
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي
منّ علينا بالإسلام ، وعرّفنا خيرته من الأنام ، وصلاته وسلامه على خاتم الأنبياء
وعلى آله الأئمة الأوصياء.
المختار من كلامه
إن كلام أبي عبد
الله 7 لا تنزفه الدلاء ، ولا تلمّ به صحائف ، وما اكثر اصوله ، وأوفى فروعه ، وإنما
نريد هاهنا أن نذكر منه فصولا أربعة ، هي :
الخطب ، والعظات ،
والوصايا ، والحكم ، فإن بها نجعة الرائد ورواء الظمآن ، وحياة النفس ، اجتهدت في
جمعها واختيارها من خيرة الكتب وصفوة المؤلّفات.
١ ـ خطبه
لم يعرف عنه أنه
رقى الأعواد للإرشاد ولم تكن ظروفه تواتيه أن يخطب على الجماهير ، ومع ذلك فقد
عثرت قدر الوسع في التنقيب على خطبتين إحداهما طويلة ، والاخرى قصيرة.
أمّا الاولى فهي على فصلين : [ الفصل ]
( الأوّل ) في صفة النبيّ خاصّة وهو قوله : فلم يمنع ربّنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم
وقبيح أفعالهم أن انتجب لهم أحبّ أنبيائه إليه واكرمهم عليه ، محمّد بن عبد الله 6 ، في
__________________
حومة العزّ مولده ، وفي دومة
الكرم محتده غير مشوب حسبه ، ولا ممزوج نسبه ، ولا مجهول عند أهل العلم
صفته ، بشّرت به الأنبياء في كتبها ، ونطقت به العلماء بنعتها ، وتأمّلته الحكماء
بوصفها ، مهذّب لا يدانى ، هاشميّ لا يوازى ، أبطحيّ لا يسامى ، شيمته الحياء
وطبيعته السخاء ، مجبول على أوقار النبوّة وأخلاقها ، مطبوع على أوصاف الرسالة وأحلامها الى
أن انتهت به أسباب مقادير الله الى أوقاتها وجرى بأمر الله القضاء فيه الى
نهاياتها ، أدّى محتوم قضاء الله الى غاياتها يبشّر به كلّ أمّة من بعدها ، ويدفعه
كلّ أب الى أب من ظهر الى ظهر ، لم يخلط في عنصره سفاح ، ولم ينجسه في ولادته نكاح
، من لدن آدم إلى أبيه عبد الله في خير فرقة ، واكرم سبط ، وأمنع رهط ، وأكلأ حمل
، وأودع حجر ، اصطفاه الله وارتضاه واجتباه ، وآتاه من العلم مفاتيحه ، ومن الحكم
ينابيعه ، ابتعثه رحمة للعباد ، وربيعا للبلاد ، وأنزل الله إليه الكتاب ، فيه
البيان والتبيان ، قرآنا عربيّا غير ذي عوج لعلّهم يتّقون ، قد بيّنه للناس ونهجه
بعلم قد فصّله ، ودين قد أوضحه ، وفرائض قد أوجبا ، وحدود حدّها للناس وبيّنها ،
وامور قد كشفها لخلقه وأعلنها ، فيها دلالة الى النجاة ومعالم تدعو الى هداة ،
فبلّغ رسول الله 6 ما ارسل به ، وصدع بما امر به ، وأدّى ممّا حمّل من أثقال
النبوّة ، وصبر لربّه ، وجاهد في سبيله ، ونصح لامّته ، ودعاهم الى النجاة ،
وحثّهم على الذّكر ، ودلّهم على سبيل الهدى ، بمناهج ودواع أسّس للعباد أساسها ،
ومنازل رفع لهم أعلامها ، كي لا يضلّوا من بعده ، وكان بهم رءوفا
__________________
رحيما .
( الفصل الثاني ) ما كان منها في صفة
الأئمة : ، ذكره الكليني طاب ثراه في الكافي ، كتاب الحجّة ، باب
نادر جامع في فصل الإمام وصفاته ، وذكره المسعودي علي بن الحسين في كتاب الوصيّة
ص ١٣٩ ، قال : ولمّا أفضى أمر الله عزّ وجل إليه ـ يعني الصادق 7 ـ جمع الشيعة
وقام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكّرهم بأيّام الله ، ثمّ ذكر الفصل الذي
سنذكره ، وبين رواية الكليني ورواية المسعودي اختلاف قليل ، ونحن نورده على رواية
الكليني لأن فيها زيادات.
قال 7 : إن الله تعالى
أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل
منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمّة محمّد 6 واجب حقّ إمامه
وجد طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه ، لأن الله تعالى نصب الإمام علما لخلقه ، وجعله
حجّة على اهل مواده وعالمه ، وألبسه تعالى تاج الوقار ، وغشاه من نور الجبّار
، يمدّ بسبب من السماء لا ينقطع عنه مواده ولا ينال ما عند الله إلاّ بجهة
__________________
أسبابه ، ولا يقبل
الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ، ومعميات السنن ،
ومشتبهات الفتن ، فلم يزل الله تعالى مختارهم لخلقه من ولد الحسين 7 من عقب كلّ إمام
إماما ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم ، كلّما مضى منهم إمام
نصب لخلقه من عقبه إماما ، علما بيّنا ، وهاديا نيّرا ، وإماما قيّما ، وحجّة
عالما ، أئمة من الله يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه
، يدين بهداهم العباد وتستهلّ بنورهم البلاد ، وينمو ببركتهم التلاد جعلهم الله حياة
للأنام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للاسلام ، جرت بذلك فيهم
مقادير الله على محتومها ، فالامام هو المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى والقائم المرتجى اصطفاه الله بذلك
واصطنعه على عينه في الذّر حين ذرأه ، وفي البريّة حين برأه ، ظلاّ قبل خلق الخلق
نسمة عن يمين عرشه ، محبوا بالحكمة في عالم الغيب عنده ، اختاره بعلمه ، وانتجبه لطهره ، بقيّة من آدم
7 ، وخيرة من ذرّيّة نوح ، ومصطفى من آل إبراهيم ، وسلالة من إسماعيل ، وصفوة
من عترة محمّد 6 ، لم يزل مرعيّا بعين الله يحفظه ويكلأه بستره ، مطرودا
عنه حبائل إبليس وجنوده ، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كلّ فاسق ،
__________________
مصروفا عنه قوارف
السوء مبرأ من العاهات ، معصوما من الفواحش كلّها ، معروفا بالحلم والبرّ في يفاعه منسوبا الى
العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ، مسندا إليه أمر والده ، صامتا عن المنطق في
حياته ، فاذا انقضت مدّة والده الى أن انتهت به مقادير الله الى مشيّته ، وجاءت
الإرادة من الله فيه الى محبّة وبلغ منتهى مدّة والده صلّى الله عليه فمضى وصار أمر الله
إليه من بعده ، وقلّده دينه وجعله الحجّة على عباده ، وقيّمه في بلاده وأيّده
بروحه وآتاه علمه وأنبأه فصل بيانه ، ونصبه علما لخلقه ، وجعله حجّة على أهل عالمه
، وضياء لأهل دينه ، والقيّم على عباده ، رضي الله به إماما لهم ، استودعه سرّه ، واستحفظه علمه ،
واستخبأه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأحيى به مناهج سبيله ،
وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل ، وتحيير أهل الجدل ، بالنور
الساطع ، والشفاء النافع ، بالحقّ الأبلج ، والبيان اللائح من كل مخرج ، على طريق
المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه : ، فليس يجهل حقّ هذا العالم إلاّ شقي ، ولا يجحده إلاّ غوي
، ولا يصدّ عنه إلاّ جريء على الله تعالى.
أقول : لعلّك تخال
بأن هذه النعوت كبيرة على الإنسان بحكم العادة ، وأين من يحمل هذه الصفات ولكنّك
لو نظرت الى أن الإمامة خلافة الرسول ، وأن خليفته يجب أن يقوم بوظائفه ، مرشدا
لامّته ، مصلحا للناس عامّة ، لا يقنت أن هذه النعوت لا تنفكّ عنه ، وأنه لا بدّ
أن يكون في الامّة من يتحلّى بهذه
__________________
السمات .
( الخطبة الثانية ) هي المرويّة في مناقب ابن شهر اشوب « ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤ » قال :
لمّا دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العبّاس وشكوا من الصادق 7 أنه أخذ تركات
ماهر الخصي دوننا ، فخطب أبو عبد الله 7 فكان ممّا قال :
إن الله لمّا بعث
رسول الله 6 كان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه والناصر له ، وأبوكم العبّاس وأبو لهب
يكذبان ويوليان عليه شياطين الكفر وأبوكم يبغي له الغوائل ، ويقود إليه القبائل في
بدر ، وكان في أوّل رعيلها وصاحب خيلها ورجلها ، المطعم يومئذ ، والناصب له الحرب
، ثمّ قال :
فكان أبوكم طليقنا
وعتيقنا ، وأسلم كارها تحت سيوفنا ، ولم يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط ، فقطع
الله ولايته منّا بقوله : « الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء » ثمّ قال :
مولى لنا مات
فخرنا تراثه ، إذ كان مولانا ولأنّا ولد رسول الله 6 ، وأمنّا فاطمة أحرزت ميراثه.
أقول : إن الصادق
أرفع من أن يواقف بني العبّاس من جراء المال ، ولكن إخال أنه يريد أن يكشف حالا
للعبّاس كانت مجهولة ، لأن الملك سوف يوافي بنيه فيعلم الناس شأن من يملك منهم
الرقاب.
وهذه الكلمات على
وجازتها تفيد التاريخ فوائد جمّة ، ولا أحسب أن التاريخ يذكر للعبّاس تلك المواقف.
__________________
وقد سبق أن قلت :
إني لم أجد حسب الجهد في التتبّع خطبا لصادق أهل البيت غير ما ذكرنا ، نعم إلاّ أن
يكون وقوفه في وجه شيبة بن عفال والي المنصور على المدينة يعدّ من الخطب ، فتكون
ثلاثا ، وقد أوردناها في مواقفه مع المنصور وولاته في الجزء الأول.
* * *
٢ ـ عظاته
ما زال إمامنا 7 ينشر مواعظه
الخالدة بين الناس لتهذيبهم وإرشادهم الى طريق الله تعالى اللاّحب ، وحرصا على
سعادتهم في الدارين ، والذي وصل إلينا منها الشيء الكثير الذي يفوت الحصر وهو
مبثوث في غضون الكتب التي بين أيدينا.
وقد رأينا أن نورد
أهمّ ما وصل إلينا من هذه المواعظ مرتّبا على الأبواب على نحو ما يأتي :
المعرفة :
معرفة الله تعالى
أوّل الواجبات ، وأساس الفضائل والأعمال ، بل هي غاية الغايات ، ومنتهى كمال
الانسان ، وعلى قدر التفاضل فيها يكون التفاضل بين الناس ، ولأجله جعلناها في
طليعة مواعظه ، وكفى من كلامه فيها أن نورد هذه الشذرات الآتية التي يدعو فيه الى
المعرفة ، ويحثّ عليها كاشفا عن جليل آثارها وعظيم لذّتها ، فقال 7 :
« لو يعلم الناس
ما في فضل معرفة الله عزّ وجلّ ما مدّوا أعينهم الى ما متّع الله به الأعداء من
زهرة هذه الحياة الدنيا ونعيمها ، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم ،
ولنعموا بمعرفة الله عزّ وجل وتلذّذوا به تلذّذ من لم يزل في
روضات الجنّات مع
أولياء الله ، إن معرفة الله عزّ وجل أنس من كلّ وحشة ، وصاحب من كلّ وحدة ، ونور
من كلّ ظلمة ، وقوّة من كلّ ضعف ، وشفاء من كلّ سقم ».
ثمّ قال 7 : « قد كان قبلكم
قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير ، وتضيق عليهم الأرض برحبها فما يردهم عمّا
عليه شيء ممّا هم فيه ، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى ، بل ما نقموا
منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، فاسألوا درجاتهم ، واصبروا على نوائب
دهركم تدركوا سعيهم » .
إنّه 7 يصف المعرفة كمن
ذاقها ، فيحبّذ هذا الطعم الشهي للناس ، ونحن لاسترسالنا في الغفلة لا نعرف ذلك
المذاق ، سوى أننا نفقه أن من اتّجه الى معرفة الله تعالى ودنا من حظيرة القدس
شبرا بعد عن متاع هذا الوجود ميلا ، وكلّما تجرّد عن زخرف هذا الوجود استزهد ما
دون معرفة واجب الوجود.
الخوف والرجاء :
إنّ الله سبحانه
جمع بين العظمة والرأفة ، وبين الغضب والرضى ، فعلى سعة رحمته عظيم سخطه ، وعلى
جزيل ثوابه كبير عقابه ، ومن كانت رحمته واسعة كان الأمل بشمولها للمجرم قريبا ،
ومن كان عقابه شديدا كان الخوف من سخطه أكيدا ، فلا بدّ للمؤمن إذن أن يكون دائما
بين الخوف والرجاء ، لأنه لا يدري بأيّة زلّة يؤخذ فيكتب في ديوان المجرمين ، ولا
يعلم على أيّة حسنة يثاب
__________________
فيحسب من المحسنين
، فيجب عليه أبدا أن يحذر الزلّة فيتّقيها ، ويرعى الحسنة فيوافيها ، وتعاليم
الصادق 7 الواردة عنه هي من أعظم ما ورد في هذا الباب تشرح حقيقة الخوف والرجاء وكيف
يجتمعان وضرورة اجتماعهما في المؤمن وأثر انعدامهما على الانسان ، وما الى ذلك ،
فقال في الخوف :
« خف الله كأنك
تراه وإن كنت لا تراه فانّه يراك ، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت
تعلم أنه يراك ثمّ بدرت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك » .
أقول : أمّا الكفر
بإنكار رؤيته للناس فلأن معناه إنكار علمه بالموجودات وهو يساوق إنكار خلقه بل
إنكار وجوده.
وأمّا أنه يكون
أهون الناظرين فواضح لأن المرء إذا أحسّ أن أحدا ذا شأن وبطش وقوّة مشرف على عمله
ساخط عليه قادر على الفتك به ، فإنه لا محالة يكفّ عن العصيان خجلا أو حذرا وخوفا
، وإنما يكون التهاون بالناظر والمطّلع إذا كان ممّن لا يتّقى أو يخشى أو كان ممّن
يستهان برضاه وغضبه وثوابه وعقابه ، فالمبادر بالمعصية مع علمه بأنه تعالى يراه لا
محالة قد جعله أهون الناظرين.
وقال 7 أيضا : من عرف
الله خافه ، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا .
وقال 7 : إن من العبادة
شدة الخوف من الله عزّ وجل ، يقول الله عزّ وجل : « إنما يخشى الله من عباده
العلماء » وقال جلّ ثناؤه : « فلا تخشوا الناس واخشون » وقال تبارك
وتعالى : « ومن يتّق الله يجعل له مخرجا » ، إن
__________________
حبّ الشرف والذكر
لا يكونان في قلب الخائف الراهب .
وقال 7 في قوله عزّ وجل
: « ولمن خاف مقام ربّه جنّتان » : من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ، ويعلم ما يعمله من
خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربّه ، ونهى النفس
عن الهوى.
وقال 7 : المؤمن بين
مخافتين ، ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه ، وعمر قد بقى لا يدري ما يكتسب فيه
من المهالك ، فهو لا يصبح إلاّ خائفا ولا يصلحه إلاّ الخوف .
أقول : كذلك صلاح
المؤمن يكون بالخوف أبدا ، لأنه إذا خاف اتجه بكلّ جارحة وجانحة لدفع ما يخاف منه
، فينصرف عن العصيان ويقبل على الطاعة.
وقال 7 : من خاف الله
أخاف الله منه كلّ شيء ومن لم يخف الله أخافه من كلّ شيء .
وقال 7 في الخوف والرجاء
معا : ينبغي للمؤمن أن يخاف الله تعالى خوفا كأنه مشرف على النار ، ويرجو رجاء
كأنه من أهل الجنّة ـ ثمّ قال ـ : إنّ الله تعالى عند ظنّ عبده إن خيرا فخيرا ،
وإن شرّا فشرّا .
أقول : كذلك ينبغي
للمؤمن أن يكون بين الخوف والرجاء كما قال تعالى :
« يدعون ربّهم
خوفا وطمعا » لأن الخوف وحده قد يبعث على اليأس والقنوط ،
__________________
واليأس من رحمة
الله مذموم يثبّط العبد عن العمل الصالح ، والرجاء وحده قد يدفع بالعبد على الأمن
من مكر الله وهو ضلال وخيبة يقعد بالعبد عن النشاط للعبادة ، وأمّا المراد من أن
الله تعالى عند ظنّ عبده فلا يبعد أن يكون أنه في رعاية العبد ومكافاته على حسب ما
يظن ، لا أنه يكون كذلك بمجرّد الظن وإن عمل ما لا يرتضيه الله تعالى من السوء وهو
يظنّ فيه الخير ، كما سينبّه عليه.
وقال 7 : لا يكون المؤمن
مؤمنا حتّى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون خائفا راجيا حتّى يكون عاملا لما يخاف
ويرجو .
أقول : لأن العمل
مظهر الخوف والرجاء فإن لم يعمل كان كاذبا في دعوى الخوف والرجاء ، وعليه الوجدان
، فإن من خاف أحدا على نفسه أو نفيسه اجتهد في الحيطة والحذر ، ومن رجا توسّل
بالذرائع التي تقرّبه من المرجو.
وقال 7 : حسن الظنّ
بالله ألاّ ترجو إلاّ الله ولا تخاف إلاّ ذنبك .
أقول : لأن رجاء
غير الله لا يكون إلاّ عن شكّه في قدرة الله ورحمته لعباده أو عن توهّم أن غير
الله له قدرة مستغنية عنه تعالى وهذا سوء ظنّ بالقادر الرحيم ، وكذلك خوف غير
الذنب من نحو الخوف من الموت والانسان والمخلوقات الأخرى فإنه يستلزم الشكّ في
قدرة الله ورحمته.
وقيل له : قوم
يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ، فقال 7 : هؤلاء يترجّحون
في الأماني ، كذبوا ليسوا
__________________
براجين ، من رجا
شيئا طلبه ومن خاف من شيء هرب منه .
أقول : فإن المرجو
لا ينال بغير السعي والطلب إلاّ صدفة ، والمخاف لا يسلم منه بغير الهرب إلاّ صدفة
، وهل يتّكل العاقل الرشيد في أمريه على الصدف.
الورع والتقوى :
إنّ من آثار
معرفته تعالى والخوف منه تقواه والورع عن محارمه ، ولذلك حذّر أبو عبد الله 7 من التورّط في
المخالفة ورغّب في الإحاطة بالتقوى ، والورع في الدين.
فيقول مرّة : «
اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع » واخرى بعد أن رغّب في الزهد : « عليكم بالورع » وثالثة : « من
أشدّ ما فرض على خلقه ذكر الله كثيرا ، ولا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلاّ الله والله اكبر ، وإن كان منه ، ولكن ذكر الله عند ما أحلّ وحرّم ، فإن كان
طاعة عمل بها ، وإن كان معصية تركها » .
أقول : حقّا أنّ
موقف الإنسان لشديد أمام الواجب والمحرّم ، بأن يجعل الله نصب عينيه عندهما ،
فيعمل ما يجب ، ويرفض ما حرّم ، وان الورع ليعلم في هذه المواقف حين لم يكن القاهر
غير النفس والدين.
وسئل مرّة عن
تعريف الورع من الناس ليعرفوا بذلك حقيقة الورع فقال 7 : الذي يتورّع عن محارم الله عزّ وجل
__________________
وسئل عن قوله الله
عزّ شأنه : « وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا » فقال 7 : أما والله إن
كانت أعمالهم أشدّ بياضا من القباطي ولكن اذا عرض لهم حرام لم يدعوه .
وقال المفضّل بن
عمر يوما : أنا ما أضعف عملي ، فقال 7 له : مه استغفر الله ، إن قليل العمل مع التقوى خير من
كثير بلا تقوى ، فقال له : كيف يكون كثيرا بلا تقوى؟ قال 7 : نعم مثل الرجل
يطعم طعامه ، ويرفق جيرانه ، ويوطىء رحله فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخله .
وهذا نظير قول
النبي 6 : إن من قال لا إله إلاّ الله غرست له شجرة في الجنّة ، فقال له بعض أصحابه :
إذن إن شجرنا في الجنّة لكثير ، فقال رسول الله 6 : ولكن لا ترسلوا عليها نارا فتحرقوها.
الزهد :
الزهد : هو
الإعراض عن الدنيا بقلبه وجوارحه ، رغبته في الآخرة وفي ما عند الله تعالى ، وهو
أحد منازل الدين وأعلى مقامات العارفين.
وحقّا أن العارف
بالله لا ينبغي أن يعبأ بالدنيا إن أقبلت عليه أو أدبرت عنه ، لأن الإقبال عليها
يشغله عن التماس تلك الرتب ، التي لا يحسّ بحلاوتها إلاّ
__________________
من تجرّد عن هذه
الشواغل.
ولذلك يقول صادق
أهل البيت : : جعل الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا.
ويروي هو لنا عن
المرشد الاكبر جدّه النبي 6 قوله : لا يجد الرجل حلاوة الإيمان حتّى لا يبالي من أكل
الدنيا.
ثمّ يقول الصادق 7 : حرام على
قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا.
ويقول مرّة ترغيبا
في الزهد : ما أعجب رسول الله 6 شيء من الدنيا إلاّ أن يكون فيها جائعا خائفا.
ويقول تارة : إذا
أراد الله بعبده خيرا زهّده في الدنيا ، وفقّهه في الدين وبصّره عيوبها ، ومن
اوتيهنّ فقد أوتي خير الدنيا والآخرة.
أقول : حقّا أنّ
الخير كلّه في هذه الثلاث ، لأن فيها الراحة والطمأنينة والبصيرة ، وهذا هو الخير
في هذه العاجلة ، والحظوة بالرتب العليّة في تلك الآجلة كما وعد الله.
ويقول أيضا : لم
يطلب أحد الحقّ بباب أفضل من الزهد في الدنيا ، وهو ضدّ لما طلب أعداء الحقّ من
الرغبة فيها ، ألا من صبّار كريم ، فإنما هي أيام قلائل.
أقول : إن الذي
يحول بين المرء وبين الحقّ هو الحبّ للدنيا والرغبة فيها ، فإن الرغبة في وفرة
المال تمنعه عن أداء حقّه ، والحبّ للجاه يحجزه عن القول بالحقّ ، والميل الى
الراحة يصدّه عن القيام بالفرض ، فلا يطيق المرء إذن أن يقول الحقّ أو يعمله أو
يبلغه إن لم يعرض عن هاتيك الأماني النفسيّة ، نعم إن الإعراض عن هذه الرغائب
يحتاج الى صبر وسخاء نفس ، ومن ثمّ ندب الصادق الى هذا الصفح أرباب الصبر والكرم ثمّ
أشار الى أن الصبر والكرم لا ينبغي أن
يكونا عزيزين في
الناس اذا انتبهوا الى أن البقاء في الدنيا لا يكون إلاّ أياما قلائل ، لأن
الانسان اذا عرف أن الشدّة لا تدوم وطّن نفسه على السخاء والصبر على تلك المكاره.
ثمّ أنه 7 رغّب في الزهد من
طريق نفعه العاجل ، وهو أحسن ذريعة للرغبة في الشيء ، لأن المرء يريد أبدا أن يكون
لعمله نتيجة عاجلة ، فقال : ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وانطلق
بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه الله سالما الى دار السّلام .
نعم يجب أن نعرف
الزهد وحقيقته ، لئلاّ نخبط في التلبّس به خبط عشواء ، فقد سأله بعض العارفين من
أصحابه عن حدّ الزهد في الدنيا ، فقال 7 : فقد حدّه الله في كتابه ، فقال عزّ من قائل : « لكي لا
تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم » ثمّ قال : إن أعلم الناس أخوفهم لله ، وأخوفهم له أعلمهم
به ، وأعلمهم به أزهدهم فيها .
أقول : إن تحديده
للزهد بما في الآية الكريمة يفهمنا أن الزهد في الدنيا ليس كما يتبادر الى بعض
الأفهام من الجشوبة في العيش والخشونة في الملبس ، وإن كانتا من آثاره أحيانا ،
وإنّما هو أعلى وأرفع من ذلك.
إن المرء اذا كان
معرضا عن الدنيا هانت عليه فلا يحزن بما فات ، ولا يفرح بما هو آت ، ولو كان مقبلا
عليها لأحزنه الفائت وأسرّه الآتي ، فأحسن كاشف عن حقيقة الزهد في الدنيا هذا
الحزن والفرح.
ولو كان الزهد
الصفح عن نعيم هذا الوجود وما فيه من ملذّات كما
__________________
تصنع المتصوّفة
لما خلق الله هذه الطيّبات منّة على العباد ، أفهل يا ترى يمنّ عليهم بشيء وهو
الجواد ويكره أن ينالوا منه البلغة ، فلمن إذن خلق تلك الطيّبات من الرزق « قل من
حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرّزق » .
ويكشف لنا عن
جليّة الحال بقوله 7 : « فأمّا اذا أقبلت الدنيا فأحقّ أهلها بها أبرارها لا
فجّارها ، ومؤمنوها لا منافقوها ، ومسلموها لا كفّارها » وقد قال ذلك عند ما رأوه
وعليه ثياب بيض وعابوا عليه تلك البزّة وحسبوها من الرغبة في الدنيا ، وكان شعار
آبائه الزهد.
نعم إنّما يراد من
العبد ألاّ يكون شغله الطيّبات وهمّه هذه الحياة ، بل أن يكون شغله ما هو أرفع ،
وهمّه فيما هو أبقى وأنفع.
إن الله سبحانه قد
فرض فرائض ، وحدّد حدودا لم يسأل العباد عمّا وراءها ، ولذلك تجد الصادق 7 يرشدنا الى تلك
الحقيقة فيقول : أورع الناس من وقف عند الشبهة ، وأعبد الناس من أقام الفرائض ،
وأزهد الناس من ترك الحرام ، وأشدّ الناس اجتهادا من ترك الذنوب .
الدنيا :
ليست دنيا الانسان
إلاّ نفسه وما فيها من غرائز وشهوات وأفكار واعتقادات ، وكلّ شيء ما عدا نفسه فهو
خارج عن ذاته أجنبيّ عنه ، بل ليس من دنياه في شيء ، ولا يرتبط به إلاّ بمقدار ما
يرتبط في أفكاره وآرائه وإشباع شهواته وتحقيق ما تدفع إليه الغرائز.
فاذا اشبعت شهواته
كلّها فقد حاز على كلّ ما في دنياه بحذافيرها وإلاّ فهو
__________________
محروم منها بمقدار
بقاء بعض شهواته جائعة أو مكبوتة.
غير أن إشباع جميع
الشهوات من المستحيل على الانسان في هذه الحياة الدنيا ، ولنضرب مثلا بشهوة حبّ
الاستعلاء والسيطرة التي هي أشدّ الشهوات عرامة وقوّة ، فإن الإنسان مهما بلغ من
السلطان والاستطالة لا بدّ أن تكون هنا جهات اخرى لم يشملها سلطانه أو تزاحمه عليه
وتضايقه أو متمرّدة عليه ، فشهوة السلطان والحال هذه لا تشبع أبدا مهما حاول
صاحبها إشباعها ، على أنها كلّما غذيت تقوى وتشتدّ ولا تصل الى حدّ الإشباع ،
ومثلها أيضا من هذه الناحية شهوة التملّك والحيازة ، فإن كلّ ما تحقق لصاحبها
التملّك من الأموال فإن الأموال ـ بطبيعة الحال ـ لا يحوزها كلّها بل الأكثر يبقى
ممتنعا عليه ، وهو يزيد كلّما زادت أمواله شهوة وحرصا على جمعها.
مضافا الى أن
إشباع مثل شهوة السيطرة والتملّك لا يتمّ حتّى بعضه إلاّ بالتنازل عن كثير من
الشهوات مثل شهوة الراحة والاستقرار والأمن لأن الاحتفاظ بالسيطرة والتملّك أو
توسعتهما يستدعي كثيرا من مدافعة المزاحمين ومناهضة المتمرّدين ، وكلّما زادت
سيطرته وتملّكه زادت المزاحمة فتزيد محروميّته من اشباع كثير من الشهوات ، وهكذا
كلّما زاد الإنسان انغمارا في الشهوات وحرصا على دنياه زادت شهواته عرامة وقوّة
وبقيت اكثر شهواته بلا إشباع تلحّ عليه وتؤلمه وتنغّص عليه عيشه وراحته حتّى يموت
في سبيل ذلك.
وما أعظم تصوير
هذه الناحية في الإنسان في كلمات إمامنا 7 إذ يقول : « إنّ مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه
العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله » .
__________________
ويقول 7 : « مثل الحريص
على الدنيا مثل دودة القزّ كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من
الخروج حتّى تموت غمّا » .
ويقول 7 في التحذير من
الدنيا : « إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها
الرجل العاقل ، ويهوى إليها الفتيان بأيديهم » .
أقول : إن الرجل
العاقل هو المجرّب الذي خبر الدنيا فعرف أنها لا تصفو من الكدر وأنها تخبئ كثيرا
من الآلام والآفات والنكبات ، أما الغرّ غير المجرّب فهو كالطفل يرى حلاوتها ولم
يشعر بمرارتها ، فيغترّ بها كما يغترّ بلين مسّ الحيّة وإن كان فيها السمّ القاتل
، والامام 7 وجميع المصلحين يحذّرون من الاغترار بنعيم الدنيا ، لأنه يسبّب طغيان الانسان
وعتوّه ونسيان الآخرة وما يجب من العمل لها في فرصة الحياة الدنيا. وإن شئت أن
تبعد غورا في عرفانها فتبصّر بقوله في صفتها :
« إن هذه الدنيا
وإن أمتعت ببهجتها ، وغرّت بزبرجها ، فإن آخرها لا يعدو أن يكون كآخر الربيع ،
الذي يروق بخضرته ثمّ يهيج عند انتهاء مدته ، وعلى من نصح لنفسه وعرف ما عليه وله أن
ينظر إليها نظر من عقل عن ربّه جلّ وعلا وحذر سوء منقلبه ، فإن هذه الدنيا خدعت
قوما فارقوها أسرع ما كانوا إليها ، وأكثر ما كانوا اغتباطا بها ، طرقتهم آجالهم
بياتا وهم نائمون ، أو ضحى وهم يلعبون ، فكيف أخرجوا عنها ، والى ما صاروا بعدها ،
أعقبتهم الألم ، وأورثتهم
__________________
الندم ، وجرعتهم
مرّ المذاق وغصّصتهم بكأس الفراق ، فيا ويح من رضي عنها أو أقرّ عينا ، أما رأى
مصرع آبائه ، ومن سلف من أعدائه وأوليائه أطول بها حيرة ، وأقبح بها كرّة ، وأخسر
بها صفقة ، واكبر بها ترحة ، اذا عاين المغرور بها أجله وقطع بالأماني أمله ، وليعمل
على أنه اعطي أطول الأعمار وأمدّها ، وبلغ فيها جميع الآمال ، هل قصاراه إلاّ
الهرم ، وغايته إلاّ الوخم نسأل الله لنا ولك عملا صالحا بطاعته ، ومآبا الى رحمته ،
ونزوعا عن معصيته ، وبصيرة في حقّه ، فإنما ذلك له وبه » .
وتأمّل قوله في
نعتها ونعت ذويها : « كم من طالب للدنيا لم يدركها ، ومدرك لها قد فارقها ، فلا
يشغلنّك طلبها عن عملك ، والتمسها من معطيها ومالكها ، فكم من حريص على الدنيا قد
صرعته ، واشتغل بما أدرك منها عن طلب آخرته حتّى فني عمره وأدركه أجله » .
وما أصدق قوله في
تحليلها وأطوار الناس فيها : « ما الدنيا وما عسى أن تكون ، هل الدنيا إلاّ اكل
اكلته ، أو ثوب لبسته ، أو مركب ركبته ، إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم
يأمنوا قدوم الآخرة ، دار الدنيا دار زوال ، ودار الآخرة دار قرار ، أهل الدنيا
أهل غفلة ، إن أهل التقوى أخفّ أهل الدنيا مؤونة واكثرهم معونة ، إن نسيت ذكّروك ،
وإن ذكّروك أعلموك ، فانزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في
منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء منه ، فكم من حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ،
وكم
__________________
من تارك لأمر قد
سعد به حين أتاه » .
وانتبه الى قوله 7 : « ما أنزلت
الدنيا من نفسي إلاّ بمنزلة الميتة ، اذا اضطررت إليها اكلت منها ، إن الله تبارك
وتعالى علم ما العباد عاملون والى ما هم إليه صائرون ، فحلم عنهم عند أعمالهم
السيّئة لعلمه السابق فيهم ، فلا يغرّنك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت » ثمّ تلا
قوله تعالى : « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا
» وجعل يبكي ويقول : « ذهبت والله الأماني عند هذه الآية » ثمّ قال 7 : « فاز والله
الأبرار ، الذين لا يؤذون الذر ، كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار جهلا » .
أقول : أراد بقوله
« ذهبت والله الأماني » أماني أهل الأعمال السيّئة إذ يحلم الله عنهم فيظنّون أنهم
في نجاة من عذاب الله في الآخرة ، ولكن الآية دالّة على أن الدار الآخرة مقصورة
على هؤلاء الذين لا يريدون العلوّ ولا الفساد ، إذن فلا نصيب لغيرهم فيها ، وأين
تكون أماني أهل الآمال الذين ليسوا من اولئك ، وقد قطعت الآية تلك الأماني من
نفوسهم.
وشكا إليه رجل
الحاجة ، فقال 7 : « اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا » ثمّ سكت ساعة ، ثمّ
أقبل على الرجل فقال : « اخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال : أصلحك الله ، ضيق
منتن ، وأهله بأسوإ حال ، فقال 7 : إنما أنت في السجن فتريد أن يكون فيه سعة أما علمت أن
الدنيا سجن المؤمن ».
وتأمّل قوله 7 : « من أصبح
وأمسى والدنيا اكبر همّه جعل الله
__________________
الفقر بين عينيه ،
وشتّت أمره ولم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له ، ومن أصبح وأمسى والآخرة اكبر همّه
جعل الغنى في قلبه وجمع أمره » .
أقول : لأن من كان
همّه الدنيا فإن شهواته تلحّ عليه وهو لا يستطيع إشباعها أبدا فهو دائما في حاجة ،
وما يزال الفقر نصب عينيه ، ويكون همّه متشعّبا ، لتشعّب شئون هذه الحياة ، فيتشتّت
عندئذ أمره ، ومع ذلك لا ينال من الدنيا الواسعة إلاّ ما قسم له ، وأمّا من كان
همّه الآخرة فيجعل الله القناعة في قلبه ، ومن قنع استغنى ، فلا يكون همّه عندئذ
متشعّبا بتشعّب جهات الحياة ، وبهذا يكون اجتماع أمره وهدوء فكره.
ويمثل لك حسرة
طلاب هذه الفانية أيضا فيقول 7 : « من كثر اشتباكه في الدنيا كان أشدّ لحسرته عند فراقها
» .
وأحسن ما مثل فيه
المنهمكين بالدنيا في قوله : « من تعلّق قلبه بالدنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال : همّ
لا يفنى ، وأمل لا يدرك ، ورجاء لا ينال » .
أقول : هذا نموذج
من كلامه عن الدنيا والمغرورين بها ، أرسله 7 إيقاظا للغافلين ، وتحذيرا من زخارفها الخدّاعة.
الرياء :
الرياء : طلب
المنزلة في قلوب الناس بخصال الخير أو ما يدلّ من الآثار عليها باللباس والهيئة
والحركات والسكنات ونحوها.
وهو من الكبائر
الموبقة والمعاصي المهلكة ، وقد تعاضدت الآيات والأخبار
__________________
على ذمّه. وقد ورد
عن الصادق 7 الكثير من الأحاديث في ذمّه وتنقص صاحبه ، فقال مرّة :
كلّ رياء شرك إنه من عمل للناس
كان ثوابه على الناس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله .
وقال اخرى في قوله
تعالى : « فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا » : الرجل يعمل
شيئا من الثواب لا يريد به وجه الله ، إنما يطلب تزكية الناس ، يشتهي أن تسمع به
الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه. ثمّ قال 7 : ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام حتّى يظهر الله له
خيرا ، وما من عبد يسرّ شرّا فذهبت به الأيام حتّى يظهر الله له شرّا » .
وقال طورا : « ما
يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا ، أليس يرجع الى نفسه فيعلم أن ليس كذلك ،
والله عزّ وجلّ يقول : « بل الانسان على نفسه بصيرة » إن السريرة اذا
صحّت قويت العلانية » .
أقول : ما أغلاها
كلمة ، لأن المرائي يرجع الى نفسه فيعرف أنه يظهر غير ما يضمر ، فيظهر ذلك على
أعماله من حيث يدري ولا يدري ، لأنه بالرجوع الى نفسه يشعر بهذا الضعف والخداع ولا
بدّ أن يبدو الضعف على عمله فيختلج فيه.
__________________
أمّا الذي توافق
عنده السرّ والعلن في الصلاح فإنه يكون قويّا في عمله لأنه مطمئنّ من نفسه شاعر
بقوّتها ، والشعور بالقوّة يسيطر على أقوال الإنسان وأفعاله.
وقال أيضا 7 : من أراد الله
بالقليل من عمله أظهر الله له اكثر ممّا أراد ، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في
تعب من بدنه ، وسهر من ليله ، أبى الله عزّ وجلّ إلاّ أن يقلّله في عين من سمعه.
وقال أيضا : ما
يصنع الانسان أن يعتذر بخلاف ما يعلم الله منه ، إن رسول الله 6 كان يقول : من
أسرّ سريرة ألبسه الله رداها إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا.
وقال 7 : إيّاك والرّياء
، فإنه من عمل لغير الله وكّله الله الى من عمل له .
أقول : هذه شذرات
من كلامه في الرياء ، أبان فيها عن سوء هذه النيّة الفاشلة ، وخيبة من يريد منها
رضى الناس ، فتفضحه الأيام فلا عمله زكّاه ولا حصل على ما رائى لأجله.
الظلم :
قبح الظلم بمعنى
الجور والاعتداء على الغير من أشهر ما تطابقت عليه آراء العقلاء وتسالمت عليه
العقول ، وهو من الواضحات التي لا يشكّ فيها واحد ، ولذا أنّ الله تعالى لمّا أراد
ذمّ الشرك واستهجانه ذمّه لأنه ظلم فقال : « إن الشرك لظلم عظيم » .
__________________
وقد وردت الآيات
والآثار الكثيرة في ذمّه وحرمته ومنها ما سيأتي عن إمامنا الصادق 7.
غير أنه يختلف
كثرة وقلّة ، وشدّة وضعفا ، كما دلّت عليه الآية ، ولذلك يقول 7 : ما من مظلمة
أشدّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلاّ الله.
أقول : وآية ذلك
أن الضعيف عاجز عن الانتصاف لنفسه ، فيكون الله تعالى نصيره والآخذ بحقّه ، وكيف
حال من كان الله خصمه والمنتصف منه ، وهذا مثل ما يروى عن زين العابدين 7 من قوله : إيّاك
وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلاّ الله .
ولا تحسبنّ أن
الظالم هو المباشر فقط ، بل كما قال أبو عبد الله 7 :
العامل بالظلم ،
والمعين له ، والراضي به ، كلّهم شركاء ثلاثتهم .
بل زاد على هؤلاء
الثلاثة بقوله 7 : من عذر ظالما بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، إن دعا لم
يستجب له ، ولم يؤجره الله على ظلامته.
ولشدّة قبح الظلم
يكون من لا ينوي الظلم مأجورا ، كما قال 7 : من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر الله له ما أذنب ذلك اليوم
، ما لم يسفك دما أو يأكل مال يتيم حراما.
ودخل عليه رجلان
في مداراة بينهما ومعاملة ، فلم يسمع لهما كلاما بل قال 7 : « أما إنه ما
ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم ، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم اكثر ممّا يأخذه
الظالم من مال المظلوم » ثمّ قال 7 : « من
__________________
يفعل الشرّ بالناس
فلا ينكر الشرّ إذا فعل به ، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع ، وليس يحصد أحد
من المرّ حلوا ، ولا من الحلو مرّا » فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.
أقول : ما أبلغها
عظة وما أصدق التمثيل ، غير أن النفوس طبعت على السوء وحبّ الاعتداء والغلبة فتعمى
عن مثل هذه الآثار ، وإلاّ كيف يأمل أحد أن يحصد الحلو من المرّ والخير من الشرّ ،
وهو نفسه لا يجازي المسيء بالإحسان والظلم بالصفح ، فكيف يرجو أن يكافأ وحده بغير
ما يعمل دون الناس؟
ودخل عليه زياد
القندي فقال 7 له : يا زياد ولّيت لهؤلاء؟
قال : نعم يا ابن
رسول الله 6 لي مروّة ، وليس وراء ظهري مال ، وإنّما اواسي اخواني من عمل السلطان ، فقال 7 : يا زياد أما
اذا كنت فاعلا ذلك ، فاذا دعتك نفسك الى ظلم الناس عند القدرة على ذلك فاذكر قدرة
الله عزّ وجلّ على عقوبتك ، وذهاب ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء ما أتيت الى نفسك
عليك والسلام .
أقول : إن الوالي
معرّض للظلم ، ولكن الله تعالى أقدر على عقوبة الظالم والانتصاف منه ، ويستطيع أن
يذهب عن المظلوم الظلامة وإرجاعها على الظالم ، فلو أن الانسان ساعة يريد الظلم
يخطر هذه الحقائق بباله لكفّ عمّا أراد ،
__________________
وهذه أجمل الوسائل
للارتداع عن الظلم.
ولعظم جريمة الظلم
عند الله سبحانه يستجيب دعوة المظلوم على ظالمه كما قال أبو عبد الله 7 : اتقوا الظلم ،
فإن دعوة المظلوم تصعد الى السماء .
أقول : إن صعود
الدعوة الى السماء كناية عن الإجابة وعدم الردّ.
المؤمن :
الإيمان بكلّ شيء
هو تمكّن العقيدة من النفس ، فيخلص لها ويتفانى في سبيلها ، لأن العقيدة اذا
تمكّنت من الانسان تكون جزء لا يتجزأ من نفسه لا ينفكّ عنها ، بل هي نفسه حقيقة ،
فاذا جاز أن يتخلّى الانسان عن نفسه ولا يخلص لها ، جاز أن يتخلّى عن عقيدته ولا
يخلص لها.
والعقيدة الدينيّة
خاصّة ـ بالاستقراء ـ ولا سيّما الإيمان بالله أقوى من كلّ عقيدة تمكّنا من النفس
، فاذا عرف الانسان ربّه مؤمنا بقدرته وتدبيره وعدله لا بدّ أن يكون مستهينا بجميع
شهوات الدنيا غير حافل بحوادثها ، ولا بدّ أن يتّصف بالخصال التي سنقرؤها عن
الصادق 7 التي ينبغي أن يتّصف بها المؤمن.
ومن رأيته لا يتحلّى
بها فاعلم أنه ليس بمؤمن حقا ، أو أنه ضعيف الإيمان لم تتمكّن العقيدة من نفسه.
قال أبو عبد الله 7 في صفة المؤمن :
ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقورا عند الهزاهز ، صبورا عند البلاء ،
شكورا عند الرخاء ، قانعا بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ، ولا يتحامل للأصدقاء
، بدنه منه في تعب ،
__________________
والناس منه في
راحة.
ثمّ قال : إن
العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أخوه ، واللين
والده .
أقول : إن الانسان
إلاّ ما ندر يجد نفسه على جانب كبير من فاضل الصفات من أجل حبّه لذاته ورضاه عن
نفسه فيتعامى عن عيوبها.
وفي الحقيقة إنّ
هذا أوّل الرذائل ، بل مبدأ كلّ رذيلة ، ولكنه اذا قرأ أمثال هذه الكلمات عن صادق
أهل البيت في صفة المؤمن متدبّرا فيها وفاحصا بحرّيّة وإخلاص عمّا عليه ذاته من
الأخلاق والصفات لا بدّ أن يتطامن ويسخط على نفسه بعد عرفانها ، ثمّ لا بدّ أن
يعرف لما ذا قال الله تعالى : « وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين » .
وقال 7 أيضا : المؤمن له
قوّة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في فقه ، ونشاط في هدى ، وبرّ
في استقامة ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حق ، وقصد في غنى ، وتجمّل في
فاقة ، وعفو في مقدرة ، وطاعة لله في نصيحة ، وانتهاء في شهوة ، وورع في رغبة ،
وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبر في شدّة ، في الهزاهز وقور ، وفي الرخاء شكور
، لا يغتاب ، ولا يتكبّر ، ولا يقطع الرحم ، وليس بواهن ، ولا فظ ، ولا غليظ ، ولا
يسبقه بصره ، ولا يفضحه بطنه ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يحسد الناس ، ولا يعيّر ولا يعيّر ، ولا يسرق ،
ينصر المظلوم ، ويرحم المسكين ، نفسه منه في عناء ، والناس
__________________
منه في راحة ، لا
يرغب في عزّ الدنيا ، ولا يجزع من ذلّها ، للناس همّ قد أقبلوا عليه ، وله همّ قد
شغله ، لا يرى في حكمه نقص ، ولا في رأيه وهن ، ولا في دينه ضياع ، يرشد
من استشاره ، ويساعد من ساعده ، ويكيع عن الخناء والجهل .
أقول : أترى أن
إمام المؤمنين الصادق 7 يعني بهذا الوصف الأئمة من أهل البيت ، وإلاّ فأين يوجد
مثل هذا المؤمن الكامل؟ وهل عرف مؤمن من المسلمين على مثل هذه الصفة وإن كان الأحرى
بكلّ من يدّعي الايمان بالله ورسوله حقّا أن يكون متحلّيا بهذه الخصال الحميدة ،
ولكن « وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين » .
وقال 7 أيضا : لا يكون
المؤمن مؤمنا حتّى يكون كامل العقل ، ولا يكون كامل العقل حتّى تكون فيه عشر خصال
: الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، يستقلّ كثير الخير من نفسه ، ويستكثر قليل
الخير من غيره ، ويستكثر قليل الشرّ من نفسه ، ويستقلّ كثير الشرّ من غيره ، ولا
يتبرّم بطلب الحوائج قبله ، ولا يسأم من طلب العلم عمره ، الذلّ أحبّ إليه من العز ، والفقر أحبّ
إليه من الغنى ، حسبه من الدنيا القوت ، والعاشرة وما العاشرة لا يلقي أحدا إلاّ
__________________
قال هو خير مني
وأتقى ، إنما الناس رجلان ، رجل خير منه وأتقى ، ورجل شرّ منه وأدنى ، فإذا لقي
الذي هو خير منه تواضع له ليلحق به ، وإذا لقي الذي هو شرّ منه وأدنى قال لعلّ شرّ
هذا ظاهر وخيره باطن فاذا فعل ذلك علا وساد أهل زمانه .
عظاته في امور شتّى :
ومن بليغ عظاته
الجميل وقعها في النفس قوله 7 وقد سأله رجل أن يعلّمه موعظة :
« إن كان الله قد
تكفّل بالرزق فاهتمامك لما ذا ، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لما ذا ، وإن كان
الحساب حقا فالجمع لما ذا ، وإن كان التواب عن الله حقا فالكسل لما ذا ، وإن كان
الخلف من الله عزّ وجلّ حقا فالبخل لما ذا ، وإن كان العقوبة من الله عزّ وجلّ
النار فالمعصية لما ذا ، وإن كان الموت حقا فالفرح لما ذا ، وإن كان العرض على
الله حقا فالمكر لما ذا ، وإن كان الشيطان عدوّا فالغفلة لما ذا ، وإن كان الممرّ
على الصراط حقا فالعجب لما ذا ، وإن كلّ شيء بقضاء وقدر فالحزن لما ذا ، وإن كانت
الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لما ذا ».
أقول : كلّ هذا
إنكار على الانسان في اتصافه بتلك الصفات غير المحمودة من الاهتمام والحرص والجمع
والكسل الى آخرها مع علمه ومعرفته بأن الله تعالى متكفّل بالرزق وأنه مقسوم وأن
الحساب حقّ ... إلى آخر ما ذكره الامام
__________________
7.
ولكن الذي أوقع
الناس في تلك السيّئات مع علمهم ومعرفتهم هو حبّهم لنفوسهم وتغلّب شهواتهم على
عقولهم.
ومن بديع مواعظه
قوله 7 : إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة ، من يزرع خيرا يحصد
غبطة ، ومن يزرع شرّا يحصد ندامة ، ولكلّ زارع زرع ، لا يسبق البطيء منكم حظّه ،
ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، من اعطي خيرا فالله أعطاه ، ومن وقي شرا فالله وقاه
.
و ( منها ) قوله 7 : تأخير التوبة
اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن
لمكر الله ، ولا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون .
و ( منها ) قوله 7 : من اتقى الله
وقاه ، ومن شكره زاده ، ومن أقرضه جزاه .
و ( منها ) قوله
لأبي بصير : أما تحزن؟ أما تهتمّ؟ أما تتألّم؟ قال : بلى ، قال 7 : اذا كان ذلك
منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك ، وسيلان عينيك على خدّيك ، وتقطّع أوصالك ، وأكل
الدود من لحمك ، وبلاك وانقطاعك عن الدنيا ، فإن ذلك يحثّك على العمل ويردعك عن
كثير من الحرص على الدنيا .
أقول : إن هذه
الفكرة لو تمثلها الانسان في نفسه لكانت اكبر رادع عن
__________________
ارتكاب الموبقة ،
وأعظم دافع على اكتساب الطاعة ، وكيف يحرص على الدنيا ويقترف السيّئة ولا يأتي
بالحسنة من يتمثل له تلك الحال الفظيعة في قبره التي لو شاهدها المرء لجزع من هذه
الحياة ، ولمقت حتّى نفسه.
و ( منها ) قوله 7 : ليس من أحد وإن
ساعدته الامور بمستخلص غضارة عيش إلاّ من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة
الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت .
أقول : إن هذا
الكلم من أبلغ الجمل الحكيمة المعبّرة عن حقائق الكون الواقعيّة ، أمّا القسم
الأول وهو غضارة العيش فإن كلّ منّا يستطيع أن يجرّب في نفسه وفي غيره أن الدعة
والغضارة لا تتمّ لنا خالصة من النكد والتنغيص مهما بلغت سلطتنا أو مقدرتنا
الماليّة ، والسرّ أن الإنسان يعجز أبدا من اشباع كلّ شهواته ، وان واتته الحياة
الدنيا ، وكذلك « الجنّة حفّت بالمكاره ».
وأمّا فيما يتعلّق
بالقسم الثاني وهو « الفرصة » فإنها لا تمرّ على الإنسان إلاّ باجتماع آلاف
الأسباب الخارجة عن اختياره فاذا مرّت وانتظر استقصاءها ففاتت عليه أي أنه لم يعمل
السبب الأخير وهو اختياره وإرادته الجازمة فإنه على الأغلب لا يواتيه اجتماع
الأسباب مرّة اخرى في نظام الكون وجمعها ثانيا ليس تحت اختياره ، ولأجل هذا سمّيت
فرصة ، فعلى الحازم الكيّس أن ينتهزها عند سنوحها.
و ( منها ) قوله 7 : إن المنافق لا
يرغب فيما سعد به المؤمنون ، فالسعيد
__________________
يتّعظ بموعظة
التقوى ، وإن كان يراد بالموعظة غيره .
هذه عقود من نفائس
عظاته حلينا بها هذا السفر عسى أن يسعدنا الحظّ بالأخذ بها والعمل بنصائحها ، ومن
هذه العظات تعرف موقفه 7 من النصح للامّة واهتمامه بحملهم على المحجّة البيضاء
إصلاحا لهم وتزكية لنفوسهم.
* * *
__________________
٣ ـ وصاياه
إن قيمة المرء
الاجتماعيّة بما يصنعه للمجتمع من خير ، كما أن قيمته الذاتيّة بما يحسنه ، ولو لم
يكن للصادق 7 إلاّ ما اخترناه من كلامه لكفى به دلالة على مقامه العلمي الإلهي وعلى
اهتمامه بإصلاح الامّة ، وقد قرأت شطرا من مواعظه ، وهنا نقرؤك شيئا من وصاياه ،
وستجد فيها جهد ما يبلغه رعاة الامم الربّانيّون وهداتها من الإرشاد الى مواطن
الخير والرفق في الدعوة والإخلاص في التوجيه.
وصيّته لابنه الكاظم :
دخل عليه بعض
شيعته وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه ، فكان ممّا أوصاه به أن قال :
يا بني اقبل
وصيّتي ، واحفظ مقالتي ، فإنّك إن حفظتها تعش سعيدا ، وتمت حميدا ، يا بني إنّ من
قنع استغنى ، ومن مدّ عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسمه
الله له اتّهم الله في قضائه ، ومن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره ، يا بني من
كشف حجاب غيره انكشف عورته ، ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط
فيها ، ومن داخل السفهاء
حقّر ، ومن خالط
العلماء وقّر ، ومن دخل مداخل السوء اتّهم ، يا بني قل الحقّ لك أو عليك ، وإيّاك
والنّميمة فإنّها تزرع الشحناء في قلوب الرجال ، يا بني إذا طلبت الجود فعليك
بمعادنه ، فإنّ للجود معادن ، وللمعادن أصولا ، وللاصول فروعا ، وللفروع ثمرا ،
ولا يطيب ثمر إلاّ بفرع ، ولا أصل ثابت إلاّ بمعدن طيّب ، يا بني إذا زرت فزر
الأخيار ، ولا تزر الأشرار ، فإنّهم صخرة صمّاء لا ينفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضّر
ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها .
أقول : وقد جاء
بعض هذه الفقرات في نهج البلاغة ، ولا بدع فإن علمهم بعضه من بعض ، ولعلّ الصادق 7 ذكرها استشهادا
أو اقتباسا.
وصيّته لأصحابه :
بعد البسملة :
أمّا بعد فاسألوا الله ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم
بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ، واتقوا الله وكفّوا ألسنتكم
إلاّ من خير ، وإيّاكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ، فإنكم إن
كففتم ألسنتكم عمّا يكرهه الله ممّا نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربّكم من أن
تذلقوا ألسنتكم به ، فإن ذلق اللسان فيما يكرهه الله وفيما ينهي عنه مرداة للعبد
عند الله ، ومقت من الله ، وصمم وبكم وعمي يورثه الله إيّاه يوم القيامة ، فتصيروا
كما قال الله : « صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون » يعني لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ، وعليكم بالصمت
إلاّ فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويؤجركم عليه ، اكثروا من أن تدعوا الله
فإن
__________________
الله يحب من عباده
المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة ، والله مصيّر دعاء المؤمنين
يوم القيامة عملا يزيدهم في الجنّة ، فاكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلّ ساعة من
ساعات الليل والنّهار ، فإن الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر من ذكره من
المؤمنين ، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلاّ ذكره بخير ،
فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ، فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده
إلاّ بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه ، قال في كتابه
وقوله الحق : « وذروا ظاهر الإثم وباطنه » واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرّمه.
ولا تتبعوا
أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ، فإن أضلّ النّاس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى
من الله ، وأحسنوا الى أنفسكم ما استطعتم ، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم
فلها ، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه
وصنع به على ما أحبّ وكره ، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلاّ ما هو أهله ،
وهو خير له ممّا أحبّ وكره.
وعليكم بالمحافظة
على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمن في كتابه
من قبلكم.
وإيّاكم والعظمة
والكبر ، فإن الكبر رداء الله عزّ وجلّ ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّة
يوم القيامة ، وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها ليست من خصال الصالحين ، فإن
من بغى صيّر الله بغيه على نفسه ، وصارت نصرة الله لمن بغى عليه ، ومن نصره الله
غلب ، وأصاب الظفر من الله ، وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فإن الكفر أصله الحسد ، وإيّاكم أن
تعينوا على مسلم مظلوم ،
__________________
فيدعو الله عليكم
فيستجاب له فيكم ، فإن أبانا رسول الله 6 كان يقول : إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ، وليعن بعضكم
بعضا ، فإن أبانا رسول الله 6 كان يقول : إن معاونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر
واعتكافه في المسجد الحرام.
واعلموا إنّ
الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو الاسلام ، فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا
إسلام له ، ومن سرّه أن يبلغ الى نفسه في الإحسان فليطع الله ، فإن من أطاع الله
فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان ، وإيّاكم ومعاصي الله أن ترتكبوها ، فإنه من انتهك
معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة
منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنّة ولأهل الإساءة عند ربّهم النار ، فاعملوا
لطاعة الله واجتنبوا معاصيه.
أقول : وهذه
الوصيّة طويلة وقد اقتطفنا منها هذه الزهر النفّاحة ، وهي مرويّة في بدء روضة
الكافي للكليني طاب ثراه ، وقال : وقد كتب بها الصادق 7 إلى أصحابه ،
وأمرهم بمدارستها والنظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد
بيوتهم ، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
أجل هكذا يجب أن
نتعاهد مثل هذه الوصيّة فإن فيها جماع مكارم الأخلاق العالية.
وصيّته لعبد الله بن جندب :
عبد الله بن جندب
البجلي الكوفي صحب الصادق والكاظم والرضا : ، وتوكّل للكاظم والرضا ، وكان عابدا رفيع المنزلة عندهما
، روى الكشي في رجاله أنه قال لأبي الحسن 7 : ألست عنّي راضيا؟ قال : اي والله ، ورسول الله والله راض.
وقد أوصاه الصادق
بوصيّة جمعت نفائس من العظات والنصائح ، التقطنا منها الشذرات الآتية ، قال 7 :
يا ابن جندب ،
يهلك المتّكل على عمله ، ولا ينجو المجتري على الذنوب برحمة الله ، قال : فمن ينجو؟
قال : الذين هم بين الخوف والرجاء كأن قلوبهم في مخلب طائر ، شوقا إلى الثواب
وخوفا من العذاب.
يا ابن جندب ، من
سرّه أن يزوّجه الله من الحور العين ويتوجّه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن
السرور.
يا ابن جندب ، إن
للشيطان مصائد يصطاد بها ، فتحاموا شباكه ومصائده ، قال : يا ابن رسول الله 6 وما هي؟ قال :
أمّا مصائده فصدّ عن برّ الاخوان ، وأمّا شباكه فنوم عن أداء الصلاة التي فرضها
الله ، أما أنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام الى برّ الاخوان وزيارتهم ، ويل
للساهين عن الصلاة النائمين في الخلوات المستهزئين بالله وآياته في القرآن ، اولئك
الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب
أليم.
يا ابن جندب ،
الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحّط بدمه في
سبيل الله يوم بدر واحد ، وما عذّب الله أمّة إلاّ عند استهانتهم بحقوق فقراء
إخوانهم.
يا ابن جندب ، إن
أحببت أن تجاور الجليل في داره ، وتسكن الفردوس في جواره ، فلتهن عليك الدنيا ،
واجعل الموت نصب عينيك ، ولا تدّخر لغد ، واعلم أنّ لك ما قدّمت ، وعليك ما أخّرت.
يا ابن جندب ، من
حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوّه ، ومن يتّق الله
يكفه ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته ، ويحفظ له ما غاب عنه ، وقد عجز من لم يعدّ
لكلّ بلاء صبرا ، ولكلّ نعمة شكرا ، ولكلّ عسر
يسرا ، اصبر نفسك
عند كلّ بليّة ، وفي ولد أو مال أو ذريّة ، فإنما يقبض عاريته ، ويأخذ هبته ،
ليبلو فيهما شكرك وصبرك ، وارج الله رجاء لا يجرّئك على معصيته ، وخفه خوفا لا
يؤيسك من رحمته ولا تغترّ بقول الجاهل ولا بمدحة فتكبر وتجبر وتغترّ بعملك ، فإن
أفضل العمل العبادة والتواضع ، ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك
، واقنع بما قسمه الله لك ، ولا تنظر إلاّ ما عندك ، ولا تتمنّ ما لست تناله ، فإن
من قنع شبع ، ومن لم يقنع لم يشبع ، وخذ حظّك من آخرتك ، ولا تكن بطرا في الغنى ،
ولا جزعا في الفقر ، ولا تكن فظّا غليظا يكره الناس قربك ، ولا تكن واهنا يحقرك من
عرفك ، ولا تشارّ من فوقك ، ولا تسخر بمن هو دونك ، ولا تنازع الأمر أهله ،
ولا تطع السفهاء ، وقف عند كلّ أمر حتّى تعرف مدخله ومخرجه قبل أن تقع فيه فتندم ،
واجعل نفسك عدوّا تجاهده ، وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنّ
والذكر لها ، ولكن اتبعها بأفضل منها ، فإن ذلك أجمل في أخلاقك وأوجب للثواب في
آخرتك ، وعليك بالصمت نعدّ حليما ، جاهلا كنت أو عالما ، فإن الصمت زين عند
العلماء وسترة لك عند الجهّال.
ومن هذه الوصية
حكايته لكلام عيسى 7 لأصحابه وهو قوله :
وإيّاكم والنظرة
فإنها تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة ، طوبى لمن جعل بصره في قلبه
، ولم يجعل بصره في عينه ، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبهم
كهيئة العبيد ، إنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا المبتلى ، واحمدوا الله على
العافية.
__________________
ثمّ قال 7 : يا ابن جندب ،
صل من قطعك ، واعط من حرمك ، وأحسن الى من أساء إليك ، وسلّم على من سبّك ، وانصف
من خاصمك ، واعف عمّن ظلمك كما أنك تحبّ أن يعفي عنك ، فاعتبر بعفو الله عنك ، ألا
ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجّار ، وأن قطره ينزل على الصالحين والخاطئين.
يا ابن جندب ،
الاسلام عريان فلباسه الحياء ، وزينته الوقار ، ومروّته العمل الصالح ، وعماده
الورع ، ولكلّ شيء أساس وأساس الاسلام حبّنا أهل البيت .
أقول : ما أجمع
هذه الوصيّة لجلائل الحكم ونفائس المواعظ ، ولا تمرّ عليك وصيّة ولا عظة إلاّ
وحسبت عندها منتهى البلاغة وأقصى التذكير والتنبيه ، وتقول : هل وراءها من قول ،
وإن أمثال هذه الوصايا جديرة بالتعليق والشرح إلاّ انّ ذلك أبعد عن الغاية ، فنوكل
التدبّر بها الى القارئ الكريم.
وصيّته لعبد الله النجاشي في كتابه :
قال عبد الله بن
سليمان النوفلي : كنت عند جعفر بن محمّد الصادق 7 ، فاذا بمولى لعبد الله النجاشي ورد عليه فسلّم وأوصل إليه
كتابا ففضّه وقرأه ، فاذا أوّل سطر فيه.
بسم الله الرحمن
الرحيم ، أطال الله بقاء سيّدي وجعلني من كلّ سوء فداه ، إني بليت بولاية الأهواز
فإن رأى سيّدي أن يحدّ لي حدّا أو يمثل لي مثلا لأستدلّ
__________________
به على ما يقرّبني
الى الله جلّ وعزّ والى رسوله ، ويلخّص في كتابه ما يرى لي العمل به وفيما يبذله
وأبتذله ، وأين أضع زكاتي ، وفيمن أصرفها ، وبمن آنس ، والى من أستريح ، ومن أثق
وآمن وألجأ إليه في سرّي ، فعسى أن يخلّصني الله بهدايتك ودلالتك ، فإنك حجّة الله
على خلقه ، وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك.
قال عبد الله بن
سليمان : فأجابه أبو عبد الله 7 :
بسم الله الرحمن
الرحيم ، جاملك الله بصنعه ، ولطف بك بمنّه ، وكلأك برعايته ، فإنه وليّ ذلك ،
أمّا بعد فقد جاء إليّ رسولك بكتابك فقرأته وفهمت جميع ما ذكرته وسألت عنه وزعمت
أنك بليت بولاية الأهواز فسرّني ذلك وساءني ، فأمّا سروري بولايتك فقلت : عسى أن
يغيث الله بك ملهوفا من أولياء آل محمّد 6 ويعزّبك ، وساءني من ذلك فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر
بوليّ لنا فلا تشمّ حظيرة القدس.
فإني ملخّص لك
جميع ما سألت عنه إن أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالى ،
أخبرني أبي عن آبائه عن علي بن أبي طالب : عن رسول الله 6 أنه قال : من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه
الله لبّه ، واعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلّصت ممّا أنت متخوّفه ،
واعلم أن خلاصك ونجاتك من حقن الدماء وكفّ الأذى من أولياء الله والرفق بالرعيّة
والتأني وحسن المعاشرة ، مع لين في غير ضعف ، وشدّة في غير عنف ، ومداراة صاحبك
ومن يرد عليك من رسله ، وارتق فتق رعيّتك بأن توافقهم على ما وافق الحقّ والعدل إن
شاء الله.
إيّاك والسعاة
وأهل النمائم فلا يلتزقن منهم بك أحد ، ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم
صرفا ولا عدلا فيسخط الله عليك ويهتك سترك.
فأمّا من تأنس به
وتستريح إليه وتلج امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك على
دينك ، وميّز عوامك وجرّب الفريقين فإن رأيت هنالك رشدا فشأنك وإيّاه.
وإيّاك أن تعطي
درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابّة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو ممتزح
إلاّ أعطيت مثله في ذات الله.
ولتكن جوائزك
وعطاياك وخلعك للقوّاد والرسل والأحفاد وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والأخماس ،
وما أردت أن تصرفه في وجوه البرّ والنجاح والفتوّة والصدقة والحجّ والمشرب والكسوة
التي تصلّي فيها وتصل بها والهديّة التي تهديها الى الله عزّ وجلّ والى رسوله 6 من أطيب كسبك.
يا عبد الله ،
اجهد ألاّ تكنز ذهبا ولا فضّة فتكون من أهل هذه الآية التي قال الله عزّ وجلّ : «
الذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله » .
ولا تستصغرن من
حلو أو فضل طعام تصرفه في بطون خالية ليسكن بها غضب الله تبارك وتعالى ، واعلم أني
سمعت من أبي يحدّث عن آبائه عن أمير المؤمنين 7 أنه سمع النبي 6 يقول يوما : ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا
وجاره جائع ، فقلنا : اهلكنا يا رسول الله ، فقال : من فضل طعامكم ومن فضل تمركم
ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفون بها غضب الرب.
فخرج أمير
المؤمنين من الدنيا وليس في عنقه تبعة لأحد حتّى لقي الله محمودا غير ملوم ولا
مذموم ، ثمّ اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم ، لم يتلطّخوا
__________________
بشيء من بوائقها
صلوات الله عليهم أجمعين وأحسن مثواهم.
وقد وجّهت إليك
بمكارم الدنيا والآخرة ، فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثمّ كانت عليك من
الذنوب والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله أن يتحامى عنك جلّ
وعزّ بقدرته.
يا عبد الله إيّاك
أن تخيف مؤمنا فإن أبي محمّد حدّثني عن أبيه عن جدّه علي بن أبي طالب : أنه كان يقول :
من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ، وحشره في صورة
الذرّ لحمه وجسده وجميع أعضائه حتّى يورده مورده.
وحدّثني أبي عن
آبائه عن علي عن النبي 6 أنه قال : من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا
ظلّ إلاّ ظلّه ، وآمنه الله يوم الفزع الاكبر ، وآمنه عن سوء المنقلب ، ومن قضى
لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحداها الجنّة ، ومن كسا أخاه المؤمن
من عري كساه الله من سندس الجنّة واستبرقها وحريرها ، ولم يزل يخوض في رضوان الله
ما دام على المكسو منها سلك ، ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيّبات الجنّة ،
ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من
الولدان المخلّدين وأسكنه مع أوليائه الطاهرين ، ومن حمل أخاه المؤمن من رحله حمله
الله على ناقة من نوق الجنّة وباهى به الملائكة المقرّبين يوم القيامة ، ومن زوّج
أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشدّ عضده ويستريح إليها زوّجه الله من الحور العين ،
وآنسه بمن أحبّ من الصدّيقين من أهل بيته واخوانه وآنسهم به.
ومن أعان أخاه
المؤمن على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلزلة الأقدام ، ومن زار
أخاه المؤمن إلى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوّار الله ، وكان حقيقا على الله
أن يكرم زائره.
يا عبد الله
وحدّثني أبي عن آبائه عن علي 7 أنه سمع من رسول الله 6 يقول لأصحابه يوما ، معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من لعن
بلسانه ولم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين ، فإنه من اتبع عثرة مؤمن اتبع
الله عثراته يوم القيامة وفضحه في جوف بيته.
وحدّثني أبي عن
علي 7 قال : أخذ الله في ميثاق المؤمن ألاّ يصدّق في مقالته ، ولا
ينتصف من عدوّه ، ولا يشفي غيظه إلاّ بفضيحة نفسه ، لأن كلّ مؤمن ملجم ، وذلك
لغاية قصيرة وراحة طويلة.
أخذ الله ميثاق
المؤمن على أشياء أيسرها مؤمن مثله يقول بمقالته يتعبه ويحسده ، والشيطان يغويه
ويعينه ، والسلطان يقفو أثره ويتبع عثراته ، وكافر بالذي هو مؤمن به يرى سفك دمه
دينا ، وإباحه حريمه غنما ، فما بقاء المؤمن بعد هذا.
يا عبد الله
وحدّثني أبي عن آبائه عن علي 7 عن النبي 6 قال : نزل جبرئيل 7 فقال : يا محمّد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول : اشتققت
للمؤمن اسما من أسمائي سمّيته مؤمنا فالمؤمن منّي وأنا منه ، من استهان بمؤمن فقد
استقبلني بالمحاربة.
يا عبد الله
وحدّثني أبي عن آبائه : عن علي 7 عن النبي 6 أنه قال يوما : يا علي لا تناظر رجلا حتّى تنظر في سريرته
، فإن كانت سريرته حسنة فانّ الله عزّ وجلّ لم يكن ليخذل وليّه ، وإن كانت سريرته
رديّة فقد يكفيه مساويه ، فلو جهدت أن تعمل به اكثر ممّا عمله من معاصي الله عزّ
وجلّ ما قدرت عليه.
__________________
يا عبد الله
وحدّثني أبي عن آبائه عن علي 7 عن النبي 6 أنه قال : أدنى الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة
ليحفظها عليه يريد أن يفضحه بها ، اولئك لا خلاق لهم.
يا عبد الله
وحدّثني أبي عن آبائه عن علي 7 أنه قال : من قال في مؤمن ما رأت عيناه وسمعت اذناه ما
يشينه ويهدم مروّته فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ ( إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ
).
يا عبد الله
وحدّثني أبي عن آبائه عن علي 7 أنه قال : من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم
مروّته وثلبه أو بقه الله بخطيئته حتّى يأتي بمخرج ممّا قال ، ولن يأتي بالمخرج
منه أبدا ، ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على أهل البيت : سرورا ، ومن أدخل
على أهل البيت سرورا فقد أدخل على رسول الله 6 سرورا ، ومن أدخل على رسول الله سرورا فقد سرّ الله ،
فحقيق عليه أن يدخله الجنّة حينئذ.
ثمّ إنّي اوصيك
بتقوى الله وإيثار طاعته والاعتصام بحبله ، فإنه من اعتصم بحبل الله فقد هدي الى
صراط مستقيم ، فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه وهواه ، فإنّه وصيّة الله عزّ
وجلّ الى خلقه ، لا يقبل منهم غيرها ولا يعظّم سواها ، واعلم أن الخلائق لم يوكلوا
بشيء أعظم من التقوى فإنّه وصيّتنا أهل البيت ، فإن استطعت ألاّ تنال شيئا من
الدنيا تسأل عنه غدا فافعل.
قال عبد الله بن
سليمان : فلمّا وصل كتاب الصادق 7 الى النجاشي نظر فيه فقال : صدق والله الذي لا إله إلاّ هو
مولاي ، فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلاّ نجا فلم يزل عبد الله يعمل به في أيام
حياته .
__________________
فكّر أيها القارئ
الكريم في هذه النصائح القدسيّة ، وأعد النظر في فقراتها ، وانظر ما ذا سيبلغه
البشر من نهاية السعادة لو وضع الامراء وأرباب الدولة هذا الكتاب نصب أعينهم ،
ودرج عليه الناس في معاملاتهم بعضهم مع بعض ، ولكن البشر لا يزال في سكرته لا
يستيقظ لسماع مثل هذه المواعظ.
ومن وصاياه لشيعته :
قال زيد الشحّام :
قال لي أبو عبد الله 7 : اقرأ من ترى أنه يطيعني منكم ويأخذ بقولي السلام ،
واوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ،
وأداء الأمانة ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمّد 6.
أدّوا الأمانة الى
من ائتمنكم عليها برّا أو فاجرا ، فإن رسول الله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط ،
صلوا عشائركم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم
اذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا جعفري ،
ويسرّني ذلك ، ويدخل عليّ منه السرور ، وقيل : هذا أدب جعفر ، وإذا كان غير ذلك
دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل : هذا أدب جعفر ، فو الله لحدّثني أبي أن الرجل كان
يكون في القبيلة من شيعة علي 7 فيكون زينها ، أدّاهم للأمانة ، وأقضاهم للحقوق ، وأصدقهم
للحديث ، إليه وصاياهم وودائعهم ، تسأل العشيرة عنه ، ويقولون :
من مثل فلان؟ إنّه
أدّانا للأمانة ، وأصدقنا للحديث .
__________________
وصيّته لمؤمن الطاق :
نقتطف من وصيّته
لمؤمن الطاق زهرا غضّة ، قال 7 : يا ابن النعمان إيّاك والمراء فإنه يحبط عملك ، وإيّاك
والجدال فإنه يوبقك ، وإيّاك وكثرة الخصومات فإنها تبعد من الله ، إن من كان قبلكم
يتعلّمون الصمت وأنتم تتعلّمون الكلام ، كان أحدهم اذا أراد التعبّد يتعلّم الصمت
قبل ذلك بعشر سنين ، فإن كان يحسنه ويصير عليه تعبّد ، وإلاّ قال : ما أنا لما
أروم بأهل ، إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء ، وصبر في دولة الباطل على الأذى
، اولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون ، والله لو قدّم أحدكم ملء
الأرض ذهبا على الله ثمّ حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب ممّا يكوى به في النار.
يا ابن النعمان من
سئل عن علم فقال : لا ادري فقد ناصف العلم ، والمؤمن يحسد في مجلسه فإذا قام ذهب
عنه الحقد.
يا ابن النعمان إن
أردت أن يصفو لك ودّ أخيك فلا تمازحنّه ولا تمارينّه ولا تباهينّه ولا تشارنّه ولا تطلع صديقك
من سرّك إلاّ على ما لو اطّلع عليه عدوّك لم يضرّك ، فإن الصديق قد يكون عدوّك
يوما.
يا ابن النعمان
ليست البلاغة بحدّة اللسان ، ولا بكثرة الهذيان ، ولكنها أصابة المعنى وقصد الحجّة
.
وصيّته لحمران بن أعين :
قال 7 : يا حمران انظر
الى من هو دونك ، ولا تنظر إلى من هو
__________________
فوقك في المقدرة
فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك ، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربّك ، واعلم أن العمل
الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين ، واعلم أنه
لا ورع أنفع من تجنّب محارم الله والكفّ عن أذى المؤمنين واغتيابهم ، ولا عيش أهنأ
من حسن الخلق ، ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي ، ولا جهل أضرّ من العجب .
وصيّته للمفضّل بن عمر :
قال 7 للمفضّل بن عمر :
اوصيك ونفسي بتقوى الله وطاعته ، فإن من التقوى الطاعة والورع والتواضع لله
والطمأنينة والاجتهاد والأخذ بأمره والنصيحة لرسله ، والمسارعة في مرضاته ،
واجتناب ما نهى عنه ، فإن من يتّق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله وأصاب
الخير كلّه في الدنيا والآخرة ومن أمر بتقوى الله فقد أفلح الموعظة جعلنا الله من
المتّقين برحمته .
وصيّته لجميل بن درّاج :
قال 7 لجميل بن درّاج :
خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ، ومن صالح الأعمال البرّ بالاخوان والسعي في
حوائجهم ، وذلك مرغمة للشيطان وتزحزح عن النيران ، ودخول في الجنان ، يا جميل اخبر
بهذا الحديث
__________________
غرر أصحابك قال :
فقلت له : جعلت فداك ومن غرر أصحابي؟ قال 7 : هم البارّون بالاخوان في العسر واليسر.
قال : يا جميل أما
أن صاحب الجميل يهون عليه ذلك ، وقد مدح الله عزّ وجلّ صاحب القليل فقال : «
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فاولئك هم المفلحون » .
وصيّته للمعلّى بن خنيس :
قال للمعلّى بن
خنيس وقد أراد سفرا : يا معلّى أعزز بالله يعززك ، قال : بما ذا يا ابن رسول الله 6؟ قال 7 : يا معلّى خف
الله تعالى يخف منك كلّ شيء ، يا معلّى تحبّب الى اخوانك بصلتهم ، فإن الله تعالى
جعل العطاء محبّة ، والمنع مبغضة ، فأنتم والله إن تسألوني وأعطيكم أحبّ إليّ من
ألاّ تسألوني فلا أعطيكم فتبغضوني ، ومهما أجرى الله عزّ وجل لكم من شيء على يدي
فالمحمود هو الله تعالى ولا تبعدون من شكر ما أجرى الله لكم على يدي .
وصيّته لسفيان الثوري :
قال سفيان : لقيت
الصادق ابن الصادق جعفر بن محمّد 8 ، فقلت : يا ابن رسول الله أوصني ، فقال لي : يا سفيان لا
مروّة لكذوب ، ولا أخ
__________________
لملول ، ولا راحة
لحسود ، ولا سؤدد لسيّئ الخلق.
فقلت : يا ابن
رسول الله 6 زدني ، فقال لي : يا سفيان ثق بالله تكن مؤمنا ، وارض بما قسم الله لك تكن
غنيّا ، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما ، ولا تصحب الفاجر يعلّمك من فجوره ،
وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّ وجل.
فقلت : يا ابن
رسول الله 6 : زدني ، فقال لي : يا سفيان من أراد عزّا بلا عشيرة ، وغنى بلا مال : وهيبة
بلا سلطان فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته .
وقال للصادق مرّة
: لا أقوم حتّى تحدّثني ، قال له : أنا أحدّثك وما كثرة الحديث لك بخير ، يا سفيان
اذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فاكثر من الحمد والشكر عليها ،
فإن الله عزّ وجلّ قال في كتابه : « لئن شكرتم لأزيدنكم » واذا استبطأت
الرزق فاكثر من الاستغفار فإن الله تعالى قال في كتابه : « استغفروا ربّكم إنه كان
غفّارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم
أنهارا » .
يا سفيان اذا
أحزنك أمر من سلطان أو غيره فاكثر من : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، فإنها مفتاح
الفرج وكنز من كنوز الجنّة ، فعقد سفيان بيده وقال : ثلاث وأيّ ثلاث .
__________________
وصيّته لعنوان البصري :
كان عنوان البصري
يختلف الى مالك بن أنس فأحبّ أن يأخذ عن الصادق 7 فلمّا ورد عليه قال له الصادق 7 : إني رجل مطلوب
ومع ذلك لي أوراد في كلّ ساعة من آناء الليل والنهار فلا تشغلني عن وردي وخذ عن
مالك واختلف إليه كما كنت تختلف إليه ، يقول : فاغتممت ، فدخلت مسجد الرسول 9 وسلّمت عليه ثمّ رجعت من الغد الى الروضة وصلّيت فيها ركعتين
وقلت : أسألك يا الله يا الله أن تعطف عليّ قلب جعفر وترزقني من علمه ما أهتدي به
الى صراطك المستقيم ، ولمّا عيل صبري وضاق صدري قصدت جعفرا فلمّا حضرت بابه
استأذنت عليه فخرج خادم له فقال : حاجتك؟ فقلت : السلام على الشريف ، فقال : هو
قائم في مصلاّه ، فجلست بحذاء بابه ، فما لبثت إلاّ يسيرا إذ خرج خادم فقال : ادخل
على بركة الله ، فدخلت وسلّمت عليه فردّ السلام وقال : اجلس غفر الله لك ، فجلست
فأطرق مليّا ثمّ رفع رأسه وقال : أبو من؟ قلت : أبو عبد الله ، قال ثبّت الله
كنيتك ووفّقك يا أبا عبد الله ، ما مسألتك؟ فقلت في نفسي لو لم يكن لي من زيارته
والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيرا ، ثمّ رفع رأسه وقال : ما مسألتك؟ فقلت :
سألت الله أن يعطف
قلبك عليّ ويرزقني من علمك ، وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته ،
فقال : يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلّم إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله
تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم فاطلب أوّلا في نفسك حقيقة العبوديّة
واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك ، قلت :
__________________
يا شريف فقال : قل
يا أبا عبد الله ، قلت : يا أبا عبد الله ما حقيقة العبوديّة؟ قال :
ثلاثة أشياء ،
ألاّ يرى العبد لنفسه فما خوّله الله ملكا ، لأن العبيد لا يكون لهم ملك ، يرون
المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ولا يدبر العبد تدبيرا ، وجملة اشتغاله
فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه ، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله
تعالى ملكا هان عليه الانفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه ، وإذا فوّض العبد
تدبير نفسه على مدبّره هانت عليه مصائب الدنيا وإذا اشتغل العبد بما أمره الله
تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما الى المراء والمباهاة مع الناس ، فإذا اكرم الله العبد
بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا وابليس والخلق ، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا ،
ولا يطلب ما عند الناس عزّا وعلوّا ، ولا يدع أيامه باطلا ، فهذا أول درجة التقى ،
قال الله تبارك وتعالى : « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في
الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ».
قلت : يا أبا عبد
الله أوصني ، قال : اوصيك بتسعة أشياء ، فإنها وصيّتي لمريدي الطريق الى الله
تعالى ، والله أسأل أن يوفّقك لاستعمالها ، ثلاثة منها في رياضة النفس ، وثلاثة
منها في الحلم ، وثلاثة منها في العلم ، فاحفظها وإيّاك والتهاون بها ، قال عنوان
: ففرّغت قلبي له ، فقال : أمّا اللواتي في الرياضة فإيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه ،
فإنه يورث الحماقة والبله ، ولا تأكل إلاّ عند الجوع ، واذا اكلت فكل حلالا وسمّ
الله واذكر حديث الرسول 6 « ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطنه » ، فاذا كان ولا بدّ
فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ، وأمّا اللواتي في الحلم ، فمن قال لك :
إن قلت واحدة سمعت عشرا ، فقل له : إن قلت عشرا لم تسمع واحدة ، ومن شتمك فقل له :
إن كنت
__________________
صادقا فيما تقول
فاسأل الله أن يغفر لي ، وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك ، ومن
وعدك بالخناء فعده بالنصيحة والرعاء ، وأمّا اللواتي في العلم ، فاسأل العلماء ما
جهلت ، وإيّاك أن تسألهم تعنّتا وتجربة ، وإيّاك أن تعمل برأيك شيئا ، وخذ
بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا ، واهرب من الفتيا هربك من الأسد ، ولا تجعل
رقبتك للناس جسرا. قم عنّي يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد عليّ وردي فإني
امرؤ ضنين بنفسي ، والسلام على من اتبع الهدى » .
من ثمين وصاياه :
ما اكثر الغالي من
نصائحه والثمين من وصاياه ، فإنه لم يترك نهجا للنصح إلاّ سلكه ، ولا بابا للارشاد
إلاّ ولجه ، فتارة يحثّنا على التقوى والورع والاجتهاد وطول السجود والركوع ،
ويقول : كونوا دعاة الى انفسكم بغير ألسنتكم ، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا .
واخرى يريد منّا
أن نرتقي فوق تلك الرتب فنكون من أرباب الشكر والدعاء والتوكّل فيقول : من أعطي
ثلاثا لم يمنع ثلاثا ، من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ، ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة
، ومن اعطى التوكّل اعطي الكفاية ، ثمّ قال : أتلوت كتاب الله عزّ وجلّ : « ومن
يتوكّل على الله فهو حسبه » وقال : « ولئن شكرتم لأزيدنكم » وقال : « ادعوني
أستجب لكم ».
__________________
ويرشدنا الى
الأرفع من هذا منزلة فيقول : اذا أراد أحدكم ألاّ يسأل الله شيئا إلاّ أعطاه
فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلاّ عند الله ، فإذا علم الله عزّ وجلّ
ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلاّ أعطاه .
وطورا يرغّبنا في
الأخلاق الكريمة والصفات الفاضلة فيشير الى التواضع ويصف لنا بعض مواضعه فيقول :
من التواضع أن ترضى من المجلس دون المجلس ، وأن تسلّم على من تلقى ، وأن تترك
المراء وإن كنت محقا ، ولا تحبّ أن تحمد على التقوى .
ويذكر عدّة خصال
يزدان بها المرء ويسمو بها مرتقى عليّا فيقول لأصحابه :
اسمعوا منّي كلاما
هو خير من الدهم الموقّفة لا يتكلّم أحدكم بما لا يعنيه ، وليدع كثيرا من الكلام
فيما يعنيه ، حتّى يجد له موضعا ، فربّ متكلّم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه ،
ولا يمارينّ أحدكم سفيها ولا حليما ، فإن من مارى حليما أقصاه ، ومن مارى سفيها
أرداه ، واذكروا أخاكم اذا غاب عنكم بأحسن ما تحبّون أن تذكروا به اذا غبتم ،
واعملوا عمل من يعلم أنه مجازى بالإحسان .
ويصف لنا حسن
الخلق بما يدفعنا على المسارعة بالتخلّق به فيقول : اذا خالطت الناس فإن استطعت
ألاّ تخالط أحدا منهم إلاّ كانت يدك العليا عليه
__________________
فافعل ، فإن العبد
يكون فيه بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن الخلق ، فيبلغه الله بخلقه درجة
الصائم القائم .
وما اكثر ما يحثّ
به على التجمّل بلباس الخلق الحسن ، وقرينه السخاء ومن ذلك قوله : إن الله ارتضى
لكم الاسلام دينا فاحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق .
وأوصانا على لسان
المفضّل بن عمر الجعفي بخصال ست لا توزن بقيمة ، قال له : اوصيك بستّ خصال تبلغهنّ
شيعتي ، قال : وما هي يا سيّدي؟ قال 7 : « أداء الأمانة الى من ائتمنك ، وأن ترضى لأخيك ما ترضى
لنفسك ، واعلم أن للامور أواخر فاحذر العواقب ، وأن للامور بغتات فكن على حذر ،
وإيّاك ومرتقى جبل سهل اذا كان المنحدر وعرا ، ولا تعدنّ أخاك وعدا ليس في يدك
وفاؤه » قل لي بربّك أيّ خصال هذه!! وكم حملنا على أمثالها ممّا
يجعلنا في مصافّ الملائكة المقرّبين؟ ولكن أين السامع.
ونهانا عن خصال
بارتكابها الضعة والسقوط ، فقال 7 : لا تمزح فيذهب نورك ، ولا تكذب فيذهب بهاؤك. وإيّاك
وخصلتين : الضجر والكسل ، فإنك إن ضجرت لا تصبر على حق ، وإن كسلت لم تؤدّ حقا.
وقال 7 : وكان المسيح 7 يقول : من كثر
همّه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذّب نفسه ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر كذبه
ذهب بهاؤه ، ومن لاحى الرجال ذهبت مروّته .
__________________
وممّا أوصى به
أصحابه قوله : تزاوروا فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكرا لأحاديثنا ، وأحاديثنا
تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ظللتم وهلكتم ،
فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم .
أقول : حقّا إن
الرشد والنجاة بالتمسّك بأقوالهم ، والضلال والهلاك بالصفح عن نصائحهم ، لأنهم لم
يدعوا سبيلا للإرشاد إلاّ دلّوا عليه ، ولا طريقا للإضلال إلاّ نهوا عنه.
وقال 7 : اجعلوا أمركم
هذا لله ولا تجعلوه للناس ، فإنه ما كان لله فهو لله ، وما كان
للناس فلا يصعد الى السماء ، ولا تخاصموا بدينكم ، فإن المخاصمة ممرضة للقلب ، إن
الله عزّ وجل قال لنبيّه 6 « إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء » وقال « أفأنت
تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين » ذروا الناس فإن الناس قد أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن
رسول الله 6 وعن علي 7 ولا سواء ، وأني سمعت أبي يقول : اذا كتب الله على عبد أن
يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير الى وكره.
أقول : فكم كانت
محاججات مبتنية على اصول صحيحة يفحم بها أحد الجانبين فلا ينقلب عمّا كان عليه مع
وضوح الحقّ لديه وتجلّي الحقيقة ، وكم من ملحد أو كافر اعتنق دين الاسلام بأقلّ
دلالة ، وأدنى سبب.
__________________
وقال 7 وهو يريد من
أصحابه التوطين والنظر الى الأمر من بعيد :
اصبروا على الدنيا
فإنما هي ساعة ، فما مضى منه فلا تجد له ألما ولا سرورا ، وما لم يجىء فلا تدري ما
هو ، وإنما هي ساعتك التي أنت فيها ، فاصبر فيها على طاعة الله ، واصبر فيها عن
معصية الله .
أقول : إن هذه
الكلمة تصوّر لك حال المرء في هذه الحياة ، لأن الماضي منسى حزنا كان أو سرورا ،
ولآتي مجهول لا يدرى ، وإنما المرء ابن ساعته ، وصبر ساعة سهل ، سواء كانت طاعة
فيأتي بها ، أو معصية فيصفح عنها ، فالإنسان في كلّ ساعة هو لتلك الساعة ، والى
هذا أشار الشاعر بقوله :
ما مضى فات والمؤمّل
غيب
|
|
ولك الساعة التي
أنت فيها
|
وقال 7 : اجعل قلبك قريبا برّا ،
وولدا مواصلا ، واجعل عملك والدا تتبعه ، واجعل نفسك عدوّا تجاهده ، واجعل مالك
عارية تردها .
وقال 7 : إن قدرت ألاّ
تعرف فافعل ، ما عليك ألاّ يثني عليك الناس ، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس
إذا كنت محمودا عند الله .
وقال يحثّ على
الدعاء : الدعاء يردّ القضاء ما ابرم ابراما ، فاكثر من الدعاء فإنه مفتاح كلّ
رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزّ وجل إلاّ بالدعاء ، وأنه ليس
باب يكثر قرعه إلاّ ويوشك أن يفتح لصاحبه .
وقال ، وما أشرفها
كلمة : لا تطعنوا في عيوب من أقبل إليكم بمودّته ولا
__________________
توقفوه على سيّئة
يخضع لها ، فإنها ليست من أخلاق رسول الله 6 ولا من أخلاق أوليائه .
وقال 7 ، وما أنفعها
كلمة : احسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وانصحوا لأنفسكم ، وجاهدوا في طلب ما لا
عذر لكم في جهله ، فإن لدين الله أركانا لا تنفع من جهلها شدّة اجتهاده في طلب
ظاهر عبادته ، ولا يضرّ من عرفها فدان بها حسن اقتصاده ، ولا سبيل الى أحد الى ذلك
إلاّ بعون من الله عزّ وجلّ .
العشرة :
كان من الجميل
النافع أن نجمع وصاياه ومواعظه حسب الموضوعات.
ولئن فاتنا ذلك
كلّه فلا يفوتنا بعضه ، فنحن ذاكرون الآن نبذا في بعض الموضوعات ممّا هو في متناول
أيدينا. ونبتدئ بالعشرة.
لا شكّ أن الانسان
من غريزته المحاكاة والتقليد لمعاشريه وأقرانه ، فإن كانوا أخيارا اقتبس منهم
محاسنهم ، وإن كانوا أشرارا انطبع بمساوئهم وذلك طبعا في الأكثر الغالب من البشر ،
ولأجله وجّه إمامنا نصيحته الى الناس فقال 7 :
إيّاكم وعشرة
الملوك وأبناء الدنيا ففي ذلك ذهاب دينكم ويعقبكم نفاقا ، وذلك داء ردي لا شفاء له
، ويورث قساوة القلب ويسلبكم الخشوع.
وعليكم بالإشكال
من الناس والأوساط من الناس فعندهم تجدون
__________________
معادن الجواهر ،
وإيّاكم أن تمدّوا أطرافكم الى ما في أيدي أبناء الدنيا ، فمن مدّ طرفه الى ذلك
طال حزنه ولم يشف غيظه واستصغر نعمة الله عنده ، فيقلّ شكره لله ، وانظر الى من هو
دونك فتكون لأنعم الله شاكرا ، ولمزيده مستوجبا ، ولجوده ساكنا .
الاستباق الى الخيرات :
إن تهيئة العمل
الصالح فرصة لا ينبغي إضاعتها ، ولربّما كان تقويتها مدعاة للندم ، وشئون الحياة
كلّها فرص تمرّ ليس في أيدينا إعادتها ، لأن آلاف الأسباب المهيّأة لظرف العمل
اكثرها خارج عن قدرتنا وإرادتنا ، ولكن حثّ أبو عبد الله 7 على انتهاز مثل
هذه الفرص السوانح فقال :
« إذا هممت بشيء
من الخير فلا تؤخّره ، فإن الله عزّ وجلّ ربّما اطّلع على العبد وهو على شيء من
الطاعة فيقول : وعزّتي وجلالي لا اعذّبك بعدها أبدا » والكلمات الواردة عنه في ذلك
كثيرة.
وكما حثّ على
المسارعة الى الخير عند العزيمة عليه نهى عن امضاء العزيمة اذا كانت في المعصية
فقال 7 :
« واذا هممت
بسيّئة فلا تعملها فإنه ربّما اطّلع على العبد وهو على شيء من المعصية فيقول :
وعزّتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا » .
ووصاياه في مثل
ذلك لا يحيط بها الحصر.
__________________
التفقّه في الدين :
إن التفقّه في
الدين طريق لعبادته تعالى ، وبه الاحتفاظ بنظام الشريعة الاسلاميّة وقوانينها ، بل
الدين الاسلامي إنما يقوم ويدوم بفقهاء شريعته العالمين بأحكامه المناضلين عنه ،
ومن هاهنا جاء عن الصادق 7 حديث جمّ عن التفقّه وقد سلف في ( ١ ـ ١٤٣ ) شيء من ذلك
ونضيف هنا أحاديث اخرى ، قال 7 :
« العامل على غير
بصيرة كالساير على السراب بقيعة لا يزيده سرعة سيره إلاّ بعدا » وقال : « لا خير
فيمن لا يتفقّه من أصحابنا » وعنه « لا يسع الناس حتّى يسألوا ويتفقّهوا » وقال 7 : « اذا أراد
الله بعبد خيرا فقّهه في الدين » وقال : « الكمال كلّ الكمال : التفقّه في الدين ،
والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة » .
ولعظم خطر الفقاهة
وأثرها في الدين الاسلامي قال 7 عن شأن الفقيه وموته : « ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ
إلى ابليس من موت فقيه » وعنه : « اذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الاسلام ثلمة لا
يسدّها شي » .
النعم وشكرها :
ومن وصاياه في
النعم والمحافظة عليها ابقاء لها قوله 7 : احسنوا جوار النعم واحذروا أن تنتقل عنكم الى غيركم ،
أما أنها لم تنتقل عن أحد قط
__________________
فكادت ترجع إليه ،
وكان أمير المؤمنين 7 يقول : « قلّما أدبر شيء فأقبل » وعلّمهم كيف
يحافظون على النعم فقال لسدير الصيرفي : ما كثر مال رجل قط إلاّ عظمت الحجّة لله
تعالى عليه ، فإن قدرتم أن تدفعوها فافعلوا ، فقال : يا ابن رسول الله 6 بما ذا؟ قال 7 : بقضاء حوائج
اخوانكم من أموالكم ، ثمّ قال : تلقّوا النعم يا سدير بحسن مجاورتها ، واشكروا من
أنعم عليكم ، وأنعموا على من شكركم ، فإنكم اذا كنتم كذلك استوجبتم من الله
الزيادة ومن إخوانكم المناصحة. ثمّ تلا قوله : « ولئن شكرتم لأزيدنكم » .
ومن طرق الشكر أن
يتظاهر العبد بما أفاض المولى سبحانه عليه من سوابغ النعم ، ومن ثمّ تجد الامام
المرشد أبا عبد الله 7 يلفتنا الى هذه الخلّة الحميدة فيقول : إن الله يحبّ
الجمال والتجمّل ، ويكره البؤس والتباؤس ، فان الله عزّ وجلّ اذا أنعم على عبد
نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها ، قيل : وكيف ذلك؟ قال 7 : ينظف ثوبه ، ويطيب ريحه ، ويكنس افنيته ، ويجصّص داره
حتّى أن السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ، ويزيد في الرزق .
هذه بعض تلك الطرق
التي هي مظهر للشكر ولإظهار النعم وفسّروا التحدّث النعم « وأما بنعمة ربّك فحدّث
» بما أشار إليه الإمام وبأمثاله.
حسن الصحبة :
ليس حسن الصحبة
أمرا يأتيك عفوا دون ترويض النفس وكبح جماحها ،
__________________
لأنها كثيرا ما
تتطلّب منك التنازل لصاحبك عن بعض رغائبك وشهواتك ، وإيثاره ببعض ما عندك ، ولذا
قال أبو عبد الله 7 :
« وطّن نفسك على
حسن الصحابة لمن صحبت ».
ولمّا كان حسن
الصحبة كثير المسالك ، وقد يجهل المرء أفضلها سلوكا ، علّمنا كيف نحسن صحبة من
نصحب ، فقال 7 : حسّن خلقك ، وكفّ لسانك ، واكظم غيظك ، وأقل لغوك ، وتغرس عفوك ، وتسخو
نفسك .
بل أراد أن نجعل
حسن الصحبة شعارا دائميّا ، مع كلّ من نصحبه فقال : يا شيعة آل محمّد ليس منّا من
لم يملك نفسه عند غضبه ، ومن لم يحسن صحبة من صحبه . الى كثير من
أمثال هذا.
وألزم بالتحرّي عن
الصاحب بعد فراقه ومعرفة شأنه وحاله فقال للمفضّل بن عمر بعد ما دخل عليه من سفر :
من صحبك؟ فقال : رجل من اخواني ، قال :
فما فعل؟ قال :
منذ دخلت لم أعرف مكانه ، فقال له : أما علمت أن من صحب مؤمنا أربعين خطوة سأله
الله عنه يوم القيامة .
الصحبة في السفر :
إن للسفر آدابا
خاصّة لا تضارعها الآداب في الحضر وقد تجد عند أوّل نظرة أن من الفتوّة وشرف النفس
وعلوّ الهمّة بل حسن الصحبة أن تتوسّع في النفقة والإطعام بما يربو على رفاقك ،
ولكن الصادق 7 ينهي عن ذلك في السفر ، لأنه تكليف للرفيق بما لا يقدر عليه إن أراد المباراة
أو
__________________
إذلال له إن أمسك
عن المجاراة ، وليس من الأدب وجميل العشرة أن تكلّف رفيقك أو تذلّه ، فيقول لشهاب
بن عبد ربّه : لا تفعل يا شهاب إن بسطت وبسطوا أجحفت بهم ، وإن هم
أمسكوا أذللتهم ، فاصحب نظراءك ، اصحب نظراءك.
هذا بعد أن قال
شهاب للإمام : قد عرفت حالي وسعة يدي وتوسيعي على إخواني ، فأصحب النفر منهم في
طريق مكّة فأوسع عليهم .
أقول : وكما يذلّ
المرء سواه اذا ربا عليه بالإنفاق ، يذلّ نفسه اذا ربا عليه غيره ، وكما نهى
الإمام في الأوّل عن صحبة الأضعف حالا ، نهى في الثاني عن صحبة الأقدر مالا ، فقال
لأبي بصير : ما احبّ أن يذلّ نفسه ، ليخرج مع من هو مثله.
وهذا بعد أن سأله
أبو بصير عن الرجل يخرج مع القوم المياسير ، وهو أقلّهم شيئا فيخرج القوم النفقة ،
ولا يقدر هو أن يخرج مثلما أخرجوا.
وقال لهشام بن
الحكم وقد سأله عن مثل ذلك : « اصحب مثلك » فالإمام قد جعل المحور في الحالين صحبة النظير ، لئلاّ
يذلّ غيره أو يذلّ نفسه ، وهذه إحدى حكمه البليغة ، ورغباته في حسن الأدب للناس.
حسن الجوار :
من أدب المرء
ورجحان نهاه حسن الجوار ، وهو خلق فاضل يدعو إليه
__________________
العقل ، وكانت
العرب تتفاخر فيه وتناضل عن الجار ما استطاعت ، وقد أقرّ الاسلام تلك السجيّة
النبيلة ، وزاد في تقديرها والحثّ عليها ، فكانت وصايا النبي 6 متوالية فيه ،
حتّى قال أمير المؤمنين 7 : ما زال رسول الله 6 يوصينا بالجار حتّى ظننا أنه سيورّثه.
وعلى هذا المنوال
نسج بنوه فقال صادقهم 7 في وصيّة له : عليكم بتقوى الله ـ إلى أن قال ـ وحسن الخلق
وحسن الجوار .
وتكرّرت منه هذه
الوصيّة في عدّة مواطن حتّى عيّر تاركيه ، فقال 7 : أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقّه ولا يعرف حقّ
جاره .
بل أخرج عنهم من
لم يحسن مجاورة جاره ، فقال 7 من حديث :
وليس منّا من لم
يحسن مجاورة من جاوره .
قبول النصح :
إن رجاحة عقل
الفتى تعرف بالإصغاء للنصح ، والأخذ بقول الناصح ، لأن الجاهل تأخذه الحميّة فلا
يستمع للنصح ، ظنّا منه أن الناصح يكشف له عن عيوبه ، ولا يرضى الجاهل أن يقف على
نقص في نفسه ، وقد فاته أن انكشاف عيوبه لديه يحثّه على سترها بالإصلاح ، ولذا قال
الصادق 7 ـ تعليما لنا وإلاّ فهو المنزّه عن النقص ـ : أحبّ اخواني إليّ من أهدى إليّ
عيوبي .
__________________
أقول : وكيف لا
يكون أحبّهم إليه ، وهو يريد به أن يتخلّى عن الرذيلة ويتحلّى بالفضيلة ، والحسن
تلك الخلّة من الأخ جعل ذلك الكشف عن العيوب هديّة ، وهذه هي الغاية القصوى
بالترغيب في هذه الخلّة للاخوان وتبادلها بينهم.
وقد جعل قبول
النصح للمؤمن أمرا لا غنى عنه ، فقال 7 : لا يستغني المؤمن عن خصلة به ، والحاجة الى ثلاث خصال :
توفيق من الله عزّ وجلّ ، وواعظ من نفسه ، وقبول من ينصحه .
المشاورة :
إن من يشاور ذوي
البصائر تتجلّى له أوجه المداخل والمخارج ، وينكشف له الحجاب عن سبل النجاح ،
وينحاد عن مزالق الأخطار ، وقد كشف لنا أبو عبد الله 7 عن هذه الحقيقة فقال : « لن يهلك امرؤ عن مشورة » وأرشدنا الى
المستشار في الغوامض من العوارض فقال : « ما يمنع أحدكم اذا ورد عليه ما لا قبل له
به أن يستشير رجلا عاقلا له دين وورع » .
وزاد في شروط
الاستشارة والمستشار فقال 7 : إن المشورة لا تكون إلاّ بحدودها فمن عرفها بحدودها
وإلاّ كانت مضرّتها على المستشير اكثر من منفعتها ، فأوّلها أن يكون الذي تشاوره
عاقلا ، والثانية أن يكون حرّا متديّنا ، والثالثة أن يكون صديقا مواخيا ،
والرابعة أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسك ، ثمّ يسرّ لك ويكتمه ،
فإنه اذا كان عاقلا انتفعت بمشورته ،
__________________
واذا كان حرّا
متديّنا أجهد في النصحية لك ، واذا كان صديقا مواخيا كتم سرّك اذا اطلعته عليه ،
واذا اطلعته على سرّك فكان علمه به كعلمك به ، تمّت المشورة ، وكملت النصيحة .
وحذّر 7 من مخالفة
المستشار اذا كان جامعا للشروط فقال :
استشر العاقل من
الرجال الورع ، فإنه لا يأمر إلاّ بخير ، وإيّاك والخلاف فإن مخالفة الورع العاقل
مفسدة في الدين والدنيا .
وألزم المستشار
بالنصح وحذّره المغبّة إن لم ينصح فقال 7 : من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه الله عزّ وجلّ
رأيه .
وهذه طرف ممّا
اتحف به المستشير والمستشار ، اكتفينا بها عن الكثير من كلامه في هذا الباب.
الإكثار من الاخوان :
إن المرء كثير
بأخيه ، لأنه عون في النوائب ، ومواس في البأساء وأنيس في الوحشة ، وأليف في
الغربة ، ومشير عند الحيرة ، ومسدّد عند السقطة ، حافظ عند الغيبة ، الى ما يعجز
القلم عن العدّ لفوائده ، ولهذا أمر الصادق 7 بالإكثار منهم ، وأشار الى الجدوى من اتخاذهم ، فقال 7 :
اكثر من الأصدقاء
في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة ، أمّا الدنيا فحوائج يقومون بها ،
وأمّا الآخرة فإن أهل جهنم قالوا : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .
__________________
ولعلّ قصده 7 من النفع في
الآخرة أن الصديق في الله صاحب العقل والدين لا يرشد صديقه إلاّ إلى صالح الدارين
، فيستنقذه بالهداية والنصح من العطب ، وأيّ نفع في الآخرة اكبر من هذا.
أو لأنه يستفيد من
دعائه لاخراه كما قال في حديث آخر : استكثروا من الاخوان فإن لكلّ مؤمن دعوة
مستجابة.
أو لأنه يستشفع به
كما قال 7 : استكثروا من الاخوان فإن لكلّ مؤمن شفاعة ، وقال 7 : اكثروا من
مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند الله يدا يكافيهم بها يوم القيامة .
بل إن الأخ المؤمن
جدير بأن يجمع هذه الخلال كلّها في هذه الدانية وتلك الباقية.
الإغضاء عن الاخوان :
إن العصمة لا تكون
في البشر كلّهم ، فمن الذي لا يخطأ ولا يسهو ولا يغفل ولا ينسى ، فيستحيل أن تظفر
بصديق خال من عيب أو رفيق منزّه عن سقطة ، فمن أراد الاكثار من الأصدقاء لا بدّ له
من أن يتغاضى عن عيوبهم ويتغافل عن مساوئهم ومن هنا قال 7 : وأنّى لك بأخيك
كلّه أيّ الرجال المهذب وقال : من لم يواخ من لا عيب فيه قلّ صديقه .
واذا أراد المرء
بقاء المودّة من أخيه فلا يستقص عليه كما قال 7 :
__________________
الاستقصاء فرقة وكما قال : لا
تفتّش الناس فتبقى بلا صديق .
بل يجب على ذي
الخبرة والتجارب أن يقنع من أخيه بما دون ذلك إبقاء للودّ ، كما قال 7 : ليس من الإنصاف
مطالبة الاخوان بالإنصاف ، ومن لم يرض من صديقه إلاّ بإيثاره على نفسه دام سخطه .
نعم إن العتاب لا
يخدش في بقاء الالفة والوداد ، بل ربّما جلا درن الصدور ، وأزاح الحقد الكامن في
القلوب ، إلاّ أن يكثر فينعكس الحال فلذلك قال 7 : من كثر تعتيبه قلّ صديقه ، وقال : ومن عاتب على كلّ ذنب
دام تعتيبه .
حقوق الاخوان :
إن للاخوان حقوقا
جمّة يفوت حصرها ، ولا نريد الاستقصاء لما جاء عنها في هذا الصدد ، ولكن نذكر
حديثا واحدا فحسب ، وبه الكفاية لو عمل به الأخ في شأن أخيه ، قال للمعلّى بن خنيس
بعد أن ذكر أن له سبع حقوق :
أيسر حقّ منها :
أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك ، والحقّ الثاني : أن تجتنب سخطه
، وتتّبع مرضاته ، وتطيع أمره ، والحقّ الثالث : أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك
ورجلك ، والحقّ الرابع ، أن تكون عينه ودليله ومرآته ، والحقّ الخامس ، ألاّ تشبع
ويجوع ، ولا تروى ويظمأ ، ولا تلبس ويعرى ، والحقّ السادس : أن يكون لك خادم وليس
لأخيك خادم فواجب أن
__________________
تبعث خادمك فتغسل
ثيابه وتصنع طعامه وتمهد فراشه ، والحقّ السابع : أن تبرّ قسمه ، وتجيب دعوته ،
وتعود مريضه ، وتشهد جنازته ، وإذا علمت أنّ له حاجة تبادر إلى قضائها ، ولا تلجئه
الى أن يسألكها ، ولكن تبادره مبادرة ، فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ،
وولايته بولايتك .
أقول : وأنّى لنا
بالقيام بهذه الحقوق ، ولئن كنّا قادرين على أدائها وعلى العمل بها فإن النفوس
لأمّارة بالسوء ، وحبّ الذات والأنانيّة تحول دون الشعور بمثل هذه الفضائل فضلا عن
فعلها.
مواساة الاخوان
ذكرنا في العنوان
السالف حقوق الاخوان ومنها المواساة ، غير أنه جاء لها ذكر خاصّ في أحاديثه فقال 7 : انظر ما أصبت
فعد به على اخوانك وقال 7 : تقرّبوا الى الله بمواساة إخوانكم .
ولمّا كانت
المواساة شديدة على النفوس جدّا قال أبو عبد الله 7 :
وإن من أشدّ ما
افترض الله على خلقه ثلاثا : إنصاف المؤمنين من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه المؤمن من
نفسه إلاّ بما يرضى لنفسه ، ومواساة الأخ المؤمن في المال ، وذكر الله على كلّ حال
، وليس سبحان الله والحمد لله ، ولكن عند ما حرّم الله عليه فيدعه .
أقول : وحقا أن
تكون هذه الثلاث من أشقّ الأعمال على المرء ، لأنها
__________________
تصادم أشدّ
الغرائز والشهوات النفسيّة صرامة وقوّة ، من نحو حبّ الذات وحبّ المال والاستعلاء
، ولعظم الانصاف والمواساة جعلهما من الفرائض تنزيلا ، وإن كانا ليسا من الفرض
حقيقة.
البرّ بالإخوان :
إن البرّ غصن من
دوحة المواساة ، وقد جاء عن الصادق 7 الحثّ الكثير عليه فقال في وصيّته لجميل بن درّاج : ومن
خالص الايمان البرّ بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وأن البارّ بالإخوان ليحبّه
الرحمن ـ الى أن يقول ـ يا جميل اخبر بهذا غرر أصحابك ، قال : قلت : جعلت فداك ومن
غرر أصحابي؟ قال : هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر .
ويقول في وصيّة
لعبد الله بن جندب السالفة : أما أنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام الى برّ
الإخوان.
ولعظم البرّ
بالإخوان عند الله تعالى يجهد الشيطان في الحيلولة دونه ، قال 7 في هذه الوصيّة :
يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ومصائده ، قال : يا ابن
رسول الله وما هي؟ قال : أمّا مصائده فصدّ عن برّ الاخوان.
وما اكثر ما جاء
عنه في برّ الإخوان والحثّ عليه وبما ذكرناه كفاية.
صدق الحديث وأداء الأمانة :
كان أبو عبد الله 7 يوصي من دخل عليه
من أصحابه ومن فارقه
__________________
بصدق الحديث وأداء
الأمانة ، وقد سبق بعضه.
وهاتان الخلّتان
وإن كانتا من أفضل الصفات بذاتيهما إلاّ أن لهما أثرا في الدين جليّا ، وهو
المحبوبيّة في النفوس وكثرة التعامل وثقة الناس به وفي ذلك الغنى والثروة ، ونذكر
لذلك حادثه واحدة وكفى.
قال 7 لعبد الرحمن بن
سيابة وقد دخل على الصادق بعد موت أبيه وهو شاب : ألا اوصيك؟ فقال : بلى جعلت فداك
، قال : عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة تشرك الناس في أموالهم هكذا ـ وجمع بين
أصابعه ـ قال :
فحفظت الحديث
فزكّيت ثلاثمائة الف درهم .
أقول : وهذا آخر
ما أردت جمعه من وصايا الصادق ونصائحه في شتّى الشؤون التي أرادها لسعادة الناس في
الدارين ، وفوزهم في الحياتين.
* * *
__________________
٤ ـ حكمه
إن له 7 من طرائف الحكم
وشوارد الكلمات ما يسمو بالنفوس الخيّرة الى صفوف الملائكة ويجلب الناس الى
الفضيلة والسعادة وذلك لمن عمل بها وتدبّرها ، وقد جمعت شطرا منها مجاهدا في الجمع
والانتقاء ، قال 7 :
١ : العقل ما عبد
به الرحمن واكتسب به الجنان.
٢ : إن الثواب على
قدر العقل.
٣ : أكمل الناس
عقلا أحسنهم خلقا.
٤ : دعامة الإنسان
العقل.
٥ : العقل دليل
المؤمن .
٦ : كمال العقل في
ثلاث : التواضع لله ، وحسن اليقين ، والصمت إلاّ من خير.
٧ : الجهل في ثلاث
: الكبر ، وشدّة المراء والجهل بالله.
٨ : أفضل طبائع
العقل العبادة ، وأوثق الحديث له العلم ، وأجزل حظوظه
__________________
الحكمة .
٩ : كثرة النظر في
العلم يفتح العقل .
١٠ : العلم جنّة ،
والصدق عزّ ، والجهل ذلّ ، والفهم مجد ، والجواد نجح ، وحسن الخلق مجلبة للمودّة ،
والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ، والحزم مساءة الظن.
١١ : إن شئت أن
تكرم فلن ، وإن شئت أن تهان فاخشن.
١٢ : من كرم أصله
لان قلبه ، ومن خشن عنصره غلظ كبده.
١٣ : من فرّط
تورّط ، ومن خاف العاقبة تثبّت عن الدخول فيما لا يعلم.
١٤ : من هجم على
أمر بغير علم جدع أنف نفسه .
١٥ : العلماء
امناء ، والأتقياء حصون ، والأوصياء سادة .
١٦ : إن هذا العلم
عليه قفل ومفتاحه المسألة .
١٧ : العامل على
غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلاّ بعدا.
١٨ : لا يقبل الله
عملا إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ، ومن
لم يعمل فلا معرفة له ، ألا إن الايمان بعضه من بعض.
١٩ : لا يتمّ
المعروف إلاّ بثلاثة : بتعجيله ، وتصغيره ، وستره .
__________________
٢٠ : ما كلّ من
رأى شيئا قدر عليه ، ولا كلّ من قدر على شيء وفّق له ، ولا كلّ من وفّق له أصاب
موضعا ، فإذا اجتمعت النيّة والمقدرة والتوفيق والإصابة فهناك السعادة.
٢١ : أربعة أشياء
القليل منها كثير : النار ، والعداوة ، والفقر ، والمرض.
٢٢ : صحبة عشرين
يوما قرابة.
٢٣ : من لم يستح
عند الغيب ، ويرعو عند الشيب ، ويخش الله بظهر الغيب فلا خير فيه.
٢٤ : من اكرمك
فاكرمه ، ومن استخفّ بك فأكرم نفسك عنه.
٢٥ : منع الجود
سوء ظنّ بالمعبود.
٢٦ : إن عيال
المرء اسراؤه ، فمن انعم عليه فليوسّع على اسرائه ، فإن لم يفعل يوشك أن تزول تلك
النعمة عنه.
٢٧ : ثلاثة لا
يزيد الله بها الرجل المسلم إلاّ عزّا : الصفح عمّن ظلمه ، والإعطاء لمن حرمه ،
والصلة لمن قطعه.
٢٨ : المؤمن إذا
غضب لم يخرجه غضبه عن حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل.
٢٩ : للصداقة خمسة
شروط ، فمن كانت فيه فانسبوه إليها ، ومن لمن تكن فيه فلا تنسبوه الى شيء منها ،
وهي أن يكون زين صديقه زينه ، وسريرته له كعلانيّته ، وألاّ يغيره عليه مال ، وأن
يراه أهلا لجميع مودّته ، ولا يسلمه عنا النكبات .
٣٠ : أربع لا
ينبغي لشريف أن يأنف منها : قيامه من مجلسه لأبيه ،
__________________
وخدمته لضيفه ،
وقيامه لدابّته ولو أن له مائة عبد ، وخدمته لمن يتعلّم منه.
٣١ : العلماء
امناء الرسل ما لم يأتوا أبواب السلاطين .
٣٢ : وكان يتردّد
عليه رجل من أهل السواد فانقطع عنه ، فسأل عنه ، فقال بعض القوم : إنّه نبطي ،
يريد أن يضع منه ، فقال 7 : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، وكرمه تقواه ، والناس في
آدم مستوون .
٣٣ : المكارم عشر
، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده ، وتكون في
الولد ولا تكون في أبيه ، وتكون في العبد ولا تكون في الحر قيل : وما هي؟ قال 7 : صدق الناس ،
وصدق اللسان ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وإقراء الضيف ، وإطعام السائل ،
والمكافاة على الصنائع ، والتذمّم للجار ، والتذمّم للصاحب ، ورأسهنّ الحياء .
٣٤ : من صحّة يقين
المرء المسلم ألاّ يرضي الناس بسخط الله ، ولا يلومهم على ما لم يؤته الله ، فإن
الرزق لا يسوقه حرص حريص ، ولا يردّه كراهة كاره ، ولو أن أحدكم فرّ من رزقه كما
يفرّ من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت.
٣٥ : إن الله
بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا ، وجعل الهمّ والحزن في الشكّ
والسخط .
٣٦ : رأس طاعة
الله الصبر والرضا عن الله فيما أحبّ الله للعبد أو كره ، ولا يرضى عبد عن الله
فيما أحبّ أو كره ، إلاّ كان له خيرا فيما أحبّ أو كره.
__________________
٣٧ : إن أعلم
الناس بالله أرضاهم لقضاء الله .
٣٨ : لا تغتبّ
فتغتب ، ولا تحفر لأخيك حفرة فتقع فيها ، فإنك كما تدين تدان .
٣٩ : إيّاكم
والمزاح فإنه يذهب بماء الوجه ومهابة الرجال.
٤٠ : لا تمار
فيذهب بهاؤك ؛ ولا تمزح فيجترأ عليك .
٤١ : إيّاكم
والمشارّة فإنها تورث المعرّة وتظهر العورة .
٤٢ : من لم يستح
من طلب الحلال خفّت مؤونته ، ونعم أهله .
٤٣ : عجبت لمن
يبخل بالدنيا وهي مقبلة عليه ، أو يبخل عليها وهي مدبرة عنه ، فلا الإنفاق مع
الاقبال يضرّه ، ولا الإمساك مع الإدبار ينفعه .
٤٤ : المسجون من
سجنته دنياه عن آخرته ٤٥ : لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات ، فتشغلوا
أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت .
٤٦ : استنزلوا
الرزق بالصدقة ، وحصّنوا أموالكم بالزكاة ، وما عال من
__________________
اقتصد ، والتدبير
نصف المعيشة ، والتودّد نصف العقل ، وقلّة العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه
فقد عقّهما ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي حسب ودين ، والله تعالى منزل
الصبر على قدر المصيبة ، ومنزل الرزق على قدر المئونة ، ومن قدر معيشته رزقه الله
تعالى ، ومن بذر معيشته حرمه الله تعالى .
أقول : وبعض هذه
الفقرات منسوبة الى أمير المؤمنين في نهج البلاغة ولعلّ الصادق 7 ذكرها استشهادا.
٤٧ : أغنى الغنى
من لم يكن للحرص أسيرا .
٤٨ : لا شيء أحسن
من الصمت ، ولا عدوّ أضرّ من الجهل ، ولا داء أدوى من الكذب .
٤٩ : ثلاثة لا
يضرّ معهنّ شيء : الدعاء عند الكرب ، والاستغفار عند الذنب ، والشكر عند النعمة ٥٠ : المؤمن
مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف .
٥١ : قيل : ما حدّ
حسن الخلق؟ فقال 7 : تلين جناحك ، وتطيب كلامك ، وتلقي أخاك ببشر.
٥٢ : من صدق لسانه
زكا عمله ، ومن حسنت نيّته زيد في رزقه ، ومن حسن برّه بأهل بيته مدّ له في عمره .
__________________
٥٣ : الحياء من
الايمان.
٥٤ : من رقّ وجهه
رقّ علمه.
٥٥ : لا إيمان لمن
لا حياء له .
٥٦ : ثلاث من
مكارم الدنيا والآخرة : تعفو عمّن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتحلم اذا جهل عليك .
٥٧ : أيّما أهل
بيت اعطوا حظّهم من الرفق فقد وسّع الله عليهم في الرزق ، والرفق في تقدير المعيشة
خير من السعة في المال ، والرفق لا يعجز عنه شيء ، والتبذير لا يبقي معه شيء ، إن
الله عزّ وجلّ رفيق يحبّ الرفق.
٥٨ : من كان رفيقا
في أمره نال ما يريد من الناس .
٥٩ : من قنع بما
رزقه الله فهو أغنى الناس.
٦٠ : وشكا إليه
رجل أنه يطلب فيصيب ولا يقنع ، وتنازعه نفسه الى ما هو اكثر منه ، وقال : علّمني
شيئا أنتفع به ، فقال أبو عبد الله 7 : إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك ، وإن كان ما
يكفيك لا يغنيك فكلّ ما فيها لا يغنيك .
٦١ : العدل أحلى
من الماء يصيبه الظمآن.
٦٢ : ما أوسع
العدل وإن قلّ.
٦٣ : من أنصف
الناس من نفسه رضي به حكما لغيره .
__________________
٦٤ : شرف المؤمن
قيام الليل ، وعزّه استغناؤه عن الناس.
٦٥ : طلب الحوائج
الى الناس استلاب للعزّ ومذهبة للحياء ، واليأس ممّا في أيدي الناس عزّ للمؤمن في
دينه ، والطمع هو الفقر الحاضر .
٦٦ : صلة الأرحام
تحسن الخلق ، وتطيب النفس ، وتزيد في الرزق وتنسىء في الأجل .
٦٧ : كفى بالحلم
ناصرا.
٦٨ : إذا لم تكن
حليما فتحلّم .
٦٩ : من كفّ يده
عن الناس فإنما يكفّ يدا واحدة ويكفّون أيدي كثيرة .
٧٠ : كفى بالمرء
اعتمادا على أخيه أن ينزل به حاجته .
٧١ : صدقة يحبّها
الله : إصلاح بين الناس اذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم اذا تباعدوا .
٧٢ : من عامل
الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، كان ممّن حرمت غيبته
، وكملت مروّته ، وظهر عدله ، ووجبت اخوّته .
__________________
٧٣ : من طلب
الرئاسة هلك .
٧٤ : من زرع
العداوة حصد ما بذر .
٧٥ : الغضب مفتاح
كلّ شر.
٧٦ : الغضب ممحقة الحكيم.
٧٧ : من لم يملك
غضبه لم يملك عقله .
٧٨ : إن الحسد
يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب.
٧٩ : آفة الدين
الحسد ، والعجب ، والفخر .
٨٠ : ما من أحد
يتيه إلاّ من ذلّة يجدها في نفسه .
٨١ : ما أقبح
بالمؤمن تكون له رغبة تذلّه .
٨٢ : إن السفه خلق
لئيم ، يستطيل على من دونه ، ويخضع لمن فوقه .
٨٣ : إن ممّا أعان
الله على الكذّابين النسيان .
٨٤ : إيّاك وسقطة
الاسترسال فإنها لا تقال.
__________________
٨٥ : إن خير
العباد من يجتمع فيه خمس خصال : إذا أحسن استبشر ، واذا أساء استغفر ، واذا أعطي
شكر ، واذا ابتلي صبر ، واذا ظلم غفر.
٨٦ : وقال له أبو
حنيفة : يا أبا عبد الله ما أصبرك على الصلاة ، فقال 7 : ويحك يا نعمان أما علمت أن الصلاة قربان كلّ تقي ، وأن
الحجّ جهاد كلّ ضعيف ، ولكلّ شيء زكاة وزكاة البدن الصيام ، وأفضل الأعمال انتظار
الفرج من الله ، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ، فاحفظ هذه الكلمات يا نعمان.
٨٧ : ثلاثة اقسم
بالله إنها لحق ، ما نقص مال من صدقة ولا زكاة ، ولا ظلم أحد بظلامة بقدر أن يكافئ
بها فكظمها إلاّ أبدله الله مكانها عزّا ، ولا فتح عبد على نفسه باب مسألة إلاّ
فتح لله عليه باب فقر.
٨٨ : مروّة المرء في
نفسه نسب لعقبه وقبيلته .
٨٩ : سبعة يفسدون
أعمالهم : الرجل الحليم ذو العلم الكثير لا يعرف بذلك ولا يذكر به ، والحكيم الذي
يدير ماله كلّ كاذب منكر لما يؤتى إليه ، والرجل الذي يأمن ذا المكر والخيانة ،
والسيّد الفظّ الذي لا رحمة له ، والامّ التي لا تكتم عن الولد السرّ وتفشي عليه ،
والسريع الى لائمة إخوانه ، والذي لا يزال يجادل أخاه مخاصما له .
٩٠ : لا يطمع ذو
الكبر في الثناء الحسن ، ولا الخبّ في كثرة الصديق ، ولا السيّئ الأدب في الشرف ، ولا البخيل
في صلة الرحم ، ولا المستهزئ بالناس في
__________________
صدق المودّة ، ولا
القليل الفقه في القضاء ، ولا المغتاب في السلامة ، ولا الحسود في راحة القلب ،
ولا المعاقب على الذنب الصغير في السؤدد ، ولا القليل التجربة المعجب برأيه في
رئاسة .
٩١ : من كان الحزم
حارسه ، والصدق جليسه ، عظمت بهجته ، وتمّت مروّته.
٩٢ : جاهل سخيّ
أفضل من ناسك بخيل.
٩٣ : من سأل فوق
حقّه استحقّ الحرمان.
٩٤ : أولى الناس
بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من دونه ، ولم يصفح عمّن
اعتذر إليه.
٩٥ : لا تكوننّ
أول مشير ، وإيّاك والرأي الفطير .
٩٦ : الاستقصاء
فرقة.
٩٧ : الانتقاد
عداوة.
٩٨ : قلّة الصبر
فضيحة.
٩٩ : إفشاء السرّ
سقوط.
١٠٠ : السخاء
فطنة.
١٠١ : اللؤم
تغافل.
١٠٢ : ثلاثة من
فرّط فيهنّ كان محروما : استماحة جواد ، ومصاحبة عالم ، واستمالة سلطان.
١٠٣ : ثلاثة تورث
المحبّة : الدين والتواضع والبذل.
__________________
١٠٤ : من برىء من
ثلاثة نال ثلاثة : من برىء من الشرّ نال العزّ ، ومن برىء من الكبر نال الكرامة ،
ومن برىء من البخل نال الشرف.
١٠٥ : ثلاثة مكسبة
للبغضاء : النفاق ، والعجب ، والظلم.
١٠٦ : من لم يكن
فيه خصلة من ثلاث لم يعد نبيلا ، من لم يكن له عقل يزينه ، أو جدّة تعينه ، أو
عشيرة تعضده.
١٠٧ : ثلاثة تزري
بالمرء : الحسد ، والنميمة ، والطيش.
١٠٨ : ثلاثة لا
تعرف إلاّ في ثلاثة مواطن : لا يعرف الحليم إلاّ عند الغضب ، ولا الشجاع إلاّ عند
الحرب ، ولا أخ إلاّ عند الحاجة.
١٠٩ : ثلاثة من
كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلّى : من إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن
خان.
١١٠ : احذر من
الناس ثلاثة : الخائن ، والظلوم ، والنمّام ، لأن من خان لك خانك ، ومن ظلم لك
سيظلمك ، ومن نمّ إليك سينمّ عليك.
١١١ : لا يكون
الأمين أمينا حتّى يؤتمن على ثلاثة فيؤدّيها : على الأموال ، والأولاد ، والفروج ،
وإن حفظ اثنين وضيّع واحدة فليس بأمين.
١١٢ : لا تشاور
أحمق ، ولا تستعن بكذّاب ، ولا تثق بمودّة ملول ، فإن الكذّاب يقرّب لك البعيد
ويبعّد لك القريب ، والأحمق يجهد نفسه ولا يبلغ ما يريد ، والملول أوثق ما كنت به
خذلك ، وأوصل ما كنت له قطعك.
١١٣ : أربعة لا
تشبع من أربعة : أرض من مطر ، وعين من نظر ، وانثى من ذكر ، وعالم من علم.
١١٤ : أربعة تهرم
قبل أوان الهرم : اكل القديد ، والقعود على النداوة ،
__________________
والصعود في الدرج
، ومجامعة العجوز.
١١٥ : النساء ثلاث
: واحدة لك ، وواحدة لك وعليك ، وواحدة عليك لا لك ، فأمّا التي لك فالمرأة العذراء
، وأمّا التي لك وعليك فالثيب ، وأمّا التي عليك فهي المتبع التي لها ولد من
غيرك.
١١٦ : ثلاثة من
كنّ فيه كان سيّدا : كظم الغيظ ، والصفح عن المسيء ، والصلة بالنفس والمال.
١١٧ : ثلاثة فيهنّ
البلاغة : التقرّب من معنى البغية ، والتبعّد من حشو الكلام ، والدلالة بالقليل
على الكثير.
١١٨ : الجهد في
ثلاثة : في تبدّل الإخوان ، والمنابذة بغير بيان ، والتجسّس عمّا لا يعني.
١١٩ : ثلاثة يحجزن
عن طلب المعالي : قصر الهمّة ، وقلّة الحياء ، وضعف الراي.
١٢٠ : الحزم في
ثلاثة : الاستخدام للسلطان ، والطاعة للوالد ، والخضوع للمولى.
١٢١ : الانس في
ثلاثة : في الزوجة الموافقة ، والولد البارّ ، والصديق المصافي.
١٢٢ : من رزق
ثلاثا نال الغنى الأكبر : القناعة بما اعطي ، واليأس ممّا في أيدي الناس ، وترك
الفضول.
١٢٣ : ثلاثة لا
يعذر المرء فيها : مشاورة ناصح ، ومداراة حاسد ، والتحبّب إلى الناس.
__________________
١٢٤ : من لم يرغب
في ثلاث ابتلي بثلاث : من لم يرغب السلامة ابتلي بالخذلان ، ومن لم يرغب في
المعروف ابتلي بالندامة ، ومن لم يرغب في الاستكثار من الاخوان ابتلي بالخسران.
١٢٥ : ثلاث يجب
على كلّ إنسان تجنّبها : مقارنة الأشرار ، ومحادثة النساء ، ومجالسة أهل البدع.
١٢٦ : ثلاثة تدلّ
على كرم المرء : حسن الخلق ، وكظم الغيظ ، وغضّ الطرف.
١٢٧ : من وثق
بثلاثة كان مغرورا : من صدّق بما لا يكون ، وركن الى من لا يثق به ، وطمع فيما لا
يملك.
١٢٨ : ثلاثة من
استعملها أفسد دينه ودنياه : من ساء ظنّه ، وأمكن من سمعه ، واعطى قياده حليلته .
١٢٩ : أفضل الملوك
من اعطي ثلاث خصال : الرأفة ، والجود ، والعدل.
١٣٠ : وليس يجب
للملوك أن يفرّطوا في ثلاثة : في حفظ الثغور ، وتفقّد المظالم ، واختيار الصالحين
لأعمالهم.
١٣١ : العاقل لا
يستخفّ بأحد ، وأحقّ من لا يستخفّ به ثلاثة :
العلماء ،
والسلطان ، والاخوان ، لأنه من استخفّ بالعلماء أفسد دينه ، ومن استخفّ بالسلطان
أفسد دنياه ، ومن استخفّ بالاخوان أفسد مروّته.
١٣٢ : ثلاثة أشياء
يحتاج إليها الناس طرّا ، الأمن ، والعدل ، والخصب.
١٣٣ : ثلاثة تكدر
العيش : السلطان الجائر ، والجار السوء ، والمرأة البذيّة.
١٣٤ : لا تطيب
السكنى إلاّ بثلاثة : الهواء الطيّب ، والماء الغزير ،
__________________
والأرض الخوّارة .
١٣٥ : ثلاث خصال
من رزقها كان كاملا : العقل ، والجمال والفصاحة.
١٣٦ : ثلاثة تورث
الحرمان : الإلحاح في المسألة ، والغيبة ، والهزء.
١٣٧ : من طلب
ثلاثة بغير حقّ حرم من ثلاثة بحقّ : من طلب الدنيا بغير حقّ حرم الآخرة بحقّ ، ومن
طلب الرئاسة بغير حقّ حرم الطاعة له بحقّ ، ومن طلب المال بغير حقّ حرم بقاءه له
بحقّ.
١٣٨ : ثلاثة لا
ينبغي للمرء الحازم أن يقدم عليها : شرب السمّ للتجربة وإن نجا منه ، وإفشاء السرّ
للقرابة الحاسد وإن نجا منه ، وركوب البحر وإن كان الغنى فيه.
١٣٩ : لا يستغني
أهل كلّ بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم ، فإن عدموا ذلك كانوا
همجا : فقيه عالم ورع ، وأمير خيّر مطاع ، وطبيب بصير ثقة.
١٤٠ : إن يسلم
الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة : لسان السوء ، ويد السوء ، وفعل السوء.
١٤١ : إذا لم يكن
في المملوك خصلة من ثلاث فليس لمولاه في إمساكه راحة : دين يرشده ، أو أدب يسوسه ،
أو خوف يردعه.
١٤٢ : إن المرء
يحتاج في منزله وعياله الى ثلاث خلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك : معاشرة
جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصّن.
١٤٣ : ثلاثة من
ابتلى بواحدة منهنّ كان طائح العقل : نعمة مولّية ،
__________________
وزوجة فاسدة ،
وفجيعة بحبيب.
١٤٤ : جعلت
الشجاعة على ثلاث طبائع ، لكلّ واحدة منهنّ فضيلة ليست للاخرى : السخاء بالنفس ،
والأنفة من الذلّ ، وطلب الذكر ، فإن تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام في
سبيله ، والموسوم بالاقدام في عصره ، وإن تفاضلت بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك
الذي تفاضلت في اكثر.
١٤٥ : يجب للوالدين
على الولد ثلاثة أشياء : شكرهما على كلّ حال ، وطاعتهما فيما يأمرانه به وينهانه
عنه في غير معصية الله ، ونصيحتهما في السرّ والعلانية.
١٤٦ : ويجب للولد
على والده ثلاث خصال : اختيار والدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه.
١٤٧ : السرور في
ثلاث خلال : في الوفاء ، ورعاية الحقوق ، والنهوض في النوائب.
١٤٨ : ثلاثة
يستدلّ بها على إصابة الرأي : حسن اللقاء ، وحسن الاستماع ، وحسن الجواب.
١٤٩ : الرجال
ثلاثة : عاقل ، وأحمق ، وفاجر ، فالعاقل إن كلّم أجاب ، وإن نطق أصاب ، وإن سمع
وعى ، والأحمق إن تكلّم عجل ، وإن حدّث ذهل ، وإن حمل على القبيح فعل ، والفاجر إن
ائتمنته خانك ، وإن حدّثته شانك.
١٥٠ : ثلاثة ليس
معهنّ غربة : حسن الأدب ، وكفّ الأذى ، ومجانبة الريب.
١٥١ : الأيّام
ثلاثة : فيوم مضى لا يدرك ، ويوم الناس فيه فينبغي أن يغتنموه ، وغدا إنما في
أيديهم أمله.
١٥٢ : من لم يكن
فيه ثلاث خصال لم ينفعه الايمان : حلم يردّ جهل الجاهل ، وورع يحجزه عن طلب
المحارم ، وخلق يداري به الناس.
١٥٣ : الاخوان
ثلاثة : مواس بنفسه ، وآخر بماله ، وهما الصادقان في الإخاء ، والآخر يأخذ منك
البلغة ، ويريدك لبغض اللذّة ، فلا تعدّه من أهل الثقة.
١٥٤ : لا يستكمل
عبد حقيقة الايمان حتّى تكون فيه خصال ثلاث : الفقه في الدين ، وحسن التقدير في
المعيشة ، والصبر على الرزايا .
١٥٥ : اشكر من
أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك ، فإنه لا إزالة للنعم اذا شكرت ، ولا إقالة لها اذا كفرت.
١٥٦ : وقيل له :
ما المروّة؟ فقال 7 : ألاّ يراك الله حيث ينهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك.
١٥٧ : فوت الحاجة
خير من طلبها من غير أهلها ، وأشدّ من المصيبة سوء الخلف منها.
١٥٨ : قد عجز من
لم يعدّ لكلّ بلاء صبرا ، ولكل نعمة شكرا ، وكلّ عسر يسرا.
١٥٩ : لم يستزد
بمحبوب بمثل الشكر ، ولم يستنقص من مكروه بمثل الصبر.
١٦٠ : أنفع
الأشياء للمرء سبقه الناس الى عيب نفسه ، وأشدّها مؤونة إخفاء الفاقة ، وأشدّ
الأشياء عناء النصيحة لمن لا يقبلها ، ومجاورة الحريص ، وأروح الروح اليأس من
الناس.
__________________
١٦١ : من وقف نفسه
موقف التهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به.
١٦٢ : من كتم سرّه
كانت الخيرة في يده ، وكلّ حديث جاوز اثنين فاش.
١٦٣ : ضع أمر أخيك
على أحسنه ، ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا.
١٦٤ : عليك بإخوان
الصدق ، فإنهم عدّة عند الرخاء ، وجنّة عند البلاء.
١٦٥ : من زين
الايمان الفقه ، ومن زين الفقه الحلم ، ومن زين الحلم الرفق ، ومن زين الرفق اللين
، ومن زين اللين السهولة.
١٦٦ : الصفح
الجميل ألاّ تعاتب على الذنب ، والصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى.
١٦٧ : وسأله
المفضّل بن عمر عن الحسب ، فقال 7 : المال ، قال : فالكرم ، قال 7 : التقوى ، قال :
فالسؤدد ، قال 7 :
السخاء ، ويحك أما
رأيت حاتم طيّ كيف ساد قومه وما كان بأجودهم موضعا.
١٦٨ : المعروف
زكاة النعم ، والشفاعة زكاة الجاه ، والعلل زكاة الأبدان والعفو زكاة الظفر ، وما
أدّي زكاته فهو مأمون السلب.
١٦٩ : من أخلاق
الجاهل الإجابة قبل أن يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بما لا يعلم.
١٧٠ : سرّك من دمك
فلا تجره في غير أوداجك.
١٧١ : صدرك أوسع
لسرّك.
١٧٢ : من لم يواخ
من لا عيب فيه قلّ صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلاّ بايثاره على نفسه دام سخطه ،
ومن عاتب على كلّ ذنب دام تعتيبه.
١٧٣ : لو علم
السّيئ الخلق أنه يعذّب نفسه لتسمّح في خلقه.
١٧٤ : ما أرتجّ
على امرئ ، وأحجم عليه الرأي ، وأعيت به الحيل إلاّ كان الرفق مفتاحه.
١٧٥ : ثلاثة لا
يصيبون إلاّ خيرا : أولو الصمت ، وتاركو الشرّ ، والمكثرون ذكر الله عزّ وجلّ ،
ورأس الحزم التواضع.
١٧٦ : امتحن أخاك
عند نعمة تجدّد لك ، أو نائبة تنوبك.
١٧٧ : من ظهر غضبه
ظهر كيده ، ومن قوى هواه ضعف حزمه.
١٧٨ : من لم يقدّم
الامتحان قبل الثقة ، والثقة قبل الانس ، أثمرت مودّته ندما.
١٧٩ : لحظ الانسان
طرف من خبره.
١٨٠ : المستبدّ
برأيه موقوف على مداحض الزلل .
١٨١ : من لم يسأل
الله من فضله افتقر .
١٨٢ : إن الدعاء
أنفذ من السنان .
١٨٣ : وكان عنده
قوم يحدّثهم ، إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه وشكا منه ، فقال له أبو عبد الله 7 : وأنّى لك بأخيك
كلّه ، أيّ الرجال المهذب .
١٨٤ : التواصل بين
الاخوان في الحضر التزاور ، وفي السفر التكاتب .
١٨٥ : جبلت القلوب
على حبّ من ينفعها ، وبغض من أضرّها .
__________________
١٨٦ : الدّين غمّ
بالليل وذلّ بالنهار.
١٨٧ : برّوا
آباءكم يبرّكم أبناؤكم ، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم.
١٨٨ : المرء كثير
بأخيه ، ولا خير في صحبة من لم ير لك مثل الذي ترى لنفسه.
١٨٩ : وتخاصم
رجلان بحضرته ، فقال 7 لهما : أما إنه لم يظفر بخير من ظفر بالظلم ، ومن يفعل
السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به.
١٩٠ : لا عيش أهنأ
من حسن الخلق ، ولا مال أنفع من القناعة باليسير المجزي ، ولا جهل أضرّ من العجب.
١٩١ : تصافحوا
فإنها تذهب السخيمة .
١٩٢ : اتّق الله
بعض التقى وإن قل ، ودع بينك وبين الله سترا وإن رق.
١٩٣ : كثرة النظر
بالحكمة تلقح العقل.
١٩٤ : وسئل عن صفة
العدل من الرجل ، فقال 7 : إذا غضّ طرفه عن المحارم ، ولسانه عن المآثم ، وكفّه عن
المظالم.
١٩٥ : من لا يعرف
لأحد الفضل فهو المعجب برأيه.
١٩٦ : خصلتان لا
يجتمعان في منافق : سمت حسن ، وفقه في سنّة.
١٩٧ : ليس من أحد
وإن ساعدته الامور بمستخلص غضارة عيش إلاّ من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة
الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأن من شأن الأيام السلب ، وسبيل الزمن الفوت .
__________________
١٩٨ : كم من مغرور
بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج بستر الله عليه ، وكم من مفتون بثناء الناس
عليه .
١٩٩ : العافية
نعمة خفيّة : اذا وجدت نسيت ، واذا فقدت ذكرت.
٢٠٠ : العافية
نعمة يعجز الشكر عنها .
٢٠١ : الشؤم في
ثلاثة : في المرأة ، والدابّة ، والدار ، فأمّا الشؤم في المرأة فكثرة صداقها
وعقوق زوجها ، وأمّا الدابّة فسوء خلقها ومنعها ظهرها ، وأمّا الدار فضيق ساحتها
وشرّ جيرانها وكثرة عيوبها .
٢٠٢ : وقيل له :
أيّ الخصال بالمرء أجمل؟ فقال 7 : وقار بلا مهابة ، وسماح بلا طلب مكافاة ، وتشاغل بغير
متاع الدنيا.
٢٠٣ : خمس من لم
تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع ، قيل : وما هي يا ابن رسول 6؟ فقال 7 : الدين ، والعقل
، والحياء ، وحسن الخلق ، وحسن الأدب. وخمس من لم تكن فيه لم يهن بالعيش : الصحّة
، والأمن ، والغنى ، والقناعة ، والأنيس الموافق .
٢٠٤ : كم من صبر
ساعة قد أورثت فرحا طويلا ، وكم من لذّة قد أورثت حزنا طويلا .
٢٠٥ : ليس من
الإنصاف مطالبة الاخوان بالإنصاف .
__________________
٢٠٦ : ليس لحاقن
رأي ، ولا لملول صديق ، ولا لحسود غنى ، وليس بحازم من لم ينظر في العواقب ،
والنظر في العواقب تلقيح القلوب.
٢٠٧ : عليك
بالسخاء وحسن الخلق ، فإنهما يزينان الرجل كما تزين الواسطة القلادة.
٢٠٨ : ثلاثة من
السعادة : الزوجة المواتية ، والولد البارّ ، والرجل يرزق معيشته يغدو على اصلاحها
ويروّح الى عياله .
٢٠٩ : النوم راحة
للجسد ، والنطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل .
٢١٠ : لا تسمّ
الرجل صديقا سمة معرفة حتّى تختبره بثلاثة : تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحقّ الى
الباطل ، وعند الدينار والدرهم ، وحتّى تسافر معه .
٢١١ : كم من نعمة
الله عزّ وجلّ على عبده في غير عمله ، وكم من مؤمّل أملا والخيار في غيره ، وكم من
ساع الى حتفه وهو مبطئ عن حظه .
٢١٢ : من الجور
قول الراكب للراجل : الطريق.
٢١٣ : من حبّ
الرجل دينه حبّه إخوانه.
٢١٤ : شرف المؤمن
صلاته بالليل ، وعزّه كفّ الأذى عن الناس .
٢١٥ : تقرّبوا الى
الله بمواساة إخوانكم.
٢١٦ : ضمنت لمن
اقتصد ألاّ يفتقر.
٢١٧ : اصبر على
أعداء النعم ، فإنك لن تكافىء من عصى الله فيك
__________________
بأفضل من أن تطيع
الله فيه.
٢١٨ : من رضي
القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور ، ومن سخط القضاء أتى عليه القضاء وأحبط الله
عمله.
٢١٩ : تهادوا
تحابّوا ، فإن الهديّة تذهب بالضغائن .
٢٢٠ : ما عبد الله
بأفضل من الصمت والمشي الى بيته.
٢٢١ : أنهاك عن
خصلتين فيهما هلك الرجال : أن تدين الله بالباطل ، أو تفتي الناس بما لا تعلم.
٢٢٢ : من حقيقة
الايمان أن تؤثر الحقّ وإن ضرّك ، على الباطل وإن نفعك ، وألاّ يجوز منطقك عملك.
٢٢٣ : حرم الحريص
خصلتين ولزمته خصلتان : حرم القناعة فافتقد الراحة ، وحرم الرضا فافتقد اليقين .
٢٢٤ : مع التثبّت
تكون السلامة ، ومع العجل تكون الندامة.
٢٢٥ : من ابتدأ
بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه.
٢٢٦ : الرجال
ثلاثة : رجل بماله ، ورجل بجاهه ، ورجل بلسانه ، وهو أفضل الثلاثة.
٢٢٧ : لا تصلح
المسألة إلاّ في ثلاث : في دم مقطع أو غرم مثقل أو حاجة مدقعة .
__________________
٢٢٨ : إن أحقّ
الناس أن يتمنّى للناس الغنى البخلاء ، لأن الناس إذا استغنوا كفّوا عن أموالهم ،
وأحقّ الناس أن يتمنّى للناس الصلاح أهل العيوب ، لأن الناس اذا صلحوا كفّوا عن
تتبّع عيوب الناس ، وأحقّ الناس أن يتمنّى للناس الحلم أهل السفه ، الذين يحتاجون
الى أن يعفى عن سفههم ، فأصبح أهل البخل يتمنّون فقر الناس ، وأصبح أهل العيوب
يتمنّون معايب الناس ، وأصبح أهل السفه يتمنّون سفه الناس ، وفي الفقر الحاجة الى
البخيل ، وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب ، وفي السفه المكافاة بالذنوب.
٢٢٩ : ثلاثة من
عاداهم ذلّ : الوالد ، والسلطان ، والغريم .
٢٣٠ : مطلوب الناس
في الدنيا الفانية أربعة : الغنى ، والدعة ، وقلّة الاهتمام ، والعزّ ، فأمّا
الغنى فهو موجود في القناعة ، فمن طلبه في كثرة المال لم يجدها ، وأمّا قلّة
الاهتمام فموجودة في قلّة الشغل ، فمن طلبها مع كثرته لم يجدها ، وأمّا العزّ
فموجود في خدمة الخالق ، فمن طلبه في خدمة المخلوق لم يجده.
٢٣١ : وجدت علم
الناس كلّهم في أربعة : أوّلها أن تعرف ربّك ، والثاني أن تعرف ما صنع بك ،
والثالث أن تعرف ما أراد منك ، والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك.
٢٣٢ : اذا فشت
أربعة ظهرت أربعة : اذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية
، وإذا جار الحاكم في القضاء امسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمّة نصر
المشركون على المسلمين.
٢٣٣ : إن الصبر
والبرّ والحلم وحسن الخلق من أخلاق الأنبياء.
٢٣٤ : أربعة تذهب
ضياعا : الأكل بعد الشبع ، والسراج في القمر ،
__________________
والزرع في السبخة
، والصنيعة عند غير أهلها.
٢٣٥ : أربعة تذهب
ضياعا : مودّة تمنحها من لا وفاء له ، ومعروف عند من لا شكر له ، وعلم عند من لا
استماع له ، وسرّ تودعه من لا حصانة له .
٢٣٦ : خمس من خمسة
محال : النصيحة من الحاسد محال ، والشفقة من العدوّ محال ، والحرمة من الفاسق محال
، والوفاء من المرأة محال ، والهيبة من الفقر محال.
٢٣٧ : خمس هنّ كما
أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذّة ، ولا لملول وفاء ، ولا لكذّاب مروّة ،
ولا يسود سفيه.
٢٣٨ : خمسة لا
ينامون : الهام بدم يسفكه ، وذو المال الكثير لا أمين له ، والقائل في الناس الزور
والبهتان عن عرض من الدنيا يناله ، المأخوذ بالمال الكثير ولا مال له ، والمحبّ
حبيبا يتوقّع فراقه .
٢٣٩ : من لم يكن
له واعظ من قبله ، وزاجر من نفسه ، ولم يكن له قرين مرشدا ، استمكن عدوّه من عنقه .
٢٤٠ : لن يهلك امرؤ
عن مشورة ٢٤١ : مجاملة الناس ثلث العقل .
٢٤٢ : من التواضع
أن تسلّم على من لقيت .
__________________
٢٤٣ : المنّ يهدم
الصنيعة .
٢٤٤ : المعروف
ابتداء ، فأمّا ما أعطيته بعد المسألة فإنما كافيته بما بذل لك من وجهه .
٢٤٥ : أفضل الصدقة
ابراد كبد حرّاء .
٢٤٦ : من استوى
يوماه فهو مغبون ، ومن كان يومه الذي هو فيه خيرا من أمسه الذي ارتحل عنه فهو
مغبوط .
٢٤٧ : المؤمن
يداري ولا يماري .
٢٤٨ : من لم
يتفقّد النقص في نفسه دام نقصه ، ومن دام نقصه فالموت خير له.
٢٤٩ : من أذنب من
غير عمد كان للعفو أهلا .
٢٥٠ : الخشية
ميراث العلم ، والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان ، ومن حرم الخشية لا يكون عالما
وإن شقّ الشعر في متشابهات العلم .
٢٥١ : إن من أجاب عن
كلّ ما يسأل لمجنون .
٢٥٢ : من لاحى
الرجال ذهبت مروّته .
__________________
٢٥٣ : لا تفتش
الناس فتبقى بلا صديق.
٢٥٤ : من لم يرض
بصديقه إلاّ بايثاره على نفسه دام سخطه .
٢٥٥ : كفى بخشية
الله علما وكفى بالاغترار جهلا.
هذا آخر ما تيسّر
لي جمعه واختياره من طرائف حكمه ، وجوامع كلمه وعساني توفّقت لإيقاف القارئ على
كنز من الحكم لا يعادل بثمن ، ولا يساوى بقيمة.
* * *
__________________
ولادته ووفاته
ولادته
المعروف بين أهل
الحديث والتأريخ أن ولادته 7 كانت في السابع عشر من ربيع الأوّل ، إمّا عام ٨٠ للهجرة ،
أو ٨٣ ، وكلا القولين مشهوران بينهم.
ولكن تقدم أنه 7 قال في بعض
وقفاته أمام المنصور : « وها أنا ذا قد ذرفت على السبعين » أي زدت عليها ، وروى عن
محمّد بن الربيع حاجب المنصور لمّا جاء بالصادق ليلا الى المنصور وقال عنه : وكان
قد جاوز السبعين ، وذكر المجلسي طاب ثراه في أحواله 7 رواية عن محمّد بن سعيد أنه 7 قبض وهو ابن إحدى وسبعين سنة ، وهذا كما ترى لا يتفق مع
القول الثاني ، ولا الأوّل ، لأنهم متّفقون على أن وفاته كانت عام ١٤٨ ، فعليه
تكون ولادته قبل الثمانين بثلاث سنين أو اكثر.
وبهذا تكون
الروايات في سنة وفاته ثلاثا ، وأوسطها رواية الثمانين ، ولعلّها أولاها.
وفاته :
وقيل : كانت وفاته
7 في الخامس والعشرين من شوّال ، وقيل :
في النصف من رجب ،
والأوّل هو المشهور ، واتّفق المؤرّخون من الفريقين على أن وفاته كانت عام ١٤٨ كما
قلنا.
كما اتّفق مؤلفو
الشيعة على أن المنصور اغتاله بالسمّ على يد عامله بالمدينة ، وقيل أن السّم كان
في عنب كما ذكر ذلك الكفعمي في المصباح.
وذكر بعض أهل
السنّة أيضا موته بالسمّ ، كما في « إسعاف الراغبين » و « نور الأبصار » و « تذكرة
الخواص » و « الصواعق المحرقة » وغيرها.
عند الموت :
ولمّا كاد أن يلفظ
النفس الأخير من حياته أمر أن يجمعوا له كلّ من بينه وبينهم قرابة ، وبعد أن
اجتمعوا عنده فتح عينيه في وجوههم فقال مخاطبا لهم :
إن شفاعتنا لا
تنال مستخفّا بالصلاة .
وهذا يدلّنا على
عظم اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة ، فلم تشغل إمامنا 7 ساعة الموت عن هذه الوصيّة ، وما ذاك إلاّ لأنه الإمام
الذي يهمّه أمر الامّة وإرشادها الى الصلاح حتّى آخر نفس من حياته ، وكانت الصلاة
أهم ما يوصي به ويلفت إليه.
وأحسب إنما خصّ
أقرباءه بهذه الوصيّة ، لأن الناس ترتقب منهم الإصلاح والإرشاد فيكون تبليغ هذه
الوصيّة على ألسنتهم أنفذ ، ولأنهم عترة الرسول فعسى أن يتوهّموا أن قربهم من
النبي وسيلة للشفاعة بهم وإن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة ، فأراد الصادق أن
يلفتهم الى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا
__________________
قائمين بفرائض
الله.
وكانت زوجته أمّ
حميدة تعجب من تلك الحال وأن الموت كيف لم يشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصيّة ،
فكانت تبكي اذا تذكّرت حالته تلك .
وأمر أيضا وهو
بتلك الحال لكلّ واحد من ذوي رحمه بصلة ، وللحسن الأفطس بسبعين دينارا ،
فقالت له مولاته سالمة : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال : تريدين
ألاّ أكون من الذين قال الله عزّ وجل فيهم : « والذين يصلون ما أمر الله به أن
يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب » نعم يا سالمة إن الله خلق الجنّة فطيّب ريحها ، وإن ريحها
ليوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم .
وهذا أيضا يرشدنا
الى أهميّة صلة الأرحام بعد الصلاة وقد كشف في بيانه عن أثر القطيعة.
وما اكتفى 7 بصلة رحمه فقط بل
وصل من قطعه منهم بل من همّ بقتله ، تلك الأخلاق النبويّة العالية.
بعد الموت :
ولمّا قبض 7 كفّنه ولده
الكاظم 7 في ثوبين شطويين
كان يحرم فيهما ،
وفي قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسين 7 ، وفي برد اشتراه بأربعين دينارا .
وأمر بالسراج في
البيت الذي كان يسكنه أبو عبد الله 7 الى أن اخرج الى العراق كما فعل أبو عبد الله 7 من قبل في البيت
الذي كان يسكنه أبوه الباقر 7 .
وقال أبو هريرة لمّا حمل الصادق 7 على سريره واخرج
الى البقيع ليدفن :
أقول وقد راحوا
به يحملونه
|
|
على كاهل من
حامليه وعاتق
|
أتدرون ما ذا
تحملون الى الثرى
|
|
ثبير ثوى من رأس علياء شاهق
|
غداة حثا
الحاثون فوق ضريحه
|
|
ترابا وأولى كان
فوق المفارق
|
أيا صادق ابن
الصادقين إليه
|
|
بآبائك الأطهار
حلفة صادق
|
لحقّا بكم ذو
العرش أقسم في الورى
|
|
فقال تعالى الله
رب المشارق
|
نجوم هي اثنى
عشرة كن سبقا
|
|
الى الله في علم
من الله سابق
|
ودفن 7 في البقيع مع
جدّه لامّه الحسن وجده لأبيه زين العابدين ، وأبيه الباقر عليهم جميعا صلوات الله
، وهو آخر من دفن من الأئمة في البقيع ، فإن
__________________
أولاده دفنوا
بالعراق إلاّ الرضا في خراسان.
كناه وألقابه :
كان يكنّى بأبي
عبد الله ، وأبي إسماعيل ، وأبي موسى ، وأوّلها أشهرها ، ويلقّب بالصادق ، والفاضل
، والقائم ، والكافل ، والمنجي ، وغيرها وأوّلها أيضا أشهرها لقّبه بالصادق أبوه
رسول الله 6 ، كما في الخرائج والجرائح ، وكما في البحار ج ١١ في أحواله 7 عن علل الشرائع ،
وكما في كفاية الأثر لعلي بن محمّد بن علي الخزاز عند ترجمة الصادق 7 مسندا عن أبي
هريرة عن النبي 6 في حديث طويل ، ومنه أنه قال 6 : ويخرج الله من صلبه ـ أي صلب محمّد الباقر ـ كلمة الحقّ
، ولسان الصدق ، فقال له ابن مسعود : فما اسمه يا نبيّ الله؟ قال :
يقال له جعفر ،
صادق في قوله وفعله ، الطاعن عليه كالطاعن عليّ ، والرادّ عليه كالرادّ عليّ ،
الحديث.
وبلغ من شهرته
بهذا اللقب أنه صار كالاسم له ، حتّى أنه ليستغنى به عن ذكر اسمه ، ويعرف به اذا
اطلق ، ومن ثمّ جعلناه عنوان كتابنا.
وكذلك كنيته بأبي
عبد الله صارت كالاسم له يستغنى بها عن اسمه ولقبه لا سيّما في الأحاديث.
صفته :
قال ابن شهرآشوب
في المناقب في أحواله : وكان 7 ربع القامة
أزهر الوجه ، حالك
الشعر جعده أشمّ الأنف أنزع رقيق البشرة على خدّه خال اسود على جسده خيلان حمرة .
زيارته :
إن لزيارة المؤمن
في الله حيّا وميّتا من الفضل ما لا يبلغ مداه ، كما يشهد به النقل ، فكيف بإمام
المؤمنين ، على أن في زيارة مراقد الأنبياء والأوصياء إحياء لذكرهم واشادة بفضلهم
، وجمعا للقلوب عليهم ، وترغيبا للناس على الاقتداء بأعمالهم ، وذلك ما تحبّذه
جميع عقلاء الامم لإحياء مآثر العظماء وتجديد ذكرى فضلهم والتشجيع على الاحتذاء
بهديهم ، مضافا الى أن في زيارة مراقد النبيّ والأئمة تعظيما لشعائر الله تعالى
وهو من تقوى القلوب.
والنقل في فضل
زيارته 7 من وجهين ، الأوّل : ممّا جاء في فضل زيارة قبورهم عامّة ، الثاني : ممّا جاء
في فضل زيارة قبره خاصّة.
أمّا الأوّل فكثير
جدا ، ومنه قول الرضا 7 : إن لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام
الوفاء بالعهد زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه
كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة .
__________________
وقول أمير
المؤمنين 7 : أتمّوا برسول الله 6 اذا خرجتم الى بيت الله الحرام ، فإن تركه جفاء ، وبذلك
أمرتم ، وأتمّوا بالقبور التي ألزمكم الله حقّها وزيارتها واطلبوا الرزق عندها .
وقول الصادق 7 : من زار إماما
مفترض الطاعة وصلّى عنده أربع ركعات كتب الله له حجّة وعمرة الى ما لا يحصى
من أمثال هذه الأحاديث ، وقد ذكرت كثيرا منها كتب المزارات.
وأمّا الثاني فمثل
قول الصادق 7 : من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا .
وقول العسكري 7 : من زار جعفرا
أو أباه لم تشتك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى ، الى كثير
سواها.
* * *
__________________
أولاده
اختلفوا في عدد
أولاده والمشهور فيهم ما ذكره الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد ، قال : وكان
أولاد أبي عبد الله 7 عشرة : إسماعيل وعبد الله وأمّ فروة امّهم فاطمة بنت
الحسين بن الحسن بن علي 8 وموسى 7 وإسحاق ومحمّد لأمّ ولد والعبّاس وعليّ
وأسماء وفاطمة لامّهات شتّى.
إسماعيل :
كان إسماعيل اكبر
أولاد الصادق 7 ، وكان شديد المحبّة له والبرّ به والاشفاق عليه .
حتّى أنه 7 قال للمفضّل بن
عمر وهو من وكلائه وخواصّ أصحابه الثقات وأبو الحسن موسى 7 غلام : هذا
المولود ـ يعني موسى الكاظم ـ الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه ،
ثمّ قال : لا تجف
__________________
إسماعيل .
إن هذا الكلام
يدلّ على صرف الإمامة عن إسماعيل الى موسى ، ولكن لمّا خشي أن يكون ذلك أيضا صارفا
عن اكرامه قال : لا تجف إسماعيل.
وقال 7 : كان القتل قد
كتب على إسماعيل مرّتين فسألت الله تعالى في رفعه عنه فرفعه وأقواله وأعماله
التي كانت تنبئ عن ذلك الحبّ والعطف كثيرة ، وحتّى ظنّ قوم من الشيعة أنه القائم
بعد أبيه بالإمامة لذلك البرّ وتلك الرعاية ولأنه اكبر اخوته سنّا ، واكبر الاخوة
سنّا أحد علائم الإمامة ، ولكن موته أيام أبيه أزال ذلك الظن.
وأظهر الصادق 7 بموت إسماعيل
عجبا ، فإنه بعد أن مات وغطّي أمر بأن يكشف عن وجهه وهو مسجّى ، ثمّ قبّل جبهته
وذقنه ونحره ، ثمّ أمر به فكشف وفعل به مثل الأوّل ، ولمّا غسّل وادرج في اكفانه
أمر به فكشف عن وجهه ثمّ قبّله في تلك المواضع ثالثا ، ثمّ عوّذه بالقرآن ، ثمّ
أمر بإدراجه.
وفي رواية اخرى
أنه أمر المفضّل بن عمر فجمع له جماعة من أصحابه حتّى صاروا ثلاثين ، وفيهم أبو
بصير وحمران بن أعين وداود الرقي ، فقال لداود :
اكشف عن وجهه ،
فكشف داود عن وجه إسماعيل ، فقال : تأمّله يا داود فانظره أحيّ هو أم ميّت؟ فقال :
بل هو ميّت ، فجعل يعرض على رجل رجل حتّى أتى على آخرهم ، فقال : اللهمّ اشهد ،
ثمّ أمر بغسله وتجهيزه ، ثمّ قال : يا مفضّل احسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه ، فقال :
حيّ هو أم ميّت؟ انظروه
__________________
جميعكم ، فقالوا :
بل هو يا سيّدنا ميّت ، فقال : شهدتم بذلك وتحققتموه؟ قالوا :
نعم ، وقد تعجّبوا
من فعله ، فقال : اللهمّ اشهد عليهم ، ثمّ حمل الى قبره فلمّا وضع في لحده قال :
يا مفضّل اكشف عن وجهه ، فكشف فقال للجماعة :
انظروا أحيّ هو أم
ميّت؟ فقالوا : بل ميّت يا وليّ الله ، فقال : اللهمّ اشهد ، ثمّ أعاد عليهم القول
في ذلك بعد دفنه ، فقال لهم : الميّت المكفّن المحنّط المدفون في هذا اللحد من هو؟
فقالوا : إسماعيل ولدك ، فقال اللهمّ اشهد .
قد يعجب المرء من
إصرار الإمام على أن يعرف الناس موت إسماعيل حتّى لا تبقى شبهة ولا ريب بموته ،
ولكن لا عجب من أمر الإمام العالم بما سيحدث في هذا الشأن ، إنه يعلم أن قوما
سيقولون بإمامته لأنه الأكبر زعما منهم أنه لم يمت ، فما فعل ذلك إلاّ ليقيم
الحجّة عليهم ، وقد كشف بنفسه 7 عن هذا السرّ ، فإنه قال بعد أن وضع إسماعيل في لحده وأشهد
القوم على موته : فإنه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور الله ، ثمّ أومى الى
موسى 7 ، ولمّا أن دفن إسماعيل وأشهدهم أخذ بيد موسى فقال : هو حقّ والحقّ معه الى
أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وظهر على الصادق
الحزن الشديد حين حضر إسماعيل الموت وسجد سجدة طويلة ، ثمّ رفع رأسه فنظر الى
إسماعيل قليلا ونظر الى وجهه ، ثمّ سجد اخرى أطول من الاولى ، ثمّ رفع رأسه فغمضه
وربط لحييه وغطّى عليه ملحفته ، ثمّ قام ووجهه قد دخله شيء عظيم حتّى أحسّ ذلك منه
من رآه ، وعلى أثر ذلك دخل المنزل فمكث ساعة ، ثمّ خرج على القوم مدهنا مكتحلا
وعليه ثياب
__________________
غير التي كانت
عليه ، ووجهه قد تسرّى عنه ذلك الأثر من الحزن فأمر ونهى ، حتّى اذا فرغ من غسله
دعا بكفنه فكتب في حاشيته : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ الله .
فتعجّب الناس من
انقلاب حاله وذهاب ذلك الحزن الشديد فبدر إليه بعض أصحابه قائلا : جعلت فداك لقد
ظننا أننا لا ننتفع بك زمانا لما رأيناه من جزعك ، فقال 7 : إنّا أهل بيت
نجزع ما لم تنزل المصيبة فاذا نزلت صبرنا.
وقدّم لأصحابه
المائدة وعليها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ودعاهم الى الأكل وحثّهم عليه ، ولا
يرون للحزن أثرا على وجهه ، فقيل له في ذلك ، فقال :
ومالي لا اكون كما
ترون وقد جاء في خبر أصدق الصادقين : إنّي ميّت وإيّاكم.
ولكنه لمّا حمل
ليدفن تقدم سريره بغير حذاء ولا رداء ، وهذا أعظم شعار للحزن ، وكان يأمر بوضع
السرير على الأرض يكشف عن وجهه يريد بذلك تحقيق موته لدى الناس ، فعل ذلك مرارا
الى أن انتهوا به الى قبره .
ولمّا فرغ من دفنه
جلس والناس حوله وهو مطرق ، ثمّ رفع رأسه فقال :
أيها الناس إن هذه
الدنيا دار فراق ، ودار التواء ، لا دار استواء على أن لفراق المألوف حرقة لا تدفع
، ولوعة لا ترد ، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحّة الفكرة ، فمن لم يثكل أخاه
ثكله أخوه ، ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ، ثمّ تمثل بقول أبي خراش
الهذلي :
ولا تحسبن أني
تناسيت عهده
|
|
ولكن صبري يا
اميم جميل
|
__________________
ولمّا مات إسماعيل
استدعى الصادق 7 بعض شيعته وأعطاه دراهم وأمره أن يحجّ بها عن ابنه إسماعيل
، وقال له : إنك اذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب ولإسماعيل سهم واحد .
ومات إسماعيل
بالعريض وحمل على الرقاب الى المدينة وقبره فيها معروف
، وهدمه ابن السعود كما هدم قبور آبائه الأئمة في البقيع والى اليوم لم يسمح
بإعادة البناء عليها.
فتلك الأعمال من
الصادق 7 مع ابنه إسماعيل تدلّنا على كبير ما يحمل له من الحبّ والبرّ والعطف ، وعلى
ما كان عليه إسماعيل من التقوى والفضل ، ولكن هناك أحاديث قدحت في مقامه ووصمت
قدسيّ ذاته ، وإني لا أراها تعادل تلك الأحاديث السالفة ، بل إن بعض الأخبار كشفت
لنا النقاب عن كذب هذه الأخبار القادحة ، أو انها صدرت لغايات مجهولة لنا ، فمن
تلك الأحاديث الكاشفة ، ما رواه في الخرائج والجرائح عن الوليد بن صبيح قال : جاءني رجل
فقال لي : تعال حتّى اريك ابن إلهك فذهبت معه فجاء بي الى قوم يشربون ، فيهم إسماعيل بن جعفر
، فخرجت مغموما فجئت الى الحجر فاذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ
أستار الكعبة
__________________
بدموعه ، فرجعت
أشتد فاذا إسماعيل جالس مع القوم ، فرجعت فاذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها
بدموعه ، قال : فذكرت ذلك لأبي عبد الله 7 ، فقال : لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثّل على صورته.
فهل يا ترى زكاة
لإسماعيل أفضل من هذا الحديث ، فلا بدّ إذن من طرح الأحاديث القادحة أو حملها على
غايات غير ما دلّت عليه بظاهرها ، ولو كان إسماعيل كما قدحت فيه تلك الأحاديث لما
لازمه الصادق 7 في الحضر والسفر ، ولنحّاه كما نحّى ابنه عبد الله.
ولمّا مات إسماعيل
انصرف عن القول بإمامته من كان يظنّ أن الإمامة فيه بعد أبيه وحدث القول بإمامته
بعد أبيه الصادق ، والقائلون بإمامته يسمّون بالاسماعيليّة ، وقد أشرنا الى هذه
الفرقة في ١ : ٥٢.
وذكر هنا الشيخ
المفيد طاب ثراه في الإرشاد أن الذين أقاموا على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه
ولا من الرواة عنه وكانوا من الأباعد والأطراف ، ولمّا مات الصادق 7 انتقل فريق منهم
الى القول بإمامة موسى 7 بعد أبيه ، وافترق الباقون فريقين ، ففريق منهم رجعوا عن
حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمّد بن إسماعيل ، لظنّهم أن الامامة كانت في
أبيه ، وأن الابن أحقّ بمقام الأب من الأخ ، وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل ، وهم
اليوم شذّاذ لا يعرف منهم أحد يومى إليه ، وهذان الفريقان يسمّيان بالاسماعيليّة ،
والمعروف منهم الآن من يزعم أن الامامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده الى آخر
الزمان.
عبد الله الأفطح :
كان عبد الله اكبر
ولد الصادق 7 بعد إسماعيل ، ومن ثمّ اشتبه
الأمر على فئة
فقالوا بإمامته ، لأن الإمامة في الأكبر وجهلوا أنها في الأكبر ما لم يكن ذا عاهة
، وعبد الله كان أفطح الرجلين ، ولذا سمي الأفطح ، والقائلون بإمامته ـ الفطحيّة ـ.
وكان متّهما في
الخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال أنه يخالط الحشويّة ويميل الى مذهب المرجئة ،
ولذلك لم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في الإكرام .
ولربّما عاتبه
أبوه ولامه ووعظه ، ولكن ما كان ليجدي معه ذلك الوعظ والعتب ، وقد قال له يوما :
ما منعك أن تكون مثل أخيك فو الله إني لأعرف النور في وجهه ، فقال عبد الله : لم أليس
أبي وأبوه واحدا؟ وامّي وامّه واحدة ، فقال له الصادق 7 : إنه من نفسي
وأنت ابني .
أحسب أنه أراد
الصادق 7 من قوله ـ أخيك ـ إسماعيل خاصّة ولذا أجابه عبد الله بقوله : أليس أبي وأبوه
واحدا؟ وأمي وامّه واحدة؟ لأن أخاه من الأبوين هو إسماعيل لا موسى.
وكفى بهذا الحديث
دلالة على فضل إسماعيل وعلوّ مقامه عند الله وعند أبيه ، وعلى جهل عبد الله وانحطاط
منزلته عند الله وعند أبيه.
وادّعى عبد الله
الإمامة بعد أبيه محتجّا بأنه اكبر اخوته ، ولقد أنبأ الصادق ولده الكاظم 8 بأن عبد الله سوف
يدّعي الإمامة بعده ويجلس مجلسه ، وأمره ألاّ ينازعه ولا يكلّمه لأنه أول أهله
لحوقا به ، فكان الأمر كما أنبأ 7 .
__________________
ولما ادّعى
الإمامة تبعه جماعة من أصحاب الصادق 7 رجع اكثرهم بعد ذلك الى القول بإمامة موسى الكاظم 7 ، لمّا تبيّنوا
ضعف دعواه ، وقوّة الحجّة من أبي الحسن 7 ودلالة إمامته .
وممّن دخل عليه
مستعلما صحّة دعواه هشام بن سالم ومؤمن الطاق ، والناس مجتمعون حوله محدقون به ،
فسألاه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال : في مائتين خمسة ، قالا : ففي مائة؟ قال :
درهمان ونصف ، فقالا له : فو الله ما تقول المرجئة هذا ، فرفع يده الى السماء فقال
: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة ، فعلما أنه ليس عنده شيء ، فخرجا من عنده
ضلالا لا يدريان أين يتوجّهان فقعدا في بعض أزقّة المدينة باكيين حيرانين وهما
يقولان : لا ندري الى من نقصد الى من نتوجّه الى المرجئة ، الى القدريّة ، الى
الزيديّة ، الى المعتزلة ، الى الخوارج ، فبيناهما كذلك إذ رأى هشام شيخا لا يعرفه
يومئ إليه بيده ، فخاف أن يكون من عيون المنصور ، لأنه كان له جواسيس وعيون
بالمدينة ينظرون على من اتّفق شيعة جعفر 7 فيضربون عنقه ، فقال لمؤمن الطاق : تنحّ عني فإني أخاف على
نفسي وعليك ، وإنما يريدني ليس يريدك ، فتنحّ عني لا تهلك وتعين على نفسك ، فتنحّى
أبو جعفر غير بعيد ، وتبع هشام الشيخ ، فما زال يتبعه حتّى أورده باب أبي الحسن
موسى 7 ، ثمّ خلاّه ومضى ، فاذا خادم بالباب ، فقال له : ادخل رحمك الله ، فلمّا دخل
قال له أبو الحسن 7 ابتداء : إليّ إليّ إليّ ، لا إلى المرجئة ، ولا الى
القدريّة ، ولا الى الزيديّة ، ولا الى المعتزلة ، ولا الى الخوارج.
ثمّ خرج هشام من
عند الكاظم 7 ولقي أبا جعفر مؤمن الطاق
__________________
فقال له : ما وراك؟
قال : الهدى ، فحدّثه بالقصّة ، ثمّ لقي المفضّل بن عمر وأبا بصير فدخلوا عليه
وسلّموا وسمعوا كلامه وسألوه ثمّ قطعوا عليه ، ثمّ لقي هشام الناس أفواجا فكان كلّ
من دخل عليه قطع عليه إلاّ طائفة مثل عمّار الساباطي وأصحابه ، فبقي عبد الله لا
يدخل عليه إلاّ قليل من الناس ، فلمّا علم عبد الله أن هشاما هو السبب في صدّ
الناس عنه أقعد له بالمدينة غير واحد ليضربوه
.
وبقي عبد الله
مصرّا على دعوى الإمامة الى أن مات ، وما كانت أيامه بعد أبيه إلاّ سبعين يوما ،
فلمّا مات رجع الباقون الى القول بإمامة أبي الحسن 7 إلاّ شاذا منهم وهم الذين لزمهم لقب الفطحيّة ، وإنما لزمهم هذا اللقب
لقولهم بإمامة عبد الله وهو أفطح الرجلين أو أفطح الرأس ، وانقطع أثر هذه الطائفة بعد ذلك العهد
بقليل ، وكان آخرهم بنو فضال.
إسحاق :
كان من أهل الفضل
والصلاح ، والورع والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار ، وكان ابن كاسب اذا حدّث عنه
يقول :
حدّثني الثقة
الرضي إسحاق بن جعفر ، وكان يقول بإمامة أخيه موسى
__________________
7 ، وروى عن أبيه النصّ على أخيه موسى 7 ، كما روى النصّ
بها عليه من اخوته علي بن جعفر أيضا ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه
اثنان .
وكان إسحاق من
شهود الوصيّة التي أوصي بها الكاظم 7 الى ابنه الرضا 7 ، وممّا يشهد لفضله وورعه مدافعته عن الرضا 7 ، فإنه لمّا مضى
الكاظم 7 قدّم أبناء الكاظم أخاهم الرضا الى القاضي فقال العبّاس بن موسى 7 : أصلحك الله
وأمتع بك إن في أسفل الكتاب كنزا وجوهرا ، ويريد أن يحتجبه ، ويأخذه هو دوننا ،
ولم يدع أبونا ; شيئا إلاّ ألجأه إليه وتركنا عالة ، ولو لا أني اكفّ نفسي
لأخبرتك بشيء على رءوس الملأ ، فوثب إليه إبراهيم بن محمّد فقال : إذن والله
تخبر بما لا نقبله منك ، ولا نصدقك عليه ، ثمّ تكون عندنا ملوما مدحورا ، نعرفك
بالكذب صغيرا وكبيرا ، وكان أبوك أعرف بك لو كان فيك خير ، وإن كان أبوك لعارفا بك
في الظاهر والباطن ، وما كان ليأمنك على تمرتين ، ثمّ وثب إليه عمّه إسحاق بن جعفر
هذا فأخذ بتلبيبه فقال له : إنك لسفيه ضعيف أحمق ، أجمع هذا مع ما كان بالأمس منك
، وأعانه القوم أجمعون .
وممّن روى عنه غير
ابن كاسب وابن عيينة جماعة : منهم بكر بن محمّد الأزدي ، ويعقوب بن جعفر الجعفري ،
وعبد الله بن إبراهيم الجعفري ، والوشاء .
__________________
محمّد :
كان محمّد سخيّا
شجاعا ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، وقالت زوجته خديجة بنت عبد الله بن الحسين : ما خرج من
عندنا محمّد يوما قط في ثوب فرجع حتّى يكسوه ، وكان يذبح كلّ يوم كبشا لأضيافه وكان يسمّى
الديباجة لحسن وجهه وجماله .
وكان يرى رأي
الزيديّة في الخروج بالسيف ، وخرج على المأمون في سنة ١٩٩ بمكّة واتبعته الزيديّة
الجاروديّة .
ولمّا بويع له
بالخلافة ودعا لنفسه ، ودعي بأمير المؤمنين ، دخل عليه الرضا 7 فقال له : يا عم
لا تكذّب أباك وأخاك ، فإن هذا الأمر لا يتمّ ، ثمّ لم يلبث قليلا حتّى خرج لقتاله
عيسى الجلودي فلقيه فهزمه ، ثمّ استأمن إليه ، فلبس السواد وصعد المنبر فخلع
نفسه وقال : إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق .
__________________
ولمّا أراد
الموافقة مع جيش الجلودي أرسل الرضا إليه مولاه مسافرا وقال له : قل له لا تخرج
غدا فإنك إن خرجت غدا هزمت وقتل أصحابك ، وإن قال لك من أين علمت غدا فقل رأيت في
النوم ، فلمّا أتاه ونهاه عن الخروج وسأله عن سبب علمه بذاك وقال له رأيت في النوم
، قال محمّد : نام العبد فلم يغسل استه ، فكان الأمر كما أعلمه به مسافر عن الامام
.
ولمّا خلع نفسه
وتخلّى عن الأمر أنفذه الجلودي الى المأمون ولمّا وصل إليه اكرمه المأمون وأدنى مجلسه
منه ، ووصله وأحسن جائزته ، فكان مقيما معه بخراسان يركب إليه في موكب من بني عمّه
، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمله السلطان من رعيّته.
وأنكر المأمون
يوما ركوبه إليه في جماعة من الطالبيّين ، الذين خرجوا على المأمون في سنة ٢٠٠
فأمنهم ، فخرج التوقيع إليهم : لا تركبوا مع محمّد بن جعفر واركبوا مع عبد الله بن
الحسين ، فأبوا أن يركبوا ولزموا منازلهم ، فخرج التوقيع :
اركبوا مع من
أحببتم ، فكانوا يركبون مع محمّد بن جعفر 7 اذا ركب الى المأمون وينصرفون بانصرافه .
ولمّا خرج على
المأمون جفاه الرضا 7 وقال : إني جعلت على نفسي ألا يظلّني وإيّاه سقف بيت ،
ويقول عمر بن يزيد وكان حاضرا عند أبي الحسن 7 : فقلت في نفسي هذا يأمر بالبرّ والصلة ، ويقول هذا لعمّه
، فنظر إليّ فقال : هذا من البرّ والصلة ، إنه متى يأتيني ويدخل عليّ فيقول فيّ
فيصدقه الناس ، واذا لم يدخل عليّ ولم أدخل عليه لم يقبل قوله اذا قال .
__________________
ومن معاجز أبي
الحسن الرضا 7 في شأن محمّد أن محمّدا مرض فأخبروا الرضا 7 أنه قد ربط ذقنه ، فمضى إليه ومعه بعض أصحابه ، واذا لحياه
قد ربطا واذا إسحاق أخو محمّد وولده وجماعة آل أبي طالب يبكون ، فجلس أبو الحسن
عند رأسه ونظر في وجهه فتبسّم ، فنقم من كان في المجلس على أبي الحسن ، فقال بعضهم
: إنما تبسّم شامتا بعمّه ، ولمّا خرج ليصلّي في المسجد قال له أصحابه : جعلنا
فداك قد سمعنا فيك من هؤلاء ما نكرهه حين تبسّمت ، قال أبو الحسن 7 : إنما تعجّبت من
بكاء إسحاق وهو والله يموت قبله ويبكيه محمّد ، فبرئ محمّد ومات إسحاق .
ولمّا كانت خراسان
دار مقرّه لم تخضع نفسه لوجود ذي الشوكة والتاج فيها ـ أعني المأمون ـ فكان إباؤه
يأبى له من الرضوخ وإن كان سجين البلد ومغلوبا على أمره ، فإنه أخبر يوما بأن
غلمان ذي الرئاستين قد ضربوا غلمانه على حطب اشتروه ، فخرج متّزرا ببردين ومعه
هراوة يرتجز ويقول : ـ الموت خير لك من عيش بذلّ ـ وتبعه الناس حتّى ضرب غلمان ذي
الرئاستين وأخذ الحطب منهم ، فرفعوا الخبر الى المأمون ، فبعث الى ذي الرئاستين
فقال : ائت محمّد بن جعفر فاعتذر إليه وحكّمه في غلمانك ، فخرج ذو الرئاستين الى
محمّد ، فقيل لمحمّد : هذا ذو الرئاستين قد أتى ، فقال : لا يجلس إلاّ على الأرض ،
وتناول بساطا كان في البيت فرمى به هو ومن معه ناحية ، ولم يبق في البيت إلاّ
وسادة جلس عليها محمّد ، فلمّا دخل عليه ذو الرئاستين وسّع له محمّد على الوسادة
فأبى أن يجلس عليها وجلس على الأرض فاعتذر إليه وحكّمه في غلمانه.
__________________
وتوفي محمّد بن
جعفر في خراسان فركب المأمون ليشهده فلقيهم وقد خرجوا به ، فلمّا نظر الى السرير
نزل فترجّل ومشى حتّى دخل بين العمودين فلم يزل بينهما حتّى وضع ، فتقدّم وصلّى
عليه ، ثمّ حمله حتّى بلغ به القبر ، ثمّ دخل قبره فلم يزل فيه حتّى بني عليه ،
ثمّ خرج فقام على القبر حتّى دفن ، فقال له عبد الله ابن الحسين ودعا له : يا أمير
المؤمنين إنك قد تعبت اليوم فلو ركبت ، فقال المأمون : إن هذه رحم قطعت من مائتي
سنة.
وكان عليه دين
كثير فأراد إسماعيل بن محمّد اغتنام هذه الفرصة من المأمون ليسأله قضاء دينه ،
فقال لأخيه وهو الى جنبه والمأمون قائم على القبر : لو كلّمناه في دين الشيخ ، فلا
نجده أقرب منه في وقته هذا ، فابتدأهم المأمون فقال : كم ترك أبو جعفر من الدين؟
فقال له إسماعيل : خمسة وعشرين ألف دينار ، فقال له : قد قضى الله عنه دينه ، الى
من أوصى؟ فقالوا له : الى ابن له يقال له يحيي بالمدينة ، فقال : ليس هو بالمدينة
هو بمصر ، وقد علمنا بكونه فيها ولكن كرهنا أن نعلمه بخروجه من المدينة لئلاّ
يسوؤه ذلك ، لعلمه بكراهتنا لخروجه عنها
علي :
بلغ علي بن جعفر
من الجلالة شأوا لا يلحق ، ومن الفضل محلاّ لا يسبق ، وأمّا حديثه وثقته فيه ، فهو
ممّا لا يختلف فيه اثنان ، ومن سبر كتب الحديث عرف ما له من أخبار جمّة يرويها عن
أخيه الكاظم 7 تكشف عن علم ومعرفة.
__________________
وقال فيه الشيخ
المفيد طاب ثراه في إرشاده : وكان علي بن جعفر راوية للحديث ، سديد الطريق ، شديد
الورع ، كثير الفضل ، ولزم أخاه موسى 7 ، وروى عنه شيئا كثيرا من الأخبار ، وقال في النصّ عليه ،
وكان شديد التمسّك به ، والانقطاع إليه ، والتوفّر على أخذ معالم الدين منه ، وله
مسائل مشهورة عنه ، وجوابات سماعا عنه ، والنصّ على أخيه الكاظم 7 روى من أخويه
إسحاق وعلي ابني جعفر ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان.
ومن شدّة ورعه
اعترافه بالأئمة بعد أخيه الكاظم 7 مع كبر سنّه وجلالة قدره ، وكبير فضله ، ولم تثنه هذه
الشؤون عن الاعتراف بالحقّ والعمل به ، بل زادته بصيرة وهدى.
كان رجل يظنّ فيه
علي بن جعفر أنه من الواقفة سأله عن أخيه الكاظم فقال له علي : إنه قد مات ، فقال
له السائل : وما يدريك بذلك؟ قال له :
اقتسمت أمواله ،
ونكحت نساؤه ، ونطق الناطق بعده ، قال : ومن الناطق بعده؟ قال علي : ابنه ، قال :
فما فعل؟ قال له : مات ، قال : وما يدريك أنه مات؟ قال علي : قسّمت أمواله ، ونكحت
نساؤه ، ونطق الناطق من بعده ، قال : ومن الناطق من بعده؟ قال علي : ابنه أبو جعفر
، فقال له الرجل : أنت في سنّك وقدرك وأبوك جعفر بن محمّد 8 ، تقول هذا القول
في هذا الغلام ، فقال له علي : ما أراك إلاّ شيطانا ، ثمّ أخذ علي بلحيته فرفعها
الى السماء ثمّ قال : فما حيلتي إن كان الله رآه أهلا لهذا ولم ير هذه الشيبة لهذا
أهلا .
__________________
هذا لعمر الحقّ هو
الورع ، ورضوخ النفس للحق ، وعدم الاغترار بشئون التقدم من الفضل والسنّ والجلالة
، التي قد تغترّ النفس الأمّارة بما دونها من الخصال العالية.
وكان يعمل أبدا مع
أبي جعفر عمل المأموم العارف بمنزلة الإمام ، دون أن يحجزه عن هذا أنه عمّ أبيه ،
بل ربّما تمنّى أن يفديه بنفسه ، أراد أبو جعفر 7 ليفتصد ودنا الطبيب ليقطع له العرق ، فقام علي بن جعفر
فقال : يا سيّدي يبد أني لتكون حدّة الحديد فيّ قبلك ، ثمّ أراد أبو جعفر 7 النهوض فقام علي
بن جعفر فسوّى له نعليه حتّى يلبسهما .
ودخل أبو جعفر 7 يوما مسجد الرسول
6 فلمّا بصر به علي بن جعفر وثب بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه فقال له
أبو جعفر :
يا عمّ اجلس رحمك
الله ، فقال : يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم ، فلمّا رجع أبو جعفر الى مجلسه جعل
أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ، فقال : اسكتوا
اذا كان الله عزّ وجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى
ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ، نعوذ بالله ممّا تقولون ، بل أنا له عبد .
هذه هي النفس
القدسيّة التي عرفت الحقّ فاتّبعته ، وما اقتفت أثرا الحميّة والعصبيّة ، واغترّت
بالنفس ، بل كان من حبّ النفس أن يطيع المرء خالقه جلّ شأنه في أوليائه واولي
الأمر من عباده.
هذه بعض حال علي
بن جعفر التي تكشف عمّا انطوى عليه ضميره من
__________________
القدس والنسك
والطاعة والعلم بالله وبالحجج من خلقه.
وكان رضوان الله
عليه يسمّى بالعريضي ، نسبة الى العريض ـ بضم وفتح ـ محلّ قرب المدينة كان يسكنه ،
وبه مات إسماعيل ، ولعلي أولاد ينسبون إليه بعنوان العريضي.
العبّاس :
قال الشيخ المفيد ; في إرشاده : وكان
العبّاس بن جعفر ; فاضلا نبيلا قلت : ولم أظفر بشيء من أحواله غير هذه النبذة التي أوردها
الشيخ المفيد طاب رمسه.
موسى الكاظم 7 :
وهو الامام بعد
أبيه الصادق 7 على رأي الاماميّة وعسى أن نتوفّق يوما لتأليف كتاب في حياته ، ومنه تعالى
نستمدّ المعونة والتوفيق.
* * *
__________________
رواته
كان رواة أبي عبد
الله 7 أربعة آلاف أو يزيدون كما أشرنا إليه غير مرّة ، قال الشيخ المفيد طاب ثراه
في الإرشاد : فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم
في الآراء والمقامات ، فكانوا أربعة آلاف رجل ، وذكر ابن شهرآشوب أن الجامع لهم ابن عقدة وزاد غيره أن
ابن عقدة ذكر لكلّ واحد منهم رواية ، وأشار الى عددهم الطبرسي في أعلام الورى ،
والمحقق الحلّي في المعتبر ، وذكر أسماءهم الشيخ الطوسي طاب رمسه في كتاب الرجال.
ولا يزيده كثرة
الرواة عنه رفعة وجلالة قدر ، وإنما يزداد الرواة فضلا وعلوّ شأن بالرواية عنه ،
نعم إنما يكشف هذا عن علوّ شأنه في العلم وانعقاد الخناصر على فضله من طلاّب العلم
والفضيلة على اختلافهم في المقالات والنحل.
أعلام السنّة :
أخذ عنه عدّة من
أعلام السنّة وأئمتهم ، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الاستاذ ، بل لم
يأخذوا عنه إلاّ وهم متّفقون على إمامته وجلالته
__________________
وسيادته ، كما
يقول الشيخ سليمان في الينابيع ، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، بل عدّوا
أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها ، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل ،
ونحن اولاء نورد لك شطرا من اولئك الأعلام.
أبو حنيفة :
منهم أبو حنيفة
النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل ولد بالكوفة ، وبها نشأ ودرس ،
وكانت له فيها حوزة وانتقل الى بغداد وبها مات عام ١٥٠ ، وقبره بها معروف ، وهو
أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنّة ، وحاله أشهر من أن يذكر.
وأخذه عن الصادق 7 معروف ، وممّن
ذكر ذلك الشبلنجي في نور الأبصار ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في
الينابيع ، وابن الصبّاغ في الفصول ، الى غير هؤلاء ، وقال الآلوسي في مختصر
التحفة الاثنى عشريّة ص ٨ : وهذا أبو حنيفة وهو هو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول
بأفصح لسان : « لو لا السنتان لهلك النعمان » يريد السنتين اللتين صحب فيها ـ لأخذ
العلم ـ الامام جعفر الصادق 7.
مالك بن أنس :
ومنهم مالك بن أنس
المدني أحد المذاهب الأربعة أيضا ، قال ابن النديم في الفهرست : هو ابن أبي عامر
من حمير وعداده في بني تيم بن مرّة من قريش ، وحمل به ثلاث سنين ، وقال : وسعى به
الى جعفر بن سليمان العبّاسي وكان والي المدينة فقيل له : إنه لا يرى ايمان
بيعتكم. فدعى به وجرّده وضربه أسواطا ومدّده فانخلع كتفه وتوفى عام ١٧٩ عن ٨٤ سنة
، وذكر مثله ابن خلكان.
وأخذه عن أبي عبد
الله 7 معلوم مشهور ، وممّن أشار الى ذلك النووي في التهذيب ، والشبلنجي في نور
الأبصار ، والسبط في التذكرة ، والشافعي في المطالب ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ
سليمان في الينابيع ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن الصبّاغ في الفصول ، الى ما سوى
هؤلاء.
سفيان الثوري :
ومنهم سفيان بن
سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ورد بغداد عدّة مرّات ، وروى عن الصادق 7 جملة أشياء ،
وأوصاه الصادق بأمور ثمينة مرّت في الوصايا ، وناظر الصادق في الزهد كما سلف ،
وارتحل الى البصرة وبها مات عام ١٦١ ، وولادته في نيف وتسعين ، قيل شهد وقعة زيد
الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبد الملك.
جاء أخذه عن
الصادق 7 في التهذيب ، ونور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ،
والحلية ، والفصول المهمة ، وغيرها ، وذكره الرجاليّون من الشيعة في رجاله 7.
سفيان بن عيينة :
ومنهم سفيان بن
عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام ١٠٧ ومات بمكّة عام ١٩٨ ، ودخل
الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة.
ذكر أخذه عن
الصادق 7 في التهذيب ، ونور الأبصار ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ،
والفصول ، وما سواها ، وذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة أيضا.
يحيى بن سعيد الأنصاري :
ومنهم يحيى بن
سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي ، كان قاضيا للمنصور في المدينة ، ثمّ
قاضي القضاة ، مات بالهاشميّة عام ١٤٣.
انظر المصادر
المتقدّمة في روايته عن الصادق 7 وما عداها كما ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.
ابن جريح :
ومنهم عبد الملك
بن عبد العزيز بن جريح المكّي ، سمع جمعا كثيرا من العلماء ، وكان من علماء
العامّة ، الذين يرون حلّيّة المتعة كما رأى حلّيتها آخرون منهم ، وجاء في طريق
الصدوق في باب ما يقبل من الدعاوى بغير بيّنة ، وجاء في الكافي في باب ما أحلّ
الله من المتعة سؤال أحدهم من الصادق 7 عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن
عنده منها علما ، فأتاه فأملى عليه شيئا كثيرا عن المتعة وحلّيّتها.
وقال ابن خلكان :
عبد الملك أحد العلماء المشهورين ، وكانت ولادته سنة ٨٠ للهجرة وقدم بغداد على أبي
جعفر المنصور ، وتوفى سنة ١٤٩ وقيل ١٥٠ ، وقيل ١٥١.
وذكرت المصادر
السابقة أخذه عن الصادق 7 ، كما ذكرته رجال الشيعة.
القطّان :
ومنهم أبو سعيد
يحيى بن سعيد القطّان البصري ، كان من أئمة الحديث بل
عدّ محدّث زمانه ،
واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم ، توفى عام ١٩٨ ، وحكي عن ابن قتيبة عداده في
رجال الشيعة ، ولكن الشيعة لا تعرفه من رجالها.
ذكره في رجال
الصادق 7 التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ ، وابن داود ، والنجاشي ،
وغيرهم من الشيعة.
محمّد بن إسحاق :
ومنهم محمّد بن
إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير ، ومدنيّ سكن مكّة ، أثنى عليه ابن خلكان كثيرا
، وكان بينه وبين مالك عداء ، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر ، قدم الحيرة على
المنصور فكتب له المغازي.
وقدم بغداد وبها
مات عام ١٥١ على المشهور ، ذكر أخذه عن الصادق في التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما
من السنّة ، والشيخ في رجاله ، والعلاّمة في الخلاصة ، والكشي في رجاله ، وغيرهم
من الشيعة.
شعبة بن الحجّاج :
ومنهم شعبة بن
الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إبراهيم بن عبد
الله بن الحسن ، وقيل كان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد الله.
وعدّه في أصحاب
الصادق 7 جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب ، والصواعق ، والحلية ، والينابيع ،
والفصول ، والتذكرة وغيرها ، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضا.
أيوب السجستاني :
ومنهم أيوب بن أبي
تميمة السجستاني البصري ، وقيل السختياني ، والأول أشهر ، مولى عمّار بن ياسر
وعدّوه في كبار الفقهاء التابعين ، مات عام ١٣١ بالطاعون بالبصرة عن ٦٥ سنة.
عدّه في رجال
الصادق 7 في نور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والحلية ، والفصول ،
وغيرها ، وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه أيضا.
وهؤلاء بعض من
نسبوه الى تلمذة الصادق 7 من أعلام السنّة وفقهائهم البارزين ، وقد عدّوا غير هؤلاء
فيهم أيضا ، انظر في ذلك حلية الأولياء ، على أن غير أبي نعيم أشار الى غير هؤلاء
بقوله وغيرهم ، أو ما سوى ذلك ممّا يؤدّي هذا المفاد.
* * *
مشاهير الثقات من رواته
من الشيعة
اذا كان الرواة
الثقات الذين أحصتهم كتب الرجال أربعة آلاف أو يزيدون فليس من الصواب أن نذكرهم
جميعا هاهنا ، على أن كتب الرجال قد استقصت اكثرهم ذكرا وترجمة ، كما أنه ليس من
الصحيح إهمالهم فإن استطراد ذكرهم دخيل في القصد ، فرأينا أن نذكر المشاهير عن
ثقاتهم خاصّة فإن به إيرادا لناحية من نواحي حياته 7 ، وبعدا عن السعة المملّة.
أبان بن تغلب :
أبو سعد أبان بن
تغلب الكبرى الجريري ، روى عن السجّاد والباقر والصادق : ومات أيام الصادق
7 ١٤١ ، وقيل عام ١٤٠ ، ولمّا بلغ نعيه أبا عبد الله 7 قال : « أما
والله لقد أوجع قلبي موت أبان » وهذا ينبيك عن كبير مقامه لديه ، وعظيم منزلته
عنده ، يا ترى ما شأن من يوجع موته قلب الصادق 7؟
وكان غزير العلم
قويّ الحجّة ، ويشهد لذلك قول الباقر 7 له : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني احبّ أن يرى في
شيعتي مثلك. وقول الصادق 7 له : ناظر أهل المدينة فإني احبّ أن يكون مثلك من
رجالي.
فلو لم يكن بتلك
الغزارة من الفضل ، والقوّة في الحجّة ، لما عرّضاه لتلك المآزق والمخاطر ، فإن
فشله فشل لهما.
وقد روى عن الصادق
فحسب ثلاثين ألف حديث ، كما أخبر عن ذلك الصادق نفسه ، وأمر أبان بن عثمان أن
يرويها عنه.
وما كان متخصّصا
بالحديث والكلام فحسب بل كان متضلّعا في عدّة علوم جليلة ، كالتفسير والأدب واللغة
والنحو والقراءة ، وسمع من العرب وحكى عنهم وصنّف كتاب الغريب في القرآن ، وذكر
شواهده من الشعر.
ومن سموّ مقامه
اتّفاق الفريقين على وثاقته ، فقد وثّقه جهابذة القوم في الحديث مع اعترافهم
بتشيّعه ، منهم أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي وابن عدي وابن عجلان والحاكم
والعقيلي وابن سعد وابن حجر وابن حيّان وابن ميمونة والذهبي في ميزان الاعتدال ،
وعدّوه في التابعين ، وكفى بهذا دلالة على بلوغه من الوثاقة والفضل حدّا لا يسع
أحدا إنكاره.
أبان بن عثمان :
أبان بن عثمان
الأحمر البجلي الكوفي ، كان يسكن الكوفة مرّة ، والبصرة اخرى ، وقد أخذ عنه أهل
البصرة أمثال أبي عبيدة معمّر بن المثنى ، وأبي عبد الله محمّد بن سلام ، واكثروا
الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام.
روى عن الصادق
والكاظم 8 ، وله كتاب كبير حسن يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردّة ، هكذا قال
النجاشي.
وهو من الستة
أصحاب أبي عبد الله 7 ، الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار
لهم بالفقه ، وهم جميل بن درّاج ، وعبد الله
بن مسكان ، وعبد
الله بن بكير ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان هذا.
إسحاق الصيرفي :
إسحاق بن عمّار بن
حيّان الصيرفي الكوفي ، كان من الثقات الذين رووا الحديث عن الصادق وابنه الكاظم 8 ، واخوته يونس
ويوسف وإسماعيل ، وهو بيت كبير من الشيعة ، وابنا أخيه علي وبشير ابنا إسماعيل
كانا من وجوه من روى الحديث ، وكان الصادق اذا رآه ورأى أخاه إسماعيل قال : « وقد
يجمعهما لأقوام » يعني الدنيا والآخرة ، لأنهما كانا من ذوي الثروة والمال الوافر
ويصلان به أصحابهما وينيلان منه ، ورويت فيه مدائح اخرى.
السكوني :
إسماعيل بن أبي
زياد السكوني ، والسكون حيّ من عرب اليمن ، قيل إنه كان قاضيا في الموصل ، وكان
ثقة في الرواية وقد أجمع أصحابنا على العمل بروايته وذكر بعض الرجاليّين أنه عامّي
ولم يثبت ، وله حديث كثير في الفقه ، وكلّه معمول به اذا صحّت الرواية إليه.
إسماعيل الصيرفي :
إسماعيل بن عمّار
بن حيّان الصيرفي الكوفي ، أخو إسحاق المتقدّم الذكر ، وقد سبق في إسحاق قول
الصادق 7 اذا رآهما : « وقد يجمعهما لأقوام » والذي يزيد في علوّ شأنه ما رواه في
الكافي في باب البرّ بالوالدين في الصحيح عن عمّار بن حيّان أبي إسماعيل هذا ، قال
: أخبرت أبا عبد الله 7 ببرّ
إسماعيل ابني فقال
7 : « لقد كنت أحبّه ولقد ازددت له حبّا » وكفاه هذا فضلا وعلوّا.
بريد العجلي :
بريد بن معاوية
العجلي ، كان ممّن روى عن الباقر والصادق 8 معا ، ومات في أيام الصادق 7 ، وقد بلغ من الجلالة وعظم الشأن عند أهل البيت حدّا فوق
الوثاقة ، وارتقى مقاما لديهم يعجز القلم عن وصفه ، وكيف ترى منزلة من يقول الصادق
7 في حقّه : « أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة : محمّد بن مسلم ، وبريد بن
معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين » ، ويقول في حديث : « إن
أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا ، أعني زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ،
ومنهم ليث المرادي ، وبريد العجلي ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء القوّامون
بالصدق ، هؤلاء السابقون السابقون اولئك المقرّبون » وقال فيهم في حديث آخر : «
أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه » ويقول في آخر : « هؤلاء حفّاظ الدين
وامناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا
في الآخرة » الى كثير أمثال هذا من التقريظ والمدح ، وهو من أصحاب الباقر 7 الذين أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه.
بكير بن أعين :
بكير بن أعين
الشيباني أخو زرارة ، روى عن الباقر والصادق معا 8 ، ومات في حياة الصادق ، ولمّا بلغه خبر موته قال كما رواه
الكشي ص ١٢٠ « أما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات
الله عليهما وعلى
آلهما الطاهرين » وذكره الصادق 7 يوما فقال : « رحم الله بكيرا وقد فعل » يقول عبيد الله بن
زرارة : فنظرت إليه وقد كنت يومئذ حديث السن ، فقال 7 : اني أقول إن شاء الله ، وكفى هذا شهادة له بعلوّ الدرجة
، وسموّ المقام ، وهو من ثقات أولاد أعين وصلحائهم وما اكثر فيهم الثقات الصلحاء ،
وقد روى عنه عدّة من الثقات.
أبو حمزة الثمالي :
أبو حمزة الثمالي
ثابت بن دينار ، روى عن السجّاد والباقر والصادق : ، وبقي الى زمن الكاظم 7 ، قيل مات عام ١٥٠ ، فتكون وفاته بعد مضي سنتين من إمامة
الكاظم وقيل أدرك موت المنصور عام ١٥٨.
وكان أبو حمزة من
جلالة القدر وعظم المنزلة بالمحلّ الأرفع حتّى قال فيه الرضا 7 « أبو حمزة في
زمانه كلقمان في زمانه ، وذلك أنه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين ، ومحمّد بن علي
، وجعفر بن محمّد ، وبرهة من عصر موسى ابن جعفر : » وفي اخرى « كسلمان الفارسي في زمانه ».
وأرسل إليه الصادق
7 وكان أبو حمزة بالبقيع فقال له بعد أن جاء : « إني لأستريح اذا رأيتك » وقال
فيه أبو الحسن موسى 7 : « كذلك يكون المؤمن اذا نوّر الله قلبه » الى ما سوى هذه
من كلمات الأئمة فيه ، التي دلّت على تقديرهم له وإعجابهم به.
وهو الراوي للدعاء
الطويل العظيم الشأن في بلاغته ومقاصده العالية عن زين العابدين 7 الذي يقرأ في سحر
شهر رمضان ، المعروف بدعاء أبي حمزة. وقد وثّقه أهل السنّة أيضا ورووا عنه.
جابر الجعفي :
جابر بن يزيد
الجعفي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق 8 وقضي نحبه أيام أبي عبد الله 7 عام ١٢٨ وقيل عام ١٣٢ ، وقد روى عن الباقر خاصّة سبعين ألف
حديث ، ومن تتبّع أحاديثه عرف أنه كان ممّن يحمل أسرارهما ، ويروي الكرامات
الباهرة لهما.
أمره الباقر 7 بإظهار الجنون
فأظهره ، فكان يدور في رحبة مسجد الكوفة والصبيان حوله وهو يقول : أجد منصور بن
جمهور أميرا غير مأمور ، فما مضت الأيام حتّى ورد من هشام بن عبد الملك الى واليه
بالكوفة أن انظر رجلا يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه ،
فالتفت الى جلسائه وسألهم عن جابر ، فقالوا : كان رجلا له فضل وعلم وحديث وحجّة
فجن ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب فأشرف عليه فاذا هو مع الصبيان يلعب
على القصب ، فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله ، ومن ثمّ انكشف السرّ في أمر
الباقر 7 له بإظهار الاختلاط ، ثمّ لمّا اطمأنّ عاد الى حالته الاولى ، ولم تمض الأيام
حتّى كان ما قاله في منصور بن جمهور.
وذكر اليعقوبي في
تاريخه ( ٣ : ٨١ ) حديثا عن جابر وإخباره عمّا سيقع من أمر بني العبّاس والدعوة
لهم وشأن قحطبة فيها ، وكان قحطبة بالقرب منهم يستمع فأشار إليه جابر ، وقال : لو
أشاء أن أقول هو هو لقلت.
ومن هذا ومثله
تعرف أنه كان مستودع الأسرار ، وجاءت فيه مدائح جمّة وترحّم عليه الصادق 7 ، وقيل إنه ممّن
انتهى إليه علم الأئمة : ، ولذلك ترى أرباب الحديث والرجال من العامّة بين موثّق له
وطاعن فيه بأنه رافضي غال يقول بالرجعة ، مع اعتراف الذهبي بأنه من اكبر
علماء الشيعة.
جميل بن درّاج :
جميل بن درّاج بن
عبد الله النخعي روى عن الصادق والكاظم 8 ، وكفّ بصره آخر عمره ، ومات أيام الرضا 7 وهو من الستة
أصحاب الصادق 7 الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم
بالفقه ، وسبق في أبان بن عثمان عدّهم وقيل إن جميلا كان أفقههم.
وجاءت فيه مدائح
تكشف عن علوّ في الدرجة ، منها أن الصادق 7 تلا هذه الآية : « فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما
ليسوا بها بكافرين » ثمّ أهوى بيده الى جماعة كانوا عنده وفيهم جميل بن درّاج ،
فقالوا :
أجل جعلنا الله
فداك لا نكفر بها ، وكان معروفا بالعبادة وطول السجود.
الحارث بن المغيرة النصري :
الحارث بن المغيرة
النصري ، روى عن الباقر والصادق والكاظم عليهم سلام الله ، وكان من ذوي الدرجات
الرفيعة ، كما شهدت بذلك عدة أحاديث ، منها قول الصادق 7 لجماعة منهم يونس
بن يعقوب : « أما لكم من مستراح تستريحون إليه ، ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة
النصري » على أن يونس بن يعقوب كان من ذوي المنازل العالية ، ومع علوّ شأنه أمره
الصادق بالرجوع الى الحارث ، والشواهد على جلالته وعلوّ منزلته كثيرة.
__________________
حريز :
حريز بن عبد الله
الأزدي الكوفي السجستاني ، ونسب الى سجستان لإكثاره السفر والتجارة إليها فعرف بها
، وكان من فقهاء الرواة وله عدّة كتب في الفقه وقد روى عن الصادق 7 مشافهة وبالواسطة
أخبارا كثيرة ، وقيل إنه لم يرو عن الصادق 7 مشافهة إلاّ حديثين ، ولكن هذا الزعم يخالف ما هو مرويّ
عنه في كتب الفقه بلا واسطة ، ومن سبر كتب الحديث عرف أنه كثير الرواية عنه مشافهة
، وكتبه تعدّ من الاصول ، وقد قتل في سجستان في جماعة من الشيعة ، وسبب ذلك أن له
أصحابا يقولون بمقالته ، وكان الغالب على أهل سجستان الشراة ـ الخوارج ـ وكان
أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين 7 وسبّه ، فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه
ذلك فيأذن لهم ، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل ، فلا يتوهّمون على
الشيعة لقلّة عددهم ، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم ، وما زال الأمر هكذا حتّى
وقفوا على الأمر فطلبوا الشيعة ، فاجتمع أصحاب حريز إليه في المسجد ، فهدموا عليهم
حيطان المسجد وقلبوا أرضه عليهم ، رحمة الله عليهم.
حفص بن سالم :
أبو ولاد الحنّاط
حفص بن سالم الجعفي مولاهم الكوفي ، كان ممّن روى عن الصادق 7 ، وله أصل رواه
عنه عدّة من الثقات ، وهو متّفق على وثاقته ، ولم يغمز فيه أحد بشيء.
وقيل : خرج مع زيد
وصوّب خروجه الصادق 7 وليس تصويبه بمستغرب ، وإنما كان يدع أمر زيد لئلاّ ينسب
إليه فيكون هدفا لبلاء نبي اميّة.
حفص بن غياث القاضي :
حفص بن غياث
النخعي الكوفي القاضي ، ولّى القضاء لهارون الرشيد ببغداد الشرقيّة ، ثمّ ولاّه
قضاء الكوفة ، وبها مات عام ١٩٤ كما ذكر ذلك النجاشي ، وذكر أن كتابه الذي يرويه
عن جعفر بن محمّد 8 مائة وسبعون حديثا أو نحوهما.
وهو على الأشهر
عامّي المذهب ثقة في الرواية ، وقد أجمعت الطائفة على العمل برواية جماعة ليسوا من
الشيعة ، وحفص أحدهم وليس التشيّع السبب الوحيد لقبول الرواية ، وإنما المدار على
وثاقة الراوي مهما كان مذهبه.
وربّما استظهر
بعضهم من رواياته أنه شيعي إمامي ، ولكن العامّية عنه أشهر ، وكان اذا حدّث عن
الإمام الصادق 7 يقول : « حدّثني خير الجعافرة جعفر بن محمّد » ولا يخفى
عليك أن مثل هذا البيان من الراوي يرشدنا الى عدم تشيّعه ، إلاّ أن يريد إخفاء
تشيّعه.
حمّاد بن عثمان :
حمّاد بن عثمان بن
زياد الرواسي الكوفي الملقّب بالناب ، روى عن الصادق والكاظم والرضا : ، مات بالكوفة
عام ١٩٠ وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات ، وهو من أصحاب الصادق 7 الذين أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه ، وقد مرّ عدّهم في أبان بن
عثمان ، ولحمّاد اخوان وهما الحسين وجعفر ولدا عثمان ، وهما أيضا من الرواة الثقات
الأخيار الأفاضل.
حمّاد بن عيسى :
أبو محمّد حمّاد
بن عيسى الجهني البصري غريق الجحفة ، روى عن الصادق والكاظم 8 وعاش الى زمن
الجواد 7 ولم تعرف له رواية عن الرضا والجواد 8 ، وهو من الستّة أصحاب الصادق 7 الذين أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه كما سلف في أبان بن عثمان ،
وكان صدوقا متحرّزا في حديثه ، فقد روي عنه أنه قال : سمعت من أبي عبد الله 7 سبعين حديثا فلم
أزل أدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين ، وقد سبق في استجابة دعائه 7 « ج ١ : ٢٥٤ » أن
حمّادا سأله في أن يدعو له بكثرة الحجّ ، وأن يرزقه ضياعا حسنة ودارا حسنة ، وزوجة
من أهل البيوتات صالحة ، وأولادا أبرارا ، فدعا له الصادق بما طلب ، وقيّد الحجّ
بخمسين حجّة ، فاستجاب الله دعاء الصادق 7 له ، فكان حاله كما طلب ، ولما حجّ في الحادية والخمسين
أيام الجواد 7 ووصل الى الجحفة وأراد أن يحرم دخل وادي قناة ليغتسل ويحرم ، وهو واد يسيل من
الشجرة فأخذه السيل ومرّ به ، فتبعه غلمانه وأخرجوه من الماء ميّتا ، فمن ثمّ سمّي
غريق الجحفة.
وقيل : إن الذي
دعا له بتلك الطلبات هو الامام الكاظم 7 وكان غرقه عام ٢٠٩.
حمران بن أعين :
حمران بن أعين
الشيباني مولاهم أخو زرارة ، روى عن الباقر والصادق 8 ، منزلته عندهم لا يضارعه فيها من رجالهم إلاّ نادر ، وكيف
ترى
مقام من يقول له
الباقر 7 : « أنت من شيعتنا في الدنيا والآخرة » ويقول فيه : « حمران من المؤمنين حقا
لا يرجع أبدا » ويقول فيه الصادق 7 : « مات والله مؤمنا » ويقول فيه : « حمران مؤمن من أهل
الجنّة لا يرتاب أبدا ، لا والله لا والله » ويقول فيه : « ما وجدت أحدا أخذ بقولي
، وأطاع أمري ، وحذا حذو أصحاب آبائي غير رجلين رحمهما الله ، عبد الله بن أبي
يعفور ، وحمران بن أعين ، أما إنهما مؤمنان خالصان من شيعتنا » ويقول فيه :
« حمران مؤمن لا
يرتدّ أبدا » ويقول فيه : « نعم الشفيع أنا وآبائي لحمران بن أعين يوم القيامة
نأخذه بيده ولا نزايله حتّى ندخل الجنّة جميعا » الى نظائر هذه الكلمات الواردة
فيه عنهما 8 ، وهذه كما ترى تنبئ عن ارتفاع مقامه عندهم درجة لا يشاركه فيها إلاّ قليل ،
على كثرة رجالهم ، وكثرة أهل الورع والهدى فيهم ، كما قرأت وستقرأ ، وكما دلّت هذه
الكلم على ارتفاع منزلته لديهم دلّت على رسوخ إيمانه ، وثبات يقينه ، الى حدّ يؤمن
من تضعضعه ، وإن مرّت على العواصف وساورته المحن ونهشته النوائب ، على أن عصره من
أهمّ العصور التي اختبرت المحن والفتن فيها سرائر الرجال ، لا سيّما أهل العلم
والفضيلة منهم لما لهم من المكانة بين الناس يوم ذاك.
وما كان حمران
فقيها فحسب ، بل كان من علماء الكلام ، وحملة الكتاب ، ويذكر اسمه في أهل القراءات
، وكان أيضا من علماء اللغة والنحو فهو جامع لجهات الفضل.
حمزة بن الطيّار :
حمزة بن الطيّار
كان ثقة عظيم الشأن ، من رجال الفقه والكلام ، مات
__________________
أيام الصادق 7 ، وجاءت فيه
أحاديث تعرب عن إيمان راسخ ، وولاء ثابت لأهل البيت : ، وقوّة دفاع عنهم ، وحجّة قاطعة ، مثلما رواه الكشي ص ٢٢٣
عن هشام بن الحكم « قال : قال لي أبو عبد الله 7 :
ما فعل ابن
الطيّار؟ قال : قلت : مات ، فقال 7 : ; ولقّاه نضرة وسرورا فقد كان شديد الخصومة عنّا أهل البيت ».
ومثله ما رواه عن
مؤمن الطاق أيضا ، وما رواه عن أبان الأحمر عن الطيّار « قال : قلت لأبي عبد الله 7 : بلغني أنك كرهت
مناظرة الناس وكرهت الخصومة ، فقال : أمّا كلام مثلك فلا يكره ، من اذا طار أحسن
أن يقع ، وان وقع أحسن أن يطير ، فمن كان هكذا فلا نكره كلامه ».
والطيّار لقب له
ولأبيه محمّد بن عبد الله مولى فزارة ، وكان من أصحاب الباقر 7 وكان الباقر
يفاخر به ، روى الكشي ص ٢٢ عن حمزة ابنه « قال : سألني أبو عبد الله 7 عن قراءة القرآن
، فقلت : ما أنا بذلك ، قال : لكن أبوك ، قال : وسألني عن الفرائض ، فقلت : وما
أنا بذلك ، فقال :
لكن أبوك ، ثمّ
قال : إن رجلا من قريش كان لي صديقا وكان عالما قاريا فاجتمع هو وأبوك عند أبي
جعفر 7 ، وقال : ليقبل كلّ واحد منكما على صاحبه ، ويسأل كلّ واحد منكما صاحبه ،
ففعلا ، فقال القرشي لأبي جعفر 7 : قد علمت ما أردت ، أردت أن تعلمني أن في أصحابك مثل هذا
، قال : هو ذاك ، فكيف رأيت ».
فكيف ترى من يحمله
الباقر 7 على المناظرة؟ ومن يحمله الصادق 7 على المخاصمة؟ فهما إذن من ذوي الحجج النواصع ، والقوّة في
الخصومة.
داود بن فرقد :
داود بن فرقد
الأسدي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم 8 ، وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات ، وله كلام مع بعض
الزيديّة دلّ على اشتهاره بالتشيّع وسرعة جوابه وحسنه حتّى ضحك منه أبو عبد الله 7 ، وذلك ما رواه
الكشي ص ٢٢١ عنه « قال : قلت لأبي عبد الله 7 : إن رجلا خلفي حين صلّيت المغرب في مسجد رسول الله 6 فقال :
« ما لكم في
المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله » فعلمت أنه يعنيني
، فالتفتّ إليه وقلت : « إن الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم » فاذا هو هرون بن
سعد قال : فضحك أبو عبد الله 7 ، ثمّ قال : أصبت الجواب قبل الكلام بإذن الله ، وقال داود
:
جعلت فداك لا جرم
والله ما تكلّم بكلمة ، فقال أبو عبد الله 7 : ما أحد أجهل منهم ، إن في المرجئة فتيا وعلما وفي
الخوارج فتيا وعلما ، وما أحد أجهل منهم ».
داود الرقي :
داود بن كثير
الرقي الكوفي الأسدي مولاهم ، روى عن الصادق والكاظم 8 وعاش الى أيام الرضا 7 ، وله حديث كثير لا سيّما في الكرامات والفضائل ، وله أصل
رواه عنه جماعة من الثقات ، ولكثرة ما رواه
__________________
من كراماتهم نسبوه
الى الغلوّ وهو سهو.
وجاء فيه حديث
كثير يدلّ على علوّ منزلته مثلما رواه الكشي ص ٢٥٤ عن أبي عبد الله 7 قال : « أنزلوا
داود الرقي مني بمنزلة المقداد من رسول الله 6 » ونظر الى داود الرقي وقد ولّى فقال : « من سرّه أن ينظر
الى رجل من أصحاب القائم 7 فلينظر الى هذا » وفي موضع آخر : « أنزلوه فيكم بمنزلة
المقداد » فهذا ومثله يرشدنا الى سموّ منزلته في الدين واليقين سوى الوثاقة في
الرواية.
زرارة
زرارة بن أعين
الشيباني مولاهم ، روى عن الباقر والصادق 8 ، ومات عام ١٥٠ ، فأدرك من أيام الكاظم 7 سنتين.
وما ذا يقول
القائل في زرارة؟ وهل يستطيع ذو براعة ويراعة أن يأتي بكلمة تجمع فضل زرارة؟ وكفى
عن بيان مقامه ، ورفيع شأنه ، ما جاء فيه عن أئمة الهدى : ، وكفى منه ما
سبق ذكره في بريد العجلي ، بيد أننا نذكر هاهنا شيئا لم يسبق ذكره هناك ، فإن
الصادق 7 قال له مرّة : « يا زرارة إن اسمك في اسامي أهل الجنّة بغير ألف » قال : «
نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكني لقّبت زرارة » وقال : « لو لا زرارة لظننت أن
أحاديث أبي ستذهب » وقال للفيض بن المختار : « فاذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس واومىء بيده الى
زرارة » وقال في حديث آخر : « رحم الله زرارة لو لا
__________________
زرارة ونظراؤه
لاندرست أحاديث أبي » وقال الرضا 7 : « أترى أن أحدا أصدع بحقّ من زرارة » الى أمثال هذه
الأحاديث ، وهذه الأحاديث تغنيك عن قول كلّ فصيح يريد أن يترجم زرارة معربا عمّا
له من فضل وعلم ومقام لدى أهل البيت.
وما كان زرارة
فقيها فحسب بل كان يجمع عدّة فضائل حتّى قال ابن النديم في الفهرست في شأنه :
زرارة أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام والتشيّع.
وقال النجاشي :
شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم ، وكان قارئا فقيها متكلّما شاعرا أديبا ، قد
اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، وقال أبو غالب الزراري كما حكي عنه : روي أن زرارة
كان وسيما جسيما أبيض ، فكان يخرج الى الجمعة وعلى رأسه برنس أسود وبين عينيه
سجادة وفي يده عصا فيقوم الناس سماطين ينظرون إليه لحسن هيئته فربما رجع من طريقه
، وكان خصما جدلا لا يقوم أحد بحجّته صاحب إلزام وحجّة قاطعة إلاّ أن العبادة
أشغلته عن الكلام ، والمتكلّمون من الشيعة تلاميذه.
فزرارة قد جمع
الفضل كلّه ولكن شهرته في الفقه غلبت على فضائله الأخر ، ومن غاض في بحر الفقه عرف
ما لهذا الرجل من حديث ، حتّى لتكاد لا تجد بابا من أبواب الفقه إلاّ وله فيه حديث
أو أحاديث ، وهو أحد الستة الاول أصحاب أبي جعفر 7 الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم
بالفقه ، ولا غروّ لو عدّ زرارة أفقههم.
وكان زرارة معروفا
بالعلم والفضيلة والقرب من أهل البيت وهذا اكبر جرم عند أعدائهم ، فما زال في خطر
من جراء ذلك ، فكان الإمام ينال منه أحيانا ليدفع بذلك عنه الخطر ، ومن ثمّ جاءت
أحاديث تطعن فيه ، وقد كشف
عن سبب ذلك القدح
الصادق نفسه ، فقال في حديث طويل رواه الكشي ص ٩١ : إني أنا أعيبك دفاعا مني عنك
فإن الناس والعدوّ يسارعون الى من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبّه
ونقرّبه ـ الى أن قال ـ فأحببت ان أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون
بذلك منّا دافع شرّهم عنك ، الحديث ، فمن هاهنا نعرف مكانة زرارة لديهم وشأن تلك
الأحاديث القادحة.
زيد الشحّام :
أبو اسامة زيد
الشحّام الازدي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق 8 ، وقيل : وعن الكاظم أيضا ، وهو من الوثاقة وجلالة القدر
بمكان رفيع ، وقد حكي عن الشيخ المفيد طاب رمسه قوله فيه : إنه من فقهاء أصحاب
الصادقين 8 الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا وأحكام الدين.
وجاءت فيه أحاديث
تشهد له بعلوّ الدرجة ، منها ما رواه الكشي ص ٢١٦ عن زيد نفسه « قال : قلت لأبي
عبد الله 7 : اسمي في تلك الأسامي؟
ـ يعني في كتاب
أصحاب اليمين ـ قال : نعم » وما رواه أيضا عنه : « قال : دخلت على أبي عبد الله 7 فقال لي : يا زيد
جدّد التوبة واحدث عبادة ، قال :
قلت : نعيت إليّ
نفسي ، قال : فقال : يا زيد ما عندنا لك خير وأنت من شيعتنا ـ الى أن قال ـ : يا
زيد كأني أنظر إليك في درجتك في الجنّة ، ورفيقك فيها الحارث بن المغيرة النصري » الى غير هذا ممّا
يرشدنا الى علوّ مقامه ورفيع
__________________
درجته.
زيد الشهيد :
زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب : ، روى عن أبيه السجّاد 7 وكفي من روايته عنه روايته للصحيفة السجّادية التي جمعت
فنونا من العلم والأدب والفصاحة والبلاغة والتي تعرّفك كيف الخضوع للمولى في دعائه
ومسألته والتي هي وحدها دلالة واضحة على إمامة الأئمة من أهل البيت ، لأن ديباجتها
تدلّك على أن الناطق بها ليس من أمثال البشر ، الذين يقع عليهم البصر.
وروى عن أخيه
الباقر وابن أخيه الصادق أيضا 8 وكان يرى إمامة الصادق ويدعو له في السرّ ، وما ادّعى
الإمامة لنفسه أيام حياته وجهاده قط ، وإنما ادّعيت فيه بعد وفاته ، وقد استشهد في
الكوفة عام ١٢١ فبكاه الصادق 7 وترحّم عليه ، وأنفق على عيال من قتل معه ، وقد جمع زيد
صفات فاضلة قلّما تجتمع برجل سوى المعصومين ، كالفقه والورع والسخاء والشجاعة
والزهادة والعبادة وغيرها ، ولكن بأعلى مراتب هذه الصفات ، وقد سبقت الاشارة الى
شيء من حاله « ١ : ٤٨ »
سدير الصيرفي :
سدير بن حكيم بن
صهيب الصيرفي الكوفي مولى ، روى عن ثلاثة من الأئمة : السجّاد والباقر والصادق ، وروى عن كثير من الثقات ، وبعض
منهم من أصحاب الإجماع ، جاء فيه مدائح وتقدير له مثل قول الصادق 7 لزيد الشحّام : «
يا شحّام إني طلبت الى إلهي في سدير وعبد السلام
ابن عبد الرحمن
وكانا في السجن فوهبهما الله لي وخلّى سبيلهما » وقوله وكان عنده سدير : « إن الله
اذا أحبّ عبدا غته بالبلاء غتا ، وإنا وإيّاكم يا سدير لنصبح به ونمسي »
فاستيهابه من الله دلالة على كبر منزلة عنده وتقدير له ، وكفى بعلوّ درجته أنه
ممّن يحبّه الله ويغمره بألطاف بلائه ، الى ما سوى ذلك من الأحاديث.
الأعمش :
أبو محمّد سليمان
بن مهران الاعمش الأسدي الكوفي ، اتفقت الخاصّة والعامّة على وثاقته وفضله وجلالته
، وقد أثنى العامّة عليه الثناء الجميل ، واعترفوا له بالمزايا الحميدة مع
اعترافهم بتشيّعه ، فهذا الذهبي في ميزان الاعتدال يقول : « أبو محمّد أحد الأئمة
الثقات عداده في صغار التابعين » ويقول : « فالأعمش عدل صادق ثبت ، صاحب سنّة
وقرآن » الى غيره من مؤلّفي الرجال والتراجم.
وكان راوية لفضائل
أمير المؤمنين 7 ، حتّى أن الخاصّة والعامّة روت أن المنصور سأله : كم تحفظ
من الحديث في فضائل علي 7؟ قال له : عشرة آلاف حديث ، وفي بعض الروايات على بعض
النسخ أو ألف حديث ، ولعلّ هذا الترديد منه كان حذرا من المنصور لعلمه بما يحقده
على أولاد علي 7 ، ولمّا انتبه المنصور لقصد الأعمش من الترديد أراد أن
يطمئنّه عمّا اختلج في نفسه ، فقال له : بل عشرة آلاف كما قلت أوّلا.
قيل : إن ولادته
كانت سنة قتل الحسين 7 وهي سنة ٦١ ،
__________________
ووفاته في الخامس
والعشرين من ربيع الأول عام ١٤٨ ، وهي سنة وفاة الصادق 7.
سماعة
سماعة بن مهران
الحضرمي الكوفي ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن 8 ، مات بالمدينة ، وله حديث كثير في الفقه وروى كثيرا من
زيارات الأئمة ومن دعاء الصادق 7 ، وله كتاب رواه عنه ثقات الرواة ، ومنهم جماعة ممّن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وقد نسبوه الى الوقف ولم يثبت ، وعلى أيّ حال
فهو ثقة في الرواية من دون ريب.
صفوان الجمّال :
صفوان بن مهران
الجمّال الأسدي الكاهلي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم 8 ، وكان جمّالا
فلزمه هذا اللقب ، وكان شديد التمسّك بأهل البيت : ، عاملا بأوامرهم ، مواظبا على القيام بخدماتهم وقد سبق في
عنوان ـ الصادق في العراق ـ ( ١ : ١٢٩ ) ما يشهد لذلك كما يدلّ عليه بيعه لجماله
امتثالا لأمر الكاظم 7 ، وأنّبه الرشيد على ذلك وقال له :
إني لأعلم من أشار
إليك بهذا ، أشار عليك موسى بن جعفر ، فو الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك.
وكفى هذا العمل
منه استماعا لأمر إمامه وإن عرّض نفسه للهلاك ، وكان من أجلّة الرواة وأعلامهم
الثقات ، وحديثه جمّ كثير يرويه عنه الثقات الأعلام ، وله كتاب رواه عنه رجال
الوثاقة والإجماع.
عبد الرحمن بن الحجّاج :
عبد الرحمن بن
الحجّاج البجلي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم 8 وعاش حتّى لقي الرضا 7 ، ومات في أيامه ، وكان من شيوخ أصحاب أبي عبد الله 7 وخاصّته وبطانته
وثقاته الفقهاء الصالحين ، وجاء الشيء الكثير في إطرائه والثناء عليه من الأئمة : وقد بشّروه
بالموت بالمدينة وبحسن المنقلب ، وله كتب يرويها عنه الثقات الأعلام ، وبعضهم من
أهل الإجماع ، وكان من رجال الكلام البارزين ذوي الحجّة اللازمة والقوّة في
العارضة ، حتّى قال له أبو عبد الله 7 : « يا عبد الرحمن كلّم أهل المدينة فإني أحبّ أن يري في
رجال الشيعة مثلك » على أنه ما كان ليسمح بالكلام لأصحابه إلاّ لقليل منهم أمثال
أبان بن تغلب والطيّار ونفر سواهما ، حذرا من العثار والخروج عن ربقة التقيّة ،
فلا يسمح لأحد إلاّ لمن يعتمد على حجّته وحسن أدبه في المناظرة.
عبد السلام بن سالم :
عبد السلام بن
سالم البجلي الكوفي ، روى عن أبي عبد الله 7 وله كتاب يرويه ثقات الرواة ، وكان من فقهاء أصحاب
الصادقين 8 والرؤساء الأعلام والمأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، والذين لا
يطعن عليهم ، ولا طريق الى ذمّ أحد منهم ، كما عن الشيخ المفيد طاب ثراه.
عبد السلام بن عبد
الرحمن :
عبد السلام بن عبد
الرحمن بن نعيم الأزدي ، عدّه ابن شهر اشوب في المناقب
من خواصّ الصادق 7 ، وقد سبق في
سدير قول الصادق 7 لزيد الشحّام ودموعه تجري على خدّيه : يا شحّام إني طلبت
الى إلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما لي وخلّى
سبيلهما ، وهذا ممّا ينبىء عن تقدير أبي عبد الله 7 وحبّه لهما ، وعطفه عليهما وكفاهما هذا.
شأنا وعلوّ منزلة.
عبد الله بن أبي يعفور :
عبد الله بن أبي
يعفور العبدي الكوفي ، كان من أصحاب الصادقين 8 ، ومات زمن أبي عبد الله ، ولا تحضرني كلمة تفرغ عن علوّ
مقامه ، وتفصح عن جلالة قدره ، وما كان عليه من صلابة الايمان ، وقوّة اليقين ،
والاستقامة في العقيدة ، ولنترك ذلك الى مخرّجه ومثقّفه الإمام الصادق 7 ليعرب لنا عن
حاله ، فإنه أعلم بشأنه وبسيرته وسريرته فإنه كتب الى المفضّل بن عمر الجعفي حين
مضى لربّه عبد الله بن أبي يعفور : « يا مفضّل عهدت إليك عهدي ، كان الى عبد الله
بن أبي يعفور ، فمضى 2 موفيا لله جلّ وعزّ ولرسوله ولإمامه بالعهد المعهود لله ،
وقبض صلوات الله على روحه محمود الأثر ، مشكور السعي ، مغفورا له ، مرحوما برضى
الله ورسوله وإمامه عنه ، بولادتي من رسول الله 6 ما كان في عصرنا أحد أطوع لله ولرسوله ولإمامه منه ، فما
زال كذلك حتّى قبضه الله إليه برحمته ، وصيّره الى جنّته ، ساكنا فيها مع رسول
الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، أنزله الله بين المسكنين ، مسكن محمّد 6 ومسكن أمير
المؤمنين 7 وإن كانت المساكن واحدة ، والدرجات واحدة فزاده الله رضى من عنده ومغفرة من
فضله برضاي عنه ».
لو لا أن الصادق 7 هو المخبر عن عبد
الله وعمّا كان عليه من تقوى وطاعة لما كنا نعتقد بأن أحدا من البشر يبلغ تلك
المرتبة وذلك الرضى.
ولقد جاء فيه من
الإطراء والإفصاح عن علوّ مقامه وثبات يقينه ما لم يجىء في أحد سواه إلاّ القليل ،
وقد سبق شيء منه في حمران ، وهو القائل لإمامه الصادق : لو فلقت رمّانة بنصفين ، فقلت
هذا حلال وهذا حرام لشهدت أن الذي قلت حلال حلال ، وأن الذي قلت حرام حرام ، فقال
: رحمك الله ، رحمك الله.
وهذا التسليم
والتفويض والطاعة والامتثال هو الذي صيّره بتلك الرتبة الرفيعة ، وإن كان من عرف
إمامه وجب أن يكون كما كان عليه عبد الله ولكن أنّى لنا بتلك النفوس الزكيّة
المطيعة.
عبد الله بن بكير :
عبد الله بن بكير
بن أعين الشيباني مولاهم ، روى عن الباقر والصادق 8 وهو من الستة أصحاب الصادق الذين أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصحّ عنهم كما سبق في أبان بن عثمان ، وعدّ في أجلّة الفقهاء والعلماء ، ومن
أصحاب الاصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة ، وقد رمي بالفطحيّة ، فإن صحّ فلا
يضرّ فساد عقيدته في وثاقته في روايته ، وعلى أيّ حال فهو ثقة في الرواية من دون
ريب ، وقد سبق ذكر أبيه بكير وجلالة شأنه.
عبد الله بن سنان :
عبد الله بن سنان
بن طريف الكوفي مولى قريش أو بني هاشم خاصّة ، روى عن الصادق 7 ، وقيل : وعن
الكاظم أيضا وهو غير بعيد لأنه قد عاصره ، وكان خازنا للمنصور والمهدي والهادي
والرشيد ، ومع ذلك فقد كان
من شيعة أهل البيت
والفقهاء الصلحاء ، والثقات الأجلاّء ، الذين لا يطعن عليهم بشيء ، ولقد قال فيه
الصادق 7 : « أما أنه يزيد على السنّ خيرا ».
وقد شاهد من
الصادق 7 كرامة باهرة دلّت على كريم مقامه عند أبي عبد الله 7 ، وأنه من حملة
أسراره ، وله كتب يرويها عنه أجلّة الرواة ومشاهير الثقات.
عبد الله بن شريك :
أبو المحجل عبد
الله بن شريك العامري ، صحب الباقر والصادق 8 ، وكان عندهما وجيها مقدما ، وعدّوه في حواريهما ، وروي عن
الصادق 7 أنه يخرج لنصرة القائم المهدي عجّل الله فرجه ، وهذا هو الفضل والفوز ،
والرفعة والجلال ، نسأله جلّ شأنه أن نكون ممّن يخفق على رأسه لواؤه المنصور.
عبد الله بن مسكان :
عبد الله بن مسكان
الكوفي مولى ، روى عن الصادق والكاظم 8 وهو من الستة أصحاب الصادق 7 الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم
بالفقه كما مرّ في أبان بن عثمان ، ويعدّ من أجلّة الفقهاء العظام والرؤساء
الأعلام ، والمأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، الذين لا طريق للطعن
عليهم بشيء ، وله كتب عديدة يرويها عنه أجلّة الثقات وأعلام الرواة.
عبد الله بن النجاشي :
أبو بحير عبد الله
النجاشي الأسدي ، كان زيديّا ثمّ عدل الى القول بإمامة الصادق 7 حين شاهد كرامة
منه ، انظر ذلك في « ١ : ٢٦٠ » ، وكان واليا على الأهواز من قبل المنصور ، وكتب
الى الصادق 7 يسأله عن السيرة في العمل ، وعمّا يصنعه في أمواله وعن غير ذلك من شئون
ولايته ، وأجابه الصادق بكتاب طويل وهي الرسالة المعروفة برسالة عبد الله النجاشي
، وقد اقتطفنا منها فقرات ثمينة ، ذكرناها في وصاياه من هذا الجزء ص ٤٤ ، وكان
محمود السيرة في ولايته مرضيّا عند الإمام ، موثقا عند العلماء الأعلام ، حتّى أن
شيخ الطائفة الطوسي طاب ثراه في التهذيب كتاب المكاسب منه عدّه من الزهاد على أنه
عامل المنصور على الأهواز.
عبد الله الكاهلي :
عبد الله بن يحيى
الكاهلي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم 8 ، وكان ابو الحسن يرعاه ويحبّه ، حتى قال لعلي بن يقطين :
اضمن لي الكاهلي أضمن لك الجنّة ، فضمن للإمام ما أراد ، حتّى أن نعمته كانت تعمّ
الكاهلي وقراباته ، وكان يجرى عليهم النفقات مستغنين حتّى بعد موت الكاهلي.
وقد بشّره أبو
الحسن 7 بحسن المآل ، فقد قال له يوما : اعمل خيرا في سنتك هذه فإن أجلك قد دنا ،
فبكى الكاهلي ، فقال له أبو الحسن 7 : ما يبكيك؟ قال له : جعلت فداك نعيت إليّ نفسي ، قال :
ابشر فإنك من شيعتنا وأنت الى خير ، ثمّ ما لبث بعدها إلاّ يسيرا حتّى مات.
فمن هذا ومثله
تعرف كرامة الكاهلي عليهم وارتفاع محلّه عندهم ، وله كتاب
رواه عنه أعيان
الثقات وبعض أهل الإجماع.
عبد الملك بن أعين :
أبو ضريس عبد
الملك بن أعين الشيباني مولاهم أخو زرارة وحمران ، روى عن الباقر والصادق 8 ، ومات أيام
الصادق ، ولمّا بلغه خبر وفاته وهو بمكّة رفع يده ودعا له واجتهد في الدعاء وترحّم
عليه ، ولمّا قدم المدينة زار قبره بالمدينة مع أصحابه ، وقال زرارة : قال أبو عبد
الله 7 بعد موت عبد الملك : اللهمّ إن أبا الضريس كنّا عنده خيرتك من خلقك فصيّره في
ثقل محمّد صلوات الله عليه وآله يوم القيامة ، الى غير هذا ممّا ورد في حقّه ،
وهذا كما ترى يرشدك الى علوّ درجته ، ورفيع محلّه ، كما يرشد الى معرفته بأئمته.
وأمّا ابنه ضريس
الذي يكنّى به فكان من رواة الصادق أيضا وثقاتهم وروى عنه الثقات ، وكانت تحته
ابنة عمّه حمران.
عبيد بن زرارة :
عبيد بن زرارة بن
أعين الشيباني مولاهم ، ممّن أخذ عن أبي جعفر وأبي عبد الله 8 ، وله كتاب رواه
عنه أجلّة الرواة ، وبعض أهل الإجماع ، وهو من عيون الثقات الذين لا لبس فيهم ولا
شك ، ومن الفقهاء البارزين ، والأعلام الرؤساء الذين اخذ عنهم الحلال والحرام ،
ومن أرباب الاصول المدوّنة ، والمصنّفات المشهورة.
عبيد الله الحلبي :
عبيد الله بن علي
بن أبي شعبة الكوفي الحلبي ، وآل أبي شعبة بيت معروف
من الشيعة بالكوفة
كان متجرهم الى حلب فنسبوا إليها ، وقد روى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين 8 وكانوا جميعهم
ثقات ، وكان عبيد الله هذا كبيرهم ووجههم ، واذا اطلق الحلبي فعلى الغالب يراد به
عبيد الله هذا ، وإن كان قد يراد به أحيانا أخوه محمّد ، وهو أوّل من صنّف من
أصحاب أبي عبد الله 7 ، ولما صنّف كتابه المعروف في الفقه عرضه على أبي عبد الله
7 فاستحسنه وصحّحه ، وقال عند قراءته له : أترى لهؤلاء مثل هذا؟
وقد رواه عنه عدّة
من أعلام الرواة وثقاتهم جزاهم الله عن الدين وأهله خير جزاء المحسنين.
العلاء بن رزين :
العلاء بن رزين
القلا الكوفي مولى ثقيف ، روى عن الصادق 7 وكان وجها جليل القدر ضبطا متقنا لم يرد غمز فيه من أحد ،
بل متّفق على جلالته ووثاقته ، صحب محمّد بن مسلم وتفقّه عليه ، وله كتب رواها عنه
أعيان الثقات من الرواة ، وبعضهم من أصحاب الإجماع.
علي بن يقطين :
علي بن يقطين بن
موسى الكوفي البغدادي ، روى عن الصادق والكاظم 8 ، وشأنه في الوثاقة والوجاهة والجلالة معروف ، ومقامه عند
الرشيد لا يجهل ، وأخباره معه مسطورة ، وما اكثر ما جاء فيه من الثناء والإطراء والبشارة
بحسن العقبى ، والانقلاب الى رضوانه وجنانه ، مثل قول أبي الحسن 7 : ضمنت لعلي بن
يقطين الجنّة وألاّ تمسّه النار ، وقوله 7 وقد أقبل علي بن يقطين : من سرّه أن يرى رجلا من أصحاب
رسول الله
6 فلينظر الى هذا المقبل ، فقال له رجل من القوم : هو إذن من
أهل الجنّة ، فقال أبو الحسن : أمّا أنا فأشهد أنه من أهل الجنّة ، وقوله : من
سعادة علي بن يقطين أنه ذكرته في الموقف ، وقوله : إني استوهبت علي بن يقطين من
ربي جلّ وعزّ فوهبه لي ، إن علي بن يقطين بذل ماله ومودّته ، فكان لذلك مستوجبا ،
الى كثير من أمثال هذه الأحاديث.
وأعماله الصالحة ،
وخدماته لأهل البيت ، وقضاؤه لحوائج أوليائهم لا تحصر بحساب ، كان ينيب في كلّ سنة
من يحجّ عنه واحصي له بعض السنين ثلاثمائة ملبّ له ، وكان يعطي بعضهم عشرين ألف
وبعضهم عشرة آلاف للحج ، مثل الكاهلي وعبد الرحمن بن الحجّاج وغيرهما ، ويعطي أدناهم
ألف درهم ، وكان يحمل الأموال في كلّ سنة لأبي الحسن 7 من مائة ألف الى ثلاثمائة ألف درهم ، وزوّج أبو الحسن
ثلاثة أو أربعة من بنيه منهم أبو الحسن الرضا 7 ، فكتب له علي بن يقطين : وإني قد صيّرت مهورهم إليك وزاد
عليه ثلاثة آلاف دينار للوليمة ، فبلغ ثلاثة عشر ألف دينار في دفعة واحدة .
وكفى من قضائه
لحوائج أوليائهم قيامه بنفقات الكاهلي وعيالاته وقراباته ، وقيامه بحوائج كلّ من
يأتيه من اولئك الأولياء.
وكفى في علوّ شأنه
ورفيع قدره قول أبي الحسن 7 له : يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع
بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي ، قال له ذلك حين قدم أبو ابراهيم موسى العراق ،
وقال له علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه .
__________________
وجملة القول أن
علي بن يقطين كان عينا لله وملجأ لأولياء الله بين أعدائه ، يقوم بأداء حقوقهم ،
ويدفع عادية السوء عنهم ، هذا سوى صلاحه في أعماله الأخر ، وروايته لأحكام الدين ،
وإن مثله ليعجز القلم عن استيفاء محاسنه وجميل خصاله.
كانت ولادة علي
بالكوفة عام ١٢٤ ، وكان أبوه يقطين من وجوه الدعاة للدولة الهاشميّة ، فطلبه مروان
الحمار فهرب ، وهربت زوجته بولديها علي وعبيد من الكوفة الى المدينة ، الى أن ظهرت
الدولة العبّاسيّة ، فلمّا قامت ظهر يقطين ، فلم يزل بخدمة السفّاح والمنصور ، وهو
مع ذلك كان يتشيّع ويقول بالإمامة ، وكذلك كان ولده ، وكان يقطين يحمل الأموال الى
الصادق 7 ونما خبره الى المنصور والمهدي فصرف الله كيدهما عنه.
وتوفي علي بن
يقطين بمدينة السلام ـ بغداد ـ عام ١٨٢ ، وصلّى عليه وليّ العهد محمّد الأمين بن
الرشيد ، وتوفي أبوه يقطين من بعده عام ١٨٥ فرحمة الله عليهما.
عمّار الدهني :
أبو معاوية عمّار
بن خباب البجلي الدهني الكوفي ، ودهن حيّ من بجيلة ، كان من عيون أصحاب الصادق 7 الثقات وبيته من
بيوتات الشيعة المعروفة في الكوفة في يومهم ، وقيل : إن أباه يسمّى بمعاوية أيضا.
قيل للصادق 7 : إن عمّارا
الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى
__________________
قاضي الكوفة شهادة
فقال له القاضي : قم يا عمّار فقد عرفناك ، لا نقبل شهادتك لأنك رافضي ، فقام
عمّار وقد ارتعدت فرائصه ، وقد استغرقه البكاء ، فقال له ابن أبي ليلى : أنت رجل
من أهل العلم والحديث إن كان ليسوؤك أن يقال لك رافضي فتبرّأ من الرفض وأنت من
اخواننا ، فقال له عمّار : ما ذهبت والله حيث ذهبت ، ولكن بكيت عليك وعليّ ، أمّا
بكائي على نفسي فنسبتني الى مرتبة شريفة لست من أهلها ، زعمت أني رافضي ، ويحك لقد
حدّثني الصادق 7 إن أوّل من سمّي السحرة الذين شهدوا أنه موسى في عصاه ،
ثمّ آمنوا به واتّبعوه ورفضوا أمر فرعون واستسلموا لكلّ ما نزل بهم ، فسمّاهم
فرعون الرافضة لما رفضوا دينه ، فالرافضي من رفض كلّما كرهه الله ، وفعل كلّما
أمره الله ، وأين في الزمان هذا ، فإنما بكيت عليّ خشية أن يطبع على قلبي وقد
تقبّلت هذا الاسم الشريف على نفسي ، فيعاتبني ربّى ويقول : يا عمّار كنت رافضا للأباطيل؟
عاملا للمطاعات كما قال لك؟ فيكون ذلك مقصّرا لي في الدرجات أن يسامحني ، موجبا
لشديد العقاب على أن ناقشني ، إلاّ أن يتداركه مولى بشفاعتهم ، وأمّا بكائي عليك
فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك عذاب الله تعالى إن صرفت أشرف
الأسماء إليّ أن جعلتها أرذلها ، كيف تصبر بذلك على عذاب كلمتك هذه ، فقال الصادق 7 « لو أن على
عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السموات والأرضين لمحيت عنه بهذه الكلمات ، وأنها
لتزيد في حسناته عند ربّه » الحديث.
وهذا كما ترى كاشف
عن صلابة إيمانه ، وثباته في عقيدته وأن العواصف لم تملّ به ، وله كتاب يرويه
جماعة من الثقات.
__________________
وروى عن جماعة من
أعلام السنّة ، كما روى عنه منهم جماعة ومن ثمّ وثّقوه مع اعترافهم بتشيّعه ،
وذكره ابن النديم في الفهرست وعدّه من فقهاء الشيعة ، وذكر في القاموس في ـ دهن ـ بني
دهن وقال : بالضم حي منهم معاوية بن عمّار ، فقال في التاج : أبوه عمّار يكنّى أبا
معاوية روى عن مجاهد وأبي الفضل وعدّة ، وعن شعبة والسفيانان ، وكان شيعيّا ثقة
مات سنة ١٣٣.
عمّار الساباطي :
أبو اليقظان عمّار
بن موسى الساباطي ، كوفي سكن المدائن ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن 8 ، وقد نسب إلى
الفطحيّة فإن صحّ فلا يخدش ذلك في وثاقته في الرواية ، لا سيّما بعد أن ورد فيه عن
الكاظم 7 قوله :
« استوهبت عمّارا
من ربي فوهبه لي » وقد ذكر ذلك الكشي في ثلاثة مواطن ص ١٦٤ و ٢٥٦ و ٣١٣ ، وقد
عدّوه في الرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، وقد عمل الأصحاب بأحاديثه
، وهو كثير الرواية ، ومن سبر كتب الحديث عرف كثرة روايته ، وقال الشيخ في الفهرست
: له كتاب كبير جيّد معتمد.
وإن له أخوين هما
قيس وصباح ، وقد رويا عن الصادق والكاظم 8 وهما من ثقات رواتهما أيضا.
عمرو بن أبي المقدام :
عمرو بن أبي
المقدام ثابت بن هرمز العجلي الكوفي ، روى عن السجاد والباقر والصادق : ، وعداده في
التابعين ، وقد سبق ( ١ : ١٣٦ ) قوله : قال لي أبو عبد الله 7 في أول دخلة دخلت
عليه « تعلّموا الصدق
قبل الحديث ».
وهو القائل : اذا
نظرت الى جعفر بن محمّد 8 علمت أنه من سلالة النبيّين ، وقد روى الفريقان عنه هذه
الكلمة ، وله مقام معروف عند الفرقتين ، وجاء عن الصادق 7 فيه قول يدلّ على
صلاحه وارتفاع مقامه عند الله تعالى ، فقد قيل والصادق قاعد بفناء الكعبة : ما
اكثر الحاجّ ، فقال 7 : ما أقل الحاجّ ، فمرّ عمرو بن أبي المقدام فقال : هذا من
الحاجّ ، انظر الكشي ص ٢٤٨.
وله كتاب يرويه
عنه الثقات ، قال النجاشي : وله كتاب لطيف ، ثمّ ذكر سنده إليه.
ابن أبي نصر السكوني :
عمرو بن أبي نصر
الأنماطي السكوني الشرعبي ، كان من الثقات الذين لا غمز فيهم بوجه ، وله كتب
يرويها عنه جماعة من الثقات وبعضهم من أصحاب الإجماع ، وعداده في أصحاب الصادق 7.
عمر بن اذينة :
عمر بن اذينة ،
روى عن الصادق 7 مكاتبة ، وروى عن الكاظم 7 سماعا ، وكان شيخ أصحابنا البصريّين وو جهم كما قال
النجاشي ، وكان قد هرب من المهدي ومات باليمن ، ولذا لم يرو عن الكاظم 7 كثيرا.
وقال الكشي ص ٢١٥
: ويقال اسمه محمّد بن عمر بن اذينة غلب عليه اسم أبيه ، غير أنه ذكر أنه كوفي وهو
ينافي ما ذكره النجاشي إلاّ أن يكون كوفي
الأصل سكن البصرة
وله كتاب الفرائض رواه عنه جماعة من الثقات.
عمر بن حنظلة :
أبو صخر عمر بن
حنظلة العجلي البكري الكوفي ، روى عن الباقر والصادق 8 ، وله عند أهل البيت منزلة رفيعة دلّت على علوّ كعبه في
الايمان والوثاقة ، وقد قال فيه الصادق 7 : إذن لا يكذب علينا هذا حين قال للصادق 7 يزيد بن خليفة أن عمر بن حنظلة
أتانا عنك بوقت ، كما في فروع الكافي ، باب وقت الصلاة ، وقال له الصادق أيضا يا
أبا صخر أنتم والله على ديني ودين آبائي لنشفعنّ والله ، ثلاث مرّات ، حين يقول
عدوّنا : « فما لنا من شافعين ولا صديق حميم » الى ما سوى ذلك ممّا جاء فيه ، فهو
كما ترى وتقرأ صادق عند الصادق 7 ، وعلى دينه ودين آبائه ، وهم الشفعاء له ولأمثاله ، وأيّ
مقام أرفع من هذا؟
وله عن الصادقين 8 حديث كثير ، رواه
عنه أعيان الثقات ومنهم بعض أصحاب الإجماع.
عمر بن علي بن الحسين 8 :
عمر بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب : مات وله ٦٥ سنة ، وقيل ٧٠ ، قال الشيخ المفيد في إرشاده :
كان فاضلا جليلا ، ولّي صدقات النبي 6 وصدقات أمير المؤمنين 7 وكان ورعا
__________________
سخيّا وعن الباقر 7 أنه قال : عمر
بصري الذي أبصر به ، وهو جدّ الشريفين المرتضى والرضي من قبل الأم ، وعن علم الهدى
في شرح المسائل الناصريّة عند ترجمة أجداده من قبل أمّة : وأمّا عمر بن علي بن
الحسين 8 ولقبه الأشرف فإنه كان فخم السيادة ، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معا
الأمويّة والعبّاسيّة ، وكان ذا علم وقد روي عنه الحديث ، الى غير هذا ممّا جاء في
تقريظه وإطرائه.
الفضيل بن يسار :
الفضيل بن يسار
النهدي عربي بصري ، روى عن الباقر والصادق 8 ، ومات في أيام الصادق 7 ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ،
والإقرار لهم بالفقه من الستة أصحاب أبي جعفر 7 ، وكان أبو عبد الله اذا نظر إليه مقبلا قال : بشّر
المخبتين ، وكان يقول : إن فضيلا من أصحاب أبي ، وإني لأحبّ الرجل أن يحبّ أصحاب
أبيه ، والأحاديث في فضله وصلاحه كثيرة حتّى قال الصادق 7 : رحم الله
الفضيل بن يسار وهو منّا أهل البيت ، وذلك حين أخبروه أن يده لتبقى الى عورته عند
غسله ، ودلّت بعض الأحاديث أنه مستودع أسرار له ، وهل بعد هذا من كرامة وجلالة
ووثاقة؟ رضوان الله عليه.
أبو بصير :
ليث بن البختري
أبو بصير المرادي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق 8 ، ومقامه أرفع من أن يطرى ، وكان من المقدّمين عند
الصادقين 8 ، وللصادق فيه كلمات تكشف عن محلّ لا ينال ، ودرجة لا يساوقه
فيها إلاّ قلائل
من نخبة رجالهم ، وقد تقدّم البعض منها في بريد العجلي مثل قوله : أوتاد الأرض
وأعلام الدين أربعة ، وعدّ منهم ليثا هذا ، وقوله : أصحاب أبي كانوا زينا أحياء
وأمواتا ، وعدّ منهم ليثا هذا ، وقوله : بشّر المخبتين بالجنّة ، وعدّه منهم ، الى
كثير سوى هذا ، وقد رأى في نفسه كرامات من الصادق 7 ، منها مسحه على عينيه حتّى أبصر ثمّ إعادته الى حاله
الاولى ، ومنها نهيه عن دخوله عليه جنبا ، وكان قد دخل عليه وهو جنب اختبارا.
وصفوة القول أن
الرجل كان من أعاظم المحدّثين ، وأعيان الفقهاء ، ومن نظر في كتب الحديث عرف كثرة
ما له من الحديث ، وهو من الستة أصحاب الباقر 7 الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم
بالفقه ، وشأنه اكبر من أن يذكر بوثاقة وجلالة قدر.
مؤمن الطاق
محمّد بن علي بن النعمان أبو جعفر والأحول الصيرفي الكوفي
، الملقّب بمؤمن الطاق عند الخاصّة ، وبشيطان الطاق عند العامّة ، ومن عرف مواقفه
في مناظرات أعلامهم في الإمامة اتضح له المنشأ في تلقيبهم إيّاه بهذا اللقب ،
وبغضهم له ، فإن الحقّ ثقيل على النفس.
وهو يروي عن
الصادقين 8 ، وجاء فيه ثناء جميل وتقريظ ومدح من إمامه ومثقفه الصادق 7 ، منها قوله :
زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، والأحول أحبّ الناس
إليّ أحياء وأمواتا ، الى ما سوى ذلك.
__________________
وحديثه شائع في
كتب الحديث ، ومن نظر في مناظراته عرف كيف كان قويّ الحجّة ، شديد العارضة ، سريع
الجواب ، نبيه الخاطر ، ذكيّ القلب ، وكان في طليعة متكلّمي الاماميّة ، على أن له
القدح المعلّى في الفقاهة.
وشأنه أرفع من أن
يطنب في إطرائه ، وأعرف من أن يكثر الكلام في تعريفه.
محمّد بن مسلم :
محمّد بن مسلم الثقفي
الكوفي القصير ، روى عن الصادقين 8 وأدرك زمن الكاظم 7 ، وكان من الأفذاذ الذين لا يأتي بهم الدهر إلاّ صدفة ،
وقد كان المثل الأعلى في الصلاح والطاعة لأئمّته ، والامتثال لأوامرهم ، والاقتداء
بسيرتهم ، والأمين عند جماعة الناس ، فكان فضله وصلاحه معروفين حتّى عند من يخالفه
في سيرته وسريرته ، غير أنهم طعنوا فيه بالرفض ، الذي كان يراه وأهل طريقته سمة
جميلة ، ومفخرة سامية ، ولربّما رجعوا إليه فيما أشكل عليهم أمره ، وجهلوا الحكم
فيه ، ولو لا الإطالة لأوردنا من ذلك أمثلة.
وقد عدّ فقيه عصره
، الذي هو خيرة العصور في الفقه والفقهاء حتّى قال فيه عبد الرحمن بن الحجّاج ،
وحمّاد بن عثمان ، وهما من علمت : ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمّد بن مسلم ،
وأن فقهاء عصره هم الذين حفظوا شرع أحمد المختار 6 كما قال ذلك إمامهم الصادق 7 ، وكيف لا يكون الفقيه الأوحد وقد سمع من أبي جعفر 7 ثلاثين ألف حديث
، ومن أبي عبد الله 7 ستة عشر ألف حديث ، ومن ألقى نظرة على كتب الحديث عرف كيف
بلغت روايته كثرة ووفرة.
وأمّا ثناء أئمته
عليه فهو جمّ كثير ، وقد سبق بعضه في بريد العجلي ، ولو أردنا
استيفاء ما جاء
فيه لخرجنا عن الصدد ، وهو من الستة أصحاب أبي جعفر 7 الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم
بالفقه.
وكانت وفاته عام
١٥٠ ، وله نحو من سبعين سنة ، فيكون قد أدرك من عصر أبي الحسن 7 سنتين ، فرضوان
الله عليه.
مرازم :
مرازم بن حكيم
الأزدي المدائني ، روى عن الصادق والكاظم 8 ، وقتل أيام الرضا 7 ، وكان مرازم هذا مع الصادق هو ومصادف مولى الصادق لمّا
بعث عليه المنصور الى الحيرة ، ولمّا سمح له بالعودة سار من الحيرة في أوّل الليل
فعارضه عاشر ، وحال بينه وبين المسير فطلب مصادف من الإمام أن يستعين هو ومرازم
هذا على قتله ، فأبى عليه الإمام ، وما زال الإمام بالعاشر حتّى رضي بعد أن ذهب
اكثر الليل ، وهذا يدلّنا على اختصاصه بالإمام وشدّة حبّه وولائه له ، وامتثاله
لأمره.
وقال النجاشي
وغيره : إنه ممّن بلي باستدعاء الرشيد له وأخوه أحضرهما الرشيد
مع عبد الحميد بن غواص فقتله وسلما ، فرحمة الله عليه وألحقه الله
__________________
بالرفيق الأعلى مع
أئمته الأطهار.
مسمع كردين :
مسمع كردين أبو
سيار بن عبد الملك ، عربي صميم من بكر بن وائل ومسمع اسمه وكردين لقبه ، قال
النجاشي ص ٢٩٨ : شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيّد المسامعة ، روى عن أبي جعفر
7 رواية يسيرة وروى عن أبي عبد الله 7 واكثر واختصّ به ، وقال له أبو عبد الله 7 : إني لأعدّك
لأمر عظيم يا أبا سيار ، وروى عن أبي الحسن موسى 7 وله نوادر كثيرة ، انتهى.
وله أخبار كثيرة
تشهد بتمسّكه الشديد بأهل البيت : وإطاعته لإمامه ، وإخراجه لحقوق أمواله على كثرتها ، بل
أراد أن يجمع كلّ ماله ويحمله الى الإمام ولكن الإمام أبى عليه ذلك ، بل سمع له
بحقّ ماله الذي حمله إليه.
معاوية بن عمّار :
معاوية بن عمّار
بن خباب البجلي الدهني الكوفي ، وقد سبق ذكر أبيه عمّار ، وكان معاوية وجها من
أصحابنا مقدّما كبير الشأن ، فوق عظم المحلّ والوثاقة ، وفي الوسائل كتاب النكاح
باب نظر المملوك الى مالكه قول الصادق 7 له : « يا بني » وهذا ممّا يرشدك الى عطفه عليه وحبّه له
وعنايته به ، وهل اكبر مقاما من إحلاله له هذا المحل.
وقد سبق في عمّار
ذكر صاحب القاموس له في ـ دهن ـ وصاحب التاج لأبيه عمّار ، وهذا ممّا يدلّ على
معروفيّة معاوية وأبيه عمّار ، وشهرتهم بالتشيّع.
معروف بن خربوذ :
معروف بن خربوذ
المكّي ، روى عن السجّاد والباقر والصادق : ، وهو من الستة أصحاب أبي جعفر الذين أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وقد جاءت فيه أحاديث دلّت على جلالته
وكبير مقامه ، بل وكونه من أهل الأسرار ، وكان من العبّاد الطويل سجودهم.
المعلّى بن خنيس :
المعلّى بن خنيس
مولى أبي عبد الله 7 ، إن من تتبع أحاديثه عرف أنه من أهل الفقه والمعرفة
بمنزلة الإمام ، ومن أعيان الأصحاب ، والذي يدلّ على علوّ مقامه عند الإمام حزن
الإمام على قتله ، وخروجه من داره مغضبا يجرّ رداءه وإسماعيل ابنه خلفه ، وهو يقول
« إن المرء يصبر على الثكل ولا يصبر على الحرب » حتّى دخل على قاتله داود بن علي
العبّاسي والي المنصور ، وقال له : يا داود قتلت مولاي وأخذت مالي ، وما هدأ حاله
حتّى اقتصّ ممّن قتله ، وهو السيرافي صاحب شرطة داود ، ولمّا قدّموه لأن يقتل
اقتصاصا جعل يصيح : يأمروني أن أقتل لهم الناس ثمّ يقتلونني.
وقال الصادق 7 لمّا قتل المعلّى
: أما والله لقد دخل الجنّة ، وقال : أفّ للدنيا ، سلّط الله فيها عدوّه على وليّه
، الى ما سوى ذلك ممّا يشهد له بالمنزلة الرفيعة ، وما قتله داود إلاّ لأنه كان من
قوام أبي عبد الله 7 ، وبعث عليه ليدلّه على شيعة الصادق وأصحابه ، فأبى عليه
المعلّى فهدّده بالقتل إن لم يخبره فأصرّ على الكتمان ، وهذا شاهد على تحرّجه في
الدين ، وسخائه بنفسه
دون تلك الصفوة
المنتجبة ، فرضوان الله عليه وعليهم ، وقد سبق ذكره في « ١ : ١٢٢ و ٢٥٩ ».
المفضّل بن عمر :
أبو عبد الله
المفضّل بن عمر الجعفي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم 8 وجمع من فواضل
الخصال ما قلّ أن يجمعه سواه من فقهاء الرواة وأعيان الثقات ، فهو قد جمع الى
العلم الجم ، والفضل الغزير ، والصلاح والورع ، الوكالة عن الإمامين 8 ، يجمع لهما حقوق
الأموال ، ويصلح ما بين الناس من أموالهما ، ويداري الضعفاء امتثالا لأمرهما ، الى
غير هذا من كريم الصفات ، وكفى به نبلا ومعرفة أن يعتمدا عليه في هذه المهمّة
الكبرى ، التي يحتاج القائم بها الى سعة صدر ، وعلوّ همّة ، وجدّ في قضاء حوائج
إخوانه ، وإيمان كامل ، وأن أعماله لتشهد بكفاءته للاعتماد ، وقد جعله الصادق وكيله
بعد مضي عبد الله بن أبي يعفور كما سلف في عبد الله ، وكيف ترى أهليّة من يكون
خلفا عن مثل ذلك السلف ، وما زال مضطلعا بأعباء هذه الوكالة مع كثرة رجالهما في
الكوفة الى أن وافاه القدر المحتوم ، وهو محمود السيرة زكيّ السريرة.
وكفى من رفيع
مقامه أن يقول فيه أبو عبد الله 7 « نعم العبد والله الذي لا إله إلاّ هو المفضّل بن عمر
الجعفي » حتّى أحصي عليه بضعا وثلاثين مرّة يقولها ويكرّرها ، ويقول فيه أبو الحسن
7 بعد موته « إن المفضّل كان انسي ومستراحي » وقال أيضا « رحم الله المفضّل قد
استراح » الى كثير من أمثال هذا البيان ، وجملة القول إن الرجل أرفع شأنا من أن
يذكر بتوثيق ، وأجلّ مقاما من أن يزان بثناء.
وله كتب رواها عنه
جملة من الثقات ، وإليه تنسب رواية التوحيد
والاهليلجة عن
الصادق 7 ، كما سبق « ١ : ١٤٩ و ١٦٤ ».
ميسر بن عبد العزيز :
ميسر بن عبد
العزيز النخعي الكوفي المدائني ، روى عن الصادقين 8 ، وروى عنه عدّة من أعيان الثقات ، وكثير منهم من أصحاب
الإجماع ، وعدّه ابن شهر اشوب في المناقب من خواصّ الصادق 7 وقيل إنه توفي
أيام الصادق عام ١٣٦.
والثناء عليه كثير
كقول أبي جعفر 7 « يا ميسر أما أنه قد حضر أجلك غير مرّة ولا مرّتين ، كلّ
ذلك يؤخّر الله بصلتك لقرابتك » وجاء مفاد هذا الحديث مكرّرا ، وكقوله أيضا له «
إني لأحبّ ريحكم وأرواحكم ، وإنكم على دين الله ودين ملائكته » الى ما سوى هذه
الأحاديث الشاهدة له بالكرامة والجلالة.
هشام بن الحكم :
أبو محمّد هشام بن الحكم مولى كندة ، وقد يكنّى بأبي الحكم
، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن 8 ، وله كتب كثيرة ذكرها الرجاليّون في ترجمته.
وكان سابقا في
الكلام لا يشقّ غباره ، ومجليا قد أمن فيه عثاره ، ومناظراته في فنونه ترشدك الى
تلك القوّة في الحجّة ، وفلّه لحجج مناظريه ، وكان الصادق 7 يمنع أصحابه من
المناظرة والخصام إلاّ شاذا منهم ، وكان هشام في طليعة من سمح له ، وكان الصادق 7 يحترمه ويقدّمه
وهو شاب على
__________________
شيوخ أصحابه ذوي
الرتب العليّة ويقول فيه « هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ويقول فيه أيضا « هشام
بن الحكم رائد حقّنا ، وسائق قولنا ، المؤيّد لصدقنا ، والدامغ لباطل أعدائنا ، من
تبعه وتبع أثره تبعنا ، ومن خالفه وألحد فيه فقد عادانا وألحد فينا » الى كثير سوى
ذلك.
وقد اثنى عليه غير
الصادق 7 من أئمة أهل البيت كالرضا 7 في قوله « كان عبدا صالحا » وكالجواد 7 في قوله : « ; ما كان اذبّه عن
هذه الناحية » الى كثير من أمثال هذا.
وإن أمثال هذه
الكلمات من أئمة أهل البيت في شأنه لتغني الفطن اليقظ عن تنميق كلّ ثناء ، ونسج
كلّ مدح ، وإن هذه الكلم الفارطة تريك موقف الرجل في الذبّ عن الحقّ ، ومحاربة
الباطل ، وإن صارم مقوله في الدفاع عن الإمامة أمضى من مائة ألف سيف ، كما يقول
الرشيد ، وهل هو إلاّ الرجل الفرد الذي فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذاهب
بالنظر ، وقد أسرع إليه الموت من جرّاء تلك المناظرات في الإمامة ، وذلك حين علم
بمكانه الرشيد وخافه على نفسه ، فهرب الى الكوفة فزع القلب ، فمات بهذا الفزع ،
وقيل إن موته كان عام ١٧٩.
وجاءت فيه بعض
المطاعن ، ومثله بتلك المنزلة في الذبّ عن أهل البيت ذلك الذبّ الذي ما زال أثره
حيّا حتّى اليوم ، كيف لا يحتال حسّاده وأعداؤه في إنقاصه ، وهدم ما بناه ، على
أنه قد يطعن فيه الإمام نفسه ليدفع بذلك عنه السوء.
هشام بن سالم :
هشام بن سالم
الجواليقي الجعفي العلاّف ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن
8 ، وكان من المجلين في الكلام ، الذين أشرقوا أعداءهم
بالريق ، وألزموهم الحجّة ، وأوضحوا للناس المحجّة ، وكان ممّن سمحوا له بالمناظرة
والكلام ، ولو كان يخشى من عثاره ، ويخاف من سقوطه ، ما سمحوا له بتلك المخاصمات
في يوم فيه العلم قد حلّق بأعلى الجو ، والسلطة عدوّة أهل البيت ونصيرة مخاصميهم
في الإمامة ، بل وفي كلّ فنّ وعلم.
وما كان متخصّصا
بالكلام فحسب ، بل كان من أجلّة الفقهاء الكرام وجاءت فيه مدائح دلّتنا على علوّ
مقامه ، ورفيع قدره.
وجاءت فيه مطاعن
كما جاءت في غيره من أجلّة أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات ، والجواب عنها عامّة
مفهوم ، كما أنهم يذكرون الجواب عن كلّ طعن طعن ، وكيف يصحّ في أمثال هؤلاء
الأعاظم قدح ، وهل قام دين الحق ، وظهر أمر أهل البيت إلاّ بصوارم حججهم ، وقواطع
براهينهم ، فهم من المجاهدين في الله الذين لا تنهض لمواضي ألسنتهم وأدلّتهم
الجيوش والعساكر ، والسلطان والإرهاب.
يونس بن يعقوب :
يونس بن يعقوب
البجلي الدهني الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم 8 ، ومات في عهد الرضا 7 بالمدينة ، فبعث إليه بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه ،
وأمر مواليه وموالي أبيه وجدّه أن يحضروا جنازته ، وأمر بدفنه بالبقيع ، وأيّ
كرامة أعظم من هذه.
وكان من أعلام
الفقهاء ورؤسائهم الذين يؤخذ عنهم الحلال والحرام وكان وكيلا لأبي الحسن موسى 7 وذا حظوة عند الأئمة
: ، ووردت فيه عنهم عدّة أحاديث تدلّ على جليل منزلته عندهم ، وكبير عنايتهم
به ، مثل قول
الكاظم 7 « فنحن لك حافظون » وقول الصادق أو الكاظم 8 « إنما أنت منّا أهل البيت ، فجعلك الله مع رسوله وأهل
بيته ، والله فاعل ذلك إن شاء الله » الى ما سوى هذه ، فبهذا ومثله تتجلى حاله من
الجلالة وعظم المقام ، فضلا عن الوثاقة في الرواية.
وبهذا نختم الكلام
عن المشاهير من ثقات الرواة لأبي عبد الله 7 ، الذين أخذوا عنه معالم الدين ومكارم الأخلاق وسائر
العلوم ، ومن ذلك تعرف قدر الرواة والرواية عنه ، ومبلغ العلوم والفنون المرويّة
عنه ، والمأخوذة منه.
* * *
مواليه
كان لأبي عبد الله
7 موال كثيرة ، ولكن الذي جاء في ترجمة معتب الآتي ذكره أنهم عشرة وقال 7 « وفيهم خائن
فاحذروه وهو صغير » ولم يضبط أنه بالفاء ، أو بالعين المهملة فيكون اسما ، أو
بالغين المعجمة فيكون وصفا ، على أنه يحتمل أن يكون اسما أيضا ، وعلى أيّ حال فإن
الذي وجدته منهم يتجاوز العشرة ، ولعلّهم كانوا عشرة في وقت من الأوقات ، ونحن
نستطرد ذكر من عثرنا عليه منهم :
١ ـ المعلّى بن خنيس :
كان المعلّى بن
خنيس من موالي أبي عبد الله 7 الذين يعتمد عليهم في تدبير شئونه ، ومن الثقات الذين قد
يفضي إليهم بسرّه ، وكان من مشاهير الثقات من رواته ، كما ذكرناه فيهم.
٢ ـ معتب
ومنهم معتب ، وقد عدّه الرجاليّون في
أصحاب الصادق والكاظم
__________________
8 ، وعن الصادق أن مواليه عشرة ، وأن خيرهم وأفضلهم معتب
وقال : وفيهم خائن فاحذروه ، وهو صغير ، وفي آخر قال 7 : مواليّ عشرة خيرهم معتب ، وما يظن معتب إلاّ أني أحقّ
الناس.
وروى عنه من
مشاهير الثقات وأعيانهم أمثال يونس بن يعقوب والمعلّى بن خنيس ، وإسحاق بن عمّار ،
وغيرهم ، ومن هذا ومثله تعرف أنه من أهل المعرفة والفضيلة ، والوثاقة في الحديث ،
وقد وثّقه العلاّمة في الخلاصة من دون ريب وتوقّف.
٣ ـ مسلم :
ومنهم مسلم ، وعن
أبي الحسن 7 أن مسلما سندي ، وأن الصادق جعفر 7 قال له « أرجو أن تكون وفّقت الاسم » وعنه 7 « إن مسلما علّم
القرآن في النوم وأصبح قد علمه » ، وروى عن الرضا 7 مثله ، وبعض الأحاديث تدلّ على موالاته للإمام بل ومن أهل
سرّه.
٤ ـ مصادف :
ومنهم مصادف ،
وعدّه أرباب الرجال في أصحاب الصادق والكاظم 8 ، وروى عنه من أعلام الثقات أمثال الحسن بن محبوب ، وعلي
بن رئاب وغيرهما ، وهذا شاهد على وثاقته وعرفانه بالحديث ومقام الإمامة.
وهو الذي أرسله
الصادق 7 الى مصر ببضاعة قدرها ألف دينار ، وعاد وربحها ألف دينار ، فاستكثر الصادق
الربح ، فأعلمه مصادف أن المتاع الذي معهم ليس منه شيء في مصر ، فحلفوا ألاّ
يبيعوه إلاّ بربح دينار دينارا ،
فأنكر الصادق 7 هذا الحلف وهذا
الربح وعدّه حراما ، فأخذ الأصل وترك الربح ، وقال له : يا مصادف مجالدة السيوف
أهون من طلب الحلال ، وقد ذكرنا هذا في عطفه « ١ : ٢٣٣ ».
وهو الذي كان مع
الإمام 7 ومرازم معهما لمّا استدعاه المنصور الى الحيرة ، ولمّا سمح له المنصور
بالرجوع الى المدينة خرج ليلا فمنعه عاشر هناك عن الذهاب فحاول مصادف ومرازم أن
يقتلاه فأبى عليهما الإمام ، وما زال الإمام بالعاشر حتّى اقتنع فخلا عن السبيل ،
وقد مضى اكثر الليل فقال الصادق : يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه ، وقد ذكرنا
ذلك في حلمه « ١ : ٢٣٢ » وفي مرازم من هذا الجزء.
٥ ـ سعيد الرومي :
ومنهم سعيد الرومي
، وعدّه الشيخ طاب ثراه في رجاله من أصحاب الصادق 7 ، وروى عنه ابن مسكان وأبان وحمّاد وهؤلاء ممّن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، كما سبق في تراجمهم ، وهذا
دليل واضح على وثاقته في الرواية ، واعتماد هؤلاء الأعيان الثقات عليه ، وعلى
معرفته بالحديث والأحكام ، وأخذه عن الإمام.
٦ ـ صباح :
ومنهم صباح ،
والظاهر أنه بتخفيف الباء الموحدة ، وكان عداده في أصحاب الصادق 7 ، وهذا يدلّ أن
له رواية عنه ، وحظّا للأخذ منه ، ودلالة على المعرفة بالإمام وكفى بها توفيقا
وسعادة ، زيادة على السعادة بخدمه
الإمام 7 ، والقيام
بحوائجه.
٧ ـ طاهر :
ومنهم طاهر ، ولم
يذكر في ترجمته غير أنه من أصحاب الصادق 7 ، وهذا كما ذكرناه في صباح كاشف عن أخذه عن سيّده وروايته
عنه وهو سعادة وحظوة ، ودلالة على المعرفة.
والظاهر أن طاهرا
الذي روى عتاب الصادق 7 لابنه عبد الله الأفطح وتوبيخه على ما لا يرضاه الإمام من
فعله ، هو طاهر هذا مولى الصادق 7.
٨ ـ عباس بن زيد :
ومنهم عباس بن زيد
وهو مدني ، وعداده في أصحاب الصادق 7 ، وأن له أحاديث ، ولم يذكر فيه اكثر من هذا.
وإن خدمة الإمام
حظوة كبرى ، والنظر الى وجهه الكريم كلّ حين من أسعد الطوالع ، والأخذ عنه
والانتهال من نميره من أفضل الباقيات الصالحات ، لو كان يفعله المرء عن بصيرة
ومعرفة وقصد وإرادة ، منتبها الى هذه الكرامة العظمى ، شاكرا الله على بلوغ هذه
النعمة السابغة.
٩ ـ الفضيل :
ومنهم الفضيل ،
وعداده أيضا في أصحاب الصادق ، وقد وقع في طريق الصدوق في باب نوادر الوصايا ، ولم
يذكر بشيء اكثر من هذا.
١٠ ـ المغيرة
ومنهم المغيرة ،
وعدّوه في أصحابه 7 وأن له رواية وهذا كلّ ما يذكر فيه.
١١ ـ موسى
ومنهم موسى ،
وعداده في أصحابه 7 ، وهذا كلّ ما يذكر فيه ، وهذا كما عرفت حظّ سعيد ، وتوفيق
رفيع يسوقه وليّ التوفيق جلّ شأنه.
١٢ ـ نصر بن ساعد
ومنهم نصر بن ساعد
، وقد ذكروا فيه أن له رواية عن أبي عبد الله 7 وهو كسوابقه ممّن حظي بالكرامة والتوفيق.
١٣ ـ سالمة
ومنهم سالمة ، وقد
عدّها الشيخ طاب ثراه في رجاله من أصحاب الصادق 7 ، وهي التي روت أنها كانت عند أبي عبد الله 7 حين حضرته الوفاة
وقد اغمي عليه ، ولمّا أفاق قال « اعطوا الحسن الأفطس سبعين دينارا ، واعطوا فلانا
كذا ، وفلانا كذا » فقلت : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك ، قال : أتريدين
ألاّ اكون من الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم : « والذين يصلون ما أمر الله به أن
يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب » وقد سبق ذلك في هباته السرّية « ١ : ٢٢٩ » وفي حاله
__________________
عند الموت من هذا
الجزء ص ١٠٤.
ومن هذه الرواية
يستفاد أن سالمة كانت مقرّبة لدى الإمام 7 يصغي لكلامها ، ويجيب عنه من دون زجر وردع بل بالتعليم
والوعظ.
هذا آخر ما توفّقت
له من التحبير عن شخصية الإمام الصادق 7 ، راجيا منه جلّ شأنه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن
يعفو عمّا زلّ به القلم ، ويسمح لي ما خالط قصدي فيه ما لا يرتضيه.
كما أرجو من سيّدي
أبي عبد الله 7 أن يغمرني بألطاف قبوله لهذه الهديّة المزجاة التي أرفعها
لمقامه الكريم ، فإن الهدايا على مقدار مهديها.
وله الحمد كما بدأ
يعود ، والصلاة والسلام على خيرته من العباد ، محمّد المصطفى ، وعترته الأطايب
الأمجاد.
* * *
الى
القارئ الكريم
لعلّك تجد ـ كما
أجد ـ هذه الصحائف غير كافلة بالابانة عن تلك الشخصيّة الفذّة الكريمة ـ الإمام
الصادق ـ ولا بدع فإن المرتقى ليس بسهل فالقصور عذري الذي سجّلته واسجله على نفسي أبدا
، ولا أدفع التقصير.
وأرجو أن تتحفني ـ
بعد أن تجيل الطرف فيها ـ بما يحضرك من ملاحظات ، فإن أحبّ اخواني من أهدى إليّ
عيوبي ، لنتدارك ذلك في طبعة اخرى.
محمّد الحسين
المظفّر
فهرس الجزء الثاني
المختار من كلامه................................................................ ٣
١ ـ خطبه.................................................................. ٣
٢ ـ عظاته................................................................ ١٠
في المعرفة................................................................ ١٠
في الخوف والرجاء........................................................ ١١
في الورع والتقوى........................................................ ١٥
في الزهد................................................................. ١٦
في الدنيا................................................................. ١٩
في الرياء................................................................. ٢٤
في الظلم................................................................. ٢٦
في المؤمن................................................................. ٢٩
عظاته
في امور شتّى....................................................... ٣٢
٣ ـ وصاياه............................................................... ٣٦
وصيّته
لابنه الكاظم....................................................... ٣٦
وصيّته
لأصحابه.......................................................... ٣٧
وصيّته
لعبد الله بن جندب................................................. ٣٩
وصيّته
لعبد الله النجاشي................................................... ٤٢
من
وصاياه لشيعته........................................................ ٤٨
وصيّته
لمؤمن الطاق........................................................ ٤٩
وصيّته
لحمران بن أعين.................................................... ٤٩
وصيّته
للمفضّل بن عمر................................................... ٥٠
وصيّته
لجميل بن درّاج.................................................... ٥٠
وصيّته
للمعلّى بن خنيس................................................... ٥١
وصيّته
لسفيان الثوري..................................................... ٥١
وصيّته
لعنوان البصري..................................................... ٥٣
من
ثمين وصاياه........................................................... ٥٥
العشرة.................................................................. ٦٠
الاستباق
الى الخيرات...................................................... ٦١
التفقّه
في الدين........................................................... ٦٢
النعم
وشكرها............................................................ ٦٢
حسن
الصحبة............................................................ ٦٣
الصحبة
في السفر......................................................... ٦٤
حسن
الجوار............................................................. ٦٥
قبول
النصح.............................................................. ٦٦
المشاورة................................................................. ٦٧
الإكثار
من الاخوان....................................................... ٦٨
الإغضاء
عن الاخوان...................................................... ٦٩
حقوق
الاخوان........................................................... ٧٠
مواساة
الاخوان........................................................... ٧١
البرّ
بالإخوان............................................................. ٧٢
صدق
الحديث وأداء الأمانة................................................ ٧٢
٤ ـ حكمه............................................................... ٧٤
ولادته ووفاته............................................................... ١٠١
ولادته................................................................. ١٠١
وفاته.................................................................. ١٠١
عند
الموت.............................................................. ١٠٢
بعد
الموت.............................................................. ١٠٣
كناه
وألقابه............................................................ ١٠٥
صفته.................................................................. ١٠٥
زيارته................................................................. ١٠٦
أولاده...................................................................... ١٠٨
إسماعيل................................................................ ١٠٨
عبد
الله الأفطح......................................................... ١١٣
إسحاق................................................................ ١١٦
محمّد.................................................................. ١١٨
علي................................................................... ١٢١
العبّاس................................................................. ١٢٤
الإمام
الكاظم 7...................................................... ١٢٤
رواته....................................................................... ١٢٥
أعلام
السنّة............................................................ ١٢٥
أبو
حنيفة.............................................................. ١٢٦
مالك
بن أنس.......................................................... ١٢٦
سفيان
الثوري.......................................................... ١٢٧
سفيان
بن عيينة......................................................... ١٢٧
يحيى
الأنصاري.......................................................... ١٢٨
ابن
جريح.............................................................. ١٢٨
القطّان................................................................. ١٢٨
محمّد
بن إسحاق........................................................ ١٢٩
شعبة
بن الحجّاج........................................................ ١٢٩
أيوب
السجستاني....................................................... ١٣٠
مشاهير الثقات من رواته من الشيعة.......................................... ١٣١
أبان
بن تغلب........................................................... ١٣١
أبان
بن عثمان.......................................................... ١٣٢
إسحاق
الصيرفي........................................................ ١٣٣
السكوني............................................................... ١٣٣
إسماعيل
الصيرفي........................................................ ١٣٣
بريد
العجلي............................................................ ١٣٤
بكير
بن أعين........................................................... ١٣٤
أبو
حمزة الثمالي......................................................... ١٣٥
جابر
الجعفي............................................................ ١٣٦
جميل
بن درّاج.......................................................... ١٣٧
الحارث
بن المغيرة النصري................................................ ١٣٧
حريز.................................................................. ١٣٨
حفص
بن سالم......................................................... ١٣٨
حفص
القاضي.......................................................... ١٣٩
حمّاد
بن عثمان......................................................... ١٣٩
حمّاد
بن عيسى......................................................... ١٤٠
حمران
بن أعين......................................................... ١٤٠
حمزة
بن الطيّار.......................................................... ١٤١
داود
بن فرقد........................................................... ١٤٣
داود
الرقي............................................................. ١٤٣
زرارة.................................................................. ١٤٤
زيد
الشحّام............................................................ ١٤٦
زيد
الشهيد............................................................. ١٤٧
سدير
الصيرفي.......................................................... ١٤٧
الأعمش............................................................... ١٤٨
سماعة.................................................................. ١٤٩
صفوان
الجمّال.......................................................... ١٤٩
عبد
الرحمن بن الحجّاج.................................................. ١٥٠
عبد
السلام بن سالم..................................................... ١٥٠
عبد
الله بن أبي يعفور.................................................... ١٥١
عبد
الله بن بكير........................................................ ١٥٢
عبد
الله بن سنان........................................................ ١٥٢
عبد
الله بن شريك....................................................... ١٥٣
عبد
الله بن مسكان...................................................... ١٥٣
عبد
الله بن النجاشي..................................................... ١٥٤
عبد
الله الكاهلي........................................................ ١٥٤
عبد
الملك بن أعين...................................................... ١٥٥
عبيد
بن زرارة.......................................................... ١٥٥
عبيد
الله الحلبي.......................................................... ١٥٥
العلاء
بن رزين......................................................... ١٥٦
علي
بن يقطين.......................................................... ١٥٦
عمّار
الدهني............................................................ ١٥٨
عمّار
الساباطي......................................................... ١٦٠
عمرو
بن أبي المقدام..................................................... ١٦٠
ابن
أبي نصر السكوني................................................... ١٦١
عمر
بن اذينة........................................................... ١٦١
عمر
بن حنظلة.......................................................... ١٦٢
عمر
بن علي بن الحسين 8........................................... ١٦٢
الفضيل
بن يسار........................................................ ١٦٣
أبو
بصير............................................................... ١٦٣
مؤمن
الطاق............................................................ ١٦٤
محمّد
بن مسلم.......................................................... ١٦٥
مرازم.................................................................. ١٦٦
مسمع
كردين.......................................................... ١٦٧
معاوية
بن عمّار......................................................... ١٦٧
معروف
بن خربوذ...................................................... ١٦٨
المعلّى
بن خنيس......................................................... ١٦٨
المفضّل
بن عمر......................................................... ١٦٩
ميسر
بن عبد العزيز..................................................... ١٧٠
هشام
بن الحكم......................................................... ١٧٠
هشام
بن سالم.......................................................... ١٧١
يونس
بن يعقوب........................................................ ١٧٢
مواليه...................................................................... ١٧٤
المعلّى
بن خنيس......................................................... ١٧٤
معتب.................................................................. ١٧٤
مسلم.................................................................. ١٧٥
مصادف............................................................... ١٧٥
سعيد
الرومي........................................................... ١٧٦
صباح.................................................................. ١٧٦
طاهر.................................................................. ١٧٧
عباس
بن زيد........................................................... ١٧٧
الفضيل................................................................ ١٧٧
المغيرة.................................................................. ١٧٨
موسى................................................................. ١٧٨
نصر
بن ساعد.......................................................... ١٧٨
سالمة................................................................... ١٧٨
الفهرس..................................................................... ١٨١
|