

الاهداء :
روي أنه كان عند
أبي عبد الله 7 جماعة من أصحابه ، فيهم حمران بن أعين ، ومؤمن الطاق ، وهشام
بن سالم ، والطيار ، وجماعة فيهم هشام ابن الحكم وهو شاب.
فقال أبو عبد الله
7 : يا هشام.
قال : لبيك يا بن
رسول الله.
قال : ألا تخبرني
كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟
فقال هشام : إني
أجلك وأستحيي منك ، فلا يعمل لساني بين يديك.
قال أبو عبد الله 7 : إذا أمرتك بشئ
فافعله.
قال هشام : بلغني
ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة ، وعظم ذلك قي ، فخرجت إليه ، فدخلت
البصرة يوم الجمعة ، فأتيت مسجد البصرة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة ، وإذا أنا بعمرو
بن عبيد عليه شملة سوداء من صوف متزر بها وشملة مرتدي بها ، والناس يسألونه ، فاستفرجت
الناس ، فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي.
ثم قلت : أيها
العالم أنا رجل غريب ، فأذن لي فأسألك عن مسألة.
قال : فقال : نعم.
قال : قلت له :
ألك عين؟
قال : يا بني أي
شئ هذا من السؤال ، أرأيتك شيئا كيف تسأل؟
فقلت : هكذا
مسألتي.
فقال : يا بني سل
وإن كان مسألتك حمقا.
قلت : أجبني فيها.
قال : فقال لي :
سل.
قال : قلت : ألك
عين؟
قال : نعم.
قلت : فما ترى
بها؟
قال : الألوان
والأشخاص.
قال : قلت : فلك
أنف؟
قال : نعم.
قال : قلت : فما
تصنع به؟
قال : أشتم به
الرائحة.
قال : قلت : فلك
فم؟
قال : نعم.
قال : قلت : فما
تصنع به؟
قال : أذوق به
الطعم.
قال : قلت : ألك
قلب؟
قال : نعم.
قال : قلت : فما
تصنع به؟
قال : أميز به كل
ما ورد على هذه الجوارح.
قال : قلت : أليس
في هذه الجوارح غني عن القلب؟
قال : لا.
قلت : وكيف ذاك
وهي صحيحة سليمة؟
قال : يا بني
الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته ردته إلى القلب ، فيتيقن اليقين
ويبطل الشك.
قال : قلت : وإنما
أقام الله القلب لشك الجوارح؟
قال : نعم.
قال : قلت : فلا
بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟
قال : نعم.
قال : قلت : يا
أبا مروان إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لما إماما يصحح لما الصحيح ويتيقن لما
ما شكت فيه ، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافاتهم لا يقيم لهم إماما
يردون إليه شكهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك!
قال : فسكت ولا
يقل شيئا.
ثم التفت إلي فقال
لي :
أنت هشام؟
قال : قلت : لا.
فقال : أجالسته؟
قال : قلت : لا.
قال : فمن أين
أنت؟
قلت : من أهل
الكوفة.
قال : فأنت إذن
هو.
قال ثم ضمني إليه
، وأقعدني في مجلسه ، وما نطق حتى قمت.
فضحك أبو عبد الله
7 ، ثم قال : يا هشام من علمك هذا؟
قال : قلت : يا بن
رسول الله جرى على لساني.
فقال : يا هشام ، هذا
والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.
فإليك يا هشام بن
الحكم أيها العبد الصالح الناصح أهدي هذا الكتاب ... راجيا منك القبول ... ومن
روحك الطاهرة الدعاء.
فارس
تمهيد
بسم الله
الرحمن الرحيم
أحمده استتماما
لنعمته واستسلاما لعزته ، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة ممتحنا إخلاصها معتقدا
مصاصها ، وأشهد أن محمدا عبده ررسوله أرسله بالدين المشهور والعلم المأثور والكتاب
المسطور ، صلى الله عليه وعلى أهل بيته.
خصص جماعة علم
الكلام بالبحث عن ذات الله وصفاته ... وعممه آخرون بالبحث عن العقائد الدينية
فيشمل البحث عن النبوة والإمامة وسائر الحقائق الاعتقادية.
وقيده جمع بأنه
الذي يكون للاثبات للغير ودفع حجج الخالف ... وأطلقه آخر بأنه مجرد العلم بالحقائق
سواء أكان لإثبات الغير أم لمجرد المعرفة البحتة.
وذكروا عدة وجوه
لعلة تسمية علم الكلام بهذا الاسم :
منها : لما أنكر
جماعة البحث في العلوم العقلية ، فكانوا إذا سئلوا عن مسألة تتعلق بالله وصفاته
وأفعاله والنبوة والمعاد؟ قالوا : نهينا عن الكلام في هذا العلم ، فاشتهر هذا
العلم بالكلام.
ومنها : أن
المتبحرين بهذا العلم تميزوا عن غيرهم بما أحاطوا به من المعرفة ، فطالت ألسنتهم
على غيرهم ، فكان علمهم أولى باسم الكلام.
ومنها : هذا العلم
يوقف منه على مبادئ سائر العلوم ، فالباحث عنه كالمتكلم في غيره ، فكان اسمه بعلم
الكلام أولى.
ومنها : هذا العلم
أسبق من غيره في المرتبة ، فالكلام فيه أسبق من الكلام في غيره ،
فكان أحق بهذا
الاسم.
فبعلم الكلام
يتوصل إلى الحقائق ، لأنه يبتني على الاستدلال والنظر ... وإن كان بعضهم استفاد من
علم الكلام استفادة غير صحيحة ، واستعمل المغالطة والمراوغة فيه للوصول إلى أغراضه
بدل تحري الواقع بالدليل. ولأجل هذا تسرع البعض حيث نسب عدم الفائدة إلى علم
الكلام ، وتعدى آخر إلى نسبة الضرر إليه!! إذ خلط بين علم الكلام الذي يبتني على
أسس صحيحة ، وبين من جعل علم الكلام وسيلة للوصول إلى أغراضه الفاسدة.
وممن كتب في علم
الكلام وكانت له يد طولى فيه واستعمله للوصول إلى الحقائق على أسسه الصحيحة
المبتنية على الاستدلال والنظر أبو الصلاح الحلبي قدس سره ، فألف عدة كتب وبحوث في
هذا العلم وأوضح السبل واقتصر الطريق لمريدي الحق والحقيقة.
وهذا الكتاب
الماثل بين يدي القارئ هو واحد مما أفرغه قلم هذا العالم الجليل خليفة السيد
المرتضى في علومه ، تحرى فيه الواقع وجعله مبتنيا على أدق الأدلة وأوضحها.
كتبه لما طلب منه
جمع تنظيم كتاب يبحث عن المعارف وبصورة متوسطة ، خالية عن الإطالة المملة ، وتزيد
على الاختصار المخل ، ليطلع المتأمل فيها على الدليل العقلي ويقف على غرضه الديني
، ويقتدي بها المبتدي.
فقسم كتابه إلى :
مسائل
التوحيد ، بحث فيها وجوب
النظر المؤدي إلى المعرفة ، ثم تطرق إلى الجسم وحدوثه ، وضرورة إثبات المحدث ، وصفات
المحدث ، وكونه قادرا عالما حيا موجودا قديما ، قادرا فيما لم يزل سميعا بصيرا
مدركا مريدا غنيا واحدا ، وكون صفاته تعالى نفسية ، وكونه تعالى لا يشبه المحدثات
، واستحالة إدراكه بالحواس.
مسائل العدل ، بحث
فيها في معنى الكلام في العدل ، وفي الحسن والقبيح ، وكونه تعالى قادرا على القبيح
ولا يفعل القبيح ، وما يصح تعلق إرادته وكراهته به وما لا يصح ،
وكونه تعالى
متكلما ، وفي الجبر والاختيار ، وعدم تعلق القدرة بالإعدام ، وقبح تكليف ما لا
يطاق ، وحكم التكليف والغرض منه ، ومسألة إلا لم والعوض والآجال والرزق.
مسائل
النبوة ، بحث فيها في
الرئاسة وكونها واجبة في حكمته تعالى ، واشتراط العصمة في الرئيس ، وما يتعلق
بالرئيس ، وتقسيم الرئاسة إلى نبوة وإمامة ، والغرض من بعثة النبي ، وصفات الرسول
، والمعجز وشرطه ، وطريق العلم بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ، والنسخ.
مسائل
الإمامة ، وبحث فيها الغرض من الإمامة ، وصفات الإمام ، وعصمة
الأئمة ومعجزاتهم ، والنص على إمامة الأئمة ، وعدم القدح في إمامة أمير المؤمنين
لمراعاته القوم ، ودفن الرجلين مع النبي في حجرته ، وبعض مطاعن الثالث ، وما يقدح
في عدالة القوم ، ونكير أمير المؤمنين والعترة الطاهرة والصحابة على أبي بكر وعمر
وعثمان. وبطلان خلافة المتقدمين على أمير المؤمنين على مقتضى مذهبنا ومذهبهم ، وما
استدل به على إيمان القوم من الكتاب والسنة ورده ، وإمامة الإمام الثاني عشر.
مسائل
التكليف الشرعي ، وبحث فيها تقسيم التكليف الشرعي ، وبه تنتهي النسخة الوحيدة لهذا الكتاب.
وهذا الكتاب كما
عرفت تطرق إلى أهم المباحث الكلامية ، وبحثها وبأسلوب رصين وأدلة محكمة وأسلوب
علمي بحت.
وكان هذا الكتاب
قد طبع بتحقيق المحقق الخبير الشيخ رضا الأستادي حفظه الله سنة ١٤٠٤ هـ في قم ، ولمراعاة
بعض الظروف آنذاك حذف منه ما يتعلق بإبطال خلافة القوم ، الذي يحتل نصف الكتاب
تقريبا ، مع الإشارة إلى أماكن الحذف ، فعزمنا على تتميم ما حققه الشيخ الأستادي
حفظه الله وتحقيق الكتاب وإخراجه بصورة كاملة ، لتتم الفائدة .... مع وافر
احترامنا وتقديرنا لجهود الشيخ الأستادي الذي لا يزال يدأب على نشر معارف أهل
البيت عليهم السلام.
ترجمة المؤلف
اسمه :
في تحديد اسمه
قولان :
أ ـ تقي :
وهو الذي ذكره
الشيخ في رجاله ، في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام : ٣٥٧ ، والعلامة في الخلاصة
: ٢٨ ، وفي إجازته لبني زهرة كما في البحار ١٠٧ / ٧٠ ، وابن داود في رجاله : ٥٨ ، والذهبي
في تاريخه كما في أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء: ٢٩ ، وابن
حجر في لسان الميزان ٢ / ٧١ ، والتنكابني في قصص العلماء: ٤٣٢ ، والشهيد الثاني في
إجازته كما في تنقيح المقال ١ / ١٨٥ ومنتجب الدين كما في الفهرست : ٣٠ ، والبحراني
في لؤلؤة البحرين : ٣٣٣ ، والسيد محمد العلوي في إجازته للسيد شمس الدين المعالي
كما في البحار ١٠٧ / ١٦٠ ، وعبد العالي الكركي في إجازته للمولى حسين الأسترآبادي
كما في البحار ١٠٨ / ٥٢ ، والشيخ المجلسي في الوجيزة : ١٤٧ ، ووالد الشيخ المجلسي
في إجازته لميرزا إبراهيم اليزدي كما في البحار ١١٠ / ٧٠ ، وفي مجموعة الجباعي كما
في الأعيان ٣ / ٦٣٥ ، والمامقاني في تنقيح المقال ١ / ١٨٥ ، والشيخ عباس القمي في
سفينة البحار ١ / ٢٩٥ والكنى والألقاب ١ / ٩٩ ، والحر العاملي في تفصيل وسائل
الشيعة ٢٠ / ١٤٨ ، والتستري في القاموس ٥ / ٤١٥ ، والسيد الخوئي في معجم رجال
الحديث ٣ / ٣٧٧ ، والشيخ أسد الله الدزفولي في مقباس الأنوار: ٨ ، والسيد الأمين
في الأعيان ٣ / ٦٣٤ ، والطباخ في أعلام النبلاء ٤ / ٧٧.
ب ـ تقي الدين :
وهو الذي ذكره
المولى الأفندي في الرياض ١ / ٩٩ و ٥ / ٤٦٤ ، وتعليقة أمل الآمل : ١٠٧ ، والحر
العاملي في أمل الآمل ٢ / ٤٦ ، والسيد الخوانساري في الروضات ٢ / ١١١ ، والمحدث
النوري في خاتمة المستدرك ٣ / ٤٨٠ ، والسيد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل : ١١٤ ، والشيخ
المجلسي في البحار ٢ / ٢٠ ، والشهيد في إجازته
للشيخ شمس الدين
كما في البحار ١٠٧ / ١٩٨ ، والشيخ أحمد بن نعمة الله بن خواتون في إجازته للمولى
عبد الله بن حسين التستري كما في البحار ١٠٩ / ٩٢ ، وعلي بن عبد العالي الكركي في
إجازته للشيخ علي الميسي كما في البحار ١٠٨ / ٤٦ ، والشهيد الثاني في إجازته للشيخ
حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي كما في البحار ١٠٨ / ١٥٨.
وورد في بعض الكتب
لا تقي الدين نجم الدين ، وهو اشتباه ظاهر.
نسبه :
أما أبوه ففي
تحديد اسمه قولان أيضا :
أ ـ نجم :
وهو الذي ذكره
الشيخ في رجاله : ٣٥٧ ، والعلامة في الخلاصة : ٢٨ وفي إجازته لبني زهرة كما في
البحار ١٠٧ / ٧٠ ، والمولى الأفندي في الرياض ١ / ٩٩ و ٥ / ٤٦٤ ، والحر العاملي في
أمل الآمل ٢ / ٤٦ ، وتفصيل وسائل الشيعة ٢٠ / ١٤٨ ، ومنتجب الدين في الفهرست : ٣٠
، والبحراني في اللؤلؤة : ٣٣٣ ، والمجلسي في الوجيزة : ١٤٧ ، والشهيد في إجازته
للشيخ شمس الدين كما في البحار ١٠٧ / ١٩٨ ، والكركي في إجازته للشيخ علي الميسي
كما في البحار ١٠٨ / ٤٦ ، والشهيد الثاني لوالد الشيخ البهائي كما في البحار ١٠٨ /
١٥٨ ، وابن شهرآشوب في المعالم : ٢٩ ، والذهبي في تاريخه كما في أعلام النبلاء ٤ /
٧٧ ، والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ١ / ٩٩.
ب ـ نجم الدين :
وهو المذكور في
رجال الشيخ كما في النسخة التي اعتمد عليها المولى الأفندي في الرياض ١ / ٩٩ والحر
العاملي في أمل الآمل ٢ / ٤٦ والسيد الخوانساري في الروضات ٢ / ٣١٣ ، وذكره ابن
داود في رجاله : ٥٨ ، والخوانساري في الروضات ٢ / ١١٣ ، والطهراني في الطبقات ٣٩ ،
والمحدث النوري في الخاتمة ٣ / ٤٨٠.
وقال ابن حجر
العسقلاني في لسان الميزان ٢ / ٧١ : تقي بن عمر.
قال السيد الأمين
في الأعيان ٣ / ٦٣٦: والظاهر أن عمر في اسم أبيه تصحيف نجم ، منه أو من الناسخين.
وورد في بعض الكتب
: تقي الدين بن نجم الدين عبيد الله ، والظاهر أن لفظ (بن) قبل لفظ (عبيد الله)
سقط من الناسخ.
وأما جده ففي
تحديد اسمه قولان أيضا :
أ ـ عبد الله :
وهو الذي ذكره
الذهبي في تاريخه كما في أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ ، والمولى الأفندي في الرياض ٥ / ٤٦٤
ب ـ عبيد الله :
وهو الذي ذكره
المحدث النوري في الخاتمة ٣ / ٤٨٠ ، والسيد الخوانساري في الروضات ٢ / ١١١ ، وابن
حجر العسقلاني في لسان الميزان ٢ / ٧١ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٤ ، والمدرس
في ريحانة الأدب ٧ / ١٦١ ، والمولى الأفندي في تعليقته على أمل الآمل : ١٠٧ ، والسيد
محمد العلوي في إجازته للسيد شمس الدين محمد بن أحمد المعالي كما في البحار ١٠٧ / ١٦٠.
وأما جد أبيه :
فقد نص ابن حجر في
لسان الميزان ٢ / ٧١ والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٤ على أن اسمه : عبد الله.
وأما جد جده :
فقد نص ابن حجر في
لسان الميزان ٢ / ٧١ والسيد الأمين ٣ / ٦٣٤ على أن اسمه : محمد.
قيل : ومن قال تقي
بن نجم بن عبد الله فلعله قد نسبه إلى جده.
وفيه نظر ، لأن
هذا القول يبتني على أن اسم جد صاحب الترجمة عبيد الله ، وقد مر أن فيه قولين :
عبيد الله ، وعبد الله.
لقبه وشهرته :
يعرف صاحب الترجمة
بـ :
أ ـ التقي :
وهو اسمه أيضا ، وهذا
اللقب من الألقاب المختصة بصاحب الترجمة أيضا ، ذكر في كثير من المصادر.
ب ـ الحلبي :
نسبة إلى مدينته
حلب ، ذكره كل من ترجم له.
وإذا أطلق هذا
اللقب عند الفقهاء فالمراد منه صاحب الترجمة.
وما ذكر في إجازة
الكركي للمولى حسين الأسترآبادي : تقي بن نجم الحلي.
فهو غلط واضح ، من
سهو النساخ.
ج ـ الشامي :
نسبة إلى الشام
حيث مدينة حلب فيها ، ذكره السيد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل : ١١٤.
ويكنى صاحب
الترجمة بأبي الصلاح ، كما ذكره كل من ترجم له.
ووصفه الطباخ في
أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ بالرافضي ، وقال الذهبي في تاريخه كما في أعلام النبلاء: ...
عالم لرافضة بالشام.
والرفض صفة لشيعة
آل محمد ، لأنهم رفضوا الباطل واتبعوا الحق وأخذوا دينهم عن أئمتهم المعصومين
أبناء الرسول عن جدهم رسول الله عن جبرئيل عن الله عز وجل.
مولده :
اتفقت المصادر على
أن ولادته كانت في مدينة حلب.
وأما سنة ولادته ،
فقد نص يحيى بن أبي طي الحلبي في تاريخه كما عنه في تاريخ
الذهبي كما في
أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ وأعيان الشيعة ٣ / ٦٣٤ أن ولادته كانت سنة ٣٧٤ ، وكذا ذكره
ابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٧١ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٤.
وما في ريحانة
الأدب من أنه توفي سنة ٤٤٧ وكان عمره ١٠٠ سنة ، وعليه تكون ولادته سنة ٣٤٧.
فهو سهو نشأ من
تصحيف ٣٧٤ ب ٣٤٧.
مدينة حلب :
حلب على وزن طلب ،
بفتح الحاء المهملة واللام وفي آخرها الباء الموحدة : مدينة مشهورة في حدود الشام.
طيبة الهواء ، كثيرة
الخيرات ، صحيحة التربة ، يزرع بأرضها القطن والسمسم والمشمش والتين و ... تسقى
بماء المطر.
ومدينة حلب مسورة
بحجر أسود والقلعة بجانب السور ، لأن المدينة في وطأ من الأرض والقلعة على جبل
مدور مهندم ، لها خندق عظيم وصل حفره إلى الماء.
وفي سبب تسميتها
بحلب قولان :
أ ـ أن هذا الموضع
كان الخليل إبراهيم صلوات الله عليه يجلب نعمه به أيام الجمعات ، وكان يتصدق بما
تحلب على الناس ، فكان الفقراء يقولون : حلب ، حلب ، ويسأل بعضهم بعضا ، فعرف
الموضع بذلك وبقي الاسم عليه ، فسمي البلد بذلك.
ب ـ أن حلب وحمص
وبردعة أخوة من عمليق ، فبنى كل منهم مدينة سميت به.
وفي مدينة حلب
مقامان للخليل 7 يزاران.
وكانت مدينة حلب
قديما محطا لرجال علماء الشيعة الإمامية ، وأهلها من أسلم أهالي الشامات قلبا
وأجودهم ذكاء وفضلا وفهما.
راجع تفصيل ما
ذكرناه في :
الأنساب للسمعاني
٤ / ١٨٩ ، سفينة البحار ١ / ٢٩٦ ، روضات الجنات
٢ / ١١٤ ، تلخيص
الآثار كما في روضات الجنات ٢ / ١١٤.
أسرته :
لم يذكر في
المصادر المتوفرة لدينا من أسرته أحد ، سوى ما ذكره الشهيد الأول في غاية المراد
في شرح نكت الإرشاد : ١٦ ، في بحث المضايقة والمواسعة حيث قال :
ومن الناصرين
للمضايقة ... والشيخ أبو الحسن بن علي بن منصور بن تقي الحلي عمل فيها مسألة طويلة
متضمنة الرد على الشيخ أبي الحسن بن طاهر الصوري في التوسعة.
فاستظهر بعض
العلماء من هذا النص أن المراد من منصور هو ولد صاحب الترجمة ومن أبي الحسن هو
حفيده.
وذكروا اسم حفيده
: أبو الحسن علي بن منصور الحلبي نقلا عن نسخة غاية المراد التي كانت عندهم ، بخلاف
النسخة المطبوعة على الحجر التي نقلنا عنها النص.
قال المولى
الأفندي في الرياض ٤ / ٢٦٨ :
الشيخ أبو الحسن
علي بن منصور بن الشيخ أبي الصلاح تقي الدين بن نجم الدين بن عبد الله الحلبي ، فاضل
عالم فقيه جليل ، وهو سبط أبي الصلاح الحلبي المشهور ، وقد ذكره الشهيد في بحث
قضاء الصلاة الفائتة من شرح الإرشاد ونسب إليه القول بالتضييق وقال : إنه عمل فيها
مسألة طويلة تتضمن الرد على الشيخ أبي علي الحسن بن طاهر الصوري في التوسعة.
ثم أقول : إن
الشهيد في الشرح قد أورده هكذا : الشيخ أبو الحسن علي بن منصور بن تقي الحلبي ، والظاهر
أن مراده ما ذكرناه ، انتهى كلام صاحب الرياض رضوان الله عليه.
أقول : إذا لاحظنا
كلام صاحب الرياض بدقة نصل إلى أنه اعتمد في هذه الترجمة بأكملها على نص كلام
الشهيد الأول ، ويفهم من آخر العبارة أنه تردد في أن الشيخ أبو الحسن علي بن منصور
هو حفيد صاحب الترجمة ، حيث قال : والظاهر أن
مراده ما ذكرناه.
وقال السيد
الخوانساري في روضات الجنات ٢ / ١١٧ :
ثم أن من جملة
علماء سلسلة صاحب الترجمة هو سبطه ونافلته الفاضل الفقيه الجليل أبو الحسن علي بن
منصور بن أبي الصلاح المذكور ، كما ذكره صاحب الرياض ، قال : وقد ذكره الشهيد ...
وهو غير علي بن
منصور بن محمد الحسيني الشيرازي الذي كان من علماء دولة شاه طهماسب الصفوي وله
رسالة في الإمامة باسم السلطان المذكور ، انتهى ما في الروضات.
ونقل نص عبارة
الروضات الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ١ / ١٠٠ ، ونقل أيضا شبيه عبارة
الروضات في الفوائد الرضوية : ٥٧.
وقال الطهراني في
الذريعة ٣٠ / ٣٩٣ :
مسألة في المضايقة
طويلة تتضمن القول بالتضييق للفائتة والرد على الشيخ ...
عملها الشيخ أبو
الحسن علي بن منصور بن أبي الصلاح تقي الدين الحلبي ، ذكره الشهيد في غاية المراد
في شرح نكت الإرشاد كما حكاه عنه في الرياض.
وقال في ٢١ / ١٣٤
:
رسالة في المضايقة
للشيخ أبي الحسن علي بن منصور بن أبي الصلاح المعروف ... كذا حكي عن شرح الإرشاد
للشهيد.
وهذه الأقوال
والتعريفات كلها مبنية على نص عبارة الشهيد في غاية المراد ، وعبارة الشهيد غير
كافية في إثبات أن هذا الرجل هو حفيد صاحب الترجمة ، والله العالم.
الثناء عليه :
أثنى على صاحب الترجمة
كثير من العلماء ، منهم :
أستاذه الشيخ
الطوسي : ثقة عين ، قرأ علينا وعلى المرتضى وحاله شهير .
ابن شهرآشوب : من
تلامذة المرتضى قدس الله روحه .
منتجب الدين : فقيه
، عين ، ثقة ، قرأ على الأجل المرتضى علم الهدى نضر الله وجهه وعلى الشيخ الموفق
أبي جعفر .
العلامة الحلي : ثقة
، عين ، له تصانيف حسنة ذكرناها في الكتاب الكبير قرأ على الشيخ رحمه الله وعلى
المرتضى قدس الله روحه .
ابن داود : عظيم
القدر ، من علماء مشايخ الشيعة .
يحيى بن أبي طي
الحلبي : عين علماء الشام ، والمشار إليه بالعلم والبيان ، والجمع بين علوم
الأديان وعلوم الأبدان ، ... وذكر عنه صلاح وزهد وتقشف زائد وقناعة ، مع الحرمة
العظيمة والجلالة ، وأنه كان يرغب في حضور الجماعة ، وكان لا يصلي في المسجد غير
الفريضة ويتنفل في بيته ، ولا يقبل ممن يقرأ عليه هدية ، وكان من أذكياء الناس
وأفقههم وأكثرهم تفننا
ابن أبي دوح (روح)
: علامة في فقه أهل البيت .
_____________________
ابن حجر العسقلاني
: من علماء الإمامية ... وطلب وتمهر وصنف وأخذ عن أبي جعفر الطوسي وغيره ورحل إلى
العراق فحمل عن الشريف المرتضى .
ابن إدريس الحلي :
من جملة أصحابنا الحلبيين من تلامذة المرتضى .
وقال أيضا : الفقيه
أبو الصلاح الحلبي تلميذ السيد المرتضى رحمه الله .
وقال أيضا : في
هذا الرجل المحاسن ، صاحب تصانيف جيدة حسنة الألفاظ
الشهيد : الشيخ
الإمام السعيد خليفة المرتضى رضي الله عنه في علومه .
المحقق الحلي : هو
من أعيان فقهائنا .
وقال أيضا : وهو
أحد الأعيان ولا بأس باتباع فتواه .
المحقق الكركي : الشيخ
الإمام السعيد الفقيه .
الشهيد الثاني : الشيخ
الفقيه السعيد خليفة المرتضى في البلاد الحلبية .
الشيخ أحمد بن
نعمة الله العاملي : الشيخ الإمام السعيد خليفة المرتضى في علومه .
_____________________
الشيخ عباس القمي
: الشيخ الأقدم ، الفاضل الفقيه المحدث ، الثقة الجليل ، من كبار علمائنا الإمامية
.
وقال أيضا : ثقة
جليل ، عظيم الشأن ، ... عالم فقيه محدث ، من كبار الشيوخ وعلماء الشيعة .
المحدث النوري : الجليل
... الفقيه النبيه .
السيد الخوانساري
: الشيخ الفقيه النبيه ، الوجيه السامي ... الثقة العين ، الفاضل الإمامي ، كان من
مشاهير فقهاء حلب ، ومنعوتا بخليفة المرتضى في علومه .
الحر العاملي : ثقة
عالم فاضل فقيه محدث .
الشيخ أسد الله
الدزفولي : عمدة الفقهاء والمتكلمين ، ونخبة الفضلاء والمعتمدين الشيخ ... قدس
الله سره وأنار في سماء الرضوان بدره ، وهو من أساطين تلامذة المرتضى والشيخ
والديلمي .
الشيخ المجلسي : الشيخ
الأجل .
وقال : وشأن مؤلفه
أعظم من أن يفتقر إلى البيان .
التنكابني : أحد
الفقهاء والمتكلمين ، ومن تلامذة السيد المرتضى والشيخ .
ميرزا محمد علي
مدرس : الشيخ الأجل الأقدم ، فقيه فاضل محدث ، ثقة
_____________________
ومعتمد ، من أعاظم
مشايخ الإمامية ، ومن أعيان وفقهاء ومتكلمي القرن الخامس المجري ، وله مقام عالي
في المراتب العلمية وأداء وظائفه الدينية ، وكان يدرس ويقوم بالأمور الدينية في
البلاد الحلبية نيابة عن السيد المرتضى .
الذهبي : شيخ
الشيعة وعالم الرافضة بالشام .
القاضي عبد العزيز
: الشيخ الفقيه السعيد خليفة المرتضى في البلاد الحلبية .
مقامه العلمي :
نستطيع أن نتوصل
إلى مقدار ما من مقامه العلمي السامي عند ملاحظة مؤلفاته بدقة وإمعان نظر ...
ففي الكافي في
الفقه نرى عمقه في المطالب الفقهية ، وتفريعاته في المسائل الفقهية ، وسلاسة
عبارته ، ووضع مقدمات لطيفة لكتابه الكافي تدل على قدرته العلمية العالية في شتى
المجالات.
وفي تقريب المعارف
يلاحظ القارئ مدى سعته العلمية على المطالب الكلامية التي أوردها ، بحيث يلقم
المخالف حجرا لا يستطيع الوقوف أمامها ، ففيه من المطالب المنطقية والفلسفية
العميقة ، وتطرق إلى مسائل بكر لم يسبقه فيها أحد.
وعند ملاحظة قول
أستاذه الشيخ الطوسي في حقه والتأمل فيه يندهش القارئ وتزداد عظمته وإكباره لهذا
الرجل العظيم.
قال الشيخ في
رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام : قرأ علينا وعلى المرتضى وحاله شهير .
فالشيخ الطوسي ذكر
في رجاله من روى عن المعصومين سلام الله عليهم ، وفي
_____________________
باب من لم يرو
عنهم عليهم السلام تطرق إلى ذكر علماء الشيعة العظام ومشايخه الكرام.
فذكره لتلميذه في
كتابه وتوثيقه له وأن حاله شهير في غاية التعظيم والتبجيل له ... وتدل هذه العبارة
على مكانته العلمية ومقامه الرفيع وقربه من أستاذه الشيخ الطوسي.
قال المولى
الأفندي : ومع أنه تلميذ الشيخ ، قد ذكره الشيخ في رجاله وقال : إنه قرأ علينا
وعلى المرتضى ووثقه ، وهذا يدل على عظم قدره .
وقال السيد
الخوانساري : ونعم ما قال .
قال السيد محمد
صادق بحر العلوم : من الغريب عدم ذكر الشيخ له في فهرسته مع أنه من المصنفين .
فقيل : من الغريب
ذكره في رجاله ... لا عدم ذكره في الفهرست.
والظاهر أن كتاب
الرجال للشيخ الطوسي أكثر أهمية من فهرسته ، لأنه في الفهرست يذكر أسامي المصنفين ،
وأبو الصلاح من المصنفين ، فلما ذكره في رجاله ووثقه ، وجعل له ترجمة في جملة
المشايخ العظام فغريب أن لا يذكره في الفهرست.
وكان أبو الصلاح
الحلبي رضوان الله عليه : خليفة المرتضى في علومه على حد تعبير الشهيد في إجازته
للشيخ شسس الدين ، وخليفة المرتضى
في البلاد الحلبية على
_____________________
حد تعبير الشهيد
الثاني في إجازته لوالد الشيخ البهائي .
وقال السيد
الخوانساري : كان من مشاهير علماء حلب ، ومنعوتا بخليفة المرتضى في علومه ، لكونه
منصوبا في البلاد الحلبية من قبل أستاذه السيد المرتضى ... أو لنيابته عنه في
التدريس ... وناهيك له بذلك منزلة ومقاما .
وذكره المحدث
النوري أن أبا الصلاح معروف بخليفة شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي في البلاد الشامية
.
وذكر السيد
الخوانساري أن ابن البراج خليفة شيخنا الطوسي في البلاد الشامية .
وقال المدرس : والذي
يظهر من بعض الكتب أنه كان نائبا عن الشيخ الطوسي أيضا في البلاد الحلبية ، ولهذا
وصف بخليفة الشيخ .
وقال السيد
الشبيري الزنجاني : هذا من متفردات الكتاب المذكور فيما أعلم ، والظاهر أنه سهو ، وصوابه
خليفة السيد المرتضى ، كما في غيره .
وكان سلار الديلمي
إذا استفتي من حلب يقول : عندكم التقي .
وهذا يدل على
مكانته العلمية ، لأن هذا الفعل صادر من سلار وهو أحد علماء الشيعة من أساتذته.
قال يحيى بن أبي
طي الحلبي عنه : هو عين علماء الشام. والمشار إليه بالعلم
_____________________
والبيان ، والجمع
بين علوم الأديان وعلوم الأبدان .
فيظهر من هذا النص
أن المترجم كانت له يد طولى في علم الأبدان ، حيث قرنه بعلم الأديان ، هو في علم
الأديان كما عرفت.
وقال ابن أبي دوح
(روح) : وكان أبو الصلاح علامة في فقه أهل البيت .
وقال يحيى بن أبي
طي أيضا : وكان من أذكياء الناس وأفقههم وأكثرهم تفننا .
ووصفه الذهبي : بشيخ
الشيعة وعالم الرافضة .
وقال ابن حجر في
وصفه : من علماء الإمامية ... وطلب وتمهر وصنف .
مشايخه وأساتذته :
لم تذكر المصادر
المتوفرة لدينا من أساتذته ومن روى عنهم سوى أربع :
(١) السيد
المرتضى.
نص على أنه أستاذه
جل من جعل لأبي الصلاح ترجمة أو ذكره ضمنا.
قال يحيى بن أبي
طي الحلبي : ... ودخل العراق ثلاث مرات فقرأ على الشريف المرتضى .
وأما السيد
المرتضى فهو كما قال النجاشي :
علي بن الحسين بن
موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن
_____________________
جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
أبو القاسم
المرتضى.
حاز من العلوم ما
لم يدانه فيه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلما شاعرا أديبا ، عظيم
المنزلة في العلم والدين والدنيا.
صنف كتبا ، منها :
...
مات رضي الله عنه
لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة (٤٣٦) ست وثلاثين وأربع مائة ، وصلى عليه ابنه في
داره ، ودفن فيها ، وتوليت غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري وسلار
بن عبد العزيز .
(٢) الشيخ الطوسي.
نص عليه الشيخ
الطوسي بنفسه حيث قال : قرأ علينا ، وكذا ذكره كثير
ممن ترجم أبا الصلاح الحلبي.
وأما الشيخ الطوسي
فهو كما قال النجاشي :
محمد بن الحسن بن
علي الطوسي ، أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، من تلامذة شيخنا أبي عبد
الله.
له كتب ، منها :
... .
وقال ابن داود :
ولد في شهر رمضان
سنة (٣٨٥) خمس وثمانين وثلاث مائة ، وقدم العراق سنة (٤٠٨) ثمان وأربع مائة ، وتوفي
ليلة الاثنين ثاني عشر المحرم سنة (٤٦٠) ستين
_____________________
وأربع مائة
بالمشهد الشريف الغروي ، ودفن بداره .
(٣) سلار الديلمي
:
قال الطريحي : .. ،
وأبو الصلاح الحلبي قرأ عليه (أي : على سلار) ، وكان إذا استفتي من حلب يقول : عندكم
التقي .
وفي تتلمذه على
سلار محل نظر وتأمل ، لعدم ذكره في جملة تلاميذه في المصادر المعتبرة.
وسلار هو ابن عبد
العزيز الديلمي ، أبو يعلى ، فقيه جليل عظيم مصنف ، من تلامذة المفيد والسيد
المرتضى.
من تصانيفه : ... .
وعبر عنه العلامة
الحلي بشيخنا المقدم في الفقه والأدب وغيرهما ، كان ، ثقة وجها ... .
(٤) أبو الحسن
محمد بن محمد.
قال المترجم في
كتابه تقريب المعارف في معجزات أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام : ومن ذلك ...
حدثني الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد قال حدثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد
المفيد ... .
وأما أبو الحسن
محمد بن محمد فقال الشيخ الأستادي :
أظن أن أبا الحسن
محمد بن محمد ، هو البصروي ، وكان فقيها فاضلا شاعرا فصيحا ، قرأ على المرتضى
وغيره ، ويروي عنه جبرئيل بن إسماعيل القمي والد شاذان بن جبرئيل.
_____________________
وله كتاب : ...
توفي ببغداد ٤٤٣ .
تلامذته والراوون عنه :
حضر درس صاحب
الترجمة وروى عنه جمع غفير من العلماء ، منهم :
(١) أبو القاسم
سعد الدين عز المؤمنين الشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج ، المتوفى
سنة ٤٨١.
كان قاضيا بطرابلس
، وله مصنفات في الأصول والفروع.
يروي عن السيد
المرتضى والشيخ الكراجكي والشيخ الطوسي وأبي الصلاح الحلبي وغيرهم .
(٢) الشيخ عز
الدين عبد العزيز بن أبي كامل الطرابلسي القاضي.
كان فاضلا محققا
فقيها عابدا.
يروي عن السيد
المرتضى والكراجكي والشيخ الطوسي وابن البراج وأبي الصلاح.
تنتهي جل طرق
الأصحاب إلى أبي الصلاح إليه عن أبي الصلاح .
(٣) الداعي بن زيد
بن علي بن الحسين الأفطسي الحسيني الآوي.
يروي عن الشريف
المرتضى والشيخ الطوسي وسلار وابن البراج والتقي الحلبي .
_____________________
(٤) الشيخ أبو محمد ريحان بن عبد الله الحبشي
المصري.
كان عالما فقيها
محدثا زاهدا.
وكان يقول : ما
حفظت شيئا فنسيته ، يصوم جميع الأيام المسنونة ، ولا يأكل إلا من طعام يعلم أصله ،
وكان ابن رزيك يعظمه ويحترمه.
يروي عن عبد
العزيز بن أبي كامل والكراجكي وأب الصلاح .
قال السيد الشبيري
الزنجاني :
لا ريب في أن
ريحان الحبشي المتوفى حدود ٥٦٠ ليس ممن يروي بلا واسطة عن أبي الصلاح المتوفى ٤٤٧
والكراجكي المتوفى ٤٤٩.
فإن صح ما في
الآمل فلا بد من الالتزام بتعدد أبي محمد ريحان الحبشي.
واحتمل السيد
الشبيري حفظه الله أن تلميذ أبي الصلاح الحلبي هو جد أبو محمد ريحان المتوفى حدود
سنة ٥٦٠ ، وقد شاع تسمية الابن باسم جده .
(٥) الشيخ عبد
الرحمن بن أحمد بن الحسين المفيد النيسابوري الخزاعي الرازي.
شيخ الأصحاب في
الري ، حافظ واعظ جليل القدر ، سافر في البلاد شرقا وغربا ، أخذ الحديث عن المؤالف
والمخالف.
وكان من أعلم
الناس بالحديث وأبصرهم به وبرجاله.
ويقال : كان في
مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة.
قال الشيخ منتجب
الدين : ... وله تصانيف ، منها الكافي ، أخبرنا به غير واحد من الثقات عن الشيخ
المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي عنه.
_____________________
توفي سنة ٤٤٥ .
(٦) الشيخ التواب
(التراب) (البواب) (النواب) بن الحسن (الحسين) بن أبي ربيعة الخشاب البصري.
فقيه مقري صالح.
قرأ على الشيخ
التقي الحلبي وعلى الشيخ أبي علي رحمهم الله .
(٧) الشهيد
المصلوب في سبيل الله أبو الحسن ثابت بن أسلم (أحمد) بن عبد الوهاب الحلبي.
من كبار النحاة ، أحد
علماء الشيعة.
وكان من كبار
تلامذة أبي الصلاح ، تصدر للإفادة بعده ، وتولى خزانة الكتب بحلب ، وصنف كتابا في
كشف عوار الإسماعيلية وتزييف معتقداتهم ، فقال من بحلب من الإسماعيلية : إن هذا
يفسد الدعوة ، فحمل إلى صاحب مصر ، وأمر بصلبه فصلب ، وأحرقت خزانة الكتب التي
بحلب ، وكان فيها عشرة آلاف مجلدة من وقف سيف الدولة بن حمدان.
وكان صلبه في حدود
سنة ٤٦٠ .
(٨) محمد بن علي
الكراجكي ، صاحب كتاب كنز الفوائد ، المتوفى سنة ٤٤٩ في ثاني ربيع الآخر.
_____________________
ذكر ابن أبي طي
أنه أخذ عن أبي الصلاح .
علماء حلب :
كثير من علمائنا
نسبوا إلى حلب ، إما لولادتهم فيها وسكنهم أو لأمور أخرى ، منهم :
(١) أبو شعبة
الحلبي.
آل أبي شعبة أسرة
معروفة بالكوفة ، وكانوا يتجرون إلى حلب ، لذا غلبت عليهم النسبة إلى حلب.
وأبو شعبة ثقة روى
عن الحسن والحسين عليهما السلام .
(٢) علي بن أبي
شعبة الحلبي.
أحد الرواة ، وثقه
النجاشي .
(٣) عبيد الله بن
علي بن أبي شعبة الحلبي.
مولى بن تيم اللات
بن. ثعلبة أبو علي ، وكان كبير آل أبي شعبة في زمانه والثقة الذي لا يطعن عليه ، وصنف
الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي عبد الله 7 وصححه وقال عند قراءته : « أترى لهؤلاء مثل هذا؟ » .
(٤) محمد بن علي
بن أبي شعبة الحلبي ، أبو جعفر ، وجه أصحابنا وفقيههم ، والثقة الذي لا يطعن عليه .
(٥) عمران بن علي
بن أبي شعبة الحلبي.
_____________________
قال عنه النجاشي :
الثقة الذي لا يطعن عليه .
(٦) عبد الأعلى بن
علي بن أبي شعبة الحلبي.
قال عنه النجاشي :
الثقة الذي لا يطعن عليه .
(٧) أحمد بن عمر
بن أبي شعبة الحلبي.
ثقة ، روى عن أبي
الحسن الرضا عليهم السلام .
وغيرهم من آل أبي
شعبة الذين قال عنهم النجاشي : وكانوا جميعهم ثقات مرجوعا إلى ما يقولون .
(٨) الشهيد أبو
الحسن ثابت بن أسلم (أحمد) بن عبد الوهاب الحلبي.
وقد مر ذكره في
فصل : تلامذته.
(٩) كردي بن عكبر
بن كردي الفارسي.
نزيل حلب ، فقيه
ثقة صالح ، قرأ على شيخنا الموفق أيي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، وبينهما مكاتبات
وسؤالات وجوابات ، قاله منتجب الدين .
(١٠) الحسن بن
الحسين بن الحاجب الحلبي.
الشيخ العفيف
الزاهد ، الفاضل الجليل ، روى عنه أبو المكارم حمزة بن زهرة ، قاله الشيخ الحر في
تذكرة المتبحرين .
(١١) الشيخ الجليل
الحسن بن حمزة الحلبي.
كان عالما فاضلا
فقيها جليل القدر قاله الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين .
_____________________
(١٢) محمد بن علي بن الحسن الحلبي.
كان فاضلا ماهرا ،
من مشايخ ابن شهرآشوب ، قاله الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين .
(١٣) محمد بن علي
بن المحسن الحلبي.
فقيه صالح ، أدرك
الشيخ أبا جعفر الطوسي وروى عنه وعن ابن البراج ، وقرأ على السيد الإمام أبو الرضا
والشيخ الإمام قطب الدين أبو الحسن الراونديان ، قاله منتجب الدين .
(١٤) حمزة بن علي
بن زهرة الحسيني الحلبي.
فاضل عالم ثقة
جليل القدر ، صاحب كتاب غنية النزوع ، قاله ابن شهرآشوب في المعالم والحر في تذكره
المتبحرين .
وكثير من بني زهرة
علماء أتقياء ، وإجازة العلامة الحلي لبني زهرة المعروفة ، فيها دلالة واضحة على
عظم هذا البيت ، والمجازون هم :
أ ـ علاء الدين
أبو الحسن علي بن زهرة.
ب ـ ابن علاء
الدين شرف الدين أبو عبد الله الحسين.
ج ـ ابن علاء
الدين بدر الدين أبو عبد الله محمد.
د ـ ابن بدر الدين
أمين الدين أبو طالب أحمد.
د ـ ابن بدر الدين
عز الدين أبو محمد الحسن (٤).
(١٥) الشيخ أبو
صالح الحلبي.
قال الشهيد في
غاية المراد : اختلف الأصحاب في وجوب التسليم المخرج من
_____________________
الصلاة ، فقال صاحب
الفاخر وابن أبي عقيل والشيخ في المبسوط وسلار والحلبيون كأبي الصلاح وابن زهرة
وأبي صالح وأبي سعيد والمصنف في المنتهى ، يجب ... .
وقال المولى
الأفندي : الشيخ أبو صالح الحلبي ، كان من الفقهاء وأصحاب الفتاوى في عصره ، ولم
أعلم عصره على التعيين ، ولكن أورده الشهيد في شرح الإرشاد ...
وتوهم كونه تصحيف
أبي الصلاح غلط ، لأنه قدس سره قال فيه : والحلبيون كأبي الصلاح وابن زهرة وأبو
صالح وابني سعيد.
نعم لا يبعد عدم
كونه غير داخل في جملة الحلبيين ، كما أن ابني سعيد كذلك ، فتأمل .
وقال السيد
الخوانساري بعد التعرض لما نقله في الرياض : وظني ـ لو أمنت الاشتباه الشائع في
أمثال ذلك بين الأعاظم فضلا عن غيرهم ـ أن الكتاب المذكور لأبي الصلاح المترجم ، نظرا
إلى قرب تصحيف أبي الصلاح بأبي صالح أو بالعكس ، وبعد كونهما لمتعدد من فقهاء بلد
واحد .
مؤلفاته :
لأبي الصلاح
مصنفات في الأصول والفروع مشهورة بين أئمة القوم ، أشار إليها الشيخ الطوسي بقوله عن المصنف : له كتب .
وكتبه رضوان الله
عليه ، بعضها ثابتة نسبتها إليه ، وأخرى غير ثابتة :
_____________________
فمن الكتب الثابتة
نسبتها له :
(١) البداية في
الفقه.
نسبه إليه ابن
شهرآشوب في المعالم : ٢٩ ، والتستري في المقابس : ٨ ، والشيخ عباس القمي في الكنى
والألقاب ١ / ١٠٠ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٥ ، والشيخ الطهراني في
الطبقات : ٣٩ والذريعة ٣ / ٥٧.
(٢) البرهان على
ثبوت الإيمان.
في الكلام ، مرتب
على فصول ، أولها في التوحيد وآخرها في المعاد ، ويقرب من ست مائة بيت.
وأدرجه بتمامه
الديلمي في كتابه أعلام الدين.
أنظر : أعلام
الدين طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، الكنى والألقاب ١ / ١٠٠ ، الذريعة ٢٦ / ٩٦
ـ ٩٧.
(٣) تدبير الصحة.
صنفه لصاحب نصر بن
صالح الذي ولي الحكومة سنة ٤٢٦ وقتل في سنة ٤٢٩.
نسبه إليه الذهبي
في تاريخه كما عنه في الأعيان ٣ / ٦٣٥ وأعلام النبلاء ٤ / ٧٨ ولاحظ أيضا ما نقله
في أعلام النبلاء ١ / ٤٢٦ عن تاريخ الذهبي حول نصر بن صالح.
(٤) تقريب المعارف
، يأتي التفصيل عنه.
(٥) التلخيص في
الفروع.
ذكره المصنف في
كتابه تقريب المعارف والبرهان والكافي.
راجع : ص ١٢١ و
٤٥٩ و ٤٦١ من هذا الكتاب ، والبرهان : ٥٤ ، والكافي في الفقه : ٤٦٦ و ٥١٠.
(٦) التهذيب.
نسبه إليه الذهبي
في تاريخه.
أنظر : تاريخ
الذهبي كما عنه في أعيان الشيعة ٣ / ٦٣٥ وأعلام النبلاء ٤ / ٧٨.
(٧) دفع شبه
الملاحدة.
نسبه إليه في
تاريخ الذهبي كما عنه في الأعيان ٣ / ٦٣٥ ، وفي أعلام النبلاء ٤ / ٧٨ عن تاريخ
الذهبي : شبه الملاحدة.
(٨) الشافية.
ويعبر عنها
بالمسألة الشافية والرسالة الشافية.
ذكره المصنف في
كتابه الكافي : ٥١٠ ، وتقريب المعارف ، راجع ص ١٨١ و ٤٤٥ من هذا الكتاب.
ونسبه للمصنف أيضا
السيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٥ ، والتستري في المقابس : ٨.
(٩) شرح الذخيرة.
والذخيرة لأستاذه
السيد المرتضى في الكلام.
نسبه إليه ابن
شهرآشوب في المعالم : ٢٩ ، والتستري في المقابس : ٨ ، والمحدث النوري في الخاتمة :
٤٨٠ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٥ ، والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ١
/ ١٠٠ ، والطهراني في الطبقات : ٣٩ والذريعة ١٣ / ٢٧٧.
(١٠) العمدة في
الفقه.
ويعبر عنه أيضا : العمدة
في الفروع ، ذكره المصنف في كتابه تقريب المعارف :
ـ راجع ص ١٢١ و
٤٤٥ و ٤٦١ من هذا الكتاب ـ والكافي : ٥١٠ والبرهان : ٥٤.
ونسبه إليه الذهبي
في تاريخه كما عنه في أعيان الشيعة ٣ / ٦٣٥ وأعلام النبلاء ٤ / ٧٨ ، ونسبه إليه
التستري أيضا في المقابس : ٨.
(١١) الكافية.
ويعبر عنها
بالمسألة الكافية والرسالة الكافية.
ذكره المصنف في
كتاب الكافي : ٥١٠ ، وتقريب المعارف ، راجع ص ١٨١ و ٤٤٥ من هذا الكتاب.
ونسبه إليه
التستري في المقابس : ٨ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٥.
(١٢) الكافي.
ذكره المصنف في
البرهان : ٥٤ وعبر عنه بالكافي في التكليف ، وبقية العلماء عبروا عنه بالكافي أو
الكافي في الفقه أو الكافي في أصول الدين وفروعه.
ونسبه إليه ابن
شهرآشوب في المعالم : ٢٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٧ ، ومنتجب الدين في الفهرست
: ١٠ ، والذهبي قي تاريخه كما عنه في أعلام النبلاء ٤ / ٧٨ ، والتستري في المقابس
: ٨ ، والشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ١ / ١٠٠ ، والسيد الخوانساري في
الروضات ٢ / ١١٣ ، والمحدث النوري في الخاتمة : ٤٨٠ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ /
٦٣٥ ، والطهراني في الذريعة ١٧ / ٢٤٧ ، وراجع القاموس ٢ / ٤١٥ ، وكشف الحجب : ٤٢٠ ،
وقصص العلماء : ٤٣٢.
وكتاب الكافي فيه
بيان التكليف السمعي الشرعي ، وهو على ثلاثة أضرب : عبادات ، ومحرمات ، وأحكام.
والعبادات على ضربين : فرض ، ومسنون.
وكتاب الكافي
يشتمل على بيان أصول الدين وفروعه.
قال السيد
الخوانساري : وقد رأيت كتاب الكافي في الفقه على ترتيب أبوابه ، وهو كتاب حسن
معروف بين أصحابنا معول عليه عندهم ، يقرب من (١٢٠) ألف بيت ، الروضات ٢ / ١١٣.
وقال ابن إدريس : وهو
كتاب حسن فيه تحقيق مواضع ، السرائر : ٢٦٧.
وقال منتجب الدين
: أخبرنا به غير واحد من الثقات عن الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري
الخزاعي عنه ، فهرست منتجب الدين : باب التاء.
وقال التستري في
القاموس ٢ / ٤١٥ : ويتبعه في كافيه غالبا أبو المجد الحلبي في كتابه إشارة السبق ،
وابن زهرة الحلبي في كتابه الغنية.
وقال الشيخ
الأستادي في مقدمة التقريب صفحة ٢٢ : وفي بعض المواضع تتحد عبارة صفحة أو أقل منها
أو أكثر من السرائر مع عبائر الكافي ، فراجع .
وطبع الكافي هذا
في قم.
(١٣) المرشد في
طريق التعبد.
نسبه إليه الذهبي
في تاريخه كما عنه في أعلام النبلاء ٤ / ٧٨ وأعيان الشيعة ٣ / ٦٣٥.
____________
ومن الكتب غير
الثابتة النسبة إليه :
(١) إشارة السبق.
نسبه بعض إلى أبي
الصلاح ، واعتمد فيه على نسبة الشهيد الأول هذا الكتاب إلى الحلبي ، ولفظ الحلبي
المطلق يتبادر إلى أبي الصلاح.
وهو ليس لأبي
الصلاح قطعا ، بل هو للشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل الحسن بن أبي
مجد الحلبي.
راجع : الروضات ٢
/ ١١٣ ، الذريعة ٢ / ٩٩.
(٢) الدر الثمين.
وهو منتخب مشارق
أنوار اليقين للحافظ البرسي.
مؤلفه : تقي الدين
عبد الله الحلبي (الحلي).
وقد اشتبه بعض في
نسبة هذا الكتاب إلى المترجم ، وهو ليس له قطعا ، بل لسميه.
راجع : روضات
الجنات ٢ / ١١٧ ، الذريعة ٢٢ / ٤٣٥.
(٣) اللوامع في
الفقه.
نسبه الخياباني
إلى أبي الصلاح الحلبي في ريحانة الأدب ٧ / ١٦١.
ولم يذكره أحد
غيره ، فهو محل تأمل.
(٤) مختصر
الفرائض.
نسبه إليه السيد
ابن طاووس ونقل عنه.
والظاهر أنه نفسه
الكافي في الفقه ، لتفرد ابن طاووس في نسبة هذا الكتاب لأبي الصلاح ، ولأن المطلب
الذي نقله ابن طاووس عن مختصر الفرائض موجود في الكافي.
راجع : فتح
الأبواب : ٢٤٨ ، الكافي في الفقه : ١٦٢ ، رياض العلماء ١ / ١٠٠ ، تعليقة أمل الآمل
: ١٠٧.
(٥) المعراج.
نسبه إليه السيد
الخوانساري في الروضات ٣ / ١١٣ ، والطهراني في الذريعة ٢١ / ٢٢٤ اعتمادا على ما
استظهره السيد الخوانساري.
وفي هذا الكتاب
ومؤلفه بحث مفضل مضى في آخر فصل علماء حلب ، في ترجمة أبي صالح الحلبي ، فراجع.
قال أبو الصلاح الحلبي
في كتابه الكافي في الفقه : ٥١١ : إن يفسح الله تعالى في العمر نجرد أعيان مسائل
الخلاف ، ونذكر طريق العلم بصحة كل مسألة على أصول الإمامية ، وعلى وجه يتمكن معه
الناظر من محاجة الخصوم ، من غير افتقار به إلى تصحيح الأصول التي نذهب إليها.
وفي فهرست مؤلفات
الكراجكي كما في الخاتمة صفحة ٤٩٨ : كتاب غاية الإنصاف في مسائل الخلاف ، يتضمن
النقض على أبي الصلاح الحلبي رحمه الله في مسائل خالف بينه وبين المرتضى ، نصر
فيها رأي المرتضى.
ويحتمل كون هذه
المسائل في رسالة له.
طرق علمائنا إلى كتب أبي الصلاح
:
نقتصر على أهمها :
(١) قال منتجب
الدين في الفهرست باب التاء عن كتاب الكافي في الفقه :
أخبرنا به غير
واحد من الثقات عن الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي ، عنه.
(٢) قال الشهيد في
إجازته للشيخ شمس الدين أبي جعفر محمد بن تاج الدين عبد العلي ، كما في البحار ١٠٧
/ ١٩٨ :
وأما مصنفات الشيخ
... أبي الصلاح ... فعن الشيخ سديد الدين أبي الفضل شاذان ـ بواسطة يحيي الدين بن
زهرة والسيد فخار بحق رواية شاذان ـ عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن عمر الطرابلسي ،
عن القاضي عبد العزيز بن أبي كامل الطرابلسي ، عن الشيخ أبي الصلاح.
(٣) قال الشيخ علي
بن عبد العالي الكركي في إجازته إلى الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ولولده
إبراهيم ، كما في البحار ١٠٧ / ٤٦ :
ومنه مصنفات الشيخ
... تقي الدين أبي الصلاح ... عن زين الدين علي بن هلال الجزائري ، عن أبي العباس
أحمد بن فهد الحلي ، عن زين الدين علي بن الخازن ، عن الشيخ الشهيد ، عن الحسن بن
نما ، عن نجيب الدين يحيى بن سعيد ، عن السيد يحيي الدين محمد بن زهرة الحسيني
الحلبي ، عن الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي ، عن الشيخ أبي محمد عبد الله
بن عمر الطرابلسي ، عن القاضي عبد العزيز ابن أبي كامل الطرابلسي ، عن الشيخ أبي
الصلاح رحمه الله ورضي عنه.
وراجع إجازات
كثيرة وردت في البحار ١٠٧ / ٦٨ ـ ٧٠ و ١٥٢ ـ ١٦٠ ، ١٠٨ / ٤٩ ـ ٥٢ و ١٤٦ ـ ١٥٩ ، ١٠٩
/ ٨٨ ـ ٩٢ ، ١١٠ / ٦٧ ـ ٧٠ ، وراجع لؤلؤة البحرين : ١٣٣ ، وغير هذين الكتابين
كثير.
وفاته :
في مكان وفاته
قولان :
أ ـ حلب ، نص عليه
ابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٧١ ، والسيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٤.
ب ـ الرملة ، نص
عليه ابن أبي دوح (روح) كما في تاريخ الذهبي كما في أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ ، والأعيان
٤ / ٦٣٤ ، وكذا نقله في الرياض ١ / ١٠٠ وفي التعليقة على أمل الآمل : ١٠٧ عن بعض
الأفاضل.
والرملة : مدينة
بفلسطين ، وكانت قصبتها ، وكانت رباطا للمسلمين ، وبينها وبين بيت المقدس اثنا عشر
أو ثمانية عشر ميلا ، وهي كورة منها ، قاله في مراصد الاطلاع.
وفي زمان وفاته
قولان أيضا :
أ ـ سنة ٤٤٧ ه ، نص
عليه ابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٧١ والسيد الأمين في أعيان الشيعة ٣ / ٦٣٤ ، والطباخ
في أعلام النبلاء ٤ / ٧٧ ، والمدرس في ريحانة الأدب
٧ / ١٦١.
ب ـ سنة ٤٤٦ ، نقله
المولى الأفندي في رياض العلماء ١ / ١٠٠ وفي التعليقة على أمل الآمل : ١٠٧ عن بعض
الأفاضل.
وذكر ابن أبي دوح
(روح) والمولى الأفندي أن وفاته كانت بعد عوده من الحج في شهر محرم الحرام.
فبعد أن قضى مناسك
حجه وجدد الميثاق وعزم على المرجوع إلى بلده التحق بالله سبحانه وتعالى في شهر
الحزن والأسى .. شهر المحرم .. ذكرى واقعة الطف ..
ففجعت الشيعة
بارتحاله .. ونصبت في تلك السنة مأتمين وتعزت بعزاءين : لذكرى واقعة الطف .. ولفقد
أحد زعمائها ناصري مذهب أهل البيت عليهم السلام : التقي.
فسلام
عليه يوم ولد ... ويوم مات ... ويوم يبعث حياً
* * *
تقريب المعارف .. وتحقيقه
نسبة الكتاب لأبي الصلاح :
ذكره المترجم أبو
الصلاح في كتابه الكافي في الفقه في خمسة موارد حيث أحال فيه على كتاب تقريب
المعارف :
قال في ص ٤٦٦ من
كتاب الكافي قي الفقه في مسألة التوبة : وقد استوفينا الكلام في التحابط في كتاب
التقريب ، وبينا فساد ما يتعلقون به من الشبه ، وفيما ذكرناه هاهنا بلغة.
وقال في ص ٤٨٢ من
الكتاب المذكور في مسألة دوام عقاب العاصي وعدمه : وفي هذا القدر من الكلام في
أحكام المستحق كفاية ، ومريد الغاية منه يجده في كتاب التقريب.
وقال في ص ٤٧٩ من
الكتاب المذكور في نفس المسألة السابقة : فأما اقتران الحدود بالاستخفاف ومنافاته
للتعظيم فقد استوفينا الكلام عليه في كتاب التقريب.
وقال في ص ٤٥٨ من
الكتاب المذكور في مسألة عدم دلالة العقل على دوام الثواب :
وقد ذكرنا ما
يتعلق به من قال بدوامه في كتاب التقريب ، وبينا فساد متعلقه. وإنما نعلم دوامه
بالسمع وهو العلم العام ....
وقال في ص ٥١٠ من
الكتاب المذكور في مسألة وجوب الرجوع إلى الأئمة عليهم السلام :
وقد استوفينا ما
يتعلق بهذا الفن (حفظ الشريعة في زمن الغيبة) وغيره مسائل الغيبة بحيث ذكرناه في
كتاب التقريب في الأصول ....
وعليه فنسبة كتاب
تقريب المعارف إلى أبي الصلاح قطعية ، لا تقبل أقل شك.
وبالإضافة إلى هذا
فذكر هذا الكتاب ونسبه إلى أبي الصلاح جل من وضع له ترجمة وذكر كتبه ، مثل : العلامة
المجلسي في بحار الأنوار ٢ / ٢٠ و ٣٨ ، والحر العاملي في أمل الآمل ٢ / ٤٦ وإثبات
الهداة ١ / ٣٠ و ٦٧٣ و ٧٣٣ و ٢ / ١٩٨ و ٢٨٨ و ٥٢٨ و ٣ / ٣٤٩ و ٥٨٦ ، والتستري في
قاموس الرجال ٢ / ٤١٥ ، والطهراني في الذريعة ٤ / ٣٦٦ و ١٨ / ٨٨
و ٢١ / ١٨٦ و ٢٢ /
٤٣٥ والطبقات : ٣٩ ، والتستري في كشف القناع : ١٢٩ و ١٣٣ والمقابس : ٨ ، والسيد
الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٥ ، والمحدث النوري في خاتمة المستدرك : ٤٨٠ ، والشيخ
عباس القمي في الكنى والألقاب ١ / ١٠٠ ، وسفينة البحار ١ / ٢٩٥ ، والفوائد الرضوية
: ٥٧ ، والكنتوري في كشف الحجب : ١٣٦ ، والتنكابني في قصص العلماء : ٤٣٢ ، والمدرس
في ريحانة الأدب ٧ / ١٦١.
التعريف بالكتاب وميزاته :
قال العلامة
المجلسي في البحار ٢ / ٣٨ : وكتاب تقريب المعارف كتاب جيد في الكلام ، وفيه أخبار
طريفة ، أوردنا بعضها في كتاب الفتن.
وقال الحر العاملي
في أمل الآمل ٢ / ٤٦ : رأيت تقريب المعارف حسن جيد.
وقال التستري في
القاموس ٢ / ٤١٥ : وكتاب التقريب الذي ينقل عنه البحار في غاية الجودة.
ولهذا الكتاب عدة
ميزات وخواص جعلته موردا لعناية الباحثين والمحققين :
منها : اعتماده
على بعض المصادر التي فقدت في زماننا هذا وقبل زماننا بقرون ، منها :
تاريخ الثقفي ، وتاريخ
الواقدي ، وكتاب الدار للواقدي ، وكتاب الفاضح للطبري ، ونقل عن هذه الكتب نصوصا
مهمة في بحث النكير على أبي بكر وعمر وعثمان تغير بعض المفاهيم التاريخية ، وهذه
النصوص لا يمكن العثور عليها في زماننا هذا إلا بالرجوع إلى هذا الكتاب.
ومنها : تطرقه إلى
بعض المطالب التي لم يسبق بها إليه سابق ، كما صرح هو قدس سره في كتابه هذا ص ٥٧.
ومنها : توسعه في
البحث عن مسألة التكليف من مسائل العدل ، حيث بحث فيه : حقيقة التكليف ، والغرض من
التكليف ، وقبح تكليف ما لا يطاق. وما يجب كون المكلف
تعالى عليه من
الصفات ، وما يجب كون المكلف عليه من الصفات ، والأفعال التي تعلق بها التكليف
وصفاتها (راجع : ص ١١٢ ـ ١٣٢ من هذا الكتاب).
ومنها : بحثه
مسألة الإمامة وبصورة كاملة ، وأتى بأدلة محكمة ، فاستدل على إمامة أمير المؤمنين 7 وسائر الأئمة
عليهم السلام بالقرآن والسنة ، وتعمق في البحث عن مدلول ومفهوم الآيات والأخبار
ودلالتها على إمامة الأئمة ، كما وأثبت تواتر الأخبار التي استدل بها.
ومنها : إبطاله
لما استدل به من القرآن والسنة على إمامة القوم ، حيث ناقش مناقشة علمية لمفاهيم
القرآن والأحاديث وأبطل دلالتها على إمامتهم ، بل أثبت العكس ، كما تعرض لإثبات
كون ما استدل به من الأخبار على إمامة القوم بأنها آحاد لا يمكن الركون إليها.
ومنها : استدلاله
بالروايات من طريق العامة والخاصة ، وجعل الروايات المروية من طريق الخاصة حجة على
الخصم ، وذلك بعد أن أثبت كثرة ناقليها بحيث تصل إلى حد التواتر الذي يجب قبوله
على الجميع ، وأكثر ما اعتمد على هذه الطريقة في بحث معجزات الأئمة عليهم السلام
... وذكر عدم الضرر بكون رواتها من الخاصة بعد أن ثبت تواترها.
ومنها : تعرض إلى
ما نسبه الطبري إلى السجستاني من إنكاره لحديث الغدير ، وأنه موقوف على حكاية
الطبري ، مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن ، وأن السجستاني أكذب الطبري في حكايته
عنه إنكار خبر الغدير ، وصرح بأنه لم ينكر الخبر ، وإنما أنكر أن يكون المسجد
بغدير خم متقدما ، وصنف السجستاني هذا كتابا معروفا يعتذر فيه مما نسبه إليه
الطبري وتبرأ منه (راجع ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨ من هذا الكتاب).
ومنها : إشباعه
البحث عن إمامة الإمام الثاني عشر عليهم السلامجل الله فرجه ومن عدة جوانب ، وتطرقه
في هذا البحث إلى مسائل قلما بحث في غيره ، حيث ذهب إلى جواز ظهور الحجة لكثير من
أوليائه العارفين به المتدينين بطاعته في زمن الغيبة (راجع ص ٤٤٤ من هذا الكتاب).
وتطرق في بحثه عن
إمامة الإمام الحجة عليه السلام إلى حقوق الأموال الواجب حملها إلى
الإمام الحجة ، وتقسيمها
في زمن الغيبة إلى قسمين :
الأموال المعروف
مستحقها من الزكوات والفطرة وشطر الخمس ، فيجب على المكلف إخراجها وإعطاؤها إلى من
يستحقها ، وهم معروفون منصوص على أعيانهم وصفاتهم في الكتاب والسنة المعلومة ، فإن
جهل حالهم سأل علماء العصابة عنهم ، أو حمل ما يجب عليه من الحقوق إليهم فيضعوه في
مستحقيه.
والقسم المخصوص
بالإمام الحجة عليه السلام من الخمس والأنفال ، وحكم هذا أن يجرزه وينتظر به
التمكن من إيصاله إليه أو إلى من يأذن له قبضه ، والوصية به إن خاف الفوت قبل ذلك ،
فإن ضعف عن ذلك حمله إلى المأمون من فقهاء الطائفة ليحكم فيه بما شرع له ، وأي
الأمرين فعل برأت ذمته (راجع ص ٤٤٦ ـ ٤٤٧ من هذا الكتاب).
وذكر في بحث حفظه
صلوات الله عليه الشريعة وتبليغها في حال الغيبة : بأنها لم تحصل له إلا بعد تبليغ
آبائه جميع الشريعة إلى الخلق ، وإبانتهم عن أحكامها ، وإيداع شيعتهم من ذلك ما
يزاح به علة كل مكلف ، وحفظهم عليهم السلام في حال وجودهم ، وحفظه هو عليه السلام
بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه عليهم
السلام ... فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق إليها ما ذكرناه والحجة به
قائمة ، ولا معضل ولا مشكل إلا وعند العلماء من شيعته منه تواتر ولهم على الصحيح
منه برهان ، من طلب ذلك ظفر به ظفر العلماء من شيعته ....
ومن آرائه النادرة
في هذا الكتاب تبنيه إلى أن القرآن معجز بالصرفة ... وتعرض إلى هذا البحث وذكر بعض
الايرادات وناقشها (راجع ص ١٥٨ من هذا الكتاب).
مصادر الكتاب :
اعتمد أبو الصلاح
الحلبي في كتابه هذا على مصادر مهمة ونقل عنها ، وتبلغ أهميتها إذا ما عرفنا أن
بعضها فقد في زماننا هذا ، بل وحتى قبل زماننا بقرون متتالية.
فأكثر الحلبي
النقل في كتابه هذا عن تاريخ الثقفي المشهور ، حتى تجاوز (٦٠) موردا.
كما وأكثر النقل
عن تاريخ الواقدي. وتجاوز (٢٠) موردا.
قال أبو الصلاح
الحلي : ... وإنما اقتصرنا على تاريخي الثقفي والواقدي ، لأن لنا إليهما طريقا ، ولأن
لا يطول الكتاب ... (راجع ص ٢٩١ من هذا الكتاب).
ونقل في موارد
يسيرة في كتابه هذا عن : تاريخ الطبري ، وكتاب الدار للواقدي ، وتاريخ البلاذري ، والفاضح
والمسترشد للطبري ، والمعرفة للثقفي (راجع فهرس الكتب في آخر الكتاب).
وكثيرا ما أحال
قدس سره على سائر كتبه ـ كما هو ديدنه في التاليف حيث أكثر الإحالة في كل كتاب على
سائر كتبه ـ :
قال قدي سره : وقد
فصلنا أحكام هذه العبادات في كتاب التلخيص ، إذ كان بذلك أولى من هذا الكتاب
المقصور على المعارف (راجع ص ٤٥٩ من هذا الكتاب).
وقال : وقد دللنا
على صحة هذه الفتيا (الواجب في التكليف السمعي العلم دون الظن) وفصلنا ما أجملناه
هاهنا في مقدمتي كتابي العمدة والتلخيص في الفروع (راجع ص ١٢١ من هذا الكتاب).
وقال : فثبت في
كتابي العمدة والتلخيص (راجع ص ٤٦١ من هذا الكتاب).
وقال : وقد
استوفينا ما يتعلق بهذا الفصل (حفظ الشريعة حال الغيبة) في كتاب العمدة ومسألتي
الشافية والكافية ، وأوضحنا عن ثبوت الحجة به ، وأسقطنا ما يتعلق به من الشبه ...
(راجع ص ٤٤٥ من هذا الكتاب).
وقال في بحث النص
على الأئمة من الكتاب والسنة : في أمثال لهذه الآيات والأخبار ، وقد تكرر معظمها
في رسالتي الكافية والشافية (راجع ص ١٨١ من هذا الكتاب).
من نقل عن الكتاب :
كان الكتاب عند
الشيخ العلامة المجلسي ، وجعله من مآخذ كتابه مجار الأنوار ، قال : وكتاب تقريب
المعارف كتاب جيد في الكلام وفيه أخبار طريفة أوردنا بعضه في كتاب الفتن ، راجع
البحار ٢ / ٢٠ و ٣٨.
فأكثر من النقل
عنه في موارد عديدة في مجاره ، بالأخص في ثامن بحاره المختص بالبحث عن الفتن
ومطاعن القوم.
وكان عند الشيخ
الحر العاملي ، ونقل عنه في كتابه إثبات الهداة ٣٢ حديثا ، راجع :
إثبات الهداة ١ / ٣٠
و ٦٧٣ و ٧٣٣ ، ٢ / ١٩٨ و ٢٨٨ و ٥٢٨ ، ٣ / ٣٤٩ و ٥٨٦.
قال في أمل الآمل
٢ / ٤٦ : رأيت تقريب المعارف حسن جيد.
واعتمد عليه ونقل
عنه المير محمد أشرف في كتابه فضائل السادات ، كما ذكره العلامة الطهراني في
الذريعة ٤ / ٣٦٦.
وكان الكتاب عند
الشيخ أسد الله التستري ونقل عنه في كتابه كشف القناع في حجية الإجماع.
قال في كشف القناع
: ١٣١ : وقال في الجزء الأول من تقريب بالمعارف.
وقال فيه أيضا ص ١٣٣
: ولم أقف على سائر كتبه التي أحال التفصيل عليها ، ولا على الجزء الثاني من
التقريب ، والجزء الأول
عندي كان سقيما جدا ، وصححنا ما نقلنا عنه هنا بحسب الإمكان.
وشاهد العلامة
الشيخ الطهراني منتخب كتاب التقريب في هامش نسخة كفاية الأثر
_____________________
المكتوبة سنة ١٠٠٩
ه ، قال : في باب التوحيد والنبوة وأكثر في باب الإمامة ، ولم يعلم من انتخبه. راجع
: الذريعة ٨ / ٨٨ ، ٢١ / ١٨٦ ، ٢٢ / ٤٣٥.
وأخبر العلامة
السيد الأمين في الأعيان ٣ / ٦٣٥ عن وجود نسخة منه بمكتبة الحسينية في النجف
الأشرف.
ليس تقريب المعارف تلخيص كتاب
الشافي :
قال العلامة الشيخ
المجلسي في بحار الأنوار ٣٧ / ٢٥٢ : قال أبو الصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف
وقد لخصه من الشافي : ....
وفي الواقع أن
التعبير ب : لخصه من الشافي ، فيه نوع من المسامحة ، ويتضح هذا المطلب بأدنى
مقارنة بين الكتابين ، حيث يجد القارئ الفوارق الكثيرة بين الكتابين ، فأورد أبو
الصلاح الكثير من المباحث ما لا توجد في الشافي ، وكذلك طريقة استدلاله. وأورد
روايات كثيرة لم توجد في الشافي.
نعم ، من المتعارف
بين العلماء أن يجعلوا مد نظرهم عدة كتب وبحوث في تأليف كتبهم ، وهذا لا يعني
الاختصار بتاتا ، بالأخص إذا لاحظنا بعض بحوث التقريب مما تفرد بها أبو الصلاح ولم
يسبقه إليها سابق ، كما صرح بذلك نفس أبو الصلاح ، فمثلا قال في كتابه هذا ص ٥٧
بعد أن استدل على حدوث الأجسام بعدة طرق : ومن تأمل ما أوردناه من ذلك علم أنا
نهجنا طرقا واضحة في الاستدلال على جملة المعارف وسعنا بها المسلك لكل ناظر ونبهنا
على ما لم نسبق إليه منها ولم نضيق عليه الاستدلال تضييق من سلف من العلماء بهذا
الشأن ـ رضي الله عنهم ـ ومن عاصرناه والمنة لله وحده.
وبعد هذا البيان
يمكن لنا القول : بأن الحلبي تأثر في تأليفه لهذا الكتاب في بحث التوحيد والعدل
بكتاب الذخيرة للسيد المرتضى ... وفي بحث الإمامة وإبطال خلافة القوم بكتاب الشافي
للسيد المرتضى ... وفي بحث إمامة الحجة بن الحسن عجل الله فرجه بما كتبه
الشيخ الصدوق
والشيخ المفيد والسيد المرتضى في بحوثهم حول إمامة المهدي المنتظر وغيبته ، وروى
أحاديث كثيرة في إمامته عجل الله فرجه استخرجها من كتاب الكافي للكليني والغيبة
للنعماني.
وإذا تأملنا في
الكثير من الكتب المؤلفة في هذا المجال قبل أبي الصلاح الحلبي يمكن أن نجد بعض
الاتحادات في البحوث ، كما هو المتعارف عليه في سائر المؤلفات ، وهذا لا يعني
التلخيص ، والله العالم.
تحقيق الكتاب :
لم نعثر على أكثر
من نسخة واحدة لهذا الكتاب ، محفوظة في المكتبة العامة لآية الله المرعشي ، في
مدينة قم ، تحمل رقم (٢٢٦٣) ، تقع في (١٩١) صفحة ، ناقصة الآخر ، يرجع تاريخ
كتابتها إلى القرن العاشر أو القرن الهادي عشر الهجري ، وهذه النسخة غير مصححة ولا
مقابلة ، كثيرة الأغلاط ، رديئة الخط ، فكانت طريقتنا في تحقيق هذا الكتاب مشكلة
جدا.
فالقسم المطبوع من
الكتاب قابلناه مرة أخرى ، حيث عثرنا على بعض الأخطاء ، وقومنا نصه ، واستفدنا من
بعض هوامش الشيخ الأستادي ، كما واستفدنا من مقدمته للكتاب في ترجمة المؤلف.
والقسم غير
المطبوع منه ، استنسخناه حرفيا كلمة كلمة ، وبذلنا جهدا كثيرا في استنساخه ، وحاولنا
وبقدر الإمكان تصحيح الأغلاط الواقعة فيه ، وراجعنا كتب الرجال في ضبط أعلام
الكتاب ، واستفدنا من الكتب الناقلة عنه ، بالأخص البحار ، وقابلنا الموارد
المنقولة عن الكتاب فيها مع النسخة وأشرنا إلى بعض الاختلافات.
وحفاظا منا للأمانة
العلمية أشرنا إلى الموارد التي صححناها في الهامش.
وأضفنا عدة عناوين
للكتاب وضعناها بين معقوفين.
وفي نهاية الكتاب
وضعنا عدة فهارس تسهيلا للباحثين.
وكما عرفت أنا لم
نعثر إلا على نسخة واحدة لهذا الكتاب ، وحاولنا تصحيحه وإخراجه إلى الوجود خال من
الأخطاء ، ومع هذا فأملنا كبير بالمحققين والباحثين لإرشادنا إلى ما يعثرون عليه
من أخطاء غفلنا عن تصحيحها في هذه الطبعة ، لتداركها في الطبعة اللاحقة التي سنقوم
بإعدادها مع ترجمة الأعلام وتخريج الأحاديث والأقوال ... إن شاء الله.
|
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فارس
تبريزيان
الحسون
|




بسم الله
الرحمن الرحيم
وبه نستعين وهو ثقتي
الحمد لله رب
العالمين ، وصلاته على نبيه وآله الطاهرين وسلامه.
أما
بعد ، فإني مجيب على ما سألتمونيه أدام الله توفيقكم ، من إملاء
جمل العبارات على المعارف ، على وجه يزيد عن تقريب مخل ، ويغني عن إطالة ممل ، يطلع
بها متأملها على تكليفه العقلي ، ويقف منها على معظم الغرض الديني ، ويتنبه بها
المضطلع ، ويقتدي بها المبتدئ.
ومن الله تعالى
أستمد المعونة والتوفيق.
مسائل التوحيد
مسألة :[ في وجوب النظر]
أول الأفعال
المقصودة التي لا يصح خلو العاقل منها وجوبا النظر المؤدي إلى المعرفة يفرق ما بين
الحق والباطل.
لأن كل عاقل نشأ
بين العقلاء يعلم اختلافهم ودعوة كل فريق منهم إلى مذهبه وتخويفه من خلافه فيخافهم
لا محالة وإذا خاف وجب عليه التحرز مما خافه لعلمه ضرورة بوجوب التحرز من الضرر.
فلا يخلو أن يتحرز
باتباع الجل أو اطراح الجل أو اتباع بعض عن نظر أو تقليد.
واتباع الجل محال
للتنافي ما بينهم.
واطراح الجل يقتضي
كونه على ما كان عليه من الخوف.
واتباع البعض عن
تقليد لا يرفع خوفه مما أطرحه من المذاهب لتجويز كونه حقا ولا يقتضي سكونه إلى ما
ذهب إليه لتجويز كونه باطلا.
فلم يبق لتحرزه من
الضرر المخوف إلا النظر المميز للحق من الباطل فوجب فعله لكونه تحرزا من ضرر.
[ وليس لأحد أن
يعترضنا بأنّ : ] ما يعطينا هذا الاستدلال وجوب النظر للتحرز من ضرر المذاهب ولا
يفيد الوجه الذي يشترطونه في وقوع المعارف عن المتولدة عن النظر الموقع
الذي يستحق بها وبما تولدت عنه الثواب ويؤمن العقاب.
لأن الوجه الذي
لأجله وجب النظر على جميع الطرق كونه تحرزاً من
__________________
ضرر مخصوص، وهذا
الوجه حاصل في هذه الطريقة فيجب مساواتها لطريقتي العلم بالثواب والعقاب ووجوب
معرفة فاعل الحي وما هو عليه من النفع.
من حيث كان الناظر
عند الخوف من معرة أهل الحق والباطل إنما ينظر في الأدلة للوجه الذي خوفه الدائن
بها من كونه طرقا إلى معرفة من خلقه حيا قادرا عاقلا سميعا بصيرا وخلق
المنافع له وكلفه فعل الواجب وترك القبيح.
ليعلم بمعرفته
كونه منعما فيشكره ومكلفا لما يستحق الثواب عليه من فعل الواجب واجتناب القبيح
بفعل هذا والإخلال بذاك فيؤدي الواجب عليه من شكره فيحوز به المدح والثواب ويأمن
الذم والعقاب على الوجه الذي يستحق عليه الذم والمدح أقرب من الواجب وأبعد من
القبيح.
[ و ] وقوع نظره
على هذا الوجه موجب لحصول المعارف به للوجه الذي له وجبت بغير شبهة ومقتض لاستحقاق
الثواب بما فعله من النظر وتولد عنه من المعرفة.
وإن نظر في الشبه
فهو غير منفك من الخوف واستحقاق العقاب وفوت الثواب بترك النظر في أدلة المعارف.
وإذا لم ينفك من
الخوف منها والحال هذه فإنما ينظر في شبه المبطلين ليعلم هل هي شبه أم أدلة فمتى
وفى النظر حقه كشف له عن كونها شبها واضطره الخوف إلى النظر في الأدلة وأفضى به
إلى العلم بمدلولها.
فبان لحوق هذه
الطريقة في وجوب النظر بالأوليين في وقوعه موقعه وحصول المعارف عنه لوجهها وإن كان
ترتيبها مخالفا لترتيبها .
__________________
مسألة : [ في الأجسام وحدوثها ]
وأول منظور فيه
الأجسام لأن تقدير قدمها يسقط حكم التكاليف المكتسبة وتقدير حدوثها يعينها وطريق
العلم بحدوثها مبني على مقدمة ضرورية ونتيجة مكتسبة :
فالمقدمة حدوث ما
لم يسبق الحوادث.
والنتيجة إثبات
الجسم بهذه الصفة.
وتفتقر إلى إثبات
أغيار للجسم وأنها محدثة وأن الجسم غير سابق لها.
وطريق إثباتها
حصول العلم بصحة تنقله في الجهات وهو على ما هو عليه ووجوب اختصاصه ببعضها.
إذ لو وجب الأول
لم يزل متنقلا ولاستغنى عن ناقل ولو جاز الثاني في حال الاختصاص لم يكن جهة أولى
به من جهة فلا بد له من مقتض.
ولا يجوز أن يكون
جنسه ولا وجوده لصحة خروجه عن الجهة مع كونه جنسا وموجودا.
ولا يجوز أن يكون
عدم معنى لأن المعدوم لا يخصص ولا يؤثر.
ولا يجوز أن يكون
صفة بالفاعل لأنها الحدوث أو وقوعه على وجه وذلك يقتضي حدوث الجسم لحاجته في
الوجود إلى جهة ووجوب تقدم الفاعل لفعله وهذا غاية المطلوب.
ولأن كونها
بالفاعل يوجب اختصاصها بحال الحدوث ولمن أحدث موصوفها وتعلق به جميع صفاتها إذ من
المحال أن يحصل الحدوث لمن لا يقدر على الحادث ولا على جميع صفاته أو يحصل كيفية
الحدوث في حال البقاء كفعلي وفعل غيري.
واختصاص الجسم
بالجهة لمن لا يقدر على ذاته ولا على جميع صفاته وفي حال بقائه كحدوثه يحيل كون
ذلك بالفاعل.
فثبت أن المقتضي
لهذا الحكم أمر غير الجسم .
وانتقال الجسم عن
الجهة إلى غيرها يقتضي بطلان ما كان أوجب اختصاصه بالأولى وتجدد ما خصصه بالثانية
لاستحالة الكمون والانتقال على الأعراض .
وتجدد الشيء عن
عدم حقيقة في حدوثه وعدمه بعد الوجود يحيل قدمه لوجوب وجود القديم وما ليس بقديم
محدث.
وكون الجسم متحيزا
يوجب حاجته إلى جهة قد بينا استناد اختصاصه بها إلى معنى فلو جاز خلوه منه لخلا
منها وذلك محال لكونه متحيزا .
فثبت أن وجوده
مضمن لوجود الحوادث وقد علمنا ضرورة حدوث ما له هذا الحكم فوجب إلحاق هذا التفصيل
بتلك الجملة.
طريقة أُخرى
معلوم أن للأجسام
أحكاما هي عليها مدركة وغير مدركة :
فالمدركة الألوان
والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والآلام المبتدأة.
وغير المدركة
الرطوبة واليبوسة والشهوة والنفور والحياة والقدرة والعلوم الضرورية التي هي من
كمال العقل.
وطريق إثبات
الجميع أغيارا للجسم طريق إثبات الأكوان وقد بيناه.
ويدل في المدركات
خاصة أن الإدراك يتعلق بأخص صفات المدرك وأخص صفات ذاته على ما وضح برهانه في غير
موضع.
فلا يخلو أن يتعلق
الإدراك بذات الجسم أو بصفة له نفسية أو بالفاعل ،
أو بذات غير الجسم
أوجبت حكم المدرك له.
ولو كان متعلقا
بذات الجسم لاستمر حكمه باستمرار بقاء الجسم والمعلوم خلاف ذلك ولوجب أن لا يختلف
الحكم في الإدراك ولا يتغاير العلم الحاصل عنده لكون ذات الجسم واحدة متماثلة
الجنس وفي اختلاف ما يتعلق به الإدراك وتغاير الحكم عنده في التعلق دليل على تعلقه
بغير الجسم ولأن الإدراك يتعلق ببعض هذه المدركات ويبطل حكمه لبطلانها بضد ويحصل
للمدرك حكم بإدراك الضد الثاني يخالف حكم المدرك المنتفى عنه والجسم باق على ما هو
عليه في كلا الحالين فبطل تعلق الإدراك به.
ولمثل هذا يبطل
تعقله بصفة له نفسية.
وتعلق الإدراك
بأخص صفات المدرك يحيل كون هذه المدركات صفة بالفاعل ولأن صفات الفاعل هي الحدوث
أو وقوعه على وجه وهذه الصفات متجددة في حال بقاء الجسم ولأن حصول العلم بها
متغايرة منفصلة من العلم بذات الجسم يحيل كونها صفات بالفاعل.
فثبت تعلق الإدراك
بذات غيره وهي محدثة لتجددها للجسم بعد عدم وبطلانها عن وجود لأن تضادها يمنع من
كمونها واستحالة قيامها بأنفسها يحيل الانتقال عليها.
ولو كانت صفات
بالفاعل مع استحالة ذلك لصح الاستدلال بتجددها بعد عدم وانتفائها عن وجود إذ ذلك
دليل على حدوثها وإذا ثبت حدوثها ذوات كانت أو صفات اقتضى ذلك حاجتها إلى محدث
قديم لنفسه ذات صفات نفسية تستحيل على الأجسام على ما بينته وذلك يقتضي حدوث
الأجسام من حيث كان قدمها يقتضي مماثلتها للقديم سبحانه في جميع الصفات
__________________
المعلوم استحالتها
عليه وما ليس بقديم من الموجودات محدث.
طريقة أُخرى
لو كان المتحيز
موجودا لم يزل لوجب اختصاصه في تلك الحال بجهة لما هو عليه في ذاته أو لمقتض قديم
إذ إسناد ذلك إلى مقتض يحدث أو بالفاعل لا يتقدر ولو كان كذلك لاستحال خروج كل
متحيز عن جهته لاستحالة العدم على القديم وخروج الموصوف عن صفته النفسية وهو موجود.
وفي علمنا بصحة
خروج كل متحيز عن جهته ووجوب ذلك في المنتقل منها وتباين المتجاورين وتجاور
المتباينين دليل على أنه لم يختص الجهة لنفسه ولا لمقتض قديم ولأنه لو اختص الجهة
لنفسه مع تماثل المتحيزات لوجب كون جميعها في جهة واحدة للاشتراك في صفة النفس
وذلك محال.
وكذلك الحكم لو
اختصها لمقتض قديم لأن القديم قديم لنفسه والاشتراك في صفة النفس يقتضي الاشتراك
في مقتضاها وذلك يوجب اختصاص سائر المتحيزات بجهة واحدة لاشتراك الجل في مقتضى
التخصص بالجهة وذلك محال فاستحال له قدم شيء من المتحيزات وما ليس بقديم من
الموجودات فهو محدث.
وإذا تقرر ذلك
فالناظر مخير بين الاعتماد في حدوث الأجسام :
على هذه الطريقة
الأخيرة وبناء جميع المعارف عليها.
وبين الطريقة
الأولى في حدوث الأجسام لكونها غير خالية من الحوادث.
وبين أن يستدل
بحدوث المعاني الخارجة من مقدور المحدث على إثباته
__________________
تعالى وما يجب
إثباته تعالى عليه من الصفات النفسية والجائزة وحسن أفعاله وما يتعلق بذلك من
مسائل المعارف لخروجها أجمع عن مقدور الجسم كالجسم.
وبين أن يستدل
بحدوثها بجل جنس منها بانفراده على إثبات جميع المعارف.
وبين أن يستدل
بحدوثها على إثبات محدثها وما يختصه تعالى من الصفات المستحيلة على الأجسام على
الوجه الذي سلف.
فيعلم بذلك حدوث
الأجسام إذ كل واحد من هذه الطرق دليل واضح على جملة المعارف.
ومن تأمل ما
أوردناه من ذلك علم أنا نهجنا طرقا واضحة في الاستدلال على جملة المعارف وسعنا بها
المسلك لكل ناظر ونبهنا على ما لم نسبق إليه منها ولم نضيق عليه الاستدلال تضييق
من سلف من العلماء بهذا الشأن رضي الله عنهم ومن عاصرناه والمنة لله تعالى.
مسألة : [ في إثبات المحدث ]
إثبات المحدث
يبتني على جملة وتفصيل.
فالجملة مبنية على
دعائم أربع :
أولها
: إثبات حوادث في
الشاهد.
وثانيها : إضافتها إلى محدث منا.
وثالثها
: تخصيص حاجتها
إليه في حدوثها.
ورابعها : بيان إيجاب حاجة كل محدث في حدوثه إلى محدث.
والتفصيل إثبات
حوادث يستحيل تعلقها بمحدث.
فأما الدلالة على
إثبات الدعوى الأولى من الجملة : فقد سلفت، حيث
بينا حدوث
الأكوان.
وأما الدلالة على
الدعوى الثانية فمعلوم وجوب وقوع التأثيرات من المؤثر منا بحسب أحواله من علومه
وقدره وإرادته ولو كانت فعلا لغيره لم يجب ذلك فيها.
وأما الدلالة على
الدعوى الثالثة فمعلوم استغناء الحادث قبل وجوده وبعد وجوده عن فاعل لجعله وما بعد
أو باقيا فلم يبق من صفاته ما يصح حاجته إلى مؤثر غير حدوثه.
ولأنا إنما علمنا
كون التأثيرات فعلا لمؤثرها لوقوعها بحسب قصده والمتجدد عند القصد من أحوال
المقصود إليه هو الحدوث فيجب تخصص الحاجة به إذ كان العلم بنفس الحاجة لا ينفصل من
العلم بوجه الحاجة.
وأما الدلالة على
الدعوى الرابعة فهو إنا إذا بينا وقوف الحدوث على محدث وأحلناه من دونه وجب الحكم
على كل حادث بحاجته إلى محدث للاشتراك في جهة الحاجة.
وأما التفصيل فقد
علمنا حدوث الأجسام والأجناس المخصوصة وعلمنا توفر دواعي المحدثين إليها وتعذرها
عليهم لغير وجه معقول وما تعذر ذلك فمستحيل.
فتجب حاجتها إلى
محدث لكون ذلك تفصيلا للجملة المدلول على صحتها ليس بطبيعة ولا علة ولا جسم ولا
عرض.
لكون الطبع والعلة
غير معقولين فلا يصح إضافة شيء إليهما ولخروجهما عند مثبتهما عن صفة المتحيز وكون
فاعل العالم بهذه الصفة على ما بينته ولوجوب تأثيرهما عنده واستناد حدوث الأجسام
إلى الجواز إذ لو وجب
__________________
حدوثها لم ينفصل
ذلك عن ذواتها وذلك يقتضي وجوب وجودها في كل حال ويحيل عدمها في حال وقد دللنا على
كونها معدومة على قبل هذا الوجود ولتعذر الأجناس المخصوصة على جنس الجواهر
والأعراض حسبما أشرنا إليه ونستوفيه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
مسألة : [ في كونه تعالى قادرا
]
ولا بد من كون
فاعلها سبحانه قادرا لوقوعها منه ووجوب كون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة
لمن تعذر عليه لو لا ثبوتها له دونه لتعذر منهما أو صح منهما واتفاق الفصحاء على
وسم من كان كذلك قادرا وليس لأحد أن يسند هذه الصفة إلى من تعذر عليه الفعل دون من
صح منه.
لأن الجوهر
المعدوم لا يخلو أن يكون عليها أو ليس عليها فإن كان عليها وجب تعذر الفعل عليه
وإن وجد وإن لم يكن عليها صح منه الفعل في حال العدم وكلا الأمرين مستحيل.
ولأن صحة الفعل
تأثير لا يجوز إسناده إلى النفي لاستحالة حصوله معه فوجب إضافته إلى ثبوت صفة.
مسألة : [ في كونه تعالى عالما
]
ولا بد من كونه
تعالى عالما لثبوت صفة الأحكام في أكثر أفعاله تعالى وافتقار هذه الصفة إلى أمر
زائد على كون القادر قادرا لتعذر تحصيلها على أكثر
__________________
القادرين ووصف
الفصحاء من حصلت له بكونه عالما.
وليس لأحد أن يقدح
في ذلك بأن التأليف مقدور للمحدث ولا يمكن إضافته إلى القديم سبحانه قطعا وإذا جاز
إضافته إلى غيره ومعه يكون الأجناس محكمة لم يمكن إثباته تعالى عالما.
لأن هذا يسقط بأول
حي من حيث استحال إضافة تأليفه إلى غيره تعالى.
ولا له أن يقدح
بوجود ما ليس بمحكم من أفعاله تعالى في كونه عالما.
لأنّ ما ليس بمحكم يصح وقوعه ممن ليس بعالم وصحة الاستدلال به على كون فاعله غير
عالم.
وهذه الطريقة مبنية
على حدوث الأجسام بالطريقة الأولة.
وعلى الطريقة
الثانية أنا قد علمنا وجودها في الجواهر على وجوه مخصوصة ومقادير معلومة لها كانت
الجواهر ذهبا وفضة وعنبرا ومسكا وماء ودهنا وعظما وعصبا وعروقا ولحما وشعرا وصوفا
وريشا إلى غير ذلك من أجناس الجماد والحي وما هما عليه من البنى والصفات والهيئات
المختلفة مع تساويهما في كونهما جواهر وحلول هذه الأجناس فيهما وذلك يقتضي كون
موجدهما في هذه المحال عالماً.
مسألة : [ في كونه تعالى حيا ]
ولا بدّ من كونه سبحانه حيا لثبوت كونه قادرا عالما.
وافتقار هاتين
الصفتين إلى كون موصوفهما حيا لحصول العلم بفرق ما بين من صح أن يعلم ما لا يعلمه
ويقدر على ما لا يقدر عليه كالأمي الذي يصح أن يعلم الكتابة والضعيف الذي يصح أن
يحمل الثقيل ومن لا يصح ذلك
فيه كالجماد
والموات وهما على حالهما هذه ووجوب استناد ذلك إلى صفة زائدة لمن صح منه الأمران
ليست حاصلة لمن استحالا فيه لو لا ثبوتها له لارتفع الفرق المعلوم.
ووصف أهل اللسان
العربي من كان كذلك بأنه حي.
وليس لأحد أن يقدح
في ذلك بأن المصحح لكون الحي حيا هو العلم والقدرة وهما يستحيلان عليه تعالى فيجب
أن لا يكون حيا.
لأن المصحح لكون
الذات حية كونها قادرة عالمة دون العلم والقدرة.
يوضح ذلك بأن
علمنا بكونها قادرة عالمة كاف في إثباتها حية وإن لم نعلم هناك قدرة ولا علماً.
مسألة : [ في كونه تعالى موجودا
]
ويجب أن يكون
تعالى موجودا لاستحالة وقوع التأثيرات من معدوم لأنه لو أثر معدوما لم يكن فرق بين
وجوده وعدمه.
مسألة : [ في كونه تعالى قديما
]
ويجب أن يكون
تعالى قديما لأنه لو كان محدثا لتعذر عليه تعالى ما يتعذر على المحدث من الأجناس
وفي اختصاصها به سبحانه دليل على قدمه.
وإسناد ذلك إلى
كونه تعالى قادرا لنفسه يقتضي كونه قديما أيضا لاستحالة كون المحدث قادرا لنفسه
لتماثل جنس المحدث القادر ووجوب اشتراك المتماثلين في صفة النفس وتعذر الحصر
والاختصاص في مقدوراته تعالى وحصول العلم باختصاص المحدثين ببعض الأجناس وانحصار
ما يقدرون عليه
منها ووجود أكثر
الجواهر الموجودة غير قادرة.
طريقة اُخرى
لو كان فاعل
الأجناس محدثا لاحتاج إلى محدث وذلك يقتضي وجود ما لا يتناهى أو إثبات قديم بغير
دليل وكلا الأمرين محال.
وقلنا إن تقدير
حدوث فاعل العالم يمنع من إثبات قديم.
بدليل أنه إذا جاز
وجود سائر الأجناس من محدث جاز إسناد إحداثه إلى محدث إذ لا يكون المحدث إلا من
أجناس المحدثات فيتعذر إثبات قديم تستند الحوادث إليه فيلزم ما قلناه من وجود ما
لا نهاية له مع استحالته بدليل وجوب حصر ما وجد.
طريقة أخرى مختصة
بالمعاني المذكورة
قد علمنا حدوث
الحياة والقدرة والألوان والطعوم وسائر ما ذكرناه من الأجناس المخصوصة وأن لها
محدثا قادرا عالما حيا موجودا :
لا يخلو أن يكون
قادرا لنفسه أو بقدرة ولو كان قادرا بقدرة لتعذرت عليه سبحانه هذه الأجناس كتعذرها
على الأجسام القادرة بقدرة أو ... سبحانه فثبت أنه
تعالى قادر لنفسه :
لا يخلو أن يكون
قديما أو محدثا وكونه قديما يصحح ما قلناه وكونه محدثا يقتضي حاجته إلى محدث بعد
محدث وقد بينا فساد ما يؤدي إليه ذلك.
ولو صح تقدير قديم
تنتهي الحوادث إليه مع استحالته لم يقدح في طريقتنا لأن كونه فاعلا يقتضي كونه
قادرا لنفسه أو بقدرة وكونه قادرا بقدرة
__________________
يحيل تعلق إيجاد
حي قادر عليه به كتعذر ذلك على كل قادر في الشاهد لكونه قادرا بقدرة وكونه قادرا
لنفسه يقتضي مشاركة فاعل هذه الأجناس له في القدم لمشاركته له في صفة النفس.
فصح الاستدلال
بهذه الأجناس على جملة المعارف من دون العلم بحدوث الأجسام.
ودل ذلك على حدوث
الأجناس على الوجه الذي بيناه بضد ما ظنته المعتزلة من تعذر الاستدلال على حدوثها
بغير الأكوان وإثبات محدث من دون حدوث الأجسام المنافي لما تضمنه القرآن من
الاستدلال بتجدد صفات الأجسام التي ذكرناها على إثباته تعالى وما يجب كونه عليه
سبحانه ويجوز ويستحيل.
كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ
تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ
وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا
أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ
بَهِيجٍ ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . وأمثال هذه الآيات.
وقد علمنا أن
الاستدلال منها بتجدد الجواهر لا يمكن لصحة تنقلها في الجهات وتجويز كل ناظر لذلك
يمنع من القطع على وجودها في الحال بعد عدم.
ولأنه سبحانه كرر
الاستدلال بصفة متجددة للجواهر بعد صفة ولو كان
__________________
الاستدلال
بالجواهر لكان الاقتصار على التراب كافيا ولم يكن لتكرير الصفات معنى لأن جواهر
الموصوف موجود منذ أخبر سبحانه بالتراب.
ولأن تعليق
الاستدلال بالجواهر لا يدل لو دل إلا بذكر التراب دون ما بعده لكون جواهر النطفة
هي جواهر التراب وجواهر العلقة هي النطفة والمضغة هي العلقة والعظم هو المضغة.
فلم يبق لاستدلاله
سبحانه بالآيات إلا التنبيه على تجدد الأجناس التي ذكرناها الحالة في الجواهر
الدالة بتجددها على أن لها مجددا وبتعذرها على الأجسام على كونه سبحانه مخالفا لها
وبكونها محدثة على أنها مربوبة له.
بخلاف ما ذهبت
إليه المعتزلة من الفتيا القادحة في حجة القرآن وحكمة منزله سبحانه وتعالى عما
يقولون علوا كبيرا.
وإنما قلنا بتعذر
جنس الجواهر وما ذكرناه من أجناس الأعراض ومقاديرها ووجوهها الدالة على كون فاعلها
عالما على الحي القادر من الأجسام لتوفر دواعيه إليها وخلوصها من الصوارف في أكثر
الأحوال وتعذر تحصيلها من غير مانع معقول وما تعذر لا لمانع فإنما تعذر للاستحالة
إذ بها حصل الفرق بين المستحيل والجائز.
وإلا قد بينا أن
الجسم لا يكون إلا قادرا بقدرة والقدر من حيث كانت قدرا يستحيل بها فعل شيء من هذه
الأجناس لا مباشرة ولا متولدة بدليل استعمال محل القدرة والاعتماد في سائر الجهات
ولا يحصل شيء من هذه الأجناس.
فالاختراع متعذر
بجنس القدر بدليل افتقارها في التأثير إلى استعمال محلها على طريقة واحدة ولما
يجده الحي من عظيم المشقة في مباشرة بعض
__________________
الأفعال لمحل
القدر ولو كان الاختراع مقدورا للقدر لم يكن لقادر إلى تحمل المشاق داع.
وليس لأحد أن يقول
إن المانع من حصول هذه الأجناس من المحدث هو فقد علم أو آلة أو بنية أو قدرة لو
فعلت للمحدث لتأتى بها ما تعذر.
لأن العلم والآلة
والبنية إنما يحتاج إليها في وجه الفعل دون حدوث جنسه فلا يجوز أن يكون فقدها
مؤثرا في تعذر الجنس والمقدور.
يوضح ذلك صحة وقوع
الأجناس المقدورة المفتقر حصولها على الوجوه إلى العلم والبنية والآلة من دونها
ولأن العلم وأكثر الآلات مقدور به للجسم فلو كان التعذر مستندا إليها لصح من بعض
الأجسام تحصيلها ولم يتعذر بهما إيجاد الجواهر والحياة وسائر الأجناس ويفعل له
القديم سبحانه ما لا يقدر عليه من الآلات والبنى فيصح ذلك منه والمعلوم خلاف ذلك.
والقدر وإن اختلفت
فمقدورها متفق بدليل تساوي أحوال القادرين بقدر فيها يصح من كل منهم ويتعذر عليه
ولو صح اختلاف متعلقها لجاز وقوع قادرين على الأكوان دون الأصوات وعلى الإرادات
دون الاعتقادات والمعلوم خلاف ذلك.
ولأن تقدير قدرة
يصح بها ما يتعذر بهذه القدر ينقض أحكام سائر الأجناس وما يستند به كل جنس منها من
الحكم الراجع إلى ذاته فيصح وجود كون يصح به الفعل وطعم يتعلق بالمعلومات وقدرة
وعلم يوجبان للمحل حكم الطعم واللون وإن كان الموجود من هذه الأجناس بخلاف ذلك وهذا
غاية في التجاهل.
ولأن ذلك يصحح
وقوع الجواهر والحياة في أكثر الأجسام بأن يفعل لها
قدر يصح بها وهو محال.
ولأن القدر لو
اختلف متعلقها لصح بالقدرة الواحدة حمل الحمل ولتعذر ببعضها ما يصح بالبعض فيكون
بعض القادرين مختصا ببعض المقدورات وذلك بسط الفساد.
وبهذا نعلم تعذر
إضافة ما عليه الأجسام من الصفات المخصوصة إليها لأن تعذر الأجناس منها يحيل تعلق
وجوهها ومقاديرها التي لها اختلفت الأجسام لأنه لا يقدر على تحصيل الذات على وجه
ويوجد من الجنس مقدارا دون مقدار من لا يقدر على ذواتها ونقلها من محل إلى محل
مستحيل.
وليس لأحد أن
يعترضنا لإدخال العلم الضروري في جملة الأجناس المتعذرة على المحدث مع كونه مقدور
الجنس لكل محدث.
لأن العلم وإن كان
مقدورا للمحدث ففعله في غيره مستحيل بدليل توفر الدواعي إلى تعلم من يهم تعليمه
وتعذر ذلك لغير وجه معقول إلا الاستحالة ولأن العلم منا لا يقع إلا متولدا أو
مستندا إلى توليد ولا سبب له إلا النظر والنظر من أفعال القلوب ولا جهة له وما لا
جهة له لا تعدى به الأفعال.
وإذا تعذر فعل
العلم في الغير على المحدث لم يجز إسناد العلوم الضرورية إلى غير العالم بها من
المحدثين ولا إضافتها إليه لكونه مضطرا إلى معلومها وحصولها له ابتداء من قصد وإذا
تعذرت إضافتها إلى العالم بها وغيره من المحدثين ثبت اختصاصها بالقديم سبحانه.
وكذلك القول في
الألم المبتدأ تستحيل إضافتها إلى المحدث لأنه لا يقدر عليه إلا متولدا عن الوهي بغير شبهة فإذا
علمنا وجود آلام مبتدأة غير
__________________
متعلقة بنا علمنا
أنها جارية مجرى العلوم الضرورية والحياة والأجناس المذكورة فدلت كدلالتها.
وإذا ثبت كونه
سبحانه قديما لم يخل أن يكون قديما لنفسه أو لمعنى قديم أو محدث أو بالفاعل.
وكونه كذلك لمعنى
محدث أو بالفاعل محال لتجدد مقتضى ذين الصفتين وحصول الوجود للقديم فيما لم يزل.
وإسناد ذلك إلى
معنى قديم لا يصح لأن القول فيه ولم كان كذلك كالقول في فاعل العالم سبحانه فإما
وجود ما لا نهاية له من المعاني القديمة أو الانتهاء إلى قديم لنفسه يجب معه كون
القديم سبحانه كذلك من دون معنى قديم.
مسألة : [ في كونه تعالى قادرا فيما
لم يزل ]
وهو سبحانه قادر
فيما لم يزل لأن تجدد كونه قادرا يقتضي كونه كذلك لحصول قدرة يستحيل إحداثها به أو
بغيره لأن تقدير كونه سبحانه غير قادر يحيل كونه فاعلا لقدرة وغيرها.
وغيره إن كان
قديما لم يخل أن يكون قادرا أو غير قادر وكونه غير قادر يحيل كونه فاعلا وكونه
قادرا لم يزل يوجب مساواة القديم سبحانه له في ذلك لاشتراكهما في القدم على ما
نبينه وكونه قادرا بعد أن لم يكن يوجب حاجته إلى قادر والقول فيه كالقول فيه فيؤدي
إلى وجود ما لا نهاية له أو إلى قادر لم يزل
__________________
يجب معه كون
القديم كذلك لأنا سنبين استحالة وجود قديم ثان
وإن كان محدثا لم
يجز وقوف كون القديم سبحانه قادرا على فعل القدرة له لتعلق إحداثه به ووجوب كونه
قادرا قبله ولأن جنس القدر يتعذر على المحدث بدليل توفر دواعيه إليها عند الحاجة
وتعذرها لا لوجه إلا الاستحالة وإذا استحال كونه قادرا بقدرة محدثة مع ثبوت كونه قادرا
ثبت كونه كذلك فيما لم يزل.
مسألة : [ في كونه تعالى حيا
موجودا ]
وإذا ثبت كونه
تعالى قادرا فيما لم يزل ثبت كونه حيا موجودا فيما لم يزل لوجوب كون القادر حيا
موجودا.
مسألة : [ في كونه تعالى عالما
فيما لم يزل ]
وهو تعالى عالم
فيما لم يزل لأن تجدد ذلك يقتضي كونه عالما بعلم محدث لا يجوز إسناد إحداثه إليه
ولا إلى غيره قديم ولا محدث لأنه لو خلا من كونه عالما لم يصح منه فعل العالم
لنفسه لافتقار تجدد العلم إلى كون فاعله عالما من حيث لم يكن جنس الفعل وإنما هو
وقوع الاعتقاد على وجه دون وجه وما هو كذلك لا يقع إلا عن قصد مخصوص يفتقر إلى كون
فاعله عالما.
ولأنا متى تتبعنا
العلوم وجدنا أجمع يفتقر إلى كون فاعلها عالما ولا يجوز أن يكون من فعل
غيره قديما كان أو محدثا لما بيناه في قادر والعلم وإن
__________________
كان من مقدورات
المحدث ففعله في غيره مستحيل كاستحالة فعل القدر لنفسه وببعض ما تقدم يسقط تحصيل
صفة القادر والعالم له بالفاعل وإذا استحال إحداث علم له تعالى أو صفة العالم وثبت
كونه عالما ثبت كونه كذلك لم يزل.
مسألة : [ في كون صفاته تعالى
نفسية ]
وهذه الصفات نفسية
لوجوبها له تعالى وكون الصفة الواجبة نفسية بدليل استغناء ما وجب من الصفات
للموصوف عن مؤثر ووقوف الجائز منها على مقتض.
وأيضا فقد علمنا
أن من حق الصفة النفسية أن لا يعلم الموصوف إلا عليها لكونها مقتضاة عن الذات
وصفات المعاني والفاعل بخلاف ذلك لاستنادها إلى مؤثر مغاير للموصوف يصح أن يحصل
وأن لا يحصل وإذا وجبت هذه القضية في صفات النفس وكانت حاصلة فيما هو عليه سبحانه
من الصفات التي أثبتناها ثبت أنها نفسية.
وليس لأحد أن يقول
ما أنكرتم وإن كانت هذه الصفات واجبة له تعالى ولا يعلم إلا عليها أن يكون لمعان
قديمة.
لأن ذلك يقتضي نقض
صفات النفس ويمنع من تميزها من صفات المعاني والفاعل وذلك محال ولأن القول بقدم
الصفة أو حدوثها فرع لثبوتها وقد بينا انسداد طريق إثبات صفاته تعالى لمعان جملة
فسقط الاعتراض.
مسألة : [ في عدم جواز خروجه
تعالى عن هذه الصفات ]
ولا يجوز خروجه
تعالى عن هذه الصفات لاستنادها إلى النفس
المستحيل مفارقتها
للموصوف ما وجد وكونه تعالى قديما لنفسه ووجوب الوجود لمن هو كذلك في كل حال.
مسألة : [ في كونه تعالى سميعا
بصيرا ]
وهو تعالى سميع
بصير لكونه تعالى حيا يستحيل عليه الآفات بدليل وصف الحي الذي لا آفة به بذلك
وليستا صفة زائدة على كون الحي حيا إذ لو كانتا زائدتين على كون الحي حيا لجاز
وجود حي لا آفة به لا يوصف بهما بأن لا يؤخذ تلك الصفة له أو يؤخذ في غير حي فيوصف
بهما والمعلوم خلاف ذلك.
مسألة : [ في كونه تعالى مدركا
]
وهو تعالى مدرك
بشرط وجود المدرك والإدراك حكم زائد على سائر صفات الحي بدليل حصوله من دونها أجمع
وثبوتها مع عدمه وثبوته يقف على كون الذات حية لا آفة بها بشرط وجود المدرك
وارتفاع الموانع لتعذر حصوله لمن ليس بحي أو من به آفة من الأحياء أو للحي السليم
مع عدم المدرك أو وجوده مع حصول مانع ووجوب حصوله مع تكاملها والمقتضي له كون الحي
المدرك حيا مدركا وما عداه شروط لرجوع حكمه إلى الجملة الحية وانفصال ما عداه منها.
وهو متميز من صفات
النفس والمعاني والفاعل لأنه لو كان نفسيا لوجب حصوله لكل جوهر موجود حيا كان أو
مواتا لتماثلها وأدنى ذلك لكل حي لأنه لا شرط لظهور صفات النفس إلا الوجود وقد
علمنا وجود كثير من الجواهر الحية والجماد من دون حكم الإدراك.
ولو كان لمعنى أو
بالفاعل لجاز تكامل ما قدمناه من المقتضي والشروط من دونه بأن لا يوجد ذلك المعنى
أو لا يفعله القادر إن كان صفة أو يوجد المعنى أو صفة الفاعل فيمن لم يتكامل له
الشروط التي ذكرناها فيحصل حكمه والمعلوم خلاف ذلك فثبت تميزه من جميع الصفات.
وإذا تقرر هذا
وعلمناه تعالى حيا يستحيل عليه الآفات والموانع فلا بد من كونه مدركا متى وجد
المدرك لحصول المقتضي لهذا الحكم وثبوت الشرط.
مسألة : [ في كونه تعالى مريدا
]
وهو سبحانه مريد
لوقوع أفعاله على وجه دون وجه وفي حال دون أخرى وافتقار وقوع الأفعال على ذلك إلى
كون فاعلها مريدا لتعلق كونه قادرا عالما بجميعها على حد سواء فلا يجوز إسناد
وقوعها على الوجوه وفي الأوقات المخصوصة إلى كون فاعلها قادرا عالما.
وإرادته فعله
لاستحالة كونه مريدا لنفسه مع كونه كارها لأن ذلك يقتضي كونه مريدا كارها لكل ما
يصح كونه مرادا وذلك محال ولأن ذلك يوجب كونه مريدا لكل ما يصح إرادته من الحسن
والقبح وسنبين فساد ذلك.
أو بإرادة قديمة
لفساد قديم ثان ولأن ذلك يقتضي قدم المرادات أو كون إرادته عزما وكلا الأمرين
مستحيل وكونها من فعل غيره من المحدثين محال لأن المحدث لا يقدر على فعل الإرادة
في غيره لاختصاص إحداثها بالابتداء وتعذر الابتداء من المحدث في غيره ويستحيل وجود
قديم ثان على ما نبينه فلا يمكن تقدير إحداثها به.
وهي موجودة لا في
محل لاستحالة حلولها فيه تعالى لكونه قديما يستحيل كونه بصفة المحال وحلولها في
غيره في حي أو جماد يقتضي اختصاص حكمها
بما حلته ويحيل
تعلقها به تعالى فثبت وجودها لا في محل ولوجودها على هذا الوجه الذي له انقطعت عن
كل حي ما وجب اختصاصه به تعالى.
مسألة : [ في نفي الصفات
الزائدة له تعالى ]
ولا صفة له تعالى
زائدة على ما ذكرناه لأن الطريق إلى إثباته تعالى هو العقل فلا يجوز إثباته تعالى
على صفة لا يقتضيها الفعل بنفسه ولا بواسطة كما لا يجوز أن نثبت للمدرك صفة لا
يقتضيها الإدراك.
والذي يدل عليه
الفعل بنفسه وهو مجرد وقوعه كونه تعالى قادرا وبإحكامه على كونه عالما وبترتبه على
الوجوه على كونه مريدا ولم يبق للفعل صفة زائدة وإثبات ما لا يدل عليه الفعل
جهالة.
وليس لأحد أن يقول
إنكم قد أثبتم صفات خارجة عما ذكرتموه لا يقتضيها الفعل.
لأنا لم نثبت له
تعالى من الصفات إلا ما له تعلق بالصفات التي دل عليها الفعل أما كونه حيا موجودا
فلكونه قادرا وسميعا بصيرا مدركا من أحكام كونه حيا وكونها نفسية كيفية في
استحقاقها.
مسألة : [ في كونه تعالى لا
يشبه المحدثات ]
وهو تعالى لا يشبه
المحدثات المتحيزة وما حلها من الأعراض لقدمه تعالى وحدوث هذه الأجناس.
مسألة : [ في استحالة إدراكه
تعالى بالحواس ]
يستحيل إدراكه
تعالى بشيء من الحواس لاختصاص حكم الإدراك المعقول بالأجسام والأعراض وليس كذلك
وإدراك لا يعقل لا يجوز إثباته ولأنه تعالى لو كان مدركا بشيء من الحواس لوجب أن
ندركه الآن لكوننا على الصفة التي لها يجب إدراك الموجود مع ارتفاع الموانع.
مسألة : [ في كونه تعالى غنيا ]
وهو تعالى غني
يستحيل عليه الحاجة لاختصاصها بمن يجوز عليه الضر والنفع واختصاصهما بمن يلذ ويألم
واختصاصهما بذي الشهوة والنفار وكونهما معنيين يفتقران إلى محل متحيز وكونه تعالى
قديما يحيل كونه متحيزا واستحالة تحيزه يحيل اختصاص المعاني به وإذا استحال عليه
الشهوة والنفار استحال عليه اللذة والألم.
وأيضا فلا يخلو أن
يكون مشتهيا لنفسه أو لمعنى قديم أو محدث وكونه مشتهيا لنفسه يوجب كونه مشتهيا لكل
ما يصح كونه مشتهى وذلك يؤدي إلى إيجاد ما لا يتناهى من المشتهيات وإلى أن لا
يستقر أفعاله على قدر مخصوص ولا بوقت معين وإلى أن يكون ملجأ إلى إيجاد المشتهى
وذلك كله محال.
ولا يجوز أن يكون
كذلك لمعنى قديم لصحة تعلقه بما يتعلق به شهواتنا الحادثة ـ والاشتراك في
جهة التعلق يقتضي تماثل المتعلقين ولا يجوز أن يكون
__________________
القديم مماثلا
للمحدث وأيضا فإن كونه مشتهيا لمعنى قديم يقتضي كونه ملجأ إلى فعل المشتهى وإلى أن
لا يستقر أفعاله على قدر ولا وجه كما قلناه لو كان كذلك للنفس.
ولا يجوز أن يكون
مشتهيا لمعنى محدث لأنه لا يجوز أن يكون كذلك أو لا لمعنى من فعله تعالى وذلك
يقتضي كونه ملجأ إلى فعل الشهوة والمشتهى وذلك محال فاستحال كونه مشتهيا.
واستحالة الشهوة
عليه يقتضي استحالة النفور لكونه ضدا لها ولا شبهة في أن استحالة أحد الضدين على
الشيء يحيل الضد الآخر ولأنه لو كان نافرا للنفس أو لمعنى قديم لم يصح منه إيجاد
شيء لكونه نافرا عنه ولا داعي إلى فعل ما له هذه الصفة ونفور محدث لا داعي إليه
وما لا داعي إليه منه تعالى يستحيل إيجاده فثبت استحالة الشهوة والنفار عليه تعالى
وإذا استحالا فيه سبحانه استحال عليه الضر والنفع ومن لا يصح عليه الضر والنفع لا
تتقدر فيه الحاجة وإذا استحالت عليه الحاجة ثبت كونه غنيا.
مسألة : [ في كونه تعالى واحدا
]
وهو سبحانه واحد
لا ثاني له في القدم والاختصاص بما ذكرناه من الصفات النفسية لأنه لو جاز وجود
قديمين قادرين لأنفسهما لم يخل أن يكون مقدورهما واحدا من حيث كانا قادرين لأنفسهما
أو متغايرا من حيث كانا قادرين وكون مقدورهما واحدا يحيل كونهما قادرين وتغاير
مقدورهما يحيل كونهما قادرين لأنفسهما فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له.
وقلنا إن من حق
القادرين أن يتغاير مقدورهما.
لأن تقدير مقدور
واحد لقادرين يصح له معه أن يدعو أحدهما إلى إيجاده
داع خالص من
الصوارف وتتوفر صوارف الآخر عنه فإن يوجد يقتضي ذلك إضافته إلى من يجب نفيه عنه
وإن لم يوجد يجب نفيه عمن يجب إضافته إليه وكلا الأمرين محال.
وقلنا إن تقدير
قادرين لأنفسهما يوجب كون مقدورهما واحدا.
لأن من حق القادر
لنفسه أن يكون قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا إذ تخصيص مقدوراته وانحصارها يخرجه
عن كونه قادرا لنفسه وإذا صح هذا فمقدور كل قادر لنفسه يجب كونه مقدورا لمماثله في
هذه الصفة وذلك يحيل تغاير مقدورهما.
طريقة أُخر
وهو لا يخلو أن
يكون مقدورهما واحدا أو متغايرا وكونه واحدا يقتضي إضافة الفعل إلى من يجب نفيه
عنه أو نفيه عمن يجب إضافته إليه لصحة اختلاف الدواعي والصوارف منهما وكونه
متغايرا يقتضي اجتماع الضدين وارتفاع الفعل من القادر عليه لغير وجه وكلاهما محال
فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد.
وقلنا بذلك لأن
تقدير تغاير مقدورهما يصحح توفر دواعي أحدهما إلى ما توفرت عنه صوارف الآخر فإن
يوجد المقدوران يجتمع الضدان وإن يرتفعا فلغير وجه معقول من حيث علمنا أنه لا وجه
يقتضي تعذر الفعل على القادر لنفسه.
وليس لأحد أن يقول
وجه ارتفاع المقدورين كونهما قادرين على ما لا نهاية له.
لأن المصحح لوقوع
الفعل هو كون الذات قادرة فلا يجوز أن يجعل ذلك وجها لتعذره لأنه يقتضي كون المصحح
للشيء محيلا له وذلك فاسد.
وليس له أن يقول
وجه التعذر أن أحدهما ليس بالوجود أولى من الآخر.
لأنا نعلم هذا في
مقدوري الساهي وقد يوجد أحدهما.
وليس له أن يقول
اشتراكهما في العلم بالمقدورات والدواعي منهما يحيل اختلاف الدواعي منهما.
لأن الاشتراك في
العلم بالشيء وما يدعو إلى فعله لا يمنع من اختلاف الدواعي إليه يوضح ذلك علم كل
عاقل بحسن التفضل وما للمحتاج إليه فيه من النفع وعدم الضرر لهما وقد يدعو بعض
العالمين بذلك دواعي فعله وينصرف عن ذلك آخرون.
طريق أُخرى
وهو أنا قد دللنا
على أن فاعل العالم سبحانه مريد بإرادة موجودة لا في محل فلو كانا قديمين لم يخل
إذا فعل أحدهما أو كلاهما إرادة على الوجه الذي يصح كونه مريدا بها لم يخل أن يوجب
حالا لهما أو لأحدهما أو لا يوجب.
وإيجابها لهما
محال إيجاب الإرادة الواحدة لحيين كاستحالة إيجابها لحي واحد حالتين لأن إيجاب
الإرادة لحي واحد حالتين أقرب من إيجابها لحيين فإذا استحال أقرب الأمرين فالأبعد
أولى بالاستحالة.
وأيضا فإن إيجاب
الإرادة الحال أمر يرجع إلى ذاتها فلو أوجبت في بعض المواضع حالا لحيين لوجب أن
يوجب ذلك في كل موضع لأن الحكم المسند إلى النفس لا يجوز حصوله في موضع دون موضع
وقد علمنا استحالة الإرادة الواحدة حالا لحيين فيما بينا ـ فيجب الحكم
بمثل ذلك في كل إرادة.
وإيجابها لأحدهما
محال لأنه لا نسبة لها إلى أحد القديمين إلا كنسبتها
__________________
إلى الآخر فلا وجه
لتخصصها بأحدهما.
وإن لا يوجب حالا
يوجب قلب جنسها وهو محال وإذا كانت دالة على كون فاعلها مريدا وكان تقدير قديم ثان
يحيل كون فاعل العالم سبحانه مريدا ثبت أنه واحد لا ثاني له.
وليس لأحد أن يخصص
إيجابها حالة المريد لمن هي فعله وتابعة لدواعيه دون الآخر كما يقولون فيمن فعل
فيه إرادة لدخول النار وهو مشرف على الجنة في أن هذه الإرادة لا تؤثر لكونها غير
تابعة لدواعيه ولا يدخل هذا المريد إلا الجنة لمجرد الداعي.
لأن الدليل مبني
على استحالة حصول موجب الإرادة وهو حال المريد مع تقدير قديمين ولا يفتقر ذلك إلى
حدوثها تابعة لدواعي محدثها فإنما يحتاج إلى ذلك في تأثرها دون إيجابها الحالة
المقتضاة عن نفسها الواجب حصولها بشرط وجودها على كل وجه ألا ترى أن الإرادة
المفروض فعلها في الحي لدخول النار قد أوجبت كونه مريدا وإنما لم تؤثر دخولها
لكونها غير تابعة لدواعيه فصار القدح وفقا للاستدلال على ما تراه والمنة لله.
ولأن اختلاف دواعي
القديمين محال لاختصاص دواعي القديم بالحكمة المستحيل تعري قديم منها وعلى هذا
الدليل ينبغي أن يعول من طريق العقل لاستمراره على الأصول وسلامته من القدح.
طريق أُخرى
وهو علمنا من طريق
السمع المقطوع على صحته أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له والاعتماد على
إثبات صانع واحد سبحانه من طريق السمع أحسم لمادة الشغب وأبعد من القدح لأن العلم
بصحة السمع لا يفتقر إلى العلم بعدد الصناع إذا كانت الأصول التي يعلم بصحتها صحة
السمع
سليمة وإن جوز
العالم بها تكاملها لأكثر من واحد من تأمل ذلك وجده صحيحا.
وإذا لم يفتقر صحة
السمع إلى تميز عدد الصناع أمكن أن يعلم عددهم من جهته فإذا قطع العدد بكونه واحدا
وجب العلم به والقطع ينفي ما زاد عليه.
مسألة : [ في لزوم الاعتقاد
بمسائل التوحيد ]
وإذا تقرر ما
قدمناه من مسائل التوحيد وعلمنا صحتها بالبرهان لزم كل عاقل اعتقادها أمنا من
ضررها قاطعا على عظيم النفع بها وفساد من خالفها من المذاهب وحصول الأمان من
معرتها ونزول الضرر بمعتقدها من حيث كان علمه بحدوث الأجسام والأعراض يقضي بفساد
مذاهب القائلين بقدم العالم من الفلاسفة وغيرهم وعلمه بحاجتها إلى فاعل قادر متخير
عالم حي يوجب فساد مذهب من أضافه إلى علة أو طبيعة أو غير ذلك ممن ليس في هذه
الصفات.
وعلمنا بكونه
تعالى قديما لا يشبه شيئا ولا يدرك بشيء من الحواس يبطل مذهب الثنوية والمجوس
والنصارى والصابئين والمنجمين والغلاة ومجيزي إدراكه تعالى بشيء من الحواس من فرق
المسلمين لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام المعلوم حدوثها لحدوث كل جسم على ما
قدمناه.
هذا إن أرادوا
بالقدم إلهية أعيان الأجسام التي هي نور وظلمة وشيطان وكوكب وصنم وبشر كعلي
والمسيح عليهما السلام.
وإن أرادوا أمرا
يجاور هذه الأجسام فالمجاور لا يكون إلا جسما.
وإن أرادوا أمرا
حالا فالحلول من خواص الأعراض وإن أرادوا بالإدراك المعقول منه.
وإن أرادوا غير
ذلك أشاروا إلى ما لا يعقل لأن كل عبارة يعبرون بها من قولهم اتحد واختص وتعلق
وغير ذلك متى لم يريدوا به مجاورة أو حلولا لم يعقل وفساد ما لا يعقل ظاهر وكذلك
القول في إدراك لا يعقل.
وعلمنا بتفرده
سبحانه بالقدم والصفات النفسية التي عيناها يبطل مذاهب الثنوية والمجوس وعباد
الأصنام والطبائعيين والصابئين والمنجمين والغلاة والمفوضة والقائلين بقدم الصفات
زائدا على ما تقدم.
[ مسائل العدل ]
مسألة : [ في معنى الكلام في العدل ]
الكلام في العدل
كلام في أحكام أفعاله وما يتعلق بها من أفعال خلقه والحكم بجميعها بالحسن ويتقدم
أمام ذلك الحسن والقبيح والطريق إلى العلم بهما ويلي ذلك أحكام الأفعال
مسألة : [ في الحسن والقبيح ]
الحسن ما يستحق به
المدح مع القصد إليه وينقسم إلى واجب وندب وإحسان.
فالواجب هو ما
يستحق به المدح وبأن لا يفعل ولا ما يقوم مقامه الذم وينقسم إلى واجب مضيق لا بدل
منه وإلى ما له بدل وإلى ما يختص كل عين وما هو على الكفاية وإلى ما يتعين وإلى ما
لا يتعين.
والندب هو ما
يستحق به المدح ولا ذم على تركه وهو مختص بالفاعل.
والإحسان هو ما
قصد به فاعله الإنعام على غيره ومن حقه تعلقه بغير الفاعل ويستحق فاعله المدح
لحسنه والشكر على المنعم عليه وصفة الحسن مشترطة في جميع أجناسه بانتفاء وجوب
القبح.
والقبيح هو ما
يستحق به الذم ـ وينقسم إلى فعل قبيح كالظلم وإخلال بواجب كالعدل بشرط
إمكان العلم بوجوب الشيء وقبحه.
والحسن والقبح على
ضربين عقلي وشرعيّ.
__________________
فالشرعي : كالصلاة
والزكاة والزنا والربا.
والعقلي : العدل
والصدق وشكر المنعم والظلم والكذب والخطر.
ولا خلاف في أن
الطريق إلى العلم بحسن الشرعيات وقبحها السمع وإن كان الوجه الذي له كانت كذلك
متعلقا بالعقليات.
والخلاف في العدل
والصدق والظلم والكذب وما يناسب ذلك فالمجبرة تدعي اختصاص طريق العلم به السمع
والصحيح اختصاصه بالعقول.
والعلم به على
وجهين ضروري ومكتسب.
فالضروري هو :
العلم على الجملة بقبح كل ضرر عري من نفع يوفى عليه ودفع ضرر أعظم أو استحقاق أو
على جهة المدافعة وبكل خبر بالشيء على ما هو به ووجوب شكر كل نعمة.
والمكتسب هو العلم
بضرر معين بهذه الصفة وخبر معين وكون فعل معين شكر النعمة.
وقلنا إن الأول
ضروري لعمومه كافة العقلاء وحصوله ابتداء على وجه لا يمكن العالم إخراج نفسه
عنه بشبهة كالعلم بالمشاهدات ولو كان مكتسبا لوقف على مكتسبه فاختص ببعض العقلاء
وأمكن إدخال الشبهة فيه كسائر العلوم المكتسبة.
وليس لأحد أن يقدح
في هذا بخلاف المجبرة.
لأن المجبرة لا
تنازع في حصول هذا العلم لكل عاقل وهو البرهان على كونه ضروريا ودخول الشبهة عليهم
بأنه معلوم بالسمع يسقط لعموميته العقلاء من دان منهم بالسمع وأنكره وبمخالفته
السمعيات بدخول الشبهة فيها وبعده عنها وبحصول الشك في جميع السمعيات بالشك في النبوة
وارتفاع الريب بقبح
__________________
العقليات والحال
هذه وبكون السمع المؤثر للحسن والقبح معدوما في حال وقوع الحسن والقبح من المكلف
مع استحالة تأثير المعدوم ووجوب تعلق بما أثر فيه على آكد الوجوه وبعد السمع المدعى
تأثيره في أفعالنا لاختصاصه به تعالى.
وإسناد ذلك إلى
الميل والنفور ظاهر الفساد لاختلاف العقلاء فيما يتعلق بالميل والنفور واتفاقهم
على قبح الظلم والكذب وحسن الصدق والعدل ولأن الميل والنفور يختصان المدركات وقد
نعلم قبح ما لا ندركه ولأنا قد نعلم قبح كثير مما نميل إليه وحسن كثير مما ننفر
عنه ولأنا نعلم ضرورة استحقاق فاعل العدل والصدق المدح وفاعل الظلم والكذب الذم
ولا يجوز إسناد ذلك إلى الميل والنفور المختصان به تعالى وقبح ذم الغير ومدحه على
ما لم يفعله.
وقلنا إن التفصيل
مكتسب لوقوف حصوله لمن علم الجمل ولو كان ضروريا لجاز حصوله من دونها.
مسألة : [ في كونه تعالى قادرا
على القبيح ]
وهو تعالى قادر
على القبح من جنس الحسن وإنما يكون قبيحا لوقوعه على وجه حسنا لوقوعه على وجه كقول
القائل زيد في الدار فإن كان متعلق الخبر بالمخبر عنه على ما هو به فهو حسن وإن
كان متعلقه بخلاف ما هو به فهو قبيح فلو لم يكن تعالى قادرا على القبيح لم يكن
قادرا على الحسن.
وأيضا فلا يخلو
القبيح أن يكون جنسا أو وجها وكونه تعالى قادرا على جنس ووجوهه لقيام الدلالة على
كونه قادرا لنفسه والقادر لنفسه يجب أن
__________________
يكون قادرا على كل
ما يصح كونه مقدورا لأن كونه قادرا يصحح تعلقه بكل مقدور وما صح من صفة النفس وجب
لأنه لو لم يجب لاستحال من حيث لا مقتضي لوجوب ما جاز في صفة النفس خارج عنها فلا
يتقدر فرق بين الصحة والوجوب فيها.
ولأن كون القادر
قادرا يصحح تعلقه بكل مقدور والمقتضي للحصر والتخصيص هو القدر المتعلقة بأجناس
مخصوصة يستحيل تعلقها بغيرها وبما زاد على الجزء الواحد من الجنس الواحد في المحل
الواحد والوقت الواحد على ما بينته فيجب الحكم فيمن كان قادرا لا بقدرة بكونه
قادرا على كل جنس وقدر ووجه فإذا ثبت كونه تعالى قادرا لنفسه وجب كونه قادرا على
القبيح جنسا كان أو وجها.
ولأن خروج القبيح
عن كونه مقدورا له سبحانه يخرجه عن كونه قادرا جملة لأنا نقدر عليه مع كوننا
قادرين بقدر محدثة فالقبيح إن كان وجها لجنس فتعذره يقتضي تعذر الجنس وإن كان جنسا
ضدا للحسن فتعذره يقتضي تعذر ضده فيجب الحكم في من لا يقدر عليه بكونه غير قادر
وقد ثبت كونه قادرا فيجب أن يكون قادرا عليه.
ولأنا نقدر على
القبيح وهو آكد حالا منا في كونه قادرا لصحة تعلقه بما لا يقدر عليه من الأجناس
والمقادير في كل حال وعلى كل وجه.
وقول النظام إنه
لو كان سبحانه قادرا على القبيح لصح منه وقوعه فيقتضي ذلك خروجه تعالى عن كونه
عالما أو غنيا أو انتقاض دلالة القبيح على ذلك.
يسقط بوجوب كونه
قادرا على كل ما يصح كونه كذلك والقبيح من
__________________
جملته وهذا كاف في
سقوط الشبهة.
على أنا نستأنف كلاما
في إسقاطها فنقول إنا قد علمنا أنه لا يصح وقوع مقدور العالم الذي لا يجوز عليه
العبث إلا لداع والداعي إلى فعل القبيح المعلوم هو الحاجة وهي مستحيلة فيه تعالى
فلا يتوهم منه تعالى وقوعه على حال لعدم ما لا يصح وقوع المقدور المعلوم إلا معه
كما لا يقع مع العجز عنه وإن اختلف جهتا التعذر ألا ترى أنا لا نتوهم وقوع فعل
معين ممن أعلمنا الله سبحانه فيه أنه لا يختاره وإن كان قادرا عليه ولا فرق بين أن
نعلم بخبره تعالى عن حال الغير أنه لا داعي له إلى فعل ما وبين أن نعلم بالدليل
أنه لا داعي له إلى القبيح في وجوب القطع على تعذر وقوعه منه.
وإذا صح هذا
وعلمنا أنه سبحانه لا داعي له إلى القبيح لكونه عالما بقبحه وبأنه غني عنه وجب
القطع على ارتفاع المقدور على كل حال.
وأيضا فلو فرضنا
وقوعه منه مع تعذره لاقتضى ذلك نقض دلالته على الجهل أو الحاجة من حيث قدرنا وقوعه
من العالم الغني كما لو قيل لنا لو ظهر المعجز على يد كذاب ما كانت يكون حال
المعجز فإنما كانت دلالته على الصدق منتقضة.
ولا يلزم على هذا
أن يقال لنا فقولوا الآن بانتقاض دلالتهما.
لأن المفروض محال
ورد الجواب يحسنه والحال الآن بخلاف ذلك فلا يجوز لنا الحكم بانتقاض دلالة القبيح
ولا المعجز.
مسألة : [ في كونه تعالى لا
يفعل القبيح ]
وهو تعالى لا يفعل
القبيح لعلمه بقبحه وبأنه غني عنه وقلنا ذلك لأن
صفة القبح صارفة عنه.
وكذلك من علم
وصوله إلى نفعه بالصدق على الوجه الذي يصل إليها بالكذب لا يؤثره على الصدق وإنما
يصح إيثاره على الصدق متى جهل قبحه فينتفي الصارف أو دعت إليه الحاجة فيقابل
داعيها صارف القبح فيؤثره.
وأيضا فالقبح
يستحق به الذم والاستخفاف وخفوض الرتبة وذلك صارف قوي عنه لا يجوز معه إيثاره إلا
لجهل به أو لحاجة زائدة عليه وكلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه فلا يصح منه مواقعة
القبيح.
وإذا كانت هذه
القضية سارية في القبح وجب القطع على انتفاء الداعي منه تعالى إلى شيء منه وتعذر
وقوع جميعه ولا يلزم على ذلك وقوع كل حسن لأن صارف القبح موجب لارتفاعه ممن علمه
واستغنى عنه وداعي الحسن غير موجب لعلمنا بأن أحدنا قد يفعل الشيء لحسنه ولا يفعل
كل ما شاركه في صفة الحسن كصدقة درهم لحسنها وترك أمثالها مع مساواتها لها في صفة
الحسن ولا يجوز أن يترك كذبا لقبحه ويفعل مثله.
وليس لأحد أن يقول
كما لا يفعل القبيح إلا لجهل به أو اعتقاد حاجة إليه فكذلك الحسن قد لا يفعل إلا
لاجتلاب نفع أو دفع ضر فيجب أن لا يفعله سبحانه لاستحالة الضر والنفع عليه.
لأنا قد بينا تعذر
وقوع القبيح إلا لجهل أو لحاجة فيجب فيمن لا يصحان عليه أن لا يفعله على حال
والمعلوم ضرورة في الحسن خلاف ذلك لوقوعه منه تعالى مع استحالة النفع والضر عليه.
ولأنا نعلم إرشاد
الملحد الضال عن الطريق إليها وعن التردي في البئر بحيث لا يراد أحد ولا يرجو معه
نفعا ولا دفع ضرر فلم يبق لفعله وجه إلا مجرد
__________________
الحسن ولأن من علم
وصوله إلى نفع أو دفع ضرر بالصدق كالكذب لا يختار إلا الصدق ولا وجه لذلك إلا مجرد
الحسن
مسألة : [ في ما يصح تعلق
إرادته وكراهته به وما لا يصح ]
قد بينا كونه
تعالى مريدا أو كارها فينبغي أن يبين ما يصح تعلق إرادته به وكراهته وما لا يصح
ذلك فيه.
كون المريد مؤثرا
مختص بحدوث الفعل لكون هذه الحال وجها لوقوع الفعل على صفة دون صفة ووجه الفعل
كيفية لحدوثه فيجب أن يكون ما أثره مصاحبا لحدوثه فإذا اختص تأثيرها بالحدوث.
والمحدثات على
ضربين :
أفعاله تعالى وهو
على ضربين :
مفعول لغرض يخصه
كالواجب في حكمته والإحسان إلى خلقه وكلاهما مراد لأن العالم بالفعل المخلى بينه وبين إرادته
القاصد بفعله غرضا يخصه لا بد من كونه مريدا له لو لا ذلك لم يكن بأن يفعله لذلك
الغرض دون غيره.
والثاني مفعول
لغرض يخص غيره كالإرادة وما هذه حاله لا يجب كونه مرادا لأن الداعي إلى المراد داع
إلى إرادته فهي كالجزء منه فلا يفتقر إلى إرادة يخصها.
ولا يصح أن يكره
شيئا من أفعاله لأن كونه سبحانه كارها لشيء يقتضي قبحه وهو لا يفعل القبيح ولأن
الواقع من مقدوراته تعالى قد بينا وجوب كونه تعالى مريدا له فلا يجوز أن يكون
كارها له لأن ذلك يقتضي كونه مريدا
__________________
كارها لشيء واحد
وهو محال.
وأفعال عباده
سبحانه على ضربين واقع عن إلجاء وإيثار.
وما وقع بإلجائه
تعالى لا بد من كونه مريدا له لأنه بإلجائه في حكم فعله ولا بد من وقوع ما هذه
حاله لكونه جاريا مجرى فعله الذي لا بد من وقوعه متى أراده فلا يجوز إلجاؤه إلى
قبيح لأن ذلك مقتض لكونه فاعلا له وقد بينا فساد ذلك.
وما وقع بإلجاء
غيره تعالى حكمه حكم ما اختاره العبد الملجأ من حسن وقبح وسنبينه.
وعلى كلا الوجهين
لا بد من كون الملجأ مريدا لما ألجئ إليه إذ معنى كونه ملجأ توفر دواعيه لخوف
الضرر أو لرجاء النفع وخلوص الدواعي إلى الفعل يقتضي كون القادر مريدا.
والواقع عن إيثار
على ضروب واجب وندب وقبيح ومباح.
فالواجب والندب
مرادان له تعالى بغير شبهة لأنه قد أمر بهما ورغب فيهما والأمر لا يكون أمرا إلا
بالإرادة لعلمنا بوجود جنسه وصيغته وليس بأمر ولتجدد إرادته تعالى لذلك حال الأمر
به وتعلقها بالمراد المكلف فعله على جهة الإيثار له المصحح لغرض المجري بالتكليف
إليه لافتقار ما يجب فعله أو تركه أو الترغيب فيه في كونه كذلك إلى تعلق إرادته
سبحانه على وقوعه على هذا الوجه.
ولا يجوز أن يكره
شيئا مما أراده من أفعال عباده الواجبة والمندوبة لأن كراهيته يقتضي قبح المكروه
وقد علمنا حسن هذه الأفعال عبادة الواجبة تعالى مريد لها على ما دللنا عليه فلا يجوز أن يكون كارها
لها لأن ذلك يقتضي
__________________
كونه تعالى مريدا
كارها للشيء الواحد مع استحالته.
وأما القبيح فهو
سبحانه كاره له لأنه قد نهى عنه والنهي لا يكون نهيا إلا بالكراهة لوجود الجنس
والصيغة فما ليس بنهي ولأنه تعالى لا يجوز أن يريد القبيح لما بينته ولا يجوز أن
يكون غير مريد له ولا كاره لأن ذلك يخرجه عن حد التكليف فلم يبق إلا كونه كارها له
وإذا ثبت أنه تعالى كاره لقبائح العباد لم يجز أن يريد شيئا منها لأن ذلك يقتضي
كونه مريدا كارها لها مع فساد ذلك.
وأيضا فإن إرادة
القبيح قبيحة لأن كل من علمها إرادة قبيح علم قبحها يوضح ذلك توجه ذم العقلاء إلى
مريد القبح كفاعله فلو أراد تعالى القبيح لم يرده إلا بإرادة يفعلها على ما بيناه
من وقوف كونه مريدا على فعله الإرادة له وهذا يقتضي كونه فاعلا للقبح وقد بينا
فساد ذلك.
وتعلق المجبرة في
كونه تعالى غير مريد لما لم يقع من الطاعات ومريدا لما يقع من القبائح بأنه لو
أراد ما لا يقع فوقع ما لا يريد وارتفع ما أراد للحقه نقص كالملك المريد من عبيده
نصرته متى لم يقع منهم ما أراد كان مغلوبا.
ظاهر السقوط لأن وقوع
المكروه وارتفاع المراد إنما يدل على نقص المريد الكاره إذا كان في ذلك نفع له وفي
خلافه ضرر عليه وهو قادر على المنع مما كره والحمل على ما أراد كإرادة الملك من
أنصاره الذب عن دولته وكراهية القعود عن نصرته فيه نفع له وفي خلافه ضرر عليه فمتى
لم يقع ما أراد ويرتفع ما كره لحقه نقص لتعلق الضرر به وعجزه عن دفعه عنه.
والتكليف بخلاف
ذلك لأنه لا يتعلق به تعالى منه نفع ولا ضرر بل هما مختصان بالمكلف وإن كان فعل ما
أراده وترك ما كرهه مختصا بنفع المأمور المنهي وكان هذا النفع مختصا بوقوع ذلك
وارتفاع هذا بإيثاره وهو قادر على إلجائه إلى فعل المراد وترك المكروه كإرادة
سلطان الإسلام وأنصاره من أهل الذمة الإيمان وكراهيتهم منهم الكفر لما لهم في ذلك
من النفع المختص بإيثارهم دون إلجائهم ،
مع كونهم قادرين
على إلجائهم إليه واصطلامهم دونه لم يكن في ذلك نقص على المريد الكاره ولم يصفه
أحد بالغلبة.
وهذه صفة ما أراده
تعالى وكرهه من عباده لأن نفعه مختص بهم وهو موقوف على حصول ذلك عن إيثارهم دون
قهرهم مع كونه سبحانه قادرا عليه وإن لم يفعله فلا يجوز وصفه تعالى لوقوع القبائح
التي كرهها وارتفاع الطاعات التي أرادها منهم بصفة نقص تعالى عن ذلك ولا وصفهم
بأنهم غالبون له تعالى كما لا يصف أحد أهل الذمة بكونهم غالبين لسلطان الإسلام
وأنصاره لإيجادهم خلاف ما أراد منهم.
وأما المباح من
أفعالهم فلا يصح كونه مريدا له ولا كارها لأن كونه مرادا يقتضي كونه طاعة وكونه
مكروها يقتضي كونه قبيحا وذلك يخرجه عن صفة الإباحة.
مسألة : [ في كونه تعالى متكلما
]
وهو تعالى متكلم
وكلامه فعله.
وأولى ما حد به
الكلام أن يقال هو ما تألف من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة إذا وقع ممن يصح
منه أو من قبيله الإفادة.
الدلالة على ذلك
أنه متى تكاملت هذه الصفات كان كلاما وإن اختل شيء منها لم يكن كلاما.
وإذا ثبت أنه من
جنس الصوت وعلمنا ضرورة تجدده بعد عدم لإدراكنا له بعد أن كنا غير مدركين له وعدمه
بعد وجوده لانتفاء كونه مدركا في الثاني من حال إدراكه إذ لو كان باقيا لاستقر
إدراكنا له فثبت أنه محدث.
والمتكلم من فعل
الكلام بدليل وقوعه بحسب أحواله.
وإذا ثبت حدوث
الكلام وكونه من دخل المتكلم وجب أن يكون تعالى قادرا عليه لكونه قادرا على كل ما
يصح كونه مقدورا والكلام كذلك.
والطريق إلى العلم
بكونه متكلما هو السمع وقد علمنا ضرورة من دين النبي عليه السلام أن القرآن كلامه
تعالى وإذا ثبت كونه تعالى متكلما وجب أن يكون كلامه فعله لثبوت الاشتراك فيما له
كان المتكلم متكلما ولأن كلامه تعالى من جنس الصوت وهو محدث فيجب كونه محدثا ولأنه
خطاب لمخاطبين فلو كان قديما لكان ما فيه من الأخبار الماضية كذبا وباقي الأخبار
والأوامر والنواهي عبثا وهو يتعالى عن ذلك ولأنه قد أخبر أنه محدث فقال ( ما
يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) و ( مِنَ
الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ ) .
وقول المخالف إن
القديم هو ما هذا الكلام حكاية عنه.
ظاهر الفساد لأنا
قد بينا أن الكلام من جنس الأصوات وهي محدثة فيجب الحكم بحدوث كل كلام لكونه صوتا
وما ليس بصوت لا يكون كلاما.
ولأن ما هذا
القرآن حكاية عنه لا يخلو أن يكون من جنس هذا الكلام أو مخالفا له فإن يكن من جنسه
فحكمه حكمه في الحدوث وإن كان من غير جنسه لم يجز أن يكون هذا القرآن حكاية له لأن
الشيء لا يكون حكاية لما ليس مثلا له ولئن جاز أن يكون هذا المتلو حكاية لما ليس
من جنسه ليجوزن ذلك في أصوات الطير بل في كل جنس من الأعراض فيوصف بأنه قرآن وهذا
ضلال.
ولأنّ ذلك يقتضي أن لا يوصف هذا بأنه قرآن ولا كلام الله تعالى لأنه ليس بكلام الله
ولا هو القرآن وإنما القرآن خلافه وهذا كفر وقد وصف الله
__________________
تعالى هذا المتلو
بأنه قرآن وكلامه وأنه منزل من لدنه وكل ذلك يقضي بفساد ما قالوه.
والقرآن وإن كان
محدثا فوصفه بأنه مخلوق بدعة وإن كان المعنى واحدا لأمور.
منها
: أنه لا يوجد هذا
الاسم في كتاب ولا سنة بل الوصف له مختص بالأحداث.
ومنها
: أن وصف الكلام
بأنه مخلوق يفيد مكذوب يقال هذا كلام مخلوق ومختلق ومخترق ومفتعل بمعنى مكذوب ومنه
قوله ( وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ ) وقوله ( إِنْ هذا
إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ) ـ وإذا كان إطلاق الخلق على الكلام يفيد الكذب وجب تنزيه
كلامه تعالى عن هذا الوصف.
ومنها ما روي عن
أئمتنا عليهم السلام من القول بتبديع من وصفه بالخلق.
مسألة : [في الجبر والاختيار]
والتأثيرات
الواقعة من جهة العباد مباشرها ومتولدها هم المحدثون لها دونه.
وقالت المجبرة
بأسرها إن المتولد من فعل الله تعالى.
وقال جهم في
المباشر ما قاله في المتولد.
__________________
وقال النجار هو
فعل القديم والمحدث.
وقال الأشعري هو
من فعل الله تعالى خلق ومن العبد كسب.
والدليل على صحة
ما ذهبنا إليه وجوب وقوعها بحسب أحوال من وقعت منه ولو كانت فعلا لغيره من قديم أو
محدث لاختلف الحال.
وليس لأحد أن يقول
إذا كان القديم تعالى قادرا على إيجادها مطابقة لأحوالكم فما المانع من كونها فعلا
له.
لأن الوجوب يمنع
من ذلك.
ولأن إثباته تعالى
فرع لإثبات محدث في الشاهد فلا يصح ممن نفى محدثا في الشاهد أن يثبت غائبا.
ولأن أضاف الفعل إلى فاعل
لا يمكن إلا بوقوعه بحسب أحواله فلا يجوز نفيه عمن يعلم تعلقه به على هذا الوجه
وإضافته إلى من لا تعلق بينه وبينه وهو لو كان فعلا له لم يكن كذلك إلا لوقوعه منه
على هذا الوجه.
وأيضا فمعلوم حسن
الأمر والنهي وتوجه المدح والذم إلى من تعلق به التأثير الحسن والقبيح ولا يجوز
إسناد ذلك إلى الكسب لكونه غير معقول بدليل تكرير المكالة لمدعيه والمطالبة
بإفهامه وارتفاع العلم بحقيقته.
ولأن ذلك ينتقض
بالمتولد كما نعلم حسن الأمر والنهي بالمباشر وتوجه المدح والذم عليه يعلم مثل ذلك
في المتولد وهو كاف في صحة الاستدلال على كون العبد فاعلا لأن إضافة المتولد إلى
إحداثه يقتضي إضافة المباشر بغير شبهة.
وإذا ثبت كونه
قادرا لحاجة الفعل في وقوعه إلى كون فاعله قادرا
__________________
فهو قادر بقدرة لتجدد
كونه كذلك بعد أن لم يكن وخروجه عن ذلك وأحواله على ما كانت عليه ولتزايد مقدورات
بعضنا على بعض.
وهي من فعل الله
تعالى ليوفر دواعينا في أحوال الحاجة وتعذرها لا لوجه ومن حكمها إيجاب حالة المختار
وتصحيح الفعل من الحي بدليل تعذره مع انتفائها.
ومن صفتها أن لا
يصح بها الفعل إلا مع استعمال محلها بدليل تعذر الاختراع علينا ووقوف تأثيرها على
المشارة لمحلها أو لما ماسّته.
وهي قدرة على
الضدين لصحة تصرف كل قادر في الجهات المتضادة ولو كان ذلك عن قدرين لصح انتفاء
إحداهما فيوجد قادر لا يصح منه التصرف في الجهات والمعلوم خلاف ذلك.
وتأثيرها مختص
بالأحداث بدليل ثبوت صفة القدم من دونها وتعذر إيجاد الموجود ولأن المتجدد عند
القصد إلى المقدور من صفاته هو الحدوث وهي متقدمة للفعل لاختصاص تأثيرها بالأحداث
فيجب أن تكون موجودة في حال عدمه ولأن الحاجة إليها ليخرج بها الفعل من العدم إلى
الوجود فإذا وجد استحال تعلقه بها ولا فرق في استغنائه عنها بوجوده بين أول حال
وثانيها ولأنا قد دللنا على تعلقها بالضدين فلو كانت مصاحبة لهما مع كونها موجبة
عندهم لاقتضى ذلك اجتماع الضدين وهو محال.
ولا يجوز حدوث
الفعل على وجهين لأن ذلك لو جاز بقادر أو قادرين لصح تفريقهما لأن القادر على جمع الصفتين قادر على
تفريقهما وذلك
__________________
يقتضي فعل أحدهما
في حال الحدوث والآخر في حال البقاء وفيه إيجاد الموجود مع استحالته.
وأيضا وصفه الحدوث
لا يتزايد إذ لو كان الفعل صفة زائدة على مجرد حدوثه لوجب أن يكون لها حكم زائد
على الأولى ونحن نعلم أنه لا حكم للمحدث ولا صفة يزيد على كونه محدثا لأن الأحكام
كلها المشار إليها مع صفة زائدة حاصلة مع الأولى فلا يجوز إثبات ما لا فرق بين
إثباته ونفيه.
ولا يجوز حدوث
مقدور واحد بقادرين ولا قدرين ـ لأنه لو كان لا يمتنع أن يتوفر دواعي أحدهما إليه وصوارف
الآخر عنه فإن وقع اقتضى إضافته إلى من يجب نفيه عنه وإن ارتفع اقتضى نفيه عمن يجب
إضافته إليه وكونه بقدرتين يصح انتفاء إحداهما فإن وقع فبقدرة معدومة وإن ارتفع
خرجت الأخرى من كونها قدرة عليه وكلاهما محال وإذا استحال مقدور واحد بقادرين أو
قدرتين وتجدده على وجهين فسد مذهب النجار والأشعري لكونهما مبنيين على ذلك.
مسألة : [ في عدم تعلق القدرة
بالأعدام ]
والإعدام لا يتعلق
بقدرة ولا قادر لأن العدم ليس بذات ولا صفة ولا حكم ولا يعقل منه غير خروج الذات
عن الوجود فلا يصح تعلقه بقادر ولا قدرة لأنه لا بد لتعلق القدرة من متعلق
وإذا لم يكن العدم ذاتا ولا صفة ولا حكما استحال تعلقه بقادر.
__________________
وأيضا فلو تعلق
الإعدام بالقادر يجري مجرى الإحداث في وقوف حصوله على قادر واستحالة ثبوت من دونه
فيؤدي إلى صحة بقاء ما لا يبقى من الأعراض بأن لا يقصد القادر إلى إعدامها وذلك
محال.
مسألة : [ في قبح تكليف ما لا
يطاق ]
ويقبح تكليف ما لا
يطاق وحقيقته ما يتعذر وقوعه من المكلف لفقد قدرة عليه أو حصول عجز لو كان معنى أو
فقد آلة أو بنية أو علم فيما يحتاج إليها أو حصول منع أو تعليق بزمان لا تصح في مثله.
الدليل على ذلك ذم
كافة العقلاء من كلف غيره ما يتعذر وقوعه من جهته لأحد الأسباب التي ذكرناها ووصفه
بأنه تكليف لما لا يطاق.
مسألة : [ في التكليف ]
التكليف حسن لكونه
تعريضا لما لا يصل إليه إلا به ويشتمل على خمس مسائل :
أولها ما التكليف؟
وثانيها
: [ ما يجب كون
المكلف عليه من الصفات.
وثالثها
: ] ما يجب كون
المكلف تعالى عليه من الصفات.
[ ورابعها ] : بيان الغرض في التكليف.
__________________
وخامسها : بيان المكلف وصفاته التي يحسن معها التكليف.
فأما
حقيقة التكليف ، فهي إرادة الأعلى من الأدنى ما فيه مشقة على جهة الابتداء
الدليل على صحة ذلك أنه متى تكاملت هذه الشروط وصف المريد بأنه مكلف والإرادة
بأنها تكليف والمراد منه بأنه مكلف ومتى اختل شرط لم يثبت شيء من هذا الوصف.
وأما
ما يجب كون المكلف عليه من الصفات فيجب أن يكون المكلف بالحسن منعما بنعم يوجب
طاعته على المكلف معلوما أو مظنونا من حاله أنه لا يريد قبيحا .
وأما
ما يجب كونه تعالى عليه من الصفات في حق كونه مكلفا ما يشق فعلا وتركا تعريضا للثواب ويلزم المكلف
عبادته كذلك فينقسم إلى صفات هو سبحانه تعالى عليها وصفات يتعلق بأفعاله.
فأما
ما يختصه تعالى ، فكونه تعالى قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا وعالما بكل معلوم لا يجوز خروجه
عن الصفتين ليقطع المكلف على وصوله إلى ما لا يحسن التكليف من دونه.
ومريدا لأن اختصاص
التكليف بوجه يفتقر إلى كون المكلف سبحانه مريدا له دون غيره.
وعلى الصفات التي
لا تتم هذه الصفات من دونها أو هي مقتضاة عنها كموجود وحي وقديم.
__________________
وينفي عنه تعالى
ما يقدح في ثبوتها من التشبيه والإدراك بالحواس والحاجة والثاني.
وأما
ما يتعلق بأفعاله ، فأن يكون حكيما لا يفعل قبيحا ولا يريده ولا يخل بواجب من
حيث كان تجويز خلاف ذلك يرفع الثقة بما لا يحسن التكليف إلا معه ويعلم ما يقتضي
ذلك من المسائل وفساد ما يقدح فيه وأن يكون له نعم يستحق بها العبادة بأن يكون
مستقبلة بأنفسها لا يفتقر إلى غيره.
وأن تكون أصولا
للنعم فلا يقدر نعمة منفصلة عنها ولا يحصل من دونها.
وأن يبلغ في
الغاية في العظم إلى حد لا يساويها نعمة.
وإنما قلنا ذلك
لأن العبادة المستحقة له تعالى غاية في الشكر فلا بد من اختصاصها بغاية من العظم
وافتقار كل نعمة إليها من حيث اختص شكرها بالغاية التي لا يبلغها شكر وهو كونه
عبادة.
وقد علمنا ما هو
عليه تعالى من الصفات وكونه حكيما بما تقدم وعلمنا ثبوت الشروط التي اعتبرناها في
نعمة من الإيجاد والحياة والأقدار وفعل الشهوة والمشتهى وكون ذلك أصلا لكل نعمة
وافتقار كل نعمة إليها وتعذر انفصالها منها وبلوغها الغاية في العظم وانغمار جميع
نعم المحدثين في جنب بعضها.
فيجب كونه تعالى
مستحقا للعبادة دون كل منعم.
[ في الغرض من التكليف ]
ويجب أن يكون له
تعالى غرض في التكليف يحسن لمثله لأن خلوه من غرض أو ثبوت غرض لا يحسن لمثله لا
يجوز عليه سبحانه.
__________________
ويجب كونه تعالى
مزيحا لعلة المكلف بالتمكين والاستصلاح والبيان لأن تكليفه من دون ذلك قبيح على ما
بينته.
وأما
الوجه في ابتداء الخلق وتكليف العقلاء منهم فالخلق جنسان حيوان وجماد.
فالغرض في إيجاد
الحي منه لينفع المكلف بالتفضل والثواب ويحوز العوض ويجوز أن يكون في خلقه لطف غيره.
وغير المكلف
فالتفضل والعوض ويجوز أن يكون في خلقه لطف للمكلف.
وغير الحي الغرض
في خلقه نفع الحي .
وقلنا إن الغرض في
تكليف العاقل التعريض للثواب.
لأنه سبحانه لما
خلقه وأكمل عقله وجعله ذا طباع يقبل إلى القبيح وينفر عن الواجب ولم يغنه بالحسن عن القبح ولم
يجز أن يكون ذلك لغير غرض لكونه عبثا ولا لغرض هو الانتفاع به أو دفع الضرر
لاستحالتهما عليه تعالى ولا للإضرار به لكونه ظلما ولا لدفع الضرر عنه لكونه قادرا
على ذلك من دون التكليف فيصير عبثا.
علمنا أن الغرض هو
التعريض للنفع.
وقلنا إن التعريض
للنفع حسن.
لعلمنا وكل عاقل
بحسن تكلف المشاق في أنفسنا وتعريض غيرنا لها تعريضا للنفع واستحقاق
المدح من عرض غيره لنفع كاستحقاقه على إيصاله إليه.
__________________
وقلنا إن هذا
النفع ثواب.
لأن ما عداه من
ضروب المنافع يحسن منه تعالى الابتداء بها فلا يجوز أن يكلف المشاق لما يحسن
الابتداء به لأن ذلك عبث لا يجوز عليه سبحانه.
وقلنا إن الثواب
مما يقبح الابتداء به.
لكونه نفعا واقعا
على جهة الإعظام مقترنا بالمدح والتبجيل ومعلوم ضرورة قبح الابتداء بالمدح
والتعظيم وإنما يحسن مستحقا على الأمور الشاقة الواقعة عن إيثار ولذلك اختصت منافع
من ليس بعاقل من الأحياء بالتفضل والعوض دونه لتعذر استحقاقهم له.
ووجود الجماد لنفع
الحي ظاهر في أكثره وما لا يعلم ذلك من حاله تفصيلا فمعلوم على الجملة من حيث كان
خلاف ذلك يقتضي كون موجده سبحانه عابثا وذلك فاسد.
ولا يقدح في حسن
تكليف العاقل للوجه الذي بيناه تكليف من علم من حاله أنه يكفر أو يعصي لأن الوجه
الذي حسن تكليف من علم من حاله أنه يؤمن قائم فيه وهو التعريض للثواب وكونه سبحانه
عالما من حاله أنه لا ينتفع بما عرض له لا ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه لأن
المعرض للنفع الممكن من الوصول إليه محسن إلى المعرض وإن علم أو ظن أنه لا ينتفع
بل يستضر بسوء اختياره.
يوضح ذلك حسن عرض
الطعام على الجائع وإدلاء الحبل إلى الغريق لينجو وإن ظن أنهما لا يفعلان.
والقديم سبحانه
وإن علم في من عرضه بتكليفه لنفع عظيم أنه لا يقبل ما يصل به إليه بل بسوء النظر لنفسه
فيختار هلاكه على بصيرة من أمره
__________________
وتمكن من صلاحه لا
يخرجه سبحانه عن كونه محسنا إليه بالتعريض للنفع العظيم ولا يقتضي قبح فعل المكلف
وسوء نظره لنفسه قبح فعله تعالى من التعريض مما.
[ فما ] اختاره العبد
المسيء وعلمه سبحانه بأنه لا يؤمن ليس بوجه قبح كما أن علمنا بأن جميع الكفار لو
جمعوا لنا ودعوناهم لم يؤمنوا ليس بمقتض لقبح دعوتنا لهم إلى الإيمان.
وآكد ما اعتمد
عليه في هذا الباب أنه سبحانه قد كلف من علم أنه يكفر أو يعصي مع علمنا بحكمته
سبحانه وأنه لا يفعل قبيحا ولا يريده وقد كلف من علم أنه يكفر أو يعصي فيجب القطع
على حسنه لكونه من فعله وهذا يغني عن تكلف كلام لإفساد كون هذا التكليف لشيء من
وجوه القبح كالظلم والاستفساد وغيرهما.
وإذا كان الوجه في
حسن التكليف كونه تعريضا فينبغي أن نبين ما التعريض المقتضي لحسن التكليف وهو
مفتقر إلى شروط ثلاثة.
أولها
: أن يكون المعرض
متمكنا مما عرض له.
وثانيها
: أن يكون المعرض
مريدا لما عرض بفعله للثواب.
وثالثها
: أن يكون المعرض
عالما أو ظانا وصول المعرض إلى ما عرض له متى فعل ما هو وصله إليه.
والدلالة على
الشرط الأول قبح تعريض الأعمى لما لا يتم إلا بالرؤية والزمن لما لا يصل إليه إلا
بالسعي بأوائل العقول.
والدلالة على
الشرط الثاني إن من مكن غيره بإعطائه المال من المنافع والمضار لا يكون معرضا له
لأحدهما إلا بالإرادة.
__________________
وكون المكلف مريدا
لما عرض لفعله النفع كاف عن كونه مريدا للنفع في حال التعريض لأن من عرض ولده
للتعليم ليستحق المدح والتعظيم يكفي في حسن تعريضه كونه مريدا التعليم ما أجري به
إليه من المدح والتعظيم بل لا يحسن إرادتهما في حال التعريض لكونهما غير مستحقين
في تلك الحال ولهذا قلنا إنه سبحانه مريد للتكليف في حال الأمر به أو إيجابه عقلا
دون ما هو وصله إليه من الثواب لقبح إرادة ثواب التكليف في تلك الحال ولأن الثواب
متأخر عن التكليف وكونه تعالى مريدا للشيء قبل حدوثه لا يصح لكون الإرادة الواقعة
على هذا الوجه عزما يستحيل عليه تعالى.
وليس لأحد أن يقول
إن إعلام المكلف وجوب الواجب وقبح القبيح يغني عن كونه مريدا.
لأن ذلك يقتضي
كونه معرضا لما أعلم وجوبه وإن كره فعله وذلك فاسد ولأن أحدنا قد يعلم غيره وجوب
واجبات وقبح أشياء ولا يكون معرضا لأحدهما إلا بكونه مريدا.
والدلالة على
الشرط الثالث أن التعريض بسلوك طريق إلى مصر لا يوصل إليه منه على حال ليصل إليه
قبيح.
وهذه الشروط أجمع
ثابتة في تكليفه تعالى لأنه مريد لما كلفه حسب ما دللنا عليه والمكلف قادر على ما
كلفه معلوم من حاله وصوله إلى ما عرض له من الثواب بامتثاله ما كلفه حسب ما دللنا
عليه وذلك يقتضي حسن التكليف وإذا ثبت حسن التكليف.
__________________
وإذا ثبت حسن
التكليف وجب ، لأنه لا واسطة بين وجوبه وقبحه من حيث كان القديم سبحانه قادرا على أن يغني
العاقل بالحسن عن القبيح فإذا لم يفعل وأحوجه إليه بالشهوات المخلوقة فيه وخلى
بينه وبينه فلا بد أن يكلفه لأنه إن لم يكلفه الامتناع منه وإن شق تعريضا لعظيم
النفع بالثواب كان مغريا له بالقبح وذلك لا يجوز عليه تعالى.
وأما بيان الأفعال التي تعلق بها
التكليف وصفاتها ، فمن حق ما تعلق التكليف
بفعله أو تركه عقلا أو سمعا صحة إيجاده لأن تكليف ما لا يصح إيجاده قبيح كالجواهر
والحياة ولا يحسن تعلقه بما لا يستحق بفعله أو بأن لا يفعل الثواب لأن الغرض الذي
له حسن كونه تعريضا للثواب فلا يحسن تكليف ما لا يوصل بفعله أو تركه إليه.
وهو ينقسم إلى ما
يستحق بفعله الثواب وإلى ما يستحق بأن لا يفعل العقاب وهو الواجب وإلى ما لا حكم
لتركه وهو الندب والإحسان وإلى ما يستحق بأن لا يفعل الثواب وهو القبيح ولا مدخل
للمباح في التكليف حيث كان لا حظ لفعله ولا تركه في استحقاق الثواب وما لا يوصل
إلى الثواب لا يحسن تكليفه.
ولا بد لما كلف
الله تعالى فعله أو تركه من وجه اقتضى ذلك فيه لأنه لو لا وجه اقتضاه لم يكن ما
وجب أولى بذلك من الندب أو القبيح من الوجوب والندب.
والتكليف على
ضربين ضروري ومكتسب.
والضروري على
ضربين واجب وندب.
والواجبات على
ضربين أفعال وتروك.
__________________
والأفعال العدل
والصدق وشكر النعمة وأمثال ذلك.
والتروك الظلم
والكذب والخطر ـ وتكليف ما لا يطاق وأمثال ذلك.
وجهة وجوب الأفعال
وقبح التروك كونها عدلا وصدقا وظلما وكذبا لأن كل من علمها كذلك علم وجوب ذلك وقبح
هذه.
والمندوبات على
ضربين أفعال وتروك.
والأفعال الإحسان
والحلم والجود وقبول الاعتذار والعفو وأشباه ذلك.
والتروك خلاف ذلك.
وجهة كون هذه
مندوبا إليها كونها كذلك لأن كل من علمها علمها مندوبا إليها.
والمكتسب على
ضربين عقلي وسمعي.
والعقلي العلم
بحدوث العالم وإثبات محدثه وما يجب كونه تعالى عليه من الصفات وأحكام أفعاله وما
يتعلق بها والحكم لجميعها بالحسن ولا تعلق لشيء منه بأفعال الجوارح ولا ترك فيه
وجهة وجوب هذا التكليف كونه شرطا في العلم بالثواب والعقاب الذي هو اللطف في
التكليف الضروري ولكونه شرطا في شكر النعمة وقد سلف برهان ذلك.
والسمعي على ضربين
أفعال وتروك.
والأفعال مفروض
ومسنون.
وجهة وجوب الفرائض
كونها لطفا في فعل الواجب العقلي وترك القبيح وقبح تركها لأنه ترك لواجب.
وجهة الترغيب في
المسنون كونه لطفا في المندوب العقلي ولم يقبح تركه
__________________
كما لم يقبح ترك
ما هو لطف فيه
والتروك الزنا
والربا وشرب الخمر وسائر القبائح الشرعية وجهة قبحها كون فعلها مفسدة في القبح
العقلي ووجب تركها لأنه ترك القبح والواجب في هذا التكليف العلم دون الظن وطريقه
الكتاب والإجماع والسنة المأثورة عن الصادقين عليهم السلام والعمل به لوجوهه المخصوصة وقد دللنا على صحة هذه الفتيا وفصلنا ما أجملناه
هاهنا في مقدمتي كتابي العمدة والتلخيص في الفروع.
ومن شرط الحسن في
تكليف هذه الأفعال والتروك تقوية دواعي مكلفها إلى ما يختار عنده أفعالها وصوارفه
عن تروكها أو يكون إلى ذلك أقرب دون ما يقتضي الإلجاء المنافي للتكليف لأن ذلك جار
مجرى التمكين.
فمتى علم سبحانه
في شيء كونه لطفا في التكليف على أحد الوجهين وكان مختصا بمقدوره سبحانه فلا بد أن
يفعله وإن كان من مقدورات المكلف فلا بد من بيانه له وإيجابه عليه وإن كان اللطف
لا يتم إلا بفعله تعالى وفعل المكلف وجب عليه سبحانه فعل ما يختص به وبيان ما يختص
المكلف وإيجابه وإن كان من فعل غير المكلف فعلم سبحانه أن ذلك الغير يفعل هذا
اللطف حسن تكليف هذا وإن علم أنه لا يختاره وفي أفعاله تعالى أو أفعال المكلف بدل
منه فعل ما يختصه وبين ما يختص المكلف وإن لم يكن له بدل أسقط تكليف ما ذلك اللطف
لطف فيه لأن تكليفه والحال هذه قبيح على ما بينته وتكليف غيره ما لا مصلحة له
فيه قبيح أيضا وإن كان لطفه يتعلق بفعل قبيح أو بما لا يصح إيجاده فلا بد من إسقاط
تكليفه لتعلقه بما لا يصح إيجاده أو يقبح فعله.
__________________
وقلنا بوجوب ما
ذكرناه.
لأنه لا فرق في
قبح المنع بينه وبين قبح المنع من التمكين.
يوضح ذلك : أن من
صنع طعاما لقوم يريد حضورهم نفعا لهم وعادته جارية في استدعائهم برسول فلم يفعل
الإرسال مع كونه مريدا لحضورهم يستحق الذم كما لو أغلق الباب دونهم ولا شبهة في
وجوب ما يستحق الذم بتركه.
وإذا صح هذا وكان
القديم سبحانه مريدا لتكليفه فلا بد أن يفعل له ما يعلم أنه يختار التكليف عنده أو
يكون أقرب إليه أو يبينه له إن كان من فعله وسقط تكليفه إن كان معلقا بما لا يصح إيجاده
أو يقبح أو مختصا بفعل غيره مع العلم بأنه لا يفعله ولا بدل له لكونه تعالى
عادلا لا يخل بواجب في حكمته سبحانه.
وما هو من فعله
تعالى لا بد أن يكون معلوما للملطوف له به أو مظنونا أو معتقدا لكونه داعيا وما لا
يعلم ولا يظن ولا يعتقد لا يكون داعيا وسواء كان ما هو من فعله تعالى لطفا في واجب
أو مندوب إليه أو ترك قبيح فإنه يجب في حكمته سبحانه فعله لكونه مريدا للجميع
وبيان ما هو لطف من فعل المكلف في التكاليف الثلاثة.
فأما ما يختص المكلف ، فالواجب عليه فعل ما هو لطف في واجب وترك قبيح وترك ما هو
مفسدة فيهما وهو في لطف المندوب بالخيار ولا فرق في إعلامه ما هو لطف له في تكليفه
وإزاحة علته بين أن ينص له على كونه كذلك وبين أن يوجب عليه فعلا بدليل عقلي أو
سمعي فيعلم بذلك كونه لطفا في واجب أو
__________________
يوجب عليه تركه
فيعلم بذلك كون فعله مفسدة أو يرغبه في فعل أو ترك فيعلم كونه لطفا في مندوب ويحسن
تكليفه ما هذا اللطف لطف فيه وإن جهله كذلك إذا كان متمكنا من العلم به لكون علته
مزاحة بالتمكين وإن فرط فيما يجب عليه.
ومن شرط اللطف أن
يتأخر عن التكليف ولو بزمان واحد لكونه داعيا ولا تتقدر الدواعي إلى غير ثابت فإن
علم سبحانه في فعل من الأفعال أنه إن صاحب التكليف دعا إلى اختياره فليس ذلك بلطف
لكونه وجها وسببا لحصول التكليف .
فوصف هذا الجنس من
الأفعال بأنه لطف اشتقاقا من التلطف للغير في إيصال المنافع إليه وتسمى صلاحا
لتأثيره وقوع الصلاح أو تقريب المكلف إليه ويسمى استصلاحا على هذا الوجه. ويسمى
منه توفيقا ما وافق وقوع الملطوف به فيه عنده.
ويسمّى منه عصمة
ما اختار عنده المكلف ترك القبيح على كل حال تشبيها بالمنع من الفعل وإن كان الفعل
القبيح إنما ارتفع مع اللطف باختيار المكلف ومع المنع لأجله فساوى الحال في ارتفاع
القبيح على كل وجه وإن اختلف جهتا الارتفاع فلذلك سمي الملطوف له بهذا الضرب من
اللطف معصوما ويجوز أن يكون الوجه في التسمية بمعصوم من حيث كان مفعولا له ما
امتنع معه من القبيح تشبيها بالممنوع على الوجه الذي بيناه.
ولا يلزم على هذا
عصمة سائر المكلفين لأن ما له هذه الصفة من الألطاف موقوف على ما يعلمه سبحانه من
كونه مؤثرا في اختيار المكلف ما كلف فعله أو تركه وما هذه حاله يجوز أن يختص ببعض
المكلفين ولا يكون في المعلوم
__________________
شيء يعلم من حال
الباقين كونهم مختارين لما كلفوه عنده فيختص فعله إذ ذاك بمن علم من حاله كونه غير
مختار عنده لشيء من القبائح دون من علم أنه لا يترك القبيح عند شيء من الأفعال كما
خبر عنهم سبحانه بقوله ( وَلَوْ أَنَّنا
نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا
عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ
) ـ يريد أن يشاء إلجاءهم وكقوله سبحانه ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) ـ وأمثال ذلك من
الآيات الدالة على وجود مكلفين لا يختارون شيئا من الطاعات ولا يتركون شيئا من
القبائح وإن فعل لهم كل آية.
ويحسن تكليف من
يعلم أنه لا لطف له وأنه يطيع أو يعصي على كل حال لأنه متمكن بجميع ضروب التمكين
مما كلف ولم يمنع واجبا وليست هذه حال من لطفه في القبيح أو فيما لا نهاية له لأن
هذا اللطف لم يفعل له فقبح تكليفه.
وأما الصلاح
الدنيوي العري من وجوه القبح فغير واجب لأنه لا تعلق له بالتكليف ولا له في نفسه
صفة وجوب كالصدق والإنصاف لأن وجوب ما هذه حاله معلوم ضرورة على جهة الجملة
ومكتسبا على جهة التفصيل ولأنه لو كان له وجه يقتضي وجوبه لكان ذلك لكونه نفعا
وذلك يوجب كل نفع لا ضرر فيه على الفاعل والمفعول له والمعلوم ضرورة خلاف ذلك
لوجودنا سائر الأغنياء من العقلاء يمنعون غيرهم ما له هذه الصفة
ولا يستحقون به الذم من أحد.
وتعلق القائلين
بالأصلح في إثبات وجه لوجوبه بذم مانع الاستظلال
__________________
بظل حائطه والتقاط
المتناثر من حب زرعه وتناول الماء من نهره .
ليس بصحيح لأنه لو
كان الوجه فيه كونه نفعا خالصا لوجب كل نفع خالص لأن صفة الوجوب لا تختص بمثل دون
مثل وقد علمنا ضرورة خلاف ذلك وإنما قبح المنع بحيث ذكروه لكونه عبثا لا غرض فيه
ولهذا متى حصل فيه أدنى غرض حسن ولو كان الوجه في قبح منعه كونه نفعا خالصا لم
يحسن لوجود غرض فيه كالظلم على أن مثالهم بخلاف الأصلح لقولهم بوجوب فعل ما فيه
نفع خالص وقد علمنا أنه لا يجب بناء الحائط للاستظلال به ولا حفر النهر لتناول
الماء منه ولا نثر الحب للالتقاط وإذا لم يجب فلا شاهد لهم.
ولا لهم أن
يتعلقوا في إيجابه بأن فاعله جواد ومانعه بخيل ـ وصفة الجود مدح وهو جدير بها سبحانه وصفة البخل ذم لا
يجوز عليه تعالى.
لأن ذلك تعلق
بعبارة يجوز غلط مطلقها وصوابه ولا يجوز إثبات وجه الوجوب والقبح للموصوف ضرورة أو
استدلالا ولا يجوز عند أحد من العلماء إثبات صفات الذوات بها على أن المعلوم
اختصاص إطلاق الجود والبخل بغير من ذكروه لأنه لا أحد يصف من لم يمنع من الاستظلال
والالتقاط الذي هو شاهد لهم بأنه جواد وإنما يصفون بذلك من أكثر الإحسان كحاتم وإن
كان عليه فيه ضرر بل لا يصفون بالجود من له إحسان ما ولو كان الجود اسما لمن ذكروه
لوجب اختصاصه به أو إطلاقه والمعلوم خلاف ذلك.
وأما بخيل فليس
بوصف لمن ليس بجواد لعلمنا بوجود أكثر العقلاء غير موصوفين بالجود ولا البخل ولو
كان اسما لمن منع نفعا خالصا لوجب وصف كافة العقلاء به حتى الأنبياء والأوصياء
والفضلاء لأنه لا أحد منهم إلا وهو مانع ما له هذه الصفة وإنما هو مختص بمانع
الواجب عليه لغيره لكونه اسما للذم
__________________
حسب ما نطق به
القرآن وإطلاق العرب له على مانع القرى لاعتقادهم وجوبه عليهم ولهذا لا يصفون به من أخل بواجب
يختصه ولا مانع التفضل على كل حال ويجوز أن يكون ذلك مجازا والمجاز لا يقاس عليه
ولا يجعل أصلا يرجع إليه.
فسقط ما تعلقوا به
معنى وعبارة والمنة لله.
وأيضا فإن المفعول
منه في الوقت الواحد لا بد من انحصاره لوجوب انحصار ما يخرج إلى الوجود وما زاد
عليه مما حكمه حكمه في النفع لا يخلو أن يكون مقدورا له تعالى أو غير مقدور ولا
يصح كونه غير مقدور لكونه تعالى قادرا لنفسه ولكونه مقدورا لا يخلو أن يكون واجبا
أو غير واجب وكونه واجبا يقتضي كونه تعالى غير منفك في حال من الإخلال بالواجب فلم
يبق إلا أنه غير واجب.
وليس لأحد أن يقول
فأنتم تجيزون فعل الأصلح فيلزمكم في الجواز ما ألزمتموه في الوجوب.
لأن الإخلال
بالواجب لا يجوز عليه تعالى والإخلال بالجائز جائز منه فافترقا بغير شبهة.
وليس له أيضا أن
يقول القدر الزائد إن كان صلاحا فلا بد أن يفعله وإن لم يكن كذلك فلا مسألة علينا.
لأنا فرضنا مساواة
القدر الزائد المعدوم لما وجد منه في الصلاح فاقتضى سقوط وجوب الأصلح أو كونه
تعالى غير منفك من الإخلال بالواجب فسؤالهم إذن خارج عن تقديرنا.
ولنا في هذا
الدليل نظر لا يحتمله كتابنا هذا.
__________________
وأيضا فلو لم يكن
في أفعاله تعالى ما له صفة الإحسان لم يجب شكره لاختصاص الشكر به دون سائر الأفعال
فإذا لم يتعين شكره لم يستحق العبادة لكونها كيفية في الشكر وذلك ضلال.
وأيضا فإنا نعلم
ضرورة أن من جملة الأفعال الواقعة منا ما يستحق به الشكر والمدح ولا يستحق به الذم
كما نعلم أن من جملتها واجب ومباح فيجب أن يكون تعالى قادرا لنفسه على ما هذه حاله
وذلك ينتقض قوله إنه ليس في الشاهد ولا الغائب ما يخرج عن واجب في العدل أو واجب
في الجود.
وأما
المكلف فهو الجملة الحية
المشاهدة بدليل حصول العلم بوقوع الأفعال الدالة على كون من تعلقت به قادرا أو
المحكمة المترتبة الدالة على كون من تعلقت به عالما مريدا منها والقادر العالم
المريد هو الحي المكلف.
وإذا كان المعلوم
استناد ما دل على كونه كذلك إلى الجملة وجب وصفها به دون ما لا يعلم ولا يظن تعلق
التأثيرات به إذ كان نفيها عن الجملة المعلوم ضرورة تعلقها بها وإضافتها إلى من لا
يمكن إضافتها إليه إلا على هذا الوجه تجاهل ولا نعلم حصول الإدراك بأبعاضها
والمدرك هو الحي فيجب أن يكون كل عضو حصل به الإدراك من جملتها.
ولأن الأفعال تقع بأطرافها ويبتدأ
بها التأثيرات المحكمة ويخف باليدين ما يثقل باليد الواحدة ولا وجه لذلك إلا كون
هذه الأعضاء محلا للقدر ومحل القدر هو القادر والقادر هو الحي.
وليس لأحد أن يقول
ما المانع من كون الحي غيرها وتقع أفعاله فيها مخترعة.
لأن الاختراع
يتعذر بجنس القدر ولأنه لو صح منه أن يخترع فيها لصح
__________________
في غيرها وذلك
محال ولأنه لو صح منه الاختراع لجاز أن يخترع في الإصبع الواحدة من حمل الثقيل ما
ينقل باليدين والمعلوم خلاف ذلك ولأنا نعلم انتفاء الحياة بانتقاض هذه البنية ولو
كان الحي غيرها لكان لا فرق بين قطع الرأس والشعر والمعلوم خلاف ذلك.
وببعض ما قدمناه
يبطل كون الحي بعض الجملة لصحة الإدراك بجميع أبعاضها وبوقوع الأفعال في حالة
واحدة بكثير من أعضائها مع تعذر الاختراع على ما بيناه.
وأما صفات المكلف فيجب أن يكون قادرا ليصح منه إيجاد ما كلف والقدرة مختصة بمقدوراته سبحانه
فيجب عليه فعلها.
وإن كان التكليف
يفتقر إلى آلة وجبت في حكمته سبحانه فعل ما يختصه كاليد والرجل وتمكينه من تحصيل
ما يختصه كالقلم والقوس لتعذر الفعل المفتقر إلى آلة من دونها لتعذره من دون
القدرة.
وإن كان التكليف
مما يفتقر العلم به والعمل إلى زمان وجب تبقيته الزمان الذي يصحان في مثله لأن
اخترامه من دونه قبيح.
ويجب أن يكون
عالما بتكليفه ووجهه أو متمكنا من ذلك لأن الغرض المقصود من الثواب لا يثبت مع
الجهل بوجوب الأفعال لاختصاص استحقاقه بإيقاع ما وجب أو ندب إليه واجتناب ما قبح
للوجه الذي له حسنا وقبح هذا ولأن المكلف لا يأمن براءة ذمته مما وجب عليه فعلا
وتركا من دون العلم بهما.
فما اقتضت الحكمة
كونها من فعله تعالى فلا بد من فعله للمكلف كالعلم بالمشاهدات بأوائل العقول وسائر
الضروريات وما اقتضت المصلحة كونه من فعل المكلف وجب إقداره عليه بإكمال عقله ونصب
الأدلة وتخويفه من ترك النظر فيها ويكفي ذلك في حسن تكليف ما يجب علمه استدلالا
وإن لم يكن
معلوما في الحال
ولا مما لا يعلم في الثاني لأن التكليف كاف والتقصير مختص بالمكلف.
والحال التي يصح
معها تكليف العلم بالمعلوم هي كون الحي عاقلا مخوفا من ترك النظر في
الأدلة.
والعقل مجموع علوم
من فعله تعالى وهي على ضروب منها العلم بالمدركات مع ارتفاع اللبس.
ومنها : العلم بأن
المعلوم لا بد أن يكون ثابتا أو منتفيا والثابت لا يخلو أن يكون لوجوده أول أو لا
أول لوجوده.
ومنها
: العلم بوجوب شكر
المنعم ورد الوديعة والصدق والإنصاف وقبح الظلم والكذب والخطر واستحقاق فاعل تلك
ومجتنب هذه المدح والذم على فعل هذه واجتناب تلك إذا وقع ذلك عن قصد.
ومنها : العلم بتعلق
التأثيرات بالعبد وفرق ما بين من تعلقت به وتعذرت عليه.
ومنها : العلم بجهات
الخوف والمضار وما يستندان إليه من العادات.
وقلنا إن العقل
مجموع هذه العلوم.
لأنها متى تكاملت
لحي وصف بأنه عاقل ومتى اختل شيء منها لم يكن كذلك ولو كان العقل معنى سواها لجاز
تكاملها بحي ولا يكون عاقلا بأن لا يفعل فيه ذلك المعنى أو يفعل في حي من دونها
فيكون عاقلا والمعلوم خلاف ذلك.
وقلنا : إنها من
فعله تعالى لحصولها على وجه الاضطرار في الحي لأنها
__________________
لو كانت من فعل
الحي منا لكانت تابعة لمقصوده.
وقلنا إن كونه
عاقلا شرط في تكليفه الضروري هو من جملتها ـ والمكتسب لا يتم من دونها لافتقاره إلى النظر الذي يجب
أن يتقدمه العلم بمجموعها ولأنه لا حكم للنظر من دونه.
ومما يجب كونه
عليه التخلية بينه وبين مقدوره فإن علم سبحانه حصول منع من فعله تعالى أو فعل
المكلف أو غيره قبح تكليفه لتعذر وقوعه وإن اختلفت أسباب التعذر.
ولا يحسن منه
تعالى تكليفه بشرط زوال المنع لأنه عالم بالعواقب والاشتراط فيه لا يتقدر وإنما
يحسن فيمن لا يعلم العواقب ـ ولذلك متى علمنا أو ظننا حصول منع من فعل لم يحسن منا
تكليفه.
ومما يجب كونه
عليه صحة الفعل وتركه لأن إلجاءه ينقض الغرض المجري بالتكليف إليه من الثواب الموقوف على
إيثار المشاق.
والإلجاء يكون
لشيئين :
أحدهما
: أن يعلم العاقل
أو يظن في فعل أنه متى رامه منع منه لا محالة كعلم الضعيف أنه متى رام قتل الملك
منع منه هو الملجأ إلى الترك وهذا الضرب من الإلجاء لا يتغير.
والثاني
: يكون بتقوية
الدواعي إلى المنافع الكثيرة الخالصة أو الصوارف بالمضار الخالصة وهذا يجوز تغييره
بأن يقابل الدواعي صوارف يزيد عليها والصوارف دواع يزيد عليها ولهذا استحال
الإلجاء على القديم سبحانه،
__________________
لاستحالة ما يستند
إليه من المنع ورجاء النفع وخوف الضرر.
ومن صفاته أن يكون
مائلا إلى القبيح نافرا من الواجب محتاجا لاستحالة تقدير التكليف من دون ذلك من
حيث كانت المشقة شرطا فيه ولا مشقة من دون الميل والنفور لأن ما يلتذ به الحي أو
لا يلتذ به ولا يألم لا يشق عليه فعلا كان أو تركا ولأن الوجه في حسنه التعريض للنفع
الملتذ به ومتى لم يكن الحي على صفة من يلتذ ببعض المدركات ويألم ببعض لم يدعه داع
إلى تكلف مشقة لاجتلاب نفع أو دفع مضرة وكونه كذلك يقتضي كونه محتاجا إلى نيل
النفع ودفع الضر فإن فرضنا غناه بالحسن عن القبيح ارتفعت المشقة التي لا يتقدر
تكليف من دونها.
وليس من شرط
التكليف أن يعلم المكلف أن له مكلفا لأن التكليف الضروري ثابت من دون العلم بمكلفه
سبحانه ولأن المعرفة بالمكلف سبحانه لا وجه لوجوبها إلا تعلقها بالضروري فلو وقف
حسن التكليف على العلم بالمكلف لتعذر ثبوت شيء من التكاليف.
وليس من شرطه أن
يعلم المكلف أنه مكلف لأنا قد بينا قبح الاشتراط في تكليفه سبحانه وقبحه يوجب
القطع على تبقية المكلف الزمان الذي يصح منه فعل ما كلف على وجه فلو كان من شرطه
أن يكون عالما بأنه مكلف لوجب أن يكون قاطعا على البقاء إلى أن يؤدي ما كلف أو
يخرج وقته وذلك يقتضي كونه مغرى بالقبح أو عصمته والإغراء لا يجوز عليه وعصمة كل
مكلف معلوم ضرورة خلافه.
ولأنا نعلم من
أنفسنا وغيرنا من المكلفين أنه لا أحد منا يقطع على بقائه وقتا واحدا بل يجوز
اخترامه بعد دخول وقت التكليف وقبل تأديته العبادة وبعد
__________________
ما دخل فيها ولم
يحملها وإنما نعلم أنه مكلف ما يحتاج إلى زمان إذا فعله أو خرج وقته إن كان موقتا.
وليس لأحد أن يقول
فعلى هذا لا يلزم أحدا أن يفعل شيئا من الواجبات وإن فعلها فلغير وجه الوجوب.
لأنه لا يتعين له
على ما ذكرتم إلا بعد الأداء أو خروج الوقت لأنه وإن لم يعلم كونه مكلفا ما خوطب
به إلا بعد فعله أو خروج وقته فإنه يعلم وجوب الابتداء به وإذا علم ذلك وجب عليه
الدخول فيه والعزم على فعله لوجهه.
ولأنه يجوز البقاء
ويعلم أنه إن خرج وقته ولم يؤده استحق الضرر فيجب عليه التحرز من الضرر المخوف
ويفعله لوجهه فكل ما مضى منه جزء علم كونه مكلفا له حتى يمضي جملته أو وقته وإن
اخترم على بعضه في وقته فتكليفه مختص بما فعله دون ما لم يفعله.
إن قيل فيلزم على
هذا أن يفرد كل حكم واجب من جملة تكليف بقصد مخصوص.
قيل إذا كان الحكم
من جملة تكليف وجب عليه الابتداء به كفاه أن يبتدئ به بعزم على جملته وتفصيله لوجهه لاختصاص تكليفه
بذلك وإن كان إفراد كل حكم من جملة تكليف بنية تخصه أفضل ونية الجملة كافية إذ لا
فرق في تعلقها بالحكم بين مصاحبته أو تقدمها عليه في حال الابتداء بالعبادة التي
هو من جملتها.
مسألة : [ في الألم ]
الألم ما أدرك
بمحل الحياة فيه وهو جنس وغير جنس :
__________________
فالمدرك بمحل
الحياة فيه كالحادث عند الوهي وفي رأس المصدع جنس.
والمدرك بمحل
الحياة في غيره كالحرارة والبرودة والطعم ليس بجنس غير هذه المدركات.
وقلنا ذلك.
لأن الحي يجد من
طريق الإدراك عند قطع بعض أعضائه ما لم يكن يجده ويفصل بين تألمه من ناحية ذلك
العضو وبين غيره.
والإدراك يتعلق
بأخص صفات المدرك ولا يجوز تعلقه بتفريق البنية لأن الأكوان غير مدركة بمحل الحياة
ولا غيره والميل والنفور غير مدركين ولأن حال كل منهما يحصل للحي وهو غير آلم ولا
ملتذ فثبت وجود معنى تعلق الإدراك به.
وليست هذه حاله
عند إدراك الحرارة والطعم وغيرهما لأن الإدراك تعلق بجنس معلوم فلا حاجة بنا إلى
إثبات غيره لما فيه من الجهالة.
وسمي هذا الذي
المعنى ألما إذا أدركه الحي وهو نافر ويسمى لذة إذا أدركه وهو مشته.
والشهوة والنفار معنيان مغايران
للألم واللذة مختصان بالقديم تعالى.
والألم مقدور
للمحدث ولا يصح منه إلا متولدا عن الوهي وتقع منه تعالى متولدا ومبتدأ كحصوله
للمصدع والمنفرس.
وإذا ثبت أن الألم
جنس الفعل بطل قول من زعم أنه قبيح لكونه ألما من حيث كان الشيء لم يقبح لجنسه لأن
ذلك يقتضي اختصاص القبح بجنس معين أو يماثل سائر الأجناس لصحة الاشتراك في صفة
القبح ويتعذر الجنس
__________________
في شيء من أعيان
الجنس وإنما يقبح لوقوعه على وجه ولهذا يقبح بعض الأكوان ويحسن بعض.
والوجه الذي عليه
يقبح الألم هو كونه ظلما بتعريه من نفع يوفى عليه ودفع ضرر هو أعظم منه واستحقاق
وكونه مدافعة وكونه عبثا بتعريه من عوض مثله أو أنفع لا يحسن إيصاله إلى المؤلم من
دونه أو لدفع ضرر يندفع بغيره أو كونه استفسادا بأن يكون داعيا إلى قبيح أو صارفا
عن حسن.
والوجه الذي عليه
يحسن هو أن يكون فيه نفع أو دفع ضرر أعظم أو عن استحقاق أو مدافعة.
وقلنا بقبحه لتلك الوجوه وحسنه
لهذه.
لحصول العلم
الضروري لكل عاقل بذلك من غير نظر ولا تأمل ويقوم الظن في جميع ذلك مقام العلم
لعلمنا باتباع الحسن والقبح له.
والوجه الذي يصح
منه تعالى الإيلام أن يكون مستحقا أو لطفا وهذان الوجهان ثابتان فيما يفعله في
الدنيا فأما ما يفعله تعالى في الآخرة فمختص بالاستحقاق لأن اللطف فيها غير متقدر.
وقلنا باختصاص
إيلامه في الدنيا بالوجهين.
لأن الوجوه التي
يقبح عليها الألم لا تصح منه تعالى لما بيناه من حكمته تعالى.
ولدفع الضرر قبيح
منه وإن حسن منا على وجه لأن الإيلام لدفع الضرر لا يحسن إلا بحيث لا يندفع الأعظم
إلا به.
يوضح ذلك أن كسر
يد الغريق لتخليصه لا يحسن مع غلبة الظن
__________________
بخلاصه بمجرد
الجذب ويحسن إذا غلب الظن أنه لا يتخلص إلا به والقديم تعالى قادر على دفع كل ضرر
من غير إضرار فلا وجه له منه تعالى.
ولمجرد النفع لا
يحسن لكونه عبثا لأن من استأجر غيره لنقل الرمل من جهة إلى أخرى لنفعه بالأجرة حسب
يستحق الذم لكونه عبثا.
وإذا فعل سبحانه
الألم لاعتبار المفعول في المؤلم أو غيره فلا بد من عوض ينغمر في جنبه ليخرج به عن كونه
ظلما ولهذا حسن ما يقع منه سبحانه من إيلام ولم يحسن ما يقع منا عريا من النفع
ودفع الضرر والاستحقاق والمدافعة وهو الظلم وإن كان في مقابلته عوض لا بد من
إيصاله إلى المظلوم.
ولا فرق في حسن
الألم للطف بين أن يكون اللطف مختصا به أو مع مساواة النفع له في ذلك لأنه بالعوض
المستحق عليه قد لحق بالنفع وزاد عليه فحاله تعالى في التخيير بينهما بخلاف حالنا
لأنا لا نقدر ولا نعلم من الأعواض ما يحسن له الألم ولذلك لم يحسن منا الاستصلاح
به بحيث يقوم النفع مقامه.
والوجه في حسن
إيلام الأطفال كونه لطفا للعقلاء وفي البهائم كونه كذلك وللانتفاع به في الدنيا
فيخرج ذلك عن حد العبث وعليه عوض يخرجه عن كونه ظلما.
وقلنا ذلك.
لأن إضافته إلى
الطبائع أو الكواكب أو الظلمة أو الشيطان أو القديم تعالى على وجه يقبح ولا يصح على ما دللنا على
فساده.
وكونه لذة معلوم
ضرورة خلافه وكونه للاستحقاق يقتضي مصاحبة الذم
__________________
له ومعلوم قبحه
وتقدم تكليف قبل زمانه وذلك يقتضي حصول الذكر له.
ولأن القائلين
بذلك يبنونه على قبح الإيلام لغير الاستحقاق وقد بينا حصول العلم الضروري بحسنه
للنفع ودفع الضرر والمدافعة.
ولأنه يوجب عليهم
تقدم تكليف على تكليف إلى ما لا نهاية له أو الانتهاء إلى تكليف غير مستحق فيسقط
معه مذهبهم ويقتضي كون التكليف عقابا وذلك محال.
وبهذا يسقط مذهب
القائلين بالتناسخ ويسقطه أيضا قيام الدلالة على أن الحي هو الجملة دون بعضها أو
غيرها واستحالة كون زيد قردا ـ وإنما كان يصح ذلك لو كان الحي غير الجملة وقد أفسدناه
وإن كانوا لا يهتدون إلى هذا الذي لا يتقدر تناسخ من دونه ولأنه يقتضي تكميل عقل
المنسوخ ليعلم كونه معدولا فيه معدنا والمعلوم ضرورة خلاف ذلك ولأنه كان يجب ذم كل
مؤلم لكونه عقابا وإن كان نبيا أو صديقا.
واعتذارهم في عدم
الذكر بالموت لا يغني سببا لأن فقد العلم في مدته لا يمنع عند الأحياء وإكمال
العقل من الذكر بل يجب كالنوم وحال العقلاء في البعث ولأن الموت غير متقدر على
مذاهبهم وإنما هو انتقال الروح أو الحي فإن فهموا مذهب القائلين به من جملة إلى
جملة فعلى هذا ما حاله في التنقل في الهياكل إلا كالتنقل في الأماكن فكما يجب
العلم بحمل أحوال المنتقل عن بلد إلى أخرى فكذلك يجب ما قلناه.
__________________
مسألة : [ في العوض ]
العوض هو النفع
المستحق العري من تعظيم وتبجيل.
وليس بدائم لأنه
لو كان من حقه الدوام لكان شرطا في حسنه وقد علمنا حسن الألم لنفع منقطع وجهة
استحقاقه على المحدث كون ما يستحق به ظلما من فعله أو واقعا عند فعله كالآلام
الواقعة من الكحل.
وهو على ضربين
أحدهما يصح نقله كالأموال وما لا يصح ذلك فيه كالآلام والغموم على السب وفوت
المنافع.
فعوض الأول يصح
التخلص بإيصاله إلى مستحقه أو استحلاله لصحة قبضه واستيفائه والثاني يقف على
الانتصاف منه تعالى في الآخرة لتعذر القبض فيه والاستيفاء.
وجهات استحقاق
العوض عليه تعالى من وجوه أربعة.
أحدها لألم يفعله للطف به كالآلام المبتدأة في الأطفال والبالغين
وما يفعله عند التعريض منا للحر والبرد لعلمنا بحسن ذلك ولو كان العوض على من طرح
غيره في الثلج لكان قبيحا مع كونه فعلا له سبحانه وإنما يقبح التعريض.
وثانيها
ما يفعل بأمره
كالضحايا وحدود الامتحان.
وثالثها
ما يفعل بإباحته
كذبح الحيوان وركوب البهائم والحمل عليها واستخدام الرقيق.
ورابعها : ما يفعل
بإلجائه.
وجهة استحقاق
العوض من الوجه الأول قد بيناه ومن الوجوه الثلاثة علمنا بحسن ما يقع من الألم
بأمره وإباحته وإلجائه فلو لا أنه سبحانه
__________________
تكفل بالعوض عنه
لقبح كسائر ما يفعله من الألم بغيرنا.
ويجوز تعجيل ما
يمكن ذلك فيه في الدنيا لأنه لا صفة له يمنع من تعجيله وما لا تعجيل منه لا بد من
فعله في الآخرة لمستحقه من العقلاء وغيرهم.
ولا يجوز في حكمته
سبحانه تمكين غيره من الظلم إلا مع إمكان الانتصاف منه في حال الاستحقاق لأن
تبقيته أو تكفل العوض عنه تفضل عليه يجوز منعه والانتصاف واجب ولا يجوز تعلقه به.
والصحيح حسن تمكين
من علم أنه يستحق من الأعواض بمقدار ما يستحق عليه في المستقبل أو يتكفل القديم
سبحانه عنه العوض لأن الانتصاف للمظلوم وإيصاله إلى ما يستحقه من الأعواض ممكن مع
كل واحد من الأمرين كإمكانه مع ثبوت العوض في حال الظلم ولا مانع من قبح ولا غيره.
مسألة : [ في الآجال ]
الكلام في الآجال
عبارة ومعنى :
فالعبارة الأجل
وهو الوقت لأن أجل الدين وقت استحقاقه والوقت هو الحادث الذي تعلق به حدوث غيره
إذا كان معلوما والموقت هو الحادث المتعلق بالوقت إذا لم يكن معلوما كطلوع الشمس
هو وقت لقدوم زيد إذا كان المخاطب يعلم طلوعها لأنه حادث معلوم تعلق به حادث غير
معلوم.
فإذا صح هذا فأجل
الموت أو القتل وقت حدوثهما ولو جاز أن يطلق على حدوث موت أو قتل أجلان لجاز عليه
أن يطلق عليه وقتان وتقدير بقائه لو لم يمت أو يقتل لا يجوز له أن يوصف بأن له
أجلان لأن ما لم يحدث فيه موت ولا قتل لا يوصف بذلك بالتقدير كما لا يكون ما لم
يقع فيه موت ولا قتل وقتا
__________________
للموت ولا قتل.
والمعنى : هل كان
يجوز بقاء من مات أو قتل أكثر مما مضى أم لا وهذا ينقسم.
إن أريد كونه
مقدورا فذلك صحيح لكونه سبحانه قادرا لنفسه فالامتناع منه كفر.
وإن أريد العلم
بوقوعه وحصوله فمحال لأنه سبحانه عالم لنفسه فلو كان يعلم أن هذا الميت أو المقتول
يعيش أكثر مما مضى لعاش إليه ولم يمت ولم يقتل في هذه الحال وفي اختصاص موته أو
قتله بها دليل على أنه المعلوم الذي لا يتقدر غيره وكونه معلوما لا يوجب وقوعه ولا
يحيل تعلق القدرة بخلافه لأن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به ولا يجعله
كذلك لأنا نعلم جمادا وحيوانا ومؤمنا وكافرا فلا يجوز انقلاب ما علمناه وإن كنا لم
نوجب شيئا منه.
مسألة : [ في الرزق ]
الرزق ما صح
الانتفاع به ولم يكن لأحد المنع منه بدليل إطلاق هذه العبارة فيمن تكاملت له هذه
الشروط.
والملك ما قدر
الحي على التصرف فيه ولم يجز منعه بدليل صحة هذا الإطلاق على من تكاملت له هذه
الصفات كمالك الدار والدراهم.
والحرام لا يكون
رزقا لمن قبضه لأن الله تعالى أباح الانتفاع بالرزق بقوله تعالى ( كُلُوا
وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) ومدح على الإنفاق
منه فقال سبحانه ( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) ، وكونه حراما
__________________
ينافي ذلك.
ولأنه لا يخلو أن
يكون سمة الرزق مختصة بما ذكرناه أو بما يصح الانتفاع به فقط وكونها مختصة بما
قلناه يمنع من وصف الحرام بالرزق واختصاصها بما يصح الانتفاع به يقتضي كون أموال
الغير وأملاكهم وأزواجهم والخمر ولحم الخنزير أرزاقا لصحة الانتفاع بالجميع وذلك
فاسد فثبت اختصاص سمته بما قلناه.
والرازق هو من فعل
الرزق أو سببه أو مكن منه على جهة التفضل والقصد بدليل وصف من تكاملت هذه الشروط
له رازقا ولا يوصف البائع ولا قاضي الدين ولا المورث بأنه رازق.
وإذا وجب هذا
لجميع ما ينتفع به الحي منا من غير منع يوصف بأنه تعالى الرازق له لأنه الموجد للأجسام وما فيها من
أجناس الملذوذات والممكن من تناولها والمرغب في إيصالها والمبيح لها وإن وصل الحي
إلى شيء منها بفعله أو من جهة غيره لاختصاص ذلك بما هو الخالق والمبيح والمقدر على
تناوله وإيصاله والمرغب فيه وخالق الشهوة لمتناوله.
ويجوز وصف من أوصل
إلى غيره تفضلا بأنه رازق له مجازا وقد وصفهم بذلك سبحانه فقال ( وَإِذا
حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ ) ـ ولأنه قد تفضل
بما يصح الانتفاع به وقد كان له أن لا يفعل ولهذا يستحق به الشكر.
مسألة : [ في الأسعار ]
الكلام في الأسعار
عبارة ومعنى
__________________
فالعبارة ما السعر؟
وهو تقدير البدل
فيما يباع به الأشياء بدليل صحة هذه العبارة على تقدير البدل دون البدل والمبدل
منه لأن قولنا الحنطة قفيزان بدرهم لا يكون القفيزان ولا الدرهم سعرا على حال.
وينقسم العبارة
إلى رخص وغلاء.
فالرخص هو انحطاط
السعر عما جرت العادة به في وقت ومكان مخصوصين بدليل صحة إطلاق الرخص مع تكامل هذه
الأوصاف.
واعتبرنا الوقت
والمكان لأن اختلاف المكان أو الوقت يمنع من إطلاق الرخص ولذلك لا يوصف الثلج وقت
سقوطه من السماء بالرخص ولا في محله وإنما يوصف بذلك فيما نأى عن محله من الجبال
في زمان الحر إذا زاد على المعهود.
والغلاء هو زيادة
السعر على ما جرت به العادة في وقت ومكان مخصوصين بدليل ما قدمناه.
والمعنى إلى من
يضاف الرخص والغلاء؟
وذلك مختص بما فعل
سببهما؟
فإن كان الرخص
لتكثير أجناس المبيعات أو إماتة الخلق أو تقليل شهواتهم للشيء الرخيص فهو مضاف
إليه سبحانه لوقوف ذلك على فعله.
وإن كان الرخص
مسببا عن العباد يجبر الناس على بيع الأمتعة أو يدل بما يملكونه من كثيرها بالثمن
اليسير فالرخص مضاف إليهم لوقوعه عند أفعالهم.
والغلاء إن كان
حادثا للجدب والقحط أو تكثير الخلق أو تقوية شهواتهم فمضاف إليه سبحانه.
وإن كان لاحتكار
الظلمة أو إخافة السبل ومنع المسافرة فمضاف إلى من فعل ذلك دونه تعالى.
ولذلك يجب شكره
سبحانه على الوجهين الأولين ويذم أو يمدح من سبب الغلاء أو الرخص من العباد.
[ مسائل النبوة ]
مسألة : [ في كون الرئاسة واجبة
في حكمته تعالى ]
الرئاسة واجبة في
حكمته تعالى على كل مكلف يجوز منه إيثار القبيح لكونها لطفا في فعل الواجب
والتقريب إليه وترك القبيح أو التبعيد منه بدليل عموم العلم للعقلاء بكون من هذه
حاله عند وجود الرئيس المبسوط اليد الشديد التدبير القوي الرهبة إلى الصلاح أقرب
ومن الفساد أبعد وكونهم عند فقده أو ضعفه بخلاف ذلك.
وقد ثبت وجوب ما
له هذه الصفة من الألطاف في حكمته تعالى فوجب لذلك نصب الرؤساء في كل زمان اشتمل
على مكلفين غير معصومين.
والمخالف لنا في
هذه لا يعدو خلافه أن يكون في الفرق بين وجود الرؤساء وعدمهم في باب الصلاح أو في
صلاح الخلق برئيس أو في وقوع القبح عند وجودهم كفقدهم.
فإن خالف في الأول
فيجب مناظرته لظهور هينه للعقلاء وعلمهم بكذبه على نفسه فيما يعلم ضرورة خلافه.
وإن خالف في
الثاني لم يضر لأنا لم نقل إن صلاح الخلق نفع كل رئيس وإنما دللنا على كون الرئاسة
لطفا في الجملة فصلاح العقلاء على رئيس دون رئيس لا يقدح على أنا سنبين أن الرئاسة
المطلوب بها لا فساد فيها لعصمة من ثبتت له وتوفيقه.
وإن خالف على
الوجه الثالث لم يقدح أيضا لأن الرئاسة لطف وليست ملجئة فلا يخرجها عن ذلك وقوع
القبيح عندها كسائر الألطاف ولأن الواقع
__________________
من القبيح عندها
يسير من كثير ولولاها لوقع أضعافه بقضية العادة.
ولا فرق في وجوب
الاستصلاح بما يرفع القبح جملة أو بعضه أو يبعد منه أو يؤثر وقوع كل واجب واحد أو
يقرب إليه.
ولا يقدح في ذلك
إيثار بعض العقلاء لرئيس دون رئيس واعتقاد الصلاح لفقد الرؤساء.
لأنا لم نستدل
بفعلهم وإنما استدللنا بقضية العادة الجارية بعموم الصلاح بالرؤساء والفساد بفقدهم
فحكمنا بوجوب ما له هذه الصفة في حكمته سبحانه وقبح الإخلال به مع ثبوت التكليف
وليس في الدنيا عاقل عرف العادات ينازع فيما قضينا به من الفرق بين وجود الرؤساء
المهيبين وعدمهم بل حال ضعفهم.
وفعل العقلاء أو
بعضهم بخلاف ما يعلمونه لا يقدح في علمهم كما لا يقدح إيثارهم للقبائح وإخلالهم
بالواجبات الضرورية في وجوب هذه وقبح تلك.
على أن دعواهم
اعتقاد بعض العقلاء حصول الصلاح للخلق بعدم الرؤساء كاعتقاد بعضهم عدم الصلاح بوجودهم.
كذب على أنفسهم
يشهد الوجود به لعلمنا بأنه ليس في الدنيا عاقل سليم الرأي من الهوى يؤثر عدم
الرؤساء جملة ويعتقد عموم الصلاح به والفساد بوجودهم فالمعلوم من ذلك هو اعتقاد
بعض العقلاء حصول الفساد برئاسة ما يختصه ضررها بحسد أو طمع أو خوف ضرر إلى غير
ذلك دون نفي الرئاسة جملة. كأهل الذعارة والمفسدين في الأرض الذين لا يتم لهم بلوغ
ما يؤثرونه من أخذ الأموال والفساد في الأرض إلا بفقد الرؤساء المرهوبين فلذلك آثروا
فقدهم واعتقدوا حصول الصلاح لهم بعدمهم ولا شبهة في قبح هذا الاعتقاد
__________________
والإيثار.
وهم مع ذلك غير
منكرين لحصول الصلاح بجنس الرئاسة ولهذا لا توجد فرقة منهم بغير رئيس مقدم يرجعون
إلى سياسته كالخوارج وغيرهم من فرق الضلال الذاهبين إلى قبح كل رئاسة يخالف ما هم
عليه من النحلة كاعتقاد الكفار والمنافقين ذلك في رئاسة الأنبياء والأئمة عليهم السلام.
وإنما كرهوا
رئاستهم واعتقدوا حصول الفساد بها والصلاح بعدمها لاعتقادهم حصول المفسدة بها لكونها قبيحة
ولم ينكر أحد منهم وجوب الرئاسة جملة ولهذا لم نر فرقة منهم إلا ولها رئيس مطاع.
وكمعتقدي حصول
صلاحهم برئاسة ما وعدمه بوجود أخرى فهم يكرهون هذه ويؤثرون تلك كراهية قريش ومن وافقها
في الرأي رئاسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لاعتقادهم فوت الأماني
بنبوتها ، وإيثارهم رئاسة
غيره لظنهم بلوغ الأغراض الدنيوية بها فهؤلاء أيضا لم ينكروا عموم الصلاح بالرئاسة
في الجملة وإنما كرهوا رئاسته لصارف عنها وآثروا أخرى لداع إليها.
وكمن حسد بعض
الرؤساء وشنأه من العقلاء إنما يكره رئاسته حسدا وبغضا ولا يكره رئاسة من لا شنآن
بينه وبينه كقريش ومن وافقها على حسد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
وبغضه في الفضل على جميعهم وتقدمه في الإسلام على سائرهم وعظيم نكايته فيهم إنما
كرهوا رئاسته لذلك ولم يكرهوا رئاسة من لا داعي لهم إلى حسده وعداوته.
وكمن يرى الرئاسة
لأنفسهم ويرشحهم لها إنما يكرهون كل رئاسة
__________________
مناكسة لهم
ويعتقدون حصول الفساد بها فيما يخصهم لأن مقصودهم لا يتم إلا بذلك ككراهة
المستخلفين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن تبعهم من خلفاء بني أمية
وبني العباس رئاسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذريته عليهم السلام
لاعتقادهم حصول الفساد بها فيما يخصهم لأن مقصودهم من رئاسة الأنام لا يتم إلا
بذلك.
ولم ينكر أحد منهم
الرئاسة وكيف ينكرونها مع حصول العلم بمثابرتهم عليها ومنافستهم فيها واستحلالهم
بعد استقرارها لهم ذم القادح فيها ومظاهرتهم بأن نظام الخلق وصلاح أمرهم لا يتم
إلا بطاعتهم والانقياد لهم واستصلاحهم رعاياهم بالرؤساء واجتهادهم في تخير ذوي
البصائر لسياسة البلاد ومن فيها بالتأمير على أهلها وكراهية رعية الظلمة من الرؤساء
المسرفين في الفساد لرئاستهم لما فيها من الضرر دينا ودنيا واعتقادهم الصلاح
بفقدها لذلك.
ولا يكره أحد من
هؤلاء رئاسة ذوي العقل والإنصاف ولا يعتقد حصول الفساد بها بل يتمناها لعلمه بما
فيها من الصلاح.
وعلى هذا يجري
القول في كل طائفة من العقلاء كرهوا رئاسة رئيس إنما يكرهونها لأمر يخصهم نفعه
وضرره فليتأمل يوجد ظاهرا وشبهة الخصم به مضمحلة ومن المقصود في إيجاب الرئاسة
العامة أجنبية والمنة لله.
ولا يقدح في
الاستصلاح بالرئيس ووجوب وجوده لذلك عقلا قولنا إن العقاب لا يستحقه بعضنا على بعض.
لأن المقصود يصح
من دون ذلك من حيث كان علم المكلف أو ظنه بأنه متى رام القبيح منعه منه الرئيس
بالقهر صارفا له عنه بل ملجئا في كثير من المواضع ولأن العقاب وإن لم يستحقه بعضنا
على بعض فالمدافعة حسنة بكل ما يغلب في الظن ارتفاع القبح به وإن تلفت معه نفس
الدافع.
فإذا كان هذا
ثابتا عقلا وعلم المكلف بكون الرئيس القوي منصوبا لمدافعة مريدي الظلم عن المظلوم
صرفه ذلك عن إيثاره.
على أنا وإن منعنا
من كون العقاب مستحقا بعضنا ونفينا استحقاق القديم له قطعا فإنا نجيز استحقاقه منه
سبحانه على القبح عقلا ويقطع به حسا ، وتجويز المكلف
كون الرئيس الملطوف له به منصوصا له عقاب العاصي كاف في الزجر.
ولا يقدح فيما
ذكرناه القول بأن الصلاح الحاصل بالرؤساء دنيوي فلا يجب له نصبهم.
لأنا قد بينا
تخصصه بالدين وإن اقترن به الدنيوي على أن وجودهم إذا أثر صلاح الدنيا كالأمن فيها
والتصرف في ضروب المعايش بمنع الرؤساء المفسدين وصرف من يتوهم منه الفساد عنه
بالرهبة وارتفاع هذا الصلاح الدنيوي بعدمهم يقهر الظالمين وأخافهم ذوي السلامة عاد
الأمر إلى الصلاح الديني بوجودهم المؤثر لوقوع الحسن وارتفاع القبح وفساد الدين
بعدمهم ولم ينفصل من الصلاح الدنيوي بغير إشكال.
ولا يقدح في ذلك
دعوى الإلجاء لخوف الرئيس إلى فعل الواجب وترك القبح على ما اعتمده المتأخرون من
مخالفينا لأن ذلك يسقط ما لا يزالون يمنعون منه من تأثير الرئاسة في وقوع الواجب
وارتفاع القبح من حيث كان الشيء لا يكون ملجئا إلا بعد كونه غاية في التأثير فكيف
يجتمع القول بذلك مع نفي التأثير جملة لذي عقل سليم.
وبعد فالملجئ إلى
الفعل والترك هو ما لا يبقى معه صارف عن الفعل ولا
__________________
داع إلى الترك
فتجب إذ ذاك وقوع هذا وارتفاع ذاك والرئاسة بخلاف ذلك لعلمنا ضرورة بتردد الدواعي
إلى الواجب والقبيح والصوارف عنهما ووقوع كثير من القبيح وارتفاع كثير من الواجب
عند وجود الرؤساء المهيبين واستحقاق فاعل القبح والمخل بالواجب الذم والاستخفاف
واستحقاق مجتنب هذا وفاعل ذلك المدح وكل هذا ينافي الإلجاء بغير شبهة.
ولا يمنع من عموم
اللطف بالرئاسة تقدير وجود واحد منفرد لا يتقدر منه ظلم أحد لأن من هذه صفته إذا
كان الظلم مأمونا منه صح منه العزم على فعله متى تمكن منه لأن العزم على
القبح لا يفتقر إلى التمكن منه في الحال لصحة عزم كل من جاز منه القبح على ما يقع
بعد أحوال متراخية على العزم.
وإذا صح هذا فعلم
هذا المفرد أن من ورائه رئيس متى رام الظلم منعه منه بالقهر أو أنزل به ضررا
مستحقا أو مدافعا به صرفه ذلك عن العزم عليه كما يصرف ظن كل عاقل عن العزم على قتل
السلطان أنه متى رام ذلك منع منه ولا فرق والحال هذه بين كون الرئاسة لطفا في
أفعال القلوب أو الجوارح.
وهذا التحرير
يقتضي كون الرئاسة لطفا في الجميع لأن الصارف عن أفعال الجوارح صارف عن العزم
عليها كما أن الداعي إليها داع إلى العزم والعزم على الشيء جزء منه أو كالجزء في
الحسن والقبح.
ولا قدح بعموم
المعرفة للأزمان والتكاليف والمكلفين في اللطف وخصوص الغنى والفقر في تميز الرئاسة
منهما فيما له كانت لطفا لأن قياس الألطاف بعضها على بعض لا يجوز لوقوف كونها
ألطافا على ما يعلمه سبحانه وإثبات أعيانها وأحكامها بالأدلة.
فعموم المعرفة
لعموم مقتضيها وأحكامها بالأدلة وخصوص الغنى والفقر
__________________
لاختصاص موجبهما
لا لكونهما لطفا في الجملة واختصاص الرئاسة بمن يجوز منه فعل القبيح في أفعال
الجوارح وما يتعلق بها من أفعال القلوب وبكل زمان وجد فيه مكلفون بهذه الصفة بحسب
ما اقتضته الأدلة فيها ولا يخرجها ذلك عن كونها لطفا لمخالفتها باقي الألطاف كما
لم يخرج كل لطف خالف لطفا سواه في مقتضاه عن كونه كذلك.
[ اشتراط العصمة في الرئيس ]
وهذا اللطف لا يتم
إلا بوجود رئيس أو رؤساء لا يد على أيديهم يرجع إليه أو إليهم الرئاسات ولا يكون
كذلك إلا بكونه معصوما لأنا قد بينا وجوب استصلاح كل مكلف غير معصوم بالرئاسة
فاقتضى ذلك وجوب رجوع الرئاسات إلى رئيس معصوم وإلا اقتضى وجود ما لا يتناهى من
الرؤساء أو الإخلال بالواجب في عدله تعالى وكلاهما فاسد.
ولنا تحرير
الدلالة على وجه آخر فنقول العلم بوجوب الحاجة إلى رئيس لا ينفصل من العلم بوجه
الحاجة لأنا إنما علمنا حاجة المكلفين إلى رئيس من حيث وجدناه لطفا في فعل الواجب
واجتناب القبيح وهذا لا يتقدر إلا في من ليس بمعصوم فصار العلم بالوجوب لا ينفصل
من العلم بوجهه.
وترتيب الأول أولى
لبعده من الشبهة وإسقاطه الاعتراض بعصمة كل رئيس وافتقار هذا إلى استئناف كلام
لإسقاط ذلك.
[ ما يتعلّق بالرئيس ]
ولا بد من كون
الرئيس أعلم الرعية بالسياسة لكونه رئيسا فيها وقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما
هو أفضل منه فيه.
ولا بد من كونه
أفضلهم ظاهرا لهذا الوجه بعينه.
وأكثرهم ثوابا
لوجوب تعظيمه عليهم وخضوعهم له والتعظيم قسط من الثواب واستحقاق ذمته منه ما لا
يساويه فيه أحد من الرعية يقتضي كونه من أفضلهم بكثرة الثواب.
ولا سبيل إلى
تميزه إلا بمعجز يظهر عليه أو نص يستند إلى معجز لما قدمناه من وجوب صفاته لتعذر
علمها على غير القديم تعالى.
ولا اعتراض بما لا
يزالون يهذون به من كون الاختيار طريقا إذا علم سبحانه اتفاق اختيار المعصوم.
لأن هذا أولا لا
يتقدر من دون نص على اختيار الرئيس ونحن في أحكام عقلية قبل السمع وبعد فما له قبح
تكليف اختيار الأنبياء عليهم السلام والشرائع وإن علم
اتفاق إصابة المختارين للمصلحة يقتضي قبح تكليف اختيار الرئيس.
وأيضا فتكليف ما
لا دليل عليه ولا أمارة تميزه بصفته قبل وقوعه قبيح وإذا فقد المكلف الأدلة
والأمارات المميزة لذي الصفة المطلوبة بالاختيار قبح تكليفه ولم ينفعه علمه بعد
وقوع الاختيار بصفة المختار.
على أن هذا
المعلوم لا يخلو أن يختصه تعالى دونهم أو ينص لهم على أن اختيارهم يوافق المعصوم
والأول لا يؤثر شيئا فيما قصدوه والثاني نص على عين المعصوم لأنه لا فرق بين أن ينص
سبحانه على عينه أو على تميزه بفعل غيره.
ويصح هذا اللطف
برئيس واحد في الزمان بهذه الصفة ويستصلح أهل الأصقاع بأمرائه الملطوف لهم ويجوز
كونه بوجود عدة رؤساء بالصفات التي بيناها في وقت واحد.
ويجب ذلك في كل
صقع في ابتداء الرئاسة وفي كل حال تعذر العلم بوجود
__________________
الرئيس المخصوص
فيها ومن قبله من الأمراء لأن تعذر العلم في ابتداء الرئاسة لطف فيه.
وإن كنا قد أمنا
هذه التجويز والقطع في شريعتنا لحصول العلم بأن الرئيس واحد وأنه لا مكلف تكليفا
عقليا ولا سمعيا خارج عن تكليف نبوة نبينا وإمامة الأئمة عليهم السلام وما جاء به
من الشرعيات وإن التكليف من دون العلم أو إمكانه قبيح فاقتضى ذلك رفع الجائز
العقلي وما ابتنى عليه من الوجوب.
[ تقسيم الرئاسة إلى نبوة
وإمامة ]
وهذه الرئاسة قد
تكون نبوة وكل نبي رسول وإمام إذا كان رئيسا وقد تكون إمامة ليست بنبوة.
ومعنى قولنا نبي
يفيد الإخبار من أنبأ ينبئ ونبأ بالتشديد من التعظيم مأخوذ من النبوة وهو الموضع
المرتفع.
وفي عرف الشرائع
المؤدي عن الله بغير واسطة من البشر وهذه الحقيقة الشرعية تتناول المعنيين
المذكورين لأن المؤدي عن الله تعالى مخبر ومستحق في حال أدائه التعظيم والإجلال.
وأما رسول فمقتض
لمرسل وقبول منه للإرسال كوكيل ووصي.
وهو في عرف
الشرائع مختص بمن أرسله الله تعالى مبينا لمصالح من أرسل إليه من مفاسده.
وفي عرف شريعتنا
مختص بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلوات الله عليه وآله لأنه لا يفهم من قول القائل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وروى عن الرسول
غيره.
والإمام هو
المتقدم على رعيته المتبع فيما قال وفعل.
[ والغرض في بعثة النبي ]
والغرض في بعثة
النبي ـ زائدا على الاستصلاح برئاسته إن كان رئيسا عقليا من الوجه الذي ذكرناه
بيان مصالح المرسل إليهم من مفاسدهم التي لا يعلمها غير مكلفهم سبحانه وهو الوجه
في حسن البعثة لكون اللطف غير مختص بجنس من جنس ولا بوجه من وجه ولا وقت من وقت
وإنما يعلم ذلك عالم المصالح.
وقد بينا وجوب فعل
ما يعلمه لطفا من فعله سبحانه وبيان ما يعلمه كذلك من أفعال المكلف فيجب متى علم أن من جنس
أفعاله ما يدعوه إلى الواجب ويصرفه عن القبيح أو يجتمع له الوصفان أو يكون مقربا
أو مبعدا أن يبين ذلك للملطوف له بالإيحاء إلى من يعلم من حاله تحمله بأعباء
البلاغ وكونه بصفة من تسكن الأنفس إليه وإقامة البرهان على صدقه متى علم تخصص
المصلحة ببيانه عليه السلام دون فعله تعالى العلم بذلك في قلبه أو خطابه على وجه لا
ريب فيه أو ببعض ملائكته أو كونه نائبا في بيان المصلحة مناب ما تصح النيابة فيه.
[ صفات الرسول ]
والصفات التي يجب
كون الرسول عليه السلام عليها هي أن يكون معصوما فيما يؤدي لأن تجويز الخطأ عليه
في الأداء يمنع من الثقة به ويسقط فرض اتباعه وذلك ينقض جملة الغرض بإرساله وأن
يكون معصوما من القبائح لكونه رئيسا وملطوفا برئاسته لغيره حسب ما دللنا عليه ولأن
تجويز القبيح عليه
__________________
ينفر عن النظر في
معجزه ولأنه قدوة فيما قال وفعل وتجويز القبيح عليه يقتضي إيجاب القبيح ولأن
تعظيمه واجب على الإطلاق والاستخفاف به فسق على مذاهب من خالفنا وكفر عندنا ووقوع
القبيح منه يوجب الاستخفاف فيقتضي ذلك وجوب البراءة منه مع وجوب الموالاة له.
[ المعجز وشرطه ]
والطريق إلى تميزه
المعجز أو النص المستند إليه لاختصاصه من الصفات بما لا يعلمه إلا مرسله تعالى.
ويفتقر المعجز إلى
شروط ثلاثة :
منها أن يكون
خارقا للعادة من فعله تعالى مطابقا لدعواه.
واعتبرنا فيه خرق
العادة لأن دعوى التصديق بالمعتاد لا يقف على مدع من مدع ولا يميز صادقا من كاذب
وإن كان من فعله تعالى كطلوع الشمس من المشرق ومجيء المطر في الشتاء والحر في
الصيف وطريق العلم بذلك اعتبار العادات وما يحدث فيها وخروج الفعل الظاهر على يد
المدعي عن ذلك.
واعتبرنا كونه من
فعله تعالى لجواز القبيح على كل محدث وجوازه يمنع من القطع على صدق المدعي وكون ما
أتى به مصلحة وطريق العلم بذلك أن يختص خرق العادة بمقدوراته تعالى كإيجاد الجواهر
وفعل الحياة أو يقع الجنس من مقدورات العباد على وجه لا تمكن إضافته إلى غيره
كرجوع الشمس وانشقاق القمر وأمثال ذلك.
واعتبرنا كونه
مطابقا للدعوى لأنه متى لم يكن خرق العادة متعلقا بدعوى مخصوصة لم يكن أحد أولى به
من أحد.
فإذا تكاملت هذه
الشروط فلا بد من كونه دلالة على صدق المدعي لكون هذا التصديق نائبا مناب لو قال
تعالى صدق هذا فيما يؤديه عني كما لا
فرق في كون الملك
الحكيم مصدقا لمدعي إرساله له بين أن يقول صدق علي أو يفعل ما ادعى كونه مصدقا له
به مما لم تجر عادة الملك بفعله.
فإن كان ما ذكرناه
مشاهدا ففرض المشاهد له النظر فيه لكونه خائفا من فوت مصالح وتعلق مفاسد وإن كان
نائيا عن حدوث المعجز أو موجودا بعد تقضيه ـ فلا بد مع تكليف ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله
وسلم من نصب دلالة على صدقه وصحة ما أتى به لقبح التكليف من دونهما.
وذلك يكون بأحد
شيئين إما قول من يعلم صدقه وإن كان واحدا أو تواتر نقل لا يتقدر في ناقليه الكذب
بتواطؤ وافتعال أو اتفاق لبلوغهم حدا في الكثرة وتنائي الديار والأغراض أو وقوع
نقلهم على صفة يعلم الناظر فيها تعذر الكذب في مخبرهم من أحد الوجوه بقضية العادة
وإن قلوا وإن كانت هذه الطبقة تنقل عن غيرها وجب ثبوت هذه الصفات في من ينقل عنه ثم
كذا حتى يتصل النقل بجماعة شاهدت المعجز لا يجوز على مثلها الكذب.
وذلك لا يتم إلا
بتعين الأزمنة للناظر في النقل وتميز الناقلين ذوي الصفة المخصوصة في كل زمان لأن
الجهل بأعيان الأزمنة يقتضي الجهل بأهلها وتعين الأزمنة مع الجهل بأعيان الناقلين
الموصوفين يقتضي تجويز انقطاع النقل وتجويز افتعاله واستناده إلى معتقدين دون
الناقلين فمتى اختل شرط مما ذكرناه ارتفع الأمان من كذب الخبر المنقول ومتى تكاملت
الشروط حصلت الثقة بالمنقول.
وهذه الصفات
متكاملة في نبينا صلوات الله عليه ومن عداه من الأنبياء عليهم السلام فطريق العلم بنبوتهم إخباره عليه السلام لكونهم غير
مشاهدين ولا تواتر بمعجز أحد منهم لافتقار التواتر إلى الشروط المعلوم ضرورة
تعذرها
__________________
في نقل من عدا
المسلمين.
وإذا وجب ذلك
اقتضى القطع على نبوة من أخبر بنبوته من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من
الأنبياء على التفصيل والجملة وكونهم بالصفات التي دللنا على كون النبي عليها
وتأول كل ظاهر سمعي خالفها بقريب أو بعيد لوقوف صحته على أحكام العقول وفساد تضمنه
ما يناقضها إذ كان تجويز انتقاضها به يخرجها من كونها دلالة على فساد سمع أو غيره
وهذا ظاهر الفساد.
[ طريق العلم بنبوة نبينا محمد
صلى الله عليه وآله ]
وطريق العلم
بنبوته عليه السلام من وجهين :
أحدهما القرآن.
والثاني ما عداه من الآيات كانشقاق القمر ورجوع الشمس ونبوع الماء
من بين أصابعه وإشباع الخلق الكثير باليسير من الطعام وغير ذلك.
والقرآن يدل على
نبوته عليه السلام من وجوه :
أحدها
: حصول العلم باختصاصه به عليه السلام وتحديه الفصحاء به وتقريعهم بالعجز عن معارضته كما يعلم ظهوره عليه السلام ودعواه النبوة وقد يضمن آيات التحدي بقوله ( فَأْتُوا بِعَشْرِ
سُوَرٍ ) ... ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ ) ثم قطع على مغيبهم فقال سبحانه ( قُلْ
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا
الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) ومعلوم توفر
دواعيهم إلى معارضته وخلوصها من الصوارف
__________________
وارتفاعها.
فلا يخلو أن يكون
جهة الإعجاز تعذر جنس الكلام أو مجرد الفصاحة والنظم أو مجموعهما أو سلب العلوم
التي معها يتأتى المعارضة.
والأول ظاهر
الفساد لكون كل محدث سليم الآلة قادرا على جنس الكلام ومن جملته القرآن ولهذا يصح
النطق بمثله من كل ناطق.
والثاني يقتضي
حصول الفرق بين قصير سورة وفصيح الكلام على وجه لا لبس فيه على أحد أنس بموضع
الفصاحة لكون كل سورة منه معجزا وما عداه معتادا كالفرق بين انقلاب العصا حية وتحريكها
وفلق البحر والخوض فيه وظفر البحر وجدوله .
وفي علمنا بخلاف
ذلك وإنا على مقدار بصيرتنا بالفصاحة نفرق بين شعر النابغة وزهير وشعر المتنبئ
فرقا لا لبس فيه مع كونهما معتادين ولا يحصل لنا مثل هذا بين قصير سورة وفصيح كلام
العرب مع وجوب تضاعف ظهور الفرق بينهما لكون أحدهما معجزا والآخر معتادا دليل على
أنه لم يخرق العادة بفصاحته ولا يجوز كون النظم معجزا لأنه لا تفاوت فيه ولهذا نجد
من أنس بنظم شيء من الشعر قدر على جميع الأوزان بركيك الكلام أو جيده وإنما يقع
التفاوت بالفصاحة.
ولا يجوز أن يكون
الإعجاز بمجموعهما من وجهين.
أحدهما
: إنا قد بينا تعلق
الفصاحة والنظم بمقدور العباد منفردين وذلك يقتضي صحة الجمع بينهما لأن القادر على
إيجاد الجنس على وجهين منفردين يجب أن يكون قادرا على إيجاده عليهما مجتمعين إذ
كان الجمع بينهما صحيحاً ،
__________________
لو لا هذه لخرج عن
كونه قادرا عليهما.
الثاني
: إنه لو كان نظم
الفصاحة المخصوصة يحتاج إلى علم زائد لكان علمنا بأن العرب الفصحاء قد نظموا ما
قارب القرآن في الفصاحة شعرا وسجعا وخطبا دليلا واضحا على كونهم قادرين على نظم
فصاحتهم في مثل أسلوب القرآن لأنا قد بينا أن القدرة على نظم واحد يقتضي القدرة
على كل نظم.
وإذا بطلت سائر
الوجوه ثبت أن جهة الإعجاز كونهم مصروفين وجرى ذلك مجرى من ادعى الإرسال إلى جماعة
قادرين على الكلام والتصرف في الجهات وجعل الدلالة على صدقه تعذر النطق بكلام
مخصوص وسلوك طريق مخصوص في أن تعذر ذين الأمرين مع كونهم قادرين عليهما قبل التحدي
وبعد تقضي وقته من أوضح برهان على كونه معجزا لاختصاصه بمقدوره تعالى وتكامل
الشروط فيه.
إن قيل بينوا جهة
الصرف وحاله وعن أي شيء حصل.
قيل معنى الصرف هو
نفي العلوم بأضدادها أو قطع إيجادها في حال تعاطي المعارضة التي لو لا انتفاؤها
لصحت منهم المعارضة وهذا الضرب مختص بالفصاحة والنظم معا لأن التحدي واقع بهما وعن
الجمع بينهما كان الصرف.
وأيضا فلو لا ذلك
لكان القرآن معارضا لأنا قد بينا عدم الفرق المقتضي للإعجاز بينه وبين فصيح كلامهم
وكون النظم والفصاحة والجمع بينهما مقدورا ولأنه عليه السلام جرى في التحدي على عادتهم ومعلوم أن معارض المتحدي بالوزن المخصوص لا يكون
معارضا حتى تماثل في الفصاحة والوزن والقافية وإنما وجب هذا لتعلق التحدي بالرتبة
في الفصاحة والطريقة في النظم.
ولا يمكن أحدا كذا دعوى معارضة
للقرآن.
__________________
لأنه عليه السلام لو عورض مع ظهور كلمة المعارض وضعفه عليه السلام لكانت المعارضة أظهر من القرآن وما وجب كونه كذلك لا يجوز إستاره فيما بعد
على مجرى العادات.
ولأنه لو عورض
لكانت المعارضة هي الحجة والقرآن هو الشبهة وذلك يقتضي ظهورها لتكون للمكلف طريق
إلى النظر يفرق ما بين الحق والباطل.
وليس لأحد أن يقول
إنما لم يعارضوا لأنهم ظنوا أن الحرب أحسم.
لأن الحرب لم تكن
إلا بعد مضي الزمان الطويل الذي تصح في بعضه المعارضة لا مشقة ولا خطر
وفيها الحجة والحرب خطر بالأنفس والأموال ولا حجة فيها والعاقل لا يعدل عن الحجة
مع سهولتها إلى ما لا حجة فيه مع كونه خطرا إلا للعجز عن الحجة ولهذا لو رأينا
متحديا ذوي صناعة بشيء منها ومفاخرا لهم به ومدعيا التقدم عليه فيها ثم تحداهم به
فعدلوا عن معارضته إلى شتمه وضربه لم تدخل علينا شبهة في عجزهم عما تحداهم ولا ريب
في عنادهم وهذه حال القوم المتحدين بالقرآن بلا قبح.
وببعض هذا يسقط
شبهة من يقول إنه عليه السلام شغلهم بالحرب عن معارضته لأن الحرب لم تكن إلا بعد مضي
أزمنة يصح في بعضها وقوع المقدور الذي صارف عنه مع خلوص الدواعي إليه ولأن الحرب
لا تمنع من الكلام ولهذا اقتربت كذا بالنظم والنثر ولم ينقص رتبة ما قالوه من ذلك في زمنها
في الفصاحة عما قالوه في غيرها على أن الحرب لم تستمر وإنما كانت أحيانا نادرة في
مدة البعثة ومختصة في حالها بقوم من الفصحاء دون آخرين.
ومن وجوه إعجاز
القرآن قوله تعالى ( فَتَمَنَّوُا
الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
__________________
وَلَنْ
يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) فقطع على عدم له فكان كما أخبر وهذا يقتضي اختصاص هذا
الإخبار بالقديم تعالى المختص بعلم الكائنات القادر على منعهم من التمني بالقول
ويجري ذلك مجرى لو قال لهم الدلالة على صدقي أنه لا يستطيع أحد منكم أن ينطق بكذا
مع كونهم قادرين على الكلام في ارتفاع اللبس أن تعذره يقتضي كون ذلك معجزا.
ومنها
: ما تضمنه من
أخبار الأمم السالفة وقصص الرسل مع حصول نشوئه عليه السلام بعيدا عن مخالطة أهل الكتب والكتابة أميا فيها نائيا عن سماع أخبار الأنبياء.
ومنها
: ما تضمنه من
الأخبار عن بواطن أهل النفاق وإظهارهم خلاف ما يبطنون والعلم بما في النفوس
موقوف عليه تعالى فيجب كونه دلالة على نبوته.
ومنها
: ما تضمنه من
الإخبار عن الكائنات ومطابقة الخبر المخبر في قوله تعالى (
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) و (
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) ( الم غُلِبَتِ
الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) وقوله تعالى ( لَئِنْ
أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ
وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ) وقوله ( وَعَدَ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
__________________
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
فِي الْأَرْضِ ) الآية وقوله ( إِذا جاءَ نَصْرُ
اللهِ وَالْفَتْحُ ) .
وأمثال ذلك من
الآيات والإخبار بما يكون مستقبلا ووقوع ذلك أجمع مطابقا للخبر مع علمنا بوقوف ذلك
عليه تعالى.
وهذه الأخبار إنما
تدل على صدق المخبر بعد وقوع المخبر عنه ولا يجوز أن يجعلها دلالة على افتتاح
الدعوة لتأخرها عنها.
وأما دلالة الآيات
الخارجة من القرآن الدالة على نبوته عليه السلام ، فتفتقر
إلى شيئين :
أحدهما : إثبات كونها.
الثاني
: كونها معجزات.
والدلالة
على الأول : أنا نعلم وكل
مخالط لأهل الإسلام تعين الناقلين من فرق المسلمين وانقسامهم إلى شيعة وغيرهم
وبلوغ كل طبقة في كل زمان حدا لا يجوز معه الكذب وإخبار من بينا من الفريقين عن
أمثالهم وأمثالهم عن أمثالهم حتى يتصلوا بمن هذه صفته من معاصري النبي عليه السلام.
وأنه انشق له
القمر وردت الشمس ونبع الماء من بين أصابعه وأشبع الجماعة بقوت واحد مع حصول العلم
بتميز أزمانهم ووجود من هذه صفته في كل زمان وذلك يقتضي صدقهم لأن الكذب لا يتقدر
فيمن بلغ مبلغهم إلا بأمور إما باتفاق من كل واحد أو بتواطؤ أو بافتعال من نفر
يسير وانتشاره فيما بعد.
والأول ظاهر
الفساد لأن العادة لم تجر بأن ينظم شاعر بيتا فيتفق نظم مثله لكل شاعر في بلده
فضلا من شعراء أهل الأرض.
والثاني يحيله
تنائي ديارهم واختلاف أغراضهم وعدم معرفة بعضهم
__________________
لبعض ولو جاز لوقع
العلم به ضرورة لأنه لا يكون إلا باجتماع في مكان واحد أو بتكاتب وتراسل وكل منهما
لو وقع من الجماعات المتباعدة الديار لحصل العلم به لكل عاقل.
وافتعاله ابتداء
بنفر يسير وانتشاره فيما بعد يسقط من وجهين.
أحدهما
: تضمن نقل من
ذكرناه صفة الناقلين واتصالهم بالنبي لصفتهم المتعذر معها الافتعال في المنقول فما
منع من كذبهم في النقل للخبر يمنع منه في صفة الناقلين.
والثاني
: أن النقل لهذه
المعجزات لو كان مفتعلا من نفر يسير ثم انتشر لوجب أن نميزهم بأعيانهم ونعلم
الزمان الذي افتعلوه فيه حسب ما جرت به العادات في كل مفتعل مذهبا كملكا ويعقوب
ونسطور ومنتحلي الإنجيل كمتى ولوقا وينا ـ وكمنشئي القول بالمنزلة بين المنزلتين من واصل وعمرو بن
عبيد وما أفتاه جهم بن صفوان وما ابتدعه أبو الحسن الأشعري وما اخترعه ابن كرام
وتميز الأوقات بذلك وتعين المحدث فيها.
وإذا وجبت هذه
القضية في كل مفتعل وفقدنا العلم والظن بمفتعل هذه الآيات وزمان افتعالها بطل
كونها مفتعلة وإذا تعذرت الوجوه التي معها يكون الخبر كذبا في مخبر الناقلين لأيام
النبي ثبت صدقهم.
وأما
الدلالة على الثاني فهو : أن كل متأمل يعلم تعذر رد الشمس وانشقاق القمر على كل محدث وأما نبوع الماء
من بين الأصابع فمختص بإيجاد الجواهر وما فيها من الرطوبات التي لا يتعلق بمقدور
محدث وكذلك القول في إشباع الخلق الكثير بيسير الطعام وهو لا محالة مستند إلى ما
لا يقدر عليه قوله تعالى لرجوعه إلى إيجاد الجواهر المماثلة للمأكول مع علمنا
بتعذرها
__________________
على المحدثين.
ولا يقدح في نقل
هذه الآيات اختصاصه بالدائنين به لأن المعتبر في صدق الناقل وصحة المنقول ثبوت
الصفة التي معها يتعذر الكذب وإن كان الناقل فاسقا وقد دللنا على ثبوتها لناقلي
المعجزات فيجب القطع على صدقهم وسقوط السؤال.
على أن النقل
مفتقر إلى داع خالص من الصوارف ولا داعي لمخالف الإسلام الراكن إلى التقليد العاشق
لمذهب سلفه لنقل ما هو حجة عليه مفسد لنحلته بل الصوارف عنه خالصة من
الدواعي فلذلك لم ينقل مشاهدو المعجزات من مخالفي الملة لما شاهدوه ونشأ خلفهم عن
سلف لم ينقلوها إليهم فانقطع نقلها منهم ولا يقيم هذا عذرهم لثبوت الحجة بنقلها
ممن بيناه مع كونهم مخوفين من العذاب الدائم بجحدها.
ويقلب هذا السؤال
على مثبتي النبوات من مخالفي الإسلام بأن يقال لو كانت المعجزات اللاتي يدعون
ظهورها على إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ثابتة لفصلها كل
مخالف فمهما انفصلوا به كان انفصالا منهم.
وإذا ثبت بنبوة
نبينا عليه السلام وجب اتباعه والعمل بما جاء به على الوجه الذي شرعه والحكم
بفساد كل ما خالفه من النحل وضلال مخالفه والقطع على كفره لكون ذلك معلوما من دينه
عليه السلام.
[ في النسخ ]
ولا يقدح في ثبوت
النبوة لرسول الله ما يقوله بعض اليهود من أن النسخ يؤدي إلى البداء.
__________________
لأن الفعل لا يكون
بداء إلا أن يكون المأمور به هو المنهي عنه بعينه وأن يكون المكلف واحدا والوقت
واحدا والوجه واحدا لأنه لا وجه للنهي عن المأمور به مع تكامل الشرائط المذكورة
إلا أن الأمر ظهر له ما كان مستترا وهذا مستحيل فيه تعالى لكونه عالما لنفسه ومتى
اختل شرط واحد لم يكن بداء بغير شبهة بل تكليف حسن.
وما أتى به نبينا عليه السلام ليس ببداء لأن المنهي عنه به عليه السلام غير المأمور به
موسى والمكلف غير المكلف والوقت غير الوقت والوجه والصفة غير الوجه والصفة وإنما
هو تكليف اقتضت المصلحة بيانه.
وقد بينا أن الوجه
في البعثة بيان المصالح من المفاسد وما هو كذلك موقوف على ما يعلمه سبحانه فمتى
علم اختصاص المصلحة بفعل أو ترك مدة وكون ذلك بعد انقضائها مفسدة أو لا مصلحة فيه
فلا بد من اختصاص المصلحة بفعل أو ترك مدة وكون ذلك بعد انقضائها مفسدة أو لا
مصلحة فيه فلا بد من إسقاطه وإلا كان نبوته مفسدة أو ظلما لا يجوزان عليه سبحانه.
ولذلك متى علم
سبحانه في عمل معين كونه مصلحة لمكلف ومفسدة لآخر وجب أمر أحدهما به ونهي الآخر
عنه وإن علم في فعل معين كونه مصلحة لمكلف وفي فعل آخر مفسدة له فلا بد من أمره
بأحدهما ونهيه عن الآخر وإن علم أن الفعل في وقت مصلحة وفي آخر مفسدة فلا بد من
أمره به في وقت المصلحة ونهيه عن مثله في وقت المفسدة وإن علم أن إيقاع الفعل على
وجه يكون مصلحة وعلى آخر يكون مفسدة فلا بد من الأمر بإيقاعه على وجه المصلحة
والنهي عن وجه المفسدة.
الدلالة على حسن
التكليف مع هذه الوجوه قبح ذم من كلف مع تكاملها أو بعضها ولأن تجويز قبح التكليف
والحال هذه ينقض النبوات لأنه لا وجه لها إلا ما ذكرناه ولا انفصال من الملحدة
والبراهمة فيما يقدحون به من اختصاص
الإمساك بالسبت
دون الأحد ووجوب العبادة في وقت معين وقبحها في غيره وتحليل مثل المحرم في وقتي
الصوم والإفطار وفي تحريمه مثل المحلل على كل حال كالشحم المختلط باللحم والمتميز
منه ووجوب السبت على من بعث إليه موسى دون غيره ممن تقدم أو عاصر أو تأخر إلا
بإسناد ذلك إلى المصلحة الموقوفة على ما يعلمه سبحانه.
وإذا تقرر هذا
وكان ما أتى به نبينا عليه السلام من الشرائع
مغايرا لأعيان ما كلفوه وفي غير وقته وعلى غير وجهه وبغير مكلفيه حسب ما بيناه ثبت
حسنه ووجوبه لكونه مصلحة معلومة بصدق المبين.
أما إن قيل بينوا
لنا ما النسخ لنعلم تميزه من البداء؟
قيل هو كل دليل
رفع مثل الحكم الشرعي الثابت بالنص بدليل لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه.
وقلنا رفع مثله.
لأن رفع عين
المأمور به بداء.
وقلنا شرعي.
لأنه لا مدخل
للنسخ في العقليات.
وقلنا ثابتا.
لأنه لا يرفع ما
لم يجب مثله.
وقلنا بدليل.
لأن سقوط التكليف
بعجز أو منع أو فقد آلة أو غير ذلك من الموانع لا يكون نسخا.
وقلنا مع تراخيه
عنه.
لأن المقارن لا
يكون نسخا لو قال تعالى صل مدة سنة كل يوم ركعتين لم يكن سقوط هذا التكليف بانقضاء
الحول نسخا.
ومتى تكاملت هذه
الشروط كان نسخا والمرفوع منسوخا والرافع ناسخا.
وتأمل كل ناسخ
ومنسوخ في شرعنا يوضح عن تكامل هذه الشروط فيه.
وامتناعهم من
النظر في دعوتنا وتحرزهم من تخويفنا بدعواهم أن موسى عليه السلام أمرهم بإمساك
السبت أبدا وتكذيب من نسخه إخلال بواجب التحرز واعتصام بغير حجة لأنه لا طريق لهم
إلى العلم بصحة هذا الخبر بل لا طريق لهم إلى إثباته واحدا وإنما يخبرون عن
اعتقادات متوارثة عن تقليد لافتقار ثبوت النقل المتواتر وما ورد من طريق الآحاد
إلى العلم بأعيان الأزمنة وتعيين الناقلين في كل زمان لأن الجهل بالزمان يقتضي
الجهل بمن فيه وتعذر العلم به وفقد العلم بثبوت الناقلين فيه يمنع من العلم
بالتواتر والآحاد بغير إشكال.
وهذان الأمران
متعذران على اليهود لأنه لا يمكن لأحد منهم دعوى حصول النص بأعيان الأزمنة متصلة
بوجود اليهود فيها إلى زمن موسى وإن ادعاه طولب بالحجة ولن يجدها بضرورة ولا دلالة
والأزمان المعلوم وجود اليهود فيها لا سبيل لهم إلى إثبات ناقلين من جملتهم آحاد
فضلا عن متواترين.
وإذا تعذر الأمران
لم يبق لاعتقادهم صحة هذا الأخبار إلا التقليد الذي لا يؤمن مخوفا ولا يقتضي تحرزا.
ولأن وجوب التحرز
من تخويفنا ضروري والعلم بما تخوف منه ممكن لكل ناظر في الأدلة وما يدعى على موسى
إذا لم يكن إثباته على ما أوضحناه قبح التكليف معه وهو سبحانه لا يكلف على وجه
يقبح فيجب لذلك القطع على سقوط تكليف شرعهم وفرض التمسك به بخبر غير ثابت بعلم ولا
ظن مع الخوف العظيم من المتمسك به.
على أن الخبر
المذكور من جنس الأقوال المحتملة للاشتراط
والتخصيص والتقييد
والتجوز بغير إشكال والمعجز بخلاف ذلك فلو فرضنا صحته لوجب تخصصه أو اشتراطه أو
نقله عن حقيقة إلى المجاز لثبوت النسخ لشرعهم بالمعجز الذي لا يحتمل التأويل إذ لا
فرق بين تخصيص القول أو اشتراطه أو نقله عن أصله بالدليل الأصلي واللفظي والعقلي
بل العقلي آكد وإذا جاز نقل الألفاظ عن موضعها بمثلها فبالأدلة العقلية أجوز.
على أن موسى عليه
السلام إن كان قال هذا لم يخل من أحد وجهين.
إما أن يريد
الامتناع بالنسخ وتكذيب من أتى به وإن كان صادقا بالمعجز.
أو يريد ذلك مع
فقد علم التصديق.
وإرادة الأول لا
يجوز لكونه قادحا في نبوته بل في جميع النبوات لوقوف صحتها على ظهور العلم بالمعجز
وفساد كونه دالا في موضع دون موضع.
فلم يبق إلا أنه عليه السلام إن كان قال ذلك فعلى الوجه الثاني الذي لا ينفعهم ولا يضرنا.
وليس لهم أن
يعتذروا مما لزمناهم بفقد دليل على نبوة من ادعى نسخ شرعهم.
لأن فقد ذلك ليس
بمعلوم ضرورة فيجب عليهم أن يجتنبوا السكون إلى ما هم عليه حتى ينظروا فيما يدعوا
إليه ويخوفوا منه ومتى فعلوا الواجب عليهم علموا صحة نبوة نبينا عليه السلام وفساد ما يدينون به لأنا قد دللنا بثبوت الأدلة الواضحة على نبوته عليه السلام وإلا يفعلوا فإنما يؤتون في فقد العلم بالحق من قبل أنفسهم وبسوء اختيارهم والحجة
لازمة لهم.
ثم يقال لهم دلوا
على نبوة من تزعمون أنكم على شرعه.
فإن فزعوا إلى
ترتيب العبارة عن الاستدلال بالتواتر بمعجزات موسى عليه السلام طولبوا بإثبات صفات
التواتر فإنهم لا يجدون سبيلا إليها حسب
ما أوضحناه وإذا
تعذر ذلك سقط دعواهم ولزمتهم الحجة.
ثم يسلم لهم دعوى
التواتر ويقابلوا بالنصارى فلا يجدون محيصا عن التزام النصرانية وتصديق عيسى أو
تكذيبه وموسى عليهما السلام إذ إثبات أحد الأمرين والامتناع من تساويهما لا يمكن.
وكل شيء يقدحون به
في نقل النصارى يقابلون بمثله من البراهمة وللنصارى أكبر المزية لحصول العلم لكل
مخالط باتصال وجودهم في الأزمنة إلى من شاهد المعجزات وتعذر مثل ذلك فيهم.
ولا انفصال لهم من
النصارى بضلالهم في إلهية المسيح عليه السلام أو القول بالنبوة
أو الاتحاد لتميز النقل من الاعتقاد بصحة دخول الشبهة في الاعتقاد وارتفاعها
عن التواتر وثبوت صدق المتواترين وإن كانوا ضلالا أو اعتقدوا عند هذا النقل ضلالا.
ألا ترى إلى وجود
كثير من العقلاء قد ضلوا عند ظهور المعجزات على الأنبياء والأئمة عليهم السلام فاعتقدوا
لذلك إلهيتهم ولم يمنع ذلك من صدقهم فيها لانفصال أحد الأمرين من الآخر.
وإلزامهم على هذه
الطريقة نبوة نبينا عليه السلام لتواتر المسلمين في الحقيقة بالمعجزات الظاهرة عقيب دعواه
أبلغ في الحجة لأنه لا يمكنهم القدح في نقل المسلمين بشيء مما قدحنا به في نقلهم
وما قدحوا به على النصارى.
وهذا كاف والمنة
لله.
__________________
[ مسائل في الإمامة ]
[ الغرض في الإمامة وصفات
الإمام ]
والغرض في الإمامة
المنفردة عن النبوة ما بينا من حصول اللطف بها وعموم الاستصلاح لكل مكلف يجوز منه
فعل القبيح ويجوز اختصاص هذه الرئاسة بهذا اللطف.
ويجب له نصبه
الرئيس ذي الصفات التي بينا وجوب تأثير ثبوتها وانتفائها في الاستصلاح لكل
والاستفساد.
ويجوز أن يكون
الرئيس الملطوف للخلق بوجوده مؤديا عن نبي ومنفذا لشرعه أو نائبا في ذلك عن إمام
مثله ويعلم كونه كذلك بقوله لأن قيام البرهان على عصمته يؤمن المكلف كذبه فيما
يخبر به.
فإذا ثبت كونه
مؤديا فلا بد من كونه معصوما من القبائح للوجوه التي لها كان النبي عليه السلام كذلك.
وعالما بما يؤديه
لاستحالة الأداء من دون العلم وإن كلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجب كونه
عالما بكل معروف ومنكر لكون الأمر بالشيء والحمل عليه فرعا للعلم بحسنه وكون النهي
عن الشيء والمنع منه فرعا في الحسن للعلم بقبحه ولأن الحمل على فعل ما يجوز الحامل عليه كونه
قبيحا والمنع مما يجوز المانع منه كونه حسنا قبيح.
وإن تعبد بإقامة
حدود وجب كونه ممن لا يواقع ما يستحق به لأن ذلك يخرجه عن كونه إماما وإن تعبد
بجهاد وجب كونه أشجع الرعية لكونه فئة لهم ويجب أن يكون هذه حاله عابدا زاهدا
مبرزا فيهما على كافة الرعية لكونه قدوة فيهما.
__________________
ويجوز من طريق
العقل أن يبعث الله سبحانه إلى كل مكلف نبيا وينصب له رئيسا ويجب ذلك إذا علم كونه
صلاحا وإنما علمنا أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا إمام في
الزمان إلا واحد بقوله عليه السلام المعلوم ضرورة من
دينه حسب ما قدمناه.
وهذه الصفات
الواجبة والجائزة حاصلة للأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله الملطوف بوجودهم
لأمته المحفوظ بهم شرعه المنفذون لملته المتكاملوا الصفات التي بينا وجوب كون
الرئيس والحافظ عليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ابنا علي
ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى
ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم الحجة بن الحسن صلوات الله
عليهم أجمعين لا إمامة في الملة لغيرهم ولا طريق إلى جملة الشريعة من غير جهتهم
ولا إيمان لمن جهلهم أو واحدا منهم.
الدلالة على ذلك
ما بيناه من وجوب الصفات للرئيس العقلي والحافظ للتكليف الشرعي وفقد دلالة ثبوتها
لمن عداهم أو دعوى بها فيمن سواهم ممن ادعى الإمامة أو ادعيت له ممن استمر القول
بإمامته.
وفساد خلو الزمان
من إمام لكون ذلك مفسدة لا يحسن التكليف معها وقيام البرهان على ضلال من خالف أهل
الإسلام.
ولأنه لا أحد قطع
على ثبوت هذه الصفات المدلول على وجوب حصولها للإمام إلا خصها بمن عيناه من الأئمة
عليهم السلام فيجب القطع بصحة هذه الفتيا لأن تجويز فسادها يقتضي فساد مدلول
الأدلة وذلك باطل.
وهذان الدليلان
كافيان في إثبات إمامة الجميع مجملا ومفصلا ونحن نفرد لإمامة كل منهم كلاما يخصها.
ولا يعترض هذين
الدليلين مذاهب الكيسانية والناووسية والواقفة وأمثالهم.
لإسناد الجميع ما
يذهبون إليه إلى دعوى حياة الأموات المعلوم ضرورة موتهم ولأنهم أجمع منقرضون فلا
يوجد منهم إنسان معروف فخرج لذلك الحق من جملتهم.
[ عصمة الأئمة ]
وليس لأحد أن يقول
إن الأمة وإن لم يقطع على عصمة من ادعيت له الإمامة في زمن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ومن ذكرتموه من ذريته عليهم السلام فليست قاطعة على
نفيها عنهم وهو موضع الحجة من استدلالكم كما لا يجب نفي العصمة عن كل من لم يقطع
على نفيها عنه بل نجيز فيهم وفي كل من لم نعرفه أو عرفناه بالعدالة أن يكون معصوما
وإن لم يقطع على ثبوتها له.
لأنا إذا كنا قد
دللنا على كون العصمة من صفات الإمام الواجبة كالإسلام والحرية والعدالة المجمع
على اعتبارها في الإمام وجب القطع على نفي إمامة من لم يقطع على كونه معصوما كما
يجب مثل ذلك فيمن لا يعلم إسلامه وحريته وعدالته وإن جوزنا كونه بهذه الصفات فلا
فرق عند أحد من الأمة في فساد الإمامة بين أن يعلم كون من ادعيت له عريا من هذه
الصفات وبين أن لا يعلم عليها.
فيجب القضاء في
العصمة ووجوب القطع على ثبوتها للإمام ونفي إمامة من لم يقطع على ثبوتها له
كالقضاء على سائر الصفات لوجوب ثبوت الكل للإمام.
وليس لأحد أن يقول
استدلالكم هذا مبني على الإجماع وأنتم لا تجعلوه حجة.
لأنا بحمد الله لا
نخالف في كون الإجماع حجة وإنما نمنع من خالفنا من إثباته حجة من الطرق التي
يدعيها والخلاف في ذلك المذاهب لا يقتضي إنكاره فكيف يظن بنا ذلك مع العلم
بإثباتنا معصوما في كل عصر من جملة الفرقة الإسلامية.
وليس له أن يقول
اعتباركم صحة الإجماع مقصور على المعصوم الذي لو انفرد قوله لكان حجة.
لأن اعتبارنا دخول
المعصوم في الإجماع كاعتبارهم دخول العالم في كل إجماع وفساده بخروجه عنه فإن كان
اعتبارنا دخول المعصوم في الإجماع كاعتبارهم دخول العالم في كل إجماع وفساده
بخروجه عنه فإن كان اعتبارنا دخول المعصوم مانعا من الإجماع فحالهم أقبح.
على أن استدلالنا
بهذه الطريقة صحيح من دون اعتبار الإجماع لأنا قد بينا من طريق العقل وجوب الإمامة
والعصمة وذلك يقتضي صحة فتيانا من وجهين.
أحدهما : حصول العلم الضروري من دينه عليه السلام ببقاء الحق في أمته إلى انقضاء التكليف وأنه لا يجوز كفر جميعها وجحد إمامة
المعصوم كفر لكونه من جملة الإيمان لا يجوز اتفاق الأمة عليه.
فإذا تقرر هذا
وعلمنا أن الأمة في القول بإمامة الأئمة عليهم السلام من لدن النبي عليه السلام وإلى
الآن بين قائل بعصمة الإمام وجاحد لها علمنا ضلال الجاحد لها وصواب القائل بها إذ
لو ضل القائل كالجاحد لاقتضى ذلك الشهادة على جميع الأمة بالكفر وقد أمنا ذلك فوجب
القطع على صواب الدائن بالعصمة.
الثاني
: أنا آمنون كون
الحجة المعصوم الموفق في جميع الأقوال والآراء والأفعال من جملة الفرق المخالفة
للإسلام لقيام البرهان على ضلال جميعها ولا
من فرق الأمة
المنكرة للعصمة لضلالها أيضا.
وإذا وجب هذا
اقتضى كونه من جملة الفرقة القائلة بالعصمة ووجب لذلك القطع على صوابها فيما أجمعت
عليه فصح استدلالنا من غير افتقار بنا إلى اعتبار الإجماع.
[ معجزات الأئمة ]
ومن الحجة على
إمامة أعيان الأئمة عليهم السلام أنا قد دللنا على وقوف تعيين الإمام على بيان
العالم بالسرائر سبحانه بمعجز يظهر على يديه أو نص يستند إليه وكلا الأمرين ثابت
في إمامة الجميع.
أما المعجز فعلى
ضروب.
منها
: الإخبار بالكائنات
ووقوع المخبر مطابقا للخبر.
ومنها : الإخبار
بالغائبات.
ومنها : ظهور علمهم ذي
الفنون العجيبة في حال الصغر والكبر وتبريزهم فيه على كافة أهل الدهر على وجه لم
يعثر عليهم بزلة ولا قصور عند نازلة ولا انقطاع في مسألة من غير معلم ولا رئيس
يضافون إليه غير آبائهم وفيهم من لا يمكن ذلك فيه كالرضا وأبي جعفر وأبي محمد عليهم السلام.
وإعجاز هذه
الطريقة من وجهين :
أحدهما
أن العادة لم تجر
فيمن ليس بحجة أن يتقدم في علم واحد فضلا عن عدة علوم من غير معلم.
الثاني أن كل عالم عدا حجج الله سبحانه محفوظ عنهم التقصير عند
المشكلات والعجز عند كثير من النوازل والانقطاع في المناظرة.
ومنها
تعظيمهم مدة
حياتهم من المحق والمبطل وشهادة الكل على لؤم من ينقصهم وإن كان عدوا والإشارة
بذكرهم بعد الوفاة وخضوع العدو والولي
لمشاهدهم وهجرة
الفرق المختلفة إليها وتقربهم إلى مالك الثواب والعقاب سبحانه بحقهم مع فقد الخوف
منهم والطمع فيما عندهم وحصول عكس هذا الأمر فيمن عداهم من منتحلي الإمامة وذوي
الخلافة بنفوذ الأمر وثبوت الرجاء والخوف.
وهذه الطرق منها
ما هو معلوم ضرورة كظهور علمهم وثبوت تعظيمهم في الحياة وبعدها.
ومنها ما هو معلوم
لكل ناظر في الأخبار ومتأمل الآثار لثبوت التواتر به كالنص على ما نبينه.
ومن
ذلك : رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام في حياة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وكلام الجمجمة وإحياء الميت بصرصر وضرب الفرات بالقضيب وبصوبه
حتى بدت حصباؤه وكلام أهل الكهف إلى غير ذلك من آياته الثابتة.
ومن
ذلك : ضرب الحسن بن علي عليه السلام النخلة اليابسة بيده فأينعت
حتى أطعم الزهري من رطبها وقوله لأخيه الحسين عليه السلام قد علمت من سقاني السم
فإذا أنا مت فاحملني إلى قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله لأجدد به عهدا
وستخرج عائشة لتمنع من ذلك فكان كما قال.
ومن
ذلك : ما سمع من كلام رأس الحسين عليه السلام وقوله عليه السلام قبل مسيره لأم سلمة إني مقتول في طريقي هذا وقوله لعمر بن سعد وقد قال له إن
قوما سفهاء يزعمون أني أقتلك إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم علماء وإنه يسرني ألا تأكل
من تمر العراق شيئا فكان كما قال.
ومن
ذلك : كلام الحجر الأسود لعلي بن الحسين عليه السلام وشهادته
__________________
له بالإمامة
ودعاؤه للظبي فجاءه فأكل معه من الطعام وإخباره عبد الملك بن
مروان بقصة الكتاب إلى الحجاج وإخباره أن الله تعالى قد زاد في ملكه لذلك زمانا
طويلا وإخباره بولاية عمر بن عبد العزيز وقصة يزيد.
ومن
ذلك عود النخلة
اليابسة لأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ذات تمر وانتشاره عليه وعلى أصحابه
ومسح يده على عيني أبي بصير حتى رأى الحاج ثم مسحه عليهما فرجعتا وإنفاذه الجن في
حوائجه.
ومن
ذلك مسح أبي عبد الله
جعفر بن محمد عليهما السلام على عين أبي بصير حتى رأى السماء ثم أعاده وإخباره المنصور
بما آل إليه أمره وإخباره الشامي بحاله منذ خرج من منزله وإلى أن وصل إليه.
ومن
ذلك دعاء أبي الحسن
موسى بن جعفر عليهما السلام الشجرة فجاءت تخد الأرض خدا ثم أشار إليها فرجعت وخطابه
للأسد وقصصه مع علي بن يقطين وقوله لهشام بن سالم بعد شكه وقوله في نفسه أين أذهب
إلى الحرورية أم إلى المرجئة أم إلى الزيدية فقال له إلي إلي لا إلى الحرورية ولا
إلى المرجئة ولا إلى الزيدية.
ومن
ذلك إخراج أبي الحسن
علي بن موسى الرضا عليهما السلام السبيكة من الأرض لإبراهيم بن موسى وفهمه كلام السخلة
وإخباره بقصة آل برمك قبل وقوعها بصفتها وقصة الغفاري وما عليه من الدين المجهول.
ومن
ذلك توضؤ أبي جعفر
محمد بن علي عليه السلام في مسجد ببغداد يعرف موضعه بدار المسيب في أصل نبقة يابسة
فلم يخرج من المسجد حتى اخضرت وأينعت حدثني الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد قال
حدثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد المفيد 2 أنه أكل من نبقها وهو لا عجم
__________________
له ـ وقصة الشامي
وتخليصه من الحبس من غير مباشرة.
ومن
ذلك قصة أبي الحسن
علي بن محمد عليهما السلام مع علي بن مهزيار وخروجه في القيظ بآلة الشتاء وإخباره بما
أضمره في عرق الجنب وقصة صالح بن سعيد وخان الصعاليك وقصة يونس النقاش والفص
الياقوت.
ومن
ذلك قصة أبي محمد
الحسن بن علي عليه السلام مع زينب الكذابة وقصة السنور.
ومن
ذلك لصاحب الزمان عليه السلام قصة المصري والمال وقصة الحسين بن فضل وقصة أحمد بن الحسن والتوقيعات على
أيدي السفراء بفنون الغائبات.
في أمثال لهذه
الآيات يطول بذكرها الكتاب ويخرج به عن الغرض بهذا المختصر من أراد الوقوف على
جميع ذلك وجده في تصانيف شيوخنا رضي الله عنهم وفيما ذكرناه كفاية.
وجميعه إذا تؤمل
وجد مختصا به تعالى على وجه خارقا للعادة مطابقا لدعوى من ظهر على يده الإمامة
فاقتضى صدقه كسائر المعجزات.
وطريق ثبوت هذه
الآيات تواتر الإمامية بها كالنص الجلي على ما نوضحه.
إن قيل ظهور المعجز
على يد المدعي فرع لجوازه فدلوا على ذلك.
قيل المعجز
للتصديق نائب مناب قوله تعالى صدق هذا علي وذلك يقتضي جواز ظهوره على من للناظر
مصلحة في العلم بصدقه وقد بينا حصول اللطف بوجود الإمام وتعذر تميزه من دونه أو ما
يستند إليه من النص فيجب ظهوره عليه بحيث لا نص ينوب منابه وهذا يقتضي جوازه مع
ثبوته بل يجوز ظهوره على من يستحق التعظيم من الصالحين ليقطع المكلف على كونه
مستحقا للتعظيم فيفعله خالصا من الاشتراط ولا يقتضي ذلك التنفير عن النظر في
معجزات الأنبياء عليهم السلام ولا يمنع من كونها مثبتة لهم بالنبوة لأن الباعث على النظر في المعجز هو
الخوف من فوت المصالح وذلك حاصل في مدعي الإمامة والصلاح كمدعي النبوة فيجب كون
الناظر مدعوا مع الجميع.
فأما كونه مبينا
فإنما يبين الصادق من الكاذب ثم يرجع الناظر إلى قوله المؤيد به قاطعا على صدقه
آمنا من دعواه النبوة وليس بنبي أو الإمامة مع كونه صالحا حسب لكون المعجز مؤمنا
من ذلك.
وأيضا فإنا نعلم
ظهور الآيات على من ليس بنبي ولا إمام كمريم وأم موسى.
أما مريم فنطق
المسيح عليه السلام حين الوضع وفي المهد عقيب دعواها البراءة مما قذفت به
ومعاينتها الملك مبشرا لها عن الله تعالى بما يفتقر معه إلى معجز لتعلم كونه رسولا
لله سبحانه إليها ونزول الرزق عليها من السماء وهي في كفالة زكريا عليه السلام.
وأما أم موسى
فإخباره سبحانه بالإيحاء إليها والوحي معجز ولأن إلقاءها موسى في أليم واثقة
برجوعه إليها يقتضي علمها بصحة الوعد وذلك لا يمكن إلا بالمعجز.
وإذا كان ظهور
المعجز على من ليس بنبي واجبا في حال وجائزا في آخر وحاصلا في آخر ووجدنا الناقلين
من الشيعة جماعة لا يجوز على بعضهم الكذب في المخبر الواحد على ما نبينه فيما بعد
ينقلون هذه المعجزات خلفا عن سلف حتى يتصلوا في النقل عن الطبقات التي لا يتقدر في
خبرها الكذب لمن شاهدها ظاهرة على أيدي الحجج المذكورين عليهم السلام ثبت كونها واقتضى ذلك إمامتهم عليهم السلام.
[ النص علي إمامة الأئمة ]
وأما النص فعلى
ضربين :
متناول للجميع عليهم السلام.
ومختص بكل واحد
منهم.
فالأول
من طرق :
منها
قوله تعالى (
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .
وذلك يقتضي علم
المسئولين كل مسئول عنه وعصمتهم فيما يخبرون به لقبح تكليف الرد دونهما ولا أحد
قال بثبوت هذه الصفة لأهل الذكر إلا خص بها من ذكرناه من الأئمة عليهم السلام وقطع
بإمامتهم.
ومنها
: قوله تعالى ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .
فأمر باتباع
المذكورين ولم يخص جهة الكون بشيء دون شيء فيجب اتباعهم في كل شيء وذلك يقتضي
عصمتهم لقبح الأمر بطاعة الفاسق أو من يجوز منه الفسق ولا أحد ثبتت له العصمة ولا
ادعيت فيه غيرهم فيجب القطع على إمامتهم ولا اختصاصهم بالصفة الواجبة
للإمامة ولأنه لا أحد فرق بين دعوى العصمة لهم والإمامة.
ومنها
: قوله تعالى ( وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .
__________________
فأمر سبحانه بالرد
إلى أولي الأمر وقطع على حصول العلم للمستنبط منهم بما جهله وهذا يقتضي كونهم قومه
بما يرجع إليهم فيه مأمونين في أدائه ولا أحد ثبتت له هذه الصفة ولا
ادعيت له غيرهم فيجب القطع على إمامتهم من الوجهين المذكورين.
ومنها قوله تعالى ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا
مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) .
وقوله ( وَيَوْمَ
نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .
فأخبر تعالى بثبوت
شهيد على كل أمة كالنبي عليه السلام يكون شهادته حجة عليهم.
وذلك يقتضي عصمته
من وجهين :
أحدهما ثبوت التساوي بينه وبين النبي عليه السلام في الحجة
بالشهادة.
الثاني
أنه لو جاز منه
فعل القبيح والإخلال بالواجب لاحتاج إلى شهيد بمقتضى الآية وذلك يقتضي شهيد الشهيد
إلى ما لا نهاية له أو ثبوت شهيد لا شهيد عليه ولا يكون كذلك إلا بالعصمة ولم يثبت
هذه الصفة ولا ادعيت إلا لأئمتنا عليهم السلام فاقتضت إمامتهم
من الوجه الذي ذكرناه.
ومنها
: قوله تعالى ( وَكَذلِكَ
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) .
__________________
فأخبر تعالى بكون
المذكورين عدولا ليشهدوا عنده على الخلق وذلك يقتضي ثبوت هذه الصفة قطعا لكل واحد
منهم للاشتراك في الشهادة ولم تثبت هذه الصفة ولا ادعيت لغيرهم فدلت على إمامتهم
من الوجوه التي ذكرناها.
ومن
ذلك : ما اتفقت الأمة عليه من قوله عليه السلام إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا.
فأخبر عليه السلام بوجود قوم من آله مقارنين للكتاب في الوجود والحجة وذلك يقتضي عصمتهم ولأنه عليه السلام أمر بالتمسك بهم والأمر بذلك يقتضي مصلحتهم لقبح الأمر بطاعة من يجوز منه
القبح مطلقا ولأنه عليه السلام حكم بأمان المتمسك بهم من الضلال وذلك يوجب كونهم ممن لا
يجوز منه الضلال وإذا ثبتت عصمة المذكورين في الخبر ثبت توجه خطابه إلى أئمتنا عليهم السلام لعدم ثبوتها لمن عداهم أو دعواها له وذلك يقتضي إمامتهم من الوجهين
المذكورين.
ومن
ذلك : قوله عليه السلام مثل أهل بيتي
فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها وقع في النار.
وفي آخر هلك.
وذلك يفيد عصمة
المرادين لأنه لا يمكن القطع على نجاة المتبع مع تجويز الخطأ على المتبع وعصمة
المذكورين يفيد توجه الخطاب إلى من عيناه ويوجب إمامتهم على الوجه الذي بيناه.
في أمثال لهذه
الآيات والأخبار قد تكرر معظمها في رسالتي الكافية والشافية .
__________________
ومن
ذلك : نص رسول الله صلى الله عليه وآله على أن الأئمة من بعده
اثنا عشر عليهم السلام كقوله عليه السلام للحسين بن علي عليه السلام أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة حجج تسع
تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم.
وقوله عليه السلام عدد الأئمة من بعدي عدد نقباء موسى.
وخبر اللوح.
وخبر الصحائف.
وأمثال لهذه
الأخبار الواردة من طريقي الخاصة والعامة مع علمنا بصحة ما تضمنه نقل الفريقين
المتباينين والطائفتين المختلفتين إذ كان لا داعي لمخالف المنقول إليه مع كونه حجة
عليه إلا الصدق فيه.
وثبوت النص منه عليه السلام على هذا العدد المخصوص ينوب مناب نصه على أعيان أئمتنا عليهم السلام لأنه لا أحد قال بهذا في نفسه غيرهم وشيعتهم لهم فوجب له القطع على إمامتهم.
وأما الضرب الثاني من النص على أعيان الأئمة عليهم السلام فأفضلهم أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام.
والنص ثابت عليه
بشيئين :
أفعال وأقوال.
والأقوال على
ضربين كتاب وسنة.
والسنة على ضربين
معلوم من ظاهره المراد ومن دليله ومعلوم من دليله المراد.
فأما
النص بالفعل فمن تأمل أفعال رسول
الله صلى الله عليه وآله واختصاصه به ومؤاخاته له وتقديمه على جميع الصحابة
والقرابة في جميع
الأحوال والأمور
وتأميره في كل بعث وإفراده من التأمير عليه في شيء بقوله في المأمورين له
إني باعث فيكم رجلا كنفسي وتخصيصه في السكنى والتبليغ والصهر والدخول عليه بغير
إذن وحمل الراية والمباهلة والمناجاة والأخوة والقيام له ورفع المجلس بما لم يشركه
فيه أحد وما اقترن بهذه الأقوال من الأفعال المختصة له.
وقوله في البعوث
إني باعث رجلا كنفسي.
وعلي مني وأنا منه.
وعلي مع الحق والحق
مع علي يدور معه حيث ما دار.
وأنا وعلي كهاتين.
ومنزلك في الجنة
تجاه من منزلي تكسى إذا كسيت وتحيا إذا حييت.
وأنت أول جاث
للخصوم من أمتي.
وصاحب لوائي.
وساقي حوضي.
وأول داخل الجنة
من أمتي.
وأبو ذريتي.
ولا يؤدي عني إلا
رجل مني.
وعلي مني وأنا من
علي.
وحربك حربي وسلمك
سلمي.
ومن سب عليا فقد
سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على منخره في النار.
وأمثال ذلك من
الأقوال والأفعال التي يطول بها الكتاب.
__________________
علم كونه مؤهلا لخلافته عليه السلام كما يعلم مثل ذلك في ملك اختص رجلا وأبانه بالأفعال والأقوال من أتباعه هذا
الضرب من الاختصاص.
وأما نص الكتاب
على إمامته عليه السلام فآي كثيرة :
منها قوله تعالى ( إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .
فأخبر سبحانه أن
المقيمي الصلاة والمؤتي الزكاة في حال الركوع أولى بالخلق من أنفسهم حسب ما أوجبه
بصدر الآية له تعالى ولرسوله ولا أحد من المؤمنين ثبت له هذا الحكم غير أمير
المؤمنين علي عليه السلام فيجب كونه إماما للخلق وكونه أولى بهم من
أنفسهم.
إن قيل دلوا على
أن لفظة ( وَلِيُّكُمُ ) تفيد الأولى
بالتدبير وأنها لا يحتمل في الآية غير ذلك وأن الأولى بالتدبير مفترض الطاعة على
من كان أولى به وأن المشار إليه بالذين آمنوا أمير المؤمنين عليه السلام.
قيل برهان إفادة
ولي لأولى ظاهر لغة وشرعا يقولون فلان ولي الدم وولي الأمر وولي العهد وولي اليتيم
وولي المرأة وولي الميت يريدون أولى بما هو ولي فيه بغير إشكال.
وبرهان اختصاص (
وَلِيُّكُمُ ) في الآية بأولى أن
وليا لا يحتمل في اللغة إلا شيئين المحبة والأولى.
ولا يجوز أن يريد
بالولاية في الآية المحبة لأن قوله تعالى ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ ) خطاب لكل مكلف بر
وفاجر كسائر الخطاب وكونه خطابا عاما يمنع
__________________
من حمله على ولاية
المحبة والنصرة لأن الله تعالى ورسوله والمؤمنين لا يوادون الكفار ولا ينصرونهم بل
الواجب فيهم خلاف ذلك فبطل كون المراد بالولاية في الآية المودة والنصرة على جهة
الإخبار ولا الإيجاب.
ولأنه لا يخلو أن
يكون خطابا لجميع الخلق برهم وفاجرهم أو الكفار خاصة أو لجميع المؤمنين دونهم أو
لبعض المؤمنين.
وكونه خطابا
للجميع أو للكفار خاصة يمنع من كون المراد بالولاية المودة والنصرة على ما بيناه.
ولا يجوز أن يكون
خطابا لجميع المؤمنين لأن الآية تتضمن ذكر ولي ومتول وذلك يقتضي اختصاصها بالبعض.
وكونه خطابا لبعض
المؤمنين يمنع من حمل الولاية على المودة والنصرة لعموم فرضها للجميع.
ولأن حرف ( إِنَّما ) يثبت الحكم لما
اتصل به وينفيه عما انفصل عنه بغير تنازع بين العلماء بلسان العرب.
كقوله تعالى ( إِنَّما
إِلهُكُمُ اللهُ ) أثبت الإلهية له ونفاها عمن عداه وكقوله ( إِنَّما
أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها ) خص العبادة برب
البلدة ونفاها عمن عداه وقوله ( إِنَّما أَنْتَ
مُنْذِرٌ ) على هذا الوجه.
وقول النبي عليه
السلام إنما الأعمال بالنيات وقوله إنما الماء من الماء وإنما الربا في النسيئة
وإنما الولاء لمن أعتق كل ذلك يفيد إثبات الحكم للمتصل بحرف إنما ونفيه عن المنفصل
إلا ما علم بدليل آخر من إيجاب الغسل من غير الماء وثبوت حكم الربا في غير
النسيئة.
__________________
وقول الفصيح إنما
لك عندي درهم وإنما الفصاحة في الجاهلية وإنما الحداق البصريون على هذا
النحو بغير إشكال.
وإذا تقرر ما
ذكرناه فحرف ( إِنَّما ) في الآية يفيد
الولاية فيها لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين وينفيها عمن عداهم وذلك يمنع من حملها
على ولاية المودة والنصرة المعلوم عمومها.
وإذا بطل أحد
القسمين ثبت الآخر.
ولأن ( الَّذِينَ
آمَنُوا ) مختص ببعض المؤمنين من وجهين :
أحدهما وصفهم
بإيتاء الزكاة وذلك يقتضي خروج من لم يخاطب بالزكاة أو خوطب ففرط على الصحيح من
المذهب عن الآية.
الثاني وصفهم
بإيتاء الزكاة في حال الركوع في قوله ( وَهُمْ راكِعُونَ ) لارتفاع اللبس من
قول القائل فلان يجود بماله وهو ضاحك ويضرب زيدا وهو راكب ويلقى خالدا وهو ماش في
أنه لا يحتمل إلا الحال دون الماضي والمستقبل.
ومعلوم أن هذا حكم
لم يعم كل مؤمن بل لا دعوى لاشتراك اثنين من المؤمنين معينين فيه.
وإذا ثبت الخصوص
وكان كل من قال لخصوص المؤمنين في الآية قال باختصاص الولاية بالأولى لأن
خصوصها يمنع من حملها على المودة والنصرة الواجبة على الجميع.
وبرهان إفادة
الأولى للتدبير الأحق بالتصرف في المتولي للإمامة وفرض الطاعة ظاهر لأن هذا المعنى
متى حصل بين ولي ومتول أفاد فرض الطاعة لأنه لا يكون أولى به وأملك بأمره منه
بنفسه إلا لكونه مفترض الطاعة عليه إذ لا
__________________
معنى لفرض الطاعة
غير ذلك ووجوب ذلك للمذكور على جميع الخلق يفيد إمامته لجميعهم كإفادة قوله تعالى (
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) لذلك.
وبرهان اختصاص ( الَّذِينَ
آمَنُوا ) بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من طرق :
منها : وصف
المذكور من إيتاء الزكاة في حال الركوع ولا أحد ادعي فيه ذلك غيره عليه السلام.
ومنها
أنا قد بينا
اختصاص الحكم ببعض المؤمنين وكل من قال بخصوصه ممن يعتد بقوله خصها بعلي بن أبي
طالب عليه السلام.
ومنها
قيام البرهان على
أن الولاية في الآية تفيد الأولى وكل من قال بذلك خص بها عليّاً.
ومنها
تواتر الخبر من
طريقي الشيعة وأصحاب الحديث بنزول الآية فيه عليه السلام عقيب تصدقه بالخاتم راكعاً.
ومنها احتجاجه عليه السلام بذلك على وليه
وعدوه مع عدم النكير وارتفاع أسباب الإمساك عنه عدا الرضا والتصديق.
ومنها
حصول العلم لكل
متكامل الأخبار بأحواله وذريته لدعوى ذلك منه عليه السلام لنفسه ودعوى كافة ذريته وذلك يقتضي صدقه وصدقهم عليهم السلام إذ كونهم كاذبين على الله تعالى ورسوله عليه السلام ما لا يذهب إليه مسلم.
ولا قدح في شيء
مما قدمنا بما رواه الشاذ من نزول الآية في ابن سلام.
لأنا لم نستدل
بالإجماع فينا وإنما عولنا على تواتر الفريقين، ولأن
__________________
الإجماع على مبنى
دليل لا يقدح فيه إلا ما قدح فيه.
ولأنه لا يخلو أن
يكون ابن سلام هو المتولي في الآية والمتولى ولا يجوز أن يكون المتولى على جهة
الخصوص لأنه رجوع عن عموم الآية بغير دلالة ولأن ذلك يقتضي تخصص الولاية به
والإجماع بخلاف ذلك على كلا المذهبين في ولاية الآية وإن كان متوليا مع غيره فلا
ينفعهم ولا يضرنا.
ولا يجوز أن يكون
متوليا على مذهب من قال إن الولاية فيها بمعنى المودة لأن ذلك يقتضي اختصاصها بابن
سلام مع حصول الإجماع بعمومها ولا على مذهب من قال إنها بمعنى الأولى لأن ابن سلام
لا يستحق ذلك بإجماع فلم يبق لتوجهها إليه خاصة وجه.
وليس لأحد أن يقدح
بتضمن الآية لفظ الجمع ومدح المتصدق ووصفه بإيتاء الزكاة وعلي عليه السلام واحد وفقير وقاطع الصلاة بما فعله.
لأن العبارة عن
الواحد بلفظ الجمع على جهة التعظيم ظاهر في العربية.
وكون علي عليه
السلام فقيرا غير معلوم.
وإلقاؤه الخاتم في
الصلاة من يسير العبث المباح فيها ولأن كثيره كان مباحا ولا طريق إلى العلم بتقدم
فعله عليه السلام على النسخ من تأخره عنه ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله
مدحه على فعله وتمدح هو عليه السلام به من غير منكر
عليه وذلك يمنع من كونه مذموما.
ولأنا قد دللنا
على اختصاص الآية به بما لا محيص عنه مع تضمنها تعظيم المذكور فاقتضى ذلك سقوط
جميع ما قدحوا به.
ولأن مدح المذكور
فيها عن فعل تقدم ووصفه فيه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة راكعا تعريف له وتمييز من
غيره وهذا واضح والمنة لله.
ومنها قوله تعالى ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) .
فأوجب سبحانه
تعالى طاعة أولي الأمر على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى وطاعة رسوله بمقتضى العطف
الموجب لإلحاق حكم المعطوف بالمعطوف عليه وقد علمنا عموم طاعته سبحانه وطاعة رسوله
في الأعيان والأزمان والأمور فيجب مثل ذلك لأولي الأمر بموجب الأمر وذلك يقتضي
توجه الخطاب بأولي الأمر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأن لا
أحد قال بعموم طاعة أولي الأمر إلا خص بها عليا عليه السلام والأئمة من ذريته عليهم السلام.
وإذا عمت طاعته
الأمة والأزمان والأمور ثبت كونه إماما لإجماع الأمة على إمامة من كان كذلك وعدم
استحقاقه لغيره.
وليس لأحد أن يقول
إنا لم نعلم عموم طاعته سبحانه ورسوله بالآية وإنما علمناه بدليل آخر فدلوا على
مشاركة أولي الأمر فيه بدليل غير الآية ليسلم لكم المراد.
لأن إطلاق لفظ
الطاعة وتوجه الخطاب بها إلى المخاطبين كافة الحاضرين والمتجددين إلى يوم القيامة
يفيد عمومها لجميعهم في كل حال وأمر وإن لم يكن هناك دليل على هذا العموم غير هذا
الظاهر لأنه لو أراد تعالى خاصا من المخاطبين أو الأزمان أو الأمور لبينه فيجب
الحكم بعموم ما قلناه ولا يجوز تخصيص شيء منه إلا بدليل.
وأيضا فحصول العلم
بعموم طاعته تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله من غير الظاهر لا يقدح في استدلالنا
لأن الظاهر إذا دل على ما قلناه كان مطابقا لما تقدم العلم به من عموم طاعته تعالى
ورسوله واستفاد المخاطب
__________________
مشاركة أولي الأمر
له تعالى ولرسوله في عموم الطاعة بمقتضى العطف سواء كان ذلك معلوما بالظاهر أو
بغيره.
ولم يجز تخصيص
طاعتهم بغير دليل وإن كان الأول معلوما من وجهين والثاني معلوم من وجه واحد ويجري
ذلك مجرى حكيم قال لأصحابه تقدم لهم العلم بعموم طاعة بعض خواصه عليهم أطيعوا
فلانا وأشار إليه الطاعة التي تعدونها وفلانا وأشار إلى من لم يتقدم لهم العلم
بحاله في وجوب مشاركة الثاني للأول في الطاعة وعمومها بغير إشكال.
ترتيب آخر الأمة
في أولي الأمر رجلان :
أحدهما يخص بها
أمراء السرايا وهم أمراء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
والآخر يخص بها
عليا وذريته عليهم السلام المذكورين ويحكم بها على إمامتهم.
وإذا بطل أحد
القولين ثبت الآخر ولا يجوز توجهها إلى أمراء السرايا من وجوه.
أحدها إن ظاهرها
يفيد عموم الطاعة من كل وجه وطاعة أمراء السرايا مختصة بالمأمورين لهم وبزمان
ولايتهم وبما كانوا ولاة فيه فطاعتهم على ما ترى خاصة من كل وجه وما تضمنه الآية
عام من كل وجه.
ومنها أنه سبحانه
وصف أولي الأمر بصفة لم يدعها أحد لأمراء السرايا فقال ( وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) فحكم تعالى بكون أولي الأمر ممن يوجب خبره العلم بالمستنبط
وحال أمراء السرايا بخلاف ذلك.
ومنها أن صحة هذه
الفتيا مبنية على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان
__________________
وفيما مضى لنا
ويأتي من الأدلة ما يقتضي فساد إمامتهم ففسد لذلك ما صحته فرع صحتها.
ومنها أنه تعالى
أطلق طاعة أولي الأمر كطاعته تعالى ورسوله ولم يخصها بشيء وذلك يقتضي عصمتهم لأن
تجويز القبيح على المأمور بطاعته على الإطلاق يقتضي الأمر بالقبيح أو إباحة ترك
الواجب من طاعته وكلا الأمرين فاسد ولا أحد قطع بعصمة أمراء السرايا فبطل توجه
الآية إليهم.
ترتيب آخر إطلاق
طاعة أولي الأمر يقتضي عصمتهم لقبح الأمر مطلقا بطاعة مواقع القبيح ولا أحد قال
بعصمة أولي الأمر إلا خص بها عليا والطاهرين من ذريته عليهم السلام.
ومنها قوله تعالى ( وَإِذِ
ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .
فنفى سبحانه أن
ينال الإمامة ظالم وهذا يمنع من استحق سمة الظلم وقتا ما من الصلاح للإمامة لدخوله
تحت الاسم المانع من استحقاقها.
وأيضا فإنه سبحانه
أخبر بمعنى الأمر أن الظالم لا يستحقها وخبره متعلق بالمخبر على ما هو به فيجب
فساد إمامة من يجوز كونه ظالما وذلك يقتضي وقوف صلاحها على المعصوم ويوجب فساد
إمامة أبي بكر وعمر وعثمان والعباس لوقوع الظلم منهم ولعدم القطع على عصمتهم وإذا
بطلت إمامة هؤلاء ثبتت إمامة علي عليه السلام لأنه لا قول لأحد من الأمة خارج عن
ذلك.
وتبطل إمامتهم من
الآية بأن جوابه تعالى بنفي الإمامة عن الظالم خرج مطابقا لسؤال إبراهيم عليه السلام وذلك يقتضي اختصاصه لمن كان ظالما ثم
__________________
تاب لقبح سؤال
الإمامة للكافر في حال كفره ووقوع الكفر من هؤلاء معلوم فيجب دخوله [ دخولهم ] تحت النفي.
وليس لأحد أن يقدح
في بعض ما مضى بأن التائب من الظلم لا يكون ظالما.
لأن ظالما من
أسماء الفاعلين في اللغة كقاتل وضارب وليس باسم شرعي والأسماء المشتقة من الأفعال
ثابتة بعد التوبة كثبوتها قبلها يقولون هذا قاتل زيد وضارب عمر وو خاذل علي وأن
تابوا مما اقترفوه ولو كان من أسماء الشرعية لقبح هذا الإطلاق بعد التوبة كفاسق
وكافر.
ولأن العرب تصف
فاعل الضرر الخالص بظالم كما تصفه الشريعة ولو كان منقلا يجري مجرى مصل ومزك
لاختصاصه بعرف الشرع كذين الاسمين وإقرار الشريعة له على أصل الوضع يسقط الشبهة
لأنها مبنية على قبح الوصف به بعد التوبة وما قررته الشريعة من الأسماء على أصله
لا يجوز سلبه للتائب بلا خلاف بين العلماء بأحكام الخطاب.
وأما النص الجلي من السنة : فقوله لعلي
بن أبي طالب صلوات الله عليه أنت الخليفة من بعدي.
وفي مقام أنت أخي
ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي.
وأمره لأصحابه في
غير مقام بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين.
وفي مقامات أنت
الصديق الأكبر والفاروق الأعظم وذو النورين الأزهر ويعسوب المؤمنين والمال يعسوب
الظلمة.
وهذه الأقوال
بصريحها مفيدة استخلافه عليا عليه السلام على أمته ودالة
على إمامته فيجب القطع لها على صحة ما نذهب إليه.
__________________
إن قيل لو دلوا
على صحة هذه الأخبار ليتم لكم المقصود منها.
قيل فيما ذكرناه
من الأخبار ما تواتر بنقله الخاصة والعامة ومنها ما تواترت به الشيعة وضامها على نقله بعض
أصحاب الحديث.
فالأول خبر الدار
وهو جمع النبي عليه السلام لبني هاشم أربعين رجلا فيهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق
ويصنع لهم فخذ شاة بمد من قمح وصاع من لبن فأكلوا بأجمعهم وشربوا والطعام والشراب
بحاله.
ثم خطبهم فقال بعد
حمد الله والثناء عليه إن الله تعالى أرسلني إليكم يا بني هاشم خاصة وإلى الناس
عامة فأيكم يؤازرني على هذا الأمر وينصرني يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة
من بعدي.
فأمسك القوم وقام
علي عليه السلام فقال أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي
ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي.
وقد أطبق الناقلون
من الفريقين على هذا كنقلهم المعجزات إذ كان من جملتها إطعام الخلق الكثير باليسير
من الطعام وهو هذا اليوم وكل من روى هذا المقام روى القصة كما شرحناها.
وأيضا فقد أجمع
علماء القبلة على يوم الدار وطريق العلم به النقل وكل نقل ورد به منتقل على ما
ذكرناه من النص على علي عليه السلام بالأخوة والوصية
والوزارة وشد الأزر والخلافة من بعده فلحق هذا التفصيل بتلك الجملة إذ جحده جحد
لها.
ومن
ذلك أمره لأصحابه
بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين في غير مقام وقد تناصر الخبر
المتواتر بذلك من طريقي الشيعة وأصحاب
__________________
الحديث من تأمل
النقل وجد ذلك ظاهرا في العامة.
وقد قيل في ذلك
أشعار معلوم إضافتها إلى قائليها كأشعار الشعراء في الجاهلية والإسلام.
فمنه : قول حسان
بن ثابت يوم الراية :
وكان علي أرمد
العين يبتغي
|
|
دواء فلما لم
يحس مداويا
|
إلى قوله :
فخص بها دون
البرية كلها
|
|
عليا وسماه الوزير المؤاخيا
|
والوزارة في عرف
النبوة خلافة بغير إشكال بدليل قوله ( وَاجْعَلْ لِي
وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) أي خليفة وإماما باتفاق المفسرين.
ولأن اللفظ الذي
تضمن الوزارة والأخوة هو اللفظ الذي تضمن الخلافة وإنما اقتصر على ذكر بعض المنطوق
به اختصارا وتعويلا على علم السامع.
ومنه : قول بريدة
الأسلمي وقد ركز رأيته في بني أسلم وقال لا أبايع إلا من أمرني رسول الله صلى الله
عليه وآله أن أسلم عليه بإمرة المؤمنين ـ
يا بيعة هدموا
بها
|
|
أسا وجل دعائم
|
__________________
إلى قوله :
أمر النبي
معاشرا
|
|
هم أسوة ولهازم
|
إن يدخلوا فيسلموا
|
|
تسليم من هو
عالم
|
إن الوصي هو
الخليفة
|
|
بعده والقائم
|
وقال النابغة
الجعدي وقد سمع أصوات الناس في السقيفة لقيس بن صرمة وعمران بن حصين ـ
قولا لأصلع هاشم
إن أنتما
|
|
لاقيتماه لقد
حللت
|
إلى قوله :
وعليك سلمت الغداة بإمرة
|
|
للمؤمنين فما رعت
تسليمها
|
يا خير من حملته
بعد محمد
|
|
أنثى وأكرم هاشم
وعظيمها
|
نكثت بنو تيم بن
مرة عهده
|
|
فتبوأت نيرانها
وجحيمها
|
وتخاصمت يوم
السقيفة والذي
|
|
فيه الخصام غدا
يكون خصيمها
|
وطريق العلم بهذه
الأشعار كسائر أشعار الشعراء وهي دالة على ثبوت النص الجلي من وجهين :
__________________
أحدهما
: أنه لا داعي لقائلها مع ظهور الكلمة لجحد النص وتولي الأمر
من دون المنصوص عليه وإخافة الدائن به إلا الصدق.
الثاني
أنه لم يحفظ عن
أحد من الأمة تكذيب لقائليها مع ارتفاع الأعذار كلها في ترك النكير.
والثاني المختص بتواتر الشيعة الإمامية هو ما عدا خبر الدار والتسليم
مما ذكرناه ومما لم نذكره.
وطريق العلم
بتواترهم أنا نعلم وكل مخالط وجود فرقة عظيمة من الطائفة الإمامية معروفة بنقل
الحديث في كل زمان إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنقل خلف عن سلف حتى
يتصلوا بمن شوفه بقوله عليه السلام لعلي عليه السلام في مقامات أنت الخليفة من بعدي وأنت سيد
المرسلين وإمام المتقين إلى غير ذلك من النص الصريح بالإمامة وبلوغ
كل طبقة منهم الحد الذي يتعذر معه الكذب بتواطؤ أو اتفاق على ما بيناه في النبوات
فليراع ذلك في كل شيء قدح به في نقل الشيعة عائد على نقل المسلمين وكل
شيء صحح ذلك صحح هذا.
وتأمل ذلك يسقط ما
يطالبون به من إثبات سلف للشيعة أو دعوى افتعال أو حصول كثرة بعد قلة أو سبب جامع
إلى غير ذلك فليتأمل.
ووضعنا الاستدلال
على الوجه الذي بيناه ليسقط ما لا يزالون يهذون به من أن النص الجلي لو كان حقا لم
يقف نقله على الشيعة أو لو كان حقا لكان شائعا ويعم العلم به ويجري مجرى الصلاة
والصوم ونص أبي بكر على عمر.
لأن تواتر العامة
بخبر الدار وخبر التسليم يسقط معظم هذا الاعتراض وتواتر الفريقين به يقتضي شياعه
وسقوط دعوى كتمانه وثبوت الحجة بنقله
__________________
يقتضي عموم تكليفه
ووقوف العلم على الناظر دون المعرض المحجوج بالتعريف الفاقد للعلم بتقصيره إذ ليس
من شرط التكليف أن يعلم وجوبه أو قبحه ضرورة بل ذلك موقوف على ما يعلمه تعالى من
الصلاح للمكلف وهذا أصل مقرر بين أهل العدل لو لا ثبوته يسقط تكليف المعارف
العقلية وما يبتني عليها من الشرعيات الموقوف عليها على الاكتساب.
وخالف حال النص
على علي عليه السلام لنص أبي بكر على عمر والنص على الصلاة.
لأنه لا صارف عن
نقل نص أبي بكر لمخالف ولا مؤالف هذا يتدين به وذلك لا يرتفع بثبوته ولا خوف ديني
ولا دنيوي في نقله وكذلك حكم الصلاة والزكاة وحال النص على علي عليه السلام على
خلاف ذلك.
على أنا نعلم وهم
ضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينص على صلاة سادسة ولا على سلمان
ويقطع جميعا على بهت من ادعى ذلك وكذبه وليست هذه حالنا في دعوى النص على علي عليه
السلام فإذا جاز أن يفقد النص على شيئين ويختلف حال العلم بإثباتهما.
على أنا نورد طرقا
من نقل أصحاب الحديث لهذا الضرب من النص هذا الاعتراض.
فمن ذلك ما رووه
عن أبي سعيد الخدري وعن ابن عباس وعن زيد بن أرقم وعن بريدة الأسلمي جميعا عن رسول
الله صلى الله عليه وآله أنه قال.
من كنت وليه فعلي
وليه.
ورووا من طرق عن
بريدة الأسلمي ومحمد بن علي عن رسول الله صلّى
__________________
الله عليه وآله وسلّم أنه قال :
علي وليكم من بعدي.
ورووا عن عمران بن
حصين وابن عباس وبريدة الأسلمي وجابر بن عبد الله الأنصاري كلهم عن رسول الله صلى
الله عليه وآله أنه قال :
علي مني وأنا منه
وهو ولي كل مؤمن من بعدي.
ورووا عن عبد الله
بن الحارث قال دخل علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده عائشة
فجلس بينهما فقالت ما وجدت لاستك موضعا إلا فخذي أو فخذ رسول الله صلى الله عليه
وآله فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله.
مهلا لا تؤذيني في
أخي فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وأمير الغر المحجلين يوم القيامة يقعده الله
على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.
ورووا عن عبد الله
بن أسعد بن زرارة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى
السماء أوحي إلي في علي عليه السلام أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر
المحجلين.
ورووا عن أنس بن
مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اسكب لي وضوء فتوضأ ثم قام فصلى ركعتين
ثم قال يا أنس يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر
المحجلين وخاتم الوصيين.
قلت اللهم اجعله
رجلا من الأنصار إذ جاء علي عليه السلام فقال من هذا يا أنس فقلت علي فقام مستبشرا
واعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهة علي عليه السلام.
فقال علي عليه
السلام لقد رأيتك صنعت اليوم في شيئا ما صنعته بي قط.
قال وما يمنعني
وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم الذي اختلفوا فيه بعدي.
ورووا عن رافع
مولى عائشة قال جاءت جارية بإناء مغطى فوضعته بين يدي عائشة فوضعته عائشة بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وآله فمد يده فأكل ثم قال :
ليت أمير المؤمنين
وسيد المسلمين يأكل معي.
فقالت عائشة ومن
أمير المؤمنين فسكت.
ثم جاء جاء فدق
الباب فخرجت إليه فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام فرجعت إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فأخبرته فقال أدخله ـ فدخل.
فقال مرحبا وأهلا
والله لقد تمنيتك حتى لو أبطأت علي لسألت الله عز وجل أن يجيئني بك اجلس فكل.
فجلس فأكل فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : قاتل الله من قاتلك عادى الله من عاداك الحديث.
ورووا عن جابر بن
سمرة قال كان علي عليه السلام يقول :
أرأيتم لو أن نبي
الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض من كان يكون أمير المؤمنين إلا أنا.
وربما قيل له يا
أمير المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه ويتبسم.
__________________
ورووا عن جابر قال
كان رسول الله صلى الله عليه وآله قاعدا مع أصحابه فرأى عليا عليه السلام فقال :
هذا أمير المؤمنين
وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.
ورووا عن زكريا بن
ميسرة عن أبي إسحاق عن محمد بن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه
وآله :
عرج بي فانتهوا بي
إلى السماء السابعة فأوحى الله إلي في علي عليه السلام ثلاث سيد المسلمين وإمام
المتقين وقائد الغر المحجلين.
ورووا عن بريدة
الأسلمي من عدة طرق أنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نسلم على علي
عليه السلام بإمرة المؤمنين.
ومن طرق أنه قال عليه السلام لأبي بكر وعمر اذهبا فسلما على أمير المؤمنين.
قالا يا رسول الله
وأنت حي قال عليه السلام وأنا حي.
وفي رواية أخرى أن
عمر قال يا رسول الله أمن الله أم من رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
.
بل من الله ورسوله.
ورووا عن المسعودي
عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن جده قال كان رسول الله صلى
الله عليه وآله في بيته حوله أصحابه من المهاجرين والأنصار وعائشة إلى جنبه وذلك
قبل أن يضرب الحجاب عليهن.
فجاء علي عليه
السلام فلم ير مجلسا فجلس بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة فقالت عائشة
يا ابن أبي طالب ما وجدت مجلسا إلا فخذي في هذا اليوم تحول بيني وبين رسول الله
صلى الله عليه وآله ما هذا بأوّل
ما لقيت منك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بيده فضرب كتفها فقال.
يا حميراء لا
تؤذيني في أخي وسيد المسلمين بعدي وأولى الناس بالناس بعدي والله ليقعدنه الله على
الصراط فليقسمن النار فيقول هذا لي وهذا لك فيدخلن الله وليه الجنة وليدخلن عدوه
النار.
ورووا عن طريف عن
الأصبغ بن نباته عن سلمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول.
يا معشر المهاجرين
والأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا بعدي قالوا بلى يا رسول
الله قال هذا علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي إمامكم فأحبوه لحبي وأكرموه لكرامتي
فإن جبرئيل عليه السلام أمرني أن أقوله لكم.
ورووا عن زيد بن
أرقم قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله :
ألا أدلكم على ما
إن استدللتم عليه لم تهلكوا ولم تضلوا إن إمامكم ووليكم علي بن أبي طالب عليه السلام فوازووه وناصحوه وصدقوه إن جبرئيل عليه السلام أمرني بذلك.
ورووا عن عبيد
الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام :
يا بنية أن الله
عز وجل أشرف على أهل الدنيا فاختار أباك على رجال العالمين فاصطفاني بالنبوة وجعل
أمتي خير الأمم ثم أشرف ربي الثانية فاختار زوجك علي بن أبي طالب على رجال العالمين
فجعله أخي ووزيري وخليفتي في
__________________
أهلي ، الحديث.
ورووا عن مطر بن
خالد قال سمعت أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
إن أخي ووصيي وخير
من أترك بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام.
ورووا عن أنس قال
كنت خادما لرسول الله صلى الله عليه وآله فبينا أنا أوضيه إذ قال :
يدخل واحد هو أمير
المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيين وأولى الناس بالناس وأمير الغر المحجلين.
قلت اللهم اجعله
رجلا من الأنصار حتى قرع الباب فإذا علي عليه السلام فلما دخل عرق وجه رسول الله
صلى الله عليه وآله عرقا شديدا فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله من وجهه بوجه
علي عليه السلام فقال علي عليه السلام ما لي يا رسول الله أنزل في شيء.
فقال أنت مني تؤدي
عني وتبرئ ذمتي وتبلغ رسالتي فقال يا رسول الله أولم تبلغ الرسالة قال بلى ولكن
تعلم الناس من بعدي تأويل القرآن ما لم يعلموا أو تخبرهم.
ورووا عن عمرو
المسلى قال سمعت جابر الجعفي يقول أخبرني وصي الأوصياء قال دخل
علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده عائشة فجلس قريبا منها
فقال.
يا عائشة لا
تؤذيني في أمير المؤمنين وسيد المسلمين يقعد غدا يوم القيامة على الصراط فيدخل
أولياءه الجنة وأعداءه النار.
ورووا عن أبي
المنذر الهمداني عن أبي داود عن أبي برزة الأسلمي،
__________________
قال كنا إذا
سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي عليه السلام صاحب متاعه فإن رأى
شيئا يرمه رمه وإن كانت نعل خصفها فنزلا منزلا فأقبل علي عليه السلام بخصف نعل رسول
الله صلى الله عليه وآله ودخل أبو بكر فسلم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
اذهب فسلم على
أمير المؤمنين قال يا رسول الله وأنت حي قال وأنا حي .
قال ومن ذلكم قال
خاصف النعل.
ثم جاء عمر فقال
له رسول الله صلى الله عليه وآله :
اذهب فسلم على
أمير المؤمنين.
قال بريدة وكنت
أنا فيمن دخل معهم فأمرني أن أسلم على علي عليه السلام فسلمت عليه كما سلموا.
ورووا عن حبيب بن
يسار وعثمان بن نسيطة مثله.
وعن أبي بريدة
مثله.
ورووا عن أبي ذر
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي ع :
يا علي من أطاعك
فقد أطاعني ومن أطاعني ( فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ومن عصاك فقد
عصاني ومن عصاني فقد عصى الله.
ورووا عن أبي
هارون العبدي عن زاذان عن سلمان الفارسي 2 قال خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله يوم عرفة فقال :
أيها الناس إن
الله باهى بكم اليوم ليغفر لكم عامة ويغفر لعليّ عليه
__________________
السلام خاصة.
فقال ادن مني يا
علي فدنا فأخذ بيده ثم قال إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أطاعك وتولاك من بعدي
وإن الشقي كل الشقي حق الشقي من عصاك ونصب لك العداوة من بعدي.
ورووا عن أبي أيوب
مثله إلا أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :
يا أيها الناس إن
الله باهى بكم في هذا اليوم فغفر لكم عامة وغفر لعلي عليه السلام خاصة فأما العامة
ففيهم من يحدث بعدي أحداثا وهو قول الله عز وجل ( فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) وأما الخاصة فطاعته طاعتي ومن عصاه فقد عصاني.
ورووا عن أبي عمر قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام :
يا علي من خالفك
فقد خالفني ومن خالفني فقد خالف الله عز وجل.
ورووا عن ابن أبي
ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :
ما من رجل مسلم
إلا وقد وصل ودي إلى قلبه وما وصل ودي إلى قلب أحد إلا وصل من ود علي عليه السلام إلى
قلبه.
ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وآله كذب يا علي من زعم أنه يبغضك ويحبني حتى قالها ثلاثا.
وهذه نصوص صريحة
على فرض طاعة علي كالنبي عليه السلام وذلك مقتض لإمامته لأنه لا أحد يثبت طاعته
كالنبي صلّى الله عليه
__________________
وآله وسلّم إلا من يثبت إمامته وعلى كونه خليفة من بعده وولي أمره وأولى الخلق بأمته وسيد
المسلمين وأمير المؤمنين.
قد نقلها من ذكرنا
وأضعافهم من رجال العامة كل منها مقتض بصريحه النص عليه بالإمامة.
وأما النص المعلوم مراده منه صلوات
الله عليه بالاستدلال : فخبرا تبوك
والغدير وطريق العلم بهما كبدر وأحد وحنين وغزوة تبوك وحجة الوداع وصفين والجمل.
لأن كل ناقل لغزوة
تبوك ناقل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وكل من نقل حجة
الوداع نقل نزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم وجمع الناس به وقيامه
فيهم خطيبا وتقريره الأمة على فرض طاعته وقوله بعد الإقرار منهم من كنت مولاه فعلي
مولاه.
كما أن كل من روى
بدرا روى مبارزة علي وحمزة وأبي عبيدة لشيبة وعتبة والوليد وقتل الثلاثة.
وكل من روى أحدا
روى قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب عليه السلام :
وكل من روى الجمل
روى قتل طلحة والزبير وعقر الجمل وهزيمة أنصاره.
وكل من روى صفين
نقل قتل عمار بن ياسر 2 [ وذي الكلاع الحميري لعنه الله ورفع المصاحف.
وحصول العلم بهذا
التفصيل لكل مخالط متأمل للسير والآثار كالجمل.
وإذا كان العلم
بخبري تبوك والغدير جاريا مجرى ما ذكرناه من الوقائع المعلومة على وجه يقبح الخلاف
فيه لم يحتج إلى استدلال على إثباتهما كما لم يحتج إليه في شيء من الوقائع وما
ذكرناه من تفصيل الحادث فيها.
هذا مع علمنا وكل
متأمل للروايات بثبوت ذين الخبرين في نقل من لم يرو المغازي ممن يقوم الحجة بنقله
من الخاصة والعامة فشاركا لعامة الوقائع في النقل واستبدا بنقل متواتر من الشيعة وأصحاب الحديث
فيجب الحكم بتساوي الطريق إلى العلم بالجميع إن لم يحكم لما ذكرناه بالزيادة لما
بينا له من المزية على الوقائع.
وليس لأحد أن يقول
إن الأمر لو كان كذلك لاشترك في العلم به العامي والخاص.
لأن العلم به ليس
من كمال العقل فيجب القول بعمومه وإنما يحصل للمخالط المتأمل للآثار على الوجه
الذي ذكرناه دون البعيد عنهما كأمثاله من المعلومات التي يعلم العلم بها من خالط
العلماء وتأمل النقل ولا يحصل للمعرض كتفصيل ما جرى في بدر وأحد والجمل وصفين
وتبوك وحجة الوداع وكون الركوع والسجود والطواف والوقوف بعرفة من أركان الصلاة
والحج وتعلق فرض الزكاة بأنواع التسعة وإيجاب تعمد الأكل والشرب والجماع في الصوم
بالقضاء والكفارة إلى باقي أحكام هذه العبادات وما ثبت تحريمه من المأكل والمشارب
والمناكح والمعايش وأحكام البيوع والشهادات والقصاص والمواريث والمعلوم ضرورة من دينه
صلى الله عليه وآله وسلم وجوبها مع وجودنا أكثر العامة وقطان البدو والسواد جاهلين بجميعها أو معظمها
لتشاغلهم بما بينهم من المعايش والأغراض الدنيوية.
فإن كان جهل
العامي المعرض عن سماع النقل بخبري الغدير وتبوك قادحا في عموم علمهما لكل مخالط
متأمل للآثار كجهل من ذكرنا من
__________________
العوام وأهل البدو
والسواد والجند والأكراد بما يعم العلم به من تفاصيل الحروب الدينية والأحكام
الشرعية قادح فيما أجمع عليها المسلمون منها وعم العلم به لكل مخالط متأمل وهذا ما
لا يطلقه أحد من العلماء لعظيم ما فيه.
وإن كان جهل هؤلاء
الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح
في عموم العلم بما اتفق العلماء عليه وعلم من دينه صلى الله عليه وآله وسلم من
الشرعيات لم يقدح جهل العوام وطغام الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما.
ولذلك لا نجد أحدا
من علماء القبلة قديما وحديثا ينكرهما ولا يقف في صحتهما كما لا يشك في شيء من
الأحكام المجمع عليها وإن خالف في المراد بهما.
ولا يقدح في هذا
ما حكاه الطبري عن ابن أبي داود السجستاني من إنكار خبر الغدير.
بل ذلك يؤكده لأنه
لا شبهة في عموم العلم بما انقضت الأعصار خالية من منكر له مع ثبوت الاحتجاج به على أكثر
أهلها ووقوف دعوى إنكاره على واحد لا ثاني له قد سبقه إجماع أهل الأعصار وتأخر عنه
إذ بهذا تميزت المعلومات العامة من غيرها ولم يقدح فيها بعد استقرارها وانقراض
العصر بفتيا صحتها واتفاق العلماء على عموم الحجة بها حدوث مخالف فيها بل أطرح
الكل قوله لو لا ذلك لبطلت الشريعة جملة إذ لا معلوم منها إلا وقد حدث من يخالف
فيه.
على أن المضاف إلى
السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري
__________________
مع ما بينها من
الملاحاة والشنئان وقد أكذب الطبري في حكايته عنه وصرح بأنه لم ينكر الخبر وإنما
أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدما وصنف كتابا معروفا يعتذر فيه مما قرفه به الطبري ويتبرأ
منه.
وما يجري حاله في
الثبوت هذا المجرى الذي لا يمكن دعوى مخالف فيه إلا واحد اجتمع عليه العلماء بخلافه
ويعتذر هو مما أضيف إليه ويكذب الحاكي عنه الذاهب إليه مستغن عن إقامة حجة على
صحته.
وليس لأحد أن يقول
فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عاما فلم فزع أكثر سلفكم إلى إيراد الأسانيد
بهما وإثبات طريق النقل لهما وأي حاجة فيما عم العلم به كبدر وحنين إلى ترتيب نقل.
لأن العلماء من
سلفنا وخلفنا رضي الله عنهم لم يعولوا في إثبات ذين الخبرين إلا على ما ذكرناه
وإنما نبهوا في الاستدلال على الطريق وصفة التواتر تأكيدا للحجة وتنبيها للمعرض
على الطريق التي يعم العلم بتأملها.
وجروا في ذلك مجرى
من يسأل بيان العلم بصفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي قران أو إفراد
أو تمتع وأعيان المخلفين عن غزاة تبوك وهل كانت ذات حرب أم لا وبقتل حمزة بن عبد
المطلب 2 يوم أحد دون غيره وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر.
في فزعه إلى
الإشارة إلى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين لذلك لا يجد مندوحة عنه إذ هو الطريق
الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم ولذلك يجد كل من لم يخالط العلماء
ويسمع الأخبار ويتأمل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئا
من ذلك ولا يكون التنبيه لهم
__________________
على طريق العلم
بما نقله الرواة وأصحاب السير من تفاصيل ما جرى قادحا في عموم العلم بها لكل متأمل
للآثار.
كذلك حال المنبه
من شيوخنا رضي الله عنهم على طرق الناقلين والمشير إلى صفات المتواترين بخبري تبوك
والغدير للمعرض عن سماع ذلك ليس بقادح فيما بيناه من عموم العلم بهما للمتأملين.
على أن بإيراد ما
نقله أصحاب الحديث من الخاصة والعامة حصل للسامع العلم بهما كما ينقل الرواة
للمغازي حصل العلم بها لكل سامع وكيف يكون التنبيه على طريق عموم العلم بالمنقول
قادحا فيه لو لا الغفلة.
وإذا كانت الحجة
ثابتة بهما على الوجه الذي ذكرناه تعين فرض النظر فيهما ليعلم المراد بهما ومتى
فعل هذا الواجب دل فاعله على كون كل منهما دالا على إمامة أمير المؤمنين عليه
السلام من وجوه.
أما خبر تبوك فإنه
صلوات الله عليه دل به على أن عليا عليه السلام منه بمنزلة هارون
من موسى إلا النبوة في الحال التي استثنى فيها ما لم يرد ثبوته لعلي عليه السلام من
النبوة وذلك يقتضي ثبوت ما عداها من منازل هارون لعلي عليه السلام بعد وفاته ودال
على استخلافه له بهذا القول من وجوه :
منها : أن من جملة
منازل هارون عليه السلام كونه خليفة لموسى عليه السلام على بني إسرائيل وقد نطق
بذلك القرآن في قوله سبحانه ( وَقالَ مُوسى
لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) الآية وأجمع عليه
المسلمون فيجب كون علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهما كذلك إذ لا فرق
بين أن يقول فيه أنت الخليفة من بعدي وبين أن يقول أنت مني بمنزلة هارون من موسى
مع علم المخاطب بكون هارون خليفة لموسى،كما لا
__________________
فرق بين قول الملك
الحكيم لمن يريد استيزاره أنت وزيري أو أنت مني بمنزلة فلان من فلان المعلوم كونه
وزيرا له.
ومنها أن من جملة
منازل هارون كونه مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل فيجب كون علي عليه السلام كذلك
وذلك يوجب إمامته إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام أنت الخليفة من بعدي أو إمام
أمتي أو المفترض الطاعة عليهم أو أنت مني بمنزلة هارون من موسى مع علم السامع
والناظر بكون هارون مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل.
ومنها أن من جملة
منازل هارون كونه مستحقا لمقام موسى عليه السلام باتفاق فيجب أن يكون علي عليه
السلام كذلك إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام أنت مستحق لمقامي أو أنت مني
بمنزلة هارون المعلوم استحقاقه لمقام موسى عليه السلام.
وليس لأحد أن يقدح
فيما ذكرناه بأن الاستحقاق وفرض الطاعة والاستخلاف كان لهارون بالنبوة وقد
استثناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجب أن يلحق بها في النفي ما هو موجب
عنها.
لأنا نعلم عدم
وقوف الاستخلاف وفرض الطاعة على النبوة لصحة استحقاق ذلك من دونها والمعلوم ثبوت
الاستحقاق والاستخلاف وفرض الطاعة لهارون عليه السلام ولا سبيل إلى العلم بوجهه.
على أنه لو سلم
لهم ذلك لم يضرنا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع في الاستحقاق فيجب الحكم
بمشاركتهما فيه وإن اختلف جهتاه إذ كان اختلاف جهات الاستحقاق لا يمنع من المشاركة
فيه بغير إشكال.
وإنما كان يكون في
كلامهم شبهة لو كان فرض الطاعة والخلافة لا يثبتان إلا لنبي ليكون استثناء النبوة
استثناء لهما والمعلوم خلاف ذلك فليس
__________________
استثناؤها يقتضي
استثناء المنازل الثابتة بها وإلا لم يكن في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فائدة
لأنه لا يبقى شيء من منازل هارون يصح إثباته لعلي عليه السلام حسب ما تضمنه لفظ
النبي ودل منه على مراده وذلك مما لا يصح وصفه به.
فلم يبق إلا القول
بثبوت منازل هارون له بعد النبوة أو بها وليس في استثنائها استثناء المنازل ليصح
مقصود النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وليس لأحد أن يقول
المحبة والنصرة غير موجبين عن النبوة كالخلافة وفرض الطاعة الثابتين عنها فإذا
استثناهما باستثناء مقتضيهما بقيت المحبة والنصرة فتخصص مراده بهما وذلك يخرج
كلامه عليه السلام عن العبث.
لأن المحبة
والنصرة كالخلافة وفرض الطاعة في صحة كونهما موجبين عن النبوة كصحة كون الخلافة
وفرض الطاعة ثابتين بغير النبوة إذا كانت هذه القضية واجبة فمطلق قوله صلى الله
عليه وآله وسلم يتناول جميع المنازل الهارونية إلا ما استثناه من النبوة التي لا
يدل استثناؤها على استثناء بعض المنازل دون بعض لصحة استحقاق الكل بها وخروج ثبوت
الجميع عن مقتضاها فلو أراد بعض ما عدا المستثنى لوجب عليه بيانه وفي إطلاقه صلى
الله عليه وآله وإمساكه عن الإبانة بتخصيص مراده ببعض المنازل دليلا على إرادته
الجميع.
وأيضا فإن المحبة
والنصرة معلوم ضرورة لكل سامع مقر بالنبوة ومنكر لها ثبوتها لعلي من النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فلا فائدة أيضا إذا في إعلام ما لا يدخل في معلومه شبهة.
على أن ذلك لو صح
أن يكون مرادا مع بعده وقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنص عليه خاصة ولم
يحتج إلى إطلاق لفظ موهم له ولغيره مع عدم الإبانة.
ولا يجوز أن يقال
على هذا لو أراد الخلافة لنص عليها بعينها ولم يحتج إلى قول يحتملها وغيرها.
لأنه عليه السلام
أراد بما قاله الخلافة وما عداها من المنازل الهارونية عدا النبوة ولو نص على
الخلافة أيضا لم يستفد من نصه غيرها فافترق الأمران المنة لله.
وليس لهم أن
يقولوا لو أفاد الخبر فرض الطاعة والاستخلاف لكان ثابتا في حياته كثبوت ذلك لهارون
من موسى عليه السلام والإجماع بخلاف ذلك.
لأن الخبر إذا كان
مفيدا للاستخلاف بما أوضحناه وجب حمله على عرف الاستخلاف وقد علمنا أنه لا يفهم من
قول الملك لغيره أنت خليفتي والقائم مقامي إلا بعد وفاته.
وأيضا فإن الخبر
إذا وجبت به إمامته عليه السلام على كل حال فمنع الإجماع من ثبوتها في حال الحياة
بقيت أحوال بعد الوفاة.
وبعد فإنا قد
أوضحنا أنه عليه السلام قد أفصح في كلامه بمراده فأغنى الناظر عن هذا القدح بقوله
إلا أنه لا نبي بعدي فنفى النبوة بعده فاقتضى ذلك أن يكون ما عدا المستثنى ثابتا
في الحال التي نفي فيها ما لم يرده من المنازل فناب ذلك مناب قوله صلى الله عليه
وآله وسلم أنت مني بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى في حياته لأن إطلاق الاستحقاق
وفرض الطاعة يتناول زماني الحياة والوفاة فإذا استثنى ما لم يرده من المنازل التي
لو لا الاستثناء لكانت ثابتة في حال بعد الوفاة اختص مراده صلى الله عليه وآله بها
دون حال الحياة لأنه لا فرق بين قول القائل لصاحبه اضرب غلماني يوم الخميس إلا زيدا
وبين قوله اضرب غلماني إلا زيدا يوم الخميس في تخصيص أمره بإيقاع الضرب بالمأمور
بهم بيوم الخميس.
ولا يجوز حمل قوله
عليه السلام بعدي على بعد نبوتي لأنه رجوع
عن الظاهر الذي لا
يفهم من إطلاقه إلا بعد الوفاة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لا ترجعوا بعدي
كفارا.
أو كقوله لعلي
عليه السلام ستغدر بك الأمة بعدي
وقوله تقاتل بعدي
الناكثين والقاسطين والمارقين
في إفادة ذلك أجمع
بعد الوفاة بغير إشكال.
ولأن الخبر قد
أفاد فرض الطاعة والإمامة فمنع ذلك من حمله على ما قالوه.
ولأنه لا أحد قال
إن الخبر يفيد الإمامة إلا قال بثبوتها بعد وفاته عليه السلام وقد دللنا على
اختصاص إفادته لذلك.
ولو سلم ما قالوه
لاقتضى استحقاق علي عليه السلام الإمامة وفرض الطاعة في كل حال انتفت فيه النبوة
من بعد ثبوتها له ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع عليه المسلمون.
ولا يعترضنا قولهم
إن لفظ منزلته لفظ توحيد وأنتم تحملونها على جملة منازل.
لأن القائل قد
يعبر عمن له عدة منازل من السلطان فيقول منزلة فلان من السلطان جليلة وهو يريد
الجميع ويوضح ذلك ثبوت الاستثناء مع قبح دخوله في لفظ الواحد إذ كان من حقه أن
يخرج من الجملة ما تعلق به وتبقى ما عداه.
وإذا ثبت أن لفظ
منزلة متناول لعدة منازل بدليل دخول الاستثناء الذي لا يدخل إلا على الجمل فكل من
قال بذلك قال إن الخبر مفيد للإمامة.
وليس لأحد أن يقول
إنه عليه السلام لو أراد الخلافة لشبهه بيوشع.
لأنا قد بينا
دلالة الخبر على الخلافة مع تشبيهه بهارون فاقتضى ذلك سقوط السؤال إذ كان الاقتراح
في الأدلة باطلا.
على أن لعدوله صلى
الله عليه وآله بتشبيهه بهارون عن يوشع وجهين :
أحدهما أن خلافة هارون منطوق بها في القرآن ومجمع عليها وخلافة
يوشع مقصورة على دعوى اليهود العرية من حجة.
الثاني أنه عليه السلام قصد مع إرادة النص على علي عليه السلام بالإمامة
إيجاب باقي المنازل الهارونية من موسى له منه من النصرة وشدة الأزر والمحبة
والإخلاص في النصيحة والتأدية عنه ولو شبهه بيوشع لم يفهم منه إلا الخلافة فلذلك
عدل إلى تشبيهه بهارون عليه السلام.
وأما خبر الغدير
فدال على إمامته عليه السلام من وجهين :
أحدهما أنه صلوات الله عليه قرر المخاطبين بما له عليهم من فرض
الطاعة بقوله ألست أولى بكم منكم بأنفسكم فلما أقروا قال عاطفا من غير فصل بحرف
التعقيب فمن كنت مولاه فعلي مولاه وذلك يقتضي كون علي عليه السلام مشاركا له صلوات
الله عليه وآله في كونه أولى بالخلق من أنفسهم وذلك مقتض لفرض طاعته عليهم وثبوتها
على هذا الوجه يفيد إمامته بغير شبهة.
إن قيل دلوا على
أن من جملة أقسام مولى أولى وأنها في الخبر مختصة به وأن أولى يفيد الإمامة.
قيل أما كون أولى
من جملة أقسام مولى فظاهر في العربية ظهورا لا يدخل في [ فيه ] شبهة على أحد
عرفها لثبوتها من جملة أقسامها وحصول النص منهم عليها كالمالك والمملوك ونص أهلها
على كونها من جملة الأقسام كهما وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى (
مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) يريد أولى
__________________
بكم وقوله سبحانه ( وَلِكُلٍّ
جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) يريد أولى
بالميراث بغير خلاف بين علماء التأويل ولأنه لا تحتمل لفظة مولى في الآيتين إلا
الأولى.
على أن اشتقاق
أقسام مولى يرجع إلى الأولى على ما بينته وذلك يوجب حملها عليه لكونها حقيقة في
الأولى دون سائر الأقسام.
وأما كونها مقصودة
في الخبر دون سائر الأقسام فمن وجهين :
أحدهما أنها الأصل
لسائر أقسام مولى فيجب حمل مطلقها عليها كخطاب سائر الحكماء.
الثاني اتفاق
العلماء بالخطاب على أن تقديم البيان على المجمل وطريق المخاطبين على
المراد به أبلغ في الإفهام من تأخيره.
يوضح ذلك أن
مواضعة المكلف سبحانه على معنى صلاة وزكاة قبل الخطاب بهما أبلغ في البيان من
تأخير ذلك عليه وأن قول القائل لمن يريد إفهامه ألست عارفا بأخي زيد الفقيه وداري
الظاهرة بمحلة كذا فإذا قال بلى قال فإن أخي ارتد وداري احترقت أبلغ في الإبانة عن
مراده من تأخير هذا البيان عن قوله ارتد أخي واحترقت داري لوقوع العلم بمقصوده مع
الخطاب الأول في الحال وتراخيه مع الثاني ولاختلاف العلماء فيما يتأخر بيانه وهل
هو بيان له أم لا واتفاقهم على كون ما تقدم بيانه مفيدا للعلم بالمراد حين يسمع
المجمل.
وإذا تقرر هذا
وكنا وخصومنا وكل عارف بأحكام الخطاب متفقين على أنه صلوات الله عليه وآله لو قال
بعد قوله من كنت مولاه فعلي مولاه أردت بمولى أولى لم يحسن الشك في إرادته بلفظة
مولى أولى ولم يستحق المخالف فيه
__________________
جوابا إلا التنبيه
على غفلته فتقديمه صلوات الله عليه وآله التقرير على الأولى وإتيانه بعده بالمجمل
أبلغ في بيان مراده من التقرير الأول على ما أوضحناه من ذلك.
وليس لأحد عرف
الخطاب أن يقول دلوا على أن الكلام الثاني مبني على الأول وأن الأول بيان له.
لأن دخول الفاء
المختصة بالتعقيب في الكلام الثاني يوجب تعلقه بالأول على أخص الوجوه وتعلقه به مع
احتماله لو انفرد له ولغيره من المعاني دليل على كونه بيانا له لأن قوله صلى الله
عليه وآله وسلم فمن كنت مولاه متعلق بقوله ألست أولى بكم بمقتضى العطف وتعلقه به
يقتضي إرادة مولى لترتبه عليه وكونه بيانا له وقوله عليه السلام إثر ذلك فعلي
مولاه جار هذا المجرى فيجب إلحاقه به والحكم له بمقتضاه.
وأما إفادة الأولى
للإمامة فظاهر لأن حقيقة الأولى الأملك بالتصرف الأحق بالتدبير يقولون فلان أولى
بالدم وبالمرأة وباليتيم وبالأمر بمعنى الأحق الأملك فإذا حصل هذا المعني بين شخص
وجماعة اقتضى كونه مفترض الطاعة عليهم من حيث كان أولى بهم من أنفسهم في تقديم
مراداته وإن كرهوا واجتناب مكروهاته وإن أرادوا وعلى هذا خرج قوله تعالى (
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وعليه قررهم صلّى الله عليه وآله.
وإذا وجب مثله
للمنصوص عليه به وجبت طاعته على الوجه الذي كان له عليه السلام ووجوبها على هذا
الوجه يقتضي إمامته بغير نزاع.
وبهذا التحرير
تسقط شبهة من يظن اختصاص أولى بشيء دون شيء أو بحال دون حال أو مكلف دون مكلف لأن
ترتبها على ما قرره صلوات الله عليه وآله من فرض الطاعة الثابت عمومها للمكلفين
والأحوال والأمور يوجب
__________________
المشاركة له صلوات
الله عليه وآله في جميع ذلك ولأنه لا أحد قال إن مراده بمولى أولى إلا قال بإيجاب طاعته
عليه السلام على الجميع وعمومها للأحوال والأمور.
والوجه
الثاني من الاستدلال أن
مجرد قوله عليه السلام من كنت مولاه فعلي مولاه يدل على أنه عليه السلام أراد
الأولى المفيد للإمامة لما قررناه من وجوه ثلاثة :
منها
: أن لفظة مولى
حقيقة في الأول لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها لأن
المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وبحمل جريرته والمملوك مولى لكونه
أولى بطاعة مالكه والمعتق والمعتق كذلك والناصر لكونه أولى بنصرة من نصره والحليف
لكونه أولى بنصرة حليفه والجار لكونه أولى بنصرة جاره والذب عنه والصهر لكونه أولى
بمصاهره والأمام والوراء لكونه أولى بمن يليه وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه
والعقل عنه والمحب المخلص لكونه أولى بنصرة محبه ومواده.
وإذا كانت لفظة
مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر أقسامها كوجوب ذلك في سائر الخطاب
الجاري هذا المجرى.
الثاني أن لفظة مولى لو كانت مشتركة بين سائر الأقسام وغير مختصة
ببعضها لوجب حمل خطابه صلوات الله عليه وآله بها على جميع محتملاتها إلا ما منع
مانع كوجوب مثل ذلك في خطاب مشترك فقدت الدلالة من المخاطب به على تخصص مراده ببعض
محتملاته.
الثالث أنه عليه السلام جمع الخلق لهذا الأمر وأظهر من الاهتمام
به ما لم يظهر منه في شيء مما أتى به ولا بد لذلك من غرض مثله لأن خلوه من غرض أو
غرض مثله عبث وسفه ولا يجوز وصفه عليه السلام به.
__________________
ولا يجوز أن يريد عليه
السلام المالك ولا المملوك ولا المعتق ولا المعتق ولا الحليف ولا الجار ولا الأمام
ولا الوراء ولا الصهر لحصول العلم الضروري بخلاف ذلك أجمع.
ولا يجوز أن يريد
ابن العم لأنه لا فائدة فيه لحصول العلم به قبل خطابه.
ولا يجوز أن يريد
ولاية المحبة والنصرة لوجوبهما على كافة المسلمين فلا وجه لتخصيصه عليا بها.
فلم يبق إلا
الأولى الأحق بالتدبير الأملك بالتصرف.
وليس لأحد أن يحمل
مراده عليه السلام بلفظة مولى على الموالاة على الظاهر والباطن حسب ما وجب له عليه
السلام على المخاطبين من وجوه.
منها
أن طريقته المقدمة
يمنع منه.
ومنها كون مولى حقيقة في أولى يجب لها حمل المراد عليها حسب ما
بيناه ومنها وجوب حمل اللفظ المحتمل للأشياء على جميع محتملاته فلو كان ما ذكروه
مما يحتمله لفظة مولى لوجب دخوله تحت المراد من غير منافاة لإرادة الأولى.
ومنها أن الموالاة على الباطن ليست من أقسام مولى في لغة العرب
المخاطبين بها فلا يجوز حمل خطابه عليه السلام على ما لا يفيد مطلقه من غير مواضعة
تقدمت ولا بيان تأخر.
ومنها أنه لو كانت هذه الولاية من جملة الأقسام لوجب لو أرادها
أن يقول من كان مولاي فهو مولى لعلي لأنه وعليا عليهما السلام هما
__________________
المتوليان على
الظاهر والباطن دون المخاطبين فلما خرج خطابه صلى الله عليه وآله بعكس ذلك استحال
حمل مولى في الخبر على ولاية الباطن والظاهر لو كان ذلك شائعا في اللغة لأنه يقتضي
كون النبي وعلي صلوات الله عليهما هما المتوليان للمخاطبين على الظاهر والباطن
وهذا ظاهر الفساد.
على أن الحامل
لمخالفينا على هذا التأويل المتعسف تخصيص علي عليه السلام بما لا يشركه فيه غيره
حسب ما اقتضت الحال والولاية على الظاهر والباطن حاصلة لجماعة من الصحابة باتفاق
فمنع ذلك من تخصيص علي عليه السلام بها لو كان الخطاب محتملا لها.
اللهم إلا أن
يريدوا ولاية خاصة لا يشرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها غير علي عليه
السلام ليكون [ فيكون ] ذلك تسليما منهم الإمامة بغير شبهة.
إن قيل فطريقكم من
هذا الخبر يوجب كون علي عليه السلام إماما في الحال والإجماع بخلاف ذلك.
قيل : هذا يسقط من
وجوه :
أحدها
أنه جرى في
استخلافه عليا صلوات الله عليهما على عادة المستخلفين الذين يطلقون إيجاب
الاستخلاف في الحال ومرادهم بعد الوفاة ولا يفتقرون إلى بيان لعلم السامعين بهذا
العرف المستقر.
وثانيها أن الخبر إذا أفاد فرض طاعته وإمامته عليه السلام على
العموم وخرج حال الحياة بالإجماع بقي ما عداه.
وليس لأحد أن يقول
على هذا الوجه فألحقوا بحال حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحوال المتقدمين
على أمير المؤمنين عليه السلام لأنا إنما أخرجنا حال الحياة من عموم الأحوال
للدليل [ ولا دليل ] على
__________________
إمامة المتقدمين
وسنبين ذلك في ما بعد ولأن كل قائل بالنص قائل بإيجاب إمامته عليه السلام بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل فإذا كان دالا على النص بما أوضحنا سقط
السؤال ووجب إلحاق الفرع بالأصل.
وثالثها أنا نقول بموجبه من كونه عليه السلام مفترض الطاعة على كل
مكلف وفي كل أمر وحال منذ النطق به وإلى أن قبضه الله تعالى إليه وإلى الآن
وموسوما بذلك ولا يمنع منه إجماع لاختصاصه بالمنع من وجود إمامين وليس هو في حياة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لكونه مرعيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحت
يده وإذا كان مفترض الطاعة فقط لثبوته للأمراء وإنما كان كذلك لأنه لا يد فوق يده وهذا لم يحصل إلا بعد
وفاته صلوات الله عليه.
[ مراعاة أمير المؤمنين القوم
لا تقدح في إمامته ]
ولا يمكن القدح في
ثبوت إمامته عليه السلام بإمساكه عن النكير ومبايعته للقوم وإظهار التسليم وحضور
مجالسهم والصلاة خلفهم وأخذ عطائهم والنكاح من سبيهم وإنكاح عمر ابنته وقول العباس
له عند وفاة النبي عليه السلام ألا يدخل بنا إليه فنسأله هل لنا في هذا الأمر شيء
ولو كان النص ثابتا لم يجهله العباس وامتناعه بعد وفاته صلى الله عليه وآله من
مبايعة العباس وأبي سفيان وهما سيدا بني عبد مناف ودخوله في الشورى وتقلده الأمر
بعد عثمان بالاختيار وتحكيم الحكمين.
لأن هذه الأمور
أجمع غير قادحة في شيء من أدلة النص ومع ذلك فهي ساقطة على أصول المسئول عنها
والسائل ولا شبهة في سقوط ما هذه حاله من الشبه وسقوط فرض الإجابة عنه.
__________________
أما سلامة النص من
القدح بها فلسلامة الظواهر الدالة عليه من الكتاب والسنة منها إذ كانت أجمع لا
يخرج شيئا من نصوص الكتاب والسنة عن اقتضائه للنص بغير شبهة على متأمل وسلامة
الظاهر من القدح بشيء مما ذكر مقتض للمصير إلى موجبها من القول بإمامته عليه
السلام وسقوط اعتراضهما بشيء لا تعلق له بهما.
ولأن ثبوت النص
على علي عليه السلام بالإمامة يقتضي ثبوت إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وإلى حين وفاته عليه السلام وثبوت ذلك في هذه الحال يقتضي القطع على استمرار
عدالته فيها لو لم تكن العصمة من شروط الإمامة والحكم لجميع أفعاله بالحسن لإجماع
الأمة على فساد إمامة الإمام بما يقع من فسق فسقط لذلك أيضا جميع ما اعترضوا به
ولم يبق إلا الرجوع إلى المنازعة في ظواهر النصوص فيكون ذلك رجوعا لما سلموه
وإسقاطا لما اعترضوا به وهو المقصود واستئنافا لاعتراض النصوص المحروسة بالحجة من
كل شبهة على ما سلف بيانه والمنة لله سبحانه.
وأما سقوط هذه
الاعتراضات على أصولنا فما بيناه من كون النص بالإمامة كاشفا عن عصمة المنصوص عليه
ولا شبهة في سلامة الأفعال المعصوم من القدح والحكم لجميعها بالحسن وبعد معترضها
عن الصواب.
وأما سقوطها على
أصولهم فلأنهم قد أجمعوا أن عليا عليه السلام من رؤساء المجتهدين وممن لا يعترض
اجتهاده باجتهاد واحد سواه ومن كانت هذه حاله فغير ملوم في شيء من اجتهاداته عند
أحد منهم ولا مأزور عند الله تعالى فكيف يوسع لمن هذه أصوله واعتقاداته في علي
عليه السلام أن يقدح في عدالته بما اجتهد فيه مع قولهم بصواب كل مجتهد وإن بلغ
غاية في التقصير لو لا قلة الإنصاف.
وليس لهم أن
يقولوا لسنا نخطئه عليه السلام في شيء مما ذكرناه وإنما
نافينا به ما
تدعونه من النص عليه.
لأنهم متى لم
يفرضوا قبح هذه الأمور مع تسليم النص لم يصح القدح بها في إمامته عليه السلام إذ
لا قدح بشيء من الأفعال الحسنة في إمامة منصوص عليه ولا مجتاز .
على أن هذه
الأفعال إذا كانت حسنة عند الجميع فلا منافاة بينها وبين النص الكاشف عندنا عن
عصمة المنصوص عليه وعن علو رتبته في الاجتهاد عندهم وليس بموجب عليه عندنا ولا
عندهم تقلد الأمر على كل حال وإنما يتعين هذا الفرض بشرط التمكن المرتفع بالاضطرار
إلى سقوطه وما تبعه من الأمور المذكورة وغيرها فكيف ظن مخالفونا في الإمامة منافاة
النص لما ذكروه من الأمور لو لا بعدهم عن الصواب.
على أنا نتبرع
بذكر الوجه في جميع ما ذكروه مفصلا وإن كنا مستغنين عنه بما ذكرناه.
أما
ترك النكير ففرضه متعين
بمجموع شروط يجب على مدعي تكاملها في علي عليه السلام إقامة البرهان بذلك وهيهات.
أن الممكن فعله من
النكير قد أدلى به عليه السلام وهو التذكار والتخويف والتصريح باستحقاقه الأمر
دونهم وما زاد على ذلك من المحاربة موقوف على وجود الناصر المفقود في الحال بغير
إشكال وكيف يظن به عليه السلام تمكنا من حرب المتقدمين عليه من رآه لا يستطيع الجلوس في بيته دونهم لو
لا قبيح العصبية وشديد العناد.
وأما
البيعة فإن أريد بها
الرضا فمن أفعال القلوب التي لا يعلمها غيره تعالى بل لا ظن بها فيه لفقد أمارتها
وثبوت ضدّها.
__________________
وإن أريد الصفقة
باليد فغير نافعة لا سيما مع كونها واقعة عن امتناع شديد وتخلف ظاهر وتواصل إنكار
عليه وتقبيح لفعله وموالاة مراجعه بتحديد تارة وتخويف أخرى وتحشيم وتقبيح إلى غير ذلك مما هو معلوم
ودلالة ما وقع على هذا الوجه على كراهية المبايع واضحة.
وأما
إظهار التسليم فعند فقد كل ما يظن معه الانتصار ولهذا صرح عليه السلام عند التمكن من القول
بوجود الأنصار بأكثر ما في نفسه من ظلم القوم له وتقدمهم عليه بغير حق وسنورد طرفا
منه فيما بعد إن شاء الله وذلك مانع من وقوع تسليمه عن رضا.
وأما
حضور مجالسهم فللأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر المتمكن منه وتنبيه الغافل وإرشاد الضال وتعليم الجاهل واستدراك
الفائت وهذا أمور يختص به مضافا إلى غيرها تمكن منها ومنع من تلك فوجب عليه فعل ما
تمكن منه ويسقط عنه فرض الممنوع منه.
وأما
الصلاة خلفهم فلا دلالة على
كونه عليه السلام مقتديا بهم لكون الاقتداء من أفعال القلوب ولأنه أقرأ القوم
وأفقههم فلا يجوز له الاقتداء بهم حسب ما نص عليه شارع الجماعة صلى الله عليه وآله
ولأنه إمام الذي لا يجوز التقدم عليه ولا يجوز له اتباع رعيته.
فهذه أصولنا
الموافقة للأدلة يمنع من كونه عليه السلام مقتديا بغيره.
فأما أصول القوم
فإنهم يجيزون الصلاة خلف الفاسق فكيف تكون صلاة المسلم خلف أبي بكر دلالة على
إمامته أو فضله أو قادحة في عدالة المصلي أو إمامته لو لا غفلة السائل وجهله
بأصوله وأصول خصمه.
وأما
أخذ العطاء فليسوا بذي مال
يخصهم إعطاؤه وإنما هو مال الله
__________________
الذي جعله لأنصار
الإسلام وأمير المؤمنين علي عليه السلام زعيم النصرة وأحق الأنصار به.
على أن فرض تصريف
هذا المال مردود إليه جملة فتمكنه من البعض لا يقتضي رضاه بالمنع من البعض الآخر
ولو كان العطاء من مالهم لم يدل على صواب رأيهم في الإمامة بإعطائه ولا خطاء علي
بأخذه كسائر العطايا.
وأما
نكاحه من سبيهم فبنو حنيفة لا يعدون أمرين أما كونهم مستحقين المسبي في الملة أو غير مستحقين.
وكونهم مستحقين
يقتضي إباحة تملك سبيهم وإن كان السابي ظالما ليس بإمام ولا بمأموم عدل لو لا ذلك
يحرم نكاح المسبي في كل زمان لا إمام فيه منصوص عليه ولا مجتاز وقد أجمع
المسلمون على خلاف ذلك.
وكونهم غير
مستحقين يقتضي كونه عليه السلام عاقدا على خولة الحنفية لكونه عالما بما يحل ويحرم
وممن لا يقدم على ما يعلمه حراما باتفاق.
وأما
مناكحة عمر فالتقية المبيحة
للإمساك عن النكير لما فعلوه من تقلد أمر الإمامة مبيحة لذلك لكونه مستصغر في جبنه.
على أن حال عمر في
خلافه لا تزيد على حال عبد الله بن أبي السلول وغيره من المنافقين وقد كانوا
يناكحون في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإظهار الشهادتين وانقيادهم للملة
وهذه حال عمر.
وعلم علي عليه
السلام بالدليل كفر عمر كعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي كفر ابن أبي
السلول وغيره فكما لم يمنع ذلك من مناكحتهم فكذلك هذا.
وأما
ما روي عن العباس من قوله لعلي عليه السلام ادخل بنا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديث
فغير معلوم فيلزم تأوله والأشبه أن يكون
__________________
كذبا من حيث كان
ظاهره يقتضي جهل العباس رضي الله بالنص المعلوم لنا اليوم ولمن يتجدد إلى يوم
القيامة حسب ما وضحت الحجة به لكل متأمل لا يجوز على العباس جهلها.
على أنه لو كان
ثابتا لكان الوجه في سؤاله لعلي عليه السلام استعلام النبي صلى الله عليه وآله
وسلم عن الأمر وهل يصير إلى المستحق له بالنص أم يدفع عنه فامتنع عليه السلام من
ذلك لعلمه بإعلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بخروج الأمر عنه إلى القوم
المخالفين لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله من خلافته عليهم لئلا يخبر به
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرا فيظن من لا بصيرة له أن ذلك نص فتحصل شبهة
فلذلك ما عدل عن إجابة العباس 2 إلى ما سأل وليس في امتناعه عليه ولا قول العباس له دلالة
على عدم النص لما بيناه من ثبوته واحتمال قول العباس لما يوافق الثابت بالأدلة.
وأما
امتناعه من بيعة العباس وأبي سفيان فلأنه عليه السلام رأى بشاهد الحال فسادا في بيعتهم إما لأنه
صلى الله عليه وآله لو بايع للزمه القيام بما لا ناصر له عليه أو لخوف ضرر ممن تم
له السلطان بمظاهرته بالمناقشة له في سلطانه ببيعة ذين الرجلين المعظمين في قومهما
ألا ترى إلى لجاجهم في بيعته خوفا منه وإلجائه إليها مع إظهار الإمساك ولزوم منزله
فكيف به لو علم كونه مبايعا لنفسه فلذلك ما عدل عن بيعتهما.
وأما
دخوله في الشورى فللضرورة الداعية إلى ذلك إذ كان العاقد لها موجبا على القوم الذين يخبرهم الدخول فيها وهو
ممن قد علمت حاله وشديد
__________________
إقدامه وتهجمه على
مخالفه.
وليحتج صلى الله
عليه وآله القوم بمناقبه وذرائعه إلى الخلافة وما أنزل الله فيه وذكره رسوله صلى
الله عليه وآله من النصوص الدالة على إمامته وما كان متمكنا لو لا دخوله في الشورى
من ذلك فصار دخوله لهذا الوجه واجبا ليس يقدح في إمامته ولا منصوب لعاقد الشورى.
وليتوصل عليه
السلام بالدخول مع القوم إلى القيام بما جعل إليه النظر فيه من الأمور الدينية
التي من أوضح برهان على ما تقولها الشيعة من مشاركة عمر للقوم في سوء الرأي في
الإسلام وأهله واتفاقهم على عداوة النبوة وأهلها والمتحققين بولايتها لمن أنصف
نفسه وتأمل هذه الحال.
ومنها يمينه سالما مولى
أبي حذيفة وإخباره أنه لو كان حيا ما يخالجه في تقليده أمر الإمامة شك.
وخطاؤه في هذا من
وجوه :
أولها
أنه إخبار عن
إيجابه إمامة سالم من غير روية ولا مشاورة مع العلم بأن فعله ليس بحجة وإيجاب ما
ليس على إيجابه دليل قبيح.
وثانيها : أنه نقيض
لاحتجاجه يوم السقيفة على الأنصار باختصاص الإمامة بقريش ومبطل لإمامة أبي بكر
المبنية على سقوط حجة الأنصار بالقربى وإمامته لكونها فرعا لإمامة أبي بكر بإجماع
ومفسد للظاهر من مذاهب الخصوم في مراعاة القرشية في صفات الإمام.
ثالثها : حصول العلم
الضروري بفساد رأي من رجح سالما على علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس 2 والمختارين
للشورى ووجوه بني هاشم وأعيان المهاجرين والأنصار في شيء من أحواله فضلا عن جميعها
ومن
__________________
تأمل خطاب هذا
القائل علم أن مقصوده الوضع من الصحابة والقرابة واستخفافه بأقدارهم وتهاونه
بنكيرهم عليه وقلة فكره بالمناقضة بينهم بأدنى تأمل.
ورابعها أنه تحقيق لما ترويه الشيعة من تقدم المعاهدة منه ومن
صاحبه وأبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة على نزع هذا الأمر من بني هاشم لو قد مات محمد
صلى الله عليه وآله لو لا ذلك لم يكن ليمينه سالما وإخباره عن فقد الشك فيه مع
حضور وجوه الصحابة وأهل السوابق والفضائل والذرائع التي ليس لسالم منها شيء وجه
يعقل وكذلك القول في يمينه أبا عبيدة بن الجراح على الرواية الأخرى.
وليس لأحد أن يجعل
سكوت الصحابة عنه دلالة على صوابه فيما ذكرناه عنه من المطاعن عليه.
لأن السكوت لا يدل
على الرضا بجنب الاحتمال لغيره وهو هاهنا محتمل للخوف وحصول المفسدة كاحتماله
للرضا فلا يجوز القطع إلا بدلالة.
ولأن البرهان واضح
يخطبه فيما قدمناه والأمر ظاهر على وجه لا لبس فيه من المناقصة للظاهر والتحجر
والأمر بقتل من لا يستحق القتل على رأي أحد وإيجاب قول المشهود له بضعف الرأي
والدين ويمين الموالي الفجار والشك في وجوه الأبرار فلا اعتبار في شيء
من ذلك بسكوت محتمل.
على أن تأمل هذا
يوضح عن فساد طريقتهم في كون الإمساك عن النكير حجة في الدين لحصوله مع ما يعلم
قبحه بقريب من الاضطرار.
__________________
[ في دفن الرجلين مع النبي في
حجرته ]
ومما يعم الرجلين
أمرهما بالدفن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته.
وفيه ترك لتوقيره
عن ضرب المعاول لديه لثبوت حرمته بعد الوفاة كالحياة.
وفيه أن هذه الحجرة
لا يخلو أن يكون موروثة كما نقول أو صدقة كما يقولون.
وكونها موروثة
يقتضي قبح التصرف فيها بغير إذن الوارث ولم يستأذناه بغير شبهة.
وكونها صدقة يمنع
من التصرف فيها على كل حال كسائر الصدقات.
ودعوى كونها
لعائشة باطل من وجوه :
منها
أن الظاهر كونها
ملكا له عليه السلام ولا دلالة بانتقالها.
ومنها
قوله تعالى ( لا
تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ ) ـ فأضاف البيوت إليه ولأن المعلوم أنه صلى الله عليه وآله لما
هاجر إلى المدينة ابتاع مكان مسجده وحجرته فبناه فلما وصل أهله وأزواجه أنزل كلا
منهم منازله.
ومنها
أنه لم يرو أحد
إيذان عائشة بدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت سكناها ولو كان بيتا لها
لم يدفن إلا بإذنها.
ومنها
أن غاية ما يتعلق
به في ذلك دعوى عائشة وقد ردوا دعوى فاطمة عليها السلام وهي أعدل. وقوله سبحانه ( وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَ ) ـ يفيد السكنى بدليل تناول هذا الإطلاق لجميع الأزواج ولا
أحد يدعي ملكا لواحدة منهن عدا عائشة.
__________________
[ بعض مطاعن الثالث ]
[ وأما مطاعن
الثالث ] فأمور كثيرة :
منها
رده الحكم بن أبي
العاص بعد نفي رسول الله صلى الله عليه وآله إياه وإباحة دمه متى دخل دار الإسلام
وإقرار المتقدمين ذلك النفي وإدخاله المدينة على مراغمة من بني هاشم وسائر
المسلمين واتخاذ ابنه مروان بطانة وبسط يده ورواية في أمور المسلمين
وإعطاؤه خمس إفريقية مع ظهور حاله وسوء رأيه في الإسلام وأهله.
ومنها تقليده المشهورين بالفسق والتهمة على الإسلام أمور
المسلمين.
كالوليد بن عقبة
بن أبي معيط المشهود له ولسائر نسله بالنار للإخوة التي بينهما على الكوفة وتوقفه
عن عزله مع ظهور فساده في الولاية ومجاهرته بالفسق وتوقفه عن إقامة الحد عليه مع
إقامة الشهادة بشرب الخمر وإتيانه المسجد وصلاته بالناس وهو سكران.
وتقليد سعيد بن
العاص بعد عزله الوليد وإقراره على الولاية مع عظيم الشكاية لجوره وقبيح سيرته
وقوله إنما هذا السواد بستان لقريش إلى أن أخرجه المسلمون منها قسرا مراغمة لعثمان
ورده بعد ذلك واليا عليهم ومنعهم له من دخول الكوفة بالاضطرار.
وتقليد عبد الله
بن عامر بن كريز على البصرة للخولة التي بينهما وعبد الله بن أبي سرح على مصر
للرضاعة التي بينهما ويعلى بن أمية ويقال ابن منية على اليمن وأسيد بن الأخنس بن
الشريق على البحرين لكونه ابن عمته.
__________________
وعزل المأمونين من
الصحابة على الدين المختارين الولاية المرضين السيرة وهذا من عظيم المنكرات.
ومنها استئثاره بمال الله تعالى وتفريقه في بني أمية وتفضيلهم في
العطاء على المهاجرين والأنصار وفي هذا ما فيه.
ومنها تمزيق المصاحف وتحريقها وطرحها في الحشوش وهذا ضلال.
ومنها استخفافه بعبد الله بن مسعود وأمره بضربه بغير جرم حتى
كسرت أضلاعه بالضرب وموته من ذلك وهو من وجوه الصحابة.
ومنها ضرب عمار بن ياسر لإنفاذه وصية ابن مسعود حتى فتق وإغماؤه
من الضرب يوما وليلة.
ومنها إخراج أبي ذر إلى الشام لأمره بالمعروف ثم حمله من الشام
لإنكاره على معاوية خلافه للكتاب والسنة مهانا معسفا واستخفافه به ونيله من عرضه
وتسميته بالكذاب مع شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالصدق ونفيه عن
المدينة إلى الربذة حتى مات بها ; تعالى مغربا.
ومنها استخفافه بعلي عليه السلام حين أنكر عليه تكذيب أبي ذر
ومنها عزل عبد الله بن الأرقم عن بيت المال لما أنكر عليه إطلاق
الأموال لبني أمية بغير حق.
ومنها قوله لعبد الرحمن بن عوف يا منافق وهو الذي اختاره وعقد له
ومنها حرمانه عائشة وحفصة ما كان أبو بكر وعمر يعطيانهما وسبه
لعائشة وقوله وقد أنكرت عليه الأفاعيل القبيحة لئن لم تنتهي لأدخلن عليك الحجرة
سودان الرجال وبيضانها.
ومنها هدر دم الهرمزان وجفينة قتيلي ابن عمر واعتذاره من ذلك بأن
الناس قريبو عهد بقتل أبيه.
ومنها حماية الكلاء وتحريمه على المسلمين وتخصصه به ومنع غلمانه
الناس منه
وتنكيلهم بمن أراده.
ومنها ضربه عبد الله بن حذيفة بن اليمان حتى مات من ضربه لإنكاره
عليه ما يأتيه غلمانه إلى المسلمين في رعي الكلاء.
ومنها
أكله الصيد وهو
محرم مستحلا وصلاته بمنى أربعا وإنكاره متعة الحج مع إجماع الأمة على خلاف ما فعل.
ومنها ضربه عبد الرحمن بن حنبل الجمحي وكان
بدريا مائة سوط وحمله على جمل يطاف به في المدينة لإنكاره عليه الأحداث وإظهاره
عيوبه في الشعر وحبسه بعد ذلك موثقا بالحديد حتى كتب إلى علي وعمار من الحبس :
أبلغ عليا
وعمارا فإنهما
|
|
بمنزل الرشد إن
الرشد مبتدر
|
لا تتركا جاهلا
حتى يوقره
|
|
دين الإله وإن
هاجت به مرر
|
لم يبق لي منه
إلا السيف إذ علقت
|
|
حبائل الموت
فينا الصادق البرر
|
يعلم بأني مظلوم
إذا ذكرت
|
|
وسط الندى حجاج
القوم والعذر
|
فلم يزل علي عليه
السلام بعثمان يكلمه حتى خلى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة فسيره إلى خيبر
فأنزله قلعة بها تسمى القموص فلم يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان وساروا إليه من
كل بلد فقال في الشعر :
لو لا علي فإن
الله أنقذني
|
|
على يديه من
الأغلال والصفد
|
لما رجوت لدي شد
بجامعة
|
|
يمنى يدي غياث
الفوت من أحد
|
نفسي فداء علي
إذ يخلصني
|
|
من كافر بعد ما
أغضى على صمد
|
__________________
منها
تسيير حذيفة بن
اليمان إلى المدائن حين أظهر ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وأنكر
أفعاله فلم يزل يعرض بعثمان حتى قتل.
ومنها نفي الأشتر ووجوه أهل الكوفة عنها إلى الشام حين أنكروا
على سعيد بن العاص ونفيهم من دمشق إلى حمص.
ومنها معاهدته لعلي عليه السلام ووجوه الصحابة على الندم على ما
فرط منه والعزم على ترك معاودته ونقض ذلك والرجوع عنه مرة بعد مرة وإصراره على ما
ندم منه وعاهد الله تعالى وأشهد القوم على تركه من الاستئثار بالفيء وبطانة السوء
وتقليد الفسقة أمور المسلمين.
ومنها كتابه إلى ابن أبي سرح بقتل رؤساء المصريين والتنكيل
بالأتباع وتخليدهم الحبس لإنكارهم ما يأتيه ابن أبي سرح إليهم ويسير به فيهم من
الجور الذي اعترف به وعاهد على تغييره.
ومنها تعريضه نفسه ومن معه من الأهل والأتباع للقتل ولا يعزل
ولاة السوء.
ومنها
استمراره على
الولاية مع إقامته على المنكرات الموجبة للفسخ وتحريم التصرف في أمر الأمة وذلك
تصرف قبيح لكونه غير مستحق عندهم مع ثبوت الفسق.
[ ما يقدح في عدالة القوم ]
ومما يقدح في
عدالة الثلاثة :
قصدهم أهل بيت
نبيهم عليهم السلام بالتحيف ـ والأذى والوضع من أقدارهم واجتناب ما يستحقونه من التعظيم.
__________________
فمن ذلك أمان كل
معتزل بيعتهم ضررهم وقصدهم عليا عليه السلام بالأذى لتخلفه عنهم والإغلاظ له في
الخطاب والمبالغة في الوعيد وإحضار الحطب لتحريق منزله والهجوم عليه بالرجال من
غير إذنه والإتيان به ملببا واضطرارهم بذلك زوجته وبناته ونسائه وحامته من بنات
هاشم وغيرهم إلى الخروج عن بيوتهم وتجريد السيوف من حوله وتوعده بالقتل إن امتنع
من بيعتهم ولم يفعلوا شيئا من ذلك بسعد بن عبادة ولا بالخباب بن المنذر وغيرهما ممن تأخر عن
بيعتهم حتى مات أو طويل الزمان.
ومن
ذلك ردهم دعوى فاطمة
عليها السلام وشهادة علي والحسنين عليهم السلام وقبول دعوى جابر بن عبد
الله في الجنينات وعائشة في الحجرة والقميص والنعل وغيرهما.
ومنها تفضيل الناس في العطاء والاقتصار بهم على أدنى المنازل.
ومنها عقد الرايات والولايات لمسلمة القبح والمؤلفة قلوبهم
ومكيدي الإسلام من بني أمية وبني مخزوم وغيرهما والإعراض عنهم واجتناب تأهلهم لشيء من ذلك.
ومنها موالاة المعروفين ببغضهم وحسدهم وتقديمهم على رقاب العالم
كمعاوية وخالد وأبي عبيدة والمغيرة وأبي موسى ومروان وعبد الله بن أبي سرح
__________________
وابن كريز ومن
ضارعهم في عداوتهم والغض من المعروفين بولايتهم وقصدهم بالأذى كعمار وسلمان وأبي
ذر والمقداد وأبي بن كعب وابن مسعود ومن شاركهم في التخصص بولايتهم عليهم الصلاة والسلام.
ومنها قبض أيديهم عن فدك مع ثبوت استحقاقهم لها على ما بيناه
وإباحة معاوية الشام وأبي موسى العراق وابن كريز البصرة وابن أبي سرح مصر والمغرب
وأمثالهم من المشهورين بكيد الإسلام وأهله.
وتأمل هذا بعين إنصاف يكشف لك عن شديد عداوتهم وتحاملهم عليهم
كأمثاله من الأفعال الدالة على تميز العدو من الولي.
ولا وجه لذلك إلا
تخصصهم بصاحب الشريعة صلوات الله عليه وعلى آله في النسب وتقدمهم لديه في الدين
وتحققهم من بذل الجهد في طاعته والمبالغة في نصيحته ونصرة ملته بما لا
يشاركون فيه.
وفي هذا ما لا
يخفى ما فيه على متأمل.
* * *
__________________
[ النكير على أبي بكر وعمر وأمور متفرقة ]
وممّا يقدح في
عدالتهم : ما حفظ عن وجوه الصحابة وفضلاء السابقين والتابعين من الطعن عليهم ، وذمّ
أفعالهم ، والتصريح بذمهم ، وتصريحهم هم بذلك عند الوفاة ، وتحسّرهم على ما فرط منهم.
فأما أقوال
الصحابة والتابعين القادحة في عدالتهم :
[ نكير أمير المؤمنين عليه
السلام ]
ما حفظ عن علي
أمير المؤمنين 7 من التظلّم منهم ، والتصريح والتلويح بتقدّمهم عليه بغير
حقّ في مقام بعد مقام.
كقوله حين أرادوه
بالبيعة لأبي بكر : والله [ أنا ] لا أبايعكم وأنتم أحقّ بالبيعة لي.
وقوله 7 : يا ( ابْنَ
أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) .
وقوله 7 في عدّة مقامات :
لم أزل مظلوما ـ أو ما زلت مظلوما ـ منذ قبض رسول الله 9.
وقوله 7 : ظلمت الحجر
والمدر.
وجوابه 7 لمعاوية : زعمت
لكلّ الخلفاء حسدت وعلى كلّهم بغيت ، وإنّي كنت أقاد إلى بيعتهم كما يقاد الجمل
المخشوش ، أما والله لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وما على المؤمن أن يكون مظلوما إذا
لم يكن شاكّا في دينه ولا مرتابا في يقينه ، ولقد قال نوح : ربّ أنّي ( مَغْلُوبٌ
فَانْتَصِرْ ) ، وقال لوط : ( لَوْ
أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ
__________________
شَدِيدٍ
) .
فصرّح بظلم القوم
له ، ووضوح عذره بقصور يده عن الانتصار منهم.
وجوابه له في هذا
الكتاب : ولقد بارا من قدّمت وفضّلت بنو قيلة يوم السقيفة ، فاحتجّوا بالقربى ، فان
يكن الفلج برسول الله 9 فنحن أحقّ به ، أو لا فالأنصار على دعواها .
فصرّح أنّ القوم
المتقدّمين عليه لا يعدون أن يكونوا ظالمين له والأنصار.
وقوله 7 في خطبته
المشهورة بعد قتل عثمان : وقد أهلك الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا ،
ومات هامان ، وهلك فرعون ، وقتل عثمان ، ألا وإنّ بليتكم قد عادت كيوم بعث الله
فيه نبيكم.
فكنّى عن الأول
بهامان ، وعن الثاني بفرعون ، وصرّح بذكر عثمان لارتفاع التقية عنه في أمره ، لمشاركة
السامعين له في الطعن عليه ، وشبّه حالهم والمتّبعين لهم كيوم بعث فيه محمّد 9 ، وهذا صريح بالتضليل.
وقال 7 فيها : ولقد
سبقني في هذا الأمر من لم أشركه فيه ، ومن لم أهبه له ، ومن ليس له منه توبة إلاّ بنبي
يبعث ، ألا ولا نبيّ بعد محمّد 9 ، أشرف منه ( عَلى شَفا
جُرُفٍ هارٍ ، فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ).
فصرح بأنّ
المتقدّم عليه تقدّم من غير استحقاق ولا إذن من المستحقّ ، وأنه أتى بذلك ما لا
يغفر إلا بنبيّ يبعث ، فغلق الغفران بما لا يكون ، ولم يكتف بذلك حتى أخبر أنه
أشرف منه ( عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ) ، ولم يرض بذلك حتّى قال : ( فَانْهارَ بِهِ فِي
نارِ جَهَنَّمَ ).
__________________
وقال فيها : ولقد
مضت منكم أمور وسلفت ، ملتم علي فيها ميلة واحدة ، كنتم فيها غير محمودي
الرأي ، أما لو [ أ ] شاء أن أقول لقلت : سبق الرجلان ، وقام الثالث كالغراب همّته
بطنه ، وفرجه أمله ، لو قصّ جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له ، شغل عن الجنة ، والنار
أمامه .
فأخبر 7 بتحاملهم عليه
وظلمهم جميعا له ، وأنّ الثالث يلي بذلك السابقين إلى ظلمه.
وقوله 7 في خطبته الوسيلة
: ولئن تقمّصها دوني الأشقيان ، ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ وهما يعلمان ، فركباها
ضلالة واعتقداها جهالة ، فلبئس [ ما ] عليه وردا ، وبئس ما لأنفسهما مهّدا ، ببلاغتان
من محلّهما ، ويبرأ كلّ منهما من صاحبه بقوله لقرينه إذا التقيا : ( يا لَيْتَ
بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) .
وقوله فيهما : وليس
رتعا في الحطام المتصرّم والغرور المنقطع ، وكانا منه على شفا من الأجل ومندوحة من
الأمل ، فقد أمهل الله شدّاد بن عاد وبلعم بن باعورا وثمود بن عبود ، وأسبغ عليهم ( نِعَمَهُ
ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) ، حتّى إذا أتتهم
الأرض بركاتها أخذهم الله بغتة ، فمنهم من أردته الخسفة ، ومنهم من أحرقته الظلمة ،
( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ) ، ومنهم من أهلكته الرجفة ، ( وَما كانَ اللهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ، ولم يكن حال الظالمين إلاّ كخفقة أو وميض برقة ، حتّى لو
كشف لك عمّا هو [ ى ] إليه الظالمون وآل إليه الأخسرون لهربت الى الله عزّ ذكره
ممّا هم فيه مقيمون ، ( خِزْيٌ فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .
__________________
وهذا نصّ جلّي منه
7 على ضلال المتقدّمين عليه.
وقوله 7 في خطبة الشقشقية
: والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من
الرحا ، ينحدر منه السيل ولا يرقى إليه الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها
كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، فرأيت أنّ
الصبر على هاتيك أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا .
فعدل 7 عن تسمية
المتقدّم عليه وتكنيته وتلقيبه بما تدعى له من الألقاب الحسنة إلى أقبح الألقاب ، وذلك
غاية في الاستخفاف به ، وصرّح بأنه تولّى الأمر دونه مع علمه بكونه منه كالقطب من
الرحى الّذي لا يتمّ صلاحها من دونه ، مع كونه في الذروة منه الّتي ينحدر عنها
السيل ولا يرقى إليها الطير لعلوّها ، وأنّه ظلّ مرتئيا في الصولة بالظالم مع عدم
الناصر المعبّر عنه بقصر اليد ، أو يصبر على العظيمة ، وأنه رجّح الصبر من حيث
كانت الصولة بغير ناصر لا ترفع ظلما وتؤثر هلاك الصائل ، ثم وصف حاله صابرا في
عينه القذا وفي حلقه الشجا ، وذلك موكّد لما قلناه.
ومرّ في كلامه
مصرحا بالتظلّم من الثاني والثالث ، ووصف خلافتيهما بالضلال كالأول.
وقال : فلما نهضت
بالأمر نكثت طائفة وقسطت شرذمة ومرق آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله تعالى يقول : ( تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ
وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، بلى والله لقد سمعوها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم
زبرجها ، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو لا حضور الحاضر ولزوم الحجّة بوجود
الناصر وما أخذ الله على ولاة الأمر أن لا يقاروا على كظّة ظالم
ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفوا
دنياهم أهون
__________________
عندي من عفطة عنز .
فوصفهم بإيثار
الدنيا على الآخرة على وجه يوجب على المتمكّن من ذلك منعهم بالقهر ، وسوّى بينهم
وبين المتقدّمين عليه بجعلهم آخرا لأوّلهم ، وصرّح باستحقاق الجميع الموافقة عن
الظلم وإيثار العاجلة على الآجلة ، وأنّه إنّما أمسك عن أولئك وقاتل هؤلاء لعدم
التمكّن هناك ، لفقد الناصر ، وحصوله هاهنا لكثرته ، وهذا تصريح منه 7 بظلم القوم له.
وقوله 7 في رسالته إلى
ابن حنيف : بلى قد كانت لنا فدك من جميع ما أظلّه الفلك ، فشحّت فيها نفوس قوم ، وسخت
عنها نفوس آخرين.
فهذا نصّ على ظلم
الآخذين لفدك منه ومن آله :.
وقوله 7 المشهور : أنا
أنف الهدى وعيناه ، ألا أنبئكم بحاجبي الضلالة ، تبدو مخازيهما في آخر الزمان.
وقوله 7 : والله ، لأخاصمنّ
أبا بكر وعمر إلى الله تعالى ، والله ليقضينّ لي الله عليهما.
وقوله 7 المستفيض : بايع
والله الناس أبا بكر وأنا أولى بها منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربّي
وألزقت كلكلي بالأرض ، ثم أنّ أبا بكر هلك واستخلف عمر ، وقد والله علم أنّي أولى
الناس بها منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي وانتظرت أمر ربي ، ثم أنّ عمر هلك وجعلها
شورى ، وجعلني سادس سته كستهم الجدة ، وقال : اقتلوا الأقلّ ، وما أراد غيري ، فكظمت
غيظي وانتظرت أمر ربّي وألزقت كلكلي بالأرض ...
وقوله 7 : قبض الله نبيّه
9 [ و ] أنا أولى بالناس منّي بقميصي هذا ، وإنّ أول شقصنا إبطال حقّنا من
الخمس ، فلمّا رقّ أمرنا طمعت رعيان
__________________
إليهم من قريش فينا ، وإنّما
يعرف الهدى بالأبرار ، في كلام طويل.
وهذا تصريح منه 7 بكونه أولى الناس
بالأمر ، وأنّ المتقدّم عليه ظالم.
ومنه ما روي عن
الاصبغ بن نباتة ، وعن رشيد الهجري ، وعن أبي كدينة الأسدي ، وغيرهم من أصحاب علي 7 بأسانيد مختلفة قالوا : كنّا جلوسا في المسجد إذ خرج علينا
أمير المؤمنين 7 من الباب الصغير يهوي بيده عن يمينه يقول : أما ترون ما
أرى قلنا : يا أمير المؤمنين وما الّذي ترى قال : أرى أبا بكر عتيقا في [ سدف ] النار يشير إليّ
بيده يقول : استغفر لي ، لا غفر الله له.
وزاد أبو كدينة : أن
الله لا يرضى عنهما حتّى يرضياني ، وأيم الله لا يرضياني أبدا.
وسئل عن السدف
فقال : الوهدة العظيمة.
ورووا عن الحارث
الأعور قال : دخلت على [ علي ] 7 في بعض الليل ، فقال لي : ما جاء بك في هذه الساعة قلت : حبّك
يا أمير المؤمنين ، قال الله قلت : الله ، قال : ألا احدّثك بأشدّ الناس عداوة لنا
وأشدّهم عداوة لمن أحبّنا قلت : بلى يا أمير المؤمنين ، أما والله لقد ظننت ظنّا ،
وقال : هات ظنّك ، قلت : أبو بكر وعمر قال : ادن منّي يا أعور ، فدنوت منه ، فقال
: ابرأ منهما.
وفي رواية أخرى : إنّي
لأتوهم توهّما فأكره أن أرمي به بريئا : أبو بكر وعمر فقال : إي والّذي فلق الحبّة
وبرأ النسمة ، إنّهما لهما ظلماني حقّي وتغاصاني ريقي ، وحسداني ، وآذياني ، وإنّه
ليؤذي أهل النار ضجيجهما ونصبهما ورفع أصواتهما وتعيير رسول الله 9 إيّاهما.
__________________
ورووا عن عمارة
قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين 7 ، وهو في ميمنة
مسجد الكوفة وعنده الناس ، إذ أقبل رجل فسلّم عليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين
والله إنّي لأحبّك ، فقال : لكنّي والله ما أحبّك ، كيف حبّك لأبي بكر وعمر فقال :
والله إنّي لأحبّهما حبّا شديدا ، قال : كيف حبّك لعثمان قال : قد رسخ حبّه في السويداء
من قلبي ، فقال علي 7 : أنا أبو الحسن ... ، الحديث.
ورووا عن سفيان ، عن
فضيل بن الزبير قال : حدثني نقيع ، عن أبي كدينة الأزدي قال : قام رجل
إلى أمير المؤمنين 7 ، فسأله عن قول
الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) فيمن نزلت قال : ما تريد ، أتريد أن تغري بي الناس قال : لا
يا أمير المؤمنين ، ولكن أحبّ أن أعلم ، قال : اجلس ، فجلس ، فقال : أكتب عامرا ، أكتب
معمرا ، أكتب عمرا ، أكتب عمّارا ، أكتب معتمرا ، في أحد الخمسة نزلت.
قال سفيان : قلت
لفضيل : أتراه عمر قال : فمن هو غيره.
[ نكير الإمام الحسين عليه
السلام ]
ورووا عن المنذر
الثوري قال : سمعت الحسين بن علي 8 يقول : إنّ أبا بكر وعمر عمدا إلى الأمر وهو لنا كلّه ، فجعلا
لنا فيه سهما كسهم الجدة ، أما والله لتهمز بهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا.
ورووا عنه 7 ، وسأله رجل عن أبي بكر وعمر فقال : والله لقد ضيّعانا ، وذهبا
بحقّنا ، وجلسا مجلسا كنّا أحقّ به منهما ، ووطئا على أعناقنا ، وحملا الناس
__________________
على رقابنا.
[ نكير الإمام السجّاد عليه
السلام ]
ورووا عن أبي
الجارود زياد بن المنذر قال : سئل علي بن الحسين 8 عن أبي بكر وعمر فقال : اضعنا بآياتنا ، واضطجعا بسبيلنا ، وحملا الناس على رقابنا.
وعن أبي إسحاق أنه
قال : صحبت علي بن الحسين 8 بين مكّة والمدينة ، فسألته عن أبي بكر وعمر ما تقول فيهما
قال : ما عسى أن أقول فيهما ، لا رحمهما الله ولا غفر لهما.
وعن القاسم بن
مسلم قال : كنت مع علي بن الحسين 8 بينبع ، يدي في يده ، فقلت : ما تقول في هذين الرجلين
أتبرّأ من عدوّهما فغضب ورمى بيده من يدي ، ثم قال : ويحك يا قاسم هما أوّل من
اضعنا بآياتنا ، واضطجعا بسبيلنا
، وحملا الناس على رقابنا ، وجلسا مجلسا كنّا أحقّ به منهما.
وعن حكيم بن جبير ،
عنه 7 مثله ، وزاد : فلا غفر الله لهما.
وعن أبي علي
الخراساني ، عن مولى لعلي بن الحسين 8 قال : كنت مع علي بن الحسين 8 في بعض خلواته ، فقلت : إنّ لي عليك حقا ، ألا تخبرني عن هذين
الرجلين ، عن أبي بكر وعمر فقال : كافران ، كافر من أحبّهما.
وعن أبي حمزة
الثمالي قال : قلت لعلي بن الحسين 8 وقد خلا : أخبرني عن هذين الرجلين قال : هما أوّل من ظلمنا
حقّنا ، وأخذا ميراثنا ، وجلسا مجلسا كنّا أحقّ به منهما ، لا غفر الله لهما ولا
رحمهما ، كافران ، كافر من تولاّهما.
وعن حكيم بن جبير
قال : قال علي بن الحسين 8 : أنتم تقتلون في
__________________
عثمان من ستّين سنة ، فكيف
لو تبرأتم من صنمي قريش.
[ نكير الإمام الباقر عليه
السلام ]
ورووا عن سورة بن
كليب قال : سألت أبا جعفر 7 عن أبي بكر وعمر قال : هما أول من ظلمنا حقنا ، وحملا
الناس على رقابنا ، قال : فأعدت عليه فأعاد عليّ ثلاثا ، فأعدت عليه الرابعة فقال
: ...
[ شعر ]
لذي الحلم قبل
اليوم ما تقرع
|
|
العصا وما علّم
الانسان إلاّ ليعلما
|
وعن كثير النواء ،
عن أبي جعفر 7 قال : سألته عن أبي بكر وعمر فقال :
هما أول من انتزى على حقّنا ، وحملا
الناس على أعناقنا واكتافنا ، وأدخلا الذلّ
بيوتنا.
وعنه ، عن أبي
جعفر 7 قال : والله لو وجد عليهما أعوانا لجاهدهما ، يعني : أبا بكر وعمر.
وعن بشير قال : سألت
أبا جعفر 7 عن أبي بكر وعمر فلم يجبني ، ثم سألته فلم يجبني ، فلمّا كان من الثالثة قلت
: جعلت فداك أخبرني عنهما فقال : ما قطرت قطرة دم من دمائنا ولا من دماء أحد من
المسلمين إلاّ وهي في أعناقهما إلى يوم القيامة.
ورووا أنّ ابن
بشير قال : قلت لأبي جعفر 7 : إنّ الناس يزعمون أنّ
__________________
رسول الله 9 قال : اللهم أعزّ
الاسلام بأبي جهل أو بعمر ، فقال أبو جعفر 7 : والله ما قال هذا رسول الله 9 قطّ ، إنّما أعزّ
الله الدين بمحمّد عليه الصلاة والسلام ، ما كان الله ليعزّ الدين بشرار خلقه.
ورووا عن قدامة بن
سعد الثقفي قال : سألت أبا جعفر 7 عن أبي بكر وعمر فقال : أدركت أهل بيتي وهم يصيبونهما .
وعن أبي الجارود قال : كنت أنا
وكثير النواء عند أبي جعفر 7 ، فقال كثير : يا
أبا جعفر رحمك الله هذا أبو الجارود تبرّأ من أبي بكر وعمر ، فقلت لأبي جعفر 7 : كذب والله
الّذي لا إله إلاّ هو ما سمع ذلك منّي قطّ ، وعنده عبد الله بن علي أخو أبي جعفر 7 ، فقال : هلم إليّ أقبل إليّ يا كثير ، كانا والله أوّل من
ظلمنا حقّنا ، وأضعنا بآياتنا ، وحملا الناس على
رقابنا ، فلا غفر الله لهما ولا غفر لك معهما يا كثير.
وعن أبي الجارود
قال : سئل أبو جعفر 7 عنهما وأنا جالس فقال : هما أوّل من ظلمنا حقّنا ، وحملا
الناس على رقابنا ، وأخذا من فاطمة 3 عطيّة رسول الله 9 فدك بنواضحها ، فقام ميسر فقال : الله ورسوله منهما بريئان
، فقال أبو جعفر 7 : ... .
[ شعر ]
لذي الحلم قبل
اليوم ما تقرع
|
|
العصا وما علّم
الانسان إلاّ ليعلما
|
ورووا عن بشير بن
أبي أراكة البتّال قال : سألت أبا جعفر 7 عن
__________________
أبي بكر وعمر فقال
كهيئة المنتهر : ما تريد من صنمي العرب ، أنتم تقتلون على دم عثمان بن عفان ، فكيف
لو أظهرتهم البراءة منهما ، إذا لما ناظروكم طرفة عين.
وعن حجر البجلي
قال : شككت في أمر الرجلين ، فأتيت المدينة فسمعت أبا جعفر 7 يقول : إنّ أوّل
من ظلمنا وذهب بحقّنا وحمل الناس على رقابنا أبو بكر وعمر.
وعنه 7 قال : لو وجد علي
أعوانا لضرب أعناقهما.
وعن سلام بن سعيد
المخزومي ، عن أبي جعفر 7 قال : ثلاثة لا يصعد عملهم إلى السماء ولا يقبل منهم عمل :
من مات ولنا أهل البيت في قلبه بغض ، ومن تولّى عدوّنا وترك ولايتنا ، ومن تولّى أبا بكر
وعمر.
وعن ورد بن زيد
أخي الكميت قال : سألنا محمد بن علي 8 عن أبي بكر وعمر فقال : من كان يعلم أنّ الله حكم عدل برئ
منهما ، وما من محجمة دم تهراق إلاّ وهي في رقابهما.
وعنه 7 وسئل عن أبي بكر
وعمر فقال : هما أوّل من ظلمنا ، وقبض حقّنا ، وتوثّب على رقابنا ، وفتح علينا
بابا لا يسدّه شيء إلى يوم القيامة ، فلا غفر الله لهما ظلمهما إيّانا.
وعن سالم بن أبي
حفصة قال : دخلت على أبي جعفر 7 فقلت : أئمتنا وسادتنا ، نوالي من واليتم ونعادي من عاديتم
ونتبرّأ من عدوّكم ، فقال : بخ بخ يا شيخ إن كان لقولك حقيقة ، قلت : جعلت
فداك إنّ له حقيقة ، قال : ما تقول في أبي بكر وعمر قلت : إماما عدل
رحمهما الله ، قال : يا شيخ والله لقد أشركت في هذا الأمر من لم
__________________
يجعل الله له فيه
نصيبا.
وعن فضيل بن عثمان
، عن أبي جعفر 7 قال : مثل أبي
بكر وشيعته مثل فرعون وشيعته ، ومثل علي 7 وشيعته مثل موسى 7 وشيعته.
ورووا عن أبي جعفر
7 في قوله عز وجل : ( وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) ، قال : أسرّ إليهما أمر القبطية ، وأسرّ إليهما أنّ أبا
بكر وعمر يليان أمر الأمّة من بعده ظالمين فاجرين غادرين.
[ نكير الإمام الصادق عليه
السلام ]
ورووا عن عبيد بن
سليمان النخعي ، عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي قال : أخبرني ابن أخي
الأرقط ، قال : قلت لجعفر
بن محمد 8 : يا عمّاه إنّي أتخوّف عليّ وعليك الفوت أو الموت ولم يفرش لي أمر هذين
الرجلين ، فقال لي جعفر 7 : ابرأ منهما برأ الله ورسوله منهما.
ورووا عن عبد الله
بن سنان ، عن جعفر بن محمد 8 قال ، قال لي : أبو بكر وعمر صنما قريش اللذان يعبدونهما.
ورووا عن اسماعيل
بن يسار ، عن غير واحد ، عن جعفر بن محمد 8 قال : كان إذا ذكر عمر زنّاه ، وإذا ذكر أبا جعفر أبا
الدوانيق زنّاه ، ولا يزنّي غيرهما.
[ نكير أئمة أهل البيت عليهم
السلام ]
وتناصر الخبر عن
عليّ بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد :
__________________
من طرق مختلفة ، أنّهم
قالوا كلّ منهم : ثلاثة لا ينظر الله إليهم ( يَوْمَ
الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) : من زعم أنّه
إمام وليس بإمام ، ومن جحد إمامة إمام من الله ، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام
نصيبا.
ومن طرق أخر : [
أنّ ] للأوّلين.
ومن آخر : للأعرابين
في الاسلام نصيبا.
إلى غير ذلك من
الروايات عمّن ذكرناه.
وعن أبنائهم : أبي الحسن موسى
بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي ابن محمد والحسن بن علي : ، مقترنا بالمعلوم
من دينهم لكلّ متأمّل حالهم ، وأنّهم يرون في المتقدّمين على أمير المؤمنين ومن
دان بدينهم أنّهم كفّار.
وذلك كاف عن إيراد
رواية.
وإنّما ذكرنا طرقا
منها استظهارا.
وقد روت الخاصّة
والعامّة عن جماعة من وجوه الطالبيّين ما يضاهي المروي من ذلك عن الأئمة :.
[ نكير زيد بن علي الشهيد ]
فرووا عن معمّر بن
خيثم قال : بعثني زيد بن علي داعية ، فقلت : جعلت فداك ما أجابتنا إليه الشيعة
فإنّها لا تجيبنا إلى ولاية أبي بكر وعمر ، قال لي : ويحك أحد أعلم مظلمته منّا ، والله
لئن قلت إنّهما جارا في الحكم لتكذبنّ ، ولئن قلت إنّهما استأثرا بالفيء لتكذبنّ ،
ولكنّهما أوّل من ظلمنا حقّنا وحمل الناس على رقابنا ، والله إنّي لأبغض أبناءهما
__________________
من بغضي آبائهما ،
ولكن لو دعوت الناس إلى ما تقولون لرمونا بقوس واحد.
ورووا عن محمد بن
فرات الجرمي قال : سمعت زيد بن علي يقول : إنّا لنلتقي وآل عمر فى الحمام فيعلمون
أنّا لا نحبّهم ولا يحبّونا ، والله إنّا لنبغض الأبناء لبغض الآباء.
ورووا عن فضيل بن
الزبير قال : قلت لزيد بن علي 7 : ما تقول في أبي بكر وعمر قال : قل فيهما ما قال علي ، كف
كما كفّ لا تجاوز قوله ، قلت : أخبرني عن قلبي أنا خلقته قال : لا ، قلت : فإني
أشهد على الّذي خلقه أنّه وضع في قلبي بغضهما ، فكيف لي بإخراج ذلك من قلبي ، فجلس
جالسا وقال : أنا والله الّذي لا إله إلاّ هو إني لأبغض بنيهما من بغضهما ، وذلك
أنّهم إذا سمعوا سبّ علي 7 فرحوا.
ورووا عن العباس
بن الوليد الأعذاري قال : سئل زيد بن علي عن أبي بكر وعمر فلم يجب فيهما ، فلمّا
أصابته الرمية نزع الرمح من وجهه [ و ] استقبل الدم بيده حتّى صار كأنه كبد ،
فقال : أين السائل عن أبي بكر وعمر! هما والله شركاء في هذا الدم ، ثمّ رمى به
وراء ظهره.
وعن نافع الثقفي ـ
وكان قد أدرك زيد بن علي ـ قال : سأله رجل عن أبي بكر وعمر ، فسكت فلم يجبه ، فلمّا رمي قال : أين
السائل عن أبي بكر وعمر! هما أوقفاني هذا الموقف.
[ نكير يحيى بن زيد الشهيد ]
ورووا عن يعقوب بن
عدي قال : سئل يحيى بن زيد عنهما ونحن بخراسان وقد التقى الصفّان فقال : هما
أقامانا هذا المقام ، والله لقد كانا لئيما جدّهما ، ولقد همّا بأمير المؤمنين أن
يقتلاه.
__________________
[ نكير عبد الله بن الحسن وابنه
موسى ]
ورووا عن قليب بن
حماد ، عن موسى بن عبد الله بن الحسن قال : كنت مع أبي بمكة ، فلقيت رجلا من أهل
الطائف مولى لثقيف نال من أبي بكر وعمر ، فأوصاه أبي بتقوى الله ، فقال الرجل : يا
أبا محمد أسألك بربّ هذه البنيّة وربّ هذا البيت هل صلّيا على فاطمة قال اللهم لا ، قال : فلمّا
مضى الرجل قال موسى : سببته وكفرته ، فقال : أي بنيّ لا تسبّه ولا تكفّره ، والله
لقد فعلا فعلا عظيما.
وفي رواية أخرى : أي
بنيّ لا تكفّره ، فو الله ما صلّيا على رسول الله 9 ، ولقد مكث ثلاثا
ما دفنوه ، إنّه شغلهم ما كانا يبرمان.
ورووا أنّه أتى
يزيد بن علي الثقفي إلى عبد الله بن الحسن وهو بمكة ، فقال : أنشدك الله أتعلم
أنّهم منعوا فاطمة 3 بنت رسول الله 9 ميراثها قال : نعم ، قال فأنشدك الله أتعلم أنّ فاطمة ماتت
وهي لا تكلّمهما ـ يعني : أبا بكر وعمر وأوصت أن لا يصلّيا عليها قال : نعم ، قال
: فأنشدك بالله أتعلم أنهم بايعوا قبل أن يدفن رسول الله 9 واغتنموا شغلهم
قال : نعم ، قال : وأسألك بالله أتعلم أنّ عليّا 7 لم يبايع لهما حتى أكره قال : نعم ، قال : فأشهدك أنّي
منهما بريء وأنا على رأي علي وفاطمة 8 ، قال موسى : فأقبلت
عليه ، فقال أبي : أيّ بنيّ والله لقد أتيا أمرا عظيما.
ورووا عن مخول بن
ابراهيم قال : أخبرني موسى بن عبد الله بن الحسن ، وذكرهما ، فقال : قل لهؤلاء نحن
نأتمّ بفاطمة 3 ، فقد جاء الحديث عنها أنّها ماتت
__________________
وهي غضبى عليهما ،
فنحن نغضب [ لغضبها ] ونرضى لرضاها ، فقد جاء غضبها ، فإذا جاء رضاها رضينا.
قال مخول : وسألت
موسى بن عبد الله عن أبي بكر وعمر فقال لي ما أكره ذكره ، قلت لمخول : قال
فيهما أشدّ من الظلم والفجور والغدر قال : نعم.
قال مخول : وسألته
عنهما مرّة فقال : أتحسبني بتريّا ، ثم قال فيهما قولا سيّئا.
وعن ابن مسعود قال
: سمعت موسى بن عبد الله يقول : هما أوّل من ظلمنا حقّنا وميراثنا من رسول الله 9 ، فغصبانا فغصب الناس.
[ نكير يحيى بن عبد الله بن
الحسن ]
ورووا عن يحيى بن
مساور قال : سألت يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبي بكر وعمر فقال لي : ابرأ
منهما.
[ نكير محمد بن عمر بن الحسن ]
ورووا عن عبد الله
بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب 7 قال : شهدت أبي : محمد بن عمر ، ومحمد بن عمر بن الحسن ـ وهو
: الّذي كان مع الحسين بكربلاء ، وكانت الشيعة تنزّله بمنزلة أبي جعفر 7 ، يعرفون حقّه وفضله ـ قال : فكلّمه في أبي بكر وعمر ، فقال
محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب 7 لأبي : أسكت ، فإنّك عاجز والله ، إنهما لشركاء في دم
الحسين 7.
وفي رواية أخرى
عنه أنّه قال : والله لقد أخرجهما رسول الله 9
__________________
من مسجده وهما يتطهّران
، وأدخلا وهما جيفة في بيته.
[ نكير عبد الله بن الحسن ]
ورووا عن أبي
حذيفة من أهل اليمن ـ وكان فاضلا زاهدا ـ قال : سمعت عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين
7 وهو يطوف بالبيت ، فقال : وربّ هذا البيت وربّ هذا الركن وربّ هذا الحجر ، ما قطرت منّا قطرة دم ولا قطرت من دماء المسلمين قطرة
إلاّ وهي في أعناقهما ، يعني : أبا بكر وعمر.
[ نكير محمد بن الحسن ]
ورووا عن إسحاق بن
أحمر قال : سألت محمد بن الحسن بن علي بن الحسين 7 ، قلت : أصلّي خلف
من يتوالى أبا بكر وعمر قال : لا ، ولا كرامة.
[ نكير محمد بن عمر بن الحسن ]
ورووا عن أبي
الجارود قال : سئل محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب 7 عن أبي بكر وعمر
فقال : قتلتم منذ ستين سنة في أن ذكرتم عثمان ، فو الله لو ذكرتم أبا بكر وعمر
لكانت دماؤكم أحلّ عندهم من دماء السنانير.
[ نكير الحسن بن علي بن الحسين ]
ورووا عن أرطاة بن
حبيب الأسدي قال : سمعت الحسن بن علي بن الحسين الشهيد 7 بفخّ يقول : هما
والله أقامانا هذا المقام وزعما أنّ رسول الله صلّى الله
__________________
عليه وآله لا
يورّث.
[ نكير الحسن بن محمد ]
ورووا عن إبراهيم
بن ميمون ، عن الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي 8 قال : ما رفعت
امرأة منّا طرفها إلى السماء فقطرت منها قطرة إلاّ كان في أعناقهما.
[ نكير الحسن بن إبراهيم والحسين
بن زيد وعدّة من أهل البيت ]
ورووا عن قليب بن
حماد قال : سألت الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن زيد بن الحسن ، والحسين بن زيد
بن علي 7 ، وعدّة من أهل البيت ، عن
رجل من أصحابنا لا يخالفنا في شيء إلاّ أنّه إذا انتهى إلى أبي بكر وعمر أوقفهما
وشكّ في أمرهما ، فكلّهم قالوا : من أوقفهما شكّا في أمرهما فهو ضالّ كافر.
[ نكير فاطمة بنت الحسين ]
ورووا عن محمد بن
الفرات قال : حدثتني فاطمة الحنفية ، عن فاطمة ابنة الحسين 7 : أنها كانت تبغض
أبا بكر وعمر وتسبّهما.
[ نكير عبد الله بن محمد بن
عقيل ]
ورووا عن عمر بن
ثابت قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال : إنّ أبا بكر وعمر
عدلا في الناس وظلمانا فلم يغضب الناس لنا ، وإنّ عثمان ظلمنا وظلم الناس فغضب
الناس لأنفسهم فمالوا إليه فقتلوه.
[ حديث مرض علي عليه السلام وما
قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر ]
ورووا عن القاسم
بن جندب ، عن أنس بن مالك قال : مرض علي 7 فثقل ، فجلست عند رأسه ، فدخل رسول الله 9 ومعه الناس ، فامتلأ
البيت ، فقمت من مجلسي فجلس فيه رسول الله 9 ، فغمز أبو بكر
عمر ، فقام فقال : يا رسول الله إنّك كنت عهدت إلينا في هذا عهدا ، وإنّا لا نراه
إلاّ لما به ، فان كان شيء فإلى من فسكت رسول الله 7 فلم يجب ، فغمزه الثانية
فكذلك ، ثم الثالثة ، فرفع رسول الله 9 رأسه ثم قال : إنّ هذا لا يموت من وجعه هذا ، ولا يموت
حتّى تملياه غيظا وتوسعاه غدرا وتجداه صابرا.
[ نكير حذيفة بن اليمان ]
ورووا عن يزيد بن
معاوية البكالي قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : ولي أبو بكر فطعن في الاسلام
طعنة أوهنه ، ثمّ ولي عمر فطعن في الاسلام طعنة حلّ وسطه ، ثمّ ولي عثمان بعده
فطعن في الاسلام طعنة مرق منه.
وفي رواية أخرى
عنه 2 قال : ولينا أبو بكر فطعن في الاسلام طعنة ، ثم ولينا عمر فحلّ الأزرار ، ثم
ولينا عثمان فخرج منه عريانا.
[ نكير الحكم بن عيينة ]
ورووا عن أبان بن
تغلب ، عن الحكم بن عيينة قال : كان إذا ذكر عمر أمضّه ، ثم قال : كان يدعو ابن عباس فيستفتيه مغايظة لعليّ 7.
__________________
[ نكير الأعمش ]
ورووا عن الأعمش
أنه كان يقول : قبض نبيّهم 9 فلم يكن بهم همّ إلاّ أن يقولوا : منّا أمير ومنكم أمير ، وما
أظنّهم يفلحون.
ورووا عن معمّر بن
زائدة الوشّاء قال : أشهد على الأعمش أنّي سمعته يقول : إذا كان يوم القيامة يجاء بأبي بكر وعمر
كالثورين العقيرين ، لهما في نار جهنم خوار.
ورووا عن سليمان
بن أبي الورد قال : قال الأعمش في مرضه الذي قبض فيه : هو بريء منهما وسمّاهما ، قلت
للمسعودي : سماهما! قال : نعم أبو بكر [ وعمر.
ورووا عن معمر بن
زائدة قال : كنّا عند حبيب بن أبي ثابت ، قال بعض القوم :
ابو بكر ] أفضل من علي 7 ، فغضب حبيب ثم قام قائما فقال : والله الّذي لا إله إلاّ
هو لفيهما نزلت : ( الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ) الآية .
[ نكير أبي الجارود ]
ورووا عن يحيى بن
أبي المساور ، عن أبي الجارود
قال : إن لله عزّ وجلّ مدينتين : مدينة بالمشرق ومدينة بالمغرب ، لا يفتران من لعن
أبي بكر وعمر.
[ نكير شريك ]
ورووا عن ابن عبد
الرحمن قال : سمعت شريكا يقول : ما لهم ولفاطمة 3 ، والله ما جهّزت
جيشا ولا جمعت جمعا ، والله لقد آذيا رسول الله 9 في قبره.
__________________
ورووا عن إبراهيم
بن يحيى الثوري قال : سمعت شريكا وسأله رجل : يا أبا عبد الله حبّ أبي بكر وعمر
سنّة فقال : يا معافا خذ بيده فأخرجه واعرف وجهه ولا تدخله عليّ ، يا أحمق لو كان
حبّهما سنّة لكان واجبا عليك أن تذكرهما في صلاتك كما تصلّي على محمد وآل محمد.
[ النكير
على عثمان وأمور متفرقة ]
وأمّا النكير على
عثمان فظاهر مشهور من أهل الأمصار وقطّان المدينة من الصحابة والتابعين ، يغني
بشهرة جملته عن تفصيله ، ونحن نذكر من ذلك طرفا يستدلّ به على ما لم
نذكره.
فمن ذلك :
نكير أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب عليه السلام
ما رواه الثقفي من
عدّة طرق ، عن قيس بن أبي حازم قال : أتيت عليا 7 أستشفع به إلى عثمان ، فقال : إلى حمّال الخطايا!
وروى الثقفي أنّ
العباس كلّم عليا 7 في عثمان ، فقال : لو أمرني عثمان أن أخرج من
داري لخرجت ، ولكن أبى أن يقيم كتاب الله.
وروى الثقفي عن
علي 7 قال : دعاني عثمان فقال : اغن عني نفسك ولك عير أوّلها بالمدينة وآخرها
بالعراق ، فقلت : بخ بخ قد أكثرت لو كان من مالك ، قال : فمن مال من هو قلت
: من مال قوم ضاربوا بأسيافهم ، قال لي : أوهناك تذهب ، ثم قام إليّ فضربني حتّى
حجزه عني الربو ، وأنا أقول له : أما
أنّي لو شئت لانتصفت.
وذكر الواقدي في
كتاب الدار قال : دخل سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعلي بن
أبي طالب 7 على عثمان ، فكلّموه في بعض ما رأوا منه ، فكثر الكلام بينهم ، وكان علي 7 من أعظمهم عليه ، فقام علي 7 مغضبا ، فأخذ الزبير بثوبه فقال : اجلس ، فأبى ، فقال
عثمان : دعه فو الله ما علمت
__________________
أنه لا يكل ، والله لقد علم أنّها لا تكون فيه ولا في واحد من ولده.
وروى الواقدي في
كتابه عن ابن عباس : أنّ أوّل ما تكلم الناس في عثمان ظاهرا أنه صلّى بمنى أوّل
ولايته ركعتين ، حتّى إذا كانت السنة السادسة أتمّها ، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب
النبي 9 ، وتكلّم في ذلك من يريد
أن يكثر عليه ، حتّى جاءه علي فيمن جاءه ، فقال : والله ما حدث أمر ولا قدم عهد ، ولقد
عهدت نبيّك 9 صلّى ركعتين ، ثم أبا بكر وعمر ، وأنت صدرا من ولايتك ، فما هذا قال عثمان : رأي
رأيته.
نكير أبي بن كعب
وذكر الثقفي في
تاريخه بإسناده قال : جاء [ رجل ] إلى أبي بن كعب فقال : يا أبا المنذر إنّ عثمان قد كتب
لرجل من آل أبي معيط بخمسين ألف درهم إلى بيت المال ، فقال أبي : لا يزال تأتوني
بشيء ما أدري ما هو فيه ، فبينا هو كذلك إذ مرّ به الصكّ ، فقام فدخل على عثمان
فقال : يا بن الهاوية يا بن النار الحامية أتكتب لبعض آل أبي معيط إلى بيت مال
المسلمين بصكّ بخمسين ألف درهم ، فغضب عثمان فقال : لو لا أنّي قد
نفيتك لفعلت بك كذا وكذا.
وذكر الثقفي في تاريخه
قال : فقام رجل إلى أبي بن كعب فقال : يا أبا المنذر ألا تخبرني عن عثمان ما قولك
فيه فأمسك عنه ، فقال له الرجل : جزاكم الله شرا يا أصحاب محمد ، شهدتم الوحي
وعاينتموه ثم نسألكم التفقّه في الدين فلا تعلّمونا! فقال أبي عند ذلك : هلك أصحاب
العقدة وربّ الكعبة ، أما والله ما عليهم آسى ، ولكن آسى على من
__________________
أهلكوا ، والله
لئن أبقاني الله إلى يوم الجمعة لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم ، قتلت أو
استحييت ، فمات ; يوم الخميس.
نكير أبي ذر
روى الثقفي في
تاريخه بإسناده عن ابن عباس قال : استأذن أبو ذر على عثمان ، فأبى أن يأذن له ، فقال
لي : استأذن لي عليه ، قال ابن عباس : فرجعت إلى عثمان فاستأذنت له عليه ، قال :
إنه يؤذيني [ قلت : ] عسى أن لا يفعل ، فأذن له من أجلي ، فلمّا دخل عليه قال له
: اتّق الله يا عثمان ، فجعل يقول : اتّق الله وعثمان يتوعّده ، قال أبو ذر : إنّه
قد حدثني نبيّ الله 9 : أنّه يجاء بك وبأصحابك يوم القيامة فتبطحون على وجوهكم
فتمرّ عليكم البهائم فتطؤكم ، كلّما مرّت أخراها ردّت أولها ، حتّى
يفصل بين الناس.
قال يحيى بن سلمة
: فحدثني العزرمي أنّ في هذا الحديث : ترفعون حتّى إذا كنتم مع الثريا ضرب
بكم على وجوهكم فتطأكم البهائم.
وذكر الثقفي في
تاريخه : أنّ أبا ذر لمّا رأى أنّ عثمان قد أمر بتحريق المصاحف ، فقال له : يا
عثمان لا تكن أول من حرق كتاب الله فيكون دمك أول دم يهراق.
وذكر في تاريخه ، عن
تغلبة بن حكيم قال : بينا أنا جالس عند عثمان وعنده أناس من أصحاب محمد 9 من أهل بدر
وغيرهم ، فجاء أبو ذر يتوكّأ على عصاه ، فقال : السلام عليكم ، فقال : اتق الله يا
عثمان إنّك تصنع كذا وكذا وتصنع
__________________
كذا وكذا ، وذكر
مساويه ، فسكت عثمان ، حتّى إذا انصرف قال : من يعذرني من هذا الّذي لا يدع مساءة
إلاّ ذكرها ، فسكت القوم فلم يجيبوه ، فأرسل إلى علي 7 ، فجاء فقام في
مقام أبي ذر ، فقال : يا أبا
الحسن ما ترى أبا ذر لا يدع لي مساءة إلاّ ذكرها ، فقال : يا عثمان إنّي أنهاك عن
أبي ذر ، يا عثمان أنهاك عن أبي ذر ، ثلاث مرات ، أتركه كما قال الله تعالى لمؤمن
آل فرعون : ( إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ
يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ
هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) ، قال له عثمان : بفيك
التراب ، قال له علي 7 ، [ بل ] بفيك التراب ، ثم
انصرف.
وروى الثقفي في
تاريخه : أنّ أبا ذر دخل على عثمان وعنده جماعة فقال : أشهد أني سمعت رسول الله 9 يقول : ليجاء بي
يوم القيامة وبك وبأصحابك حتّى نكون بمنزلة الجوزاء من السماء ، ثم يرمى
بنا إلى الأرض فتوطئ علينا البهائم حتّى يفرغ من محاسبة العباد ، فقال عثمان : يا
أبا هريرة هل سمعت هذا من النبي 9 فقال : لا ، قال أبو ذر : أنشدك الله سمعت النبي 9 يقول : ما أقلّت
الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال : أمّا هذا فقد سمعته ،
فرجع أبو ذر وهو يقول : والله ما كذبت.
وذكر الثقفي في
تاريخه عن عبد الله بن سيان السلمي أنه قال : قلت لأبي ذر : ما لكم ولعثمان ما تنقمون عليه ، فقال
: [ بلى ] والله لو أمرني أن أخرج من داري لخرجت ولو حبوا ، ولكنّه
أبى أن يقيم كتاب الله.
وذكر الثقفي في
تاريخه : أنّ أبا ذر ألقي بين يدي عثمان ، فقال : يا كذّاب ، فقال
__________________
عليّ 7 : ما هو بكذّاب ،
قال : بلى والله إنه لكذّاب ، قال علي 7 : ما هو بكذّاب ، قال عثمان : التراب في فيك يا علي ، قال
علي 7 : بل التراب في فيك يا عثمان ، قال علي 7 : سمعت رسول الله 9 يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق
من أبي ذر ، قال : أما والله على ذلك لأسيّرنّه ، قال أبو ذر : أما والله لقد
حدّثني خليلي عليه الصلاة والسلام : أنكم تخرجوني من جزيرة العرب.
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : كان أبو ذر جالسا عند عثمان وكنت عنده جالسا
، إذ قال عثمان : أرأيتم من أدّى زكاة ماله هل في ماله حق غيره قال كعب : لا ، فدفع
أبو ذر بعصاه في صدر كعب ثم قال : يا ابن اليهوديّين أنت تفسّر كتاب
الله برأيك ، ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) ، إلى قوله : ( وَآتَى الْمالَ عَلى
حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ ) ، قال : ألا ترى أنّ على المصلّي بعد إيتاء الزكاة حقّا في
ماله ، ثم قال عثمان : أترون بأسا أن نأخذ من بيت مال المسلمين مالا فنفرّقه فيما
ينوبنا من أمرنا ثم نقضيه ثم قال أناس منهم : ليس بذلك بأس ، وأبو ذر ساكت ، فقال
عثمان : يا كعب ما تقول فقال كعب : لا بأس بذلك ، فرفع أبو ذر عصاه فوجى بها في
صدره ثم قال : أنت يا ابن اليهوديّين تعلّمنا ديننا! فقال عثمان : ما اكثر أذاك لي وأولعك
بأصحابي ، الحق بمكينك وغيّب عنّي وجهك.
وذكر الثقفي ، عن
الحسين بن عيسى بن زيد ، عن أبيه : أنّ أبا ذر أظهر عيب عثمان وفراقه للدين ، وأغلظ
له حتّى شتمه على رءوس الناس وبرأ منه ، فسيّره عثمان إلى الشام.
__________________
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن عبد الرحمن بن ... أنّ أبا ذر زار أبا الدرداء بحمص ، فمكث عنده ليالي ، فأمر
بحماره فأوكف ، فقال أبو الدرداء : لا أراني إلاّ مشيّعك ، وأمر بحماره فأسرج ، فسارا
جميعا على حماريهما ، فلقيا رجلا شهد الجمعة عند معاوية بالجابية ، فعرفهما الرجل
ولم يعرفاه ، فأخبرهما خبر الناس ، ثم أنّ الرجل قال : وخبر آخر كرهت أن أخبركم به
الآن وأراكم تكرهانه ، قال أبو الدرداء : لعلّ أبا ذر قد نفي قال : نعم والله ، فاسترجع
أبو الدرداء وصاحبه قريبا من عشر مرات ، ثم قال أبو الدرداء : (
فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ) كما قيل لأصحاب الناقة ، اللهم إن كانوا كذّبوا أبا ذر
فإنّي لا أكذّبه ، وإن اتهموه فإني لا أتهمه ، وإن استغشّوه فإني لا أستغشّه ، إنّ
رسول الله 9 كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحدا ، ويسرّ إليه حتّى لا يسرّ إلى أحد ، أما
والّذي نفس أبي الدرداء بيده لو أنّ أبا ذر قطع يميني ما أبغضته بعد ما سمعت رسول
الله 9 يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وذكر الثقفي في
تاريخه بإسناده قال : قام معاوية خطيبا بالشام فقال : أيّها الناس إنّما أنا خازن ،
فمن أعطيته فالله يعطيه ، ومن حرمته فالله يحرمه ، فقام إليه أبو ذر فقال : كذبت
والله يا معاوية ، إنّك لتعطي من حرم الله وتمنع من أعطى الله.
وذكر الثقفي عن
ابراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : قلت لمعاوية : أمّا أنا فأشهد أني
سمعت رسول الله 9 يقول : إنّ أحدنا فرعون هذه الأمّة ، فقال معاوية : أمّا
أنا فلا.
وعنه ، عن عبد
الملك ابن أخي أبي ذر قال : كتب معاوية إلى عثمان : انّ أبا ذر قد حرّف قلوب أهل
الشام وبغّضك إليهم ، فما يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلاّ هو ، فكتب عثمان إلى
معاوية : أن احمل أبا ذر على ناب صعبة وقتب ، ثم ابعث معه من يخشن به
__________________
خشنا عنيفا ، حتّى يقدم به عليّ ، قال : فحمله معاوية على ناقه صعبة ، عليها
قتب ، ما على القتب إلاّ مسح ، ثم بعث معه من يسيّره سيرا عنيفا ، وخرجت معه ، فما
لبث الشيخ إلاّ قليلا حتّى سقط ما يلي القتب من لحم فخذيه وقرح ، فكنت إذا كان
الليل أخذت ملائي فالقيتهما تحته ، فإذا كان السحر نزعتهما ، مخافة أن يروني
فيمنعوني من ذلك ، حتّى قدمنا المدينة ، وبلّغنا عثمان ما لقي أبو ذر من الوجع
والجهد ، فحجبه جمعة وجمعة ، حتّى مضت عشرون ليلة أو نحوها ، وأفاق أبو ذر ، ثم
أرسل إليه وهو معتمد على يدي ، فدخلنا عليه وهو متّكئ ، فاستوى قاعدا ، فلمّا دنا
أبو ذر منه قال عثمان شعر :
لا أنعم الله
بعمرو عينا
|
|
تحيّة السخط إذا
التقينا
|
فقال له أبو ذر : لم
، فو الله ما سمّاني الله
عمروا ، ولا سمّاني أبواي عمروا ، وإنّي على العهد الّذي فارقت عليه رسول الله 9 ، ما غيّرت ولا بدّلت ، فقال له عثمان : كذبت ، لقد كذبت
على نبيّنا وطعنت في ديننا وفارقت رأينا وضغنت قلوب المسلمين علينا ، ثم قال لبعض
غلمانه : ادع لي قريشا ، فانطلق رسوله ، فما لبثنا أن امتلأ البيت من رجال قريش ، فقال
لهم عثمان : إنّا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الكذّاب الّذي كذّب على نبيّنا وطعن
في ديننا وضغن قلوب المسلمين علينا ، وإنّي قد رأيت أن أقتله أو أصلبه أو أنفيه من
الأرض ، فقال بعضهم : رأينا لرأيك تبع ، وقال بعضهم : لا تفعل فانّه صاحب رسول
الله 9 وله حقّ ، فما منهم أحد أدّى الّذي عليه ، فبينا هم كذلك إذ جاء علي بن أبي
طالب 7 يتوكّأ على عصا سرا ، فسلّم ، عليه
ونظر ولم يجد مقعدا ، فاعتمد على عصاه ، فما أدري أتخلّف عمدا أم يظن به غير
ذلك ، ثم قال علي 7 : فيما أرسلتم إلينا قال عثمان : أرسلنا إليكم في أمر قد
فرق لنا فيه الرأي. فاجمع رأينا ورأي المسلمين فيه على أمر ، قال علي 7 : ولله الحمد ، أما
إنّكم لو
__________________
استشرتمونا لم
نألكم نصيحة ، فقال عثمان : إنّا
أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الّذي قد كذب علينا وطعن في ديننا وخالف رأينا وضغن
قلوب المسلمين علينا ، وقد رأينا أن نقتله أو نصلبه أو ننفيه من الأرض ، قال علي 7 : أفلا أدلّكم
على خير من ذلكم وأقرب رشدا : تتركونه بمنزلة مؤمن آل فرعون ( إِنْ يَكُ
كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي
يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) ، قال له عثمان : بفيك التراب ، فقال علي 7 : بل بفيك التراب
، وسيكون به ، فأمر بالناس فأخرجوا.
وعنه في تاريخه ، باسناده
عن عبد الرحمن بن معمّر ، عن أبيه قال : لمّا قدم بأبي ذر من الشام إلى عثمان ، كان
ممّا أبنه به أن قال : أيّها الناس إنّه يقول : إنه خير من أبي بكر
وعمر ، قال أبو ذر : أجل أنا أقول ، والله لقد رأيتني رابع أربعة مع رسول الله 9 ما أسلم غيرنا ، وما
أسلم أبو بكر و [ لا ] عمر ، ولقد وليا وما وليت ، ولقد ماتا وإنّي لحيّ ، فقال
علي 7 : والله لقد رأيته وإنه لرابع الاسلام ، فردّ عثمان ذلك على علي 7 ، وكان بينهما كلام ، فقال عثمان : والله لقد هممت به ، قال
علي 7 : وأنا والله لأهمّ بك ، فقام عثمان ودخل
بيته وتفرّق الناس.
وعنه في تاريخه ، عن
الأحنف بن قيس قال : بينما نحن جلوس مع أبي هريرة إذ جاء أبو ذر فقال : يا أبا
هريرة هل افتقر الله منذ استغنى فقال أبو هريرة : سبحان الله ، بل الله الغنيّ
الحميد ، لا يفتقر أبدا ونحن الفقراء إليه ، قال أبو ذر : فما بال هذا المال يجمع
بعضه إلى بعض ، فقال : مال الله قد منعوه أهله من اليتامى والمساكين ، ثم انطلق ، فقلت
لأبي هريرة : ما لكم لا تأبون مثل هذا ، قال : إنّ هذا رجل قد وطّن نفسه على أن
يذبح في
__________________
الله ، أما أنّي
أشهد أني سمعت رسول الله 9 يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة ، أصدق
من أبي ذر ، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم برّا وزهدا ونسكا
فعليكم به.
وعنه في تاريخه ، عن
المغرور بن سويد قال : كان عثمان يخطب ، فأخذ أبو ذر بحلقة الباب
فقال : أنا أبو ذر من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب ، سمعت رسول الله 9 يقول : إنّما مثل
أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه ، من تخلّف عنها هلك ، ومن ركبها نجا ، قال له
عثمان : كذبت ، فقال له علي 7 : إنّما كان عليك أن تقول كما قال العبد الصالح : ( إِنْ يَكُ
كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي
يَعِدُكُمْ ) ، فما أتمّ حتّى
قال عثمان : بفيك التراب ، فقال علي 7 : بل بفيك التراب.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن سعيد بن عطاء ، عن أبي مروان الأسمر ، عن أبيه ، عن جدّه قال : لمّا صدّ الناس عن الحجّ في سنة
ثلاثين أظهر أبو ذر بالشام عيب عثمان ، فجعل كلّما دخل المسجد أو خرج شتم عثمان ، وذكر
منه خصال كلّها قبيحة ، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى عثمان كتابا يذكر له ما يصنع
أبو ذر ، وذكر [ الواقدي ] ما تضمّنه الكتاب ، حذفناه اختصارا ، فكتب إليه عثمان : أمّا
بعد ، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت من أبي ذر جندب ، فابعث إليّ به ، واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها ، وابعث
معه دليلا يسير به الليل والنهار حتّى لا ينزل عن مركبه ، فيغلبه النوم فينسيه
ذكري وذكرك ، قال : فلما ورد الكتاب على معاوية حمله على شارف ليس عليه إلاّ قتب ،
وبعث معه دليلا ، وأمر أن يفذّ به السير ، حتّى قدم به المدينة وقد سقط لحم
__________________
فخذيه ، قال : فلقد
أتانا آت ونحن في المسجد ضحوة مع علي بن أبي طالب 7 ، فقيل : أبو ذر
قد قدم المدينة ، فخرجت أغدو ، فكنت أوّل من
سبق إليه ، فإذا شيخ نحيف آدم طوال أبيض الرأس واللحية يمشى مشيا متقاربا ، فدنوت إليه
فقلت : يا عمّ ما لي أراك لا تخطو إلاّ خطوا قريبا! قال : عمل ابن عفّان : حملني
على مركب وعر ، وأمر بي أن أتعب ، ثم قدم بي عليه ليرى فيّ رأيه ، قال : فدخل به
على عثمان ، فقال له عثمان : لا أنعم الله لك عينا يا جنيدب ، قال أبو ذر : أنا
جندب وسمّاني رسول الله 9 عبد الله ، فاخترت اسم رسول الله 9 الّذي سمّاني به
على الاسم الذي سمّاني به أبي ، فقال [ له ] عثمان : أنت
الّذي تزعم انّا نقول : إنّ يد ( اللهِ مَغْلُولَةٌ ) و ( إِنَّ
اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ ) فقال أبو ذر : لو كنتم لا تزعمون ذلك لأنفقتم مال الله على
عباد الله ، ولكنّي أشهد
لسمعت رسول الله 9 يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا ، جعلوا مال
الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دخلا ، ثم يريح الله العباد منهم ، فقال
عثمان لمن حضره : أسمعتم هذا من نبيّ الله 7 فقالوا : ما سمعناه ، فقال عثمان : ويلك يا أبا ذر أتكذب
على رسول الله 9! فقال أبو ذر لمن حضره : وأما تظنّون أنّي صدقت
قالوا : لا والله ما ندري ، فقال عثمان : أدعوا لي عليّا ـ 7 ـ [ فدعي ] ، فلمّا
[ جاء ] قال عثمان لأبي ذر : اقصص عليه
__________________
حديثك في بني أبي
العاص ، فحدّثه ، فقال عثمان
لعلي 7 : هل سمعت هذا من رسول الله 9 فقال علي 7 : لا ، وقد صدق أبو ذر ، فقال عثمان : بم عرفت صدقه فقال عليّ 7 : إني سمعت رسول الله 9 يقول : ما أظلّت
الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، فقال من حضر من أصحاب
النبي 9 : صدق أبو ذر ، فقال أبو ذر : أحدثكم أنّي سمعت هذا من رسول الله
9 ثم تتهموني! ما كنت أظنّ أني أعيش حتّى أسمع هذا من أصحاب محمّد 9.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن صهبان مولى الأسلميّين قال : رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان عليه
عباءة مدّرعا قد درع بها على شارف ، حتّى أنيخ به على باب عثمان ، فقال
: أنت الّذي فعلت وفعلت فقال : أنا الّذي نصحتك فاستغششتني ، ونصحت صاحبك فاستغشني
، فقال عثمان : كذبت والله ، ولكنّك تريد الفتنة وتحبّها ، قد أنغلت الشام علينا ، فقال
له أبو ذر : اتبع سنّة صاحبيك لا يكون لأحد عليك كلام ، فقال له عثمان : ما لك
ولذاك لا أمّ لك فقال أبو ذر : والله ما وجدت لي عذرا إلاّ الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، فغضب عثمان وقال : أشيروا علي في هذا الشيخ الكذّاب :
إمّا أن أضربه وأحبسه ، أو أقتله ـ فانّه
قد فرّق جماعة المسلمين ـ أو أنفيه
__________________
من أرض الاسلام ، فتكلّم
علي 7 ـ وكان حاضرا ـ فقال : أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون : ف ( إِنْ يَكُ
كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي
يَعِدُكُمْ ) الآية ، فقال عثمان : بفيك
التراب ، فقال علي بن أبي طالب 7 : بل بفيك التراب ، ويحك يا عثمان تصنع هذا بأبي ذر صاحب
رسول الله 9 أن كتب إليك فيه معاوية ، وهو من عرفت زهقه وظلمه ، وتفرّقوا ، فجعل أبو ذر
لا يخرج من بيته ، وجعل أصحاب النبي 9 يأتونه ، وكان عمّار بن ياسر رضي الله عنهما ألزمهم له ، فمكث
أياما ، ثم أرسل عثمان إلى أبي ذر فأتي به قد أسرع به ، فلمّا وقف بين يديه قال : ويحك
يا عثمان أما رأيت رسول الله 9 ورأيت أبا بكر ورأيت عمر ، هل رأيت هذا هدرهم ، إنّك لتبطش
بي بطش جبّار ، فقال : اخرج عنّا من بلادنا ، فقال أبو ذر : ما أبغض إليّ جوارك ،
فإلى أين أخرج قال : حيث شئت ، قال : أفأخرج إلى الشام أرض الجهاد قال : إنّما جلبتك من
الشام لما قد أفسدتها ، أفأردّك إليها! قال : أفأخرج إلى العراق قال :
لا ، قال : ولم قال : تقدم على قوم هم أهل شبه وطعن على الأئمة ، قال : أفأخرج إلى
مصر قال : لا ، قال : أين أخرج قال : إلى حيث شئت ، قال أبو ذر : هو إذا التعرّب بعد الهجرة ، أخرج إلى
نجد ، فقال عثمان : الشرف الشرف الأبعد أقصى فأقصى ، قال أبو ذر : قد أبيت ذلك علي ، قال : امض على وجهك هذا
ولا تعدونّ الربذة ، فخرج أبو ذر إلى الربذة ، فلم يزل بها حتّى
__________________
توفي.
نكير عمّار بن ياسر
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن سالم بن أبي الجعد قال : خطب عثمان الناس ثم قال فيها : والله لأوثرنّ
بني أمية ، ولو كان بيدي مفاتيح الجنّة لأدخلتهم إيّاها ، ولكنّي
سأعطيهم من هذا المال على رغم أنف من زعم ، فقال عمار بن
ياسر : أنفي والله ترغم من ذلك ، قال عثمان : فأرغم الله أنفك ، فقال عمّار : وأنف
أبي بكر وعمر ترغم ، قال : وإنّك لهناك يا بن سميّة! ثم نزل إليه فوطأه ، فاستخرج
من تحته ـ وقد غشي عليه وفتقه.
وذكر الثقفي ، عن
شقيق قال : كنت مع عمّار فقال : ثلاث يشهدون على عثمان وأنا الرابع ، وأنا أسوأ
الأربعة ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ
فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) ... ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ، ... ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ، وأنا أشهد لقد حكم بغير ما أنزل الله.
وعنه في تاريخه
قال : قال رجل لعمّار يوم صفّين : [ على ] ما تقاتلهم يا أبا اليقظان قال : على أنّهم زعموا أنّ
عثمان مؤمن ، ونحن نزعم أنه كافر.
وعنه في تاريخه ، عن
مطرّف بن عبد الله بن الشخير الحرشي قال : انتهيت إلى عمّار في مسجد البصرة وعليه
برنس والناس قد أطافوا به وهو يحدّثهم عن أحداث عثمان
__________________
وقتله ، فقال رجل
من القوم وهو يذكر عثمان : رحم الله عثمان ، فأخذ عمّار كفّا من حصا المسجد فضرب
به وجهه ، ثم قال : استغفر الله يا كافر ، استغفر الله يا عدوّ الله ، وأوعد
بالرجل ، فلم يزل القوم
يسكّنون عمارا عن الرجل حتّى قام وانطلق ، وقعدت في القوم حتّى فرغ عمّار من حديثه
وسكن غضبه ، ثم إنّي قمت معه فقلت له : يا أبا اليقظان رحمك الله أمؤمنا قتلتم
عثمان بن عفان أم كافرا فقال : لا بل قتلناه كافرا ، بل قتلناه كافرا ، بل قتلناه
كافرا.
وعنه ، عن حكيم بن
خبير قال : قال عمّار : والله ما أجدني أسى على شيء تركته خلفي ، غير أنّي وددت
أنّا كنّا أخرجنا عثمان من قبره فأضرمنا عليه نارا.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن سعد بن أبي وقّاص قال : أتيت عمّار بن ياسر وعثمان محصور ، فلمّا
انتهيت إليه قام معي فكلّمته ، فلمّا ابتدأت الكلام جلس ، ثم استلقى ووضع يده على
وجهه ، فقلت : ويحك يا أبا اليقظان إنّك كنت فينا لمن أهل الخير والسابقة ، وممّن
عذّب في الله ، فما الّذي تبغي من سعيك في فساد المؤمنين ، وما صنعت في أمير
المؤمنين ، فأهوى إلى عمامته فنزعها عن رأسه ، ثم قال : خلعت عثمان كما خلعت
عمامتي هذه ، يا أبا إسحاق إنّي أريد أن تكون خلافة كما كانت على عهد النبي 9 ، فأمّا أن يعطي مروان خمس إفريقية ، ومعاوية على الشام ، والوليد
بن عقبة شارب الخمر على الكوفة ، وابن عامر على البصرة ، والكافر بما أنزل على
محمّد 9 مصر ، فلا والله لا كان هذا أبدا حتّى يبعج في خاصرته بالحقّ.
نكير عبد الله بن مسعود
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن الأعمش ، عن شقيق قال : قلنا لعبد الله : فيم طعنتم
__________________
على عثمان قال : أهلكه
الشحّ ، وبطانة السوء.
وعنه ، عن قيس بن
أبي حازم وشقيق بن سلمة قال : قال عبد الله بن مسعود : لوددت أنّي وعثمان برمل
عالج ، فنتحاث التراب حتّى يموت الأعجز .
وعنه ، عن جماعة من أصحاب
عبد الله ، منهم علقمة بن قيس ومسروق بن الأجدع وعبيدة السلماني وشقيق بن سلمة
وغيرهم ، عن عبد الله قال : لا يعدل عثمان عند الله جناح بعوضة.
وفي أخرى : جناح
ذباب.
وعنه ، عن عبيدة
السلماني قال : سمعت عبد الله يلعن عثمان ، فقلت له في ذلك ، فقال : سمعت رسول الله 9 يشهد له بالنار.
وعنه ، عن خيثمة
بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينا نحن في بيت ونحن اثنا عشر رجلا ـ
نتذاكر أمر الدجّال وفتنته ، إذ دخل رسول الله 9 فقال : ما تتذاكرون من أمر الدجال ، والّذي نفسي بيده إنّ
في البيت لمن هو أشدّ على أمّتي من الدّجال ، وقد مضى من كان في البيت يومئذ غيري
وغير عثمان ، والّذي نفسي بيده لوددت أنّي وعثمان برمل عالج يتحاثا التراب حتّى
يموت الأعجل .
وعنه ، عن علقمة
قال : دخلت على عبد الله بن مسعود فقال : صلّى هؤلاء جمعتهم قلت : لا ، قال : إنّما
هؤلاء حمر ، إنّما يصلّي مع هؤلاء المضطرّ ومن لا صلاة له ، فقام بيننا فصلّى بغير
أذان ولا إقامة.
وعنه ، [ عن ] أبي
البختري قال : دخلوا على عبد الله ـ حيث كتب عبد الرحمن يسيّره ـ وعنده أصحابه ، فجاء
رسول الوليد فقال : إنّ الأمير أرسل إليك : إن أمير المؤمنين يقول : إمّا أن تدع
هؤلاء الكلمات ، وإما أن تخرج من أرضك ، قال : ربّ
__________________
كلمات [ لا ] أختار مصري
عليهنّ ، [ قيل : ] ما هن قال : أفضل الكلام كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي
محمّد 9 ، وشرّ الأمور محدثتها ، وكلّ
محدّثة ضلالة ، فقال ابن مسعود : ليخرجنّ منها ابن أم عبد ، ولا أتركهنّ أبدا وقد
سمعت رسول الله 9 يقولهنّ.
وقد ذكر ذلك أجمع
وزيادة عليه الواقدي في كتاب الدار ، تركناه إيجازا .
نكير حذيفة بن اليمان
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن قيس بن أبي حازم قال : جاءت بنو عبس إلى حذيفة يستشفعون به على عثمان ،
فقال حذيفة : لقد أتيتموني من عند رجل وددت أن كلّ سهم في كنانتي في بطنه.
وعنه ، عن حارث بن
سويد قال : كنّا عند حذيفة فذكرنا عثمان ، فقال : عثمان! والله ما يعدو أن يكون فاجرا
في دينه ، أو أحمق في معيشته.
وعنه ، عن حكيم بن
جبير ، عن يزيد مولى حذيفة ، عن أبي شريحة الأنصاري أنه سمع حذيفة يحدّث قال : طلبت
رسول الله 9 في منزله فلم أجده ، وطلبته فوجدته في حائط نائما رأسه تحت نخلة ، فانتظرته
طويلا فلم يستيقظ ، فكسرت جريدة فاستيقظ ، فقال ما شاء الله أن يقول ، ثم جاء أبو
بكر فقال : ائذن لي ، ثم جاء عمر ، فأمرني
أن آذن له ، ثم جاء علي 7 فأمرني أن آذن له وأبشّره بالجنّة ، [ ثمّ قال : يجيئكم
الخامس لا يستأذن ولا يسلّم وهو من أهل النار ، فجاء عثمان حتّى وثب
__________________
من جانب الحائط ، ]
ثم قال : يا رسول الله بنو فلان يقاتل بعضهم بعضا.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن أبي وائل قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : لقد دخل عثمان قبره بفجره
.
وعنه ، عن عبد
الله بن السائب قال : لمّا قتل عثمان أتي حذيفة وهو بالمدائن ، فقيل : يا أبا عبد
الله لقيت رجلا آنفا على الجسر فحدّثني أنّ عثمان قتل ، قال : هل تعرف الرجل قلت
أظنّني أعرفه وما أثبته ، قال حذيفة : إنّ ذلك عثيم الجنّي ، وهو الّذي يسير
بالأخبار ، فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم ، فقيل لحذيفة : ما تقول في
قتل عثمان [ فقال : ] هل هو إلاّ كافر قتل كافر [ ا ] أو مسلم قتل كافرا ، فقالوا
: ما جعلت له مخرجا ، قال : الله لم يجعل له مخرجا.
وعنه ، عن حصين بن
عبد الرحمن قال : قلت لأبي وايل : حدّثنا فقد أدركت ما لم ندرك ، فقال : اتهموا القوم على
دينكم ، فو الله ما ماتوا حتّى خلطوا ، لقد قال حذيفة في عثمان : إنه دخل حفرته
وهو فاجر.
نكير المقداد
وذكر الثقفي في تاريخه
، عن همّام بن الحارث قال : دخلت مسجد المدينة فاذا الناس مجتمعون على عثمان ، وإذا
رجل يمدحه ، فوثب المقداد بن الأسود أخذ كفّا من حصا أو تراب ، فأخذ يرميه به ، فرأيت عثمان
يتّقيه بيده.
__________________
وذكر في تاريخه ، عن
سعيد بن المسيّب قال : لم يكن المقداد بن الأسود يصلّي خلف عثمان ، ولا
يسمّيه أمير المؤمنين.
[ وذكر عن سعيد
أيضا قال : لم يكن عمار ولا المقداد بن الأسود يصلّيان خلف عثمان ولا يسمّيانه
أمير المؤمنين ] .
نكير عبد الرحمن بن حنبل القرشي
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن الحسين بن عيسى بن زيد ، عن أبيه قال : كان عبد الرحمن بن حنبل القرشي
ـ وهو : من أهل بدر ـ من أشدّ الناس على عثمان ، وكان يذكره في الشعر ، ويذكر جوره
ويطعن عليه ، ويبرأ منه ويصف صنائعه ، فلمّا بلغ ذلك عثمان عنه ضربة مائة سوط
وحمله على بعير وطاف به في المدينة ، ثمّ حبسه موبقا في الحديد.
نكير طلحة بن عبيد
الله
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن مالك بن النصر الأرجني : أن طلحة قام إلى عثمان فقال له : إنّ الناس
قد جمعوا لك وكرهوك للبدع الّتي أحدثت ، ولم يكونوا يرونها ولا
يعهدونها ، فإن تستقم فهو خير لك ، وإن أبيت لم يكن أحد أضرّ بذلك منك في دنيا ولا
آخرة.
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن سعيد بن المسيّب قال : انطلقت بأبي أقوده إلى
__________________
المسجد ، فلمّا
دخلنا سمعنا لغط الناس وأصواتهم ، فقال أبي : يا بني ما هذا فقلت : الناس محدقون
بدار عثمان ، فقال : من ترى من قريش قلت : طلحة ، قال : اذهب بي إليه فأدنني منه ،
فلمّا دنا منه قال : يا أبا محمد ألا تنهى الناس عن قتل هذا الرجل ، قال
يا أبا سعيد إنّ لك دارا فاذهب فاجلس في دارك ، فان نعثلا لم يكن يخاف هذا اليوم.
وذكر ، في تاريخه ،
عن الحسين بن عيسى ، عن أبيه : أنّ طلحة بن عبيد الله كان يومئذ في جماعة الناس
عليه السلاح عند باب القصر يأمرهم بالدخول عليه.
وذكر عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى قال : انتهيت إلى المدينة أيام حصر عثمان في الدار ، فإذا طلحة
بن عبيد الله في مثل الخزّة السوداء من الرجال والسلاح مطيف بدار عثمان حتّى قتل.
وذكر عنه قال : رأيت
طلحة يرامي الدار ، وهو في خزّة سوداء عليه الدرع قد كفر عليه بقباء ، فهم يرامونه ويخرجونه
إلى الدار ، ثم يخرج فيراميهم ، حتّى دخل عليه من دار من قبل دار ابن حزم فقتل.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن عبد الله بن مالك ، عن أبيه قال : لمّا أشخص الناس لعثمان لم يكن أحد
أشدّ عليه من طلحة بن عبيد الله ، قال مالك : اشترى منّي ثلاثة أدراع
وخمسة أسياف ، فرأيت تلك الدروع على أصحابه الّذين كانوا يلزمونه قبل مقتل
عثمان بيوم أو يومين.
وذكر الواقدي في
تاريخه قال : ما كان أحد من أصحاب محمّد 9
__________________
أشدّ على عثمان من
عبد الرحمن بن عوف حتّى مات ، ومن سعد بن أبي وقاص حتّى مات عثمان وأعطى الناس
الرضى ، ومن طلحة ، وكان أشدّهم ، فإنّه لم يزل كهف المصريين وغيرهم ، يأتونه
بالليل يتحدثونه عنده إلى أن جاهدوا ، فكان ولي الحرب والقتال ، وعمل المفاتيح على
بيت المال ، وتولّى الصلاة بالناس ، ومنعه ومن معه من الماء ، وردّ شفاعة علي 7 في حمل الماء
إليهم ، وقال له : لا والله ولا نعمة عين ، ولا ببركة يأكل ، ولا يشرب ، حتّى يعطي بني أميّة الحقّ من أنفسها.
وروى قوله لمالك
بن أوس وقد شفع إليه في ترك التأليب على عثمان : يا مالك إني نصحت عثمان فلم يقبل
نصيحتي ، وأحدث أحداثا ، وفعل أمورا لم نجد بدّا من أن يغيّرها ، والله لو وجدت من ذلك [ بدّا ] ما تكلّمت ولا
البت.
نكير الزبير بن العوام
وذكر الواقدي في
تاريخه قال : عتب عثمان على الزبير ، فقال : ما فعلت ولكنّك صنعت بنفسك أمرا قبيحا
، تكلّمت على منبر رسول الله 9 بأمر أعطيت الناس فيه الرضا ، ثم لقيك مروان وصنعت ما لا
يشبهك ، حضر الناس يريدون منك ما أعطيتهم ، فخرج مروان فآذى وشتم ، فقال له عثمان
: فإنّي استغفر الله.
وذكر في تاريخه : أن
عثمان أرسل سعيد بن العاص إلى الزبير فوجده بأحجار الزيت في جماعة ، فقال له : إنّ
عثمان ومن معه قد مات عطشا ، فقال له الزبير : ( حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي
شَكٍّ مُرِيبٍ ) .
__________________
نكير عبد الرحمن بن عوف
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن الحسين بن عيسى بن زيد ، عن أبيه قال : كثر الكلام بين عبد الرحمن بن
عوف وبين عثمان حتّى قال عبد الرحمن : أما والله لئن بقيت لك لأخرجنّك من هذا
الأمر كما أدخلتك فيه ، وما غررتني إلاّ بالله.
وذكر الثقفي ، عن
الحكم قال : كان بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان كلام ، فقال له عبد الرحمن : والله
ما شهدت بدرا ، ولا بايعت تحت الشجرة ، وفررت يوم حنين ، فقال له عثمان : وأنت
والله دعوتني إلى اليهوديّة.
وعنه ، عن طارق بن
شهاب قال : رأيت ابن عوف يقول : يا أيّها الناس إنّ عثمان أبى أن يقيم فيكم كتاب
الله ، فقيل له : أنت أوّل من بايعه وأوّل من عقد له ، قال : إنه نقض ، وليس لناقض
عهد.
وعنه ، عن أبى
إسحاق قال : ضجّ الناس يوما حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان ، فنادوا بعبد الرحمن
بن عوف ، فحوّل وجهه إليهم واستدبر القبلة ، ثم خلع قميصه من جنبه فقال : [ يا معشر
أصحاب محمد ] ، يا معشر
المسلمين ، أشهد الله وأشهدكم أنّي قد خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا ،
فأجابه مجيب من الصفّ الأول : ( آلْآنَ وَقَدْ
عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ، فنظروا من الرجل ، فإذا هو علي بن أبي طالب 7.
وعنه قال : أوصى
عبد الرحمن أن يدفن سرّا ، لئلاّ يصلّي عليه عثمان.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن عثمان بن السريد قال : دخلت على عبد الرحمن بن عوف في شكواه الّذي مات
فيه أعوده ، فذكر عنده عثمان ، فقال : عاجلوا طاغيتكم هذا قبل أن يتمادى في ملكه ،
قالوا : فأنت وليته ، قال : لا عهد لناقض.
__________________
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن بلال بن الحارث قال : كنت مع عبد الرحمن جالسا ، فطلع عثمان حتّى صعد
المنبر ، فقال عبد الرحمن : فقدت أكثرك شعرا.
وذكر فيه : أنّ
عثمان أنفد المسور بن مخرمة إلى عبد الرحمن يسأله الكفّ عن التحريض عليه ، فقال له عبد
الرحمن : أنا أقول هذا القول وحدي! ولكن الناس يقولون جميعا : إنّه غيّر وبدّل ، قال
المسور : قلت : فإن كان الناس يقولون فدع أنت ما تقول فيه ، فقال عبد الرحمن : لا
والله ما أجده يسعني أن أسكت عنه ، ثم قال له : قل له يقول لك خالي : اتّق الله
وحده لا شريك له في أمّة محمّد 9 ، وما أعطيتني من
العهد والميثاق : لتعملنّ بكتاب الله وسنّة صاحبيك ، فلم تف.
وذكر فيه : أنّ
ابن مسعود قال لعبد الرحمن في أحداث عثمان : هذا ممّا عملت! فقال عبد الرحمن : قد
أخذت إليكم بالوثيقة ، فأمركم إليكم.
وذكر فيه قال : قال
علي 7 لعبد الرحمن بن عوف : هذا عملك! فقال عبد الرحمن : فإذا شئت فخذ سيفك وآخذ
سيفي.
نكير عمرو بن العاص
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن لوط بن يحيى الأزدي قال : جاء عمرو بن العاص فقال لعثمان : إنّك ركبت
من هذه الأمّة النّهابير وركبوها بك ، فاتق الله وتب إليه ، فقال : يا بن النابغة قد تبت
إلى الله وأنا أتوب إليه ، أما إنّك ممن يولب علي ويسعى في الساعين
، قد لعمري أضرمتها ، فأسعر وأضرم ما بدا لك ، فخرج عمرو حتّى نزل في أداني الشام.
__________________
وذكر فيه ، عن
الزهري قال : إنّ عمرو بن العاص ذكر عثمان فقال : إنه استأثر بالفيء فأساء الإثرة ،
واستعمل أقواما لم يكونوا بأهل العمل من قرابته وآثرهم على غيرهم ، فكان في ذلك
سفك في دمه وانتهاك حرمته.
وعنه فيه قال : قام
عمرو إلى عثمان فقال : اتّق الله يا عثمان ، إمّا أن تعدل وإمّا أن تعتزل ، فلمّا
أن نشب الناس في أمر عثمان تنحّى عن المدينة وخلّف ثلاثة غلمة له ليأتوه بالخبر ، فجاء
اثنان بحصر عثمان ، فقال : إنّي إذا نكأت قرحة أدميتها ، وجاء الثالث بقتل عثمان وولاية علي 7 ، فقال : وا عثماناه ، ولحق بالشام.
وذكر الواقدي في
تاريخه : أنّ عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن
أبي سرح ، فقدم عمرو المدينة ، فجعل يأتي عليّا 7 فيؤلبه على عثمان ، ويأتي الزبير ويأتي طلحة ، وي [ ت ]
لقّى الركبان يخبرهم بأحداث عثمان ، فلمّا حصر عثمان الحصار الأول خرج إلى أرض
فلسطين ، فلم يزل بها حتّى جاءه خبر قتله ، فقال : أنا أبو عبد الله ، إني إذا أحل
قرحة نكأتها ، إنّي كنت لأحرّض عليه ، حتّى أني لأحرّض عليه الراعي في غنمه ، فلمّا
بلغه بيعة الناس عليّا 7 كره ذلك وتربّص حتّى قتل طلحة والزبير ، ثم لحق بمعاوية.
نكير محمد بن مسلمة الأنصاري
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن داود بن الحصين الأنصاري : أنّ محمد بن مسلمة الأنصاري قال يوم قتل
عثمان : ما رأيت يوما قطّ أقرّ للعيون ولا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم.
وروى فيه ، عن أبي
سفيان مولى آل أحمد قال : أتيت محمد بن مسلمة الأنصاري
__________________
فقلت : قتلتم
عثمان فقال : نعم وايم الله ما وجدت رائحة هي أشبه برائحة يوم بدر منها.
وقد ذكر الواقدي
في تاريخه ، عن محمد بن مسلمة : مثل ما ذكره الثقفي.
نكير أبي موسى
وذكر الواقدي في
تاريخه قال : لمّا ولّى عثمان عبد الله بن عامر بن كريز البصرة ، قام أبو موسى
الأشعرى خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قد أتاكم رجل كثير العمّات
والخالات في قريش ، يبسط المال فيهم بسطا ، وقد كنت قبضته عنكم.
نكير جبلّة بن عمرو الساعدي
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن عامر بن سعد قال : أول من اجترأ على عثمان بالنطق السيّئ جبلّة بن
عمرو الساعدي ، مرّ به عثمان وهو جالس في نادي قومه وفي يد جبلّة بن عمرو جامعة ، فسلّم
، فردّ القوم ، فقال جبلّة : لم تردّون على رجل فعل كذا وكذا ، قال : ثم أقبل على
عثمان فقال : والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه ، قال
عثمان : أي بطانة فو الله إني لأتخيّر الناس ، فقال : مروان تخيّرته ، ومعاوية
تخيّرته ، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيّرته ، وعبد الله بن سعد تخيّرته ، منهم
من نزل القرآن بذمّه ، وأباح رسول الله 9 دمه ، فانصرف عثمان ، فما
زال الناس مجترون عليه.
وذكر فيه ، عن
عثمان بن السريد قال : [ مرّ عثمان ] على جبلّة بن عمرو الساعدي وهو على باب داره ومعه جامعة ، فقال
: يا نعثل والله لأقتلنّك أو لأحملنّك على
__________________
جرباء ولأخرجنّك
إلى حرّة النار ، ثم جاءه مرّة أخرى وهو على المنبر فأنزله عنه.
وذكر فيه : أنّ
زيد بن ثابت مشى إلى جبلّة ومعه ابن عمّه أبو أسيد الساعدي ، فسألاه الكفّ عن
عثمان ، فقال : والله لا أقصر عنه أبدا ، ولا ألقى الله فأقول : ( أَطَعْنا
سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) .
نكير جهجاه بن عمرو
الغاري
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن عروة قال : خرج عثمان إلى المسجد ومعه ناس من مواليه ، فنجد الناس ينتابونه
يمينا وشمالا ، فناداه بعضهم : يا نعثل ، وبعضهم غير ذلك ،
فلم يكلّمهم حتّى صعد المنبر ، فشتموه ، فسكت حتّى سكتوا ، ثم قال : أيّها الناس
اتقوا واسمعوا وأطيعوا ، فإنّ السامع المطيع لا حجّة عليه ، والسامع العاصي لا
حجّة له ، فناداه بعضهم : أنت أنت السامع العاصي ، فقام إليه جهجاه بن عمرو
الغفاري ـ وكان ممّن بايع تحت الشجرة ـ فقال : هلمّ إلى ما ندعوك إليه ، قال : وما
هو قال : نحملك على شارف جرباء فنلحقك بجبل الدخان ، قال عثمان : لست هناك لا أمّ
لك ، وتناول ابن جهجاه الغفاري عصا في يد عثمان ـ وهي عصاة النبي 9 ـ فكسرها على
ركبته ، ودخل عثمان داره ، فصلّى بالناس سهل بن حنيف.
وذكر فيه ـ عن
موسى بن عقبة ، عن أبي حبيبة ـ الحديث ، وقال فيه : إنّ عثمان قال له : قبّحك الله
وقبّح ما جئت به ، قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك إلاّ عن ملاء من الناس ، وقام إلى
عثمان شيعته من بني أميّة فحملوه فأدخلوه الدار ، وكان آخر يوم رأيته فيه.
__________________
نكير عائشة
وذكر الطبري في
تاريخه والثقفي في تاريخه قال : جاءت عائشة إلى عثمان ، فقالت : أعطني ما كان
يعطيني أبي وعمر ، قال : لا أجد له موضعا في الكتاب ولا في السنّة ، ولكن كان أبوك
وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما وأنا لا أفعل ، قالت : فأعطني ميراثي من رسول الله 9 ، قال : أولم تجيء فاطمة 3 تطلب ميراثها من رسول الله 9 فشهدت أنت ومالك بن أوس البصري : أنّ النبي 9 لا يورّث ، وأبطلت
حقّ فاطمة 3 ، وجئت تطلبينه!! لا
أفعل.
وزاد الطبري : وكان
عثمان متّكئا ، فاستوى جالسا وقال : ستعلم فاطمة أيّ ابن عمّ لها منّي اليوم ، ألست
وأعرابي يتوضّأ ببوله شهدت عند أبيك!
قالا جميعا في
تاريخهما : فكان إذا خرج عثمان إلى الصلاة أخرجت قميص رسول الله 9 وتنادي : إنّه قد
خالف صاحب هذا القميص.
وزاد الطبري يقول
: هذا قميص رسول الله 9 لم يبل وقد غيّر عثمان سنّته ، اقتلوا نعثلا قتل الله
نعثلا.
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن موسى التغلبي ، عن عمّه قال : دخلت
مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون ، وإذا كفّ مرتفعة وصاحب الكف يقول : يا أيّها
الناس العهد حديث ، هاتان نعلا رسول الله 9 وقميصه ، إنّ فيكم فرعون أو مثله ، فاذا هي عائشة تعني
عثمان ، وهو يقول : اسكتي ، إنما هذه امرأة رأيها رأي المرأة وعقلها عقل المرأة.
وذكر في تاريخه ، عن
الحسن بن سعيد قال : رفعت عائشة ورقات من ورق المصحف بين عودين من وراء حجابها
وعثمان على المنبر ، فقالت : يا عثمان أقم ما في كتاب الله ، إن تصاحب تصاحب غادرا
وإن تفارق تفارق عن قلى ، فقال عثمان : أما والله
__________________
لتنتهينّ أو
لأدخلنّ عليك حمران الرجال وسودانها ، قالت عائشة : أمّا
والله إن فعلت لقد لعنك رسول الله 9 ، ثم ما استغفر لك
حتّى مات.
وذكر ، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى قال : أخرجت عائشة قميص رسول الله 9 ، فقال لها عثمان : لئن لم تسكتي لاملأنّها عليك حبشانا ، قالت
: يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك ومزّقت كتاب الله ، ثم قالت : والله ما ائتمنه رجل
قطّ إلاّ خانه ، ولا صحبه رجل قطّ إلاّ فارقه عن قلى.
وذكر فيه قال : نظرت
عائشة إلى عثمان فقالت : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ).
وذكر فيه ، عن
عكرمة : أنّ عثمان صعد المنبر ، فأطلعت عائشة ومعها قميص رسول الله 9 ، ثم قالت : يا عثمان أشهد أنّك بريء من صاحب هذا القميص ، فقال
عثمان : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) الآية .
وذكر فيه ، عن أبي
عامر مولى ثابت قال : كنت في المسجد فمرّ عثمان ، فنادته عائشة : يا غادر يا فاجر
أخربت أمانتك وضيّعت رعيتك ، ولو لا الصلوات الخمس لمشى إليك رجال حتّى يذبحوك ذبح
الشاة ، فقال لها عثمان : ( امْرَأَتَ نُوحٍ
وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) الآية .
وذكر فيه : أنّ
عثمان صعد المنبر ، فنادت عائشة ورفعت القميص فقالت : لقد خالفت صاحب هذا ، فقال
عثمان : إنّ هذه الزعراء عدوة الله ، ضرب الله مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب
: ( امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) الآية ، فقالت له
: يا نعثل يا عدوّ الله إنّما سمّاك رسول الله 9 باسم نعثل اليهودي الّذي باليمن ، ولاعنته ولاعنها.
__________________
وذكر فيه ، عن
القاسم بن مصعب العبدي قال : قام عثمان ذات يوم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم
قال : نسوة تكتبن في الآفاق لتنكث بيعتي ويهراق دمي ، والله لو شئت أن أملأ
عليهنّ حجراتهن رجالا سودا وبيضا لفعلت ، ألست ختن رسول الله 9 على ابنتيه ، ألست
جهّزت جيش العسرة ، ألم آل رسول
الله 9 إلى أهل مكة ، قال إذ تكلّمت امرأة من وراء الحجاب ، قال : فجعل يبدو لنا
خمارها أحيانا ، فقالت : صدقت ، لقد كنت ختن رسول الله 9 على ابنتيه ، فكان
منك فيهما ما قد علمت ، وجهّزت جيش العسرة ، وقد قال الله تعالى : (
فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ) ، وكتب رسول الله 9 إلى أهل مكّة فيك عن بيعة الرضوان إنّك لم تكن لها أهلا ،
قال : فانتهرها عثمان ، فقالت : أمّا أنا فأشهد أنّ رسول الله 9 قال : إنّ لكلّ
أمّة فرعون ، وإنّك فرعون هذه الأمّة.
وذكر فيه من عدّة
طرق قال : لمّا اشتدّ الحصار على عثمان تجهّزت عائشة للحج ، فجاءها مروان وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، فسألاها
الإقامة والدفع عنه ، فقالت : قد عريت غرائري ، وأدنيت ركابي ، وفرضت
على نفسي الحج ، فلست بالّتي أقيم فنهضا ، ومروان يتمثل :
فحرق قيس على
البلاد
|
|
حتّى إذا اشتعلت أجذما
|
__________________
فقالت : أيّها
المتمثّل بالشعر ارجع ، فرجع ، فقالت : لعلّ ترى أنّي إنّما قلت هذا الّذي قلته
شكّا في صاحبك ، فو الله لوددت أنّ عثمان مخيط عليه في بعض غرائري. حتّى أكون أقذفه في اليمّ ، ثم ارتحلت حتّى نزلت بعض الطريق
، فلحقها ابن عباس أميرا على الحجّ ، فقالت له : يا بن عبّاس إن الله قد أعطاك
لسانا وعلما ، فأنشدك الله أن تخذل عن قتل هذا الطاغية غدا ، ثم انطلقت ، فلمّا
قضت نسكها بلغها أنّ عثمان قتل ، فقالت : أبعده الله بما قدم يداه ، الحمد لله
الّذي قتله ، وبلغها أنّ طلحة ولي بعده ، فقالت : أيهن ذا الاصبع ، فلمّا بلغها أنّ عليا 7 بويع ، قالت : وددت أنّ هذه وقعت على هذه.
وذكر الواقدي في
تاريخه كثيرا ممّا ذكره الثقفي ، وزاد في حديث مروان ومجيئه إلى عائشة ، أنّ زيد
بن ثابت كان معه ، وأنّها قالت : وددت والله أنّك وصاحبك هذا الّذي يعنيك أمره في
رجل كلّ واحد منكما رحا وأنّه في البحر ، وأمّا أنت يا زيد فما أقلّ والله من له
مثل ما لك من عضدان العجوة.
وذكر من طريق آخر
: أنّ المكلّم لها في الإقامة مع مروان عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، قالت : لا
والله ولا ساعة ، إنّ عثمان غيّر
فغيّر الله به ، آثركم والله وترك أصحاب محمد 9.
وزاد في خطابها
لابن عباس : إنّك قد أعطيت لسانا وجدلا وعقلا وبيانا ، وقد رأيت ما صنع ابن عفّان ،
اتّخذ عباد الله خولا ، فقال : يا أمّه دعيه وما هو فيه ، لا ينفرجون عنه حتّى يقتلوه ، قالت : أبعده
الله.
ومن طريق آخر : إيّاك
أن ترد الناس عن هذا الطاغية ، فإنّ المصريين قاتلوه.
__________________
وروي عن ابن عباس
قال ، دخلت عليها بالبصرة فذكّرتها هذا الحديث ، فقالت : ذلك المنطق الّذي تكلّمت
به يومئذ هو الّذي أخرجني ، لم أر لي توبة إلاّ الطلب بدم عثمان ، ورأيت أنّه قتل
مظلوما ، قال : فقلت لها : فأنت قتلتيه بلسانك ، فأين تخرجين! توبي وأنت في بيتك ،
أو أرضي ولاة دم عثمان ولده ، قالت : [ دعنا من جدالك فليس من الباطل في شيء.
وذكر الواقدي عن
عائشة بنت قدامة قالت : ] سمعت عائشة زوج النبي 9 تقول ـ وعثمان محصور قد حيل بينه وبين الماء ـ : أحسن أبو
محمد حين حال بينه وبين الماء ، فقالت لها : يا أمّه على عثمان فقالت : إن عثمان
غيّر سنّة رسول الله 9 ، وسنّة الخليفتين
من قبله ، فحلّ دمه.
وذكر الواقدي في
تاريخه ، عن كريمة بنت المقداد قالت : دخلت على عائشة فقالت : إنّ عثمان أرسل إليّ
أن أرسل إلى طلحة فأبيت ، وأرسل إليّ أن أقيمي ولا تخرجي إلى مكة ، فقلت : قد جليت
ظهري وعريت غرائري وإنّي خارجة غدا إن شاء الله ، ولا والله ما أراني أرجع
حتّى يقتل ، قالت : بما قدّمت يداه ، كان أبي ـ تعني : المقداد ـ ينصح له
فيأبى إلاّ تقريب مروان وسعيد بن عامر ، قالت عائشة : حبّهم والله صنع به ما ترين ،
حمل إلى سعيد بن العاص مائة ألف ، وإلى عبد الله بن خالد بن أسيد ثمانمائة ألف ، وإلى
الحارث بن الحكم مائة ألف ، وأعطى مروان خمس إفريقية لا يدري بكم هو ، فلم يكن الله ليدع عثمان.
وذكر في تاريخه ، عن
علقمة بن أبي علقمة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها كانت أشدّ
__________________
الناس على عثمان ،
تحرّض الناس عليه وتؤلّب حتّى قتل ، فلمّا قتل وبويع علي 7 طلبت بدمه.
وأمثال هذه
الأقوال وأضعافها المتضمّنة للنكير على عثمان من الصحابة والتابعين المنقولة في جميع
التواريخ.
وإنّما اقتصرنا
على تاريخي الثقفي والواقدي لأن لنا إليهما طريقا ، ولأن لا يطول الكتاب.
وفيما ذكرناه
كفاية ، ومن أراد العلم بمطابقة التواريخ لما أوردناه في هذين التاريخين
فليتأمّلها يجدها موافقة.
[ حصر عثمان فى داره وما جرى
عليه ]
ثم أطبق أهل
الأمصار وقطّان المدينة من المهاجرين والأنصار ـ إلاّ النفر الّذين اختصّهم عثمان
لنفسه وآثرهم بالأموال ، كزيد بن ثابت ، وحسّان ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن
الزبير ، ومروان ، وعبد الله بن عمر ـ على حصره في الدار ، ومطالبته بخلع نفسه من
الخلافة أو قتله ، إلى أن قتلوه على الإصرار على ما أنكروا عليه ومن ظفروا به في
الحال من أعوانه ، وأقام ثلاثا لا يتجاسر أحد من ذويه أن يصلّي عليه ولا يدفنه
خوفا من المسلمين ، إلى أن شفعوا إلى علي 7 في دفنه ، فأذن في ذلك على شرط أن لا يدفنوه في مقابر
المسلمين ، فحمل إلى حش كوكب مقبرة اليهود ، ولمّا أراد النفر الّذين حملوه الصلاة
عليه منعهم من ذلك المسلمون ورجموهم بالأحجار ، فدفن بغير صلاة ، ولم يزل قبره
منفردا عن مقابر المسلمين ، إلى أن ولي معاوية ، فأمر بأن يدفن الناس
[ من ] حوله ، حتّى اتصل الدفن بمقابر المسلمين ، ولم يسأل عنه
أحد من بعد
__________________
القتل من وجوه
المهاجرين والأنصار ـ كعليّ 7 ، وعمّار ، ومحمد
بن أبي بكر ، وغيرهم ، وأماثل التابعين ـ إلاّ قال : قتلناه كافرا.
وهذا الذي ذكرناه
من نكير الصحابة والتابعين على عثمان موجود في جميع التواريخ وكتب الأخبار ، ولا
يختلف في صحّته مخالط لأهل السير والآثار ، وإنّ أحسن الناس كان فيه رأيا من أمسك
عن نصرته ومعونة المطالبين له بالخلع ، وكفّ عن النكير عنه وعنهم ، كمن ذكرناه من
مواليه وبني أميّة ، ومن عداهم بين قاتل ومعاون بلسانه أو يده أو بهما.
و [ معلوم ] تخصّص قاتليه
بولاية علي 7 ، وكونهم بطانة له
وخواصّا ـ كمحمد بن أبي بكر ، وعمّار بن ياسر ، والأشتر ، وغيرهم من المهاجرين
والأنصار وأهل الأمصار ـ وتولي الكافّة لهم تولّي الصالحين ، والمنع منهم بالأنفس
والأموال وإراقة الدماء في نصرتهم ، والذبّ عنهم ، ورضاهم بعلي 7 ، مع علمهم برأيه في عثمان والتأليب عليه ، وتولّي الصلاة
وهو محصور بغير أمره ، واتخاذه مفاتح لبيوت الأموال ، واتخاذ قتلته أولياء [ و ]
خاصّته أصفياء ، وإطباقهم على اختياره ، وقتالهم معه ، والدفاع عنه وعنهم ، واستفراغ
الوسع في ذلك ، وعدم نكير من أحد من الصحابة أو التابعين يعتدّ بنكيره.
[ تكفير عثمان ]
ثم اشتهر التدين
بتكفير عثمان بعد قتله ، وكفر من تولاّه من علي 7 وذرّيته وشيعته ووجوه الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا ، وحفظ
عنهم التصريح بذلك ، المستغني عنه بمعلوم القصود منهم ، غير أنّ في ذكره [ إيناسا
] للبعيد عن سماع العلم
__________________
وتنبيها للغافل من شبه الجهل.
فمن ذلك ما رووه
من طرقهم : أنّ عليا 7 خطب الناس بعد قتل عثمان ، فذكر أشياء قد مضى بيانها.
من جملتها : قوله 7 : سبق الرجلان ، وقام
الثالث كالغراب ، همّته بطنه وفرجه ، ويله لو قصّ جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له ، شغل
عن الجنة ، والنار أمامه.
ورووا عن علي بن
حزور ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سأل رجل عليّا 7 عن عثمان فقال : وما سؤالك عن عثمان ، إنّ لعثمان ثلاث
كفرات ، وثلاث غدرات ، ومحلّ ثلاث لعنات ، وصاحب بليّات ، لم يكن بقديم الإيمان ، ولا
ثابت الهجرة ، وما زال النفاق في قلبه ، وهو الّذي صدّ الناس يوم أحد ، الحديث
طويل.
وذكر الثقفي في
تاريخه ، عن عبد المؤمن ، عن رجل من عبد القيس قال : أتيت عليا 7 في الرحبة فقلت :
يا أمير المؤمنين حدّثنا عن عثمان ، قال : ادن ، فدنوت ، قال : ارفع صوتك ، فرفعت
صوتي ، قال : كان ذا ثلاث كفرات ، وثلاث غدرات ، وفعل ثلاث لعنات ، وصاحب بليّات ،
ما كان بقديم الإيمان ، ولا حديث النفاق ، يجزي بالحسنة السيّئة ، في حديث طويل.
وذكر في تاريخه ، عن
حكيم بن جبير ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، وكان قد أدرك عليّا 7 قال : ما يزن
عثمان عند الله ذبابا ، فقال : ذبابا! فقال : ولا جناح ذباب ، ثم قال : ولا ( [ فَلا
نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ) .
وذكر فيه ، عن أبي
سعيد التيمي قال : سمعت عليا 7 يقول : أنا يعسوب المؤمنين ، وعثمان يعسوب الكافرين.
__________________
وعن أبي الطفيل : وعثمان
يعسوب المنافقين.
وذكر فيه ، عن
هبيرة بن ميرم قال : كنّا جلوسا عند علي 7 ، فدعا ابنه عثمان
، فقال له : يا عثمان ، ثم قال : إنّي لم أسمّه باسم عثمان الشيخ الكافر ، إنّما
سمّيته باسم عثمان بن مظعون.
وذكر في تاريخه من
عدّة طرق : أنّ عليّا 7 كان يستنفر الناس ويقول :
انفروا إلى أئمّة
الكفر وبقيّة الأحزاب وأولياء الشيطان ، انفروا إلى من يقول : كذب الله ورسوله 9 ، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا ، والله إنّه
ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أوزارهم شيء.
وذكر فيه ، عن عمر
بن هند ، عن علي 7 أنه قال : لا يجتمع حبّي وحبّ عثمان في قلب رجل إلاّ اقتلع
أحدهما صاحبه.
وروي فيه من طرق :
أنّ جيفة عثمان بقيت ثلاثة أيام لا يدفن ، فسأل عليّا 7 رجال من قريش في
دفنه ، فأذن لهم على أن لا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ولا يصلّى عليه ، فلمّا
علم الناس بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة ، فخرجوا به يريدون حش كوكب مقبرة
اليهود ، فلمّا انتهوا به إليهم رجموا سريره.
وروي فيه من طرق ،
عن علي 7 أنه قال : من كان سائلا عن دم عثمان فانّ الله قتله وأنا معه.
وروي فيه ، عن
مالك بن خالد الأسدي ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن آبائه قال : كان الحسن بن علي 8 يقول : [ معشر ] الشيعة علّموا
أولادكم بغض عثمان ، فإنّه من كان في قلبه حبّ لعثمان فأدرك الدجال آمن به ، فان
لم يدركه آمن به في
__________________
قبره.
ورووا فيه ، عن
بكر بن أيمن ، عن الحسين بن علي 8 قال : إنّا وبنو أميّة تعادينا في الله ، فنحن وهم كذلك
إلى يوم القيامة ، فجاء جبرئيل 7 براية الحقّ فركزها بين أظهرنا ، وجاء إبليس براية الباطل
فركزها بين أظهرهم ، وإنّ أوّل قطرة سقطت على وجه الأرض من دم
المنافقين دم عثمان بن عفان.
وروي فيه ، عن
الحسين 7 : أنّ عثمان جيفة على الصراط ، من أقام عليها أقام على أهل النار ، ومن جاوزه
جاوز إلى الجنّة.
وروي فيه ، عن
حكيم بن جبير يرفعه إلى النبي 9 : أنّ عثمان جيفة على الصراط ، يعطف عليه من أحبّه ويجاوزه
عدوّه.
وروي فيه ، عن
محمد بن بشير قال : سمعت محمد بن الحنفية يلعن عثمان ويقول : كانت أبواب الضلالة
مغلقة حتّى فتحها عثمان.
وروي فيه ، عن عبد
الله بن شريك ، عن أبي جعفر محمّد بن علي 8 أنه قال : لا تكن حرب سالمة حتّى يبعث قائمنا ثلاثة أراكيب
في الأرض : ركب يعتقون مماليك أهل الذمّة ، وركب يردّون المظالم ، وركب يلعنون
عثمان في جزيرة العرب.
وروى قتيبة ، عن
أبي سعيد التيمي قال : سمعت عمّار بن ياسر يقول : ثلاث يشهدن على عثمان بالكفر
وأنا الرابع.
وقد ذكرنا هذا
الحديث وشهادة عمار عليه بالكفر في مقام بعد مقام.
وروي فيه ، عن
يحيى بن جعدة قال : قلت لزيد بن أرقم : بأيّ شيء كفّرتم عثمان قال : بثلاث : جعل
المال ( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) ، وجعل المهاجرين بمنزلة من حارب الله ورسوله 9 ، وعمل بغير كتاب الله.
__________________
ومن طريق آخر قال
: كفّرناه بثلاث : مزّق كتاب الله ونبذه في الحشوش وأنزل المهاجرين
بمنزلة من حارب الله ورسوله 7 ، وجعل المال ( دُولَةً
بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) ، فمن ثمّ أكفرناه
وقتلناه.
وروي فيه ، عن أنس
بن عمرو قال : قلت لزبيد الأيامي : إنّ أبا صادق قال :
والله ما يسرّني
أنّ في قلبي مثقال حبّة خردل حبّا لعثمان ولو أنّ لي أحدا ذهبا ، وهو شرّ عندي من حمار مجدع لطحان ، فقال
زبيد : صدق أبو صادق.
وروي فيه عن الحكم
بن عيينة قال : حضرنا في موضع فقال طلحة بن مصرف الامامي : يأبى قلبي إلاّ حبّ
عثمان ، فحكيت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال : لعن الله قلبه .
ورووا عن إبراهيم
أنه قال : إنّ عثمان عندي شر من قارون.
ورووا فيه عن
سفيان ، عن الحسن البصري قال : سألت فقلت : أيّهما أفضل عثمان أم عمر بن عبد العزيز قال : ولا
سواء من جاء إلى أمر فاسد فأصلحه خيرا ، ومن جاء إلى أمر صالح فأفسده.
ورووا فيه عن
جويبر ، عن الضحّاك قال : قال لي : يا جويبر اعلم أنّ شرّ هذه الأمّة الأشياخ
الثلاثة ، قلت من هم قال : عثمان وطلحة والزبير.
ورووا فيه عن
الوليد بن زرود الرقي ، عن أبي جارود العبدي قال : أمّا عجل هذه الأمّة فعثمان ، وفرعونها
معاوية ، وسامريها أبو موسى الأشعرى وذو الثدية ، وأصحاب النهر ملعونون ، وإمام
المتقين علي بن أبي طالب 7.
وروي عن أبي
الأرقم قال : سمعت الأعمش يقول : والله لوددت أني كنت وجأت
__________________
عثمان بخنجر في
بطنه فقتلته.
ورووا عن سلمة بن
كهيل ، عن سعيد بن جبير ، قال : يرفع
عثمان وأصحابه يوم القيامة حتّى يبلغ بهم الثريّا ثم يطرحون على وجوههم.
وروي فيه ، عن أبي
عبيدة الذهلي قال : والله لا تكون الأرض سلما سلما حتّى يلعن عثمان ما
بين المشرق والمغرب ، لا ينكر ذلك أحد.
وروي فيه : أن عبد
الرحمن بن حنبل الجمحي ـ وكان بدريا ـ قال :
ذق يا أبا عمرو
بسوء الفعل
|
|
وذق صنع كافر ذي
جهل
|
لما صددت باب كلّ عدل
|
|
ورمت نقص حقنا
بالبطل
|
غدا عليك أهل كل
فضل
|
|
بالمشرفيات
العصاة الفصل
|
فذقت قتلا لك
أيّ قتل
|
|
كذاك يجزى كلّ
عات دغل
|
في أمثال لهذه الأقوال المحفوظة
عن الصحابة والتابعين ، ذكر جميعها يخرج عن الغرض ، وفي بعض ما ذكرناه كفاية في
المقصود ، والمنّة لله.
[ الطلب بثأر عثمان وسببه ]
إن قيل : أفليس قد
أنكر ما جرى وطلب بثأر عثمان طلحة والزبير ، وهما صحابيان ، وعائشة وهي زوج النبي 7 ، ومعاوية وعمرو بن العاص وهما صحابيان ، ومن كان في حيزهم
من المسلمين؟
__________________
قيل : أوّل ما في
هذا أنّ الحال الّتي وقع فيها القتل بعثمان لم يحصل فيها نكير من أحد يعتدّ به ، وهو
الوجه المقتضي لحسن الواقع من قتل عثمان ، ولا تأثير لما أظهره القوم المعنيّون من
النكير شاما وعراقا ، لوجوب اختصاص النكير لما يتوقع حدوثه ، دون الماضي الّذي
يستحيل تأثير الإنكار فيه ، ولم يبق إلاّ أن يقال : إنّ الواقع منهم كان انتصارا ،
فيسقط ذلك على مذاهبنا ومذاهبهم ، وإن كان غير نافع لهم في موضع القدح إنكار من
ذكروه.
فأمّا سقوطه على
مذاهبنا ، فلأنّا نثبت النصّ [ على ] علي 7 ، وندين بأنّه
كاشف عن عصمته 7 ، حسب ما وضح
برهانه وقامت حجّته ، وذلك يقتضي صواب فعله 7 ، وضلال المنكر
عليه والمنتصر منه والخارج عن طاعته ، وسقوط الأحكام المخالفة لحكمه ، والشهادة
على جميعها بالقبح.
وعلى أصول الخصوم
: أنهم يثبتون إمامته بعد عثمان باختيار الأمّة ، ويقطعون على خطأ الخارج عن طاعته
المختار ، وضلال المحارب له من غير حدث ، وعلي 7 لم يحدث باتفاق.
على أنّ تأمّل حال
الفريقين ، وتتّبع أفعالهم ، وكشف أغراضهم يوضح عن خلاف ما ظنّه السائل من الإنكار
لباطل أو الانتصار لحقّ أو طلب ثأر ، ويوضح عن قصدهم التأمير على الناس ، وخلع
طاعة المنصوص عليه والمختار ، ليأسهم من بلوغ الأغراض الفاسدة في ولايته ، وحرصهم
على نيل الأماني الدنيويّة على أيّ وجه يمكن وبأيّ شيء تمّ من حسن الأفعال
وقبيحها.
ومن كانت هذه حاله
فلا اعتداد بفعله ، ولا تأثير لما يظهره من النكير المعلوم خلاف غرضه فيه وفساده
لو كان مقصودا ، لقبحه ، ونحن ننبّه على جمل ذلك وما
__________________
يقتضيه.
أما عائشة ، فالمعلوم
من حالها عداوة عثمان والمجاهرة بالنكير عليه والتأليب إلى أن أحصر ، وخروجها إلى
مكّة ، بعد الظن القويّ بهلاكه ، مؤلبة عليه ، وذاكرة إحداثه في الاسلام ، ومخالفته
سيرة المتقدّمين عليه في محافل مكّة ، وكاتبة به إلى البلاد ، إلى أن بلغها قتله
والإرجاف ببيعة طلحة ، فأظهرت من السرور بالأمرين والذمّ لعثمان والمدح لطلحة ما
أجمع عليه الناقلون ، فقد ذكرنا طرفا من ذلك أجمع ، وأعجلت الرحلة مغتبطة
بالحالين.
إلى أن صحّ لها في
الطريق ولاية أمير المؤمنين 7 ، وبيعة الناس له
لخلات ، فعادت ناكصة على عقبها ، واجمة من ولايته ، عظيمة الوجد لخلافته ، مظهرة
التوجّع لعثمان وما جرى عليه ، مشيدة لقتله مظلوما ، ناشدة دمه في المحافل ، مولبة
على علي 7 ، معلنة بأنّه قتل عثمان
وشيعته مظلوما.
حتّى اجتمع لها
أولياء عثمان ، ومبغضوا علي 7 ، ومكيدوا الاسلام
وأغرار قريش.
وبلغ ذلك طلحة
والزبير ، فوافق شحنا في صدورهما ، فاستأذنا عليّا 7 في العمرة ، عزما منهما على نكث بيعته ، ورغبة في اللحوق
بعائشة ، تأميلا لبلوغ الرئاسة الفانية من جهته ، وطمعا في الدنيا المؤيس منها
لديه ، فخوّفهما 7 الغدر والنكث ، فجدّدا عهدا ثانيا ، فأذن لهما.
فلمّا وصلا مكّة
ناشدا الناس دم عثمان ، وأنّ عليا دسّ عليه حتّى قتل ، وآوى قتلته واتخذهم بطانة ،
مع ما نعلم من حالهما في عثمان وحصره ، والمشاركة في قتله ، وبرء أمير المؤمنين 7 من ذلك ، ولزومه
منزله حتّى قتل.
فاجتمع إليهم
القوم الّذين أجابوا عائشة وأمثالهم من الطمّاع وأجلاف الأعراب ، فمضوا جميعا إلى
البصرة ناكثين بيعة أمير المؤمنين 7.
__________________
فلمّا انتهوا
إليها دعوا الناس إلى خلع علي 7 وبيعتهما وعائشة ، فأجابهم من لا بصيرة له أو من يرغب في
الفتنة ، وامتنع حكيم بن جبلّة العبدي في مائتين من صلحاء قومه ، فقتلوه وجماعته ،
وغدروا بعثمان بن حنيف ـ وقتلوا السابحة ـ وأرادوا قتله ، فخافوا أخاه سهلا على قومهم بالمدينة ، فنكلوا
به ، وفتحوا بيت المال بها ، فأخذوا منه ما شاءوا.
واجتمع إليهم
أطراف الناس ، وقوي أمرهم وعظمت فتنتهم.
فلمّا بلغ ذلك
عليّا 7 ، كانت عمّاله وأمراؤه
بحال القوم وإفسادهم في البلاد ، فسار في
المهاجرين والأنصار وذوي السوابق وأولي البصائر ، ليتلافى فارطهم وشغب صدعهم في
الاسلام وبريق لمعهم في الدين.
فلمّا انتهى إليهم
دعاهم إلى الله تعالى ، وإلى كتابه ، وسنّة نبيّه 9 ، والدخول في
الجماعة ، وخوّفهم الفتنة والفرقة.
فأبوا إلاّ القتال
، أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاءوا ، أو يسلّم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم
فيهم.
فسألهم ذكر حدث
يوجب خلعه ، أو تقصير يمنع من إمامته ، فلم يجيبوه ، فكرّر الأعذار ، وبالغ في النصيحة
، والدعوة إلى كتاب الله والسنة ، والتخويف من الفتنة والفرقة ، على الانفراد بكلّ
منهم بنفسه وبرسله ، والاجتماع.
ولا جواب إلاّ
قولهم مع الخوف شدّة المطامع ، وسمعنا أنّ هاهنا دنيا جئنا بطلبها ، وظنّ ابن أبي
طالب أنّ الأمر قد استوسق له ، وأنّه لا منازع له ، ونحو هذا الكلام.
فكرّر التذكار
والوعظ ، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغيانا وإصرارا ، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء ،
حتّى بدءوه بالحرب ، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه وهو
__________________
مسلم ، ورشقوا
أصحابه بالسهام ، فجرحوا قوما وقتلوا آخرين ، وحملوا على أصحابه من كلّ جانب ، وعائشة
على جملها محفحفا ، وعلى هودجها
الدروع بارزة بين الصفّين تحرّض على القتال.
فحينئذ أذن 7 لأنصاره بالقتال ،
فلم يكن إلاّ قليلا حتّى صرع الله طلحة والزبير ناكثين غادرين ، وقتل أنصار الجمل ،
وولى الباقون مدبرين ، وعقر جمل الفتنة ، وأخذت عائشة ، ونادى مناديه 7 : بأن لا يتبع
منهزم ، ولا يجهز على جريح ، ولا يعرض لمن ألقى سلاحه أو دخل داره ، وقسّم ما حواه
العسكر من كراع وسلاح ومال ، دون النساء والولدان ، ولم يعرض لما خرج عنه من أموال
المحاربين وأهليهم ، وعفا عن الانتقام من عائشة ومن سلم من أنصارها ، وأنفذها إلى
المدينة في صحبة النساء.
فهذه جمل أحوال
أهل الجمل باتفاق الناقلين ، ليست من النكير في شيء ، وظاهرها الطلب بثأر عثمان
على مذاهب الجاهلية ، ومنازعة أمير المؤمنين 7 الأمر رغبة في الخلافة ، دون الانتصار لحقّ أو دفع الباطل ،
وخطأهم في ذلك ظاهر من وجوه :
أمّا عائشة ، فإذا
كان المعلوم من حالها عداوة عثمان ، والتعريض به ، والتأليب عليه ، واستمرارها على
ذلك إلى أن قتل ، واغتباطها بقتله ، وما سمعته من تولّي طلحة للخلافة ، فلمّا
بلغها ولاية أمير المؤمنين 7 للأمر رجعت عن ذلك كلّه إلى خلافه. علم أنّ الحامل لها على
الطلب بدم عثمان عداوة أمير المؤمنين 7 ، دون الانتصار
له.
ولو سلم رأيها في
عثمان ، لكان الواجب عليها الرضى بما فعلته الصحابة وأولو البصائر الّذين بهم
انعقدت إمامة عثمان وإمامة من تقدّمه عندها ، الّتي لا يتمكن
منها
__________________
إلاّ بتولّي الأمر
لمثل هذا قبل القيام بأمر الأمّة عند اختيار القوم له بعد عثمان ، من حيث كان سببا
يقتضي تمكينه من تنفيذ ما جعل إليه تنفيذه ، وإن لم يكن له وجها لاستحقاقه الإمامة
الثابتة له من قبل الله سبحانه ، وإن جهل العاقدون واعتقدوا استحقاقه لها من غير
وجهه ، وذلك يعيّن عليه فرض الدخول في الشورى وتقلّد الأمر ، للوجه الّذي ذكرنا ، فكيف
يجعل قدحا من النصّ عليه أو تصويبا للمتقدّم دونه.
[ مسألة التحكيم وتحميلها على أمير
المؤمنين عليه السلام ]
وأمّا تحكيمه 7 الحكمين ، فقد
علم كلّ مخالط لأصحاب السيرة وناقلي الآثار أنّ ذلك لم يقع بإيثاره ، بل المعلوم
من حاله 7 إرادة الحرب والمناجزة لمعاوية وكراهية التحكيم ، وإنّما الجأه أصحابه إلى
النزول على حكم معاوية فيما أراده وكادهم به من إيثار التحكيم ، وتوعّدوه على
استدامة الحرب بالقتل ، فلم يجد بدّا من إجابتهم ، إذ هم الأنصار الّذين بهم يقاتل
على عدوّه ، فإذا قعدوا عن نصرته واضطرّوه إلى مراد خصمه يضيق عليه فرض الرجوع
إليهم ، وإلاّ صاروا عونا عليه مع محاربيه ، فلا يتمّ له أمر ، ويعرض نفسه ومن أطاعه للهلكة
بغير شبهة ، وفعل يقع على هذا الوجه عذر فاعله فيه واضح.
على أنّه 7 ما أجاب إلى [
طلبهم ] والحال هذه إلاّ بشرط الرجوع إلى الكتاب والسنّة الثابتة ،
لعلمه بأنّهما لا يدلاّن على حقّ لمعاوية ، بل هما دليلا إمامته وفرض طاعته
والانقياد له ، فلم يرجع بتحكيمه 7 إلاّ إلى الحجّة الّتي لو ابتدأ بها قبل الحرب لكان مصيبا ،
وكذلك فعل قبل المحاربة ، وذلك شبهة المخالفين عليه من أصحابه.
ولهذا لمّا عدل
الحكمان عن موجب الكتاب والسنّة لم يمض حكمهما ، وتجهّز لحرب
__________________
معاوية ، وسار
بأصحابه إليه ، حتّى شغل عنه بالخوارج ، فلمّا فرغ منهم كتب إلى البلاد مستنفرا ، وكرّر
الدعوة والاستنفار على عدوّه في عدّة مقامات ، ولم تزل هذه حاله إلى أن عوجل دون
ذلك صلوات الله عليه مرضيّا فعله وسيرته.
فأيّ شبهة في
التحكيم ، أو فيما ذكروه قبله يمنع من النصّ عليه ، أو تقتضي تصويب المتقدّمين له!
لو لا جهل الخصوم بمواقع الأدلّة والشبهة!!
[ بطلان خلافة المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه
السلام
وأمور متفرقة ]
وليس لأحد أن يقدح
في ثبوت إمامته 7 عن الأدلّة الواضحة ـ عقلا وسمعا وفعلا وقولا ـ بما يدّعي
من إمامة المتقدّمين عليه وفساد القول بالأمرين ، لأن هذه الدعوى باطلة على ما
اقتضته الأدلّة من مذاهبنا الصحيحة ، وعلى ما اجتنبوه من المذاهب الفاسدة.
[ بطلان خلافة القوم على مقتضى
مذهبنا ]
فأمّا فسادها من
مذاهبنا الصحيحة فمن وجوه :
أحدها
: ثبوت إمامة أمير المؤمنين 7 حسب ما دللنا عليه ، إذ كان ثبوتها يسقط فرض النظر في
إمامتهم فضلا عن صحّتها ، ويقتضي القطع على فسادها.
وليس لأحد أن يقول
: لم كنتم [ أولى ] بأن تمنعوا من إمامة المتقدّمين على أمير المؤمنين 7 ، لدعوى إمامته 7 ممن منع من ثبوت إمامته ، لصحة إمامتهم.
لاستناد ثبوت
إمامته 7 إلى العقول والأفعال الّتي لا تحتمل ، والكتاب والسنّة
المتقدّمة على ما معه يدّعى ثبوت إمامة القوم من الاختيار المتعلّق بفعل الأمّة بعد
النبي الّذي لا حكم له مع النصّ ، ولا يحسن فعله مع تقديره ، ولا يتوهم مع أدلة
العقل وبرهان الفعل ، ولا قدح بدعواه في ذلك ، كما لا قدح بخلق الموذيات وذبح
الحيوان وإيلام الأطفال في حكمته تعالى ، لوجوب تقدّم النظر في إثبات فاعل لهذه
الأشياء على النظر في حسنها من قبحها ، وتقديمه يقتضي إثبات فاعل حكيم لا يجوز معه
فعل القبيح ولا إرادته ، فيسقط لذلك القدح ، ويجب القطع على الحسن ، وثبوت الفرض
الحكمي في ذلك ، وإن لم يتميّز كذلك يجب تقديم النظر فيما يدّعى من النص على ما
يدّعى
__________________
من الاختيار ، للوجه
الّذي ذكرناه ، ومتى يفعل ذلك يعلم ثبوت إمامته 7 بالعقل والسمع ، فيعلم به فساد إمامة المتقدمين عليه.
وليس لأحد أن يقول
: دعوى ثبوت النصّ على الاختيار وصفته والمختارين وصفتهم تمنع من النظر في دعوى
النصّ على الإمامة.
لأنّ مدّعي ذلك لا
يستند إلى كتاب ولا سنّة معلومة ، وإنّما يعوّل على أخبار آحاد ، أو فعل الصحابة يوم السقيفة ، ويزعم أنّ
ذلك كاشف عن النص على الاختيار وصفته ، وخبر الواحد لا يوجب العلم ولا يصح به
العمل ، ومجيز العمل به لا يجيزه في مسألتنا هذه ، لعموم بلواها ، وفعل الصحابة لا
حكم له ، ولا داعي الى النظر فيه مع دعوى برهان العقل ، وثبوت النص من الكتاب
والسنّة المجمع عليهما على إمامة علي 7 بغير شبهة عند متأمّل.
ولأن الأمّة في
الآيات اللاّتي ذكرناها والأخبار المعلومة رجلان : قائل إنّها لا تحتمل النص ، وهم
القائلون بإمامة القوم على اختلافهم ، وقائل إنّها دلالة على النص ، وهم الشيعة
بأسرهم ، وكلّ من قال ذلك قطع على فساد إمامتهم.
فعلى هذا يجب على
كلّ مكلّف أن ينظر في مقتضى هذه الآيات والأخبار المعلومة ، ليعلم هل يدلّ على
النص كما تزعم الشيعة ، أو لا يحتمله كما يزعم مخالفوهم ، من حيث كان تقدير كونها
دالة على الإمامة يمنع من النظر في فعل الصحابة ، لحصول الخوف المتقدّم للنظر فيها
على النظر في أدلّتنا وارتكاب الخطر المرتفعين مع تقديم النظر فيها على فعل
الصحابة ، الّذي لا يتقدر فيه ضرر ، لما يأمن كونها
محتملة للنصّ ، ومتى فعل الواجب عليه من تقديم النظر المتكامل الشروط علم دلالتها
على النصّ المرتفع به احتمال فعل الصحابة ، للدلالة على إمامة القوم ، فقطع لذلك
على فسادها.
__________________
على أنّ لما
أسلفناه من البرهان العقلي على إحالة كون الاختيار طريقا إلى الإمامة يسقط فرض
النظر عن كلّ مكلف في إمامة القوم ، لوقوف صحّتها على الاختيار المعلوم فساد كونه
طريقا إليها ، ويقتضي قبحه ، لتعلّقه بما ثبت قبحه بالعقول.
ومنها
: قيام الأدلّة على وجوب كون الإمام على صفات : من العدالة في
الظاهر والباطن وماضي الزمان ومستقبله ، والتقدّم في العلم والفضل والشجاعة والزهد
على الكافة.
وذلك يبطل إمامة
القوم من وجهين :
أحدهما
: أنّه لا أحد من الأمّة قطع على ثبوت هذه الصفات لواحد منهم ،
فتجب له فساد إمامتهم ، لعدم القطع فيهم بما يجب ثبوته للإمام.
الثاني
: أنّه لا أحد قال بوجوب هذه الصفات إلاّ قطع على فساد إمامتهم ، فإذا كانت ثابتة
بالأدلّة الواضحة وجب بها القطع بصحّة فتيا الدائن بها.
ومنها
: أنه لا يخلو دليل إمامتهم من أن يكون نصّا ، أو دعوة ، أو
ميراثا ، أو اختيارا ، وقيام. الدلالة على أنّها لا سبيل على تميّز عين الإمام إلاّ
بمعجز أو نصّ يستند إليه ، فتبطل الدعوة والميراث والاختيار على كلّ وجه.
ويبطل النصّ ، لأنّه
لا أحد قطع بما قلناه إلاّ منع من ثبوته للقوم ، ولأنّ الإجماع سابق لدعوى هذه
المذاهب عدا الاختيار ، وأنه لم يحتج بها يوم السقيفة ولا بعده من ترشّح للإمامة
أو ادعيت فيه ، وإذا خلت أعصار الصحابة والتابعين وتابعيهم من دعوى هذه المذاهب ، وجب
القطع على فسادها.
ولأن فساد إثبات
الإمامة بالدعوى معلوم بأول نظر ، لأنه إثبات ما لا دليل عليه إلاّ مجرد الدعوى
الّتي لا تميّز حقّا من باطل ، ولأنه لا دليل على كون الدعوة طريقا من كتاب ولا
سنّة ، وما لا دليل على إثباته يجب نفيه.
__________________
ولأن القول
بالدعوى يقتضي وجود عدّة أئمة ، والاجماع بخلاف ذلك ، أو سقوط فرض الإمامة ، أو
حصول فساد لا يتلافى ، من حيث صحّ أن يدّعي الإمامة في وقت واحد عدة نفر في صقع أو
بأصقاع ، وثبوت الكلّ يقتضي عدّة أئمّة ، [ و ] فساد الكلّ يسقط فرض الإمامة ، وإثبات
بعض دون بعض اقتراح في الاثبات والنفي ، لعدم الفرق ، ويقتضي أن يغلب ظنّ بعض
المكلّفين كون أحدهم أهلا للإمامة دون غيره ، ويغلب ظنّ آخرين بخلاف ذلك ، فيفضي
إلى فساد لا يتلافى.
ولأن الميراث
منتقض بإجماع الأمّة على اعتبار صفات الإمام ، واستحقاق الميراث من لم يتكامل فيه ،
بل لم تثبت له صفة منها ، ولأنه لا دليل على كون الميراث طريقا إلى الإمامة ، وما
لا دليل عليه يجب القطع بنفيه.
ولأنّ الاختيار
مفتقر إلى نصّ معلوم على تسويغه ، ولا سبيل على ذلك ، ولأن الإمامة لا يملك التصرف
فيما يستحقّه الإمام بحقّ الولاية على الأمّة ، فمحال أن تثبت إمامته باختيار ، لأن
ذلك يقتضي تمليكه ما لا يملكه المختارون له ، وذلك فاسد بأوائل العقول.
ولأنه يقتضي وجود
عدّة أئمّة ، أو انتقاض فرض الإمامة ، أو فساد لا يتلافى ، لأنه لا يخلو أن يكون
العاقدون للإمامة جميع العلماء مع تسليم الكافّة لهم من العامة ، أو بعضهم.
ووقوفه على الكلّ
يقتضي إيقاف الأمر إلى تجميع علماء الأمّة وعامّتها في مكان واحد للاختيار ، ويتّفق
رأيهم على واحد بعينه ، وذلك كالمتعذّر ، لأنّ تقدير اتفاق دواعيهم إلى ذلك ، وقطع
الأغراض الدينيّة والدنيويّة ، وانقياد أهل كلّ مصر وإقليم لأهل مصر واحد غير جائز
في العادة ، ولو جاز اتفاق ذلك ـ مع بعده ـ لكانت الحال في التعذر على ما بيّناه ،
لتعذّر المتّهم بهذا الشأن والباعث عليه والجامع للكفاية له.
وإذا تعذر حصوله
بجميع الأمّة لم يبق إلاّ تعلّقه ببعضها ، وفعل بعضها ليس بحجّة ، ولو كان حجّة
لاقتضى صحة أن يغلب ظنّ علماء كلّ إقليم بأنّه لا يصلح للأمة إلاّ من يليهم أو يلي
غيرهم.
فإمّا أن يعقد كلّ
لمن يغلب ظنّه بصلاحه للإمامة ، أو لا يعقد حتى يتفقوا ، واتفاقهم محال على ما
بيّناه وفرضنا من ورائه ، من حيث كانت
غلبة ظنّ كلّ فريق من العلماء بأنّه لا يصلح للإمامة إلاّ من يليهم أو يلي غيرهم
دون ما عداه ، يمنع من رجوعه إلى غيره من العلماء بغير خلاف بين
المجتهدين.
وعقد كلّ فريق لمن
غلب ظنّه بصلاحه للإمامة فاسد من وجوه :
أحدها
: أنّ فيه إثبات عدّة أئمة في وقت واحد ، والاجماع بخلاف ذلك.
ومنها
: أنه يؤدّي على استحلال بعضهم قتال بعض ، لظنّه به خروجه
ممّا وجب عليه الدخول فيه من طاعة إمامه ، كما قالوا مثل ذلك في إمامة أبي بكر
وعمر وعثمان المعقودة ببعض الأمة ، وهذا ظاهر الفساد ، ولما فيه من إراقة الدماء ،
وخراب الديار ، والانقطاع عن جميع المصالح الدينيّة والدنيوية ، فبطل القول
بالاختيار ، لما يؤدّي إليه من الفساد.
ولا يجوز أن يكون
النصّ طريقا إلى إمامتهم ، لقصوره على دعوى الشذوذ ، وتعذر معرفة الدائن به منذ
أزمان ، وفساد وقوف الحقّ في ملّتنا على فرقة لا تعرف في أكثر الأزمان ، ولاستناد
دعوى مبنيّة على خبر واحد لا يجوز إثبات الإمامة به باتفاق ، ولو ثبت لم
يدل ، كخبر الأحجار والصلاة :
من حيث كان وضع
النبي 9 مسجد قبا ـ على ما رووه ـ على حجر وقوله : أبو بكر ، وثانيا وقوله : عمر ، وثالثا وقوله : عثمان ، ورابعا
وقوله علي 7 ، لا يفيد بظاهره الإمامة
ولا دليله ، لأنّه لو كان فيه حجّة لاحتج به القوم يوم السقيفة ، ولاحتج به أبو
بكر في خلافة عمر ، ولاستغنى به عمر عن الشورى ، ولاحتجّ به عثمان يوم الدار ، وذلك
يدل على أنه مفتعل أو لا حجّة فيه.
__________________
وصلاة أبي بكر لو
كانت بأمر النبي 9 لم يكن فيها حجّة ، لأنها لم تتمّ له ، لخروج النبي 9 باتفاق ، وعزله
وتولّي الصلاة بنفسه ، مع ما هو عليه من شديد المرض ، وذلك يدل على أنّ تقدّمه لم
يكن عن أمره فلذلك تلافاه ، أو بأمره ونسخه الله ، كقصّة البراءة.
ولو سلّم أنّ
تقديمه للصلاة كان بأمره 7 وأنّه تولاّها بنفسه ـ وإن كان فاسدا ـ لم يدل على الفضيلة
فضلا عن الإمامة ، لصحة عقد الصلاة عندهم بالفاسق ، وعندنا بمن ظاهره العدالة وإن
كان فاسقا عند الله ، ولأنّ النبي 9 والخلفاء عندهم من بعده قد قدّموا للصلاة من لا يصلح
للإمامة ولا يرشّح لها ولا رشّح باتفاق.
[ بطلان خلافة القوم على مقتضى
مذهبهم ]
وأمّا فساد إمامة
القوم على مقتضى مذاهب القائلين بها مع تقدير تسليمها فهو : أنّهم متّفقون على
أنّه لا يصلح للإمامة إلاّ : الرجل ، الحرّ ، المسلم ، العدل ، العالم ، الشجاع ، السديد
الرأي ، العابد ، الزاهد ، القرشي على رأي الجمهور ، فإذا تكاملت هذه الصفات لم
تثبت إمامته إلاّ بنصّ من الله تعالى ، واختيار من كافّة العلماء ، وتسليم من
الباقين ، مستند إلى نصّ منه تعالى على صفة الاختيار والمختارين ، أو دعوة إلى نفس
الموصوف ، ومتى اختلّ شيء من الصفات لم يصلح المرء للإمامة ، وإن دعي أو اختير لها
لم تنعقد إمامته ، وإن تكاملت لشخص ولم يحصل نصّ عليه لاختيار ولا دعوة لم تنعقد
إمامته ، وإن انعقدت بشيء من ذلك فوقع منه فسق انفسخ العقد وبطلت إمامة المعقود
له.
ونحن بمشيئة الله
وعونه نبيّن أنّ الصفات لم تتكامل لواحد من الثلاثة ، ثم نسلّمها ونبيّن أنّه لم
يحصل على إمامته نصّ ولا اختيار ولا دعوة ، وأنّه لو كانت صحيحة لكان قد وقع منهم
في حال ولايتهم من القبائح ما يقتضي فسخها ، ونبيّن أنّه لم يقم دليل على كون
الاختيار ، فسقط بكلّ واحد من هذه دعوى صحّة إمامتهم ، والمنّة لله.
[ عدم تكامل صفات الإمامة للقوم
]
أمّا الحريّة
والقرشيّة وظاهر الاسلام :
فقد علم ما يقدح
به الشيعة في أنسابهم وإسلامهم ، ويرديه من حيث ميلادهم ، وصحّة ذلك يوجب القطع
على نفي الحريّة والقرشيّة والاسلام ، ووروده فقط يمنع من القطع بثبوت ذلك المفتقر
صحّة الإمامة إلى ثبوته قطعا.
وأمّا العدالة :
فقد وقع منهم في
حال حياة النبي 9 ما يمنع منها ، لفقد العلم بحصول التوبة منه ، وثبت من
أحداثهم بعده 7 المعلوم حصول الإصرار عليها ما يمنع كلّ واحد من ذلك على
أيسر الأمر من العدالة ، ويقتضي فساد الولاية.
أمّا الواقع منهم
في حياته 7 :
فما روي من قصّة
التنفير به 7 ليلة العقبة ، والمعاهدة على نزع الأمر من أهله ، وقد ورد ذلك من طريقي
الخاصّة والعامة ، وعن جميع المنفرين والمعاقدين ، والثلاثة من جملتهم ، وذلك ضلال
لم تثبت منه توبة.
ومنه
: انهزامهم يوم أحد وخيبر وحنين ، وكون المنهزم فاسقا ، والنصّ
بالتوبة عن المنهزمين في أحد وحنين مختصّ بالمؤمنين ، وليسوا كذلك قطعا ، وإنّ
قطعنا نحن على نفي الإيمان عنهم بالأدلّة ، ولفقد ذلك في هزيمة خيبر.
ومنه
: احجامهم عن الحرب في جميع المواطن المحتاج فيها إلى معاونة النساء
والصبيان ، وذلك إخلال بواجب.
ومنه
: تعقّب عمر ما قاضى عليه رسول الله 9 بأنها ليست دينه ،
__________________
بل هو خير لك يا
عمر وللمسلمين ، وقوله أثر ذلك :
ألم تعدنا دخول مكّة آمنين محلّقين ، وردّه عليه : لم أعدكم العام وستدخلها إن شاء
الله ، ومضيّه إلى أبي بكر منكرا بعد ما قال وقيل له بقوله له : أرأيت ما فعل
صاحبك ـ يعني رسول الله 7 ـ والله لو أنّ لي سيفه لضربت به وجهه. ولا شبهة في كفر
المتعقّب على رسول الله 9 ، والشاكّ في
وعوده ، أو المنكر لما شرعه ، والمضيقة بالصحبة على المخاطب ، وبمثل هذه الكلمة
الأخيرة حكموا على بني حنيفة بالكفر والردّة على المسلمة.
ولهذه الأحاديث
نظائر كثيرة ، إيرادها مخرج لنا عن الغرض ، من أرادها وجدها في كتاب الفاضح
والمسترشد للطبري ، والمعرفة للثقفي ، وغيرهما.
وأمّا الواقع منهم
بعد النّبي 9 وقبل
الاستخلاف فضروب كثيرة :
منها
: تخلّفهم عن جيش أسامة بن زيد بن حارثة 2 ، مع تأكيد الأمر عنه 7 ـ إلى أن فاضت نفسه ـ بانفاذه ، ولا فرق بين خلافه 7 في ما أمر به من
المسير مع أسامة ، وبين خلافه فيما أمر به من الصلاة والزكاة والإمامة ، وذلك فسق
لا شبهة فيه ، ودعوى خروج أبي بكر من البعث لا يفي شيئا ، لثبوت الرواية به من
كافّة الشيعة ، وقد بيّنا كون ما تواتروا به صدقا ، وقد نقله الجمهور من أصحاب
الحديث.
[
ولو ] سلّم خروجه من
البعث لكان إقراره عمر وأبا عبيدة والمغيرة وسالما على التخلّف ومنعهم من النفوذ
فسقا يمنع من عدالته ، إذ لا فرق بين أن يخالف أمر النبي 9 ، أو يمنع من نفوذه ، ولأن فسق عمر ومن شاركه في العقد لأبي
بكر لخروجهم عن البعث بإجماع ـ كاف في تفسيق الجميع ، لأنه لا أحد فرّق بين القوم
في العدالة أو الفسق ، ولا يسوغ ذلك اجتهادا ، لأنّه لا حكم للاجتهاد مع ثبوت
النصّ ، لكونه فرعا له ، ولأنّ تسويغه في إبطال النصّ يقتضي فساد الشريعة جملة ، وذلك
__________________
كفر ، وتخصيص [
مخالفة ] النص في موضع دون موضع اقتراح لا يقول به أحد.
ومنه
: رغبتهم عن تولّي أمر رسول الله 9 ، وتشاغلهم عن تغسيله وتجهيزه والصلاة عليه بأمر الدنيا إلى
... من ... ويعيد من سلم الرغبة عن الصلاة على المبرز في الفضل
والعبادة في الملّة ، فضلا عن ... ورسول الله 9 إليه ، وهذا خبيث جدا.
ومنه
: منازعتهم إلى السقيفة لانتهاز الفرصة ، من غير توقّف على
حضور العلماء ، ولا مشاورة أحد من بني هاشم ، ولا مكاتبة لأحد من علماء الأمصار ، ولا
انتظار لحضورهم ، وذلك إخلال بواجب عند المختارين.
ومنه
: طلبهم الإمامة يوم السقيفة من غير جهتي النصّ والاختيار على
ما نبيّنه ، وتوصلهم فيها إلى رئاسة الدنيا بما يجب كونه خالصا لله تعالى ، من
قولهم : نحن السابقون ، ونحن المهاجرون ، ونحن الّذين فعلنا في الاسلام كذا ، ولا
شبهة في فساد عمل يقرّب به إلى منافع الدنيا ، وفساد ذلك مع وجوبه عليهم يقتضي
التفسيق بغير شبهة.
ومنه
: رضى كلّ واحد منهم بتقليده الأمر بفعل من ليس فعله حجّة من
الملّة على ما نبيّنه ، ولا شبهة في فسق من قبل العقد له بمن لا يمضي به العقد عند
أحد منهم ، وإذا ثبت فسق القوم المعرّضين للإمامة قبل ثبوت العقد لهم بها لم يصح
العقد لعدم [ ال ] شرط المتفق عليه من وجوب عدالة المعقود له.
وأمّا العلم بما
يحتاج إلى الإمام فيه :
فبرهان تعرّيهم
منه واضح من وجوه :
منها
: أن لم يحفظ عن نبيّ الهدى 9 نصّ يوصفهم به ، مع نصّ على أحوال الصحابة في قوله :
أقرأكم أبيّ.
__________________
وأفرضكم زيد.
وأعرفكم بالحلال
والحرام معاذ.
وأقضاكم علي.
وأنا مدينة العلم
وعلي بابها.
وعلي مع الحقّ
والحقّ مع علي يدور معه حيث ما دار.
وقوله لفاطمة 3 : زوّجتك أقدمهم
سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما.
وإخراجه 9 القوم من القراءة
وعلم الفرائض والأحكام والحلال والحرام دليل على تعرّيهم من الجميع.
ومنها
: أنّهم لو كانوا من علماء الصحابة وفقهائهم ، لكانت حالهم في
ذلك أظهر من حال علي 7 ، ومعاذ ، وابن
عباس ، وابن مسعود ، وزيد ، وأمثالهم الّذين اشتهر حالهم في علم الفتيا ، وسلّم
الكلّ لهم التقدّم في العلم ، لقوّة سلطانهم ، والتزام طاعتهم ، والانقياد لهم ، وكثرة
شيعتهم إلى الآن ، وفي فقد ذلك دليل على أنّهم لم يكونوا من العلماء.
ولا يقدح في هذا
ما روي عنهم من الفتيا في أعيان أحكام ، وحصول الخلاف منهم في مسائل.
لأنّ المروي عنهم
من ذلك لا يقصر عنه أدنى المتعلّمين ، ولا يعجز عنه بعض أتباع الفقهاء ، لقلّة
عدده وتعرّيه من حجّة واضحة ، وخلوّ أكثره من برهان ، وما يحتاج إليه الإمام من
العلم غير ذلك ، من وجوب علمه بالأصول العقليّة والشرعيّة وجملة النصوص الشرعية ، ليصح
منه الاجتهاد عندهم.
ولأنّ إلى الإمام
الأمر [ بكلّ ] معروف والنهي عن كلّ منكر ، وذلك لا يحسن من دون العلم بحسن
المأمور وقبح المنهيّ ، إذ كان الحمل على فعل ما يجوز الحامل عليه كونه قبيحا
والمنع مما يجوز المانع منه كونه حسنا قبيح ، وهذا يقتضي كون الإمام عالما بكلّ
حسن وقبح عقليّ وسمعيّ ، وحال القوم بخلاف ذلك.
ومنها
: اعتراف كلّ منهم بالجهل والقصور عن رتبة الكمال في العلم ، ورجوعه
إلى غيره وتقليده
له ، مع اتفاقهم على اختصاص فرض التقليد بالعامي دون المتمكّن من الاستدلال :
فمن ذلك قول أبي
بكر : وليتكم ولست بخيركم ، ولي شيطان يغريني ، فإن استقمت فأعينوني ، فإن زغت
فقوّموني.
فأخبر أنه يزيغ عن
الحقّ ويفتقر إلى تقويمهم ، ولو كان من أهل الاجتهاد لم يسغ له الرجوع إلى غيره ، لكون
كلّ مجتهد مصيبا وإن أخطأ وزاغ ، وإن قصّر راجع اجتهاده فردّه إلى موجب الحكم ، ولم
يحتجّ إلى مقوّم كسائر المجتهدين الّذين عند خصومنا أنّ أبا بكر أفضلهم فيه
وأعلمهم ، ومن كان في هذه الرتبة فهو غنيّ بفضل بصيرته وقوّة اجتهاده عن غيره ، وفي
ايقافه التقويم عند الزيغ عن الحكم على غيره دليل على كونه عاميّا.
ومن ذلك : جهله
بالحكم في قصّة فاطمة 3 ، وما يجب من قبول
قولها بغير بيّنة على ما نبيّنه ، وما يلزم في المسلمة من سماع بيّنتها والحكم بها
، وعمله بما يعلم خلافه ، وعمله في الإرث بخبر واحد ، وترك ظاهر القرآن ، مع وجوب
تقديمه على أخبار الآحاد بإجماع.
ومن ذلك : جهله
بما يجب على بني حنيفة بمنع الزكاة عن تحريم أو استحلال ، وإجراؤه الفقراء والنساء
والولدان مجرى عقلاء الأغنياء من الرجال ، مع قبح ذلك بأدنى تأمّل.
وجهله بالأبّ في
قوله سبحانه ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) ، ومعنى الكلالة وميراث الجدّة ، حتّى أفتاه أمير المؤمنين 7.
إلى غير ذلك مما
حفظ عنه من قصوره عن العلم بما يحتاج إليه المكلّف ، فضلا عن الإمام.
ومن ذلك : جهل عمر
بموت النبي 7 ، مع وقوعه مشاهدة وتضمّن
__________________
القرآن له ، حتّى
تلا عليه أبو بكر ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) ، فقال : كأنّي لم أسمعها ، وهذا يدل على عظيم الجهل وشديد
البعد عن سماع القرآن.
ومنه : جهله بموجب
الحدود التي يختصّه فرضها ، حتّى أمر مرّة برجم الحامل ، حتّى منعه من ذلك أمير
المؤمنين 7 ، وروي أنه معاذ ، وقال
له : إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها ، فرجع عن رجمها.
وأخرى : برجم
المجنونة ـ مع إجماع الأمّة عن النبي 9 أنه قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبيّ حتّى يبلغ ، وعن
النائم حتّى ينتبه ، وعن المجنون حتّى يفيق ـ حتّى نبّهه أمير المؤمنين 7 على ذلك ، فرجع
عنه.
وأخرى : أنه وجد
على زعمه رجلا يفجر بامرأة ، فأخذهما ليجلدهما ، فلقيه أمير المؤمنين 7 ، فقال : ما لك ولهما فقال : يا أبا الحسن وجدت هذا الرجل
يفجر بهذه ، فقال له أمير المؤمنين 7 : عليك البيّنة ، وإلاّ فلهما في جنبك حدّان ، إلاّ أن
يعفوا ، فاستعفاهما فعفوا ، فقال : لو لا علي هلك عمر.
وجهله بما يجب في
المملصة حتّى أفتاه أمير المؤمنين 7 بلزوم الدية على عاقلته ، ففضّها لوقته على بني عدي ، وقال
: لو لا علي هلك عمر.
وهذه أمور لا
يجهلها من له أدنى أنس بالأحكام ، فضلا عن العالم المبرز.
ومنه : جهله
بالحكم في المغيرة بن شعبة ، ووجوب تعزيره باتفاق.
ومنه : تكميله
الحدّ على ابنه بعد الوفاة ، وجهله بسقوط الحدّ عن الأموات.
ومنه : جهله بأنّ
الثابت من دين النبي 9 لا يجوز نسخه برأي ولا اجتهاد ، حتّى أقدم على تحريم متعة
النساء برأيه ، المعلوم تحليلها من زمن النبي 9 ، وقد اعترف بذلك
في قوله ، ومتعة الحج ، المنطوق بها في القرآن المجمع على صحّتها.
__________________
ومنه : جهله بما
أباحه الله تعالى من المهور ، حتّى حرّم الزيادة على مهر السنّة ، وتوعّد بالعقاب ،
حتى ردّت فتياه امرأة ، فرجع فقال : كلّ أحد أفقه من عمر حتّى النساء.
ومنه : جهله بجزية
المجوس ، حتّى أفتاه بها عبد الرحمن بن عوف.
ومنه : جهله
بموضوع الشرائع ، ووقوف فرضها ونفلها وحرامها على علاّم الغيوب ، حتّى شرع للناس
صلاة موظّفة مقنّنة لا يزاد عليها ولا ينقص منها.
ومنه : جهله
بإباحة أهل الذمة الإقامة بين ظهراني المسلمين ، حتّى جلاهم عن جزيرة العرب ، وقال : لا يجتمع
في جزيرة العرب دينان.
ومنه : جهله بصفة
الاختيار وشروطه ، حتّى شوّر الشورى ، بخلاف ما قرّره أصحاب الاختيار ، وحكم فيها بما
لا يجوز في الملّة ، ولا يجهله من له أدنى فطنة وأيسر بصيرة في الاسلام ، على ما
نبيّنه فيما بعد إن شاء الله.
إلى غير ذلك من
الأمور الدالّة على جهله بما لا يجهله بعض المتفقّهة ، فضلا من رؤساء أهل
الاجتهاد.
ومن ذلك جهل عثمان
: بقبح ردّ من نفاه النبي 9 عن دار الهجرة إليها ، ونفي حبيبه أبي ذر عنها ، وإهانة [
أوليائه ] المخلصين ، وتقريب أعدائه الفاسقين ، وأحكام التسوية في العطاء.
وقصوره عن أدنى
منزلة في العلم ، لفقد ذكره في العلماء ، وعدم الإسناد إليه بشيء من الأحكام يعتدّ
بمثله.
في أمثال لهذا من
فزع كلّ منهم إلى علي تارة ، وإلى معاذ أخرى ، وإلى زيد بن ثابت مرّة ، وإلى ابن
عبّاس أخرى ، وإلى غيرهم من علماء الصحابة عند بلوى الأحكام ، وتقليدهم إيّاهم ، وعملهم
بفتياهم.
__________________
وهذه حال ينافي ما
يعتبرونه من كون الإمام عالما ، ولو لم يكن على قصورهم عن رتبة العلماء إلاّ أنه
لم يحفظ عن جميعهم ما يعلم من تفقّه شهر واحد لكفى في الدلالة على جهلهم بالأحكام ،
لوجوب ظهور ذلك ، لعلوّ سلطانهم وكثرة أعوانهم.
وأمّا الشجاعة :
فمعلوم خلوّ
الثلاثة منها ، وتقدّم أدنا موصوف بشيء منها عليهم ، وأنّ حالهم في مغازي النبي 9 وسراياه ينقسم
إلى أمرين :
إمّا تخلّف عن
القتال ونكوص عن النزال ، بحيث الحاجة إليهم ماسّة ، كيوم بدر والأحزاب وأمثالهما ،
ممّا لا شبهة على متأمّل للأخبار في تخلّفهما في ذين اليومين وغيرهما عن مباشرة
الحرب وقتال الأقران.
وإمّا فرار على
العقب ، وإسلام النبي 9 ، كيوم خيبر ، وردّهما
فيه راية رسول الله 9 ، مصرّحين بالجبن ،
متلاومين على الفرار ، وظهور الوهن لهزيمتهما في الاسلام ، وغضب النبي 9 من ذلك ، وذمّهما
عليه ، ووصفهما بالفرار ، ونفي محبة الله ورسوله لهما ومحبتهما له تعالى ولرسوله 7.
وانهزامهم يوم أحد
، وإسلامهم رسول الله 9 ومن معه من خلصائه.
وانهزامهم يوم
حنين ، ورغبتهم بأنفسهم عن نصرة الرسول 9 ومن ثبت معه من أهله ، واختصاص أبي بكر من لوم
الهزيمة فيه بما لم يشركه فيه أحد ، لقوله : لن نغلب اليوم من قلّة ، ونزول القرآن
بتوبيخه في قوله تعالى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ
عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) .
ورجوع عثمان من
الهزيمة بعد ثلاث ، وتوبيخ النبي 7 له بقوله : لقد
__________________
ذهبت فيها عريضة ،
يعني الأرض.
هذا مع فقد العلم
بمقام واحد أغنوا فيه عن الاسلام ، أو بارزوا فيه قرنا ، أو قتلوا بطلا
معروفا على جهة الانفراد به أو المشاركة فيه ، وثبوت ذلك لأضعف المسلمين ومن لا
يعرف بشجاعة.
وإذا انتفت عنهم الشجاعة
الّتي يجب كون الإمام عليها ، لكونه ... في الحرب ـ بل بعض صفات الشجاعة الّتي لو ثبتت لهم لم تنفع
ـ خرجوا عن صفة من يصلح للإمامة.
وأمّا سداد الرأي
في السياسة :
فبرأ منه في سياسة
الدين والدنيا.
أمّا سياسة الدين
فجميع ما قدحنا به في عدالتهم من الأفعال الواقعة قبل العقد وما نذكره من ذلك بعده
دالّ على قبيح سياستهم في الدين وموضح عن سوء رأيهم في المسلمين.
وأمّا سياسة الدنيا
فلو صحّ رأيهم فيها لم ينفع ، لأن المطلوب حسن سياسة الدين وما يتعلّق به ، دون
الدنيا الّتي لا تعلّق لها بالدين.
على أنّهم لم
يحسنوا سياسة الدنيا ، لأنّ الداعي إلى فعل القبيح الانتفاع به ، والإقدام عليه لا
لانتفاع به ولا دفع الضرر جهل مفرط وسوء رأي ، وقد دللنا على قبح ولايتهم ، لخلافها
لمدلول الأدلّة ، فاقتضى ذلك خسران الآخرة ، وكونهم عالمين بذلك إن كانوا ممّن
يعتقدها ، وإلاّ يكونوا فالحجّة ألزم.
ولم نجدهم
استعملوا نفعا يجوز لمثله أن يختار العاقل القبيح ، بل كانوا من التقلّل
__________________
وخشونة العيش في
المطعم والملبس وغيرهما على صفة الفقراء ، مع تعرّضهم بتولّي الأمر للخطر العظيم في الدنيا
، وتحصيل العداوة المخوف معها على الأنفس ، وما يليها من سوء العقبى ، واكتساب
الذمّ إلى يوم القيامة ، بظلم من يجب حقّه ، والتصغير بمن يلزم تعظيمه ، وتقريب من
يجب إبعاده ، وحرمان المستحقّ وإعطاء غيره.
ولو لم يدلّ على
قبح سياستهم للدنيا إلاّ وضعهم من أهل بيت وليّ رئاستهم المعظّمين لديه على كافّة
أمّته ، والتصغير بهم ، وقصدهم بالأذى ، ومنع المنافع الّتي أمزجوا فيها أعداءهم ،
لكفى ، إذ لا شبهة في فساد هذه السياسة ، وقبح هذه السيرة ، فأيّ شبهة تبقى على
منصف في قبح سياسة من هذه حاله دينا ودنيا!!.
وأمّا عبادتهم :
فلم يعدّهم أحد من
الأمّة من عبّاد المدينة ، وإن كان ثمّ دعوى عبادة فليست المعتبرة في الإمام.
وأمّا الزهد في
الدنيا :
فالمعلوم خلافه ، من
حرصهم عليها وطلبها من غير وجهها ، إذ تخلّفهم عن أسامة مع وجوب النفوذ معه ، والمسارعة
إلى السقيفة ، وترك رسول الله 9 جنازة بين أهله ، ومنافسة ... ، وجعل أفعال الآخرة من السبق والهجرة ذريعة إلى الدنيا ، وتعرّضهم
للأمر مع مناقشة الأنصار فيه ، واستحقاق بني هاشم له ، واعتقاد كلّ واحد من
الفريقين كونه أولى به منهم ، وخوف الشنان من ذلك والفتنة الصماء ينافي الزهد في
الدنيا ويحيله ، ويدلّ على قبح الحرص وسوء الطلب.
وأي عاقل يحسن منه
دعوى الزهد في الدنيا لمن يحرص على تقلّد الأمر على الأمّة على هذا الوجه ، مع
اختلال جميع الصفات فيه على ما بيّنّاه ، وعلمه بذلك من نفسه ، ويحمل الناس على
بيعته طائعين وكارهين ، ويخوّف بالقتل على التخلف عنه
__________________
لأفاضل المسلمين ،
ولا يرغب في صلاح أمر دنياه في مؤمن إلاّ ولا ذمّة ، فيأمر بقتل سعد ابن عبادة
تارة ، وبقتل علي أخرى ، وبقتل الزبير مرّة ، ويكسر سيفه ، ويهجم على دار علي 7 بالرجال ويأتي [
به ] مكرها ليبايع ، ويقتل بني حنيفة على الامتناع من حمل الزكاة إليه وإخراجها
إلى فقرائهم ، ويعمّ بفتنته لهم مستحقا وغيره ، ويوجىء عنق سلمان ، ويخرج
بلالا عن المدينة لمّا امتنع عن البيعة ، ويقاسم العمّال ، ويحكم في الشورى بما
ذكرناه ، ومن يستبدّ بالأموال ويعطيها من لا يستحقّها من أهله وقراباته ، ويعرض
نفسه ومن معه من الأهل والأولياء للقتل ظنّا بما لا يستحقّه من الأمر ، لاختلال
الصفات فيه ، ويضرب الأخيار كعبد الله وعمّار ، وينفي أبا ذر في صلاح دنياه!!.
إلاّ جاهل بذلك من
حالهم ، أو مغمور بالعصبيّة لهم.
وإذا ثبت تعرّيهم
من جميع الصفات الّتي لا يصلح للإمامة من لم يتكامل فيه باتفاق ، سقط فرض النظر في
دعوى اختيارهم وثبوت إمامتهم به ، ووجب القطع على فسادها وضلال المتعرّض لها
والمعرض والدائن بها أولا وآخرا ، والمنّة لله.
[ بطلان امامة القوم حتّى مع
تقدير ثبوت صفات الإمامة لهم ]
وأمّا فساد
إمامتهم مع تقدير ثبوت الصفات الّتي معها يصحّ الاختيار ، فهو أنّ صحته تفتقر
عندهم إلى ثلاثة أشياء :
أحدها
: ثبوت النص به وبصفة متولّية ، من حيث كان فقد النصّ يرفع
الثقة بفعلهم.
الثاني
: ارتفاع الموانع عن صحّة العقد للمختار ، إذ كان ثبوت مانع
يحلّ الاختيار.
الثالث
: وقوعه على الوجه الّذي ذكروه ، لأنّ وقوعه بغير صفته
المعتبرة فيه يقتضي العقد له وكل مفقود ، والمنّة لله.
__________________
[ عدم ثبوت نصّ على إمامة القوم
]
أمّا النصّ ، فلو
كان ثابتا لكان معلوما على وجه لا يحسن الخلاف فيه ، لعموم بلواه ، وتوفّر الدواعي
على نقله ، وقوّة البواعث على روايته لولاية المختار ، وانبساط يده ، وكثرة أعوانه
، والنفع العظيم به ، وعدم التحرز فيه ، بعكس ما حصل في النصّ على أمير المؤمنين 7 وصفة متولّيه ، وإذا
فقد العلم به سقط دعوى ثبوته.
وليس لأحد أن
يدّعي النصّ على الاختيار بما روي عنه 7 أنه قال! : إن تولّوها أبا بكر تجدوه قويّا في دينه
ضعيفا في بدنه ، وإن تولّوها عمر تجدوه قويّا في دينه قويا في بدنه ، وإن تولّوها
عثمان يوسعكم مالا ، وإن تولّوها عليّا تجدوه هاديا مهديّا.
لأن فقد العلم
بهذا الخبر دليل على افتعاله ، لما ذكرناه من قوّة الدواعي إلى نقل ما يعضد مذاهب
القائلين بالاختيار ، وانتفاء الصوارف عنه.
والّذي يدلّ على
فساده أمور :
منها
: أنه يتضمّن وصف الرجلين بالقوّة ، مع حصول العلم بانتفائها
[ عنهما ] من علم أو عبادة أو شجاعة ، حسب ما قدّمناه ، فيصير كذبا لا يجوز على
النبي 9.
ومنها
: أنّه لو كان ثابتا لاحتجّ به أبو بكر يوم السقيفة على
الأنصار ، فهو أبلغ من قوله : نحن المهاجرون الأوّلون ، ونحن من قريش ، وهم عترة
النبي 9 ، ولمّا لم يفعل ثبت أنّ
الخبر مخرص .
ومنها
قوله : قد اخترت
لكم احد الرجلين ، يعني : عمر وأبا عبيدة ، ولو كان الخبر صحيحا لوجب أن يقول : قد
اخترت لكم احد الرجلين : عليّا أو عمر ، إذ أخذ
__________________
الثلاثة كان : عليّا
أو عمر أو عثمان ، ولا يذكر أبا عبيدة ويعدل عمن نصّ النبي 9 على اختياره.
ومنها
: أنه لو كان صحيحا لم يجز لأبي بكر أن ينصّ على عمر ويأخذ
الناس ببيعته إلاّ بعد إحضار أمير المؤمنين وعثمان ، وإجماع الأمّة على أخذهم ، ولكان
له أن يحتجّ على من أنكر عليه ولاية عمر ، ووصفه له بالفظاظة ، والغلظة ، وتخويفه
الله من ولايته عليهم ، فيقول : ما وليتم عليكم إلاّ من نصّ رسول الله 9 على اختياره.
ومنها
: أنّه لو كان صحيحا لأغنى عمر عن الشورى على أعيان المختارين
، لأنه لم يبق منهم غير علي وعثمان ، فكان ينبغي بمقتضى الخبر أن يختار أحدهما ، ولا
يشرك معهما في الشورى من لم ينصّ النبي 9 على اختياره ، ولا أن يتمنّى لها سالما ولا ذكر له في
النصّ ، ولا يتكلّف شيئا مما تكلّفه من الاهتمام بأمر القائم مقامه ، وقد كفاه
النبي 9 ذلك بنصّه على عينه.
ومنها
: أنه لو كان صحيحا لم يجز لأبي بكر أن يتقدّم على عمر ، ولا
يسوغ لأحد من الأمّة تقديمه عليه ، لكونه أقوى منه دينا وبدنا ، ولا لواحد منهم
على علي ، للنص على كونه هاديا مهديا سلك بهم الطريقة المثلى قطعا ، وفقد ذلك
منهم.
على أنّ الحديث
خبر عن حالهم ، لو قد فعلوا لألفوا أبا بكر بصفة كذا ، وعمر بصفة كذا ، وعليا بصفة
كذا.
والخبر كاشف
كالعلم وليس بمقتض ، وإنّما المقتضي للإيجاب الأمر ، وليس بأمر ، إذ لو كان أمرا
لم يجز لأحد منهم مخالفته ، وقد بيّنا عملهم بخلافه.
وبعد فهو عري من
النص على أعيان المختارين وصفاتهم من ذوي الحلّ والعقد ، فلا ينفع في موضع الحاجة.
__________________
[ ثبوت المانع من اختيار القوم ]
وأمّا ثبوت المانع
من اختيار القوم فكونهم مرتبطين بطاعة أسامة واتّباعه في البعث ، وتعذر الجمع بين
الأمرين ، كارتباط أسامة بذلك وخروجه بتعيّن فرض الإنفاذ لأمره 9 عن النظر في أمر
الإمامة فضلا عن الصلاح لها.
وقد صرّح أبو بكر
بوجوب هذا البعث ، فقال : لو تخطفتني الطير من مجلسي ويفرق عني جندي حتّى أبقى
وحدي لم يكن لي بدّ من إنفاذ جيش أسامة.
وإذا كان معترفا
بتضيّق فرض الإنفاذ فهو وصاحباه ومن عقد له من جملة الأتباع ، خرجوا بذلك عن
التأهيل للاختيار وإن تكاملت لهم صفات الإمام ـ المعلوم انتفاؤها عنهم ـ وذلك يسقط
فرض النظر في حال العاقدين ومن عقدوا له.
[ عدم حصول الاختيار بصفته
المعتبرة ]
وأمّا عدم
الاختيار بصفته المعتبرة عن الثلاثة المتقدمين ، فقد بيّنا أنّ صحّته تفتقر إلى
حضور جميع العلماء ، للنظر في أحوال من يصلح للإمامة ، فاذا استقرّ رأيهم على واحد
وسلّم لهم العامّة الرضى به بايعوه ، وهذا مفقود في الجميع.
أمّا عدم هذه
الصفات المعتبرة في اختيار الأول فظاهر لكلّ متأمّل ، إذ معلوم لكلّ ناظر توليته
الأمر عليه على غير وجه الاختيار ، من حيث علمنا وهم سبق الأنصار إلى
سقيفة بني ساعدة ، وترشّحهم سعد بن عبادة للأمر ، وعزمهم على بيعتهم [ له ] من غير
مشاورة لمن عداهم أو تأخّر عنهم من المهاجرين ، وإنذار ابن ساعدة العجلاني عمر ابن
الخطاب بحال الأنصار وما اجتمعوا له وعزموا عليه ، ومجيء عمر إلى أبي بكر ، ومضيهما
إلى ظلّة بني ساعدة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، والمغيرة بن شعبة ، وسالم
مولى أبي حذيفة ـ لا يعلم لهم سادس من المهاجرين ومن هاشم ـ ومن عداهم من
المهاجرين مشغولون بأمر رسول الله 9 ، وما جرى بين
حاضري
__________________
السقيفة من الخوض ،
وذكر كل فريق منهم فضائله في الاسلام ، وإدلائه بأفعال الآخرة : من السبق ، والهجرة
، والصبر على الأذى ، والنصرة ، والإيثار ، والإيواء ، والتحقق بالدار ، وجعل كلّ
منهما هذه الأفعال الدينية ذريعة إلى تولّي الأمر ، وقوّة حجّة المهاجرين بالقربى ،
وفزع الأنصار عند النكول عنها إلى المصالتة ، وعلوّ كلمتهم لذلك ، وقوّة أمرهم على
المهاجرين لكثرتهم ، وقلّة أولئك وإشرافهم على تمام الأمر لسعد بن عبادة ، وفسخ
بشر بن سعد بن معاذ هذا النظام حسدا لابن عمّه سعد ، واخماده نار الأنصار بقوله :
ثواب نصرتكم وإيثاركم بالديار والأموال على الله تعالى ، وهذا الأمر لقريش أهل بيت
نبيكم وأقربائه ، وانقطاعهم عن محاجّته ، وتقدّمه إلى أبي بكر مبايعا ، ومشاركة
عمر وأبي عبيدة والمغيرة له في ذلك ، ولحوق عشيرة بشير بن سعد به ، علما
منها بما قصد له من إفساد الأمر على سعد بن عبادة ، وامتناع سعد ومن [ في ] حيزه
من البيعة ، وأمر عمر بقتله في الحال لو أنفذ أمره ، ومقامه على الخلاف إلى أن قتل
غيلة ، وقول الحبّاب بن المنذر لبشير بن سعد : والله ما حملك على ما صنعت إلاّ الحسد
لابن عمّك ، وتطلّبه أنصارا يمنع بهم من بيعة أبي بكر فلم يجد ، فأقام على الخلاف ،
وتخلّف بني هاشم قاطبة عن العقد وإنكارهم ما جرى ، وتخلّف أمير المؤمنين 7 في منزله ومعه
جماعة من بني هاشم وغيرهم ، وامتناعه من البيعة أشدّ امتناع ، ومجيء العباس وأبي
سفيان إليه ، وعرضهما أنفسهما على بيعته ، واجتماع بني هاشم وجماعة من المهاجرين
والأنصار إلى دار علي 7 ، وقصد القوم له
بالرجال والسلاح ، وخروج الزبير عليهم بالسيف مصلتا ، وسقوطه لوجهه ، وأخذ عمر
السيف وضربه به الأرض حتّى انكسر ، وقوله : خذوا الكلب ، واستخراجهم عليّا 7 ... ، وتجريدهم للسيوف من حوله ، وحملهم له على بيعة أبي بكر ، وامتناعه
منها ، وقوله : والله لا أبايعكم
__________________
وأنتم أحقّ بالبيعة
لي ، وقول عمر : والله لئن لم تبايع لنقتلنك ، وقوله 7 : إن تقتلوني فإنّي عبد الله وأخو رسول الله ، وقول عمر : أمّا
عبد الله فنعم وأمّا أخو رسول الله فلا ، إلى غير ذلك من أقوال علي وفاطمة وبني
هاشم وجماعة من المهاجرين والأنصار ، وجواب القوم لهم.
وقول سلمان : كردا
ونكردا وندان نم ، يعني : فعلتم
وما فعلتم ، وإفصاحه بالعربية : أما والله إذ عدلتم بها عن أهل بيت نبيّكم ليطمعن
فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء.
وذكر بريدة
الأسلمي رأيه في بني أسلم ، وقوله : لا أبايع إلاّ من أمرني رسول الله 9 أن أسلّم عليه
بإمرة المؤمنين.
وأخذهم الناس
بالبيعة بالغلظة واللين.
وإذا كانت هذه
الجملة معلومة لكلّ سامع للأخبار ومتأمّل للسير والآثار ، ثبت وقوع الولاية على
الوجه الّذي ذكرنا من الغلبة ، دون ما يعتبرونه من صفة الاختيار ، وإجماع العلماء
له وترجيحهم بين الرجال ، إلى أن يستقرّ لهم رأي على واحد فيبايعوه ، ويسلّم له
الباقون ، لبعد ما بين الأمرين وتنافيهما في الأوصاف.
وأمّا فقد الصفة
المعتبرة عندهم في الاختيار من العاقدين له ، فمعلوم اختصاص الحضور في السقيفة
بنفر يسير من المهاجرين ، وغيبة بني هاشم وأكثر المهاجرين عنها ، وخالف أكثر الحاضرين
لها من الأنصار في العقد ، وفيهم العلماء والمعتدّ بهم في الرضا والإنكار والعامّة
الّذين لا يصلح الاختيار مع كراهيتهم ، لكونهم من الأمّة الّذين نصّ النبي 9 عندهم على نفي
الخطأ عن إجماعهم ، وإذا كان هذا معلوما لكلّ متأمّل للسير والآثار فسدت إمامة
المعقود له ، لحصولها ببعض الامّة المتّفق على جواز الخطأ عليها ، وفسد [ ت ]
لفسادها إمامة عمر وعثمان ، لكون إمامتيهما فرعا لها ومبنيّة على صحّتها باتفاق.
وليس لأحد أن يقول
: إنّ الخلاف يوم السقيفة والتخلّف الحاصل وغيبة من
__________________
ذكرتموه وإن كان
معلوما ، فقد علم زواله فيما بعد ، وحصول الرضى من الجميع بإمامة المعقود له ، وتسليم
الطاعة له ، وذلك يدلّ على إجماعهم ، وهو حجّة لا ينعقد على ضلال.
لأن هذا لو سلّم
لهم لن ينفعهم شيئا ، لاتفاقهم على أنّ الحجّة في الإمامة وغيرها الاجماع ، وهو
معقود يوم السقيفة باضطرار ، وفقده يقتضي تعري العقد فيها من حجّة الصحّة.
وإذا لم تنعقد
إمامة أبي بكر يوم السقيفة ، لفقد دليلها الّذي هو الاجماع ، ووقوعها بمن لا يعتدّ
بمثله في الملّة باتفاق ، لم تنعقد فيما بعد بإجماع ، لأنه لا أحد قال بفسادها يوم
السقيفة إلاّ قال بذلك في كلّ حال ، ولا أحد حكم بصحتها إلاّ بنى ذلك على ثبوتها
يوم السقيفة ، فاذا وضح برهان فسادها فيه سقط فرض النظر فيما بعده من الأحوال وما
يدّعى من اتفاق عليها أو خلاف فيها.
على أنّ ذلك مبني
على ظهور التسليم من الجميع ، وارتفاع النكير من الكلّ ، وأنه دلالة الرضا ، وأنّ
الرضا هو دلالة الإجماع.
ونحن نبيّن أنّ
النكير حاصل ، وأنّه لو كان مرتفعا لم يكن دلالة الرضا ، وأنّ الرضا ليس بإجماع.
أمّا دعوى ارتفاع
النكير فظاهر البطلان ، لحصول العلم بموت سعد على الخلاف ، وهو من العلماء الّذين
يجب الاعتداد به ، وإقامة علي 7 على النكير متخلّفا في منزله مدّة التمكن من ذلك ، مصرّحا
في أكثر أحواله لما يقتضي إنكاره.
كقوله في ابتداء
الأمر : والله لا أبايعكم وأنتم أحقّ بالبيعة لي.
وقوله لمّا هدّده
بالقتل : يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) ، ولم أزل مظلوما
منذ قبض رسول الله 9 ، وقوله : ظلمت الحجر والمدر.
وقوله 7 : ولقد سبقني في
هذا الأمر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ، ومن ليس له منه توبة إلاّ بنبيّ يبعث ،
ألا ولا نبيّ بعد محمّد 9 ، أشرف منه ( عَلى شَفا
جُرُفٍ هارٍ ) انهار ( بِهِ فِي نارِ
جَهَنَّمَ ).
وقوله 7 : والله لقد
تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلي منها محلّ
القطب من الرحى ، ينحدر
عني السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها يوما ، وطويت عنها كسحا ، وطفقت أرتئي بين
أن أصول بيد جذّاء وأصبر على طخية عمياء ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجا ، فصبرت وفي
العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا ، إلى آخر الكلام المشهور المتضمّن
للتصريح بالتظلّم من القوم المتقدّمين عليه.
وقوله 7 : ولئن تقمّصها
دوني الأشقيان ، ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ ، وهما يعلمان ، وركباها ضلالة ، واعتقداها
جهالة ، فلبئس ما عليها وردا ، وبئس ما لأنفسهما مهّدا ، يتلاعنان في محلّهما ، ويبرأ
كلّ منهما من صاحبه بقوله : ( يا لَيْتَ بَيْنِي
وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ).
في أمثال لهذه
الأقوال المحفوظة عنه في ابتداء الأمر ، وفي خلافة عثمان ، وحين آل الأمر إليه
وحصول العلم لكل مهتم بتدينه 7 بذلك وذرّيته وشيعته إلى يومنا هذا.
وما ظهر من إنكار
سلمان الفارسي 2 لأمرهم ، ومشاركة الزبير ، وجماعة من بني هاشم ، وكثير من
الأنصار ، كقيس بن سعد بن عبادة ، والحباب بن المنذر ، وبريدة الأسلمي ، وتخلف
بلال عن البيعة إلى أن مات.
وإذا كان هذا
النكير من وجوه الصحابة معلوما سقطت دعواهم ارتفاعه .
على أنّ ارتفاع
النكير لا يدلّ على الرضى ، لاحتماله له ولغيره من الرجاء والخوف
__________________
والاستفساد
والاشتباه ، وإذا كان محتملا لم يجز حمله على أحد محتملاته إلاّ بدلالة ، ولا
دلالة ، فحامله على الرضى بغير حجّة كحامله على الرجاء أو الخوف ، بل هو أعذر ، لكون
المعقود له ممّن يرجى نفعه ويخاف ضرره ، لقوة سلطانه وانبساط يده.
وبعد ، فلو كان
دلالة الرضى لم تكن فيه حجّة ، لأنّ تقلّد أبي بكر الأمر أمر منفصل عن رضى الإمامة به ،
فيصحّ أن يكون مخطئا في تولّيه الأمر ، ويكون الممسك عن الإنكار عنه مخطئا ، لإخلاله
بالواجب عليه من الإنكار ، ولا يكون ذلك إجماعا على الخطأ ، لتغاير الفعلين
المختلفين ، إذ كان الدليل المانع من اتفاق الأمّة على الخطأ مختصّا بفعل واحد ، لحصول
العلم بخطإ كلّ فرقة من الأمّة في مسألة ومسائل.
وعلى هذا التحرير
لو سلّم للقوم جميع ما يظنّونه دليلا على إمامة أبي بكر لم ينفعهم ، لخروجه عن
كونه إجماعا.
وأمّا ولاية عمر ،
ففرع لإمامة أبي بكر ، فاذا كانت فاسدة لما دللنا عليه لحقت بها في الفساد باتفاق.
وأيضا فمعلوم
حصولها بنصّ أبي بكر ، وأنّه كتب له الصحيفة بالعهد ، وأخذ الناس بالرضى بها شاءوا
أم أبوا ، من غير إعلام بما فيها ، وإنكار طلحة وجماعة من المسلمين عليه ، ومضيّه
على رأيه ، واطراح نكيرهم ، وهذا بغير شبهة مناف لما يعتبرونه من صفة الاختيار
والمختارين.
وأمّا ولاية عثمان
، فمبنيّة على ولاية الرجلين ، فاذا كانت باطلة لحقت بها في البطلان بإجماع.
وأيضا فهي فرع
لصحّة الشورى ووقوع العقد فيها على المشروع ، وسنبيّن فسادها وما اشتملت عليه من
قبيح الأفعال ، ومنافاتها لشريعة الاسلام على مذهب القائلين بالنص والاختيار ، فاقتضى
ذلك فسادها بغير ارتياب.
وبعد ، فهي معلّقة
باختيار عبد الرحمن بن عوف خاصّة ، وليس بحجّة في الملّة ، وإن جعله عمر عيارا على
القوم ، لكونه أيضا غير حجّة عند مدّعي إمامته ، ولأنّه رغب
__________________
بها عن علي 7 بشرطه عليه
السيرة والكتاب والسنّة ، وإبائه سيرة أبي بكر وعمر ، وبيعته عثمان على ذلك.
وكون ذلك عن جهل
يخرجه عن البصيرة بالدين ، ويمنع من كونه عيارا على المسلمين ، لو كان فعل واحد من
فضلائهم عيارا عليهم.
وكونه عن علم
يقتضي عظيم العناد للملّة ، والرغبة عن الكتاب والسنّة إلى سيرة رجلين أحسن
أحوالهما أن يكونا من أهل الاجتهاد ، والّذين يجوز عليهم الخطأ ، وذلك مسقط لفعله
لو كان يصحّ الاعتداد في عقد الإمامة بواحد.
وبعد ، فكيف ساغ
له سوم علي 7 ـ وهو من أفضل العلماء بغير نزاع ـ تقليد أبي بكر وعمر ، مع
تحريم التقليد على مثله باتفاق ، وعدل عن بيعته لإبائه 7 ما لا تجوز له
الإجابة إليه من تقليد الرجلين ، فكيف جاز له بيعة مجيب له إلى تقليد غيره ، مع
علمه ـ إن كان من أهل الاجتهاد ـ بأن العامي الذي يجوز له التقليد لا يصلح للإمامة
، وتحريم التقليد على العلماء ، وفسق المقلّد منهم لغيره.
وأن عثمان إن كان عاميا
فاختياره للإمامة لا يجوز بإجماع ، وإن كان عالما فقد فسق بإجابته إلى التقليد ، فقبح
اختياره على كلّ حال ... ومن اتبعه من أهل الخلاف وصونه من العقد قديما وحديثا
امتناع علي 7 من تولية الأمر معما فيه من عموم الصلاح للإسلام على سيرة الرجلين واشتراطه
السيرة للكتاب والسنّة على ضلال سيرتهما ، لكونهما مخالفين للكتاب والسنّة.
وهلاّ دل الحاضر
من المسلمين ومن قلّدهم إلى يومنا هذا إمساك عبد الرحمن عن موافقة علي 7 عن وفق سيرة الرجلين للكتاب والسنة أنها مخالفة لهما!
__________________
وأيّ شبهة تبقى
على ملتفت متأمّل منصف في ضلال سيرة الرجلين وخلافهما للشرع ، وهو يرى
عليّا 7 يرغب عن ولاية الإمام وفيها ما فيها دينا ودنيا ، ولا يسير بها فيهم ، بمحضر من أهل
الشورى ووجوه المهاجرين والأنصار وأخلاط الناس! ولا يقول له أحد منهم : ـ وأكثرهم
أولياء القوم ـ وهل سيرتهما إلاّ على الكتاب والسنّة فلم تأباها! ولا يقول لعبد
الرحمن : الموافقة للكتاب والسنّة ، ولا يقول له عبد الرحمن : هذا ما دعوتك إليه
فنبايعه لإجابته إيّاه إلى ما اشترط عليه ، ولا يرغب عن بيعته إلى بيعة عثمان.
وأي ريب يبقى في
تدين علي 7 بضلال القوم وقبيح سيرتهما ، وهو يرغب عن التمكين من معظم الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وتنفيذ الأحكام بولاية الأمر ولا بسيرتهما!
وأيّ شكّ يدخل على
عارف بالاجتهاد ، وما يجب كون الإمام عليه عند مثبتيه في فساد إمامة عثمان وهو
يراه مبايعا على تقليد الرجلين ، وفساد إمامته إن كان عاميا ، وكونه فاسقا لا تجوز
إمامته إن كان من أهل الاجتهاد!
وليس لأحد أن يقول
: كيف تصحّ لكم هذه الدعوى وأنتم تعلمون مذاهب خصومكم في عدد العاقدين ، ففيهم من
يقول : واحد ، وفيهم من يقول : اثنان ، أو ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة يعقدون
لواحد؟
لأنّه لا تنافي
بين ما قلناه وبين هذه المذاهب ، من حيث كان كلّ منهم لا يعتبر صحّة العقد بهذا
العدد خاصّة ، وإنّما توقّف ولايته عليه ، ويعتبر تسليم باقي العلماء ورضاهم
بالعقد وإمساك الباقين من الأمّة الدال عنده على الرضى إن فقدت المبايعة.
وكيف يشتبه على
متأمّل أنّ أحدا من علماء الأمّة يدين بصحة الإمامة بعقد بعض الأمّة ، مع فقد دعوى
من أحد من أهلها ، لكون الحجّة ثابتة في شيء يفعل بعضها بل
__________________
جميعها إلا عالم
واحد ، وحصول النزاع من
جمهورها في كون الإجماع حجة ، ومع وجود كلّ متكلّم في صحة الاختيار يثبته على صحّة
الإجماع وانعقاده عليه.
ولو كان ما ذكره
السائل مذهبا ، لاستغنى القوم الذاهبون إليه عن إيراد ما يظنّونه دليلا على ثبوت
الإجماع في إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ، من التعلق بالإمساك وترك النزاع ، وغير
ذلك ممّا لا حجّة فيه على ما بيناه ، ولوجب عليهم الاشتغال بكون ما ذهب إليه كلّ
فريق من العدد وجعله حجّة في صحة العقد ، ولمّا لم يتعرّض لذلك أحد منهم ووجدنا
الجميع يفتقر إلى مراعاة الإجماع في نصرة ما ذهب إليه ويقول : إذا عقد هذا العدد
المخصوص وسلم الباقون ، صحّ ما ذكرناه.
ولو لا أنّ بعض من
ينتمي إلى العلم بالاعتزال سأل عن ذلك ـ مع كثرة جهل أهل بلادنا بمذاهب الناس ـ لم
يكن بنا حاجة إلى ذكره ، لظهور فساده ، وحصول الاجماع على خلافه.
[ ذكر القبائح الواقعة منهم حال
ولايتهم المقتضية لفسخها ]
وتأمّل هذا الكلام
يغني عن إسقاط ما يتعلّقون به في إمامة القوم من إجماع وغيره بالأحداث الواقعة
منهم في حال ولايتهم ، فهو انّا لو تجاوزنا لهم عن جميع ما قدمناه ، لكانت القبائح
الواقعة منهم فى حال تعليمهم كافية في فساد إمامتهم على كلّ حال ، لأنّ ثبوت فسقهم في
حال الولاية تعليمهم الولاية كافية تمنع من ثبوت إمامتهم وصحة العقد بها قبل وقوع
هذه الأحداث ، فيقتضي فسخها لو كان العقد صحيحا بها ، إذ لا أحد من الأمّة أثبت
فسقهم في حال ولايتهم إلاّ حكم بفساد عقدها وفسخ العقد الصحيح بالفسق الواقع بعده.
__________________
فمن ذلك الحادث في ولاية أبي
بكر.
وهو على ضروب :
منها
: تسميته بخليفة رسول الله صلى الله عليه
وآله ، مع العلم الضروري بكذبه في هذا الاسم على رسول
الله 9 ، إذا كانت ولايته على
أحسن الأحوال مستنده إلى اختيار الأمّة ، والمختار باجتهادها لا يكون خليفة لرسول
الله 9 ، وإنما يكون كذلك من نصّ
9 على خلافته ، دون من تعلّق استخلافه بفعل غيره 7.
وليس لأحد أن يقول
: إذا كان اختيار الأمّة له عن نصّ النبي 9 على الاختيار وصفة المختارين ، فهو مضاف إلى النبي 7 وإن وقع بغيره.
لأن الأمر لو كان
كذلك ـ مع أنّا قد بيّنا فساد الدعوى له ـ لم يكن ما فعلوه من اختيار أبي بكر
مسوغا لإضافة استخلافه إلى رسول الله 9 ، لحصول العلم في
عرف الاستخلاف بخلافه ، وأنه لا يجوز أن يضاف إلى نبيّ ولا إمام ولا ملك استخلاف
غيره إلاّ بعد أن يكون هو الناص على عينه.
ولهذا لا يضاف إلى
الملك أمارات القرى الصادرة عن اختيار أمير الإقليم المنصوب من قبل الملك المأذون له في الولايات ، وكذلك
حكم كلّ رئاسة منصوص عليها من قبل رئيس لا يضاف إلى الرئيس الأول استخلاف أحد ممن
أذن له في استخلاف.
فكذلك إذا كان الأمر على ما
قالوه لم يجز إضافة خلافة أبي بكر إلى رسول الله 9 ، وإن كانت حاصلة
بفعل من أذن له بالاستخلاف على الجملة.
كما يقال في كلّ
موضع ذكرناه : هذا خليفة الأمير أو خليفة الوزير ، ولا يقال : خليفة الملك إلاّ
لمن نصّ الملك على خلافته ، وإن كان الوزير والأمير مأذونا لهما في
__________________
الاستخلاف.
واذا صحت هذه
القضية ثبت فسقه ، بكذبه على رسول الله 9.
ومنها
: إرادته لتخلّف عمر وأبي عبيدة وغيرهما من أنصاره عن النفوذ
في جيش أسامة ، مع وجوبه ، وإرادة القبيح قبيحة ، وكونه مريدا لذلك معلوم على وجه
لا ريب فيه.
ومنها
: قصة فدك ، ومنعه فاطمة عليها السلام منها ، وخطأه في ذلك من
وجوه :
منها : قبضه يد
النائب عنها
عن التصرف فيها بغير حجّة
، مع استقرار الشرع ومطابقته لأدلّة العقل بحظر قبض اليد المتصرفة في شيء عنه بغير
بيّنة تمنع منه.
ومنها
: كونه حاكما فيما هو خصم فيه ، وذلك ظاهر الفساد في الشرع.
ومنها
: مطالبته بالبيّنة مع استغنائها عليها السلام عنها باليد ، ووجوب
ذلك عليه دونها ، وردّ دعواها ومطالبتها بالبيّنة ، مع إجماع الأمة على صدقها في
هذه الدعوى ، فإن يجهل هذا الإجماع فليس من الأمّة ، وإن يعلمه فقد ردّ دعوى يعلم
صحّتها ، وطالب بأمارة الظنّ مع ثبوت دلالة العلم ، وأخذ منها ما يعلم استحقاقها ،
وإباحته لمن يعلم كونه غير مستحق له ، وهذا عظيم جدّا.
ومنها : قيام
الدلالة على عصمتها من وجوه :
منها : قوله تعالى
: ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وفاطمة 3 من جملة المذكورين بإجماع ، ولا وجه للإرادة هاهنا إلاّ
الإخبار عن ذهاب الرجس عن المذكورين وثبوت التطهير ، لأنّ الإرادة المتعلّقة
بطاعات العباد لا تخص مكلّفا من مكلّف ، والارادة في الآية خرجت مخرج التخصيص
للمذكور فيها والإبانة له من غيره ، ولأن حرف إنّما يثبت الحكم لما اتصل به وينفيه
عمّا انفصل عنه ، وذلك يمنع من حمل إرادة الآية على العموم.
__________________
وقوله عليه السلام
: فاطمة بضعة منّي يؤلمني ما يؤلمها ويؤذيني ما يؤذيها ، وذلك لا يمكن إلاّ مع
كونها معصومة ، لأن تجويز القبح عليها يصحّح وقوعه ، ووقوعه موجب لأذاها باللعن
والذم والحد والتعزير ، وذلك مناف للخبر ، ولأنه لو شهد عليها شهود بما يوجب الحدّ
لوجب جلدهم حدّ المفتري دونها باجماع ، وذلك لا يصحّ إلاّ مع القول بعصمتها ، وإذا
ثبتت عصمتها اقتضى ذلك قبول قولها لاقتضائه العلم بصحته ، وأغنى عن البينة الّتي
لا توجب علما.
ولا يجيء من ذلك
القول بأنّ الرجل جهل عصمتها ، لأنه لا تكليف له في ذلك.
لأن صحة دعواها 3 إذا كانت مستندة
إلى ثبوت عصمتها فلا بدّ من أن تحتج عليه بدليلها الّذي لا حجّة لها غيره ، وإذا
فعلت ذلك تعيّن عليه فرض النظر الذي متى يفعله يعلم عصمتها ، وإن لا يفعل يخل بالواجب عليه ، والاخلال
بالواجب قبيح ، ومطالبة المعلوم
الصدق بيّنة استظهار على العلم بالظن ، وذلك جهل قبيح وظلم صريح.
ومنها : أنّه لا
يخلو أن تكون فدك مما يجب في الشرع تسليمه لفاطمة عليها السلام ، أو ممّا يجب
منعها منه ، ولا ثالث هاهنا.
والقسم الأول
يقتضي كون المانع ظالما ، لإخلاله بالواجب من تسليم الحقّ إلى مستحقّه ، فاسقا
لجهله بما يجب على الحاكم علمه.
والثاني يقتضي
كونها ـ وحاشاها ـ مطالبة بما لا تستحقّه ، وكاذبة في دعواها وتظلّمها من الحق
الواجب عليها ، ومشاركة أمير المؤمنين 7 لها في ذلك ، للرضى به وإقرارها عليه ومشاركتها في الدعوى
والتظلم.
والإجماع بخلاف
ذلك ، فصحّ القسم الأول.
__________________
وبهذا يسقط
اعتذارهم للرجل بأنه حكم على الظاهر في الملّة من اتفاق الحكم على البيّنة ، وأنه
عادل في حكمه ، وإن كانت فاطمة 3 صادقة.
لاتّفاق العقلاء
على أنّه لا حكم للظنّ مع إمكان العلم ظنّا عن ثبوته ، وقد أجمع المسلمون على صحّة الحكم بالعلم ، وأجاز
رسول الله 9 شهادة خزيمة بن ثابت فيما يعلم صحته ، لاستناده إلى صدق النبي 9 وثبوت نبوّته ، وسمّاه
ذا الشهادتين.
فلا عذر إذا لمن
منع مستحقا يعلمه كذلك ، ولا يصح وصفه عادلا مع قبضه يدا عمّا يعلم كونه ملكا لها ،
وإباحته لمن يعلم أنه لا يستحقه ، لحصول العلم الضروري الّذي لا تصح مخالفته ، ولا
انتظار دليل عقلي ولا شرعي بخلافه ـ بكون من كان كذلك ظالما.
ومنها : ردّه
شهادة أمير المؤمنين والحسنين عليهما السلام وأمّ أيمن بصحّة النحلة ، مع إجماع
الأمّة على عدالتهم وعلمهم بموقع الشهادة ، وذلك يقتضي عدوله عن موجب الحكم إلى
إرادة الظلم وفعله.
واعتذاره للردّ : بأنّ
عليا 7 [ زوج ] والحسنين 8 ابنان وأمّ أيمن مولاة ، وهم يجرّون إلى أنفسهم
بشهادتهم.
ليس بعذر ، لأنّه
يقتضي القدح في عدالتهم المعلوم ثبوتها بإجماع ، ويدلّ على شكّ القادح في عدالتهم
في نبوّة النبي 9 أو جهله ، لحصول العلم من دينه بصواب هؤلاء الشهود
وكونهم من أعلا المباحين درجة ، إذ التصديق بثبوت هذه الصفة لهم والقدح في عدالتهم
لا يجتمع.
ولأن هذا لو كان
سببا مانعا من قبول شهادة العدل ، لكانت فاطمة وعلي
__________________
والحسنان : أعلم به من أبي
بكر ، فكانت لا تعرضهم للشهادة ولا يتعرّضون لها ، لعلمهم بأنّها لا تقبل ، لأن
ذلك فسق وسوء تدبير وسفه مأمون منهم بإجماع ، وغير مأمون من الرجل ، وكان به أحق.
وبهذا تسقط شبهة
من قدح في شهادة الحسنين 8 بالصّبا ، لأنّ ذلك لو كان مانعا من قبول شهادتهما لكان
علي 7 به أعلم من أبي بكر ، وكان لا يعرضهما للشهادة ، ولكان ردّ شهادتهما لذلك
أولى من ردّها بالنبوة ، ولمّا لم يقل ذلك أبو بكر دلّ على أنّهما معتدّ
بشهادتهما.
ومنها : قبوله
دعوى جابر في الحثيات
وعائشة وحفصة من ثياب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإقرارهما في ثبوته بغير بيّنة ، مع تميّز
المردود دعواه وشهادته في الفضل ، وتبريزه عليهم في العدالة والزهد ، واختصاصهم من
النبي 9 بمنزلة لم يشاركهم فيها أحد ، وذلك يوضح عن قصده أهل هذا البيت بالظلم ، وإرادة
الوضع منهم ، والتصغير من قدرهم ... بأدنى تأمّل.
ومنها : حين طالبت
بفدك من جهة الإرث ـ إذ دفعها عنها بالنحلة ـ كذبه على رسول الله صلى الله عليه
وآله أنه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة ، ليتمّ له منع فاطمة 3 لفدك من جهة
الإرث كالنحلة ، والدلالة على كذبه من وجوه :
منها : تصريح
القرآن بخلافه في قوله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ ) وقوله تعالى : ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ
مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، وإطلاق الإرث
مختصّ بانتقال الأعيان إلى الوارث فيما يصحّ نقله ، ورفع الحظر ، وصحّة تصرفه فيما
لا يصح نقله من الحرث والرباع ، فيجب حمله عليه دون ما يدّعى من علم وغيره ، ولأن
العلم والنبوّة لا يورثان ، لوقوف
__________________
النبوّة على ما
يعلم الله سبحانه من صلاح الخلق ، ويفعله من تصديق النبي 9 لبيان ذلك ، والعلم على
اكتساب العالم له ، ولأنّ الظاهر من سليمان يتناول جميع الأشياء ، من قوله : (
وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) عقيب قوله : ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ ) ، فلا وجه لتخصيصه
بشيء من شيء ، واشتراط ذكره له 7 كون الوارث مرضيا يمنع من تخصيص الميراث في الآية بالنبوّة
، لأنّ النبي 9 لا يكون إلاّ مرضيّا ، وخوفه من بني العمّ أيضا يمنع من
النبوّة والعلم ، لأنّ النبوّة موقوفة على المصالح ، والغرض في العلم بذله ، فلا
وجه لخوفه إلاّ تعلقه بالمال.
ومنها : قوله
تعالى : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ
وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) ، وهذا عام.
وقوله تعالى : ( وَلِكُلٍّ
جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) وهذا عام أيضا.
وقوله تعالى : (
يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وهذا عام في جميع الأولاد.
وقوله تعالى : ( وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) ، وهذا عام أيضا في جميع ذوي الأرحام.
ولأن المعلوم من
دينه 7 ثبوت حكم التوريث بين ذوي الأنساب والأسباب ، وإذا كان حكم التوريث معلوما من
دينه ضرورة ، وقد نطق به القرآن ، وجب القطع على كذب المدّعي لخلافه ، لا سيّما
ولا نعلم مشاركا له في روايته.
__________________
ودعوى إمساك
الصحابة عنه لا يغني شيئا ، لاحتماله للرضى وغيره على ما بيّناه ، ولحصول الإمساك
منهم أيضا عن فاطمة 3 وترك النكير عليها في دعوى النحلة والميراث.
ولا يجوز أن يقول
جاهلهم في هذا : قد أنكر عليها أبو بكر ، لأنه يقال له : وقد أنكرت هي أيضا على
أبي بكر ، وهل من فضل!
ومنها : أنّ هذا
الخبر لو كان صدقا لم يختص سماعه بأبي بكر ، بل الوجوب في حكمة النبي 9 إعلام أهل بيته
به ، لاختصاص فرض تبليغه إليهم بهم ، لكونه من فروضهم دون أبي بكر.
ولو أعلمهم لم
يطالبوا إلاّ عن علم منهم بتحريم المطالبة ، وذلك مأمون منهم بغير خلاف ، ولأنه 7 نصّ على أنّ عليا
7 أعلم القوم ، وأقضاهم ، وباب مدينة علمه ، ومن لا يفارق الحقّ ولا يفارقه ، وذلك
يمنع من جهله بحكم شرعي يعلمه أبو بكر.
وألاّ يبلّغه
النبي 9 إليهم ولا إلى من تقوم الحجّة بنقله إخلال منه 7 بواجب الأداء ، وذلك مأمون منه باتفاق ، فلم يبق إلاّ كذب
المخبر به.
وبعد ، فلو سلّم الحديث لم
يمنع من مقصودنا من وجهين :
أحدهما : أنّ
إعرابه غير مضبوط ، فيصح أن تكون الرواية بنصب صدقة ، فتكون فائدته : أنّ المتروك
للصدقة لا يورث ، بخلاف كلّ موص بصدقة لا يمضي منها ما زاد على الثلث.
الثاني : أنه لو
ثبت ما أرادوا من نفي التوريث لكان مختصا بما يصح ذلك فيه من أملاكه ، وفدك خارجة
عن هذا ، لكونها من جملة الأنفال الّتي لا تملك على حال ، ولا يصح تصرّف النبي 9 ولا من يقوم
مقامه من الحجّة من الأئمة المستحقّين للأنفال في شيء من منافعها بعد الوفاة ، لاختصاص
ذلك بالقيام في حفظ الملّة مقام
__________________
الماضي.
وليس لأحد أن يقول
: فأبو بكر بهذه الصفة.
لأنّا نعلم ضرورة
أنه لم يدّعها لنفسه ، وذلك يقتضي جهله بهذا الحكم ، أو علمه بأنّه ليس من أهله ، وأيّ
الأمرين كان قدح في عدالته.
إن قيل : فعلى أيّ
وجه صحّ من فاطمة 3 أن تدّعي استحقاقها بالنحلة تارة وبالميراث أخرى.
قيل : للوجه الّذي له حلّ لها
التصرف فيها في حياة النبي 9 ، [ و ] هو إذنه
لها بذلك ، وبعد وفاته ، إذن أمير المؤمنين 7 المستحقّ لها بنيابته في الحجّة عن رسول الله 9 ، ولم تتمكن 3 أن تطلبها من هذا الوجه المقتضي لتضليل ولي الأمر دون أمير
المؤمنين 7 ، كما لم يتمكّن أمير
المؤمنين 7 من التصريح بذلك ، فعدلت إلى دعوى النحلة من رسول الله 9 ، وهي صادقة ، لكونها منحولة منه 7.
ولمّا دفعت عنها
بفعل من قد اعتقد كونها ملكا للنبيّ 7 يصحّ ميراثه قالت : فاذا لم تعطنيها بالنحلة وكانت عندك
ملكا لأبي فأنا أولى الخلق بميراثه ، فعدل إلى الخبر الّذي لا حجّة فيه على وجه ، وهي
3 في ذلك واضحة للاحتجاج عليه موضعه ، وإن كان الوجه في استحقاقها ما بيّناه.
على أنّ الرجل قد
ناقض ما ادّعاه على النبي 9 وحكم به على فاطمة 3 بإقراره الأزواج في بيوت النبي 7 ، والقميص في يد عائشة الّذي أخرجته للتأليب على عثمان ، والسلاح
والفرس والنعلين والقضيب والبردة والعمامة والحمار والناقة العضباء والراية في يد
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7.
__________________
وذلك لا يعدو أحد
أمرين : إمّا كونه كاذبا في الخبر ، أو مانعا لأهل الصدقة ما يستحقونه من هذه
الأشياء المقرّة في يد من لا يستحق الصدقة وإن استحقها فهو كبعض الفقراء.
وممّا يدلّ على
كونه ظالما بمنع فدك من استمرار تظلّم فاطمة 3 منه ، وقولها : فدونكها مزمومة مرجولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم
الحاكم الله ، والزعيم محمد ، وعندها هناك ( يَخْسَرُ
الْمُبْطِلُونَ ) ، أفي آية يا بن
أبي قحافة أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت ( شَيْئاً
فَرِيًّا ).
إلى غير ذلك من
كلامها وهجرانها إلى أن ماتت ، وإيلافها على ترك كلامه ، وإيصائها
بدفنها ليلا ، لئلاّ يصلّي عليها.
وتظلّم أمير
المؤمنين 7 في أحوال التمكّن من منعهم فدك ، وقوله المشهور : وكانت لنا فدك من جميع ما
أظلّه الفلك ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت نفوس آخرين ، ونعم الحاكم الله.
وتظلّم الأئمّة من
ذرّيتهما 8 ، والأبرار من ذريتهم إلى
يومنا هذا.
ومنها : قتال بني حنيفة
وقتلهم وسبي ذراريهم وقسمة فيئهم ، مع ظهور إسلامهم وإقرارهم به ، وعقد الجمع
والجماعات في مساجدهم ، والمجاهرة بشعار الاسلام ، وذلك ضلال لا ريب فيه على منصف ،
ولا عذر بدعوى منع الزكاة ، لأنّ الظاهر إسلامهم ، ومنع الزكاة غير معلوم ، ولو
كان معلوما لم يقتض ردّة إلاّ بعد العلم بكونه صادرا عن استحلال ، لحصول الإجماع
على أنّ مانع الزكاة وتارك الصلاة محرّما ليس بمرتدّ ، ولا سبيل إلى ذلك.
ولو كان إليه سبيل
لكان مختصّا بالأغنياء من العقلاء البالغين ، دون الفقراء
__________________
والنساء والولدان
وذوي النقص عن الكمال.
وفي عموم الانتقام
والشهادة بالردّة على [ ال ] جميع دلالة على ظلم المنتقم والراضي به وجهلهما
بالأحكام وإباحته الدماء والأموال ووطىء الحرائر بغير عقد واسترقاق المولودين على
الفطرة والحرية لغير وجه وإسقاط الاقتصاص من جاني ذلك ودرء الحدّ عن خالد فيما أتاه من الفجور
بزوجة مالك بن نويرة ، والاقتصاص منه بمن قتله بغير حقّ يقتضي كفره إن كان مستحلا ،
وفسقه إن كان محرّما.
ومنها
: نصّه على عمر من غير مشاورة الصحابة ، ومراغمته كثيرا منهم
من ذلك ، وايجابه الانقياد له وإن كرهوا ، وذلك خطأ ظاهر ، لأنّ قوله ليس بحجّة
يجب اتّباعها باتفاق.
ومن
ذلك : تعمّد الكلام في الصلاة ، مع حصول الإجماع بتحريمه ، مع ما
يدلّ عليه من قبيح الفعل الفارط المستدرك بالكلام في الصلاة.
وأمّا الأحداث الواقعة من عمر
بن الخطاب في ولايته.
فعلى ضروب :
منها
: تفضيله عائشة وحفصة في العطاء من غير سبب يوجب ذلك لهما من
سدّ ثغر أو حماية بيضة أو عناء في الاسلام ، وفيه منع لمستحق وإعطاء في غير حقّ.
ومنها
: حرمان آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما جعله الله لهم
من الخمس المأخوذ في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولاية أبي بكر ، مع
تحريم الصدقة عليهم ، وذلك غاية في القصد إلى الإضرار بهم والمبالغة في ظلمهم.
ومنها
: اقتراضه من بيت المال ، وفيه استباحة التصرف في غير الملك
بغير إذن ، لتعذر الإذن في بيت المال ، لفقد العين في مستحقّه ، وتجويز حصول
الحاجة بالأمّة إليه في حال لا يستطيع أداءه لفقره ، أو حصول الموت دونه ، حسب ما
روي من وفاته وعليه
__________________
من بيت المال عشرة
آلالف درهم.
ومنها
: إسقاط الحدّ والاقتصاص عن خالد بن الوليد بما أتاه إلى بني
حنيفة ، بعد تقدّم الإنكار منه في ولاية أبي بكر ، وشهادته على خالد بالفسق ، وإيلائه
على الانتصار منه متى يمكن ، وذلك منه إخلال بواجب يقتضي فسق المخلّ.
ومنها
: إسقاط الحدّ والتعزير [ عن المغيرة ] بن شعبة ، وجلد ثلاثة
من المسلمين حدّ المفتري بتلقينه زيادا الرجوع عن الشهادة ، بقوله : ما كان الله
ليفضح رجلا من أمّة محمد على يديك ، فعلم زياد غرضه مع قلّة دينه ، فقال : رأيته
بين الشعب الأربع ورأيت نفسا عاليا ، ولم أر الميل في المكحلة ، فأسقط حدّ المغيرة
الّذي لو لا هذا التلقين لكان ثابتا من حيث علمنا وكلّ ناظر : أنّ الشهود لم
يحضروا من البصرة إلى المدينة ليقيموا الشهادة إلاّ عن يقين بما يشهدون به ، ولذلك
سبقوا زيادا بالشهادة ، علما منهم بمشاركته.
وأمّا إسقاطه
التعزير عنه ، فقد ثبت بشهادة الأربعة مخالطة المغيرة للمرأة ، وهذا فعل يوجب التعزير
بشاهدين ، فضلا عن أربعة ، ولم يفعله ، ولأنه أسقط التعزير عن زياد لكونه معرضا
وحده لمخالطه.
ولا عذر بأن يقال
: للإمام أن يلقّن ما يدرأ به الحدّ عن المسلم سترا عليه ، لأن المغيرة ليس بذلك
أولى من ثلاثة نفر من أفاضل المسلمين ، فلو كان الغرض الستر على المسلم لكان
الشهود بذلك أولى ، لكونهم ثلاثة والمغيرة واحدا ، ولهذا كان عمر يقول : ما لقيت
المغيرة قطّ إلاّ خفت أن أرجم بحجارة من السماء ، لعلمه بأنّه أسقط عنه حدّا واجبا
، وجلد ثلاثة بغير حقّ.
ومنها
: تحريمه ما يعترف بتحليله حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من نكاح المتعة ، بقوله على المنبر : متعتان كانتا على عهد رسول الله 9 ضلالا ، وأنا
محرّمهما ، وأنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج ، فأما متعة
الحج فإنّي أكره أن تروح الناس إلى منى شعثا غبرا ويروح المتمتعون مدهنين متطيّبين
، وأما متعة النساء فلا يزال أحدكم يرى في أهله مالا وولدا لا يعرف أباه كهذا ، ورفع
صبيّا على يده.
وهذا القول منه
يدل على ثبوت تحليل المتعة ـ إلى أن حرمها هو ـ من وجوه :
منها : أنّ
التحريم لو كان ثابتا عن نبيّ الهدى عليه الصلاة والسلام لاستغنى ثبوته عن تحريمه الّذي لا يفيد شيئا ، كاستغناء سائر المحرّمات.
ومنها : أنّه صرّح
فيه بقوله : كانتا حلالا أنا أحرّمهما ، فنسب التحليل إلى رسول الله 9 ، وأضاف التحريم إلى نفسه ، وليس إليه منه شيء.
ومنها : أنه أطلق
القول بتحريم المتعتين ، وقد أجمع المسلمون ونطق القرآن بمتعة الحجّ ، وكونها
عبادة في حياة النبي 9 وإلى الآن ، فدلّ ذلك على مساواة متعة النساء لها في هذا
الحكم ، وتخصّص تحريمها بقوله في تلك الحال ، لخروج القول منه بتحريمهما مخرجا
واحدا.
ومنها : أنه علّل
تحريم كلّ منهما بشيء رآه عنده صلاحا ، ولا يجوز تحريم الحلال الشرعي ولا إسقاط
العبادة بالرأي على مذهب أحد من الأمّة.
ومنها : أنّها لو
كانت حراما في زمنه عليه السلام لاستغنى بثبوت المفسدة في المحرمات الشرعية من
تعليل ظاهر الفساد ، وسكوت الحاضرين ليس بشيء يعتدّ به ، لاحتماله ، ولأنه لم يدلّ
على تحريم متعة الحج ، فكذلك متعة النساء.
وممّا يدلّ على
إباحة هذا الضرب من النكاح إلى أن حرّمه إجماع الأمّة على تحليله في زمن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ، وعدم دليل على تحريمه ، وتعذّر إثبات أحد يعرف له مذهب في
تحريمه مدّة زمان النبي 9 وخلافة أبي بكر وصدر من ولايته ، وذلك يقتضي تخصّص التحريم
به ، وتحريم المعلوم تحليله فسق.
ومنها
: تحريمه المغالاة في المهور مع تقرير الشرع بإباحتها ، ورجوعه
عن ذلك بقول امرأة ، وقوله : كلّ أحد أفقه من عمر حتّى النساء.
ومنها
: ابتداعه صلاة
موظّفة ذات صفة مخصوصة في شهر رمضان ، وعقده الجماعة بها ، مع وقوف العبادات الشرعية
فرضا ونفلا على المصالح المفتقر بيانها إلى نصّه تعالى ، وهو مفقود فيها ، فثبت
أنّها بدعة.
ولأنه 7 لم يجمع بهم منذ
بعث وإلى أن قبض في صلاة نافلة ، ولو كان
الجمع شائعا وفيه
مصلحة لفعله أو نصّ عليه.
ولأنهم قد رووا
عنه 7 أنه قال : أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان نافلة جماعة بدعة ، وصلاة
الضحى بدعة ، ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان في النافلة ، ولا تصلّوا الضحى ، فانّ
قليلا من سنّة خير من كثير في بدعة ، ألا وإنّ كلّ بدعة ضلالة سبيلها في النار.
وقد أجمعوا أنه
قال : لا عمل إلاّ بنيّة ، ولا نيّة إلاّ بعمل ، ولا عمل ولا نيّة الاّ بإصابة
السنّة.
وقال 7 : من رغب عن
سنّتي عند اختلاف أمّتي .
واتّفقوا أنّ عمر
قال : ـ وقد رأى الناس مجتمعين لهذه الصلاة والمصابيح تزهر إنّها لبدعة ، ونعمت
البدعة.
وقد نقل أصحاب
السير وغيرهم : أنّ أهل الكوفة سألوا عليها عليّا 7 أن ينصب لهم إماما لصلاة التراويح ، فنهاهم عنها وعرّفهم
أنّها بدعة وخلاف السنّة ، فنصبوا لهم إماما بغير أمره واجتمعوا لها ، فأنفذ
الحسين 7 ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه وقد دخل المسجد ومعه الدرّة تبادروا الباب وصاحوا :
وا عمراه.
وإذا ثبت نهي
النبي 9 عن هذه الصلاة ، ووصفها بالبدعة ، ووصفها ... وصيّه 7 بذلك ، مع اتفاق
الأمّة على وصف النبي 9 كلّ بدعة بالضلال ، ثبت منعها وضلال الآمر بها.
ولا يمكنهم
الامتناع من موجب هذه الروايات ، لأن فيها معلوما يجب العمل به باتفاق ، ومظنونا
يجب عليهم العمل به كسائر أخبار الآحاد.
ولا ينجي من ذلك
قولهم : إنّها عبادات ذات أفعال وأذكار وأحكام تقرّر الشرع
__________________
بحسنها.
لأن الصلاة
الشرعيّة ليست ذات القراءة والركوع والسجود والتسبيح فقط ، وإنّما تكون كذلك إذا
وقعت على الوجه المشروع ، بدليل قبح صلاة الظهر قبل الزوال ، أو إلى غير القبلة ، أو
مع إخلال بعض الشروط والأحكام ، أو مع تكاملها لغير الوجه المشروع ، وقبح النافلة
في وقت الفريضة المضيّق.
وإذا لم تكن
التراويح مشروعة ، خرجت من قبل العبادات إلى حيّز البدع وإن كانت ذات أفعال مخصوصة
مثلها تكون عبادة إذا وقعت على الوجه المأمور به.
ومنها
: وضعه على الخراج أرضيهم ، مع ثبوت النصّ من النبي 9 والعمل بخلاف ذلك
، وهذا نسخ لما شرعه ، ونسخ شرعه المؤبّد ضلال.
ومنها
: نقله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الّذي نقله النبي 9 إليه ، وردّه إلى
حيث كان في الجاهلية ، وهذا كالّذي قبله.
ومنها
: أخذه الأموال من عمّال البلاد بالتهمة الّتي لا إقرار بها
ولا بيّنة ولا علم ، ولا إقرارهم على الأعمال فيما بعد.
ومنها
: إقدامه على ضرب كثير ... كثرة من المسلمين وأهل الذمة بالدرّة ، ومن غير ذنب ، كأبي
هريرة وغيره ، وذلك ظلم ، لكونه ضررا خالصا.
ومنها
: تقليده معاوية رقاب المسلمين وأموالهم ، مع ظهور حاله
وتهمته على الدين وأهله ، وإقراره على الولاية مع استبداده بالأموال ، واتخاذ
أعداء الاسلام بطانة ، والسيرة بخلاف السنّة.
ومنها
: شويرة
الشورى ، وردّ أمر
الإمامة إلى ستة نفر : علي ، وطلحة ، والزبير ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد
، وقوله فيهم : هؤلاء أفضل أمّة محمّد ،
__________________
وسمعت النبي 9 يشهد لهم بالجنّة
، وقبض وهو عنهم راض ، وكلّ يصلح لهذا الأمر ، ولا يصلح له سواهم ، فليختاروا رجلا
منهم ، فاذا رضوا به فهو الإمام ، ثم قال : فان بايع رجلان لرجل ورجلان لرجل ، وفي
رواية أخرى : فان رضي رجلان برجل ورجلان برجل ، فالحقّ في الفرقة الّتي فيها عبد
الرحمن ، واقتلوا الثلاثة الأخر ، وإن اتّفق الخمسة وخالف واحد فاقتلوه ، وإن اتفق
أربعة وخالف اثنان فاقتلوهما ، [ فإن ] مضت عليهم ثلاث فلم يبرموا أمرهم فاضربوا
أعناقهم ، ومن طريق آخر : فاهدموا عليهم البيت ، ووكّل بهم صهيبا الرومي ومعه
الرجال بالسلاح لإنفاذ أمره.
فقيل له : ما يمنعك
من علي وفي رواية أخرى : ما يمنعك من واحد منهم فقال : أكره أن أتحمّلها حيّا
وميّتا ، فقال له المغيرة بن شعبة : فما يمنعك من ابنك عبد الله فقال له : ويلك
والله ما أردت الله بذلك ، كيف أستخلف رجلا لم يحسن أن يطلّق امرأته! فقيل له : فألا
أدخلت فيهم العباس فقال : العباس طليق ، وهذا أمر لا يصلح لطليق.
ومن طريق آخر : أنّه
قيل له : ما يمنعك من واحد منهم ، فقال : من قيل : علي في قرابته [ وسابقته ]
وصهره وبلائه ، فقال : فيه
بطالة وفكاهة ، ومن طريق آخر : فيه
دعابة ، ومن آخر : أنّهم إن ولّوها الأصلع سلك بهم الطريق ، ومن آخر : و [ أ ] ما أنت يا علي فو الله
لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض ليرجحهم ، فقام علي موليا ، فقال عمر : والله إنّي
لأعلم لكم مكان رجل لو ولّيتموها إيّاه لحملكم على المحجّة البيضاء ، قالوا : من
هو قال : هذا المولي من بينكم ، قالوا : فما يمنعك من ذلك قال : ليس إلى ذلك سبيل.
قيل : فأين أنت عن
طلحة قال : فابن الزهو والنخوة ، ومن طريق آخر : طلحة
__________________
رجل متكبّر ، أنف
في الأرض وأنف في السماء ، وهذا أمر لا يصلح لمتكبّر ، ومن آخر : وأمّا أنت يا
طلحة أفلست القائل إن قبض النبي 9 لننكحنّ أزواجه من بعده فما جعل الله محمدا بأحقّ ببنات
عمّنا منّا ، فأنزل الله فيك : ( وَما كانَ لَكُمْ
أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ
أَبَداً ) الآية قيل : فأين أنت عن الزبير فقال : وعقة لقس مؤمن
الرضى كافر الغضب شحيح ، ومن طريق آخر : وأمّا أنت يا زبير فو الله ما لان قلبك
يوما ولا ليلة ، وما زلت جلفا جافيا.
قيل : فأين أنت عن
عبد الرحمن قال : هو رجل على ضعف ، وهذا أمر لا يصلح لضعيف ، ومن طريق آخر : وأمّا
أنت يا عبد الرحمن فإنّك رجل تحبّ قومك.
قيل : فأين أنت عن
عثمان قال : لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب المسلمين ، ولو فعلها لقتلوه ، ومن
طريق آخر : وأمّا أنت يا عثمان فو الله لروثة خير منك.
قيل : فما يمنعك
من سعد قال : صاحب مقنب وقتال لا يقوم بقرية لو ولي أمرها ، ومن طريق آخر : إنّه
صاحب صيد وقنص ، وهذا أمر لا يصلح لصاحب صيد.
ثم قال : إنّ هذا
الأمر لا يصلح له إلاّ القوي في غير عنف ، رقيق في غير ضعف ، جواد في غير سرف ، والله
لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا ما تخالجني فيه الشكوك ، أو : لم يخالجني فيه شك ،
وفي بعض الروايات : لو كان أبو عبيدة حيّا لولّيته.
وردّ أمر الصلاة
إلى صهيب ، وقبض ، فاجتمعوا للاختيار ، ولم يكن سعد حاضرا في رواية ، فقال عبد
الرحمن : أنا عديل الغائب ، فأيّكم يهب سهمه فيختار فأمسكوا ، فقال : أنا أهب سهمي
في الإمامة على أن أختار من شئت ، فأمسكوا ، فقال : لا بدّ من أحد الأمرين ، وعضد
الحاضرون قوله ، فأجاب القوم إلى ردّ الأمر إليه ، وأمسك أمير المؤمنين 7 ، فقال : ـ والناس معه ـ ما لك يا أبا الحسن ، إمّا أن تسقط
حقّك من الإمامة وتختار من شئت ، أو ترضى بما رضي به أصحابك ، فلم يجد بدّا من
الرضى ، فاستظهر
__________________
على عبد الرحمن
بأخذ الميثاق لتحكمن بالكتاب والسنّة ، فبدأ به ، فقال : امدد يدك أبايعك على أن
تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر ، فقال 7 : أبايعك ـ وفي الرواية الأخرى : آخذها ـ على أن أسير فيكم
بكتاب الله وسنّة نبيّه ، فردّ يده وأتى عثمان ، فقال له مثل قوله لعلي 7 ، فأجابه إليه ، فبايعه ، وأخذ الحاضرين بالبيعة له فبايعوه
، وامتنع علي 7 ، فقال له عبد
الرحمن : بايع وإلاّ ضربت عنقك ، في تاريخ البلاذري وغيره.
ومن طريق آخر : أنّ
عليا 7 خرج مغضبا ، فلحقه أصحاب الشورى ، فقالوا له : بايع وإلاّ جاهدناك ، فقال له
: يا عبد الرحمن خئونة خنت دهرا ، ومن طرق أخر عن الطبري وغيره : نصعت الخئونة يا بن عوف ، ليس
هذا أول يوم تظاهرتم علينا فيه ، ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) ، والله ما ولّيت
عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك ، والله كلّ يوم ( فِي شَأْنٍ ) ، فقال له عبد الرحمن : لا تجعل على نفسك سبيلا ، إنّي قد
نظرت وشاورت الناس ، فإذا هم لا يعدلون بعثمان.
وروى الطبري : أن
الناس لمّا بايعوا عثمان تلكّأ علي 7 ، فقال له عبد
الرحمن : فمن ينكث ( فَإِنَّما يَنْكُثُ
عَلى نَفْسِهِ ) ، فرجع علي 7 فبايع.
ومن غير طريق
الطبري : أنّ عبد الرحمن قال لعلي 7 : قد قلت ذلك لعمر ، فقال له 7 : أولم يكن ذلك كما قلت.
فلمّا يئس علي من
رجوعهم إلى الحقّ خطبهم ، فذكر مناقبه وذرائعه إلى الإمامة والنص عليها في مقام بعد آخر ، يقرّرهم
على كلّ فضيلة ونصّ ويناشدهم الله تعالى ، فيقرّون.
هذه صورة الشورى ،
قد ذكرناها جمل ما يحتاج إليه.
__________________
والطعن على عاقدها
من وجوه :
منها : أنّه مخالف
بذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله على مذهبي القائلين بالنصّ والاختيار ولمن نصّ
عليه ولجميع الأمّة ، وذلك ضلال بغير شبهة.
فأمّا مخالفته
لرسول الله 9 ، فلأنّ الشيعة تقول : إنّه
7 نصّ على رجل بعينه حسب ما دللنا عليه ، ومن خالفها يدّعي أنه 7 لم ينص على أحد ،
وترك أمر الإمامة إلى الأمّة بأسرها لتختار من شاءت ، والشورى بخلاف الأمرين بغير
شبهة.
وأمّا مخالفته
لأبي بكر ، فلأنه نصّ عليه بالخلافة شاءت الأمّة أم أبت ، وليست الشورى كذلك.
وأمّا مخالفته
لسائر فرق الأمّة ، فلا شبهة في مخالفته بالشورى للقائلين بالنصّ والدعوة والميراث
، والاختيار عند القائلين به عقده مردود إلى جميع العلماء ، وتسليم العامة في قصير
الزمان أو طويله ، ولا أحد منهم يجيز عقدها ببعض العلماء ، ولا تخص بولايته واحدا
من واحد ، ولا إماما من مأموم ، ولا يعيّن مقدار زمانه ، والشورى بخلاف ذلك.
هذا كلّه لانّها
مقصورة على اقتراح عمر دون سائر الأمّة ، مع كونه واحدا منها ، ولم يجعل الله له
ذلك دونها على رأي أحد ، ومقصورة على نفر من الأمّة تخيّرهم برأيه معدودين لا تجوز
الزيادة عنده فيهم ، ولا أمارة على ثبوت الإمامة باختيارهم فضلا عن دليل ، ومنحجز
عليهم في الاجتهاد ، وترجيح فرقة ابن عوف على الأخرى وتضيّق زمان الاختيار ، مع
إجماع الأمّة على أنّه لا يحجز في رأي مجتهد ولا تعيين لمدّة زمانه ، ولا دليل على
قبول رأي مجتهد دون مجتهد.
ومنها : شهادته
للقوم بالجنّة والرضوان من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وصلاح كلّ منهم للإمامة
دون سائر الصحابة ، ثم نقض ما أبرم ، وأكذب ما أخبر من وجوه :
أوّلها : وصفه كلا
منهم بصفة تمنع من صلاحه للإمامة ، هذا بالدعابة ، وهذا
بالبخل ، وهذا
بالكبر ، وهذا بالصيد واللعب ، وهذا بمحبّة أعداء الدين ، وهذا بالضعف ، وهذا
تفصيل يقتضي نقض تلك الجملة بغير شبهة ، مع وضوح برهان الكذب في أحد الخبرين ، وكونه
معذورا إن كان صادقا في التفصيل بتعريض من لا يصلح للإمامة للاختيار لها ، إذ لا
فرق بين أن يقلّدها من لا يصلح لها وبين أن يعرضه لها.
ومنها : أنّه شهد
لعبد الرحمن بالضعف ، وجعله عيارا على القوم ، ومن كان ضعيفا في دينه أو رأيه ـ إذ
ضعف الحال معلوم خلافه ـ لا يجوز أن يجعل عيارا على الأمّة.
وثالثها : أنّه لم
يصف أحدا من القوم ـ برواية أحد ـ إذ وصف به عليا 7 : من قوّة الإيمان
، والبصيرة بالأمر ، وسلوكه بمن تبعه المحجّة البيضاء ، فكان ينبغي أن لا يعدل به
عن الأمر ، لشكه بل قطعه في كلّ منهم بخلاف ذلك ، أو بجعله على أقلّ الأحوال عيارا
عليهم ، ولا يجعل من شهد له بالضعف في الرأي والدين بمطلق القول عيارا عليه ، ويعرض
بقتله من أول قوله إلى آخره ، لأنّه المظنون خلافه من دون الجماعة ، ليقدم النصّ
عليه ، ومن لم يزل يسمع منه من التظلم التقدّم عليه والترشّح للأمر دونه ما لم
يسمع من غيره ، بقوله : وإن خالف واحد فاقتلوه بعينه ، ثم ظنّ مشاركة الزبير له
لكونه ابن عمّته ولما كان من التحيّز إليه يوم السقيفة والغضب له وتجريد السيف
واستمراره على ولايته ، فقال : وإن اتفق اثنان وأربعة فاقتلوا الاثنين ، ثم ظنّ
مشاركة طلحة للزبير في الرأي [ لما ] بينهما من الأخوّة ، فقال : فان بايع رجلان
لرجل ورجلان لرجل فكونوا مع الثلاثة الّذين فيهم عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الأخر
، ظنّا منه أنّ عبد الرحمن لا يفارق عثمان ، للصهر الّذي بينهما ـ عبد الرحمن زوج
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وأمّها أمّ أروى أمّ عثمان ، فهي أخته لأمّه ـ وسعد
ابن عم عبد الرحمن ، فأولئك الثلاثة حزب ، وهؤلاء حزب ، فبيّن
الأمر من أوله إلى آخره على قتل علي 7.
ولم يخف ذلك عليه 7 ، لأنه قال لابن عباس : إنّ القوم قد عادوكم بعد نبيكم
لعداوتهم له في حياته ، ألا ترى إلى قول عمر : إن يبايع اثنان لواحد واثنان لواحد
__________________
فالحقّ حقّ عبد الرحمن
واقتلوا الثلاثة الأخر ، أما والله ما أراد غيري ، لأنّه علم أنّ الزبير لا يكون
إلاّ في حيزي ، وطلحة لا يفارق الزبير ، فلم يبال إذا قتلني والزبير أن يقتل طلحة ،
أما والله لئن عاش عمره لأعرّفنه سوء رأيه فينا قديما وحديثا ، ولئن مات ليجمعني
وإيّاه يوم يكون فصل الخطاب.
ورابعها : أنه عرض
للأمر من يظنّ به الفساد في الدين من تقديمه أعداءه من آل أبي معيط على رقاب
المسلمين.
وخامسها : أمره
بقتل الستة تارة ، وبقتل اثنين أخرى ، وبقتل ثلاثة أخرى ، وبقتل الجميع إن لم
يبرموا أمرهم إلى ثلاث من غير حدث ، وهذا عظيم ، لكونه نصّا على قتل أهل الجنّة
والأفاضل [ من ] الصحابة من غير حدث ، إذ لا يجوز على رأي أحد قتل المخالف فيما
طريقه الاجتهاد ، ولا يسوغ في الشريعة استحلال دم من لم يصحّ اجتهاده في ثلاث ، ولا
يقوم برهان على كون الحقّ في اجتهاد عبد الرحمن دون علي 7 المقول فيه : علي مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيث ما
دار ، ولا يجوز عند أحد من المجتهدين رجوع العالم إلى مثله ، ولا ترك اجتهاده له ،
ولا يمكن أحدا إقامة برهان على أنّ إصابة عبد الرحمن الحقّ باجتهاده دون من خالفه
مع فساد ذلك يقتضي استحلال دم المقطوع له بالثواب ، إذ كان القطع بثوابه مانعا من
استحقاقه العقاب الّذي قتل قسط منه لو كان الاجتهاد مسوّغا ذلك ، فكيف والمعلوم خلافه.
وبعد ، فاذا قتل
الستة الّذين هم عنده الصالحون للإمامة دون سائر الصحابة ، من يرى يقوم بأمر
الأمّة أو ليس هذا منه نقضا للاختيار وفساد الإمامة ، أو إيجاب ذلك لغير أهله رأي
مصيب لمن يأمر بقتل رؤساء القبائل وأعلامها؟
أو لا يعلم أو
يظنّ أنّ الإقدام على قتل علي 7 وهو سيّد بني هاشم ومن له في الإسلام ما ليس لغيره من
المآثر ، وعثمان وهو سيّد بني أميّة ، وطلحة وهو سيّد بني تيم ، والزبير وهو سيّد
بني أسد ، وسعد وعبد الرحمن وهما سيّدا بني زهرة ـ صبرا على
__________________
رؤوس الأشهاد من غير استحقاق ـ فتح لباب فتنة صماء وطخية عمياء ، لا يرجى صلاحها
ولا يؤمّل فلاحها!
وكيف لا يظنّ ذلك
من وصف عثمان بما آل أمره إليه وكيف لم يصرفه عن الأمر مع ما فيه من عظيم الوزر ما
صرفه عن ولاية عثمان من الخوف لتقديم آل أبي معيط وأي شبه بين تقديم رئيس على رئيس
وبين قتل الرؤساء بغير استحقاق من المبالغة في الفساد!
أو ليس هذا من
أوضح برهان على سوء رأيه في أمّة محمّد 9 ، وقبح نظره لهم ،
وقصده إلى فساد أمرهم!
فأيّ عدالة تكون
مع هذه الحال ، بل أيّ إسلام عند متأمّل لها!
ومنها : وصفه
لأمير المؤمنين بالفكاهة والبطالة ، وهذه حال الخليع ، المتهالك في المجون ، البعيد
عن الرصانة والوقار ، المعلوم ضرورة من حاله ضدّ ذلك من الهيبة والوقار ... والحلم ، ويكفي
في ظهور كذبه فيما وصف به عليا 7 أنّه لا يمكن أحدا من الخلق أن يضيف شيئا واحدا يدلّ على
فكاهته وخلاعته ، بل لم يزل الخلق يعتذرون المعدول عنه بتشدّده في الحق ، وحمله
القريب والبعيد والولي والعدوّ على موجبه ، إلاّ أن يريد بذلك حسن الخلق والبشر
بأهل الإيمان ، المنافي لفظاظته وغلظته على المؤمنين ، فيكون ذلك عائدا بالقدح على رسول
الله 9 الموصوف به في القرآن ، والمعلوم من حاله بظاهر الأفعال والمتفرد من دينه 7 ، فيؤول الحال إلى قبيح من الأول.
ومنها : وصفه لعبد
الرحمن بالضعف ، وجعله عيارا على الأمّة ، ومعلوم أنه لم يرد بضعفه الفقر ، لحصول
العلم بسعة حاله ، ولا ضعف الجسم ، لأنه لا يمنع ضعف الجسم إذا
__________________
صحّ الرأي والدين
وقوّة القلب في الحرب من تولّي الأمر ، فلم يبق إلاّ ضعفه في الرأي والدين ، ومن كان
كذلك لا يجوز لمن عرفه أن يجعله عيارا على الأمّة كافة ، ويأتمنه على أمرها ، ويوجب
الانقياد له ، وإن أبى ذلك آب قيل : ... بصواب الرأي وعصمة الدين.
ومنها : إخراجه
العباس ره ، مع عظم قدره في الاسلام ، وحسن رأيه فيه في جميع الأحوال ، وتخصيصه
بقربى النبي 9 ، وتعظيم النبي 9 له ، وتكامل ما
يعتبرونه من الشروط في الإمامة له ، وتقديم النبي 9 له على جميع أصحاب الشورى ، عدا علي 7.
وأيّ أمر يصلح له
طلحة مع حمقه وكبره ، والزبير مع بخله ، وعبد الرحمن مع ضعفه ، وعثمان مع سوء رأيه
، وسعد مع فكاهته ، لا يصلح له العباس!
واعتذاره ابنه مع
زهده وعلمه ، وإنكاره على المشير عليه به ، واعتذاره بجهله بحكم الطلاق ، إذ ذاك
يقدح في إمامته ، لحصول العلم
بجهله بكثير من الأحكام الراجع فيها إلى علي تارة وإلى معاذ أخرى وإلى غيرهما من
الصحابة.
والّذي يزعم أنّ
طلحة أو الزبير أو واحدا من الخمسة الّذين يخيّرهم أفقه من عبد الله ، ومعظم ما
يرويه الفقهاء عنه ، ولا رواية بشيء من الفقه عن بعض القوم ، وإن روي فيسير من
كثير مما روي عن عبد الله ، بل لم يرو عنه نفسه بعض ما روى عن ابنه ، فان كان لا
يصلح للإمامة لجهله فأبوه بذلك أولى ، لكونه أعلم منه ، بدليل تضاعف المحفوظ عنه
من الأحكام ما روي عن أبيه ، وقوله معتذرا لاخراجه من الأمر ... واحد منهم
بالخلائق ، إشعار منه ... إذ لو كانت الخلافة دينا ، والسيرة عادلة ، لكان الواجب
المثابرة عليها ، وحث الحميم على المشاركة فيها وإن شقّ ذلك ، إذ كان الحازم في
الدين لا يتملّص من الحق ، ولا يرغب بنفسه ، ولا خاصته عمّا به يتم الثواب إن شقّ
بحمله
__________________
وعظمت مئونته ، وفي
تملّصه من هذا الأمر ورغبته بولده عنه ، كاشف عن بصيرته بسوء عاقبته وقبح منقلبه ،
أو رغبته عن الحق وزهده فيما يستحق به الثواب ، وكلّ منهما قبيح.
ومنها : قوله إني
أكره أن أتحمّلها حيّا وميّتا ، لأنّه بما فعله في الشورى متحمل لها في حياته وبعد
وفاته ، إذ لا فرق بين أن ينصّ على واحد بعينه ، وبين ما فعله من حصر الأمر في ستة
نفر معيرا عليهم عبد الرحمن ، منحجرا عليهم في اجتهادهم ، إذ لو كان صادقا في
كراهيّة تحميلها الأزجى الأمر على الأمّة كلّها.
ومنها : تخيّره
للشورى من يعلم هو وكلّ حاضر وغائب ومتجدّد في الأزمنة كون غيره أسبق إلى الاسلام ،
وأفضل هجرة ، وأعلم بصيرة ، وأحسن بلاء في الاسلام ، وأعلم بالأحكام ، وأعرف
بالسياسة ، وآمن على الأمّة ومن لم يعاب قطّ في شيء ، ولا قدح عليه بشيء ، كفضلاء
بني هاشم ، وذوي السوابق والهجرة من قريش وغيرهم ، وعظماء الأنصار المشهود لهم
بصواب الرأي وحسن المآل.
في كونهم مقدوحا في
أنسابهم وبواطنهم ، وتهمتهم على الاسلام وأهله.
[ بيان حال عثمان وطلحة والزبير
وسعد وعبد الرحمن ]
لتناصر الخبر من
طريق الشيعة وأصحاب الحديث بأنّ عثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن من جملة أصحاب العقبة ، نفروا
برسول الله 9.
وأنّ عثمان وطلحة
القائلان : أينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه! والله لو قد مات لأجلنا على نسائه
السهام!!
وقول طلحة : لأتزوجن
أم سلمة ، فأنزل الله سبحانه : ( وَما كانَ لَكُمْ
أَنْ تُؤْذُوا
__________________
رَسُولَ
اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) .
وقول عثمان يوم
أحد : لالحقنّ بالشام ، فانّ لي بها صديقا يهوديا.
وقول طلحة : لألحقن
بالشام فانّ لي بها صديقا نصرانيا ، فأنزل الله تعالى : ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) الآية.
وقول عثمان لطلحة
وقد تنازعا : والله إنّك أول أصحاب محمد تزوّج يهودية ، فقال طلحة : وأنت والله لقد قلت ما يحبسنا هاهنا ألا نلحق
بقومنا.
وقد روي من طريق
موثوق به ما يصحّح قول عثمان لطلحة ، فروي أنّ طلحة عشق يهودية فخطبها ليتزوّجها ،
فأبت إلاّ أن يتهوّد ، ففعل.
وفيه قال الشاعر ،
شعر :
يهوديّة قالت
وأومت بكفّها
|
|
حرام عليك الدهر
حتّى تهوّدا
|
وقدحوا في نسبه : بأنّ
أباه عبيد الله كان عبدا راعيا بالبلقاء ، فلحق بمكة ، فادعاه عثمان بن عمرو بن
كعب التميمي ، فنكح الصعبة بنت
دزمهر الفارسي ، وكان بعث به إلى اليمن ، فكان بحضرموت خرازا.
وفيه يقول حسان بن
ثابت ، شعر :
ألم تر أنّ طلحة
في قريش
|
|
به من الغطارفة
العظام
|
وكان أبوه
بالبلقاء عبدا
|
|
في يده الشوك في
جنح الظلام
|
هو العبد الّذي
جلب ابن سعد
|
|
وعثمان من [ ال
] بلد الشآم
|
وقول الآخر ، شعر
:
بني دزمهر
والدعي أبوهم
|
|
رجيع قد الصقت بالأكارع
|
__________________
بني ... في
أبوكم ...
|
|
في الوادي يفتق
الضفادع
|
وأنتم ببيع
اللحم أحذق منكم
|
|
بقرع الكماة
بالسيوف القواطع
|
وأمّا الزبير فكان
أبوه ملاّحا بجدة ، وكان جميلا ، فادعاه خويلد ، وزوّجه عبد المطّلب صفيّة.
ورووا أنّ الحسين
بن زيد بن الحسن كان واليا على المدينة من قبل المنصور ، فعزل وأقيم للناس رجاء أن
يطّلع عليه بجرم يعذر في عزله ، فلم يوجد له ذنب ، فلما كان في اليوم الثالث دسّوا
عليه رجلا من ولد الزبير ، فضربه بنعل في يده وقال : أنت الذي صنعت بي وصنعت ، فقال
له الحسني : ثكلتك أمّك ومن أنت قال : أنا من لا ينكر ولا يجهل ، أنا فلان بن فلان
بن الزبير بن العوام ، قال : نعم يا بن الملاح هكذا ينبغي أن تكون ، إن أحببت أن
أدلّك على سفن أبيك فعلت ، فانه كان ملاحا من أهل جدة وسفنه بها ، قال الزبيري : يا
معشر المسلمين اشهدوا على ما يقول لي وقد ولدتني صفية ، قال : هي أدنتك من الظل ، ولولاها
لأضحيت في الشمس.
وأمّا سعد ، فقد رووا
عنه 7 أنه قال : اتقوا دعوة سعد ، يعني على الضلال.
وثبت أنّ عليا 7 خطب الناس في
خلافته فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي
مائة إلاّ أخبرتكم بسائقها وقائدها وناعقها ، فقال له سعد بن مالك : أخبرني كم في
رأسي ولحيتي طاقة من شعر قال : قد أعلمني خليلي أنّك تسألني عن هذا ، أخبرك أنّ
على كلّ طاقة شعر في رأسك ملك يلعنك ، وعلى كلّ طاقة شعر في لحيتك شيطان يقرك ، وأنّ
في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله الحسين صلوات الله عليهما.
قال : وإنّ عمر بن
سعد صبي يدرج.
وقد قدحوا في نسبه
بأنّ السلافة بنت مالك العذري قدمت مكة ومعها ابن لها صغير يدعى مالك بن غراب من
بني عذرة ، فنزلوا على وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، فنكح وهب السلافة ، فولدت
غلاما سمّاه مالكا ، فمات الغلام ، فوثب وهب بن عبد مناف ـ وقيل : هو وهيب ـ فأخذ
ولد السلافة من غراب العذري ، فادعاه وخاصم
فيه العذريّين.
وفي أبي وقاص مالك
بن غراب العذري الملصق إلى وهيب بن عبد مناف يقول ضرار :
أمسى يناقرني
لئيم واضع
|
|
عند المراغة
مالك بن غراب
|
فافخر بعذرة ان
فخرت فانهم
|
|
ولدوك واترك
زهرة بن كلاب
|
فإذا ظلمت فصحّ
فإنك منهم
|
|
يا آل عذرة عند
كلّ خطاب
|
وأم سعد بن مالك
أبي وقاص حمية ابنة سفيان بن أميّة بن عبد شمس ، وقال : إنّها ملصقة النسب بسفيان.
وأم حمية سمية أمة
أبي السرح ... .
وأما عبد الرحمن
بن عوف ، فأم عوف منبعة أمة خزاعية يقال فيها شرّ ، وهي أم العيداق ، يقال : إنّها
أمة عبد المطلب بن هاشم ، ويقال : إنها أمة وحشية لبني كعب آجراها ... ، وهما عبدان لبني كعب ، قطعت يد أحدهما في سرقة.
وهذه قدوح في
أنسابهم إن كانت معلومة منعت على كل حال من تأهيلهم للإمامة ، وإن كانت مظنونة
فكذلك أيضا ، لدخول الظن في هذا الباب كالعلم.
ولو لم يقدح فيهم
إلاّ بما وصفهم به عمر لكفى في وجوب الرغبة عنهم إلى من لا طعن عليه بشيء ، فكيف بما
ذكرناه من حالهم المعلومة أو المظنونة.
هذا مع ظهور فسقهم
وتهالكهم في رغبة الدنيا واطراح الآخرة على رأي الفريقين ، بحصرهم عثمان ومن معه
من النساء والولدان والبهائم ، ومنعهم جميعا الماء ، وقتلهم لعثمان بعد ذلك ، وطرحه
جيفة لا يتمكن أحد من أوليائه أن يدفنه ، ونكثهم بيعة علي 7.
إلى غير ذلك من
الأحداث الّتي لا يتمكّن أحد من إضافة شيء منها إلى أحد من
__________________
بني هاشم وغيرهم
من أعيان المهاجرين من قريش وغيرهم وذوي البصائر من الأنصار.
[ بيان حال عائشة وأصحاب الجمل
]
وهذا من أوضح
عندها وعند أعوانها على الانتصار له .
ولو صحّ خطأ
القاتل لم يكن من الطلب بثأره في شيء ، لبعد ما بينهما من النسب.
ولو كانت من
أولياء الدم لكانت من ذلك بمعزل ، لكونها امرأة من دونها رجال ، فهم أولى بعثمان.
ولو صحّت ولايتها
في المطالبة لوجب اختصاصها بالتظلّم إلى إمام المسلمين وحاكمهم ومن لا يتهم بميل
إلى باطل ولا إيثار لهوى ، ومن لم تزل تصفه من ذلك بما لم تصف أحدا ، وابتداؤها
بالحرب ليس من التحاكم في شيء.
ولو كانت الحرب
سائغة لكانت من فروض الرجال دونها بغير خلاف.
ولو كانت الحرب من
فروض النساء لكانت خارجة عن ذلك بنصّ التنزيل الموجب عليها لزوم البيت وإطالة
الحجاب.
ولو كانت الحرب من
فروضها لوجب قصرها على القتلة والأعوان على القتل الّذين منهم طلحة والزبير ، دون
إمام المسلمين الملازم بيته ومن في حيزه من المهاجرين والأنصار الذين لم يقتلوا
عثمان ولا رضوا بقتله عند كافة الخصوم من أوليائها إلى ... .
هذا ، ولو كان
قتال القوم سائغا لقتلهم عثمان ورضاهم بذلك وولايتهم قتلته لوجب عليها أن تخصهم
بالحرب والجهاد ، دون أهل البصرة الّذين [ لم ] يشعروا بشيء من ذلك ولا شركوا فيه
بقول ولا فعل عند أحد من الخصوم.
فعلى أي وجه ساغ
ذلك؟
__________________
وبأيّ دليل طلبت
بيعتهم؟
وبأيّ شريعة ساغ
لها مطالبة الناس بنكث بيعة أمير المؤمنين 7 وقتال الممتنع من ذلك؟
وبأيّ برهان
استحلّت دم من قتل منهم من صلحاء المسلمين من غير حدث يوجب القتل؟
وبأيّ حجة حلّ لها
العذر بعثمان بن حنيف ومن معه من الأنصار والتنكيل به وقتلهم؟
وعلى أيّ مذهب ساغ
لها فتح باب بيت مال المسلمين والتصرف فيه بغير إذن من الصحابة أهل العقد والحل
عندها وعند شيعتها وأفاضل التابعين؟
وما لها لم ترتدع
لتنابح كلاب الحوأب مع تقدّم التحذير لها من رسول الله 9 بذلك ، وإخبارها
بكونها ظالمة في مسيرها!.
وبأيّ علّة ساغ
لها تفريق أموال المسلمين في المعونة على الفتنة فيهم؟
ومن أيّ وجه حلّ
لها إظهار السلاح في دار الأمن؟
وما المانع لها إن
كانت طالبة بالثأر من الرجوع إلى دعاء أمير المؤمنين 7 إلى التحاكم إليه مع علمها بعدله وبعده عن الظلم؟
وما الصارف لها ـ إن
كانت حضرت للإصلاح بين المسلمين على ما يهذي به أولياؤها ـ عن الرجوع إلى دعوة
أمير المؤمنين 7 لها إلى الكتاب والسنّة؟
وما الصارف لها عن
الرجوع إلى وعظه وتخويفه من خلاف الكتاب والسنّة وما يتم ذلك من فساد أمر الأمة
وسوء القضاء وإثارة الفتنة؟
وما لها لم تذكر
الحجّة في خروجها ، والعذر في هتك حجابها ، والوجه في قتالها ، وجميع الأعذار
للفتنة؟
وما لها لم تستثر
من طلحة والزبير وهما من جملة القتلة بلا خلاف؟
وعلى أيّ وجه
استحلّت قتل حامل المصحف داعيا إلى ما فيه؟
وبأيّ دليل عقلي
أو شرعي بدأت بحرب إمام الملّة ومن في حيزه من ذوي
السوابق والأبصار
وأنصار الحق مع رسول الله 9 وأهل بدر وحنين والمفروغ إلى إبرامهم ونقضهم عندها وعند
أوليائها ، مع دعائهم إلى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وما شرّعاه ، وإمساكهم
عن القتال إيجابا للحجّة عليها؟
وبأيّ وجه استحلّت
دماءهم؟
وما الحامل لها
تعريض أنصارها المقرّين لها للقتل بمن يدعوها إلى المسالمة والمحاكمة؟
وهلاّ خافت مالك
العقاب سبحانه إن كانت عارفة به من إراقة دماء الفريقين مع تمكنّها من حقنهما؟
وهلاّ صرفها عن
ذلك ما سمعته من رسول الله 9 في علي 7 من المآثر الدالة على تحريم خلافه فضلا عن حربه ، من قوله
عليه الصلاة والسلام : علي مع الحق والحقّ مع علي ، وقوله 7 : حربك حربي
وسلمك سلمي ، وأمثال ذلك ، والشهادة له ولولديه ولجماعة ممن في حيزه بالجنة؟
وما لها لم ترتدع
عن قتاله مع اختصاص نصرته بوجوه الصحابة وذوي البصيرة والورع وأنصار الملّة ، واختصاص
نصرتها بأغدار قريش والمؤلّفة قلوبهم والمتّهمين على الاسلام وأهل السواد وأجلاف
الأعراب لو لا ما ذكرناه من عداوة علي 7 الّتي لها عميت القلوب وطاشت الأفهام؟
وما لها لم تخف
بحربها من قتل المشهود لهم بالجنة ، كعليّ والحسنين : وعمار وغيرهم من أهل بدر وحنين وبيعة الرضوان وفضلاء
التابعين؟
ولم لم يرق أسمقها
من ... أهل الحق عند الظهور عليهم وتجب إلى المسالمة ووضع السلاح
المدعوّ إليهما فتحقن بذلك باقي الدماء ، ويتلافى فارط الشقاق؟
ولم أحوجت إلى عقر
الجمل ولم تجب إلى الأمان إلاّ قسرا؟
ولم لم تشكر عليا 7 على ما منّ به
عليها من التجاوز عن الانتقام منها
__________________
وإكرامها مدّة
مقامها وإلى أن أوصلها بيتها؟
ولم كفرت نعمته
الظاهرة عليها وصرّحت بذمّه والتعريض به ، وأظهرت الشماتة بقتله ، واعترضت في دفن
ولده ، واوصلت ذلك في أحوال التمكن إلى أن فارقت الدنيا؟
وأمّا طلحة
والزبير ، فمعظم ما قدّمناه من وجوه الخطأ الواقع من عائشة قائم فيهما ، لكونهما
الزعيمين لأمرها المشاركين لها في جميع ما عددناه ، فلا وجه لتكراره وتنقيصهما أنهما من جملة من
حصر عثمان وضيّق عليه وشرك في قتله.
وفيهما يقول حسان
بن ثابت ، شعر :
من عذيري من
الزبير ومن
|
|
طلحة هاجا أمرا
له إعصار
|
بم قالا للناس
دونكم العجل
|
|
فشبّت وسط
المدينة نار
|
والأبيات معروفة.
فكيف يطلب بثأر
المقتول من قتله!
ولأنهما بايعا
طائعين ونكثا من غير حدث يحدث منه 7 يوجب ذلك ، إلاّ فوت الأمنية والطمع في الرئاسة.
ولأنهما هتكا حجاب
رسول الله 9 عن زوجته وأبرزاها على رءوس الأشهاد ، وصانا حلائلهما.
وإذا تقرّرت هذه
الجملة وصحّ لك ضلال أصحاب الجمل وقبح قصدهم وبعدهم عن الدين بكلّ واحد ممّا
ذكرناه ، فكيف بجميعه ، فسقط الاعتراض بفعلهم.
[ بيان حال معاوية وعمرو بن
العاص ومن في حيزهما ]
وأما معاوية وعمرو
بن العاص ومن كان في حيزهم ، فالواجب عليهم طاعة أمير المؤمنين 7 والانقياد له
والنزول على حكمه ، لثبوت إمامته على أصولنا بالنص
__________________
عليه بها ، وعلى
أصول المخالف ، لحصول الاختيار المتكامل الصفات الّذي لم يحصل على إمامة غيره ممن
تقدمه وتأخّر عنه ، فلمّا لم يفعلوا وأظهروا الشقاق عليه والخروج عن دار الأمن وإظهار
السلاح فيها ومحاربة الإمام العادل 7 ومن لا يرتاب أحد في فضله وتقدّمه في الدين من وجوه
المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ، وذلك دال على ضلالهم على أصولنا ، وفسقهم
على أصول مخالفينا ، وموضح عن فساد غرضهم في الدين من وجوه :
منها : قعودهم عن
نصرة عثمان والدفع عنه ، ظالميه عندهم ، وهم من رعيته المرتهنين ببيعته ، مع
تمكنهم من ذلك.
ومنها : ظهور حال
عمرو بن العاص في عداوة عثمان ، لعزله عن مصر وإنكاره عليه وخروجه إلى أطراف الشام
مؤلّبا وكاتبا بأحداثه إلى البلاد ، إلى أن قتل ، ومشاركة معاوية ، وحربه له في
ذلك ، لاختصاصه به وتولي الجميع له.
ومنها : كذبهم
فيما أظهروه من الطلب بثأر عثمان المقتول بإيثارهم ، لتمكنهم من نصرته وقعودهم
عنها ، وما ذكرناه من حال عمرو وولاية معاوية وجنده.
ومنها : خروجهم عن
طاعة الإمام المختار على وجه لم يختر عليه أحد قبله ، وإظهار شقاقه ومخالفة ما
أجمع عليه العلماء من التابعين والصحابة.
ومنها : منعهم ما
قبلهم من أموال المسلمين وصدقاتهم الواجب عليهم حملها إلى بيت مال المسلمين.
ومنها : اعتصامهم
ببلاد الاسلام ومنع الامام العادل 7 وكافة العلماء المعتد بعقدهم وحلّهم من التصرف فيها ، وكونهم
بذلك عاصين بغير إشكال.
ومنها : مطالبتهم
بثأر من لا ولاية لهم في دمه.
ومنها : طلبهم ذلك
على أقبح الوجوه من المجاهرة بحرب والفساد في البلاد المنافي لطلب القود المستحق
في الشرع ، ورغبتهم عما دعوا إليه من الكتاب والسنّة.
ومنها : استحلالهم
قتال أمير المؤمنين والحسنين : ومن في حيّزهم من سابقي الصحابة وفضلاء التابعين المشهود
لأكثرهم بالجنة من غير حدث يوجب ذلك بل
يوجب خلافه من
توليهم والانقياد لهم.
ومنها : شهادة
أمير المؤمنين 7 ومن في حيّزه من فضلاء المسلمين عليهم بالضلال وتدينهم
بذلك مع حصول العلم ببعدهم عن الهوى والفتيا والعمل بغير حق.
وإذا ثبت ضلال
معاوية وعمرو ومن في حيّزهما على أصولنا وفسقهم على أصولهم وقبح أغراضهم فيما
قصدوه ، وجب الحكم بذلك عليهم ولا يجوز الاعتداد بفعلهم.
وليس لاحد أن يقول
: فإذا كان علي 7 وأصحابه على بصيرة من ضلال معاوية وأصحابه ، فلم رجع عن قتاله
الواجب عندكم إلى المسالمة وتحكيم الرجال الذين يجوز عليهم الخطأ؟
لأنّا قد بينا
وقوع التحكيم على جهة الاضطرار ، وكونه لو كان عن إيثار حسن ، لتعلقه بالكتاب
والسنة الدالين على حقّ علي 7 وباطل معاوية ، وأن الحال لمّا جرت بخلاف ذلك لم يرض بها 7 وأظهر النكير واهتم
بقتال معاوية حتّى عوجل دونه صلوات الله عليه ، فاقتضى ذلك سقوط ما عورضنا به.
[ ما أظهره القوم عند وفاتهم
الدال على ضلالهم ]
وقد تناصرت
الروايات بما أظهره القوم عند الوفاة من التصريح بما بيناه ، وإن كان ثابتا
بالأدلة فاقتضى تأكيده.
فمن ذلك : قول أبي
بكر في حديث طويل : ثلاث فعلتهن ليتني لم أفعلهن : ليتني لم أكشف بيت فاطمة 3 ولو كان مغلقا
على حرب ، وليتني يوم السقيفة كنت ضربت على يد أحد الرجلين فكان الأمير وكنت
الوزير.
وهذا منه نصّ بما
تقوله الشيعة وتأباه عامة مخالفيهم اليوم من الهجوم على باب فاطمة 3 ، ونصّ على قبيح ما أتاه في ذلك ، وبرهان واضح على قبيح
ولايته يوم السقيفة ، لانّها لو كانت حسنة لم يتمنّ فقدها ، وإن كانت حسنة فإنما
تأسّف على ما أوجبته من القبائح ، إذ لا بدّ من وجه قبيح له تأسّف.
ومن ذلك : قول عمر
عند وفاته : وددت أني نجوت كفافا ألاّ عليّ ولا لي.
وهذا موضح عن علمه
من نفسه بقبح ما أتاه بخلافته.
وقوله وقد قيل له
: استخلف ، فقال : إنّي أكره أن أتحمّلها حيّا وميّتا.
ولو كانت خلافته
لله رضى لكان تحمّلها قربة إليه سبحانه لا يجوز لمسلم التملّص منها.
قوله : ـ وقد جمع
بني عبد المطلب بعد ما طعن ـ يا بني عبد المطلب أراضون أنتم عنّي فقال رجل من
أصحابه : ومن ذا الذي يسخط عليك ، فأعاد الكلام ثلاث مرات ، فأجابه رجل بمثل جوابه
، فانتهره عمر وقال : نحن أعلم بما أشعرنا قلوبنا ، إنّا والله اشعرنا قلوبنا ما
نسأل الله أن يكفينا شره ، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة نسأل الله أن يكفينا شرّها.
وهذا نصّ منه على
قبيح ما فعل.
وقوله لابنه عبد
الله وهو يسنده إلى صدره : ويحك ، ضع رأسي بالأرض ، فأخذته الغشية ، [ قال : ] فوجدت من ذلك ، فقال
: ويحك ضع رأسي بالأرض ، فوضعت رأسه بالأرض فعفر بالتراب ثم قال : ويل لعمر وويل
لأمّه إن لم يغفر الله له.
وهذا تصريح منه
بما أضفناه إليه.
وقوله حين حضره
الموت : أتوب إلى الله من ثلاث : من اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو بكر من دون الناس ،
واستخلافي عليهم ، ومن تفضيلي المسلمين بعضهم على بعض.
وقوله : أتوب إلى
الله من ثلاث : من ردي رقيق اليمن ، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد إذ أمّره رسول
الله 9 علينا ، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض رسول الله 9 ألاّ نولّيه منهم
أحدا.
وما رووه عن عبد
الله بن شداد بن الهاد قال : كنت [ عند ] عمر وهو يموت ، فجعل يجزع ، فقلت : يا
أمير المؤمنين أبشر بروح الله وكرامته ، فجعلت كلّما رأيت جزعه
__________________
قلت هذا ، فنظر
إليّ [ فقال : ] ويحك فكيف بالممالاة على أهل بيت محمد 9
[ بيان كفر القوم ومناقشة
الزيدية ]
وإذا ثبت حدوث ما
ذكرناه من القبائح الواقعة من الثلاثة في حال ولايتهم بطلب إمامتهم بها لاتفاقهم
على ذلك ، وإذا بطلت في حال بطلت في كلّ حال باتفاق.
وإذا ثبتت إمامة
أمير المؤمنين 7 عقلا وسمعا ، واقتضى ثبوتها ثبوت الصفات الواجبة للإمام له
، وفسدت إمامة المتقدّمين عليه على أصولنا وأصولهم.
ثبت أنّ الواقع
منهم وممن اتبعهم متدينا بإمامتهم من محاربته 7 وغيرهم كفر ، لأنه لا أحد قال بوجوب عصمة الإمام إلاّ قطع
بكفر القوم ومن دان بإمامتهم ، ولأن كلّ من أثبت النص على أمير المؤمنين 7 قال بذلك.
ولا يقدح في هذه
الطريقة خلاف الزيدية ، لانعقاد الاجماع بما قلناه ، وانقراض الأزمان به قبل حدوث
مذاهب الزيدية.
على أنّ لنا ترتيب
الاستدلال على وجه يسقط معه خلاف الزيدية.
فنقول : لا أحد
قال بالنص الجليّ إلاّ قطع على كفر القوم ، فتخرج الزيدية من هذه الفتيا ، لأنها
تنكر النص الجليّ.
ولأنّا نعلم وكلّ
مخالط من دين أمير المؤمنين 7 والأئمّة من ذريته : القطع على كفرهم والدائن بإمامتهم ، وقد ذكرنا طرفا من ذلك
فيما سلف ، وفتياهم بذلك حجّة ، لكونهم معصومين ، ولأن فتياهم هذه لو كانت خطأ
لكانوا ضلالا ، وهذا ما لا يطلقه فيهم مسلم.
إن قيل : أفتطعون
على كفر من تابعهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى الآن؟
قيل : قد مضى في
كلامنا ما يغني عن هذا بقولنا : إنّ الفتيا مختصّة بتكفير الأعيان على
__________________
جهة التفصيل بمن علمناه متدينا
بإمامتهم من الصحابة وغيرهم إلى الآن ، ومن لم يعلم ذلك من حال ففرضنا فيه الوقف
والتجويز لكلّ واحد من الكفر والفسق.
ان قيل : كيف
يمكنكم ذلك مع ظاهر إيمانهم ، وتدينهم بالاسلام ، واجتهادهم فيه ، وتقريب النبي 9 لهم ، وتعظيمه
إياهم ، ومنعكم من وقوع الكفر بعد الإيمان على مذاهبكم في الموافاة.
قيل : المظاهرة
بالايمان والاجتهاد ، في أفعاله وبذل الأنفس والأموال في نصرته لا يدل على مطابقة
الباطن له ولا على كونه صادرا عن علم قصد به وجهه ، إذ كانت هذه الأمور لا يعلمها
إلاّ علاّم الغيوب ، وإنما يعلم منها ما نصّ عليه سبحانه.
فإذا فقدنا النصّ
فيهم بذلك ووضح البرهان بكفرهم وموتهم عليه ، علمنا أنّ الاعتقاد الماضي منهم كان
جهلا ، وإن أظهروا إيمانا أو تقليدا أو علما لغير وجهه لا يستحق بهما المعتقد
ثوابا ، لوقوف استحقاقه على العلم المقصود به ووجهه الّذي له وجب ، ووجوب القطع
على كفر من كان كذلك حسب ما اقتضاه البرهان.
فأمّا تعظيم النبي
9 ، فغير مسلّم ، لفقد
دليله وتعذر إثباته ، إذ كان التقريب والإيناس والمظاهرة لا يدل على تعظيم لصاحبه ، لحصول ذلك أجمع مع من تجب البراءة منه لكفره.
على أنّ المتقرّر
من شرعه 7 تعظيم مظهر الاسلام والمطيع فيه ، مشترطا بكون ما أوجبه واقعا لوجهه باتفاق
العلماء ، فلو سلّم تعظيمه 7 للقوم لكان جاريا فيه على الوجه الّذي شرعه من الاشتراط.
فإذا وضح برهان
كفرهم في حياته 7 بما بيناه ، لم ينفعهم تعظيمه عليه
__________________
السلام شيئا ، كما
لا ينفع تعظيم المسلمين من علموه مظاهرا بالعبادة والاجتهاد وهو منافق أو مقلد أو
عالم لغير الوجه الّذي تعلّق التكليف به.
[ ما استدلّ به على إيمان القوم من الكتاب والسنّة وردّه ]
وقد تعلّق من لا
بصيرة له بأحكام الخطاب في إثبات إيمان القوم واستحقاقهم الثواب ـ ليتوصل بذلك إلى
اثبات إمامتهم ، وردّ ما يذهب إليه من القطع بكفرهم وخلودهم في النار ـ بآيات من
القرآن وأخبار عن النبي 9 ، نذكرها ، ونبيّن
وجه الشبهة منها وسقوطها.
[ ما استدل به من الكتاب ]
فمن ذلك : قوله
تعالى : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى
لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) .
قالوا : وهذه صفات
القوم : آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وخافوا في بدء الاسلام ، واستخلفوا في الأرض ، وآمنوا
بعد الخوف ، فمنع ذلك من فرقهم بالضلال ودلّ على صحّة إيمانهم وإمامتهم.
الجواب
: أنّ الوعد بالاستخلاف في الآية متوجّه إلى ذوي الإيمان ما
في الباطن والظاهر ، وعمل الصالحات ، لوجوهها المخصوصة ، والاخلاص في العبادة لله
تعالى من الإشراك والرياء وغيرهما مما يشوب الاخلاص ، والأمن بعد الخوف لله تعالى ،
غير معيّنين بأسمائهم.
وقد دللنا على
ضلال المتقدّمين على أمير المؤمنين 7 على أصولنا وأصولهم والدائنين بولايتهم ، فاقتضى خروجهم من
حكم الآية ، وتوجّهها إلى من تكاملت فيه صفاتها من غيرهم.
__________________
على أنّا لو
افترضنا الكلام في الآية من دون ذلك لم يكن لهم فيها متعلّق من
وجوه :
منها : افتقارهم
في تخصيصهم بها إلى إقامة برهان على ثبوت صفات المذكورين فيها لهم ، وثبوته يغني
عن الآية في المقصود باتفاق ، وإذا تعذر ذلك عليهم خرج الظاهر من أيديهم بغير
إشكال.
ومنها : أنه لا
يخلو أن يكون المراد بالاستخلاف المذكور في الآية توريث ديار الكفار ، كقوله تعالى
: ( وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ ) ، ... ( وَأَوْرَثَكُمْ
أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها ) ، ... ( وَيَسْتَخْلِفَكُمْ
فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) ، ... ( وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ ) ، ... ( إِنْ
يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ ) .
أو الخلافة على
العباد وتدبير البلاد ، كآدم 7 في قوله : ( إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، وطالوت في قوله
تعالى : ( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ
مَلِكاً ) ، وداود في قوله :
( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ ) ، وسليمان في قوله سبحانه : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ) ، وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنا مَنْطِقَ
__________________
الطَّيْرِ
وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) ، وهارون 7 في قوله تعالى : ( وَقالَ
مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) ، ورسول الله 9 في قوله تعالى : ( وَما أَرْسَلْناكَ
إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ، فكان للناس ، وعلم
من دينه صلوات الله عليه وآله كونه خليفة على أهل الأرض ورئيسا لجميعهم.
أو ظاهر التصرف في البلاد وأهلها بالقهر والاضطرار.
فان كان أراد
الأول فلا مزية لبعض المستخلفين في الديار على بعض ، وليس من الخلافة المطلوبة في
شيء.
وإن أراد على
الوجه الثاني فهو خطاب لغيرهم ، لعدم النص أو ما يستند إليه من المعجز على
استخلافهم ، كاستخلاف من ذكرناه من الأنبياء :.
ولا يعترض هذا
قولهم : أنّ ثبوت خلافتهم من اختيار مأذون لهم فيه يقتضي إضافتها إليه تعالى من
وجوه :
أحدها : أنه مبني
على أنّ الله تعالى قد نصّ على الاختيار ، وقد بيّنا فساد ذلك.
ومنها : أنّ من
أذن لغيره أن يختار وكيلا لنفسه أو وصيّا من بعده فاختار ، فانّ الوكيل وكيل له
والوصي كذلك ، دون من أذن له ، ولا يقول أحد : هذا وصيّ فلان ، وهذا وكيله ، وإن
كانت الوكالة والوصية بإذنه.
ومنها : أنّ ظاهر
الآية يقيّد وقوع الاستخلاف للمذكورين فيها به تعالى ، كاستخلاف من قبلهم ، وقد
علمنا أنّ الله تعالى لم يستخلف أحدا منهم باختيار الأمة ، وإنّما دلّ على ذلك
بمعجز أو نصّ يستند إلى معجز ، فيجب كون المستخلفين بها كذلك.
وهذا يختصّ الآية
بأئمتنا : ، لثبوت النصّ من الكتاب والسنة والمعجز على خلافتهم.
__________________
ولا يجوز أن يريد
تعالى الاستخلاف على الوجه الأخير ، لأنه سبحانه أضافه إليه ، وذلك يقتضي حسنه
وإباحة التصرف له ، وتملّك البلاد والعباد على جهة الغلبة قبيح لا يجوز إضافته
إليه سبحانه ، ولا يحسن معه التصرف على كلّ حال.
فان جاز للمجبّرة
إضافة خلافتهم إلى الله تعالى ـ من حيث تمّ لهم تملّك أمر الأمة وتصريفهم على
إرادتهم ـ لم يجز ذلك لأهل العدل ، ويلزمهم عليه إضافة خلافة كلّ متغلّب إلى الله
تعالى من بني أمية وبني عباس ، بل عبّاد الأصنام ، فان التزموا ذلك ارتفعت المزية ،
ولم ينازعهم في استحقاق القوم سمة الخلافة على الوجه الذي يستحقه كلّ متغلّب وظالم
، إذ ذلك صريح مذهبنا المدلول عليه ، وليس مما يريدونه في شيء ، وإنما يمنعهم من
إثبات خلافتهم على وجه يحسن معه إضافتها إلى الله تعالى حسب ما اقتضته الآية ، فأمّا
على وجه يقبح لا يجوز مع إضافتها إلى الله تعالى فغير منازعين فيه ، والآية أجنبية
منه.
ومنه
: قوله تعالى : ( قُلْ
لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ
أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) .
وأولو البأس هم
أهل الردّة والروم وفارس ، والداعي إلى قتالهم أبو بكر وعمر وعثمان ، وقد تضمّنت
الآية فرض طاعتهم ، فاقتضى ذلك إيمانهم وإمامتهم.
والجواب
: من وجوه :
منها : أن الآية
نزلت في المتخلّفين عن الحديبية بعد الأمر بمنعهم من الخروج إلى خيبر ذات المغانم ،
المنصوص على منع هؤلاء المخلّفين منها ، فاقتضت اختصاص الدعوة بالنبيّ 9 ، وقد دعى بعد خيبر إلى حنين وفتح مكّة وتبوك وغيرهن باتفاق
، لأنّ الله تعالى حرّم حضور خيبر ومغانمها على المخلّفين عن الحديبية بإجماع ونص
التنزيل في قوله تعالى : ( سَيَقُولُ
الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا
__________________
نَتَّبِعْكُمْ
يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ ) ، يعني سبحانه : ما أمر به من تحريم الخروج الى خيبر على المخلّفين عن
الحديبيّة ، فقال رادّا عليهم : ( قُلْ لَنْ
تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا
بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) الآية ، ثم قال
سبحانه : عقيب هذه الآية : ( قُلْ
لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ ) الآية ، يريد
سبحانه : هؤلاء المخلّفين عن الحديبية ، وذلك دالّ على أنّ الداعي لهم هو النبي 9 ، لقوله : ( فَإِنْ رَجَعَكَ
اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ
تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ
بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) .
وتضمّن هذه الآية
للخبر عن نفي الخروج معه وقتال الأعداء أبدا باطل من وجهين :
أحدهما : أنّ
الآية المتعلّق بها في إمامة القوم نزلت في سنة ست بعد خيبر في المخلّفين عن
الحديبية باتفاق العلماء بالتفسير وما يقتضيه ظاهرها على ما بيّناه ، وهذه الآية
نزلت في سنة تسع في المخلّفين عن تبوك ، وإذا كان المراد من المخلّفين بآية الفتح
غير المخلّفين بآية براءة على تبوك سقط التعلق.
وأيضا مخلّفي آية
الفتح معرضون بالدعوة للثواب بقوله تعالى : ( فَإِنْ تُطِيعُوا
يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً ) ، ومخلّفي آية
براءة مقطوع على كفرهم وعذابهم وموتهم عليه ومصيرهم إليه في سياق الآية ، برهان
ذلك قوله سبحانه : ( إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ
بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ
وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها
__________________
فِي
الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) ، فوجب أن يكون المذكورون في آية براءة غير أولئك ، للقطع
على عقاب هؤلاء وكفرهم وموتهم على ذلك ، وتعريض أولئك بالطاعة والثواب.
ومنها : أنّ
إضافتها إلى القوم فرع لصحة كونهم دعاة إلى الجهاد على وجه يحسن ، وذلك فرع لثبوت
إمامتهم ، وقد بينا فسادها على أصولنا وأصولهم ، فاقتضى ذلك قبح دعوتهم.
وإذا وجب ذلك ، فلو
كان الداعي غير النبي 9 لوجب أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، لأنه لم يدع أحد بعد النبي 9 المخلّفين دعوة صحيحة غيره بنصّ النبي 9 على قتال
الناكثين والقاسطين والمارقين ، وثبوت إمامته في حال دعوته باجماع.
ولا يقدح في كونه
داعيا قوله سبحانه في المدعوّ إليهم : ( تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ
يُسْلِمُونَ ) ، ومحاربوا علي 7 مسلمون.
لأنهم عندنا وعند
أكثر أهل العدل ليسوا مسلمين.
أما نحن ، فلما
قدّمناه من الفتيا بكفر جاحد النصّ ومحارب المنصوص عليه ، ولأنّا نعلم من حال
القوم استحلال دمه وذريته وشيعته ، واستحلال دماء أهل الايمان كفر ، ولأنه وأصحابه
كانوا مصرّحين بكفرهم.
وقوله 7 ، والله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم : ( يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) ، ومن طرق أخر : ( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ
الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ ) الى قوله ( أَلا تُقاتِلُونَ
قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ) ، ولو كانوا
مسلمين لكان واصفهم بالكفر ضالا ، وهذا ما لا يطلقه مسلم.
ولاتفاق النقلة
على قوله 9 : حربك يا علي حربي وسلمك
__________________
سلمي ، وأنّه لم
يرد نفس حربه ، لتغايرهما ، فلم يبق إلاّ أنه أراد أن حكم حربك ومحاربك حكم حربي
ومحاربي ، وحرب النبي 9 كفر ، ومحاربه كافر ، فيجب الحكم على حربه ومحاربه بذلك.
وأمّا من خالفنا
من أهل العدل ، في اعتقادهم أنّ الواقع منهم كبيرة يخرج عن سمة الاسلام إلى الفسق ،
وإذا لم يكونوا مسلمين صحّ تعلّق الخطاب بهم.
على أنّ الاسلام
في اللغة هو الاستسلام ، ولم يكونوا كذلك ، إذ يقول سبحانه : ( أَوْ
يُسْلِمُونَ ) يريد يستسلمون ، على أصل الوضع ، وبهذا الوجه يسقط خلاف
المجبر ، وإن كان ساقطا بما تقدّم من الأصول الصحيحة المنافية لمذاهبهم الفاسدة.
على أنّا لو
سلّمنا أنّ الداعي في الآية من ذكروه ، لم يقتض ذلك إمامتهم ، لأنّ الأمر بقتال
الروم وفارس متقدّم من رسول الله 9 ، فالمجيب لهذه
الدعوة طائع لله ورسوله 9 فلذلك استحقّ الثواب ، والمتولي عاص لهما فلذلك استحق
العقاب ، وقتال المرتد عن الملّة المجاهر بالحرب واجب على كلّ مسلم إماما كان
الداعي لهم أم مأموما باتفاق ، فصارت إجابة هذا الداعي واجبة لكونها إلى واجب ، والتولي
عنها قبيح لكونه إخلال بواجب ، لأنّ طاعة الداعي مفترضة على كلّ حال ، بل لكونها
لحق لازم بغير دعوة من دعى إليه.
ومنه
: قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكافِرِينَ ) الآية.
قالوا : ولا أحد
قابل المرتدين غير أبي بكر ، فيجب توجّه الخطاب إليه ، وذلك ينافي ما تقوله الشيعة
فيه.
والجواب
: أن المأتيّ بهم لقتال المرتدين موصوفين في الآية بصفات تجب
على من ادعي لشخص أو أشخاص أن تدلّ على تكاملها له أو لهم.
__________________
وهي وصفهم : بأنّهم
يحبّون الله ويحبّهم ـ وهذا يقتضي القطع على إيمانهم وعلوّ منزلتهم عند الله تعالى
ـ وكونهم ذوي ذلّة ورفق بأهل الايمان ، وعزّة وشديد وطي على الكفّار ، مجاهدين في
سبيل الله ، ( لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) ، في شقّ ممّا وصفهم به سبحانه.
فليثبتوا تكامل
هذه الصفات لأبي بكر ليسلم لهم كونه المقاتل للمرتدين ، وإن ثبت ذلك يغنهم عن الآية في المقصود ، وهيهات ، على
أنّا نتبرع ببيان خروج أبي بكر منها.
فنقول : معلوم
انهزامه والثاني له بخيبر ، وقول النبي 9 : لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحبّ الله ورسوله
والله ورسوله يحبّانه ، فأعطاها عليّا 7
، فاقتضى ذلك ثبوت محبّته
لله تعالى ورسوله 9 ومحبتهما له ، والحكم له بالكرّ ، وانتفاء ذلك عنهما ، فخرجا
عن مقتضى الآية.
وبعد ، فإنّه
وصاحبه لم يكونوا من أهل الذلّة على المؤمنين ، لغلظتهم على أهل بيت نبيّهم : ، وعلى سعد بن
عبادة والزبير وسلمان وبلال.
وقد صرّح أبو بكر
بذلك فقال : وإذا عصيت فاجتنبوني لا أمثل في أشعاركم وأبشاركم ، مع ما صنعه ببني حنيفة من
غير استحقاق ، على ما بيناه.
ووصف الصحابة عمر
بالغلظة ، وثبوتها له بظاهر أفعاله.
وحال عثمان بذلك
وإقدامه بالضرر القبيح والاستخفاف بأهل الايمان ظاهرة.
ولا من أهل العزّة
على الكفّار ولا المجاهدين باتفاق ، على خلوّ ذكرهم بنكاية في كافر أو عناء في شيء
من مواقف الجهاد ، وثبوت ذلك أجمع لعلي 7 وشيعته.
فيجب خروجهم من
مقتضاها ، وتوجّهها إليه 7 وإلى من اتبعه مخلصا في قتال المرتدين.
ومنه
: قوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ
__________________
ما
فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً
قَرِيباً ) .
قالوا : أبو بكر
وعمر وكثير ممن تابعهم ورضي بهم من جملة المبايعين باتفاق ، فيجب توجّه الرضوان
إليهم ، وذلك يمنع من كفرهم ، ويقتضي ثبوت إيمانهم وإمامتهم.
والجواب
: من وجوه :
منها : أنه لا
حجّة لهم فيها على أصولهم ، لجواز الكفر بعد الايمان والسخط بعد الرضوان عندهم ، فعلى
هذا لو سلّم توجّه الرضوان إلى المبايعين لم يمنع من السخط بما أحدثوه بعد البيعة
من جحد النص وغيره ممّا بيناه ، كما لم يمنع ذلك من فسق طلحة والزبير وغيرهما من
جملة المبايعين على ما أوضحناه.
ومنها : أنّ
الرضوان على البيعة مشترط بالوفاء بما هي بيعة عليه ، بدليل قوله تعالى : ( إِنَّ
الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ [
عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) ، فليدلّوا على وفائهم بالبيعة ، ولن يجدوا سبيلا إليه ، بل
المعلوم نكثهم بهزيمتهم عقيب هذه البيعة بخيبر ، فخرجا من الظاهر.
ومنها : أنّ الوعد
بالرضوان على البيعة مشترط بإيقاعها لوجهها قربة إلى الله تعالى ، كسائر الطاعات ،
فليدلّوا على وقوع بيعتهما ومن اتبعهما على هذا الوجه ، وهيهات ، بل الواقع من عمر
في ذلك اليوم برهان واضح على ما شرحناه على تعرّي أفعالهما من الوجه الّذي يستحق
به الرضوان ، فيختص بمن ثبت إيمانه من المبايعين ، فليدلّوا على ثبوت إيمانهم
ليسلم لهم الظاهر ، بل ليسعون بثبوته عنه ، ولن يستطيعوه ، وأنّى لهم به ، وقد
قامت البراهين السالفة بضلالهم.
ومنها : أنّ
الرضوان في الآية متوجّه إلى المؤمنين عند الله تعالى ، المبايعين لوجه الله ، المعلوم
ما في قلوبهم من الايمان والوفاء بالبيعة في المستقبل ، المنزول عليهم لذلك
__________________
السكينة المقارنة
للطمأنينة والنصر ، المثاب عليهم بالفتح القريب الكائن بهم وعلى أيديهم ، ولم يحصل
القوم بحمد الله من هذه الصفات شيء غير ظاهر البيعة ، لتعرّيهم من الإيمان وإيقاع
البيعة لوجهها بحجّة النص الكاشف عن كفرهم ، وانتفاء السكينة عنهم ، ونكث البيعة
للهزيمة الواقعة منهم ، وتعرّيهم بالفتح من الفرار.
وإذا ثبت هذا ، فنحن
وإن شككنا في خروج كثير من المبايعين عن هذا الرضوان أو دخولهم فيه ، فلسنا نشكّ
في خروج القوم الّذين ادعي توجّه الرضوان إليهم عنه بخروجهم عن صفات المرضيّ عنهم
في الآية ، ويخصّص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 به ومن كان في حيزه من المؤمنين ، لثبوت الصفات له بإجماع.
ومنه
: قوله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ
تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ
فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ
فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) .
قالوا : فأخبر
سبحانه بالمغفرة للّذين معه وهم أصحابه ، وذلك ينافي قولكم بضلالهم والمبايع لهم.
والجواب من وجوه :
منها : أنّه تعالى
لم يرد بقوله : ( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) في الزمان ولا
المكان ولا على ظاهر الاسلام ، لأنه لا مدحة في ذلك ، والآية مختصّة بمدح المذكور
فيها والقطع على ثوابه ، وذلك يدل على إرادته سبحانه بـ ( الَّذِينَ
مَعَهُ ) المؤمنين حقا ، فليدلّ الخصوم على ثبوت إيمان من جعلوا
الآية مدخوله عند الله ، ليسلم لهم الظاهر ، بل ثبوته مغن في المقصود عنه باجماع ،
ولن يجدوه ، بل الثابت ضلالهم بالبرهان المانع من ثبوت البرهان واستحقاق الرضوان.
__________________
ومنها : أنّ
المذكورين فيها موصوفون بصفات معلوم خلوّ القوم منها ، وتكاملها لأمير المؤمنين
وحمزة : ، وخاصّة شيعتهم ، كعمّار وأبي ذر ومقداد وسلمان وأبي وابن مسعود وبريدة وجابر
وخزيمة وسعد وولده قيس وسعد بن معاذ وفي أمثالهم ، فيجب إخراجهم من حكمها وتخصيصه
بهؤلاء.
فمن ذلك : وصفهم
بالشدّة على الكفار ، وكلّ متأمّل يعلم خلوّهم من ذلك.
ومنه : الرحمة
بأهل الإيمان ، وقد بينا كونهم بخلاف ذلك.
ومنه : ابتغاؤهم
بالطاعات فضل الله ورضوانه ، ولا يكون كذلك من تخلّف عن أسامة ، ولم يحضر جهاز
رسول الله 9 رغبة في الدنيا ، وجعل أفعال الآخرة يوم السقيفة ذريعة إلى الخلافة ، وصادر
العمّال ، واقترض من بيت المال ، وخصّ بمال الله بني أميّة أعداء الدين في
الجاهليّة والاسلام ، إلى غير ذلك مما سطرناه ، وحال متّبعهم في ذلك كحالهم.
ومنه : وصفهم
بالنصر لله ولرسوله 7 ، وذلك مختصّ
بالجهاد وبذل الأنفس والأموال فيه ، وليسوا كذلك بغير إشكال.
وهذه الصفات
متكاملة فيمن ذكرناه ، فيجب توجه المدحة إليهم دون هؤلاء الضلال.
ومن
ذلك قوله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) .
قالوا : والمتقدّمون
على أمير المؤمنين 7 وأكثر من عقد لهم وبايعهم من جملة هؤلاء المذكورين ، وقد
أخبر سبحانه برضاه عنهم واستحقاقهم الثواب ، وذلك مناف لما يقولونه فيهم.
والجواب
من وجوه :
أحدها : أنّ الوعد
في الآية متوجّه إلى من وقع سبقه واتباعه لوجهه المخصوص
__________________
قربة لله تعالى ، فليدلّوا
على كون القوم كذلك ليتوجّه الرضوان إليهم ، ولن يجدوه ، بل الموجود ضلالهم وخروج
أفعالهم من قبل الطاعات بما وضح برهانه سالفا.
وثانيها : أنّ
الرضوان مشترط بالموافاة ، ولم يواف القوم بما سبقوا إليه ، لردّهم أمر رسول الله 9 في وصيته ، وما
أتوه إلى أهله بما بيناه.
وثالثها : أنّ
وقوع السبق موقع القربة لا يمنع من عصيان في المستقبل ، إمّا فسق على مذاهب الكلّ
أو كفر على مذاهب الخصوم ، وإذا صحّ ذلك جاز تقدير وقوع سبقهم موقعه ، وإن عصوا
عصوا من بعده ، كوقوع ذلك من طلحة والزبير وعمرو بن العاص وأمثالهم من السابقين
والتابعين ، وقطعنا عليهم به ، لما أتوه إلى أهل بيت نبيهم : من بعده ، فليستنفذ
الخصم لمنعنا من ذلك جهده إن استطاعه ، وإلاّ فالحجّة لازمة له والآية خطاب لغيرهم
، وهم الذين لم يتدينوا بجحد النص من السابقين والتابعين ، وهم كثير معيّن وغير
معيّن.
ومن
ذلك : قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ
الْحُسْنى ) .
قالوا : وهذه صفة
المذمومين عندكم الممدوحين في الآية.
والجواب
: أنّ الخطاب في الآية متوجّه إلى من أنفق وقاتل قبل الفتح من
المؤمنين عند الله تعالى متقرّبا بهما للوجه الّذي شرّعا ، فليدلّوا على تكامل هذه
الصفات للقوم ليسلم لهم المقصود ، فان يتعرضوا لذلك يختص الكلام به وسقط تعلقهم
بالآية ، وإن لا يفعلوا فلا يقع لهم فيها.
وكذلك القول في
جميع ما مضى من الآيات ويأتي ، فليتأمّل لتقع المضايقة فيه.
على أنّا نتبرّع
ببيان تعرّي القوم من صفات المذكورين في الآية.
أمّا الإيمان ـ الّذي
لا تصحّ قربة من دونه ـ فقد دللنا على تعرّيهم منه بما لا يختل على متأمّل ، فمنع
من توجّه الخطاب إليهم.
__________________
وأمّا الإنفاق ، فيفتقر
على أمور :
منها : ثبوت المال
للمنفق ، وتعيين الزمان الواقعي فيه ، والجهة المتصرّف فيها ، وكونه قربة إلى الله
تعالى ، وكلّ مقصود.
أما المال ، فالمعلوم
من حال أبي قحافة كونه صياد القماري بمكة ، فلمّا أضرّ صار مناديا لمائدة عبد الله
بن جذعان ، وأبو بكر في الجاهليّة خيّاطا ، وفي الاسلام يبيع الخلفان ، وعمر في
الجاهلية جزّارا ، وفي الاسلام كلاّ على غيره من المسلمين ، وقد عدّ الناس الأغنياء
من قريش فلم يعدّهما أحد ، وعدّوا عفّان وابنه عثمان.
وأمّا الزمان ، فلا
يخلو أن يكون قبل الهجرة أو بعدها ، وفي أيّ الحالين كان اقتضى حصول العلم بوجه
الذي وقع فيه الإنفاق من حالتي مكة والمدينة.
وكذلك القول في
الجهة ممّا يجب العلم بعينها ، أفي مصالح حال النبي 9 والمتبعين له ، أو مداراة الكفّار ، أو تجييش الجيوش؟
وكلّ ذلك لا سبيل
إلى إثبات شيء منه بيقين ، وإنّما هو مختصّ بالارجاف ، لا يجد مدّعيه سبيلا إلى
إثبات شيء غير ابتياع بلال وعتقه ، وهو من أوضح برهان على عدم الإنفاق ، لاختصاص
الدعوى به ، مع بعده من صفة الإنفاق.
وأمّا الجهاد ، فقد
بينا خلوّ القوم منه ، وثبوت ضدّه من الانهزام في موطن بعد موطن.
وإذا خلوا من دعوى
القتال الثابت في الآية بغير شبهة ، فلو ثبت الانفاق لم ينفع ، لأنّ الوعد في
الآية يتوجّه إلى من جمع بينهما ، دون من انفرد بأحدهما ، وبهذا يخرج عثمان من
مقتضى الظاهر ، لخروجه عن جملة المجاهدين وإن كان له إنفاق ، وانتفاء الصفتين عنهم
أو أحدهما كاف في خروجهم عن مقتضى الآية.
ولم سلّم كونهم
ذوي إنفاق وقتال ـ مع تعذر ذلك ـ لم يقتض توجه الخطاب إليهم ، لأنه لا حكم ولا
نفاق ولا قتال من دون الايمان الّذين هم براء منه.
__________________
ولافتقار صحتهما
لو ثبت إيمان فاعلهما إلى إيقاعهما للوجوه الشرعية على جهة الاخلاص ، فليثبتوا
ذلك.
ومما يوضح نفي
القتال والانفاق عنهم ، أو وقوعهما ـ لو كانا ثابتين ـ لغير وجههما ، أنّهما لو
كانا كذلك لوجب النصّ عليهما به وارتفاع اللبس فيه ، كجهاد علي وحمزة وجعفر : وأمثالهم المعلوم
ضرورة ثبوت النصّ بوقوعه موقع المستحقّ ، وتعظيم الرسول 9 لأجله ، وشهادته
لهم به ، ونزول القرآن بإيثار علي 7 على نفسه وأهله المسكين واليتيم والأسير ، وتصدّقه في حال
الركوع وليلا ونهارا وسرّا وعلانية ، وتقديمه على المناجاة دون سائر الأمة ، وحصول
الاجماع بذلك والنص على وقوعه موقع القربة والقطع بثوابه.
ولمّا فقدنا ذلك ،
واختصّ الدعوى له بالارجاف ـ مع وجوب عموم العلم به لو كان ثابتا ، لعلوّ كلمة من
يضاف إليه ، وكثرة الاتباع ، وقوّة الدواعي للاحتجاج به ، وانتفاء جميع الصوارف عن
الناقل وعظيم النفع له بنقله ـ علمنا انتفاءه ، أو وقوعه على وجه لا يستحقّ به
ثوابا ، وإلحاقه بانفاق من نصّ الله تعالى على حال إنفاقه بقوله تعالى : ( وَما
مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا
يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ ) ، وقوله سبحانه ( قُلْ
أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ
قَوْماً فاسِقِينَ ) ، فنصّ تعالى على
قبح إنفاق هؤلاء المذكورين ، مع مظاهرتهم بالاسلام ، لوقوعه لغير الوجه المعتبر في
القبول واستحقاق الثواب ، وبهذا يسقط التعلّق بانفاق عثمان ومن يدّعى له بانفاق
ممن لم يعلم وقوعهما على الوجه المخصوص.
وإذا لم يكن توجّه
الخطاب في الآية إلى من ذكروه قطعا ، بل المقطوع به خروجهم منها بما أوضحناه ، وجب
توجّهها إلى من ثبت إيمانه وجهاده وإنفاقه بما أوضحناه ،
__________________
ووجب توجّهها إلى
من ثبت إيمانه وجهاده وإنفاقه على جهة الإخلاص قبل الفتح وبعده ، كعلي وحمزة وجعفر
عليهم السلام ، وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وسعد وعمّار وسلمان وأبي ذر
ومقداد ، وأمثالهم ممن أجمع المسلمون على ثبوت جهادهم قبل الفتح وبعده ، وإنفاق
قوم منهم ووقوع ذلك موضع الرضوان ، وإلى من كان كذلك عند الله تعالى ممن لم نعرفه
على جهة التعيّن ، ولا علمنا خروجه عن الايمان ، ووقوع الأفعال الشرعية منه موقعها
، كالقوم المذكورين.
ومن
ذلك في أبي بكر خاصّة
: قوله تعالى : ( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ
يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) .
قالوا : فاختصّ 7 بمصاحبته في مثل تلك الحال
الّتي لا يطّلع عليها إلاّ المخلصين من الأولياء ، ونطق به القرآن بأنّه ثانيه
وصاحبه في الطريق ومشارك له في الكون معه ، وأنه 7 شجّعه ورقّ له ، وأنّ السكينة نزلت عليه لخوفه وحاجته
إليها ، وغنى النبي 7 عنها.
والجواب
: أنه لا فضيلة في القصة ، بل هي دالّة على النقص ، وأنّه لو
سلّم مرادهم منها لم يضرّ فيما قصدناه ولم ينفعهم.
فأمّا بيان عدم
الفضيلة منها ، فلسنا نعلم استصحاب النبي 9 له ، لأنه روي : أنه فقد النبي 9 فتبعه ، وقيل : إنه
لحقه بعدالة السفر ، فسأله الصحبة ، فلم يتمكن من كتمانه.
ولو كان بأمره
لاحتمل أمورا :
منها : أنّه كان
معه في بيت عائشة بحيث لا يخفى عليه شيء من أمره ، فلم يجد بدّا
__________________
من استصحابه ، خوفا
من إذاعته ، إمّا لضعف رأي أو دين.
ومنها : للأنس به.
ومنها : إسلامه
ظاهره له وظنّه به الخير.
وليس في شيء من
ذلك ما يعصم مما تقوله الشيعة فيه.
وأمّا كونه ثانيا ،
فمخبر عن عدّ ، ولا فضيلة فيه ، والغرض به تنبيه المخاذلين في نصرته 7 ، على أنّه تعالى متولّي ذلك منه في هذه الحال وغيرها ، كما
تولّى ذلك في حال كونه فريدا قرين واحد.
وأمّا كونه معه في
الغار ، فلا يدل على فضيلة ، لاشتمال المكان على الفاضل والمفضول ومن لا فضل له ، وإنّما
يعلم فضله بغير الكون.
وتسميته بالصحبة
لا يفيد إلاّ مجرد المصاحبة في السفر وظاهر الانقياد ، وكلّ منهما لا يدل على
الفضل منفردا.
والتسكين والتشجيع
يتوجّه إلى الولي والعدوّ ، ولا سيّما في مثل تلك الحال.
وإخباره 7 إنّ الله معهم
بمعنى النصرة المقصود بها النبي 9 ، ولو كان متوجّها
إليهما لم يقتض فضلا ، لأن المقصود من نصرة النبي 7 والمنع منه يقتضي منع الكائن معه في الغار وإن كان كافرا ،
لأنّهم لو وصلوا إليه بسوء لوصلوا إلى النبي 9 ، لحصولهما في
مكان واحد.
ونزول السكينة
عليه لو سلّم لم يدل على فضيلة ، لاقتضائها الطمأنينة وزوال الخوف المخوف منه
الضرر على النبي 9 ، لأنّ ظهور الهلع
ممن هو معه في تلك الحال ربّما تعدّى إلى معرفة الكفّار بمكانهم ، فلذلك سكّنه.
وأمّا دلالة الآية
على نقيصة أبي بكر فمن وجهين :
أحدهما : قوله
تعالى ( لا تَحْزَنْ ) ، لا يخلو أن يكون ناهيا أو مشجّعا ، فان كان ناهيا فالنهي
يدلّ على كراهيّة المنهيّ ، والنبي 9 لا يكره إلاّ قبيحا ، وإن
__________________
يك تشجيعا فلم
يحصل إلاّ عن هلع من الرجل أو خوف أو خبّة ، وذلك شكّ في
خبره 7 ، لأنّهم لا يختلفون في
أنّه 9 أطلعه على هجرته ، وأنّه سبب علوّ الكلمة ، فلو وثق بهذا الوعد لم يخف من
وصول الضرر إلى النبي 9 ولا إلى من هو معه ، وهذا أعظم من الأول.
الثاني : تخصّص
السكينة بالنبيّ 7 مع حاجة أبي بكر إليها لخوفه ، وأنّها لم تنزل قطّ على
رسول الله 9 ومعه مؤمنون إلاّ عمّتهم ، كقوله تعالى :
( ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ
سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ، فلو كان من جملة المؤمنين لنزلت عليه السكينة مع
حاجته إليها في تلك الحال.
إن قيل : من أين
قلتم إنّ السكينة مختصّة بالنبيّ 9 .
فيجب رجوع الهاء
في قوله : ( عَلَيْهِ ) ، [ عليه ـ عليه ] السلام ـ وإن كان قد تقدّم ذكر أبي بكر ،
من حيث كانت عادة المقدّم في الضمير المتصل أن يرجع آخره إلى من تعلّق به أوله ، ما
لم يمنع مانع ، كقوله : ( تُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ، إنّما انقطع الضمير في ( وَتُسَبِّحُوهُ ) عن الأول ، لأن
التسبيح لا يليق بالرسول ويخصّه تعالى ، لو لا ذلك لم ينفصل ، ولأنّه لا يوجد في
كلام العرب ضمير يتعلّق أوّله بمذكور وأوسطه بمذكور آخر وآخره بالمذكور الأول.
فلا يجوز أن تكون
الهاء في ( عَلَيْهِ ) مختصّة بأبي بكر ،
مع علمنا بأنّها في قوله : ( نَصَرَهُ ) متعلّقة بالنبيّ 9 بغير شبهة ، وفي
قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
__________________
تَرَوْها
) ، ومعلوم أنّ المؤيّد
بالجنود هو النبي 9 ، فيجب أن يكون هو
المنزول عليه السكينة.
ومن ذلك فيه خاصة
: قوله تعالى : ( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ
أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .
قالوا : وقد نقل
المفسّرون اختصاصها بأبي بكر ، وفيها الوعد بالمصدّق للثواب.
والجواب من وجوه :
منها : أنّ الراوي
لذلك من جهلة المفسّرين ، هم الّذين أوّلوا القرآن بآرائهم ، وأضافوا القبيح إلى
الله تعالى ، وشبّهوه بخلقه ، كمقاتل وقتادة وداود [ و ] الحواري والكلبي ، ولا
اعتداد بتأويل من هذه حاله.
وبعد ، فهو معارض
بما رواه ابن عباس ومجاهد وغيرهما من علماء التفسير.
فمنهم من روى ( الَّذِي
جاءَ بِالصِّدْقِ ) جبرئيل 7 ( وَصَدَّقَ بِهِ ) النبي 9.
ومنهم من روى ( الَّذِي
جاءَ بِالصِّدْقِ ) رسول الله 9 ( وَصَدَّقَ بِهِ ) أمير المؤمنين 7 ، وهو أولاها ، لأنّه أول المصدّقين به بلا خلاف.
ولا يقدح في ذلك
بما لا تزال جهّالهم يقولونه من صغر سنّه ، لأنه 7 لم يكن صغيرا يبعد منه التصديق ، لكونه ابن عشر سنين ، وقد
وجدنا في زماننا من هو في هذا السن يدرك فهم كثير مما يبعد فهمه عن الكهول ، ولأنّ النبي 9 دعاه إلى الاسلام
بغير خلاف ، ولا يجوز أن يدعو من ليس بكامل ، لقبح ذلك ، ولأنّ
النبي 9 مدحه بالسبق ، وتمدّح هو به على أعدائه ، ولا وجه لذلك إلاّ
__________________
وقوع سبقه موقعه.
على أنّا إن
وقّعنا فيمن نزلت هذه الآية ، فلسنا في خروج أبي بكر منها ، لضلاله المدلول عليه ، وتضمنها الوعد للمذكور فيها بالثواب ، ولفقد
برهان على وقوع تصديق أبي بكر موقعه ليسلم له الوعد ، ولو أمكن ذلك لأغنى عن الآية
بلا خلاف.
ومن
ذلك فيه : قوله تعالى
: ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنى ) .
قالوا : وقد روى
المفسّرون أنّه أبو بكر.
والجواب
: أنّا آمنون كون الآية [ ليست ] فيه ، لما قدّمناه من ضلالته
، وتضمّنها وصفا لا يليق بالضلال.
ثم لو فرضنا
ارتفاع ذلك ، لكان الظاهر العموم في كلّ معط ومصدّق ، فلا يجوز تخصيصها إلاّ
بدلالة ، ولا دلالة في قول المفسّرين.
وبعد ، فروايتهم
مختصّة بتصديقه بحديقة نخل تسمّى الحسنى.
فأوّل ما في هذا
أنّه لا تعرف في الحجاز حديقة توصف بذلك ، ولأنه لو كان الحال كذلك لقال : تصدّق ،
ولما قال : ( صَدَّقَ ) ، وهو من التصديق ، وقابله بكذب المتعلّقين بالاعتقادات دون
الصدقة ، دلّ على ما ذكرناه.
ومن
ذلك فيه : قوله تعالى
: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ
وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي
سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ
لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
قالوا : وهذه
الآية في أبي بكر ومسطح عند قذفه عائشة ، وحرمان أبي بكر إيّاه البرّ ، وقد سمّاه
الله تعالى أولي فضل ، وهذا يخالف ما يقولون فيه.
والجواب
من وجوه :
__________________
منها : أن القول
بتخصيص الآية بأبي بكر مستند إلى من ذكرناه من جهلة المفسّرين ، فلا يجوز لمثله
الرجوع من ظاهر العموم المتضمّن لنهي كلّ مكلف عن التألّ على حرمان أولي القربى
والمساكين والمهاجرين بجريرة وقعت منهم.
على أنه قد روى
جماعة من المفسّرين ما يخالف ذلك ، وأنّ ملاحاة وقعت بين المهاجرين والأنصار في
بعض البعث ، فشجّ بعض المهاجرين أنصاريا ، قالوا : لا تبروهم ، فأنزل الله الآية ،
وأراد بالقربى قرابة النبي 9.
ويقوّي هذه
الرواية : أنّ مسطحا لم يكن من قرابة أبي بكر ، وهو واحد ، وظاهر الآية الجمع ، فصار
حملها على هذه الرواية أولى ، لمطابقتها لها من كلّ وجه ومنافاتها لروايتهم ، وأقلّ
أحوالها أن تعارض ما رووه ، فسقط التعلّق بها.
ومنها : أنّا لو
سلّمنا تخصّصها بأبي بكر لكانت بالذمّ أولى ، لكونه منهيّا بظاهرها عن فعل ، والنهي
لا يكون منه إلاّ عن قبيح ، وإذا كان تاليه وقع على وجه يقبح ، فالآية برهان على
نقصه وذمّه ، فيكف تجعل دلالة على مدحه وأيضا فانّ الفضل المذكور فيها المراد فيه
الفضل في الدنيا وسعة الحال فيها ، لأنّ تعلّق الآية بالقصة الّتي ذكروها يقتضي
ذلك ، فكأنّه قال : ولا يأتل الأغنياء وذووا السعة على منع الفقراء من رزق الله
تعالى لديهم.
وأراد بالفضل هاهنا
على مسطح دون غيره ، لتخصّص الحكم به ، وحصول العلم بأنّ أبا بكر لم يكن من
الأغنياء ، لا سيّما بعد الهجرة.
وإذا صحّ هذا ، فالفضل
في باب الدنيا ليس بثواب ولا دالّ عليه ولا مانع من قبيح.
[ ما استدل به من السنّة ]
وتعلّقوا من جهة
السنّة بأشياء :
منها
: ما رووه عنه صلوات الله عليه وآله أنه قال : خير القرون
القرن الّذي أنا فيه ، ثم الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم.
وقوله
: إنّ الله تعالى اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم
فقد غفرت لكم.
وقوله
: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
والجواب من وجوه :
منها : أنّ هذه
أخبار آحاد بلا خلاف بين الأصوليّين ، وما قصدوا له لا يكفي فيه إلاّ ما يوجب
العلم باتفاق.
ومنها : أنه لا
يخلو أن يجعلوها دلالة على نفي القبيح عن كلّ واحد من الصحابة ، أو عن إجماعهم.
والأول معلوم
ضرورة خلافه في كثير منهم ، وإذا لم يمكن نفيه عن كلّ واحد لم ينفعهم ، لصحة كون من اختلفنا فيه من
جملة الآحاد الخارجين عن موجبه.
والثاني غير نافع
لهم ، لأنّا لا نخالف فيه ، لوجوب وجود معصوم في كلّ قرن يدلّ دخوله في جماعة
المجمعين على صحة إجماعهم ، والمقدوح في عدالتهم ليسوا جميع الأمة ، والمعصوم من
غيرهم.
ومنها : أنّ هذه
الأخبار معارضة بآيات وأخبار.
فالآيات : آيات
المنافقين ، وهي كثيرة.
ومنها : وصفه تعالى
لقوم من الصحابة برفع الأصوات على النبي 9 وترك تعظيمه وتوقيره ، حتّى نهاهم تعالى عن ذلك بقوله
سبحانه : ( لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) .
وقوله تعالى : ( لا
تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ
يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ ) .
__________________
وقوله تعالى : ( وَإِذا
رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما
عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ ) ، فنصّ على
إيثارهم التجارة واللهو على الصلاة ، والقصة مشهورة.
وقوله تعالى : و ( مِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ) .
وقوله : (
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ، [ نزلت هذه الآية ] يوم بدر ، وهي منافية لدعواهم للغفران
لما تقدّم وتأخّر من ذنوب أهل بدر ، وتوبيخهم على هزيمتهم يوم أحد وحنين ، وسوء
اعتقادهم يوم الأحزاب ، والآيات بذلك ثابتة.
وقوله تعالى : ( وَما
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) .
وغير ذلك من
الآيات المتضمّنة لذمّ قوم ممن هم على ظاهر الصحبة ، إيراد جميعها يطول ، وفيما
ذكرناه كفاية.
وأما الأخبار : فما
رووه عن النبي 9 أنه قال : بينا أنا على الحوض ـ حوض عرضه ما بين بصرى
وصنعاء فيه قدحان كعدد النجوم ـ إذ يأتي قوم من أصحابي أعرفهم بأسمائهم وأنسابهم ،
إذا دنوا منّي اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فيقال لي : يا محمّد إنّك
لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فإنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم القهقرى منذ
فارقتهم ، فأقول : الا بعدا ، ألا سحقا ألا سحقا.
وقوله 7 : ـ وقد ذكرت
فتنة الدجال ـ إنّي لفتنة بعضكم أخوف منّي
__________________
لفتنة الدجّال.
وقوله 7 : إنّ من أصحابي
من لا يراني بعد أن يفارقني.
وقوله 7 : ترجعوا بعدي
كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض.
وقوله 7 : لتسلكنّ سنن من
كان قبلكم ، حتّى لو دخل أحدهم في حجر ضبّ لدخلتموه ، فقيل له : يا رسول الله
اليهود والنصارى ، فقال : فمن إذن!.
وقوله 7 : يؤخذ بقوم من
أصحابي ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصيحابي ، فيقال له : إنّهم ليسوا لك بأصحاب ، إنّك
لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بعدا للقوم الظالمين.
في أمثال لهذه
الروايات ـ يطول بذكرها الكتاب ـ واردة بما ذكرناه.
وهذه أخبار قد سلّمها
الكلّ ، واقترن إليها القرآن ، فيجب له الرجوع عما رووه ، أو تخصيصه بمن يليق به ،
ويتعيّن فرض البرهان على من ادّعى تخصّصه بمعيّن.
ومنها : أن يتكلّم
على كلّ خبر منها :
أما ما رووه أولا ،
فإنّ قوله 7 : خير القرون القرن الّذي أنا فيه ثم الّذين يلونهم ، فدلالة على كثرة
الاخيار في المذكورين دون جميعهم ، كقول القائل : بنو فلان خير من بني فلان وبنو
فلان أشجع من بني فلان ، لا يفيد كلام هذا إلاّ ما ذكرناه من كثرة الأخيار
والشجعان في إحدى القبيلتين على الأخرى ، يؤكد ذلك خروج أكثرهم عن هذه السمة
باتفاق.
ولحصول العلم
الضروري بوجود أعيان تابعين أفضل من صحابة ، وتابعيهم أفضل منهم ، ومعاصرين لنا
أفضل من كثير من الصحابة.
وهو معارض بما رووه
من قوله 7 : إنّ أفضل أمّتي قوم آمنوا بي ولم يروني ، خالط حبّي لحومهم ودماءهم ، فهم
يؤثروني على الآباء والأمّهات.
وأما ما رووه
ثانيا في أهل بدر ، فلا يخلو أن يريد 7 غفر لكم الماضي من ذنوبكم ، أو المستقبل.
فان أراد الماضي ،
فلا نفع فيه في موضع التعلّق ، لأن غفران ما مضى لا يمنع من
استيناف مثله.
وإن أراد المستقبل
، فباطل من وجهين :
أحدهما : أنّ ظاهر
قوله 7 : غفر ، إخبار عن ماضي لا يجوز حمله على مستقبل إلاّ بدليل.
الثاني : أنّ
القطع على غفران المستقبل على كلّ حال لمن ليس بمعصوم إغراء بالقبح ، وأكثر أهل
بدر غير مقطوع على عصمتهم ، لوقوع القبح منهم ، والإغراء لا يجوز عليه تعالى.
وأما ما رووه
ثالثا ، فباطل من وجوه :
منها : قيام
البرهان على ضلال القوم المتقدّمين في مقام النبوة ومتبعيهم على ذلك.
ومنها : أنّه 7 لا يجوز أن يحكم
بهداية المقتدي به [ غير ] معصوم ، ولا أحد قطع على عصمة من ذكروه ، فيجب توجّهه
إلى أئمتنا : ، لثبوت عصمتهم بالأدلّة.
ومنها : أنه لا
يخلو أن يريد جميع الصحابة ، أو بعضهم.
فإن أراد البعض ، فعليهم
أن يدلّوا على أنّ القوم المقتدين من جملة ذلك البعض ، وأنّى لهم به.
وإن أراد الجميع ،
فالمعلوم ضرورة خلافه ، لوقوع القبح من أكثرهم ، كطلحة والزبير وقدامة بن مظعون
المستحلّ الخمر ، ومالك بن نويرة وبني حنيفة وغيرهم عندهم ، وقاتلي عثمان ، ومعاوية
وعمرو بن العاص المستحلين دماء أهل بدر وحنين ، ووقوعه يحيل كون المقتدي بهم
مهتديا.
ولأن ذلك يقتضي
صواب مالك بن نويرة فيما فعله ومن اتبعه ، وأبي بكر وخالد فيما أتياه إليه ، وعثمان
فيما صنعه بابن مسعود وعمار وأبي ذر وغيرهم ، وهم مصيبون في
__________________
الإنكار عليه وعلى
ذويه ، ومن منعه الماء وقتله ، وعلي وذويه ومن معه من المهاجرين والأنصار
في قتال طلحة والزبير ومعاوية وعمرو ومن في حيّزهم ، وهم في قتاله واستحلال دمه ، وهداية
كل مقتد بواحد من هؤلاء.
وفساد ذلك ظاهر.
ومما
تعلقوا به : ما رووه عنه 7 أنه قال : عشرة
من أصحابي في الجنة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن
أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن فضيل ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح.
قالوا : فشهد
لهؤلاء بالجنة ، وذلك يقتضي إمامتهم ، لأنه لا أحد فرّق بين الموضعين ، فمنع من
شهادتكم عليهم بالكفر المخالفة للنبيّ 9.
والجواب
: من وجوه :
أحدها : أنه خبر
واحد لا يجوز العمل به عندنا في شيء ، ولا عند الكلّ فيما طريقه العلم ، والقطع
على ثبوت الثواب لمكلّف معيّن مما لا يكفي فيه إلاّ العلم ، لا سيّما في ذي قبائح
ظاهرة ، فلا يجوز إثبات إثباته بخبر واحد باتفاق.
وثانيها : أنّه لم
يروه إلاّ سعيد ، وهو أحد العشرة ، ولو كان ثابتا مع قوّة الدواعي إلى نقله ـ لتضمن
البشارة بالجنة لأولي الأمر ـ لوجب تواتره وشياعه إلى حدّ لا يبقى فيه لبس ، ومن
فقد ذلك برهان على سقوطه.
وثالثها : أنه لو
كان ثابتا لكان معلوما لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي 7 :
فكان لا يقول أبو
بكر عند وفاته : ليتني لم أكشف بيت فاطمة ولو أغلق على حرب ، وليتني لم أقتل
الهرمزان ، أو ليتني كنت سألت النبي 9 هل للأنصار حقّ في الأمر ، فكنّا لا ننازعهم ، وليتني
بايعت أحد الرجلين.
ولا يقول عمر عند
وفاته : ليت أمّي لم تلدني ، وليتني كنت نسيا منسيّا ، وودّ ابن
__________________
الخطاب أنه نجى
كفافا لا عليه ولا له ، ويأمر ابنه بوضع خدّه على التراب فيتمرّغ عليه ، فيقول له
ابن عباس : يا أمير المؤمنين لم تجزع ، فقد كان والله اسلامك عزّا وامارتك فتحا ، فيرد
عليه عمر : المغرور والله من غررتموه ، ودّ ابن الخطاب أنّه نجا كفافا لا عليه
ولا له ، ويقول : ـ وقد قيل له : استخلف ابنك عبد الله ـ حسب آل الخطاب أن يدان
رجل منهم بالخلائق.
لأن علم المكلف
بالثواب وأمانه من العقاب يمنع من هذا الجزع ويؤمن من هذا الخوف ، وثبوتهما ينافي
حصول اليقين به بغير شبهة.
وكان ينبغي أن
يحتجّ به عثمان على محاصريه ، لكونه أبلغ من جميع ما ذكره ، وكان لا يظهر ما ظهر
من وجوه الصحابة من الاستخفاف به والشهادة عليه بالضلال والحصر ومنع الماء
واستحلال دمه وإراقته ، لا سيّما مع كون جميعهم عند القوم هم العيار في جميع أمور
الدين ، وكون جمهورهم عندنا بهذه الصفة ، لأن علم المسلم الورع كون غيره من أهل
الجنة قطعا يجب أن يمنعه من النفير به والاستخفاف والتضليل واستحلال الدم.
وكان ينبغي أن
يحتجّ به علي 7 في مواضع الحاجة إليه ، ويقبله حين رواه طلحة والزبير يوم
الجمل ، ولا يردّه ويشهد بكذبه ويقطع بضلال بعض المذكورين فيه وخلودهم في النار.
ورابعها : أن
الشهادة بالجنة تقتضي عصمة المشهود له ، لأن فقدها فيه يقتضي الإغراء بالقبح ، والتكليف
مع الإغراء قبيح لا يجوز عليه سبحانه.
ولا أحد قطع على
عصمة التسعة المذكورين فيه حسب ما بيناه في الثلاثة المتقدمين على أمير المؤمنين 7 ، وما وقع من عبد الرحمن يوم الشورى وبعدها من ذم عثمان
وخذلانه ، وما وقع من الجميع من التخلف عن أسامة وخذلان عثمان ، وما أتاه طلحة
والزبير من حصاره والشدّ في أمره حتّى قتل ، ونكثهما بيعة أمير المؤمنين 7 لغير حدث ، وما
أتوه من القبائح في البصرة قبل حضور علي وبعده ، من استحلال
__________________
الدماء والأموال
بغير حقّ ، وقتال الإمام العادل ، وضلال الجميع بجحد النصّ على أمير المؤمنين 7 الثابت بالأدلة
القاهرة ، وموت الكلّ على الإصرار على ذلك ، من غير علم ولا ظنّ بتوبة أحد منهم.
وخامسها : أنّ هذا الخبر
معارض بما رووه من قول أمير المؤمنين 7 لطلحة والزبير : ـ وقد احتجّا عليه ـ أمّا أنتما فتشهدان
لي بالجنة فقد حرم عليكما قتالي ، وأمّا أنا فيما قلتما من الكافرين ، أشهد لسمعت
رسول الله 9 يقول : إنّ في جهنّم تابوتا فيه ستة من الأوّلين وستة من الآخرين ، إذا أراد
الله أن يسعر جهنّم فتح ذلك التابوت ، وأنّ فيه لبعض من ذكرتم ، وإلاّ فأظفركم
الله بي وأظفرني بكم.
وهذه مباهلة من
أمير المؤمنين 7 ، تقتضي ضلال
القوم المذكورين في الخبر ، ولم يرد عليه أحد من الصحابة ولا طلحة والزبير ومن كان
في حيزهما ، فصار إجماعا.
ومن
ذلك : ما رووه عنه 9 أنّه قال : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر.
قالوا : والأمر
بذلك ينافي ما يقولون فيهما.
والجواب
من وجوه :
منها : أنه خبر
واحد لا يجوز العمل به عندنا على حال ، ولا عند الكل في مثل هذه المسألة.
ومنها : أنه لم
يرد إلاّ من جهة عبد الملك بن عمير اللخمي ، وكان قاضيا لبني أميّة معروفا بالفجور
، وهو الّذي ذبح بيده عبد الله بن يقطر رضيع الحسين 7 ، ولو كان ثابتا
لم تقف روايته على هذا الفاجر ، مع قوة الدواعي وانتفاء الصوارف .
ومنها : أنّ الأمر
بالاقتداء بهما يقتضي عصمتهما ، لقبح الأمر بالاقتداء بمن يجوز
__________________
منه القبيح ، ولا
أحد قطع بها لهما.
ومنها : وقوع
القبائح الّتي بيّناها منهما ، وذلك يمنع من الأمر بالاقتداء بهما.
ومنها : أنه لا
أحد من الأمّة يدين بوجوب الاقتداء بهما ، ولو كان ثابتا لوجب على أقلّ الأحوال
تدين شيعتهما بذلك وتحريم خلافهما ، وليسوا كذلك.
ومنها : أنّ ظاهر
الخبر يقتضي وجوب الاقتداء بهما معا ، وذلك محال ، لحصول العلم بما بينهما من
الاختلاف في الأحكام.
ومنها : أنه لو
كان صحيحا لاحتجّا به يوم السقيفة على الأنصار ، فهو أحجّ مما ذكراه ، ولاحتج به
أبو بكر في تولّيه عمر على من أنكر عليه ولايته من الصحابة.
ومن
ذلك : ما رووه من كونهما معه 9 في العريش.
قالوا : وهذا يدلّ
على غاية الاختصاص.
والجواب من وجوه :
منها : أنه خبر
واحد ، وقد بينا فساد التعلّق بمثله في مثل هذا.
ومنها : أنّ
الظاهر يوم بدر وحنين حين الحرب كون النبي 9 معبّيا للصفوف وبيده سهم ، فوكز به سوار بن عزة ، فقال : يا رسول
الله آلمتني أقدني ، فكشف النبي 9 عن بطنه ، فقبّله سوار ، فقال له رسول الله 9 : ما حملك على
هذا فقال : يا رسول الله هي الحرب وأنا أرجو الشهادة ، فأردت أن يكون آخر عهدي أن يمسّ
جلدي جلدك ، فجزّاه خيرا ، وهذا ينافي كونه في العريش منفردا أو مقارنا لغيره.
ومنها : أنه لو
ثبت كونهما معه في العريش ، لم يخل أن يكون بأمره أو بغير أمره.
وكونه بغير أمره
لا فضيلة فيه ، ويكون الحامل عليه الجبن ، ويلحق بما وقع منهما من الفرار في [ غير
] مقام ، لأنه ولا فرق بين القبح في القعود عن الجهاد مع الحاجة إليه ،
__________________
وبين الفرار منه ،
ولم ينههما عن ذلك ، لاستغنائه عنه بتقدّم الأمر من الله تعالى بالجهاد ، والحث
منه سبحانه عليه ، ولأنه 7 إذا علم الوجه في تخلفهما حسن منه الامساك عنهما ، خوفا من
الفساد بظهور جورهما وفشلهما.
وإن كان بأمره ـ عليه
الصلاة والسلام ـ فلا وجه له إلاّ الخوف من إفسادهما ، لأن الشفقة عليهما من
الجهاد ليست دينه ، لحصول العلم الضروري بالحثّ على الجهاد وذمّ المتخلّف عنه ، وتعريض
نفسه وخلصائه من أهله وأصحابه له ، فصار العريش منقصة ظاهرة.
وليس لأحد أن يقول
: الوجه في حبسهما في العريش للمشاورة.
لأنه 7 غنيّ عن رأيهما
بالوحي ، ولأنه لو كان كذلك لحفظ ما أشارا به ، ونقل كما نقل ما أشارا به بعد
الظهور على الكفار من احتباس الأسرى وبيعهم ، ونزول القرآن بذمّ أبي بكر المشير به
ومشورة الآخر بالقتل ، ولأنّ الجلوس في العريش كان بعد الفراغ من الرأي والمكيدة
والتقاء القوم للحرب ، ولأن الحرب وسياستها غيّبته عن رأي أبي بكر بنزول الملائكة
وتولّيهم أمرها.
[ ردّ من قال بأنّ ما عمله القوم
لا يوجب الكفر ]
إن قيل : فهب سلّم
لكم خلاف المتقدّمين على أمير المؤمنين 7 وأتباعهم ، ومحاربتهم لله ورسوله بتقدّمهم وحربهم ، من أين لكم أنّ ذلك الخلاف
كفر مضوا مصرّين عليه وما أنكرتم أن يكون فسقا يجوز العفو عنه أو حصول التوبة منه ،
وذلك يمنع من فتياكم فيهم بالضلال والخلود في النار على أصولكم في ... .
قيل : إنّ
المتقدّمين على أمير المؤمنين 7 وأعيان أتباعهم ، كسعد وسعيد وخالد وأبي عبيدة وعبد الرحمن
وسالم والمغيرة ، فالأمة فيهم رجلان :
__________________
إمّا قائل
بإيمانهم وموتهم على طاعة الله وطاعة رسوله 7.
أو قائل بخلافهم
لله تعالى ورسوله 7.
وكلّ من قال
بالثاني قال إنّ ذلك الخلاف كفر ماتوا عليه واستحقّوا به الخلود في النار.
وتسليم خلافهم ، ودعوى
كونه فسقا ليس بكفر يصح غفرانه ابتداء ، أو ثبوته حصلت منهم ، خروج
من الاجماع.
فيجب على مقتضى
تسليم السائل عصيانهم الحكم بصحة فتيانا.
وأيضا ، فكلّ من
أوجب الرئاسة عقلا وعصمة الرئيس قال فيهم بغيا ، فلو كذلك كلّ من
أثبت النص الجلي على أمير المؤمنين 7 قال بذلك ـ ولذا كان برهان الرئاسة وصفتها والنص الجلي
واضحا بما بيناه ـ ثبت خلافهم للواجب عليهم ، وكونه كفرا مضوا عليه.
وأيضا ، فاذا كانت
الإمامة بصفاتها من جملة المعارف العقلية والتكذيب بها كفر ، وقد ثبت تخصّصها بعد
النبي 9 بأمير المؤمنين 7 بواضح الحجّة ، وتدينهم بجحدها ، وجب الحكم بكفرهم.
وأيضا ، ففرض الإمامة
عام باتفاق ، فاذا ثبت لأمير المؤمنين 7 بالكتاب والسنة ثبت كفرهم بجحدهم ما يعمّ فرضه ، كالصلاة
والصوم.
إن قيل : هاتان
الطريقتان مثبتتان على إنكارهم إمامة علي 7 مستحلّين ، فدلّوا على ذلك.
قيل : ذلك معلوم
من حالهم بأدنى تأمّل ومتيقن من قصدهم ، يوضحه : أنّ الشيعة بأسرها تقطع عليه ، ومن
خالفها من شيعة المتقدمين يدينون بنفي إمامته ، مضيفين هذه الفتيا إلى سلفهم ، فارتفع
لذلك اللبس في إنكار الإمامة عن استحلال.
__________________
وأيضا ، فمعلوم من
دين أمير المؤمنين 7 وذريته المعصومين : وشيعتهم الصالحين القطع على كفر القوم وموتهم عليه وخلودهم
به في النار ، وفتياهم بذلك خلفا عن سلف ، وانقراض الأعصار بإطباق الذرية في النسب
والشيعة في المذهب عليه ، والفتيا حجّة ـ لاستنادها في كلّ عصر إلى حجّة معصوم ـ لو
ثبتت في عصر واحد لكفت ، فكيف بها متناصرة في الأعصار المتوالية.
إن قيل : ومن أيّ
وجه علمتم ذلك من حال من ذكرتموه أبينوا عنه لنعلم صحة هذه الاضافة من فسادها.
قيل : أمّا تدين
أمير المؤمنين والأئمة من ذريته صلوات الله عليهم بذلك فمن وجوه :
أحدها : تأمّل
حالهم ، وما حفظ عنهم بحضرة الوليّ والعدوّ من الازراء على القطع المقوّم بصلاتهم ، كما يعلم بدين الشافعي ومالك وأبي حنيفة ومن تبعهم بولاية
القوم.
ومنها : تواتر
شيعتهم عنهم وذراريهم بذلك ، وتقربهم إلى الله تعالى وإليهم به مع اختصاصهم بهم
وتوليهم وقبول ما يحملونه من حقوق الأموال ، وتعظيمهم مع هذه الحال ، ولو
كان دينهم : بخلاف ما يظهر من ذريتهم وشيعتهم ويدينون به لأنكروا عليهم وبرئوا منهم ، وفي
فقد ذلك دليل على موافقتهم لهم فيه.
فأمّا طريق تدين
الشيعة والذرية بذلك ، فالعلم الضروري من حالهم اتخاذهم شعارا على حال الأمن
والخوف.
وأمّا من عدا من
ذكرنا من الصحابة ، فعلى ضروب :
منها : ضرب مقطوع
على إيمانهم : كسلمان ، وعمّار ، وأبي ذر ، ومقداد ، وحذيفة ، وخزيمة ، وعبد الله
بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبي سعيد الخدري ، والعباس ، وولده ، وبريدة الأسلمي ، في
أمثال لهؤلاء من شيعة أمير المؤمنين 7 ، العارفين
__________________
بإمامته ، المختصين
بولايته ، الممسكين لامساكه.
وضرب معلوم
إيمانهم على جهة الجملة ، لم يتعينوا بعين من ذكرناه ، ولم يتبعوا الظالمين إتباع
من نذكره.
وضرب كفّار غير
متعيّن بعين من قدّمناه ، وهم الّذين يدينون بجحد إمامة أمير المؤمنين 7 ، وهم رجلان : منافق يظهر الاسلام ويبطن الكفر ، ومعتقد
لظاهر الاسلام عن تقليد بغير حجّة أو حجة واقعة غير موقعها يدين بجهله بامامة
المتقدمين.
وضرب فسّاق حملهم
حبّ الدنيا وإيثار الرئاسة وارادة الحظوة عند الرؤساء على الترشح لهذا الأمر ، أو
إتباع المتغلّبين رغبة عندهم ، مع ثبوت إيمانهم عند الله تعالى وسوابقه إلى دينه ،
وعلمهم بإمامة أمير المؤمنين 7 ، ودينهم بفرضها
وضلال منكرها ، فهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم.
وإن قيل : فاذا
كانت هذه حال الناس بعد النبي 9 ، فقد كان ينبغي
لعلي 7 أن يدعو إلى نفسه ، ويذكر بفرض طاعته وواجب حقّه ، فاذا فعل فالجمهور على
قولكم عارفون بإمامته وفرض طاعته ، ويجدون عنده ما يؤملونه من الدنيا مع سلامة
الدين ، فلا يبقى لهم صارف عنه ، ومنكر ذلك القليل الذي لا قوام لهم بأهل الحق.
قيل : أمّا دعوته
صلوات الله عليه الناس إلى نفسه فغير واجبة عليه ، لاستغنائه عنها بدعوة الله
سبحانه بنصّ التنزيل ، ودعوة الرسول 9 في غير مقام بضروب الأقوال.
غير أنه 7 قد دعى ونبّه
وخوف من خلافه ، وصرّح بكونه أولى بالبيعة من مليحه إليها ، وأحقّ
الناس بمقام النبي 9 من القائم فيه.
فأجابه المخلصون ،
وهم رجلان : مستطيع للنصرة وهم الأقلّ الّذين لا يتمّ بهم الانتصار ، ومن عداهم
ذوو دين وورع وليسوا أهل حرب وقتال.
__________________
وتخلّف عنه الأكثر
، فمن كان كافر بإمامته لا ترجى نصرته ، ومن دان بها قد سبق إلى بيعة أبي بكر
للوجوه الّتي ذكرناها من الطمع في الدنيا وعاجل بزخرفها يظن لتقصيره عن النصر أنّ
ذمّته مرتهنة ببيعته لأبي بكر ، وأنه لا يسوغ له نكثها على حال ، أو يعلم الحق في
وجوب البيعة لأمر الله تعالى ورسوله 9 وما أوجباه من إمامة أمير المؤمنين 7 الّتي لا ينقضها
عهد ولا يعذر في تركها عقد ، ويصرفه عن ذلك الطمع في نيل الرئاسة وبلوغ المأمول من
الدنيا بولاية القوم.
وما زال الأكثر من
الخلق من أول الدهر إلى الآن يؤثرون الدنيا على الآخرة ، ويرغبون عنها لبعض ما رغب
فيه أتباع الظالمين ، مع سلامة الظواهر والبواطن من الضلال ، ومؤثروا الآخرة على
الدنيا وبايعوها لها الأقلّون عددا ، عادتهم بذلك جارية ، وحالهم فيه معلومة ، وخلافه
لا يعرف وبنقضه لا يتوهم.
وبهذا يسقط ما لا
يزالون يتعجّبون منه من عدول الناس عن ذوي العشيرة الكثيرة والفضائل العظيمة مع
القربى والسبق والجهاد والزهد والعلم وكونه منصوصا عليه على ما يزعمون ، إلى من لا
يدانيه في شيء ولا نصّ عليه ، فليتأمّل ذلك.
ولأنه لا قياس على
الاتفاق ولا تعجب من تمام الرئاسة لذوي الدناءة والنقص على ذي النباهة والفضل ، والعادة
به جارية ، والموجود له شاهده ، وما بين الخلق والدني إلاّ أن تتم له الرئاسة حتى
ينقاد له الفاضل والمفضول والسيد والمسود ، ويسلم له الشجاع القوي والضعيف الدني ،
وينخع الكلّ بالطاعة رجاء أو خوفا.
وبعد ، فهناك دعوى
إلى ولاية القوم وصوارف عنه 7 لما هو عليه وهم من الصفات.
منها : أنّ هناك
منافقين اضطرّهم علوّ كلمة الاسلام ، وخوف علي وشيعته المخلصين في النبوة إلى
إظهاره ، لا داعي لهم إلى ولاية سنام هذا الدين وناصره ومذل الشرك ودامغه ، ولهذا
نجدهم مدّة حياة النبي 9 وإلى أن قبضه سبحانه إليه يقدحون في الدين ويدغلون على
المؤمنين ، ويتربصون بهم الدوائر ، ويرجفون في المدينة ومن حولها ، ولم يعرف مرجف
في ولاية الثلاثة ولا قادح ولايتهم بذلك ، فلمّا آل
الأمر إلى علي 7 عادت الحال إلى
ما كانت عليه في أيّام النبي 9.
وهذا برهان واضح
على ما قلناه ، مع ما فيه من برهان نفاق المتقدمين ومشاركتهم للمعروفين به أيام
النبي 9.
ومنها : أن أمير
المؤمنين 7 مزيل الرئاسات ، ومذلّ العزيز ، وقاتل الأحبّة ، ومفرّق الجمع ، ومن هذه حاله
فالصوارف عنه قوية ، وإن كان المصروف محقّا ، لاستناد نفاره عنه إلى الطباع
الغالبة ، ولهذا قال النبي 9 ـ وهو أعلى الخلق إيمانا ـ لوحشي قاتل عمّه وقد آمن به : أخرج
عنّي ، فإنّي لا أطيق أرى قاتل عمي ، فما بال نخوة الجاهلية وقريبي عهد الايمان ، وليس
في القوم المتقدمين شيء من ذلك.
ومنها : علم الكلّ
من حال علي 7 أنه إن يلي الأمر لا يعدو سيرة نبيهم 9 : من التسوية بين الرئيس والمرءوس والسيّد والمسود في
العطاء ، وعلم الرؤساء والسادة والشجعان الّذين بهم تتم الرئاسات وينقاد لهم
الاتباع فيرضون لرضاهم ويسخطون لسخطهم ، فذلك صرفهم عن ولاية علي 7 إلى المتقدمين
عليه.
وقد صرح بهذا عبد
الرحمن يوم الشورى في تعريضه عليا 7 للبيعة على سيرة أبي بكر وعمر ، وامتناعه من ذلك إلى
السيرة بكتاب الله وسنة نبيه 7 ، ومبايعة عثمان
على هذا الشرط ، وإمساك أهل الحلّ والعقد وذوي النجدة والرأي عن الانكار على عبد
الرحمن ، لعلمهم بمقصده وقصد علي 7 وما يريده من سيرة النبوة المساوية بينهم وبين أطراف الناس
، وما يريده عبد الرحمن من التفضيل في العطاء.
ومعلوم توفّر
صوارف الرؤساء عن ولاية من هذه حاله ، ودواعيهم إلى ولاية من بيّن لهم في الدنيا
منازلهم وارتفاع الشبهة عن العقلاء في فساد رئاسة ذاك وتمام ولاية
__________________
هذا ، لحصول العلم
الضروري بجريان العادة من أول الدهر وإلى الآن به.
ومنها : علم
الأماثل ورءوس القبائل بيأسهم من الخلافة ورئاسة الأنام مع ولاية علي 7 ، وثبوت فضله وذريته : ، وتقدم النصّ من الله تعالى ومن رسوله 7 عليه وعليهم
بالامامة وخلافة الخلق إلى يوم القيامة ، وطمعهم فيها يصرفها عنه إلى غيره.
وقد صرّح بهذا
المغيرة بن شعبة يوم السقيفة في قوله : وسّعوا ما يتسع ، والله لئن ولّيتموها
هاشميّا لا يزال ينتظر بها الحمول في بطون النساء.
وقد صحّح هذا الغرض
الوجود ، وكشف عدولهم بالخلافة عن أهلها الّذين اختارهم الله سبحانه ورسوله 9 لها ، عن تعدّيها
إلى من كان لا يظنّ به صلاح للامارة على قرنه ، كمعاوية بن أبي سفيان ، وولده يزيد
، ومروان بن الحكم الطريد ابن الطريد ، ومسلمة الفتح ، ومن هدر النبي 9 دمه ، ومن بعدهم
من الولاة والأمراء المعلنين بالفسق وعظيم الجور وقبح السياسة الدينية والدنيوية.
فلكلّ واحد من هذه
الوجوه عدل بالأمر عن أمير المؤمنين 7 ، مع ظهور فضائله ،
وثبوت ذرائعه ووسائله إليه ، وانتفائها عمّن أهّل للأمر وقدّم عليه صلوات الله
عليه وآله.
وأمّا محاربوه 7 ، فبرهان كفرهم أظهر من برهان كفر المتقدّمين عليه ، لأن
كلّ شيء دل على كفر أولئك دلّ على كفر هؤلاء ، عدا الدليل الأول ، لأن المعتزلة
تحكم بفسق أصحاب الجمل وصفين دون كفرهم ، وتدّعي توبة أهل البصرة.
ويدلّ فيهم خاصة :
ما اجتمعت الأمّة عليه من قول رسول الله 9 : حربك يا علي حربي وسلمك سلمي ، وقوله 7 : من حارب عليّا
فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله ، وقوله 9 لعلي 7 : أنا حرب لمن
__________________
حاربت وسلم لمن
سالمت.
وقد اتفقت الأمّة
على أنّ حرب رسول الله 9 وعلي 7 لملة كفر ، ومحاربه كافر ، فيجب أن يكون حرب حال علي 7 عليه ومحاربه
كذلك ، حسب ما نصّ عليه وحكم به.
ويدلّ أيضا على
ضلالهم : حصول العلم من قصورهم استحلال دماء المؤمنين على الظاهر باتفاق ، والمقطوع
على إيمانهم عند الله تعالى ، كعليّ والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وابن عباس
وعمار وجماعة من الصحابة والتابعين باجماع ، وقد اتفق الكلّ على كفر مستحلّ دماء
أهل الايمان ، فيجب الكفر لحكمهم.
ويدلّ أيضا على
ذلك : المعلوم من شعار أمير المؤمنين 7 وأصحابه في الجمل والصفين والنهر من الحكم بكفر أهلها
وتحليل دمائهم في حال الحرب وبعدها ، والحكم بكفر المسلم واستحلال دمه ضلال ، ولا
أحد حكم بذلك في علي 7 ووجوه أصحابه ، فتثبت صحة فتياهم.
إن قيل : أليس
الخوارج تدين بكفر من ذكرتم ، فكيف يصح مع ذلك هذا الاعتبار؟
قيل : لا اعتداد
بفتيا الخوارج ، لضلالهم عن الدين ومروقهم من الاسلام بما قدّمناه ، وباتفاق الأمة
على كفرهم ، ومن هذه حاله لا تأثير لخلافه ولا وفاقه ، على أنّ الاجماع بإيمان علي
وولده : ومن ذكرناه من أصحابه والقطع بثوابهم عند الله سبحانه سابق لبدعة الخوارج ، فجرى
قدحهم في إيمان من ذكرنا حصول الاجماع بايمانه ، وكونه معلوما من دين النبي 9 ضرورة ، مجرى
المعلومات من دينه كالصلاة والزكاة والثواب والعقاب ، فكما لا يحكم للقدح في شيء
منها ولا ريب في كفر القادح فكذلك إيمان المذكورين.
وبعد ، فانّ
الخوارج لم تكفّر عليّا 7 وشيعته بقتالهم القوم ، ولا بشهادتهم بكفرهم ، وكيف بذلك
وهم شركاؤهم في الأمرين! فسقط الاعتراض بهم على دليلنا ، وبان بعد الشبهة به منه.
وإنّما اشتبه على
الخوارج الأمر في التحكيم ، فظنّوه كبيرة ، ومذهبهم في مرتكب الكبيرة عامّة كافر.
وقد بينا حسن
التحكيم وجهل من قبّحه ، وسنبين صحّة ثبوت الإيمان مع ارتكاب الكبائر ، فسقط بكل
واحد من الأمرين مذهب الخوارج على كلّ وجه ، وإن لم يكن الاعتراض بهم قادحا فيما
ذكرناه.
إن قيل : لو كانوا
كفارا لحكم فيهم بأحكام الكفّار : من سبي ، وقسمة في استيصال.
قيل : قد ثبت
كفرهم بالأدلّة القاهرة ، فلا يقدح في سيرته فيهم بما يخالف أحكام المشركين وأهل
الكتاب ، باجماع العلماء على صواب سيرة أمير المؤمنين 7 فيهم وكونها قدوة
لجميع الأمّة في محاربي أهل القبلة ومن كان كذلك ، فلا اعتراض على شيء مما يفعله.
وبعد ، فقد علمنا
اختلاف أحكام الكفار ، كحال اليهود والنصارى والمجوس الحربيين يخالف حال الداخلين
منهم تحت الذمة ، وحال الجميع يخالف حال عبّاد الأصنام ، وأحكام الكل تخالف أحكام
المرتد ، وأحكام المرتدين تختلف ، والمجبرة والمشبّهة عند كافّة أهل العدل كفّار ،
وحالهم يخالف أحوال من قدّمناه من ضروب الكفّار ، والمعتزلة ومن عداها من الخوارج
وغيرهم من الفرق الجاحدة للنص أو إمامة إمام من الله تعالى عند الشيعة كفار ، مع
مخالفة حالهم لمن ذكرناه ، والمقلّدة كفار عند جميع أهل النظر وإن اعتقدوا الحق
بأسره ، وأحكامهم خارجه عمن ذكرناه.
وإذا علمنا من دين
المسلمين اختلاف أحكام الكفّار مع اشتراكهم في الكفر ، لم تكن مخالفة المحاربين في
الحكم لبعض الكفار مخرجة لهم عن سمة الكفر وحكمه ، الثابتين بالأدلة ، مع علمنا
باستناد ذلك على سيرة المشهود له بالعلم ومقارنة الحق ، حيث كان المدلول على ثبوت
الحجّة بقوله وفعله.
__________________
[ ردّ من ادّعى توبتهم ]
فأمّا دعوى توبتهم
، فباطلة من وجوه :
منها : أن كلّ من
قال أنّ قتالهم عليّا 7 كفر حكم بموتهم عليه ، وقد دللنا على ذلك ، فلحق التفصيل
بالجملة.
ومنها : إجماع آل
محمد : وشيعتهم على ذلك ، وإجماعهم حجّة بما بيناه.
ومنها : حصول
العلم بقتل طلحة في المعركة والزبير بوادي السباع ، فلو كانا تابا من نكث بيعة
أمير المؤمنين 7 وحربه لوجب أن يرجعا إليه نادمين معتذرين ، لا سيما وذلك
ممكن ، ومن حصول خلافه دليل على إصرارهما.
وأيضا ، فضلا لهم
بالحرب معلوم ، فلا يجوز الرجوع عنه بأخبار شاذّة مقدوح في طرقها ، ولو سلمت من
القدح لكانت آحادا لا يجوز من جهة العقل ولا السمع عندنا العمل بها في شيء من
الفروع ، فكيف في مسألة لا يجوز الحكم فيها بشيء لا يوجب العلم باتفاق.
وبعد ، فلو صحّت
الأخبار المتعلّقة بها في التوبة لم تدل على المقصود ، لاحتمالها للتوبة وغيرها ، فلا
يجوز الحكم بالمحتمل على ما لا يحتمل.
كقول طلحة : ما
رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي ، و :
ندمت ندامة
الكسعيّ لمّا
|
|
رأت عيناه ما
صنعت يداه
|
وقول الزبير : لو
استقبلت من أمري ما استدبرت ما شهدت الجمل.
وقوله ، شعر :
فاخترت عارا على
نار مؤججة
|
|
أنّى يقوم لها
خلق من الطين
|
وقول عائشة : ليت
أمّي لم تلدني ولا شهدت يوم الجمل ، وليتني كنت نسيا منسيا.
في أمثال لهذه
الخرافات ، لأنه لا شيء من هذه الأقوال دال على التوبة بصفتها ، بل
الظاهر من حالها
إفادة التأسّف على فوت الأمنية من الظفر بعلي 7 ، ونيل المأمول من
الخلافة.
وأحسن أحوالها أن
تكون صادرة عن شكّ في الأمر ، وليست التوبة من الشك في شيء ، يؤكّد ما قلناه : عدولهم
عما لا تصح التوبة من دونه ، مع إمكانه من الرجوع إلى أمير المؤمنين 7 ، والتنصل من قتاله وخلافه.
فأمّا بقاء عائشة ، فغير نافع ، لحصول العلم بإصرارها على عداوة أمير
المؤمنين 7 ، وتعريضها به في مقام
بعد مقام.
وقولها : كلّما
جرى ذكر قصّة الإفك أشار على رسول الله 9 بطلاقي ، فلا جرم أني لا أحبّه أبدا.
وقولها : ـ وقد
بشّرها بعض عبيدها بقتل علي صلوات الله عليه ـ شعر :
فان يك نائيا فلقد نعاه
|
|
ناع ليس في فيه التراب
|
ثم قالت للعبد : من
قتله قال : عبد الرحمن بن ملجم ، قالت : فأنت حرّ لوجه الله ، وقد سمّيتك عبد
الرحمن.
ثم تمثّلت ببيت
آخر ، شعر :
وألقت عصاها
واستقرّ بها النوى
|
|
كما قرّ عينا
بالإياب المسافر
|
ومجاهرة بعداوة
أمير المؤمنين ، والغبطة بقتله ، وما جرى منها عند وفاة الحسن 7 ، وقد أوصى أن يجدّد به عهد بالنبي ويدفن بالبقيع ، فجاءت
مسرعة على بغل يقدمها مروان بن الحكم قائلة : لا والله لا يدفن في بيتي إلاّ من
أحبّ ، خذوا ابنكم واذهبوا حيث شئتم ، فلا سبيل لكم إلى دفنه ، فقال لها ابن
الحنفية ـ وفي رواية ابن عباس
__________________
ـ ما لك يا حميراء
الاّ تحملك الأرض عداوة لبني هاشم ، يوما على جمل ويوما على بغل ، أما والله لو
كان ذلك سائغا لدفن وإن رغم أنفك ، لكن الحسن صلوات الله عليه أعرف بحرمة رسول الله 9 منك ومن أبيك
وصاحبه ، أذهبتكم حرمته وضربتم عنده بالمعول.
إلى غير ذلك مما
يدلّ على عداوتها عليا وذريته ، يعلم ذلك من حالها كلّ سامع للأخبار ، كما يعلم
ولاية أم سلمة وأسماء بنت عميس زوجة أبي بكر لعلي وذريته : ، فإلى دعوى أحمق
من دعوى توبة من هذه حاله!! .
__________________
[ إمامة الإمام الثاني عشر ]
فصل : [ في إثبات إمامة الحجة
بن الحسن ووجه الحكمة في غيبته ]
ما قدمناه من
الأدلة على إمامة الأئمة صلوات الله عليهم برهان واضح على إمامة الحجة بن الحسن عليه
السلام ومغن عن تكلف كلام يختصها غير أنا نستظهر في الحجة على ذلك بحسب قوة الشبهة
في هذه المسألة على المستضعف وإن كان برهان صحتها واضحا.
والكلام فيها
ينقسم إلى قسمين :
أحدهما
: إثبات إمامة
الحجة بن الحسن عليه السلام منذ قبض أبيه وإلى أن يظهر منتصرا لدين الله من أعدائه
والثاني
: بيان وجه الحكمة
في غيبته وتعذر معرفة شخصه ومكانه وإسقاط ما يعترفها من الشبه.
فأما الدلالة على
إمامته وثبوت الحجة بوجوده فمن جهة العقل والسمع.
[ برهان العقل على إمامته ]
فأما برهان العقل
فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله على الرعية في الظاهر والباطن وكونه
أعلمهم بما هو رئيس فيه وكل من قال بذلك قال بإمامة الحجة بن الحسن عليه السلام
وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة دون سائر الخلق من وفاة أبيه وإلى أن يظهر
الانتقام من الظالمين.
ولأن اعتبار هذه
الأصول العقلية يقضي بوجود حجة في الأوقات المذكورة دون من عداه لأن الأمة في كل
عصر أشرنا إليه بين ناف للإمامة ومثبت لها معترف بانتفاء
__________________
الصفات الواجبة
للإمام عمن أثبت إمامته ومثبت لإمامة الحجة بن الحسن عليه السلام.
ولا شبهة في فساد
قول من نفى الإمامة لقيام الدلالة على وجوبها وقول من أثبتها مع
تعري الإمام من الصفات الواجبة للإمام لوجوبها له وفساد إمامة من انتفت عنه وحصول
العلم بكون الحق في الملة الإسلامية فصح بذلك القول بوجود الحجة عليه السلام إذ لو
بطل كغيره من أقوال المسلمين لاقتضى ذلك فساد مدلول الأدلة أو خروج الحق عن الملة
الإسلامية وكلا الأمرين فاسد فصح ما قلناه وقد سلف لنا استنادها بين الطريقتين إلى
أحكام العقول دون السمع فأغنى عن تكراره هاهنا.
[ برهان السمع على إمامته ]
وأما أدلة السمع
على إمامته فعلى ضروب.
منها أن كل من
أثبت إمامة أبيه وأجداده إلى علي عليه السلام قال بإمامته في الأحوال التي ذكرناها
وقد دللنا على إمامتهم فلحق الفرع بالأصل والمنة لله.
ولأنا نعلم وكل
مخالط لآل محمد عليهم السلام وسامع لحديثهم بدينهم بإمامة الحجة الثاني
عشر عليهم السلام ونصهم على كونه المهدي المستشير لله ولهم من
الظالمين وقد علمنا عصمتهم بالأدلة فوجب القطع على إمامة الاثني عشر صلوات الله
عليه خاصة فما له وجبت إمامة الأول من الآيات والأخبار له وجبت إمامة الثاني عشر صلوات
الله عليه إذ لا فرق بين الأمرين.
ومنها النص على إمامة الحجة عليه السلام وهو على ضروب ثلاثة :
أحدها
: النص من رسول
الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام على عدد الأئمة عليهم السلام أو
أنهم اثنا عشر ولا شبهة على متأمل في أن النص على هذا
__________________
العدد المخصوص نص
على إمامة الحجة عليه السلام كما هو نص على إمامة آبائه من الحسن بن علي بن محمد
بن علي الرضا إلى علي بن أبي طالب عليهم السلام إذ لا أحد قال بهذا العدد المخصوص
وقصر الإمامة عليه دون ما نقص منه وزاد عليه إلا خص به أمير المؤمنين والحجة بن
الحسن ومن بينهما من الأئمة عليهم السلام وهذا الضرب من النص وارد من طريقي الخاصة
والعامة.
[ نص رسول الله على عدد الأئمة
من بعده من طريق العامة ]
فمما روته العامة
فيه : عن الشعبي عن مسروق قال كنا عند ابن مسعود فقال له رجل أحدثكم نبيكم كم يكون
بعده من الخلفاء فقال له عبد الله بن مسعود نعم وما سألني عنها أحد قبلك وإنك
لأحدث القوم سنا سمعته عليه الصلاة والسلام يقول يكون بعدي
من الخلفاء عدة نقباء موسى عليه السلام اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .
ورووه عن ابن
مسعود من طرق أُخر.
وزاد في بعضها
مسروق قال كنا جلوسا إلى عبد الله يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل
سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله كم يملك أمر هذه الأمة من خليفة من بعده فقال
له عبد الله ما سألني أحد منذ قدمت العراق عن هذا سألنا رسول الله صلى الله عليه
وآله فقال اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل .
ورووا عن عبد الله بن أمية مولى مجاشع عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من
قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها وساق الحديث .
__________________
ورووا عن زياد بن
خثيمة عن الأسود بن سعيد الهمداني قال سمعت جابر بن سمرة يقول سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فقالوا له ثم يكون ما
ذا فقال ثم يكون الهرج .
ورووا عن الشعبي عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال لا يزال أهل هذا الدين ينصرون على من ناواهم إلى اثني عشر خليفة
فجعل الناس يقومون ويقعدون وتكلم بكلمة لم أفهمها فقلت لأبي أو لأخي [ لآخر ] أي
شيء قال [ قال ] فقال كلهم من قريش .
ورووا عن سماك بن
حرب وزياد بن علاقة وحصين بن عبد الرحمن وعبد الملك بن عمير وأبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة مثله.
ورووا عن يونس بن
أبي يعفور عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال كنت عند رسول الله صلى
الله عليه وآله وهو يخطب وعمي جالس بين يدي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا
يزال أمر أمتي صالحا حتى يمر اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .
ورووا عن ربيعة بن
سيف قال كنا عند شقيق الأصبحي فقال سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول يكون خلفي اثنا عشر خليفة .
ورووا عن حماد بن
سلمة عن أبي الطفيل قال قال لي عبد الله بن عمر يا
__________________
أبا الطفيل اعدد
اثني عشر خليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يكون النقف والنفاق .
في أمثال لهذه
الأحاديث من طريق العامة.
[ النص على عدد الأئمة من طريق
الخاصة ]
ومن الشيعة ما
تناصرت به روايتهم
عن أبي الجارود عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه عن جده عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني واثني عشر من أهل بيتي أولهم علي
بن أبي طالب عليه السلام أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها فإذا
ذهب الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا .
وعن أبي جعفر عليه
السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل بيتي اثنا عشر نقيبا نجباء
محدثون مفهمون وآخرهم القائم بالحق يملؤها عدلا كما ملئت جورا .
ورووا عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن
الله عز وجل اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور شهر رمضان ومن الليالي ليلة
القدر واختار من الناس الأنبياء واختار من الأنبياء الرسل واختارني من الرسل
واختار مني عليا واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين الأوصياء عليهم
السلام وهم تسعة من ولد الحسين ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين
وتأويل الجاهلين تاسعهم باطنهم
__________________
وظاهرهم وهو قائمهم
.
ورووا عن سلمان
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أجلس الحسين بن علي عليه السلام على
فخذه وتفرس في وجهه ثم قال إمام ابن إمام أبو أئمة حجج تسع تاسعهم قائمهم أفضلهم
أحلمهم أعلمهم .
ورووا عن أبي حمزة
الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال إن الله عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه
وآله إلى الجن والإنس عامة وكان من بعده اثنا عشر وصيا منهم من سبق ومنهم من بقي
وكل وصي جرت به سنة والأوصياء الذين بعد محمد صلّى الله عليه وآله ... .
ورووا عن سليم بن
قيس الهلالي قال سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول كنا عند معاوية أنا
والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فذكر
كلاما جرى بينه وبينه وإنه قال يا معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
إني ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ثم أخي علي بن
أبي طالب ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فإذا استشهد
فابنه الحسن ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فإذا استشهد
فابني الحسين ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فإذا استشهد فعلي
بن الحسين ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وستدركه يا علي ثم ابني محمد بن علي ( أَوْلى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وستدركه يا حسين ثم تكمله اثنا عشر إماما من ولد الحسين عليه
السلام.
قال عبد الله بن
جعفر فاستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد
فشهدوا لي بذلك عند معاوية.
قال سليم وقد كنت
سمعت ذلك من سلمان وأبي ذر وأسامة بن زيد ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله .
__________________
ومنه ما تناصرت به
الرواية من حديث الخضر عليه السلام وسؤاله أمير المؤمنين عليه السلام عن المسائل
فأمر الحسن عليه السلام بإجابته عنها فأجابه فأظهر الخضر عليه السلام بحضرة
الجماعة الإقرار لله سبحانه بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ولأمير
المؤمنين عليه السلام بالإمامة والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين عليه السلام وأنه
الخضر عليه السلام .
ورووا قصة اللوح
الذي أهبطه الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله فيه أسماء الأئمة الاثني عشر.
ورووا ذلك من عدة
طرق عن جابر بن عبد الله الأنصاري ; قال دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديه لوح فيه أسماء
الأوصياء من ولدها عليهم السلام فعددت اثني عشر أحدهم القائم بالحق
اثنان منهم محمد وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم أجمعين .
ورووا عن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما
السلام قال قال أبي يعني الباقر محمد بن علي عليهما السلام لجابر بن عبد الله إن
لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها فقال له جابر أي الأوقات أحببت
فخلى به في بعض الأيام فقال له يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة
عليها السلام وما أخبرتك به إن فيه مكتوبا فقال جابر أشهد بالله ... وساق الحديث .
ومما رووه حديث
الاثنتي عشرة صحيفة المختومة باثني عشر خاتما التي نزل بها جبرئيل عليه السلام على
رسول الله صلى الله عليه وآله فعمل بما فيها علي عليه السلام فإذا احتضر سلمها إلى
الحسن عليه السلام ففتح صحيفة وعمل بما فيها ثم
__________________
إلى الحسين عليه
السلام ثم واحدا بعد واحد إلى الثاني عشر عليهم السلام.
ورووا عن أبي عبد
الله عليه السلام من عدة طرق قال إن الله عز وجل أنزل على عبده كتابا قبل وفاته
وقال يا محمد هذه وصيتك إلى النخبة من أهلك قال وما النخبة يا جبرئيل قال علي
بن أبي طالب صلوات الله عليه وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ففك أمير
المؤمنين عليه السلام الخاتم وعمل بما فيه ثم دفعه إلى الحسن وأمره أن يفك خاتما
منه ويعمل بما فيه ففك الحسن عليه السلام الخاتم وعمل بما فيه فما تعداه ثم دفعه
إلى الحسين عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه أن أخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة
لهم إلا معك وأشر نفسك لله ففعل ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه السلام ففك خاتما
فوجد فيه أن أطرق وأصمت وألزم منزلك ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ
حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ففعل ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي عليه السلام ففك خاتما
فوجد فيه حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله فإنه لا سبيل لأحد عليك ثم دفعه إلى
ابنه جعفر عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك
وصدق آبائك الصالحين ولا تخافن إلا الله وأنت في حرز وأمان ففعل ثم دفعه إلى موسى
عليه السلام وكذلك يدفعه موسى عليه السلام إلى الذي بعده ثم كذلك أبدا إلى قيام
المهدي عليه السلام .
ومما رووه عن أبي الطفيل قال شهدت جنازة أبي بكر يوم مات
وشهدت عمر حين بويع وعلي عليه السلام جالس ناحية فأقبل غلام يهودي جميل عليه ثياب
حسان وهو من ولد هارون عليه السلام حتى قام على رأس عمر بن الخطاب فقال يا أمير
المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم صلّى الله عليه وآله؟ فطأطأ عمر رأسه فأعاد عليه القول فقال له عمر ولم ذاك فقال
إني جئت مرتادا لنفسي شاكا في
__________________
ديني أريد الحجة
وأطلب البرهان فقال له عمر دونك هذا الشاب وأشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال
الغلام ومن هذا قال عمر هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو
الحسن والحسين ابني رسول الله وزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلم
الناس بالكتاب والسنة.
قال فأقبل الغلام
إلى علي عليه السلام فقال له أنت كذلك فقال له علي عليه السلام نعم قال الغلام
فإني أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة قال فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال
يا هاروني ما منعك أن تقول سبعا قال لأني أريد أسألك عن ثلاث فإن علمتهن سألتك عما
بعدهن وإن لم تعلمهن علمت أنه ليس فيكم عالم قال أمير المؤمنين عليه السلام أنا
أسألك بالإله الذي تعبده إن أنا أجبتك عن كل ما تسأل عنه لتدعن دينك ولتدخلن في
ديني قال ما جئت إلا لذلك قال له أمير المؤمنين عليه السلام سل.
فقال أخبرني عن
أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي وأول عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي
وأول شيء اهتز على وجه الأرض أي شيء هو؟
فقال أمير
المؤمنين عليه السلام يا هاروني أما أنتم فتقولون أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث
قتل أحد ابني آدم عليه السلام صاحبه وليس كذلك ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن
تلد ابنيها.
وأما أنتم فتقولون
أول عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وليس كذلك هو ولكنها لعين
الحياة التي وقف عليها موسى عليه السلام وفتاه ومعهما النون المالح فسقط منه فيها
فحي وهذا الماء لا يصيب ميتا إلا حي.
وأما أنتم فتقولون
أول شيء اهتز على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح عليه السلام وليس
كذلك هو ولكنها النخلة التي أهبطت من الجنة وهي
__________________
العجوة ومنها تفرع
جميع ما ترى من أنواع النخل.
فقال صدقت والله
الذي لا إله إلا هو إني لأجد هذا في كتب أبي هارون عليه السلام كتابته بيده وإملاء
عمي موسى عليه السلام.
ثم قال أخبرني عن
الثلاث الأخر عن أوصياء محمد صلى الله عليه وآله وكم أئمة عدل بعده وعن منزله في
الجنة ومن يكون معه ساكنا في منزله؟
فقال أمير
المؤمنين عليه السلام يا هاروني إن لمحمد عليه السلام اثني عشر وصيا أئمة عدل لا
يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم وإنهم أرسب في الدين من الجبال
الرواسي في الأرض.
ومسكن محمد عليه
السلام في جنة عدن التي ذكرها الله عز وجل وغرسها بيده.
ومعه في مسكنه
فيها الأئمة الاثنا عشر العدول.
فقال صدقت والله
الذي لا إله إلا هو إني لأجد ذلك في كتب أبي هارون عليه السلام كتابته بيده وإملاء
عمي موسى عليه السلام.
فقال أخبرني عن
الواحد كم يعيش وصي محمد عليه السلام من بعده وهل يموت هو أو يقتل؟
قال يا هاروني
يعيش بعده ثلاثين سنة لا تزيد يوما ولا تنقص يوما ثم يضرب ضربة هاهنا ووضع يده على
قرنه وأومأ إلى لحيته فتخضب هذه من هذه.
قال فصاح الهاروني
وقطع كشنيره وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وأنك وصي رسوله صلى الله عليه وآله ينبغي أن تفوق ولا تفاق وأن تعظم ولا تستضعف
وحسن إسلامه .
ورووا عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت علي بن الحسين عليه
السلام يقول إن الله
__________________
عز وجل خلق محمدا عليه
السلام واثني عشر من أهل بيته من نور عظمته فأقامهم أشباحا في ضياء نوره يعبدونه
ويسبحونه ويقدسونه وهم الأئمة من بعد محمد صلى الله عليه وآله .
ورووا عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من آل محمد
صلى الله عليه وآله اثنا عشر إماما كلهم محدث ورسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي
طالب صلوات الله عليه هما الوالدان .
ورووا عن الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر محمد بن علي
بن موسى عليه السلام قال إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس إن ليلة
القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وكذلك ولاة الأمر بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله قال ابن عباس من هم قال أنا وأحد عشر من صلبي محدثون .
وبإسناده قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله لأصحابه آمنوا بليلة القدر فإنها تكون بعدي لعلي بن أبي
طالب وولده وهم أحد عشر من بعده عليهم السلام .
ورووا عن أبي بصير
عن أبي جعفر عليه السلام قال يكون تسعة أئمة بعد الحسين عليه السلام تاسعهم قائمهم
.
ورووا عن زرارة
قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الأئمة اثنا عشر إماما منهم الحسن والحسين ثم
الأئمة من ولد الحسين عليه السلام .
في أمثال لهذه
الروايات الواردة من طريقي الخاصة والعامة.
__________________
معلوم أن ورود
الخبر متناصرا بنقل الدائن بضمنه والمخالف في معناه برهان صحته إذ لا داعي للمحجوج
به إلا الصدق الباعث على روايته.
وإذا ثبت صدق
نقلته اقتضى إمامة المذكورين فيه لكونه نصا على عدد لم يشركهم فيه أحد حسب ما
قدمناه.
[ نص أبيه عليه بالإمامة وشهادة
المقطوع بصدقهم بإمامته ]
والضرب الثاني من
النص نص أبيه عليه بالإمامة وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته.
فأما النص من أبيه
فما روي من عدة طرق عن محمد بن علي بن بلال قال خرج إلي من أبي محمد الحسن بن علي
عليه السلام قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده
ورووا عن عدة طرق
عن أبي هاشم الجعفري قال قلت لأبي محمد عليه السلام جلالتك يمنعني عن مسألتك فتأذن
إلي أن أسألك فقال سل فقلت يا سيدي هل لك ولد قال نعم قلت فإن حدث أمر فأين أسأل
عنه فقال بالمدينة .
ورووا من عدة طرق عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال خرج من
أبي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري هذا جزاء من اجترأ على الله تعالى
في أوليائه يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب كيف رأى قدرة الله فيه قال ولد له
ولد سماه باسم رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك في سنة ست وخمسين ومائتين .
ورووا عن أبي هاشم
داود بن القاسم الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليه
__________________
السلام يقول الخلف من
بعدي الحسن عليه السلام فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت ولم جعلت فداك قال
لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت كيف نذكره فقال قولوا الحجة من آل
محمد عليهم السلام .
ورووا عن عمرو
الأهوازي قال أراني أبو محمد عليه السلام ابنه عليه السلام فقال هذا صاحبكم بعدي .
ورووا عن نصر بن
علي العجلي عن رجل من أهل فارس سماه قال أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي
محمد عليه السلام فدعاني فدخلت عليه وسلمت فقال ما الذي أقدمك قال قلت رغبة في
خدمتك قال فقال لي ألزم الدار قال فكنت مع الخدم في الدار ثم صرت أشتري لهم
الحوائج من السوق وكنت أدخل من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
قال : فدخلت عليه
يوما وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني مكانك لا تبرح فلم أجسر أن
أدخل ولا أخرج فخرجت على جارية معها شيء مغطى ثم ناداني ادخل فدخلت فنادى الجارية
فرجعت فدخلت إليه فقال لها اكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه فكشف أبو
محمد عليه السلام عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود فقال هذا
صاحبكم ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد عليه السلام .
في أمثال لهذه
النصوص.
وأما شهادة
المقطوع بصدقهم فمعلوم لكل سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمد الحسن بن علي عليه
السلام جماعة من أصحابه وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم والأمناء على قبض الأخماس
والأنفال وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه إلى
__________________
شيعته.
وأن هذه الجماعة
شهدت بمولد الحجة بن الحسن عليه السلام وأخبرت بالنص عليه من أبيه عليهما السلام
وقطعت بإمامته وكونه الحجة المأهول للانتصار من الظالمين.
فكان ذلك منهم
نائبا مناب نص أبيه عليه السلام لو كان مفقودا إذ لا فرق في ثبوت الحكم بين أن ينص
عليه حجة معلوم العصمة لكونه نبيا أو إماما وبين أن ينص عليه منصوص على صدقه بقول
نبي أو إمام.
والجماعة المذكورة
أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري ومحمد بن علي بن بلال وأبو عمرو عثمان بن سعيد
السمان وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهم وعمرو الأهوازي وأحمد بن إسحاق
وأبو محمد الوجنائي وإبراهيم بن مهزيار ومحمد بن إبراهيم.
[ نص آبائه عليه بغيبته وصفتها
]
وأما الضرب الثالث
من النص فهو ما ورد عن آبائه صلوات الله عليهم من النبي وأمير
المؤمنين إلى ابنه الحسن بن علي عليه السلام بغيبة الحجة قبل وجوده وصفتها قبل
مولده ووقوع ذلك مطابقا للخبر من غير أن ينخرم منه شيء.
وهذا الضرب من
النص دال على إمامته وكونه المهدي المأهول إهلاك الظالمين لثبوت النص بغيبته
القصرى والطولى المختصة به ومطابقتها للخبر عنها.
فمن ذلك ما رواه
الحسن بن محبوب عن إبراهيم الخارقي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قلت له كان أبو جعفر عليه السلام يقول لقائم آل محمد عليه السلام غيبتان واحدة
طويلة والأخرى قصيرة قال فقال لي نعم يا أبا بصير
__________________
إحداهما أطول من
الأخرى ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان وتضيق الحلقة ويظهر السفياني
ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل يلجئون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله
عليه وآله .
وروي عن معاوية بن
وهب عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه
قال يفسد الناس ثم يصلحها الله بعد أمن ولدي خامل الذكر لا أقول خاملا في حسنه ولا
موضعه ولكن في حداثة سنه ويكون ابتداء أمره باليمن
ورووا عن الأصبغ
بن نباته قال أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض فقلت له يا
أمير المؤمنين ما لي أراك مفكرا تنكت في الأرض أرغبة منك فيها قال والله ما رغبت
في الدنيا قط ولكني في مولود يكون من ظهري الحادي عشر بعدي وهو المهدي الذي يملؤها
عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما يكون له حيرة وغيبة تضل بها [ فيها ] أقوام ويهتدي
بها آخرون قلت يا أمير المؤمنين إن هذا لكائن قال نعم كما أنه مختوم .
ورووا عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن
للغلام غيبة قبل أن يقوم قلت ولم قال يخاف وأومأ بيده إلى بطنه ثم قال يا زرارة
وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته فمنهم من يقول مات أبوه ولا خلف له
ومنهم من يقول مات أبوه وهو حمل ومنهم من يقول هو غائب قد ولد قبل موت أبيه بسنتين
وهو المنتظر عليه السلام غير
أن الله يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون .
__________________
ورووا عن المفضل
بن عمر قال قال أبو عبد الله عليه السلام أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه أرضى
ما يكون عنه وأرضى ما يكون عنه إذا افتقد حجة الله سبحانه فلم يظهر له ولم يعلم
مكانه وهو في ذلك يعلم أنه لم تبطل حجة الله تعالى وبيناته فعندها توقعوا
الفرج وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما غيبه عنهم طرفة عين
ولا تكون الغيبة إلا على رءوس شرار الناس .
ورووا عن حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن في القائم سنة
من يوسف عليهما السلام قلت كأنك تذكر حيرة أو غيبة قال وما تنكر ذلك من [ هذا ] هذه الأمة أشباه
الخنازير إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء فتاجروا يوسف وبايعوه فدخلوا
عليه وهم إخوته فلم يعرفوه حتى قال لهم ( أَنَا يُوسُفُ ) فما تنكر هذه
الأمة الملعونة أن يكون الله تعالى يريد أن يستر حجته في وقت من الأوقات لقد كان
يوسف إليه ملك مصر وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما فلو أراد الله أن
يعلمه مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من
بدوهم إلى مصر فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله لحجته عليه السلام ما فعل
بيوسف عليه السلام فيكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله
سبحانه أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام فقالوا له أنت يوسف ( قالَ
أَنَا يُوسُفُ ) .
ورووا عن فرات بن أحنف رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال
ذكر القائم من ولده فقال ليغيبن حتى يقول الجاهل ما لله في آل محمد عليه السلام
حاجة .
__________________
ورووا عن المفضل
قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول أما والله ليغيبن القائم عنكم سنينا من
دهركم حتى يقال مات أو قتل بأي واد سلك وليدمعن عليه عيون المؤمنين ولتمحصن
ولتكفؤن كما تكفأ السفن في أمواج البحر .
ورووا عن الأصبغ قال قال أمير المؤمنين عليه السلام صاحب هذا
الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد .
ورووا عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في
صاحب الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة
من محمد 9 وعلى جميع أنبياء الله ورسله فأما موسى عليه السلام فخائف (
يَتَرَقَّبُ ) وأما عيسى عليه السلام فيقال مات ولم يمت وأما يوسف عليه
السلام فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفهم ولا يعرفونه وأما محمد رسول الله صلى الله
عليه وآله بالسيف .
ورووا عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بد له في غيبته من عزلة ونعم المنزل طيبة .
ورووا عن إسحاق بن
عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة
الأولى يعلم مكانه خاصة لأوليائه .
ورووا عن أيوب بن
نوح قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن
يسوقه الله إليك بغير سيف فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك فقال ما منا أحد اختلفت
إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو
مات على فراشه حتى يبعث الله لهذا الأمر
__________________
غلاما منا خفي
المولد والمنشأ غير خفي في نسبه .
ورووا عن عبد الله
بن عطاء عن أبي جعفر قال قلت له إن شيعتك بالعراق كثيرة فو الله ما في أهل بيتك
مثلك فكيف لا تخرج فقال يا عبد الله بن عطاء قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى إي والله
ما أنا بصاحبكم قلت له فمن صاحبنا قال انظروا من عمي على الناس أمر ولادته فذلك
صاحبكم إنه ليس منا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظا أو رغم
أنفه .
ورووا عن يمان
التمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها
بدينه كخارط القتاد بيده ثم قال هكذا بيده فأيكم يمسك شوك القتاد بيده ثم قال إن
لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه .
ورووا عن عبيد بن
زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول يفقد الناس إمامهم يشهد الموسم
يراهم ولا يرونه .
ورووا عن عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر عليه السلام قال
والله لا ينوه باسم رجل منا فيكون صاحب هذا الأمر حتى يأتي الله سبحانه به من حيث
لا يعلم الناس
ورووا عن علي بن
مهزيار قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفرج فقال إذا غاب صاحبكم عن
دار الظالمين فتوقعوا الفرج .
ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال سمعت أبا
الحسن العسكري عليه السلام يقول الخلف من بعدي الحسن عليه السلام فكيف لكم بالخلف
من بعد الخلف فقلت ولم قال لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه .
__________________
في أمثال لهذه
الروايات الدالة على تخصص الإمامة بعد الحسن عليه السلام وإلى الآن بالحجة بن
الحسن عليهما السلام.
[ ظهور معجزاته على أيدي سفرائه
]
ومما يدل على
إمامته ظهور الأعلام على أيدي سفرائه
فمن ذلك ما رووه
عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال شككت بعد مضي أبي محمد عليه السلام فاجتمع عند
أبي مال جزيل فحمله وركب في السفينة فخرجت معه مشيعا فوعك وعكا شديدا فقال يا بني
ردني فهو الموت وقال إلي اتق الله في هذا المال وأوصى إلي ومات فقلت في نفسي لم
يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق فأكتري دارا على الشط فلا
أخبر أحدا بشيء فإن وضح لي شيء كوضوحه أيام أبي محمد عليه السلام أنفذته وإلا
أنفقته فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط وبقيت أياما فإذا أنا برقعة مع رسول
فيها يا محمد معك كذا وكذا حتى نص جميع ما معي مما لم أحط به علما فسلمت المال إلى
الرسول وبقيت أياما لا يرفع بي رأسا ـ فاغتممت فخرج إلي قد أقمناك مكان أبيك فاحمد الله .
ورووا عن أبي عبد الله الشيباني قال أوصلت أشياء
للمرزباني وكان فيها سوار ذهب فقبلت ورد علي السوار فأمرت بكسره فكسر فإذا في وسطه
مثاقيل حديد ونحاس وصفر وأخرجت ذلك منه وأنفذت الذهب فقبل .
ورووا عن علي بن
محمد قال أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه وقيل له أخرج حق بني عمك منه وهو
أربعمائة درهم وكان الرجل في يده ضيعة لولد
__________________
عمه فيها شركة قد
حبسها عليهم فنظر فإذا لولد عمه في ذلك المال أربعمائة درهم فأخرجها وأنفذ الباقي
فقبل .
ورووا عن القاسم بن العلاء قال ولد لي عدة بنين فكنت أكتب وأسأل الدعاء فلا
يكتب إلي بشيء فماتوا كلهم فلما ولد لي الحسن ابني كتبت أسأل الدعاء فأجبت فبقي والحمد لله .
ورووا عن علي بن الحسين اليماني قال كنت ببغداد فاتفقت قافلة
اليمانيين فأردت الخروج معهم فكتبت ألتمس الإذن في ذلك فخرج لا تخرج
معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة وأقم بالكوفة قال فأقمت وخرجت القافلة فخرج
عليهم حنظلة فاجتاحتهم.
قال وكتبت أستأذن
في ركوب الماء فلم يؤذن لي فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر فما
سلم منها مركب خرج عليها قوم يقال لهم البوارح فقطعوا عليها .
ورووا عن الحسن بن
الفضل بن يزيد الهمداني قال كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه ثم كتب بخطي فورد جوابه
ثم كتب بخط رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابا فنظرت فإذا العلة في ذلك أن
الرجل تحول بين ذلك قرمطيا .
ورووا عن الحسن بن الفضل قال وردت العراق وزرت طوس وعزمت أن
لا أخرج إلا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي ولو احتجت أن أقيم بها حتى أتصدق
__________________
قال وفي خلال ذلك
يضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحج قال فجئت يوما إلى محمد بن أحمد أتقاضاه
فقال لي صر إلى مسجد كذا وكذا فإنه يلقاك رجل قال فصرت إليه فدخل علي رجل فلما نظر
إلي ضحك وقال لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما فاطمأنت
نفسي وسكن قلبي فقلت أرى مصداق ذلك إن شاء الله.
قال ثم وردت
العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب فاغتممت وقلت في نفسي جزائي عند القوم هذا
واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي كفرت
بردي على مولاي عليه السلام ثم كتبت رقعة أخرى أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر
من ذلك وأنفذتها وقمت أتطهر للصلاة وأنا في ذلك أفكر في نفسي وأقول إن ردت علي
الدنانير لم أحلل صرارها ولم أحدث فيها حدثا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني
فيعمل فيها بما يشاء فخرج إلي الرسول الذي حمل إلي الصرة وقيل له أسأت إذ لم تعلم
الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبركوا به وخرج إلي أخطأت في
ردك برنا فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك فأما إذا كانت عزيمتك وعقد نيتك ألا
تحدث فيها حدثا ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك فأما الثوب فلا بد منه لتحرم
فيه.
قال وكتبت في
معنيين وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك فورد جواب المعنيين
والثالث الذي طويت مفسرا والحمد لله .
ورووا عن الحسن بن عبد الحميد قال شككت في أمر حاجز بن يزيد
فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا
قادرين فاردد ما معك إلى حاجز بن يزيد
__________________
ورووا عن بدر غلام
أحمد بن الحسن قال وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة أحبهم جملة إلى أن مات
يزيد بن عبد الله فأوصى في علته أن يعطي الشهري السمند وسيفه ومنطقته إلى مولاه فخفت
إن أنا لم أدفع الشهري إلى إذكوتكين نالني منه استخفاف فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة
دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحدا فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق أن وجه
السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة .
ورووا عن أبي محمد الحسن بن عيسى العريضي قال لما مضى أبو
محمد عليه السلام ورد رجل من مصر بمال إلى مكة للناحية فاختلف عليه فقال بعض الناس
إن أبا محمد عليه السلام مضى من غير ولد والخلف من بعده جعفر وقال بعضهم مضى أبو
محمد عليه السلام عن ولد هو خلفه فبعث رجلا يكنى أبا طالب فورد العسكر ومعه كتاب
فصار إلى جعفر فسأله عن برهان فقال لا يتهيأ في هذا الوقت فصار إلى الباب وأنفذ
الكتاب إلى أصحابنا فخرج إليه آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان
معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يحب وأجيب عن كتابه .
ورووا عن الحسن بن خفيف عن أبيه قال بعث حرم إلى المدينة
مدينة الرسول صلّى الله عليه
وآله ومعهم خادمان فكتب إلى
خفيف أن اخرج معهم فلما وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكرا فما خرجوا من
الكوفة حتى ورد كتاب من العسكر برد الخادم الذي شرب المسكر وعزله عن الخدمة .
ورووا عن محمد بن شاذان النيسابوري قال اجتمع عندي خمسمائة
درهم
__________________
ينقص منه عشرون
درهما فأنفت أن أبعث بها ناقصة فوزنت من عندي عشرين درهما وبعثت بها إلى الأسدي
ولم أكتب ما لي فيها فورد وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهما .
ورووا عن الحسن بن محمد الأشعري قال كان يرد إلي كتاب أبي محمد عليه
السلام في الإجراء على الجنيد قاتل فارس وأبي الحسن فلما مضى أبو محمد عليه السلام ورد استئناف من الصاحب عليه
السلام بالإجراء على أبي الحسن وصاحبيه ولم يرد في أمر الجنيد شيء فاغتممت لذلك فورد نعى الجنيد
بعد ذلك فإذا قطع جاريه إنما كان لوفاته .
ورووا عن عيسى بن
نصر قال كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا فكتب إليه إنك تحتاج إليه في سنة
ثمانين وبعث إليه الكفن قبل موته بأيام .
ورووا عن محمد بن هارون بن عمران الهمداني قال كان للناحية
علي خمسمائة دينار فضقت بها ذرعا ثم قلت في نفسي لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة
دينار وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة ولا والله ما نطقت بذلك فكتب إلى
محمد بن جعفر اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عنده .
ورووا أن قوما وشوا إلى عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء
النواحي وقالوا الأموال تجبى إليهم وسموهم له جميعهم فهم بالقبض عليهم فخرج الأمر
من السلطان اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ فقال عبيد الله بن سليمان نقبض
على من ذكر
__________________
أنه من الوكلاء
فقيل له لا ولكن دسوا إليهم قوما لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئا قبض عليه
فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج إليهم ألا تأخذوا من أحد شيئا وأن يمتنعوا من ذلك
ويتجاهلوا بالأمر وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه
وخلا به فقال معي مال أريد أن أصله فقال له محمد غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئا فلم
يزل يتلطف به ومحمد يتجاهل عليه وبثوا الجواسيس فامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم
إليهم ولم يظفر بأحد منهم وظهرت بعد ذلك الحيلة عليهم وإنها لم تتم .
ورووا عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد قال خرج النهي عن
زيارة مقابر قريش والحائر على ساكنيها السلام ولم يعرف السبب فلما كان بعد أشهر
دعا الوزير الباقطاني وقال له الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم لا يزورون مقابر
قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليهم .
في أمثال لهذه
الروايات إيراد جميعها يخرج عن الغرض وفي بعض ما ذكرناه كفاية.
[ إثبات تواتر هذه الأخبار ]
وليس لأحد أن يقول
جميع ما ذكرتموه من أخبار النصوص والمعجزات أخبار آحاد وهي مع ذلك مختصة بنقلكم
وما هذه حاله لا يلزم الحجة به.
لأن هذا القدح
دعوى مجردة ومن تأمل حال ناقلي هذه الأخبار علمهم متواترين بها على الوجه الذي
تواتروا به من نقل النص الجلي وقد بينا صحة الطريقة فيه فلنعتمدها هنا عند الحاجة
ومساو لنقل معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم
__________________
يتأمل ذلك وأعرض
عنه لبعض الصوارف فالحجة لازمة له ولا عذر له في جهله بما يقتضيه لتمكنه من تحصيل
العلم به لو نظر على الوجه الذي يجب عليه.
وإذا ثبت تواترها
لم يقدح فيه اختصاص نقلها بالفرقة الإمامية دون غيرها لأن المراعى في صحة النقل
وقوعه على وجه لا يجوز على ناقليه الكذب سواء كانوا أبرارا أو فجارا متدينين بما
نقلوه أو مخالفين فيه وهذا الطعن ... .
[ الحكمة في غيبته ]
وأما الكلام في
القسم الثاني وهو بيان الحكم في غيبة الحجة وسقوط الشبهة بها فعلى الجملة
والتفصيل.
أما الجملة فإذا
تقررت إمامة صاحب الزمان عليه السلام بالأدلة العقلية والسمعية واقتضى كونه
المعصوم فيما قال وفعل الموثق فيما يأتي .
وجب القطع على حسن
ذلك وسقوط التبعة عنه وإسناده إلى وجه حكمي له حسنت الغيبة ولم يجز لمكلف علم ذلك
أن يشك في إمامته لغيبة أو يرتاب بوجوده لتعذر تميزه ومكانه لأن حصول ذلك عن عذر
لا ينافي وجود الغائب ولا يقدح في إمامته الثابتين بالأدلة كما لا يقدح إيلام
الإنهاك وذبح البهائم وخلق المؤذيات في حكمة القيم سبحانه الثابتة
بالبرهان وكذلك خوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال واستتاره في أخرى
ومهادنته في أخرى وتباين ما أتى به من العبادات والأحكام لا ينافي نبوته ولا يقدح
في حجته الثابتين بالأدلة.
وإن كان غير عالم
بوجود الحجة وإمامته فلا سؤال له في غيبته إذ الكلام فيها
__________________
وهل هي حسنة أم
قبيحة فرع لوجوده وثبوت حجته ففرضنا مع هذا الجاهل بإمامة الحجة إيضاح الأدلة على
إمامته وفرضه أن ينظر فيها فإن يفعل يعلم من ذلك ما علمناه ويسقط عنه شبهة الفرع
لثبوت الأصل وإن لا يفعل يكن محجوبا في الأصل والفرع.
وهذا القدر من
الجملة كاف في سقوط جميع ما يتعلقون به من الشبه في إمامة الحجة عليه السلام وغيبته
عن رعيته واستمرارها وعدم اللطف بالظهور وارتفاع الحفظ والتبليغ للشريعة معها
وانتفاء الإرشاد والتنبيه والقيام بما يلزم الإمام من الأمر والنهي وإقامة الحدود والجهاد وقبض الحقوق
وطول عمر الحجة.
لأن ذلك أجمع ليس
بقبيح في جنسه وإنما يقبح لوقوعه على وجه مخصوص ويحسن لآخر وإذا ثبت هذا فلا فرق
بين أن يعلم ثبوت وجه الحسن في جميعه وبين أن يعلم استناده إلى معصوم لا يجوز عليه
فعل القبيح كعلمنا ذلك في جميع تأثيرات الأنبياء عليهم السلام إذ تقدير فرق بين الأمرين متعذر
وهذا أحسم لمادة الشغب وأبعد من الشبه.
[ من أسباب الغيبة الخوف وعدم
الناصر ]
وأما التفصيل وأن حسن غيبة الخائف
من الضرر القوي الظن بكون الغيبة مؤمنة له منه فمعلوم ضرورة وجوبها عليها فضلا حسنها
لكونها محرزا من ضرر وأما ثبوت ذلك في غيبة الصاحب عليه السلام فمختص به عليه
السلام لكل ذي ظن لخوف ويحرز منه لا يفتات عليه فيه .
__________________
على أنا إذا كنا
وكل مخالط متأمل بقدم وجوده أو تأخره نعلم نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير
المؤمنين عليه السلام والأئمة من ذريتهما عليهم السلام على إمامة الثاني عشر وكونه
المزيل لجميع الدول والممالك الجامع للخلق على الإيمان بالقهر والاضطرار علمنا
توفر دواعي كل ذي سلطان وتابع له إلى طلبه وتتبع آثاره وقتل المتهم بنصرته لما
نجدهم عليه من حب الرئاسة وإيثارها على الآخرة وقلة الفكر في العاقبة وتأييدها
بقطع الأرحام وهجر الأحباب وبذل الأنفس والأموال وقتل الأبرار وتعظيم الفجار.
وارتفع الريب عنا
بوجوب استتاره ما استمر هذا الخوف إلى أن يعلم بشاهد الحال أو بغير ذلك وجود أنصار
يتمكن بمثلهم من تأدية الفرض من جهاد الكفار أو توبة المتغلبين من ذوي
السلطان فحينئذ يظهر منتصرا للحق كظهور كل من الأنبياء وخلفاء الله في الأرض عليهم
السلام بعد الخوف والاضطرار.
وليس لأحد أن يقول
فما بال الموجودين من شيعته الذين قد ملأوا الأرض لم ينصروه على أعدائه وما باله
هو عليه السلام لم يظهر منتصرا بهم ففي بعضهم نصرة.
لأنه ليس كل متدين
بإمامته عليه السلام يصلح للحرب وينهض نعت القتال ويقوي على مجالدة الأقران ولا كل
مقتدر على ذلك يوثق منه بنصرة الحق وبذل النفس والأموال والحميم وهجر طيب العيش في
اتباعه وإيثاره على هذه الأمور مع ما فيه من عظيم الكلفة.
وكيف يظن ذلك من
يعلم ضرورة كون أكثر شيعته ذوي مهن وضعف عن الانتصار من أضعف الظالمين ومن لا يثبت
الجمع الكثير منهم كواحد من أتباع المتغلبين ومن يظن به النصرة من نفسه من
شيعة الحجة عليه السلام لكونه ممارسا لآلات الحرب مخالطا لأصحاب الدول هو تبع
للضلال وباذل نفسه في نصرة الفجار
__________________
ومعونتهم على
مظالم العباد ومن يرجى معونته بماله من ذوي اليسار منهم معلوم كونهم أو معظمهم
مانعا لما يجب للحجة عليه في ماله من حقوق الخمس والأنفال التي لو أخرجوها لأوشك
ظهور الحجة عليه السلام لتمكنه بها من الانتصار.
ولا عذر لأحد ممن
ذكرناه لتمكن كل منهم من النظر في الأدلة الموصلة إلى العلم بالحجة وما يجب له
عليه وبذل الجهد من نفسه وتأدية الواجب عليه وإخلاص النية لنصرته وتمرين العامي
نفسه على ما معه يستطيع النصرة من معاناة آلات الحرب ورياضة في عادتها.
فلو فعل المكلفون
أو أكثرهم أو من يصح به الانتقام من الباقين ما يجب عليه مما ذكرناه لظهر الحجة
عليه السلام وغلب كلمة الحق.
ولما لم يفعلوا ما
يستطيعونه من تكليفهم ثبت تقصير كل منهم وكونه مستحقا للوزر وإخلاله بالواجب عليه
وتأثيره في غيبة الحجة عليه السلام كتأثير العدو المعلن.
وإذا لحق أكثر
الأولياء بحكم الأعداء في تسبيب الغيبة سقط الاعتراض بكثرتهم.
وحصول الغيبة
للخوف الذي بيناه لا يمنع من العلم بإمامة الغائب عليه السلام وثبوت وجوده لوقوف
ذلك على الأدلة التي سلمت دون الغيبة والظهور اللذين لا تعلق لهما بثبوت حجة ولا
انتفائها كسائر المعلومات بالأدلة.
[ كيفية الجمع بين فقد اللطف
بعدم ظهوره وثبوت التكليف ]
وأما فقد اللطف
بظهوره متصرفا ورهبة لرعيته مع ثبوت التكليف الذي وجوده مرهوبا لطف فيه مع عدمه
فإن اختصاص هذا اللطف بفعل المكلف لتمكنه من إزاحة علة نفسه بمعرفة الحجة المدلول
على وجوده وثبوت إمامته وفرض طاعته وما في ذلك من الصلاح وقدرته على الانقياد وحسن
تكليفه ما تمكين الإمام وإرهابه أهل البغي لطف
فيه وإن كانا
مرتفعين بغيبته الحاصلة عن جناية المكلف عن نفسه فالتبعة عليه دون مكلفه سبحانه ودون الحجة الملطوف له
بوجوده.
وتكليفه لازم له
وإن فقد لطفه بالرئاسة لوقوف المصلحة في ذلك على إيثاره معرفة الإمام والانقياد له
باختياره دون إلجائه كسائر المتعلقة بفعل الملطوف له من المعارف العقلية والعبادات
الشرعية المعلوم حسن تكليف ما هي لطف فيه من الضروريات وإن انتفى العلم والعمل بها
من الملطوف له بها لكونه قادرا على الأمرين وفاقدا للاستصلاح بهما بسوء نظره لنفسه
وقبيح اختياره.
[ العلة في عدم منع الله من
يريد الحجة بسوء ]
وليس لأحد أن يقول
إلا أيد الله سبحانه الحجة الملطوف بسلطانه للخلق أو منع منه من يريده بالسوء ليتم
الصلاح ويحسن التكليف.
لأن هذا وإن كان
مقدورا له تعالى ولكن المصلحة في غيره لوقوفها على اختيار المكلف دون إلجائه كسائر
المعارف العقلية والتكاليف الشرعية المتعلق كونها مصلحة بفعل المكلف دون مكلفه
سبحانه وتكليفه الضروري ثابت وإن فقد لطفه لتعلق فقدانه به دون القديم سبحانه.
فكأنما أن سؤال من قال
هلا فعل الله العلم الضروري بجملة المعارف للكفار واضطر الكل إلى فعل الشرعيات
وترك قبائحها ليتم المصلحة ويحسن تكليفهم ما هذه المعارف والشرائع لطف فيه ساقط
فكذلك سؤال من قال هلا جبر الله تعالى الرعية على طاعة الرئيس ومنعهم من ظلمه إذ
كان العذر في الموضعين واحدا.
__________________
[ إمكان ظهوره لأوليائه في زمن
الغيبة ]
وليس لأحد أن يقول
فهب تكليف أعدائه مع غيبته عليه السلام لازم لتقصيرهم عن الواجب من تمكينه فما بال
أوليائه العارفين به المتدينين بطاعته يمنعون لطفهم بظهوره لهم بجناية غيرهم
ويلزمهم تكليف ما ظهور الإمام لطف فيه مع غيبته بجريرة سواهم ومقتضى الألطاف عندكم
بخلاف هذا.
لأنا لا نقطع على
غيبة الإمام عليه السلام عن جميعهم بل يجوز ظهوره لكثير منهم ومن لم يظهر له منهم
فهو عالم بوجوده ومتدين بفرض طاعته وخائف من سطوته لتجويزه ظهوره له ولكل مكلف في
حال منتصرا منه إن أتى جناية أو من غيره من الجناة فغيبته عنده على هذا التقدير
كظهوره في كونه مزجورا معها بل حاله مع الغيبة أبلغ في الزجر من حيث كانت حال
الظهور يقتضي اختصاص الحجة لمكان معلوم وخلوه مما عداه وفي حال الغيبة لا مكلف من
شيعته إلا ويجوز اختصاص الإمام بما يليه من الأمكنة ولا يأمن ظهوره فيها وإذا كانت
هذه حال أوليائه عليه السلام في زمان الغيبة حسن تكليفهم ما وجود الإمام لطف فيه
وإن كان غائبا لحصول صلاحهم فيها بالظهور.
حفظ الشريعة في حال الغيبة
وأما حفظه صلوات الله عليه الشريعة وتبليغها في حال الغيبة فإنها لم تحصل له إلا بعد تبليغ آبائه جميع
الشريعة إلى الخلق وإبانتهم عن أحكامها وإيداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علة كل
مكلف وحفظهم عليهم السلام عليهم في حال وجودهم وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم
بكونه من وراء الناقلين وأحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام فقام
والحال هذه إجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالأحكام عن آبائه عليهم السلام مع
كونه حافظا من ورائهم مقام مشافهة الحجة ووجب على كل مكلف العمل بالشريعة الرجوع
إلى علماء شيعته والناقلين عن آبائه عليهم السلام لكونه آمنا من الخطاء فيما
أجمعوا عليه لكون الحجة المأمون واحدا من المجمعين وفيما
تواتروا به عن
الصادقين من آبائه عليهم السلام لصحة الحكم المعلوم بالتواتر إسناده إلى المعصوم
في تبليغه المأمون في أدائه وقطع على بلوغه جملة ما تعبد به من الشريعة
لوجود الحجة المعصوم المنصوب لتبليغ الملة وبيان ما لا يعلم إلا من جهته وإمساكه
عن النكير فيما أجمعوا عليه وفقد فتياه بخلاف له أو زيادة فيه.
فمن أراد الشريعة
في حال الغيبة فالطريق إليها ما ذكرناه والحجة به قائمة ولا معضل ولا مشكل إلا
وعند العلماء من شيعته منه تواتر وهم على الصحيح منه برهان من طلب ذلك ظفر به ظفر العلماء من
شيعته ومن عدل عنه ورغب عن الحجة مع لزومها له بتخويف شيعته ووضوح الحق على جملة
الشريعة وقيام البرهان على جميعها فالتبعة عليه لتقصيره عما وضح
برهان لزومه له والمحنة بينهم وبين منكر ذلك.
وقد استوفينا ما
يتعلق بهذا الفصل في كتاب العمدة ومسألتي الشافية والكافية وأوضحنا عن ثبوت الحجة
به وأسقطنا ما يتعلق به من الشبه فذكرها هاهنا يخرج عن الغرض ومريده يجده هناك
مستوفى.
[ حكم تنفيذ الأحكام وإرشاد
الضال وحقوق الأموال في حال الغيبة ]
وأما تنفيذه صلّى الله عليه وآله الأحكام وردع الجناة باليد العالية وإقامة الحدود وجهاد
الأعداء فساقط عنه عليه السلام لتقيته وقصور يده بإخافة الظالمين له وأعوانهم ولا
تبعة عليه في شيء من ذلك لوقوف فرضه على التمكن منه باتفاق بل التبعة فيه على
مخيفه ومسبب ضعفه عن القيام بما جعل إليه تنفيذه مع التمكن منه كسقوط ذلك عن كل
نبي ووصي ومؤمن في حال الخوف والضعف عن القيام به ولزوم التبعة
__________________
للمانع من ذلك
بإخافته إذ كان ذلك أجمع من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعلق فرضها
بالتمكن منها وعدم المفسدة دون الحجة عليه السلام الممنوع من ذلك بالخوف
والاضطرار.
وأما إرشاد الضال
عن الحق إليه فالأدلة على التكليف العقلي ثابتة والتخويف من ترك النظر فيها حاصل
والبراهين على الحق من التكليف الشرعي قائمة والتخويف من الإعراض ثابت ظاهر وإن
كان الحجة غائبا.
فمن ضل عن تكليف
عقلي أو شرعي والحال هذه أتى من قبل نفسه ولم يجب على الإمام إرشاده لكونه قادرا
على النظر في أدلة المعارف ومستطيعا لتأمل فتيا الشيعة وما يستند إليه من وجود الحجة المعصوم من
ورائهم وفرض النظر في ذلك مضيق عليه بالتخويف الشديد من تركه فلو فعل كل مكلف ما
يجب عليه منه لعلم ما يلزمه من تكليفه عقلا وسمعا ولما لم يفعل فالحجة لازمة له
ولا عذر له في تقصيره عما يجب عليه علمه وعمله وإن كان الإمام عليه السلام غائبا.
وأما حقوق الأموال
الواجب حملها إليه ففرض قبضها وتصرفها في وجوهها موقوف على تمكنه صلوات الله عليه وآله من ذلك وعدم التمكين له التبعة على مسبب هذا المنع ولا تبعة عليه كما لا تبعة
على من قبله من آبائه عليهم الصلاة والسلام ومن قبلهم من
أنبياء الله وحججه صلوات الله
عليهم وفرض مكلف ذلك إخراج ما
تعين عليه فرضه من الزكوات والفطرة وشطر الخمس إلى من يستحقه وهم معروفون منصوص
على أعيانهم وصفاتهم في الكتاب والسنة المعلومة بنقل آبائه عليهم السلام فإن جهل
حالهم سأل علماء العصابة عنهم أو حمل ما يجب عليه من الحقوق إليهم فيضعوه في
مستحقيه وعزل ما يستحقه الإمام صلوات الله عليه من الخمس
والأنفال من جملة المال وأحرزه وانتظر به التمكن من إيصاله إليه أو إلى من يأذن له
قبضه والوصية به إن خاف الفوت قبل ذلك كسائر الحقوق المتعذر معرفة مستحقها بعينه
فإن ضعف عن
__________________
ذلك حمله إلى
المأمون من فقهاء الطائفة ليحكم به بما شرع له وأي الأمرين فعل برئت ذمته مما وجب
من حقوق الأموال.
رد من قال : لا حاجة إلى الحجة
وليس لأحد أن يقول
فإذا كان التكليف العقلي والسمعي ثابتا والطريق إليها واضحا في زمان الغيبة فلا
حاجة بالمكلفين فيها إلى الحجة لصحة التكليف من دونه وهذا ينقض قولكم بوجوب الحاجة
إليه في كل حال.
لأنا قد بينا قبح
التكليف العقلي من دون الرئاسة لكونها لطفا في فعل الواجب وترك القبيح وقولنا الآن
بإمكان العلم بالتكليف العقلي في حال الغيبة منفصل من حصول اللطف برئاسة الغائب
بغير شبهة على متأمل ولزوم التكليف به لعدوه ووليه في زمان الغيبة لا يقتضي القدح
في وجوب وجوده لأن تقدير عدمه يقتضي سقوط تكليفها أو ثبوته من دون اللطف وكذلك قد
بينا أن العلم بوصول المكلف إلى جملة التكليف الشرعي لا يمكن مع عدم الحجة المنصوص
لحفظه وإن علم أحكاما كثيرة لتجويزه بقاء أكثر ما كلفه من الشرعيات لم يصل إليه
فكيف يعترض علينا لقولنا بلزوم التكليفين في زمان الغيبة وإمكان العلم بهما فيقال
ذلك مقتض للاستغناء عن الإمام مع وقوف التكليفين على وجوده وإن كان غائبا عليه
السلام لو لا غفلة الخصم.
[ رد من قال : لا حاجة إلى ظهور
الحجة ]
وليس لأحد أن يقول
فإذا كنتم معشر القائلين بإمامة الحجة بن الحسن عليهما السلام حال الغيبة عندكم
كحال الظهور في إزاحة العلة في التكليفين عقلا وسمعا بل قد رجحتم الغيبة في بعض
المواضع على الظهور فلا حاجة بكم خاصة إلى ظهوره ولا وجه لتمنيكم ذلك ورغبتكم إلى
الله تعالى فيه.
لأنا وإن كانت
علتنا مزاحة في تكليفنا على ما وضح برهانه ففي ظهور الحجة على الوجه الذي نص عليه رسول
الله صلى الله عليه وآله فوائد كثيرة وتكاليف يتعين
بظهوره ومنافع
حاصلة بذلك ليس شيء منها حاصلا في حال الغيبة.
لأنه عليه السلام
يظهر لزوال دول الظالمين المخيفين لشيعته وذراري آبائه عليه السلام ورفع جورهم
بعدله وإبطال أحكام أهل الضلال بحكم الله والسيرة بالملة الإسلامية التي لم يحكم
بجملتها منذ قبض الله نبيه صلّى الله عليه وآله.
ومنها الأمر بكل
معروف والنهي عن كل منكر وجهاد الكفار مع سقوط ذلك أجمع عنا في حال الغيبة وهذه
أحكام تثبت وحقوق تظهر وقبائح ترتفع وتكاليف تتعين بظهوره ليست حاصلة في حال
غيبته.
ومنها زوال الخوف
عن شيعته وذرية آبائه عليه السلام بظهور سلطانه وارتفاع التقية بدولته وسهولة
التكليف الشرعي ببيانه وسقوط كلفة النظر الشاق في الأدلة الموصلة إليه في حال
غيبته.
ومنها براءة الذمم
من الحقوق الواجبة له في الأموال المتعذر إيصالها إليه في زمان الغيبة.
ومنها ظهور الدعوة
إلى جملة الحق في المعارف والشرائع بظهوره والفتيا بذلك والعمل بها في جميع الأرض
مع ارتفاع ذلك في حال الغيبة.
وهذه فوائد عظيمة
لها رغبنا إلى الله تعالى في ظهوره لنفوز بها ونكون من أنصاره عليها فنحظى بثواب
نصرته ونسر بنفوذ حكم الله وظهور عدله عليه السلام.
[ مسألة طول الغيبة وطول عمر
الحجة ]
وأما طول الغيبة
وتراخي الزمان بها فلثبوت الواجب لها واستمراره من إخافة الظالمين وإصرارهم على
الظلم والعزم على استيصال الحجة وإذا كان ما له وجبت الغيبة مستمرا حسن لذلك
استمرارها وكانت التبعة على موجب ذلك دون الحجة المضطر إليها.
وأما طول العمر
وبقاء الشباب مع كونه خلافا للعادات فلا قدح به لكونه مقدورا للقديم سبحانه وشائعا
في حكمه وإنما يفعل منه من طول وقصر وشيخوخة
وتبقية شباب ما
يقتضي المصلحة فعله لكون ذلك موقوفا على مقدوره تعالى المعلوم حسن جميعه وتعلقه
بمقدوره تعالى بغير شبهة على موحد.
وإنما استبعد ذلك
ملحد يضيف التأثيرات إلى الطبائع أو الكواكب فأما من أثبت صانعا قادرا لنفسه
فشبهته في ذلك ساقطة ولم يبق إلا استبعاده في العادة مع المنع من خرق العادات لغير
الأنبياء عليهم السلام وكلا الأمرين ساقط.
أما استبعاده في
العادة فالمعلوم خلافه.
لإجماع الأمة على
طول عمر نوح عليه السلام وأنه عاش ألفا ومائتين وقد نطق القرآن بنبوته في قومه
داعيا ( أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً ) ولا شبهة في
وجوده حيا قبل الدعوة وبعد الطوفان.
وأجمع العلماء
بالنقل على كون الخضر عليه السلام حيا باقيا إلى الآن وهو على ما وردت الروايات به
من ولد الثاني من ولد نوح عليه السلام ويكفي كونه صاحبا لموسى بن عمران عليه
السلام باقيا إلى الآن.
وقد تواتر الخبر
وأجمع أهل السيرة على طول عمر لقمان الحكيم عليه السلام وأنه عاش عمر سبعة أنسر
وفيه يقول الأعشى ، شعر :
لنفسك أن تختار
سبعة أنسر
|
|
إذا ما مضى نسر
خلوت إلى نسر
|
فعمر حتى خال أن
نسوره
|
|
خلود وهل تبقى
النفوس على الدهر
|
وقال لأدناهن إذ
حل ريشه
|
|
هلكت وأهلكت بن
عاد وما تدري
|
وإنما اختلفوا في
عمر النسر ففيهم من قال ألف سنة وفيهم من قال خمسمائة سنة وأقل ما روي أن عمر
السبعة الأنسر الذي عاشه لقمان ألف وخمسون ومائة سنة.
وقد تناصرت
الروايات بطول عمر سلمان الفارسي 2 وأنه لقي من لقي المسيح عليه السلام وعاش إلى خلافة عمر بن
الخطاب.
__________________
ونقل الكل من
أصحاب الحديث أو من تثبت بنقله الحجة من الفرق المختلفة أخبار المعمرين ودونوا
أشعارهم وأخبارهم.
فمن ذلك عمرو بن
حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة حاكما على العرب وهو ذو الحلم الذي يقول فيه المتلمس
اليشكري ، شعر :
لذي الحلم قبل
اليوم ما تقرع العصا
|
|
وما علم الإنسان
إلا ليعلما
|
وهو القائل :
كبرت وطال العمر
حتى كأنني
|
|
سليم أفاع ليله
غير مودع
|
فما الموت
أفناني ولكن تتابعت
|
|
علي سنون من
مصيف ومربع
|
ثلاث مئين قد
مررن كواملا
|
|
وها أنا هذا
أرتجي مر أربع
|
ومنهم الحارث بن
كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد المذحجي ، وكان من حكماء العرب
وفصحائهم وهو القائل ، شعر :
أكلت شبابي
فأفنيته
|
|
وأمضيت بعد دهور
دهورا
|
ثلاثة أهلين
صاحبتهم
|
|
فبادوا وأصبحت شيخا
كبيرا
|
عسير القيام
قليل الطعام
|
|
قد ترك الدهر
خطوي قصيرا
|
أبيت أراعي نجوم
السما
|
|
أقلب أمري بطونا
ظهورا
|
ومنهم المستوغر
وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم بن مر بن أد بن طلحة بن إلياس بن مضر.
عاش ثلاثمائة سنة
وأدرك أول الإسلام وروي أنه مات قبل ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو
القائل ، شعر :
__________________
ولقد سئمت من
الحياة وطولها
|
|
وعمرت من عدد
السنين مئينا
|
مائة أتت من
بعدها مائتان لي
|
|
وازددت من عدد
الشهور سنينا
|
هل ما بقي إلا
كما قد فاتنا
|
|
يوم يكر وليلة
تحدوها
|
ومنهم دويد بن زيد
بن نهد بن سود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن مرة بن مالك بن
حمير.
عاش أربعمائة سنة
وستا وخمسين سنة وهو القائل ، شعر :
اليوم يبنى
لدويد بيته
|
|
......................................
|
إلى قوله ، شعر :
لو كان للدهر
بلى أبليته
|
|
أو كان قرني
واحدا كفيته
|
ومن قوله ، شعر :
ألقى علي الدهر
رجلا ويدا
|
|
والدهر ما أصلح
يوما أفسدا
|
يفسد ما أصلحه اليوم غدا
ومنهم زهير بن
جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن
ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو
بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير. عاش مائتي سنة وواقع مائتي وقعة وكان سيدا مطاعا
شريفا في قومه ويقال كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه كان سيد
قومه وشريفهم وخطيبهم وشاعرهم ووافدهم إلى الملوك وطبيبهم وكاهنهم وفارسهم وله
البيت فيهم والعدد منهم وله حكم ووصايا وأشعار مشهورة فمن قوله ، شعر :
لقد عمرت حتى ما
أبالي
|
|
أحتفي في صباحي
أو مسائي
|
__________________
وحق لمن أتت
مائتان عاما
|
|
عليه أن يمل من
الثواء
|
ومنهم ذو الأصبع
العدواني واسمه حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو
بن عباد بن يشكر بن عدوان. وكان شاعرا فصيحا ومن حكماء العرب عاش مائة سنة وسبعين
سنة وفي رواية أبي حاتم أنه عاش ثلاث مائة سنة ومن حسن شعره :
لا يبعدن عهد
الشباب ولا
|
|
لذاته ونباته النضر
|
هزئت أثيلة إن رأت هرمي
|
|
وأن أنحني
لتقادم ظهري
|
أكاشر ذا الطعن المبين عنهم
|
|
وأضحك حتى يبدو
الناب أجمع
|
وأهدنه بالقول
هدنا ولو يرى
|
|
سريرة ما أخفي
لبات يفزع
|
ومنهم الربيع بن
ضبع الفزاري روي أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له يا ربيع أخبرني عما أدركت
من العمر ورأيت من الخطوب الماضية فقال أنا الذي أقول ، شعر :
ها أنا ذا آمل
الخلود وقد
|
|
أدرك عقلي
ومولدي حجرا
|
فقال عبد الملك قد
رويت هذا من شعرك وأنا صبي يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل لي عمرك فقال عشت
مائتي سنة في فترة عيسى عليه السلام وعشرين ومائة في الجاهلية وستين في الإسلام
وهو القائل ، شعر :
إذا كان الشتاء
فأدفئوني
|
|
فإن الشيخ يهدمه
الشتاء
|
فأما حين يذهب
كل قر
|
|
فسربال خفيف أو
رداء
|
__________________
إذا عاش الفتى
مائتين عاما
|
|
فقد ذهب المسرة
والفتاء
|
ومنهم عبد المسيح
بن بقيلة واسمه ثعلبة بن عمرو بن قيس بن حيان عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة وأدرك
الإسلام فلم يسلم وكان نصرانيا وبنى له قصرا بالحيرة وعاش إلى خلافة عمر ولما نزل
خالد بن الوليد بالحيرة صالحه على مائة ألف درهم فقال في ذلك ، شعر :
أيعد المنذرين
أرى سواما
|
|
تروح بالخورنق
والسدير
|
تحاماه فوارس كل
قوم
|
|
مخافة ضيغم عالي
الزئير
|
إلى قوله ، شعر :
نؤدي الخرج بعد
خراج كسرى
|
|
وخرج من قريظة
والنضير
|
كذاك الدهر
دولته سجال
|
|
فيوم من مساة أو
سرور
|
ومنهم النابغة
الجعدي واسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن
صعصعة ويكنى أبا ليلى وأدرك الإسلام فأسلم وهو القائل ، شعر :
تذكرت والذكرى
تهيج على الهوى
|
|
ومن حاجة
المحزون أن يتذكرا
|
نداماي عند
المنذر بن محرق
|
|
أرى اليوم منهم
ظاهر الأرض مقفرا
|
كهول وفتيان كأن
وجوههم
|
|
دنانير مما شيف
في أرض قيصرا
|
وأيضا ، شعر :
لبست أناسا
فأفنيتهم
|
|
وأفنيت بعد أناس
أناسا
|
ثلاثة أهلين
أفنيتهم
|
|
وكان الإله هو
المستآسا
|
يعني المستعاض.
وله :
__________________
ولقد شهدت عكاظ
قبل محلها
|
|
فيها وكنت أعد
مل فتيان
|
والمنذر بن محرق
في ملكه
|
|
وشهدت يوم هجائن
النعمان
|
وعمرت حتى جاء
أحمد بالهدى
|
|
وقوارع تتلى من
القرآن
|
ومنهم : أكثم بن
صيفي الأسدي عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن
به قبل أن يلقاه وله أحاديث كثيرة وحكم وهو القائل ، شعر :
وإن امرأ قد عاش
تسعين حجة
|
|
إلى مائة لم
يسأم العيش جاهل
|
مضت مائتان بعد
عشر وفازها
|
|
وذلك من عد
الليالي قلائل
|
ومنهم صيفي بن
رياح عاش مائتي سنة وسبعين سنة لا ينكر من عقله شيء وهو في بعض الروايات ذو الحلم
الذي يقول المتلمس اليشكري فيه البيت السالف .
ومنهم ضبيرة بن
سعد بن سهم بن عمرو عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب وأدرك الإسلام ولم يسلم ومات
أسود الشعر صحيح الأسنان فرثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال ، شعر :
من يأمن الحدثان
بعد
|
|
ضبيرة السهمي
مائتا
|
سبقت منيته
المشيب
|
|
فكان ميتته
افتلاتا
|
فتزودوا لا
تهلكوا
|
|
من دون أهلكم
خفاتا
|
ومنهم شريح بن
هاني بن نهيك بن دريد بن سلمة أدرك الإسلام وقتل في ولاية الحجاج وهو القائل ، شعر :
قد عشت بين
المشركين أعصرا
|
|
ثمة أدركت النبي
المنذرا
|
__________________
وبعده صديقه
وعمرا
|
|
ويوم مهران ويوم
تسترا
|
والجمع من
صفينهم والنهرا
|
|
هيهات ما أطول
هذا عمرا
|
ومنهم الحارث بن
مضاض الجرهمي عاش أربعمائة سنة وأدرك الإسلام ولم يسلم وقتل يوم حنين
وهو القائل ، شعر :
حرب عوان ليتني
فيها جدع
|
|
......................................
|
وإذا كان ما
ذكرناه من أعمار هؤلاء معلوما لكل سامع للأخبار وفيهم أنبياء صالحون وكفار معاندون
وفساق معلنون سقط دعوى خصومنا كون عمر الغائب خارقا للعادة لثبوت أضعاف ما انتهى
إليه من المدة لأبرار وفجار.
على أن خرق العادة
على غير الأنبياء عليهم السلام إنما يمنع منه المعتزلة وإخوانها الخوارج إذا
تكاملت فيه شروط المعجز وطول عمر الحجة عليه السلام خارج عن قبيل الإعجاز بغير
شبهة لانفصاله من دعواه بل هو مستحيل ـ لأن تأخر الدعوى ومضي العمر الخارق للعادة لا تؤثر شيئا
لوجوب تقدم الدعوى لخرق العادات المفعول للتصديق عقيبها وتقدم الدعوى بطول العمر
لا يجدي شيئا لتعريها من برهان صحته ولوقوعها على ما لم يحصل إلا بعد أزمان.
اللهم إلا أن يجعل
جاعل طول عمره عليه السلام مدة معلومه دلالة على صدقه بعد مضي الزمان الذي أخبر به
غير أن هذا المعجز من قبيل الإخبار بالغائبات دون طول العمر.
أو يجعل جاعل
ظهوره عليه السلام بعد طول المدة شابا قويا معجزا فيصح ذلك إلا أنه مختص بزمان
ظهوره دون زمان غيبته.
وبعد فلو سلمنا أن
طول عمر الغائب عليه السلام المدة التي بلغها أحد من
__________________
ذكرناه من
المعمرين وأضعافها خارقا للعادة على ما اقترح علينا وأنه من قبيل الإعجاز لم يقدح
ذلك في شيء مما قدمناه لجواز ظهور المعجز عندنا على الأبرار فضلا عن الحجج
والصالحين حسب ما دللنا عليه في ماضي كتابنا هذا وأوضحناه.
كيف يمكن معرفة الحجة عند ظهوره
فإن قيل فهب أنكم
تعلمون تخصيص حجة الإمامة في هذا الزمان بابن الحسن عليه السلام فكيف لمن ظهر له
من خاصته في زمان الغيبة بمعرفته ولجميع شيعته وغيرهم حين الظهور العام.
قيل لا بد في حال
ظهوره الخاص والعام من معجز يقترن به ليعلم الخاص والعام من شيعته وغيرهم عند
تأمله كونه الحجة تعيينه إذ كان النص المتقدم من الكتاب والسنة والاعتبار العقلي
دلالة على إمامته وتخصيص الحجة على الجملة ولا طريق لأحد من المكلفين منها إلى
تعيينه وكذلك وجب ظهور المعجز مقترنا بظهوره عليه السلام.
[ مسائل التكليف الشرعي ]
مسألة : [ في تقسيم التكليف
الشرعي ]
التكليف الشرعي
على ضربين أفعال وتروك والأفعال على ضروب اثني عشر الصلاة وحقوق الأموال والصوم
والحج والزيارات والوفاء بالعهود والوعود والنذور والوفاء بالأيمان وتأدية الأمانة
والكفارات والوصايا وأحكام الجنائز وما يلزم من العبادة في فاعل الحسن والقبح والمصر عليهما.
والتروك على ضروب
أربعة.
مآكل كالميتة
والدم ولحم الخنزير وكل محرم من الأغذية.
ومشارب كالخمر
والفقاع وكل محظور من الأشربة.
ومدركات كالأغاني
والملاهي وكل قبيح من الأصوات.
ومناكح كالزناء
واللواط وكل وطئ محرم.
والأفعال ينقسم
إلى مفروض ومسنون والتروك كلها قبيحة.
وقد فصلنا أحكام
هذه العبادات في كتاب التلخيص إذ كان بذلك أولى من هذا الكتاب المقصور على
المعارف.
وجهة وجوب الفرائض
كون فعلها لطفا في واجبات العقول واجتناب قبائحها وقبح تركها لأنه ترك
لواجب.
وجهة الترغيب في
المسنون كونه لطفا في مندوبات العقول ولم يقبح تركه كما لا يقبح ترك ما هو لطف فيه.
وجهة قبح التروك
كون فعلها مفسدة ووجب تركها لأنه ترك لقبيح وقلنا
__________________
ذلك لأنه لا بد
لما وجب أو قبح أو رغب فيه من وجه له كان كذلك لولاه لم يكن ما وجب أولى بالوجوب
من القبح أو الترغيب حسب ولا ما قبح أولى بالقبح من الحسن.
وإذا كان لا بد من
وجه لم يخل أن يكون الأمر والنهي على ما قالته المجبرة أو كونها شكرا لنعمته تعالى
على ما ذهب إليه بعض المتكلمين أو الترك على ما قاله أبو علي أو الفعل على ما
نقوله.
ولا يجوز أن يكون
الأمر والنهي لأنه متى لم يكن للفعل صفة لها يحسن تعلق الأمر به أو النهي عنه كان
الأمر والنهي عبثا ولم يكن المنهي عنه أولى بالنهي من الأمر به ولا المأمور به
أولى بالأمر من النهي عنه.
ولأنها فرع لصدق
المدعي وصدقه موقوف على النظر في معجزه ولا داعي إلى ذلك إلا خوف المفاسد في ما
ينهى عنه وفوت المنافع في ما يأمر به فينبغي حصول صفتي المصلحة والمفسدة فيما يدعو
إليه وينهى عنه قبل أمره ونهيه الكاشف عن كونهما كذلك.
ولأن الأمر الشرعي
متناول للفرض والنفل والشيء الواحد لا يجوز أن يقتضي إيجابا لشيء وترغيبا في غيره
ولأن مجرد الأمر والنهي لا يخصص المأمور ولا المنهي بوقت دون وقت ولا بوجه دون وجه
ولا بصفة دون أخرى وهذه صفة العبادات الشرعية قبحت تعلقها بالمصالح المخصصة لها
بالأوقات والصفات والشروط.
ولا يجوز كون
الوجه فيها شكرا لنعمه تعالى لأن حقيقة الشكر هي الاعتراف بالنعمة والعزم على
تعظيم فاعلها وليست الشرعيات من ذلك في شيء.
ولأن شكره تعالى
تعم المكلفين والأزمان على كل حال والشرعيات يختص مكلفا ويسقط عن آخر ويجب على صفة
يختص الفاعل ويقبح من دونها ويسقط مع صفة له ويجب بارتفاعها.
ولأنها ينقسم إلى
فرض ونفل وحرام والمقتضي الواحد لا يجوز أن يقتضي إيجابا وندبا وقبحا.
ولا يجوز أن يكون
الترك هو المراعى في العبادات والقبائح الشرعيات لأن الإشارة والتعيين والنص والترغيب
والتزهيد والزجر بوجه إلى الصلاة والزكاة والحج والزناء
والرباء وشرب
الخمر دون تركها ولو كان الترك هو المقصود في التكليفين لوجب تخصص ذلك أجمع به دون
الفعل فثبت في كتابي العمدة والتلخيص.
والعلم بهذا
التكليف فرع للمعارف التي أسلفناها لوقوف العلم به على صدق النبي صلى الله عليه
وآله وسلم الموقوف على خرق العادة المسند كونه معجزا دالا على الصدق إلى تخصصها
بمقدور القديم تعالى لجواز القبيح على من عداه وتقدم العلم بحكمته ليأمن من الناظر
تصديق ... .
|
إلى
هنا تمّ ما النسخة الوحيدة لهذا الكتاب ، وبذلنا قصارى جهدنا في تصحيحها مع
رداءة خطّها وكثرة أخطائها ، نرجو أن نكون وفّقنا لتقديم نصّ صحيح إلى قرّائنا
الأعزاء ، وإن وُجد فيه خطأ فنحن في انتظار التنبيه عليه ، والعفو ، فانّ العفو
عند كرام الناس مقبول.
فارس
|
__________________
الفهارس :
(١) فهرس الآيات القرآنية.
(٢) فهرس الأحاديث النبويّة.
(٣) فهرس الكتب.
(٤) فهرس الأعلام.
(٥) فهرس الأبيات الشعرية.
(٦) فهرس القبائل والفرق والملل.
(٧) فهرس المصادر.
(٨) الفهرس العام.
(١) فهرس الآيات القرآنية :
ومما
رزقناهم ينفقون (٢ / ٣)
.......................................... ١٣٩
فأتو
بسورة من مثله (٢ / ٢٣)
......................................... ١٥٦
إنّي
جاعل في الأرض خليفة (٢ / ٣٠)
.................................. ٣٧٤
كلوا
واشربوا من رزق اللّه ولا تعثوا ... (٢ / ٦٠) ...................... ١٣٩
خزي
في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون ... (٢ / ٨٥) .................. ٢٣٩
فتمنّوا
الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا (٢ / ٩٤ ـ ٩٥)
.......... ١٥٩
وإذا
ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن قال إنّي جاعلك ... (٢ / ١٢٤) .... ١٩٢
وكذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس (٢ / ١٤٣) .......
١٨٠
ولئن
أتيت الذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك (٢ / ١٤٥) ........ ١٢٤
ليس
البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ... (٢ / ١٧٧) ......... ٢٦٥
إنّ
اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا (٢ / ٢٤٧) ........................... ٣٧٥
وما
محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات ... (٣ / ١٤٤) .... ٣٩٤
ومنكم
من يريد الدنيا (٣ / ١٥٢) ...................................... ٣٩٤
للرجال
نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنساء ... (٤ / ٧) ........... ٣٤٠
وإذا
حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم (٤ / ٨) ...... ١٤٠
يوصيكم
اللّه في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين (٤ / ١١) .............. ٣٤٠
ولكلّ
جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون (٤ / ٣٣) .......... ٢١٥ ، ٣٤٠
فكيف
إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (٤ / ٤١).. ١٨٠
يا
أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (٤ / ٥٩) ١٨٩
ولو
ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم ... (٤ / ٨٣) ........ ١٧٩ ، ١٩٠
ومن
لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون (٥ / ٤٤) ................ ٢٧٣
ومن
لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الظالمون (٥ / ٤٥) .................. ٢٧٣
ومن
لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون (٥ / ٤٧) ................ ٢٧٣
يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ... (٥ / ٥١) ....... ٣٥٨
يا
أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ... (٥ / ٥٤) ......... ٣٧٨ ، ٣٧٩
إنّما
وليّكم اللّه ورسوله والذين آمنوا ... (٥ / ٥٥) ..................... ١٨٤
وخرقوا
له بنين وبنات (٦ / ١٠٠) ..................................... ١٠٨
لو
أنّا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى ... (٦ / ١١١) ................. ١٢٤
إن
يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء(٦ / ١٣٣) ............... ٣٧٤
وهو
الذي جعلكم خلائف الأرض (٦ / ١٦٥) .......................... ٣٧٤
ويستخلفكم
في الأرض فينظر كيف تعملون (٧ / ١٢٩) .................. ٣٧٤
وقال
موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح (٧ / ١٤٢) .... ٢٠٩
، ٣٧٥
ابن
أمّ إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (٧ / ١٥٠) ................. ٢٣٧
فسينفقونها
ثمّ تكون عليهم حسرة (٨ / ٣٦) ............................. ٢٨٨
تريدون
عرض الدنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيز حكيم .. (٨ / ٦٧) ..... ٣٩٤
وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه (٨ / ٧٥)
............... ٣٤٠
فقاتلوا
أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم (٩ / ١٢) ............................ ٣٧٨
ويوم
حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم ... (٩ / ٢٥) ............ ٣٢٠
إلاّ
تنصروه فقد نصره اللّه إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين .. (٩ / ٤٠) .. ٣٨٨
قل
أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ... (٩ / ٥٣) ................... ٣٨٦
وما
منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاّ أنهم كفروا باللّه ... (٩ / ٥٤) ........ ٣٨٦
فان
رجعك اللّه إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج .. (٩ / ٨٣) .......... ٣٧٧
إنكم
رضيتم بالقعود أول مرّة فاقعدوا مع الخالفين ... (٩ / ٨٣) .......... ٣٧٧
ثم
أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (٩ / ٩٦)
................. ٣٨٩
والسابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار ... (٩ / ١٠٠) ............... ٣٨٣
يا
أيّها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين ... (٩ / ١١٩) ......... ١٧٩
الآن
وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين (١٠ / ٩١) ................... ٢٨١
فأتوا
بعشر سور (١١ / ١١٣)
......................................... ١٥٦
لو
أنّ لي بكم قوة أو آوي إلى ركن ... (١١ / ٨٠) ...................... ٢٣٨
إنّما
أنت منذر (١٣ / ٧)
.............................................. ١٨٥
فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (١٦ / ٤٣) ....................... ١٧٩
ويوم
نبعث من كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم (١٦ / ٨٩) ............. ١٨١
قل
لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن (١٧ / ٨٨) ... ١٥٦
لا
نقيم لهم يوم القيامة وزنا (١٨ / ١٠٥) ............................... ٢٩٣
يرثني
ويرث من آل يعقوب (١٩ / ٦) .................................. ٣٣٩
واجعل
لي وزيرا من أهلي (٢٠ / ٢٩) .................................. ١٩٤
إنّما
إلهكم اللّه (٢٠ / ٩٨)
............................................ ١٨٥
ما
يأتيهم من ذكر من ربهم محدث (٢١ / ٧) ............................. ١٧٩
وما
أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين (٢١ / ١٠٧)
.............................. ٣٧٦
يا
أيّها الناس إن كنتم في ريب من البعث ... (٢٢ / ٥ ـ ٦) .............. ٧٧
ولا
يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا ... (٢٤ / ٢٢) ............. ٣٩١
حيل
بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم ... (٢٤ / ٥٤) ........... ٢٨٠
وعد
اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ... (٢٤ / ٥٥) .... ١٦٠ ، ٣٧٣
لا
تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ... (٢٤ / ٦٣) ....... ٣٩٣
من
الرحمن محدث (٢٦ / ٥)
........................................... ١٠٧
وأورثنا
بني إسرائيل (٢٦ / ٥٩)
........................................ ٣٧٤
إن
هذا إلاّ خلق الأولين (٢٦ / ١٣٧) .................................. ١٠٨
وورث
سليمان داود (٢٨ / ١٦)
.............................. ٣٣٩ ـ ٣٤٠
يا
أيّها الناس علّمنا منطق الطير ... (٢٧ / ١٦) .......................... ٢٧٥
إنّما
أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة ... (٢٧ / ٩١) ..................... ١٨٥
تلك
الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا ... (٢٨ / ٨٣) ........... ٢٤٠
وما
كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (٢٩ / ٤٠) ........... ٢٣٩
ألم
غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (٣٠ / ١ ـ ٣) ١٦٠
النبيّ
أولى بالمؤمنين من أنفسهم (٣٣ / ٦) ........................ ١٨٧ ، ٢١٦
وأورثكم
أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها (٣٣ / ٢٧) ........... ٣٧٤
وقرن
في بيوتكنّ (٣٣ / ٣٣)
................................................
إنّما
يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (٣٣ / ٣٣) ٣٣٦
لا
تدخلوا بيوت النبيّ (٣٣ / ٥٣) ...................................... ٢٢٨
ما
كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه (٣٣ / ٥٣)٣٥٠ ، ٣٥٨
أطعنا
سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا (٣٣ / ٦٧)
....................... ٢٨٥
يا
داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق (٣٨ / ٢٦) ... ٣٧٤
ربّ
اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ... (٣٨ / ٣٥ ـ ٣٦) ٣٧٤
إنك
ميّت وإنهم ميّتون (٣٩ / ٣٠) ..................................... ٣١٨
والذي
جاء بالصدق وصدّق به اولئك هم التقون (٣٩ / ٣٣)
............. ٣٩٠
إن
يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي ... (٤٠ / ٢٨)
..................................................... ٢٦٤ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٢
يا
ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين (٤٣ / ٣٨) ................. ٢٣٩
الظانّين
باللّه الظنّ السوء عليهم دائرة السوء ... (٤٨ / ٦) ............... ٢٥٦
محمّد
رسول اللّه والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء ... (٤٨ / ٩) ....... ٣٨٢
تعزّروه
وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا (٤٨ / ٩)
....................... ٣٨٩
إنّ
الذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه ... (٤٨ / ١٠) ..................... ٣٨١
فمن
نكث فإنما ينكث على نفسه (٤٨ / ١٠) ............................ ٢٠٤
سيقول
المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها .. (٤٨ / ١٥) ........... ٣٧٧
قل
لن تتبعونا كذلكم قال اللّه من قبل فسيقولون ... (٤٨ / ١٥) ......... ٣٧٧
قل
للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس (٤٨ / ١٦) . ٣٧٦ ،
٣٧٧
تقاتلونهم
أو يسلمون (٤٨ / ١٦)
....................................... ٣٧٨
فان
تطيعوا يؤتكم اللّه أجرا حسنا (٤٨ / ١٦)
........................... ٣٧٧
لقد
رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة .. (٤٨ / ١٨) ....... ٣٨٠
لتدخلنّ
المسجد الحرام (٤٨ / ٢٧) ..................................... ١٦٠
يا
أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله (٤٩ / )
............... ٢٤٣
ولا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا ... (٤٩ / ٢) ................
إني
مغلوب فانتصر (٥٤ / ١٠) ........................................ ٢٣٧
سيهزم
الجمع ويولّون الدبر (٥٤ / ٤٥)
................................. ١٦٠
لا
يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ... (٥٧ / ١٠) ............ ٣٨٤
مأواكم
النار هي مولاكم (٥٧ / ١٥) ................................... ٢١٤
لئن
أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا ... (٥٩ / ١٢) ................ ١٦٠
وإذا
رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها وتركوك .. (٦٢ / ١١) .............. ٣٩٤
وإذ
أسرّ النبيّ إلى بعض أزواجه حديثا (٦٦ / ٣)
......................... ٢٤٨
امرأه
نوح وامرأة لوط (٦٦ / ١٠) ...........................................
وفاكهة
وأبّا (٨٠ / ٣١)
............................................... ٣١٧
فأما
من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى (٩٢ / ٥ ـ ٦) .................... ٣٩١
إذا
جاء نصر اللّه والفتح (١١٠ / ١) ................................... ١٦١
(٢) فهرس الأحاديث النبويّة :
آمنوا بليلة القدر
فانها تكون بعدي لعلي ... وولده وهم أحد عشر ........ ٤٢٥
اتقوا دعوة سعد ـ يعني
على الضلال ـ ............................... ٣٥٩
اثنا عشر [ يمثلك
أمر هذه الأمة ] عدّة نقباء بني إسرائيل .................. ٤١٧
اخرج [ وحشي قاتل
حمزة ] عنّي فانّي لا أطيق أرى قاتل عمي ........... ٤٠٦
إذا بلغ بنو العاص
ثلاثين رجلا جعلوا مال اللّه دولا وعباد اللّه خولا ....... ٢٧٠
إذهب [ أبو بكر ]
فسلّم على أمير المؤمنين .............................. ٢٠٣
إذهبا [ أبو بكر وعمر
] فسلّما على أمير المؤمنين ........................ ٢٠٠
اصحابي كالنجوم
بأيّهم اقتديتم اهتديتم؟! ............................... ٣٩٣
أعرفكم بالحلال والحرام
معاذ .......................................... ٣١٦
أفرضكم زيد
......................................................... ٣١٦
أسضل الكلام كتاب
اللّه وأحس الهدي هدي محمّد وشرّ الأمور محدثتها ... ٢٧٦
اتقدوا بالذين من
بعدي :أبي بكر وعمر؟! ............................... ٣٩٩
اقرأكم زيد
........................................................... ٣١٥
ألا أدلّكم على ما
إن استدللتم عليه لم تهلكوا ولم تضلّوا .................. ٢٠١
امام [ الحسين
عليه السّلام ] ابن إمام أبو أئمة حجج تسعة تاسعهم قائهم .. ٤٢٠
إن اللّه أرسلني
إليكم يا بني هاشم خاصّة وإلى الناس عامة ..................١٩٣
إنّ أحدنا [ معاوية
أو أبو ذر ] فرعون هذه الأمة ......................... ٢٦٦
إنّ أخي ووصيّي وخير
من أترك بعدي عليّ بن أبي طالب ................. ٢٠٢
إنّ أفضل أمتي
قوم آمنوا بي ولم يروني خالط حبّي لحمهم ................. ٣٩٥
إن تولّوها
أبابكر تجدوه قويّاً في دينه ضعيفاً في بدنه إن تولّوها عمر ...؟!. ٣٢٤
إنّ عثمان جيفة
على الصراط يعطف عليه من أحبّه ويجاوزه ................٢٩٥
إنّ لكلّ أمّة
فرعون وإنك [ عثمان ] فرعون هذه الأمة .................. ٢٨٨
إنّ من أصحابي من
لا يراني بعد أن يفارقني .............................. ٣٩٥
أنا حرب لمن
حاربت [ علي ] وسلم لمن سالمت [ علي ] ................ ٤٠٧
أنا مدينة العلم وعلي
بابها ............................................ ٣١٦
أنا وعلي كهاتين
..................................................... ١٨٣
أنت [ علي ] أبو
ذرّيتي ............................................... ١٨٣
أنت [ علي ] أخي
ووصيّي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي .......... ١٩٢
أنت [ الحسين ] إمام
ابن إمام أخو إمام أبو أئمة حجج تسع ...............١٨٢
أنت [ علي ] أول
جاث للخصوم من أمتي .............................. ١٨٣
أنت [ علي ] أول
داخل الجنة من أمتي ................................. ١٨٣
أنت [ علي ] الخليفة
من بعدي ................................. ١٩٢ ، ١٩٦
أنت [ علي ] ساقي
حوضي .......................................... ١٨٣
أنت [ علي ] سيد
المسلمين وامام التقين ............................... ١٩٦
أنت [ علي ] صاحب
لوائي ........................................... ١٨٣
أنت [ علي ] الصدّيق
الأكبر والفاروق الأعظم وذو النورين ............ ١٩٢
أنت [ علي ] منّي
بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ............ ٢٠٥
إنكم [ عثمان ] تخرجوني
[ أبو ذر ] من جزيرة العرب .................. ٢٦٥
إنّما الأعمال
بالنيّات .................................................. ١٨٥
إنّما الربا في
النسيئة .................................................... ١٨٥
إنّما الماء من
الماء ...................................................... ١٨٥
إنما مثل أهل
بيتي مثل سفينة نوح في قومه من تخلّف عنها هلك ............ ٢٦٩
إنّما الولاء
لمن أعتق ................................................... ١٨٥
إنّي باعث فيكم
رجلا كنفسي ......................................... ١٨٣
إني لفتنة بعضكم
أخوف منّي لفتنة الدجال .............................. ٣٩٤
إني مخلّف فيكم
الثقلين :كتاب اللّه ، و عترتي أهل بيتي .....................١٨١
إنّي واثنا عشر من
أهل بيتي ـ أولهم عليّ بن أبي طالب ـ أوتاد الأرض ... ٤١٩
إيّها الناس إنّ
اللّه باهى بكم اليوم ليغفر لكم عامة ويغفر لعلي خاصّة ...... ٢٠٣
بينا أنا على
الحوض .. إذ يأتي قوم من أصحابي .. إذا دنوا منّي اختلجوا دوني ٣٩٤
ترجعوا بعدي
كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ........................ ٣٩٥
تقاتل [ علي ] بعدي
الناكثين والقاسطين والمارقين ....................... ٢١٣
حربك يا علي حربي
وسلمك سلمي ............ ١٨٣ ، ٣٦٣ ، ٣٧٨ ، ٤٠٧
خير القرون القرن
الذي أنا فيه ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم؟! ... ٣٩٢ ، ٣٩٥
رفع القلم عن ثلاث
: عن الثبي حتّى يبلغ وعن النائم حتّى ................ ٣١٨
زوّجتك [ فاطمة ]
أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما .......... ٣١٦
عدد الأئمة من
بعدي عدد نقباء موسى ................................. ١٨٢
عرج بي ، فانتهوا
بي إلى السماء السابعة ، فأوحى اللّه إليّ في علي ثلاث : . ٢٠٠
عشرة من أصحابي في
الجنة : أبو بكر ، و عمر ، و عثمان ، و علي ، و؟! ٣٩٧
علي مع الحق والحق
مع علي .......................................... ٣٦٣
علي مع الحق والحق
مع علي يدور معه حيث دار ......... ١٩٣ ، ٣١٦ ، ٣٥٤
علي مني وأنا منه
..................................................... ١٨٣
علي منّي وأنا منه
وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي ......................... ١٩٨
عليّ وليّكم من
بعدي ................................................. ١٩٨
فاطمة بضعة منّي
يؤلمني ما يؤلمها ويؤذيني ما يؤذيها ....................... ٣٣٧
قاتل الله من
قاتلک [ علي ] وعادي .................................... ١٩٩
فمن كنت مولاه
فعلي مولاه ........................................... ٢١٤
لا ترجعوا بعدي
كفّارا ................................................ ٢١٣
لا عمل إلاّ بنية
لا نية إلاّ بعمل ولا عمل ولا نية إلاّ باصابة السنة ......... ٣٤٧
لا يؤدّي عني إلاّ
رجل مني ............................................. ١٨٣
لا يزال أمر أمتي
صالحا حتّي يمرّ اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .......... ٤١٨
لأعطين الراية غدا
رجلا كرارا غير فرار يحبّ اللّه ورسوله واللّه ورسوله يحبانه
............................................................................. ٣٨٠
لتسلكنّ سنن من
كان قبلكم حتّى لو دخل أحدهم في حجر ضبّ لدخلتموه٣٩٥
لقد ذهبت [ عثمان
] فيها عريضة ...................................... ٣٢١
لن يزال هذا الدين
قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ............... ٤١٧
ليت أمير المؤمنين
وسيد المسلمين يأكل معي ............................. ١٩٩
ليجاءبي [ أبو ذر
] يوم القيامة وبك [ عثمان ] وبأصحابك حتّى نكون بمنزلة الجوزاء من السماء
........................................................... ٢٦٤
ما أظلّت الخضراء
ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر
..................................................... ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٢٧١
ما أقلّت الغبراء
ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ....... ٢٦٤
ما تتذاكرون من
أمر الدجّال والذي نفسي بيده إنّ في البيت لمن هو أشدّ على امتي من الدجال
............................................................. ٢٧٥
ما من رجل مسلم
إلاّ وقد وصل ودّي إلى قلبه وما وصل ودّي إلى قلب أحد إلاّ وصل من ودّ علي إلى
قلبه .................................................... ٢٠٤
مثل أهل بيتي فيكم
مثل سفينة نوح من ركبها نجا ........................ ١٨١
من أهل بيتي اثنا
عشر نقيبا نجباء محدثون مفهمون وآخرهم القائم ......... ٤١٩
من سبّ عليا فقد
سبّني ومن سبني فقد سب اللّه ....................... ١٨٣
من كنت مولاه
فعليّ مولاه .................................... ٢٠٥ ، ٢١٧
من كنت وليّه فعلي
وليّه ............................................... ١٩٧
منزلك [ علي ] في
الجنة تجاه من منزلي تكسى إذا كسيت ................ ١٨٣
مهلا ، و لا
تؤذيني [ عائشة ] في أخي [ علي ] فانه أمير المؤمنين ......... ١٩٨
نحن معاشر
الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة؟! ......................... ٣٣٩
هذا [ علي ] أمير
المؤمنين وسيد المسلمين .............................. ٢٠٠
يا أنس يدخل عليك
من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين .......... ١٩٨
يا بنية [ فاطمة ]
إنّ اللّه عزّ وجلّ أشرف على أهل الدنيا فاختار اباك ... ٢٠١
يا عائشة لا
تؤذيني في أمير المؤمنين وسيد المسلمين ...................... ٢٠٢
يا علي من أطاعك
فقد أطاعني ومن اطاعني فقد أطاع اللّه ............... ٢٠٣
يا علي من خالفك
فقد خالفني ومن خالفني فقد خالف اللّه .............. ٢٠٤
يا معشر المهاجرين
والأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكم به لن تضلّوا ... ٢٠١
يؤخذ بقوم من
أصحابي ذات الشمال فأقول : يا ربّ أصيحابي ........... ٣٩٥
يجاءبك [ عثمان ]
وبأصحابك يوم القيامة تنبطحون على وجوهكم ...... ٢٦٣
يجيئكم الخامس ولا
يستأذن ولا يسلّم وهو من أهل النار.فجاء عثمان ... ٢٧٦
يدخل واحد هو أمير
المؤمنين وسيد المسلمين ........................... ٢٠٢
يفسد الناس ثمّ يصلحها
اللّه بعد أمن ولدي خامد الذكر .................. ٤٢٩
يكون بعدي اثنا
عشر خليفة كلهم من قريش ............................ ٤١٨
يكون بعدي من
الخفاء عدّة نقباء موسى اثنا عشر خليفة ................. ٤١٧
يكون خلفي اثنا
عشر خليفة ........................................... ٤١٨
( ٣ ) فهرس الكتب :
تاريخ البلاذري
....................................................... ٣٥١
تاريخ الثقفي
................................... ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٢٦٤ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧
تاريخ الطبريّ
......................................................... ٢٨٦
تاريخ الواقدي
................................................. ٢٦٩ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠
التلخيص لأبي
الصلاح الحلبيّ ........................... ١٢١ ، ٤٥٩ ، ٤٦١
الدار للواقدي
......................................... ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٧٦
الرسالة ـ المسألة
ـ الشافية لأبي الصلاح الحلبيّ ................. ١٨١ ، ٤٤٥
العمدة لأبي
الصلاح الحلبيّ .............................. ١٢١ ، ٤٤٥ ، ٤٦١
الفاضح للطبري
...................................................... ٣١٤
الرسالة ـ المسألة
ـ الكافية لأبي الصلاح الحلبيّ ................. ١٨١ ، ٤٤٥
المسترشد
للطبري ...................................................... ٣١٤
المعرفة للثقفي
......................................................... ٣١٤
( ٤ ) فهرس الأعلام :
آدم عليه
السلام ............................................... ٣٧٤ ، ٤٢٣
أبان بن تغلب
........................................................ ٢٥٥
إبراهيم عليه
السلام .................................... ١٦٣ ، ١٩١ ، ٣٤٨
إبراهيم
............................................................... ٢٩٦
إبراهيم بن
موسى ..................................................... ١٧٦
إبراهيم بن
مهزيار ..................................................... ٤٢٨
إبراهيم بن
ميمون ..................................................... ٢٥٤
إبراهيم بن
يحيى ....................................................... ٢٥٧
إبراهيم التيمي
......................................................... ٢٦٦
إبراهيم
الخارقي ....................................................... ٤٢٨
إبراهيم
النخعيّ ....................................................... ٢٩٦
ابن أبي داود
السجستانيّ ............................................... ٢٠٧
ابن أبي سرح ..................................................
٢٣٢ ، ٢٣٤
ابن أبي قحافة =
أبو بكر.
ابن أبي ليلى
.......................................................... ٢٠٤
ابن جهجاه
........................................................... ٢٨٥
ابن حزم
.............................................................. ٢٧٩
ابن الحسن عليه
السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
ابن الحنفية = محمّد
بن الحنفية.
ابن حنيف
........................................................... ٢٤١
ابن ساعدة
العجلاني ................................................... ٣٢٦
ابن سلام
..................................................... ١٨٧ ، ١٨٨
ابن عامر
............................................................. ٢٧٤
ابن عبّاس
......................... ١٩٧ ، ١٩٨ ، ٢٥٥ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٣١٦ ، ٣١٩ ، ٣٥٣ ، ٣٩٠ ، ٤٠٣ ، ٤٠٨ ، ٤١١ ، ٤٢٠ ، ٤٢٥
ابن عبد الرحمن
....................................................... ٢٥٦
ابن كرام
............................................................. ١٦٢
ابن كريز
............................................................. ٢٣٤
ابن مسعود
..................... ٢٣٤ ، ٢٥٢ ، ٢٨٢ ، ٣١٦ ، ٣٨٣ ، ٣٩٦
ابن منية
.............................................................. ٢٢٩
ابو إبراهيم
التيمي ..................................................... ٢٦٦
ابو أبو مروان
الأسمر ................................................... ٢٦٩
ابو الارقم
............................................................ ٢٩٦
ابو إسحاق
.................................... ٢٠٠ ، ٢٤٤ ، ٢٨١ ، ٢٩٣
ابو اسيد
الساعدي .................................................... ٢٨٥
ابو أيوب
............................................................. ٣٠٤
ابو البختري
.......................................................... ٢٧٥
ابو بريدة
............................................................. ٢٠٣
ابو بصير
............... ١٧٦ ، ٤١٩ ، ٤١٩ ، ٤٢١ ، ٤٢٥ ، ٤٢٨ ، ٤٣١
أبو بكر .... ١٩٠
، ١٩١ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ٢٠٠ ، ٢٠٣ ، ٢٢٦ ، ٢٣٠ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٦٢ ، ٢٦٨ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٦ ،
٢٨٦ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣١٤ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣٢٠ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٢٩ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٥١ ، ٣٥٢ ، ٣٦٦ ، ٣٧٦ ، ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، ٣٨٩ ، ٣٩٠ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧ ، ٣٩٩ ، ٤٠٠ ، ٤٠١ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، ٤٢٢
أبو الجارود
العبدي ............................. ٢٤٦ ، ٢٥٦ ، ٢٩٦ ، ٤١٩
أبو جعفر عليه
السلام = محمّد بن علي الباقر عليه السلام.
أبو جعفر
الدوانيق ..................................................... ٢٤٨
أبو جهل
............................................................. ٣٤٦
أبو حاتم
.............................................................. ٤٥٢
أو حبيبة
............................................................. ٢٨٥
أبو حذيفة
............................................................ ٢٥٣
أبو الحسن
الأشعري ................................................... ١٦٢
أبو الحسن عليه
السلام = عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
أبو الحسن
الرضا عليه السلام = علي بن موسى الرضا عليه السلام.
أبو حمزة
الثمالي ....................................... ٢٤٤ ، ٤٢٠ ، ٤٢٤
أبو حنيفة
............................................................. ٤٠٣
أبو خالد
الوالبيّ ....................................................... ٤١٨
أبو داود
.............................................................. ٢٠٢
أبو الدرداء
........................................................... ٢٦٦
أبو ذرّ
................................. ٢٠٣ ، ٢٣٠ ، ٢٣٤ ، ٢٤٠ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٤٧٩
٣١٩ ، ٣٢٣ ، ٣٨٣ ، ٣٨٧ ، ٣٩٦ ، ٤٠٣
أبو سعيد
التيمي ............................................. ٢٩٣ ، ٢٩٥
أبو سعيد
الخدري ............................................. ١٩٧ ، ٤٠٣
أبو سفيان .............................................
٢٢٠ ، ٢٢٥ ، ٣٢٧
أبو سفيان مولى
آل أحمد ............................................... ٢٨٣
أبو شريحة
الأنصاري .................................................. ٢٧٦
أبو صادق
............................................................ ٢٩٦
أبو الطفيل
..................................... ٢٩٤ ، ٤١٨ ، ٤١٩ ، ٤٢٢
أبو عامر مولى
ثابت ................................................... ٢٨٧
أبو عبد اللّه
عليه السلام ـ جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام.
أبو عبد اللّه
الشيباني ................................................... ٤٣٣
ابو عبيدة ابن
الجراح .................................. ٢٠٥ ، ٢٢٧ ، ٣١٤ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٣٦ ، ٣٥٠ ، ٣٩٧
أبو عبيدة
الذهلي ...................................................... ٢٩٧
أبو علقمة
............................................................ ٢٩٠
أبو علي
.............................................................. ٢٤٤
أبو عليّ
الخراسانيّ ..................................................... ٢٤٤
أبو عمر
.............................................................. ٢٠٤
أبو قحافة
............................................................ ٣٨٥
أبو كدينة
الأسدي ( الأزديّ ) ................................. ٢٤٢ ، ٢٤٣
أبو محمّد عليه
السلام = الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام.
أبو محمّد
الوجنائي ..................................................... ٤٢٨
أبو مروان
الأسمر ...................................................... ٢٦٩
أبو المنذر
الهمداني ..................................................... ٢٠٢
أبو موسى
الأشعري .................... ٢٣٣ ، ٢٣٤ ، ٢٨٤ ، ٢٩٦ ، ٢٧٧
أبو هارون
العبدي ..................................................... ٢٠٣
أبو هاشم
الجعفري .................................................... ٢٤٦
أبو هريرة
............................................. ٢٦٤ ، ٢٦٨ ، ٣٤٨
أبيّ بن كعب
.......................... ٢٣٤ ، ٢٦٢ ، ٣١٥ ، ٣٨٣ ، ٤٠٣
أحمد بن إسحاق
...................................................... ٤٢٨
أحمد بن الحسن
....................................................... ١٧٧
أحمد بن محمّد
بن عبد اللّه ............................................. ٤٢٦
الأحنف بن قيس
...................................................... ٢٦٨
إذكوتكين
........................................................... ٤٣٦
أرطأة بن حبيب
الأسدي .............................................. ٢٥٣
الأرقط
.............................................................. ٢٤٨
أسامة بن زيد
.......... ٣١٤ ، ٣٢٢ ، ٣٣٦ ، ٣٦٧ ، ٣٨٣ ، ٣٩٨ ، ٤٣٠
إسحاق بن أحمر
...................................................... ٢٥٣
إسحاق بن عمّار
..................................................... ٤٣١
أسماء بنت عميس
..................................................... ٤١٢
إسماعيل بن
يسار ...................................................... ٢٤٨
أسيد بن الأخلس
بن الشريف .......................................... ٢٢٩
أسين بن زيد بن
الحسن ................................................ ٣٥٩
الأشتر
........................................................ ٢٣٢ ، ٢٩٢
الأشعري
..................................................... ١٠٩ ، ١١١
الأصبغ بن
نباتة ........................ ٢٠١ ، ٢٤٢ ، ٢٩٣ ، ٤٢٩ ، ٤٣١
الأعشى
.............................................................. ٤٤٩
الأعمش
.............................................. ٢٥٦ ، ٢٧٤ ، ٢٩٦
أكثم بن صيفي
الأسدي ............................................... ٤٥٤
أم أروى
............................................................. ٣٥٣
أم أيمن
............................................................... ٣٣٨
أم سلمة
.............................................. ١٧٥ ، ٣٥٧ ، ٤١٢
أم كلثوم بتت
عقبة ................................................... ٣٥٣
أم موسى
............................................................ ١٧٨
أمير المؤمنين
عليه السلام = عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
أنس بن عمرو
...................................................... ٢٩٦
أنس بن مالك
................................. ١٩٨ ، ٢٠٢ ، ٢٥٥ ، ٤١٧
أيوب بن نوح
....................................................... ٤٣١
الباقطاني
............................................................ ٤٣٨
بدر غلام أحمد
بن الحسين ............................................. ٤٣٦
بريدة الأسلمي ١٩٤ ، ١٩٧ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢٠٣ ، ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٨٣ ، ٤٠٣
بشر بن سعد بن
معاذ ................................................. ٣٢٧
بشير
................................................................. ٢٤٥
بشير بن أبي
أراكة البتّال ............................................... ٢٤٦
بكر بن أيمن
.......................................................... ٢٩٥
البلاذري
............................................................. ٣٥١
بلال
.................................................. ٣٢٣ ، ٣٣٠ ، ٣٨٥
بلال بن الحارث
...................................................... ٢٨٢
بلعم بن باعورا
....................................................... ٢٣٩
تغلبة بن حكيم
..................................................... ٢٦٣
الثاني عشر
عليهم السلامليه السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
ثعلبة بن عمرو
بن قيس ............................................... ٤٥٣
الثقفي
................ ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣١٤
جابر بن سمرة
................................................. ١٩٩ ، ٤١٨
جابر بن عبد
اللّه الأنصاري ..... ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢٣٣ ، ٣٣٩ ، ٣٨٣ ، ٤٢١
جابر الجعفي
......................................................... ٢٠٢
جبلّة بن عمرو
الساعدي ....................................... ٢٨٤ ، ٢٨٥
جبير
................................................................ ٢٩٣
جدّ أبو مروان
الأسمر .................................................. ٢٦٩
جعفر بن أبي
طالب عليه السلام ................................ ٣٨٦ ، ٣٨٧
جعفر بن محمّد
الصادق عليه السلام ....................... ١٧١ ، ١٧٦ ، ٢٤٨ ، ٤١٩ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣١ ، ٤٣٢
جويبر
................................................................ ٢٩٦
جفينة
................................................................ ٢٣٠
جندب = أبوذر.
الجنيد
................................................................ ٤٣٧
جهجاه بن عمرو
الغفاري ............................................. ٢٨٥
جهم بن صفوان
............................................... ١٠٨ ، ١٦٢
حاجز بن يزيد
........................................................ ٤٣٥
الحارث الأعور
........................................................ ٢٤٢
الحارث بن
الحكم ..................................................... ٢٩٠
حارث بن سويد
...................................................... ٢٧٦
الحارث بن كعب
بن عمرو المذحجي ................................... ٤٥٠
الحارث بن مضاض
الجرهمي ........................................... ٤٥٥
الحباب بن
المنذر .............................................. ٣٢٧ ، ٣٣٠
حبيب بن أبي
ثابت ................................................... ٢٥٦
الحجاج
...................................................... ١٧٦ ، ٤٥٤
الحجة بن الحسن
عليه السلام .... ١٧١ ، ٤١٥ ، ٤١٦ ، ٤١٧ ، ٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٥ ، ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣١ ، ٤٣٢ ، ٤٣٣ ، ٤٣٧ ، ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، ٤٤١ ، ٤٤٢ ، ٤٤٤ ، ٤٤٦ ، ٤٤٧ ، ٤٤٨ ، ٤٥٦
حجر البجلي
......................................................... ٢٤٧
حذيفة بن
اليمان ...................... ٢٣٢ ، ٢٥٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٤٠٣
حرثان بن محرث
...................................................... ٤٥٢
حسان بن ثابت
................................ ١٩٤ ، ٢٩١ ، ٣٥٨ ، ٣٦٤
الحسن البصري
....................................................... ٢٩٦
الحسن بن
إبراهيم بن عبد اللّه .................................. ٢٥٤ ، ٢٩٤
الحسن بن خفيف
..................................................... ٤٣٦
الحسن بن سعيد
...................................................... ٢٨٦
الحسن بن
العباس بن الحريش ........................................... ٤٣٥
الحسن بن عبد
الحميد ................................................. ٤٣٥
الحسن بن علي
عليه السلام ...................... ١٧١ ، ١٧٥ ، ٢٣٣ ، ٢٤٩ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٥
، ٤٠٨ ، ٤١١ ، ٤١٢ ، ٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، ٤٢٥ ، ٤٢٨
الحسن بن علي
بن الحسين عليه السلام .................................. ٢٥٣
الحسن بن عليّ
بن محمّد العسكريّ عليه السلام .............. ١٧٧ ، ٤١٧ ، ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، ٤٣٢ ، ٤٣٣ ، ٤٣٦ ، ٤٣٧
الحسن بن عيسى
العريضي ............................................. ٤٣٦
الحسن بن الفضل
بن يزيد الهمداني ...................................... ٤٣٤
الحسن بن
القاسم بن العلاء ............................................ ٤٣٤
الحسن بن محبوب
..................................................... ٤٢٨
الحسن بن محمّد
الأشعري .............................................. ٤٢٧
الحسن بن محمّد
بن عبد اللّه بن الحسن بن عليّ عليه السلام ............... ٢٥٤
الحسين بن زيد
بن عليّ عليه السلام .................................... ٢٥٤
الحسين بن عليّ
عليه السلام ............................ ١٧١ ، ١٧٥ ، ١٨٢ ، ٢٣٣ ، ٢٤٣ ، ٢٥٢ ، ٢٩٥ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤٧ ، ٣٥٩ ، ٣٦٣ ، ٣٦٥ ، ٤٠٨ ، ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، ٤٢٥
الحسين بن عيسى
بن زيد ....................... ٢٦٥ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨١
حصين بن عبد
الرحمن ......................................... ٢٧٧ ، ٤١٨
حفصة
........................................ ٢٣٠ ، ٢٨٧ ، ٣٣٩ ، ٣٤٤
الحكم
................................................................ ٢٨١
الحكم بن أبي
العاص ................................................... ٢٢٩
الحكم بن عيينة
................................................ ٢٥٥ ، ٢٩٦
حكيم بن جبير
................................ ٢٤٤ ، ٢٧٦ ، ٢٩٣ ، ٢٩٥
حكيم بن جبلّة
العبدي ................................................ ٣٠٠
حكيم بن خبير
........................................................ ٢٧٤
حماد بن سلمة
........................................................ ٤١٨
حمزة بن عبد
المطلب ........................... ٢٠٥ ، ٣٨٣ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧
حمود بن عبود
........................................................ ٢٣٩
حمية بنت سفيان
بن أميّة ............................................... ٣٦٠
حميراء = عائشة.
حنان بن سدير
........................................................ ٤٣٠
حنظلة
............................................................... ٤٣٤
الحواري
.............................................................. ٣٩٠
الحواري
.............................................................. ٣٩٠
خالد بن الوليد
................. ٢٣٣ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ٣٩٦ ، ٤٠١ ، ٤٥٣
الخباب بن
المنذر ...................................................... ٢٣٣
خثيمة بن عبد
الرحمن ................................................. ٢٧٥
خزيمة بن ثابت
........................................ ٣٣٨ ، ٣٨٣ ، ٤٠٣
الخضر عليه
السلام ............................................ ٤٢١ ، ٤٤٩
خفيف
............................................................... ٤٣٦
الخلف عليه
السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
خويلد
............................................................... ٣٥٩
داود عليه
السلام .............................................. ٣٣٩ ، ٣٧٤
داود
................................................................. ٣٩٠
داود بن الحصين
...................................................... ٢٨٣
داود بن القاسم
الجعفري ............................... ٤٢٦ ، ٤٢٨ ، ٤٣٢
الدجال
............................................................... ٢٩٤
دويد بن زيد بن
نهد ................................................. ٤٥١
ذو الاصابع
العدواني = حرثان بن محرث.
ذو الثدية
............................................................. ٢٩٦
ذو الحلم = صيفي
بن رياح ، أو عمرو بن حممة الدوسي.
ذو الكلاع
الحميري ................................................... ٢٠٥
رافع مولى
عائشة ...................................................... ١٩٩
الربيع بن ضبع
الفزاريّ ................................................ ٤٥٢
ربيع بن سيف
........................................................ ٤١٨
رجل من عبد
القيس ................................................... ٢٩٣
رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله = محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
رشيد الهجري
......................................................... ٢٤٢
الرضا عليه
السلام = علي بن موسى الرضا عليه السلام.
زاذان
................................................................ ٢٠٣
زبيد الأيامي
.......................................................... ٢٩٦
الزبير بن
العوام ٢٠٥ ، ٢٦١ ، ٢٨٠ ، ٢٨٣ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٩ ، ٣٠١ ، ٣٢٣ ، ٣٢٧ ، ٣٣٠ ، ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٩ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، ٣٦٤ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٤ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤١٠
الزبيري
............................................................... ٤٢٦
زرارة
........................................................ ٤٢٥ ، ٤٢٩
زكريا عليه
السلام .................................................... ١٧٨
زكريا بن مسيرة
...................................................... ٢٠٠
الزهري
............................................................... ٢٨٣
زهير بن جناب
....................................................... ٤٥١
زياد
................................................................. ٣٤٥
زياد بن خثيمة
الهمداني ................................................ ٤١٨
زياد بن علاقة
........................................................ ٤١٨
زياد بن المنذر
......................................................... ٢٤٤
زيد بن أرقم
................................... ١٩٧ ، ٢٠١ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦
زيد بن ثابت
.................................. ٢٨٥ ، ٢٨٩ ، ٢٩١ ، ٣١٩
زيد بن حارثة
......................................................... ٣٨٧
زيد بن علي
الشهيد ........................................... ٢٤٩ ، ٢٥٠
زينب الكذابة
........................................................ ١٧٧
السابحة
.............................................................. ٣٠٠
سالم
................................................. ٣١٤ ، ٣٢٥ ، ٤٠١
سالم بن أبي
الجعد ..................................................... ٢٧٣
سالم مولى أبي
حذيفة ........................... ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٣٢٦ ، ٣٥٠
سعد
.......................................... ٣٢٩ ، ٣٨٣ ، ٣٨٧ ، ٤٠١
سعد بن أبي
وقاص ............................ ٢٦١ ، ٢٧٤ ، ٢٨٠ ، ٣٩٧
سعد بن مالك ..
٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠
سعد بن عباده
........................ ٢٣٣ ، ٣٢٣ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٨٠
سعد بن معاذ
......................................................... ٣٨٣
سعيد
................................................................ ٤٠١
سعيد بن جبير
................................................. ٢٩٧ ، ٣٩٧
سعيد بن العاص
....................... ٢٢٩ ، ٢٣٢ ، ٢٨٠ ، ٢٩٠ ، ٢٩١
سعيد بن عامر
........................................................ ٢٩٠
سعيد بن عطاء
........................................................ ٢٦٩
سعيد بن
المسيّب ...................................................... ٢٧٨
سفيان
........................................................ ٢٤٣ ، ٢٩٦
السفياني
.............................................................. ٤٢٩
السلافة بنت
مالك العذري ............................................ ٣٥٩
سلام بن سعيد
المخزومي .............................................. ٢٤٧
سلمان الفارسيّ
............................... ١٩٧ ، ٢٠١ ، ٢٠٣ ، ٢٣٤ ، ٣٢٣ ، ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٨٠ ، ٣٨٣ ، ٣٨٧ ، ٤٠٣ ، ٤٠٣ ، ٤٢٠ ، ٤٤٩
سلمة بن كهيل
....................................................... ٢٩٧
سليمان عليه
السلام .................................... ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٧٤
سليمان بن أبي
الورد .................................................. ٢٥٦
سليم بن قيس
الهلالي .................................................. ٤٢٠
سماك بن حرب
....................................................... ٤١٨
سمية أمة أبي
السرح .................................................... ٣٦٠
سوار بن عزة
......................................................... ٤٠٠
سورة بن كليب
....................................................... ٢٤٥
سهل .................................................................
٣٠٠
سهل بن حنيف
....................................................... ٢٨٥
سهل بن سعد
الساعدي ............................................... ٢٦٥
الشافعي
.............................................................. ٤٠٣
شدّاد بن عاد
......................................................... ٢٣٩
شريح بن هاني
........................................................ ٤٥٤
شريك
........................................................ ٢٥٦ ، ٢٥٧
الشعبي
........................................................ ٤١٧ ، ٤١٨
شقيق بن سلمة
................................................ ٤٧٣ ، ٤١٨
شقيق بن سلمة
........................................ ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥
شقيق الأصبحي
....................................................... ٤١٨
شيبة
......................................................... ٢٠٥ ، ٢٠٨
الصاحب عليه
السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
صاحب الزمان
عليه السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
صالح بن سعيد
........................................................ ١٧٧
الصعبة بنت
دزمهر الفارسيّ ........................................... ٣٥٨
صفية
................................................................ ٣٥٩
صهبان مولى
الأسلميين ................................................ ٢٧١
صهيب الرومي
................................................ ٣٤٩ ، ٣٥٠
صيفي بن رباح
...................................................... ٤٥٤
ضبيرة بن سعد
بن سهم ............................................... ٤٥٤
الضحّاك
............................................................. ٢٩٦
طارق بن شهاب
...................................................... ٢٨١
طالوت
............................................................... ٣٧٤
الطبريّ
............................... ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٨٦ ، ٣١٤ ، ٣٥١
طريف
............................................................... ٢٠١
طلحة بن عبيد
اللّه ............................................... ٢٠٥ ، ٢٦١ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٣ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٩ ، ٣١٠ ، ٣٣١ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، ٣٦٤ ، ٣٩١ ، ٣٨٤ ، ٣٨٦ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤١٠ ، ٤٩٠
طلحة بن مصرف
..................................................... ٢٩٦
عائشة بنت أبي
بكر .................... ١٧٥ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ، ٢٠٢
، ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩٧ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٣٩ ،
٣٤٢ ، ٣٤٤ ، ٣٦١ ، ٣٦٤ ، ٣٨٧ ، ٣٩١ ، ٤١٠ ، ٤١١
عائشة بنت
قدامة ..................................................... ٢٩٠
عامر بن سعد
......................................................... ٢٨٤
العباس رضي
اللّه عنه ............................... ١٩١ ، ٢٢٠ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٦١ ، ٣٢٧ ، ٣٤٩ ، ٣٥٦ ، ٤٠٣
العباس بن
الوليد الاعذاري ............................................. ٢٥٠
عبد الرحمن
........................................................... ٢٧٥
عبد الرحمن بن
أبي ليلى ........................................ ٢٧٩ ، ٢٨٧
عبد الرحمن
حنبل الجمحي ..................................... ٢٣١ ، ٢٩٧
عبد الرحمن بن
حنبل القرشيّ ........................................... ٢٧٨
عبد الرحمن بن
عتاب بن اسيد .................................. ٢٨٨ ، ٢٨٩
عبد الرحمن بن
عوف .......................................... ٢٣٠ ، ٢٦١ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٣١٩ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥١ ، ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٩٧ ، ٤٠١ ، ٤٠٦
عبد الرحمن بن
معمّر ........................................... ٢٦٦ ، ٢٦٨
عبد الرحمن بن
ملجم .................................................. ٤١١
عبد اللّه بن
أبي السلول ................................................ ٢٢٤
عبد اللّه بن
الأرقم .................................................... ٢٣٠
عبد اللّه بن
أبي أميّة ................................................... ٤١٧
عبد اللّه بن
جعفر بن أبي طالب ........................................ ٤٢٠
عبدالله بن
جدعان ..................................................... ٣٨٥
عبدالله بن
الحارث ..................................................... ١٩٨
عبد اللّه بن
حذيفة بن اليمان ........................................... ٢٣١
عبد اللّه بن
الحسن .................................................... ٢٥١
عبد اللّه بن
الحسن بن عليّ بن الحسين عليه السلام ....................... ٢٥٣
عبد اللّه بن
خالد بن أسيد ............................................. ٢٩٠
عبد اللّه بن
رواحة .................................................... ٣٨٧
عبد اللهءه بن
الزبير .................................................... ٢٩١
عبد اللّه بن
السائب ................................................... ٢٧٧
عبد اللّه بن
سعد بن أبي سرح ................... ٢٢٩ ، ٢٣٣ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤
عبد اللّه بن
سنان ..................................................... ٢٤٨
عبد اللّه بن
سيان السلمي .............................................. ٢٦٤
عبد اللّه بن
شداد ..................................................... ٣٦٧
عبد اللّه بن
شريك .................................................... ٢٩٥
عبد اللّه بن
عامر بن كريز ...................................... ٢٢٩ ، ٢٨٤
عبد اللّه بن
عطاء ..................................................... ٤٣٢
عبد اللّه بن
عليّ بن الحسين عليه السلام ................................ ٢٤٦
عبد اللّه بن
عمر ٢٩١ ، ٣٤٩ ، ٣٥٦ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٦٧ ، ٣٩٨ ، ٤١٨
عبد اللّه بن
مالك ..................................................... ٢٧٩
عبد اللّه بن
محمّد بن عقيل بن أبي طالب ................................ ٢٥٤
عبد اللّه بن
محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام .............. ٢٥٢
عبد اللّه بن
مسعود ..... ٢٣٠ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٣٢٣ ، ٤٠٣ ، ٤١٧
عبد اللّه بن
يعلى بن مرّة الثقفي ........................................ ٢٠٠
عبدالله بن
يقطر رضيع الحسين عليه السلام .............................. ٣٩٩
عبدالمسيح بن
بقيلة = ثعلبة بن عمر.
عبد المطلب بن
هاشم .................................................. ٣٦٠
عبد الملك ابن
أخي أبي ذر ............................................. ٢٦٦
عبد الملك بن
عمير ............................................ ٣٩٩ ، ٤١٨
عبد الملك بن
مروان ........................................... ١٧٦ ، ٤٥٢
عبد المؤمن
............................................................ ٢٩٣
عبيد اللّه
............................................................. ٣٥٨
عبيد اللّه بن
سليمان ................................................... ٤٣٧
عبيد اللّه بن
محمّد بن عمر بن عليّ عليه السلام .......................... ٢٠١
عبيد اللّه بن
زرارة .................................................... ٤٣٢
عبيد اللّه بن
سليمان النخعيّ ........................................... ٢٤٨
عبيدة اللّه
السلماني ................................................... ٢٧٥
عتبة
......................................................... ٢٠٥ ، ٢٠٨
عثمان بن حنيف
.............................................. ٣٠٠ ، ٣٦٢
عثمان بن
السريد .............................................. ٢٨١ ، ٢٨٤
عثمان بن سعيد
السمّان ............................................... ٤٢٨
عثمان بن عفان ١٩٠
، ١٩١ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٨ ، ٢٤٣ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ،
٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠
، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ،
٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣١١ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٢٤
، ٣٢٥ ، ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٣٣٤ ، ٣٤٢ ، ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥١ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ،
٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦٠ ، ٣٦١ ، ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٧٦ ، ٣٨٠ ، ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧
، ٣٩٨ ، ٤٠٦
عثمان بن علي
عليه لاسلام ............................................ ٢٩٤
عثمان بن عمرو
بن كعب التميمي ..................................... ٣٥٨
عثمان بن مظعون
..................................................... ٢٩٤
عثمان بن نسيطة
...................................................... ٢٠٣
عثيم الجنّي
............................................................ ٢٧٧
عروة
................................................................. ٢٨٥
العزرمي
.............................................................. ٢٦٣
عفان
................................................................ ٢٨٥
عكرمة
............................................................... ٢٨٧
علقمة بن أبي
علقمة ................................................... ٢٩٠
علي بن بن قيس
...................................................... ٢٧٥
علي بن أَّي
حمزة ...................................................... ٤٣١
عليّ بن أبي
حروز ..................................................... ٢٩٣
عليّ بن أبي
طالب عليه السلام ٩٢ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٥ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٨٩
، ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٧ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٤ ،
٢٠٥ ، ٢٠٩ ،
٢١١ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٧ ، ٢٤٢ ، ٢٤٢ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٥ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٦ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣
، ٢٨٩ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣١١
، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، ٣٣٣ ، ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥١ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦٢ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٦٦ ، ٣٦٨ ، ٣٧٣ ، ٣٧٨ ، ٣٨٠ ، ٣٨٢ ، ٣٨٣ ، ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٣٩٠ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، ٤٠٤ ، ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٤١١ ، ٤١٢ ، ٤١٦ ، ٤١٧ ، ٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣١ ، ٤٣٢
عليّ بن الحسين
زين العابدين عليه السلام ١٧١ ، ١٧٥ ، ٢٤٤ ، ٢٤٨ ، ٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٢٢ ، ٤٢٤
عليّ بن الحسين
اليماني ................................................ ٤٣٤
علي بن زياد
الصيمري ................................................ ٤٣٧
علي بن محمّد ................................................. ٤٣٣ ، ٤٣٨
علي بن محمد
الهادي عليه السلام ................ ١٧١ ، ١٧٧ ، ٢٤٩ ، ٤٣٢
علي بن موسى
الرضا عليه السلام ....... ١٧١ ، ١٧٤ ، ١٧٦ ، ٢٤٩ ، ٤٣١
علي بن مهزيار ................................................ ١٧٧ ، ٤٣٢
علي بن يقطين ........................................................ ١٧٦
عمار بن ياسر
................ ٢٠٥ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٤ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٨ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥ ، ٣٢٣
، ٣٦٣ ، ٣٨٣ ، ٣٨٧ ، ٣٩٦ ، ٤٠٣ ، ٤٠٨
عمارة ................................................................ ٢٤٣
عمران بن حصين ............................................. ١٩٥ ، ١٩٨
عمران بن أبي سلمة
................................................... ٤٢٠
عمران بن ثابت ....................................................... ٢٥٤
عمر بن الخطّاب ١٩٠
، ١٩١ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ٢٠٠ ، ٢٠٣ ، ٢٢٠ ، ٢٢٤ ، ٢٢٦ ، ٢٣٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ،
٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٦٢ ، ٢٦٨
، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٦ ، ٢٨٦ ، ٣١١ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ،
٣٢٨ ، ٣٣١ ، ٣٣٢ ، ٣٣٤ ، ٣٣٦ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٤٩ ، ٣٥١ ، ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، ٣٦٠
، ٣٦٧ ، ٣٧٦ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ، ٣٩٧ ، ٣٩٩ ، ٤٠٠ ، ٤٠٦ ، ٤٢٢ ، ٤٤٩ ، ٤٥٣
عمر بن سعد ................................................. ١٧٥ ، ٣٥٩
عمر بن عبد العزيز
............................................ ١٧٦ ، ٢٩٦
عمر بن هند
.......................................................... ٢٩٤
عمرو الاهوازي
............................................... ٤٢٧ ، ٤٢٨
عمرو بن حممة
الدوسي ............................................... ٤٥٠
عمرو بن ربيعة بن
كعب .............................................. ٤٥٠
عمرو بن العاص ............................ ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٩٧ ،
٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٦٦ ، ٣٨٤ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧
عمرو بن عبيد ........................................................ ١٦٢
عمرو المسلي .......................................................... ٢٠٢
عمّ موسى التغلبي
...................................................... ٢٨٦
عون بن أبي جحيفة
................................................... ٤١٨
عون بن أبي جخيفة
................................................... ٤١٨
عيسى ............................................................... ٢٧٩
عيسى بن زيد ......................................... ٢٦٥ ، ٢٧٨ ، ٢٨١
عيسى بن مريم عليه
السلام ..................... ١٦٣ ، ٢٦٩ ، ٤٣١ ،
٤٥٢
عيسى بن نصر ....................................................... ٤٣٧
الغائب عليه
السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام
الغفاري .............................................................. ١٧٦
فاطمة عليها
السلام ......................................................... ٢٠١ ، ٢٢٨ ، ٢٣٣ ،
٢٤٦ ، ٢٥١ ، ٢٥٦ ، ٢٨٦ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٨ ، ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣
، ٣٦٦ ، ٣٩٧ ، ٤٢١ ، ٤٢٣
فاطمة بنت الحسين
عليه السلام ........................................ ٢٥٤
فاطمة الحنفية ......................................................... ٢٥٤
فرات بن أحنف ....................................................... ٤٣٠
فرعون ............................................................... ٢٤٨
فضيل بن الزبير
................................................ ٢٤٣ ، ٢٥٠
فضيل بن عثمان ...................................................... ٢٤٨
قائم آل محمد عليه السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام
القاسم بن جندب
..................................................... ٢٥٥
القاسم بن العلاء
...................................................... ٤٣٤
القاسم بن مسلم
...................................................... ٢٤٤
القاسم بن مصعب
العبدي ............................................. ٢٨٨
قتادة ................................................................. ٣٩٠
قتيبة ................................................................. ٢٩٥
قدامة بن سعد
الثقفي .................................................. ٢٤٦
قدامة بن مظعون
...................................................... ٣٩٦
قليب بن حماد ................................................. ٢٥١ ، ٢٥٤
قيس ................................................................. ٣٨٣
قيس بن أبي حازم
..................................... ٢٦١ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦
قيس بن سعد بن
عبادة ................................................ ٣٣٠
قيس بن صرمة ........................................................ ١٩٥
قيس بن عبد اللّه
بن عدس ............................................. ٤٥٣
قيس بن عدي ........................................................ ٤٥٤
كثير النوا ..................................................... ٢٤٥ ، ٢٤٦
كريمة بنت المقداد
..................................................... ٢٩٠
كعب ................................................................ ٢٦٥
الكلبي ................................................................ ٣٩٠
لقمان الحكيم عليه
السلام ............................................. ٤٤٩
لوط بن يحيى
الأزدي .................................................. ٢٨٢
لوقاوينا
............................................................... ١٦٢
مالك
......................................................... ٢٧٩ ، ٤٠٣
مالك بن أوس ................................................ ٢٨٠ ، ٢٨٦
مالك بن خالد
الأسدي ................................................ ٢٩٤
مالك بن غراب ............................................... ٣٥٩ ، ٣٦٠
مالك بن غراب ............................................... ٣٥٩ ، ٣٦٠
مالك بن النصر
الأرجني ............................................... ٢٧٨
مالك بن نويرة ................................................ ٣٤٤ ، ٣٩٦
متّا ................................................................... ١٦٢
مجاهد ................................................................ ٣٩٠
محمّد بن إبراهيم
...................................................... ٤٢٨
محمّد بن إبراهيم
بن مهزيار ............................................ ٤٣٣
محمّد بن أبي بكر
...................................................... ٢٩٢
محمّد بن أحمد ................................................. ٤٣٥ ، ٤٣٨
محمّد بن بشير ......................................................... ٢٩٥
محمّد بن جعفر ........................................................ ٤٣٧
محمّد بن الحسن بن
عليّ بن الحسين عليه السلام .................. ٢٥٣ ، ٢٤٨
محمّد الحنفية ........................................... ٢٩٥ ، ٤٠٨ ، ٤١١
محمّد بن شاذن ........................................................ ٤٣٦
محمّد بن عبد
اللّه 6 .................................................... ١٠٧ ، ١٦١ ، ١٦٥ ،
١٦٧ ، ١٦٨ ... وغيرها كثير ، في أكثر صفحات الكتاب.
محمّد بن عثمان ٤٢٨
محمّد بن علي
الباقر عليه السلام ١٩٧ ، ١٧١ ، ١٧٦ ، ٢٠١ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٩ ، ٢٩٥ ،
٤١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٢١ ،
٤٢٢ ، ٤٢٥ ، ٤٢٨ ، ٤٣١ ، ٤٣٢
محمّد بن عليّ بن
بلال ......................................... ٤٢٦ ، ٤٢٨
محمّد بن عليّ
الجواد عليه السلام ....................................... ٤٢٥
محمّد بن عمر بن
الحسن عليه السلام ............................ ٢٥٢ ، ٢٥٣
محمّد بن عمر بن
عليّ عليه السلام ...................................... ٢٥٢
محد بن فرات
الجرمي .................................................. ٢٥٠
محمّد بن الفرات
....................................................... ٢٥٤
محمّد بن محمّد
........................................................ ١٧٦
محمّد بن محمّد
المفيد ................................................... ١٧٦
محمّد بن مسلمة
الأنصاري ..................................... ٢٨٣ ، ٢٨٤
محمّد بن هارون بن
عمران الهمداني ..................................... ٤٣٧
محمّد بن يعقوب
...................................................... ٤٣٨
مخول بن إبراهيم
............................................... ٢٥١ ، ٢٥٢
المرزباني .............................................................. ٤٣٣
مروان بن الحكم
...................................................... ٢٢٩ ، ٢٧٤ ، ٢٨٠ ،
٢٨٤ ، ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٤٠٧ ، ٤١١
مريم .................................................................. ١٧٨
السمتوغر = عمرو
بن ربيعة
مسروق بن الأجدع
........................................... ٢٧٥ ، ٤١٧
مسطح ....................................................... ٣٩١ ، ٣٩٢
المسعودي ..................................................... ٢٠٠ ، ٢٥٦
المسور بن مخرمة
....................................................... ٢٨٢
المسيب ....................................................... ٢٧٨ ، ٢٧٩
المسيح عليه
السلام ............................... ٩٢ ، ١٦٨ ، ١٧٨ ، ٤٩٩
المصري
.............................................................. ١٧٧
مطر بن خالد ......................................................... ٢٠٢
مطرّف بن عبد
اللّه بن الشخير الحرشي ................................. ٢٧٣
معاذ .......................................... ٣١٦ ، ٣١٨ ، ٣١٩ ،
٣٥٦
معاوية بن أبي
سفيان ................................... ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٢٣٤ ،
٢٣٧ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧٢ ، ٢٧٤ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٩١ ، ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، ٣٤٨
، ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٦٦ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧ ، ٤٠٧ ، ٤٢٠
معاوية بن وهب ...................................................... ٤٢٩
معمّر ................................................................. ٢٦٨
معمّر بن خيثم ........................................................ ٢٤٩
معمّر بن زادة ......................................................... ٢٥٦
المغرور بن سويد
...................................................... ٢٦٩
المغيرة بن شعبة ٢٣٣
، ٣١٤ ، ٣١٨ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، ٣٤٥ ، ٣٤٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٧
المفضل بن عمر ............................................... ٤٣٠ ، ٤٣١
مقاتل ................................................................ ٣٩٠
المقداد بن الأسود
....... ٢٣٤ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٩٠ ، ٣٨٣ ، ٣٨٧ ، ٤٠٣
الملتمس اليشكري
............................................. ٤٥٠ ، ٤٥٤
ملكا ................................................................. ١٦٢
منبعة ................................................................. ٣٦٠
المنتظر عليه
السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
المنذر الثوري ......................................................... ٢٤٣
المنصور العباسي
............................................... ١٧٦ ، ٣٥٩
موسى التغلبي
......................................................... ٢٨٦
موسى بن جعفر
الكاظم عليه السلام ............ ١٧١ ، ١٧٦ ، ٢٤٩ ، ٤٢٢
موسى بن عمران
عليه السلام ................. ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٨ ، ١٨٢ ، ٢٠٩ ، ٢١٢ ، ٢٤٨
، ٣٧٥ ، ٤١٧ ، ٤٢٣ ، ٤٢٤ ، ٤٣١ ، ٤٤٩
موسى بن عبد اللّه
بن الحسن ................................... ٢٥١ ، ٢٥٢
موسى بن عقبة
....................................................... ٢٨٥
مولى لعلي بن
الحسين عليه لاسلام ...................................... ٢٤٤
المهديّ عليه
السلام = الحجة بن الحسن عليه السلام.
ميسر
................................................................. ٢٤٦
النابغة الجعدي = قيس
بن عبد اللّه.
النابغة الجعدي
........................................................ ١٩٥
نافع الثقفي
........................................................... ٢٥٠
النبيّ صلّى اللّه
عليه وآله = محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
النجّار
........................................................ ١٠٩ ، ١١١
نسطور
............................................................... ١٦٢
نصر بن علي
العجليّ .................................................. ٤٢٧
النظام
................................................................ ١٠٠
نقيح
................................................................. ٢٤٣
نوح
.......................................................... ٤٢٣ ، ٤٤٩
واصل
................................................................ ١٦٢
الواقدي ......................
٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٩ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٧٦ ،
٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ،
٢٨١ ، ٢٨٣ ، ٢٨٥ ، ٢٨٩ ، ٢٩٠
وحشي
....................................................... ٢٠٥ ، ٤٠٦
ورد بن زيد
.......................................................... ٢٤٧
الوليد
................................................. ٢٠٥ ، ٢٠٨ ، ٢٧٥
الوليد بن زرود
الرقي .................................................. ٢٩٦
الوليد بن عقبة بن
أبي معيط .................................... ٢٢٩ ، ٢٧٤
وهب بن عبد مناف
بن زهرة .......................................... ٣٥٩
هارون عليه السلام
..... ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٣٧٥ ، ٤٢٢ ، ٤٢٤
هبيرة بن ميرم
......................................................... ٢٩٤
الهرمزان
...................................................... ٢٣٠ ، ٣٩٧
هشام بن سالم
........................................................ ١٧٦
همّام بن الحارث
....................................................... ٢٧٧
يحيى بن أبي
المساور .................................................... ٢٥٦
يحيى بن جعدة
........................................................ ٢٩٥
يحيى بن زيد
الشهيد ................................................... ٢٥٠
يحيى بن سلمة
......................................................... ٢٦٣
يحيى بن عبد اللّه
بن الحسن ............................................. ٢٥٢
يحيى بن مساور
........................................................ ٢٥٢
يزيد
................................................................. ١٧٦
يزيد بن عبد اللّه
...................................................... ٤٣٦
يزيد بن علي
الثقفي ................................................... ٢٥١
يزدى بن معاوية
...................................................... ٤٠٧
يزيد الرقاشي
......................................................... ٤١٧
يزيد مولى
حذيفة ..................................................... ٢٧٦
يعقوب
....................................................... ١٦٢ ، ٤٣٠
يعقوب بن عدي
...................................................... ٢٥٠
يعلى بن أميّة
.......................................................... ٢٢٩
يعلى بن مرة
الثقفي ................................................... ٢٠٠
يمان التمار
............................................................ ٤٣٢
يوسف عليه السلام
............................................ ٤٣٠ ، ٤٣١
يوشع
........................................................ ٢١٣ ، ٢١٤
يونس بن أبي يعفور
................................................... ٤١٨
يونس النقاش
......................................................... ١٧٧
(٥) فهرس الأبيات
الشعريّة :
ضبيرة السهمي ماتا
|
قيس بن عدي
|
٤٥٤
|
والدهر ما أصلح يوم أفسدا
|
دويد بن زيد
|
٤٥١
|
حرام عليك الدهر حتّى تهودا
|
|
٣٥٨
|
أدرك عقلي ومولدي حجرا
|
الربيع بن ضبع
|
٤٥٢
|
ثمة أدركت النبيّ المنذرا
|
شريح بن هاني
|
٤٥٤
|
من حاجة المحزون أن يتذكرا
|
قيس بن عبد اللّه
|
٤٥٣
|
وأمضيت بعد دهور دهورا
|
الحارث بن كعب
|
٤٥٠
|
وأفنيت بعد أناس أناسا
|
قيس بن عبد اللّه
|
٤٥٣
|
حتّى إذا اشتعلت أجذما
|
|
٢٨٨
|
وما علّم الإنسان إلاّ ليعلما
|
الملتمس اليشكري
|
٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٤٥٠
|
دواء فلما لم يحسّ مداويا
|
حسان بن ثابت
|
١٩٤
|
وعمرت من عدد السنين مئينا
|
عمرو بن ربيعة
|
٤٥١
|
فان الشيخ يهدمه الشتاء
|
الربيع بن ضبع
|
٤٥٢
|
ناع ليس في فيه التراب
|
عائشه
|
٤١١
|
عند المراغة مالك بن غراب
|
ضرار
|
٣٦٠
|
على يديه من الأعلال والصفد
|
عبد الرحمن بن حنبل
|
٢٣١
|
تروح بالخورنق والسديد
|
ثعلبة بن عمرو
|
٤٥٣
|
طلحة هاجا أمرا له إعصار
|
حسان بن ثابت
|
٣٦٤
|
بمنزل الرشد إن الرشد مبتدر
|
عبد الرحمن بن حنبل
|
٢٣١
|
إذا مضى نسر خلدت إلى نسر
|
الاعشى
|
٤٤٩
|
لذاته ونباته النصر
|
حرثان بن محرث
|
٤٥٢
|
كما قرّ عينا
بالإياب المسافر
|
|
٤١١
|
سليم أفاع ليله
غير مودع
|
عمرو بن حممه
|
٤٥٠
|
رجيع قد الصقت
بالأكارع
|
|
٣٥٨
|
إلى مائة لم
يسأم العيش جاهل
|
أكثم بن صيفي
|
٤٥٤
|
وذق صنع كافر ذي
جهل
|
عبد الرحمن بن
حنبل
|
٢٩٧
|
أسّا وجلّ دعائم
|
بريدة الأسلمي
|
١٩٤
|
به من الغطارفة
العظام
|
حسان بن ثابت
|
٣٥٨
|
أنّى يقوم لها
خلق من الطين
|
الزبير
|
٤١٠
|
فيها وكنت أعدّ
مفتيان
|
قيس بن عبد
اللّه
|
٤٥٤
|
رأت عيناه ما
صنعت يداه
|
طلحة
|
٤١٠
|
أو كان قرني
واحدا كفيته
|
دويد بن زيد
|
٤٥١
|
أحتفي في صباحي
أو مسائي
|
زهير بن جناب
|
٤٥١
|
(٦) فهرس القبائل والفرق
والملل :
آل أبي معيط
.................................................. ٣٥٤ ، ٣٥٥
آل برمك
............................................................. ١٧٦
آل الخطاب
........................................................... ٣٩٨
آل محمّد(ص)
.......................... ٢٥٧ ، ٤١٠ ، ٤١٦ ، ٤٢٥ ، ٤٣٠
أصحاب الحديث
.............................. ١٨٧ ، ١٩٣ ، ٢٠٦ ، ٢٠٩
أصحاب النهر
........................................................ ٢٩٦
الإماميّة
....................................................... ١٩٦ ، ٤٣٩
الأنصار
................................... ٢٢٦ ، ٢٣٣ ، ٢٣٨ ، ٢٩٢ ، ٣٢٢ ، ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٥٧
، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، ٣٦٥ ، ٣٨٣ ، ٣٩٢ ، ٣٩٧ ، ٤٠٠
أهل الردّة
........................................................... ٣٧٦
أهل الكتاب
.......................................................... ٤٠٩
البراهمة
....................................................... ١٦٤ ، ١٦٨
البترية
................................................................ ٢٥٢
البصريون
............................................................. ١٨٦
بنو أسد
.............................................................. ٣٥٤
بنو إسرائيل
.................................... ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٣٧٤ ، ٤١٧
بنو أسلم
............................................................. ٣٢٨
بنو أميّة
..................................................... ١٤٧ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٢٧٣ ، ٢٨٠
، ٢٨٥ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥ ، ٣٥٤ ، ٢٧٦ ، ٣٨٣ ، ٣٩٩
بنو تيم
............................................................... ٣٥٤
بنو حنيفة ............. ٢٢٤ ، ٣١٤ ، ٣١٧ ، ٣٢٣ ، ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، ٣٨٠ ، ٣٩٦
بنو زهرة ....................................................................
٣٥٤
بنو العباس
........................................................... ١٤٧ ، ٣٧٦
بنو عبد المطلب
.............................................................. ٣٦٧
بنو عبس
.................................................................... ٣٧٦
بنو عدي
................................................................... ٣١٨
بنو مجاشع
................................................................... ٤١٧
بنو مخزوم
................................................................... ٢٣٣
بنو هاشم
.................................................... ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٩ ، ٣١٥ ، ٣٢٢
، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، ٣٥٤ ، ٣٥٧ ، ٣٦١ ، ٤١٢
البوارح
..................................................................... ٤٣٤
الثنوية ..................................................................
٩٢ ، ٩٣
الحرورية
.................................................................... ١٧٦
الخوارج
..................................... ١٤٦ ، ٣٠٣ ، ٤٠٨ ، ٤٠٩ ، ٤٥٥
الروم
............................................................... ٣٧٦ ، ٣٧٩
الزيدية
.............................................................. ١٧٦ ، ٣٦٨
الشيعة .............................................
١٦١ ، ١٨٧ ، ١٩٣ ، ٢٠٦ ، ٢٢٧ ، ٣٠٨ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٣٦٦ ، ٣٧٩ ، ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، ٤٠٩ ، ٤٢٧
، ٤٢٩
الصابئون
............................................................... ٩٢ ، ٩٣
الطالبون
.................................................................... ٢٤٩
الطبايعيّيون
................................................................... ٩٣
عباد الأصنام
.................................................. ٩٣ ، ٣٧٦ ، ٤٠٩
الغلاة
.................................................................. ٩٢ ، ٩٣
القائلون بقدم
الصفات .................................................. ٩٣
القرامطة
.............................................................. ٤٣٤
قريش ...................................................... ٢٢٦ ، ٢٢٩ ، ٢٤٢ ،
٢٤٨ ، ٢٦٧ ، ٢٩٩ ، ٣٢٤ ، ٣٢٧ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦١ ، ٣٦٣ ، ٤١٧
الكفّار ........................................................ ١٤٦ ، ٤٠٩
الكيسانية ............................................................. ١٧٢
المجبرة ........................... ٩٨ ، ١٠٥ ، ١٠٨ ، ٣٧٦
، ٤٠٩ ، ٤٦٠
المجوس ......................................................... ٩٢ ، ٤٠٩
مجيزوا إدراكه
تعالى بالحواس ............................................. ٩٢
المرجئة
............................................................... ١٧٦
المسلمون ..............................................
١٦٨ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١٨ ، ٢٢٤ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٩١ ، ٣٣٨ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٤٨
، ٣٥٠ ، ٣٥٩ ، ٣٦٢ ، ٣٦٧ ، ٣٦٧ ، ٤٠٩
المشبّهة
............................................................... ٤٠٩
المشركون
............................................................ ٤٠٩
المعتزلة
.......................................... ٧٨ ، ٤٠٧ ، ٤٠٩ ، ٤٥٥
المفوّضة
................................................................ ٩٣
المقلّدة
................................................................ ٤٠٩
الملحدة
............................................................... ١٦٤
المنافقون
.............................................................. ١٤٦
المنجمون
........................................................ ٩٢ ، ٩٣
المهاجرون
............................... ٢٢٦ ، ٢٣٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٣٢٤ ، ٣٢٦ ، ٣٢٨ ،
٣٣٣ ، ٣٦١ ، ٣٦٥ ، ٣٨٣ ، ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٧
الناووسية
............................................................. ١٧٢
النصارى
................................ ٩٢ ، ١٦٨ ، ٣٥٨ ، ٣٩٥ ، ٤٠٩
الواقفة
............................................................... ١٧٢
اليهود .........................................
١٦٣ ، ٢١٤ ، ٣٥٨ ، ٣٩٥
(٧) فهرس المصادر :
القرآن الكريم.
إتقان المقال ،
محمد طه نجف.
إثبات الهداة ،
الحرّ العامليّ ، المطبعة العلمية قم.
الإرشاد ، الشيخ
المفيد.
اعلام الدين ، الديلميّ
، مؤسّسة آل البيت قم.
اعلام النبلاء
بتاريخ حلب الشهباء ، الطباخ ، دار القلم حلب.
أعيان الشيعة ،
السيّد الأمين ، دار التعارف بيروت.
اكمال الدين ، الشيخ
الصدوق.
الأمالي ، السيّد
المرتضى.
بحار الأنوار ،
العلاّمة المجلسي ، دار الكتب الإسلامية طهران.
بحار الأنوار ،
العلاّمة المجلسي ، الطبعة الحجرية.
لبرهان على
ثبوت الإيمان ، التقي الحلبيّ ، مع اعلام الدين ، مؤسّسة آل البيت قم.
تاريخ بغداد ، الخطيب
البغداديّ.
تذكرة الخواص.
التعليقة على
أمل الآمل ، المولى الأفندي ، المكتبة المرعشية قم.
تفصيل وسائل
الشيعة ، الحرّ العامليّ ، دار إحياء التراث العربي بيروت.
تقريب المعارف ،
التقي الحلبيّ ، جماعة المدرسين قم.
تكملة أمل
الآمل ، الصدر ، المكتبة المرعشية قم.
تكملة نقد
الرجال.
تنقيح المقال ،
المامقاني ، طبعة حجرية.
جامع الرواة ، الأردبيلي
، المكتبة المرعشية قم.
خلاصة الأقوال ،
العلامة الحلبي ، منشورات الرضي قم.
الذريعة ، الطهرانيّ
، دار الأضواء بيروت.
الرجال ، ابن
داود ، منشورات الرضي قم.
الرجال ، الطوسيّ
، منشورات الرضي قم
الرجال ، النجاشيّ
، جماعة المدرسين قم.
روضات الجنّات ،
الخوانساري ، مكتبة اسماعيليان قم.
روض الجنّات ، الشهيد
الثاني ، مؤسّسة آل البيت قم.
رياض العلماء ،
المولى الأفندي ، المكتبة المرعشية قم.
ريحانة الأدب ،
المدرس ، مكتبة خيام تبريز.
السرائر ، ابن
إدريس الحلي ، انتشارات المعارف الإسلامية طهران.
سفينة البحار ،
القمّيّ ، دار المرتضى بيروت.
طبقات اعلام
الشيعة ، الطهارني ، دار الكتاب العربي بيروت.
فهرست أسماء
علماء الشيعة ومصنفيهم ، منتجب الدين ، مجمع الذخائر الإسلامية قم.
الفوائد
الرجالية ، بحر العلوم ، مكتبة الصادق طهران.
الفوائد
الرضوية ، القمّيّ ، انتشارات مركزي.
قاموس الرجال ،
التستريّ ، جماعة المدرسين قم.
قصص العلماء ، التنكابني
، المكتبة الإسلامية طهران.
الكافي في
الفقه ، التقي الحلبيّ ، مكتبة أمير المؤمنين أصفهان.
كشف الحجب ، الكنتوري
، المكتبة المرعشية قم.
كشف القناع ، التستريّ
، مؤسّسة آل البيت قم.
الكشكول ، البحرانيّ.
الكنى والألقاب
، القمّيّ ، المطبعة الحيدريّة النجف.
كنز الفوائد ، الكراجكي.
لؤلؤة البحرين ،
البحراني ، مؤسسة آل البيت قم.
لسان العرب ، ابن
منظور.
لسان الميزان ،
العسقلاني ، مؤسّسة الأعلمي بيروت.
مجمع البحرين ،
الطريحي ، المكتبة المرتضوية طهران.
مجمع الرجال ، القهپائي
، مكتبة اسماعيليان قم.
المستدرك على
الصحيحين ، الحاكم.
المسند ، أحمد
بن حنبل.
معالم العلماء ،
ابن شهرآشوب ، المطبعة الحيدريّة النجف.
المعتبر ، المحقق
الحلي ، مؤسّسة سيد الشهداء قم.
معجم الثقات ، التبريزي
، جماعة المدرسين قم.
معجم رجال
الحديث ، الخوئي ، دار الزهراء بيروت.
المعمرون والوصايا.
مقابس الأنوار ،
التستريّ ، مؤسّسة آل البيت قم.
المناقب ، ابن
شهرآشوب.
منتهى المقال ،
الحائري.
منهج المقال ، الأسترآباديّ.
نقد الرجال ، التفريشي
، انتشارات الرسول المصطفى قم.
نهج البلاغة ، الشريف
الرضي قم.
الوافي
بالوفيات ، الصفدي.
الوافي في شرح
الكافي ، الفيض الكاشاني.
الوجيزة ، المجلسي
، نسخة حجرية.
(٨) الفهرس العام :
الاهداء...................................................................... ٥
تمهيد........................................................................ ٩
ترجمة المؤلف
اسمه........................................................................ ١٥
نسبه....................................................................... ١٦
لقبه وشهرته .............................................................. ١٨
مولده .................................................................... ١٨
مدينة حلب ............................................................... ١٩
أسرته .................................................................... ٢٠
الثناء عليه ................................................................. ٢١
مقامه العلمي .............................................................. ٢٥
مشايخه وأساتذته ........................................................... ٢٨
تلامذته والراوون عنه ...................................................... ٣١
علماء حلب ............................................................... ٣٤
مؤلفاته ................................................................... ٣٧
طرق علمائنا إلى كتب أبي الصلاح .......................................... ٤٢
وفاته ..................................................................... ٤٣
تقريب المعارف .. وتحقيقه
نسبة الكتاب لأبي الصلاح .................................................. ٤٧
التعريف بالكتاب وميّزاته .............. .................................... ٤٨
مصادر الكتاب............................................................. ٥٠
من نقل عن الكتاب ........................................................ ٥٢
ليس تقريب المعارف تلخيص كتاب الشافي ................................... ٥٣
تحقيق الكتاب ............................................................. ٥٤
كتاب تقريب المعارف
مقدمة المؤلف ............................................................. ٦١
مسائل التوحيد
مسألة في وجوب النظر ..................................................... ٦٥
مسألة في الأجسام وحدوثها ................................................. ٦٧
مسألة في إثبات المحدث ..................................................... ٧١
مسألة في كونه تعالى قادرا .................................................. ٧٣
مسألة في كونه تعالى عالما.................................................... ٧٣
مسألة في كونه تعالى حيا ................................................... ٧٤
مسألة في كونه تعالى موجودا ................................................ ٧٥
مسألة في كونه تعالى قديما................................................... ٧٥
مسألة في كونه تعالى قادرا فيما لم يزل ....................................... ٨١
مسألة في كونه تعالى حيا موجودا ............................................ ٨٢
مسألة في كونه تعالى عالما فيما لم يزل......................................... ٨٢
مسألة في كون صفاته تعالى نفسية............................................ ٨٣
مسألة في عدم جواز خروجه تعالى عن هذه
الصفات ........................... ٨٣
مسألة في كونه تعالى سميعا بصيرا ............................................ ٨٤
مسألة في كونه تعالى مدركا ................................................ ٨٤
مسألة في كونه تعالى مريدا .................................................. ٨٥
مسألة في نفي الصفات الزائدة له تعالى ....................................... ٨٦
مسألة في كونه تعالى لا يشبه المحدثات ........................................ ٨٦
مسألة في استحالة إدراكه تعالى بالحواس....................................... ٨٧
مسألة في كونه تعالى غنيا.................................................... ٨٧
مسألة في كونه تعالى واحدا.................................................. ٨٨
مسألة في لزوم الاعتقاد بمسائل التوحيد ....................................... ٩٢
( مسائل العدل )
مسألة في معنى الكلام في العدل .............................................. ٩٧
مسألة في الحسن والقبيح .................................................... ٩٧
مسألة في كونه تعالى قادرا على القبيح ....................................... ٩٩
مسألة في كونه تعالى لا يفعل القبيح ........................................ ١٠١
مسألة في ما يصح تعلق إرادته وكراهته به
وما لا يصح ....................... ١٠٣
مسألة في كونه تعالى متكلما ............................................... ١٠٦
مسألة في الجبر والاختيار .................................................. ١٠٨
مسألة في عدم تعلق القدرة بالأعدام ........................................ ١١١
مسألة في قبح تكليف ما لا يطاق .......................................... ١١٢
مسألة في التكليف ....................................................... ١١٢
في الغرض من التكليف ................................................... ١١٤
بيان الأفعال التي تعلّق بها التكليف
وصفاتها .................................. ١١٩
ما يختص المكلف ......................................................... ١٢٢
صفات المكلف ........................................................... ١٢٨
مسألة في الألم ........................................................... ١٣٢
مسألة في العوض ......................................................... ١٣٧
مسألة في الآجال ......................................................... ١٣٨
مسألة في الرزق .......................................................... ١٣٩
مسألة في الأسعار ........................................................ ١٤٠
( مسائل النبوة )
مسألة في كون الرئاسة واجبة في حكمته
تعالى ............................... ١٤٤
اشتراط العصمة في الرئيس ................................................ ١٥٠
ما يتعلّق بالرئيس ......................................................... ١٥٠
تقسيم الرئاسة إلى نبوة وإمامة ............................................. ١٥٢
والغرض في بعثة النبي ..................................................... ١٥٣
صفات الرسول .......................................................... ١٥٣
المعجز وشرطه ........................................................... ١٥٤
طريق العلم بنبوة نبينا محمد صلى الله
عليه وآله .............................. ١٥٦
في النسخ ................................................................ ١٦٣
( مسائل في الإمامة )
الغرض في الإمامة وصفات الإمام ........................................... ١٧٠
عصمة الأئمة ............................................................ ١٧٢
معجزات الأئمة .......................................................... ١٧٤
النص علي إمامة الأئمة ................................................... ١٧٩
النص علي جميع الأئمة ................................................... ١٧٩
النص علي أعيان الأئمة بالفعل ............................................ ٢٢٠
النص الجلي من السنة ..................................................... ٢٢٠
النص المعلوم مراده منه صلّى الله عليه
وآله بالاستدلال ........................ ٢٢٠
مراعاة أمير المؤمنين القوم لا تقدح في
إمامته ................................. ٢٢٠
دفن الرجلين مع النبي في حجرته ........................................... ٢٢٨
بعض مطاعن الثالث ...................................................... ٢٢٩
ما يقدح في عدالة القوم ................................................... ٢٣٢
[ النكير على أبي بكر وعمر وأمور متفرقة ]
نكير أمير المؤمنين عليه السلام ............................................. ٢٣٧
نكير الإمام الحسين عليه السلام ............................................ ٢٤٣
نكير الإمام السجّاد عليه السلام ........................................... ٢٤٤
نكير الإمام الباقر عليه السلام .............................................. ٢٤٥
نكير الإمام الصادق عليه السلام ........................................... ٢٤٨
نكير أئمة أهل البيت عليهم السلام ........................................ ٢٤٨
نكير زيد بن علي الشهيد ................................................. ٢٤٩
نكير يحيى بن زيد الشهيد ................................................. ٢٥٠
نكير عبد الله بن الحسن وابنه موسى ........................................ ٢٥١
نكير يحيى بن عبد الله بن الحسن ............................................ ٢٥٢
نكير محمد بن عمر بن الحسن ............................................. ٢٥٢
نكير عبد الله بن الحسن ................................................... ٢٥٣
نكير محمد بن الحسن ..................................................... ٢٥٣
نكير محمد بن عمر بن الحسن ............................................. ٢٥٣
نكير الحسن بن علي بن الحسين ............................................ ٢٥٣
نكير الحسن بن محمد ..................................................... ٢٥٤
نكير الحسن بن إبراهيم والحسين بن زيد
وعدّة من أهل البيت ................. ٢٥٤
نكير فاطمة بنت الحسين .................................................. ٢٥٤
نكير عبد الله بن محمد بن عقيل ............................................ ٢٥٤
حديث مرض علي عليه السلام وما قاله النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر ٢٥٥
نكير حذيفة بن اليمان .................................................... ٢٥٥
نكير الحكم بن عيينة ..................................................... ٢٥٥
نكير الأعمش ............................................................ ٢٥٦
نكير أبي الجارود ......................................................... ٢٥٦
نكير شريك ............................................................. ٢٥٦
( النكير
على عثمان وأمور متفرقة )
نكير أمير المؤمنين عليه السلام ............................................. ٢٦١
نكير أبي بن كعب ....................................................... ٢٦٢
نكير أبي ذر ............................................................. ٢٦٣
نكير عمّار بن ياسر ...................................................... ٢٧٣
نكير عبد الله بن مسعود .................................................. ٢٧٤
نكير حذيفة بن اليمان .................................................... ٢٧٦
نكير المقداد .............................................................. ٢٧٧
نكير عبد الرحمن بن حنبل القرشي ......................................... ٢٧٨
نكير الزبير بن العوام ...................................................... ٢٨٠
نكير عبد الرحمن بن عوف ................................................ ٢٨١
نكير عمرو بن العاص .................................................... ٢٨٢
نكير محمد بن مسلمة الأنصاري ........................................... ٢٨٣
نكير أبي موسى .......................................................... ٢٨٤
نكير جبلّة بن عمرو الساعدي ............................................. ٢٨٤
نكير جهجاه بن عمرو الغاري ............................................. ٢٨٥
نكير عائشة ............................................................. ٢٨٦
حصر عثمان فى داره وما جرى عليه ....................................... ٢٩١
تكفير عثمان ............................................................ ٢٩٢
الطلب بثأر عثمان وسببه ................................................. ٢٩٧
مسألة التحكيم وتحميلها على أمير المؤمنين
عليه السلام ....................... ٣٠٢
( بطلان خلافة المتقدّمين على أمير
المؤمنين عليه السلام )
بطلان خلافة القوم على مقتضى مذهبنا ..................................... ٣٠٧
بطلان خلافة القوم على مقتضى مذهبهم ................................... ٣١٢
عدم تكامل صفات الإمامة للقوم ........................................... ٣١٣
بطلان امامة القوم حتّى مع تقدير ثبوت
صفات الإمامة لهم .................... ٣٢٣
عدم ثبوت نصّ على إمامة القوم ........................................... ٣٢٤
ثبوت المانع من اختيار القوم ............................................... ٣٢٦
عدم حصول الاختيار بصفته المعتبرة ........................................ ٣٢٦
ذكر القبائح الواقعة منهم حال ولايتهم
المقتضية لفسخها ...................... ٣٣٤
فمن ذلك الحادث في ولاية أبي بكر ........................................ ٣٣٥
وأمّا الأحداث الواقعة من عمر بن الخطاب
في ولايته .......................... ٣٤٤
بيان حال عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد
الرحمن ......................... ٣٥٧
بيان حال عائشة وأصحاب الجمل .......................................... ٣٦١
بيان حال معاوية وعمرو بن العاص ومن في
حيزهما............................ ٣٦٤
ما أظهره القوم عند وفاتهم الدال على
ضلالهم ............................... ٣٦٦
بيان كفر القوم ومناقشة الزيدية ............................................ ٣٦٨
( ما استدلّ به على إيمان القوم من الكتاب
والسنّة وردّه )
ما استدل به من الكتاب .................................................. ٣٧٣
ما استدل به من السنّة .................................................... ٣٩٢
ردّ من قال بأنّ ما عمله القوم لا يوجب
الكفر .............................. ٤٠١
ردّ من ادّعى توبتهم ...................................................... ٤١٠
( إمامة الإمام الثاني عشر عليهم السلام جل الله تعالى فرجه )
فصل في إثبات إمامة الحجة بن الحسن ووجه
الحكمة في غيبته ................. ٤١٥
برهان العقل على إمامته ................................................... ٤١٥
برهان السمع على إمامته .................................................. ٤١٦
نص رسول الله على عدد الأئمة من بعده من
طريق العامة ..................... ٤١٧
النص على عدد الأئمة من طريق الخاصة .................................... ٤١٩
نص أبيه عليه بالإمامة وشهادة المقطوع
بصدقهم بإمامته ...................... ٤٢٦
نص آبائه عليه بغيبته وصفتها .............................................. ٤٢٨
ظهور معجزاته على أيدي سفرائه .......................................... ٤٣٣
إثبات تواتر هذه الأخبار................................................... ٤٣٨
الحكمة في غيبته .......................................................... ٤٣٩
من أسباب الغيبة الخوف وعدم الناصر ...................................... ٤٤٠
كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم ظهوره
وثبوت التكليف .................... ٤٤٢
العلة في عدم منع الله من يريد الحجة بسوء
.................................. ٤٤٣
إمكان ظهوره لأوليائه في زمن الغيبة ........................................ ٤٤٤
حفظ الشريعة في حال الغيبة ............................................... ٤٤٤
حكم تنفيذ الأحكام وإرشاد الضال وحقوق
الأموال في حال الغيبة ............. ٤٤٥
رد من قال : لا حاجة إلى الحجة ........................................... ٤٤٧
رد من قال : لا حاجة إلى ظهور الحجة ..................................... ٤٤٧
مسألة طول الغيبة وطول عمر الحجة ....................................... ٤٤٨
كيف يمكن معرفة الحجة عند ظهوره ....................................... ٤٥٦
( مسائل التكليف الشرعي )
مسألة في تقسيم التكليف الشرعي ......................................... ٤٥٩
|