

كلمة المركز
اللهمّ
لك الحمد والثناء والعظمة والكبرياء ، وصلى الله على نبّينا محمد أشرف المرسلين والأنبياء ، وآله آل ياسين المطهّرين الأوفياء. أمّا بعد..
هناك
جملة من المبادىء الإنسانيّة الرفيعة المشتركة بين أهل الأديان وغيرهم ، مدعاة لفخر المتمسك بها سواء كان أمّة أو شعباً أو فرداً ، ويأتي في طليعتها مبدأ
التكافل الاجتماعي الذي يعني تحسّس الإنسان آلام أخيه الإنسان معنوية كانت أو مادّية.
وما
موقف الإسلام العظيم تجاه هذا المبدأ الشريف إلاّ موقف المقنّن له ، والمشجّع عليه
، والمحذّر من تركه أو التهاون بشأنه.. وهكذا ضمن بقاءه من خلال التأكيد عليه في
تشريعاته القانونية ، حتى جعل له نظاماً خاصّاً وهو ما يعرف بنظام الحقوق الشرعية بشقّيها
الواجبة والمستحبّة التي خصّ بها الفئات المحرومة من الناس ولم يفرّق في ذلك بين حرّ أو
عبد ، مسلم أو غير مسلم ، رجل أو امرأة.
ومن
روعة الإسلام في هذا المبدأ أنّه هذَّب نفوس المسلمين تجاهه ، رافعاً شعاره () ، موصيا كلّ مسلم بقوله : « أحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لها » ؛ كلّ هذا بهدف أن تكون العلاقات الاجتماعية
علاقات متينة مرتبطة برباط وثيق محكم ، يتفرّغ معها القائم بمساعدة الآخرين عن كلّ إحساس
أو شعور بالفضل عليهم ، تماماً كمن يقوم بأداء واجبه المطلوب ، بحيث يكون العطاء
نابعاً عن نفس صافية وروح إيمانية عالية لدرجة لا يكون في ظلالها معبّراً عن الفضل والإحسان
بقدر ما يعبّر عن أداء الواجب ، وبهذا يضمن صدوره عن تصرّف مسؤول وواع ، وبطريقة عفوية
لا أثر فيها لتكلّف أو منّة أو إلزام.
وممّا
يقرّب من روعة الصورة التي أرادها الإسلام أن تكون في هذا المبدأ أنّه عدّ الفقير شريكا للغني في أمواله بمقدار ماله من حصّة شرعية فيها ؛ لكي لا يكون الدفع
المستحقّ إليه خارجاً عن دائرة الاستحقاق بأي نحو كان. ما دام عنوان الدفع هو الشركة بين إثنين.
وفي
هذا يقول إمامنا الصادق عليهالسلام : « إنّ الله أشرك
بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم ». كما نجد في مدرسة أهل البيت : بياناً شافياً
لعظمة الدور الاجتماعي في مسألة التكافل فيما يمثّله من قيمة عالية في ميزان الشرع
الحنيف بحيث يكون بالمستوى الذي يفوق فيه بعض الممارسات العبادية العظيمة عند الله عزّوجل
كالحج !! ممّا يشير هذا إلى عظمة وخطورة الدور الاجتماعي في باب التكافل ، ويوحي بامتداداته
الواسعة التي يُتقرّب بها إلى الله عزّوجل كعبادة مثالية عظيمة ، تتميّز بدرجاتها
الرفيعة على
كثير
من العبادات المهمّة ، وفي هذا يقول إمامنا باقر العلوم عليهالسلام : « لأن أعول أهل
بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم ، وأكفّ وجوههم عن الناس ، أحبّ إليّ من أنّ
أحجّ حجّة وحجّة وحجّة ، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشرا ، ومثلها حتى بلغ السبعين ». وفي
هذا ما يدلّ بوضوح على أنّ أقصر الطرق إلى الله تعالى هي خدمة عباده.
ومن
جهة أخرى نرى في سنة النبي صلىاللهعليهوآله وأهل بيته : تجسيداً رائعاً
لهذا المبدأ وترغيباً واضحاً للمسلم في أن يعيش العطاء في طاقاته ؛ ليكون وجوده ـ في مجتمعه ـ فاعلاً
ومفيداً ، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة المادّية في هذه الحياة ؛ لأنّه في
واقع الحال سيتّجر مع الله عزّوجل ؛ فيلقى حينئذ ما قدّمه من خير أمامه ، وما أكسب من تجارة
رأس مالها الأعمال الزاكية ، ومثل ربحها () ، ونتيجتها القرب من الله عزّ وجل ؟!
وهكذا
أراد الإسلام العظيم أن يتّخذ المسلمون ـ أفراداً وجماعات ـ منهجاً جديداً تجاه مسألة التكافل ، يسوده الشعور بأداء الواجب ، لكي تتحرّك علاقاتهم في المجتمع
الإسلامي في إطار يفتح فيه مجتمعهم نافذة واسعة للمحرومين من أبنائه ليطلّوا من خلالها على
الحياة ويسهموا في بنائها ؛ وعنئذ سينطلق الكلّ في خدمة القوّة الإجتماعية التي تحمي
للمجتمع الإسلامي حياته وتساعده على نموّه وازدهاره ، وإلاّ فستطيح الروح الأنانية الجشعة بالتوازن الاجتماعي بين شرائح المجتمع حتى ينتهي الأمر إلى ضعفه وتدهوره لفقده
عنصر التماسك المطلوب.
وكتاب
( التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت : ) عزيزي القارئ ، قد عالج موضوعه من جهات شتّى ، مبيّنا أُسس التكافل ، ومن يحتاج إليه ، ومتطلّباته ، وسبل
تأمينها وطرق تحصيلها بأسلوب علمي ، وعبارة رشيقة واضحة ، كاشفاً بهذا عمّا في تلك المدرسة
المقدّسة المباركة من كنوز التكافل.. آملين أن يحقّق تجاه هذا المبدأ الشريف الوعي
الإسلامي المطلوب ، ويدفع بممارسته خطوات واسعة إلى الأمام ؛ لما في ذلك من خير عاجل وآجل.
والله
الهادي إلى سواء السبيل
المُقدَّمةُ
تعتمد الرعاية الاجتماعية في الإسلام
على مبدأ التكافل الذي يبيّن من تقع عليه مسؤولية رعاية المحتاج ومن هنا صارت كفالة المحتاج على أفراد أسرته مسؤولية مقررة سواء أكان طفلاً أو أرملة أو مطلقة أو عاجزاً عن الكسب ، فإذا عجزت الأسرة عن هذه الكفالة ، انتقلت المسؤولية إلى المجتمع ، كما يُشير إلى ذلك قوله تعالى : (
وَالَّذِينَ
فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ *
لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ )
، فهذا
الخطاب يوضح بأجلى المعاني مسؤولية القادرين وهم الأغنياء تجاه السائل والمحروم ، إذ لهما في أموالهم حقّ معلوم ، وبتعبير معاصر أنه نظام يعتمد على التشريع والتنفيذ في تحديد هذا الحق المعلوم.
والملاحظ أن التكافل الاجتماعي في
الإسلام يرتكز على شقين أساسيين :
أولهما :
قائم على التراحم ، وهو غالبا ما يتصل برعاية الأسرة لذوي قرباها ، حيث اعتمد الإسلام في ذلك على الصّلة الطبيعية التي تدفع أفراد الأسرة إلى رعاية شئون الأبناء والاقارب وخصوصا اليتامى والأرامل منهم ، وهي رعاية أدبية في المقام الأول ، ويمتد تأثيرها إلى المجتمع كله.
________________
وثانيهما :
وهو التكافل المادي ، وقد أهتم به الإسلام عن طريق تحديد مسؤولية المجتمع نحو المعوزين والمحتاجين ، فأوجب لهم حقاً معلوماً سوف نتطرق لمقداره وطبيعته.
وقد دعا القرآن الكريم إلى هذا التعاون
المادي وحثّ عليه ، واستنهض الهمم من أجله ، وأطلق عليه جملة من العناوين المحببة فيه. مثل عناوين « إحسان ، زكاة ، صدقة ، حق ، إنفاق في سبيل الله » ثم طلبه بصفته ركناً من أركان الدين وبصفته فضيلة إنسانية ، وأوجبه للفقير على الغني في أصناف المال كله : نقده ، وزرعه ، وماشيته. ولعلّ أوضح شاهد علىٰ ذلك ما شرعه الإسلام في آخر شهر رمضان من كل عام باسم « زكاة الفطرة ».
وفي بحثنا عن التكافل الاجتماعي وفق
رؤية مدرسة أهل البيت :
اتبعنا « المنهج النقلي » وقسمنا البحث إلى مقدمة وثلاثة فصول ، يتطرق الفصل الأول : إلى أُسس التكافل الاجتماعي. ويعدد الفصل الثاني : من يحتاج إلى التكافل. أما الفصل الثالث : فيتحدث عن الحاجات الأساسية للتكافل ، وسُبل تأمينها ، ومن الله نستمد العون والتوفيق.
* * *
الفصل الأول :
أسس التكافل
الاجتماعي في مدرسة أهل البيت :
لم تنبت فكرة التكافل بلا جذور ، ولم
تنطلق من فراغ ، وإنّما سبقتها ومهدت لها وأسهمت في فاعليتها وديمومتها مجموعة من الأسس والمبادئ العامة ، كانت بمثابة البنىٰ التحتية التي عملت على بلورة فكرة التكافل
وإرساء قواعدها ، وفي طليعة هذه الأسس والمبادئ :
أولاً : مبدأ
الأخوّة الإيمانية
عمل الإسلام على بناء وتدعيم علاقات
طيبة بين الناس تقوم على أساس الأخوّة والألفة ، وإذا كان علم الاجتماع معنياً أولاً وقبل كل شيء بالظواهر الاجتماعية ، فإن ظاهرة الأخوّة التي أوجدها الإسلام بين أفراده تستحق الدراسة والتأمل ، فقد كان العرب ـ في الجاهلية ـ على شفا حفرة من نار الخلاف والاختلاف والتمزق والتقاتل ، ولكنهم بعد أن ارتضعوا من لبان ثقافة الإسلام أصبحوا أمة متحدة ، مرهوبة الجانب تمتلك أسباب التمدّن والرّقي.
فقد أحدثت مبادئ الإسلام وخاصة مبدأ
الأخوة إنعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط تفكير وسلوك الغالبية الغالبة من المسلمين ، حيث كان الإنسان الجاهلي قبل الإسلام منكفئاً على ذاته ، ومتقوقعاً داخل أسوار نفسه ، فغدا بفضل الإسلام إنساناً إجتماعياً يشعر بمعاناة إخوته ، ويمدّ يده العون لهم ، ويشاركهم في مكاره الدهر.
وهذه النقلة الحضارية يشير إليها القرآن
بصورة جلّية ، في قوله عز من قائل : ( وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا )
.
وكان للسُنة النبوية الأثر البالغ في
تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات إجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: «
من سعىٰ في حاجة أخيه المؤمنين ، فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة ، صائماً نهاره ، قائماً ليلة »
.
وقال صلىاللهعليهوآله
: «
من قضى لأخيه المؤمن حاجةً ، كان كمن عبد الله دهره » .
وقال صلىاللهعليهوآله
: «
من مشى في عون أخيه ومنفعته ، فله ثواب المجاهدين
________________
في سبيل الله »
.
فهنا نجد أن قضاء حوائج الأخوان وخاصة
تلك التي لابد منها لاستمرار العيش الكريم يرفعها الرسول صلىاللهعليهوآله
إلى درجة العبادة العملية التي تستلزم الثواب الأخروي الجزيل.
وكان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يحثّ على صون كرامة
الأخ المؤمن وعدم إراقة ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته ، لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة ، وهذه توصية حضارية في غاية الأهمية ، قال صلىاللهعليهوآله
: «
لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته » .
ونسجت مدرسة أهل البيت : على هذا المنوال بأقوال عديدة تعكس حالة التضامن والتكافل التي ترغب في إشاعتها بين أفراد المجتمع ، فعن الإمام علي عليهالسلام
قال : «
خير الاخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه »
.
وقال أيضاً : «
خير اخوانك من واساك » .
ورسم لنا أمير المؤمنين عليهالسلام مقياساً للتفاضل
الاجتماعي يقوم على المنفعة ________________
المتبادلة ، عندما
قال : «
خير الناس من نفع الناس » .
في حين أن حفيده الإمام الصادق عليهالسلام يرسم لنا معادلة
إلهية ، هي : «
إنّ الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه »
.
وعنه عليهالسلام
: أن «
من قضى لأخيه المؤمن حاجة ، قضى الله عزّوجل له يوم القيامة مئة ألف حاجة » .
ويقول أيضاً : «
من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته ، ما كان في حاجة أخيه »
وقال عليهالسلام : «
قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبّلة بمناسكها ، وعتق ألف رقبة لوجه الله ، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجامها »
.
نتيجة لكل ذلك ما انفك إمامنا الصادق عليهالسلام يوصي بمبدأ الأخوة
في مختلف الأحوال والظروف ، عن محمد بن مسلم ، قال : أتاني رجل من أهل الجبل ، فدخلت معه على أبي عبدالله عليهالسلام
، فقال له عند الوداع : أوصني. فقال : «
أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم ، وأحب له ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لنفسك ، وإن سألك فاعطه... فوازره وأكرمه ولاطفه ، فإنّه منك وأنت منه » .
________________
ويظهر على ضوء ما تقدم من أحاديث أهل
البيت : أن التكافل
من أروع أنواع عبادة الله ، بل ويضاهي العبادات الأخرىٰ ، ويفوقها ثواباً ، قال
الإمام الباقر عليهالسلام
: «
لأن أعول أهل بيت من المسلمين... أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم ، فأكفّ وجوههم عن الناس ، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [ وحجّة ] ، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ، حتى بلغ عشرة ، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين » .
وهناك إشارات عن أئمة أهل البيت : على أن قبول الأعمال العبادية متوقف على قضاء حوائج الإخوان المؤمنين ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له ، كتب الله عزّ وجل له بذلك أجر حجّة وعمرة مبرورتين ، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام ، ومن مشى فيها بنيّة ولم تقضى كتب الله له بذلك من حجّة مبرورة »
.
وعنه عليهالسلام
: «
إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله عزّ وجل به ملكين : واحدا عن يمينه وآخر عن شماله ، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته » .
ترغيب وترهيب
ومن أجل أن يتأصّل مبدأ التكافل في
وجدان وواقع الناس اتّبع ________________
الإسلام منهج « الترغيب
والترهيب » لأجل دفع الأفراد نحو الاتحاد والتعاون والتكافل. فمن جهة الترغيب نجد أحاديث أهل البيت :
تُسهب في إيراد الشواهد على الثواب الجزيل الذي ينتظر كلّ من قضى حوائج إخوانه وتبشّره بالأمن يوم الحساب ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله ، كتب الله له ألف ألف حسنة »
.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
من قضى لأخيه المؤمن حاجةً ، قضى الله عزّ وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوّلها الجنة »
.
وعن الإمام الكاظم عليهالسلام : «
إنّ لله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس ، هم الآمنون يوم القيامة »
.
ونجد في الرّوايات معطيات إيجابية يجد
ثمراتها الإنسان المؤمن في الدنيا قبل الآخرة كزيادة الرزق ، فعن أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
مواساة الأخ في الله تزيد في الرزق » .
وفي مقابل ذلك نجد التحذير الكثير لكل
من يقصر في حق إخوانه ، ولهذا التحذير والإنذار آثار عملية تتمثّل في المحافظة على الجدار الاجتماعي من أي تصدّع ، وفي الحدّ من التحولات الاجتماعية التي تخل بقواعد العيش ________________
المشترك ، وكشاهد
على النمط الأخير ـ أي التحذير ـ يقول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من صار إلى أخيه المؤمن في حاجته فحجبه ، لم يزل في لعنة الله إلى أن حضرته الوفاة » .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
أيّما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة ، وهو يقدر على قضائها فمنعه إيّاها ، عيّره الله يوم القيامة تعييراً شديد ، وقال له : أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاؤها في يدك فمنعته إيّاها زهداً منك في ثوابها ، وعزّتي لا أنظر إليك اليوم في حاجةٍ معذّباً كنت أو مغفوراً لك » .
وعن الإمام الكاظم عليهالسلام : «
من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله ، فلم يجره بعد أن يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عزّ وجل » .
وهنا نجد أيضاً في الروايات معطيات
سلبية لمن أخل بمبدأ الأخوة وما يتطلبه من تكافل وتعاون ، فعن الإمام الباقر عليهالسلام
: «
من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته ، ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر »
.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
أيّما رجل من شيعتنا أتاه رجل من
________________
إخواننا فاستعان به في حاجة فلم يعنه وهو يقدر
، ابتلاه الله عزّوجل بأن يقضي حوائج عدوّ من أعدائنا يعذّبه الله عليه يوم القيامة »
.
وعنه عليهالسلام
: «
ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلاّ خذله الله في الدنيا والآخرة »
.
وفي الوقت الذي تحث تعاليم آل البيت : على التكافل المادي ، نجد أنهم يركزون كذلك على التكافل الأدبي مع الفقراء والمساكين ، ومن الشواهد على ذلك ، قول الرسول صلىاللهعليهوآله
: «
من استذلّ مؤمناً أو مؤمنة أو حقّره لفقره وقلّة ذات يده ، شهره الله تعالى يوم القيامة ثمّ يفضحه »
، وفي هذا الخصوص يقول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من حقّر مؤمنا لقلّة ماله حقّره الله ، فلم يزل عند الله محقورا حتى يتوب ممّا صنع »
.
ويقول أيضاً : «
من حقّر مؤمناً مسكيناً ، لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقّرته إيّاه » . وهكذا نجد أن الإسلام يُضفي على توجهاته الاجتماعية صبغة دينية تأخذ شكل الوعد والبشارة أو الوعيد والإنذار.
الأمر الآخر هنا أن آل البيت : يضفون على هذه التوجهات ________________
والارشادات
والمناشدات صبغة حقوقية لتكون ألزم ، بدليل انه سأل المعلى بن خنيس الإمام الصادق عليهالسلام
: ما حق المؤمن على المؤمن ؟ قال : « سبع حقوق ، ما منها حقّ إلاّ واجب عليه ، إن خالفه خرج عن ولاية الله ، وترك طاعته... والحقّ الثاني أن تمشي في حاجته ، والحقّ الثالث أن تصله بنفسك ومالك... والحقّ الخامس أن لا تشبع ويجوع ، وتلبس ويعرى ، ولا تروى ويظمأ » .
مثالية عالية
عمل أهل البيت : على صياغة عقد اجتماعي ضمني يرتكز على قاعدة اجتماعية عريضة تقوم على مبدأ الأخوّة ، فبدون ترسيخ هذا المبدأ وإشاعته يغدو البناء الاجتماعي واهناً كالبناء على كثيب من الرَّمل.
من أجل ذلك عمل أهل البيت : بدأب على تهيئة الأجواء لترسيخ مبدأ الأخاء لكونه يسهم بصورة ضمنية في مبدأ التكافل ، ونتجة لذلك أشاعوا بين شيعتهم هذا المبدأ بحيث أصبح المائز أو العلامة التي تُميز شيعتهم عن غيرهم ، فهو ـ إذن ـ أحد مقاييس الاختبار التي تميز أخيار الشيعة عن الآخرين ، وفي هذا الخصوص يقول أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
اختبروا شيعتي بخصلتين : المحافظة على أوقات الصلاة ، والمواساة لإخوانهم بالمال ، فإن لم تكونا فاعزب ثمّ اعزب »
.
________________
ونفس المقياس يستخدمه الإمام الصادق عليهالسلام وينصح شيعته
بالتزامه ، قال : «
اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلاّ فاعزب ثمّ اعزب ، محافظة على الصلوات في مواقيتها ، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر » .
أراد أئمتنا : ـ بذلك ـ من شيعتهم أن يرتقوا إلى
مستوى إيماني رفيع يقرن العبادة والمحافظة عليها بالمعاملة الحسنة من أجل بناء محيط اجتماعي سليم.
وبذلك يظهر بأن الإيمان الكامل لا يتحقق
على نحو مثالي إلا بالتكافل ، وكلما تكاتف الفرد المسلم مع إخوانه وتعاون معهم ، كلما ارتقى إلى مدارج إيمانية عالية.
لقد سبق أئمتنا : علماء الاجتماع في الدعوة إلى تقوية
الأواصر الاجتماعية لدى الناس ، وقد ثبت أن ذلك يؤدي إلى ارتقاء الإنسان ، لذلك حثوا شيعتهم على تحقيق أعلىٰ درجة من الاندماج والتعاون ، عن محمد بن عجلان ، قال : كنتُ عند أبي عبدالله عليهالسلام
، فدخل رجل فسلّم ، فسأله عليهالسلام
: «
كيف من خلّفت من اخوانك ؟ قال : فأحسن
الثناء وزكى وأطرى ، فقال له : كيف
عيادة أغنيائهم على فقرائهم ؟
فقال : قليلة ، قال عليهالسلام
: وكيف
مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم ؟ قال : قليلة ، قال
: فكيف
صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم ؟ فقال : إنّك لتذكر
أخلاقا قلّما هي فيمن عندنا ، قال عليهالسلام
: فكيف
________________
تزعم هؤلاء أنّهم شيعة ؟! »
.
وعن سعيد بن الحسن ، قال أبو جعفر عليهالسلام : «
أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟
فقلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر عليهالسلام
: فلا
شيء إذن ، قلت : فالهلاك إذن ! قال : إنّ
القوم لم يعطوا أحلامهم بعد » .
وبتعبير آخر أنه يقول له بانكم لن
ترتقوا إلى المستوى الاجتماعي المطلوب الذي تغيب فيه الأنا (الذات) وتسود فيه الرّوح الجماعية التعاونية ، إلا بإزالة الحواجز السميكة التي تحول دون ذلك كالأنانية والأثرة. بطبيعة الحال أراد الإمام عليهالسلام
أن يرشدهم إلى الوصول إلى سقف تعاملي أعلى يتناسب مع طموحات أهل العصمة ( سلام الله عليهم ) ، وإلا فان الوصول إلى مستوى الأئمة في درجة التكافل دونه خرط القتاد.
لقد ترجم أهل البيت : أقوالهم إلى سلوك سويّ ، أصبح قدوة
حسنة لمن أراد الاقتداء بهم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كان الإمام السجاد عليهالسلام ، حريصاً على التكافل مع الآخرين وإن كانوا من أعدائه ، قال الواقدي : كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين في إمارته ، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس ، فقال : ما أخاف إلا من علي بن الحسين وقد وقف عند دار مروان وكان علي قد تقدم إلىٰ خاصته ألاّ يعرض له أحد منكم بكلمة ، فلما ________________
مر ناداه هشام :
الله أعلم حيث يجعل رسالته.
وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه : « أن
زين العابدين أنفذ إليه وقال : أنظر
إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به ، فعندنا ما يسعك ، فطب نفساً منّا ومن كل من يطيعنا. فنادى هشام : الله أعلم
حيث يجعل رسالته » .
إن الأئمة :
يتحركون بدائرة واسعة من المبادئ ، يريدون منّا أن نقتدي بهم حسب المكنة والاستطاعة ، وإلا فمن منا يُسرع إلى قضاء حوائج عدوّه ؟!
ثانياً : قيم
التراحم
وهذه القيم تسهم إسهاماً كبيراً في دفع
الناس نحو التكافل بعيداً عن حسابات الربح والخسارة ، وهي قيم تسير في خط متوازٍ مع مبدأ الإخوة وباقي المبادئ والقيم الأخرى التي توقظ في نفوس الناس العاطفة نحو بعضهم البعض ، وتحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون فيما بينهم.
وفي هذا السياق يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : «
من لم يرحم الناس منعه الله رحمته » . وعنه عليهالسلام
أنّ «
رحمة الضعفاء تستنزل الرَّحمة »
. وفي قول ثالث : «
عجبت لمن يرجو رحمة من فوقه ، كيف لا يرحم من دونه » .
________________
وغنيّ عن البيان أن الرَّحمة هنا عامة ،
ومن أجلى مصاديقها مدّ يد العون للضعفاء وغير القادرين مادياً كالمساكين ، وبذلك تكون الدعوة إلى التراحم تصب في مجرى التكافل بطبيعة الحال ، ومن مصاديق ذلك قول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
إنّي لأرحم ثلاثة ، وحقّ لهم أن يرحموا : عزيزٌ أصابته مذلّة ، وغنيّ أصابته حاجة بعد الغنى ، وعالم يستخفّ به أهله والجهلة » .
فالإمام هنا يذهب إلى أبعد من التكافل
المادي ، كما في حالة الغني الذي أصابته الفاقة ، فيرى ضرورة التكافل المعنوي مع العزيز الذي ألمّت به الذلّة ، والعالِم الذي يستخف به قرابته أو الجهلة المحيطون به. فهذا الحديث يفتح لنا أفقاً واسعاً حتى لا تضيق عدسة الرؤية لدينا فننظر فقط إلى التكافل في شكله المادي البحت ، بل علينا أن نولي عناية بالجانب المعنوي من التكافل ، ويطلق عليه بعض الباحثين تسمية « التكافل الأدبي » ، فهؤلاء يرون أن مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام واسع ، لا يقتصر على الجانب المادي ، بل يشمل التكافل الأدبي : وهو أن يشعر الإنسان باحترام الآخرين وحبهم له.
ثالثاً : التعاون
والإحسان
في الإسلام رصيد معرفي ضخم يدعو إلى قيم
التعاون والإحسان في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد ، الأمر الذي يرسي أساس التكافل ويعمّق من مساره ، فالقرآن وهو المصدر المعرفي الأساسي يحثّ في آيات ________________
عديدة على التعاون ،
يقول في هذا الصدد : (
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ) .
وقال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
: «
من مشى في عون أخيه ومنفعته ، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله » .
تجدر الإشارة إلى أن الإنسان خلق وحده
ضعيفاً لا يقدر على شيء إلاّ إذا توفرت له ظروف التعاون مع غيره ، والقليل إلى القليل كثير ، والضعيف إذا ساند الضعيف قوى ، فالحياة الاجتماعية ما هي إلا تعاون أفراد المجتمع في سبيل توفير الطمأنينة النفسية لأفراده الذين يقعون تحت تأثير الحاجة أو الفزع أو القلق أو الاضطراب أو العجز عن تهيئة الامكانيات التي تعيد الطمأنينة النفسية إليهم ، من هنا تظل الحاجة إلى التعاون ماسة عبر الزمن.
يروي إسحاق بن عمّار أنّه سمع الإمام
الصادق عليهالسلام
يقول : «
يأتي على الناس زمان من سأل الناس عاش ، ومن سكت مات ،
قلت : فما أصنع إنّ أدركت ذلك الزمان ؟ قال : تعينهم بما عندك ، فإن لم تجد فبجاهك »
. فالدعوة إلى التعاون ـ إذن ـ لازمة مهما تغير الزمان ، وتعاقبت الأجيال ، وتغيرت العادات والتقاليد واختلفت الظروف.
أما الإحسان فهو قيمة عليا تؤدي إلى
تنمية روح التكافل ، وتطلق الفرد من عقال الأنا أو ( الذات ) إلى مدارات إجتماعية رحبة ، وتجعله متضامناً مع إخوته وأبناء جنسه. وحقيقة الإحسان : هي التطوع بأعمال الخير التي لم يلزم ________________
بها الشارع المقدس.
إن الإنسان المحسن هو الذي يمارس العطاء
المالي ، أو يبذل جهوداً إضافية في خدمة الناس ، والقرآن يحثّ على ذلك بقوله : (
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ )
فنجد العطاء هنا مقروناً بالإحسان ، ونجد دائرة القرابة هي الأقرب من حيث الاستحقاق.
ويقول الإمام علي عليهالسلام : «
رأس الإيمان الإحسان إلى الناس »
.
وينبغي التنويه على أن الحضارة المادية
قد جعلت مقابل أيّ إحسان ثمناً مادياً يتلقّاه المحسن مقابل إحسانه ، أما الإسلام فلا يرى ذلك سليماً ، لأنّه يدعو إلى إسقاط قيم الإيمان بالله ورجاء ثوابه في اليوم الآخر ، ويؤدي إلى تضييع فكرة الإخوّة ، من هنا فقد جعل الإسلام معايير خاصة لتثمين جهود المحسن من خلال الدعوة إلى احترامه في وسط المجتمع ، وتقديره لاحسانه ، وفوق ذلك الثواب الجزيل الذي ينتظره في دار المعاد ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام «
نِعمَ زاد المعاد الإحسان إلى العباد »
.
وكان آل البيت : يحثون أتباعهم على الإحسان بقدر
الاستطاعة انطلاقا من حرصهم الدائم على توفير الأجواء المعيشية الكريمة بعيداً عن مبدأ الرّبح والخسارة الذي يشكل حجر الزاوية في الحضارة المادية المعاصرة.
ومن الشواهد ذات الدلالة على تنمية أهل
البيت : للشعور
الاجتماعي ________________
تجاه المؤمنين ، ما
قاله الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبّ إليّ من أن أزوره ، ولأن أزوره أحبّ إليّ من أن أعتق عشر رقاب »
.
إذن هنالك أولوية وتقدم رتبي لبعض أعمال
الإحسان على بعض ، وإنّ لكلِّ عمل خيري ثوابه الخاص به حسب أهميته وبمقدار ما يدخله من نفع أو خدمة على المؤمنين ، والمثير في الأمر هنا أنّ الإمام الصادق عليهالسلام ينظر إلىٰ قضية الإحسان من منظار أعمق وأرحب ، فهو يرى أنّ فضل المحتاجين عند الإحسان إليهم يكون أعظم من فضل المحسنين أنفسهم !. تمعّن جيداً في المحاورة التالية :
عن حسين بن نعيم الصحّاف قال : قال أبو
عبدالله عليهالسلام
: «
أتحبّ إخوانك يا حسين ؟ قلت : نعم ، قال : تنفع
فقراءهم ؟ قلت : نعم ، قال : أما
إنه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ الله ، أما والله لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه. أتدعوهم إلى منزلك ؟ قلت : نعم ،
ما آكل إلاّ ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقلّ والأكثر ، فقال أبو عبدالله : أما إنّ فضلهم عليك
أعظم من فضلك عليهم ، فقلت : أطعمهم
طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم عليّ أعظم ؟! قال : نعم
، إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك ، وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك »
.
رابعاً : مبدأ
المسؤولية العامة
يسعى الإسلام إلى تنمية مبدأ المسؤولية
في البيئة الاجتماعية ، فبدون هذا ________________
المبدأ يغدو كل جهد
إصلاحي من قبيل الحرث في البحر ، وعليه نجد الرسول وأهل بيته : يعملون على
تأصيل فكرة المسؤولية في محاولتهم الحثيثة لإعادة تشكيل الإنسان السويّ ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
يكرّر مقولة : «
... أنا مسؤول ، وإنّكم مسؤولون » .
لقد زرع أهل البيت : في وعي الأمّة فكرة المسؤولية العامة
لكي ترتقي من خلالها إلى مستوى التكافل الاجتماعي المطلوب ، في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد ، ففي الاتجاه السياسي يضطلع الحاكم بأيّ شكل جاء إلى السلطة بمستوى عالٍ من المسؤولية ، لكونه يتحكم في مصائر البشر ، ومستأمن على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وعلى الصعيد الأسري فالرجل مسؤول عن أهل بيته ، من حيث الرّعاية والإعالة ، فالمسؤولية ـ اذن ـ شمولية من أعلى السلّم الاجتماعي إلى قاعدته.
وكما يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : «
كلّ أمرئ مسؤول عمّا ملكت يمينه وعياله » .
ثم يبعد نظرنا إلى سعة وشمول هذه المسؤولية فيقول عليهالسلام
: «
... اتّقوا الله في عباده وبلاده ، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم » .
________________
وبطبيعة الحال تكون المسؤولية الكبرى
أمام الله تعالى الخبير بعباده والمطلع على أعمالهم وسرائرهم.
خامساً : الإيثار
وهو قيمة أخلاقية عالية تدفع الفرد إلى
تفضيل وتقديم مصلحة ومنفعة غيره على نفسه ، وكل من يتصف بهذه الفضيلة تتقد روح التكافل في داخله ، فيسعى إلى تقديم المساعدة والعون أو الخدمة لغيره. ومن خلال الإثيار يكون الفرد مشدوداً برباط الودّ مع العباد يسعى لتلبية حوائجهم ويتصدق عليهم بأحب الأشياء إليه.
وقد حدد الإمام الصادق عليهالسلام مواصفات خيار الناس
وشرارهم قال : «
خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وإنّ البار بالإخوان ليحبّه الرحمن... ثم
قال لجميل بن دراج : يا جميل ، أخبر بهذا غرر أصحابك ،
قلت : جعلت فداك من غرر اصحابي ؟ قال : هم البارون بالاخوان في العسر واليسر ،
ثم قال : يا
جميل ، أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك ، وقد مدح الله عزّ وجل صاحب القليل ، فقال في كتابه :
( وَيُؤْثِرُونَ
عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
» .
________________
فالإيثار قيمة أساسية تسهم في تفعيل
مبدأ التكافل.
وقد أحدثت تعليمات وقيم الإسلام انقلاباً
اجتماعياً هائلاً ، فبعد ان كان الإنسان الجاهلي أنانياً تتصدر مصلحته ومنفعته الأولوية ، يئد بناته خشية الإملاق والفقر ، أخذ يؤثر الآخرين على نفسه ولوكان يعاني من ضيق ذات اليد ، وهي ظاهرة اجتماعية ملفتة للنظر وتستدعي الاعتبار.
جاء رجلٌ إلى النبي صلىاللهعليهوآله فشكا إليه الجوع ، فبعث
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى بيوت أزواجه فقلن : « ما عندنا إلاّ الماء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من
لهذا الرجل اللّيلة ؟ فقال عليّ بن أبي
طالب عليهالسلام
: أنا
له يا رسول الله ، وأتىٰ فاطمة عليهاالسلام
فقال لها : ما عندك يا ابنة رسول الله ؟ فقالت : ما عندنا إلاّ قوت العشيّة لكنّا نؤثر ضيفنا ،
فقال عليهالسلام
: يا
ابنة محمّد صلىاللهعليهوآله
نوّمي الصبية وأطفئي المصباح ، فلمّا أصبح عليّ عليهالسلام غدا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره الخبر فلم يبرح حتّى أنزل الله عزّ وجلّ (
وَيُؤْثِرُوْنَ ... )
» الآية.
وقدّمت السيرة المطهّرة القدوة الحسنة
في هذا المقام ، فقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنّه ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ، ولو شاء لشبع ، ولكنه كان يؤثر على نفسه .
وتبدو قيمة الإثيار جلّية في سلوك أئمة
أهل البيت : حيث تجد
الروح الفياضة بالعطاء ، فمن المواقف المحفورة في ذاكرة التاريخ والتي تختزن في أعماقها ________________
دلالات كبيرة أن
أمير المؤمنين عليهالسلام
«اشترى ثوبا فأعجبه فتصدق به » .
كلّ ذلك لأنه كان عليهالسلام يؤثر على نفسه ، ويفضّل
مصلحة غيره على مصلحته.
وعليه فالإثيار بمثابة حجر آخر في بناء أسس
مبدئية تسهم في تفعيل مبدأ التكافل.
سادساً : الخدمة
المتبادلة
وهي ضرورة لا مندوحة عنها في اطار العيش
المشترك وتسهم إسهاماً فعّالاً في خلق حالة من التكافل بين أفراد المجتمع الفاضل الذي يطمح إليه الإسلام.
من هنا نجد مبدأ الخدمة المتبادلة يحتل
موقع الصدارة في توجهات الإسلام الاجتماعية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: «
أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلاّ أعطاه الله مثل عددهم خدّاماً في الجنّة »
. وعن حفيده الإمام الصادق عليهالسلام
يوضح لجميل وقد سمعه يقول : « المؤمنون خدم بعضهم لبعض ، قلت ـ أي جميل ـ وكيف يكونون خدماً
بعضهم لبعض ؟ قال : يفيد بعضهم بعضاً » .
والفائدة المتبادلة في أوسع معانيها
تشمل التكافل بطبيعة الحال.
________________
على أن الإمام الصادق عليهالسلام يميز بين الخدمة
والاستخدام ، فالخدمة حالة حضارية إيجابية تستتبع الفائدة والمنفعة ، بينما الاستخدام يفيد الاستغلال والاستهانة بالطرف المقابل ، فالخدمة مطلوبة ومندوبة بينما الاستخدام مذموم. قال عليهالسلام
: «
اخدم أخاك ، فإن استخدمك فلا وكرامة »
.
سابعاً : السيادة
والسماحة
وهما قيمتان أساسيتان تحثان على التكافل
بصورة علنية أو ضمنية. ورسولنا الأكرم صلىاللهعليهوآله
قد حدد لنا المقياس السليم الذي رسمه الإسلام للسيادة بقوله : «
سيّد القوم خادمهم » ، فالخدمة كما أسلفنا تحمل في أحشائها
دعوة ضمنية إلى التكافل ، أما الدعوة العلنية إلى التكافل فتظهر واضحة في مفهوم أمير المؤمنين عليهالسلام
للسيادة الذي يتضمن أبعاداً اجتماعية تكافلية ، قال عليهالسلام
: «
السيّد من تحمّل المؤونة وجاد بالمعونة »
. وعنه عليهالسلام : «
السيّد من تحمّل أثقال إخوانه » . فأمير المؤمنين عليهالسلام ينفي السيادة
الاجتماعية ـ وليس السيادة النسبية لمن أنتسب لرسول الله صلىاللهعليهوآله
وأهل بيته الأطهار ـ عن الأفراد الذين يتمحورون حول ذواتهم ومنافعها ، ولا يشاركون غيرهم في النوائب والمصائب ، ولا ينظرون بعين العطف إلى المساكين والمحتاجين ، فهؤلاء لا يستحقون وسام السيادة وإن ادّعوها ، قال عليهالسلام
: «
ما ساد من احتاج إخوانه
________________
إلى غيره »
.
فالسيادة تتطلب درجة عالية من المشاركة
الاجتماعية ، وتنبثق من شعور تكافلي عميق نحو الآخرين.
أما السماحة فحسب تفسير أهل البيت : هي البذل وهو ـ كما معروف ـ طريق للتكافل. بدليل أن الإمام الحسن عليهالسلام
لمّا سأله أمير المؤمنين عليهالسلام
عن تفسير السماحة : « يا بني ما السماحة ؟
قال : البذل
في العُسر واليسر » .
وفي خبر آخر : «
إجابة السائل وبذل النائل » .
ثامناً : الجود
والإنفاق
أراد الإسلام أن يتحسس المسلم مشاكل
الناس ، وخاصة أولئك الذين تضيق في وجوههم سُبل العيش المشروع ، لذلك مجّد الجود وشجع على البذل والإنفاق كأسلوب تكافلي لابد منه. وكان أهل البيت :
يتسلّقون ذُرىٰ المجد في الجود ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
إنّي لأرفع نفسي أن تكون حاجةٌ لا يسعُها جودي » .
فالجود ـ إذن ـ يقود إلى البذل بالموجود
، وأفضله في مقاييس مدرسة أهل البيت : ما كان عن
عسرةٍ ، لكي يُخرج المسلم من شرنقة الشح والبخل إلى فضاء العطاء والبذل ، وفي هذا الصَّدد يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : ________________
« أفضل الجود بذل الموجود »
وعنه عليهالسلام : «
أفضل الجود ما كان عن عسرة » .
إضافة لما تقدّم ينبغي أن يكون البذل
للمستحق وإلاّ كان عبثا لا طائل منه ، أو كان لأجل السمعة الفارغة ومن أجل التباهي والرياء ليس إلاّ ، وفي هذه الحالة يفقد غايته الأساسية كأسلوب تكافلي.
على أن الأكثر إثارة في هذا الصدد أن
مدرسة أهل البيت :
تضع شرطاً ثالثاً لتحقق مفهوم الجود ، وهو أن للآخذ من الشكر أكثر مما للباذل ، لكونه قَبِل العطاء ، وهي تريد بذلك صون ماء وجه الأول ، وطرد شبح المنّ أو الغرور من نفس الثاني أو المعطي. وهذا الشرط فيه دلالة عميقة تعكس عمق توجهات هذه المدرسة المقدسة ، وسموّ مفاهيمها وسعة أفقها ، وفي هذا الجانب قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لا يكون الجواد جواداً إلاّ بثلاثة : يكون سخيّاً بماله على حال اليسر والعسر ، وأن يبذله للمستحقّ ، ويرى أنّ الذي أخذه من شكر الذي أسدى إليه أكثر مما أعطاه »
.
وعموماً فالإنفاق أو العطاء هو من أعظم
ما يعتني بأمره الإسلام ، وقد توسل إليه بطرق مختلفة كالزكاة والخمس والكفارات المالية وأقسام الفدية ، وعن طريق الوقف والوصايا والهبة وما إلى ذلك. وإنما يريد بذلك من المسلمين أن يواسوا إخوانهم وأن لا يدفنوا رؤوسهم في رمال اللامبالاة ________________
بالآخرين. والقرآن
في عشرات الآيات يحثّ على الإنفاق ويمتدح الذين يمارسونه في السّر والعلن ، وينوّه بمعطياته الاجتماعية. ومن هذه الآيات قوله تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم
بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ )
.
والقرآن يمتدح الإنفاق المؤدي إلى النفع
ويذمه إذا أدى إلى المنّ أو الضَّرر ، لأنه لا يؤدي غايته التكافلية المطلوبة ، قال تعالى : (
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواْ مَنّا وَلاَ
أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
والإنفاق الخالص لوجه الله تعالى محمود
في جميع الأوقات والحالات ، فهو يمتد كخيط متين لربط أفراد المجتمع فيما بينهم ويستأصل شأفة الفقر كأكبر آفة اجتماعية ، قال تعالى : (
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ )
.
ويرى العلامة الطباطبائي ; بأنّ استيفاء الأزمنة والأحوال في
الإنفاق للدلالة على اهتمام هؤلاء المنفقين في استيفاء الثواب ، وإمعانهم في ابتغاء مرضاة الله ، وإرادة وجهه ، فوعدهم الله تعالى وعدا حسناً بلسان الرأفة ________________
والتلطف .
وعن ابن عباس : نزلت هذه الآية في علي
بن أبي طالب عليهالسلام
؛ كانت معه أربعة دراهم ، فتصدق بواحد ليلاً وبواحد نهاراً وبواحد سراً وبواحد علانية ، قال الطبرسي : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام
.
وكان المؤمنون لما نزلت آيات الإنفاق
على إطلاقها ينفقون كل ما يقع تحت أيديهم بحيث وصل البعض منهم إلى حالة من العسر بعد يساره بفضل روح التكافل التي راحت تتقد في داخلهم ، إذ كان نطاق الإنفاق على أوسع مدى ، فأخذ البعض منهم يسأل الرسول صلىاللهعليهوآله
عن مقدار الإنفاق وحدوده. فكان الجواب القرآني هو التالي : (
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ... ) .
والعفو ما زاد عن الحاجه ، فالإسلام دين يسر وسماحة لا يكلف الإنسان فوق طاقته وقدرته.
من جانب آخر سعى الإسلام إلى إزالة
الحواجز النفسية التي تحول دون الإنطلاق في مسيرة الإنفاق ، وحاول طمأنة الخواطر التي تخشى من حالة الفقر إذا ما أقدمت على البذل والعطاء ، قال تعالى مُطَمْئِناً المؤمنين : (
وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
هذا الوعد بالتعويض بالدنيا ، أما في
الآخرة فيظهر من قوله تعالى : (
...
________________
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ
وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) .
يقول أمير المؤمنين عليهالسلام في هذا الصدد : « من
يُعط باليد القصيرة يُعط باليد الطويلة أي ما ينفقه المرء
من ماله في سبيل الخير وان كان يسيراً ، فان الله يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا » .
ودعا المؤمنين إلى التوقي من حالة الشُح
في نفوسهم ، وهي حاجز نفسي يحول دون إقدامهم على البذل والعطاء ، قال عزَّ من قائل : (
... وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ )
.
ويتبع القرآن أسلوب الترغيب واعداً
بالثواب الجزيل الذي ينتظر المنفقين ، قال تعالى : (
... وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) .
أراد القرآن من المسلمين أن يرتقوا إلى
مستوى أسمى من العطاء بحيث ينفقون ممَّا يُحبُّون ، ولا يقتصر الإنفاق على الأشياء الزائدة عن الحاجة وغير المرغوبة أو الرديئة الجودة ، أو تلك التي لا تميل النفس إلى الاحتفاظ بها قال تعالى : ( لَن تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ
فَإِنَّ اللهَ بِهِ
________________
عَلِيمٌ ) .
وكان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يزرع في وعي
المسلمين مفهوم السخاء السليم البعيد عن الرّياء والبذخ والإسراف ، والمرتكز على طاعة الله وفي سبيله ، قال صلىاللهعليهوآله
: «
ولا يسمى سخياً إلا الباذل في طاعة الله ولوجهه ، ولو كان برغيف أو شربة ماء » . وكان مفهوم السخاء في الجاهلية يرتكز
على الأنانية والإسراف وتتحكم فيه الأهواء والمصالح الذاتية ، فصحح النبي صلىاللهعليهوآله هذا المفهوم بحيث يقوم على طاعة الله ويحقق الهدف التكافلي المطلوب منه كإطعام الطعام للجياع أو سقي الماء للعطاشىٰ ، قال النبي صلىاللهعليهوآله : «
من أدّى ما افترض الله عليه فهو أسخى النّاس »
.
وهناك أحاديث عديدة عن أهل بيت العصمة : تحث على الإنفاق ولو كان قليلاً ، وتحذر من البخل وما يتركه من آثار تدميرية على بنية المجتمع وعواقب اُخروية تطال الفرد ، منها إثارة سخط الله. قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
لا تستحِ من إعطاء القليل فإنّ الحرمان أقل منه »
.
وعن العواقب غير المحمودة لمن بخل
بالنفقة يحدثنا الإمام الباقر عليهالسلام
بقوله : «
ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يُرضي الله إلاّ ابتلى بأن ينفق
________________
أضعافها فيما أسخط الله »
.
نستخلص مما تقدم أن في مدرسة أهل البيت : أُسساً للتكافل الاجتماعي تقوم عل هرم من المبادئ والقيم الحضارية التي تدفع الإنسان لكي يواسي إخوانه ويمدّ يد العون لهم. وهذه القيم بمثابة النجم الذي يهتدون به ويسيرون وراء خيوط الضوء المنبعثة عنه.
________________
الفصل الثاني :
من يحتاج إلى
التكافل ؟
يسعى الإسلام إلى توسيع دائرة التكافل
لكي تشمل أوسع قطاع من الفئات الاجتماعية التي تحتاج إلى الرعاية والدعم ، وهو يتحرك في دائرة اجتماعية تبتدأ بالأقرب ثم الأقرب من الفئات الاجتماعية المراد تكفّلها وسدّ عوزها.
فقد ورد عن الإمام الحسين عليهالسلام أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «
ابدأ بمن تعول : أُمّك وأباك واُختك وأخاك ثمّ أدناك فأدناك »
ويمكننا
تقسيم الفئات التي تحتاج إلى التكافل ، إلى قسمين :
أوّلاً ـ الأقربون بالنسب أو الجوار ، وهم :
١ ـ الأهل والعيال
وهم من أقرب المقربين للإنسان وأكثرهم
حقا عليه ، ويحتلّون موضع الصدارة في توجهات الإسلام الاجتماعية ؛ بحيث نجد الإسلام يدعو إلى بناء ________________
وتدعيم علاقات طيبة
وحميمة بين الأهل والعيال قائمة على أساس التعاطف والتكاتف. وفي هذا الصدد يعتبر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
أن «
الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله » .
وغني عن البيان أن العيال يتكونون ـ عادةً
ـ من الزوجة والأطفال القصّر الذين لا يستطيعون تحمل أعباء المعيشة لضعفهم أو لصغر سنهم ، لذلك أوجب الإسلام على الزوج إعالة زوجته وأطفاله ، وحذّر أشد التحذير من التفريط في ذلك أو التقصير فيه ، قال الرسول صلىاللهعليهوآله
محذراً : «
ملعون ملعون من ضيع من يعول » . وقال صلىاللهعليهوآله
: «
كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول »
.
فأهل البيت أو العيال هم حجر الزاوية في
توجهات الإسلام الاجتماعية ، والتقصير في كفالتهم يجر إلى الإثم والخطيئة ، وبالمقابل يؤدي البّر بهم وكفالتهم إلى معطيات إيجابية تنعكس على الكفيل ، وأهمّها رضا الله تعالى ورحمته ، التي تكون سبباً لنزول بركاته ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من حسن برّه بأهل بيته زيد في رزقه » ، وعنه عليهالسلام
في حديث آخر ، قال : « من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره » .
________________
فالإسلام يريد من الإنسان أن ينظر بعين
العطف إلى عياله وأهل بيته وأن يسد حاجاتهم الأساسية من الغذاء والكساء وما إلى ذلك ، وأن يعكف على خدمتهم. وكلما سما في هذه الخدمة كلما اختصر المسافة في مسيرة التسامي إلى الله تعالى. من هنا قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
: «
لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة »
.
ولأهمية كفالة الإنسان لعياله وأهل بيته
استتبع التقصير في أمر إعالتهم المسؤولية الجزائية ، فالحاكم الشرعي يلزم كلّ من أخلّ بواجب الإعالة أن يتقيد بالضوابط الشرعية والقانونية ، وإلا فعليه تحمّل المسؤولية وما تستلزمه من جزاء مناسب. فقد ألزم الإسلام رب الأسرة بالإنفاق على هؤلاء الضعفاء حتى إذا كان فقيرا ، فهو مسؤول عن السعي لتوفير هذه النفقة للأسرة.
وفي ذلك يقول صلىاللهعليهوآله : «
حقّ المرأة على زوجها : أن يسدّ جوعها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجها »
فالحديث
أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الأمور المادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يُقرن ذلك بحق معنوي ، هو أن لا يقبّح لها وجها ، بتعبير آخر أن يحسن معاشرتها ، لا سيما وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في البيت. والإمام زين العابدين عليهالسلام يؤكد على حق المرأة في التكافل المادي والمعنوي معاً بالقول : «
... فإن لها عليك أن ترحمها ، لأنها أسيرتك ، وتطعمها وتسقيها وتكسوها ، وإذا جهلت
________________
عفوت عنها »
.
وتظهر أهميه التشريع الإسلامي للنفقة في
الرعاية الاجتماعية في الظروف التي تطغى فيها الأحقاد على عاطفة الرفق والشفقة. أي في الظروف التي تضطرب فيها الطمأنينة النفسية بدخول عوامل الهدم إلى كيان الأسرة كحالات الشقاق والنزاع. فهو يدعم الطمأنينة النفسية إذا تخلّف أحد أفراد الأسرة عما أمر الله به أن يوصل من الرَّحم والتعاطف بين أفراد الأسرة.
وعليه فمن الناحية الفقهية : « يجب على
المكلف التكسب لتحصيل نفقة من تجب نفقته عليه كالزوجة والأولاد إذا لم يكن واجدا لها ، ويستحب ذلك للأمور المستحبة ، كالتوسع على العيال ، وإعانة الفقراء » .
٢ ـ الأرحام
في مدرسة أهل البيت : ـ التي هي مدرسة الإسلام الصافية ـ عناية
فائقة بالأرحام ، وهناك عشرات بل مئات الروايات التي تدعو إلى صلة الرَّحم ، وهي تنطلق بذلك من حرصها الدائم على عدم قطع عروق العلائق بين القرابة ، الذين يشكّلون الدائرة الأقرب للفرد المسلم ، عن الإمام الصادق عليهالسلام
: في قوله تعالى : (
وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ )
، قال : «
هي أرحام الناس ، إنّ الله عزّ وجلّ أمر بصلتها وعظّمها ، ألا ترى
________________
أنّه جعلها منه ؟ »
.
وكان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يوقظ خير ما في
أفراد أمته من أحاسيس تجاه أرحامهم ، ويُكثر من توصيته لهم بصلة الأرحام ولو بعدت الشقة وطالت المسافة ، ويعتبر ذلك من جوهر الدين ، لكون الإسلام دين إجتماعي تشكّل التعاليم الاجتماعية وخاصة التكافلية منها أكثر من نصف تعليماته. فعنه صلىاللهعليهوآله
: «
أوصي الشاهد من اُمّتي والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرّجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة ، أن يصل الرّحم ، وإن كان على مسير سنةٍ ، فإن ذلك من الدين »
. وكان صلىاللهعليهوآله يحذّر أشد التحذير
من التقصير في حقهم ، ويؤكد على ضرورة تحمل الضرر الصادر عنهم ، عن الإمام الصادق عليهالسلام
: «
إنّ رجلاً أتى النبي صلىاللهعليهوآله
فقال : يا رسول الله ، إنّ لي أهلاً قد كنت أصلهم وهم يؤذونني ، وقد أردت رفضهم ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إذن يرفضكم الله جميعاً. قال : وكيف أصنع ؟ قال : تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك وتعفو عمّن ظلمك ، فإذا فعلت ذلك ، كان الله عزّ وجلّ لك عليهم ظهيراً » .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : «
ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها خصاصة أن يسدَّها بالذّي لا يزيدُه إنْ أمسكهُ ، ولا ينقصُهُ إن
________________
أهلكه »
.
كانت تعاليم الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وأهل بيته : هذه قد أينعت ثمارها من خلال تمتين عوامل اللحمة بين المسلمين ، فأخذت تصنع في النفوس الطيبة صنيع الغيث في التربة الكريمة.
وكان المسلمون يصلون أرحامهم استجابة
للرسول صلىاللهعليهوآله
وطلباً للثواب العاجل بعدما تناهى إلى أسماعهم قوله صلىاللهعليهوآله
: «
إنّ أعجل الخير ثوابا صلة الرَّحم » .
كما كان للمعطيات الإيجابية المتعلقة
بصلة الرَّحم أثر هام في تشويق وتشجيع آحاد المسلمين على صلة أرحامهم والتكافل معهم ، ومن أبرز هذه المعطيات طول العمر وزيادة الرزق ، يتضح ذلك من مجموعة من الأحاديث منها قول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
: «
صلة الرَّحم تزيد في العمر » .
وعنه صلىاللهعليهوآله
: «
إنّ القوم ليكونون فجرة ، ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم ، وتطول أعمارهم ، فكيف إذا كانوا أبراراً بررة ؟ » .
ويظهر من هذا الخبر أن صلة الرحم لها
آثارها الدنيوية الحسنة حتى على الفجرة فضلاً عن الصالحين ، فتحصل تنمية الأموال ؛ لأنّ الله تعالى يجعل ________________
فيها البركة ، فضلاً
عن أنّ روح التعاون والتكاتف التي تنمو في نفوسهم تدفعهم للقيام بمشاريع ونشاطات اقتصادية نافعة تدرّ عليهم بالخير الوفير. أما طول الأعمار فلأنّ الله تعالى ينسأ في أجل الذين يصلون أرحامهم ويمدهم بعمر مديد ، يقول الإمام الحسين عليهالسلام
: «
من سرّه أن ينسأ في أجله ، ويزداد في أجله فليصل رحمه » .
وجاء عن الإمام الهادي عليهالسلام أنه قال : «
فيما كلّم الله تعالى به موسى عليهالسلام
، قال موسى : إلهي ، فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال : يا موسى أنسأ له أجله ، وأهوّن عليه سكرات الموت »
.
ومن الناحية العمليّة فإنّ الحالة
النفسيّة السويّة التي يخلقها التعاطف والتكاتف فيما بين ذوي الرحم ، تجعلهم يبتعدون عن المشاحنات والمشاجرات والجرائم ، فتطول أعمارهم حتى تبلغ آجالها المقدّرة.
وهناك معطيات حسنة أخرى لمن وصل رحمه ، هي
أن يعصمه الله تعالى من الذنوب ويهوِّن عليه الحساب ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «
إنّ صلة الرّحم والبرّ ليهوِّنان الحساب ويعصمان من الذنوب ، فصلوا أرحامكم وبرّوا بإخوانكم ، ولو بحسن السلام وردّ الجواب »
، ففي هذه الرواية نجد التأكيد على التكافل مع الأرحام بشقيه المادي والأدبي ، فإن لم يتحصل الأول لضيق ذات اليد ، فعلى الأقل تحصيل الثاني الذي نجد مصداقه ________________
بحسن السلام وردّ
الجواب.
وكان الرسول صلىاللهعليهوآله ينوّه بالشق الأدبي
من التكافل فهو أضعف الإيمان ، قال صلىاللهعليهوآله
: «
صلوا أرحامكم ولو بالسلام » . وقد أكد الإمام الصادق عليهالسلام على شقي التكافل ولو بحدودهما الدُّنيا قال : « صل رحمك ولو
بشربةٍ من ماء ، وأفضل ما يوصل به الرّحم كفّ الأذى عنهما »
. ويبدو من
هذا الخبر أن للتكافل الأدبي في بعض الأحيان أفضلية على التكافل المادي. حيث أراد إمامنا الصادق عليهالسلام
أن يفتح نافذة الوعي لتقدير أهمية التكافل الأدبي ، إنطلاقاً من أن دفع المفسدة والضرر أولى من جلب المصلحة. وعليه فمن لا يستطيع صلة أرحامه وإسداء النفع لهم ، فعليه أن يكفّ عن إلحاق الضرر بهم من حيث المبدأ.
وكان الإمام الصادق عليهالسلام قدوةً في مدِّ يد
العون إلى الآخرين ، فعن الفضل بن قرّة ، قال : كان أبو عبدالله عليهالسلام
يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير ، فيقول للرّسول : «
إذهب بها إلى فلان وفلان من أهل بيته ، وقل لهم : هذه بعث إليكم بها من العراق ، ـ كناية عن وصول
تلك الأموال إلى الإمام من العراق ـ قال : فيذهب بها الرّسول إليهم فيقول ما قال ، فيقولون : أما أنت فجزاك الله خيراً بصلتك قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأما جعفر فحكم الله بيننا وبينه ، قال : فيخرّ أبو عبدالله ساجداً ويقول : اللهم أذلَّ رقبتي
لولد
________________
أبي »
.
يضاف إلى ماسبق أن قطيعة الأرحام تترك
آثاراً سلبية مدمّرة على مجمل النسيج الاجتماعي ، فتقطع خيوط التواصل بين الأهل والأقارب ، فتنتج القطيعة والشقاق والتناحر ، فيستلزم كلّ ذلك حلول النقم ، وفناء الجماعات ، وهي أمور قد حذر منها أئمتنا الأطهار :
، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
حلول النقم في قطيعة الرّحم » . وقال زين العابدين عليهالسلام : «
.. الذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرّحم ... »
.
ويلفت نظرنا أمير المؤمنين عليهالسلام إلى حقيقة تحتاج
إلى أن يكشف المتخصصون عن أبعادها ومراميها ، وهي أن إعانة الأرحام والتكافل معهم يمنع من تدفق الأموال إلى أيدي الأشرار ، ويحول الشق المادي من التكافل دون حصول مجتمع رأسمالي استغلالي ، فمما لا شكّ فيه أنّ من يمتنع عن تقديم الحقوق المترتبة عليه تجاه أرحامه فسوف تتكدس الأموال بيده فيغدو ـ في الأعم الأغلب ـ رأسمالياً جشعاً ، أو تستغل قوى الشر أمواله المكدسة لمآربها الشريرة ، وبالإستناد لما تقدم ينكشف لنا أبعاد تأكيد أمير المؤمنين عليهالسلام : «
إذا قطعوا الأرحام جُعلت الأموال في أيدي الأشرار »
.
صفوة القول : إنّ تأكيد الإسلام
المتواصل على صلة الأرحام يعدّ من ________________
الأسس الاجتماعية
التي يعتمد عليها مبدأ التكافل.
٣ ـ الجار
يعتبر الجار من ضمن الدائرة المكانية
القريبة المشمولة بالرعاية الاجتماعية ، فالاهتمام بالجار بمثابة حجر آخر في بناء قاعدة صلبة للتكافل الاجتماعي ، من هنا يدرج القرآن الجار ضمن قائمة الفئات القريبة المطلوب أن يُحسن إليها ، قال تعالى : (
وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي
الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) .
ويلاحظ هنا أن القرآن قد أشار إلى صنفين من أصناف الجار ، وهما : الجار ذو القربى والجار الجُنُب ، ومعناهما : الجار القريب في النسب ، والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة.
وهنا تجد أن القرآن يأمر بالإحسان
للوالدين ثم للأقارب والأرحام ، ثم اليتامى والمساكين ، ولو أنهم أبعد مكاناً من الجار ، لأن اليتيم فقد الناصر والمعين ، ولأن المسكين وهو ـ هنا ـ الضعيف العاجز عن الكسب لا ينتظم حال المجتمع إلاّ بالعناية به. ثم تصل النوبة إلى الجار سواءً القريب منه ( الجار ذو القُربى ) أو البعيد ( الجار الجُنُب ) ولكن تنطبق عليه صفة / الجار من الناحية المكانية. ولا ينحصر الإحسان بإعطاء المال ، بل يشمل الرّفق به ________________
والتواضع معه ، والسعي
في قضاء حوائجه ، وتقديم النصح والمشورة له ، وكتمان سره ، وغض الطرف عن عثراته وعوراته ، وعدم إشاعة السيئات عنه ، وإعارته أدوات المنزل وما إلى ذلك ، وعلى أية حال ، فإن الأمر بالإحسان إلى هؤلاء ندب لافرض.
وتتبدى أهمية الجوار في دعوات الرسول صلىاللهعليهوآله الملحّة والمتكررة
الداعية إلى التعاطف والتكافل مع الجيران وإسداء العون والمساعدة لهم واعتباره ذلك من ضمن لوازم الإيمان ، قال صلىاللهعليهوآله
: «
ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره المسلم جائع ، وقال : وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة » وورد الخبر من طريق آخر عن أمير
المؤمنين عليهالسلام
، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
بتفصيل أكثر ، وفيه : « ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع ، فقلنا : هلكنا يا رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآله : من فضل طعامكم ، ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم وخرقكم ، تطفئون بها غضب الربّ » .
وروى عن علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : «
من بات شبعان وبحضرته مؤمن طاوٍ ، قال الله عز وجل : ملائكتي ، أشهدكم على هذا العبد ، أنني أمرته فعصاني ، وأطاع غيري ، وكلته إلى عامله ، وعزتي وجلالي لا
________________
غفرت له أبدا »
.
فهذه الروايات بطرقها المتعددة وألفاظها
المختلفة تصرح بصورة واضحة بضرورة التكافل مع الجيران وخاصة الشق المادي منه ، أما التكافل المعنوي معهم فقد أشار الرسول صلىاللهعليهوآله
إليه في معرض كلامه عن الحقوق المترتّبة للجار ، قال صلىاللهعليهوآله
: «
إن استغاثك أغثته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت إليه ، وإن أصابته مصيبة عزّيته ، وإن أصابه خير هنّأته ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته... ولا تؤذه بريح قدرك إلاّ أن تغرف له منها » .
ضمن هذا السياق حذّر الرسول صلىاللهعليهوآله أشدّ التحذير من
التقصير في حق الجار ، وكشف عن العواقب السلبية لمن أساء لجيرانه أو قصّر في التكافل معهم ، قال صلىاللهعليهوآله
: «
من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكله إلى نفسه ، ومن وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله »
.
وكان أهل البيت : يسيرون على نهج الرسول صلىاللهعليهوآله ويقتدون به ، فكانوا يحثون أتباعهم على البّر بالجار ، ويعملون على إشاعة روح التعاون مع الجيران ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
من حُسن الجوار تفقُّد الجار »
.
تمعّن في هذا الدّعاء من أدعية الصحيفة
السجادية ، الذي يقدم لنا رؤية ________________
تكافلية كاملة ( أدبية
ومادية ) : «
اللّهُمَّ تولّني في جيراني بإقامة سُنتَّك ، والأخذ بمحاسن أدبك في إرفاق ضعيفهم ، وسدَّ خَلتَّهم ، وتعهد قادمهم ، وعيادة مريضهم ، وهداية مسترشدهم ، وكتمان أسرارهم ، وستر عوراتهم ، ونصرة مظلومهم ، وحُسن مواساتهم بالماعون ، والعود عليهم بالجدَة والإفضال ، وإعطاء ما يجبُ لهم قبل السؤال والجود بالنوال يا أرحم الراحمين » .
٤ ـ العشيرة
لقد احتفظت العشيرة في مقام الصدارة في توجهات
الإسلام الاجتماعية. فالإسلام ينسجم مع الخلقة حيث خلق الله الناس شعوباً وقبائل ، كما يحافظ على الأنساق الاجتماعية في البيئة العربية التي تمنح العشيرة دورا أساسياً في التركيبة السكانية ، وعليه فالتكافل مع العشيرة ـ وهم في دائرة القرابة القريبة ـ يغدو كضرورة اجتماعية تتطلبها الظروف التي تحيط بالفرد وحاجته الماسة للرعاية والحماية ، وخاصة في أوقات الأزمات وغياب الأمن وعدم وجود مؤسسات رعوية رسمية. فالتكافل مع العشيرة ـ والحال هذه ـ أمر لا يقبل الجدل.
وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يوصي أولاده وأصحابه
بإكرام العشيرة ، لما لها من دور واسع المدى وعميق الأثر في الحياة الاجتماعية ، فمن وصاياه لابنه ________________
الحسن عليهماالسلام : «
... وأكرمْ عشيرتك ، فإنَّهم جناحُك الذي به تطير ، وأصلُك الذي إليه تصيرُ ، ويدُك الّتي بها تصُول »
. وفي نص آخر
يصرّح بأهمية التكافل مع القرابة والعشيرة ويعلل ذلك تعليلاً عميقاً يتناسب مع البيئة الاجتماعية التي عاصرها ، يقول عليهالسلام
: «
أيّها الناس ، إنّه لا يستغني الرّجل ـ وإن كان ذا مال ـ عن عترته ، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم ، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمّهم لشعثه ، وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به... ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه ، ولا ينقصه إن أهلكه ، ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة ، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة... » .
ولابد من إلفات النظر إلى أن أمير
المؤمنين عليهالسلام
لا ينطلق من نظرة عنصرية ضيقة ، تضع التعصب للعشيرة فوق قواعد الحق واعتبارات الدين ، بل هو في الوقت الذي يدعو إلى التكافل مع العشيرة يحث على أن لا يكون ذلك على حساب الدين ، وان لا يؤدي ذلك إلى القطيعة معه ، وخير شاهد تاريخي على ذلك تعنيفه للمنذر بن الجارود العبدي ، وقد خان في بعض ما ولاّه من أعماله ، قال له موبخاً : « ... لا تَدَعْ
لهواك انقياداً ، ولا تُبقي لآخرتِكَ عتاداً ، تعمُرُ دُنياك بخرابِ آخرتِك ، وتصلُ عشيرتك بقطيعة دينك »
.
________________
فالإمام عليهالسلام
يقيم مذهبه الاجتماعي على أساس قواعد الدين ، فكل تجاوز لهذه القواعد يقذف بفكرة التكافل بعيداً في أغوار مسالك الشر.
ثانياً : الفئات المحرومة
هناك مجموعة من الفئات المحرومة هي بأمس
الحاجة إلى التكافل الإجتماعي بعد أن قرضهم الفقر بمنشاره ، وأسكنتهم الحاجة والفاقة ، وهم على النحو التالي :
١ ـ الأيتام
الإسلام كدين اجتماعي تتمثّل فيه مبادئ
الرحمة والعطف ، لا يريد ان يترك هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع فريسة الفقر والحاجة ، لذلك كانت هذه الفئة بمثابة القطب من الرحى في توجهاته التكافلية ، فهناك الآيات القرآنية الكثيرة التي تحث على الاهتمام بالأيتام ، وتدعو إلى تأمين مستلزمات العيش الشريف لهم ، منها قوله تعالى : (
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ... )
، وقوله
تعالى : ( فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ )
، وقوله : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي
يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) .
وقوله : ( كَلَّا بَل لَّا
تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ )
. فهنا نجد
دعوة صريحة للتكافل ________________
الأدبي معهم ، ولوماً
وتقريعاً لكل من يقصّر في ذلك.
وهناك طائفة من الآيات تدعو إلى التكافل
المادي الصريح مع الأيتام ، منها : قوله تعالى : (
... وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ )
، وقوله : ( ... وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ )
، وقوله : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ
فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )
، وقوله : (
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )
.
وكان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يوقظ في نفوس الناس
العاطفة الدينية تجاه الأيتام ، ويُكثر من التوصية بهم ، ويدعو إلى كفالتهم ، قال صلىاللهعليهوآله : «
أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين » . وعنه صلىاللهعليهوآله
: «
من عال يتيما حتى يستغني عنه ، أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنّة ، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار » .
ولم تقتصر تعاليم الرَّسول الاجتماعية
على تأمين التكافل المادي للأيتام ________________
فحسب ، بل كان يولي
التكافل الأدبي المزيد من العناية والأهمية ، قال صلىاللهعليهوآله
موصياً : «
كن لليتيم كالأب الرَّحيم ، واعلم أنّك [ كما ] تزرع كذلك تحصد » .
وروي أن رجلاً شكا إلى النبي صلىاللهعليهوآله قساوة قلبه ، فقال
: «
إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم »
وفي رواية
اُخرى أنه قال له : «
فادن منك اليتيم وامسح رأسه وأجلسه على خوانك ، يلين قلبك وتقدر على حاجتك » .
وقال صلىاللهعليهوآله
: «
اشبع اليتيم والأرملة ، وكن لليتيم كالأب الرحيم ، وكن للأرملة كالزوج العطوف ، تعط كل نفس تنفست في الدنيا قصراً في الجنة ، كل قصر خير من الدنيا وما فيها »
.
هذه التوجهات الحضارية أشاعت أجواء
الطمأنينة في نفوس الأيتام وخلقت الاستقرار الاجتماعي على الرغم من الاضطراب السياسي الذي خيم على المجتمع الإسلامي آنذاك.
وإذا ما أضفنا إلى كل هذا مساعي مدرسة
أهل البيت : الخيرة التي
أسهمت بنصيب وافر في تشجيع أعمال الخير ، فكانت كالواحة الوارفة الظلال في مجال التكافل وخاصة مع الأيتام في المقام الأول. فكان أمير المؤمنين عليهالسلام ________________
يوصي بهم حتى قبل
موته بقليل ، فقد تضمنت وصيته الأخيرة قوله عليهالسلام
: «
الله اللّه في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواهم ، ولا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
: من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنة » ، وعنه عليهالسلام
: «
ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحّماً له إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة مرّت يده عليها حسنة » .
وعن أبي الطفيل ، أنّه قال : « رأيت
علياً عليهالسلام
يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه : لوددت أني كنت يتيماً » .
أما الإمامان الحسن والحسين عليهماالسلام وكلاهما يضيء من
مشكاة واحدة ، فيحثان على تكفل أيتام آل محمّد صلىاللهعليهوآله
بعد أن اتبع معهم الطغاة سياسة ( السيف والنطع ) فقتلوهم تحت كل حجر ومدر ، فمن الطبيعي والحال هذه أن يكثر أيتامهم ، ويكونوا ضحايا نظام اجتماعي جائر لا يكترث بهم ، فيفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء. فأراد أئمة أهل البيت :
أن يرتقوا بشيعتهم إلى ________________
مستوى التحدي
الاجتماعي ، لاسيما وأنهم يرزحون تحت وطأة ظلم صارخ عبر التاريخ. ومن الشواهد على تأجيج الأئمة :
للعواطف النبيلة لكفالة أيتام آل محمّد صلىاللهعليهوآله
ما قاله الإمام الحسن عليهالسلام
: «
فضل كافل يتيم آل محمّد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل ـ
يخرجه من جهله ، ويوضح له ما اشتبه عليه ـ على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه ، كفضل الشمس
على السهى » .
أما الإمام الحسين عليهالسلام فيقول في هذا الصدد
: «
من كفل لنا يتيما قطعته عنّا محبّتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّى أرشده وهداه ، قال الله عزّ وجلّ : أيّها العبد الكريم المواسي أنا أولى بالكرم منك... » .
فمثل هذه النصائح والتوجهات تفسح المجال
واسعاً أمام الاهتمام بالأيتام ، وتهيّء الأجواء لبناء وتدعيم علاقات تكافلية معهم ، وإلاّ تحولت حياتهم إلى صحراء مجدبة. ففي غياب منهج التكافل تتشكل ظاهرة التسوّل والتشرّد وبالتالي تنمو جذور الجريمة فيما بينهم ويقعون في هاوية الفساد.
٢ ـ الفقراء
والمساكين
ويأتون في المرتبة الثانية من الاهتمام
بعد فئة الأيتام ، والقرآن يحث على الإنفاق على هذه الفئة ، قال تعالى : (
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ
________________
لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ
ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم
بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا... )
. فالفقراء
والمساكين يستحقّون التكفّل والنفقة بنصّ القرآن ، قال تعالى : (
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ... )
وفي معرض تفسيره لهذه الآية يفرّق الإمام الصادق عليهالسلام
بين الفقير والمسكين والبائس بقوله : «
الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم » .
والإسلام يريد أن تكون العلاقة بين
الغني والفقير علاقة تكافل وتعاون ، لذلك فرض على الأغنياء كفالة الفقراء ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
إنّ الله فَرَضَ في أموالِ الأغنياء أقواتَ الفُقراء ، فما جاع فقيرٌ إلاَّ بما متع به
غني ، واللهُ تعالى سائلهم عن ذلك »
.
والإمام الصادق عليهالسلام يؤكد هذه الحقيقة
المهمة بقوله : «
إن الله عزّوجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ممّا يكتفون به ، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لم يكفهم لزادهم ، فإنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم ، لامن الفريضة »
.
________________
وقال عليهالسلام
: «
إنّ الله تعالى خلق الخلق كلهم صغيرهم وكبيرهم ، فعلم صغيرهم وكبيرهم ، وعلم غنيهم وفقيرهم ، فجعل من كل ألف إنسان خمسة وعشرين مسكيناً ، فلو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ، لانه خالقهم وهو أعلم بهم » .
وعلى ضوء ما تقدم نجد أن النظام
الاقتصادي الإسلامي قد حلّ مشكلة الفقر من خلال مبدأ التكافل ، وتوسيع المشاركة الاجتماعية بحيث يكفل الغني الفقير. فشيوع ظاهرة الفقر في المجتمعات الإسلامية لا يمكن إرجاعها لضعف أو قصور في النظام الاقتصادي الإسلامي ، بل لتقصير الأغنياء في كفالة الفقراء وتبديلهم نعمة الله كفراً. كما أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : «
اضربْ بطرفك حيث شئت من النَّاس ، فهل تبصر إلا فقيراً يكابدُ فقراً ، أو غنياً بدّلَ نعمة الله كفراً... »
. فالتقصير
ينصب بالدرجة الأساس على الأغنياء ، لذلك كان أمير المؤمنين عليهالسلام
يحمّلهم ـ بصورة أساسية ـ مسؤولية تفشي الفقر في المجتمع بقوله : « ولا يعُولُ غَنيهم
فقيرهم » .
وكانت الشريعة توقظ في نفوس المسلمين
العاطفة الدينية تجاه الفقراء والمساكين ، وتدعم توجهاتها الاجتماعية هذه بمبدأ ( الثواب الاُخروي ) لتحقيق هذه الغاية النبيلة ، جاء في وصية أمير المؤمنين لأبنه الحسن عليهماالسلام : «
وإذا
________________
وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم
القيامة فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده... »
.
وقد بذل أئمة أهل البيت عليهالسلام أقصى ما يستطيعون
من جهد في سبيل إعانة الفقراء والمساكين بعد أن وجدوا أن السلطات الحاكمة كانت تستأثر بالأموال وتقصّر في أداء الحقوق المفروضة للفقراء وتتركهم فريسة العوز والفاقة ، وعلى سبيل الاستشهاد كان إمامنا السجاد عليهالسلام
يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي الفقراء باباً باباً ، فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه ، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلما توفي عليهالسلام فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان علي بن الحسين .
وكان هذا الإمام العظيم يتبع شتى
الأساليب لترغيب الناس على التصدق على المساكين ويبرز المردودات الإيجابية التي تلحق المنفق ، ومنها دعاء المسكين له واستجابة الله عزّ وجل لدعائه ، قال عليهالسلام
: «
ما من رجل تصدق على مسكين مستضعف ، فدعا له المسكين بشيء تلك الساعة إلاّ استجيب له » .
وكان ائمتنا : يفتحون نافذة الوعي عند الناس لإدراك
أهمية التكافل مع الفقير ، وكانوا يحرصون على عدم إراقة ماء وجه الفقراء لذلك اتبعوا ________________
أسلوب التخفي في
العطاء ، وكانوا يحثون على صيانة كرامة الفقير وعدم الاستخفاف به اقتداءً برسول الله صلىاللهعليهوآله
الذي يقول : «
ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ، والله يستخفّ به يوم القيامة ، إلاّ أن يتوب » .
وهكذا نجد أن تكفّل الفقير والمسكين كان
بمثابة حجر الزاوية في توجهات مدرسة أهل البيت :
الاجتماعية.
٣ ـ السائلون والمحرومون
وهنا نجد دعوة قرآنية للتكافل المادي مع
هاتين الفئتين المعوزتين ، ففي قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ فِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ *
لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
نلاحظ موقف التمجيد بالتكافل المادي معهم ، وفي قوله تعالى : (
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ )
نجد دعوة
للتكافل الأدبي مع السائل خاصة ، ويستلزم ذلك الدعوة لاحترامه وصون كرامته.
وجاء في تفسير الإمام الصادق عليهالسلام لقوله تعالى : (
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) ، « المحروم : المحارف
الذي قد حرم كدّ يده في الشراء والبيع ». وعن
الصادقين عليهماالسلام
: «
المحروم الرّجل الذي
________________
ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق ، وهو
محارف » .
وعلى كل حال فإن مبدأ التكافل يستدعي
التضامن مع هؤلاء ، وخاصة السائل الذي يكشف لك عن أمارات وعلائم عوزه من خلال سؤاله ، والتعاليم السماوية عموماً تحث على إكرام السائل ، ففيما اُوحي إلى موسى عليهالسلام : «
اكرم السائل إذا أتاك بردّ جميل أو إعطاء يسير »
.
وعن زين العابدين عليهالسلام : «
حقّ السائل إعطاؤه على قدر حاجته »
.
وترتقي مدرسة أهل البيت : في مجال التكافل إلى مستوى إنساني رفيع ، بكفالتها للسائلين من أهل الأديان الأخرى.
فقد مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، فقال
أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
ما هذا ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين نصرانيّ ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : استعملتموه
حتّى إذا كبر وعجز منعتموه ؟! أنفقوا عليه من بيت المال »
.
فالإسلام لا يأمر بقطع خيوط التواصل مع
أهل الأديان ، ويأمر بالتكافل معهم في الظروف الصعبة ، إذ يتسامى فوق الفوارق والخلافات الدينية ، ويرفع قوس بصره إلى مستوى الإنسانية.
________________
عن مصادف ، قال : كنت مع أبي عبدالله عليهالسلام بين مكّة والمدينة
، فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد ألقى بنفسه ، فقال عليهالسلام
: «
مل بنا إلى هذا الرَّجل ، فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه عطش ،
فملنا فإذا رجل نصراني من القراسين طويل الشعر ، فسأله : أعطشان أنت ؟ فقال : نعم ، فقال لي : انزل
يا مصادف فاسقه ، فنزلت وسقيته ، ثمّ
ركبت وسرنا ، فقلت : هذا نصرانيّ ، فتتصدّق على نصرانيّ ؟! فقال : نعم إذا كانوا في مثل هذه الحال »
.
فهذا الرجل ـ أي مصادف ـ يستغرب من
إقدام الأئمة :
على التكافل مع أهل الكتاب. وفاته أن الأئمة ينطلقون من رؤى إنسانية واسعة الأفق تلتقي مع مبادئ الإسلام الداعية إلى التراحم والتعاطف مع كل الناس ، بل وتتّسع لتشمل العطف على الحيوان وعلى كلّ ذي روح.
عن نجيح ، قال : رأيت الحسن بن علي عليهماالسلام يأكل وبين يديه كلب
، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها ! فقلت له : يا بن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك ؟ قال : « دعه ، إنّي لأستحيي من الله تعالى أن يكون ذو
روح ينظر في وجهي وانا آكل ثمّ لا أطعمه »
.
وضمن هذا الباب تؤكد تعاليم مدرسة أهل
البيت : على استحباب
قناعة السائل ودعائه لمن أعطاه ، وزيادة إكرام السائل القانع الشاكر ، فبإسناد ينتهي إلى مسمع بن عبدالملك قال : كنّا عند أبي عبدالله عليهالسلام بمنى وبين يدينا ________________
عنب نأكله ، فجاء
سائل فسأله ، فأمر له بعنقود فأعطاه ، فقال السائل : لا حاجة لي في هذا ، إن كان درهم ، فقال عليهالسلام
: «
يسع الله لك ولم يعطه شيئاً. فذهب ثمّ رجع فقال : ردّوا العنقود ، فقال عليهالسلام
: يسع
الله لك ولم يعطه شيئاً ، ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبدالله عليهالسلام
ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه ، فأخذ السائل من يده ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين الذي رزقني. فقال أبو عبدالله عليهالسلام
: مكانك فحثا مل ء كفّيه عنباً فناولها إيّاه ، فأخذها السّائل من يده ثمَّ قال : الحمد لله ربّ العالمين ، فقال أبو عبدالله عليهالسلام : مكانك
يا غلام ، أي شيء معك من الدّراهم ؟ فإذا معه نحو من
عشرين درهماً فيما حزرناه أو نحوها ، فناولها إيّاه فأخذها ثم قال : الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك. فقال أبو عبدالله عليهالسلام
: مكانك
، فخلع قميصاً كان عليه ، فقال : إلبس
هذا ، فلبس ثمّ قال : الحمد لله الذي كساني وسترني يا أبا عبدالله ، أو قال : جزاك الله خيراً
، لم يدع لأبي عبدالله عليهالسلام
إلا بذا ، ثمّ انصرف فذهب ، قال : فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد الله [ على ما ] أعطاه » .
هكذا كان نهج آل البيت : مع السائل ضمن دائرة التكافل ، وهكذا كان أدبهم الرَّفيع في العطاء معهم. فهو يريد من السائل أن لا يغفل عن الله تعالى الذي هو مصدر الرّزق والعطاء ، وأن يدرك بأن الإنسان المنفق ، وأن سمت مكانته وعلا شأنه ليس إلاّ مجرّد وسيلة للفيوضات الإلٰهية.
________________
٤ ـ الأسرى
والمكروبون
يتّسع مبدأ التكافل لفئات محرومة أخرى
كالأسرى والمكروبين ، فقد أوجب الإسلام للأسير حقوقاً تكافلية كالإطعام والإحسان إليه ، وإن كان يراد في الغد الإقتصاص منه. عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سألته عن قوله الله عزّ وجل : (
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا )
قال : « هو
الأسير وقال : الأسير يطعم وان كان يقدم للقتل وإن عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام
كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين » .
وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلب المفسّرين
ذكروا أنَّ الآية الكريمة : ( وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) قد نزلت في أهل البيت : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهماالسلام
حينما تصدّقوا على المسكين واليتيم والأسير .
والأحاديث الواردة عن الرسول وأهل بيته : تفجّر في نفوس المسلمين ينابيع الخير والعطاء للمكروبين والمعسرين ، لكونها مفعمة بشحنة عاطفية كبيرة تجاههم ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام
: «
من كفارات الذنوب العِظام
________________
إغاثة الملهوف ، والتنفيس عن المكروب »
.
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر ، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة »
، وكان لهذه
الأحاديث أبعادها العميقة في أغوار الفكر ، وقد تجسدت في سلوك تكافلي على صعيد الواقع. حيث سادت في الإسلام ثقافة التكافل ، ومن المعروف أنّ الإنسان ابن ثقافته ويعكس هذه الثقافة في كافة تصرفاته ، لذا لم تكن في العصور الإسلامية الأولى ظاهرة التسول والتشرد منتشرة بشكل ملحوظ ، وقد أشرنا إلى أن أمير المؤمنين عليهالسلام
في خلافته الرشيدة استغرب وتعجب عندما وقعت عيناه على رجل نصراني يستعطي الناس !
وهناك فئات أخرى يكفل لها الإسلام
حاجتها عند الضرورة ، منها : الغارم وهو من كان عليه دين وعجز عن أدائه ، فيجوز أداء دينه من الزكاة ، وإن كان متمكناً من إعالة نفسه وعائلته سنة كاملة بالفعل أو القوة ، وكذلك ابن السبيل : وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته ، ولا يتمكن من الرجوع إلى بلده ، وإن كان غنياً فيه .
________________
الفصل الثالث :
متطلّبات
التكافل وسبل تأمينها
المبحث الأوّل :
متطلّبات
التكافل :
لم يألُ الإسلام جهدا من أجل تأمين
المتطلّبات الأساسية للمحتاجين في حدود الإمكانات المتاحة ، وهي :
أولاً ـ الماء :
وهو مادة حياتية لا يستطيع الإنسان الاستغناء
عنه بحال ، لذلك حثّ الإسلام على التكافل بين المسلمين من أجل تأمينه للمحتاجين. وكانت مشكلة ندرة المياه تثير الصراعات والحروب بين القبائل العربية في الجاهلية ، ومما يعقد المشكلة طغيان نزعة الأنانية والاستئثار في نفوس الناس في العصر الجاهلي ، لا سيما وأنهم يعيشون في بيئة صحراوية تقل فيها مصادر المياه ، فكان من الطبيعي والحال هذه أن يسعى البعض جاهدا للسيطرة على منابع المياه وحرمان الآخرين منها ، وهنا تستعر حالة التقاتل بين القبائل على مصادر الكلأ والماء. فلما جاء الإسلام عمل على تهذيب النفوس وحارب حالة
الاستئثار ، وفعّل
قيم الإيثار والخير في نفوس معتقديه ، فخفت حدّة هذه المشكلة العويصة. وها هي اليوم تطل برأسها نذر الشؤم ، فالخبراء من سياسيين وعسكريين يصرحون بأن الحروب القادمة بين الدول هي حروب على مصادر المياه ! يأتي ذلك في غياب أو تغييب مبادئ وقيم الإسلام ، التي لو شاعت وترسّخت في نفوس الناس لعمّ السلام والخير ، واختفى شبح الحروب عن هذا الكوكب.
وكان الإسلام يعتمد على الوازع الديني
في حمل الناس على التكافل في هذا الشأن ، فهو يدفعهم ـ طوعاً ـ نحو الصدقة ، ويعتبر صدقة الماء من أفضل أشكال الصدقات ، عن الرسول صلىاللهعليهوآله
ـ وقد سأله رجل : ما عمل إن عملت به دخلت الجنّة ؟ قال : « اشتر سقاءً جديداً ثمّ اسق فيها حتّى تخرقها
، فإنّك لا تخرقها حتى تبلغ بها عمل الجنّة »
.
وكان أهل البيت : يحثون المسلمين على تحقيق أعلى درجة من
التعاون في هذا الشأن ، ويركزون على صدقة الماء ويكشفون عن فضيلتها ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
أفضل الصدقة إبراد كبد حرى » ، ويقول الإمام الباقر عليهالسلام
: «
من سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله يوم لا ظل إلاّ ظله » ، وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
إن أوّل ما يبدأ به يوم القيامة
________________
صدقة الماء »
.
وفي الرواية التالية تتجلّى أمَامَنا
واضحةً نفسية أمير المؤمنين عليهالسلام
المُحِبَّة للخير والساعية للثواب وخاصة سقي الماء ، عن أبي جعفر عليهالسلام : «
إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله
خرج في جيش فأدركته القائلة وهو ما يلي ( ينبع ) فاشتدّ عليه حر النهار ، فانتهوا إلى ( سمرة ) فعلقوا أسلحتهم عليها ، وفتح الله عليهم ، فقسم رسول الله صلىاللهعليهوآله
موضع السمرة لعلي عليهالسلام
في نصيبه... فأمر مملوكيه أن يفجروا لها عيناً ، ففجرت فخرج لها مثل عنق الجزور ـ كناية عن كثرة الماء ـ فجاء البشير يسعى إلى علي عليهالسلام يخبره بالذي كان ، فجعلها عليّ صدقة ، فكتبها : هذا صدقة لله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ليصرف الله وجهي عن النار صدقة بتلة بتلة في سبيل الله تعالى للقريب والبعيد في السلم والحرب واليتامى والمساكين وفي الرقاب » .
وجاء ـ تأكيد ذلك ـ في كتاب الغارات ، قال
المؤلف : « أخرج عليهالسلام
ماء عين بينبع وجعلها للحجيج ، وهو باق إلى يومنا هذا » .
ونود الإشارة إلى موقف يكشف المُثل
العالية التي يجسدها أهل البيت : في أحلك
الظروف ، أنه لما أرسل عبيدالله بن زياد ( لعنة الله عليه ) ________________
قوة قتالية بقيادة
الحر الرياحي لمضايقة الإمام الحسين عليهالسلام
وأصحابه ومحاصرتهم وحملهم على الاستسلام ، وصلت هذه القوة المعادية بالقرب من قوات الإمام الحسين عليهالسلام
في حالة يرثى لها من العطش ، وهنا تسجل عدسة التاريخ موقفاً نبيلاً للإمام الحسين عليهالسلام
لابد من الإشارة إليه والإشادة به. قال الإمام الحسين عليهالسلام
لفتيانه : «
اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشِّفوا الخيل ترشيفاً ، ففعلوا وأقبلوا
يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر ، حتى سقوها كلها. فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليهالسلام
مابي وبفرسي من العطش ، قال : أنِخ الراوية والراوية عندي السقاء ، ثم قال : يا
ابن أخي أنخ الجمل ، فأنخته فقال : اشرب فجعلت كلما شربت
سال الماء من السقاء ، فقال الحسين عليهالسلام
اخنث
السقاء » أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام
فخنثه فشربت وسقيت فرسي .
وفي صورة مقابلة نجد الموقف الشائن وغير
الشريف الذي جسده عبيد الله بن زياد الكذّاب وابن الكذّاب واللعين ابن اللعين وجنده لعنهم الله حينما منعوا الإمام الحسين عليهالسلام
وعياله وأصحابه من الماء ، يقول الرّواة أنه لما اشتد العطش بالإمام الحسين عليهالسلام
ركب المسناة يريد الفرات والعباس عليهالسلام
أخوه بين يديه ، فاعترضته خيل ابن سعد لعنه الله ، فرمى رجل من بني ________________
دارم قبّحه الله الإمام
الحسين عليهالسلام
بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع عليهالسلام
السهم وبسط يديه تحت حنكه الشريف ، حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به وقال : «
اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك »
. بالمقارنة بين الموقفين تتكشف لنا عظمة مدرسة أهل البيت : وأخلاقها ومثاليّتها مقابل المدرسة الأموية البغيضة التي أُسِّست على جرف هار فانهار بها وبقادتها لعنهم الله في نار جهنّم ، وبئس المصير.
ثانياً ـ الطعام :
وهو حاجة أساسية لابدّ منها لعيش
الإنسان وبقائه على قيد الحياة. والإسلام لا يريد أن يُترك الإنسان فريسة الجوع. وعليه لابدّ من تفعيل مبدأ التكافل من أجل إطعام الجياع وسد رمقهم. فمن الضرورة بمكان أن يبدأ الإنسان بسد جوع من يقرب له نسباً أو مكاناً ، وفي هذا الصدد يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
: «
والذي نفس محمّد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان وأخوه ـ أو قال : جاره ـ المسلم جائع »
.
وفي هذا الحديث إشارة تستحق التأمل ، وهي
أن الاتجاه التكافلي جزء لا يتجزء من الإيمان القلبي. فالإسلام ـ كما هو معلوم ـ إيمان وعمل ، والتكافل هنا يقع ضمن دائرة الإيمان العملي ، وبدون ذلك لا يمكن إطلاق صفة الإيمان ________________
الكامل على من لا
يمارس التكافل.
ويبدو أن لإطعام الطعام تقدم رتبي على
بعض أعمال الإحسان ، يظهر ذلك من قول الإمام الصادق عليهالسلام
: «
لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبّ إليَّ من أن أزوره ، ولأن أزوره أحبّ إليَّ من أن أعتق عشر رقاب »
.
وليس خافياً بأن هناك أولوية وتقدم رتبي
في الإسلام لبعض أعمال التكافل على بعض ، وإنّ لكلّ عمل خيري ثوابه الخاص به ، وحسب أهميته ، وما يدخله من نفع أو خدمة على المؤمنين.
ضمن هذا السياق للإطعام في الإسلام غاية
سامية هي سد رمق الجياع ، وإبعاد شبح المجاعة عنهم ، وليس الغاية منه التفاخر ، أو تحقيق أغراض مصلحية ببذله للأغنياء وحجبه عن الفقراء. ومن الشواهد على ذلك : أن أمير المؤمنين عليهالسلام
كتب إلى ابن حنيف عامله على البصرة يعنّفه بشدّة : « يابن حنيف ! فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت إليها تُستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ »
.
وكان الأولى بهؤلاء أن يدعوا الفقراء
إلى طعامهم ، ولكن يبدو أن الغايات المصلحية أو المجاملات كانت لها الأرجحية ، فالإطعام إذن يراد منه وظيفة اجتماعية تكافلية بعيداً عن الإسراف والتبذير والتشريفات الفارغة أو الأغراض المصلحية.
________________
ومن روائع القرآن تصويره البديع لحال
الكافرين إذ يقولون في اليوم الآخر بعد أن يسألهم المؤمنين : (
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) .
ومن أدب الإسلام في الإطعام أن يبلغ
الغاية في إشباع الجائع ، ويصيب الهدف المراد به إسعاف المحتاج إلى الطعام بما يُلبي حاجته الفعلية منه ، فمن وصايا أمير المؤمنين عليهالسلام
القيّمة : «
إذا أطعمت فأشبع » . والإطعام المؤدي إلى الكفاية يستوجب الثواب ، عن الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من أطعم مسلماً حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ماله من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلاّ الله ربّ العالمين ، ثمّ قال عليهالسلام : من موجبات الجنّة والمغفرة إطعام الطعام السغبان »...
ثم تلا قول الله تعالى : (
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ )
.
وهناك روايات تؤكد على أن إطعام الطعام
يعود بفوائد تظهر آثارها ولو كان المطعم من أهل النار ، فهو على الأقل يسهم في تخفيف العذاب ، ومن الشواهد على ذلك قول النبي صلىاللهعليهوآله
: «
إن أهون أهل النار عبدالله بن جدعان ،
فقيل له : ولم يا رسول الله ؟ قال : إنّه كان يطعم
الطعام » .
وعموما فإن إطعام الطعام هو أحد
المنجيات ، قال الصادق عليهالسلام
: ________________
« المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصّلاة
باللَّيل والناس نيام » .
ثم إن الإطعام له معطيات حميدة على
المطعم ، إذ يسهم في زيادة الرّزق ، فعن الرسول صلىاللهعليهوآله
: «
الرّزق أسرع إلى من يُطعم الطعام من السكين في السنام » .
وبالمقابل هناك عواقب غير حميدة سوف يواجه تبعاتها كل من يطمس رأسه في رمال اللامبالاة تجاه إخوانه المؤمنين ، وخاصة أولئك الذين يصابون بالتخمة بينما المحيطون بهم يبيتون وبطونهم خاوية ، وفي هذا الخصوص قال الإمام زين العابدين عليهالسلام
محذرا : «
من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن طاوٍ ، قال الله تعالى : ملائكتي ! اُشهدكم على هذا العبد أنّي أمرته فعصاني وأطاع غيري فوكلته إلى عمله ، وعزّتي وجلالي لا غفرت له أبدا » .
وكان هذا الإمام العظيم يخرج في اللّيلة
الظلماء ويحمل الطعام أو الحطب على ظهره حتّى يأتي باباً باباً فيقرع ثمّ يناول من يخرج إليه ، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلمّا توفي فقدوا ذلك ، فعلّموا أنّه كان علّي
بين الحسين عليهماالسلام
.
عن سفيان بن عيينة قال : رأى الزّهري
علي بن الحسين عليهماالسلام
في ليلة ________________
باردة مطيرة وعلى
ظهره دقيق وحطب وهو يمشي ، فقال له : يابن رسول الله ، ما هذا ؟ قال : «
أريد سفراً اعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز ،
فقال الزّهري : فهذا غلامي يحمله عنك ، فأبى قال : أنا أحمله عنك ، فإني أرفعك عن حمله ، فقال عليّ بن الحسين : لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري ويحسن وردي على ما أرد عليه ، أسألك بحقّ الله لمّا مضيت لحاجتك وتركتني ، فانصرف عنه ، فلمّا كان بعد أيّام قال
له : يابن رسول الله ، لست أرى لذلك السّفر الذي ذكرته أثراً ، قال : بلى يا زهريّ ، ليس
ما ظننت ، ولكنه الموت ، وله كنت أستعد ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندا والخير » .
وعن أبي حمزة الثّمالي رضياللهعنه أنّه سمع علي بن
الحسين عليهماالسلام
يقول لمولى له : لا
يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه ، فإن اليوم يوم الجمعة ،
قال : فقلت له : ليس كل من يسأل مستحقاً ، فقال : يا ثابت ، أخاف أن
يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه ونردّه ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله ، أطعموهم ، إن يعقوب كان يذبح كل يوم كبشاً ، فيتصد منه ويأكل هو وعياله منه ، وإن سائلاً مؤمناً صواماً محقاً له عند الله منزلة وكان مجتازاً غريباً مر على باب يعقوب عشية جمعة عند أوان إفطاره يهتف على بابه ، اطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم ، يهتف بذلك على بابه مراراً وهم يسمعونه ، وقد جهلوا حقه ولم يصدّقوا قوله ، فلما يئس أن يطعموه ، وغشيه الليل استرجع واستعبر
________________
وشكا جوعه إلى الله عزّ وجل ، وبات طاوياً
وأصبح صائماً جائعاً صابراً حامداً لله ، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً ، وأصبحوا وعندهم فضلة من طعام ، قال : فأوحى الله عزّ وجل إلى يعقوب : في صبيحة تلك الليلة : لقد أذللت يا يعقوب عبدي ذلة استجررت بها غضبي ، واستوجبت بها أدبي ، ونزول عقوبتي ، وبلواي عليك وعلى ولدك »
.
وعن بعض أصحابنا قال : لما وضع علي بن
الحسين عليهماالسلام
على السّرير ليُغسل نظر إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين .
وكان أئمة أهل البيت : يحرصون على أداء صدقة السرّ ، فيحملون الأطعمة في الليالي المظلمة للناس ، ضاربين بذلك أروع أمثلة التكافل ، وكان الناس سرعان ما يكتشفون أن الرجال الذين يوزعون عليهم الأطعمة والمعونات في الخفاء هم أهل البيت :..
هيهات تكتم في الظلام مشاعل. فعلى سبيل الاستشهاد كان الإمام السجاد عليهالسلام
يعول مائة بيت من فقراء المدينة ، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرّاء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم بيده ، ومن كان له منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه ، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله .
وهناك شهود عدول يروون لنا بأمانة
مشاهداتهم عن سلوك أهل ________________
البيت : التكافلي ، ومن هؤلاء الشهود ( المعلّى
بن خنيس ) يقول : « إن الإمام الصادق عليهالسلام
خرج ومعه جراب من خبز ، فأتينا ظلّة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام ، فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين حتّى أتى على آخرهم ثمّ انصرفنا ، فقلت : جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ ؟ فقال : لو
عرفوه لواسيناهم بالدُّقة ! والدقّة هي الملح »
.
فالإمام هنا يتكفل الناس بالخبز كطعام
أساسي ، ولا يفرق بين من يعرف حق آل محمّد صلىاللهعليهوآله
ومن لا يعرفه في منهجه التكافلي ، وخاصة في الأطعمة التي لابد منها. نعم ورد عنه عليهالسلام
قوله : «
ولا تطعم من نصب لشيء من الحق ، أو دعا إلى شيء من الباطل »
.
وهناك شهادة قيمة عن المنحى التكافلي
للإمام الثامن علي بن موسى الرِّضا عليهالسلام
يرويها عنه أحد أصحابه ، وهو ( معمر بن خلاّد ) ، قال : كان أبو الحسن الرِّضا عليهالسلام
إذا أكل أتي بصحفة فتوضع بقرب مائدته ، فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به ، فيأخذ من كلّ شيء شيئاً ، فيضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها إلى المساكين. ثمّ يتلو هذه الآية : (
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ )
، ثم يقول عليهالسلام : «
علم الله عزّ وجلّ أنّه ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنة باطعام الطعام »
.
________________
وكان والده الإمام الكاظم عليهالسلام أوصل الناس لأهله
ورحمه ، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل ، فيحمل إليهم فيه العين والورق والدقيق والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو .
لقد اقتدى أهل البيت : برسول الله صلىاللهعليهوآله فكان لهم به صلىاللهعليهوآله أسوة حسنة ، ومما عُرف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنّه : « ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ، ولو شاء لشبع ، ولكنه كان يؤثر على نفسه » .
ثالثا ـ الكساء :
وهو أمر لابدّ منه لستر عورة الإنسان
وصون كرامته وإنسانيته ، لذلك أسهبت مدرسة أهل البيت :
في تبيان الثواب الأخروي الذي ينتظر من يسهم في سد حاجة المعوزين من الكساء ليقيهم قوارص زمهرير الشتاء ، أو ليظلهم من لوافح هجير الصيف اللاهب. وفي هذا يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «
من كسا أخاه كسوة شتاءٍ أو صيف ، كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة ، وأن يهوّن عليه سكرات الموت ، وأن يوسِّع عليه في قبره ، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبُشرى »
.
وعنه عليهالسلام
: «
من كسا آخاه المؤمن من عري كساه الله من سندس الجنّة واستبرقها وحريرها ، ولم يزل يخوض في رضوان الله ما دام على
________________
المكسوّ منه سلك »
.
وعنّه عليهالسلام
في حديث آخر : «
من كسا مؤمناً ثوباً من عري كساه الله من إستبرق الجنّة ، ومن كسا مؤمناً ثوباً من غنى لم يزل في سترٍ من الله ما بقي من الثوب خرقة » .
فهذه الأحاديث المختلفة الألفاظ
والمتفقة في المضمون ، تكشف عن أن مسألة توفير الكساء هي بمثابة القطب من الرحى في توجهات أهل البيت : الاجتماعية.
وحول هذه الفقرة بالذات كانت لأمير
المؤمنين عليهالسلام
مواقف من الإثيار رائعة ، فهو يرقع مدرعته حتى يستحيي من راقعها ، وكان بإمكانه أن يلبس أفخر الملابس ، ولكنه لم يفعل حرصاً على التكافل مع فقراء المسلمين والتأسي بهم.
عن الإمام الصادق عليهالسلام : «
خطب علي عليهالسلام
الناس وعليه إزار كرباس غليظ مرقوع بصوف ، فقيل له في ذلك ، فقال : يخشع القلب ، ويقتدي به المؤمن » .
وكان عليهالسلام
يقتدي برسول الله صلىاللهعليهوآله
الذي كان يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه .
________________
وكان عليهالسلام
يؤثر غيره على نفسه في اللباس ، ففي خبر طويل عن الأصبغ ابن نباتة أنه اشترى ثوبان ؛ ثوب بأربعة دراهم ، وثوب بثلاثة دراهم ، وقال لغلامه قنبر : اختر فاختار الذي بأربعة ، ولبس هو الذي بثلاثة .
كلّ ذلك لأنّه يؤثر على نفسه ، ويفضل
مصلحة غيره على مصلحته ، وكان حفيده الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام
إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته في الشتاء. وإذا انقضى الصيف تصدق بكسوته في الصيف. وكان يلبس من خير الثياب. فقيل له : تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها ، فلو بعتها وتصدقت بثمنها ؟ فقال عليهالسلام
: «
إني أكره أن أبيع ثوباً صليت فيه »
.
والأئمة :
عموماً كانوا يحثّون شيعتهم على تحقيق أعلى درجة من التعاون والإيثار في هذا الشأن ، قال الإمام الباقر عليهالسلام
لأحد أصحابه : «
يا إسماعيل ، أرأيت فيما قِبَلكم إذا كان الرجل ليس له رداء وعند بعض إخوانه فضل رداء يطرحه عليه حتى يصيب رداءً ؟ فقلت : لا ، قال : فإذا كان له إزار يرسل إلى بعض إخوانه بإزاره حتى يصيب إزارا ، فقلت : لا ، فضرب بيده على فخذه ثم قال : ما
هؤلاء بإخوة » .
وهكذا نجد مسألة توفير الكساء تتصدر
سلّم الأولوية أيضاً كحاجة أساسية ينبغي تأمينها للمحتاجين.
________________
رابعاً ـ السكن :
يريد الإسلام من المسلم أن ينطلق في
جميع الآفاق التكافلية ، فلا يقتصر على تأمين الماء والطعام والكساء للفقراء ، بل عليه أن يوسع أفق التكافل ليشمل المأوى أو المسكن ، وهو حاجة ماسة تزداد أهميتها مع تعقد الحياة ونشوء المدن الكبرى. وقد استشرف الإسلام أفق الغيب ، وأدرك أن الإنسان قد يواجه أزمة السكن في يوم ما. وهو ما حصل بالفعل ، فحالياً تعاني المدن الإسلامية الكبرى من أزمة خانقة في السكن ، فمن الضرورة بمكان أن نشيع روح التعاون للتقليل من مضاعفات هذه الأزمة.
وقد وردت في الروايات تحذيرات لكل من
يقصّر في هذا المجال ، عن الإمام الصادق عليهالسلام
«
من كان له دار واحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إيّاها قال الله عزّ وجلّ : ملائكتي ، عبدي بخل على عبدي بسكنى الدنيا ، وعزّتي لا يسكن جناني أبداً »
.
ومما يؤسف له أن هناك قصوراً أو تقصيراً
في مسألة توفير المأوى أو المسكن للمحتاجين ، سيّما مَن يريد الدخول في عش الزَّوجية ، ليصون نفسه ويقيها من الوقوع في مهاوي الفساد وليستن بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله الداعية إلى النكاح والزواج وتأسيس الأسرة.
وتزداد الحاجة أيضاً لبناء أماكن إيواء
واستراحة للمسافرين ، والبعض قد يجهل ثواب التكافل في هذا المجال ، أو يرى فيه جهدا ضائعاً من قبيل الحرث في البحر ، ولكن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
يرشدنا إلى الثواب الكبير لمن ________________
يقوم بهذا الأمر ، قائلاً
: «
من بنى على ظهر الطريق ما يأوى عابر سبيل ، بعثه الله يوم القيامة على نجيب من درّ »
.
فمن الضروري أن يهتم المرشدون والواعظون
بثقافة التكافل في مجال السكن وتوفير المأوى لمن يلتحفون السماء بدون سقف يقيهم المطر والبرد والحر ، فالثواب لا يقتصر على بناء المساجد ، أو المدارس ، بل يشمل أيضاً بناء المساكن لذوي الخصاصة وتوفير المأوى لعابري السبيل.
إن دعوة الإسلام للتكافل مع الفقراء
والمساكين وتوفير الماء والطعام واللباس والسكن المناسب لهم ، تنهض دليلاً على سبقه بمئات السنين لوثيقة حقوق الإنسان العالمية التي وافقت عليها هيئة الأمم المتحدة عام ١٩٤٨ م ، وجاء في المادة (٢٥) من هذه الوثيقة : « ان لكل فرد الحق
في أن يعيش في مستوى يكفل له ولا سرته الصحة والرفاهية ، وبصفة خاصة يضمن له الغذاء والكساء والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية ، وله الحق في الضمان في حال مرضه ، وعجزه ، وترمله ، وشيخوخته ، وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل معيشته لأسباب خارجة عن أرادته » .
خامساً ـ المال :
وهو من الحاجات الأساسية التي بدونها لا
يستطيع الإنسان أن ينفق ________________
على نفسه وعياله.
وعلى ذوي المكنة والغنى وظيفة اجتماعية تتمثل بمساعدة السائلين والمحرومين. وقد أطلق القرآن الكريم على هذا الإنفاق صفة الحقّ ، كما في قوله تعالى : (
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ *
لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
.
ويظهر من الرواية التالية أن هذا الحق
له وظيفة تكافلية ، فليس هو من الزكاة والصدقات المفروضة ، بل هو أمر تبرعي يقدم عليه المحسن طوعاً لأجل إشاعة مبدأ التعاون ومواساة المعوزين.
عن القاسم بن عبدالرّحمن الأنصاري قال :
سمعت أبا جعفر عليهالسلام
يقول : «
إنّ رجلاً جاء إلى أبي علي بن الحسين عليهماالسلام
فقال له : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : (
فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ *
لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
ما هذا الحقّ المعلوم ؟ فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام
: الحقّ المعلوم الشيء يخرجه من ماله ليس من الزّكاة ولا من الصّدقة المفروضتين. قال : فإذا لم يكن من الزّكاة ولا من الصّدقة ، فما هو ؟ فقال : هو الشيء يخرجه الرّجل من ماله إن شاء أكثر ، وإن شاء أقلّ ، على قدر ما يملك ، فقال له الرّجل : فما يصنع به ؟ فقال : يصل به رحما ، ويقوي به ضعيفاً ، ويحمل به كلاًّ ، أو يصل به أخاً له في الله ، أو لنائبة تنوبه ، فقال الرّجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته » .
وعن سماعة ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : «
الحقّ المعلوم ليس من الزّكاة ،
________________
هو الشيء تخرجه من مالك إن شئت كلّ جمعة ، وإن
شئت كلّ شهر ، ولكلّ ذي فضل فضله ، وقول الله عزّ وجلَّ : (
إِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )
فليس هو من الزكاة
، والماعون ليس من الزكاة ، هو المعروف تصنعه ، والقرض تقرضه ومتاع البيت تعيره ، وصلة قرابتك ليس من الزكاة ، وقال الله عزّ وجلّ : (
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ) فالحق المعلوم غير الزّكاة ، وهو شيء يفرضه الرّجل على نفسه ، يجب أن يفرضه على قدر طاقته ووسعه » .
والإسلام يحثّ على أن يكون إنفاق المال
لغاية سامية أطلق عليها القرآن (سبيل الله ) ، فمثل هذا الإنفاق يباركه الله تعالى لكونه يخدم مبدأ التكافل ، من خلال تقديم العون والمساعدة للآخرين بنية خالصة ، وبشرط أن لا يصاحب مثل هذا الإنفاق المنّ أو الأذى ، قال عزّ من قائل : (
مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى
لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
وعليه فالله تعالى يعتبر المال أمانة في يد حامله ، وعليه أن يحسن التصرف بها ، وأن ينفقها في سبيله ، وليس من أجل الرِّياء أو السمعة الفارغة ، لذلك يعتبر الذي ينفق أمواله من أجل الرِّياء من ________________
قرناء الشيطان ، قال
تعالى : ( وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا
فَسَاءَ قَرِينًا )
.
ولم يأل أئمة أهل البيت : جهداً من أجل توعية شيعتهم على إدراك وظيفة المال الاجتماعية ، ورسالته التكافلية ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
فمن آتاهُ الله مالاً فليصل به القرابة ، وليُحسن مِنهُ الضيافة ، وليفُكَّ به الأسير والعاني ، وليُعط مِنهُ الفقير والغارِمَ »
، وعنه عليهالسلام : «
أفضل المال ما قضيت به الحقوق » .
ولم تكن وصايا أمير المؤمنين عليهالسلام مجرّد كلمات تطلق
في الفضاء كحال المنظرين ، بل كانت تترجم إلى سلوك سويّ ، شهد عليها التاريخ وسجلها الثقات ، قال أبو صالح السمّان : « رأيت عليا دخل بيت المال فرأى فيه مالاً ، فقال : هذا
ها هنا والناس يحتاجون ! فأمر به
فقسّم بين الناس وأمر بالبيت فكنس فنضح وصلّى فيه » .
وعن هارون بن مسلم البجلي عن أبيه قال :
« أعطى علي عليهالسلام
الناس في عام واحد ثلاث اُعطيات ثم قدم عليه خراج أصفهان فقال : أيها
الناس ، اغدوا فخذوا ما أنا لكم بخازن ،
ثم أمر ببيت المال فكنس ونضح ، فصلى ________________
فيه ركعتين ثم قال :
يا
دنيا غري غيري ... » .
كان ( سلام الله عليه ) يعتبر المال
أمانة بيده ، فيحرص أشد الحرص على إيصاله إلى مستحقيه ، وتقسيمه بالسّوية فيما بينهم ، ولما بويع بالخلافة ، صعد المنبر في اليوم الثاني من البيعة ، وهو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة ، فقال : « فأنتم عباد الله ، والمال مال الله ، يقسَّم
بينكم بالسوّية ، لا فضل فيه لأحد على أحد ، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء وأفضل الثواب » .
ومن كتاب له عليهالسلام إلى قثم بن العبّاس
، وهو عامله على مكّة : « وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قِبَلَكَ من ذوي العيال والمجاعة ، مصيبا به مواضع الفاقة والخلاّت ، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا » .
وكان عليهالسلام
يقول لمن أراد منه العودة إلى سنّة عمر في التمييز بين الناس في العطاء !! : «
لو كان المال لي لسوّيت بينهم ، فكيف وإنما المال مال الله » .
وقام عليهالسلام
خطيباً بالمدينة حين رجعت إليه خلافته ، بعد أن حمد الله وأثنىٰ عليه : «
إنّي والله لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب ،
________________
فليصدقكم أنفسكم ، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم
؟! فقام إليه عقيل ( كرّم الله وجهه ) فقال له : والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً ؟! فقال له : أجلس ، أما كان ها هنا أحد يتكلّم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقة أو بتقوى !! » .
وعن ابن دأب قال : ولّى أمير المؤمنين عليهالسلام بيت مال المدينة
عمّار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيّهان ، فكتب : « العربي والقرشي
والأنصاري والعجمي وكل من كان في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود
فقال : كم تعطي هذا ؟ فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام
: كم
أخذت أنت ؟ قال : ثلاثة دنانير
وكذلك أخذ الناس ، قال : فأعطوا
مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير »
.
وروى أبو إسحاق الهمداني أنّ امرأتين
أتتا عليّاً عليهالسلام
، إحداهما من العرب ، والأخرى من الموالي ، فسألتاه فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء ، فقالت إحداهما : إنّي امرأة من العرب وهذه من العجم ، فقال عليّ عليهالسلام : «
والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق »
.
وعموما فقد كان أئمة أهل البيت : يحثّون أتباعهم على بذل الأموال سواءً المفروض منها أو المستحب ، ويكشفون لهم الحكمة من وراء ذلك ، والفائدة المرجوّة ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
لعمّار الساباطي : « يا عمّار أنت ربّ
________________
مال كثير ،
قال : نعم جعلت فداك ، قال : فتؤدي ما افترض الله عليك من الزّكاة، فقال : نعم ، قال :
فتصل قرابتك ؟ قال : نعم ، قال :
فتصل إخوانك ؟ قال : نعم ، قال
عليهالسلام
: يا
عمّار ، إن المال يفنى ، والبدن يبلى ، والعمل يبقى ، والدّيان حيّ لا يموت. يا عمّار ، أما أنّه ما قدمت فلن يسبقك ، وما أخرّت فلن يلحقك » .
ولما كان البخل والشح يكبحان طريق
الإنفاق ، عَمَلَ أهل البيت :
على التسامي بنفوس أتباع مدرستهم وحثهم على قلع جذور البخل من خلال التكافل ، لكي ينجحوا في الابتلاء ويجتازوا الامتحان.
عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : «
ما بلى الله العباد بشيء أشدّ عليهم من إخراج الدّراهم »
.
وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يشنع أشد التشنيع
بالشحيح ، ويعتبر الشحّ أقبح من الظلم ، يروى أنه عليهالسلام
سمع رجلاً يقول : إنّ الشحيح أعذر من الظالم ، فقال له : «
كذبت ، إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر ويردّ الظلامة إلى أهلها ، والشّحيح إذا شحّ منع الزّكاة والصّدقة وصلة الرّحم وقري الضّيف والنفقة في سبيل الله ، وأبواب الخير ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح » .
________________
المبحث الثاني :
سُبل تأمين
متطلّبات التكافل
هناك مجموعة من السُبل تصب في مجرى
التكافل ، ومن خلالها يؤمَّن القسم الأكبر من الموارد التي تُصْرَف على الفقراء والمحتاجين ، ومن أبرز هذه السُبل ، ما يلي :
أولاً ـ الزكاة :
وهي من أهم العبادات المالية في الإسلام
، وقد أكد عليها القرآن في أكثر من سورة ، وأشاد بها في عشرات الآيات. وهي فريضة قديمة ، فرضت على الأنبياء قبل نبيّنا صلىاللهعليهوآله
، وأوصى بها الله تعالى لوط وذريته وإسحاق ويعقوب ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) .
وكانت ـ كذلك ـ وصية الله تعالى لعيسى عليهالسلام ، كما في قوله
تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام
: ( وَجَعَلَنِي
مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا
________________
دُمْتُ حَيًّا ) .
كما أُمِر أهل الكتاب بأداء الزكاة ، قال
تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )
.
وسيبقى الأمر بها سارياً وأبدياً حتى
يُمكّن الله تعالى في الأرض عباده الصالحين الذين يحملون الأمانة عند خروج الحجة المنتظر عليهالسلام ، الذي يقيم أسباب العدل ويلتمس الخلاص لملايين الجياع والمحرومين في العالم ، ولا يتم ذلك إلا بإقامة الزكاة على وجهها الصحيح ، قال تعالى : (
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )
.
وغني عن القول أن الزكاة هي أوسع أبواب
الخير ، وقد احتفظت بمقام الصدارة كسبيل من أكبر سُبل التكافل التي تستدعي الثواب والأجر الكبير ، قال تعالى : ( وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ )
. وقال تعالى
: ( ... وَالْمُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ) .
________________
وقد فرض الله تعالى الزَّكاة لحكمة
عظيمة ، وغاية سامية تتعلّق بمواساة الفقراء ، وإسعاف ذوي الحاجات ، وتقوية أواصر المودة بين الأغنياء والفقراء ، والتقريب بين طبقات وفئات المجتمع ، ومعالجة أخطار الفقر الذي يعتبر أخطر شيء يهدد كيان الأمة ، ثم إنّ الزكاة تطهر نفوس الأغنياء من الشح والبخل ، قال تعالى : ( خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا... ) .
وفي المقابل تقلع من نفوس الفقراء
البغضاء ، والحقد ، والكراهية ضد الأغنياء. وفي هذا الصدد يُسلط أئمة آل البيت :
الأضواء على وجه الزكاة وحكمتها ، ويكشفوا لنا عن علل عميقة بخصوصها ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
إنّما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء ، ولو أنّ الناس أدوّا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً ، ولاستغنى بما فرض الله عزّ وجلّ له ، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء » .
وعن الإمام الكاظم عليهالسلام : «
إنّما وضعت الزكاة قوتا للفقراء ، وتوفيراً لأموال الأغنياء » .
وقد حدّدت الشريعة موارد معيّنة لصرف
أموال الزكاة ، منها : « الفقراء والمساكين ، والمراد بالفقير من لا يملك قوت سنته لنفسه وعائلته بالفعل أو ________________
بالقوة... والمسكين
أسوأ حالاً من الفقير ، فهو لا يملك قوته اليومي. والغارم : وهو من عليه دين وعجز عن أدائه ، جاز أداء دينه من الزكاة ، وإن كان متمكناً من إغاثة نفسه وعائلته سنة كاملة بالفعل أو بالقوة.
كما تصرف الزكاة في سبيل الله : ويقصد
به المصالح العامة للمسلمين كتعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات وملاجئ الفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغير ذلك مما يحتاج إليه المسلمون.
ويجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلام
حاله ، ويجوز اعطاء الزكاة لمن يدّعي الفقر إذا علم فقره سابقاً ولم يعلم غناه بعد ذلك. ومن كان له على الفقير دين جاز له أن يحتسبه زكاة. والأولى أن لا يعطى للفقير من الزكاة أقل من خمسة دراهم عينا أو قيمة. ولا بأس باعطائه الزائد ، بل يجوز أن يعطى ما يفي بمؤونته ومؤونة عائلته سنة واحدة » .
وقد اتّبع آل البيت : أسلوب الحوار الإقناعي لحمل أصحابهم
على إعطاء الزَّكاة ، فكشفوا عن المعطيات الإيجابية التي تنعكس على دافعيها كزيادة الرزق كما في حديث الإمام الباقر عليهالسلام
: «
.. الزكاة تزيد في الرزق » .
________________
وبالمقابل اتبعوا معهم أسلوب التحذير من
العواقب المترتبة على التهوين من شأنها ، وعدم اعطائها لمستحقيها ، عن الإمام الصادق عليهالسلام : «
من منع قيراطاً من زكاة ماله ، فليس هو بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة »
. ومن حديث له مع المفضّل ، قال عليهالسلام
: «
يا مفضّل ، قل لأصحابك يضعون الزَّكاة في أهلها وإنّي ضامن لما ذهب لهم »
.
وتبدو لنا النظرة العميقة للإمام الصادق
عليهالسلام
من تقسيمه للزَّكاة إلى ظاهرة وباطنة ، لمّا سأله رجل : « في كم تجب الزكاة من المال ؟ قال عليهالسلام : الزَّكاة
الظاهرة أم الباطنة تريد ؟ قال : اُريدهما
جميعاً. فقال عليهالسلام
: أمّا
الظاهرة ففي كلّ ألف خمسة وعشرون درهما ، وأمّا الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك » .
ومن الواضح أنّ الزكاة الباطنة تعبير
آخر عن التكافل الاجتماعي بشتّى صوره ، وكذلك الحال في ( زكاة الجاه ) في حديث أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «
إنّ الله فرض عليكم زكاة جاهكم ، كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم » .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : «
المعروف زكاة النعم ، والشفاعة زكاة
________________
الجاه »
.
وهذه الرؤية المتميزة للزكاة لم تكن
نبتاً بلا جذور ، بل هي في الأساس رؤية نبوية كما في قوله صلىاللهعليهوآله
: «
الجاه أحد الرفدين » .
وفي هذا السياق قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
يسأل المرء عن جاهه كما يسأل عن ماله ، يقول : جعلت لك جاهاً ، فهل نصرت به مظلوماً ، أو قمعت به ظالماً ، أو أغثت به مكروباً »
.
وعنه عليهالسلام
: «
من كان وصل لأخيه بشفاعة في دفع مغرم أو جرّ مغنم ، ثبّت الله عزّ وجل قدميه يوم تزل فيه الأقدام »
.
و « زكاة الفطرة » من موارد الزَّكاة
التي ترفد الجهد التكافلي ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام
: «
إنّ من تمام الصوم إعطاء الزَّكاة »
يعني الفطرة .
ومقدار زكاة الفطرة صاع من تمر أو زبيب
أو شعير ، وهي وإن كانت قليلة المقدار والقيمة ظاهرا ، لكنّها تسهم في سد عوز الفقراء خصوصا في أيام العيد.
وكان للزكاة الأثر البالغ في إعالة
العوائل التي نكبت بموت أو فقد معيلها ، ________________
وفي هذا الخصوص يوصي
الإمام الصادق عليهالسلام
أصحابه بأن يعطوا الزكاة للعيال الذين مات من يعولهم حتى مرحلة البلوغ وتأمين مصدر العيش المناسب لهم ، عن أبي بصير قال : « قلت لأبي عبدالله عليهالسلام
الرجل يموت ويترك العيال ، أيعطون من الزكاة ؟ قال : نعم حتّى ينشأوا
ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم »
.
لقد سعى أهل البيت : إلى إزالة الحواجز النفسية التي تمنع
المحتاجين من الوصول إلى دافعي الزكاة وتحثّ المنفقين على المبادرة إلى التفتيش عن المستحقين لها ، وعدم تكليفهم مشقة الطلب ، صوناً لكرامتهم وحقناً لماء وجوههم ، وكان أهل البيت :
يقدّرون أهمية العامل النفسي عند المتلقي للزكاة فلا يكلفونه عناء الطلب وذل السؤال ، ومن الشواهد على هذا المنحى الحضاري ، ما روي عن إسحاق بن عمّار ، قال : قال لي أبو عبدالله عليهالسلام «
يا إسحاق كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت ؟
قال : يأتوني إلى المنزل فأعطيهم ، فقال لي : ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنين ، فإيّاك
إيّاك ، إنّ الله تعالى يقول : من أذلَّ لي وليّا فقد أرصد لي بالمحاربة »
.
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : « الرّجل من
أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزّكاة فأعطيه من الزّكاة ولا اُسمّي له أنها من الزكاة ، ________________
فقال : أعطه
ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن »
.
وكان الإمام الصادق عليهالسلام يحث على الأخذ بنظر
الاعتبار مكانة وحيثية الفقراء حين اعطائهم الزكاة ، فزكاة الأنعام من المناسب أن تعطى لذوي التجمل منهم والاحتشام ، وزكاة النقدين تعطى لذوي الحاجة والفاقة.
عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمّي ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : «
تُعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء ، لأنها أرفع من صدقات الأموال ، وإن كان جميعهما صدقة وزكاة ، ولكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال » . وفي رواية أخرى عن عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام
: «
إنّ صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين ، أمّا صدقة الذّهب والفضة وما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين ، قال ابن
سنان : قلت : وكيف صار هذا هكذا ؟ فقال : لأنّ
هؤلاء متجمّلون يستحيون من النّاس فتدفع إليهم أجمل الأمرين عند النّاس ، وكلُّ صدقة »
.
ومن الشواهد ذات الدلالة على حرص أئمة
أهل البيت : على كرامة المحتاجين ، وتعجيل دفع الحقوق لهم ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام « أنّ عثمان بن عمران قال له : إنّي رجل موسر... ويجيئني الرجل فيسألني الشيء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبدالله عليهالسلام
: القرض
عندنا بثمانية
________________
عشر ، والصّدقة بعشرة ، وماذا عليك إذا كنت كما
تقول موسراً أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزّكاة. يا عثمان ، لا ترده فإن ردّه عند الله عظيم. يا عثمان ، إنّك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربِّه ما توانيت في حاجته » .
أما الخمس : فهو من الفرائض المؤكدة
المنصوص عليها في القرآن الكريم وقد ورد الإهتمام بشأنه في كثير من الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة ( سلام الله عليهم ) ، وفي بعضها اللعن على من يمتنع عن أدائه وعلى من يأكله بغير استحقاق. ولكن وظيفة الخمس التكافلية تنحصر في كفالة الأيتام والفقراء من الهاشميين والمساكين وأبناء السبيل منهم ، ويسمى ( سهم السادة ) ، إذ يقسم الخمس نصفين ، نصف للإمام عليهالسلام
خاصة ، ويسمى « سهم الإمام » ونصف للأيتام والفقراء والمعوزين من الهاشميين. ويراد بالهاشمي : من ينتسب إلى هاشم جد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله
من جهة الأب ، وينبغي تقديم الفاطميين على غيرهم .
ثانياً ـ الصدقة :
ونريد بها الجانب التبرعي الذي يدفعه
المسلم طوعاً للفقراء والمحتاجين. ولا نريد من الصدقة ـ هنا ـ الشيء المفروض ، أي الزَّكاة ، إذ تطلق الصدقات ـ أحياناً ـ على الزَّكاة ، كما في قوله تعالى : (
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
________________
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ... ) .
والإمام الصادق عليهالسلام كان قد أشار إلى
ذلك بقوله : «
ولكن الله عزّ وجلّ فرض في أموال الأغنياء حقوقاً غير الزكاة ، فقال عزّ وجلّ : (
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ... )
فالحقّ المعلوم من
غير الزكاة ، وهو شيء يفرضه الرّجل على نفسه في ماله ، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله ، فيؤدّي الذي فرض على نفسه إن شاء في كلّ يوم ، وإن شاء في كلّ جمعة ، وإن شاء في كلّ شهر » .
والمتتبع لآيات القرآن يجد أنها تمجّد
بكل من يدفع الصدقة سواءً أكان رجلاً أو امرأة ، قال تعالى : (
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) .
والملاحظ أنّ الصدقة تسير في خطّ متوازٍ
مع الزَّكاة لكفالة المحتاجين ، وإذا كانت الزَّكاة حقاً واجباً ، فهي ـ أي الصدقة ـ شيء مستحب يقدم عليه المسلم بطيبة قلب ، طلباً للثواب ، ومواساة لإخوانه المحتاجين.
وقد جعلت الشريعة للمتصدّق ثواباً عظيماً
صرّح به الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآله
بقوله : «
من تصدّق بصدقة على رجل مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم
________________
أجراً كاملاً »
.
وقال صلىاللهعليهوآله
: «
من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها ، من غير أن ينقص من أجره شيء » .
وهناك أحاديث عن أهل بيت العصمة : مفادها أن الله تعالى يبارك كثيراً في الصدقة ولو كانت قليلة ، فليست العبرة في القلة والكثرة ، وإنما في تحسس المسلم حاجات إخوانه وتكافله معهم ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
قال الله عزّ وجلّ : إنّ من عبادي من يتصدّق بشقّ تمرة ، فأربيها له كما يربّي أحدكم فِلوه حتى أجعلها له مثل أحد »
.
ويفضّل أن تُعطى الصدقة للأرحام ، وهم
في الدائرة الأقرب من القرابة ، روى الراوندي أن عليّاً عليهالسلام
قال : «
أفضل الصدقة أختك وابنتك ، مردودة عليك ليس لهما كاسب غيرك » .
ولا شك أنّ التكافل مع القريب بمثابة
السور الوقائي الذي يحمي العائلة من أخطار الفقر ويسهم في تقوية درجة الانسجام والتآلف بين أفرادها ، لذلك يُضاعف ثواب التصدق على القريب ، فقد سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أيّ الصدقة أفضل ؟ فقال صلىاللهعليهوآله
: «
على ذي الرحم الكاشح » .
________________
فهذا التوجه ينسجم مع اهتمام الإسلام
بالأرحام ، ودعوته لتمتين عوامل اللحمة معهم ، وخطب ودهم. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: «
لا صدقة وذو رحم محتاج » .
والإمام الصادق عليهالسلام بدوره عمق هذا
الاتجاه الذي يُفضّل القريب بالتكافل ، فقد سُئل عليهالسلام
عن الصدقة على من يسأل على الأبواب ، أو يمسك ذلك عنهم ويعطيه ذوي قرابته ؟ فقال : « لا ، بل يبعث بها
إلى من بينه وبينه قرابة ، فهو أعظم للأجر » .
وانطلاقاً من حرص الإسلام على كرامة
الإنسان ، وحرصه على أن لا يكون عالة على غيره ، بل يكون إنساناً عاملاً يعيش من عرق جبينه ، وكدّ يمينه ، فقد حرم أخذ الصدقة على المسلم ، وأباح له ذلك عند الضرورة. وبذلك سد الأبواب على بعض الأفراد الذين يعيشون على هامش الحياة ، ويلقون عبء معاشهم على غارب الصدقة.
والضابط في ذلك أنّ من يمكنه الاستغناء
عنها لا تحل له ، سواء كان بمال أو صناعة أو حرفة بشرط أن يكون التكسب لائقا بحاله ومروءته .
وهناك جملة شروط ومعايير وضعها الإسلام
لتمييز مستحقي الزكاة عن غيرهم ، فعن عبدالرَّحمن العرزميّ ، عن أبي عبداللّه عليهالسلام
قال : «
جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهماالسلام
وهما جالسان على الصفا فسألهما فقالا : إن
________________
الصدقة لا تحلّ إلاّ في دين موجع ، أو غرم مفظع
، أو فقر مدقع ، ففيك شيء من هذا ، قال : نعم ، فأعطياه »
.
وينبغي أن تكون الأولوية في العطاء
للأفراد الذين يكونون عِرضة للجزع والهلع والتحسس أكثر من غيرهم ، كل ذلك من أجل القضاء على روح الاستياء عند العطاء ، عن عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سمعته يقول : «
أتي النبيّ صلىاللهعليهوآله
بشيء فقسّمه فلم يسع أهل الصُّفّة جميعاً ، فخص به اُناساً منهم ، فخاف رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يكون قد دخل قلوب الآخرين شيء ، فخرج إليهم فقال : معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم يا أهل الصُّفّة ، إنّا أُوتينا بشيء فأردنا أن نقسمّه بينكم فلم يسعكم ، فخصصت به أُناسا منكم خشينا جزعهم وهلعهم »
.
من جهة أخرى لم ينقطع أهل البيت : عن التذكير بالمعطيات الإيجابية لإعطاء الصدقة سواءً أكانت صدقة السِّر أو العلانية ، ومنها : تكفير الخطيئة ، ودفع ميتة السوء ، ودفع البلاء ، وحصول الشفاء ، وزيادة الرزق وغيرها.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «
أكثروا من الصدقة تُرزقوا » . وقال صلىاللهعليهوآله
موصياً : «
داووا مرضاكم بالصدقة... » . وجاء في وصية الرسول صلىاللهعليهوآله ________________
لعلي عليهالسلام : «
يا علي ، الصدقة تردّ القضاء الذي اُبرم إبراماً ، يا علي صلة الرحم تزيد في العمر... » .
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «
... وصدقة السَّر فإنّها تُكفِّرُ الخطيئة ، وصدقة العلانية فانّها تدفَعُ ميتة السَّوء »
. وعنه عليهالسلام : «
استنزلوا الرزق بالصدقة » .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام لابنه محمّد : «
يابنيّ كم فضل من تلك النفقة ؟
فقال : أربعون ديناراً ، قال : أخرج فتصدّق بها
، قال : إنّه لم يبق معي غيرها ، قال : تصدّق
بها ، فإنَّ الله عزّ وجلّ يخلفها...
قال : ففعلت ، فما لبث أبو عبدالله عليهالسلام
إلاّ عشرة أيّام حتّى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار » .
ومما ورد من آثار الصدقة الأخرى أنها
تذهب بنحس الأيام ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام
: «
من تصدق بصدقة حين يصبح أذهب الله عنه نحس ذلك اليوم » .
ومن هنا فإنّ للصدقة دورا في تطمين
الخواطر وتبديد المخاوف عند السفر ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : «
تصدق
________________
واخرج أيّ يوم شئت »
.
ويبدو من أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله أنّه وسّع من دائرة
الصدقة ، لتشمل الغني فضلاً عن الفقير ، ولكن ليس بمعناها المادي بالضرورة ، فهو يعتبر كل معروف صدقة ، فيكون المعروف كالواحة الوارفة الظلال لمبدأ التكافل ، وفي هذا الجانب يقول : «
كلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير ، فتصدّقوا ولو بشقّ تمرة » .
والصدقة قد تكون معنوية ، ككف الأذى عن
الغير ، بدليل قول الرسول صلىاللهعليهوآله
لأبي ذرّ الغفاري رضياللهعنه
: «
تكفّ أذاك عن الناس ، فإنه صدقة تصدّق بها عن نفسك » .
وعمّقت الشريعة مسألة الصدقة بربطها مع
الإنسان منذ ولادته ، فقد ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله
أنّه لما حلّق شَعْرَ ريحانتيه الحسن والحسين عليهماالسلام
بعد ولادتهما ، تصدق بزنة أشعارهما فضة .
هذا ، ومن الآيات المشيدة بصدقة ولي
الله الأعظم وخليفة الرسول الأكرم ، قوله تعالى : (
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .
________________
فقد أجمعت الأمة على أنّ هذه الآية نزلت
في حقّ أمير المؤمنين علي عليهالسلام
، لما تصدق بخاتمه في المسجد على أعرابي وهو راكع ، في حين تصدّق غيره من الصحابة بأربعين خاتماً طمعاً بأن ينزل فيه وحي ، ولكن لم ينزل شيء بحقّه البتة.
وعن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ
لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
في حق علي
بن أبي طالب عليهالسلام
قال : أُمروا أن لا يناجي النبي صلىاللهعليهوآله
أحد حتى يتصدق بصدقة ، فأمسك القوم ، وذلك قبل أن تنزل الزكاة ، وتصدق عليّ عليهالسلام
بدينار ثم ناجاه عشر مرات ، فكان علي عليهالسلام
يقول : «
والله لهن أحبّ إليّ من حمر النعم بصبابتهن »
.
وعن مجاهد ، قال علي عليهالسلام : «
آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي : آية النجوى ، كان لي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، وكنت كلما أُناجي النبي صلىاللهعليهوآله
تصدّقت بدرهم ، ونسخت الآية ولم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي »
.
كان عليهالسلام
يجسد في صدقته التربية النبوية الأصيلة ، ويقتفي أثر مربيه ________________
النبي صلىاللهعليهوآله في كثرة الإنفاق
حتى أن بعض أصحابه قال له : « كم تَصَّدّق ؟! ألا تُمسِك ؟! .
وكان عليهالسلام
في طليعة العباد الذين يذكرون الله من خلال الإحسان إلى عباده ، فنزلت في حقه هذه الآية : (
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ... )
بشهادة ابن
عباس الذي قال : هو والله أمير المؤمنين.. وذكر سبب النزول .
واستغل أهل البيت : الشعائر والشهور المقدسة كرمضان وشعبان
لتأجيج العواطف والمشاعر الدينية طلباً للثواب ؛ فيوظفون هذا الظرف لحث الناس على التصدق ، كاشفين لهم أبعادها العبادية وثمارها الأخروية ، فعلى سبيل الاستشهاد لا الحصر : كان الإمام السجاد عليهالسلام
إذا دخل شهر رمضان تصدق في كل يوم بدرهم... .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : «
من تصدق في رمضان صرف ( الله ) عنه سبعين نوعاً من البلاء » .
وهناك أوقات يستلزم التصدق فيها الثواب
الكثير كوقت الليل ، ويبدو ________________
أن لذلك علة عميقة ،
وهي حرص الإسلام على صون كرامة المحتاجين ، فتحت جنح الظلام يستطيع المحتاج أن يحصل على بغيته دون أن يكشف عن هويته ، ولا أن يريق ماء وجهه ، والمعطي بدوره يحصل على الثواب ويرضي ربّه ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
صدقة الليل تطفي غضب الرّب ، وتمحو الذّنب العظيم ، وتهون الحساب.. »
.
وكان أهل البيت : يسلكون هذا السبيل فيفضلون صدقة الليل
، عن هشام بن سالم ، قال : كان أبو عبدالله عليهالسلام
إذا اعتم وذهب من الليل شطره أخذ جراباً ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة ، فقسّمه فيهم ولا يعرفونه ، فلمّا مضى أبو عبدالله عليهالسلام
فقدوا ذلك ، فعلموا أنّه كان أبا عبدالله عليهالسلام
.
وتستحبّ الصدقة أيضاً عند حلول شهر
شعبان ، فقد سئل الإمام الصادق عليهالسلام
: « يابن رسول الله ، ما أفضل ما يُفعل فيه ؟ ـ أي في شهر شعبان ـ قال : الصدقة
والاستغفار ، ومن تصدق بصدقة في شعبان رباها الله تعالى كما يربي أحدكم فصيله حتى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أحد »
.
وصفوة القول إنّ أئمة أهل البيت : كانت لهم اليد الطولى في نشر ثقافة الصدقة على نطاق واسع بين الناس وتربية صغار السنّ عليها ، لتكون لهم خلقاً في المستقبل وعادة حسنة ، عن محمّد بن عمر بن يزيد ، قال ، قال ________________
الإمام الرضا عليهالسلام : «
مُر الصّبي فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وإن قلّ ، فإن كلّ شيء يراد به الله وإن قلّ بعد أن تصدق النيّة فيه عظيم » .
ثالثاً ـ القرض
والدين :
القرض : عقد يتضمّن تمليك المال للغير
مضموناً عليه ، والدين : كلّ ما انشغلت به الذمّة سواء كان بعقد أم بدونه ، والقرض يسهم في وضع لبنة جديدة في صرح البناء التكافلي الإسلامي ، ويوفر للأفراد الذين يمرّون بضائقة مالية ما يسعفهم من مال لتسيير شؤونهم وكسر حلقة الضيق التي تحاصرهم وتضيّق الخناق عليهم.
وهناك آيات تحثّ على الإقراض وتناشد
المؤمن بصيغة الاستفهام لتحرّك أريحيّته وتملأ قلبه بالعطف على المعوزين ابتغاءً لمرضاة الله ، كما في
قوله تعالى : ( مَّن ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً... )
، وقوله عزّ
من قائل : ( مَّن ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) .
ولا يخفى أنّ نسبة الشيء إلى الله تعالىٰ
دليل على تعظيمه ، فلا ينسب شيء إليه عزّ وجل إلاّ للتعظيم ، كما يقال : رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وولي الله عليهالسلام ، وبيت ________________
الله ، ونحوها.
ويظهر من النصوص الدينية أن القرض أكثر
ثواباً من الصدقة.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «
لأن أقرض قرضاً أحبّ إليّ من أن أصّدّق بمثله » .
ومرّد ذلك للثواب الكبير الذي يحصل عليه المقرض.
فالقرض هو النافذة المفتوحة أمام من
ضاقت به السُبل ، وهو الفضاء المتسع لمن أراد الثواب ، عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
: «
من أقرض ملهوفاً فأحسن طلبته ، استأنف العمل ، وأعطاه الله بكلّ درهم ألف قنطار من الجنّة » .
وعن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «
من أقرض رجلاً قرضاً إلى ميسرة ، كان ماله في زكاة ، وكان هو في الصّلاة مع الملائكة حتّى يقضيه » .
ولعظمة ثواب القرض ، فقد وصف في بعض
الأحاديث الشريفة بأنّه غنيمة ، قال الإمام الصادق عليهالسلام
: «
قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر ، إن أيسر قضاك ، وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة »
.
وقد قام أئمة أهل البيت : بوظيفتهم التكافلية خير قيام على الرغم
من ترّبص السلطات الحاكمة بهم ، وسعيها للحيلولة دون إيصال الحقوق ________________
الشرعية إليهم بشتى
السُبل والوسائل. ومع كل ذلك فقد رفدوا المحتاجين والمعسرين بما يحتاجون إليه ، واضطلعوا بوظيفة التكافل في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد.
روي أنّه : « جاء رجل إلى أبي عبدالله عليهالسلام فقال له : يا أبا
عبدالله ، قرض إلى ميسرة ، فقال له أبو عبدالله عليهالسلام
: إلى
غلّة تدرك ؟ فقال الرجل : لا
والله ، قال : فإلى
تجارة تؤبُّ ؟ قال : لا والله ، قال
: فإلى
عقدة تباع ؟ فقال : لا والله. فقال أبو عبدالله عليهالسلام
: فأنت
ممّن جعل الله له في أموالنا حقّاً ثمّ دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه ، فناوله منه قبضه ، ثمّ قال له : أتّق الله ولا تسرف ولا تقتر ، ولكن بين ذلك قواماً....
» .
وقد ورد في الشريعة التأكيد على جزيل
الثواب لمن يقرض المعسرين من جانب ، ومن جانب آخر نجد حثاً على إنظار المعسرين بعد إقراضهم ، فهنا ترغيب آخر للمقرض بأن عليه أن يُنظر المعسر الذي أقرضه ، وأن يمهله حتى تمكنه الظروف من تسديد دينه ، وفي هذا الإمهال ـ أيضاً ـ ثوابٌ جزيل.
عن النبي صلىاللهعليهوآله
: «
من أنظر معسراً كان له على الله عزّ وجلّ في كلّ يوم صدقة ، بمثل ماله حتى يستوفيه »
.
ومن جهة التحذير أو الإنذار الذي يسير
في خطّ متوازٍ مع الترغيب ، حذّرت الشريعة من نذر الشؤم لكل من يحجم عن إسعاف إخوانه مع قدرته ________________
على ذلك ، قال
الرسول صلىاللهعليهوآله
في معرض التحذير : « من احتاج إليه أخوه المسلم في قرض وهو يقدر عليه فلم يفعل ، حرّم الله عليه ريح الجنّة » .
رابعاً ـ الكفارات :
ولها أثر بالغ في رفد مسيرة التكافل في
الإسلام ، فمن المعلوم أن الإسلام لم يغلق باب التوبة أمام المذنب ، لأنه يعلم أن الإنسان ضعيف ، ومعرّض للوقوع في براثن الفتن والمغريات ، وعليه فحين يسقط الإنسان في مهاوي الخطيئة يفتح له الإسلام باب التوبة والتكفير عن الذنب ، لكي ينهض من كبوته. فهو يسعى إلى انتشال الإنسان من وحل الخطيئة ، ويُشعره بقدرته على الارتقاء ، وبدلاً من أن يصدّر له قرارات الحرمان ، أو يبيع له صكوك الغفران كما فعلته النّصرانية ، يفتح له باب الكفّارة ، وهو أسلوب شرّعه الرّب رحمةً بعباده ، وتطميناً لقلوبهم ، وتطهيراً لأنفسهم. ولبعض هذه الكفارات غايات تكافلية مع الفقراء والمساكين ، فعن علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « سألته عن كفارة اليمين ، فقال : عتق رقبة أو كسوة ، والكسوة
ثوبان ، أو إطعام عشرة مساكين ، أي ذلك فعل أجزأ عنه ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متواليات ، وإطعام عشرة مساكين مداً مداً »
.
وفي رواية أخرى عنه عليهالسلام قال : «
في كفارة اليمين عتق رقبة ، أو
________________
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ، أو
كسوتهم. والوسط الخل والزيت ، وأرفعه الخبز واللحم ، والصدقة مدّ مدّ من حنطة لكل مسكين ، والكسوة ثوبان... »
.
وعن معمر بن عمر قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عمن وجبت عليه الكسوة
في كفارة اليمين ، قال : « ثوب يواري به عورته »
.
وكفارة النذر ككفارة اليمين ، عن حفص بن
غياث ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سألته عن كفارة النذر ، فقال : « كفارة النذر كفارة
اليمين » .
أما في كفارة الظهار فيتعيّن على المسلم
أن يطعم ستين مسكيناً في حال عجزه عن عتق رقبة أو صيام شهريين متتابعين ، عن صفوان قال : سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرضا عليهالسلام
عن رجل ظاهر عن امرأته وجاريته ما عليه ؟ قال : « عليه لكل واحدة منهما كفارة عتق رقبة ، أو
صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً »
.
وهناك كفارات أخرى تستلزم الإطعام تطلب
في مظانها من كتب الفقه.
وهكذا نجد أن الكفارة تقوم بدور التطهير
الرّوحي للمذنب ، وتسهم في دعم مبدأ التكافل سواءً بإطعام الفقراء والمساكين أو كسوتهم.
________________
خامساً ـ الأوقاف :
والوقف ـ كما عرّفوه ـ تحبيس العين
وتسبيل المنفعة ، فبإمكان المسلم أن يوقف أمواله على الفقراء والخيرات ، أو يوقف داره على المحتاجين للسكن ، وحينئذ تخرج هذه الأمور عن ملكيته. كما بإمكانه أن يوقف على أولاده وذريته ، وكل من هذه الموارد يحقق غاية تكافلية تعود بالنفع والفائدة على الفقراء والمحتاجين أو القاصرين.
عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الثاني
عليهالسلام
قال : سألته عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآله
لفاطمة عليهاالسلام
فقال : «
لا إنما كانت وقفاً ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
يأخذ إليه منها ما ينفق على أضيافه والتابعة يلزمه فيها ، فلما قبض جاء العباس يخاصم علياً عليهالسلام فيها ، فشهد علي عليهالسلام وغيره أنها وقف على فاطمة » . وعليه فبإمكان الأب أن يوقف على أبنائه وذريته ، حرصاً على تأمين سُبل العيش الكريم لهم.
سادساً ـ الهبات :
والهبة ـ حسب التعريف الفقهي : « هي
تمليك عين من دون عوض عنها » .
وتصح الهبة من المريض في مرض الموت. وليس للواهب الرّجوع بعد الإقباض إذا كانت لذي رحم .
وتأسياً على ذلك تسهم الهبات إسهاماً ________________
فاعلاً في تفعيل
مبدأ التكافل والتواصل ، إذ بإمكان أي إنسان أن يهب ما يشاء من أموال أو أعيان خاصة للفقراء والمحتاجين ، ويظهر من الرواية التالية أن الهبة هي أقدم في الإسلام من الصدقة.
عن زرارة عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : «
إنما الصدقة محدثة ، إنما كان الناس على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله
ينحلون ويهبون ، ولا ينبغي لمن أعطى الله شيئاً أن يرجع فيه » .
وصفوة القول إن سُبل التكافل هي فروع من
نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام ، وهذا النظام أشمل وأوسع كثيراً من الزكاة والصدقات لأنه يتمثل في خطوط تشمل نواحي الحياة كلها ، ونواحي الأرتباطات البشرية بأكملها. فالتكافل ضرورة لقيام الجماعة المسلمة في وجه الصعاب والمشاق التي تواجهها وتكتنفها ، ثم هو ضرورة من ناحية أخرى : من ناحية التضامن بين أفراد الجماعة ، وإزالة الفوارق الشعورية بحيث لا يحس أحد إلا أنه عضو في ذلك الجسد.
يقول الإمام الصادق عليهالسلام : «
المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد ، إن اشتكى منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة » .
________________
وعنه عليهالسلام
: «
لا والله ، لا يكون المؤمن مؤمناً أبداً حتى يكون لأخيه مثل الجسد ، إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه »
.
وهذا الشعور بالوحدة الإيمانية له قيمته
الكبرى في قيام الجماعة شعورياً ، إذا كان سدّ الحاجة له قيمته في قيامها عملياً ، وما أراد الإسلام بالتكافل مجرّد سدّ الخلة ، ومسك البطن ، وتلافي الحاجة وحسب ، بل أراده تهذيباً وتزكية وتطهيراً لنفس المعطي ، وتأجيج مشاعره الإنسانية تجاه اُخوته المعوزين والفقراء ، وتذكيره بنعمة الله عليه ، فإذا أعطى المحسن من ماله شيئاً فإنما من مال الله أعطى ، وإذا أسلف حسنة فإنما هي قرض لله يضاعفه له أضعافاً كثيرة. وليس المحروم الآخذ إلا أداة وسببا لينال المعطي الواهب أضعاف ما أعطى من مال الله.
إن إشاعة هذه الآداب ، كان من الضرورة
بمكان حتى لا يستعلي معط ولا يتخاذل آخذ ، فكلاهما آكل من رزق الله.
ومما لا يدانيه شك أن قوام الحياة في
النظام الإسلامي هو العمل بكل صنوفه وألوانه ، وعلى الدولة المسلمة أن توفر العمل لكل قادر عليه حتى لا يتكل المسلم على نظام التكافل ويقف مكتوف اليدين يستعطي المحسنين.
________________
فهرس
المحتويات
مقدّمة
المركز .................................................... ٥
المقدّمة .......................................................... ٧
الفصل الأول : أسس التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت عليهمالسلام .. ٩
أولاً : مبدأ
الأخوّة الإيمانية ................................................ ٩
ترغيب
وترهيب ....................................................... ١٣
مثالية
عالية ............................................................ ١٧
ثانياً : قيم
التراحم ..................................................... ٢٠
ثالثاً : التعاون
والإحسان ................................................ ٢١
رابعاً : مبدأ
المسؤولية العامة ............................................. ٢٤
خامساً : الإيثار ........................................................ ٢٦
سادساً : الخدمة
المتبادلة ................................................. ٢٨
سابعاً : السيادة
والسماحة ............................................... ٢٩
ثامناً : الجود
والإنفاق .................................................. ٣٠
الفصل الثاني : من يحتاج إلى التكافل ؟ ............................ ٣٧
أوّلاً ـ الأقربون بالنسب أو الجوار .................................. ٣٧
١ ـ
الأهل والعيال .................................................... ٣٧
٢ ـ
الأرحام ......................................................... ٤٠
٣ ـ
الجار ............................................................ ٤٦
٤ ـ
العشيرة .......................................................... ٤٩
ثانياً : الفئات المحرومة .............................................. ٥١
١ ـ
الأيتام ........................................................... ٥١
٢ ـ
الفقراء والمساكين ................................................. ٥٥
٣ ـ
السائلون والمحرومون .............................................. ٥٩
٤ ـ
الأسرى والمكروبون ............................................... ٦٣
الفصل الثالث : متطلّبات التكافل وسبل تأمينها .................... ٦٥
المبحث الأوّل : متطلّبات التكافل .................................... ٦٥
أولاً : الماء ............................................................ ٦٥
ثانياً : الطعام .......................................................... ٦٩
ثالثاً : الكساء ......................................................... ٧٦
رابعاً : السكن ......................................................... ٧٩
خامساً : المال ......................................................... ٨٠
المبحث الثاني : سُبل تأمين متطلّبات التكافل ........................... ٨٧
أولاً : الزكاة .......................................................... ٨٧
ثانياً : الصدقة ......................................................... ٩٥
ثالثاً : القرض
والدين ................................................. ١٠٥
رابعاً :
الكفارات .................................................... ١٠٨
خامساً : الأوقاف .................................................... ١١٠
سادساً : الهبات ...................................................... ١١٠
فهرس المحتويات ...................................................... ١١٣
|