
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ
العالمين وأفضل صلواته وأزكى تحياته على من اصطفاه من الأولين والآخرين وبعثه رحمة
للعالمين محمّد وآله الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وعصمة المعتصمين واللعنة
الدائمة على أعدائهم أبد الآبدين.
وبعد فيقول أفقر
البرية إلى رحمة ربّه الغني « محمّد حسين الغروي النائيني » عفا الله تعالى عن
جرائمه : إني كتبت في سالف الزمان في مسألة « الصلاة في المشكوك » ( رسالة أودعت
فيها من تنقيح المباني المهمة وتحرير ضوابطها ما أدّى إليه قاصر نظري ، ولمّا
انتهينا في الدورة الأصولية السابقة إلى البحث عن كبرى هذه المسألة استدركنا بعض
ما فات عند تحرير هذه الرسالة ، فاختلفت نسخها السابقة واللاحقة ، والآن إذ
انتهينا في كتاب الصلاة إلى البحث عن أصل المسألة رأينا أن نزيد في الرسالة أمورا
أخر ومهمّات لم
تحرّر وتوضيحات
لبعض ما تضمّنته من الغوامض التي ألفيناها جارية على ألسنة وأقلام بغير صورتها
وعلى غير وجهها أو محذوفة الإسناد إلى مبتكرها.
__________________
بسم الله
الرحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ
العالمين وأفضل صلواته على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد ، فيقول
العبد الفقير إلى الله الغني « جعفر » خلف العلاّمة المحقق الجليل الميرزا علي
الغروي النائيني ـ طاب ثراه ـ : أن « رسالة الصلاة في المشكوك » ـ التي جاد بها
يراع جدّنا المجدّد العظيم ، نادرة العصور وحسنة الدهور ، مؤصّل الأصول ومفرّع
الفروع ، إمام المحققين ومثال التقوى واليقين ، حضرة الميرزا محمّد حسين الغروي
النائيني ( أعلى الله في الجنان درجاته وحبانا من فيوضه وبركاته ) ـ لمّا كانت
كنزا حاويا لدرر العرفان وعقدا منضودا من لآلئ الجمان ، فذّة في بابها فريدة
لبابها ، وقد أصبحت في هذه الأواخر بعيدة المنال ، لا يبلغها إلاّ الأوحدي من أهل
الكمال ، إذ لم تطبع سوى طبعة حجرية ملحقة بكتاب منية الطالب ـ تقرير بحثه 1 حول المكاسب ـ ، فسعيت جاهدا في تجديد طباعتها وتقديمها إلى الجامعة العلمية
ـ خدمة للعلم وأداء لبعض الواجب من حقوقه 1 ـ ، ورأيت أنّ
شرحها وتبيين مقاصدها خدمة اخرى يسعني أن أقدّمها في هذا المجال ، فشمّرت ـ مستعينا
بالله تعالى ومستمدا من أوليائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ـ عن ساعد الجدّ
لذلك ، ولم آل جهدا في إيضاح مطالبها وفكّ عبائرها وكشف رموزها وحلّ
فنقول ـ مستعينا
بالله سبحانه ومستمدا من وليّ أمره ( صلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ) ـ :
إنّ أصحابنا قد اختلفوا في جواز الصلاة فيما يشك أنه من أجزاء غير المأكول على
أقوال أربعة : فالمحكي عن المشهور عدم الجواز مطلقا بل في المدارك
أنه المقطوع به بين الأصحاب ، وذهب جمع من محقّقي المتأخرين إلى الجواز كذلك
، لكنّه كان يعدّ من الشواذّ إلى أن بنى عليه سيدنا الأستاذ الأكبر ـ نوّر ضريحه ـ وأفتى
به ، فخرج عن الشذوذ بذلك ، بل انعكس الأمر. وفصّل في الجواهر بين نفس اللباس وما
عليه من الفضلات والشعرات الملقاة والمحمول بعد الفراغ عن عموم المنع للجميع فبنى على المنع
في الأول وعلى الجواز في
__________________
__________________
معضلاتها ، ببيان
موجز غير مخلّ وأسلوب طريف غير مملّ ، معترفا بقصر الباع وقلة الاطلاع ، وإنه
تعالى هو الموفق والمسدّد والمعين ، فهو حسبي نعم المولى ونعم النصير.
(١) إذ قالوا : إذا صلّى فيما لا يعلم
أنّه من جنس ما يصلّى فيه أعاد.
(٢) راجع المدارك ( ٣ : ٢١٤ ).
(٣) كالمحقق الأردبيلي وصاحب المدارك
والمحقق الخونساري والشيخ البهائي وصاحبي البحار والحدائق والنراقيين والمحقق
القمي ـ قدس الله أسرارهم.
(٤) يعني به عموم مانعيّة غير المأكول ،
وسيأتي أنّه 1 اختار عموم
المانعية للجميع واختصاص شرطية المأكولية باللباس.
الثاني ، وأفتى في
النجاة أيضا كذلك ، وأمضاه شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 ، وإن كان لا ينطبق على ما هو المعهود من مسلكه ـ كما
ستعرفه ـ ، واختار غير واحد ممن عاصرناهم تفصيلا آخر فبنوا على
المنع فيما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان وشكّ في مأكوليّته وعدمها وعلى الجواز
فيما إذا لم يعلم ذلك وكانت النباتية أيضا محتملة. وهذه الأربعة هي جملة ما وقفنا
عليه من الأقوال. وأمّا ما أفاده في الجواهر من بناء المنع أو الجواز على القول
بشرطية المأكولية أو مانعيّة غير المأكول فليس هو تفصيلا في المسألة باعتبار أنواع
المشتبهات أو الاشتباه فيها وإنما هو تحرير لما بنى عليه المنع في محكيّ المنتهى
والجواز في المدارك وتنقيح لما زعمه مبنى
__________________
للقولين. وهو
بالنسبة إلى بناء الجواز على المانعية كما أفاده إذ لا سبيل إلى
إطلاق القول به إلاّ على هذا المبنى ، وكذا بالنسبة إلى بناء المنع أيضا على
الشرطيّة لكن في خصوص عقده الإيجابيّ وهو استلزام القول بالشرطيّة لعدم الجواز إما
مطلقا أو في الجملة ـ كما ستعرفه ـ
__________________
دون العكس ، كيف وظاهر
الأكثر هو المانعيّة ـ كما سنوضحه ـ ، ومع هذا فالقول بعدم الجواز هو المشهور بين
الأصحاب ـ كما تقدم نقله.
وكيف كان فلا
ينبغي أن يعدّ ما أفاده في تحرير مبنى القولين تفصيلا في المسألة ويذكر في عداد
أقوالها ، فضلا عن أن يعدّ إطلاق القول بالجواز مقابلا لهذا التفصيل ، وينسب على
كلّ من تقديري القول بالمانعيّة أو الشرطيّة إلى أحد من القائلين به .
وكيف كان ،
فالمختار عندنا هو الجواز مطلقا. ولا بدّ في تنقيحه من تقديم أمور : ـ
الأول : جواز الشيء عبارة عن كونه ماضيا غير واقف ، ويطلق على ما
يقابل الامتناع العقلي أو اللغوي أو العادي أو
__________________
وعلى الثاني يتّجه
تخصيص المنع بما إذا علم بالحيوانية وشك في المأكولية وعدمها ـ وهو القول الرابع.
الشرعي أيضا إمّا لأعميّة
حاقّ المعنى ممّا يقابل الوقوف الحسّي أو بعناية التجريد .
ولا يخفى أنّ
الجواز الشرعيّ يطلق تارة على ما يقابل المنع عنه تكليفا ، واخرى على ما يساوق
الصحة والنفوذ وضعا. وهذا هو الشائع في أبواب العبادات والمعاملات والمبحوث عنه
فيما نحن فيه ، دون ما يقابل الحرمة التكليفية ، وهو ظاهر.
ثمّ البحث عنه في
المقام إن رجع إلى البحث عن إطلاق المانعيّة الواقعيّة أو قصرها بصورة العلم
بموضوعها كان المبحوث عنه هو الجواز الواقعيّ الذي لا يؤثّر فيه انكشاف عدم
المأكوليّة إلاّ التبدّل من حينه . وإن رجع إلى البحث عمّا هو المعوّل عليه عند الشكّ بعد
الفراغ عن إطلاقها النفس الأمري كان المبحوث عنه
__________________
حينئذ هو الجواز
الظاهري المتقوّم في بقائه أيضا بعدم انكشاف الخلاف ـ كحدوثه ـ ، إلاّ أن يقوم
دليل آخر بالاجتزاء عن الواقع بما وقع امتثالا له ـ كما حرّر في
محله. والمجوّزون وإن تشتّتت مسالكهم في المقام لكنّك ستعرف أنّ إطلاق
المانعيّة الواقعيّة من الجهة التي نحن فيها ممّا لا سبيل إلى الخدشة فيه ، وأنّ ما يليق بالبحث عنه هو
تعيين المرجع لهذه الشبهة.
__________________
الثاني : إنّ
التلازم بين حرمة أكل الحيوان وفساد الصلاة في أجزائه ـ عدا ما ثبتت الرخصة فيه ـ ممّا تسالمت
عليه كلمة الأصحاب واستفاضت النصوص به ، ففي موثّقة ابن بكير قال : سأل زرارة
أبا عبد الله 7 عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم
أنّه إملاء رسول الله 6 : « الصلاة في كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في شعره ووبره
وروثه وألبانه وكلّ شيء منه فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلّيها في غيره
ممّا أحلّ الله أكله » ، ثم قال : « يا زرارة هذا عن
__________________
رسول الله 6 فاحفظ ذلك يا
زرارة ، فإن كان ما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شيء منه
جائزة إذا علمت أنّه ذكيّ وقد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله
وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسدة ، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه ».
وعنه عن آبائه : في وصيّة النبيّ
لعليّ ـ صلوات الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين ـ : « يا عليّ لا تصلّ في جلد ما
لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » ، وعنه 7 أيضا قال : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه
لأنّ أكثرها مسوخ » ، وعن عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله وأبا
الحسن 8 عن لباس الفراء والصلاة فيها ، قال : « لا تصلّ إلاّ فيما كان ذكيّا ، قال :
قلت : أو ليس الذكي ما ذكّي بالحديد ، قال : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ، قلت :
وما يؤكل لحمه من غير الغنم ، قال : لا بأس بالسنجاب فإنه دابّة لا يأكل اللحم
وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله 6 إذا نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب » ، الى غير ذلك
ممّا يدلّ على التلازم بين الحكمين من
__________________
الأدلّة العامّة أو الخاصّة
الواردة في السباع وغيرها .
ويستفاد من
مجموعها أنّ التلازم المذكور هو المناط في الجميع.
ولا يخفى أن
المتحصّل ممّا ورد في باب الأطعمة والأشربة هو أنّ حرمة أكل الحيوان يدور بحسب
أصول أنواعه مدار أحد أمور ثلاثة : إمّا كونه من المسوخ أو من السباع أو الحشرات ،
__________________
وهذه الأدلّة
ظاهرة في ثبوت التلازم المذكور في الجميع ويكشف كشفا إنيّا عن اتّحاد مناط الحكمين أو تلازمهما وأنّ ما هو مناط
حرمة الأكل في كلّ واحد منها هو مناط المنع عن الصلاة في أجزائه أو أنّه يلازم
مناطه.
والاكتفاء في التعليل
الوارد في الرواية الثالثة بمسوخيّة أكثرها قاصرة عن الدلالة على انحصار المناط
بها وأنّ عدم صلاحيّة المسوخ لوقوع الصلاة فيه أوجب تشريع المنع عن الجميع.
كيف ومع الغضّ عمّا
في نفس التعليل بمسوخيّة الأكثر من
__________________
عدم الظهور في
كونه مسوقا لبيان المناط بالنسبة الى ما عدا الأكثر المسوخ ، وأنّ شيوع اتّخاذ
الملابس من جلده ووبره أوجب مزيد الاهتمام بالردع عن الصلاة فيها وتعليله بما يوجب
تنفّر الطباع عنها.
فلا يخفى أنّ
الجهة الغير المطّردة إنما تصلح حكمة لتشريع حكم مطّرد إذا كانت بأحد وجهين :
إمّا بأن تكون نوعيّة ويكون اشتمال شيء في نوعه على تلك الجهة
مقتضيا لتشريع حكم على ذلك النوع ـ كما لو فرض كون النبيذ مسكرا في نوعه موجبا لتحريمه ـ ، أو يكون ما
يشتمل على تلك الجهة بحيث لا يتميّز عمّا لا يشتمل عليها في نفس الأمر ولا ينضبط
في نوعه ويكون كالاحتياط في موارد الشبهة مصادفا تارة وغير مصادف اخرى بلا ضابط في
البين ـ كما في تداخل الأنساب بالنسبة إلى تشريع العدة ونحو ذلك ـ ، فتصلح الجهة
الغير المطّردة ملاكا لتشريع حكم مطّرد في كلتا الصورتين.
ويكون مناط الحكم في
الصورة الاولى هو الجهة النوعيّة
__________________
المحفوظة في جميع
أفراد النبيذ مثلا ولو مع عدم فعليّة إسكارها ، وفي الثانية هو إمكان الاشتمال على
تلك الجهة بحسب العادة ويكون امتناع التوصّل إليها إلاّ باطّراد الحكم هو مناط
اطّراده في الحقيقة ، ومن هنا اصطلحوا على ما يكون من العلل الشرعيّة من هذا
القبيل بعلّة التشريع تارة وبالحكمة أخرى . وأمّا ما يكون
من قبيل الأوّل فهو وإن كان خارجا عن هذا العنوان موضوعا ولكنّه في عدم
الاطّراد والانعكاس ملحق به ـ كما ستعرفه ـ . وبالجملة فالجهة الغير المطّردة لا تصلح مناطا لتشريع حكم
مطّرد إلاّ إذا كانت بأحد هذين الوجهين.
أمّا إذا كان
النوع المشتمل على تلك الجهة منضبطا متميّزا عمّا عداه في نفس الأمر فسواء كانت هي
مطّردة في جميع أشخاص ذلك النوع ـ كمسوخيّة المسوخ مثلا ـ أو كانت نوعيّة ـ كما
__________________
في مثال النبيذ ـ لا
يعقل أن يكون مناطا لتشريع الحكم إلاّ على نفس ذلك النوع دون الأعمّ منه وإن كان
ذاتيّا له كالمتّخذ من الشعير في مثال النبيذ ، فضلا عمّا إذا كان عارضيا كحرام الأكل
فيما نحن فيه ، ولو كان النوع المذكور كالمسوخ ونحوه من الموضوعات
المستنبطة فوظيفة الشارع تقتضي تشخيصه أيضا ، لا إهماله وتشريع الحكم على ما يعمّه
.
وبالجملة فلو فرض
أنّ المسوخ هو الذي لا يصلح لوقوع الصلاة فيه دون النوعين الآخرين امتنع أن يكون
ذلك حكمة لتشريع
__________________
الحكم على الجميع
، وكان تعميمه لهما بلا مناط يقتضيه ، لأنّ المسوخ متميّز في نفس الأمر عمّا عداه
موكول تشخيصه في كلّ من حرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه إلى بيان الشارع له ، وبعد
أن ورد بيانه من الجهة الاولى وامتاز عن غير المسوخ من الحشرات والسباع فكيف يعقل أن
يكون عدم صلاحيته لوقوع الصلاة في أجزائه حكمة لتشريع الحكم على الجميع؟. وظاهر
أنه إذا امتنع ذلك فلو فرض للرواية المعلّلة ظهور في ذلك لزم رفع اليد عنه ،
فضلا عمّا عرفت من عدم ظهورها فيه أو ظهورها في خلافه ، فالرواية قاصرة
إثباتا وثبوتا عن الدلالة على خلاف ما عرفت أنه المتحصّل ممّا دلّ على
التلازم بين الحكمين.
وأمّا تعليل
الرخصة في السنجاب بأنّه لا يأكل اللحم ـ كما تقدّم في رواية ابن
أبي حمزة ، ورواه مقاتل بن مقاتل أيضا ، قال :
__________________
سألت أبا الحسن 7 عن الصلاة في
السمور والسنجاب والثعالب فقال : « لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنه دابّة
لا تأكل اللحم » ـ فقد يتوهّم أنّ مقتضى ما هو المتسالم عليه في العلّة المنصوصة
من كونها في قوّة الكبرى الكلّية هو تعميم الرخصة المعلّلة بهذه العلّة لكلّ محرم
لا يأكل اللحم ، وتخصيص ما يدلّ على عموم المانعيّة بذلك. وحكى في
الجواهر عن بعض عكس ذلك وسقوط الروايتين الشريفتين عن صلاحيّة
التعويل عليهما حتى في السنجاب لمكان الاشتمال على تلك العلّة المجمع على خلافها.
وأنت خبير بابتناء
كلّ من الإفراط والتفريط المذكورين على توهّم اندراج المقام فيما يكون من العلّة المنصوصة في
قوّة الكبرى الكليّة لعدم تحرّر ضابطه ، وهو وإن كان خارجا عمّا نحن فيه ، لكن حيث
إنّه من المهمّات التي لم تحرّر فينبغي أن لا يفوتنا توضيحه.
ومحصّل ذلك هو :
أنّ ما ورد من علل الأحكام يكون تارة بيانا
__________________
لحكمة تشريعها فلا
تكون مطّردة ولا منعكسة ، وقد تقدّم تنقيحه ، واخرى يكون تعليلا للحكم بمناطه ،
وهذا أيضا يتصوّر على وجهين :
فتارة يكون ما ورد
عليه الحكم في لسان الدليل هو موضوع الحكم في نفس الأمر بنفس عنوانه ، واشتماله
على العلّة المنصوصة هو الجهة المقتضية لذلك ، فتكون هي حينئذ من قبيل الواسطة في الثبوت . واخرى يكون ما
علّل الحكم به بعنوانه الشامل للمورد وغيره هو موضوع الحكم النفس الأمريّ ، ويكون
وروده على المورد بتوسّط انطباقه على ذلك العنوان والتعليل به
للدلالة على ذلك ، فيكون من قبيل وسائط العروض .
وغير خفيّ أنّ
العلّة المنصوصة إنّما تكون في قوّة الكبرى الكلّية الشاملة للمورد وغيره بجامع
واحد إذا كانت من قبيل الثاني ، وكان التعليل بها من قبيل الاحتجاج بالأوسط في
ثبوت الأكبر للأصغر ومنحلاّ إلى قياس بصورة الشكل الأوّل ، وكان الحكم المعلّل
جاريا من القياس المذكور مجرى النتيجة كما في مثل
__________________
( العالم حادث
لأنّه متغيّر ) ونحو ذلك ، فيدور الحكم المذكور مدار علّته وجودا وعدما ، وتكون
مطّردة بعمومها ومنعكسة بمفهوم التعليل . بخلاف ما إذا كانت من قبيل الأوّل ، لما عرفت من أنّ مرجع
التوسّط في الثبوت إلى كون الواسطة هي الجهة المقتضية لموضوعيّة الموضوع لحكمه ،
وقضيّة ذلك هي دخل خصوصيّة المورد إمّا في علّية العلّة أو في معلولها أو فيهما
جميعا ، فلا مجال لأن تطّرد وتكون واسطة للثبوت في غير المورد أيضا إلاّ بدليل آخر
يدلّ على ذلك ، لا بنفس هذا التعليل وإلاّ لزم الخلف ، وأمّا انعكاسها
فيدور مدار أن يكون شمول الحكم لآحاد وجودات موضوعه تابعا للاشتمال على علّته ، أو يكون اشتمال
__________________
الموضوع في نوعه
عليها مناطا لورود الحكم على ذلك النوع ، فتنعكس في الصورة الأولى دون الثانية ،
ويكون سبيلها حينئذ سبيل حكمة التشريع ـ كما تقدّم.
وحيث إنّ أغلب
العلل الشرعيّة الراجعة إلى باب الوسائط الثبوتيّة بل كلّها من هذا القبيل ولا يكاد يظفر
بما يكون شمول الحكم لآحاد وجودات الموضوع دائرا مدار الاشتمال على علّته ، فمن
هنا لم يجعل التعليل بما هو من قبيل واسطة الثبوت قسما ثالثا
__________________
وعدّ ما لا يكون
في قوّة الكبرى الكلّية من حكمة التشريع ، إذ الكلّ في عدم الاطّراد والانعكاس من
واد واحد.
وكيف كان فما كان
تعليلا للحكم بمناطه يصلح للوجهين ، وإنّما يكون في قوّة الكبرى الكلّية إذا كان من قبيل
واسطة العروض دون الثبوت. هذا كلّه في مرحلة الثبوت.
وأمّا في مرحلة
الإثبات فلا يخفى أنّ كون العلّة من قبيل واسطة الثبوت هو الذي يقتضيه ظهور أدلّة
الأحكام في كون العنوان الوارد عليه الحكم في لسان دليله هو موضوعه النفس الأمري بنفس عنوانه ، لا
بتوسط انطباقه على عنوان آخر ، وظهور تعليلاتها أيضا في كونها بيانا للجهة المقتضية
لذلك ، وهو الأصل
__________________
__________________
فيها ، ولا سبيل إلى
الخروج عن هذا الأصل إلاّ إذا كانت هي بنفس عنوانها صالحة لأن تكون في قوّة الكبرى
الكلّية الشاملة للمورد وغيره بجامع واحد ، وتوقّفت صحّة التعليل بها أيضا على ذلك ، فيدلّ بدلالة
الاقتضاء حينئذ على تلك الكليّة ويكون من المداليل الالتزامية
اللفظيّة.
وأمّا لو لم تكن
لها تلك الصلاحية ، أو لم تتوقّف صحة التعليل بها للمورد على تلك الكلّية وصحّ
كونها واسطة ثبوتية له ، كان هو بمعزل عن الدلالة على كونها كذلك في غير مورده . ولم يكن إلى
استقلال العقل بعدم دخله في ملاكيّتها للحكم سبيل ، ضرورة أنّها ليست من مدركاته .
__________________
وضابط ما ذكر من
الصلاحية والتوقف المقتضي لتلك الدلالة هو كون العلّة المنصوصة عنوانا
كلّيا منطبقا على المورد وغيره بجامع واحد ، قابلا لأن يحمل بنفس عنوانه على كلّ
منهما بالحمل الشائع الصناعي ، ويكون الحكم المعلّل خبريّا كان أو بصيغة الطلب أيضا كذلك ولا يكون لشيء
منهما تخصّص بالمورد أصلا كما في مثل ( الخمر حرام لأنّه مسكر ) أو ( لا تشرب النبيذ
لأنّه مسكر ) ونحو ذلك ، فمن كونهما عنوانين قابلين للحمل أو
__________________
الورود على المورد
وغيره بجامع واحد وعدم تخصّص شيء منهما به يستكشف عدم دخله لا في علّية العلّة
ولا في معلولها ، وتخرج هي عن باب الواسطة في الثبوت بذلك. ولكون الجملة المعلّلة بمنزلة النتيجة
وما علّلت به بمنزلة الصغرى فلو لا كلّية الكبرى لم يصحّ التعليل ،
__________________
__________________
ويدلّ هو حينئذ على تلك
الكلّية بذلك ، حذو دلالة قوله سبحانه ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
) على أنّ المسؤول هو أهلها ونحو ذلك.
وبالجملة فمن
صلاحيّة العلّة المنصوصة لأن تكون موضوعا للكبرى الكلّية وبمعونة إطلاقها وإطلاق
ما علّل بها تخرج هي عن باب الواسطة في الثبوت ، ويتحصّل موضوع الكبرى من أحد
الإطلاقين ومحمولها من الآخر وكلّيّتها من توقّف صحّة التعليل بها على تلك
الكلّية.
ولو انتفى أحد هذه
الأمور انهدم أساس الكبرى الكلّية من أصله ، إذ مع عدم صلاحيّتها لأن تكون موضوعا
لها بنفس عنوانها ـ كما إذا
كانت من جهات المصالح أو المفاسد التي هي مناط موضوعيّة الموضوعات لأحكامها ـ كانت من
الوسائط الثبوتيّة ـ لا محالة ـ ، ويكون التعليل بها بمعزل عن الدلالة على كونها
كذلك في غير مورده ـ كما قد عرفت ـ ، وكذا لو انتفى أحد
__________________
الإطلاقين وقيّدت
هي أو ما علّل بها بمورده ، كما لو علّلت حرمة النبيذ ـ مثلا ـ بإسكار نفسه لا بانطباق عنوان
المسكر عليه ، أو
__________________
__________________
كان الحكم المعلّل
استثناء لمعيّن ، ونحو ذلك ممّا لا يمكن أن
__________________
يطّرد بنفس مدلوله
في غير المورد إلاّ بتجريده عمّا يوجب التخصّص به ، إذ مقتضى التقيّد المذكور هو
دخل خصوصيّة المورد إمّا في علّية العلّة أو في معلولها ، فينتفي موضوع الكبرى في إحدى الصورتين
ومحمولها في الأخرى ويتعيّن كون العلّة المنصوصة من باب الوسائط الثبوتية على كلّ
تقدير ، ولا سبيل إلى التعدي عن المورد إلاّ بدعوى القطع بعدم دخل التخصّص به في
شيء من الأمرين ، فيخرج عن باب منصوص العلّة ويرجع إلى تنقيح المناط ونحوه ، فاحفظ
ذلك كي لا تختلط عليك التعليلات الشرعية وتعرف كلا من أنواعه الثلاثة بضابطه .
وإذ قد تبيّن ذلك
اتّضح أنّ التعليل الوارد في السنجاب بأنّه لا
__________________
(١) وهي في المثال ( كلّ مسكر حرام )
فإنّه إذا قيّدت العلّة بالمورد أصبح الموضوع الخمر المسكر لا مطلق المسكر ، وإذ
قيّد المعلّل به أصبح المحمول حرمة الخمر لا مطلق الحرمة ، فتسقط القضية عن كونها
كبرى كليّة على كل من التقديرين.
يأكل اللحم أجنبيّ
عمّا هو في قوّة الكبرى الكلّية.
أمّا في رواية
مقاتل فلعدم كون المعلّل بتلك العلّة ترخيصا مرسلا يصلح لأن يرد
حكما كلّيا على كلّ محرم لا يأكل اللحم كي يكون في قوّة الكبرى الكلّية ، وإنما هو
استثناء للسنجاب عمّا حكم عليه بأنّه لا خير فيه ، وقد ورد التعليل بيانا لجهة
امتيازه عنهما وأين هذا عن صلاحيّة كونه بنفسه في قوّة الكبرى الكلّية؟
والذي يظهر من
مجموع ما يدلّ على حرمة أكل السنجاب وجواز الصلاة في جلده : أنّ السرّ في تعليل
الرخصة فيها بأنّه لا يأكل اللحم وليس من ذوات المخالب والأنياب هو أنّه وإن لم
يكن من الأنواع
__________________
الكبرى الكلّية في
كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات ، تصدّى لبيان عدم اندراج المقام فيها ، وحيث إن ما
توهّم اشتماله على العلّة المذكورة روايتان :
__________________
الثلاثة التي
تقدّم أنّ حرمة أكل الحيوان بحسب أصول أنواعه تدور مدارها ، لكن لمّا كان ذا سبلة
كسبلة السنّور والفأر فهذا أوجب لحوقه الحكمي بالسباع في حرمة أكله دون عدم الصلاة
في أجزائه ، وهذا هو مفاد استثنائه من المذكورات في الرواية ، وقد
ورد
__________________
التعليل بيانا
لخروجه الموضوعي عن السباع وامتيازه عن السمور والثعالب بذلك ، إذ هو المعلّل بهذه
العلّة دون الرخصة المرسلة ، وقد عرفت أنّه لا مساس لما كان من هذا القبيل بالكبرى
الكلّية.
وأما في رواية ابن
أبي حمزة فكونه تعليلا لجواز الصلاة في السنجاب مبنيّ على ما في بعض نسخ الوسائل
من اشتمال ما سأله أخيرا ـ وهو قوله : قلت وما يؤكل من غير الغنم ـ على ( لا )
النافية .
__________________
ونسخ الوسائل وإن
اختلفت في ذلك لكنّه ـ مضافا إلى فساد عبارة السؤال مع فرض هذه الزيادة
من وجوه عديدة ، بل قوله ( من غير الغنم ) قرينة واضحة على عدمها وغلطيّة
النسخة ـ فلا يخفى أن سند هذه الرواية ينتهي إلى الكافي حتى أن في التهذيب أيضا قد
رواها عنه ، وقد روياها في الوسائل والوافي عنهما جميعا ، وقد راجعنا النسخ
المصحّحة من الكافي والتهذيب فكانت خالية عن هذه الزيادة وقد ضبطها
وفسّرها في الوافي أيضا بدونها ،
__________________
بل عدّ هذا الذيل
في بعض كتب الاستدلال معارضا لما يدلّ على حرمة السنجاب وساقطا عن الحجيّة وصلاحية المعارضة
بإعراض الأصحاب ، فيكون ما اشتمل عليها من نسخ الوسائل من غلط الناسخ أو سهو القلم
ـ لا محالة.
وظاهر الرواية
حينئذ وإن كان في بادئ النظر هو حلّية السنجاب ـ المتسالم على خلافها ـ والتعليل
أجنبيّا عمّا نحن فيه وغير معمول به حتى في مورده ، لكن يمكن أن
يقال : إنّ سؤال الراوي لمّا كان عمّا تجوز الصلاة فيه من الفراء وكانت تصنع من
الغنم ومن غيره أيضا من السنجاب والسمور والثعالب وغير ذلك ،
__________________
فبعد أن عرف من
جوابه 7 أنها لا تجوز إلاّ فيما كان ذكيّا وكان ممّا يؤكل لحمه ، أراد من سؤاله
الأخير أن يعرف ما يحلّ أكله من سائر ما كانت الفراء تصنع منه ليعرف أنّ أيا منها تجوز
الصلاة فيه ، فالمسؤول عنه وإن كان هو ما يحلّ أكله من خصوص تلك الأنواع لا من
مطلق الحيوان ، لكن المقصود بالسؤال هو معرفة ما تجوز الصلاة فيه دون أكل لحمه ،
وتعبيره 7 في الجواب بعدم البأس بالسنجاب لا بحلّ أكله أو
كونه ممّا يؤكل ، ظاهر في كونه جوابا عمّا قصده بسؤاله لا عن نفس سؤاله ، والتعليل
لذلك بأنّه لا يأكل اللحم ـ إلى آخره ـ بيان لما تقدّم من خروجه الموضوعي عن
السباع وكون اللحوق بها حكميا .
__________________
ولو سلّم ظهور
لنفي البأس في جواز أكله أيضا ، كان ناشئا عن ظهور إطلاقه في ذلك ، ويكون
الدليل على حرمته تقييدا لذلك الإطلاق ، وعمل الأصحاب بذلك الدليل تحكيما للمقيّد
على المطلق لا إعراضا موجبا لسقوطه عن الحجّية ، ويكون نفي البأس في هذه الرواية
الشريفة أيضا ـ كالاستثناء الوارد في رواية مقاتل ـ حكما على السنجاب بالإضافة إلى
سائر ما كانت الفراء تصنع منه ، والتعليل أيضا بيانا لجهة امتيازه عنه ويكون بمعزل عن
صلاحية كونه في قوّة الكبرى الكلّية ـ كما تقدم.
ثمّ لو فرض كونه
ترخيصا مرسلا يصلح للعموم على حسب عموم علّته ، فما تقدّم من التعليل
بمسوخية الأكثر يهدم
__________________
ذلك ويكون قرينة
على كونه بيانا لجهة امتيازه عن المذكورات ، إذ مقتضى كون التعليل المذكور نصّا في
علّية المسوخية لهذا الحكم في الجملة ـ كما هو الشأن في كلّ عموم أو إطلاق ـ هو امتناع أن
يقيّد موضوعه بما إذا كان من
السباع أيضا ويجعل السبع المسوخ موردا لهذا التعليل ، كيف ومع الغضّ عن كونه من
التخصيص بالفرد النادر المستهجن جدا ، فلا يخفى كونه إبطالا
__________________
لعلّية المسوخية
بالكلّية ومخالفا لنصّ التعليل من هذه الجهة ، إذ لو قيّدت علّية شيء بوجود علّة
مستقلة أخرى مع بقائها على إطلاقها كان ذلك إخراجا للأولى عن كونها ذات دخل في وجود المعلول رأسا ويتساوى وجودها وعدمها فيه . ولا سبيل
__________________
__________________
إلى مقايسة المقام
بما إذا اجتمعت العلّتان المستقلّة كلّ واحدة منهما بظاهر دليلها في العلّية لو لا
الأخرى أو المقيّدة عليّة كلّ واحدة منهما بوجود الأخرى ، كما في مسألة
خفاء الأذان والجدران في حدّ الترخص ـ على الوجهين فيها ـ ونحو ذلك ـ كما لا يخفى.
هذا ، مضافا إلى
مناقضته لصريح العلّة أيضا لما فيها من
__________________
التصريح باشتمال
الأكثر عليها ، وظاهر أن ما اجتمع فيه الوصفان من النادر الملحق بالمعدوم.
وبعد ما امتنع
التقييد المذكور لهذه الجهات الكافية كلّ
__________________
واحدة منها في
امتناعه وكان التعليل المذكور على كلّ ممّا تقدم من الوجهين فيه نصا في ثبوت
الحكم فيما عدا السبع من المسوخ ، فلو فرض صلاحية تعليل الرخصة في السنجاب بأنه لا
يأكل اللحم لأن يكون في قوة العموم ، كان النص المذكور بأخصيّته المطلقة مخصّصا له
ـ لا محالة ـ ، ولا يبقى لعمومه مورد سوى الحشرات ، ولكونه من التخصيص بالأكثر ـ الظاهر
استهجانه ـ فيكشف عن كونه بيانا لجهة امتيازه عمّا ذكر ـ كما أوضحناه.
وقد ظهر من ذلك أن
إطلاق الرخصة فيما يأكل الورق والشجر أيضا لا يصلح معارضا لما يدلّ على عموم
__________________
المانعية فإن النسبة
بينهما وإن كانت هي العموم من وجه وكان الإطلاق المذكور معارضا للعموم المعلّل بالمسوخية لا
لنصّ التعليل
__________________
ـ كما فيما تقدم
فرضه ـ ، لكن لقوّة دلالة ذلك العموم ولحوقها بالنصوصية فذلك الإطلاق بمعزل عن
صلاحية كونه معارضا له ، ولو فرض شموله لشيء من الحشرات فلا شبهة في انصرافه عنه
، ولا محيص عن تقييده بما عدا النوعين . فمن جميع ذلك اتضح أنه لا مجال للخدشة فيما تسالموا عليه
من أصالة التلازم بين الحكمين.
وبقي البحث فيها
من جهات : ـ
__________________
الأولى : فيما
استثني عن هذا العموم ، ولا إشكال في كون الخزّ هو المتيقن استثناؤه ، أمّا
بالنسبة إلى وبره الخالص فالظاهر عدم الخلاف فيه واستفاضة الأخبار
به بل لا يبعد أن تكون قطعية في الجملة . نعم بالنسبة إلى جلده لا يخلو عن خلاف ينسب إلى الحلّي
والعلاّمة في بعض كتبه ، لكنه ضعيف لا يعبأ به ، فإن قوله 7 في رواية ابن أبي
يعفور ، « فإن الله قد أحلّه وجعل موته ذكاته ـ إلخ ـ » وإن لم يعمل بظاهره من جهة أكل
__________________
لحمه وقدّم عليه
معارضه ، لكنّه حيث ورد تعليلا لما في صدر الرواية من حكمه 7 بجواز الصلاة فيه
ودفعا لشبهة السائل في تذكيته ، فلا جرم تكون دلالة قوله ( أحلّه ) على
حلّيته من جهة الصلاة فيه بالنصوصية ، وعلى جواز أكله من جهة ظهور إطلاقه في الحلّية المطلقة ،
ويكون الدليل على حرمة أكله تقييدا لذلك الإطلاق لا معارضا لنصّه كي يكون العمل
بذلك الدليل من الإعراض الموجب للخروج عن الحجية ، ويكون
__________________
التعرض في الجواب لكلّ
من حلّيته وتذكيته بموته خارج الماء بيانا لجواز الصلاة فيما تحلّه الحياة من
أجزائه أيضا من كلتا
__________________
الجهتين ، ودفعا
لشبهة السائل من الجهة الثانية ، ولو كان جواز الصلاة فيه مخصوصا بوبره
لم يكن للحكم بتذكيته أثر من هذه الجهة ـ كما لا يخفى.
ويدلّ أيضا ـ على
اتّحاد حكم الجلد والوبر في جواز الصلاة في كلّ منهما ـ صحيح سعد بن سعد قال : سألت الرضا
7 عن جلود الخزّ ، قال : هو ذا نحن نلبس » فقلت : ذاك الوبر ـ جعلت فداك ـ فقال
: « إذا حلّ وبره حلّ جلده ».
أمّا فقه الحديث :
فلا يخفى أنّ ما نقله في الجواهر عن
__________________
بعض مشعرا بتمريضه
ـ من البعد بمكان لا ينبغي احتماله ، والظاهر أنه 7 كان عند تشرّف سعد بسؤاله عنه لابسا ثوبا من وبر الخزّ
وبعد ما سأله سعد من حكم الجلود أجابه أولا بالإشارة إلى ما كان لابسا له وإخباره
بأنهم يلبسونه ، وهذا هو معنى قوله 7 ( هو ذا نحن نلبس ) ، لا ما نقله في الجواهر عن ذلك البعض
، لكن لمّا خفي على الراوي أنه أراد أن يبيّن اتحاد حكم الجلد والوبر بذلك
أظهر ذلك بقوله ( ذاك الوبر جعلت فداك ) مريدا بذلك أن اشتباهه في حكم الجلد لم
يرتفع بمشاهدة لبسه 7 للوبر ، فأجابه ثانيا بالتلازم بين حلّية الجلد والوبر.
ولا يخفى أن منشأ احتمال
__________________
التفكيك بينهما
إمّا أن يكون اعتبار التذكية في الجلد وجهل الراوي بحصولها بموته خارج الماء ـ كما في الرواية
السابقة ـ ، أو يكون هو احتمال اختصاص الرخصة في الخزّ بوبره وعدم شمولها لجلده ،
وهذا هو المتعيّن في هذه الرواية ، إذ لا تنطبق الشرطيّة في الجواب إلاّ على ذلك ،
كيف ومع الغضّ عن أنّ حصول تذكيته بموته خارج الماء ليس مدلولا عرفيا
لحلّ جلده ، فليس بينه وبين حلّية الوبر علاقة مصحّحة
لتعليقه عليها ، ومجرّد
__________________
__________________
التقارن الاتفاقي
بين المقدّم والتالي وإن عدّة المنطقيون قسما من الشرطيّة ، لكن الابتناء ما في
كلماتهم من أمثال ذلك على الجواز أو الامتناع العقلي دون الظهورات العرفيّة فلا
عبرة بما كان منها من هذا القبيل.
وكيف كان ، فعبارة
السؤال وإن لم تتضمن التصريح بكون المسؤول عنه هو الصلاة فيه ، بل
كان صدر الجواب نصّا في جواز
لبسه وموهما أنه
هو المسؤول عنه أو يعمّه عمومه ، لكن لمّا كان المعلّق على الحلّ في الوبر هو خصوص الصلاة
فيه دون لبسه فصدق مقدّم الشرطية ينحصر بها ، ويكشف ذلك عن كونها هي
المقصودة بالسؤال ، ومعهوديّة ذلك أغنت عن التصريح بها ، ويكون قوله
7 : ( نحن نلبس ) أيضا جوابا عنه بما يستتبعه اللبس عادة من الصلاة فيه لا من
حيث نفسه ، ويندفع توهّم كون النسبة بين هذه الصحيحة وأدلّة المانعية هي
العموم من وجه بذلك. على أنه لو سلّم ذلك بدعوى شمول مقدّم الشرطية للبسه أيضا
بضرب
__________________
من التوسّع في حلّ
الوبر فمقتضى كونه متيقّن الشمول للصلاة فيه هو امتناع أن يتخصّص بأدلة المانعية فيكون كالأخصّ المطلق
منها ويخصّصها ـ لا محالة.
ومنه يظهر الوجه
في صحة التمسّك بصحيح ابن الحجّاج أيضا قال : سأل أبا عبد الله 7 رجل ـ وأنا عنده ـ عن جلود الخزّ فقال : « ليس بها بأس » ،
فإن الظاهر أن صدور الرخصة عنهم
__________________
(١) لأنه المحقّق للعلقة المصححة
للشرطية ـ حسبما تقدم ـ ، فأصبح هو المقصود بالبيان أصالة والمتيقّن من الإطلاق ـ إن
تمّ ـ ، وغيره ـ أعني حلية اللبس تكليفا في غير الصلاة ـ مقصود تبعا بتوسع في معنى
الحلّ ، ومقتضى ذلك امتناع خروج هذا المورد المتيقن من الإطلاق بأدلة المانعية ،
فيتعيّن العكس وهو خروجه من أدلة المانعية بهذا الدليل إلحاقا لهذا الدليل ـ وإن
كان مطلقا ـ بالأخص المطلق بالنسبة إلى عموم المانعية ، وقد ذكر في الأصول أنه إذا
لزم من إخراج مورد المعارضة عن أحد العامين من وجه بقاؤه بلا مورد أو اختصاصه بما
يمتنع أو يستهجن اختصاصه به دون الآخر تعيّن إبقاؤه على عمومه وتخصيص الآخر.
ـ صلوات الله
عليهم ـ في الصلاة في وبر الخزّ والحثّ عليها أوجب السؤال عن حكم الجلد بعد المفروغية عن جواز لبسه كسائر
__________________
الجلود ما عدا نجس
العين.
وأمّا ما عن
الحميري أنه كتب إلى الناحية المقدّسة ـ صلوات الله عليها ـ : روي
عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع 7 ( يجوز ) ، وروي
عنه أيضا أنه ( لا يجوز ) فأيّ الأمرين نعمل به؟ فأجاب « إنّما حرم في هذه الأوبار
والجلود ، فأما الأوبار وحدها فكلّها حلال » وفي نسخة « فحلال كلّها ». وما في
كتاب العلل لمحمّد بن علي بن
__________________
إبراهيم قال «
والعلّة في أن لا يصلّى في الخزّ أنه من كلاب الماء وهي مسوخ إلاّ أن يصفّى وينقّى
» ، فقد أشكل في الأول باضطراب متنه ، وفي الثاني بعدم اجتماع شرائط الحجية فيه ، مضافا إلى أنه
لم يسند إلى معصوم ، وكلاهما كذلك ، ولا يصلحان لمعارضة ما تقدّم. ولا ينبغي
الإشكال في جوازها في جلد الخزّ أيضا كوبره ، بمعنى ثبوت الحلّ من حيث الصلاة فيه
دون أكل لحمه ـ نحو ما مرّ في السنجاب .
وإنما الإشكال في
تعيّن هويّته ، فإن الذي يظهر من الأخبار
__________________
وغيرها أنّه كان
ذا وبر نفيس يعمل منه الثياب الثمينة بألوان مختلفة ويصنع منه حتى العمامة والقميص والقلنسوة ، وكان يغشّ بوبر
الأرانب لقربه منه في الخلقة ، ويظهر من التواريخ أنّه كان في صدر الإسلام إلى
أواسط عصر العباسيين متداولا
__________________
كالطرمة في هذه الأعصار ،
والظاهر أنّه لا عين ولا أثر لتلك الأثواب ولا لذلك الحيوان في الأعصار المتأخرة
أصلا ، بل يظهر من العبارة المحكية عن الشهيد أنّه كان في تلك الأزمنة أيضا من النادر
أو المعدوم.
وأمّا ما يسمّى
بهذا الاسم في عصرنا فلا يخفى أن وبره قليل جدا ، والظاهر أنّه بمعزل عن تلك
المكانة واللياقة ، فهو إما صنف ممّا كان يسمّى بهذا الاسم أو نوع آخر سمّي ـ بعد
انقراض ذلك الحيوان ـ باسمه.
وقد يوجّه
الاحتمال الأول بأصالة عدم النقل ، فإن رجع
__________________
إلى التشبّث
بالأصل العملي المصطلح عليه بالاستصحاب القهقرى ففساد دعوى
حجّيته من أصلها ، وكونه في المقام من أظهر أنواع المثبت ظاهر ، وكذا لو
رجع إلى التشبث بها بما هي من الأصول اللفظية أيضا ، لأنّ ما يحرز بهذا الأصل إنما هو عدم
__________________
والموجود في الكشف
قوله : والظاهر أن المدار على ما يتداول عليه إطلاق الاسم بين التجار. وخالف في
ذلك المجلسي ; ، قال في البحار ( ٨٣ : ٢٢٠ ) : وكون أصل عدم النقل في مثل
ذلك حجة في محل المنع.
طروّ معنى آخر
للفظ غير ما علم وضعه له ، لا أنّ ما علم أنّه معنى اللفظ غير منقول عمّا علم أنّه
أيضا كان معناه وهو مشترك بينهما بالاشتراك المعنوي أو اللفظي ، وهل هو إلاّ
نظير ما ينسب إلى المرتضى 1 من التمسك بأصالة الحقيقة في كلّ ما علم استعمال اللفظ فيه
.
نعم يستبعد جدا أن يسمّى نوع من
الحيوان باسم نوع آخر بعد انقراضه ، فأحدس من ذلك صحة ما حكاه الشهيد في محكيّ
__________________
__________________
حواشي القواعد عن
بعض مدمني السفر أنه كان نوعين أحدهما ذو ألية والآخر ذو ذنب ، فالنوعان حينئذ
كالضأن والمعز بالنسبة إلى عنوان الغنم ـ مثلا ـ أو الشاة ، والنوع الأول هو
المنقرض وهو الذي كان ذا وبر فاخر تعمل منه تلك الثياب ، والآخر هو الباقي
والمتداول في هذه الأعصار ، ويرتفع توهّم التنافي بين الروايات أيضا بذلك ، ففي
بعضها : إنه لا يعيش خارج الماء وإذا فقده مات ، وفي بعضها : إنّه سبع يرعى في
البرّ ويأوي في الماء ، وفي الجواهر : إن المعروف بين التجّار أن المسمّى بالخز الآن دابة تعيش
في البرّ ولا تموت بخروجها من الماء . لكن حيث لم يثبت ذلك بحجّة
__________________
__________________
معتبرة فجواز الصلاة في
جلود الخز المتداولة لا يخلو عن اشكال .
وأمّا السنجاب
فالظاهر أن المشهور بين القدماء عدم جوازها فيه ، لكن المعروف بين المتأخرين هو
الجواز ، وتقدّم بعض ما يدلّ على ذلك ، وتدلّ عليه
روايات أخر مستفيضة ، لكن قد انضمّ إليه في جميعها ما لم يعمل الأصحاب بالرخصة
فيه وحملوها على التقيّة .
فروى علي بن راشد في الصحيح عن أبي
جعفر 7 قال :
__________________
« صلّ في الفنك
والسنجاب ، فأمّا السّمور فلا تصلّ فيه » قلت : في الثعالب تصلّى فيها؟ قال : « لا
ولكن تلبس بعد الصلاة » ، وروى الحلبي عن أبي عبد الله 7 قال : سألته عن الفراء والسّمور والسنجاب والثعالب وأشباهه
، فقال : « لا بأس بالصلاة فيه » ، وروى علي بن جعفر ـ كما عن قرب
الإسناد ـ عن أخيه موسى 7
__________________
الرخصة في السمّور
والسنجاب والفنك إذا كان ذكيّا ، وروى الوليد ابن أبان عن الرضا 7 الرخصة في الفنك
والسنجاب ، وروى يحيى بن عمران عن أبي جعفر الثاني 7 الرخصة في السنجاب
__________________
والفنك والخزّ ،
وروى بشر بن بشّار الرخصة في السنجاب
__________________
والحواصل
الخوارزمية والمنع عن الثعالب والسمور.
وهذه الروايات وإن
اشتملت الاولى منها والأخيرة على المنع عن الثعالب والسمور وهو ينافي التقيّة ،
لكن لمّا كانت الرخصة في جميعها شاملة لما لم يعمل الأصحاب بالرخصة فيه وتبيّن
أنها للتقيّة ولم يكن المنع عن الثعالب والسمور في الروايتين منافيا
لذلك لكونه من الجمع بين التقية وعدمها كي لا تعرف الشيعة بأعيانهم ، فلا يبقى لها
ظهور في كونها مسوقة لبيان الحكم النفس
__________________
الأمري بالنسبة
إلى السنجاب ، كيف وليست هي إلاّ جملة واحدة وليس لها إلاّ ظهور واحد في الجميع ، ولا
سبيل إلى دعوى كونه هو
__________________
الحكم النفس
الأمري بعد اليقين بخلافه ، ولا إلى إجراء وجه الصدور مجرى الإطلاق مثلا أو العموم في لزوم الأخذ
بالباقي بعد التخصيص ، مضافا إلى كونه في المقام من قبيل التخصيص بالأكثر ـ كما لا يخفى.
وينحصر ما يسلم عن هذا
المحذور بما تقدّم من رواية ابن أبي حمزة ورواية مقاتل ، ويمكن
الاستدلال له أيضا بما عن مكارم الأخلاق قال : سئل الرضا 7 عن جلود الثعالب
__________________
والسنجاب والسمّور
، فقال : « قد رأيت السنجاب على أبي ونهاني عن الثعالب والسمّور » ، بناء على ظهور
السؤال وكذلك النهي أيضا في كونه عن الصلاة فيها بعد المفروغيّة عن جواز لبس
الجميع.
وكيف كان ، فينحصر
النص بعدم جوازها فيه ـ فيما وصل إلينا ـ بما عن الفقه الرضوي قال : « ولا تجوز
الصلاة في سنجاب ولا سمّور » ، وقد عدّ عموم الموثّقة أيضا ـ باعتبار وروده جوابا
عن سؤال زرارة عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ـ نصّا في
الثلاثة ، ومعارضا للرخصة فيها ـ بناء على ما هو المتسالم عليه من نصوصيّة العام
في مورده وكونه معارضا لما يخصّصه بما عداه .
__________________
والظاهر أنّ
الشهرة القدمائية في المنع عن الصلاة في السنجاب مبنيّة على ذلك ، فإنّ الفنك
أيضا قد استفاضت الرخصة فيه ـ كما
__________________
عرفت ـ ، ومع خلوّ
النصوص الخاصّة عمّا يعارضها لم يعملوا بتلك الرخصة ، لما في ذلك العموم من النصوصية
بالنسبة إلى موارده الثلاثة ، خصوصا مع عدم اكتفاء الإمام 7 على ما كان
بإملاء رسول الله 6 وتفريعه الشرطية في كلا طرفي الجواز والعدم على تلك
الكلّية. ولا يخفى أنّ جوازها في السنجاب وإن ذهب إليه أساطين المتأخّرين ، ولم يكن
__________________
الدليل عليه
منحصرا بما تقدّم قصوره عن الدلالة على الرخصة النفس الأمريّة ـ كما في الفنك ـ إلاّ أنّ عدم
عمل القدماء بذلك الدليل يورث فيه وهنا لا ينجبر بعمل المتأخّرين في المقام ونظائره مما
__________________
لا يرجع إلى جهة
الدلالة ، فالإنصاف أن المسألة في غاية الإشكال.
وأمّا سائر ما
وردت الرخصة فيه كالأرانب والثعالب والسمّور والحواصل الخوارزميّة وغيرها فقد ورد المنع
أيضا عن جميعها حتى في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب ، وعليه بنى
__________________
يرى انجبار السند
بعمل المتأخرين فكيف بالدلالة ، هذا ومقتضى هذا الكلام أنه 1 يخصّ موهنيّة إعراض القدماء بالسند دون الدلالة ، وظاهر تقريرات درسه 1 أنه كان يختاره سابقا ثم رجع عنه ( راجع أجود التقريرات ٢ : ١٦١ ).
العصابة ، ولم يلتفتوا
إلى الرخصة في شيء منها حيث عرفوا أنّها
__________________
إنما أعطيت من
جراب النورة .
__________________
نعم قيّدها بعضهم بحال الضرورة
بالنسبة إلى بعضها ، كما في التوقيع المبارك المروي عن أحمد بن روح عن مولانا الحجّة
__________________
ـ أرواحنا فداه ـ ،
ولكونه عبارة أخرى عن إطلاق المنع ـ إذ كلّما حرّمه الله تعالى فقد أحلّه حال
الضرورة ـ فلا بأس بالالتزام به كذلك حتى فيما لم يرد
الترخيص فيه ، ولا سبيل إلى احتمال الرخصة المطلقة في شيء من ذلك .
الثانية : ما يحرم أكله
من الحيوان إمّا أن يكون حراما أصليّا أو عارضيّا ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يكون ذا
نفس سائلة ، أو يكون ممّا لا نفس له.
__________________
(١) أي تقييد الجواز بالضرورة.
أمّا الأصلي
فالمتيقّن ممّا ثبت فيه التلازم المذكور وإن كان هو ذو النفس منه ، لكن لا ينبغي
التأمّل في ثبوته في ذي اللحم منه مطلقا ، لأنّ عموم الموثّقة وإطلاقات سائر الأدلة يعمّ النوعين
بجامع واحد ، ولا يخفى ما في دعوى الانصراف إلى ذي النفس من الجزافية ، وإنما سلّم
ذلك فيما دلّ على عدم جوازها في الميتة ، حيث استفيد من أدلّة ذلك الباب أنّ لوصف النجاسة
دخلا في
__________________
__________________
موضوع الحكم ، أو
أنّه تمام موضوعه ، لا لقصور عنوان الميتة من حيث نفسه عن شموله لميتة ما لا
نفس له.
وتوهّم أنّ قوله 7 في آخر ذيل
الموثّقة : « ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » يدلّ ـ بمقتضى وحدة مرجع الضميرين ـ على
اعتبار قابلية التذكية بالذبح فيما حكم بعدم جواز الصلاة فيه ، وخروج ما لا
__________________
__________________
يقبلها عن عمومه ، فيختصّ حينئذ
بذي النفس ، لأنّ الذبح قد جعل تذكية له دون ما عداه.
مدفوع بأنّ
التقابل بين المثبت والمنفيّ في الجملتين وإن كان ـ بمقتضى ما ذكر من وحدة مرجع
الضميرين ـ من تقابل العدم والملكة ـ لا محالة ـ ، دون الإيجاب والسلب ، وكانت دعوى شمول قوله
7 « لم يذكّه » لما لم يجعل الذبح تذكية له ولا يقبلها غير مسموعة ، لكن حيث إن
هاتين الجملتين إنما وردتا بيانا لأنّ تذكية المحرّم لا أثر له في رفع المانعيّة
عنه ، وجواز الصلاة في أجزائه ـ كما زعمه بعض من جعل الله الرشد في خلافهم ـ ،
__________________
وليس مفادهما سوى
أنّ التذكية كعدمها ، ولا تتضمّنان حكما على العامّ مخصّصا لعمومه ـ كما في قوله تعالى (
وَبُعُولَتُهُنَّ
__________________
__________________
أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ )عقيب آية المطلّقات ـ ، فلا شبهة في أنّ الاستخدام هو
المتعيّن في المقام ، دون التخصيص ، عكس ما في الآيتين المباركتين .
على أنّه لو سلّم أولويّة
التخصيص في المقام أيضا ، أو كونه من قبيل تعقّب العامّ بما يصلح قرينة على
التخصيص ، فأقصى ما يقتضيه ذلك هو قصر مفاد ما أجاب به الإمام 7 عن سؤال زرارة
بذي النفس ، لأنّ سؤاله إنما كان عن الوبر ، وأغلبه أو
__________________
جميعه منه ، ولا يوجب ذلك خللا أو وهنا في عموم ما كان بإملاء النبيّ
6 ، فضلا عن إطلاق سائر الأدلّة ، إذ ليس هو إلاّ من التفريع على ذلك الأصل لا بيانا
أو تفسيرا له.
وكيف كان فلا حاجة
في دفع التوهّم المذكور إلى ما التزم به في الجواهر ـ من كون الذبح
تذكية لهذا النوع من الحيوان ـ ، بل لا سبيل إلى هذا الالتزام.
أمّا أولا : فلأنّ الذبح
وما يقوم مقامه إنّما جعل تذكية لذي النفس لكونه إخراجا لذلك الدم السائل منه ـ كما
نطقت به أدلّة ذلك
__________________
الباب ـ ، ولا مجال
لدعوى كونه تذكية لغيره أيضا مع عدم قيام الدليل عليه ، بل قيام القاطع على خلافه
، فلو ذبح السمك في الماء فلا أظنّ أن يلتزم هو ـ نوّر ضريحه ـ ولا غيره إلاّ
بكونه ميتة يحرم أكله.
وأمّا ثانيا :
فلأنّ المحرّم ممّا لا نفس له غير قابل للتذكية رأسا ، ولا أثر لتذكيته مطلقا ،
لأنّ أحكام الميتة لا تترتّب عليه على كلّ تقدير ، ولا يجوز أكله
على كلّ حال ، وظاهر أنّه إذا تساوى حاله من كلّ جهة عند ذبحه ـ مثلا ـ وموته حتف
أنفه في جميع الأحكام فليس الحكم عليه بالتذكية في إحداهما دون الأخرى إلاّ من
مجرّد اللفظ والتسمية المنزّه عنه مقام الشارعيّة ، ومن هنا لا عين ولا أثر لتذكية
هذا النوع من الحيوان ، لا في أخبار
__________________
ذلك الباب ، ولا
في كلمات الأصحاب ، بل الظاهر اندراج البرّيّ منه في الحشرات
المتسالم على عدم قبولها للتذكية ، والبحريّ منه وإن كان خارجا عنها موضوعا ، لكنّه
متّحد مع البريّ حكما ـ كما عرفت.
وأمّا إذا لم يكن
المحرّم ذا لحم أصلا فخروجه عن إطلاق سائر الأدلة ظاهر ، ومصبّ عموم الموثّقة أيضا ينصرف عنه ، والظاهر أن
يكون تنفّر الطباع البشريّة في نوعها عن هذا النوع من
__________________
الحيوان وكونه من
الخبائث العرفيّة التي تستقذرها الطباع هو الموجب لهذا الانصراف ، ويشهد بذلك عدم التفات
الأذهان الساذجة العرفيّة إلى دخول مثل الذباب والبقّ والقمّل والبرغوث ونحوها ،
وكذلك العسل والشمع والحرير ، ونحوها من فضلات هذه الحيوانات في هذا العموم ، ولا
إلى كون الدليل ـ على جوازها في الحرير الخالص أو الممتزج ، وجواز تلبيد
المحرم شعره بالصمغ والعسل ، وجواز أن يكون في فم المصلّي الخرز واللؤلؤ إذا لم
__________________
__________________
يمنعه عن القراءة ، ونحو ذلك ـ تخصيصا له .
والمنع عمّا ذكر
من الانصراف أو التردّد فيه ، وتخصيص
__________________
الجواز بموارد
النصوص المذكورة أو ما قامت به السيرة القطعيّة ـ كما عن بعض الأساطين .
لا يخفى ما فيه ،
فهل ورد الدليل على الجواز في الموارد المذكورة إلاّ مفروغا عن الجهة التي نحن
فيها ، وترخيصا من غير هذه الجهة ، وهل قامت السيرة على عدم الاعتداد بمثل القمّل والبرغوث
ونحوهما إلاّ لعدم انفهام المعنى الشامل لأمثال هذه
__________________
الحيوانات من هذا العموم ، وهل
يمكن أن لا يكون ردعا عنها إلاّ بهذه المعونة .
فالإنصاف أنّ
الاستيناس أو التمسّك بهذه الأدلّة ، وكذلك السيرة المذكورة على ما ذكر من
الانصراف هو الذي يليق بها لا إيرادها مخصّصا لذلك العموم.
وأظهر من ذلك خروج
الإنسان بجملته وجميع فضلاته الطاهرة عن عناوين أدلّة الباب ، وما كان لها من عموم
أو إطلاق ، إذ ـ مضافا إلى اطّراد ما تقدّم من موجب الانصراف في المقام أيضا ـ
فلا يخفى أنّ ما عدا الإنسان من أنواع الحيوان إنّما يتّصف بكونه محرّم الأكل ، أو
محلّله ، أو كونه ممّا يؤكل ، أو لا يؤكل ، ونحو
__________________
__________________
ذلك باعتبار أكل
الإنسان له ، أمّا الإنسان فيحرم أكل كلّ فرد منه على أفراد نوعه ، فاختلفت
الكيفية ، وتصوير الجامع العقلي وإن كان بمكان من الإمكان ، لكن
ظواهر الأدلّة منصرفة إلى الأنواع المحرّمة على نوع الإنسان ، ولا تعمّ أشخاص نوعه.
وما دلّ على جواز
وصل المرأة شعر غيرها بشعرها ، وجواز حمل الأمّ ولدها لترضعه ـ وهي في الصلاة ـ ، ونحو ذلك
ممّا سيق هذا المساق ، وإن تمسّكوا به على خروج الإنسان بفضلاته عن
__________________
__________________
هذا العموم ، لكن
حيث إنّ لسان هذه الروايات أيضا إنّما هو الترخيص من جهة أخرى ، بعد المفروغيّة
عن الجهة التي نحن فيها ، فالحريّ بها أن تجعل قرينة على ما ذكرناه من التخصّص ،
لا دليلا على التخصيص.
ثمّ إنّه قد
استشكل في الجواهر والنجاة في جواز الصلاة في الثوب المنسوج من شعر الإنسان ، بعد أن سلّم
خروجه بجميع
__________________
فضلاته عمّا يدلّ
على عدم جوازها فيما يحرم أكله ، وهذا من فروع ما بنى عليه من الجمع بين
شرطيّة المأكولية ومانعيّة غير المأكول ، ثم التفكيك بينهما في مقدار الشمول ، ووجّه الإشكال
في المقام بانتفاء شرط المأكوليّة في اللباس ، وستعرف ما في أصل المبنى
، وما وجّه به هذا الإشكال ، وأشباهه ممّا فرّعه على ذلك المبنى ـ إن شاء الله
تعالى.
وأمّا العارضيّ ـ وهو الموطوء ،
وشارب لبن الخنزيرة حتّى اشتدّ عظمه ، والجلاّل ـ فقد ألحقه بعض الأساطين ـ بأقسامه
الثلاثة ـ
__________________
بالأصليّ ، نظرا
إلى شمول العموم والإطلاقات للجميع ، وهو في القسمين الأوّلين في محلّه ، فإنّ كلا من العارضين يوجب
تبدّل معروضه إلى ما هو في عرض العناوين المحرّمة الأوليّة ، ولا يحلّ لبنه ،
__________________
ويتبعه نسله في
جميع ذلك وإن كان ذكرا ، فيندرج في إطلاقات الأدلّة وعموم الموثّقة على كلّ من
تقديري كون الحرام الوارد فيها عنوانا للموضوع ، أو معرّفا للعناوين المحرّمة ، بل لو كان
__________________
على الموطوء صوف
أو وبر من السابق يتبدّل حكمه تبعا لأصله .
وأمّا الجلاّل
فللمنع عن شمول الأدلّة له مجال ، فإنّ حرمته ليست مبدّلة له ولا سارية في نفسه ، وإنّما هي
عرضيّة موقّتة ناشئة عن تأثير القذارة التي لحقت لحمه من جهة الجلل ،
فلا يندرج في عنوان ( ما لا يؤكل لحمه ) ونحو ذلك ، بل ولا في عنوان
__________________
__________________
( حرام أكله )
أيضا ، لظهوره في الحرمة الثابتة ، دون العارضة الموقّتة الزائلة.
وبالجملة فالظاهر
أن تكون حرمة الجلاّل كحليّة ما اضطرّ إلى أكله من المحرّمات في المخمصة ، فكما لا
يندرج ما اضطرّ إلى أكله فيما تجوز الصلاة في أجزائه ، كذلك لا يندرج الجلاّل أيضا
في عنوان الحرام الذي دلّت هذه الأدلّة على عدم جوازها فيه ، ـ والله العالم.
الثالثة : ينقسم
ما على المصلّي عند فعل الصلاة إلى لباس يلبسه ، وعوارض تعرض بدنه ، أو لباسه ،
ومحمول يحمله.
أمّا اللباس فهو
المتيقّن من أدلّة المانعيّة ، وإن كان ممّا لا
__________________
تتمّ الصلاة فيه
بانفراده ـ كما عن الأكثر ، بل عن المشهور ـ ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى عموم الموثّقة وإطلاق غيرها ـ رواية
أحمد بن إسحاق قال : كتبت إليه : عندنا جوارب وتكك من وبر الأرانب ، فهل تجوز
الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقيّة ، فكتب « لا تجوز الصلاة فيها » ، ومثله ما رواه
علي بن مهزيار عن مكاتبة إبراهيم بن عقبة وجوابه 7 ، وضعف سند الروايتين منجبر باشتهار
__________________
العمل بهما ، حتّى
أنّ القائل بالجواز بنى في التكّة والجورب على الكراهة إمّا مطلقا ، أو في
خصوص ما إذا كانا من وبر الأرانب ، جمعا بين ما دلّ على الجواز وبين هاتين الروايتين . ولا يخفى ما في
الجمع بهذا الوجه ، ثم تخصيص الكراهة بمورد النصّ ـ مع استفادة العموم لكلّ
ما لا يتمّ الصلاة به ممّا دلّ على جوازها في التكّة ـ
__________________
من الضعف والتهافت
. وأضعف منه إلحاق القلنسوة أيضا بما بنى فيه على الكراهة .
وكيف كان فمستند
القول بالجواز ـ بعد الاستيناس بما دلّ على جوازها في المتنجس الذي لا يتمّ الصلاة
فيه بانفراده ـ هو صحيح محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد 7 هل يصلّى في
قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو تكة من وبر الأرانب ، فكتب 7 « لا تحلّ الصلاة
في الحرير المحض ، ولو كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه » ، وما حكاه في
كشف اللثام :
__________________
أنّه وجد في بعض
الكتب عن الرضا 7 « وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبت الأرض ولم يحلّ أكله مثل
السنجاب والفنك والسمّور والحواصل إذا كان ممّا لا تجوز في مثله وحده الصلاة » .
ولا يخفى ما في
التعويل عليهما في تخصيص الأدلة من الضعف :
أمّا مكاتبة محمّد
بن عبد الجبّار فلأنّ هذه المكاتبة الشريفة وإن كانت صحيحة ظاهرة الدلالة ، لكنّ تعليق
الجواز فيها على التذكية المعدود عدم اعتبارها في الوبر من قطعيّات
المذهب أمارة ظاهرة على أنّها قد أعطيت من جراب النورة ، فإنّ تعليق
__________________
الجواز والمنع
فيما تحلّه أو لا تحلّه الحياة من كلّ حيوان على التذكية وعدمها ـ كما عن ابن حنبل ـ هو المحكيّ
اشتهاره في ذلك العصر ، وكانت التقيّة شديدة ، وقد صدرت المكاتبة الشريفة على طبقه ، وهي تنادي بأعلى
صوتها بذلك ، ولم يعمل المعظم بها لذلك ، فهل يسوغ للفقيه أن يكتفي بصحة سندها عن
جميع ذلك.
وأمّا ما عن الرضا
7 فقد تردّد في الجواهر بين أن يكون من الفقه الرضوي أو رواية أخرى ، ويقوى عندي
الاحتمال الأوّل ، فإن عبارة هذا المرويّ قريبة في سياقها من تعبيرات أحمد بن
محمّد بن عيسى ، والذي أظنّه قويّا أنّه مؤلّف هذا الكتاب الشريف
__________________
ـ الموسوم بالفقه
الرضوي ويشتمل على ما في نوادره .
__________________
ولا يخفى أنّ جملة
ما يتضمّنه هذا الكتاب بين طوائف ثلاث :
الاولى : ما يظهر
من سياقه أنّ من نطق به يرى نفسه أنّه الإمام وابن الأئمّة ، والمظنون قويّا
أنّه من إملاء الرضا 7 ، وكتبه المؤلّف المذكور.
الثانية : روايات
عن آبائه الطاهرين ( صلوات الله عليهم )
__________________
جمعها عن الرواة
عنهم ، وأدرجها في طيّ هذا الكتاب ، وفي نوادره ، ويوجد بعضها في الجوامع الأخر
مسندا إليه ، وفي الوسائل أيضا عن تلك الكتب ـ كما لا يخفى على الخبير
بها.
الثالثة : ما
اشتبه حاله ، ويظنّ أنّ جملة منه من اجتهادات المؤلّف في الجمع بين ما
تعارضت ظواهرها ، ونحو ذلك.
ولا يبعد أن يكون
اشتمال هذا المؤلّف الجليل على الطائفة الأخيرة ، وعدم تميّزها عن الاولى هو الذي أوجب عدم
اشتهار الكتاب بين الأصحاب ، ويشبه أن يكون هذا المرويّ من هذا القبيل ، وقد جمع بين ما
دلّ على جوازها وما دلّ على عدم جوازها في المذكورات بذلك. وكيف كان فعدم صلاحيّته
لأن يعوّل عليه في تخصيص العموم ظاهر.
__________________
وأمّا العوارض
اللاحقة لبدن المصلّي أو لباسه فمقتضى صراحة الموثّقة في شمول الحكم لمثل الروث والألبان
ونحوهما ممّا لا يصلح لاتّخاذ الملابس منه هو توسّع الظرفية المستعملة فيها
أداتها لما يعمّ الإضافة إلى أمثال هذه العوارض سواء كانت
__________________
عارضة لبدن
المصلّي أو لباسه ، فإنّ الإضافة إلى نفس اللباس وإن كانت من قبيل الظرفيّة
الحقيقيّة ، لكنّها لمّا كانت بالنسبة إلى عوارضه توسّعية مندرجة مع
عوارض البدن تحت جامع واحد ، فتكون أداة الظرفية مستعملة فيما يعمّ ذلك الجامع ـ لا محالة ـ ،
ولا وجه للتخصيص بعوارض اللباس ، ولا لتخصيص الشعر والوبر بما عمل اللباس منه ، بل يعمّ الشعر
والوبر الملتصق بالبدن
__________________
أو اللباس أيضا ـ كما
نسب إلى المشهور ـ ، ويشهد بذلك أو يدلّ عليه رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني أيضا ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر أو الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ،
فكتب « لا تجوز الصلاة فيه » ، نعم شموله لشعرة واحدة
__________________
ـ كما عن جامع
المقاصد ـ لا يخلو عن الإشكال ، خصوصا إذا التفّت بما ينسج الثوب منه.
وأمّا صحيحة محمّد
بن عبد الجبّار فتقدّم أنّ ما تضمّنته من اعتبار التذكية في الوبر ،
وإطلاق جوازها فيما كان منه ذكيّا قرينة
__________________
ظاهرة على أنّها
قد أعطيت من جراب النورة.
وقد ظهر من ذلك أنّ مقتضى شمول
قوله 6 « وكلّ شيء منه » للعظم ونحوه ممّا يكون أكثر مصاحبته للمصلّي بحمله له ،
وكون التوسّع في الظرفيّة تابعا لعموم ما أخذ طرفا لإضافة الصلاة إليه هو عموم
الحكم للمحمول أيضا ، إذ كما لا سبيل إلى إخراج العظم عن هذا العموم ، فكذا لا سبيل
إلى تخصيصه بما إذا كان كالزرّ ونحوه
__________________
من توابع اللباس ـ
كما لا يخفى. نعم لو لم يكن في البين سوى المصاحبة للمصلّي من دون أن يكون لوقوع
الصلاة إضافة إليه لم يندرج في هذا العموم ، وقد يمثّل لذلك بما إذا كان في حقّة وكانت الحقّة معه.
وهو حسن إذا كانت الحقّة معلّقة عليه ولم تتحرّك بحركات الركوع والسجود ، دون ما إذا
كانت في جيبه ـ كما لا يخفى.
الرابعة : لو مزج
غير المأكول بما تجوز الصلاة فيه فإن كان
__________________
ذلك الخليط قدر ما
يحصل منه زيادة عرفيّة في مقدار المجموع لم يخرج عن حكمه ، سواء كان ظاهرا أو كان غشّا خفيّا لا يبان فيه ، إذ
لا مجال لتوهّم استهلاكه ، ولا جدوى لتسمية المجموع عرفا باسم ما غشّ به ، كيف وليست
ناشئة عن الصدق والانطباق ، وإنما هي من الخطأ أو التسامح في التطبيق ، وأيّا ما كان
لا عبرة به ، ومن ذلك الخزّ المغشوش بوبر الأرانب ونحوه ، وتقدّم أنّ ما دلّ على
عدم جوازها فيه ـ وهو رواية أحمد بن
__________________
محمّد وأيوب بن
نوح ـ هو المعمول به بين الأصحاب ، بل نقل في المعتبر عن جماعة منهم دعوى الإجماع
على ذلك ، وكان حال ما دلّ على جوازها في المغشوش بتلك الأوبار كحال ما دلّ على
جوازها فيها عند خلوصها ـ كما تقدّم ـ ، ولو فرض تكافؤهما وتساقطهما بذلك ـ
كما هو الشأن فيما كان للمخصّص معارض
__________________
يعادله ـ فقد عرفت أنّ إطلاق المنع عن
الأرانب والثعالب يعمّ الغشّ ، وإطلاق الرخصة في الخزّ لا يعمّ المغشوش.
ولو كان مقدار
الغشّ يسيرا جدّا بحيث لا يحصل منه زيادة عرفية في مقدار المجموع ، ويكون وجوده
كعدمه ، ففي سقوط حكمه بذلك وعدمه وجهان : من صدق استهلاكه عرفا ، ومن أنّ
__________________
عنوان الاستهلاك
لم يؤخذ ـ بنفس عنوانه ـ مخرجا لموضوعات الأحكام عن الموضوعيّة لها ، كي يدور مدار
صدقه العرفي ، وإنّما العبرة في ذلك بانعدام تلك الموضوعات بامتزاجها بما يغلب
عليها ، إمّا حقيقة كالدم المستهلك في الماء ، فإنّ صورته النوعيّة تنعدم حقيقة باستيلاء
الماء عليه وتفرّق أجزائه فيه ، أو عرفا كالماء القليل الملقى في نهر ونحوه ، ولو ألقي في
حوض صغير مملوك للغير ففي كونه من التالف إشكال ، فضلا عن الصوف
__________________
__________________
القليل المندوب بقطن
كثير ، ونحو ذلك.
وبالجملة فإذا لم
يكن الخلط موجبا لزيادة عينيّة أو حكميّة في المجموع ، وكانا لمالكين فلا إشكال في عدم اشتراكه
بينهما ، أمّا استناد ذلك إلى خروجه ـ من جهة قلّته ـ عن الماليّة مع بقاء سائر
أحكامه ، أو كونه من التالف العرفي وسقوط جميع أحكامه بذلك لا يخلو عن
__________________
الإشكال ، ولنقتصر
ممّا يهمّ من فروع التلازم بين الحكمين على ذلك.
الأمر الثالث :
إنّه بعد الفراغ عن كون التلازم المذكور من الواضحات التي لا مجال للشبهة فيها ،
ففي استناده إلى عدم صلاحيّة غير المأكول ـ من حيث نفسه ـ لوقوع الصلاة
فيه وكونه في عداد الموانع بذلك ، أو إلى انتفاء ضدّه الوجوديّ الذي هو الوقوع في
المأكول وكونه كالطهارة ونحوها من الشرائط الوجوديّة ، أو إلى مجموع الأمرين ورجوع
النتيجة في المقام إلى شرطيّة أحد الضدين ومانعيّة الآخر ، وجوه وأقوال.
فظاهر الأكثر هو
الأوّل ، لأنهم لم يعتبروا من هذه الجهة سوى انتفاء تلك الخصوصيّة المفسدة ، ولو كانوا
يعتبرون ضدّها الوجوديّ لم يكتفوا في بيانه بنفي ضدّه ـ كما هو الشأن في نظائره ،
__________________
كالطهارة الحدثيّة
والخبثيّة وغير ذلك.
وذهب غير واحد تبعا لمحكيّ
المنتهى إلى الثاني ، وعليه بنوا رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى الشكّ في الامتثال إمّا مطلقا ، أو
بالتفصيل الأخير ـ كما ستعرفه.
واختار الثالث في
الجواهر ، لكنّه عمّم المانعيّة لجميع ما يصلّى فيه من اللباس وعوارضه والشعرات
الملقاة والمحمول ، نظرا إلى ظهور صدر الموثّقة في المانعيّة
وشمول الظرفيّة فيه لجميع
__________________
ذلك ، وقد استظهر
شرطيّة المأكوليّة أيضا من ذيلها ، لكنّه خصّصها باللباس ، لخلوّه عمّا يوجب التوسّع في
الظرفية فيه ، وقد التزم في خصوص اللباس بكلا الأمرين بزعم عدم التنافي
، وفرّع ما اختاره من التفصيل في جوازها في المشتبه بين اللباس وغيره من المذكورات على ذلك ، بناء منه على المفروغيّة
عن
__________________
حجيّة أصالة العدم
عند الشكّ في أيّ حادث يترتّب الأثر على وجوده ، وجعل الجواز والعدم في المشتبه
مبنيّا على القول بمانعيّة غير المأكول وشرطيّة المأكوليّة من ذلك ، وتقدّم ابتناء
ما اختاره من الجواز فيما انفصل عن الإنسان مطلقا إذا كان من العوارض أو المحمول ،
واستشكاله في الثوب المنسوج من شعره أيضا على ذلك ، ولا يهمّنا
التعرّض لمواقع النظر فيما أفاده.
وإنّما المهمّ في
المقام هو البحث أوّلا عن إمكان اجتماعهما في الضدّين أو امتناعه ، ثم تنقيح ما يستفاد في مقام
الإثبات من أدلّة الباب.
أمّا الأوّل : فلا
يخفى أنّ امتناعه من فروع امتناع الجمع بين الضدّين ، ويلحقه في
الوضوح.
أمّا في
التكوينيّات فظاهر ، لأنّ مناط شرطيّة الشرط وكونه
__________________
من أجزاء العلّة
هو توقّف تماميّة المقتضي ـ فيما له من التأثير في إفاضة المعلول ـ على وجوده ،
كمجاورة النار للأجسام القابلة للاحتراق بها ، فإنّها إنّما تكون محترقة لها
بالمجاورة ، لا بنفس ذاتها. ومناط مانعيّة المانع هو دفاعه عن تلك الفاعليّة ،
ودفعه لذلك التأثير الحاصل للمقتضي بمعونة شرطه ، كما إذا كان ما جاورته النار ذا
رطوبة حافظة له دافعة لتأثيرها في إحراقه ، ونحو ذلك ، وبهذا الاعتبار عدّ عدم المانع
أيضا من أجزاء العلّة ، وإلاّ فالذي
__________________
يترشّح عنه وجود
المعلول هو المقتضي وإن كان رشحه له متوقّفا على اجتماع الأمرين ، وتنحسم مادّة
الإشكال في عدّ العدم من أجزاء علّة الوجود بذلك ، ويتّضح سرّ
الترتّب والطوليّة بين أجزاء
__________________
العلّة في كلا
طرفي التأثير في وجود المعلول وعدمه من ذلك ، فلا يكون للشرط أثر لا وجودا ولا
عدما إلاّ بعد وجود المقتضي ، ولا للمانع أيضا إلاّ بعد اجتماع الأمرين.
وكيف كان فمقتضى
كون الشرط متمّما لفاعليّة المقتضي في إفاضة المعلول ، وكون المانع كاسرا
ودافعا لتلك الفاعليّة الحاصلة للمقتضي بمعونة شرطه هو امتناع أن يجتمع مناط
الأمرين وشأنيّتهما ، فضلا عن فعليّتهما التي عرفت الترتّب والطوليّة
__________________
فيها إلاّ في ممكني
الجمع ، ويكون التضاد الموجب لامتناع اجتماع الأضداد هو الموجب لامتناع اجتماعهما في الضدّين.
وقد ظهر من ذلك
أنّه لقد أجاد المحقّق الخونساري 1 فيما أفاده من امتناع استناد عدم الشيء إلى وجود مانعه إلاّ بعد وجود
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
المقتضي وتماميّة
اقتضائه بوجود شرطه ، وحيث يستحيل وجود المقتضي للضدّين فيستحيل أن يدفع أحدهما
تأثير مقتضي الآخر في إفاضة وجوده ، ويستند عدمه إليه.
لكنّ العجب أنّه
قد حاول أن يدفع الدور الوارد على من
__________________
توهّم مقدميّة ترك
أحد الضدّين لفعل الآخر بذلك ، مع أنّه يهدم أساس ذلك التوهّم من أصله ، ضرورة
امتناع أن يتوقّف وجود شيء بعد وجود المقتضي وشرطه إلاّ على انتفاء ما يدافع
المقتضي ويدفع تأثيره في إفاضة وجود ذلك الشيء ، ويكون علّة لعدمه ، أمّا ما
يستحيل دفعه لذلك التأثير فلا يعقل أن يكون لعدمه دخل في علّة وجود ذلك الشيء ،
وإلاّ كان عدم كلّ شيء من أجزاء العلّة لوجود كلّ شيء ، وظاهر أنّه بعد ما امتنع
أن يكون وجود أحد الضدين علّة لعدم الآخر ، ويدفع تأثير المقتضي في إفاضة وجوده
امتنع أن يتوقّف وجود الآخر أيضا على عدمه ـ توقّف الشيء على عدم مانعه ـ ، ضرورة
ترتّب هذا التوقّف على تلك العلية ، وإذا
__________________
امتنعت امتنع ما
يترتّب عليها أيضا ـ لا محالة ـ ، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.
وأمّا في
التشريعيّات فلأنّ دخل وجود الشرط وعدم المانع في متعلّق الحكم أو موضوعه وإن كان
ناشئا عن تقييده بهما ، وكانت شرطيّة الشرط ومانعيّة المانع منتزعة عن ذلك ـ لا محالة ـ ،
لكن لمّا كان دخله في ملاك الحكم ناشئا ـ على أصول
__________________
العدليّة ـ عن
توقّفه على ذلك الوجود وهذا العدم ـ توقّف كلّ معلول تكوينيّ على وجود شرطه وعدم
مانعه ـ وكانت الشرطيّة والمانعيّة التكوينيّة بالنسبة إلى الملاك هي ملاك التقييد
المنتزعة عنه الشرطيّة والمانعيّة التشريعيّة ، فسبيلهما من هذه الجهة سبيل
سائر التكوينيّات ، ويستحيل اجتماع ملاكيهما في الضدّين ـ كما تقدّم.
مضافا إلى امتناع
تشريعهما خطابا أيضا ـ ولو مع الغضّ عن امتناع الملاكين ـ ، فإن
المتلازمين سواء كانا وجوديّين أو كان أحدهما وجوديّا والآخر عدميّا كما لا يصلحان
لتعلّق الحكمين المتنافيين بهما لمكان التنافي ، وعنه ينشأ تعارض الدليلين
__________________
الكاشفين عن ذلك
فيما إذا كان التلازم دائميّا ، وتزاحم الحكمين في الاتّفاقي ـ كما حرّر في محلّه
ـ ، فكذا لا يصلحان لتعلّق الحكمين المتوافقين أيضا بهما ، لمكان اللغويّة ، فإذا قيّد
الواجب بوجود أحد الضدّين كان تقيّده بعدم الآخر حاصلا بالتبع قهرا ، ويكون تقييده
به بتشريع مستقلّ آخر من اللغو المنزّه عنه مقام الشارعيّة ، ولو كان ذلك مؤدّى
الدليلين كان سبيلهما سبيل المتعارضين ـ كما عرفت .
نعم لو كان متعلّق
التكليف ـ كالصلاة مثلا ـ مشتملا على
__________________
الجزء الصوريّ والهيئة
الاتصاليّة التي توجد بأوّل أفعاله وتنتهي بانتهائها ، وقد أخذ وجود أحد الضدين
قيدا لأفعاله ـ كما لعلّه
__________________
الأصل في القيود ـ أمكن
أن يعتبر الآخر قاطعا لتلك الهيئة ، ويقيّد المطلوب بعدم تخلّله في أثنائه ـ كما
في شرطيّة الطهارة مثلا وقاطعيّة الحدث ، ونحو ذلك ـ ، ولو كان الشرط الوجوديّ قد
اعتبر في أكوانه أيضا ـ كما في ستر العورة ـ امتنع جعل الآخر قاطعا أيضا حذو
المانعيّة فيما تقدّم ، هذا كلّه في مقام الثبوت.
وأمّا في مقام
الإثبات فلا يخفى أنّ أدلّة الباب مطبقة المفاد على مانعيّة غير المأكول ، وما
توهّم ظهوره في شرطيّة المأكوليّة بمعزل عن ذلك .
أمّا الأوّل :
فلما عرفت من أنّ المانعيّة الشرعيّة ناشئة ـ ملاكا ـ عن مانعيّة الخصوصيّة
الوجوديّة المانعة في عالم التكوين عن اشتمال متعلّق التكليف على ملاك حسنه ،
ومنتزعة ـ خطابا ـ عن تقييده بعدم التخصّص بها ، وإطباق مفاد الأدلّة على ذلك ظاهر ، إذ هي
__________________
بين ما يتضمّن الحكم
بفساد الصلاة المتخصّصة بها ، أو بعدم جوازها ـ كما في عدّة من الأخبار العامّة أو
الواردة في الموارد الخاصّة ـ ، أو النهي الغيري عنها ، والكلّ واضح الانطباق إمّا
على نفس القيديّة المستتبعة للمانعيّة ، أو على ملزومها ، أو لازمها .
__________________
أمّا الموثّقة
فلأنّ الفساد فيها إن كان بمعناه العرفي المقابل للصحّة العرفيّة ، والمساوق لخروج الشيء عن
الاشتمال على ما هو مناط الرغبة إليه ـ كما هو الأظهر ـ كان مفاده خروج
الصلاة المتخصّصة بتلك الخصوصيّة الوجوديّة عن صلاحية التعبّد والتقرّب بها ، ولو
حمل على معناه الأخصّ المقابل للصحّة الشرعيّة كان مفاده وجوب إعادتها ، ويدلّ على
ملزوم المانعيّة على الأوّل ، وعلى لازمها على الثاني ، وعلى كلّ منهما
فظهورها
__________________
في استناد الفساد
إلى تلك الخصوصيّة ـ خصوصا مع التفريع في صدرها ـ من أقوى مراتبه
.
وقد ظهر الوجه في
دلالة ما تضمّن الحكم بعدم جوازها على المانعيّة أيضا من ذلك ، لما عرفت ـ فيما تقدّم ـ من
أنّ عدم جواز العبادة ـ مثلا ـ أو المعاملة يساوق فسادها بالمعنى الثاني ، ويكون
كاشفا إنيّا عن المانعيّة .
وأمّا النواهي
الغيريّة فكونها في جميع أبوابها بيانا
__________________
لما ينتزع عنه
المانعيّة هو الذي يقتضيه كون الطلب فيها غيريّا قد سيق بيانا لقيديّة متعلّقه
العدمي لمثل الصلاة من المركّبات الاعتباريّة ، كما أنّ الأوامر الغيريّة أيضا إنما تدلّ
على جزئيّة
__________________
متعلقها أو شرطيّته بهذه
العناية ، هذا. مضافا إلى أنّ التعليل بمسوخيّة الأكثر في قوّة التنصيص
بعدم صلاحيّة المسوخ من حيث نفسه لوقوع الصلاة فيه ، ويستفاد نظيره بالنسبة إلى
السباع أيضا من التعليل المتقدّم للرخصة في السنجاب .
وأمّا الثاني : فلانحصار ما
توهّم ظهوره في الشرطيّة بقوله 6 في ذيل الموثّقة « لا يقبل الله تلك الصلاة حتّى يصلّيها
في غيره ممّا أحلّ الله أكله » ، وقوله 7 في رواية ابن أبي حمزة المتقدمة ، قال : قلت أو ليس الذكيّ
ما ذكّي بالحديد قال « بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه » ، ولا يصلح شيء منهما لذلك.
__________________
__________________
أمّا الشرطيّة في
هذه الرواية فلأنّها ظاهرة في حدّ نفسها في الرجوع إلى متلوّها وكون المأكوليّة
شرطا لقابليّة الحيوان للتذكية ، ويعارضها ما يدلّ على قابليّة السباع والمسوخ
أيضا لها ، فيمكن الجمع بينهما بحمل ذلك الدليل على تأثيرها في طهارة ما تحلّه
الحياة منهما ، وجواز الانتفاع به ، وحمل هذه الرواية على توقّفها من جهة جواز
الصلاة فيه على المأكوليّة.
ويمكن أن يستظهر من تتمّة الرواية
أنّ هذه الشرطيّة من
__________________
تتمّة الجواب
الأوّل ، وأنّ السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي ، وقد اتّفق
في الروايات الأخر أيضا نظيره ، وظاهر الشرطيّة وإن كان هو اعتبار المأكوليّة في
جواز الصلاة في الجلود على كلّ منهما ، إلاّ أن تعليله للرخصة في السنجاب بأنّه
( لا يأكل اللحم وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله 6 ) يدلّ على أنّ ما نهى عن أكله هو الذي لا تجوز الصلاة فيه
، وأنّ المأكوليّة إنّما اعتبرت في جواز الصلاة في الفراء لمكان المضادّة لما نهى
عنه ، لا لتقوّم المطلوبيّة بالوقوع في المأكول ، فيتّحد مآل هذه الرواية حينئذ مع
ما تقدّم من أدلّة المانعيّة.
__________________
وأمّا ذيل
الموثّقة فلأنّ قوله 6 « لا يقبل » لم يورد جملة ابتدائيّة مسوقة لبيان ما
اعتبر فيما يصلّى فيه ، كي تستظهر شرطيّة الوقوع في المأكول من إناطة القبول به ،
وإنّما هو من تتمّة الحكم السابق ، وخبر آخر عن المبتدإ الأول ، وحكم عليه بعدم
القبول أيضا بعد الحكم عليه بالفساد للاشتمال على تلك الخصوصيّة ، إمّا تأكيدا
لذلك الحكم ، أو تأسيسا لنفي الإجزاء الثانويّ المجعول للناسي ونحوه ـ كما سيأتي
تنقيحه إن شاء الله تعالى ـ ، وعلى كلّ منهما فدلالته على استناد عدم القبول أيضا
__________________
ـ كالفساد ـ إلى
تلك الخصوصيّة ظاهرة ، وتؤكّده الإشارة التي
__________________
جيء بها رابطا
للجملة الخبريّة الثانية ، وسواء كانت راجعة إلى شخص تلك الصلاة ، والضمير إلى نوعها ـ وهو الظهر مثلا
أو العصر أو غيرهما ـ بالاستخدام ، والغاية تأكيدا لعدم القبول ، لا غاية حقيقيّة
، أو كانا راجعين جميعا إلى ذلك النوع ، وكانت الغاية حقيقية ، فالصلاة في غيره إنّما تكون غاية
لعدم القبول ـ بأحد
__________________
الوجهين ـ لانتفاء
تلك الخصوصيّة عنها وكونها في غيره ، ويدور الأمر في قوله « ممّا أحلّ الله أكله »
بين أن يكون بيانا لأحد أفراد ذلك الغير ، أو يكون تقييدا له ، ولا ريب في
أظهريّة الأوّل ـ ولو بمعونة صدر الكلام ، وسوقه ، ومعهوديّة صحة الصلاة في القطن
والكتان ونحوهما عند الراوي.
__________________
وإن أبيت مع جميع
ذلك إلاّ عن استقرار ظهور هذا الذيل في شرطيّة المأكوليّة ، فأقصى ما يقتضيه ذلك ـ
بعد ما أوضحناه من امتناع الجمع بين شرطيّة أحد الضدّين ومانعيّة الآخر ـ هو سقوط
الموثّقة عن صلاحيّة التمسّك بها من هذه الجهة ، لتنافي جزئيها ،
وتعارض صدرها بذيلها من سوء تعبير ابن بكير ، ونحن في غنى عنها بعد قوّة دلالة
غيرها من أدلّة الباب على المانعيّة ، فلقد قلّ أن يظفر في أدلّة الأحكام بأظهر
منها ، خصوصا مع اشتمالها على التعليل المخرج لها عن قبول تأويلها بما ينطبق على الشرطيّة ،
ويبقى القول بها بلا دليل عليه في حدّ نفسه ، فضلا عمّا يصلح معارضا لهذه
الأدلة.
بقي هنا شيء :
وهو أن عنوان ( ما لا يؤكل ) لكونه مصدّرا بأداة النفي فقد تشبّث بعض القائلين
بالشرطيّة بذلك ، وادّعى أنّه من العناوين العدميّة التي لا تصلح للمانعيّة ، ولكونه عبارة أخرى
__________________
__________________
عن انتفاء حليّة
الأكل حقيقة فيرجع التقييد بعدمه إلى قيديّة المأكوليّة ، لأنّ نفي عدم
الشيء عبارة أخرى عن إثبات وجوده.
وأنت خبير بما فيه
من الغرابة :
أمّا أوّلا فلأن ( ما يؤكل ) و (
ما لا يؤكل ) عنوانان للمحلّلات الشرعيّة ومحرّماتها ، وينتزع أحدهما عن حليّة
الشيء ، والآخر عن حرمته ، والنفي المصدّر به عنوان ( ما لا يؤكل ) تعبير عمّا يقتضيه
__________________
النهي من انتفاء
متعلّقه ، فهو باعتبار منشأ انتزاعه من أظهر العناوين الوجوديّة ، ودعوى كونه
عدميّا راجعا إلى انتفاء حليّة الأكل ساقطة.
وأمّا ثانيا فلأنّ
مأكوليّة المأكول وعدم مأكوليّة غيره لكونهما عنوانين لاحقين للحيوان ، ولا مساس
لهما بالصلاة أصلا ، فلا يعقل تقييدها بشيء منهما وجودا وعدما ، كي تنتزع شرطيّة
أحدهما أو مانعيّة الآخر من ذلك ، وإنّما الإضافة التي تلحق الصلاة ـ باعتبار الوقوع
في أحدهما ونحو ذلك ـ هي الصالحة لأن تؤخذ قيدا وجوديّا أو عدميّا ، وتنتزع
شرطيّة تلك الإضافة أو مانعيّتها عن التقيّد بها ، وظاهر أنّ وقوعها فيما لا يؤكل
هو الذي
__________________
نطقت الأدلّة
بمانعيّته وتقيّدها بعدمه ، وكونه من العناوين الوجوديّة ـ الصالحة للمانعيّة ملاكا وخطابا ـ
بمكان من البداهة ـ ولو فرض أنّ عنوان ( ما لا يؤكل ) بنفسه وبمنشإ
انتزاعه من العناوين العدميّة المحضة.
وأمّا ما قرع سمعك
من أنّ سلب عدم الشيء عبارة أخرى عن إثبات وجوده ، فإنّما هو مع ورود السلب
على نفس عدم ذلك الشيء ـ كما في المعدولة السالبة مثل ( زيد ليس بلا قائم ) ونحو
ذلك ـ ، إذ هو حينئذ نقيض نقيضه ، ونقيض نقيض الشيء هو عينه ، وأين هذا عن وروده على
عنوان آخر وجوديّ له تعلّق بعدم
__________________
ذلك الشيء ـ كالمقام
ونظائره ـ ، فهل يصغى إلى دعوى أنّ النهي عن إكرام من ليس بعالم إيجاب لإكرامه؟ ، وهل
يمكن أن يصرف عمدة أدلّة المانعيّة ـ حتّى النصّ المعلّل بالمسوخيّة ـ عن كونه كالنّص فيها ،
ويجعل دليلا على شرطيّة المأكوليّة بأمثال هذه الأوهام؟.
هذا كلّه مضافا
إلى أنّ قيام الإجماع القطعي ، بل الضرورة القاضية بصلاحيّة ما عدا غير المأكول والحرير
والذهب للتستّر به ، ووقوع الصلاة فيه في عرض المأكول يهدم أساس
الشرطيّة من أصله ، ولا ينطبق إلاّ على المانعيّة ـ ولو مع الغضّ عمّا تقدّم من
الأدلة.
__________________
وقد يتكلّف في
تطبيق الشرطيّة على ذلك بجعل الإجماع والضرورة على ما ذكر دليلا على أحد الأمرين :
إمّا على تخصيص الاشتراط بالمأكوليّة بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ـ كما
سلكه غير واحد ـ ، أو على تعميم موضوع الشرط لجميع ما تجوز الصلاة فيه من قطن أو كتّان أو
غيرهما ـ كما في مفتاح الكرامة ـ ، ومع أنّه تكلّف لا موجب له ، ولا محصّل لشيء من
الوجهين سوى عدم الوقوع في غير المأكول بتغيير في العبارة ،
__________________
فقد عرفت أنّ مرجع ما قضت
الضرورة به إلى عدم العبرة بخصوصيّة وجوديّة أخرى سوى التستّر وانتفاء تلك الأمور
، وأين هذا عمّا يصلح دليلا لذلك التخصيص أو التعميم؟ وهل هو إلاّ هادم أساسه ، هذا.
مع ما في جعل
الحيوانيّة شرطا لقيديّة المأكول من الرجوع إلى ترتّب الطلب بالفصل على وجود جنسه ، وحيث إنّ الجنس
__________________
__________________
ليس موجودا بوجود
آخر مغاير لوجود فصله ، فلا يستقيم ذلك إلاّ بتكلّف آخر من إرجاع الشرط إلى
التعقّب بوجوده ، ونحو ذلك ممّا يرتفع به ذلك المحذور. ومع ذلك فعند
انتفاء الحيوانيّة وإن
__________________
كانت الشرطيّة
منتفية ، ولكن لا بالإطلاق المقابل لها ، بل إنما ينتفي كلّ من الإطلاق والتقييد
بانتفاء موضوعه ، وهذا أيضا محذور آخر لا مناص عن الالتزام به بناء على الشرطيّة
وتقييد الاشتراط بالحيوانيّة.
وكيف كان فقد عرفت
أنّ أصل القول بشرطيّة المأكوليّة لا يرجع إلى محصّل ـ فضلا عن تقييدها
بالحيوانيّة. وأردأ منه تقييد المانعيّة بها ـ كما مال إليه بعض من عاصرناه 1 ـ بتوهّم أنّ
ورود بعض أدلّة الباب في مورد السؤال عن الوبر ونحوه يقتضي ذلك ،
__________________
وهو من وضوح
الفساد بمكان لا يهمّنا توضيحه.
الأمر الرابع :
إنّه بعد ما اتضح أنّ مانعيّة غير المأكول هي التي نطقت به أدلّة الباب ، فلا يخفى
أنّ مقتضى إطلاق تلك الأدلّة وانتفاء ما يوجب اختصاصها بصورة العلم
بموضوعها هو كونها واقعيّة مترتّبة في نفس الأمر على موضوعها النفس الأمريّ ، لا
علميّة متوقفة على العلم به ـ كما ادّعاه غير واحد من الأساطين ـ ، وفرّعوا
جوازها في المشتبه على ذلك .
__________________
(١) فإنّه ـ مضافا إلى ورود المحذورين
الأخيرين عليه ـ مخدوش ثبوتا : بلغوية إناطة مانعية غير المأكول بالحيوانية ، ضرورة أن الحيوانية بمنزلة
الجنس لغير المأكول فلا تحقّق ولا تحصّل له بدونها ، فموضوع المانعية لا محالة هو
الحيوان غير المأكول ، ومقتضى إناطة الحكم بتحقق موضوعه إناطة المانعية بتحقق
الحيوان المذكور ، لا إناطة مانعية غير المأكول بتحقّق الحيوانية ، وإثباتا : بأنّ
وقوع السؤال في بعض النصوص عن الوبر ونحوه من الأجزاء الحيوانية ليس فيه أيّ إشعار
ـ فضلا عن الدلالة ـ بكون المانعيّة المبيّنة في الجواب مقيّدة بذلك ، نعم موضوع
المانعية هو وبر غير المأكول ، لكن أين هذا من تقييد مانعية غير المأكول
بالربويّة.
وقد بناه بعضهم على دعوى كون
الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة أو منصرفة إليها ، لكن لم يظهر ممّن ادّعاه أنّ المدار على علم المتكلّم أو
المخاطب ، وبأيّ عناية يمكنه أن يعتبر فيه علم الثالث الذي يلزمه
العمل بمراد المتكلم . وكيف كان فهذه الدعوى ممّا لا يليق بأن يلتفت إليها أصلا .
وكذا دعوى قصور الأدلّة ـ بعدم
ورودها في مقام البيان ـ
__________________
عن إفادة المانعيّة
المطلقة ، فإنّ هذه الدعوى إنّما تصحّ فيما سيق لبيان أصل التشريع ، لا في مثل عموم
الموثّقة وإطلاقات سائر الأدلّة ـ سيّما المعلّلة منها ـ ، وهل يظفر في
أدلة الأحكام بأظهر في العموم والإطلاق من هذه الأدلّة؟.
وقد ادّعى المحقّق القميّ 1 صراحة بعض
الأدلّة ، وظهور بعضها الآخر في اختصاص المانعيّة بما علم أنّه من غير المأكول ،
والظاهر أن يكون نظره ـ فيما ادّعى صراحته ـ إلى صحيحة
__________________
__________________
عبد الرحمن الحاكمة بعدم
لزوم الإعادة على من صلّى في عذرة إنسان أو كلب أو سنّور جاهلا بذلك ، وفي دعوى
الظهور إلى دعوى ظهور الحرام الوارد في صدر الموثّقة فيما علم حرمته ، وقصر مفاد
النواهي الغيريّة ـ وكذا ما حكم فيها بعدم جوازها في غير المأكول أيضا ـ بما علم أنّه كذلك.
ولا يخفى ما في
جميع ذلك :
أمّا الصحيحة
فلأنه ـ لو سلّم التعدّي عن موردها إلى غير
__________________
النجس من الأجزاء
حتى إلى نفس اللباس ـ فأقصى ما يدلّ عليه هذه الصحيحة ، ونحوها ممّا يدلّ على
الاجتزاء عن الواقع بما وقع امتثالا له ـ على وجه يعذر الفاعل فيه
ـ هو عدم مانعيّة ما يلزم من
__________________
مانعيّته وجوب
إعادة ذلك الفعل ، وأين هذا من تخصيصها من أوّل الأمر بالمعلوم؟.
وأمّا تخصيص
الحرام الوارد في صدر الموثّقة بالمعلوم فحيث إنّه لم يعهد منه 1 دعوى دخل العلم
في مداليل الألفاظ ، فالأوجه إرجاع ما ادّعاه إلى دعوى أنّ عنوان الحرام قد
أخذ بوصف تنجّزه ، لا بعنوانه النفس الأمريّ موضوعا لهذا الحكم ـ كما في
حرمة التكسّب بالأعمال المحرّمة ونحوها ـ ، لكن لمّا كان أخذ الوصف المذكور في
الموضوع تقييدا لإطلاقه ومتوقّفا
__________________
على قرينة مفقودة
في المقام ، فإطلاقه يدفع هذه الدعوى.
ومع الغضّ عن ذلك
فأقصى ما يقتضيه ذلك هو عدم مانعيّة ما أخذ من الحيوان المشكوك حليّته أو حرمته من
جهة الشبهة الموضوعيّة أو الحكميّة ، ولا يجدي في عدم مانعيّة ما تردّد بين أن
يكون مأخوذا من الحلال أو الحرام الممتاز كلّ منهما في الخارج عن الآخر إلاّ
بالرجوع إلى دعوى دخل العلم في مداليل الألفاظ ، وتعميمه لمدلول الإضافة المفيدة للنسبة
التقييدية أيضا ، ولا أظنّ أن يلتزم به القائل بذلك ـ فضلا عن مثله .
وأمّا دعوى قصر
مفاد الخطابات الغيريّة بالمعلوم فالذي يظهر
__________________
من جملة ما أفاده
هو استناده في ذلك إلى دعوى انصراف الخطابات بحال العلم بمتعلّقاتها ، واشتراطها بحكم العقل أيضا بذلك ، ولا يبعد أن
يكون مراده من حال العلم حال إمكانه ، وكيف كان فلو فرض لدعوى الانصراف في المقام معنى محصّل ، وصلاحيّته
للاختلاف باختلاف أحوال المكلّفين ، فلا يخفى ما فيها من الجزافيّة والغرابة.
__________________
وأغرب من ذلك دعوى
كونه شرطا عقليّا في متعلّق الخطاب ، فإنّ الذي يصحّ من دعوى استقلال العقل به هو
توقّف تنجّز الخطاب وعدم معذوريّة المكلّف في مخالفته على وجوده العلميّ ، وقصوره
بنفس وجوده الواقعي عن هذه الصلاحيّة ، وأين هذا عن كون العلم بمتعلّق الخطاب ـ كالقدرة عليه ـ شرطا عقليّا لصحة
الطلب به ، والجهل به موجبا لسقوطه النفس الأمريّ ، وأيّ مساس له بالخطابات
الغيريّة التي سبيلها سبيل سائر ما يدلّ على القيديّة.
ولعلّ أن يكون ما
في بعض كلماتهم ـ من عدّ العلم والقدرة في مساق واحد من الشرائط العامّة ـ قد أوجب
هذا الوهم ، فقاس
__________________
العلم بمتعلّق
الخطاب على القدرة عليه في اشتراط حسن الخطاب به ، وقاس الخطاب الغيري على النفسي
في اشتراطه بما يتوقّف عليه حسنه ، وقد سبقه أستاذه أستاذ الكلّ الوحيد البهبهاني
( نوّر ضريحه ) ـ فيما حكي عنه ـ إلى المقايسة الأخيرة ، ففصّل في كون القيديّة
بنفس دليلها مقصورة بصورة التمكّن من القيد وساقطة عند تعذّره ، أو كونها مطلقة
موجبة لسقوط الخطاب بالمقيّد عند تعذّر قيده بين أن تكون مستفادة من الخطابات
الغيريّة ، أو من مثل « لا صلاة إلاّ بطهور » ونحوه .
وأنت خبير بما في
كلا القياسين : أمّا الأوّل فلأنّهما وإن اشتركا في معذوريّة المكلّف عند انتفائهما في الجملة ،
وبهذا الاعتبار عدّا في مساق واحد من الشرائط العامّة ، لكن العذر
__________________
العقلي عند انتفاء
أحدهما هو الجهل بنفس التكليف وأثره الأمن من العقاب على مخالفته ، وعند انتفاء الآخر هو
العجز عن متعلّق التكليف وأثره سقوط نفسه ، ومع هذا البون البعيد بينهما من هاتين
الجهتين فكيف يقاس أحدهما بالآخر فيما يمتازان فيه؟.
وأمّا الثاني ففيه
أوّلا : أنّ مقتضى كون الخطاب غيريّا مسوقا لبيان الارتباط والقيديّة ، لا لإنشاء
الطلب به هو انسلاخه عن الطلب المولويّ بالكليّة ، ألا ترى أنّه
قد ورد لبيان ماله دخل في متعلّقات التكاليف الوجوبيّة والاستحبابيّة وأبواب
الأسباب ، ، بل المباحات العادية بجامع واحد من دون تفكيك في مدلوله
__________________
باعتبار اختلاف
موارده .
ومجرّد انبساط
الطلب بالمركّب على جميع ما له دخل في متعلّقه من أجزائه وقيوده ، وصلاحيّة الخطاب
الغيريّ لأن يكون بيانا لتعلّقه بآحادها وطلبا مولويّا بهذا الاعتبار ، غير مجد
بعد ظهوره في المعنى الواحد المطّرد في الجميع ، وعدم الاختلاف في مدلوله العرفي
باعتبار وروده لبيان ما له دخل في متعلّق التكليف أو مركّب
__________________
آخر.
مضافا إلى ما
يستلزمه التفكيك في مدلوله بهذا الاعتبار لأن يكون مستعملا في
الطلب بالقدر المشترك بين الوجوب والاستحباب ، وقد بيّن امتناعه في محلّه .
__________________
وثانيا : أنّه لو
سلّم صحة التفكيك في مدلوله بين الأبواب ، وكونه في متعلّقات التكاليف ناظرا إلى
جهة التكليف دون الوضع ، وطلبا مولويّا بهذا الاعتبار ، فلا يخفى أنّ ما يعتبره
العقل في حسن الخطاب ليس مدلولا لفظيا لهيئة الأمر والنهي ، كي تكون القيديّة
المقيّدة بالمقدوريّة ونحوها هي مؤدّى الخطابات الغيريّة ، وإنّما هو قيد في ناحية
المدلول ، وشرط عقليّ فيما يطالب به من المكلّف بأيّ كاشف كان ، وظاهر أنّ الطلب
بالمركّب بما له من التعلّق بجملة أجزائه وقيوده الملحوظ اعتبار الوحدة فيها هو
المتوقّف حسنه على مقدوريّة متعلّقه ، لا بآحاد تعلّقاته ، وإلاّ كانت خطابات
مستقلّة. ولو فرض استقلال العقل باشتراط آحادها بذلك كان عند
__________________
استفادة القيديّة
من مثل « لا صلاة إلاّ بطهور » أيضا كذلك ، وتعذّر إطلاقها
بالكليّة. ولعلّ أن يكون الخلط في استفادة القيديّة من الخطاب الغيري أو ترتّبها
على النهي النفسي ـ كما في باب النهي عن العبادة ، على أحد الوجهين فيه كما ستعرفه ـ قد
أوجب هذا الوهم .
وبالجملة فلا فرق
بين أن يستفاد قيديّة الطهارة من قوله سبحانه ( فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ ) في آية الوضوء ، أو من قوله 7 « لا صلاة إلاّ بطهور » في دلالة كلّ منهما على القيديّة
المطلقة على كلّ
__________________
تقدير.
الأمر الخامس :
إنّه بعد الفراغ عن كون المانعيّة في المقام مطلقة غير مقصورة بصورة العلم
بموضوعها ، فقد تشبّثوا لجوازها في المشتبه :
تارة بإطلاق ما
يدلّ على جوازها فيما كان من الملابس تستر العورة .
وأخرى بإطلاق ما
يدلّ على جوازها فيما أخذ من يد المسلم ، وما يلحق به .
__________________
وثالثة بدعوى
استلزام النزع حال الصلاة للحرج المنفيّ ، وبدعوى السيرة العمليّة على عدم التحرّز
عن المشتبه ، ونحو ذلك.
ولا يخفى عليك ما
في جميع ذلك :
أمّا إطلاق جوازها
فيما يستر العورة من الملابس فلو فرض الظفر بإطلاق ناظر إلى ما عمل اللباس منه غير مقصور مساقه
بخصوص جهة التستّر به كان التمسّك به في المقام مبنيّا على القول بحجيّة الإطلاق
والعموم المخصّص بالمنفصل بالنسبة إلى
__________________
المصاديق المشتبهة
، وقد اتّضح فساده في محلّه ، لكن الظاهر أن لا يظفر المتتبّع في أبواب الملابس
بإطلاق كذلك ، ويكون هذا التشبث ساقطا من أصله.
وتشبّث بعض من
عاصرناه 1 بإطلاق جوازها في الخزّ بدعوى شموله لما يشكّ في غشّه بوبر الأرانب ونحوه
ممّا تداول غشّه به ، وإلاّ كان الحثّ على الصلاة فيه قليل الجدوى ، لندرة العلم
بخلوصه ، وبالقطع بعدم الفرق بينه وبين سائر المشتبهات يتمّ المطلوب .
وأنت خبير بما في
كلتا الدعويين :
أمّا شمول إطلاقات
الباب للمردّد بين الخالص والمغشوش فلأنّ الرخصة في الخزّ إن كانت واردة عليه
بعنوانه النفس الأمري ـ كما هو الأصل في باب الألفاظ ـ كان ما يدلّ
على عدم جوازها في المغشوش تنصيصا بما يقتضيه إطلاقها ، لا تقييدا له ،
__________________
__________________
وتسمية المغشوش
باسمه من الخطأ أو التسامح في التطبيق ، وقد تقدّم عدم الاعتداد به ، ويكون تسمية
المردّد بين الخالص والمغشوش بهذا الاسم مردّدة بين الحقيقيّة
الناشئة عن الانطباق على ذلك العنوان ، أو التسامحيّة التي لا جدوى لها ، وواضح
أنّه مع الشكّ في مصداقيّة المصداق لا معنى للتمسّك بالعموم أو الإطلاق ، ولا يجوز
قولا واحدا. ولو كانت الرخصة واردة على ما يسمّى في العرف خزّا ، لا على عنوانه
النفس الأمري ـ كما ادّعاه المستدلّ وبالغ في الإصرار عليه ـ كان ما يدلّ على عدم
جوازها في المغشوش تقييدا لإطلاقه ، والتمسّك به لجوازها في المردّد بين الخالص
والمغشوش مبنيّا على حجيّة الإطلاق والعموم المخصّص بالمنفصل بالنسبة إلى المصاديق
المشتبهة ، والذي أعهده منه 1 أنه كان لا يلتزم بذلك.
__________________
وأمّا التعدّي إلى
سائر المشتبهات بدعوى القطع بعدم الفرق ، فلا يخفى ما فيه من الغرابة ، إذ بعد أن
كانت الرخصة في الخزّ تخصيصا لعموم المانعيّة على كلّ تقدير ، فلو فرض ورودها
على مسمّاه العرفي ، وشمول دليلها للغشّ الغير المعلوم ـ كما ادّعاه ـ كان ذلك
تخصيصا آخر تبعيّا ، فكيف يدّعى القطع بعدم الفرق بين ما أخرجه المخصّص عن
العموم وما بقي مشمولا له بعد التخصيص؟.
ويتلوه التشبّث بإطلاق
ما يدلّ على جوازها فيما أخذ من يد المسلم وما يلحق به ، إذ لا عين ولا أثر لما
يدلّ على هذا العنوان الشامل لكلّ مشتبه أخذ من يد المسلم وما بحكمه في شيء من
روايات ذلك الباب كي تكون من قبيل القضايا الحقيقيّة ، ويتمسّك بإطلاقها في كونها
بمنزلة الكبرى الكليّة لأنواع
__________________
المشتبهات ،
وإنّما هي مسوقة بأسرها للترخيص فيما كان يعمل من الفراء والخفاف من الجلود المشكوكة تذكيتها ، لعدم
مبالاة مخالفينا بشرائط التذكية ، واستحلالهم ذبائح أهل الكتاب والميتة بالدباغ ، وليست
متكفّلة إلاّ لإلغاء الشكّ في تذكية ما كانت مأكوليّته محرزة ، ولا مجال لأن يدّعى
شمولها لما إذا كانت مأكوليّته أيضا مشكوكة ، ويتعدى إلى ما عمل من الصوف أو الوبر
أيضا بالقطع بعدم الفرق بين ما تحلّه الحياة وما لا تحلّه ، إذ بعد ما عرفت أنّ
مساق هذه الروايات مساق القضايا الخارجية ، دون الحقيقية ، فلا جرم يتوقّف صحة هذه الدعوى على العلم
بأنّ ما كانت الفراء والخفاف تعمل منه مردد بعضه بين أن يكون من جلود
__________________
__________________
المأكول أو غيره.
ومع الغضّ عن كفاية الشكّ في ذلك في امتناع هذه الدعوى ، فالنظر في
روايات الباب يورث القطع بعدمه ، وأنّ حال ما كانت تعمل منه الفراء والخفاف في تلك
الأعصار كحال ما تعمل من الجلود المعمولة في عصرنا في مثل بغداد ممّا يكثر فيه
مخالفونا ، وكما لا نشكّ في مأكوليّة شيء منه ـ وإنّما نشكّ في تذكيته ـ فكذا كان
حالها في تلك الأعصار ، ومن هنا لا عين ولا أثر للسؤال عمّا كان يعمل من الصوف
والوبر في شيء من الروايات.
هذا كلّه ، مضافا
إلى أنّه لا يبعد ظهور الأدلّة في أنّ اعتبار اليد في باب التذكية من فروع
اعتبارها في إحراز الملكيّة بها ، فإن ميتة
__________________
ذي النفس غير
قابلة لأن تملك وتباع وتشترى وينتفع بها ، ولا يترتّب على ما علم أنّه من غير
المأكول شيء من هذه الأحكام ـ فضلا عمّا شكّ فيه.
فقد ظهر من ذلك ما
في التشبّث بالتعليل الوارد في ذيل رواية حفص بن غياث لهذا المدّعى من
الغرابة ، إذ بعد أن كان
__________________
ما لا تحلّه
الحياة من غير المأكول ـ وكذا ما تحلّه هي بعد تذكيته ـ ملكا يجوز بيعه وشراؤه
وكلّ انتفاع به عدا الصلاة فيه ـ سواء أخذ من يد المسلم أو غيره ـ ، فليت شعري أيّ
محذور نوعيّ أو اختلال نظام يلزم من لحوق مشكوكه بمعلومه في ذلك ، ونظيره دعوى استقرار
السيرة العمليّة على الصلاة في المشتبه.
وأغرب من الجميع
دعوى استلزام النزع حال الصلاة الحرج المنفيّ ، وليت شعري لو كان هذا المقدار من
الكلفة رافعا للتكليف فلم لم يتشبّث به لجوازها حتى في الثعالب
والسمّور ، بل لسقوط معظم التكاليف؟.
وبالجملة فهذه
الوجوه وإن تمسّك بها المجوّزون ، لكنّها بمعزل عن الصلاحيّة ، وإنّما المتعيّن هو
البحث عن اندراج هذه الشبهة في مجاري قاعدة الاشتغال أو البراءة ، وعلى التقدير
الأخير
__________________
__________________
فهل تشارك الشبهات
الموضوعيّة التحريميّة في جريان أصالة الحلّ فيها أيضا ، ويعمّهما ما يدلّ على
اعتبار هذا الأصل بجامع واحد ، أو أنّه يختص بذلك القسم ، وعلى كلّ تقدير فهل يجري الاستصحاب في موارد
الشبهة ـ إمّا مطلقا أو في الجملة ـ أو أنّه لا مجرى له مطلقا.
وإذ قد عرفت ذلك
فينبغي أن نمهّد للبحث عن اندراجها في مجاري كلّ واحد من هذه الأصول الثلاثة مقاما
برأسه ، فالمقامات حينئذ ثلاثة : ـ
__________________
( المقام الأوّل )
في تنقيح أنّ مرجع
الشبهة إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر ،
واندراجها في مجاري البراءة بذلك.
ولنقدّم لتوضيحه
مقدّمتين :
الاولى : إنّه لا
خفاء في أنّ البحث عن جريان البراءة وعدمه في المقام ، ونظائره ـ ممّا ينشأ تردّد
الواجب بين الأقلّ والأكثر عن شبهة خارجيّة ـ إنّما هو بعد الفراغ عن جريانها في
الارتباطيات ، وعدم مانعيّة الارتباطية والشكّ في تحقّق المطلوب الواقعي المردّد بين الأمرين عن
انحلال العلم الإجمالي بالخطاب المعلوم تعلّقه بأحدهما إلى متيقّن هو المعاقب على
تركه ، ومشكوك تجري البراءة فيه.
__________________
وواضح أنّه بعد
الفراغ عن ذلك فالضابط في تنجّز الخطاب الارتباطي بحسب كميّته أن
يكون نفس تعلّقه بكلّ واحد من أجزاء متعلّقه أو قيوده بحيث لو فرض تكليفا
استقلاليا وخطابا نفسيّا كان مستجمعا لما يوجب تنجّزه ، وخروجه عن مجاري البراءة ،
وإلاّ لم تكن الارتباطيّة مؤثّرة في تنجيز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها ، وكانت كعدمها ،
ويكون التكليف المعلوم بالإجمال متوسّطا في التنجز وعدمه باعتبار ما علم أو لم يعلم
__________________
تعلّقه به ـ على
ما حرّر في محلّه.
وإذ لا خفاء في
ابتناء جريان البراءة في الارتباطيات على ذلك فالذي يهمّ البحث عنه هو تنقيح أنّه
هل يجري ما تنتزع عنه مانعيّة غير المأكول وأشباهه مجرى وجوب قضاء
الفريضة الفائتة ـ مثلا ـ ، أو حرمة شرب الخمر ، ونحوهما في كونه بالنسبة إلى آحاد
وجودات موضوعه انحلاليا يترتّب على مصداقية كلّ واحد منها تقيّد الصلاة بعدم
وقوعها فيه ـ كما في المثالين وأشباههما ـ ، ويرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في
القيديّة المترتبة عليها ـ لا محالة ـ ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة
الخارجية بين الأقلّ والأكثر ، ويندرج في مجاري البراءة بعد الفراغ عن ذلك المبنى ،
ويكون حال الشبهة
__________________
__________________
المبحوث عنها
حينئذ كحال الشبهة الموضوعيّة التحريميّة بعينه .
أو أنّ مرجع الأمر
في باب القيود العدميّة سواء كان لها تعلّق بموضوع خارجيّ ـ كالمقام ونحوه ـ أو
لم يكن ـ كعدم التكلّم والقهقهة وأشباههما ـ إلى قيديّة عنوان بسيط ونعت عدميّ لا
يقبل التعدّد بتعدّد الوجودات ، ولا زيادة باعتبارها ، وإنّما يكون التحرّز عن
مجموعها محصّلا خارجيّا له ، والتكليف بذلك العنوان ـ استقلاليا كان أو قيديا ـ متنجزا بنفس
العلم به ، والشبهة راجعة إلى المحصّل الخارجي الذي هو بمعزل عن
جريان البراءة فيه ، ويتردّد هو دون متعلّق التكليف بين الأمرين ،
وهذا هو الذي يهمّ تنقيحه
__________________
في المقام ، وعليه
يبتني اندراج الشبهة المبحوث عنها في مجاري البراءة أو الاشتغال ـ بعد الفراغ عن
ذلك المبنى ـ ، دون سائر ما ذكر ، ولا محصّل له سوى التشبّث
بالارتباطيّة ، واستلزام الشكّ في مانعيّة المشتبه للشكّ في الخروج عن عهدة
التكليف بالصلاة ، وهو ـ كما ترى ـ خروج عن الفرض ورجوع عن ذلك
المبنى ـ كما لا يخفى.
الثانية : إنّه
بعد أن تبيّن أنّ مبنى الوجهين في المسألة هو كون القيد العدمي المنتزعة عنه
مانعيّة غير المأكول وأشباهه ممّا يتنجّز خطابه بنفس العلم به ، أو يتوقف تنجّزه
على العلم بموضوعه أيضا ، فالمهمّ حينئذ هو تنقيح ضابط القسمين ، وتوضيح ما به
يمتاز رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في الامتثال عن رجوعها إلى الشكّ في
التكليف ، ثم البحث عن اندراج الشبهة المبحوث عنها في أيّ الضابطين.
ومحصّل ما عندنا
في ذلك هو أنّه ـ بعد أن لا خفاء في أنّه لا بدّ في متعلّق التكليف من أن يكون
عنوانا اختياريّا يصلح لأن يتعلّق به الإرادة الفاعليّة إمّا بنفسه ، أو
بتوسيط ما يكون ذلك العنوان
__________________
مسبّبا توليديّا
له ـ فإمّا أن يكون العنوان المذكور اختياريا كلّه ، ولا تعلّق له بموضوع خارج
عن الاختيار أصلا ـ كالتكلّم ونحوه ـ ، أو يكون له تعلق بالموضوع المذكور ، وهذا
يتصوّر على وجوه : ـ فتارة يكون ذلك الموضوع متحققا خارجيا ـ كما في مثل
استقبال القبلة أو استدبارها.
وأخرى يكون عنوانا
كلّيا ذا أفراد محقّقة الوجود ومقدّرته ، وهذا يتصوّر على وجهين :
فتارة يؤخذ عنوان
الموضوع بلحاظ صرف وجوده المساوق للإيجاب الجزئي موضوعا لحكمه ، كما في الماء أو
التراب ـ مثلا ـ بالنسبة إلى وجوب الوضوء أو التيمّم ، وأشباههما ممّا يكون إطلاق
كلّ من متعلّق الحكم وموضوعه بدليّا ، ويختصّ ذلك بالتكاليف
__________________
الوجوديّة ـ كما
ستعرفه ـ فيكفي تمكّن المكلّف من أحد مصاديقه في فعليّة خطابه ،
ولا يترتّب على مصداقيّة الزائد سوى التوسعة في امتثاله.
وأخرى يكون موضوعا
للحكم بلحاظ مطلق وجوده ، كالعقد ـ مثلا ـ أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به أو
حرمة شربه ، ونحو ذلك ممّا يستفاد أخذه موضوعا للحكم على نهج القضايا الحقيقيّة من
عموم الدليل أو إطلاقه الشمولي ، فينحلّ ذلك الحكم حينئذ بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه
إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك ، كما هو الشأن في محمولات القضايا الحقيقيّة بالنسبة
إلى أشخاص موضوعاتها ، ويستكشف اشتمال كلّ واحد منها على ملاك حكمه من ذلك .
وموضوعات التكاليف
العدميّة بأسرها من هذا القبيل ، ولا يعقل
__________________
موضوعيّتها بلحاظ
صرف الوجود لتلك الأحكام إلاّ إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات ، فيتّحد في
النتيجة مع القسم الرابع عند عدم صلاحيّة الحكم للانحلال ، ومطلوبية نفس
السلب الكلّي
__________________
ـ كما في باب
النذر ونحوه ممّا لا يصلح الحكم لأن يتعدّد بتعدّد وجودات موضوعه كما ستعرفه ـ ،
وأمّا موضوعات التكاليف الوجوديّة فهي صالحة لأن تؤخذ بجميع هذه الوجوه ـ كما لا يخفى ـ وهذا
هو محصّل ما ينقسم إليه التكاليف باعتبار تعلّقها بالموضوعات الخارجيّة وعدمه ،
وقد ظهر انحصار الأقسام فيما ذكر .
وكيف كان ، فمن
الواضحات الضروريّة أنّ المدار في تشريع الأحكام ليس على تشريع كلّ شخص من الحكم بالنسبة
__________________
إلى كلّ مكلّف وفي
كلّ قضيّة بإنشاء يخصّه ، كي يرتفع الفارق بين موضوعات الأحكام وعلل تشريعها ، ويلزم
من التوالي الضروريّ فسادها ما أوضحناه في محلّه.
__________________
وإنّما المجعول حكما كليّا على
موضوعه المقدّر وجوده ـ كوجوب الفرائض الخمس على المكلّفين بها في أوقاتها ،
والحجّ على المستطيع ، وتبادل العوضين عند تحقّق البيع الجامع لشرائطه ،
__________________
وغير ذلك ـ هو
الحكم الشرعيّ المجعول في جميع الأبواب ، ويعبّر عن ذلك الموضوع المقدّر وجوده في أبواب التكاليف
بشرائطها ، وفي الوضعيّات بأسبابها لمناسبة ظاهرة ، ويعبّر عن
__________________
نفس ذلك المجعول
الشرعي على موضوعه المقدّر وجوده بالحكم الشأنيّ في الجميع ، إذ
كونه من قبيل ما بالقوّة ظاهر.
وكما لا خفاء في أنّ دوران
فعليّة ذلك الحكم وكونه بعثا أو زجرا فعليّا للمكلّف ، وكذا تحقّق ما أنشِئ بعقد أو إيقاع أو
غير ذلك مدار تحقّق ذلك الموضوع هو الذي يقتضيه كونه مجعولا على ذلك التقدير ،
وتنتزع سببيّة الأسباب لمسبّباتها عن ذلك ، ولا
__________________
يعقل أن يتخلّف
عنه لا وجودا ولا عدما ، وإلاّ كان خلفا واضحا ، ومن بداهة
امتناعه يتّضح من مهامّ المسائل ما لا يخفى.
فكذا لا خفاء في
أنّ تنجّزه ـ بمعنى تماميّته في تأثيره التشريعيّ المتوقّف على وصوله ـ إنّما يدور بعد
العلم بالكبرى الشرعيّة المذكورة مدار العلم بتحقّق ذلك الموضوع ، وانضمام
__________________
الصغرى إلى تلك
الكبرى ، إذ هو في كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات بمنزلة النتيجة
الحاصلة من انضمام المقدّمتين ، ولا يعقل أن تتخلّف عنه لا وجودا ولا
عدما ، وإلاّ عاد ذلك الخلف ـ لا محالة.
وبالجملة : فالذي
يعقل من مراتب الحكم هو هذه الثلاثة
__________________
بما عرفت من
تفسيرها ، وترتّب كلّ لاحقة على سابقتها ، وامتناع التداخل فيها والتفكيك بينها ، وكونه من الخلف
الضروريّ امتناعه ، ويطّرد ذلك في جميع أنواعه .
وإنّما ينشأ
اختلاف الأقسام الأربعة المذكورة ـ في تنجّز
__________________
ما عدا الأخير
منها بنفس العلم بالحكم واجتماع شرائط التكليف ، وتوقّفه في خصوص الأخير على العلم بموضوعه أيضا ـ عن كون الخطاب متضمّنا
بنفسه للاشتراط بوجود موضوعه أيضا ، ومتوقّفا كونه خطابا متوجّها في نفس الأمر إلى المكلّف على وجوده في خصوص
ذلك القسم ، دون سائر الأقسام.
أمّا في القسم
الأوّل فظاهر ، إذ المفروض تعلق التكليف في هذا القسم بعنوان اختياريّ
لا تعلّق له بالموضوع الخارج عن الاختيار أصلا ، فلا يتوقّف فعليّة هذا القسم من
التكليف بعد القدرة على متعلّقه إلاّ على اجتماع شرائطه ، ولا تنجّزه أيضا بعد
العلم
__________________
__________________
بتشريعه إلاّ على
العلم باجتماعها ، فكلّما رجعت الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في ذلك كان مرجعها إلى
الشكّ في التكليف ، وتجري البراءة فيها من دون فحص إلاّ إذا قام
الدليل على وجوبه ـ على تفصيل بين الشكّ في القدرة وغيرها كما ستعرفه .
__________________
وبعد العلم
باجتماعها فإن كان العنوان المتعلّق للتكليف من المقدور بلا واسطة والصادر
بنفسه امتنعت الشبهة المصداقيّة فيه حال صدوره الإراديّ بعد تبيّن مفهومه ، إذ
يستحيل أن يشكّ من أراد شيئا عند إرادته له في هويّة ما أراده ، وإنّما يعقل
الشكّ في
__________________
العنوان الاختياري
حال صدوره إذا كان من المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها ، واشتبه
السبب المحصّل له ، وواضح أنّه متى رجعت الشبهة المصداقيّة إلى مرحلة
المحصّل كان مرجعها إلى الشكّ في الامتثال ، وجوديّا كان العنوان المتعلّق أو
عدميّا ، حتى فيما إذا كان المحصّل شرعيّا أيضا وتردّد بين
الأقلّ والأكثر ، ولعلّنا نتعرّض لذلك في المحلّ المناسب له ـ إن شاء الله تعالى.
__________________
نعم في القسم
الأوّل يمكن أن يتطرّق الشبهة المصداقية بعد الفراغ عنه ، لكن حيث
لا أثر لهذه الشبهة في المحرّمات أصلا ، ولا في الواجبات أيضا في غير ما يوجب القضاء
والإعادة فقاعدة الفراغ حاكمة على أصالة الاشتغال في هذا القسم ، ولا يندرج ما
عداه لا في مجاري الاشتغال ، ولا البراءة .
وأمّا القسم
الثاني : فهو ـ وإن فارق سابقه في التعلّق بالموضوع
__________________
الخارجيّ هنا ،
دون ما تقدّم ـ لكن لمّا كان الموضوع المفروض في هذا القسم متحقّقا فعليّا ،
ومتشخّصا خارجيّا ، لا كليّا ذا أفراد مقدّرة الوجود ، كي يتضمّن الخطاب شرطيّة من هذه الجهة ، فلا أثر لهذا
التعلّق أصلا ، ويكون وجوده كعدمه ، ويطّرد في هذا القسم جميع ما تقدّم
في سابقه سوى أنّ الشبهة المصداقيّة تتطرّق هنا بالنسبة إلى نفس
العنوان المقدور بنفسه أيضا حال صدوره من جهة التعلّق بالموضوع المذكور وإمكان
الشكّ فيه ـ كما في استقبال القبلة
__________________
واستدبارها ونحو
ذلك ـ ، ولازم ذلك هو العلم الإجمالي بتوجّه التكليف الوجوبي أو التحريميّ
عند تردّده بين المتباينين ـ كما عند اشتباه القبلة ـ ، فيجب الاحتياط في الشبهة
الوجوبيّة ، والفحص في التحريميّة ، ويتخيّر عند
تعذّر الأمرين .
ولو تردّد بين
الأقل والأكثر ـ كما إذا تردّد مقدار الموقف في عرفات والمشعر الحرام من جهة
الشبهة الخارجية بين الأمرين ـ اتّجه التفصيل في رجوع الشبهة إلى الشكّ في
الامتثال أو التكليف بين الوجوبيّة والتحريميّة ، ففي الوقوف الواجب يجب الإتيان
به فيما علم أنّه من
__________________
__________________
الموقف ، وفي حرمة
الإفاضة قبل الغروب والطلوع يقتصر على ما علم خروجه عن حدود الموقف ، ويجوز الانتقال من
القدر المعلوم إلى المشكوك مع عدم إخلاله بالوقوف الواجب قبل ذلك.
والسرّ في ذلك هو إطلاق الطلب
الوجوبيّ بالنسبة إلى
__________________
الانطباق على
عنوان متعلّقه ودخوله تحت الطلب ـ لا محالة ـ ، وكونه في التحريميّ خارجا عن دائرة الطلب
وشرطا لشموله ، ولكن لا بمعنى ترتّبه على تحقّق
الانطباق في الخارج كي يرجع إلى طلب عدم الشيء على تقدير وجوده ، بل بمعنى كونه
منعا عمّا لو وجد لكان تلك الهويّة ، فهذه الشرطيّة واقعة في
التكاليف الوجوديّة تحت دائرة التكليف ، وخارجة عنها في العدميّة
__________________
متوقّف شموله
عليها ، ومن هنا يرجع الشكّ فيها في الوجوديّة إلى الشكّ في الامتثال ، وفي
العدميّة إلى الشكّ في التكليف ، وسيأتي مزيد تنقيح منّا لذلك ـ إن شاء الله
تعالى.
ويلحق القسم
الثالث أيضا بسابقيه في عدم تضمّن الخطاب لشرطيّة من جهة التعلّق بموضوعه ، فإنّ
الموضوع المفروض في هذا القسم ـ وإن كان كليّا ذا أفراد صالحة للانطباق على عنوانه
ـ بدليا ـ ، لكن لمّا كان القدر المتوقّف عليه توجّه ذلك التكليف
هو تمكّن المكلّف من صرف وجوده المنطبق ـ على البدل ـ على أحدها ، ولا يترتّب على
مصداقيّة الزائد أثر سوى التوسعة في دائرة التخيير العقليّ في مرحلة امتثاله ، فلا
مدخلية لوجود الزائد وعدمه في التكليف أصلا ،
__________________
ويرجع الشكّ فيه
إلى الشكّ فيما ذكر من صلاحيّته للامتثال به.
وأمّا بالنسبة إلى
ما يتوقّف عليه التمكّن من صرف وجوده فهو وإن كان شرطا لتوجّه التكليف ـ لا محالة
ـ ، لكن لمّا كان تمكّن المكلّف ممّا تعلّق به ذلك التكليف ـ كالوضوء مثلا ـ متوقّفا
على تمكّنه من الماء أوّلا ثمّ من استعماله في التطهّر به ونحو ذلك ، والاشتراط
بالقدرة ـ المتضمّن له كلّ تكليف ـ يعمّ الأمرين جميعا ، فلا يعقل أن
يتضمّن الخطاب شرطيّة أخرى من هذه الجهة ، ويرجع الشبهة المصداقيّة حينئذ إلى الشك
في تمكنه من متعلّق التكليف ، ويلحقها حكم الشكّ في القدرة.
__________________
وهي وإن شاركت
بقيّة الشرائط العامّة في اشتراط التكاليف بها ، وكان توهّم كونها كالعلم بالخطاب
شرطا لتنجّزه دون توجّهه أوضح فسادا من عكسه ـ المتقدّم نقله عن بعض الأساطين ـ ، لإمكان أن يكون للعلم بالحكم دخل
في تماميّة ملاكه ، ويقوم الدليل المنتج نتيجة التقييد على ذلك ـ كما في
مسألة الجهر والإخفات والقصر والإتمام على ما اتّضح في محلّه ـ ، ولكن مقتضى
استقلال العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه هو امتناع توجّه التكليف إلى
القدر المشترك بين القادر والعاجز ، فلا تصل النوبة حينئذ إلى التنجّز والمعذورية ، بل لا يرجعان
إلى
__________________
محصّل في غير
العلم والجهل. هذا ، مضافا إلى أنّ نفس الطلب التشريعي لكونه إيجادا
لداعي الاختيار ، وتوجيها لإرادة الفاعل المختار إلى ما هو تحت إرادته واختياره
فهو بنفسه يتضمّن فرض القدرة على متعلّقه ـ ولو مع الغضّ عن الحكم العقليّ المذكور
ـ ، وبهذا يوجّه ما أفيد من امتناع تعلّق الإرادة التشريعيّة كالتكوينيّة إلاّ بالمقدور.
لكنّها تمتاز ـ مع ذلك ـ عن
بقيّة الشرائط بأنّ اشتراط
__________________
التكاليف بها
يتصوّر على وجهين : فتارة لدخلها ـ كالبلوغ مثلا ـ في ملاكه ، فلا يفوت العاجز
مصلحة أصلا ـ كما في الحجّ ونحوه ـ ، وأخرى لتوقّف حسن الخطاب عليه بعد اطّراد
ملاكه .
والكاشف عن الأوّل
هو أخذها شرطا شرعيّا في لسان الدليل المسوق للتأسيس ، دون التقرير
لما يستقلّ به العقل ، فيكشف ذلك عن ترتّبه خطابا وملاكا عليها ، ويكون المدار
فيها على القدرة العرفيّة
__________________
على نفس متعلّق التكليف
عند فعليّة خطابه ، ولا عبرة بالقدرة العقليّة التي لا يراها العرف مصداقا لها ، ولا بالقدرة
على تحصيلها مع العجز الفعلي عن متعلّق التكليف ، ويجوز التعجيز
عنه اختيارا قبل حلول زمانه وفعليّة التكليف ، إلاّ إذا قام الدليل على عدم جوازه أو
__________________
وجوب تحصيل
التمكّن منه مع إمكانه ، ونحو ذلك .
ولو لم تؤخذ شرطا شرعيّا كذلك
، وكان المتكفّل للاشتراط بها هو الحكم العقليّ المذكور وتضمّن الخطاب بنفسه
له كان ضابطا للثاني ، لأنّ أقصى ما يقتضيه اشتراطه بها
__________________
__________________
بهذين الاعتبارين
هو تقييد المطلوب بها بما أنّه المطالب به ، لا بما أنّه يقتضي الطلب به ، وإلاّ
لزم دخل مقتضى الشيء فيما يقتضيه ، فيكون وروده عليه كاشفا إنيّا عن
اشتماله على ملاك الطلب به من دون أن يكون لما يلازم وروده عليه دخل فيه ، وإلاّ
كان ما يلازم الشيء دخيلا في ملزومه ، فيكفي حينئذ مجرّد التمكّن
العقليّ من متعلّق التكليف ـ ولو بالتمكّن من تحصيل القدرة عليه ـ في فعليّة خطابه
، ويكون التعجيز عنه ـ ولو قبل فعليّة التكليف ـ من
__________________
التفويت المحرّم ، عكس ما تقدّم
في سابقه.
ولو شكّ فيها فسبيله في الصورة
الأولى سبيل الشكّ في سائر الشرائط ، وتقدّم جريان البراءة فيها بلا فحص ، إلاّ
أن يقوم دليل على وجوبه ، بخلافه في الثانية فإنّ ملاكات الأحكام وإن كانت بمعزل عن صلاحية تعلّق التكليف بها أو استقلال
العقل بلزوم إحرازها بلا توسيط خطاب ـ كما لعلّ أن
__________________
نوضحه في المحلّ
المناسب له إن شاء الله تعالى ـ ، لكن حيث إنّها تكشف بطريق اللمّ عن
الخطاب المحصّل لها ، فالعلم بها يستلزم العلم بذلك الخطاب ـ لا محالة.
وفي المقام وإن
كان الشكّ في القدرة مستلزما للشكّ في توجّه الخطاب ، لكنّ العلم بإطلاق المناط
وقوّته ، وأنّ الشارع لا
__________________
__________________
يرضى أن يفوت عند
إمكان حصوله يلازم العلم بعدم المعذوريّة على فرض المقدوريّة الواقعيّة
، وهذا هو مناط وجوب الفحص ، وكذلك الاحتياط أيضا فيما يجب فيه
أحدهما المعيّن أو المخيّر مطلقا ، فإنّ مناطه في جميع ذلك هو
ثبوت عدم المعذوريّة على
__________________
تقدير المصادفة
الواقعيّة ، إمّا لمكان العلم الإجمالي أو لموجب آخر ، فالخطاب المشروط بالقدرة يكشف في المقام
عن إطلاق مناطه كشفا إنيّا ، وهو عن وجوب الفحص كشفا لميّا ويستقلّ العقل
باستكشاف هذا الخطاب الطريقي ممّا عرفت ، ويندرج في باب الملازمات العقليّة .
__________________
وهذا البحث سيّال في جميع ما
يقصر الخطاب الواحد عن استيفائه تمام ما يقتضيه ملاكه ، لاختلاف مرتبة فيه إمّا لكونه ملاكا للحكم
الواقعيّ والطريقيّ المتكفّل للشكّ فيه ـ كالمقام ونحوه ـ ، أو لقصور فيه عن إيجاب ما يتوقّف عليه إمّا لسبقه
__________________
الزماني ـ كما في
المقدّمات المفوّتة التي يجب الإتيان بها قبل وجوب ذيها ـ ، أو لاختلاف
بينهما في الرتبة ، ولهذا الأخير عرض عريض ، ويندرج فيه جميع ما
له دخل في الملاك ويستحيل شمول الخطاب له إمّا لتأخّر الخطاب عنه في الرتبة ـ كما إذا كان
موضوعا له ، أو دخيلا في القدرة على متعلّقه ونحو ذلك ـ ، أو
لتأخّره في الرتبة عن الخطاب كما في نيّة
__________________
التقرب في
العبادات ـ مثلا ـ بناء على أنّ المتكفّل لتشريع اعتبارها بنتيجة التقييد
هو الجعل الثاني ـ كما هو أحد الوجهين فيها .
ففي جميع ذلك يكون
الملاك مقتضيا تشريع ما لم يتكفّله ذلك الخطاب ، ومتمّما له ـ لا محالة ـ ،
فإمّا أن يكون طريقيّا بالنسبة
__________________
إليه ـ كالمقام ونحوه
ـ ، أو جاريا مجرى الخطاب الغيريّ المقدّمي كما في المقدّمات العقليّة السابقة على ذيها في الزمان ، أو الرتبة ، أو منتجا نتيجة
التقييد الشرعي كما إذا كانت المقدّمة السابقة على ذيها في الزمان شرعية لا عقلية
، كالغسل قبل الفجر في شهر رمضان ونحوه ، وكما في نيّة
__________________
التقرّب أيضا ـ بناء على
عدم كون الأمر التعبّدي بمعونة كون الغرض من تشريعه هو التعبّد به كافيا في إيجابها
، وكون الغرض المذكور ملاكا لتشريع المتمّم المنطبق عليه. فيكون الخطابان
لوحدة ملاكهما بمنزلة خطاب واحد ، ولا يكون إيجاب التعبّد ـ مثلا ـ ولا الغسل قبل
الفجر خطابا مستقلا بواجب آخر كي يعقل الانفكاك بينهما في الطاعة والعصيان ، وإلاّ
كان مخالفا لما يقتضيه ملاكه .
__________________
وكيف كان فكما أن
القدرة على نفس العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف يمكن أن يؤخذ
شرطا شرعيّا تارة وعقليّا أخرى ، فكذلك التمكّن من صرف وجود الموضوع في هذا القسم
ـ الثالث ـ أيضا يصلح للوجهين.
بل يمكن التفكيك
فيما كان من هذا القبيل بين التمكّن من الموضوع المذكور والقدرة على العنوان
الاختياري المتعلّق للتكليف ، فيكون شرطا شرعيا بالنسبة إلى أحدهما ، وعقليا
بالنسبة إلى الآخر ، فيلحق كلاّ منهما حكمه.
والظاهر أن يكون
في باب الوضوء من هذا القبيل ، فيكون
__________________
تمكّنه من الماء
قدر ما يكفيه لوضوئه أو غسله شرطا شرعيّا ، لأنّ آية الوضوء تتضمّن الاشتراط به لاشتمالها على
تقييد وجوب التيمم بعدمه ، ومقتضاه تنويع المكلّفين باعتبار التمكّن
منه وعدمه إلى النوعين ، وتخصيص كلّ منهما بما يخصّه ، والتفصيل قاطع للشركة.
وأمّا التمكّن من استعماله في التطهّر به فلكونه خارجا عمّا يقتضيه التنويع
المذكور ، وعدم قيام دليل آخر على الاشتراط به بهذا الوجه فليس الاشتراط به
إلاّ من جزئيات ما يستقلّ العقل باعتباره في حسن الخطاب بعد تماميّة ملاكه.
ومن هنا استقرّت
الفتوى ـ إلاّ من شاذّ لا يعبأ بخلافه ـ بأنه لو كلّف بالتيمم وصرف ما يجده من الماء
في حفظ نفس محترمة
__________________
(١) أي بالتمكن من الماء قدر الوضوء أو
الغسل.
__________________
فخالف وتوضّأ بطل
وضوؤه ، ولو كلّف بالتيمم لضيق الوقت فخالف وتوضّأ لغاية أخرى صحّ وضوؤه ، إذ في
الصورة الاولى يكون الخطاب بالوضوء أو الغسل ساقطا بملاكه ، فلا مجال لتصحيحه
بقصد الجهة لمكان انتفائها ، ولا بالخطاب الترتّبي لتوقّفه بعد الفراغ
عن إمكانه ـ كما هو التحقيق ـ على وجودها ، بخلافه في
الثانية لأنّ أقصى ما يقتضيه وجوب
__________________
التيمّم لما ضاق
وقته هو سقوط الطلب بالوضوء لسائر الغايات ـ خطابا ـ بمزاحمة ذلك التكليف مع بقاء
ملاكه ، فيمكن تصحيحه بكلا الأمرين ـ كما هو الشأن في أشباهه ـ ، ولتمام الكلام في
ذلك محلّ آخر.
وأمّا القسم
الرابع : فقد عرفت امتيازه عمّا تقدّمه بما له من التعلّق بموضوع خارجيّ ذي أفراد مقدّرة الوجود ،
وأخذ ذلك الموضوع باعتبار مطلق وجوده وبلحاظ المرآتيّة لما ينطبق عليه
في الخارج موضوعا لحكمه ، وقضيّة ذلك
__________________
أمران : ـ
الأوّل : انحلال
ذلك الحكم بالنسبة إلى كلّ واحد من تلك الوجودات إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك ، حسبما
يقتضيه مرآتيّة ذلك العنوان لما ينطبق عليه في موضوعيّته لحكمه ، كما
عرفته في مثالي العقد أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به وحرمة شربه ونحو ذلك ،
فيكون المنشأ بذلك الإنشاء والخطاب المتوجّه إلى المكلّف هو آحاد تلك الخطابات
التفصيليّة المنحلّة إليها تلك الكبرى ، دون نفسها ، إذ ليس هو إلاّ إنشاء
إجماليّا
__________________
لها.
الثاني : ترتّب
كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة ـ التي عرفت أنّها البعث أو الزجر المتوجّه إلى
المكلّف ـ على شخص موضوعه ، واشتراطه ـ خطابا وملاكا ـ بوجوده ، بحيث لا يعقل
لنفس ذلك الشخص من الخطاب ولا لملاكه تحقق إلاّ بتحقق شخص موضوعه ، وينشأ هذا
الاشتراط عن أخذ كلّ واحد ممّا ينطبق على ذلك العنوان مقدّر الوجود ، وإيراد حكمه
عليه بهذه
__________________
المعونة ، فيتضمّن أخذه
موضوعا للحكم بهذا الوجه لهذه الشرطيّة ، وتكون في قوّة الشرطيّة الصريحة ، فلو لم يوجد كلّ شخص
من العقد ـ مثلا ـ أو الخمر أو نجس أو حرام آخر لم يعقل لوجوب الوفاء به ، ولا
لحرمة شرب ذلك الشخص من الخمر ، أو تناول ذلك النجس وغيره خطاب ولا ملاك ، ولم تكن
للمصلحة أو المفسدة المقتضية له عين ولا أثر في وعاء وجودها أصلا.
وإلى هذا يرجع ما
ذكره المنطقيّون من انحلال القضايا الحقيقيّة إلى شرطيّة مقدّمها وجود الموضوع وتاليها عنوان
المحمول ، فعقد وضعها يتضمّن الاشتراط المذكور ، وينحلّ
__________________
عقد حملها بالنسبة
إلى آحاد وجودات الموضوع إلى محمولات مستقلّة ، ومن هنا يكون وجود الموضوع في هذا
القسم من
__________________
__________________
__________________
التكاليف هو الجزء
الأخير من شرائط التكليف ، حذو الاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ ، ودخول شهر رمضان في
وجوب صومه ونحو ذلك.
لكن لا يخفى أنّ
القدر الذي يقتضيه ذلك هو اشتراط كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيلية بوجود
موضوعه في حدوثه ، ويترتّب عدم وجوب العقد مقدّمة للوفاء به ، وعدم تفويت الحاضرة
مقدّمة لقضائها ونحو ذلك ، على اشتراطه ملاكا أيضا بذلك .
أمّا اشتراطه به
في مرحلة البقاء أيضا وعدمه فأجنبيّ عمّا يقتضيه ذلك الاشتراط بالكليّة ، ويتساوى
وجوده لعدمه فيما نحن
__________________
بصدده ، لكنّه لا بأس
بأن نتطفّل بتوضيحه.
وظاهر أنّ
الاشتراط به ـ خطابا ـ ممّا لا محيص عنه على كلّ تقدير ، ضرورة أنّ
القدرة على متعلّق التكليف تدور مداره .
وأمّا ملاكا فلا
خفاء في صلاحيّة الخطاب الإيجابي للاشتراط به تارة ـ كما في العقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء
به ـ ،
__________________
ولعدمه أخرى ، كما
في بقاء الميّت بالنسبة إلى وجوب تجهيزه ، ونحو ذلك ممّا يكون مجرّد تحقّق الموضوع
هو تمام العلّة في توجّه خطابه ، ولا يتوقّف عليه في مرحلة البقاء سوى التمكّن من
امتثاله. ويكون اشتراط التكليف به في الصورة الأولى كاشتراطه بالسفر
والحضر ونحوهما ممّا يدور حسن الواجب في حدوثه وبقائه مداره ، ويجوز إعدامه
اختيارا بعد فعليّة خطابه . ويرجع في الثانية إلى باب الاشتراط بالقدرة ، ويكون إعدامه
تعجيزا
__________________
عن الواجب وتفويتا
لملاكه ، ولامتناع أن يتكفّل الخطاب إيجاب حفظه ـ وإلاّ لزم تقدّمه على نفسه
ـ فيندرج المقام فيما يستحيل أن يستوفي ما يقتضيه الملاك إلاّ بخطابين لتعدّد
الرتبة ـ حسبما تقدّم ضابطه ـ ، ويكون المتمّم المتكفّل لإيجاب حفظ الموضوع ـ كسائر
ما يرجع إلى باب التفويت ـ منتجا نتيجة الخطاب المقدّمي
__________________
الغيريّ ، ومندرجا
مع إيجاب المقدّمات المفوّتة تحت جامع واحد ، وإن اختلفا في كون المانع عن تكفّل الخطاب النفسي لهذا
المتمّم هو التقدّم الرتبي ها هنا ، والزماني ثمّة.
وكيف كان ففي مقام
الإثبات يتوقّف كونه على الوجه الثاني على قيام الدليل عليه ،
وإلاّ فمقتضى كون المنشأ بذلك الإنشاء
__________________
حكما على ذلك
الموضوع هو الأوّل ، وهو الأصل فيه.
وأمّا التكاليف
التحريميّة فاشتراطها بوجود موضوعاتها مطلقا هو المتعيّن فيها ، ولا مجال لأن يتطرّق فيها الاحتمال
الآخر أصلا ، إذ بعد وضوح أنّ مناط حرمة الخمر ـ مثلا ـ وكلّ نجس ومحرّم هو المفسدة
التي في تلك الموضوعات ، فلو أمكن أن تكون تلك المفسدة مناطا لوجوب حفظ الموضوع في شيء من
المحرّمات مقدّمة لتمكّن المكلّف من تركه الاختياري كان المناط حينئذ مطلقا
بالنسبة إلى وجود الموضوع في بقائه ـ لا محالة ـ ، حذو ما عرفته في وجوب تجهيز
الميّت ونحوه ، لكن حيث لا مجال لأن يتوهم مناطيّة تلك المفسدة في شيء من المحرّمات لذلك
فلا محيص عن اشتراط كلّ محرّم ـ حدوثا وبقاء ـ بوجود موضوعه مطلقا.
وأمّا وجوب إعدام
الموضوع لو توقّف عليه التخلّص عن
__________________
الحرام ، كما لو
علم من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقائه ، أو كان مكرها على تناوله ومختارا في إعدامه فأجنبيّ عن
هذا الوادي ، على كلّ من تقديري كونه من الإرشاديات العقليّة الراجعة
إلى مرحلة الامتثال أو كونه مولويّا مترشحا ـ حذو وجوب المقدّمة ـ من النهي ، فإنّ إعدام
الموضوع وإن كان مستتبعا لسقوط خطابه ـ لا محالة ـ لكنّ مناط استقلال العقل بوجوبه
في مفروض المقام ـ بأحد الوجهين ـ
__________________
ليس هو استتباعه
لذلك ، كي يمتنع أن يتكفّله الخطاب على كلّ من تقديري اشتراطه بموضوعه وعدمه ، وإنّما مناطه
هو توقّف التخلّص عن عصيان النهي عليه بلا دخل لما يستتبعه فيه ، وكون الاشتراط بالموضوع بمعزل
عن كونه موجبا
__________________
لتخصيص حكم العقل
بوجوب ما يتوقّف عليه التخلّص المذكور بما عدا إعدامه.
وهذا في غير صورة
الإكراه ظاهر ، وكذا في تلك الصورة أيضا ، فإنّ مبنى وجوب الإعدام
في هذه الصورة هو اعتبار عدم المندوحة في ترك الواجب أو فعل الحرام
المكره عليه ، وإلاّ فلا موجب له على كلّ تقدير ، وحيث إنّ المدار في المندوحة
المعتبر عدمها على إمكان التفصّي عمّا أكره عليه ، لا على التمكّن
من رفع
__________________
موضوع الإكراه كأن
يدفع شيئا إلى المكره ليرفع اليد عن إكراهه ، أو التمكّن من إخراج ما أكره عليه عن
كونه تركا للواجب أو فعلا للحرام كأن يسافر من أكره على الإفطار في رمضان ليترخّص في
إفطاره ونحو ذلك ، فحال إعدام الموضوع في هذه الصورة أيضا كما في سابقتها ، ولا يخرج
باستتباعه سقوط الخطاب عن كونه في
__________________
حدّ نفسه مندوحة
عمّا أكره عليه ، ولا سبيل إلى مقايسته بالسفر في رمضان ونحوه ممّا يوجب
رفع وصف الحرمة عمّا أكره عليه ، لا التخلّص عن ارتكابه.
وبالجملة فالبون
بعيد بين حرمة إعدام الموضوع ووجوبه ، والذي ينافي اشتراط الملاك في بقائه بوجود
موضوعه هو الأوّل ،
__________________
دون الثاني ، ولا
مجال لأن يقاس أحدهما بالآخر ، فلو فرض الملاك مقتضيا لزوم إعدام موضوعه بنفسه ـ كما
في الصنم مثلا وأواني الذهب والفضّة وغير ذلك ـ فأيّ منافاة يعقل بينه وبين
اشتراطه في حدوثه وبقائه به ، وهل يعقل أن يكون لوجوب الإعدام في الأمثلة إطلاق بالنسبة إلى
حالتي وجود الموضوع في حدوثه أو بقائه.
وكيف كان فقد عرفت
أنّه لا أثر للاشتراط في البقاء وعدمه فيما نحن بصدده أصلا ، وقد استطردنا
توضيحه.
وإنّما الذي يبتني
عليه جريان البراءة في الشبهات
__________________
الموضوعية
الوجوبية والتحريمية هو الانحلال المتقدّم توضيحه واشتراط كلّ من الخطابات
التفصيلية المنحلّة إليها تلك الكبرى بوجود موضوعه في حدوثه ، على كلّ من تقديري
الاشتراط في البقاء أيضا وعدمه.
فنتيجة الأمر
الأوّل هي دوران تنجّز التكليف في هذا القسم مدار العلم بآحاد تلك
الخطابات التفصيليّة المذكورة ، لأنّها هي التكاليف الفعليّة والبعث والزجر
المتوجّه إلى المكلف ، وأمّا نفس الكبرى فليس العلم بها إلاّ علما بخطاب مشروط يتوقف فعليّته
__________________
على وجود شرطه
كوجوب الحجّ على المستطيع ـ مثلا ـ ونحو ذلك.
ونتيجة الأمر
الثاني هي توقّف العلم بكلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة على
العلم بشخص موضوعه ، ورجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في البعث أو الزجر المجعول على
تقديره ـ كما في الشكّ في الاستطاعة ونحوها ـ ، فكما أنّ نفس تلك الكبرى ـ كوجوب
قضاء الفريضة الفائتة مثلا أو حرمة شرب الخمر ونحو ذلك ـ ليست بنفسها تكليفا
متوجّها بالفعل إلى المكلف ، ولا بعثا أو زجرا فعليا له إلاّ بعد انضمام الصغرى
إليها وبمقداره ، فكذلك
__________________
العلم بها أيضا ـ حذو
النعل بالنعل.
وبالجملة فيجري
آحاد تلك الخطابات التفصيلية التي عرفت أنّها التكاليف المتوجهة إلى المكلّفين
مجرى النتيجة المتحصّلة في نفس الأمر من انضمام صغرى خارجيّة إلى كبرى شرعيّة ـ كما
هو الشأن في جميع شرائط التكليف ـ ، وكما أنّ تحقق تلك النتيجة في نفس الأمر يتوقّف على
انضمام الأمرين ، فكذلك العلم بها أيضا يتوقف على العلم بالمقدّمتين ، ولا يعقل أن
يكون العلم بالكبرى وحدها علما بالنتيجة أو منجزا لها مع عدم العلم بها ، وإلاّ لزم
__________________
التعدي إلى كلّ خطاب
مشروط مع الشكّ في حصول شرطه ، وكان خروجا عمّا يستقلّ العقل به من قبح العقاب على
المجهول.
وقد انقدح ممّا
حرّرنا المقام به أنّ انطباق عنوان الموضوع على ما يشكّ كونه مصداقا له من باب
المقدّمة الوجوبية ، وأنّ حديث المقدّمة العلميّة المتكرّر ذكره والاستشكال
__________________
به في كلمات شيخنا
أستاذ الأساتيذ ـ نوّر ضريحه ـ في كلا بابي الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة
والتحريميّة أجنبيّ عنه بالكليّة ، ولا يخفى أنّ ما أفاده 1 في دفعه يوهم
بظاهره دعوى اختصاص الحكم الواقعي بالمصاديق المعلومة ، لكن لمنافاته
لما هو المعلوم من مسلكه فينبغي إرجاعه إلى ما
__________________
أوضحناه .
فهذا هو محصّل الفارق
بين ما يلحقه شرطيّة أخرى انحلالية من ناحية تعلّقه بالموضوع الخارجيّ ، ويكون
كالجزء الأخير من شرائط التكليف ـ كما هو مرجع هذا القسم الأخير ـ وما ينتفي ذلك فيه ـ كما
في بقيّة الأقسام ـ ، وتحصّل منه أنّ مرجع كلّ ممّا أخذ شرطا للتكليف أو موضوعا له على نهج
القضايا الحقيقيّة إلى الآخر ، لما عرفت من أنّ عقد الوضع في تلك القضايا
__________________
يتضمّن الاشتراط ، ومآل كلّ
اشتراط إلى الموضوعية.
وقد تبيّن من ذلك
أنّ ضابط رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في التكليف هو رجوعها إلى الشكّ فيما
يستتبع التكليف ، وقد عرفت انحصاره بما كان شرطا أو موضوعا له ، وضابط رجوعها إلى الشكّ في
الامتثال هو رجوعها إلى الشكّ في تحقق الفعل أو الترك المطالب به بعد العلم بالطلب به ـ ولو
لتردّد موضوعه بين المتباينين ، أو محصّله بين الأمرين ـ ، ويلحق الشكّ
فيما
__________________
يوجب السقوط
القهريّ ـ للعجز مثلا ، أو الاضطرار ، أو الحرج الرافع للتكليف ،
أو قيام الغير به ، أو ذهاب الموضوع ، وغير ذلك ـ بالشكّ في المسقط الاختياريّ في عدم جواز
القناعة
__________________
باحتماله ، وإن اختلفت
النتيجة في وجوب الفحص أو الاحتياط أو التخيير بينهما ـ كما لا
يخفى.
وإذ لا خفاء في
صلاحية القيود أيضا للانقسام إلى الأقسام
__________________
الأربعة المذكورة
كالنفسيّات ، وكون القيديّة من حيث نفسها قابلة للإطلاق تارة وللاشتراط اخرى ، فيطّرد فيها ما
حرّرناه ضابطا لتنجّز الأقسام ، ومعيارا لرجوع الشبهة إلى الشكّ في التكليف أو
الامتثال ، فكلّما كانت القيدية ، مشروطة بشرط أو كانت انحلاليّة مترتّبة آحادها على أشخاص
موضوعها وشكّ فيها من جهة الشكّ في تحقّق شرطها أو موضوعها فمرجع هذه الشبهة
المصداقيّة إلى
__________________
الشكّ في تقيّد
المطلوب بقيد زائد ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ
والأكثر ، وفيما عدا ذلك يرجع الشبهة المصداقية إلى الشكّ في تحقق القيد المعلوم
تقيّد المطلوب به.
وإذ قد تمهّد ذلك
فلا يخفى أنّ القيود الوجودية لكونها راجعة بأسرها إلى أحد الأقسام
الثلاثة الأول ، ولا مجال لأن تكون
__________________
انحلاليّة ، وإلاّ تعذّر
امتثالها ، فمرجع شبهاتها المصداقية عند إطلاق
التقييد بها إلى الشكّ في الامتثال ، ولو كان مشروطا بما
__________________
يشكّ في تحقّقه ـ كما لو تردّدت
المرأة في وجوب ستر رأسها في الصلاة من جهة الشكّ في حريّة نفسها ولم يكن في البين ما يحرز
إحدى الحالتين ، ونحو ذلك ـ كان من تردّد الواجب من جهة الشبهة الخارجيّة
بين الأقلّ والأكثر.
وأمّا القيود
العدميّة فحال ما كان راجعا منها إلى أحد القسمين الأوّلين هو بعينه حال
القيود الوجودية فيما ذكر ـ على كلام فيما يرجع منها إلى القسم الثاني إذا شكّ فيه
من جهة الشكّ في سعة موضوعه كما تقدّم ـ ، ويأتي مزيد توضيح له في تنبيهات
__________________
الرسالة ( إن شاء الله
تعالى ) ، وقد تبيّن حال ما يرجع منها إلى القسم الثالث أيضا ممّا تقدّم .
وإنّما الكلام
فيما إذا كان العنوان المأخوذ عدمه قيدا للمطلوب ـ كالوقوع في غير المأكول ونحوه ـ ممّا يتعلّق بموضوع خارجيّ
يتوقّف تحقّق المطلوب على انتفاء مجموع وجوداته ، والبحث فيه يقع :
تارة في الصغرى ،
وأنّ القيد العدميّ المنتزعة عنه مانعيّة هذه
__________________
الأمور هل هو من الانحلاليّات
المتعدّدة بتعدّد أشخاص موضوعاتها ، فيترتّب على مصداقيّة كلّ واحد من مصاديقه
الخارجيّة تقيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، ويرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في
القيديّة المترتبة عليها ـ لا محالة ـ ، ويؤول الأمر حينئذ إلى تردّد متعلّق
التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ والأكثر ، أو أنّها إنّما تنتزع عن قيديّة
عنوان بسيط ، ونعت عدميّ مساوق لمحمول المعدولة ، ويجري ذلك
العنوان مجرى المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها ، والتحرّز عن مجموع
وجودات الموضوع مجرى محصّلاتها ، فيكون ما قيّد المطلوب به عنوانا بسيطا لا تعلّق
له بالموضوع الخارجيّ أصلا ، ولا يتعدّد
__________________
بتعدّد وجوداته ،
وما يقبل التعدّد بذلك ويتردّد من جهة الشبهة المصداقيّة بين الأقل والأكثر هو
محصّله الخارجيّ الذي بمعزل عن جريان البراءة فيه.
وأخرى في الكبرى ،
وأنّه لو ترتّبت قيديّة قيد على موضوع خارجيّ لمكان الاشتراط أو الموضوعيّة ، وقد شكّ فيها
من جهة الشكّ في موضوعها ، وتردّد متعلّق التكليف من هذه الجهة بين الأقلّ والأكثر
فهل تقصر أدلّة البراءة بعد الفراغ عن جريانها في الارتباطيات عن شمولها للمقام ،
أو أنّه ـ بعد الفراغ عن عدم كون الارتباطيّة موجبة لتنجّز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها ـ فحال الشبهات
الموضوعية في الارتباطيات كحالها في النفسيات ، وكما
__________________
لم يكن دليل
البراءة قاصرا عن الشمول لها فكذلك المقام أيضا ـ حذو النعل بالنعل. وإذ قد عرفت
ذلك فينبغي أن نحرّر كلاّ من الأمرين في مبحث برأسه :
المبحث الأوّل : ـ
في تنقيح الصغرى.
وينبغي تقديم أمور
:
الأوّل : أنّهم
عرّفوا المانع بأنّه الأمر الوجوديّ المتوقّف وجود المعلول على عدمه ، وقد تقدّم
بعض الكلام في توضيح هذا التوقف ، وهذا التعريف يعمّ المانع الشرعي أيضا كالعقلي ، لما
عرفت أنّ مانعيّته عن الملاك تكوينيّة ـ حذو سائر الموانع التكوينيّة ـ من غير فرق بين باب
الأسباب ومتعلقات التكاليف ، لتقيّده بعدم ما يخرجه عن الانطباق على ملاكه ، وتنتزع مانعيّته
__________________
عن ذلك ، لكنّه في
أبواب الأسباب يوجب انتفاء المسبّب الشرعي الذي قيّد سببه بعدم تلك
الخصوصيّة ، وفي متعلقات التكاليف يوجب خروج الفرد المتخصّص بها عن الانطباق على
المطلوب ، ويعبّر عنه بالفساد ـ كما تقدّم .
الثاني : لو تركّب
متعلّق التكليف ـ كالصلاة مثلا ـ من أجزاء وقيود وجوديّة وعدميّة فتركيب أجزائه ،
ثمّ تقييدها بالقيود الوجوديّة ، ثمّ العدميّة وإن كان متقدّما في الرتبة على تعلّق الطلب
به ـ لا محالة ـ ، لكن حيث إنّه مجرّد اعتبار تصوّري في تلك الرتبة ، ولا يوجد مجعول
شرعيّ بذلك إلاّ بعد تعلّق الطلب به ،
__________________
فمن هنا كانت الجزئية
والشرطيّة والمانعيّة منتزعة في متعلّقات التكاليف عن تعلّق التكليف بها ، وفي
أبواب الأسباب عن جعل المسبّبات الشرعيّة الوضعيّة أو التكليفية على تقديرها ، وتنتزع
__________________
سببيّة تلك
الأسباب لمسبّباتها أيضا عن ذلك ، وقد اتضح فساد القول بجعل الماهيّات مطلقا ، وكذلك القول بتأصّل
السببيّة وأخواتها الثلاث المذكورة في الجعل أيضا من ذلك ، وانقدح أيضا.
الثالث : لو كان
لمتعلّق التكليف تعلّق بموضوع خارجيّ ـ كما هو المفروض في محلّ البحث ـ فقد تقدّم أنّ الإضافة
اللاحقة
__________________
__________________
للصلاة ـ من جهة
وقوعها في غير المأكول مثلا أو الحرير أو الذهب أو غير ذلك ـ هي الصالحة لأن يؤخذ
عدمها قيدا للمطلوب ، وأمّا نفس حرمة أكل الحيوان ـ مثلا ـ فهي أجنبيّة عن الصلاة ،
وظاهر أنّها بمعزل عن هذه الصلاحيّة.
وإذ قد عرفت ذلك
فلا يخفى أنّ قيديّة عدمها يتصوّر ثبوتها على وجوه : إذ يمكن أن يكون القيد نعتا
عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة ، والتقييد به راجعا إلى اعتبار أن تكون الصلاة واجدة لهذا
النعت ، فيرجع الأمر حينئذ إلى باب العنوان والمحصّل ـ كما تقدّم ـ ، ويمكن أن يكون
من باب السلب المحصّل ، ويرجع
__________________
__________________
التقييد إلى
اعتبار عدم التخصّص بتلك الخصوصيّة الوجوديّة ، من دون أن يكون للنعت العدمي دخل
فيه ، فيكون هو حينئذ ملازما لتحقّق القيد ، لا قيدا بنفسه . وعلى هذا
التقدير أيضا فيمكن أن يكون نفس السلب الكلّي ـ بوحدته الشاملة لمجموع وجودات
الموضوع ـ قيدا واحدا ، كما يمكن أن يكون منحلاّ والقيد آحاده .
__________________
ولا يخفى أنّ
الاحتمالات الثلاثة المذكورة تتطرّق في النواهي النفسية أيضا حذو المقام بعينه ،
وكما أنّ ظهور النهي عن شرب الخمر ـ مثلا ـ في مبغوضيّة متعلّقه واستنادها إلى
اشتمال موضوعه على مفسدة مقتضية للزجر عن ذلك المبغوض يضادّ مطلوبيّة العنوان
العدمي من حيث نفسه ، ويدفع الاحتمال الأوّل ، وظهور ما أخذ عنوانا لموضوعه ـ وهو
الخمر في المثال ـ في الطبيعة المرسلة المنطبقة على كلّ مصداق يكشف عن اشتمال
__________________
كلّ واحد من
مصاديقه على تلك المفسدة ، ويدفع الاحتمال الثاني ، ويتمّ الانحلال المتقدم توضيحه
بذلك ، ففي المقام أيضا يطّرد جميع ذلك ، إذ بعد ما عرفت من استناد
المانعيّة ومنشأ انتزاعها إلى عدم صلاحيّة غير المأكول وأشباهه لوقوع الصلاة فيه
بعنوانه المرسل المنطبق على آحاد مصاديقه ، فأيّ فرق يعقل بين
موضوعيّته لتقييد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، وموضوعية الخمر لحرمة شربه؟ وهل بين
تعلّق الطلب النفسي المولويّ بعدم الخصوصيّة الوجودية المانعة وتعلّقه بالعنوان المحرّم النفسي
__________________
فارق آخر سوى كونه
من جهة القيديّة في أحدهما واستقلاليا في الآخر؟ وهل يعقل أن يكون ذلك موجبا لقيديّة
العنوان البسيط المساوق لمحمول المعدولة أو مانعا عن الانحلال المتقدّم توضيحه؟
فإن قلت : توهّم
كون القيد عنوانا بسيطا مساوقا لمحمول المعدولة وإن كان واضحا فساده ، لكنّ انحلال
السلب الكلّي في أبواب القيود وقياسه بالنفسيّات في ذلك أيضا ظاهر منعه ، لأنّ
مناط هذا الانحلال هو اشتمال كلّ واحد من وجودات الموضوع على ملاك حكمه ، وهذا في القيود
لا سبيل إلى دعواه ، إذ مقتضى كون القيد العدمي متوقّفا تحققه على انتفاء ما قيّد
__________________
المطلوب بعدمه
كليّا ، واستناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها ، ومع
التعاقب إلى خصوص السابق منها ولغويّة اللاحق هو قيام ملاك المانعيّة بصرف وجود
الموضوع بالمعنى المنطبق على السلب الكلّي ، ويكون هو القيد بنفسه دون آحاده ، والتحرّز عن مجموع
الوجودات محصّلا له ، ويرجع الأمر في موارد الشبهة إلى تردّد المحصّل الخارجيّ
دون نفس متعلّق التكليف بين الأمرين .
قلت : بعد أن لا
سبيل إلى دعوى قصور في أدلّة أبواب
__________________
الموانع ـ خصوصا
ما نحن فيه ـ عن الدلالة على استقلال كلّ واحد ممّا ينطبق على عناوين
موضوعاتها في المانعيّة ملاكا وخطابا ، فالخروج عن ذلك يتوقّف على قيام دليل يكون
من قبيل القرينة المنفصلة على خلاف ظواهر الأدلّة ، ولو قام دليل على أنّ الاضطرار
إلى لبس شيء منها في حال الصلاة يوجب السقوط كليّا ـ لا متقدّرا بمقداره ـ كان
ذلك كاشفا عمّا ذكر من قيديّة نفس السلب الكلّي ، لكن لا عين ولا أثر لهذا الدليل ، بل ما دلّ بعمومه
على أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها
__________________
قاض بخلافه ، وقد تسالموا في
المقام وأشباهه أيضا على ذلك ، ولا بدعوى قيام دليل آخر على ثبوت تكليف جديد بعد خروج السلب
الكلّي بالاضطرار إلى بعض الوجودات عن القيديّة ، بل جريا منهم على ما يقتضيه
أدلّة المانعيّة .
وأمّا ما ذكر
موجبا للخروج عن ظواهر الأدلّة وكاشفا عن قيديّة نفس السلب الكلّي فكلّه
بمعزل عن ذلك :
أمّا التوقف على
انتفاء ما قيّد المطلوب بعدمه كليّا فاستناده إلى الارتباطيّة ظاهر ، ولذا يطّرد في
القيود المتباينة أنواعها
__________________
أيضا ، ويدور مقدار
الكليّة المعتبرة من هذه الجهة مدار مقدار القيديّة ، ويخرج ما سقطت قيديّته بالاضطرار عن
الدائرة ، وأين هذا عن قيديّة نفس السلب الكلّي؟ وهل هو إلاّ من لوازم الانحلال
والارتباطيّة؟
وأمّا استناد
الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها ، ومع التعاقب إلى
السابق منها فمنافاته لكون القيديّة انحلاليّة وإن توهّمه غير واحد من أفاضل من
عاصرناهم ، بل كانوا
__________________
في حيص وبيص في جريان البراءة
في المقام من ذلك ، لكنّه مدفوع :
أوّلا بالنقض بما
إذا كانت الوجودات المتقارنة أو المتعاقبة متباينة في أنواعها .
وثانيا بالحلّ ،
فإنّ المقيّد بعدم الخصوصية المانعة ليس هو الشخص الخارجي كي يكون عدم قابليّته
لأن يتعدّد أو يتكرّر فساده موجبا لخروج الأنواع المتباينة ـ فضلا عن أشخاص نوع واحد ـ
عن المانعيّة المطلقة ، وإنّما المقيّد بذلك هو الطبيعة
__________________
المأمور بها ،
ويدور كون السلب الكلّي قيدا بنفسه أو كونه انحلاليا مدار قيام المنافاة لملاك
حسنها بصرف وجود الموضوع ، بحيث لو ارتفعت عن شخص ارتفعت كليّا ، أو قيامها بأشخاص
وجوداته بحيث لا ترتفع عن كلّ واحد منها إلاّ بما يوجب ارتفاعها عن شخص نفسه ، وينحصر الكاشف
الإنّيّ عن ذلك بكون
__________________
__________________
السقوط بالاضطرار
إلى البعض كليّا أو متقدّرا بمقداره ، وإذ قد عرفت أنّ المتعيّن هو الثاني فاحتمال
قيدية السلب ساقط من أصله.
وأمّا فساد الفرد فليس إلاّ عبارة
أخرى عن خروجه عن الانطباق على الطبيعة المأمور بها ، وظاهر أنه لو تعدّد ما يوجب
ذلك كان مستندا إلى الجميع بنسبة واحدة ـ لا محالة ـ كما هو
__________________
الشأن في أشباهه ، ولو سبق فساده
لبعض ذلك فهل هو إلاّ كالسابق فساده لسبق مانع من نوع آخر؟ وهل
اللاحق حينئذ إلاّ كالوارد على فعل آخر أجنبيّ عن المأمور به؟ وهل
بين عدم التأثير في فساده حينئذ وبين الانحلال وعدمه إلاّ بعد المشرقين؟.
وبالجملة فالذي
ينافي الانحلال ويكشف عن قيديّة نفس السلب الكلّي هو عدم تأثير المسبوق بمثله للفساد إذا لم
يؤثّر السابق في فساده لسقوط القيديّة بالنسبة إليه ـ كما عند
__________________
__________________
الاضطرار ـ ، لا
مع بقاء القيديّة بالنسبة إلى السابق بحالها ، وخروج الفرد بسبقه عن
الانطباق على المأمور به ، ولعلّ أن يكون الخلط بين الصورتين قد أوجب هذا
الوهم ، فلا تغفل.
ثم لو سلّم عدم قابليّة
القيود العدميّة لأن تكون انحلاليّة ، وبني على قيديّة نفس السلب الكلّي دون آحاده
، فأقصى ما يقتضيه ذلك ـ بعد أن لا مجال لرفع اليد عن موضوعيّة العنوان الخارجي
__________________
الناشئ ملاك
المانعيّة عن وجوداته ـ هو جريان كلّ واحد منها مجرى الجزء لما قيّد الصلاة
بعدم وقوعها فيه ، إمّا حقيقة بناء على موضوعية مجموع الوجودات لذلك ـ كما هو
المتعيّن فيما كان من أدلّة المانعيّة بصيغة العموم اللغوي بعد تعذّر الحمل
على الاستغراقي كما هو المفروض ـ ، أو حكما بناء على أن يكون الموضوع هو الطبيعة بلحاظ
صرف وجودها بمعناه الانبساطي
__________________
الجامع لجميع
وجوداتها ـ وهذا هو المتعيّن في مطلقات الباب بعد تعذّر الحمل على الطبيعة المرسلة
ـ ، ويتّحد نتيجة الوجهين . وعلى كلّ منهما فالخطاب النفسي المترتّب على موضوع كذلك وإن لم يتعدّد
بتعدّد وجوداته ، لكنّه لمّا كان في مقدار شموله تابعا لسعة وجود موضوعه ، وكانت
مصداقيّة كلّ مصداق
__________________
__________________
موجبا لزيادة في
شمول ذلك التكليف فيرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في تلك الزيادة ـ لا
محالة ـ ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقل والأكثر.
وبالجملة فرجوع
الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث وأشباهه إلى تردّد نفس متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجية بين
الأمرين وإن كان على ما أوضحناه من الانحلاليّة أظهر ، لكن لا يدور مدارها ، بل
يطّرد على تقدير عدمها وقيديّة نفس السلب الكلّي أيضا ، ويكون حاله عند قيديّته
كحاله عند. مطلوبيّته النفسيّة ، كما في باب النذر وأخويه ـ بناء على ما هو
المتسالم عليه عند الأصحاب ـ ، فكما أنّه لو نذر أن لا يشرب ماء دجلة ـ مثلا ـ فبمجرّد
تعمّد شربه يحنث ، وتلزمه كفارة واحدة ، ويسقط الخطاب المتوجّه إليه من جهة نذره
لانتفاء ما يوجب انحلاله ـ حذو المحرّمات الذاتية ـ ، لكن لو تردّد
ماء خاصّ بين أن يكون من
__________________
__________________
دجلة أو غيرها
فمرجع ذلك إلى الشكّ في شمول ذلك التكليف للمشتبه المذكور وعدمه ، لا إلى الشكّ في
الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مقدار شموله ، إلاّ بإخراج ماء دجلة عن كونه بلحاظ
المرآتيّة لما ينطبق عليه موضوعا لهذا الحكم ، وإرجاع المكلّف به إلى عنوان بسيط يتحصّل
بالتحرّز عن وجودات ماء دجلة ، وهو خلاف غرض الناذر ، وأجنبيّ عمّا تعلّق به نذره
وإن
__________________
كان لازما عقليا
للمنذور ومسبّبا توليديا له ، فكذلك المقام أيضا لو بني على قيديّة نفس السلب الكلّي
ومنع عن انحلاله ، إذ ليس هو إلاّ عبارة عن مجموع الأعدام أو عدم المجموع ، فيرجع الأمر
في موارد الشبهة إلى تردّد نفس متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ
والأكثر على كلّ تقدير ، ولا سبيل إلى إرجاع الأمر إلى باب العنوان والمحصّل إلاّ
بعزل العنوان الخارجي الناشئ عنه ملاك المانعيّة عن موضوعيّته لهذا الحكم ، وإرجاع
القيد إلى ما يساوق محمول المعدولة ، وقد اتضح أنّه لا مجال لدعواه.
هذا كلّه بناء على
ما هو المختار من المانعيّة.
وأمّا على القول
بالشرطية فبعد أن قام الإجماع ، بل قضت الضرورة بصلاحيّة ما أنبتته الأرض بأنواعه
في عرض أجزاء المأكول لوقوع الصلاة فيه ، فإن جمع بين الأمرين بتعميم موضوع
__________________
الشرط للقدر
المشترك بين الجميع ـ كما تكلّفه بعضهم ـ كان القدر المشترك المذكور كغيره من
القيود الوجوديّة اللازم إحرازها والشبهة راجعة إلى الشكّ في الامتثال على كلّ
حال.
ولو التزم
بالتكلّف الآخر ، وقيّدت شرطيّة المأكوليّة بما إذا كان اللباس ـ مثلا ـ من أجزاء
الحيوان ـ كما صنعه الآخرون ـ كانت الحيوانيّة حينئذ بالنسبة إلى قيديّة
المأكوليّة جارية مجرى شرط الوجوب ـ كما أوضحناه ـ ، ويرجع الأمر
عند العلم بها والشكّ في المأكوليّة وعدمها إلى الشكّ في تحقّق القيد المعلوم
تقيّد المطلوب به ، وعند الشكّ فيها ثمّ الشكّ في المأكوليّة وعدمها أيضا على
تقديرها إلى تردد المكلّف به من جهة الشبهة الخارجيّة بين
__________________
الأقلّ والأكثر ،
ويتّجه التفصيل الأخير ـ المتقدّم نقله عند تحرير الأقوال في المسألة ـ بعد ما
سنحقّقه من الكبرى آنفا. وكيف كان فقد عرفت أنّه لا أساس ولا محصّل للقول
بالشرطيّة في المقام على كلّ تقدير ، وهذا تمام الكلام في الصغرى.
المبحث الثاني : ـ
في تنقيح الكبرى.
ولباب ذلك هو
أنّهم قد عقدوا في كلّ من مباحث الشبهات الوجوبيّة والتحريميّة بابا مستقلا للبحث
عن جريان البراءة فيما إذا كان الشكّ في وجوب شيء أو حرمته ناشئا عن الشبهة
الخارجيّة ، بلا تعرض منهم لتنقيح الضابط في ذلك ، لكنّهم اقتصروا في مباحث الارتباطيات على ما كان
تردّد الواجب بين الأقل والأكثر
__________________
ناشئا عن الشبهة
الحكميّة أو المفهوميّة ، وأهملوا هذا القسم بالكليّة ، حتّى أنّ ظاهر عنوان المسألة الرابعة التي
عقدها شيخنا أستاذ الأساتيذ ( نوّر ضريحه ) في ذلك الباب ، وبعض ما أورد فيها
من الأمثلة وإن كان ينطبق على ذلك ، لكنّ الذي يظهر ممّا أفاده برهانا
على وجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التي عقد تلك المسألة لبيان حكمها من (
أنّ متعلّق التكليف مبيّن معلوم
__________________
تفصيلا لا تصرّف
للعقل والنقل فيه ، وإنما الشكّ في تحققه في الخارج والأصل عدمه ، والعقل أيضا
مستقلّ بوجوب الاحتياط مع الشك في التحقّق ) ، هو قصر نظره في تلك المسألة بما إذا
رجعت الشبهة إلى المحصّل الخارجي ، وتردّد هو بين الأمرين ، لكن لا يخلو تنزيل بعض ما أورد
فيها من الأمثلة على ذلك من التكلّف .
__________________
وكيف كان فالمهمّ
في المقام هو تنقيح أنّه بعد الفراغ عن جريان البراءة في الارتباطيات فهل يقصر ما
يدلّ عليها عن الشمول للشبهة الموضوعيّة المذكورة ، أو أنّه يعمّها والشبهات
الحكميّة والمفهوميّة بجامع واحد ـ كما في النفسيّات.
فنقول : إنّ مدرك
جريان البراءة في جميع مجاريها لا يخلو إمّا أن يكون هو استقلال العقل بمعذورية
الجاهل ، وعدم كون الحكم الشرعي بنفس وجوده الواقعي علّة لاستحقاق
عقاب المخالفة ، أو يكون هو عموم ما يدلّ على رفع كلّ مجهول هو من
مجعولات الشارع ، وبيده زمامه ، وقابل للتصرّف التشريعي فيه
__________________
بوضع أو رفع أو
تنزيل أو غير ذلك من وجوه التصرف الظاهري.
وواضح أنّه لا
توقّف لتحقّق موضوع كلّ من الحكم العقليّ والنقليّ المذكورين إلاّ على الجهل
بمجعول شرعيّ يترتّب العقاب على مخالفته ، ويقبل الوضع والرفع الظاهري الشرعي
بنفسه ، ولا مدخليّة لخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة أخرى في موضوع شيء من الحكمين ،
لا من حيث أسباب الجهل ، ولا أنحاء
__________________
المجعول ، ومن هنا لم يخالف أحد في
جريانها في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة مطلقا ، وإن خالف الأخباريّون في الحكميّة التحريميّة زعما لقيام
أدلّة خاصّة على وجوب الاحتياط فيها بالخصوص ، لا منعا لتماميّة أدلّة البراءة عند
مجهوليّة التكليف واقعا وظاهرا ، وإلاّ لم يعقل التفصيل في ذلك بين الشبهة في نفس
الحكم وموضوعه ، ولا بين كونها وجوبيّة أو تحريميّة ـ كما لا يخفى.
وعلى هذا ففي
الارتباطيات إمّا أن نقول بتماميّة كلّ من البراءة العقليّة والشرعيّة ، نظرا إلى
أنّه بعد رجوع قيديّة القيود أيضا ـ كالاستقلاليّات ـ إلى المجعولات الشرعيّة القابلة
__________________
لأنحاء التصرف
الظاهري المجعول بالأصول الظاهريّة ، واستناد العقاب المترتّب على
عصيان الخطاب من جهة كلّ واحد من القيود إلى قيديّته ، ووقوعه بهذا
الاعتبار في حيّز التكليف بالمقيد ، فلا مجال حينئذ للمنع عن
صلاحيّتها في حدّ نفسها ـ عند الجهل بها ـ لجريان كلّ من الحكم العقلي والنقلي
المذكورين فيها ، وتماميّة ذلك بحسب المقتضي ، وينحصر ما يصلح مانعا عن ذلك في
العلم بالتكليف المردّد متعلّقه بين الأمرين ، وبعد العلم
__________________
التفصيلي بتعلّق شخص ذلك
التكليف بالأقلّ على كلّ تقدير ، وسقوط الأصول النافية فيه بذلك ، ورجوع الأمر بالنسبة
إلى الخصوصيّة المشكوكة إلى الشكّ في تعلّق التكليف المذكور بها أيضا وعدمه ـ كما
هو ضابط كون الشبهة بدويّة يجري فيها الأصل العقلي والشرعي ـ لا إلى كونها هي المتعلّقة للتكليف المعلوم أو طرفها الآخر ـ كما هو
الضابط في طرفيّة الشبهة للعلم الإجمالي الموجب لسقوط الأصول النافية بالمعارضة ،
كما حرّر في محلّه ـ ،
__________________
فلا جرم ينحلّ هو حينئذ إلى معلوم
تفصيليّ ومشكوك بدويّ ، ويخرج بذلك عن صلاحيّة المنع عن جريان كلّ من الحكمين فيما
عد المتيقّن وقوعه في حيز التكليف ، كما في سائر موارد الانحلال ، فإنّ تمام
موضوعه وملاكه الدائر هو مداره ـ على ما حقّق في محلّه ـ هو تبيّن
التكليف ـ الممكن كونه هو المعلوم الإجماليّ ـ في بعض الأطراف
، وسلامة الأصل الجاري في الآخر
__________________
__________________
عمّا يوجب السقوط
والطرفيّة ، وهو بعينه متحقّق في محلّ البحث ـ كما لا يخفى.
وإمّا أن نستند في ذلك إلى خصوص
ما يدلّ على البراءة الشرعيّة ، ونمنع عن جريان الحكم العقليّ المذكور لمنع كفاية
مجرّد العلم بتعلق التكليف المذكور بالأقلّ في الانحلال العقليّ المتوقّف عليه
تماميّة البراءة العقليّة ، نظرا إلى أنّه ـ بعد استقلال العقل بعدم جواز
الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عند قطعيّة
__________________
__________________
التكليف ـ فلا
يكاد أن يتمّ الانحلال العقلي بمعلوميّة التكليف في بعض الأطراف ، ويندرج الآخر في
مجاري البراءة العقليّة إلاّ مع عدم استلزامه لهذا المحذور ، ولا يكاد
يتحقّق ذلك إلاّ مع كون
__________________
المعلوم التفصيلي
بحيث لا يتوقّف القطع بموافقته على انضمام المحتمل الآخر إليه ، وإطلاقه بالنسبة إليه ،
وإلاّ فمع إهماله من هذه الجهة ، وتردّده بين أن يكون بالنسبة إليه على وجه
الإطلاق أو التقييد ـ كما هو الحال في الارتباطيات ـ فلا يكاد يتحقّق القطع
بموافقة القدر الثابت مع عدم انضمام المحتمل الآخر إليه ، فضلا عن أن يوجب
الانحلال ، بل ليس إجمال العلم هاهنا إلاّ عبارة أخرى عمّا ذكر من
الإهمال ، فلا يعقل أن يجعل نفس القضيّة
__________________
المهملة موجبة
للانحلال.
لكن بعد أن لا
مجال للمنع عن شمول دليل الرفع لقيديّة الخصوصيّة المشكوكة على حدّ شموله
للنفسيّات ، ووضوح أنّ الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عن التكليف القطعي وإن كان
مانعا عن تماميّة البراءة العقليّة ـ كما قد عرفت ـ ، لكنّه لا يصلح مانعا عن
جريان شيء من الأصول الشرعية حتى مع عدم تكفّلها لما يوجب خروجها عن كونها احتمالية إلى كونها في الظاهر
قطعيّة ، فضلا عمّا إذا تكفّل لذلك ـ كما في مثل المقام ـ ، فلا جرم يرتفع
__________________
متحقق في المقام ،
هذا.
قيديّة المشكوك في
الظاهر ، ويؤول الأمر إلى إطلاق ظاهري في المعلوم التفصيلي ـ لا محالة ـ ، ويجري الارتباطي مجرى
غيره في الظاهر ، ويتمّ الانحلال من ضمّ هاتين المقدّمتين . وتمام الكلام في
ذلك موكول إلى محلّه ، وإنما تعرّضنا لهذا المقدار ـ مع خروجه عمّا كنّا بصدده ـ تنبيها
على المبنى.
وعلى كلّ حال فقد
عرفت أنّ ملاك جريان البراءة في الارتباطيات وتمام موضوعها إنّما هو الجهل بتقيّد
المطلوب
__________________
بخصوصيّة وجوديّة
أو عدميّة أخرى زائدة على ما علم دخله فيه ، من دون فرق في ذلك بين استناده إلى الجهل بما من شأنه
الأخذ من الشارع ـ كما في الشبهات الحكميّة والمفهوميّة ـ أو إلى الجهل
بالانطباق الخارجي الموجب لدخل خصوصيّة أخرى في المطلوب ـ كما في محلّ البحث
وأشباهه .
وتوهّم عدم
جريانها في خصوص الأخير لا بدّ وأن يرجع إمّا إلى دعوى قصور في المقتضي بأن يدّعى
اختصاص حكم العقل بعذريّة الجهل ، وقصر مفاد دليل الرفع بخصوص القسمين الأوّلين .
__________________
أو إلى دعوى وجود
المانع بأن يدّعى كفاية العلم بالكبرى المتلقّاة من الشارع في اتّصاف القيديّة المترتّبة على كلّ
واحد من الانطباقات بالمعلوميّة ، والخروج عن موضوع حكم العقل والنقل بالبراءة.
وكلّ منهما ـ مضافا
إلى اطّراده في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة ، بل واطّراد الأخير في الشبهات المفهوميّة أيضا بقسميها ـ لا يخفى فساده :
__________________
أمّا الأوّل فهو
بالنسبة إلى عموم دليل الرفع ظاهر ، لأنّه تخصيص لا موجب له ، وعموم الدليل ينفيه ، وكذا بالنسبة
إلى حكم العقل بمعذوريّة الجاهل بعد تسليم جريانه عند الجهل بالقيديّة أيضا ـ كما هو المفروض
ـ ، فإنّ حكمه بذلك وإن كان
__________________
__________________
بالنسبة إلى ما
علم سكوت المولى عنه وشكّ في دخله في
__________________
غرضه الواقعي لملاك خاصّ لا يطّرد في غيره
، لكن بعد عدم اختصاص عذريّة الجهل بخصوص هذا القسم واطّرادها فيما إذا احتمل
اختفاء البيان أيضا ـ ولو باعتبار الاشتباه في مفهوم اللفظ ـ فليس حكمه بذلك لملاك
خاصّ يوجب المعذوريّة في خصوص ما لا بدّ فيه من الرجوع إلى الشارع كي يختص
بالقسمين الأوّلين ، وإنّما هو لملاك مطرد هو توقّف تمامية الإرادة التشريعية
ـ في مرحلة التأثير في بعث المكلّف وزجره ـ على وجودها العلمي ، وقصورها ـ بنفس
وجودها الواقعي وصدورها عن المولى ـ عن صلاحية التأثير في ذلك ، فيكون العقاب
حينئذ على عدم الانبعاث أو الانزجار عمّا هو قاصر بنفسه عن التأثير في البعث
والزجر ـ ظلما يقبح عن المولى صدوره ، فهذا هو ملاك استقلال العقل بمعذوريّة
الجاهل وقبح المؤاخذة على المجهول ، واطّراده في جميع أقسام الجهل بالحكم الشرعي
وعدم اختصاصه بقسم خاصّ منه ممّا لا
__________________
خفاء فيه.
وأمّا الثاني فهو أوضح فسادا
من سابقه ، إذ بعد ما عرفت من أنّ انحلال الكبرى الشرعية فيما يرجع إلى القسم الثالث بالنسبة إلى آحاد
وجودات موضوعه إلى حكم خاصّ استقلالي أو على وجه القيدية مترتّب على شخص موضوعه ،
وأنّ التكليف الذي يتوجّه إلى المكلّف ، ويقبل الوضع والرفع ، ويترتّب عليه عقاب
المخالفة هو عبارة عن آحاد تلك الخطابات التفصيلية المنحلّة تلك الكبرى إليها دون
نفسها ، إذ هي ليست إلاّ إنشاء لها على سبيل الإجمال ، فلا بدّ حينئذ في خروج كل
واحد منها عن موضوع حكم العقل والنقل بالبراءة من معلوميّة شخصه المتوقفة
__________________
على العلم بشخص
موضوعه ، ولا جدوى لمجرّد العلم بالكبرى الشرعيّة وحدها في ذلك.
وبالجملة فبعد
البناء على عدم مانعيّة العلم بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر عن جريان
البراءة بالنسبة إلى ما عدا المتيقن تعلّق التكليف به ، وكون الارتباطية كعدمها في
ذلك ، فلا جرم تجري الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث مجرى الشبهات الموضوعيّة
النفسية ، وكما أنّه لا مجال للمنع عن جريان البراءة فيها لا بدعوى القصور
في المقتضي ، ولا بدعوى مانعيّة العلم بالكبرى الشرعيّة ، فكذلك فيما نحن فيه ،
والتفصيل بينهما في كل واحد
__________________
من هاتين الجهتين
ممّا لا يرجع إلى محصّل.
وحاصل المقال أنّه
بعد ما أوضحنا من رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة
بين الأقلّ والأكثر على كلّ تقدير ، فهي تجري في الارتباطيّة ومعلومية التكليف
المردّد مجرى الشبهات الحكميّة
__________________
__________________
والمفهوميّة
الراجعة إلى تردّد المكلّف به بين الأمرين ، وفي العلم بالكبرى الشرعيّة وكون
الشبهة خارجيّة ـ ليس من شأنها الرجوع فيها إلى الشارع ـ مجرى الشبهات الموضوعيّة
النفسيّة ، وبعد الالتزام بجريان البراءة في كلا المقامين ، وعدم مانعيّة شيء من
هاتين الجهتين عن ذلك فلا يعقل أن يؤثّر اجتماعهما في ذلك ، وهل هو إلاّ كضمّ
المعدوم إلى المعدوم؟ وهل التفصيل بين المقامين والمقام والالتزام بجريان البراءة
فيهما دونه إلاّ من صرف التحكّم ، فلعلّ أن يكون ذهاب المشهور إلى عدم جواز الصلاة
في المشتبه ـ بعد ظهور كلماتهم في المانعيّة والتزامهم بجريان البراءة في كلا
المقامين ـ مبنيّا على منع الصغرى وتوهّم رجوع القيد إلى عنوان بسيط اختياريّ يحصل في الخارج
بالتحرّز عن مجموع الوجودات ـ كما يظهر من بعض تعبيراتهم ـ ، وهو وإن كان ـ بعد ما
تقدّم من عدم إمكان رفع اليد عمّا يدلّ على موضوعيّة العنوان المذكور بلحاظ
__________________
تقرّره الخارجي
لهذا الحكم ـ ممّا لا سبيل إليه ، بل وينافيه تسالمهم على لزوم
الاقتصار عند الاضطرار على مقدار الضرورة من حيث قضاء نفس الجهة المستتبعة
للمانعيّة بذلك ـ لا بدعوى قيام دليل آخر يوجب ذلك حسبما تقدم بيانه ـ ، لكنّه مع
ذلك فهو أهون من منع الكبرى ـ كما لا يخفى ـ ، وليس في إهمالهم لذكر هذا القسم في مسائل الباب
دلالة على منعهم عن جريان
__________________
البراءة فيه بعد
اطّراد الملاك واشتراكه ، فليكن تنقيحنا له استدراكا لما فاتهم ذكره من أقسام
تردّد الواجب بين الأقلّ والأكثر ، وكم ترك الأوّل للآخر ، وهذا هو تمام الكلام في
المقام الأوّل ، وتوضيح كون الشبهة المبحوث عنها من مجاري البراءة.
__________________
( المقام
الثاني )
في توضيح كونها من
مجاري أصالة الحلّ المعوّل عليها عند الشكّ في خصوص حلّية الشيء وحرمته ،
والمستفاد اعتباره من قول أبي جعفر ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ في رواية عبد
الله بن سليمان جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه : « كلّ ما فيه حلال
وحرام فهو لك حلال. إلخ » ، وقول أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ في
صحيحة عبد الله بن سنان : « كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال. إلخ » ،
وموثقة مسعدة بن صدقة : « كلّ شيء هو لك حلال. إلخ ».
ومحصّل الكلام في
ذلك : هو أنّها أيضا باعتبار شمول ما يدلّ على اعتبارها لمحلّ البحث
قاضية بعدم مانعيّة المشتبه وجواز
__________________
__________________
الصلاة فيه ، ولكن
لا بتقريب أنّ الشكّ في مانعيّة المشتبه لكونه مسبّبا عن الشكّ في حلّية ما أخذ
منه وحرمته وهو من مجاري أصالة الحلّ ، فقضيّة السببيّة والمسببيّة ـ حينئذ ـ هو
الحكم بعدم مانعيّته تبعا للحكم على ما أخذ هو منه بالحلّية ـ بمقتضى
هذا الأصل.
وذلك لأنّ تردّد
مثل الصوف المشتبه بين ما يجوز الصلاة فيه وما لا يجوز يكون ـ تارة ـ باعتبار
تردّده بين الأخذ من الحلال أو الحرام المعلوم كلّ واحد منهما والممتاز في الخارج
عن الآخر و ـ أخرى ـ باعتبار
تردّد ما علم أخذه منه بين الحلال والحرام .
ولا خفاء في أنّ
ما هو من قبيل القسم الأوّل فليس للشكّ
__________________
__________________
السببيّ فيه مساس
بمجاري أصالة الحلّ أصلا ، إذ ليس في البين حيوان مشتبه يشكّ في حلّيته وحرمته كي
يندرج في مجاري هذا الأصل ، وإنّما الشبهة راجعة إلى مرحلة أخذ الصوف من أيّ
الحيوانين المعلوم حلّية أحدهما وحرمة الآخر ، وواضح أنّها بمعزل عن ذلك .
ولا مجال لدعوى
استلزام هذه الشبهة للشكّ في حلّية ما أخذ منه هذا الصوف وحرمته وإجراء الأصل فيه بهذا الاعتبار ، لأنّ هذا
العنوان إذا لوحظ مرآة لما في الخارج فدعوى الاستلزام ممنوعة ، كيف وليس هو
خارجا عن الشخصين ، والمفروض عدم
__________________
__________________
تطرّق الشك في
الحلّية والحرمة بالنسبة إلى شيء منهما ، ولا يعقل أن يكون الشكّ في اتّخاذ هذا
الصوف من كلّ منهما موجبا للشكّ
__________________
__________________
في حلّيته وحرمته . وإن لو حظ من
حيث نفس هذا المفهوم المنتزع عن لحاظ الاتّصاف باتّخاذ هذا الصوف منه ، فهو وإن صحّ
دعوى الاستلزام ـ حينئذ ـ بهذا الاعتبار ، لكن بعد وضوح عدم صلاحيّة نفس المفاهيم الانتزاعيّة من
حيث أنفسها لا للاندراج في عموم الموصول أو الشيء الوارد في عناوين الأدلّة ، ولا للحكم
عليها بالحلّ والحرمة فلا جدوى في إحراز الاتّخاذ من
__________________
__________________
الحلال بهذا الأصل
لهذه المغالطة.
وأمّا ما يرجع إلى
القسم الثاني فهو وإن كان الأصل ـ حينئذ ـ قاضيا بحلّية الحيوان المشتبه المذكور
عند ترتّب أثر شرعيّ على حلّية الحيوان بالمعنى الممكن إحرازه بهذا الأصل ، ولو
باعتبار الصلاة في أجزائه مع عدم جريانه لأكل لحمه إمّا لخروجه عن
مورد الابتلاء ـ مثلا ـ أو لعدم إحراز تذكيته ـ ولو من جهة الشكّ في قبوله لها ـ أو
غير ذلك ، لكنّه ـ مع ذلك ـ فلا جدوى له فيما نحن فيه.
وتوضيح ذلك : أنّ
الأحكام الشرعيّة المترتّبة على المحرّمات الشرعيّة ـ مثلا ـ أو محلّلاتها تترتّب عليها تارة
باعتبار نفس ذواتها
__________________
__________________
من دون أن يكون
لاتّصافها بالوصف المذكور دخل في موضوع الحكم ، فيكون أخذه في لسان الدليل معرّفا للموضوع
. وأخرى باعتبار اتّصافه بها ، فيكون أخذه فيه عنوانا له .
ولا خفاء في أنّ
ما هو من قبيل القسم الأوّل فلا ترتّب فيه لأحد الحكمين على الآخر وإنّما يعرضان
في عرض واحد لموضوع واحد ، وكذلك الشكّ في أحدهما لا يتسبّب عن الشكّ في الآخر
وإنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في موضوعهما ، فإن كان هناك أصل موضوعيّ يوجب تنزيل
الموضوع فهو وإلاّ فلا جدوى للأصل الحكميّ القاضي بترتّب أحدهما في
ترتّب الآخر أيضا وإلغاء الشك فيه ، لا بنفسه ، ولا بتوسّط إثبات
__________________
__________________
الملزوم إلاّ على القول
بحجيّة الأصل المثبت.
وأمّا ما يرجع إلى
القسم الثاني فهو أيضا يتصوّر على وجهين : لأنّ أخذ وصف الحلّية أو الحرمة
الشرعيّة في موضوع حكم آخر يكون ـ تارة ـ باعتبار معناها الذاتيّ المجعول لذوات
الأنواع المحلّلة أو المحرّمة في حدّ ذاتها ونوعها ، والمحفوظ عند طروّ ما يوجب
الرخصة فعلا أو المنع كالاضطرار ـ مثلا ـ أو المغصوبيّة ، و ـ أخرى ـ باعتبار
معناها الفعليّ الذي هو عبارة عمّا ذكر من الرخصة أو المنع الفعليّ المقابل
والمنافي كلّ منهما للآخر بهذا الاعتبار ، والمجامع له بالاعتبار الأوّل .
ولا خفاء في
أنّهما ـ وإن اشتركا في كون الشكّ السببيّ في
__________________
كلّ واحد منهما من
مجاري أصالة الحلّ ـ ، لكن حيث إنّ غاية ما يستفاد ممّا يدلّ على اعتبار هذا الأصل
إنّما هو الرخصة في المشكوك بما هو مشكوك الحكم ، وعدم رعاية جانب الحرمة فيه ،
دون البناء على أنّه الحلال واقعا وحكمه الواقعيّ هو الحلّية ، كي يرجع إلى جعل
أحد طرفي الشكّ وإلغاء الآخر ـ كما هو لسان
__________________
الاستصحاب ـ مثلا
ـ ، فليس الحكم الظاهريّ المجعول بهذا الأصل ـ حينئذ ـ إلاّ من سنخ الواقعيّ
المجعول عند الاضطرار ـ مثلا ـ دون الذاتيّ المجعول للشيء في حدّ ذاته ، ولا
تكفّل له لجعل متعلّق الشكّ السببيّ وإلغاء الشك فيه إلاّ في خصوص القسم الأخير
خاصّة ، فلا يستتبع ارتفاع الشكّ المسبّبي ومجعوليّة متعلّقة إلاّ في خصوص هذا
القسم دون القسم الأوّل ، فإنّ مناط حكومة الأصل الجاري في أحد الشكّين على الآخر
وارتفاع موضوعه به إنّما هو كونه باعتبار تكفّله لتنزيل الملزوم مستتبعا لتنزيل
لازمه أيضا وإلغاء الشكّ فيه ـ لا محالة ـ ، لا من حيث نفس جريانه فيه مع عدم
تكفّله لذلك ، إذ لا يعقل أن يكون مجرّد موضوعيّة الشكّ
__________________
__________________
السببيّ لحكم
ظاهريّ موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له عليه أو رافعا للشك المسبّبي مع عدم تنزيله
لما يشكّ فيه.
وإذ قد عرفت ذلك
فلا يخفى أنّ أدلّة الباب بين طائفتين :
الأولى : ما علّق
فيه الحكم بمانعيّة الأجزاء على نفس الأنواع والعناوين المحرّمة كالأرانب والثعالب
والسمّور وغير ذلك.
والثانية : ما
علّق فيه على عنوان ( ما لا يؤكل ) أو على ( ما هو حرام أكله ) أو نحو ذلك.
ولا خفاء في ظهور
الطائفة الأولى ـ خصوصا مع انضمامها بما ورد من تعليل الحكم بالمسوخية ـ في ترتّب
المانعيّة في عرض حرمة الأكل على نفس تلك الأنواع من حيث عدم صلاحيّتها في حدّ
ذاتها لوقوع الصلاة في أجزائها ـ كعدم صلاحيّتها لأكل لحومها ـ ، لا من حيث كونها
محكومة بحرمة الأكل كي يترتّب أحد الحكمين على الآخر.
وأمّا الطائفة
الثانية : فكما يصلح الوصف فيها للعنوانيّة فكذا
__________________
يصلح للمعرّفية
أيضا ، فيحمل حينئذ على الوجه الأخير بقرينة الطائفة الاولى ـ لا محالة. بل لو سلّم لبعضها ـ كصدر
الموثّقة مثلا باعتبار التفريع الوارد فيها ـ ظهور في دخل الاتّصاف
بالوصف المذكور في موضوع الحكم ، فبعد أظهريّة الطائفة الاولى وكونها باعتبار ما
تتضمّنه من التعليل أبعد عن قبول الحمل والتأويل فلا مناص عن حمل
الوصف على المعرفيّة ويستقيم التفريع أيضا بذلك . وعلى هذا فلا
ترتّب بين الحكمين ولا سببيّة ولا مسبّبيّة
__________________
__________________
بين الشكّين وإنما
يتسبّبان في عرض واحد عن الشكّ في كونه من أفراد الغنم مثلا أو الأرنب ، وواضح أنّ
نفس الشكّ السببيّ حينئذ ليس بنفسه ومع قطع النظر عن استتباعه للشك في جواز
الأكل وعدمه من مجاري أصالة الحلّ ـ كما لا يخفى.
ثمّ لو سلّمنا
ظهور الأدلّة في ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل ، فغاية ما يسلّم من ذلك
إنّما هو ترتّبها عليه على الوجه الأوّل ، فإنّ هذا هو الظاهر من الحرمة والحليّة الموصوفة بهما
محرّمات الأنواع ومحلّلاتها دون الثاني ، وإلاّ لزم ـ مضافا إلى خروجه عن ظواهر أدلّة الباب ـ دخول ما لا
تحلّه الحياة من ميتة الغنم ـ مثلا ـ فيما لا تجوز الصلاة فيه ، وخروج ما اضطرّ إلى
__________________
أكله من الأرنب أو
الثعلب ـ مثلا ـ عنه ، والتالي باطل بالضرورة فكذلك المقدّم.
وبالجملة : فلا
مناص ـ بعد تسليم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل ـ عن الالتزام به على الوجه
الأوّل ـ ولو سلّم عدم ظهور الأدلّة فيه .
وعلى هذا فأصالة
الحلّ وإن كانت جارية في الشكّ السببيّ ، لكنّها باعتبار عدم تكفّلها لإلغاء الشكّ في ملزوم
المانعيّة فلا يعقل أن يستتبع إلغاء الشكّ فيها ـ كما قد عرفت ـ ،
فيبقى الشكّ في المانعيّة ـ حينئذ ـ بحاله ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه
الأصل فيه بالخصوص ، هذا.
ولا فرق فيما
ذكرنا بين أن يكون الشكّ في حلّية الحيوان
__________________
المشتبه من جهة
الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة ، إذ بناء على شمول ما يدلّ على اعتبار
هذا الأصل للشبهات الحكميّة أيضا فالشك في قابليّة النوع المشتبه للتذكيّة واقتضاء الأصل
الموضوعيّ عدمها ـ بناء على جريانه فيما إذا كان الشك فيها من جهة القابليّة أيضا ـ وإن لم يكن
مانعا عن جريان أصالة الحلّ لترتيب ما لا توقّف له من الآثار على تذكية الحيوان ـ كالصلاة
فيما لا
__________________
تحلّه الحياة من
أجزائه ونحو ذلك ـ ، لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يقتضيه الحكم بحلّية النوع
المشتبه بمقتضى هذا الأصل هي الرخصة في أكله ، دون اللحوق بالأنواع المحلّلة في حدّ ذاتها ونوعها ، كي
يترتّب عليه آثارها التي منها جواز الصلاة في أجزائها ، فيبقى الشكّ في
مانعيّة الأجزاء حينئذ بحاله ـ كما قد عرفت.
بل لو منعنا عن
أصل جريان أصالة الحلّ في الشبهات الحكميّة رأسا ، وقلنا بأنّ
الأصل فيها هو الحرمة إمّا لنفس كون الشبهة تحريميّة ـ كما عليه الأخباريّون ـ ، أو لأنّ
الأصل في الشبهة التحريميّة ـ وإن كان في حدّ نفسها هو الحلّ ـ إلاّ أنّ حصر
المحلّلات في الطيّبات في قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّباتُ ) ـ مثلا ـ يوجب انقلاب الأصل في المطعومات على حدّ غيرها
__________________
ممّا علّق فيه
الحلّ والإباحة على عنوان وجوديّ كالدماء والأموال والفروج وغير ذلك ـ كما هو ظاهر
المحكيّ عن المحقّق والشهيد الثانيين وشارح الروضة وبعض آخر ـ ، وإن كان لازم
هذا الوجه ـ على تقدير تماميّته ـ هو التعدّي إلى الشبهات الموضوعيّة أيضا وهم لا
يلتزمون بذلك.
__________________
وكيف كان ، فغير
خفيّ أنّه بناء على أصالة الحرمة في الحيوان المشتبه لإحدى هاتين الجهتين فليس مفادها على
كلّ منهما إلاّ على مفاد أصالة الحلّ ، وكما قد عرفت أنّها لا ترجع إلى إلغاء ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاءها فكذا لا ترجع هي أيضا إلى تنزيله كي يستتبع
تنزيلها ، فيبقى الشك في المانعيّة على هذا القول أيضا بحاله ـ حذو ما سمعت.
__________________
__________________
ومن ذلك كلّه فقد
ظهر أنّه لقد أجاد المحقّق الأردبيلي 1 فيما أفاده في شرح الإرشاد : من أنّ حكمهم
بتحريم المشتبه ـ على تقدير التسليم ـ إنّما يوجب اللحوق بالمعلوم في أكل اللحم فقط
، لا في جميع الأحكام . وأنّ ما صنعه بعض الأعلام في رسالته
المعمولة في المسألة ـ من إخراج الصوف المأخوذ من المشتبه على كلّ
من القولين عن حريم هذا النزاع وإلحاقه بالمأخوذ من الحلال أو الحرام المعلومين ، تمسّكا بقضيّة
__________________
__________________
السببيّة
والمسببية ، رادّا بها على ما أفاده المحقّق المذكور ـ ممّا لا يليق
بمثله الخبير بمجاري الأصول.
وبالجملة : فحديث
السببيّة والمسببيّة أجنبيّ عن المقام ، أو أنّه لا جدوى له ، وليس التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث مبنيّا عندنا
على ذلك.
ولا مبنيّا على
إحراز الإباحة التكليفيّة المقابلة للحرمة
__________________
الذاتيّة أو
التشريعيّة بها ، وإحراز الصحّة الظاهريّة أيضا بذلك . كيف ولا بدّ في
تحقّق موضوع هذا الأصل من الجهة الاولى ـ وهي احتمال الحرمة الذاتيّة ـ من اتّصاف الصلاة في غير
المأكول الواقعي بها ، وليس إلى دعواه سبيل ، إذ لا دليل على ذلك عند اختلال ما عدا
الطهارة من القيود ، وعلى تقدير صحة التعدّي بدعوى قطعيّة
المناط واطّراده فالحرمة مترتّبة على
__________________
المانعيّة دون العكس ـ كما
لا يخفى ـ ، فلا جدوى لإحراز الحلّية المقابلة لها بهذا الأصل في
إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على القول بحجيّة
الأصل المثبت.
ومن الجهة الثانية
أوضح فسادا من سابقه ، إذ بعد تحقّق موضوع القبح العقليّ والتشريع المحرّم بنفس الشكّ في
__________________
__________________
المشروعيّة سواء كان باعتبار
الشكّ في أصل التشريع ـ كالنافلة الرباعيّة مثلا ـ أو من جهة
الشكّ في الانطباق على المشروع ـ كما فيما نحن فيه وأشباهه ـ ، فلا مجال لأن
يتردّد التعبّد به بين الحلال والحرام كي يتحقّق موضوع هذا الأصل.
أمّا على ما هو
التحقيق في باب التشريع ـ من دوران حرمته الواقعيّة مدار انتفاء ما يوجب الاستناد
إلى الشارع ، لا مدار عدم
__________________
المشروعيّة النفس
الأمريّة ـ فظاهر ، لعدم انفكاك الشكّ فيها ـ حينئذ ـ عمّا فرض موضوعا واقعيا
لحرمة التعبّد ، فلا يعقل أن يتطرّق الشكّ فيها كي يندرج في مجاري هذا الأصل ، أو
يتشبّث في إحراز عدم المشروعيّة الواقعيّة بأصالة عدمها ، كيف ومع الغضّ عن انتفاء الحالة
السابقة فيما ينشأ الشكّ فيها عن الشكّ في الانطباق ـ كما في نظائر
المقام ـ ، واختصاصها بما إذا كان ناشئا عن الشكّ في أصل التشريع ، فمقتضى عدم
دوران حرمة التعبّد أو جوازه مدار المشروعيّة النفس الأمريّة وعدمها هو عدم ترتّب
أثر على هذا الأصل أصلا ، لا باعتبار حرمة التعبّد وهو
__________________
ظاهر ، ولا باعتبار
كون المؤدّى ممّا تناله بنفسه يد الجعل فإنّه إنّما يجدي في جريان الأصل لإحراز عدمه إذا لم يكن
البناء العمليّ الذي هو المجعول بالأصول حاصلا بنفس الشكّ وجدانا ، وإلاّ فيرجع
التعبّد به ـ حينئذ ـ إلى تحصيل الحاصل وإحراز ما هو
__________________
محرز وجدانا
بالتعبّد ، وهو ـ كما ترى ـ ممّا لا يرجع إلى معنى محصّل معقول. وحيث إنّ بناء
العمل على عدم المشروعيّة النفس الأمريّة ليس إلاّ عبارة عن عدم التعبّد الحاصل
بنفس الشكّ وجدانا فعدم معقوليّة جعله التعبّديّ ـ حينئذ ـ أوضح من أن يخفى.
نعم لو قيل بأنّ
المحرّم الواقعيّ في باب التشريع هو التعبّد بما لم يتعبّد به الشارع في نفس الأمر
، وأنّ استقلال العقل بقبح التعبّد بالمشكوك لكونه إقداما على ما لا يؤمن من
الوقوع فيه ، لا لأنّه القبيح الواقعيّ ـ كما هو أحد الاحتمالين في ارتكاب محتمل
الضرر ونحوه ممّا يستقلّ العقل بقبح الإقدام عند الشكّ ـ ، فتدور الحرمة الواقعيّة
ـ حينئذ ـ مدار المصادفة ، وإلاّ فيجري مجرى التجرّي اتّجه جريان
الاستصحاب حينئذ وحكومته على هذا
__________________
الحكم العقليّ ، لكونه على هذا المبنى
كسائر القواعد الظاهريّة المقرّرة لمرحلة التحيّر ، فيرتفع موضوعه بالأصل القاضي
بتنزيل المتعلّق ـ كما في قاعدة الطهارة مثلا بالنسبة إلى استصحابها.
لكنّه لا يجدي في
جريان أصالة الحلّ ، لأنّ الشكّ في المشروعيّة النفس الأمريّة وإن كان مستتبعا ـ حينئذ
ـ للشكّ في حرمة التعبّد أو جوازه ـ لا محالة ـ ، لكن بعد استقلال العقل بحكم طريقيّ بنفس الشكّ في
المشروعيّة واستتباعه لحكم ظاهريّ بقاعدة الملازمة ، فلا جرم تكون الحرمة ـ حينئذ ـ معلومة ،
ويرتفع بذلك موضوع أصالة الحلّ ، ولا تصل النوبة
__________________
إليها ولو مع عدم
جريان الأصل الموضوعيّ المذكور ـ كما في موارد الشكّ في الانطباق على المشروع.
وإن شئت قلت :
موضوع القاعدة هو الشكّ السببيّ وموضوع أصالة الحلّ هو الشكّ المسبّبي ، فلا جرم تكون
القاعدة ـ حينئذ ـ كأصالة الحرمة في النفوس والأموال مثلا حاكمة عليها ، بل
لو فرض اتّحاد الموضوع والمرتبة فلا بدّ من التخصيص ـ كما لا يخفى.
__________________
هذا كلّه ، مضافا
إلى أنّه لو سلّم قضاء الأصل بجواز التعبّد بما يشكّ انطباقه على المطلوب فلا جدوى له
في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وتطبيق المأتيّ به على المطلوب ، لكونه من الملزومات
المبنيّ إحرازها على حجيّة الأصل المثبت ، ولا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق والموافقة
الاحتماليّة حتّى على القول
__________________
بحجيّة الأصول
المثبتة أيضا ، إذ لا ملازمة بين الأمرين ـ كما لا يخفى.
وبالجملة : فليس
التمسّك بهذا الأصل عندنا مبنيّا على شيء من هذه الوجوه ـ حسبما استوفينا الكلام
فيه.
وإنّما بناء
الاستدلال على إجرائه في نفس الشكّ في مانعيّة المشتبه ، بدعوى رجوعه باعتبار منشأ
انتزاع المانعيّة إلى الشكّ في حليّة الصلاة فيه وحرمتها حقيقة ، واندراجه في
مجاري هذا الأصل بهذا الاعتبار ، ورجوع الحكم على نفس المشتبه والصلاة فيه بالحليّة
الظاهريّة إلى ترخيص ظاهريّ فيه من هذه الجهة ، ورفع القيديّة المحتملة عنه في الظاهر.
__________________
قال المحقّق
القميّ 1 في تقريب الاستدلال : ( كما أنّ اللحم المشترى من السوق الذي هو مطابق لجنس
اللحم القابل لكونه كلاّ من النوعين نوعان قابلان لأن يحكم على كلّ منهما بما حكم
به الشارع وعلم منه حكمه ، فكلّ فرد من أفراد هذا الجنس يحكم بحليّته بمقتضى هذا
الحديث حتّى يعلم أنّه بعينه الحرام ، فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا
تحلّ الصلاة فيه وبعضها ممّا تحلّ ، فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتّى يعرف أنّه
ممّا لا تحلّ ، والحلّ والحرمة تابعان لما قصد من الموضوعات من جملة أفعال
المكلّفين ، ففي بعضها يراد الأكل ، وفي بعضها اللبس ، وفي بعضها الصلاة فيه وغير
ذلك ). انتهى موضع الحاجة ، ولا يخفى ما في صدر العبارة من التعقيد ، لكنّ المراد
غير خفيّ.
__________________
وكيف كان ، فمحصّل
التقريب هو : أنّ الموصول أو الشيء الوارد في عنوان الروايات لا يخلو إمّا أن
يراد به نفس الموضوعات المشتبهة الخارجيّة ، ـ كما هو الظاهر من لفظة الشيء
والتمثيل له في رواية مسعدة بالثوب ونحوه ، ومن ورود الموصول في رواية عبد الله بن سليمان جوابا عن
سؤاله عن الجبن المشتبه ـ ، فيكون المراد بالحلّ والحرمة ـ حينئذ ـ المعنى الوضعيّ
العارض لنفس الموضوعات الخارجيّة باعتبار ما يتعلّق
__________________
بها من أفعال
المكلّفين ، أو يراد به نفس الأفعال المشتبهة من حيث أنفسها ، أو باعتبار
تعلّقها بموضوعاتها المشتبهة ، فيراد
__________________
__________________
بهما المعنى الاقتضائي
اللاحق لأفعال المكلّفين وما يقابله من الرخصة والإباحة الخاصّة التي هي أحد
الأحكام الخمسة.
فعلى الأوّل يختصّ
جريان هذا الأصل بما إذا استند الشكّ في الحلّ والحرمة إلى تردّد موضوع خارجيّ بين
الأمرين .
وعلى الثاني يعمّ
ما إذا استند إلى تردّد المكلّف أيضا بين من يحلّ له الفعل أو يحرم عليه وغير ذلك .
وعلى كلّ منهما
فكما لا اختصاص لجريان هذا الأصل بما إذا كانت الحرمة المحتملة ـ على تقدير ثبوتها
الواقعيّ ـ عارضة
__________________
للشيء من جميع الجهات ،
فلا يكون له منفعة محلّلة أصلا ، أو من جهة دون اخرى ، بل يعمّ جميع الوجوه والاعتبارات التي منها الصلاة
فيه ، وعلى تقدير حمل الموصول والشيء على نفس الأفعال فالأمر في العموم أظهر .
فكذا لا اختصاص له
بما إذا كان المنع المذكور حكما نفسيّا وخطابا مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة
الذاتيّة ، بل يعمّ ما إذا كان من جهة القيديّة أيضا ،
لاشتراكهما جميعا فيما هو ملاك الاتّصاف بالحرمة الشرعيّة ـ وهو الوقوع في حيّز
التكليف العدميّ بأحد الوجهين ـ ، وخروج النفسيّة والاستقلال ، وكذلك الاستناد إلى
__________________
المبغوضيّة
الذاتيّة عن مدلول اللفظ لغة وعرفا ، فكما أنّ المائع المردّد بين الخلّ والخمر
مردّد هو من جهة شربه ، وكذا نفس شربه بين الحلال والحرام ، فكذلك الصوف ـ المردّد
بين ما قيّدت الصلاة بعدم الوقوع فيه وما رخّص إيقاعها فيه ـ مردّد هو ، وكذلك
الصلاة فيه بين الأمرين ، وكما أنّ الحكم على المائع المردّد ـ مثلا ـ أو شربه
بالحليّة يرجع إلى ترخيص فيه من الجهة المشكوكة ، فكذا في الصوف
المردّد ـ أيضا ـ يرجع إلى الترخيص من هذه الجهة ، ومرجعه إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب من
جهة الوقوع في المشتبه ، فيلزمه الصحّة والإجزاء الظاهري ـ لا محالة.
وحاصل التقريب
يتركّب من مقدّمات ثلاث :
الاولى : ـ رجوع
الشكّ في مانعيّة المشتبه باعتبار منشأ انتزاعها
__________________
إلى الشك في منع
الشارع عن إيقاع الصلاة فيه أو ترخيصه له ، وهذه المقدّمة هي بمنزلة الصغرى فيما
نحن فيه ، وعليها يبتنى التفرقة بين ما نحن فيه
وبين ما إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة في الاندراج في مجاري هذا الأصل وعدمه.
والثانية : ـ عدم
اختصاص ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل بما إذا كان المنع المشكوك فيه حكما مستقلا
ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة ، كي يختصّ الترخيص الظاهريّ الذي هو مؤدّى هذا
الأصل بالشبهات التحريميّة النفسيّة ، بل يعمّها وما إذا كان من جهة القيديّة أيضا
ـ كما نحن فيه وأشباهه ـ من حيث شمول لفظ الحرام الوارد في عناوين الأدلّة لهما على نمط
واحد.
والثالثة : ـ ترتّب
النتيجة ـ الصحّة الظاهريّة ـ على تعلّق
__________________
الترخيص الظاهريّ
بإيقاع الصلاة في المشتبه من جهة نفس الشكّ في مانعيّته بمقتضى هذا الأصل
، لا كما لو فرض جريانه من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ـ حسبما
تقدّم الكلام فيه.
أمّا المقدّمة
الأولى : ـ فالكلام فيها يقع ـ تارة ـ في رجوع الجهة المستتبعة للمانعيّة إلى المنع الشرعيّ المولويّ عن
إيقاع
__________________
الصلاة في آحاد ما
ينطبق على عنوان المانع في الخارج ، و ـ اخرى ـ في رجوع إطلاق المطلوب أيضا
بالنسبة إلى الأضداد الوجوديّة الواقعة طرفا للشبهة ـ كأجزاء المأكول مثلا أو القطن
أو الكتّان ـ إلى الرخصة الشرعيّة المقابلة للمنع المذكور.
أمّا الأوّل : فهو
ظاهر ممّا أسلفناه في المقام السابق ، إذ بعد انحلالها ـ كحرمة شرب الخمر مثلا ـ بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع
إلى تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه ، فوقوعه بهذا الاعتبار في حيّز التكليف
بالمقيّد وتعلّق نفس ذلك التكليف به من هذه الجهة ممّا لا خفاء فيه.
وبهذا يفترق ما
نحن فيه عمّا إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة ، إذ هي لكونها
واقعة في حيّز التكليف باعتبار الوجود
__________________
فهي جارية باعتبار
منشأ انتزاع جزئيّتها أو شرطيّتها مجرى الواجبات النفسيّة ، وليست هي متضمّنة لتعلّق
منع شرعيّ بالفاقد أصلا كي يندرج الشبهة بهذا الاعتبار في مجاري هذا الأصل ، ولو
فرض اندراجها فيها من جهة أخرى ملازمة لتلك الجهة كما لو شكّ في
حرمته الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة. وهذا
__________________
__________________
بخلاف الموانع
فإنّها جارية باعتبار نفس الجهة المستتبعة لمانعيّتها ـ كما قد عرفت ـ مجرى
المحرّمات النفسيّة مندرجة بهذا الاعتبار في جزئيّات الشكّ في الحرمة الشرعيّة
حقيقة.
ومن ذلك كلّه فقد
انقدح أنّ الاعتراض على التمسّك بهذا الأصل فيما نحن فيه ـ تارة ـ بابتنائه
على جريانه عند الشك في الحرمة التشريعيّة ، وهو ممّا لا سبيل إليه ، و ـ اخرى ـ بأنّه
لو سلّم جريانه فيما نحن فيه لاطّرد في باب الشكّ في الأجزاء والشرائط أيضا ،
لاتحاد المناط ، وحينئذ فإن التزم بذلك فيها أجمع لزم تأسيس فقه جديد ، وإلاّ فلا بدّ
من التخصيص الذي
__________________
لا يلتزم به أحد
ويستهجن جدا ـ إلى آخر ما أفاده دامت أيّامه ـ ، ممّا نشأ عن عدم إعطاء المقام من
التأمّل حقّه ، كيف وقد عرفت أنّه لا مساس لجهة اندراج الشبهة في مجاري هذا الأصل
بباب التشريع أصلا ، ولا للشكّ في تحقّق القيود الوجوديّة بباب الشكّ في الحرمة الشرعيّة من شيء ،
وأنّ بين البابين بونا بعيدا .
وأمّا الثاني : فلأنّ الحلّ
والإباحة وإن كانت من الأحكام الوجوديّة عندنا دون محض اللاحكميّة ـ كما ربما يتوهّم ـ ، إلاّ
__________________
__________________
أنّ حقيقتها إنّما
هي عبارة عن إرسال المولى وترخيصه فيما يتساوى وجوده وعدمه في غرضه ، وهذا ممّا لا
ينفكّ عنه إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ، بل هو
عبارة أخرى عنه في الحقيقة ـ كما لا يخفى ـ ، هذا.
مضافا إلى ظهور
موثّقة مسعدة في كفاية مجرّد الشكّ في
__________________
حرمة الشيء
وعدمها في تحقّق موضوع هذا الأصل ، وخروج سائر الروايات المفروضة فيها طرفيّة
الضدّ الخاصّ الوجوديّ للشبهة ـ باعتبار الورود مورد الغالب ـ عن صلاحيّة التقييد.
وأمّا المقدّمة
الثانية : فمحصّل الكلام فيها هو أنّ الحرام الوارد في عنوان الأدلّة سواء أريد به
المعنى الوضعيّ العارض لذوات الأشياء الخارجيّة من حيث تعلّق أفعال
المكلّفين بها ، أو الاقتضائيّ العارض لنفس الأفعال ، فليس هو إلاّ عبارة عمّا منع
عنه الشارع وحرم العباد عنه في عالم الجعل والتشريع ولو باعتبار بعض
ما يتعلّق به من الأفعال ـ كالصلاة فيه مثلا ـ ، فالجعل
__________________
التشريعيّ المقتضي
لذلك هو التحريم ، والمجعول الشرعيّ المعبّر عنه باسم المصدر هو الحرمة ،
ومعروضها هو الحرام ، والحلال ما يقابل ذلك. أمّا استناد المنع والترخيص المذكورين
إلى مبغوضيّة الشيء في حدّ نفسه وعدم مبغوضيّته كذلك ، أو استقلال الجعل المقتضي لذلك ،
فهو خارج عن مدلول اللفظ لغة وعرفا ، ويشهد لذلك الاستعمالات الواردة فيما نحن فيه وأشباهه في
لسان الرواة وجواب الأئمّة ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ بحيث يظهر منه أعميّة
حاقّ مدلول اللفظ عن القسمين ، لا لأجل تجوّز فيه : ـ فمنها : ما رواه الكليني 1 بإسناده عن أحمد
بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد ـ عليه أفضل الصلاة
والسلام ـ : هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ ، فكتب 7 « لا تحلّ الصلاة
في حرير محض ».
__________________
ومنها : ما عن
الفقيه مرسلا قال : سئل أبو جعفر وأبو عبد الله 8 فقيل لهما : إنّا
نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها ، أفنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟
فقالا 8 : « نعم إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه » ، فإنّ
ظاهر السؤال عن الصلاة فيه إنما هو باعتبار المانعيّة دون الحرمة النفسيّة ، فقوله
ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ « ولم يحرّم » مستعمل باعتبار متعلّقاته الثلاثة في القدر المشترك
بينهما ـ لا محالة ـ ، وهذا من أقوى الشواهد على أعميّة المدلول ،
وظهور السياق في وحدة المثبت والمنفيّ في قوله « حرّم » و « لم يحرّم » ممّا يؤكّد
ذلك ويؤيّده ، بل ويدفع احتمال عموم المجاز أيضا ، مضافا
__________________
إلى ضعفه في حدّ
نفسه ، وإرسال الرواية أو حملها على التقيّة غير ضائر لما نحن بصدده .
ومنها : ما عن
الخصال بإسناده عن جابر الجعفيّ قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه أفضل
الصلاة والسلام ـ يقول : « ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ ويجوز أن تتختّم
بالذهب وتصلّي فيه وحرم ذلك على الرجال ».
ومنها : ما عن
الشيخ بإسناده عن موسى بن أكيل النميري
__________________
عن أبي عبد الله ـ
عليه أفضل الصلاة والسلام ـ قال : « وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم
على الرجال لبسه والصلاة فيه ـ الحديث ـ » ، واستعمال الحرمة فيهما في القدر المشترك
بين القسمين ـ كما عرفته في سابقتهما ـ ، بعد وضوح أنّ المنع عن الصلاة فيه إنّما
هو لمكان المانعيّة ، لا لكونه حراما نفسيّا آخر في عرض اللبس ، وكاشفيّته عن
أعميّة المدلول ممّا لا خفاء فيه.
ومنها : ما عنه بإسناده عن محمّد
بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد ـ صلوات الله
عليه ـ : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة
__________________
حرير محض أو تكة
من وبر الأرانب ، فكتب 7 : « لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّا
حلّت الصلاة فيه ». وعدم العمل بإطلاق الفقرة الأخيرة أو طرحها رأسا
وحملها ـ باعتبار تعليق الحكم فيها على التذكية الغير المعتبرة في الوبر ونحوه
ممّا لا تحلّه الحياة فيه عندنا ـ على التقيّة لا ينافي ما نحن فيه .
ومنها : ما عنه أيضا بإسناده عن
عمّار الساباطي عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ : عن رجل ليس معه
إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ـ إلى آخر الرواية ـ ، فإنّ ظاهر السؤال إنّما هو
استناد عدم حلّ الصلاة فيه إلى مانعيّته ، لا لكونه حراما نفسيّا ، وهو وإن كان في
لسان الراوي ولكنّ دلالته على أعميّة المدلول في عرفهم ظاهرة .
__________________
ومنها : التوقيع
المبارك المحكيّ عن الاحتياج عن الحميريّ عن مولانا صاحب الزمان ـ صلوات الله عليه وعلى
آبائه الطاهرين ـ : إنّه كتب إليه : روي لنا عن صاحب العسكر 7 أنّه سئل عن
الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع 7 : « يجوز » ، وروي عنه أيضا أنّه « لا يجوز » ، فبأيّ
الخبرين نعمل ، فأجاب 7 : « إنّما حرم في هذه الأوبار والجلود وأمّا الأوبار وحدها
فكلّ حلال » ، فإنّ مرجع الضمير وإن لم يكن مذكورا لا في كلامه ـ عليه أفضل الصلاة والسلام
ـ ولا في كلام الراوي ، لكنّه بقرينة الظرفيّة ليس هو اللبس ، فيتعيّن أن يكون هو الصلاة فيه ، وشيوع
السؤال عنها أوجب المعهوديّة المغنية عن الذكر. والإشكال في فقه الحديث لا ينافي
المقصود .
__________________
ومنها : التوقيع
المبارك الآخر المحكيّ عن خرائج القطب الراوندي عن أحمد بن روح عنه ـ عجل
الله تعالى فرجه وأدرك بنا أيّامه وصلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ ، وفيه «
وسألت ما يحلّ أن تصلّي فيه من الوبر والسمّور والسنجاب والفنك والدلق
والحواصل ، فأمّا السمّور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ، ويحلّ لك
جلود المأكول ـ إلى آخر التوقيع المبارك ـ » إلى غير ذلك ممّا يظفر عليه بالتتبّع
في خلال الأبواب ، ويكشف عن أعميّة حاقّ المدلول ، وفيما نقلناه غنى وكفاية.
فلا مجال ـ حينئذ
ـ للمنع عن شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل لما نحن فيه وأشباهه على حدّ شمولها
للشبهة التحريميّة النفسيّة ، ويرجع الحليّة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل ـ حينئذ
ـ إلى الأعمّ ممّا يقابل المنع النفسيّ الاستقلاليّ أو الضمنيّ المستتبع
للمانعيّة ـ لا محالة.
وأمّا الثالثة :
فلأنّه بعد أعميّة الحكم الظاهريّ المذكور ممّا يقابل كلّ واحد
من قسمي المنع ، ووضوح كونه ترخيصا
__________________
__________________
في المشكوك من
الجهة التي يشكّ ـ باعتبارها ـ في كونه ممنوعا عنه أو مرخّصا فيه ، فلا جرم ينحلّ
هو في كلّ مورد إلى ما يناسبه ـ كانحلال خطاب ( لا تنقض ) على حسب اختلاف متعلّق
الشكّ واليقين ـ ، وليس ذلك من الجمع بين المعاني المتباينة في خطاب واحد
، وإنّما هو من باب انحلال العموم ـ كما لا يخفى ـ ، فيرجع ـ حينئذ ـ في
الشبهات التحريميّة النفسيّة إلى الرخصة المقابلة للمنع النفسيّ ، وفي أمثال
المقام إلى ما يقابل الجهة المستتبعة للمانعيّة ، ومرجعه إلى إطلاق ظاهريّ في
المطلوب من جهة الوقوع في المشتبه ، ورفعا لتقيّد المطلوب بعدم
الوقوع فيه في الظاهر ، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ ـ لا محالة ـ ، كما في سائر موارد
إحراز القيود المشكوكة أو رفع تقيّد المطلوب بها بأصل
__________________
موضوعيّ أو حكميّ .
وهذا هو الفارق بين ترخيص الشارع
للصلاة في المشتبه بمقتضى هذا الأصل باعتبار نفس الشكّ في مانعيّته ، وبين ما لو
فرض ترخيصه فيها من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ، ضرورة
أنّ ترخيص الشارع لما يشكّ في انطباقه على المطلوب باعتبار الشك في ترتّب حكم آخر
عليه ، أو انطباقه على عنوان آخر غير مجد ، لا في إحراز تطبيق المأتيّ به على
__________________
المطلوب ، ولا في
اجتزائه بمشكوك الانطباق ـ كما تقدّم ـ ، فلا سبيل حينئذ إلى الاكتفاء به مع عدم
علاج هذا الشكّ ـ كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا
رجع ترخيصه إلى الإطلاق الظاهريّ المذكور ، إذ لا يبقى حينئذ مجال للشكّ في
انطباقه على المطلوب ـ المفروض فيه هذا الإطلاق ـ ، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ ـ لا محالة ـ بهذا
الاعتبار ، فكما أنّ إجزاء كلّ واحد من المطلوب الواقعيّ أو الظاهريّ عن الأمر
المتعلّق به عقليّ لا يقبل الجعل وضعا ورفعا ، فكذلك إجزاء
الظاهريّ أيضا ـ مع انحفاظه وعدم ارتفاعه بانكشاف الخلاف ـ عن الواقعي من اللوازم
العقليّة
__________________
المترتّبة على نفس
ذلك الجعل ، إذ هو حينئذ بعينه هو المطلوب الواقعيّ بحكم الشارع ، فما دام
هذا الحكم القاضي بالاتّحاد والعينيّة محفوظا لا يعقل عدم الإجزاء ، كما أنّه بعد
ارتفاعه بانكشاف الخلاف وتبيّن المغايرة لا يعقل أن ينسحب الإجزاء الظاهريّ الناشئ
عن العينيّة الجعليّة ـ المفروض انكشاف خلافها ـ ، بل لا بدّ فيه من قيام دليل آخر
على الاجتزاء عن المطلوب بما وقع امتثالا له ، وليس تبدّل الحال في المقام
كتبدّل حالتي الحضور والسفر ونحوهما ممّا يوجب انقلاب التكليف ـ على أصول
المخطّئة ـ ، ولا الإجزاء الواقعيّ الموجب لسقوط التكليف النفس الأمريّ من اللوازم
__________________
__________________
الشرعيّة
المترتّبة على الإتيان بالمطلوب الواقعيّ ، كي يترتّب الحكم به إلى آخر الأبد على الجعل
الظاهريّ في ظرف وجوده ولا يؤثّر فيه انكشاف الخلاف ، وتمام الكلام في ذلك موكول
إلى محلّه.
وهذا هو تمام
الكلام في تقريب التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث ، وقد عرفت أنّ المنع عن
جريانها لا بدّ وأن يرجع : إمّا إلى منع الصغرى ، فيمنع عمّا ذكر
من انحلال الجهة المستتبعة للمانعيّة ـ بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع ـ إلى
قيديّة خاصّة راجعة إلى المنع عن إيقاعها فيه ، ويدّعى رجوعها إلى عنوان بسيط
عدميّ يتحصّل بالتحرّز عن مجموع الوجودات ، فيكون الشبهة
__________________
حينئذ بمعزل عن
الاندراج في مجاري أصالة الحلّ أيضا كالبراءة ـ حسبما تقدّم.
أو إلى منع الكبرى
، فيدّعى دخل النفسيّة والاستقلال فيما أخذ الشكّ فيه موضوعا لهذا الأصل ، وقد
عرفت فساد كلّ منهما بما لا مزيد عليه.
فمن الغريب ـ وما
عسى أن لا يكون أغرب منه ـ ما يقال في تقريب خروج الشبهة عن مجاري كلا الأصلين : من أنّ الشكّ
فيما نحن فيه إنّما هو في الوضع لا التكليف ، فحديث أصل البراءة والحلّ أجنبيّ
عنه.
لأنّ مراده بالوضع لا يخلو :
إمّا أن يكون هو الصحّة أو المانعيّة ، وبعد اطّراده على كلّ منهما في الشبهات
الحكميّة
__________________
المسلّم جريان
البراءة فيها عندنا وعنده ، وتسليمه أيضا لانتزاعيّة المانعيّة وأخواتها عن
التكليف ، ووضوح ترتّب الصحّة الظاهريّة على الأصول الجارية عند
الشكّ في القيود ، فلا محصّل لهذه المقالة أصلا ، اللهم إلاّ أن يرجع مرامه
إلى ما تقدّم من منع الصغرى جريا منه فيما أراده بالوضع على غير ما استقرّ عليه
الاصطلاح ، وهو ـ وإن اتّضح فساده ممّا تقدّم ـ لكنّه يرجع حينئذ إلى محصّل ، ويعود النزاع
علميّا.
نعم على القول
بتأصّل المانعيّة وأخواتها في الجعل يشكل التمسّك بهذا الأصل في محلّ البحث ، فإنّ
الشبهة وإن كانت
__________________
ـ حينئذ ـ باعتبار
ما يستتبعه الوضع من التكليف راجعة إلى الشكّ في الحرمة ، لكن بعد وضوح عدم ارتفاع
الشكّ السببيّ بالأصل الجاري في الشكّ المسببيّ فلا جدوى لهذا الأصل في إحراز عدم
مانعيّة المشتبه إلاّ على حجيّة الأصل المثبت. اللهم إلاّ أن يدّعى عدم توقّف
الخروج عن عهدة التكليف على علاج هذا الشكّ بعد ترخيص الشارع في الإتيان بمشكوك الانطباق من جهة نفس
هذا الشكّ .
وعلى كلّ حال فحيث
إنّ نفس الوضع ـ حينئذ ـ ممّا تناله
__________________
بنفسه يد الجعل ،
فلا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع وجريان البراءة الشرعيّة ـ بناء على هذا المبنى الفاسد من
أصله ـ بعد ما تقدّم من الانحلال ، وبهذا يستقيم جريان البراءة في الشبهات
الحكميّة أيضا على هذا القول ـ كما لا يخفى.
__________________
( المقام
الثالث )
في البحث عن جريان
الأصل الموضوعيّ ـ المعبّر عنه بأصالة عدم المانع ـ في المقام.
وقد اختلفت
كلماتهم في ذلك ، فظاهر من فرّع الجواز والعدم في محلّ البحث على القول بمانعيّة غير المأكول وشرطيّة
المأكوليّة تعويلا في ذلك على الأصل الموضوعيّ ـ كما مرّ ذكره عند نقل الأقوال ـ هو
المفروغيّة عن جريانها فيما نحن فيه بناء على المانعيّة ، لكنّه بإطلاقه لا يستقيم إلاّ
بأحد أمرين :
إمّا بدعوى
استقرار طريقة العقلاء عند دوران الأمر بين وجود شيء وعدمه على البناء على العدم
، ولكن لا من حيث مسبوقيّة الحوادث به كي يرجع إلى الاستصحاب ، بل لأنّ أولويّة العدم إلى
__________________
الممكن من حيث
ذاته وافتقار وجوده إلى علّة خارجة عن ذاته يوجب البناء ـ عند الشكّ ـ على ما هو
أولى به من حيث نفسه ، حتى بمعناه الناقص الربطيّ بالنسبة إلى
العوارض التي يشكّ في تخصّص معروضاتها بها عند حدوثها.
أو بتسليم حجيّة
الأصول المثبتة .
وحيث إنّ الدعوى
الاولى دون إثباتها خرط القتاد ، والثانية بمكان من وضوح الفساد ، فالتمسّك بهذا الأصل
باستصحاب العدم السابق لا يستقيم إلاّ على بعض التقادير.
__________________
ولا بدّ في توضيحه
من بيان أمرين : ـ
الأوّل : إنّه بعد وضوح أنّ
حقيقة المجعول في الأصول العمليّة هي البناء العمليّ على مؤدّياتها ، دون الثبوت
الواقعيّ كما في باب الأمارات ـ ولذا يكون مثبتاتها حجّة دونها ، كما حقّق في
محلّه ـ ، فلا يخفى أنّه كما لا فرق في الأثر العمليّ الذي لا بدّ في جريان الأصل
من ترتّبه عليه بين أن يكون بحيث يرجع التصرّف الظاهريّ فيه إلى مرحلة توجّه
التكليف وثبوته ، أو إلى ناحية
__________________
الخروج عن عهدة
التكليف وسقوطه ، من حيث صلاحيّة كلّ منهما لأن تناله يد الجعل والتصرّف
على نمط واحد ـ كما لا يخفى ـ ، فكذا لا فرق بين أن يكون ترتّبه عليه ـ بأحد
الوجهين ـ باعتبار كون المؤدّى تمام الموضوع للحكم الشرعي ، أو لكونه مأخوذا فيه
على جهة القيديّة ـ بأحد أنحائها ـ ، ضرورة كفاية هذا المقدار من الأثر الناشئ عن القيديّة
أيضا بالنسبة إلى كلّ من المرحلتين في تحقّق حقيقة المجعول بالأصول ـ كما لا يخفى.
وليس العنوان
المركّب من مجموع القيد والمقيّد كالصلاة في ظرف طهارة الفاعل ـ مثلا
ـ أو الغسل بالماء الطاهر إلاّ عبارة عن نفس تلك الأمور المحرز ما عدا الطهارة منها
بالوجدان وهي
__________________
بالأصل ، وليس هو
عنوانا خارجا عمّا هو محرز بهما ملازما له كي يندرج في اللوازم الغير الشرعيّة ،
ولا كون الماء طاهرا أو المصلّي متطهّرا إلاّ عبارة عن نفس تحقّق الوصف فيما
اعتبر تحقّقه فيه ، وواضح أنّ إثبات الأصل لنفس مؤدّاه إنّما هو عبارة
أخرى عن حجيّته ، ولا مساس له بباب اللوازم الغير الشرعيّة أو الملزومات التي يراد من عدم
حجيّة الأصل المثبت عدم كفايته في إحرازها ولا في ترتيب ما رتّبه الشارع
من الأثر عليها بلا مؤنة إحرازها.
وأمّا مقارنة
الشرط للمشروط فإن أريد به منشأ انتزاع هذا العنوان ـ وهو نفس تحقّق
المشروط الذي هو الغسل أو الصلاة
__________________
__________________
في المثالين في
ظرف تحقّق الشرط الذي هو طهارة الماء أو المصلّي ـ فقد عرفت أنّه محرز بعضه
بالوجدان والآخر بالأصل ، ولا حاجة إلى إحراز أمر آخر خارج عمّا هو محرز بهما ، كي
يؤول إلى إحراز اللوازم الغير الشرعيّة بالأصل المحرز لملزوماتها .
وإن أريد به نفس
هذا العنوان المنتزع عن تحقّق أحد الأمرين في ظرف الآخر فالمفروض ترتّب الحكم على
منشأ الانتزاع دون العنوان المنتزع ، وبعد ما عرفت من إحراز أحد جزءي ما ينتزع هو عنه
بالوجدان والآخر بالأصل فمقارنة كلّ منهما للآخر ـ مع أنه لا حاجة إلى إحرازها ـ متحقّقة
قهرا ومحرزة بالوجدان ـ لا محالة .
__________________
__________________
نعم قد يستفاد من
دليل الحكم ترتّبه على العنوان الملازم أو المنتزع عمّا يمكن إحرازه بضمّ الوجدان
بالأصل ، لا على نفسه ، فلا يترتّب على مؤدّى الأصل حينئذ أثر شرعي أصلا ، إذ
ليس هو حينئذ إلاّ جزءا من العنوان الملازم تحقّقه لتحقّق الموضوع ، دون نفس
الموضوع .
وهذا نظير ما ذكروه من
جريان استصحاب الشهر السابق بالنسبة إلى يوم الشكّ ، ومنع ترتّب أحكام أوّل الشهر
على ما بعده ، نظرا إلى عدم كون الأوّليّة عنوانا مركّبا من العدم
__________________
__________________
السابق والوجود
اللاحق ، كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل وإنّما هو عنوان
ثانويّ ينتزع عن الوجود المسبوق بالعدم ، فليس مؤدّى الأصل ـ حينئذ ـ إلاّ جزءا من العنوان
الملازم للموضوع دون نفسه ـ كما لا يخفى.
وما ذكروه من عدم
كفاية استصحاب رطوبة أحد المتلاقيين إذا كان نجسا في تنجّس الآخر ، نظرا إلى عدم
ترتّب التنجيس على نفس تماسّ الجسمين عند رطوبة أحدهما ، كي تكون نفس الرطوبة ـ حينئذ
ـ جزءا من موضوع الحكم فيجري فيه ما تقدّم ، وإنّما
__________________
يترتّب هو على
تأثّر أحدهما عن الآخر وسراية رطوبته إليه ، وهو مسبّب عمّا يمكن إحرازه بضمّ
الوجدان بالأصل ، لا نفسه ـ كما قد عرفت.
وما ذكروه في باب
الجماعة من ترتّب إدراك الركعة على إدراك الإمام في الركوع ، ومنع كفاية الأصل في إحرازه ، نظرا إلى
ترتّبه في لسان الدليل على ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه ، لا
__________________
__________________
على الركوع في ظرف
ركوعه كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل.
لكن لا يخفى
ابتناء ذلك على ظهور القبليّة في لسان الدليل في كونها عنوانا للموضوع ، لا تحديدا له ،
وإلاّ فيندرج فيما ذكرنا ، ويجري فيه ما تقرّر في حكم الحادثين اللذين يشكّ في
بقاء أحدهما عند تحقّق الآخر ، أو عدم تحقّقه إلاّ بعد ارتفاعه ،
__________________
ويختلف مجرى الأصل
ـ حينئذ ـ باختلاف حال المأموم وإحرازه لأيّ الأمرين من ركوعه أو آخر جزء من ركوع الإمام
في زمان خاص وشكّه في الآخر ، وعدم إحرازه لشيء منهما إلاّ بعد حين ـ حسبما حرّر في
محلّه.
وبالجملة :
فالضابط الذي يدور جريان الأصل لإحراز بعض
__________________
__________________
الموضوع مداره
إنّما هو تركّبه من مؤدّى الأصل وغيره ، ودخله ـ بما هو كذلك ـ فيه بأحد أنحائه ، فلو لم يكن
كذلك كأن يكون الموضوع من أصله عنوانا بسيطا ملازما لما يمكن إحرازه بضمّ الوجدان
بالأصل ، أو كان مركّبا ولكن لا من نفس مؤدّى الأصل بل من العنوان الملازم له
ولغيره ، لم يكن الأصل ـ حينئذ ـ مجديا ـ كما لا يخفى.
بل حيث قد عرفت من
مطاوي ما حرّرنا أنّ غاية ما يمكن إحرازه بالأصل إنّما هو بقاء المستصحب إلى منتهى
ما يشكّ بقاؤه فيه من زمانه ، دون العناوين الملازمة لذلك ، فالمركّب من العناوين
المتباينة التي لا رابط بينها من غير جهة الزمان إنّما يجدي الأصل في إحرازها مع رجوع
الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها ـ لا محالة ـ إلى مجرّد اعتبار التحقّق في جزء خاصّ من الزمان ،
__________________
دون ما إذا رجع هو
إلى اعتبار الربط الثانويّ الحاصل بين نفس الحادثين من جهة الاجتماع في زمان واحد
ـ كما لعلّ أن يكون هيئة الحال حكاية عنه ـ ، فإنّه لا سبيل إلى إحرازه بالأصل إلاّ مع سبق تحقّق
مجموع العنوان ، ولا يجديه إحراز أحد الأمرين بالأصل ـ مثلا ـ والآخر بالوجدان ،
إذ غاية ما يثبت بذلك إنّما هو العنوان الملازم تحقّقه لتحقّق الموضوع ، دون نفسه.
ولك إلحاق الموضوع في هذا القسم أيضا بالعناوين البسيطة الملازمة للمركّبات الممكن إحرازها
__________________
بضميمة الأصل ـ كما
لا يخفى.
الثاني : ـ إنّ القيود
المعتبرة في مثل الصلاة ترجع ـ تارة ـ إلى اعتبار وصف وجوديّ أو عدميّ في المصلّي في
ظرف فعل الصلاة ، و ـ اخرى ـ إلى اعتبار ذلك فيما يصلّى فيه ـ مثلا ـ أو عليه ، و
ـ ثالثة ـ إلى اعتبار ما ذكر من الخصوصيّة الوجوديّة أو العدميّة في نفس الصلاة ،
وإن كان لحوقها بتوسّط المصلّي ـ مثلا ـ ، أو ما يصلّي فيه .
ولا خفاء في جريان
الاستصحاب وكفايته في إحراز القيد فيما يرجع إلى أحد القسمين الأوّلين بعد سبق
تحقّقه فيما اعتبر تحقّقه فيه من الفاعل ـ مثلا ـ أو لباسه أو الزمان أو المكان أو غير ذلك ،
__________________
__________________
لرجوعه إلى إحراز
بعض الموضوع بالأصل والآخر بالوجدان ـ كما قد عرفت ـ ، من غير فرق في ذلك بين سبق
الالتفات إلى الشكّ ولحوقه مع قطع النظر عن قاعدة الفراغ ، أو يفرض الشكّ فيما لا
تجري هي فيه ولا يعمّه دليلها .
فإنّا وإن اعتبرنا
فعليّة الشكّ في مجاري الأصول ولم نقل بكفاية تقديره في ذلك ، إذ ـ مضافا
إلى عدم أخذه في
__________________
فإنّه لا مانع من
الاستصحاب لإحراز القيد والتئام الموضوع من ضمّه إلى الوجدان ، لاندراجه فيما
تقدّم من ضابط الموضوعات المركّبة المحرزة بالضمّ المذكور.
__________________
موضوعها إلاّ على
هذا الوجه ـ ، فلا يعقل أن يتحقّق نتيجة الجعل الظاهريّ إلاّ بعد فعليّة إحرازه ـ كما
حقّق في محلّه ـ ، لكن حيث إنّ غاية ما يقتضيه ذلك إنّما هو عدم كون
الطهارة ـ مثلا ـ أو أهليّة البائع لنفوذ التصرّف محرزة بالأصل عند
الغفلة التي هي ظرف
__________________
فعل الصلاة أو
البيع ، لا عدم جريانه لإحرازها فيه بعد فعليّة الشكّ واجتماع أركان الاستصحاب ، فمع ترتّب أثر
فعليّ على إحراز القيد في ظرف وقوع المقيّد من جهة الإعادة أو القضاء أو التصرّف
في المبيع ـ مثلا ـ أو غير ذلك ، ووضوح رجوع الأمر في كلتا الصورتين
إلى إحراز بعض العنوان بالأصل والآخر بالوجدان ، واشتراكهما في رجوع التصرّف الظاهريّ فيهما إلى مرحلة الخروج
عن عهدة التكليف وسقوطه ـ مثلا ـ أو تحقّق موضوع الحكم ، فغاية ما هناك من الفرق
بينهما إنّما هو سبق إحراز ما يحرز بالأصل في إحداهما ولحوقه في الأخرى ، وهذا
ممّا لا يعقل أن يكون فارقا في ذلك.
__________________
بل وبعد ما عرفت
من دوران الصحّة والإجزاء الظاهريّ المترتّب على الجعل الظاهريّ حدوثا
وبقاء مدار وجوده فلا جدوى ـ حينئذ ـ لمجرّد الإحراز السابق عند سبق الالتفات
إلى الشكّ في علاج الشكّ الفعليّ ، ولا غناء به عن فعليّة جريانه
لدفع هذا الشكّ أصلا ، ولا مجرى حينئذ لقاعدة الفراغ ـ مثلا ـ أو أصالة الصحّة في
العقود ـ كما لا يخفى.
__________________
__________________
فما أفاده بعض مشايخنا
المحقّقين ـ قدّس الله تعالى أسرارهم الزكيّة ـ من ( التفصيل بين الصورتين ، نظرا
إلى ترتّب جواز الدخول في الصلاة ـ مثلا ـ أو الشراء على سبق إحراز القيد بالأصل
وعدم ترتّب أثر عليه عند لحوقه إلاّ وقوع الصلاة ـ مثلا ـ أو البيع عند طهارة
المصلّي ونفوذ تصرّف البائع ـ مثلا ـ ، أو صحّة الصلاة أو البيع الواقع حال الغفلة
، وكلّ منهما من اللوازم الغير الشرعيّة ) ممّا لا يليق بأنظاره العالية
، ضرورة أنّ الجواز المدّعى ترتّبه على سبق إحراز القيد إنّما يراد به في مثل
المقام بالمعنى الوضعيّ المقابل لفساد العبادة ـ مثلا ـ أو المعاملة ، والمساوق
لمضيها من حيث الخروج عن عهدة التكليف ـ مثلا ـ أو ترتّب
__________________
__________________
الأثر المعامليّ ، دون
التكليفيّ المقابل لحرمتها الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ، وإلاّ لقلّ الجدوى
فيه ولم يجد في إحراز متعلّق التكليف أو موضوع الحكم إلاّ على القول بحجيّة الأصل
المثبت ـ حسبما تقدّم الكلام فيه ـ ، وهو بهذا المعنى ممّا لا يعقل فرق
ـ في ترتّبه على إحراز القيد بالأصل ـ بين الصورتين.
وبعبارة أخرى نقول
: بعد فرض توقّف الخروج عن عهدة التكليف ـ مثلا ـ أو ترتّب الأثر المعامليّ على
تحقّق العنوان المركّب من مجموع الأمرين ، فإحراز هذا العنوان ممّا لا مناص عنه
على كلّ تقدير ، وحينئذ فإن كان إحراز بعضه بالوجدان ـ مثلا ـ
__________________
__________________
والآخر بالأصل
كافيا في ذلك كما حقّقناه وأوضحنا أنّه لا مساس له بباب اللوازم الغير الشرعيّة لم يعقل في ذلك فرق بين
الصورتين ، وإلاّ فكذلك ، والتفصيل بينهما في ذلك ممّا لا يمكننا
المساعدة عليه.
وكذلك الحال فيما
أفاده أخيرا من عدّ الصحّة الظاهريّة من اللوازم العقليّة الغير المترتّبة على
الجعل الظاهريّ ، إذ هو ـ مع ما فيه من الخلط بين الصحّة الواقعيّة التي هي من
خواصّ الإتيان بنفس المطلوب الواقعيّ ، والظاهريّة التي هي من لوازم نفس الجعل الظاهريّ وفائدته التي لا
يعقل عدم ترتّبها عليه عند انحفاظه
__________________
(١) أي : في إحراز العنوان المركّب
ليترتّب عليه الخروج عن عهدة التكليف والأثر المعاملي.
__________________
ـ حسبما مرّ
الكلام فيه ـ ، مدفوع بأنّ صحّة العمل سواء أريد بها تماميّته بما اعتبر فيه من
الأجزاء والقيود المعلوم اعتبارها فيه ، أو كونه موافقا للأمر ـ مثلا ـ ، أو ما
يساوق ذلك ـ ولو باعتبار حكم الشارع بأنّه كذلك ـ ممّا لا مناص في الخروج عن
عهدة التكليف المعلوم توجّهه إلى المكلّف عن إحرازها على كلّ تقدير ،
وحينئذ فإن كان إحراز بعض المركّب بالأصل والآخر بالوجدان مجديا في ذلك لم يعقل فيه فرق
بين الصورتين ، أو لا
__________________
فكذلك ، فالتفصيل
بينهما من هذه الجهة أيضا ممّا لا يرجع إلى
محصّل ، وحريّ لأن يعدّ من كبوة الجواد.
وأمّا القسم
الثالث : ـ فلا يخلو إمّا أن يكون القيد حاصلا من أوّل الشروع ثم يشكّ في ارتفاعه
في الأثناء ، أو يكون مشكوك الحصول من أوّل الأمر.
أمّا الأوّل : فإن
قلنا بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة في
__________________
المركّبات
الاعتباريّة والهيئة الاتصاليّة القائمة بموادّ أجزائها في اتحاد متعلّق الشكّ
واليقين عرفا ، على حدّ غيرها من التدريجيّات المبنيّة على التقضّي والتصرّم مع انحفاظ وحدتها
الاتصاليّة الموجبة لاعتبار البقاء في الآن الثاني ، دون الحدوث والانعدام ، والتزمنا
بموضوعيّتها ـ بهذا الاعتبار ـ لما اعتبر
__________________
فيها من القيود ،
لا موضوعيّة أفعالها بما هي متعدّدة متباينة ، اتّجه التمسّك بالاستصحاب ـ حينئذ ـ
في جميع صور الشكّ في ارتفاع القيد الوجوديّ أو العدميّ في الأثناء ، ولو مع
استناده إلى الشكّ في رافعيّة الموجود من جهة الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة. فإنّه وإن
لم يكن الأصل موجبا لارتفاع الشكّ السببيّ وإحراز حال المشتبه المذكور ، إلاّ أنّه بعد
كفايته في إحراز القيد فلا حاجة إلى إحراز حال المشتبه ورفع الشبهة عنه ـ كما هو
الحال في استصحاب الطهارة عند خروج البلل المشتبه موضوعا أو حكما
__________________
ونحو ذلك.
وإن منعنا عن ذلك
من أصله ، أو قلنا بموضوعيّة كلّ واحد من الأجزاء لما اعتبر فيها من القيود
في عرض الآخر ، دون نفس الكون الصلاتيّ بما هو أمر واحد مستمرّ ـ كما هو أظهر
الوجهين ـ لم يجد سبق تحقّق القيد ـ حينئذ ـ في جريان الاستصحاب
عند الشكّ ، لتعدّد متعلّق الشكّ واليقين .
وفي جريانه لإحراز
نفس الجزء الصوريّ والهيئة الاتصاليّة
__________________
عند الشكّ فيما
يوجب قطعها ، أو طروّ ما يشكّ أنّه كذلك من جهة الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة ـ كما هو
خيرة شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 ـ ، أو عدم جريانه فيه أيضا ـ كما أفاده سيّدنا الأستاذ
الأكبر أنار الله برهانه ـ ، وجهان مبنيّان على كون الجزء الصوريّ المستكشف
اعتباره من أدلّة القواطع عبارة عن أمر وجوديّ مستمرّ يقطعه
التكلّم أو القهقهة ـ مثلا ـ ، كي يرجع الشكّ في تخلّل القاطع ، أو قاطعيّة
المتخلّل ـ حينئذ ـ إلى الشكّ في بقائه وارتفاعه ، ويكون إحرازه بالأصل كافيا فيما
لا بدّ للمكلّف من إحرازه وإن كان الشكّ السببيّ باقيا بحاله ـ كما عرفته في
__________________
استصحاب الطهارة
عند خروج المذي ونحوه. أو كونه فيما لوحظ فعلا للمكلّف واعتبر في متعلّق تكليفه عبارة عن نفس عدم
تخلّل هذه الأمور دون أمر آخر تكون هي رافعة له ، فإنّ أدلّة القواطع ـ بعد وضوح
كونها مسوقة لبيان ما اعتبر في متعلّق التكليف على حدّ غيرها ممّا يستفاد منه الجزئيّة
وأخواتها ـ فلا يستفاد منها إلاّ تقيّد المطلوب بعدم تخلّلها في أثنائه ، وليس
__________________
__________________
التعبير عنها
بالقواطع منافيا لذلك ، ولا كاشفا عن قيدية ما لا يصلح لأن يطالب به من المكلّف
إلاّ بعناية أنّ رفعه بيده ، فيكون سبيل القواطع أيضا سبيل غيرها من الموانع ، ولا يجدي خلوّ
الأجزاء السابقة عنها في استصحابه ـ حذو ما عرفت في سائر القيود .
وأمّا إذا كان
الشكّ حاصلا من أوّل الشروع فالمسألة مبنيّة على الخلاف في كفاية استصحاب العدم
السابق على الحوادث في إحراز عدم تخصّصها بالخصوصيّات المشكوكة عند حدوثها ،
أو عدم كفايته فيه.
وقد اختلفت كلمات
شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 في ذلك ، ففي
__________________
مسألة الشكّ في
مخالفة الشرط الواقع في ضمن العقد للكتاب من جهة الشكّ في كون الحكم على وجه لا
يقبل التغيير بالشرط بنى على الأوّل ، وفي مسألة الشكّ في كرّية الماء وحيضيّة الدم على الثاني
، بل قضيّة ما أفاده ـ في خاتمة التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب معيارا لما يجدي
استصحاب العدم السابق
__________________
في إحراز القيد
وما لا يجديه ذلك ، وجعل ضابط الأوّل ترتّب الأثر على العدم المقارن ، وضابط
الثاني ترتّبه على العدم النعتيّ ـ هي المفروغيّة عن عدم الجدوى لاستصحاب العدم
السابق على الحوادث في إحراز حالها ، وما أفاده في هذا الضابط هو الحقيق بأن يفهم ويغتنم ،
ويسجد شكرا لمن أجراه على قلمه وأ لهم .
وتوضيحه يتوقّف
على تنقيح أمور : ـ
الأوّل : أنّه كما
لا فرق في المستصحب العدميّ بين أن يكون تمام الموضوع للحكم ، أو يكون جزءا منه
على حدّ غيره ـ كما أوضحناه ـ ، فكذا لا فرق في ترتّب الأثر على استصحابه بين أن يكون
باعتبار موضوعيّة نفسه للحكم ـ بأحد الوجهين ـ ، أو يكون باعتبار أنّ نقيضه
الوجوديّ هو المأخوذ كذلك ، ويترتّب على
__________________
انتفائه انتفاؤه ، فإنّ انتفاء
الحكم بانتفاء موضوعه وإن لم يكن صالحا لأن تناله يد الجعل ـ ولو تبعيّا ـ ، إلاّ أنّ
المجعول الشرعيّ المترتّب على موضوعه في لسان دليله لكونه صالحا لأن يتعبّد
بالبناء على كلا طرفي وجوده وعدمه ، فبهذا الاعتبار يخرج الأصل النافي له أو لموضوعه عن
صلاحيّة التعبّد به. وما ينسب إلى شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 ـ من المنع عن
كفاية هذا الأثر في جريان الأصل ـ من الأوهام المحضة ، وكلماته مشحونة بخلافه
__________________
ـ كما لا يخفى على
الخبير بها.
ثمّ إنّ الغالب في
ترتّب الأثر على الأصل بهذا الاعتبار وإن كان في الأصول العدميّة ، لكنّه ليس من
خواصّها ، بل يطّرد في الوجوديّات أيضا ، ومن ذلك استصحاب وجود الموانع ـ كما لا يخفى.
الثاني : إنّه بعد
أن تبيّن أنّ ترتّب الأثر على الأصل يكون ـ تارة ـ من حيث نفس مؤدّاه ، و ـ أخرى ـ
بعناية نقيضه ، فلا يخفى أنّ المخصّص أو المقيّد النافي للحكم الوارد على العنوان
المأخوذ في مصبّ الإطلاق أو العموم عمّا إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إن كان مسوقا لمحض إفادة ذلك من دون أن يتكفّل
لإثبات حكم آخر
__________________
على المتخصّص بها
، كان مفاده حينئذ ـ استثناء كان أم خطابا غيريّا أو غير ذلك ـ هو مانعيّة تلك
الخصوصيّة عن ذلك الحكم ، ودخل عدم التخصص بها في معروضه ، وكان ترتّب الأثر على
إحراز عدمها لكونه هو القيد الذي تكفّل المخصّص لبيان دخله فيه ، لا بعناية
نقيضه ، إذ المفروض أنّه لا حكم له.
وإن كان مسوقا
لإثبات حكم آخر عليه ، وكانت إفادته للتخصيص أو التقييد بمعونة تضادّ الحكمين
واستحالة تواردهما على متعلّق واحد ، رجعت نتيجة التخصيص أو التقييد ـ حينئذ ـ إلى تنويع ذلك
العنوان إلى نوعين متقابلين : أحدهما هو الخاصّ ،
__________________
والآخر نقيضه ، وصرف الحكم
الوارد عليه إلى ذلك القسيم ـ لا محالة ـ ، فيكون التخصّص بتلك
الخصوصيّة دخيلا في موضوع أحد الحكمين ، وعدمه في الآخر ، والمخصّص دالا على
الأوّل بالمطابقة ، وعلى الآخر بالالتزام ، فيتّحد مع القسم الأوّل من جهة ، ويمتاز عنه من اخرى ويترتّب الأثر
على إحراز عدمها بأحد الاعتبارين من حيث نفسه ، وبالآخر بعناية نقيضه.
والأثر المترتّب
بهذه العناية وإن كان مترتّبا على انتفاء ما أخذ
__________________
بجملته في الدليل
المخصّص موضوعا لحكمه ، وعلى انتفاء كلّ واحد من أجزائه وقيوده ـ حسبما تقدّم
توضيحه ـ ، لكنّه لمسبّبيّة الشك في الجملة عن الشك في أجزائها ، وحكومة
__________________
الأصل المحرز لجزء
خاصّ عند إحراز البقيّة بالوجدان على الأصل النافي لها ، فلا يصلح هو
لأن يكون معارضا ولا معاضدا له ، ولا تصل النوبة إليه إلاّ مع انتفاء الحالة السابقة للجزء رأسا ، أو سقوط الأصل
المحرز له بما يعارضه في رتبته. ومسألة الحادثين عند العلم بتاريخ أحدهما والشكّ
في الآخر من الأوّل ، وعند الجهل بتاريخهما جميعا من الثاني ـ فلا تغفل.
__________________
وعلى كلّ حال ،
فإذا وصلت النوبة إلى الأصل المحرز لانتفاء ما أخذ ـ بجملته ـ موضوعا في الدليل
المخصّص ، فغاية ما يمكن أن يترتّب من الأثر عليه هو انتفاء حكمه ، ولا مساس له
بترتيب الحكم الوارد على العنوان المطلق أو العامّ أصلا ، كيف والجزء الآخر الذي
يكشف تحريم إكرام الفاسق عن دخله في وجوب إكرام العالم ـ مثلا ـ هو عدم فسقه ، لا
انتفاء العالم الفاسق بالكلّية إلاّ باعتبار استلزامه له ، وهذا بخلاف نفس
حرمة الإكرام ، فإنّها
__________________
لمكان اشتراطها
بوجود موضوعها فيستتبع انتفاؤه لانتفائها ـ لا محالة.
وبالجملة : فترتّب
الأثر على الأصل المحرز لانتفاء ما أخرجه المخصّص بجملته عن العموم إنّما يختصّ
بالقسم الثاني بالنسبة إلى خصوص حكمه ، ولا يطّرد في القسم الأوّل أصلا ، ولا فيه أيضا
بالنسبة إلى حكم العامّ ـ كما لا يخفى ـ ، ولمكان الخلط في المخصّص ـ مثلا ـ بين
النوعين ، وفي ترتّب الأثر على الأصل بين الاعتبارين يقع ـ من الخلط
والاشتباه في المقام ـ ما لا يخفى ، فلا تغفل.
الثالث : ـ إنّ
تركّب متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها يكون ـ تارة ـ من العرض ومحلّه ، و ـ اخرى ـ من
عنوانين متباينين أجنبيّ كلّ
__________________
منهما عن الآخر
وفي عرضه .
أمّا ما كان من
قبيل الأخير : فحيث إنّه لا رابط بين المتباينات إلاّ الزمان ، وليس شيء منها
بوجوده وعدمه مقسّما للآخر إلاّ من جهة اقترانه أو عدم اقترانه به ، فلا محيص ـ حينئذ
ـ في الوحدة الاعتباريّة التي لا يعقل التركيب إلاّ بها من أن ترجع إلى اعتبار أن
يتحقّق أحد الأمرين عند تحقّق الآخر وفي ظرف وجوده ، فإذا كان القيد وجوديّا كان
عبارة عن الوجود المقارن ، أو عدميّا فكذلك ، والعدم المقارن هو الذي يترتّب الأثر
على إحرازه في
__________________
__________________
هذا القسم إمّا من
حيث نفسه ، أو بعناية نقيضه ، أو بكلا الاعتبارين ـ حسبما تحرّر ضابطه ـ ، من دون
فرق بين أن يكون الجزءان جوهريّين ، أو عرضيّين ، أو مختلفين ، ولا فيما إذا كانا
عرضيّين بين أن يكونا عارضين لموضوع واحد ـ كالصلاة وطهارة الفاعل مثلا ـ ، أو
لموضوعين كما في ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم الرخصة
المالكيّة أو الشرعيّة فيه ، وترتّب الوراثة على إسلام الوارث عند حياة مورّثه ، ونحو
ذلك ، فإنّ كلا منهما وإن كان بالنسبة إلى معروضه من القسم الأوّل ، لكنّه بالنسبة
إلى الآخر من هذا القسم ، ويلحقه من كلّ جهة حكمها.
ثمّ لا يخفى أنّه
لا ينحصر القيديّة في هذا القسم بأن يرجع إلى اعتبار المقارن ، بل يمكن أن يرجع
إلى قيديّة السابق أو اللاحق أيضا أو يعمّ الجميع ، إلاّ أنّ حكم الجميع من الجهة التي نحن
__________________
فيها هو حكم
المقارن ـ كما سيجيء بيانه ـ ، فلا ينثلم الضابط الذي أفاده شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 بذلك.
بل قد عرفت ممّا
قدّمنا أنّه قد يؤخذ العنوان الملازم لتحقّق أحد الأمرين عند تحقّق الآخر موضوعا للحكم ، دون
نفسه ، فلا يترتّب عليه حينئذ أثر كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر
بالأصل ـ حسبما تقدّم ضابطه. والأوصاف المتوقّف لزوم العقد على اتّصاف العوضين بها
كسلامتهما عن العيوب ، وعدم التفاوت الفاحش بينهما في الماليّة ، ونحو ذلك ممّا
اعتبر في لزوم العقد وقوعه على المتّصف بها ، لا وقوعه في ظرف الاتّصاف مندرجة
بأسرها في ذلك ـ كما لا يخفى.
__________________
وأمّا ما كان من
قبيل الأوّل فإنّ العرض وإن كان لتقوّمه بأنّ وجوده في نفسه ولنفسه هو بعينه وجوده
في موضوعه ولموضوعه صالحا لأن يلاحظ ـ تارة ـ بما هو شيء بحيال ذاته ، فيكون ـ حينئذ
ـ مباينا لموضوعه وعرضا غير محمول ، ووجوده أو عدمه بهذا الاعتبار هو المحموليّ المقارن له في
الزمان كسائر مقارناته ، و ـ أخرى ـ بما أنّه حاصل لموضوعه
__________________
لاحق به ، فيكون ـ
حينئذ ـ عرضيّا محمولا ، ونعتا وجوديّا أو عدميّا له ، ووجوده أو عدمه هو الرابط
النعتيّ اللاحق به ، لكن لا محيص في تقيّد معروضه بوجوده أو عدمه من أن يرجع
إلى الوجه الثاني دون الأوّل ، فإنّ القيديّة النفس الأمريّة التي يكشف عنها كلّ مخصّص
أو مقيّد منحصرة في كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات بذلك.
أمّا في مرحلة
الثبوت فيتّضح انحصارها به من مقدّمتين ضروريّتين : ـ
__________________
__________________
الاولى : ـ عدم
تعقّل الإهمال النفس الأمريّ في متعلّقات الأحكام وموضوعاتها بالنسبة إلى كلّ واحد
من انقساماتها المنقسمة هي بنفسها إليها مع علم الآمر بذلك والتفاته إلى ما له دخل منها وجودا أو
عدما في غرضه وما يتساوى طرفاه فيه ، وامتناعه أوضح وأظهر من أن يبرهن عليه باستحالة قيام
العرض بمبهم لا تحصّل له في حدّ معروضيّته ـ كما لا يخفى.
__________________
والثانية : تأخّر
مرتبة الإطلاق والتقييد باعتبار ما يقارن الشيء في زمانه عن تحديده باعتبار
انقسامات نفسه ، وهذا أيضا في الظهور والبداهة كاستحالة الإهمال النفس
الأمريّ ، ومن جزئيّاته .
وواضح أنّ نتيجة
هاتين المقدّمتين هي انحصار قيديّة الخصوصيّة العرضيّة لمعروضها في مرحلة الثبوت
بالنعتيّ ، وامتناع التقييد بالمقارن ، إذ بعد ما امتنع أن يكون مهملا بالنسبة
إلى
__________________
النعت الوجوديّ أو
العدميّ اللاحق من واجديّته لتلك الخصوصيّة ، أو فاقديّته لها ، فإن أخذ في نفس
الأمر مقيّدا بأحدهما لزمه عدم الانقسام حينئذ بالنسبة إلى المقارن رأسا ، وامتنع
التقييد والإطلاق بالنسبة إليه بارتفاع موضوعه ، ولو فرض مطلقا بالنسبة إليهما كان مقتضى عينيّة وجود
العرض لموضوعه مع وجوده لنفسه هو امتناع التقييد بالمقارن للمناقضة والتدافع بين ذلك
الإطلاق وهذا التقييد في كلتا مرحلتي الجعل والملاك ، مضافا إلى عدم
__________________
__________________
رجوعه إلى محصّل ـ كما لا يخفى ـ ،
وإذا انحصر الوجه في القيديّة النفس الأمريّة بذلك فيكون الدليل عليها في الجملة
دليلا عليها بذلك الوجه ، ولا يترتّب على إجماله من هذه الجهة أثر أصلا ، بل لو
فرض ظاهرا في قيديّة المقارن فلا محيص عن صرفه عنه ـ كما هو الشأن في أشباهه .
وأمّا في مرحلة
الإثبات فانطباق مفاد المركّب التوصيفيّ وما يجري مجراه ـ بمدلوله المطابقيّ ـ على ما عرفت أنّه المتعيّن
__________________
__________________
في مرحلة الثبوت
ظاهر ، وأمّا ما عدا ذلك فلا يخلو : إمّا أن يكون متكفّلا لمحض إفادة أنّ
للخصوصيّة الكذائيّة دخلا ـ وجودا أو عدما ـ في الحكم ، بلا تعرّض لحال النوع
المتخصّص أو اللامتخصّص بها أصلا ـ كأن يقوم إجماع ونحوه على مجرّد ذلك ـ ، أو يكون متعرّضا
لحال ذلك النوع بأحد ما تقدّم من الوجهين ، وتستفاد القيديّة من ذلك.
وغير خفيّ أنّ ما يمكن أن
يدّعى إجماله من الجهة التي نحن فيها هو خصوص القسم الأوّل ، وغاية ما يقتضيه ذلك
ـ بعد تباين الكيفيّتين وانتفاء الجامع بينهما ـ هو تردّد القيد بين المتباينين ، دون الأقلّ والأكثر ـ كما
عساه يتوهّم ـ ، وواضح أنّه ـ مع الغضّ
__________________
عمّا عرفت من أنّه
لا مجال لإعمال قواعد الإجمال في مثله ـ فغاية ما يقتضيه إجماله هو عدم الجدوى لإحراز المقارن مع عدم إحراز
نعتيّته في ترتيب الحكم إثباتا ونفيا ـ كما هو الشأن في أشباهه .
وهذا بخلاف ما كان
من قبيل الثاني ، كما هو الغالب فيما بأيدينا من التخصيصات والتقييدات
الدائرة ، فإنّها ـ بمداليلها الالتزاميّة اللفظيّة ـ منطبقة على قيديّة النعتيّ ، ولا مجال لدعوى
إجمالها من هذه الجهة ، فضلا عن التردّد بين الأقلّ والأكثر الذي قد عرفت ما فيه ،
لأنّ ما وقع محلا للبحث من ذلك هو ما إذا كان
__________________
المخصّص ـ كالاستثناء
مثلا ، أو المنفصل ـ نافيا للحكم الوارد على المطلق أو العامّ عن نوعه المتخصّص
بخصوصيّة وجوديّة ، إمّا ابتداء ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ ذلك .
وتوضيح أنه لا
ينطبق نتيجة التخصيص أو التقييد بكلّ منهما إلاّ على ما عرفت أنّه المتعيّن في مرحلة الثبوت هو : أنّه
بعد وضوح أنّ التباين الكلّي بين ما هو الموضوع للكبرى المستفادة
كلّيتها من الإطلاق أو العموم لما أخرجه المخصّص عن تلك الكلّية ـ بأحد الوجهين ـ ممّا لا مناص
عنه ، ـ وإلاّ لم ترفع
__________________
المناقضة أو
المضادّة عن البين ـ ، فيكون المخصّص حينئذ بحكومته على أصالة العموم كاشفا
لا محالة عن تخصّص ذلك الموضوع بما يوجب مباينته له كلّيا ـ وإن أمسك في مصبّ العموم عن
بيانه ، وعوّل فيه على المنفصل .
ولمكان أنّه لا
يعقل أن يتباينا كذلك إلاّ بتنويع ذلك العنوان إلى ما أخرجه المخصّص ، وقسيمه المنقسم هو إليهما بلا ثالث
بينهما ، وصرف الحكم الوارد عليه إلى ذلك القسيم ، فلا
__________________
جرم يكون هو
الباقي من العامّ موضوعا لحكمه بعد ما أخرجه المخصّص ، لأنّه هو الذي يبقى منه بعد
خروج قسيمه.
وبانضمام هذه
المقدّمة الضروريّة ـ التي هي عبارة أخرى عن التقييد أو التخصيص ـ إلى ما تقدّم من
مغايرة الانقسام اللاحق لذلك العنوان ـ باعتبار اقترانه بوجود تلك الخصوصيّة أو
عدمها ـ للانقسام اللاحق باعتبار نعتيّته له ، وبداهة أنّ المقابلة بينهما بكلّ واحد من
الاعتبارين إنّما هي مع ما يقابله بذلك الاعتبار دون الآخر ، فمرجع نفي الحكم
الوارد على ذلك العنوان عمّا إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إنما هو إلى تخصيصه بما
لم يكن متخصّصا بها ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب ، أو المرأة التي لا تكون من
قريش ، ونحو ذلك ـ ، وعدمها النعتيّ هو الذي تكفّل المخصّص بمدلوله الالتزاميّ لبيان دخله فيه ، دون المحموليّ
الراجع إلى
__________________
انتفائها ، أو انتفاء ما
أخرجه الاستثناء ـ مثلا ـ بجملته عن العموم ، كيف وما يقارن وجوده لهذين العدمين ليس قسيما للشرط
المخالف ـ مثلا ـ إلاّ بلازمه لا بنفسه ، ولا يخرجه هذه المقارنة ـ مع الغضّ عمّا يلازمها ـ عن
الانطباق على نفس المقسم
__________________
الذي خرج بالتخصيص
عن كونه تمام الموضوع للحكم إلى كونه كالجزء منه ، فلا يعقل أن يكون هو أيضا
نوعا آخر في عرضهما ، كي يندرج هو أيضا فيما يبقى منه بعد التخصيص في عرض ذلك
القسيم ، ويكون إحرازه كإحرازه كافيا في ترتيب حكمه.
وأمّا ما قد أفيد من أنّ المخصّص بالاستثناء ـ مثلا
ـ أو المنفصل ليس كالمخصّص بالتوصيف المتّصل معنونا بعنوان خاصّ ، كي يتوقّف ترتيب
حكمه على إحراز ذلك العنوان ، وإنّما قضيّة عمومه المخصّص هي المعنونيّة بكلّ
عنوان لم يكن بذلك الخاصّ ، وكفاية إحراز أيّ عنوان لم يكن هو في ترتيب
__________________
حكمه ، فالشرط
الذي لم يوجد مخالفته للكتاب ـ مثلا ـ ، وكذلك المرأة التي لم يوجد انتسابها إلى
قريش ، ونحو ذلك مصداق من العامّ وليس بمصداق للخارج قطعا ، فيكون من الباقي بعد
التخصيص ـ لا محالة ـ ، ويترتّب عليه حكمه.
فهو ـ وإن اعتمده
من اعتمده ـ ، لكنّك إذا أحطت خبرا بما قدّمنا عرفت أنّه لا سبيل إلى شيء من جزءي
الدعوى .
أمّا الأوّل :
فلأنّ غاية ما يمكن أن يسلّم من دعوى عدم معنونيّة العامّ بالمنفصل خاصّة ، أو
الاستثناء أيضا ـ بناء على لحوقه
__________________
من هذه الجهة بالمنفصل ـ هو
عدم كونه كالتوصيف المتّصل مأخوذا بعنوانه في مصبّ العموم ، بحيث يسري إليه إجماله
عند تردّد مفهومه بين الأقلّ والأكثر ، ولا يكون العموم مجديا في رفع إجماله من الجهة الراجعة
إلى تخصيصه. أمّا تنويعه لذلك العنوان ـ بعد تبيّن مفهومه وسقوط أصالة العموم بذلك ـ إلى ما عرفت من النوعين ،
وإخراجه له عن كونه تمام الموضوع للحكم ـ بمقتضى
__________________
عمومه أو إطلاقه ـ
إلى كونه كالجزء منه ، فقد عرفت أنّه عبارة أخرى عن التخصيص الذي لا محيص عنه في دفع التنافي
عن البين ، ولا يعقل بدونه تباين العنوانين.
وبالجملة :
فمعنونيّة العام بنقيض الخارج ـ بمعنى صرف حكمه إليه ، وكونه هو الموضوع في الكبرى
الكليّة المستفادة من الإطلاق أو العموم ـ هي عين التخصيص أو التقييد ، ولو لا
ذلك لما كان تخصيصا ولا تقييدا ، ولا ارتفعت المناقضة أو المضادّة عن البين ، ولا كان للمنع عن التمسّك
بالعموم في الشبهات المصداقيّة مجال ـ كما لا يخفى.
وأمّا الثاني :
فلأنّ شمول المطلق أو العامّ لما ينطبق من مصاديقه على سائر
العناوين ـ حتّى الأنواع والأصناف المندرجة
__________________
__________________
تحت أجناسها
وأنواعها ـ ليس بتوسّط تلك العناوين ، كي يرجع أصالة الإطلاق أو
العموم إلى معنونيّته بكلّ عنوان ، ويلزم ـ ممّا بينها من التلازم أو التضاد
والتنافي ـ من المحاذير ما لا يخفى ، ويؤول نتيجة التخصيص أو التقييد ـ حينئذ ـ إلى خروج
أحدها وبقاء البواقي ، ويجدي إحراز أيّ واحد منها في ترتيب حكمه.
وإنّما يشمل كلّ واحد منها
بنفس عنوانه ، لا بعناوينها ، ويرجع
__________________
الأصلان ـ حينئذ ـ إلى
عدم مدخليّة شيء منها في موضوعيّته للحكم الوارد عليه ، وتساوي وجود أيّ عنوان
وعدمه في الكبرى المستفادة كلّيتها من عمومه أو إطلاقه ، وبعد كاشفيّة المخصّص عن
عدمها بالنسبة إلى ما أخرجه منها فلا يتساوى طرفا هذا الخارج في تلك الكلّية ـ
لا محالة ـ ، بل تدور هي مدار نقيضه وتبقى البقيّة على ما كانت عليه من التساوي وعدم المدخليّة.
فكما أنّه عند عدم
التخصيص ينحصر ما هو الصغرى لتلك الكبرى الكليّة فيما أحرز انطباقه على العامّ ،
ولا يغني عنه إحراز أيّ عنوان ، ويجري ضمّ غيره إليه مجرى ضمّ الحجر إلى الإنسان ،
فكذلك الحال بعد التخصيص ـ أيضا ـ بالنسبة إلى ما تحصّل دوران الكليّة مداره من
مجموع الدليلين.
وبالجملة : فبون
بعيد بين أن يرجع الأصلان إلى معنونيّة المطلق أو العامّ بكلّ عنوان ، وبين أن
يرجعا إلى عدم معنونيّته بشيء منها ، والذي يجدي في ترتّب الأثر على إحراز أيّ
عنوان
__________________
هو الأوّل ، والذي
يرجعان إليه هو الثاني ، فتدبّر حقّه.
ولو أريد إحراز
أنّه ليس بذلك الخاص بهذه المعونة فكونه لازما عقليّا لما يحرز بالأصل ، لا محرزا
بنفسه به أوضح من أن يخفى .
وقد تحصّل ممّا
حرّرنا انقسام القيود إلى مقارن محض ، ونعتيّ محض ، وما اجتمع فيه الجهتان . واتّضح أنّه في
القسم الأوّل يترتّب الأثر على الوجود أو العدم المحموليّ ، وفي الثاني على
الربطيّ ، وأنّه في القسم الثالث ـ وإن كان بما أنّه أخذ في محلّه من النعتيّ ،
ويلحقه من هذه الجهة حكمه ـ لكن حيث إنّه
__________________
بالنسبة إلى ما في
عرضه من المقارن فيلحقه من هذه الجهة أيضا حكم المقارن.
ثمّ لا يذهب عليك
أنّه لا يراد بالنعتيّ في محلّ البحث خصوص ما كان نعتا اصطلاحيّا لمعروضه ، بل
يعمّه وما إذا كان فعلا صادرا عنه أيضا ، لاتّحاد المناط وهو دخل النسبة الثبوتيّة أو
السلبيّة في معروض الحكم ـ كما لا يخفى.
الرابع : إنّه بعد
أن تحرّر الضابط في ترتّب الأثر على الوجود أو العدم المقارن والنعتيّ ، واتضح
أنّه متى ترتّب أثر شرعي على أحدهما بأحد الاعتبارين ترتّب انتفاء ذلك الأثر على
إحراز نقيضه بذلك الاعتبار دون الآخر ـ إذ ليس هو بنقيضه ـ ، فلا يخفى أنّ
قضيّة ما أوضحناه فيما تقدّم ـ من دوران إحراز بعض المركّب بالأصل مدار سبق تحقّقه
على الوجه الذي اعتبر قيدا فيه ، بحيث لو كان باقيا في ظرف الشكّ الذي أحرز فيه بقيّة الأجزاء التأم هو
__________________
ـ حينئذ ـ من نفس
هذا الاجتماع ، بلا ضميمة ما يلازمه من إضافة بعضها إلى بعض ـ هي عدم الجدوى لاستصحاب العدم
المسبوق به أيّ ماهيّة ـ وإن كانت عرضيّة ـ عند تحقّق اخرى ـ وإن
كان معروضها ـ إلاّ في إحراز عدمها المحموليّ المقارن له ، وفي ظرف وجوده
، وترتيب ما لهذا العدم من الأثر عليه بعناية نفسه أو نقيضه ، دون النعتيّ اللاحق
به ، وترتيب أثره عليه.
أمّا كفايته
لإحراز العدم المحموليّ فظاهر ، فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث ـ من أيّ مقولة
كان ـ عن مسبوقيّته به ، في مقابل وجوده العينيّ ـ مثلا ـ أو الاعتباريّ ، وبعد أن
كان المفروض هو كفاية نفس بقائه إلى زمان أحرز فيه بقيّة أجزاء المركّب في التيامه
بلا مؤنة أمر آخر أزيد من نفس هذا الاجتماع ، فيكفي الأصل ـ حينئذ ـ في
إحرازه ـ لا محالة ـ ، ويندرج
__________________
فيما يحرز أحد
جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل ـ حسبما تحرّر ضابطه.
وأمّا عدم كفايته
لإحراز النعتيّ ـ المعبّر عنه في لسان علماء المعقول بالربطيّ والرابطيّ ـ ، فتوضيحه
يتوقّف على تنقيح أمرين :
أحدهما : أنّه كما
قد عرفت أنّ العدم الأزليّ المسبوق به كلّ ممكن إنّما هو بمعناه التامّ
المحموليّ المقابل لتقرّره في الوعاء المناسب له ، فكذلك المسبوق
بهذا العدم ـ أيضا ـ بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه إنّما هو
الماهيّات المحفوظة في الحالين ، والمعرّاة عن الأمرين ، فإنّها هي التي
__________________
يمكن الحكم عليها بالبقاء على
عدمها السابق ، دون نفس الوجودات ، أو المتحصّل من الأمرين . إذ ـ بعد وضوح
أنّه لا ينقلب ولا يتبدّل أحد النقيضين بالآخر ، وإنّما يطرد كلّ منهما
__________________
الآخر ـ ، فلا
يعقل أن يكون شيء منها مسبوقا بالعدم بهذا المعنى المتقوّم به استصحابه ، وإن كان مسبوقا
به بمعنى آخر أجنبيّ عن ذلك ، راجع إلى صرف تقدّم أحد النقيضين على الآخر ، وهذا
من الوضوح والبداهة كاستحالة اجتماع النقيضين ومن جزئيّاته ، وإن كان أكثر
ما يقع من الاشتباه في محلّ البحث إنّما هو من جهة الخلط بين المعنيين ، فلا تغفل.
ثانيهما : أنّ
حقيقة المقوليّة والنعتيّة التي تقع التامّة الخبريّة ، أو الناقصة التقييديّة
حكاية عنها أو بإزائها هي في باب الأعراض
__________________
عبارة عن نفس لحوق
العرض بموضوعه ، وإضافته إليه ، وبهذا الاعتبار يكون عرضيّا محمولا. وواضح أنّ هذا
اللحوق والإضافة ليس من ناحية نفس ماهيّته المعرّاة عن الوجود والعدم ، كيف وماهيّة السواد ـ مثلا ـ من
حيث هي ليست إلاّ هي ، ولا يعقل لها من حيث نفسها لحوق ولا إضافة إلى الجسم أصلا ،
وإنّما وجوده أو عدمه هو النعت اللاحق لمعروضه والفاني حصوله فيه ، لما
عرفت من تقوّمه
بأنّ وجوده في نفسه ولنفسه هو عين وجوده في موضوعه ولموضوعه ، وكذلك عدمه
أيضا عند وجوده ، وإلى هذا يرجع تقسيمهم للوجود والعدم
إلى نفسيّ ورابطيّ ، وتخصيصهم الأوّل بالمعروضات ، والثاني بإعراضها.
وبالجملة :
فمقوليّة المقولات ورابطيّة وجودها وعدمها ينشآن عن منشأ واحد حقيقي هو لحوقها وجودا أو عدما
بمعروضاتها ، وإضافتها إليها ، فهي بوجودها أو عدمها نعوت وجوديّة أو عدميّة لتلك
المعروضات ، لا بنعتيّتها لها موجودة أو معدومة ، لما عرفت من
أنّ الإضافة بينهما في كلّ من طرفي الوجود والعدم
__________________
عبارة عن نفس ذلك
الوجود وهذا العدم .
وإذ تمهّد ذلك فلا
يخفى أنّ النعتيّة والربطيّة ـ التي عرفت أنّها هي اللحوق والقيام بالموضوع ـ وإن
كانت في طرف الوجود مساوقة لنفس وجود العرض ، فلا يعقل أن يوجد هو في نفسه
ولنفسه إلاّ وكان في موضوعه ولموضوعه ـ لا محالة ـ ، ويمتنع أن
يوجد لا فيه ، أو يسبقه بوجوده ولكنّها في طرف العدم السابق لمكان سبقه ، واستحالة
نعتيّته لموضوعه عند انتفائه ، فلا جرم تنفكّ إحدى الجهتين عن الأخرى ولا يعقل أن يكون
العدم السابق
عليه إلاّ المحموليّ
المعرّى عن هذا اللحوق والإضافة ، واستمرار هذا العدم إلى ظرف تحقّقه ـ وإن كان
مساوقا لنعتيّته له ، ولحوقه به ـ إلاّ أنّ إحرازه بالأصل غير مجد إلاّ في إحراز
ذاته المجرّدة عن الإضافة إليه ، ولا يثبت به إلاّ المقارن الذي قد عرفت أنّه
بمعزل عن ترتّب الأثر عليه في هذا القسم لا من حيث نفسه ، ولا بعناية نقيضه.
فإن قيل : أليس قد
فصّل علماء الميزان في توقّف صدق
السوالب الخارجيّة
على وجود موضوعاتها وعدمه بين أن يرجع مفادها إلى ربط السلب ـ كما في
المعدولة محمولها ـ ، أو إلى سلب الربط ـ كما في السالبة المحصّلة ـ ، فبنوا في
الأوّل على التوقّف ، وفي الثاني على عدمه ، وهل يرجع البحث عن تحقّق الحالة
السابقة بالنسبة إلى العدم الربطيّ عند انتفاء معروضه إلاّ إلى البحث عن صدق
السالبة المحصّلة عند انتفاء موضوعها ، فكيف ينكر ذلك ، ويرجع مفادها إلى العدم
النعتيّ المساوق لمفاد المعدولة في الصدق والتحقّق ، وهل هذا إلاّ رجوع عمّا بني عليه
جريان أصالتي البراءة والحلّ من دعوى عدم رجوع التقييد المستتبع للمانعيّة إلى اعتبار
__________________
النعت العدميّ في
متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها.
قلت : بعد الغضّ
عن أنّ تسالمهم على رجوع الأخبار في نتيجة الحمل إلى الأوصاف هدم لما أسّسوه ، وأنّ تصريحهم
بتلازم السالبة المعدولة محمولها للموجبة المحصّلة في الصدق نقض لما غزلوه ـ ، فلا يخفى أنّ
ما زعموه من رجوع السلب المحصّل إلى سلب الربط الصادق عند انتفاء الموضوع مبنيّ ـ عند
جملة منهم ـ على ما تخيّلوه
من عدم اشتمال السوالب على النسبة رأسا ، وكون السلب فيها واردا على النسبة الثبوتيّة التي هي في
الإيجابيّة ، ورجوع مفادها إلى سلب الحمل ، وقطع الربط المتحقّق عند انتفائه لا محالة. وعند
آخرين ـ وهم القائلون بتربيع أجزاء القضيّة ، وكون الجزء الأخير منها هو وقوع النسبة أو لا وقوعها ـ على
ما توهّموه من كون المادّة المشتركة ـ التي لا محيص عنها ويرجع إنكارها إلى مكابرة الضرورة ـ عبارة عن
نفس النسبة
التقييديّة المجرّدة عن الأمرين ، والصالحة لورود كلّ منهما عليه ،
ورجوع مفاد القضيّة إلى الحكاية عن تحقّقها ، أو انتفائها اللامتوقّف على وجوده .
والمحققون منهم
وإن تنبّهوا لفساد كلّ من القولين ، وأنّه لا يعقل أن ينقلب ما يتضمّنه القضيّة من
المعنى الحرفيّ اسميّا ، فيكون
السلب محموليّا ،
و
الربط المحصّل للتركيب ،
والحاصل في غيره ولغيره مفهوما استقلاليا ، ولا أن يرد السلب على
الإيجاب ، أو يردا جميعا على الربط الذي ليس بخارج عن حقيقتهما ، ولا
__________________
__________________
يتضمّنه القضيّة
إلاّ معنى حرفيّا ، فبنوا على تثليث أجزاء القضيّة ، وقسّموا النسبة في حاقّ حقيقتها
إلى ثبوتيّة وسلبيّة ، حذو ما قسّموا الرابط الخارجيّ ـ الذي يقع ما في
القضيّة بإزائه ـ إلى وجوديّ هو نفس وجود المقولات ـ ، وعدميّ هو عدمها ، فانطبقت
الحكاية بذلك على المحكيّ بحذافيرهما.
ولقد أجادوا فيما
صنعوا ، ولكنّهم ـ مع ذلك ـ فقد غفلوا
عن ابتناء التفصيل
في صدق هاتين القضيّتين عند انتفاء الموضوع وعدمه على تلك المباني ، فنسجوا على
منوالهم ، حتّى أنّ الفاضل السبزواريّ ـ مع تغليطه له في محكيّ
حواشي الأسفار ـ قد جرى عليه في منظومة المنطق ، والخطب في مثله لهيّن.
وبالجملة : فحيث
إنّه ليس بين المقولات وما تقال عليه
هويّة ثالثة
ربطيّة خارجيّة يوجد الربط بينهما بوجودها ، وينتفي بانتفائها ، ولا مقوليّتها إلاّ من ناحية وجودها وعدمها ، دون ماهيّاتها
، فليس حديث سلب الربط ـ حينئذ ـ إلاّ من الشعريّات التي لا محصّل لها إلاّ حسن
العبارة ، فضلا عن أن يفرّق بين السالبة المحصّلة والمعدولة محمولها بمثله ،
وإنّما الفارق بينهما هو ترتّب هذا الإيجاب على ذلك السلب ترتّب العناوين
الثانويّة على
محصّلاتها ، ولمكان التلازم
بين العنوانين في التحقّق الخارجيّ فلا جدوى لهذا الفرق فيما نحن فيه ، وإن كان مجديا
في رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى مرحلة التكليف أو المحصّل ـ حسبما تقدّم
الكلام فيه .
__________________
فإن قيل : أليس
نفس النعت الوجوديّ الحاصل لموضوعه عند حدوثه من الحوادث ، فكيف يمنع عن مسبوقيّته
بالعدم بما هو كذلك ، ويخصّ سبق عدمه بلحاظ مباينته لموضوعه؟ وهل يعقل أن يوجب
تعدّد اللحاظ تعدّدا في نفس الأمر ، أو يفصّل في استحالة ارتفاع النقيضين بين اللحاظين ؟.
أجيب عنه : بأنّه
ـ مع الغضّ عمّا تقدّم من أنّ قسيم الخارج ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب مثلا ـ هو
الذي لا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه ، وأنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب
عدم أيّ عنوان عند
حدوث آخر إنّما هو عدمه المقارن له ، دون اللاحق به ، لعدم مسبوقيّته على هذا
الوجه.
فلا يخفى أنّ مرجع
دعوى مسبوقيّة النعوت الوجوديّة ـ بما هي كذلك ـ بالعدم إنّما هو إلى أخذ المتحصّل
عن وجود تلك الخصوصيّة ـ بما أنّه وجودها لموضوعها ـ حادثا مسبوقا بذلك ، وقد تبيّن ممّا
قدّمنا أنّ مسبوقيّة نفس الوجود الحادث بالعدم ليس بهذا المعنى المتقوّم به استصحاب عدمه ، وإلاّ كان
استصحابا لمعدوميّة نفس الوجود ، وهو من الأغلاط الواضحة ، وإنّما هو مسبوق به
بذلك المعنى الآخر ـ الذي تقدّم أنّه أجنبيّ عن ذلك.
وبالجملة : فليس
المسبوق بالعدم ـ بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه ـ إلاّ نفس الماهيّات ، ولا
عدمها السابق إلاّ المحمولي
__________________
المعرّى ـ في باب
المقولات ـ عن اللحوق بموضوعاتها عند انتفائها ، ولا استصحابه محرزا سوى العدم
المقارن ، ولا استصحاب عدمها ـ بما هي حاصلة في موضوعها ولموضوعها ـ بدعوى مسبوقيّتها
به بذلك المعنى المغالطيّ إلاّ من استصحاب اجتماع النقيضين ـ كما قد عرفت.
وقد ظهر من ذلك
أنّ حديث ارتفاع النقيضين أجنبيّ عن محلّ البحث بالكلّية ، إذ بعد أن كان التقابل
بين الوجود والعدم راجعا
إلى باب المناقضة
الموجبة لعدم جواز الارتفاع ـ تارة ـ ، وإلى باب الملكة والعدم الصالح لذلك ـ اخرى
ـ ، وكان الفارق بين البابين ـ بعد اشتراكهما جميعا في عدم الواسطة بين المتقابلين
ـ هو تغاير الانقسام إليهما ، ولحوقه في أحدهما لأيّ ماهيّة ـ ولو فرضيّة محضة ـ ،
وفي الآخر بعد شأنيّة وصلاحيّة زائدة ، فاختصاص المناقضة بالمحموليين ، ورجوع
التقابل بين الربطيّين إلى الثاني أوضح من أن يخفى.
ولو قيل بتقرّر
الماهيّات في الأزل من جهة تعلّق العلم الأزليّ بها ، أو غير ذلك ـ كما هو
مرجع القول بالأعيان الثابتة ـ كان حال الموضوع ـ حينئذ ـ باعتبار تقرّره السابق
أيضا مشكوكا ـ لا محالة ـ ، ولم يكن لتوهّم الحالة السابقة مجال ، وسقط هذا البحث
من أصله.
فإن قيل : أليس قد
عوّل الفقهاء على أصالة الضمان عند تردّد اليد على مال الغير بين أن يكون بإذن منه
أو بغير إذنه ، وعلى أصالة عدم النسب ـ أيضا ـ في جميع الأبواب ، فهل يستقيم شيء
من ذلك إلاّ على إحراز حال الحادث باستصحاب العدم السابق على حدوثه .
قلت : أمّا
تعويلهم على أصالة الضمان فهو ـ وإن كان قد حمله كلّ ممّن يرى التمسّك بالعموم في
الشبهات المصداقيّة ، أو التشبّث بقاعدة المقتضي والمانع على مذاقه ، واستظهر به ـ ، لكنّ
الذي ينادي
تعبيراتهم ـ بأعلى صوتها ـ به هو استنادهم فيها إلى أصالة عدم الإذن من المالك ،
دون شيء آخر ، وانطباقه على ما حرّرناه ضابطا لتركّب الموضوع من المقارن أو
النعتيّ أوضح من أن يخفى ، فإنّ المتحصّل ممّا يدلّ على ضمان اليد ـ بعد تخصّصه ،
أو تخصيصه بما إذا لم تكن بإذن من المالك ـ هو ترتّب الضمان على
الاستيلاء على مال الغير عند عدم إذنه فيه ، ومرجعه إلى تركّب سببه من عرضين
لموضوعين ، فيكون كلّ منهما بالنسبة إلى محلّه من النعتيّ ، وبالنسبة إلى الآخر من
المقارن ، ويكفي مسبوقيّة محلّه به
في إحرازه بالأصل
عند إحراز الآخر بالوجدان في التيام سبب الضمان بلا مؤنة أمر آخر ـ حسبما تحرّر
ضابطه.
وأمّا أصالة عدم
النسب : فظاهر شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ أنار الله تعالى برهانه ـ هو دعوى التسالم
على العمل بهذا الأصل في جميع المقامات ، وعليه بنى الحكم بعدم حيضيّة الدم الذي تراه المرأة ـ المشكوكة
قرشيّتها ـ عند تجاوزها عن الخمسين.
فإن رجع ما أفاده 1 إلى دعوى الإجماع
على العمل بهذا الأصل بالخصوص ـ كما يقتضيه تعويله عليه في تلك المسألة ، أو ثبت ما يقوى
عندنا جدّا ـ من أنّ خصوص النسب ممّا جرت طريقة العقلاء ـ حفظا لأنسابهم ـ على
سلبه عمّن لم يثبت انتسابه إليهم ـ فهو ، وإلاّ فقد عرفت أنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب
عدم أيّ عنوان إلى زمان حدوث من يشكّ في نسبه إنّما هو عدمه المقارن
لوجوده ، دون المرتبط به ، من غير فرق
__________________
بعدم إذنه ـ في
إحراز ذلك العرض بالأصل.
بين أن يكون
المستصحب عدمه هو العنوان الأوّليّ المعبّر به عن حقيقة النسب ، والمأخوذ موضوعا
للحكم في لسان دليله ـ كقرشيّة المرأة مثلا ونحو ذلك ـ ، أو يكون من العناوين
الثانويّة المنتزعة عنه ـ كتحقّق الانتساب بينها وبين قريش وأمثال ذلك ـ ،
وتبديل أحد العنوانين بالآخر لا يخرج عدمه السابق عن المحموليّ إلى الربطيّ ، ولا ما يحرز
باستصحابه عن المقارن إلى النعتيّ ، فلو قيل بكفاية إحراز العدم المقارن في تنقيح
أنّ المرأة ممّن لا تحيض إلاّ إلى الخمسين فلا حاجة إلى تبديل العنوان ، وإلاّ لم
يجد إلاّ تبعيد
__________________
ذلك البون البعيد ـ كما لا يخفى.
وليس مجرّد
تعويلهم على هذا الأصل في إحراز حال من يشكّ في نسبه ما لم يصل حدّ الإجماع مجديا
في حجّيّته ، بعد اضطراب
__________________
كلماتهم في رجوع
أصالة العدم إلى الاستصحاب ، أو كونها من الأصول العقلائيّة التي لا يدور التعويل
عليها مدار تحقّق الحالة السابقة ، واختلافها في كون الاستصحاب من الأمارات المعتبرة من باب الظنّ
النوعيّ أو الأصول التعبّديّة ، وتعويلهم على الأصول المثبتة ـ تارة ـ ، وإلغائهم
لها ـ اخرى ـ ، لعدم كون المسألة منقّحة منضبطة.
لكن لا يخفى أنّ
العمدة في مسيس الحاجة إلى هذا الأصل إنّما هي في أبواب المواريث ، ولا حاجة لأغلب
ما يراد ترتيبه فيها إلى سلب النسب عمّن يشكّ في نسبه ، كي يندرج فيما لا يجري الأصل لإحرازه.
أمّا إذا كان
الشكّ في الفروع ـ كما إذا شكّ في كونه ابنا للميّت مثلا ـ فظاهر ، فإنّه وإن كانت
وراثته منه مترتّبة على كونه ابنا له ، ولازمه توقّف الحكم بعدم وراثته منه على
سلب البنوّة عنه ، لكن
__________________
__________________
لا ترتّب لوراثة من يشكّ كونه
مشاركا أو حاجبا له إمّا عن أصل الإرث ـ كالدرجة أو الطبقة المتأخّرة ـ ، أو عن
الزائد عن أدنى النصيبين ـ كالأبوين مثلا أو الزوجين ـ إلاّ على
انتفاء ابن للميّت إمّا مطلقا ، أو ما عدا المعلوم كونه ابنا له ، فإنّه هو الذي
نطقت به آيات الفرائض ، واستفيد من أدلّة المواريث.
أمّا بالنسبة إلى
الشكّ في الحاجب فظاهر بعد أن كانت وراثة من يحجبه الولد ـ بأحد الوجهين ـ معلّقة
في صريح آيات الإرث على انتفائه .
__________________
وأمّا بالنسبة إلى
الشكّ في المشارك فهو ـ وإن لم يكن في الظهور كسابقه ـ لكن حيث لا
خفاء في إطباق أدلّة المواريث على توقّف وراثة كلّ وارث في أيّ طبقة أو درجة لكلّ
المال على انحصاره فيه ، فمرجع هذا الحصر إلى عقد إيجابيّ ـ هو في الطبقة والدرجة الاولى عبارة عن تولّد
المعلومين من الميّت ـ ، وسلبيّ ـ هو عدم تولّد غيرهم منه ـ لا محالة ، بلا
مدخليّة لعدم كون المشكوك ابنا له في شيء من ذلك .
__________________
__________________
وبالجملة : فالحكم
مترتّب في جميع موارد الشكّ في الفروع على انتفاء المنتسب المشارك ـ مثلا ـ أو الحاجب ، وهو مسبوق
بالتحقّق ـ كما قد عرفت ـ ، لا على سلب الانتساب عن الشخص ـ الغير المسبوق به ـ ، فأصالة عدم
تولّد ابن للميّت أصلا ، أو ما عدا المعلوم تولّده منه يكفي في إحرازه ، وإن كان الشكّ
في انتساب المشكوك إليه ـ بعد ـ بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا الشكّ أصلا ، بل لو
انعكس الأمر وكان الأصل جاريا في إحراز عدم الانتساب دون المنتسب لم يجد في وراثة
من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له إلاّ باعتبار استلزام أحد العنوانين للآخر ، فيبتني على
حجّية الأصل المثبت.
وكذا الحال فيما
لو كان الشكّ راجعا إلى من في حاشية النسب ـ كالإخوة مثلا أو غيرهم
من الحواشي ـ إذ لا توقّف لوراثة من يشكّ في مشاركة مشكوك الاخوّة ـ مثلا
ـ ، أو حجبه له ـ بأحد
__________________
__________________
الوجهين ـ إلاّ على
انتفاء الأخ ، ولا مدخليّة لعدم كون المشكوك أخا له في ذلك ، وإن كان موجبا للحكم بعدم
وراثته منه.
وبعد وضوح أنّ
الانتهاء إلى عمود النسب والتولّد من
__________________
الأصول هو الذي
ينتزع عنه عنوان الاخوّة ـ مثلا ـ أو العمومة ، ويترتّب عليه وراثة الحواشي
ومشاركتها ، أو حجبها لمن تشاركه ، أو تحجبه ، ومن هنا يحجب ابن العمّ ـ وإن نزل
وبعد بهذا الاعتبار ـ عمّ الأب ، لكونه في الانتهاء إلى العمود أقرب منه إليه ، فلا جرم يكون
الحواشي ـ أيضا ـ باعتبار التفرّع عن الأصول مسبوقة ـ كالفروع ـ بالعدم لا محالة ،
ويجري الأصل في إحراز استمرار عدمها ، ويترتّب عليه وراثة من يشكّ مشاركة المشكوك
أو حجبه له ، وإن كان الشكّ في اخوّته له ـ مثلا ـ بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا
الشكّ أصلا ـ حذو ما سمعته في الفروع ـ ، وعلى هذا يستقيم إلحاقهم للخناثى إذا نقصن عن
الأربع بالأخوات في عدم
__________________
حجب الامّ عن
الثلث ، دون الإخوة ، إذ لا ترتّب لوراثتها له إلاّ على انتفاء الاخوّة ، لا على
عدم اخوّة المشكوك ، فيجري الأصل في إحراز انتفائها ، ولا حاجة إلى إحراز حال
الخناثى ـ كما قد عرفت.
نعم لا يجري ذلك
فيما إذا شكّ في الأصول ، ضرورة أنّ مقتضى الأصل فيها هو بعكس ما مرّ
في الفروع والحواشي ، لكن لا يخفى أنّ أصالة بقاء الأب ـ مثلا ـ وإن كان مانعا عن
الحكم بوراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له ، لكنّه لا يجدي في وراثة مشكوك
الأبوّة ـ أصلا ـ ، بل يحكم بعدم وراثته من الميّت بأصالة عدم أبوّته له ، نظرا
إلى أنّ حقيقة النسب ومنشأ انتزاع هذا العنوان وإن كان من الإضافات القائمة
بطرفيها ، فإذا أضيفت إلى الأصول كانت توليدا ينتزع عنه عنوان الأبوّة ، أو إلى
الفروع فتولّدا ينتزع عنه عنوان البنوّة ، لكن حيث لا خفاء في مباينة الجهة
القائمة بأحد الطرفين للأخرى ، وجريان كلّ منهما لموضوعها مجرى
__________________
عرض مستقلّ لموضوع
كذلك ، فلا خفاء حينئذ في انسلاب الجهة الأولى عن الأصول بعد تقرّرها وعند انعدام
الفروع ، وإن لم تكن الأخرى لمكان عدم تقرّر موضوعها كذلك . وبعد وضوح أنّ
وراثة كلّ واحد من طرفي عمود النسب عن الآخر إنّما تترتّب على الجهة
القائمة به بلا دخل لما يقوم منها بالآخر وينتزع عنه العنوان الآخر في ذلك وإن كان ملازما
له وموضوعا لوراثته
__________________
__________________
منه ـ فأصالة عدم
توليد مشكوك الأبوّة للميّت يكفي في عدم وراثته منه وإن كان الشكّ في
بنوّته له ـ بعد ـ بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا الشّك ـ أصلا ـ ، بل لو انعكس
الأمر في مجرى الأصل لم يجد إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت ، هذا.
ولمانع أن يمنع عن
جريان أصالة عدم الأبوّة ـ أيضا ـ بالمعنى المجدي في عدم الوراثة ، بدعوى أنّ النسب
ـ لكونه من الأعراض القائمة بموضوعين ـ فالمسلوب عن الأصول عند انعدام الفروع
ليس هو بهذا المعنى المضاف إلى الطرفين ، وإنّما هو الأبوّة
__________________
والتوليد بالمعنى
الغير المتكرّر والقائم بطرف واحد ـ كما لا يخفى ـ ، ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فغاية
ما يترتّب من الأثر عليها هو عدم وراثته عن الميّت ، ولا تجدي في وراثة من يشكّ
مشاركته أو حجبه له إلاّ بمعونة أمر آخر .
ولقد أطلنا الكلام
في تشخيص الضابط في جريان الأصل لإحراز القيود الوجوديّة والعدميّة ، وتميّز موارده
، حيث لم نقف له على تحرير في كلماتهم ، ولم نجد بدّا منه ، والكلام يجرّ الكلام ،
والحديث شجون . ولنرجع إلى ما كنّا فيه.
فنقول : بعد ما
تبيّن من عدم صحة التعويل في إحراز ما يراد إحرازه من القيد العدميّ ـ في محلّ
البحث وأشباهه ـ باستصحاب العدم السابق على وجود الموضوع ، وتوقّفه على سبق تحقّقه
__________________
فيما اعتبر تحقّقه
فيه بعد تعيّنه وتقرّره المساوق لوجوده ـ حسبما استوفينا الكلام فيه ـ ، فلا يخلو
الأمر في التقييد المستتبع لمانعيّة أجزاء غير المأكول من أن يرجع :
إمّا إلى اعتبار أن لا يكون
المصلّي في ظرف فعل الصلاة متلبّسا بها ، أو مصاحبا لها ، ونحو ذلك من الاعتبارات
والعناوين اللاحقة للفاعل ، فيكون سبق تحقّقه فيه عند عدم تلبّسه
بالمشكوك ـ مثلا ـ ، أو عدم تلطّخ بدنه به ونحو ذلك كافيا في جريان الأصل لإحرازه
عند فعل الصلاة ـ كما في الطهارة وغيرها من القيود الراجعة إلى اعتبار وصف في
الفاعل ، حسبما تقدّم الكلام فيه.
__________________
أو إلى اعتبار أن
لا يكون اللباس ونحوه متّخذا منها ، ولا مشتملا عليها ، كي يرجع إلى ما اعتبر فيه ، ويتّجه التفصيل
في جريان الأصل الموضوعي ـ حينئذ ـ بين أن يكون المشتبه هو نفس اللباس ـ مثلا ـ ،
أو يكون هو من عوارضه الموجبة لخروجه عمّا كان عليه من عدم الاشتمال والتلطّخ
بأجزاء غير المأكول ، نظرا إلى انتفاء الحالة السابقة في الاولى ، وتحقّقها في
الثانية فيكفي استصحاب حال اللباس ـ حينئذ ـ في إحراز القيد ، ولا
يلتفت
__________________
إلى ما عليه من
المشتبه ، لعدم كونه مصداقا آخر لما اعتبر فيه ذلك في عرض اللباس ، كي يلزم إحراز
حاله ورفع الشبهة عنه ، وإنّما يجري ـ من غير جهة كونه مغيّرا لحال اللباس ـ مجرى سائر
أنحاء المحمول ـ الذي بناء هذا القول على عدم مانعيّته.
أو رجوعه إلى
اعتبار عدم تخصّص نفس الصلاة بخصوصيّة الوقوع في أجزاء غير المأكول ، ومانعيّتها
بما هي لاحقة لها ، فلا يكون القيد ـ حينئذ ـ مسبوقا بالتحقّق عند وقوعها في
المشكوك من أوّل الشروع وكون المشكوك بحيث يصدق معه عنوان الصلاة فيه ،
__________________
لا كبعض أقسام
المحمول الذي لا بأس بالمعلوم منه.
وإذ قد عرفت ذلك
فلا يخفى أنّ الظاهر النواهي الغيريّة عن إيقاع الصلاة في غير
المأكول ، وغيرها ممّا حكم فيه على الصلاة المتخصّصة بالخصوصيّة المذكورة بالفساد
تارة ، وعدم الجواز اخرى ، والحرمة ثالثة إنّما هو مانعيّتها بما هي من الخصوصيّات
اللاحقة لنفس الصلاة دون المصلّي ـ مثلا ـ أو ما يصلّي فيه ، واستنادها إلى
المصلّي أو ما تقع هي فيه لا يوجب صرف الأدلّة عن ظواهرها وإرجاع القيد إلى النعوت
والعناوين اللاحقة بأحدهما ـ كما لا يخفى.
وأمّا الوجهان
الأوّلان : فالأوّل منهما وإن عمّ نفعه في جريان
__________________
__________________
الأصل لإحراز
القيد في جميع صور الشكّ ، لكنّا لم نقف له على عين ولا أثر لا في أخبار الباب ،
ولا في كلمات الأصحاب ، فلا سبيل ـ حينئذ ـ إلى البناء عليه ، وصرف الأدلّة عن ظواهرها
إليه.
والثاني أيضا وإن
ذهب إليه غير واحد ، وعليه بنى التفصيل في جواز الصلاة في المشتبه بين الصورتين ـ كما تقدّم ذكره
عند نقل الأقوال ـ ، نظرا إلى جريان الأصل الموضوعي في إحداهما ، وعدمه في
الأخرى ، لكن لا يخفى خلوّ أدلّة الباب عمّا يصلح سندا له ، لانحصاره ـ فيما عثرنا
عليه ـ فيما رواه سماعة عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ « ولا
تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » ، ومثله في رواية ريّان بن الصلت عن أبي الحسن
الرضا
__________________
ـ عليه أفضل
الصلاة والسلام ـ ، وهو ـ أيضا ـ غير صالح لذلك ، فإنّ النهي الغيريّ الظاهر في
مانعيّة متعلّقه وإن تعلّق فيه بعنوان اللبس إلاّ أنّ تعقّبه بقوله 7 « تصلّون فيه »
يوجب صرف النهي عنه إليه من حيث ظهور مساقه في أنّه هو الذي يراد بالنهي انتفاؤه ـ كما نطقت به
سائر أدلّة الباب ـ ، دون مجرّد التقييد لمتعلّق النهي ، كي يرجع مفاده ـ حينئذ ـ إلى
أنّ ما يراد انتفاؤه إنّما هو اللبس عند فعل الصلاة ، وإلاّ لزم خلوّ الظرف عن
الفائدة ـ كما لا يخفى.
ولو سلّم تكافؤ
الاحتمالين فإمّا أن يحمل على ما ذكرنا ـ بقرينة سائر الأدلّة ـ ، أو يخرج ـ بمعارضتها
ـ عن صلاحيّة التمسّك به ، ومع ذلك كلّه فحيث إنّه لا دلالة فيه على مانعيّة عوارض
اللباس أصلا فلا انطباق له على المدّعى ، والتمسّك فيها
__________________
بسائر أدلّة الباب
يفضي إلى هدم المبنى ـ كما لا يخفى ـ ، هذا.
بل الظاهر أنّ
توهّم رجوع القيد في محلّ البحث إلى اعتبار النعت في اللباس ـ كما هو مبنى هذا
التفصيل ـ إنّما نشأ عن خلط في البين ، فإنّ الذي يظهر من التتبّع في كلمات
الأصحاب وملاحظة استدلالاتهم إنّما هو استناد الخلاف الواقع بينهم ـ في قصر
مانعيّة غير المأكول بما إذا كان خصوص اللباس متّخذا منها ، أو مشتملا عليها ، أو
متلطخا بها ونحو ذلك ، أو تعميمها للمحمول أيضا إمّا مطلقا ، أو خصوص ما كان منه
ملصقا بالثوب أو الجسد دون غيره ـ إلى الخلاف فيما يوجب صدق عنوان الصلاة فيه ،
بعد الفراغ عن مانعيّة نفس ذلك العنوان ـ كما أطبقت عليه مفاد أدلّة الباب ـ ، لا إلى الخلاف في
أنّه هل هو العنوان اللاحق للباس خاصّة كي يستقيم التمسّك
__________________
بالأصل الموضوعيّ
فيما إذا كان المشتبه من عوارض اللباس ، أو للأعمّ منه ومن المحمول أيضا ـ بأحد الوجهين ـ كي
ينسدّ باب إجراء الأصل ـ مطلقا ـ ، كيف وليس في أدلّة الباب من ذلك عين ولا أثر.
وبالجملة :
فالشبهة المتنازع فيها من هذه الجهة إنّما هي فيما يوجب لحوق العنوان المذكور للصلاة بعد
الفراغ عن مانعيّته وتقيّد المطلوب بعدمه ، لا في نفس عنوان المانع وتعيين ما أخذ
نعتا فيه ـ كما هو مبنى التوهّم المذكور .
وحينئذ فلا جدوى
لاستصحاب حال اللباس في إحراز القيد ـ ولو على القول بدوران العنوان المذكور مدار
اتّخاذ اللباس منها
__________________
مثلا ، أو اشتماله
عليها ، أو تلطّخه بها ونحو ذلك ـ ، إذ أقصى ما يقتضيه ذلك إنّما هو توسّط تلك العناوين
وجودا وعدما في تحقّق عنوان المانع أو انتفائه ، لا مانعيّتها بنفسها وتقيّد
المطلوب بعدمها كي يرجع إجراء الأصل في إحراز انتفائها إلى إحراز بعض متعلّق
التكليف بالأصل.
وبالجملة : فليس
الأصول الجارية باعتبار سبق حال اللباس حينئذ إلاّ كالأصول الجارية باعتبار سبق
حال المصلّي ، وكما أنّه لا جدوى لشيء منها في إحراز عدم تخصّص نفس الصلاة بالخصوصيّة المذكورة إلاّ
على القول بحجيّة الأصل المثبت ، فكذلك الحال في الأصول المحرزة لحال اللباس أيضا
، اللهمّ إلاّ أن يتشبّث بذيل دعوى خفاء الواسطة ـ الممنوعة عندنا من
__________________
أصلها كما حرّر في
محلّه ـ في إحدى الطائفتين دون الأخرى ، لكن لا يخفى ما فيها من الجزافيّة والتحكّم .
ومن ذلك فقد ظهر
أنّ مبنى التفصيل في جواز الصلاة في المشتبه وعدمه بين أن يكون هو نفس اللباس أو
ما عليه ـ كما هو أحد أقوال المسألة ـ في غاية الضعف والسقوط.
وأضعف منه التمسّك
للتفصيل الآخر ـ الذي قد عرفت أنّه لا مناص عن الالتزام به بناء على شرطيّة
المأكوليّة وتقييد الاشتراط بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ـ بأصالة عدم
كونه
__________________
__________________
منها ، لا بما تقدّم
منّا في تقريبه ، فإنّه وإن كان مؤدّى الأصل ذا أثر شرعيّ ـ على هذا
المبنى الفاسد من أصله ـ ، لدوران شرطيّة المأكوليّة حينئذ مدار كونه من أجزاء
الحيوان ، وجريانه بالنسبة إلى منشأ انتزاعها مجرى شرط الوجوب ـ كما تقدّم ـ ،
لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يمكن إحرازه من انتفاء الخصوصيّة العرضيّة باستصحاب
عدمها السابق على وجود موضوعها إنّما هو عدمها المقارن ، لا على وجه النعتيّة له ،
فلا مجال لإحراز عدم كونه من
__________________
أجزاء الحيوان
بالأصل كي يترتّب عليه عدم دخل وصف المأكوليّة فيه ، هذا.
وقد سلك بعض
الأعلام في تزييف التمسّك بهذا الأصل بعكس ما سلكناه ، فأشكل فيه بعدم
ترتّب الأثر ، وسلّم التماميّة من جهة الحالة السابقة.
قال في رسالته
المعمولة في هذه المسألة ـ بعد تقريب التمسّك بالأصل المذكور ـ : ( وهذا نظير الرجوع إلى
الأصل في كلّ حادث
__________________
معلوم إجمالا
تردّد أمره بين حادثين يترتّب الأثر الشرعيّ على عدم أحدهما بالخصوص دون الآخر ،
ومن هنا يرجع إلى الأصل في النسب في باب الميراث والخمس وغيرهما من الأبواب. إلى أن قال :
لكنّ الإنصاف عدم خلوّ المذكور عن الإشكال ، لا من جهة ما ذكر في حكم الحادث
المردّد فإنّه ليس من محلّ الإشكال في شيء ، بل من جهة الإشكال في كون الفرض من
مصاديقه وجزئيّاته كما
__________________
في باب النسب فإنّه لا إشكال
فيه أصلا ، ومن هنا اتّفقوا على أنّ السيادة على خلاف الأصل ، فافهم واغتنم )
انتهى ما أردنا نقله.
وأنت إذا أحطت
خبرا بما قدّمنا عرفت ما فيه من وجوه الفساد ، والعجب أنّه ـ مع شدّة إصراره في هذا المقام بنفي
الإشكال عمّا أفاده في حكم الحادث المردّد ، حتى تخيّل أنّه ممّا ينبغي أن يفهم
ويغتنم ـ لم يعبأ به في محلّ البحث أصلا ، وقد أنكره غاية الإنكار في ردّ من بنى على جريان أصالة
عدم المانع في المقام بناء على المانعيّة ، فقال ما حاصله : ( إنّ
مجرى الأصل إن جعل عنوان المانع ومفهومه فيتوجّه عليه أنّ إثبات عدم مفهوم المانع
بالأصل لا يجدي في إثبات كون اللباس متّصفا بعدم المانع ، إلاّ على القول باعتبار
الأصول المثبتة ، إذ الأصل في المتّصف لا
__________________
يثبت اتّصاف
المحلّ بالوصف المشكوك ، وإن جعل مصداق المانع فيتوجّه عليه عدم الحالة السابقة
للباس بالفرض ، فالفرق بين الشرط والمانع في أمثال المقام لا معنى له أصلا ) انتهى
ملخّصا.
وهو ـ مع الغضّ عن
أنّه لا محصّل للشقّ الأوّل من الترديد ـ حسن لو لا ما صنعه من إرجاع القيد إلى أوصاف اللباس ، وكيف كان فبين ما
أفاده في المقامين من التدافع والتهافت ما لا يخفى .
هذا كلّه إذا كان
الشكّ حاصلا من أوّل الشروع ، وقد عرفت أنّه لا مجال للتشبّث بالأصل الموضوعيّ
أصلا.
أمّا إذا طرأ في
الأثناء فيبتني جريان الأصل في إحراز القيد
__________________
باعتبار سبق
التحقّق في الأجزاء السابقة على ما تقدّم من الوجهين في ذلك ، وقد عرفت أنّ
المختار عندنا هو عدم الجدوى لسبق تحقّقه عند افتتاح الصلاة في إحراز بقائه بالأصل
، لتعدّد متعلّق الشكّ واليقين ـ حسبما أوضحناه.
وهذا آخر ما أردنا
تحريره في أصل المسألة.
ولنختم الكلام
بالتنبيه على أمور : ـ
الأوّل : إنّ
المبحوث عنه فيما تقدّم إنّما هو مع رجوع الشبهة إلى مانعيّة الموجود ـ كأن يشتبه
الثوب المعيّن الخارجيّ بين أن يكون من محرّم الأكل أو غيره.
أمّا إذا شكّ في
أصل وجود المانع ـ كأن يشكّ في وقوع شيء من أجزاء ما لا يؤكل عليه أو لصوقه به
ونحو ذلك ـ فقد يقال : إنّه لا مانع عن الأصل الموضوعيّ حينئذ ، ولا
محذور فيه أصلا.
وهو من الغرابة
بمكان ، فإنّ المنع عن جريان أصالة عدم التلبّس
__________________
ـ مثلا ـ ، أو
اللصوق أو الحمل أو غير ذلك فيما تقدّم لم يكن مبنيّا على ما زعمه الفاضل السبزواري 1 من التفصيل في
أصل جريان الاستصحاب بين الصورتين ، كي يوجّه به التفصيل في جريان الأصول المذكورة وعدم
جريانها بين المقامين ، وإنّما هو لمكان عدم ترتّب الأثر الشرعيّ على المستصحبات
المذكورة بنفسها ، ومثبتيّة الأصول المحرزة لها ـ كما قد عرفت ـ ، وهذا ممّا لا
يعقل الفرق فيه بين أن يستند الشكّ في بقائها وارتفاعها إلى الشكّ في رافعيّة
الموجود ، أو وجود الرافع . ولو فرض ترتّب
__________________
أثر شرعيّ عليها ،
إمّا بدعوى رجوع القيد إلى اعتبار انتفاء نفس تلك العناوين الراجعة إلى أوصاف
المصلّي في ظرف فعل الصلاة ، أو قيل بشرطيّة المأكوليّة وخصّ الاشتراط بصورة تلبّس
المصلّي ـ مثلا ـ بأجزاء الحيوان ، لا كما صنعوه من تقييدها بما إذا كان اللباس منها ، اتّجه التمسّك
بالأصول المذكورة على نمط واحد ـ كما لا يخفى.
وبالجملة : فكما
قد عرفت في أصل المسألة ـ من أنّه لا مجال للرجوع إلى الأصول الموضوعيّة في علاج
الشبهة أصلا ، بل لا بدّ فيه من الجري على ما يقتضيه البراءة أو الاشتغال ـ ،
فكذلك الحال في المقام أيضا ـ حذو ما سمعت.
فالمهمّ حينئذ ـ بعد
وضوح كون الشبهة في المقام بمعزل عن
__________________
الاندراج في مجاري
أصالة الحلّ ـ إنّما هو البحث عن كونها ـ كسابقتها ـ مندرجة في مجاري
البراءة ، أو أنّ بينهما فرقا في ذلك.
والتحقيق في ذلك :
أنّ الشكّ في اللصوق ـ مثلا ـ ينشأ تارة عن الشك في أصل الوجود كما إذا شكّ في
أنّه هل بال الخفّاش محاذيا للمصلّي ، بحيث لو بال وقع عليه قطعا ، وأخرى من جهة
الشكّ في الوقوع واللصوق بعد العلم بالتحقّق الخارجيّ.
ولا خفاء في رجوع
الشبهة في الصورة الأولى ـ باعتبار ترتّب قيديّة خاصّة على تحقّق كلّ واحد ممّا
ينطبق على عنوان الموضوع في الخارج ، كما قد عرفت ـ إلى الشكّ في تقيّد المطلوب بقيد زائد على
ما علم دخله فيه ، فيندرج في مجاري البراءة ـ كما تقدّم.
وهذا بخلاف
الثانية ، فإنّه بعد العلم بتحقّق الموضوع في مورد الابتلاء يكون تقيّد المطلوب
بعدم الوقوع فيه معلوما ـ لا محالة ـ ، والشبهة راجعة إلى مرحلة تحقّق القيد المعلوم دخله في
__________________
المطلوب والخروج
عن عهدة ما علم من التكليف ، فاللازم ـ حينئذ ـ هو الفحص والتثبّت وعدم الاكتفاء
بمجرّد الاحتمال ـ كما هو الشأن فيما يرجع فيه الشبهة إلى مرحلة الخروج عن عهدة
التكليف.
وفي لزوم تحصيل
العلم بذلك ، أو كفاية الظنّ فيه مطلقا ، أو خصوص الاطمئنانيّ ـ البالغ احتمال
خلافه من الوهم بحيث لا يعتني به العقلاء في مقاصدهم ـ وجوه : خيرها أخيرها.
وذلك بالنسبة إلى
عدم جواز الاكتفاء بمطلق الظنّ ظاهر ، بعد عدم الدليل على حجيّته إلاّ في موارد
خاصّة ـ كالقبلة أو عدد الركعات مثلا ـ ، ووضوح عدم جريان مقدّمات الانسداد ـ على
تقدير إنتاجها لمطلق الظنّ ـ في هذه الصورة ، وإن أمكن دعوى جريانها في الصورة الأولى على تقدير عدم
الاندراج في مجاري البراءة ، لكثرة البلوى ، وندرة حصول العلم
بالواقع فيها ، واستلزام الاحتياط للحرج الغالبيّ ـ كما لا يخفى.
__________________
وأمّا بالنسبة إلى
كفاية الاطمئنان فلما تقرّر في محلّه من استقرار طريقة العقلاء على الاكتفاء به في
إحراز مقاصدهم ، وإلغائهم ـ بفطرتهم ـ لاحتمال خلافه بالكلّية ، وجريهم عليه من
حيث إحرازهم الواقع به ، وسقوطه عن الوسطيّة عندهم ، لا كاقتفائهم في موارد جلب النفع أو دفع الضرر أثر
الظنّ مثلا ، بل والاحتمال ، فإنّ إقدامهم فيهما إنّما هو على عنوان المظنون أو
المحتمل ، دون الواقع ـ كما عند حصول الاطمئنان ـ ، ولذا يكتفون به في مقام الأمن من
العطب والهلكة أيضا مع وضوح دوران الإقدام فيه مدار إحراز الواقع ، وبضميمة عدم
الردع عنه في إحراز الأغراض الشرعيّة في غير ما اعتبر فيه خصوص
البيّنة يتمّ المطلوب ، ولا يعتبر فيه الحصول عن سبب خاصّ كالعلم ، بل الظاهر
دوران طريقيّة أغلب الأسباب المعوّل عليها عندهم مدار
__________________
حصوله ، نعم يعتبر فيه
عدم الاستناد إلى ما يعدّ الركون إليه عندهم من السفه ـ كالنوم ونحوه ـ
، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.
وإلى هذا يرجع ما
أفاده في الجواهر من إلحاق الاطمئنان مطلقا بالعلم ، وهو الوجه فيما أفتى به
سيّدنا الأستاذ الأكبر 1 من كفايته في إحراز حال الماهوت ونحوه قبل بنائه على
الجواز في أصل المسألة ، وقد سبقه إلى ذلك شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ أنار الله
تعالى برهانه ـ فيما صرّح به من كفايته في إحراز وصول الماء إلى البشرة في الغسل
والوضوء عند الشكّ في الحاجب ذاتا أو وصفا ونحو ذلك ـ بناء على إرادته من غلبة الظنّ ذلك ـ ، وليس شيء
من ذلك مبنيّا على إجراء مقدّمات الانسداد في خصوص المورد ، واستنتاج حجيّة
الظنّ الاطمئنانيّ منها كي يورد عليه بعدم تماميّتها ـ كما لا يخفى.
__________________
الثاني : إنّه قد
تبيّن ممّا حررنا عدم اختصاص هذا البحث بما إذا كان الاشتباه فيما يصلّى فيه من
جهة الشكّ في اتّخاذه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، واطّراده في جميع ما يتردّد هو
بين ما يجوز الصلاة فيه وما لا يجوز ، إلاّ أنّ خصوص التذكية حيث لا يخلو الشكّ فيها إمّا عن
أمارة معتبرة توجب البناء عليها ـ كما إذا أخذ من يد المسلم ، أو سوق الإسلام مثلا
ـ ، وإلاّ فمقتضى الأصل الموضوعيّ هو البناء على عدمها ، فقضيّة
السببيّة والمسبّبية ـ حينئذ ـ إنّما هو ارتفاع موضوع هذا البحث فيه على كلّ تقدير
، وخروجه بذلك عن عموم هذا النزاع.
وهذا بخلاف ما إذا
شكّ في كونه من الحرير ـ مثلا ـ أو الذهب ، فإنّه بعد البناء فيهما ـ كأجزاء غير
المأكول والميتة ـ على المانعيّة أيضا مضافا إلى حرمة اللبس حال الصلاة وغيرها بعنوان واحد ـ كما
هو ظاهر أدلّة الباب ، وكلمات الأصحاب ـ ، دون
__________________
الحرمة النفسيّة
المحضة كي يندرج في باب النهي عن العبادة ـ كما جنح إليه بعضهم ـ ،
فليس في البين ما يوجب البناء على أحد الطرفين أصلا ـ حسبما تقدّم
البحث عنه في أصل المسألة ـ ، ولا المانعيّة فيهما مترتّبة على حرمة اللبس كي
يتسبّب أحد الشكّين عن الآخر ، ويقع البحث في كفاية أصالة الحلّ لإلغاء الشكّ السببيّ ،
واستتباعه بذلك لإلغاء الشكّ المسبّبي أيضا وعدمها ـ حسبما مرّ بيان الضابط فيه ـ ، وإنّما هي
مترتّبة في لسان الأدلّة على نفس عنواني الحرير والذهب ، بلا دخل لوصف حرمة اللبس
فيه ، ومجرّد التلازم بين الحكمين على تقدير ثبوته لا يوجب ترتيب أحدهما بالأصل
القاضي بالبناء على الآخر ـ كما قد عرفت ـ ، ومن هنا فرّق الأصحاب بين الشكّ في
التذكية وغيرها ، فأفردوه
__________________
بالبحث ، وفصّلوا فيه
بين الصورتين ، ثمّ أطلقوا القول بعدم الجواز إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى
فيه ، ولم يفرّقوا فيه بين المشتبه بغير المأكول وغيره .
إلاّ أنّ في
المدارك ـ بعد أن بنى على ما هو المختار من الجواز ـ جعله في المشتبه بالحرير
والذهب أولى ، ولعلّه للبناء على أنّ مانعيّتهما في طول الحرمة
الذاتيّة ، دون القيديّة في عرضها ، وتوهّم أولويّة جريان الأصل فيما إذا كانت القيديّة من جهة النهي
__________________
النسفيّ من محلّ البحث
وأشباهه. وقد عرفت ما في الجزء الأوّل من المنع ، وسنوضح ما في الجزء الثاني أيضا في محلّه.
بقي الكلام في أنّ
الطهارة الخبثيّة حيث لا يخلو الشكّ فيها ـ مع سبق إحدى الحالتين وعدمه ـ عن الأصل
الموضوعيّ أو الحكميّ المحرز لحال ما اعتبرت هي فيه ، فلا تصل النوبة ـ حينئذ ـ إلى
الرجوع إلى ما يقتضيه الاشتغال أو البراءة كي يبحث عن شمول هذا البحث وعدمه له ، أو
يبنى ذلك على شرطيّتها أو مانعيّة النجاسة .
__________________
__________________
لكن لو تردّد ما
على اللباس ـ مثلا ـ من الدم المسفوح بين المعفوّ وغيره ، فقضيّة ترتّب العفو ـ في
لسان دليله ـ على كون الدم أقلّ من الدرهم ، أو من الجروح ـ مثلا ـ هي عدم الجدوى
لاستصحاب حال ما هو عليه في معفويّته ، وكون العبرة في ذلك ـ وجودا وعدما ـ بإحراز
حال نفسه ، ولمكان أنّه ليس له حالة سابقة يجدي استصحابها ـ حسبما
تقدّم الكلام في نظائره ممّا يكون المصداق الخارجيّ مردّدا بين النوعين عند حدوثه
ـ ولا مناص عن الجري على ما يقتضيه الاشتغال أو البراءة ، ففي اطّراد هذا البحث
وعدمه حينئذ وجهان : مبنيّان على رجوع نتيجة العفو إلى
__________________
تخصيص قيديّة
الطهارة بما عدا مورد العفو ، وكونها من قبيل تخصيص الوجوب في النفسيّات ، أو رجوعها
إلى تخصيص القيد بكونه هو الطهارة عمّا عدا ما يعفى عنه ، وجريانها مجرى
تقييد الواجب دون وجوبه.
وأوّل الوجهين هو
المتعيّن ، فإنّ قيديّة الطهارة في مقابل كلّ من الحدث والنجاسة ،
وكونها ضدّا وجوديّا لما يقابلها في كلا البابين ، لا عدميّا مناقضا له كي يرجع نتيجة
قيديّتها إلى مانعيّته ،
__________________
__________________
وإن كانا من الواضحات
المفروغ عنها ، وكانت قضيّة ذلك هي رجوع الشكّ فيها ـ مع إطلاق قيديّتها ـ إلى الشكّ في
الامتثال ـ حسبما مرّ ضابطه ـ ، لكنّه مضافا إلى ظهور نفس لسان
العفو في رفع القيديّة ، وكونه معيّنا لأوّل الوجهين ، فلا يخفى أنّ تنويع
الطهارة باعتبار أنواع النجاسات وتخصيص القيد ببعضها ـ كما هو مرجع الوجه الثاني ـ إنّما يستقيم
إذا كانت هي عبارة عن
__________________
عدم النجاسة ،
فينهدم أساس شرطيّتها ـ حينئذ ـ ولا محيص عن المانعيّة ، ويندرج الشبهة في محلّ
البحث على كلّ تقدير .
أمّا على ما هو
التحقيق من كونها ضدّا وجوديّا لها ـ كما هو مبنى القول بالشرطيّة ـ فلا
يكاد يستقيم ذلك أصلا ، كيف وليس أنواع أحد الضدّين أنواعا للآخر كي يرجع الترخيص في بعضها
إلى تخصيص الواجب الشرطيّ بما عدا المرخّص فيه ويبقى وجوبه
__________________
على إطلاقه ،
وإنّما قضيّة المضادّة ـ بعد الترخيص المذكور ـ هي تخصيص القيديّة بما عدا مورد
الرخصة ولو مع عدم ظهور دليله في ذلك فضلا عن ظهوره فيه. كما أنّ مرجع ما ذكروه من
كون الطهارة الخبثيّة من الشروط العلميّة ـ أيضا ـ إلى ذلك ، وحاصله اشتراط
قيديّتها بأمرين : أحدهما العلم بالنجاسة ، والثاني عدم كون النجس ممّا عفي عنه ،
ولا سبيل إلى دعوى كون القيد هو الطهارة الخاصّة في شيء من المقامين ـ بناء على
المضادّة دون المناقضة.
وإذ كانت نتيجة
العفو تخصيصا للقيديّة دون القيد فيرجع الشكّ فيه إلى الشكّ فيها ـ كما لا يخفى.
ومع الغضّ عن ذلك وفرض تردّد العفو بين الأمرين ، فينطبق النتيجة من الجهة
التي
__________________
نحن فيها على
تخصيص القيديّة كما هو الشأن في جميع ما يتردّد فيه الوجوب أو القيدية بين الإطلاق
والمشروطيّة ، لرجوع الشكّ فيما يشكّ كونه شرطا للتكليف ـ بأحد الوجهين
ـ إلى الشكّ في ذلك التكليف ـ كما لا يخفى.
وحينئذ فيجري
زيادة الدم على مقدار الدرهم ، وعدم كونه من الجروح ـ مثلا ـ ، أو كونه من الدماء
الثلاثة ونحوها ـ بالنسبة إلى قيديّة الطهارة في مقابل الأثر الحاصل منه ، لا مطلقا ـ مجرى
شرط الوجوب ، ويرجع الأمر عند الشكّ في المصداق الخارجيّ إلى تردّد متعلّق التكليف
ـ من جهة الشبهة الخارجيّة ـ بين الأقلّ والأكثر ، ويندرج في الكبرى المبحوث عنها
ـ كما مرّ في نظائره.
الثالث : إنّه لو
كان العنوان ـ المأخوذ عدمه قيدا في المطلوب ـ من الاختياريّات الغير المتوقّف
صدورها على تحقّق
__________________
موضوع خارجيّ وفرض تطرّق
الشبهة المصداقيّة فيه بعد تبيّن مفهومه ، كما لو شكّ في كون التكلّم ردّا للتحيّة
ـ مثلا ـ ، أو الانحراف عن القبلة بإلغاء نقطة اليمين أو اليسار ـ بناء على عدم
قاطعيّة ما دونه ـ ، ونحو ذلك ، ففي لحوق الشبهة المصداقيّة
المذكورة بما هو المبحوث عنه في أصل المسألة ، أو عدم لحوقها
__________________
__________________
به وجريانها مجرى
الشكّ في القيود الوجوديّة وجهان : مبنيّان على كون التكليف المتوجّه من هذه الجهة
متعلّقا بما هو مفروض الانطباق على العنوان المذكور ، كي يتمّ
الانحلال والترتّب المبتني عليهما رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى مرحلة
التكليف في المقام أيضا ، أو كونه متعلّقا بعدم هذا العنوان بما هو عنوان
اختياريّ يتمكّن منه المكلّف بلا ترتّب له على الانطباق المذكور ، كي يرجع الشبهة
حينئذ إلى مرحلة الخروج عن العهدة ـ كما في القيود الوجوديّة.
وغير خفيّ أنّ ما
أوجب البناء على الانحلال والترتّب ـ المتقدّم تنقيحهما في أصل المسألة ـ هو بعينه
يوجب البناء عليهما في المقام أيضا.
فإنّ اختياريّة
متعلّق التكليف إنّما يوجب تنجّز
التكاليف
__________________
الوجوديّة ـ استقلاليّة
كانت أم قيديّة ـ بنفس العلم بها ، لمكان رجوعها إلى إيجاب ما ينطبق ويحمل عليه
عناوين متعلّقاتها ، وإطلاقها بالنسبة إلى نفس الانطباق المذكور ، لأنّه هو الذي يطالب
به من المكلّف ، فيرجع الشكّ فيه إلى مرحلة الخروج عن العهدة ـ لا محالة ـ ، دون
التكليف.
وليس كذلك الحال
في التكاليف العدميّة ، فإنّ قضيّة استنادها إلى مفسدة مطّردة فيما ينطبق على
عناوين متعلّقاتها ـ لا إلى مصلحة في تحقّق العنوان العدميّ من حيث نفسه ـ هي
انحلالها استقلاليّة
__________________
كانت أم قيديّة ـ بالنسبة
إلى آحاد ما ينطبق على تلك العناوين ـ إلى حكم خاصّ لمتعلّق مخصوص بأحد الوجهين ، دون مطلوبيّة
نفس السلب الكلّي من حيث نفسه ، فضلا عن العنوان العدميّ الملازم له كي يؤول
الأمر إلى باب العنوان والمحصّل ـ حسبما أوضحناه في أصل المسألة ـ ، وقضيّة هذا
الانحلال هي ترتّب آحاد الخطابات التفصيليّة التي ينحلّ إليها السلب
الكلّي على الانطباق على العنوان المطلوب عدمه ، فيكون هو ـ حينئذ ـ موجبا
لتوجّه التكليف ، دون الخروج عن العهدة كما في التكاليف الوجوديّة ، ولكن لا بمعنى
ترتّب الخطاب على تحقّق الانطباق في الخارج ، كي يرجع إلى طلب عدم الشيء على
تقدير وجوده ، بل بمعنى ترتّبه على شأنيّة الانطباق ، وكون هويّة المصداق بحيث لو
وجدت في الخارج كانت تلك الهويّة وانطبق عليها ذلك العنوان ،
__________________
__________________
وهذه الشرطيّة هي التي ذكر
المنطقيّون أنّ عقد الوضع ينحلّ ـ عقلا ـ إليها ، وقد تقدّمت
الإشارة إلى ذلك في توضيح اشتراط التكاليف بوجود موضوعاتها .
وتغاير المقامين من جهة اختلاف
عقد الحمل ، وكونه محمولا للماهيّة المعرّاة عن الوجود والعدم في مفروض المقام ، وبعد فرض
الوجود فيما تقدّم وإن كان موجبا لاختلاف نتيجة الشرطيّة
__________________
المذكورة من جهة
الشأنيّة والفعليّة ، إلاّ أنّ ترتّب الجزاء المنحلّ إليها عقد الحمل
على الشرطيّة المذكورة ، ورجوع الشكّ فيها إلى الشكّ في الحكم الذي يتضمّنه تلك الجزائيّة ممّا لا
مناص عنه على كلّ تقدير ، فكما أنّه لو كان العنوان المذكور حراما نفسيّا ، وشكّ
في انطباقه على مصداق خارجيّ ـ كما في مفروض المقام ـ ، فلا مجال لأن يدّعى خروج
الشبهة المذكورة بسبب العلم بتلك الكبرى عن مجاري أصالتي البراءة والحلّ ، وليس
السرّ فيه إلاّ ما عرفت ، فكذلك الحال إذا كانت مطلوبيّة عدم العنوان من جهة
القيديّة
__________________
أيضا ـ حذو النعل
بالنعل ـ ، والتفكيك بينهما في ذلك إن كان من جهة الارتباطيّة فقد تقدّم أنّه خروج عن
الفرض ، ورجوع إلى المنع عن جريان البراءة في الارتباطيّات مطلقا ، وإن كان بدعوى
عدم جريان الانحلال والترتّب المذكورين في باب القيود العدميّة ، واختصاصهما
بالنفسيّات فقد عرفت أنّه لا محصّل لها ، فتدبّر حقّه.
الرابع : إنه لو
كان مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة ناشئة عن مبغوضيّتها الموجبة لمبغوضيّة ما يتخصّص
بها من العبادة ، وخروجها بهذا الاعتبار عن صلاحيّة الاتّصاف بالمحبوبيّة
والمقربيّة ـ كما هو الحال في باب النهي في العبادة ـ ، وشكّ في
انطباق المصداق الخارجيّ على المنهيّ عنه من جهة الشكّ في الخصوصيّة المذكورة ، ـ كما لو قلنا
بأنّ مانعيّة الحرير أو الذهب مثلا من هذا القبيل ـ فلا خفاء في
استتباع هذا الشكّ للشكّ في
__________________
كلّ من حرمة
المشكوك انطباقه على متعلّق النهي وفساده ـ بناء على ما هو المحقّق في محلّه من تلازم الأمرين
ـ ، ولا في جريان أصالة الحلّ من الجهة الاولى من حيث نفسها ـ كما
لا يخفى ـ ، لكنّه لا يجدي في خروج الشبهة من الجهة الثانية عن عموم هذا النزاع إلاّ مع ترتّب
فساد العبادة المحرّمة على حرمتها بالمعنى المقابل للحلّية المجعولة بهذا الأصل ، وإلاّ فإمّا أن
لا سببيّة ومسببيّة في البين ، وإمّا أن لا جدوى لها ـ حسبما تقدّم
__________________
تحريره .
والتحقيق في ذلك
بعد وضوح أنّ مقتضى النهي عن بعض أنواع الواجب هو تقيّد المطلوب بما عد المحرّم ـ كما فيما تقدّم
ـ ، وإن كان بينهما فرق في ذلك باعتبار استناده في أحدهما إلى قصور المقتضي
في حدّ نفسه ، وفي الآخر إلى غلبة الجهة المزاحمة
__________________
ـ كما قد عرفت ـ هو أنّ
القيديّة المستندة إلى النهي النفسيّ لكونها ناشئة عن مضادّة الحكمين واستحالة
تواردهما على متعلّق واحد ، فيبتني ترتّبها على حرمة العبادة المنهيّ عنها ، أو كونهما
في عرض واحد بلا ترتّب في البين على الخلاف المعروف في استناد انتفاء أحد الضدّين
إلى وجود الآخر ، أو كونهما في عرض واحد بلا استناد ولا ترتّب لأحدهما على الآخر ، فعلى الأوّل
يستقيم في المقام دعوى الترتّب بين الأمرين ، والسببيّة والمسببيّة بين الشكّين ، بخلافه على
الثاني ـ كما لا يخفى.
__________________
__________________
وحيث إنّ من
الواضح ـ كما حقّق وبرهن عليه في محلّه ـ هو انتفاء الترتّب والعلية بين الأمرين ، وكونهما في عرض
واحد يستند أحدهما إلى وجود علّته والآخر إلى انتفائها حتّى مع اشتمال كلّ منهما
على المقتضي في حدّ نفسه ـ كما في مفروض المقام ـ ، فإنّ غاية ما يقتضيه امتناع تأثير كلّ
منهما في ملاكيّة الحكم على حسب ما يقتضيه ـ لمكان المضادّة ـ إنّما هي خروج
الأضعف منهما عن صلاحيّته لذلك بأقوائيّة الآخر ، لا بوجود ما
__________________
يقتضيه ـ حسبما حرّر في
محلّه ـ ، فجهة المبغوضيّة التي هي ملاك النهي والمنافية للمقربيّة المعتبرة في
العبادة ، بل للجهة التامّة والمحبوبيّة التي لا بدّ منها في متعلّق الأمر مطلقا
هي الموجبة للتقييد المذكور في عرض النهي ، دون نفس النهي ، وليس اقتضاؤه للفساد حينئذ إلاّ من صرف
التلازم والكاشفيّة ، دون الترتّب والموضوعيّة ، وحيث لا ترتّب بين الأمرين فلا سببيّة ولا مسببيّة أيضا
بين الشكّين ، وإنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في الخصوصيّة المبغوضة الموجبة للحرمة
والفساد في عرض واحد ، ولا جدوى للأصل الحكميّ الجاري في أحدهما ـ ولو مع تكفّله
لتنزيل المتعلّق ، وإلغاء الشكّ فيه ـ في ترتيب الآخر أيضا إلاّ على القول
__________________
بحجيّة الأصل
المثبت ، فضلا عمّا إذا لم يتكفّل لذلك وكان حكما على المشكوك بما هو مشكوك الحكم
ـ كما هو مفاد أصالة الحلّ حسبما استوفينا الكلام فيه .
بل اللازم ـ على
هذا المبنى ـ هو عدم الجدوى لارتفاع الحرمة خطابا مع تماميّة ملاكها ـ كما عند
النسيان ونحوه ـ في ارتفاع المانع عن إطلاق متعلّق الأمر ، فضلا عن أن
يكون المعذوريّة المستندة إلى الجهل بها مجدية ـ كما لا يخفى.
ثمّ لو سلّم أنّ
قضيّة التضاد إنّما هي استناد انتفاء أحد الضدّين إلى وجود الآخر ـ لا إلى انتفاء
علّته التي قد عرفت أنّها في المقام عبارة عن الملاك التامّ ـ كما زعمه غير
واحد ، وبنوا عليه مقدّميّة ترك أحد الضدّين لفعل الآخر ، فغاية ما يلزم
من ذلك
__________________
ـ بعد وضوح أنّ
المضادّة بين الأحكام إنّما هي في مرحلة صدورها النفس الأمريّ ولا دخل لوصف
التنجّز فيها ـ إنّما هو ترتّب القيديّة في المقام على حرمة العبادة بوجودها النفس
الأمريّ من حيث عدم صلاحيّة المحرّم ـ بما هو كذلك ـ للاندراج في
إطلاق متعلّق الأمر ، ولازم هذا الوجه وإن كان هو الصحّة الواقعيّة عند ارتفاعها خطابا ولو مع
بقاء ملاكها ـ كما عند النسيان ونحوه ـ ، أو الظاهريّة كما إذا شكّ فيها وكان في البين
أصل يقتضي البناء على ذلك ـ كما هو لسان الاستصحابات الحكميّة مثلا ـ ، لكن حيث قد
عرفت قصور أصالة الحلّ عن ذلك وكونها حكما على المشكوك بما هو مشكوك الحكم ، فلا جدوى
لها ـ على هذا
__________________
المبنى الفاسد من
أصله أيضا ـ في إلغاء الشكّ السببيّ كي يستتبع إلغاء الشكّ المسببيّ ، وخروجه بذلك
عن عموم هذا النزاع ـ كما مرّ في نظائره .
نعم لو قيل بعدم
استلزام النهي النفسيّ للتقييد رأسا ، وبني فساد العبادة المحرّمة على محض
منافاتها لما يتضمّنه الأمر من الرخصة في الإتيان بكلّ واحد ممّا
ينطبق على متعلّقه ، بدعوى توسّطها في الصحة وعدم ترتبها على محض الانطباق ـ كما لعلّ أن
يستظهر ممّا يحكى عن إفادات شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 في مجلس الدرس ـ ،
قامت الرخصة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل في ذلك
__________________
__________________
مقام الواقعيّة
التي يتضمّنها الأمر ، وكانت السببيّة والمسببيّة حينئذ مجدية .
ولو استقام ما
ربّما يتخيّل من استناده في المقام وفي باب اجتماع الأمر والنهي أيضا إلى مجرد عدم تمشّي قصد
التقرّب من المكلّف دون شيء ممّا تقدّم ، كان نفس عدم تنجّز النهي حينئذ ـ فضلا عن
الرخصة الشرعيّة الظاهريّة ـ كافيا في ارتفاع هذا المحذور وجدانا ، ولا
يبقى مجال لأن يستتبع الشكّ في الحرمة للشكّ في الفساد من هذه الجهة .
لكن بعد وضوح عدم توسّط ما ذكر
من الرخصة المقابلة
__________________
للحرمة التكليفيّة
في ترتّب الإجزاء العقليّ على تحقّق المطلوب في الخارج ودورانها على كلّ تقدير ـ وكذلك
المقرّبيّة التي لا يعقل معها عدم تمشّي قصد التقرّب ، ولا ترتّب غير
الانقياد عليه عند انتفائها في نفس الأمر ـ مدار إطلاق المطلوب ،
وعدم تعقّل انحفاظه بالنسبة إلى متعلّق النهي ـ لمكان المضادّة ـ ، ولا
استتباعه للفساد أو عدم تمشّي قصد القربة لو جاز شموله
__________________
له ، أو فرض وقوع هذا المحال
، ففساد أصل المبنى وما تخيّل ابتناؤه عليه ـ على كلّ من المسلكين ـ ممّا لا خفاء
فيه.
الخامس : إنّه لو
كانت المانعيّة ناشئة عن المزاحمة الموجبة لانتفاء شرط المقدوريّة عمّا يتعلّق به أحد
الخطابين ، أو يعمّه إطلاقه باتّفاق مصادفة الآخر ، بعد عدم التنافي من غير هذه الجهة
__________________
ـ كما هو ضابط
الرجوع إلى باب تزاحم الحكمين المترتّب على توجّه التكليف بهما إلى المكلّف القادر ، دون تعارض
الدليلين المبنيّ على استحالة ما عدا الواحد منهما حسبما حرّر في محلّه ـ ، فلا
خفاء في عدم صلاحيّتها لتطرّق الشبهة فيها ـ حذو ما تقدّم في أنحائها ـ كي يبحث عن دخولها في عموم
هذا النزاع أو خروجها عنه.
وذلك لأنّه بعد
استناد مانعيّة المزاحم إلى كونه ـ بشاغليّته التشريعيّة وعدم تمكّن المكلّف في
عالم التشرّع والتديّن من عدم الجري على طبقه ـ تعجيزا مولويّا له عمّا
لا يتمكّن معه منه ، وجاريا مجرى الشاغل القهريّ والمانع التكوينيّ في ذلك ، فلا
__________________
__________________
يعقل لها تحقّق واقعيّ
إلاّ مع تماميّته في الشاغليّة التشريعيّة الموجبة لسلب الاختيار عنه ـ بحسب الجعل
والتشريع ـ عن عدم الجري عليه ، ولا يكاد أن يتّصف بذلك إلاّ بوصوله ،
فإنّه المتوقّف عليه تأثيره في اختياره والمنوط شاغليّته به ، وأمّا نفس وجوده
الواقعيّ فحيث إنّه بنفسه ومع عدم وصوله إليه ـ بأحد أنحائه ـ قاصر عن التأثير
المذكور ، ولا شاغليّة له بنفس مؤدّاه فبأن لا يكون شاغلا له عن غيره وموجبا للعجز عنه أحقّ وأحرى بعد ترتّب الثانية
على الاولى ، وإذ لا مانعيّة له إلاّ بوصوله لا بنفسه فلا يعقل أن
يستتبع الشكّ فيه للشكّ فيها ـ كما لا يخفى.
وعلى هذا يستقيم
ما ظاهرهم التسالم عليه من قصر مانعيّة النهي عن الغصب ونحوه من العناوين المجامعة
للمطلوب في
__________________
__________________
الوجود الخارجيّ بصورة تنجّزه .
لكن لا يخفى أنّ
الكلام فيما إذا اجتمع العنوانان المتعلّق أحدهما للأمر والآخر للنهي إيجادا
ووجودا ـ كما هو موضوع البحث في مسألة الاجتماع ـ يقع :
تارة في أنّه بعد وضوح
مضادّة الحكمين واستحالة تواردهما ـ ولو بالإطلاق ـ على متعلّق واحد ، والفراغ عن
عدم الجدوى لمجرّد تعدّد العنوان في ارتفاع هذا المحذور إلاّ مع تعدّد المعنون ـ الذي
هو متعلّق الحكم والعنوان مرآة له وآلة لملاحظته ـ ، لا مع اتّحاده وإن تعدّدت جهة
الصدق والانطباق ، فهل الاجتماع في مفروض المقام من باب انتزاع
العنوانين عن نفس المجمع ـ بما
__________________
__________________
هو كذلك ـ ، أو
تصادقهما عليه تصادق عنواني العالم والفاسق على زيد ـ مثلا ـ ، والجهتان
المتباينتان موجبتان لصحّة الانتزاع ـ مثلا ـ ، أو علّتان ـ كعلم زيد وفسقه ـ لما
ذكر من الصدق والانطباق ، فلا يجدي تعدّدهما تعدّدا في المجمع المنطبق كلّ منهما
عليه أصلا ، ويلزم من إطلاق كلّ منهما له تعلّق كلّ من الحكمين بعين ما يتعلّق
الآخر ـ بالإطلاق ـ به.
أو أنّه بعد أن
كان عقد ذلك البحث فيما إذا اتّحد العنوانان ـ إيجادا ووجودا ـ ، دون ما إذا
تصادقا مفهوما ، وامتاز بذلك عن التعارض بالعموم من وجه ـ حسبما أوضحنا في محلّه
أنّه ضابط البابين ـ ، فمقتضى نفس الفرض حينئذ ـ مع الغضّ عن البراهين
__________________
المحرّرة في
محلّها ـ هو تعدّد ما ينطبق على العنوانين لا اتّحاده ، لأنّ مرجع التصادق إنّما
هو إلى مصداقيّة هويّة واحدة لطبيعتين جوهريّتين كانتا ـ كما في تصادق الجنس والفصل
ـ أو عرضيتين ـ كمثال العالم والفاسق ـ أو مختلفتين ، والاجتماع على
هذا الوجه هو المعبّر عنه في مصطلح علماء المعقول بالتركيب الاتّحادي الملازم
لتعليليّة الجهتين ، لكونهما ـ كالعلم والفسق في المثال ، وكذلك الحيوانيّة
والناطقيّة مثلا ـ راجعة إحداهما إلى ما به تكون الذات الخارجيّة مصداقا لإحدى
الطبيعتين والأخرى إلى ما به يكون نفس تلك الذات مصداقا للأخرى ، ولعدم تعدّد تلك
الهويّة بذلك فيكون المنطبق على أحد العنوانين منطبقا بعينه على الآخر ويستحيل
توارد الحكمين عليه.
وهذا بخلاف ما إذا
اتّحدا وجودا ، فإنّ قضيّة نفس الفرض حينئذ ـ مع الغضّ عن كلّ برهان ـ هي موجوديّة
هويّتين متباينتين بوجود واحد منبسط عليهما ، وتشخّص كلّ منهما بالأخرى بأحد
أنحائه ، فيندرج فيما يعبّر عنه في اصطلاحهم بالتركيب الانضماميّ الملازم
لتقييديّة الجهتين ، لكونهما هما المنطبقتين على العنوانين
__________________
__________________
مقيّدة كلّ منهما
من الوجود المنبسط عليهما حصّتها ، ويختصّ ذلك في الجوهريّين بالهيولى والصورة ـ حذو
اختصاص تصادقهما أيضا بالجنس والفصل ـ ، وفي العرضين ـ كمفروض المقام ـ أو المختلفين بما إذا كانت
إحداهما من المقولات الصالحة لأن تكون ضميمة في الوجود للأخرى ـ حسبما أوضحناه في
محلّه ـ ، ومثال الغصب والصلاة وما كان من قبيله من ذلك.
وبالجملة : فمقتضى
ما فرض موضوعا في عقد البحث هو كون الجهتين الصادرتين عن الفاعل بإيجاد واحد هما
المنطبقتين
__________________
على العنوانين ،
لا علّتين لانطباق المجمع ـ المفروض تركّبه منهما بما هو كذلك ـ على كلّ واحد كي
يلزم الخلف .
وإذ لا خفاء في
أنّ مثار الكثرة هو الماهيّات ، وبتعدّدها تتعدّد الوجودات ـ لا محالة ـ وإن كانت
مشخّصة بعضها لبعض ـ بأحد أنحائه ـ ، ولا يعقل أن يكون حظّ كلّ منهما من الإيجاد
والوجود المنبسط عليهما هو بعينه حظّ الآخر منه ، ولا وحدته ووحدة الشخص
المتحصّل منهما إلاّ عدديّة لا حقيقيّة فتتعدّدان ماهيّة ووجودا ـ وإن تشخّصت
إحداهما بالأخرى. وبعد الفراغ عن أنّ متعلّقات الأحكام هي الطبائع المعرّاة عن
الضمائم دون الأشخاص بمشخّصاتها فيجري كلّ منهما بالنسبة إلى الأخرى مجرى سائر
الضمائم الخارجة عمّا يراد تحقّقه أو انتفاؤه ، ولا يلزم من إطلاق الطرفين ما ذكر من المحذور.
واخرى في أنّه بعد
الفراغ عن رجوع الاجتماع في محلّ
__________________
البحث إلى باب
الانضمام دون التصادق ، ووضوح أنّ قضيّة اشتراط التكليف بالقدرة على متعلّقاتها هي
تزاحم الخطابين عند انتفاء المندوحة وسقوط أحدهما حينئذ بعدم مقدوريّته. فهل يكفي وجودها
وتمكّن المكلّف من الطبيعة المأمور بها بذلك في الإتيان بالفرد المجامع للمحرّم بداعي أمرها لفرض
القدرة عليها ، وعدم خروج ما لا يقدر عليه من جهة الضميمة المحرّمة عن الانطباق
عليها بعد اشتماله ـ في عرض غيره ـ على جهة المطلوبيّة وانتفاء ما يوجب التقييد
بالمقدوريّة .
__________________
أو أنّه وإن كانت
المندوحة موجبة لعدم التزاحم بين الخطابين لكنّه بعد أن كانت حقيقة الإرادة
التشريعيّة ـ كالتكوينيّة ـ عبارة عن اختيار أحد طرفي ما فرض مقدورا بالبعث عليه أو
الزجر عنه ، فكما لا يصلح أن تتعلّق بغير المقدور ـ ولو مع الغضّ عن استقلال العقل
بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه ـ فكذا لا يصلح أن تتعلّق بالقدر المشترك
بينهما بما أنّه كذلك ، فتكون المقدوريّة حينئذ من القيود اللاحقة من ناحية
الوقوع في حيّز الخطاب لكونها من لوازم حقيقة البعث والزجر. كما أسلفناه .
ولازم ذلك هو
تبعيّة إطلاق المطلوب لمقدار مقدوريّته وخروج ما لا يقدر عليه ـ لمكان المزاحم ـ عن
الانطباق عليه بما هو يطالب به وإن كان مشتملا على جهة الحكم وملاكه ، وكان قصدها كافيا عندنا في
المقرّبيّة المعتبرة في العباديّة في غير أمثال المقام ممّا يوجب المزاحم ـ مضافا
إلى سلب القدرة عمّا
__________________
__________________
يزاحمه ـ خللا في
حسنه الفاعليّ أيضا ـ كما حرّر في محلّه. ونظير هذا البحث يجري في جميع ما يكون
بعض أفراد الواجب ممّا لا يقدر عليه لمانع شرعيّ من حيث استلزامه إمّا لترك واجب
لا بدل له ـ كالضدّين الموسّع أحدهما ـ أو فعل محرّم ـ كما في محلّ البحث وأشباهه.
وإذ قد عرفت ذلك
فلا يخفى أنّ إرجاع المبحوث عنه في مسألة الاجتماع إلى صغرى التزاحم ـ كما هو
مقتضى تسالمهم
__________________
على قصر مانعيّة
النهي بصورة تنجّزه ، وكذلك إخراجهم لما إذا انتفت المندوحة عن حريم النزاع وعقد
البحث في غيره ـ إنّما يستقيم إذا كان البحث عنه والبناء عليه من الجهة الثانية
بعد الفراغ عن تباين متعلّقي الحكمين كليّا ، وكون الاجتماع في المقام من باب انضمام
إحدى الهويّتين بالأخرى وتشخّصها بذلك ، دون تصادق العنوانين على هويّة واحدة ـ كما
في مثل ( أكرم عالما ولا تكرم الفاسق ) ونحو ذلك.
وأمّا إذا كان
البحث عنه والبناء عليه من الجهة الأولى ـ كما هو المشهور عند متأخّري من يرى
الامتناع ، وإن كان ظاهر متقدّميهم خلاف ذلك ـ فلا يكاد يستقيم ذلك أصلا ، إذ ليس ما
يبحث عنه من هذه الجهة إلاّ استلزام إطلاق الطرفين لمحذور اجتماع الضدّين أو عدم
استلزامه له ، ورجوعه إلى البحث عن صغرى التعارض أوضح من أن يخفى ، كيف
وليس تمام موضوعه وملاكه إلاّ عبارة عن استحالة توارد الحكمين ـ الحاكي أحد
الدليلين عن أحدهما والآخر عن الآخر ـ على هويّة واحدة ، وهذا بعينه هو الذي يبحث
عنه من هذه الجهة ويدّعيه القائل بالامتناع.
وبعد البناء عليه فيندرج المقام في
جزئيّات التعارض
__________________
__________________
بالعموم من وجه
ولا مناص عن الجري على ما يقتضيه قواعده ، ولا مساس له بباب تزاحم الحكمين أصلا ،
ضرورة أنّ عدم دخل التنجّز وعدمه ولا وجود المندوحة وعدمها في تضادّ الأحكام
، واستحالة تواردها ـ ولو بالإطلاق من الجانبين أو أحدهما ـ على متعلّق واحد ممّا
لا يعقل أن يفرّق فيه بين المقام وغيره ممّا يتصادق العنوانان على هويّة واحدة ،
ولو بني على الامتناع بهذه الدعوى فكيف يعقل التفكيك في التقييد الناشئ عن تضادّ
الحكمين بين موارده؟.
ومجرّد اشتمال كلّ من الحكمين
على المقتضي في محلّ البحث وإن كان مجديا في صحّة تسمية المقام ـ بهذا الاعتبار ـ بالتزاحم
، لكنّه لا يجدي في اللحوق بباب تزاحم الحكمين
__________________
وإعمال قواعده ،
كيف ومع الغضّ عن اطّراده في جميع أبواب التعارض من حيث كاشفيّة كلّ من المتعارضين
ـ ما لم تصل النوبة إلى طرح سنده ـ عن ذلك وعدم منافاة الآخر له إلاّ في النتيجة دون وجود الجهة
المغلوبة ، إلاّ إذا علم بكذلك أحدهما من الخارج فيخرجان عن باب التعارض رأسا ويكونان من اشتباه
الحجّة باللاحجّة ، وبينهما بعد المشرقين ، فلا يخفى أنّ غاية ما يوجبه اشتمال كلّ
من الحكمين المتضادّين على المقتضي في حدّ نفسه هو تمانع الجهتين وتزاحمهما النفس
الأمريّ عند الآمر في ملاكيّة الحكمين المستحيل جعل ما عدا الواحد منهما لمكان
المضادّة ، وغاية ما يتوقّف عليه ذلك إنّما هو التفات الآمر
__________________
بذلك ، ولا مساس
لتنجّز الخطاب الناشئ عن الجهة الغالبة بخروج الأخرى عن ملاكيّة الحكم
عنده ، ولا لعدم تنجّزه بارتفاع المضادّة المتوقّفة عليه ملاكيّة الجهة المغلوبة
للحكم على حسب ما تقتضيه ، وهذا بخلاف ما إذا كان الحكمان المشروط كلّ واحد منهما
بالقدرة على متعلّقه مزاحما أحدهما المعيّن ـ مثلا ـ أو المخيّر للآخر وموجبا
للعجز عنه ، لما عرفت من قصوره عن كونه تعجيزا مولويّا عمّا يزاحمه إلاّ بعد
وصوله ، وعدم كونه مزاحما له إلاّ في البعث عليه والطلب به ، لا في تماميّة ملاكه
وجهة حسنه الكافية في العباديّة والمقربيّة في غير المقام ـ كما قد عرفت .
__________________
__________________
وبالجملة : فلو
بني على الامتناع ـ بدعوى رجوع الاتّحاد في الوجود أيضا إلى تصادق العنوانين
وارتفاع الفارق بين البابين ـ فلا محيص عن الالتزام بخروج المجمع عن إطلاق أحدهما
في نفس الأمر ـ كما في نظائره ـ ، وبعد ترجيح جانب النهي بما يؤخذ به في نظائر المقام
فيرجع الأمر إلى تقيّد المطلوب النفس الأمريّ بما عدا المحرّم ـ لا محالة ـ إمّا
بعنوانه الأوّليّ الذاتيّ ويلزمه الفساد ولو مع نسيان الحرمة فضلا عن الجهل بها ،
كما في غيره ممّا يتقيّد أحد العامّين من وجه بما عدا الآخر ، أو الثانويّ
المتحصّل من تعلّق النهي به وعليه يتوجّه التفصيل في الفساد بين الجهل والنسيان في
جميع ما يكون التقييد ناشئا عن مضادّة الحكمين من دون فرق بين المقام وغيره. وعلى
كلّ منهما فتكون القيديّة في المقام ـ كحالها فيما إذا استفيدت من تعلّق النهي
النفسيّ بنوع من العبادة ومن جزئيّاته ـ واقعيّة لا مجال لدعوى قصرها
__________________
بصورة التنجّز ،
فيتطرّق الشكّ فيها حينئذ ـ على حدّ سائر القيود الواقعيّة ـ لا محالة ، ولا
جدوى لأصالة الحلّ في إلغائه على كلّ من الوجهين ـ حذو ما تقدّم ـ ، ولا لوجود
الجهة المغلوبة أيضا في العباديّة والمقرّبيّة ـ كما قد عرفت ـ ، بل ولا بدّ عند انتفاء المندوحة ـ وكذلك
النسيان أيضا ـ من الجري على ما يقتضيه تعذّر القيد الناشئ قيديّته من الخطاب
النفسيّ أو نسيانه ، دون تزاحم الحكمين ـ كما لا يخفى.
وتسالمهم في جميع
ذلك على خلاف ذلك وجريهم فيها على قواعد التزاحم ممّا لا ينطبق إلاّ ببناء
الامتناع ـ إمّا مطلقا أو عند انتفاء المندوحة خاصّة ـ على الجهة الثانية دون
الاولى ، ولا يستقيم على هذا المبنى أصلا.
بل لو قيل بكون
الجهل بالحكم ـ كالنسيان ـ موجبا لسقوط
__________________
الخطاب واقعا
بدعوى أنّ هذا هو مفاد حديث الرفع لا مجرّد المعذوريّة ، والتزم بما يلزمه من
التوالي لم يجد ذلك في التفصيل بين المقام وغيره ممّا يتصادق العنوانان على هويّة
واحدة ، فليكن ذلك أيضا كاشفا عن فساد ذلك المبنى من أصله ، وتمام الكلام في ذلك
موكول إلى محلّه.
وليكن هذا آخر ما
أردنا تحريره في تنبيهات المسألة من استقصاء أنواع الموانع وأنحاء المانعيّة
وتميّز ما يدخل الشكّ فيه في عموم هذا النزاع عمّا يخرج منه.
ولنختم الرسالة
بذلك حامدا مصلّيا مسلّما ، وكان تسويدها بيد مصنّفها العاصي الجاني المبتلى بهواه
( محمّد حسين النائيني ) ـ عفا الله تعالى عن جرائمه وتجاوز عنه ـ في السنة
الخامسة عشرة بعد الألف والثلاثمائة ، وبقيت في السواد سنين حتى استخرجناها بتحرير
جديد بالتماس من إخواننا المؤمنين.
والحمد لله ربّ
العالمين والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
الفهرس
تمهيد........................................................................... ٥
الأقوال في المسألة................................................................ ٧
تقديم اُمور : الأول في معنى الجواز
لغةً وشرعاً..................................... ١٠
الجواز الواقعي والظاهري........................................................ ١١
الأمر الثاني : إيراد روايات الباب................................................ ١٣
ظهور الروايات في التلازم بين حرمة أكل
الحيوان وفساد الصلاة في أجزائه........... ١٥
دعوى انحصار مناط المنع في المسوخ وردها........................................ ١٦
بيان الضابطة لكون الجهة غير المطردة
حكمةً لتشريع حكمٍ مطرد.................... ١٧
عدم انطباق الضابطة على المقام ................................................. ١٩
الإيراد على التلازم بين الحكمين ودفعه .......................................... ٢٠
بيان الضابطة لتعليل الحكم بمناطه وأنه
على وجهين................................ ٢١
بيان الضابطة لما يكون من العلة
المنصوصة في قوة الكبرى الكلية..................... ٢٢
أقسام العلل الشرعية............................................................ ٢٤
أصالة كون العلة من قبيل واسطة الثبوت.......................................... ٢٥
الضابطة الإثباتية لكون العلة واسطة
العروض وكبرى كلية.......................... ٢٧
المناقشة في مثال الواسطة الثبوتية
ودفعها........................................... ٣٠
عدم انطباق الضابطة الإثباتية على رواية
مقاتل..................................... ٣٤
ابتناء انطباق الضابطة على رواية علي
على إحدى نسختيها......................... ٣٦
وجود المانع على النطباق الضابطة على
الرواية..................................... ٤٠
عدم صلاحية رواية الحنّاط لمعارضة عموم
المانعية................................... ٤٥
استثناء الخزّ من عموم المانعية.................................................... ٤٨
دلالة رواية ابن أبي يعفور على الجواز
في جلد الخز................................. ٤٩
دلالة صحيحة سعد على الجواز في جلد الخز...................................... ٥١
تقريب دلالة الصحيحة على الجواز .............................................. ٥٣
دلالة صحيحة سعد على الجواز في جلد الخز...................................... ٥٧
عدم صلاحية روايت المنع للمعارضة.............................................. ٥٩
هويّة الخز..................................................................... ٦٠
الخلاف في استثناء النسنجاب.................................................... ٦٦
النصوص الدالة على الجواز في السنجاب.......................................... ٦٧
المناقضة في النصوص المذكورة................................................... ٧٠
حكم سائر ما وردت الرخصة فيه ............................................... ٧٧
تقييد بعضهم الرخصة بحال الضرورة ............................................ ٨٠
أقسام ما يحرم أكله من الحيوان.................................................. ٨١
جواز الصلاة في ذي اللحم من المحرم غير
ذي النفس............................... ٨٢
المناقشة في شمول الدليل لغير ذي النفس
وردها..................................... ٨٣
دعوى الجواهر كون الذبح تذكيةً للحيوان
المذكور وردّها.......................... ٨٩
جواز الصلاة في أجزاء الانسان.................................................. ٩٣
حكم الصلاة في أجزاء المحرم العارضي............................................ ٩٦
عدم جواز الصلاة في أجزاء الموطوء وشارب
لبن الخنزيرة........................... ٩٧
جواز الصلاة في أجزاء الجلّال.................................................... ٩٩
أقسام ما على المصلّى عند فعل الصلاة.......................................... ١٠٠
عدم جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه
الصلاة من المحرّم............................... ١٠١
مستند القائل بالجواز وتضغيفه ................................................. ١٠٣
تحقيق حول الفقه الرضوي ومدى اعتباره ....................................... ١٠٦
عدم جواز الصلاة في عوارض البدن واللباس
من المحرم............................ ١٠٩
عدم جواز الصلاة في المحمول من المحرّم.......................................... ١١٣
حكم الممزوج والمغشوش بالمحرّم................................................ ١١٤
حكم ما إذا كان مقدار الغش يسيراً
مستهلكاً.................................... ١١٧
الأمر الثالث : هل الوقوع في المأكول
شرطٌ او الوقوع في غيره مانعٌ أو كلاهما..... ١٢٠
امتناع اجتماع شرطية أحد الضدين ومانعية
الآخر تكويناً......................... ١٢٣
تحقيقٌ حول أجزاء العلّة وطوليتها............................................... ١٢٤
تحقيقٌ حول استحالة اجتماع مقتضيي
الضدّين................................... ١٢٧
الاعتراض على مقالة الخونساري رحمه الله
...................................... ١٣٢
امتناع اجتماع شرطية الشيء ومانعيّة
ضدّه في التشريعيات ملاكاً وخطاباً........... ١٣٤
إمكان اعتبار شيءٍ شرطاً واعتبار ضدّه
قاطعاً ................................... ١٣٧
استظهار المانعية من أدلّة الباب................................................. ١٣٨
المناقشة في أدلة القائلين بالشرطية............................................... ١٤٣
المناقشة في دلالة رواية ابن أبي حمزة
على الشرطية................................ ١٤٤
المناقشة في دلالة ذيل الموثقة على
الشرطية....................................... ١٤٦
تشبّثٌ من بعض القائلين بالشرطية وردّه........................................ ١٥٠
تكلّف في تصوير الشرطية وردّه................................................ ١٥٥
الأمر الرابع : غثبات أن المانعية
واقعية لا علمية.................................. ١٥٩
الوجوه المدّعاة لكون المانعية عليمة
وردّها ....................................... ١٦٠
دعوى القمي قدس سره الشريف دلالة النصوص
على مانعة المعلوم وردّها.......... ١٦١
ردّ دعوى شرطية العلم عقلاً في متعلق
الخطاب.................................. ١٦٧
إبطال مقايسة العلم على القدرة................................................ ١٦٨
تحقيق في مفاد الخطابات الغيرية................................................. ١٦٩
رد تفصيل الوحيد قدس سرده في اعتبار
القدرة في القيود.......................... ١٧٢
الأمر الخامس : مالأدلة الاجتهادية
المستدل بها على الجواز في المشتبه وردّها......... ١٧٤
الاستدلال بإطلاق الرخصة في الخزّ
وتضعيفه.................................... ١٧٦
الاستدلال بنصوص الجواز فيما اُدذ من يد
المسلم وتضعيفه........................ ١٧٨
تضعيف سائر الأدلة.......................................................... ١٨١
تعين البحث عما يقتضيه الاُصول العملية
في مقامات ثلاثة ........................ ١٨٢
المقام الأول : في اندراج الشهة في
الاقل والأكثر وجريان البراءة فيها ............... ١٨٤
بيان ما يتبنى عليه القول بالبراءة أو
الاشتغال في المقام ............................. ١٨٦
تمهيدُ لبيان الضابط المائز بين الشك في
التكليف أو الامتثال........................ ١٨٨
تقسيم التكليف باعتبار تعلقه بالموضوع
الخارجي وعدمه إلى أربعة أقسام............ ١٨٩
التفرقة بين موضوعات التكاليف الوجودية
المعدمية .............................. ١٩١
تحقيق حول كيفية تشريعالأحكام وبيان
مراتبها................................... ١٩٣
بعض موارد الخلط بين شرائط الجعل وشرائط
المجعول............................. ١٩٤
بيان المناسبة في العبير عن الموضوع
بالشرط أو السبب............................ ١٩٦
دوران فعلية الحكم مدار تحقق موضوعه ........................................ ١٩٧
بعض مهامّ المسائل المترتبة على امتناع
الخلف.................................... ١٩٨
دوران تنجّز التكليف مدار العلم بتحقق
موشوعه................................. ١٩٨
تثليث مراتب الحكم.......................................................... ١٩٩
منشأ اختلاف الأقسام الأربعة في التنجز........................................ ٢٠٠
صُور الشبهة المصداقية المتصورة فيالقسم
الاول وحكمها ......................... ٢٠٠
صور الشبهة المصداقية للقسم الثاني
وحكمها.................................... ٢٠٤
حكم ما لو تردد موضوع القسم الثاني بين
الأقل والأكثر......................... ٢٠٦
التفيل في موارد التردد المذكور بين
الوجوبية والتحريمية وسرّه ..................... ٢٠٧
الشبهة المصداقية للقسم الثالث وحكمها........................................ ٢٠٩
اشتراط فعلية التكاليف بالقدرة عقلاً
وباقتضاء الخطاب........................... ٢١١
انقسام القدرة الى عقلية وشرعية والضابط
لكل منهما............................. ٢١٣
امتناع دخل القدرة العقلية في الملاك
ووجهه...................................... ٢١٥
حكم الشك في القدرة بكل من قسميها......................................... ٢١٧
بيان ما هو المناط لوجوب الفحص أ,
الاحتياط .................................. ٢١٨
بيان الضابط لاستكشاف العقل الخطاب
المتمم................................... ٢٢٠
تحقيق حول اسباب القصور الموجب لجعل
المتمم.................................. ٢٢١
حصر أقسام الخاب المتمم في ثلاثة.............................................. ٢٢٣
القدرة المعتبرة في في القسم الثالث من
ناحيتين صلاحةلإ لأن تكون عقلية أو شرعية . ٢٢٦
القدرة المعتبرة في الوضوء عقلية وشرعية
معاً باعتبارين ............................ ٢٢٧
امتياز القسم الرابع عن سائر الاقسام
بما يقتضي الانحلال والترتب.................. ٢٢٩
تحقيق ما ينشأ عنه الاشتراط في القسم
الرابع..................................... ٢٣١
انحلال القضايا الحقيقية إلى شرطية.............................................. ٢٣٢
المناقشة في اقتضاء القسم الرابع
للاشتراط والجواب عنها ......................... ٢٣٣
تحقيق حال الاشتراط بوجود الموضوع في
مرحلة البقاء............................ ٢٣٦
بيان لأأن المتكفل لإيجاب حفظ الموشوع
هو الخطاب المتمم........................ ٢٣٩
اقتضاء الأصل الأولي دوران الحكم مدار
موضوعه حدوثاً وبقاءاً.................... ٢٤١
ما يقتضيه التحريم بالنسبة إلى إعدام
موضوعه ................................... ٢٤٢
ابتناء جريان البراءة في الشبهات
الموضوعية على الانحلال والاشتراط................ ٢٤٧
دوران التنجز مدار العلم بآحاد الخطابات
الفعلية................................. ٢٤٨
توقف العلم بالخطاب الفعلي على اعلم
بشخص موضوعه......................... ٢٤٩
توقف الفعلية على انضمام الصغرى إلى
الكبرى وتوقف التنجز على العلم بهما ...... ٢٥٠
انطباق عنوان الموضوع مقدمة وجوبيّة لا
علميّة ................................. ٢٥١
محصل الفارق بين القسم الرابع وسائر
الأقسام................................... ٢٥٣
ضابط رجوع الشبهة المصداقية إلى الشك في
التكليف أو الامتثال.................. ٢٥٤
إلحاق الشك في المسقط القهري بالشك في
المسقط الاختياري..................... ٢٥٥
جريان الأقسام الاربعة وضوابط تنجزها في
باب القيود ........................... ٢٥٦
حكم الشبهات المصداقية للقفيود الوجودية
بأقسامها الثلاثة....................... ٢٥٨
حكم الشبهات المصداقية للقيود العدمية
بأقسامها الأربعة.......................... ٢٦٠
تفصيل الكلام في الشبهات المصداقية
للقسم الرابع من القيود العدميّة............... ٢٦١
البحث الصغروي والكبروي الواقع في
المقام ونظائره من موارد القسم الرابع من القيود العدمية ٢٦١
المبحث الأول في تنقيح الصغرى ؛ تعريف
المانع وأقسامه ......................... ٢٦٤
إبطال القول بجعل الماهيّات الاعتبارية........................................... ٢٦٥
بيان انتزاعية السبيّة وأخواتها................................................... ٢٦٦
الوجوه الثلاثة المحتملة ثبوتاً لقيدية
العدم......................................... ٢٦٨
تطرق الوجوه الثلاثة في النواهي
النفسيّة واستطهار الوجه الثالث ـ الانحلال ـ في البايين ٢٧٠
مستند القائل بالوجه الثاني ـ قيدية
السلب الكلي ـ............................. ٢٧٢
ظهور الادلة في الانحلالية وانتفاء الدليل
المخرج.................................. ٢٧٣
رد ما استند إليه القائل بقيدية السلب
الكلي من الوجهين ........................ ٢٧٥
تحقيق في رجوع القيد الى الطبيعة وطرو
الفساد على الشخص .................... ٢٧٧
اقتضاء قيدية السلب الكلي جزئية كل فرد
للقيد حقيقةً أو حكماً ................. ٢٨١
رجوع الشبهة على تقدير قيدية السلب إلى
باب الأقل والأكثر وعدم دوران الاندراج فيه مدار الانحلالية ٢٨٤
حكم الاشبهة بناءاً على الشرطية على كل
من التكلفين........................... ٢٨٦
المبحث الثاني في تنقيح الكبرى : إهمال
القوم لحكم الدوران بين الأقل والأكثر لشبهة خارجية ٢٨٨
مدرك أصالة البراءة بوجه عام عقلاً
وشرعاً...................................... ٢٩١
تقريب جريان البراءة العقلية والشرعية
في الارتباطيات............................ ٢٩٣
ملاك انحلال العلم الإجمالي..................................................... ٢٩٥
تقريب عدم جريان البراءة العقلية في
الارتباطيات................................. ٢٩٧
جريان البراءة الشرعية وثبوت الإطلاق
الظاهري في الارتباطيات................... ٣٠١
المناقشة في جريان البراءة في الشبهات
الموضوعية من وجهين وردّها ................ ٣٠٣
اطراد ملاك عذرية الجهل في الشبهات
الموضوعية................................. ٣٠٥
رد دعوى كفاية العلم بالكبرى في المنع
عن جريان البراءة......................... ٣٠٩
اجتماع ملاكي الارتباطية والموضوعية في
الشبهة المبحوث عنها.................... ٣١١
استظهار ابتناء ذهاب المشهور إلىالمنع
على منع الصغرى.......................... ٣١٢
المقام الثاني : في اندراج الشبهة في المقام
في مجاري أصلاة الحل...................... ٣١٥
إبطال مسببية الشك في المانعية عن الشك
في الحرمة .............................. ٣١٦
منع استلزام الشك فيما اُخذ منه للشك في
حلية المأخوذ........................... ٣١٧
وصف الحلال والحرام تارةً موضوعٌ للحكم
واُخرى معرف لموضوعه............... ٣٢٠
الحلية أو الحرمة قد تؤخذ موضوعاً
بمعناها الذاتي واُخرى بمعناها الفعلي ............. ٣٢٢
المجعول بأصاله الحل ترخيصٌ فعلي في حال
الشك................................ ٣٢٣
استظهار المعرفية للموضوع من أدلة الباب....................................... ٣٢٥
استظهار الذاتية من الأدلة على تقدير
موضوعية الموصف.......................... ٢٣٧
عدم الرق فيما ذكر بين الشبهات
الموضوعية والحكمية........................... ٣٢٨
ما يقتضيه البناء على أصالة الحرمة في
المقام ..................................... ٣٣٠
فيه استحسان مقال وتضعيف آخر ............................................. ٣٣٣
إبطال بناء الاستدلال بأصالة الحل على
إحراز الإباحة التكليفية بها ................. ٣٣٤
تحقيق حول الاُصول الاجارية في موارد
الشك في المشروعية ....................... ٣٣٧
بيان الوجه الصحيح للاستدلال بأصالة
الحل في المقام............................. ٣٤٤
حقيقة الحل والحرمة المتعلقين
بالموضوعات أو بالأفعال ............................ ٣٤٦
عدم اختصاص أصالة الحل بموارد الشك في
الحرمة النفسية ....................... ٣٤٩
تقريب الاستدلال على ذلك وتركبه من
مقدمات ثلاث.......................... ٣٥٠
رجوع المانعية إلى المنع الشرعي على وجه
الانحلال............................... ٣٥٣
عدم تضمن القيود الوجودية للمنع الشرعي...................................... ٣٥٤
رجوع الإطلاق بالنسبة إلى أضداد المانع
إلى الرخصة فيها......................... ٣٥٧
شمول أدلة أصالة الحل للمنع الشرعي من
جهة القيدية ............................ ٣٥٨
شواهد من الروايات استعملت فيها الحرمة
فيما يعم المانعية ....................... ٣٥٩
إفادة الحلية الظاهرية في القيود
للإطلاق والصحة الظاهرية........................ ٣٦٦
تحقيق حول إجزاء المطلوب الظاهري عن
الواقعي ................................ ٣٦٨
رد دعوا كو الشك في المقام في الوضع دون
التكليف............................. ٣٧١
الإشكال على جريان أصالة الحل بناءاً
على تأصل جعل المانعية..................... ٣٧٢
المقام الثالث : في البحث على اندراج
الشبهة في مجاري الاستصحاب الموضوعي..... ٣٧٥
كفاية ترتب الأثر الناشئ عن القيدية في
جريان الاُصول العملية.................... ٣٧٨
الضابط في جريان الأصل لإحراز بعض أجزاء
المركب وقيوده..................... ٣٧٩
ثبتيّة الأصل الجاري فيما يلازمه أو
ينتزع عنه أو يتسبّب منه موضوع الحكم........ ٣٨١
تحقيق وتفصيل في مسألة الشك في إدراك
الإمام في الركوع....................... ٣٨٤
عدم جريان الأصل مع اعتبار الربط
الثانوي بين الأجزاء.......................... ٣٨٧
صور القيود المعتبرة في الصلاة.................................................. ٣٨٨
عدم اعتبار سبق الالتفات إلى الشك في
جريان الأصل............................ ٣٨٩
عدوىالمحقق الرشتي رحمه الله اعتبار سبق
الالتفات ومناقشتها...................... ٣٩٣
حكم الشك في بقاء القيد الصلاني الحاصل
منأول الشروع........................ ٣٩٧
هل يجري الاستصحاب لإحراز الجزء الصوري.................................. ٤٠٠
بداية البحث عن استصحاب العدم الأزلي....................................... ٤٠٣
جريان استصحاب العدم مع ترتب الأثر على
نقيضه الوجودي..................... ٤٠٥
حكم المخصص إذا كان نافياً لحكم العام
محضاً أو كان مثباُ لحكم آخر............. ٤٠٧
حكومة الأصل المحرز للجزء على الأصل
النافي للجملة............................ ٤١٠
ما يترتب من الأثر على الأصل النافي
للجملة..................................... ٤١٢
أقسام الموضوعات والمتعلقات المركبة............................................ ٤١٣
رجوع التركب من المتاينين إلى مقارنة
الوجود أو العدم........................... ٤١٤
صلوح العرض للحاظه محمولياً تارة
ونعتيّاً اُخرى................................. ٤١٧
انحصار قيدية العرض ثبوتاً بوجوده أو
عدمه النعتيين.............................. ٤١٨
امتناع التقييد ثبوتاً بوجود العرض أو
عدمه المحموليين............................. ٤٢١
اقتضاء الدليل اثباتاً قيدية النعتي................................................. ٤٢٢
ما يقتضيه الدليل المجمل المردد بين
النعتية والمحموليّة............................... ٤٢٣
كون أغلب الأدلة من المبين الدال على
قيدية النعتي............................... ٤٢٤
انطباق نتيجة التخصيص بالاستثناء أو
المنفصل على قيدية النعتي.................... ٤٢٥
دعوى الكفاية عدم معنونية العام بعنوان
خاص ومناقشتها......................... ٤٢٩
دعوى الكفاية معنونية العام بكل عنوان
سوى عنوان الخاص وتضعيفها............. ٤٣٢
كفاية استصحاب العدم الأزلي لإحراز
العدم المحمولي............................. ٤٣٧
التحقيق حول عدم كفاية استصحاب العدم
الأزلي لإحراز العدم النعتي.............. ٤٣٨
اللاحق بالموضوع هو وجود العرض أوعدمه
دون ماهيته.......................... ٤٤٠
استحالة نعتيّة العدم مع انتفاء الموضوع.......................................... ٤٤٣
استشهاد البعض بمقالة المناطقة على صدق
السالبة المحصلة مع انتفاء الموضوع........ ٤٤٤
ابتناء إفادة القضية سلب الربط على أحد
قولين فاسدين.......................... ٤٤٦
تحقيق حول فساد القوليين وبيان حقيقة
الأمر ................................... ٤٤٨
هدم أساس سلب البرط وتحقيق الحال في
المذهب الفصل.......................... ٤٥١
الفارق بين السلب المحصل والمعدول
المحمول...................................... ٤٥٢
دعوى مسبوقية النعوت الوجودية بالعدم
وردها................................. ٤٥٤
حكم المسألة لو قيل بالأحيان الثابتة............................................ ٤٥٧
دعوى ابتناء أصلين فقهيين مسلمين على
الاستصحاب الأزلي وردها............... ٤٥٨
المناقشة في أصالة عدم النسب وبيان
المختار فيها ................................. ٤٦٠
فيه تعريض لصاحب الكفاية 1............................................... ٤٦١
كفاية سلب النسب محمولياً في أغلب موارد
الشك فيه ........................... ٤٦٣
عدم الجدوى لأصلابة بقاء الاب في وراثة
مشكوك الاُبوة......................... ٤٦٩
المناقشة في جريان أصالة عدم الأبوة............................................. ٤٧١
الوجوه المتصورة لمانعية غير المأكول
ومقتضى الأصل على كل منها................. ٤٧٣
استظهار ثالث الوجوه من الأدلة............................................... ٤٧٦
التشبث للوجه الثاني بموثقة سماعة ورده......................................... ٤٧٧
نشوء توهم الوجه الثاني عن خلط في
المقام....................................... ٤٧٩
طهور الكلمات في كون المانع هو وقوع
الصلاة في غير المأكول.................... ٤٧٩
تضعيف الأقوال تفصيلية في المسألة............................................. ٤٨٢
نقل مقالة الفاضل الآشتياني ومناقشتها........................................... ٤٨٤
حكم الشك في بقاء القيد أثناء الصلاة.......................................... ٤٨٧
الخاتمة : الأمر الأول في عدم جريان
الأصل الموضوعي مع الشك في وجود المانع...... ٤٨٨
تحقيق حول اندراج المورد في مجاري
البراءة....................................... ٤٩١
قيام الأطمئنان مقام العلم...................................................... ٤٩٣
الثاني : في عدم اختصاص البحث بالصلاة
في مشكوك المأكتولية................... ٤٩٥
مقالة المدرك وردها........................................................... ٤٩٧
الاُصول الجارية في مواد الشك في
الطهارة الخبثيّة................................. ٤٩٨
حكم تردد الدم بين المعفو وغيره............................................... ٤٩٩
تحقيق في رجوع نتيجة العفو إلى تخصيص
قيدية الطهارة لا تخصيص ذات القيد...... ٥٠٠
الثالث حكم الشك في القيد العدمي غير
المتوقف على موضوع خارجي ............ ٥٠٤
إثبات الانحلال والترتب في القيود
العدمية المذكورة............................... ٥٠٧
تحقيق حول ترتب الخطاب على الانطباق على
العنوان المطلوب عدمه .............. ٥٠٨
الرابع : حكم الشبهة المصداقية للمانعية
مالناشئة عن المبغوضية..................... ٥١١
هل المناعية المذكورة مترتبة على الحرمة
أو هما في عرض واحد..................... ٥١٣
ابتناء المسألة على الخالف في استناد النتفاء
الذد إلى وجوب ضدّه وعدمه ........... ٥١٤
عدم الجدوى لأصلاة الحل في المورد حتى
لو بني على الاستناد...................... ٥١٧
حكم المسألة بناءاً على تضمن الأمر
الرخصة في الإتيان بكل فرد من متعلقة......... ٥١٩
حكم المسألة بناءاً على استناد الفساد
إلى انتفاء القربة............................. ٥٢٠
الرد على المبنيين المتقدمين..................................................... ٥٢١
الخامس : حكم المانعية الناشئة عن
المزاحمة....................................... ٥٢٢
البحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي
وامتناعه من الجهة الاُولى................... ٥٢٥
التفكيك بين موارد التركيب الاتحادي
والنضمامي............................... ٥٢٧
البحث عن جواز الاجتماع وعدمه من الجهة
الثانية............................... ٥٣٠
عدم استقامة إدراج المقام في التزاحم إذا
كان بحثاً عن الجهة الاُولى................. ٥٣٣
عدم الجدوى لاشتمال الحكمين على الملاك
في الاندراج في باب التزاحم............ ٥٣٥
ما يترتب على القول بالامتناع والتعارض........................................ ٥٣٨
الختام....................................................................... ٥٤٠
|