أصول التفسير وعلوم القرآن ، ونشير هنا إلى أهمها :
__________________
كتب عن عموم
القرآن تحت لفظ « قرآن » كل من :
١ ـ ياكوب بارت (
١٨٥١ م ـ ١٩١٤ م ) في مجلة الإسلام ، ( ١٩١٥ م ـ ١٩١٦ م ).
٢ ـ فلهاوزن (
١٨٤٤ م ـ ١٩١٨ م ) في المجلة الشرقية الألمانية ( ١٩١٣ م ).
٣ ـ لاثور من
الآباء اليسوعيين ، دراسة عن القرآن ، الحضارة الكاثوليكية ( ١٩٤٥ م ).
٤ ـ كالة ، صحيفة
دراسات الشرق الأدبي ( ١٩٤٩ م ).
٥ ـ بوهل ( ١٨٥٠ م
ـ ١٩٣٢ م ) القرآن ، دراسات هربث ، ( ١٩٢٦ م ).
٦ ـ بالمر ، دراسة
عن القرآن ، نشرها نيكل ، صحيفة الجمعية الشرقية الأمريكية ، ( ١٩٣٦ م ) .
٧ ـ شبيتالير (
ولد : ١٩١٠ م ) القرآن ، مؤتمر المستشرقين ، ( ١٩٤٠ م ).
وعاد إلى الموضوع
نفسه ، في دراسات تشودي ، ( ١٩٥٤ م ).
وهناك بحوث متفرقة
عالجت مختلف القضايا القرآنية نشير إليها فيما يلي :
١ ـ كارلو نالينو
، ( منتخبات من القرآن ) ، ليبزيخ ( ١٨٩٣ م ).
٢ ـ هور سفيلد ، (
بحوث جديدة في نظم القرآن وتفسيره ) ، لندن ( ١٩٠٢ م ).
٣ ـ تاسدول ، (
المصادر الأصلية للقرآن ) ، لندن ( ١٩٠٥ م ).
٤ ـ أوبتز ، (
الطب في القرآن ) ، ( ١٩٠٦ م ).
__________________
٥ ـ فيشر ، (
تفسير القرآن ) ، الدراسات الشرقية لنولدكه ، ( ١٩٠٦ م ).
٦ ـ د. ستيل ، (
المئون في بعض أجزاء من القرآن ) ، مجلة الجمعية الآسيوية ، ( ١٩٢١ م ).
٧ ـ رتشارد
هارتمان ، ( تفسير القرآن ) ، الآداب الشرقية ، ( ١٩٢٤ م ).
٨ ـ ريتشارد بل ، (
المتشابه في القرآن ) ، الآداب الشرقية ، ( ١٩٢٤ م ).
٩ ـ فرانكل ، (
نشأة الإنسان كما في القرآن ) ، براغ ، (١٩٣٠) .
١٠ ـ كارلو نالينو
( نصوص ماراتشي من القرآن ) لنشاي ( ١٩٣٢ م ).
١١ ـ رفلين ، (
القانون في القرآن ) ، ( ١٩٢٧ م ـ ١٩٣٤ م ).
١٢ ـ جاك جومييه :
( نصيب القرآن من الحياة اليومية بمصر ) ، مجلّة معهد الآداب العربية في تونس عدد (
١٥ / ١٩٥٢ م ) وله أيضا ( الاتجاه الحديث لتفسير القرآن بمصر ) ، ( ١٩٥٤ م ).
١٣ ـ وبمعاونة
المستشرق باريس كتب المستشرق الفرنسي جان كانتينو ( ١٨٩٩ م ـ ١٩٥٦ م ) بحوثا في : (
تلاوة القرآن في دمشق والجزائر ) حوليات معهد الدراسات الشرقية ، باريس ( ١٩٤٢ م /
١٩٤٧ م ) .
١٤ ـ وكتب
المستشرق الفرنسي جريفو : دراسة آية من القرآن ، مجلة الشرف المسيحي ، ( ١٩١٤ م ).
١٥ ـ وكتب
المستشرق الفرنسي ، بلاشير ( المولود ١٩٠٠ م ) : ( نبذة عن النفس في القرآن ) ،
الساميات ( ١ / ١٩٤٨ م ).
١٦ ـ وكتبت
المستشرقة الإيطالية المعاصرة فرجينيا فاكا : ( آيات من القرآن ) ، فلورنسا (١٩٤٣).
__________________
١٧ ـ وللمستشرق
الأمريكي آرثر جفري عن نصوص القرآن الكريم وقراءاته ، دراسات غزيرة أهمها :
أ ـ القرآن ،
الصحيفة الأمريكية للغات والآداب السامية ، ( ١٩٢٤ م ).
ب ـ القرآن ، عالم
الإسلام ، ( ١٩٤٢ م ).
ج ـ القرآن ، مجلة
الشرق الحديث ( ١٩٣٢ م ).
د ـ القرآن ، مجلة
الشرق الأوسط ( ١٩٤٧ م ). وله المباحث التالية فيما يتعلق بالقراءات :
أ ـ نصوص من
القرآن ، عالم الإسلام ( ١٩٣٥ م ).
ب ـ أبو عبيدة
والقرآن ، عالم الإسلام (١٩٣٨).
ج ـ دراسة عن
مختصر شواذ القراءات لابن خالويه ، الدراسات الإسلامية ، ( ١٩٣٨ م ).
د ـ قراءة زيد بن
علي ، مجلة الدراسات الشرقية ( ١٩٣٧ / ١٩٤٠ م ).
هـ ـ ( الفاتحة )
عام ( ١٩٣٩ م ).
و ـ وبمعاونة من
لسون : طريقة كتابة القرآن في سمرقند ، الصحيفة الأمريكية الشرقية ، ( ١٩٤٢ م ).
هذه خلاصة عن أهم
ما وصل إلينا من الدراسات الموضوعية المتنوعة في القرآن للمستشرقين.
الفصل السادس
تقويم الجهود الاستشراقية في
الدراسات القرآنية
١ ـ طبيعة الفهم الاستشراقي
للقرآن :
لعله من المفيد
حقا أن يعقب عرضنا وتحليلنا لجمهرة من جهود المستشرقين في الدراسات القرآنية تقديم
ونقد منهجي لتلك الجهود بإلقاء الأضواء على أبرزها شيوعا وألمعها في الميدان
انتشارا ، ففي الوقت الذي نشاهد فيه الجهد الموضوعي ينصب على تأريخ القرآن نجده
متضائلا في بلاغة القرآن ، في حين نلمس المحاولات جادة إلى ترجمته لأغلب اللغات
الحية في العالم ، مضافا إلى تحقيق طائفة من أروع ما ألّف في علوم القرآن ومعانيه
وقراءاته والتفاسير ، وقد نلمس فهما مغلوطا لمضامين القرآن ، وتعصبا ظاهرا لا
يستند إلى برهان نصي أو تأريخي ، وقد نبهر بإنجازات يعسر توافرها بجهد شخصي ، وقد
نعجب بالتأكيد على جزئيات قد لا تهم المسلمين ، وقد تغفل موضوعات لها الأثر الكبير
في المجال العقائدي إلى جانب اهتمام في نشوء اللغة وفقه العربية وموافقة كتب
العهدين أو مخالفتهما.
إن الفهم الذي
عالج المستشرقون القضايا القرآنية يبتعد كثيرا عن الفهم الذي نعالجها به نحن ،
فالدراسات الببلوغرافية هدف مركزي لديهم ، وضبط الوقائع التأريخية مهمة جديرة
بالبحث ، واختلاف القراءات ظاهرة تستأهل العناية ، وكيفية الوحي قضية تثير الشكوك
أحيانا ، وكتابة القرآن وتدوينه مسألة علمية دقيقة.
أما نواحي الاعجاز
فهو مما يخص المسلمين ، وقضايا البلاغة شئون عربية قد لا يحسنها غير العربي الأصيل
، وجرس الألفاظ لا تعيها إلا أذن
بدوية ، والالتفات
من الفنون البديعية التي ترتبط بالبلاغة العربية ، والتفسير الجزئي أو الكلي أو
الموضوعي ، لا سبيل له في مفهوم المستشرقين ، لأن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع
للمسلمين لا للمستشرقين.
ومع هذا التفاوت
بين الفهم الاستشراقي للقرآن ، وواقع الفهم الإسلامي له ، تستوقفنا كثرة هذه
البحوث القيمة في الموضوع ، وتشعب مفرداتها بالشكل الذي يثير الدهشة في أغلب
الأحيان.
المستشرق يفهم من
القرآن أنه غير مجرى الحياة العامة والخاصة في الجزيرة العربية والعالم ، فما هي
أسباب ذلك وما هي مؤثراته ، هل هي القوة والسيف؟ الخلق والمحبة؟ الرسالة والتوجيه؟
أم ما ذا؟
العالم الفرنسي
غوستاف لوبون مثلا ـ أخرج في عام ١٨٨٤ م كتاب ( حضارة العرب ) فخصص الفصل الثاني
من الباب الثاني منه لدراسة القرآن الكريم ، وبعد أن أعطى خلاصة مركزة عن جمع
القرآن ، وقربه من التوراة والانجيل ، وقياسه بكتب الهند الدينية ، وتعرضه لخلق
الدنيا ، وصفة الجنة والنار ، ومسامحة اليهود والنصارى ، وفلسفة القرآن وأثرها في
انتشاره في العالم ، والتوحيد المطلق في القرآن ، ووضوح مذاهب القرآن ، وروح العدل
والاحسان في القرآن وسبب انتشاره السريع ، وتضامن الأمم الإسلامية بفضل القرآن ،
وخطأ المؤرخين في بيان أسباب انتشار القرآن عن طريق القوة .
نجده يصرح بأن
القرآن لم ينتشر بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها ، لأن الأديان لا تفرض بالقوة.
وفي قضية أخرى
مسلمة عند الباحثين العرب في نظم القرآن ، وجودة تركيبه ، وحسن تأليفه ، نراه
يرتكب خطأ فاحشا باعتباره القرآن قليل الارتباط ، خاليا من الترتيب ، فاقد السياق
كثيرا .
ويعود سبب هذا
الخطأ الفاحش بطبيعة الحال إلى جهله غير المتعمد
__________________
بكنه النظم
القرآني ، وارتباط الآية بما قبلها ، وما بعدها ، وانتهاء الموضوع للبدء في موضوع
آخر ، ومواكبة الغرض الفني للغرض الديني بلاغيا وتشريعيا ، ورقة الالتفات من
الغيبة إلى الحضور ، ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الإفراد إلى الجمع وبالعكس ، ومن
المضمر إلى المظهر ، مما لا يكاد يحسن فهمه الدقيق إلا العربي المحض ، أو من تمرس
بلغة العرب ذوقا ولسانا وإحاطة.
والأستاذ بول
يستغل نصا من النصوص القرآنية في إدانة اليهود بأنهم : (
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا
وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي
الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا
يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( النساء / ٤٦ )
ليبني حكما طائشا على إدراك خاطئ فيعتبر التحريف تغييرا مباشرا لصيغة مكتوبة في
القرآن .
وقد اشتمل تعصبه
الفاضح على ألفاظ تجريحية ألصقت بالرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم دون مسوغ لها على الإطلاق.
ويثير مسألة
الناسخ والمنسوخ وسيلة يتذرع بها خصوم النبي للقول بالتحريف.
ويحاول الدس
والافتراء لتشتيت شمل المسلمين من خلال هذا المنظور الهزيل الذي لا يوافقه عليه
حتى المستشرقون .
وتكاد أن تتفق
كلمة المستشرقين وعلماء الغرب المنصفين ممن لهم دراسات في هذا المجال ـ وهم لا
يؤمنون بكون القرآن منزلا من الله ـ على صحة نقل القرآن وانتهائه بنصه إلى النبي
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهناك بضع شهادات لكبار العلماء من المستشرقين تؤكد أن
القرآن هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظا من التحريف ، من بين كتب
الديانات جميعا ، وأنه لم يتطرق شك إلى أصالته ، وأن كل حرف نقرأ اليوم نستطيع أن
نثق بأنه
__________________
لم يقبل أي تغيير
من يوم نزوله .
وقد أورد الأستاذ
أبو الحسن الندوي جملة من نصوص المستشرقين في الموضوع .
وقد زيف الإمام
الخوئي دعاوى القول بالتحريف ، ودحضها جميعا ببراهين وأدلة رصينة لم يسبق إليها من
ذي قبل .
بينما نجد الأستاذ
نولدكه في تأريخ القرآن يخالف جملة وتفصيلا فكتابه هذا بالإضافة إلى ما سبق بيانه
في مبحث تأريخ القرآن ـ يفهم فيه من القرآن ما لا يفهمه السذج أو المتعصبون ، يفهم
منه أنه كتاب سماوي وتراثي بوقت واحد ويجب أن يبحث من وجوه شتى ، وقد اعتبره بحق
أبو عبد الله الزنجاني من أهم ما ألفه الافرنج في تأريخ القرآن من نواح شتى بما
يشهد بتضلّعه واطلاعه الواسع ، كما بحث عن حقيقة الوحي والنبوة ، وشخصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزول القرآن ، وتأريخ السور مكيّها ومدنيّها.
وقد سلك في كشف
تأريخ السور مسلكا قويما يهدي إلى الحق أحيانا ، فإنه جعل الحروب والغزوات الحادثة
في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلم تأريخها كحرب ( بدر ) و ( الخندق ) و ( صلح الحديبية
) وأشباهها من المدارك لفهم تأريخ ما نزل من القرآن فيها ، وجعل أيضا اختلاف لهجة
القرآن وأسلوبه الخطابي دليلا آخر لتأريخ آياته.
فيقول في الخطابات
الواردة في الآيات بلفظ ( يا أيّها الناس ) والشدة في الإنذار ، نزلت في أول
النبوة ، وقلة عدد المسلمين ، والخطابات بلفظ : ( يا أيّها الذين آمنوا ) ، وآيات
الرحمة نزلت بعد ازدياد عدد المسلمين والمؤمنين.
وهو يرتاب في بحثه
التحليلي في الروايات والأحاديث وأقوال المفسرين في تأريخ القرآن. وفي عين الحال
يأخذ من مجموعها ما يضيء
__________________
فكره ، ويرشده إلى
تأريخ السور والآيات ونظمها أحيانا .
ومن أروع ما حققه
الأستاذ نولدكه في كتابه ( تأريخ القرآن ) وأشار إليه استقصاؤه لتأريخ نزول القرآن
معتمدا على ما جاء بكتاب : أبي القاسم عمر ابن محمد بن عبد الكافي في الموضوع ( من
علماء القرن الخامس الهجري ) ، وذكر أن كتاب أبي القاسم موجود في مكتبة ٦٧٤ Lygd God) (Warn ثم تقسيمه ذلك إلى ما نزل من القرآن
على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكة وإلى ما نزل عليه في المدينة.
ونولدكه وان نقل
أغلب ذلك عن كتاب أبي القاسم إلاّ أنه حققه ونشره ودلنا بعد ذلك على نسخة الكتاب.
وقد أحسن أبو عبد
الله الزنجاني صنعا بنشر ما اعتمده نولدكه ، وما استخرجه هو بالاستعانة بكتابي «
نظم الدرر وتناسق الآيات والسور » لإبراهيم بن عمر البقاعي ، و « الفهرست » لابن
النديم ، وقد بوب ذلك في فهارس منسقة دقيقة استغرقت أكثر من عشر صفحات في كتابه .
وكان مما اجتهد
فيه نولدكه ترتيبه للقسم المكي من القرآن وحصره بخمس وثمانين سورة وترتيبه للقسم
المدني منه وحصره للمدني بثماني وعشرين سورة .
والغريب أن يكون
ما توصل إليه نولدكه بعد البحث والتمحيص والمقارنة قد جاء على لسان ابن عباس بما
حدث به ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال : نزلت بمكة خمس وثمانون سورة ونزلت
بالمدينة ثمان وعشرون سورة .
ولم يذكر نولدكه
الفاتحة لا في المكيّ ولا في المدنيّ ، ولعله متوقف فيها باعتبارها في نظرة مكيّة
، مدنيّة ، فتمت بذلك سور القرآن أربع عشرة ومائة سورة.
__________________
وهو يضع السورة
بموقعها التأريخي في النزول ، فيبدأ بسورة العلق باعتبارها أول ما نزل من القرآن
ثم سورة القلم وهي التي تليها في النزول وهكذا يتتبع السور تأريخيا حتى ينتهي بآخر
ما نزل بالمدينة المنورة.
ويبدو لي أن مباحث
نولدكه في تأريخ السور هي أنفس ما جاء في كتابه تأريخ القرآن.
وقد كان المستشرق
الانكليزي ( أدوارسل ) في كتابه ( التطور التأريخي للقرآن ) موضوعيا في بحث المكيّ
والمدنيّ وكتابة القرآن وتدوينه. واستفاد بما سبق إليه نولدكه. وقد وثق الأستاذ (
كارل بروكلمان ) المصحف العثماني ، وذهب إلى رأي قيم في القراءات بأن الكتابة فتحت
مجالا لبعض الاختلاف في القراءات ، فاشتغل القراء على هذا الأساس بتصحيح القراءات .
ولا شك أن ما كتبه
المستشرق الفرنسي الأستاذ ( بلاشير ) في تأريخ القرآن ، بنيته وتكوينه ، ورسالته
في مكة ورسالته في المدينة والواقعة القرآنية وعلوم القرآن يعتبر من أبرز الجهود
الاستشراقية بعد جهود نولدكه ، وقد أفاد منه كثيرا لا سيما في تقيده بالمرحلة الزمنية
لتأريخ نزول السور القرآنية.
وقد كانت الذائقة
العلمية رصينة قيمة عند ( بلاشير ) لا سيما اعترافه بحيرة غير العربي عند فهم
القرآن .
إن هذا الفهم
المتفاوت عند هؤلاء المستشرقين يعود إلى العنصر النفسي الأغلب في شخصية كل منهم.
فمن اتجه اتجاها موضوعيا كان ما قدمه موضوعيا ، ومن كان ذا هوى أو تعصب أو فرية
أشبع ذلك في بحوثه.
وناحية أخرى مهمة
في مفارقات الفهم الاستشراقي ، تنبعث من زاوية عقيدية. فالمستشرق قد لا ينظر النص
القرآني من كونه نصا حضاريا ، بينما
__________________
ينظره المسلم نصا
مقدسا ، ولا يمكن أن نتطلب من مستشرق أن يرى القرآن بعين المسلمين ، فلا نحمله
أكثر من مهمته الأكاديمية ، فقد يتهاون بعض المستشرقين بأقدس جانب من القرآن ولا
يراه تهاونا ، وقد يقصر في عرض وجهة نظر دقيقة ولا يجده تقصيرا ، وقد يطنب في نواح
لا تستدعي اهتماما جديا في نظرنا ، ومع ذلك رأينا البعض الآخر يعامل القرآن معاملة
تفوق معاملته للتوراة والانجيل وان كان يهوديا أو مسيحيا ، معتبرا القرآن من
المقدسات الإلهية الكبرى ، كما هي الحال عند المتورعين من المسلمين.
وفي هذا الضوء يجب
أن يكون الباحث منصفا في التقويم والجرح والتعديل ، ولا يتطلب من الحركة
الاستشراقية أكثر مما تدعيه هي لنفسها ، أو أمرن مما تسمح به لها الطقوس الدينية
المتداولة ، وهذا لا يعني أن نغض طرفا عن الأخطاء الطائلة إن وجدت ، أو النزاعات
المتطرفة ان كشفت ، ولا نتستر على النيات المشبوهة الأحكام ، ولا نقف موقف
المتسامح من القرار اللاموضوعي ، ولكن علينا أن لا نتمحّل فنتصور المستشرقين
أتقياء بررة ، فنحملهم أكثر من طاقاتهم المتعارفة ، ولا نتغطرس فنجعلهم مثالا
للأنانية ، فهم بشر ، والبشر فيه الصالح والطالح ، وهم ملتزمون بعقائد معينة ، قد
يصاحب التزامهم هوى ، وقد تفرض النفوس الموضوعية.
إن الفهم
الاستشراقي للقرآن قد يختلف أحيانا عن فهمنا له ، لأسباب متأصلة ، تمليها ظروف
نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، وقد تمليها نزعات عدائية حينا ، وتبشيرية حينا
آخر ، وهنا يكمن الخطر المتفاقم إذ قد يشذّ المستشرق في هذه الأحوال عن الصواب ،
وهنا يعامل النص العلمي بمنظور اليقظة والحيطة والحذر إذ قد يتجنى على العلم
والحق.
وقد يختلف أحيانا
عن فهمنا له ، لهموم علمية وأكاديمية تعتبر أجدى نفعا عندهم وأكثر تحصيلا مما هي
عندنا.
وقد يختلف أحيانا
عن فهمنا له لأنهم لا ينظرون إلى القرآن نظرة تقديس نظرتهم إلى التوراة والإنجيل ،
فيكون التقصير مفروضا من داخل النفس الاستشراقية.
وقد يختلف أحيانا
عن فهمنا له لأنهم يرون أن القرآن كتاب ثقافي حضاري يدرس من هذا الجانب ، ولا
يعالج منه ما له صلة بالوحي أو الغيب ، وإذا عولج هذا الجانب فقد يعالج معالجة من
لا إيمان له به ، ولا ركون إليه ، وهي قضية أخرى.
٢ ـ التوثيق من ينابيعه الأولى
:
لمسنا فيما سبق أن
الطابع العام لدى المستشرقين العلميين هو الدقة والضبط وهما يشكلان الركن الأساسي
في الجهد الاستشراقي ، وفي هذا الضوء وجدنا العناية فائقة بأصول القرآن تدوينا
وكتابة وفهرسة وتحقيقا ونشرا وترجمة وتعقيبا باعتبار ذلك جميعا من الينابيع الأولى
لتوثيق النص القرآني والمحافظة عليه من الضياع ، ولقد كانت مقررات المجمع العلمي
البافاري في ميونيخ بجمع المصادر الخاصة بالقرآن الكريم ، وضبط قراءاته المختلفة ،
وعهدته بذلك إلى الأستاذ ( براجشترايسر ١٨٨٦ م ـ ١٩٣٣ م ) ومن بعده إلى المستشرق
الألماني ( أوتو بريتزل ) أستاذ اللغة العربية في جامعة ميونخ .
فقد وجدنا بريتزل
متفتح الأفق ، جدي المبادرة ، عملي التنفيذ فكان أول ما بدأ به أن بعث بخطاب إلى
المجمع العلمي العربي في دمشق يقول في جملة منه تحقيقا للمشروع الذي عهد لسلفه : (
براجشتراسر ) : « ولقد نوينا تسهيلا لمحبي الاطلاع أن ندون كل آية من القرآن
الكريم في لوحة خاصة تحوي مختلف الرسم الذي وقفنا عليه في مختلف المصاحف مع بيان
القراءات المختلف الرسم الذي وقفنا عليه في مختلف المصاحف مع بيان القراءات
المتخلفة التي عثرنا عليها في المتون المتنوعة ؛ ومتبوعة بالتفاسير العديدة التي
ظهرت على مدى العصور وتوالي القرون .
وحينما انجلت
المهمة عن طبع العديد من الآثار القرآنية لعلماء العرب والمسلمين لم يكتف بريتزيل
عند هذا الحد بل أتحفنا برسالة فريدة « في تأريخ علم القرآن باللغة الألمانية وهي
تحتوي على أسماء المؤلفات
__________________
في علم القرآن
الموجودة في الآفاق ودور الكتب في العالم .
وغير غريب بعد هذا
أن نشاهد تحقيق : أسرار التأويل وأنوار التنزيل للبيضاوي ، والكشاف للزمخشري ،
والاتقان للسيوطي وكتاب المصاحف للسجستاني ، ومقدمتان في علوم القرآن على أيدي
مستشرقين آخرين ، وهي كتب مهمة في التفسير وعلوم القرآن ، نشدانا لتوثيق هذه
النصوص الثمينة.
وقد سبق أن سردنا
عشرات الكتب المحققة في موضوعها من البحث ولا حاجة إلى إعادة ذكرها.
ومع نفاسة هذه
النوعية من الجهود ، إلاّ أننا نقف معجبين بما أسداه المستشرق الألماني الأستاذ (
جوستاف فلوجل ١٨٠٢ م ـ ١٨٧٠ م ) حينما ألف أول معجم مفهرس للقرآن في اللغة العربية
، عني بألفاظ القرآن ومفرداته وأسماه : ( نجوم الفرقان في أطراف القرآن ) وطبع
لأول مرة في ليبزك ( ١٨٤٢ م ).
وهو عمل إحصائي
أبجدي دقي اعتمد عليه محمد فؤاد عبد الباقي في موضوع ( المعجم المفهرس لألفاظ
القرآن الكريم ).
وقد استفاد
المستشرق الألماني مالير ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٤٥ م ) من عمل فلوجل فألف في ضوئه ( دليل
القرآن ) وزاد عليه أن اشتمل على حروف الجر والعطف وأضرابها ، وطبع للمرة الثانية
في باريس ١٩٢٥ م.
وإن عجبنا بما
حققه فلوجل ومالير فهو ليس بأقل من عجبنا بما قام به المستشرق الفرنسي ( جول لا
بوم ) حينما وضع ( تفصيل آيات القرآن الكريم ) باللغة الفرنسية ، وذلك بترتيب
الآيات الخاصة بالموضوع الواحد في فصل واحد ، فصنف القرآن نجوما بحسب موضوعاته ثم
جمعها موضوعا فكان عمله هذا فريدا وإن لم يكن شاملا لموضوعات القرآن كافة ، أو لم
يستوعب آيات كل موضوع إلى جانبه ، بل ندّ عنه النزر حينا ، والكثير حينا آخر.
__________________
وفي هذا الاتجاه
نجد المستشرق الأمريكي : تشارلز تواري ( المولود ١٨٦٣ م ) ينشر بحثا قيما عن
مفردات القرآن في مجلة عالم الإسلام ، ( ١٩٣٩ م ) ، أفاد به كثيرا مما حققه الراغب
الأصبهاني ( ت ٥٠٢ ه ) في المفردات في غريب القرآن.
ولقد قام المستشرق
الانكليزي ستوري ( المولود ١٨٨٨ م ) بوضع فهرس إحصائي دقيق بأدب القرآن لمكتبة
ديوان الهند في لندن في ( ٤٥ صفحة ) وطبع في كمبردج ( عاد ١٩٣٠ م ).
أما بحث الأستاذ (
براجشتر ايسر ) الذي رقّي به إلى مرتبة الأستاذية ( عام ١٩١٢ م ) فقد كان عبارة عن
معجم إحصائي لقرّاء القرآن الكريم مع تراجمهم. وهو نوع من التوثيق والضبط قاربه
المستشرق الألماني ( هو سلايتر ) حينما وضع فهرسا لتفسير الطبري .
ولقد كانت العناية
بالتوثيق ، والدقة في رصد أبعاده متناهية حينما نشر المستشرق الأمريكي ( كورما
رازومي ١٨٧٧ م ـ ١٩٤٧ م ) موضوعا قيّما بعنوان ( صحائف القرآن ) ، تجده في نشرة
المتحف الفني في بوسطن ، ١٩٢٠ م. حقق فيه عدد صحائف القرآن الكريم .
وقد قدمت
المستشرقة الروسية ( فيراتشكو فسكايا ولدت ١٨٨٤ م ) بحثا أصيلا عن نوادر مخطوطات
القرآن في القرن السادس عشر الميلادي أثنى عليه كثيرا الأستاذ أمين الخولي في
مؤتمر المستشرقين الدولي الخامس والعشرين .
ولقد شاء
المستشرقون أن يفهموا النصوص القرآنية عن كثب ، فعمدوا إلى ترجمة القرآن الكريم
إلى اللغات العالمية الحية ، فكانت الترجمات اللاتينية والإيطالية والألمانية
والفرنسية والانكليزية والسويدية والهولندية والهندية وغيرها ، مشتملة على جهود
مضنية قاسى منها المستشرقون متاعب
__________________
جسيمة لا يطيقها
الكثير من الباحثين المسلمين ، إذ ليس أمرا يسيرا أن يتفرغ فرد أو جماعات لغتهم
الأم غير العربية إلى ترجمة نص عربي فريد ، يكمن في تعبيره الحس الاستعماري إلى
جنب البعد التشبيهي ، والتعبير المجازي بسوية الإرادة الحقيقية من القول ، هذا
مضافا إلى تداخل الأشباه والنظائر والمترادفات في الألفاظ ، ووجود التضاد
والاشتراك في المادة الواحدة. مما يعني تمرسا دقيقا في فنون القول ، وعناء شاقا في
اضطلاع اللغة والبيان ودلالة الألفاظ.
وقد كانت هذه
الجهود المتقدمة مجتمعة سبيلا إلى توثيق نصوص القرآن ومعاينتها بمنظور عصري متميز
من ينابيعها الأولى.
٣ ـ استقراء المجهول :
ولا شك أن هدفا
أساسيا يحدو بالمستشرقين إلى خوض عباب القرآن ، والغوص في أعماق كنوزه ، ألا وهو
استقراء المجهول ، واستكشاف الحقائق ، ولا يكون هذا الملحظ إلا علميا أصابوا الهدف
أم أخطئوه. وقد كان مضمار هذا الارتياد السبق إلى المعرفة ، بالتأكيد على الجزئيات
الأولية ، التي تمهد في الوصول للكليات الرئيسية ، فكان عملهم كالمقدمات الضرورية
التي تنتهي إلى نتائج ضرورية ، فيما يقدرون لا فيما نقدر ، إذ قد نوافقهم حينا
ونختلف معهم حينا آخر فيما قرروا من استنتاج.
ومهما يكن من أمر
، فقد سلكوا إلى تحقيق هذه الخطوة اتجاها عمليا أصيلا بالتأكيد على دراسة القرآن
موضوعا ، موضوعا ، ولم يتناولوا بطبيعة الحال كل موضوعات القرآن ، بل اكتفوا
بالبعض منها ، مما يسهل بحثه ، أو تتوافر مصادره ، أو يخلص إلى حصيلة مثمرة ،
والحق أن هذا الاتجاه يعني الاستقصاء والاستيعاب الشامل ، ويتطلب القيام بعملية
إحصائية في ذات الموضوع المراد بحثه. ومع أن الشك يخامرنا في قدرة جملة المستشرقين
على تحقيق هذا الغرض ، إلا أننا لمسنا مقدرة فائقة أحيانا عند الطبقة الممتازة
منهم ، ممن بدا على بحوثه سيماء الصبر والأناة والتحفز ، فالمشقة الدراسات
الاستقرائية تضني الباحثين ، وقد لا يحققون قدرا يعتد به من النجاح إلا بعد سنين
من التمحيص وعناء الاستنباط.
ولقد كان في إصدار
الأحكام مصاحبا لجمهرة من الباحثين بعض الأحيان ، والارتجال ديدنا للبعض الآخر
منهم ، وهذا نتيجة طبيعية لأمزجة المستشرقين المتأرجحة بين السطحية والموضوعية ،
ومع هذا فقد تجنبنا الاسفاف فيما قدمنا لهم من بحوث قد يكون البعض منها مرضيا
والآخر متهافتا ، ولا يعني هذا الغض من المنزلة العلمية من جهة ، أو إسدال الستار
على الأخطاء من جهة ثانية ، فكان كل على سبيله.
لقد لمسنا في
الفصل الخاص عن الدراسات الموضوعية التي بحثها المستشرقون جهدا لا ينتقض ، ومثابرة
لا تجحد ، ففي مجال العقائد والديانات وضعنا أيدينا على بحوث قيمة في التشريع
القرآني ، والمقارنة بين القرآن والكتب السماوية ، والعلاقات العامة بين الديانات
وكان أبرز من أكد على هذا الجانب المستشرق الهولندي ( فث ١٨١٤ م ـ ١٨٩٥ م ) إذ
واكب حديثه عن ذلك في خمسة بحوث تتعلق بالرسول الأعظم والقرآن الكريم ، وقد نشرها
تباعا في مجلة الدليل الهولندية.
وقد كشف المستشرق
الألماني الأستاذ ( بوشتارك ) عن العلاقة بين الإسلام واليهودية والنصرانية في
أبحاث قيمة .
وكان التأكيد على
علاقة الإسلام بالمسيحية مثار بحوث متعددة عند ولكر وآرنس وبوركهارت وريتشارد بل .
ومن الطّريف حقا
أن يرى ( يوزف كورت زولفرنك ) إشارات إلى صيغ تشريعية عربية قديمة في القرآن ، وأن
يكشف ( اليونوره هونز ) عن إشارات قرآنية إلى الثقافة المادية للعرب القدماء ، وأن
يتحدث ( فان جنيب ) عن إبراهيم عليهالسلام في القرآن حديثا أكاديميا راقيا .
وفي الحديث عن
الفن القصصي في القرآن المشتمل على بيان الأحوال والطقوس والمفارقات للأمم الماضية
، وأهداف القصص الديني
__________________
واختلافه عن القصص
الدنيوي أدركنا المستشرق الألماني ( هورفيتش ) يبدي كثيرا من الملاحظات الدقيقة
والمعلومات الصائبة في معالجة النصوص القصصية في القرآن الكريم ، ويكشف عن الجانب
التأريخي القصص الأنبياء والأولياء والصالحين وعلاقة ذلك كله بمبدإ النبوة في القرآن.
وغير غريب أن نلمس
الجانب الصوفي والمناخ الروحي في قصص الهجادة في القرآن ، ومصادر القصص الإسلامية
وقصص الأنبياء في القرآن ، وقصص أهل الكتاب ، وأهل الكهف في القرآن ، وعناصر هذه
القصص ورجالها وأدوارها .
ولقد كانت
الموضوعية أكثر شيوعا في الأبحاث اللغوية الأصلية ، وقد كشف الأستاذ ( فرانكيل )
في رسالته للدكتوراه ( الكلمات الأجنبية في القرآن ) عمقا جديدا في مراحل فقه
اللغة العربية ، وأثر القرآن الكريم في تطوير المفهوم اللغوي منذ مراحله الأولى ،
وقد جدد هذا الفهم الأستاذ ( كاله ) في بحثه القرآن والعربية ، و ( بيكر ) في
قواعد لغة القرآن في دراسات ( نولدكه ).
وكان لبلاغة
القرآن نصيبها المحدود في دراسات المستشرقين ومما ينوه به ما بحثه الأستاذ ( بول )
في التشبيه والتمثيل في القرآن ، ( ربسون ) في الإعجاز في القرآن ، و ( ستانتون )
في بيان القرآن ، و ( كريستنس ) في سحر الآيات القرآنية .
وفيما عدا هذه
الأبواب ، لاحظنا عن كثب جمهرة لا يستهان بها من الدراسات المتنوعة لعدة جوانب من
القرآن في كتابته ، وتدوينه ، وروايته ، وجمعه ، وفواصله ، ومصادره ، ومنتخباته ،
وتفسيره ، ومتشابهه ، وقوانينه ، وتلاوته ، وقراءاته ، ولهجاته ، ... إلخ.
ان نقد هذه
الدراسات وتقويمها ، يحتاج إلى توافر على مصادرها ومراجعها ، وهي بلغات متعددة ،
ولا يتيسر أغلبها إلا في جامعات الغرب
__________________
ومكتباته ، وما
أفدنا منه كان نتيجة إمعان في بعضها ، وقراءة عن البعض الآخر ، ورواية لا ندري
نصيبها من الصحة ، إلا أننا على العموم نكاد نقطع أن هذه الدراسات والقيم منها
بخاصة قد شارك مشاركة فاعلة في إرساء صرح الحضارة القرآنية ، وأبان عن خباياها
الثمينة ، وكشف عن وجهها الناصع.
لقد لمسنا فيما
مضى دقّة ومرونة ، دقّة في الاستقراء ، ومرونة في الاستنباط والذي يعنينا بيانه :
هو الجدية في العمل عند هؤلاء المستشرقين ، والمثابرة والصبر على البحث الصادق ،
مما يدعونا إلى القول بعظيم ما حققوه من إنجاز ، وكبير ما قدّموه من عطاء.
الفصل السابع الأبعاد
الفنية لترجمة القرآن
ومشكلاتها البلاغية عند المستشرقين
ترجمة القرآن الكريم
أبعادها الفنية ومشكلاتها
البلاغية
هذا بحث يتكفل
بطرح قضيتين من قضايا ترجمة القرآن الكريم هما :
الأبعاد الفنية
والمشكلات البلاغية.
وتتناول دراستنا
للقضية الأولى شذرات من الأبعاد الفنية للترجمة القرآنية تدور حول أقسام الترجمة
وأجزائها ، وتشير إلى الضروري من آدابها وشروطها ، وتلخص بإيجاز أهميتها وقيمتها
الفنية.
وتتألف القضية
الثانية من مجموعة المشكلات البلاغية التي تعترض سبيل الترجمة القرآنية في اللفظ
والمعنى والنظم القرآني ، حاولنا بتواضع الكشف عن مواطنها ، والتعقيب على مصاعبها
، وانتهينا إلى استحالة الترجمة الدقيقة للقرآن ، ورجحنا أن يكون ما تواضعوا عليه
باسم ترجمة القرآن أو ترجمة معاني القرآن ، ينبغي أن يسمى ترجمة مفاهيم القرآن ،
دون الخوض في مشكلة الألفاظ ودلالالتها ، أو استقصاء المعاني في إرادتها ، أو
استيعاب النظم وسلامة البناء ، فكانت الحصيلة تقويما لظاهرة الترجمة القرآنية ،
وتحقيقا لما ينبغي أن تكون عليه في ضوء تعاليم القرآن العامة ، استثناء من
التّقيّد بالحرفية في النص أو الشمولية في المعنى أو الصورة في النظم ، مما يعني
رفض المحاولات الساذجة في التسمية غير الدقيقة ، أو التطبيق اللافني ، لأن القرآن
متعبد بتلاوته في لغته نصا ، مما يؤكد خروج أية ترجمة من الحد الأدنى للقرآنية ،
ولأن القرآن معجز بألفاظه ومعانيه ،
ولا تصح صيغة
الإعجاز إلا بوجه من عربيته ، فإذا انتفت عربيته انتفى إعجازه ، ولم يعد قرآنا في
شتى صنوف الترجمات. نعم تبقى مفاهيمه قابلة للترجمة ، وأحكامه متسعة للنقل ، وفاء
بعالمية القرآن وإنسانيته ، فالقرآن وإن كان عربي النص إلا أنه عالمي الدلالة ،
وهو وإن كان إنساني الرسالة إلا أنه عربي العبارة وللتوفيق بين هاتين النظرتين
الشموليتين ، كانت ترجمة مفاهيمه كافية لتحقيق الغرض الفني ، وإذا التقى الغرض
الديني بالغرض الفني في نص من النصوص بلغ الذروة في الهدف ، وقد كان القرآن كذلك.
وأزاء عرض هاتين
القضيتين لا بد من الإحاطة ولو جزئيا بمدلول الترجمة والترجمة القرآنية في صدر
البحث تمهيدا للدخول في صلب الموضوع.
مدلول الترجمة :
للترجمة دلالتان ،
تعنى الأولى بأصل الوضع اللغوي ، وتعنى الثانية بطبيعة المصطلح الفني لها.
ففي اللغة :
الترجمة بزنة فعللة ، بيان لغة بلغة أخرى ، واللغة التي تبين لغة أخرى ، وقد ترجم كلامه
إذا فسره بلسان آخر ، والترجمان هو المفسر للسان ، وقد ترجمه وعنه إذا فسره بلسان
آخر .
وتفسير الكلام
بلسان آخر أو بلغة أخرى ، يخرج « علم التفسير » لغة واصطلاحا عن مدلول الترجمة ،
إذ للتفسير بيان بلغة الأصل ، وهو يعنى بالكشف والبيان والإيضاح لغة ، ويبحث فيه
عن القرآن الكريم في دلالته على مراد الله تعالى اصطلاحا . وأما الترجمة فهي بيان بلغة غير الأصل ، وبذلك يزال اللبس بين المصطلحين ،
وتبدو استقلالية كل منهما عند الاطلاق.
وأما الترجمة في
دلالتها الاصطلاحية ، فهي عبارة عن النقل من لغة
__________________
إلى لغة أخرى نقلا
حرفيا مع التزام الصورة اللفظية للكلمة أو ترتيب العبارة .
ويبدو أن المعنى
الاصطلاحي للترجمة منحدر من الأصل اللغوي في حدود النقل من لغة إلى أخرى ، إلا أن
المدلول اللغوي أوسع منه إذ لا تقييد فيه بالنقل الحرفي أو الصورة اللفظية ، بل هو
تيسير ما يفي بمعنى العبارة ، وتفسير النص.
وفي هذا الضوء
نميل إلى أن الترجمة في الاصطلاح : هي نقل الكلام من لغته الأصلية إلى لغة أجنبية
مع الحفاظ على المعاني والخصائص والإشارات للغة الأولى في اللغة الثانية ، نصيا أو
تعبيريا ، بحيث يؤدى المعنى المراد بمميزاته في اللغة الأم.
وبناء على هذا
التأسيس فترجمة القرآن تعني : نقل القرآن الكريم من لغته العربية إلى لغة أجنبية
مع الوفاء بجميع الدلالات والمعاني والخصائص الفنية للغة العربية حين النقل نصا أو
تعبيرا ، بحيث يؤدى المعنى المراد متكاملا بمميزاته الأصلية في لغته الأولى.
وسنرى أن هذا
النقل متعذر بخصوصياته بالنسبة للقرآن الكريم ، بحيث تعود معه الترجمة مستحيلة ،
عند عرض المشكلات البلاغية للترجمة القرآنية ، بيد أنّا في المستوى التطبيقي قد
وجدنا مئات الترجمات للقرآن الكريم ، تختلف في مدى صلاحيتها شدة وضعفا ، ولكل
ترجمة طريقتها الخاصة في الأسلوب والبيان أما أنه يصح إطلاق مصطلح الترجمة عليها
أو لا يصح ، فهذا ما سنكشف عنه فيما بعد ..
« ثم أن لوحظ في
الترجمة ترتيب ألفاظ القرآن فتلك ترجمة القرآن الحرفية ... وان لم يلاحظ فيها هذا
الترتيب فتلك ترجمة القرآن التفسيرية أو المعنوية » وهذا ما يدعونا إلى تفصيل القول في قسيمي الترجمة
__________________
القرآنية من خلال
استقراء الأبعاد الفنية للترجمة القرآنية.
الأبعاد الفنية :
ترجمة القرآن
الكريم على قسمين هما : ترجمة الألفاظ وترجمة المعاني.
أما ترجمة الألفاظ
فهي تعنى بوضع لفظ بلغة ما ، مكان لفظ من القرآن ، بغض النظر عن المعاني الأخرى في
اللفظ القرآني مما يحتمله في وجوهه المتعددة ، ولكنها تأتي بأقرب المعاني إليه مما
يرادفه ويماثله تقريبا أو تحقيقا ، وقد تسمى بالترجمة الحرفية ، وهي التي تحاكي
الأصل المترجم في الدلالة ، ويؤخذ عليها في المجال القرآني أنها لا تكون دقيقة عادة
، إذ أن ألفاظ القرآن الكريم يغلب على القسم الأوفر منها : المجاز والاستعارة
والكناية والتشبيه والتمثيل. وصنوف الاستعمالات البلاغية الأخرى ، منفردة بذاتها
أو منضمة إلى مثيلاتها مما لا تتوافر عليه لغة من اللغات الحية في العالم ، مضافا
إلى توارد المترادف والمشترك والمتضاد في جملة من تلك الألفاظ ، مما يعني الفرز
المضني لتحقيق المراد من اللفظ ، وهذا مما لا يتأتى بعمومه لأغلب المستعربين
والمستشرقين ممن تعاقدوا على دراسة اللغة العربية ، إذ قد يجهلون ـ مع علمهم ـ طائفة
من خصائصها الفنية ، وقد لا يدركون شتى مميزاتها البلاغية ، وفي هذا المناخ قد لا
تؤدي الترجمة دورها في إعطاء المعنى أو إيضاح المراد ، لأنها قد تخرج ـ والحالة
هذه ـ عن الأصل المترجم خروجا فاضحا يفقد معه قيمته وأهميته.
وفي هذا الضوء يرى
بعض الباحثين أن ترجمة القرآن : إما أن تكون ترجمة بالمثل ، وإما أن تكون ترجمة
بغير المثل. أما الترجمة بالمثل : فمعناها أن يترجم نظم القرآن بلغة أخرى تحاكيه
حذوا بحذو بحيث تحل مفردات الترجمة محل مفرداته ، وأسلوبها محل أسلوبه حتى تتحمل
الترجمة ما تحمله نظم الأصل من المعاني المقيدة بكيفياتها البلاغية وأحكامها
التشريعية ، وهذا أمر غير ممكن بالنسبة لكتاب الله العزيز.
وأما الترجمة بغير
المثل فمعناها أن يترجم نظم القرآن حذوا بحذو بقدر طاقة المترجم وما تسعه لغته ،
وهذا أمر ممكن ، وهو إن جاز في كلام
البشر ، لا يجوز
بالنسبة لكتاب الله العزيز ، لأن فيه من فاعله إهدارا لنظم القرآن ، وإخلالا
بمعناه .
ومن الطبيعي أننا
لم نجد مدعيا قد تفوه بترجمة القرآن حرفيا ، وتوخيه نصّيّا لتراكم العقبات في
طريقه ، ولاستحالة الإحاطة بالترجمة فعليا ، لذلك يحكم بعض الباحثين أنه « من
المستحيل تأدية المعاني المستوحاة من كلمات القرآن الموجزة في الترجمة اللفظية » وذلك مما لا ريب معه ، إذ لو تحقق ، لكنا قد عمدنا إلى خصائص اللغة القرآنية
ومسخنا أصلها إلى صورة أخرى ، تتلاشى معها مميزات القرآن في البلاغة والفن القولي
، ولكانت قضية الإعجاز الثابتة فيه مسألة ثانوية ، وهذا مما لا يتفق مع النهج
الموضوعي.
يقول ابن الخطيب :
« من المعلوم أن الترجمة الحرفية غير ممكنة وغير ميسورة ، وكذلك الترجمة اللفظية.
وذلك لاختلاف الاصطلاحات ، وتشابه مدلول الألفاظ في شتى اللغات. فلم يبق أمامنا
سوى ترجمة معاني القرآن ، وهي نفسها تسمى « ترجمة القرآن » لأن المراد من كل مقروء
هو معانيه ومراميه. ولأن الألفاظ ان هي إلا ظرف للمعاني ... ولم يرسل الله تعالى
لنا القرآن ، إلا لنفهم ما فيه من المعاني ، ونعمل بما جاء به من الأحكام فإذا
ترجمت تلك المعاني وهذه الأحكام كانت ولا شك ترجمة صحيحة للقرآن وما جاء به القرآن
، وما أراده منزل القرآن ومن بلغته هذه الترجمة فقد وصلت إليه رسالة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصبح في عداد المنذرين » .
وهذه دعوة صريحة
إلى ترجمة معاني القرآن دون ألفاظه ، وهو دون شك يقصد إلى المفاهيم لا المعاني
المكثفة.
وأما ترجمة
المعاني : فهي عبارة عن تفسير موجز للقرآن الكريم بسبيل إعطاء معانيه في لغة ما
بحيث يحافظ فيه على أصل المعنى ، ويعتمد فيها على مدى ثقافة المترجم ، وسعة
استيعابه واستقصائه ، فهي تعنى
__________________
بمدلول الآيات
القرآنية دون النظر بموافقة أصل الألفاظ حرفيا للمعنى المراد ، بل العكس هو الصحيح
، وهو تقريب المعاني العامة للمدلول القرآني دون الاعتماد على اللفظ المعين الوارد
في القرآن الكريم ، وبذلك تكون الترجمة في هذا اللحاظ أقرب إلى الواقع العملي.
لهذا نرى المحترزين من المستشرقين قد أدركوا هذه الحقيقة ومالوا إليها فالأستاذ :
ج أربري رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة كمبردج ، حينما ترجم القرآن
اسمى ترجمته : القرآن مفسرا ، أو القرآن المعبر عنه : وصورة عنوان ترجمته هكذا : The Koran Interted وقد نظر في ذلك إلى هذه الحقيقة.
ويبدو أن أغلب
ترجمات المستشرقين للقرآن هي ترجمات للمعاني في أحسن الأحوال ، إذ من الصعوبة فنيا
وبلاغيا الترجمة الحرفية ، التي يستحيل أداؤها تطبيقيا ، لأنها تحتاج ـ على فرض
إمكانها ـ إلى باع متمرس بمجازات القرآن وإيجازاته ، مما يحرجهم ويضيق عليهم أفاق
الترجمة ، والأمر أشد من ذلك إذ تصاحبهم استحالة الترجمة النصية للقرآن بالنظر
لإعجازه ، واستحالته هنا عقلية ضرورية من خلال وجهة نظر المسلمين أجمع ، وبملاحظة
بلاغته في المفردات والجمل والتركيب والآيات ـ فضلا عن النظم والأسلوب والسياق ـ فالاستحالة
عملية لأنها غير ممكنة صناعة ، بما سنلمسه عند بحث المشكلات البلاغية فيما بعد.
وتسمى ترجمة
المعاني عند الذهبي بالترجمة التفسيرية للقرآن ، لأنها عبارة عن شرح الكلام ،
وبيان معناه بلغة أخرى بدون محافظة على نظم الأصل وترتيبه .
ويميل بعض
الباحثين إلى تسمية هذه الترجمة باسم : ترجمة تفسير القرآن ، أو تفسير القرآن بلغة
كذا ، ولا يجوز أن تسمى ترجمة معاني القرآن ، لأن الترجمة لا تضاف إلا إلى الألفاظ
ولأن هذه التسمية توهم أنها ترجمة للقرآن نفسه. وهو وجه لا يخلو من دقة وضبط حدود .
__________________
ومن خلال
استقرائنا للترجمات القرآنية بهذا المنظور لدى المستشرقين وجدناها على نوعين هما :
الترجمة الكلية والترجمة الجزئية.
أما الترجمة
الكلية ، فهي التي تشمل القرآن عموما ابتداء من سورة الفاتحة وانتهاء بسورة الناس
، أو بحسب ترتيب النزول عند البعض ولكنها تستقطب جميع مفردات القرآن.
وأما الترجمة
الجزئية فهي التي تعتمد على مختارات مترجمة من القرآن ، بحسب الموضوعات أو السور
أو الأجزاء .
ولا تترك أية ترجمة
للقرآن ـ أنى كانت طريقتها ـ على عواهنها ، ولا بدلها من شروط احترازية تساعد على
الاطمئنان إليها ، والاعتماد عليها.
وهذه الشروط منها
ما يعود على المترجم ومنها ما يعود على الترجمة. أما المترجم ، فمن البديهي أن
يكون متمرسا في اللغتين لغة النص ولغة الترجمة. ليؤدي مهمته من خلال معرفة علمية ،
وذائقة فنية ، تنظر في اللفظ ودلالته ، والأسلوب وسلامته ، والتركيب وتناسقه مضافا
إلى توافر الهدف العلمي النابع من أصالة موضوعية ، لا تميل إلى هوى ، ولا تجنح إلى
عاطفة ، فإذا استقام هذان الجانبان جاءت الترجمة سليمة الأبعاد.
يقول بعض الدارسين
« إن الترجمة الفنية لكي تكون عملا ناجحا مثمرا ، ونشاطا ثقافيا مجديا ، لا بد لها
من مترجم له الصلاحية التامة من الناحية اللغوية والفنية. والتكوين اللغوي يتنوع
بتنوع اللغات ، والتكوين الفني يتنوع بتنوع المادة العلمية أو الأدبية التي تتناولها
الكتب أو تعالجها المقالات والبحوث » .
وأما الترجمة ،
فمن الضروري أن يشار إليها في مصادرها الأولى بحيث تعتبر مستمدة من أصل القرآن ،
ومقررة في شرائع الإسلام. بالإضافة إلى فصلها عن النص القرآني ليكون كل على شاكلته
أصلا قائما بذاته ، وفرعا متعقبا لذلك الأصل.
__________________
وكاختبار لسلامة
الترجمة القرآنية وجودة أدائها ، هو رد الترجمة إلى أصلها العربي ، فكلما كانت
الإعادة متقاربة مع الأصل كانت الترجمة أقرب إلى الدقة ، وكلما اختلف النص المعاد
، كانت الترجمة أبعد عن الضبط وفي ضوء هذا المنظور يتوافر الحكم على الترجمة ومدى
صلاحيتها.
وقد أفاض بعض
الباحثين في هذه الآداب والاعتبارات يرجع إليها في طلب التفصيل وزيادة الإيضاح .
ان الترجمة حركة
إنسانية عالمية ، تعنى بنقل الفنون والآداب بين الأمم ، لا تحدها حدود ولا تمنعها
قيود ، سعيا وراء المعرفة واستقراء المجهول ، فالعلوم والمعارف جميعا لا تعرف وطنا
تستقر فيه ولا تؤمن بالقيود الإقليمية التي يفرضها علم الاجتماع على الحياة ...
فهي تنتقل من ذهن إلى ذهن غير غائبة بعقبة اللغة ، وتتداعى لها العقول أيا كانت
المذاهب والعقائد التي يدين بها أهل العلم والمعرفة ، فالعلم إنساني عام والمعرفة
شاملة.
وهذا الطابع
الإنساني البشري الشامل الذي يميز العلم والمعارف قد اقتضى أن يكون بين اللسان
واللسان تفاهم وتجاوب : ... وهذا ما حمل المترجمين عبئا ثقيلا ، لأنه طالبهم بأن
ينقلوا إلى لغة العالم الحية كل خطوة من خطى العلم مهما ضؤل شأنها ، وكل كشف يهتدي
إليه عالم ولو كان لسانه لهجة دارجة من مئاب اللهجات الصينية ، وكل ظاهرة طبيعية
يرصدها راصد ولو كان أبكم اللسان .
والقرآن الكريم ذو
طابع إنساني عام ، وهو وان كان عربي العبارة إلا أنه عالمي الرسالة ولا بد
للإنسانية أن تتفاعل معه ، وللعالم أن يتداعى إليه ، ولا سبيل إلى ذلك ، إلا بنشر
معالم هذا الكتاب ، ولا طريق إلى نشره إلا الترجمة في إطارها الموضوعي ، لأنها تطل
على العالم بنوع من أنواع الثقافة العليا لتخترق بها حواجز البيئات التي حجبت
معارفها بأسوار
__________________
الأنانية. قال ابن
الخطيب : « إن الواجب على العلماء وعلى سائر الناطقين بالضاد أن يبادروا إلى تبليغ
القرآن للأمم التي لم يصلها نوره ، ولم ترتق بتعاليمه ، لتتم بذلك رسالة رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أنه أرسل إلى الخلق كافة ، ولم يرسل إلى العرب خاصة ،
ولما كان هذا التبليغ لا يتم إلا بترجمة هذا « النور » إلى الأقوام المراد هدايتهم
وجب على الأمة الإسلامية عامة ، وعلمائها خاصة القيام بمهمة ترجمة القرآن إلى سائر
اللغات الذائعة الشائعة » .
وقد يرد على هذا
أن القرآن إذا كان كذلك فهلا نزل بلغات متعددة لتبلّغ به كل أمة بلغتها ، أما وقد
نزل بالعربية فهو حجة للعرب دون سواهم ، وقد تكفّل الزمخشري ( ت : ٥٣٨ ه ) بالرد
على هذا الافتراض فقال : « فإن قلت : لم يبعث رسول الله إلى العرب وحدهم وإنما بعث
إلى الناس جميعا ، بل إلى الثقلين وهم ألسنة مختلفة ، فإن لم تكن للعرب حجة
فلغيرهم الحجة وإن لم تكن لغيرهم حجة ، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا
قلت : لا يخلو أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها ، فلا حاجة إلى نزوله بجميع
الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل ، فبقي أن ينزل بلسان واحد ، فكان
أولى الألسنة لسان قوم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنهم أقرب إليه ، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم
وانتشر ، قامت التراجم ببيانه وتفهمه .. ولأنه لو أنزل بألسنة الثقلين كلها مع
اختلافها وكثرتها وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها وكلم الرسول العربي كل
أمة بلسانها كما كلم أمته التي هو منها ، يتلوه عليهم معجزا ، لكان ذلك أمرا قريبا
من الالجاء » .
وقد تناول ابن حجر
العسقلاني ( ت : ٨٥٢ ه ) مجابهة هذه الشبهة ، وأحال حلها إلى الترجمة فقال :
« إن الوحي متلوا
وغير متلو ، إنما نزل بلغة العرب ، ولا يرد على هذا كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بعث إلى الناس كافة ، عربا وعجما وغيرهم ، لأن اللسان الذي
__________________
نزل به الوحي عربي
، وهو يبلغه إلى طوائف العرب ، وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم » .
ومن هنا تبدو أهمية
الترجمة القرآنية لأنها مستمدة من أهمية القرآن نفسه ، فالقرآن كتاب هداية وتشريع
يتسم بصيغته الشمولية ، فهو يتخطى المناخ الجغرافي والتاريخي والإقليمي بحياة
الإنسانية ، ليلقي بتعاليمه إلى الناس كافة ، وينفذ برنامجه في هداية البشر وتشريع
الأحكام وكلما ضقنا بحدود ترجمة مفاهيمه ذرعا ، وحاولنا الوقوف بمسيرتها ، كلما
قمنا بتحديد مهمة القرآن في رسالته ، وقيدنا وظيفته دون مسوغ.
قال الخوئي : لقد
بعث الله نبيه لهداية الناس معزّزة بالقرآن ، وفيه كل ما يسعدهم ويرقى بهم إلى
مراتب الكمال ، وهذا لطف من الله لا يختص بقوم دون قوم بل يعم البشر عامة. وقد
شاءت حكمته البالغة أن ينزل قرآنه العظيم على نبيه بلسان قومه ، مع أن تعاليمه
عامة وهدايته شاملة ولذلك فمن الواجب أن يفهم القرآن كل أحد ليهتدي به.
ولا شك أن ترجمته
مما يعين على ذلك ، ولكنه لا بد وأن تتوفر في الترجمة براعة وإحاطة كاملة باللغة
التي ينقل منها القرآن إلى غيرها لأن الترجمة مهما كانت متقنة لا تفي بمزايا
البلاغة التي امتاز بها القرآن بل ويجري ذلك في كل كلام ، إذ لا يؤمن أن تنتهي
الترجمة إلى عكس ما يريد الأصل.
ولا بد ـ إذن ـ في
ترجمة القرآن من فهمه ، وينحصر فهمه في أمور ثلاثة :
١ ـ الظهور اللفظي
الذي تفهمه العرب الفصحاء.
٢ ـ حكم العقل
الفطري السّليم.
٣ ـ ما جاء من
المعصوم في تفسيره.
وعلى هذا تتطلب
إحاطة المترجم بكل ذلك لينقل منها معنى القرآن
__________________
إلى لغة أخرى ،
وإذا روي في الترجمة كل ذلك فمن الراجح أن تنقل حقائق القرآن ومفاهيمه إلى كل قوم
بلغتهم ، لأنها نزلت للناس كافة ولا ينبغي أن تحجب ذلك عنهم لغة القرآن ما دامت
تعاليمه وحقائقه لهم جميعا .
والخوئي بهذا يؤكد
بدقة على نقل مفاهيم القرآن وحقائقه ، دون ألفاظه وتراكيبه ، لأن الترجمة ستصطدم
بالمشكلات البلاغية.
وقد تعاقبت على
القرآن الكريم ـ على المستوى التطبيقي ـ ترجمات متعددة بلغات متعددة ، بلغت
العشرات ، منذ عام ١١٤١ م إلى عصرنا الحاضر ، وهي تختلف باختلاف ثقافة المترجم ،
ودقة تحريه للأنسب وقد حاولت في أغلبها أن تقرب أصول المعاني وجملة المفاهيم إلى
الأذهان ، وليس من اليسير أن ينبري أفراد أو جماعات ، لغتهم الأصلية غير اللغة
العربية ، لترجمة أعظم نص عربي ، اتسم ببلاغته الفائقة ، وأقدس كتاب عند المسلمين
رأوا إعجازه في نظمه وتأليفه ، وسحره في أسلوبه وجودة تعبيره. لذا فالترجمة للقرآن
تعني تمرس المترجم بكثير من فنون البيان وطائفة من أساليب القول ، واضطلاع في
اللغة والبلاغة وكفاية في دلالة المفردات .
وقد بلغت الترجمات
الانجليزية ـ التي ستكون مجالا للتطبيق والاستشهاد فيما بعد ـ حدا جديرا بالتأمل
والاعتداد ، ورقما يدعو إلى البحث والمدارسة ، إذ تجاوزت ثلاثا وستين ترجمة حتى
عام ١٩٧٢ م كما يحدد ذلك بعض الباحثين .
وأهمية هذه
الترجمات تنطلق من مبدأ يقول : ان الترجمات المتعددة للأثر الواحد في اللغة
الواحدة ، هي في الحق نوافذ كثيرة مفتوحة على المعاني التي يتضمنها الأصل المترجم
، وكلما كثرت هذه النوافذ كان الاستمتاع بالأصل أكثر ، وبلوغ الفهم إليه أقرب .
__________________
ولقد كانت
الترجمات المتعددة للقرآن الكريم في لغات متعددة مجالا لدراسات خاصة استوفينا
البحث عنها في عمل مستقل .
ولا حاجة بنا هنا
إلى تسليط الأضواء عليها ، والخوض في جواز الترجمة أو عدمه ، وسرد آراء الفقهاء في
ملابساتها ، بقدر ما يهمنا الخوض في القضية الثانية لصميم الموضوع المتعلقة
بالمشكلات البلاغية التي تعاني منها هذه الترجمات.
المشكلات البلاغية :
الترجمة في
الأعمال الثقافية العادية ـ فضلا عن القرآن الكريم ـ لا تخلو من المشكلات ، وفي
الحديث عن مشكلات الترجمة لا يصح أن نقحم ضعف المترجم في اللغة التي يترجم منها ،
والتي يترجم إليها ، إذ لا يسمى المترجم مترجما حقا إلا حين يتمكن من اللغتين
كتابة وقراءة وكذلك يجدر بنا أن نفترض إخلاص المترجم في عمله ، وحسن نيته وأنه حين
أخرج النص المترجم قد بذل الجهد وتحرى الصواب ، ولم يكن متأثرا بمذهب خاص يصبغ
ترجمته بصيغة خاصة. أن أن للترجمة مشكلات وصعوبات حتى مع اتقان المترجم للغتين ،
وأمانته وإخلاصه في عمله. وتتمثل هذه المشكلات بما يلي :
أ ـ نظام الجملة
في اختلاف اللغات بنظام الجمل وترتيب الكلمات.
ب ـ كل ما يتعلق
بجمال الألفاظ وجرسها.
ج ـ دلالة الكلمات
وحدود معانيها.
ودلالة الكلمات في
مجال الأفكار وفي النشاط العلمي تلتزم عادة حدودا لا تتعداها ، أما في ترجمة
النّصوص الأدبية فالمشكلة أشد عسرا وأصعب منالا ، ذلك لأن الآداب تعتمد على
التصوير والعاطفة والتأثير والانفعال ، إلى جانب ما يمكن أن تشتمل عليه من أفكار .
__________________
وإذا كانت هذه
المشكلات تعترض أي نص أدبي ذي قيمة وأهمية فهي تنجلي بأبرز مظاهرها في ترجمة القرآن
الكريم ، لتشكل عقبة فنية في طريق الترجمة المتكاملة وذلك لمؤشرات تختص بالقرآن
الكريم دون سواه ، يمكن إجمالها بما يأتي :
١ ـ إن القرآن
الكريم نزل بلغة يحتمل لفظها الواحد ، أو أكثر ألفاظها ، أكثر من معنى وأشمل من
تفسير ، مما يفتح حياة متميزة في العقلية اللغوية ، تتسع لكثير من الاجتهادات
والدرايات والمعارف.
٢ ـ إن القرآن
الكريم قد تمخض عن أصول تعبيرية جديدة أقامت البيان العربي على مخزون جديد من الفن
القولي ، فكان مصدرا جديدا للتراث في اللغة والبيان ، ووقف الناس حيارى أمام
بلاغته ، ولم يخضع بمفهومه لمقاييس النقد الأدبي في إصدار الأحكام وتحديد الخصائص
، واعتبارات النصوص.
٣ ـ إن القرآن قد
اشتمل على ثقافة موسوعية على نحو خاص من العرض والمعالجة والتشريع ، فقد تحدث عن
الأحوال الشخصية في الزواج والطلاق والنفقة والمواريث والوصايا والحدود والديات
والجروح والقصاص بما لا عهد به لأعرق الأمم تاريخا ، وأعمقها ثقافة ، وترجمة ما
تقدم يعني الخوض في اصطلاحات لا قبل المترجمين على استيعابها بشكلها الدقيق.
٤ ـ إن القرآن
الكريم لو فصل موضوعيا وبيانيا لوجدناه قد اشتمل على المحكم من الآيات والمتشابه ،
والناسخ والمنسوخ ، والمجمل والمفصل والمبهم والمبين ، والعام والخاص ، والمطلق
والمقيد ، والظاهر وما وراء الظاهر ، فيد الله ، وعينه ، ووجهه ، وعرشه ، وكرسيه ،
واستواؤه ومجيئه ، والحروف المتقطعة في أوائل السور ، كل أولئك مما يحتاج إلى
الكشف والإيضاح في اللغة الأم فضلا عن اللغة المترجم إليها. والألفاظ المتلاحقة في
الأصل التكويني للإنسان ، كالحمإ ، والحمأ المسنون ، والفخار ، والتراب ، والطين ،
والطين اللازب مما يدعو إلى التفسير والترتيب لئلا يقع المترجم في احتمال التناقض
، فإذا استقبلنا الإشارات البلاغية التي لا يستطيع استخراج كنوزها إلا من أوتي
نصيبا كبيرا من
العلم ، يكشف به
الحدس الاستعاري ، والبعد الرمزي ، والتعبير المجازي ، والحس التشبيهي ، علمنا مدى
مشكلات الترجمة .
لهذا كانت مهمة
الترجمة القرآنية حتى مع أداء معاني القرآن ، ودون الالتزام بالترجمة اللفظية
عملية شاقة لا سيما من وجهة نظر بلاغية.
ولقد أدرك جملة من
المستشرقين موقع البلاغة من القرآن وأشاروا إليها بتأكيد ، فالمستشرق الفرنسي
الأستاذ ريجيس بلاشير ( ١٩٠٠ م ـ ١٩٧٣ م ) قد اعتبر علم البيان العربي منطلقا من
القرآن ، وركز في فصل من كتابه « القرآن » على الإعجاز القرآني ، وقناعة علماء
البيان بأن القرآن يحتوي على جميع المواد الضرورية لهذا العلم .
مما شكل حالة
حضارية في شحذ الفكر البلاغي ، وخلق القوة التعبيرية في البيان العربي. وفي الوقت
الذي أعجب فيه المستشرق الألماني الكبير الأستاذ. ثيودور نولدكه ( ١٨٣٦ م ـ ١٩٣٠ م
) بسحر القرآن البلاغي ، وإعجازه البياني ، نراه يغمز أسلوب القرآن الكريم ، ويشير
إلى كثرة انتقال القرآن في خطاباته من صيغة إلى أخرى ، ومن حال إلى حال ، فمن غيبة
إلى حضور إلى خطاب ، ومن ظاهر إلى مضمر وبالعكس ، واعتبر ذلك مجالا للتجريح .
والحق أن نولدكه
قد تطرف كثيرا في هذه الوجوه التي عرضها ، ومرد ذلك مع حسن الظن به إلى عدم تمرسه
في ضروب البلاغة العربية التي لا يدرك أبعادها إلا العرب الأقحاح ، ومنها الالتفات
الذي لم يدرك موقعه في بديع القرآن.
وإذا كان نولدكه
وأضرابه من علماء المستشرقين يقفون هذا الموقف من بعض المشاهد البلاغية فما ظنك
بمن هو أقل ثقافة ، وأدنى خبرة ، في الأصول البيانية الأخرى.
__________________
لقد أشار المسلم
النمساوي الأستاذ محمد أسد في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن في الانجليزية إلى ما
تختص به العربية في بلاغتها دون اللغات الأخرى ، واقتصر على معالجة فن الإيجاز من
بلاغة القرآن فقال :
« إن البلاغة في
كلام العرب مزية لا تضاهيها فيها لغة أخرى في العالم ومن البلاغة ، الإيجاز في
البيان ، والقرآن معجزة في البلاغة ، وأسلوبه الإيجازي معجز كذلك ، فلا بد من
التنبه به عند الترجمة إلى لغة أخرى وأن ترجمة الآيات بدون تحليل لفظي لما يضمه
الإيجاز تجعل عبارة الترجمة مفككة غير مربوطة بعضها ببعض ، وقد لا يفهم منها شيء ،
ولذا يحتاج المترجم أن يشرح المعنى المقصود من الآيات التي فيها الإيجاز حتى يرتبط
الكلام وتنسجم العبارة » .
وليست بلاغة
القرآن مقتصرة على الإيجاز وحده ، وإنما استقطبت جميع فنون البلاغة العربية ،
والبلاغة ذات فنون ثلاثة هي : البيان والمعاني والبديع عند جمهرة البلاغيين بعامة
، باستثناء نفر قليل منهم كالخطيب القزويني ( ت ٧٣٩ ه ) الذي فصل علم البديع عن
البلاغة واقتصر بها على المعاني والبيان .
ولا يهمنا هذا
الخلاف في الوقت الذي اعتبر فيه البديع دائرا حول معرفة توابع الفصاحة .
وهو بلا ريب
يستوعب مجموعة المحسنات اللفظية والمعنوية التي تنسحب في أغلب الأحيان على المعاني
تارة وعلى البيان تارة أخرى.
أما البيان فينتظم
مباحث : المجاز والتشبيه والاستعارة والكناية وأما المعاني فتنتظم مباحث : الخبر
والإنشاء والتقديم والتأخير ، والحذف والذكر ، والفصل والوصل ، والإيجاز والأطناب
، والقصر .
__________________
وأما البديع وهو «
مقصور على العرب ، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة وأربت على كل لسان » .
فينتظم على مباحث
المطابقة ، والمقابلة ، ومراعاة النظير ، والمشاكلة والمزاوجة ، واللف والنشر
والتفريق والتقسيم ، والجمع مع التفريق ، والجمع مع التقسيم ، والجمع مع التقسيم
والتفريق ، والإيهام وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، وتأكيد الذم بما يشبه المدح ،
والتوجيه ، وسوق المعلوم مساق غيره ، والاعتراض والاستتباع ، والالتفات ، وتقليل
اللفظ ولا تقليله ، وغير ذلك من المحسنات المعنوية .
وإذا نظرنا
المحسنات اللفظية وجدناها تشتمل على التجنيس ، ورد العجز على الصدر ، والقلب
والسجع ، والفواضل ، والترصيع وأضراب ذلك.
لذلك قد تعود
الترجمة مع المحافظة على البديع شبه مستحيلة بل مستحيلة ، إذ تنفقد أغلب موضوعاته
التماسك فضلا عن الأداء.
وبذلك تكون الكلمات
والعبارات المترجمة مفتقرة إلى جملة مقومات الفصاحة إن لم نقل كلها ، لأن هذه
التفريعات المتطاولة مما تكامل بناؤه في اللغة الأم للقرآن الكريم وهي اللغة
العربية ، ولدى نقل ألفاظ هذه اللغة إلى لغة أجنبية فستتعطل هذه المحسنات جملة
وتفصيلا إلا نادرا إذ لا تتوافر معالمها ولو بجزء مهما كان ضئيلا في مختلف اللغات
العالمية.
فإذا أضفنا إلى
البديع علمي المعاني والبيان ، ونقلب القرآن الكريم في شتى فنونهما ، أدركنا صعوبة
الترجمة وعناءها ، وهذه الفنون من الكثرة في المفردات بحيث قد تصل إلى مئات
العناوين والموضوعات وبما قد يقسم فيه العنوان الواحد إلى عشرات الجزئيات ،
فالمجاز وأفراده ، والتشبيه وتفريعاته ، والاستعارة وأنواعها ، والكناية وأغراضها
مضافا إلى تقسيمات المعاني المتقدمة وضروب البديع المتعددة ، وكلها أمثلة نابضة
يستوعبها
__________________
القرآن الكريم.
وبدون تسخير هذه المواد في عملية الترجمة القرآنية ، تتخلى أية ترجمة عن مقومات
الجمال اللفظي ، والتناسق الفني ، والتعبير المجازي والبعد البياني ، في كل من جرس
الألفاظ ودلالتها ، ووعي الكلمات وثرائها ، وأداء الصنعة وسلامتها في المعاني
الأولية والثانوية إلى جانب وجوه تحسين الكلام.
ان استقراء
المشكلات البلاغية لترجمة القرآن الكريم بمؤشر عام يتمثل بنقاط رئيسية على وجه
الحصر من ضم بعضها إلى البعض الآخر فمنها ما يدور حول اللفظة المفردة ودلالتها الدقيقة
ومنها ما ينتج من ضم اللفظ إلى لفظ آخر في تركيب جملي ، ومنها ما يتأتى من ارتباط
الألفاظ بالمعاني ، والمعاني بالصور ، فتحصل من هذا أن المشكلة إما أن تكون مرتبطة
باللفظ ، وإما أن تكون مرتبطة بالمعنى ، وإما أن تكون متعلقة باقتران الألفاظ
بالمعاني ، وكشف العلاقة الفنية القائمة بينهما ، فتمثلت لنا المشكلات البلاغية ـ من
خلال تصورنا القاصر ـ متعينة بثلاثة مؤشرات هي : دلالة الألفاظ ، التركيب الجملي ،
النظم والسياق القرآني ، ولتتبع جزئيات هذه المفردات نقف بإزاء كل واحدة منها وقفة
تمحيصية توضح وجه المشكلات ومعالمها :
أ ـ دلالة الألفاظ :
الألفاظ بصيغتها
الانفرادية تنقل الصورة الذهنية للشيء من الخارج وبضمها إلى غيرها تشكل النص
الأدبي ، وبطبيعتها في الدلالة تمثل حديث النفس في الرفض لها أو الاستجابة ، بحسب
التأثر بموقعها من الأعماق.
ودلالة الألفاظ
تتقلب بين تخير اللفظ بإصابته للمعنى ، وإيقاع اللفظ في جرسه الموسيقى وفي موافقته
لما قبله وما بعده في التركيب. وقد اهتم القرآن الكريم بهذه العناصر الفنية ، فحرص
على موسيقى اللفظ وسحر العبارة ، وإصابة المعنى ، فكانت اللفظة المفردة عنده
متميزة بقيمتها الجمالية ، ومفهومها البنائي في دلالات شتى ، تشمل مختلف الدلالات
اللفظية ، صوتية كانت أو اجتماعية أو إيحائية أو هامشية ، وكلها ذات علاقة وثيقة
بفهم من يستخرجها. فإذا تم استخراجها ، بقيت مسألة ترجمتها ، فهل
يتوافر المترجمون
على استنباط هذه الخصوصيات؟ هذا ما يخالجنا فيه الشك؟ وهل تتحقق ترجمتها على
أصولها في جرسها ونغمها حتى مع القدرة على اكتشافها؟ هذا ما سنتناوله في جزئيات
تطبيقية فيما يلي :
١ ـ قال تعالى : ( ضَرَبَ
اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ) . فاللفظة متشاكسون تعبر لغة عن المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا
يستقران ، وقد تعطي بعض معناها الكلمة ( متخاصمون ) ولكن القرآن لم يستعملها وفاء
بالدلالة الصوتية التي جمعت بين حروف الأسنان والشفة في التاء والشين والسين
تعاقبا تتخللهما الألف والكاف فأعطت هذه الحروف نغما موسيقيا خاصا حملها أكثر من
معنى الخصومة والجدل والنقاش بما أكسبها من أزير في الأذن يبلغ به السامع بأن
الخصام قد بلغ درجة الفورة والعنف من جهة ، كما أحاطها بوقع شديد يؤثر في الحس
والوجدان من جهة أخرى. ولدى ترجمتها إلى الانجليزية مثلا. فإنها تتردد بين تركيبين
يدلان على المخاصمة والمشاكسة.
فالمخاصمة تترجم :
To disPute
والمشاكسة تترجم :
ILL TemPered
ولا دلالة صوتية
لهما ، ولا تلمس جرسا موسيقيا بهما كما في لغة الأصل.
٢ ـ واللفظة (
صفوان ) من قوله تعالى : ( كَمَثَلِ صَفْوانٍ
عَلَيْهِ تُرابٌ ) .
تعطي صورة الحجر
المتكلس الذي يجتمع من ذرات متراكمة غير قابلة للانفصال ، فهو يتماسك ويتصلد بعد
أن يخالطه التراب المهيل من هنا وهناك ، فيباكره تقاطر المطر ، وتدافع السيول
فبدلا من أن يهش ويلين ويتفتت ، وإذا به يعود كتلة حجرية واحدة صلبا لا ينفذ
ومتحجرا لا ينقد ، ولا تحقق لنا الترجمة الدلالة الفصيحة المركزية لهذا اللفظ بكل
محتوياتها.
__________________
فالحجر
بالانجليزية يترجم إلى :.Stone
وتحجر واستحجر
يترجم إلى : T petri F Y
٣ ـ وكلمة « مشكاة
» في قوله تعالى : ( مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى
نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ
لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ذات دلالة خاصة بها ، وقد اختارها القرآن دون الكلمات الأخرى التي تفقد فيها
مميزات لفظ المشكاة بخاصة ، وترجمتها لا تعطي دقائق المشكاة بما فيها من دلالة
وبهاء وجمال ، وتبادر ذهني عميق وقد لا يوجد مماثلها في اللغة المترجم إليها ، مما
يعني أن البديل لها يفقد الكلمة كل خصائصها الجمالية في الموروث البلاغي للقرآن.
٤ ـ قد نجد كثيرا
من الألفاظ في استعمالاتها القرآنية تشكل مشكلة لا يستهان بها في ذاتية الترجمة ،
فبعضها لا يمكن ترجمتها بل توضع على حالتها إذ لا يقابلها في اللغة المترجم إليها
ما يدل على حرفيتها ، وبعضها لا تفي الترجمة بمعناها الاصطلاحي الدقيق ، فمن الأول
أسماء الاعلام كافة ، فالتقيد الحرفي بها يوحي بضرورة كتابة نصها كما هو. وقد
يصاحب ذلك فقدان البديل المناسب.
فالمستشرق
الانجليزي بكثال في ترجمته لا يستعمل ( God ) لله تعالى بل يستعمل لفظة الله نفسها ، لأن كلمة ( God ) لا تدل على المفهوم الكامل والمدلولات
الشاملة لما في كلمة الله .
ومن الثاني جملة
الألفاظ ذات المدلول الشرعي كالصلاة والتيمم والوضوء والغسل والسجود والركوع
والصوم والحج والسعي والزكاة وأمثال هذه الألفاظ التي ان ترجمت لغويا فقدت دلالتها
الشرعية.
وهناك قسم ثالث هو
المدلول الاستعاري للكلمة والذي لا تفي به
__________________
الترجمة
كالاستعارة والتمثيل والكناية فهي إنما يتحقق معناها بالمفهوم المجازي المستعملة
فيه ، ولا يتحقق هذا المفهوم إلا بمعرفة معنى المعنى أو المعنى الثانوي المستفاد
من طبيعة الاستعمال المجازي ليتم التفريق بين الاستعمالين ، وفي ضوئه يصار إلى
الترجمة بعد التوصل إلى إرادته الاستعمالية في القرآن لا سيما في الاستعارة التي
عبر عنها عبد القاهر الجرجاني ( ت : ٤٧١ ه ) « انك تثبت بها معنى لا يعرف السامع
ذلك المعنى من اللفظ ، ولكنه يعرفه من معنى اللفظ » .
٥ ـ وما يشترط في
مخارج الكلمة المفردة العربية ، وهو : أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة
المخارج . ولا يمكن تحقيقه في الترجمة لألفاظ القرآن ، إذ تتعرض
الألفاظ المترجمة لهذا النقص في أغلب الصيغ وقد يكون اللفظ القرآني سهلا ومرنا في
فصاحته وليس الأمر كذلك في ترجمته ، سواء أكان ذلك في تركيب الحروف أم كان في
جرسها وصداها الخارجي.
أما ما اشترطه
علماء البلاغة بكون الكلمة معتدلة « غير كثيرة الحروف فإنها متى زادت على الأمثلة
المعتادة المعروفة قبحت وخرجت عن وجه الفصاحة » فأمر غير متيسر إطلاقا في الترجمة العادية فضلا عن الترجمة القرآنية ، إذ قد
تترجم اللفظة القليلة الحروف بما يعادلها معنى في لفظ كثير الحروف. وتأسيسا على ما
تقدم فإن فصاحة الكلمة وسلامة مخارجها ، ومناسبة حروفها ، من مشكلات الترجمة التي
لا يمكن تلافيها بعامة.
٦ ـ وقد تكون
اللفظة في القرآن من الأضداد ، تصدق على المعنى وضده ، كما هي الحال في القرء من
قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ
اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ
دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨) ) .
__________________
في دلالتها على
الطهر والحيض ، وكما في ( عسعس ) من قوله تعالى : ( وَاللَّيْلِ إِذا
عَسْعَسَ (١٧) ) في إرادة المتقابلين منها في معنى : اقبل تارة وادبر تارة
أخرى.
وفي هذه الحالة قد
لا تتوافر في اللغة المترجم إليها اللفظة التي تعطي المعنى وضده ، وما يقال في
مجال الأضداد قد يصدق أحيانا في وجوه المشترك والمترادف والوجوه والنظائر لألفاظ
القرآن الكريم.
٧ ـ وقد تكون
اللفظة ذات دلالة قرآنية خاصة ومتميزة ، كالإشارة في القرآن بأكثر من مائة مرة إلى
الكتاب المرتبط بعملية التنزيل والإنزال والوحي الإلهي ، وليس الحال كذلك في
ترجمتها إلى الانجليزية بلفظ قد يعني استعمالا ساذجا لا دلالة إيحائية معه ، فهو
يصدق على كل كتاب دون خصوصية في ذلك اللفظ الانجليزي : Book
وقد تنبه بعض المترجمين إلى هذا الملحظ الدقيق فأولوه عناية خاصة بحدود ، فالأستاذ
محمد أسد في ترجمته لمعنى الكتاب يضع التعبير التالي Divine writ أي
الاعلام السماوي أو الإلهي .
ويقول الأستاذ عبد
الله يوسف علي ، وقد ترجم القرآن إلى الانجليزية أن كلمة رب ، في ( رَبِّ
الْعالَمِينَ ) هي ( Lord ) أي المالك عند عموم
المترجمين ، وتطلق هذه الكلمة على الإله والمسيح كما هو في قاموس اكسفورد ، وقاموس
بريطانيا الكبير ، وعند ما يراد بها الله تعالى يسبقها ضمير المتكلم المنفصل أو
حرف النداء ، أما كلمة رب العربية القرآنية فهي أعم من هذا المدلول وأشمل ،
ومعناها الملكية التامة مع الرعاية والتعهد للمربوب.
وقد اختار بدلا من
ذلك كلمتين قد تفيان بالجزء الأكبر من المعنى وهما : sustainer Cherisher -.
وتتضمن الأولى
معنى التعهد مع الرعاية والحنان. وتعني الثانية :
__________________
الكفالة بجميع
مرافق الحياة اللازمة للإنسان .
٨ ـ وهناك ألفاظ
في القرآن لا تجد مفهومها متكاملا في ألفاظ من لغة أخرى ، فيختار لها ما هو
المقارب أو المناسب كما في كلمة « الغيب » المترجمة إلى الانجليزية بكلمة : Unseen.
أي غير المرئي.
كما اختار ذلك جملة من المترجمين في حين لا تدل الكلمة الانجليزية هذه على المفهوم
الشامل المتكامل لمعنى الغيب وهنا نجد الأستاذ محمد أسد يختار تعبيرا مفصلا هو :
Whichis Be yond The Reach of Human PercePtion
أي ما هو فوق مبلغ
الحواس البشرية.
وكذلك ذهب الجمهور
من المترجمين إلى ترجمة المتقي بتعبير Good ـ Fearing أي مخافة الله ، أو الخائف من الله ، ولكن محمد أسد
ينفرد بتعبير آخر مقابل هذه الكلمة وهو : The Good Concious أي
المراقب لله بضميره.
وفي الوقت الذي
يحافظ فيه على هذا المستوى نجده يترجم كلمة الآية بكلمة Meage أي الرسالة والطاغوت بتعبير Forces of Evil أي
قوى الشر ، كما يفسر لفظ الجن في سورة الأعراف Invisile Being
بمعنى الوجود غير المرئي .
وهي تصرفات في
الألفاظ إلى معان قد لا تطابقها تماما.
٩ ـ يلاحظ عند بعض
المترجمين تعمد الابتعاد عن المعنى الدقيق للترجمة أو التفسير غير المطابق للألفاظ
دلالة ومعنى ، مما يخرج الكلام عن دائرته اللغوية والبلاغية بوقت واحد ، فالمستشرق
الانجليزي الأستاذ روديل عند ترجمته لقوله تعالى : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى
(١٠) ) يؤكد أن العبد هو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكنه يعقب على ذلك أن الذين آمنوا بالشريعة
__________________
الإسلامية كان
أكثرهم مماليك .
وهذا التعبير ذو
شقين : الأول لا مانع فيه ، والثاني لا يعضده دليل نصي أو تاريخي ، فلم يكن شيوخ
المهاجرين والأنصار وأهل البيت عليهم سلام ، وهم أتباع محمد صلّى الله وعليه وله
وسلّم مماليك ، وفي هذا الضوء يضع كلمة Slave
بمعنى المملوك أو الرقيق ترجمة لذلك ، مع أن الترجمة المتعارفة لذلك هي Servant وإن اختار بعضهم Bond man أي
العبد الخاضع ، وهما أدق في الترجمة مما وضع ، و Slave لا
نقاش في صحتها ، لو لا توهم الرقية ، فتخرج بذلك عن الدقة ، إذ ليس المراد في
القرآن الإشارة إلى الرق إنما المراد جنس العبد بالنسبة إلى الله تعالى حتى وإن
كان محمدا صلى الله وعليه وله وسلّم وإلا فالارقاء والأحرار كلهم على حد سواء عبيد
الله تعالى ، وإرادة الرقية من الكلمة خلاف الإرادة البلاغية في التعبير القرآني
الموحية بأن هذا الإنسان الحر القادر المتصرف هو في واقعه عبدا لله تعالى.
١٠ ـ وفي كثير من
الأحيان قد تقابل اللفظة العربية في القرآن لفظة في اللغة المترجم إليها ولكن
دلالتها متعددة الجوانب ، والمراد بها أكثر من معنى مستفاد ، كما يبدو ذلك من
استقراء القواميس الأجنبية ، ولا التقاء بين أكثر هذه المعاني دلالة ، وهنا تكمن
الحيرة عند المترجم في استيفاء المعنى وتحديده ، فقد يضطر إلى استعمال البديل
المقارب للمعنى إذا أدرك تشتت المعنى في اللفظة الأولى.
وقد تتقابل اللفظة
القرآنية الواحدة ، بألفاظ متعددة متشابكة في اللغة المترجم إليها فهي من قبيل
المترادفات ، وهنا يتوافر الذوق البلاغي على اختيار أمس الألفاظ صلة ، وأشدها أسرا
باللغة القرآنية.
فالمترجم في
الحالة الأولى يعاني من مشكلة تحديد اللفظ ، وفي الحالة الثانية يعاني من مراعاة
موافقة الأولى مناسبة للنص. وهنا يتضح أن اختيار اللفظ المناسب في الترجمة ازاء
المعنى المناسب من مشكلات الترجمة البلاغية إلى جانب إيجاد اللفظ في اللغة المترجم
إليها ، إذ قد لا
__________________
يتأتى في جملة من
الأحوال ، وبمثل هذه الحالة يلجأ المترجم إلى اختيار اللفظ الملائم بعد تجربة
صلاحيته للمعنى المراد ، وفي هذا الاختيار تتجلى الذائقة الفنية والمقدرة البلاغية
للمترجم ، وتجاه هذا الملحظ تجب العناية بموقع اللفظة المختارة فنيا وبلاغيا لأن
دلالة اللفظة على المعنى في نقلها إليه شرط أساسي ، والإيجاز الملائم لطبيعة النص
دليل على أصالة الترجمة.
ب ـ التركيب الجملي :
أصالة التركيب
الجملي في التعبير القرآني ، من أولى دلائل الإعجاز البلاغي للقرآن ، فعند رعاية
القرآن لسلامة اللفظ ، وعنايته بجودة المعنى ، تبدو دقائق التراكيب ، وملامح
التناسق ، وتدافع الصور البيانية بما يمثل ظاهرة فنية تعنى بالعلاقات القائمة بين
الألفاظ والمعاني لهذا يرى ابن الأثير ( ت : ٦٣٧ ه ) أن التركيب الجملي هو الذي
يميز خصيصة الألفاظ من حيث قيمتها وعلوها ، وهو الآمر الذي انفرد بأصول تركيبة
القرآن الكريم فقال :
« ألا ترى أن
ألفاظ القرآن الكريم من حيث انفرادها قد استعملها العرب ومن بعدهم ، ومع ذلك فإنه
يفوق جميع كلامهم ويعلو عليه وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب » .
وما سبق بيانه
فيما يتعلق بمشكلات الألفاظ المنفردة عند الترجمة يصدق في كثير من تطبيقاته على الألفاظ
المركبة حين تعود جملا ذات دلالة معينة ، وتعود القضية معقدة حين تفقد الترجمة
أصالة المعنى المراد بحيثياته وجزئياته كافة.
وعلى سبيل المثال
لا الحصر نطرح النماذج القرآنية التالية :
١ ـ في قوله تعالى
: ( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ
لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ
عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ
لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
__________________
الْفَجْرِ
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ
يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .
بالنسبة للزوجات ،
لا أعلم مترجما قد حقق مراد القرآن في ذلك ، إذ قد ترتبط الترجمة بمادية الألفاظ
دون التوصل إلى حقيقة الاستعمال المجازي في رصانته التعبيرية ، ودلالته الإيحائية
مما يؤكد ما أورده عبد القاهر الجرجاني ( ت : ٤٧١ ه ) : « ان الألفاظ تثبت لها
الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا
تعلق له بصريح اللفظ » .
وهذا ظاهر في
دلالة الآية القرآنية إذ يلازمها من الفهم الكنائي ما لا تعلق له بصريح اللفظ لهذا
كان التفطن للمعنى المراد من الألفاظ حالة تركيبها ضروريا لأداء المهمة البيانية
لأي تعبير لا يوحي لفظه بالمعاني المترتبة عليه ، وأنى لمترجمي القرآن إلى اللغات
الأجنبية الوفاء بهذا الملحظ الدقيق الذي يعني أن يستفيد المترجم إفادة معنوية
خاصة من التركيب الجملي للألفاظ في استخراج معنى المعنى ، واستكناه العلاقة الفنية
القائمة بين الألفاظ والمعاني للتوصل إلى المعاني الثانوية التي لا ينطق بها اللفظ
بذاته دون الضمائم الأخرى.
٢ ـ وفي مسألة
التقديم والتأخير بالنسبة للتركيب الجملي في القرآن تكون الإحاطة بأصول التركيب
ضرورة ملحة في الترجمة ، فبملاحظة قوله تعالى : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ
بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ
السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) ) .
نجد الكلام قد حمل
على التقديم والتأخير من أجل تنزيه يوسف عليهالسلام مما يفتأت عليه « ويكون التقدير : ولقد همت به ولو لا أن
رأى برهان ربه لهمّ بها ، وكما رأى برهان ربه لم يهم بها » .
__________________
والمترجم لهذا
النص قد لا ينتبه إلى فنية الآية بلاغيا ، فيترجمها متسلسلة عادة ، وفي ذلك فساد
للمعنى ، إذا كان المعنى كما سبق بيانه.
٣ ـ وفي الاستعمال
الاستعماري لقوله تعالى : ( وَأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) .
تبدو مشكلة
الترجمة لهذا التعبير شبه مستحيلة لما فيه من حمل اللفظ الحقيقي على المجاز وما
يشتمل عليه في جزئياته من بعد استعاري حققته دلالة التركيب بخصائص عدة طرحتها
اللغة القرآنية من خلال عمقها البلاغي في إرادتها فوق ما يعطيه لفظ : الشرب ،
القلب ، العجل والترجمة بذات النص قد لا تفي بذات الدلالة ، وهي قضية ترتبط بعلمي
المعاني والبيان في تتبع خواص التركيب من جهة علم المعاني ، وفي ارتباطها
بالاستعمالات المجازية والاستعمارية والتشبيهية من علم البيان.
٤ ـ ان التركيب
البياني في قوله تعالى : ( فَفَتَحْنا أَبْوابَ
السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا
الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) ) .
يقتضي في الترجمة
الالتفات إلى التمييز بين الحقيقة والمجاز في كل من : الأبواب ، السماء ، عيونا.
كما يقتضي التفريق بين الفتح لأبواب السماء ، والتفجير للأرض عيونا ، وبين استعمال
الأبواب في موقع المفعول ، والعيون في موقع التمييز ، ولما ذا لم يعكس الاستعمال
أو لم يتوافق في الحالتين ، كأن يكون تمييزا في الموقعين ، أو مفعولا في الموضعين
وفي الاغماض عن هذا الترتيب ، والتغافل عن هذا التركيب ، تكون الترجمة عبثا من
الوجهة البلاغية ، ومهما أوتي المترجم من سعة مدارك ، وقوة تعبير : وإحاطة
بالمفردات ، فإنه سيكون قاصرا أمام التعبير عن هذا التركيب ، وفي هذه الحالة لا
يكون القصور تقصيرا بل هو طبيعي ازاء الجمال البياني في القرآن لتعذر وسائل نقله.
٥ ـ وفي قوله
تعالى : ( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ) يقف المترجم حائرا
__________________
ازاء الاستعارة في
هذا الجزء من الآية ، واستفادة المعنى المراد منها في استنباط القدر الجامع بين
المستعار منه والمستعار له ، وفي التماس الشبه الحسي بينهما ، مما يجعل الترجمة
غير قادرة على كشف هذه المميزات وسبر أغوارها.
وما يقال هنا يقال
بالنسبة للاستعارة التخييلية في قوله تعالى :
( وَاخْفِضْ لَهُما
جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) .
فهذا التركيب ينظر
له من جهتين ، الأولى : الألفاظ ودلالتها منفردة. والثانية دلالة هذه الألفاظ
منضمة إلى بعضها ، لإدراك حقيقة الاستعارة من الألفاظ ذاتها بربط بعضها من بعض ،
لأن الألفاظ منثورة تلتبس بين الاستعمال الحقيقي والمجازي ، وبتركيبها الجملي تبرز
دلالتها المحددة في الاستعمال.
ومن هنا يبدو أن
تحديد الغرض الأصلي والفرعي من هذه المركبات الجملية إنما يتميز من خلال التركيب
نفسه ، وهذا التركيب يجب الوفاء به في الترجمة ، وهو ما يعسر تطبيقه ، وشواهد
القرآن على هذا لا تحصى ، ومعالمه لا تستقصى.
ان الذي يهمنا في
بحث التركيب الجملي عند الترجمة هو المحافظة على الأداء الذي يعطي المعاني
والأغراض والإشارات متكاملة وهذا ما لم نجده في ترجمة ما على وجه اليقين.
ج ـ النظم والسياق القرآني :
يقول أبو سليمان
الخطابي ( ت : ٣٣٨ ه ) :
« وأما رسوم النظم
فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر ، لأنها لجام الألفاظ وزمام المعاني وبه
تنتظم أجزاء الكلام ، ويلتئم بعضه ببعض فتقدم له صورة في النفس يتشكل بها البيان .
__________________
وذلك أن الالتفات
إلى ربط أشتات الكلام بعضها ببعض ، وعلاقة اللفظ بالمعنى ، والمعنى بالسياق ،
وتعلق كل كلمة بما بعدها ، وارتباطها بما قبلها ، والصورة التي تستنبط من اقتران
الألفاظ بالمعاني كل أولئك ضروري في تحقيق فكرة النّظم ، إذ لا يبدو النص متكاملا
في الألفاظ ما لم يضف إليه علاقتها بالمعاني ، وانتظام كل من الألفاظ والمعاني
بالسياق العام ، وما ينطوي عليه النص من فنون تتفاوت معرفتها في حالات القول في
الإسناد أو الشرط أو الاستفهام أو الاستدراك ، أو الخبر أو الإنشاء ، أو الفصل أو
الوصل ، أو الحذف أو الإضمار ، أو التقديم أو التأخير. والإحاطة بصنوف هذه الأجزاء
بديهي التوافر في مقتضيات الترجمة الفنية في نص عميق الأصالة كالقرآن الكريم يقول
عبد القاهر الجرجاني ( ت : ٤٧١ ه ) وهو يتحدث عن التلاؤم بين الألفاظ ، والترابط
في السياق القرآني لقوله تعالى :
( وَقِيلَ يا أَرْضُ
ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) ) .
« فتجلى لك
الإعجاز ، وبهرك الذي ترى وتسمع أنك لم تجد ما وجدت من المزية الظاهرة والفضيلة
القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض ، وإن لم يظهر الحسن
والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة : وهكذا إلى أن تستقر
بها إلى آخرها ، وأن الفضل نتائج ما بينها ، وحصل من مجموعها » .
وعبد القاهر يؤكد
على جانب التناسق الفني بين ربط الألفاظ بعضها ببعض ، والاتساق في النظم والسياق
عند جلاء صورة الكلام وفضيلته.
ومهمة العناية
بالنظم القرآني عند الترجمة مهمة شاقة ومضنية ، فالقرآن معجز بحسب ترتيبه ونظم
آياته كما يرى الرازي .
والكشف عن هذا
الإعجاز في الترجمة متعذر التحقيق ، وتطبيقه على
__________________
مواطن النظم يدعو
إلى ترصد ناحية ذات أهمية خاصة اقتضها حكمة النظم القرآني ، وهي تعدد الموضوعات في
السورة الواحدة ، ومع ذلك نجد السورة لا تفقد وحدتها الموضوعية. واستيفاء هذا
الملحظ لا تستطيعه أية ترجمة ، لأن هذه الطريقة قد انفرد بها القرآن الكريم ولا
نظير لها في النصوص الأدبية الأخرى إذ تعتمد النصوص وحدة الموضوع عادة دون الدخول
بتفصيلات مماثلة ، بينما يحافظ القرآن على وحدة الموضوع ليربطه بموضوع آخر دون
تصادم في الأفكار ، أو تجاوز للتجانس الموضوعي ، حتى في السور ذات الموضوعات
المتعددة ، إذ أنها تتحد في التخطيط ضمن إطار الأسلوب الواحد المتدرج في الانتقال
إلى جزئيات أخرى ، يحتل كل منها موقعه في نظام السورة مما يشكل تنوعا في المفردات
، تتجمع في ظل هيئة تركيبية موحدة ، وتصل في النهاية إلى ترتيب جديد في العرض
والأسلوب والمعالجة ، والترجمة على حذقها قد لا تحيط خبرا بهذه الملابسات
التكوينية للسور ، فتجيء مرتبكة مبعثرة لا يربطها خط رئيسي كما في النص القرآني.
يقول فخر الدين
الرازي ( ت : ٦٠٦ ه ) :
« اعلم أن عادة
الله في ترتيب هذا الكتاب الكريم وقع على أحسن الوجوه ، وهو أن يذكر شيئا من
الأحكام ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ويخلط بها
آيات دالة على كبرياء الله وجلال قدرته وعظمة إلهيته ، ثم يعود مرة أخرى إلى بيان
الأحكام ، وهذا أحسن أنواع الترتيب وأقربها إلى التأثير في القلوب ، لأن التكليف
الشاق لا يقع في موقع القبول إلا عند القطع بغاية كمال من صدر عنه الوعد والوعيد ،
فظهر أن هذا الترتيب أحسن الترتيبات اللائقة إلى الدين الحق » .
ان هذه الظاهرة
الفريدة تدعونا بجدية إلى ملاحظة أن الترابط بين أوائل السور وأوساطها وأواخرها ذو
رؤية مدركة في بيان حسن النظم
__________________
وترتيب السياق في
القرآن ، وهي عملية مقصودة بذاتها وليست كيفما اتفق بل تجري وفق تخطيط دقيق كفيل
بإيضاح تعلق الآيات بالموضوعات والموضوعات بالسور ، وذلك كاف في الدلالة على
الاتصال المباشر بين جزئيات السورة الواحدة ، بل وبين عبارات الآية الواحدة ، ورصد
هذا الترابط في النظم بحاجة إلى إحساس بلاغي عميق في موضع البيان كافة لاستجلاء
خصائص البناء القرآني في جميع أبعاده المتشعبة.
لهذا يبدو أن
الترجمة لا تكون دقيقة حتى إذا كانت على وجه التفسير وبذلك لا تعود ذات قيمة
بلاغية لفقدانها الكثير من مواقع التعبير القرآني بصلاته السابقة واللاحقة في
منظور النظم والسياق.
وهناك مضافا إلى
ما سبق بيانه من مشكلات النظم القرآني وطبيعته التركيبية ما نلمس معه بعض التصرفات
غير الأمينة في جملة من الترجمات ينطبع أثرها على السياق والنظم ، منها ما لم يقصد
إليه ولكنه اجتهاد خاطئ ، ومنها ما قصد إليه عمدا بغية تغيير المفاهيم ، وتحديد
شمولية القرآن الكريم فمن القسم الأول ما وقع به عبد الله يوسف علي في ترجمته
الانجليزية للقرآن ، فقد لوحظ أن المترجم قد يبيح لنفسه تقديم كلمة في التركيب
وتأخير أخرى ، حتى وإن أدى ذلك إلى تغيير المعنى وتجاوز النظم. ففي قوله تعالى :
( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ
فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) ) .
يترجمها كالآتي :
To those F ear
god، Without doubt ، initisg uidan eesure ؛ This is the Book
ومعناها : هذا هو
الكتاب ، فيه هداية قطعية من دون شك للذين يخافون الله.
__________________
وفي هذه الترجمة
يتخطى المترجم حدود النظم والسياق القرآني ، فالريب منفي عن الكتاب الكريم في
الأصل ، والهداية فيه للمتقين ، وليست الترجمة بمؤدية لهذا المعنى ، بل هي تنفي الريب
عن المتقين ، وتعطي صفة القطع والحتمية للهداية ، بينما نفي الريب لا يتناول
الكتاب في الترجمة.
ومن القسم الثاني
ما وقع به المستشرق الانكليزي جورج سيل ( ١٦٩٧ م ـ ١٧٣٦ م ) في ترجمته من استئثار
باللفظ والمعنى والتركيب الذي يريده المترجم لا القرآن ، حتى قلب ذلك إلى مداليل
أخرى وفقا لرغبات نفسية أو تبشيرية لدى المترجم ، نرصد منها ما يلي :
١ ـ في قوله تعالى
: « يا أيها الناس » ترجمها كالتالي : O men oF mecca.
وتعني الترجمة
الحرفية لذلك يا أهل مكة ، وذلك تغيير للصيغة والمؤدى ، تنطبع نتيجتها على النظم
والصورة القرآنية ، وذلك يجعل نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ورسالته اقليمية ، تخص أهل مكة ولا تشمل الإنسانية ، وهو
معنى مقصود في الترجمة لا مسوغ له.
٢ ـ في قوله تعالى
: ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ
بَشِيراً وَنَذِيراً ) .
نجده يعمد إلى قلب
المفهوم القرآني « كافة للناس » بترجمته كالآتي All Common men.
وتعني ترجمتها «
العامة من الناس » وهو تعبير يختلف في مؤداه ومفهومه وسياقه عن إرادة القرآن
الكريم ، فالناس كافة عموم البشر والعامة من الناس سوادها دون الخاصة ، ولا يريد
القرآن ذلك.
٣ ـ وفي سورة
الفاتحة تصرف في ترجمة ( رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى : The Lord All Creatures.
__________________
وهي تعني رب جميع
المخلوقات ، وليس الأمر كذلك ، فالقرآن يؤكد على العوالم المرئية وغير المرئية
المستحضرة في الذهن والغائبة عنه مما نعلمه ، ومما لا نعلمه ورب المخلوقات يحدد
المعنى ولا يشمل إطلاقه في دلالته الواسعة.
وفي ضوء ما تقدم
من مشكلات بلاغية يبدو أن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية تفقد في كثير
من أبعادها جملة من الدلالات اللفظية ، ويتعذر عليها الإحاطة بالتركيب الجملي كما
عليه النص القرآني والأهم من هذين يتضح أن الوفاء بالنظم القرآني ، والتمكن من
سياقه التركيبي مسألة ذات أبعاد معقدة في الترجمة ، لا يصح معها أن تعتبر الترجمة
في كل صورها قرآنا ، ولا يبدو منها أن تتحقق الترجمة في مسماها على الإطلاق.
وفي مثل هذه
النتيجة ، ليس باستطاعتنا أن نسمي ما تعارف عليه المستشرقون بترجمات القرآن ترجمات
، بل هي تعابير عن بعض المفاهيم القرآنية بلغات أجنبية ، هذا مع أمانتها ودقتها
وبدونهما ينتفي الموضوع جملة وتفصيلا.
وتأسيسا على ما
سبق فإن بامكان الأيدي الأمينة ، أن تترجم مفاهيم القرآن وتعاليمه ، وذلك شيء ،
والقرآن بعدها شيء آخر. ومن أجل رسالة القرآن الإنسانية ، فإن ترجمة مفاهيمه قد
تحقق هذا الغرض الديني وان فاتها الغرض الفني ، لأن الترجمة بمدلولها الاصطلاحي لا
يمكن تحقيقها ، بل يتحقق جزء منها ، وعلى هذا فالتسميات الشائعة قد تكون من قبيل
تسمية الكل باسم الجزء في أسلم الأحوال.
وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
الفصل الثامن
معجم الدراسات الاستشراقية
للقرآن
الكريم
( أ )
آيات من القرآن :
بقلم المستشرقة
الإيطالية : فرجينيا فاكا ، فلورنسا ، ١٩٤٣ م.
« إبراهيم » في
القرآن :
بقلم المستشرق
الهولندي : فان جنيب ، مجلة العالم الإسلامي ، ١٩١٢.
الاتجاه الحديث
لتفسير القرآن بمصر :
بقلم : جاك جومييه
، ١٩٥٤ م.
الاتقان في علوم
القرآن :
لجلال الدين
السيوطي ، تحقيق المستشرق النمساوي : شبرنجر ( ١٨١٣ م ـ ١٨٩٣ م ).
أخبار المتوكل
بخلق القرآن :
بقلم الفونس منغنا
( ١٨٨١ م ـ ١٩٣٧ م ) ، متنا وترجمة إنكليزية ، مانشستر ، ١٩٢٢ م.
أسرار التأويل
وأنوار التنزيل ، للبيضاوي :
تحقيق المستشرق
الألماني : فرايتاج ( ١٧٨٨ ـ ١٨٦١ م ). ليبزيج عام ، ١٨٤٥ م.
الأسماء والأعلام
اليهودية في القرآن ـ مشتقاتها ، بقلم : يوزف هوروفيتش ( ١٩٣١ ـ ١٨٧٤ م ).
الأسماء والأعلام
في القرآن :
بقلم المستشرق
الألماني : يوزف هوروفيتش ( ١٨٧٤ ـ ١٩٣١ م ). ( د. ت ).
إشارات إلى صيغ
تشريعية عربية قديمة في القرآن :
بقلم : يوزف كورت
زولنرنك ، نشر عام ١٩٣٤ م.
إشارات قرآنيّة
إلى الثقافة المادية للعرب الأقدمين :
بقلم : اليونورة
هونز ، نشر عام : ١٩٣٩ م.
اشتقاق لفظ القرآن
:
بقلم المستشرق
الألماني : يوزف هوروفيتش. ( د. ت ).
الإعجاز في القرآن
:
بقلم : روبسون ،
صحيفة جمعية جلاسجو ، ١٩٢٩ م.
( ب )
بحوث جديدة في نظم
القرآن وتفسيره :
بقلم : المستشرق
الانكليزي هورسفيلد ، لندن ، ١٩٠٢ م.
بيان القرآن :
بقلم : ه. و.
سفانتون ، ١٩١٩ م.
( ت )
تأريخ القرآن :
بقلم : المستشرق
الفرنسي بوتيه ( ١٨٠٠ م ـ ١٨٨٣ م ) باريس ١٩٤٠ م.
تأريخ القرآن ( أصل وتركيب
سورة القرآن ).
بقلم المستشرق
الألماني تيودور نولدكه ( ١٨٣٦ ـ ١٩٣٠ م ) جوتنجن ، ١٨٥٦ م.
تأريخ القرآن :
بقلم : المستشرق
الألماني براجشترسر ( د. ت ).
تأريخ علم قراءة القرآن :
بقلم : المستشرق
الألماني بريتزل ( د. ت ).
تأريخ النص القرآني :
بقلم المستشرق
الألماني تيودور نولدكه ( ١٨٣٦ م ـ ١٩٣٠ م ) ( جوتنجن ، ١٨٦٠ م ).
تحقيق كتاب المحتسب ، لابن
جنّي :
منشورات المجمع
العلمي البافاري ، ميونيخ ، ١٩٣٣ م.
ترجمة القرآن إلى اللاتينية
( ١١٤١ م ـ ١١٤٣ م ) قام بها :
روبرت الرتيني ،
هرمان الدلماشي الألماني ، راهب اسباني عربي.
ترجمة القرآن إلى اللاتينية
:
نشر : ببلياندر ،
بال ، سويسرا ، ١٥٤٣ م.
ترجمة القرآن إلى
الألمانية :
بقلم : شنيجر
النورمبرجي ، ١٦١٦ م.
ترجمة القرآن إلى
الفرنسية :
بقلم : سيور دوريز
، باريس ، ١٦٧٤ م.
ترجمة القرآن إلى
الانكليزية :
بقلم : الكسندروس
قسيس كاريسبروك ، لندن ، ١٦٤٩ م.
ترجمة القرآن إلى
اللاتينية :
بقلم : الأب
دومينيك جرمانوس ( ١٥٨٨ م ـ ١٦٧٠ م ).
ترجمة القرآن إلى
الإيطالية :
بقلم : ماراتشي (
١٦١٢ م ـ ١٧٠٠ م ) باودوري ، ١٦٩٨ م.
ترجمة القرآن إلى
الانكليزية :
بقلم : جورج سيل (
١٦٩٧ م ـ ١٧٣٦ م ).
ترجمة القرآن إلى
الروسية :
صدرت في سنت
بطرسبرج ، ١٧٧٦ م.
ترجمة القرآن إلى
الألمانية :
بقلم : بويسن ١٧٧٣
م وأعادها : فاهل ١٨٢٨ م.
ترجمة القرآن إلى
الفرنسية :
سافاري ، ١٧٨٣ ،
كازيميرسكي ، ١٨٤٠ ، ١٨٤١ ، ١٨٥٧ م
ترجمة القرآن إلى
الألمانية :
بقلم : الأستاذ
أوهلمان ، ١٨٤٠ ، ١٨٥٣ م.
ترجمة القرآن إلى
الانكليزية :
بقلم : ج. م.
روديل ، ١٨٦١ م.
ترجمة القرآن إلى
الألمانية :
بقلم : الأستاذ
جوستاف فلوجل ، ١٨٤١ م.
ترجمة القرآن إلى
السويدية :
بقلم : المستشرق
السويدي : ثورنبرج ( ١٨٠٧ م ـ ١٨٧٧ م ) لوند ، ١٨٧٤ م.
ترجمة القرآن إلى
الروسية :
بقلم : المستشرق
الروسي سابلوكوف ( ١٨٠٤ م ـ ١٨٨٠ م ) طبعت على التوالي : ١٨٧٨ م ، ١٨٧٩ م ، ١٨٩٨
م.
ترجمة القرآن إلى
الانكليزية :
بقلم : المستشرق
الانكليزي : ف. ه. بالمر ، أكسفورد ، ١٨٨٠ م
ترجمة القرآن
جزئيا إلى الفرنسية :
بقلم :
البركازيميرسكي البولوني ( ١٨٠٨ م ـ ١٨٨٧ م ).
ترجمة القرآن
جزئيا إلى الأسبانية.
بقلم : المستشرق
السويدي : سترستين ( ١٨٦٦ م ـ ١٩٥٣ م ) ، مجلة العالم الشرقي ، ١٩١١ م.
ترجمة القرآن إلى
الإيطالية :
بقلم : المستشرق
برانكلي ، روما ، ١٩١٣ م.
ترجمة القرآن إلى
الإيطالية :
بقلم : فراكاسي ،
ميلانو ، ١٩١٤ م.
ترجمة القرآن إلى
لغة الاسبرانتو :
بقلم : خالد
شلدريك ، ١٩١٤ م.
ترجمة القرآن إلى
السويدية :
بقلم : المستشرق
السويدي سترستين ( ١٨٦٦ ـ ١٩٥٣ م ) ، إستوكهلم ، ١٩١٧ م.
ترجمة القرآن
جزئيا إلى الدانماركية :
بقلم : المستشرق
الدانماركي بول ، كوبنهاكن ، ١٩٢١ م.
ترجمة القرآن
جزئيا إلى الانكليزية :
بقلم : M. ALC ، لاهور ، ١٩٢١ م.
ترجمة القرآن إلى
الانكليزية :
بقلم : مارمادوك
وليم بكثول ( ١٨٧٥ م ـ ١٩٣٦ م ) ، نشرت عام :
١٩٣٠ م.
ترجمة القرآن
جزئيا إلى الفرنسية :
بقلم : لاماس ،
١٩٣٠ م.
ترجمة القرآن
جزئيا إلى الانكليزية :
بقلم : Gr. Sarwar ، لندن ، ١٩٣١ م+ لاهور ، ١٩٣٥ م.
ترجمة القرآنية
إلى التشيكية :
بقلم : آ. ر. نيكل
، براغ ، ١٩٣٤ م.
ترجمة القرآن إلى
الإيطالية :
بقلم الأستاذ
بونللي ( ١٨٦٥ ـ ١٩٤٧ م ) ، ميلانو ، ١٩٤٠ م.
ترجمة القرآن إلى
الإنكليزية :
بقلم : ريتشارد بل
، ترجمها فيما بين ( ١٩٣٧ م ـ ١٩٤١ م ).
ترجمة القرآن إلى
الفرنسية :
بقلم المستشرق
الفرنسي بلاشير ( ١٩٤٧ م ـ ١٩٥٢ م ).
ترجمة القرآن إلى
الهولندية :
بقلم : المستشرق
الهولندي كرامرز ( ١٨٩١ م ـ ١٩٥١ م ) ، أمستردام ـ بروكسل ، ١٩٥٦ م.
ترجمة القرآن إلى
الألمانية :
بقلم : رودي بارت
، ترجمها فيما بين ( ١٩٦٣ ـ ١٩٦٦ م ).
ترجمة القرآن إلى
الهندية :
بقلم المستشرق
الهولندي فت ( ١٨١٤ ـ ١٨٩٥ ) ، ( د. ت ).
ترجمة القرآن إلى
الفرنسية :
بقلم : المستشرق
الفرنسي أدوار مونتيه ، ( د. ت ).
ترجمة القرآن إلى
الفرنسية :
بقلم : أوكتاف بل
مع ، سي محمد التيجاني ، ( د. ت ).
ترجمة القرآن إلى
الإيطالية :
بقلم : المستشرق
الإيطالي اريفاين ، ( د. ت ).
التطوّر التأريخي
للقرآن :
بقلم : المستشرق
الانكليزي ادوارد سل ، مدراس ، ١٨٩٨ م.
تفسير القرآن :
بقلم الأستاذ فيشر
، نشر الدراسات الشرقية لنولدكه ، ١٩٠٦ م.
تفسير القرآن :
بقلم رتشارد
هارتمان ، مجلة الدراسات الشرقية ، ١٩٢٤ م.
تفصيل آيات القرآن
الكريم :
تأليف : جول لابوم
، مع استدراك : أدوار مونتيه ، الطبعة العربية ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٦٩
م.
تعليل القراءات
السبع للشيرازي :
تحقيق : بريتزل (
١٨٩٣ م ـ ١٩٤١ م ).
تلاوة القرآن في
دمشق والجزائر :
بقلم : جان
كانتينو ( ١٨٩٩ م ـ ١٩٥٦ م ) بمعانة باريس ، حوليات معهد الدراسات الشرقية ، باريس
، ١٩٤٢ / ١٩٤٧ م.
( د )
دراسة آية من
القرآن :
بقلم : المستشرق
الفرنسي جريفو ، مجلة الشرق المسيحي ، ١٩١٤ م.
دراسة عن القرآن :
بقلم : الأب لاثور
، مجلة الحضارة الكاثوليكية ، ١٩٤٥ م.
دراسة عن القرآن :
بقلم : باطر ،
نشرها : نيكل ، صحيفة الجمعية الشرقية الأمريكية ، ١٩٣٦ م.
دراسة عن مختصر
شواذ القراءات ، لابن خالويه :
تحقيق : المستشرق
الأمريكي : آرثر جفري ، مجلة الدراسات الإسلامية ، ١٩٣٨ م.
دليل القرآنية :
تأليف المستشرق
الألماني مالير ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٤٥ م ) ، الطبعة الثانية ، باريس ، ١٩٢٥ م.
( س )
السامريون في
القرآن :
بقلم : المستشرق
الفرنسي جوزيف هاليفي ( ١٨٣٧ ـ ١٩١٧ م ) ، المجلة الآسيوية ، ١٩٠٨.
سحر الآيات
القرآنية :
بقلم : كريستنس ،
١٩٢٠ م.
( ش )
شرح المعتزلة
للقرآن :
بقلم : المستشرق
الإيطالي جويدي ( ١٨٨٦ م ـ ١٩٤٦ م ) ، روما ، ١٩٢٥.
الشرع في القرآن :
بقلم : ي. ريخلين.
( د. ت ).
شهادة القرآن لكتب
أنبياء الرحمن :
تحقيق المستشرق
الانكليزي السير وليم موير ( ١٨١٩ م ـ ١٩٠٥ م ) نشر عام ١٩٦٠ م.
( ص )
صحائف القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي كورما رازومي ( ١٨٧٧ م ـ ١٩٤٧ م ) ، نشرة المتحف الفني في بوسطن ، ١٩٢٠
م.
الصلاة في القرآن
:
بقلم : جوتين ،
نيويورك ، ١٩٥٥ م.
( ط )
طابع الانجيل في
القرآن :
بقلم : وولكر ،
باسلي ، ١٩٣١ م.
الطب في القرآن :
بقلم : أوبتز ، ١٩٠٦
م.
طريقة كتابة
القرآن في سمرقند :
بقلم المستشرق
الأمريكي أرثر جفري بمعانة لسون ، الصحيفة الأمريكية الشرقية ، ١٩٤٢ م.
( ع )
أبو عبيدة والقرآن
:
بقلم : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، عالم الإسلام ، ١٩٣٨ م.
عدد آيات القرآن :
بقلم : شبيتالو ،
١٩٣٥. عن القرآن والحديث في مكتبات إستانبول ، بقلم : الأستاذ هلموت ريتر ، بحث في
مجلة الإسلام الألمانية ، ١٩٢٨ م.
عناصر من الهجادة
في قصص القرآن :
بقلم : شابيرو ،
ليبزيج ، ١٩٠٧ م.
عناصر نصرانية في
القرآن :
بقلم : آرنس ، (
د. ت ).
عناصر يهودية في
مصطلحات القرآن الدينية :
بقلم : المستشرق
المجري بيرنات هيللر ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٤٣ م ) ، نشر عام : ١٩٢٨ م.
عيسى في القرآن :
بقلم : أدولف
جروهمان ، الصحيفة الشرقية ، فينا ، ١٩١٤ م.
( ف )
فضائل القرآن وآدابه :
لأبي عبيد القاسم
بن سلام ، تحقيق : بريتزل. ( د. ت ).
فهرست أدب القرآن :
بقلم : المستشرق
الانكليزي ستوري ، كمبريج ، ١٩٣٠ م.
فهرست تفسير الطبري :
بقلم : المستشرق
الألماني هوسلاتير ، ستراسبورج ، ١٩١٢ م.
( ق )
القانون في القرآن
:
بقلم : رفلين ،
نشر عام : ١٩٢٧ م+ ١٩٣٤ م.
القرآن :
بقلم : ياكوب بارت
( ١٨٥١ ـ ١٩١٤ م ) ، مجلة الإسلام ، ١٩١٥ / ١٩١٦ م.
القرآن :
بقلم : الأستاذ
فلهاوزن ( ١٨٤٤ ـ ١٩١٨ م ) ، المجلة الشرقية الألمانية ، ١٩١٣ م.
القرآن :
بقلم المستشرق
الألماني كاله ( ولد : ١٨٧٥ م ) ، صحيفة دراسات الشرق الأدبي ، ١٩٤٩ م.
القرآن :
بقلم : الأستاذ
شبيتالر ( ولد ١٩١٠ م ) ، دراسات تشودي ، ١٩٥٤ م.
القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، عالم الإسلام ، ١٩٢٤ م.
القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، الصحيفة الأمريكية للغات والآداب السامية ١٩٢٤ م.
القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، مجلة الشرق الحديث ، ١٩٣٢ م.
القرآن :
بقلم المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، مجلة الشرق الأوسط ، ١٩٤٧ م.
القرآن بلهجة مكة
الشعبية :
بقلم : المستشرق
النمساوي كارل فولليرس ( ١٨٥٧ م ـ ١٩٠٩ م ).
القرآن الرسمي
بالنظر إلى قراءة أهل مصر :
بقلم : المستشرق
الألماني تيودور نولدكه ، المجلد العشرين من مجلة الإسلام.
القرآن في الإسلام
:
بقلم : المستشرق
الهولندي آيتما ( ولد : ١٩١٠ م ) نشر عام : ١٠٥٢ م.
القرآن مفسرا :
بقلم : المستشرق
الإنكليزي. أ. ج. أربري ( ولد : ١٩٠٥ م ) نيويورك ، ١٩٥٥ م ، لندن ، ١٩٥٩ م.
القرآن ، نزوله ،
تدوينه ، ترجمته ، تأثيره :
بقلم : المستشرق
الفرنسي ، الأستاذ بلاشير ( ولد : ١٩٠٠ م ) ترجمة :
رضا سعادة ، دار
الكتاب اللبناني ، بيروت ، ١٩٧٤ م.
القرآن والعربية :
بقلم : المستشرق
الألماني كاله ( ولد : ١٨٧٥ م ) ذكرى جولد تسهير ، ١٩٤٨ م.
قراءة زيد بن علي
:
بقلم : المستشرق
الأمريكي : آرثر جفري : مجلة الدراسات الشرقية ، ١٩٣٧ م+ ١٩٤٠ م.
قصص القرآن :
بقلم : المجري
بيرنات هيللر ( ١٨٥٧ ـ ١٩٤٣ م ) عالم الإسلام ، ١٩٣٤ م.
قصة أهل الكهف في
القرآن :
بقلم : المستشرق
المجري بيرنات هيللر ( ١٨٥٧ ـ ١٩٤٣ م ) نشر عام : ١٩٠٧.
( ك )
كتاب المصاحف
للسجستاني :
تحقيق : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، مؤسسة دي خويه ، ١٩٣٧ م.
كسب واكتسب
ومعناها المجازي في القرآن :
بقلم : بونيشي ،
مجلة الدراسات الشرقية ، ١٩٥٥ م.
الكشّاف ، لجاد
الله الزمخشري :
تحقيق : المستشرق
الانكليزي وليم ناسوليز ( ١٨٢٥ ـ ١٨٨٩ م ) ، حققه خلال أربع سنوات ( ١٨٥٦ ـ ١٨٥٩ م
).
الكلمات الأجنبية
في القرآن :
رسالة دكتوراه
للمستشرق الألماني فرانكيل ( ١٨٥٥ ـ ١٩٠٩ م ) ، ليدن ، ١٨٧٨ م.
( م )
المئون في بعض
أجزاء القرآن :
بقلم الأستاذ : د.
ستيل ، مجلة الجمعية الآسيوية ، ١٩٢١ م.
المتشابه في
القرآن :
بقلم الأستاذ :
ريتشارد بل ، مجلة العالم الإسلامي ، ١٩٢٨ م.
مجادلة المشركين
في القرآن :
بقلم الأستاذ :
اتنجهانسن ، ١٩٤٣ م.
محمد والقرآن :
بقلم : المستشرق
الهولندي : فت ( ١٨١٤ م ـ ١٨٩٥ م ) ، خمس دراسات في مجلة الدليل الهولندية ، ١٨٤٥
م.
مدخل تأريخي نقدي
إلى القرآن :
بقلم : المستشرق
الألماني جوستاف فايل ( ١٨٠٨ م ـ ١٨٨٩ م ).
مذاهب التفسير
الإسلامي :
بقلم : المستشرق
المجري جولد تسهير ( ١٨٥٠ م ـ ١٩٢١ م ) ، ترجمة الدكتور علي حسن عبد القادر.
مذهب الطبيعة
الواحدة النصراني في القرآن :
بقلم : المستشرق
الألماني بومشتارك ، مجلة الشّرق المسيحي ، ١٩٥٣ م.
مراجع القرآن
وعلومه :
بقلم : المستشرق
الألماني بريتزل ، ( د. ت ).
المشتبه في القرآن
للكسائي :
تحقيق المستشرق
الألماني بريتزل ( ١٨٩٣ ـ ١٩٤١ ) ، ( د. ت ).
مشروع لاستعمال
أسلوب النقد في نشر القرآن :
بقلم : المستشرق
الألماني براجشترسر ، نشر عام : ١٩٣٠ م.
المصادر الأصلية
للقرآن :
بقلم الأستاذ
تاسدول ، لندن ، ١٩٠٥ م.
مصادر القصص
الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء :
بقلم : سايدر سكاي
، باريس ، ١٩٣٢ م.
مصادر القصص
الكتابي في القرآن :
بقلم : الأستاذ
سباير ، نشر عام : ١٩٣٩ م.
مصطلحات القرآن :
بقلم : المستشرق
الروسي كاشتاليفا ( ١٨٩٧ ـ ١٩٣٩ م ) ، نشر عام :
١٩٢٨ م.
معاني القرآن ،
لابن منظور :
تحقيق المستشرق
الألماني بريتزل ، مجلة إسلاميكا.
معجم قراء القراء
وتراجمهم :
بقلم : المستشرق
الألماني براجشترسر ، نشر عام : ١٩١٢ م.
مفردات القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي ثواري ، مجلة عالم الإسلام ، ١٩٣٩ م.
مقدمتان في علوم
القرآن ، لابن عطية ومؤلف مجهول :
تحقيق : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري. مؤسسة دي غويه ، ١٩٣٧ م.
منتخبات من القرآن
:
بقلم : المستشرق
الإيطالي كارلو نالينو ، ليبزيج ، ١٨٩٣ م.
مواد لدراسة تأريخ
نص القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، ليدن ، ١٩٣٧ م.
( ن )
نبذة عن النفس في
القرآن :
بقلم : المستشرق
الفرنسي بلاشير ( ولد : ١٩٠٠ م ) ، مجلة الساميات ، ١٩٤٨ م.
النبوة في القرآن
:
بقلم : المستشرق
الألماني هورفيتش ( ١٨٧٤ م ـ ١٩٣١ م ).
نجوم الفرقان في
أطراف القرآن :
المستشرق الألماني
جوستاف فلوجل ( ١٨٠٢ م ـ ١٨٧٠ م ) ، طبع لأول مرة في ليبزيج ، ١٨٤٢ م.
نشأة الإنسان كما
في القرآن :
بقلم : فرانكل ،
براغ ، ١٩٣٠ م.
النصرانية
واليهودية في القرآن :
بقلم : المستشرق
الألماني بومشتارك ، مجلة الإسلام ، ١٩٢٧.
نصوص القرآن :
بقلم المستشرق
الإنكليزي الدكتور مرجليوت ( ١٨٥٨ ـ ١٩٤٠ م ) ، مجلة العالم الإسلامي ، ١٩٢٥ م.
نصوص ماراتشي من
القرآن :
بقلم : المستشرق
الإيطالي كارلو نالينو ، لنشاي ، ١٩٣٢ م.
نصوص من القرآن :
بقلم : المستشرق
الأمريكي آرثر جفري ، عالم الإسلام ، ١٩٣٥ م.
نصوص من القرآن ،
مترجمة إلى أربع لغات :
بقلم : أندراي
أكولوتوس ( ١٦٥٤ ـ ١٧٠٤ م ) ، برلين ، ١٧٠١ م.
نصيب القرآن من
الحياة اليومية بمصر :
بقلم : جاك جومييه
، مجلة الآداب العربية ، تونس ، ١٩٥٢ م.
النموّ التأريخي
في القرآن :
بقلم : أدوارد سل
، مدراس ، ١٨٩٨ م
خاتمة البحث
بعد هذه الجولة
المضنية بين آثار هذه الطبقة الممتازة من الباحثين نستطيع أن نقول إننا توصلنا إلى
بعض الحقائق والمؤشرات ، يمكن التأكيد على أهمها بما يلي :
١ ـ إن جميع هذه
البحوث التي أشرنا إليها ، وناقشنا جملة منها ، يتسم بعضها بالايجاز والاختصار
أحيانا ، ويتسم البعض الآخر بالسرد وتهويل الموضوع ، ويتصف قسم ضئيل منها بالسطحية
أو الحقد على الإسلام. وهذا وذاك لا يمانع أن يكون القسم الأوفر منها راقيا ومتفقا
على النهج الموضوعي للبحوث الأصيلة كما يتضح ذلك من خلال المناقشة والعرض.
٢ ـ إن ما بحث من
قبل المستشرقين يمثل جزءا من البحوث القرآنية لا كلها ، بل أن العديد من البحوث قد
أغفل إلى حدّ ما ، فالجانب البلاغي والنقدي واللغوي والنظم القرآني وحسن التأليف
قد بدا متضائلا بالنسبة لغيره ، وكذلك الحال بالنسبة إلى التفسير الكلي للقرآن
فيما عدا الترجمة التي اعتبر قسم منها تفسيرا للمفردات ؛ وفيما عدا هذا كان
التركيز حول موضوعات اعتبرت مهمة من وجهة نظر استشراقية وقد لا تعتبر كذلك عند
العرب والمسلمين.
٣ ـ إن الغرض
العلمي للاستشراق بوجه عام ـ فيما يبدو ـ هو الهدف المركزي الذي جند طاقات
المستشرقين دون الأهداف الهامشية الأخرى التي قد لا تشكل داعيا نهائيا وحتميا عند
أغلب المستشرقين ، وهذا لا ينزه قسما منهم بدا انحرافهم واضحا من خلال المرور
بفقرات من عباراتهم الآنفة المناقشة.
٤ ـ إن فهم القرآن
بدقائقه قد يتعسر أغلب الأحيان على جملة من المستشرقين ، ويعود سبب ذلك إلى عمق
لغة القرآن ، وسلسلة منابعه البلاغية ، مما يجعل غير العربي مهما أوتي من مقدرة
يتعثر أحيانا في الفهم الأصيل للنص الكريم.
٥ ـ إن الجهود
التي بذلها الاستشراق الألماني تكاد تكون أبرز الجهود في مضمار الدراسات القرآنية
، ويعود السبب في ذلك ـ فيما يبدو ـ إلى سبق ألمانيا في المجال العلمي الإنساني
قبل الحرب العالمية الأولى.
كما أن الجهد
الاستشراقي الفرنسي قد بدا متكافئا في الموضوع وأكثر دقة ، ونوعية ، ويتبعه
الاستشراق الانكليزي المكثف ، ويلي جميع ما تقدم الاستشراق الأمريكي متمثلا بآرثر
جفري.
أما الاستشراق
الروسي فقد بدا محدود النتاج بالقياس إلى النتاج الأوروبي المكثف.
وقد لمعت شذرات
متفرقة من الجهود الاستشراقية في النمسا والدانمارك والمجر وهولندا وإيطاليا شاركت
في إرساء دعائم الفكر الإنساني المتطور.
٦ ـ إن هذه الجهود
الآنفة الذكر غير متوافرة في أغلب أجزائها في الوطن العربي والإسلامي وهي من
الغناء بحيث تشكل ثروة علمية وتراثية ضخمة ، فيا حبذا لو تصدت المجامع العلمية
والمؤسسات الثقافية لنشرها مبوبة مترجمة مفهرسة ، ليفيد منها القارئ العربي في
مجال المعرفة الإنسانية ، لا سيما ونحن في استقبال القرن الخامس عشر الهجري.
وفي الختام ، فإن
مما يؤسف له حقا أن تتضاءل حركة الاستشراق في العالم ، وأن يخيم على أفقها مناخ من
الجمود ، وكابوس من الصمت المطبق ، فلا نسمع لها صوتا بين الأصوات ، ولا نبصر أثرا
بين الآثار ، إلا قبسات ولمحات ، لا تسمن ولا تغني عن جوع ، لقد خبا هذا السراج
الهادي في كثير من إشعاعه ، والضياء اللامح في وهج من لألائه ، فحرم بذلك الباحثون
من دراسات أصيلة في أغلب صيغها ، وأبحاث طريفة في شتى مجالاتها ، ولا يدري ما الذي
زهّد هؤلاء في تراثنا الضخم وما الذي
وقف في طريق تلك
الحيوية ، وذلك النشاط ، أهي صعوبة اللغة العربية ، أم قلة المعاناة لدى الشباب
الاستشراقي المعاصرة ، قد يكون هذا ، وقد يكون ذاك ، ولعل أسبابا أخرى عرقلت
المسيرة ، فتلكأت القافلة.
ما
شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
النجف
الأشرف / كلية الفقه
الجامعة
المستنصرية
|
الدكتور
محمد
حسين على الصغير
|
المصادر والمراجع
١ ـ القرآن
الكريم.
٢ ـ آربري
البروفيسور أ. ج. آربري ( ولد : ١٩٠٥ ). القرآن مفسرا ، نيويورك ، ١٩٥٥ م+ لندن
١٩٥٩ م.
٣ ـ إبراهيم أنيس (
الدكتور ). دلالة الألفاظ ، مكتبة الانجلو مصرية ، الطبعة الثالثة ، القاهرة ١٩٧٢
م.
٤ ـ ابن الأثير ،
ضياء الدين ، أبو الفتح ، نصر الله بن أبي الكرم ( ت : ٦٣٧ ه ). المثل السائر في
أدب الكاتب والشاعر. تحقيق : الدكتور أحمد الحوفي والدكتور بدوي طبانة ، القاهرة
١٩٥٩ م.
٥ ـ ابن حجر ،
أحمد بن عليّ العسقلاني ( ت : ٨٥٢ ه ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، المطبعة
السلفية ، القاهرة ١٣٨٠ ه.
٦ ـ ابن الخطيب ،
محمد محمد عبد اللطيف ( معاصر ) الفرقان ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ١٠٤٨
م.
٧ ـ ابن سعد ، أبو
عبد الله ، محمد بن سعد ( ت : ٢٣٠ ه ) الطبقات الكبرى ، بيروت ، ١٩٥٧.
٨ ـ ابن سنان
الخفاجي ، الأمير أبو عبد الله بن سعيد بن سنان ( ت : ٤٦٦ ه ). سر الفصاحة ،
تحقيق : عبد المتعال الصعيدي ، القاهرة ، ١٣٧٢ ه.
٩ ـ ابن مالك ،
أبو عبد الله ، محمد بن جمال الدين المعروف بابن الناظم ( ت : ٦٨٦ ه ). المصباح (
تلخيص القسم الثالث من مفتاح
العلوم للسكاكي ).
القاهرة ، ( ١٣٤١ ه ).
١٠ ـ ابن منظور ،
محمد بن مكرم الأنصاري ( ت : ٧١١ ه ). لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، ( د. ت ).
١١ ـ ابن النديم ،
محمد بن أبي يعقوب البغدادي ( ت ٣٨٠ / ٢٨٥ ه ). الفهرست ، نشر الأستاذ فلوجل ،
ليبزيج ، ١٨٧١ / ١٨٧٢ م.
١٢ ـ أحمد مطلوب (
الدكتور ). البلاغة عند السكاكي ، مطابع دار التضامن ، بغداد ، ١٩٦٤ م.
١٣ ـ أحمد مطلوب (
الدكتور ). فنون بلاغية ، دار البحوث العلمية للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ،
الكويت ، ١٩٧٥ م.
١٤ ـ ألبرت ديتريش
: الدراسات العربية في ألمانيا ، تطوّرها التأريخي ووضعها الحالي ، جوتنجن ، ١٩٦٢
م.
١٥ ـ أمين الخولي
: بحث عن الاستشراق في مجلّة الشبان المسلمين ، القاهرة ، عدد ديسمبر ، ١٩٦٠ م.
١٦ ـ أنيس المقدسي
: تطوّر الأساليب النثرية في الأدب العربي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٦٥ م.
١٧ ـ البخاري ،
أبو عبد الله ، محمد بن إسماعيل ( ت : ٢٥٦ ه ). الجامع الصحيح ، مطبعة محمد صبيح
، القاهرة ( د. ت ).
( ١٨ ـ بروكلمان ،
المستشرق الألماني كارل بروكلمان ( ١٨٦٨ ـ ١٩٥٦ م ).
تأريخ الأدب
العربي ، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجّار ، دار المعارف ، القاهرة ، ١٩٦٨ م.
( ١٩ ـ بكري أمين (
الدكتور ). التعبير الفني في القرآن ، دار الشروق ، بيروت ، ١٩٧٢ م.
٢٠ ـ بلاشير ،
المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير ( ١٩٠٠ م ـ ١٩٧٣ م ).
القرآن ـ نزوله ـ تدوينه
ـ ترجمته ـ تأثيره. ترجمة : رضا سعادة ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ١٩٧٤ م.
٢١ ـ التهاوني ،
محمد عليّ بن عليّ الفاروقي ( من علماء القرن الثاني عشر الهجري ) كشاف اصطلاحات
الفنون ، ت : د. لطفي عبد البديع ، ود. عبد المنعم محمد حسين ، الهيئة المصرية
العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٢ م.
٢٢ ـ الجاحظ ، أبو
عثمان ، عمرو بن بحر ( ت : ٢٥٥ ه ). البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام هارون ،
القاهرة ، ١٩٤٨ م.
٢٣ ـ جبور عبد
النور : المعجم الأدبي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٧٩ م.
٢٤ ـ الجرجاني ،
أبو بكر ، عبد القاهر بن عبد الرحمن ( ت : ٤٧١ ه ).
دلائل الإعجاز ،
تصحيح : الشيخ محمد عبده ومحمد محمود الشنقيطي ، مطبعة المنار ، القاهرة ، ١٣٣١ ه.
٢٥ ـ الجرجاني ،
أبو بكر ، عبد القاهر بن عبد الرحمن ( ت : ٤٧١ ه ). الرسالة الشافية ، ضمن ثلاث
رسائل في إعجاز القرآن ، تحقيق : د. محمد خلف الله ، د. محمد زغلول سلام ، دار
المعارف ، القاهرة ١٩٧٦ م.
٢٦ ـ جميل صليبا (
الدكتور ). المعجم الفلسفي ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ١٩٧٩ م.
٢٧ ـ جورج بوست (
الدكتور ). قاموس الكتاب المقدس ، المطبعة الأمريكية ، بيروت ، ١٨٩٤ م.
٢٨ ـ جول لا بوم (
مستشرق فرنسي ) : تفصيل آيات القرآن الحكيم ، تعريب محمد فؤاد عبد الباقي ، دار
الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٦٩ م.
٢٩ ـ جولد تسهير (
مستشرق مجري ) ( ١٨٥٠ م ـ ١٩٢١ م ). مذاهب التفسير الإسلامي ، ترجمة : د. علي حسن
عبد القادر.
٣٠ ـ الخطابي ،
أبو سليمان ، أحمد بن محمد ( ت : ٣٨٣ ـ ٣٨٨ ه ). بيان إعجاز القرآن ، ضمن ثلاث
رسائل في إعجاز القرآن. تحقيق : د.
محمد خلف الله ،
ومحمد زغلول سلام ، دار المعارف بمصر ، القاهرة ، ١٩٧٦ م.
٣١ ـ الخوئي ، أبو
القاسم الموسوي الخوئي : البيان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ،
بيروت ، ١٩٤٧ م.
٣٢ ـ دائرة
المعارف الإسلامية الألمانية. تعريب : عبد الحميد يونس وجماعته ، القاهرة ، ١٩٣٣
م.
٣٣ ـ الذهبي ،
محمد حسين الذهبي ( الدكتور ). التفسير والمفسرون ، دار الكتب الحديثة القاهرة ،
١٩٦١ م.
٣٤ ـ الرازي ، فخر
الدين ، محمد بن الحسين ( ت : ٦٠٦ ه ). مفاتيح الغيب ، المطبعة البهية ، القاهرة
، ١٣٥٧ ه.
٣٥ ـ الراغب
الأصبهاني ، أبو القاسم الحسين بن محمّد ( ت : ٥٠٢ ه ).
المفردات في غريب
القرآن ، تحقيق : محمد سيد كيلاني ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ( د. ت ).
٣٦ ـ رودي بارت (
مستشرق ألماني معاصر ). الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية. ترجمة
: د. مصطفى ماهر ، دار الكاتب العربي ، القاهرة ، ١٩٦٧ م.
٣٧ ـ الزرقاني ،
محمد عبد العظيم ( معاصر ). مناهل العرفان في علوم القرآن ، دار إحياء الكتب
العربية ، القاهرة ، ( د. ت ).
٣٨ ـ الزركشي ،
بدر الدين ، محمد بن عبد الله ( ت : ٧٩٤ ه ). البرهان في علوم القرآن ، تحقيق :
محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، ١٩٥٧ م.
٣٩ ـ الزمخشري ،
أبو القاسم ، جار الله ، محمود بن عمر ( ت : ٥٣٨ ه ).
الكشاف عن حقائق
غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. دار الكتاب العربي ، بيروت ( د. ت
).
٤٠ ـ الزنجاني ،
أبو عبد الله الزنجاني ( ١٣٠٩ ه ـ ١٣٦٠ ه ). تأريخ القرآن ، الطبعة الثالثة ،
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ١٩٦٩ م.
٤١ ـ السكاكي ،
أبو يعقوب ، يوسف بن أبي بكر الخوارزمي ( ت :
٦٣٦ ه ). مفتاح
العلوم ، المطبعة الأدبية ، القاهرة ، ١٣١٧ ه.
٤٢ ـ السيوطي ،
جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ( ت : ٩١١ ه ).
الإتقان في علوم
القرآن ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، مطبعة المشهد الحسيني ، القاهرة ، ١٩٦٧
م.
٤٣ ـ شبيتالر (
مستشرق ألماني ) ولد : ( ١٩١٠ م ). ترجمة بريتسل ( بريتزل ) المجلة الشرقية
الألمانية ، ميونخ ، ١٩٤٢ م.
٤٤ ـ صبحي الصالح (
الدكتور ). مباحث في علوم القرآن ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٦٥ م.
٤٥ ـ الطبرسي ،
أبو علي ، الفضل بن الحسن ( ت : ٥٤٨ م ). مجمع البيان في تفسير القرآن ، مطبعة
العرفان ، صيدا ، ١٣٣٣ ه.
٤٦ ـ عبد الصبور
شاهين ( الدكتور ). تاريخ القرآن ، دار الكاتب العربي ، القاهرة ، ١٩٦٦ م.
٤٧ ـ عبد الوهاب
حمودة ( الدكتور ). القراءات واللهجات ، مطبعة دار السعادة ، القاهرة ، ١٩٤٨ م.
٤٨ ـ غانم قدوري
حمد. محاضرات في علوم القرآن ، دار الكتاب للطباعة ، بغداد ، ١٩٨١ م.
٤٩ ـ غوستاف لوبون
( مستشرق فرنسي ). حضارة العرب ، تعريب : عادل زعيتر ، مطبعة عيسى البابي الحلبي
وشركائه ، القاهرة ( د. ت ).
٥٠ ـ فلوجل ،
المستشرق الألماني غوستاف فلوجل ( ١٨٠٢ م ـ ١٨٧٠ م ).
نجوم الفرقان في
أطراف القرآن ، ليبزيج ، ١٨٨٤ م.
٥١ ـ الفيروزآبادي
، مجد الدين ، محمد بن يعقوب بن محمد ( ت : ٨١٧ ه ). القاموس المحيط المطبعة
الحسينية ، القاهرة ، ١٩٣٥ م.
٥٢ ـ القزويني ،
أبو المعالي ، جلال الدين ، محمد بن عبد الرحمن ( ت : ٧٣٩ ه ). الإيضاح في علوم
البلاغة ، مطبعة صبيح ، القاهرة ، ١٩٧١ م.
٥٣ ـ مالك بن بني
: الظاهرة القرآنية ، ترجمة : د. عبد الصبور شاهين ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٦٨ م.
٥٤ ـ مجمع اللّغة
العربية في القاهرة. مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع ، ج ١٠.
الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ، القاهرة ، ١٩٦٨ م.
٥٥ ـ محمد حسين
الطباطبائي. ( ت : ١٤٠٢ ه / ١٩٨٢ م ). الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات ، بيروت ، ١٩٧٣ م.
٥٦ ـ محمد حسين
عليّ الصغير ( المؤلف ). المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم. المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر ، بيروت ، ١٩٨٣ م.
٥٧ ـ محمد حسين
عليّ الصغير ( المؤلف ). المستشرقون والدراسات القرآنية. المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، بيروت ، ١٩٨٣ م.
٥٨ ـ محمد رشيد
رضا : الوحي المحمدي ، مطبعة المنار ، القاهرة ، ١٩٣٥ م.
٥٩ ـ محمد شفيق
غربال : الموسوعة العربية الميسرة مادة : قرآن. مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ،
القاهرة ، ١٩٦٥ م.
٦٠ ـ محمد عبد
الغني حسن ( معاصر ). فن الترجمة في الأدب العربي ، الدار المصرية للتأليف
والترجمة ، القاهرة ( د. ت ).
٦١ ـ محمد عبدة :
رسالة التوحيد ، الطبعة التاسعة ، القاهرة ، ١٣٥٧ ه.
٦٢ ـ محمد عوض
محمد ( معاصر ). فن الترجمة ، القاهرة ، ١٩٦٩ م.
٦٣ ـ محمد فؤاد
عبد الباقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، مطبعة دار الكتب المصرية ،
القاهرة ، ١٩٤٥ م.
٦٤ ـ مرعشلي ،
نديم وأسامة مرعشلي ، ( معاصران ). الصحاح في اللّغة والعلوم ، دار الحضارة
العربية ، بيروت ، ١٩٧٤ م.
٦٥ ـ نجيب العقيقي
: المستشرقون ، دار المعارف ، القاهرة ، ١٩٦٤ م / ١٩٦٥ م.
٦٦ ـ الندوي ، أبو
الحسن علي الحسيني الندوي : النبي الخاتم ، القاهرة ، ١٩٧٥ م.
٦٧ ـ الندوي ، عبد
الله عباس ( معاصر ). ترجمات معاني القرآن وتطور فهمه عند الغرب ، دار الفتح ، مكة
المكرمة ، ١٩٧٢ م.
٦٨ ـ نولدكه ،
المستشرق الألماني تيودور نولدكه ( ١٨٣٦ م ـ ١٩٣٠ م ).
دائرة المعارف
الإسلامية الألمانية ، ج / ٩ ، مادة : الدين ، تعريب : د.
عبد الحميد يونس
وجماعته ، القاهرة ، ١٩٣٣ م.
٦٩ ـ وديع فلسطين (
معاصر ). مقومات الترجمة الصحيحة ، مجلة المجمع العلمي العربي ، دمشق ، يناير ،
١٩٦٢ م.
المراجع
الأجنبية
Emile Der Men and Hem. 1 -
,
1930. The life of mahomet
Newxork
EncycloPaediea Britsniea - 2
. ( 1911 - 1910 ) ، ( Eney. Bret )
. Rerawlte et Francisk - 3
.Paris ، Mohomet
Sir Wiliam Muir - 4
. 1912 Grant, Life of mohammad,
. Th. Noeldeke
- 5
.Zweite Aufl. bearbeitet Geschechte des Qorns,
. 1919 - 1909 Fr. Suhwally, Le-zig,
Tor Ander, - 6
.Der urprung des Islams
A.Yusu f Ali - 7
The Holy Quran Text,
Beirut, 1965. Transltion And CommentarY,
.in Th. Noldare, - 8
. ( 1911 - 1910 ) Encyclolaedia Britaniea
Emile DER Men jhem - 9
1930 The Life of mahomet Newyorl,
RERAWLTE et Francisk Mohament,
Pars - 10
1905 - 1819 ) Sir Wlliam Muir - 11
The of Mahomet, GR ANT, 1912
فهرس المواضيع
مقدمة....................................................................... ٥
المدخل....................................................................... ٩
تعريف الاستشراق.......................................................... ١١
دوافع الاستشراق........................................................... ١٣
ب
ـ الدوافع الاستعمارية :.................................................. ١٦
ج
ـ الدوافع العلميّة :....................................................... ١٧
الفصل الأول.................................................................. ١٩
تأريخ القرآن.................................................................. ١٩
الفصل
الثاني................................................................... ٣٥
ظاهرة
الوحي والمستشرقون..................................................... ٣٥
الفصل
الثالث................................................................. ٦١
ترجمة
القرآن.................................................................. ٦١
أولا
ـ الترجمة الكلية :...................................................... ٦٣
ثانيا
ـ الترجمة الجزئية :..................................................... ٦٩
الفصل
الرابع.................................................................. ٧١
التحقيق
والفهرسة والتدوين..................................................... ٧١
أ
ـ التحقيق :.............................................................. ٧٣
ب
ـ الفهرسة :............................................................ ٧٦
ج
ـ التدوين :............................................................. ٧٨
الفصل
الخامس................................................................. ٨١
الدراسات
الموضوعية في القرآن الكريم............................................ ٨١
أ
ـ العقائد والديانات :..................................................... ٨٤
ب
ـ الفن القصصي في القرآن :............................................. ٨٦
ج
ـ فقه اللغة العربية في القرآن :............................................ ٨٧
د
ـ بلاغة القرآن :......................................................... ٨٨
هـ ـ
بحوث أخرى :........................................................ ٨٨
الفصل
السادس................................................................ ٩٣
تقويم
الجهود الاستشراقية في..................................................... ٩٣
الدراسات
القرآنية.............................................................. ٩٣
١
ـ طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن :....................................... ٩٥
٢
ـ التوثيق من ينابيعه الأولى :............................................. ١٠٢
٣
ـ استقراء المجهول :..................................................... ١٠٥
الفصل
السابع الأبعاد......................................................... ١٠٩
الفنية
لترجمة القرآن........................................................... ١٠٩
ومشكلاتها
البلاغية عند المستشرقين............................................ ١٠٩
ترجمة
القرآن الكريم........................................................ ١١١
أبعادها
الفنية ومشكلاتها البلاغية............................................ ١١١
مدلول
الترجمة :........................................................... ١١٢
الأبعاد
الفنية :............................................................. ١١٤
المشكلات
البلاغية :....................................................... ١٢٢
أ
ـ دلالة الألفاظ :....................................................... ١٢٧
ب
ـ التركيب الجملي :................................................... ١٣٤
ج
ـ النظم والسياق القرآني :.............................................. ١٣٧
الفصل
الثامن................................................................ ١٤٣
معجم
الدراسات الاستشراقية.................................................. ١٤٣
خاتمة
البحث.............................................................. ١٦٣
المصادر
والمراجع........................................................... ١٦٩
|