مقدمة
المركز
الحمد
لله الواحد الأحد الذي تطمئن القلوب بذكره ، والصلاة والسلام علىٰ أبي القاسم محمد أشرف أنبياء الله ورسله ، وعلىٰ آله المنتجبين أولي الألباب
والنهىٰ ، وعدل الكتاب المطهرين بمحكمه وكفىٰ .
تبرز
أهمية الحديث عن الاُسرة اليوم في خضم الصراع الحضاري والثقافي الدائر بين الإسلام كدين ونظام للحياة والمجتمع وبين الأنظمة المادية ، سواء في الشرق أو الغرب ، التي جعلت تفكيك الاُسرة أو تهميش الروابط الاُسرية جزءا لا يتجزء من صياغاتها النظرية وبرامجها العملية ، مع ما تمتلكه هذه الأنظمة المادية اليوم من عناصر قوة تمكنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلامية التي افتقدت منذ زمن عنصر المبادرة ، بل افتقدت إلىٰ حدٍ كبير القدرة علىٰ التحصن الثقافي ضد أي غزو أو اختراق من هذا النوع .
وإذا
كان الإسلام يتمتع بقدراته الذاتية الفائقة بما يتوفر عليه من نظم شاملة ومتماسكة فإن المسلمين بحاجة دائما إلىٰ مزيد من الوعي الذي يرتفع بمعارفهم الإسلامية إلىٰ مستوىٰ الثقافة العملية المعاشة في الواقع ،
من أجل تقليل الفجوة بين واقعهم العملي وبين ما يستندون إليه من رصيد عقيدي وفكري اثبتت وتثبت تجارب الاُمم أنه الرصيد الأكمل والأعظم ، شمولاً وعمقاً وتماسكاً ، من أي رصيد آخر تستند إليه أُمّة من أُمم الأرض .
فها
نحن نشهد في عصرنا الحديث صرخات الكثير من المفكرين وعلماء الاجتماع الغربيين وهي تتوجع من نظام تفكيك الاُسرة ومخلفاته السيئة علىٰ الفرد والمجتمع ، مشفوعة باحصاءات علمية تؤكد دعواهم المستمرة إلىٰ
المحافظة
علىٰ نظام الاُسرة وصيانة كيانها ، بل قد ذاق المجتمع الغربي نفسه مرارة واقعه الاُسري المفكك فظهرت جمعيات خاصة لمقاومة اتجاه النساء إلىٰ العمل خارج المنزل ، واُخرىٰ تدعو إلىٰ العودة إلىٰ الأديان
السماوية وتعاليمها في شأن الاُسرة .. فيما خصصت احدىٰ الحكومات الاسكندنافية أخيراً مكافئات مالية مغرية للآباء أيام الاجازات، ترغيباً لهم في أن يقضوا أوقاتاً أطول مع أبنائهم .
ولكن
مهما بلغت هذه الصرخات من قوة وقدرة علىٰ التأثير فإنها ستبقىٰ معالجات سطحية إذا ما قورنت بالنظام الاُسري في الإسلام الذي تتوزع أركانه علىٰ المجتمع والاُسرة والفرد ، ليضمن تحقيق الاستعداد التام لتكوين الاُسرة
السليمة ، منذ مقدماتها الاُولىٰ ، متابعاً مراحل نشأتها وتكوينها ونموها ،
في ما هو اُسري بحت ، وفي ما يتجاوز اطار الاُسرة إلىٰ المجتمع . الأمر الذي يتطلب
تحقيق المستوىٰ الأفضل من الوعي برسالة هذا النظام والمعرفة بتفاصيله التي تنتظم في نسق متكامل لا يستغني فيه بعضها عن بعض .
من
أجل ذلك كلّه تتبنىٰ سلسلة «المعارف الإسلامية» التي يصدرها مركز الرسالة هذا الكتاب الذي يذهب بالقارئ إلىٰ أوليات ما عني به الإسلام من آداب الاُسرة ، وما وضعه من فقه خاص بها ، آملين تحقيق النفع المطلوب والفائدة المرجوة .
والله من وراء القصد
مركز الرسالة
المقدِّمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة
والسلام علىٰ خاتم الرسل والأنبياء محمد المصطفىٰ وعلىٰ آله الطيبين الطاهرين ، وصحبهم المنتجبين .
وبعد : الاُسرة هي اللبنة الاُولىٰ
لتكوين المجتمع ، وهي نقطة الانطلاق في انشاء وتنشئة العنصر الإنساني ، ونقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع ومراحل سيره الايجابية والسلبية ، ولهذا أبدىٰ الإسلام عناية خاصة بالاُسرة ، فوضع لها آداباً وفقهاً متكاملاً شاملاً لجميع جوانبها النفسية والسلوكية .
وآداب الاُسرة ، أو قل فقه الاُسرة لم
ينشأ من فراغ ولا يبحث في فراغ ، وإنّما هو فقه واقعي ، يراعي الطبيعة البشرية بما فيها الفوارق الجسدية والنفسية بين الجنسين ، ويراعي الحاجات الفطرية ، فلا يبدلها ولا يعطلها ولا يحمّلها ما لا تطيق ، وهو يتمثل بالدقة في تناول كل خالجة نفسية وكل موقف وكل حركة سلوكية ، ويجعل العلاقات في داخل الاُسرة علاقات سكنٍ للروح وطمأنينةٍ للقلب وراحةٍ للجسد ، علاقات ستر واحصان ، ويهذب النفس للحيلولة دون استسلامها للاهواء والشهوات المتقلبة ، ويحررها من نزعات المطامع والرغبات الزائلة .
إنّها الآداب المستمدة من النصوص
القرآنية والحديث الشريف ، والتي تواكب جميع المراحل التي تمرُّ بها الاُسرة قبل تشكيلها وبعده ، فتضع لكلِّ
مرحلة قواعدها الكلية
والجزئية الشاملة لجوانب النفس وجوانب الحوادث والمواقف ، فتحدد العلاقات بين الجنسين قبل الزواج وبعده ، وقبل توسع الاُسرة بالانجاب وبعده ، وتحدّد العلاقات داخل الاُسرة علىٰ ضوء المرسوم من الحقوق والواجبات القائمة علىٰ التكافل والتراحم والتناصح والسماحة والمودة والاحسان ، وترسم للاُسرة طريقها في التعامل الاجتماعي ، من أجل التكاتف والتآزر في بناء واصلاح كيانها والكيان الاجتماعي الكبير .
وبالتالي فهي ترفد الاُسرة بمنهج حياة
واقعي يتتبع أهميتها وخصوصياتها وآمالها وآلامها وعلاقاتها ، واضعةً الحلول اللازمة ، وقايةً وعلاجا للخلافات المتأصلة أو الطارئة .
وفي بحثنا هذا نتابع آداب الاُسرة في
جميع مراحلها ، علىٰ فصول : نتناول في الفصل
الأول : مقدمات تشكيل الاُسرة ، واختيار شريك
الحياة المناسب ، وفي الفصل
الثاني : الأحكام العملية لبناء الاُسرة ابتداءً
بالعقد وانتهاءً بالولادة والحضانة ، وفي الفصل الثالث :
الحقوق الاُسرية ، وفي الفصل
الرابع : الخلافات الزوجية وأسلوب معالجتها
إيجابا وسلبا ، وفي الفصل
الخامس : علاقات الاُسرة بالمجتمع ابتداءً
بالأرحام ومروراً بالجيران وانتهاءاً بالمجتمع الكبير ، وأخيراً نتناول في الفصل
السادس : أحكام عامّة للعلاقة بين الجنسين ، وأحكام العلاقة بين المحارم وغيرهم . وسنقوم بمتابعة النصوص القرآنية والروايات الواردة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وعن أهل بيته عليهمالسلام
، وآراء الفقهاء المتقدمين بالدرجة الاُولىٰ ، وآراء بعض الفقهاء المتأخرين ، وقد اخترنا الآراء التي لا خلاف فيها ؛ من خلال متابعة
آراء أكبر عدد من
الفقهاء المشهورين متقدمين كانوا أم متأخرين ، واخترنا في الهامش المصدر الأوضح في الدلالة والصياغة العلمية والأدبية ، وهو ليس ترجيحا لرأي علىٰ آخر ، وإنّما ترجيح لمصدر علىٰ آخر ، وملاك الترجيح هو سهولة الاُسلوب وملائمته لجميع المستويات الثقافية ، متجنبين استخدام العبارات الغامضة .
ومنه تعالىٰ نستمد العون والتسديد
الفصل
الأول مقدمات تشكيل الاُسرة
معنىٰ
الاُسرة :
الاُسرة
لغةً :
أُسرة الرجل : عشيرته ورهطه الأدنون ؛
لأنّه يتقوىٰ بهم
.
والاُسرة : عشيرة الرجل وأهل بيته
.
والاُسرة : أهل الرجل وعشيرته ،
والجماعة يربطها أمر مشترك
.
والاُسرة : أهل بيت الإنسان وعشيرته ،
وأصل الاُسرة الدرع الحصينة ، وأطلقت علىٰ أهل بيت الرجل ؛ لأنّه يتقوىٰ بهم
.
_______________
الاُسرة
اصطلاحاً :
هي رابطة الزواج التي تصحبها ذُرّية
.
وهي : رابطة اجتماعية تتكون من زوج
وزوجة وأطفالهما ، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب علىٰ أن يكونوا في معيشة واحدة
.
استحباب
النكاح وأهميته :
النكاح هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل
الاُسرة ، وهو الارتباط المشروع بين الرجل والمرأة ، وهو طريق التناسل والحفاظ علىٰ الجنس البشري من الانقراض ، وهو باب التواصل وسبب الأُلفة والمحبة ، والمعونة علىٰ العفّة والفضيلة ، فبه يتحصّن الجنسان من جميع ألوان الاضطراب النفسي ، والانحراف الجنسي ، ومن هنا كان استحبابه استحباباً مؤكّداً ، قال تعالىٰ : (
وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
.
ووردت روايات عديدة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
تؤكد هذا الاستحباب ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
تزوجوا فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : من أحبَّ أن يتبع سنتي فإنَّ من سنتي التزويج »
.
وللزواج تأثيرات إيجابية علىٰ الرجل
والمرأة وعلىٰ المجتمع ، فهو الوسيلة للانجاب وتكثير النسل ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تناكحوا تكثّروا ، فإنّي أُباهي
_______________
بكم الاُمم ، حتىٰ بالسقط »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً ، لعلَّ الله أن يرزقه نسمة ، تثقل الأرض بلا إله إلّا الله »
.
وهو ضمان لاحراز نصف الدين ، لأنّه
الحصن الواقي من جميع ألوان الانحراف والاضطراب العقلي والنفسي والعاطفي ، فهو يقي الإنسان من الرذيلة والخطيئة ، ويخلق أجواء الاستقرار في العقل والقلب والارادة ، لينطلق الإنسان متعالياً عن قيود الأهواء والشهوات التي تكبّله وتشغله عن أداء دوره في الحياة وفي ارتقائه الروحي واسهامه في تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الباقي »
.
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : «
ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما الأعزب »
.
وعليه فإنّ استحباب النكاح موضع اتفاق
بين المسلمين
.
ولأهمية النكاح جعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
في المرتبة الثانية من مراتب الفوائد المعنوية ، حيث قال : « ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد
الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها
_______________
في نفسها وماله »
.
وهو باب من أبواب الرزق بأسبابه
الطبيعية المقرونة بالرعاية الالهية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
اتخذوا الأهل ، فإنّه أرزق لكم »
.
كراهية
العزوبة :
حكم الإسلام بكراهية العزوبة ؛ لأنّها
تؤدي إلىٰ خلق الاضطراب العقلي والنفسي والسلوكي الناجم عن كبت الرغبات وقمع المشاعر ، وتعطيل الحاجات الأساسية في الإنسان ، سيّما الحاجة إلىٰ الاشباع العاطفي والجنسي ، والعزوبة تعطيل لسنة من سنن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
الذي قال : «
من سنتي التزويج ، فمن رغب عن سنتي فليس مني »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنّ أراذل موتاكم العزاب »
، وفي رواية : «
شرار موتاكم العزاب »
.
وقد أثبت الواقع أن العزاب أكثر عرضةً
للانحراف من المتزوجين ، فالمتزوج اضافة إلىٰ إشباع حاجاته الأساسية ، فإنّ ارتباطه بزوجة وأُسرة يقيّده بقيود تمنعه عن كثير من الممارسات السلبية ، حفاظا علىٰ سمعة أُسرته وسلامتها ، مما يجعله أكثر صلاحاً وأداءً لمسؤوليته الفردية والاجتماعية .
_______________
وتزداد الكراهية حينما يعزب الإنسان عن
الزواج مخافة الفقر، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
من ترك التزويج مخافة الفقر ، فقد أساء الظنّ بالله عزَّ وجلَّ »
.
ومن الحلول الوقتية التي سنّها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
للتخفيف من وطأة العزوبية أن أمر الشباب أمراً ارشادياً بالالتجاء إلىٰ الصوم ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوّج ، ومن لم يستطع فَليُدمِنِ الصوم ، فإنّ الصوم له وجاء »
.
هذا الحديث يجعل الزواج في مقابل الصوم
كأحد الوسائل الرادعة لجميع أسباب الانحراف وتأثيراتها السلبية . فبالصوم يستطيع الشاب أن يهذب غرائزه ، ويخفف من تأثيراتها السلبية ، النفسية والعاطفية والسلوكية دون قمع أو كبت ، إضافة إلىٰ إدامة العلاقة مع الله تعالىٰ التي تمنعه
من كثير من ألوان الانحراف والانزلاق النفسي والسلوكي ، وبالزواج أيضاً يستطيع أن يحقق عين الآثار المتمثلة بتهذيب السلوك ومقاومة أسباب الانحراف .
استحباب السعي في النكاح :
حث الإسلام علىٰ السعي في النكاح
، والمساهمة في الترويج له وإقراره في الواقع بالجمع بين رجل وامرأة لتكوين اُسرة مسلمة، فمن يسعى فيه يعوضه الله تعالىٰ عن سعيه في الآخرة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
... ومن عمل
_______________
في تزويج بين مؤمنين حتىٰ يجمع
بينهما زوّجه الله عزَّ وجلَّ ألف امرأة من الحور العين .. »
.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة : من أقال نادماً ، أو أغاث لهفان ، أو أعتق نسمة ، أو زوّج عزباً »
.
وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام : «
ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظلّ إلّا ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّاً »
.
وجعله الإمام علي عليهالسلام من أفضل الشفاعات
فقال : «
أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتىٰ يجمع الله بينهما »
.
والروايات المتقدمة تحثّ الناس
إلىٰ السعي في الجمع بين الرجل والمرأة لتكوين أسرة مسلمة ، فيستحب جميع ما يؤدي إلىٰ ذلك ، من السعي في الخطبة ، أو بذل المال لتوفير مستلزمات الزواج أو التشجيع عليه أو غير ذلك .
استحباب الدعاء للنكاح :
الدعاء بنفسه من العبادات المستحبة ،
لذا حثّ الإسلام عليه في سائر شؤون الإنسان ، ومن بينها النكاح ، لتكون جميع أعمال الانسان متجهة إلىٰ الله تعالىٰ في سيرها ، طلباً لمرضاته .
_______________
وقد أكدت الروايات علىٰ استحباب
الدعاء لمن أراد النكاح ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
فإذا همّ بذلك فليصلِّ ركعتين ويحمد الله ، ويقول : اللهمّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمّ فاقدر لي من النساء أعفهنَّ فرجاً ، وأحفظهنَّ لي في نفسها وفي مالي ، وأوسعهنَّ رزقا ، وأعظمهنَّ بركة ، وأقدر لي منها ولداً طيباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي »
.
واللّه تعالىٰ يجيب الإنسان إذا
دعاه بقلب مخلص ونيّة صالحة ، كما تظافرت علىٰ ذلك الآيات والروايات ، وهو نعم العون في اختيار صالح الأعمال لعبده المؤمن المخلص ، وخصوصا في مثل هذه القضية المهمة التي تكون مقدمة لسعادته في الدنيا والآخرة .
اختيار
الزوجة :
العلاقة الزوجية ليست علاقة طارئة أو
صداقة مرحلية ، وإنّما هي علاقة دائمة وشركة متواصلة للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية ، وهي أساس تكوين الاُسرة التي ترفد المجتمع بجيل المستقبل ، وهي مفترق الطرق لتحقيق السعادة أو التعاسة للزوج وللزوجة وللأبناء وللمجتمع ، لذا فينبغي علىٰ الرجل أن يختار من يضمن له سعادته في الدنيا والآخرة .
عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي
عبدالله عليهالسلام
: إنّ صاحبتي هلكت رحمها الله ، وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، فقال لي : «
اُنظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه علىٰ دينك وسرّك ، فإن كنت فاعلاً فبكراً تنسب إلىٰ الخير وحسن الخلق ، واعلم :
_______________
ألا إنّ النساء خلقن شتىٰ
|
|
فمنهنَّ الغنيمة والغرام
|
ومنهنَّ الهلال إذا تجلّىٰ
|
|
لصاحبه ومنهنَّ الظلام
|
فمن يظفر بصالحهنَّ يسعد
|
|
ومن يعثر فليس له انتقام »
|
وراعىٰ الإسلام في تعاليمه
لاختيار الزوجة ، الجانب الوراثي ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته ومدىٰ انعكاسه علىٰ سلوكها وسيرتها .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
«
تخيروا لنطفكم ، فإنّ العرق دسّاس »
.
وروي أنّه جاء إليه رجل يستأمره في
النكاح ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
نعم انكح ، وعليك بذوات الدين تربت يداك »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
«
من سعادة المرء الزوجة الصالحة »
.
فيستحب اختيار المرأة المتدينة ، ذات
الأصل الكريم ، والجو الاُسري السليم
.
وبالاضافة إلىٰ هذه الاُسس فقد
دعا الإسلام إلىٰ اختيار المرأة التي
_______________
تتحلىٰ بصفات
ذاتية من كونها ودوداً ولوداً ، طيبة الرائحة ، وطيبة الكلام ، موافقة ، عاملة بالمعروف إنفاذاً وإمساكاً
.
وفضّل تقديم الولود علىٰ سائر
الصفات الجمالية ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تزوجوا بكراً ولوداً ، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقراً ، فاني أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة »
.
ولم يلغِ ملاحظة بعض صفات الجمال لاشباع
حاجة الرجل في حبه للجمال ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إذا أراد أحدكم أن يتزوج ، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فان الشعر أحد الجمالين »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تزوجوا الأبكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواهاً »
.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أفضل نساء أمتي أصبحهنَّ وجهاً ، وأقلهنَّ مهراً »
.
ويستحب أن تكون النية في الاختيار
منصبّة علىٰ ذات الدين ، فيكون اختيارها لدينها مقدّماً علىٰ اختيارها لمالها أو جمالها ، لأنَّ الدين هو العون الحقيقي للانسان في حياته المادية والروحية ، قال الامام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك ، فإنّ
_______________
تزوجها لدينها رزقه الله عزَّ وجلَّ
جمالها ومالها »
.
ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة
في محيط أُسري سيء ، والسيئة الخلق ، والعقيم ، وغير السديدة الرأي ، وغير العفيفة ، وغير العاقلة ، والمجنونة
، لأنّها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة ، وتخلق الأجواء الممهّدة لانحراف الاطفال عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم ، ولقصورها عن التربية الصالحة .
عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : «
قام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
خطيباً ، فقال : أيُّها الناس إياكم وخضراء الدمن . قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء »
.
وحذّر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة
بالزنا ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا »
، وذلك لأنّها تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح ، إضافة إلىٰ فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها المتدين ، إضافة إلىٰ إنعكاسات انظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الاُسرة .
وكما نصح بتجنّب الزواج من الحمقاء
لامكانية انتقال هذه الصفة إلىٰ الاطفال ، ولعدم قدرتها علىٰ التربية ، وعلىٰ الانسجام مع الزوج وبناء
الاُسرة الهادئة والسعيدة ، قال الامام علي عليهالسلام
: «
إيّاكم وتزويج الحمقاء ،
_______________
فإنّ صحبتها بلاء ، وولدها ضياع »
.
وكذا الحال في الزواج من المجنونة ،
فحينما سُئل الإمام الباقر عليهالسلام
عن ذلك أجاب :
«
لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس أن يطأها ، ولا يطلب ولدها »
.
اختيار
الزوج :
الزوج هو شريك عمر الزوجة ، وهو المسؤول
عنها وعن تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسياً وروحياً ، وهو المسؤول عن توفير ما تحتاجه الاُسرة من حاجات مادية ومعنوية ، لذا يستحبّ اختياره طبقاً للموازين الإسلامية ، من أجل سلامة الزوجة والاُسرة من الناحية الخلقية والنفسية ، لانعكاس صفاته وأخلاقه علىٰ جميع أفراد الاُسرة من خلال المعايشة ، فله الدور الكبير في سعادة الاُسرة أو شقائها .
وعليه فقد أكدت الشريعة المقدسة
علىٰ أن يكون الزوج مرضيا في خلقه ودينه ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه »
، وأردف صلىاللهعليهوآلهوسلم
ذلك بالنهي عن ردّ صاحب الخلق والدين فقال : « إنّكم إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبي »
.
وأضاف الإمام محمد الجواد عليهالسلام صفة الأمانة
إلىٰ التدين فقال : « من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوّجوه ، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض
_______________
وفساد كبير »
.
الكفاءة
في الزوج :
كانت العرب لا تقدِّم شيئا علىٰ عنصر
الكفاءة في الرجل ، والرجل الكفؤ عندهم ، هو من كان ذا نسبٍ مناظر لنسب المرأة التي تقدَّم لخطوبتها ، ولا يقدّم عندهم علىٰ النسب شيء ، ومازال هذا الفهم سائداً لدن الكثير من المجتمعات ، لا سيّما القبلية منها ، أو التي احتفظت بعاداتها القبلية وإن تمدنت في الظاهر .
لكن الإسلام قدّم رؤيته للكفاءة في
معناها الصحيح وإطارها السليم ، المنسجم مع ميزان السماء : (
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) مع الأخذ بنظر الاعتبار حقّ المرأة في العيش . فعرّف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
الرجل الكفؤ بقوله : «
الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار »
.
وقيل : إنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح
أمران : الإيمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها والانفاق عليها ، ولا يراعىٰ ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع ، فلا بأس أن يتزوج أرباب الصنائع الدنيّة بأهل المروات والبيوتات
.
ويحرم رفض الرجل المتقدم للزواج المتصف
بالدين والعفة والورع والأمانة واليسار ، إذا كان حقير النسب
.
_______________
ولقد روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «
إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
زوّج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبدالمطلب ، وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح ، وليتأسوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم »
.
ولملاحظة أن المرأة تتأثر بدين زوجها
والتزامه بقدر تأثرها بأخلاقه وأدبه أكثر من تأثره هو بدينها وأدبها ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
تزوّجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم ، لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقهرها علىٰ دينه »
.
ويكره للأب أن يزوّج ابنته من شارب
الخمر ، والمتظاهر بالفسق ، والسيء السيرة
.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله علىٰ لساني ، فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب »
؛ لأنّ شرب الخمر
والادمان عليه يؤدي إلىٰ خلق الاضطراب الاُسري والتفكك الاجتماعي في جميع ألوانه ، إضافة إلىٰ ذلك فإنّه عقاب لشارب الخمر ليكون ردعاً له .
وكما حذّر الإسلام من تزوج المرأة
المشهورة بالزنا ، فقد حذّر أيضاً من تزويج الرجل المعلن بالزنا ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لا تتزوج المرأة
_______________
المعلنة بالزنا ، ولا يزوج المعلن
بالزنا إلّا بعد أن يعرف منهما التوبة »
.
الأحكام
المتعلقة بالخطبة :
الخطبة تعني مبادرة الرجل لطلب الزواج
من امرأةٍ ، تبقىٰ أجنبية عليه ما دام لم يعقد عليها عقد الزواج .
وهي بداية للتعارف عن قرب ، يطلع من
خلالها كل من الرجل والمرأة علىٰ خصوصيات الآخر ، وخصوصاً ما يتعلق بالجانب الجسدي والجمالي ، لذا جوّز الإسلام النظر في حدود مشروعة وقيود منسجمة مع قيمه وأُسسه في العلاقة بين الرجل والمرأة .
فيجوز للرجل أن ينظر إلىٰ وجه
المرأة ، ويرىٰ يديها بارزة من الثوب ، وينظر إليها ماشية في ثيابها
، ويجوز لها كذلك ، ولا يحلّ لهما ذلك من دون ارادة التزويج
.
عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «
لا بأس بأن ينظر إلىٰ وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها »
.
وقال أيضا : «
لا بأس بأن ينظر الرجل إلىٰ المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلىٰ خلفها وإلى وجهها »
.
_______________
وله أيضا جواز تكرار النظر ، وأن ينظر
إليها قائمة وماشية ، وأن ينظر إلىٰ شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب
.
وقيّد الإمام الصادق عليهالسلام ذلك بعدم التلذّذ ،
فحينما سُئل عن النظر إلىٰ شعرها ومحاسنها قال عليهالسلام
: «
لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً »
.
وخلاصة الأحكام المتعلقة بالخطبة هي
جواز النظر بشرط إرادة التزويج ، فمن لم ينوِ التزويج يكون نظره محرماً ، ويشترط عدم التلذّذ لأنّه حرام بأيّ حال من الأحوال .
استحباب
الخطاب أثناء الخطبة :
يستحبّ ذكر الله تعالىٰ أثناء
الخطبة ، ليحصل الارتباط به تعالىٰ في جميع الأحوال ، ويكون ذلك انطلاقاً للالتزام بمفاهيم الإسلام وقيمه وتقريرها في واقع الحياة الزوجية ، ليكون الوئام والحب والاُلفة والاُنس هو الحاكم علىٰ العلاقات بعد الزواج ، والخطبة المسنونة المروية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
هي كالتالي : «
الحمدُ لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام، إنّ الله كان عليكم رقيباً ، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون ، اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد
_______________
فاز فوزاً عظيماً »
.
أحكام
خطبة المرأة ذات العدّة :
المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً تعتبر ذات
زوج ، فللزوج حق الرجوع إليها في أثناء العدّة دون عقد جديد ، وقد حكم الإسلام بحرمة التقدم لخطبتها ، تعريضاً كانت أم تصريحاً ، لأنّها ذات زوج
.
والتعريض هو أن يخاطب الرجل المرأة
بكلام يحتمل فيه إرادة النكاح وغيره ، مثل أن يقول لها : رُبّ راغب فيك ، رُبّ حريص عليك ، لا تبقين بلا زوج
.
والتصريح هو أن يخاطب الرجل المرأة
خطاباً صريحاً لا يحتمل فيه غير إرادة النكاح ، بأن يقول لها : إذا انقضت عدّتك تزوجتك
.
والإسلام حينما حرّم ذلك أراد أن يهذّب
النفوس أولاً ، وأن يصلح العلاقة الزوجية ثانياً ، فالمرأة في العدة الرجعية تبقىٰ في عصمة الزوجية ،
واحتمال رجوع الزوج إليها احتمالاً وارداً ، فإذا خطبت من قبل الغير بالتعريض أو التصريح ، فإن ذلك يؤدي إلىٰ تشجيعها علىٰ عدم الرجوع إلىٰ حياتها الزوجية ، ولو علم زوجها أن أحداً تعرّض لها أو صرّح بالزواج منها أثناء العدّة ، فإنّ ذلك يمنعه من الرجوع إليها .
أمّا المعتدّة عن الطلاق البائن فهي
أجنبية عن زوجها ، لا ترجع إليه إلّا
_______________
بعد أن تنكح زوجاً
آخر ، فيجوز لزوجها الأول أن يتزوجها بعقد جديد بعد طلاقها من الزوج الثاني ، ففي هذه الحالة يكون التعريض لها جائز ، فقد روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال لفاطمة بنت قيس ـ المطلقة ثلاثاً ـ « إذا حللت فآذنيني »
.
أمّا التصريح لها بالخطبة فحرام ، وكذا
الحال في المعتدة عدة الوفاة ، فيجوز التعريض بخطبتها ، ويحرم التصريح
.
قال تعالىٰ : (
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ
أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا
تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ .. )
.
المهر
والصداق :
المهر هو منحة من الرجل إلىٰ المرأة
التي يريد الزواج منها ، قال تعالىٰ : ( وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً )
. والنحلة هي
(العطية من غير مثامنة)
.
وجوّز الفقهاء أن يكون المهر تعليم سورة
أو آية من القرآن ، أو شيء من الحِكم والآداب
، عملاً بما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
من أنّه زوّج
_______________
رجلاً لا يملك شيئاً
، فقال له : «
قد زوجتك علىٰ ما تحسن من القرآن ، فعلمها إيّاه »
.
وهذه المنحة هي حقّ للمرأة يبقىٰ
في ذمّة الرجل ، عن عبدالحميد الطائي ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام
أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا ؟ قال : «
نعم ، يكون دينا عليك »
.
وسُئل عليهالسلام
عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ، ثم دخل بها ، فقال : «
لها صداق نسائها »
.
وعنه عليهالسلام
أنّه قال : «
من أمهر مهراً ثم لا ينوي قضاءه ، كان بمنزلة السارق »
.
وحرّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
نكاح الشغار وهو كما في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك حتىٰ أُزوجك ابنتي ، علىٰ أن لا مهر بيننا »
، وذلك لأن في هذا النوع من الزواج امتهان للمرأة ، وتجاوز علىٰ حقّها المشروع في المهر .
ومقدار المهر متروك لما يتراضىٰ
عليه الناس ، وعن الإمام محمد الباقر عليهالسلام
أنّه قال : «
الصداق ما تراضيا عليه قل أو كثر »
. فليس له حدّ
_______________
وإنّه يجوز (بالقليل
والكثير)
.
ويصح المهر في كلِّ ما يجوز كونه ذا
قيمة ، قلَّ أو كثر ، من عين تباع ـ كالدار وواسطة النقل والكتاب ـ وعمل يعمله لها
. وقد تقدم : أنّه يصح جعل تعليم القرآن أو الحِكَم أو الآداب مهراً للمرأة .
والمستحب في المهر التخفيف
. وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أفضل نساء أُمتي أصبحهنَّ وجها ، وأقلهنَّ مهراً »
.
حكم
ما يأخذه الأب :
المهر حق للزوجة مختص بها ، ولا يصح
للأب أن يطلب شيئاً له من مهرها بنحو الالزام ، وفي ذلك عدة أحكام
:
١ ـ يصح للزوج أن يهب شيئاً مستقلاً
للأب من غير دخله في المهر .
٢ ـ ويصح للزوجة أن تهب شيئاً لأبيها
برضاها .
٣ ـ يحرم علىٰ الأب أن يأخذ من
مهر ابنته شيئاً من دون رضاها .
٤ ـ يحرم علىٰ الأب التصرف ببعض
الأمتعة التي يسوقها الزوج إلىٰ البنت بدون إذنها .
_______________
٥ ـ يصح بذل مبلغ من المال للأب أو للأخ
من أجل اقناع المرأة بالقبول علىٰ الزواج .
الفصل
الثاني الأحكام العملية لبناء الاُسرة
تبدأ العلاقة الزوجية شرعاً من حين
العقد ، وهو التعبير العلني عن الالتزام الجدي بمضمون محدّد اتجاه الطرف الآخر الذي يتعاقد معه .
صيغة
العقد :
أجمع العلماء علىٰ توقف العقد
علىٰ الايجاب والقبول اللفظيين ، والايجاب : أن تقول الزوجة : (زوَّجتُكَ وأنكَحتُكَ نفسي علىٰ المهر المعلوم) .
والقبول : أن يقول الزوج : (قَبِلتُ
التزويج ، أو قَبِلتُ النكاح) .
ولا يكفي مجرد التراضي القلبي ، ولا
الكتابة ، ولا الاشارة المفهمة لمن يستطيع النطق .
والعقد الصحيح يجب أن يكون باللغة
العربية لمن يتمكّن منها ، ويصح
بغير العربية لغير
المتمكن منها
.
وفي عصرنا الراهن تعارف الناس
علىٰ اجراء العقد من قبل المأذون ، فتيسر الأمر لجميع أبناء المجتمع .
الاشهاد
في العقد :
الاشهاد في العقد سُنّة سنتها الشريعة
الإسلامية، والتزم المسلمون بها، وتوارثوها جيلاً بعد جيل ، وهي ليست شرطاً في صحة العقد
. سُئل الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: في الرجل يتزوج بغير بيّنة، قال: « لا بأس »
. واستحباب الاشهاد والاعلان إنما سُنَّ من أجل إثبات الأنساب ، والميراث ، وايجاب النفقة ، ودرء الحدود ، وإزالة الشبهات
.
سُئل الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : عن الرجل يتزوج
المرأة بغير شهود ، فقال عليهالسلام
: «
لا بأس بتزويج البتَّة فيما بينه وبين الله ، إنّما جعل الشهود في تزويج البتَّة من أجل الولد ، لولا ذلك لم يكن به بأس »
.
وقال أيضاً : «
إنّما جعلت البينات للنسب والمواريث »
، وفي رواية أُخرى «
والحدود »
.
_______________
شروط
العقد الذاتية والاضافية :
١ ـ يشترط في صحة العقد رضا الزوجين
واقعاً ، فلو تظاهرت الزوجة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صحّ العقد ، ولو تظاهرت بالرضا مع العلم بكراهتها واقعاً بطل العقد .
ولو أُكره الزوجان علىٰ العقد ثم
رضيا بعد ذلك وأجازا العقد صحّ ، وكذلك الحال في إكراه أحدهما ، والأفضل اعادة العقد بعد الاجازة
.
٢ ـ لا يشترط أن يكون المجري لصيغة
العقد ذكراً ، فيجوز للمرأة أن تكون مجرية للعقد
، ولكنّ ذلك مخالف للعرف ، فلم نسمع أن امرأة قامت بذلك في مختلف المراحل الزمنية لمسيرة المسلمين .
٣ ـ يجب الوفاء بالشروط الخارجة عن أصل
العقد ، فإذا اشترط أحد الزوجين علىٰ الآخر شروطاً خارجة عن أصل العقد وجب الوفاء بها ، إن كانت شروطاً موافقة للشريعة ، ولا يبطل العقد بعدم الوفاء
.
سُئل الإمام الصادق عليهالسلام عن ذلك فقال : «
يفي لها بذلك »
.
وإن شرطت أو شرطا شرطاً يخالف الشريعة
فلا يصح الشرط ، فلو شرطا عدم التوارث وعدم النفقة ، فالشرط باطل
لأنّه يخالف سنن التشريع .
_______________
أولياء
العقد :
لا يجوز للصغيرة العقد علىٰ نفسها
إلّا باذن الأب والجد
، ولا يجوز للبالغة البكر غير الرشيدة أن تجري العقد إلّا باذنهما ، فإن عقدت بغير إذنهما خالفت السُنّة ، وكان العقد موقوفاً علىٰ امضائهما
.
قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام :
«
لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلّا باذن آبائهن »
.
فللأب والجد ولاية علىٰ الصغيرة
والبالغة غير الرشيدة ، فهما أعرف منها بمصلحتها في اختيار الزوج والاقتران به ، للتجربة التي عايشاها ، ومعرفتهما بأحوال الناس ومدىٰ أهليتهم للقيام بمسؤولية الاُسرة من الناحية المادية والمعنوية ، وللحيلولة دون انسياق الفتاة وراء المخادعين والمنحرفين من الرجال .
وقد ترجح ولاية الجد علىٰ ولاية
الأب ، وإن سبق الأب إلىٰ العقد لم يكن للجدّ اعتراض عليه
.
وإذا سبق أحدهما إلىٰ العقد لم
يكن للآخر فسخه
.
وتسقط الولاية في حالة منعهما البنت
البالغة الرشيدة من الزواج بالأكفاء ، فلها الحقّ أن تجري العقد بغير إذن منهما ، ولم يكن لهما
_______________
الفسخ
.
ولا ولاية لأحد علىٰ غير الباكر ،
ولكن يستحبّ لها أن تعقد باذنهما
، واستشارة الأب أو الجد وطلب إذنهما من القضايا المحبّبة لدىٰ الشريعة ولدىٰ العرف ، لأنّ الزواج هو تعميق للعلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة وأرحامهما ، فليس من الحصافة أن تتزوج المرأة دون إذن من أبيها أو جدها أو كليهما ، وكذا الحال في الرجل .
سُئل الإمام الصادق عليهالسلام عن زواج غير الباكر
، فقال : «
هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفواً بعد أن تكون قد نكحت زوجاً قبل ذلك »
.
ويجوز للباكر العقد علىٰ نفسها في
حالة غيبة وليّها عنها
.
والغيبة هنا هي الغيبة الطويلة التي
ينقطع بها الاتصال بين البنت وأبيها أو جدّها بحيث لا تستطيع الاستئذان ، ومثال ذلك ، سفر الولي إلىٰ خارج البلاد ، أو فقده ، فليس من العقل أن تنتظر الفتاة وليّها المجهول الحال فترة زمنية تضر بحالها وهي بحاجة إلىٰ الزواج .
المحلل
والمحرم في النكاح :
وضع الإسلام قيوداً في تحليل وتحريم
النكاح منسجمة مع الفطرة الانسانية وطبيعة الأواصر الاُسرية ، فحرّم النكاح من أصناف النساء
_______________
والرجال ، قال
تعالىٰ : ( حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي
حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ... )
.
أولاً
: المحرّم بالنسب :
يحرم الزواج من الأصناف التالية من
النساء من جهة الأنساب
:
١ ـ الاُم وإن علت كأُم الاُمّ .
٢ ـ البنت وإن نزلت كبنت البنت .
٣ ـ الاُخت وبناتها وإن نزلن .
٤ ـ العمّة والخالة وإن علتا كعمّة
العمّة وخالة الخالة .
٥ ـ بنات الأخ وإن نزلن .
لا تُحرم زوجة العمّ وزوجة الخال
علىٰ ابن الأخ وابن الاُخت في حال طلاقهما أو موتهما .
ولا يجوز للرجل أن يتزوج بنت أخت الزوجة
أو بنت أخيها جمعا بينهما وبين الخالة أو العمة إلّا باذنهما ، قال الإمام الباقر عليهالسلام : «
لا تتزوج
_______________
على الخالة والعمّة ابنة الأخ وابنة
الاُخت بغير إذنهما »
.
ويجوز للرجل أن يتزوج العمّة والخالة
دون اذن ابنة أخيها وابنة اختها .
ثانياً
: المحرّم بالرضاع :
يحرم من الرضاع جميع ما يحرم من النسب
، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »
.
حيث تصبح المرضعة أُمّاً للرضيع ،
وزوجها ـ صاحب اللبن ـ أبا له ، وإخوتهما أخوالاً وأعماماً له ، وأخواتهما خالات وعمات له ، وأولادهما إخوة له ، بعد توفر شروط التحريم من الرضاعة وهي
:
١ ـ أن تكون مدة الرضاعة يوم وليلة ، أو
خمس عشرة رضعة مباشرة من الثدي ، غير مفصولة برضاع آخر من مرضعة ثانية .
٢ ـ أن يكون اللبن الذي يرتضعه الطفل
منتسباً بتمامه إلىٰ رجل واحد .
٣ ـ عدم تجاوز الرضيع السنتين من العمر
حال الرضاعة .
ولا يعتبر أخ وأُخت المرتضع ابناءً
للمرتضعة ، فيجوز لهما الزواج من
_______________
أبنائها وبناتها .
ثالثاً
: المحرّم بالمصاهرة :
ذكرت الآية المتقدمة حرمة الزواج من :
زوجة الأب ، وزوجة الابن ، ومن عقد علىٰ امرأة ودخل بها فلا تحلّ له بنتها بنكاح أبداً
.
أمّا إذا لم يدخل بالاُمّ فيجوز له نكاح
بنتها ، وهو نصّ القرآن الكريم في الآية المتقدّمة ، وقال الإمام علي عليهالسلام
: «
إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالاُمّ، فإذا لم يدخل بالاُم فلا بأس أن يتزوج بالابنة »
.
وإذا عقد علىٰ البنت حرمت عليه
أُمّها سواء دخل بها أم لم يدخل ، قال الإمام علي عليهالسلام
: «
وإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها ، حرمت عليه الاُمّ »
.
ومن عقد علىٰ امرأة حرمت
علىٰ ابنه ولم تحل له أبداً ، وكذلك تحرم معقودة الابن علىٰ الأب حرمة دائمة ، ولا يشترط في جميع ذلك الدخول ، فمجرد العقد يؤدي إلىٰ الحرمة
.
رابعاً
: المحرّم بسبب تجاوز القيود الشرعية :
الزواج في الإسلام رابطة مقدسة بين
الرجل والمرأة ، وهو مقدمة
_______________
لتعميق أواصر الأخاء
والتآزر والتعاون بين الاُسر ، لذا حرّم الإسلام العلاقات الزوجية التي تؤدي إلىٰ التنافر والتباغض مراعياً الفطرة الإنسانية
وما ينسجم معها من علاقات .
فلو عقد الرجل علىٰ امرأة ذات زوج
، حرمت عليه أبداً ، إذا كان عالماً أنها ذات زوج ، سواء دخل بها أم لم يدخل ، فلا يجوز له العقد عليها ثانية بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته .
ولا فرق في ذلك بأن كانت في عصمة زوجها
أو في عدة لها من طلاق أو موت .
أمّا إذا كان جاهلاً بأنّها ذات زوج ولم
يدخل بها ، فإنّها تحلّ له بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته ، أما إذا دخل بها فتحرم حرمة أبدية
.
ومن زنىٰ بامرأة ذات زوج أو ذات
عدة حرمت عليه أبداً ، فلا يجوز له الزواج منها بعد الطلاق أو بعد اتمام العدة
.
مراسيم
الزواج :
من المتعارف عليه عند المسلمين هو إقامة
مراسيم الزواج في اليوم الأول من أيام البدء الفعلي للعلاقات الزوجية بالدخول إلىٰ بيت الزوجية ، حيث يجتمع أهل الزوجين والأقارب والجيران والأصدقاء سويّة ، وبذلك تتهيأ الفرصة للتعارف وتمتين العلاقات الاُسرية والاجتماعية ، ومن السُنّة
_______________
إقامة الوليمة في يوم
الزفاف، وجمع الاخوان علىٰ الطعام وإظهار المسرّة ، والشكر لله تعالىٰ ، والحمد علىٰ نعمه
.
فحينما تزوج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ميمونة بنت الحارث ، أولم عليها وأطعم الناس .
ويستحب أن يكون الزفاف ليلاً ، عن
الإمام الرضا عليهالسلام
أنّه قال : «
إنّ من السُنّة التزويج بالليل ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل الليل سكناً ، والنساء إنّما
هنّ سكن »
.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأطعموا ضحىً »
.
ويستحبُّ للزوج أن يتجمّل ويتنظّف ويمسّ
الطيب .
ويستحبُّ تقديم شيء من المهر للزوجة ،
قبل الدخول
، فالعطاء يدخل السرور علىٰ المرأة في بداية حياتها الزوجية .
ويستحبّ أن يكون الزوجان علىٰ طهارة
، وأن يصليا ركعتين ، ثم يحمدا الله تعالىٰ ، ويصليا علىٰ محمد وآله الطيبين الطاهرين
.
_______________
وحثّ الإسلام علىٰ الابتداء
بالدعاء ليكون أول اتصال بين الزوج والزوجة اتصالاً معنوياً روحياً ، وليس مجرد اتصال بهيمي جسدي ، فيستحب الدعاء بادامة الحب والود : (اللهمّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي ، وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف ، فإنّك تحبُّ الحلال وتكره الحرام)
.
ويستحب الأخذ بناصيتها ، ويستقبل بها القبلة
، ويخلع خفّها ، ويغسل رجلها إذا جلست ، ويصب الماء في جوانب الدار
.
والالتزام بذلك يخلق جواً من الاطمئنان
والاستقرار والهدوء في أول خطوات اللقاء ، ويدفع ما في نفس الزوجة من دواعي القلق والاضطراب ، خصوصا وإن الزوجة تعيش في أول يوم من حياتها الزوجية حالة من الخوف والاضطراب النفسي ، فإذا شاهدت مثل هذه الأعمال من صلاة ودعاء ، فانها ستعيش في جوّ روحي يبدّد مخاوفها ويزيل اضطرابها ، ويستحب للرجل حين الجماع أن يدعو : (اللهمّ ارزقني ولداً ، واجعله تقياً زكياً ، ليس في خلقه زيادة ولا نقصان ، واجعل عاقبته إلىٰ خير)
.
وهذا إيحاء للمرأة وللرجل بأنّ العلاقة
الجنسية ليست مجرد إشباع للغريزة ، وإنّما هي مقدمة للانجاب والتوالد ، حيث يبتدء الجماع (ببسم الله الرحمن الرحيم)
، فتكون ليلة الزفاف ليلة مباركة بذكر الله تعالىٰ .
_______________
كراهية
المباشرة في أوقات معينة :
يكره للزوج أن يباشر ويجامع زوجته في
الأوقات التالية
.
١ ـ ليلة الهلال باستثناء هلال شهر
رمضان .
٢ ـ ليلة النصف من الشهر ، وليالي
المحاق .
٣ ـ يوم الكسوف وليلة الخسوف .
٤ ـ وقت الزلازل والرياح السود والصفر .
٥ ـ ما بين طلوع الفجر والشمس .
٦ ـ ما بين غروب الشمس ومغيب الشفق ،
وما بعد الظهر .
٧ ـ ليلة الأضحىٰ ، وليلة النصف
من شعبان .
٨ ـ بين الأذان والاقامة .
كراهية
المباشرة في أحوال معينة :
يكره للزوج مجامعة زوجته عرياناً ،
وقائماً ، ومستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي وجه الشمس إلّا أن يرخي ستراً .
ويكره له أن يجامع زوجته قبل الاغتسال من
احتلام له .
ويكره له أن يتكلم أثناء الجماع
باستثناء الكلام بذكر الله تعالىٰ
.
ويكره للرجل أن يجامع زوجته متخيلاً
امرأة اُخرى ، قال رسول
_______________
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك ، فإني أخشىٰ أن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثاً ، مؤنثاً ، مخبلاً »
.
مستحبات
المباشرة :
يستحبّ للرجل غضّ البصر «
ولا ينظرنَّ أحد في فرج امرأته ، وليغضّ بصره عند الجماع ، فإنّ النظر إلىٰ الفرج يورث العمىٰ في الولد »
، ويستحب له أن يذكر الله تعالىٰ ، وأن يسأله أن يرزقه ذكراً سوياً ، كما يستحب الغسل أو الوضوء بعد الجماع قبل أن يجامع مرة أُخرىٰ
.
وتستحب المداعبة والملاعبة
؛ لأنّ ذلك يعمّق الود والحب ، وينقل الجماع من صورته البهيمية إلىٰ صورة إنسانية تتناسب مع طبائع الإنسان وعواطفه واحساساته .
المحرّم
في المباشرة :
يحرم علىٰ الرجل الدخول بزوجته
الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين ، قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام
: «
لا يدخل بالجارية حتىٰ يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين »
.
فإن دخل بها وأفضاها حرم عليه جماعها
أبداً ، ووجب عليه دفع
_______________
الأرش والانفاق عليها
مدة حياتها
.
ويحرم جماعها وهي حائض
.
أحكام
الجنابة :
يحرم علىٰ المجنب قراءة سور
العزائم ، وهي السور التي فيها آيات السجدة الواجبة .
ويحرم دخول المساجد ، ووضع شيء فيها .
ويحرم مس كتابة المصحف ، ومس كل كتابة
من أسماء الله تعالىٰ . ويكره قراءة ما زاد علىٰ السبع آيات من القرآن ، ويكره للمجنب الأكل والشرب إلّا بعد الوضوء، أو بعد غسل اليدين والتمضمض وغسل الوجه .
وتتحقق الجنابة بالجماع بقذف أو دون قذف
، وبالقذف بغير جماع .
أحكام
الحيض :
يحرم علىٰ الحائض قراءة سور
العزائم ، ومس كتابة القرآن وأسماء الله تعالىٰ ، ودخول المساجد ووضع شيء فيها .
ويبطل صوم الحائض ، ويجب عليها قضاء
الصوم الذي فاتها في زمن حيضها ، ولا يجب عليها قضاء الصلاة ، إلّا إذا حاضت بعد دخول الوقت ،
_______________
فيجب عليها قضاء تلك
الصلاة فقط ، إن لم تكن قد أدّتها في وقتها ، ولا يصح للزوج طلاق الحائض
.
الحمل
:
أقل الحمل ستة أشهر ، وأكثره تسعة أشهر
، والريب ثلاثة أشهر ، فتصير الغاية في أكثر الحمل سنة كاملة
، والسنة الكاملة انفردت بها الإمامية
.
والفائدة في تحديد أكثر الحمل أنّ الرجل
إذا طلق زوجته فأتت بولد بعد الطلاق لأكثر من ذلك الحدّ لم يلحق به ، وتحديد الحمل يعتمد علىٰ النصوص والتوقيف والاجماع ، وطرق علمية ، ولا يثبت عن طريق الظن .
ويحرم علىٰ الزوج نفي الحمل منه ،
وإن كان يعزل عن زوجته ، لاحتمال سبق المني من غير انتباه ، أو احتمال بقاء شيء من المني في المجرىٰ وحصول اللقاح به عند العود إلىٰ الايلاج
.
ولا يجوز للمرأة اسقاط الجنين وإن كان
من حرام ، إلّا إذا خافت الضرر علىٰ نفسها مع استمرار وجوده ، فانه يجوز لها إسقاطه ، في وقت لم تلجه
_______________
الروح ، أمّا بعد
ولوج الروح فيه فلا يجوز لها إسقاطه مهما كان السبب
.
ويستحب إطعام المرأة الحامل بعض المواد
الغذائية لتأثيرها علىٰ صحتها وصحة جنينها ، لأنّ الأمراض الجسدية والتشوهات في الخلقة ناجمة في أكثر الأحيان عن سوء التغذية ، وهنالك أغذية مخصوصة لها تأثير علىٰ الصفات النفسية والروحية للجنين ، ومن الأغذية التي يستحبّ اطعامها للحامل .
١ ـ السفرجل : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
كلوا السفرجل ، فإنّه يجلو البصر ، وينبت المودة في القلب ، وأطعموه حبالاكم ، فإنّه يحسّن أولادكم »
.
٢ ـ اللبان : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
اطعموا نساءكم الحوامل اللبان ، فإنّه يزيد في عقل الصبي »
.
٣ ـ التمر : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
اطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر ، فإن ولدها يكون حليماً تقياً »
.
ووضع أهل البيت عليهمالسلام جدولاً متكاملاً في
أنواع الأغذية المفيدة في صحة جسم الحامل وصحّة حملها ، فيستحبُّ توفيرها للحامل ، كما ورد في كتاب الأطعمة والأشربة من الكافي ومكارم الأخلاق ، كالرّمان ، والتين ، والعنب ، والزبيب ، والبقول ، والسلق ، واللحم ، والهريسة ،
_______________
والخضروات .
ويحرم علىٰ الحامل تناول الأطعمة
والأشربة المضرّة بصحتها وصحة الحمل .
ويجب علىٰ الزوج النفقة ابتداءً ،
ويكون الوجوب أشدّ وآكد في فترة الحمل ، ولا يسقط وجوب النفقة وإن كانت الحامل مطلقة ، عن الإمام الصادق عليهالسلام
قال : «
إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلىٰ ، أنفق عليها حتىٰ تضع حملها ، فإذا وضعته أعطاها أجرها ... »
.
وينبغي حسن المعاملة مع المرأة في جميع
الأحوال ، وهو أولىٰ في فترة الحمل ، فهي بحاجة إلىٰ مراعاة حالتها النفسية لانعكاسها علىٰ الجنين ، كما يقول الإمام زين العابدين عليهالسلام
: «
... فإنّ لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة »
.
فالأفضل من قبل الزوج تجسيداً لحق
الرحمة والمؤانسة الرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة ، وتكريمها ، والتعامل معها كانسانة أكرمها الإسلام ، وإشاعة جو السرور والبشاشة والمودة واللطف في المنزل ، وادخال الفرحة علىٰ قلبها ، والصبر علىٰ أخطائها ومساوئها التي لا
تؤثر علىٰ نهجها الاسلامي ، وتجنّب كلّ ما يؤدي إلىٰ الاضرار بصحتها النفسية ، كالتعبيس في وجهها ، أو ضربها ، أو هجرها ، أو التقصير في حقوقها
.
_______________
الولادة
:
هي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة
، ويجب علىٰ المرأة في أول المخاض أن تخلو مع النساء ، ولا يجوز لأحدٍ من الرجال الدخول عليها أثناء المخاض مع الاختيار
.
ويجوز عند الضرورة أن يقوم الرجل باجراء
عملية الولادة لها إن عجزت النساء عن ذلك
.
ويستحب علىٰ القابلة أن تأخذ
الوليد وتمسح عنه الدم ، وتحنّكه بماء الفرات ، أو بماء عذب إن لم تجد ماء الفرات ، ويستحبّ لها أن تحنّكه بالعسل المخلوط مع الماء ، أو التحنيك بتربة الإمام الحسين عليهالسلام
.
ويستحب علىٰ الوالدين أن يسمعا
الوليد اسم الله تعالىٰ بالأذان في أذنه اليمنىٰ ، والاقامة في أُذنه اليسرىٰ
.
عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : «
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: من وُلِدَ له مولود فليؤذّن في أُذنه اليمنىٰ بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرىٰ
فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم »
.
ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء ،
وليس ثمّة اسم أحسن من
_______________
اسم محمد ، فهو اسم
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
.
وكان الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام يحثون المسلمين
علىٰ تسمية أبنائهم وبناتهم بالاسماء التالية : (عبدالرحمن ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته ـ محمد ، أحمد ، علي ، حسن ، حسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة)
.
ويكره التسمية ببعض الأسماء ؛ كالحكم ،
وحكيم ، وخالد ، ومالك ، وحارث .
واستحباب الاسم الحَسَن مقدمة لتحصين
الوليد من السخرية والاستهزاء في كبره ، لأنّ الأسماء غير الحسنة تستهجن من قبل المجتمع ، إضافة إلىٰ ذلك فإن الأسماء الحسنة كأسماء الأنبياء والأئمة والأولياء تجعل الطفل مرتبطاً بهم في سلوكه ومواقفه ، وهو في نفس الوقت نوع من التبرك بأفضل أسماء الشخصيات التي لها دور كبير في ارشاد الإنسانية وتقويمها .
ويستحب في اليوم السابع من الولادة أن
تثقب أُذن الوليد ، ويحلق شعر رأسه ، ثم يجفّف ويتصدق بزنته ذهباً أو فضة ، ويختن في هذا اليوم ، ويعقّ عنه بشاة سمينة ، يعطىٰ للقابلة منها الرجل بالورك ، ويفرّق باقي اللحم علىٰ الفقراء والمساكين ، ويعقّ عن الذكر بذكر من الغنم ، وعن الاُنثىٰ بأُنثىٰ منها
.
_______________
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «
يسمّىٰ في اليوم السابع ، ويعقّ عنه ، ويحلق رأسه ، ويتصدّق بوزن شعره فضة ، ويبعث إلىٰ القابلة بالرجل مع الورك ، ويطعم منه ويتصدّق »
.
وفي رواية عنه عليهالسلام : «
... واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضة »
.
ولهذه المستحبات دور كبير في تعميق
الأواصر الاجتماعية بالتصدق علىٰ الفقراء واطعام المحتاجين والمساكين ، ولها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ، ويفهم اعتناء الوالدين به في ولادته ، إضافة إلىٰ الذكرىٰ
الحسنة عند من وصلته تلك الصدقة وتلك العقيقة ، حيث يكون عندهم محل احترام وتقدير .
ومن الأذكار المأثورة عند ذبح العقيقة
ما ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام
: «وجهت
وجهي للّذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، اللهمّ منك ولك اللهمّ هذا عن فلان بن فلان »
.
وفي السيرة عقّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن الحسن عليهالسلام
بيده وقال : «
بسم الله عقيقة عن الحسن ، اللهمّ عظمها بعظمه ، ولحمها بلحمه ، ودمها بدمه ، وشعرها بشعره ، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمّد وآله »
.
_______________
وفي استحباب ثقب الأُذن والختان قال
الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
إنّ ثقب أُذن الغلام من السُنّة ، وختانه لسبعة أيام من السُنّة »
.
وللختان في اليوم السابع آثار صحية
علىٰ الوليد ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
اختنوا أولادكم لسبعة أيام ، فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللّحم، وإنّ الأرض لتكره بول الأغلف »
.
والختان في هذا اليوم يؤدي إلىٰ سرعة
الشفاء مع قلة الألم .
أحكام
النفاس :
أقل مدة للطهر من دم النفاس عشرة أيام
.
وحكم النفساء حكم الحائض في جميع
المحرّمات والمكروهات
.
فيحرم عليها : قراءة سور العزائم ، ومسّ
كتابة القرآن وأسماء الله تعالىٰ ، ودخول المساجد ووضع شيء فيها .
ويجب عليها منع زوجها من وطئها في الفرج
.
ويبطل صومها ، ويجب عليها قضاء الصوم
دون الصلاة ، ولا يصحّ للزوج طلاقها .
_______________
حكم
تبني الوليد :
إذا ولدت امرأة علىٰ فراش الرجل
لأكثر من ستة أشهر فصاعداً لزمه قبوله، ويحرم عليه نفيه منه ، وإن ولدت لأقلّ من ذلك وليداً حيّاً سوياً ينبغي نفيه منه ، فإن أقرّ به قُبل منه ، ولم يسعه بعد ذلك الانتفاء منه
.
الرضاع
:
حليب الاُم هو الغذاء الأمثل للطفل ،
فهو (أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه)
، وأفضل من يمنحه الحنان ، فيكون الطفل أقل توتراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً، فيستحب ارضاع الطفل من حليب أُمّه ، قال الإمام علي عليهالسلام : «
ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه »
.
وهذا ما يؤكده العلم الحديث وهو يكشف
مناسبة حليب الاُم لحاجة الرضيع من حيث مكوناته ، ومن حيث درجة حرارته أيضاً ، فإن مكوناته وحرارته تتغير مع نحو الطفل ، وبحسب ما يتطلبه النمو السليم .
وعلىٰ الرغم من استحباب إرضاع
الطفل من حليب أُمّه إلّا أنّه لا يتوجب عليها إرضاعه
، سُئل الإمام الصادق عليهالسلام
عن الرضاع فقال : «
لا تجبر الحرّة علىٰ رضاع الولد ، وتجبر أُمّ الولد »
.
_______________
وعدم الوجوب مشروط بوجود الأب وقدرته
علىٰ دفع الاُجرة ، أو عدم تبرع الاُمّ ، أو وجود مال للولد ، ووجود مرضعة أُخرىٰ ، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط ، يجب علىٰ الاُمّ إرضاعه ، كما يجب عليها الانفاق عليه إذا كان الأب معسراً أو مفقوداً
.
وفي الظروف الاستثنائية التي تقف حائلاً
دون ارضاع الاُمّ لطفلها بسبب قلّة الحليب ، أو مرض الاُمّ ، أو موتها ، أو رفضها للرضاعة مجاناً ، يستحبّ اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
اُنظروا من ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبُّ عليه »
.
ويستحب اختيار المرأة المرضعة التي
تتوفر فيها أربع خصال : العاقلة ، المسلمة ، العفيفة ، الوضيئة
.
قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام : «
استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي »
.
وقال عليهالسلام
: «
عليكم بالوضاء من الظؤرة ، فإنّ اللبن يعدي »
.
ويكره استرضاع الحمقاء ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تسترضعوا الحمقاء ، فإن الولد يشبُّ عليه »
.
_______________
وكذا البغيّة والمجنونة ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
توقّوا علىٰ أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة ، فإنّ اللبن يعدي »
.
ويجوز استرضاع الكتابيات علىٰ كراهية
، وفي حال عدم وجود مرضعة مسلمة ، وترتفع الكراهة في حال منعهنَّ من شرب الخمر ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
إذا أرضعن لكم ، فامنعوهنَّ من شرب الخمر »
.
وكراهية استرضاع تلك الأصناف ناجمة من تأثير
اللبن علىٰ الطفل ، ففي حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
... فإنّ اللبن يعدي ، وإنّ الغلام ينزع إلىٰ اللبن »
.
ومن أجل تحسين حليب الطفل ، يستحبُّ
اطعام النساء في نفاسهنَّ التمر ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب »
.
ويفضّل اطعام نوع خاص من التمر وهو
البرني، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
أطعموا البرني نساءكم في نفاسهنَّ ، تحلم أولادكم »
.
وللاُم حق الارضاع لطفلها إن رضي الأب
بغير أُجرة ، ولها حق الامتناع من الرضاعة ، إمّا إذا كانت مطلقة ، فهي أولىٰ برضاعه سواء رضي الأب أم لم يرض ، ولها أُجرة المثل ، فإن طلبت أُجرة زائدة علىٰ ما يرضىٰ به
_______________
غيرها ، كان للأب حقّ
انتزاعه من يدها
.
ولا يجوز للأب أن يسلم الطفل إلىٰ
مرضعة تذهب به إلىٰ منزلها إلّا برضىٰ الاُمّ
.
ومدة الرضاع هي سنتان ، وأقلّه واحد
وعشرون شهراً ، ويجوز الزيادة علىٰ السنتين مقدار شهرين ، والزيادة لا أُجرة فيها
.
ويستحسن في مرحلة الرضاع مناغاة الطفل ،
لأنّها تؤثر علىٰ سرعة النطق ، ونموّه اللغوي والعاطفي في المستقبل ، حيث يشعر من خلال المناغاة بوجود الأمن والطمأنينية والهدوء ، ولنا في سُنّة أهل البيت عليهمالسلام خير منار واقتداء ، فكانت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام تناغي الحسن عليهالسلام
في هذه المرحلة وتقول :
أشبه أباك يا حسن
|
|
واخلع عن الحق الرّسنْ
|
واعبد إلهاً ذا مننْ
|
|
ولا توالِ ذا الإحَنْ
|
وكانت تناغي الحسين عليهالسلام :
أنت شبيه بأبي
|
|
لست شبيهاً بعليّ
|
الفطام
:
حددت الشريعة الإسلامية مدة الارضاع
التامة بأربع وعشرين شهراً
_______________
كما جاء في قوله
تعالىٰ : ( وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... )
.
واقل الرضاع ـ كما تقدّم ـ واحد وعشرون
شهراً ، وينبغي علىٰ الوالدين ان أرادا فطام الصبي في هذه المدة أن يتشاورا فيما بينهما ، قال تعالىٰ : ( ... فَإِنْ أَرَادَا
فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا .. )
.
ويجوز تأخير الرضاع إلىٰ شهر أو
شهرين بعد مدة التمام وهي أربع وعشرون شهراً ، ويحرم الرضاع بعد ذلك ، لأنّ لبن المرأة يصير من الخبائث ومن فضلات مالا يُؤكل لحمه ، فيحرم علىٰ المكلف شربه ، وكل ما حرّم علىٰ المكلف شربه يحرم إعطاؤه لغير المكلف
.
فيجب علىٰ الاُم أو الأب المستأجر
لمرضعة مراعاة وقت الرضاع ووقت الفطام ، بلا افراط ولا تفريط ، فيحسن ارضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ولا ينبغي ارضاعه أقل من ذلك
، قال الامام الصادق عليهالسلام
: «
الرضاع واحد وعشرون شهراً ، فما نقص فهو جور علىٰ الصبي »
، ذلك لأنّ الطفل بحاجة إلىٰ اللبن في هذه المدة ، وبحاجة إلىٰ الدفء العاطفي والحنان علىٰ حدٍّ سواء .
_______________
الحضانة
:
الحضانة هي الولاية علىٰ الطفل
لفائدة تربيته ، وما يتعلق بها من مصلحته
، ومرحلة الحضانة هي أهمّ المراحل في نموّ الطفل البدني واللغوي والعقلي والأخلاقي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين ابداء عنايةٍ خاصةٍ في رعاية الطفل وحمايته ، وتوفير ما يحتاجه من مقومات النموّ البدنية والروحية ، ليكون عنصراً فعالاً في المجتمع .
والاُمّ أحقُّ بحضانة الولد مدّة الرضاع
، فلا يجوز للاب أن يأخذه في هذه المدة منها ، فإذا انقضت مدة الرضاع ، فالأب أحق بالذكر ، والاُمّ أحق بالاُنثىٰ حتىٰ تبلغ سبع سنين من عمرها ، ثم يكون الأب أحقّ بها ، وإن
فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوج بالغير ، فلو تزوجت سقط حقّها ، وكانت الحضانة للأب
.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج »
.
وعنه عليهالسلام
قال : «
ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحقُّ به من الاُمّ ، فإذا مات الأب فالاُمّ أحقُّ به من العصبة ... »
.
وفي حال فقدان الأبوين تكون الحضانة لأب
الأب مقدماً علىٰ غيره
_______________
من الاخوة والأجداد
.
وإن فقد أب الأب تكون الحضانة لأقارب
الطفل علىٰ ترتيب مراتب الارث الأقرب منهم يمنع الأبعد
.
ومن شروط حق الحضانة للاُمّ
:
١ ـ أن تكون مسلمة .
٢ ـ أن تكون عاقلة .
٣ ـ أن تكون سالمة من الأمراض المعدية .
٤ ـ أن تكون فارغة من حقوق الزوج، فلو
تزوّجت سقط حقها من الحضانة .
٥ ـ أن تكون أمينة .
٦ ـ وأضاف بعض الفقهاء شرط عدم فسق
الاُمّ
.
ولا يجوز للاُم الحاضنة أن تسافر بالولد
إلىٰ بلد بغير رضا أبيه ، ولا يجوز للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أُمّه
.
_______________
الفصل
الثالث الحقوق الاُسرية
وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات
علىٰ جميع أفراد الاُسرة ، وأمر بمراعاتها من أجل إشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الاُسرة ، والتقيّد بها يسهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات ، وينفي كل أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة ، والتي تؤثر سلباً علىٰ جوّ الاستقرار الذي يحيط بالاُسرة ، وبالتالي تؤثر علىٰ استقرار المجتمع المتكون من مجموعة من الاُسر .
أولاً
: حقوق الزوج :
من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة ، قال
الله تعالىٰ : (
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا
أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )
.
فالاُسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء
الاجتماعي بحاجة إلىٰ قيّم ومسؤول عن أفرادها له حقّ الاشراف والتوجيه ومتابعة الأعمال
_______________
والممارسات ، وقد
أوكل الله تعالىٰ هذا الحق إلىٰ الزوج ، فالواجب علىٰ الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين ، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم .
ومن الحقوق المترتبة علىٰ حق
القيمومة حق الطاعة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلّا باذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلّا باذنه ، ولا تمنعه نفسها ، وإن كانت علىٰ ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه ... »
.
حتىٰ إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة
من قبل المرأة لكي تتهرب من زوجها، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تطوّلن صلاتكن لتمنعنَّ أزواجكن »
.
ويجب عليها احراز رضاه في أدائها
للأعمال المستحبة ، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلّا باذنه
، ولا يجوز لها أن تحجّ استحباباً إلّا باذنه، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها
.
ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية وإدامة
الروابط الروحية وادخال السرور والمتعة في نفس الزوج ، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام
قال : «
جاءت امرأة إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقالت : يا رسول الله ، ما حقّ الزوج علىٰ المرأة ؟ قال : أكثر من ذلك ،
_______________
فقالت : فخبّرني عن شيء منه فقال : ليس
لها أن تصوم إلّا باذنه ـ يعني تطوعاً ـ ولا تخرج من بيتها إلّا باذنه ، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتزيّن بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها »
.
ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن
الحسين عليهالسلام
: «
.. إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه »
.
وفي رواية (جاء رجل إلىٰ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقال : إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : ما يهمّك ، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك ، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
بشرها بالجنة ، وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً » .
وفي رواية : «
إنّ لله عزَّ وجلَّ عمّالاً ، وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد »
.
ويحرم علىٰ الزوجة أن تعمل ما
يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه ، كادخال بيته من يكرهه ، أو سوء خُلقها معه ، أو اسماعه الكلمات المثيرة وغير اللائقة .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها
_______________
صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها
حتىٰ ترضيه »
.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ ، لم تقبل منها صلاة حتىٰ يرضىٰ عنها ، وأيّما امرأة
تطيّبت لغير زوجها ، لم تقبل منها صلاة حتىٰ تغتسل من طيبها ، كغسلها من جنابتها »
.
ويحرم علىٰ الزوجة أن تهجر زوجها
دون مبرر شرعي
، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلّا أن تتوب وترجع »
.
ومن أجل الحيلولة دون تمادي الزوجة غير
المطيعة في ارتكاب الممارسات الخاطئة التي تخلق أجواء التوتر في الاُسرة ، جعل الإسلام للزوج حق استخدام العقوبات المؤدبة لها إذا لم ينفع معها الوعظ والارشاد ، وتندرج العقوبة من الأخف أولاً ثم الأشد ثانياً حسب حال المرأة ومقدار نشوزها واعراضها وعدم طاعتها بعد بذل النصيحة والموعظة ، قال الله تعالىٰ : (
... وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ... )
.
_______________
فتجوز له العقوبة إذا منعته من نفسها ،
وتسلّطت عليه بالقول أو الفعل ، فيبدأ بوعظها وتخويفها من الله تعالىٰ ، فإن أثّر ذلك وإلّا هجرها بالاعراض عنها في مدخله ومخرجه ومبيته من غير اخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس ، فان أثّر ذلك وإلّا ضربها ضرباً غير مبرّح ، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو باذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فله ردّها ، وإن أبت فله تأديبها بالاعراض عنها وقطع الانفاق
.
وأكدت الروايات علىٰ مراعاة حق
الزوج ، واتّباع الأساليب الشيّقة في ادامة أواصر الحبّ والوئام ، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الاُسرة ، فجعل الإمام الباقر عليهالسلام
حسن التبعل جهاداً للمرأة فقال عليهالسلام
: «
جهاد المرأة حسن التبعل »
.
ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تؤدي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ حتىٰ تؤدي حقّ زوجها »
.
وذكر صلىاللهعليهوآلهوسلم
طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات التي توجب دخول الجنة ، حيث قال : « إذا صلّت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وأحصنت فرجها ، وأطاعت بعلها ، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت »
.
ووضع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
منهجاً في العلاقات بين
_______________
الزوجين يعصم الحياة
الزوجية من التصدّع والاضطراب ، فأكد علىٰ الزوجة أن لا تكلف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة ، وهو أمر يسبب كثيراً من المتاعب في الحياة الزوجية ويضرّ بصفوها وانسجامها .
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أيّما امرأة أدخلت علىٰ زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق ، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته »
.
وحث صلىاللهعليهوآلهوسلم
المرأة علىٰ اصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال : «
حقّ الرجل علىٰ المرأة إنارة السراج ، واصلاح الطعام ، وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به ، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل ... »
.
ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال
مودته ، قال الامام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتىٰ ترضىٰ عني »
.
وجعل الإمام محمد الباقر عليهالسلام رضا الزوج
علىٰ زوجته شفيعاً لها عند الله تعالىٰ ، فقال : « لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا
زوجها ، ولمّا ماتت فاطمة عليهاالسلام
قام عليها أمير المؤمنين عليهالسلام
وقال : اللهمّ إنّي راضٍ عن ابنت نبيك ، اللهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها »
.
_______________
ومن أجل التغلب علىٰ المشاكل
المعكّرة لصفو المودة والوئام ، يستحب للزوجة أن تصبر علىٰ أذىٰ الزوج ، فلا تقابل الأذىٰ
بالأذىٰ والاساءة بالاساءة ؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الاُسرة بالتوترات الدائمة والمشاكل التي لا تنقضي ، والصبر هو الاُسلوب القادر علىٰ ايصال العلاقات إلىٰ الانسجام التام بعودة الزوج إلىٰ سلوكه المنطقي الهادىء
، فلا يبقىٰ له مبرر للاصرار علىٰ سلوكه غير المقبول ، قال الإمام
الباقر عليهالسلام
: «
وجهاد المرأة أن تصبر علىٰ ما ترىٰ من أذىٰ زوجها وغيرته »
.
ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في
الوسط الاُسري أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه ، فيحفظون له مقامه ، ويؤدون له حق القيمومة فيطيعون أوامره ، ويستجيبون لارشاداته ونصائحه ، فتسير العملية التربوية سيراً متكاملاً ، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الاُسرة بأكمله ، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة .
ثانياً
: حقوق الزوجة :
وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب
علىٰ الزوج تنفيذها وأداءها ، وهي ضرورية لاشاعة الاستقرار والاطمئنان في أجواء الاُسرة ، وإنهاء أسباب المنافرة والتدابر قبل وقوعها .
ومن حقوق الزوجة علىٰ زوجها : حق
النفقة ، حيث جعله الله تعالىٰ من الحقوق التي يتوقف عليها حقّ القيمومة للرجل ، كما جاء في قوله تعالىٰ : ( الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ
بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا
_______________
مِنْ أَمْوَالِهِمْ )
.
فيجب علىٰ الزوج الانفاق
علىٰ زوجته ، وشدّد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
علىٰ هذا الواجب حتىٰ جعل المقصّر في أدائه ملعوناً ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ملعون ملعون من يضيّع من يعول »
.
والنفقة الواجبة هي الاطعام والكسوة
للشتاء والصيف وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج
.
والضابط في النفقة القيام بما تحتاج
إليه المرأة من طعام وأداء وكسوة وفراش وغطاء واسكان واخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها
.
ويقدم الاطعام والاكساء علىٰ غيره
من أنواع النفقة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
حقّ المرأة علىٰ زوجها أن يسدَّ جوعتها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجهاً ، فإذا فعل ذلك أدّىٰ والله حقّها »
.
والنفقة هي ملك شخصي للزوجة ، فلو دفع
لها الزوج نفقتها ليوم أو اسبوع أو شهر ، وانقضت المدة ولم تصرفها علىٰ نفسها بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد بقيت ملكا لها
.
_______________
ولو مضت أيام ولم ينفق الزوج عليها
اشتغلت ذمته بنفقة تلك المدة سواء طالبته بها أو سكتت عنها
.
ولضرورة هذا الحق جعل الاسلام للحاكم
الشرعي ـ وهو الفقيه العادل ـ صلاحية إجبار الزوج علىٰ النفقة ، فإن امتنع كان له حق التفريق بينهما
، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
إذا أنفق الرجل علىٰ امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة ، وإلّا فرّق بينهما »
.
ولا تسقط النفقة حتىٰ في حال
الطلاق ، فما دامت المطلقة في عدتها فعلىٰ الزوج الانفاق عليها ، وتسقط نفقتها في حال الطلاق الثالث ، قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام
: «
إنَّ المطلقة ثلاثاً ليس لها نفقة علىٰ زوجها ، إنّما هي للتي لزوجها عليها رجعة
، إلّا الحامل فإنّها تستحقُّ النفقة بعد الطلاق الثالث »
.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلىٰ ، أنفق عليها حتىٰ تضع .. »
.
وتسقط النفقة في حال عدم التمكين للزوج
، ولا تسقط إن كان عدم التمكين لعذر شرعي أو عقلي من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب
_______________
أو مرض
.
وتسقط النفقة إن خرجت بدون إذن زوجها،
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتىٰ ترجع »
.
وحثّ الإسلام علىٰ اتخاذ التدابير
الموضوعية للحيلولة دون وقوع التدابر والتقاطع ، فدعا إلىٰ توثيق روابط المودّة والمحبة وأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالىٰ : (
... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
.
ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة
، قال الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام
في وصيته لمحمد بن الحنفية : « إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها علىٰ كلِّ حال ، وأحسن الصحبة لها ، فيصفو عيشك »
.
ومن حقها أن يتعامل زوجها معها بحسن
الخلق ، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودة والرحمة والحب داخل الاُسرة ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها .. »
.
_______________
ومن حقها الاكرام ، والرفق بها ،
واحاطتها بالرحمة والمؤانسة ، قال الإمام علي بن الحسين عليهالسلام
: «
وأمّا حقُّ رعيتك بملك النكاح ، فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله علىٰ صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها .. »
.
وقد ركّز أهل البيت عليهمالسلام علىٰ جملة من
التوصيات من أجل ادامة علاقات الحب والمودّة داخل الاُسرة ، وهي حق للزوجة علىٰ زوجها .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من اتخذ زوجة فليكرمها »
.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته »
.
وجاءت توصيات جبرئيل إلىٰ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
مؤكّدة لحق الزوجة قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أوصاني جبرئيل عليهالسلام
بالمرأة حتىٰ ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها
_______________
إلّا من فاحشة مبيّنة »
.
ونهىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن استخدام القسوة مع المرأة ، وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها ، ففي جوابه علىٰ سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة قال : « حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ، ويكسوك ممّا يلبس ، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون علىٰ أهليهم ، ويحنّون عليهم ، ولا يظلمونهم »
.
ومن أجل تحجيم نطاق المشاكل والاضطرابات
الاُسرية ، يستحسن الصبر علىٰ إساءة الزوجة ، لأنّ ردّ الاساءة بالاساءة أو بالعقوبة يوسّع
دائرة الخلافات والتشنجات ويزيد المشاكل تعقيداً ، فيستحب الصبر علىٰ إساءة الزوجة قولاً كانت أم فعلاً ، قال الامام محمدالباقر عليهالسلام : «
من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة »
.
وحثّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
الزوج علىٰ الصبر علىٰ سوء أخلاق الزوجة ، فقال : «
من صبر علىٰ سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطىٰ أيوب علىٰ بلائه »
.
ولقد ورد في سيرته صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنّه كان يصبر علىٰ أذىٰ زوجاته وغضبهن
_______________
عليه وهجرهن إياه ،
فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر صلىاللهعليهوآلهوسلم
لكي نتجنب كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية ، ونحافظ علىٰ سلامة العلاقات داخل محيط الاُسرة .
عن عمر بن الخطاب قال : غضبت علىٰ
امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فانكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر من ذلك ! فو الله إنّ أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلىٰ الليل
.
وقال عمر لحفصة ابنته : أتغضب احداكنّ
علىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
اليوم إلىٰ الليل ؟ قالت : نعم
.
وكانت سيرة أئمة أهل البيت عليهمالسلام مثالاً لسيرة جدهم
المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم
في كل مفردات العقيدة والسلوك ، وهكذا كانت في مسألة الصبر علىٰ أذىٰ الزوجة لأجل تقويم سلوكها واصلاحها ، فعن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
قال: «
كانت لأبي عليهالسلام
امرأة، وكانت تؤذيه، وكان يغفر لها »
.
ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة ، فإذا
حرمها الزوج من ذلك ـ كما هو الحال في الايلاء ، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته ـ فللزوجة حق الخيار ، إن شاءت صبرت عليه أبداً ، وإن شاءت خاصمته إلىٰ الحاكم الشرعي ، حيث يمهله لمدة أربعة أشهر ليراجع نفسه ويعود إلىٰ مراعاة حقها ، أو يطلقها ، فان أبىٰ كليهما حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم
_______________
والمشرب حتىٰ يرجع
إلىٰ زوجته ، أو يطلقها
.
وإذا تزوجت من رجل علىٰ أنّه سليم
، فظهر أنه عنّين انتظرت به سنة ، فان استطاع مجامعتها فتبقىٰ علىٰ زوجيتها ، وإن لم يستطع كان لها
الخيار ، فان اختارت المقام معه علىٰ أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار
.
ولا يجوز اجبار المرأة علىٰ الزواج
من رجل غير راغبة فيه ـ كما تقدم ـ .
وإن كان للرجل زوجتان ، فيجب عليه العدل
بينهما
.
ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات
الزوجية ، فلا يجوز للزوج أن يقذف زوجته ، فلو قذفها جلد الحدّ
.
ثالثاً
: حقوق الوالدين :
للوالدين الدور الأساسي في بناء الاُسرة
والحفاظ علىٰ كيانها ابتداءً وإدامة ، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل طبقا لموازين المنهج الاسلامي ، لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدين والأبناء ، طبقاً للحقوق والواجبات المترتّبة علىٰ أفراد الاُسرة تجاه بعضهم البعض ، فقد قرن الله تعالىٰ في كتابه الكريم بوجوب برّ الوالدين والاحسان إليهما بوجوب عبادته ، وحرّم جميع ألوان الاساءة إليهما صغيرها وكبيرها ، فقال تعالىٰ : ( وَقَضَىٰ
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
_______________
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )
.
وأمر بالاحسان إليهما والرحمة بهما
والاستسلام لهما ، فقال تعالىٰ : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيرًا )
.
وقرن الله تعالىٰ الشكر لهما
بالشكر له ، فقال : (
... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )
.
وأمر تعالىٰ بصحبة الوالدين
بالمعروف ، فقال : (
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ... )
.
وتجب طاعة الأبناء للوالدين ، قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
... ووالديك فأطعمها وبرهما حيّين كانا أو ميتين ، وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الايمان »
.
وقرن الامام جعفر الصادق عليهالسلام بر الوالدين بالصلاة
والجهاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟ قال : «
الصلاة لوقتها ، وبر الوالدين ، والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ »
.
ومن حقوق الوالد علىٰ ولده كما
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا يسميه
_______________
باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس
قبله ، ولا يستسبّ له »
.
ومعنىٰ (لا يستسب له) أي لا يفعل
ما يصير سبباً لسبّ الناس له .
وقدّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
برّ الوالدة علىٰ برّ الوالد لأنّها أكثر منه في تحمّل العناء من أجل الأولاد في الحمل والولادة والرضاع ، عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
، قال : «
جاء رجل إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقال : يا رسول الله ، من أبرُّ ؟ قال : أُمّك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أُمّك ، قال
ثم من ؟ قال : أباك »
.
وكانت سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قائمة علىٰ تكريم من يبر والديه ، فقد أتته أُخته من الرضاعة ، فلمّا نظر إليها سرَّ بها وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها ، ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها ، ثم قامت وذهبت وجاء أخوها ، فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله ، صنعت بأخته مالم تصنع به وهو رجل ؟! فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لأنّها كانت أبرَّ بوالديها منه »
.
وقدّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
طاعة الوالدين علىٰ الجهاد ، ففي رواية جاءه رجل وقال : يا رسول الله ، إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
فقرَّ مع والديك ، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة »
.
وورد في الحديث أنّه يجب برّ الوالدين
وإن كانا فاجرين ، قال الإمام
_______________
محمد الباقر عليهالسلام : «
ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة : أداء الامانة إلىٰ البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبر الوالدين
برّين كانا أو فاجرين »
.
وفي الآية المتقدمة (
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلّا برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدَّم قدّامهما »
.
وبرّ الوالدين لا يقتصر علىٰ حال
حياتهما ، بل يشملهما حال الحياة وحال الممات ، قال الامام الصادق عليهالسلام
: «
ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيّين وميّتين ، يصلي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزَّ وجلَّ ببره وصلته خيراً كثيراً »
.
ويجب علىٰ الولد الأكبر أن يقضي
عن والده مافاته من صلاة وصوم ، أما بقية الأولاد
فلا يجب عليهما القضاء عن والدهم ، بل يستحب للرواية المتقدمة .
وحرّم الإسلام عقوق الوالدين بجميع
ألوانه ومراتبه ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
من أحزن والديه فقد عقّهما »
.
_______________
وعن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : «
أدنىٰ العقوق أفّ ، ولو علم الله عزَّ وجلَّ شيئاً أهون منه لنهىٰ عنه »
.
وقال عليهالسلام
: «
... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلىٰ والديه فيحدّ النظر إليهما »
.
وقال عليهالسلام
: «
من نظر إلىٰ أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له ، لم يقبل الله له صلاة »
.
وعقوق الوالدين من الكبائر التي تستلزم
دخول النار ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
عقوق الوالدين من الكبائر ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل العاقّ عصياً شقياً »
.
ولا يقتصر وجوب البر وحرمة العقوق
علىٰ الجوانب المعنوية والروحية ، بل يتعداها إلىٰ الجوانب المادية ، فتجب النفقة عليهما إن كانا معسرين
.
وتجب رعاية الوالدين رعاية صحية ، عن
إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام
: إنّ أبي قد كبر جداً وضعف ، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة ؟ فقال : « إنّ استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ،
ولقّمه بيدك ، فإنّه
_______________
جُنّة لك غداً »
.
وخلاصة القول : يجب طاعة الوالدين في
جميع ما يأمرون به إلّا المعصية أو ما يترتب عليه مفسدة فلا تجب طاعتهما .
ومع جميع الظروف يجب علىٰ الأبناء
إحراز رضا الوالدين بأيّ أُسلوب شرعي إن أمكن ، لأنّ رضاهما مقروناً برضىٰ الله تعالىٰ ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
رضا الله مع رضىٰ الوالدين ، وسخط الله مع سخط الوالدين »
.
وبرّ الوالدين بطاعتهما والاحسان إليهما
، كفيل باشاعة الودّ والحبّ والوئام في أجواء الاُسرة وبالتالي إلىٰ تحكيم بنائها وإنهاء جميع عوامل الاضطراب والتخلخل الطارىء عليها ، ولا يتحقق ذلك إلّا بالالتزام بالحقوق والواجبات المترتبة علىٰ أفرادها .
رابعاً
: حقوق الأبناء :
للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد
لخّصها الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام
بالقول : «
وأمّا حق ولدك فإنّك تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة علىٰ ربّه عزَّ وجلَّ والمعونة له علىٰ طاعته ، فاعمل في أمره عمل من
يعلم أنّه مثاب علىٰ الاحسان إليه ، معاقب علىٰ الاساءة إليه »
.
_______________
ومن حقّ الأبناء علىٰ الآباء
الاحسان إليهم وتعليمهم وتأديبهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
رحم الله عبداً أعان ولده علىٰ برّه بالاحسان إليه والتألف له ، وتعليمه وتأديبه »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
رحم الله من أعان ولده علىٰ برّه ... يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم »
.
وتترتب علىٰ الوالدين جملة من
الحقوق ينبغي مراعاتها من أجل اعداد الأبناء إعداداً فكرياً وعاطفياً وسلوكياً منسجماً مع المنهج الالهي في الحياة ، ولا يتحقق ذلك إلّا باشباع حاجات الأبناء الأساسية ، كالحاجة إلىٰ الايمان بالغيب ، والحاجة إلىٰ الامان وتوكيد الذات والمكانة
بالمحبة والتقدير ، والحاجة إلىٰ التربية الصالحة .
ويمكن تحديد أهم حقوق الأبناء بما يلي :
١ ـ ينبغي علىٰ كلِّ من الوالدين
اختيار شريك الحياة علىٰ أساس الايمان والتدين والصلاح والسلامة من العيوب العقلية كالجنون والحمق ، لأنّ ذلك يؤثر علىٰ تنشئة الجيل وسلامته .
وينبغي الاهتمام بالصحة الجسدية
والنفسية للاُمّ أثناء الحمل ، لكي يخرج الأبناء إلىٰ الدنيا وهم يتمتّعون بالصحة الجسدية والنفسية
_______________
لانعكاسها عليهم
أثناء الحمل .
٢ ـ يستحب تسمية الأبناء بأحسن الأسماء،
ورعاية الاُمّ رعاية صالحة، وتوفير حاجاتها اللازمة للتفرّغ إلىٰ رعاية الأبناء في مهدهم ، ويجب
علىٰ الوالد اشباع حاجات الوليد من الرضاعة ، وذلك بالاعتماد علىٰ حليب الاُمّ أو اختيار المرضعة الصالحة ، واشباع حاجاته المادية والمعنوية في فترة الحضانة .
٣ ـ يجب علىٰ الوالدين تعليم
الطفل معرفة الله تعالىٰ ، وتعميق الايمان في قلبه وجوارحه ، وتعليمه سائر أصول الدين ليترعرع علىٰ الايمان بالله وبرسوله وبالأئمة عليهمالسلام
وبيوم القيامة ، ليكون الايمان عوناً له في تهذيب نفسه في الحاضر والمستقبل .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أدّبوا أولادكم علىٰ ثلاث خصال : حبّ نبيكم ، وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن »
.
ويجب تربية الأطفال علىٰ طاعة
الوالدين .
٤ ـ ويجب الاحسان إلىٰ الأبناء في
هذه المرحلة وتكريمهم من أجل تعميق أواصر الحبّ بينهم وبين الوالدين ، وذلك ضروري في كمالهم اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي ، فالطفل يقلد من يحبّه ، ويتقبّل التعليمات والنصائح والأوامر ممّن يحبّه .
والمنهج الإسلامي في التعامل مع الأبناء
يؤكد علىٰ التوازن بين اللين والشدة في التربية ، ويؤكد علىٰ العدالة بين الأطفال في الحبّ والتقدير
_______________
وفي العطاء واشباع
الحاجات لكي يترعرعوا متحابين متآزرين لا عداء بينهم ولا شحناء ولا تقاطع ولا تدابر .
ويجب علىٰ الوالدين وقاية الابناء
من الانحراف الجنسي والانحراف السلوكي ، وتنمية عواطفهم اتجاه الأعمال الصالحة ، وتوجيهها توجيهاً سليماً يقوم علىٰ أساس المنهج الاسلامي في التربية والسلوك .
ويجب الاهتمام بالطفل اليتيم ورعايته
رعاية حسنة لكي يكون رجلاً صالحاً في المستقبل .
الفصل
الرابع الخلافات الزوجية
الخلافات بين الزوجين تخلق في الاُسرة
أجواء متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي إلىٰ انفصام العلاقة الزوجية وتهديم أركان الاُسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الاُسرة بما فيهم الأطفال ، ولها تأثيراتها السلبية علىٰ المجتمع أيضا ، لأنّ الخلافات الدائمة تزرع القلق في النفوس ، والاضطراب في التفكير والسلوك ، فتكثر التعقيدات والاضطرابات النفسية في أوساط المنحدرين من أُسر مفككة بسبب كثرة الخلافات والتشنجات ، فتنعدم فيهم الثقة بالنفس وبالمجتمع ، لذا حثّ الإسلام علىٰ إنهاء الخلافات الزوجية وإعادة التماسك الاُسري ، قال تعالىٰ : «
وإن
امرأةٌ خافت مِن بَعلِها نُشُوزا أو إعراضا فلا جُناحَ عليهِما أن يُصلِحا
بَينَهُما صُلحا والصُّلحُ خيرٌ ... »
.
وأمر القرآن الكريم الزوج بالمعاشرة
بالمعروف فقال : «
... وَعَاشِرُوهنَّ
_______________
بالمعرُوفِ فإن كَرِهتُموهنَّ فعسى أن
تَكرَهُوا شيئا وَيَجعَل الله فيه خَيرا كثيرا»
.
وحذّر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة
الزوجية ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «ما
من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق ، وإنّ الله يبغض المطلاق الذوّاق»
.
وقال عليهالسلام
: «إنّ
الله عزَّ وجلَّ يحبُّ البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيءٍ أبغض إلىٰ الله عزَّ وجلَّ من الطلاق»
.
وإذا لم تنفع جميع محاولات الاصلاح
وإعادة العلاقات إلىٰ مجاريها ، وإذا لم تتوقف المشاكل والتوترات إلّا بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين ، ومع ذلك فقد منح الإسلام الفرصة للعودة إلىٰ التماسك الاُسري ، فأعطى للزوج حق العودة أثناء العدة دون عقد جديد ، وبعد العدة بعقد جديد ، وجعل له حق العودة بعد الطلاق الأول والثاني ، وفيما يلي نستعرض المواقف والمظاهر المتعلقة بالخلافات الزوجية .
الشقاق
والنشوز :
إذا حدث الشقاق ، وضع الإسلام أُسسا
وقواعد موضوعية لانهائه في مهده ، أو التخفيف من وطأته علىٰ كلا الزوجين ، فإذا كانت الزوجة هي المسببة للشقاق والنشوز بعدم طاعتها للزوج وعدم احترامه ، فللزوج حق
_______________
استخدام بعض الأساليب
كالوعظ أولاً ، والهجران ثانيا ، والضرب الرقيق أخيرا .
قال تعالىٰ : «
... واللاتي تَخافُونَ نُشُوزهُنَّ فَعِظُوهنَّ واهجرُوهُنَّ في المضَاجعِ
واضرِبُوهُنَّ فإن أطعنَكُم فلا تَبغُوا عَليهِنَّ سبيلاً إنّ الله كانَ عَليّا
كبيرا»
.
ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة
السعي في المصالحة ببعث حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة ، كما جاء في قوله تعالىٰ : «وإن
خِفتُم شِقَاقَ بَينهما فابعثُوا حَكما من أهلهِ وحَكما من أهلِها إن يُريدا
إصلاحا يوفِّقِ الله بينهما إنَّ الله كان عَلِيما خَبِيرا»
.
وينبغي علىٰ الحكمين مراجعة الزوج
والزوجة قبل بدء التشاور ، فان جعلا إليهما الاصلاح والطلاق ، انفذوا ما رأياه صلاحا من غير مراجعة ، وإن رأيا التفريق بينهما بطلاق أو خلع ، لا يحق لهما امضاء ذلك إلّا بعد مراجعة الزوجين
.
قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «ليس
للحكمين أن يفرقا حتىٰ يستأمرا الرجل والمرأة ، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا ، وإن شئنا فرّقنا ، فان جمعا فجائز ، وإن فرّقا فجائز»
.
_______________
ويجوز للحاكم الشرعي أن يبعث الحكمين من
غير أهلهما
.
ومهما اتفق الحكمان فلا يجوز الفصل بين
الزوجين في حال غياب أحدهما
.
وإن كان أحد الزوجين مغلوبا علىٰ عقله
بطل حكم الشقاق
.
وفي جميع مراحل عمل الحكمين يستحبُّ
لهما الاصلاح إن أمكن ذلك ، لعموم أدلة بغض الطلاق وكراهيته من قبل الله تعالى .
ومن الأفضل اختيار الحكمين علىٰ أساس
العلم والتقوى والكفاءة في مواجهة الاُمور ، والقدرة علىٰ استيعاب المواقف المتشنجة ، والصبر عليها ، وأن يقولا الحقّ ولو علىٰ أنفسهما .
وينبغي علىٰ الحكمين أن يمنحا الفرص
المتاحة لاعادة مسار العلاقات الزوجية إلىٰ حالتها قبل الشقاق والنشوز ، وإن طالت مدة الاصلاح والمفاوضات المتقابلة .
الايلاء
:
الايلاء : هو حلف الزوج علىٰ أن
لا يطأ زوجته
.
والايلاء مظهر من مظاهر الانحراف عن
الفطرة ، وهو مقدمة من مقدمات التنافر والتدابر بين الزوجين .
_______________
وليس أمام الزوجة إزاء هذه الحالة إلّا أحد
خيارين ؛ إمّا الصبر علىٰ ذلك حفاظا علىٰ كيان الاُسرة من التفكك ، وإمّا اللجوء إلىٰ الحاكم الشرعي ، فإن رفعت خصومتها إليه أنظر الحاكم زوجها أربعة أشهر لمراجعة نفسه في ذلك ، فان أبى الرجوع والطلاق جميعا حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم والمشرب ، حتىٰ يفيء إلىٰ أمر الله تعالىٰ
بالرجوع إلىٰ معاشرة زوجته أو طلاقها
.
قال تعالىٰ : «لّلِّذينَ
يُؤلُونَ مِن نِّسائِهم تَربُّصُ أربعةِ أشهُرٍ فإن فاءُوا فإنّ الله غَفُورٌ
رَّحيمٌ * وإن عَزمُوا الطَّلاقَ فإنّ الله سميعٌ عليمٌ»
.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «إذا
إلىٰ الرجل أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجمع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمض ِ الأربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف ، فإمّا أن يفيء فيمسّها ، وإمّا أن يعزم علىٰ الطلاق فيخلّي عنها ، حتىٰ إذا حاضت وتطهّرت من حيضها طلّقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين ، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمض ِ الثلاثة أقراء»
.
اللعان
:
إذا قذف الرجل زوجته الحرّة بالفجور ،
وادّعى أنّه رأى معها رجلاً يطأها ، فان لم يأت ِ بشهود أربعة ، لاعَنَ الزوجة
.
_______________
والذي يوجب اللعان أن يقول : رأيتك
تزنين ؛ ويضيف الفاحشة منها إلىٰ مشاهدته ، أو ينفي ولدا أو حملاً
.
أمّا إذا قال لها : يا زانية ؛ ولم
يدّعِ المشاهدة ، فلا لعان بينهما ، وإنّما يكون الزوج قاذفاً
.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
لا يكون لعان حتىٰ يزعم أنّه قد عاين »
.
وصيغة الملاعنة كما ورد في القرآن
الكريم : ( وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ
أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ
إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ )
.
فيقول له الحاكم قُل : (أشهدُ بالله إنّي
لمن الصادقين فيمن ذكرته عن هذه المرأة من الفجور) .
ويكرر ذلك أربع مرّات ، فإن رجع عن قوله
، جلده حدّ المفتري ثمانين جلدة ، وردّ امرأته عليه .
وإن أصرّ علىٰ ما ادّعاه ، قال له
قل : (إنّ لعنة الله عليَّ ان كنت من الكاذبين) .
_______________
ويقول الحاكم لزوجته قولي : (أشهدُ بالله
إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به) وتكرّر القول أربع مرات .
وتقول في الخامسة : (إنّ غضب الله عليَّ
إن كان من الصادقين) .
فإذا قالت الزوجة ذلك ، فرَّق الحاكم
بينهما ، ولم تحلّ له أبداً ، وقضت منه العدّة منذ تمام لعانها له
.
أمّا إذا كانت الزوجة خرساء ، فرّق
بينهما ، وأقيم عليه الحدّ ، ولا تحلّ له أبداً ، ولا لعان بينهما
.
الطلاق
:
الطلاق : من حيث الأحكام الشرعية
علىٰ أربعة أنواع
.
الأول :
الطلاق الواجب ، وهو الطلاق الناتج عن الايلاء ـ كما تقدم ـ .
الثاني :
الطلاق المستحبّ ، وهو طلاق الزوج زوجته حال الشقاق والحال بينهما غير عامرة ، ولا يقوم كلّ واحد منهما بحق صاحبه .
الثالث :
الطلاق المحظور ، وهو طلاق الزوج زوجته في أحد موضعين:
١ ـ طلاق الحائض المدخول بها ، ولم يغب
عنها زوجها .
٢ ـ طلاق الخارجة من المحيض بعد مواقعة
زوجها لها في ذلك الطهر ، قبل أن يستبين حملها .
_______________
الرابع :
الطلاق المكروه ، وهو طلاق الزوج زوجته والحال عامرة بينهما ، ويقوم كلّ منهما بحقّ صاحبه .
شروط الطلاق :
لا يقع الطلاق إلّا باللفظ ، وهو قول
الزوج : أنتِ طالق ، ولا يقع بقوله : فارقتك وسرّحتك ؛ أو بقوله : اعتدّي ، وحبلك علىٰ غاربك
.
ولا يقع الطلاق في الحيض
وإنّما يقع في طُهر لم يجامعها فيه .
ولا يقع الطلاق إلّا بشهادة مُسلمَين
عدلين .
ومن كان غائباً عن زوجته ، فليس يحتاج
في طلاقها إلىٰ ما يحتاج إليه الحاضر من الاستبراء ، لكنّه لا بدّ له من الاشهاد ، فإذا أشهد رجلين من المسلمين علىٰ طلاقه لها ، وقع بها الطلاق سواء كانت طاهراً أو حائضاً ، ومن أراد أن يطلّق زوجته غير المدخول بها ، طلّقها في أيّ وقت شاء بمحضرٍ من رجلين مسلمين عدلين ، ولم ينتظر بها طهراً
.
ولا يقع الطلاق إن كان مشروطاً
كأن يقول : أنتِ طالق إن دخلتِ الدار .
_______________
شروط المطلِّق :
يشترط في صحة الطلاق بعدما تقدّم ، عدّة
أمور ، أهمّها :
١ ـ كون المطلِّق ممّن يصح تصرفه ، وهو
العاقل البالغ ، فلا يصحّ طلاق المجنون والسكران والصبي .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
ليس طلاق السكران بشيء »
.
٢ ـ أن لا يكون الزوج مكرهاً علىٰ
الطلاق ، فلا بدّ من اختياره هو .
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «
لو أنَّ رجلاً مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتىٰ يتخوف علىٰ نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل ، فلم يكن عليه شيء »
.
٣ ـ أن يكون قاصداً للطلاق .
قال الإمام الباقر عليهالسلام : «
لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق »
.
٤ ـ أن يكون تلفظه بصريح القول دون
الكناية .
عن زرارة قال : قلتُ لأبي جعفر عليهالسلام : رجل كتب بطلاق
امرأته ثم بدا له فمحاه ، قال : «
ليس ذلك بطلاق حتىٰ يتكلّم به »
.
وتجوز الوكالة في الطلاق ، فقد سُئل
الإمام الصادق عليهالسلام
عن رجل جعل
_______________
أمر امرأته
إلىٰ رجل ، فقال : اشهدوا أني جعلت أمر فلانة إلىٰ فلان ، أيجوز ذلك للرجل ؟
فقال : « نعم »
.
طلاق السُنّة :
طلاق السُنّة هو الطلاق المستوفي للشروط
المتقدمة ، من كون المطلق عاقلاً مميزاً مالكاً أمره غير مكره ولا غضبان ولا فاقد العقل ، وأن يكون الطلاق واقعاً في طهر لم يواقع زوجته فيه ، وأن يكون التلفظ بصريح القول ، وأن يكون الطلاق مطلقاً غير مشروط ، وأن يتمّ بحضور شاهدين عدلين في مجلس واحد
.
سُئل الإمام الرضا عليهالسلام عن طلاق السُنّة ،
فقال : «
يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلين كما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلىٰ كتاب الله »
.
طلاق
البدعة :
وهو الطلاق غير المستوفي للشروط ، كطلاق
الحائض أو طلاق الطاهرة من الحيض بعد مواقعتها في طهرها ، وكالطلاق المعلق بشرط ، وإيقاع الطلاق ثلاثاً بلفظة واحدة
.
_______________
عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله عليهالسلام عن رجل طلق امرأته
وهي حائض ، فقال : «
الطلاق لغير السُنّة باطل »
.
وقال الإمام الرضا عليهالسلام : «
طلّق عبدالله بن عمر امرأته ثلاثاً ، فجعلها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
واحدة ، وردّها إلىٰ الكتاب والسُنّة »
.
ومن طلاق البدعة ، الطلاق بغير شهود ،
قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من طلَّق بغير شهود فليس بشيء »
.
الخلع :
إذا كرهت الزوجة زوجها وآثرت فراقه ،
وظهر ذلك جليا في عصيانها لأمره ومخالفتها لقوله ، وعدم الاستجابة للمضاجعة ، فيجوز له حينئذٍ أن يلتمس علىٰ طلاقها ما شاء من المال والمتاع والعقار ، أو التنازل عن مهرها ، فان أجابته إلىٰ ذلك ، قال لها : قد خلعتك علىٰ كذا وكذا
درهماً أو ديناراً ، فإذا قال لها ذلك بمحضر شاهدين مسلمين عدلين وهي طاهر من الحيض طهراً لم يواقعها فيه ، فقد بانت منه ، وليس له عليها رجعة ، ولها أن تعقد علىٰ نفسها لمن شاءت بعد خروجها من عدتها ، فان اختارت الرجوع إليه واختار هو ذلك ، جاز لها الرجوع إلىٰ النكاح بعقد جديد ومهر جديد .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
لا يحلّ خلعها حتىٰ تقول لزوجها : والله لا أبرّ
_______________
لك قسماً ، ولا أُطيع لك أمراً ، ولا
اغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه ، ولاُوذننّ عليك بغير إذنك ، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا ، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها ، وكانت عنده علىٰ تطليقتين باقيتين ، وكان الخلع تطليقة »
.
المباراة :
إذ أكره الزوج زوجته وكرهت الزوجة زوجها
، وظهر ذلك منهما بأفعالهما ، وعلم كلّ واحدٍ منهما ذلك من صاحبه ، فتختار الزوجة حينئذٍ الفراق ، فتقول لزوجها : أنا كارهة لك ، فأنت أيضا كذلك ، فخلِّ سبيلي، فيقول لها : لك عليَّ دين فاتركيه حتىٰ أُخلي سبيلك ، أو يقول لها : قد أخذتِ مني كذا وكذا فردّيه عليّ أو بعضه لاُخلّي سبيلك ، فتجيبه إلىٰ ذلك فيطلقها .
ولا يجوز له إذا كان كارهاً لها أن يأخذ
منها علىٰ الطلاق أكثر ممّا أعطاها .
ولا رجعة لها إلّا بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ
جديد ، ويشترط في هذا الطلاق حضور شاهدين عدلين وبقية الشروط
، وليس لها نفقة في عدّتها
.
الفسخ :
للزوج حق فسخ العقد إن كانت الزوجة
مصابة بالبرص والجذام
_______________
والعرج والعمىٰ
والرتق أو كونها مفضاة .
وللزوجة حق فسخ العقد إن كان الزوج مصاباً
بالعنة والجب ـ أي مقطوع الذكر ـ وبالسلّ ، والخصاء علىٰ وجه لا يمكنه من الجماع .
والعيب المذكور يؤثر في الفسخ إن كان
تدليساً لا يعلمه الزوج أو الزوجة قبل العقد ، أمّا إذا كان يعلمه ، أو علمه بعد العقد ورضي به ، فلا يحقّ الفسخ بعد ذلك
.
ومن تزوج امرأة علىٰ أنّها بكر
فوجدها ثيبا ، لم يكن له ردّها ، ولم يجز له قذفها بفجور ، لأنّ العذرة قد تزول بأسباب أُخرىٰ
.
وإذا جُنّ الزوج ، وكان يعقل مع جنونه
أوقات الصلاة ، لم يكن للمرأة خيار مع ذلك ، وإن كان لا يعقل أوقات الصلاة ، كانت بالخيار
في البقاء معه أو الفسخ .
المفقود عنها زوجها :
إذا غاب الزوج عن زوجته غيبة لم تعرف
فيها خبره ، وكان له وليّ ينفق عليها ، أو كان في يدها مال له تنفق منه علىٰ نفسها ، كانت في حباله
إلىٰ أن تعرف له موتاً أو طلاقاً أو ردّة عن الإسلام .
وإن لم يكن له وليّ ينفق عليها ، ولا
مال في يدها تنفق منه ، واختارت الحكم في ذلك ، رفعت أمرها إلىٰ الحاكم الشرعي ، ليبحث عن خبره في
_______________
الأمصار ، وانتظرت
أربع سنين ، فان عرفت له خبراً من حياة ، ألزمه الحاكم النفقة عليها أو الفراق ، وإن لم تعلم له خبراً اعتدّت عدّة المتوفىٰ
عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وتزوّجت إن شاءت .
وإن جاء زوجها وهي في العدة ، أو قد
قضتها ولم تتزوج ، كان أحقّ بها من غير عقد .
وإن جاء وقد خرجت من العدّة وتزوجت ، لم
يكن له عليها سبيل
.
أحكام الرجعة :
للزوج حقّ الرجوع بعد الطلاق ، إن كانت
زوجته في عدتها ، ويصحّ الرجوع بشرطين :
الأول :
أن تكون المطلقة مدخولاً بها .
الثاني :
أن لا يكون الطلاق بائناً . والطلاق البائن : هو كل طلاق لا يكون للزوج المراجعة فيه إلّا بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ مستأنف ، أو بعد أن تنكح زوجاً غيره .
والبائن سبعة أقسام :
١ ـ طلاق من لم يدخل بها .
٢ ـ طلاق من لم تبلغ المحيض ولا مثلها .
٣ ـ طلاق الآيسة من المحيض .
_______________
٤ ـ طلاق المختلعة .
٥ ـ الطلاق بعد المباراة .
٦ ـ الطلاق الثالث .
وفي مقابل الطلاق البائن هناك الطلاق
الرجعي ، وهو كل طلاق يكون للزوج حق المراجعة بغير تجديد للعقد .
وهنالك نوعان من المراجعة :
١ ـ المراجعة القولية :
كقوله : راجعتها ، ارتجعت ، رددت ، أمسكت ، تزوجت ، نكحت .
٢ ـ المراجعة الفعلية :
كالوطىء ، القُبلة ، اللمس بشهوة ، إنكار الطلاق
.
عن محمد بن مسلم ، عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : سألته عن
الرجعة بغير جماع ، تكون رجعة ؟ قال : « نعم »
.
عدة المطلقة :
تعتدّ الزوجة المطلقة مدة ثلاثة أطهار
إن كانت ممّن تحيض ، وإن لم تكن تحيض لمرض أو عارض اعتدّت بثلاثة أشهر .
وإذا تجاوزت خمسين سنة وارتفع عنها
الحيض ، فلا عدّة عليها ، ولا عدة علىٰ القرشية إن تجاوزت الستين .
_______________
وإن كانت حاملاً، فعدتها أن تضع حملها ،
ولو وضعته بعد الطلاق بساعة واحدة أو أقلّ
.
وإن مضت ثلاثة أشهر ، ولم تضع الحمل
بانت من مطلقها ، ولكن لا يجوز لها الزواج إلّا بعد وضع الحمل
.
ولا عدة علىٰ غير المدخول بها
.
وإذا طلق الغائب زوجته ، ثم ورد الخبر
عليها بذلك ، فعدتها تكون من يوم طلاقها ، فإذا ورد الخبر عليها بعد أن حاضت ثلاث حيضات ، فقد خرجت من عدتها ، ولا عدة عليها بعد ذلك
.
وقد بيّن تعالىٰ مدة العدّة في
الأوضاع المختلفة في سورة الطلاق .
أحكام العدة :
يجب علىٰ المعتدة في الطلاق
الرجعي ملازمة منزل زوجها ، ولا تخرج منه إلّا باذنه ، ولا يجوز له إخراجها من منزله إلّا أن تؤذيه أو تأتي في منزله ما يوجب الحدّ ، فيخرجها لاقامة الحدّ ويردّها إليه .
ولا يجوز لها المبيت إلّا في منزله .
ويجوز لها استخدام الزينة في أثناء
العدّة
.
_______________
قال تعالىٰ : (
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ
وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... )
.
ويجب علىٰ الزوج المطلِّق أن ينفق
عليها ما دامت في عدّتها منه
.
ومن طلق زوجته المدخول بها ، لم يجز له
العقد علىٰ أُختها حتىٰ تنتهي العدة
.
ومن كان عنده أربع زوجات فطلق واحدة
منهنَّ ، لا يجوز له العقد علىٰ امرأة أُخرىٰ حتىٰ تخرج المطلقة من عدتها
.
والأحكام الواردة في العدة لو طبقت كما
أرادتها الشريعة الإسلامية ، فإنّها تخلق فرصا جديدة للمصالحة والعودة إلىٰ الحياة الزوجية ، فمجرد وجود المطلقة في منزل مطلِّقها وسكنها معه ثلاثة أشهر عامل مساعد في إمكان العودة ، وإعادة النظر في استئناف حياة جديدة ، وتجاوز مشاكل وتعقيدات الماضي ، وإذا كان للمطلقة بنين وبنات فستكون إعادة العلاقة الزوجية أيسر وأسهل .
عدة الوفاة :
يجب علىٰ من مات زوجها العدّة ،
وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ، قال تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
_______________
وَعَشْرًا ... )
.
ويجب علىٰ المرأة إضافة
إلىٰ العدة أن تحتدّ .
والحداد :
هو امتناعها من الزينة بالكحل والامتشاط والخضاب ، ولبس المصبوغ والمنقوش وما جرىٰ مجرىٰ ذلك من ضروب الزينة ،
وتمتنع من الطيب كلّه
.
ويجوز لها المبيت حيث شاءت
في منزلها أو في منزل آخر .
ويبدأ الحداد والعدة من يوم بلغها خبر
موت زوجها ، وإن كان متوفياً منذ مدة طويلة ، قال الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام
: «
المتوفىٰ عنها زوجها تعتدّ حين يبلغها ، لأنّها تريد أن تحتدّ له»
.
وما دامت المرأة ملتزمة بالحداد ، فلها
الحق في زيارة الناس وأداء الحج ، روي عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
في المتوفىٰ عنها زوجها ، أتحجّ وتشهد الحقوق ؟ قال : « نعم »
.
ويجوز للرجل التعريض لها بالخطبة أثناء
عدتها وحدادها ، ولا يجوز له التصريح بالخطبة
كما تقدّم .
_______________
قال تعالىٰ : (
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ
أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا
تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )
.
_______________
الفصل
الخامس الاُسرة والمجتمع
الاُسرة هي اللبنة الاُولىٰ لتكوين
المجتمع ، وهي الخلية التي تقوم بتنشئة العنصر الإنساني وتشكيل دعائم البناء الاجتماعي ، وهي نقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع ، وفي جميع مراحل حياته إيجاباً وسلباً ، ولهذا أبدىٰ
الإسلام عناية خاصة بالاُسرة ، فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها من حيث علاقات أفرادها في داخلها ، وعلاقاتهم مع المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه .
وقد عني الفصل السابق بموضوع العلاقات
بين أفراد الاُسرة الواحدة ، فيما يختص هذا الفصل ببحث علاقات الاُسرة بالمجتمع الذي تبحث فيه .
وقد تطرقنا إلىٰ هذه المواضيع
لابتلاء غالب الاُسر باحكامٍ من هذا القبيل ، ولأنّ الاُسرة وحدة اجتماعية لا تنفصل عن المجتمع بشكل أو بآخر .
وعلىٰ
هذا الصعيد تتصدر في المنهاج الإسلامي ثلاثة عناوين بارزة ، وهي : صلة الأرحام ، وحقوق الجيران ، وحقوق المجتمع .
أولاً
: صلة الأرحام
من السنن الالهية المودعة في فطرة
الإنسان هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه ، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوىٰ
فيها أبناء البشر ، فالحب المودع في القلب هو العلقة الروحية المهيمنة علىٰ علاقات الإنسان بأقاربه ، وهو قد يتفاوت تبعا للقرب والبعد النسبي إلّا أنّه لا يتخلّف بالكلية .
ولقد راعىٰ
الإسلام هذه الرابطة ، ودعا إلىٰ تعميقها في الواقع ، وتحويلها إلىٰ مَعلَم منظور ، وظاهرة واقعية تترجم فيه الرابطة الروحية
إلىٰ حركة سلوكية وعمل ميداني .
فانظر كيف قرن تعالىٰ بين التقوىٰ
وصلة الأرحام ، فقال : (
... وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا )
.
وذكر صلة القربىٰ
في سياق أوامره بالعدل والاحسان ، فقال : (
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ
وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
.
وبالاضافة إلىٰ الصلة الروحية دعا
إلىٰ الصلة المادية ، وجعلها مصداقاً للبرّ، فقال تعالىٰ : (
... وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ... آتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبَىٰ
_______________
وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ )
.
وجعل قطيعة الرحم سبباً للعنة الالهية
فقال : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ )
.
صلة
الأرحام في الأحاديث الشريفة :
لقد دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل البيت عليهمالسلام
إلىٰ صلة الأرحام في جميع الأحوال ، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً علىٰ الأواصر والعلاقات ، وترسيخاً لمبادىء الحب والتعاون والوئام .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنّ الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها »
.
وقال أبو ذر الغفاري رضياللهعنه : (أوصاني رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم
أن أصل رحمي وإن أدبَرَت)
.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
صلوا أرحامكم وإن قطعوكم »
.
_______________
ومما جاء في فضل صلة الأرحام في الحديث
الشريف أنها خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ، وأنها أعجل الخير ثواباً ، وأنها أحبّ الخطىٰ
التي تقرب العبد إلىٰ الله زلفىٰ
، وتزيد في ايمانه .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ألا أدلكم علىٰ خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ من عفا عمن ظلمه ، ووصل من قطعه ، وأعطىٰ من حرمه »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ، وأسرع الشر عقاباً البغي »
.
وقال الإمام علي بن الحسين عليهالسلام : «
ما من خطوة أحبّ إلىٰ الله عزَّ وجلَّ من خطوتين : خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله ، وخطوة إلىٰ ذي رحم قاطع »
.
وقال الإمام موسىٰ
الكاظم عليهالسلام
: «
صلة الارحام وحسن الخلق زيادة في الايمان »
.
ولقد رتّب الإمام علي بن الحسين عليهالسلام حقوق الأرحام تبعاً
لدرجات القرب النسبي ، فيجب صلة الأقرب فالأقرب ، فقال : « وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة ، فأوجبها عليك حقّ أُمك ، ثم حقّ أبيك ، ثم حقّ ولدك ، ثم حقّ أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأول
_______________
فالأول »
.
وتتجلىٰ
مظاهر الصلة بالاحترام والتقدير والزيارات المستمرة وتفقد أوضاعهم الروحية والمادية ، وتوفير مستلزمات العيش الكريم لهم ، وكفّ الأذىٰ
عنهم .
ولقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليهالسلام
إلىٰ تفقّد أحوال الأرحام المادية وإشباعها ، فقال : « ألا لا يعدلنَّ
أحدكم عن القرابة يرىٰ بها الخصاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه ، ولا ينقصه إن أهلكه ، ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة ، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة »
.
وأدنىٰ
الصلة هي الصلة بالسلام ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
صلوا أرحامكم ولو بالسلام»
.
وأدنىٰ
الصلة المادية هي الاسقاء ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
صل رحمك ولو بشربة ماء... »
.
ومن مصاديق صلة الأرحام كفّ الأذىٰ
عنهم ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
عظّموا كباركم ، وصلوا أرحامكم ، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذىٰ عنهم »
.
_______________
قطيعة
الأرحام في الأحاديث الشريفة :
الإسلام دين التآزر والتعاون والوئام ،
لذا حرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلىٰ التقاطع والتدابر ، لأنها تؤدي إلىٰ تفكيك أواصر المجتمع ، وخلخلة صفوفه ، فحرّم قطيعة الرحم ، وجعلها موجبة لدخول النار والحرمان من الجنّة .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر ، ومدمن سحر ، وقاطع رحم »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة : قاطع رحم ، وجار السوء »
.
وقطيعة الرحم موجبة للحرمان من البركات
الالهية ، كنزول الملائكة وقبول الأعمال .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنّ الملائكة لا تنزل علىٰ قوم فيهم قاطع رحم »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ عشية خميس ليلة الجمعة ، فلا يقبل عمل قاطع رحم »
.
وقطيعة الرحم من الذنوب التي تعجّل
الفناء ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
:
_______________
« الذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم »
.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يتخوف علىٰ المسلمين من قطيعتهم لأرحامهم ، وكان يقول : «
إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين ، ومنع الحكم ، وقطيعة الرحم ، وأن تتّخذوا القرآن مزامير ، وتقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين »
.
ومقابلة القطيعة بالقطيعة ظاهرة سلبية
في العلاقات ، وهي موجبة لعدم رضا الله تعالىٰ عن الجميع ، ففي رواية أنّ رجلاً أتىٰ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فقال : (يا رسول الله ، أهل بيتي أبوا إلّا توثّباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة ، فأرفضهم ؟) قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إذن يرفضكم الله جميعاً »
قال : كيف أصنع ؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمَّن ظلمك ، فانك إذا فعلت ذلك ، كان لك من الله عليهم ظهير »
.
الآثار الروحية والمادية لصلة الأرحام وقطيعتها :
لصلة الارحام آثار ايجابية في الحياة
الإنسانية بجميع مقوماتها الروحية والخلقية والمادية ، قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام
: «
صلة الارحام تزكي الأعمال ، وتنمي الأموال ، وتدفع البلوىٰ ، وتيسّر الحساب ، وتنس ء في الأجل »
.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
صلة الأرحام تُحسن الخلق ، وتسمّح
_______________
الكف ، وتطيب النفس ، وتزيد في الرزق ،
وتنسء في الأجل »
.
وصلة الرحم تزيد في العمر ، وقد دلّت
الروايات علىٰ ذلك ، وأثبتت التجارب الاجتماعية ذلك من خلال دراسة الواقع ، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
أنّه قال : «
ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلّا صلة الرحم ، حتىٰ أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم فيزيده الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة ، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة ، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل أجله إلىٰ ثلاث سنين »
.
والواصل لأرحامه يكون محل احترام وتقدير
من قبلهم ومن قبل المجتمع ، وهو أقدر من غيره علىٰ التعايش مع سائر الناس ، لقدرته علىٰ
إقامة العلاقات الحسنة ، ويمكنه أن يؤدي دوره الاجتماعي علىٰ أحسن وجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأداء مسؤوليته في البناء المدني والحضاري باعتباره عنصر مرغوب فيه ، وبعكسه القاطع لرحمه ، فإنّه يفقد تأثيره في المجتمع ، لعدم الوثوق بنواياه وممارساته العملية .
ثانياً
: حقوق الجيران
لرابطة الجوار دور كبير في حركة المجتمع
التكاملية ، فهي تأتي في المرتبة الثانية من بعد رابطة الأرحام ، إذ للجوار تأثير متبادل علىٰ سير الاُسرة ، فهو المحيط الاجتماعي المصغّر الذي تعيش فيه الاُسرة
_______________
وتنعكس عليها مظاهره
وممارساته التربوية والسلوكية ، ولهذا نجد أنّ المنهج الاسلامي أبدىٰ فيه عناية خاصة ، فقد قرن القرآن الكريم عبادة الله تعالىٰ والاحسان إلىٰ الوالدين والارحام بالاحسان إلىٰ الجار
كما في قوله تعالىٰ : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ
وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي
الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ
وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ )
.
فقد رسم القرآن الكريم منهجاً موضوعياً
في العلاقات الاجتماعية يجمعه الاحسان إلىٰ أفراد المجتمع وخصوصاً المرتبطين برابطة الجوار .
وحق الجوار لا ينظر فيه إلىٰ الانتماء
العقائدي والمذهبي ، بل هو شامل لمطلق الانسان مسلماً كان أم غير مسلم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
الجيران ثلاثة : فمنهم من له ثلاثة حقوق : حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة ، ومنهم من له حقّان : حق الإسلام ، وحق الجوار ، ومنهم من له حق واحد : الكافر له حق الجوار »
.
الوصايا
الشريفة :
أوصىٰ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته بمراعاة حق الجوار ، والسعي إلىٰ تحقيقه في الواقع ، وركز علىٰ ذلك باعتباره من وصايا الله تعالىٰ له ،
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
مازال جبرئيل عليهالسلام
يوصيني بالجار حتىٰ ظننت أنّه سيورثه »
.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
والله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصية نبيكم ،
_______________
مازال يوصي بهم حتىٰ ظنّنا أنه
سيورّثهم »
.
وقد كتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل المدينة : « إنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ،
وحرمة الجار علىٰ الجار كحرمة أُمّه »
.
وقد جعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
إكرام الجار من علامات الايمان فقال : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره »
.
واستعاذ صلىاللهعليهوآلهوسلم
من جار السوء الذي أطبقت الانانية علىٰ مشاعره ومواقفه فقال : «
اعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة ، تراك عيناه ويرعاك قلبه ، إن رآك بخير ساءه ، وإن رآك بشر سرّه »
.
حسن
الجوار :
إنّ حسن الجوار من الأوامر الالهية ،
كما قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
عليكم بحسن الجوار ، فإنّ الله عزَّ وجلَّ أمر بذلك »
.
وحسن الجوار ليس كف الأذىٰ
فحسب ، وإنّما هو الصبر علىٰ الأذىٰ
من أجل إدامة العلاقات ، وعدم حدوث القطيعة ، قال الإمام موسىٰ
الكاظم عليهالسلام
: «
ليس حسن الجوار كف الأذىٰ ، ولكن حسن الجوار الصبر
_______________
على الأذىٰ »
.
ودعا صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلىٰ تفقد أحوال الجيران وتفقّد حاجاتهم ، فقال : «
ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع »
.
وحثّ الإمام جعفر الصادق عليهالسلام علىٰ حسن
الجوار لما فيه من تأثيرات إيجابية واقعية تعود بالنفع علىٰ المحسن لجاره ، فقال : «
حسن الجوار يعمّر الديار ، ويزيد في الأعمار »
.
وقد أمر صلىاللهعليهوآلهوسلم
عليّاً عليهالسلام
وسلمان وأبا ذر والمقداد أن ينادوا في المسجد بأعلىٰ
أصواتهم بأنّه «
لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه »
، فنادوا بها ثلاثاً ، ثم أومأ بيده إلىٰ كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن
يمينه وعن شماله
.
والاعتداء علىٰ الجار موجب
للحرمان من الجنة ، كما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنّه قال : «
من كان مؤذياً لجاره من غير حقّ ، حرمه الله ريح الجنة، ومأواه النار ، ألا وإن الله عزَّ وجلَّ يسأل الرجل عن حق جاره ، ومن ضيّع حق جاره فليس منّا »
.
ومن يطّلع علىٰ بيت جاره ويتطلّب
عوراته يحشر مع المنافقين يوم القيامة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ومن اطلع في بيت جاره فنظر إلىٰ عورة
_______________
رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها ، كان
حقاً علىٰ الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا ، ولا يخرج من الدنيا حتىٰ يفضحه الله ويبدي عورته للناس في الآخرة »
.
ويحرم الاعتداء علىٰ ممتلكات الجار،
ومن اعتدىٰ
فالنار مصيره ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ومن خان جاره شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة إلىٰ سبع أرضين ناراً حتىٰ يدخله نار جهنّم »
.
وأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم
بالتكافل الاجتماعي والنظر إلىٰ حوائج الجار والعمل علىٰ إشباعها فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ومن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه منعه الله فضله يوم القيامة ، ووكله إلىٰ نفسه ، ومن وكله الله إلىٰ نفسه هلك ،
ولا يقبل الله عزَّ وجلَّ له عذراً »
.
حق
الجار في رسالة الحقوق :
وضع الإمام علي بن الحسين عليهالسلام في رسالة الحقوق
منهجاً شاملاً للتعامل مع الجيران ، متكاملاً في أُسسه وقواعده ، مؤكداً فيه علىٰ تعميق أواصر الاخوة ، مجسداً فيه السير طبقاً لمكارم الأخلاق التي بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
من أجل إتمامها ، فقال عليهالسلام
: «
وأمّا حق الجار فحفظه غائباً ، وكرامته شاهداً ، ونصرته ومعونته في الحالين معاً ، لا تتبع له عورة ، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف ، كنت لما علمت حصناً حصيناً وستراً ستيراً ، لو بحثت الأسنة
_______________
عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه
.
لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، لا
تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة .
تقيل عثرته ، وتغفر زلته ، ولا تدّخر
حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلماً له ترد عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد حامل النميمة ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا قوة إلّا بالله »
.
ثالثاً
: حقوق المجتمع
الإسلام ليس منهج اعتقاد وايمان وشعور
في القلب فحسب ، بل هو منهج حياة إنسانية واقعية ، يتحول فيها الاعتقاد والايمان إلىٰ ممارسة سلوكية في جميع جوانب الحياة لتقوم العلاقات علىٰ التراحم والتكافل والتناصح ، فتكون الأمانة والسماحة والمودة والاحسان والعدل والنخوة هي القاعدة الأساسية التي تنبثق منها العلاقات الاجتماعية .
وقد جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في
بيئته الاجتماعية ، يمارس دوره الاجتماعي البنّاء من موقعه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته »
.
ودعا صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلىٰ الاهتمام باُمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم ، فقال : « من أصبح لا يهتم باُمور المسلمين فليس
بمسلم »
.
_______________
ودعا الإمام الصادق عليهالسلام إلىٰ الالتصاق
والاندكاك بجماعة المسلمين فقال : «
من فارق جماعة المسلمين قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه »
.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكىٰ عضو منه تداعىٰ سائره بالحمىٰ والسهر »
.
وأمر الإمام الصادق عليهالسلام بالتواصل والتراحم
والتعاطف بين المسلمين ، وذلك هو أساس العلاقات بينهم ، فقال : « تواصلوا وتباروا
وتراحموا وتعاطفوا »
.
ودعا الإمام علي عليهالسلام إلىٰ استخدام
الأساليب المؤدية إلىٰ الاُلفة والمحبة ، ونبذ الأساليب المؤدية إلىٰ التقاطع والتباغض ، فقال : «
لا تغضبوا ولا تُغضبوا افشوا السلام وأطيبوا الكلام »
.
والاُسرة بجميع أفرادها مسؤولة عن تعميق
أواصر الود والمحبة والوئام مع المجتمع الذي تعيش فيه ، ولا يتحقق ذلك إلّا بالمداومة علىٰ حسن الخلق والمعاشرة الحسنة ، وممارسة أعمال الخير والصلاح ، وتجنب جميع ألوان الاساءة والاعتداء في القول والفعل .
ولذا وضع الإسلام منهاجاً متكاملاً في
العلاقات قائماً علىٰ أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع فرداً فرداً وجماعة جماعة ، وتتمثل هذه
_______________
الحقوق العامّة في :
(حقّ الاعتقاد ، وحقّ التفكير وإبداء
الرأي ، وحق الحياة ، وحق الكرامة ، وحق الأمن ، وحق المساواة ، وحق التملك) وتنطلق بقية الحقوق من هذه القواعد الكلية ، لتكون مصداقاً لها في الواقع العملي .
والالتزام بالاوامر الالهية كفيل باحقاق
حقوق المجتمع ، ومن الأوامر الالهية الجامعة لجميع الحقوق قوله تعالىٰ : (
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
.
فالتقيد بهذا الأمر الالهي يعصم الإنسان
من التقصير في حقوق المجتمع ، ويدفعه للعمل الجاد الدؤوب لتحقيق حقوق الآخرين وأداء مسؤوليته علىٰ أحسن وجه أراده الله تعالىٰ منه .
حقوق المجتمع في القرآن الكريم :
القرآن الكريم دستور البشرية الخالد ،
يمتاز بالشمول والاحاطة الكاملة بجميع شؤون الحياة ، وقد وضع أُسساً عامة في علاقة الفرد بالمجتمع ، ووضع لكلِّ طرف حقوقه وواجباته للنهوض من أجل إتمام مكارم الأخلاق ، وإشاعة الود والحب والوئام في ربوع المجتمع الإنساني ، وفيما يلي نستعرض جملة من حقوق المجتمع علىٰ الفرد والاُسرة ، الخلية الاجتماعية الاُولىٰ ، وأهم تلك الحقوق هو التعاون علىٰ البر والتقوىٰ
وعدم التعاون علىٰ الاثم والعدوان قال تعالىٰ : (
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
_______________
وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )
.
وأمر القرآن الكريم بالاحسان إلىٰ
أفراد المجتمع : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ
وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي
الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ
وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
.
وأقرّ القرآن حق النصرة : (
وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ... )
.
وأمر بالاعتصام بحبل الله وعدم التفرّق
: ( وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )
.
وأمر بالسعي للاصلاح بين المؤمنين : (
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
.
وأمر بالعفو والمسامحة : (
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )
.
وأمر بالوفاء بالعقود : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )
.
_______________
وأمر باداء الامانة : (
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا )
.
وأمر باداء حق الفقراء والمساكين وابن
السبيل وعدم تبديد الثروة بالتبذير والاسراف : (
وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا
تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا )
.
وقال أيضاً : (
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
.
ومن أجل إشاعة مكارم الأخلاق ، والسير
علىٰ النهج القويم ، أمر القرآن بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر : (
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )
.
ومن حقوق المجتمع علىٰ الفرد أن
يقوم بواجب الاصلاح والتغيير للحفاظ علىٰ سلامة المجتمع من الانحراف العقائدي والاجتماعي والأخلاقي ، وأن يقابل الاساءة والمصائب التي تواجهه بصبر وثبات ، فمن وصية لقمان لابنه : (
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
)
.
ونهىٰ
القرآن الكريم عن الاعتداء علىٰ الآخرين ، بالظلم والقتل وغصب الأموال والممتلكات والاعتداء علىٰ الأعراض : (
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ
_______________
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )
.
وحرّم الدخول إلىٰ بيوت الآخرين
دون إذن منهم : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا
وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا )
.
ونهىٰ
عن بخس الناس حقوقهم : (
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ )
.
وحرّم التعامل الجاف مع الآخرين : (
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ... )
.
وحرّم جميع الممارسات التي تؤدي
إلىٰ قطع الأواصر الاجتماعية ، ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا
خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا
تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ... )
.
وحرّم الظن الآثم والتجسس علىٰ الناس
واغتيابهم : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا
تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا )
.
وحرّم إشاعة الفاحشة في المجتمع
الإسلامي : ( إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَن
_______________
تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ... )
.
وحرّم ارتكاب الفواحش الظاهرية
والباطنية : ( وَلَا تَقْرَبُوا
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )
.
وهكذا يوفر القرآن في هذه اللائحة
الطويلة والعريضة ، ما يضمن توفير الحصانة للمجتمع البشري ، وهو يضع النظام الدقيق والشامل ، من أحكام وقيم أخلاقية ، ليكون الامان والتآلف والتعايش والتكافل معالم أصيلة في الحياة الاجتماعية .
ثم تأتي السُنّة الشريفة متمّمة لهذا
المنهاج ومفصلة له :
حقوق المجتمع في الأحاديث الشريفة :
أكدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته عليهمالسلام
علىٰ التآزر والتعاون والتواصل والتحابب ليكون الود والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد أنفسهم ، فلا يطغىٰ
حق الفرد علىٰ حق المجتمع ، ولا حق المجتمع علىٰ حق الفرد ، ونهوا عن تبادل النظرة السلبية كحد أدنىٰ
في الحقوق المترتبة علىٰ الفرد اتجاه المجتمع ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا يحل لمسلم أن ينظر إلىٰ أخيه بنظرة تؤذيه »
.
وعدم جواز النظرة السلبية يعني عدم جواز
سائر مظاهر الأذىٰ
ومصاديقه في القول وفي الممارسة العملية ، فلا تجوز الغيبة ولا البهتان
_______________
ولا الاعتداء
علىٰ أموال الآخرين وأعراضهم وأرواحهم ، بل يجب صيانة حرماتهم بجميع مظاهرها .
وحثّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
علىٰ مداراة الآخرين والرفق بهم ، والالتزام بهذه التوصيات من شأنه أن يؤدي إلىٰ مراعاة جميع الحقوق الاجتماعية لانبثاقها منها وتفرعها عليها ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
مداراة الناس نصف الايمان ، والرفق بهم نصف العيش »
.
ومن أحب الأعمال إلىٰ الله
تعالىٰ والواقعة في أُفق مراعاة الحقوق الاجتماعية هي ادخال السرور علىٰ المؤمنين ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إنّ أحبّ الأعمال إلىٰ الله عزَّ وجلَّ إدخال السرور علىٰ المؤمنين »
.
وإدخال السرور يتحقق باسماعهم الكلمة
الطيبة والقول الجميل ، واحترامهم ، والتعاون في حلِّ مشاكلهم ، ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم ، وأفراحهم وأحزانهم ، والدفاع عن أموالهم وأعراضهم وأنفسهم ، ورفع الأذىٰ
عنهم ، ونصرتهم للقيام بمواجهة أعباء الحياة .
وحدّد الإمام جعفر الصادق عليهالسلام سبعة من الحقوق تكون
مصداقاً لادخال السرور علىٰ المؤمنين من أفراد المجتمع الكبير ، عن معلّىٰ
بن خنيس ، عن الصادق عليهالسلام
قال : قلت له : ما حقّ المسلم علىٰ المسلم ؟ قال له : «
سبع حقوق واجبات ما منهنَّ حقّ إلّا وهو عليه واجب ، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب ...
_______________
أيسر حقّ منها : أن تحبّ له ما تحبّ
لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك .
ومنها : أن تجتنب سخطه ، وتتّبع مرضاته
، وتطيع أمره .
ومنها : أن لا تشبع ويجوع ، ولا تروي
ويظمأ ، ولا تلبس ويعرىٰ .
ومنها : أن تبرّ قسمه ، وتجيب دعوته ،
وتعود مريضه ، وتشهد جنازته ، وإذا علمت أنَّ له حاجة تبادره إلىٰ قضائها ، ولا تلجئه أن يسألكها ، ولكن تبادره مبادرة ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ، وولايته بولايتك »
.
وفي رواية أُخرىٰ
ذكر عليهالسلام
جملة من الحقوق فقال : « إنَّ من حقّ المؤمن علىٰ المؤمن : المودة له في صدره ، والمواساة له في ماله ، والخلف له في أهله ، والنصرة له علىٰ من ظلمه ، وان كان نافلة في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه ، وإذا مات الزيارة في قبره ، وأن لا يظلمه ، وأن لا يغشه ، وأن لا يخونه ، وأن لا يخذله ، وأن لا يكذب عليه ، وأن لا يقول له أفّ .. »
.
ومن الحقوق أن يناصح المؤمن غيره من
المؤمنين ، قال الامام الصادق عليهالسلام
: «
يجب للمؤمن علىٰ المؤمن أن يناصحه »
.
ومن الحقوق : صدق الحديث ، وأداء
الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وحسن الخلق ، والقرب من الناس ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
أقربكم مني غداً في
_______________
الموقف أصدقكم للحديث ، وآداكم للأمانة
، وأوفاكم بالعهد ، وأحسنكم خلقاً ، وأقربكم من الناس »
.
ومن الحقوق تحكيم الأواصر المشتركة في
العلاقات ، والتعامل من خلال الاُفق الواسع الذي يجمع الجميع في أُطر ونقاط مشتركة ، ونبذ جميع الأواصر الضيقة ، فحرّم الإسلام التعصب للعشيرة أو القومية ، ودعا إلىٰ إزالة جميع المظاهر التي تؤدي إلىٰ التعصب المقيت ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ليس منّا من دعا إلىٰ عصبية ، وليس منّا من قاتل علىٰ عصبية ، وليس منّا من مات علىٰ عصبية »
.
ومن أهم الحقوق إصلاح ذات البين ؛ لأنّه
يؤدي إلىٰ علاج كثير من الممارسات السلبية التي تفكّك أواصر الأخاء وتستأصل الوئام في أجوائه ، لذا قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام »
.
حقوق المجتمع في رسالة الحقوق :
وضع الإمام علي بن الحسين عليهالسلام في رسالة الحقوق
منهجاً متكاملاً في خصوص الحقوق الاجتماعية المترتبة علىٰ الفرد باعتباره جزءاً من الاُسرة ومن المجتمع ، ومما ورد في قوله عليهالسلام
: «
وأمّا حق أهل ملتك عامة : فاضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسيئهم ، وتألّفهم ، واستصلاحهم ، وشكر محسنهم إلىٰ نفسه واليك ، فإن إحسانه إلىٰ نفسه
_______________
إحسانه إليك إذا كفّ عنك أذاه وكفاك
مؤونته ، وحبس عنك نفسه ، فعمهم جميعاً بدعوتك ، وانصرهم جميعاً بنصرتك .
وأنزلهم جميعاً منك منازلهم ؛ كبيرهم
بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل أخاك بما يجب للأخ علىٰ أخيه .
وأمّا حق أهل الذمّة ، فالحكم فيهم أن
تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده ، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأُجيروا عليه ، وتحكم فيهم بما حكم الله به علىٰ نفسك فيما جرىٰ بينك وبينهم
من معاملة ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله حائل ، فإنّه بلغنا أنّه قال : من ظلم معاهدا كنت خصمه »
.
الآثار الايجابية لمراعاة حقوق المجتمع :
فيما يلي نستعرض بعض الروايات التي وردت
في ثواب من راعىٰ
حقوق أفراد المجتمع .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
من ردّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة ألبتة »
.
وقال الإمام محمد الباقر عليهالسلام : «
من كفّ عن أعراض الناس كفّ الله عنه عذاب يوم القيامة، ومن كفّ غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم
_______________
القيامة »
.
وقال الامام الباقر عليهالسلام : «
أربع من كنّ فيه بنىٰ الله له بيتا في الجنّة : من آوىٰ اليتيم ، ورحم الضعيف ، وأشفق علىٰ والديه ، ورفق بمملوكه »
.
وقال الإمام علي بن الحسين عليهالسلام : «
من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقىٰ مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ، ومن كسا مؤمناً كساه الله من الثياب الخضر »
.
وقال الإمام الباقر عليهالسلام : «
البر والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء »
.
ولمراعاة الحقوق الاجتماعية مزيد من
الآثار الايجابية التي تنعكس علىٰ الفرد والاُسرة والمجتمع في دار الدنيا والآخرة ، وردت في كتب الحديث ، سيّما في كتاب (ثواب الأعمال) للشيخ الصدوق ، لا مجال لذكرها جميعاً في هذا المختصر .
_______________
الفصل
السادس أحكام العلاقة بين الجنسين
سنكرس البحث في هذا الفصل عن أحكام
العلاقات بين الرجل والمرأة ، والتي ينبغي أن تكون منسجمة مع أُسس وقواعد المنهج الإسلامي ، الذي رسم لها هدفاً بيّناً ، وحدّد لها طريقاً معلوماً ، فلم يتركها للنزوة العارضة والرغبة الغامضة ، والفلتة التي لا تستند إلىٰ موازين ثابتة
، بل أراد لها أن تكون علىٰ مستوىٰ
الأمانة العظيمة التي أناطها الله تعالىٰ ببني الإنسان ، فقد جعلها علاقة سكن للنفس وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، ثم ستراً وإحصاناً وصيانة ، ثم مزرعة للنسل وامتداداً للحب والودّ .
فقد تعامل مع الجنسين علىٰ أساس
الفطرة مراعياً الحاجات المادية والروحية بلا إفراط ولا تفريط ، فحرّم جميع مظاهر وألوان العلاقات المخالفة للنزاهة والعفّة ، والمؤدية إلىٰ الانحراف والانزلاق والشذوذ ، لكي يأخذ الجنسان نصيبهما في إصلاح النفس والاُسرة والمجتمع .
وقد جعلنا هذا الفصل ضمن آداب الاُسرة
لأنّ الغالب في عصرنا
الحاضر ابتلاء الاُسر
بمثل هذه الأحكام .
أحكام
النظر :
النظر إلىٰ الجنس الآخر من قبل
أحد الجنسين تترتب عليه آثار عملية عديدة ، ومواقف سلوكية متباينة ، قد تؤدي إلىٰ إثارة الشهوة والوقوع في الفتنة .
قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفىٰ بها لصاحبها فتنة »
.
والنظر يؤدي في أغلب الأحيان إلىٰ
الوقوع في شباك إبليس فتعقب صاحبها الندامة والحسرة ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة »
.
والنظر قد يكون مقصوداً وبشهوة فيكون
إحدىٰ
مقدمات الزنا ، قال الامامان محمد الباقر وجعفر الصادق عليهماالسلام
: «
ما من أحد إلّا وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القبلة ، وزنا اليدين اللّمس ، صدّق الفرج ذلك أم كذّب »
.
ولأجل الحفاظ علىٰ المجتمع من
الانحراف والابتذال والسقوط دعا الإسلام المؤمنين والمؤمنات إلىٰ غض البصر وتجنب النظر إلىٰ الجنس الآخر ، قال تعالىٰ : (
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
_______________
ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ... )
.
وفي هذه الآية أمر الله تعالىٰ الجنسين
بغض البصر وأمر المرأة بالحجاب بتغطية رأسها ورقبتها ، وحفظ مواضع الزينة إلّا ما ظهر منها كالوجه والكفين
.
أمّا إظهار الزينة بنفسها فحرام ، ولكن
المقصود هو مواضع الزينة عند أغلب المفسرين .
عن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً عليهالسلام وسُئل عمّا تظهر
المرأة من زينتها ، قال : «
الوجه والكفيّن »
.
والنظر الجائز هو النظرة الاُولىٰ
، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا تتبع النظرة النظرة ، فليس لك إلّا أول نظرة »
.
والجمع بين الأدلة في جواز النظر وحرمته
يقيّد بجواز النظرة الاُولىٰ غير المقصودة وغير المتعمدة .
ومعاودة النظر حرام (ولا ينظر الرجل
إلىٰ المرأة الأجنبية إلّا مرة من غير معاودة...)
.
_______________
وإنّه لا خلاف في (تحريم نظر المرأة
إلىٰ الأجنبي أعمىٰ
كان أو مبصراً)
.
والنظرة الاُولىٰ مهما كانت
أسبابها ودوافعها مقيّدة بعدم التلذّذ والريبة كأن تقع مصادفة أو لضرورة أو غير ذلك ، فالنظرة بتلذّذ وريبة حرام
.
المستثنىٰ
في جواز النظر إلىٰ غير الوجه والكفين :
هنالك مستثنيات لحرمة النظر يجوز فيها
النظر لاشخاص معينين مطلقاً ، ولحالات ومواقف معينة ، وجميع هذا الجواز مقيد بعدم التلذّذ والريبة إلّا في (الزوجين)
.
أولاً : استثناء بعض الأشخاص :
جوّزت الآية المتقدمة لبعض الأشخاص
النظر إلىٰ الجنس الآخر كما جاء في قوله تعالىٰ : (
... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ
آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ
أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )
.
تقدم أن المراد هو موضع الزينة وليست
الزينة نفسها ، وموضع الزينة هو الوجه والكفان ، فيجوز لاشخاص معينين النظر إلىٰ أكثر من الوجه
_______________
والكفيّن كالشعر
وباقي أجزاء الجسد عدا العورة ، وهم :
١ ـ الزوج والأب وأبو الزوج .
٢ ـ الابن وابن الزوج من زوجة ثانية .
٣ ـ الأخ وأبناء الأخ وأبناء الاُخت .
ويجوز للرجل النظر إلىٰ زوجته
وأُمه وأمّ زوجته وبنته وبنت زوجته من زوج ثانٍ ، وأُخته وبنات أخيه وبنات أخته ، أي يجوز النظر إلىٰ مطلق المحارم
، وبمعنىٰ
آخر لا يتوجب علىٰ المذكورات لبس القناع وتغطية الرأس وعدم وجوب الحجاب مخصوص بما ذكرته الآية الشريفة .
أما ما تعارف عليه عند البعض وهو عدم
الحجاب من أخ الزوج أو زوج الخالة أو زوج العمة أو ابن العم وابن الخال ومن بدرجتهما ، أو عدم تحجب أخت الزوجة أو زوجة ابن الأخ أو زوجة ابن الاخت ، فهذا لا جواز له لأنّ هذه الاصناف ليست من المحارم وعدم وجوب الحجاب مخصوص بالمحارم فقط .
ويحرم علىٰ المرأة المسلمة أن
تتجرّد أمام اليهودية أو النصرانية أو المجوسية إلّا إذا كانت أمة ، أي مملوكة
.
ويجوز تعمّد النظر دون ريبة من قبل
(أولي الاربة) وهو كما قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
الأحمق الذي لا يأتي النساء »
، وليس له حاجة
_______________
جنسية في النساء .
ويجوز النظر للأطفال الذين لم يعرفوا
عورات النساء ولم يقووا عليها لعدم شهوتهم وكذلك جواز التبرج أمامهم ، قال الإمام الرضا عليهالسلام : «
لا تغطي المرأة رأسها من الغلام حتىٰ يبلغ »
.
ويجوز ادامة النظر إلىٰ البنت
الصغيرة ، والعجوز المسنّة
دون تلذذ وريبة .
ثانياً : استثناء بعض النساء من غير
المحارم :
إنّ علة تحريم النظر الدائم والمتواصل
هو منع مقدمات وأسباب الانحراف ، والأمر بعدم النظر موجّه للرجل والمرأة علىٰ حدٍّ سواء ، ولكنّ الإسلام استثنىٰ
بعض النساء وجوّز النظر اليهنَّ دون تلذّذ مراعاة للأمر الواقع .
فجوّز النظر إلىٰ وجوه وأيدي
وشعور نساء أهل الكتاب وأهل الذمة
.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلىٰ شعورهن وأيديهنّ »
.
ويجوز النظر إلىٰ كلِّ متبرّجة
غير متقيدة بالحجاب الإسلامي ، ويجوز النظر غير المتعمّد إلىٰ المجنونة .
_______________
قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
لا بأس بالنظر إلىٰ رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعُلُوج لأنهم إذا نُهوا لا ينتهون »
.
وقال عليهالسلام
: «
والمجنونة والمغلوبة علىٰ عقلها ، ولا بأس بالنظر إلىٰ شعرها وجسدها مالم يتعمد ذلك »
.
والنظر الجائز مختصّ بنظر الرجال إلىٰ
الأصناف المذكورة من النساء ، وان لا يكون نظر شهوة وتلذذ ، ولا يجوز تعميم الحكم للنساء المسلمات بأن ينظرن إلىٰ رجال أهل الكتاب .
ثالثاً : استثناء بعض الحالات :
المحرّم في الشريعة يصبح جائزاً عند
الضرورة ، فالنظر المتبادل بين الرجل والمرأة سواء كان متوالياً أو متقطعاً يكون جائزاً في حال الضرورة
.
والضرورة قد تكون حاجة مخففة ، وقد تكون
ضرورة شديدة ، وجواز النظر عند الحاجة يكون مختصاً بالنظر إلىٰ الوجه واليدين ، والحاجة مثل الشهادة للمرأة أو عليها ، فلابدّ من رؤية وجهها ليعرفها
.
وجواز النظر للحاكم والقاضي من أجل
التعرف عليها للمثول أمامه أو الحكم عليها
.
_______________
وجواز النظر لمن أُريد التعامل معها في
بيع وشراء واجارة وغير ذلك من أنواع المعاملات
.
والضرورة تبيح جميع المحظورات
حتىٰ النظر إلىٰ جسد المرأة ، وأفضل مصداق للضرورة هو حالات العلاج التي قد تكون علىٰ أيدي الرجال في حال الاضطرار أو عدم وجود المثل ـ أي المرأة ـ التي تقوم بنفس دور الطبيب من الرجال ، ويشمل ذلك جميع حالات العلاج وما يتوقف عليه من (فصد وحجامة ومعرفة نبض العروق ونحو ذلك)
.
وعند الضرورة يجوز النظر إلىٰ أي
موضع لا يمكن العلاج إلّا بعد الوقوف عليه
.
روىٰ
أبو حمزة الثمالي ، عن الإمام محمد الباقر عليهالسلام
، قال : سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر أو جراح في مكان لا يصلح النظر إليه ، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له أن ينظر إليها ؟ قال : « إذا اضطرت إليه فيعالجها إن شاءت »
.
وهذا يعني جواز إجراء العمليات الجراحية
من قبل الرجال للنساء ، ومنها عملية الولادة حيث يطّلع الطبيب فيها علىٰ عورة المرأة ، وهذا الجواز مشروط بالضرورة ، والضرورة تأتي بعد عجز النساء عن علاج المرأة في الولادة ، أو عدم توفّر القابلة من النساء .
_______________
والقاعدة الكلية في النظر أنّه (يجوز
نظر الرجل إلىٰ مثله ما خلا العورة ، والمرأة إلىٰ مثلها كذلك ، والرجل إلىٰ محارمه ما عدا العورة ، كل ذلك
مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلّا في الزوجين)
.
وشرط عدم التلذّذ والريبة نافذ الحرمة
في جميع الحالات حتىٰ في النظر إلىٰ المحارم كالاُخت والخالة والعمة وزوجة الأب ، وبعكسها في النساء أيضاً ، كنظر الاُخت والخالة والعمة وزوجة الأب إلىٰ مقابلها من الرجال .
ويكره النظر إلىٰ أدبار النساء من
خلف الثياب ، وإذا كان هذا النظر مصحوباً بالتلذّذ والريبة فهو حرام .
سُئل الإمام جعفر الصادق عليهالسلام عن هذا النظر فقال :
«
أما يخشىٰ الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم »
.
_______________
أحكام متفرقة في العلاقات العملية
١ ـ حكم سماع صوت المرأة الأجنبية :
سماع صوت المرأة الأجنبية جائز من قبل
الرجال ، وقد دلت السيرة علىٰ جوازه ، فرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ـ كما هو متواتر ـ كان يسمع صوت النساء ، وكنّ يسألنه عن شؤون الدين ، وقد اشتهر عن الزهراء عليهاالسلام
خطبتها في المسجد النبوي الشريف ومعارضتها لأبي بكر وعمر في خصوص الخلافة ، وفدك
.
والمحرّم من السماع هو السماع الموجب
للّذة والفتنة
.
ولذا حرّم الإسلام علىٰ المرأة
ترقيق القول وتليين الكلام بالصورة التي تثير الرجال ، أو يكون الكلام بنفسه مؤدياً للاثارة لاحتوائه علىٰ معانٍ مثيرة ، فلا بدّ أن يكون الكلام مستقيماً بريئاً من الريبة موافقاً للدين
.
قال تعالىٰ : (
... فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ
وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )
.
_______________
٢ ـ حكم مصافحة المرأة الأجنبية :
يحرم مصافحة المرأة الأجنبية مباشرة ،
ويجوز من وراء الثياب بأن يكون عازلاً بين اليدين ، بشرط أن لا يغمز كفّها ، فان غمز الكفّ من المحرمات ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها : اخت أو بنت أو عمة أو خالة أو ابنة أُخت أو نحوها ، فأمّا المرأة التي يحلُّ له أن يتزوجها فلا يصافحها إلّا من وراء الثوب ولا يغمز كفّها »
.
فالمصافحة حرام بين الرجل والمرأة ،
ويمكن للإنسان الذي يعيش في أوساط الاختلاط أو في مجتمعات غير اسلامية أن يصافح من وراء الثياب دفعاً للحرج الذي يواجهه .
٣ ـ حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية :
حرّم الإسلام الاختلاء بالمرأة الأجنبية
التي يحلُّ له أن يتزوجها ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لا يخلون رجل بامرأة ، فإنّ ثالثهما الشيطان »
.
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
فيما أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
البيعة علىٰ النساء... ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء »
.
والاختلاء يعني الانفراد في مكان خالٍ
من الناس في موضع واحد لا يصله أحد مع عدم الأمن من الفساد ، لأنّ الاختلاء يؤدي إلىٰ إثارة
_______________
الشهوة وتيسير مقدمات
الانحراف ، وقد اعتاد البعض علىٰ ترك الأخ مع الزوجة أو ابن الأخ مع زوجة العم أو ما شابه ذلك ، وهو من الاُمور التي حرمتها الشريعة إلّا في حالات الضرورة القصوىٰ .
٤ ـ حكم مشي المرأة في الطريق :
من الأفضل للمرأة أن لا تمشي وسط الطريق
، وإنّما في جانبه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ليس للنساء من سروات الطريق شيء ، ولكنها تمشي في جانب الحائط والطريق »
.
٥ ـ حكم الدخول علىٰ النساء :
أوجب الإسلام الاستئذان في حالة دخول
الرجل علىٰ المرأة ، قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام
: «
نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
أن يدخل الرجال علىٰ النساء إلّا باذنهنَّ »
.
وفي رواية (أن يدخل داخل علىٰ النساء
إلّا باذن أوليائهن)
.
فالاستئذان واجب ، وهو حق شخصي للمرأة
من جهة ، وهو يحول عن الوقوع في ما هو حرام علىٰ الرجال من جهة أُخرىٰ
، فطلب الإذن يتيح للمرأة الفرصة لارتداء حجابها ، وبذلك يتجنب الرجل النظرة المحرمة .
ويجوز للعبيد المملوكين لمرأة معينة أو
الأطفال الدخول علىٰ المرأة المالكة في أي وقت ، لأنّ الاستئذان المتكرر يولّد الحرج في مسألة
_______________
الخدمة
، واستثنىٰ الإسلام ثلاث أوقات فلا يباح لهم الدخول إلّا بعد الاستئذان ، قال تعالىٰ : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ
عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم
بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ )
.
إمّا اذا بلغ الطفل الحلم فيجب عليه
الاستئذان عند الدخول علىٰ أيّة امرأة وإن كانت محرمة عليه قال تعالىٰ : (
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ... )
.
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : «
ومن بلغ الحلم فلا يلج علىٰ أُمّه ولا علىٰ أُخته ولا علىٰ خالته ولا علىٰ سوىٰ ذلك إلّا بأذن... »
.
وقال عليهالسلام
: «
يستأذن الرجل إذا دخل علىٰ أبيه ، ولا يستأذن الأب علىٰ الابن ، ويستأذن الرجل علىٰ ابنته وأُخته إذا كانتا متزوجتين »
.
فالاستئذان حقّ يجب العمل به ، لكي لا
يفاجأ الداخل المرأة وهي في حالة لم تكن متهيأة لاستقباله .
٦ ـ حكم تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس :
خلق الله تعالىٰ الإنسان ذكراً
وأنثىٰ
، ووضع لكل جنس خصوصياته
_______________
التي تميّزه عن غيره
من الحركة والسكون ، ومن الاندفاع نحو ممارسة معينة والانكماش عنها ، ولذا فمن الواجب علىٰ الجنسين أن يحافظ كل منهما علىٰ خصوصياته المميزة له ، في كلامه وجلوسه ومشيته ولباسه وعاداته وتقاليده ، لذا حرّم الإسلام تشبّه أحد الجنسين بالجنس الآخر ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال »
.
وتشديداً علىٰ الحرمة قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
اخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء »
.
وأعراف المجتمع وتقاليده هي التي تشخص
وتحدد طبيعة التشبّه ، وهو قد يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر .
٧ ـ حكم العلاقة مع الصبيان قبل البلوغ :
وضع الإسلام بعض الاُسس والقواعد
السلوكية لوقاية الإنسان من الانحراف ، وتهذيب ممارساته عن طريق التمرّن والتدريب ومجاهدة النفس ، لتكون له حصانة من الانزلاق ، ولهذا وضع الإسلام أحكام الاستحباب والكراهة لهذا الغرض ، فمن المستحسن للإنسان المسلم أن يداوم علىٰ المستحبات ويتجنب المكروهات وإن كانت جائزة ، ومن هذه المكروهات التي نهىٰ
عنها الإسلام هي تقبيل الصبي من قبل المرأة ، وتقبيل الصبيّة من قبل الرجل من غير محارمه ، فهو مكروه إن كان بدون شهوة ، ومحرّم إن كان بشهوة .
_______________
عن الإمام علي بن موسىٰ
الرضا عليهالسلام
: إنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله ، فأتىٰ
بصبيّة له ، فأدناها أهل المجلس جميعا اليهم ، فلمّا دنت منه سأل عن سنّها ، فقيل : (خمس سنين ، فنحاها عنه)
.
وعن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : «
إذا بلغت الجارية ستّ سنين ، فلا ينبغي لك أن تقبلها »
.
وقال عليهالسلام
: «
إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبلها الغلام ، والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين »
.
فمن المستحسن عدم تعويد الصبيان
علىٰ هذه الممارسات ، لكي لا يشبّوا عليها لأنّهم سوف لا يجدون حرجاً منها عند بلوغهم ، وقد أثبت الواقع صحة ذلك ، فكثير من الانحرافات عند البلوغ تكون مستشرية بين النساء أو الرجال الذين واجهوا مثل هذه الممارسات في مرحلة الصبا .
وآخر دعوانا أن
الحمدُ لله ربِّ العالمين
_______________
المُحتَويَات
مقدمة المركز .......................................................... ٥
المقدِّمة .............................................................. ٧
الفصل الأول
مقدمات تشكيل الاُسرة ............... ١١
معنىٰ
الاُسرة ........................................................ ١١
استحباب النكاح
وأهميته ............................................. ١٢
كراهية العزوبة ...................................................... ١٤
استحباب السعي في
النكاح ........................................ ١٥
استحباب الدعاء للنكاح
........................................... ١٦
اختيار الزوجة ....................................................... ١٧
اختيار الزوج ........................................................ ٢١
الكفاءة في الزوج .................................................... ٢٢
الأحكام المتعلقة
بالخطبة .............................................. ٢٤
استحباب الخطاب أثناء
الخطبة ........................................ ٢٥
أحكام خطبة المرأة ذات
العدة ......................................... ٢٦
المهر والصداق ...................................................... ٢٧
حكم ما يأخذه الأب ................................................ ٢٩
الفصل الثاني
الأحكام العملية لبناء الاُسرة ........... ٣١
صيغة العقد ........................................................ ٣١
الاشهاد في العقد .................................................... ٣٢
شروط العقد الذاتية
والاضافية ......................................... ٣٣
أولياء العقد ......................................................... ٣٤
المحلل والمحرم من
النكاح ............................................... ٣٥
مراسيم الزواج ....................................................... ٣٩
كراهية المباشرة في
أوقات معينة ........................................ ٤٢
كراهية المباشرة في
أحوال معينة ........................................ ٤٢
مستحبات المباشرة ................................................... ٤٣
المحرم في المباشرة ..................................................... ٤٣
أحكام الجنابة ....................................................... ٤٤
أحكام الحيض ...................................................... ٤٤
الحمل ............................................................. ٤٥
الولادة ............................................................. ٤٨
أحكام النفاس ...................................................... ٥١
حكم تبني الوليد .................................................... ٥٢
الرضاع ............................................................. ٥٢
الفطام ............................................................. ٥٥
الحضانة ............................................................ ٥٧
الفصل الثالث
الحقوق الاُسرية ....................... ٥٩
أولاً : حقوق الزوج .................................................. ٥٩
ثانياً : حقوق الزوجة ................................................. ٦٥
ثالثاً : حقوق
الوالدين ................................................ ٧٢
رابعاً : حقوق الأبناء
................................................. ٧٧
الفصل الرابع
الخلافات الزوجية ..................... ٨١
الشقاق والنشوز ..................................................... ٨٢
الإيلاء ............................................................. ٨٤
اللعان ............................................................. ٨٥
الطلاق ............................................................ ٨٧
شروط الطلاق .................................................... ٨٨
شروط المطلِّق .................................................... ٨٩
طلاق السُنّة ..................................................... ٩٠
طلاق البدعة ..................................................... ٩٠
الخلع ........................................................... ٩١
المباراة ........................................................... ٩٢
الفسخ .......................................................... ٩٢
المفقود عنها زوجها ................................................ ٩٣
أحكام الرجعة .................................................... ٩٤
عدة المطلقة ...................................................... ٩٥
أحكام العدة ..................................................... ٩٦
عدة الوفاة ....................................................... ٩٧
الفصل الخامس
الاُسرة والمجتمع .................... ١٠١
أولاً : صلة الارحام ................................................. ١٠٢
الآثار الروحية
والمادية لصلة الارحام وقطيعتها ........................ ١٠٧
ثانياً : حقوق الجيران
............................................... ١٠٨
ثالثاً : حقوق المجتمع
............................................... ١١٣
حقوق المجتمع في
القرآن الكريم .................................... ١١٥
حقوق المجتمع في الاحاديث
الشريفة ................................ ١١٩
حقوق المجتمع في رسالة
الحقوق ................................... ١٢٢
الآثار الايجابية
لمراعاة حقوق المجتمع ................................ ١٢٣
الفصل السادس
أحكام العلاقة بين الجنسين .......... ١٢٥
أحكام النظر ...................................................... ١٢٦
المستثنىٰ في
جواز النظر الىٰ غير الوجه والكفين .......................... ١٢٨
أولاً : استثناء بعض
الاشخاص .................................... ١٢٨
ثانياً : استثناء بعض
النساء من غير المحارم ........................... ١٣٠
ثالثاً : استثناء بعض
الحالات ..................................... ١٣١
أحكام متفرقة في
العلاقات العملية .................................... ١٣٤
١ ـ حكم سماع صوت
المرأة الاجنبية ................................ ١٣٤
٢ ـ حكم مصافحة المرأة
الاجنبية .................................. ١٣٥
٣ ـ حكم الخلوة
بالمرأة الاجنبية .................................... ١٣٥
٤ ـ حكم مشي المرأة في
الطريق .................................... ١٣٦
٥ ـ حكم الدخول
علىٰ النساء .................................... ١٣٦
٦ ـ حكم تشبّه الرجال
بالنساء وبالعكس ........................... ١٣٧
٧ ـ حكم العلاقة مع
الصبيان قبل البلوغ............................. ١٣٨
المحتويات ......................................................... ١٤٣
|