

الباب الأوّل :
في الوضوء
والبحث
عن أسبابه ، وأقسامه ، وواجباته ، وآدابه ، وأحكامه يقع في فصول خمسة :
الفصل
الأوّل :
في أسبابه
وهي ستة :
الأوّل
والثاني والثالث : البول والغائط والريح من الموضع الطبيعي المعتاد خروجه منه لعامة الناس وإن
لم يعتد لشخص. والنقض بها إجماعي ، ونقل الإجماع عليه مستفيض ، والمستفيضة
عليه دالّة :
ففي صحيحة زرارة :
ما ينقض الوضوء؟ فقالا : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والذكر ، غائط أو
بول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل ، وكل النوم يكره إلاّ أن تكون تسمع الصوت
» .
والأخرى : « لا
يوجب الوضوء إلاّ غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها »
ورواية زكريا : «
إنّما ينقض الوضوء ثلاث : البول والغائط والريح » .
وصحيحة أبي الفضل
: « ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله عليك بهما » .
__________________
وصحيحة زرارة : «
لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم » إلى غير ذلك.
وتقييد الريح
الناقض ( في الثانية ) بأحد الوصفين
محمول على صورة حصول الشك بدونهما ، وفائدته بيان لزوم تيقّن الخروج وعدم كفاية
الشك بل الظن.
وأمّا مع التيقن
فلا ريب في ناقضيته مطلقا ، للإجماع ، والمروي في مسائل علي : عن رجل في صلاته ،
فيعلم أنّ ريحا قد خرجت ولا يجد ريحها ولا يسمع صوتها ، قال : يعيد الوضوء والصلاة
ولا يعتدّ بشيء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا » .
والرضوي : « وإن
استيقنت أنّها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع ، وشممت ريحها أو لم
تشم » .
وضعفهما منجبر
بالإجماع المنقول بل المحقّق ، فبهما وبه يخصص عموم الثانية وينزّل .
واحتمال بعض
المتأخّرين اشتراط الناقضية بأحد الوصفين ـ كما ذكره بعض مشايخنا ، بل نقل الفتوى
به عن بعض علماء زمانه ـ ضعيف جداً. كما
__________________
أنّ ردّ الصحيحة :
بكون دلالتها على عدم النقض ( بدون أحد الوصفين ) بمفهوم الوصف وهو
ليس بحجة ـ كما قاله بعض مشايخنا ـ غريب كذلك.
وفي حكم الطبيعي
غيره إن كان خلقيّاً أو انسدّ الطبيعي ، لظاهر الوفاق ، بل عليه الإجماع في
المنتهى والمدارك .
وفي اعتبار
الاعتياد هنا كنهاية الإحكام ، أو عدمه كظاهر المنتهى احتمالان ،
أظهرهما : الأول.
ومع انتفاء
الأمرين : ففي عدم النقض مطلقا ، كظاهر الشرائع وطائفة من
متأخّري المتأخّرين منهم والدي العلاّمة ، أو النقض كذلك ، كالسرائر والتذكرة ، أو التفصيل
بالاعتياد وعدمه ، كما في المعتبر والقواعد والدروس والذكرى ، بل نسب إلى المشهور ، وبالخروج عن تحت المعدة فينقض ، وفوقها فلا ينقض ، كما
عن المبسوط والخلاف ، أقوال.
والحق هو الأوّل ،
للأصل ، وفقد المانع كما يأتي.
__________________
للثاني : ( عموم )
قوله سبحانه ( إِذا قُمْتُمْ ) و ( أَوْ جاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ ) وعموم الروايتين : الثانية والثالثة ، واحتياج الشغل
اليقيني إلى البراءة اليقينية ، وتنقيح المناط.
ويضعّف الأوّل :
بأنّ المراد القيام من النوم كما في الأخبار ، فهي المخصص لعمومه لو كان.
مضافا إلى تعارضه
مع الأخبار المصرّحة بأنّ يقين الوضوء لا ينقضه إلاّ يقين الحدث ، والناهية عن
الوضوء إلاّ مع يقينه ، والحاصرة للنقض بالخارج عن السبيلين .
والثاني : بعدم
إرادة الحقيقة من المجيء عن الغائط الذي هو المكان المنخفض ، فيمكن أن يكون مجازه
التخلّي للتغوّط المتعارف.
والثالث : بمنع
العموم فيهما سيما في أولهما ، ولو كان فإطلاقه ينصرف إلى الشائع. مع أنّه لا بدّ
فيهما من ارتكاب تجوّز أو تقدير مضاف ، ضرورة عدم كون نفس البول وأخويه ناقضا ،
فيمكن أن يكون البول مثلا مجازا عن فرد خاص هو البول الخارج على نحو خاص حال كونه
كذلك ، أو عن خروجه على نحو خاص.
مضافا إلى معارضته
مع الصحيحتين الأخيرتين بالعموم من وجه فيرجع إلى الأصل.
والرابع : بعدم
القطع بالاشتغال بأزيد من الصلاة مع مثل هذا الوضوء.
والخامس : بمنع
كونه قطعيا ، لعدم العلم بالعلة.
للثالث : صدق الطرفين
اللذين أنعم الله بعد الاعتياد ، وعدم منافاة
__________________
الانصراف إلى
المعتاد له.
والأوّل ممنوع ،
مع أنّ التقييد بالأسفلين ينافي عموم المطلوب.
والثاني مردود :
بأنّ ما ينصرف إليه المطلق هو المعتاد من أفراد المهية لا لشخص واحد.
للرابع على الجزء
الأوّل : بعض ما مرّ مع جوابه.
وعلى الثاني : عدم
صدق الاسم على الخارج من الفوق ، وضعفه ظاهر.
ثمَّ الشائع
المتبادر من الريح ما خرج من الدبر ، فلا ينقض الخارج من القبل مطلقا ، وفاقا
للمنقول عن السرائر والمنتهى والمهذب والبيان .
وعن التذكرة القطع
بنقض الخارج منه من قبل المرأة ، واستقر به في المعتبر والذكرى مع الاعتياد.
ومستندهما ضعيف.
وقد يقال باعتبار
الشيوع في نفس الخروج أيضا لتبادر الخروج المعتاد من المطلقات ، ويفرّع عليه :
أنّه ( لو ) خرجت المقعدة
ملوثة بالغائط ثمَّ عادت ولم ينفصل لم ينقض .
ولا يخفى أنّ بعد
تفريع ذلك على اعتبار الشيوع في الخروج لا وجه للتقييد بالعود وعدم الانفصال ، إذ
الخروج الكذائي غير شائع عادت المقعدة أم. لا ، انفصل الغائط أم لا. مع أنّ ذلك
الاعتبار في نفس الخروج يوجب عدم النقض بالخارج بالإصبع ونحوها ، وبالاحتقان ودوس
البطن وتناول المسهل والدود المتلطخ ونحوها إلاّ بدليل آخر.
والتحقيق ـ كما
بيّنّا في موضعه ـ : أنّ الانصراف إلى المتعارف إنّما هو إذا بلغ
__________________
التعارف بحيث
يتبادر معه إرادة المتعارف ويكون قرينة معينة لإرادته ، وهو هنا ليس كذلك ، ولذا يحكم
بالنقض بالغائط الأسود والأبيض والبول الأحمر ونحوها. فالحقّ : النقض بالمقعدة
المذكورة أيضا.
الرابع : النوم
المعطل للسمع والعقل ولو تقديرا مطلقا ، بالإجماع المحقّق والمحكي في الخلاف
والتهذيب والمعتبر وغيرها ، وعن الانتصار والناصريات ، وجعله في
الخصال من دين الإمامية .
وخلاف ابني بابويه
في مطلقه كأحدهما في غير حالة الانفراج لم يثبت ،
وكلامهما لو دلّ عليه بظاهره ، يجب فيه التأويل : بأنّ المراد عدم ناقضيته في نفسه
، بل لكونه مظنة الريح غالبا ، فلذلك ينقض ولو عدم خروج الريح لما في الخصال ، مع
أنّه لو ثبت ، ففي الإجماع لا يقدح ، فهو الحجة.
مضافا إلى
المستفيضة كصحيحتي زرارة المتقدمتين ، والأخرى : « يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب
والاذن ، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء » قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء
ولم يعلم به؟ قال : « لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ،
وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ، ولكن ينقضه بيقين
آخر » .
__________________
وصحيحة ابن الحجاج
: « من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء » .
وصحيحة عبد الحميد
: « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء » .
وصحيحة ابن
المغيرة : عن الرجل ينام على دابته ، فقال : « إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء
» .
وصحيحة ابن خلاّد
: عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع ، والوضوء يشتد عليه ، وهو قاعد مستند
بالوسائد ، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال ، قال : « يتوضأ » قلت : إنّ الوضوء
يشتد عليه ، قال : « إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء » .
وموثقة ابن بكير :
قلت : ينقض النوم الوضوء؟ فقال : « نعم إذا غلب على السمع ولا يسمع الصوت » .
ورواية سعد : «
أذنان وعينان ، تنام العينان ولا تنام الأذنان وذلك لا ينقض الوضوء ، فإذا نامت
العينان والأذنان انتقض الوضوء » إلى غير ذلك.
وإطلاق بعضها
بالنسبة إلى غير الغالب على السمع والعقل مقيد بالمقيدات ،
__________________
مع أنّه سنة لا
نوم. وتعطيل السمع والعقل متلازمان كما يومئ إليه صحيحتا زرارة أيضا ، فالاكتفاء
بأحدهما في بعضها غير ضائر.
وبتلك الأخبار
يخصّص ما دلّ على انتفاء الناقض غير ما يخرج عن السبيلين مطلقا ، فالحصر فيه إضافي
بالنسبة إلى ما يخرج.
وبعض الظواهر
النافي للنقض في بعض الحالات ، كموثّقة سماعة : عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة
قائما أو راكعا ، قال : « ليس عليه وضوء » .
ورواية عمران : «
من نام وهو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه » .
ومرسلة الفقيه : «
عن الرجل يرقد وهو قاعد ، عليه الوضوء؟ فقال : لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم
ينفرج » .
ورواية الحضرمي :
« إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء » .
لا يضر ، لضعفها
بالشذوذ ، ومخالفتها للشهرة بل الإجماع.
مع أنّ المذكور في
الأولى الخفق وهو النعاس أي ابتداء النوم ، وفي الثانية عدم التعمد ، ويمكن أن
يكون بالغين المعجمة فيراد به ما لم يعطل العقل.
ولو قطع النظر عن
ذلك كله يتعارض مع بعض ما مر ، والترجيح لنا ، لموافقة أخبارنا الكتاب ومخالفتها
العامة .
وأمّا الصحيح : في
الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال : « إن
__________________
كان يوم الجمعة
وهو في المسجد فلا وضوء عليه ، وذلك بأنّه في حال الضرورة » .
فمحمول إمّا على
عدم إمكان الخروج من المسجد فيتيمّم حينئذ ـ كما يأتي في بابه ـ أو على التقية
، لعدم الضرورة في غيرهما. ولو منع الحملان فيكون متروك الظاهر عند الأصحاب كلا ،
فلا حجية فيه.
ثمَّ النوم ناقض
بنفسه ، لظاهر الأخبار المتقدمة ، وصريح حسنة الأشعري : « لا ينقض الوضوء إلاّ حدث
، والنوم حدث » .
لا لكونه مظنة
الريح كما يظهر من بعض الروايات ، لضعفه وموافقته العامة ، وتصريح صحيحة زرارة المتقدمة بعدم النقض
باحتمال طروّ الناقض ظنا أو شكا. مع أن التعليل بكونه مظنته غالبا لا ينافي النقض
به مطلقا ، فإنّ أمثال هذه التعليلات في الشرع كثيرة ، فإنّ هذه العلّة صارت علة
للكلية كما في الخمر.
وأمّا رواية
الكناني : عن الرجل يخفق في الصلاة ، قال : « إن كان لا يحفظ حدثا منه ـ إن كان ـ فعليه
الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة » فلا ينافي ما
ذكرنا ، لأنّ المراد أنّه إن غلب على العقل ، فعليه الوضوء وإلاّ فلا ، لأنّ عدم
حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل ، كما أنّ استيقان عدمه لا يكون إلاّ مع
بقاء العقل.
__________________
الخامس : كل مزيل للعقل من جنون أو سكر أو إغماء ، بالإجماع
المحقق والمحكي في التهذيب والخصال والمعتمد وغيرها ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه مخالفا .
ويؤيد بعض المطلوب
: رواية الدعائم : « إنّ المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم
يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه » .
والاستدلال بصحيحة
ابن خلاّد من جهة الإغفاء ، أو عموم : « إذا خفي عليه الصوت » ، أو
تعليق نقض النوم بذهاب العقل من باب التنبيه أو الأولوية ، أو بالنقض بالنوم من
باب تنقيح المناط ، ضعيف.
السادس : بعض
أفراد الاستحاضة كما يأتي في محله. وأمّا الحدث الأكبر فهو وإن كان ناقضا للوضوء
إلاّ أنّه ليس من أسبابه.
فرع : الشك في
تحقق الناقض لا عبرة به ، وكذا الظن ، لأنّ اليقين بالطهارة لا ينقض إلاّ بيقين
مثله كما صرّح به في الأخبار .
ولصحيحة ابن عمار وخبر البصري في الريح ، وإحدى
صحاح زرارة
__________________
في النوم .
والشك في سماع
الصوت كالشك في النوم.
ولا اعتبار
بالرؤيا ، لإمكان تحققه مع عدم بطلان العقل والسمع إذا قوي الخيال.
تذنيب : ليس للوضوء غير ما ذكر سبب موجب على الأظهر الأشهر رواية
وفتوى ، وإن اختلفت الأخبار بل الأقوال في أشياء.
منها : المذي. خالف فيه الإسكافي ، فقال بنقضه للوضوء إن خرج
بشهوة .
ويشعر كلام
التهذيب بالنقض مع الكثرة ، وذهب العامة إلى النقض به مطلقا .
لنا ـ بعد الأصل والإجماع المحقق والمحكي في التذكرة وغيرها ـ المستفيضة المتواترة معنى من الصحاح وغيرها المصرّحة بعدم
النقض بالمذي مطلقا ، كالصحاح الثلاث للشحّام وابن بزيع وابن سنان ، وحسنة بريد
__________________
ابن معاوية ، وموثقة ابن
عمّار . أو ولو مع السيلان ، كصحيحة الفضلاء . أو ولو بلغ عقبيك ، أو الفخذ كحسنتي زرارة ومحمّد . أو مع الشهوة
كمرسلتي ابن أبي عمير وابن رباط ، وفي الأخيرة : « يخرج من الإحليل المني والودي
والوذي » إلى أن قال : « وأمّا المذي فهو الذي يخرج من الشهوة ولا شيء فيه » وغير ذلك ، وفي
كثير منها أنّه بمنزلة النخامة.
والمصرّح به في
كلام جماعة من الفقهاء ، وطائفة من أهل اللغة ـ كصاحبي الصحاح والقاموس وابن
الأثير والهروي ـ أنّ المذي هو الخارج عقيب الشهوة ، وتدل عليه مرسلة ابن
رباط. فتوصيفه في مرسلة ابن أبي عمير بقوله : « من الشهوة » للتوضيح. والاستعمال
في الأعم في بعض الأخبار تجوّز.
ويكون ما يتمسك به
للإسكافي ـ كصحيحة ابن يقطين : عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : « إن كان بشهوة نقض »
وبمضمونها روايتا أبي بصير
__________________
والكاهلي ، وصحيحة يعقوب :
عن الرجل يمذي في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، فقال : « المذي منه الوضوء » وغير ذلك ـ معارضا
لما تقدّم بالتساوي ، ومطابقا لمذهب العامة ، ولأجله يرجّح ما تقدّم ، بل ولولاه
أيضا ، لموافقته للأصل.
مع أنّ هذه
الأخبار ليست بحجة ، لمخالفتها للشهرة القديمة والجديدة ، ولعمل راويها ، وبعضها
كالأخيرة على الوجوب غير دالّة.
وبهذا يجاب لو
عمّم المذي لغة حتى يكون من تعارض المطلق والمقيد ، مضافا إلى تساويها مع
المرسلتين فتقدّمان ، لما مرّ.
وضعفهما سندا
عندنا غير ضائر ، ولو كان ، فالعمل لهما جابر ، مع أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، ومراسيله كالمسانيد.
ومنها : تقبيل
المرأة بشهوة ، ومسّ الفرجين من الغير كذلك ، ومسّ باطنهما مطلقا.
خالف فيها
الإسكافي ، وفي الأخير الصدوق أيضا مع ضم فتح الإحليل ، لرواية أبي بصير وموثقة عمّار .
__________________
وهما ـ مع عدم
دلالة أولاهما على الأزيد من الاستحباب ، ومعارضتهما مع مرسلة ابن أبي عمير والصحاح الخمس
للحلبي وزرارة ومعاوية ورواية عبد الرحمن ـ لا تصلحان للحجية ، لمخالفتهما لعمل معظم الطائفة بل
إجماع الفرقة على التحقيق.
ومنها : القهقهة
في الصلاة متعمدا للنظر إلى المضحك أو سماعه ، والحقنة ، والدم الخارج من السبيلين
المشكوك في مصاحبة الناقض له.
خالف فيها
الإسكافي أيضا ، لمضمرتي ابن أبي عمير وسماعة في الأوّل.
وجوابه ما مر من
الشذوذ المخرج عن الحجية ، مع معارضتهما لحسنة زرارة ، مضافا إلى ضعف
الأولى من جهة الدلالة.
__________________
ولم أعثر له في
الباقيين على حجة ، بل الأخبار على عدم النقض بالثاني مصرّحة .
ومنها : الحيض
فيظهر من بعضهم كونه ناقضا للوضوء .
وتظهر الفائدة في
ما إذا كانت متوضّئة وحاضت وأرادت الاشتغال بما يشترط فيه الوضوء وجوبا ولا يمنعه
الحيض ، كالنوم ، وفي النفساء حيث إنّ لا أقل للنفاس.
والظاهر عدم كونه
بنفسه ناقضا له ، للأصل وعدم الدليل.
ومثل قوله : « كل
غسل فيه وضوء » لا يثبت ناقضية الحيض ، لأنّه مع عدم إفادته الوجوب ـ كما
يأتي ـ لا يدل إلاّ على مطلوبية تقدم الوضوء على الغسل ، وهو لا يدل على مطلوبية
وضوء آخر غير ما تقدم على سبب الغسل إلاّ بعد ثبوت انتقاضه.
ومنها : مس الميت.
والحقّ : عدم
الانتقاض به أيضا ، كما يأتي في بحث غسل المس.
ثمَّ إنا قد ذكرنا
أنّ هذه الأمور ليست أسبابا موجبة للوضوء ، وأمّا استحبابه بعروضها فالظاهر ثبوته
في الجميع ، غير الحقنة والدم الخارج من السبيلين ، لما مرّ.
ويستحب أيضا
للرعاف ، والقيء ، والتخليل السائل منه الدم إذا استكره شيء منها ، لصحيحة
الحذّاء في الجميع ، والوشاء أيضا في الأوّل.
__________________
وخروج البلل بعد
الاستبراء ، لمكاتبة محمّد بن عيسى .
وبعد الاستنجاء
بالماء من الغائط والبول للمتوضّئ قبله ولو كان قد استجمر ، لموثّقتي عمّار وسماعة .
والظلم ، والكذب ،
والزائد من الأربعة من باطل الشعر ، لموثقة سماعة .
والغيبة ، لرواية
الحسين بن زيد ـ الطويلة ـ في جمل المعاصي .
والغضب ، للمروي
في دعوات الراوندي : « إن غضب أحدكم فليتوضأ » .
ولمس الكلب ،
ومصافحة المجوسي ، للخبر فيهما .
وبعد الوضوء
الناقص لعذر بعد رفعه كالتقية والجبيرة ، خروجا من خلاف من أوجبه
__________________
الفصل الثاني :
في أقسامه
وهو على قسمين :
واجب ومندوب.
فهاهنا بحثان.
البحث الأوّل : في الواجب منه.
وهو يجب للصلاة
الواجبة ، بالإجماع بل الضرورة والكتاب والسنة المتواترة معنى.
وكما يجب لها شرعا
يجب شرطا ، فيتوقف صحتها عليه أيضا بالأربعة.
ويكفيك في ذلك :
قول أبي جعفر المروي في الفقيه والتهذيب : « لا صلاة إلاّ بطهور » والروايات
الواردة في وجوب إعادة الصلاة بترك الوضوء ونسيانه أو نسيان جزء منه .
وذلك أيضا دليل
آخر على وجوبه الشرعي ، لوجوب مقدمة الواجب ، كما أنّ الأوّل أيضا دليل على الثاني
باعتبار كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده ، فالأمر بالوضوء حال إرادة الصلاة نهي
عنها موجب لفسادها.
ثمَّ أكثر ما ذكر
دليلا على الوجوبين يعم جميع الصلوات الواجبة يومية كانت أو غيرها ، فوجوبه شرعا
وشرطا له مما لا شك فيه.
وأمّا صلاة
الجنازة فليست صلاة حقيقة ، فلا ينافي العموم عدم وجوبه لها. مع أنه على فرض كونها
صلاة تكون مخصّصة بالأدلة الآتية في موضعه.
والحق بالصلاة
أجزاؤها المنسية ، وسجود السهو . وقيل : سجود
__________________
التلاوة . ويأتي الكلام في
كل منها في محله.
وللطواف الواجب
دون المندوب ، وليس شرطا له ( أيضا ) (١) كما يأتي في بحثه.
ولمسّ خط المصحف ،
ووجب ، لحرمة مسّها بدونه كما يأتي.
ولنذر وشبهه.
ومتعلقه إن تعين من وضوء أو غسل أو تيمم تعين ، وإلاّ كفى المسمّى مع مشروعيته في
الصورتين ، فلا يكفي الوضوء مع غسل الجنابة ، أو غسل الجمعة يوم الأربعاء ، أو
التيمم مع الماء ، لعدم كونه طهارة ، بل عدم ثبوت مشروعيته ، فلو نذره بخصوصه لم
ينعقد.
ثمَّ لو نذره في
وقت معيّن قيل : فإن صادف أحد أسبابه وجب .
وفيه نظر ، لأنّه
موقوف على صحة النذر ، وهو بإطلاقه ممنوع ، بل إطلاقه يصح إن كان المنذور راجحا
مطلقا ، وإلاّ فلا ، فلا يصح نذر التيمم في وقت معين بالإطلاق.
وإن لم يصادفه ،
فمع تعذّر تحصيله يسقط قطعا ، كنذر غسل الجنابة غدا مع تعذّر تحصيل الجنابة ، أو
نذر التيمم عند النوم مع تعذّر إعدام الماء على القول باشتراط عدمه حينئذ أيضا.
ومع إمكانه ، فإن
كان فعل تلك الطهارة راجحا على ما هي عليه قبل حصول موجبه ، يجب تحصيل الموجب ما
لم يكن محرما ، سواء كان تحصيل الموجب أيضا راجحا في نفسه كالجنابة لغسله ، أو لا
كالحدث للوضوء الرافع على القول بكونه أفضل من التجديدي.
وإن لم يكن راجحا
على ما هو عليه ، لم يجب ، لأنّ النذر إن شمل مثل تلك
__________________
الحال أيضا ، لم
ينعقد ، لعدم الرجحان ، كالتيمم مع إهراق الماء لمن يجده ، فإنّ التيمم حينئذ ليس
راجحا على الوضوء.
وقال والدي
العلاّمة ـ ; ـ بعدم وجوب تحصيل الموجب مطلقا. وهو غير جيد.
قيل : ويجب الوضوء
أيضا للتحمل عن الغير .
فإن أريد ما يجب
لأجل تحمل الصلاة ، فهو داخل في الوجوب لها ، وإن أريد غيره كما إذا نذر أحد
الوضوء ومات قبل أن يأتي به ، فلم تثبت مشروعية التحمل فيه ، ولذا لم يذكره
الأكثر.
تذنيب : لا يجب
الوضوء بنفسه على المعروف من مذهب الأصحاب ، كما في المدارك ، وعن التذكرة والمحقق والكركي والعاملي وفي اللوامع
والمعتمد : الإجماع عليه ، بل ظاهر أمالي الصدوق كون وجوبه لغيره خاصة من دين الإمامية .
ويدلّ عليه :
الأصل ، والإجماع الثابت من التتبع ، وممّا يعهد من فقهاء
__________________
الأعصار من عدم
التزامهم رفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة لأنفسهم أو غيرهم ، ومفهوم الشرط في
الآية .
والإيراد عليه :
بأنّه يدل على وجوبه عند إرادتها ، لعدم إمكان إبقاء القيام على حقيقته ، والإرادة
تتحقق قبل الوقت أيضا.
مردود بأنّ غايته وجوبه
قبل الوقت أيضا ، ولا مانع من كون الواجب لغيره واجبا قبل دخول وقت الغير كما يأتي
.
مع أنّ عدم إمكان
إبقاء القيام على حقيقته ممنوع ، فإنّه إنّما هو إذا قال : قمتم في الصلاة ، حتى
تكون حقيقته هو القيام الذي هو جزؤها ، ولكنه قال : إلى الصلاة ، والمتبادر من
القيام إلى الشيء : التوجّه إلى إيجاده ، وظاهر أنّ ذلك لا يكون الاّ وقت تأتّي
ذلك الشيء وإمكان إيجاده.
وبأنّ حجية مفهوم
الشرط إذا لم تظهر له فائدة غيره.
__________________
مردود : بمنع
الاختصاص ، وإنّما هو إذا استدلّ عليها بأنّه لولاها لانتفت فائدة الشرط ، وهو غير
تام ، بل المناط الفهم العرفي.
ويؤيد المطلوب
أيضا : بعض الأخبار الواردة في علل الوضوء ، وأنّه للقيام بين يدي الله سبحانه ، ومفهوم صحيحة
زرارة : « إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور » حيث إنّ الظاهر منه تعلّق الحكم بكلّ من المتعاطفين
بانفراده حتى يكون رفعه برفعه عنهما ، لا على سبيل الاستغراق الأفرادي حتى يكون
المراد مجرد صدق الكلية عند دخول الوقت ، وعدمه المتحقق بانتفاء الوجوب عن الصلاة
وحدها قبله.
مضافا إلى أنّ
إرادة مجرد صدق الكلية يلغي ذكر الطهور لاستقلال الصلاة في الاشتراط ، إلاّ أنّ
ذلك محتمل أيضا.
وقد يستدل أيضا :
بأخبار دالّة على الوجوب الغيري مثبتة له .
وهو غير جيد ،
للوفاق على ثبوت الغيري ، والنزاع إنّما هو في نفي النفسي.
وثبوته معه ، وتلك
الأخبار لا تنفيه ، لعدم المنافاة بين الوجوبين.
نعم ، في بعضها
إشعار إلى نفيه ، كقول الصادق 7 : « أنا أنام على ذلك ـ يعني حدث الجنابة ـ حتى أصبح » مع قوله في خبر
أبي بصير : « الإمام لا يبيت ليلة ولله في عنقه حق » .
خلافا لمجهول نقله
عنه في الذكرى ، والظاهر ـ كما قاله جماعة ويظهر من
__________________
قواعد الشهيد ـ أنّه
العنبري من العامة ، وإن كان ظاهر المدارك وبعض من تأخر عنه
الميل إليه ، لاستفاضة النصوص الدالّة على وجوب الطهارة مطلقا ـ الظاهر في
النفسي ـ بحصول أحد نواقضها.
وفيه : أنّه إن
أريد ظهور الوجوب بنفسه في النفسي فهو ممنوع ، لأنّ الوجوب هو مطلوبية الشيء حتما
، سواء كان مطلوبيته لأجل نفسه أو غيره.
فإن قيل : الغيري
يحتاج إلى ملاحظة مصلحة الغير والأصل عدمها.
قلنا : النفسي
أيضا يحتاج إلى ملاحظة مصلحة في ذلك الشيء.
فإن قيل : الأوّل
يحتاج إلى ملاحظة الغير أيضا.
قلنا : غاية الأمر
أنّه يكون في أحد الطرفين مخالف أصل ، وفي الآخر مخالفين ، ولا ترجيح عندنا حينئذ
، مع أنّ في النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة حيثية نفس ذلك الشيء.
وإن أريد ظهور
إطلاق الوجوب نحو قوله : إذا أحدثت توضّأ ، أو يجب عليك الوضوء ، فهو كذلك لو قلنا
باختصاص الوجوب الغيري لشيء بوقت ذلك الغير وحال وجوب فعله كما هو المشهور إذ
وجوبه الغيري حينئذ يوجب تخصيص ذلك الإطلاق بوقت أو حال هو وقت ذلك الغير ، والأصل
عدمه :
وأمّا لو لم نقل
بذلك ، وقلنا بوجوبه بعد وجوب ذلك الغير وإن لم يدخل وقته ـ كما اختاره الأردبيلي وجماعة ممّن
تأخّر عنه وهو الحق ـ فليس كذلك ، إذ يكون الوضوء بعد الحدث حينئذ
واجبا على المكلّف ، دخل وقت الصلاة أم لا ،
__________________
فلا يرتكب تخصيص
في المطلقات.
والحاصل
: أنّ الواجب واجب
، نفسيا كان أم غيريا ، فلا ينصرف إلى أحدهما إلاّ بدليل ، ولا دليل على الانصراف
إلى النفسي إلاّ تخصيص المطلقات على الغيري خاصة ، ولا تخصيص على ذلك القول.
وأمّا ما قلنا من
أن الحقّ : عدم توقّف وجوب ما يجب لغيره على دخول وقت ذلك الغير ، بل يتوقّف على
وجوبه ، فتوضيحه بعد مقدمة هي : أنّه إذا قال الآمر : صم أول رجب ، تحصل للمأمور
حالة غير ما كانت عليه قبل ذلك الأمر ، وهي صيرورته مكلّفا بصوم أول رجب ، فيصير
صوم أول رجب واجبا عليه وإن لم يدخل بعد وقت فعله ، إذ لا يتوقّف وجوب الشيء على
دخول وقته ، فإنّ الوجوب هو المطلوبية الحتمية ، ويصدق على هذا الشخص أنّه مطلوب
منه صوم أول رجب حتما ، وعلى صوم أول رجب أنّه مطلوب حتما ، بخلاف ما إذا قال :
إذا دخل أول رجب آمرك بصومه ، فإنّه لم يجب بعد.
نظير ذلك : ما
قاله الفقهاء في التوكيل التنجيزي والتعليقي ، فقالوا : يصح أن يقول الموكل : أنت
وكيلي أن تفعل في الشهر الآتي كذا ، بأن يكون الآتي ظرفا للفعل دون التوكيل ، ولا
يصح أن يقول : إذا دخل الشهر الآتي أنت وكيلي ، بأن يكون الشهر ظرفا للتوكيل ،
فإنّ التوكيل في الأوّل تنجيزي وفي الثاني تعليقي.
وبعد ذلك نقول :
إذا وجب شيء لشيء آخر ، فما لم يجب ذلك الآخر لا يجب هذا البتة ، إذ وجوبه تبعي
، وهو فرع وجوب متبوعه ، أي تعلّق الأمر به ، ولكن لا دليل على توقّف وجوبه على
دخول وقته ، بل يرى أنّه لو أتى بذلك الغير قبل وقت ذلك يكفي ويعدّ ممتثلا ، فلو
أمر المستطيع الذي بينه وبين مكة عشرة أيام بالحج ، فذهب إلى مكّة قبل الموسم
بشهرين كفى ولو أمره بوجوب المقدمة صريحا أيضا. ولأنّ الأصل عدم تقييد وجوبه بوجوب
ذلك الغير ، فلو قال : إذا أحدثت يجب عليك الوضوء من جهة الصلاة ، فالأصل عدم
تقييد وجوبه بوقت الصلاة ، وكذا لو قال : يجب عليك ستر العورة لأجلها.
غاية الأمر أنّ
وجوبه موسّع لا يتضيّق إلاّ بحال إرادة الصلاة المتصلة ، ولذا لو توضأ أو ستر
العورة قبل وقتها يمتثل ، فهو واجب موسّع من أول حدوث السبب إلى أوّل زمان التلبس
بذلك الغير ، وهو مخيّر بين جميع أفراده.
فإن قلت : لا عقاب
لو تركه قبل وقت الغير.
قلنا : كذلك بعده
قبل تضيق وقت الغير ، وذلك لأجل أنّ هذا شأن الموسّع.
فإن قلت : قد
سلّمت أنّ وجوب شيء لغيره يتوقف على وجوبه ، وهو قبل الوقت غير معلوم لإمكان عدم
البقاء.
قلنا : العلم
الاستصحابي كاف في ذلك.
وظهر مما ذكرنا
أنّه لا تترتب ثمرة نافعة على ذلك الخلاف ، إذ أنفع ما قالوه جواز نية الوجوب قبل
الوقت ، وعلى ما ذكرنا يجوز مطلقا.
لا يقال : الوجوب
الغيري وإن لم يتوقف على وقت ذلك الغير ، ولكن خصوص الوضوء كذلك ، لقوله : « إذا
دخل الوقت .. » ، لعدم صراحة دلالته على ذلك واحتمال غيره كما مر.
البحث
الثاني :
في الوضوء المستحب.
وهو
على قسمين :
أحدهما : ما يستحب باعتبار السبب ، وهو ما ندبه الشارع للمتطهّر
بحصول سبب موجب له.
وثانيهما : باعتبار الغاية وهو ما ندبه للمكلّف للتوصّل إلى أمر.
أمّا الأوّل :
فأقسامه ما مرّ في بحث أسباب الوضوء ، والكلام ها هنا في الثاني.
ثمَّ ثبوت هذا
القسم من الوضوء المستحب ، إمّا يكون بتصريح الشارع
بمطلوبيته للأمر
الفلاني ، أو يتوقف حصول مندوب أو جوازه عليه ، لأنّ مقدمة المندوب مندوبة ، ولا
فرق في ذلك بين كون ما يتوقف عليه نفس فعل مطلوب ، أو مرتبة من مراتب كماله. وأمّا
مرجوحية فعل مباح بدون الوضوء ، فهي لا تدل على مطلوبية الوضوء لأجل فعل ذلك ، إذ
غايتها توقف ارتفاع كراهة المباح على الطهارة ، ولا دلالة لذلك على مطلوبيتها له
بوجه.
وقد أدرج جماعة
بعض ما من هذا القبيل في أقسام الوضوء المستحب وهو في غير موقعه.
وتظهر الفائدة في
مشروعية ضم تلك الغاية في النية.
وعلى هذا فالأولى
أن نذكر ما كان من هذا القبيل بعنوان آخر ، أو يدرج في أحكام الوضوء كما فعلوه في
الغسل.
وقد ظهر من ذلك
أنّ ها هنا ثلاث عنوانات :
الأوّل
: الوضوء المستحب
باعتبار الأسباب.
والثاني
: المستحب باعتبار
الغايات.
والثالث : الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث.
أمّا
الأوّل : فقد مرّ.
وأمّا
الثاني : فله أقسام كثيرة
باعتبار الغايات ، وهي أمور :
منها
: الصلاة المندوبة
، لاشتراطها به بالإجماع.
وعموم قوله : « لا
صلاة إلاّ بطهور » وقوله : « الصلاة ثلاثة أثلاث ، ثلث طهور .. » وقوله : « ثمانية
لا تقبل منهم صلاة ومنهم تارك الوضوء » وقوله عليه
__________________
السلام : « إن
ذكرت وأنت في صلاتك أنّك تركت شيئا من وضوئك فانصرف » إلى غير ذلك.
وشرط المستحب
مستحب. والاستدلال على الاشتراط بإطلاق ما دل على وجوب إعادة الصلاة على من نسي
الوضوء أو شيئا منه ونحوه غير جيّد ، لعدم الوجوب في النوافل.
ومنها : صلاة الجنازة كما يذكر في محله.
ومنها : الطواف المندوب كما يأتي في موضعه.
ومنها : ما لا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج ، لصحيحة ابن
عمار : « لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلاّ الطواف فإنّ فيه صلاة ،
والوضوء أفضل » .
ومنها : مسّ كتابة المصحف المندوب ، وتلاوته ، وكتابته ، وتعليقه
وحمله ، للشهرة الكافية في إثبات الاستحباب في الجميع.
مضافا في الأوّل
إلى اشتراط جواز مسه به ، وفي الثاني إلى المرويات في قرب الإسناد وعدة الداعي
والخصال :
الأوّل : أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول ، فأقوم وأبول وأستنجي
وأغسل يدي وأعود إلى المصحف ، فأقرأ فيه؟ قال : « لا حتى تتوضأ للصلاة » دلّ على مرجوحية
التلاوة المستحبة بدون الوضوء ، فيتوقف كمالها ـ الذي هو مطلوب ـ على الوضوء فيكون
مطلوبا.
والثاني : « لقارئ القرآن بكل حرف يقرؤه في الصلاة قائما مائة حسنة
،
__________________
وقاعدا خمسون ،
ومتطهرا في غير الصلاة خمس وعشرون حسنة ، وغير متطهر عشر حسنات » دل على توقف بعض
كمال القراءة عليه ، فيستحب.
والثالث : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر
» .
وفي بعض النسخ : «
لا يقرب » مقام : « لا يقرأ » وعليه لا يتم الاستدلال ، واستلزام بعض أفراد
القراءة للقرب لا يستلزم الاستحباب للقراءة.
ثمَّ ظاهر إطلاق
كلام الأصحاب ومقتضى إطلاق باقي الروايات : عدم التفرقة بين التلاوة من المصحف أو
من ظهر القلب ، فيستحب الوضوء لهما.
وفي الثالث إلى
مطلقات ما دل على مرجوحية مس المصحف ـ الصادق على مس الورق اللازم للكتابة الراجحة
بنفسها ـ ( على غير وضوء ).
والاستدلال له
بصحيحة علي : عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن وهو على غير وضوء؟ قال : « لا » غير جيد ، لأنّ
حمل عدم الحلية على الكراهة ليس بأولى من تقييد الكتابة بما كان معها مس الخط.
وفي الرابع إلى
خبر ابن عبد الحميد : « لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمس خطه ، ولا تعلّقه
» .
والاستدلال به
وبالمروي في المنتهى والذكرى : « لا يمس المصحف إلاّ الطاهر » للخامس مخدوش :
بأنّ الحمل غير المس ، وبينهما عموم من وجه ، كالاستدلال برواية الخصال على النسخة
الأخيرة : باختلاف النسخ.
__________________
ومنها : دخول المساجد ، للمروي في مجالس الصدوق : « من أتاها
متطهرا طهّره الله من ذنوبه وكتب من زوّاره » .
وفي مصباح الشريعة
: « إذا قصدت باب المسجد فاعلم أنّك قصدت باب ملك عظيم لا يطأ بساطه إلاّ
المطهّرون » .
ومرسلة الفقيه : «
إنّ بيوتي في الأرض المساجد ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثمَّ زارني » .
وقول أمير
المؤمنين 7 : « من أحسن الطهور ثمَّ مشى إلى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث » .
والإيراد عليها :
بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة في المعنى المراد ممكن ، إلاّ أنّ قوله في
الأخير : « ما لم يحدث » كالقرينة على إرادته ، ولكن الثابت منه استحباب الوضوء
ثمَّ المشي الى المسجد دون الوضوء لدخول المسجد ، وكذا المروي في إعلام الدين
للديلمي : « من توضأ ثمَّ خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته : بسم الله الذي
خلقني فهو يهدين ، هداه الله للإيمان » .
فالاقتصار في
الاستدلال على الاشتهار أولى.
والتمسك باستحباب
صلاة التحية المتوقفة على الوضوء غير جيد ، وقد يضم معه استحباب المبادرة إليها
وكراهة الوضوء في المسجد ، ولا بأس به.
قالوا : ويتأكد
الاستحباب إذا أراد الجلوس ، لمرسلة العلاء : « إذا دخلت المسجد وأنت تريد الجلوس
فلا تدخله إلاّ طاهرا » .
__________________
وفيه ـ مضافا إلى
ما مرّ ـ أنّ دلالتها على التأكيد إنما تتم لو دلّت على اختصاص الاستحباب به حتى يحمل على
مرتبة مؤكدة منه ، ولا تدل عليه إلاّ بمفهوم وصف لا حجية فيه ، ولعله لذلك لم
يذكره جماعة.
وألحق ابن حمزة
بالمسجد كل مكان شريف .
ومنها : الكون على الطهارة ، أي لمجرد كونه غير محدث ذا حالة
يصلح معها ما يشترط به من دون قصد شيء آخر من غاياته ، فيكون الغرض منه هذا الأثر
في نفسه خاصة.
والحاصل أنّ الكون
على الوضوء أمر مستحب ، وهو موقوف على التوضؤ توقف المسبب على السبب ، فيستحب لأجل
ذلك وإن لم يكن له غاية أخرى.
والحجة في استحباب
ذلك الكون صحيحة ابن عمار : « الوضوء أفضل على كل حال » .
فإنّ الظاهر منها
الكون على الوضوء لا الإتيان به ، لمكان قوله : « على كل حال » والكون عليه يتوقف
على الإتيان به.
والمروي في مجالس
ابن الشيخ : « إن استطعت أن تكون في الليل والنهار على طهارة فافعل ، فإنّك تكون
إذا متّ على طهارة شهيدا » .
والظاهر أن المراد
بالطهارة فيه الطهارة من الحدث وإن لم تثبت الحقيقة الشرعية.
والمروي في نوادر
الراوندي : « كان أصحاب رسول الله 6 إذا بالوا توضؤوا مخافة أن تدركهم الساعة » يعني مخافة أن
تدركهم وهم محدثون ،
__________________
فتدل على استحباب
الكون على الطهارة في كل وقت.
والاستدلال
بمرغبات التطهير والوضوء ، والدالّة على الثواب على كل فعل منه على ذلك غير جيد ،
إذ لا يثبت منها إلاّ استحباب هذا الفعل لا لأجل ذلك الأثر الخاص ، فإنّها تدل على
الثواب عليه ولو كان تجديديا ، مع أنّه غير محصّل لذلك الأثر ، واستحبابه بنفسه
غير استحباب ذلك الأثر.
وأمّا ما ذكره
بعضهم منهم والدي ـ 1 ـ من أنّ هذا القسم من الوضوء مراد من قال : إنّه مستحب
بنفسه ، فمراده من الوضوء ليس نفس الفعل ، بل الكون على الوضوء ، فإنّهم بعد ما
يذكرون غايات ذلك الكون يقولون إنه بنفسه أيضا مستحب ، فلا يرد ما قيل من أنّ هذا
غير الاستحباب بنفسه.
وهل يستحب هذا
الفعل بنفسه أم لا؟ مقتضى الأصل وعدم الدليل : الثاني.
والاستدلال عليه
بمطلقات الأمر بالوضوء ومرغباته ، سيما بعد الحدث كقوله : « من أحدث ولم يتوضّأ
فقد جفاني » والدالّة على الثواب عليه لا يفيد ، إذ يمكن أن يكون ذلك
لاستحبابه الغيري الثابت في كل حال.
ومنها : التأهب للفريضة قبل وقتها ، لاستحباب الصلاة في أول
وقتها الحقيقي الموقوفة على الوضوء قبله ، لا لأجل مطلق أخبار فضيلة أول الوقت ،
لأنّ المراد منه الأوّل العرفي الغير المتوقف على الوضوء قبله ، بل للأمر
بالمسارعة والاستباق ولما دل على أفضلية الأوّل فالأوّل المثبت لأفضلية الحقيقي
أيضا.
وهل يختص
الاستحباب بمن يتمكن من إيقاعها في أول الوقت وإن لم يرده ، حيث ان استحباب شيء
لا يتوقف على إرادته ، أو يستحب لمن يعلم عدم تمكنه منه أيضا؟ مقتضى الدليل
المذكور وبضميمة الأصل : الأوّل.
__________________
وقيل بالثاني ، للأمر
بالمسارعة وإطلاق المروي في الذكرى : « ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة حتى يدخل
وقتها » . وفيهما نظر.
وقد يخصّ استحباب
التأهب بمن علم عدم تيسّر الوضوء له بعد دخول الوقت أو خاف ذلك. ولا يخفى أنّ ذلك
ليس تأهّبا ، مع أنّ الظاهر حينئذ وجوب التوضؤ.
ومنها : التجديد لكل صلاة ، للاشتهار والمستفيضة.
منها : المروي في الدعائم عن النبيّ والوصيّ : أنّهما ( كانا )
يجدّدان الوضوء لكل صلاة ، يبتغيان بذلك الفضل .
ورواية سماعة :
كنت عند أبي الحسن 7 فصلى الظهر والعصر بين يدي ، وجلست عنده حتى حضرت المغرب
فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ، ثمَّ قال لي : « توضأ » فقلت : جعلت فداك أنا على وضوء
، فقال : « وإن كنت على وضوء » .
ومرسلة الفقيه : «
تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله » وضعفها سندا غير
ضائر لوجوه.
بل مطلقا ، لمرسلة الفقيه
: « الوضوء على الوضوء نور على نور » .
وأخرى : « من جدد
وضوءه لغير حدث جدد الله توبته من غير استغفار »
__________________
ومرسلة سعدان : «
الطهر على الطهر عشر حسنات » .
ولا تعارضها موثقة
ابن بكير : « إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك
قد أحدثت » ، لأنها أعم مطلقا منها باعتبار شمولها للتوضؤ على جهة
الابتداء والوجوب واعتقاد بطلان الأوّل.
ثمَّ المستحب لكل
صلاة إنما هو مرة واحدة ، لأنها الظاهرة من الروايات ، والثابتة اشتهاره بين
العلماء. وأما مطلقا فالظاهر استحبابه مطلقا ، للإطلاقات. وقد يستثنى الكثرة
المفرطة بحكم العرف والعادة ، ولا بأس به.
ومنها : طلب الحاجة الراجحة شرعا ، لخبر ابن سنان : « من طلب
حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومنّ إلاّ نفسه » .
ويظهر وجه تخصيصنا
بالراجحة مع إطلاق الجماعة مما مر في صدر المبحث.
ومنها : زيارة قبور المؤمنين ، لقول بعضهم : إنّ فيه رواية . وهو كاف في
المقام ، سيما مع الشهرة.
ومنها : النوم ، لرواية الصدوق : « من تطهر ثمَّ آوى إلى فراشه
بات وفراشه كمسجده » .
ومثله في ثواب
الأعمال والمحاسن ، وزاد في الأخير : « فإن ذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره
كائنا ما كان ، لم يزل في صلاة ما ذكر الله » .
__________________
وتلك الزيادة
قرينة على إرادة الوضوء من الطهارة ، فلا يرد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها.
ويتأكد لنوم الجنب
، لا لصحيحة الحلبي : عن الرجل ، أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال : « يكره ذلك
حتى يتوضأ » ، لما مر في أول المبحث ، بل لما في الغنية والمنتهى وظاهر
التذكرة والمعتبر من الإجماع عليه.
مضافا إلى موثقة
سماعة : عن الرجل يجنب ثمَّ يريد النوم ، قال : إن أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل
أفضل » .
ومنها : ذكر
الحائض ، كما يأتي في باب الحيض.
ومنها : تغسيل
الجنب الميت وجماع غاسله ، لحسنة شهاب : عن الجنب يغسّل الميت أو غسّل ميتا ، أله
أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال « سواء ، لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ
وغسل الميت ، وإن غسل ميتا توضأ ثمَّ أتى أهله ، ويجزيه غسل واحد لهما » .
والرضوي : « إذا
أردت أن تغسل جنبا فتوضأ للصلاة ثمَّ اغسله ، وإذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من
قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثمَّ جامع » .
__________________
ومنه يظهر ضعف
تخصيص بعض المتأخرين الثاني بما إذا كان كالأول ، لاختصاص ظاهر
الحسنة.
ومنها : إدخال
الميت في قبره ، لخبر محمّد والحلبي : « توضأ إذا أدخلت الميت القبر » .
والرضوي : « تتوضأ
إذا أدخلت القبر الميت » .
ولا يخفى أنّ
دلالتهما موقوفة على تجوز أن إضمار لا قرينة عليه ، إلاّ أن يدّعى الإجماع على عدم
استحباب الوضوء بعد الإدخال.
ومنها : وطء جارية
بعد أخرى ، لمرسلة التميمي : « إذا أتى الرجل جاريته ثمَّ أراد أن يأتي الأخرى
توضأ » .
ولعل منها يطرّد
الحكم في غير الجارية من النسوان أيضا ـ كما ذكروه ـ لتنقيح المناط.
ويؤيده خبر الوشاء
: « كان أبو عبد الله 7 إذا جامع وأراد أن يجامع أخرى توضأ وإذا أراد أيضا توضأ
للصلاة » .
__________________
بل تعدّوا إلى
معاودة المجامع إلى الجماع قبل الغسل مطلقا ، للمروي في كشف الغمة : « كان أبو عبد
الله 7 إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ للصلاة » .
وفي دلالته على
الاستحباب نظر ، لجواز أن يكون لارتفاع الكراهة ، ولذا جعلنا خبر الوشاء مؤيدا.
نعم ، عن المبسوط
نفي الخلاف فيه ، وهو كاف في المقام.
ومنها : جماع
المحتلم ، كما في نهاية الشيخ والمهذب والوسيلة والمعتبر والنزهة وغيرها ، لفتوى هؤلاء
الأجلة ، لا لمرسلة الفقيه : « يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من
احتلامه » كما قيل ، فإنّ الاستدلال بها له غفلة.
ومنها : دخول
المرأة على زوجها ليلة زفافها ، فيستحب التوضؤ ، لخبر أبي بصير : « إذا دخلت إن
شاء الله فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثمَّ لا تصل إليها حتى تتوضأ » .
ومنها : جلوس
القاضي في مجلس القضاء ، كما ذكره في النزهة .
__________________
ولا بأس بإثبات
الاستحباب به ، وإلاّ فلم أظفر فيه على نص.
ومنها : تكفين الميت إذا كفّنه من غسّله قبل اغتساله ، كما يأتي.
ومنها : قبل الأغسال المسنونة ، كما في الكافي والبيان والنفلية ، لمرسلة ابن أبي
عمير : « كل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة » .
ولعلك تظفر بمواضع
أخرى يستحب فيه الوضوء لو تتبعت أخبار الأطهار وكلمات العلماء الأخيار.
وأما
الثالث : وهو : الوضوء
الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث ، فله أيضا أنواع :
منها : لقدوم المسافر من سفر على أهله ، للرواية : « من قدم من
سفر فدخل على أهله وهو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلاّ نفسه » .
ومنها : لجماع الحامل ، للمروي في العلل و ( المجالس ) : « إذا حملت
امرأتك فلا تجامعها إلاّ وأنت على وضوء » .
ومنها : لطلب الحاجة مطلقا ، لخبر ابن سنان ، المتقدم .
ومنها : قبل الأكل وبعده ، كما يأتي في كتاب المطاعم. وفي غير
ذلك مما لعلك تظفر به في مطاوي الأخبار.
__________________
الفصل الثالث :
في
واجباته من الأفعال والشرائط
وهي أمور :
الأوّل
: النية.
وهي : القصد إلى
الفعل لغة وعرفا وشرعا ، إذ لم تثبت لها حقيقة شرعية ، بل ولا المتشرعة ، ووجوب
بعض القيود فيها شرعا لا يجعله جزءا لها.
قيل : النية بهذا
المعنى لا يمكن انفكاكها عن الفعل الاختياري ، إذ لا يمكن صدور الاختياري بغير قصد
، ولو كلّف به كان تكليفا بالمحال ، فلا معنى لاشتراطها ، والفرق فيها بين
العبادات وغيرها كما وقع في عبارات الأصحاب ، فالمراد منها فيها ليس هذا المعنى ،
بل قصد الفعل إطاعة لله ، أو مع قيد آخر أيضا مما يجوز انفكاكها ويصح اشتراطها ،
فتكون النية من الألفاظ المنقولة .
وفيه : أنّ عدم
إمكان صدور الفعل الاختياري من غير قصد لا ينافي إمكان صدور الفعل من غير اختيار ،
كالوقوع في الماء اضطرارا في الغسل ، وإصابة المطر إلى الثوب في الغسل ، فمرادهم
من اشتراط النية بمعناها الحقيقي ـ أي القصد ـ أنه لا يكفي ذلك في حصول الامتثال
الذي تحصيله واجب في العبادات وإن أمكن كفايته في ترتب الأثر الذي هو المطلوب في
غيرها ، فمرادهم من الفرق بين العبادات وغيرها التوقف الكلي وعدمه.
وها هنا مسائل :
المسألة
الأولى : النية بالمعنى المذكور واجبة في الوضوء ، فلو أتى ببعض
أفعاله لا عن قصد بطل إجماعا حتى من الإسكافي كما في المعتبر ، وعليه الإجماع
__________________
في الخلاف
والمختلف والغنية والتذكرة .
والحجة فيه ـ بعد
الإجماع وتوقف صدق الامتثال الواجب تحصيله في العبادات عليه ـ قوله 7 في حسنة الثمالي
وغيرها من المستفيضة : « لا عمل إلاّ بنية » بل في رواية ابن عيينة : « ألا وإنّ النية هو العمل » وهو تأكيد.
ومعنى الأوّل أنه
لا يتحقق العمل إلاّ مع القصد. وهو كذلك ، لأنّ ما لا قصد فيه ليس عملا لشخص ، إذ
عمل الشخص ما صدر عنه بقصده ، فإنّ من وقع في ماء بلا اختيار لا يقال : أنه غسل
جسده ، فإنّ كل ما يتحقق في الخارج ليس عملا ، بل هو ما عمله عامل ، ولا ينسب عمل
إلى عامل إلاّ مع صدوره عنه بالقصد والاختيار ، ويلزمه أنّه إذا طلب الشارع عملا
من غيره لا يتحقق إلاّ مع القصد إليه.
واستعماله في
العرف في غيره أحيانا ـ لو سلّم ـ لا يضر ، لأنّه أعم من الحقيقة ، غايته احتمال
الاشتراك المعنوي ، وتعارضه مع التجوز ، وهو أيضا غير ضائر ، لأن الحق فيه التوقف
، فلا يعلم صرف الحديث عن حقيقته التي هي نفي العمل ، فيحمل عليها.
مع أنّه لو سلّم
صدق العمل عرفا على ما لا نيّة فيه أيضا نمنع كونه كذلك في زمان الشارع ، والعمل
بأصالة عدم النقل مع تلك الأحاديث باطل.
مع أنّ ها هنا
كلاما آخر ، وهو : أنه مما لا شك فيه أنّه لا بدّ من نسبة العمل إلى شيء من كونه
مؤثرا فيه ، وهذا بديهي ، والتأثير قد يكون مع المباشرة ، وقد يكون بالأمر والبعث
، كما يقال : قتل السلطان فلانا. والأفعال المطلوبة من المكلف لمّا كان مطلوبا مما
هو إنسان أي النفس دون البدن ، وتأثيره لا يكون إلاّ
__________________
بالأمر والبعث
للبدن ، وهما لا يتصوران إلاّ مع القصد والشعور ، ويلزمه أن لا يصدر عمل عما هو
المكلف حقيقة أي النفس إلاّ بالقصد. ولمّا كان الحديث مقصورا على أفعال المكلفين
بقرينة المقام ، لا يراد من النفي فيه إلاّ معناه الحقيقي وإن قلنا بعدم توقف مطلق
العمل على القصد ، ويكون المراد بيان أنه لا عمل مطلقا أو من أفعال المكلفين إلاّ
مع القصد.
ويمكن أن يكون
المراد أنه لا عمل من الأعمال الشرعية إلاّ مع القصد ، فلا وضوء ولا غسل ولا صلاة
وهكذا إلاّ ما صدر بقصد وشعور ، فلا يتحقق الامتثال بدونه.
ومما ذكر ظهر أنه
لا حاجة إلى صرف المستفيضة عن حقيقتها ، ولا يرد ما استشكله بعضهم من اقتضائه
اشتراط النية في المعاملات ، مع أنه خلاف الإجماع ، فإنه إنما يرد على من اعتبر
القيود في النية ، وأما بهذا المعنى فيشترط في المعاملات إجماعا ، إلاّ في ما ليس
الأثر مترتبا على العمل ، بل على تحقق السبب في الخارج كيف ما كان.
ثمَّ لو سلّم عدم
بقاء الأخبار على حقيقتها ، فالمتبادر من مثلها ـ كما صرحوا به ـ نفي الصحة أو
الأثر ، وهو أيضا مثبت للمطلوب.
ويدل عليه أيضا :
ما يأتي من اشتراط قصد القربة ، حيث إنّ الخاص مستلزم للعام.
المسألة
الثانية : ويجب اشتمالها على القربة بأن يكون
فعله لله سبحانه ، بالإجماع والكتاب والمستفيضة.
منها : الخبران : « الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به ، فإذا
صعد بحسناته يقول الله تعالى : اجعلوها في سجّين إنه ليس إياي أراد بها » .
__________________
والمروي في عدة
الداعي : « ويصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع » إلى أن قال : « فيقول
الملك : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله
» إلى أن قال : « أمرني ربي أن لا أدع عملا يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصا لله.
ويصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة » إلى أن قال :
« فيقول : أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه ، إنّه لم يردني بهذا
العمل ، عليه لعنتي » .
وخبر علي بن سالم
: « قال الله تعالى : أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ
ما كان خالصا لي » .
ورواية عقبة : « اجعلوا
أمركم هذا لله ، ولا تجعلوه للناس ، فإنه ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا
يصعد إلى الله » .
دل كل ذلك على عدم
قبول عمل ليس لله ، وهو يستلزم عدم الإجزاء ، للتلازم بينهما ، وهو يستلزم عدم
الصحة لترادفهما.
ورواية أبي بصير :
عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا ، فقال : « حسن النية بالطاعة » .
والبحث باحتمال
عدم كون الوضوء عبادة مدفوع بالإجماع بل الضرورة ، بل عليه دلت الروايات.
كالصحيح : « إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن
__________________
يعصيه » .
والخبر ، وفيه ـ بعد
إرادة الراوي صب الماء على يده للوضوء ـ : « أما سمعت الله يقول ( فَمَنْ
كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ
بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة » .
وآخر : « كان أمير
المؤمنين 7 إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء ، فقال بعد السؤال عنه : لا أحب أن أشرك
في صلاتي أحدا ، وقال الله تعالى : ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
.. ) الآية » .
دلاّ على أنّ
الصلاة عبادة والوضوء منها ، كما ورد في المعتبرة أن : « افتتاح الصلاة الوضوء
وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم » وأن « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور » .
بل دلاّ على أنّ
الإشراك في الوضوء إشراك في العبادة فيكون عبادة.
ومن ذلك يظهر وجه
آخر لاشتراط القربة ، وهو أنّ العبادة لغة اسم لما تتحقق به العبادة المصدرية ،
وهي الإتيان بلوازم العبودية ، والأصل عدم النقل ، ولا يكون ذلك بشهادة العرف
واللغة إلاّ فيما كان مطلوبا للمعبود وجوبا أو ندبا ، ( مأتيا به ) لأجل إطاعته وأنه
مطلوبه ، وهذا معنى القربة ، ومن هذا يعلم أنّ كل مطلوب للشارع ( يعتبر ) فيه نية القربة
فهو عبادة وبالعكس.
__________________
ومما يدل دلالة
واضحة على اشتراطها واعتبارها : بداهة وجوب امتثال أوامر الله سبحانه ، وهو متوقف
عرفا على قصد الطاعة والإتيان بالفعل لأجل الأمر بالضرورة ، فإنّ العبد إذا فعل ما
أمر به مولاه وغيره لا لأنه أمره بل لأجل أنه أمره غيره لا يعدّ ممتثلا للمولى
البتة ، بل قد يعدّ عاصيا بالفعل ، كما إذا أمره عدو مولاه معلقا قتل المولى عليه
، ولذا لو فعل أحد مطلوب الله سبحانه واقعا الذي ظن حرمته يعد عاصيا مستحقا للعقاب
، ولذا لا يجب فيما لا امتثال فيه كالوضعيات من المعاملات ونحوها مما ليس المقصود
فيه الإطاعة.
ويظهر مما ذكر أنّ
الأصل في كل ما تعلق الأمر به كونه عبادة ، لأنّ ما تعلق به يجب امتثاله المتوقف
على القربة ، وما تعتبر فيه القربة فهو عبادة كما مر.
وتدل على المطلوب
أيضا الآيات والروايات الناهية عن الرياء في الأعمال ، والمصرحة بعدم قبول ما
يتضمنه وبطلانه .
ثمَّ المراد بقصد
القربة كما عرفت : قصد كون الفعل لله سبحانه ، أي امتثالا لأمره ، أو موافقة
لطاعته ، أو انقيادا لحكمه ، أو إجابة لدعوته ، أو أداء لشكره ، أو تعظيما لجلالة
، أو نحو ذلك ، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني ونيل ثوابه ،
أو الخلاص من عقابه.
فتصح العبادة مع
أحد تلك القصود ، لصدق كون العمل لله والخلوص اللذين هما الثابت اعتبارهما
واشتراطهما من أدلة القربة المتقدمة مع واحد منها. أمّا مع غير الأخيرين ( منها ) فبالإجماع بل ضرورة العرف واللغة.
وأمّا مع واحد
منهما فعلى الأصح بل الأشهر ، كما صرح به والدي ـ ; ـ في اللوامع ، لقوله سبحانه ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. إِنّا نَخافُ مِنْ
رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) جمع بين كون الإطعام لوجه
__________________
الله الذي هو معنى
الخلوص وبين تعليله بالخوف منه سبحانه ، وللأخبار المتكثرة.
منها : خبر ابن
سالم السابق ( حيث ) دل على أنّ العمل الخالص ما لم يشرك فيه غير الله سبحانه ،
فهو كاف في تحقق الخلوص ، ولا شك في أنّ ما يفعل لأجل نيل ثواب الله أو الخلاص من
عقابه لم يشرك فيه غيره.
وأصرح منه : صحيحة
ابن مسكان ، ورواية ابن عيينة :
الأولى : في قول
الله عزّ وجلّ ( حَنِيفاً مُسْلِماً ) قال : « خالصا
مخلصا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان » .
والثانية : «
العمل الخالص : الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلاّ الله عزّ وجلّ » .
وهي صريحة في عدم
منافاة قصد الثواب للخلوص ، إذ من يقصده خاصة لم يقصد حمد الغير ، ولأنّ حمد الله
سبحانه ثواب منه له.
ويدل أيضا على
حصول الامتثال بقصد أحدهما : كلّ ما دل ( من الآيات المتكثرة والأخبار المتواترة )
على مدح العمل بأحد القصدين والأمر به المستلزمين للقبول الملازم للصحة.
فمن الآيات ما
تقدم ، سيما مع تفريع قوله ( فَوَقاهُمُ اللهُ
شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ) عليه ، وقوله سبحانه ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفاً وَطَمَعاً ) ، ( وَيَدْعُونَنا
__________________
رَغَباً
وَرَهَباً ) ، ( وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) والفلاح : الفوز بالثواب ، ( وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) وغير ذلك.
ومن الروايات :
رواية جابر وابن أبي سارة وعلي بن محمّد :
الأولى : « اعملوا لما عند الله » .
والثانية : « لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون
خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو » .
والثالثة : وفيها ـ بعد تكذيبه الذين يعصون ويقولون نرجو ـ : « من
رجا شيئا عمل له ، ومن خاف شيئا هرب منه » .
ويدل عليه : كتاب
أمير المؤمنين 7 لبعض ما وقفه : « هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله
عليّ ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ويصرف النار عني » .
فلو لم تكن
العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له أن يفعل ذلك ويلقن به غيره ويظهره في كلامه.
وحسنة خارجة : «
العبّاد ثلاثة : قوم عبدوا الله خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله طلب
الثواب فتلك عبادة الأجراء ، وقوم عبدوا الله حبا له فتلك عبادة الأحرار ، وهي
أفضل العبادة » .
__________________
فإنّ قضية التفضيل
أنّ للأولين أيضا فضلا ، بل قوله : « عبادة العبيد » و « عبادة الأجراء » دال على
الصحة ، إذ لولاها لما كانت عبادة.
والأخبار المصرحة
بأنّ « من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه » .
ولو لم يكن العمل
صحيحا لم يترتب عليه ثواب ، ولا شك أنّ كلّ ما أمر به الشارع ومنه الوضوء موعود به
الثواب خصوصا أو عموما ، صريحا أو التزاما.
وما ورد من وعد
الثواب والتحذير عن العقاب ، والوعد والوعيد في مقابلة الطاعات وترك الواجبات ،
مثل ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً
حَسَناً ) و : ( ما تُقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ ) و ( مَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) و ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ ) .
وما ورد : أنّ
صلاة الليل تزيد في الرزق ، والزكاة تحفظ المال ، والصدقة تردّ البلاء إلى غير ذلك عموما ، وخصوصا كل فعل فعل من أفعال الوضوء ،
فإنّها ظاهرة في التشويق في العمل ، وليس ذلك إلاّ بفعله لأجله ، فلو كان مفسدا
لكان الوعد والوعيد بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبثا ، بل مخلا ، حيث إنّ
الوعد على فعل بما هو من عظيم المقصود للعقلاء ثمَّ إرادة فعله لا لأجله كأنّه
تكليف بما لا يطاق.
وعدم دلالة بعض ما
مرّ على صحة كل ما فعل بقصد الثواب أو رفع العقاب غير ضائر ، لعدم القول بالفصل.
__________________
هذا كله ، مضافا
إلى تعذر فهم ما هو من ذلك لأكثر الناس فضلا عن تعاطيه ، فإنّ تخليص القصد من
الثواب والعقاب وقصر النظر إلى جناب الحق ليس شريعة لكل وارد ، فتكليف عامة الناس
به كأنّه تكليف بما لا يطاق.
خلافا فيهما
لجماعة منهم السيّد الجليل علي بن طاوس ، فقالوا بوجوب قصد مجرد الامتثال وما بمعناه ، وبطلان
العبادة بقصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب.
ونسبه غير واحد إلى المشهور ،
والشهيد في قواعده أسنده إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الوفاق عليه ، ونقل الرازي
في تفسيره اتفاق المتكلمين عليه.
استنادا إلى
الخبرين الأوّلين ، وما يؤدي مؤداهما من وجوب كون العمل لله أو خالصا له.
وهو بعد دلالة بعض
ما مر على أنّ العمل بالقصدين أيضا عمل خالص له لا وقع له ، سيما مع معارضته مع
سائر ما تقدم ، مع أنّه لا معنى محصّل للعمل لله إلاّ بتقدير مثل الطاعة أو الرضا
أو الأمر أو غير ذلك ، ولا يتعين المقدّر ، فيمكن أن يكون ما يشمل الوصول إلى
ثوابه أو الخلاص من عقابه أيضا ، فلا يعلم منافاة الخبرين لما ذكرنا.
والمراد من الثواب
هو ما قرره الله أجرا للعمل دنيويا كان أم أخرويا ، لعموم كثير مما تقدم ، بل ورود
خصوص الدنيوي أيضا كما مر ، فلا يبطل بقصد طلب الأغراض الدنيوية التي وعدها الله
سبحانه منه إذا كانت من المباحات. وأمّا إذا
__________________
كانت من غيرها
كقتل عدوّ لم يستحقه ، أو التوصّل إلى محرّم آخر فيصلي صلاة الحاجة مثلا له فيبطل
العمل وإن لم يعلم قطعا ترتّب المحرّم عليه ، لأنّ هذا العمل يعدّ عصيانا عرفا ،
فيكون منهيا عنه ، وأيضا هو اتّباع للهوى ومتابعة للشيطان ، وهما منهيان.
ثمَّ المراد
بالقربة اللازم قصدها هو ما يؤدّي ذلك المؤدي ، كالطاعة وموافقة الإرادة ونحوها ،
ولا يلزمه ملاحظة لفظ القربة ، فإنّ العبرة بالحقائق دون الألفاظ.
فائدة : قد استشكل جماعة في وجه اشتراط النية في الطهارة عن الحدث دون الخبث ، وسبب
التفرقة بينهما ، حتى ارتكبوا في التوجيه تمحلات وتكلّفات ، ومع ذلك لم يذكروا
شيئا تاما.
ولا يخفى أنّ
المراد بالطهارة عن الخبث إن كان ترتّب الثواب عليها أو امتثال الشارع ( لنيل
الثواب ) ونحوه فلا نسلّم عدم توقفها على النية بل توقفها عليها
إجماعي ، مع أنّ الامتثال لا يتحقق عرفا إلاّ بفعل صادر عن الممتثل بقصده الامتثال
، وأيضا الامتثال لا يتحقق إلاّ بعمل منه ولا عمل إلاّ بنية.
وإن كان المراد
حصول الطهارة وزوال الخبث فعدم توقفها على النية مسلّم.
والاستشكال فيه إن
كان في تفرقة الشارع بينهما ، وسبب فرقه بإيجابه النية في الأوّل دون الثاني ، فهو
كالاستشكال في السؤال من فرقه بين صلاة الصبح والظهر بجعل الأولى ركعتين والثانية
أربع ، ومثله لا يصدر عن فقيه.
وإن كان في تفرقة
الفقهاء وإجماعهم على ذلك وكان السؤال عن مستندهم فيه ، فمع أنّه إجماعي ، ولا يتعارف
الاستشكال والسؤال عن مأخذ الإجماع بل هو بنفسه كاف في وجه الفرق ، مستنده واضح ،
وذلك لدلالة الإجماع والأخبار على
__________________
كون الوضوء والغسل
عبادة ، وقد عرفت أنّ العبادة متوقفة على النية.
وأيضا : ما ورد في
الطهارة عن الحدث كله أوامر يطلبها من المكلف ، فلا يتحقق إلاّ بعمل منه ولا عمل
إلاّ بنية ، ويجب امتثالها ولا امتثال إلاّ بقصد ، وليس هناك دليل شرعي دال على
حصول الطهارة الحدثية من غير استناد إلى فعل المكلف.
بخلاف الطهارة عن
الخبث فإنّه وإن ورد فيها الأمر بالغسل وأمثاله ، ولكن الأدلة متوافرة على حصولها
من غير ذلك أيضا ، كقولهم : : « كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر » .
وصحيحة هشام : عن
السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب ، قال : « لا بأس به ما أصابه من
الماء أكثر منه » .
والمستفيضة
الواردة في « أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا » . وفي أنّ من وطئ العذرة ومشى في الأرض تطهر رجله وإن لم يشعر
بالقذارة والطهارة و : « إنّ كل ما أشرقت الشمس عليه فقد طهر » إلى غير ذلك.
وبعد وجود مثل تلك
الأدلة في الطهارة من الخبث ـ مضافة إلى عدم القول بالفصل ـ وعدمها في الحدث لا
وجه للاستشكال.
فإن قيل : قد ورد
الأمر بغسل الثوب وأمثاله ، وقد ذكرت عدم حصول الامتثال إلاّ بالنية ، ولازمه
ترتّب العقاب على عدم الغسل وإن طهر بغيره.
قلنا : الأمر
بالغسل أمر مقيد مشروط ببقاء النجاسة ، فبعد زوالها بأمر آخر يسقط الوجوب فلا ثواب
ولا عقاب.
__________________
المسألة
الثالثة : ويجب اشتمالها
أيضا على قصد ما لا يتحقق من أجزاء المأمور به إلاّ بالقصد ، يعني إذا كان المأمور
به مركبا من أجزاء لا وجود لبعضها إلاّ بقصده يجب قصده ، كما إذا قال : أعط درهما
لأجل الكفارة ، بأن يكون التعليل قيدا للمأمور به وجزءا له ، لا مجرد أن يكون سببا
، أو يقول : افعل كذا تطوعا أو وجوبا ، مع كون الوصفين قيدين.
ومنه مثل قوله :
تصدّق وكفّر وآت الزكاة ، وتوضأ واغتسل ، فلا بدّ من قصد الصدقة والكفارة والزكاة
عند الإعطاء ، والتوضؤ والاغتسال عند الغسل ( لتحقق الوصف المأمور به ) .
والوجه في اشتراطه
ظاهر ، فإنّ الإتيان بتمام المأمور به ، وإيجاده واجب ، والامتثال عليه متوقف ،
والمفروض عدم وجود هذا الجزء إلاّ بالقصد ، فلو لم يقصده لم يأت بتمام المأمور به
، فلا يوافقه فلا يكون صحيحا.
وأيضا : إذا كان
القيد مما لا وجود له إلاّ بالقصد ، فأمر الشارع بالفعل مقيدا أمر به مع قصد
القيد.
ويكفي في قصده
العلم بأنّه هو ، ولا يجب الإخطار.
ولا فرق في ذلك
بين اتحاد المأمور به كما مر ، أو تعدده واشتراكه بين أمرين ، كأن يقول مع ما مر :
أعط درهما تصدقا.
ويستفاد من كلامهم
أنّ اعتبار قصده إنّما هو في الثاني خاصة ، ولا يعتبر في الأوّل.
فإن كان نظرهم إلى
أنّ فيه لوحدة المأمور به يكون مقصوده هو لا محالة ، ويستلزم الاتحاد لكونه مقصودا
، فهو تصريح باعتبار القصد أيضا ، ويرجع النزاع لفظيا ، مع أنّ اللزوم كليا ممنوع.
وإن كان نظرهم الى
غير ذلك فلا وجه له.
__________________
فإن قلت : اعتباره
إنّما هو للتميز وهو إنّما يحتاج إليه مع الاشتراك.
قلنا : لا نسلّم
أنّه لذلك ، بل لأجل أنّه جزء المأمور به ، فلا يتحقق تمامه بدونه.
نعم ، لو ثبت
التداخل في الفعل ( وكفاية ) فعل واحد لهما بمعنى إسقاطه لهما لا انطباقه عليهما
لامتناعه ، يسقط قصد الجزء المذكور ، لأنّ مرجعه إلى أنّ الفعل بدون القصدين مسقط
له مع كلّ منهما ، وأمّا التداخل بمعنى إجزاء واحد منهما عن الآخر وإسقاطه إيّاه ،
فلا يسقط وجوب قصد القيد ، إذ لا يتحقق واحد منهما بدون قصد القيد.
المسألة
الرابعة : قالوا : يجب
اشتمالها على المميز أيضا إذا اشترك الفعل بين فعلين أمر بهما ولم يتميزا إلاّ
بالقصد. وزاد بعضهم : إن لم يتداخلا أيضا.
واستدلّوا عليه :
بأنّه لا يتحقق الامتثال عرفا إلاّ به.
وبمثل قوله : «
ولكل امرئ ما نوى » .
وبأن الصحة عبارة
عن موافقة الأمر ، وهذا الفعل الواحد الواقع بدون قصد المميز لو صح لكان إما
موافقا للأمر بهذا الفعل ، أو لمشاركة ، أو لهما معا ، والأوّلان مستلزمان للترجيح
بلا مرجّح ، مع أنّ المفروض عدم تميزه لأحدهما إلاّ بالقصد ، والثالث محال ، لعدم
انطباق الواحد على المتعدد ، وزيد إلاّ مع التداخل المفروض انتفاؤه ، فلا يكون
موافقا لأمر وهو معنى البطلان.
ويرد على الأوّل :
منع توقف الامتثال عليه ، فإنّه لو قال المولى لعبده : امسح وجهك ، ثمَّ قال أيضا
كذلك ، وأراد بكلّ مسحا على حدة ، ومسح العبد وجهه مرتين لأجل إطاعة مولاه ولم
يقصد في شيء منهما أنّه للأمر الأوّل أو الثاني يعدّ ممتثلا عرفا ، ويستحق ما وعد
له من الأجر ، ولو مسح مرة من غير قصد أحد
__________________
الأمرين يعدّ
ممتثلا لأحدهما ، وهذا مما لا يرتاب فيه أصلا.
وعلى الثاني :
بظهوره في نية التقرب ونحوه. سلّمنا ولكن إذا قصد الفعل يكون ذلك له وهو كاف ، إذ لم يجب عليه
غيره.
وعلى الثالث :
أنّه لا يخلو إمّا لا تكون بين الفعلين جهة مغايرة أصلا أو تكون ، فإن لم تكن ـ كمثال
المسح المذكور ـ نختار شقا غير الشقوق المتقدمة ونقول : إنّ الفعل الواقع موافق
لكل واحد منهما منفردا ، كما إذا قال من عنده ذراع من خشب وذراع آخر منه لعبده :
ايتني بمساو لهذا وبمساو لذلك من النحاس ، فأتى بذراع من نحاس ، فهو مطابق لكلّ
منهما منفردا دون المجموع ، وتلزمه البراءة من أحدهما لا بعينه ، ولا ضير فيه أصلا
، فلو قال للمكلف : صم يوما من رجب ، ثمَّ قال : صم يوما منه أيضا ، وعلم أنّ
المطلوب يومان ، فلو صام يوما واحدا بقصد طاعته امتثل أحد الأمرين ، وانطبق الفعل
على كل واحد منهما منفردا ، لتساويهما من جميع الوجوه الداخلة في ذات المأمور به.
وتقدّم أحدهما على الآخر غير مؤثر في تغاير المأمور به.
وإن كانت بينهما
جهة تغاير يتوقف تحققها على قصدها ، فإن كانت من الحيثيات التقييدية للمأمور به ،
أي يكون قيدا له وجزءا منه كما مر في المسألة السابقة ، فلا شك في اشتراط قصده ،
ولكن لا لأجل توقف حصول التميز عليه ، بل لعدم تحقق تمام المأمور به بدونه كما مر
، ولا يختص ذلك بصورة الاشتراك والتعدد ، بل يعتبر مع الوحدة أيضا ضرورة كما سبق.
وإن لم تكن من
الحيثيات التقييدية له ، فنختار الموافقة لكل منفردا ، وتلزمه البراءة من أحدهما
لا بعينه أيضا ، سواء كانت جهة المغايرة من أسباب الأمر بأن يكون سبب أحد الأمرين
هذا وسبب الآخر ذاك ، أو من غاياته بأن تكون غاية أحدهما شيئا وغاية الآخر آخر ،
أو من كيفيات الأمر دون المأمور به كأن يكون أحد
__________________
الأمرين على سبيل
الوجوب والآخر على الندب ، أو من آثار المأمور به وتوابعه ، كأن يكون لأحدهما أثر
غير ما للآخر ، بشرط أن لا يكون شيء من تلك الجهات قيدا ( للمأمور به ) فإنّ ذاتي
المأمور بهما تكون مساوية حينئذ غير مغايرة ، فلا وجه لعدم موافقة المأتي لشيء
منهما.
فإذا قال : صم
يوما ، ثمَّ قال : صم يوما أيضا ، فليس المأمور به سوى الصوم ، وإن كان سبب أحد
الأمرين شيئا وسبب الآخر آخر ، أو كان أحد الطلبين حتميا والآخر ندبا ، فلو صام
يوما فلم لا ينطبق على أحدهما؟ مع أنّه لا ينقص من المأمور به شيء.
نعم ، لا ينطبق
عليهما معا ، لعدم انطباق الواحد على الاثنين ، ولعدم حصول التكرر الذي هو أيضا
مأمور به.
فإن قلت : إذا
كانت المغايرة حينئذ باعتبار الآثار والتوابع ، فأيّ أثر يترتب على الفعل الواحد
الذي أتى به؟ كما إذا كان أحدهما وجوبيا والآخر ندبيا ، فأتى بواحد من غير تميز
بين الوجوب والندب ، فكيف يمكن القول بالبراءة من أحدهما لا بعينه؟ مع أنّ أحدهما
أقلّ ثوابا ، وتركه مستلزم للعقاب دون الآخر ، فإن أثبتّ له العقاب والثواب الأقل
فقد أطبقته على الوجوب ، وإن قلت : إنّه غير معاقب ، وله الثواب الأكثر ، فقد
أطبقته على الندب ، وكلاهما ترجيح بلا مرجّح ، وإن أطبقته عليهما فقد أطبقت الواحد
على الاثنين وإن لم تطبقه على شيء منهما اعترفت بالبطلان ، فما فائدة الانطباق
على كلّ منفردا؟
وكذا لو نذر من
عليه غسل واجب ـ كالجنابة ـ أن يرتمس في الماء زائدا على الغسل فارتمس مرة ، فإن
قلت : إنّه برئ من النذر ، أو طهر من الجنابة ، ارتكبت الترجيح بلا مرجّح ، وإن
قلت : حصل الأمران ، أطبقت الواحد على الاثنين ،
__________________
وإن قلت : لم يحصل
شيء منهما ، حكمت بالبطلان.
قلنا : لا نسلّم
أنّ عدم الحكم بحصول شيء من الأمرين حكم بالبطلان ، فإنّ الصحة في العبادات هي
موافقة المأمور به ، وهي حاصلة قطعا ، ولا يلزم من عدم تعيّن ما يستتبعه خروجه عن
موافقة المأمور به ، أو خروج الصحة عن كونه موافقة المأمور به ، فإنّ الصحة أمر
وتعيّن ما يستتبعه ( أو نفس الاستتباع ) أمر آخر ، والأوّل يتحقق بالموافقة ، والثاني إمّا بقصد
المستتبع أوّلا نظرا إلى مثل قوله 7 : « لكل امرئ ما نوى » و : « إنّما الأعمال بالنيات » أو
بالإتيان بالفعلين معا ، ولا يلزم من عدم قصد المعيّن أوّلا البطلان وإن لزم عدم
ترتب التوابع.
وتظهر الثمرة فيما
لو فعل الآخر أيضا بلا قصد ، فعلى البطلان لا يترتب عليهما شيء من التوابع ، وعلى
ما ذكرنا يترتب التابعان ، وذلك كما إذا استسلف زيد من كل من عمرو وبكر غنما ،
ورهن كل منهما متاعا عنده لما استسلف ، فوكّلا خالدا في إعطاء الغنم بعد حلول
الأجل ، فأعطى غنما بلا قصد تعيين أنّه من عمرو أو بكر ، فإنّه لا يترتب عليه فك
رهانة أحدهما ولا يستتبع أثرا ، بل هو موقوف إمّا على القصد أوّلا ، أو إعطاء
الغنم الآخر أيضا. وكذا إذا فعل المأمور أحد الفعلين مع قصد المعيّن ونسيه ، فإنّه
لا يحكم بالبطلان ولا يترتب شيء من آثار أحدهما ، كمن عليه صوم نذر وكفارة فصام
يوما بقصد معيّن ونسيه ، فيحكم بمقتضى الأصل بعدم سقوط شيء منهما ، مع أن صومه
صحيح.
والقول بأنّه سقط
أحدهما واقعا ، ولكن لم يسقط ظاهرا ، للأصل ، كلام خال عن التحقيق ، إذ لا واقع في
حقّ المكلّف إلاّ حكمه الظاهري كما بيّنا في الأصول.
__________________
نعم ، لو كان عدم
استتباع الفعل للتوابع مستندا إلى عدم موافقة المأمور به ، لكان مستلزما للبطلان ،
وأمّا مطلقا ولو لمانع فلا.
هذا ، مع أنّه
يمكن أن يقال : إنّه كما تحصل البراءة عن أحدهما لا بعينه ، كذلك يستتبع توابع
أحدهما لا بعينه بمعنى التخيير ، فإن كان التابع مما يستند إلى المكلّف الآمر
كإعطاء الثواب ونحوه فالتخيير له ، وإن كان مما يستند إلى المأمور كحصول التطهر له
، أو الوفاء بالنذر ونحوه ، فالتخيير له ، بمعنى أنّ له أن يجعله من أيّهما شاء ،
فإنّ الفعل إذا انصرف إلى أحدهما بتعيينه المقارن للفعل يمكن الانصراف إليه
بتعيينه المتأخّر ، فإنّ مثل قوله : « لكل امرئ ما نوى » يشمل ظاهرا مثل ذلك أيضا
وإن كان الظاهر منه النية المقارنة ، فتأمّل.
وظهر من ذلك عدم
وجوب قصد المميز في تحقق صحة الفعل للأصل ، إلاّ إذا كان المميز قيدا للمأمور به
وجزءا له فيجب ، لما مر ، إلاّ مع ثبوت التداخل بالمعنى المذكور.
ولكن ها هنا أمرا
آخر وهو أن كما أنه يجب الإتيان بالفعل الصحيح يجب تحصيل البراءة والإجزاء عن المأمور
به أيضا ، ولا يمكن حصول البراءة والإجزاء عن واحد لا بعينه مع تعدد المأمور به
واختلاف آثارهما أو غايتهما ، إذ لا معنى للبراءة والإجزاء عن شيء له آثار وتوابع
إلاّ حصولها وترتّبها ، ولا يتأتّى ذلك في واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين في
الآثار ، فيجب تعيين كلّ منهما تحصيلا للبراءة عنه والإجزاء ، ولكن لثبوت التداخل
بالمعنى المذكور في الوضوء بل الأغسال لا يجري ذلك فيهما ، مع عدم التعدد في
الوضوء المأمور به في حالة أبدا ، لأنّه إنما كان لو وقع الأمر بإحداث الوضوء لهذا
ولذاك وهكذا ، وليس كذلك ، بل لم يثبت إلاّ مطلوبية كونه متطهرا عند هذا وذاك ندبا
أو وجوبا ، وإنّما يجري في الصلاة ونحوها ، وسيأتي تحقيق ذلك في بحث نية الصلاة.
المسألة
الخامسة : لا يشترط في نية الوضوء قصد الوجه ، وفاقا لكلّ من لم
يشترط سوى القربة
، كما عن المفيد ، والبصروي والتستري ، والنهاية ، والمحقق في بعض
رسائله ، وبعض من اشترط غيرها أيضا ، كالسيّد ، والمبسوط ، والمعتبر وهو مختار أكثر المتأخرين.
للأصل السالم عن
المعارض ، المؤيد بأمرهم : بجميع أنواع الوضوء من الواجب والمندوب بطريق واحد من غير
تعرض للوجوب والندب.
وخلافا للحلبي ،
والحلّي ، والقاضي ، والراوندي ، وابني زهرة وحمزة ، والفاضل ، والكركي ، والجامع ، والشرائع ، والذكرى ، فأوجبوه وصفا
أو غاية.
لاستصحاب الحدث
إلى تحقق الرافع اليقيني.
ولوجوب الامتثال
المتوقف على إيقاع الفعل على وجهه ، وهو لا يتم إلاّ بنية الوجه.
ولأنّ الوضوء تارة
يقع على وجه الوجوب ، وأخرى على الندب ، فحيث كان أحد الأمرين مطلوبا اشترط تشخيصه
لتحصيل الامتثال ، وليتحقق الموافقة
__________________
للمأمور به.
والقول بأنه في
وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلاّ واجبا وبدونه مندوب ، فيكون متعينا
أبدا ، مردود بأنه لا شك في وقوع الأمر الاستحبابي به لبعض الغايات والوجوبي لآخر
، ولا يرتفع الأوّل حال الثاني ، فلا بدّ من التعيين كما في الصلاتين : الواجبة
والمندوبة ، والغسلين.
والجواب عن الأوّل
: أنّه لم يثبت في حق من صدر عنه أحد الموجبات إلاّ وجوب إتيانه بالأفعال المعهودة
التي هي الوضوء شرعا أو استحبابه ، فإن أريد بالحدث كونه بحيث يجب عليه هذه
الأفعال للمشروط بالوضوء ، فالإتيان بها يكون مزيلا للاستصحاب يقينا ، وإن أريد
غير ذلك فلا نسلّم ثبوته.
والحاصل : أن حدوث
حالة لمن عليه الوضوء سوى كونه يجب أو يستحب عليه الإتيان بالأفعال المقررة غير
ثابت من دليل حتى يستصحب.
سلّمناه ولكن
الوضوء الشرعي رافع له بالإجماع بل الأخبار ، وهو ما ثبت كونه وضوءا بدليل شرعي.
والمستفيضة
الحاكية لوضوء رسول الله 6 .
ونحو رواية زرارة
: عن الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ، قال : « يغسل
ذكره ويتوضأ مرتين مرّتين » .
ورواية ابن فرقد
بعد السؤال عن حد الوضوء ، قال : « تغسل وجهك ويديك وتمسح رأسك ورجليك » ـ مضافة إلى
الأصل ـ دالّة على كون هذه الأفعال وضوءا ، غاية الأمر ثبوت لزوم قصده مع القربة
من الخارج أيضا ، فتكون هي معه رافعة ، ضرورة تحقق اللازم مع الملزوم.
__________________
وعن الثاني : بمنع
توقف الامتثال على ما ذكر وإن هو إلاّ مصادرة.
وعن الثالث : أنّ
الامتثال إنّما يحصل بالموافقة للمأمور به التي هي معنى الصحة ، ومعنى المطابقة أن
يكون المأتي به بأجزائه وشرائطه ، موافقا للمأمور به كذلك ، بمعنى أنّ ما اتي به
لو طوبق مع ما أمر به لم ينقص منه شيء ، فإذا كان المأتي به كذلك يكون صحيحا ،
والآتي به ممتثلا ، ولا يحتاج إلى شيء آخر.
وعلى هذا ، فيكون
فرق بين قول الشارع : توضأ وجوبا أو ندبا ، وقوله : يجب أو يستحب التوضؤ ،
فالمأمور به في الأوّل هو أفعال الوضوء بزيادة الوجوبية أو الندبية ، وفي الثاني
أفعال الوضوء مجردة عن غيرها ، غاية الأمر أن أمره بها إيجابي أو ندبي ، فإن كان (
الحال في الوضوء ) الإيجابي والندبي من قبيل الأوّل فلا شك في وجوب نية الوجه
، كما مر في المسألة السابقة ، وإن كان من الثاني لا تجب ، لعدم دخوله في المأمور
به ، فالمأتي به موافق لكلّ من الأمرين منفردا ، موجب للبراءة من أحدهما لا بعينه.
ثمَّ لمّا كان
الأمر في الوضوء من قبيل الثاني ، إذ لم يرد إلاّ أنه يستحب الكون على الوضوء حال
كذا ، ويجب حال كذا ، ولم يرد أنه توضأ تطوّعا لكذا ووجوبا لكذا ، لم يلزم في صحته
قصد الوجه ، بل ولا في ترتّب الآثار الوجوبية أو الندبية ، حيث ثبت فيه التداخل ،
وترتّب جميع الآثار على وضوء واحد.
المسألة
السادسة : لا تشترط فيه نية الاستباحة أو الرفع ، وفاقا لمن ذكر في
المسألة السابقة من المكتفين بالقربة ، وللشرائع ، لما ذكره.
وخلافا للسيد ، فأوجب الأوّل.
وللمبسوط والسرائر
والجامع والمعتبر والذكرى ، والفاضل ، والكركي ، فأحدهما.
__________________
وللحلبي والقاضي
والراوندي وابني زهرة وحمزة ، فالأمران معا.
احتجّ الأوّل :
بالاستصحاب. وجوابه مرّ.
وبمثل قوله 7 : « لكل امرئ ما
نوى ».
ويضعّف بأنه يدلّ
على أنّ ما نوى له ، لا على أنّ ما لم ينو ليس له إذا كان مما لم يثبت توقف تحققه
على النية.
وبقوله سبحانه ( إِذا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) الآية.
قيل : وجه الدلالة
أنّ المفهوم منه وجوب إيقاع الوضوء لأجل الصلاة ، فيكون التعليل قيدا للمأمور ،
فلا يتم إلاّ بإيجاده ، وهو ليس إلاّ بقصده.
وفيه : أنّه إنّما
يصح لو كان التعليل متعلقا بالإيقاع ، وأمّا إذا كان متعلقا بالوجوب فلا ، فإن
أريد أنّ المفهوم من الآية الأوّل فممنوع ، وإن أريد أنّ المفهوم منها الثاني أو
أحدهما لا يفيد.
ومن هذا يظهر فساد
ما قيل ـ في دفع إيراد من أورد أنّ وجوب الوضوء للصلاة لا يستلزم وجوب قصد التعليل
ـ من أنّه أيّ فرق بين كون الفعل للصلاة وكونه لله أو لأجل أنّ الله أمرني أو لأجل
أنّي مطيع له ونحوها؟ حيث لا يوجب الأول قصد التعليل ، والبواقي توجبه .
فإنا لا نقول
بالفرق بين وجوب كون الفعل للصلاة وبين وجوب كونه لله ونحوه ، بل نقول بالفرق بين
قوله : إذا قمتم للصلاة فافعلوا وبين وجوب كونه لله ، أو قوله : اعملوا لله ، أو
يجب أن يكون العمل خالصا لله ، فإنّ الأوّل يحتمل علّية الصلاة للوجوب دون
البواقي. بل فرق بين قوله : يجب إيقاع الفعل لأجل الصلاة وبين ما ذكر ، لاحتمال
كون التعليل علّة للإيجاب دون البواقي ، فإنّه لا
__________________
يحتمل أن يكون
مراده أنّ الله علّة للإيجاب ، أو إطاعة أمره علّة له.
قيل : لو قال المولى
لعبده : أعط الحاجب درهما ليأذن لك ، فأعطاه لا لأجل ذلك ، بل لغرض آخر ، لم يكن
ممتثلا ولا آتيا بما أمره به مولاه ، إذ الامتثال العرفي لا يتحقق إلاّ بقصد ما هو
مطلوب الآمر ، وأنّ ارتكابه لأجل أنّ الآمر أمره لا لغيره ، ولو أتى به لا لأمره
لا يمتثل البتّة .
قلنا : لا شك أنّه
لو أعطى لا لأجل أنّ مولاه أمره ، لم يكن ممتثلا ، وليس الكلام فيه ، بل فيما إذا
أعطى لأجل أنّه أمره مولاه من غير قصد أنه لأجل الإذن بل ذاهلا عنه.
ولا نسلّم عدم
الامتثال حينئذ ، بل هو ممتثل آت بما أمره به مولاه إلاّ إذا علم يقينا أنّه أراد
الإعطاء بقصد الإذن.
والمناسب للمقام
ما إذا قال المولى أعطه درهما ليأذن لك ، ودرهما ليحفظ دابتك ، فأعطى الدرهمين
لأجل أمر المولى من غير قصد العلّتين ، إما للذهول والغفلة أو لنسيان العلّة ،
فإنّه يعدّ ممتثلا قطعا ، ولو أعطى درهما من غير قصد ، امتثل أحد الأمرين ، مع
أنّه فرق بين قوله : أعطه ليأذن لك ، وإذا أردت الإذن فأعطه درهما ، وما نحن فيه
من الثاني.
قيل : فرق بين أن
يقول : لا بدّ من الوضوء حال الصلاة ، وأن يقول : إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ ، ولذا
يفيد الثاني التكرار بتكرار الصلاة دون الأوّل .
قلنا : الفرق
بينهما من الجهة التي كلامنا فيها ممنوع جدا ، وأما إفادة الثاني للتكرار فلأجل
دلالة الفعل على التجدّد ، ولذا لو قال : لا بدّ أن يتوضأ حين الصلاة ، يفيده ، بل
وكذا لا بدّ من الوضوء إذا أخذ بالمعنى المصدري.
واستدلّ الثاني
بما مر أيضا بضميمة اتحاد مئال الاستباحة ورفع الحدث.
__________________
واحتج الثالث ـ بعد
دعوى تغايرهما ، لانفكاك كلّ منهما عن الآخر في التيمم ووضوء الحائض ـ بشرعية الوضوء
لأجل الأمرين ، فيجب قصدهما كما مر. وجوابهما ظهر.
واعلم أن التخصيص
بالرفع والاستباحة ، لأن الكلام في الوضوء للصلاة ، ويعلم منه الحال في الغايات
الأخر.
المسألة
السابعة : قد ظهر من وجوب نية القربة ، وعدم
حصول الامتثال بدونها ، أنه لو نوى غيرها منفردا بطل العمل.
ولو ضمّه معها ،
فلو كان رياء ـ وهو العمل بمرأى لإراءته لا لغرض شرعي ، ومنه السمعة ، وهو العمل
بمسمع أحد لإسماعه كذلك ـ بطل مطلقا سواء كلّ منهما مقصودا ذاتا أو كلاهما معا ،
أو أحدهما خاصة وقصد الآخر بالعرض ، بالإجماع من غير السيد الغير القادح في
تحققه ، وهو الحجة.
مضافا إلى خبري
علي بن سالم وعقبة المتقدمين الدالّين على عدم قبول ما لم يكن خالصا لله ، والرياء
بجميع أقسامه ينافيه ، مع تصريح الأوّل بعدم قبول ما أشرك فيه غير الله معه ، وفي
رواية ابن عيينة السالفة ما يصرّح بذلك أيضا.
وإلى النهي عن
الرياء كلّه إجماعا وكتابا وسنّة :
__________________
أثبت الله سبحانه
في كتابه الكريم الويل للذين يراءون وقال أيضا في مقام الذمّ ( يُراؤُنَ النّاسَ ) .
وفي الخبر : « كل
رياء شرك » .
وفي آخر : « إياك
والرياء ، فإنّه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له » .
وفي ثالث : «
اعملوا لله في غير رياء وسمعة » .
وفي رواية داود :
« من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له » .
ولا شك أنّ
المرائي جامع للوصفين ، إذ نفس الإظهار للناس من غير غرض صحيح مما يكرهه الله.
وفي صحيحة زرارة :
عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسّره ذلك ، فقال : « لا بأس ، ما من
أحد إلاّ وهو يحبّ أن يظهر الله له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » .
دل بمفهوم الشرط
على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب ـ إذا صنع ذلك
__________________
لذلك.
هذا ، مع أنّ العمل
رياء بأقسامه متابعة للهوى ، وهو منهي عنه في الكتاب والسنّة ، والنهي في العبادة
يوجب الفساد.
ومنه يظهر البطلان
مطلقا لو كانت الضميمة محرّما آخر غير الرياء.
ولا فرق فيها بين ما إذا كان
الضمّ في تمام العبادة أو جزئها الواجب أو وصفها اللازم ، وبالجملة كلّ ما يبطل
العمل بانتفائه.
وكذا بين ما إذا
كان في ماهية التمام أو الجزء أو الوصف ، أو في أحد أفراد واحد منها الذي يوجد به
المأمور به ، لعدم اجتماع الوجوب والحرمة في واحد شخصي ولو من جهتين بينهما عموم
وخصوص مطلقان أو من وجه.
فيبطل الوضوء لو
توضّأ بالماء البارد ، والصلاة لو صلّى في المسجد ، رياء أو بقصد محرّم آخر ، أي :
إذا كان كونه في المسجد كذا وإن لم يكن في نفس صلاته رياء ، لأنّ الكون جزء الصلاة
، كما في الصلاة في الدار المغصوبة. أو صلّى في أول الوقت رياء ، لأن هذه الصلاة
أحد أفراد المخيّر ، فيتعلّق به النهي ، ومحل الرياء هو الصلاة في أول الوقت.
وكذا لو قرأ سورة
معينة رياء ، أو أحسن القراءة ، أو أجهر فيها ، أو تأنى فيها ، أو صلّى جماعة
لذلك.
وبالجملة : كل ما
يتأدّى به الواجب تبطل الصلاة بقصد الرياء ، أو محرّم آخر فيه.
وأمّا في غير ذلك
فلا ولو كان وصفا قائما بواجب ، لعدم تعلّق النهي عن الوصف بموصوفه ، فلا يبطل
الوضوء بالرياء في الاستقبال فيه ، ولا الغسل بالرياء في الخروج من الماء في
الارتماس ، ولا الصلاة بالرياء في التخشّع فيه ، كإطراق الرأس ، وغمض العين ، وضم
اليدين إلى الفخذين ، ومدّ العنق في الركوع ،
__________________
والتطويل في
السجود بعد التقرّب في القدر الواجب ، ونحو ذلك.
خلافا للسيّد ، فلم يبطل العمل
بقصد الرياء مطلقا وإن قال بعدم استحقاقه الثواب ، وهو مبني على أصله من عدم توقف
الإجزاء على القبول ، ورده في الأصول.
وقوّى ما ذكره بعض
متأخّري المتأخّرين ، فقال : الواجب أمران : فعل المأمور به ، والإخلاص في نيته ،
ولا يوجب الإخلال بالأخير الإخلال بالأوّل وإن أوجب الإثم .
ولا يخفى أنّ ما
ذكره إنّما كان صحيحا لو كان المأمور به هو قصد التقرب والخلوص ، والمنهي عنه هو
إرادة إراءة الناس دون العمل المرائي فيه. وليس كذلك ، بل المأمور به ـ كما هو
مدلول الأخبار السابقة ـ العمل الخالص والعمل لله ، فما لم يكن كذلك لم يكن مأمورا
به ، والمنهي عنه هو العمل لغير الله ، وهو الذي اثبت فيه البأس في رواية زرارة ، وفيه متابعة
الهوى.
مع أنّه قد صرّح
فيما مرّ بعدم قبول ما أشرك فيه غير الله ، وما لم يكن خالصا ، ولازمه عدم كونه
مأمورا به فيفسد قطعا.
وأيضا : لا بدّ في
صحة العمل من كونه بحيث يصدق معه الامتثال ، وهو لا يتحقق إلاّ بما فعل بقصد
الإطاعة.
ولو كانت الضميمة
غير الرياء أو محرّم آخر ، كالتبرّد ، أو التسخّن ، أو نحوهما ، ففيها أقوال :
الصحة مطلقا ،
اختاره في المعتبر والشرائع ، وعن المبسوط والجامع .
__________________
وقيل : الظاهر
أنّه المشهور .
والبطلان كذلك ،
حكي عن ظاهر نهاية الإحكام والإيضاح والبيان والروض وشرح الإرشاد للأردبيلي .
والتفصيل بالصحة
مع رجحانها ، والبطلان بدونه ، وقد تزاد فيه ملاحظة الرجحان أيضا.
وبها إن كانت القربة
الباعث الأصلي ، وعرض قصد الضميمة ، والبطلان في غيره ، احتمله الشهيد في قواعده
والذكرى ، واختاره والدي العلاّمة ـ ; ـ مع التخصيص بغير الراجح ، وأمّا معه فالصحة مطلقا ،
وادّعى عليها الإجماع تبعا لجمع آخر منهم صاحب المدارك .
والتحقيق فيها :
أن متعلّق الضميمة إمّا نفس مهية المأمور به من العبادة أو جزؤها أو شرطها أو
وصفها المطلوبة ، أو خصوصياتها وأوصافها الغير اللازمة.
فإن كان الأوّل ، فإن كانت
الضميمة مقصودة بالذات ، أي باعثا أصليا فالحقّ البطلان مطلقا ، سواء كانت القربة
أيضا كذلك ، بأن يكون كلّ منهما سببا مستقلا أو يكونا معا كذلك حتى يكون كلّ منهما
جزء السبب ، أو لم تكن القربة كذلك.
أمّا الأوّل :
فلعدم انصراف الفعل إلى القربة ، لعدم المرجّح.
__________________
وأمّا الثاني : فلذلك أيضا ،
لأنّ جزء السبب لا يعد سببا ، والفعل للمركب ليس فعلا لكل جزء ، مع أنّ الفعل
فيهما لا يستند إلى القربة عرفا.
وأمّا الثاني فظاهر.
هذا إذا لم تكن
الضميمة راجحة ، وأمّا مع رجحانها فإن أمكن الاستناد إلى القربة ، ولكن لا يتحقق امتثال هذا
الأمر في هذه الصورة عرفا ، بل لا دليل على موافقته لهذا المأمور به ، فلو صام
وكان باعثه الحمية والنذر معا أو كل منهما منفردا ، فلا دليل على أنّه لامتثال
الأمر بالصوم دون الأمر بالحمية ، فلا يصح بل يبطل إلاّ مع ثبوت التداخل فيصح.
وإن لم تكن
الضميمة مقصودة ذاتا ، بل عرض قصدها تبعا بحيث لولاها لفعل ولو انحصر المقصود بها
لم يفعل ، فمع الرجحان لا إشكال في الصحة ، لعدم المنافاة للقربة وصدق الامتثال في
العرف والعادة ووجود المرجّح للموافقة ، وبدونه ففيه إشكال ، ينشأ من تصريح
الأخبار بعدم قبول العمل الغير الخالص ، وعدم خلوص مثل ذلك لغة وعرفا ، ومن تفسير
العمل الخالص في خبر ابن عيينة بما لا يريد فيه حمد غير الله ، فيختص بالخالي عن
الرياء ، وفي بعض الصحاح ما يشعر بأنّه ما ليس فيه شيء من عبادة الأوثان ، والمفروض كذلك.
والثاني أقوى ، والأوّل أحوط.
وإن كان الثاني ، فلا يبطل أصلا
ولو كانت الضميمة مستقلة ، كأن ينوي التبرد من اختيار الماء البارد في التوضؤ ، لا
أن يتوضّأ لذلك ، أو التسخن لاختيار الحار ، والاستسخان من الصلاة في موضع حار إذا
كان الباعث على أصل الوضوء
__________________
والصلاة هو
القربة.
والحاصل : أنّه
إذا لم يضم مع القربة في الإتيان بأصل الواجب ـ الذي هو المطلق ـ شيء
، لا يضر قصد آخر في التعينات والتشخصات والخصوصيات أصلا.
والظاهر أنه إجماع
بل ضرورة ، فهما الحجتان فيه.
مضافا إلى الأصل ،
وإلى أن الترجيح بلا مرجّح باطل ، فلا بدّ في تعيين أحد الأمكنة أو الأزمنة أو
اللباس أو المياه من مرجح ، ولا يجب أن يكون المرجح أمرا راجحا شرعا ضرورة ، بل قد
لا يتحقق غالبا ، بل يصح مع المرجوحية الإضافية أيضا كالصلاة في الحمام.
وإلى أنّ الخصوصية
أمر وراء المطلق الذي هو المأمور به وإن اتحدت معه في الوجود ، فيكون هذا الفعل
متعلّقا للقربة من حيث المهية ، وللضميمة من حيث الخصوصية ، فاختلاف الحيثيتين
أوجب تعلق القصدين ، فهذا متقرب به من حيث إنّه كون للصلاة ـ مثلا ـ ومسخّن منه من
حيث إنّه الكون في الشمس.
ولا يقاس ذلك
بالصلاة في الدار المغصوبة ونحوها ، لأن الوجوب والحرمة وسائر الأحكام الخمسة أمور
متضادة لا يجتمع اثنان منها في محل إلاّ بحيثيتين تقييديتين ، بخلاف التقرب
والتسخّن مثلا ، فإنهما ليسا من المتضادين ، ولذا يبطل فيما كان من هذا القبيل إذا
كانت الضميمة محرمة مطلقا.
فروع :
أ : لو لم يقصد
الرياء ذاتا ولا عرضا ، ولكن سرّه إذا رآه إنسان أو سمعه لم يضر ، لعدم صدق الرياء
عليه ، وقد صرّح به في صحيحة زرارة المتقدمة .
__________________
ب : لو أتى ببعض
الأجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة ، والمضمضة أو الغسلة الثانية في الوضوء ونحو
ذلك رياء يبطل المستحب قطعا ، ولكن لا يبطل الصلاة والوضوء لأجل ذلك.
نعم ، قد يبطل
المسح ببطلان التثنية أو تكون لمعة من الموضع جافا لم تغسل من الأولى فيبطل الوضوء
لأجله ، كما أن قد تبطل الصلاة ببطلان القنوت من جهة الفصل الكثير لو وصل
إليه ، أو من جهة التكلم بالمحرم. وقيل : من جهة عدم اتصال نية الصلاة . وفيه نظر.
ج : سيأتي أن
حقيقة النية هي الداعي المحرك دون المخطر بالبال ، فربما كان الباعث غير امتثال
أمر الله ويخطر بباله القربة مع العلم بأنها ليست الباعث أو للغفلة أو الجهل به ،
والعبادة حينئذ باطلة ، سيما في الأخيرة ( قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ) الآية. وربما
يكون الأمر بالعكس ، فلا باعث له على العمل إلاّ وجه الله ، ولكن يشكك وتخطر بباله
خطرات من غير أن تكون لها مدخلية في التأثير ، وعبادته حينئذ صحيحة. ولو شك في
الباعث والمحرك لم يصح العمل ، للزوم العلم بالانبعاث من القربة.
د : لو طرأ الرياء
في أثناء العبادة يفسد ولو في آخرها إذا كانت مرتبطة الإجزاء.
نعم ، لو حصل بعد
الفراغ لم يضر فيها وإن استفيد من الأخبار حبطها لو أظهرها.
المسألة
الثامنة : المعتبر في النية هي الداعية إلى
الفعل المحركة للإنسان
__________________
إليه ، اللازمة
لفعل كل عاقل مختار ، دون الصورة المخطرة بالبال.
ولتوضيح الفرق
بينهما وتحقيق الحال في المعتبر منهما نقول : إنّ من يسافر إلى الكوفة لتحصيل نفع
، لا بدّ له أن يتصور أولا الكوفة ، والنفع ، وحصوله فيها ، وتوقفه على المسافرة
إليها ، والمسافرة ، فإذا حصلت تلك التصورات ، تحصل للنفس حالة تبعث الأعضاء
والجوارح على المسافرة إليها. وهذه الحالة هي المعبّر عنها بالداعي والباعث ، وهي
قد تحصل للنفس من غير التفاتها إليها وإلى أنها الباعثة ، وقد يكون ملتفتا إليها ،
فيتصور وينتقش في باله أن يسافر إلى الكوفة لأجل النفع ، وذلك الالتفات والتصوير
هو الإخطار.
ثمَّ الحالة
الداعية إذا حصلت للنفس تبقى فيها إلى الفراغ عن العمل ، وتبعث الجوارح على كل جزء
من أجزائه التدريجية ، أو إلى قصده ترك العمل ، أي قصد المنافي ، ولكن قد تبقى
معها التصورات المذكورة ، وقد لا يبقى منها معها شيء ، كما أن الخارج إلى الكوفة
قد يشتغل قلبه حين الذهاب بأمور شاغلة له ، بحيث يذهل عن نفسه فضلا عن الكوفة
والسفر إليها وتحصيل النفع فيها ، ومع ذلك هو في الحركة والذهاب ، والمحرك هو هذه
الحالة المخزونة في النفس وإن كان ذاهلا عنها ، بل الغالب في أفعال الناس ذلك.
ألا ترى أنّه إذا
كنت جالسا ودخل عليك من يستحق التواضع تقوم له حين دخوله عليك من غير أن تتصوّر
وتلتفت في بالك إني أقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه ذلك.
ثمَّ الأولى وهي
الحالة مع بقاء التصورات تسمّى بالنية الفعلية ، والثانية هي النية الحكمية ، وهي
ترتفع إما بتمام العمل ، أو بقصد منافيه ، وهي كافية في وقوع الفعل بالنية ، ولذا
يعدّ المسافر قاصدا في كل جزء من حركته ذهابا وإيابا ، ولا يقال : إنّه متحرك بلا
نية وقصد ، وإن لم يلتفت في كل جزء إلى الذهاب والمقصد ، ولا يعدّ تواضعك خاليا عن
القصد والنية ، ويترتب عليه ثوابه ، بل لو تكلّف الالتفات وتخيل ذلك يستقبحه كل
أحد اطّلع عليه.
ومن هذا ظهر وجه
ما ذكرنا من اعتبار مجرد الداعي وكفايته الذي هو تلك الحالة ، إذ لا يثبت من أدلة
وجوب نية القربة في العبادات سواها ، لصدق النية معها ، وتحقق الامتثال عرفا ،
وعدم الدليل على الزائد ، فينفى بالأصل.
نعم ، لمّا كان
يتوقف حصولها ابتداء على التصورات المتقدمة ، فلو لم يخطر بالبال أولا الكوفة
والنفع والسفر ، أو الشخص الوارد والتواضع ، لما أمكن انبعاث الأعضاء والجوارح إلى
السفر والقيام ، فلا بدّ من النية الفعلية في ابتداء العمل لتحصيل تلك الحالة ـ أي
النية الحكمية ـ وإن لم يتوقف بقاؤها عليها ، فلا يضر عزوب التصورات بعده ، لبقاء
الحالة بدونها.
وهذا هو الباعث
على اتفاقهم على اشتراط النية الفعلية في الابتداء والاكتفاء بالحكمية بعدها ،
فإنّه لو لا الفعلية ابتداء لما حصلت الحكمية أيضا بخلاف الأثناء ، فإنّ الفعلية
الابتدائية كافية في حصول الحكمية وبقائها إلى الانتهاء أو قصد المنافي.
وممّا ذكرنا ظهر
معنى الاستدامة الحكمية المشروطة في العبادات ، ووجه اشتراطها في جميع أجزائها ،
فإنّها لو تخلّفت عن جزء صدر بلا نية. ومعنى النية الفعلية المشروطة في أول أجزائه
، ووجه اشتراطها فيه ، فإنّه لمّا كان حصول الحكمية موقوفا عليها وامتنع تحققها
بدون سبقها ، فلو تأخّر جزء عنها لصدر بلا نية فيبطل ، وببطلانه يبطل العمل ، وليس
اشتراطها لأجل أنّها النية خاصة.
وظهر من جميع ما
ذكر أنّ ها هنا أمورا ثلاثة : التصورات المذكورة وهي النية بمعنى الإخطار ، إذ ليس
هو إلاّ خطور الفعل وأنّه يفعله لما ذا ، والتصورات المقارنة مع الحالة الباعثة
للنفس على الاشتغال وهي النية الفعلية ، والحالة المذكورة مع عدم الالتفات وهي
النية الحكمية ، وهي لازمة البقاء بعد حصول الفعلية وعدم الانتقال إلى مخالفها كما
يأتي. وعلى هذا فمرجع الاستدامة الحكمية إلى عدم الانتقال من الفعلية إلى نية
مخالفها.
وهذا المعنى لها
هو الذي ذكره الأكثر وحكي عنهم ، كما عن المبسوط
والشرائع والمنتهى
والجامع والتذكرة ونهاية الأحكام ، ونسبه الشهيد إلى الأكثر .
بل ـ كما قيل ـ يرجع إليه ما
عن الغنية والسرائر من أنّها أن يكون ذاكرا للفعل غير فاعل لنية مخالفها ،
بجعل قولهم غير فاعل مفسّرا لسابقه.
وقد يجعل هذا
المعنى مغايرا لسابقه ويجعل مجموع الفقرتين تفسيرا لها.
ولا يخفى أنّه على
هذا يكون عين النية الفعلية ، لأنّها أيضا ليست شيئا سوى التذكر للأمور المذكورة
مع الحالة المحركة اللازمة على كل تقدير ، وقد عرفت عدم دليل على لزومها في تمام
الأجزاء ، بل هي ليست معتبرة في نفسه في جزء من الأجزاء وإن اعتبرت لأجل حصول
الحكمية ، إلاّ أن يكون المراد التذكر للفعل فقط ، دون سائر التصورات من أنّه
يفعله ولما ذا يفعله ، وذلك أيضا لا دليل على اعتباره أصلا.
وقد يقال في توجيه
وجوبه : إنّه كما تجب النية في أول الفعل تجب في كل جزء منه أيضا ، ولمّا كانت
النية عندهم هو الإخطار أو الفعلية ، ويتعذّر اعتبارها في جميع الفعل إذ ( ما جَعَلَ
اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) يتوجه بأحدهما
إلى الإخطار وبالآخر إلى إحداث الأجزاء والحركات والسكنات ، فلا بدّ من الاكتفاء
بمجرد التذكر ، إذ « ما لا يدرك كله لا يترك كله » بل ذلك هو الوجه
في اعتبار
__________________
الحكمية بالتفسير
الأوّل أيضا.
نعم ، من لم يجعل
النية هي الإخطار أو الفعلية ، بل اكتفى بمجرد الداعي ، كما هو مقتضى الأدلة ،
اعتبرها بنفسها في تمام العمل لإمكانها ، ولا صارف عنها يوجب المصير إلى الحكمية
بأحد المعنيين.
وفيه : أنّ الحكمية
بمعنى كونه ذاكرا للفعل لا تتحقق أيضا إلاّ بعد قلبين ، يتذكّر بأحدهما الفعل ،
لأنّ التذكّر أيضا من فعل القلب ، ولا يتفاوت في ذلك تذكّر الفعل خاصة أو مع غيره.
نعم ، يصلح ذلك
توجيها لاعتبارها بالمعنى الأوّل ، لأنّه لا يحتاج إلى تذكّر ، ولكنه ليس أمرا غير الداعي
والمحرّك المخزون في النفس وإن لم يلتفت إليه ، إذ مجرد عدم الانتقال من غير كون
الداعي لا يؤثّر في الفعل أصلا ، وعلى هذا فلا يحتاج في وجه اعتباره إلى ذلك
التكلف الركيك ، بل هو عين النية الثابتة بالأدلّة ، ولذا ترى العامل يقال : إنّه
عامل بالقصد إذا نواه أولا وإن ذهل في الأثناء إذا كان مشتغلا غير منتقل بنيته
هذا.
ثمَّ إنّه بقي ها
هنا شيء ، وهو أنّ الثابت ممّا ذكر وجوب عدم تأخّر الفعلية عن أول جزء من العمل ،
وأمّا لزوم عدم تقدّمها عليه فلم يثبت ، فإنّه قد تحصل النية الفعلية قبل العمل
ثمَّ تبقى الحالة التي هي الحكمية حتى تقارن أول الجزء ، وعلى ما ذكر يجب أن يكون
العمل حينئذ صحيحا مع أنّ الأكثر صرّحوا بوجوب مقارنة الفعلية التي يعبّرون عنها
بالنية لأوّل جزء.
أقول : هذا المقام
هو محل غرور جماعة من المتأخرين ، حتى قال بعضهم : بسقوط البحث عن كلفة المقارنة ،
وتقديمها في الوضوء عند غسل اليدين . وآخر : بأنّه لا أدري ما الباعث للتفرقة بين أول الجزء
والأثناء مع تساوي الأجزاء
__________________
فيما يشترط به من
نحو النية . وطعن ثالث بأكثر الفقهاء الذين يبحثون عن أول وقت النية وبمن يحصرها
بين حاصرين . ورابع : بأنّ اشتراط المقارنة إنّما هو على مذاق الموجبين
للإخطار على ما هو الحري بالاعتبار .
ونحن نقول لحسم
مادة الإشكال : إنّه مما لا شك فيه أنّ حصول تلك الحالة الداعية ـ التي تسمى مع
عدم الالتفات إليها بالنية الحكمية ـ موقوف على التصورات المذكورة ، وبقاءها على
الاشتغال بالعمل نفسه أو بمقدماته ، ولا يمكن بقاؤها بدون ذلك ، فلو لم يشتغل بشيء
منها ولم يحضر التصورات لم يمكن بقاء الحالة ، ولذا ترى أنّ من تصوّر زيدا في يوم
وتصوّر بيته ولقاءه والذهاب إلى بيته للقائه ، وحصلت في نفسه حالة باعثة على
الذهاب غدا إلى بيته للقائه ، فلا يمكن ذهابه في الغد إلاّ بتجديد التصورات ، ولو
ذهل عنها بالكلية واشتغل قلبه بأمر آخر امتنع منه الذهاب ، بخلاف من اشتغل بالذهاب
فإنّه يذهب مع الذهول عن زيد وبيته ، بل عن ذهابه لو لم يقصد غيره مما ينافيه.
وهذا هو السر فيما
ترى من أنّك تقصد اشتغال أمر في الغد وتتركه للذهول عمّا قصدت ، وإذا اشتغلت به لا
تتركه وإن ذهلت عنه.
وتوهم إمكان بقاء
الحكمية بدون الاشتغال أيضا فاسد جدّا ، فإنّ من يقصد قبل الزوال الوضوء بعد
الزوال ، ثمَّ يشتغل بأمر آخر لا يمكن أن يتوضّأ بعد الزوال إلاّ بشعوره بالوضوء
وبفعله.
ولعل السرّ في ذلك
احتياج الباقي في البقاء إلى المؤثر ، فمع الاشتغال يكون هو المؤثّر في البقاء ،
بمعنى أن التصوّرات علة لحدوث الحالة وهي للاشتغال بأول
__________________
جزء ، وهو لبقاء
الحالة حين الاشتغال ، هي للاشتغال بالجزء الثاني ، وهو لبقائها وهكذا ، وأمّا إذا
لم يشتغل وعزبت التصورات ، فلا علة لبقاء الحالة فتنتفي.
وإذ ظهر لك توقف
الحكمية على الاشتغال ، فلو لم تقارن الفعلية لأوّل جزء مما يتعلّق بالعمل بل
تقدّمت عليها فتنتفي الحكمية بعدها وقبل الاشتغال ، فيكون الفاعل حال الاشتغال
بأول جزء خاليا عن النية ، فلا بدّ من تجديد التصورات لتحصيل الحالة ، وهذا هو
المقارنة.
وبه يظهر لك سبب
التفرقة وإمكان الحصر وعدم توقف اشتراط المقارنة على وجوب الإخطار ، ويرتفع الطعن
عن العلماء الأخيار ، بل ملاحظة ما ذكرنا يتّضح أمر النية بالتمام ، ويندفع بعض
الإشكالات والإيرادات عن المقام.
فروع مما يتعلق بالنية :
أ : إذ قد عرفت
وجوب مقارنة النية الفعلية لأوّل فعل ما يتعلق بالعبادة ، تعلم أنّ وقت نية الوضوء عند غسل الوجه ،
ويجوز تقديمها عند غسل اليدين المستحب للوضوء التفاتا إلى كونه من الأجزاء
المندوبة له.
ولا يجوز عند
جماعة ، لعدم كونه من الوضوء عندهم وإن استحب.
فالجواز مبني على
كونه من الوضوء أو مستحبا برأسه ، وكذا المضمضة والاستنشاق.
ولا يبعد القول
بكفاية النية عند غسل اليد للوضوء ولو لم يكن جزءا ، بل عند التهيّؤ للوضوء ولو
بتحصيل الماء وأمثاله ، وكذا كل عبادة ، فإنّه ظهر مما ذكرنا أنّ وقت النية
الفعلية هو ابتداء الاشتغال بالعمل نفسه أو بما يتعلق به ، ولا يحتاج إلى الاشتغال
بجزء معين منه.
نعم ، لا بدّ
حينئذ من كون نفس العبادة لا يحتمل غيرها من غير العبادات ،
__________________
إمّا بنفسها أو
بما يميزها من الأمور الخارجية حتى يصدق الامتثال ، ولا من العبادات حتى تتعين
الآثار المترتبة على ما يريد فعله ، وإلاّ لاحتاجت في أول جزء منها إلى قصدها
لتميزها عن غيرها ، ولذا يحتاج الذاهب من بيته إلى الحمام قاصدا للغسل تجديد النية
عند الارتماس ، إلاّ إذا لم يكن من عادته الارتماس لغير الغسل.
ب : وإذ عرفت عدم
العبرة بالإخطار ، وأنّ الداعي هو محل الاعتبار ، تعلم أنّه لو أراد فعلا معيّنا
وحرّكه الداعي إليه كصلاة الظهر ، ثمَّ خطر بباله حين المقارنة غيرها كالصبح أو
العصر لم يضر.
ج : وإذ عرفت
اشتراط القربة والخلوص في نية العبادات ، وأنّه ربما يشتبه الأمر أو تحصل الغفلة
فعليك بالمجاهدة ، ومعرفة الرياء وآثاره وعلاماته والمعالجة ، وعدم الغفلة عن
مكائد النفس الأمّارة ، فإنّ تحصيل الخلوص أمر صعب لا يتأتى في الأغلب إلاّ مع
المجاهدات الصعبة ، كما يدلّ عليه قول الأمير 7 : « تخليص العمل
من الفساد أشد من طول الجهاد » .
وما ورد عنهم من
أنّ « الرياء شرك خفي وأخفى من دبيب النملة » إلى غير ذلك.
ومن ذلك ظهر فساد
ما ذكره بعض المتأخّرين من سهولة الخطب في النية ، وأنّ المعتبر فيها محض تخيل
المنوي بأدنى توجه ، وهذا القدر لا ينفك عنه أحد من العقلاء.
وكذا ظهر مما
ذكرنا ـ من الأخبار الواردة في النية والقربة ومن معنى النية ـ فساد ما قيل : من
أنّ اشتراط النية بالمعنى المعروف من بدع فقهائنا المتأخرين
__________________
تبعا للعامة ،
وإلاّ فالرّواة والقدماء ما كانوا يذكرونها ويتعرضون لها.
د : لو زاد في
النية على ما يجب ، فإمّا يكون من الأوصاف المتحققة في المنوي ، كأن ينوي الوجوب
في الواجب ، أو الندب في المندوب على المختار من عدم اشتراط نية الوجه ، أو ينوي
القصر في صلاة السفر ، أو الإتمام في الحضر ونحوه ، فلا محذور فيه أصلا.
أو يكون مما ليس
فيه ، كأن ينوي الواجب مندوبا ، أو الأداء قضاء ، أو الظهر عصرا ، أو غسل الجنابة
جمعة أو بالعكس ، بمعنى أن يعتقده كذلك ، لا مجرد الإخطار ـ فإنّه لا عبرة به ـ فلا
يخلو إمّا يتعين مقصوده والفعل الذي يأتي به ، إمّا لأجل كون المأمور به أمرا
واحدا معينا لا يشتبه بغيره ويقصده بعينه ، وليس أمر آخر غيره يشتبه به ، أو لأجل
ضمّ ما يميزه عن غيره ـ إن كان ـ إلاّ أنّه أخطأ في اعتقاده الذي زاد ، كأن يتوضأ
للصلاة وجوبا باعتقاد دخول الوقت ولم يدخل ، أو ندبا باعتقاد عدمه وقد دخل ، أو
ينوي الصلاة قضاء باعتقاد خروج الوقت ولم يخرج ، أو أداء باعتقاد عدم خروجه وقد
خرج ، أو توضأ بنية وجوبه أو ندبه نفسا مع أنّه واجب ومندوب لغيره ونحو ذلك مما لا
يحصل فيه الاشتباه لأجل تلك النية فلا محذور أيضا ، كما صرّح به بعضهم ، لأنّه قصد
الأمر المعيّن الذي عليه واقعا ، إلاّ انّه أخطأ في اعتقاده ، وهو غير مضر ، لأنّه
أتى بذلك المعيّن المطلوب منه. والخطأ في اعتقاده لا يخرجه من المطلوب المعين.
وكذا لو كان الخطأ لأجل الغفلة بل ولو تعمد ذلك ، لأنّه قصد لغو لا يضر في صدق
الامتثال العرفي.
وقيل بالبطلان مع
العمد . ولا وجه له.
أو يكون هناك
أمران ويريد وصف أحدهما في النية مع أنّ المأمور به هو الآخر ، كأن ينوي الظهر
باعتقاد أنّه لم يفعله ، ثمَّ ظهر أنّه فعله ، وكانت عليه
__________________
صلاة العصر ، أو
قصد نافلة الصبح زعما منه أنّه ما فعلها فظهر أنّه فعلها وكانت عليه فريضة ، أو
غسل الجمعة باعتقاد أنّ ما فعله غسل الجنابة ثمَّ ظهر أنّه اغتسل للجمعة ، فالظاهر
البطلان ، لأنّه لا يوافق المأمور به ، وما وافقه ليس مأمورا به ، ولأنّ قصد إطاعة
المأمور به شرط في تحقق الامتثال ، وما قصد إطاعته ليس مأمورا به ، وما هو مأمور
به لم يقصد إطاعته.
هـ : إذا وجب أو
استحب أمر كالوضوء أو الغسل لغايات ، فإمّا لا يعلم أنّ الإتيان به مقيدا بكونه
لأجل الغاية أيضا من المأمور به أو يعلم.
فإن لم يعلم ، مثل
أن يقول : يستحب أن يكون النائم متطهرا والقارئ متطهرا والمجامع متطهرا والداخل في
بيته متطهرا ، إلى غير ذلك ، أو ما يؤدّي هذا المؤدّى ، فيكفي للمجموع وضوء واحد ،
لأصالة البراءة ، وصدق التوضؤ والتطهر ونحوهما ، إلاّ أن تثبت من الخارج مطلوبية
التعدّد.
وإن علم أنّ
التقييد بالإتيان لأجل كذا جزء المأمور به ، يلزم في امتثال المجموع التعدد ،
لتعدّد المأمور به حينئذ ، إلاّ أن يثبت التداخل وكفاية واحد للمجموع.
ثمَّ ما كان من
الأوّل فلا تلزم فيه نية الغاية أصلا كما أشير إليه سابقا ، بل لو فعل فعلا واحدا
بنية القربة يكفي لجميع الغايات ، وحينئذ لو نوى غاية معينة تكون من قبيل الزائد
الذي لا يبطل به الفعل ، ولا يصرفه إلى الفعل لتلك الغاية بخصوصها ، للأصل ،
فيترتب عليه جميع الغايات ، وإن ثبت التعدد فيه يمتثل بواحد أمرا واحدا لا بعينه ،
والأمر في ترتب الآثار لو اختلفت كما مر.
وما كان من الثاني
لا يكفي واحد بنية القربة ، ولا يكفي المأتي به بنية إحدى الغايات للأخرى إلاّ
بدليل ، كما ظهر وجهه فيما سبق.
إذا عرفت ذلك نقول
: إنّه لما لم يعلم في الوضوء تقييد الأمر بشيء من أفراده بغاية من غاياته ، بل
غاية ما ثبت وجوب الكون على الوضوء أو استحبابه لأمور ، والأصل عدم التعدّد في
المأمور به أيضا ، فيكفي الوضوء الواحد بنية
القربة لجميع
الغايات ، وكذا لو توضّأ بقصد غاية معيّنة ، ووجهه يظهر مما مر ، وستأتي زيادة
تفصيل لذلك في بحث الأحكام.
هذا ، وقد ظهر بما
ذكرنا أنّ من اشتغلت ذمته بطهارة واجبة ، فنوى الندب أو نوى إحدى غاياته الموجبة
لاستحبابه يصح الوضوء ، إذ ليس المطلوب منه إلاّ وضوء واحد واجب ، غايته أنّه زاد
في النية أمرا لغوا ، فلا يبطل به الوضوء.
وعن المنتهى
والتذكرة ونهاية الإحكام والقواعد والشهيد : البطلان ، ولعله مبني على
اشتراط نية الوجه.
و : لو نوى نقض
الطهارة بعد الإكمال لم تبطل قطعا ، للأصل. ولو نواه في الأثناء بطل الباقي لو
أوقعه ، إلاّ إذا رجع إلى النية قبل فوات الموالاة في الوضوء ، ومطلقا في الغسل ،
وأوقعه بعده ، فيصح.
ز : لو أخلّ في
الوضوء بلمعة ، وغسلها في الغسلة الثانية المندوبة ، صحّ عندنا ، ووجهه ظاهر.
وعلى اشتراط قصد
الوجه لا يصحّ ، وفاقا لأهله إن علم به ، وإن لم يعلم ففيه قولان.
ح : ظهر لك مما
ذكرنا أنّه يكفي وضوء واحد لرفع جميع الأحداث ، سواء نواه أو لم ينوه أو نوى رفع
حدث معيّن ، بل لو نوى عدم رفع حدث.
ط : لا يجوز
الترديد في النية فيما يجب قصده إذا كان عنده معيّنا ، فيبطل لو تردد ، لعدم
الإتيان بالمأمور به. فلو أعطى شيئا وتردّد في قصد الزكاة أو الخمس بطل. وكذا لو
صلّى مترددا بين الفريضة والنافلة. وكذا الحكم في الوجه والرفع عند مشترطي قصدهما.
وأمّا لو لم يكن
معيّنا عنده إما لتردّد في المسألة ، أو للنسيان أو للجهل ،
__________________
مثل أن صلّى
ركعتين ونسي أنّه صلّى الأداء أو القضاء ، أو أعطى شيئا ونسي أنّه أعطى للزكاة أو
الخمس مع اشتغال ذمته بهما ، أو لم يعلم أنّ الزكاة حينئذ واجبة عليه أو مستحبة ،
أو غسل الجمعة على اشتراط نية الوجه ، فالظاهر ـ كما صرّح به بعضهم ـ كفاية قصد ما
في الذمة ، إذ معناه هو المطلوب المعيّن في الواقع.
ولو تردّد بين
إباحة فعل ووجوبه أو استحبابه ينوي الاحتياط ، لأنّ الاحتياط مطلوب للشارع.
ي : على ما
اخترناه يكفي مجرد قصد القربة في كل عبادة واجبة مشتملة على بعض الأجزاء المستحبة
، ولا يلزم قصد الوجه مطلقا فضلا عن قصد الوجوب في الواجبة والندب في المندوبة ،
ولو نوى الوجوب للجميع لم يضر.
وللمشترطين لنية
الوجه في مثلها قولان : وجوب قصد الوجوب في الواجبة ، والندب في المندوبة. قيل :
هو ظاهر جمع من الفقهاء ، وكفاية قصد الوجوب ، نقل عن صريح بعض المتأخّرين ، ولكلّ وجه ،
والأحوط الأوّل.
يا : لو شرع فعلا
لأسباب متعدّدة فنوى عدم بعضها ، كأن يتوضّأ بقصد عدم كونه لتلاوة القرآن ، فإن
كان السبب ممّا علم وجوب قصدها بأن يكون قصدها قيدا للمأمور به ، فلا يجزي عمّا
نوى عدمه قطعا.
ولو لم يكن كذلك ،
فإن لم يكن المأمور به إيقاع الفعل عند ذلك السبب ، بل كان المطلوب وجوده كيف ما
كان ، كما في الوضوء ، حيث إنّه لم يثبت استحباب إيقاع الوضوء لكلّ من غاياته ، بل
المطلوب تحقّقه كيف كان ، فإن المستحب تلاوة القرآن متطهرا لا التوضّؤ مطلقا عند
تلاوته ، فيكفي ذلك الفعل لجميع أسبابه ، والوجه واضح.
وإن كان المأمور
به نفس الفعل عند السبب كالغسل للجمعة والتوبة والحاجة وغيرها ، فالظاهر عدم
الكفاية عمّا نوى عدمه إلاّ مع دليل شرعي ، لعدم
__________________
صدق امتثال ذلك
الأمر عرفا ، فإنّ قصد عدم امتثال أمر يوجب انتفاء صدق امتثاله عرفا قطعا.
يب : لو لم يعلم
جزئية بعض الأجزاء للعبادة ، ولكن أتى به من باب الاتفاق كالطمأنينة في الصلاة أو
المسح في الوضوء أو الطواف بالبيت في الحج ، بطل ذلك الجزء ، لاشتراط القربة ،
وببطلانه تبطل العبادة ، سيما إذا كانت تلك الأجزاء من مقوّمات ماهيّة العبادة
كالإمساكات المخصوصة بالنسبة إلى الصوم ، فلو لم يعلم أحد من الصوم إلاّ الإمساك
من الأكل والشرب والإنزال ، ولم يقصد ترك الإدخال من غير إنزال أو غيره من مبطلات
الصوم ، بطل صومه ، لعدم قصد موافقة المأمور به ، لأنّه لم يقصد القربة فيه ، فلم
يقصد فيما هو الصوم ، ولا شك أنّه لو قصد ـ من يعلم أنّ الصوم إمساك عن الأكل
والوقاع ـ من الصوم الإمساك من الأكل دون الوقاع ، لم يصح صومه ، فكذا من لم يعلم
، لعدم مدخلية العلم في ذلك.
هذا إذا لم يعلم
جميع الأجزاء وعلم انحصارها فيما قصده ، أمّا لو جوّز أجزاء أخر غير ما يعلمه وقصد
جميع ما هو جزء له في الواقع ، فالظاهر الصحة إذا أتى بالجميع ولو اتفاقا ، فلو
نوى من الصوم الإمساك من كلّ ما يعتبر الإمساك عنه في الصوم وأمسك عنه صحّ ولو لم
يعلم الجميع.
الثاني من واجبات الوضوء : غسل الوجه.
ووجوبه ثابت
بالضرورة والنص.
وحدّ الوجه الواجب
غسله طولا : ما بين القصاص والذقن من الوجه. وعرضا : ما حوته الإبهام والوسطى ،
بالإجماع المحقّق والمحكي عن المبسوط والخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والمعتمد وغيرها
، وهو الحجة.
__________________
مضافا إلى رواية
إسماعيل بن مهران : عن حد الوجه ، فكتب « من أول الشعر إلى آخر الوجه ، وكذلك
الجبينين » .
وصحيحة زرارة : «
الوجه الذي قال الله عزّ وجلّ وأمر بغسله ، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا
ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الإبهام والوسطى
من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا ، فهو من
الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه » فقال : الصدغ من الوجه؟ قال : « لا » .
وانطباقها على
المدّعى ظاهر ، فإنّه إذا وضعت الإصبعان على موضع القصاص عرضا شبيه قوس ـ لأن
وضعهما عليه لا يكون إلاّ كذلك ـ وحدرت بهما كذلك إلى الذقن ، يصدق عليه أنه ما
دار عليه ، أي أحاط دوره أو حرّك دوره الإصبعان ، مبتدئا من القصاص إلى الذقن ،
وأنّه ما جرتا عليه من الوجه حال كونه أو الجري عليه مستديرا. وهو إشارة إلى
وضعهما على القصاص مستديرا ، لكون القصاص كذلك ، وإلى ما يخرج من حد الوجه مما
تحويه الإصبعان لو لم تستديرا عند انتهائهما إلى الذقن.
واحتمال إرادة جعل
الإصبعين خطّا واصلا بين القصاص والذقن ، دائرا على نفسه مع ثبات وسطه ـ كبعض
المتأخرين ـ بعيد من الفهم جدّا ، ومع فهم المعظم خلافه يصير أبعد ، بل
يبطله أنه على ذلك يكون ابتداء دوران إحدى الإصبعين من القصاص والأخرى من الذقن
دفعة واحدة ، وكذلك انتهاؤهما ، فلا يكون ابتداء من قصاص ولا انتهاء من ذقن.
__________________
مضافا إلى عدم كون
ما بين القصاص والذقن بقدر الإصبعين غالبا ، بل إمّا يزيد أو ينقص ، فيلزم خروج ما
اتّفق على دخوله أو عكسه ، بل يلزم الأوّل على فرض التطابق أيضا ، إذ مقتضى الحركة
الدورية بهذا الطريق انفصال طرف الإصبع الموضوع على القصاص منه مع ازدياد ميله إلى
السفل ، فيخرج ما يتصل من الجبهة والجبين من الطرفين بالقصاص سوى قدر طرف إصبع ،
وذلك باطل إجماعا.
ومنه يظهر وجوب
المصير إلى المشهور على ذلك الاحتمال أيضا ، لعدم اختلاف على الاحتمالين
إلاّ فيما يخرج من الجبهة ( والجبين ) من الطرف الأعلى ، وإدخاله واجب بالإجماع.
وتوهّم دخول
النزعتين ، وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبين ـ على التفسير المشهور
ـ وكذا جميع مواضع التحذيف ، وهي منابت الشعر الخفيف بين النزعة والصدغ ، أو
ابتداء العذار ، باطل ، لتصريح الرواية بوجوب كون المحدود من الوجه ، والأوّل وبعض
الثاني أو تمامه من الرأس عرفا.
ويؤكّده خروج
الأوّل عن التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس.
وأمّا الصدغ فهو
مشترك في الاحتمالين في خروج بعضه ودخول البعض ، لاتّحاد موضع طرفي الإصبعين على
الاحتمالين في قرب الوصول إلى طرف الحاجب. هذا على بعض تفاسيره ، ويخرج كلاّ على
البعض عليهما. ومن هذا يظهر ضعف ما أيّد به الاحتمال الأخير.
ثمَّ إنّه لا يجب
غسل ما زاد على التحديد المذكور طولا وعرضا ، ولا يجوز ترك ما دخل فيه كذلك.
فلا يغسل النزعتان
ولا ما استرسل من اللحية طولا وعرضا إجماعا.
__________________
ولا شيء من الصدغ
لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة ، كما هو ظاهر الصحيح المتقدم ، وجمع من
الأصحاب . ولا جميعه لو فسّر بمجموع ما بين العين والاذن ، كما عن
بعض أهل اللغة ، أو المنخفض الذي بين أعلى الاذن وطرف الحاجب ، كما عن
بعض الفقهاء ، أو الشعر المتدلي بين العين والاذن أو منبت ذلك الشعر
كما قيل .
ولا من مواضع
التحذيف. والعذار ، وهو ما حاذى الاذن من الشعر.
والعارض ، وهو
الشعر المنحط عن المحاذي للأذن إلى الذقن إلاّ ما دخل من الأربعة في التحديد ،
وفاقا لجماعة ، وخلافا في الأوّل منها للمحكي عن الراوندي ، فأدخله
جميعا ، وصريح الصحيح يردّه.
وللأكثر ، بل قيل
: إنه إجماعي . وفي الذخيرة : ذهب إليه جمهور العلماء ، فأخرجوه كذلك
لذلك مطلقا ، وبه يخصّون التحديد على غير التفسير الأوّل.
ويمكن دفعه بعدم
التعارض ، إذ لا يدخل على هذا إلاّ بعض الصدغ ، وما صرّح بخروجه هي الصدغ ، وبعض
الشيء غير الشيء.
ولو سلّم التعارض
فليس تخصيص المحدود بأولى من تخصيص الصدغ ،
__________________
بل هو أولى ، حيث
إنّ الظاهر دخول ما تحويه الإصبعان منه في الوجه العرفي.
وفي الثاني لبعضهم
، فأدخلها ، بل نسبه إلى غير شاذ من الفقهاء ، للدخول في الوجه.
ويضعّف : بأنّ
الصحيح يخصّها كلاّ أو بعضا لو سلّم الدخول.
وللمنقول عن
التذكرة والمنتهى ، فأخرجها ، للدخول في الرأس لنبات الشعر عليه. ولا دلالة
له على الدخول أصلا.
وفي الثالث
للمنتهى والتحرير ، ونسب إلى المعظم ، فأخرجوه مطلقا ، بل نفي الأوّل
استحباب غسله ، والثاني حرّمه مع اعتقاد شرعيته. وللمحكي عن المبسوط ، والخلاف ،
والمسالك ، والكركي في شرح الشرائع ، فأدخلوه كذلك ،
لأدلّة ضعفها بعد تصريح الصحيح السابق ظاهر.
والجمع بين كلام
الفريقين بإرادة البعض الخارج من التحديد والداخل فيه ـ كما عن المعتبر والتذكرة
ونهاية الإحكام ـ ممكن ، إلاّ أنّ الظاهر خروج العذار من المحدود ، لعدم
وصول الإصبعين من مستوى الخلقة إليه.
وفي الرابع
للمنقول عن الإسكافي والشهيدين ، فأدخلوه ، بل عن ثانيهما عدم الخلاف فيه. وللمنتهى فأخرجه.
وإرادة الأوّلين
ما نالته الإصبعان منه ، والثاني ما يخرج مما تنالانه ـ كما هو
__________________
ظاهر نهاية
الإحكام ـ ممكنة ، فلا يكون اختلاف.
والاستناد في إخراجه بعدم
شمول الإصبعين له ـ لأن اعتبارهما في الوسط ، وفي غيره بما يحاذي موضعه منه ،
وإلاّ لوجب غسل ما تنالانه وإن تجاوز العارض ـ ضعيف ، إذ لا دليل على هذا التخصيص.
وخروج ما ذكره
بالإجماع لا يوجب خروج غيره ، مع أنّ قوله : « من الوجه » في الصحيح يخرج ما ذكره
، لأن المتجاوز عن العارض ليس من الوجه.
فروع :
أ : القصاص منتهى
منبت الشعر من الناصية دون النزعتين ، لأنهما من الرأس ، وهو عند انتهاء استدارة
الرأس وابتداء تسطيح الجبهة.
والمعتبر إنما هو
من مستوى الخلقة ، لأنّه المتبادر حين يطلق ، وكذا في التحديد العرضي بالإصبعين ،
فيرجع فاقد شعر الناصية المعبّر عنه بالأنزع ، وأشعر الجبهة المسمّى بالأغم ،
وقصير الأصابع وطويلها بالنسبة إلى وجهه ، إلى مستوى الخلقة.
ب : يجب استيعاب
الوجه المحدود بالغسل إجماعا ، بل ضرورة من الدين ، كما صرّح به بعض مشايخنا
المحققين .
تدلّ عليه صحيحة
زرارة المتقدمة ، وصحيحته الأخرى : إلا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ
المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين؟ فضحك ، فقال : « يا زرارة قال رسول الله 6 ونزل به الكتاب
من الله بقوله :
__________________
( فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل » .
وحسنة زرارة وبكير
: « إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلاّ غسله ، وأمر بغسل اليدين
إلى المرافق ، فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلاّ غسله » وتظهر منها دلالة
الآية عليه أيضا.
ج : لا خلاف في
عدم وجوب تخليل ما كان كثيفا ، أي ساترا للبشرة من اللحية ، سواء كان كلّها أو
بعضها ، وعليه الإجماع عن الخلاف والناصريات .
وإنّما الخلاف في
الخفيفة ، وفسّروها بما يتراءى البشرة من خلالها في مجلس التخاطب.
فعن الشيخ في
المبسوط ، والمحقق ، والفاضل في المنتهى والإرشاد والتلخيص والتحرير ، والشهيد في بعض
كتبه : عدم الوجوب.
بل قيل : إنّه
المشهور .
وعن العماني ، والإسكافي ، والسيّد ، والفاضل في
المختلف
__________________
والتذكرة : الوجوب.
واضطربت كلمات
المتأخّرين في تحرير محل النزاع ، حتى آل إلى دعوى بعضهم الإجماع على ما
جعله الآخر موضع الخلاف.
ومنهم من جعل
النزاع لفظيا ، وقال : إنّ كل من قال بوجوب التخليل فأراد الكثيفة ، إذ ليس في
الخفيفة تخليل ، بل هو إيصال الماء . أو قال : إنّ من نفى التخليل في الخفيفة نفاه لغسل البشرة
المستورة بها أصالة ، وأما غسلها من باب المقدمة لغسل الظاهرة خلالها الواجب غسلها
البتة فلا ينفيه.
ومن أثبته أراد
الأعم من التبعي .
ومنهم من جعله ذا
احتمالات حكم في بعضها بالوجوب وفي آخر بالعدم .
والتحقيق : أنّ
مقتضى استصحاب الحكم الثابت قبل نبات اللحية وجوب غسل البشرة حتى يعلم الرافع ،
وما يصلح رافعا هنا صحيحتا محمّد وزرارة وروايته .
أولاها : أرأيت ما
أحاط به الشعر؟ فقال : « كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ، فلا
يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » .
__________________
وثانيتها : عن الرجل يتوضّأ أيبطن لحيته؟ قال : « لا » .
وثالثتها : « إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » .
ولا شك في رفعها
الوجوب في الكثيفة ، فيرفع فيها بها ، مضافا إلى الإجماع.
ورفعه بالأصل ـ كما
قيل ـ غير جيد ، لما عرفت من الاستصحاب.
وأمّا الخفيفة ـ على
ما فسّروها به ـ فلا يرفع الوجوب في جميع أفرادها بها ، لأنّ منها ما تصدق عليها
الإحاطة عرفا ، وعلى تخليلها التبطين ، ومنها ما ليس كذلك بل تعدّ عرفا مما ظهر.
فالحق التفصيل
بذلك ، والقول بأنّ كلّما كان الشعر محيطا بالبشرة بحيث يقال : إنها تحته وباطنه ،
لا يجب إيصال الماء إلى تحته ، ولو كان بحيث يتراءى أحيانا وفي بعض الأوضاع ،
وكلّما لم يكن كذلك يجب الإيصال ، وما كان موضع الشك يعمل فيه بمقتضى الاستصحاب.
ولا ينافي وجوبه في بعض أفرادها
المستفيضة الدالّة على كفاية الغرفة ، لوصول الماء بها إلى البشرة فيه ، بل يمكن إيصالها إليها
في جميع أفرادها ، كيف مع أنها كافية لليد مع وجوب التخليل فيها عند الأكثر مع كون المغسول
فيها أوسع.
وأيضا : قد صرّحت
الأخبار بكفاية ثلاث أكف في الغسل ، مع ما فيه
__________________
من سعة المحل
ووجوب تخليل الشعر فيه وإن كثف.
هذا ، ولا يبعد
تنزيل كلام الأصحاب على ذلك أيضا.
ثمَّ إنّ حكم كل
ما في الوجه من الشعور غير اللحية ، كالشارب ، والخد ، والعذار ، والحاجب ،
والعنفقة ، والهدب ، حكم اللحية بعينه ، لعموم الصحيحة الأوّلى والرواية.
وفي عدم استحباب
تخليل ما لا يجب تخليله ، كما عن المحقق ، والنفلية ، والبيان ، للأصل ، وظاهر الصحيحين ، واحتمال دخوله في التعدي
المنهي عنه وكونه مذهب العامة كما صرّح به جماعة ، ويستفاد من
المروي في كشف الغمة ـ فيما كتب مولانا الكاظم إلى علي بن يقطين اتّقاء ـ : « اغسل
وجهك وخلّل شعر لحيتك » ثمَّ كتب إليه : « توضّأ كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة
واخرى إسباغا » إلى أن قال : « فقد زال ما كنّا نخاف عليك » ولم يتعرض له
ثانيا ، ولو كان مستحبا لذكره كالإسباغ.
أو استحبابه ، كما
عن التذكرة ، ونهاية الإحكام ، والشهيد ، للاحتياط ، قولان : أظهرهما : الأوّل ، لما مرّ.
__________________
والاحتياط إنما
يتم مع الريبة وليست في الكثيفة ، للإجماع على عدم الوجوب فيها. وفتوى هؤلاء لا تثمر
مع الظواهر المذكورة.
نعم ، يجب غسل شيء
من المستورة فيما يجب تخليله من الخفيفة من باب المقدمة.
والمرأة كالرجل لو
نبت شعر في وجهها على ما نقل عن المبسوط ، والمهذب ، والجواهر ، والمعتبر ، بل عليه دعوى
الإجماع ، لإطلاق بعض ما سبق من الأخبار.
د : من بوجهه آثار
الجدري يجب عليه إيصال الماء إلى جوفها ، لكونها من الظواهر. فلو حشا بعضها بحشو
يمنع الماء يبطل ، بخلاف ما تعارف لبعض النسوان ، حيث يحككن موضعا من جسدهن
ويحشينه بالنيل ومثله ، فإنّه ليس من الظواهر.
هـ : تجب البدأة
في غسله بالأعلى ، وفاقا للمبسوط ، والوسيلة ، والإصباح ، والشرائع ، والمعتبر ، وكتب الفاضل ، ونسبه في
التذكرة وغيره إلى الأكثر ، للمروي في قرب الإسناد : « ولا تلطم
وجهك بالماء لطما ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا » .
وضعفه منجبر
بالشهرة ، ولا أقلّ من المحكية وهي في الجبر كافية.
واحتمال تحديد
الوجه دون بيان مبدأ الغسل ومنتهاه خلاف أصل الحقيقة
__________________
في الحرفين ، ولما
يتبادر منهما عند عدم القرينة ، كما يظهر من قول القائل : ذهبت من البصرة إلى
الكوفة.
ويدل عليه خبر
التميمي الآتي في غسل اليد ، حيث فرّق 7 بين التفسيرين. وفهم التحديد أحيانا بالقرينة لا يفيد.
ويؤيده : مفهوم
صحيحة حمّاد : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » .
والمستفيضة
الحاكية لوضوء رسول الله 6 ، ففي إحداهما : « وأخذ كفا من ماء ، فأسدله على وجهه من
أعلى الوجه » .
وفي الأخرى : «
فملأها ماء ، فوضعه على جبينه » .
وفي الثالثة
المروية في تفسير العياشي : « فصبّها على جبهته » .
والاستدلال بها ،
لأنّ فعله إذا كان بيانا لمجمل وجب ، مع أنه لو لم يجب لم تكن فائدة في ذكر خصوص
الغسل من الأعلى ، وإنه نقل عنه أنه لما أكمل وضوءه قال : « هذا وضوء لا يقبل الله
صلاة إلاّ به » ، غير تام.
كالاستدلال
باستصحاب الحدث ، وبافتقار تيقّن الشغل إلى تيقّن البراءة ، وبوجوب البدأة بالأعلى
في اليدين ولا فصل ، وبانصراف إطلاق الأمر بغسل الوجه إلى الشائع.
لضعف الأوّل : بمنع
دلالته على بدأة الرسول بالأعلى أيضا ، لعدم العلم بمدخليتها فيه ، بل يجوز أن
يكون من قبيل طلب القدح وكيفية حركة اليد ، فهو أحد جزئيات الغسل الذي لا بدّ من
واحد منها.
__________________
سلّمنا ولكن نمنع
كونه بيانا ، لجواز أن يكون حكاية وضوئه غالبا.
سلّمنا ولكن لا
نسلّم وجوب كلّ ما كان بيانا للمجمل وإن علم وجهه ، كما بيّنا في موضعه.
وأمّا ذكر خصوص
الأعلى فمع أنّه ليس من الإمام ، يجوز أن يكون لاستحبابه ، أو من قبيل ذكر طلب
القدح وملء الكف وأمثالهما.
وما نقل عنه لم
يثبت أنه بعد ذلك الوضوء.
والقول بأنّ
الظاهر أنّ ما كان قبله كان من الأعلى ، لشيوعه ، ومرجوحية غيره ، وعدم حصول
الالتزام به ، مردود : بمنع شيوعه وإن شاع غير الأسفل ، فيحتمل الغسل من الوسط.
ومنع مرجوحيته ، مع أنّ المرجوح قد يرتكب لبيان الجواز. وعدم حصول الالتزام بالغير
، لعدم ثبوت كونه من العبادة.
على أنّه لا بدّ
أن يحمل على المثل لا الشخص ، والمثلية تحصل بالاشتراك فيما يعلم انّه ليس من
العادات ، وحمل المماثلة المطلقة على العموم ممنوع. ولو سلّم فلو لم يكن هناك ما
يرجح أمرا خاصا وهو في الحديث موجود ، إذ هو هكذا : قال الصادق 7 : « والله ما كان
وضوء رسول الله 6 إلاّ مرّة مرّة ، وتوضّأ النبي 6 مرّة مرّة ، فقال
: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » والمتبادر منه أنّ مثل هذا في كونه مرّة مرّة.
هذا ، مع أنّ
الثانيتين لا تدلاّن على البدأة بأعلى الجبهة والجبين. بل يمكن أن يراد بالأعلى في
الأولى أيضا العرفي ، فلا يثبت المطلوب إن كان الأعلى الحقيقي.
والثاني : بما مر
في مسألة نية الوجه والرفع.
والثالث : بعدم
تيقّن الشغل إلاّ بمطلق الغسل وقد حصل.
فإن قيل : عدم
الاشتغال بالوضوء الصحيح ولم يعلم حصوله.
__________________
قلنا : الوضوء في
الأخبار مبيّن كما مرّ وأطلق فيها الغسل ، والأصل عدم التقييد.
وأيضا : ورد في
المعتبرة أنّ الوضوء في القرآن مذكور والغسل فيه مطلق ، فيحصل الوضوء به ، ويلزمه تيقّن
البراءة.
والرابع : بمنع
عدم الفصل كما سيظهر ، كيف واقتصر بعضهم بذكره في اليدين خاصة.
والخامس : بمنع
الشيوع الذي يوجب الانصراف إليه ، سلّمناه ولكنه في غير الذقن كما مر.
ولضعف تلك الأدلة
ـ التي هي مستند الأكثر ـ ذهب جماعة من المتأخرين إلى عدم وجوبها.
وهو صريح السيد ، والحلي ، وابن سعيد ، وظاهر الصدوق في الهداية ، ومحتمل النافع
واللمعة ، للأصل ، وإطلاق الآية والأخبار ، وصدق الامتثال ، وصحيحة
حمّاد السابقة ، بتقريب : انّ المسح في اللغة يصدق على إمرار اليد ولو في
الغسل ، واستعمل فيه أيضا في الروايات كرواية قرب الإسناد ، المتقدّمة ، وفي صحيحة
زرارة ـ بعد قوله : « فأسدله على
__________________
وجهه » ـ : « ثمَّ
مسح وجهه من الجانبين جميعا ، ثمَّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده
اليمنى ثمَّ مسح جوانبها » وفي صحيحة محمّد : « فأخذ كفا من ماء ، فصبه على وجهه ،
ثمَّ مسح جانبيه حتى مسحه كله » .
والأصل والإطلاق
بما ذكرنا مندفع ومقيّد. وصدق الامتثال بعد الأمر بالبدأة من الأعلى فيما مرّ
ممنوع.
والمسح وإن صدق
على مطلق إمرار اليد ، ولكنه أعمّ من وجه من الغسل ، والواجب في الوجه الغسل دون
المسح ، فلا مسح في الوضوء إلاّ في الرأس والرجلين ، فهو المراد من مسح الوضوء
قطعا.
ثمَّ الواجب هو
البدأة بالأعلى بحيث يصدق عرفا أنّه بدأ منه منتهيا إلى الأسفل. وأما غسل كلّ جزء
من الأعلى قبل الأسفل فلا ، بل فيه العسر المنفي.
بل الثابت ممّا
ذكرنا ليس إلاّ البدأة بما هو الأعلى عرفا ، لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني العرفية
حقيقة ، وهو يصدق بالابتداء من الجبهة مطلقا. وأمّا وجوب البدأة بمبدإ القصاص
حقيقة فلا دليل عليه أصلا ، والأصل ينفيه.
و : يجوز غسل
الوجه بكلّ من اليدين ، للأصل ، وإن كان الفضل في اليمنى كما يأتي. وبهما معا ،
للأصل ، وموثّقة بكير وزرارة وفيها : « ثمَّ غمس كفّه اليمنى في التور فغسل وجهه
بها ، واستعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه » .
الثالث
: غسل اليدين من المرفقين إلى رؤوس
الأصابع. ووجوبه أيضا ضروري
منصوص عليه في الكتاب والسنّة المتواترة.
ويجب استيعابهما
إلى المرفقين ، بحيث لا يشذّ منهما شيء إجماعا.
__________________
وتدلّ عليه حسنة
زرارة وبكير المتقدّمة ، وصحيحة زرارة في السوار والدّملج والخاتم الآتية ، والمروي في
تفسير العياشي : « وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين ، فليس ينبغي له أن يدع من يديه
إلى المرفقين شيئا إلاّ غسله » .
والمرفق إمّا مفصل
عظمي الذراع والعضد فيكون خطا هو الحد المشترك بينهما ، أو مجمعهما فشيء منه داخل
في العضد وشيء في الذراع ، أو كلّه يكون من كلّ منهما.
ولا دلالة للصحاح
الآمرة بغسل المكان المقطوع منهما إطلاقا أو خصوصا على ترجيح المعنى الثاني كما قيل .
ويجب إدخالهما في
الغسل أيضا ، وفاقا كما عن الجوامع ، والتبيان ، والمنتهى ، والبيان ، وإن اختلفوا في مأخذه فقيل : للظواهر من الآية والأخبار
البيانية ، وما ورد في وضوء الأقطع فيكون وجوبه أصليا نفسيا .
وقيل : لتوقّف
تحصيل الواجب عليه ، فيكون الوجوب تبعيا غيريا.
وهو الحقّ على
التفسير الأوّل مطلقا ، للأصل ، وعدم تمامية دلالة شيء ممّا ذكر للأوّل.
أما الآية :
فظاهرة.
وأمّا البيانيات :
فلعدم ثبوت الوجوب منها كما مرّ.
__________________
وأما أخبار وضوء
الأقطع : فلعدم التلازم بين مدلولها وبين ما قصدوه.
وفي غير ما يدخل
منه في الذراع على التفسير الثاني ، لتصريح الأخبار بوجوب غسل جميع الذراع.
وأمّا على الثالث
: فالحقّ الأوّل ، لذلك.
قالوا : وتظهر
فائدة الخلاف في وضوء الأقطع وفي وجوب إدخال جزء من العضد .
وفيه تأمل ، سيما
الأوّل.
وتجب في غسلهما
البدأة من المرفقين ، وفقا للأكثر حتى ابن سعيد ، بل عليه
الإجماع في التبيان ، لا لمثل بعض ما مر في الوجه ، لما عرفت من ضعفه.
بل لخبر التميمي :
عن قول الله تعالى ( فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فقلت : هكذا
ومسحت من ظفر كفي إلى المرفق ، فقال : « ليس هكذا تنزيلها ، إنّما هي (
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) من ( الْمَرافِقِ ) ، ثمَّ أمرّ يده
من مرفقه إلى أصابعه » .
والمروي في كشف
الغمة ، وفيه : « فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفقين ومسح الرأس
والرجلين إلى الكعبين » .
والمروي فيه وفي
الخرائج في حكاية وضوء علي بن يقطين ، وفيه : « واغسل يديك من المرفقين » .
__________________
وفي تفسير العياشي
: « قلت له : قال : اغسلوا ( أَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرافِقِ ) فكيف الغسل؟ قال : « هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه
في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف » إلى أن قال : قلت : يرد
الشعر؟ قال : « إذا كان عنده آخر فعل ، وإلاّ فلا » أراد بالآخر من
يتقيه.
وفيه أيضا في
حكاية وضوء رسول الله 6 : « يغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى
المرفق » .
وضعف ما كان منها
ضعيفا منجبر بالشهرة.
ولا ينافيه الآية
، ومثل المروي في الخصال : « هذه شرائع الدين لمن تمسّك بها وأراد الله هداه :
إسباغ الوضوء كما أمر الله عزّ وجلّ في كتابه الناطق ، غسل الوجه واليدين إلى
المرفقين ، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين » .
وفي العلل ومجالس
الصدوق ، وفيهما : « وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين » .
وفي تفسير العياشي
: « وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين » .
لأنّ النكس ليس
واجبا ولا مندوبا إجماعا. وحمل الأمر على الجواز تجوّزا ليس أولى من التجوّز في :
« إلي » مع أنّ في تفسير العياشي ـ كما مرّ ـ فسّر الغسل إلى المرفق بما يوافق
المشهور.
خلافا لأكثر من
خالف في الوجه ، ومنهم : السيد في الناصريات
__________________
والانتصار ، والحلّي ، وفي كفاية
الأحكام أنّه يلوح من كلام الشيخ في التهذيب ، فجوّزوا غسلهما منكوسا ، لضعف جميع ما استند المشهور
إليه إمّا دلالة أو سندا.
ويضعف بما مرّ من
انجبار الضعيف منه سندا بالعمل.
فروع :
أ : قطع اليد إن
كان من تحت المرفق ، غسل الباقي إليه إجماعا محقّقا ومنقولا في المنتهى وغيره .
وهو الحجة فيه ،
مؤيّدا بحسنة محمّد : عن الأقطع اليد والرجل ، قال : « يغسلهما » خرج ما خرج منها
بالإجماع ، فيبقى الباقي.
وصحيحة رفاعة : عن
الأقطع اليد والرجل كيف يتوضّأ؟ قال : « يغسل ذلك المكان الذي قطع منه » .
وحسنته وفيها : «
يغسل ما قطع منه » .
وجعلها دليلا غير
جيّد ، لعدم دلالتها على الزائد على مطلق الرجحان. مع أنّ في الأولى ـ لاشتمالها
على الرجل الموجب لعدم إرادة الظاهر قطعا ـ إجمالا ، والأخيرتين لا تثبتانه في
الزائد عن موضع القطع. وكذا الاستدلال باستصحاب ما دلّ عليه الأمر بغسل المجموع
تبعا ، وهو وجوب غسل كلّ جزء ، لأنّ الثابت له
__________________
ليس إلاّ الوجوب
التبعي الغيري ، وهو يزول بزوال وجوب الغير والمتبوع قطعا.
وإن كان من المرفق
، فإن فسّرناه بأحد الأخيرين ، وبقي شيء من الذراع ، وجب غسله ، لما مرّ ، وإلاّ
يستحب غسل موضع القطع ، للروايتين الأخيرتين. ولا يجب وفاقا للمنتهى والمعتبر
والتحرير والإرشاد ، للأصل. وخلافا للمحكي عن الإسكافي والقاضي والشيخ ، والتذكرة
والذكرى ، فأوجبوا غسل رأس العضد.
وكأنّه للاستصحاب
المتقدّم ضعفه ، أو الروايتين الغير المثبتتين للوجوب. بل الظاهر حينئذ استحباب
غسل الباقي من اليد ، للصحيح : عن رجل قطعت يده من المرفق ، قال : « يغسل ما بقي
من عضده » .
وإن كان من فوقه ،
سقط الوجوب إجماعا.
وهل يستحب غسل
موضع القطع ، أم تمام الباقي ، أم لا يستحب شيء منهما؟
ظاهر الروايتين :
الأوّل ، وهو كذلك.
وعن المنتهى
والتذكرة والنهاية والدروس : الثاني .
ولا دليل عليه
إلاّ إطلاق حسنة محمّد ، وقد عرفت إجمالها.
__________________
وعن المبسوط :
استحباب مسح الباقي .
والظاهر أنّ مراده
أيضا الغسل ، وإلاّ فلعلّ مستنده الحسنة بحمل الغسل على المسح ، لبطلان إبقائه على
حقيقته ، وعدم تجويز استعمال اللفظ في معنييه.
ويضعفه إمكان حمل
آخر كالتقية.
ب : الزائد إن كان
ما دون المرفق أو معه ، وجب غسله ، وفاقا ظاهرا ، سلعة كان أو إصبعا أو ذراعا أو
لحما ، له ولتوقّف العلم بغسل جميع الأجزاء الأصلية عليه ، حيث إنّ
الزائد واقع فيها مشتمل على جزء منها ، ولصدق الجزئية ، وإن كان فيها في الجميع
محلّ كلام.
وأمّا الثقبة
الواقعة فيه ، فإن كانت من الظواهر عرفا ، بأن كانت مكشوفة ، نابتا عليها الجلد ،
وجب غسلها للجزئية ، وإلاّ فلا.
وإن كان فوقه ،
فإن لم يكن يدا لا يجب غسله إجماعا.
وإن كان ، فإن لم
يتميز عن الأصلية وجب غسله من غير خلاف يعرف ، وفي المنتهى والتذكرة الإجماع عليه.
لا لإيجاب تخصيص
إحداهما للتحكّم ، ولا لتوقّف العلم بغسل الأصلية عليه ، لاندفاع التحكّم بالتخيير
، وجواز عدم اتّصاف واحدة منهما بالأصلية ، وكون الحكم في مثله التخيير.
بل لعموم الجمع
المضاف في قوله : « ( أَيْدِيَكُمْ ) ».
وكذا إن تميّز ،
وفاقا للتلخيص والمختلف والمنتهى والإرشاد ، ومحتمل التذكرة والشرائع ، لما مرّ.
__________________
خلافا للمنقول عن
المبسوط والمهذّب والجواهر والمعتبر فلم يوجبوا غسله ، لخروجه عن اليد المأمور بغسلها. وفيه
نظر.
ج : يجب إيصال
الماء تحت جميع ما في محل الغسل من سوار ودملج وخاتم وغيرها ، للإجماع ، وعموم
حسنة زرارة وبكير ، ورواية العياشي المتقدّمتين .
وخصوص صحيحة علي :
عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحتها أم لا ،
كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال : « تحرّكه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه »
وعن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضّأ أم لا ، كيف يصنع؟ قال : «
إن علم أنّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ » .
ولا ينافي المطلوب
مفهوم جزئها الأخير ، لأنّ مفادها أنّ مع عدم العلم لا يجب الإخراج ، وهو كذلك ،
فإنّه مع العلم بعدم وصول الماء تحته لا محيص عن إخراجه فيجب ، وأمّا إذا لم يعلم
عدم وصوله ، فإن علم الوصول فهو ، وإلاّ فيحرّك حتى يدخل أو ينزعه ، كما صرّح به
في صدرها ، فلا يجب الإخراج حينئذ.
وأمّا حسنة ابن
أبي العلاء : عن الخاتم إذا اغتسلت ، قال : « حوّله من مكانه » وقال في الوضوء : «
تديره ، وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة » فمحمولة على ما
إذا لم يعلم عدم الوصول ، جمعا بينها وبين الأخبار المستفيضة المصرّحة بوجوب
الإعادة بنسيان جزء من موضع الغسل ، بل بين الصحيحة التي هي أخص منها مطلقا ، فإنّه حينئذ لا
تعاد الصلاة مع
__________________
النسيان ، أمّا مع
العلم بالوصول فظاهر ، وأمّا بدونه فلرجوعه إلى الشك بعد الفعل وهو لا يعبأ به ،
كما يأتي.
وكذا الشعر مع خفّته
إجماعا. وكذا مع الكثافة عند جماعة ، استنادا إلى وجوب غسل كلّ جزء ، كما هو المصرّح به في
الأخبار .
إلاّ أنّ مقتضى
صحيحة زرارة ، المتقدّمة في شعر الوجه : عدم وجوبه ، ووجوب غسل الشعر خاصة.
وتخصيصها بالوجه
لا وجه له.
والمراد بغسل كلّ جزء من
اليد كما يمكن أن يكون كلّ جزء من ظاهر جلده ، يمكن أن يكون كلّ جزء من ظاهر
أجزائها كما في الوجه ، ومنه شعرها المحيط بها ، ومع العموم فالصحيحة للتخصيص
صالحة. ولذا استشكل في غرر المجامع وغيره في الفرق بين الوجه واليد. وهو في محلّه ، والإجماع الرافع
له غير ثابت وإن ادّعاه الكركي في باب غسل الجنابة من شرح القواعد . وأمر الاحتياط
واضح.
وأما الأظفار :
فلا إشكال في وجوب غسلها ما لم يخرج عن حد اليد ، أي : عن محاذاة رأس الإصبع. وكذا
معه ، وفاقا للفاضل في بعض كتبه ، والشهيد ، ووالدي العلاّمة ، لجزئيتها عرفا.
__________________
والتجاوز عن رأس
الإصبع لا يوجب خروجها عنها أصلا.
خلافا لبعضهم فلم
يوجبه .
وعن التذكرة
ونهاية الإحكام ، وفي المنتهى ، وشرح القواعد للمحقق الثاني : التردّد فيه ،
للأصل.
وهو مندفع بما
مرّ.
وأمّا ما تحتها من
البشرة فمنها ما ليس من الظواهر عرفا ، وهي الجلدة الرقيقة تحت الظفر الغير
المتجاوز عن حد الإصبع ، لأنّ المراد بالظاهر ما كان ظاهرا غالبا ، ولا شك أنّ هذه
الجلدة تكون تحت الظفر غالبا ، لندور قص الظفر بحيث تظهر تلك الجلدة ، ولو قص لنبت
في أسرع وقت.
ومنها ما هو
الظاهر كذلك ، وهو ما تجاوز عمّا ذكر.
فما كان من الأوّل
لا يجب غسله ، لرواية زرارة المتقدمة : « إنما عليك أن تغسل ما ظهر ».
والعلة المنصوصة
في رواية الحضرمي : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق لأنها من الجوف » .
وما كان من الثاني
يجب ولو وقع تحت الظفر ، بأن تجاوز عن حد اليد ، للاستصحاب ، ولكونه من الظواهر
عرفا.
ومن هذا يظهر حكم
الوسخ المجتمع تحت الظفر ، فإنه يجب نزعه لو منع من غسل الثاني ، ولا يجب في غيره.
__________________
ووجوب النزع مطلقا
ـ كالمنتهى ـ كعدمه كذلك ـ كما احتمله فيه ـ لا وجه له.
وصدق غسل اليد بدونه
، وعدم أمر النبيّ 6 الأعراب مع عدم الانفكاك فيهم غالبا ـ بعد ورود الأمر
بغسل الظواهر وعدم جواز ترك جزء من اليد ـ لا وقع له.
نعم ، لو كان
الوسخ الواقع في محل الفرض شبه الدخان لا يمنع الماء ، اتّجه عدم وجوب نزعه.
الرابع
: مسح الرأس. ووجوبه أيضا ثابت
بالثلاثة.
والقدر الواجب فيه
المسمى ، ولو بجزء من إصبع ، ممرا له على الممسوح ليتحقّق اسمه ، وفاقا للأكثر كما
في المدارك والغرر ، ومنهم التبيان ، والمجمع ، وروض الجنان لأبي
الفتوح ، وأحكام القران للراوندي ، والغنية ، والمبسوط ،
والجمل والعقود ، والسرائر ، والمصباح للسيّد ، والإصباح ، والجامع ، والمعتبر ، والشرائع ،
والنافع ، والقواعد ، والمنتهى ، بل سائر
__________________
كتب الفاضل ، والكركي ، والشهيدين ، وأكثر
المتأخرين ، بل عن الخمسة الأولى الإجماع عليه .
ونسب بعض مشايخنا
المحققين هذا القول إلى العماني ، والإسكافي ، والديلمي ، والحلبي ،
والقاضي ، والحلي.
للأصل ،
والإطلاقات ، وخصوص الصحاح.
منها : صحيحة
زرارة وبكير : « وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى
أطراف الأصابع فقد أجزأك » .
وأخرى : « فإذا
مسح بشيء من رأسه وبشيء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد
أجزأه » .
وقيل : يجب مقدار
إصبع ، وهو المحكي عن المقنعة ، والتهذيب ، والخلاف ، وجمل السيد ،
والراوندي في موضع من الكتاب المذكور ، وفي
__________________
الدروس ، وهو الظاهر من
البيان والذكرى ، ونسبه في المختلف إلى المشهور .
وقد ينسب إلى جمع
ممّن نسب اليه الأوّل كالقديمين والأربعة المتعقبة لهما .
وقد يجمع بينهما :
باتّحاد القولين ، لأنّ المراد بالمسمّى ما هو بحسب العرف ، والمتبادر أنّ
المسمّى أقلّه الإصبع.
وكيف كان ،
فاستدلّوا بالأخبار :
أحدها : في الرجل
يتوضّأ وعليه العمامة ، قال : « يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم
رأسه » .
وثانيها : عن
الرجل يمسح رأسه من خلفه ـ وعليه عمامة ـ بإصبعه ، أيجزيه ذلك؟ فقال : « نعم » .
وثالثها : رجل
توضّأ وهو معتم وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد ، فقال : « ليدخل إصبعه » .
وفيها ـ مضافا إلى
ما في الأوّل من الخلوّ عن الدالّ على الوجوب ، بل وكذا الثاني ، حيث إنّ الإجزاء
لا يدلّ عليه كما يأتي. وما في الثاني من الخلل في المتن ـ :
__________________
أنّه لا دلالة
فيها على وجوب المسح بتمام الإصبع ، لتوقّف المسح بالبعض أيضا على إدخال الإصبع ،
ولا يمكن إدخال بعض الإصبع ، فيمكن أن يكون لتحصيل المسمّى ، وقد حمل ( عليه ) أيضا كلمات
القائلين بالإصبع ، إلاّ أنّ بعضها مما لا يحتمله.
وربما يعكس ،
فيحمل كلام الأوّلين على إرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع كما مرّ ، زعما عدم حصوله
إلاّ به.
وهو مع بعده لا
وجه له ، سيما مع تصريح بعضهم بالأقلّ .
وقيل : يجب مقدار
ثلاث أصابع مضمومة ، اختاره بعض الأخباريين ، وهو المروي عن حريز ، والمحكي عن الفقيه ، والسيّد في خلافه ، والشيخ في عمل يومه وليلته .
لصحيحة زرارة : «
المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه مقدار ثلاث أصابع ، ولا تلقي عنها
خمارها » .
ورواية معمر بن
عمر : « يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع ،
__________________
وكذلك الرجل » .
حيث إنّ الإجزاء
أمّا الامتثال ، أو حصول أقلّ الواجب ، فعلى الأوّل يكون مقتضاهما حصول الامتثال
بالثلاث فيتوقّف عليها ، وعلى الثاني لا يؤدّى أقلّ الواجب إلاّ به.
وفيهما ـ مضافا
إلى ما في الأولى من الاختصاص بالمرأة ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب ، بل ثبوت عدمه
كما يأتي ، ومن جواز كون الحكم بالإجزاء بالنظر إلى عدم إلقاء الخمار ـ : أنّ
إرادة ذلك القدر في الطول تحصيلا لحصول المسح ممكنة ، حيث إنّهم لا يوجبونه في
الطول والعرض معا ، فيراد التحديد به في أحدهما ، ولا تصريح فيهما بكون ذلك في
العرض كما هو مطلوبهم.
مضافا إلى أنّ
الإجزاء إن كان هو الامتثال : فيكون المعنى أنّه يحصل بها ، ولا يدلّ على عدم
حصوله بغيرها إلاّ بالأصل الذي لا يصلح للتمسّك بعد الإطلاقات المتقدّمة.
وإن كان حصول
الأقلّ : فيمكن أن يكون أقلّ المندوب ، كما في قولك : يجزي في الصلاة مسمّى الدعاء
في القنوت ، حيث إنّ للمسح واجبات ومندوبات ، ويكون الإجزاء في كلّ منهما ،
فتخصيصه بأحدهما لا دليل عليه ، بل لا يبعد ظهور الأخير بملاحظة رواية معمّر ،
فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس والرجل ـ مع استحبابه في الرجل وفاقا كما يأتي
ـ قرينة واضحة على كون الإجزاء بالنسبة إلى الرأس أيضا كذلك.
وأمّا تفسير
الإجزاء : بأنه حصول أقلّ الواجب ، فهو ممّا لا وجه له ، لتحقّقه واستعماله في
المندوب أيضا.
__________________
مع أنّ ذلك القول
محكي عن أبي حنيفة وبعض آخر من العامة ، فيمكن الحمل على التقية.
ولا بأس بالحمل
على الاستحباب ، كما عن المقنعة ، والمبسوط ، والخلاف ، والجمل والعقود ، والغنية ،
والمراسم ، والوسيلة ، والسرائر ، ومصباح السيّد وجمله ، والمهذّب ، والمعتبر ، والشرائع ، والمنتهى ، وغيرها.
والمستحب مسح
موضعها لا المسح بها ، لعدم دليل عليه.
والمراد من موضعها
ما تحويه الثلاثة بعرضها وطولها الذي هو طول إصبع ، لأنّ الإصبع حقيقة في تمام
العضو المخصوص ، سواء كان عرضها من عرض الرأس وطولها من طوله أو بالعكس.
وقد يخص استحباب
ذلك المقدار بالعرض ، نقل ذلك عن ظاهر المقنعة ، والمهذب ، والجامع ، والشرائع ،
والنفلية ، وصرّح به الكركي .
وهو غير جيد.
ثمَّ المستفاد من
الخبرين استحباب مجموع الثلاث ، فيكون أفضل أفراد المخيّر ، لا استحباب القدر
الزائد على المسمّى. وعلى هذا فلا يتّصف الزائد بنفسه
__________________
بوجوب ولا
استحباب.
نعم ، يتّصف
بالوجوب التخييري التبعي من حيث كونه جزءا للمجموع إذا قصد الامتثال بالمجموع ،
وبالاستحباب بمعنى الراجحية الإضافية كذلك حينئذ.
وعن نهاية الشيخ :
وجوب هذا القدر اختيارا ، والاكتفاء بالإصبع الواحدة حال الاضطرار ، إلاّ أنّ
المصرّح به في كلامه الاكتفاء بها إن خاف البرد من كشف الرأس ، ولعلّهم
استنبطوا التعميم من عدم التفرقة بين أنواع الاضطرار. ونسب ذلك إلى الدروس أيضا ، كما عن
الإسكافي تخصيص وجوبه بالمرأة والاكتفاء في الرجل بالواحدة .
ومستند الأوّل :
الجمع بين أخبار الإصبع والثلاث بذلك ، بشهادة ثالثة روايات الإصبع المتقدّمة .
ودليل الثاني :
الجمع بينها بذلك ، بشهادة صحيحة زرارة المتقدمة .
ويضعف الأوّل :
بما مرّ من عدم دلالة روايات الثلاث على وجوبها ، مع عدم تصريح في الشاهد بالإصبع
الواحدة عند الخوف ، بل أراد بيان عدم وجوب النزع وجواز الإدخال ، فيحتمل الاكتفاء
بالمسمّى ، ووجوب الثلاث ، والإطلاق إنّما يحكم به إذا كان في مقام بيان حكمه.
والثاني : بما مرّ
من عدم دلالة الصحيحة على وجوب ذلك على المرأة.
__________________
فرعان :
أ : يجب أن يكون
المسح على مقدّم الرأس ، بالإجماع المحقّق والمنقول مستفيضا ، والنصوص.
ففي الصحيح : «
مسح الرأس على مقدّمه » .
وفي آخر : « امسح
الرأس على مقدّمه » .
وفي الحسن : «
امسح على مقدّم رأسك » .
وبها تقيّد
الإطلاقات.
وما في شواذّ
أخبارنا ممّا يخالف ذلك ظاهرا ، ويثبت المسح على المقدّم والمؤخّر أو على الرقبة ، ضعيف بالشذوذ ،
متروك بالإجماع ، محمول على التقية أو غيرها من المحامل المحتملة في بعضها قريبا.
وممّا يقرّب الحمل
على التقية : ما في رواية علي بن يقطين ، المروية في كشف الغمة وغيره من أمره 7 إيّاه أوّلا
اتّقاء بمسح ظاهر الأذنين وباطنهما ، ثمَّ بعد ارتفاع التقية أمره بالوضوء الصحيح
، وقال فيه : « وامسح مقدّم رأسك ».
وقول بعض أصحابنا
باستحباب المقدّم ـ كما حكاه بعض مشايخنا المحقّقين ـ غريب جدّا.
__________________
والمراد بالمقدّم
ما قابل المؤخّر ، لأنّه المفهوم منه عرفا ولغة ، لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر
عنه بالناصية ، فالقول بتعيّن الثاني ضعيف.
وصحيحة زرارة : «
فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة
يمناك ناصيتك وبما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر
قدمك اليسرى » ، لا تفيد الوجوب. مع أنه يمكن أن يكون المعنى : يجزيك ذلك
، فلا يدلّ على عدم إجزاء غيره.
مضافا إلى أنّ
الناصية ربما تفسّر : بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضا.
وفي كتب جماعة من
أهل اللغة أنّها خصوص القصاص . وبه تخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدّم.
ب : المقدّم يشمل
البشرة والشعر ، للإجماع المحقّق والمحكي مستفيضا ، ونفي الحرج
اللازم على تقدير الاختصاص بالأوّل قطعا ، وإطلاقات المسح على الرأس وعلى مقدّمه
الشامل للأمرين. والمراد بالشعر المختص بالمقدّم ، دون غيره من النابت عن غيره
مطلقا ، أو عنه مع استرساله ، أو خروجه بمدّه عن حدّه ، لظاهر الوفاق ، وعدم صدق
المناط ، واستصحاب عدم إباحة الصلاة.
ولا يجوز على
الحائل بالإجماعين ، لعدم صدق الامتثال ، وللمستفيضة ، منها : أخبار رفع العمامة
والقناع ثمَّ المسح .
وخصوص الصحيح : عن
المسح على العمامة وعلى الخفين ، قال : « لا تمسح عليها » .
والمرفوع : في
الذي يخضب ثمَّ يبدو له في الوضوء ، قال : « لا يجوز حتى
__________________
يصيب بشرة رأسه
الماء » .
والمراد ببشرة
الرأس فيها بشرته بالنسبة إلى الحناء الشامل للشعر أيضا.
والمروي في كتاب
علي عن أخيه : عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال : « لا يصلح حتى
تمسح على رأسها » .
وتجويزه في
الصحيحتين على فوق الحناء ـ مع شذوذهما المخرج لهما عن الحجية ـ محمول
على لونه أو عدم استيعاب الحناء للمقدّم أو على الضرورة ، فإنّ المنع عن المسح على
الحائل يخصّ حال الاختيار.
ويجوز على الحائل
اضطرارا اتّفاقا ـ كما قيل ـ لعموم أدلّة المسح على الجبائر والدواء ، كما يأتي.
الخامس
: مسح الرجلين ، إلى الكعبين.
ووجوبه أيضا ممّا
اتّفقت عليه الكلمة ، ونطق به الكتاب والسنة.
والكعبان عند
العامّة هما : العظمان الناتئان عن جانبي عظم الساق فوق المفصل .
وأمّا الخاصة :
فقد اتّفقوا على أنّهما غير ذلك ، وإن اختلفوا في تعيينهما ، وهم بين مصرّح
بأنّهما قبّتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط ، وهو : شيخنا المفيد . ويشعر به بل
بالإجماع عليه كلام التهذيب ، وتبعهما جماعة من
__________________
المتأخّرين .
ومصرّح بأنّهما
مفصل الساق والقدم ، أي : ملتقاهما ، وهو الإسكافي ، والفاضل ، والشهيد في
الرسالة ، وصاحب الكنز ، والأردبيلي ; ، ونسب في البحار ذلك إلى جماعة من أهل اللغة ، وفي التذكرة
الإجماع عليه .
وقائل بأنّ الكعب
هو العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم ، الناتئ في وسط
القدم العرضي نتوا غير محسوس كثيرا لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق ، له زائدتان في
أعلاه تدخلان حفرتي قصبة الساق ، وزائدتان في أسفله تدخلان حفرتي العقب ، وهو الذي
يكون في رجل البقر والغنم أيضا ، وربما يلعب به الناس.
ذكره شيخنا
البهائي وطائفة من المتأخّرين ، وهو الذي عبّر عنه بعض الأجلّة بأنّهما عظمان مكعبان
موضوعان على حدّ المفصل بين الساق والقدم ،
__________________
ونسبه إلى ظاهر
العين والصحاح والمجمل ومفردات الراغب من كتب اللغة.
ومحتمل كلامه
للمعاني الثلاثة ، وهو أكثر المتقدّمين ، حيث إنّه فسّر الكعب في بعض كلماتهم :
بالناتئ في ظهر القدم عند معقد الشراك . وفي آخر : بما في ظهر القدم . وفي ثالث :
بمعقد الشراك . وفي رابع : بالناتئ في وسط القدم ، وفي خامس : بما
في ظهر القدم عند معقد الشراك .
وجماعة من
القائلين بالأوّل حملوا الرابع عليه ، وحملوا الوسط على الطولي ، والفاضل حمله على قوله ،
وصبّ عبارات الأصحاب عليه ، ونسب من حمله على غيره إلى عدم التحصيل.
والقائل بالثالث حمل
الرابع على الثاني بعد
إرجاعه إلى مختاره.
ومن متأخّري
المتأخّرين من أرجع الثاني إلى الأوّل ، وذكر كلّ لما قاله مؤيّدات.
__________________
أقول : رجوع كلّ من الثانيين إلى الآخر بحسب
الموضع والمحل ممّا لا إشكال فيه ولا خفاء ، كعدم رجوع الثاني إلى
الأول.
وإنّما الإشكال في
الرابع ، والحقّ احتماله لكلّ من الأول والثالث ، لكون كلّ ظهرا ووسطا طوليا أو
عرضيا وناتئا ، وإن كان ظهور النتو الواقع في بعض العبارات في المحسوس مؤيّدا
للأول ، ولكن تعريف جمع من علماء التشريح الذين هم أهل الخبرة في المقام بالثالث
مقيّدا بالناتئ ـ وديدن الفقهاء الرجوع في الموضوعات إلى أهل خبرتها ـ يضعّفه ، مع
أن نتوّه أيضا محسوس سيما بالملامسة ، بل هو أرفع من القبة ، كما يظهر بعد نصب
الساق.
وأمّا المعقد :
فلا ظهور له في الأول ، بل الظاهر أنّ موضع عقد الشراك هو الوسط في العرض ، أي :
يقع عقد الشراكين فيه دون القبة ، ولم يعلم أيضا أنّه كان يعقد تحت المفصل.
هذا ، ثمَّ إنّه
استدلّ الأولون : بإجماع لغوي الخاصة وكثير من العامة ، سيما قول صاحب الصحاح :
الكعب هو العظم الناشز في ظهر القدم عند ملتقى الساق والقدم ، ونسبه إلى الناس ما
عدا الأصمعي ، بل قيل : الظاهر أنّه مذهب جميعهم ، لعدم الخلاف
بينهم في تسمية ذلك كعبا ، وإنّما الخلاف في تسمية ما عداه به.
ودعوى جماعة من
الفقهاء الإجماع عليه كما هو المحكي عن الانتصار ، والتبيان ، والخلاف ، والمجمع ،
والمعتبر ، والمنتهى ، والغنية ، والذكرى .
__________________
وصحيحة البزنطي ،
وفيها : فوضع كفه على الأصابع ، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم .
ورواية ميسر ،
وفيها : ثمَّ وضع يده على ظهر القدم ثمَّ قال : « هذا هو الكعب » .
فإنّ الظاهر
والظهر فيهما ليسا بالمعنى المقابل للباطن قطعا ، لعدم كونه بإطلاقه كعبا فهو
بمعنى ما ارتفع.
وصحيحة الأخوين
وفيها : فقلنا ( له ) أين الكعبان؟ قال : ها هنا ، يعني المفصل دون عظم الساق ،
فقلنا : هذا ما هو؟ قال : هذا ( من ) عظم الساق ، والكعب أسفل من ذلك . فإنّ المفصل
المعهود ليس دون عظم الساق ولا أسفل منه ، فإنّهما يقتضيان بعدا فليس إلاّ القبة.
وبعدم وجوب تبطين
الشراك كما ورد في الأخبار ، ولو كان الكعب هو المفصل ، للزم تبطينه.
وبما ورد في
الصحيح : « إنّ أمير المؤمنين إذا قطع الرجل قطعها من الكعب » .
وروي أيضا في
الكافي والفقيه والتهذيب : « إنّما يقطع الرجل من الكعب
__________________
ويترك من قدمه ما
يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله » .
فإنّ موضع القطع
عند معقد الشراك إجماعا منّا ، كما نقله جماعة .
مع أنّه لا يبقى
مع القطع من غير القبة من معاني الكعب ما يقوم به.
مع أنّه في رواية
سماعة : « السارق إن عاد قطع رجله من أوسط القدم » وليس كعب في
الأوسط إلاّ القبة.
وفي الكلّ نظر :
أمّا الأول :
فلمنع الإجماع ، بل أكثر كلمات اللغويين محتمل للمعنيين : الأول والثالث ، ألا ترى
قول صاحب الصحاح : عند ملتقى الساق والقدم والنشوز ظهر القدم لا يعيّن القبة ، لأنّ الثالث أيضا كذلك
، ولا يضرّ عدم إحساس نشوزه كثيرا ، فإنّ أهل اللغة يعرفون الأجزاء الباطنية
بأوصافها الغير المحسوسة ، وغرضه الردّ على الأصمعي حيث جعل الكعب في الجانبين ،
مع أنّ نتوّ الثالث حسّا كما ذكرنا ليس أقلّ من نتوّ الأول.
نعم ، لمّا كان
الأول مبدأ النتو ، قد يتخيّل أنّه أظهر أو أكثر. وقد عرفت أنّ بعض الأجلّة قد
استشهد لإثبات الثالث بقول صاحب الصحاح وغيره من أهل اللغة ، وذلك أوضح شاهد
على أنّه لا أقلّ محتمل للمعنيين.
ومنه يظهر حال
سائر كلمات اللغويين كالقاموس ، والنهاية ، والغريبين ،
__________________
وعميد الرؤساء ، وغيرهم ، فإنّهم لم
يذكروا في بيانه إلاّ أنّه الناشز ظهر القدم. وقد عرفت حاله.
وأمّا الثاني :
فلذلك أيضا ، فإنّ أكثر كلمات المدّعين للإجماع ممّا لا يعلم اختصاصه بالقبة ، هذا
كلام المنتهى والمعتبر ، فإنّهما ذكرا أنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط
القدم ، وهما معقد الشراك ، وهذا كما ترى محتمل للمعنيين ، بل صرّح في المنتهى بعد
ذلك أنّه المفصل دون عظم الساق ، ونسب من فهم غيره إلى عدم التحصيل. بل لا يحضرني
الآن من كلام فقهائنا المتقدّمين والمتوسّطين من ذكر القبة إلاّ نادرا ، كالمفيد ، والشرائع ،
والنافع .
وأمّا الثالث
والرابع : فلأنّ المعنى الثالث أيضا ما ارتفع ، بل هو غاية ارتفاع القدم وأرفع
مواضعه.
مع أنّه يمكن أن
يكون الغرض الردّ على العامة حيث يجعلون الكعب في الجانبين ، فيكون المراد من الظاهر
والظهر المعنى المقابل للباطن والجانب ردّا عليهم ، ولحصول الغرض بمطلق الظهر
أطلقه ولم يعيّن موضعه.
وأمّا الخامس :
فلاحتمال كون لفظ « دون » بمعنى الغير ، والمشار إليه في ذلك وفي هذا في الموضعين
ما قال العامة بكونه كعبا.
مع أنّ المعنى
الثالث أيضا غير عظم الساق وأسفل منه فلا ينافيه. واقتضاء الأسفلية للبعد ممنوع.
وأمّا السادس :
فلجواز أن يكون المراد الشراك المعقود طولا ـ كما قيل ـ
__________________
ويتعارف الآن أيضا
، وجواز كون مبدأي الشراك والكعب بالمعنى الثالث واحدا.
مع أنّه قيل بجواز
المسح على الشراك وقيامه في ذلك مقام البشرة .
وأما السابع :
فلمنع كون معقد الشراك هو القبة ، ومنع أنّ غيرهما لا يبقى مع القطع منه ما يقام
به ، فإنّ مع القطع من المعنى الثالث أيضا يبقى العقب وشيء من القدم ، بل صرّح في
بعض الأخبار ـ كما يأتي ـ أنه يقطع من المفصل ويترك العقب يطأ عليه ، وهو صريح في
أنّ القيام على العقب ، وهو يبقى قطعا مع القطع من المعنى الثالث ، بل من المفصل
بين الساق والقدم.
هذا ، مع أنّه لو
تمَّ لا يدلّ على أزيد من الاستعمال ، وهو لا يفيد الاختصاص ، سيما مع تصريح جماعة
بالاستعمال في غيره أيضا.
واستدلّ الثانيان : بقول بعض أهل
اللغة وصحيحة الأخوين.
وفي الأول : منع
الحجية أولا ، والاختصاص ثانيا.
وفي الثاني : أنه
يمكن أن يكون المراد بالمفضل ، المفصل الشرعي ، أي : محلّ القطع ، بل قيل : هو
الظاهر من بعض الأخبار كالرضوي : « يقطع السارق من المفصل ويترك العقب يطأ عليه »
فإنه مشعر بمعروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان.
وفيه نظر ، ويعلم
وجهه ممّا ذكرنا.
وزاد الثالث : تصريح أرباب
التشريح ، ونسبة بعض العامة هذا المعنى
__________________
إلى الشيعة.
وضعفهما ظاهر ،
فإنّهما معارضان بما مرّ من تصريح جمع آخر بخلافه.
وظهر من ذلك كلّه
عدم دليل واضح على تعيين معناه ، والاحتياط في المسح إلى مبدإ عظم الساق أي المفصل
، كما صرّح به جماعة ، منهم : صاحب البحار وغيره ، ويوجبه ضرب من الاستصحاب أيضا.
فروع :
أ : محل المسح
ظاهرهما ، إجماعا منّا ، واستفاضت عليه الروايات .
وما في الخبرين من
مسح الظاهر والباطن أمرا في أحدهما وفعلا في الآخر ، لا حجّية فيه ، للشذوذ ، وعلى التقية محمول ، لأنه مذهب
العامة ، كما عن التهذيب .
وحدّه أما طولا :
فمن رؤوس الأصابع إلى الكعبين على الحقّ المشهور ، بل عليه الإجماع عن الخلاف
والانتصار والتذكرة والذكرى ، وفي ظاهر المنتهى والمعتبر ، لظاهر الكتاب.
وتخصيص دلالته بكون
« إلى » غاية للمسح ، فالإيراد عليه : بأنّ جواز النكس ينفيه.
__________________
مردود : بعدم
الاختصاص ، بل على كونها غاية للممسوح يثبته أيضا ، إذ مقتضى وجوب مسح شيء مغيّى
بغاية مسح تمام ذلك الشيء ، كما إذا قال : اكنس من عند الباب إلى الصدر ، وكانت
هناك قرينة على عدم إرادة الابتداء من عند الباب ، فيكون الحرفان لتحديد الموضع ،
مع أنه يفهم قطعا وجوب كنس جميع ما بين الحدّين ، فدلالة الآية على وجوب المسح إلى
الكعب تامّة على التقديرين ، نعم لا يتعيّن الطرف الآخر منها ، ولا ضير فيه
للإجماع المركّب.
ويدلّ عليه أيضا :
المرويان في الخصال وكشف الغمة ، المتقدّمان في غسل اليدين .
وحسنة ابن أذينة
المروية في الكافي والعلل في حديث المعراج ، وفيها : « وامسح بفضل ما في يديك من
الماء رأسك ورجليك إلى كعبيك » الحديث.
وفي كتاب الطرف
للسيد ابن طاوس بإسناده عن أبي الحسن موسى 7 ، في شرائع الإسلام ، وعدّ منها : المسح على الرأس
والقدمين إلى الكعبين .
وضعف بعضها بما
مرّ منجبر.
وقد يستدلّ أيضا :
بالوضوءات البيانية.
وبصحيحة البزنطي :
عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر
القدم ، قلت : جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال : « لا إلاّ
بكفه كلّها » .
__________________
وحسنة عبد الأعلى
: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال : « يعرف هذا
وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » دلّت على وجوب مسح رأس الإصبع ، فيتمّ المطلوب بالإجماع
المركّب.
ويضعف الأول : بما
مرّ مكرّرا.
والثاني : بكونه
محمولا على الاستحباب قطعا ، لعدم وجوب الكف إجماعا كما يأتي.
وكذا الثالث ،
فإنّه لا يجب مسح ما عليه المرارة إلاّ على وجوب الاستيعاب العرضي.
والحمل على انقطاع
جميع الأظفار بعيد جدّا ، ولو احتمله ، لاحتمل إرادة ظفر اليد أيضا ، فيبطل
الاستدلال.
خلافا لبعض
المتأخّرين ، فاكتفى في الطول بالمسمّى ، واحتمله في المعتبر والذكرى ، للمستفيضة
الدالّة على عدم وجوب استبطان الشراكين ، وصحيحتي الأخوين المتقدّمتين في قدر الوجوب من
مسح الرأس.
وفي الأول : جواز
كون الشراك فوق الكعب أو قيامه مقام البشرة ، كما صرّح به في بعض المعتبرة .
__________________
وفي الثاني : أنّه
معارض مع ما مرّ بالإطلاق والتقييد ، فيحمل المطلق على المقيّد الموافق للكتاب.
وقد يردّ أيضا :
باحتمال موصوفية « ما » المفيدة للعموم ، والإبدال من شيء ، فيفيد بمفهوم الشرط
توقّف الإجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما .
وفيه : أنّ هذا
الاحتمال موجب للاستيعاب في العرض ، وهو باطل ، إلاّ أن يتمّم بإلغاء ما خرج
بالدليل ، وهو أيضا يوجب خروج الأكثر على كفاية المسمّى في العرض.
وأمّا عرضا :
فالمسمّى ، وعليه الإجماع في المعتبر والمنتهى وظاهر التذكرة ، وهو في الأولين وإن كان على الاكتفاء ولو بإصبع واحدة ،
ولكن المستفاد من استدلالهما إرادة المسمّى.
ثمَّ الدليل عليه
: الأصل ، وصدق الامتثال ، وإطلاق الآية ، سيما بملاحظة صحيحة زرارة ، المفسّرة
لها ، وفيها : « فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما » . بل إطلاق صحيحتي
الأخوين ، وفقد ما يصلح مخرجا ومقيدا ، إذ ليس شيء سوى صحيحتي الأخوين على جعل «
ما » موصولة ، وهو مجرد احتمال غير كاف في الاستدلال.
وصحيحة البزنطي
وحسنة عبد الأعلى ، وهما شاذّتان ، إذ لم يقل بمضمونهما أحد ، كما صرّح به جماعة ، فلذلك تخرجان
عن الحجية.
مع أنّهما
معارضتان : برواية معمّر بن عمر ، المتقدّمة في مسح الرأس ،
__________________
ولا مرجّح لهما.
وأصحّيتهما سندا
معارضة بمخالفتهما للقوم عملا.
ورواية معمّر
المشار إليها ، وهي لإثبات الوجوب غير ناهضة ، لما ذكرنا في معنى الإجزاء.
خلافا لبعض ـ كما
في التذكرة ـ فأوجب ثلاث أصابع ، وكأنّه لرواية معمّر السابق جوابها.
وللمحكي عن
النهاية وأحكام الراوندي ، فأوجبا الإصبع ، وكأنّه لما سبقت إليه الإشارة من أنّها
المسمّى عرفا. ولا وجه له.
وعن الإشارة وظاهر الغنية ، فحدّداه
بالإصبعين. ولا يتّضح مستندهما.
والمستحب المسح
بالكف كلّه ، كما عن النهاية والمقنعة والجمل والعقود ، والمبسوط والوسيلة
والألفية ، لما مرّ من الصحيحة بل الحسنة.
وعن الإشارة :
استحباب تفريج الأصابع ، ولا بأس به ، إذ المقام يتحمّل التسامح.
ثمَّ إنّه هل يجب
إدخال الكعبين أم لا؟ فيه قولان ، أظهرهما : الثاني ، وفاقا للمعتبر ، للأصل.
وقوله في صحيحة
الأخوين : « ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ».
__________________
وخلافا للمنتهى
والتحرير ، فاختار الأول ، لما ذكره بعض النحاة من دخول الغاية في
المغيّى إذا كانت من جنسه.
وهو غير ثابت ،
ولو ثبت فليس بحجة.
وكذا لا يجب مسح
أطراف الأصابع ، لما مرّ ، فلا يضرّ تجاوز الظفر عن حد الإصبع ، ولا اجتماع الوسخ
تحته. ولا يجب مسح ما تحت الظفر المتجاوز أو الوسخ.
ب : لا يجوز المسح
على حائل ، كخف وجورب ونحوهما اختيارا إجماعا ، وحكاية الإجماع عليه في كلمات
أصحابنا متواترة ، وأخبارنا على النهي عنه متظافرة ، وعدم صدق الامتثال معه يمنعه
، واستصحاب الحدث ينفيه.
ويجوز مع الاضطرار
، كخوف عدوّ ، أو برد ، أو التخلّف من رفقة ، أو عدم التمكّن من نزع الخف ، وغيره
، بلا خلاف معروف.
وقال والدي ـ ; ـ في اللوامع :
إنه المعروف منهم.
لحسنة عبد الأعلى
، المتقدّمة ، ورواية أبي الورد ، فيها : فقلت : هل فيهما ـ أي في
الخفين ـ رخصة؟ فقال : « لا إلاّ من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك » .
والرضوي : « ولا
تمسح على جوربك إلاّ من عدوّ أو ثلج تخاف على رجليك » .
وأمّا الأخبار
النافية للتقية في المسح على الخفين ، فلا تصلح للمعارضة
__________________
مع ما مرّ ،
لرجحانه بموافقة الكتاب والسنّة في انتفاء العسر والحرج والضرر.
مع إمكان حملها
على اختصاص نفي التقية فيه بالإمام ، كما نقل عن زرارة أنّه فسّره به ، أو على عدم
الحاجة في التقية إليه بملاحظة تجويز العامة الغسل المجامع مع المسح بضرب من
التدبير سيما مع كفاية المسمّى عرضا في المسح.
ولا يجوز مع العذر
المنتفي بالمسح على الحائل ، الانتقال إلى التيمم ، لعدم ثبوت مشروعيته حينئذ.
ج : إطلاق الآية
والروايات يعطي جواز المسح على الشعر ما لم يكثر بحيث يخرج عن المعتاد ، لصدق مسح
الرجلين عليه ، فلا يجب مسح تحت ما يقع منه بين رؤوس الأصابع والكعب ، بل مقتضى ما
ذكر : جوازه مع الكثرة المفرطة الساترة لتمام البشرة أيضا ، إلاّ أنّ ندور مثل ذلك
يوجب الوهن في شمول المطلقات له.
وصحيحتا زرارة ومحمّد الناهيتان عن
البحث عما أحاط به الشعر لا تشملان محل المسح ، لقوله فيهما : « ولكن يجري عليه
الماء » وكأنّ تخصيص الأكثر محلّه بالبشرة بعد تعميمهم في مسح الرأس ، للاحتراز عن
مثل ذلك أو مثل الخف.
د : يجب أن يكون
مسح كلّ من الرأس والرجلين ببقية نداوة اليدين من الوضوء ، وفاقا للأكثر بل لغير شاذ لا يقدح خلافه في
الإجماع ، فعليه الإجماع
__________________
كما عن السيدين والشهيد أيضا ، فهو الحجة
فيه.
مضافا إلى
المستفيضة كمرسلة الفقيه : « إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك
، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به
رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك
ورجليك ، وإن لم يبق من بلّة وضوئك شيء أعدت الوضوء » .
ورواية مالك بن
أعين : « من نسي مسح رأسه ثمَّ ذكر أنه لم يمسح رأسه ، فإن كان في لحيته بلل ،
فليأخذ منه ويمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل ، فلينصرف وليعد الوضوء » .
ورواية خلف :
الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة ، قال : « إن كان في لحيته بلل فليمسح به » قلت
: فإن لم يكن له لحية؟ قال : « يمسح من حاجبه ومن أشفار عينيه » .
واختصاص الأخيرة
بحال الصلاة صريحا والثانية ظاهرا ، فيمكن معه أن يكون الأمر بالمسح بالبقية لأجل
عدم الخروج منها ، وبالإعادة ، لانتفاء الموالاة مع انتفاء البلل مطلقا.
مدفوع : بمنع توقف
تجديد البلّة على الخروج مطلقا ، فهما بإطلاقهما تعمّان الحالين ، مع أنّ الخروج
لعدم الطهارة متحقّق.
__________________
وضعف إسنادهما
سيما مع الانجبار بما مرّ غير قادح ، كاختصاصهما بالنسيان ، لعدم القائل بالفرق.
وحسنة ابن أذينة
المتقدّمة .
والرضوي : « إنّ
جبرئيل هبط على رسول الله 6 ، بغسلين ومسحين : غسل الوجه والذراعين بكف كف ، ومسح
الرأس والرجلين بفضل النداوة التي بقيت في يديك من وضوئك » .
والمروي في إرشاد
المفيد وكشف الغمة وخرائج الراوندي فيما ورد على علي ابن يقطين : « وامسح مقدّم
رأسك وظاهر قدميك من نداوة وضوئك » .
وقد يستدلّ أيضا :
باستصحاب عدم جواز دخول الصلاة ، والممنوعية منه بعد حدوث الحدث إلى أن يحصل
المجوّز ، حيث إن إطلاقات المسح لا تدلّ على وجوب نداوة اليد ، لصدقه مع جفافها
أيضا ، وإنّما هو يثبت بالإجماع ، والقدر المعلوم كونه مبيحا هو نداوة الوضوء ،
فبدونها يستصحب عدم الإباحة والممنوعية المغيّاتان قطعا بحصول المجوّز.
وبالوضوءات
البيانية. وصحيحة زرارة وفيها : « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وبما بقي من بلّة يمناك
ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى » .
ويردّ الأوّل :
معارضته مع أصالة عدم وجوب هذا الخصوص الموجب لحصر المأمور به في الوضوء بالمسح
بمطلق البلّة ، الموجب لرفع الحدث بالإجماع ، حيث إنّ القدر الواجب من الوضوء رافع
للممنوعية إجماعا ، فهذا الأصل مزيل للاستصحاب المذكور.
__________________
والثانيين : ما
مرّ من عدم دلالتهما على الزائد من الجواز والاستحباب .
نعم ، يعارض بهما
ما يدلّ بظاهره على نفي الجواز ، كموثّقة أبي بصير : قلت : أمسح بما في يدي من
الندى رأسي؟ قال : « لا ، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح » وقريبة من معناها
صحيحة معمّر ورواية أبي عمارة .
ويرجّحان عليه
بمخالفة العامة. مع أنّه ليس بحجّة حتى يصلح للمعارضة ، لمخالفة عمل الأصحاب كافة
، حيث يدلّ على وجوب الاستئناف مع البلّة.
ومنه يظهر أنّها
لا تصلح حجة للإسكافي الذي هو المخالف في المسألة ، فيجوز المسح بالماء الجديد
إمّا مطلقا ، كما حكي عنه ، أو إذا لم تبق نداوة الوضوء ، كما هو ظاهر كلامه ، ولا إطلاق
الآية ، لأنّها بالنسبة إلى ما مر مطلقة فيجب التقييد به.
وقد يستدلّ له :
بحسنة منصور : عمّن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة ، قال : « ينصرف ويمسح
رأسه ورجليه » حيث إنّه لو كان ببقية البلل ، لما احتاج إلى الانصراف.
وقريبة منها رواية الكناني .
وفيه : أنّ المراد
بالانصراف قطع الصلاة ، وهو لأجل عدم تمامية الوضوء لا لتجديد الوضوء.
__________________
وأمّا ما في رواية
أبي بصير : فيمن نسي مسح رأسه وهو في الصلاة : « وإن شك فلم يدر مسح ( أو لم يمسح )
فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة ويمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناول
منه فليمسح به رأسه » ، فهو خارج عن الوضوء قطعا ، لعدم اعتبار هذا الشك.
ثمَّ مقتضى
المرسلة وحسنة ابن أذينة والرضوي ، المتقدّمة مؤيّدا بصحيحة زرارة : وجوب كون المسح ببقية بلّة اليدين خاصة ، وعدم جواز
أخذها من مظانها من سائر أعضاء الوضوء أيضا مع بقائها في اليد.
وهو كذلك على
الأظهر الأشهر ، كما صرّح به بعض من تأخّر ، لما مرّ. وبه يقيّد بعض المطلقات المتقدمة .
وحمل المطلقات
ككلمات الأصحاب على الغالب ـ كما في المدارك وغرر المجامع ـ لا دليل عليه.
وأمّا مع جفافها :
فيجوز الأخذ منها إجماعا ، كما تدلّ عليه المرسلة ، وروايتا مالك وخلف . ولا يلزم
الاقتصار على الأشفار والحاجب واللحية ، بل يجوز الأخذ من غيرها كالوجه والذراع
أيضا ، لمفهوم قوله في المرسلة : « وإن لم يبق من بلّة وضوئك شيء أعدت الوضوء ».
وهل يقتصر من
اللحية على موضع الوضوء منها ، أم يتعدّى إلى غيره أيضا كالمسترسل؟
__________________
مقتضى إطلاق كثير
مما مرّ : الثاني ، ولكن المرسلة تخصّه بالأوّل ، لمكان قوله : « فخذ ما بقي منه
في لحيتك » حيث إنّ كون ما في غير محل الفرض منه ممنوع ، فإذا حمل المطلق على
المقيد ـ كما هو القاعدة ـ يفيد الاقتصار منها على موضع الوضوء.
مع أنّ مقتضى
منطوق قوله فيها : « وإن لم يبق من بلّة وضوئك » إلى آخره : عدم جواز التعدّي ،
فيعارض الإطلاق بالعموم من وجه ، ولعدم مرجّح يرجع إلى المقيّد ، ومقتضاه الاقتصار
، فعليه الفتوى.
وكون ماء المسترسل
أيضا من نداوة الوضوء ـ كما قيل ـ غير معلوم ، إذ يمكن أن يكون المراد بالوضوء فيه ما حصل
به الوضوء لا ما أخذ لأجله ، بل الظاهر هو الأوّل ، ولا شك أن ما في غير محل الفرض
لم يحصل به الوضوء ، أي الطهارة ، ولو كان ما في المسترسل من بقية الوضوء ، لجاز
الأخذ مما تقاطر منه على الثوب أيضا ، ولعلّه لا يقول به.
ومنه يظهر عدم
جواز الأخذ من الماء الذي في موضع مسح الرأس من غسل الوجه ، إلاّ في القدر المحتاج
إليه من باب المقدمة ، فإنّ الظاهر أنّه من نداوة الوضوء.
هذا ، ثمَّ إنّ
وجوب المسح بالبلة إنّما هو مع الإمكان. وأمّا لو تعذّر بقاؤها لريح أو حرّ أو
نحوهما ، فيلزم استئناف الماء الجديد له ، لاستصحاب وجوب الغسلتين والمسحتين ،
وعدم تحقّق الأخيرين إلاّ في ضمن جفاف الماسح ، أو بلّته بنداوة الوضوء ، أو
بالماء الجديد ، وبطلان الأوّل بالإجماع ، والثاني بالتعذّر ، فلم يبق إلاّ
الثالث.
ومنه يظهر ضعف
تجويز الانتقال إلى التيمّم ، لاستصحاب وجوب الغسل والمسح مع أصالة عدم مشروعيته.
__________________
هـ : لا تضرّ
نداوة محل المسح قبله إن استهلكت في نداوة الماسح إجماعا.
وأمّا بدونه ففيه
أقوال : صحة المسح معها ، ذهب إليه الحلّي ، والمحقق ، والفاضل في بعض كتبه ، ونسبه والدي
إلى الأكثر ، بل عن الثاني جواز إخراج الرّجل من الماء والمسح عليه. وعدمها كذلك ،
اختاره الفاضل في المختلف ، ووالده ، ووالدي طاب ثراهم. والأول مع غلبة بلّة الماسح ، والثاني
مع عدمها. وظاهر التذكرة والمنتهى : التردّد .
والحقّ الثاني ،
لوجوب كون المسح ببلّة الوضوء ، وتمتزج البلّتان بمجرد الوضع ، فيصير ما في اليد
غير نداوة الوضوء ، إذ المركّب غير جزئه ، والماسح بالسكنجبين ليس ماسحا بالخلّ.
وأيضا : الضرورة
قاضية بعدم الفرق بين المزج بالصب وبوضع اليد على البلّة ، فعدم صدق المسح بالبقية
في الثاني كما في الأوّل ممّا لا ريب فيه.
وممّا ذكرنا يظهر
عدم الفرق بين الماء والعرق وغيرهما.
للأوّل : صدق الامتثال.
وفيه : أنّه إن
أريد امتثال أوامر المسح فمسلّم ، ولكن هنا أمرا آخر هو المسح بالبقية. وإن أريد
امتثال جميع الأوامر فممنوع.
فإن قيل : الأمر
الآخر ليس إلاّ الأمر بالمسح باليد المبتلّة ببقية الوضوء وقد حصل.
قلنا : بل هو
المسح ببلّة اليد ، لا اليد المبتلّة ، فإنّه معنى المسح بالبلّة ومنها ، وذلك لا
يكون إلاّ بأن يمسح ببلّة اليد منفردة.
__________________
وللثالث : أنّ المزج
القليل لا يمنع صدق المسح بالبلة.
قلنا : مسلّم في
الصدق المجازي دون الحقيقي.
نعم ، لو كانت
بلّة الممسوح قدرا لا ينفصل منها شيء يمتزج مع بلّة الماسح ، اتّجه القول بالصحة
، وإن كانت هي أيضا مساوية لها ، إن قلنا بكفاية هذا القدر من البلة في المسح.
و : في اشتراط
تأثير بلّة الماسح في الممسوح ، أي حصول بلّة منه فيه قولان ، أحوطهما بل أظهرهما
: الاشتراط ، لأنّه المتبادر من المسح بالبلّة.
ز : يجب أن يكون
المسح باليد. وهل يتعيّن فيه الكف ، أو باطنه مطلقا ، أو بلا ضرورة؟ فيه أقوال.
فالظاهر من الذكرى
: تعيّن الكف بلا ضرورة ، مع أولوية باطنه ، ومعها ينتقل إلى الذراع .
ومنهم من قال
بتعيّن الباطن ، ومع العذر ينتقل إلى الظاهر ثمَّ إلى الذراع .
ومنهم من قدّم
التيمّم على الذراع.
أقول : مدلول
صحيحة زرارة ( وحسنته ) والرضوي ، المتقدّمة بل المرسلة : وجوب المسح باليد ، ولكنّ في معنى اليد إجمالا ، لاحتمال
أن يكون المراد بها الكف كما في يد التيمم ، أو مع الذراع كما في يد الوضوء ،
ومقتضى
__________________
استصحاب وجوب
المسح باليد والحدث : تعيّن الكف.
وتؤيّده صحيحة
البزنطي ، المتقدّمة ، وصحيحة الأخوين ، وفيها : « ثمَّ مسح رأسه وقدميه ببلل
كفه » .
وما في تفسير
العياشي في وصف وضوء رسول الله 6 : « ومسح رأسه بفضل كفيه وقدميه » .
والطريقة المعهودة
من الناس ، فعليه الفتوى.
وأمّا تعيين
الباطن : فلا دليل عليه وإن كان أحوط.
هذا مع عدم العذر
، وأمّا معه فيجزي الذراع أيضا ، لمطلقات المسح التي لم يعلم تقييدها بالكف إلاّ
في صورة عدم العذر.
ح : الظاهر جواز
المسحين مقبلا ومدبرا ، وفاقا فيهما للعماني والمبسوط ، والإصباح ، والشرائع ،
والنافع ، والمعتبر ، وجلّ المتأخّرين ، بل للمشهور ، كما صرّح به غير واحد ، وفي الرأس خاصة
للحلّي ، وفي الرّجل للنهاية ، والاستبصار ، والمراسم ، والمهذّب
، والجامع ، والإشارة .
__________________
للأصل ،
والإطلاقات ، وصحيحة حماد : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » .
وتزيد في الثاني
صحيحته أيضا : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » .
وصحيحة يونس :
أخبرني من رأى أبا الحسن 7 بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب
إلى أعلى القدم ، ويقول : « الأمر في مسح الرجلين موسّع ، من شاء مسح مقبلا ومن
شاء مدبرا ، فإنّه من الأمر الموسّع » .
وخلافا فيهما
للمحكي عن الصدوق ، وفي الأوّل خاصة عن السيد ، والنهاية ، والخلاف ،
والاستبصار ، والوسيلة ، بل عن الخلاف والانتصار الإجماع عليه ، وفي الثاني عن
الحلّي .
للاحتياط ،
والوضوءات البيانية ، وافتقار اليقين بالشغل إلى اليقين بالبراءة فيهما ، وللإجماع
المنقول في الأوّل ، ولظاهر الآية في الثاني.
والأوّل غير صالح
لإثبات الوجوب ، وكذا الثاني. مع أنّه لا دلالة في البيانيات على ذلك. والثالث
مندفع : بحصول اليقين بما مرّ. والرابع ليس
__________________
بحجة ، سيما مع
مخالفة العمدة. والخامس محتمل لكون إلى غاية للممسوح.
إلاّ أنه يكره
النكس فيهما ، للتفصّي عن الخلاف. وفي خصوص الأوّل ، لاتّباع الإجماع المنقول عن
الانتصار والخلاف. وفي خصوص الثاني ، لظهور الآية في كونها غاية للمسح.
ومنه يظهر أنّ
الأحوط فيه ، بل الأظهر : عدم النكس ، لعدم حجية الخبر المخالف لظاهر الكتاب ،
سيما مع معارضته لأخبار أخر متضمّنة للمسح إلى الكعبين ، كما مرّت .
ط : الغسل لا يجزي
عن المسح ، ووجهه ظاهر. إلاّ إذا تحقق معه ، بأن كانت البلّة الباقية مشتملة على
ما يتحقّق معه الجريان لو مسح بها ، فإنّ الأظهر حينئذ الإجزاء إذا لم يقصد الغسل
، لصدق الامتثال ، فإنّ النسبة بين الغسل والمسح العموم من وجه ، فمادّة الاجتماع
تجزي عن كلّ منهما ، ووجود الآخر لا ينافيه.
وتدلّ عليه صحيحة
النخعي : عن المسح على القدمين ، فقال : « الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلاّ ذلك ،
ومن غسل فلا بأس » .
ومفهوم صحيحة
زرارة : « لو أنك توضّأت وجعلت موضع مسح الرجلين غسلا ثمَّ أضمرت أنّ ذلك هو
المفترض ، لم يكن ذلك بوضوء » فتأمّل.
ولا ينافيه
التفصيل في الآية ، لأنّه يقتضي المغايرة دون المباينة.
ولا مثل رواية ابن
مروان : « يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة » قلت : وكيف ذلك؟
قال : « لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه » ، لأنّه
__________________
لا يدلّ على النهي
عن الغسل ، بل على عدم كونه مأمورا به بنفسه ، ولا ينافي ذلك الأمر به لأجل ما
يتحقّق معه. مع أنّه ردّ على العامة الذين لا يقصدون إلاّ الغسل.
ي : لو قطع بعض
موضع المسح ، مسح الباقي إجماعا. ولو قطع الكلّ ، سقط كذلك ، ويكتفي بسائر الأفعال
، لأصالة بقاء وجوبها. ولا ينتقل إلى التيمّم ، لعدم ثبوت التوقيف حينئذ.
السادس
: الترتيب ، بأن يبدأ بالوجه
ثمَّ اليمنى ثمَّ اليسرى ثمَّ الرأس ثمَّ الرجلين ، للإجماع ، واستصحاب الحدث ،
وصريح النصوص .
فلو خالفه ، أعاد
الوضوء مع الجفاف ، لفوات الموالاة. وما يحصّله بدونه ، ويحصل بإعادة ما قدّمه بما بعده دون ما قبله لو
غسله بعده ، لحصول المطلوب ، وظاهر الوفاق ، والمستفيضة. نعم لو لم
يغسله بعد ، غسله مقدما.
ويكفي قصد الترتيب
مع عدمه حسّا بوقوع الوضوء في المطر ، فينوي الأوّل فالأوّل ، إذ بالقصد يتحقّق
الغسل للوضوء. وعليه يحمل الخبر المجوّز له في المطر .
والترتيب ركن يبطل
الوضوء بتركه ولو نسيانا أو جهلا إجماعا ، لاستصحاب
__________________
الحدث ، وعدم
الإتيان بالمأمور به ، والأخبار الواردة في خصوص الناسي .
وفي وجوب الترتيب
بين الرجلين بتقديم اليمنى على اليسرى وعدمه أقوال :
الأوّل : للمحكي
عن الصدوقين ، والقديمين ، والديلمي ، والكركي ، والشهيدين في اللمعة والروضة ، بل
الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع ، إلاّ أنه قال بعض الأجلة : إنّ ظاهره اليمين واليسار من
اليدين .
للاستصحاب ، وحسنة
محمد : « وذكر المسح فقال : امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشقّ
الأيمن » .
وعموم المروي في
رجال النجاشي : « إذا توضّأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده » .
والمروي عن رسول
الله 6 : إنّه كان إذا توضأ بدأ بميامنه » .
والوضوءات
البيانية .
والثاني : للحلّي ، والفاضلين ، والنفلية ،
والبيان ، ووالدي ـ رحمه
__________________
الله ـ ونسب إلى
الفقيه والمراسم ، وأضافه في غرر المجامع إلى الصدوقين أيضا ، ونسبه جماعة
منهم : المدارك والبحار وغيرهما إلى الشهرة المطلقة ، بل عن الحلّي
أنه قال : لا أظنّ أحدا منّا يخالفنا في ذلك ، وعن بعض فتاويه نفي الخلاف فيه
صريحا.
للأصل ، وإطلاق
الأوامر ، وصدق الامتثال.
والثالث ، وهو :
التفصيل بجواز المعية دون تقديم اليسرى ، نقله في الذكرى عن بعض ، واختاره
جمع من متأخّري المتأخّرين .
للتوقيع المروي في
الاحتجاج : عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع
: « يمسح عليهما جميعا معا ، فإن كان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلاّ
باليمين » .
أقول : ولا يخفى
أنه لا يثبت من قوله : « فلا يبدأ إلاّ باليمين » إلاّ مرجوحية الابتداء بغير
اليمين ، وأمّا الحرمة فلا. ولا من مفهومه إلاّ رجحان الابتداء باليمين لو بدأ
بإحداهما دون وجوبه ، فلا يصلح التوقيع إلاّ لنفي وجوب الترتيب وتجويز المعية.
وعلى هذا فهو بالشهرة ونفي الخلاف المحكيين مجبور ، مع أنه في نفسه صحيح وحجة ،
فيصلح لمعارضة ما مرّ دليلا للترتيب.
وتعارضه مع غير
الحسنة بالخصوص المطلق ، وكذا معها لو جعل قوله « وابدأ » حكما برأسه من أحكام
الوضوء شاملا للمسح وغيره ، كما هو أحد الاحتمالين ، فيجب تخصيص الجميع بالتوقيع
وتجويز المعية.
ولو جعل متعلّقا
بالمسح ـ كما هو الظاهر ـ فيحصل التعارض بالتساوي ،
__________________
والترجيح للتوقيع
، للأحدثية وموافقة إطلاق الكتاب. بل لو قطع النظر عن الترجيح فإما نقول بالتخيير
بين المعية والابتداء باليمين ، أو يتساقطان ويرجع إلى الإطلاقات المجوّزة للمعية
، فتجويزها ممّا لا مناص عنه.
ومنه يظهر جواز
البدأة باليسرى أيضا ، إذ بعد سقوط موجبات اليمين بمجوّزات المعية يبقى الأصل
والإطلاقات في البدأة باليسرى خاليا عن المعارض.
وتوهّم أنّ
الموجبات تمنع عن المعية والبدأة باليسرى ، وبعد خروج الأول بالتوقيع يبقى الثاني
، فاسد ، إذ منعها منهما إنّما كان بلزومه لوجوب البدأة باليمين ، فدلالتها على
المنع التزامية ساقطة بعد سقوط المطابقة.
وكذا توهّم أنّها
تدلّ على وجوب تقديم اليمنى مطلقا ، خرج ما إذا أراد المعية فيبقى الباقي ، إذ
تجويز المعية عين نفي وجوب تقديم اليمين مطلقا ، لجواز تركه في كلّ وقت ، وليس ذلك
من باب الإطلاق من شيء.
نعم ، مع الاقتصار
على تجويز المعية يكون الوجوب في الموجبات تخييريا ، وهو أيضا مجاز لا ترجيح له
على الحمل على الاستحباب.
السابع
: الموالاة ، وهي ـ بمعنى
مراعاة عدم الجفاف بالمعنى الآتي ـ واجبة بالإجماع المحقق والمحكي في الناصريات والمدارك وغيرهما ، والنصوص :
كالموثّق : « إذا
توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فإنّ الوضوء لا يتبعّض
» .
__________________
والصحيح : ربما
توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي ، فقال : « أعد »
.
والرضوي : « فإن
فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء قبل أن تتمه. ثمَّ أوتيت بالماء فأتمم وضوءك
إذا كان ما غسلته رطبا ، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء ، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن
تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض عليه ، جفّ وضوؤك أم لم يجفّ » .
وإطلاقها كإطلاق
بعض الأخبار الآمرة بإعادة الوضوء بنسيان بعضها يشمل حال
الاضطرار والجهل أيضا.
والموالاة بذلك
المعنى أيضا ركن في الوضوء يبطل بتركها عمدا أو غير عمد.
وأما بمعنى
المتابعة العرفية ، بأن يعقب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة عرفا ،
فهي ليس بركن قطعا ، ولا تجب مراعاتها في حال الاضطرار ، ولا يبطل بتركها الوضوء
بالإجماع ، للأصل ، ومفهوم الموثّق ، ومنطوق الرضوي.
وكذا في حال
الاختيار على الأصح ، وفاقا للمحكي عن الكليني ، والصدوقين ، والإسكافي ، والسيد في شرح
الرسالة ، والقاضي ، والحلبي ، والكيدري ، والحلّي ، والجمل والعقود ، والمراسم ، والغنية ، والكامل ،
__________________
والوسيلة ،
والشرائع ، وفي النافع ، واللمعة ، والروضة ، والذكرى ، والدروس ، والبيان ،
والألفية ، واللوامع ، بل هو المشهور كما به صرّح غير واحد .
للأصل ، وصدق
الامتثال ، والإطلاقات ، سيما إطلاقات مصحّحات الوضوء ، المتروك بعضه إذا اتي به
بعده ، ومفهوم الموثّق.
خلافا للمنقول عن
المقنعة ، والنهاية ، والتهذيب ، والخلاف ، والاقتصاد ، وأحكام الراوندي ،
والمعتبر ، وكتب الفاضل ، والمبسوط ، فقالوا بوجوبها مع عدم إيجاب الإخلال بها لبطلان الوضوء
، كما عن غير الأخير ، أو مع إيجابه كما عنه.
للاحتياط ، وأصل
الاشتغال ، والوضوء البياني ، والفورية المستفادة في الآية من الأمر أو
الفاء أو الإجماع ، فيجب إتمام الوضوء دفعة ، ولعدم إمكانه يحمل على الممكن ، وهو
تعقيب أفعاله بعضها لبعض من دون فصل.
وللأمر بإتباع
أفعال الوضوء ، كما في حسنة الحلبي : « أتبع وضوءك بعضه
__________________
بعضا » وخبر ابن حكيم :
« إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا » .
وللنهي عن تبعيضه
، كما في ذيل موثّقة أبي بصير : « فإنّ الوضوء لا يتبعّض » .
وللأمر بإعادة
الوضوء بترك بعض أفعاله نسيانا ، كما في صدر خبر ابن حكيم : عن رجل نسي من الوضوء
الذراع والرأس ، قال : « يعيد الوضوء ».
وموثّقة سماعة : «
من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء كان عليه إعادة الوضوء والصلاة » فإنّ الحكم
بالإعادة يوجب المتابعة ، إذ الترتيب لا يتوقّف عليها.
وللأمر بإعادة غسل
الوجه إذا قدّم الذراع في صحيحة زرارة : « تابع بين وضوئك كما قال الله ، ابدأ
بالوجه ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت
الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرّجل ثمَّ أعد على الرّجل » .
وفي موثّقة أبي
بصير : « إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه
، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثمَّ اغسل الأيسر ، وإن نسيت
مسح رأسك حتى تغسل
__________________
رجليك فامسح رأسك
ثمَّ اغسل رجليك » ولو لا وجوب المتابعة ، لما أمر بإعادة غسل الوجه.
ويضعّف الأول :
بمنع كونه دليلا.
والثاني : بعدم
ثبوت الاشتغال بغير أفعال الوضوء.
والثالث : بعدم
إشعار في البيانيات بتحقّق المتابعة العرفية ، ولو أشعرت ، لما دلّت على وجوبها.
وأما قوله : « هذا
وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » فكونه بعد تلك البيانيات غير ثابت ، ولو ثبت
فدخول المتابعة في الإشارة غير مسلّم ، لجواز كونها من الاتّفاقيات. مع أنّه لا
ينطبق على قول أكثرهم من عدم إيجاب تركها بطلان الوضوء.
والرابع : بمنع
استفادة الفورية من الآية ، لعدم إفادة الأمر لها ، وكون الفاء جزائية وهي لا تفيد
التعقيب. مع أنّها لو أفادته ، لكان مفادها فورية غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة
القيام ، ولا قائل به.
ومنه يظهر فساد
دعوى الإجماع على كون هذا الأمر للفور ، مع أنّه في نفسه ممنوع.
والخامس : باحتمال
أن يكون المراد بإتباع الوضوء الترتيب ، بل هو الذي يشهد به سياق ما يتضمّنه ،
ويدلّ عليه بيانه به في صحيحة زرارة ، المذكورة.
والسادس : بأنّ
عدم التبعيض لا يدلّ على وجوب المتابعة ، إذ يمكن أن يكون المراد عدمه في إبقائه ،
بأن يترك البعض حتى يجف ما قبله ، فإنّ ما جفّ فكأنّه انعدم. بل تعليل الإعادة مع
التفريق حتى ييبس به قرينة على أنّ المراد منه
__________________
ذلك دون مطلق
التفريق ، فإنّه لا يناسب مفهوم الغاية.
مع أنّه لو أريد
المطلق ، لزم البطلان بدون الجفاف ، حيث علّل الإعادة بأنّ الوضوء لا يتبعّض ،
وأكثرهم لا يقولون به.
والسابع : بعدم
تعيّن كون إعادة الوضوء أو الوجه لأجل فوت الموالاة ، بل لعلّها تعبدية ، أو لعلّة
اخرى. وبالمعارضة مع ما نفى الإعادة عند تقديم بعض الأعضاء أو نسيانه من الأخبار .
مضافا إلى عدم
دلالة صدر خبر ابن حكيم على وجوب الإعادة ، ودلالة الموثّقة الأولى على أنّ
التذكّر بعد الصلاة ، لأنّه المتبادر من الأمر بإعادة الصلاة ، ومعه يحصل الجفاف
المبطل قطعا ، وجواز كون المراد بالبدأة بالوجه في الصحيحة جعله ابتداء للوضوء لا
إعادة غسله لو كان غسله ، أو كون علّتها تحصيل مقارنة النية دون المتابعة ، وهو
المحتمل في الموثّقة الأخيرة أيضا.
مع أنّ المستفاد
من ذيلهما : عدم كون إعادة الوجه لفوات الموالاة ، وإلاّ وجب في الصورتين
الأخيرتين أيضا.
وأيضا : ليس فيهما
إشعار بوقوع فصل بعد غسل الوجه ، فالحكم بأنّ إعادته لفوات المتابعة لا يتمّ إلاّ
بارتكاب تقييد ليس أولى من ارتكاب التقييد بالجفاف ، أو التجوّز في الإعادة ، وكذا
تخصيص ما يعمّ صورة الاضطرار من تلك الأخبار بحال الاختيار الذي هو محل الخلاف.
فروع :
أ : الجفاف المبطل
هو جفاف جميع ما تقدّم ، فلا يبطل بجفاف البعض على الأظهر الأشهر ، وفاقا للمحكي
عن ظاهر الخلاف ، والنهاية ، والكامل ،
__________________
والكافي للحلبي ، والمعتبر ،
والمنتهى ، والتذكرة ، ونهاية الإحكام ، والبيان ، ووالدي
العلاّمة ;.
لاستصحاب بقاء
الصحة ، وجواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين ، بالنصّ كما مرّ ، بل قيل
بالإجماع أيضا ، وفيه نظر ، وظاهر الأخبار المصرّحة بالبطلان بجفاف الوضوء أو ما غسل ،
الظاهر في جفاف الجميع أو المحتمل له ، وهو كاف أيضا ، ومفهوم الشرط في قوله : «
وإن لم يبق من بلّة وضوئك شيء » وقوله : « وإن لم يكن في لحيته بلل » في مرسلة
الفقيه ، ورواية مالك المتقدّمتين في مسألة المسح بالبلّة ، ولا يضرّ اختصاصهما بالناسي ،
لعدم الفاصل ، وصحيحة حريز الآتية .
وخلافا للناصريات
، والسرائر ، وعن المراسم ، والمهذب ، والإشارة ، فقالوا : هو
جفاف العضو السابق المتصل ، لأنّ الموالاة اتباع الأعضاء بعضها بعضا ، فالجفاف
وعدمه إنّما يعتبران في العضوين المتّصلين.
ويردّ : بأنّ
تماميتها فرع وجود دليل على اعتبار مطلق الموالاة ، واستلزامها لما ذكر والأول
مفقود ، والثاني ممنوع.
__________________
وللإسكافي ، فجفاف البعض
مطلقا ، ليقرب من الموالاة الحقيقية ، ولإطلاق جفاف الوضوء المبطل بالأخبار ،
والعلّة المنصوصة في الموثّقة بقوله : « فإنّ الوضوء لا يتبعّض » فإنّها جارية في
جفاف البعض أيضا.
ويجاب عنه : بمنع
اعتبار الموالاة الحقيقية ، ثمَّ ما يقرب منها عند تعذّرها لو اعتبرت ، ومنع إطلاق
الجفاف كما مرّ ، ولزوم تقييده بجفاف الكلّ ـ لما مرّ ـ لو كان ، كتخصيص
العموم المستفاد من قوله : « لا يتبعّض » الشامل لجميع أنواع التبعض.
مع أنّ التحقيق
أنّ في معنى عدم تبعّض الوضوء هنا إجمالا لا يتم الاستدلال به في غير موضع النص.
ب : مقتضى إطلاقات
الغسل والمسح ، واستصحاب صحة ما فعل : الاقتصار في الإبطال بجفاف الكلّ على القدر
الثابت من أدلّته ، وهو البطلان بالجفاف مع التأخير خاصّة. فلا يبطل به بدونه ،
كما في شدّة الحرّ أو الريح أو مثلهما ، وفاقا للصدوقين في الرسالة والمقنع ، بل الظاهر عن
الذكرى ـ كما قيل ـ كونه وفاقيا بين الأصحاب.
ويدلّ عليه أيضا :
ذيل الرضوي المتقدّم ، وصحيحة حريز عن الصادق 7 ، كما عن مدينة العلم ، وإن وقف على حريز في التهذيب وغيره
: في الوضوء يجفّ ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ، قال :
__________________
« جفّ أو لم يجف
اغسل ما بقي » .
وحمله على التقية
ـ كما قيل ـ غير سديد ، إذ لا يحتاج توجيه ما ليس باقيا على إطلاقه
إليه ، فإن التقييد توجيه أحسن وأشهر.
خلافا للمحكي عن
الشهيد عند الاختيار ، لأخبار البطلان بالجفاف .
ويضعف : باختصاصها
بصورة التأخير ، مع أنّها لو تمّت لعمّت حالة الضرورة أيضا ، وانتفاء الحرج لا
يفيد ، لأنّ الانتقال الى التيمّم ممكن.
ولا يختص البطلان
بالجفاف مع التأخير بغير صورة النسيان ، لعموم الموثّقة الأولى ، وخصوص الثانية . ولا بغير حال
الضرورة ، للأول.
ثمَّ الصحة مع
الجفاف إنّما هي إذا لم تتمّ الغسلات ، وإلاّ اتّجه البطلان لئلاّ يستأنف الماء
للمسح.
ج : التأخير الذي لم يجامعه الجفاف لا يبطل ولا يحرم ولو
تفاحش ، كما صرّح به والدي ; ، للأصل.
والشهيد حرّمه مع التفاحش
في الاختيار ، للنهي عن تبعيض الوضوء الصادق
عليه.
ويضعّفه : منع
الصدق.
__________________
وقال والدي طاب
ثراه : لو بلغ التفاحش حدّا يبطل الوحدة والصورة ، لم يبعد الحكم بالبطلان
والحرمة.
وهو أيضا خال عن
الحجّة ، والأصل معه مستند في غاية القوة.
د : المعتبر في
الجفاف الحسّي. فلو لم يحصل لعارض ، كرطوبة الهواء أو إسباغ الوضوء في مدة لو
اعتدل لجفّ قبلها ولو بكثير ، صحّ الوضوء ، لتعليق الإعادة على الجفاف الغير
الصادق على التقديري لغة وعرفا.
وأمّا ما اعتبره
الأكثر في الجفاف من اعتدال الهواء ، فالظاهر ـ كما قاله المتأخّرون ـ أنّه لإخراج
طرف الإفراط في الحرّ حيث إنّ زوال البلل حينئذ مغتفر ، إلاّ أن يقال في العرف
إنّه أخّر لا لإخراج طرف رطوبة الهواء.
ثمَّ مقتضى عدم
اعتبار التقديري ولا الحسّي بدون التأخير : أنّه لو جفّف ما غسله أولا أو جفّ لشدة
الحرّ ثمَّ أخّر ، لم يبطل. ولا بأس بالتزامه وإن استبعد ظاهرا.
الثامن
: مباشرة المكلّف أفعال الوضوء بنفسه حال الاختيار إجماعا ، كما عن نهاية الإحكام ، وروض الجنان ، وفي
الانتصار ، والمعتبر ، والمنتهى واللوامع ، لأنّها مقتضى أمر المكلّف بها في الكتاب والسنّة
، لاقتضائه الامتثال المتوقّف على المباشرة ، مؤيّدا بالوضوءات البيانية.
وخلاف الإسكافي وعدّها من السنن
شاذ.
واستدلاله بأصل
البراءة مدفوع : بما ذكر.
وبالقياس على
إزالة الخبث : بوجود الفارق ، وهو اختلاف الوجوب فيهما بالشرعية والشرطية.
__________________
وبالمروي في تفسير
العياشي : « أنّ قنبر مولى أمير المؤمنين 7 ادخل على الحجاج فقال له : ما الذي كنت تلي من أمر علي بن
أبي طالب 7؟ قال : كنت أوضّيه » : بعدم حجيته ، لضعفه ، مع احتمال إرادة الصب من التوضئة.
ووجوب المباشرة
مخصوص بأفعال الوضوء الواجبة أصلا ، فلا بأس بتولية الغير في غيرها ممّا يجب من
باب المقدّمة ، كتحصيل الماء وإحضاره ، بل صبّه على الكف ، للأصل ، وعدم تعلّق أمر
بها على المكلّف بخصوصه ، بل وجوبها من باب المقدمة ، فلا تجب مع تحقّقها كيف ما
كان.
مضافا في الأول
إلى استفاضة النصوص بأنّهم كانوا يأمرون بإحضار الماء للوضوء .
وفي الثاني إلى
أنّه ليس إلاّ مثل أخذ الماء من نحو الميزاب ، وإلى صحيحة الحذّاء : « وضّأت أبا
جعفر 7 وقد بال فناولته ماء فاستنجى ، ثمَّ صببت عليه كفّا غسل به وجهه ، وكفّا غسل
به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر ، ثمَّ مسح بفضل الندى رأسه ورجليه »
.
والمروي في مجالس
الصدوق : « كانت جارية لعلي بن الحسين 7 تسكب الماء عليه وهو يتوضّأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يد
الجارية » الحديث.
وكون الصب فيهما
في حال الضرورة وإن كان محتملا ولكنه بعيد ، لأنّها لو كانت ، لذكرها.
ولا ينافي ما ذكر
: خبر الوشاء : دخلت على الرضا 7 وبين يديه
__________________
إبريق يريد أن
يتهيّأ منه للصلاة ، فدنوت لأصبّ عليه ، فأبى ذلك وقال : « مه » فقلت : لم تنهاني
أن أصبّ عليك ، تكره أن أوجر؟ قال : « تؤجر أنت وأوزر أنا » فقلت له : وكيف ذلك؟
فقال : « أما سمعت الله يقول ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً ) وها أنا ذا أتوضّأ للصلاة وهي العبادة ، فأكره أن يشركني
فيها أحد » .
والمروي في الفقيه
والعلل والمقنع : كان أمير المؤمنين 7 إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء ، وقال : « لا أحب
أن أشرك في صلاتي أحدا » .
وفي إرشاد المفيد
: « دخل الرضا 7 يوما والمأمون يتوضّأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء ،
فقال : « لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا » فصرف المأمون الغلام وتولّى
تمام الوضوء بنفسه .
لاحتمال أن يكون
الصب على أعضاء الغسل الذي يحصل به الغسل.
مع أنّ في إثبات
التحريم بها نظرا.
أمّا الأولان :
فلأنّ غاية ما يدلاّن عليه منعه ـ 7 ـ عن الصب عليه ، وعدم رضاه به ، وهو لا يدلّ على حرمته
شرعا ، فإنّ طلبه لترك الصب حتما قد يكون لإرادته اجتنابه عن المكروه.
وأمّا قوله : «
وأوزر » فالمراد منه ليس حقيقته التي هي الثقل ، فيمكن أن يكون مجازه ارتكاب
المكروه وحطّ الأجر ، فلا يدلّ على الحرمة.
وكذا قوله : « ولا
يشرك » لأنّه وقع جزاء لرجاء اللقاء ، فلا يثبت منه شيء
__________________
سوى الاستحباب.
وأمّا الثالث :
فلضعفه وعدم ثبوت الجابر له.
وعلى هذا ، فيمكن
القول بجواز الصب على العضو أيضا لو لم يكتف بالغسل الحاصل منه في جزء من العضو ،
بل غسل هو نفسه بالماء المصبوب إن تحقّق معه أقلّ الجريان.
والأحوط تركه ، بل
لا شك في كراهته ، لما مرّ. بل في كراهة الصب على اليد أيضا ، لفتوى جماعة من
العلماء ، وإطلاق المروي في الفقيه وأخويه.
وتجوز التولية حال
الاضطرار على ما صرّح به الأصحاب ، بل في المعتبر أنّه متّفق عليه بين الفقهاء ، وفي المنتهى
أنّه إجماعي .
والحجة فيه ـ بعد
الإجماع ـ صحيحة ابن خالد وفيها : إنّ الصادق 7 ذكر أنّه كان وجعا شديد الوجع ، فأصابته جنابة وهو في مكان
بارد ، وكانت ليلة شديدة الريح باردة ( قال : ) « فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني
فاغسلوني ، فقالوا : إنّا نخاف عليك ، فقلت : ليس بدّ ، فحملوني ووضعوني على خشبات
ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني » .
والأخبار الواردة
بتولية الغير تيمّم المجدور والكسير ، ولا قائل بالفرق بين الطهارات.
والاستدلال بمثل
قوله 7 : « الميسور لا يسقط بالمعسور » وبأنّه
__________________
توصّل إلى الطهارة
بالممكن فيكون واجبا ، ضعيف.
فروع :
أ : لو أمكنت
المباشرة في البعض ، وجبت إذا كان عضوا تاما ، للأمر بغسله المقتضي للمباشرة ، كما
مرّ.
وفي وجوبها إن
أمكنت في بعض من عضو احتمال ، وعدمه أظهر.
ب : لو احتاجت
التولية إلى أجرة مقدورة وجبت ، لوجوب مقدمة الواجب ، إلاّ إذا كان بذلها مضرّا
بحاله.
ج : النية عند
تولية الغير على المكلّف نفسه ، وفاقا للقواعد واللوامع ، لأنّ الواجب عليه ، فينوي القبول ، لا على
المباشر ، كما هو ظاهر المدارك .
د : لو أمكن الغمس
في الماء ، وجب ، ولا تجوز التولية ، ووجهه ظاهر.
هـ : لو توقفت
تولية الغير على إجباره أو لمس غير المحرم ، فالظاهر سقوطها. ( ثمَّ ) لو استنابه مع
ذلك أثم ، بل الأظهر بطلان وضوئه ، لأنّ القبول لا يحصل إلاّ بمسّ عضو المجبور أو
غير المحرم ، وهما منهيان عنهما.
و : لو كان المنوب
عنه أعمى لا يرى عمل النائب ، وجب عليه تحصيل العلم بصحة العمل. ولو لم يمكن ، وجب
استنابة العدل أو إقامة ناظر عدل. وحمل أفعال المسلم على الصحة مطلقا حتى في مثل
المقام غير ثابت.
ز : لا بأس بتعدّد
النوّاب ولو في عضو واحد ، للأصل. ولا يلزم على المستنيب تجديد النية بتجدد
النائب.
ح : لو تمكن من
الغسل ولم يتمكّن من رفع اليد ، يجب عليه الاقتصار في الاستنابة على الرفع ،
والوجه ظاهر. ولو لم يتمكّن من الغسل مستقلاّ ولكن أمكنه الشركة مع النائب ، بحيث
لم يكن كلّ منهما غاسلا ، فالظاهر عدم وجوب
__________________
التشريك.
وكذا لو لم يتمكّن
بنفسه من إمرار اليد على العضو ولكن أمكن أن يمرّ أحد يده عليه ، لا يجب عليه ذلك.
ط : يتحقق
الاضطرار بعدم الإمكان وبحصول العسر والحرج ، وعلى الثاني لو تحمّله وتوضّأ بنفسه
، فالظاهر البطلان ، إذ ليس الحرج من الدين.
التاسع
: أن يكون بالماء المطلق ، فلا يجوز بالمضاف ولو اضطرارا ، وتدلّ عليه الآيات والأخبار المصرّحة بوجوب
التيمّم عند عدم الماء الذي هو حقيقة في المطلق ، وقد مرّ في بحث المياه .
العاشر
: أن يكون بالماء الطاهر ، فلا يجوز بالنجس بالإجماع ، بل الضرورة ، واستفاضة النصوص المعتبرة المتقدّمة كثير
منها في بحث المياه ، ومنها المروي في تفسير النعماني ـ المنجبر بما ذكر ـ عن
مولانا أمير المؤمنين 7 : « إنّ الله تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر » .
الحادي
عشر : أن يكون بالماء المباح ، فلا يجوز بالمغصوب ، للنهي المفسد للعبادة.
الثاني
عشر : أن يكون في المكان المباح ، فيبطل
الوضوء في المغصوب من المكان إذا كان مجموع الهواء المحيط بالمتوضّئ مغصوبا. ولا
يبطل الوضوء بالاستقرار على شيء مغصوب كآجر أو فرش أو نعل ممّا يختص الغصب به ولا
يتبعه الهواء.
ويأتي الوجه في
ذلك وفي التفرقة في بحث التيمّم في المكان المغصوب.
تتميم : هل يشترط في صحة الوضوء طهارة العضو قبل التوضؤ أم لا؟ الظاهر
الثاني. ويأتي تحقيقه في بحث الغسل.
__________________
الفصل
الرابع : في آدابه.
وهي بين مستحبة
ومكروهة نذكرهما في بحثين :
البحث الأول : في
مستحباته ، وهي أمور :
منها : وضع الإناء على اليمين ، للشهرة ، بل الإجماع كما
في اللوامع ، والنبويين أحدهما : « إنّ الله يحبّ التيامن في كلّ شيء » والآخر : « إنّه
كان يحبّ التيامن في طهوره وفعله وشأنه كله » .
ولا ينافيه ما في
الصحيح : « فدعا بقعب فيه شيء من ماء ثمَّ وضعه بين يديه » ، لجواز تركه
المستحب ، وعدم دلالته على الاستحباب.
مع إمكان حمل الوضع
بين يديه على الوضع على اليمين ، لصدقه عليه عرفا. فالقول بأولوية الوضع بين
الجانبين اتّباعا للرواية ـ كما في الغرر وغيره ـ غير جيّد.
والمصرّح به في
كلام جماعة : اختصاص الحكم بما يغترف منه باليد ، وأمّا
__________________
ما يصبّ منه من
الإناء الضيّق الرأس ، فقيل باستحباب وضعه على اليسار .
والتحقيق : أنّ
كلام القوم في مثله مختلف ، فلا يثبت منه حكم بالشهرة ونحوها ، ولا بأحاديث
التيامن ، لعدم صدقه على وضعه باليسار وهو ظاهر.
وأسهليّة صبّ
الماء على اليمين حينئذ غير كافية في إثبات استحبابه. ولا على وضعه باليمين ،
لاحتياجه إلى صبّ الماء منه في اليسار أو أخذه بها. فكون محض وضعه على اليمين من
التيامن المحبوب غير معلوم ، فالحقّ عدم ثبوت استحباب فيه.
ومنها : الاغتراف من الماء باليمين ، لما مرّ ، وللمروي في
الكافي في باب علّة الأذان : « فتلقّى رسول الله 6 ، الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين » والوضوءات
البيانية المتضمّنة لاغترافهم بها . وإطلاق أكثرها يشمل ما لو كان الاغتراف بالأخذ من الإناء
، أو بالصبّ منه في الكف.
وإطلاق كلام جماعة
ـ بل ربما نسب إلى المشهور ـ استحبابه ولو لغسل اليمنى بالإدارة إلى اليسار . وهو كذلك.
لا لما قيل من
إطلاق التيامن ، ولا لصحيحة محمّد في الوضوء البياني : « إلا أحكي لكم
وضوء رسول الله 6؟ قلت : بلى ، قال : فأدخل يده في الإناء » إلى قوله : «
ثمَّ أخذ كفا آخر بيمينه فصبّه على يساره ثمَّ غسل به ذراعه الأيمن » الحديث .
__________________
لضعف الأول : بمنع
شمول التيامن لمثل ذلك أيضا. والثاني : بأنّه إنّما يتم لو كان المستتر في « قال »
راجعا إلى الإمام حتى يكون البيان بالقول ، فإنّ الظاهر حينئذ استحباب ذلك ، لبعد
ذكر الإمام له لولاه. وأمّا لو كان راجعا إلى الراوي حتى يكون بالفعل فلا ، إذ
غايته أنّ الإمام فعل كذلك ، ويمكن أن يكون اتّفاقيا. مع أنه تعارضه أخبار أخر
مصرّحة باغترافه 6 باليسرى لليمنى .
بل للمروي في
تفسير العياشي عن مولانا الرضا 7 : قلت : فإنّه قال : اغسلوا أيديكم إلى المرافق فكيف الغسل؟
قال : « هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق
ثمَّ يمسح إلى الكف » الحديث. ولا تعارضه أحاديث اغترافه باليسرى لليمنى ، لعدم
دلالتها على الاستحباب ، ومعارضتها مع مخالفتها كما مرّ.
ومنها : غسل كلّ من الوجه واليسرى ومسح الرأس والرجل اليمنى
باليمنى. وأمّا الرجل اليسرى فيستحب مسحها باليسرى.
والظاهر عدم
الخلاف في شيء منه.
مضافا إلى
الوضوءات البيانية في الغسلين ، وإلى صحيحة زرارة : « وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ،
وبما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى في
المسحين » .
ولا يجب ذلك ،
للأصل ، وخلوّ الأخبار عن الدالّ على الوجوب. ويجوز غسل الوجه باليدين ، كما مرّ .
ومنها : التسمية حين إرادة الوضوء قبل مس الماء ، وعند وضع اليد
فيه ،
__________________
بأن يقول في كلّ
من الحالين : « بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من
المتطهّرين ».
أمّا الأول :
فللمروي في الخصال : « لا يتوضأ الرجل حتى يسمّي ، يقول قبل أن يمسّ الماء : بسم
الله وبالله » إلى آخره.
وأما الثاني :
فلصحيح زرارة : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله » إلى آخره.
وعند وضع الماء على
الجبين يقول : بسم الله ، لصحيحته أيضا : « ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه
ثمَّ قال : بسم الله ، وسدله » .
وتستحب التسمية
على النحو المذكور في الحالات المذكورة من حيث هي هي.
ويستحب قول : «
بسم الله الرحمن الرحيم » في أول الوضوء أيضا ، للمروي في تفسير الإمام : « وإذا
قال في أول وضوئه : بسم الله الرحمن الرحيم ، طهرت أعضاؤه كلّها من الذنوب » .
ويدلّ عليه أيضا :
ظاهر ما دلّ على استحباب التسمية على الوضوء ، كموثّقة عيص ، ومرسلة ابن أبي
عمير ، أو استحبابها مع الدعاء إذا توضّأ ،
__________________
كمرسلة الفقيه .
وأمّا ما دلّ على
استحبابها في الوضوء ، كمرسلة ابن أبي عمير فيدلّ على الاستحباب حال الوضوء مطلقا
، لا في حالة معيّنة ، وظاهره الأثناء ، وفي بعض الأخبار كمرسلة الفقيه ، وخبر أبي
بصير : « أنّه يتوضّأ فيذكر اسم الله » وظاهره استحبابه بعده.
والمتحصّل : أنّ
المذكور في أخبار التسمية في الوضوء بين ثمان حالات : قبل مس الماء ، وعنده ، وعند
وضع الماء على الجبين ، والابتداء ، وبعد الوضوء ، وعليه ، وفيه ، وإذا توضّأ.
والرابع يتداخل مع ما تقدّمه ، والسادس ظاهر في الرابع ، كالسابع في الأثناء ،
والثامن يحتمل القبل والأثناء والبعد.
ثمَّ ظهور بعض
الأخبار في الوجوب لا يفيده ، للشذوذ ، وعدم القائل.
ولو تركها في
الابتداء يأتي بها في الأثناء ، لاستحبابها فيه. لا لتدارك ما ترك ، لعدم الدليل.
وثبوته في الأكل لا يفيد ، لحرمة القياس. وعدم سقوط الميسور بالمعسور غير دالّ
جدا.
ومنها : غسل اليدين من الزندين ـ اقتصارا على المتيقّن ـ قبل
الوضوء مرّة من حدثي النوم والبول ، ومرّتين من الغائط ، وفاقا للمعظم ، بل في المعتبر
اتّفاق فقهائنا وأكثر أهل العلم عليه .
للصحيح : كم يفرغ
الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال :
__________________
« واحدة من حدث
البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » .
والخبر : عن الرجل
يبول ولم يمس يده اليمنى شيء ، أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : « لا ، حتى
يغسلها » قلت : فإنّه استيقظ من نومه ولم يبل ، أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟
قال : « لا ، لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها » .
ومرسلة الفقيه : «
اغسل يدك من البول مرّة ، ومن الغائط مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا » وقال : « اغسل
يدك من النوم مرّة » .
وأمّا رواية حريز
: « يغسل الرجل يده من النوم مرّة ، ومن الغائط والبول مرّتين » فلا تنافي ما
تقدّم ، إذ يمكن أن يكون الأمر بالمرّتين للأخبثين معا ، بل هو الظاهر ، لأنّه
الغالب مع الغائط.
وظهور بعض تلك
الأخبار في الوجوب غير مفيد له ، لعدم القول به ، مع وجود ضرب من المعارض.
وخلافا للنفلية
والبيان ، فأطلق المرّة في الجميع ، واللمعة فالمرّتين فيه ، ولم نعثر على
مستندهما.
ثمَّ هذا الغسل هل
هو لدفع النجاسة المتوهّمة فلا يكون في غير القليل ولا
__________________
مع تيقّن الطهارة
، ولا يحتاج إلى النية ، أم تعبّد محض ، فيعمّ الجميع ويلزم فيه النية؟
الأقرب الثاني ،
وفاقا لجماعة ، لإطلاق ما عدا ذيل الخبر الثاني ، وصريح صدره ، وعدم
معارضتها له ، لعدم تضمّنها ما يوجب التقييد ، مع معارضتها ـ لو أوجبه
ـ مع صدره .
ومنه ظهر عدم
اختصاص الحكم بالإناء الذي يغترف منه ، وإن اختص الأوّلان به ، لإطلاق الأخير ،
وعدم موجب للتقييد للمنافاة.
خلافا لوالدي ـ ; ـ والمدارك ،
وبعض آخر ، فخصّصوا الحكم به ، للأولين ، وانصراف إطلاق الأخير إلى
الشائع من إناء الوضوء عندهم ، وهي الظروف الواسعة ، واقتصارا على المتيقّن.
ويضعف الأول :
بعدم إيجابه للاختصاص. والثاني : بمنع الشيوع بحيث يوجب الانصراف ، مع أنّه لا
يفيد مع تيقّن الطهارة. والثالث : بأنّ المتيقّن هو المطلق ، للإطلاق المذكور.
ولا يستحب الغسل
لحدث الريح ولا للمجدّد ، لعدم المدرك.
وهل تتداخل
الأسباب؟ فيه إشكال : من أصالة عدمه ، وممّا مرّ من رواية حريز. نعم ، الظاهر
التداخل مع اتّحاد السبب.
ومنها : المضمضة ، وهي : تحريك الماء في الفم ، ذكره الجوهري
وغيره . والاستنشاق ، وهو : اجتذابه إلى داخل الأنف.
__________________
للإجماع المحقّق ،
والمحكي في اللوامع ، وعن الغنية ، ونهاية الإحكام ، وفي المدارك : أنّه المعروف من المذهب .
وللمروي في الكافي
في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « ثمَّ استنشق فقال : اللهم
.. » إلى أن قال : « ثمَّ تمضمض فقال : اللهم .. » .
ونحوه في مجالس
الصدوق ، والمقنع ، وثواب الأعمال ، وفلاح السائل ، والمحاسن ، وفقه الرضا ، إلاّ
أنّ فيها تقديم التمضمض على الاستنشاق .
ورواية عبد الله
بن سنان : « المضمضة والاستنشاق مما سنّ رسول الله 6 » .
وموثّقة سماعة :
سألته عنهما ، فقال : « هما من السنة ، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة » .
وموثّقة أبي بصير
: « هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلا تعد » .
والمروي في مجالس
أبي علي والنهج : « فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام
__________________
الصلاة ، تمضمض
ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا ، واغسل وجهك » الحديث.
وفي ثواب الأعمال
« وليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق » .
وفي مجالس الصدوق
في علل الوضوء : « ثمَّ سنّ على أمتي المضمضة لينقي القلب من الحرام ، والاستنشاق
ليحرم عليهم رائحة النار » .
وفي خصاله : «
المضمضة والاستنشاق سنّة وطهور للفم والأنف » .
وقصور بعضها سندا
مع التسامح منجبر بما مرّ.
فقول العماني :
إنّهما ليسا بفرض ولا سنّة ، ضعيف شاذ. وكذا الأخبار الموافقة له . مع أنّ المصرّح
به في أكثرها أنها ليسا من الوضوء ، والظاهر منه أفعاله الواجبة ، بل قيل : إنّ
الوضوء ليس إلاّ الواجب .
ويشهد له : المروي
في قرب الإسناد : عن المضمضة والاستنشاق ، قال : « ليس بواجب » .
أو المراد أنهما
ليسا من أفعال الوضوء مطلقا وإن كانا مستحبين ، كالسواك ، كما صرّح به الصدوق في
الهداية ، قال : إنّهما مسنونان خارجان عن الوضوء .
وأما رواية
الحضرمي : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق ، لأنهما من
__________________
الجوف » فلا يفيد إلاّ
نفي الوجوب.
وكذا رواية زرارة
: « ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة » لاحتمال كون المراد بالسنّة الواجبة النبوية كما هو الشائع
في الصدر الأول ، ولا أقلّ من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المعنى المصطلح لها ،
بل ولا المتشرّعة عند القدماء ، ومنه يظهر إمكان حملها في كلام العماني عليها
أيضا.
ثمَّ أكثر أخبار
المقام وإن كان مطلقا إلاّ أنّ مقتضى رواية النهج : استحباب
التثليث ، وقد حكى في الغنية الإجماع عليه ، وفي اللوامع : أنّه المعروف منهم ، وهو كاف في إثبات
الاستحباب. فما قيل من أنّه لا شاهد عليه غير جيّد.
وتدلّ عليه أيضا
الرواية المشهورة في حكاية علي بن يقطين ، المتقدّمة بعضها : « تمضمض ثلاثا
واستنشق ثلاثا » .
وثبوت التقية في
بعض ما ذكر معهما لا يضرّ بعد عدم ثبوتها فيهما. والاستدلال على التثليث بخبر
المعلّى : إن نسي ـ أي السواك ـ حتى يتوضّأ ، قال : « يستاك ـ أي بعد الوضوء ـ ثمَّ
يتمضمض ثلاث مرات » ضعيف.
ويجوز الاكتفاء في
كلّ منهما بالأقلّ أيضا ، لإطلاق أكثر الأخبار ، وعدم استلزام استحباب التثليث ،
لعدم استحباب المطلق.
__________________
وهل الأفضل إيقاع
الثلاث في كلّ منهما بثلاث غرفات ، كما عن التذكرة ، ونهاية الإحكام ، وفي اللوامع ،
أو لا فيقتصر بغرفة لكلّ منهما كما في نهاية الشيخ ، وعن مصباحه ومختصره ،
والمقنعة ، والمهذب ، والوسيلة ، والإشارة ، أو بغرفة لهما معا ، كما عن ظاهر الاقتصاد ، والجامع ،
والمبسوط والإصباح ، وفي الأخيرين التخيير بين الغرفة والغرفتين
لهما بزيادة الثلاث في كلّ في الأخير؟
مقتضى ظواهر
الإطلاقات : جواز الكلّ وتساويه في الفضيلة.
وتستحب المبالغة
فيهما بإدارة الماء في جميع الفم وجذبه إلى أعلى الأنف ، كما صرّح به في المنتهى
والتذكرة ، لرواية ثواب الأعمال ، ولأنها السبب للتنظيف المعلّل به في خبر الخصال .
ولا يلزم إخراج
الماء في المضمضة ، فلو ابتلعه حصل الامتثال.
ثمَّ مقتضى إطلاق
أكثر الأخبار بملاحظة عدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي : عدم الترتيب بينهما
، فيجوز تقديم كلّ منهما على الآخر ، أو توسيط بعض دفعات كلّ بين الآخر ، كما في
بعض كتب الفاضل .
وعن المشهور تقديم
المضمضة بدفعاتها الثلاثة ، وهو المحكي عن المقنعة ، والمصباح ، ومختصره والوسيلة
، والجامع ، والتحرير ، والتذكرة ، ونهاية الإحكام ،
__________________
والذكرى ،
والنفلية ، والبيان ، بل في المبسوط أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق ، وقيل : إنّه
كذلك مع قصد المشروعية ، لعدم ثبوتها .
للشك في شمول
الإطلاق له ، سيما مع دلالة ظاهر الرواية الأولى ـ على ما في غير
الكافي ـ على الترتيب ، وسيما مع الترتيب الذكري في كثير من الأخبار.
أقول : إثبات استحباب تقديم المضمضة وإن لم يمكن من الأخبار ،
للأصل ، وعدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي ، بل عدم دلالة الفعلي المذكور في
الأولى على ما في غير الكافي ، لجواز كونه أحد فردي المستحب ، مع تعارضها بما في
الكافي ، ولكن لا بأس بإثباته بالشهرة المحكية وفتوى الأجلّة ، لأنّ المقام مقام
المسامحة ، فيكون مستحبا. ولكن لا يثبت منه تقييد استحباب مطلقهما به حتى لا يستحب
غير تلك الهيئة ويأثم بقصد المشروعية في غيرها ، إذ استحباب التقديم غير مناف
لاستحباب المطلق ، بل غايته أنه مستحب آخر ، فمن تركه أتى بأحد المستحبين. والشك
في شمول الإطلاق لو سلّم لم يضرّ ، لمكان الأصل. فالحقّ ـ كما صرّح في اللوامع ـ جواز
الأمرين وإن استحب تقديم المضمضة.
ويستحب كونهما
باليمنى ، لما تقدّم.
ويجوزان للصائم
وإن كان الأفضل له ترك المضمضة ، لمضمرة يونس : « إنّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض
» .
__________________
ومنها : الدعاء عند كلّ من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه
واليدين ومسح الرأس والرجلين وبعد الوضوء بالمأثور ، وقول : « الحمد لله رب
العالمين » بعده.
وكذا تستحب قراءة
آية الكرسي في أثر الوضوء ، رواه في جامع الأخبار وإنا أنزلناه ،
رواه في البلد الأمين واختيار ابن الباقي . وفي بعض الأدعية اختلاف في كتبه ، والداعي مخير.
ومحل الدعاء في
المضمضة والاستنشاق بعد الفعل ، لمكان قوله في رواية وضوء أمير المؤمنين 7 : « تمضمض فقال
.. واستنشق فقال » بل المستفاد من تلك الرواية كون الدعاء في كلّ فعل بعد
الفراغ منه.
وقال والدي ـ ; ـ : والظاهر
تأدّي السنّة بقراءته بعده وفي الأثناء أيضا فيما يمكن.
ومنها : تثنية الغسلات في كلّ من الوجه واليدين ، كما يأتي بعد
ذلك .
ومنها : بدأة الرجل بظاهر ذراعيه ، والمرأة بباطنهما ، لخبر ابن
بزيع : « فرض الله على النساء في الوضوء أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفي الرجل بظاهر
الذراع » ومثله في الخصال .
ويمكن أن يكون
المراد منها في الرواية البدأة في كلّ من الغسلتين ، كما ذكره
__________________
جماعة ، أو في الغسل
حتى تكون الثانية مسكوتا عنها.
ويحتمل الأمران في
كلام المشهور أيضا ، حيث أطلق فيه البدأة بالظاهر للرجل وبالباطن للمرأة.
واختار في المبسوط
بدأة الرجل في الأولى بالظاهر وفي الثانية بالباطن ، وهو مختار
الإصباح ، والإشارة ، والسرائر ، والشرائع ، والغنية ، والتذكرة ، وفي الأخيرين
الإجماع عليه ، وهو كاف في إثبات المطلوب ، للمسامحة. ولا ينافيه اشتهار الإطلاق ،
لا سيما مع الاحتمال المتقدم.
ومنها : إسباغ
الوضوء ( بمدّ ) بالإجماعين والمستفيضة من الروايات ، كمرسلتي الفقيه ، وصحيحتي زرارة ومحمّد ، وموثّقة سماعة ، ورواية أبي
بصير .
ولا دلالة في شيء
منها على الوجوب. ولو كان فيجب الحمل على الاستحباب ، للاتّفاق واستفاضة الروايات
بكفاية مثل الدهن وكف واحد .
__________________
والحمل على ما
يدخل فيه ماء الاستنجاء أيضا ، لأنّ المدّ لا يبلغه الوضوء ، كما في الذكرى . أو استفادة وجوب
غسل الرجلين منه كالعامة ، فاسد جدا ، لأنّ الوضوء الكامل يكون بأربع عشرة كفا أو
ثلاث عشرة ، والمدّ لا يزيد على ذلك قطعا ، لأنّه رطل ونصف بالمدني وهو مائتان
واثنان وتسعون درهما ونصف درهم ، ربع الصاع ، ومائة وثلاثة وخمسون ونصفا ، ونصف
ثمن بالمثاقيل الصيرفية ، وهو أقلّ من ربع المن التبريزي المتعارف الآن في بلدنا ،
وما يقاربه ، الذي هو ستمائة مثقال صيرفي وأربعون مثقالا. وقد مرّ بيانه في بحث
الكر .
ومنها : السواك ، واستحبابه عندنا في نفسه وللوضوء مجمع عليه ،
والنصوص به في الموضعين مستفيضة .
فمن الثاني صحيحة
ابن عمار : « عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة » .
ومرسلة الفقيه : «
السواك شطر الوضوء » .
ورواية المعلّى :
عن السواك بعد الوضوء ، فقال : « الاستياك قبل أن يتوضّأ » قلت : أرأيت إن نسي حتى
يتوضّأ؟ قال : « يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات » .
ورواية السكوني :
« التسويك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك » .
والمروي في
المحاسن : « إذا توضّأ الرجل وسوّك ثمَّ قام فصلّى ، وضع الملك [ فاه على فيه فلم
يلفظ شيئا إلاّ التقمه » وزاد فيه بعضهم : « فإن لم يستك قام الملك
__________________
جانبا ] يستمع إلى قراءته
» .
ومقتضى الرواية
كونه من سنن الوضوء ، وليس فيما دلّ على استحبابه على الإطلاق منافاة لذلك.
ومقتضى الثالثة :
كون محلّه قبل الوضوء ، فمن نسيه فبعده. ولعلّه مراد من استحبه قبله وبعده.
ويمكن القول
بالاستحباب في الموضعين أيضا ، لاستفاضة النصوص باستحبابه لكلّ صلاة ، فتأمّل.
والأولى تقديمه
على غسل اليدين ، لفتوى طائفة من الأعيان بأفضليته ومقتضى الرابعة :
جواز الاكتفاء فيه بالإصبع ، وتدلّ عليه أيضا مرسلة الكافي : « أدنى السواك أن
تدلك بإصبعك » .
ولا تنافيها صحيحة
علي : عن الرجل يستاك مرة بيده إذا قام إلى صلاة الليل وهو يقدر على السواك ، قال
: « إذا خاف الصبح فلا بأس به » لجواز أن يكون الشرط للمرة.
ومنها : فتح العين
، وفاقا للصدوق وجماعة ، لمرسلة الفقيه : « افتحوا عيونكم عند الوضوء ، لعلّها لا
ترى نار جهنم » .
والمروي في نوادر
الراوندي : « اشربوا أعينكم الماء عند الوضوء ، لعلّها لا
__________________
ترى نارا حامية » .
والأمر هنا للندب
، لانتفاء الوجوب إجماعا ونصّا في الجوف.
ذكر والدي ـ ; ـ في اللوامع :
أنّ مرادهم بالفتح والإشراب ما يحصل به غسل نواحيها ، دون ما يوجب إيصال الماء
إليها ، لنفي الشيخ استحبابه ، محتجّا بالإجماع وإيجابه الضرر غالبا ، وقد روي أنّ
ابن عمر كان يفعله فعمى لذلك . ولا بأس به.
ومنها : إمرار اليد بالغسل ، وفاقا للمشهور ، تأسّيا بالحجج ،
وللمروي في قرب الإسناد : « ولا تغمس في الوضوء ، ولا تلطم وجهك بالماء لطما ،
ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا ، وكذلك فامسح بالماء ذراعيك » .
وضعفه مع عدم
القائل يأبى عن إثبات الوجوب به.
ويستحب الاستقبال
حال الوضوء أيضا ، لقولهم : « خير المجالس ما استقبل به القبلة » . وعدم الجلوس في
مظان النجاسة ، ووجهه ظاهر. ولكن في عدّهما من مستحبات الوضوء بخصوصه ـ كما فعله
بعضهم ـ نظر.
البحث الثاني : في مكروهاته ، وهي أيضا أمور :
ومنها : الاستعانة بصبّ الماء على الكف ، لما مرّ في مسألة
المباشرة . لا في إحضار الماء وإسخانه ، ورفع الثوب عن العضو ونحوها
، للأصل والخروج عن
__________________
الصبّ المصرّح به
في الأخبار ، والشك في شمول التعليل فيها لمثلها.
ومنها : التمندل ،
وهو تجفيف ماء الوضوء من الأعضاء المغسولة بالمنديل ، للشهرة بين الأصحاب ، بل
ظاهر الوفاق كما في اللوامع ، وخبر ابن حمران : « من توضّأ فتمندل كانت له حسنة ،
وإن توضّأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه ، كان له ثلاثون حسنة » .
وضعفه ـ لو كان ـ غير
ضائر في مقام المسامحة ، مع أنّه منجبر بالشهرة.
ومدلوله رجحان ترك
التمندل على فعله ، وهو بعينه الكراهة بالمعنى المعهود ، والحسنة الواحدة إنّما هي
على الوضوء دون التمندل. فالإيراد بأنّه يدلّ على قلّة الثواب دون الكراهة
المصطلحة ضعيف.
وأضعف منه : دفعه
بأنّ الكراهة في العبادات بهذا المعنى ، لأنّ التمندل أمر وراء العبادة.
والاستدلال على
كراهته : بقوله في ثواب الوضوء : « خلق الله من كلّ قطرة .. » باطل ، إذ لا
يلزم أن تكون القطرة متقاطرة ، بل المراد قطرات ماء الوضوء.
خلافا للسيد في
شرح الرسالة ، وعن الشيخ في أحد قوليه فلم يكرهاه ،
للأصل ، وصحيحة محمّد : « عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف ، قال : لا بأس به » .
__________________
ورواية الحضرمي :
« لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا » .
وموثّقة ابن الفضل
: رأيت أبا عبد الله 7 توضّأ للصلاة ثمَّ مسح وجهه بأسفل قميصه ، ثمَّ قال : « يا
إسماعيل افعل هكذا ، فإني هكذا أفعل » .
وصحيحة ابن حازم :
رأيت أبا عبد الله 7 وقد توضّأ وهو محرم أخذ منديلا فمسح به وجهه .
والمروي في
المحاسن : عن التمندل بعد الوضوء ، فقال : « كان لعلي 7 خرقة في المسجد
ليست إلاّ للوضوء يتمندل بها » .
وآخر : « كانت
لعلي 7 خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه ، إذا توضّأ يتمندل بها » .
وثالث : « كانت
لأمير المؤمنين خرقة يمسح بها وجهه إذا توضّأ للصلاة ، ثمَّ يعلّقها على وتد ولا
يمسها غيره » .
والثانيان لا
ينفيان إلاّ البأس الذي هو الحرمة ، مع أنّ في ثانيهما نفي البأس عن المسح بالثوب
، وهو غير التمندل. ومنه يظهر ما في الرابع ، مع أنه قضية في واقعة ، فيجوز أن
يكون لضرورة ، كشقاق أو خوف شين أو للتقية ، فإنه ـ كما صرّح به جماعة ـ متداول عند
العامة مشتهر بينهم.
__________________
ومنه يظهر دفع
البواقي ، إذ يترجّح ما مرّ عليها ، لموافقتها العامة ومخالفتها الشهرة.
والمكروه ـ كما
أشرنا إليه ـ إنّما هو التمندل كما هو مورد الشهرة ومحل الرواية ، فلا كراهة في
التمسح بالثوب والذيل والكم والقميص والتجفيف بالشمس والنار ، للأصل.
ومنها : نفض المتوضّئ يده ، للنبوي العامي : « إذا توضّأتم فلا
تنفضوا أيديكم » . وكونه عاميا غير ضائر ، للمسامحة.
ومنها : التوضؤ من إناء فيه تماثيل ، للموثّق : عن الطست يكون
فيه التماثيل ، أو الكوز أو التور يكون فيه تماثيل أو فضة ، قال : « لا تتوضّأ منه
ولا فيه » .
ومنها : الوضوء في المسجد عن البول والغائط ، للخبر : عن الوضوء
في المسجد ، فكرهه من البول والغائط .
ولا ينافي إطلاقه
مفهوم خبر بكير : « إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد » ، لأنّه إنّما هي
إذا كان البأس مستعملا فيما يعم الكراهة مجازا ، وهو ليس بأولى من كون المفهوم غير
معتبر كذلك.
ومنه يظهر عدم
إمكان الاستدلال به على كراهة الوضوء من شيء من الأحداث الواقعة خارجه أيضا.
ومنها : التوضؤ ببعض المياه المكروه استعمالها ، المتقدم في بحث
المياه .
__________________
الفصل
الخامس : في أحكامه
وهي أمور نذكرها
في مسائل :
المسألة
الأولى : لا خلاف في وجوب المرة الواحدة في
الغسلات ، ولا ريب في أداء الواجب
بها ، للإجماع ، والأصل ، وصدق الامتثال ، والوضوءات البيانية ، والنصوص المعتبرة
، كصحيحة زرارة ، وفيها : « فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه واثنتان
للذراعين » .
واخرى : « في
الوضوء ، إذا مس جلدك الماء فحسبك » .
ورواية ابن بكير :
« من لم يستيقن أنّ الواحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين » وغير ذلك.
ولا في عدم جواز
الزائد على الثلاث ، لتوقيفية العبادة ، وإنّما الخلاف فيما بينهما من الثانية
والثالثة.
أمّا الثانية :
فاختلفوا في استحبابها وعدمه ، فالأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار والسرائر ، وعن
الغنية ، ونفى عنه الخلاف بعض المحقّقين ، وحكاه عن أمالي الصدوق : الأول ،
للإجماعات المنقولة والشهرة
__________________
الكافيتين في مقام
المسامحة.
وللمستفيضة من
المعتبرة ، كصحيحتي ابن وهب وصفوان ، ورواية زرارة : « الوضوء مثنى مثنى » وزاد في الأخيرة
: « من زاد لم يؤجر عليه ».
ورواية يونس : «
الوضوء الذي افترضه الله » إلى أن قال : « يغسل ذكره ويذهب الغائط ، ثمَّ يتوضّأ
مرتين مرتين » .
ورواية حكاية وضوء
علي بن يقطين ، المشهورة ، وفيها بعد أمره بالثلاث وغسل الرجلين وتبطين اللحية تقية
وظهور ارتفاعها : « الآن توضّأ كما أمر الله تعالى ، اغسل وجهك مرة فريضة واخرى
إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك » الحديث.
والمروي في تفسير
العياشي كيف يتوضّأ؟ قال : « مرتين مرتين » قلت : كيف يمسح؟ قال : « مرة مرة » .
وفي رجال الكشي عن
داود الرقي بعد أمره ـ 7 ـ داود الزربي بالثلاث تقية وارتفاعها : « يا داود بن زربي!
توضّأ مثنى مثنى ، ولا تزدن عليه ، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك » .
__________________
وقول القائم 7 في مكاتبة
العريضي : « إنّ الوضوء كما أمر الله غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحدة
، واثنان إسباغ ، ومن زاد على الاثنين أثم »
وقول مولانا الرضا
7 في مكاتبة المأمون كما في العيون : « واحدة فريضة واثنتان استحباب » .
ويدلّ عليه أيضا :
مفهوم الشرط في رواية ابن بكير ، المتقدّمة .
وحمل مرّتين
مرّتين ومثنى مثنى في رواياتهما على الغسلتين والمسحتين ، أو التجديد ، أي :
تجويزه مرة وعدم مشروعية وضوءين تجديدا ، أو منتهى مرتبة الجواز ـ كما قيل ـ بعيد جدّا ، بل
لا يتحمّله بعضها ، كروايات علي بن يقطين والعياشي والكشي ، بل أخبار مثنى مثنى ، لمكان مقتضى
حقيقة الحمل.
وعلى الغرفتين ـ كما
في الوافي ـ غير صحيح ، إذ فضلهما لا قول به ، وجوازهما لا حدّ له ،
والزائد على الثلاث فيه لا إثم عليه.
وعلى التقية ـ كما
في المنتقى ـ لا يلائم روايتي علي بن يقطين والكشي.
خلافا للمحكي عن
البزنطي والكليني ، فجعلا الفضل في واحدة واحدة .
وأمّا قولهما بعد
ذكر ذلك : إنّ من زاد على مرتين لم يؤجر ، فلا يفيد ثبوت
__________________
الأجر للمرتين ،
إذ مرادهما أنه لم يؤجر على الوضوء ، بل وضوؤه باطل ، للنهي عنه بخصوصه ، ومفهومه
: أنه من لم يزد يؤجر على الوضوء ، وهذا أعم من أن تكون الثانية مستحبة أم لا. أو
مرادهما أنه يؤجر على المرتين ، لأنه أحد أفراد المخيّر.
فما ذكره والدي ـ ; ـ من أنّ ما نسب
إليهما من عدم استحباب الثانية خلاف الواقع لذلك ، ليس كذلك.
ثمَّ إنه تبعهما على
ذلك جماعة من متأخّري المتأخّرين ، وهو الظاهر من المدارك ، والمنتقى ، والبحار ،
والوافي ، والهندي في شرح القواعد .
للمستفيضة
كالرواية : « الوضوء واحدة واحدة » .
والأخرى : عن
الوضوء للصلاة ، فقال : « مرة مرة » .
والثالثة : عن
الوضوء ، فقال : « ما كان وضوء علي 7 إلاّ مرة مرة » . ومثلها الرابعة ، في وضوء النبي 6 ، وزاد فيها : «
وتوضّأ النبي مرة مرة ، فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » .
والخامسة : « إنّ
الله وتر يحبّ الوتر ، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه واثنتان
للذراعين » .
__________________
والسادسة : «
الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة » .
والسابعة : « من
توضّأ مرتين لم يؤجر » .
والثامنة المروية
في العيون : « الوضوء كما أمر الله في كتابه غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ،
ومسح الرأس والرجلين مرة واحدة » .
والتاسعة المروية
في البصائر : إني سألت أباك عن الوضوء ، فقال : « مرّة مرة » فما تقول أنت؟ فقال :
« إنك لن تسألني من هذه المسألة إلاّ وأنت ترى أني أخالف أبي ، توضّأ ثلاثا وخلّل
أصابعك » .
والعاشرة المروية
في السرائر عن نوادر البزنطي : « وضع يده في الإناء فمسح رأسه ورجليه. واعلم أنّ
الفضل في واحدة واحدة ، ومن زاد على اثنتين لم يؤجر » .
هذا كلّه ، مضافا
إلى الوضوءات البيانية.
ويجاب عن الأولين
: بأنّ مقتضى هذا التركيب : بيان حقيقة الوضوء التي لا تحقّق له بدونها ، ونحن
نسلّم أنّ حقيقته ذلك ، وذلك لا ينافي استحباب شيء آخر ، كما في قولهم : « الوضوء
غسلتان ومسحتان » مع استحباب أمور كثيرة فيه.
نعم ، قوله : «
مثنى مثنى ، ومرتين مرتين » يدلّ على الاستحباب ، للإجماع على عدم وجوب التعدّد.
__________________
وعن الثالثة
والرابعة ـ مع معارضتهما مع مرسلة ابن أبي المقدام : « إني لأعجب ممّن يرغب أن
يتوضّأ اثنتين وقد توضّأ رسول الله 6 اثنتين » ومع إمكان إرادة أنّ وضوء النبيّ 6 لكلّ صلاة ما
كانت إلاّ مرة ، ولذا توقّف الشهيد في استحباب التجديد لصلاة واحدة ـ : أنه يمكن أن يكون ذلك لبيان الجواز. بل قيل : إنّ
المعلوم من حال النبيّ الاقتصار في العمل على ما وجب ، اشتغالا بالأهم ، وإظهارا
للاستحباب وجواز الترك .
مع أنّ في مرسلة
مؤمن الطاق : « فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله للناس اثنتين اثنتين
» وفي المروي في رجال الكشي : كم عدّة الطهارة؟ فقال : « ما أوجبه الله فواحدة
، وأضاف إليها رسول الله 6 واحدة لضعف الناس ، ومن توضّأ ثلاثا فلا صلاة له » .
ومقتضاهما : أنّ
إضافة الثانية للناس لضعفهم وتقصيرهم ، فلعلّ الحجج لبراءتهم عنهما لم يقصدوا
إليها ، واختص استحبابها بغيرهم ، كما احتمله والدي في اللوامع ، بل هو الظاهر من
كلام العماني والإسكافي بل المفيد .
وأما قوله : « هذا
وضوء » إلى آخره ، فالظاهر منه أنه لا يصح أقلّ منه ، لا أن يجب الاقتصار عليه.
مع أنّه لو أريد
عدم الصحة ، لخالف مذهب المستدلّ ، وخرج الخبر عن الحجية بالشذوذ ، وإن أريد
المرجوحية ، فهي مجاز ليس أولى من غيره ، كبيان
__________________
الأقل. بل للخبر
تتمة في طرق العامة تؤكّد ذلك وهو أنّه : « ثمَّ توضّأ مرتين وقال : وضوء من ضاعف
له الأجر هذا » .
مع أنّ حمل
الإضافة في الروايتين على العهد وإرادة الوضوء البياني وكونه في مقام بيان أقلّ
الواجب ممكن ، بل قوله : « هذا وضوء » إلى آخره ، يومئ إليه ، وبه يجمع بينهما
وبين مرسلة ابن المقدام.
وعن الخامسة :
بعدم منافاة حبّ الوتر من حيث هو لحبّ غيره من جهة أخرى.
مع أنّ نفيه حبّ
الغير ليس إلاّ بالمفهوم الضعيف ، ومع أنه أعم مطلقا من المسألة ، فيجب تخصيصه
بأخبارها. والإجزاء المذكور فيه لا يبيّن إلاّ منتهى الوجوب.
وعن السادسة
والسابعة : بمعارضتهما مع رواية ابن بكير ، المتقدّمة بالعموم المطلق ،
فيجب حملهما على من لم يستيقن إجزاء الواحدة ، وزعم وجوب الثانية.
مع إمكان إرادة
الوضوء الواحدة لكلّ صلاة ، فجوّز التجديد وإن لم يترتّب عليه بخصوصه أجر ، بل كان
مخيّرا بين الوضوء والوضوءين ، وحرّم الثالثة ، كما اختاره الشهيد في الثالثة واحتمله الفاضل
فيها . وحينئذ وإن عارضتهما إطلاقات التجديد ، ولكن على الحمل على الغسلة أيضا
تعارضهما أخبار الغسلة الثانية.
وعن الثامنة
والتاسعة : بما أجيب عن الأولين.
__________________
وعن العاشرة :
بالمعارضة المذكورة مع الموثّقة فتخصّص بها.
مع أنّ الظاهر أنّ
قوله : « واعلم .. » من كلام البزنطي ، ولا أقلّ من احتماله ، فلا حجّية فيه في
مقابلة ما مرّ.
وأما البيانيات ،
فهي في بيان الواجبات ، لخلوّها عن كثير من المستحبات.
هذا وقد يردّ هذا
القول أيضا : بأنّه لا يجتمع مع رجحان العبادة ، إذ جزؤها إمّا واجب أو مستحب ،
ولا معنى لاتّصافه بالإباحة المطلقة من دون رجحان.
وفيه : أنّ اللازم
في العبادة الرجحان الذاتي ، ويمكن أن يكون الكلام هنا في الإضافي بالنسبة إلى
الواحدة كما في أحد فردي المخيّر.
ويمكن أيضا أن
يكون مرادهما بجواز الثانية جوازها لا بقصد الوضوء.
والحاصل أن يكون
كلامهما في هذا الفعل في الوضوء من غير ملاحظة قصد كونه منه ، كما قالوا في تكرار
المسح ، فحرّموا الثالثة فصاعدا ولو بدون قصد الوضوء ، للنصوص ، كالتكفير في الصلاة
، وجوّزوا الثانية إمّا مع المرجوحية كالتمندل ، أو بدونها.
وللمحكي في الخلاف
والسرائر عن بعض الأصحاب ، فقال بعدم مشروعية الثانية . والظاهر ـ كما
صرّح به والدي ـ ; ـ ونقله جماعة ـ أنه هو الصدوق ، فإنّ كلامه في الفقيه صريح في عدم
الجواز :
قال : قال الصادق 7 : « ما كان وضوء
رسول الله 6 إلاّ مرة مرة ، وتوضّأ النبي مرة مرة فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة
إلا
__________________
به » فأما الأخبار
التي رويت في أنّ الوضوء مرتين مرتين ، فأحدها بإسناد منقطع ـ فنقل مرسلة مؤمن
الطاق المتقدمة ـ فقال : هذا على جهة الإنكار لا الإخبار ، كأنه يقول : حد
الله حدا ، فتجاوز رسول الله 6 وتعدّاه ، وقد قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) وقد روي : أنّ
الوضوء حدّ من حدود الله وأنّ المؤمن لا ينجّسه شيء وإنّما يكفيه مثل الدهن. وقال
الصادق 7 : « من تعدّى في وضوئه كان كناقضه ». وفي ذلك حديث آخر بإسناد منقطع ـ ثمَّ
نقل رواية ابن أبي المقدام ، السابقة ـ فقال : إنّ النبي كان يجدّد الوضوء لكلّ صلاة. فمعنى هذا
الحديث هو : إني لأعجب ممّن رغب عن تجديد الوضوء وقد جدّده النبي. والخبر الذي روي
أنّ من زاد على مرتين لم يؤجر ، يؤكد ما ذكرته. ومعناه أنّ تجديده بعد التجديد لا
أجر له ، كالأذان : من صلّى الظهر والعصر بأذان وإقامتين أجزأه ، ومن أذّن للعصر
كان أفضل ، والأذان الثالث بدعة لا أجر له. وكذلك ما روي أنّ المرتين أفضل ، معناه
التجديد. وكذلك ما روي في مرتين أنه إسباغ ـ ثمَّ ذكر أحاديث فضل التجديد ، فقال :
وقد فوّض الله إلى نبيه أمر دينه ولم يفوّض إليه تعدّي حدوده. وقول الصادق 7 : « من توضّأ
مرتين لم يؤجر » يعني به أنه أتى بغير الذي أمر به ووعد الأجر عليه ، فلا يستحق
الأجر. انتهى .
وحاصله : حمل
أخبار المرة ومرجوحية المرتين على الغسلة والغسلتين ، وأخبار فضل المرتين على
التجديد ، وأنّ الثانية في الغسلة غير مأمور بها ، وأنّ فاعلها كناقض الوضوء ،
وأنّ جعلها من الوضوء تعدّ عن حدود الله ، فتكون منهيّا عنها وإن لم تكن بنية
الوضوء. ولا فرق في ذلك بينها وبين الثالثة والرابعة فتكون
__________________
حراما.
وعلى هذا فما ذكره
والدي ـ ; ـ من أن نسبة الحرمة إلى الصدوق مخالف للواقع ، وما قاله كثير من المتأخّرين
من نسبة جوازها إليه ، ليس من موقعه.
والباعث على ذلك :
قوله في باب حدّ الوضوء : والوضوء مرة مرة ، ومن توضّأ مرتين لم يؤجر ، ومن توضّأ
ثلاثا فقد أبدع ، حيث إنه فرّق بين الثانية والثالثة بعدم الأجر على الثانية
وارتكاب البدعة في الثالثة.
والظاهر أنّ مراده
من قوله « أبدع » دخل فيما هو بدعة ، حيث إن الثالثة مستحبة عند العامة ، فهي من بدعهم.
أي : ارتكب ما هو بدعة من العامة ، ومنهي عنه بخصوصه في الروايات ، سواء قصد به
الوضوء أم لا كما مرّ.
وأما الثانية فلم
يبتدعها أحد بخصوصها ، ولم ينه عنها كذلك ، بل هي غير مأمور بها وغير داخلة في
الوضوء. ويلزمها عدم جواز إدخالها فيه بقصد الوضوء ، لكونه تعدّيا عن حدود الله.
وكيف كان ،
فالظاهر عدم الريب في ضعف ذلك القول. ويدلّ عليه أيضا بعد ظاهر الوفاق ما تقدّم من
أخبار رجحان الثانية . مضافا إلى مستفيضة أخرى دالّة على جوازها ومشروعيتها ،
كمرسلة مؤمن الطاق .
وحملها على
الإنكار ـ كما في الفقيه ـ خلاف الأصل والظاهر ، ومخالف لما صرّح به في روايات أخر
كما مرّ ، ومرسلة ابن أبي المقدام ، والمروي في رجال الكشي كما مرّ
.
__________________
وفي الخصال : «
هذه شرائع الدين » إلى أن قال : « غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس
والقدمين إلى الكعبين مرة مرة ، ومرتان جائز » .
ومستند الصدوق :
الأصل أخبار عدم الأجر على المرتين ، بانضمام حمل أخبار رجحانهما على التجديدي.
وقد عرفت ضعف الكلّ.
هذا كلّه في
الغسلة الثانية ، وأمّا الثالثة فاختلفوا في حرمتها وعدمها. والحقّ هو الأول كما
عليه المعظم ، للأصل في العبادات ، والمعتبرة المنجبرة المتقدّمة ، كمرسلة ابن أبي
عمير وروايات الكشي والعريضي وزرارة والسرائر .
خلافا لظاهر من شذ
ـ من دون مستند ظاهر ـ كالمفيد ، حيث جعلها تكلّفا ، والزائد عليها بدعة . والقديمين ،
فجعلاها غير محتاج إليها .
قيل : ومال إليه
في المعتبر ، وهو فرية ، لأنّه قال بعد حكمه باستحباب الثانية وكون
الثالثة بدعة ونسبة استحبابها إلى العامة : وأما كون الثالثة بدعة : فلأنّها ليست
مشروعة ، فإذا اعتقد التشريع أثم ، ولأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه ، فيكون
مردودا .
نعم ، قال بعد
إتمام المسألة في الفرع الثاني : هل تبطل الطهارة لو غسل
__________________
يديه ثلاثا؟ قيل :
نعم ، لأنه مسح لا بماء الوضوء. والوجه : الجواز ، لأنه لا ينفك من ماء الوضوء
الأصلي. انتهى.
ولا يخفى أنه غير
جوازها ، ولذا قال بعض من صرّح بحرمتها بعدم بطلان الوضوء معها على الإطلاق ، وعدم
البأس بمزج ماء الوضوء بغيره في المسح بعد بقاء مائه ، ولذا نسب الجماعة إلى
المعتبر ، القول بعدم إبطال الثالثة للوضوء . وهو كذلك إن لم يحصل المسح بمائها. ولزومه إذا كانت في
اليسرى ظاهر ، وفي الوجه واليمنى غير ظاهر ، لاضمحلاله بما يرد عليه من بقية ماء
الوضوء.
فروع :
أ : تحريم الثالثة
إنّما هو إذا كان بقصد الوضوء ، كما هو ظاهر بعض أخباره.
وإطلاق بعض آخر لا
يفيد ، لوجوب الاقتصار على موضع انجباره. فلا يحرم لو غسل لا بقصده إلاّ أنه يبطل
الوضوء بها لو أتى بها في اليسرى.
ب : لا تكرار في
المسح عندنا لا وجوبا ولا استحبابا ، للأصل ، والإجماعين ، وبعض النصوص المتقدّمة المؤيدة
بالوضوءات البيانية. وبذلك يقيّد إطلاق ما مرّ من أنّ الوضوء مثنى مثنى أو مرتين.
ولو كرّره لم يأثم
إلاّ مع قصد المشروعية ، وعليه ينزل إطلاق التحريم في كلام الشيخين وابني حمزة
وإدريس ، بل كلام الأخير صريح فيه. ويكون حينئذ وضوؤه صحيحا بغير
خلاف ، كما في السرائر وعن الذكرى ، بل إجماعا كما في اللوامع.
وهل يكره بدون ذلك
القصد؟ صرّح به في اللوامع ، مدّعيا عليه الشهرة بل
__________________
الإجماع. ولا بأس
به ، لكفاية الدعوى في إثباته.
ج : صرّح في
اللوامع بجواز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض. وهو كذلك ، للأمر بالتثنية في كلّ
منها على حدة ، سيما في روايتي علي بن يقطين والعريضي ، والأصل عدم
الارتباط والتوقّف.
وأمّا في جزء من
البعض فلا شك في عدم استحبابها ، ولا في عدم جوازها بقصد المشروعية ، ولا في
جوازها لا بقصدها. ولكن يخدش في صحة الوضوء لو أتى به في اليسرى لمكان المسح.
والمناط صدق
التثنية عرفا ، فلا يضرّ عدم الاستيعاب الحقيقي في الغسلة الأولى إذا صدق غسل كلّ
ذلك العضو عرفا.
وكذلك يحرم تثليث
بعض الأعضاء بل البعض من البعض. وعلى هذا فيحصل الإشكال في الغرفات المتعدّدة ،
سيما إذا استوعب كلّ منها أكثر العضو أو كثيرا منه ، إذ لا يشترط إمرار اليد في
تحقّق الغسل. وظاهر الأردبيلي الميل إلى ترك الغرفة الثالثة مطلقا ، لعدم
معهوديتها.
المسألة
الثانية : اللازم في الغسل في الوجه واليدين
مسمّاه عرفا ، فيشترط الجري فيه
اختيارا إجماعا ، ومطلقا على الأصح بل الأشهر ، بل قيل : كاد أن يكون إجماعا .
للأصل ، واستصحاب
الحدث ، وعدم صدق الغسل المأمور به بدونه ، لعدم حصوله إلاّ به فيثبته أوامر
الغسل.
وبها وبما دلّ على
اشتراط الجري كمفهوم حسنة زرارة ، الآتية ، والأخرى : « فما جرى عليه الماء فقد
أجزأه » وصحيحة محمد في اغتسال الجنب : « فما جرى
__________________
عليه الماء فقد
طهر » تقيّد إطلاقات الدهن وكفاية مسّ الماء للجلد .
وتؤيد المطلوب
أيضا : صحيحة علي : فيمن أصابه المطر وابتلّت أعضاء وضوئه : « إن غسله فإنّ ذلك
يجزيه » .
ويكفي أقلّه ، بأن
ينتقل كلّ جزء من الماء من محله إلى غيره ، كما ذكره الفقهاء إمّا صريحا ، أو
بتمثيلهم بالدهن الذي لا يزيد عنه غالبا ، لصدق الغسل معه ، ولذا ورد كفاية مثل ما
على الحشفة في غسل البول .
ولحسنة زرارة : «
الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه » .
وصحيحته في الوضوء
: « إذا مس جلدك الماء فحسبك » .
ومرسلة الكليني :
في رجل كان معه من الماء مقدار كف وحضرت الصلاة فقال : « يقسّمه أثلاثا ثلث للوجه
، وثلث لليد اليمنى ، وثلث لليسرى » .
والأخبار المصرّحة
بكفاية مثل الدهن في الوضوء أو الغسل ، فإنّ التدهين يتحقّق بمثل هذا الجري أيضا ، فتشمله
أخباره.
__________________
والرواية الواردة
في بقاء لمعة من جسد رسول الله 6 وأخذه الماء من بلل شعره ومسحه ذلك الموضع مروية في نوادر
الراوندي وغيره .
والرضوي : « وأدنى
ما يكفيك ويجزيك من الماء ما يبلّ به جسدك مثل الدهن » .
خلافا في الأول للمقنعة والنهاية
وصريح والدي العلاّمة ، فاكتفوا بمجرد البلل الخالي عن الجري حال الضرورة ،
مع إمكان حمل كلام الأولين على الاجتزاء بأقلّ الجري حال الضرورة ، فيوافقان في
حال الاضطرار لما عليه الشهرة ، وفي الاختيار لما يأتي من مختار الناصرية .
واستدلّ والدي ـ ; ـ بمطلقات أوامر
الغسل المتوقّف على الجريان ، وإطلاقات كفاية البل ، كخبري الغنوي : « يجزيك من
الغسل والاستنجاء ما بلّت يمينك » كما في أحدهما و « ما بللت يدك » كما في الآخر.
وصحيحة زرارة ،
المتقدّمة ، وصحيحة محمّد : « يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها
جسده ، والماء أوسع من ذلك » وأخبار الدهن الظاهرة فيما لا يتحقق معه الجريان.
بتخصيص أول
الإطلاقين بحال الاختيار ، للإطلاقات الثانية المقيدة بحال
__________________
الاضطرار إجماعا ،
فتكون أخص منه ، فيقيّد بها.
ولما بعد الاستثناء في
صحيحة الحلبي : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماء وإلاّ فإنّه يكفيك اليسير » قال ـ ; ـ : واليسير
بإطلاقه يتناول ما لا جري معه.
ولمرسلة الكليني ،
السابقة ، وصحيحة علي : عن
الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا ، أيّهما أفضل
أيتيمّم أم يتمسّح بالثلج وجهه؟ قال : « الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم
يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم » .
وخبر ابن شريح :
يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضّأ ولا نجد إلاّ ماء جامدا ، فكيف أتوضّأ أدلك
به جلدي؟ قال : « نعم » .
وتخصيص ثانيهما بحال
الاضطرار ، للإجماع ، ولما قبل الاستثناء من صحيحة الحلبي ، وللإطلاقات الأولى
المقيّدة بحال الاختيار بالأخبار المذكورة.
ويجاب عنه : بضعف
كلّ من التخصيصين.
أما الأول : فلعدم
صلاحية ما ذكر له.
أما الإطلاقات
الثانية : فلأنها إنما يعلم تقييدها بحال الاضطرار إجماعا لو اختصّت بالبلّ الخالي
عن الجريان المباين للغسل ، وليس كذلك بل أعم منه.
__________________
أمّا ما تقدّم على
صحيحة محمّد فظاهر. وأمّا هي وما يعقبها : فلتحقّق أقل الجري بالتدهين أيضا ـ كما
مرّ ـ ولو كان بقدر الراحة كما في الصحيحة. مع أنّه لا دلالة فيها على مطلوبهم ،
لعدم خلوّها عن ضرب من الإجمال ، وعلى هذا فتقييدها بالبلّ المشتمل على الجري
المتضمّن مع الغسل ، وإبقاء الحالة على عمومها بالإجماع ، ليس بأولى من تقييدها
بحالة الاضطرار به ، فلا يعلم منافاتها للإطلاق الأول حتى يقيّد
بها.
وأما ما بعد
الاستثناء في الصحيحة : فلاحتمال أن يراد منه اليسير من الغسل ولا شك أنّه أيضا
لا يتحقّق إلاّ مع الجريان.
مع أنّه لو أريد
اليسير من الماء أيضا ، لم يكن مقيّدا ، لأنّه أعمّ ممّا يتحقق معه الجري ، فيعارض
الإطلاق الأول بالعموم من وجه ، فلا يكون أخصّ منه حتى يقيده ، والترجيح للإطلاق ، لموافقة الكتاب
والأصل والشهرة.
وأمّا المرسلة : فلأنّ الظاهر
تحقّق أقلّ الجريان في كلّ موضع بثلث الكف ، كيف مع أنّه تظهر من صحيحة محمد كفاية
أقلّ من كف من الدهن لتمام الجسد .
وأما الخبران
الأخيران : فلأنّ ظاهرهما المسح بالثلج والجمد. ولم يقل به أحد ، كما يأتي في بحث
التيمم.
__________________
مع أنّهما معارضان
مع صحيحتين أخريين آتيتين في ذلك البحث ، دالّتين على وجوب الانتقال إلى التيمم في
مثل تلك الحال.
وأمّا التخصيص
الثاني : فلمثل ما مرّ أيضا من عدم صلاحية ما ذكر لبيانه.
أمّا الإجماع :
فلما عرفت.
وأمّا ما قبل
الاستثناء من الصحيحة : فلأنّ الإسباغ غير الغسل ، بل هو نوع منه غير واجب إجماعا
فتوى ونصا.
وأمّا الإطلاقات :
فلعدم ثبوت تقييدها بحال الاختيار كما مرّ.
وإذ عرفت ضعف
التخصيص فيحصل التعارض بين الإطلاقين بالعموم من وجه. والترجيح للأول ، لما مرّ من
موافقة الكتاب والشهرة ، بل الإجماع ، لما عرفت من الاحتمال في كلام الشيخين ، مع أنّه لولاه
لكان المرجع إلى أصل الاشتغال واستصحاب الحدث.
وخلافا في الثاني
لظاهر المدارك ، فإنّ ظاهره عدم صدق الغسل عرفا بمثل ذلك الجري ، وهو ظاهر
الناصريات حيث قال ـ بعد ذكر وجوب فعل ما يسمّى غسلا ـ : وأما الأخبار الواردة
بأنّه يجزئك ولو مثل الدهن ، فإنّها محمولة على دهن يجري على العضو ويكثر عليه حتى
يسمّى غسلا ولا يجوز غير ذلك. انتهى .
فإنّ الظاهر من
قوله : ويكثر عليه ، اشتراط أكثر من هذا الجري ، فإنه لا يقال للقدر من الماء الذي
ينتقل من جزء واحد : إنه يكثر عليه.
وهو الظاهر من
الحلّي أيضا.
ودليلهم ـ كما
أشير إليه ـ عدم صدق الغسل عرفا على مثله. وهو ممنوع كما
__________________
مرّ ، بل الظاهر أنه
لولاه ، لما تحقّق الغسل الواجب لكلّ جزء من كلّ عضو بالغرفة الواحدة المجزية
إجماعا.
ثمَّ إنه يجب
العلم بحصول أقلّ الجري في كلّ جزء جزء من المواضع ، كما تدلّ عليه الروايات
المتقدّمة في غسل اليد ، المصرّحة بوجوب غسل كلّ جزء وإجراء الماء أو إدخاله تحت
الخاتم ونحوه ، والأولى بلّ الموضع أوّلا ليجري عليه الماء بسهولة.
المسألة
الثالثة : إذا كان بعض أعضاء الطهارة مؤوفا
بغير القطع ، من نحو كسر أو قرح
أو جرح : فإمّا يكون في موضع الغسل أو المسح.
فإن كان في موضع
الغسل : فإما لا تكون عليه جبيرة من خشب أو خرقة أو دواء أو غيرها أو تكون ، فإن كانت
عليه ، فإمّا لا يمكن غسل ما تحتها بنزع أو تكرير أو وضع في الماء من غير ضرر ولا
مشقة أو يمكن ، فإن أمكن ذلك بأحد الوجوه الثلاثة ، وجب إجماعا ، اتّباعا لأوامر
الغسل.
وفي التخيير بين
الثلاثة ، كجماعة منهم : الفاضل في التحرير والنهاية ، والكركي ، والدروس
والبيان ، بل في اللوامع الإجماع عليه ، للأصل ، وحصول الغسل ،
وإطلاق موثّقة عمّار : في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن
يمسح عليه لحال الجبر إذا جبر ، كيف يصنع؟ قال : « إذا أراد أن يتوضّأ فليضع إناء
فيه ماء ويضع الجبيرة في الماء حتى يصل الماء إلى جلده ، وقد أجزأه ذلك من غير أن
يحلّه » .
__________________
أو الترتيب فينزع
وجوبا مع الإمكان ، وإلاّ فالتكرير أو الوضع ، كالتذكرة ، بل ظاهر
التهذيب والنهاية ، بل المعتبر والمنتهى ، بل عليه دعوى الإجماع كما ذكره في اللوامع ، وجعله جمع
من مشايخنا الأحوط .
لحسنة الحلبي : عن
الرجل تكون القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضّأ
ويمسح عليها إذا توضّأ؟ فقال : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان
لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها » وعن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال
: « يغسل ما حوله » .
والرضوي : « إن
كان بك في المواضع التي يجب عليها الوضوء قرحة أو دماميل ولم يؤذك فحلّها واغسلها
، وإن أضرّك حلّها ، فامسح يدك على الجبائر والقروح ، ولا تحلّها ولا تعبث بجراحتك
» .
قولان ، أظهرهما :
الأخير ، لما ذكر. وبه يدفع الأصل وإطلاق الغسل.
ولا يعارضه
الموثّق ، لتقييده بعدم القدرة على المسح على الموضع لأجل الجبيرة ، ولا يكون ذلك
، إلاّ مع تعذّر النزع. وأمّا مجرد وجوده فغير مناف للقدرة كما لا تنتفي بوجود
حائل آخر ممكن الرفع.
وها هنا قول آخر
محكي عن الذخيرة ، وهو : تقدّم النزع والتكرير على
__________________
الوضع .
ولم أقف على دليل
له إلاّ ما ادّعاه من الإجماع ، وهو غير ثابت.
نعم ، لم يذكر
جماعة الوضع أصلا .
وعن الشيخ في
كتابي الحديث عدم وجوبه ، حيث حمل الموثّق على الاستحباب عند المكنة وعدم الضرورة .
وإن لم يمكن غسل
ما تحتها بأحد الوجوه الثلاثة ، يمسح على الجبيرة ويغسل ما حولها وجوبا ، سواء
أمكن مع ذلك حلّ الجبيرة أولا ، اتّفاقا محققا ومنقولا ، كما عن الخلاف وفي المعتبر ،
والمنتهى ، والتذكرة ، والمدارك ، مع عدم إمكان الحل ، وعلى الأظهر معه.
للإجماع في الأول
، وللمستفيضة فيهما ، منها : الحسنة والرضوي المتقدّمان وحسنة كليب والوشاء.
الأولى : عن الرجل
إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره
» .
والثانية : عن
الدواء إذا كان على يد الرجل يجزيه أن يمسح عليه؟ قال : « نعم ، يجزيه أن يمسح على
طلي الدواء » .
والمروي في تفسير
العياشي : عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها ، وكيف يغتسل إذا أجنب؟
قال : « يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة
__________________
والوضوء » .
ولا تعارض تلك
الأخبار روايات التيمّم ، لأنّها بين ظاهرة في المجرد عن الجبيرة أو مطلقة بالنسبة
إليه ، وهذه خاصة بذي الجبيرة.
ولا الروايات
المقتصرة بغسل ما حول الجرح ، كذيل حسنة الحلبي ، المتقدّمة ، وصحيحة ابن سنان :
عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال : « يغسل ما حوله » .
ومرسلة الفقيه :
وروي في الجبائر أنه يغسل ما حولها .
وصحيحة البجلي :
عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند غسل
الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر مما ليس عليه
الجبائر ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته
» .
لأنّ إيجاب غسل ما
حوله وعدم العبث بالجراحة وعدم غسلها لا ينافي وجوب المسح إذا كان ثابتا من دليل
آخر.
وقوله في الصحيحة
: « ويدع ما سوى ذلك » أي من الجسد بقرينة قوله : « ممّا لا يستطيع غسله ولا يعبث
بجراحته » فلا ينافي المسح على الجبيرة التي هي غير الجسد.
مع أنّ الظاهر منه
أنه يدع غسله فلا منافاة أصلا ، ولو منع الظهور فلا أقلّ
__________________
من الاحتمال فلا
يعارض.
مع أنه على فرض
الدلالة فللمعارضة مع ما مرّ غير صالحة ، لمخالفته في الجملة لعمل المعظم بل الكلّ
الموجبة لشذوذها.
وتوهّم فتوى
الصدوق والكليني ـ طاب ثراهما ـ بمضمونها وحمل أخبار المسح على الاستحباب فاسد.
نعم ، اختاره واحد
من متأخري المتأخرين ومال إليه آخر ، ولا يعبأ بهما.
وبذلك الإجماع
تقدّم تلك الأخبار على الآية فيما إذا صدق على صاحب الكسر أو نحوه المريض وإن
تعارضا بالعموم من وجه. مع أنّ المرض ( لغة ) إما هو السقم خاصة ـ كما هو صريح بعض اللغويين ـ فلا تعارض
بينهما أصلا ، لتغاير السقم والكسر ونحوه كما هو ظاهر ، أو يكون شاملا لجميع
الآفات حتى الكسر ونحوه ـ كما هو المحتمل ـ ويكون المتّصف بها أيضا مريضا لغة وإن
لم يكن كذلك عرفا ، ولا يضرّ لتأخّر الحادث ، فتكون الآية أعم مطلقا يجب تخصيصها.
وإن لم تكن على
الموضع جبيرة وآذاه الماء ، فالحقّ فيه التخيير بين أحد الأمور الثلاثة : المسح
على الجبيرة بوضع شيء على الموضع ومسحه ، وإمّا التيمم ، وإمّا الاكتفاء بغسل ما
حول الموضع.
أمّا جواز المسح
على شيء وضعه على الموضع : فلحسنة الحلبي ، المتقدّمة ، دلّت بإطلاقها
على المسح بالخرقة المعصوبة مع إيذاء الماء ، سواء كانت على الموضع قبل إرادة
الوضوء ، أو عصبها حينها مع تجرّد الموضع أوّلا.
__________________
وأمّا عدم تعيّن
ذلك حتى يجب الوضع : فللأصل وعدم الدليل.
فإن قلت : قوله :
« فليمسح على الخرقة » يدلّ على وجوبه المتوقّف امتثاله على الوضع.
قلنا : الثابت منه
وجوبه على من سئل عنه أي من يعصبها ( ويتوضّأ ، الذي هو مرجع المستتر ) وهو كذلك ، لا على
من لم يعصبها.
فإن قلت : فيلزم
أنّ من عليه جبيرة يمكن حلّها لو حلّها كان حكمه التخيير أيضا ، ولم يتعيّن عليه
المسح على الجبيرة ، لعدم دليل على وجوب الوضع.
قلت : الدليل فيه
استصحاب وجوب المسح على الخرقة الموقوف على وضعها ، بخلاف من ليست عليه ، فإنّه لم
يثبت وجوب عليه حتى يستصحب.
وأمّا جواز التيمم
: فلمطلقاته كالمرسلة : « يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة » .
والأخرى : «
المجدور والكسير يؤممان ولا يغسلان » .
والثالث : «
يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة » .
والرابعة : « في
الكسير والمبطون يتيمّم ولا يغتسل » .
والصحيحة : في
الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح ، أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : « لا
يغتسل ويتيمم » .
والأخرى : عن
الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : « لا بأس بأن
__________________
لا يغتسل ، يتيمّم
» .
والموثّقة : في
الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة ، قال : « لا يتيمم » .
والمروي في
الدعائم : « من كانت به قروح أو علّة يخاف منها على نفسه يتيمّم » .
دلّت على جواز
التيمم لكلّ من كانت به قروح أو كسر أو علّة ، خرج من به جبيرة أو خرقة بما مرّ ،
وأمّا الخالي عنهما فتبقى فيه مطلقات التيمّم خالية عن المعارض ، فيجوز له التيمّم
، لها. ووضع شيء وعصبه على الموضع ، للأصل الخالي عن المعارض أيضا. وبعده يجب
عليه المسح عليها ، للحسنة .
ولا يندفع ذلك
الأصل بمطلقات التيمّم ، لعدم دلالتها على الزائد على مشروعيته ، لخلوّها عن
الدالّ على وجوبه وحرمة الغسل.
ومنه يظهر وجه عدم
تعيّن التيمم عليه أيضا.
وأمّا جواز
الاكتفاء بغسل ما حول الموضع فقط حينئذ : فلمطلقاته المتقدّمة ، فإنها شاملة
بإطلاقها للمجرد عن الجبيرة والمشغول بها ، زيد في الثاني المسح على الجبيرة
لأوامره ، وأما الأوّل فلا دليل على وجوب أمر آخر فيه من وضع الخرقة والمسح عليها.
ولا تنافيها أخبار
التيمّم ، لعدم إثباتها الأزيد من المشروعية كما مرّ. كما لا تنافي أخبار غسل ما
حوله أيضا أخبار التيمم ، لذلك.
__________________
لا يقال : « اغسل
ما حوله » في آخر الحسنة ـ كما في أكثر النسخ ـ أمر مفيد للوجوب فيعيّنه ويعارض
مشروعية التيمم.
لأنّا نقول : إنّ
السؤال إنّما وقع في غسله ، حيث قال : كيف يصنع به في غسله؟ فلا يفيد إلاّ وجوب
غسل ما حولها إذا غسل لا مطلقا.
والحاصل : أنّ ها
هنا أمورا ثلاثة كلّها واردة على المورد من دون مدافعة بعضها لبعض : أصالة جواز
العصب والوضع الموجب للمسح على الجبيرة بضميمة الحسنة ، ومجوّزات التيمّم ،
ومطلقات غسل ما حول الموضع ، فيجوز العمل بكلّ منها فيه وهو معنى التخيير.
هذا إذا كان عدم
إمكان غسل الموضع لإيذاء الماء ، وإلاّ كما إذا لم يحتبس الدم ففي شمول الحسنة له
محل كلام ، فينحصر الأمر بين التيمّم وغسل ما حوله ، إلاّ إذا قلنا بعدم اشتراط
طهارة محل الوضوء فيتوضّأ إن أمكن.
لا يقال : القول
بالتخيير وإن كان موجودا ، ولكنه إمّا في المجبور مطلقا بين التيمّم والجبيرة ، أو
بينه وبين غسل ما حولها ، أو في المجرد بين الأوّلين ، كما هو محتمل كلام المبسوط
في مبحثي الوضوء والتيمم ، أو فيه بين الأخيرين ، فالقول بالتخيير بين الثلاثة خرق
للإجماع.
لأنّا نقول : دعوى
الإجماع في مثل المقام شطط من الكلام وجزاف تام ، فإنّ في كلام كثير منهم في
المسألة إجمالا لا يحصل منه تمام المرام.
ودعوى أنّ التيمّم
إنّما هو مع العجز عن المائية مطلقا دعوى بلا بيّنة ، وللمطلقات السالفة مخالفة ،
بل نقول : إنّه يشرع معه ، وقد يشرع أيضا مع العجز عن إكمال المائية ، كما قد لا
يشرع معه أيضا كما في المسح على الخفين ، أو بالبلّة الجديدة ، أو في المواضع المقطوعة.
__________________
هذا ، ثمَّ لو
أمكن في المجرد مسح العضو من غير ضرر وإن لم يمكن غسله فهل يجب أو الحكم التخيير
المتقدّم؟
الحق هو الثاني ،
لعدم دليل على وجوب المسح بل ولا على مشروعيته.
والرضوي غير دالّ
عليه ، لأنّ فيه أنّه « وإن أضرّك حلّها ، فامسح على الجبائر والقروح » وهو يدلّ على
وجود شيء ، فالمراد بالمسح على القروح المسح على ما عليها.
وقيل بالأوّل ، تحصيلا للأقرب
إلى الحقيقة ، ولتضمّن الغسل إيّاه ، فلا يسقط بتعذّر أصله ، ولمثل قوله : «
الميسور لا يسقط بالمعسور » .
وفي الأوّل : منع
وجوب تحصيل الأقرب.
نعم ، قد يقال
بذلك في معاني الألفاظ وهو غير المورد ، مع أنّ فيه أيضا كلاما.
وفي الثاني : منع
تضمّن الغسل إيّاه ، فإنّه قد يتحقّق بدون المسح فلا أمر بالمسح أصلا.
سلّمنا ولكن الأمر
به تبعي يفوت بفوات الأصل.
وفي الثالث : ضعف
الدلالة كما بيّناه في محلّه.
ومن هذا يظهر فساد
التمسك بتلك الأدلّة لإيجاب المسح على الجبيرة في المجرد أيضا ، مع أنّ صدق
الجبيرة الواردة في الأخبار على كلّ خرقة محل كلام.
وإن كانت الآفة في
موضع المسح وكانت عليه جبيرة ، فأمكن نزعها ومسح الموضع ، وجب.
وإن لم يمكن ، فإن
أمكن تكرير الماء أو الوضع فيه فالظاهر التخيير بينه
__________________
وبين المسح على
الجبيرة ، لدلالة الموثقة على الأول ، وأخبار الجبيرة على الثاني ،
والتعارض بالعموم من وجه ، لاختصاص الأولى بما أمكن فيه التكرير والوضع ، والثانية
بما لم يمكن في مواضع الغسل ، ولا ترجيح ، فالحكم التخيير.
وإن لم يمكن شيء
من الأمرين ، مسح على الجبيرة وجوبا ، لأخبارها.
وإن لم تكن عليه
جبيرة ، فالظاهر التيمم ، لأخباره الفارغة عن المعارض في المقام .
وأمّا وضع شيء
والمسح عليه فلا دليل له.
وأمّا حسنة الحلبي
فالظاهر من قوله في آخرها : « فليغسلها » أنّ القرح في موضع الغسل ، بل
يحتمله قوله : « ونحو ذلك من مواضع الوضوء » بأن تكون لفظة « من » تبعيضية ،
والمراد نحوه من مواضع الغسل.
هذا كلّه إذا كانت
الجبيرة أو الموضع المجرد عنها وما حولهما خالية عن النجاسة. وإلاّ فإن كانت
النجاسة مما لا جرم لها يمنع من وصول الماء ، فعلى القول بعدم ثبوت اشتراط طهارة
موضع الوضوء سيما على الإطلاق الشامل للمقام أيضا ـ كما هو الظاهر ـ فالحكم ما مرّ
من غير تفاوت ، فمع الجبيرة يمسح عليها وجوبا ، وبدونها يتخيّر بين الثلاثة.
وأما على القول
باشتراط طهارة موضعه حتى الجبيرة ، فقالوا : إن كانت النجاسة متعدية إلى ما حول
الموضع أيضا ، يتيمّم. وإن كانت مختصة بالجبيرة أو الموضع دون ما حوله ، يجب وضع
شيء طاهر على أحدهما والمسح عليه ، وادّعوا عليه الإجماع ، فإن ثبت ، وإلاّ فلا
دليل على ذلك الوضع.
ومقتضى القاعدة :
التخيير بين الاكتفاء بغسل ما حوله وبين التيمّم ،
__________________
لخلوّهما عن المعارض
، حيث إنّ أخبار المسح على الجبيرة لا تكون شاملة للمقام حينئذ قطعا.
وتحصيل الأقرب إلى
الحقيقة ، والخروج عن الشبهة ، وطلب اليقين بالبراءة غير مفيدة.
أمّا الأول :
فلمنع وجوبه أولا ، وعدم أقربيته من غسل ما حولها ثانيا.
وأمّا الثاني
والثالث : فلإمكان وجوب المسح على النجس أو التيمّم ، فلا يحصل اليقين بمجرد ما
ذكر.
وإن كان للنجاسة
جرم لم يمكن إزالته ، فإن كانت على الجبيرة ، فالظاهر التخيير بين التيمّم وغسل ما
في الحول خاصة ، لمطلقاتهما الخالية عن معارضة أخبار الجبيرة ، لعدم فائدة في
المسح عليها ، وعدم دليل على وضع شيء عليها.
وإن كانت على
الجرح المجرد ، فالتخيير بينهما وبين شدّ العصابة ، لإطلاق الحسنة .
وإن كانت فيما حول
الموضع فالتيمم خاصة ، لمطلقاته الخالية عن معارضة شيء مما مرّ ، ووجهه ظاهر.
فروع :
أ : ذكر جماعة أنّ
في حكم الكسر وأخويه مرضا آخر في موضع الوضوء يضرّه الماء كورم أو وجع أو رمد أو
سلعة إذا كانت عليه جبيرة. وأما بدونها فحكموا بالتيمم.
وهو في الثاني
كذلك ، لرواية الدعائم المنجبرة في المورد ، فإنّه تثبت منها مشروعية التيمّم له
ولم تثبت مشروعية غيره.
وأمّا في الأوّل
فهو مشكل ، لعدم دليل على مشروعية الجبيرة في مثله ، فإنّ
__________________
كلام كثير من
الأصحاب مختص بالكسر وأخويه ، فلا يثبت منه إجماع في المورد ، وأكثر أخبار الجبيرة
مخصوصة بها أيضا.
وأمّا حسنة الوشاء
: فإن عمّت مثل ذلك أيضا إلاّ أنّها لا تدلّ على المطلوب ، لجواز أن يكون
المراد منها المسح الذي في التيمّم ، ولذا استدلّوا على المسح على الجبيرة في
التيمّم بها.
وشمول إطلاق اليد
فيها لغير الكفّين ـ الموجب لتعيّن المسح بالماء للوضوء ، إذ لا تيمّم على غيرهما
، وبضميمة عدم الفصل يثبت فيهما أيضا ـ غير مفيد ، لجواز أن يريد الإجزاء عن الأمر
الندبي بالمسح على الذراع في التيمّم. مع أنّ كون اليد مشتركة معنوية بين الكفّين
وما فوقهما محلّ كلام ، والاستعمال في الآية غير مفيد.
وأما رواية عبد
الأعلى : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : « يعرف
هذا وأشباهه من كتاب الله ، قال الله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » فخارجة عن المقام ، لأنّ الظاهر أنّ انقطاع الظفر من
الجرح.
وليست هناك رواية
عامة أو مطلقة أخرى من أخبار الجبائر يتوهّم شمولها لما نحن فيه ، مع أنّ في صدق
الجبيرة على المعصوب عليه نظرا.
فالتحقيق فيه :
أنّه إن كان العذر مما يقطع معه بكون صاحبه مريضا كالمجدور ونحوه ، فحكمه التيمم ،
للآية وروايات المجدور . وإن لم يقطع فيحتمل الجبيرة والتيمم ، والأحوط الجمع ، بل
هو الأظهر ، لاستصحاب الاشتغال.
__________________
وأمّا رواية
الدعائم فلا تفيد هنا ، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.
هذا إذا كان العذر
متعلّقا بموضع خاص. وأما إذا لم يكن كذلك كالسقيم والمبطون وخائف البرد ونحوها ،
فحكمه التيمم ، لأخباره. دون المسح على الخرق وإن لم يتضرر به ، لعدم التوقيف.
ب : لو لصق بالعضو
شيء ولم يمكن إزالته من غير أن يكون مجروحا أو مريضا ، ففي وجوب المسح عليه إن
كان طاهرا ، أو وضع شيء عليه إن كان نجسا ، أو التيمّم إشكال.
وقد يرجّح الأوّل
بوجوب غسل كلّ عضو ، فلا ينتفي بتعذّر بعضه.
ويضعف بثبوت الربط
بالإجماع.
نعم ، يمكن ترجيحه
في صورة الطهارة بإطلاق صحيحة محمّد ورواية عمر ابن يزيد.
الأولى : في الرجل
يحلق رأسه ثمَّ يطليه بالحناء ويتوضأ للصلاة ، فقال : « لا بأس أن يمسح رأسه
والحناء عليه » .
والثانية : عن
الرجل يخضب رأسه بالحناء ثمَّ يبدو له في الوضوء ، قال : « يمسح فوق الحناء » .
بل وكذا مع
النجاسة على القول بعدم اشتراط طهر المحل ، كما هو الأظهر ، فيمسح على ذلك الشيء
النجس. وأما على القول الآخر فلا. ومقتضى قاعدة أصالة الاشتغال : الجمع ، بل هو
الأحوط على القول الأول أيضا ، بل في الصورة الأولى.
ج : الحقّ : أنّه لا يشترط الجريان في المسح هنا سواء كان في
موضع الغسل
__________________
أو المسح ، لصدق
الامتثال. ولا عدمه ، لذلك ، حيث إنّ المسح أعمّ مما يتضمّنه.
واشتراط الثاني في
الثاني لوجوبه في مبدله ، كالأوّل في الأوّل ، لأنّ المأمور به أوّلا هو الغسل ومع
تعذّره يتعين أقرب المجازات ـ كما عن نهاية الإحكام ـ ضعيف ، وإن اختاره والدي في
اللوامع أيضا ، لمنع الوجوب في المبدل كما مرّ ، ومنع تعيّن الأقرب في مثل تلك المواضع ، سيما مع وجود
الإطلاق.
د : لا يجب
استيعاب الجبيرة بالمسح إن كانت في موضع المسح ، وفاقا كما في اللوامع ، أو موضع
الغسل كما في الذكرى وعن المبسوط ، لصدق المسح على الجبيرة إذا مسح بعضها ، ألا ترى أنّه
إذا مسحت اليد على الوجه يقال : مسح يده على وجهه ، وإن لم يستوعب.
خلافا للفاضلين ، لظهور الحسنتين
فيه ، وهو ممنوع ، ولثبوته في مبدله. وفيه : منع الدلالة.
نعم ، هو الأحوط ،
وكيف كان فلا ينبغي الريب في عدم وجوب تخليلها بالمسح إذا كانت لها خلل وفرج وثقوب
ونحوها.
هـ : لو عمّت
الجبيرة تمام عضو أو كلّ الأعضاء ، مسح على الجميع وسقط الغسل ، وفاقا لصريح
التذكرة والمنتهى ، لإطلاق كثير من الروايات ، إلاّ أن يتضرّر
به فيتيمّم.
ويظهر من بعض من
عاصرناه التأمل في استغراق الجميع أو تمام عضو أو
__________________
الأبعاض المتكثّرة
.
وهل يجب حينئذ
استيعاب جبيرة كلّ عضو بالمسح؟ الظاهر لا ، لما مرّ ، والأحوط نعم.
و : لو زادت
الجبيرة عن محل الجرح ولم يمكن غسل ما تحت الزائد بنزع أو تكرير يمسح عليه ، لعموم
ما تقدّم من الروايات ، لعدم الاستفصال ، أو الإطلاق ، سيما مع أنّ الغالب في
الجبائر اشتمالها على زائد لا يمكن غسل ما تحته ، بل المساوي أو الناقص غير متحقّق
أو شاذّ غير ملتفت إليه.
ز : إذا كان الجرح
وما في حكمه في غير موضع الطهارة ولكن تضرّر بغسل مواضعها ، يتعيّن التيمّم ،
لعموم أخباره ، وعدم شمول روايات الجبيرة له.
ح : لو توضّأ
جبيرة فهل يجب إبقاء الجبيرة حال الصلاة أم يجوز حلّها إن أمكن؟ مقتضى الأصل : عدم
الوجوب ، وعليه الفتوى.
ط : هل يجب أن
يكون المسح برطوبة أو يجوز مع جفاف اليد أيضا؟ المتبادر من الروايات : الأوّل ، بل
يصرّح به في رواية العياشي ، المتقدّمة المنجبرة بظاهر عمل الأصحاب.
وهل يجب أن تكون
الرطوبة من ماء الوضوء إذا كانت الجبيرة في محل المسح؟ الأحوط ذلك ، بل يستفاد
تعيينه من أخبار المسح بنداوة الوضوء .
ي : المصرّح في
الرضوي أنّه يجب مسح الجبيرة باليد ، فلا يجوز بعضو آخر أو بغير العضو. والظاهر أنّ عليه بناء
الأصحاب ، فالرواية به منجبرة فعليه العمل. ويجب كون الجبيرة ممسوحة ، كما هو
مقتضى رواياتها ، فلا يجزي مسحها
__________________
على اليد كما قيل .
يا : الفصد
والحجامة والشقوق الصغار من الجرح ، فحكمها حكمه.
يب : لا يجب تجفيف
الجبيرة وترقيقها ولو أمكن ، للأصل ، إلاّ أن يشدّ على فوقها شيء من غير حاجة
إليه فيحلّ ، للشك في صدق اسم الجبيرة عليه. ولا يجوز وضع شيء عليها بلا ضرورة.
يج : لو كانت
الجبيرة على المرفق أو أعلى الوجه ، يبدأ بها فيمسحها أوّلا ، ثمَّ يغسل الباقي.
يد : لا يعيد ما
صلّى بالوضوء جبيرة وإن بقي وقتها إجماعا.
وهل يعيد وضوءه لو
زال العذر أم لا؟ الظاهر : العدم ولو كان قبل الصلاة ، لاستصحاب الوضوء ، وأخبار
حصر الناقض ، والنهي عن التوضّؤ إلاّ مع اليقين بالحدث .
ولو زال العذر قبل
تمام الوضوء بعد الجبيرة في عضو فيه إشكال.
وأشكل منه : ما لو
زال قبل تمام العضو الذي فيه الجبيرة. والاحتياط في الإعادة.
المسألة
الرابعة : ما يجب له الوضوء أو يستحب إنّما يجب
أو يستحب ـ في غير التجديد ـ إذا
كان المكلّف محدثا ، وإلاّ يكفي وضوؤه الذي عليه لتلك الأمور كلاّ ، ولا يحتاج إلى
وضوء آخر ولو كان وضوؤه ندبيا وأراد فعل الواجب المشروط به ، بالإجماع المحقّق
والمنقول ، وهو الحجة.
مضافا إلى موثّقة
ابن بكير : « إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت » .
__________________
والمروي في
الدعائم : « المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم
أو يجامع أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء » .
وما ورد في أنّ من
كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب ، وفي أنّ من تيقّن الطهارة وشك في الحدث لا يتوضّأ ، وما دلّ على
أنّ الوضوء لا ينقضه إلاّ حدث كصحيحة الأشعري وغيرها مما مرّ في بحث النواقض .
ويدلّ عليه أيضا
أنّه لم يثبت من أدلّة وجوب الوضوء أو استحبابه لغايات إلاّ مطلوبية كون المكلّف
عندها مع الوضوء ، الذي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، غاية ما في
الباب ثبوت قصد الامتثال أيضا ، فإذا حصل ذلك يحصل المطلوب ، ولم يثبت اعتبار قصد
الغاية أو تجديد الوضوء عند الغاية.
ويؤكّده : ما ورد
في الكافي في الصحيح من أنّه أمر الله سبحانه ، النبيّ 6 ليلة المعراج
بالوضوء ثمَّ بالصلاة وعلّمه بالتفصيل ، ولم يأمر أوّلا بالوضوء للصلاة.
وأمّا قوله تعالى ( إِذا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) فالمتبادر منه أنّه إن لم يكن متطهرا ، كما في قولك : إذا
لقيت الأسد فخذ سلاحك ، يعني إذا لم تكن مسلّحا. مع أنّ الآية مفسّرة في الصحيح
بالقيام من النوم ، مع أنّه على فرض شمولها
__________________
للجميع فتخصيصها
بمثل موثّقة ابن بكير وسائر ما مرّ لازم.
ومنه يعلم الحال
في نحو قوله : « من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه » سيما مع معارضته
بمثل قوله : « ولا تدخل على الزوجة إلاّ متوضّئا » وقوله : « لقارئ
القرآن متطهّرا خمس وعشرون حسنة » ونحوها ، بضميمة عدم الفصل بين الغايات.
نعم ، الوضوء
المجامع للحدث الأكبر كوضوء المحتلم للجماع والحائض لا يعبأ به لغاياته بعد الطهارة
من الحيض والجنابة بالإجماع.
ويتفرع على ذلك :
كفاية وضوء واحد لجميع غاياته ، كما مرّ .
المسألة
الخامسة : لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن ، وفاقا للخلاف ، والتهذيب ، والصدوق ، وعن الكليني ، والحلبي ،
وأحكام الراوندي ، وابن سعيد ، والفاضلين ، ومحتمل المبسوط ، ومعظم من تأخّر عنهم.
للمروي عن الباقر 7 في مجمع البيان :
« لا يجوز للجنب ، والحائض ، والمحدث ، مس المصحف » .
__________________
وضعفه منجبر
بالشهرة المحقّقة والمحكية مستفيضة ، بل بالإجماع المصرّح به في الخلاف وعن ظاهر التبيان
ومجمع البيان .
والاستدلال بقوله
سبحانه ( لا يَمَسُّهُ ) ضعيف لا لاحتمال
رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون بل هو أقرب للأقربية ، أو لعدم ثبوت الحقيقة
الشرعية في الطهارة ، إمّا مطلقا أو عند نزول الآية ، لأنّهما وإن كانا كذلك إلاّ
أنّ المستفاد من روايات الأئمة إرادة القرآن والطهارة الشرعية :
ففي رواية ابن عبد
الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمسّ خطه ، ولا تعلّقه ،
إن الله يقول ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » .
وفي المجمع عن
الباقر 7 : في قوله ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : « من
الأحداث والخباثات » .
وضعفهما ـ لو كان
ـ منجبر بدعوى الإجماع عليه في المجمع ، وباشتهاره بين الأصحاب.
بل لعدم ثبوت
دلالة الجملة الخبرية على الوجوب ، كما بيّنّا في موضعه ، وصرّح به جماعة منهم
الأردبيلي ، وفي المدارك والبحار .
ومنه يظهر عدم
دلالة خبر ابن عبد الحميد ، لجواز كون قوله : « لا تمسّه » خبرا. مع وقوع النهي
فيه عن التعليق أيضا ، وهو ليس حراما إجماعا. فظاهر اتّحاد السياق يشعر بعدم إرادة
الوجوب في المس أيضا ، وتخصيصه بالتعليق المستلزم
__________________
لمباشرة الجسد لا
دليل عليه.
ولا يعارضه نهي
الجنب أيضا ، حيث إنّه محرّم إجماعا ، فيتعارض السياقان ويبقى ظهور التحريم باقيا
بحاله ، إذ حرمة مسّ الجنب لا تدلّ على إرادتها هنا أيضا ، فلعلّه أريد مطلق رجحان
الترك المتحقق مع كلّ من الكراهة والتحريم ، مع أنّ الإجماع في الجنب غير معلوم.
وكذا يظهر الحال
في سائر الأخبار الواردة في هذا المضمار ، فإنّها بين المشتملة على الجملة الخبرية والمحتملة لها.
وأمّا صحيحة علي :
عن الرجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : «
لا » فإخراجها عن ظاهرها لازم ، لمخالفته للإجماع ، ومعارضته لحسنة داود : عن
التعويذ يعلّق على الحائض؟ قال : « نعم ، لا بأس » قال : وقال : « تقرؤه وتكتبه
ولا تصيبه يدها » .
وحملها على مس
الكتابة ليس بأولى من الحمل على الكراهة.
والقول بدلالتها
على حرمة مسّ الكتابة من باب المقدّمة ، لعدم انفكاك الكتابة عنه غالبا ، فلا يضرّ
انتفاؤه عن ذي المقدمة ، فاسد جدّا ، لانتفاء التابع بانتفاء المتبوع ، مع أنّ عدم
الانفكاك في الغالب ، ممنوع.
وخلافا للحلّي ،
والمدارك ، وغرر المجامع ، ومحتمل المبسوط ، وعن القاضي ، للأصل ، وضعف
الروايات من حيث السند والدلالة ، كالآية من حيث الدلالة. وجوابه ظاهر مما مرّ.
__________________
فروع :
أ : التحريم مختص
بالمكلّف ، فلا يحرم على الصبي والمجنون وفاقا.
وفي وجوب منعهما
على الولي قولان ، الأظهر : العدم ، للأصل.
وقيل بالوجوب ، ولا دليل عليه.
ولا يبعد استحباب
منعه على الولي تمرينا.
ب : لا تحريم في
مسّ غير القرآن من الكتب المنسوخة ، والتفسير ، والحديث ، وأسماء الحجج ، ولا ما
نسخ تلاوته من القرآن ، للأصل. دون نسخ حكمه دون تلاوته.
وكذا لا تحريم في
مس الورق ، والحمل ، والتعليق ، للأصل ، والإجماع ، ومرسلة حريز الصحيحة عن حماد
المجمع على تصحيح ما يصح عنه : « لا تمسّ الكتاب ومسّ الورق » .
ومنها يظهر اختصاص
المصحف المنهي عن مسّه بالخط.
نعم ، يكره
التعليق ، لخبر ابن عبد الحميد .
ج : مسّ كتابة
المصحف يتحقّق بمسّ جزء منه ولو قليلا ، فيحزم مسّ كلّ آية منها وأبعاضها ولو كلمة
، بل ولو حرفا ، ولو مثل المدّ والتشديد ، وفاقا للأكثر كما في اللوامع ، لصدق مس
المصحف.
وفي التعدّي إلى
الأعراب نظر ، والشهرة المحقّقة أو المحكية الجابرة في مثله غير معلومة ، بل صدق
الكتابة والخط عليه مشكوك فيه ، ويؤكّده خلوّ المصاحف
__________________
السابقة عنه.
وهل يشترط التحريم
بكون الممسوس مكتوبا في المصحف ، أو يحرم مسّها ولو في غيره؟ الأحوط بل الأقرب :
الثاني ، وفاقا للأكثر كما في اللوامع ، لتنقيح المناط ، ولتحريم مسّها بالاستصحاب
لو فصلت آية أو كلمة من المصحف ، ويسري إلى غير المفصول بعدم الفصل.
وتوهّم تغيّر
الموضوع خطأ ، لأنّ المفصول مصحف ، ولو شك فيه فتستصحب المصحفية أيضا.
ومنه يظهر الجواب
لو عورض استصحاب الحرمة باستصحاب حال العقل.
خلافا للذكرى في الثانية في
الدراهم ، للزوم الحرج ، وهو ممنوع ، وخبر ابن مسلم ، وهو غير دالّ.
نعم ، يشترط في
المكتوب في غير المصحف عدم احتمال كونه غير القرآن. فلو احتمله لا يحرم ولو رقم
بنية القرآن ، للأصل ، والشك في الصدق ، واحتمال مدخلية الامتياز الخارجي.
نعم ، لو فصل غير
الممتاز عن المصحف ، فبقاء الحرمة للاستصحاب محتمل بل راجح ، ولا يسري إلى غيره ،
لعدم ثبوت عدم القول بالفصل.
د : الظاهر اختصاص
التحريم بالكتابة المتعارفة ، فلا يحرم مسّ ما كتب مقلوبا ، أو محكوكا ، أو غير
ظاهر ، وإن ظهر بعد عمل كمقابلة النار ونحوها. وفي الكتابة المجسّمة إشكال ،
والاجتناب أحوط.
ولا يختص التحريم
بخط دون خط ، فيحرم مسّ المصحف المكتوب بالخط الهندي ، والكوفي ، والعجمي ، من
الخطوط المتعارفة. وفي التعدّي إلى الخطوط
__________________
المجعولة والمقطعة
نظر ، والشهرة الجابرة غير معلومة.
هـ : هل تجوز
كتابته على جسد المحدث؟ الظاهر نعم ، لعدم صدق المس.
وكذا تجوز كتابة
المحدث له بالإصبع ، لأن ما كتب لا يمسّ ، وما لم يكتب بعد ليس بمصحف.
و : لا يختص
التحريم بالمسّ بالكف ولا بما تحلّه الحياة خاصة ، بل يحرم المسّ بجزء من البدن
مطلقا ولو بالظفر والسن ، لصدق المسّ المحرّم بالخبر المنجبر فيهما.
نعم ، الظاهر عدم تحريم اصابة الشعر ، للشك في صدق المس وعدم حصول الخبر.
ز : لا يجوز المس
بما غسل من أعضائه قبل تمام الوضوء ، لعدم ارتفاع الحدث أصلا إلاّ بتمامه.
المسألة
السادسة : السلس ـ وهو من يتقاطر بوله ولا يقدر
على استمساكه ـ إن لم تكن له
فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة ، يجب عليه الوضوء لكلّ صلاة ، ويعفى عن الخارج في
أثنائها ، على الأظهر الأشهر ، كما في الذخيرة وغيره .
أمّا وجوب الوضوء
لكلّ صلاة : فلناقضية الخارج.
والشك في نقض
القطرات الخارجة بغير اختيار ـ باعتبار الشك في شمول إطلاقات ناقضية البول لها
لندرتها ـ ضعيف ، لأنّ انصراف المطلق إلى الشائع الوجودي إنّما هو إذا صلح الشيوع
قرينة لإرادته وكانت مفهمة لها ، وهو هنا غير معلوم. ولو كان كذلك لم يحتج إلى
التقييد بعدم الفترة بقدر الصلاة كما قيّده الأصحاب ، ولم تكن القطرة الخارجة من
غير صاحب السلس بلا اختيار ناقضا.
وأما العفو عن
الخارج في الأثناء : فللإجماع ، ولزوم التكليف بما لا يطاق إن وجب لكلّ خارج ،
والترجيح بلا مرجّح إن وجب للبعض ، مع أنّه لا يقدر على
__________________
الطهارة بشيء من
الصلاة.
خلافا في الأول
للمحكي عن المبسوط ، ومال إليه طائفة من مشايخنا ، فيصلّي بوضوء
واحد عدّة صلوات ولا يتوضّأ إلاّ مع البول اختيارا ، لاستصحاب صحة الوضوء مع الشك
في الناقضية كما مرّ. وضعفه قد ظهر.
ولظاهر موثّقة
سماعة : عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إما دم وإما غيره ، قال : « فليضع خريطة
وليتوضّأ وليصلّ ، فإنما ذلك بلاء ابتلي به ، فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ
منه » .
ولا ظهور لها في
مطلوبهم ، لعدم تعيّن الوضوء المأمور به. ولا يفيد التعليل ، إذ لعلّه علّة للعفو
عن الخبث أو عن الحدث في الأثناء. ولا آخر الحديث ، لجواز أن يكون المراد بالحدث
الذي يتوضّأ البول والغائط.
ولحسنة ابن حازم :
في الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه قال : « إذا لم يقدر على حبسه فالله
سبحانه أولى بالعذر ، يجعل الخريطة » .
قيل : ترك
الاستفصال مع قيام احتمال كون السؤال عن الأحداث والأخباث ، والجواب بأنّه معذور
ليس عليه شيء سوى جعل الخريطة ، يفيد عدم كون الخارج حدثا .
وفيه : أنه لم يجب
إلاّ بجعل الخريطة لعدم سراية الخبث ، ولم ينف عنه وجوب شيء آخر بأدلّته.
وللمنتهى فيه أيضا
، فأوجب لكلّ صلاة وضوءا إلاّ للعصر والعشاء ،
__________________
فاكتفى بواحد
للظهرين وبآخر للعشاءين ، بأن يجمع بينهما .
لصحيحة حريز : «
إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل قطنا ثمَّ
علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثمَّ صلّى يجمع الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر
بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل مثل ذلك في
الصبح » .
فإنّ الجمع له
ظهور في كونهما بوضوء واحد. وفيه منع ظاهر.
وإن كانت له فترة
تسع الطهارة وبعض الصلاة بأن يتقاطر في الأثناء مثل مرة أو مرتين ، فظاهر الأكثر
أنّه أيضا كمن لا فترة له.
وهو مشكل ، إذ قد
عرفت أنّ المعوّل فيه هو الإجماع ، وتحقّقه فيما نحن فيه غير معلوم ، والتكليف بما
لا يطاق ، وانتفاؤه فيه معلوم.
وجوّز بعض مشايخنا
أن يلحق بالمبطون ، فيتوضّأ كلّما أحدث ويبني على صلاته .
وهو كذلك ، بل
عليه الفتوى ، لخبر القماط : فيمن يجد غمزا أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة
المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، قال : فقال : « إذا
أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ، ثمَّ ينصرف إلى مصلاّه
الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته » الحديث.
فإنّ إطلاقها يشمل
السلس وغيره ، خرج الأخير بالإجماع فيبقى الباقي.
__________________
ولزوم الفعل
الكثير غير ضائر ، كما يأتي في المبطون .
وإن كانت له فترة
تسع الطهارة وتمام الصلاة معتادة أو مظنونة بل أو محتملة يجب عليه التأخير إلى
زمانها إن تعيّن ، وإلى آخر الوقت إن لم يتعيّن ، لعمومات اشتراط الوضوء المنتقض
بخروج البول مطلقا لعمومات ناقضيته وإطلاقاتها.
ولو فجأ مثل ذلك
الحدث في زمان الفترة ، ففي الوضوء والبناء ، أو إعادة الصلاة في فترة اخرى إن
كانت له ، أو العفو ، احتمالات. أظهرها : الأوّل ، لخبر القمّاط. ولا يعارضه
اشتراط الطهارة ومنافاة الفعل الكثير ، كما يأتي.
المسألة
السابعة : حكم المبطون كالسلس بأقسامه على ما
اخترناه. فالخالي عن الفترة بقدر
الوضوء وبعض الصلاة يتوضّأ وضوءا واحدا ، للإجماع ، كما صرّح به في اللوامع أيضا ،
ولنفي العسر والحرج.
وذو الفترة الكلية
أي بقدر الطهارة وتمام الصلاة ولو احتمالية يؤخّرهما إلى زمان الفترة أو آخر الوقت
، لما مرّ.
ولو لم يؤخّر
واتّفق التمام ففي صحة عمله إشكال. والظاهر العدم ، لعدم ثبوت مشروعية صلاته.
وذو الفترات
الجزئية التي تسع الوضوء وشيئا من الصلاة يتوضّأ ويبني. وكذا ذو الفترة الكلية إن
اتّفق الحدث في زمانها فجأة على الأظهر الأشهر. ولا يجب عليه التأخير إلى فترة
أخرى لو كانت له ، لخبر القمّاط المتقدّم ، وموثّقة محمّد : « صاحب البطن يتوضّأ
ثمَّ يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي » .
وتخصيصها بإرادة
تجديد الوضوء بعد ما صلّى صلاة ثمَّ يرجع في الصلاة الباقية تخصيص بلا مخصّص ،
لشمول إطلاقها الأثناء أيضا.
__________________
وصحيحة الفضيل :
أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني ، أو أذى ، أو ضربانا ، فقال : « انصرف ثمَّ
توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا » الحديث ، فإنّها
بإطلاقها تشمل المبطون أيضا.
وخروج غيره
بالإجماع ـ لو كان ـ لا يضر ، وعدم التصريح فيها بخروج الحدث لا يقدح ، لأنّ
المراد من لا يقدر على الإمساك قطعا ، لوجوب التحفّظ مع إمكانه ، ووجوب الإعادة لو
لم يتحفّظ.
والقول بعدم
مقاومة تلك الأخبار لما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة ، وعدم وقوع الفعل الكثير
فيها ، فتجب الإعادة فيما أمكن لذي الفترة الكلية الذي فجأه الحدث ، مدفوع :
أمّا الأوّل :
فبمنع ثبوت اشتراط الطهارة الحاصلة أولا مطلقا ، ولا دليل عليه ، ( وأما ) مطلقها فيحصل في
الأثناء ( أيضا ) ، ولم يثبت اشتراط استمرارها إلى آخر الصلاة مطلقا.
وبعض الأخبار
الشاملة للمقام إمّا معارضة بمثلها أو عامة بالنسبة إلى ما مرّ ، أو غير صريح
الدلالة على الخلاف ، كرواية ابن الجهم : عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين
جلس في الرابعة ، فقال : « إن كان قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا ـ 6 ـ رسول الله فلا
يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد » .
__________________
فإنّها معارضة مع
صحيحة زرارة ، وموثّقته ، وموثّقة ابنه عبيد ، وأعم من البطن ، ومحتملة لأن يراد منها إعادة الوضوء دون
الصلاة.
وأمّا الثاني ،
فبمنع كون الوضوء فعلا كثيرا ، ومنع إيجاب مطلقه ولو مثل ذلك ـ لو قلنا به ـ للبطلان.
مع أنّه لو سلّم
الأمران جميعا ، فالموثّقة مقيّدة لأخبارهما قطعا فيجب العمل بها.
وقد يستدلّ أيضا
للمطلوب بمثل صحيحة محمّد : « صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته » .
وفيه نظر ،
لاحتمال أن يراد بالوضوء الوضوء المأمور به أولا قبل الدخول في الصلاة ، وبالبناء
عدم القطع ، أي يبني على صحة صلاته ولا يقطعها بالحدث في الأثناء ، ولم يعلم
انفهام المعنى المتعارف بين المتفقّهة الآن من البناء في زمان المعصوم ، وإنّما
حملناه على المتعارف في رواية الفضيل ، لقرينة قوله : « ما لم ينقض الصلاة » إلى آخره.
وغير القادر على
حفظ الريح كالبطن ، لخبر القمّاط ورواية الفضيل.
المسألة
الثامنة : لو تيقّن الطهارة أو الحدث وشك في
الآخر بنى. على المتيقّن إجماعا ، وهو مع الاستصحاب حجة ، مضافا فيهما إلى الرضوي
المنجبر : « فإن
__________________
شككت في الوضوء
وكنت على يقين من الحدث فتوضّأ ، وإن شككت في الحدث وكنت على يقين من الوضوء فلا
ينقض الشك اليقين إلاّ أن تستيقن » .
وفي الأوّل إلى المستفيضة :
منها : صحيحة زرارة : فإن حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به ، قال
: « لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلاّ فإنّه على
يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ، ولكن ينقضه يقين آخر » .
وموثّقة ابن بكير
: « إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت
» .
وخبر البصري : أجد
الريح في بطني حتى أظن أنّها قد خرجت ، فقال : « ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو
تجد الريح » وغير ذلك.
وأمّا المروي في قرب
الإسناد : عن رجل يكون على وضوء وشك على وضوء هو أم لا ، قال : « إذ ذكر وهو في
صلاته انصرف وتوضّأ وأعادها ، وإن ذكر وقد
فرغ من صلاته
أجزأه ذلك » ، فمع ضعفه بنفسه وشذوذه غير مفيد للوجوب ، والإجزاء بعد
الصلاة يؤكّده أيضا.
وفي الثاني إلى إطلاقات وجوب
الوضوء للصلاة وعموماته ، خرج ما خرج
__________________
فيبقى الباقي.
وأمّا صحيحة محمّد
: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال : « يمضي على صلاته ولا يعيد » فهي إنما فيما
بعد الصلاة ، ولا اعتبار بالشك في الوضوء بعدها ظاهرا ـ كما يأتي في بحث الصلاة ـ وإن
وجب الوضوء لصلاة أخرى. مع أنّها أعم من الشك بعد اليقين ، فيجب التخصيص بالمروي
في قرب الإسناد المنجبر في المقام الذي هو أخص.
وفي حكم الشك في
الصورتين الظن على الأظهر الأشهر ، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب ، وأكثر ما مرّ
يدلّ عليه.
وممّن جعل مبنى
الحكم الاستصحاب وتوهّم انحصار دليله في ظن البقاء ، من توهّم ابتناء الحكم على
الظن ببقاء الوضوء ودورانه معه.
وفيه : عدم انحصار
المبنى ودليله.
وقد يتوهّم تعارض
مفهومي ينقضه يقين آخر ولا ينقض اليقين بالشك ، وربما يرجع الثاني في الثاني
باعتضاده بالأصل.
وفيه : أنّ
المفهومين من باب اللقب فلا اعتبار بهما ، فالاستصحاب الثابت حجيته ولو مع ظن
الزوال دالّ على الحكم في الصورتين بلا معارض ، مضافا إلى العمومات ، وخصوص خبر
البصري.
ثمَّ اليقين والشك
وإن اجتمعا في الزمان ، ولكن زمان متعلّقهما مختلف فلا يرد إشكال ، ولا حاجة في
رفعه إلى حمل اليقين على الظن
أو الحدث على السبب ، مع أنّهما لا يفيدان أصلا كما لا يخفى.
المسألة
التاسعة : لو تيقّنهما وشك في المتأخّر تطهّر
مطلقا ، وفاقا للمشهور ،
__________________
لتكافؤ الاحتمالين
الموجب لتساقطهما الرافع لليقين بالطهارة الواجب للمشروط بها ، ولعمومات وجوب
الوضوء وإطلاقاته ، والرضوي المنجبر بالشهرتين : « وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيّهما أسبق
فتوضّأ » .
وإطلاقه يشمل ما
لو علم وقت الحدث بالخصوص ، فلا يضرّ عدم تكافؤ الاحتمالين حينئذ ، لأصالة تأخّر
الوضوء الحادث عن وقت الحدث.
ولا تنافيه
الموثّقة المتقدّمة حيث لا يقين بالحدث ، لمنع عدم اليقين به ، بل هو متيقّن
لا محالة في زمان ، ولا دليل على اشتراط تيقّن لحوقه بالطهارة.
ثمَّ ما ذكرنا من
الأدلّة يعمّ صورتي الجهل والعلم بالحالة السابقة على الأمرين ، فالحكم ثابت في
الصورتين.
خلافا للكركي ،
وظاهر المعتبر ، فمع العلم يأخذ بضد السابقة ، لانتقاضها بورود ضدّها
يقينا ، ولا يعلم ارتفاع الضد لجواز تعاقب المثلين فيجب استصحابه.
ويضعف : بأنّ ورود
ضد الضدّ أيضا متيقّن وارتفاعه غير معلوم ، فيستصحب.
فإن قيل : المعتبر
من الأمرين أثرهما دون نفسهما ، وتحقّق أثر ضدّ الضد غير معلوم لجواز التوالي
فيستصحب أثر الضدّ.
وبعبارة أخرى :
الضدّ هو الأثر ، وحصول ضدّ الضدّ غير معلوم.
والحاصل : أنّ في
صورة تيقن الطهارة تكون هناك طهارتان بمعنى الأثر : متيقّنة ومشكوكة ، وحدث بمعناه
متيقّن ، والمتيقّنة قد ارتفعت بالمتيقّن ، والمشكوكة لا تعارضه فيبنى عليه ، وقس
عليه صورة تيقّن الحدث.
__________________
وبعبارة أخرى :
الحالة السابقة مرتفعة قطعا ، والمضادّة له متحقّقة كذلك ، وتحقّق المماثلة
للثانية مشكوك فيه ، فتستصحب المضادة.
قلنا : وجود
المماثلة بعد زمان الحالة السابقة يقيني أيضا ، لحصول الفعل المماثل بعده ، وهو
إمّا قبل الضدّ أو بعده ، وعلى التقديرين يكون الأثر المماثل متحققا في زمانه ،
وارتفاعه مشكوك فيه ، لاحتمال البعدية فيستصحب.
ولظاهري المنتهى ، والمختلف
، فيأخذ بمثل السابقة مع العلم ، فلا يتطهر مع العلم بالطهارة لتيقّن نقضها ،
وعدم إمكان الطهارة عن حدث مع بقاء السابقة ، فتكون الطهارة الثانية بعد الحدث
ونقضها مشكوك فيه. وقس عليه صورة العلم بالحدث.
قيل : ذلك إنّما
يكون مع العلم بالتعاقب وعدم احتمال التوالي فيخرج عن مسألة الشك .
قلت : ولكن قوله :
ونقضها مشكوك فيه ، يدخله فيها.
والظاهر أنّ مراده
صورة العلم بالتعاقب مع احتمال التعدد في كلّ من الأمرين المتحقّقين بعد الحالة
السابقة ، فيدخل في مسألة الشك ، ولكن لا يكون من المسألة المبحوث عنها ، بل من
السابقة ، أي : تيقّن الطهارة أو الحدث والشك في رفعه ، وحكمه حكمه.
المسألة
العاشرة : لو تيقّن ترك غسل عضو أو بعضه أو
مسحه ، أتى به وبما بعده إن كان
، سواء كان في أثناء الوضوء أو بعده.
ويدلّ على وجوب
الإتيان به وجوب الإتيان بالمأمور به ، وصحيحة زرارة : « وإن تيقّنت أنك لم تتم
وضوءك فأعد على ما تركت يقينا » .
__________________
وحسنة الحلبي : «
إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف وأتمّ الذي
نسيته من وضوئك وأعد صلاتك » .
وعليه وعلى الإتيان بما
بعده وجوب الترتيب ، وصحيحة زرارة : « وإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه
وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثمَّ أعد على الرجل »
.
والأخرى : عن رجل
بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه ، قال : « يبدأ بما بدأ الله وليعد ما كان فعل
» .
وصحيحة ابن حازم :
في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : « يغسل اليمين ويعيد اليسار » .
وحسنة الحلبي : «
إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه وذكر بعد ذلك غسل يمينه
وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما
كان توضّأ » أي غسل ، لأنّه معنى
__________________
الوضوء.
وموثّقة أبي بصير
: « إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه ، فإن
بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل اليمين ثمَّ اغسل اليسار ، وإن نسيت مسح
رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك » .
وأمّا ما دلّ
بظاهره على إعادة الوضوء كخبر ابن حكيم : عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس ،
قال : « يعيد الوضوء إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا » .
وموثّقة سماعة : «
من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره الله في القرآن كان عليه
إعادة الوضوء والصلاة » .
أو على عدم إعادة
ما بعد المنسي كمرسلة الفقيه : عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضّأ موضع لم يصبه
الماء ، فقال : « يجزيه أن يبلّه من بعض جسده » .
وصحيحة علي : عن
رجل توضأ ونسي غسل يساره ، فقال : « يغسل يساره وحدها ولا يعيد وضوء شيء غيرها » .
أو على عدم غسل شيء
لا المنسي ولا ما بعده كرواية محمّد : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا
فامضه ولا إعادة عليك فيه » .
__________________
فلا يصلح للاحتجاج ،
لمخالفتها لعمل الكلّ الموجب لشذوذها ، المخرج إيّاها عن الحجية.
مضافا إلى ما في
الأوّل ، من عدم الدلالة على الوجوب.
وفي الثاني ، من
ظهوره في حال جفاف الكلّ الموجب للإعادة إجماعا بقرينة إعادة الصلاة ، إذ مع
الإتيان بها لا يبقى البلل غالبا.
وفي الثالث ، أنه
غير دالّ على عدم غسل ما بعده ، فإنّه يحتمل أن يكون المراد الإجزاء في غسل هذا
الموضع المنسي ببلّة بعض جسده وعدم الاحتياج إلى ماء آخر.
وفي الرابع ، أنّ
الوضوء حقيقة في الغسل ، فمفاده أنه لا يعيد غسل شيء آخر ، ولا ينافي وجوب المسح
عليه بعد ذلك.
وفي الخامس ، من
الإجمال المسقط للاستدلال ، فإنّ قوله : « ذكرته » كما يمكن أن يراد به تذكّر تركه
، يمكن أن يراد به تذكّر فعله تذكّرا ما ، أي ولو بالاحتمال البعيد ، ولم يتيقّن
بتركه. ويكون المراد بقوله : « مضى » الخروج عنه.
وتكون لفظة « من »
بيانية أو تبعيضية. والمراد بالمضي الفراغ من الفعل ، فيكون مرجعه إلى الشك بعد
الفراغ.
وخالف الإسكافي في
إعادة ما بعده إذا كان المتروك دون الدرهم ، واكتفى بغسل المتروك خاصة ، واستند برواية غير ثابتة عندنا.
هذا إذا ذكر قبل
الجفاف المبطل ، وإلاّ استأنف إجماعا ، ووجهه ظاهر.
__________________
ويدلّ عليه إطلاق
خبر ابن حكيم ، وموثقة سماعة ، الخالي عن الشذوذ في المقام.
وبه وبما مرّ في
مسألة الموالاة تقيّد الإطلاقات ، مع عدم تصريح فيها بما ينافي المطلوب.
المسألة
الحادية عشرة : لو شك في فعل من
أفعال الوضوء ، فإمّا يكون قبل
الفراغ أو بعده. فعلى الأوّل يأتي به وبما بعده ، ولا يستأنف إلاّ مع جفاف ما قبله
، للإجماع في الكلّ ، والأصل ، والاستصحاب في الأوّل ، وأدلّة الترتيب
في الثاني ، والأصل وعدم المقتضي في الثالث ، وأدلّة الإعادة مع الجفاف في الرابع.
مضافا في الأوّل
إلى صحيحة زرارة : « إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد
عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال
الوضوء » .
بل في الثاني أيضا
حيث إنّ الشك في السابق يوجب الشك في الغسل والمسح الصحيحين اللذين هما المرادان
منهما في اللاحق أيضا.
ولا ينافيها موثّق
ابن أبي يعفور : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء ،
إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه » حيث دلّ صدره على عدم إعادة شيء مع الدخول في غيره ،
ومفهوم ذيله على عدم اعتبار الشك في شيء إذا لم يكن فيه ، لجواز رجوع ضمير « غيره
» في صدره إلى الوضوء ،
__________________
وعدم إفادة ذيله
الحصر إن أريد مفهوم الحصر كما بيّنا في الأصول ، مع عدم لزوم
اتّحاد الشيئين ، فيمكن أن يراد بالأخير الكلّ ، وتغايرهما مع التنكير جائز ، بل
راجح كما قيل في تكرر العسر واليسر في الآية ، ومنه يعلم عدم الدلالة لو أريد مفهومه الشرطي.
ولو سلّم الجميع
فيكون الموثّق أعم مطلقا من الصحيحة ، فيجب تخصيصه بها. ولو قطع النظر عنها فهو لا
يقاومها ، لشذوذه. ولو سلّم فالمرجع إلى الأصل ، وهو معها.
وممّا ذكر ظهر عدم
ضرر في مرسلة الواسطي أيضا : أغسل وجهي ثمَّ أغسل يدي ويشكّكني الشيطان أنّي لم
أغسل ذراعي ويدي ، قال : « إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد » مع أنّ مع وجدان
برد الماء يخرج عن الشك.
وكذا يظهر الجواب
عن المعتبرة الدالّة على عدم العبرة بالشك مع تجاوز المحل ، كموثقة ابن مسلم : «
كلّما شككت فيما مضى فامضه كما هو » وصحيحة زرارة : « إذا خرجت من شيء ثمَّ دخلت في غيره
فشكّك ليس بشيء » لكون الجميع أعم مطلقا ممّا مر.
مع أنّ الظاهر من
بعض تلك الأخبار إرادة الشك في جزء الفعل والدخول في غير الفعل ، فإنّ الخروج من
شيء والدخول في غيره لا يكون إلاّ مع العلم بالتلبّس به ، وحصوله في الوضوء ظاهر
، وأما في الفعل المشكوك فمعلوم الانتفاء ، فلا يعلم شمول تلك الروايات لمثل
المقام.
__________________
ولا فرق فيما ذكر
بين النية وغيرها ، فلو شك فيها ، أتى بها وبما بعدها ، للأصل والاستصحاب
المذكورين ، مضافا إلى الإجماع المركّب ، وعدم المعارض ، لما عرفت في الأخبار من
عدم الدلالة.
وهل الحكم يعم
كثير الشك أيضا ، أم يخصّ بمن عداه وهو لا يلتفت إلى شكه؟
الحق : هو الثاني
، وفاقا لصريح السرائر ، والكركي ، والذكرى ، واللوامع مصرّحا فيه بعدم العثور على مصرّح بالخلاف ،
واستقر به في نهاية الإحكام ، ونفى عنه البعد في المدارك ، لنفي العسر
والحرج.
ومفهوم التعليل في
صحيحة زرارة ، وأبي بصير في كثير الشك في الصلاة ، بعد الأمر بالمضي في الشك فيها
: « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد
لما عود ، فليمض أحدكم في الوهم ولا تكثرن نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات
لم يعد إليك » .
وظاهر خصوص صحيحة
ابن سنان : ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت : هو رجل عاقل ، فقال أبو عبد
الله 7 : « وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ » فقلت : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : « سله
هذا الذي يأتيه من أي شيء؟ فإنّه يقول لك : إنه من عمل الشيطان » .
وصرّح في مرسلة
الواسطي ، المتقدّمة أيضا : « إنّ الشك من الشيطان ».
بل يدلّ عليه
التعليل في رواية علي بن أبي حمزة ـ بعد السؤال عن رجل شك في
__________________
صلاته ، وجوابه
بأنه يمضي في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ـ بقوله : « فإنه يوشك أن
يذهب عنه » .
وفي صحيحة محمّد :
« إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان » وظاهر أنّ المراد
بالسهو فيها الشك بالإجماع. علّل الإمضاء بقوله : « يوشك أن يدعك » ، وهو جار في
ذلك المورد أيضا. ويؤكّده بعض العمومات المتقدّمة ، الخالي في
المقام عن الشذوذ.
خلافا لظاهر إطلاق
من أطلق وهو جماعة ، فالأوّل ، للأصل ، والاستصحاب ، وإطلاق الصحيحة المتقدّمة .
ويندفع الأولان ،
ويقيّد الثالث بما مرّ ، مع إمكان الخدش في الأخير باعتبار كون المواجه بالخطاب
خاصّا ، وكونه كثير الشك غير معلوم ، والإجماع على الاشتراك والتعميم منتف قطعا.
وكثرة الشك هنا
تناط إلى العرف ، ولا يبعد كون من شك ثلاثا متواليا كثير الشك في الصلاة.
وعلى الثاني ، أي
: كون الشك بعد الفراغ لم يلتفت إليه إجماعا محقّقا ومحكيا مستفيضا ، وهو الحجة.
مضافا إلى مفهوم
ما مرّ في صحيحة زرارة ، المتقدّمة ، ومنطوق ما بعده
__________________
من قوله : « فإذا
قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها ، فشككت في
بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوءا فلا شيء عليك ».
وما مرّ من
موثّقتي ابن أبي يعفور ومسلم ، والصحيحة الأخرى لزرارة ، وصحيحتي بكير ،
ومحمّد :
الأولى : الرجل
يشك بعد ما يتوضّأ ، قال : « هو حين ما يتوضّأ أذكر منه حين يشك » .
والثانية : رجل شك
في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة ، قال : « يمضي على صلاته ولا يعيد » .
وأمّا ما تضمّنته
صحيحة زرارة الأولى من المسح عند الشك بعد الفراغ لو وجد البلل ، فهو بالإجماع ليس
بواجب.
والمعتبر في الحكم
إنّما هو إتمام الوضوء دون الانصراف من الحالة المتحقّقة حين الوضوء من القيام أو
الجلوس ، على الأشهر الأظهر ، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر ، بل في المدارك
وعن جدّه : الإجماع عليه ، للموثّقتين ، والصحيحتين المتعقّبتين لهما.
ولا تنافيها صحيحة
زرارة الأولى .
أما مفهوم قوله :
« إذا كنت قاعدا على وضوئك » فلأنّ المراد منه الاشتغال
__________________
بقرينة التعدية بـ
« على » ، ولظهور عدم اعتبار القعود في الوضوء. مع أنّ مفهومه لو اعتبر ، لكان
مدلوله أنه لو توضّأ فإنّما لم يكن الحكم كذلك ، وهو كما ترى.
وبالجملة لو أريد
منه ظاهره لاحتاج إلى تجوّزات ليست أولى من الحمل على الفراغ.
وأمّا منطوق قوله
: « ما دمت في حال الوضوء » فلاحتمال كون الإضافة بيانية.
وأمّا مفهوم قوله
: « فإذا قمت » إلى آخره : فلأنّ معنى القيام من شيء الفراغ منه ، ولو سلّم ،
فيحتاج إلى تجوّز وتخصيص ليس بأولى من حمله على الفراغ.
ومن ذلك يظهر ضعف
قول من اشترط القيام من الوضوء ولو تقديرا ، مستندا إلى الصحيحة.
ثمَّ إتمام الوضوء
والفراغ منه إنّما يتحقّق بإكمال العضو الأخير منه ولو لم يدخل بعد في فعل آخر ،
فلا يلتفت إلى الشك بمجرده إذا كان الشك في غير العضو الأخير.
وأمّا إذا كان فيه
فعدم الالتفات إليه إنّما هو بالإعراض عن الوضوء ، أو الدخول في فعل آخر غير
الوضوء ، فإنه لا يلتفت حينئذ ، لصدق الفراغ ، والخروج ، والدخول في الغير ،
والمضي ، وبعد التوضّؤ ، المعلّق على كلّ منها الحكم فيما تقدّم من الأخبار.
وأمّا ما لم
يتحقّق الإعراض ولا الدخول في فعل آخر فيجب الإتيان به ، لعدم القطع بالفراغ
والإتمام.
المسألة
الثانية عشرة : من ترك غسل أحد
المخرجين عمدا وصلّى ، أعاد الصلاة
إجماعا. وكذا لو تركه نسيانا على الأظهر ، وفاقا للأكثر ، كما صرّح به جماعة ، للمستفيضة
كصحيحتي زرارة ، وابن أبي نصر ، ومرسلة ابن بكير ،
__________________
الواردة في مخرج
البول :
الأولى : توضّأت
يوما ولم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت ، فسألت أبا عبد الله 7 عن ذلك ، فقال : « اغسل ذكرك وأعد صلاتك » .
والثانية : أبول
وأتوضّأ وأنسى استنجائي ثمَّ أذكر بعد ما صلّيت ، قال : « اغسل ذكرك وأعد صلاتك
ولا تعد وضوءك » .
والثالثة : في
الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضّأ ويصلّي ، قال : « يغسل ذكره ويعيد
الصلاة ولا يعيد الوضوء » .
وموثّقة سماعة ،
الواردة في البول والغائط : « إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ، ثمَّ
توضّأت ونسيت أن تستنجي ، فذكرت بعد ما صلّيت ، فعليك الإعادة. وإن كنت أهرقت
الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك ،
لأنّ البول مثل البراز » وفي بعض نسخ الكافي كما نقله بعض الأجلّة : « ليس مثل البراز
».
فإنّ قوله أوّلا :
« فعليك الإعادة » وإن احتمل إرادة إعادة الوضوء أو مع الصلاة الموجبة للحمل على
الاستحباب ، لعدم وجوب إعادة الوضوء عند جلّ الأصحاب ، إلاّ أنّ أصالة الحقيقة في
قوله : « فعليك » التي هي الوجوب المختص بالصلاة تعيّن الحمل على إرادة إعادة
الصلاة.
__________________
[ ولا يضرّ في
وجوب إعادتها في البول ضمّ إعادة الوضوء المستحبة مع الصلاة في قوله ثانيا « فعليك
.. » ] إذ إرادة مطلق الرجحان في موضع مجازا بقرينة لا تنافي
الوجوب الثابت بدليل آخر.
ومنه يظهر أنه لا
يضرّ في وجوب إعادتها في الغائط أيضا جعله مثل البول ، لتحقّق المماثلة في مطلق
الرجحان بينهما.
خلافا للمنقول عن
العماني ، فلم يوجب الإعادة مطلقا ، بل جعلها أولى بحمل رواياتها على الأولوية ، لمعارضة
أخبار الإعادة في البول مع خبري ابن أبي نصر وهشام.
الأولى : صلّيت
فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صليت أفأعيد؟ قال : « لا » .
والثانية : في
الرجل يتوضّأ وينسى غسل ذكره وقد بال ، فقال : « يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة » .
وفي الغائط مع
صحيحة علي وموثّقة عمّار.
الأولى : عن رجل
ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : « ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد
الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته ، أجزأه ذلك ولا إعادة عليه » .
__________________
والثانية : « لو
أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة » .
ويضعف الكل :
بأنّها شاذة ، ولشهرة القدماء مخالفة ، فعن درجة الحجية خارجة ، فللتعارض مع ما
مرّ غير صالحة.
وللفقيه ووالدي العلاّمة
ـ طاب ثراهما ـ في غسل الغائط خاصة ، فلم يوجبا في تركه الإعادة ، للأخيرتين
الخاليتين عن المعارض ، إذ ليس إلاّ موثّقة سماعة ، وهي ضعيفة
الدلالة ، لما مرّت إليه آنفا الإشارة ، سيما على نسخة نفي المماثلة.
ويضعف الأخيرتان
بما مرّ من الشذوذ والمخالفة ، ويقوى ضعف دلالة الموثّقة بما ذكرناه ثمة ، وعدم
حجية في النفي المذكور لاختلاف النسخ.
وللإسكافي فيه وفي
غسل البول في خارج الوقت ، فلم يوجب الإعادة ، وخصها بالوقت في ترك غسل مخرج البول
، ولعل المخالفة الأولى لمثل ما مر للصدوق مع جوابه ، والثانية للجمع بين
الأخبار المضعف بما مرّ مع عدم الشاهد.
وللمقنع ، فخصّ
الإعادة بالوقت لمن تمسح بالأحجار خاصة دون خارجه وغير المتمسّح ، لموثّقة عمار :
في من نسي أن يغسل دبره بالماء حتى صلّى إلاّ أنه قد تمسّح بثلاثة أحجار ، قال : «
إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة ، وإن كان قد مضى وقت تلك
الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته
__________________
وليتوضّأ لما
يستقبل » .
ولا يخفى أنّ هذا
الخبر عن المورد خارج ، وحمله على الاستحباب لازم ، لكفاية التمسّح بالأحجار
إجماعا.
ثمَّ إنّ هذه
المسألة ليست عين مسألة الصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن ، كما توهّم ، بل هذه غيرها
كما صرّح به والدي وغيره ، ويدلّ عليه تفاوت أقوالهم في المسألتين.
والجهل بالأصل أو
الحكم كالنسيان ، لترك الاستفصال في الصحيحة الأولى ، بضميمة الإجماع
المركّب في الغائط. بل الظاهر تحقّقه في نفس المورد أيضا ، لعدم فصل أحد بين الجهل
والنسيان.
ولا تجب إعادة
الوضوء. خلافا لنادر ، لبعض الأخبار المعارض بأكثر منه ، المرجوح عنه بالشذوذ.
المسألة
الثالثة عشرة : من ذكر ترك واجب من
الوضوء بعد الصلاة أعادهما ، للأصل ، وموثّقة سماعة : « من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء ، كان
عليه إعادة الوضوء والصلاة » .
ولو ذكر في
أثنائها ، قطعها واستأنفها بعد إعادته لو جفّ ، للمستفيضة .
المسألة
الرابعة عشرة : لو توضّأ وضوءين
وصلّى بعدهما ، ثمَّ ذكر خللا في
أحدهما ، صحّت صلاته مطلقا على الأقوى ، لصحة أحد الوضوءين الكافية في
__________________
صحة الصلاة مطلقا
، على المختار من كفاية نية القربة.
وبه يندفع استصحاب
حكم الحدث السابق في بعض الاحتمالات ، حيث لا قطع بالمزيل ، لاحتمال الخلل في
الأوّل ، وعدم صحة الثاني ، لعدم اشتماله على ما يشترط في النية ، لمنع ذلك.
والقول بأنه لو
أوقعهما أو أحدهما بنية الندب مع ظهور الوجوب لم يصح ، لعدم شرعية المندوب مع
الشغل بالواجب ، مدفوع : بمنع ذلك ، مع أنّ مناط التكليف هو اعتقاد
المكلّف دون الواقع ، فهو عليه مندوب حين الوضوء.
وبذلك يندفع ما
يستشكل به على بعض صور المسألة على اعتبار نية الوجه أو الاستباحة.
مع أنّه لو سلّم
بطلان الأخير باعتبار عدم وقوعه على وجهه المعتبر ، أو عدم كونه مبيحا ، لعدم قصد
الإباحة فيه ، يكفي صحة الأولى في المقام. ولا عبرة باحتمال كون الخلل فيه ، لكونه
شكّا بعد الفراغ ، فتشمله أخبار عدم اعتبار الشك حينئذ ، كما اختاره في البشرى ، والمنتهى ، وبعض الأجلّة
من المتأخّرين .
والقطع بترك في
أحدهما لا يوجب القطع بالترك في خصوص أحدهما ولا يخرجه عن الشك.
ودعوى تبادر غير
مثل ذلك عن إخباره ممنوعة جدّا.
ومن ذلك يظهر أنّه
لو صلّى بكلّ واحدة صلاة ، صحّت الصلاتان معا مطلقا.
وادّعى والدي ـ ; ـ الوفاق على
إعادة الأولى هنا. وهو عندي غير
__________________
ثابت ، بل يظهر من
كلامه ـ ; ـ عدم ثبوته عنده وإرادته السكوتي.
والحاصل : أنّ عدم
الالتفات إلى الشك بعد الفراغ أصل ثابت من نصوصه ، فلا يلتفت إليه بالنسبة إلى شيء
من الوضوءين ، نظير وجدان المني في الثوب المشترك.
نعم ، لو فرض
توقّف أمر على الوضوءين معا ، جاء بطلانه ، ولكنه غير متحقّق ، بل يكفي صحة الأول
خاصة لصحة الصلاتين مطلقا.
والملخّص : أنّ
الشك في الثاني غير مضرّ بعد صحة الأوّل في صحة الصلاة مطلقا ، والأوّل محكوم
بالصحة للفراغ عنه.
وكذا الحكم لو علم
الخلل في طهارتين من ثلاث ، أو ثلاث من أربع أو أربع من خمس.
فرع :
لو صلى بكلّ منهما
صلاة وتيقّن الحدث بعد واحدة من الطهارتين ، تجب عليه الطهارة للصلاة اللاحقة
مطلقا ، لأنه متيقّن بالحدث والوضوء الشاك في المتأخّر.
وأما الصلاتان
السابقتان فإن علم أنّ الحدث عقيب الصلاة ، صحّت الصلاتان معا.
وإن شك أنه قبلها
أو بعدها ، فمقتضى قاعدة استصحاب شغل الذمة بكلّ من الصلاتين ، واستصحاب عدم
امتثاله وعدم الإتيان به : وجوب إعادتهما معا ، كما عليه الأكثر.
ولكن مقتضى قاعدة
عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ : صحتهما معا ، كما جوزه بعض الأجلّة . وهو الأقوى ،
لاندفاع الأصول الاستصحابية به ، وعدم
__________________
تحقّق دليل ولا
ثبوت إجماع على خلافه.
وإن علم أنه قبل
الصلاة ، فيعيدهما معا ، لأنّ هنا شكّا في البطلان متعلّقا بكلّ من الصلاتين ،
وقطعا فيه متعلّقا بواحد لا بعينه. والأوّل وإن لم يلتفت إليه لكونه بعد الفراغ ،
ولكن الثاني لكونه قطعا يلتفت إليه قطعا ، نظير ثلاثة أوان مشتبهة ، واحد منها نجس
، فيجتنب عن الكلّ وإن لم يجتنب عن غير واحد.
فاللازم النظر
فيما يستتبع ذلك القطع ، ومقتضاه : إعادة الصلاتين ، لأنّه مقتض للقطع باشتغال
الذمة بصلاة معيّنة واقعا وإن لم يعلمها بعينها ، ولا يحصل القطع بالبراءة بفعل
واحد منهما ، فيستصحب ذلك الاشتغال حتى يأتي بهما معا.
وفي حكم ما إذا
علم أنّه قبلها ما لو علم وقت الحدث بعينه دون الصلاة ، فبحكم أصالة تأخّر الحادث
يحكم بتأخّر الصلاة.
ثمَّ لو كانت
الصلاتان مختلفتين عددا ، أتى بهما جميعا.
وإن اتّفقتا ،
فالأظهر الموافق لقول الأكثر : أنه يأتي بواحدة ناويا له ما في الذمة ، لأصالة
البراءة عن الزائد ، لأنّ ما اشتغل به صلاة واحدة يقينا لا غير ، ولا دليل على
الزائد إلاّ عدم تعيّنها في نظره ، وهو غير موجب للتعدّد بوجه ، ولا موجب له إلاّ
عدم إمكان تعيّنها في النية ، وهو غير موجب لعدم لزومه ، إذ اشتراط التعيين لأجل
التميّز وانطباق الفعل على المأمور به واقعا ، وهو هنا حاصل ، لاتّحاده وتعيّنه في
الواقع وإن لم يتعيّن في نظر المكلّف.
ويؤيده أيضا :
النص الدالّ على الاجتزاء بالثلاث لمن نسي فريضة مجهولة من الخمس .
وحسنة زرارة : «
وإن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها
الأولى ثمَّ صلّ العصر ، فإنما هي أربع مكان
__________________
أربع » .
خلافا للشيخ والحلبيين ، فيعيد الصلاتين
، تحصيلا لليقين بالبراءة ، اعتبارا للجزم في النية ، لقوله : « من فاتته صلاة
فليقضها كما فاتته » والفائتة كانت بنيّة معيّنة ، ومراعاة لاختلاف حالهما في
الجهر والإخفات.
والأوّل مندفع :
بانّ الشغل ليس إلاّ بواحدة وقد فعلها ، فيحصل اليقين بالبراءة.
والثاني : بأنّه
لا ترديد في النية ، بل ينوي ما في الذمة ، وعدم علمه به غير ضائر ، ولو سلّم فلا
ضرر في مثل هذا الترديد ، كما مرّ في بحث النية.
وقوله : « كما
فاتته » لا دلالة له ، إذا المتبادر منه أفعاله الخارجية ، مع أنه لم يجب التعيين
في النية في الأصل أيضا إلاّ في صورة الاشتباه لأجل دفعه ، فكذا ها هنا.
والثالث : بمنع
وجوب الجهر أو الإخفات هنا ، بل هو مخيّر ـ وادّعى في المعتمد الوفاق عليه ـ لأنّ
الجهر مثلا إنّما هو فيما يعلم أنّه عشاء ، وأمّا ما لا يعلم فلا دليل على وجوبه
فيه.
ثمَّ بما مرّ يعلم
حال ما إذا أحدث حدثا واحدا عقيب ثلاث طهارات ، أو أربع ، أو خمس ، من المتمّم
والمقصّر ، سواء كانت الكلّ تجديدية أو لا ، ولا ترتيب
__________________
أصلا ، لاتّحاد
الفائتة ، ففي الخمس مثلا المتمّم يعيد ثلاثا ، والمقصّر اثنتين .
ولو علم فساد
طهارتين من يوم قبل الصلاة ، فالمتمّم يعيد أربعا والمقصّر ثلاثا مع مراعاة
الترتيب ، بأنّ يصلّي الأوّل ثنائية فرباعية فثلاثية فرباعية ، والثاني ثنائية
فثلاثية فثنائية.
ولو علم فساد ثلاث
من يوم أو أربع ، يجب الخمس في التمام والأربع في القصر.
وبما ذكر يمكن
استخراج حكم ما إذا علم فساد الطهارتين أو أكثر من أكثر من يوم متمّما كان أو
مقصّرا أو متبعّضا أو مشتبها عليه الحال.
__________________
الباب الثاني :
في الأغسال
وهي واجبة ومندوبة
، فهنا مطلبان :
المطلب
الأوّل
في
الواجبة منها
وهي ستّة نذكر في
فصول ستّة
الفصل الأوّل :
في غسل الجنابة
والكلام فيه إما
في سبب الجنابة ، أو أحكام الجنب ، أو غاية غسلها ، أو واجباته ، أو آدابه ، أو
أحكامه ، ففيه أبحاث :
البحث الأوّل : في سببها ، وهو أمران :
الأمر
الأوّل : خروج المني. ولا بدّ أولا من بيان أنّ حقيقة المني هل هو الماء المسبوق
بالشهوة المقارن للتلذّذ المعقب للفتور؟ بأن تكون تلك الأوصاف أجزاء حقيقته أو من
لوازم ذاته ، كما صرّح بعض العامة ، وسمعته من بعض أرباب المعقول قال : إنّ المني إنّما
يتكوّن في الأنثيين حال التلذّذ لأجله فيدفع ، ويشعر به كلام بعض فقهائنا
المتأخّرين أيضا ، تمسّكا بالوجدان وبالأخبار النافية للغسل مع انتفائها.
أو هو حقيقة معيّنة خارجة عنها تلك الأوصاف غير لازمة لها وإن كانت معروضة لها
غالبا؟ كما هو الظاهر من كلام الأكثر ، لما دلّ على إمكان العلم بكون الخارج منيا
بدون العلم بتلك الأوصاف ، كالأخبار الواردة فيمن وجد المني في ثوبه
ولم ير أنه احتلم ، ولما دلّ على وجوب الغسل بخروج الماء المشتبه
بعد الغسل وقبل الاستبراء مع فقده تلك الأوصاف. أو لا يعلم شيء من الأمرين؟
فيتوقّف ، لضعف متمسّك القولين.
أمّا الأوّل من
الأوّل : فلأن المسلّم من الوجدان أنّ ما جمع الأوصاف مني ،
__________________
دون أنّ ما لم
يجمعها ليس منيا ، ولذا قد يعلم كون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف.
وأما الثاني منه :
فلأنّه يمكن أن يكون نفي الغسل في فاقد الأوصاف لأجل عدم العلم بكونه منيا ، لا
للعلم بعدمه.
وأمّا الأوّل من
الثاني : فلأنّ طريق العلم بوجود شيء لا ينحصر في معرفة جميع أجزائه الحقيقية أو
لوازمه الذاتية ، فقد يعرف وجود المني بأمر آخر غير تلك الأوصاف ، ولا يعلم وجود
ذلك الأمر فيما علم فيه فقد تلك الأوصاف.
وأمّا الثاني منه
: فلأنّ الخارج بعد الغسل قبل الاستبراء يمكن أن يكون من بقية ما اجتمعت فيه
الأوصاف الخارج أولا.
والحقّ ، هو
الثالث ، لما ذكر.
إلاّ أنّ في مرسلة
ابن رباط : « فأمّا المني فهو الذي يسترخي العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل » ومقتضى أصالة
الحقيقة في الحمل كون ذلك من حقيقته.
والمروي في نوادر
الراوندي عن النبي 6 : « فأمّا المني فهو الماء الذي تكون منه الشهوة » .
وإذا عرفت ذلك ،
فنقول : إنّهم صرّحوا بأنّ خروج ما علم أنّه مني موجب للغسل مطلقا ، سواء كان
خروجه في اليقظة أو النوم ، وكان خارجا من الرجل أو المرأة ، وكان الخارج مع
الشهوة والتلذّذ والفتور أو لا ، إن فرض العلم به بدون الأوصاف.
وهو محل الوفاق
بين علماء الإسلام كافة إذا كان خارجا من الرجل مع الأوصاف ، وأخبار الفريقين به
متواترة معنى بلا معارض . وبين علمائنا خاصة
__________________
كما صرّح به جماعة
إذا كان خارجا منه بدون الأوصاف كلاّ أو بعضا ، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى إطلاقات
وجوب الغسل بالماء الأكبر ، وعموم موثّقتي سماعة ، المستفاد من ترك الاستفصال :
إحداهما : عن
الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم ، ويجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟
قال : « نعم » .
والأخرى : عن
الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه احتلم ، قال : «
فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته » .
ولا تعارضها صحيحة
ابن أبي يعفور : الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ. وينظر فلا يجد شيئا
ثمَّ يمكث الهوين بعد فيخرج ، قال : « إن كان مريضا فليغتسل ، وإن لم يكن مريضا
فلا شيء عليه » قال : قلت : فما فرق بينهما؟
قال : « لأنّ
الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة وقوة ، وإن كان مريضا لم يجئ إلاّ بفتور » .
لأنّ الخارج فيها
غير معيّن ، فيمكن أن يكون هو الماء المشتبه.
ومنه يعلم عدم معارضة
صحيحة ابن سعد ورواية ابن أبي طلحة ،
__________________
المتقدّمة ، حيث إنّ تبادر
خروج المني من الإنزال في عهد المعصوم غير معلوم.
ولو تنزّلنا عن
ذلك فغايتهما العموم فيتعارضان بالعموم من وجه ، والترجيح مع الأولى بمخالفة
العامة ، كما صرّح به الجماعة ، وبموافقة الأصحاب.
ومنه يعلم الجواب
عن رواية ابن الفضيل ، الآتية ، وصحيحة علي : عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبّلها
فيخرج منه المني فما عليه؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل
، وإن كان إنما هو شيء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » .
حيث إنّ المحتمل
فيها رجوع المستتر في « كان » إلى الخارج دون المني.
مع أنّه لو أرجح
إليه أيضا ، لم يضر ، إذ تصير الرواية حينئذ مخالفة لعمل جلّ الأصحاب بل كلّهم ،
فتخرج عن الحجية.
ومنه يعلم جواب
آخر عن هذه الروايات لو سلّمت دلالتها.
هذا كلّه ، مع أنّ
لنا أن نقول بدلالة الموثّقتين على وجوب الغسل مع العلم بعدم الشهوة أيضا بخصوصهما
، حيث إنّهما دلّتا على وجوبه مع عدم العلم بها ، ولو لا وجوبه مع العلم بالعدم
أيضا ، لما وجب مع عدم العلم ، لأصالة عدم تحقّق الشهوة ، فتأمّل.
وهو الحقّ المشهور
، بل المجمع عليه عندنا أيضا ـ لشذوذ المخالف ـ إذا كان من المرأة كذلك ، لما
مرّ من الإجماع ، وللمستفيضة من النصوص :
كرواية معاوية بن
حكيم : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة ، جامعها الرجل أو لم يجامعها ، في نوم
كان ذلك أو في يقظة ، فإنّ عليها الغسل » .
__________________
وصحيحة محمّد بن
إسماعيل : عن المرأة ترى في منامها فتنزل ، عليها غسل؟ قال : « نعم » وقريبة منها حسنة
أديم بن الحر .
وصحيحة الحلبي :
عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل ، قال : « إن أنزلت فعليها الغسل ، وإن لم
تنزل فليس عليها الغسل .
وصحيحة الأشعري
وفيها : « إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل » .
ورواية محمّد بن
الفضيل وفيها : « إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل » .
ورواية ابن أبي
طلحة وفيها : « أليس قد أنزلت من شهوة؟ » قلت : بلى ، قال : « عليها غسل » إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن
المقنع ، فنفى عنها الغسل إذا أمنت من غير جماع ، ولكن كلامه فيه ينفيه في
احتلامها خاصة ، ويميل إلى ذلك كلام صاحب الوافي .
لروايات دالّة على
ذلك كصحيحتي عمر بن يزيد ، في إحداهما : قلت : فإن
__________________
أمنت هي ولم يدخله
، قال : « ليس عليها الغسل » .
وفي الأخرى بعد
قول السائل : ففخذت لها فأمذيت وأمنت هي : « ليس عليك وضوء ولا عليها الغسل » وصحيحة ابن أذينة
: المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال : « ليس عليها الغسل » .
ورواية عبيد بن
زرارة : هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟
قال : « لا » وغير ذلك.
ويضعّف : بأنّها
لمخالفتها لعمل قدماء الأصحاب شاذة ، وعن الحجية خارجة ، فلا تصلح للاستناد ، فكيف
للمعارضة. ومع ذلك فاحتمال أن يراد بالإمناء انفصاله عن مستقرّه وإن لم يخرج من
الفرج ، بل انصبّ إلى الرحم ـ كما هو الغالب في النساء ـ في أكثرها ممكن.
هذا كله في صورة
العلم بكون الخارج منيا. وأمّا لو اشتبه فيعتبر في الرجل الصحيح بالدفق ومقارنة
الشهوة ، أي التلذّذ ، وفتور البدن بعده ، فيجب الغسل فيما اشتمل عليها جميعا ،
ولا يجب فيما فقد فيه بعضها. وفي المريض والمرأة بالثانيتين خاصة.
__________________
لا لكون الثلاثة
صفات لازمة غالبا في الأوّل ، والثاني في الثانيين ، كما قيل ، لأنّ المستفاد منها ليس إلاّ الظن ، إذ المفروض عدم حصول
العلم بكونه منيا ، وإلاّ فيخرج عن المقام ، والظن غير معتبر ، إذ لا ينقض يقين
الطهارة إلاّ بمثله.
بل في الحكم
الأوّل للأوّل ، لمنطوق الجزء الأوّل من صحيحة علي ، المتقدّمة ، وفي الثاني له للأصل ، مضافا إلى
منطوق جزئها الثاني في بعض أفراده مع مفهوم الأوّل فيه أيضا ، وأمّا مفهومه في غيره ومفهوم
الجزء الثاني فلتعارضهما وعدم المرجّح لا اعتبار بهما ، فالمرجع في موردهما هو
الأصل.
ثمَّ هذه الصحيحة
وإن شملت بظاهرها الثاني ، أي المريض أيضا ، إلاّ أنّه اخرج منها ، لعدم اعتبار
الدفق في المريض بالمعتبرة ، فهي مخصصة لها بالصحيح ، إذ اشتراط الحكم بكونه منيا
بالدفق كما هو صريحها مخصوص به ، وبقي المريض كالمرأة تحت الأصل. إلاّ أنّه اخرج
عن الأصل مع الخروج بالشهوة ، ووجب عليه الغسل ، لصحيحة ابن أبي يعفور ، المتقدّمة
.
__________________
وحسنة زرارة : «
إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربما كان هو الدافق لكنه يجيء مجيئا ضعيفا ليست
له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا ، فاغتسل منه » .
وصحيحة ابن عمار :
عن رجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللا قليلا ، قال :« ليس بشيء إلاّ أن يكون مريضا
فإنّه يضعف فعليه الغسل » .
ولا يتوهّم عموم
الأخيرة للخالي عن الشهوة أيضا ، لأنّ معنى قوله : « احتلم » أنّه رأى ذلك في
المنام قطعا.
ويمكن أن يكون
المراد منه ما معه الشهوة ، بل هو الظاهر ، كما صرّح به والدي ـ ; عليه ـ في
اللوامع.
والشهوة المتحقّقة
حينئذ وإن كانت في النوم إلاّ أنّها كافية ، كما هو صريح صحيحة ابن أبي يعفور.
وذلك بخلاف الدفع والفترة المعتبرين في الصحيح ، للأصل ، واختصاص دليله باليقظة.
وأخرجت المرأة عن
الأصل المذكور مع الشهوة في النوم أو اليقظة ، ووجب عليها الغسل ، لصحيحة ابن سعد
، المتقدّمة وما يتعقّبها من الروايتين بالتقريب المتقدّم من حملهما
على المشتبه ، أو على العموم ولو من جهة ترك الاستفصال.
ثمَّ مقتضى إطلاق
الأخبار فيهما وإن كان كفاية الثاني خاصة ، إلاّ أنّها يقيّد إطلاقها بمرسلة ابن رباط ،
المتقدّمة ، فإنّها تعارض إطلاقات اعتبار
__________________
الشهوة بالعموم من
وجه ، والأصل مع عدم كفايته واعتبار الفترة أيضا فيهما ، كما صرّح به في المريض في
المعتبر والمنتهى ، ويظهر اعتبارها في المرأة عن بعضهم.
وأمّا اعتبار
الدفق مع الشهوة ، كما احتمله في نهاية الإحكام ، أو اعتبار
الثلاثة فيها ، كظاهر النافع ضعيف. كالقول بكفاية الدفق في الرجل الصحيح ، كما هو
المحكي عن ظاهر نهاية الإحكام والوسيلة والمبسوط والاقتصاد
والمصباح ومختصره ، والجملين والمقنعة والتبيان والمراسم والكافي ومجمع البيان
والإصباح والروض وأحكام الراوندي.
ولعلّه لإطلاق
الآية بتوصيف الماء بالدافق.
وضعفه ظاهر ، إذ
توصيف بعض أفراد المني ـ وهو ما يتكوّن منه الإنسان ـ بالدافق لا يستلزم اتّصاف
جميعها به.
وفي اعتبار رائحة
الطلع ، أو العجين رطبا وبياض البيض جافّا ، كالتذكرة ، والشهيدين ، والكركي نافيا عنه
الخلاف. أو عدمه ، كالأكثر ، كما في اللوامع ، قولان ، أقواهما : الأخير ، للأصل.
__________________
فروع :
أ : الخارج من غير
الطبيعي لا يوجب الغسل مطلقا ، للصحاح الثلاثة لأبي الفضل وزرارة ، المتقدّمة في
الأحداث الموجبة للوضوء ، والمصرّح به في إحداها : أنّه 7 ليس في بيان ما
ينقض الوضوء خاصة حيث ذكر المني أيضا.
وبها يقيّد إطلاق
وجوب الغسل بخروج المني ، مضافا إلى انصرافه إلى الشائع.
فالقول بالوجوب
معه مطلقا ، أو مع انسداد الطبيعي ، أو مع الاعتياد ، أو كون المخرج من الصلب ، أو
الإحليل أو البيضتين ، ضعيف.
ودعوى ظاهر الوفاق
عليه في الثاني ـ كما في المعتمد ـ غير مقبولة.
ويلزم ممّا ذكرنا
: اعتبار خروجه في الخنثى المشكل من الفرجين ولو مع اعتياد أحدهما.
ب : الخارج من فرج
المرأة إن علم كونه من الرجل ، لم يوجب عليها الغسل ، للإجماع ، وخبر البصري : في
المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك ، هل يوجب عليها غسل؟ فقال :
« لا » .
وكذا إن شك في
كونه منه أومنها ، بل ولو ظنّ أنه منها ، للأصل ، وصحيحة منصور ، وخبر ابن خالد
: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فيخرج منه شيء قال : « يعيد الغسل » قلت :
فالمرأة يخرج منها شيء بعد الغسل ، قال : « لا تعيد » قلت : فما فرق بينهما؟ قال
: « لأنّ ما يخرج من المرأة هو ماء الرجل » أي
__________________
يحتمل أن يكون منه
، ويجب البناء عليه.
خلافا لظاهر
الحلّي حيث أطلق إعادتها الغسل إذا رأت بللا علمت أنه مني ، والظاهر غير ما
إذا علم أنه من الرجل. ولنهاية الإحكام حيث ألحق الظنّ بأنه منها بالعلم به . ولا وجه لهما.
ج : لا يلزم في
المني كونه أبيض ، بل قد يكون بلون الدم لكثرة الوقاع ، فهو موجب للغسل إذا قطع
بكونه منيا ، أو اجتمعت فيه الأوصاف.
واحتمال العدم ـ كنهاية
الإحكام ـ ضعيف ، وتعليله عليل.
د : رأيي الاحتلام
إن لم يجد البلل لا غسل عليه مطلقا ، للأصل ، والإجماع ، وحسنة ابن أبي العلاء .
وأمّا رواية محمّد
: رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة ، ثمَّ قام فلم ير في ثوبه شيئا ، قال :
فقال : « إن كان مريضا فعليه الغسل ، وإن كان صحيحا فلا شيء عليه » فلمخالفتها
للإجماع مطروحة أو مؤوّلة.
وإن وجدها فمع
تيقّن كونها منيا يغتسل ، ومع الاشتباه يرجع إلى الأوصاف.
هـ : لو أمسك
المني المنتقل عن موضعه عن الخروج ، لا يجب عليه الغسل ما لم يخرج. فإن خرج ، وجب
إن علم أنه المني المنتقل أو غير المنتقل وإن لم تكن معه الأوصاف ، ولا يجب إن شك
إلاّ مع الوصف. وكذا لا يجب الغسل على المرأة
__________________
بإحساسها انفصال
المني عن موضعه بالتلذّذ والفتور ما لم يعلم بخروجه.
و : لو وجد
المكلّف منيا في جسده أو ثوبه ، يجب عليه الغسل إذا علم أنه منه بالإجماع ، لما
مرّ من وجوبه بخروجه ، ولموثّقتي سماعة ، المتقدّمتين .
ومقتضى إطلاقهما
وإن كان وجوبه على واجده في جسده أو ثوبه وإن احتمل كونه من غيره ، لكن تقيّدان
بما مرّ ، لرواية أبي بصير : عن الرجل يصيب بثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم ، قال :
« ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضّأ » . فإنها خاصة بما إذا لم يعلم أنّه منيّه بالإجماع ، فتكون
أخصّ منهما فتخصّصان بها.
ولو قطع النظر عن
خصوصيتها تتعارضان بالتساوي ويرجع إلى الأصل ، ومقتضاه ما ذكرناه أيضا.
وجعلهما أخصّ منها
، باعتبار تقييدهما بكون الوجدان بعد الانتباه من النوم وإطلاقها من هذه الجهة ،
ولازمه تقييدها بذلك ، باطل ، إذ لم تقيّد الموثّقتان إلاّ بالوجدان بعد الانتباه
مطلقا ، سواء كان مع فاصلة مدّة أو لا ، والوجدان في الرواية أيضا يكون بعد نوم لا
محالة ، بل في قوله : « ولم يعلم أنه احتلم » دلالة على ذلك ، وإلاّ علم أنّه لم
يحتلم فتتساويان.
ولو سلّم تقييدهما
بذلك دونها ، فتتعارضان بالعموم من وجه ، لما ذكرنا من اختصاصها بغير العالم ، فيرجع
إلى الأصل أيضا.
وحمل قوله : «
وليتوضّأ » فيها على الغسل خلاف الأصل.
وإثباته بعدم وجوب
الوضوء قطعا ، مردود : بأنّه إن أريد عدم وجوبه مطلقا فممنوع ، لجواز كونه محدثا
بنوم أو غيره ، فيكون المعنى : وليتوضّأ إن كان محدثا
__________________
بالحدث الأصغر.
وإن أريد عدم
القطع بوجوبه ، فالغسل أيضا كذلك ، لجواز أن يكون قد اغتسل للجنابة بعد الانتباه
بالمباشرة أو للجمعة أو غيره على التداخل ، فلا بدّ من التقييد بقوله : إن لم يكن
اغتسل أيضا.
ومن هذا يظهر ضعف
القول بوجوب الغسل بالوجدان في الثوب المختص ، في صورة كونه بعد الانتباه مطلقا ،
كبعض المتأخّرين ، أو قبل القيام من موضعه ، كالنهاية .
ودعوى القطع بكونه
منه حينئذ بشهادة الحال مطلقا ممنوعة ، وفي الجملة بهذه الصورة غير مخصوصة.
كما يظهر ضعف
القول بوجوبه بوجدانه في المختص مطلقا ، كما هو ظاهر جماعة منهم : الشيخ ، والحلّي ، والفاضلان ، والشهيد ، وغيرهم ، وفي التذكرة
الإجماع عليه.
وتخصيص الرواية
بالثوب المشترك لا دليل عليه ، والإجماع المدّعى في التذكرة غير مسموع ، مع أنّ
منهم من فسّر المختص بما لم يحتمل أن يكون ما فيه من غيره ، فيمكن أن يكون ذلك
مرادهم ، فيرجع إلى ما ذكرناه ، ولا يكون فرق
__________________
بين المختص
بالمعنى المفهوم منه والمشترك.
ثمَّ المراد من
العلم بكون المني منه أعمّ من العلم الحاصل بالدليل الشرعي. ويلزمه أنه لو احتمل
كون المني سابقا على غسل رافع معيّن زمانه يجب الغسل أيضا ، لأصالة تأخّر الحادث.
وأمّا أصالة الطهارة وعدم وجوب الغسل فلا تعارضان أصل التأخّر ، لكونه مزيلا لهما
دون العكس ، كما بيّنا تحقيقه في الأصول.
نعم ، لو لم يعلم
زمان الغسل واحتمل تأخّره عن آخر زمان احتمال إصابة المني ، يتعارض أصل تأخّره مع
ما مرّ ، فيتساقطان ويرجع إلى الأصلين .
وكذا يلزمه وجوب
الغسل على ذي النوبة لو كان الثوب ممّا يتناوبه شريكان إذا أصابه ولم يحتمل وصوله
في نوبته من غيره ، وإن احتمل سبقه على النوبة ، وفاقا للكركي ، والدروس ،
والروض ، والمسالك ، للأصل المذكور. وخلافا لظاهر جماعة وصريح اخرى ، لمعارضة
الأصلين المتقدّمين ، المندفعين بالأصل المذكور ، لما مرّ.
ويحكم بجنابة من
ذكرنا وجوب الغسل عليه من الوجدان في ثوبه وذي النوبة ، من آخر أوقات إمكانه ، على
الأشهر الأظهر ، للأصل والاستصحاب.
فيعيد ما له إعادة
من المشروطات بالطهارة ما تأخّر عنه إلى زمان الوجدان ، أو تحقّق طهارة رافعة.
وفي المبسوط حكم
بوجوب قضاء كلّ صلاة صلاّها بعد آخر غسل رافع .
هذا بالنسبة إلى
الحدث. وأمّا الخبث فيبنى على مسألة الجاهل به من إعادته
__________________
مطلقا ، أو في
الوقت ، أو عدمها مطلقا.
وفي المبسوط حكم
باستحباب إعادة كلّ صلاة صلاّها من أول نومة نامها في ذلك الثوب ، ووجوبها من آخر
نومة نامها فيه ، ثمَّ قوّى عدم وجوب إعادة شيء ممّا خرج وقته .
ونسب في المدارك
إلى المبسوط : الرجوع عن حكم الحدث إلى القول المشهور . وهو منه غفلة.
ز : لو وجد المني
في ثوب بين شخصين مجتمعين فيه في زمان واحد ، كفراش أو لحاف ، ولم يعلم خروجه من
واحد معيّن منهما ، لا يجب الغسل على أحد منهما ، ويجوز لهما أن يفعلا ما يفعله
الطاهر ، وفاقا فيما لا تتوقّف صحته من أحدهما عليها من الآخر توقّف ابتناء أو
معيّة ، للأصل ، كالصلاة ودخولهما المسجد وقراءة العزائم.
وعلى الأصح فيما
له أحد التوقّفين ، كائتمام أحدهما بالآخر ، وصيرورتهما عدد الجمعة ، وكذا في
ائتمام واحد بهما في صلاتين أو صلاة ، وحمل أحدهما الآخر إلى المسجد ، وفاقا
للتذكرة والمنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والمدارك واللوامع
والمعتمد ، بل معظم الثالثة ، كما في الأخيرين ، للأصل ، وعدم مانع سوى العلم
بخروج المني من واحد منهما غير معيّن ، وهو غير صالح للمنع ، إذ لم يترتّب
بالأخبار حكم عليه سوى وجوب الغسل المنتفي هنا إجماعا ، ولا بالإجماع حكم يفيد في
محل النزاع.
فإن قلت : الجنابة
والمحدثية أمران مترتّبان على خروج المني وقد تعلّق بهما أحكام كثيرة ، ولازمه
ثبوتها للجنب والمحدث مطلقا ، معيّنا كان أو غير معيّن.
__________________
قلنا : لا نعلم من
الجنابة والمحدثية إلاّ حالة شرعية حاصلة بعد خروج المني ، والمراد بالحالة
الشرعية الوصف الجعلي من الشارع ، وهو كونه بحيث تتعلّق به أمور شرعية ، وبعد منع
تعلّقها بغير المعيّن لا نسلّم كونه جنبا ومحدثا.
سلّمنا أنّ
الجنابة والمحدثية أمران واقعيان مترتّبان على خروج المني مطلقا ، يعني أنهما
حالتان غير كون الشخص مورد الأحكام الشرعية ، ولازمه كون واحد معيّن منهما واقعا
غير معيّن عندنا جنبا ومحدثا ، ولكنه لا يضرّ إلاّ فيما علم فيه وجود الواحد لا
بعينه من الفردين ، وكونه منشأ للأثر الشرعي من المانعيّة أو السببية أو غيرهما ،
كما فيما إذا اشتبه ماء طاهر مع نجس ، فكلّ منهما بخصوصه وإن لم يكن نجسا ، ولكن
واحد غير معيّن منهما نجس ، فإذا وقعا معا على ماء قليل فبوقوعهما معا فيه يعلم
وقوع الواحد لا بعينه الذي هو معلوم النجاسة فيه ، لعدم خروجه عنهما ، ولأجله ينجس
الماء القليل ، لصدق وقوع النجس وهو واحد غير معيّن منهما فيه وإن لم ينجس لخصوصية
كلّ منهما.
وتوضيحه : أنّ ها
هنا ثلاثة أمور : هذا بخصوصه ، وهذا بخصوصه ، وواحد لا بعينه منهما ، وحال كلّ
منهما بخصوصه واقعا غير معلوم ، وظاهرا هو ما يوافق الأصل. وأما الواحد لا بعينه
فخارج عن الأصل واقعا يقينا ، وظاهرا ، ففي المثال يقال : إنه نجس واقعا فكذا
ظاهرا ، لتبعية الظاهر للواقع بعد معلوميته.
فكلّ مورد لم يعلم
تحقّق الواحد لا بعينه لا يتحقّق الحكم المخالف للأصل ، كما إذا وقع أحد الماءين
في قليل.
وكذا إذا علم
تحقّقه ولكن من غير اجتماع في مورد واحد ، كما إذا وقع أحدهما في قليل وآخر في آخر
، أو علم تحقّقه في مورد واحد ولم يكن مؤثّرا ، وذلك كما في اجتماع الشريكين
المذكورين في صلاة الجمعة ، فإنه قد تحقّق فيها هذا بخصوصه الذي ليس جنبا ظاهرا ،
وهذا بخصوصه الذي أيضا كذلك ، والواحد الغير المعيّن الذي هو جنب ، ولكن بانضمام
الخصوصيّين اللذين ليسا بجنبين قد تمَّ عدد الجمعة فانعقدت ، غاية الأمر تحقّق
الواحد الغير المعيّن أيضا ، ووجوده
بعد تمام عدد
الجمعة بغير الجنب الشرعي ، وهو هذا بخصوصه وهذا بخصوصه ، والثالثة الأخرى لا
تؤثّر في شيء.
وكذا في سائر
أمثلة المقام ، فإنّ صلاة هذا بخصوصه ، الصحيحة مرتبطة من جهة الائتمام بصلاة هذا
بخصوصه ، الصحيحة أيضا ، فتكون صحيحة ، غاية الأمر كون الواحد غير معيّن منهما
جنبا ، وهو غير مؤثّر في إبطال الخصوصيات ، وليس أمر آخر يؤثّر وجوده فيه.
وذلك بخلاف
الماءين الواقعين في قليل ، فإنّه وإن لم ينجس بوقوع هذا بخصوصه وذلك بخصوصه ،
ولكن بوقوعهما وقع واحد لا بعينه الذي هو نجس فيه أيضا ، فيصدق لأجله وقوع النجس فيه ، فينجس لذلك
لا للخصوصيات.
والحاصل : أنه إذا
تحقّق الواحد لا بعينه في مورد بتحقّقهما فيه ، وثبتت مانعيّته لأمر لازم في
المورد ، أو سببيته لأمر مضرّ فيه ، يكون تحقّقه مضرا ، كما في مثال الماء ، لا في
غيره كما في مثال ما نحن فيه.
فإن قلت : كما أنّ
باجتماع الشخصين يتحقّق الواحد لا بعينه الذي هو جنب ، فكذا تتحقّق باجتماع
الصلاتين صلاة لا بعينها باطلة ، فتكون إحداهما لا بعينها باطلة.
قلنا : إنّ بعد
صحة كلّ منهما بخصوصها لا يضرّ وجود الغير المعيّنة الباطلة ، مع أنّا نمنع
تحقّقها هنا ، لأنّه إنّما هو في الأمور الغير المتوقّفة على جعل الشارع ، أو ما
ثبت فيه جعله على الإطلاق ، وأمّا البطلان فليس هو إلاّ مخالفة المأمور به ،
فتحقّقه فرع تحقّق الأمر ، وليس هنا أمر إلاّ بكلّ بخصوصه ، وصلاته صحيحة ، وليس
هنا أمر آخر ، فلم تتحقّق صلاة باطلة ، ومن ذلك يعلم وجه آخر لما اخترناه في
المورد.
__________________
خلافا للمحقّقين ، والشهيدين ، للقطع بجنابة
أحدهما. وجوابه ظهر ممّا مرّ.
والظاهر ـ كما في
المبسوط والمعتبر والإصباح والمنتهى والتذكرة والدروس والنفلية ـ استحباب الغسل
لكلّ من الشريكين ، لفتوى هؤلاء الأجلّة ، والاحتياط ، منضمّا إلى ما في السنن من
التسامح في الأدلّة.
الأمر
الثاني : إدخال الذكر في القبل.
وإيجابه للغسل
مجمع عليه ، والنصوص مصرّحة به ، كصحيحتي محمّد وابن سرحان :
الأولى : متى يجب
الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم » .
وفي الثانية : «
إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر كلاّ » .
ولا يتوقّف الوجوب
على إدخال الجميع ، بل يكفي التقاء الختانين بالإجماع والمستفيضة ، كصحيحة البختري
: « إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة والغسل » .
وصحيحة علي بن
يقطين : عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها
__________________
ولم ينزل ، أعليها
غسل؟ وإن كانت ليس ببكر ثمَّ أصابها ولم يفض إليها أعليها غسل؟ قال : « إذا وقع
الختان على الختان قد وجب الغسل » وقريبة منها صحيحة الحلبي .
وفي صحيحة زرارة ،
الواردة في قضية الأصحاب : « أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من
ماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » .
ويعلم التقاء
الختانين بغيبوبة الحشفة إجماعا ، لصحيحة محمّد بن إسماعيل : فيمن يجامع المرأة
قريبا من الفرج فلا ينزلان ، متى يجب الغسل؟ قال : « إذا التقى الختانان فقد وجب
الغسل » فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » .
ولا ينافيه ما في
صحيحة ابن يقطين ، المتقدّمة ، لجواز أن يكون قوله : « إذا وقع .. » بيانا لمطلق
الحكم ، فيلزمه عدم الغسل في المسؤول عنه. مع أنّ غيبوبة الحشفة لا تستلزم
الإفضاء.
ولا ما في السرائر
عن النوادر : « يجب عليهما الغسل حين يدخله ، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما
» ، لجواز عطف قوله : « وإذا التقى » على قوله : « حين يدخله ». ولو سلّم
التنافي ، فتخرج عن الحجية بالشذوذ ومخالفة الإجماع.
وبمفهوم تلك
الأخبار يقيّد إطلاق الأوليين المقتضي لوجوب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك ، حيث إنّ
صدق دخول الشيء لا يتوقّف على دخول
__________________
جميعه ، بل يصدق
على دخول جزء منه أيضا ، كما في قولك : أدخلت إصبعي في الجحر.
وكون الذكر ـ الذي
هو مرجع الضمير ـ اسما للمجموع غير ضائر ، إذ لا يلزم اتّحاد المعنى التركيبي مع
الأفرادي.
فلا يجب الغسل
بدخول الأقلّ من ذلك ولو من مقطوع الحشفة أو المخلوق بلا حشفة ، لصدق عدم التقاء
الختانين وعدم غيبوبة الحشفة.
خلافا لما احتمل
بعضهم من الاكتفاء فيهما بالمسمّى ، عملا بالإطلاق.
وهو حسن لو لا
المفاهيم المقيّدة له ، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الغالب ، ولكنهما يمنعان عن العمل
به. بل مقتضاهما : عدم وجوب الغسل عليهما بالإدخال مطلقا ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب
إلحاق قدر الحشفة منهما بها. فلو ثبت عليه الإجماع ، وإلاّ فالحكم به مشكل جدّا.
والحق ـ في
المشهور ـ بالقبل ، الدبر مطلقا ، من الأنثى كان أو الذكر ، بل نقل عليه السيد بل
الحلّي ظاهرا إجماع المسلمين ، بل ادّعى الأول عليه الضرورة من
الدين ، مع فحوى صحيحة زرارة ، المتقدّمة ، ومطلقات وجوبه بالإدخال ، وبالتقاء الختانين المفسّر في
الصحيحة : بغيبوبة الحشفة ، المتحقّقة ها هنا ، والمروي عن أمير
المؤمنين 7 : « ما أوجب الحدّ أوجب الغسل » .
__________________
مضافا في الأوّل ،
إلى إيجابه في قوله سبحانه ( أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ ) بمطلق الملامسة الشاملة للمطلوب بنفسها والمفسّرة في صحيحة
أبي مريم ، وفيها : « وما يعني بهذا ـ أو لامستم النساء ـ إلاّ المواقعة في الفرج
» : بالمواقعة في الفرج الشامل للدبر لغة وعرفا ، أو المحتمل شموله له الكافي
في المقام ، لعدم تقيد الملامسة المطلقة إلاّ بما علمت تقييدها به. وفي أخبار أخر
: بالإدخال أو المباشرة الشاملين له أيضا.
وإلى مرسلة حفص :
عن رجل يأتي أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتيين ، فيه الغسل » .
وفي الثاني ، إلى
الإجماع المركّب المحقّق ، والمحكي عن السيّد ، وحسنة الحضرمي : « من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة
لا ينقيه ماء الدنيا » .
ويضعف الأوّل من
أدلّتهما : بعدم الحجية.
والثاني : بعدم الدلالة ،
لأنّه 7 ، لم يرتّب وجوب الغسل على وجوب الحد حتى يتم ، بل إيجابهم الغسل على إيجابهم
الحد ، فدلّ كلامه 7 ، بالتنبيه على أنّ إيجابهم الحد علّة لإيجابهم الغسل ،
وهو كذلك : لأنّهم
__________________
أرباب القياس ،
وكانوا به يعملون ، وعليه يعتمدون ، فيلزمهم إيجابهم الغسل بعد إيجابهم الحدّ ،
ولا دلالة له على عليّة مطلق وجوبه لوجوبه ، وبذلك يندفع ما استشكل على الرواية من
تمسّكه 7 بالقياس.
والثالث ـ مع عدم جريانه
في الثاني ، للحكم بوجوب المهر والرجم أيضا في أخبار مطلق الإدخال ـ : بأنّ جعل
الإدخال فيه بالنسبة إلى المدخول فيه مطلقا باقيا على حقيقته اللغوية يوجب خروج
الأكثر بالتقييد ، بل عدم بقاء غير المأتيين من أفراده الغير المحصورة ، ومثله غير
جائز قطعا ، فلا محيص عن جعله مجازا عن إدخال خاص ، ودخول الإدخال في الدبر في
معناه المجازي المراد غير معلوم جدّا ، سيما مع انصراف المطلق إلى الشائع ، والوطء
في الدبر ، الخالي عن الإنزال من الأفراد النادرة.
والقول بإرادة الغيبوبة
في الدبر خاصة منها في الصحيحة بقرينة صدرها ، حيث إنّه ليس قريب الفرج ما يصلح لها إلاّ
الدبر ، مردود : بأنّه لا دلالة فيها على تحقّق الالتقاء في المجامعة قريب الفرج ،
بل حكم 7 بأنّ الغسل في الالتقاء ، ليعلم السائل أنّه لا غسل فيما سئل عنه. مع أنّه
صحة هذا القول إنما هي على اختصاص إطلاق الفرج بالقبل ، مع أنّ هذا القائل يعمّمه
ليتمّم بعض أدلّته الأخر.
هذا كلّه ، مع
أنّه على فرض تسليم الإطلاق يقيّد البتة بأخبار التقاء الختانين الغير المتحقّق
هنا ، لانحصاره حقيقة بالوطء في القبل.
وحمل مطلق غيبوبة
الحشفة عليه وتفسيره بها لا يثبت التعميم ، إذ ارتكاب التجوّز في الموضوع والمفسّر
ليس بأولى من ارتكاب التجوّز أو التخصيص في
__________________
المحمول والمفسّر.
وعدم تحقّق
الالتقاء الحقيقي في القبل أيضا ـ لتغاير مدخل الذكر مع موضع الختان ـ غير ثابت.
ولو سلّم ، فلا يمنع من صدق الالتقاء العرفي حقيقة.ة مع أنّ إدراج الغيبوبة
المفسّرة له في المطلقات يوجب خروج الأكثر أيضا.
ومنه يعلم وجه ضعف
الرابع .
والخامس : بعدم ثبوت
الرواية وعدم نقلها في شيء من الكتب ، ولعلّه هو نقل فحوى قوله في صحيحة زرارة ،
فتوهّم أنه رواية. مع أنّه لو صحّ ، لم يجز جعله من باب العموم ، لما مرّ من
إيجابه خروج الأكثر ، ولو جعل منه أيضا ، لوجب تقييده بما مرّ من أخبار الالتقاء.
والأوّل من دليلي
الأوّل : بأنّ ملامسة النساء وإن كان مطلقا وكذا الجماع والمباشرة
اللذين فسّرت بهما ، ولكن تفسيرها في الصحيحة : بمواقعة الفرج تخصيصها مع تفسيريها
، فالمراد بملامسة النساء هو مواقعة الفرج. والفرج وإن كان بحسب اللغة شاملا للدبر
، إلاّ أنه غير ممكن الإرادة هنا ، لاستلزامه خروج الأكثر.
فالمراد به إمّا
معناه المجازي ، فيمكن أن يكون هو القبل خاصة ، أو العرفي.
وصدقه على غيره
أيضا غير معلوم ، بل صرّح بعض اللغويين بأنه في العرف يطلق على القبل في الأكثر .
__________________
وجعل الملامسة من
قبيل المطلق حتى يدخل فيه ما لم يعلم خروجه يوجب أيضا خروج الأكثر. فصدق شيء من
تلك المعاني على ما يشمل المورد غير معلوم ، مع أنّ المطلق أيضا ينصرف إلى الشائع.
والثاني منهما :
بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه.
والأوّل من دليلي
الثاني : بعدم ثبوته في القبل أولا ، وعدم ثبوت المحقّق من
المركّب ، وعدم حجية المنقول ثانيا.
والثاني منهما : بعدم دلالة
كونه جنبا يوم القيامة على جنابته في الدنيا ، فمن المحتمل أن يكون ذلك العمل
موجبا للجنابة الأخروية التي هي حالة غير الجنابة الدنيوية قطعا.
وأمّا عدم نقائه
بماء الدنيا فلا يدل على جنابته فيها ، إذ من الجائز أن يكون المراد أنّه تحصل له
بهذا العمل خباثة باطنية موجبة للجنابة الأخروية غير مرتفعة بماء الدنيا. أو يكون
المراد بماء الدنيا جميع المياه الدنيوية ، ويكون المعنى : جاء يوم القيامة جنبا
وكان بحيث لو غسل يوم القيامة بجميع ماء الدنيا لم يحصل له النقاء.
خلافا في الأوّل
لطائفة من الطبقة الثالثة ، كالكفاية والمفاتيح والمدارك والبحار ، والفاضل الهندي
والمحقق الخوانساري ، والحدائق ، فتردّدوا في وجوب الغسل وعدمه ، وإن كان الأخير إلى
الأخير كالأوّلين إلى الأوّل أميل ،
__________________
وهو محكي عن المبسوط مطلقا
كبعضهم ، أو عن موضع منه كآخر ، لمعارضة ما تمّت دلالته على الوجوب عندهم بما مرّ مع ما
يأتي.
وللشيخ في
الاستبصار والنهاية ، والديلمي ، وبعض متقدّمي أصحابنا ـ نقله عنه الشيخ في الحائريات ـ وحكاه السيّد عن بعض الشيعة ،
ونسبه في الحدائق إلى ظاهر الكليني والصدوق ، فنفوا وجوب الغسل فيه صريحا.
وهو الأقوى ،
للأصل المنضمّ مع ما عرفت من ضعف أدلّة الوجوب.
مع أنّه لو سلّمت
دلالتها كلاّ أو بعضا فهي أعم مطلقا من مرفوعة البرقي : « إذا أتى الرجل المرأة في
دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها » .
والخاص مقدم على
العام سيما مع موافقة العام للعامة ـ كما صرّح به في
__________________
الاستبصار ويدل عليه كلام
السيّد ـ وتأيّده بصحيحة الحلبي : عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها
غسل إن أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال : « ليس عليها غسل ، وإن لم ينزل هو فليس عليه
غسل » ، فإنّ الظاهر من الفرج هو القبل ، فيعم ما دونه الدبر أيضا ، بل يشعر به لفظ
« الإصابة » أيضا ، وبما يأتي من الأخبار النافية للغسل عن المرأة .
وعزل هذا الخاص عن
مقاومة العام لشذوذه ، حيث إنّه لا يعلم العامل به إلاّ الديلمي ، والشيخ المفتي
بخلافه في باقي كتبه ، وأما الصدوق والكليني ، فهما لم يصرّحا بعدم الوجوب وإن
أوردا حديثه ، وهو لا يدلّ عليه وإن صرّحا بعدم إيرادهما إلاّ ما يفتيان بصحته ،
مردود : بأنّ الشذوذ لا يحصل بعدم العلم بالعامل ، بل بالعلم بعدم العامل ، فعدم
العلم بمخالفة الصدوق والكليني كاف في المقام ، سيما مع أنّ الظاهر موافقتهما لما
مرّ ، مع أنّ العامل غير منحصر بهم ، لنقل الشيخ والسيد عن بعض الأصحاب أيضا.
وجعل الخبر
الموافق لعمل ثلاثة بل خمسة من القدماء ـ مع احتمال عمل بعض آخر لم نعلمه ، وعدم
مخالفة طائفة جمّة من المتأخّرين له ـ شاذا ، عجيب غايته.
هذا ، مضافا إلى
أنّ أدلّة الوجوب لو تمّت ، لتعارضت مع مفهوم أخبار الالتقاء المتلقّاة بالقبول
عند الجميع بالعموم من وجه ، فلو لا ترجيح المفهوم بمخالفة العامة ، لوجب الرجوع
إلى الأصل.
__________________
ودعوى شمول أخبار
الالتقاء للمورد ضعيف كما مر .
وخلافا لمن سبق
بصنفيه في الثاني ، مضافا إلى المحقّق في النافع والشرائع ، فتردّد ، والمعتبر والأردبيلي فنفيا الوجوب
صريحا.
وهو الحق ، لما
مرّ من الأصل ، مضافا إلى مفهوم أخبار الالتقاء المعارض مع ما مرّ ـ لو دلّ ـ بالعموم
من وجه ، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضا.
مع أنّ بعد انتفاء
الوجوب في الأوّل بالخبر الخاص يثبت هنا أيضا بالإجماع المركّب الذي ادّعوه ، بل
لعلّ ثبوته هنا أشدّ وأظهر.
وقد ظهر مما مرّ
عدم وجوب الغسل بوطء البهيمة بدون الإنزال إدخالا واستدخالا ، كما هو الأشهر على
ما صرّح به جمع ممّن تأخّر . خلافا لجماعة ، بل نسبه في اللوامع إلى الشهرة ، فأوجبوا الغسل لبعض ما
مرّ مع جوابه.
فروع :
أ : المفعول به إن
كان امرأة موطوءة في قبلها يجب عليها الغسل وإن لم ينزل إجماعا ، بل ضرورة ، وهو
الحجة فيه ، مضافا إلى صحيحة محمّد ، المتقدّمة .
ولا يجب إن كان
غيرها سواء كان امرأة موطوءة في دبرها أو غلاما كذلك وإن أنزل الفاعل ، للأصل
الخالي عن معارضة أكثر ما تقدّم ـ لو قلنا بمعارضة له في الفاعل ـ لاختصاص طائفة
منه بالفاعل وإجمال طائفة أخرى ، وهي ما تضمّن
__________________
قوله : « وجب
الغسل ».
مضافا في المرأة
إلى مرفوعة بعض الكوفيين : في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة قال : « لا
ينقض صومها وليس عليها غسل » .
ومرسلة ابن الحكم
: « إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل » .
ومنه يظهر عدم
وجوب الغسل على المرأة لو قلنا بوجوبه على الفاعل أيضا ، ولذا فرّق بينهما بعض
المتأخّرين ، فلم يوجب الغسل عليها مع ميله إلى وجوبه عليه ، والفاضل في
المنتهى والقواعد ، فتردّد فيها مع قوله بوجوبه عليه .
ب : وطء الميت كالحي
أو استدخال آلته يوجب الغسل على الحي ، على المعروف منهم ، للاستصحاب وظواهر
الالتقاء.
والقول بتغيّر
الموضوع ، فلا يجري الاستصحاب ، ضعيف ، لعدم تغيّره أصلا ، فإن مسّ ختان فلانة أو
المواقعة في فرج فلانة كانت موجبة للغسل ، ولم يتغير شيء منها ، وإن تغيّرت حياتها
ولم يعلم تقييد الموضوع بالحياة.
ولا يجب تغسيل
الميت في شيء من الحالين ، للأصل ، وعدم معلومية إرادة الأغسال من الغسل ، وعدم
دليل على وجوب الأغسال فيما تعذّر الغسل.
ج : النائم
كالمستيقظ فاعلا وقابلا ، بالإجماع على الظاهر ، وهو الحجة فيه ، وعموم كثير من
الأدلّة.
قيل : علّق فيها
وجوب الغسل بتحقّق الإدخال ، أو الالتقاء ، أو نحوهما ، وتحقّق الوجوب حينئذ في حق
النائم لا معنى له ، لعدم تعلّق التكليف به ، والتعلّق بعده يحتاج إلى دليل.
__________________
قلنا : علّق على
الإدخال وجوب الغسل غيرا ، وهو لا ينافي تعلّقه بالنائم ، كما يأتي بيانه في الفرع
السادس.
ولا بدّ في وجوب
الغسل عليه من العلم بالوقوع ، فمجرّد دعوى الوقاع معه لا يثبت الفعل وسائر أحكامه
عليه ولو حصل الظن. ومنه تظهر ندرة ترتّب الثمرة فيه.
والسكر والإغماء
كالنوم ، والإكراه كالطوع.
د : في وجوب الغسل
بإدخال الذكر الملفوف في مثل خرقة أو الداخل في آلة من نحو فضة أو نحاس ، أو
إدخاله مجرّدا في فرج كذلك ، أقوال ذكرها والدي العلاّمة في اللوامع : الوجوب
مطلقا ، والعدم كذلك ، والأوّل في الملفوف بالرقيقة والثاني في غيره.
والأصل مع الثاني
، سيّما في الداخل في آلة نحاسية ونحوها ، والاحتياط مع الأوّل ، خصوصا في الملفوف
بالخرقة ، سيما الرقيقة.
هـ : لا يجب الغسل على الفاعل والقابل بإيلاج الذكر في قبل الخنثى المشكل ، ولا
بإيلاج قبله في قبل أو دبر مطلقا ، ولا بإيلاج في دبره على الأقوى ، ويجب عليهما
في الأخير على القول الآخر .
ولو أولج الذكر في
قبل الخنثى والخنثى بالأنثى ، قالوا : يجب الغسل على الخنثى ، لأنّها إمّا ذكر أو
أنثى ، دون الذكر والأنثى ، لجواز إيلاج الذكر بالذكر ، أو الأنثى بالأنثى ،
فيكونان كواجدي المني في المشترك .
وما قالوه إنّما
يصح على القول بكون الخنثى إمّا ذكرا أو أنثى. وأمّا لو قلنا بأنها طبيعة ثالثة ، فيحتمل
عدم وجوب الغسل عليها أيضا ، كما يحتمل وجوبه
__________________
عليهما أيضا .
ولو أولج أحد
الخنثيين أو كلّ منهما بالأخرى ، لا يجب الغسل على واحد منهما ، ويحتمل وجوبه
عليهما على القول بالطبيعة الثالثة ، فتأمّل.
و : يجب الغسل على
البالغ بوطئه غير البالغ ، أو وطء غير البالغ إيّاه ، لعموم الأدلّة.
وهل يجب على غير
البالغ بعد بلوغه؟ قيل : لا ، للأصل الخالي عن معارضة العمومات الموجبة له بالدخول
والالتقاء ، لظهور تعلّقها بالمكلّفين.
وقال الشهيد والكركي ووالدي العلاّمة
ـ ; ـ وجماعة : نعم ، لأنّ العمومات الموجبة وإن لم تتعلّق به لكونها من
خطاب الشرع المتوقّف على التكليف ، ولكن لا يتوقّف تعلّق الأحكام الوضعية التي
منها سببية الإدخال للجنابة الموجبة للغسل بعد التكليف وشرطية الغسل للصلاة عليه ،
فيجب بعد البلوغ لذلك.
أقول : بعد تسليم اختصاص العمومات بالمكلّفين لا مناص عن القول
باختصاص السببية للجنابة بهم أيضا ، إذ لا دليل على تلك السببية إلاّ تلك العمومات
، فإنّه لا دليل عاما أو مطلقا على كون الإدخال سببا للجنابة ، بل إنّما ينتزع ذلك
من وجوب الغسل وسائر الأحكام الشرعية. بل نقول : لا نعلم الجنابة إلاّ ذلك ، فبعد
اختصاص الأحكام الشرعية ـ التي هي إمّا منشأ انتزاع الجنابة أو نفسها ـ بالمكلّفين
، فلا وجه لإثبات الجنابة لغيرهم.
وكذا اشتراط
الصلاة بالغسل ، فإنّه إنّما يفيد لو كان دليل على اشتراطها به
__________________
لكلّ من أدخل ،
وليس ، بل إنّما يدلّ على اشتراطها به للجنب أو المحدث المتوقّف صدقهما على تعلّق
الحكم الشرعي الموقوف على التكليف. وأمّا الإجماع على السببية والشرطية فانتفاؤه
في محل النزاع ظاهر.
فالصواب الاستدلال
على وجوب الغسل عليه بعد البلوغ بتلك العمومات.
لا لأجل أنّها
تدلّ على سببية الإدخال لوجوب الغسل ، ولتوقّف تأثير السبب على انتفاء المانع تدلّ
على سببيته له حين رفع المانع الذي هو عدم البلوغ ، فيصير المعنى : إذا التقى
الختانان وجب الغسل حين يمكن الوجوب وهو بعد البلوغ.
لأنّ الظاهر ومقتضى
الحقيقة من العمومات : السببية التامة التي تتضمّن رفع المانع ، أي ترتّب الوجوب
على مجرّد الالتقاء. وتقييد المسبّب الذي هو الوجوب بحال ارتفاع المانع ليس بأولى
من تقييد السبب الذي هو الالتقاء ، فليس الحمل على أنه إذا التقى الختانان وجب
الغسل حين ارتفاع المانع أولى بالحمل على أنه إذا التقى الختانان حين عدم المانع
وجب الغسل مطلقا.
بل لأجل أنّه لمّا
كان الغسل واجبا لغيره خاصة ـ كما يأتي ـ فيكون الوجوب مقيّدا بحال وجوب الغير لا
محالة ، ويكون المعنى : إذا التقى الختانان وجب الغسل بعد تعلّق وجوب الصلاة وإن
لم يدخل بعد وقتها ، على ما عرفت في بحث الوضوء ، وتعلّق مثل ذلك الخطاب بغير
المكلّف جائز قطعا ، لعدم استلزامه تعلّق حكم شرعي حال عدم البلوغ ، فبعد إطلاقه
يجب الحكم بالدخول فيه ، فيجب الغسل عليه بعد البلوغ بمقتضاه.
نعم ، يتمشّى ذلك
الاستدلال على القول بانتفاء الوجوب النفسي ، وأمّا
__________________
على القول به فلا
، كما لا يخفى.
ولو غسل غير
البالغ حين عدم البلوغ ، فهل يجزي عن غسله أم لا؟ الظاهر الثاني ، لأنّ صحته فرع
تعلّق الأمر به ولا أمر قبله ، لاختصاص أوامره بموجباته المختصة بما بعد البلوغ.
ثمَّ إنه لا شك في
عدم حرمة دخول المساجد وقراءة العزائم ونحوها على غير البالغ. فهل يحرم على الولي
تمكينه منه ويجب على الغير منعه؟ الحقّ : لا ، للأصل ، فإنّ الثابت سببية الإدخال
لحرمة هذه الأمور على المكلّف نفسه ، وأمّا غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.
ز : لو وطئ الكافر
حال كفره أو أمنى ، يجب عليه الغسل بعد إسلامه ، بالإجماع المحقّق والمحكي في كلام
غير واحد .
أما على القول
بكونه مكلّفا بالفروع ـ كما هو المشهور بل عليه اتّفاق فحول أصحابنا وعمدتهم ـ فظاهر.
وأمّا على القول
بعدمه ـ كما ذهب إليه شرذمة من متأخّري الأخباريين ـ فللعمومات
المتقدّمة بالتقريب المذكور في غير البالغ.
ومنه يظهر أنّ
بناء وجوبه عليه على القول بكونه مكلّفا بالفروع ـ كما هو الظاهر من الأكثر ـ غير
صحيح.
خلافا لبعض
الأخباريين ، فلم يوجب عليه الغسل ، لقوله 7 : « الإسلام يجبّ ما قبله » .
ولعدم نقل أمرهم : ، أحدا ممّن أسلم
ـ ولا يسلم عن حدث الجنابة غالبا ـ بالغسل ، مع كثرتهم وتوفّر الدواعي على نقله.
__________________
والأوّل مردود :
بالضعف وعدم الجابر ، مع أنه لا عموم فيه.
والثاني : بكفاية
عمومات الغسل للأمر بغسلهم كسائر التكاليف ، على أنه نقل أمر قيس بالغسل حين أسلم .
وقال أسيد وسعد
لمصعب وأسعد : كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الأمر؟ قالا : نغتسل ونشهد شهادة الحق .
ولا يجزي غسله حال
كفره وإن كان واجبا في مذهبه وموافقا في الكيفية له في شرعنا ، لا لعدم صحته ،
لعدم تأتّي نية القربة منه ، لمنعه. بل لأنّ الصحة عبارة عن موافقة الأمر ، وهي
موقوفة على قصده امتثاله ، وهو في حقّه غير متحقّق ، وإن قصد امتثال أمر آخر ورد
في مذهبه.
البحث الثاني : في أحكام
الجنب.
وهي كثيرة ، فإنّ
من الأمور ما يجب عليه ، وما يستحب ، وما يحرم ، وما يكره ، وما يباح.
فالأوّلان : الغسل
عند وجوب غاياته الآتية أو استحبابها.
وأمّا المحرمة :
فمنها : الصلاة مطلقا واجبة كانت أو مندوبة ، بالإجماع
والمستفيضة . وصلاة الميت ليست صلاة ، ولو كانت فهي مستثناة بالأدلّة.
ومنها : الطواف ، كما يأتي في محله.
ومنها : قراءة إحدى العزائم الأربع بالإجماع المحقّق والمنقول في
أحكام الراوندي والمعتبر والمنتهى والتذكرة واللوامع وغيرها ، وهو الحجة ، مضافا إلى
__________________
المعتبرة.
منها : حسنة محمّد : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء
الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلاّ السجدة » .
وموثّقة زرارة
ومحمّد ، المروية في العلل بطريق صحيح : الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال : « نعم ،
ما شاءا إلاّ السجدة ويذكران الله على كلّ حال » .
والرضوي : « ولا
بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلاّ العزائم التي يسجد فيها ، وهي ألم
تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ ، ولا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على
غير وضوء ومسّ الأوراق » .
والمروي في
المعتبر عن جامع البزنطي ، حيث قال بعد حكمه بجواز قراءة الجنب والحائض ما شاءا :
إلاّ سور العزائم الأربع روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنّى ، عن الحسن الصيقل ،
عن أبي عبد الله 7 .
والأوّلان وإن لم
يكونا صريحين ، لجواز كون الاستثناء من مجرد الاستحباب ، فلا ينافي الجواز.
والقول باستلزامه
للاستحباب هنا ـ لكونه من العبادات فلا معنى للاستثناء ـ باطل ، لجواز أن يعني به
ما عنوا في الزائد عن سبع آيات.
مع أنّ قراءة
القرآن ليست كسائر العبادات التي يتوقّف جوازها على التوقيف ، وإنّما المتوقّف
عليه استحبابها ، فيكون بدونه كقراءة الخطب ونحوها.
والحاصل : أنّ ما
يحكم فيه بالاستحباب بعد ثبوت الجواز ما ثبت صحته المستلزمة لموافقته للمأمور به ،
المستلزمة للثواب عليه كالصلاة في الحمام ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا.
__________________
ولا صريحين في
حرمة قراءة السورة ، لجواز إرادة الآية من السجدة ، فإنّها كالسورة من مجازاتها ،
ولا مرجّح.
وشيوع التعبير عن
السّور بأشهر ألفاظها وأكثريته غير مفيد في الترجيح ، وإنّما المفيد شيوع أشهر
الألفاظ في كونه معبرا به عن السور وأكثريته ، وهو ممنوع ، وبينهما بون بعيد.
ولكن الأخيرين
صريحان في الحرمة والسورة ، فالقول بهما ـ كما هو المشهور ـ متعيّن ، وضعفهما بعد
الشهرة العظيمة والإجماعات المحكية غير ضائر.
فتخصيص الحرمة
بنفس الآية ، كما عن محتمل الانتصار والإصباح ، والفقيه ، والمقنع ، والهداية ، والغنية ، وجمل الشيخ
ومبسوطه ومصباحه ومختصره والوسيلة والنافع ، مع بعد في الخمسة الأول ، واستوجهه بعض المتأخّرين وتردّد فيه في
الكفاية ، غير جيّد.
نعم ، الظاهر
منهما اختصاص الحرمة بنفس السورة ، فلو خصّت بها وبآية السجدة المجمع على حرمتها
ولم يتعدّ إلى غيرهما ، لكان متجها ، للأصل.
والتعدّي إلى سائر
أبعاضها مفرّعا له على تحريم السورة ـ كما فعله جماعة ـ لا وجه له ،
لعدم صدق قراءة السورة على مطلق البعض ولو كان كلمة ، سيما
__________________
إذا لم يقصد قراءة
غير البعض. ولا يتبادر من قراءة السورة قراءة كلّ بعض ، ويصح السلب عنها ، فيقال :
ما قرأ السورة ولكن قرأ بعضها.
والاستعمال أحيانا
ـ كما يقال للمشتغل بقراءة سورة : يقرأ السورة الفلانية ، مع أنه لم يقرأ إلاّ
بعضها ـ أعم من الحقيقة ، مع أنّه إنّما هو إذا ظنّ إرادته إتمام السورة أو لم
يعلم إرادة قراءة البعض.
فالقول بجواز
قراءة سائر الأبعاض قويّ جدا ، والإجماع على عدمه سيما مع مخالفة من ذكر بكثرتهم
في غير آية السجدة غير ثابت.
نعم ، لو قصد من
قراءته الإتمام ، ارتكب المحرّم ولو عرض مانع منه .
ومنها : مسّ كتابة المصحف عند المعظم ، بل عليه الإجماع عن
الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والغنية والذكرى ، بل لعلّه
المحقّق ، لعدم ثبوت خلاف الإسكافي والمبسوط وقولهما بالكراهة كما نسب إليهما ، لأنّ إرادة الحرمة من
الكراهة في العرف الأوّل شائعة ، مع أنّ في اللوامع تصريح الثاني في الجنب
بالتحريم ، وإنّما قال بالكراهة في الحدث الأصغر.
ولو ثبت خلافهما
ففي تحقّق الإجماع غير قادح ، فهو الحجة في المسألة ، مضافا إلى ما مرّ في بحث
الوضوء ، مع سائر ما يتعلّق بهذه المسألة .
ولا يلحق بها اسم
الله سبحانه ، ولا أسماء الأنبياء والحجج وفاقا فيهما لمن تقدّم على الشيخين ، كما
صرّح به بعض الأجلّة ، وبعض من تأخّر
__________________
كالأردبيلي ، وظاهر المدارك
والكفاية . وفي الأخيرين للمعتبر ، والمنتهى ، والتحرير أيضا ، ومعظم
الثالثة أيضا.
للأصل المؤيّد
بالمروي في المعتبر : يمسّ الدراهم وفيها اسم الله أو اسم رسوله؟ قال : « لا بأس
به وربما فعلت ذلك » لترك الاستفصال يعم مس الاسم منه أيضا.
خلافا في الأوّل
خاصة للكتب الثلاثة المذكورة (٦) ، ونهاية الإحكام مدّعيا عليه عمل
الأصحاب في الثاني ، وانتفاء الخلاف في الرابع.
وفيهما للمقنعة ،
وجمل الشيخ ومصباحه ومختصره ومبسوطه ، والسرائر والمهذب والوسيلة والإصباح والجامع
وأحكام الراوندي والغنية والقواعد والإرشاد والتبصرة والكركي ، والشهيد بل الأكثر كما في
شرح القواعد
__________________
للمحقّق الثاني ، بل عليه
الإجماع كما عن الغنية .
لموثّقة عمّار : «
لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى » في الأوّل ، ونقل
الإجماع ، ووجوب تعظيم شعائر الله فيهما.
ويضعف الأوّل :
بعدم الدلالة على الحرمة. والثاني : بعدم الحجية. والثالث : بمنع الدليل على
الكلية.
ثمَّ على القول
بالتحريم في الأوّل : ففي اختصاصه بالجلالة ـ كما في الموجز الحاوي ـ للأصل ،
واحتمال اختصاص الموثّقة ، بجعل الإضافة بيانية. أو مع الرحمن ونحوه من الأعلام في
سائر اللغات ، لكونه علما وظهور الإضافة في اللامية. أو مع سائر أسمائه تعالى ،
وإن لم يكن أعلاما ، كما يعطي أحد الأخيرين ـ على ما قيل ـ كلام المقنعة ،
والاقتصاد ، والمصباح ، ومختصره ، والوسيلة ، والغنية ، والجامع ، لاشتراك الجميع
في وجوب التعظيم ، أوجه.
كما انّ في تعميم
المنع لما جعل جزء اسم ـ كما في عبد الله ـ لقصد الواضع اسمه سبحانه ، وتخصيصه
بغيره للخروج عن الاسم بالجزئية ، وجهين.
ومنها : اللبث في المساجد مطلقا ، وفاقا لغير شاذ يأتي ، بل للمعظم ، بل
عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، بل عن المحقّق حيث نقل الإجماع على
__________________
وجوب الغسل ، وفي المنتهى
عدم معرفة الخلاف فيه .
للإجماع وللآية
الكريمة الناهية المفسّرة بهذا في صحيحة زرارة ومحمّد ، المروية في
العلل : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : « لا يدخلان المسجد إلاّ
مجتازين ، إنّ الله يقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ
عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا » الحديث.
ومثلها المروي في
تفسيري العياشي والقمي عن الباقر والصادق 8 .
وفيما رواه
الطبرسي عن الباقر 7 إنّ معناه : لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب
إلاّ مجتازين .
ولا يضرّ ضمّ السكارى
مع الجنب في إبقاء النهي على حقيقته ، لأنّ النهي فيهم إنما هو عن كونهم حين قرب
المسجد سكارى ، بأن لا يشربوا في وقت يؤدّي إلى دخولهم المسجد حال سكرهم ، حيث إنّ
السكران لا يصلح لتوجّه الخطاب.
مع أنّ الإجماع
على عدم حرمة دخول السكران في المسجد غير ثابت ، ولذا قال في البحار : إنّه يمكن
استنباط منع السكران من دخول المسجد عن الآية .
وللمروي في الخصال
ومجالس الصدوق : « ونهى أن يقعد الرجل في
__________________
المسجد وهو جنب » .
وصحيحة أبي حمزة :
« إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام ، أو مسجد الرسول 6 ، فاحتلم فأصابته
جنابة فليتيمّم ، ولا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّما حتى يخرج منه ثمَّ يغتسل ،
وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ولا
يجلسا فيها » .
وأمّا على ما في
بعض الكتب الاستدلالية فلا صراحة لها في الوجوب حيث عبّر فيها بقوله : « ولا
يجلسان » .
وتؤيّدها
المستفيضة من المعتبرة ، كحسنتي جميل ومحمّد ، ورواية ابن حمران ، وغيرها مما بمعناها. بل استدلّ بها الأكثر ، وإن كان
عندي محلّ نظر ، لعدم صراحتها في الوجوب وإن كانت لها محتملة ، كما ذكرنا غير
مرّة.
خلافا للمحكي عن
الديلمي فكرهه ، للأصل وصحيحة محمّد.
وعن الفقيه ،
والمقنع ، فجوّزا نومه فيها ، لصحيحة محمّد بن القاسم : عن الجنب ينام في المسجد ،
فقال : « يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » .
__________________
والأصل مندفع بما
مرّ ، والصحيحة بمعزل عن الحجية ، لمخالفتها للآية الكريمة والشهرة العظيمة ،
وموافقتها للحنبلية كما هي محكية ، مع أنّ إرادة الغسل من التوضّؤ ممكنة.
ولا يحرم الاجتياز
فيما عدا المسجدين ، بالإجماع والآية والروايات.
وهل الجواز الجائز
يختص المرور بالدخول من باب والخروج من آخر ، أو يشمل الدخول والخروج من باب واحد
من غير انحراف وتردّد ، أو يشمل التردّد والمشي في الجوانب أيضا؟
الظاهر المتبادر
من الآية والروايات المفسّرة لها ، بل صريحها ـ كما قيل ـ هو الأوّل ،
كما هو ـ على ما حكي ـ مذهب الأكثر ، بل هو الأقوى والأظهر.
وتجويز شمولها
للأخيرين بعيد عن الصواب.
ولو سلّم فلا يضرّ
، إذ مجرّد الاحتمال لا يكفي في الخروج عن المستثنى منه ، بل قضية الأصل تقتضي عدم
خروج ما لم يقطع بخروجه.
وأمّا حسنة جميل :
عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال : « لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلاّ المسجد الحرام
ومسجد الرسول 6 » وخبره : « للجنب أن يمشي في المساجد كلها ولا يجلس فيها
إلاّ المسجد الحرام ومسجد الرسول 6 » وإن اقتضيا بإطلاقهما جواز التردّد ، إلاّ أنّ مقتضى
تعارضهما مع الآية بالعموم من وجه ، ووجوب تقديم الكتاب حينئذ : حمل المرور والمشي
فيهما على الاحتمال الأوّل.
مع أنّ اقتضاء
الأولى لذلك ممنوع غايته ، لمنع صدق المرور على غير الأوّل ،
__________________
بل الظاهر منه
العبور.
ولا يجب عليه في
الاجتياز اختيار أقرب الطريقين إذا تعدّد طريق الجواز ، لصدق العبور والاجتياز.
وهل يجب في الطريق
الواحد العبور منه على أقرب المسافات ، أو يجوز الانحراف بحيث تزيد المسافة؟
الظاهر : الثاني
إذا لم يخرج عن صدق العبور عرفا.
خلافا للمنتهى ،
فأوجب اختيار الأقرب ، اقتصارا في محل المنع على قدر الضرورة .
وفيه : منع كونه
محل المنع.
والبائرة من
المساجد كالدائرة ولو لم يبق إلاّ أرضها ما لم تبلغ حد الموات ، لصدق اسم المسجد ،
واستصحاب الحكم.
ولو اضطرّ الجنب
إلى اللبث فيها ـ لعدم إمكان خروجه ، أو خوفه على مال محترم بالخروج ـ تيمّم ولبث
، لعموم البدلية ، كما يأتي.
ولا تلحق بالمساجد
الضرائح المقدّسة والمشاهد المشرّفة والمواقف الكريمة ، كمشعر ومنى ، وفاقا للأكثر
، للأصل.
وخلافا في
الأوّلين للشهيدين ، لاشتمالها على فائدة المسجدية ، وللمروي في بصائر
الدرجات وقرب الإسناد وفيه : « يا أبا محمّد أما تعلم أنّه لا ينبغي لجنب أن يدخل
بيوت الأنبياء » .
__________________
وفي إرشاد المفيد ، وكشف الغمة ، ورجال الكشي
وفيه : وأحدّ النظر إليه وقال : « هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب؟! » .
وفي الخرائج
والجرائح ، وفيه : فقال له أبو عبد الله الحسين 7 : « أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل على إمامك وأنت جنب؟! » .
ولتساويهم حيّا
وميّتا ـ كما هو المستفاد من الأخبار ـ يثبت الحكم في المطلوب.
ويجاب عنها بضعفها
، وعدم دلالتها على الحرمة مع أنّ في بيوتهم غالبا من لا يخلو عن جنابة أو حيض أو
نفاس.
نعم ، لا شك في
الكراهة ، لما مرّ.
ومنها : وضع الشيء فيها ، على الأظهر الأشهر ، وعن الغنية
الإجماع عليه ، بل عن الفاضل ، لنقله الإجماع على وجوب الغسل له .
للرضوي المنجبر
بالعمل : « ولهما ـ أي الجنب والحائض ـ أن يأخذا منه ، وليس لهما أن يضعا فيه » فإنّ المتبادر من
تركيب « ليس لهما » التحريم.
وتؤيّده صحيحة
العلل ، المتقدّمة ، وصحيحة ابن سنان : عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد
المتاع يكون فيه؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضعان في
__________________
المسجد شيئا » .
خلافا للمحكي عن
الديلمي وموضع من الخلاف ، فكرهاه ، للأصل.
وجوابه ظاهر. وحمل
الكراهة على التحريم كما هو الشائع عندهم ممكن.
ولبعض المتأخّرين ، فخصّ التحريم
بالوضع المستلزم للّبث.
قيل : لتعارض
إطلاق تحريم الوضع وتجويز المشي ، فيرجع في محل الاجتماع إلى الأصل.
وضعفه ظاهر ، إذ
لا تعارض أصلا.
ومقتضى إطلاق ما
مرّ : حرمة الوضع فيه ولو من غير دخول ، كما صرّح به الأكثر. وهو كذلك. وما يدلّ
على خلافه ـ كما يأتي ـ لا حجية فيه.
وأمّا الطرح فيه
من الخارج فلا بأس به ، لعدم ثبوت صدق الوضع عليه ، ولو صدق ، فالشهرة الجابرة فيه
غير معلومة.
ومقتضى صريح ما
تقدّم : جواز الأخذ منه. وهو كذلك ، والإجماع منعقد عليه.
وأمّا ما في تفسير
القمي : « ويضعان فيه الشيء ولا يأخذان منه » ، فقلت : فما بالهما يضعان فيه الشيء
ولا يأخذان منه؟ قال : « فإنّهما يقدران على وضع الشيء من غير دخول ولا يقدران
على أن يأخذا منه حتى يدخلا » ، فلا يصلح للمعارضة ، لضعفه بنفسه ، ولمخالفته العمل.
__________________
ومنها : دخول المسجد الحرام ومسجد النبي 6 ، فإنه يحرم
مطلقا ولو اجتيازا ، على الأشهر ، بل عليه الإجماع في المعتبر والمدارك والتذكرة ، وعن ظاهر
الغنية ، ونفي الخلاف بين الأصحاب في الحدائق .
لمفهوم قوله في
صحيحة أبي حمزة : « ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد » .
وتؤيّده حسنة جميل
، وروايته ، ورواية ابن حمران ، وحسنة محمّد .
وللمروي في العيون
والمجالس عن رسول الله 6 : « ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلاّ لمحمّد وآله » .
ولم يتعرّض جماعة
ـ كالصدوقين والمفيد والديلمي والشيخ في الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره ، والكيدري
ـ له ، مع إطلاقهم جواز الاجتياز في المساجد ، وكأنّه لقصور ما ذكر عن إثبات
الحرمة. وهو كذلك لو لا مفهوم الصحيحة ، ولكنه كاف في إثباتها.
ثمَّ لو احتلم في
أحدهما يجب أن يتيمّم ، لدلالة المستفيضة . فقول الشاذ منّا بالاستحباب ضعيف.
__________________
وفي حكم الاحتلام
فيهما الجنابة في اليقظة أو دخول الجنب فيهما سهوا ، أو عمدا لضرورة أم لا ، لعدم
تعقّل الفرق كما قيل ، بل لعموم بدلية التيمم فيجب مع إمكانه.
وأمّا المكروهة :
فمنها : الأكل والشرب على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن
الغنية والتذكرة وغيرهما ، للمستفيضة :
منها : مرسلة الفقيه : « الأكل على الجنابة يورث الفقر » .
والأخرى : « نهى
رسول الله 6 عن الأكل على الجنابة » وقال : « إنه يورث الفقر » .
ونحوهما المروي في
الخصال والمجالس .
وصحيحة الحلبي : «
إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضّأ » .
ورواية السكوني :
« ولا يذوق ـ أي الجنب ـ شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنه يخاف منه الوضح » .
والرضوي : « وإذا
أردت أن تأكل على جنابتك ، فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثمَّ كل واشرب إلى أن تغتسل
، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف
__________________
عليك البرص ، ولا
تعد إلى ذلك » إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن
الفقيه ، فلم يجوّزهما له ، لظاهر النهي.
ويضعف : بوجوب
حمله على التنزيه.
لا لمعارضته مع
موثّقة ابن بكير : عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ؟ قال : « نعم ، يأكل ويشرب ويقرأ
ويذكر الله ما شاء » .
لأنّ بعد تخصيص
النهي بما قبل الإتيان بما اجمع على أنّه مزيل للكراهة تكون أدلّته أخص مطلقا من
الموثّقة فتخصّصها.
بل لعدم قول به
إلاّ منه ، فيضعف لأجله روايات النهي ، ويقصر عن إثبات الزائد عن الكراهة. مع أنّ
التعليل في عبارته مشعر بإرادته الكراهة أيضا كما قيل .
ثمَّ مقتضى
المرسلتين وإن كان الكراهة مطلقا ، فلا تزول إلاّ بالغسل وزوال الجنابة ، إلاّ أنّ
مقتضى مفهومي الغاية والشرط في البواقي : تقييدهما وزوالها بغير الغسل أيضا إذا
أتى بما ذكر فيها.
ثمَّ الأمر المزيل
لها قبله هل هو الوضوء خاصة؟ كما عن المقنع ، أو هو أو المضمضة والاستنشاق؟ كما عن المنتهى والتحرير
ونهاية الإحكام والدروس ، أو
__________________
الأخيران فقط؟
كالقواعد وعن الخمسة وأتباعهم ، بل نسب إلى المشهور ، أو هما مع غسل
اليدين؟ كما عن الفقيه والهداية والأمالي ، أو هو مع المضمضة؟ كالمعتبر ، أو هما مع غسل
الوجه؟ كالنفلية ، أو هو مع المضمضة ، أو الوضوء ، أو غسل اليدين ، مع
أفضلية الأوّلين؟ كالمدارك ، أو كل مما ذكر تخييرا؟ كأحد المحتملين في اللوامع
والمعتمد. فيه أقوال ، منشؤها : اختلاف الأخبار التي منها ما تقدّم.
ومنها : صحيحة زرارة : « الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض
وغسل وجهه وأكل وشرب » .
وصحيحة البصري : أيأكل
الجنب قبل أن يتوضّأ؟ قال : « إنّا لنكسل ، ولكن ليغسل يده ، والوضوء أفضل » .
مضافا إلى اختلاف
الأفهام في كيفية تعارضها ـ من جهة دلالة بعضها على عدم انتفاء الكراهة إلاّ
بالتوضّؤ ، وآخر على انتفائها بالمضمضة وغسل اليد وعدمه بدونهما ، وثالث بغيرهما ـ
وفي وجه الجمع بينها.
__________________
وتحقيق المقام بعد
بيان أمرين :
أحدهما : أنّه لا
دلالة لاستحباب أمر عند ارتكاب آخر ثابت الكراهة على انتفائها بعد فعل ذلك المستحب
بوجه من الوجوه.
ومن ذلك يظهر عدم
كون الصحيحتين من أخبار المقام منافيتين للأخبار المتقدّمة أصلا ، غايتهما استحباب
ما ذكر فيهما للجنب عند الأكل والشرب.
وثانيهما : أنّ
المصرّح به في الأخبار أنّ كراهة الأكل والشرب للجنب إنما هي لأمرين : أحدهما :
إيراثه الفقر. والآخر : إيجابه البرص. والمستفاد من روايتي السكوني والرضوي :
انتفاء الثاني خاصة بفعل ما ذكر فيهما دون الأوّل أيضا ، ولازمه تخفيف الكراهة
بفعله ، إذ تخفيف مرجوحية ما فيه جهتا مرجوحية بزوال إحداهما لا انتفائها رأسا.
وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين وصحيحة الحلبي أيضا ، لأنّها تدلّ بمفهوم الغاية
على انتفاء مطلق النهي بالتوضّؤ ، وهما تدلاّن على انتفاء خوف البرص بغسل اليد
والمضمضة ، أو مع الاستنشاق أيضا.
نعم ، يعارض منطوق
الرضوي المصرّح ببقاء ذلك الخوف قبل الثلاثة مطلقا ـ وإن غسلت يدك وتمضمضت ـ مع
مفهوم رواية السكوني الدالّ على انتفاء الخوف بالأمرين مطلقا ـ سواء كان معهما
الاستنشاق أم لا ـ بالعموم من وجه ، وإذ لا مرجّح فيرجع إلى أصالة بقاء الكراهة
وعدم تخفيفها بدون الثلاثة.
ومن ذلك ظهر أنّ
حق القول في المسألة انتفاء الكراهة بالوضوء وتخفيفها بغسل اليدين والمضمضة
والاستنشاق.
وعن ظواهر
الاقتصاد ، والمصباح ، ومختصره ، والسرائر ، والنهاية ، وفي الشرائع : تخفيفها
بالأخيرين ، من غير تعرّض للانتفاء بالوضوء.
__________________
قيل : لعلّه
لتعليل النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر ، وما ذكر لا يرفع الجنابة التي
هي العلّة .
وفيه : أنّ مقتضى
مفهوم الغاية في الصحيحة انتفاء النهي الذي هو المعلول بالوضوء ، وهو كاشف عن عدم
عليّة مطلق الجنابة. مع أنّه لو كانت العلّة لما كان وجه للخفّة ، لعدم تخفيف
الجنابة بالاستنشاق والمضمضة.
ثمَّ لا شك في عدم
اعتبار تعدّد الأمور المذكورة بتعدّد الأكل والشرب مع الاتّصال.
وهل يعتبر مع
التراخي مطلقا ، أو إذا طال الزمان ، أو تخلّل الحدث ، أو لا يعتبر مطلقا؟ أظهرها
الأول ، لعموم قوله : « إذا أردت » ـ في الرضوي ـ وعدم القول بالفصل بين ما فيه
وبين الوضوء في ذلك.
ويمكن اعتبار
تخلّل الحدث في تعدّد الوضوء خاصة ، فتأمّل.
ومنها : قراءة غير العزائم من القرآن مطلقا ، وفاقا للمحكي عن
الخصال والمراسم وابن سعيد ، لرواية الخدري : « يا علي ، من كان جنبا في الفراش مع
امرأته فلا يقرأ القرآن ، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » .
المؤيدة بالمروي
في الخصال : « سبعة لا يقرؤون القرآن » وعدّ منهم : الجنب والنفساء والحائض .
وبروايتي قرب
الإسناد والخصال ، المتقدّمتين في الوضوء المستحب .
وجعلهما مؤيدتين ،
لاحتمال إرادة نفي الإباحة الخاصة أو الاستحباب
__________________
منهما ، ولا تلزم
منه حرمتها حيث إنها عبادة ، لأنّ قراءة القرآن ليست من التوقيفيّات التي لم تتحمل
الإباحة والكراهة ، كما مرّ.
وحاصله : أنّ عدم
إبقاء الكراهة على المعنى المصطلح فيما يقول به إنّما هو إذا كانت ممّا ثبتت صحته
المستلزمة للثواب والمطلوبيّة ، ولم يثبت ذلك فيما نحن فيه.
وتؤيّد المطلوب
أيضا الرواية العامية عن علي 7 : « لم يكن يحجب النّبيّ ـ أو قال يحجزه ـ عن قراءة القرآن
شيء سوى الجنابة » .
خلافا لجماعة ،
فخصّوا الكراهة بالزائد على السبع ، إمّا مطلقا ، كالمعتبر والنافع والمنتهى
والقواعد ، والكركي ، وغيرهم ، لمضمرة سماعة : عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : « ما
بينه وبين سبع آيات » .
أو مع اشتدادها في
الزائد على السبعين ، كما في الشرائع والكفاية واللوامع والمعتمد ، وغيرها ، لمضمرته الأخرى ، وفيها بدل
سبع آيات : سبعين آية .
دلّتا على جواز
قراءة ما نقص عن السبع.
ولكونها عبادة لا
يكون الجواز فيه إلاّ مع المطلوبية المنافية للكراهة. مع أنّ المستفاد من مفهوم
الوصف عدم قراءة الجنب للزائد المحمول على الكراهة ، لضعف القول بالتحريم كما يأتي
، فلا يكون الناقص مكروها.
__________________
ويضعّف : بمنع
استلزام الجواز هنا للمطلوبية ، بل التساوي. ومنع كون مطلق قراءة القرآن عبادة ،
وإنّما هو فيما سلّمنا الثواب عليه وهو في المقام ممنوع ، كما مرّ.
مع أنّه لو
استلزمها ، لكانت الكراهة فيه أيضا بمعنى لا ينافيها قطعا.
وبعدم حجية مفهوم
الوصف.
مع أنّ حملهما على
شدة الكراهة ممكن ، كما ارتكبوه في خبر السبعين.
ولأخرى ، فنفوها مطلقا ،
كما في المدارك والبحار وعن جمل الشيخ ، للأصل ، وعموم قوله عزّ شأنه ( فَاقْرَؤُا
ما تَيَسَّرَ ) والأخبار المصرّحة بأنه يقرأ القرآن ، أو ما شاء منه ، أو
بنفي البأس عن قراءته ، كصحيحتي الفضيل والحلبي ، وموثّقة ابن بكير ، وغيرها.
والأول بما مرّ
مندفع. والثاني به مخصوص ، مع أنّه لثبوت حرمة قراءة العزائم على الجنب يكون في
الآية تقييد قطعا ، وهو كما يمكن أن يكون في المقروء بتقييده بغير العزائم يمكن أن
يكون في القارئ بتخصيصه بالمتطهّر ، وحينئذ لا ينافي ما مرّ مطلقا ، وإذ لم يتعيّن
أحد الاحتمالين يحصل فيه الإجمال المنافي للاستدلال.
ومنه يعلم أنه لا
يمكن الحكم بكون الآية أعم من وجه ممّا مرّ.
__________________
والثالث غير مناف
للكراهة ، إذ لا يثبت منه إلاّ الجواز المتحقّق معها أيضا.
ولثالثة ، فحرّموها إمّا
مطلقا ، كالديلمي في أحد قوليه ، لروايتي الخصال والخدري ، المتقدّمتين . أو في الزائد
على السبع ، كما عن القاضي ، وظاهر المقنعة والنهاية ، وبعض الأصحاب
كما في المختلف ، ومحتمل التهذيبين ، للمضمرة الأولى ، وبها تخصّص الروايتان. أو على السبعين
، كما نقله في المنتهى عن بعض الأصحاب ، للمضمرة الثانية.
ويضعّف الأول :
بقصور الروايتين عن إثبات حرمتها من حيث الدلالة ، لخلوّهما عن الدالّ عليها ،
وعدم انتهاضهما له لو دلّتا ، لمعارضتهما مع الأخبار المجوّزة الراجحة عليهما
بالأكثرية عددا ، والأصحيّة سندا ، والأوضحية دلالة ، وبالموافقة للمشهور ونقل
الإجماع على الجواز ، كما عن الانتصار والخلاف والغنية وأحكام الراوندي والمعتبر ، ولعموم الكتاب
، والمخالفة للعامة . مع كون المرجع أصالة عدم الحرمة لو لا الترجيح.
والثانيان : بجميع
ما مرّ ، مضافا إلى أنّ دلالتهما بمفهوم الوصف الذي ليس بحجة.
__________________
وتوهّم أخصيتهما
عن المجوّزات ـ لاختصاصهما بالسبع أو السبعين فتقدّمان عليها ـ فاسد جدا ،
لاختصاصها بما عدا العزائم أيضا.
ثمَّ إنّه لا فرق
في الكراهة بين القراءة من ظهر القلب أو من المصحف ، لإطلاق الأدلّة. كما لا فرق
فيها في السبع أو السبعين ـ على القول بالاختصاص بهما ـ بين الآي الطويلة والقصيرة
، ولا بين السبع أو السبعين المجتمعة في القرآن أو المتفرقة.
نعم ، الظاهر
المتبادر منها المتوالية والمتغايرة ، فبحكم الأصل لا كراهة في المتراخية والواحدة
المتكررة.
ومنها : حمل المصحف ، لفتوى الجماعة ، كما في اللوامع. ويؤيّده
بل يدلّ عليه أيضا نهي الجنب عن تعليقه في رواية إبراهيم بن عبد الحميد .
ومنها : تعليقه ، لما مرّ.
ومنها : مسّ ما عدا الكتابة في المصحف ، لروايتي المجمع :
إحداهما : « لا
يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف ».
والأخرى عن الباقر
7 : في قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ
الْمُطَهَّرُونَ ) قال : « من الأحداث والجنابات » .
ورواية ابن عبد
الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا » .
وشمولها للخط
المحرّم مسّه بدلالة خارجية لا يضرّ في المطلوب ، بعد صدق مسّ المصحف عليه أيضا.
وضعفها مانع عن إثبات التحريم بها في غير موضع الانجبار الذي هو مسّ الخط. مع أنّ
الثانيتين غير دالّتين عليه ، كالآية وسائر ما بمضمونهما.
__________________
ولو دلّ حديث على
التحريم ، فتأويله أو طرحه متعيّن ، لمعارضته مع الرضوي المنجبر بالأصل والشهرة
التي كادت أن تكون إجماعا : « لا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ، ومسّ
الأوراق » .
فالقول به ـ كما
عن السيد ـ ضعيف جدّا.
ومنها : النوم ،
بالإجماع ، كما في المعتبر والمنتهى ، وعن الغنية وظاهر التذكرة ، فهو فيه الحجة
، مضافا إلى المعتبرة :
كصحيحة الحلبي :
عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ قال : « يكره ذلك حتى يتوضّأ » .
ومفهوم الرضوي : «
ولا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضّأ وضوء الصلاة » .
والمروي في العلل
: « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلاّ على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمّم
بالصعيد » .
وصحيحة عبد الرحمن
: عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال : « إنّ الله يتوفّى الأنفس عند منامها
، ولا يدري ما يطرقه من البليّة ، إذا فرغ فليغتسل » .
وموثّقة سماعة :
عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم ، قال : « إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل ، والغسل أفضل
من ذلك ، فإن نام فلم يتوضّأ ولم يغتسل ، فليس عليه
__________________
شيء » .
وجه دلالة
الأخيرين : أنّ مقتضاهما استحباب الغسل للجنب قبل النوم ، فيكره ضدّه ، وهو :
النوم ، بناء على ما أثبتناه من كون الأمر الاستحبابي نهيا تنزيهيا عن ضدّه الخاص.
وبالأخيرة وبصحيحة
الأعرج : « ينام الرجل وهو جنب وتنام المرأة وهي جنب » يضعّف انتهاض ما
كان ظاهره التحريم لإثباته ، مع أنّه للإجماع مخالف.
ثمَّ مقتضى الأولى
مؤيّدا بالثانية ، كظاهر الأكثر ، بل عليه الإجماع في اللوامع : انتفاء الكراهة
بالوضوء. وهو كذلك ، لذلك.
فإطلاق الكراهية ـ
كما عن الاقتصاد ـ بعيد عن السداد. وكذلك ما قيل من تخفيفها به ، وحكي عن ظاهر
النهاية والسرائر ، فإنّ مفهوم الغاية صريح في انتهاء الكراهة.
وليس مقتضى
أحبّيّة الغسل من الوضوء ـ كما في الموثّقة ـ ولا مقتضى التعليل بما علّل في
الصحيحة بقاءها إلى الاغتسال أصلا ، بل مقتضاهما استحباب الغسل ، وهو مسلّم.
وأضعف منهما :
القول بالزوال بالمضمضة والاستنشاق ، لعدم دليل عليه.
ولا تزول الكراهة
بإرادة العود إلى الجماع كما في البحار ، للأصل ، وعدم
__________________
دلالة مستنده ،
وهي مرسلة الفقيه المذكورة بعد صحيحة الحلبي ، المتقدّمة : « أنا أنام على ذلك ،
وذلك إني أريد أن أعود » .
لا لما قيل من أنّ
المراد العود إلى الانتباه ، يعني : أنّي أعلم أن لا أموت ، لبعده غايته.
بل لأنه يمكن أن
يكون المشار إليه في ذلك الوضوء ، والتعليل لترك الغسل.
وهل يقوم التيمّم
مقام الوضوء عند عدم الماء في إزالة الكراهة؟ الظاهر العدم ، للأصل.
نعم ، مفاد (
المروي في العلل ) بدليته عنه عنده في الاستحباب. وهو كذلك ، بل هو مقتضى
عموم بدليته. ويتخيّر حينئذ في نية البدلية عن أحد الطهورين ، ولعلّ عن الغسل
أفضل.
ومنها : الخضاب ،
وهو ما يتلوّن به اللحية والأطراف من حناء وغيره ، كما قيل ، والأولى بحكم
التبادر : ونحوه .
وكراهته هي الأظهر
الأشهر بل من غير خلاف ظهر ، ونسبته إلى الصدوق في الفقيه غير جيّد ، لنفيه البأس
عنه ، وهو لا ينافي الكراهة على الأصح ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، فهو حجّة
المسألة ، مضافا إلى المستفيضة :
كرواية ابن جذاعة
: « لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعليها
__________________
خضاب ، ولا يجنب
هو وعليه خضاب ، ولا يختضب وهو جنب » .
ورواية ابن يونس :
عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب؟ فكتب 7 : « لا أحبّ له » .
وروايتي مسمع وأبي سعيد والمروي في مكارم
الأخلاق : « يكره أن يختضب الرجل وهو جنب » وقال : « من اختضب وهو جنب أو أجنب في
خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء ، فإنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك » .
ولا يحرم إجماعا
محقّقا ومنقولا ، للأصل ، وخلوّ ما مرّ جميعا من الدالّ عليه ، مضافا إلى
المستفيضة المجوّزة له ، كحسنة الحلبي وروايات السكوني وأبي جميلة وعلي وموثّقة سماعة مع إشعار رواية ابن يونس ، والعلّة المذكورة في
__________________
رواية المكارم.
ومنها : الأدهان ، لصحيحة حريز : الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟ قال : «
لا » .
ومنها : الجماع إذا كانت الجنابة من الاحتلام ، للمروي في مجالس
الصدوق والخصال : « وكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه
الذي رأى ، فإن فعل وخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلاّ نفسه » .
وأما المباحة : فما عدا ما ذكر
، للأصل السالم عن المعارض.
البحث الثالث : في
غايات غسل الجنابة.
أي ما يغسل له ،
وهو بين ما يجب الغسل له وما يستحب.
أما الأول : فيجب
للصلاة الواجبة بأنواعها شرعا وشرطا ، بالضرورة ، والكتاب ، والسنّة المتواترة التي
منها ما دلّ على إعادة الصلاة بترك غسل الجنابة أو بعضها.
ففي رواية الحلبي
: فيمن أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج الشهر : « عليه أن يقضي الصلاة
والصيام » .
وفي رواية الصيقل
: فيمن تيمّم وقام يصلي ، فمرّ به نهر وقد صلّى ركعة : « فليغتسل وليستقبل الصلاة
» .
__________________
وفي رواية زرارة :
فيمن ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة حتى دخل في الصلاة : « إن رآه وبه
بلّة مسح عليه وأعاد الصلاة » إلى غير ذلك.
والحق بها أجزاؤها
المنسية والمرغمتان وسجود التلاوة. وعدم وجوبه لصلاة الميت ، للمعارض ، أو
انتفاء الحقيقة.
ولواجب الطواف
بالإجماع والمستفيضة دون مندوبه وإن وجب للازمه .
ولصوم رمضان على
المشهور. ويأتي الكلّ في محلّه.
وللواجب من مسّ
المصحف ، وقراءة العزائم ، ودخول المسجدين على القول بحرمته على الجنب ، واللبث في
كلّ مسجد ، ووضع شيء فيه ، لتحريمها على الجنب كما مرّ.
وللنذر وشبهه.
وقيل : للتحمّل عن
الغير . وعرفت ما فيه في بحث الوضوء .
والحقّ : انحصار
وجوبه بالغير ، فلا يجب لنفسه ، وفاقا للحلّي ، والمحقّق ، والكركي ، والشهيدين ، بل أكثر المتأخّرين كما في اللوامع ، بل هو المشهور
مطلقا كما في الحدائق والمعتمد ، للأصل ، حيث إنّ الكلّ قائلون
__________________
بالغيري ، وتؤيّده
: صحيحة زرارة ، المتقدّمة في مسألة وجوب الوضوء .
والاستدلال بالآية
، وبأخبار الجنب إذا فجأها الحيض قبل الغسل ـ كحسنة الكاهلي : في المرأة
يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل ، قال : « قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل » وبمضمونها
موثّقات حجّاج وزرارة وأبي بصير وابن سنان ، حيث إنّها ظاهرة في أنّ نفي الغسل بمجيء ما يفسد الصلاة
لأجل أنها الغرض منه ـ ضعيف.
أما الأولى :
فلتوقّف الاستدلال على عطف قوله ( إِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً ) على ( فَاغْسِلُوا ) وهو غير معلوم ،
لجواز العطف على ( إِذا قُمْتُمْ ) وما ذكروا في
إثبات الأول غير صالح للتعيين.
وأمّا الثانية :
فلأنّ النهي عن الاغتسال فيها إمّا للجواز ، لوروده بعد الأمر ، كما قيل ، أو
للمرجوحية من الحرمة أو الكراهة ، كما هو الظاهر منهم ومقتضى النهي.
فعلى الأول كما
يمكن أن يكون تجويز التأخير لانحصار وجوبه في الغيري وعدم وجوب الغير حينئذ ، يمكن
أن يكون لأجل اشتراط تضيق وجوبه المانع عن
__________________
جواز تأخيره ،
بتضيق وقت ذلك الغير ، كما هو المتّفق عليه بين أرباب القولين ، فإذا لم يجب ذلك
الغير لا يكون مضيّقا. وعدّه بعيدا ـ كما في اللوامع ـ لا وجه له.
وعلى الثاني لا
يمكن أن يكون النهي لوجوبه الغيري ولأنّ الغير هو الغرض منه ، لأنّه غير صالح
للنهي ، ولذا أفتى القائلون بالغيري بجوازه قبل وجوب الغير بل باستحبابه. وكون
مشروعيته له لا يستلزم كونه في وقته. فلا محالة يكون النهي لأمر آخر ( يسببه ) مجيء مفسد
الصلاة ، فيمكن أن يكون المراد أنّ سبب مشروعية الغسل رفع الحدث به وحدوث الحالة
المبيحة ، فإذا جاء مفسد الصلاة لا يحصلان ، فلا يشرع الغسل. يعبّر عن الحدث ومانع
الاستباحة بمفسد الصلاة ، لأنّ العامة لا يفهمون منهما غالبا إلاّ ذلك ، بل في
رواية سعيد بن يسار : في المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أم غسل
للجنابة والحيض؟ فقال : « قد أتاها ما هو أعم من ذلك » إشعار به.
وخلافا للمحكي عن
ابن شهرآشوب وابن حمزة ، والمنتهى والتحرير ، والمختلف ، والمدنيات
للفاضل ، ووالده ، والراوندي ، وجماعة من المتأخّرين كالأردبيلي ، والمدارك ، والذخيرة ،
والكفاية ، وعزاه الأول إلى السيد ،
__________________
وأنكره الحلّي .
لمعلّقات وجوب
الغسل على الجنابة أو الدخول أو الإنزال أو التقاء الختانين من دون اشتراط شيء
آخر ، من الآية والروايات ، فيكون واجبا لنفسه.
وموجبات تغسيل من
مات جنبا غسل الجنابة ، من غير تقييدها بوجوب غايته عليه.
وصحيحة عبد الرحمن
، المتقدّمة في نوم الجنب ، أمر فيها بالغسل خوفا من الموت في المنام قبله ، ولو لا
وجوبه بنفسه ، لم يأمر به ولم يتصوّر خوف منه.
ويجاب عن الأول :
بما مرّ في الوضوء . مع أنّه قد عرفت كون الآية محتملة لوجهين.
وعن الثاني : بمنع
وجوب التغسيل وإنّما هو مندوب.
ولو سلّم ، فلا
يثبت وجوب الغسل حال الحياة نفسيا ، لجواز أن يكون لوجوب التغسيل علّة أخرى غير
استدراك الواجب الفائت ، بل هو الظاهر.
وعن الثالث : بأنّ
الأمر فيه ليس للوجوب ، باعتراف المستدلّ أيضا ، فإنّه لا يقول بالتضييق بإرادة
النوم ، والندب ملتزم عند القائل بالغيري ، والخوف إنّما هو من ملاقاة الله سبحانه
جنبا ، ولا شك أنّه مما يكره.
وأمّا الثاني :
فيستحب للمندوب من الصلاة والطواف والمس ولبث المساجد ودخول المسجدين وقراءة
العزائم ، ووجهه ظاهر.
وللنوم ، لصحيحة
عبد الرحمن وموثّقة سماعة ، المتقدّمتين .
ولتلاوة القرآن
ودخول المساجد والكون على الطهارة والتأهّب للفريضة.
__________________
ويظهر وجه الجميع
ممّا ذكر في استحباب الوضوء لها.
البحث الرابع : في
واجباته وهي أمور :
الأوّل
: النية مقارنة لأول أفعاله
الواجبة ، أو المستحبة ، أو مقدماته ، مستدامة حكما إلى الفراغ ، على ما تقدّم
تحقيقها ، وما يتعلّق بها في الوضوء.
وهل يجب في غسل
الجنابة قصد كونه للجنابة ، أم يكفي قصد الغسل وإن لم يلتفت إلى أنه غسل جنابة؟
الأظهر : الثاني ،
للأصل ، وعدم دليل على وجوب ذلك القصد.
وتعدّد الأغسال
المستقرة في الذمة وجوبا أو استحبابا وعدم التميّز إلاّ بالقصد لا يفيد ، لما مرّ
في بحث الوضوء من عدم وجوب قصد المميّز إلاّ مع اشتمال المأمور به على جزء لا
يتحقّق إلاّ بالقصد ، فيجب قصده حينئذ.
فإن قلت : قد
صرّحت الأخبار بأنّ غسل الجنابة واجب ، ووردت الأوامر المتعدّدة بغسل الجنابة ،
فيكون المأمور به هو الإتيان بغسل الجنابة لا مطلق الغسل ، فتكون الجنابة قيدا
للمأمور به ، وتحقّق الغسل المقيّد بهذا القيد إنّما هو بالقصد ، فيجب قصده.
قلنا : يمكن أن
يكون المعنى أنّ الغسل للجنابة واجب ، بأن يكون القيد بيانا للسبب لا جزءا للمأمور
به ، مع أنّه إنّما يفيد للقصد على القول بعدم ثبوت التداخل قهرا.
ومنه يظهر عدم
وجوب قصد المميّز في شيء من الأغسال الواجبة والمستحبة أيضا ، لجريان الكلام فيها
بعينه.
فلو كان على أحد
عشرة أغسال ، وأراد عدم التداخل ، فغسل عشر مرات ، يصحّ ويبرأ عن الجميع وإن لم
يعيّن في كلّ واحد أنه أيّ غسل. ولو غسل خمسا برئ من خمس. وعدم تعيّنه غير ضائر ،
كما مرّ في الوضوء.
وفرّق في المعتبر
بين الأغسال المندوبة والواجبة ، فقال باشتراط نية السبب في الأولى دون الثانية. ولا وجه
له.
والثاني
: غسل البشرة بما يسمّى غسلا
ولو كان كالدهن ، كما مرّ في الوضوء.
والثالث
: استيعاب جميع البشرة بالغسل ، فلو أهمل جزءا منها لم يجزئ إجماعا ، وهو الحجة فيه. مضافا إلى الأصل ،
والاستصحاب ، والمستفيضة من الأخبار الآمرة بغسل الجسد كلّه.
كصحيحة زرارة ،
وفيها : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ، ليس بعده ولا قبله وضوء ، وكلّ
شيء أمسسته الماء فقد أنقيته » .
وموثّقة سماعة ،
وفيها : « ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه » .
ومرسلة الفقيه ،
وفيها : « لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده ، فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه » .
والدالّة على وجوب
غسل كلّ جزء الشامل بإطلاقه أو عمومه لليسير والكثير ، كمفهوم صحيحة محمّد : عن
الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه ، قال : « فلا يغسله إن خشي على نفسه » .
والاختصاص بموضع
الجرح غير ضائر ، لعدم الفاصل.
وصحيحة زرارة
وفيها : قلت له : رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال : « إذا شك
ثمَّ كانت به بلّة وهو في صلاته مسح بها عليه ،
__________________
وان كان استيقن
رجع وأعاد عليه الماء ما لم يصب بلة » .
أو على عدم طهارة
ما لم يصبه الماء وعدم إجزائه ، كمفهوم صحيحة محمّد وحسنة زرارة.
ففي الأولى : «
فما جرى عليه الماء فقد طهر » .
وفي الثانية : «
فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » .
وبالقسمين
الأخيرين يظهر ضعف قول من احتمل عدم البطلان بخروج الجزء اليسير ، تمسّكا بصدق غسل
تمام الجسد معه . مع أنّه ممنوع جدّا.
ثمَّ إنّه يتفرّع
على ما ذكر : وجوب إيصال الماء إلى تحت الشعر بتخليله مطلقا ، كثيفا كان أو خفيفا
، وإلى تحت كلّ مانع يرفعه.
ويدلّ على الأول
أيضا بخصوصه ـ بعد الإجماع المحقّق ، المصرّح به في كلام جماعة ، منهم : المدارك
واللوامع والمعتمد ، وعن الفاضل وأمالي الصدوق ـ النبوي المقبول : « تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر
وانقوا البشرة » .
والرضوي المنجبر :
« وميّز الشعر بأناملك عند غسل الجنابة ، فإنّه يروى عن رسول الله 6 : أنّ تحت كلّ
شعرة جنابة ، فبلّغ الماء تحته في أصول الشعر كلّها ، وخلّل أذنيك بإصبعيك ، وانظر
أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك
__________________
إلاّ ويدخل تحتها
الماء » .
وبهذه الأدلّة
تخصّص بالوضوء صحيحة زرارة : أرأيت ما كان تحت الشعر؟ قال : « كلّ ما أحاط به
الشعر فليس على العباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » .
ويخصّص بغير ذلك
ما نفى غسل البواطن.
ولا منافاة في
كفاية ثلاث غرفات للرأس ، ولا في صحيحة محمّد : « الحائض ما بلغ بلل الماء من
شعرها أجزأها » لما ذكر.
أما الأول :
فلوصول الثلاث إلى البشرة لو كشف شعر الرأس واللحية.
وأما الثاني :
فلإمكان أن يكون المراد بالموصول البشرة ، يعني : البشرة التي بلغ عليها بلل الماء
من الشعر أجزأها ، ولا يحتاج إلى إجراء الماء عليها معها ، ولا إلى التخليل ، بل
لا يحصل له معنى تام غير ذلك ، كما لا يخفى على المتأمّل.
فاحتمال عفو ما
تحت الشعور الكثيفة والاكتفاء بالظاهر ـ كما عن المحقّق الأردبيلي ـ غير جيّد.
وعلى الثاني بخصوصه : ما تقدم
في بحث الوضوء ، من صحيحة علي ، وحسنة ابن أبي العلاء ، مضافا إلى
الرضوي : « وإن كان عليك خاتم فحوّله عند الغسل ، وإن كان عليك دملج وعلمت أنّ
الماء لا يدخل تحته فانزعه » .
وتوهّم مخالفة ذيل
حسنة ابن أبي العلاء ، فاسد ، لاختصاصها بالوضوء ،
__________________
وقد مرّ دفعها فيه
أيضا.
نعم ، ربما تشعر
بالمخالفة موثّقة عمار : في الحائض تغتسل وعلى جسدها الزعفران لم يذهب به الماء ،
قال : « لا بأس به » .
وخبر السكوني : «
كنّ نساء النبي إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن ، وذلك أنّ
النبيّ 6 ، أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن » .
وصحيحة الخراساني
: الرجل يجنب فيصيب جسده ورأسه الخلوق ، والطيب ، والشيء اللكد مثل علك الروم
والطراز وما أشبهه ، فيغتسل ، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق
والطيب وغيره ، قال : « لا بأس » .
ولكنها غير ناهضة
للمعارضة ، لشذوذها ، ومخالفتها لعمل الأصحاب ، المخرجة إيّاها عن الحجية.
مع أنّ عدم إذهاب
الماء بالزعفران ـ كما في الأول ـ لا يستلزم عدم وصول الماء تحته ، وبقاء الصفرة
والأثر ـ كما في الأخيرين ـ لا يستلزم بقاء العين المانعة من وصول الماء ، ولذا لا
تجب إزالتهما في التطهير من النجاسات ، فهنا أولى.
فروع :
أ : ظاهر الأصحاب
على ما صرّح به جماعة : عدم وجوب غسل الشعر ، بل في المعتبر ، وشرح القواعد
للكركي ، واللوامع ، والمعتمد ، وعن الذكرى :
__________________
الإجماع عليه ،
وهو الحجة فيه ، مضافا إلى الأصل المؤيّد بخلوّ الأخبار البيانية عنه ، مع خروجه
عن مسمّى الجسد قطعا ، وبالصحيح : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة »
الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.
وربما نسب إلى
المقنعة الخلاف في ذلك وإيجاب غسل الشعر. وفيه تأمّل.
ويظهر الميل إليه
عن جماعة من متأخّري المتأخّرين ، للنبوي المتقدّم. وصحيحة محمّد ، المتقدّمة .
وصحيحة حجر : « من
ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار » .
وموثّقة الساباطي
: عن المرأة تغتسل وقد ( امتشطت ) بقرامل ولم تنقض شعرها ، كم يجزيها من الماء؟
قال : « مثل الذي يشرب شعرها » الحديث.
ولدخوله في مصداق
الرأس والجانب الأيمن والأيسر الواردة في الأخبار.
ويضعّف الأول :
بالضعف الخالي عن الانجبار. والبواقي : بعدم الدلالة :
أمّا الثاني :
فلما مرّ. مع أنّه لو أفاد ذلك ، لدلّ على عدم لزوم بلوغ الماء جسدها ، وكفاية
بلوغه الشعر ، وهم لا يقولون به.
وأمّا الثالث :
فلإجمال ما يترك في الشعر ، فكما يمكن أن يكون المعنى : من ترك شعرة ولم يغسلها ،
يمكن أن يكون : من ترك شعرة ولم يخللها ولم يغسل ما
__________________
تحتها.
مع أنه يمكن أن
تكون لفظة « من » بيانية ، فيكون المراد مقدار شعرة ، بل لا يبعد دعوى ظهور هذا
المعنى من ذلك التركيب.
وأمّا الرابع :
فلأنّ مثل القدر المذكور فيه حين عدم نقض الشعر ممّا لا بدّ منه في تروية الرأس.
وأمّا [ دخوله ] في الرأس
والجانبين ، فلو سلّم إنّما يفيد مع عموم فيها ، وليس كذلك.
ثمَّ ما ذكر من
عدم وجوب غسل الشعر ، إنّما هو إذا لم يتوقّف غسل البشرة عليه ، وإلاّ فيجب لوجوب
ما لا يتم الواجب إلاّ به ، فيجب غسل الحاجبين والأهداب لذلك ، بل الاحتياط أن
يغسل جميع الشعور.
ب : يجب غسل الظفر
بالإجماع. وحكم المتجاوز منه عن حدّ الإصبع وما تحته من الجلدة ما مرّ في بحث
الوضوء ، إلاّ أنّه لمّا انحصر الدليل فيه في المورد بالإجماع الغير المعلوم
تأتّيه إلى المتجاوز أيضا يتأتّى الإشكال فيه. وكونه من الجسد محلّ المنع.
ج : يجب غسل العضو
الزائد والسلعة وأمثالها ، لصدق الجسد على الأوّل بل الثاني ، مع تضمّن الثاني بعض
الجسد الغير المتيقّن غسله إلاّ بغسل الجميع.
د : الواجب غسل
الظواهر دون البواطن بالإجماع والمستفيضة :
كخبر زرارة : «
إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » .
ومرسلة الواسطي :
الجنب يتمضمض؟ قال : « لا ، إنّما يجنب الظاهر » .
__________________
ومثلها المروي في
العلل ، وزاد فيه : « ولا يجنب الباطن ، والفم من الباطن » .
وفيه أيضا : في
غسل الجنابة : « إن شئت أن تمضمض وتستنشق فافعل وليس بواجب ، لأن الغسل على ما ظهر
لا على ما بطن ».
وخبر الحضرمي : «
ليس عليك مضمضة واستنشاق لأنهما من الجوف » .
ومن الظواهر :
معاطف الآذان والآباط ، وعكن البطون في السمان ، وما تحت الثدي من النسوان ،
إجماعا ، مع شهادة العرف في الكلّ ، وخصوص الرضوي المتقدّم في الأول.
ومنها : السرّة ، ومواضع الكيّ ، وما يبدو من الشق ومن الفرج ،
وأمّا ما يبدو منه عند الجلوس لقضاء الحاجة فالظاهر كونه من الباطن. والأحوط : غسل
ما ظهر من الباطن بالقطع.
ومن البواطن :
داخل الفم والأنف والعين والصماخ والفرج بالإجماع والعرف.
والثقب التي في
الاذن والأنف للحلقة إن كانت بحيث لا يرى باطنها فمن البواطن ، وإلاّ فمن الظواهر.
وشقوق الجراحات
المحشوة بالدواء ، والثقب المحشوة بالنيل للزينة من الباطن ظاهرا إن استقرّ فيها
الحشو بحيث لا يمكن إخراجه أو يعسر ، وإن أمكن ، فالظاهر وجوب الإخراج.
والرابع : المباشرة إجماعا ، لما في الوضوء مع تفصيل ما يتعلّق
بالمقام.
والخامس : إباحة الماء وإطلاقه وطهارته ، وإباحة المكان الذي
يتبعه الهواء
__________________
الواقع فيه الغسل
، كما مرّ في الوضوء ، ويأتي في التيمّم.
والسادس
: الترتيب ، بتقديم الرأس
على سائر الجسد ، بالإجماع المحكي عن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والتذكرة
وغيرها ، بل المحقّق حتى عن الصدوقين ، لتصريحهما
بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس ، فنسبة الخلاف هنا إليهما غير جيّد.
فالمخالف فيه
منحصر بالإسكافي ، وهو في الإجماع غير قادح ، مع أنه أيضا لم يصرّح بالنفي
، بل قيل بإشعار كلامه بالثبوت ، فيكون إجماعا من الكلّ ، فهو الحجة فيه ، مع صحيحة حريز
: في الوضوء يجف ، قال : قلت : فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال : « جف أو
لم يجف اغسل ما بقي » قلت : وكذلك غسل الجنابة؟ قال : « هو بتلك المنزلة ، ابدأ
بالرأس ثمَّ أفض على سائر جسدك » قلت : وإن كان بعض يوم؟ قال : « نعم » .
وحسنة زرارة : «
من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه ، لم يجد بدّا من
إعادة الغسل » .
والرضوي المنجبر
ضعفه بما مرّ : « فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس ، فأعد الغسل على جسدك بعد غسل
الرأس » .
المؤيدة بأخبار
أخر قاصرة عن إفادة الوجوب ، إمّا لاشتمالها على لفظ الخبر ،
__________________
كصحيحة محمّد وما يحذو حذوها ،
أو على الترتيب الفعلي ، كالحسن ، أو على ما يمنع من حمل ما وضع للوجوب على حقيقته ،
كموثّقة سماعة ، فإنّ فيها : « ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرات ملء كفّيه » فإنّ التقييد
بالثلاث مانع عن حمل الأمر على الوجوب.
ثمَّ بما ذكر يدفع
الأصل وتقيّد الإطلاقات.
وأمّا صحيحة هشام ، المتضمّنة لأمر
الصادق 7 ، الجارية بغسل جسدها قبل الرأس في واقعة ، فمعارضة مع صحيحة محمّد ، المتضمنة للعكس
في تلك الواقعة بعينها ، الراجحة على الأولى بشذوذها المخرج إيّاها عن الحجية.
ومنه يظهر أنّ
الأخيرة دليل آخر مستقلّ على ما نحن فيه.
والمناقشة في
الروايات : بعدم دلالتها على وجوب تقديم جميع أجزاء الرأس ، مردودة بعدم القول
بالفصل.
__________________
وهل يدخل العنق في
الرأس ، فيجب تقديمه على باقي الأعضاء ، ويجوز تقديمه على المنابت والوجه ، أو لا
، فيغسل مع الباقي ، ويقدّم جميع أجزاء المنابت والوجه عليه؟
المحكي عن صريح
المقنعة ، والتحرير ، وكتب الشهيد ، ناقلا عن الجماعة ، وظاهر أبي الصلاح ، والغنية ،
والمهذب ـ وإن احتمل خلافه ـ : الأول. ونفى عنه بعض مشايخنا خلافا
يعرف ، وقيل : بل هو كالإجماع .
واستند فيه إلى
مقابلة الرأس مع المنكب والكتف في مضمرة زرارة وموثّقة سماعة ، فإنّه لو لا دخول العنق في الرأس ، لكان إمّا مهملا ، أو
داخلا في المنكب ، وهما باطلان قطعا.
ويخدشه : أنّه إن
أريد بطلان دخوله في معنى المنكب ، فهو كذلك ، بل هو كذلك في الرأس أيضا.
وإن أريد دخوله في
حكمه ، فأراد من غسل المنكب غسله مع العنق مجازا ، فلا نسلّم بطلانه ، كالرّجلين
واليدين والعورة والبطن ، فإنّ شيئا منها لا يدخل في المنكب قطعا.
ولذا استشكل فيه
جماعة من المتأخّرين ، منهم : صاحبا الذخيرة ورياض
__________________
المسائل ، بل عن الإشارة
غسل كلّ من الجانبين إلى رأس العنق ، وهو ظاهر في غسله مع الجانبين.
وهو جيّد ، لإطلاق
بعض الأخبار في غسل باقي الجسد بعد الرأس.
والأجود أن يحتاط
بضمّه إلى الرأس ثمَّ غسله مع الجانبين ، نصفه مع الميامن ونصفه مع المياسر.
وفي وجوب الترتيب
بين باقي الجسد ، فتقدّم الميامن كلّها على المياسر ، أو عدمه فيتخيّر وإن استحب ـ
لاستحباب التيامن في الطهور ، والتفصّي عن الخلاف ـ وجهان ، بل قولان :
الأول للأكثر ، بل
عليه الإجماع البسيط عن جميع من مرّ في الرأس وغيره ، والمركّب ـ ممّن رتب الرأس
والوضوء ـ عن الفاضل والشهيدين ، للإجماعين المنقولين ، واستدعاء الشغل اليقيني للبراءة
اليقينية ، والترتيب الذكري في جملة من الأخبار ، سيما مع إفادة
الواو للترتيب عند الفرّاء ، خصوصا مع عطف اليمين على الرأس بها أيضا في بعض
المعتبرة المفيدة فيه للترتيب قطعا ( مع أنّه لو لا الترتيب لكفى أن يقول : اغسل
جسدك ) .
والعامي : « إذا
اغتسل النبي بدأ بميامنه وفضل الأيمن على الأيسر » .
__________________
ولزوم تقديم
الأيمن في غسل الميت بالإجماع والنصوص ، مع ما ورد في بعض الأخبار أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة
.
ولما في المستفيضة
المروية في العلل والعيون وغيرهما من الكتب المعتبرة : « أن تغسيل الميّت لأجل
خروج النطفة ، فلذلك غسّل غسل الجنابة » ومقتضاها : أنّه عينه ، فيتّحدان في جميع الأحكام.
ويضعّف الأولان :
بمنع حجية الإجماع المنقول جدّا ، سيما مع وجود المخالف في الأول ، والفاصل في
الثاني.
والثالث : بحصول
البراءة اليقينية بمطلق الغسل ، للإطلاقات.
والرابع : بمنع
استلزامه الترتيب الفعلي ، سيما مع تصريح الجمهور بعدم إفادة الواو له ، والعطف
على الرأس بالواو لا يوجب إرادة الترتيب منها ، إذ لعلّه أراد بيان وجوب مطلق غسله
، واستفيد الترتيب فيه من مواضع أخر.
والخامس : بمنع
الدلالة ، وقد فضّل الصدر والظهر في بعض الأخبار أيضا.
والسادس : بمنع
دلالة التشبيه على المماثلة في جميع الأحكام ، فلعلّها في أصل الوجوب ، أو مع بعض
أحكام أخر ، سيما مع اختلافهما في أحكام كثيرة. مع أنّ عموم المماثلة إنّما كان
مفيدا لو قال : غسل الجنابة كغسل الميت ، وأمّا العكس ـ كما هو المذكور ـ فلا يفيد
إلاّ ثبوت جميع أحكام غسل الجنابة لغسل الميت ، غاية الأمر أنّه يتخلّف في بعض
الأحكام التي منها عدم وجوب الترتيب بدليل آخر ، مع أنّ عدم وجوبه لا يعدّ من
أحكامه ، فإنّه قضية الأصل.
والسابع : بأنّ
مقتضاه عدم ترك شيء ممّا يجب في غسل الجنابة لا عدم
__________________
الزيادة عليه ،
ولذا يغسّل الميت ثلاثة أغسال ، ويجب في بعضها الخليط.
والحاصل : أنّ
تغسيل الميت غسل الجنابة لا ينافي أن يجب فيه أمر زائد على ما يجب فيه ، فإنّ مع
الترتيب أيضا يتحقّق غسل الجنابة.
ولضعف تلك الوجوه
، مضافا إلى الأصل والإطلاقات المنضمّة مع ترك الاستفصال في صحيحة زرارة : رجل ترك
بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة ، إلى أن قال : « وإن كان استيقن رجع وأعاد
الماء عليه ما لم يصب بلة » إلى أن قال : « وإن رآه وبه بلّة مسح عليه وأعاد
الصلاة » الحديث ، المؤيّدة بالرضوي حيث قال بعد ذكر كيفية الغسل :
« تصبّ على رأسك ثلاث أكف ، وعلى جانبك الأيمن مثل ذلك ، وعلى جانبك الأيسر مثل
ذلك ، وعلى صدرك ثلاث أكف ، وعلى الظهر مثل ذلك. وقد يروي : تصبّ على الصدر من حدّ
مدّ العنق ، ثمَّ تمسح سائر بدنك بيديك » بل بصحيحة حريز ، المتقدّمة المصرّحة بوجوب
البدأة بالرأس قبل سائر الجسد وعدم التعرض للسائر.
مال جماعة من
المتأخّرين ، كشيخنا البهائي ، والمجلسي ، وصاحبي المدارك والذخيرة والوافي ، وغيرهم إلى
الثاني ، وفاقا للمحكي عن ظاهر طائفة من القدماء ، كالصدوقين ، والقديمين ، وصاحب الإشارة ، وهو قويّ
__________________
جدّا ، وأمر
الاحتياط ظاهر.
وهنا مسائل :
المسألة
الأولى : ظاهر عبارات الأصحاب : عدم وجوب الابتداء بالأعلى في شيء
من الأعضاء. وهو كذلك ، للأصل ، والصحيحة المصرّحة باكتفاء الإمام بغسل ما بقي في
ظهره بعد الإتمام من اللمعة . وليس فيها تصريح أو ظهور في النسيان أو الغفلة المنافيين
للعصمة ، إذ لعل الراوي ظنّ فراغه عن الغسل وإن لم يفرغ 7 بعد ، وإن طالت
المدّة ، لعدم اشتراط الموالاة في الغسل.
وأمّا قوله في
حسنة زرارة : « ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ، ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين ،
وعلى منكبه الأيسر مرتين » . وفي صحيحته : « ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك » فلا يفيد الوجوب
، لكونه إخبارا.
مع أنّ التقييد في
الأولى بالمرّتين يمنع عن الحمل على الوجوب لو أفاده أيضا ، واحتمال إرادة تحديد
المغسول في الثانية قائم.
المسألة
الثانية : حكم السرّة والعورتين على القول بعدم الترتيب بين الجانبين
واضح.
وأمّا على القول
بالترتيب فيجب غسل كلّ نصف منهما مع الجانب الذي يليه مع زيادة شيء من باب
المقدّمة.
ويحتمل الاكتفاء
بغسلهما مع أحد الجانبين ، لعدم الفصل المحسوس ، وامتناع إيجاب غسلهما مرتين.
مع أنّ شمول
الإجماعات المنقولة التي هي عمدة أدلّة ذلك القول لمثل ما نحن فيه غير معلوم ،
ولذا اكتفى في الذكرى ـ الذي هو أحد ناقلي الإجماع ـ
__________________
بالغسل مع أحد
الجانبين .
المسألة
الثالثة : المخلّ بالترتيب الواجب نسيانا أو
جهلا يعيد على ما يحصله. واللمعة المغفلة تغسل مع الجانبين إن كانت في الرأس ، ومع
الأيسر إن كانت في الأيمن على القول بالترتيب بينهما ، ووحدها على القول الآخر ،
وكذا إن كانت في الأيسر.
المسألة
الرابعة : يصح الغسل بالارتماس و الانغماس في الماء إجماعا ، للنصوص المستفيضة :
منها : صحيحة زرارة ، وفيها ـ بعد ذكر الترتيب ـ : « ولو أنّ
رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده » .
وحسنة الحلبي : «
إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك من غسله » .
ومثله صحيحته ،
إلاّ أنّ فيها « اغتمس » مكان « ارتمس » . وغير ذلك.
ومقتضى صريح
الأخبار : اشتراط وحدة الارتماس عرفا في صحّة الغسل.
وهل المراد منها
توالي غمس الأعضاء في الماء بحيث يتّحد الرمس ، وكذا زمان رمس الجميع عرفا كما هو
المشهور؟ أو المراد منها عدم التفرقة بين الأعضاء في الغمس وحده ، بأن يغمس عضوا
ثمَّ يخرجه ويغمس آخر مبنيا على سقوط التعدّد والترتيب ، حتى لو غمس رجله في الماء
بعد ما نوى فصبر ساعة ، ثمَّ غمس عضوا
__________________
آخر ، وهكذا إلى
أن يغطّى كلّه بالماء صحّ ، كما حكي عن بعض المحققين ، ومال إليه بعض
المعاصرين ؟
الحقّ هو الأوّل ،
لأنّه الظاهر المتبادر من وحدة ارتماس الشخص.
مع أنّه على
الثاني يلغو قيد الوحدة ، إذ غمس كلّ عضو ليس غمس الجنب ، فلا يحصل غمسه حينئذ ،
ويكفي قوله : « ارتمس الجنب » عن قيد الوحدة.
ومع قطع النظر عن
ذلك ، فلا شك في قيام الاحتمالين ، فيجب الإتيان بالأول ، عملا بمقتضى الشغل
اليقيني ، واستصحابا للجنابة وأحكامها.
نعم ، الظاهر
كفاية الارتماسة الواحدة عرفا ، بأن لا يتخلّل بين غمس الأعضاء سكون محسوس وإن لم
يكن في آن واحد حقيقة أو عرفا ، بل كان بحركة متّصلة بطيئة في الجملة.
وعلى هذا فلا
ينافيها التخليل المتوقّف إيصال الماء إلى جميع البشرة عليه لو لم يؤخّره ، بل لا
ينافي الدفعة العرفية أيضا.
ولا بدّ من مقارنة
النية لابتداء الشروع في الارتماس للغسل ، فلا يصح ما عن الألفية من صحة الغسل مع
التأنّي لو قارنت النية الانغماس التام .
ثمَّ اشتراط
الوحدة بالمعنى الأول يستلزم اشتراطها بالمعنى الثاني ، إذ انتفاء الثاني يوجب
انتفاء الأول. فلو فرّق الأعضاء في الرمس في الارتماسي ، لم يكن غسله صحيحا ،
لانتفاء الوحدة.
وهل يصح ذلك في
الترتيبي بأن يغمس رأسه أوّلا في الماء ثمَّ الأيمن ثمَّ
__________________
الأيسر ، أو يصبّ
على رأسه ثمَّ غمس الجانبين ، أم لا ، بل يشترط في الترتيبي خروج العضو من الماء
وصبّه عليه؟
المذكور في كلام
أكثر القدماء ـ في بيان الغسل الترتيبي ـ لفظ الصبّ أو ما بمعناه من الإفاضة أو
الوضع على العضو ، ككلام الإسكافي ، والنهاية والمقنعة للشيخين ، والهداية للصدوق ، والوسيلة
والمراسم وغيرها ، بل في مجالس الصدوق في وصف دين الإمامية : من أراد الغسل
من الجنابة ـ إلى أن قال ـ : ثمَّ يضع على رأسه ثلاث أكف من الماء ، ويميّز الشعر
بأنامله حتى يبلغ الماء أصول الشعر كلّه ، ثمَّ يتناول الإناء بيده ويصبّه على
رأسه وبدنه . بل مقتضى الأدلّة وجوب الصب واعتباره ، إذ جميع أخبار
الترتيب ، الواردة في بيان مهيّة الغسل مصرّحة بالصبّ.
وقد صرّح بذلك بعض
أجلّة المتأخّرين في شرحه على القواعد ، وقال : إنّ أدلّة الترتيب منحصرة في الصب . وبعد انحصارها
به لا وجه للتعدّي ، بل منها ما هو صريح في وجوبه.
ففي رواية حكم بن
حكيم في غسل الجنابة : « ثمَّ أفض على رأسك وجسدك » .
وفي صحيحة حريز ،
المتقدّمة : « ثمَّ أفض على سائر جسدك » .
وفي صحيحة زرارة :
عن غسل الجنابة ، فقال : « أفض على رأسك ثلاث
__________________
أكف ، وعن يمينك
وعن يسارك » .
ويؤيّده : مفهوم
الوصف بالواحدة في حسنة الحلبي وصحيحته المتقدّمتين .
وعلى هذا فلا
ينبغي الريب في اعتبار الصبّ في الترتيبي.
خلافا لصريح والدي
ـ ; ـ في اللوامع ، فقال بصحة الترتيبي برمس الأعضاء ترتيبا ، وبه يفتي جمع ممّن
عاصرناهم وبعض من مشايخنا ، تمسّكا ببعض إطلاقات الغسل.
وهو غريب غايته ،
لأنّه ـ مع ظهوره في الصب ـ مطلق بالنسبة إلى أخبار الترتيب ، فكما يقيّد بالترتيب
لأخباره فيجب تقييده بالصب أيضا ، لتضمّن أخبار الترتيب له ، مع أنّ الغسل مطلق
بالنسبة إلى نفس الصب أيضا ، فتقييده به لازم البتة.
ودعوى : أنّ
المراد بالصب الغسل ، من غرائب الدعاوي.
والتمسّك بإطلاق
قول الفقهاء بوجوب غسل الرأس والجسد من غير تقييد بالصبّ أو الإفاضة ، مردود :
بأنّ ذلك الإطلاق إنّما هو في كلام جماعة من اللاحقين ، وأمّا القدماء فكلام كلّهم
أو جلّهم ـ كما عرفت ـ مخصوص بالصب.
ومع ذلك فأيّ حجة
في إطلاق بعض العبارات؟! سيما مع تصريح الصدوق بأنّ من دين الإمامية : الصب.
وشيوعه في زمن الحج بحيث يحدس بأنّهم لا يغسلون ترتيبا إلاّ بالصب. هذا.
ثمَّ إنّ المعتبر
صدق أنّه ارتمس أو اغتمس في الماء ، أي : مقل فيه وغاص وكتم ، كما فسّرهما
اللغويّون بها ، بحيث صدق ذلك في العرف ، لأنّه المرجع في
__________________
معرفة المعاني في
مثل المقام. ولا شك أنّه لا يتوقّف على إلقاء نفسه في الماء بعد خروج جميع بدنه
منه ، كما قاله بعض المتأخّرين ، بل لو كان نصف جسده بل أزيد داخلا فيه وغاص في الماء ،
يقال : إنّه ارتمس ومقل فيه. ولذا ورد في الحديث : « إذا وقع الذباب في طعامكم
فامقلوه ، فإنّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر سمّا ، يقدّم الذي فيه السم » فأمر بمقل الذباب
مع تحقّق المقل بالنسبة إلى بعضه.
ولا ينافي ذلك
الوحدة ، لأنّ المراد وحدة ارتماس الشخص في إدخال ما يتوقّف صدق الارتماس عليه في
الماء ، ولا شك أنّ مثل هذا الشخص ارتمس عرفا ارتماسة واحدة.
نعم ، الظاهر
اعتبار خروج الرأس والرقبة ، بل الأحوط خروج بعض آخر أيضا ، حتى يصدق عرفا أنّه
ارتمس بعد ما لم يكن كذلك ، فإنّه هو الظاهر المتبادر من الحديث ، فلا يحكم بصحة
غسل من كان منغمسا في الماء ، فنوى وخرج ، أو تحرّك إلى جانب آخر ، وإن ادّعى
والدي ـ ; ـ في المعتمد : الإجماع على صحة الغسل وإن لم يخرج شيء من الأعضاء.
نعم ، يجب على من
كان بعضه في الماء أن يحرّك قدمه حتى يصل الماء المتجدّد حال الارتماسة الواحدة
تحت قدميه ، لا لتوقّف صدق الارتماسة الواحدة عليه ، بل لوجوب إيصال ماء الغسل إلى
كلّ جزء من بدنه بالإجماع والنصوص ، فلا يفيد وصول الماء قبل ذلك الارتماس إلى جزء
، وهو الظاهر ، ولا بعد تمام الارتماس الواحد ، لأنّه ليس ماء الغسل ، بل هو منحصر
بماء الارتماسة ، ولذا يحكم بوجوب كون التخليل فيما يحتاج إليه في تلك الحالة.
__________________
ولذا لو أغفل
موضعا في الارتماسي حتى انقضت الارتماسة الواحدة ، يستأنف الغسل عند الفاضل في
المنتهى ، ووالده ، والدروس ، والبيان ، وإن خالف فيه في القواعد ، فيكتفي بغسل
اللمعة مطلقا. وهو الأقوى ، لترك الاستفصال المفيد للعموم في صحيحة زرارة ،
المتقدّمة المتضمّنة لحكم من ترك بعض ذراعه أو جسده.
وهنا قولان آخران
أيضا : أحدهما : أنّه يكتفي بغسلها وما بعدها ، وكأنّه مبني على ترتب الارتماس
حكما.
والآخر : يستأنف
مع طول الزمان ، ويغسلها مع قصره ، ولعلّ وجهه : عدم صدق الدفعة العرفية مع طوله ،
وصدقها مع قصره.
ويردّ الأوّل :
بعدم دليل عليه ، بل عدم معنى محصّل له ، بل بطلان المبني عليه.
والثاني : بعدم
صدق الدفعة وعدم كفايتها مطلقا ، بل لا بدّ من غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.
والظاهر عدم وجوب
وصول الماء إلى جميع الأعضاء حال دخول الجميع في الماء ، فلو خرجت رجله من الماء
غمرت في الوحل قبل دخول رأسه أو بالعكس ، أجزأ على إشكال في الأخير ، لصدق غسل
الجميع بالارتماسة الواحدة.
المسألة
الخامسة : يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف ، لصحيحة علي : عن الرجل
يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر
على ما سوى ذلك؟ قال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء ،
__________________
أجزأه ذلك » .
ومرسلة ابن أبي
حمزة : في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده ، أيجزيه ذلك من الغسل؟
قال : « نعم » .
وهل يجب فيه
الترتيب كما عن الحلّي والمعتبر ؟ أو لا ، بل يجري
مجرى الارتماس أيضا مع غزارة المطر ، كما عن المقنعة والإصباح وظاهر
الاقتصاد والمبسوط وجملة من كتب الفاضل ، واختاره والدي ـ ; ـ ونسبه إلى الأكثر؟
الظاهر الثاني ،
لإطلاق الروايتين ، الخالي عن التقييد ، لما عرفت من عدم دلالة غير حسنة زرارة
والرضوي على الوجوب ، مع أنّه يتضمّن مثل الصب والإفاضة الذي هو
فعل المكلّف ، فلا يشمل المورد.
وأمّا هما ،
فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجّة. والحسنة لدلالتها على ترك
الرأس إلى أن يفرغ من الغسل ، بل على تأخير إرادة غسل الرأس لمكان « ثمَّ » غير
مفيدة ، لجواز أن يكون لا بدّية إعادة الغسل في المورد الذي يحكمون فيه بعدم
الترتيب لأجل ذلك التأخير ، حيث إنّ كلّ من يقول بعدم وجوب الترتيب هنا يجريه مجرى
الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية متواليا من غير تراخ ، ولذا قيدوا
المطر بالغزير.
__________________
فيبقى إطلاق
الروايتين خاليا عمّا يوجب تقييده في محلّ النزاع وإن قيّد بالترتيب في صورة عدم
غزارة المطر بالإجماع بل الرضوي المنجبر ، وبالدفعة العرفية مع غزارته بالإجماع.
مع أنّه على فرض
دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من وجه ، والمرجع إلى إطلاقات
الغسل.
وأمّا أخبار
الارتماس فغير جارية هنا قطعا ، لعدم تحقّق الارتماس فيه وإن كثرت الغزارة.
دليل الأوّل : عدم
منافاة الروايتين للترتيب ، فلا يخرج عن مقتضى أدلّته ، بل دلالة الصحيحة على
ثبوته ، إذ لا يمكن أن يكون المراد بقوله : « اغتساله بالماء » : المماثلة في
الجريان ، لتضمّن السؤال للغسل المستلزم إيّاه ، فيكون في الكيفية التي منها
الترتيب والارتماس. والثاني غير ممكن في المورد ، فيكون الأول.
وفيه : ما مرّ من
عدم نهوض أخبار الترتيب في المورد. وما ذكره في الصحيحة إنّما يصح إذا كان : يغتسل
اغتساله بالماء ، وإنّما هو : « يغسله » المستند إلى المطر ، ولا معنى
لاستناد الترتيب إليه.
مع أنّه يمكن أن
تكون المماثلة في شمول جميع أجزاء البدن والوصول إليه من أصول الشعور ونحوها.
ولا يبعد إلحاق
الميزاب وشبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة المستلزمة للدفعة العرفية
بحسبها ، لا للقياس بالمطر ، بل لعدم شمول أدلّة الترتيب ، كما مرّ.
__________________
البحث الخامس : في آداب غسل الجنابة وسننه ، وهي أمور :
منها
: إمرار اليد على ما جرى عليه
الماء من الجسد.
لا للرضوي
المتقدّم في مسألة ترتيب الجانبين ، كما قيل ، لأنّ المسح المذكور فيه إنّما هو لإيصال الماء المصبوب
على الصدر إلى البدن ، ولذا قيّده بالسائر ، وهو غير ما نحن فيه.
ولا للاستظهار ،
لأنّ مع يقين الوصول لا استظهار ، ومع عدمه إلاّ بإمرار اليد يجب ، ولا يكفي الظن
في المقام.
نعم ، يمكن
الاستدلال به في الجملة فيما اكتفى فيه بظن الأصل كأصالة عدم الحائل.
بل للإجماع
المنقول عن الخلاف والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى ، وصحيحة زرارة
المتقدّمة في صدر مسألة الارتماس ، حيث دلّت لفظة « إن » الوصلية على أولوية الدلك. وليس هي
في الارتماسي ، لإيجابه انتفاء الدفعة المعتبرة فيه ، بل عدم إمكان ذلك الجمع تحت
الماء. فيكون في الترتيبي ، ويكون المعنى : أجزأه ذلك وإن أوجب انتفاء الدلك
المطلوب.
ومنه يظهر اختصاص
الاستحباب هنا بالترتيبي ، وقد صرّح به بعض مشايخنا أيضا.
ومنها
: الموالاة ، لفتوى جمع من الأصحاب ، وعموم آيات المسارعة
__________________
والاستباق ، وكراهة الكون
على الجنابة.
ولا تجب إجماعا
كما في ظاهر المدارك والبحار ويشعر به كلام التهذيب أيضا ، وبلا خلاف كما في صريح الحدائق ، للأصل ، وصدق
الامتثال ، وصحيحتي هشام ومحمّد في قضية أم إسماعيل ، والجارية.
وحسنة اليماني : «
إنّ عليا لم ير بأسا أن يغسل الرجل رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة » .
والرضوي : « ولا
بأس بتبعيض الغسل بغسل يديك وفرجك ورأسك ، وتؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة » .
وصحيحة حريز ،
المتقدّمة في ترتيب الرأس ، وهي تدلّ على نفي وجوب الموالاة بمعنييها المتقدّمين في
الوضوء. بل يستفاد ذلك من سائر الأخبار أيضا.
وفي وجوبها على
خائف فجأة الحدث الأكبر قول ، استنادا إلى حرمة إبطال العمل ، وكذا الخائف فجأة
الأصغر ـ على القول بإبطاله الغسل ـ لذلك ، وهو ضعيف.
ومنها
: البول أمام الغسل إن أمكن ،
للاتّفاق على رجحانه ، وللمحافظة
__________________
على الغسل من
طريان مزيله ، وللنصوص :
منها صحيحة
البزنطي : عن غسل الجنابة ، إلى أن قال : « وتبول إن قدرت على البول ، ثمَّ تدخل
يدك في الإناء ثمَّ اغسل ما أصابك منه » الحديث.
ومضمرة ابن هلال :
عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : « إنّ الغسل بعد البول إلاّ أن يكون ناسيا ،
فلا يعيدنّ الغسل » .
والرضوي : « فإذا
أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج فضلة المني التي في إحليلك. وإن
جهدت ولم تقدر على البول فلا شيء عليك ، وتنظف موضع الأذى منك » .
والتمسّك بالنبوي
: « من ترك البول على أثر الجنابة ، أو شك تردّد بقية الماء في بدنه ، فيورثه
الداء الذي لا دواء له » غير جيّد ، لأنّه
يدلّ على رجحانه بعد الجنابة لا قبل الغسل ، فيحصل امتثاله بالبول بعد الغسل إذا
اغتسل بعد الجنابة بلا مهلة.
وظاهر تلك الأخبار
كلاّ أو بعضا وإن كان الوجوب ، إلاّ أنّ جماعة من علمائنا الأعلام كالسيد والحلّي والفاضلين ، والشهيدين وجلّ من تأخّر
__________________
عنهم لم يقولوا به
، لضعف الأولى دلالة ، لمكان الجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب ، سيما مع
ورودها في سياق الأوامر المستحبة. والثانيتين سندا ، مع ما في أولاهما من العلّة
باعتبار التفرقة بين النسيان وعدمه في إعادة الغسل.
مضافا إلى أنّ
مقتضى حقيقتها انحصار الغسل بما بعد البول ، وأنّ قبله ليس غسلا أو ليس صحيحا ،
وليس كذلك قطعا ، فيكون مجازا ، وهو يمكن أن يكون الغسل الكامل.
خلافا لأعيان
القدماء وتابعيهم ، كالصدوقين في المقنع والهداية ، والشيخين في
المقنعة والمبسوط والاستبصار والجمل والعقود والمصباح ومختصره ،
والجعفي والكيدري ، والحلبي والقاضي والديلمي وابني حمزة وزهرة
وصاحبي الإصباح والجامع ، فقالوا بوجوبه ، واختاره بعض مشايخنا.
واحتاط بالقول به
بعض آخر منهم .
ونفى عنه البأس في
الذكرى ، ونسبه إلى معظم الأصحاب .
وعن الغنية دعوى
الإجماع عليه .
وقد يقال بالوجوب
التخييري بينه وبين الاستبراء بالاجتهاد ، وعزي ذلك إلى
__________________
الشيخ وابني حمزة
وزهرة .
واستدلّوا بما مرّ
، مع الاعتراض عليه.
وهو قويّ جدّا ،
للرضوي المتقدّم. ويجاب عن ضعفه بانجباره بما مرّ من الشهرة القديمة والمحكية في
الذكرى ، والإجماع المحكيّ.
وحمل كلام الموجبين
على الوجوب الشرطي بعيد غايته ، سيما كلام من ذكر بلفظ الأمر ، وهو أكثرهم.
واستدلال بعضهم بأخبار إعادة
الغسل مع الإخلال به ، وخروج شيء من الذكر ، لا يدلّ على إرادته الشرطي ، إذ
لعلّه أراد الاستدلال ( على وجوب ) محافظة الغسل عن مزيله ، كما احتجّ به في الذكرى ، وإن كان في
تماميته نظر.
وتضعيف القول
بالوجوب : بأخبار الإعادة حيث إنّهم لم ينكروا على السائلين تركهم البول ، وبخلوّ
أكثر أخبار بيان الغسل عنه مع التعرّض للآداب المستحبة ، وبعدم شيوعه مع أنّه لو
كان لشاع واشتهر ، ضعيف غايته.
أمّا الأوّل :
فلأن أكثر أخبار الإعادة متضمّنة لفرض الترك ، إمّا من الراوي أو المروي عنه ، وليس
فيها ترك السائل. مع أنّ عدم الإنكار حين السؤال عن الحكم لا يدلّ على عدمه مطلقا.
وأمّا الثاني
والثالث : فظاهر. مع أنّ الظاهر أنّ القائل بوجوبه لا يجعله من الغسل جزءا ولا
شرطا ، بل هو واجب برأسه قبل الغسل ، فلا يضرّ خلوّ أخبار
__________________
بيان الغسل منه.
ومقتضى التعليل
المذكور في الرضوي ـ مطابقا لصريح جملة من الأصحاب منهم الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني ـ اختصاصه
بالمنزل ، إذ بدونه لا تتحقّق فضلة للمني.
وأمّا إطلاق
الصحيحة والمضمرة : فلا يفيد في الوجوب. مع أنّه لا إطلاق في الصحيحة ،
لظهورها في المنزل أيضا ، لمكان قوله : « واغسل ما أصابك منه ». فلا يجب إلاّ عليه
، وإن احتمل الاستحباب مطلقا.
كما أنّ مقتضى كون
الخطاب في الصحيحة إلى الراوي الذي هو الرجل ، واختصاص السؤال به مع تذكير الضمائر
التي بعد الجواب في المضمرة ، وذكر الإحليل وتذكير الخطاب في الرضوي ، مع أنّه كتب
الكتاب للمأمون وخطاباته إليه كما يظهر منه ، مضافا إلى الأصل وانتفاء الإجماع على
الشركة في المقام : اختصاصه بالرجل ، وفاقا لأكثر من ذكر ، وخلافا للمقنعة
والنهاية فعمّماه ، ولا وجه له سيما مع ظهور اختصاص الحكمة.
ومنها
: الاستبراء باليد إن لم يتيسّر البول ، تبعا للمحكي عن المشهور بين
المتأخّرين ، وحذرا عن مخالفة
من أوجبه حينئذ ، كما عن الشيخين والقاضي
__________________
وابني حمزة وزهرة ، وهما كافيان في
المقام.
وأمّا وجوبه حينئذ
فلا دليل عليه ، كما لا دليل على استحبابه أو وجوبه بعد البول للغسل ، لأجل الغسل.
وكلام من ندبه أو أوجبه معه ـ في هذا المقام ـ يشعر بأنّه لأجل الغسل ، فإنّه
مستحب أو واجب ـ على اختلاف القولين ـ بعد البول مطلقا أيضا ، كما مرّ في بحث
الاستنجاء مع كيفية الاستبراء.
ومنها
: غسل اليدين إجماعا فتوى ونصّا ، إلى الزندين مشهورا ، للمستفيضة
المصرّحة بغسل الكفين .
وأفضل منه دون
المرفق ، لموثّقة سماعة .
والأكمل إلى
المرفق ، لصحيحتي البزنطي ، ويعقوب بن يقطين ، والمروي في قرب الإسناد للحميري ، وفي الخصال : «
إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما » .
وأمّا رواية يونس
في غسل الميت : « يغسل يده ثلاث مرات ، كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف
الذراع » فلا تدلّ على استحباب ذلك التحديد في غسل الجنابة أيضا ،
لجواز كون التشبيه في الغسل.
مقدّما على
المضمضة والاستنشاق ، لصحيحة زرارة وموثّقة أبي
__________________
بصير . بل على غسل
الفرج أيضا كما يستفاد من الأخبار.
ثلاثا بالإجماع ،
لصحيحة الحلبي ومرسلة الفقيه المتقدّمتين في غسل اليدين للوضوء ، والرضوي : «
وتغسل يديك إلى المفصل ثلاثا » .
وبها تقيّد
الروايات المطلقة ، كما هو مقتضى القواعد الشرعية.
سواء في ذلك ،
الغسل من الإناء الواسع الذي يدخل فيه اليد ، والضيّق الذي يصب منه الماء ، لإطلاق
صحيحتي محمّد وزرارة وغيرهما. بل سواء فيه الغسل الترتيبي والارتماسي ، لإطلاق
رواية الحضرمي : كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال : « اغسل كفك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة
ثمَّ اغتسل » .
والتخصيص بالأول
للتصريح بإدخال اليد في بعض الأخبار بعد إطلاق بعض آخر ، لا وجه له ، وجعله من باب
حمل المطلق على المقيد خطأ.
ومنها
: المضمضة والاستنشاق ، إجماعا كما في
المدارك ، للنصوص ، بعد تطهير الفرج ، كما في صحيحة زرارة وموثّقة أبي بصير
.
ثلاثا في كلّ
منهما ، كما عن المقنعة والنهاية والسرائر والوسيلة والمهذّب
__________________
والإصباح والتذكرة
والتحرير والذكرى والبيان ، لفتوى هؤلاء ، مضافا إلى الرضوي : وقد يروى : أن يتمضمض
ويستنشق ثلاثا ، وروي : مرة يجزيه ، والأفضل الثلاث .
مقدّما الثلاث
الأولى على الثانية ، للشهرة المحكية. وإن جاز عكسه أيضا على ما مرّ في الوضوء.
ومنها
: الغسل بصاع من الماء ـ وهو تسعة أرطال
بالعراقي ـ بالإجماع والنصوص.
ولا يجب إجماعا
منّا ، لاستفاضة أخبارنا بإجزاء مثل الدهن ، وبطهارة ما جرى عليه الماء من الجسد .
وما ظاهره الوجوب
محمول على الاستحباب ، جمعا ، أو وارد مورد التقية ، لأنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة .
والمستفاد من
ظواهر عبارات أصحابنا الأخيار ، وصريح والدي ـ ; ـ : عدم استحباب الغسل بالزائد من الصاع ، وهو مقتضى
الأصل.
إلاّ أنّ الفاضلين
صرّحا باستحبابه أيضا وادّعيا الوفاق عليه . وهو يقتضي ثبوته ، للتسامح في المقام.
ولا تنافيه مرسلة
الفقيه : « وسيأتي قوم يستقلون ذلك ـ أي الصاع ـ فأولئك على خلاف سنتي » إذ استحباب
الزائد لا ينافي كراهة استقلال الصاع ، بل
__________________
حرمته.
ثمَّ صريح صحيحة
الفضلاء وظاهر غيرها من الصحاح : اختصاص الاستحباب بالصاع بحالة الانفراد ، وكفاية الأقلّ
مع الاشتراك. وهو ظاهر والدي ; به ولا بأس به ، لما ذكر.
وفي دخول ماء غسل
اليد والمضمضة والاستنشاق وتطهير الفرج في الصاع وجهان ، والدخول ليس ببعيد.
ومنها
: المبالغة في إيصال الماء والاستظهار فيه ، لما في حسنة جميل : « يبالغن في الغسل » وصحيحة محمّد : «
يبالغن في الماء » والرضوي : « والاستظهار فيه إذا أمكن » .
ومنها
: التثليث في غسل كلّ عضو في الترتيبي ، لفتوى جماعة.
والاستدلال بأخبار
ثلاث أكف ليس بسديد ، لإمكان إرادة الصب بثلاث أكف من غير تثليث في
الغسل ، أو إرادة هذا المقدار كما يستفاد من الرضوي : « تصب على رأسك ثلاث أكف ،
وعلى جانبك الأيمن مثل ذلك ، وعلى جانبك الأيسر مثل ذلك » إلى أن قال : « وإن كان
الصب بالإناء جاز الاكتفاء بهذا المقدار » .
والإسكافي استحبّ للمرتمس
ثلاث غوصات يخلّل شعره ويمسح جسده
__________________
في كلّ منها. ونفى
عنه الشهيد البأس ، واستظهره والدي. ولا بأس به ، لذلك.
(
ومنها : الدعاء بالمأثور في موثّقة الساباطي ورواية محمّد بن مروان ، إمّا قبل الغسل أو بعده ) .
البحث
السادس : في أحكامه. وهي أمور نذكرها
في مسائل :
المسألة
الأولى : البلل الخارج بعد الغسل ، إن علمه منيا أو بولا ، لحقه حكمه
إجماعا ، فتوى ونصا ، وإن علمه غيرهما ، لم يلزمه شيء كذلك.
وإن اشتبه ، فإن
كان الغسل بعد البول والاستبراء ، فلا غسل ولا وضوء أيضا بالإجماع ، للأصل ،
والاستصحاب ، والعمومات ، وخصوص المستفيضة النافية للغسل بعد البول ، والوضوء بعد
الاستبراء.
فمن الأولى :
موثّقة سماعة : عن الرجل يجنب ، ثمَّ يغتسل قبل أن يبول ، فيجد بللا بعد ما يغتسل
، قال : « يعيد الغسل ، وإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ، ولكن يتوضّأ
ويستنجي » .
وصحيحة الحلبي :
عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا ، وقد كان بال قبل أن يغتسل ، قال : « إن
كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد الغسل » .
__________________
وصحيحة محمّد : عن
الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء ، قال : « يغتسل ويعيد الصلاة إلاّ أن
يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنه لا يعيد غسله ». قال محمّد : وقال أبو جعفر 7 : « من اغتسل وهو
جنب قبل أن يبول ، ثمَّ وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ
وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء ، لأن البول لم يدع شيئا » .
وحسنة الحلبي : عن
الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا ، وقد كان بال قبل أن يغتسل قال : « ليتوضّأ ،
وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل » .
وجه دلالتها على
المطلوب بضميمة أن التفصيل قاطع للشركة.
ونحوها : رواية
ابن ميسرة في رجل رأى بعد الغسل شيئا ، قال : « إن كان بال بعد جماعة قبل الغسل
فليتوضّأ ، وإن لم يبل حتى اغتسل ، ثمَّ وجد البلل فليعد الغسل » .
ومن الثانية ما
مرّ في مسألة الاستبراء من الصحيحة والحسنتين وغيرها .
وأمّا ما في
الأخبار المتقدّمة من الأمر بالوضوء ، فمحمول على عدم الاستبراء ، لعمومها بالنسبة
إليه.
واختصاصها بما بعد
الجنابة لا يخصّصها ، لعدم القول بالفصل. مع أنّه على فرض الاختصاص يكون التعارض
بالعموم من وجه ، والمرجع الأصل.
وأمّا ما في صحيحة
ابن عيسى : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكر بعد
__________________
الاستبراء؟ فكتب :
« نعم » فبالشذوذ مردود. مع أنّه ـ كما في الاستبصار ـ موافق للعامة.
ومع ذلك هي بالنسبة إلى ما مرّ عامة ، فإرادة ما علم كونه بولا متعيّنة.
وإن لم يأت بشيء
منهما ، يجب عليه الغسل على الأشهر الأظهر ، بل عن الحلّي والفاضل الإجماع عليه ،
لما تقدّم من الأخبار منطوقا ومفهوما ، مضافا إلى صحيحتي سليمان ومنصور ، وبها تخصّص
عمومات عدم نقض اليقين بالشك.
وأمّا الروايات
الدالّة على عدم الإعادة مع عدم البول مطلقا ، كروايتي الشحام وعبد الله بن
هلال ومرسلة الفقيه ، أو مع نسيان البول خاصة ، كروايتي جميل وأحمد بن هلال فمع ضعفها سندا
وشذوذها ـ لعدم قائل
__________________
بمضمونها سوى ما
نقل عن ظاهر الفقيه والمقنع من الاكتفاء بالوضوء ـ أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة ،
لاختصاص ما تقدّم بالمشتبه إجماعا ، وشمول هذه لما علم عدم كونه منيا أو بولا
أيضا. بل في الأولى والثالثة تصريح بكونه من الحبائل التي لا شيء فيها إجماعا.
وكذا إن لم يأت
بالبول مع إمكانه وأتى بالاستبراء ، على المشهور أيضا. بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لإطلاق ما
تقدّم من الصحاح ، بل وعموم بعضها.
خلافا للمحكي عن
ظاهري الشرائع والنافع ، فلم يوجبه ، للأصل المندفع بما تقدّم.
وأمّا مع عدم
إمكانه ، فالحقّ المشهور ـ كما صرّح به جماعة ـ سقوط الغسل ، وعدم وجوب شيء ، وهو
مختار الصدوقين والشيخين والفاضلين ، وإليه ذهب والدي العلاّمة في الكتابين ، للرضوي المتقدّم
المنجبر في المقام بالشهرة ، بل للجمع بين مطلقات الإعادة وروايتي الشحام
وابن هلال ، بحمل الأخيرتين على صورة عدم الإمكان ، بشهادة الرضوي.
وحمل نفي الشيء
فيه على نفي الإثم تخصيص بلا مخصّص.
وإطلاقه باعتبار
خروج البلل وعدمه لا يضرّ ، إذ غايته تعارضه مع موجبات الإعادة بالعموم من وجه ،
ويرجع إلى الأصل لو لا ترجيح ذلك بالأحدثية وموافقة الشهرة.
__________________
وإن عكست الحال ،
فبال ولم يستبرئ ، يجب عليه الوضوء ، بالإجماع كما في اللوامع ، وعلى المعروف من
مذهب الأصحاب كما في الحدائق ، وبلا خلاف كما قيل ، للصحيح والحسنتين المتقدّمتين في مسألة الاستبراء ، وموثّقة سماعة
وصحيحة محمّد ورواية ابن ميسرة السالفة .
ولا اختصاص لذلك
بما بعد الجنابة ، بل يجب الوضوء بالبلل الخارج بعد البول قبل الاستبراء مطلقا.
وربما ينقل عن
ظاهر المقنعة والتهذيبين عدم الوضوء إذا كان ذلك بعد الجنابة ، بناء على عدمه مع
غسل الجنابة.
وفي إطلاقه منع
ظاهر ، لاختصاصه بخروج موجبه قبل الغسل لا بعده ، والموجب هنا البلل الخارج بعده.
فروع :
أ : وجوب الغسل أو
الوضوء في بعض الصور مخصوص بالرجل ، وأمّا المرأة فلا ، على المشهور بين الأصحاب ،
للأصل ، والاستصحاب ، لاختصاص أخبار الوجوب بالرجل ، مضافا إلى التنصيص به في
صحيحتي سليمان ومنصور ، بل لا يجب الغسل عليها وإن علمت أنّ الخارج مني ، بعد
احتمال كونه من الرجل.
ب : صرّح جماعة ـ منهم
الفاضل في المنتهى والشهيدان ـ باختصاص إعادة الغسل في بعض الصور بالمنزل ، فلا يجب على
من أجنب بغيره ، لأن الحكم
__________________
بالإعادة إنّما هو
لمظنة كون الخارج من فضلة المني الخارج ، وذلك في حقّه غير متصوّر.
ومال بعض
المتأخّرين إلى الإعادة ، لعموم الروايات. وهي أحوط ، وإن أمكن الخدش في الروايات
: بأنّها مطلقة ، فإلى الشائع من أفراد الجنب ـ وهو المنزل ـ منصرفة.
ج : الخارج فيما
يجب فيه الغسل أو الوضوء حدث جديد ، فالعبادة الواقعة قبل خروجه صحيحة ، للأصل ،
واقتضاء الأمر للإجزاء.
وقوله في صحيحة محمّد
، المتقدّمة . « ويعيد الصلاة » لا يفيد ، إذ كما يمكن أن يراد منه
الصلاة الواقعة بعد الغسل ، يمكن أن يراد منه الواقعة بعد الخروج ، ولا عموم فيه
يشمل الجميع. مع أنّه لا يفيد أزيد من الرجحان.
د : وجوب الغسل أو
الوضوء إنّما هو إذا كان نفس البلل الخارج مشتبها ، أمّا لو علم أنّه ليس بمني أو
بول ، وشك في أنّه هل يستصحب شيئا من الأجزاء المتخلّفة من أحدهما ، فلا يجب ، إذ
ما علم خروجه لا يوجبه ، بالنصوص الواردة فيه ، وغيره منفي بالأصل.
هـ : المستفاد من
لفظ الإعادة في الأخبار المتقدّمة ، ومن التعليل بخروج بقية المني : كون الغسل
المعاد غسل جنابة ، فيرتفع به الحدث الأصغر المتخلّل بين الغسلين من غير حاجة إلى
الوضوء ، ولو احتاط بنقض الغسل ثمَّ الوضوء كان أولى.
المسألة
الثانية : المحدث بالأصغر في أثناء الغسل يعيده ، وفاقا للصدوقين ، ونهاية الإحكام
، والمبسوط والإصباح والجامع والقواعد ،
__________________
والشهيدين . بل نسبه المحقّق
الثاني في شرح الألفية إلى الشهرة.
للرضوي المنجبر
ضعفه بالشهرة المحكية : « فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك
من قبل أن تغسل جسدك ، فأعد الغسل من أوله » .
ونقله جماعة من
مجالس الصدوق أيضا.
وقد يستدلّ أيضا :
بأنّ الغسل الأول بعد إتمامه لا يرفع الحدث المتخلّل بالبديهة ، والصحيح من غسل
الجنابة ما يرتفع معه جميع الأحداث.
وبأنّ المتخلّل لا
بدّ له من أثر ، وليس هو الوضوء ، إذ ليس هو مع غسل الجنابة ، فهو الغسل.
وبأنّه ينقض حكم
تمام الغسل إن صدر بعده ، فينقض حكم البعض بالطريق الأولى. فلا يكون لهذا الغسل
حكم إباحة الصلاة ، والصحيح منه لا يخلو عنه البتة.
ويرد على الأول :
منع المقدمة الأولى أوّلا ، فإنّ أحد المخالفين يقول برفعه للعمومات ، كما يأتي ،
ولا استبعاد فيه. ومنع إطلاق الثانية ثانيا ، فإنّ المخالف الآخر يقول بأنه لا
يرفع المتخلّل.
وعلى الثاني : منع
وجوب الأثر لكلّ حدث حتى المتخلّل أوّلا. ومنع عدم كونه الوضوء ثانيا ، ولا يلزم
من عدمه مع غسل الجنابة في الجملة عدمه معه مطلقا.
وعلى الثالث : منع
الأولوية المدّعاة أوّلا. ومنع ترتّب الإباحة على كلّ غسل جنابة صحيح ثانيا. وسند
هذا الممنوع يظهر ممّا يأتي من أدلّة المخالفين.
__________________
خلافا للسيد والمحقّق وأكثر الثالثة ،
ومنهم : والدي العلاّمة ، فقالوا بأنّه يتمّ الغسل ويتوضّأ بعده.
أمّا الإتمام :
فلأصالة البراءة ، واستصحاب الصحة الثابتة بعموم مثل قوله في الجنب : « ما جرى
عليه الماء فقد طهر » و « كل شيء
أمسسته الماء فقد نقيته » .
وأمّا الوضوء :
فلعموم ما دلّ على إيجاب الأصغر إيّاه ، خرج منه ما كان قبل غسل الجنابة بالإجماع
والأدلّة ، فيبقى الباقي.
وأيضا : الأصغر لا
يوجب الغسل فلا يعيد ، فيجب الإتمام. ولا يرتفع ببقيته ، لعدم استقلالها بالرفع ،
فيتوضّأ.
ويضعّف الأول :
باندفاع الأصل ، والاستصحاب : بما مرّ ، بضميمة عدم القول بالصحة مع الإعادة ، فلا
يتمّه بل يعيد ، ومعها لا يتوضّأ بالبديهة.
والثاني : بأنّ
عدم إيجاب الأصغر للغسل لا يوجب عدم إبطاله لبعضه.
وللقاضي والحلّي والكركي وبعض الثالثة ، فقالوا بكفاية
الإتمام ، لصدق الغسل ، وكفايته بإطلاق الأمر به المستلزم للإجزاء ، فلا إعادة ،
واستفاضة النصوص بانتفاء الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا ، خرج ما إذا
أحدث بالأصغر بعد إتمامه بالإجماع ، فيبقى الباقي.
__________________
ويجاب عنه : بلزوم
تقييد إطلاق الأمر بما مرّ ـ كما هو القاعدة ـ فتجب الإعادة.
مع أنّ ( إطلاق ) النصوص النافية
للوضوء معه يعارض عمومات إيجاب الأصغر للوضوء بالعموم من وجه ، والترجيح للعمومات
، بموافقة الكتاب ، وعدم انصراف الإطلاق إلى مثل تلك الصورة النادرة.
وتوهّم توقّف
موافقة الكتاب على عطف قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً ) على قوله ( إِذا قُمْتُمْ ) ، وأما على العطف
على الشرط المقدّر أو الجزاء المذكور فلا ، إذ التفصيل قاطع للشركة ، فاسد ، إذ
تدلّ الآية ـ على جميع التقادير ـ على وجوب الوضوء على المحدث من حيث هو محدث مطلقا
، ومقتضى قطع الشركة عدم وجوب غير الغسل على الجنب من حيث هو جنب ، وهو كذلك ، ولا
ينافي ذلك وجوبه عليه من جهة أخرى.
ومنه يظهر عدم
دلالة رواية محمّد : إنّ أهل الكوفة يروون عن علي أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل
من الجنابة. قال : « كذبوا على علي 7 ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي ، قال الله تعالى ( وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) » على انتفاء الوضوء من الجنب المحدث من حيث هو محدث ، فإنّ
السؤال عن الأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة ، وظاهره أنّه من حيث هو جنب.
ثمَّ المحتاط يعيد
ويتوضّأ ، سيما بعد نقض المعاد ، ولو أتمّ وأعاد ونقض وتوضّأ ، احتاط غايته.
فرعان :
أ : لو تخلّل
الحدث غير غسل الجنابة من الأغسال ، يتمّ ويتوضّأ ، سواء قلنا
__________________
بإجزائه عن الوضوء
أم لا.
أمّا الإتمام :
فللأصل والاستصحاب المتقدّمين الخاليين عن المعارض في المقام ، لاختصاص الرضوي وقرينة ـ بقرينة
السياق ـ بالجنب. مع أنّ الشهرة الجابرة له في المورد غير محقّقة ولا محكية ، بل
الفاضل مع حكمه بالإعادة في الجنابة لم يحكم بها هنا.
وأمّا الوضوء :
فلموجباته بعد الأصغر ، الراجحة على ما ينفيه بعد كلّ غسل ـ بعد التعارض ـ كما
مرّ.
ب : الارتماسي
كالترتيبي في إمكان التخلّل ، إذ الدفعة العرفية لا تنافيه.
وتوهّم أن الغسل
بعد ولوج الكل ، فيحصل بآخر أجزائه وهو آني ، فاسد ، بل هو يحصل بكلّ أجزاء الولوج
، وهو تدريجي.
وعلى هذا ، فلو
تخلّله الحدث ، تجري فيه الأقوال الثلاثة. والحقّ فيه الإتمام ، للاستصحاب
المتقدّم. والوضوء ، لعموماته الراجحة ـ بما مرّ ـ على معارضها في الغسل. وعدم
الإعادة ، للأصل ، حيث إنّ سياق الرضوي وقرينه في الترتيبي.
مع أنّ الشهرة
الجابرة هنا غير معلومة ، وعدم الفصل بين الترتيبي والارتماسي غير ثابت.
والاحتياط بالجمع
بين الإعادة والوضوء أولى ، سيما مع نقض المعاد.
المسألة
الثالثة :
لا يجب الوضوء مع
غسل الجنابة للمشروط به ولو على المحدث بالحدث الأصغر قبله ، بالإجماع المحقّق
والمحكي عن جماعة من علمائنا الأخيار ، وعمل الفرقة في جميع الأعصار ، واستفاضة
الأخبار السالمة عن المعارض بأنه لا وضوء معه ولا قبله ولا بعده ، التي منها ما
يصرّح بأنه لا وضوء للصلاة مع غسل الجمعة
__________________
وغيره ، الشامل للجنابة
، أو بإجزائه عن الوضوء. بل في الرضوي : « غسل الجنابة والوضوء فريضتان ، فإذا
اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما » .
فاحتمال أن يراد
من بعض تلك الظواهر أنه لا وضوء مع غسل الجنابة أي للغسل ، بمعنى أنه لا تتوقّف
تمامية الغسل عليه ، فلا ينافي وجوبه للصلاة ، أو : لا وضوء معه من حيث إنّه جنب ،
فلا ينافي وجوبه من حيث هو محدث ، غير ضائر.
ولا يستحب معه
أيضا على الحقّ المشهور ، لنفي الوضوء معه أو قبله أو بعده ، أي في الشرع ـ كما هو
الظاهر المتبادر من صدوره عن الشارع ـ في جملة من أخبارنا. ويؤيده الحكم بكونه
بدعة في جملة أخرى.
خلافا للمحكي من
التهذيب ، ومال إليه المقدس الأردبيلي ، لرواية الحضرمي
: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال : « اغسل كفك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمَّ اغتسل
» .
ورواية ابن ميسر ،
وفيها بعد السؤال من الرجل يريد أن يغتسل : « يضع يده ويتوضأ ويغتسل » .
وتردّان
بمرجوحيتهما عن الأخبار المعارضة لهما ، باعتبار موافقتهما للعامة ،
__________________
كما صرّح بها
الجماعة وتستفاد من بعض المعتبرة ، وهي ممّا توجب
المرجوحية قطعا.
على أنّ الغسل في
الثانية أعمّ من الجنابة ، والتوضّؤ غير صريح في الأفعال المعهودة إلاّ على أن
تثبت فيه الحقيقة الشرعية. بل وكذا في الأولى ، لاحتمال أن يراد بوضوء الصلاة
المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين من المرفق ، المستحبة قبل غسل الجنابة.
هذا في غسل
الجنابة ، وأمّا غيره من الأغسال المفروضة والمسنونة ، ففي وجوب الوضوء معه وعدمه
ـ إن لم يكن للمكلّف وضوء ـ قولان :
الأوّل للأكثر ،
بل قيل : كاد أن يكون إجماعا ، بل عن أمالي الصدوق : كونه من دين الإمامية ، إلاّ أنّ
عبارته عن إفادة الوجوب قاصرة.
لإطلاق الآية ،
وعموم ما دلّ على وجوبه بحدوث أحد أسبابه ، بضميمة أصالة عدم إجزاء غيره.
ومرسلة ابن أبي
عمير : « كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة » وفي أخرى : « في
كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة » .
وصحيحة ابن يقطين
: « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل »
__________________
وتمام المطلوب
بالإجماع المركّب.
والرضوي : «
والوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة ، لأنّ غسل الجنابة فريضة مجزية عن الفرض
الثاني ، ولا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء ، لأنّ الغسل سنّة والوضوء فريضة ، ولا
يجزي سنّة عن فرض » إلى أن قال : « فإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ، ثمَّ
اغتسل ، ولا يجزيك الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء توضّأ وأعد الصلاة »
.
والمروي في
الغوالي عن النبي 6 : « كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلاّ الجنابة » .
والثاني للمحكي عن
السيد والإسكافي وجملة من أفاضل المتأخّرين ، منهم : المحقّقان الأردبيلي والخوانساري ، وصاحبا المدارك
والذخيرة ، ونسبه في البحار إلى أكثرهم ، واختاره بعض
مشايخنا.
للأصل ،
وللمستفيضة المصرّحة بأنّ الوضوء بعد الغسل أو قبله بدعة ، كصحيحة سليمان ، ورواية ابن
سليمان ، ومرسلة الفقيه .
__________________
ولصحيحة محمّد : «
الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل » .
وفي صحيحة ابن
حكيم : « وأيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ » .
ومرسلة حماد : في
الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد الله 7 : « وأيّ وضوء
أطهر من الغسل » .
وموثّقة الساباطي
: عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك
أو بعده؟ فقال : « لا ، ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل. والمرأة مثل ذلك ،
إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك ، فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد ، قد أجزأها
الغسل » .
ومكاتبة الهمداني
إلى أبي الحسن الثالث : عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب : « لا وضوء للصلاة
في غسل يوم الجمعة ولا غيره » .
والمستفيضة من
الصحاح وغيرها الواردة في غسل الحائض والمستحاضة والنفساء ، الآمرة فيها بالغسل
ثمَّ الصلاة ، من غير تعرّض فيها للوضوء مع كونها في مقام الحاجة.
والإيراد على
الثلاثة الأولى : بأنّها متروك الظاهر ، لاعتقاد الخصم
__________________
استحباب الوضوء
ومشروعيته ، مردود : بلزوم تقدير فيها ـ على القول بكون العبادات أسامي للأعم ،
كما هو الحقّ ـ لعدم حرمة الوضوء لا بقصد المشروعية قطعا ، والمقدّر كما يمكن أن
يكون قصد القربة ، يمكن أن يكون قصد الوجوب.
وعليها مع المتعقبين لها
: بفقد اللفظ الدالّ على العموم فيها ، وانصراف الغسل فيها إلى المتبادر الغالب
الذي هو غسل الجنابة ، مردود : بعموم المفرد المعرّف كما عليه عملهم في جميع
الموارد ، ومنع غلبة الجنابة جدّا ، سيما بحيث توجب تبادره وانصراف المطلق إليه.
كيف وغسل الجمعة وسائر الأغسال المسنونة ، وغسل الحيض والاستحاضة لو لم تغلب على
غسل الجنابة لم تقصر عنه البتة.
وورود أمثالها في
الردّ على العامة لا يخصّصها بالجنابة ، لأنّ إيجابهم الوضوء لا يختص بها.
وعلى البواقي :
بضعفها إسنادا ، مردود : بأنّه غير ضائر مع كونها في الأصول المعتبرة ، مع أنّ
فيها الموثّقة ، وهي بنفسها حجة.
وعلى الجميع :
بأنّ المراد منها انتفاء الوضوء في الغسل لأجله ، وعدم توقّف تماميته عليه ،
فالمعنى : أنّه لا يحتاج الغسل من حيث هو غسل وفي حصول المقصود منه إلى الوضوء ،
وذلك لا ينافي توقّف مثل الصلاة عليه ، مردود : بأنه خلاف الظاهر ، كيف وإطلاق
نفيه بعده في طائفة منها يشمل المطلوب أيضا ، والحكم بإجزائه عن الوضوء في أخرى
صريح فيما إذا كان مأمورا بالوضوء.
مع أنّه قد صرّح
في المكاتبة بنفي الوضوء للصلاة ، والتخصيص بنفيه لها حين الغسل لا وجه له.
نعم ، يرد على
الثلاثة الأولى : أنّ كون الوضوء بعد الغسل بدعة لا ينافي وجوبه قبله ـ كما هو
مذهب جماعة ـ كما يأتي.
__________________
وأمّا قوله في
المرسلة : « قبل الغسل » فيمكن أن يكون خبرا ، ويكون الكلام فيها جملتين ، لا جملة
واحدة.
وعلى أخبار غسل
الحائض وأختيها : أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة
وبيانه ، لا بيان غيره ، ولذا لم يذكر فيها سائر شرائط الصلاة من ستر العورة
والاستقبال وغيرهما.
كما يرد على ما
استدلّ به الأوّلون ـ ممّا يصرّح بأنّ في كلّ غسل وضوء ـ عدم دلالته على الوجوب ،
ضرورة أنّه يحتاج إلى تقدير ، فالمقدّر كما يمكن أن يكون ما يفيد الوجوب ، يمكن أن
يكون ما يفيد المشروعية.
وظهور التركيب في
إرادة الوجوب ممنوع. ولو سلّم ، فهو من باب النقل الحادث ، الذي يكون الأصل
تأخّره.
فلم يبق من
أدلّتهم بعد العمومات ، غير الصحيحة والرضوي والنبوي. وهما وإن كانا بنفسهما غير
معتبرين ، إلاّ أنّهما لانجبارهما بالشهرة العظيمة ، سيما القديمة ، بل الإجماع
المنقول ، يعدّان من المعتبرة ، بل لا يقصران عن الصحاح في الحجية.
فيقع التعارض بين
هذه الثلاثة وبين الأخبار النافية للوضوء. وهي وإن كانت راجحة من جهة المخالفة
للعامة ، وأكثرية الرواية التي هي الشهرة بين الرواة ، والأحدثية ، وكلّ ذلك من
المرجّحات المنصوصة ، ولكن للثلاثة أيضا رجحانا من جهة موافقة الآية التي هي من
المرجّحات القوية وعمل معظم الفرقة.
مضافا إلى ضعف
ترجيح الأولى بمخالفة العامة : بأنّ بعض الثانية أيضا كذلك ، لنفي الوضوء فيه عن
غسل الجنابة ، وهو لا يوافق مذهب العامة. وبالأشهرية : بمنع بلوغ الأكثرية حدّا
تثبت بها الأشهرية التي هي من المرجّحات المنصوصة.
فيحصل التكافؤ بين
الفريقين ، وإذ لا قول بالتخيير في البين ، ترفع اليد عن كلّ من الصنفين ، وتبقى
الآية وعمومات موجبات الوضوء خالية عن
المعارض المعلوم.
هذا كلّه ، مع أنّ
الأخبار النافية ، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة ، ولعمل ناقليها ، خارجة عن
حيّز الحجية ، ولمعارضة غيرها وتخصيص العمومات غير صالحة. فهي مع الروايتين
والصحيحة عن المعارض سالمة ، فيجب الأخذ بها ، والقول بوجوب الوضوء مع كلّ غسل غير
الجنابة.
وهل يجب تقديم
الوضوء على الغسل؟ كما عن ظاهر الصدوقين والشيخين والحلبيين ، واختاره بعض متأخّري المتأخّرين ، للصحيحة ،
والرضوي ، ومرسلتي ابن أبي عمير ، والفقيه المتقدّمة ، وما يصرّح بأنّ
الوضوء بعد الغسل بدعة . ويؤيّده صدر صحيحة ابن حكيم ، ورواية الحضرمي المتقدمتين .
أم يستحب؟ كما عن
النهاية والمقنعة والوسيلة والسرائر والجامع والمعتبر والشرائع وادّعي عليه
الشهرة ، بل في السرائر نفي الخلاف في عدم وجوبه ، للأصل ، وبعض
الإطلاقات. وهو الأقوى ، لذلك.
__________________
ويجاب عن الصحيحة
: بعدم اشتمالها على ما يفيد التقديم ، إلاّ التقديم الذكري ، وهو له غير مفيد.
وعن الرضوي :
بالضعف الخالي عن الجابر في المورد.
وعن المرسلتين :
بعدم الدلالة على الوجوب ـ كما مرّ ـ مع أن في إحداهما احتمالا آخر.
وعن قوله : «
الوضوء بعد الغسل بدعة » : بما مرّ من احتمال كون ذلك مع قصد وجوب البعدية.
وعن البواقي :
بعدم التأييد ، كما هو ظاهر عند النظر الشديد. والاحتياط لا ينبغي تركه.
وكيف كان ، لا
تعلّق للتقديم بصحة الغسل ، بلا خلاف كما قيل ، للأصل. فلو أخّره عمدا أثم به ـ على القول بالوجوب ـ وصحّ
غسله ، ويتوضّأ بعده لما يشترط به.
المسألة
الرابعة : في وجوب تطهير المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه وعدمه قولان
:
الأول ، للمحكي عن
الأكثر ، بل عن الغنية الإجماع عليه .
لاشتراط طهارة ماء
الغسل ، المنتفية بوروده على المحل النجس.
ومنع النجاسة عن
وصول الماء إلى المحل.
والأمر بغسل الفرج
قبل الصبّ على الرأس في عدّة من الأخبار.
وصحيحتي البزنطي
وابن حكيم ، الأولى : « ثمَّ اغسل ما أصابك منه ، ثمَّ أفض على رأسك وجسدك » .
__________________
والثانية : « ثمَّ
اغسل ما أصاب جسدك من أذى ، ثمَّ اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك » .
ووجوبه في غسل
الميت إمّا بضميمة الإجماع المركّب ـ كما هو محتمل ـ أو مع ما في المعتبرة من أنّ
غسل الميت مثل غسل الجنابة .
ويضعّف الأول :
بمنع الانتفاء المدّعى أوّلا ، لوروده على النجاسة. ومنع اشتراط طهارته مطلقا
ثانيا ، وإنّما هي طهارته قبل الورود على المحل ، كما يقولون في إزالة الخبث ، على
القول بنجاسة الغسالة.
والقول بتوقّف العبادة
على البيان ، وعدم حصوله في ( الماء ) النجس ( مطلقا ) ، مدفوع بحصوله بالإطلاقات الشاملة لذلك الماء.
والثاني : بمنع
المانعية مطلقا ، وإنّما هي فيما له عين ، ولا كلام في وجوب إزالة عينه أوّلا.
ومنه يظهر ضعف
دلالة الثالث والرابع ، لعدم دلالتهما إلاّ على وجوب غسل المني ، وهو ممّا يمنع من
وصول الماء إلى المحل ، لثخانته ولزوجته.
والخامس : بعدم
إمكان إبقاء الأمر فيه على الوجوب ، إلاّ بانسلاخ حرف الترتيب عن معناه ، الموجب
لسقوط الاستدلال رأسا ، لعدم وجوب تقديم تطهير النجاسة عن البدن على غسل الفرج
إجماعا ، ( بل ) ولا على أصل الغسل قطعا ، بحيث يجب تقديم تطهير الفرج على
الصب على الرأس ، وإن أوهمه كلام
__________________
بعضهم .
ومنه يظهر وجه آخر
لضعف الثالث والرابع ، لإفادتهما وجوب التقديم على أصل الغسل ، بل في بعضهما على
المضمضة والاستنشاق أيضا.
والسادس : بمنع
الإجماع المركّب ، بل القول بالفصل متحقّق ، وبمنع دلالة المعتبرة على المماثلة في
الجميع. ولو سلّم ، فالمدلول المماثلة في جميع أجزاء الغسل وكيفيته ، لا الأمور
الخارجة. مع أنّ الثابت منها أنّ أحكام غسل الجنابة ثابتة له ، دون العكس.
والثاني لجماعة من
المتأخّرين ، للأصل ، وضعف الرافع ، وإن استحب. وهو الأقوى ، لما مرّ.
ومنه يظهر عدم
اشتراط طهر المحل قبل الغسل في صحته ، كما هو صريح الشيخ في المبسوط ، وكلّ من لا
يوجب التطهير أوّلا.
والأكثر على
الاشتراط ، لما ذكر ، بضميمة استلزام الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه ، الموجب للفساد
، إلى الأخبار ، مضافا إلى استصحاب الحدث.
ويضعّف الاستصحاب
: بوجود الرافع ، من مثل قوله : « فما جرى عليه الماء فقد طهر » ومن استلزام
الأمر بالغسل للإجزاء ، والبواقي بما مرّ.
ثمَّ على ما ذكرنا
من عدم توقّف ارتفاع الحدث على تطهر المحل ، فهل يكتفي بغسلة واحدة لرفع الحدث
والخبث إذا كان ممّا يغسل مرّة ، أو مرّة لرفع الحدث ومرّة للخبث إذا لم يكن كذلك؟
أو لا ، بل يحتاج رفع الخبث إلى غسل
__________________
آخر؟
الحقّ : الأول ،
لعمومات إزالة الخبث بجريان الماء ، أو تحقّق الغسل المزيل.
والمصرّح به في
كلام جماعة : الثاني ، لأصالة عدم تداخل الأسباب.
ويضعّف باندفاع
الأصل بما مرّ ، مضافا إلى أن رفع الحدث والخبث بغسل واحد ليس من باب تداخل
الأسباب ، كما لا يخفى على الفطن المتأمّل. والله أعلم بالصواب.
المسألة
الخامسة : يكره غسل الجنابة ارتماسا في الماء الراكد ، لفتوى بعض
الأجلّة من القدماء ، والنبوي : « لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد ، ولا
يغتسل فيه من الجنابة » .
المسألة
السادسة : في كفاية الغسل الواحد عن المتعدّد إذا اجتمعت أغسال
متعدّدة ، مطلقا أو بشرط نية الجميع أو بشرط عدم نية البعض أو إذا كان أحدها غسل
جنابة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع متّحدا في الوجه ، بأن يكون واجبا
أو مستحبا ـ دون ما إذا تفرّقت ـ مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع واجبا
خاصة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان أحدها غسل جنابة إمّا مطلقا أو بأحد الشرطين ، أقوال. أظهرها :
الأول.
لنا ـ بعد الإجماع
المحقّق والمنقول في بعض صوره ، وأصالة البراءة عن المتعدّدة ، وعدم دليل
على التعدّد سوى أصالة عدم التداخل التي لا دليل عليها كما بيّنّا في كتاب عوائد
الأيام ، وصدق الامتثال في أكثر الصور ـ : النصوص
__________________
المستفيضة الدالّة
إمّا على الكفاية مطلقا :
كحسنة زرارة : «
إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر ، أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح
والزيارة ، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق ، أجزأها عنك غسل واحد ، وكذلك المرأة ،
يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها » .
دلّت بقوله : «
فإذا اجتمعت .. » على ما ذكرنا من العموم.
وإضمارها في بعض
الكتب غير قادح ، سيما مع إسنادها في التهذيب إلى أحدهما 8 ، وفي السرائر
إلى مولانا الباقر 7 بسند ، وإلى أحدهما بآخر. وزاد على الأخير : وقال زرارة : «
وحرم اجتمعت في حرمة يجزيك عنها غسل واحد » .
ورواية الحسين
الخراساني ، المروية في السرائر : « غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزيك
ليومك » .
وعمومه لما تأخّر
سببه غير ضائر ، لأنه بالإجماع خارج ، ضرورة عدم تقدّم المسبّب على سببه.
وصحيحة زرارة :
ميت مات وهو جنب ، كيف يغسل؟ وما يجزيه من الماء؟ فقال : « يغسل غسلا واحدا ، يجزئ
ذلك عنه لجنابته ولغسل الميت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة » .
__________________
دلّ التعليل على
العموم المطلوب. والمراد بالحرمة الحق ، كما يدل عليه ذيل رواية السرائر
المتقدّمة.
أو على كفاية واحد
للواجبات المجتمعة ، التي أحدها الجنابة ، مطلقا سواء نوى الجميع أو البعض ، بل
ولو مع نية عدم البعض ، المثبت لهذا الإطلاق في غير الواجبات أيضا ، بعد ثبوت
تداخله بالإجماع المركّب.
كالمستفيضة
الواردة في كفاية غسل واحد للجنابة والحيض ، وخبر شهاب : « وإن غسّل ميتا وتوضّأ ، ثمَّ أتى أهله ،
يجزيه غسل واحد لهما » .
واختصاص الأولى
بالحيض ، والثاني بغسل المسّ لا يضرّ ، لعدم الفصل بين الواجبات.
أو على كفاية واحد
للندب والفرض وإن لم ينو إلاّ أحدهما :
كمرسلة الفقيه : «
من جامع في أول شهر رمضان ، ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ، عليه أن يغتسل
ويقضي صلاته وصومه ، إلاّ أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنّه يقضي صلاته وصيامه إلى
ذلك اليوم ، ولا يقضي ما بعد ذلك » .
حجّة المخالف
مطلقا أو في بعض الصور : ضعف الأخبار كلاّ أو بعضا مع أصالة عدم التداخل ، أو
اشتراط نية الوجه الغير المتحققة في بعض الصور ، أو قصد السبب ـ مطلقا أو في خصوص
الأغسال المندوبة ـ الغير المتحقّق في بعض آخر ، أو مع عدم صدق الامتثال قطعا في
صورة نية عدم البعض ، أو عدم جواز اجتماع الوجوب والاستحباب ، اللازم في صورة
تفريق الأغسال.
ويردّ الأوّل :
بأنّ ضعف السند غير ضائر ، مع أنّ الجميع ليس كذلك.
__________________
ولو سلّم ، فالأصل
مع التداخل ، فلا يحتاج إلى الدليل. وأصل عدم التداخل ـ كما اشتهر بين جماعة ـ أصل
غير أصيل ، خال عن التحقيق والتحصيل.
والثاني والثالث :
بعدم اشتراط نية الوجه ولا قصد السبب ، ولو في الأغسال المندوبة ـ كما مرّ ـ بل
يكفي قصد القربة.
والرابع : بأنّه
إن أريد عدم صدق امتثال الأمر المستفاد من أخبار التداخل ، فممنوع. وإن أريد عدم
صدق امتثال الأوامر المتعدّدة الواردة في كلّ غسل ، فمسلّم ولا ضير فيه ، إذ مقتضى
التداخل كفاية واحد عن الجميع ، وكون المأمور به حينئذ أمرا واحدا قائما مقام
الجميع ، بل مسقطا لغير الواحد ، فلا أمر بغيره حتى يطلب امتثاله.
بل نقول : إنّ مع
قطع النظر عن أخبار التداخل ، لا دليل على تعدّد الأمر في صورة الاجتماع.
بيانه : أنه إذا قال الآمر : الجنابة سبب لوجوب الغسل ، والحيض
سبب لوجوب الغسل ، فلا يمكن أن يكون المراد من الغسل المسبّب عند اجتماعهما معناه
الحقيقي الذي هو المهية ، لأنه أمر واحد ، فلا يجب بإيجابين ، لاستلزامه تحصيل الحاصل
، بل اجتماع الوجوب والاستحباب في شيء واحد إذا اختلف الأمران وجوبا وندبا. فإمّا
يراد من أحدهما فرد خاص من الغسل ، وهو الفرد المغاير لما تحقّقت المهية في ضمنه
لامتثال الأمر ، أو يخصّص أحدهما بغير صورة الاجتماع ، ولكن الأول مستلزم لاستعمال
اللفظ في حقيقته ومجازه ، فتعيّن الثاني.
ومنه يعلم ما يرد
على الخامس أيضا. فإنّه إذا قال : الجنابة سبب لوجوب الغسل ، والتوبة لاستحبابه ،
لا يمكن أن يراد بهما شيء واحد في صورة الاجتماع ، لاستلزامه اجتماع الوجوب
والاستحباب في شيء واحد ، وهو محال ولو من جهتين. [ ولا شيئان ] متغايران ،
لاستلزامه استعمال لفظ واحد في استعمال واحد في
__________________
حقيقته ومجازه ،
ضرورة إرادة المهية منهما عند الانفراد. فتعيّن تخصيص أحدهما بصورة عدم الاجتماع ،
وكفاية واحد منهما عند الاجتماع ، وهو معنى التداخل.
ويكون هذا الواحد
الذي أتى به حينئذ واجبا غير جائز الترك ، قائما مقام الندب أيضا ، بمعنى ترتّب
ثوابه ومصالحه المطلوبة منه عليه أيضا.
بل ذلك مقتضى
التداخل الثابت بأخباره أيضا ، ولو قطع النظر عمّا ذكرنا ، إذ ليس الواحد المتداخل
فيه جائز الترك قطعا ، فهو واجب ترتّبت عليه آثار الفرض أيضا.
ثمَّ إنّه ظهر
ممّا ذكرنا ـ من أصالة التداخل وعدم التعدّد ، بل عدم تعدّد الأمر في صورة
الاجتماع ـ أنّ التداخل عزيمة لا رخصة ، وصرّح به والدي العلاّمة أيضا. مع أنّ بعد
صدق الامتثال وتحقّق الإجزاء المصرّح به في أخبار التداخل ، لا معنى للإتيان به
ثانيا. وظهور الإجزاء في الرخصة ممنوع ، فإنّه إذا كان شيء مجزيا على الإطلاق عن
غيره ، لا يبقى الغير حتى يجوز الإتيان به أيضا.
وما ورد في موثّقة
الساباطي ـ من تخيير المرأة التي تحيض بعد جنابتها بين اغتسالها للجنابة
قبل الانقطاع وبين صبرها إلى أن تطهر وتكتفي بغسل واحد ـ لا يفيد الرخصة ، إذ لا
يدلّ على جواز غسلين بعد الانقطاع ، وجواز غسل الجنابة قبل وجوب غسل الحيض لا يفيد
كيفية حال التداخل.
وهل يسقط الوضوء ـ
على القول بوجوبه لغير غسل الجنابة ـ إذا جعل الجنابة مع غيرها غسلا واحدا؟ الظاهر
نعم ، بل هو الظاهر من الجميع ، لتحقّق غسل الجنابة المجزي عن الوضوء ، ولا ينافيه
تحقّق غيره.
وقال والدي ـ ; ـ : الظاهر وجوب
الوضوء ، لصدق الاسمين. فتتعارض أدلّة وجوبه وعدمه ، فيحصل التساقط ، وتبقى أدلّة
عموم الوضوء.
__________________
وفيه : أنّ غير
غسل الجنابة لا يوجب بنفسه الوضوء ، بل لا يسقط معه الوضوء ، فهو لا يعارض المسقط
إذا تحقّق.
والحاصل : أنّ الثابت
إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء دون غيره ، وعدم إجزاء الغير لا ينافي إجزاءه حتى
يحصل التعارض.
فإن قيل : لا نعلم
أنّ ذلك الغسل غسل الجنابة ، إذ لعلّه غسل آخر مسقط لغسل الجنابة ، سيما إذا لم
ينوه.
قلنا : ليس غسل
الجنابة المصرّح بإجزائه عن الوضوء إلاّ الرافع لحدث الجنابة أو المسبّب عنها وإن
جامعها سبب آخر أيضا ، وذلك الغسل الواحد جامع للوصفين.
الفصل
الثاني
في غسل الحيض
والكلام إمّا في
بيان دم الحيض ومعرفته إثباتا ونفيا ، أو في أحكام الحائض. فهاهنا بحثان :
البحث
الأوّل : في بيان دم الحيض ومعرفته.
وهو في العرف دم
مخصوص سائل من المرأة ، بل قيل : إنّه المعنى اللغوي أيضا ـ كما ذكره بعض
اللغويين ـ للتبادر وأصالة عدم النقل.
وذلك الدم ممّا
يقذفه الرحم بعد البلوغ ، ثمَّ تصير المرأة في الأغلب معتادة بقذفه في أوقات
معلومة ، قرّره الله سبحانه لحكمة تربية الولد. فإذا حملت المرأة ، صرفه الله
تعالى إلى تغذيته ، فإذا وضعت الحمل ، بدّل الله سبحانه صورته الدموية باللبنية ـ غالبا
ـ لاغتذاء الطفل ، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع ، بقي ذلك الدم بلا مصرف ، فيستقر
في مكانه ، ثمَّ يخرج في الغالب في أيام متفاوتة بتفاوت المزاج حرارة.
وهو شيء معروف
بين الناس ، له أحكام كثيرة في علمي الأديان والأبدان ، ليس بيانه موقوفا على
الأخذ من الشرع ، بل هو كسائر الأحداث كالمني والبول وغيرهما ، بل باقي موضوعات
الأحكام التي ليست معرفتها متوقّفة على بيانه. بل متى تحقّق وعرف ، تعلّقت به
أحكامه الشرعية ، وإن خلا عن أوصافه الأغلبية. كما تترتّب أحكام المني عليه بعد
معرفته وإن لم يكن مقارنا للفتور الذي هو من
__________________
أوصافه الغالبة.
وإن لم يتحقّق وجوده ، يحكم بمقتضى الأصل الذي هو المرجع ، كما في سائر الموارد.
نعم ، لمّا كان
لذلك الحدث مشارك في الصورة النوعية ، كدم الاستحاضة والقرحة والعذرة ، ولم تكن له
خاصة لازمة غير منفكّة عنه ظاهرة لكلّ مكلّف بدون بيان الشرع يميّزه كلّ أحد بها
عن سائر مشاركيه ، دعا ذلك الشرع إلى تعريفه إثباتا أو نفيا ، وبيان الدم الذي
تتحيّض به المرأة ، والذي لا تتحيّض به. فذكر له خواص ولوازم إمّا غير منفكة أو
أغلبية ، وبيّن أقسام النساء ، والدم الذي تتحيّض به كلّ منهن ، والذي لا تتحيّض
به.
ونحن نذكر ما
يتعلّق بذلك المطلب في مقامين :
المقام
الأول : في بيان لوازم دم الحيض ، وهي أمور :
منها
: أنّه لا يكون
قبل كمال تسع سنين. فكلّ دم كان قبله ، ليس حيضا إجماعا محقّقا ومحكيا . وفي المعتبر :
أنّه متّفق عليه بين أهل العلم . وفي المنتهى : أنّه مذهب العلماء كافة .
وهو فيه الحجة ،
مضافا إلى الموثّقة والرواية الآتيتين. ومقتضاهما كون التحديد تحقيقا ، كما هو
ظاهر الأصحاب. فاحتمال التقريب ـ كما عن نهاية الإحكام ـ غير صحيح.
ثمَّ إنّ جعلهم
الحيض دليل البلوغ إنّما هو في مجهوله السن ، مع كون الدم بوصفه الآتي ، فاشتراطه
بإكمال التسع لا ينافيه.
ومنها : أن لا يكون بعد اليأس. فكلّ ما كان بعده ، لم يكن حيضا
__________________
بالإجماعين أيضا.
فهو الدليل عليه ،
مع موثّقة البجلي : « ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي يئست من المحيض ومثلها لا
تحيض » قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : « إذا بلغت ستين سنة ، فقد يئست من المحيض
ومثلها لا تحيض ، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض » قلت : وما تكون كذلك؟ قال : « ما
لم تبلغ تسع سنين ، فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم يدخل بها » .
وروايته : « ثلاث
يتزوّجن على كلّ حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض » قال : قلت : وما حدّها؟ قال :
« إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض
ومثلها لا تحيض » قال : قلت : وما حدّها؟ قال : « إذا كان لها خمسون سنة » .
ثمَّ سنّ اليأس هل
هو خمسون؟ كما هو مقتضى الرواية ، مضافة إلى صحيحة أخرى للبجلي : « حدّ التي يئست
من المحيض خمسون سنة » ورواية البزنطي : « المرأة التي قد يئست من المحيض ، حدّها
خمسون سنة » وإلى استصحاب وجوب العبادة وجواز المكث في المساجد وسائر
لوازم الطهر.
أو ستّون؟ كما هو
مقتضى الموثّقة ، مضافة إلى مرسلة الكافي ، التي ذكرها بعد رواية البزنطي بقوله :
« وروي ستّون سنة أيضا » ، وإلى استصحاب كونها
__________________
ممّن تحيض وعدم
يأسها وبقاء الحكم بالعدّة وتوابع الزوجية ، والعمومات الدالّة على أنّ ما يكون
بصفة الحيض أو تراه المرأة في أيام العادة حيض .
أو الثاني في
القرشية ، والأول في غيرها؟ كما تقتضيه مرسلة ابن أبي عمير : « إذا بلغت المرأة
خمسين سنة ، لم تر حمرة إلاّ أن تكون من قريش » ومرسلة المبسوط
في القرشية : « روي أنّها ترى دم الحيض إلى ستين سنة » .
أو الثاني في
القرشية والنبطية ، والأول في غيرهما؟ كما يقتضيه الجمع بين مطلقات الخمسين ومرسلة
المقنعة : « وروي أنّ القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة » .
الأوّل مذهب
الشرائع في كتاب الطلاق ، والسرائر والمدارك ، وعن نهاية الشيخ وجمله والمهذب ، للأخبار الثلاثة ، والأصول المتقدّمة.
ويجيبون أما عن
أصول الستين : فبالاندفاع بما ذكر.
وأمّا عن الموثقة
ومرسلة الكافي : فبعدم المقاومة مع أخبار الخمسين ، لترجيحها عليهما بالأكثرية
عددا ، والأصحية سندا ، والأوضحية دلالة ، لكونها بالمنطوق ، وكون دلالتهما على
عدم اليأس بالخمسين بالمفهوم ، والأشهرية عملا ـ كما قيل ـ ورواية ـ كما في النافع
ـ وبكونها أخص منهما ، لأنّها تدلّ على حصول
__________________
اليأس بخصوص
الخمسين ، وهما تدلاّن على عدمه بما دون الستين الذي منه الخمسون.
وأمّا عن المراسيل
الثلاث الأخيرة : فبعدم صلاحيتها لدفع الأصول وتخصيص المطلقات ، لضعفها بالإرسال.
مع ما في أولاها من القصور في الدلالة ، من جهة عدم التصريح بالستين ولا بالحيضيّة
في القرشية.
والثاني مختار
الشرائع في بحث الحيض ، ومجوز المنتهى ، وصريح والدي العلاّمة ـ ; ـ في الكتابين ، للأصول المتقدّمة ، والعمومات المذكورة
الخالية جميعا عمّا يصلح للمعارضة.
ويجيبون أمّا عن
أصول الخمسين : فباندفاعها بالعمومات ، مع كون الأصول الأولى مقدّمة عليها ،
لكونها مزيلة لها.
وأمّا عن الصحيح
والروايتين : فبسقوطها من البين ، لمعارضتها مع الموثّقة ومرسلة الستين ، وبطلان
الوجوه المرجّحة لها عليهما. أمّا غير الأخير : فلعدم صلاحيتها للترجيح ، كما بيّن
في الأصول.
مع أنّ ما ذكروه
في الترجيح باعتبار السند إنّما هو الأصدقية والأعدلية ، دون الإمامية التي هي
مادة اختلاف السندين هنا.
والأشهرية
المدّعاة في العمل ممنوعة.
ودعواها من بعضهم
معارضة بدعوى الأكثر إيّاها في أحد التفصيلين ، وبعضهم في الآخر ، كما يأتي. وفي
الرواية غير ثابتة. ودعوى النافع لا تثبتها ، مع جواز أن يكون مراده مجرد الأكثرية
في العدد.
وأمّا الأخير :
فلأنّه لا يتمّ في تعارض أخبار الخمسين مع مرسلة الستين ، إذ معناها المستفاد من
ذكرها بعد خبر البزنطي ، أنّ حدّ اليأس ستون. مع أنّه كما
__________________
أنّ مفهوم
الموثّقة عام ، كذلك منطوق الأخبار الثلاثة ، لدلالته على أنّ حدّ اليأس إذا كان
لها خمسون سنة ، وهو أعمّ من أن تكون لها زيادة أيضا.
وأيضا : ليس
تعارضهما بالمنطوق والمفهوم فقط ، بل يتخاصم منطوقاهما أيضا بالتساوي ، فإنّ مدلول
المنطوق الأول ، بل صريحه أنّ حدّ اليأس ستون سنة ، بل المتبادر من نحو قوله : «
إذا بلغت ستين يئست من المحيض » أنّ اليأس ببلوغها يحدث ، ومدلول الثاني أنّه خمسون.
وذلك عين التخاصم والتنازع ، فيتعارضان ويتساقطان.
وأمّا عن المراسيل
الثلاث : فبما مرّ ، مضافا إلى عدم كون الحمرة المنفية في الأولى صريحة في الحيض ،
وعدم منافاة الأخيرتين منها للمطلوب إلاّ بمفهوم الوصف الضعيف.
والثالث عن الصدوق
والمبسوط ، بل أكثر كتب الشيخ ـ طاب ثراه ـ واستجوده في المعتبر ، ونسبه في
البحار والحدائق إلى المشهور ، وفي التبيان والمجمع نسب حصول يأس القرشية بالستين إلى
الأصحاب ، وهو ظاهر في دعوى الإجماع ، للمرسلتين.
ويجيبون عن رواية
النبطية : بعدم الثبوت. وعن مطلقات الخمسين والستين : بوجوب حمل المطلق والعام على
المقيد والخاص ، والمرسلتان خاصتان ومقيدتان.
ويدفعون الإيراد
عليهما بالضعف : بمنعه جدّا. كيف؟! وهما منجبرتان
__________________
بالشهرة المحقّقة
والمحكية ، بل بظاهر دعوى الإجماع من الشيخين الجليلين : الطوسي والطبرسي . ومثله لا يقصر
عن الصحاح ، بل ربما يعدّ أقوى منها.
مع أنّ ابن أبي
عمير الراوي لأولاهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنه ، وصرّحوا بكون
مراسيله في حكم المسانيد.
وبالقصور في
الدلالة من جهة عدم التصريح بالستين : بعدم القائل بالفرق. ومن جهة عدم الصراحة في
الحيضية : بكونها ظاهرة فيها ، وهو كاف. مع أنّ في المرسلة الثانية تصريحا
بالحكمين. ومن جهة عدم صراحة الحمرة في الحيض : بمنعه. كيف مع أنّ المنفي ليس سوى
الدمين : الحيض والاستحاضة ، وبعد توصيف الأول في الروايات بالأحمر ، والثاني
بالأصفر ، يتعيّن أنّ المراد هو الأول ، مع أنّ العموم يكفي
للمطلوب.
بل لو سلّم القصور
من هذه الجهة أيضا لم يضرّ ، إذ بعد ثبوت الستين للقرشية بمرسلة المبسوط ، يتعين تخصيص
مطلقات الخمسين بها ، فتصير خاصة بالنسبة إلى مطلقات الستين ، وتخصّص بها ويثبت
المطلوب.
والرابع محكي عن
ابني حمزة وسعيد ، واختاره الفاضل في القواعد ، بل ـ كما قيل ـ في أكثر كتبه ، وذهب إليه
الكركي ناسبا له إلى المشهور ، بل إلى الأصحاب ، المؤذن بدعوى
الإجماع ، لمرسلة المقنعة .
ويدفعون الإيراد
عليها بالضعف : بالانجبار بدعوى الكركي. ويجيبون عن
__________________
المطلقات : بوجوب
التقييد.
أقول : كان ما
ذكروه حسنا ، لو لا معارضة دعوى الكركي في النبطية مع دعوى أكثر منه الشهرة على
الخمسين في غير القرشية الشامل للنبطية أيضا ، وأمّا معها فلا يحصل بها انجبار ،
ويسقط لأجله ذلك القول.
نعم ، يبقى دعواها
في القرشية ، كدعوى الشيخين فيها خالية عن المعارض جابرة للمرسلتين الأوليين ،
وتخصّص بهما المطلقات كما مرّ ، ويثبت بهما مقتضاهما الذي هو القول الثالث ، فهو
الحق.
فائدة : القرشية أعم من الهاشمية ، وهي المنسوبة إلى النضر بن
كنانة ، إمّا بالأب كما عليه جماعة ، اقتصارا على المتيقّن ، واستصحابا للتكليف وسائر لوازم
الطهر ، واتّباعا لعموم وجوب العبادة.
أو مطلقا كما عليه
اخرى ، نظرا إلى صدق كونها من قريش ، كما في المرسلة الأولى ، وتحقّق الانتساب
إليه ، كما في الأخيرتين ، واستصحابا لكونها ممّن تحيض ، واتّباعا لعمومات الرجوع
إلى التمييز واعتبار أيام العادة. وهو الأقوى ـ ولو كان الصدق والتحقّق المذكوران
عرفا محل التشكيك ـ للأصول المذكورة المزيلة للأصول المتقدّمة.
ومنه يعلم كفاية
الانتساب الشرعي وغيره ظاهرا وإن لم يعلم الواقع.
وأمّا احتمال
القرشية واقعا من غير الانتساب ظاهرا فغير كاف. لا لأصالة عدم القرشية ، لعدم
حجّيتها إن أريد بالأصل الظهور الحاصل من الإلحاق بالأغلب ، ومنعها إن أريد غيره.
بل للإجماع المحقّق.
ثمَّ المعروفات
منهنّ في هذا العصر منحصرات في الهاشميّات فعليهنّ الحكم.
__________________
وأمّا النبطيّات
فلا يعرفن في هذا الزمان أصلا ، فهو قد كفانا مئونة الاشتغال بتحقيق معناها.
ومنها
: أنّه حار أسود
عبيط يخرج بدفع وحرقة ـ أي لذع لأجل الدفع والحرارة ـ بالإجماع والمستفيضة.
منها : حسنة البختري عن المرأة تستمرّ بها الدم فلا تدري حيض هو
أو غيره ، قال ، فقال لها : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم
الاستحاضة أصفر بارد ، وإذا كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة » .
ومرسلة جميل وفيها : «
وإن اشتبه فلم يعرف أيام حيضها فإنّ ذلك لا يخفى ، لأنّ دم الحيض دم عبيط حار ،
ودم الاستحاضة دم أصفر بارد » .
وصحيحة ابن عمار :
« إنّ دم الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحد ، إنّ دم الاستحاضة بارد ،
وإنّ دم الحيض حار » .
وموثّقة ابن جرير
: « دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد » .
وفي موثّقة إسحاق
بن عمّار في الحبلى : « إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة
فلتغتسل عند كلّ صلاتين » .
__________________
وفي مرسلة يونس ،
الطويلة : « إنّ دم الحيض أسود يعرف » .
والمراد بالسواد
هنا هو الحمرة الشديدة القريبة من السواد ، كما هو المتبادر في السواد المستعمل في
الدماء المتأيّد بالمشاهدة والاعتبار.
ويشهد له : ما في
مرسلة يونس « إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة » ثمَّ قال 7 : « وقوله
البحراني شبه معنى قول النبيّ 6 : إنّ دم الحيض أسود ، وإنّما سماه ( أبي ) بحرانيا لكثرته
ولونه » الحديث ..
دلّ على اتّحاد
المراد من الأسود ومن البحراني المفسّر في كتب اللغة ، والمعتبر ،
والتذكرة ، بالحمرة الشديدة.
فلا تنافي بين ما
مر وبين ما وصف الحيض بالحمرة ، كالمرسل الآتي في الحبلى « إن كان دما أحمر كثيرا
فلا تصلّي » وغيره ، ولا بين كلام من وصفه بالسواد فقط ، كما عن
النهاية والمبسوط والوسيلة والمنتهى والتبصرة والإرشاد والتلخيص
والتحرير وغيرها ، ومن وصفه بالحمرة كذلك ، كما عن المقنعة .
نعم ، في النافع
خيّر بين الوصفين ، وظاهره الاختلاف بينهما .
وهو ليس بجيّد ،
إلاّ أن يحمل على تفاوت مراتب الحمرة.
__________________
وقد يزاد في الوصف
: الغلظة والنتن. وليس عليهما دليل سوى المرويين في فقه الرضا 7 والدعائم :
الأوّل : « وتفسير
الاستحاضة أنّ دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة ، ودم الحيض إلى السواد وله غلظة ، ودم
الحيض حار يخرج بحرارة شديدة ، ودم الاستحاضة بارد يسيل وهي لا تعلم » .
والثاني : « ودم
الحيض كدر غليظ منتن ، ودم الاستحاضة دم رقيق » .
وهما لضعفهما غير
صالحين للاستناد وإن شهد لهما الاعتبار.
ثمَّ إنّ مقتضى
التوصيف في تلك الأخبار : أنّ الأصل أنّ كلّ ما انتفت فيه تلك الأوصاف كلا أو بعضا
لم يكن حيضا.
وبعبارة أخرى :
كلّ ما كان حيضا كان متّصفا بالأوصاف ، كما أنّ مقتضى منطوق الشرط في الحسنة : أنّ الأصل أنّ
كلّ ما وجدت فيه الأوصاف فهو حيض مطلقا ، إلاّ ما دلّ دليل على خلافه في الكلّيتين
، ويزاد الدليل على الكلّية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الاستحاضة الحكم بانتفاء
تلك الأوصاف عن المستحاضة في المستفيضة ، فإنّ مفادها أنّ المتّصف بها حينئذ حيض ، إلاّ إذا دلّ
دليل على خلاف ذلك.
وبذلك يظهر أنّ
الحق مع من حكم بكون اعتبار الأوصاف إثباتا ونفيا للحيض أصلا لا يتخلّف عنه إلاّ
بدليل .
وجعلها مميّزات
عند الاشتباه مع الاستحاضة خاصة غير سديد ، وغفلة
__________________
عن منطوق الشرط.
ثمَّ إنّ المعتبر
في التمييز بينهما حين الاشتباه هو جميع الأوصاف المتقدّمة ، ولا يكفي البعض وإن
اكتفي به في بعض الأخبار ، لأنّه يكون أعمّ من الخبر المستجمع للجميع ، فيجب تقييده
به.
ومنه يظهر أنّه لو
اتّصف حينئذ دم ببعض أوصاف كلّ من الحيض والاستحاضة ، كأن يكون حارا أصفر ، أو
باردا أسود ، تتعارض فيه الأخبار المميّزة بالوصف ، فلا يعمل بها فيه ، بل يرجع
إلى القواعد الأخر.
ومنها : أنّه يكون منغمسا في القطنة ، وهذا إنّما يعتبر مع
اشتباهه بدم العذرة ، فيحكم حينئذ بالحيضية مع الانغماس ، وبالعذرة مع التطوّق.
وفاقا للأكثر في
الحكمين ، لصحيحتي زياد ، وخلف ، والرضوي ، المصرّحة جميعا بهما.
وخلافا لظاهر
الشرائع ، والنافع ، وصريح المعتبر ومحتمل المقنعة في الأول ، فتوقّفا فيه.
ولا وجه له بعد
صراحة الأخبار المعتبرة المعمول بها عند الأكثر. مع أنّ مورد المسألة إنّما هو
صورة الاشتباه ، وهو لا يكون إلاّ مع إمكان الحيضيّة إمّا باستجماع
__________________
الأوصاف إن قلنا
باشتراطه في الإمكان أو بدونه إن لم نقل به ، فيثبت الحكم إمّا بإخبار اعتبار
الأوصاف ، أو بالقاعدة المسلّمة عندهما من أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض إلاّ
ما خرج بالدليل ، فلا مجال للتوقّف.
ومنه يظهر بطلان
توجيه كلامهما : بأنّ الدم ربما لا يستجمع الشرائط ، فإنّ الشرائط
إن كانت معتبرة فلا يكون حيضا قطعا ، ولا يحصل الاشتباه ، وإلاّ فلا يوجب عدمها
التوقّف.
وقد يجوّز عدم
مخالفتهما ، ويوجّه عدم حكمهما بالحيضية في صورة الانغماس باتّكالهما على فرض
انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة ، فإذا تميّز دم العذرة بمميّزه ، فيرتفع الإشكال
في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض .
وهو إنّما يتأتّى
في غير كلام المعتبر ، وأمّا فيه ـ فلتصريحه بالتوقّف في الحكم بالحيضية ـ فلا.
ثمَّ ظاهر إطلاق
إحدى الصحيحتين كفاية وضع القطنة وإخراجها بأيّ نحو اتّفق ، ولكن الأخرى قيّدته بالوضع
والصبر هنيئة ثمَّ إخراجها هنيئة ، والعمل بها أحسن لتقييدها.
وأمّا ما ذكره
بعضهم ـ من اعتبار الاستلقاء في رفع الرجلين وإدخال الإصبع ـ فلم نعثر على حجة له
وإن نسبه إلى الأخبار ، ولعلّ نظره إلى أخبار القرحة ، والله اعلم.
ومنها : الخروج عن الأيسر ، وهو معتبر عند الاشتباه مع دم
القرحة فيحكم
__________________
بالحيضية معه
وبالقرحة مع الخروج عن الأيمن. وفاقا للفقيه ، ونهاية الإحكام ، والسرائر ،
والبيان ، والقواعد ، والإرشاد ، والتذكرة ، وعن المقنع ، والمقنعة ، والمبسوط ، والمهذب ، والإصباح ،
والوسيلة ، والجامع ، والنهاية ، والتلخيص ، بل الأكثر ، كما ذكره في التذكرة ، وجمع ممّن تأخر
.
لمرفوعة أبان ،
المروية في التهذيب ، وفيها : « مرها فلتستلق على ظهرها ، ثمَّ ترفع رجليها ، ثمَّ
تستدخل إصبعها الوسطى ، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من
الجانب الأيمن فهو من القرحة » .
والرضوي : « وإن
اشتبه عليها الحيض ودم القرحة فربما كان في فرجها قرحة ، فعليها أن تستلقي على
قفاها وتدخل إصبعها ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة ، وإن خرج من
الجانب الأيسر فهو من الحيض » .
وبالشهرة ـ كما
مرّت ـ ينجبر ضعفهما ، كما أنّ الأخيرة بها وبالأحدثية ـ التي هي من المرجّحات
المنصوصة ـ تترجّح على مرفوعة أبان ، المروية في الكافي بالعكس ، إن قلنا
بتعدد روايتي الكافي والتهذيب أو باتّحادهما مع سقوط نسخة التهذيب بترجيح الكافي
عليها بأضبطيته وأقدميته أو باضطراب نسخه حيث إنّه نقل عن ابن طاوس توافق نسخ
التهذيب القديمة للكافي ، وعن الذكرى
__________________
موافقة كثير من
نسخه له .
وأمّا إن قلنا
باتّحادهما وترجيح نسخة التهذيب بموافقتها الشهرة ، ومطابقتها لعبارة الصدوق ـ التي
قالوا : هي متون الأخبار ـ وفتوى المفيد ، وشهادة بعض النسوة المتديّنة بذلك ، كما
ذكره بعض مشايخنا ، أو بتكافئهما ، فلا يكون للأخيرة المنجبرة معارض ، لسقوط
نسخة الكافي ، إمّا بالمرجوحية ، أو بالتكافؤ ، وبقاء الأخيرة بلا معارض.
وخلافا للكليني ، والمحكي عن
الإسكافي ، والبشرى ، والذكرى ، والدروس ، فعكسوا ، لمرفوعة الكافي وترجيحها على ما في التهذيب بما
مرّ.
ويضعّف : بأنّه لو
سلّم ترجيحها عليه فلا نسلّم ترجيحها على الرضوي ، بل الرجحان له كما عرفت.
وللمعتبر وظاهر
المنتهى ، والمقدس الأردبيلي ، والمدارك ، ووالدي العلاّمة ، وجمع آخر من متأخّري المتأخّرين ، بل نسبه والدي إلى أكثر المتأخّرين ، فلم يعتبروا الجانب
بالمرّة.
__________________
لاضطراب متن
الحديث واختلافه ، مع ترجيح كلّ من الروايتين بوجه كما مرّ ، ومخالفة اعتبار
الجانب للاعتبار ، إذ القرحة تكون في كلّ من الجانبين والحيض محله الرحم ، وهي
ليست في الأيسر ، وفساد توهّم كون وضع الرحم بحيث يستلزم خروج الحيض من الأيسر ودم
القرحة من الأيمن عند الاستلقاء ، على أنّ النسوان لا يدركن ذلك.
قال والدي : كل
امرأة رأيناها وسألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج.
ويضعّف : بأنّ
غاية ما في الباب سقوط الروايتين بالاضطراب ، وبقاء الرضوي خاليا عن المعارض.
ومخالفة الاعتبار بعد شهادة النص غير مسموعة ، فإنّ الشرعيات تعبدية.
ومنها
: أنّه لا يكون
أقلّ من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة ، بالإجماعين في الموضعين ، وهو الحجة فيهما
، مضافا إلى المعتبرة كالصحاح الثلاث لبني عمار ويقطين ويحيى.
الأولى : « إنّ
أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام » .
الثانية : « أدنى
الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة » .
الثالثة : « أدناه
ثلاثة وأبعده عشرة » وغيرها من الأخبار المتكثرة.
وصحيحة ابن سنان
المخالفة للثاني ظاهرا : « أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنى ما يكون ثلاثة » شاذة غير صالحة
للحجية. مع أنّ إرادة أكثر العادات كما
__________________
هو الواقع ممكنة ،
بل لإرادة أكثر الحيض مساوية ، ولا يمكن إرادة ذلك في أكثرية العشرة وأقلية
الثلاثة ، لأنّه ليس كذلك قطعا ، كما أنّ المشاهدة به حاكمة.
وفي اشتراط
التوالي في الثلاثة وعدمه ـ بكونها في جملة العشرة ـ قولان :
الأول ـ وهو
الأظهر ـ للمحكي عن الصدوقين في الرسالة ، والهداية ، والإسكافي ، والجمل ،
والمبسوط ، والسيد ، وابني حمزة وإدريس ، والمعتبر ، والمنتهى ، والقواعد ، والبيان ، والمحقّق
الثاني ناسبا له إلى أكثر الأصحاب كجماعة من المتأخّرين بل نسبه بعضهم إلى الشهرة العظيمة . واستقرب والدي ـ
; ـ دعوى الإجماع عليه.
للرضوي الصريح
المنجبر ضعفه بالشهرتين : « وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر
ثلاثة أيام متواليات » مضافا إلى استصحاب عدم الحدث.
والإيراد على
الأول : بأنّه خرج مخرج الغالب دون الكلّي ، وإلاّ لكان منافيا لقوله 7 قبل ذلك : « فإن
رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة
الأولى » مندفع بعدم منافاة
__________________
قوله السابق له إلاّ
بالإطلاق ، وهو لا ينافي إرادة الكلية من قوله اللاحق ، لوجوب تقييد السابق
باللاحق.
وقد يستدلّ أيضا :
بعمومات التكليف بالعبادة ، فلا يخرج منها إلاّ ما علم.
وبأصالة عدم تعلّق
أحكام الحائض بها.
وبثبوت العبادة في
الذمة باليقين فلا يسقط إلاّ مع اليقين بالمسقط ، ولا يقين حين فقد التوالي.
وبتبادره من مثل
قولهم : أقلّ الحيض ثلاثة.
والكلّ منظور فيه
، لا لما أورد على الأول : بأنّ العمومات مخصّصة قطعا بما دلّ على حرمة العبادة
على الحائض ، فهي أيضا مخصوصة بغير الحائض ، ولا يدري أنّ تلك المرأة داخلة في
العمومات أو الخصوصات.
وعلى الثاني :
بأنه معارض بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.
وعلى الثالث :
بالمنع من ثبوتها في الذمة ، فإنّه أول الكلام ، بل مقتضى الأصل عدم التعلّق.
وعلى الرابع :
بأنّه لو تمَّ في الثلاثة ، لزم مثله في العشرة ، لاشتراكهما في الإطلاق في أخبار
المسألة.
لأنا نجيب عما
أورد على الأول بأنّ تخصيص العمومات إنّما هو بالحائض المعلوم حيضها إجماعا ، بل
هي المراد من الحائض قطعا ، لأنّ الألفاظ وإن كانت أسامي للمعاني النفس الأمرية
إلاّ أنّها مقيّدة بالعلم هنا إجماعا ، بل في مطلق مقامات التكاليف.
وعمّا أورد على
الثاني : بأنّها لو كانت حائضا ، لحرمت عليها العبادات المشروطة بالطهارة أيضا
لأجل أنّها حائض ، وهذا أيضا تكليف بترك العبادة من
هذه الجهة ،
والأصل عدمه ، فالتكليف بالعبادة متحقّق إمّا بالفعل أو الترك ، والأصل عدم كلّ
منهما ، فيتعارضان ، وتبقى أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض كحرمة الوطء والمنع عن
المسجد والعزائم ونحو ذلك خالية عن المعارض.
وعمّا أورد على
الثالث : بأنّ للمستدلّ أن يتمسّك بالاستصحاب في صورة رؤيتها الدم بعد دخول الوقت
ومضيّ مقدار الطهارة والصلاة ، وإلحاق غيرها بعدم القائل بالفرق ، إلاّ أن يعارض
ذلك بصورة رؤيتها الدم قبل الوقت.
وعمّا أورد على
الرابع : بأنّ خروج العشرة بالإجماع أو دليل آخر عن معناه المتبادر لا يوجب خروج
غيرها أيضا. مع أنّهم يقولون باشتراط التوالي في العشرة أيضا ، ولا يجعلون النقاء
المتخلّل في العشرة طهرا ، غاية الأمر أنّه لا يلزم عندهم في العشرة المتوالية
رؤية الدم كلّ يوم.
بل لاندفاع
الثلاثة الأولى : بأنّ ذات العادة يجب عليها ترك العبادة بمجرد رؤية الدم ، وهكذا
المبتدأة بالمعنى الأعم عند جماعة ، فالعمومات بهذه المرأة مخصّصة وأحكام الحائض بها متعلّقة
، والعبادات عنها ساقطة. فيبقى الكلام في تعلّق القضاء بها لو لم تتوال الثلاثة ،
ولا شك أنّ الأصل عدمه المستلزم للحيضية الموجبة لعدم اشتراط التوالي ، بل يكفي لو
منع ذلك الحكم في غير ذات العادة أيضا ، ويسقط الاستدلال ، لأنّ بثبوت الحيضية في
ذات العادة يثبت في غيرها أيضا بالإجماع المركّب ، ولا تفيد المعارضة بغير ذات
العادة والتمسّك بالإجماع المركّب فيها ، إذ بتمامية المعارضة أيضا يسقط الاحتجاج
بالأصول.
واندفاع الرابع
أوّلا : بمنع التبادر ، ولذا لا يلزم التوالي على من نذر صيام ثلاثة أيام ما لم
يقيّد بالتوالي.
وثانيا : بتوقّف
تماميته على كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة وهو
__________________
غير معلوم ، فلا
تكون الثلاثة الأقلّ إلاّ متوالية أبدا ، ويرجع النزاع إلى مجرد اشتراط التوالي في
رؤية الدم في الثلاثة الأولى وعدمه.
والحاصل : أنّ
اشتراط التوالي في الأقلّ المنحصر قطعي مجمع عليه ، والخلاف في صورة التجاوز عنه ،
ولا يكون الحيض حينئذ ثلاثة ، بل أكثر ، ومدلول قولهم : أقلّ الحيض ثلاثة : إنّما
هو في المنحصر.
الثاني : للشيخ في النهاية وعن الاستبصار ، والقاضي ، وإليه ذهب جملة
من متأخّري المتأخّرين ، منهم المحقّق الأردبيلي ، والفاضل الهندي ، واختاره جماعة
من مشايخنا الأخباريين .
لكون ما يمكن أن
يكون حيضا وما يشمل على الأوصاف وما يقع في العادة حيضا.
ولحسنة محمّد : «
إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من
الحيضة المستقبلة » وقريبة منها موثّقته .
دلّتا على أنه متى
رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلا سواء كان الأول يوما أو أزيد ، فإن كان قبل
العشرة فهو من الحيضة الأولى.
ومرسلة يونس وفيها
: « وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت
الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة أيام
__________________
من يوم رأت الدم
يوما أو يومين حتى تتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي
رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض » الحديث.
والجواب عن غير
الأخيرة : بأنّ دلالته على المورد بالعموم ، فيجب تخصيصه بما مرّ ، لما مرّ.
وعن الأخيرة :
بعدم حجيتها ، لمخالفتها شهرة القدماء طرّا. ولو سلّمت فهي معارضة للرضوي المتقدّم
والترجيح له من جهة الأحدثية ، ولو سلّم عدم الترجيح فيرجع إلى استصحاب عدم
الحدث.
وقد يجاب عن
الحسنة والموثّقة : بمنع كون ما تقدّم حيضا ما لم تتوال فيه الثلاثة ، فبدونه لا
يكون حيضة حتى يكون الباقي من الحيضة الأولى.
وفيه : أنّ معنى
الحديث : أنّ الدم المرئي بعد انقطاعه وقبل العشرة بعض من الحيضة الأولى ، أي يجب
جعل المجموع حيضا واحدا أوّليّا ، وذلك لا يتوقّف على تسمية ما سبق حيضا. والحاصل
: أنّ هذا حكم منه 7 بالحيضية والأولية معا ، لا أنّه حكم بالأولية خاصة حتى
يتوقّف صدقها على ثبوت الحيضية أوّلا.
ثمَّ على القول
المختار : فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث ولو ضعيفا؟
كما عن المحقّق الثاني في شرح القواعد ، وابن فهد في المحرّر ، والحلبي في معطي الكافي ، والغنية ، وابن سعيد ،
__________________
نافيا عنه الخلاف ، وظاهر المبسوط
أنّه مسلّم عند القائلين بالتوالي .
أم يكفي وجوده في
كلّ يوم من الثلاثة وإن لم يستوعبها؟ كما عن الروض ، وظاهر الفاضل ، واختاره في
المدارك ، وعزاه إلى الأكثر ، ولكن ظاهر شرح القواعد ندرة القول به حيث نسبه إلى أنه
قد يوجد في بعض الحواشي .
أم يعتبر وجوده في
أوّل الأوّل وآخر الآخر وجزء من الوسط؟ كما عن بعض المتأخّرين ، ونفى الشيخ
البهائي عنه البعد .
أقوال ، أقواها :
الأخير ، لمثل قولهم : : « أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام ».
فإنّه لا يصدق على
من رأت في الدقيقة الأخيرة من اليوم الأول والأولى من الثالث ، كما هو مقتضى القول
الثاني ، بل المتبادر منه عدم تحقّق الحائضية في أقلّ من ثلاثة أيام تامة.
وأظهر منه في ذلك
المعنى قوله في موثّقة ابن بكير في المبتدأة التي استمرّ بها الدم : « ثمَّ تترك
الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث
، وهو ثلاثة أيام » الحديث.
__________________
فإنّ المتبادر من
ترك الصلاة والجلوس ثلاثة أيام تركها وجلوسها ثلاثة أيام تامة ، لصحة السلب عن
الأقلّ ولو بدقيقة.
وبذلك يقيّد إطلاق
مفهوم الرضوي المتقدّم ، حيث إنّه يصدق رؤية الدم ثلاثة أيام برؤية المسمّى في
كلّ يوم ، لعدم وجوب المطابقة بين الظرف والمظروف.
ويسقط لأجله القول
الثاني ، فإنّ مستنده ليس إلاّ ذلك العموم ، مع أنّه ضعيف وانجباره في المقام غير
معلوم.
كما أنّ بعمومات
الحكم بالحيض مع الأوصاف وفي أيام العادة منضمة مع ما دلّ على أنّ الطهر لا يكون
أقلّ من عشرة يندفع أصالة عدم الحدث التي هي مستند القول الأول ، ويسقط لأجله ذلك
القول أيضا. ولا دلالة لقوله 7 في مرسلة يونس : « فإن استمرّ بها الدم ثلاثة فهي حائض » عليه ، لأنّ
مقابل ذلك الاستمرار الانقطاع المذكور فيها فلا حكم للمفهوم غيره.
ثمَّ هل يعتبر
الثلاثة بلياليها كما عن الإسكافي ، والمنتهى ، والتذكرة ؟
أم يكفي ما عدا
الليلة الأولى كما احتمله بعض المحقّقين ؟
ظاهر الدليل :
الثاني ، لصدق الثلاثة أيام ، بل لو لا عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها لكان
الاقتصار على النهار خاصة محتملا.
ولو رآه أوّل
الليلة الأولى لم ينقص لأجله من الثلاثة أيام شيء البتة.
والظاهر عدم
الخلاف في كفاية اليوم الملفّق هنا ، فلو رأى أول الظهر
__________________
من الأول تمّت
الثلاثة بأول الظهر من الرابع ولم يتوقّف على تمامه ، فتأمّل.
ولنختم هذا المقام
بمسائل ثلاث :
المسألة
الأولى : لا حدّ لأكثر الطهر على المشهور ، بل بلا خلاف ، كما عن
الغنية ، للأصل.
وعن ظاهر الحلبي
تحديده بثلاثة أشهر . وحمل على الغالب .
وعن البيان احتمال أن يكون
نظره إلى عدة المسترابة.
وأقلّه عشرة أيام
إجماعا قطعيا في المتوسّط بين الحيضتين المستقلّتين ، ومحكيا مستفيضا في مطلقه
الشامل للمتخلّل في أثناء الحيضة الواحدة ، لاستفاضة النصوص المعتبرة.
منها : صحيحة محمّد : « لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيام فما
زاد ، أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم » .
وفي مرسلة يونس :
« أدنى الطهر عشرة أيام » وفيها أيضا : « ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيام » .
خلافا لبعض
متأخّري المتأخّرين ، فخصّ الحكم بما بين الحيضتين ، وجوّز كون المتخلّل في أثناء
الحيضة أقلّ من عشرة .
__________________
لصحيحة محمّد ،
المتقدّمة ، بجعل مبدأ العشرتين فيها انقطاع الدم الأول ، لكون الثانية كذلك قطعا
، وإلاّ لزم أقلّية الطهر المتخلّل بين الحيضتين عن العشرة ، وهو باطل إجماعا ،
فلو لم يجعل الأيام المتخلّلة في الحيضة الأولى طهرا لزم زيادة الحيض عن العشرة في
بعض الصور وهو محال ، والتخصيص بغير ذلك خلاف الأصل.
ورواية البصري
الواردة في المرأة إذا طلّقها زوجها ، والتقريب فيها أيضا كما تقدّم.
ومرسلة يونس وفيها
: « إذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت
بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة » الحديث.
والأخبار المصرّحة
بأنه إذا انقطع الدم تستبرئ ، فإن كانت القطنة نقيّة فقد طهرت ، فإنّها شاملة
بعمومها لما إذا عاد الدم قبل العشرة أيضا.
وموثّقة يونس بن
يعقوب : المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنّها
ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تصلّي » قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة
أيام أو أربعة ، قال : « تدع الصلاة » قلت : « فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو
أربعة ، قال : « تصلّي » قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : « تدع
الصلاة ، تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع الدم عنها وإلاّ فهي بمنزلة
المستحاضة » .
__________________
وموثّقة أبي بصير
: عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام ، وترى الدم أربعة أيام والطهر
ستّة أيام ، فقال : « إن رأت الدم لم تصلّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين
ثلاثين يوما » الحديث.
والرضوي : «
والحدّ بين الحيضتين القرء وهو عشرة أيام بيض ، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من
الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى ، وإن رأت الدم بعد
العشرة البيض فهو ما تعجّل من الحيضة الثانية » .
والجواب عن الأول
: منع تعيّن كون مبدإ الثانية الانقطاع ، لجواز جعل مبدئهما الرؤية وتخصيص الفقرة
الثانية بما إذا تخلّلت عشرة طاهرة بين الحيضتين ، وليس إبقاء هذه على العموم
وتخصيص الأولى بما إذا لم يزد أيام الدمين على العشرة أولى من عكسه.
سلّمنا وجوب جعل
المبدأين الانقطاع ، ولكن نقول : إنّ الفقرة الأولى مخصّصة قطعا بما إذا لم تتجاوز
أيام الحيض عن العشرة ، وإنّما الكلام في تعيين أيام الحيض ، ومقتضى عمومات أقلّ
الطهر كون مدة النقاء منها أيضا فلا يزاد تخصيص.
نعم ، لو كانت
أيام الدمين المتجاوزة عن العشرة خارجة بخصوصها وأوجبت حيضية النقاء إخراج شيء
آخر ليتم التقريب ، وذلك كما إذا قال : اقتلوا المشركين ، وعلم إخراج الكتابي ،
ولم يعلم إخراج المجوس لا يحكم بخروجه ، ولو دلّ كلام على خروجه بعمومه تعارض
التخصيصان ، أمّا لو دلّ كلام بعمومه على أنّ المجوس أيضا من الكتابي فلا يتعارض
التخصيصان ، بل يحكم بخروج
__________________
المجوس أيضا.
هذا ، مع أنه لو
سلّمنا تعارض التخصيص وتوقّفنا ، لزم الحكم بحيضية النقاء ، للاستصحاب. ولا تعارضه
عمومات العبادة ، لخروج الحائض الشرعي منها قطعا ، وهذه حائض بالدليل الشرعي الذي
هو الاستصحاب. مع أنّه لا كلام في وجوب العبادة عليها قبل رؤية الدم الثاني ،
لأصالة عدم رؤيته ، وإنّما الكلام بعد رؤيته ، ووجوب قضاء الصوم حينئذ لثبوت كونها
حائضا شرعا.
لا يقال : قبل
رؤية الثاني محكومة بعدم كونها حائضا ، لأصالة عدم الرؤية ، فيستصحب هذا الحكم.
قلنا : بعد رؤية
الثاني وانتفاء أصالة عدمها لا يصح استصحاب الحكم المبني عليها كما بيّن في موضعه.
وممّا ذكر يظهر
الجواب عن الثلاثة المتعقّبة للأول أيضا.
وعن الخامس :
بأنّه لا يدلّ إلاّ على فعل الصلاة بعد الطهارة ظاهرا في الثلاثة أو الأربعة ، وهو
كذلك ، ولا يدلّ على جعلها طهرا بعد رؤية الدم في الثلاثة أو الأربعة الثانية ،
وكذا في الثالثة ، وهو ظاهر جدّا.
نعم ، في الحديث
إشكال من جهة أخرى ، ولذا حمل ذلك وغيره مما بمضمونه على أنها تفعل ذلك لتحيّرها
واحتمالها الحيض عند كلّ دم والطهر عند كلّ نقاء إلى أن يتعيّن لها الأمران ، بل هذا هو مراد
الشيخ في الاستبصار ممّا حمل ذلك عليه وفسّره به.
ومن ذلك يعلم أنّ
توقّف الفاضل في المنتهى في الفتوى بمضمونه على ما حمله في الاستبصار عليه ليس
توقّفا في مسألة أقلّ الطهر المتخلّل كما قد يتوهّم ،
__________________
كيف وقد صرّح قبل
ذلك بأنّها لو رأت ثلاثة أيام ثمَّ انقطع ثمَّ رأت اليوم العاشر أو قبله وانقطع
كان الدمان وما بينهما حيضا واستدلّ عليه : بأخبار أقلّ الطهر ، ولا حمل الشيخ عليه
قولا بجواز أقلّية الطهر المتخلّل من العشرة.
وعن السادس :
بضعفة المانع عن العمل به الخالي عن الجابر في المقام ، مع جريان ما أجيب به عن
الثلاثة الأول فيه أيضا.
المسألة
الثانية : في اجتماع الحيض مع الحبل وعدمه قولان :
الأول ـ وهو
الأظهر ـ للأكثر ، منهم : الصدوقان ، والسيد ، والشيخ في النهاية والخلاف والتهذيب والاستبصار ، والإصباح ،
والحلّي ، والمنتهى ، والتذكرة ، والقواعد ، وشرحه ، والدروس ،
والمدارك . ومال إليه في المعتبر ، وعليه الشهرة في كلام جماعة ، بل في
الناصريات الإجماع عليه ، وهو قول مالك ، والشافعي في القديم .
لاستصحاب الحالة
السابقة ، والعمومات المثبتة لحيضيّة الدم في النساء مطلقا أو مع الوصف أو في أيام
العادة.
__________________
وخصوص المستفيضة :
كصحيحتي ابن سنان وصفوان :
الأولى : عن
الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال : « نعم » .
والثانية : عن
الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أتصلي؟ قال : « تمسك عن الصلاة » .
وحسنة سليمان ومرسلة حريز وغير ذلك ممّا يأتي
ذكر بعضه.
والثاني للشرائع ، وعن المفيد ، والإسكافي ، والتلخيص ، وهو
مذهب أبي حنيفة ، وأحمد ، والشافعي في الجديد ، ونسبه في التذكرة إلى جمهور التابعين .
لاستصحاب عدم
الحيضية.
ولرواية السكوني :
« ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل ، يعني أنها إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة
إلاّ أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق
__________________
ورأت الدم تركت
الصلاة » .
وصحيحة حميد : عن
الحلبي ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين ، فقال : « تلك
الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » .
ولأنه يصح طلاقها
مع رؤية الدم إجماعا ، ولا شيء من الحائض يصح طلاقه كذلك.
ولأنّ شرع
الاستبراء بالحيض لاستبانة عدم الحمل فلا يجامعه.
ويردّ الأول :
بالمعارضة باستصحاب عدم سائر الأسباب أيضا ، مضافا إلى اندفاعه بما مرّ.
والثاني : بعدم
الدلالة ، لجواز أن يكون المراد حقيقته ، وهو الإخبار عن عدم الاجتماع فيما مضى
وإن تخلّف في الأزمنة اللاحقة ، كما ورد في أصل الحيض أنه كان قبل ذلك سنة.
ويؤيّده ما في بعض
نسخ نوادر الراوندي ـ على ما في البحار ـ بعد ذكر قوله : « ما كان الله .. » : «
فإذا رأت الدم وهي حبلى تدع الصلاة » .
وأمّا قوله : «
يعني أنّها إذا رأت .. » فيمكن أن يكون من كلام الراوي ، بل هو الظاهر ، فلا حجّية
فيه.
مضافا إلى معارضته
مع الأخبار المتقدّمة الراجحة عليه باعتبار الأحدثية والمخالفة لأكثر العامة
والموافقة لمعظم الخاصة ، مع أنّه على فرض التكافؤ يتساقطان ويرجع إلى العمومات.
ومنه يظهر ردّ
الثالث أيضا ، مضافا إلى عدم دلالته ، لعدم استجماع ما رأته
__________________
شرائط الحيض ،
لأنّ الدفقة والدفقتين لا تكون حيضا.
لا يقال : وقوع
الدفقة في الأيام لا يكون إلاّ بحصولها في جميعها ، فتحصل الشرائط إذا كانت
متوالية ، كما تشمله الرواية بترك الاستفصال.
لأنّ المراد
بالأيام ليس معناها الحقيقي الذي هو الاستغراق ، ومجازه يمكن أن تكون الأيام
المعهودة ، أي أيام الحيض ، ورؤية الدفقة فيها تتحقّق برؤية الدم فيها دفعة واحدة.
والرابع : بمنع
الإجماع ، ولا دليل آخر على عدم صحة طلاق الحائض مطلقا ، كيف ويصح مع غيبة الزوج!؟
والخامس : بمنع
كون العلّة في شرع الاستبراء بالحيض استبانة عدم الحمل ، لإمكان أن يكون تعبّدا أو
معلّلا بحكمة خفية لا نعلمها ، كيف؟ لو كانت العلّة ذلك لكفت حيضة واحدة في جميع
الموارد ، ولم يشترط في بعضها حيضتان ، وفي بعضها الأكثر ، وفي بعضها المدة.
ثمَّ على المختار
هل يجتمع معه مع استبانة الحمل أيضا؟ أو يشترط فيه عدم الاستبانة؟ وتظهر الفائدة
في قضاء الصلاة لا في تركها عند رؤية الدم ، إذ لا ريب في البناء على أصالة عدم
الحمل بدون استبانته.
الأول ـ وهو الأصح
ـ لأكثر القائلين باجتماعه مع الحمل ، لما تقدّم ، وخصوص مرسلة محمّد : عن المرأة
الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : « تلك الهراقة من الدم
، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء »
. وقريبة منها رواية أبي المعزى .
والثاني للحلّي ، وعن الخلاف ،
والمبسوط ، ونسبه في الأول إلى الأكثر ،
__________________
وفي الثاني إلى
الإجماع ، وصريح الأول اختصاص الخلاف بما بعد الاستبانة ، ويظهر ذلك من المعتبر
أيضا ، حيث فسّر قوله في النافع : أشهرها أنّها لا تحيض : بأنه مع استبانة الحمل.
للإجماع المنقول
في الخلاف ، والرضوي : « والحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة
أيام الدم ، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة. وقد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة
إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة ، والعمل من خواص الفقهاء على ذلك » .
ويردّ الأول :
بعدم الحجية ، وكذا الثاني سيما مع مخالفته مع ما حكم به أوّلا ونسبته إلى الرواية
، ولو سلّم فيعارض ما مرّ ، ويرجع إلى العمومات.
ثمَّ على المختار
من الاجتماع مع الاستبانة أيضا فلا شك في كون الدم المتصف بالأوصاف في أيام العادة
حيضا ، ويدلّ عليه الإجماع المركّب ، مضافا إلى الأخبار الدالّة على حيضية كلّ من
الدمين .
وإنّما الكلام في
اشتراط الوصفين في الحكم بالحيضية ، أو الاتّصاف خاصة ، أو كونه في العادة كذلك ،
أو أحدهما لا بعينه ، أو لا يشترط شيء منهما ، بل المرأة كحالة عدم الحبل فتحيض
بما تحيض به قبله ، فيه احتمالات ، ولم أعثر على مصرّح بالأول.
والثاني للصدوق ،
قال : والحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة ، وذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر ، فإن كان
قليلا أصفر فلتصلّ وليس عليها إلاّ الوضوء . انتهى.
__________________
وتدلّ عليه ـ بعد
عمومات اعتبار الأوصاف ـ مرسلة محمّد ، ورواية أبي المعزى ، المتقدّمتان .
وموثّقة إسحاق :
الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال : « إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين
، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين » .
والثالث للشيخ في
النهاية ، وكتابي الحديث ، ومال إليه في المعتبر ، والمدارك ، والبحار ، ولكنهم مع إثباتهم
الحيضية لأيام العادة نفوها عمّا تأخّر عنها بعشرين يوما ، فسكتوا عمّا بينهما ،
ويظهر من بعضهم أنهم يلحقونه بالعادة ، ومن آخر أنهم يلحقونه بما بعد العشرين.
وكيف كان ،
فدليلهم عمومات حيضية ما تراه أيام العادة مطلقا.
وصحيحة محمّد : عن
الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كلّ شهر ، فقال : « تمسك عن
الصلاة كما كانت تصنع في حيضها » .
وموثّقة سماعة :
عن امرأة رأت الدم في الحمل ، قال : « تقعد أيامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم
على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثمَّ هي مستحاضة ) .
وصحيحة الصحاف : «
إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما
__________________
من الوقت الذي
كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من
الطمث فلتتوضّأ وتحتشي بالكرسف وتصلّي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت
ترى فيها الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة
عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها » الحديث.
والرابع لوالدي
العلاّمة في اللوامع ، والمعتمد ، ويظهر من بعضهم ذهاب بعض آخر
إليه أيضا.
لخلوّ أخبار
اعتبار الوصف في الحبلى وعدم حيضية الفاقدة له في غير أيام العادة عن المعارض ،
فيحكم به قطعا ، ويحصل التعارض بين تلك الأخبار وبين ما يدلّ على حيضية ما في
العادة في الحبلى أو مطلقا في الخالي عن الوصف في أيام العادة والمتّصف به في
غيرها ، فيرجع إلى عمومات اجتماع الحيض مع الحمل ، ولازمه الحكم مع أحد الأمرين من
الاتّصاف بالأوصاف ومصادفة العادة.
ولدفع توهّم
إيجابه خرق المركّب قال والدي ـ ; ـ : إنّ الظاهر أنّ إطلاق كلام الأكثر في غير وقت العادة
مقيّد بوجود الأوصاف ، ولذا صرّح الكلّ بموافقة الصدوق للمشهور مع تصريحه باعتبار
الصفة ، بل المشترط للعادة لا ينكر كون ما ترى في غير وقتها حيضا إذا وجدت فيه
أوصافه. انتهى.
والخامس لظاهر
أكثر الموافقين في الاجتماع ، لعموماته.
أقول : لا يخفى أنّ خلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وعدم
حيضية الفاقد له في غير أيام العادة عن المعارض مطلقا يخصّص تلك العمومات قطعا ،
ولازمه عدم حيضية الخالي عن الوصف في غير أيام العادة ، فالحكم به لازم والقول
__________________
الخامس ساقط.
وأمّا اختيار
الرابع ، والرجوع في الخالي عن الوصف في الأيام أو المتّصف في غيرها إلى عمومات
الاجتماع ـ بعد تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وأخبار حيضية ما في العادة
فيها واشتغال كلّ منهما بالآخر ـ إنّما كان تامّا لو كانت تلك العمومات كسائر
عمومات الحيض فارغة في الموردين عن المعارض الآخر أيضا.
ولكنه تعارضها في
المورد الأوّل أخبار اعتبار الوصف في الحيض مطلقا ، فإنّها أعم من وجه من عمومات
الاجتماع.
ولا يفيد تخصيصها
بأخبار حيضية الصفرة والكدرة في أيام العادة ، لأنّ القدر المعلوم التخصيص في غير الحبلى ، وأمّا فيها
ـ فلمعارضة أخبار حيضية الصفرة مطلقا مع أخبار عدمها في الحبلى ـ فلا ، كما تعارض
أخبار اعتبار الوصف في الحبلى سائر عمومات التحيّض.
وفي المورد الثاني
أخبار عدم حيضية ما بعد العادة مطلقا أو في الحبلى كصحيحة الصحاف ، فتتساقط
الأخبار من الطرفين ، فيبقى الحكم في الموردين خاليا عن المستند.
وأصالة عدم تعلّق
أحكام الحائض توجب عدم الحيضية فيهما كما هو مقتضى القول الأول ، فهو الأقرب إلاّ
في أيام الاستظهار الثابت للحبلى بموثّقة سماعة ، المتقدّمة وما بينها وبين
العشرة في صورة عدم التجاوز ، فيحكم بالحيضية كما في غير الحبلى ، لاستصحابها.
وتوهّم إيجابه خرق
المركب فاسد ، لأنّه في أمثال المقام غير ثابت.
هذا في المعتادة ،
وأمّا غيرها فالمناط فيه الأوصاف. فالمتّصف حيض ،
__________________
لأخبار اعتبارها
مطلقا أو في خصوص الحبلى ، مضافة إلى عمومات الاجتماع ، الخالية جميعا عن المعارض.
وغيره ليس بحيض ، للأخبار النافية لحيضيته المخصّصة لعمومات الاجتماع ، فتأمّل.
المسألة
الثالثة : اختلفوا بعد اتّفاقهم على أنّ الأصل في كلّ دم اتّصف بصفة
الحيض أو وجد في أيام العادة كونه حيضا ـ كما هو مدلول المستفيضة المعتبرة ـ في
غيرهما.
فالمشهور : أنّ
كلّ دم يمكن شرعا ـ أي لا يمتنع بحكم الشارع ـ أن يكون حيضا فهو حيض ، بل في المعتبر
، والمنتهى ، وشرح القواعد للمحقّق الثاني ، الإجماع عليه.
للإجماعات
المنقولة. وأصالة عدم كونه من قرح ومثله.
وحسنة ابن مسلم
وموثّقته ، المتقدّمتين ، فإنّهما شاملتان لجميع الدماء سوى ما ترى في الأيام
الزائدة على العشرة الأولى والناقصة عن عشرة الطهر ، وهو ممّا يمتنع كونه حيضا.
وما دلّ على أنّ
الدم مطلقا ـ قبل وقت الحيض كذلك كموثّقة سماعة ، أو الصفرة قبله كذلك كرواية علي بن أبي حمزة وغيرها ، أو
بيومين كصحيحة ابن حكيم وغيرها ـ حيض.
__________________
وما دلّ على ترتّب
أحكام الحائض على مجرّد رؤية الدم كصحيحة ابن حازم « أيّ ساعة ترى الدم فهي تفطر »
.
وموثّقة محمّد :
في المرأة ترى الدم من أوّل النهار في شهر رمضان أتفطر أم تصوم؟ قال : « تفطر
إنّما فطرها من الدم » .
ورواية أبي الورد
: عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم ، قال : «
تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين » الحديث. وفي معناها أحاديث عديدة.
وفحوى أخبار
الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى.
ولأنّه لو لم
يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض ، إذ لا تعيّن ، والصفات إنّما تعتبر عند الحاجة إليها
لا مطلقا.
ويؤيده ثبوت الحكم
في كثير من جزئيات موارد الإمكان ، كما في حال الحمل والتمييز وأيام العادة
وغيرها.
خلافا للناصريات ،
والسرائر ، ونهاية الإحكام ، والأردبيلي ، والمدارك ، فصرّحوا بأنّ
الصفرة في أيام الطهر طهر ، وظاهر الأول الإجماع عليه.
للأصل ، واستصحاب
لوازم الطهر ، وعمومات العبادة.
__________________
ومرسلة يونس وفيها
: « وكلّ ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض » .
وصحيحة محمّد
وفيها : « وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضّأت وصلّت » .
وصحيحة البجلي :
عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر ، ثمَّ طهرت وصلّت ، ثمَّ رأت دما أو
صفرة ، قال : « إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة » .
وفي موثّقة الجعفي
: « وإن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلّت » .
وما مرّ من
الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الأوصاف .
والمروي في قرب
الإسناد والمسائل : « ولا غسل عليها من صفرة تراها إلاّ في أيام طمثها » .
وفي دعائم الإسلام
: « في المرأة ترى الدم أيام طهرها إن كان دم الحيض فهو بمنزلة الحائض وعليها منه
الغسل ، وإن كان دما رقيقا فتلك ركضة من الشيطان تتوضّأ وتصلّي ويأتيها زوجها » .
وهو الحق ، لما
ذكر.
ويجاب عن أدلّة
المخالف :
__________________
أما عن الأوّل :
فبعدم حجية الإجماع المنقول سيما مع مخالفة هؤلاء الفحول ، على أنّهم لم يدعوه
إلاّ على حيضية ما يمكن أن يكون حيضا أي شرعا ، والإمكان في أيام الطهر مع عدم
الوصف ممنوع جدّا ، كيف وقد وردت النصوص على عدم حيضيته.
وأمّا على الثاني
: فبمعارضته بأصالة عدم كونه حيضا ، وكون الأصل في دماء النساء الحيضية ممنوع ،
وخلقه فيهن لغذاء الولد لا يوجبه ، فإنّ الخلق غير القذف ، والدماء الأخر موجودة
فيهن أيضا.
وأمّا عن الثالث ـ
فمع أنّ دلالته إنّما هي على تقدير كونه بيانا للحيضية ، وأما إذا كان المراد بيان
الأولية والثانوية كما عليه حمله الأكثر كما مرّ فلا يدلّ إلاّ على بعض الموارد الجزئية
ـ أنّها عامة بالنسبة إلى ما ذكر ، فيجب تخصيصه به.
وبه يجاب عن
الرابع والخامس ، مضافا في الأول إلى أنه إنّما يتضمّن الحكم في بعض الجزئيات وهو
قبل الحيض ، ومع ذلك يتضمّن خلافه في البعض الآخر وهو ما بعد الحيض.
وأمّا عن السادس :
فبمنع الأولوية.
وأمّا عن السابع :
فبمنع انتفاء اليقين الشرعي ، ومنع تخصيص اعتبار الصفات بما ذكر.
وأمّا عن المؤيّد
: فبأنّه ـ مع كونه قياسا ـ يعارض بانتفاء الحكم في كثير من الموارد الأخر ،
كالزائد على العادة مع التجاوز عن العشرة ، وفي الأقلّ من ثلاثة أيام والأكثر من
عشرة وغير ذلك.
المقام
الثاني : في بيان أقسام النساء ، والدم الذي تتحيّض به كلّ منهن ، والذي لا تتحيّض به.
وأقسامهنّ على ما
يستفاد من أخبار الباب أربعة :
المبتدأة : وهي
التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها .
والمضطربة : وهي
من لم تستقرّ لها عادة.
وذات العادة وهي
من استقرّت عادتها في الحيض وعرفتها.
والناسية : وهي
التي استقرّت عادتها ونسيتها.
والمبتدأة بالمعنى
المذكور هي المبتدأة بالمعنى الأخص ، وقد يطلق على الأولى والثانية معا ، وهي
المبتدأة بالمعنى الأعم ، والمضطربة على ذلك الإطلاق تطلق على الناسية ، فتجعل
الأقسام ثلاثة ، والأمر لفظي.
وما قيل من ظهور الفائدة
في رجوع القسم الثاني إلى عادة أهلها وعدمه فاسد جدّا ، لعدم إناطة الحكم في
النصوص بتلك الألفاظ أصلا.
نعم ، الظاهر أنّ
منشأ الاختلاف : الاختلاف في اتّحاد أحكام القسمين الأولين واختلافها ، فمن سمّى
القسمين باسم واحد نظر إلى اتّحاد المضطربة بالمعنى الأول مع المبتدأة بالمعنى
الأخص فيما يتعلّق بها من أحكام الباب ، وهو أولى لذلك ، فتكون الأقسام الكلية
المختلفة باختلافها في الأحكام ثلاثة : المبتدأة وذات العادة والناسية.
والكلام في كلّ
منها إمّا في تحيضها أو في قدر حيضها ووقته.
القسم
الأوّل : المبتدأة الشاملة لمن كان ابتداء حيضها أو بعده قبل استقرار العادة ،
وقد عرفت أنّ الكلام فيها إمّا في تحيضها أو في قدره ، فهاهنا موضعان :
الموضع
الأول : في بيان تحيّضها يعني الحكم بكون دمها حيضا.
فنقول : إنّ
المبتدأة بالمعنى الأعم إذا رأت الدم ففي تحيّضها بمجرد الرؤية مطلقا فتترك
العبادة ، أو استظهارها بفعلها حتى يستمرّ إلى الثلاثة فتتحيّض
__________________
كذلك ، أو الأول
مع كون الدم بصفة الحيض خاصة ، أقوال :
الأول عن المبسوط
، والإصباح ، والجامع ، وظاهر المقنعة ، ونهاية الشيخ ، والوسيلة ،
والذكرى ، ونسب إلى المنتهى ، والمختلف ، ونهاية الإحكام ، وكلماتها
تحتمله.
لأصالة عدم الآفة
، وقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، وعموم النصوص المستفيضة في التحيّض
بمجرّد رؤية الدم الناشئ عن ترك الاستفصال في أكثرها ، وخصوص بعضها في أول
من تحيض ، والأخبار الدالّة على التحيّض برؤية الدم المتّصف بضميمة عدم
الفصل.
والثاني للسرائر ،
والمعتبر ، وعن السيّد ، والإسكافي ، والديلمي ، والحلبي ، بل الشرائع ، والنافع ، والقواعد ، والدروس ، والبيان ، وإن احتاط في
الأخيرين في تعلّق التروك بمجرّد الرؤية.
لعمومات أوامر
العبادة ، فلا تسقط إلاّ باليقين.
__________________
والثالث للمدارك
والذخيرة ، لأخبار التمييز الدالّة منطوقا أو مفهوما على أنّ ما ليس
بصفة الحيض فليس بحيض ، وأنّ ما تراه في اليوم واليومين إن لم يكن دما عبيطا تصلّي
ذينك اليومين كما مرّ ، ومفهوم قوله : « إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة » .
وهو الحقّ ، لما
ذكر.
ويجاب عن دليل
الأول ، أمّا عن الأصل : فبمنعه. وأمّا عن القاعدة : فبمنعها. وأمّا عن العمومات :
فبوجوب تخصيصها بأخبار التمييز لأخصّيتها ، مع أنّ في بعضها ذكر رؤية الحيض والطمث
وعوده ، وصدقه في المورد ممنوع.
وأمّا عن الخصوصات
المذكورة : فبعدم دلالتها ، لمنع صدق من تحيض ما لم يستمرّ دمها إلى الثلاثة أو
كان بالصفة ، مع أنّه لو سلّم لتعارضت مع أخبار التمييز بالعموم من وجه ،
فتتساقطان ويرجع إلى أصالة عدم سقوط العبادات.
وعن الأخير : بمنع
عدم الفصل.
مع أنّه قد ادّعى
في المدارك كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف بالأوصاف لا غيره ، وهو الظاهر من
المنتهى حيث إنّه بعد ما اختار قول الشيخ احتجّ بأخبار التمييز ،
وبأنّ الاحتياط لو كان معتبرا في المبتدأة لكان كذلك في ذات العادة ، لعدم الفارق.
ثمَّ أجاب عن
إبداء الفارق بوجود الظن في الثاني دون محل النزاع بوجود الظن فيه أيضا ، لأنّ
المظنون أنّ المرأة البالغة إذا رأت ما هو بصفة الحيض أنّه حيض ، وهذا كالصريح في
كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف.
__________________
ومنه يظهر أنه
الظاهر من المختلف أيضا ، لأنّه صرّح فيه بأنّ مختاره فيه كما اختاره في
المنتهى ، ولذا نسب في المدارك إليه التصريح باختصاص محلّ النزاع .
والقول بأنّ
الاحتجاج بالدليل الأخصّ لا يخصّص الدعوى العامة ، إذ لعلّه لدفع مذهب الخصم
وتتميم المطلوب بعدم الفصل ، مقدوح : بأنه خلاف الظاهر ، مع أنّ وجه ظهور كلامه في
الاختصاص لا يختص بذلك بل بعده ما يؤكّده ظهورا كما ذكرنا.
واستدلاله بقاعدة
ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض غير ضائر ، إذ الشأن في تعيين ما يمكن عنده ، ولعلّه
لا يرى غير المتّصف من الأفراد الممكنة ، سيما مع تعريفه دم الحيض بأنّه دم متّصف
بكذا وكذا.
ومنه يظهر إمكان
أن يكون الوجه في عدم التقييد أولا هو الاتكال على ما عرّفوا به دم الحيض ، بل
يظهر احتمال وجه لعدم تقييد أكثرهم العنوان بالمتصف أيضا ، حيث إنّهم عرّفوا أولا
دم الحيض مطلقا أو مقيّدا بالأغلب بذلك.
ثمَّ لو سلّمنا
عدم الظهور في الاختصاص فلا شك في الاحتمال. وبه يبطل الإجماع المركّب الذي
ادّعوه.
نعم ، ظاهر المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد الإجماع على عدم الفرق ، ولكنه غير صالح لإثبات الإجماع ،
لعدم حجيته.
ثمَّ بما ذكرنا
ظهر الجواب عن دليل الثاني أيضا.
ثمَّ على المختار
من عدم تحيّضها برؤية الدم الغير المتّصف هل تتحيّض إذا استمرّ ذلك الدم ثلاثة
أيام أم لا؟
__________________
صرّح بالأول
الديلمي ، والحلّي ، والمنتهى ، مدّعيا عليه في الأخير أنه مذهب علمائنا أجمع ، فإن ثبت
فهو ، وإلاّ ففيه تأمل.
وظاهر المحكي عن
المقنع ، والمقنعة : عدم كون الصفرة والكدرة حينئذ حيضا ، حيث حكما
بالاستبراء مع رؤيتهما.
الموضع
الثاني : في قدر حيضها ووقته بعد الحكم بكونها حائضا ، ونبيّن هذا الموضع في مسائل
:
المسألة
الأولى : إذا حكم بكونها حائضا إمّا برؤيتها الدم المتّصف ، أو
بالاستمرار إلى الثلاثة إن قلنا بالحيضية معه فيحكم بكون المرئي حيضا إن لم يتجاوز
العشرة ولو لم يتّصف بالصفة.
لاستصحاب الحيضية.
وموثّقة سماعة : عن الجارية البكر أول ما تحيض ، إلى أن قال : « فلها أن تجلس وتدع
الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » .
وموثّقتي ابن بكير
:
أولاهما : «
المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيام » .
والأخرى : « في
الجارية أول ما تحيض يدفع عنها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي (
حتى يمضي ) أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى
__________________
ذلك وهو عشرة أيام
فعلت ما تفعله المستحاضة » .
وحسنة محمّد
وموثّقته المتقدّمتين .
ولا تضرّ معارضة
أخبار التمييز مع تلك الأخبار ، لموافقة الاستصحاب مع هذه.
وفي حكم الدم :
النقاء المتخلّل بين الدمين في العشرة الغير المتجاوز عنها ، بإجماع جميع فقهائنا
، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين ، بل جمع آخر منهم والدي العلاّمة ; ، لاستصحاب
الحيضية ، وعدم كون الطهر مطلقا أقلّ من العشرة ، كما مرّ .
الثانية
: لو انقطع دمها بعد الثلاثة فما فوقها ، ولم تر حتى مضى أقلّ الطهر من الانقطاع ثمَّ رأته يحكم بالحيضية المستقلة مع
الصفات ، لا بدونها إلاّ إذا استمرّ ثلاثة أيام إن قلنا بالإجماع على حيضيته.
والأكثر حكموا
بالحيضية مطلقا ، لبعض الأخبار المعارضة بروايات التمييز ، وللبناء على أنّ ما يمكن أن
يكون حيضا فهو حيض.
وقد عرفت ما فيه .
الثالثة
: إذا تجاوز دمها العشرة ، فإن كان لها تمييز رجعت إليه على الحق المشهور ، بل عليه الإجماع في المعتبر ،
والتذكرة ، واللوامع ، وعن الخلاف ،
__________________
والمنتهى ، وأسنده في
الكفاية إلى الأصحاب ، وفي الدروس إلى ظاهرهم ، لأخبار اعتبار
الصفات إثباتا ونفيا ، ومنها الدالّة عليه في خصوص استمرار الدم .
وعن الصدوقين ، والمفيد ، وابن
زهرة : عدم التعرّض للرجوع إلى التمييز.
وعن الحلبي : رجوع
المضطربة أولا إلى نسائها ، فإن فقدن فإلى التمييز ، والمبتدأة إلى نسائها خاصة
إلى أن تستقرّ لها عادة .
ولا دليل يعتدّ به
لشيء منها يصلح لمعارضة أخبار التمييز.
وأمّا موثّقة
سماعة : عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها ،
قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة
أيام وأقلّه ثلاثة أيام » الدالّة بظاهرها على رجوع المبتدأة إلى النساء أولا.
ففيها : منع تلك
الدلالة ، إذ السؤال إنّما هو عمّن لا تعرف أقراءها ، ولا نسلّم أن صاحبة التمييز
لا تعرفها ، فهي واردة في غير ذات التمييز.
وظاهر الكفاية التردّد بين
الرجوع إلى التمييز وبين الرجوع إلى الأيام
__________________
الذي هو شأنها حين
فقد التمييز والنساء.
بل ظاهر بعض
مشايخنا الأخباريين ترجيح الثاني ، لقوله في مرسلة يونس ، الطويلة : « وأمّا
السنّة الثالثة فهي التي ليست لها أيام متقدّمة ولم تر الدم قط ورأت أول ما أدركت
واستمرّ بها ، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأوّلى ـ والثانية ، وذلك أن امرأة يقال
لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله 6 ، فقالت : إنّي استحضت حيضة شديدة » إلى أن قال : « تحيّضي
في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة » الخبر.
وموثّقة سماعة ،
المتقدّمة ، وموثّقتي ابن بكير :
إحداهما : «
المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ تركت الصلاة عشرة أيام ، ثمَّ تصلّي
عشرين يوما ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلّت سبعة
وعشرين يوما » . وبمضمونها الأخرى .
ويجاب عنها :
بأنّها معارضة لإطلاقات التمييز بالعموم من وجه. والترجيح للإطلاقات ، لأشهريتها
رواية وفتوى ، وأصحّيتها سندا ، واعتضادها بالإجماعات المستفيضة نقلا.
هذا ، مع ما في
المرسلة من اختصاصها بفاقدة التمييز التي هي غير المسألة ، كما يدلّ عليه قوله في
آخرها : « وإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها
__________________
فلم تزل الاستحاضة
دائرة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنتها السبع ، والثلاث والعشرون ،
لأنّ قصتها قصة حمنة » الحديث.
وما في الموثّقة
من عدم المنافاة ، إذ مع الرجوع إلى التمييز يكون أيضا أكثر الجلوس عشرة وأقلّه
ثلاثة.
وما في الأخيرتين
من عدم الحجية ، لعدم عامل بمضمونها بخصوصه ولو في فاقدة التمييز أيضا كما يأتي ،
مع أنّ ثانيتهما ليست مروية عن إمام.
ثمَّ إنّه يتوقّف
حصول التمييز على أمور :
الأوّل
: أن لا ينقص المشابه
للحيض عن الثلاثة مع تواليها ولا يزيد على العشرة ، لعموم ما دلّ على اعتبار
الأمرين في الحيض.
وليس في إطلاق ما
دلّ على اعتبار الصفات مخالفة لذلك ، لورودها في بيان الوصف دون المقدار. وعلى فرض
المخالفة ظاهرا يجب تقييده بما دلّ على اعتبارهما ، لظاهر الإجماع.
وبه يجاب عمّا في
رواية يونس من أنّ المختلطة عليها أيامها تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام
وكثيرها.
ولو قطع النظر عن
الإجماع ووجوب التقييد يحصل التعارض فيرجع إلى الأصل ، ولا شك أنه مع عدم التحيّض
، لعمومات العبادة وأصالة عدم تعلّق أحكام الحيض بها.
فتوهّم عدم اعتبار
هذا الشرط ـ كبعض مشايخنا الأخباريين ، ونقله والدي ـ ; ـ في اللوامع عن ظاهر المبسوط ـ لا وجه له ،
فلا تمييز لفاقدته.
وهل تتحيّض ببعض
ما زاد على العشرة ممّا يمكن جعله حيضا وبالناقص مع
__________________
إكماله بما في
الروايات ، أم لا بل يتعيّن الرجوع إلى النساء أو الروايات؟ فيه قولان : من عموم
أدلّة التمييز ، وعموم الرجوع إلى الأمرين. والاحتياط لا يترك.
الثاني : عدم قصور الخالي عن الوصف المحكوم بكونه طهرا أو مع
النقاء المتخلّل عن أقلّ الطهر على الحقّ المشهور ، بل قال بعض الأجلة : إنّه لا خلاف
فيه ، لإطلاق أنّ أقلّ الطهر عشرة.
ولا يضرّه إطلاق
أخبار التمييز ، للرجوع إلى أصالة عدم الحيضية بعد تعارضهما. ولا الأخبار الدالّة
على جعل النقاء المتخلّل الأقلّ من عشرة متكرّرا بين الدماء المتكرّرة طهرا ، لخروجها عن
مورد المسألة الذي هو تفاوت الدمين بالأوصاف ، مع أنّه قد مرّ الجواب عنها في
مسألة أقلّ الطهر ، فلا يجعل كلّ من الدمين المتخلّل بينهما ذلك حيضا.
نعم ، وقع الخلاف
ـ فيما إذا تخلّل الضعيف الأقلّ من العشرة القوي الصالح للحيضية في كلّ من الطرفين
ـ في أنّه هل يجعل المجموع من الضعيف حيضا مع إمكانه ، وأحدهما خاصة مع عدم
الإمكان ، أو يحكم بفقد التمييز؟
فعن المبسوط أنّها لو رأت
ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة ثمَّ رأت بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض ، وإن
تجاوز الثالث إلى تمام ستة عشر كان العشرة حيضا والستة السابقة استحاضة.
ولعلّه ـ كما قيل ـ نظر إلى أنّ دم
الاستحاضة لمّا خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله أيضا.
ويضعّف بإمكان
القول بمثله فيما بعده أيضا ، فتخصيص القبل ترجيح بلا مرجّح.
__________________
ومنه يظهر ضعف
العكس وجعل المتقدّم حيضا كما عن بعضهم .
ولهذا استحسن
المحقّق نفي التمييز حينئذ .
واستقر به في
الذكرى وهو الأقرب ، لوضوح تقييد أخبار التمييز بالإمكان ، وهو
هنا غير ممكن في كلّ أيامه ، وتخصيص البعض ترجيح بلا مرجّح ، بل الظاهر منها
الإمكان في الكلّ. وعن المنتهى والتحرير : التردّد .
الثالث : اختلاف الدم في الصفات المعتبرة في الحيض ، المتقدّمة ،
من السواد والحرارة والدفع والحرقة ، فيجعل ما بصفة الحيض حيضا والباقي استحاضة ،
وكذا الكثرة كما يصرّح بها في مرسلة يونس ـ الطويلة ـ في تفسير قوله : « البحراني ».
وأمّا إلحاق
الغلظة والنتن بها فقد عرفت أنه لا دليل عليهما سوى بعض الأخبار الضعيفة الغير
الصالحة للحجيّة.
وقد يدّعى فيهما
شهادة التجربة ، ولا يستفاد منها لو سلّمت عليهما سوى المظنة ، واعتبارها في
المقام خال عن الحجة ، كما أنّ التخصيص هنا باللون ـ كما في بعض كتب الجماعة ـ لا وجه له.
ولا تمييز لفاقدة
الصفات المذكورة ، كما لا تمييز لواجدتها فقط للحيض أو الاستحاضة في المتساوية
منها قوّة وضعفا إجماعا ، بل وكذا في المختلفة بالقوة والضعف فقط بعد اتّحاد الصفة
المنصوصة عرفا على الأصح ، فلا تمييز لواجده
__________________
المختلف بالسواد
الشديد وغير الشديد ، بل ولا بالسواد والحمرة ، ولا بالحارّ والأقلّ حرارة ، خلافا
لجماعة فحكموا بالتمييز.
ومنه يظهر أنّه لو
رأت عشرة أحمر ثمَّ عشرة أسود ثمَّ عشرة أشدّ سوادا ، لم يكن له تمييز ، لكون
الجميع بصفة الحيض.
وقد يحكم فيها
بالجلوس عن العبادة تمام الشهر ، للانتقال إلى الأقوى في كلّ عشرة. وليس بشيء ،
لما مرّ.
وكذا لا تمييز
لواجده المتّصف ببعض صفات أحدهما ، لدلالة أخبار التمييز على اعتبار الكلّ.
نعم ، لو وجدت
البعض متّصفا بجميع صفات الحيض والآخر ببعض صفات الاستحاضة فهي في الحيض ذات
تمييز.
وكذا لو وجدت
البعض متّصفا بصفات الحيض ، وبعضا آخر بصفاته أيضا ولكن بأضعف من الأولى ، وثالثا
بصفات الاستحاضة ، كان الأولان حيضا مجموعا إذا استجمعا سائر الشرائط.
الرابعة
: إذا فقد التمييز للمبتدأة ، رجعت إلى عادة نسائها بلا خلاف ظاهر ، بل عليه الإجماع في كلام بعض الأكابر ، وعن المعتبر
اتّفاق الأعيان من فضلائنا عليه ، وفي اللوامع صرّح باتّفاق الكلّ عليه ، وفي المدارك أنّه
المعروف من مذهب الأصحاب .
لموثّقة سماعة ،
المتقدّمة التي هي حجة بنفسها ، وباعتضادها بما مرّ ،
__________________
وبدعوى الخلاف
إجماع الفرقة على صحتها .
وموثّقة أبي بصير
: في النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة ( إلى أن قال : ) « إن كانت لا تعرف أيام
نفاسها فابتليت ، جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها » .
والأخيرة شاملة
للمبتدأة بقسميها ، فهي الحجة في المضطربة وإن احتاجت في تتميم جميع ما يتعلّق بها
إلى الإجماع المركّب.
ولا يضرّ في
المسألة إطلاق المرسلة ـ الطويلة ـ في رجوع المبتدأة إلى الأيام أوّلا ، لكونها
أعم من الموثّقة الأولى مطلقا باعتبار وجود النساء واتّفاقهن وعدمهما ، فيجب
تقييدها بها. مع أنه قد حملها الشهيد على ما لا ينافي الموثّقة . ولكنه بعيد
جدّا.
ثمَّ صريح الأولى
ـ كفتاوى الجماعة ـ اختصاص الرجوع إلى النساء بصورة اتّفاقهن في العادة. وهو كذلك
، لذلك.
ولا تضرّها موثّقة
زرارة ومحمّد : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمَّ تستظهر على ذلك
بيوم » حيث عمّت صورة الاختلاف أيضا ، لأنّها أعم مطلقا.
وتوهّم اختصاص
الأخيرة بالاختلاف لمكان الأمر بالنظر إلى البعض ، ضعيف ، لأنّ مع الاتّفاق أيضا
يكون الاقتداء بكلّ بعض. مع أنها أعم أيضا من حيث شمولها لغير المبتدأة أيضا.
مضافا إلى أنها لو خصّت بصورة الاختلاف
__________________
خرجت عن صلاحية
المعارضة ، لصيرورتها شاذة ، لعدم قائل بمضمونها ، كما صرّح به جماعة .
ومنه يظهر عدم
مضرّة موثّقة أبي بصير أيضا ، مع أنها شاملة لصورة الاختصاص بوجود إحدى من ذكر
فيها وعدم وجود غيرها.
نعم ، مقتضى
موثّقة سماعة : الرجوع إلى الجميع مع العلم باتّفاقهن ، إذ حينئذ يمكن جعل أقرائها
مثل أقرائها ، وإلى الأيام مع العلم باختلافهن ولو بعد الفحص في الصورتين.
أمّا لو لم يعلم
الاتّفاق ولا الاختلاف ولم يتمكّن من الاستعلام ، كأن تكون بعضهن أمواتا أو في
بلاد بعيدة ، وكانت المعلومات حالهن متّفقات حتى يصدق عدم العلم بالاختلاف ،
فالظاهر الاكتفاء بهذا البعض المعلوم بمقتضى الموثّقتين الأخيرتين الخاليتين عن
المعارض في المقام ، بل قيل : إنّ المراد من الأولى أيضا النساء الأحياء المتمكّن
من استعلام حالهن أو الموجودات في بلدها .
وتدخل في نسائها
أقاربها من الأبوين أو أحدهما إجماعا وعرفا ، دون غيرهن وإن تلبّست بضرب من
الملابسة وكفى أدناها في الإضافة ، لأنّ كفايته مصحّحة للإضافة لا معيّنة لإرادة
كلّ ملابس.
ومقتضى عموم النص
: عدم اشتراط الحياة في الأقارب ولا التساوي في السن ولا الاتّحاد في البلد.
خلافا لظاهر
الذكرى في الأخير ، فاعتبره ، لظهور تأثير الاختلاف في البلد في
مخالفة الأمزجة. وهو اجتهاد في مقابلة النص. ولعدم تبادر غير المتّحد منه. وهو
مردود بلزوم تبادر المتّحد في التخصيص ، وهو منتف.
وهل يختص الرجوع ـ
حين فقد التمييز ـ بنسائها؟ كما عن المعتبر والمنتهى
__________________
وغيرهما.
أو يجوز لها
الرجوع مع وجود النساء واتّفاقهن إلى أقرانها وذوات أسنانها أيضا؟ إمّا مطلقا ،
كما في النافع وعن التلخيص ، أو بشرط كونهن من أهل بلدها ، كما نقله في
الشرائع وعزاه في المدارك إلى المبسوط وجمع من الأصحاب.
أو يجوز لها ذلك
مع فقد النساء خاصة مطلقا؟ كما عن المهذّب ، والتحرير ، والتبصرة ، وجمل الشيخ ،
واقتصاده ، والسرائر ، أو بشرط اتّحاد البلد ، كما عن الوسيلة ، أو مع اختلافهن
أيضا مطلقا ، كما عن القواعد ، والإرشاد ، ونهاية الإحكام ، أو بشرط اتّحاد
البلد ، كما عن الإصباح.
الحقّ هو الأول ،
لعدم دليل معتدّ به على الرجوع إليهن مطلقا.
ودعوى الظن
بمشابهتها مع الأقران في الأقراء ممنوعة. ولو سلّمت فاعتباره غير مسلّم.
والاستدلال بلفظ «
نسائها » باعتبار كفاية أدنى الملابسة فاسد ، كما مرّ.
والتمسّك باستفادة
توزيع أيام الأقراء على الأعمار في المرسل المصرّح بأنّ المرأة أول ما تحيض تكون
كثيرة الدم وكلّما كبرت نقص الدم ، ضعيف ، لعدم
__________________
دلالته على تساوي
النساء في النقص بتساوي ازدياد السن.
الخامسة
: إذا فقدت الأقارب لها أو اختلفن ـ وإن اتّفقن منهن الأغلب على الأقرب ـ تحيّضت بالسبعة في كلّ شهر على الأصح ، وفاقا للمحكي عن
ظاهر النهاية في اللوامع ، وعن الجمل والاقتصاد في كلام بعض
الأجلّة ، وعن غيرهم أيضا في كلام بعض آخر .
لقوله 7 في مرسلة يونس ـ الطويلة
ـ التي هي كالصحيحة ، لوجوه عديدة : « هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أول ما تراه
، أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ».
وقوله 7 فيها : « وإن لم
تكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت ، فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون ».
وقوله في آخرها ـ في
حقّ من أطبق عليها الدم ولم تعرف أياما وكانت فاقدة للتمييز ـ : « فسنّتها السبع
والثلاث والعشرون ، لأنّ قصّتها قصّة حمنة » .
وأمّا التخيير
الواقع فيها أولا بقوله للمبتدأة : « تحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو
سبعة ، ثمَّ اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين يوما » فلمنافاته مع
تعيين السبع وجعل أقصى الطهر ثلاثا وعشرين ثانيا لا يصلح للاستناد إليه في التخيير
، بل يحمل إمّا على ترديد الراوي كما قيل ، أو على وجه آخر.
__________________
ولأجل ذلك وإن لم
يمكن الاستناد في التعيين إلى قوله ثانيا أيضا وأمكن حمله على الاكتفاء في التفصيل
بأحد فردي التخيير دون الانحصار كما ذكره والدي ـ ; ـ في اللوامع ، ولكن لاتّفاق الفقرتين على جواز السبع يكون
جواز التحيّض بها قطعيا ، وغيرها مشكوكا فيه ، فينفى التعبّد به بالأصل.
خلافا في المبتدأة
بقسميها لكثير من علماء الفرقة ، فإنّ لهم فيهما أقوالا متكثرة تتجاوز عن العشرة ،
أكثرها عن الحجة خال بالمرة ، وحجّة ماله حجّة منها للاستناد غير صالحة :
كالقول بتحيّضهما
مطلقا بالثلاثة ، لأصالة عدم الزيادة ، واستصحاب لزوم العبادة ، وأصالة
الطهارة ، فإنّ جميع تلك الأصول بما مرّ مندفعة ، ومع ذلك باستصحاب الحيض بعد
التحيّض بالثلاثة معارضة.
وبتحيّضها في كلّ
شهر بالعشرة ، كما ذهب إليه بعضهم ، أو بالتحيّض عشرة والتطهّر عشرة ، كما حكي عن بعض آخر ، للقاعدة التي
هي على ألسنتهم جارية من حيضية كلّ ما يمكن أن يكون حيضا ، فإنّك قد عرفت أنّ تلك
القاعدة غير ثابتة.
وبتحيّضها
بالثلاثة إلى العشرة مع أفضلية العشرة في الدور الأول والثلاثة في غيره ، ثمَّ
أفضلية السبعة أو الستة في كلّ دور.
اختاره والدي
العلاّمة ـ ; ـ استنادا في الجزء الأول إلى موثّقة سماعة ، المتقدّمة . وفي الثاني إلى
موثّقتي ابن بكير ، السابقتين . وفي الثالث إلى التخيير المذكور أولا في المرسلة ، بحمل الأولى
على الجواز ، والثانية على الأفضلية ، لعدم
__________________
منافاتها للأولى
مع دلالتها على الرجحان ، والثالثة على التخيير بينها وبين الثانية للتعارض وعدم
الترجيح ، فيصار إلى التخيير مع أفضليّة لصراحة الأمر.
فإنّ الأولى
للاحتجاج غير صالحة ، لإجمالها ، حيث إنّ كون الأكثر عشرة والأقل ثلاثة يتصوّر
بوجوه مختلفة ، كأن تتحيّض في كلّ شهر بما شاءت من الثلاثة ، أو العشرة ، أو منهما
وممّا بينهما ، أو في شهر بالأولى وفي آخر بالثانية مخيّرة في التعيين ، أو مع
تعيين الأول للثلاثة والثاني للعشرة ، أو بالعكس ، مع عدم دلالتها على جواز
التحيّض بما بين العددين ، بل إمكان القدح في دلالتها على الجواز بالعددين أيضا.
والثانية شاذة ،
ولشهرة القدماء بل الإجماع مخالفة ، إذ لم ينقل من أحد من الطائفة المصير إلى
مضمونها الذي هو التحيّض بالعشرة في الدور الأول وبالثلاثة في غيره مطلقا لا
معيّنا ولا مخيّرا بين ذلك وبين غيره ، فهي عن أصلها ساقطة ، ولمعارضة المرسلة غير
صالحة.
والثالثة مع ما
بعدها في المرسلة ـ كما عرفت ـ منافية ، ومثل ذلك لا يصلح للاستناد والحجية.
ومع ذلك كله ، فلا
يشمل شيء منها المضطربة ، بل الكلّ مختص بالمعنى الأخص من المبتدأة.
وبتحيّضها بالستة
أو السبعة مطلقا ، لما ذكر مع ما فيه.
وبالثلاثة من شهر
وعشرة من آخر ، للموثّقتين. فإنّهما على ذلك غير دالّتين ولا مشعرتين. إلى غير ذلك
من الأقوال الخالية عن الحجة ، أو المحتج لها بما يظهر ما فيه بما ذكر.
ثمَّ إنّه صرّح
جماعة ، وحكي عن المعتبر والإصباح والمنتهى والتحرير :
__________________
بأنّ العدد الذي
تتحيّض به ، لها وضعه حيث شاءت من الشهر في الدور الأول ، لإطلاق الأدلّة وعدم
الترجيح.
يعني ـ بعد ظهور
استمرار الدم إلى آخر الشهر ـ لها أن تجعل الحيض أيّ سبعة شاءت مثلا ، فإن جعلت
الأولى التي كان عليها أن تتحيّض فيها قبل ظهور الاستمرار فهو ، وإلاّ فتقضي ما
تركته فيها من الصلاة.
والظاهر أولوية
جعل الأول حيضا بل تعيّنه ، كما عن التذكرة ، وظاهر المبسوط ، والجواهر ، للمرسلة « عدّت
من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ثمَّ هي مستحاضة » .
وأيضا : فإنها
تتحيّض قطعا في الأول باستمرار الدم إلى الثلاثة سيما مع الوصف ، فالانتقال عنه
وتركها العبادة وقضاؤها لما تركته من الصلاة يحتاج إلى دليل.
هذا في الدور
الأول ، وأمّا ما بعده فلا بدّ من اتّباع النصّ من جعل ثلاثة وعشرين طهرا ثمَّ
التحيّض بعده ، فإنّها أقصى طهرها ، بل طهرها تلك خاصة ، كما نصّ به في المرسلة التي هي في الباب
عمدة.
القسم
الثاني : ذات العادة.
وهي التي حصلت لها
العادة في وقت الحيض ، أو قدره ، أو فيهما.
ثمَّ إنّ عدم حصول
العادة ـ التي قد يعبّر عنها بأيام الحيض أيضا ـ بالمرة الواحدة عندنا مجمع عليه ،
واشتقاقها من العود يرشد إليه ، والأصل يوافقه ، وفي ذيل المرسلة ـ الطويلة ، كما
يأتي ـ تصريح به ، وأكثر المخالفين يوافقنا فيه.
وثبوتها بالمرتين
ممّا لا خلاف فيه ، وحكاية الإجماع من الأعيان متكررة
__________________
عليه .
ويدلّ عليه إطلاق
أخبار العادة بل عموم بعضها ، وخصوص ما يأتي من الموثّقة والمرسلة.
وفي اشتراط
استقرار الطهر بتكريره مرتين متساويتين في استقرار العادة عددا ووقتا قولان ،
الأقوى : العدم ، للأصل ، وظاهر المرسلة. وفاقا للفاضل ، والروض ، بل الأكثر ،
كما ذكره والدي في اللوامع. وخلافا للذكرى ، فاشترطه فيهما ، وبدونه حكم باستقرار العدد دون الوقت.
ولا دليل له.
وكذا لا يشترط في
العددية تعدّد الشهر ، فتستقرّ برؤيته في الشهر الواحد مرارا متساوية بينهما أقلّ
الطهر ، وفاقا للمحكي عن المبسوط ، والخلاف ، والمعتبر ، والذكرى ، والروض ، لإطلاق أخبار
العادة وأيام الحيض الصادق بذلك.
وظاهر الموثّقة وإن اقتضى نفي
الاستقرار في الشهر الواحد بالمفهوم ، ولكن لتعارضه مع إطلاق قوله في المرسلة
بالعموم من وجه وتساقطهما تبقى إطلاقات أخبار العادة وأيام الحيض خالية عن
المعارض.
ومنه يظهر عدم
اشتراط تعدّد الشهر الهلالي في استقرار الوقتية أيضا ، بل يكفي تعدّده في شهر
الحيض ، وهو ما يمكن أن يعرض فيه حيض وطهر صحيحان وهو ثلاثة عشر يوما ، أو في غير
ذلك ككلّ أسبوعين مثلا.
__________________
وورود الشهر في
الخبرين وكونه حقيقة في الهلال لا يضرّ ، لما عرفت.
وعدم إمكان تماثل
الزمانين بالنسبة إلى الدمين في غير الهلالي ممنوع ، فإنّه يمكن في شهر الحيض أو
الأسبوع أو كلّ نصف من الهلالي ونحو ذلك.
ومن ذلك تظهر أيضا
صحة القول باستقرار الأقلّ القدر المشترك من الوقت والعدد في الأقسام الثلاثة ،
لصدق العادة وأيام الحيض وإن لم يصدق السواء المصرّح به في الخبرين.
وكذا يظهر وجه
حصول العادة بالتمييز مع استمرار الدم.
ثمَّ إنّ ذات
العادة ـ كما أشير إليه ـ على أنواع ثلاثة ، لأنّها إمّا عديدة ووقتية ، أو عددية
فقط ، أو وقتية كذلك. واعتبار الثلاثة وإطلاق العادة وأيام الحيض وترتّب أحكامهما
عليها مجمع عليه ، وهو الحجة في ذلك.
مضافا في
الأوّليين إلى موثّقة سماعة ، وفيها : « فإذا اتّفق الشهران عدّة أيام سواء فتلك
أيامها » .
والمرسلة ـ الطويلة ـ وفيها
: « فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء حتى توالت عليها حيضتان فقد علم أنّ
ذلك صار وقتا وخلقا معروفا ، فتعمل عليه وتدع سواه » إلى أن قال : « وإنّما جعل
الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث حيض ، لقول رسول الله 6 ، للتي تعرف
أيامها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها
فيقول ( لها ) : دعي الصلاة أيام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء وأدناه حيضتان
فصاعدا ».
وفي الأخيرة إلى قوله 7 في المرسلة : «
ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت ( إلى معرفة ) لون الدم » إلى أن قال : « فإن جهلت
الأيام وعددها
__________________
احتاجت إلى النظر
حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه ، ثمَّ تدع الصلاة إلى قدر ذلك »
الحديث.
دلّت بالمفهوم على
أنه إذا عرفت الأيام وحدها أيضا لم يحتج إلى النظر إلى لون الدم ، وتمام المطلوب
يثبت بالإجماع المركّب.
ثمَّ تأثير
العددية إنّما هو في الرجوع إليها عند عبور الدم عن العشرة ، والوقتية في الجلوس
برؤية الدم.
ثمَّ إنّه قيل :
إنّ المناط في اتّحاد الوقت والعدد عدم الزيادة والنقصان والتقدّم أو التأخّر بيوم
تام ، لا ببعضه أيضا ، إذ التفاوت بالبعض لازم التحقّق في كلّ دمين غالبا ، مع أنّ
العرف لا يعتني بمثل ذلك.
أقول : لا شك في عدم اعتناء العرف بالتفاوت القليل ، فلا ينافي
الاستقرار ، ولكن تحديده بمطلق بعض اليوم محل نظر ، فإنّه لو رأت الدم أول الطلوع
من اليوم الأول من شهر وانقطع آخر السابع ، ثمَّ رأته في آخر ساعة من الأول من
الشهر الثاني بل ولو بعد زواله مطلقا وانقطع آخر سابعه ففي صدق الاتّحاد في الوقت
والعدد نظر ظاهر. والأولى إحالة ذلك إلى العرف مطلقا.
ثمَّ الكلام في
كلّ من هذه الأنواع ـ كما في المبتدأة ـ إمّا في تحيّضها أو في مقدار حيضها.
فالنوع
الأول ، وهي : ذات العادة
العددية والوقتية ، فيه موضعان :
الموضع
الأول : في تحيّضها. ولبيانه نقول : إنّ ذات العادة العددية والوقتية تتحيّض
وتترك العبادة برؤية الدم مطلقا وإن لم يكن بصفة الحيض إذا كانت في وقت العادة
إجماعا محقّقا ، ومنقولا مستفيضا ، له ، وللنصوص المستفيضة جدّا ، بل المتواترة
معنى.
وفي تحيّضها
برؤيته قبله مطلقا ، أو مع كونه بالصفة ، أو إلحاقها حينئذ
__________________
بالمبتدأة فتستظهر
بالعبادة إلى الثلاثة أو حضور الوقت ، أقوال :
الأشهر الأظهر :
الأول ، بل قيل : إنه إجماع. لا لأصالة عدم الآفة كما قيل ، لمعارضتها مع
أصالة عدم الحيض كما مرّ.
بل لعموم
المستفيضة المصرّحة بتحيّض المرأة بمجرّد رؤية الدم .
وخصوص ما دلّ على
حيضية ما تراه ذات العادة قبل العادة مطلقا ، كموثّقة سماعة : عن المرأة ترى الدم
قبل وقت حيضها ، قال : « فلتدع الصلاة ، فإنه ربما يعجّل بها الوقت » .
أو الصفرة التي
تراها كذلك ، كرواية ابن أبي حمزة : عن المرأة ترى الصفرة فقال : « ما كان قبل
الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه » .
والرضوي : «
والصفرة قبل الحيض حيض ، وبعد أيام الحيض ليست من الحيض » .
أو الثاني مقيّدا
بيومين ، كصحيحة ابن حكيم : « الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيام
الحيض ليس من الحيض ، وفي أيام الحيض حيض » وقريبة منها موثّقة أبي بصير .
__________________
وأمّا ما في
المرسلة ـ الطويلة ـ من الدلالة على أنّ ذات العادة تعمل في العادة وتدع ما سواها
ـ كما يأتي ـ فلا يضرّ هنا ، لعدم عامل به في المورد أصلا ، مع أنها أعم مطلقا من
أخبار القبل فتخصّص بها.
للثاني ـ وهو
مختار صاحب المدارك ـ : ما تقدّم من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الصفات ،
وعلى أنّ الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض كما في صحيحة محمّد .
وأجيب عنها :
بكونها أعم مطلقا ممّا مرّ ، فتخصّص بها ، مع أنّ في المرسلة ـ الطويلة ـ دلالة
على عدم رجوع ذات العادة إلى التمييز ، كما يأتي.
وللثالث ـ وهو
مذهب المسالك ـ : ظواهر بعض الأخبار التي لا دلالة لها ، وبعض
الاعتبارات الذي لا اعتناء به.
ثمَّ إنّه لا فرق
فيما تراه قبلها فيما إذا كان بحيث ينتهي الدم على أول أيام العادة ، أو في
أثنائها إذا كان بحيث تصدق القبلية عرفا ولم يبعد عنها بحيث لا يقال إنّه قبل
العادة ، ويصدق عليها تعجيل العادة كما علّل به في الرواية .
والحاصل : أنّ
القبل المحكوم بحيضيته هو ما يقرب العادة وكذا البعد ، وأمّا مطلق القبل والبعد
اللغويين الصادقين على كلّ ما تقدّم وتأخّر فليس مرادا هنا قطعا ، ولذا ورد في بعض
الأخبار بيوم ويومين وعبّر بعض الفقهاء بالقبيل والبعيد.
__________________
وممّا يثبت ذلك :
أنه لو أريد اللغويان ، لكان كلّ قبل بعدا لما قبله وبالعكس ، فتتعارض الفقرتان
ويلغو الحكم ، وذلك قرينة واضحة على ما ذكرنا من المراد من القبل والبعد.
وكذا تتحيّض بمجرد
الرؤية مطلقا إذا رأته متأخّرا عن أول وقت العادة أي في أثنائها ، لصدق كونه في
العادة ، فتدلّ عليه أخبارها.
وأمّا لو رأته
متأخّرا عن آخر وقت العادة فلا شك في التحيّض به مع كونه بالوصف ، للإجماع ،
ولأخبار التمييز ، الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام. وأمّا قوله لذات العادة
في المرسلة : « تعمل فيه ـ أي في وقتها ـ وتدع ما سواه » فإنّما يجري
فيما إذا رأت في العادة أيضا حتى يصدق قوله : « تعمل فيه » وليس كذلك المقام.
وأمّا ما في آخر
مرسلة يونس ـ القصيرة ـ : ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض » فلا ينافيها ،
لجواز أن يراد بأيام حيضها هنا أيام العادة إذا كانت فيها حائضا دون ما إذا خلت
أيام العادة عن الدم ، كما هو مورد المسألة.
وأما بدونه فادّعى بعض الأجلّة الاتّفاق على التحيّض مطلقا الشامل
لهذه الصورة أيضا .
وظاهر المدارك
عدمه . والأصل معه وإن كان مظنة الإجماع على التحيّض في صورة الاستمرار إلى
الثلاثة.
وفي حكم المتأخّر
كلّ ما بعد زمان العادة ولو بكثير إذا لم تر في زمان العادة ، والدليل الدليل.
__________________
ولو رأت في العادة
وانقطع عليها ثمَّ رأت قبل مضيّ أقلّ الطهر ، لم تتحيّض به إجماعا. وكذا بعده على
الأصح ، لعدم كون ذلك حيضا ـ كما يأتي ـ إلاّ إذا كان ذلك أيضا عادة لها.
الموضع
الثاني : في قدر حيضها ووقته في كلّ موضع حكم بتحيّضها.
وبيانه : أنّها
إمّا ترى أقلّ من العادة ، أو مساويا له ، أو أزيد منه ، والأخير إمّا لا يتجاوز
من العشرة ، أو يتجاوزها ، فهنا مسائل.
المسألة
الأولى : إذا انقطع دمها على العدد أو أقلّ
منه ما لم ينقص عن الثلاثة ، فالكلّ حيض إجماعا ، له ، وللاستصحاب ، والنصوص ، وكذا النقاء المتخلّل بين
أيامها. ولا استظهار حينئذ ، وفاقا للمعظم ، لمرسلة داود وغيرها. خلافا
لشاذ لا يعبأ به ، لبعض إطلاقات الاستظهار الواجب تقييده بما مرّ.
الثانية
: لو لم ينقطع دمها على العدد ، فإن كان عددها عشرة ، استحاضت في الزائد ، ولم يكن عليها استظهار إجماعا ، وتدلّ
عليه مرسلتا ابن المغيرة .
وإن كان ما دون
العشرة ، تستظهر وتحتاط بترك العبادة إجماعا ، للنصوص المستفيضة جدّا ، كالصحاح
الأربع لمحمّد ، والبزنطي ، وزرارة ، وابن
__________________
عمرو ، والموثّقات
السبع لسماعة ، وسعيد وابن جرير ، ويونس ، وزرارة ، والمراسيل الثلاث لابن المغيرة ، وداود. وخبر زرارة .
بيوم واحد إن كانت
عادتها تسعة أيام إجماعا ، لعدم إمكان الزائد.
ومخيّرة بين يوم
أو يومين إن كانت ثمانية ، للتصريح بالتخيير بينهما لمن تجاوز دمه العادة مطلقا في
الصحيحتين الأوليين ، والموثّقة الأخيرة ، والخبر الأخير.
ولا ينافي ذلك ما
دلّ على الاستظهار بثلاثة أيام ، لاختصاصه بما عدا ذلك قطعا ، لعدم إمكانه. ولا ما
اقتصر فيه على واحد ، لوجوب حمله على أحد أفراد المخيّر ، فإنّ الأصل في الحكم
وجوبا كان أو استحبابا وإن كان التعيين ، إلاّ أنه يجب الخروج عنه مع الدليل على
التخيير كما في المورد.
وبينه وبينهما
وبين ثلاثة أيام إن كانت سبعة ، للصحيحة الثانية. ولا ينافيها ما اقتصر على أحد
الثلاثة ، لما مرّ.
__________________
وبين كلّ من هذه
الثلاثة وتمام العشرة إن كانت ستة فما دون ، لدلالة الصحيحة الثانية على التخيير
بين الثلاثة مطلقا ، ودلالة مرسلتي ابن المغيرة ، وموثّقة يونس على تعيين تمام
العشرة ، وإذ لا ترجيح فالحكم التخيير ، كما نطقت به الأخبار العلاجية في التعارض.
وفاقا في الجميع
للذكرى ، وأكثر الثالثة .
خلافا للمحكي عن
الصدوق ، والشيخين ، والوسيلة ، والشرائع ، والنافع ، فحكموا
بالتخيير بين الأولين خاصة. وظاهر أنه في غير الأولى.
ولصاحب المدارك فبين الثلاثة
الأولى. وظاهر أنه في غير الأولين.
وللسيد ، وعن
الإسكافي ، والمقنعة ، والجمل ، فحكموا بتعيّن تمام العشرة مطلقا.
وحجة الجميع مع
الجواب ظاهرة.
ثمَّ ذلك الاستظهار
هل هو على الوجوب؟ كما عن ظاهر الأكثر ، والسيد ، والاستبصار ،
والنهاية ، والجمل ، والسرائر ، عملا بظاهر الأوامر ، واحتياطا في العبادة حيث إنّ تركها
على الحائض عزيمة ، واستصحابا للحالة
__________________
السابقة.
أو على الاستحباب؟
كما عن التذكرة وعامة المتأخّرين ، بل الأكثر كما في اللوامع ، التفاتا إلى أخبار الرجوع
إلى العادة مطلقا والعمل فيما عداها بالاستحاضة ، كالصحاح الثلاث لأبناء عمّار ، وسنان ، وأعين ، وموثّقتي ابن
سنان ، وسماعة ، ومرسلة يونس ، وخبر ابن أبي يعفور ، وأخذا بظن الانقطاع على العادة.
وهو الحق. لا لما
ذكر ، لعدم التمامية. بل لانتفاء الوجوب بالأصل ، وعدم دليل عليه ، لخلوّ جميع
أخبار الاستظهار ـ سوى اثنين منها ـ عن اللفظ الدالّ على الوجوب ، وإنّما وردت
بلفظ الإخبار الغير المفيد سوى الرجحان. وأمّا هما فمخرجان عن حقيقتهما التي هي
الوجوب المعيّن قطعا ، لما عرفت من ثبوت التخيير.
وليس الحمل على
الوجوب التخييري أولى من الاستحباب كذلك ، حيث إنّهما من المعاني المجازية.
وكون الوجوب
التخييري أقرب إلى الحقيقة لا يفيد ، لعدم دليل على وجوب
__________________
الحمل على مثل ذلك
الأقرب ، وثبوت مطلق الرجحان الموجب ـ لدفع الأصل ـ للاستحباب بما مرّ.
ولا تضرّ معارضة
أخبار الرجوع إلى العادة الواردة جميعا أيضا بلفظ الإخبار المفيد للرجحان. لا لما
قيل من أنها لا تفيد سوى الجواز الغير المنافي للاستحباب حيث وردت في مقام توهّم
الحظر ، لمنع حمل الأمر على الجواز في مثل ذلك المقام.
بل لسقوطها
بموافقتها العامة التي هي من موجبات المرجوحية المنصوصة ، فتبقى مرجّحات
الاستظهار خالية عن المعارض.
مع أنه لو تعارض
الفريقان ، لوجب تقديم الأولى ، لكونها أخصّ مطلقا.
ولو سلّم أنّهما
تعارضا وتساقطا ، لكفت الشهرة العظيمة بل ظاهر الإجماع لإثبات الاستحباب ، للتسامح
في أدلّته.
ومنه يظهر سقوط
القول بالجواز الخالي عن قيدي الوجوب والاستحباب رأسا وإن سقطت أدلّة الطرفين
بالتعارض .
فروع :
أ : مقتضى إطلاقات
الاستظهار ثبوته مع رؤية الدم مطلقا سواء كان بصفة الحيض أم لا.
وربما يقيّد
بالأول ، جمعا بينها وبين إطلاقات سقوط الاستظهار بشهادة أخبار التمييز .
وفيه ـ مع أنّ
الاستشهاد لا يوافق التخيير في أيام الاستظهار ولا استحبابه ـ : ..
__________________
أنّ أخبار التمييز
معارضة مع حسنة ابن مسلم وموثّقته الدالّتين على حيضية كلّ ما رأته قبل العشرة وساقطة في
المقام ، فيبقى ذلك الجمع بلا شاهد فلا اعتبار به.
وقد يجمع أيضا بحمل
إطلاقات السقوط على مستقيمة الحيض بلا اختلاف بالزيادة والنقصان والتقدّم والتأخّر
، والمثبتات له على غيرها ، بشهادة صحيحتي البصري وابن أعين .
وهو كان حسنا لو
لا شذوذهما ، إذ لا قائل بهما كما في اللوامع ، ولا أقلّ من ندرته الكافية لإخراج
الرواية عن حيّز الحجية ، مع أنّ تنزيلهما على ما لا ينافي المشهور ممكن.
ب : إذا تمّت أيام
الاستظهار قبل العاشر ولم ينقطع الدم تفعل فعل المستحاضة إجماعا ، وتدلّ عليه
موثّقة سماعة ، وفيها : « فإذا كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربّص
ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها ، وإذا تربّصت ثلاثة أيام ولم ينقطع عنها الدم
فلتصنع كما تصنع المستحاضة » .
واختصاصها
باستظهار الثلاثة غير ضائر ، لعدم الفصل.
ج : صرّح الأكثر ـ
بل قيل : إنّه المعروف منهم ـ بأنّ بعد الاستظهار فإمّا يتجاوز دمها العاشر ، أو
لا بل ينقطع عليه أو على ما دونه.
فعلى الأول يتبيّن
كون ما سوى العادة استحاضة ويلزمه وجوب قضاء ما تركته في أيام الاستظهار من الصلاة
والصوم.
وعلى الثاني يتبيّن
كون الجميع حيضا ، فتقضي الصوم حتى الذي اتي به
__________________
بعد أيام
الاستظهار.
وقيل : تكون أيام
الاستظهار حيضا في اليقين ، وإنّما التفاوت بالحيضية والاستحاضة إنّما هو فيما
بعدها وقبل انقضاء العشرة لو كان ، حكي عن مصباح السيد ، وظاهر القواعد
، والنهاية ، واختاره في النافع ، ونقله في المعتبر عن جماعة من
علمائنا المحقّقين .
ومال بعض مشايخنا
المتأخّرين ـ مضافا إلى حيضية أيام الاستظهار ـ إلى كون ما بعد أيام
الاستظهار استحاضة مطلقا ، وإليه يميل كلام المدارك .
ومن هذا ظهر أنّ
أيام الاستظهار مع عدم التجاوز حيض إجماعا ، وما بعدها إلى العشرة مع التجاوز طهر
كذلك. وإنّما الخلاف في الأول مع الثاني والثاني مع الأول ، ففي كلّ من الموضعين قولان : الطهرية والحيضية
، وفيهما معا احتمالات أربعة : طهرية الأول وحيضية الثاني وهو المشهور ، وعكسه وهو
لصاحب المدارك وبعض المشايخ ، وحيضيتهما معا وهو للسيد وتابعيه ، وطهريتهما كذلك ،
ولم أعثر على قائل به.
والتحقيق في
المقام ، بعد ملاحظة أنه لا دلالة لأخبار الاستظهار على حيضية أيامه ولا طهريته
أصلا ، إذ لا ملازمة بين استحباب ترك العبادة في أيام الاستظهار أو وجوبه وبين أحد
الأمرين قطعا ، كما أنه يجب تركها برؤية الدم مع
__________________
أنه قد لا يستمرّ
إلى الثلاثة ، ويجب فعلها في الانقطاع المتخلّل في الأثناء ، مع أنه قد يعود الدم
قبل العشرة أو تمام العادة. ولا لمثل قوله في تلك الأخبار بعد الاستظهار : « ثمَّ
هي مستحاضة » على الحيضية قبله : أنّ ها هنا أقساما خمسة من الأخبار : الدالّة على
أنّ كلّ ما تراه بعد أيام حيضها فليس بحيض ، وقوله في المرسلة : « فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها
وقتا وخلقا تعمل عليه وتدع ما سواه » والمصرّحة بأنّ ما بعد أيام الاستظهار استحاضة ، والمشتملة على
أنّ كلّ ما بصفة الحيض حيض ، والمتضمّنة لأن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة
الأولى .
ومقتضى إطلاق
الأولين طهرية الموضعين ، كما أنّ مقتضى الثالث طهرية الثاني أيضا ، ومقتضى إطلاق
الثانيين حيضية الموضعين ، فيتعارض الفريقان بالعموم من وجه ، ويرجع إلى الأصل ،
وهو يقتضي حيضية الموضعين لاستصحاب الحدث. ولا تعارضه في الموضع الأول أصالة بقاء
العادة على حالها ، لمنعها البتة.
فالحقّ هو القول
الثاني.
وإباء العقل عن
الحكم بكون ما تراه من الدم طهرا في آن وما تراه في آن متّصل به حيضا مع اتّصالهما
، وعن صيرورة دم واحد حيضا وطهرا باختيارها لتخييرها في الاستظهار ـ كما هو اللازم
في الموضع الأول ـ ممنوع جدّا.
د : لو رأت ذات
العادتين الدم قبيل العادة وانتهت أيام العادة في أثنائها ففي الاستظهار حينئذ
لأخباره ، أو عدمه بل التحيّض ، لقوله 7 في
__________________
المرسلة الطويلة :
« فتعمل فيه وتدع ما سواه » إشكال.
هـ : لو اختارت
عدم الاستظهار تغتسل وتعمل عمل المستحاضة ، فإن تجاوز الدم العشرة فلا شيء عليها
إجماعا ، وإلاّ فتتحيّض في جميع أيام الدم وتقضي الصوم ، ووجهه ظاهر ممّا سبق.
والظاهر عدم الفرق في ثبوت الاستظهار بين ما إذا استمرّ الدم إلى العادة وتجاوز
عنها أو انقطع قبلها ثمَّ عاد قبل العشرة بما يمكن فيه الاستظهار ، لإطلاق بعض
أخباره. وحينئذ فإن تجاوز عن العشرة ، فالظاهر عدم الخلاف في كونه استحاضة وأيام
النقاء طهرا ، وإلاّ فمقتضى الاستصحاب حيضيّته مع أيام النقاء.
الثالثة
: لو تجاوز دمها العاشر ، تجعل عادتها عددا ووقتا أو مع أيام الاستظهار ـ على اختلاف القولين ـ حيضا ،
وما سواها استحاضة إن لم يبلغ المجموع حدّا يصلح لحيضتين مستقلّتين بأن يتضمّن
الزائد على العادة لأقلّ طهر وحيض ـ توافقت العادة والزائد الصالح للحيضية في
الصفات أو اختلفتا ـ مع كون أيام العادة بالصفة إجماعا.
وكذا مع كون غير
العادة بالصفة دون العادة ، فيرجح العادة على الأصح الأشهر ، كما صرّح به جماعة ،
وهو مختار المفيد ، والسيد ، والشيخ في الجمل والمبسوط ، والمعتبر ،
والنافع ، والشرائع ، والجامع ، والكافي ، والاقتصاد ، والسرائر ، وغيرها .
لعموم أخبار
العادة ، وأنّ الصفرة في أيام الحيض حيض ، وإطلاقات كون
__________________
الدم استحاضة بعد
الاستظهار.
وخصوص قوله 7 في المرسلة
الطويلة : « ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ».
وقوله فيها : «
فإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر
لونه ».
وقوله فيها أيضا :
« فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه ».
خلافا للمحكي عن
النهاية ، والإصباح ، وموضع من المبسوط ، فرجّحوا التمييز ، لأخباره ، الواجب تقييدها بغير ذات
العادة ، لما ذكر.
وللمنقول عن ابن حمزة
، فقال بالتخيير ، جمعا بين أخبار العادة والتمييز. وضعفه ظاهر بعد ما مرّ.
وللكركي ، فرجّح العادة
مع استفادتها من الأخذ والانقطاع ، والتمييز مع استفادتها من التمييز ، لئلاّ تلزم
زيادة الفرع على الأصل.
ويردّ بعدم محذور
في لزومه ، مع أنه ليس زيادة.
ولو بلغ المجموع
حدّا صالحا لحيضتين بأن يتخلّل بينهما زمان أقلّ الطهر ، فمع اختلاف الدمين
بالتمييز وعدمه وثبوت التمييز لغير العادة ، ففي الرجوع إليها ، أو إليه ، أو جعل
كلّ منهما حيضا منفردا ، احتمالات بل أقوال. أظهرها : الأول ، وفاقا لبعض الثالثة ، للمرسلة
المشترطة في الرجوع إلى التمييز فقد
__________________
العادة ، وقوله
فيها : « وتدع ما سواه ». مع أنه لو قلنا بتعارض الأمر بدعة ما سواه ، والأمر
باعتبار التمييز يرجع إلى أصالة عدم الحيضية.
خلافا لمحتمل
النهاية فالثاني ، وللمحكي عن الأكثر فالثالث ، لأدلّة
ظاهرة مع ردّها. إلاّ أن يكون التحيّض بكلّ منهما مقتضى عادتها بأن تعتاد التحيّض
في كلّ شهر مرتين مثلا.
وكذا مع عدم اختلافهما
بالطريق الأولى. ولعلّ القائل بالحيضتين في الصورة السابقة يقول بهما هنا أيضا ،
ودليله مع جوابه واضح ، هذا.
ثمَّ إنّ مقتضى ما
ذكرنا من جعلها عادتها عددا ووقتا حيضا أنه لو تقدّمت الرؤية على الوقت وتجاوز عن
العشرة وانقطع على آخر وقت العادة ، تجعل الزائد عن العادة الذي هو استحاضة من قبل
العادة. وهو كذلك ، لقوله في المرسلة : « وتدع ما سواه ». وأمّا روايات حيضية ما
قبل العادة فتسقط بمعارضة أخبار حيضية ما في العادة .
ولو تجاوز مع ذلك
عن آخر العادة أيضا تجعل الزائد من القبل والبعد ، وتتحيّض بالعادة ، لما ذكر.
ولو انقطع في
أثناء العادة تأخذ العدد من الوقت ومن قبله وتجعل الزائد من القبل.
ولو لم يدخل شيء
من الدم في وقت العادة كما إذا لم تر فيه وترى بعده فتأخذ العدد ولا تعتني بالوقت
لخلوّه عن الدم.
__________________
الرابعة
: لو رأت في العادة وانقطع عليها أو على غيرها وطهرت أقلّ الطهر ، ثمَّ رأت في ذلك الشهر بعدد العادة أيضا ، فإن كان ذلك لها
عادة تحيّضت بهما وكان كلّ حيضا ، وإن لم يكن عادة لها فالمشهور فيه ذلك أيضا.
والحقّ التحيّض
بأيام العادة خاصة وإن كان التمييز لغيرها ، لما مرّ.
النوع
الثاني : ذات العادة العددية خاصة.
والكلام فيها أيضا
إمّا في تحيّضها ، أو في قدره ، أو وقته.
أما
في الأول : فكالمبتدأة
إجماعا ، فالقائل بتحيّضها بمجرّد الرؤية يقول به هنا ، والقائل بتحيّضها بالوصف
أو الاستمرار إلى الثلاثة يقول به ها هنا أيضا. ولمّا عرفت أنّ الحق فيها التحيّض
بالوصف فكذا في ذات العددية مع احتمال التحيض بالاستمرار إلى الثلاثة أيضا ، لمظنة
الإجماع.
فإن قيل : تحيّض
المبتدأة بالوصف إنّما كان لأخباره ، ولا تجري ها هنا ، لدلالة مفهوم المرسلة على
عدم الرجوع إلى الوصف مع عدم الجهل بالوقت أو العدد.
قلنا : المتبادر
منه عدم الاحتياج إلى الوصف فيما لم يجهل خاصة لا فيما جهله أيضا ، فلو علمت العدد
خاصة لم يحتج فيه إلى الوصف وذلك لا ينافي احتياجها في الوقت إليه ، بل في آخر
موثّقة إسحاق بن جرير دلالة واضحة على اختصاص عدم الرجوع إلى التمييز بالمعلوم
حيث حكم برجوع المختلفة في الوقت خاصة إليه.
سلّمنا ولكن بعد
رجوعها إليه في المبتدأة يرجع إليه هنا أيضا بالإجماع المركّب.
فإن قيل : يمكن
العكس بأن يسقط الوصف في العددية ، لمفهوم المرسلة ،
__________________
ويحكم بتحيّضها
بالرؤية ويتعدّى إلى المبتدأة بالإجماع المركّب.
قلنا : فيتساقطان
ويرجع إلى المجمع عليه وهو التحيّض بالوصف ، أو مع الاستمرار أيضا إن ثبت فيه
الإجماع.
وأمّا في الثاني : فكذات العادة العددية والوقتية في العدد ، لأنّ ما هو
المناط في إثبات العادة واعتبارها من موثّقة سماعة والمرسلة المتقدّمتين يعم اعتبار
العادة بالأقسام الثلاثة. بل في الموثّقة تصريح بأنّ بعد اعتياد العدد يكون هو
أيام الحيض المصرّح في الأخبار باعتبارها ، وأيضا في الأخبار المتقدّمة في
الاستظهار ، كصحيحتي ابن عمرو وزرارة دلالة على اعتبار العادة العددية.
وعلى هذا ، فهذه
ترجع إلى عددها ، وتسقط غيره ، وتقدّمه على التمييز لو اختلفا عددا ، لما مرّ في
ذات العادتين . وتستظهر كاستظهارها.
وأما في الثالث : فمع عدم التجاوز عن العشرة ظاهر. ومعه فمع فقد التمييز
المساوي للعدد تتخيّر في وضعه حيث شاءت عند جماعة ، لعدم المرجّح. وتجعل
الأول حيضا على الأقرب عندنا ، لما مرّ في المبتدأة .
وكذا مع التمييز
المساوي للعدد في الدور الأول ، ووجهه ظاهر. بل وكذا لو قلنا بدلالة مفهوم المرسلة
على عدم رجوع ذات العادة مطلقا إلى الوصف. بل ولو قلنا بعدم دلالته عليه أيضا
واختصاص دلالتها على عدم الرجوع فيما لم تجهله ـ كما هو الظاهر ـ وبقاء أخبار
التمييز مطلقا خالية عن المعارض ، إذ قد عرفت أنّ تحيّضها ابتداء متوقّف على الوصف
، فلا يخلو الأول عن الوصف أيضا وهو كاف في جريان أخبار الوصف فيه أيضا.
__________________
ثمَّ إنّها لو رأت
العدد ثمَّ رأته أيضا بعد تخلّل أقلّ الطهر بينه وبين الأول خاليا عن الدم أو معه
، فتتحيّض بالثاني أيضا مع الوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة لو قلنا به في الأول ،
ودليله دليله.
النوع
الثالث : ذات العادة الوقتية.
وهي لا تكون على
ما اخترناه ـ من حصول العادة في العدد بالقدر المشترك أيضا ـ إلاّ في ناسية العدد
، إذ بدون النسيان تكون ذات العادتين البتة ، وعلى هذا فيكون ذلك النوع من أفراد
الناسية ويأتي حكمها.
القسم
الثالث : الناسية.
وهي على ثلاثة
أنواع : ناسية الوقت والعدد ، ويطلق عليها المتحيّرة ، وناسية الوقت خاصة ، والعدد
كذلك.
والكلام فيها أيضا
إمّا في التحيّض ، أو القدر ، أو الوقت.
أمّا الأوّل :
فتحيّض الأوليين كالمبتدأة ، فتتحيّض كلّ منهما برؤية الدم المتصف ، مع احتمال
التحيّض بغيره مع الاستمرار إلى الثلاثة أيضا. وتحيّض الثالثة كذات العادتين ،
فتتحيّض برؤية الدم مطلقا في الوقت أو قبله ، وفي غيرهما بالصفة إذا لم تر في
الوقت.
وأمّا الثاني
والثالث فجميع أيام الدم حيض مع انقطاعه على العشرة في الأولى والثالثة ، وعلى
العادة في الثانية ، وتستظهر كما مر في الثانية مع التجاوز عن العادة.
وإذا تجاوز العشرة
في الثلاثة فإمّا يوجد التمييز أو لا ، فإن وجد فرجوع الأولى إليه إجماعي ، ونقل
الإجماع عليه متكرّر ، وصريح مواضع من المرسلة
__________________
الطويلة ، ومرسلة جميل
المتقدّمة في مسألة أوصاف الحيض ، وعمومات اعتبار التمييز
بلا معارض يدلّ عليه. ومثلها الناسية عددا والمبتدأة وقتا ، وعكسها.
وأمّا الأخريان
فالحقّ فيهما ـ وفاقا لأهل التحقيق ـ تقديم العادة على التمييز فيما تتذكّره مع
تعارضهما ، لعمومات اعتبار كلّ من العادتين وبناء الحيض عليه ، وعموم ما دلّ على
اعتبار خصوص العدد ، كصحيحتي ابن عمرو وزرارة المتقدّمتين في الاستظهار ،
وما دلّ على أنّ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وخصوص المرسلة المشترطة لاعتبار
التمييز بالجهل بالأيام والعدد.
ومنه يظهر عدم
تمامية القول بالجمع في صورة تذكّر العدد وزيادة التمييز عليه .
وهل تعملان هاتان
في الطرف المنسي بالتمييز أم لا؟
الظاهر ذلك في
ناسية العدد ، فتجعل الوقت زمان التمييز وتأخذ العدد منه ، لأخبار التمييز الخالية
عن المعارض سوى المرسلة المشترطة ، وقد علمت اختصاص الاشتراط بما لم تجهله.
أمّا ناسية الوقت
فلا ، بل تجعل الوقت العدد الأوّل ، وقد ظهر وجهه في ذات العادة العددية.
وإن لم يوجد
التمييز فإمّا متحيّرة ، أو ذاكرة العدد خاصة ، أو الوقت
__________________
كذلك.
أمّا الأولى
فتتحيّض في كلّ شهر بسبعة أيام على الأظهر ، وفاقا للشيخ في الجمل والحلبي ، واختاره غير
واحد من مشايخنا ، لآخر المرسلة ـ الطويلة ـ الشاملة للمتحيّرة قطعا.
وتخصيصه بالمبتدأة لا وجه له كما يأتي في الثالثة.
خلافا لكثير من
علمائنا فإنّ لهم فيها أقوالا متكثّرة :
كالقول بتحيّضها
بالثلاثة والعمل في بقية الشهر عمل الاستحاضة ، اختاره المحقّق في المعتبر ، ووالدي
العلاّمة ; ، واستوجهه في المدارك ، عملا بالأصل ، ولزوم العبادة ، واستضعافا للرواية أو
استنكارا لها في الدلالة.
والضعف مردود بما
مرّ ، وقصور الدلالة بما يأتي ، فالأخذ بها متعيّن ، والأصل بها مندفع.
أو بتحيّضها في
كلّ شهر بستة أيام أو سبعة أو من شهر بعشرة ، ومن آخر بثلاثة ، ذهب إليه جماعة بل نسب إلى
الشهرة ، وعن الخلاف الإجماع عليه ، للموثّقات
الثلاث لابن بكير وسماعة ، المتقدّمة .
وهي مختصة
بالمبتدأة فالاستدلال بها للمتحيّرة غفلة.
أو بتحيّضها كلّما
رأت الدم ، وطهرها كلّما انقطع ، حكي عن الصدوق
__________________
والشيخ في النهاية
، لموثّقتي يونس وأبي بصير ، المتقدّمتين في مسألة أقلّ الطهر ، بحملهما على من اختلط عليها دمها.
وفيهما ـ مع
أخصّيتهما عن المدّعى لاختصاصهما بشهر واحد ، وأعميتهما من المرسلة ، لأنّ موردهما
مطلق المرأة فالمرسلة لهما مخصّصة ـ : أن ظاهرهما مخالف للإجماع على كون أقلّ
الطهر عشرة ، ومع ذلك فلا يوجد عامل بهما غيرهما من الطائفة ، مع أنّ الثاني رجع
عنها في غير النهاية ، فهما شاذتان غير صالحتين للحجية ، مع أنّ الفاضل صرف كلامهما أيضا
عن ظاهره المطابق للموثّقتين أيضا.
أو بتحيّضها في
الشهر الأول بثلاثة وفي الثاني بعشرة ، أو بتحيّضها بعكس ذلك ، أو بستة أيام مطلقا
، أو بعشرة كذلك ، كما قال بكل منهما قائل بنقل الحلّي ، لبعض ما فساده
ظاهر البتة.
أو بوجوب الاحتياط
عليها والأخذ بأسوإ الحالات والجمع بين التكاليف ، بأن تعمل في الزمان كله عمل
المستحاضة وتغتسل للحيض كلّ وقت يحتمل انقطاع الدم لكلّ صلاة وهو ما بعد الثلاثة ،
إذ ما من زمان بعدها إلاّ ويحتمل الحيض وانقطاعه ، وتقضي صوم العشرة أو أحد عشر
يوما ، وتجتنب كلّ ما تجتنبه الحائض ، كما اختاره في المبسوط ومال إليه في
القواعد ، لفقد الدليل على حكمها ، وحصول الشك في زمان الحيض
المقتضي لعدم يقين البراءة بدون
__________________
الاحتياط.
ويدفعه ـ مضافا إلى
لزوم العسر والحرج المنفيين في الكتاب والسنّة ـ : أنّ الدليل على حكمها موجود ،
وهو ما مرّ ذكره. ولولاه أيضا لكان مقتضى الأصل البراءة عن الزائد عن الثلاثة ،
لأصالة عدم حدوث حدث الحيض في غيرها ، وأصالة عدم التكليف بالزائد.
هذا ، مع أنّه قال
في البيان : إنّ الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوإ الاحتمالات ليس مذهبا لنا . وهو مشعر بدعوى
الإجماع على نفيه وأنّه مذهب العامة ، كما يظهر من الفاضل أيضا حيث نسبه إلى
الشافعي . ومع ذلك فهو يخالف ما ادّعاه الشيخ نفسه في الخلاف من
الإجماع على الرجوع إلى الروايات ، هذا.
ثمَّ إنّ الظاهر
أنّ القائلين بالسبعة أو بعدد آخر يقولون بتخيّرها في وضعه حيث ما شاءت من الشهر
كما في المبتدأة مع أولوية وضعه أول الدور ، وقد عرفت أنّ المصير إلى
تعيّن ذلك أولى ، فهو المتعيّن عليها.
وأمّا الثانية ـ أي
ذاكرة العدد ناسية الوقت ـ فتتحيّض بالعدد ، لما مرّ من أدلّة اعتباره الخالية عن
المعارض.
وأمّا ما في آخر
المرسلة من رجوع فاقدة التمييز إلى السبع فلا يشمل ذاكرة العدد ، لقوله : « وإن
اختلط عليها أيامها ( وزادت ) ونقصت حتى لا تقف منها على حدّ » ومعتادة العدد
واقفة على الحدّ مخيرة في وضعه فيما شاءت من الشهر مطلقا عند الأكثر ـ كما في
المدارك ـ لعدم الترجيح.
__________________
وفي اللوامع نسب
إلى الأكثر أنه إن حفظت مع العدد قدر الدور وابتداءه تضعه فيما شاءت من الدور إن
ضلّ في مجموعه ومن الأقل منه إن ضلّ في الأقل ، لما مرّ. وإن لم تعرف وقت الدور
وابتداءه أو أحدهما تضع العدد فيما شاءت من أيام الشهر ، إذ الغالب في النساء
التحيّض في كلّ شهر ، واختار ـ ; ـ ذلك أيضا.
وفي الحدائق نسب إلى الأكثر
التحيّض بالعدد ، ووضعه فيما شاءت من الشهر في القسم الأوّل والرجوع إلى الروايات
، كالمتحيّرة في القسم الثاني ، إذ ليس لها دور معلوم ووقت مضبوط حتى تضع فيه
عددها المحفوظ ، لأنّ كلّ وقت عندها يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، فاللازم أن
ترجع إلى الروايات ، بمعنى أن تأخذ العدد المروي في كلّ شهر وتضعه فيما شاءت من
أيامه.
ويضعّف : بأنّ بعد
حفظ العدد لا تكون موردا للروايات ، فلا وجه لرجوعها إليها في العدد.
وعن المبسوط والقواعد والإرشاد العمل بالاحتياط
المتقدّم ، فتغتسل للحيض في أول وقت إمكان الانقطاع ، وهو بعد انقضاء العدد من أول
الدور في القسم الأول ، ولكلّ عبادة مشروطة بالطهارة بعد ذلك إلى آخر الدور تعمل
في كلّ وقت من أوقات الإضلال ما تعمله المستحاضة ، وتترك تروك الحائض ، وتقضي صوم
عددها إن علمت ( عدم الكسر ) ، وإلاّ زادت عليها يوما ، ونسبه في الشرائع إلى قيل ، وفي
المعتبر إلى الشيخ ، واقتصر عليه ، وفيه نوع إشعار
__________________
باختياره ،
ومستندهم ما مرّ مع جوابه.
وقد يقال : إنّها
تخصّص أيامها بالاجتهاد ، ومع فقد الأمارة تتخيّر ، لحجية ظنها حينئذ . وصريح بعضهم
أولوية أول الرؤية ، بل ذهب بعضهم إلى تعيّنه . وهو الأظهر ،
لما مرّ في المبتدأة.
هذا في الدور
الأول ، وأمّا بعده فمقتضى القاعدة التي جرينا عليها أنّها في القسم الأول لمّا
علمت أنّ قدر العدد من الدور المعيّن وقت عادتها قطعا وإن لم تعلمه بعينه ، وأنّ
الدم مطلقا في وقت الحيض حيض ، فقد علمت حيضية قدر العدد من الدور الثاني أيضا ،
ولعدم تعيّن وقته عندها وبطلان الترجيح بلا مرجّح تكون مخيّرة في وضعه حيث شاءت
منه وإن كان الأولى جعله موافقا لوقت الدور الأول.
وأمّا في القسم
الثاني فإن علمت الدور دون ابتدائه تأخذ بالعدد وتتخيّر في الدور. وإن لم تعلم
الدور أصلا فإن رأت بصفة الحيض بعد مضي زمان أقلّ الطهر أو أكثر من العدد الأول
تتحيّض به أيّ وقت كان ، وهكذا بعد العدد الثاني والثالث. وإن لم تر لم تتحيّض.
وظنّ التحيّض في
كلّ شهر لغلبة ذلك في النساء لم تثبت حجيته ، والاحتياط والإلحاق بالمتحيّرة لا
دليل عليه.
ولكن يقرب أن يكون
ذلك في القسم الثاني مخالفا للإجماع ، إذ الظاهر فتوى الكلّ بتحيضها في كلّ شهر ،
بل يمكن أن يستدلّ له أيضا برواية زرارة وفيها : « وإذا كانت تحيض حيضا مستقيما
فهو في كلّ شهر حيضة » الحديث.
__________________
فلو قلنا به
للإجماع وتخيّرها في الوضع في الدور الثاني مع أولوية موافقة الدور الأول كما في
القسم الأول لم يكن بعيدا.
هذا كلّه إذا لم
يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل العدد في وقت يزيد نصفه على العدد المعتاد
أو يساويه ، فإنّ كلّ يوم من الوقت حينئذ يحتمل الطهر والحيض. وأمّا إذا حصل لها
ذلك بأن يزيد العدد على نصف زمان الإضلال ، فإنّ ضعف الزائد حيض بيقين ، ويبقى من
العدد تمام الضعف إليه ، فعلى التخيير تضمّها إلى الضعف متقدّمة أو متأخّرة أو
بالتفريق ، وعلى الاحتياط تجمع فيما تقدم من الدور على القدر المتيقّن بين أعمال
المستحاضة وتروك الحائض ، وفيما تأخّر عنه تزيد عليهما غسل الانقطاع لكلّ مشروط
بالطهارة.
وأمّا الثالثة ـ أي
ذاكرة الوقت ناسية العدد ـ فإمّا تتذكر أول الوقت ، أو آخره ، أو وسطه ـ أي ما بين
الطرفين ـ أو وقتا في الجملة كأن تعلم تحيّضها بيوم معيّن أو أكثر من الشهر من دون
علم بالأوّلية أو الآخريّة أو الوسطيّة.
فعلى التقادير
تكمل المعلوم ثلاثة يقينا ، لأنه أقلّ الحيض على حسب مقتضاه ، فتجعل المعلوم أول
الثلاثة على الأول ، وآخرها على الثاني ، ووسطها على الثالث لو كان المعلوم يوما
محتملا كونه محفوفا بمتساويين.
وأمّا لو كان
المعلوم يومين محفوفين بمتساويين فالأقل أربعة تجعل اليومين وسطها ، ولو كانت
ثلاثة فالأقل خمسة ، أو أربعة فالستة ، وهكذا.
ولو علمت الاحتفاف
بغير متساويين ، فلو كان المعلوم واحدا فالأقل أربعة ، وإن كان اثنين فخمسة وهكذا.
وفي الاكتفاء في
التكميل بالثلاثة ، أو الأخذ بأسوإ الاحتمالات فتحتاط ( باقي العشرة ) كما مرّ ، أو
رجوعها إلى الروايات أقوال :
__________________
الأول للمعتبر ،
والبيان ( واللوامع ) ، والمعتمد ، لتيقّن الثلاثة وفقد الدلالة في الباقي
فيستصحب التعبّد فيه.
والثاني للشيخ والفاضل ، لما مرّ.
والثالث عن الأكثر
، لصدق النسيان والاختلاط الموجب للحكم في المرسلة. وهو الأظهر ، لذلك ، فإنّ
قوله في آخر المرسلة : « وإن اختلطت عليها ـ أي على المستحاضة ـ أيامها وزادت
ونقصت حتى لا تقف منها على حدّ » يصدق على هذه أيضا ، لكون عددها أيامها أيضا ،
كما صرّح به في موثّقة سماعة ودلّ عليه قوله : « وزادت ونقصت » وقوله : « وإن لم يكن
الأمر كذلك » يعني لم يكن بحيث لا تقف من الدم على لون كما بيّنه بقوله : « ولكن
الدم أطبق عليها » ، فيكون بيانا لحال الناسية غير ذات التمييز ، أو إن لم تكن
ممّن ذكر فتشمل المبتدأة والناسية غير ذاتي التمييز ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب
، وهذا أوفق بعموم اللفظ.
ويؤكّده بل يدلّ
عليه : قوله في صدر الرواية : « بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لم يدع
لأحد مقالا فيه بالرأي » وقوله في وسطها : « فجميع حالات المستحاضة يدور على هذه
السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو عن واحدة منهن » ثمَّ شرع في تفسير الثلاث.
والتخصيص
بالمبتدأة ـ بأن يكون المعنى : وإن لم يكن أمر المبتدأة كذلك أي لم يختلط أيامها
لعدم كون أيام لها ـ خلاف الظاهر جدّا ، بل خلاف مقتضى
__________________
عموم اللفظ.
وبالجملة لا شك في
شمول مقتضى اللفظ لما ذكر ، ومن يقول بالتخصيص بواحدة فعليه البيان.
وعلى هذا فهذه
المرأة تكمل عددها المعلوم بالسبعة ، وتجعل تتمة الشهر استحاضة وإن علمت أنّ طهرها
أزيد من ذلك ، كما إذا علمت أنّ دورها أزيد من الشهر ، لعموم المرسلة.
نعم ، لو كان
العدد المعلوم ممّا لا يمكن تكميله بالسبعة ، كأن تعلم يومين محفوفين بمتساويين ،
فالظاهر حينئذ الخروج من المرسلة. وتكليفها الأخذ بالمتيقّن ، لما مرّ ، لعدم مخرج
عن الأصل فيما إذا كان المعلوم الآخر ، لأصالة عدم التحيّض. والتخيير بين الأقلّ
والأكثر في غيره لتعارض الاستصحابين الموجب للتخير ، بخلاف ما لو أمكن فإن المرسلة
مخرجة عنه.
ومنه يظهر جواب
دليل الأول ، مع أنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا علمت الآخر وأكملته في القبل. وأمّا
في غيره فلا يتمّ ، لأن استصحاب التعبد في الباقي وأصالة عدم التحيّض معارض
باستصحاب الحيضية.
وبما مرّ في المتحيّرة
يظهر دليل الثاني وجوابه.
__________________
البحث
الثاني :
في أحكام الحائض
وهي أمور نذكرها
في مسائل :
المسألة
الأولى : الحائض مطلقا إذا انقطع دمها لما دون
العشرة استبرأت بإدخالها القطنة
إجماعا ، وجوبا على الأظهر الأشهر ، بل قيل : لا خلاف فيه بين الأصحاب ، للأمر به في
صحيحة ابن مسلم : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج منها شيء
من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئا فلتغتسل » .
والرضوي : « فإذا
رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط وترفع رجلها اليسرى ،
كما ترى الكلب إذا بال ، وتدخل قطنة ، فإن خرج فيها دم فهي حائض ، وإن لم يخرج فليست
بحائض » .
وضعفه في المقام
بما مرّ منجبر.
واستحبابا على ما
هو ظاهر الاقتصاد . وهو بعيد عن السداد.
والأولى أن ترفع
رجليها إلى حائط كالكلب يبول ، مخيّرا بين اليمنى ، كما في مرسلة يونس ، واليسرى
كما في خبر الكندي والرضوي.
ولا يجب ذلك ،
لوروده في تلك الروايات بلفظ الإخبار الغير الصريح في
__________________
الوجوب.
نعم ، لا بأس
بالقول بوجوب القيام وإلصاق البطن على الحائط ، للأمر بهما في موثّقة سماعة .
الثانية
: إذا استبرأت الحائض مطلقا وعلمت انقطاع دمها لدون العشرة ظاهرا ، وجب عليها
الغسل لمشروط الطهارة إجماعا ،
للنصوص المعتبرة ، كمرسلة يونس ، القصيرة ، وموثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمة ، ومرسلة العجلي ، وغيرها.
ولا فرق في ذلك
بين معتادة الانقطاع والعود قبل العشرة أو غيرها ، لإطلاق الروايات.
وقد يقال بعدم
الوجوب على معتادة العود ، لأنّ المظنون حينئذ كونها حائضا.
وهو باطل ، لعدم
ثبوت حجية ذلك الظن ، وصلاحيته لتقييد الإطلاقات.
نعم ، لو اعتادت
الفترات بحيث يحصل لها اليقين بالعود عادة لم يجب ، والوجه ظاهر.
الثالثة
: لا يصح منها صلاة ولا طواف ولا صوم ، بالإجماع والمستفيضة من النصوص. فتحرم عليها ، لأنّها شأن العبادة الغير
الصحيحة. كما تحرم عليها أيضا أمور أخر :
منها : مس كتابة المصحف على الأشهر الأظهر ، كما في بحث
الجنابة مع فروعه قد مرّ .
__________________
ومنها : اللبث في المساجد وفاقا للأكثر ، ونسبه في المنتهى إلى عامة أهل
العلم ، وفي التذكرة إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، بل في صريح
المعتبرة والتحرير والمدارك : الإجماع عليه . وهو كذلك ، حيث لا ينافيه خلاف نادر يأتي ذكره. فهو
دليله.
مضافا إلى عدم
الفصل بينها وبين الجنب المحرّم عليه ذلك قطعا ، وصحيحة أبي حمزة ، المتقدّمة في الجنب.
ويؤيده النبوي
المروي في المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة : « لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنب » .
وصحيحة العلل ،
ورواية محمّد ، المتقدّمتان .
والرضوي : « ولا
تدخل المسجد وأنت جنب ولا الحائض إلاّ مجتازين » .
بل استدلّ بها
الأكثر. وفيه نظر كما مرّ.
نعم ، في الصحيحة
دلالة على الحرمة على الجنب من جهة أخرى ، وهي الاستشهاد بالآية ، وهو لا يفيد في
المقام.
خلافا للمحكي عن
الديلمي ، للأصل. وهو مدفوع بما ذكر.
وأمّا الجواز فيها
فجائز على الأشهر الأظهر ، بل في المعتبر اتّفاقهم عليه ، للتصريح به في
الأخبار المذكورة.
__________________
وعن المقنع ،
والفقيه ، والجمل والعقود ، والوسيلة : إطلاق المنع من الدخول. ويدفعه ما ذكر.
عدا المسجدين ،
فيحرم الجواز فيهما أيضا على الأقوى ، وفاقا لصريح السرائر ، والنافع ، والمنتهى ،
والتذكرة ، والدروس ، والبيان ، وعن الجامع ، والتحرير ، والتلخيص ، والتبصرة ، بل عن الغنية . وفي اللوامع :
الإجماع عليه ، ونسبه في المدارك إلى الأصحاب مؤذنا بدعواه.
لمفهوم قوله في
صحيحة أبي حمزة : « ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد » وتؤيّده حسنة
محمّد . وبه يقيّد بعض الإطلاقات.
خلافا لظاهر
الهداية ، والمقنعة ، والمبسوط ، والنهاية ، والاقتصاد ، والمصباح ، ومختصره ،
والإصباح ، والخلاف ، والشرائع ، والإرشاد ، والقواعد ، ونهاية الإحكام ، ونسب إلى
التذكرة أيضا ـ وهو غفلة ـ فأطلقوا جواز الجواز في المساجد ، لبعض المطلقات المقيد
بما مرّ. وظاهر المعتبر والمدارك
__________________
التوقّف ، وليس في موقعه.
وهل يتّصف الجواز
في غيرهما بالكراهة كما في الخمسة الأخيرة ، أو لا؟
الظاهر نعم ،
لفتوى هؤلاء الأجلّة ، بل دعوى الإجماع عليها عن الخلاف ، والمروي في
الدعائم عن مولانا الباقر 7 : « إنا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضّأن » إلى أن قال : «
ولا يقربن مسجدا ولا يقرأن قرآنا » .
وهي كافية في
المقام ، للتسامح. ولأجله لا يضرّ ضعف الأخير.
والظاهر جواز
التردّد في جوانب المسجد ، والدخول من باب والخروج عنه من غير عبور وإن منعناهما في
الجنب ، لعدم ثبوت الزيادة عن المنع عن الجلوس ، وعدم تحقّق الإجماع المركّب ، حيث
ذكر الحكم في الشرائع والقواعد بلفظ الجلوس الغير الصادق على التردّد ، وصرّح في
المدارك بجوازه.
ومن ذلك يظهر قرب
التخصيص بالجلوس فلا يحرم القيام ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الخلاف في ذلك.
وظاهر أنّ الحكم
مختص بغير حال الاضطرار ، إذ رفع عن امة نبينا 6 ما اضطرّوا إليه فيجوز معه. ولا يجوز التيمّم له ، للأصل.
ومنها
: وضع شيء في
المسجد ، وفاقا للأكثر ، ونسبه في المعتبر والمنتهى إلى أصحابنا المؤذن بدعوى
الإجماع ، وفي الحدائق : من غير خلاف لغير الديلمي ، لما مرّ في
الجنب مع سائر ما يتعلّق بذلك.
خلافا لمن ذكر حيث
كرهه. وجوابه ظاهر. وهو الظاهر من الشرائع ،
__________________
والقواعد ، حيث لم يذكراه.
ومنها
: قراءة العزائم
إجماعا ، كما في المعتبر والمنتهى ، لما مرّ ثمّة مع ما يتعلّق به.
الرابعة
: يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة بالإجماعين
والمستفيضة. وتتدارك ما لزمها
منهما بالنذر المطلق ، لعدم تعيّن وقته. وأمّا المعيّن الواقع في الحيض فقد يحتاط
بقضائهما .
وقال جماعة منهم والدي ـ ; ـ بعدم القضاء ،
للتعيين وتعذّر الإتيان ، فيسقط تكليفها به.
وكذا غير اليومية
من الصلوات حتى الزلزلة. وكون وقت الأخير تمام العمر لا يصحّح القضاء. ويأتي تحقيق
كلّ منها في موضعه.
الخامسة
: لو تلت آية السجدة أو سمعتها أو استمعت سجدت وجوبا ، وفاقا لجماعة صريحا أو ظاهرا.
لعموم أوامر
السجود ، وخصوص صحيحة الحذاء : عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : « إن كان من
العزائم فلتسجد إذا سمعتها » .
وموثّقة أبي بصير
: « والحائض تسجد إذا سمعت السجدة » .
وخبر آخر له
موقوفا عليه في الكافي ، والتهذيب ، ومستندا إلى الصادق عليه
__________________
السلام في السرائر
، والمعتبر ، والمختلف ، والمنتهى ، والتذكرة : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن
كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلّي ».
لا جوازا كما عن
المبسوط ، والجامع ، جمعا بين ما ذكر وبين صحيحة البصري : عن الحائض هل تقرأ
القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » .
والمروي في كتاب
ابن محبوب ، عن غياث ، عن الصادق 7 ، عن أمير المؤمنين 7 : « لا تقضي الحائض الصلاة ، ولا تسجد إذا سمعت السجدة » .
لأنّ الأولى أخصّ
، لاختصاصها بالعزائم ، فالتخصيص متعيّن. ولأنّ الجمع فرع المقاومة ، وهي منتفية ،
لموافقتهما لفقهائهم الأربعة كما هو في التذكرة وغيرها. فتقديم الأولى وحمل الأخيرة على التقيّة متحتّم.
ويؤكّده كون راوي
الثاني عامّيا وإسناد الإمام الحكم إلى أمير المؤمنين 7.
مع أنه لو فرض
التقاوم لوجب الرجوع إلى العمومات والاستصحاب.
ومنه ظهر ضعف
القول بالحرمة عليها مطلقا ، كما عن المقنعة ، والانتصار ،
__________________
والتهذيب ،
والوسيلة ، وهو مذهب أكثر العامة.
وقد يستدلّ لها
باشتراط الطهارة. وهو ممنوع.
أو إذا سمعت خاصة
دون ما إذا استمعت كما عن المهذب . أو الفرق بينهما في الجواز والوجوب ، فالأوّل في الأوّل
والثاني في الثاني ، كما في المعتبر ، وغيره ، حيث إنّ الأخبار الناهية مختصة بالسماع.
ويردّه أن الآمرة
أيضا كذلك.
نعم ، كان لذلك
وجه لو خصّصنا وجوب السجدة مطلقا بصورة التلاوة أو الاستماع كما في المعتبر ، واللوامع ، وعن
الخلاف مدّعيا عليه الإجماع ، وعن التذكرة ، والمنتهى . ولتحقيقه محل
آخر ، بل ينتفي التعارض حينئذ بين الأخبار.
السادسة
: تتوضّأ الحائض ناوية به التقرّب دون
الاستباحة وقت كلّ صلاة من الفرائض اليومية ، وتذكر الله تعالى إجماعا ، له ، وللمستفيضة ، كصحيحة زرارة
: « وعليها أن تتوضّأ وضوء الصلاة عند وقت كلّ صلاة ، ثمَّ تقعد في موضع طاهر
فتذكر الله تعالى وتسبّحه وتهلّله وتحمده كمقدار صلاتها ، ثمَّ تفرغ لحاجتها » .
والرضوي : « ويجب
عليها عند حضور كلّ صلاة أن تتوضّأ وضوء الصلاة
__________________
وتجلس مستقبل
القبلة وتذكر الله مقدار صلاتها كلّ يوم » .
ومثله المرسل
المروي في الهداية .
وحسنة زرارة : «
ولكنها تتوضّأ في وقت الصلاة ثمَّ تستقبل القبلة وتذكر الله » .
وقريبة منها صحيحة
ابن عمّار ومرسلة الفقيه ، إلاّ أنّ في الأولى زادت على الذكر التهليل والتكبير
وقراءة القرآن ، وفي الثانية الجلوس قريبا من المسجد.
وحسنة الشحام : «
ينبغي للحائض أن تتوضّأ عند وقت كلّ صلاة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلّي » .
ثمَّ إنّه هل ذلك
على الوجوب؟ كما عن الصدوقين ، وظاهر الحلبي ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، واختاره بعض
مشايخنا الأخباريين ، لصريح الثلاثة الأولى ، وظاهر الثلاثة المتعقّبة لها.
أو الاستحباب؟ كما
هو المشهور بتصريح غير واحد من الأصحاب ، بل
__________________
نسب في شرح القواعد
القول بالوجوب إلى الندور ، بل يظهر من بعض مشايخنا المحقّقين الإجماع على عدمه
، للأخيرة الظاهرة في الاستحباب ـ لمكان لفظ « ينبغي » ـ المعارضة لما تقدّم عليها
، الراجحة عليها من جهة الشهرة العظيمة.
مضافا إلى عدم
دلالة الثلاثة السابقة عليها على الوجوب ، وضعف الاثنتين المتقدّمتين عليها
الخاليتين عن الجابر ، فلم يبق إلاّ الأولى المتعيّن حملها على الاستحباب ، لما
مرّ.
الحقّ هو الثاني.
لا لما ذكر ، لعدم صراحة لفظ « ينبغي » في الاستحباب وإن لم تكن مفيدة للوجوب أيضا
كما قيل ، بل مفادها الرجحان الغير المنافي لشيء منهما.
بل للمروي في
الدعائم ، عن مولانا الباقر 7 ، المنجبر ضعفه بما ذكر : « إنا نأمر نساءنا الحيّض أن
يتوضّأن عند كلّ صلاة فيسبغن الوضوء ويحتشين بخرق ، ثمَّ يستقبلن القبلة من غير أن
يفرضن صلاة ، فيسبّحن ويكبّرن ويهلّلن ، وإنّما يؤمرن بذكر الله ترغيبا في الفضل
واستحبابا له » .
وبه تعارض الحسنة ، ويرجع إلى أصل
نفي الوجوب.
واختصاص الاستحباب
بالذكر لا يضرّ ، لعدم الفصل ، إلاّ أن يمنع أحد ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ
الاستحباب ، وحينئذ تكون تلك الرواية أيضا دالّة على الوجوب. ولا ينبغي ترك الاحتياط.
ثمَّ ظاهر الأكثر
تأدّي الواجب أو المستحب بمطلق الذكر ، لإطلاق كثير
__________________
من الأخبار.
وعن المقنعة :
أنها تحمد الله وتهلّله وتسبّحه وتكبّره .
وفي البيان :
وليكن الذكر تسبيحا وتهليلا وتحميدا وما أشبهه . وهو مقتضى حمل المطلقات على مقيداتها ، فالعمل به أولى.
وعن المراسم
الاقتصار على التسبيحة . كما عن النفلية زيادة الصلاة على النبي مع الاستغفار على
التسبيحات الأربع .
ولم أعثر على دليل
لها.
ولا بدّ أن تكون
جالسة مستقبلة القبلة بمقدار صلاتها المعتاد لها ، كما هو صريح الأخبار. حيث شاءت
، كما في الشرائع ، والذكرى ، والمعتبر ، والمنتهى ، بل نسبه في
الأخيرين إلى غير الشيخين من الأصحاب ، لإطلاق الأخبار.
ولو جلست قريبة من
مسجدها أي مصلاّها ، كان أولى ، للصحيحة .
وأمّا في مصلاّها
كما عن المبسوط ، والخلاف ، والمهذّب ، والوسيلة ، والإصباح ،
والجامع ، ونهاية الإحكام ، والنافع ، أو في محرابها كما عن المراسم ، وفي السرائر ، أو ناحية من
مصلاّها كما عن المقنعة ، فلا دليل عليه إلاّ
__________________
الأخير ، فإنّه
معنى القريب من مسجدها.
ويستحب استحشاؤها
بخرقة كما في بعض الأخبار .
السابعة
: يكره لها قراءة ما عدا سور العزائم مطلقا حتى السبع أو السبعين المستثناة في الجنب عند جماعة ، وفاقا لإطلاق
السرائر ، والنافع ، والشرائع ، والمعتبر ، والقواعد ، والبيان ، وعن المبسوط ،
والجمل والعقود ، والوسيلة ، والإصباح ، والروض . وفي الرابع وعن
الأخير الإجماع عليه.
للمروي في الدعائم
، المتقدّم في المسألة الثالثة ، المؤيّد بما مرّ في الجنب .
ثمَّ ظاهره وإن
كان الحرمة ـ كما هو المحكي عن القاضي وظاهر المفيد ـ إلاّ أنّ ضعفها ومخالفتها الأصل ، وموافقتها العامة ودعوى جماعة الإجماع على
الجواز منع عن إثباتها به مضافا إلى صحيحة البصري ، المتقدّمة .
كما أنّ المسامحة
في أدلّة الكراهة وسع في إثباتها مع ما ذكر ، من غير تخصيص
__________________
بالزائد عن السبع
أو السبعين كما في المنتهى ، وعن التحرير ، وبعض آخر ، وإن ظنّ ذلك ، إلحاقا لها بالجنب ، مع أن في
التخصيص فيه كلاما قد مرّ.
ومنه يظهر عدم
اتّجاه القول بعدم الكراهة مطلقا كما في المدارك .
ويكره لها أيضا
حمل المصحف مع العلاقة وبدونها ، ولمس هامشه وبين سطوره ، لما مرّ في بحث الجنب .
والخضاب اتّفاقا
كما صرّح به جماعة ، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى
المستفيضة الكاشفة عن مرجوحيته دون تحريمه ، لعدم اشتمالها على ما
يفيده.
مع أنّ بإزائها
مستفيضة أخرى دالّة على نفي البأس عنه وجوازه التي هي كالقرينة على إرادة الكراهة
من الأولى.
مضافا إلى الأصل
والإجماع المستقلّين في نفي الحرمة لو تعارضتا.
ولا تضرّ فتوى
الصدوق بأنّه لا يجوز ، في ثبوت الإجماع ، مع أنّ استعماله في كلامه في شدة
الكراهة كثير.
والظاهر اختصاص
الكراهة بما يتعارف من المخضوب وما يختضب به ، لانصراف المطلق إليه. فلا كراهة في
خضاب غير اليد والرجلين والشعور ، وفاقا للمفيد . ولا في غير
الحناء طباقا للديلمي ، وإن كان الظاهر إلحاق الوسمة به
__________________
أيضا. وقد يقال
بالتعميم فيهما . وليس بجيد.
الثامنة
: في توقّف جواز صومها وصحته بعد انقطاع الدم على الغسل قولان :
الأول للأكثر ،
وهو الأظهر.
لا لصدق الحائض
عليها ، لعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق ، لاشتراطه في مثل ذلك كما بيّن في
موضعه ، مع إمكان المعارضة لولاه بصدق الطاهر.
ولا لعدم صحته من
المستحاضة فمن الحائض أولى ، لكونها أغلظ حدثا منها ، لكونه قياسا.
ولا لاستصحاب ما
ثبت بالحيض ، لمعارضته مع استصحاب صحته الثابتة قبل الحيض ، حيث لم يثبت المنع
زائدا على حال الدم. مع أنّ المسلّم عدم صحة الصوم من الحائض ، وهذه ليست بحائض ،
فلا يستصحب ، لتغيّر الموضوع.
بل لموثّقة أبي
بصير المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بالشهرة : « إن طهرت بليل من حيضها ثمَّ توانت أن
تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم » ويتعدّى إلى غير
رمضان بعدم الفصل.
والثاني عن
العماني ، ونهاية الإحكام ، واستقواه في المدارك ، وتردّد في المعتبر ، للأصل ، وعموم أوامر الصوم ، وضعف الرواية.
وجوابه ظاهر مما
مرّ.
__________________
وهل تجب الكفّارة
بالترك أم لا؟ يجيء تحقيقه في بحث الصيام.
التاسع : صرّح في المعتبر ، والمنتهى ، والسرائر ، والتحرير ، واللوامع بجواز الأغسال المسنونة التي لا ترفع الحدث عن الحائض واستحبابها
لها. وهو كذلك عملا بعمومات استحبابها الخالية عن المخصّص.
وأمّا حسنة ابن
مسلم : عن الحائض تتطهّر يوم الجمعة وتذكر الله؟ قال : « أمّا الطهر فلا » الحديث ، فلا
تدلّ على عدم صحة غسل الجمعة عنها ، إذ لا دليل على كون الطهر غسل الجمعة ، ولو
دلّ لما دلّ على عدم الجواز.
ولا شك في عدم
وجوب غسل الجنابة عليها لو كانت جنبا ، للإجماع ، والنصوص. ولا في أنها لو اغتسلت
للجنابة حال الحيض لم يرتفع حدثها ، وفي المعتبر عليه الإجماع ، وتؤيّده الحسنة المتقدّمة.
وهل يجوز لها غسل
الجنابة حينئذ ويكفي عنها لو اغتسلت ، فلا يجب عليها غسل الجنابة ثانيا ، ولا
تتعلّق بها الأحكام المختصة بالجنب ، أم لا؟
صرّح في المنتهى
والتذكرة بعدم الجواز ، واستدلّ عليه بما دلّ على الأمر بجعل غسلهما واحدا ،
كموثّقتي أبي بصير والخشاب ، وبما صرّح بأنها لا تغتسل كصحيحة الكاهلي .
يضعّف : بأنّ
الجميع خال عن الأمر والنهي الدالّين على الوجوب والحرمة ، بل غايتهما الإخبار
المفيد للجواز أو الرجحان. مع أن جعلهما واحدا
__________________
ليس بواجب قطعا.
مضافا إلى أنه في
موثّقة عمّار : عن المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل ، قال : « إن شاءت
أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل ليس عليها شيء ، فإذا طهرت غسلت غسلا واحدا للحيض
والجنابة » .
وعن كلام الشيخ في
كتابي الحديث أنه يلوح بالجواز . فالقول به ليس ببعيد ، والإجماع على خلافه غير معلوم ،
كيف ولم يصرّح بعدم الجواز إلاّ شاذ من المتأخّرين ، وأمر الاحتياط
واضح.
العاشرة : لو طرأ الحيض بعد دخول الوقت ، فإن مضى منه ما تمكّنت
فيه من فعل صلاة تامة ولو مخفّفة مشتملة على الواجبات خاصة ولم تصلّها ، وجب
عليها قضاؤها إجماعا ـ كما صرّح به بعض الأجلّة ـ لموثّقة يونس :
في امرأة إذا دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخّرت الصلاة حتى حاضت قال : « تقضي إذا
طهرت » .
ومضمرة البجلي :
عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال
: « نعم » .
وموثّقة الفضل بن
يونس ، وفيها : « وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك
عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض
__________________
صلاة الظهر ، لأنّ
وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر ، وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر ، فضيّعت صلاة الظهر
، فوجب عليها قضاؤها » .
والتعليل فيها
بخروج الوقت أيضا لا يفيد الاختصاص بعد الإطلاقات المتقدّمة ، مع أنه مذهب أبي
حنيفة ، فالتقية فيها محتملة.
ولا ينافي وجوب
القضاء إطلاق خبر أبي الورد : في المرأة تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمَّ
ترى الدم ، قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين » .
وموثّقة سماعة :
عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمَّ إنها طمثت وهي جالسة ، قال : « تقوم من مسجدها
ولا تقضي تلك الركعتين » .
حيث دلّتا بضميمة
الإجماع المركّب على عدم القضاء مطلقا وإن كانت متمكنة من إتمام الصلاة طاهرا ،
لأنهما مقيدتان بما إذا لم تكن كذلك إجماعا.
مع أنه لو سلّم
التعارض فغايته التساقط ، وتبقى عمومات موجبات قضاء الفوائت خالية عن المعارض.
نعم ، تتعارضان
فيما إذا لم تتمكن من إتمام الصلاة في الوقت وتمكّنت من نصفها أو الأقلّ ، فمقتضى
الإطلاقات الأولى القضاء ، ومقتضى الثانية العدم. ويجب تقديم الثانية ، لأخصّيتها
بل موافقتها ظاهر الإجماع ، وإن أطلق في النهاية ، والوسيلة وجوب القضاء إذا
دخل الوقت.
__________________
واحتمال إرادة
مطلق الفعل من القضاء دون مقابل الأداء في الثانية ، حيث لم تتحقّق فيه الحقيقة
الشرعية في المعنى الأخير ، فيمكن أن يكون المراد عدم فعل الركعتين الباقيتين
حينئذ ، فلا يفيد في نفي القضاء في النصف فما دونه ، مردود ببعده في خبر أبي الورد
، لمكان تعريف الركعتين بعد ذكرهما بالتنكير ، فإنّ الظاهر المتبادر حينئذ هو
الركعتان الأوليان ، ولا شك أنّ القضاء فيهما بالمعنى المصطلح.
ويؤكّده كونه بذلك
المعنى قطعا فيما بعده في الركعة الأخيرة من المغرب. بل وكذلك في الموثّقة ، لمكان
لفظ « تلك » فإنّ الظاهر أنه إشارة إلى الركعتين اللتين فعلهما وعدم قضائهما
بالمعنى المصطلح قطعا.
وعلى هذا ، فلا شك
في عدم وجوب القضاء مع عدم التمكّن من أكثر الصلاة ، بل وكذلك مع التمكّن من
الأكثر ما لم تتمكّن من الإتمام على الأشهر ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، للأصل ،
وتبعية وجوب القضاء لوجوب الأداء ، كما استدلّ به بعضهم ، وتوقّف القضاء
على أمر جديد ، كما استدلّ به آخر .
ويضعّف الأول :
بإطلاق المضمرة . والثاني : بالمنع. والثالث : بوجود الأمر الجديد في
المضمرة ، ومقتضاها وجوب القضاء مطلقا ، خرج ما لم تتمكّن من الأكثر بما مرّ ،
فيبقى الباقي ، كما هو المحكي عن السيد ، والإسكافي ، وفي المدارك عن الصدوق أيضا. وهو الأحوط بل الأقوى.
ولا تعارضها
عمومات سقوط الصلاة عن الحائض ، لأعمّيتها ، مع أنّ في شمولها للمورد تأمّلا.
__________________
نعم ، يعارضها
إطلاق خبر أبي الورد ، وموثّقة سماعة. ولكنه لا يفيد ، لوجوب الرجوع إلى موجبات
القضاء حينئذ.
مع أنّه يؤيّده
خبر أبي الورد : « وإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من
مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب » يحمل قضاء الركعة
على قضاء الصلاة مجازا ، أو المراد بالركعة التي فاتتها مجموع الركعات حيث إنها
فاتت بفوات ركعة.
وتظهر ممّا ذكرنا
: قوة القول بوجوب القضاء مع عدم مضيّ زمان الطهارة أيضا ، لإمكان التقديم على
الوقت ، كما احتمله الفاضل في النهاية ، وإن خالف فيه الأكثر إذا لم يأت بها قبل الوقت ، بناء
على عدم جواز الأمر بالصلاة مع عدم مضيّ زمان الطهارة ، لاستلزامه التكليف
بالمحال.
ويضعّف : بعدم
التابعية بين الأداء والقضاء.
وأمّا مع الإتيان
بها قبل الوقت فعدم الاشتراط أظهر ، لإمكان التكليف حينئذ.
الحادية
عشرة : لو طهرت في آخر
الوقت بقدر الصلاتين ، وجبتا أداء ، وبقدر إحداهما وجبت كذلك ، وكذا يجب فعل ما
يدرك بقدر ركعة منها في الوقت. ويأتي تفصيل المسألة في باب المواقيت.
الثانية
عشرة : يحرم وطؤها
بالإجماع والكتاب والسنّة ، بل قيل : بالضرورة الدينية . ولذا حكم بكفر
مستحلّه لو لم يدّع شبهة محتملة.
وصرّح جماعة بتفسيق الواطئ مع
عدم الاستحلال.
وفيه نظر على
القول بتخصيص الكبائر بما أوعد الله سبحانه عليه النار
__________________
صريحا في كتابه.
وفي تعزيره بما
يراه الحاكم ، أو بثمن حد الزّاني ، أو ربعه احتمالات :
أولها للأكثر ،
لإناطة التعزيرات بنظره في غير المنصوص.
ويضعّف : بمنع عدم
النص ، مع أنّ لي في ثبوت التعزير في كلّ غير منصوص نظرا.
وثانيها لولد
الشيخ. وصرّحوا بأنّه لا مأخذ له .
وثالثها لبعض
الثالثة ، كما نقله والدي العلاّمة ، ونفى ـ ; ـ عنه البعد ،
لخبر الهاشمي : عن رجل أتى أهله وهي حائض ، قال : « يستغفر الله ولا يعود » قلت :
فعليه أدب؟ قال : « نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني » .
وبمضمونه خبر ابن
مسلم .
وهو الأظهر ،
لذلك. والشذوذ المخرج عن الحجية فيهما غير ثابت.
ولا يعارضه المروي
في تفسير القمي : « من أتى امرأته في الفرج في أول حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار ،
وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة ، وإن أتاها في غير أول حيضها فعليه أن
يتصدّق بنصف دينار ويضرب اثنتي عشرة جلدة ونصفا » لضعفها.
ولا شيء عليه لو
جهل الحكم أو الموضوع أو نسيه ، لعمومات رفع الخطأ والنسيان.
__________________
وتوقّف بعضهم في
جاهل الحكم ، لعدم معذوريته إلاّ فيما استثني . وهو حسن في التحريم إذا لم يكن ساذجا.
وأمّا الحدّ فهو
ساقط عن الجاهل كما ورد في الأخبار.
ويلحق بأيام الحيض
أيام الاستظهار مطلقا على ما اخترناه من حيضيته ، دون ما بينه وبين العشرة وإن
قلنا بحيضيته مع عدم التجاوز ، لأصالة الإباحة ، وعدم الانقطاع ، أي بقاء الحالة
الكائنة لها.
فإن عورضت بأصالة
عدم التجاوز ـ حيث إنّ الدم في كل آن متجدّد حادث ـ تتساقطان وتبقى أصالة الإباحة.
والمناط في
التحريم العلم بالحيضية شرعا ، فلا يضرّ احتماله بل ولا ظنّه ، إلاّ المستند إلى
قول المرأة نفسها ، فإنه يتبع في المورد إجماعا ظاهرا. وفي الحدائق : إنه لا إشكال
فيه ولا خلاف . وقيل : بلا خلاف بين الطائفة ، بل نفى الخلاف
في القبول مع عدم التهمة الشامل لصورة عدم حصول الظن بالخلاف مطلقا ، وفي اللوامع
: إنه مجمع عليه.
وهو الحجة فيه ،
مضافا إلى ظاهر قوله سبحانه ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ
أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) .
وصحيحة زرارة : «
العدّة والحيض إلى النساء » ومثلها حسنته بزيادة قوله : « إذا ادّعت صدّقت » .
__________________
وقوله 7 في رواية ابن
تغلب : « إنما عليك أن تصدّقها في نفسها » .
ولتعذّر إقامة
البيّنة عليه ، إذ غايته مشاهدة الدم وهو غير كاف في الحكم بالتحيّض ، فيقبل قولها
فيه ، لعموم العلّية المستفادة من رواية الأشعري بعد حكمه 7 بأنه ما عليه شيء
في قبول قولها في الزوج ، بأنه : « أرأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس
لها زوج؟ » .
ولا تنافيها رواية
السكوني ومرسلة الصدوق : في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض « كلّفوا
نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت ، فإن شهدت صدقت ، وإلاّ فهي
كاذبة » لاحتمال اختصاصها بموردها ، حيث إنّ الدعوى فيها مخالفة
للعادة. وحملها على صورة التهمة لا وجه له.
ومنه يظهر وجوب
قبولها مع احتمال صدقها أيضا.
وهل يجب مع ظن
الكذب أم لا؟
الأوّل عن نهاية
الفاضل ، وذكري الشهيد ، وفي الحدائق ، واللوامع ، لعموم الأخبار.
والثاني عن
التذكرة ، والروض ، لاستصحاب الإباحة ، وعدم تبادر التهمة من المعتبرة.
__________________
ويضعّف الأوّل :
باندفاعه بما مرّ. مع أنه غير جار في الحيض السابق إذا أخبرت عن بقائه.
والثاني : بعدم
كفاية عدم تبادرها ، بل اللازم تبادر عدم التهمة. وهو ممنوع.
وأمّا إخبارها عن
الطهر ، فإن كان مع عدم معلومية الحيض سابقا فيقبل قطعا ، للاستصحاب. ونفى عنه
الخلاف في اللّوامع.
وإن كان عن حدوث
طهر بعد سبق حيض ، ففي اللوامع : إنّ الاحتياط هنا مع التهمة الاجتناب ، للاستصحاب
مع عدم القطع بالمزيل.
والظاهر القبول
هنا أيضا مطلقا ، لظاهر الأخبار المتقدّمة.
وكما يحرم الوطء
على الزوج يحرم التمكين على الزوجة مع إمكان العدم ، لكونه إعانة على الإثم ،
ووجوب النهي عن المنكر ، وهو هنا يتحقّق بالامتناع.
ومنه يظهر عدم إثم
على الزوج لو غرّته ، أو أكرهته ، أو استدخلت ذكره في النوم ، إذ لا إثم على الزوج
حينئذ ولا منكر عنه.
وقد صرّح المحقق
الثاني في شرح القواعد ، ووالدي في اللوامع بتأثيمها وتعزيرها بذلك.
وهو كان حسنا لو
ثبت حرمة التمكين عليها مطلقا ، وهو غير معلوم ، ولذا استدلّوا عليها بكونه معاونة
على الإثم. وأمر الاحتياط واضح.
ثمَّ التحريم مختص
بالجماع في القبل ، فيجوز الاستمتاع بما عداه ، أمّا فيما فوق السرّة وتحت الركبة
فبالإجماع المحقّق ، والمحكي في كلام جماعة منهم : المنتهى ، والتذكرة ، والمعتبر ، واللوامع ،
وغيرها.
وأمّا فيما بينهما
ـ ولو بالوطء في الدبر ـ فعلى الحقّ الموافق لصريح السرائر ،
__________________
وظاهر المعتبر ،
والشرائع ، والنافع ، والمنتهى ، والتذكرة ، والقواعد ، والنهاية ، والدروس ،
والبيان ، وعن ظاهر الاقتصاد ، والتحرير ، والمختلف ، والتبيان ،
ومجمع البيان . بل عن ظاهر الأخيرين وصريح الخلاف : الإجماع عليه ،
وجعله في الأول الأظهر من المذهب ، ونسبه في الثاني إلى جمهور الأصحاب ، وفي
الثالث إلى الأكثر .
للأصل ، وعمومات
الاستمتاع من النساء من الكتاب والسنّة وإطلاقاتها.
والقول بانصرافها
إلى الشائع وهو حال الطهر ، مردود : بأنّه فرع شيوع المنع منه حالة الحيض ، وهو
أول الكلام.
والمستفيضة من
النصوص ، كرواية عبد الملك : ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال : « كلّ شيء ما
عدا القبل بعينه » .
ومرسلة ابن بكير :
« إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدم » . ورواية ابن
حنظلة .
ولا ينافي عمومها
الشامل للدبر ما دلّ على حلّ ما دون الفرج له ، كروايات
__________________
أبناء سنان وعمرو وعمّار ، إذ الظاهر من
الفرج القبل ، فهي توافقه ولا تنافيه.
ولو سلّم عدم الظهور
فلا ظهور له في شمول الدبر ، إذ ليس المراد منه معناه اللغوي قطعا ، بل هو إمّا
فرجة مخصوصة أو معهودة. وشمولها للدبر غير معلوم.
ولا ما نهى عن
الإيقاب بقول مطلق ، كصحيحة ابن يزيد : ما للرجل من الحائض؟ قال : « ما بين
أليتيها ولا يوقب » ، لعدم تعيين ما يوقب فيه.
مع أنه لا دلالة
لها إلاّ على مرجوحية الإيقاب مطلقا ، وهو مسلّم ، فهي أيضا من أدلّة المطلوب ،
لعموم صدرها الخالي عن المخصّص.
مع أنه لو سلّم
منافاتهما ، لكانت بالعموم من وجه ، فيرفع اليد عنهما ويرجع إلى أصل الإباحة.
خلافا للمحكي عن
السيد ، فمنع عمّا بين السرّة والركبة ، للأمر بالاعتزال في المحيض ، والنهي عن
قربهنّ .
وصحيحة الحلبي :
في الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرّتها ،
ثمَّ له ما فوق الإزار » . ومثلها موثّقة أبي بصير بتبديل السرة
بالساق :
__________________
وصحيحة البصري :
عن الرجل ما يحلّ له من الطامث؟ قال : « لا شيء حتى تطهر » خرج ما خرج
بالإجماع ، فيبقى الباقي.
يضعّف الاستدلال
بالآيتين : بأنّ حقيقة عدم القرب والاعتزال ليست مرادة إجماعا ، ولا
يجوز جعلهما من باب المطلق المقيّد أو العام المخصّص حتى يبقى ما عدا الثابت خروجه
، لاستلزامه خروج الأكثر.
مع أنّ ما هو
حقيقة عدم القرب والاعتزال لا يختلف بالاستمتاع فيما بين السرّة والركبة وغيره ،
بل هو أمر خارج عن حقيقتهما ، فتأمل. فيجب المصير إلى التجوّز. وإرادة ترك الوطء
في القبل ليست مرجوحة عن غيره ، بل هو أولى بها ، للشيوع.
مع إمكان إرادة
مكان الحيض من الآية الأولى ، بل هو ـ كما قيل ـ أولى من المصدر واسم الزمان ، لخلوّه عن الإضمار
والتخصيص اللازم فيهما ، وإن لزم تخصيص حالة الطهر على إرادة المكان أيضا.
وبالأخبار ـ بعد
تخصيص الأخيرة بما بين السرّة والركبة بالإجماع ـ : بأنها تعارض ما مرّ بالعموم من
وجه ، والترجيح لما مرّ ، لمخالفتها لأكثر العامة . مع أنه لولاه
لكان المرجع إلى الأصل أيضا ، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على حرمة ما تحت السرّة
إلاّ بالمفهوم الضعيف.
والتضعيف : بأنّ نفي الحلّ
الظاهر في متساوي الطرفين لا يثبت الحرمة ، ضعيف ، لأنّ المتبادر منه نفي مطلق
الجواز.
__________________
ثمَّ بما ذكرنا
يظهر ضعف الاستدلال بها على الكراهة أيضا. ولكن فتوى الأكثر بها ودعوى جماعة الشهرة عليها
كافية في إثباتها ، فعليها الفتوى. ونفيها ـ كبعض مشايخنا الأخباريين ـ غير جيّد.
الثالثة
عشرة : لو وطئها زوجها
عالما عامدا وجبت عليه الكفّارة بدينار في أوله ، ونصفه في وسطه ، وربعه في آخره
، وفاقا في الوجوب بل التفصيل للمحكي عن الصدوقين ، والسيد ،
والمفيد ، والمبسوط ، والخلاف ، والجمل والعقود ، وأبناء البراج
وحمزة وإدريس وزهرة ، واختاره غير واحد من مشايخنا . بل عليه في
الانتصار ، وعن الغنية ، والخلاف ، الإجماع ، ونسب دعواه إلى السرائر أيضا . وليس كذلك ، بل
قال : لأصحابنا فيه قولان. نعم جعل الوجوب الأظهر من المذهب. ونسبه في التذكرة إلى
أكثر علمائنا ، وجماعة إلى أكثر القدماء.
للرضوي : « إن
جامعت امرأتك في أول الحيض تصدّق بدينار ، وإن كان في وسطه فنصف دينار ، وإن كان
في آخره فربع دينار » .
__________________
والمروي في المقنع
: « إذا جامعها في أول الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار ، وإن كان في نصفه فنصف دينار
، وإن كان في آخره فربع دينار » .
وضعفهما بعد
انجبارهما بما ذكر غير ضائر.
ويؤيّده بل يدلّ
على التفصيل : رواية داود في كفّارة الطمث : « أن يتصدّق إذا كان في أوله بدينار ،
وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار » قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال :
« فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر الله ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة
وكفّارة لمن لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة » .
ولا تضرّها رواية
القمي ، المتقدمة ، ورواية محمّد : عن الرجل يأتي المرأة وهي حائض ، قال : «
يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي استدباره نصف دينار » .
وموثّقة أبي بصير
: « من أتى حائضا فعليه نصف دينار » .
ومضمرة محمّد :
عمّن أتى امرأته وهي طامث ، قال : « يتصدّق بدينار » .
فإنّها مطلقة من
جهة وقت الحيض بالنسبة إلى الأخبار الأولى ، والمطلق لا ينافي المقيد بل يحمل عليه
، فهي أيضا أدلّة لبعض المطلوب.
ولا حسنة الحلبي :
عن الرجل يقع على امرأته وهي حائض ، ما عليه؟
__________________
قال : « يتصدّق
على مسكين بقدر شبعه » .
لأعميتها مطلقا
مما مرّ ، حيث يختص ما مرّ بالعالم العامد وواجد للكفّارة إجماعا ونصا.
مضافا إلى أنّ
رجحان التصدّق على مسكين لا ينافي وجوب غيره أيضا.
وعدم ذكره مع
السؤال عمّا يجب عليه لا ينفي الوجوب ، لجواز مصلحة فيه ، وكونه مقام الحاجة غير
معلوم. ولو فرض منافاته له فتكون الرواية شاذة ، لعدم مفت بمضمونها إلاّ عن نادر .
وبهذين الوجهين
يظهر عدم مضرّة حسنته الأخرى ، وموثّقة عبد الملك.
الأولى : عن رجل
واقع امرأته وهي حائض ، فقال : « إن كان واقعها في استقبال الدم فيستغفر الله ،
ويتصدّق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كلّ رجل منهم ليومه ، ولا يعد ، وإن
كان واقعها في إدبار الدم في آخر أيامها قبل الغسل فلا شيء عليه » .
الثانية : عن رجل
أتى جاريته وهي طامث ، قال : « يستغفر الله » قال عبد الملك : فإنّ الناس يقولون :
عليه نصف دينار أو دينار ، فقال أبو عبد الله 7 : « فليتصدّق على عشرة مساكين » .
مضافا في الأولى
إلى أنّ الظاهر من جزئها الأخير أنه بعد الطهر وقبل الغسل ، ولا أقلّ من الشمول له
الموجب للأعمية المطلقة مما مرّ الباعث
__________________
للتخصيص.
وفي الثانية إلى
احتمال أن يكون عدم ذكره للكفارة أوّلا للتقية ، حيث إنّه مذهب أبي حنيفة ومالك المشتهر في عصره 7 ، فلما ذكر
الراوي إيجاب العامة لها أيضا حيث إنّهم يروونها عن ابن عباس ، وهو مذهب أحمد
وأحد قولي الشافعي ، أمر 7 أيضا بالكفّارة وقال : « فليتصدّق » هذه الكفارة الواجبة «
على عشرة مساكين » ولا بعد أن يكون الراجح في الكفّارة هذا النوع من التقسيم.
وممّا ذكر من
اشتهار عدم الوجوب عند رؤساء منافقي عصره يظهر عدم مضرّة ما دلّ على نفيها مطلقا
أيضا ، كصحيحة العيص : عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، ـ إلى أن قال ـ : قلت : إن
فعل عليه كفارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئا ، يستغفر الله » .
وموثّقة زرارة :
عن الحائض يأتيها زوجها ، قال : « ليس عليه شيء ، يستغفر الله » .
وخبر المرادي : عن
وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأ ، قال : « ليس عليه شيء وقد عصى ربّه » .
والمروي في
الدعائم : « من أتى حائضا فقد أتى ما لا يحلّ له ، وعليه أن
__________________
يستغفر الله ويتوب
من خطيئته ، وإن تصدّق مع ذلك فقد أحسن » .
مضافا إلى عموم
غير الأخير بالنسبة إلى المتمكّن وغيره ، وخصوص ما مرّ ، فيجب التخصيص.
وورود ما قبله في
الخاطي وليس عليه كفارة إن كان خطوة في الموضوع ـ كما هو أحد احتماليه ـ إجماعا ،
ومطلقا عند طائفة.
ولا ينافيه قوله :
« وقد عصى » لوجوب حمله على ضرب من التجوّز بقرينة الخطأ.
وتحقّق العصيان
بترك الفحص ـ على الحمل على الجهل بالحكم وإمكان العكس ـ لا يفيد ، لكفاية الاحتمال
في سقوط الاستدلال. بل لنا أن نقول بشمول ما تقدّم عليه أيضا للخاطئ ، ولا ينافيه
الاستغفار ، لأنّه راجح في كلّ حال.
وأمّا الأخير ،
فمع عدم دلالته على نفي الوجوب ، ضعيف لا يصلح لمقاومة ما مرّ.
فالقول بعدم
الوجوب لبعض ما ذكر ، وللأصل المندفع بما مرّ ، ولاختلاف الأخبار الموجبة ،
المعلوم وجهه مع عدم صلاحيته لنفي الإيجاب ، كما في المنتهى ناسبا له إلى أكثر أهل
العلم ، والتذكرة ، ونهاية الإحكام ، والمعتبر ، وظاهر الشرائع ، والنافع ، والمحقق الثاني
، ووالدي العلاّمة ، وعن نكاح المبسوط ، ونسب إلى أكثر المتأخرين ، ضعيف ،
كالتوقّف ، كما هو ظاهر
__________________
الدروس ، والبيان
، وعن اللمعة ، وشيخنا البهائي ، والتفرقة بين الشاب والمضطر وغيرهما ، كما عن الراوندي .
فروع :
أ : تلحق بالزوجة
المشتبهة والمزني بها ، لإطلاق بعض الأخبار ، وعدم الفصل.
ولا فرق في الزوجة
بين الدائمة والمنقطعة ، لعموم بعض الأدلّة.
نعم ، فرق بين
الحرّة والأمة ، فإنّ ما ذكر مخصوص بالحرة.
وأمّا الكفّارة في
الأمة فثلاثة أمداد من الطعام ، وفاقا للصدوق ، والشيخ في كفارات النهاية ، والسيد
في كفّارات الانتصار ، والسرائر ، والمعتبر ، والمنتهى ، والقواعد ، والبيان ،
والدروس . بل في الثالث : الإجماع على وجوبه ، وعن الرابع : نفي
الخلاف عنه.
لمرسلة الفقيه وفي
آخرها : « من جامع أمته وهي حائض تصدق بثلاثة أمداد من الطعام » .
والرضوي : « وإن
جامعت أمتك وهي حائض تصدّقت بثلاثة أمداد من طعام » .
وبذلك منضما إلى
عدم القول بالجمع بين ذلك وبين الدنانير يقيّد إطلاق بعض الأخبار.
__________________
وهل ذلك على
الوجوب؟ كما هو ظاهر الفقيه الانتصار ، أو الاستحباب؟ كما هو صريح المعتبر
والمنتهى وأكثر عبارات الباقين محتمل للأمرين.
الظاهر الأخير ،
لخلوّ الروايات عن الدالّ على الوجوب.
ب : التكفير مختص
بالواطئ ، فلا كفّارة على الموطوء ، للأصل.
ج : الأظهر الأشهر
الموافق لظاهر الأخبار اختلاف الأول والوسط والآخر باختلاف الحيض الذي وطئ فيه ،
فالأول لذات الثلاثة الأول ، ولذات الأربعة مع ثلث الثاني ، ولذات الخمسة مع ثلثيه ،
وهكذا ، ومثله الوسط والآخر.
وبالجملة التثليث
مرعيّ بالإضافة إلى أيام الحيض مطلقا ، ذات عادة كانت أم غيرها ، كانت العادة عشرة
أم لا.
وعن الديلمي : تحديد الوسط
بما بين الخمسة إلى السبعة. والراوندي اعتبر العشرة مطلقا فثلّثها ، فلا وسط لمن حيضها ثلاثة
وثلث فما دون ، ولا آخر لمن حيضها سبعة إلاّ ثلثا ، على الاعتبارين ، ويفترقان في صاحبة
الأربعة والسبعة ، فلا وسط للأول ولا آخر للثاني على الأول ، ويتحقّقان على الثاني
، وهما الثلثان الأخيران من اليوم الرابع أو السابع.
د : الدينار
المثقال الشرعي من الذهب الخالص إجماعا ، المسكوك على الأصح ، وفاقا لجماعة ، للتبادر. خلافا
لآخرين ، فاكتفوا بالتبر لإطلاق الاسم. وهو ضعيف.
والأصحّ تعيينه ،
فلا تجزئ القيمة ، اقتصارا على ظاهر النص ، ومثله
__________________
النصف والربع ،
فيشارك الفقير المالك في النصف من دينار أو ربعه.
ومصرفه مصرف سائر
الكفارات اللازمة. ولا يلزم فيه التعدد ، لإطلاق النص. ولو قيل برجحان التصدّق على
عشرة مساكين ، لأنه أحد احتمالي رواية عبد الملك ، لم يكن بعيدا.
الرابعة
عشرة : يجوز وطؤها بعد الطهر وقبل الغسل وفاقا
للمعظم ، بل في الانتصار ،
والسرائر ، وعن الخلاف ، والغنية ، وظاهر التبيان ، والمجمع ، والروض ، وأحكام الراوندي : الإجماع عليه.
لا لتعليق
الاعتزال في الآية على المحيض فينتفي بانتفائه ، لانتفاء المفهوم المعتبر.
ولا لجعل غاية
النهي عن المقاربة فيها الطهر في القراءات السبع فلا يحرم بعده ، لعدم ثبوت كون
الطهر فيها ولو على قراءة التخفيف بمعنى انقطاع الدم ، فيجوز أن يراد به الحالة
الحاصلة بعد الغسل وإن لم تثبت له الحقيقة الشرعية في الغسل عند نزول الآية.
ولا ينافي ذلك ما
ورد في الأخبار من أن غسل الحيض سنة ، أي لا يثبت وجوبه من الكتاب ، لأنّ تعليق جواز المقاربة
على الغسل غير إيجابه.
بل للأصل ،
والمستفيضة كصحيحة محمّد : في المرأة ينقطع عنها دم الحيض
__________________
في آخر أيامها ،
قال : « إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمَّ يمسّها إن شاء قبل أن
تغتسل » .
وموثّقة ابن يقطين
: عن الحائض ترى الطهر فيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ، قال : « لا بأس ، وبعد
الغسل أحب إليّ » .
وموثّقة ابن بكير
: « إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء » .
ومرسلة ابن
المغيرة : « إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل ، وإن
فعل فلا بأس به » وقال : « تمس الماء أحب إليّ » .
وخلافا للفقيه في
غير ما إذا كان الزوج مشبقا فحرّمه ، واستقواه في الروض ، للاستصحاب ، والآية مع قراءة التشديد.
وموثّقة أبي بصير
: عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر ، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا
حتى تغتسل » وعن امرأة حاضت في السفر ثمَّ طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين ، أيحلّ
لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا يصلح حتى تغتسل » ونحو آخرها
موثّقة عبد الرحمن .
__________________
وموثّقة ابن يسار
: المرأة تحرم عليها الصلاة فتوضّأ من غير أن تغتسل ، فلزوجها أن يأتيها قبل أن
تغتسل؟ قال : « لا حتى تغتسل » .
ويردّ الاستصحاب :
بالمعارضة مع استصحاب الجواز السابق على الحيض ، حيث لم يعلم المنع زائدا على أيام
الحيض.
والآية بمعارضة
القراءتين مع أرجحية التخفيف بالشهرة ، مضافا إلى أنّ إرادة غسل الفرج من التطهير
ممكنة.
والأخبار ـ مع عدم
دلالة الأولى بل الأخيرة على الحرمة ـ : بأن حملها على الكراهة متعيّن بقرينة
الأخبار السابقة ، فلا تعارض.
ولو سلّم فالترجيح
للأولى ، لمخالفتها لأكثر العامة ، كما نقلها جماعة من الخاصة .
مع أن إطلاق
الثانية ممّا لم يقل به أحد ممّن سبق ، حيث إنّ الصدوق استثنى الشبق ، فلا بدّ
إمّا من تخصيصها أو حملها على الكراهة ، وليس الأول أولى من الثاني.
ومع تسليم الجميع
فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة الجواز.
نعم ، يكره ذلك ،
للإجماع على المرجوحية واشتهار الكراهة ، لا لقوله 7 : « أحبّ إليّ » لعدم دلالته على الكراهة.
وهل تزول الكراهة
بغسل الفرج كما صرّح في السرائر ؟ الظاهر لا ، للأصل.
وفي اشتراط زوال
الحرمة به وعدمه قولان : الأول للمحكي عن الصدوق ،
__________________
وصريح الغنية ، وظاهر التبيان
، والمجمع ، وأحكام الراوندي ، لكن مخيّرا بينه وبين الوضوء ، فحكموا باشتراط أحد
الأمرين منهما. ولا دليل على ذلك التخيير.
نعم ، ظاهر لفظة «
ثمَّ » في الصحيحة كون جواز المس معقبا لغسل الفرج ، وأيضا في خبر الحذاء :
عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر وليس معها من الماء ما يكفي لغسلها ـ إلى أن
قال ـ قلت : يأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال : « نعم ، إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلا
بأس » .
وفيهما : أنّهما
لو دلّتا لدلّتا على شرطية غسل الفرج خاصة أو مع التيمّم ، ولا قائل بهما.
مضافا إلى عدم
دلالة الأولى على عدم جوازه قبل غسل الفرج بمنطوق ولا مفهوم ، والجواز عقيبه لا
يدلّ على عدمه قبله. بل الثانية أيضا ، إذ ثبوت البأس قبله يمكن أن لا يكون للوطء
قبله واشتراطه به ، بل لتركه بنفسه. فيكون هو واجبا نفسيا وإن لم يشترط به جواز
الوطء كما اختاره بعض الأجلّة حاكيا له عن ظاهر الأكثر ، وتشعر به عبارة
القواعد . وهو المختار ، للأمر به في الصحيحة ، فإنّ الأمر بالأمر
بشيء يدلّ على وجوبه ، وإثبات البأس ـ الذي هو العذاب ـ قبله في خبر الحذاء.
لا أن يكون مستحبا
بنفسه ، كما عن صريح المعتبر ، والمنتهى ، والتحرير ، والذكرى ، والبيان ، للأصل ، وخلوّ
أكثر الأخبار المجوّزة الواردة ـ على الظاهر ـ
__________________
في مقام الحاجة
عنه ، فلو وجب غسله لزم تأخير البيان عن وقتها.
ويدفع الأصل : بما
مرّ.
ويجاب عن خلوّ
الأخبار : بمنع كونها في مقام الحاجة. وجعله أصلا ـ كما قيل ـ لا أصل له. مع أنّ
التأخير إنّما يلزم لو ( لم يعدمها ) البيان وهو غير معلوم.
ثمَّ إنّ زمان
الاستظهار زمان الحيض استصحابا ، فلا يجوز الوطء فيه.
ويدلّ عليه أيضا
قوية مالك بن أعين : عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ، قال : « نعم
، إذا مضى بها منذ وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن
يغشاها زوجها ، يأمرها فتغتسل ثمَّ يغشاها إن أحبّ » .
__________________
فهرس
الموضوعات
الوضوء
نواقض الوضوء :
ناقضية البول والغائط
والريح................................................... ٧
حكم الخروج من الموضع
غير الطبيعي........................................... ٩
ناقضية النوم الغالب
على السمع والعقل........................................ ١٢
ناقضية كل مزيل للعقل...................................................... ١٦
اشتراط العلم بتحقق
الناقض.................................................. ١٦
ما اختلف في ناقضيته للوضوء :
المذي...................................................................... ١٧
تقبيل المرأة ومس
الفرجين.................................................... ١٩
القهقهة في الصلاة
والحقنة.................................................... ٢٠
الدم الخارج من
السبيلين..................................................... ٢٠
الحيض..................................................................... ٢١
مس الميت.................................................................. ٢١
ما يستحب له الوضوء :..................................................... ٢١
الوضوء الواجب :
وجوب الوضوء للصلاة
والطواف الواجبين..................................... ٢٣
وجوب الوضوء لمس خط
المصحف............................................ ٢٤
وجوب الوضوء بالنذر
وشبهه................................................. ٢٤
الوضوء واجب غيري........................................................ ٢٥
الوضوء المستحب باعتبار الغاية :
للصلاة المندوبة.............................................................. ٣٠
لصلاة الجنازة............................................................... ٣٢
للطواف المندوب............................................................ ٣٢
لمناسك الحج الغير
المشترطة فيها الطهارة........................................ ٣٢
لمس كتابة المصحف
وتلاوته و ............................................... ٣٢
لدخول المساجد............................................................. ٣٤
للكون على الطهارة.......................................................... ٣٥
للتأهب للفريضة............................................................ ٣٦
الوضوء التجديدي........................................................... ٣٧
لطلب الحاجة وزيارة
قبور المؤمنين............................................. ٣٨
للنوم....................................................................... ٣٨
لذكر الحائض وتغسيل
الجنب الميت........................................... ٣٩
لإدخال الميت في القبر........................................................ ٤٠
لوطء جارية بعد أخرى...................................................... ٤٠
لجماع المحتلم................................................................ ٤١
لدخول المرأة على
زوجها ليلة زفافها........................................... ٤١
لجلوس القاضي في مجلس
القضاء............................................... ٤١
لتكفين الميت................................................................ ٤٢
قبل الأغسال المسنونة........................................................ ٤٢
الوضوء الرافع لكراهة
بعض المباحات.......................................... ٤٢
واجبات الوضوء :
النية.................................................................... ٤٣
اعتبار قصد القربة........................................................... ٤٥
ما يتحقق به قصد
القربة..................................................... ٤٨
وجه عدم اعتبار النية
في الطهارة عن الخبث..................................... ٥٣
وجوب اشتمال النية على
قصد ما لا يتحقق إلا بالقصد.......................... ٥٥
الكلام في اعتبار
التمييز في النية............................................... ٥٦
الكلام في اعتبار قصد
الوجه في النية........................................... ٦٠
الكلام في اعتبار نية
الاستباحة والرفع.......................................... ٦٣
اعتبار الخلوص في
النية....................................................... ٦٦
بطلان العمل الريائي......................................................... ٦٦
حكم سائر الضمائم غير
الرياء................................................ ٦٨
عدم اعتبار الإخطار في
النية................................................... ٧٣
معنى الاستدامة
الحكمية...................................................... ٧٤
معنى مقارنة النية
لأول جزء من العمل.......................................... ٧٧
فروع في النية............................................................... ٧٩
وجوب غسل الوجه :
حد الوجه.................................................................. ٨٥
المراد من القصاص........................................................... ٩٠
وجوب استيعاب الوجه
بالغسل............................................... ٩٠
حكم تخليل الشعر........................................................... ٩١
حكم المجدور................................................................ ٩٥
وجوب الابتداء بالأعلى...................................................... ٩٥
جواز غسل الوجه بكل من
اليدين............................................. ٩٩
وجوب غسل اليدين :
معنى المرفق................................................................ ١٠٠
وجوب الابتداء بالمرفق..................................................... ١٠١
حكم مقطوع اليد......................................................... ١٠٣
حكم من بيده زائدة........................................................ ١٠٥
وجوب إيصال الماء تحت
الخاتم ونحوه......................................... ١٠٦
حكم غسل شعر اليد....................................................... ١٠٧
حكم غسل الأظفار........................................................ ١٠٧
وجوب مسح الرأس :
القدر الواجب في مسح
الرأس............................................... ١٠٩
وجوب مسح مقدم الرأس................................................... ١١٦
كفاية المسح على الشعر.................................................... ١١٧
عدم جواز المسح على
الحائل................................................ ١١٧
وجوب مسح الرجلين :
معنى الكعب.............................................................. ١١٨
القدر الواجب في مسح
الرجلين............................................. ١٢٦
عدم وجوب إدخال
الكعبين في المسح........................................ ١٣٠
عدم جواز المسح على
الحائل................................................ ١٣١
جواز المسح على الشعر..................................................... ١٣٢
وجوب المسح بنداوة
اليدين................................................. ١٣٢
جواز أخذ البلل من
سائر الأعضاء مع جفاف اليد............................. ١٣٦
حكم نداوة محل المسح...................................................... ١٣٨
هل يجب المسح بباطن
الكف؟............................................... ١٣٩
حكم النكس في المسح...................................................... ١٤٠
عدم إجزاء الغسل بدل
المسح................................................ ١٤٢
حكم مقطوع الرجل....................................................... ١٤٣
وجوب الترتيب بين
أفعال الوضوء........................................... ١٤٣
حكم الترتيب بين
الرجلين.................................................. ١٤٤
وجوب الموالاة الشرعية
في الوضوء........................................... ١٤٦
عدم اعتبار الموالاة
العرفية................................................... ١٤٧
حكم جفاف بعض الأعضاء................................................ ١٥١
بطلان الوضوء بالجفاف
الناشئ من التأخير................................... ١٥٣
عدم بطلان الوضوء
بالتأخير من غير جفاف.................................. ١٥٤
وجوب مباشرة المكلف
أفعال الوضوء........................................ ١٥٥
جواز تولية الغير
أفعال الوضوء في حال الاضطرار.............................. ١٥٨
ما يشترط في ماء
الوضوء ومكانه............................................ ١٦٠
مستحبات الوضوء :
وضع الإناء على اليمين..................................................... ١٦١
الاغتراف باليمين.......................................................... ١٦٢
الغسل والمسح باليمين
إلا الرجل اليسرى..................................... ١٦٣
التسمية................................................................... ١٦٣
غسل اليدين قبل الوضوء................................................... ١٦٥
المضمضة والاستنشاق...................................................... ١٦٧
الدعاء.................................................................... ١٧٣
تثنية الغسلات............................................................. ١٧٣
بدأة الرجل بظاهر
ذراعيه والمرأة بباطنهما..................................... ١٧٣
إسباغ الوضوء............................................................. ١٧٤
السواك................................................................... ١٧٥
فتح العين................................................................. ١٧٦
إمرار اليد بالغسل.......................................................... ١٧٧
مكروهات الوضوء :
الاستعانة في صب الماء.................................. ١٧٧
التمندل................................................................... ١٧٨
نفض اليد................................................................. ١٨٠
التوضؤ من إناء فيه
تماثيل................................................... ١٨٠
الوضوء في المسجد عن
البول والغائط......................................... ١٨٠
التوضؤ ببعض المياه
المكروه استعمالها......................................... ١٨٠
أحكام الوضوء :
حكم الغسلة الثانية......................................................... ١٨١
حكم الغسلة الثالثة......................................................... ١٩١
حكم تكرار المسح......................................................... ١٩٢
حكم تثنية بعض الأعضاء
وتثليثه............................................ ١٩٣
اعتبار مسمى الغسل....................................................... ١٩٣
وضوء ذي الجبيرة.......................................................... ١٩٩
فروع في وضوء ذي
الجبيرة................................................. ٢٠٩
كفاية وضوء واحد لجميع
غاياته............................................. ٢١٤
حرمة مس كتابة القرآن
على المحدث......................................... ٢١٦
فروع في مس المحدث
كتابة القرآن........................................... ٢١٩
حكم المسلوس............................................................. ٢٢١
حكم المبطون.............................................................. ٢٢٤
حكم تيقن الطهارة
والشك في الحدث وبالعكس............................... ٢٢٦
حكم تيقن الطهارة
والحدث والشك في المتأخر................................ ٢٢٨
حكم الإخلال ببعض
أجزاء الوضوء وشرائطه................................. ٢٣٠
حكم الشك في أفعال
الوضوء قبل الفراغ..................................... ٢٣٤
حكم كثير الشك.......................................................... ٢٣٦
حكم الشك في أفعال
الوضوء بعد الفراغ..................................... ٢٣٨
حكم ترك الاستنجاء....................................................... ٢٣٩
حكم ما لو تذكر
الإخلال بالوضوء بعد الصلاة وفي أثنائها..................... ٢٤٣
حكم ما لو تذكر
الإخلال بأحد الوضوءين................................... ٢٤٣
حكم ما لو تذكر وقوع
الحدث بعد أحد الوضوءين........................... ٢٤٥
غسل الجنابة
أسباب الجنابة : خروج
المني................................................. ٢٥١
حقيقة المني وأوصافه........................................................ ٢٥١
ايجاب خروج المني
للجنابة ولو مع فقد الأوصاف.............................. ٢٥٢
حكم إنزال المرأة........................................................... ٢٥٤
حكم اشتباه الخارج
والرجوع إلى الأوصاف.................................. ٢٥٦
عدم وجوب الغسل
بالخارج من غير الطبيعي.................................. ٢٦٠
حكم الخارج من المرأة...................................................... ٢٦٠
لو رأى الاحتلام ولم
يجد البلل............................................... ٢٦١
لو وجد المني في ثوبه........................................................ ٢٦٢
حكم واجد المني في
الثوب المشترك........................................... ٢٦٥
الموجب الثاني :
الجماع..................................................... ٢٦٨
حكم الواطئ في الدبر...................................................... ٢٧٠
حكم الموطوء في دبره...................................................... ٢٧٧
حكم وطئ الميت والنائم
والوطئ بآلة........................................ ٢٧٨
حكم وطء الخنثى وغير
البالغ............................................... ٢٧٩
حكم وطئ الكافر
وإنزاله................................................... ٢٨٢
أحكام الجنب :
حرمة الصلاة والطواف..................................................... ٢٨٣
حرمة قراءة العزائم......................................................... ٢٨٣
حرمة مس كتابة المصحف.................................................. ٢٨٦
حكم مس أسماء الله
سبحانه والأنبياء والأئمة :............................ ٢٨٦
حرمة اللبث في المساجد.................................................... ٢٨٨
حكم الاجتياز في
المساجد................................................... ٢٩١
حكم المشاهد المشرفة...................................................... ٢٩٢
حرمة وضع شئ في
المساجد................................................. ٢٩٣
حرمة الاجتياز في
المسجدين................................................. ٢٩٥
كراهة الأكل والشرب
حال الجنابة.......................................... ٢٩٦
مزيل كراهة الأكل
والشرب................................................ ٢٩٧
كراهة قراءة غير
العزائم.................................................... ٣٠٠
كراهة حمل المصحف
وتعليقه ومس ما عدا الكتابة............................. ٣٠٤
كراهة النوم حال
الجنابة.................................................... ٣٠٥
مزيل كراهة النوم.......................................................... ٣٠٦
كراهة الخضاب........................................................... ٣٠٧
كراهة الادهان والجماع
حال الجنابة......................................... ٣٠٩
غايات غسل الجنابة........................................................ ٣٠٩
الغسل واجب غيري....................................................... ٣١٠
واجبات الغسل :
وجوب النية............................................................... ٣١٤
وجوب غسل البشرة
واستيعابها.............................................. ٣١٥
وجوب تخليل الشعر........................................................ ٣١٦
حكم غسل الشعر......................................................... ٣١٨
وجوب غسل الظفر والعضو
الزائد........................................... ٣٢٠
حكم غسل البواطن........................................................ ٣٢٠
وجوب المباشرة في
الغسل................................................... ٣٢١
ما يشترط في ماء الغسل
ومكانه............................................. ٣٢١
وجوب الترتيب بين
الرأس والجسد.......................................... ٣٢٢
هل العنق داخل في
الرأس؟.................................................. ٣٢٤
حكم الترتيب بين
الأيمن والأيسر............................................ ٣٢٥
عدم وجوب الابتداء
بالأعلى................................................ ٣٢٨
حكم السرة والعورتين
من جهة الترتيب...................................... ٣٢٨
حكم الإخلال بالترتيب.................................................... ٣٢٩
الغسل الارتماسي........................................................... ٣٢٩
الغسل تحت المطر.......................................................... ٣٣٤
مستحبات غسل الجنابة :
إمرار اليد................................................................. ٣٣٧
الموالاة.................................................................... ٣٣٧
البول قبل الغسل........................................................... ٣٣٨
الاستبراء باليد............................................................. ٣٤٢
غسل اليدين قبل الغسل.................................................... ٣٤٣
المضمضة والاستنشاق...................................................... ٣٤٤
الغسل بصاع من الماء....................................................... ٣٤٥
المبالغة في إيصال
الماء....................................................... ٣٤٦
تثليث الغسلات........................................................... ٣٤٦
أحكام الغسل :
حكم البلل الخارج بعد
الغسل............................................... ٣٤٧
حكم تخلل الحدث الأصغر
في أثناء الغسل..................................... ٣٥٢
حكم تخلل الحدث الأصغر
في أثناء غسل غير الجنابة........................... ٣٥٥
تخلل الحدث في أثناء
الغسل الارتماسي........................................ ٣٥٦
كفاية غسل الجنابة عن
الوضوء.............................................. ٣٥٦
هل يكفي سائر الأغسال
عن الوضوء؟....................................... ٣٥٨
هل يجب تطهير المحل
قبل إجراء ماء الغسل؟................................... ٣٦٤
كراهة الغسل الارتماسي
في الماء الراكد....................................... ٣٦٧
كفاية الغسل الواحد عن
المتعدد............................................. ٣٦٧
سقوط الوضوء في سائر
الأغسال إذا اتحد مع غسل الجنابة...................... ٣٧١
غسل الحيض :
تعريف دم الحيض......................................................... ٣٧٣
عدم حيضية ما تراه قبل
البلوغ أو بعد اليأس.................................. ٣٧٤
سن اليأس................................................................. ٣٧٥
المراد من القرشية.......................................................... ٣٨٠
صفات دم الحيض.......................................................... ٣٨١
تمييز دم الحيض عن دم
العذرة............................................... ٣٨٤
تمييز دم الحيض عن دم
القرحة.............................................. ٣٨٥
أقل الحيض وأكثره......................................................... ٣٨٨
اشتراط التوالي في
ثلاثة أيام................................................. ٣٨٩
أقل الطهر وأكثره.......................................................... ٣٩٦
اجتماع الحيض مع الحبل................................................... ٤٠٠
قاعدة الإمكان في
الحيض................................................... ٤٠٨
أقسام النساء بلحاظ
التحيض............................................... ٤١١
مبدأ تحيض المبتدأة......................................................... ٤١٢
حكم الدم الذي تراه في
العشرة.............................................. ٤١٦
حكم تجاوز دم المبتدأة
عن العشرة........................................... ٤١٧
فاقدة التمييز ترجع
إلى أقاربها............................................... ٤٢٣
حكم فقد الأقارب أو
اختلافها.............................................. ٤٢٧
أحكام ذات العادة :
بماذا تتحقق العادة؟......................................................... ٤٣٠
تحيض ذات العادتين
بمجرد رؤية الدم في زمان العادة........................... ٤٣٣
حكم رؤية الدم قبل
العادة.................................................. ٤٣٣
حكم رؤية الدم متأخرا
عن العادة............................................ ٤٣٦
حكم انقطاع دم ذات
العادتين على العدد أو الأقل............................ ٤٣٧
حكم تجاوز دمها عن العدد
ومشروعية الاستظهار............................. ٤٣٧
وجوب الاستظهار أو
استحبابه.............................................. ٤٣٩
عدم اعتبار صفات الحيض
في ثبوت الاستظهار................................ ٤٤١
حكم أيام الاستظهار
وما بعدها مع التجاوز عن العشرة وعدمه.................. ٤٤٢
حكم تجاوز الدم عن
العشرة................................................ ٤٤٥
حكم تعارض العادة
والصفة................................................. ٤٤٥
أحكام ذات العادة
العددية.................................................. ٤٤٨
أقسام الناسية.............................................................. ٤٥٠
حكم تجاوز الدم عن
العشرة في الناسية....................................... ٤٥٠
أحكام الحائض :
وجوب الاستبراء إذا
انقطع دمها قبل العشرة.................................. ٤٦٠
وجوب الغسل بعد
الاستبراء لمشروط الطهارة................................. ٤٦١
حرمة الصلاة والصوم
والطواف على الحائض................................. ٤٦١
حرمة مس كتابة المصحف
واللبث في المساجد................................. ٤٦٢
جواز الاجتياز في
المساجد عدا المسجدين..................................... ٤٦٢
حرمة وضع شيء في
المساجد................................................ ٤٦٤
حرمة قراءة العزائم......................................................... ٤٦٥
وجوب قضاء الصوم عليها
دون الصلاة...................................... ٤٦٥
وجوب سجود العزيمة
عليها................................................. ٤٦٥
استحباب التوضؤ عند
وقت كل صلاة وذكر الله.............................. ٤٦٧
كراهة قراءة ما عدا
العزائم................................................. ٤٧١
كراهة الخضاب وحمل
المصحف............................................. ٤٧٢
اشتراط صحة صومها
بالاغتسال............................................. ٤٧٣
هل يصح من الحائض
الأغسال المسنونة وغسل الجنابة؟......................... ٤٧٤
حكم طرو الحيض بعد
دخول وقت الصلاة................................... ٤٧٥
حكم طهارتها في آخر
الوقت................................................ ٤٧٨
حرمة وطء الحائض........................................................ ٤٧٨
حجية قول المرأة في
دعوى الحيض........................................... ٤٨٠
حكم الاستمتاع بما عدا
القبل في حال الحيض................................. ٤٨٢
وجوب الكفارة في وطء
الحائض............................................. ٤٨٦
كفارة وطء الأمة
الحائض................................................... ٤٩١
معنى أول الحيض ووسطه
وآخره............................................. ٤٩٢
معنى الدينار............................................................... ٤٩٢
مصرف الكفارة........................................................... ٤٩٣
جواز وطء الحائض بعد
الطهر وقبل الاغتسال................................. ٤٩٣
|