بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل صلواته وأزكى تحياته على من اصطفاه من الأولين والآخرين وبعثه رحمة للعالمين محمّد وآله الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وعصمة المعتصمين واللعنة الدائمة على أعدائهم أبد الآبدين.

وبعد فيقول أفقر البرية إلى رحمة ربّه الغني « محمّد حسين الغروي النائيني » عفا الله تعالى عن جرائمه : إني كتبت في سالف الزمان في مسألة « الصلاة في المشكوك » ( رسالة أودعت فيها من تنقيح المباني المهمة وتحرير ضوابطها ما أدّى إليه قاصر نظري ، ولمّا انتهينا في الدورة الأصولية السابقة إلى البحث عن كبرى هذه المسألة استدركنا بعض ما فات عند تحرير هذه الرسالة ، فاختلفت نسخها السابقة واللاحقة ، والآن إذ انتهينا في كتاب الصلاة إلى البحث عن أصل المسألة رأينا أن نزيد في الرسالة أمورا أخر ومهمّات لم‌


تحرّر وتوضيحات لبعض ما تضمّنته من الغوامض التي ألفيناها جارية على ألسنة وأقلام بغير صورتها وعلى غير وجهها أو محذوفة الإسناد إلى مبتكرها.

__________________

بسم الله الرحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل صلواته على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد ، فيقول العبد الفقير إلى الله الغني « جعفر » خلف العلاّمة المحقق الجليل الميرزا علي الغروي النائيني ـ طاب ثراه ـ : أن « رسالة الصلاة في المشكوك » ـ التي جاد بها يراع جدّنا المجدّد العظيم ، نادرة العصور وحسنة الدهور ، مؤصّل الأصول ومفرّع الفروع ، إمام المحققين ومثال التقوى واليقين ، حضرة الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني ( أعلى الله في الجنان درجاته وحبانا من فيوضه وبركاته ) ـ لمّا كانت كنزا حاويا لدرر العرفان وعقدا منضودا من لآلئ الجمان ، فذّة في بابها فريدة لبابها ، وقد أصبحت في هذه الأواخر بعيدة المنال ، لا يبلغها إلاّ الأوحدي من أهل الكمال ، إذ لم تطبع سوى طبعة حجرية ملحقة بكتاب منية الطالب ـ تقرير بحثه 1 حول المكاسب ـ ، فسعيت جاهدا في تجديد طباعتها وتقديمها إلى الجامعة العلمية ـ خدمة للعلم وأداء لبعض الواجب من حقوقه 1 ـ ، ورأيت أنّ شرحها وتبيين مقاصدها خدمة اخرى يسعني أن أقدّمها في هذا المجال ، فشمّرت ـ مستعينا بالله تعالى ومستمدا من أوليائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ـ عن ساعد الجدّ لذلك ، ولم آل جهدا في إيضاح مطالبها وفكّ عبائرها وكشف رموزها وحلّ‌


فنقول ـ مستعينا بالله سبحانه ومستمدا من وليّ أمره ( صلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ) ـ : إنّ أصحابنا قد اختلفوا في جواز الصلاة فيما يشك أنه من أجزاء غير المأكول على أقوال أربعة : فالمحكي عن المشهور عدم الجواز مطلقا (١) بل في المدارك أنه المقطوع به بين الأصحاب (٢) ، وذهب جمع من محقّقي المتأخرين (٣) إلى الجواز كذلك ، لكنّه كان يعدّ من الشواذّ إلى أن بنى عليه سيدنا الأستاذ الأكبر (١) ـ نوّر ضريحه ـ وأفتى به ، فخرج عن الشذوذ بذلك ، بل انعكس الأمر. وفصّل في الجواهر بين نفس اللباس وما عليه من الفضلات والشعرات الملقاة والمحمول بعد الفراغ عن عموم المنع للجميع (٤) فبنى على المنع في الأول وعلى الجواز في‌

__________________

(١) هو فخر البشر ومجدد المذهب في رأس المائة الرابعة عشر حضرة السيد الميرزا محمّد حسن الحسيني العسكري نوّر ضريحه ( منه 1 ).

__________________

معضلاتها ، ببيان موجز غير مخلّ وأسلوب طريف غير مملّ ، معترفا بقصر الباع وقلة الاطلاع ، وإنه تعالى هو الموفق والمسدّد والمعين ، فهو حسبي نعم المولى ونعم النصير.

(١) إذ قالوا : إذا صلّى فيما لا يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه أعاد.

(٢) راجع المدارك ( ٣ : ٢١٤ ).

(٣) كالمحقق الأردبيلي وصاحب المدارك والمحقق الخونساري والشيخ البهائي وصاحبي البحار والحدائق والنراقيين والمحقق القمي ـ قدس الله أسرارهم.

(٤) يعني به عموم مانعيّة غير المأكول ، وسيأتي أنّه 1 اختار عموم المانعية للجميع واختصاص شرطية المأكولية باللباس.


الثاني (١) ، وأفتى في النجاة أيضا كذلك ، وأمضاه شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 ، وإن كان لا ينطبق على ما هو المعهود من مسلكه ـ كما ستعرفه (٢) ـ ، واختار غير واحد ممن عاصرناهم تفصيلا آخر فبنوا على المنع فيما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان وشكّ في مأكوليّته وعدمها وعلى الجواز فيما إذا لم يعلم ذلك وكانت النباتية أيضا محتملة. وهذه الأربعة هي جملة ما وقفنا عليه من الأقوال. وأمّا ما أفاده في الجواهر من بناء المنع أو الجواز على القول بشرطية المأكولية أو مانعيّة غير المأكول فليس هو تفصيلا في المسألة باعتبار أنواع المشتبهات (٣) أو الاشتباه فيها (٤) وإنما هو تحرير لما بنى عليه المنع في محكيّ المنتهى والجواز في المدارك (٥) وتنقيح لما زعمه مبنى‌

__________________

(١) المراد بالأول نفس اللباس وبالثاني ما عليه من الفضلات والشعرات والمحمول ( الجواهر ٨ : ٨٢ ) ، ( نجاة العباد ٩١ ).

(٢) لا تعرّض في كلماته 1 الآتية لما هو المعهود من مسلك شيخنا الأعظم 1 ، ولا يبعد أن يكون المعهود من مسلكه هو القول المشهور وهو المانعية المطلقة في اللباس وما عليه ، وعدم انطباق التفصيل المذكور على هذا القول واضح ، هذا. وفي رسالته 1 في الخلل (٣٧) إطلاق القول بالمنع.

(٣) كما هو الشأن في التفصيل الأول.

(٤) كما هو الشأن في التفصيل الثاني.

(٥) ما بنى عليه المنع في الأول هو الشرطية والجواز في الثاني هو المانعيّة ، قال في المنتهى ( ١ : ٢٣١ ) : لو شك في كون الصوف أو الشعر‌


للقولين. وهو بالنسبة إلى بناء الجواز على المانعية كما أفاده (١) إذ لا سبيل إلى إطلاق القول به إلاّ على هذا المبنى ، وكذا بالنسبة إلى بناء المنع أيضا على الشرطيّة لكن في خصوص عقده الإيجابيّ وهو استلزام القول بالشرطيّة لعدم الجواز إما مطلقا أو في الجملة ـ كما ستعرفه (٢) ـ

__________________

أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه ، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط ، وقال في المدارك ( ٣ : ١٦٧ ) بعد نقله عبارة المنتهى : ويمكن أن يقال إن الشرط ستر العورة والنهي إنما تعلق بالصلاة في غير المأكول ، فلا يثبت إلاّ مع العلم بكون الساتر كذلك ، انتهى موضع الحاجة.

(١) فإن مفهوم البناء يقتضي إناطة المبني بالمبنى ودورانه مداره وجودا وعدما فله عقدان إيجابيّ وسلبيّ ، وهذا في المقام إنما يتم بالنسبة إلى بناء الجواز على المانعية فإنه إن بني عليها أمكن القول بالجواز مطلقا ، وإن لم يبن عليها بل على الشرطية لم يمكن وتعيّن القول بعدم الجواز ولو في الجملة ، أما بالنسبة إلى بناء المنع على الشرطية فلا يتم إلاّ بعقده الإيجابي ـ وهو أنه إن بني على الشرطية أمكن القول بعدم الجواز مطلقا أو في الجملة وقد ذكر آنفا ـ دون عقده السلبي ـ وهو أنه إن لم يبن عليها لم يمكن وتعيّن القول بالجواز مطلقا ـ وذلك لذهاب المشهور إلى عدم الجواز مع ظهور كلماتهم في المانعية.

(٢) ستعرف في مطاوي الأبحاث القادمة ـ ان شاء الله ـ أن القائلين بالشرطية بين من جعل موضوع الشرط هو القدر المشترك بين المأكول وما أنبتته الأرض ، وبين من قيّد شرطية المأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا ، وأنه على الأول يتّجه المنع مطلقا ـ وهو ثاني الأقوال الأربعة المتقدّمة ـ


دون العكس (١) ، كيف وظاهر الأكثر هو المانعيّة ـ كما سنوضحه ـ ، ومع هذا فالقول بعدم الجواز هو المشهور بين الأصحاب ـ كما تقدم نقله.

وكيف كان فلا ينبغي أن يعدّ ما أفاده في تحرير مبنى القولين تفصيلا في المسألة ويذكر في عداد أقوالها ، فضلا عن أن يعدّ إطلاق القول بالجواز مقابلا لهذا التفصيل ، وينسب على كلّ من تقديري القول بالمانعيّة أو الشرطيّة إلى أحد من القائلين به (٢).

وكيف كان ، فالمختار عندنا هو الجواز مطلقا. ولا بدّ في تنقيحه من تقديم أمور : ـ

الأول : جواز الشي‌ء عبارة عن كونه ماضيا غير واقف (٣) ، ويطلق على ما يقابل الامتناع العقلي أو اللغوي (٤) أو العادي أو‌

__________________

وعلى الثاني يتّجه تخصيص المنع بما إذا علم بالحيوانية وشك في المأكولية وعدمها ـ وهو القول الرابع.

(١) الظاهر أن كلمة العكس مصحّفة عن السلبي ، أي دون العقد السلبي.

(٢) العبارة توضيح لسابقتها ، أي : وينسب القول بالجواز على كلّ من التقديرين إلى بعض القائلين بهذا القول ، وبعبارة أخرى : ينسب إلى بعضهم القول بالجواز مطلقا ولو على تقدير الشرطية في قبال القول بالتفصيل بين الشرطيّة والمانعيّة.

(٣) ذكر غير واحد من اللغويين أنه يقال : جاز الموضع ، أي سار فيه وسلكه وقطعه وتركه خلفه ، ويقابله الوقوف.

(٤) المراد بالامتناع اللغوي حكم اللغة بامتناع الاستعمال في مورد وعدم جوازه.


الشرعي أيضا (١) إمّا لأعميّة حاقّ المعنى ممّا يقابل الوقوف الحسّي (٢) أو بعناية التجريد (٣).

ولا يخفى أنّ الجواز الشرعيّ يطلق تارة على ما يقابل المنع عنه تكليفا ، واخرى على ما يساوق الصحة والنفوذ وضعا. وهذا هو الشائع في أبواب العبادات والمعاملات (٤) والمبحوث عنه فيما نحن فيه ، دون ما يقابل الحرمة التكليفية ، وهو ظاهر.

ثمّ البحث عنه في المقام إن رجع إلى البحث عن إطلاق المانعيّة الواقعيّة أو قصرها بصورة العلم بموضوعها كان المبحوث عنه هو الجواز الواقعيّ الذي لا يؤثّر فيه انكشاف عدم المأكوليّة إلاّ التبدّل من حينه (٥). وإن رجع إلى البحث عمّا هو المعوّل عليه عند الشكّ بعد الفراغ عن إطلاقها النفس الأمري كان المبحوث عنه‌

__________________

(١) يعني مضافا إلى إطلاقه على ما يقابل الوقوف الحسّي.

(٢) بأن يكون اللفظ موضوعا بإزاء الجواز الأعم من الحسّي وغيره ، وعليه فلا تجوّز في إطلاق الجواز على ما يقابل الامتناع بأقسامه المتقدّمة.

(٣) يعني عن قيد الحسّيّة تجوّزا بناء على وضع اللفظ بإزاء خصوص الحسّي.

(٤) نحو ( لا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ) ، و ( الصلح جائز بين المسلمين ).

(٥) فإذا صلّى في غير المأكول جاهلا صحت صلاته واقعا إن قلنا بتعلّق المانعيّة بما علم كونه غير مأكول ولا أثر لانكشاف الخلاف بعد ذلك الاّ تبدّل الحكم من حينه لتبدّل موضوعه ، وبطلت كذلك إن قلنا بتعلّق المانعيّة بغير المأكول واقعا ـ علم به أم لا.


حينئذ هو الجواز الظاهري (١) المتقوّم في بقائه أيضا بعدم انكشاف الخلاف ـ كحدوثه ـ (٢) ، إلاّ أن يقوم دليل آخر (٣) بالاجتزاء عن الواقع بما وقع امتثالا له ـ كما حرّر في محله. والمجوّزون وإن تشتّتت مسالكهم في المقام (٤) لكنّك ستعرف (٥) أنّ إطلاق المانعيّة الواقعيّة من الجهة التي نحن فيها (٦) ممّا لا سبيل إلى الخدشة فيه ، وأنّ ما يليق بالبحث عنه هو تعيين المرجع (٧) لهذه الشبهة.

__________________

(١) فإن كان المعوّل عليه في الشبهة المبحوث عنها هو أصالة البراءة أو الحل أو استصحاب عدم المانع حكم بصحّة الصلاة فيه ظاهرا ، وإن كان المرجع قاعدة الاحتياط حكم ببطلانها كذلك ، وأمّا الصحّة الواقعية فمنوطة بعدم كونه من غير المأكول واقعا.

(٢) فإن الجواز الظاهري ـ على القول به ـ كما يتقوّم حدوثا بعدم العلم بالخلاف كذلك يتقوّم بقاء بعدم انكشاف الخلاف ، إذ لا مجال لجعل الحكم الظاهري حدوثا ولا بقاء مع العلم بالواقع ، فإنّ موضوعه الشكّ فينتفي بانتفائه.

(٣) يعني فإذا انكشف الخلاف لزمه الإعادة لاقتضاء القاعدة عدم إجزاء امتثال الأمر الظاهري عن الواقعيّ إلاّ إذا قام دليل ثانويّ على الإجزاء من إجماع ونحوه.

(٤) فمنهم من ادّعى قصر المانعيّة بصورة العلم بموضوعها ، ومنهم من بنى على الإطلاق وتشبّث للجواز في المشتبه ببعض الأدلة الاجتهادية ، ومنهم من سلك المسلك المختار المشار إليه هنا في المتن.

(٥) في الأمر الرابع.

(٦) وهي جهة وقوع الصلاة في غير المأكول.

(٧) أي الأصل العملي المعوّل عليه لدى الشكّ بعد الفراغ عن إطلاق المانعيّة الواقعيّة.


الثاني : إنّ التلازم بين حرمة أكل الحيوان وفساد الصلاة في أجزائه ـ عدا ما ثبتت الرخصة فيه (١) ـ ممّا تسالمت عليه كلمة الأصحاب واستفاضت النصوص به ، ففي موثّقة ابن بكير (٢) قال : سأل زرارة أبا عبد الله 7 عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر (٣) فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول الله 6 : « الصلاة في كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في شعره ووبره وروثه وألبانه وكلّ شي‌ء منه فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلّيها في غيره ممّا أحلّ الله أكله » ، ثم قال : « يا زرارة هذا عن‌

__________________

(١) كالخزّ.

(٢) رواها الشيخان في الكافي والتهذيبين ، راجع الوسائل أول حديث من أحاديث الباب الثاني من أبواب لباس المصلي. ومتن الرواية هنا يخالف المصادر الثلاثة فإن فيها ( إن الصلاة في وبر كل شي‌ء ) وليس هنا كلمة الوبر ، وأيضا الموجود في الثلاثة بطبعاتها الحديثة هكذا ( فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه ـ وفي الكافي زيادة ( وألبانه ) ـ وكل شي‌ء منه فاسدة ) ، نعم في الفقرة الثانية متطابقان عدا إضافة ( وألبانه ) بعد ( روثه ) فيها وعدمها هنا‌

(٣) يحتمل أن يكون الوبر بفتح الباء والتقدير : عن الصلاة في وبر الثعالب ووبر الفنك ووبر السنجاب وغيره ـ أي غير وبر السنجاب ـ من وبر سائر الحيوانات ، ويحتمل أن يكون بكسر الباء بمعنى الكثير الوبر ، كما يحتمل أن يكون بالسكون وهو حيوان بحجم القطّ فروة ثمين. ولا يخفى بعد الأخير عن السياق إذ لو كان هو المراد لعطف الوبر على المذكورات قبله ، والثاني أقرب من الأول لكونه أنسب إلى تركيب الكلام ولعدم حاجته إلى الإضمار بخلاف الأول.


رسول الله 6 فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنّه ذكيّ وقد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي‌ء منه فاسدة ، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه ».

وعنه عن آبائه : في وصيّة النبيّ لعليّ ـ صلوات الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين ـ : « يا عليّ لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » (١) ، وعنه 7 أيضا قال : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأنّ أكثرها مسوخ » (٢) ، وعن عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله وأبا الحسن 8 عن لباس الفراء والصلاة فيها ، قال : « لا تصلّ إلاّ فيما كان ذكيّا ، قال : قلت : أو ليس الذكي ما ذكّي بالحديد ، قال : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ، قلت : وما يؤكل لحمه من غير الغنم ، قال : لا بأس بالسنجاب فإنه دابّة لا يأكل اللحم وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله 6 إذا نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب » (٣) ، الى غير ذلك ممّا يدلّ على التلازم بين الحكمين من‌

__________________

(١) فقرة قصيرة من وصيّة طويلة منه 6 إلى عليّ 7 رواها الصدوق ; في آخر أبواب الفقيه ، في باب النوادر ( ٤ : ٢٦٥ ) ، لكنّ السند ضعيف ، راجع الحديث السادس من الباب المتقدم من الوسائل.

(٢) رواها في العلل لكنّها مرفوعة ، راجع الحديث السابع من نفس الباب من الوسائل.

(٣) رواها الشيخان ـ رحمهما الله ـ في الكافي والتهذيب لكنّ في سندها‌


الأدلّة العامّة (١) أو الخاصّة الواردة في السباع (٢) وغيرها (٣).

ويستفاد من مجموعها أنّ التلازم المذكور هو المناط في الجميع.

ولا يخفى أن المتحصّل ممّا ورد في باب الأطعمة والأشربة هو أنّ حرمة أكل الحيوان يدور بحسب أصول أنواعه مدار أحد أمور ثلاثة : إمّا كونه من المسوخ أو من السباع أو الحشرات (٤) ،

__________________

ضعفا ، راجع الحديث الثاني من نفس الباب والحديث الثالث من الباب الثالث ، وفيهما : ( فقال لا تصلّ فيها إلاّ فيما كان منه ذكيا ).

(١) كرواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ، فكتب 7 « لا تجوز الصلاة فيه » ، راجع الحديث الرابع من الباب الثاني.

(٢) كصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص قال : سألت أبا الحسن الرضا 7 عن الصلاة في جلود السباع ، فقال : « لا تصلّ فيها » وموثّقة سماعة قال :

سئل أبو عبد الله 7 عن جلود السباع فقال : « اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » ونحوهما غيرهما. راجع البابين الخامس والسادس من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(٣) كالروايات الناهية عن الصلاة في الثعالب والأرانب والسمور ونحوها والمنتشرة في الثالث والرابع والسابع من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(٤) يدلّ على حرمة أكل المسوخ روايات الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل ، وعلى حرمة أكل السباع روايات الباب الثالث منها ، ويستفاد حرمة أكل بعض الحشرات من بعض روايات الباب السادس عشر ، لكن العمدة في حرمة هذا النوع هو الإجماع.


وهذه الأدلّة ظاهرة في ثبوت التلازم المذكور في الجميع (١) ويكشف كشفا إنيّا عن اتّحاد مناط الحكمين أو تلازمهما (٢) وأنّ ما هو مناط حرمة الأكل في كلّ واحد منها هو مناط المنع عن الصلاة في أجزائه أو أنّه يلازم مناطه.

والاكتفاء (٣) في التعليل الوارد في الرواية الثالثة بمسوخيّة أكثرها قاصرة عن الدلالة على انحصار المناط بها وأنّ عدم صلاحيّة المسوخ لوقوع الصلاة فيه أوجب تشريع المنع عن الجميع.

كيف (٤) ومع الغضّ عمّا في نفس التعليل بمسوخيّة الأكثر من‌

__________________

(١) فإنه مقتضى عموم بعضها وإطلاق بعضها الآخر.

(٢) أي تلازم مناطيهما على تقدير التعدد.

(٣) دفع لما قد يورد على ما أفاده 1 من اتحاد مناط الحكمين أو تلازم مناطيهما ، وحاصل الإيراد أنّه يظهر من التعليل ـ بأنّ أكثر ما لا يؤكل مسوخ ـ خلاف ذلك ، بتقريب أنّ مناط الحكم بحرمة الأكل وإن كان متحقّقا في كلّ واحد من الأنواع الثلاثة إلاّ أنّ ظاهر التعليل أنّ مناط الحكم بالمنع عن الصلاة فيها منحصر في المسوخ وأنّه لمّا كان أكثر الحيوانات المحرّمة الأكل من قسم المسوخ وهو لا يصلح للصلاة فيه لمناط خاصّ به أصبح هذا المناط هو الحكمة لتشريع المنع عن الصلاة في كلّ ما لا يؤكل إلحاقا للأقلّ بالأكثر.

(٤) شروع في دفع الإيراد المذكور من كلتا ناحيتي الإثبات والثبوت ، ومحصّله من الناحية الاولى قصور دلالة التعليل في نفسه على كونه بيانا لحكمة التشريع بالنسبة الى غير المسوخ واقتصاره على بيان الحكمة في المسوخ ، نظرا إلى كثرة الابتلاء بالملابس المتخذة منه ، ومآل التعليل الى أن المسوخية نوع قذارة منفرة للطباع فلا تصلح لاتخاذها ملابس للصلاة.


عدم الظهور في كونه مسوقا لبيان المناط بالنسبة الى ما عدا الأكثر المسوخ ، وأنّ شيوع اتّخاذ الملابس من جلده ووبره أوجب مزيد الاهتمام بالردع عن الصلاة فيها وتعليله بما يوجب تنفّر الطباع عنها.

فلا يخفى أنّ الجهة الغير المطّردة (١) إنما تصلح حكمة لتشريع حكم مطّرد إذا كانت بأحد وجهين : إمّا بأن تكون نوعيّة ويكون اشتمال شي‌ء في نوعه (٢) على تلك الجهة مقتضيا لتشريع حكم على ذلك النوع (٣) ـ كما لو فرض كون النبيذ مسكرا في نوعه موجبا لتحريمه (٤) ـ ، أو يكون ما يشتمل على تلك الجهة بحيث لا يتميّز عمّا لا يشتمل عليها في نفس الأمر ولا ينضبط في نوعه ويكون كالاحتياط في موارد الشبهة مصادفا تارة وغير مصادف اخرى بلا ضابط في البين ـ كما في تداخل الأنساب بالنسبة إلى تشريع العدة ونحو ذلك ـ ، فتصلح الجهة الغير المطّردة ملاكا لتشريع حكم مطّرد في كلتا الصورتين.

ويكون (٥) مناط الحكم في الصورة الاولى هو الجهة النوعيّة (٦)

__________________

(١) بيان لدفع الإيراد من الناحية الثبوتية والمنع من صلاحية مسوخية الأكثر ـ ثبوتا ـ لكونها حكمة للتشريع بالنسبة إلى غيره.

(٢) أي بحسب اقتضاء طبعه الأوليّ لو لا الطواري والموانع.

(٣) أي على طبيعيّ ذلك الشي‌ء الساري في جميع أفراده.

(٤) أي موجبا إسكاره النوعي لتحريمه.

(٥) الغرض من هذا البيان دفع إشكال لزوم تشريع الحكم بلا مناط يقتضيه ، فلا حظ وتأمّل.

(٦) أي الجهة التي يقتضيها الطبع الأوليّ للنبيذ فإنّها محفوظة لا محالة في‌


المحفوظة في جميع أفراد النبيذ مثلا ولو مع عدم فعليّة إسكارها ، وفي الثانية هو إمكان الاشتمال على تلك الجهة بحسب العادة ويكون امتناع التوصّل إليها إلاّ باطّراد الحكم هو مناط اطّراده في الحقيقة ، ومن هنا اصطلحوا على ما يكون من العلل الشرعيّة من هذا القبيل (١) بعلّة التشريع تارة وبالحكمة أخرى (٢). وأمّا ما يكون من قبيل الأوّل فهو وإن كان خارجا عن هذا العنوان موضوعا (٣) ولكنّه في عدم الاطّراد والانعكاس ملحق به (٤) ـ كما ستعرفه ـ (٥). وبالجملة فالجهة الغير المطّردة لا تصلح مناطا لتشريع حكم مطّرد إلاّ إذا كانت بأحد هذين الوجهين.

أمّا إذا كان النوع المشتمل على تلك الجهة منضبطا متميّزا عمّا عداه في نفس الأمر فسواء كانت هي مطّردة في جميع أشخاص ذلك النوع ـ كمسوخيّة المسوخ مثلا ـ أو كانت نوعيّة ـ كما‌

__________________

جميع أفراده ، ولا ضير في عدم فعليّتها في بعضها لبعض الموانع الخارجية ، وبهذا الاعتبار عدّت جهة غير مطّردة.

(١) أي الثاني ، والمناسبة ظاهرة.

(٢) في قبال علّة الحكم التي سيأتي تنقيحها قريبا.

(٣) فلا يجري فيه هذا الاصطلاح في عرفهم.

(٤) أمّا عدم الاطّراد فلأنّه قد تتحقّق العلّة في مورد ولا يثبت فيه الحكم فلا يدور مدارها وجودا ، وأمّا عدم الانعكاس فلأنّه قد تنتفي في مورد مع ثبوت الحكم فيه فلا يدور مدارها عدما.

(٥) قريبا عند التكلم في القسم الأوّل من قسمي علّة الحكم.


في مثال النبيذ ـ لا يعقل أن يكون مناطا لتشريع الحكم إلاّ على نفس ذلك النوع دون الأعمّ منه وإن كان ذاتيّا له كالمتّخذ من الشعير (١) في مثال النبيذ ، فضلا عمّا إذا كان عارضيا كحرام الأكل فيما نحن فيه (٢) ، ولو كان النوع المذكور كالمسوخ ونحوه من الموضوعات المستنبطة فوظيفة الشارع تقتضي تشخيصه أيضا ، لا إهماله وتشريع الحكم على ما يعمّه (٣).

وبالجملة فلو فرض أنّ المسوخ هو الذي لا يصلح لوقوع الصلاة فيه دون النوعين الآخرين امتنع أن يكون ذلك حكمة لتشريع‌

__________________

(١) الظاهر أن الشعير مصحفة عن التمر ، يعني وإن كان العنوان الأعمّ ذاتيّا لذلك النوع وجنسا له ، كعنوان ( المتّخذ من التمر ) الذي أحد أنواعه النبيذ ، ففي مثله لا يعقل أن يكون إسكار النبيذ مناطا لتشريع الحكم على كل متّخذ من التمر ليشمل العصير التمري لأنّه ـ بالنسبة إلى العصير ـ حكم بغير مناط يقتضيه.

(٢) فإن عنوان ( حرام الأكل ) عرض عامّ بالنسبة إلى المسوخ ، فلا يعقل أن يكون مسوخيته مناطا لتشريع المنع عن الصلاة في كل حرام الأكل حتى السباع والحشرات.

(٣) يعني لا يحسن من الشارع إهمال هذا الموضوع المستنبط وترك تعريفه ليصبح بذلك أمرا غير منضبط وغير متميز ويصح تشريع الحكم على ما يعمّه ، إذ مع إمكان التعريف فعليه ذلك حذرا من تشريع حكم بلا مناط يقتضيه. اللهمّ إلاّ أن يزاحمه مناط أقوى أو مساو يقتضي الإهمال فيصح حينئذ تشريع الحكم على الأعمّ ، لكن المفروض في المقام خلافه لورود البيان الشرعيّ المائز للمسوخ عن غيره.


الحكم على الجميع ، وكان تعميمه لهما بلا مناط يقتضيه ، لأنّ المسوخ متميّز في نفس الأمر عمّا عداه موكول تشخيصه في كلّ من حرمة أكله وعدم جواز الصلاة فيه إلى بيان الشارع له ، وبعد أن ورد بيانه من الجهة الاولى (١) وامتاز عن غير المسوخ من الحشرات والسباع فكيف يعقل أن يكون عدم صلاحيته لوقوع الصلاة في أجزائه حكمة لتشريع الحكم على الجميع؟. وظاهر أنه إذا امتنع ذلك (٢) فلو فرض للرواية المعلّلة ظهور في ذلك لزم رفع اليد عنه ، فضلا عمّا عرفت من عدم ظهورها فيه أو ظهورها في خلافه (٣) ، فالرواية قاصرة إثباتا وثبوتا عن الدلالة على خلاف ما عرفت أنه المتحصّل (٤) ممّا دلّ على التلازم بين الحكمين.

وأمّا تعليل الرخصة (٥) في السنجاب بأنّه لا يأكل اللحم ـ كما تقدّم في رواية ابن أبي حمزة ، ورواه مقاتل بن مقاتل أيضا (٦) ، قال :

__________________

(١) كما تكفّلته روايات الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

(٢) أي ثبوتا.

(٣) عرفت ذلك لدى المناقشة الإثباتية المتقدمة.

(٤) وهو اتحاد مناط الحكمين أو تلازمهما.

(٥) بيان توهّم ربما يورد على دعوى التلازم بين الحكمين أنفسهما ، وحاصله أنّ مقتضى التعليل المذكور اختصاص حكم المقام بما يأكل اللحم من الحيوانات المحرّمة الأكل وهي السباع خاصة ، فلا تلازم بين الحكمين.

(٦) رواه في الوسائل عن الكافي ثاني حديث من الباب الثالث من أبواب لباس المصلّي.


سألت أبا الحسن 7 عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب فقال : « لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنه دابّة لا تأكل اللحم » ـ فقد يتوهّم أنّ مقتضى ما هو المتسالم عليه في العلّة المنصوصة من كونها في قوّة الكبرى الكلّية هو تعميم الرخصة المعلّلة بهذه العلّة لكلّ محرم لا يأكل اللحم (١) ، وتخصيص ما يدلّ على عموم المانعيّة (٢) بذلك. وحكى في الجواهر (٣) عن بعض عكس ذلك وسقوط الروايتين الشريفتين عن صلاحيّة التعويل عليهما حتى في السنجاب لمكان الاشتمال على تلك العلّة المجمع على خلافها.

وأنت خبير بابتناء كلّ من الإفراط والتفريط المذكورين (٤) على توهّم اندراج المقام فيما يكون من العلّة المنصوصة في قوّة الكبرى الكليّة لعدم تحرّر ضابطه ، وهو وإن كان خارجا عمّا نحن فيه ، لكن حيث إنّه من المهمّات التي لم تحرّر فينبغي أن لا يفوتنا توضيحه.

ومحصّل ذلك هو : أنّ ما ورد من علل الأحكام يكون تارة بيانا‌

__________________

(١) وإن لم يكن سنجابا.

(٢) يعني عمومها لكل محرّم الأكل ، والعلّة كما تعمّم فهي تخصّص أيضا ، والنتيجة ثبوت المانعيّة لمحرم الأكل الذي يأكل اللحم.

(٣) الجواهر ( ٨ : ٩٩ ).

(٤) الإفراط هو الأخذ بالتعليل بجميع مقتضياته من التعميم والتخصيص ، والتفريط هو الإعراض عن الروايتين بالكلّية لاشتمالهما على التعليل الذي لا يمكن الالتزام بمقتضياته.


لحكمة تشريعها فلا تكون مطّردة ولا منعكسة ، وقد تقدّم تنقيحه ، واخرى يكون تعليلا للحكم بمناطه ، وهذا أيضا يتصوّر على وجهين :

فتارة يكون ما ورد عليه الحكم في لسان الدليل هو موضوع الحكم في نفس الأمر بنفس عنوانه ، واشتماله على العلّة المنصوصة هو الجهة المقتضية لذلك (١) ، فتكون هي حينئذ من قبيل الواسطة في الثبوت (٢). واخرى يكون ما علّل الحكم به بعنوانه الشامل للمورد وغيره هو موضوع الحكم النفس الأمريّ ، ويكون وروده على المورد بتوسّط انطباقه على ذلك العنوان (٣) والتعليل به للدلالة على ذلك (٤) ، فيكون من قبيل وسائط العروض (٥).

وغير خفيّ أنّ العلّة المنصوصة إنّما تكون في قوّة الكبرى الكلّية الشاملة للمورد وغيره بجامع واحد إذا كانت من قبيل الثاني ، وكان التعليل بها من قبيل الاحتجاج بالأوسط في ثبوت الأكبر للأصغر ومنحلاّ إلى قياس بصورة الشكل الأوّل ، وكان الحكم المعلّل جاريا من القياس المذكور مجرى النتيجة كما في مثل‌

__________________

(١) أي لموضوعيّته للحكم.

(٢) لأنّها العلّة لورود الحكم على موضوعه.

(٣) في التعبير مسامحة ، والمقصود ( بتوسط انطباق ذلك العنوان عليه ) ، ويأتي أيضا نظائره.

(٤) يعني ويكون التعليل بهذا العنوان العام في لسان الدليل لأجل الدلالة على ما ذكر من كون ورود الحكم على المورد بالتوسط المزبور ، وأنّه ليس هو موضوعا للحكم في نفس الأمر بل العنوان ، والمورد أحد مصاديقه.

(٥) فإنّ الحكم إنّما يرد على العنوان أوّلا وبالذات وبتوسطه يرد على المورد.


( العالم حادث لأنّه متغيّر ) ونحو ذلك ، فيدور الحكم المذكور مدار علّته وجودا وعدما ، وتكون مطّردة بعمومها ومنعكسة بمفهوم التعليل (١). بخلاف ما إذا كانت من قبيل الأوّل ، لما عرفت من أنّ مرجع التوسّط في الثبوت إلى كون الواسطة هي الجهة المقتضية لموضوعيّة الموضوع لحكمه ، وقضيّة ذلك هي دخل خصوصيّة المورد إمّا في علّية العلّة أو في معلولها أو فيهما جميعا (٢) ، فلا مجال لأن تطّرد وتكون واسطة للثبوت في غير المورد أيضا إلاّ بدليل آخر يدلّ على ذلك ، لا بنفس هذا التعليل وإلاّ لزم الخلف (٣) ، وأمّا انعكاسها فيدور مدار أن يكون شمول الحكم لآحاد وجودات موضوعه تابعا للاشتمال على علّته (٤) ، أو يكون اشتمال‌

__________________

(١) أي تكون العلّة مطّردة أينما وجدت وجد الحكم وإن لم يوجد معها المورد ، وذلك بمقتضى عمومها في القضيّة الكبرويّة المقدّرة وهي ( كلّ مسكر حرام ) في مثل قولنا ( الخمر حرام لأنّه مسكر ) أي إسكارا فعليّا ، وتكون منعكسة يعني متى انتفت انتفى الحكم وإن وجد المورد كالخمر غير المسكر بالفعل ، وذلك بمقتضى مفهوم التعليل ودلالته على انتفاء الحرمة عند انتفاء الإسكار.

(٢) وبعبارة أخرى : دخلها في فاعلية الفاعل أو في قابلية القابل أو فيهما جميعا.

(٣) إذ المفروض أنّ العلّة إنما اقتضت ثبوت الحكم لخصوص المورد ولم تقتض ثبوته لغيره أيضا ، فلو اقتضت الثبوت للغير أيضا كان خلفا واضحا.

(٤) فيكون الحكم واردا على الموضوع المشتمل على العلّة والمقيّد بها لا مطلقا ، فإذا انتفت في مورد انتفى فيه الحكم.


الموضوع في نوعه عليها (١) مناطا لورود الحكم على ذلك النوع ، فتنعكس في الصورة الأولى دون الثانية ، ويكون سبيلها حينئذ سبيل حكمة التشريع (٢) ـ كما تقدّم.

وحيث إنّ أغلب العلل الشرعيّة الراجعة إلى باب الوسائط الثبوتيّة بل كلّها من هذا القبيل (٣) ولا يكاد يظفر بما يكون شمول الحكم لآحاد وجودات الموضوع دائرا مدار الاشتمال على علّته ، فمن هنا لم يجعل التعليل بما هو من قبيل واسطة الثبوت قسما ثالثا (٤)

__________________

(١) كما مرّ في مثال النبيذ إذا فرض أنّ إسكاره في نوعه أوجب تحريمه ، فإنّه إذا انتفى في مورد لم ينتف عنه التحريم.

(٢) يعني يكون سبيل العلّة الراجعة إلى الواسطة الثبوتيّة في الصورة الثانية سبيل حكمة التشريع وتكون ملحقة بها في عدم الاطّراد والانعكاس ، وإن كانت خارجة عن هذا الاصطلاح موضوعا ـ حسبما تقدّم.

(٣) أي من الصورة الثانية.

(٤) محصّل مرامه 1 أنّ العلل الشرعيّة بحسب التقسيمات المتقدّمة على أربعة أقسام :

الأول : ما اصطلح عليه بحكمة التشريع كما في مثال تداخل الأنساب ، وهذا لا يكون مطّردا ولا منعكسا.

والثاني : ما هو من قبيل الواسطة الثبوتيّة ويكون ملحقا بالأوّل في عدم الاطّراد والانعكاس كما في مثال إسكار النبيذ.

والثالث : ما هو من قبيل الواسطة الثبوتيّة ولا يكون مطّردا لكنّه منعكس.

والرابع : ما هو من قبيل وسائط العروض وفي قوة الكبرى الكلّية فيكون مطّردا ومنعكسا معا.


وعدّ ما لا يكون في قوّة الكبرى الكلّية من حكمة التشريع ، إذ الكلّ في عدم الاطّراد والانعكاس من واد واحد.

وكيف كان فما كان تعليلا للحكم بمناطه يصلح للوجهين (١) ، وإنّما يكون في قوّة الكبرى الكلّية إذا كان من قبيل واسطة العروض دون الثبوت. هذا كلّه في مرحلة الثبوت.

وأمّا في مرحلة الإثبات فلا يخفى أنّ كون العلّة من قبيل واسطة الثبوت هو الذي يقتضيه ظهور أدلّة الأحكام في كون العنوان الوارد عليه الحكم في لسان دليله هو موضوعه النفس الأمري (٢) بنفس عنوانه ، لا بتوسط انطباقه على عنوان آخر (٣) ، وظهور تعليلاتها أيضا في كونها بيانا للجهة المقتضية لذلك * (٤) ، وهو الأصل‌

__________________

وحيث إنّ القسم الثالث لا يكاد يظفر به في العلل الشرعيّة وكان القسم الثاني ملحقا بحكمة التشريع ، فلذا لم يجعل التعليل بما هو من قبيل واسطة الثبوت قسما ثالثا في قبال حكمة التشريع وما هو في قوّة الكبرى الكلّية ، فانحصر الأقسام في الاثنين وعدّ كلّ ما لا يكون في قوّة الكبرى الكليّة من قبيل حكمة التشريع إمّا حقيقة أو حكما ، إذ الكلّ ـ أي كلّ ما لا يكون في قوّة الكبرى الكلّية ـ مشترك في عدم الاطّراد والانعكاس فناسب أن يسمّى بحكمة التشريع توسعة في الاصطلاح.

(١) أي لأن يكون من قبيل واسطة الثبوت ، وأن يكون من قبيل واسطة العروض.

(٢) لظهور الموضوع الوارد عليه الحكم في الموضوعيّة له.

(٣) ليكون من قبيل واسطة العروض.

(٤) أي لورود الحكم على عنوان الموضوع.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( كذلك ) والصحيح ما أثبتناه.


فيها (١) ، ولا سبيل إلى الخروج عن هذا الأصل إلاّ إذا كانت هي بنفس عنوانها صالحة لأن تكون في قوّة الكبرى الكلّية الشاملة للمورد وغيره بجامع واحد ، وتوقّفت صحّة التعليل بها أيضا (٢) على ذلك (٣) ، فيدلّ بدلالة الاقتضاء (٤) حينئذ على تلك الكليّة ويكون من المداليل الالتزامية اللفظيّة.

وأمّا لو لم تكن لها تلك الصلاحية ، أو لم تتوقّف صحة التعليل بها للمورد على تلك الكلّية وصحّ كونها واسطة ثبوتية له ، كان هو بمعزل عن الدلالة على كونها كذلك في غير مورده (٥). ولم يكن إلى استقلال العقل بعدم دخله في ملاكيّتها للحكم سبيل ، ضرورة أنّها ليست من مدركاته (٦).

__________________

(١) يعني أنه الأصل الأولي فيما ورد تعليلا للحكم بمناطه ، اقتضاه ظهور الكلام ، ولا يخرج عنه إلاّ بدليل ـ كما ستعرف.

(٢) إذ مجرد الصلاحيّة لذلك لا تكفي في الخروج عن الأصل ورفع اليد عن الظهور ، وعلى هذين الركنين ـ أعني الصلاحيّة والتوقّف المزبورين ـ تبتني تماميّة دلالة العلّة المنصوصة على الكبرى الكلّية ـ كما سيتضح لك.

(٣) أي على كونها في قوّة الكبرى الكلّية.

(٤) لأنّ كلّ ما توقّف صحّة الكلام عليه فالكلام دالّ عليه بدلالة الاقتضاء.

(٥) أي كان التعليل بمعزل عن الدلالة على كون العلة واسطة ثبوتية لغير المورد أيضا.

(٦) يعني لا سبيل إلى حكم العقل بعدم دخل خصوصية المورد في ملاكيّة العلّة للحكم لأنّ ملاكات الأحكام ليست ممّا يدركه ليدرك أنّ الملاك‌


وضابط ما ذكر من الصلاحية والتوقف المقتضي لتلك الدلالة هو كون العلّة (١) المنصوصة عنوانا كلّيا (٢) منطبقا على المورد وغيره بجامع واحد ، قابلا لأن يحمل بنفس عنوانه على كلّ منهما بالحمل الشائع الصناعي (٣) ، ويكون الحكم المعلّل خبريّا كان أو بصيغة الطلب (٤) أيضا كذلك (٥) ولا يكون لشي‌ء منهما (٦) تخصّص بالمورد أصلا كما في مثل ( الخمر حرام لأنّه مسكر ) أو ( لا تشرب النبيذ لأنّه مسكر ) ونحو ذلك ، فمن كونهما (٧) عنوانين قابلين للحمل أو‌

__________________

الكذائي يختص بالمورد أو يعمّ غيره ، والمقصود من هذا الكلام نفي الدلالة العقلية أيضا على الكبرى الكلّية كما بيّن انتفاء الدلالة اللفظية.

(١) بيان لضابط الصلاحية.

(٢) كعنوان المسكر.

(٣) فيقال : الخمر مسكر والنبيذ مسكر وهكذا ، كل ذلك بالحمل الشائع.

(٤) الأوّل كقولنا الخمر حرام ، والثاني كقولنا لا تشرب الخمر.

(٥) أي عنوانا كليّا قابلا لأن يحمل على المورد وغيره بجامع واحد وبالحمل الشائع نحو الخمر حرام والنبيذ حرام ، أو قابلا لأن يرد على كلّ منهما بجامع واحد نحو لا تشرب الخمر ولا تشرب النبيذ.

(٦) أي من العلّة المنصوصة والحكم المعلّل بها.

(٧) أي يستكشف من إطلاق العلّة والمعلّل وكونهما عنوانين قابلين للحمل على المورد وغيره بجامع واحد ـ بالنسبة إلى العلّة وإلى المعلّل الخبري نحو حرام ـ ، أو للورود على المورد وغيره كذلك ـ بالنسبة إلى المعلّل الطلبي نحو لا تشرب ـ ، عدم دخل المورد لا في علّية العلّة لأنّ العلّة هي المسكريّة المطلقة لا مسكريّة الخمر ، ولا في معلولها لأنّ المعلول هو الحرمة المطلقة لا حرمة خصوص‌


الورود على المورد وغيره بجامع واحد وعدم تخصّص شي‌ء منهما به يستكشف عدم دخله لا في علّية العلّة ولا في معلولها ، وتخرج هي عن باب الواسطة في الثبوت بذلك. ولكون الجملة المعلّلة (*) بمنزلة النتيجة وما علّلت به بمنزلة الصغرى (١) فلو لا كلّية الكبرى لم يصحّ التعليل (٢) ،

__________________

الخمر ، إذن فيستفاد من الإطلاقين أنّ الإسكار علّة للحرمة لا أنّ إسكار الخمر علّة لحرمتها خاصّة ليكون من الواسطة في الثبوت ، هذا. وبهذا البيان يثبت الركن الأوّل أعني الصلاحيّة المتقدّم ذكرها ، وحيث إنّه بمجرده لا يثبت به سوى عدم دخالة المورد وعدم اختصاص شي‌ء من العلّة والمعلّل به ولا يكاد يثبت به عموم الحرمة لكلّ مسكر وكون الإسكار تمام العلة لها ـ وهو المطلوب إثباته ـ إذ لعلّ هناك أمرا آخر سوى الإسكار له دخل في الحرمة كدخل الميعان في نجاسة المسكر ، فلذا أضاف 1 إليها البيان الآتي فقال ( ولكون الجملة.

إلخ ) وبه يثبت الركن الثاني أعني التوقّف السابق الذكر ونصل إلى المطلوب.

(١) الاولى هي ( الخمر حرام ) والثانية هي ( لأنه مسكر ) ، وقد مرّ منه 1 أنّ ما كان من التعليل من هذا القبيل فهو منحلّ إلى قياس بصورة الشكل الأول والاحتجاج بالأوسط في ثبوت الأكبر للأصغر.

(٢) فإنّه يشترط في إنتاج الشكل الأوّل كلّية الكبرى ، فلو كانت جزئية كقولنا ( الخمر مسكر وبعض المسكر حرام ) لم ينتج أنّ الخمر حرام ، إذ لعلّه من البعض الآخر غير الحرام ، وحينئذ لم يصحّ التعليل بأنه مسكر بل لا بدّ من ذكر عنوان ذلك البعض الحرام في التعليل ، مثلا إذا كان موضوع النجاسة هو المسكر المائع وقيل ( الخمر نجس ) فالصحيح تعليله بأنّه مسكر مائع ليدلّ على أنّ كلّ مسكر مائع نجس ، لا بأنه مسكر وإلاّ لدلّ على أنّ كلّ مسكر نجس وإن كان جامدا ، وهو خلاف المقصود.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المعلّلة لها ) والصحيح ما أثبتناه.


ويدلّ هو (١) حينئذ على تلك الكلّية بذلك (٢) ، حذو دلالة قوله سبحانه ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) على أنّ المسؤول هو أهلها ونحو ذلك.

وبالجملة فمن صلاحيّة العلّة المنصوصة لأن تكون موضوعا للكبرى الكلّية وبمعونة إطلاقها وإطلاق ما علّل بها تخرج هي عن باب الواسطة في الثبوت ، ويتحصّل موضوع الكبرى من أحد الإطلاقين ومحمولها من الآخر وكلّيّتها من توقّف صحّة التعليل بها على تلك الكلّية.

ولو انتفى أحد هذه الأمور انهدم أساس الكبرى الكلّية من أصله ، إذ مع عدم صلاحيّتها لأن تكون موضوعا لها (٣) بنفس عنوانها ـ كما إذا كانت من جهات المصالح أو المفاسد (٤) التي هي مناط موضوعيّة الموضوعات لأحكامها ـ كانت من الوسائط الثبوتيّة ـ لا محالة ـ ، ويكون التعليل بها بمعزل عن الدلالة على كونها كذلك (٥) في غير مورده ـ كما قد عرفت ـ ، وكذا لو انتفى أحد‌

__________________

(١) أي التعليل.

(٢) أي بعدم صحته لو لا الكلّية ، ويكون من دلالة الاقتضاء حذو الدلالة في الآية الكريمة.

(٣) أي للكبرى الكلية.

(٤) أي من علل التشريع كما إذا قيل ( الصلاة واجبة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ) إذ لا يصحّ أن يقال ( كلّ ما ينهى عن الفحشاء والمنكر واجب ) لانتفاء التمييز والانضباط ، وقد مرّ بحثه سابقا.

(٥) أي واسطة ثبوتية.


الإطلاقين وقيّدت هي أو ما علّل بها بمورده ، كما لو علّلت حرمة النبيذ ـ مثلا ـ بإسكار نفسه (١) لا بانطباق عنوان المسكر عليه ، أو‌

__________________

(١) هذا مثال لتقييد العلّة بالمورد ، وقد يناقش في جعل المثال المزبور من قبيل الواسطة في الثبوت بتقريبين :

أحدهما : ما في نهاية الدراية للمحقّق الأصفهاني 1 ( ١ : ٢٠٥ ) من أنّ العلّة الغائية إذا فرض ترتّبها على مورد آخر فلا محالة يترتب عليها معلولها ، بداهة أنّ المعلول لا ينفك عن علته التامة ، والمفروض أن الإسكار ـ بما هو ـ علة غائية أو لازم مساو لها لا هو بضميمة شي‌ء آخر ، وفرض الضميمة للغاية ـ ولو أضافها إلى الخمر ـ خلف ، إذ الظاهر أن غير الخمر مسكر أيضا ، وإضافة الغاية إلى ذيها لا تقتضي أن تكون الغاية لازما مساويا لذيها بحيث لا تتعدّاه.

أقول : غير خفيّ أنّه لو فرض ـ كما فرضه 1 ـ أنه استفيد من الدليل أن الإسكار بما هو ومن دون أيّ ضميمة علة غائية للحكم أو لازم مساو لها فلا كلام ـ على هذا التقدير ـ في كونه من الواسطة في العروض وكونه بعنوانه هو الموضوع للحكم فيسري الحكم إلى جميع أفراده كما ذكره 1 ، لكن الكلام في تحقق الفرض المذكور بالنسبة إلى المثال المتقدم واستظهار ذلك منه ، وقد ادّعاه 1 نظرا إلى أنّه لا دلالة لإضافة الإسكار إلى الخمر في لسان الدليل على كون العلة الغائية هو الإسكار الموجود فيه خاصة بحيث لا تتعدّاه ، فيتعين كون العلّة هو طبيعي الإسكار. لكن يظهر الجواب عنه من مطاوي ما أفاده المصنف الجدّ 1 من أن مقتضى ظهور دليل الحكم المعلل هو وساطة الثبوت وكون ما ورد عليه الحكم في لسانه هو موضوعه النفس الأمري بنفسه لا بتوسط شي‌ء‌


__________________

آخر ، وأن هذا هو الأصل الأولي لا يخرج عنه إلاّ إذا كانت العلّة عنوانا كليّا منضبطا قابلا للانطباق على المورد وغيره ولم تتقيد هي ولا ما علّل بها بالمورد كما في ( فإنه مسكر ) ، فيستفاد حينئذ أن الإسكار المطلق هو علّة الحكم وموضوعه ـ على وجه الكبرى الكليّة ـ وأن وروده على الخمر إنّما هو بتوسطه ويرفع اليد عن الظهور الأولي في موضوعية المورد بعنوانه للحكم لضعفه عن المقاومة إزاء ما ذكر. أمّا إذا قيّدت بالمورد ـ كما في المثال ـ حال ذلك دون استظهار موضوعيتها بعنوانها الكلي ، لأنّ مقتضى التقييد دخالة القيد فلم ينعقد ظهور أقوى من ذلك الظهور الأولي ليهدمه ، بل ولا مساو له ليعارضه فيبقى على حاله ويؤخذ بمقتضاه من وساطة الثبوت واختصاص الحكم بمورده ، اللهمّ إلاّ إذا فرض القطع بعدم دخل القيد المذكور في العلّة فيخرج حينئذ عن باب منصوص العلّة ويندرج في تنقيح المناط ـ كما أفاده 1 في المتن.

التقريب الثاني : ما أفاده السيّد الأستاذ ـ دام ظله ـ في تعليقته على أجود التقريرات ( ١ : ٤٩٩ ) من أن احتمال دخل خصوصية المورد في العلّة في المثال المتقدّم وإن كان قائما ، لكنّه مخالف لما هو المرتكز في أذهان العرف من أن العلة المذكورة في الكلام هي بنفسها علة الحكم من دون دخل قيامها بالموضوع المذكور فيه ، وأن الحكم يدور مدار علته ، وأنه لا شكّ في أن المستفاد من قوله 7 : « إن الله لم يحرّم الخمر لاسمه وإنما حرّمه لإسكاره » إنّما هو حرمة كلّ مسكر ، وأنّه لو كان الاحتمال المذكور مانعا عن انعقاد الظهور في المثال لكان مانعا في مثل ( لا تشرب الخمر لأنّه مسكر ) لقيام الاحتمال فيه أيضا.


كان الحكم المعلّل استثناء لمعيّن (١) ، ونحو ذلك ممّا لا يمكن أن‌

__________________

أقول : من الواضح أنّه 1 لا يعتدّ بمجرد الاحتمال مع انعقاد الظهور الدافع له وإلاّ لانسدّ باب العمل بالظواهر رأسا ، وإنّما يدّعي ـ حسبما أشرنا إليه آنفا ـ أن الظهور الأولي المنعقد لدليل الحكم المعلل في موضوعية المورد للحكم لا سبيل إلى إنكاره فلا بد من الأخذ به ، ولا يرفع اليد عنه إلاّ بظهور أقوى كما إذا كان معللا بتعليل مطلق صالح لأن يكون في قوّة الكبرى الكلية ـ حذو ما سمعت ـ ، أما إذا كان معللا بعلة مقيدة بالمورد ـ كالمثال ـ فبما أن التقييد بطبعه يقتضي الدخالة فلا مجال لرفع اليد عن الظهور الأولي المذكور وإلغائه بلا موجب ، إذ لا ظهور للتعليل مخالف له ، اللهمّ إلاّ إذا اقترن التعليل ـ المضاف إلى المورد ـ بما يدل ـ بوضوح ـ على عدم الخصوصية للمورد في الحكم ولا في علّية العلّة رأسا وأن العلة هو طبيعي الإسكار ، وعبارة الرواية التي أوردها ـ دام ظله ـ من هذا القبيل فإنّ ظهورها في أن مبغوضية الخمر ليست لاسمه وعنوانه بل للإسكار المترتب عليه غير قابل للإنكار ومقتضاه التعميم ، لكنّه أجنبيّ عن محل الكلام وقد صرّح المصنف الجدّ 1 ـ فيما سلف ـ بأنه لا مجال فيما هو من قبيل الواسطة في الثبوت لأن يطّرد ويكون واسطة للثبوت في غير المورد أيضا إلاّ بدليل آخر يدل على ذلك لا بنفس هذا التعليل ، فهو 1 يسلّم الاطراد بدليل آخر يدل عليه وإنما ينكره في مورد الاقتصار على التعليل المزبور في نحو قولنا : يحرم الخمر لإسكاره ، فلاحظ.

(١) هذا مثال لتقييد الحكم المعلّل بالمورد كما إذا قيل ( يجوز شرب كلّ مائع إلاّ الخمر لأنّه مسكر ) فإنّ المعلّل إنّما هو حرمة خصوص الخمر ، لأنّه المستثنى الخارج عن عموم الجواز في المستثنى منه ، لا مطلق الحرمة ، فالتعليل راجع إلى هذا الحكم الخاص بمورده.


يطّرد بنفس مدلوله في غير المورد إلاّ بتجريده عمّا يوجب التخصّص به ، إذ مقتضى التقيّد المذكور هو دخل خصوصيّة المورد إمّا في علّية العلّة أو في معلولها ، فينتفي موضوع الكبرى (١) في إحدى الصورتين ومحمولها في الأخرى ويتعيّن كون العلّة المنصوصة من باب الوسائط الثبوتية على كلّ تقدير ، ولا سبيل إلى التعدي عن المورد إلاّ بدعوى القطع بعدم دخل التخصّص به في شي‌ء من الأمرين ، فيخرج عن باب منصوص العلّة ويرجع إلى تنقيح المناط (٢) ونحوه ، فاحفظ ذلك كي لا تختلط عليك التعليلات الشرعية وتعرف كلا من أنواعه الثلاثة بضابطه (٣).

وإذ قد تبيّن ذلك اتّضح (٤) أنّ التعليل الوارد في السنجاب بأنّه لا‌

__________________

(١) وهي في المثال ( كلّ مسكر حرام ) فإنّه إذا قيّدت العلّة بالمورد أصبح الموضوع الخمر المسكر لا مطلق المسكر ، وإذ قيّد المعلّل به أصبح المحمول حرمة الخمر لا مطلق الحرمة ، فتسقط القضية عن كونها كبرى كليّة على كل من التقديرين.

(٢) وهو أن يحصل القطع بالمناط الكلي المطّرد وعدم دخل خصوصية المورد في الحكم ـ وإن كان هو مقتضى ظاهر الدليل ـ فيرتكب التجريد ويتعدى الى كلّ مورد اشتمل على ذلك المناط.

(٣) الأنواع الثلاثة للتعليل الشرعي ـ كما مرّ ـ هي : حكمة التشريع ، وما هو من قبيل الواسطة الثبوتيّة الملحقة بحكمة التشريع في عدم دوران الحكم مداره وجودا وعدما ، وما هو من قبيل الواسطة العروضيّة يدور الحكم مداره وجودا وعدما.

(٤) لمّا فرغ 1 من بيان الضابطة لما يكون من العلّة المنصوصة في قوّة‌


يأكل اللحم أجنبيّ عمّا هو في قوّة الكبرى الكلّية.

أمّا في رواية مقاتل فلعدم كون المعلّل بتلك العلّة ترخيصا مرسلا (١) يصلح لأن يرد حكما كلّيا على كلّ محرم لا يأكل اللحم كي يكون في قوّة الكبرى الكلّية ، وإنما هو استثناء للسنجاب عمّا حكم عليه بأنّه لا خير فيه ، وقد ورد التعليل بيانا لجهة امتيازه عنهما (٢) وأين هذا عن صلاحيّة كونه بنفسه في قوّة الكبرى الكلّية؟

والذي يظهر من مجموع ما يدلّ على حرمة أكل السنجاب وجواز الصلاة في جلده : أنّ السرّ في تعليل الرخصة فيها بأنّه لا يأكل اللحم وليس من ذوات المخالب والأنياب هو أنّه وإن لم يكن من الأنواع *

__________________

الكبرى الكلّية في كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات ، تصدّى لبيان عدم اندراج المقام فيها ، وحيث إن ما توهّم اشتماله على العلّة المذكورة روايتان :

رواية مقاتل ( لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم ) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة ( قلت وما يؤكل لحمه من غير الغنم ، فقال 7 لا بأس بالسنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم ) والتعبير في كلّ منهما يختلف عنه في الأخرى ، أفرد 1 كلاّ منهما بجواب يخصّه ـ كما ستسمع.

(١) يعني أنّه مرّ في بيان الضابط لمرحلة الإثبات اعتبار إطلاق الحكم المعلّل وهذا غير متحقّق في المقام ، إذ الحكم المعلّل فيه مقيّد بمورده ، لأنّ السنجاب هو المرخّص فيه بخصوصه بمقتضى الاستثناء ، والتعليل راجع إلى هذا الترخيص الخاص وبيان للمائز بينه وبين السمور والثعالب المذكورين في كلام السائل ، فليس هو تعليلا للترخيص المرسل صالحا لكونه في قوّة الكبرى الكلّية ليدلّ على عموم الحكم لكلّ محرّم لا يأكل اللحم.

(٢) أي عن السمور والثعالب.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( أنواع ) والصحيح ما أثبتناه.


الثلاثة التي تقدّم أنّ حرمة أكل الحيوان بحسب أصول أنواعه تدور مدارها ، لكن لمّا كان ذا سبلة كسبلة السنّور والفأر فهذا أوجب لحوقه الحكمي بالسباع في حرمة أكله دون عدم الصلاة في أجزائه (١) ، وهذا هو مفاد استثنائه من المذكورات في الرواية ، وقد ورد‌

__________________

(١) فهو ليس من السباع حقيقة لتحرم الصلاة في أجزائه إذ ليس ممّا يأكل اللحم ـ كما في الروايتين ـ ولا من ذوات المخالب والأنياب ـ كما في رواية ابن أبي حمزة ـ ، كما وليس من المسوخ والحشرات فلا موجب لحرمة الصلاة فيه ، لكن لمّا كان يشبه بعض السباع والمسوخ كالقط والفأر في أنّ له سبلة كسبلتهما لحق بهما في حرمة الأكل فقط ، وهذا ما يستفاد من رواية أبي حمزة قال : سأل أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين 8 عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما ، فقال أبو خالد : إن السنجاب يأوي الأشجار فقال 7 : « إن كان له سبلة كسبلة السنور والفأر فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه » ، ثم قال 7 : « أما أنا فلا آكله ولا احرّمه ». راجع الباب الحادي والأربعين من الأطعمة المحرمة من الوسائل. ولا خلاف عندنا في حرمة أكله كما هو مقتضى قوله 7 ( فلا يؤكل لحمه ) ، وأما قوله 7 أخيرا ( ولا احرّمه ) ، فلعلّه من باب التقية ـ كما في الوسائل ـ ، ويؤيده نسبة التحريم إلى نفسه 7 ، وأما قوله 7 : ( ولا تجوز الصلاة فيه ) ، فمعارض بروايات أخر ترخص الصلاة فيه ، وسيأتي تفصيل البحث حوله ـ إن شاء الله تعالى.

أقول : يمكن أن يقرّر المقام ببيان آخر وهو أن قوله 7 : ( فإنه دابة لا يأكل اللحم ) يراد به أنه ليس من السباع الآكلة للحم ذوات المخالب والأنياب التي نهى رسول الله 6 عن أكلها ـ كما في رواية ابن أبي حمزة ـ


التعليل بيانا لخروجه الموضوعي عن السباع وامتيازه عن السمور والثعالب بذلك ، إذ هو المعلّل بهذه العلّة دون الرخصة المرسلة ، وقد عرفت أنّه لا مساس لما كان من هذا القبيل بالكبرى الكلّية.

وأما في رواية ابن أبي حمزة فكونه تعليلا لجواز الصلاة في السنجاب مبنيّ على ما في بعض نسخ الوسائل من اشتمال ما سأله أخيرا ـ وهو قوله : قلت وما يؤكل من غير الغنم ـ على ( لا ) النافية (١).

__________________

وبما أن عدم كونه من الحشرات مفروغ عنه بل وكذا من المسوخ ـ ولو لمعهودية ذلك ومعلومية انحصاره في أنواع معينة ، وفي بعض الأخبار أنها ثلاثة عشر نوعا ، وعددها المتحصل من مجموع نصوص الباب نيف وعشرون وليس منها السنجاب ( الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل ) ـ فهو إذن غير مندرج في شي‌ء من الأنواع الثلاثة فتصح الصلاة فيه.

وبالجملة ليس الغرض من إيراد هذا التعليل بيان علة عامة صالحة لكونها في قوة الكبرى الكلّية بل بيان لحال المورد وأنه ليس من قسم السباع كي يمنع عن الصلاة فيه من هذه الجهة ، وبعد المفروغيّة عن أنه ليس من القسمين الآخرين أيضا فلا مانع من الصلاة فيه. وهذا البيان يجري في رواية ابن أبي حمزة أيضا ، فلا حظ.

(١) إذ بناء عليه يكون سؤالا عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، فأجاب 7 بعدم البأس بها في السنجاب منها معللا بما ذكر ، فيكون للبحث ـ عن أنّ العلّة المذكورة هل هي في قوة الكبرى الكلّية أو لا ـ مجال. أما بناء على الخلوّ عن تلك الزيادة فظاهره السؤال عما يحلّ أكله مما يصنع منه الفراء من غير الغنم ـ كما سيأتي ـ ، وقد أجاب 7 بحلّية السنجاب ، وعليه فالتعليل تعليل لحلّه وأجنبيّ عن المقام.


ونسخ الوسائل وإن اختلفت في ذلك (١) لكنّه ـ مضافا إلى فساد عبارة السؤال مع فرض هذه الزيادة من وجوه عديدة (٢) ، بل قوله ( من غير الغنم ) قرينة واضحة على عدمها وغلطيّة النسخة ـ فلا يخفى أن سند هذه الرواية ينتهي إلى الكافي حتى أن في التهذيب أيضا قد رواها عنه ، وقد روياها في الوسائل والوافي عنهما جميعا ، وقد راجعنا النسخ المصحّحة من الكافي والتهذيب فكانت خالية عن هذه الزيادة (٣) وقد ضبطها وفسّرها في الوافي أيضا بدونها (٤) ،

__________________

لكن سيأتي منه 1 تفسير آخر دقيق للرواية ، بمقتضاه يكون السؤال سؤالا عن الصلاة فيما يؤكل والتعليل تعليلا لجواز الصلاة في السنجاب دون حلّ أكله ، وعليه فيعود ـ لا محالة ـ البحث المشار إليه آنفا والمرتبط بالمقام.

(١) الزيادة موجودة في الطبعة القديمة من الوسائل وكذا في طبعتيها الحديثتين وقد قوبلت ثانيتهما على نسخة بخطّ المصنف ; ـ حسبما ذكر في مقدمتها.

(٢) منها ـ وهو عمدتها ـ عدم استقامة استثناء الغنم من ( ما لا يؤكل ) الظاهر في كونه منه وليس منه ، وقد أشار 1 إلى ذلك بقوله : بل قوله. إلخ ، ومنها أنه لا وقع للسؤال عن حكم ما لا يؤكل بعد ما فهم من قوله 7 :

( إذا كان مما يؤكل لحمه ) أنه لا يجوز الصلاة في فراء ما لا يؤكل.

(٣) الأمر كذلك بالنسبة إلى الكافي بطبعتيه القديمة ( ١ : ١١٠ ) والحديثة ( ٣ : ٣٩٧ ) ، أما التهذيب فالزيادة موجودة في طبعته الحديثة ( ٢ : ٢٠٤ ) ويظهر من طبعته القديمة اختلاف نسخه ( ١ : ١٩٤ ) فراجع ، لكن العمدة ـ كما سمعت ـ هو الكافي.

(٤) قال ; في تفسيرها ( ٥ : ٤٠٢ ) : لعلّ ( ما ) في ( وما يؤكل لحمه من‌


بل عدّ هذا الذيل في بعض كتب الاستدلال معارضا لما يدلّ (١) على حرمة السنجاب وساقطا عن الحجيّة وصلاحية المعارضة بإعراض الأصحاب ، فيكون ما اشتمل عليها من نسخ الوسائل من غلط الناسخ أو سهو القلم ـ لا محالة.

وظاهر الرواية حينئذ وإن كان في بادئ النظر هو حلّية السنجاب ـ المتسالم على خلافها ـ والتعليل أجنبيّا عمّا نحن فيه وغير معمول به حتى في مورده (٢) ، لكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الراوي لمّا كان عمّا تجوز الصلاة فيه من الفراء وكانت تصنع من الغنم ومن غيره أيضا من السنجاب والسمور والثعالب وغير ذلك ،

__________________

غير الغنم ) استفهامية ، يعني : أيّ شي‌ء يؤكل لحمه مما يلبس فرأوه من غير الغنم؟ انتهى ، والاحتمال الآخر أن تكون ( ما ) موصولة والمعنى : والذي يؤكل لحمه مما تصنع منه الفراء غير الغنم ما حكم الصلاة فيه؟ ويكون على الأول سؤالا عما يحل أكله مما سوى الغنم من تلك الأنواع ، وعلى الثاني سؤالا عما تصح الصلاة فيه منها ، والظاهر هو الأول بل لعله المتعيّن فإنه المناسب للسؤال عقيب قوله 7 : ( إذا كان مما يؤكل لحمه ) ، أما الثاني فلا مناسبة له بوجه ، هذا ومقتضى عبائر المتن الآتية هو المفروغية عن ذلك.

(١) إذ لا تتمّ المعارضة إلاّ إذا كانت خالية عن هذه الزيادة.

(٢) يعني وكان التعليل في بادئ النظر تعليلا لحلية أكل السنجاب ، وهذا غير ما نحن فيه من التعليل لجواز الصلاة ، كما أنه لم يعمل به في مورده وهو السنجاب فضلا عن غيره ، إذ ليس كلّ ما لا يأكل اللحم من الحيوانات يحل لحمه بالضرورة.


فبعد أن عرف من جوابه 7 أنها لا تجوز إلاّ فيما كان ذكيّا وكان ممّا يؤكل لحمه (١) ، أراد من سؤاله الأخير أن يعرف ما يحلّ أكله (٢) من سائر ما كانت الفراء تصنع منه ليعرف أنّ أيا منها تجوز الصلاة فيه ، فالمسؤول عنه وإن كان هو ما يحلّ أكله من خصوص تلك الأنواع لا من مطلق الحيوان ، لكن المقصود بالسؤال هو معرفة ما تجوز الصلاة فيه دون أكل لحمه ، وتعبيره 7 في الجواب بعدم البأس بالسنجاب (٣) لا بحلّ أكله أو كونه ممّا يؤكل ، ظاهر في كونه جوابا عمّا قصده بسؤاله لا عن نفس سؤاله ، والتعليل لذلك بأنّه لا يأكل اللحم ـ إلى آخره ـ بيان لما تقدّم من خروجه الموضوعي عن السباع (٤) وكون اللحوق بها حكميا (٥).

__________________

(١) يأتي ـ في الأمر الرابع ـ إمكان استظهار هذا المعنى وأن جملة ( إذا كان مما يؤكل لحمه ) من تتمة الجواب الأول وأن السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي.

(٢) استظهار لما مرّ نقله آنفا عن الوافي.

(٣) فإن ظاهره إرادة عدم البأس بالصلاة فيه ، وإلاّ لقال : يحلّ أكل السنجاب ، أو إنّه ممّا يؤكل لحمه.

(٤) فإنّ ذكر السنجاب بالخصوص من بين سائر ما كانت تصنع منه الفراء قرينة على إرادة الخصوصية ، وبما أن مقتضى ما فهم من جوابه 7 السابق اعتبار كون ما يصلى فيه مأكول اللحم فتجويز الصلاة في السنجاب وهو من محرم الأكل يبدو منافيا لذلك ، فبيّن 7 وجهه وأنه ليس من السباع الآكلة اللحم موضوعا.

(٥) وذلك في الحكم بحرمة أكله للشبه المتقدّم بيانه ، ولا يخفى أن‌


ولو سلّم ظهور لنفي البأس في جواز أكله أيضا ، كان ناشئا عن ظهور إطلاقه (١) في ذلك ، ويكون الدليل على حرمته تقييدا لذلك الإطلاق ، وعمل الأصحاب بذلك الدليل تحكيما للمقيّد على المطلق لا إعراضا موجبا لسقوطه عن الحجّية ، ويكون نفي البأس في هذه الرواية الشريفة أيضا ـ كالاستثناء الوارد في رواية مقاتل ـ حكما على السنجاب (٢) بالإضافة إلى سائر ما كانت الفراء تصنع منه ، والتعليل أيضا بيانا لجهة امتيازه عنه (٣) ويكون بمعزل عن صلاحية كونه في قوّة الكبرى الكلّية ـ كما تقدم.

ثمّ لو فرض كونه ترخيصا مرسلا (٤) يصلح للعموم على حسب عموم علّته ، فما تقدّم من التعليل بمسوخية الأكثر يهدم‌

__________________

التعليل لم يتكفل بيان اللحوق الحكمي المذكور ـ وإن أوهمته العبارة ـ ، بل مجرد خروجه الموضوعي.

(١) الشامل لجواز كلّ من أكله والصلاة فيه فيقيّد بما دلّ على حرمة أكله ، وليس هذا من الإعراض المسقط عن الحجية في شي‌ء.

(٢) أي حكما خاصا بالسنجاب اقتضاه تخصيصه 7 إياه بالذكر من بين سائر ما تصنع منه الفراء ـ كما قد عرفت.

(٣) أي عن سائر ما تصنع منه الفراء ، والعبارة إعادة لما سبق آنفا لغرض التوضيح.

(٤) يعني لو سلّم ظهور الكلام في نفسه في الترخيص المرسل بحيث يعمّ كلّ دابة لا تأكل اللحم ـ أي غير السباع من سائر الحيوانات ـ نظرا لعموم علته ، كان ما تقدّم من التعليل بمسوخية الأكثر مانعا عن حجية هذا الظهور وقرينة منفصلة على خلافه.


ذلك ويكون قرينة على كونه بيانا لجهة امتيازه عن المذكورات ، إذ مقتضى كون التعليل المذكور نصّا في علّية المسوخية لهذا الحكم في الجملة (١) ـ كما هو الشأن في كلّ عموم أو إطلاق (٢) ـ هو امتناع أن يقيّد موضوعه (٣) بما إذا كان من السباع أيضا ويجعل السبع المسوخ موردا لهذا التعليل (٤) ، كيف ومع الغضّ (٥) عن كونه من التخصيص بالفرد النادر (٦) المستهجن جدا ، فلا يخفى كونه إبطالا‌

__________________

(١) أي سواء اختصت عليتها بموضوعها ـ أعني المسوخات ـ أم عمّت كلّ ما لا يؤكل لحمه ، وقد سبق تعيّن الأول.

(٢) فإنه نصّ بالنسبة إلى موضوع التعليل وإن كان ظاهرا في غيره مما يشمله العموم أو الإطلاق ، كما في ( لا تأكل الرمان لأنّه حامض ) الذي هو نصّ في النهي عن الرمان

الحامض ، وفي المقام يكون إطلاق عدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه نصا بالنسبة إلى المسوخ وظاهرا في غيره.

(٣) أي موضوع التعليل وهو المسوخ.

(٤) مع أنّ مقتضى ما تقدم من عموم الترخيص لكلّ ما ليس بسبع ـ على تقدير تسليمه ـ هو التقييد بذلك ، إذ العموم المذكور يشمل المسوخ من غير السبع أيضا فلا بد من تقييد المنع في رواية المسوخ بما إذا كان من السباع وهو ممتنع ـ كما ستعرف.

(٥) شروع في ذكر وجوه امتناع التقييد وهي ثلاثة : هذا أوّلها ، والثاني ما أفاده 1 بقوله : فلا يخفى ، والثالث بقوله : هذا مضافا ، فتبصّر.

(٦) لأن أفراد المسوخ السبع قليلة فإنّ أكثر المسوخات ليست من السباع ـ كما يظهر بالمراجعة.


لعلّية المسوخية بالكلّية ومخالفا لنصّ التعليل من هذه الجهة ، إذ لو قيّدت علّية شي‌ء بوجود علّة مستقلة أخرى مع بقائها على إطلاقها (١) كان ذلك إخراجا للأولى عن كونها ذات * دخل في وجود المعلول رأسا ويتساوى وجودها وعدمها فيه (٢). ولا سبيل‌

__________________

(١) أي بقاء العلّة الأخرى على إطلاقها سواء وجدت الأولى أم لا ، في قبال ما يأتي في تكملة الاستدلال من فرض تقييدها بالأولى.

(٢) والأمر في المقام كذلك ، لما تقدم سابقا من أنّ مقتضى كون التعليل بـ ( أن السنجاب دابة لا تأكل اللحم ) في قوة الكبرى الكلية ودوران اللحم مداره وجودا وعدما هو تعميم الرخصة لكلّ محرم لا يأكل اللحم ، وتخصيص المانعية بالمحرم الذي يأكل اللحم ـ أعني السبع ـ ، إذن فالسبعية علّة مستقلة للمانعية فإذا فرض بقاؤها على إطلاقها فمقتضاه عليّتها للمانعية سواء اقترنت معها المسوخية أم لم تقترن. وحينئذ فلو قيّدت علّية المسوخية بما إذا اقترنت معها السبعية كان ذلك إبطالا لعليّتها بالكلية وإسقاطا لدخالتها بالمرة ، فإن السبعية حسب الفرض تمام الموضوع للمانعية على نحو الإطلاق فضمّ المسوخية إليها كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، والتالي فاسد ، لما عرفت من علّية المسوخية بنص التعليل ، فالمقدّم مثله. ومحصّل الاستدلال أنه لو تم الترخيص المرسل بالنسبة إلى كلّ ما ليس بسبع والمنع المطلق بالنسبة إلى السباع لقيّدت علّية المسوخية للمنع بما إذا قارنت السبعية ولو قيّدت بذلك لسقطت عن علّيتها له ، وإذ بطل التالي الأخير بطل مقدّمه فبطل مقدم المقدم أيضا بموجبه. هذا وانتظر تكملة لهذا الاستدلال عند قوله 1 : وبعد ما امتنع التقييد ـ إلخ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( ذا ) والصحيح ما أثبتناه.


إلى مقايسة المقام بما إذا اجتمعت العلّتان المستقلّة كلّ واحدة منهما بظاهر دليلها في العلّية لو لا الأخرى أو المقيّدة عليّة كلّ واحدة منهما بوجود الأخرى (١) ، كما في مسألة خفاء الأذان والجدران في حدّ الترخص ـ على الوجهين فيها ـ ونحو ذلك ـ كما لا يخفى.

هذا ، مضافا إلى مناقضته لصريح العلّة (٢) أيضا لما فيها من‌

__________________

(١) إشارة إلى الوجهين المذكورين في الأصول في مسألة تعدد الشرط واتحاد الجزاء في مثل ( إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفيت الجدران فقصّر ) ، فإن مقتضى إطلاق كل من الشرطيتين بما لها من المفهوم هو علّية كل من الأمرين علّية مطلقة على نحو يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، وإذ لا يعقل ذلك ثبوتا فلا بدّ من التصرف في الدليلين : إمّا بتقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فينتج معنى العطف بـ ( أو ) واستقلال كل منهما في العلّية في الجملة بحيث يدور الحكم مداره وجودا فقط ، أو بتقييد كل من المنطوقين بالآخر فيؤدي مفاد العطف بالواو وكون علة الحكم مركبة منهما.

وغرضه 1 من هذا الكلام دفع ما ربّما يتوهم ويقال : لما ذا لا يجري في المقام نظير الوجهين الجاريين في تلك المسألة من استقلال كل من المسوخية والسبعية في العلّية لو لا الأخرى أو تقييد عليّة كل منهما بالأخرى لتكون العلة مركبة؟ واقتصر 1 في ردّه بالإشارة إلى وضوح فساده بقوله : ( كما لا يخفى ) ، وجه الوضوح وضوح الفرق بين المقامين لما عرفت من أن مقتضى كون التعليل بالمسوخية نصّا في علّيتها للمانعية هو امتناع تقييدها بالسبعية ، أما في تلك المسألة فالمفروض فيها عدم نصوصية أيّ من الدليلين في العلّية للحكم.

(٢) أي مناقضة التقييد المتقدم ذكره لصريح العلّة ، فإن تقييد المسوخ في‌


التصريح باشتمال الأكثر عليها ، وظاهر أن ما اجتمع فيه الوصفان من النادر الملحق بالمعدوم.

وبعد ما امتنع التقييد المذكور (١) لهذه الجهات الكافية كلّ‌

__________________

قوله 7 : ( لأن أكثرها مسوخ ) ، بما إذا كان سبعا يوجب خروجه من الأكثرية إلى الأقلية ، فإن ما اجتمع فيه الوصفان من محرّم الأكل قليل غايته ، فينافي ما فرض في عبارة التعليل من الأكثرية.

(١) هذا تكميل للاستدلال المتقدم ، وخلاصة الاستدلال برمّته أنه لو كان تعليل الرخصة في السنجاب بأنه ليس من السباع صالحا لأن يكون في قوة الكبرى الكلّية والرخصة المعلّلة به صالحة للعموم ، فإمّا أن يقيّد موضوع المسوخ في قوله ( لأن أكثرها مسوخ ) بما إذا كان من السباع ، وقد عرفت امتناعه للجهات الثلاث المتقدمة ، أو يكون التعليل بالمسوخية ـ بعد ما عرفت من كونه نصا في علّيتها للحكم المقتضية لثبوت الحكم للمسوخ غير السبع حذو ثبوته للمسوخ السبع ودلالته على الاولى كالثانية بالنصوصية دون مجرد الظهور ـ مخصصا لذلك العموم ، لكونه أخص مطلقا منه ، لدلالة العموم على الرخصة في غير السباع مطلقا ودلالة النص المذكور على المنع في المسوخ من غير السباع بالنصوصية ، والباقي تحته بعد التخصيص هو ما ليس بسبع ولا مسوخ ، وليس هو إلاّ بعض الحشرات ـ أعني ما ليس منها مسوخا ـ وهو أقل أفرادا من المسوخ الخارج بالتخصيص فيلزم التخصيص بالأكثر المستهجن.

أقول : لعلّ أقليّته مبنيّة على عدم شمول العموم رأسا لمثل البق والبرغوث من الحشرات التي لا لحم لها وهي كثيرة ، ومبنيّة أيضا على‌


واحدة منها في امتناعه وكان التعليل المذكور على كلّ ممّا تقدم من الوجهين فيه (١) نصا في ثبوت الحكم فيما عدا السبع من المسوخ ، فلو فرض صلاحية تعليل الرخصة في السنجاب بأنه لا يأكل اللحم لأن يكون في قوة العموم ، كان النص المذكور بأخصيّته المطلقة مخصّصا له ـ لا محالة ـ ، ولا يبقى لعمومه مورد سوى الحشرات ، ولكونه من التخصيص بالأكثر ـ الظاهر استهجانه ـ فيكشف عن كونه بيانا لجهة امتيازه عمّا ذكر ـ كما أوضحناه.

وقد ظهر من ذلك أن إطلاق الرخصة فيما يأكل الورق والشجر أيضا (٢) لا يصلح معارضا لما يدلّ على عموم‌

__________________

أن العبرة في تخصيص الأكثر المستهجن بأكثرية الأفراد الخارجة بالتخصيص مطلقا ، إذ لو اعتبرنا في التخصيص الأنواعي أكثرية الأنواع لم يكن المقام منه ، لأن العموم شامل لنوعين وقد خرج بالتخصيص أحدهما.

على أن العموم يشمل الحيوانات المحلّلة الأكل أيضا وأفرادها كثيرة.

وكيفما كان فإذا امتنع التخصيص المذكور لاستهجانه امتنع إرادة العموم وكشف عن كون التعليل بيانا لجهة امتياز السنجاب عن سائر ما تصنع منه الفراء ـ كما مر توضيحه ـ لا تعليلا لعموم الرخصة صالحا لكونه في قوة الكبرى الكليّة.

(١) الظاهر أن المراد بالوجهين ما تقدم سابقا : من صلاحية كون المسوخية مناطا لتشريع الحكم على كلّ ما يحرم أكله مسوخا كان أم غيره ـ كما قد يقال ـ ، وعدم صلاحيته إلاّ بالنسبة إلى المسوخ خاصة ـ كما هو الصحيح ومرّ تحقيقه.

(٢) في قول الكاظم 7 فيما رواه الصدوق ; بإسناده عن القاسم الخياط :


المانعية (١) فإن النسبة بينهما وإن كانت هي العموم من وجه (٢) وكان الإطلاق المذكور معارضا للعموم المعلّل بالمسوخية لا لنصّ التعليل (٣)

__________________

« ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلى فيه وما أكل الميتة فلا تصلّ فيه » ، راجع الحديث الثاني من الباب السادس من أبواب لباس المصلي من الوسائل ، ولا يبعد صحة سنده فإنه وإن اختلفت النسخ في ضبط الراوي عنه 7 ففي الوسائل ( قاسم الخياط ) وعن بعض نسخ الفقيه ( هاشم الحناط ) وعن بعضها الآخر ( هشام الحناط ) ( الفقيه ١ : ١٦٨ ) ، إلاّ أن الظاهر أن الثاني هو الصواب ، لأنه المذكور في المشيخة دون غيره وليس في الفقيه رواية عنه غير هذه الرواية ـ كما في معجم رجال الحديث ، الطبعة الخامسة ٢٠ : ٢٧٢ ـ ، فيتعيّن أن يكون ما في المشيخة ناظرا إلى هذه الرواية ، وطريقه إليه صحيح ( الفقيه ٤ : المشيخة : ٤٣ ) ، على أن قاسم الخياط لا وجود له في الرجال ولا في روايات الكتب الأربعة غير المقام ، بخلاف هاشم الحناط فإن الظاهر أنه هاشم بن المثنى الحناط الكوفي الذي وثّقه النجاشي وله روايات ، كما أن الظاهر اتحاده مع هشام الحناط المذكور في بعض نسخ هذه الرواية.

(١) أي عمومها لكل حيوان محرم الأكل ، وقد مرّ في صدر الكتاب الروايات الدالة عليه وعمدتها العموم في قوله 7 في موثقة ابن بكير :

( الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله ).

(٢) فيتعارض هذا الإطلاق مع ذاك العموم في محرم الأكل الذي يأكل الورق والشجر.

(٣) مراده 1 أن رواية المسوخ بما أنها مشتملة على تعليل وحكم معلل فالإطلاق المذكور إنما يعارض ـ تعارض العموم من وجه ـ عموم حكمها‌


ـ كما فيما تقدم فرضه (١) ـ ، لكن لقوّة دلالة ذلك العموم ولحوقها بالنصوصية فذلك الإطلاق بمعزل عن صلاحية كونه معارضا له ، ولو فرض شموله لشي‌ء من الحشرات فلا شبهة في انصرافه عنه ، ولا محيص عن تقييده بما عدا النوعين (٢). فمن جميع ذلك اتضح أنه لا مجال للخدشة فيما تسالموا عليه من أصالة التلازم بين الحكمين.

وبقي البحث فيها من جهات : ـ

__________________

المعلل حذو معارضته سائر عمومات المنع ، ولا يعارض كذلك نص تعليلها بل التعليل أخص مطلقا من الإطلاق ، لأن مقتضى نصوصيته في علّية المسوخية للمنع هو نصوصيته في المنع عن المسوخ الذي يأكل الورق والشجر أيضا فيقيد الإطلاق بما إذا لم يكن ما يأكلهما مسوخا.

(١) إشارة إلى المعارضة المتقدم فرضها بين نص التعليل المذكور وبين تعليل الرخصة في السنجاب لأنه لا يأكل اللحم ـ بناء على كونه تعليلا صالحا لكونه في قوة الكبرى الكلية ـ ، والمقصود أن الإطلاق هنا لا يعارض التعليل بالمسوخية كما كان يعارضه التعليل الوارد في السنجاب.

(٢) رجّح 1 العموم على الإطلاق معلّلا له بقوة دلالته مشيرا بذلك إلى ما حقّق في بحث التعارض من الأصول من أن ترجيحه هو مقتضى الجمع العرفي وقرينيّة العموم الوضعي على تقييد الإطلاق المستند إلى مقدمات الحكمة ، فيؤخذ بالعموم ويقيّد الإطلاق بغير مورد المعارضة ، فيكون موضوع الرخصة ما يأكل الورق والشجر ممّا ليس من الأنواع الثلاثة المسوخ والسباع والحشرات ، بل يكفي تقييده بما عدا النوعين الأولين ، فإن الأخير لا يكاد يشمله الإطلاق ، إذ تقوّت الحشرة بأوراق الأشجار يعدّ أمرا نادرا والإطلاق منصرف عن مثله ، فتأمل.


الأولى : فيما استثني عن هذا العموم ، ولا إشكال في كون الخزّ هو المتيقن استثناؤه ، أمّا بالنسبة إلى وبره الخالص فالظاهر عدم الخلاف فيه (١) واستفاضة الأخبار به (٢) بل لا يبعد أن تكون قطعية في الجملة (٣). نعم بالنسبة إلى جلده لا يخلو عن خلاف ينسب إلى الحلّي والعلاّمة في بعض كتبه (٤) ، لكنه ضعيف لا يعبأ به ، فإن قوله 7 في رواية ابن أبي يعفور (٥) ، « فإن الله قد أحلّه وجعل موته ذكاته (٦) ـ إلخ ـ » وإن لم يعمل بظاهره من جهة أكل‌

__________________

(١) أي في استثنائه.

(٢) راجع البابين الثامن والعاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل ، ففيهما لا سيّما الأول منهما أخبار معتبرة تصرّح بجواز الصلاة فيه.

(٣) أي يقطع بصدور بعضها إجمالا.

(٤) صرّح الحلي في سرائره ( ١ : ٢٦١ ) بعدم الجواز فيه ، وكذا العلامة 1 في المنتهى والتحرير واختار في المختلف والتذكرة ونهاية الأحكام الجواز وفي قواعده جوّز الصلاة في الخز الخالص مقتصرا عليه ، وفي مفتاح الكرامة : أنه قد يفهم من تقييده بالخلوص مع عدم التنصيص على الجلد عدم جواز الصلاة فيه لأن الخالص إنما يتصف به الوبر دون الجلد ـ كما في جامع المقاصد ـ فتأمل ، ( مفتاح الكرامة ٢ : ١٣٢ ).

(٥) رواها بطولها في الوسائل عن الشيخين رابع حديث من أحاديث الباب الثامن من أبواب لباس المصلي ، وسند الرواية ضعيف لاشتماله على محمّد بن سليمان الديلمي الضعيف وعبد الله بن إسحاق العلوي وفريت ـ كما عن أكثر النسخ ، أو قريب كما عن بعض النسخ وهو الموجود في الوسائل ـ المجهولين.

(٦) الموجود في الكافي والتهذيب والوسائل ( وجعل ذكاته موته ).


لحمه وقدّم عليه معارضه (١) ، لكنّه حيث ورد تعليلا لما في صدر الرواية من حكمه 7 بجواز الصلاة فيه (٢) ودفعا لشبهة السائل في تذكيته ، فلا جرم تكون دلالة قوله ( أحلّه ) على حلّيته من جهة الصلاة فيه بالنصوصية (٣) ، وعلى جواز أكله من جهة ظهور إطلاقه في الحلّية المطلقة ، ويكون الدليل على حرمة أكله تقييدا لذلك الإطلاق لا معارضا لنصّه (٤) كي يكون العمل بذلك الدليل من الإعراض الموجب للخروج عن الحجية (٥) ، ويكون‌

__________________

(١) كصحيحة زكريا بن آدم قال : سألت أبا الحسن 7 فقلت إن أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه؟ قال فقال 7 : « إن كان له ناب فلا تأكله ـ الحديث » ومقتضاها اختصاص الحرمة بما كان منه ذا ناب أي سبعا ، ويؤيدها رواية ابن أبي يعفور الأخرى ، وفي رواية حمران بن أعين : هو سبع يرعى في البر ويأوي الماء ، وبضميمة ما دلّ على حرمة أكل السباع تفيد حرمة أكله ، لكنها ضعيفة السند ، والروايات الثلاث تجدها في الباب التاسع والثلاثين من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل ، هذا وفي رواية العلل ـ لمحمّد بن علي بن إبراهيم ـ الآتية أنه من المسوخ ، وبضميمة ما دلّ على حرمة أكل المسوخ تفيد حرمته ، لكنها أيضا ضعيفة.

(٢) إذ قال 7 في جواب قول الرجل الخزاز : جعلت فداك ، ما تقول في الصلاة في الخز؟ ( لا بأس بالصلاة فيه ).

(٣) لأنّ التعليل إذا كان أعم من مورده فهو نصّ فيه وظاهر في غيره.

(٤) إذ لا نصوصية له بالنسبة إلى حلية أكله وإنما هو ظهور إطلاقي.

(٥) يعني لو فرض نصوصيته في حلية الأكل ومعارضة دليل الحرمة له كان‌


التعرض (١) في الجواب لكلّ من حلّيته وتذكيته (٢) بموته خارج الماء بيانا لجواز الصلاة فيما تحلّه الحياة من أجزائه أيضا (٣) من كلتا‌

__________________

تسالم الأصحاب على حرمة أكله إعراضا عنه موجبا لسقوطه عن الحجية.

أقول : يشكل الجزم بكون عملهم بدليل الحرمة ـ على الفرض المذكور ـ إعراضا منهم عن رواية الحلية ، فإن من المحتمل أنّ طرحهم للرواية وأخذهم بدليل الحرمة كان من باب ترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين على الأخرى ببعض المرجحات.

(١) يمكن جعل هذا تقريبا آخر لدلالة الرواية على المقصود في قبال ما سبق ، وتصبح الدلالة بموجبه أقوى من سابقه ، فإنّ مقتضى التقريب السابق دلالتها على جواز الصلاة في جلد الخز بالإطلاق لشمول إطلاقها لما تحلّه الحياة منه كالجلد وما لا تحلّه كالوبر ، ولا بدّ من الأخذ به بعد انتفاء المقيد ، ومقتضى هذا التقريب دلالتها على الجواز في خصوص ما تحلّه الحياة ، فلا حظ.

(٢) وذلك في قوله 7 السالف نقله ( فإن الله قد أحلّه وجعل ذكاته موته ) ، والمراد موته خارج الماء بقرينة الفقرات المتقدمة عليها ، فراجعها ، وقوله 7 بعد ذلك ( كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها ) بضميمة وضوح اعتبار الموت خارج الماء في تذكية الحيتان ووضوح دلالة صحيحة ابن الحجاج الآتية على ذلك ، فلا حظ.

(٣) يعني كما أنّه بيان لجواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه من جهة واحدة ـ وهي الحلية من حيث الصلاة ـ كذلك بيان لجواز الصلاة فيما تحلّه منها من جهتين ـ الحلية والتذكية ـ ، فيفيد جواز الصلاة في جلده وهو المطلوب.


الجهتين ، ودفعا لشبهة السائل (١) من الجهة الثانية ، ولو كان جواز الصلاة فيه مخصوصا بوبره لم يكن للحكم بتذكيته أثر من هذه الجهة (٢) ـ كما لا يخفى.

ويدلّ أيضا ـ على اتّحاد حكم الجلد والوبر في جواز الصلاة في كلّ منهما ـ صحيح سعد بن سعد (٣) قال : سألت الرضا 7 عن جلود الخزّ ، قال : هو ذا نحن نلبس » فقلت : ذاك الوبر ـ جعلت فداك ـ فقال : « إذا حلّ وبره حلّ جلده ».

أمّا فقه الحديث : فلا يخفى أنّ ما نقله في الجواهر (٤) عن‌

__________________

(١) إذ كان يتوهم أن الخز ميتة لأنه دابة تخرج من الماء بنفسها أو بالصيد فإذا فقد الماء مات ، وأنه من ذوات الأربع وليس من قبيل الحيتان ليكون تذكيته بموته خارج الماء.

(٢) أي من جهة الصلاة في وبره ، إذ لا مانع من الصلاة في وبر الميتة ـ بما هو وبر الميتة ـ ونحوه ممّا لا تحلّه الحياة منها ـ كما هو واضح.

(٣) هو رابع عشر أحاديث الباب العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل.

(٤) قال 1 فيه ( ٨ : ٨٨ ) : ( قيل « هو ذا » في كلامه 7 ـ بفتح الهاء وسكون الواو ـ كلمة مفردة تستعمل للتأكيد والتحقيق والاستمرار والتتابع والاتصال ، مرادفة ( همي ) في لغة الفرس المستعملة في أشعار بلغائهم كثيرا ، لا أن المراد منها الضمير واسم الإشارة ـ كما يشهد له التأمل من وجوه ـ ، فيكون إخباره باستمرار لبسه واتصاله كالصريح في شموله لحال الصلاة ) ، انتهى موضع الحاجة. وعليه فمراده 7 الأخبار بأنهم : يلبسون الجلد مستمرا‌


بعض مشعرا بتمريضه ـ من البعد بمكان لا ينبغي احتماله (١) ، والظاهر أنه 7 كان عند تشرّف سعد بسؤاله عنه لابسا ثوبا من وبر الخزّ وبعد ما سأله سعد من حكم الجلود أجابه أولا بالإشارة إلى ما كان لابسا له وإخباره بأنهم يلبسونه ، وهذا (٢) هو معنى قوله 7 ( هو ذا نحن نلبس ) ، لا ما نقله في الجواهر عن ذلك البعض ، لكن لمّا خفي (٣) على الراوي أنه أراد أن يبيّن اتحاد حكم الجلد والوبر بذلك أظهر ذلك بقوله ( ذاك الوبر جعلت فداك ) مريدا بذلك أن اشتباهه في حكم الجلد لم يرتفع بمشاهدة لبسه 7 للوبر ، فأجابه ثانيا بالتلازم بين حلّية الجلد والوبر. ولا يخفى أن منشأ احتمال‌

__________________

فيشمل حال الصلاة لا محالة ، لكن السائل تخيّل أنّ ما يلبسونه هو الوبر فقال : ذاك الوبر ، فأجابه 7 على هذا الفرض والتخيّل بقوله 7 : إذا حلّ. الحديث.

(١) بل لم أعثر فيما راجعته من كتب اللغة على كلمة بالضبط المذكور فضلا عن تفسيرها بما ذكر.

(٢) يعني الإشارة إلى لباسه 7 والإخبار بأنهم : يلبسونه هو معنى هذه العبارة ، فالكلمة مركّبة من الضمير واسم الإشارة ، لا كما حكاه في الجواهر عن البعض.

(٣) بعبارة اخرى : إنه 7 أراد أن يبيّن بجوابه الأول أنّ حكم الوبر والجلد واحد فإذا جاز لبس الوبر ـ ولذا لم نزل نلبسه كما تشاهده ـ كذلك الجلد من غير فرق ، لكن خفي هذا على الراوي كما يفصح عنه قوله : ذاك الوبر ، يعني أن ما تلبسونه هو الوبر وإنما أسأل عن الجلد ، فأجابه 7 ثانيا بالتلازم بين حكميهما معبّرا عنه بالجملة الشرطية.


التفكيك بينهما إمّا أن يكون اعتبار التذكية في الجلد (١) وجهل الراوي بحصولها بموته خارج الماء ـ كما في الرواية السابقة ـ ، أو يكون هو احتمال اختصاص الرخصة في الخزّ بوبره وعدم شمولها لجلده ، وهذا هو المتعيّن في هذه الرواية ، إذ لا تنطبق الشرطيّة في الجواب إلاّ على ذلك ، كيف ومع الغضّ (٢) عن أنّ حصول تذكيته بموته خارج الماء ليس مدلولا عرفيا لحلّ جلده (٣) ، فليس بينه وبين حلّية الوبر (٤) علاقة مصحّحة لتعليقه عليها ، ومجرّد‌

__________________

(١) وعليه تسقط الصحيحة عن صلاحية الاستدلال ، إذ لا يستفاد من جوابه 7 حلية الجلد من حيث نفسه حذو حلّية الوبر ، بل حليّته من حيث التذكية وأن الخز بموته خارج الماء تحصل تذكيته فلا مانع من جلده من هذه الناحية.

(٢) تعليل لعدم انطباق الشرطية على الاحتمال الأول وهو كون احتمال التفكيك بين الجلد والوبر ناشئا من اعتبار التذكية في الجلد دون الوبر وجهل الراوي بكيفيتها ، وذكر 1 في تعليله وجهين هذا أوّلهما.

(٣) إذ لا دلالة لقولنا ( يحلّ جلد الخز ) إلاّ على حليته في نفسه وبما هو جلده ، ولا دلالة له على أنّ كلّ جلد الخز قد وقع عليه التذكية بموته خارج الماء وأنه لا مانع منه من هذه الناحية.

(٤) هذا ثاني الوجهين ، ومحصّله أنه لو سلّمت الدلالة العرفية للتالي على ذلك لم تكف في صدق الشرطية ، إذ لا علاقة مصحّحة للتعليق والتلازم ـ المعتبر في الشرطية اللزومية ـ ، فإن الاتفاقية ـ التي لا علاقة بين طرفيها بل مجرد اتفاق حصول التالي عند حصول المقدم ـ وإن عدّت في كتب المنطق قسيمة للزومية ، لكن بما أن القواعد المنطقية قواعد عقلية بحتة‌


__________________

مبتنية على التصويرات العقلية ولا يبحث فيها عن الظهورات العرفية فعدّ الاتفاقية فيها قسما من الشرطية لا يقتضي كونها متساوية الأقدام مع اللزومية في مرحلة الظهور الكلامي ليمتنع حمل الكلام على أيّ منهما ما لم تقم عليه قرينة معيّنة حذو الألفاظ المشتركة ، بل المتعيّن حمله على اللزومية ما لم تقم قرينة على الخلاف.

وبالجملة : لا ظهور للكلام في مطلق التقارن بين الطرفين بل في التقارن على وجه التلازم ، لوضوح دلالته عرفا على تعليق التالي على المقدم والملازمة بينهما لعلاقة موجبة لها من علّية أو تضايف ، بل في أجود التقريرات ( ١ : ٤١٦ ) عنه 1 : أن استعمال الشرطية في موارد الاتفاق غير صحيح في نفسه ولا بدّ في صحة الاستعمال في تلك الموارد من رعاية علاقة وإعمال عناية ، ضرورة أنه لا يصح تعليق كل شي‌ء على كل شي‌ء ، انتهى. وفي المقام لا علاقة بين حلية الوبر وحلية الجلد ـ على الاحتمال الأول المبحوث عنه ـ حتى ولو فرض تحقق تذكية الجلد خارجا ودلالة التالي عليه ، إذ لا ملازمة بين الحكمين مع وجود الفارق بين موضوعيهما من حيث اعتبار التذكية في حلية الجلد بخلاف الوبر ، ومن الواضح أن اعتبارها فيه لا يرتفع بمجرد فرض تحققها الخارجي ، فإنّ الحكم المشروط لا ينقلب مطلقا بتحقق شرطه ـ كما هو مقرّر في الأصول ـ ، هذا.

وهذه المناقشة غير واردة على الاحتمال الثاني الذي جعله 1 هو المتعين في الرواية ، إذ عليه تصح الشرطية لزومية لعدم استناد شبهة التفكيك إلى اعتبار التذكية في الجلد ليرد ما ذكر ، بل إلى تخيّل اختصاص‌


التقارن الاتفاقي بين المقدّم والتالي وإن عدّة المنطقيون قسما من الشرطيّة ، لكن الابتناء ما في كلماتهم من أمثال ذلك على الجواز أو الامتناع العقلي دون الظهورات العرفيّة فلا عبرة بما كان منها من هذا القبيل.

وكيف كان ، فعبارة السؤال (١) وإن لم تتضمن التصريح بكون المسؤول عنه هو الصلاة فيه ، بل كان صدر الجواب نصّا في جواز‌

__________________

الرخصة المستثناة في الخز بوبره دون جلده فأجاب 7 بأنه إذا ثبتت الرخصة في الوبر ثبتت في الجلد أيضا ، مريدا به أن المستثنى من عموم المنع هو الخز برمّته وبجميع أجزائه وهو السبب في حلية وبره وهذا السبب موجود بالنسبة إلى جلده أيضا ، وبعبارة أخرى : معنى الشرطية أنه إذا حلّ وبره فبعلّة حلّه برمّته ومقتضى هذه العلّة حلّ جلده أيضا ، وبذلك يتم التلازم بين الحلّيتين.

(١) لمّا كانت تمامية دلالة الصحيحة على المطلوب متوقفة على أمرين : أحدهما كون شبهة السائل في التفكيك بين الجلد والوبر مستندة إلى احتمال اختصاص الرخصة بالثاني ، وقد فرغ 1 من إثباته ، تعرّض هنا للثاني : وهو كون المسؤول عنه هو خصوص الصلاة في الجلد دون مطلق لبسه ، إذ لو كان هو مطلق اللبس لعارضت الصحيحة أدلة مانعية الصلاة في غير المأكول معارضة العامين من وجه بالنسبة إلى المقام ـ وهو الصلاة في جلد الخز ـ وبطل الاستدلال. ومنه يظهر النظر فيما ذكره في الحدائق ( ٧ : ٦٢ ) وغيره لتقريب الدلالة من أن ظاهر تعليق حلّ الجلد على حلّ الوبر الشامل بإطلاقه للصلاة هو حلّ الصلاة في الجلد أيضا ، فإن الدلالة لو كانت بالإطلاق لكانت مبتلاة بالمعارض ـ كما ذكرنا.


لبسه وموهما أنه هو المسؤول عنه أو يعمّه عمومه (١) ، لكن لمّا كان المعلّق على الحلّ في الوبر هو خصوص الصلاة فيه (٢) دون لبسه فصدق مقدّم الشرطية ينحصر بها ، ويكشف ذلك (٣) عن كونها هي المقصودة * بالسؤال ، ومعهوديّة ذلك أغنت عن التصريح بها ، ويكون قوله 7 : ( نحن نلبس ) أيضا جوابا عنه بما يستتبعه اللبس عادة من الصلاة فيه لا من حيث نفسه ، ويندفع (٤) توهّم كون النسبة بين هذه الصحيحة وأدلّة المانعية هي العموم من وجه بذلك. على أنه لو سلّم ذلك بدعوى شمول مقدّم الشرطية للبسه أيضا بضرب‌

__________________

(١) أي يعمّ عمومه اللبس المجرد والصلاة ، وغرضه 1 بيان أنه لا يستفاد من السؤال ولا من الجواب الأول كون المسؤول عنه هو الصلاة ، وإنما يستفاد ذلك من الشرطية في الجواب الأخير ـ كما ستلاحظ.

(٢) فإنّه حلية لبس الوبر ـ تكليفا ـ في غير حال الصلاة لا تستلزم حلية لبس الجلد كذلك فلا علقة بينهما مصحّحة للتعليق وإنما هي متحقّقة بين حلية الصلاة فيه والصلاة فيه ـ وضعا ـ ، لما تقدم آنفا من أنّ الخز برمّته قد استثني من عموم المنع من الصلاة فيما يحرم أكله فجازت الصلاة في كل من وبره وجلده ، وكونهما لازمين لجوازها فيه نفسه تحقّقت الملازمة بينهما وصحّ التعليق.

(٣) الغرض من هذه العبارة وما بعدها بيان قرينية التعليق المذكور على المراد من السؤال والجواب الأول ـ كما لا يكاد يخفى.

(٤) إذ النسبة ـ على هذا ـ هي العموم المطلق.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المقصود ) والصحيح ما أثبتناه.


من التوسّع في حلّ الوبر فمقتضى كونه متيقّن الشمول للصلاة فيه (١) هو امتناع أن يتخصّص بأدلة المانعية فيكون كالأخصّ المطلق منها ويخصّصها ـ لا محالة.

ومنه يظهر الوجه في صحة التمسّك بصحيح ابن الحجّاج (٢) أيضا قال : سأل أبا عبد الله 7 رجل ـ وأنا عنده ـ عن جلود الخزّ فقال : « ليس بها بأس » ، فإن الظاهر (٣) أن صدور الرخصة عنهم‌

__________________

(١) لأنه المحقّق للعلقة المصححة للشرطية ـ حسبما تقدم ـ ، فأصبح هو المقصود بالبيان أصالة والمتيقّن من الإطلاق ـ إن تمّ ـ ، وغيره ـ أعني حلية اللبس تكليفا في غير الصلاة ـ مقصود تبعا بتوسع في معنى الحلّ ، ومقتضى ذلك امتناع خروج هذا المورد المتيقن من الإطلاق بأدلة المانعية ، فيتعيّن العكس وهو خروجه من أدلة المانعية بهذا الدليل إلحاقا لهذا الدليل ـ وإن كان مطلقا ـ بالأخص المطلق بالنسبة إلى عموم المانعية ، وقد ذكر في الأصول أنه إذا لزم من إخراج مورد المعارضة عن أحد العامين من وجه بقاؤه بلا مورد أو اختصاصه بما يمتنع أو يستهجن اختصاصه به دون الآخر تعيّن إبقاؤه على عمومه وتخصيص الآخر.

(٢) هو أول أحاديث الباب العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل ، وقد رواه الكليني والصدوق رحمهما الله في العلل عن عبد الرحمن بسندين صحيحين ، وتمامه : ( فقال الرجل : ـ جعلت فداك ـ إنّها علاجي وإنما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبد الله 7 : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل : لا ، قال : ليس به بأس ).

(٣) حاول 1 بهذا البيان تقريب دعوى انصراف إطلاق السؤال في هذه‌


ـ صلوات الله عليهم ـ في الصلاة في وبر الخزّ والحثّ عليها (١) أوجب السؤال عن حكم الجلد بعد المفروغية عن جواز لبسه (٢) كسائر‌

__________________

الصحيحة إلى خصوص حال الصلاة ، إذ لو لم تتم لعارضها عموم أدلة المانعية ـ معارضة العامين من وجه ـ فلم تصلح للاستدلال ، لا سيّما بناء على تقديم العموم الوضعي على الإطلاق إذا تعارضا ، فإن مقتضاه الأخذ بعموم دليل المانعية ـ موثقة ابن بكير ـ وتقييد إطلاق الصحيحة بغير حال الصلاة.

(١) كما في صحيحة علي بن مهزيار قال : رأيت أبا جعفر الثاني 7 يصلّي الفريضة وغيرها في جبة خزّ طاروي وكساني جبة خزّ وذكر أنه لبسها على بدنه وصلّى فيها وأمرني بالصلاة فيها. ( الوسائل الباب ٨ من أبواب لباس المصلي الحديث ٢ ).

(٢) تكليفا ، ولو لا المفروغية عنه لتمّ الإطلاق ، هذا لكن إثبات ذلك من الصعوبة بمكان ، وعلى كل تقدير فمن المحتمل قويا كون السؤال ناشئا عن تخيّل كون الخزّ ميتة نجسة أو كونه من الكلاب النجسة العين ـ كما يشعر به قوله : وإنما هي كلاب تخرج من الماء ـ وعليه فمراده 7 بنفي البأس تذكية جلده وطهارته لا سيما مع تكراره 7 الجواب نفسه بعد قوله : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء ، وقول الرجل : لا ، الظاهر في كفاية موته خارج الماء في تذكيته ، وهو ما صرّح به في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة ، وهذه القرائن لو لم توجب ظهور الكلام في نفي البأس من حيث التذكية خاصة فلا أقل من إطلاقها الشامل للجهتين التذكية والحلية لبسا وصلاة أو صلاة فقط بدعوى المفروغية عن حلية اللبس.

هذا ، وممّا يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة في جلد الخزّ رواية معمّر ابن خلاّد ـ الموثقة بمعاوية بن حكيم ـ قال : سألت أبا الحسن الرضا 7


الجلود ما عدا نجس العين.

وأمّا ما عن الحميري (١) أنه كتب إلى الناحية المقدّسة ـ صلوات الله عليها ـ : روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع 7 ( يجوز ) ، وروي عنه أيضا أنه ( لا يجوز ) فأيّ الأمرين نعمل به؟ فأجاب « إنّما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأما الأوبار وحدها فكلّها حلال » وفي نسخة « فحلال كلّها ». وما في كتاب العلل (٢) لمحمّد بن علي بن‌

__________________

عن الصلاة في الخزّ ، فقال 7 « صلّ فيه » ( الوسائل الباب ٨ من لباس المصلي ـ الحديث ٥ ).

(١) رواه صاحب الوسائل عن الطبرسي ; في الاحتجاج مرسلا عن محمّد بن عبد الله الحميري ، ( الوسائل الباب ١٠ من لباس المصلي ـ الحديث ١٥ ).

(٢) نقله المجلسي ; في البحار ( ٨٣ : ٢٣٥ ) عن الكتاب المذكور من دون إسناده إلى معصوم ممّا ظاهره أنه مقالة مصنف الكتاب نفسه الذي هو أيضا غير معروف. فقد ذكر في البحار أولا أنه ابن علي بن إبراهيم القمي ( ١ : ٨ ) ثم عدل عنه واستظهر كونه ابن علي بن إبراهيم بن محمّد الهمداني وكيل الناحية ( ١ : ٢٨ ) ، وذكر صاحب الذريعة ; أن هذا هو المتعين وأنه لم يثبت لعلي بن إبراهيم القمي ولد يسمى محمّدا وإنما المذكور من أولاده إبراهيم وأحمد ( الذريعة ١٥ : ٣١٢ ).

أقول : ولو ثبت له ولد بهذا الاسم لم يكف في صحة انتساب الكتاب إليه ، ويبعّد كونه الهمداني أيضا أنه ترجم له النجاشي ( رقم ٩٢٨ ) وذكر أن له نوادر كبيرة ولم ينسب إليه كتاب العلل ، إذن فلم يعرف مصنف الكتاب ، والله العالم.


إبراهيم قال « والعلّة في أن لا يصلّى في الخزّ أنه من كلاب الماء وهي مسوخ إلاّ أن يصفّى وينقّى » ، فقد أشكل في الأول باضطراب متنه (١) ، وفي الثاني بعدم اجتماع شرائط الحجية فيه (٢) ، مضافا إلى أنه لم يسند إلى معصوم ، وكلاهما كذلك ، ولا يصلحان لمعارضة ما تقدّم. ولا ينبغي الإشكال في جوازها في جلد الخزّ أيضا كوبره ، بمعنى ثبوت الحلّ من حيث الصلاة فيه دون أكل لحمه ـ نحو ما مرّ في السنجاب (٣).

وإنما الإشكال في تعيّن هويّته ، فإن الذي يظهر من الأخبار‌

__________________

(١) فإنه إن كان المشار إليه بقوله ( في هذه الأوبار والجلود ) هو ما وقع في السؤال من الخزّ المغشوش بوبر الأرانب ـ في قبال الخالص الذي لا غشّ فيه المعبّر عنه بالأوبار وحدها ـ فلا وجه لعطف الجلود على الأوبار ، إذ الجلد لا يغش بالوبر ، وإن كان المراد الأوبار المنضمّة إلى الجلود والمتصلة بها في قبال الأوبار المغزولة وحدها فالتعبير لا يخلو عن غرابة ، إذ ـ مضافا إلى عدم الحاجة إلى لفظة الإشارة ـ لم يعهد إطلاق لفظ الوبر إلاّ على المنفصل المغزول دون التابع الملتصق بالجلد على هيئته الأصلية ، فلو كان المقصود بيان الفرق بين حكم الجلد والوبر فالمناسب أن يقال : ( إنما حرم في الجلود دون الأوبار ).

(٢) لإرساله ، مضافا إلى جهالة مرسله ـ كما مرت الإشارة إليه ـ ، أضف إلى ذلك عدم إسناده إلى المعصوم ـ كما في المتن.

(٣) المراد به ما مرّ فرضا لا اختيارا ، إذ يأتي منه 1 الإشكال في جواز الصلاة فيه ، فالمقصود تشبيه الخز به على القول بالجواز فيه ، لثبوت الحلّ فيه حينئذ من حيث الصلاة دون أكل اللحم.


وغيرها أنّه كان ذا وبر نفيس يعمل منه الثياب الثمينة (١) بألوان مختلفة ويصنع منه حتى العمامة والقميص والقلنسوة (٢) ، وكان يغشّ بوبر الأرانب لقربه منه في الخلقة ، ويظهر من التواريخ أنّه كان في صدر الإسلام إلى أواسط عصر العباسيين متداولا (٣)

__________________

(١) يستفاد ذلك من أخبار الباب العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل الدالة على أنّه كان يشترى المطرف أو الكساء بخمسين دينارا والجبّة به أو بخمسمائة درهم.

(٢) مضافا إلى الجبّة والمطرف والطيلسان والكساء والبرنس ، ويستفاد ذلك من أخبار البابين الثامن والعاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل ، وفي صحيحة زرارة : إنّ ابنا لأبي عبد الله 7 فطيما درج فمات ، فخرج أبو جعفر 7 وعليه جبة خزّ صفراء وعمامة خزّ صفراء ومطرف خزّ أصفر ـ الحديث ـ ( الوسائل الباب ١٥ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ ) ، وفي موثّقته قال : ثقل ابن لجعفر 7 وأبو جعفر 7 جالس. إلى أن قال :

ولبس ـ أي أبو جعفر 7 ـ جبة خز ومطرف خز وعمامة خز ـ الحديث ـ ( الوسائل الباب ٨٥ من أبواب الدفن ـ الحديث ٦ ) ، وفي مرسلة الحسين بن يزيد عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله 7 قال : إن علي بن الحسين 7 استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبة خز ومطرف خز وعمامة خز ـ الحديث ـ ( الوسائل الباب ٢٣ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١ ) ، وفي حديث دعبل : أن الرضا 7 خلع عليه قميصا من خزّ وقال له : احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة ( الوسائل الباب ٣٠ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧ ) ، هذا وفي جملة من الروايات أنّه أصيب الحسين 7 يوم عاشوراء وعليه جبة خز.

(٣) في مجمع البحرين : قيل وقد كانت في أول الإسلام إلى وسطه كثيرة جدا.


كالطرمة (١) في هذه الأعصار ، والظاهر أنّه لا عين ولا أثر لتلك الأثواب ولا لذلك الحيوان في الأعصار المتأخرة أصلا ، بل يظهر من العبارة المحكية عن الشهيد أنّه كان في تلك الأزمنة (٢) أيضا من النادر أو المعدوم.

وأمّا ما يسمّى بهذا الاسم في عصرنا فلا يخفى أن وبره قليل جدا ، والظاهر أنّه بمعزل عن تلك المكانة واللياقة ، فهو إما صنف ممّا كان يسمّى بهذا الاسم (٣) أو نوع آخر (٤) سمّي ـ بعد انقراض ذلك الحيوان ـ باسمه.

وقد يوجّه الاحتمال الأول بأصالة عدم النقل (٥) ، فإن رجع‌

__________________

(١) معرّب ( ترمه ) كلمة فارسية يوصف بها بعض الأقمشة الناعمة الثمينة وبعض أوراق القراطيس الصقيلة الشفافة ، وتتخذ من نوع من الوبر الناعم النفيس.

(٢) أي في زمان الشهيد 1 ، ولعل المراد بالعبارة المحكية عنه ما حكي عن حاشيته على القواعد من قوله : سمعت بعض مدمني السفر يقول إنّ الخز هو القندس ، قال : وهو قسمان ذو ألية وذو ذنب ـ إلخ ـ ( الجواهر ٨ : ٩٢ ) ، حيث يستشعر منها عزّة وجود الحيوان وندرته.

(٣) فيكون المسمّى بالخز نوعا واحدا ذا صنفين : أحدهما ما هو موجود في عصرنا من القليل الوبر ، والثاني ما كان موجودا في زمان صدور الروايات من الكثير الوبر والنفيسة ، وعليه فإطلاق اللفظ على الموجود في عصرنا استعمال له في معناه الأصلي من غير نقل.

(٤) وعليه فيكون لفظ الخز من قسم المنقول.

(٥) اختاره في الجواهر ( ٨ : ٩١ ) ونسبه إلى جزم أستاذه في كشف الغطاء ،


إلى التشبّث بالأصل العملي المصطلح عليه بالاستصحاب القهقرى (١) ففساد دعوى حجّيته من أصلها ، وكونه في المقام من أظهر أنواع المثبت (٢) ظاهر ، وكذا لو رجع إلى التشبث بها بما هي من الأصول اللفظية أيضا ، لأنّ ما يحرز بهذا الأصل (٣) إنما هو عدم‌

__________________

والموجود في الكشف قوله : والظاهر أن المدار على ما يتداول عليه إطلاق الاسم بين التجار. وخالف في ذلك المجلسي ; ، قال في البحار ( ٨٣ : ٢٢٠ ) : وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع.

(١) بأن يقال : إن مقتضى الاستصحاب المذكور أن المعنى المتيقن الفعلي للفظ يجرّ الى الزمان السابق المشكوك فيه ويبنى على أنّه كان هو معناه بعينه في ذلك الزمان فلا نقل.

(٢) فإنّه لو فرض قيام الدليل على حجيته أصلا عمليا فإجراؤه لإحراز المعنى السابق وترتيب الحكم الثابت لذلك المعنى على المعنى الفعلي من أظهر أنحاء الأصول المثبتة ، لتوقفه على توسط اتحاد المعنيين وكون الموضوع الفعلي للحكم هو الموضوع السابق وهذا لازم عقلي للمستصحب ـ كما هو ظاهر.

(٣) تعليل لعدم حجية الأصل اللفظي المذكور ، وتوضيحه أن مورد جريان أصالة عدم النقل اللفظية ينحصر فيما إذا علم المعنى الأصلي للفظ وشك في معناه الفعلي ناشئا من احتمال أن يكون قد طرأ عليه معنى غير معناه الأصلي فيكون منقولا منه إليه بوضع جديد ، فيبني بمقتضى هذا الأصل العقلائي على عدم طرو النقل وبقاء المعنى الأوّل وبموجبه يحمل اللفظ في استعمالاته عليه ، ولا يكاد يجري فيما إذا علم المعنى الفعلي للفظ بعينه وتردّد أمره بين كونه هو المعنى الأصلي له أو أنّه غيره وقد نقل‌


طروّ معنى آخر للفظ غير ما علم وضعه له * ، لا أنّ ما علم أنّه معنى اللفظ غير منقول عمّا علم أنّه أيضا كان معناه وهو مشترك بينهما بالاشتراك المعنوي أو اللفظي (١) ، وهل هو إلاّ نظير ما ينسب إلى المرتضى 1 من التمسك بأصالة الحقيقة في كلّ ما علم استعمال اللفظ فيه (٢).

نعم يستبعد جدا (٣) أن يسمّى نوع من الحيوان باسم نوع آخر بعد انقراضه ، فأحدس من ذلك صحة ما حكاه الشهيد في محكيّ‌

__________________

منه إليه بوضع آخر ، أو تردّد أمره بين كونه أحد المعنيين الأصليين واللفظ مشترك بينهما اشتراكا لفظيا أو كونه مندرجا تحت المعنى الأصلي الجامع على نحو الاشتراك المعنوي وبين كونه مباينا للمعنى الأصلي منقولا إليه بوضع جديد ، لعدم ثبوت بناء العقلاء على عدم النقل في هذه الموارد.

(١) كما هو المدعى في المقام ، حيث يراد إحراز أن الموجود في هذا العصر صنف مما كان يسمى بالخز أو أحد معنييه بأصالة عدم النقل.

(٢) وقد ذكر في محله أنّه لم يثبت بناء العقلاء ـ فيما إذا علم المعنى المستعمل فيه وشك في المعنى الحقيقي ـ على الأصل المذكور لتشخيص الوضع وأن المستعمل فيه هو المعنى الحقيقي ، وإنما الثابت جريانه لتشخيص المراد فيما علم المعنى الحقيقي وشك فيما استعمله فيه المتكلم وأراده ـ ولم ينصب قرينة على المجاز.

(٣) مقصوده 1 أن الاحتمال الأول المتقدم وإن لم يثبت بأصالة عدم النقل ـ كما عرفت وجهه ـ إلاّ أنه في نفسه أقرب إلى الحدس من الثاني ، فإنّ باب التسمية مفتوح وأمرها هيّن ولا داعي لأن يسمى نوع من الحيوان باسم نوع آخر مباين له بعد انقراضه ولا يسمى باسم يخصّه.

__________________

(*) كلمة ( له ) غير موجودة في الطبعة الاولى وضعناها لاقتضاء السياق.


حواشي القواعد عن بعض مدمني السفر أنه كان نوعين أحدهما ذو ألية والآخر ذو ذنب (١) ، فالنوعان حينئذ كالضأن والمعز بالنسبة إلى عنوان الغنم ـ مثلا ـ أو الشاة ، والنوع الأول هو المنقرض وهو الذي كان ذا وبر فاخر تعمل منه تلك الثياب ، والآخر هو الباقي والمتداول في هذه الأعصار ، ويرتفع توهّم التنافي بين الروايات أيضا بذلك ، ففي بعضها : إنه لا يعيش خارج الماء وإذا فقده مات ، وفي بعضها : إنّه سبع يرعى في البرّ ويأوي في الماء (٢) ، وفي الجواهر : (٣) إن المعروف بين التجّار أن المسمّى بالخز الآن دابة تعيش في البرّ ولا تموت بخروجها من * الماء (٤). لكن حيث لم يثبت ذلك بحجّة‌

__________________

(١) لكن فيه بعد ما ذكر ـ على ما في الجواهر ( ٨ : ٩٢ ) ـ هذه العبارة :

( فذو الألية الخزّ وذو الذنب الكلب ) ، وظاهرها اختصاص اسم الخز بذي الألية كاسم الضأن ، لا عمومه للنوعين ليكون كاسم الغنم والشاة.

(٢) فتحمل الطائفة الأولى على النوع الأول المنقرض ، والثانية على الثاني بقرينة العبارة الآتية من الجواهر ، هذا. وفي الوافي ( ٥ : ٤١٠ ) ـ وتبعه فيه صاحب الحدائق ( ٧ : ٦٧ و ٦٨ ) ـ وفّق بين الطائفتين بأن المراد بما دلّ على أنه يموت بخروجه من الماء أنه يموت إذا فارق الماء زمانا طويلا لا بمجرد خروجه منه كالسمك ، فلا ينافي ما دلّ على أنه يرعى في البرّ ، ونحوه صنع في الجواهر ( ٨ : ٩١ ).

(٣) ( الجواهر ٨ : ٩١ ) ، وأصل العبارة مأخوذة من بحار المجلسي ; ( ٨٣ : ٢٢٠ ).

(٤) وهذا هو النوع الثاني الباقي في هذه الأعصار.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بخروجه عن ) والصحيح ما أثبتناه.


معتبرة (١) فجواز الصلاة في جلود الخز المتداولة لا يخلو عن اشكال (٢).

وأمّا السنجاب فالظاهر أن المشهور بين القدماء عدم جوازها فيه ، لكن المعروف بين المتأخرين هو الجواز (٣) ، وتقدّم بعض ما يدلّ على ذلك (٤) ، وتدلّ عليه روايات أخر مستفيضة (٥) ، لكن قد انضمّ إليه في جميعها ما لم يعمل الأصحاب بالرخصة فيه وحملوها على التقيّة (٦).

فروى علي بن راشد (٧) في الصحيح عن أبي جعفر 7 قال :

__________________

(١) إذ لا يزيد ذلك كله على مجرد الحدس والظن الذي لا يغني من الحق شيئا.

(٢) لعدم ثبوت كون الموجود في هذه الأعصار قسما من الخز المستثنى من عموم المانعية ، والمرجع مع الشك هو العموم المذكور.

(٣) قال في مفتاح الكرامة ( ٢ : ١٣٧ ) : والشهرة المنقولة على الجواز معارضة بمثلها بل نكاد نقطع بأن المنع مشهور بين المتقدمين كما أن الجواز مشهور بين المتأخرين ، انتهى موضع الحاجة.

(٤) أي على الجواز ، والمراد به رواية علي بن أبي حمزة المروية في الباب ٣ من أبواب لباس المصلي من الوسائل ـ الحديث ٣ ، ورواية مقاتل ابن مقاتل المروية في نفس الباب ـ الحديث ٢ ، والمشتملتان على التعليل بأنه ـ أي السنجاب ـ دابة لا تأكل اللحم ، ويأتي أن هاتين الروايتين سليمتان عما يرد على غيرهما من روايات السنجاب المرخصة من اشتمالها على ما علم كون الرخصة فيه للتقية.

(٥) غير الروايتين المشار إليهما آنفا.

(٦) لذهاب العامة إلى جواز الصلاة في أجزاء غير المأكول مطلقا وأنه لا مانعية من هذه الناحية.

(٧) كذا في نسخة الكتاب المطبوعة ، والجواهر ( ٨ : ٩٧ ) ، وفي المنتقى‌


« صلّ في الفنك والسنجاب ، فأمّا السّمور فلا تصلّ فيه » قلت : في الثعالب تصلّى فيها؟ قال : « لا ولكن تلبس بعد الصلاة » ، وروى الحلبي (١) عن أبي عبد الله 7 قال : سألته عن الفراء والسّمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، فقال : « لا بأس بالصلاة فيه » ، وروى علي بن جعفر (٢) ـ كما عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى 7

__________________

( ١ : ٤٥٨ ) نقل عن المعتبر والمنتهى والذكرى والروض أنهم أوردوا الخبر كذلك ـ أي عن علي بن راشد ـ وتعجّب هو منه نظرا إلى اتفاق نسخ التهذيب والاستبصار التي رآها ـ ومنها ما عليه خط الشيخ ; ـ على إسناد الرواية إلى أبي علي بن راشد المسمى بالحسن ، هذا ونظيره اتفاق الطبعات الحديثة من الكافي والتهذيبين والوسائل على ذلك ، وعليه فالصحيح هو ما ذكر وباعتباره توصف الرواية بالصحة ، إذ على تقدير كونه علي بن راشد لا يستقيم وصفها بها ـ كما جاء هنا في المتن وفي كلام الشهيدين ـ لجهالته وعدم ذكره في كتب الرجال. والمراد بأبي جعفر هو الجواد 7 ، وقد أورد في الوسائل صدر الرواية في الباب ٣ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥ ، وذيلها في الباب ٧ منها ـ الحديث ٤.

(١) وهي أيضا صحيحة كسابقتها ، والظاهر أن العباس في السند هو ابن معروف ـ الثقة ـ ، ويحتمل ـ كما يظهر بالمراجعة ـ أن يكون هو الورّاق وهو أيضا موثّق ، والرواية أوردها في الوسائل في الباب ٤ من الأبواب المذكورة ـ الحديث ٢.

(٢) رواه الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر ، راجع الباب المتقدم من الوسائل ـ الحديث ٦ ، ونص الحديث ( قال : سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك فقال : لا يلبس ولا‌


الرخصة في السمّور والسنجاب والفنك إذا كان ذكيّا ، وروى الوليد ابن أبان (١) عن الرضا 7 الرخصة في الفنك والسنجاب ، وروى يحيى بن عمران (٢) عن أبي جعفر الثاني 7 الرخصة في السنجاب‌

__________________

يصلى فيه إلاّ أن يكون ذكيا ) ، وفي السند عبد الله بن الحسن الذي لم تثبت وثاقته ، لكنّه رواه علي بن جعفر 7 في كتاب مسائله عاطفا القاقم على المذكورات ( كما في المستدرك الباب ٣ من لباس المصلي ـ الحديث ٢ ) وإن كان في نسخة البحار ( لا بأس ) بدل ( لا يلبس ) ( ١٠ : ٢٦٩ ) ، وعليه فتصبح الرواية معتبرة بناء على اعتبار كتاب علي بن جعفر 7 المدرج في الوسائل والبحار ، وقد يناقش في ذلك بأنه لا يكفي صحة طريق صاحبي البحار والوسائل إلى الكتاب إجازة ولا يثبت بمجردها صحة النسخة التي وصلت إليهما منه ـ ما دام لم يكن تحمّل روايتهما له على نحو المناولة كما هو الظاهر فضلا عن السماع أو القراءة ـ ، والكتاب لم يكن من الكتب المشهورة المعروفة المتداولة بين الناس والتي تتناولها الأيدي نسخا وقراءة وعملا كي يكون اشتهاره كاشتهار الكتب الأربعة ونحوها في استغنائه عن تصحيح النسخة وانتسابها إلى صاحبها ، ومجرد اعتماد صاحب الوسائل مثلا على النسخة التي كانت بيده ونقل عنها في وسائله لا يجدي في صحتها عندنا ، هذا وللبحث مقام آخر.

(١) قال قلت للرضا 7 : أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال : نعم ، فقلت : يصلى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال : لا تصلّ فيها ( الوسائل الباب ٣ ـ الحديث ٧ ، والباب ٧ ـ الحديث ٧ ) والوليد هذا مجهول.

(٢) والصحيح ( بن أبي عمران ) ـ كما في الفقيه والوسائل ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني 7 في السنجاب والفنك والخز ، وقلت : جعلت فداك‌


والفنك والخزّ ، وروى بشر بن بشّار (١) الرخصة في السنجاب‌

__________________

أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك ، فكتب بخطّه إلي : صلّ فيها ( الوسائل الباب ٣ ـ الحديث ٦ ) ، وفي طريق الصدوق إلى يحيى محمّد بن علي ماجيلويه الذي لم يوثّق صريحا ، ويحيى نفسه أيضا كذلك.

(١) كما في الجواهر ( ٨ : ٩٧ ) أو يسار ـ كما في الوافي والحدائق ( ٧ : ٦٩ )ـ ، أو بشير بن بشار ـ كما في التهذيب ( ٢ : ٢١٠ ) والوسائل ـ ، أو يسار ـ كما في الاستبصار ( ١ : ٣٨٤ )ـ ، وأيا كان اسمه فهو مجهول ، والراوي عنه داود الصرمي غير موثق ، ومتن الحديث : سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلي فيه لغير تقية؟ قال فقال : « صلّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصلّ في الثعالب ولا السمور » ( الوسائل الباب ٣ ـ الحديث ٤ ) ، هذا.

ويلحق بما ذكر من الروايات صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن 7 عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال : « لا بأس بذلك » ـ الشاملة للسنجاب بقوله : « وجميع الجلود » ـ ، وصحيحة الريان بن الصلت قال : سألت أبا الحسن الرضا 7 عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها. الى أن قال : فقال : « لا بأس بهذا كلّه إلاّ بالثعالب » ( الوسائل الباب ٥ ـ الحديث ١ و ٢ ) ، فإنهما وإن لم يصرّح فيهما بالصلاة سؤالا وجوابا إلاّ أن الظاهر منهما ذلك بقرينة مفروغية جواز لبس الجميع تكليفا ، ويأتي منه 1 نظير هذا الاستظهار من رواية مكارم الأخلاق ، فانتظر.

والظاهر أن المراد بالفراء في الصحيحتين وفي صحيحة الحلبي ورواية‌


والحواصل الخوارزمية والمنع عن الثعالب والسمور.

وهذه الروايات وإن اشتملت الاولى منها والأخيرة على المنع عن الثعالب والسمور وهو ينافي التقيّة ، لكن لمّا كانت الرخصة في جميعها شاملة لما لم يعمل الأصحاب بالرخصة فيه وتبيّن أنها للتقيّة (١) ولم يكن المنع عن الثعالب والسمور في الروايتين منافيا لذلك (٢) لكونه من الجمع بين التقية وعدمها كي لا تعرف الشيعة بأعيانهم (٣) ، فلا يبقى لها ظهور في كونها مسوقة لبيان الحكم النفس‌

__________________

بشر المتقدمتين هو حمار الوحش بقرينة عطف السمور والسنجاب ونحوهما عليه ، وهو مهموز اللام على وزن فعل وفعال كجبل وسحاب وجمعه فراء كجبال ، ومنه المثل المعروف ( كلّ الصيد في جوف الفرأ ) ، إذن فهو غير الفراء المعروف جمع فروة المعتلة اللام ، فلا تشتبه ، وعليه فهو من محلل الأكل ويجوز الصلاة فيه مطلقا.

(١) فالرخصة في صحيحة ابن راشد شاملة للفنك ، ونحوها روايتا الوليد ويحيى ، وفي صحيحة الحلبي للسمور والثعالب وأشباهها ـ كالأرانب مثلا ـ ، وفي رواية عليّ بن جعفر للسمور والفنك ، وفي رواية بشر للحواصل الخوارزمية ، ولم يقل الأصحاب ـ إلاّ من شذ ـ بالرخصة في هذه الأمور وحملوها على التقية.

(٢) أي لكون الرخصة في بعضها الآخر للتقية وهي الفنك في الرواية الاولى والحواصل في الأخيرة ، وهذا دفع لما قد يسبق إلى الذهن من المنافاة بين الأمرين.

(٣) فإنهم إذا اجتمعوا على أمر واحد عرفوا فأخذ برقابهم فكان اختلافهم فيما بينهم خيرا لهم وأبقى ـ كما دلّت عليه جملة من الأخبار أوردها صاحب الحدائق ; في المقدمة الاولى من مقدمات كتابه ( الحدائق ١ : ٥ إلى ٧ ) ، وقد سئل الصادق 7 في بعضها عن اختلاف أصحابه فأجاب 7 بأنه أمرهم بهذا.


الأمري بالنسبة إلى السنجاب ، كيف وليست هي (١) إلاّ جملة واحدة وليس لها إلاّ ظهور واحد في الجميع ، ولا سبيل إلى دعوى كونه هو‌

__________________

(١) غرضه 1 إبطال دعوى التفكيك بين ما علم كون الرخصة فيه تقية كالسمور والفنك وبين غيره كالسنجاب ليؤخذ في الثاني بأصالة جهة الصدور وظهور سوق الكلام لبيان الحكم الواقعي ، وجه البطلان أنه إذا كان الصادر جملة واحدة فهي لا تخلو إما أن تكون برمّتها صادرة لبيان الحكم الواقعي بأن لم يكن المقام مقام تقية أو لا تكون كذلك والمقام مقام التقية ، ولا ثالث لهما ، إذ لا يعقل التبعيض وإن كان في مثل ( صلّ في الفنك والسنجاب ).

فإن قلت : لو فرض أن الحكم الواقعي في السنجاب هو الرخصة وفي الفنك هو عدمها وكان المقام مقام التقية فلا محيص عن الفتوى بالرخصة فيهما ، أما في الثاني فلكونها مقتضى التقية ، وأما في الأول فلعدم منافاتها للتقية ، إذن فكون المقام مقام التقية لا يقتضي كون جميع ما اشتملت عليه الجملة الواحدة صادرة تقية ومخالفة للحكم النفس الأمري.

قلت : نعم لكن غايته عدم اقتضاء المخالفة والمطلوب إحراز عدمها ، ولا سبيل إلى إحرازه إلاّ بأصالة الجهة والمفروض أنها انهدم أساسها وتفوّضت أركانها باشتمال الكلام على ما علم كونه تقية ، هذا.

لكن قد يقال : إنه 1 قد التزم في تعارض العامين من وجه بجواز الترجيح بمخالفة العامة وطرح الموافق لهم بالنسبة إلى مورد الاجتماع ، لا مطلقا لعدم المعارضة بينهما في مادة افتراقه ، ومقتضاه التفكيك في العموم بحسب مدلوله فيؤخذ ببعض مدلوله على أنه الحكم الواقعي ويترك البعض الآخر ويحمل على التقية ، وإذا جاز التبعيض بالنسبة إلى مدلول العام جاز في مثل ( صلّ في الفنك والسنجاب ) بطريق أولى ، فتبصّر.


الحكم النفس الأمري بعد اليقين بخلافه (١) ، ولا إلى إجراء وجه الصدور مجرى الإطلاق مثلا أو العموم (٢) في لزوم الأخذ بالباقي بعد التخصيص ، مضافا إلى كونه في المقام من قبيل التخصيص بالأكثر (٣) ـ كما لا يخفى.

وينحصر (٤) ما يسلم عن هذا المحذور (٥) بما تقدّم من رواية ابن أبي حمزة ورواية مقاتل ، ويمكن الاستدلال له أيضا بما عن مكارم الأخلاق (٦) قال : سئل الرضا 7 عن جلود الثعالب‌

__________________

(١) أي بخلاف الحكم النفس الأمري ، وذلك بالنسبة إلى ما علم كون الرخصة فيه للتقية.

(٢) بأن يقال : كما أن أصالة العموم أو الإطلاق يؤخذ بها بالنسبة إلى الباقي بعد التخصيص ، كذلك أصالة الجهة يرجع إليها في غير ما علم خروجه منها. وجه الفساد ما عرفت من أن الأصل المزبور غير قابل للتبعّض والانحلال ، بخلاف الأصول اللفظية ، فالقياس مع الفارق.

(٣) فيما إذا كان ما علم خروجه من أصالة الجهة أكثر مما بقي تحتها ـ كما في صحيحة الحلبي ورواية علي بن جعفر 7 ـ ، فلاحظ.

(٤) لمّا فرغ 1 من النقاش في نصوص السنجاب التي انضمّ إليه فيها غيره وأسقطها عن درجة الاعتبار تطرّق 1 لمعالجة نصوصه الخاصة السالمة عن تلك المناقشة ـ مع الغض عن مناقشتها السندية أو البناء على صحتها من هذه الناحية ـ بإيرادها أولا ثم إيراد ما يعارضها من نصوص المنع ثم العلاج ، فانتبه.

(٥) وهو شمول الرخصة لما علم كونها فيه للتقية.

(٦) رواه عنه في الوسائل في الباب ٤ ـ الحديث ٥ ، والرواية مرسلة.


والسنجاب والسمّور ، فقال : « قد رأيت السنجاب على أبي ونهاني عن الثعالب والسمّور » ، بناء على ظهور السؤال وكذلك النهي أيضا في كونه عن الصلاة فيها بعد المفروغيّة عن جواز لبس الجميع.

وكيف كان ، فينحصر النص بعدم جوازها فيه ـ فيما وصل إلينا ـ بما عن الفقه الرضوي (١) قال : « ولا تجوز الصلاة في سنجاب ولا سمّور » ، وقد عدّ عموم الموثّقة أيضا ـ باعتبار وروده جوابا عن سؤال زرارة عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ـ نصّا في الثلاثة ، ومعارضا للرخصة فيها ـ بناء على ما هو المتسالم عليه من نصوصيّة العام في مورده وكونه معارضا لما يخصّصه بما عداه (٢).

__________________

(١) أورده في المستدرك في الباب ٤ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ ، لكن الكتاب المذكور وإن تشرّف بالانتساب إليه 7 لا يصلح للتعويل على ما يتضمّنه ، وسيأتي منه 1 تفصيل الحال فيه في مقام آخر ، هذا. وما أفاده 1 من انحصار النص بعدم الجواز في السنجاب بذلك ناش من غضّ الطرف عن رواية أبي حمزة ـ وقد تقدمت الإشارة إليها في كلامه 1 سابقا ـ قال : سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين 8 عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما ، فقال أبو خالد : إن السنجاب يأوي الأشجار ، فقال : « إن كان له سبلة كسبلة السنّور والفأر فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه ـ الحديث ـ » لكن سندها ضعيف ، فليراجع الباب ٤١ من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

(٢) يعني معارضا للدليل الذي يخرج منه المورد فيعامل معهما معاملة المتعارضين ، لا معاملة العام ومخصّصة ، لكن يظهر من بعضهم عدم‌


والظاهر أنّ الشهرة القدمائية في المنع عن الصلاة في السنجاب مبنيّة على ذلك (١) ، فإنّ الفنك أيضا (٢) قد استفاضت الرخصة فيه ـ كما‌

__________________

تسليم هذه القاعدة بالنسبة إلى أمثال المقام وأن الموثقة لا نصوصية لعمومها في الثلاثة ، ففي المدارك ( ٣ : ١٧١ ) نقل عن المعتبر تخصيصه عموم الموثّقة بخبر ابن راشد ، ولم يرتضه هو بل اختار النصوصيّة والتعارض ، واختار صاحب مفتاح الكرامة ـ على ما في هامشه ـ ( الصلاة ١٣٦ ) التخصيص ، وكذلك صاحب الجواهر ( ٨ : ١٠٠ ) ، فلاحظ.

(١) أي على المبنى المذكور من نصوصية العام في المورد ، فيقع التعارض بينه وبين ما دل على الرخصة في خصوص السنجاب كروايتي ابن أبي حمزة ومقاتل ، ويرجّح الأول عليه لكونه أقوى سندا أو لتقديم ما خالف العامة على ما وافقهم.

(٢) بيان لوجه الاستظهار المذكور ، محصّله أنه في الفنك لم يرد نصّ خاصّ بالمنع ـ كما ورد في السنجاب ـ فانحصر دليل المنع فيه بعموم الموثقة ، أما نصوص الرخصة فيه فمستفيضة ـ كما سمعت ـ ومع ذلك لم يعملوا بها وبنوا على المنع فيه ، وهذا يكشف عن بنائهم على نصوصية عموم الموثقة بالنسبة إلى موارده الثلاثة ومعارضته لنصوص الرخصة ، إذ لو لا ذلك لخصّصوا العموم بتلك النصوص.

فإن قيل : لعل الوجه في ذلك أنّ نصوص الرخصة جميعها قد ذكر فيها ما علم صدوره تقية فسقطت أصالة الجهة فيها بالنسبة إلى الفنك أيضا بالتقريب المتقدم ، وأصبح العموم هو المرجع مطلقا وإن لم نقل بنصوصيته في المورد.

قلنا : هذا لا يتم فيما انضمّ إليه فيه السنجاب فقط كصحيحة ابن راشد ، إذ المفروض أن السنجاب لم يثبت كون الرخصة فيه للتقية ، هذا.


عرفت ـ ، ومع خلوّ النصوص الخاصّة عمّا يعارضها (١) لم يعملوا بتلك الرخصة ، لما في ذلك العموم من النصوصية بالنسبة إلى موارده الثلاثة ، خصوصا مع عدم اكتفاء الإمام 7 (٢) على ما كان بإملاء رسول الله 6 وتفريعه الشرطية في كلا طرفي الجواز والعدم على تلك الكلّية. ولا يخفى أنّ جوازها في السنجاب وإن ذهب إليه أساطين المتأخّرين (٣) ، ولم يكن‌

__________________

لكن يبقى في المقام قوة احتمال أنهم ـ قدّس الله أسرارهم ـ عرفوا بالقرائن كون جميع النصوص المرخّصة الواردة في هذا الباب صادرة تقية وساقطة حجية ، فأخذوا بالعموم لانتفاء المخصص لا لنصوصيته في مورده.

(١) قد يقال : إن ما رواه في مستطرفات السرائر ( السرائر ٣ : ٥٨٣ ) نقلا من كتاب مسائل الرجال لمحمّد بن علي بن عيسى يدل على عدم جواز الصلاة في الفنك لغير تقية ، لقوله 7 أولا : « لا أحب الصلاة في شي‌ء منه » ـ أي من الوبر ـ ، ثم قوله 7 جوابا عن السؤال عمّا يصنعه حال الضرورة والتقية : « تلبس الفنك والسمور » ( الوسائل الباب ٤ من لباس المصلي ـ الحديث ٣ ) ، ولا يبعد أن يكون صاحب الكتاب محمّد بن علي بن عيسى القميّ الممدوح أو الموثق ، كما قد يحاول إخراج روايات المستطرفات عن الإرسال من جهة اتصال طريق ابن إدريس إلى كتب الشيخ 1 ـ بما فيها الفهرست وغيره ـ ثم طريق الشيخ إلى تلك الروايات ، لكنّ طريقه 1 في الفهرست إلى كتاب القمي المذكور ضعيف ، على أن السند أيضا لا يخلو عن ضعف ، فليراجع.

(٢) فإنّه 7 لم يكتف بإراءة زرارة إملاءه 6 حتى فرّع عليه بقوله : فإن كان. الحديث ، تأكيدا للكليّة المملاة.

(٣) كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني ونظائرهم ، بل عن المنظومة إرسال الإجماع عليه.


الدليل عليه منحصرا بما تقدّم قصوره عن الدلالة على الرخصة النفس الأمريّة ـ كما في الفنك (١) ـ إلاّ أنّ عدم عمل القدماء بذلك الدليل (٢) يورث فيه وهنا لا ينجبر بعمل المتأخّرين في المقام (٣) ونظائره مما‌

__________________

(١) ظاهره أنه مثال للمنفي وأن الدليل فيه منحصر بما هو قاصر جهة ، نظرا إلى أنه لا دليل على الرخصة فيه وحده ـ كما هو موجود في السنجاب ـ ، ويمكن مناقشته بما ذكر آنفا من أن صحيحة ابن راشد المتقدمة اقتصرت في الترخيص على السنجاب والفنك ، ولم يثبت كون الترخيص في شي‌ء منهما للتقية ـ لا سيّما مع التصريح فيها بالنهي عن الصلاة في السمور والثعالب ـ ، وعليه فلم ينثلم أصالة الجهة فيها وكان وزانها وزان نصوص السنجاب الخاصة ، ونحوها ما رواه في الكافي فإنه بعد إيراده رواية سفيان بن السمط قال : قال وقرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم إلى أبي الحسن 7 يسأله عن الفنك يصلى فيه؟ فكتب : لا بأس به ، ـ الحديث ـ ( الكافي ٣ : ٤٠١ ، والوسائل الباب ٤ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ ) ، والظاهر أنّ قائل ( وقرأت. ) هو علي بن إبراهيم المصدّر به رواية ابن السمط ، هذا. لكنّ ما سيذكره 1 في السنجاب من إعراض قدماء الأصحاب جار في الفنك بلا ارتياب ، بل الإعراض فيه أتمّ وأعمّ.

(٢) يعني به النصوص الخاصة الواردة في السنجاب غير القاصرة جهة كروايات ابن أبي حمزة ومقاتل ومكارم الأخلاق المتقدمة.

(٣) الظرف إما متعلق بـ ( لا ينجبر ) ، ومقتضاه أنه إذا رجع الوهن إلى جهة الدلالة انجبر بعمل المتأخرين ، أو متعلق بـ ( وهن ) ، يعني أنّ إعراض القدماء عنه يورث فيه وهنا فيما لا يرجع إلى الدلالة بل إلى السند أو إلى جهة الصدور ، وهذا وهن لا ينجبر بعمل المتأخرين. والثاني هو المتعين ، فإنه 1 لا‌


لا يرجع إلى جهة الدلالة ، فالإنصاف أن المسألة في غاية الإشكال.

وأمّا سائر ما وردت الرخصة فيه كالأرانب والثعالب والسمّور والحواصل الخوارزميّة وغيرها (١) فقد ورد المنع أيضا عن جميعها حتى في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب (٢) ، وعليه بنى‌

__________________

يرى انجبار السند بعمل المتأخرين فكيف بالدلالة ، هذا ومقتضى هذا الكلام أنه 1 يخصّ موهنيّة إعراض القدماء بالسند دون الدلالة ، وظاهر تقريرات درسه 1 أنه كان يختاره سابقا ثم رجع عنه ( راجع أجود التقريرات ٢ : ١٦١ ).

(١) كالفنك والقاقم ، وقد سمعت بعض الروايات المرخّصة للفنك والسمور والثعالب وأشباهه والحواصل ، أضف إليها صحيحة جميل المرخّصة للثعالب ( الباب ٧ من لباس المصلي من الوسائل ـ الحديث ٩ ) ، ونحوها رواية الحسن بن شهاب ( نفس الباب ـ الحديث ١٠ ) ، ورواية عبد الرحمن بن الحجاج المرخصة لها وللخوارزمية ـ على نسخة الاستبصار ـ أو الجرز ـ على نسخة التهذيب ـ ( نفس الباب ـ الحديث ١١ ) ، وصحيحة محمّد بن عبد الجبار المرخصة للتكّة من وبر الأرانب ( الباب ١٤ ـ الحديث ٤ ) ، ورواية بشير بن بشار المرخصة للخز المغشوش بوبر الأرانب ونحوها رواية داود الصرمي ( الباب ٩ ـ الحديث ٢ ).

(٢) فصحيحة سعد بن سعد الأشعري منعت عن السمور ( الباب ٤ ـ الحديث ١ ) ، وصحيحة ابن راشد المتقدمة منعت عن السمور والثعالب ونحوها روايات مقاتل وبشر بن بشار ومكارم الأخلاق المتقدمة والتوقيع المروي عن أحمد بن أبي روح الآتية ، وصحيحة علي بن مهزيار منعت عن الأرانب ( الباب ٧ ـ الحديث ٣ ) ونحوها رواية أحمد بن إسحاق الأبهري ( نفس الباب ـ الحديث ٥ ) ، وصحيحة محمّد بن مسلم منعت‌


العصابة (١) ، ولم يلتفتوا إلى الرخصة في شي‌ء منها حيث عرفوا أنّها‌

__________________

عن الثعالب ( الباب ٧ الحديث ١ ) ونحوها رواية الوليد المتقدمة ورواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد ومرسلة علي بن مهزيار ( نفس الباب ـ الحديث ٦ و ٨ ) ، ورواية علي بن جعفر في كتابه منعت عن الثعالب والسنانير ( المستدرك الباب ٧ من لباس المصلي ـ الحديث ٤ ) ، ومرفوعتا أيوب بن نوح وأحمد بن محمّد منعتا عن الخز المغشوش بوبر الأرانب وما يشبهها ( الباب ٩ ـ الحديث ١ ) ، وعن الفقه الرضوي : « وصلّ في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب » ( المستدرك الباب ٩ ـ الحديث ١ ) ، هذا. وقد عرفت أن عموم موثقة ابن بكير المانعة نص بالنسبة إلى الثعالب والفنك والسنجاب.

(١) فبالنسبة إلى الأرانب والثعالب حكي عن جماعة دعوى الإجماع على المنع ، وعن اخرى أنّه المشهور ، وعن ثالثة أنّه لم يعمل أحد برواية الجواز أو أنها متروكة ، وفي السمور والفنك حكي عن بعض الإجماع على المنع ، وعن آخر أنّه الأشهر ، وعن ثالث أن رواية الجواز متروكة ، لكن في مفتاح الكرامة : أنه يظهر من أمالي الصدوق أن من دين الإمامية الرخصة في جميع ذلك وأن الأولى الترك ، انتهى ، والمراد بجميع ذلك السنجاب والفنك والسمور والخز ، نعم في الحواصل حكي عن بعض الكتب الجواز وعن المبسوط عدم الخلاف فيه ، لكن عن الشهيد 1 أن رواية الجواز متروكة ، وفي الحدائق أن ظاهر الأكثر المنع حيث لم يتعرضوا له ، وفي الجواهر استغرب دعوى المبسوط عدم الخلاف في الجواز ، لكن قد يقال ـ بناء على أن الحواصل طيور كبار لها حواصل عظيمة ـ إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على حلّية ما له حوصلة كونها من مأكول اللحم فلا إشكال حينئذ في الجواز ، فلا حظ.


إنما أعطيت من جراب النورة (١).

__________________

(١) عبارة اشتهر التعبير بها بين الرواة كناية عن صدور الحكم من المعصوم 7 تقية ، وبمعناها قولهم : أعطاك من عين كدرة ، ويقابلهما قولهم : أعطاك من عين صافية ، ففي رواية سلمة بن محرز قال قلت لأبي عبد الله 7 : رجل مات وله عندي مال وله ابنة وله موالي ، قال فقال لي : « اذهب فأعط البنت النصف وأمسك عن الباقي » فلمّا جئت أخبرت أصحابنا بذلك فقالوا : أعطاك من جراب النورة ، فرجعت إليه فقلت : إن أصحابنا قالوا لي أعطاك من جراب النورة ، قال فقال : « ما أعطيتك من جراب النورة علم بها أحد؟ » قلت لا ، قال « فأعط البنت الباقي » ( الوسائل الباب ١ من ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٦ ) ، وفي رواية أبي أيوب قال حدثني سلمة بن محرز. إلى أن قال : فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما قال لي قال فقالوا : اتّقاك وأعطاك من عين كدرة. الحديث ، ( كتاب الحج من الوسائل الباب ١٠ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ٩٥ ، هذا. ويشهد على معروفية التقية بين الرواية في المسألة المبحوث عنها في المقام قول السائل في صحيحة علي بن مهزيار : فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية فكتب 7 : « لا تجوز الصلاة فيها » ( الباب ٧ من أبواب لباس المصلي من الوسائل ـ الحديث ٣ ) ، وفي رواية بشر بن بشار المتقدمة : أصلي فيه لغير تقية ، فنهاه 7 عن الصلاة في الثعالب والسمور ، وفي رواية يحيى بن أبي عمران المتقدمة قال : أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك ، وفي رواية محمّد بن علي ابن عيسى ـ المتقدمة إليها الإشارة ـ قال : إنا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره وليس‌


نعم قيّدها بعضهم (١) بحال الضرورة بالنسبة إلى بعضها ، كما في التوقيع المبارك المروي عن أحمد بن روح (٢) عن مولانا الحجّة‌

__________________

يمكن للناس ما يمكن للأئمة فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟

قال : فرجع الجواب إليّ : « تلبس الفنك والسمور » ويرشد إلى ذلك أيضا ما في موثقة ابن بكير من إسناد الحكم إلى رسول الله 6 وإخراج كتاب بإملائه 6 والتأكيد بأنه لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلّيها في غيره ، وأن هذا عن رسول الله 6 ، وأمره 7 زرارة بحفظه ، ثم التفريع والتكرار وأن الصلاة في محرّم الأكل فاسدة ذكّاه الذبح أم لم يذكّه ، كلّ ذلك ردا على ما عليه العامة من صحة الصلاة فيه إن كان مذكى ، هذا. وفي التعبير في صحيحة محمّد بن مسلم بـ ( ما أحبّ أن أصلي فيها ) ( الباب ٧ ـ الحديث ١ ) ، وبمثله في رواية محمّد بن علي بن عيسى المتقدّمة إيماء إلى التقية.

(١) في الجواهر نسب القول بالجواز في وبر الفنك والسمور اضطرارا إلى نهاية الشيخ 1 وفي جلدهما كذلك إلى الوسيلة.

(٢) أورده الراوندي في الخرائج ( البحار ٨٣ : ١٢٢٧ ، والمستدرك الباب ٣ من لباس المصلي ـ الحديث ١ ) قال فيه : عن أحمد بن أبي روح قال : خرجت إلى بغداد. إلى أن قال : فجئت إلى أبي جعفر ـ وهو العمري ـ فأوصلته إليه فأخرج إليّ رقعة فإذا فيها « بسم الله الرحمن الرحيم. وسألت ما يحلّ أن يصلى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل ، فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ، ويحلّ لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره ، وإن لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه. التوقيع » فإنها تدلّ على جواز الصلاة في الحواصل مع الاضطرار إليه وعدم وجدان غيره. لكن السند ضعيف بالإرسال.


ـ أرواحنا فداه ـ ، ولكونه (١) عبارة أخرى عن إطلاق المنع ـ إذ كلّما حرّمه الله تعالى (٢) فقد أحلّه حال الضرورة (٣) ـ فلا بأس بالالتزام به كذلك (٤) حتى فيما لم يرد الترخيص فيه ، ولا سبيل إلى احتمال الرخصة المطلقة (٥) في شي‌ء من ذلك (٦).

الثانية (٧) : ما يحرم أكله من الحيوان إمّا أن يكون حراما أصليّا أو عارضيّا ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يكون ذا نفس سائلة ، أو يكون ممّا لا نفس له.

__________________

(١) أي تقييد الجواز بالضرورة.

(٢) اقتباس من قوله 7 في موثقة سماعة : « وليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر اليه » ( الباب ١ من أبواب القيام من صلاة الوسائل ـ الحديث ٦ ).

(٣) فالتقييد المذكور كعدمه ، نظرا إلى انتفاء الخصوصية وأنّ كلّ ما أطلق فيه المنع فهو مقيد لا محالة بغير حال الاضطرار ، لما دلّ بعمومه أو إطلاقه على ارتفاع حرمة الشي‌ء لدى الاضطرار إليه من حديث الرفع والموثّقة وغيرهما ، وكما ترتفع بذلك حرمته التكليفية ، كذلك حرمته الوضعية ومانعيّته في الصلاة ، ولذا تصح الصلاة في الذهب والحرير والنجس ونحوها مع الانحصار والاضطرار إلى لبسه ، والتفصيل في محلّه.

(٤) أي الالتزام بالجواز حال الضرورة حتى في غير الحواصل ممّا لم يرد فيه الترخيص بالخصوص في هذا الحال.

(٥) الشاملة لحال الاختيار.

(٦) أي ممّا لا يؤكل لحمه سوى الخز الذي ثبت استثناؤه ، والسنجاب الذي عرفت الإشكال والتوقف فيه.

(٧) هي الثانية من الجهات الملحقة بالأمر الثاني.


أمّا الأصلي فالمتيقّن ممّا ثبت فيه التلازم المذكور وإن كان هو ذو النفس منه ، لكن لا ينبغي التأمّل في ثبوته في ذي اللحم منه (١) مطلقا ، لأنّ عموم الموثّقة وإطلاقات سائر الأدلة (٢) يعمّ النوعين بجامع واحد ، ولا يخفى ما في دعوى الانصراف إلى ذي النفس من الجزافية ، وإنما سلّم ذلك (٣) فيما دلّ على عدم جوازها في الميتة ، حيث استفيد من أدلّة ذلك الباب (٤) أنّ لوصف النجاسة دخلا * في‌

__________________

(١) أي من المحرّم الأصلي ـ وإن كان غير ذي النفس ـ كالأسماك المحرّمة وبعض الحشرات.

(٢) الأوّل هو قوله 7 : ( الصلاة في وبر كلّ شي‌ء حرام أكله ) ، وأمّا الثاني فهو ما عبّر فيه بمثل ( ما لا يؤكل لحمه ) ، وشمولهما لكلّ محرّم ذي لحم ـ وإن لم يكن ذا نفس ـ لا ريب فيه.

(٣) يعني سلّم الانصراف إلى ذي النفس في الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة في الميتة.

(٤) لعل الوجه في ذلك اختصاص موارد الأسئلة والأجوبة في أخبار هذا الباب بالجلود والخفاف والفراء ونحوها ممّا لم يتعارف اتخاذه إلاّ من ذوات الأنفس التي ميتتها نجسة ، بحيث يستشعر أو يستظهر منها أنّ حيثية النجاسة هي التي دعت إلى السؤال عن حكم الصلاة فيها ، لا سيّما وقد صدرت هذه الأخبار في زمان اشتهر عن بعض العامّة الفتوى بطهارة جلد الميتة إذا دبغ وجواز الصلاة فيه ، وقد أنكروا : عليهم ذلك بشدّة مؤكّدين أنه لا أثر للدبغ في طهارته ولو دبغ سبعين مرة ـ كما في صحيحة محمّد بن مسلم ـ ، وأنّ طهارته موقوفة على التذكية ، ( راجع الوسائل في الأبواب ٤٩ و ٥٠ و ٦١ من أبواب النجاسات ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( دخل ) والصحيح ما أثبتناه.


موضوع الحكم ، أو أنّه تمام موضوعه (١) ، لا لقصور عنوان الميتة من حيث نفسه عن شموله لميتة ما لا نفس له.

وتوهّم أنّ (٢) قوله 7 في آخر ذيل الموثّقة : « ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » يدلّ ـ بمقتضى وحدة مرجع الضميرين ـ على اعتبار قابلية التذكية بالذبح * فيما حكم بعدم جواز الصلاة فيه ، وخروج ما لا‌

__________________

(١) فعلى الأوّل يكون موضوع المانعية الميتة النجسة ـ بناء على عدم إلغاء خصوصية الموت من النصوص المشار إليها آنفا غايته تقييدها بالنجسة ـ ، بدعوى أنّ المستفاد منها التشديد في أمر هذا النوع من النجس فلا يقاس بسائر النجاسات ، فكأنّ المانعيّة بالنسبة إليه مشدّدة مؤكدة. لكن يشكل استفادة ذلك منها على وجه يكون لحيثية الموت دخل في الحكم ، فإن الظاهر أنّ تشديدهم : في أمره كان لغرض الردّ على العامّة والإنكار عليهم في حكمهم بطهارة جلد الميتة بالدبغ ، فلا يكون الردع عن الصلاة فيه إلاّ لنجاسته ، وعليه فالظاهر تعيّن الاحتمال الثاني وأن النجاسة هي تمام الموضوع للحكم.

(٢) هذا التوهّم استظهره صاحب المستند 1 ، قال ( ٤ : ٣١٨ ) : إن ظاهر قوله « ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » أنّه فيما من شأنه ورود الذبح عليه فإنه لا يستعمل عدم التذكية بالذبح إلاّ فيما يصلح له ، انتهى. ومحصّل التوهم :

أن مقتضى وحدة مرجع الضميرين هو فرض حيوان واحد تارة ذكّاه الذبح واخرى لم يذكّه ، وفعليّة تذكيته بالذبح فرع قابليته للتذكية به ، فيعتبر أن يكون الحيوان المفروض قابلا للتذكية به ، وليس هو الاّ ذا النفس فإنه الذي يذكّى بالذبح دون غيره ـ كالأسماك ونحوها. ولا يخفى أنّ المراد بالذبح في المقام ما يعمّ نحر الإبل وصيد البرّ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( للذبح ) والصحيح ما أثبتناه.


يقبلها عن عمومه (١) ، فيختصّ حينئذ بذي النفس ، لأنّ الذبح قد جعل تذكية له دون ما عداه.

مدفوع بأنّ التقابل بين المثبت والمنفيّ في الجملتين وإن كان ـ بمقتضى ما ذكر من وحدة مرجع الضميرين ـ من تقابل العدم والملكة (٢) ـ لا محالة ـ ، دون الإيجاب والسلب ، وكانت دعوى شمول قوله 7 « لم يذكّه » لما لم يجعل الذبح تذكية له ولا يقبلها غير مسموعة ، لكن حيث إن هاتين الجملتين إنما وردتا بيانا لأنّ تذكية المحرّم لا أثر له في رفع المانعيّة عنه ، وجواز الصلاة في أجزائه ـ كما زعمه بعض من جعل الله الرشد في خلافهم (٣) ـ ،

__________________

(١) مرجع الضمير هو ما حكم بعدم جواز الصلاة فيه ، والمراد بهذا العموم قوله في ذيل الموثقة : « فالصلاة في كلّ شي‌ء منه فاسدة ».

(٢) إذ ليس التقابل واقعا بين مطلق المذكّى بالذبح وغير المذكّى به ليكون من التقابل بالإيجاب والسلب ، ويصدق المنفي على غير ذي النفس حذو صدقه على ذي النفس ، بل لمّا لوحظ ـ بمقتضى وحدة المرجع ـ قابلية المورد للتذكية بالذبح ـ كما عرفت ـ فلا محالة يكون التقابل واقعا بين المذكّى به وغير المذكّى به من الحيوانات القابلة لذلك ، وهذا شأن تقابل العدم والملكة ، وعليه فلا تصدق الجملة المنفيّة على ما لم يجعل الذبح تذكية له ولا يقبلها به ، وكانت دعوى شمولها له غير مسموعة ـ كما في المتن.

(٣) سيأتي أنّ الحنابلة والشافعية لا يرون بأسا بالصلاة في غير المأكول ـ إذا كان مذكّى ـ ، فسيقت العبارة المذكورة ردّا عليهم وإفادة أنّ التذكية ليس‌


وليس مفادهما سوى أنّ التذكية كعدمها ، ولا تتضمّنان * حكما على العامّ (١) مخصّصا لعمومه ـ كما في قوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ

__________________

لها أيّ تأثير في الحكم فوجودها كعدمها ، ومن الواضح أنّ اختصاص التذكية الذبحية ببعض أنواع محرّم الأكل لا يقتضي في مثل هذا المقام تخصيص أصل الحكم به.

أقول : المذهبان المذكوران متأخّران عن زمن صدور الموثقة ، ثمّ إنّه إذا كان ما زعمه الجماعة اختصاص الجواز بالتذكية الذبحية ثمّ ما أفيد ، أمّا إذا شمل مطلق التذكية ولو بغير الذبح فالمناسب في ردّ زعمهم أن يقال : ذكّي أم لم يذكّ ، ويبقى سؤال الوجه في تقييده بالذبح.

(١) المقصود بهذا الكلام الإشارة إلى أنّ المقام لا يندرج في النزاع المعروف فيما إذا تعقّب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده ـ أنّه هل يؤخذ فيه بأصالة العموم ويرتكب في الضمير الاستخدام أو يؤخذ بأصالة عدم الاستخدام ويخصّص بموجبها العام ـ كي يستلزم القول بالتخصيص هناك القول به هنا.

ومحصّل ما أشار 1 إليه وجها له : أنّ النزاع المذكور إنما يجري فيما إذا ورد حكم على العام وتعقّبه حكم آخر على الضمير الراجع إليه المعلوم إرادة بعض أفراده منه خاصّة بحيث يصبح قرينة ـ على أحد القولين ـ على تخصيص العام نفسه ـ كما في الآيتين ـ ، أمّا إذا لم يكن المشتمل على الضمير بهذه المثابة ـ كما في المقام الذي عرفت أنّه ليس مفاده سوى نفي تأثير التذكية أينما تحقّقت في رفع المانعية عن محرّم الأكل ـ فلا يندرج في ذلك النزاع ، بل يتعيّن في مثله الأخذ بالعموم وارتكاب الاستخدام.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يتضمنان ) والصحيح ما أثبتناه.


أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ )عقيب آية المطلّقات ـ ، فلا شبهة في أنّ الاستخدام هو المتعيّن في المقام ، دون التخصيص ، عكس ما في الآيتين المباركتين (١).

على أنّه (٢) لو سلّم أولويّة التخصيص في المقام أيضا ، أو كونه من قبيل تعقّب العامّ بما يصلح قرينة على التخصيص (٣) ، فأقصى ما يقتضيه ذلك هو قصر مفاد ما أجاب به الإمام 7 عن سؤال زرارة بذي النفس ، لأنّ سؤاله (٤) إنما كان عن الوبر ، وأغلبه أو‌

__________________

(١) ظاهره أنّ المتعيّن في الآيتين التخصيص ترجيحا لأصالة عدم الاستخدام ، لكن الذي حكي عنه 1 مقرّروا بحثه هو اختياره تقديم أصالة العموم لوجوه مذكورة في محلّها من الأصول ، ( راجع أجود التقريرات ١ : ٤٩٢ ).

(٢) وجه آخر لدفع التوهّم المذكور.

(٣) الموجب لإجمال العام.

(٤) محصّل مرامه 1 أنّه لو بني على ظهور هذه الفقرة في الخصوص أو كونه المتيقن من إجمالها ، فهذا المعنى غير بعيد عن مساقها ، نظرا إلى أنّها وقعت جوابا عن السؤال عن الصلاة في الوبر أو في الحيوان الوبر ـ بكسر الباء على الاحتمالين المتقدمين في قول السائل « وغيره من الوبر » ـ ، وعلى التقديرين فالظاهر كون جميعه من ذي النفس ، إذ لم يعرف ذو وبر من غير ذي النفس ، فأجاب 7 بما يختصّ مفاده بذي النفس أيضا من دون تعرّضه لغيره نفيا ولا إثباتا ، لكنّ صدر الموثقة الحاكي لإملاء النبي 6 يشمل بعمومه غير ذي النفس فيؤخذ به ، ولا‌


جميعه منه ، ولا يوجب ذلك خللا أو وهنا في عموم ما كان بإملاء النبيّ 6 ، فضلا عن إطلاق سائر الأدلّة ، إذ ليس هو إلاّ من التفريع على ذلك الأصل لا بيانا أو تفسيرا له.

وكيف كان فلا حاجة في دفع التوهّم المذكور (١) إلى ما التزم به في الجواهر (٢) ـ من كون الذبح تذكية لهذا النوع من الحيوان ـ ، بل لا سبيل إلى هذا الالتزام.

أمّا أولا (٣) : فلأنّ الذبح وما يقوم مقامه إنّما جعل تذكية لذي النفس لكونه إخراجا لذلك الدم السائل منه ـ كما نطقت به أدلّة ذلك‌

__________________

تخصّصه الفقرة اللاحقة المبحوث عنها ، إذ ليست هي تفسيرا وتوضيحا له ، بل تفريع عليه ، وشأن الفرع أن لا يزيد على أصله.

(١) وهو توهّم اختصاص المانعية في الصلاة بذي النفس ، بدعوى قرينيّة قوله 7 « ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » عليه.

(٢) قال 1 ( ٨ : ٦٧ ) بعد إيراد التوهّم المذكور ومنعه : « وما في الذيل لا دلالة فيه ، ضرورة إمكان الذبح في كثير مما لا نفس له من الحيوانات البحرية وإن كانت طهارته غير موقوفة عليه ». والوجه في عدم الحاجة إليه كونه تكلّفا لا داعي إليه بعد اندفاع التوهّم بالوجهين المتقدمين ، مضافا إلى عدم تماميته في نفسه ـ كما ستعرف.

(٣) محصّل هذا الوجه نفي كون الذبح وما بحكمه تذكية لغير ذي النفس ـ وإن كان محلّل الأكل ـ ، كما أنّ مرجع الوجه الثاني إلى إنكار قابلية محرّم الأكل من غير ذي النفس ـ كالجرّي ونحوه ـ للتذكية رأسا لا بالذبح وشبهه ، ولا بوجه آخر.


الباب (١) ـ ، ولا مجال لدعوى كونه تذكية لغيره أيضا مع عدم قيام الدليل عليه ، بل قيام القاطع على خلافه ، فلو ذبح السمك في الماء فلا أظنّ أن يلتزم هو ـ نوّر ضريحه ـ ولا غيره إلاّ بكونه ميتة يحرم أكله.

وأمّا ثانيا : فلأنّ المحرّم ممّا لا نفس له غير قابل للتذكية رأسا ، ولا أثر لتذكيته مطلقا ، لأنّ أحكام الميتة (٢) لا تترتّب عليه على كلّ تقدير (٣) ، ولا يجوز أكله على كلّ حال ، وظاهر أنّه إذا تساوى حاله من كلّ جهة عند ذبحه ـ مثلا ـ وموته حتف أنفه في جميع الأحكام فليس الحكم عليه بالتذكية في إحداهما دون الأخرى إلاّ من مجرّد اللفظ والتسمية المنزّه عنه مقام الشارعيّة ، ومن هنا لا عين ولا أثر لتذكية هذا النوع من الحيوان ، لا في أخبار‌

__________________

(١) ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر 7 فيما إذا سبقته السكّين فأبان الرأس أنّه قال « إن خرج الدم فكل » ، وفي صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد الله 7 فيما إذا لم يصب حديدة هل يذبح بغيرها قال « إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به » ( راجع الوسائل الباب ٩ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ ، والباب ٢ منها ـ الحديث ٣ ).

(٢) وعمدتها النجاسة وحرمة الأكل.

(٣) أمّا النجاسة فلأنّ المفروض أنّ ميتته طاهرة ، وأمّا حرمة الأكل فلثبوتها على كلّ حال ـ ذكّيت أم لم تذكّ ـ ، إذن فلا يترتب على تذكيته حكم من الأحكام ويكون جعل الذبح أو نحوه تذكية له من اللغو المنزّه عنه الشارع.


ذلك الباب ، ولا في كلمات الأصحاب (١) ، بل الظاهر اندراج البرّيّ منه (٢) في الحشرات المتسالم على عدم قبولها للتذكية ، والبحريّ منه وإن كان خارجا عنها (٣) موضوعا ، لكنّه متّحد مع البريّ حكما ـ كما عرفت.

وأمّا إذا لم يكن المحرّم ذا لحم أصلا فخروجه عن إطلاق سائر الأدلة (٤) ظاهر ، ومصبّ عموم الموثّقة أيضا ينصرف عنه (٥) ، والظاهر أن يكون تنفّر الطباع البشريّة في نوعها عن هذا النوع (٦) من‌

__________________

(١) إذ لم ترد رواية في كيفية تذكيته ، ولا تعرّض الأصحاب لها ـ كما يظهر بالمراجعة.

(٢) كالحيّة والوزغ والدود ، وعبّر 1 بالاندراج نظرا إلى أنّ أكثر الحشرات ليست بذات لحم.

(٣) أي خارجا عن الحشرات موضوعا ، لكنّه متحد مع البريّ منه في الحكم بعدم القابلية للتذكية ، لما عرفت من عدم ترتّب أثر على تذكيته.

(٤) مما سوى الموثقة ، للتعبير فيها بما لا يؤكل لحمه ـ الخاص بذي اللحم ـ أما الموثقة فمصبّ عمومها هو حرام الأكل ، وهو في نفسه صادق على غير ذي اللحم أيضا كالبقّ والذباب لو لا الانصراف المذكور في المتن ، ولا مجال لتقييده باللحم حملا على سائر الأدلة المتقيّدة به ، لعدم التنافي.

(٥) ويؤيد الانصراف قوله 7 في أوّل الذيل تفريعا على ما ذكر في الصدر : « فإن كان مما يؤكل لحمه » المشعر بإرادة ذي اللحم من الصدر.

(٦) أي عن أكل هذا النوع لكونه من الخبائث التي تتحرّز عن أكلها‌


الحيوان وكونه من الخبائث العرفيّة التي تستقذرها * الطباع هو الموجب لهذا الانصراف ، ويشهد بذلك عدم التفات الأذهان الساذجة العرفيّة إلى دخول مثل الذباب والبقّ والقمّل والبرغوث ونحوها ، وكذلك العسل والشمع والحرير ، ونحوها من فضلات هذه الحيوانات في هذا العموم ، ولا إلى كون الدليل ـ على جوازها في الحرير الخالص أو الممتزج (١) ، وجواز تلبيد المحرم شعره بالصمغ والعسل (٢) ، وجواز أن يكون في فم المصلّي الخرز واللؤلؤ إذا لم‌

__________________

الطباع فلا يعدّ عرفا من المأكولات ، ولأجله لم يلتفت الأذهان العرفية ـ كما أفاده 1 ـ إلى دخوله في عنوان محرّم الأكل وشموله له ، لانتفاء موضوع الحرمة بنظرهم حذو انتفائه حقيقة عمّا لا يمكن أكله خارجا.

(١) أي جواز الصلاة في الحرير الخالص للنساء والممتزج للرجال ، مع أن الحرير من فضلات دودة القزّ وهي من النوع المبحوث عنه.

(٢) لم أعثر على رواية تصرّح بجواز ذلك للمحرم ، نعم يستفاد مفروغية الجواز من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله 7 قال : « إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق.

الحديث » ، ونحوها غيرها ( راجع الباب السابع من أبواب الحلق والتقصير من حج الوسائل ). وإذا جاز له التلبيد حين الإحرام وإبقاؤه إلى أن يحلق رأسه يوم النحر فقد جاز له الصلاة فيه للملازمة ، هذا ، والعسل والصمغ المتعارف تلبيد المحرم شعره بهما ـ في الأزمنة الاولى ـ هما من فضلات النحل ، وهو من النوع المبحوث عنه أيضا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( تستقذره ) والصحيح ما أثبتناه.


يمنعه عن القراءة (١) ، ونحو ذلك (٢) ـ تخصيصا له (٣).

والمنع عمّا ذكر من الانصراف أو التردّد فيه ، وتخصيص‌

__________________

(١) دلّت عليه صحيحة علي بن جعفر 7 عن أخيه 7 ـ في حديث ـ قال : وسألته عن الرجل يصلّي وفي فيه الخرز واللؤلؤ ، قال 7 : « إن كان يمنعه من قراءته فلا وإن كان لا يمنعه فلا بأس » ، ( راجع الوسائل الباب ٦٠ من أبواب لباس المصلي ).

وعدّ هذا مما نحن فيه مبني على كون اللؤلؤ من أجزاء أو فضلات حيوان غير ذي لحم ، وقد يناقش في كونه من الحيوان ، بل قد يجزم بعدمه ـ كما في العروة ـ ، لكن في المستند ( ٤ : ٣٢٠ ) : أنه استشكل بعضهم في الصلاة فيه ، لكونه جزءا من الصدف وهو حيوان ذو لحم كما صرّح به الأطباء في كتبهم وأثبتوا للحمه خواصّا ، انتهى ملخصا. وفي كشف اللثام : أنه كغدّة في الصدف ، وعن بعض علماء الطبيعة : أن اللؤلؤ يتكوّن في باطن الصدف وهو حيوان بحري له جلد عظمي كالحلزون يستخرجه الغواصون فيستخرجون منه اللؤلؤ ، وعن بعض آخر أنه مادة يفرزها بعض الحيوانات البحرية الرخوة أو تتكوّن فيه ، وعليه فأصله حيوانيّ وحيوانه ذو لحم فلم يكن مما نحن فيه ، ومع ذلك فلا ينبغي الإشكال في جواز الصلاة فيه ، للصحيحة المتقدمة ، وللسيرة المستمرة لشيوع التحلّي به في أعصار الأئمة : مع عدم ورود المنع ـ كما عن البحار وغيره.

(٢) كالروايات المجوّزة للصلاة في دم البقّ والبراغيث ( الوسائل الباب ٢٣ من أبواب النجاسات ) ، وكالسيرة القطعية على الصلاة في القمل ودمه ، ونحو ذلك.

(٣) لأن التخصيص فرع العموم ، ولا عموم بنظرهم لمكان الانصراف المتقدم ذكره.


الجواز بموارد النصوص المذكورة أو ما قامت به السيرة القطعيّة ـ كما عن بعض الأساطين (١).

لا يخفى ما فيه ، فهل ورد الدليل على الجواز في الموارد المذكورة إلاّ مفروغا عن الجهة التي نحن فيها ، وترخيصا من غير هذه الجهة (٢) ، وهل قامت السيرة على عدم الاعتداد بمثل القمّل والبرغوث ونحوهما إلاّ لعدم انفهام المعنى الشامل لأمثال هذه‌

__________________

(١) يظهر من الوحيد 1 ـ في شرحه على المفاتيح ـ التردد في الانصراف بالنسبة إلى النحل وفضلاته بعد جزمه به في البقّ ونحوه ، قال « وهل يدخل فيه ـ أي فيما لا يؤكل لحمه ـ مثل النحل فلا يصلى في ثوب أصابه الشمع أو العسل. ، ثمّ قال : والنحل وإن لم يكن له لحم إلاّ أنه داخل في قوله 7 ( كلّ شي‌ء حرام أكله ) ، لكن لا يخفى عدم شموله لمثل البقّ والبرغوث والقمل. ولعلّ النحل أيضا كذلك ، بل لعلّ الأظهر أنه كذلك والاحتياط أمر آخر » انتهى.

(٢) فإنّ منع الرجال من الصلاة في الحرير ، بل مطلق لبسه إنّما هو من حيث إنه حرير ، فترخيصهم في الصلاة في الممتزج منه يكون من جهة امتزاجه وعدم خلوصه ـ بعد المفروغية عن الجواز من حيث حرمة أكل حيوانه ـ ، كما أن ترخيص المحرم في تلبيد شعره بالصمغ أو العسل ترخيص له من حيث إحرامه ، ولا نظر فيه إلى حيثية كونه من إفرازات محرّم الأكل ، بل الجواز من هذه الناحية مفروغ عنه ، ونحوهما الحال في ترخيص المصلّي في وضع اللؤلؤة في فمه إذا لم تمنعه عن القراءة ، فإنه ترخيص له فيه بما هو حمل لشي‌ء بفمه حال صلاته من دون خصوصية للؤلؤ ، ولذا لم يفرّق في الرواية بينه وبين الخرز.


الحيوانات من * هذا العموم ، وهل يمكن أن لا يكون ردعا عنها إلاّ بهذه المعونة (١).

فالإنصاف أنّ الاستيناس أو التمسّك بهذه الأدلّة ، وكذلك السيرة المذكورة على ما ذكر من الانصراف هو الذي يليق بها لا إيرادها مخصّصا لذلك العموم.

وأظهر من ذلك خروج الإنسان بجملته وجميع فضلاته الطاهرة عن عناوين أدلّة الباب ، وما كان لها من عموم أو إطلاق ، إذ ـ مضافا إلى اطّراد ما تقدّم من موجب الانصراف (٢) في المقام أيضا ـ فلا يخفى أنّ ما عدا الإنسان من أنواع الحيوان إنّما يتّصف بكونه محرّم الأكل ، أو محلّله ، أو كونه ممّا يؤكل ، أو لا يؤكل ، ونحو‌

__________________

(١) يعني أنه لو لم يتمّ الانصراف وشمل العموم أمثال هذه الحيوانات لم يكن في العموم قصور عن ردعه للسيرة المذكورة ، لكن من المسلّم أن السيرة غير مردوع عنها وليس إلاّ من جهة الانصراف المزبور.

أقول : ظاهر عبارته 1 يوهم أنّه لو لا الانصراف لكان العموم رادعا عن السيرة ، لكنّه ليس بمراد قطعا ، فإنه إذا كانت السيرة القائمة معتبرة وكاشفة عن الحكم الشرعي ـ كما هو المفروض في المقام ـ لم يصلح العموم للردع عنها ، بل هي تخصّصه ، فالمراد أنّ السيرة إنما استقرّت على الجواز لمكان قصور الدليل اللفظي من أصله عن المنع.

(٢) وهو تنفّر الطباع البشرية عن أكل بني نوعها على نحو لا تراها الأذهان العرفية مشمولة لعنوان حرام الأكل.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


ذلك باعتبار أكل الإنسان له ، أمّا الإنسان فيحرم أكل كلّ فرد منه على أفراد نوعه ، فاختلفت الكيفية (١) ، وتصوير الجامع العقلي وإن كان بمكان من الإمكان ، لكن ظواهر الأدلّة منصرفة إلى الأنواع المحرّمة على نوع الإنسان ، ولا تعمّ * أشخاص نوعه.

وما دلّ على جواز وصل المرأة شعر غيرها بشعرها (٢) ، وجواز حمل الأمّ ولدها لترضعه ـ وهي في الصلاة (٣) ـ ، ونحو ذلك ممّا سيق هذا المساق (٤) ، وإن تمسّكوا به على خروج الإنسان بفضلاته عن‌

__________________

(١) أي كيفية الاتصاف بمحرّمية الأكل ، وذلك باختلاف المحرّم والمحرّم عليه ، ففي الأوّل أكل النوع الحيواني محرّم على النوع الإنساني ، وفي الثاني أكل ما عدا المكلف من سائر أفراد نوعه محرّم عليه ، فالحرمة فيه تكون من الجانبين.

(٢) كرواية سعد الإسكاف : سئل أبو جعفر 7 عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن ، فقال 7 : « لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها. الحديث » ، وفي رواية أخرى : يصلح الصوف وما كان من شعر امرأة لنفسها ، وكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها ، ( راجع الباب ١٠١ من مقدمات النكاح من الوسائل ).

(٣) كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله 7 قال : « لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها وهي تصلّي وترضعه وهي تتشهّد » ، وقريب منها رواية علي بن جعفر 7 ( الباب ٢٤ من قواطع الصلاة من الوسائل ).

(٤) نحو ما دلّ على جواز الصلاة في ثوب فيه شي‌ء من شعر الإنسان وأظفاره قبل أن ينفضه ( الباب ١٨ من لباس المصلي ) ، وما دلّ على نفي البأس عن البصاق يصيب الثوب ( الباب ١٧ من أبواب النجاسات ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يعم ) والصحيح ما أثبتناه.


هذا العموم ، لكن حيث إنّ لسان هذه الروايات أيضا إنّما هو الترخيص من جهة أخرى (١) ، بعد المفروغيّة عن الجهة التي نحن فيها ، فالحريّ بها أن تجعل قرينة على ما ذكرناه من التخصّص ، لا دليلا على التخصيص.

ثمّ إنّه قد استشكل في الجواهر والنجاة في جواز الصلاة في الثوب المنسوج من شعر الإنسان (٢) ، بعد أن سلّم خروجه بجميع‌

__________________

(١) فإن الظاهر أنّ السؤال عن حكم وصل الشعر بالشعر إنّما هو من جهة ما فيه من التدليس والتغرير أحيانا ، وأن تجويز حمل الصبي وإرضاعه حال الصلاة إنما هو لدفع توهّم كونه من الفعل الكثير القادح في الصلاة ، كما أن الظاهر أنّ منشأ السؤال عن الصلاة في ثوب عليه شعرات أو أظفار قبل نفضه هو تخيّل لحوق مثل هذه الفضلات بالنجاسات في مانعيّتها في الصلاة.

(٢) ففي الجواهر ( ٨ : ٦٩ ) بعد أن أورد الأدلة والنصوص الدالة على خروج الإنسان بجميع فضلاته عن غير المأكول المحكوم بعدم جواز الصلاة في أجزائه ، قال : ( وحينئذ تجوز الصلاة في شعره مثلا حتى لو نسج منه لباسا للإطلاق بلا معارض ، قلت : قد يقال إنه لو سلّم ذلك فقد يمنع الصلاة فيه لظهور الموثق المزبور في اشتراط كون ما يصلى فيه مما يؤكل لحمه ، فخروج الإنسان حينئذ ـ مما لا يؤكل ـ لا يقتضي تحقق الشرط المزبور ، إذ أقصاه البقاء على أصالة الجواز التي لا تعارض الدليل ، نعم لا بأس بما جرت السيرة. إلى أن قال : أما غير ذلك ـ كاللباس المنسوج منه مثلا ـ فيمنع ، لا لتحقق المانع بل الانتفاء الشرط ) انتهى موضع الحاجة. ومحصّل المراد أنّ الإنسان وإن كان بجميع فضلاته خارجا عن أدلة مانعية غير المأكول إلاّ أنّ الدليل قد دلّ أيضا على شرطية المأكولية في اللباس ، وهي غير متحققة في الفرض.


فضلاته عمّا يدلّ على عدم جوازها فيما يحرم أكله ، وهذا من فروع ما بنى عليه (١) من الجمع بين شرطيّة المأكولية ومانعيّة غير المأكول ، ثم التفكيك بينهما في مقدار الشمول (٢) ، ووجّه الإشكال في المقام بانتفاء شرط المأكوليّة في اللباس ، وستعرف (٣) ما في أصل المبنى ، وما وجّه به هذا الإشكال ، وأشباهه ممّا فرّعه على ذلك المبنى ـ إن شاء الله تعالى.

وأمّا العارضيّ (٤) ـ وهو الموطوء ، وشارب لبن الخنزيرة حتّى اشتدّ عظمه ، والجلاّل ـ فقد ألحقه بعض الأساطين (٥) ـ بأقسامه الثلاثة ـ

__________________

(١) وقد سمعت تصريحه في كلامه الآنف الذكر بابتناء الإشكال على شرطية المأكولية المستفادة من الموثق.

(٢) سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ عنه 1 أنه إذ جمع بين الشرطية والمانعيّة فقد فرّق بينهما في مقدار الشمول ، فاستظهر من النصوص عموم المانعية لجميع ما يصلى فيه من اللباس وعوارضه ، واختصاص الشرطية باللباس ، ولأجله خصّص إشكال المقام باللباس المنسوج من الشعر الإنساني.

(٣) وذلك بالمنع من إمكان الجمع بين الشرطية والمانعية ثبوتا ، وظهور الأدلة في خصوص المانعيّة إثباتا.

(٤) يعني الحيوان المحرّم أكله بحرمة عارضة ، لطروّ أحد العوارض الثلاثة المذكورة ، وحصر الحرمة العرضيّة للحيوان في الثلاثة استقرائي ثبتت فيها بالدليل ولم تثبت في غيرها ـ كما يظهر بالمراجعة.

(٥) صرّح الشيخ الكبير 1 ـ في كشف الغطاء ـ بإلحاق الثلاثة ، ولم أجده ـ فيما تتبّعت ـ عن غيره ، إذ المسألة غير معنونة في كلمات الفقهاء ، نعم‌


بالأصليّ ، نظرا إلى شمول العموم والإطلاقات (١) للجميع ، وهو (٢) في القسمين الأوّلين في محلّه ، فإنّ كلا من العارضين يوجب تبدّل معروضه إلى ما هو في عرض العناوين المحرّمة الأوليّة ، ولا يحلّ لبنه (٣) ،

__________________

نظيرتها في باب النجاسات ـ وأعني لحوق المحرّم العارضي بالأصلي في نجاسة بوله وخرئه ـ معنونة قديما وحديثا ، بل ادعي عليها الإجماع.

(١) هما عموم الموثقة وإطلاقات غيرها ، ولا يعارضها إطلاق ما دلّ على جواز الصلاة فيما يؤكل لحمه ـ باعتبار أنها مأكولة اللحم بالأصالة ـ ، وذلك لما سيأتي من أن هذه العوارض توجب تبدّل العنوان وصيرورة الحيوان ممّا لا يؤكل لحمه بعد ما كان ممّا يؤكل ، فلا يشمله دليل الجواز.

(٢) أي الإلحاق ، ومحصّل ما أفاده 1 في وجه الفرق بين العارضين الأولين وبين الثالث ـ الجلل ـ هو أن كلا من عنواني ( حرام الأكل ) و ( ما لا يؤكل لحمه ) ظاهر ـ ولا سيما الثاني ـ في الحرمة الدائمة الثابتة ولا يعمّ الموقتة الزائلة ، والحرمة في العارضين الأولين من قبيل الأول فتبدّل الموضوع وتدرج الحيوان في عنوان محرّم الأكل وما لا يؤكل بعد أن كان من المحلّل وما يؤكل ، فتلحقه أحكامه ، وهذا بخلاف الجلل فإنّ حرمته من قبيل الثاني ، لزوالها بالاستبراء ، فلا تبدّل العنوان ولا تجعل الحيوان من محرم الأكل وإن حرم فعلا ما لم يستبرأ.

(٣) لا ينبغي الإشكال في ثبوت هذا الحكم في الموطوء ، وقد ورد في موثقة سماعة ورواية مسمع ( الباب ٣٠ من الأطعمة المحرمة من الوسائل ) ، ويشمله إطلاق نفي الانتفاع به في روايات أخر ( الباب ١ من نكاح البهائم من الحدود ) ، أما بالنسبة إلى المتغذّي بلبن الخنزيرة فلم يرد في شي‌ء من نصوصه حرمة لبنه ( الباب ٢٥ من الأطعمة المحرمة ) ،


ويتبعه نسله في جميع ذلك (١) وإن كان ذكرا (٢) ، فيندرج في إطلاقات الأدلّة وعموم الموثّقة على كلّ من تقديري كون الحرام الوارد فيها (٣) عنوانا للموضوع ، أو معرّفا للعناوين المحرّمة ، بل لو كان‌

__________________

ولا ورد ذكرها في كلمات الأصحاب إلاّ نادرا ، إذن فالجزم بها مبنيّ على ثبوت الملازمة بين حرمة اللحم ـ ولو لعارض ـ وحرمة لبنه ، وهو غير واضح.

(١) أي في جميع هذه الأحكام من حرمة أكله وشرب لبنه ومانعيته في الصلاة ، أما بالنسبة إلى الموطوء فيستفاد من الأمر بذبحه وإحراقه ونفي الانتفاع به الواردة في نصوص البابين المتقدم إليهما الإشارة من الوسائل ، وأما بالنسبة إلى المتغذّي بلبن الخنزيرة فللتصريح به في موثقة حنان بن سدير وغيرها ، فليراجع الباب المشار إليه آنفا من الوسائل.

(٢) يعني الموطوء أو المتغذي بأن استفحل فخرج له نسل ـ كما هو مورد موثقة حنان ـ ، والعمدة في المقام عدم ظهور الفرق في حرمة النسل بين الذكر والأنثى ، والتفصيل موكول إلى محله. هذا والمقصود من إيراد حكم اللبن والنسل في المقام هو تأكيد المطلب والاستشهاد بهما على تبدّل العنوان في الموردين ولحوق أحكام محرّم الأكل به.

(٣) أي في الموثقة في قوله 6 « الصلاة في وبر كلّ شي‌ء حرام اكله » ، وقد أشار 1 بهذه العبارة إلى ردّ ما قد يدّعى من الفرق بين التقديرين بأنه إنما يندرج الحرام بالعارض في العنوان المذكور ـ الحرام أكله ـ بناء على كونه بنفسه عنوانا للموضوع ، أما بناء على كونه ملحوظا معرّفا للعناوين المحرمة ومرآة لها ـ وسيأتي اختياره 1 له ـ فيختص بالمحرمات الذاتية ـ كالأسد والذئب ونحوهما ـ ولا يشمل العرضية. وحاصل الرد أنه لا وجه‌


على الموطوء صوف أو وبر من السابق يتبدّل حكمه تبعا لأصله (١).

وأمّا الجلاّل فللمنع عن شمول الأدلّة له مجال ، فإنّ حرمته ليست مبدّلة له ولا سارية في نفسه (٢) ، وإنّما هي عرضيّة موقّتة ناشئة عن تأثير القذارة التي لحقت (٣) لحمه * من جهة الجلل ، فلا يندرج في عنوان ( ما لا يؤكل لحمه ) ونحو ذلك ، بل ولا في عنوان‌

__________________

لمنع الاندراج على الثاني فإنّ عنواني الموطوء والمتغذي بلبن الخنزيرة أيضا يعدّان من العناوين المحرمة حذو الأسد ونحوه ، ولا قصور لعنوان حرام الأكل في مرآتيته لهما ، فلا وجه لتخصيص مرآتيته بالعناوين المحرّمة بالأصالة ، إذن فيشملهما عموم الموثقة ، هذا. وممّن ادّعى الفرق المذكور السيّد الأستاذ ـ دام ظله ـ في رسالته المعمولة في هذه المسألة (٢٨) ، لكنّ عبارتها غير مشتملة على وجه لذلك معتدّ به ، فراجع وتأمل.

(١) إذ يندرج في إطلاقات المقام وعمومه الحيوان المذكور بجميع أجزائه حتى التي لا تحلّها الحياة الكائنة عليه قبل العروض من صوف أو وبر كان عليه من السابق فضلا عن الحادثة بعده ، نظرا إلى كونها حال العروض معدودة من أجزائه فيتبدل حكمها تبعا لأصلها ، ومن الواضح أنّه لا فرق في الجزئية للحيوان بين ما تحلّه الحياة وغيره.

(٢) بحيث يصبح من الذوات المحرمة ، والحرمة لازمة له غير منفكّة عنه ـ كما كان هو الحال في سابقيه.

(٣) لحوقا موقتا ما دام لم يستبرأ ، بل وكذا لبنه بناء على حرمته ـ كما يقتضيها بعض نصوصه ـ ( الوسائل ، البابين ٢٧ و ٢٨ من الأطعمة المحرمة ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( لحمها ) والصحيح ما أثبتناه.


( حرام أكله ) أيضا ، لظهوره في الحرمة الثابتة ، دون العارضة الموقّتة الزائلة.

وبالجملة فالظاهر أن تكون حرمة الجلاّل كحليّة ما اضطرّ إلى أكله من المحرّمات في المخمصة ، فكما لا يندرج (١) ما اضطرّ إلى أكله فيما تجوز الصلاة في أجزائه ، كذلك لا يندرج الجلاّل أيضا في عنوان الحرام الذي دلّت هذه الأدلّة على عدم جوازها فيه ، ـ والله العالم.

الثالثة : ينقسم ما على المصلّي عند فعل الصلاة إلى لباس يلبسه ، وعوارض تعرض بدنه ، أو لباسه ، ومحمول يحمله.

أمّا اللباس فهو المتيقّن من أدلّة المانعيّة (٢) ، وإن كان ممّا لا‌

__________________

(١) وليس عدم اندراجه إلاّ لكون حليّته موقّتة زائلة بزوال الاضطرار ، هذا.

وقد يناقش ـ كما عن السيّد الأستاذ دام ظله في رسالته ـ في قياس الجلل بالاضطرار بأنه قياس مع الفارق ، بدعوى أن الاضطرار يوجب الحلّية بالنسبة إلى خصوص المضطرّ ، أما الجلل فيوجب الحرمة على عامّة المكلفين ما دام كذلك ، لإيجابه تبدّلا في ذات اللحم.

ويلاحظ عليه أنّه لا عبرة بعموم الحكم للمكلفين وخصوصه ، وإنما المهم كون الحكم عارضا موقتا لا ثابتا دائميا ، وهو في المقامين كذلك ، فالمضطر اليه حلال ما دام الاضطرار لا دائما ، والجلاّل حرام ما دام الجلل وعدم الاستبراء لا دائما ، والتبدّل في ذات اللحم لا أثر له إذا كان قابلا للزوال.

(٢) لصدق الظرفية المستعملة فيه أداتها صدقا حقيقيّا ، بخلاف المستعملة في غيره ، أو كونها أقرب فيه إلى الحقيقة من غيره.


تتمّ الصلاة فيه بانفراده ـ كما عن الأكثر ، بل عن المشهور (١) ـ ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى عموم الموثّقة وإطلاق غيرها ـ رواية أحمد بن إسحاق قال : كتبت إليه : عندنا جوارب وتكك من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقيّة ، فكتب « لا تجوز الصلاة فيها » (٢) ، ومثله ما رواه علي بن مهزيار عن مكاتبة إبراهيم بن عقبة وجوابه 7 (٣) ، وضعف سند الروايتين منجبر باشتهار‌

__________________

(١) أي عموم المنع لما لا تتمّ منسوب إلى الأكثر ـ كما في المدارك ـ ، أو إلى المشهور ـ كما عن الدروس ـ ، وهذه بداية البحث حول هذه المسألة.

(٢) أوردها مضمرة في الوسائل عن التهذيبين في الباب ٧ من أبواب لباس المصلي ، الحديث ٥ بعنوان أحمد بن إسحاق الأبهري ، وهو يحتمل أن يكون مصحّف الأشعري وهو القمي الثقة ، فيكون المكتوب إليه ـ لا محالة ـ الجواد أو أحد العسكريين : ، وأن يكون شخصا آخر مجهول الحال ، ولأجله تسقط الرواية عن الاعتبار ، على أن في السند بنان بن محمّد بن عيسى ـ كما في التهذيب ٢ : ٢٠٦ ـ أو محمّد بن عيسى ـ كما في الاستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ، والأوّل غير موثّق فالراوي مردّد بين الثقة وغيره ، بل الأرجح الأوّل لموافقته لنسختي الوسائل والوافي.

(٣) أورده في الوسائل في نفس الباب ، الحديث ٣ عن الكافي والتهذيبين مضمرا أيضا بنفس المتن المتقدم ، وإبراهيم بن عقبة من أصحاب الجواد والهادي 8 ، إذن فالمكتوب إليه إن كان معصوما فهو أحدهما 8 ، ولمّا لم تثبت وثاقة الكاتب رماها 1 بالضعف كسابقتها وعوّل في تصحيحهما على الانجبار بالشهرة ، لكن لا يبعد صحة هذه في نفسها ،


العمل بهما ، حتّى أنّ القائل بالجواز (١) بنى في التكّة والجورب على الكراهة إمّا مطلقا ، أو في خصوص ما إذا كانا من وبر الأرانب (٢) ، جمعا بين ما دلّ على الجواز وبين هاتين الروايتين (٣). ولا يخفى ما في الجمع بهذا الوجه (٤) ، ثم تخصيص الكراهة بمورد النصّ ـ مع استفادة العموم لكلّ ما لا يتمّ الصلاة به ممّا دلّ على جوازها في التكّة (٥) ـ

__________________

لأنّ ظاهر قول ابن مهزيار « كتب إليه إبراهيم بن عقبة إلخ » أنه شهادة حسيّة منه بالمكاتبة. كما أن الظاهر عصمة المكتوب إليه ، إذ من البعيد جدا أن يروي مثل علي بن مهزيار مكاتبة عن غير المعصوم ، وسائر رجال السند ثقات بكلا طريقي الكليني والشيخ قدّس سرهما.

(١) استشهاد على اشتهار العمل بالروايتين حتى بين القائلين بالجواز.

(٢) فعن المبسوط والمعتبر والمنتهى ـ واختاره في المدارك ـ كراهة الصلاة في التكة والقلنسوة من وبر ما لا يؤكل لحمه مطلقا ، وعن الوسيلة كراهتها في التكة والقلنسوة والجورب المتخذة من شعر الثعلب والأرنب وعدم كراهتها فيها إذا اتخذت من غير ذلك.

(٣) فيكشف ذلك عن عملهم بالروايتين كما عمل بهما القائلون بالمنع.

(٤) فإن النهي عن الصلاة في شي‌ء ظاهر في الإرشاد إلى مانعيّته ، وتسويغ الصلاة فيه ظاهر في نفي مانعيته ، وهما يعدّان من المتعارضين ، فلا وقع للجمع بينهما دلاليا بحمل النهي على الكراهة ، بل لو فرض فقد الترجيح يتخيّر بينهما ، أو يتساقطان ويرجع إلى إطلاقات المنع وعمومه.

(٥) وهو صحيح محمّد بن عبد الجبار الآتي ، فإنه إذا استفيد منه عموم الحكم بإلغاء خصوصية المورد كان الأمر كذلك بالنسبة إلى روايتي المنع ، فيستفاد منهما أيضا العموم ، وكان اللازم بناء على صحة الجمع المزبور‌


من الضعف والتهافت (١). وأضعف منه إلحاق القلنسوة أيضا بما بنى فيه على الكراهة (٢).

وكيف كان فمستند القول بالجواز ـ بعد الاستيناس بما دلّ على جوازها في المتنجس الذي لا يتمّ الصلاة فيه بانفراده ـ هو صحيح محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد 7 هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو تكة من وبر الأرانب ، فكتب 7 « لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، ولو كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه » (٣) ، وما حكاه في كشف اللثام :

__________________

البناء على الكراهة في كلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة ، لا في خصوص التكة والجورب المتخذين من مطلق ما لا يؤكل أو من خصوص وبر الأرانب ، وإن لم يستفد العموم فلا بدّ من تخصيص أصل الجواز أيضا بالتكة التي هي مورد دليله ، فتعميم الجواز لكلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة وتخصيص الكراهة بالتكة والجورب لا يخلو عن تهافت.

(١) لفّ ونشر مرتّب ، يعني : لا يخفى ما في الجمع بهذا الوجه من الضعف وما في تخصيص الكراهة بمورد النص مع استفادة العموم. من التهافت.

(٢) فإن مقتضى صحيحة ابن عبد الجبار جواز الصلاة في قلنسوة التصق بها وبر ما لا يؤكل ، وهذا غير ما نحن فيه ، وسيأتي البحث عنه ، ولو سلّم كونه منه لكن لم تتضمّن الروايتان المنع عن القلنسوة ليحمل على الكراهة جمعا ، بل يتعيّن حينئذ تخصيص العموم وتقييد الإطلاقات بها بموجب الصحيحة ، والبناء فيها على الجواز من دون كراهة.

(٣) أورده في الوسائل في الباب ١٤ من لباس المصلي ، الحديث ٤ ، وقد دلّ بظاهره على جواز الصلاة في التكّة من وبر ما لا يؤكل إذا كان حيوانه مذكّى.


أنّه وجد في بعض الكتب عن الرضا 7 « وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبت الأرض ولم يحلّ أكله مثل السنجاب والفنك والسمّور والحواصل إذا كان ممّا لا تجوز في مثله وحده الصلاة » (١).

ولا يخفى ما في التعويل عليهما في تخصيص الأدلة من الضعف :

أمّا مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار فلأنّ هذه المكاتبة الشريفة وإن كانت صحيحة ظاهرة الدلالة (٢) ، لكنّ تعليق الجواز فيها على التذكية المعدود عدم اعتبارها في الوبر (٣) من قطعيّات المذهب أمارة ظاهرة على أنّها قد أعطيت من جراب النورة (٤) ، فإنّ تعليق‌

__________________

(١) العبارة مطابقة للموجود في الطبعة القديمة من الفقه الرضوي (٤١) ، وحكاه عنه في المستدرك في الباب ١٤ من لباس المصلي ، لكن الموجود في طبعته الحديثة (٣٠٢) بعد كلمة الحواصل : « وإذا كان الحرير فيما لا يجوز في مثله وحده الصلاة مثل القلنسوة من الحرير والتكة. يجوز الصلاة فيه ولا بأس به » ، وعليه فهو أجنبي عن المقام.

(٢) قد يحتمل أو يستظهر أنّ المراد بالذكيّ فيها مأكول اللحم ـ كما هو محتمل أيضا في رواية ابن أبي حمزة السابقة ـ فكأنّه 7 أشار إلى المنع عمّا سئل عنه بطرف خفيّ ولم يصرّح به تقية ، فإن بعض العامة لا يرون المنع عن الصلاة في غير المأكول ـ كما مرّ ـ ، وعليه فالمكاتبة تصبح دليلا على المنع بدل الجواز ، هذا ، وفي حاشية الوحيد 1 على المدارك احتمال هذا المعنى ، بل في مفتاح الكرامة ( ٢ : ١٤٧ ) ما يظهر منه استظهاره له.

(٣) ونحوه مما لا تحلّه الحياة.

(٤) قد تقدم أنه اشتهر التعبير به في عصر الأئمّة : كناية عن صدورها تقية.


الجواز والمنع فيما تحلّه أو لا تحلّه الحياة من كلّ حيوان (١) على التذكية وعدمها ـ كما عن ابن حنبل (٢) ـ هو المحكيّ اشتهاره في ذلك العصر ، وكانت التقيّة شديدة (٣) ، وقد صدرت المكاتبة الشريفة على طبقه ، وهي تنادي بأعلى صوتها بذلك ، ولم يعمل المعظم بها لذلك ، فهل يسوغ للفقيه أن يكتفي بصحة سندها عن جميع ذلك.

وأمّا ما عن الرضا 7 فقد تردّد في الجواهر (٤) بين أن يكون من الفقه الرضوي أو رواية أخرى ، ويقوى عندي الاحتمال الأوّل ، فإن عبارة هذا المرويّ قريبة في سياقها من تعبيرات أحمد بن محمّد بن عيسى ، والذي أظنّه قويّا أنّه مؤلّف هذا الكتاب الشريف‌

__________________

(١) وإن كان غير مأكول اللحم.

(٢) نسب إليه في الجواهر ( ٨ : ٨٥ ) اشتراط كون الشعر والوبر مأخوذا من حيّ أو ذكيّ ، لكن في مفتاح الكرامة ( ٢ : ١٤٧ ) نسبة ذلك إلى الشافعي قال 1 بعد استظهاره ما مر آنفا « وهناك وجه آخر وهو أن الإمام 7 اتّقى الشافعية والحنابلة لأنّ الشافعي شرط كون الشعر ونحوه مأخوذا من الحيّ أو بعد التذكية ، وإذا أخذ من الميت فهو نجس ، وأحمد قال بعدم جواز الصلاة في الحرير المحض مطلقا ».

(٣) كما يشهد بها فرض السائل في المكاتبتين السابقتين عدم التقية ، ونحوهما غيرهما.

(٤) الجواهر ( ٨ : ٨٥ ) ، وقد عرفت وجود الرواية في الطبعة القديمة من الكتاب.


ـ الموسوم بالفقه الرضوي ويشتمل على ما في نوادره (١).

__________________

(١) وقع الخلاف الشديد بين الأعلام المتأخرين من لدن زمن المجلسيين رحمهما الله تعالى ـ حيث اشتهر أمر الكتاب وتناولته الأيدي على اختلاف في نسخه ـ في صحة نسبته إلى الإمام الرضا 7 وعدمها ، وفي شخص مؤلّفه ـ على تقدير العدم ـ ، فمن قائل بأنه تأليفه 7 ، وآخر بأنه بعينه رسالة ابن بابويه إلى ولده الصدوق ـ رحمهما الله تعالى ـ المسمّاة بالشرائع ، وثالث بأن بعضه إملاء الرضا 7 والبعض الآخر تأليف أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري مما أورده في نوادره ، وهذا ما أعتقده المحدّث النوري 1 في مستدركه ، وقريب منه ما استقربه المصنف الجدّ 1 في المقام وجعله المظنون قويّا ، ورابع بأنه بنفسه هو كتاب التكليف للشلمغاني ، واختاره السيّد الصدر 1 في رسالته ( فصل القضاء ) ، وخامس بأنّه تأليف بعض أولاد الأئمة : أو أصحابهم ، وسادس بغير ذلك ، ولكل من هذه الوجوه شواهد ومؤيدات مذكورة في المطوّلات ، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها :

فمن الشواهد على كونه له 7 كلا أو بعضا تصدير الكتاب باسمه الشريف ، والتعبير في عدة مواضع منه بأبي 7 أو أبي العالم 7 ، وفي موضع ( جدّنا أمير المؤمنين ) ، وفي آخر ( نحن معاشر أهل البيت ) ، لكن يبعّده عدم معروفية نسبته إليه 7 في الأعصار السابقة ، وعدم ورود ذكر له ولا إشارة في الكتب والجوامع الحديثية لا سيما ( عيون أخبار الرضا ) الموضوع لاستيعاب كل ما أثر عنه 7 ، ويبعّده أيضا اشتماله على كثير من المرويّات المرسلة المصدّرة بـ ( روي أو يروى أو أروي ) أو نحوها مما لا يشبه كلامهم : ولم يعهد منهم التعبير بمثله‌


ولا يخفى أنّ جملة ما يتضمّنه هذا الكتاب بين طوائف ثلاث :

الاولى : ما يظهر من سياقه أنّ من نطق به يرى نفسه أنّه الإمام وابن الأئمّة (١) ، والمظنون قويّا أنّه من إملاء الرضا 7 ، وكتبه المؤلّف المذكور.

الثانية : روايات عن آبائه الطاهرين ( صلوات الله عليهم ) (٢)

__________________

ويستشهد على كون بعضه من تأليف الأشعري منضمّا إلى ما أملاه 7 عليه اشتماله على ما في نوادره ، لكن يبعّده تأخّر الأشعري عنه 7 طبقة ، إذ لا رواية له عنه 7 ـ وإن لقيه بل وعدّ من أصحابه ـ ، ولا شهادة فيما ذكر لاحتمال كون مؤلفه ـ أيا كان ـ قد أدرج في الكتاب بعض روايات النوادر. كما يستشهد على كونه هو ( الشرائع ) تطابقهما في أكثر العبارات ، وانطباق الاسم المصدر ، به الكتاب عليه ، ولعلّ زيادة كلمة الرضا من تصرّف النسّاخ. وعلى كونه هو كتاب التكليف ـ مضافا إلى تطابق العبارات ـ اشتماله على بعض الآراء المخالفة للإجماع والتي اشتهر تفرّد الشلمغاني بها وكذبه على الأئمّة : في روايتها ، وفي رواية عن أبي القاسم الحسين بن روح ; حصرها في موضعين أو ثلاثة ، مضافا إلى مهجورية الكتاب في الأعصار الأول التي تناسب كتبه لمكان انحرافه وما صدر من الناحية المقدسة في لعنه والبراءة منه ، هذا. ولنكتف في المقام بهذا القليل والتفاصيل تطلب من مظانّها.

(١) كقوله في باب غسل الميت بعد حكاية ما صنعه الباقر 7 في تغسيل أبيه 7 ـ : « وكذلك فعلت أنا بأبي » ، وفي باب الدعاء : « هذا ما نداوم به نحن معاشر أهل البيت : » ، ونحو ذلك.

(٢) هي روايات كثيرة مسندة إلى رواتها مرويّة عن المعصومين من آبائه : أدرجت ضمن هذا الكتاب ، وتوجد في النوادر أيضا.


جمعها عن الرواة عنهم ، وأدرجها في طيّ هذا الكتاب ، وفي نوادره ، ويوجد بعضها في الجوامع الأخر مسندا إليه (١) ، وفي الوسائل أيضا عن تلك الكتب ـ كما لا يخفى على الخبير بها.

الثالثة : ما اشتبه حاله (٢) ، ويظنّ أنّ جملة منه من اجتهادات المؤلّف في الجمع بين ما تعارضت ظواهرها (٣) ، ونحو ذلك.

ولا يبعد أن يكون اشتمال هذا المؤلّف الجليل على الطائفة الأخيرة ، وعدم تميّزها عن الاولى (٤) هو الذي أوجب عدم اشتهار الكتاب بين الأصحاب ، ويشبه أن يكون هذا المرويّ من هذا القبيل (٥) ، وقد جمع بين ما دلّ على جوازها وما دلّ على عدم جوازها في المذكورات بذلك. وكيف كان فعدم صلاحيّته لأن يعوّل عليه في تخصيص العموم ظاهر.

__________________

(١) أي إلى الرضا 7.

(٢) وهذه أكثر ما يتضمنه الكتاب ـ كما يظهر بالمراجعة.

(٣) يعني أن جملة ممّا اشتبه حاله بيان لما أدّى إليه اجتهاد المؤلف في موارد تعارض الأدلة ونحوها.

(٤) بمعنى احتمال أن يكون الناطق بها هو الناطق بالأولى وأن يكون غيره.

(٥) أي من قبيل اجتهادات المؤلف ، وأنّ حكمه بجواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه من المذكورات من السنجاب والفنك وغيرهما ـ دون ما تتمّ ـ جمعا بين ما دلّ على جوازها في المذكورات مطلقا وما دلّ على العدم كذلك ، بحمل الأوّل على ما لا تتمّ منها ، والثاني على ما تتمّ ، وقد سلف ذكر روايات الطائفتين قبل هذا المقام.


وأمّا العوارض اللاحقة لبدن المصلّي أو لباسه (١) فمقتضى صراحة الموثّقة في شمول الحكم لمثل الروث والألبان ونحوهما (٢) ممّا لا يصلح لاتّخاذ الملابس منه هو توسّع الظرفية (٣) المستعملة فيها أداتها لما يعمّ الإضافة إلى أمثال هذه العوارض سواء كانت‌

__________________

(١) كالعرق والريق والبول واللبن ونحوها من الرطوبات الطاهرة حال رطوبتها أو بعد يبسها مع بقاء أثرها على اللباس أو البدن ، وكذا الشعر والوبر ونحوهما الملتصق بأحدهما.

(٢) كالبول وسائر الرطوبات المندرجة في قوله 7 « وكلّ شي‌ء منه ».

(٣) فإن هذه العوارض لمّا لم تصلح لاتخاذ الملابس منها فلم يمكن كون الظرفية المستعملة فيها أداتها ظرفية حقيقية ، فلا محالة يكون ذكرها قرينة على إرادة الظرفية التوسّعية بحيث تعمّ الإضافة المتحققة بين الصلاة وجميع هذه العوارض ، ومن الواضح أنّ الإضافة المذكورة لا يفرّق فيها بين ما كانت متحققة ، بين الصلاة وعوارض اللباس أو بينها وبين عوارض البدن ، فلا قصور في شمول الإطلاق لهما على نسق واحد.

وهذا الكلام منه 1 ردّ على من ارتكب التجوّز في الأداة وادّعى استعمالها في المعيّة مجازا ـ كما استظهره الوحيد 1 في حاشيته على المدارك ـ ، قال : « إن رواية ابن بكير ظاهرة فيه ـ أي في عدم اختصاص المنع باللبس وشموله للاستصحاب ـ ، فإن الصلاة في الروث مثلا ظاهرة في المعيّة ، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوّث به غلط » إلى آخر كلامه 1. كما أنه ردّ على من ارتكب الإضمار وأن التقدير ( الصلاة في اللباس المتلطّخ بها ) ـ كما هو ظاهر الجواهر ( ٨ : ٧٧ ). والوجه فيه أنه إذا أمكن التحفّظ على معنى الظرفية ـ ولو التوسّعي الادّعائي منها فلا تصل النوبة إلى ارتكاب التجوّز في الكلمة أو الإضمار.


عارضة لبدن المصلّي أو لباسه ، فإنّ الإضافة إلى نفس اللباس وإن كانت من قبيل الظرفيّة الحقيقيّة (١) ، لكنّها لمّا كانت بالنسبة إلى عوارضه توسّعية مندرجة مع عوارض البدن تحت جامع واحد (٢) ، فتكون أداة الظرفية مستعملة فيما يعمّ ذلك الجامع (٣) ـ لا محالة ـ ، ولا وجه للتخصيص بعوارض اللباس (٤) ، ولا لتخصيص الشعر والوبر بما عمل اللباس منه (٥) ، بل يعمّ الشعر والوبر الملتصق بالبدن‌

__________________

(١) وإن لم تكن في الوضوح كظرفية المكان للكائن فيه.

(٢) وهو مطلق الإضافة الحاصلة بين الصلاة وهذه الأمور ، سواء كانت في البدن أو اللباس.

(٣) ويكون هذا المعنى مطّردا في جميع الفقرات من دون تفكيك بينها ، فإنه مقتضى الاقتصار على ذكر الأداة مرّة واحدة ودخول الفقرات أجمع عليها متعاطفة بعضها على بعض.

(٤) ليخرج منه ما تلطّخ به البدن منها ، لأنه خلاف الإطلاق ـ كما عرفت. ودعوى إمكان التحفّظ على الظرفية الحقيقية بالنسبة إليها إذا حملت على ظرفيّة المتلطّخ بها فيتعيّن ذلك ـ كما هو مقتضى كلام الجواهر ـ ، مدفوعة بأن هذا يستلزم إضمار ما ذكر ، وهو خلاف الظاهر جدا ، ومستتبع للتقييد الذي لا موجب له رأسا.

(٥) المشهور ـ كما عن الذخيرة والكفاية والمجلسي ـ عموم المنع في الشعر والوبر ونحوهما للملتصق منها باللباس أو البدن ، وحكى في مفتاح الكرامة عن الروض والمسالك والمدارك والمفاتيح اختصاص المنع بالمعمول منه اللباس ، وعن الروض أنه حكاه عن صريح الشيخ والذكرى‌


أو اللباس أيضا ـ كما نسب إلى المشهور ـ ، ويشهد بذلك أو يدلّ عليه (١) رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني أيضا ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر أو الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ، فكتب « لا تجوز الصلاة فيه » ، نعم شموله لشعرة واحدة‌

__________________

وظاهر المعتبر ، ومال إليه في الجواهر ، وذكر في وجهه : أن الحقيقة وإن تعذّرت بالنسبة إلى الروث ونحوه ، لكنها غير متعذّرة بالنسبة إلى الشعر ونحوه بإرادة الصلاة في اللباس المعمول منه فيؤخذ بها ( الجواهر ٨ : ٧٧ ) ، لكنّك عرفت أنّ قرينة الاشتمال على الروث ونحوه اقتضت التوسّع في الظرفية من دون إضمار ، وأن مقتضى وحدة السياق اطّراد التوسّع المزبور في جميع الفقرات من دون تفكيك ، وأن مقتضى الإطلاق اللفظي عدم الفرق بين الشعر المعمول منه اللباس والملتصق ، ولا بين الشعر والروث الملتصق باللباس أو البدن.

(١) فإنه بناء على رجوع ضمير ( فيه ) إلى الشعر والوبر فكما تتمّ دلالتها على المطلب ، كذلك شهادتها على ما أفيد من عموم الظرفية في الموثقة لما يشمل إضافة الصلاة إلى الملتصق ، أما بناء على رجوع الضمير إلى الثوب نفسه فلا شهادة فيها ، بل مجرّد الدلالة على الحكم وأنه لا تجوز الصلاة في ثوب سقط عليه الوبر أو الشعر ممّا لا يؤكل لحمه ، هذا ، لكنّ الرواية غير نقيّة السند من جهة إبراهيم بن محمّد وإن كان وكيل الناحية ، إلاّ إذا بني على كفاية الوكالة في ثبوت الوثاقة ، وكذا من جهة عمر بن علي بن عمر بن يزيد الذي رواها عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، إلاّ إذا بني على أنّ عدم استثناء ابن الوليد رواية رجل من كتاب نوادر الحكمة توثيق منه له ، والرجل كذلك. والرواية تجدها رابعة روايات الباب الثاني من لباس المصلي من الوسائل.


ـ كما عن جامع المقاصد (١) ـ لا يخلو عن الإشكال (٢) ، خصوصا إذا التفّت بما ينسج الثوب منه.

وأمّا صحيحة محمّد بن عبد الجبّار (٣) فتقدّم أنّ ما تضمّنته من اعتبار التذكية في الوبر ، وإطلاق جوازها فيما كان منه ذكيّا قرينة‌

__________________

(١) قال 1 ( ٢ : ٨١ ) : فيعمّ المنع حتى الشعرة الواحدة على الثوب أو البدن.

(٢) وجه الإشكال في صورة التفافها بالخيوط المنسوج منها الثوب : قرب دعوى أنها إذ لا تميّز لها حينئذ فهي مستهلكة في الخيوط ، فلا يرى لها العرف وجودا ، فلا يصدق أنه صلّى فيها ، أما وجهه في غير هذه الصورة ـ كالملقاة على البدن أو الثوب ـ فلا يخلو عن خفاء ، إذ الاستهلاك مع تميّزها وانفصالها غير متحقق ، وصغرها لا يلحقها بالمعدوم ، وتسامح العرف فيه ـ لو فرض ـ لا عبرة به لكونه تسامحا في التطبيق ، والمفروض صدق الشعر عليها حقيقة ، هذا. ويأتي في الفرع الرابع الباحث عن حكم الخليط والمغشوش ما له نفع تامّ في المقام ، فانتظر.

(٣) الدالة على جواز الصلاة في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه إذا كان حيوانه مذكّى ، ويستفاد منها ـ بعد إلغاء خصوصية المورد ـ عموم الحكم لما يلتصق بغير القلنسوة من سائر اللباس والبدن ، فتعارض موثقة ابن بكير ورواية الهمداني الآنفة الذكر ، وقد عالج 1 ـ كغيره ـ التعارض المزبور بما تقدّم من وجود الأمارة الظاهرة على صدور الصحيحة تقية وهي مطابقة ما تضمّنته ـ من اعتبار التذكية في الوبر وإطلاق جواز الصلاة فيه وإن كان محرّم الأكل ـ لمذهب العامّة المشهور في ذلك العصر ، هذا. وقد مرّ أنه قد يحتمل بل يستظهر أن يراد بالذكيّ فيها محلّل الأكل ، وعليه فلا معارضة.


ظاهرة على أنّها قد أعطيت من جراب النورة.

وقد ظهر من ذلك (١) أنّ مقتضى شمول قوله 6 « وكلّ شي‌ء منه » للعظم ونحوه ممّا يكون أكثر مصاحبته للمصلّي بحمله له ، وكون التوسّع في الظرفيّة تابعا لعموم ما أخذ طرفا لإضافة الصلاة إليه هو عموم الحكم للمحمول أيضا ، إذ كما لا سبيل إلى إخراج العظم عن هذا العموم (٢) ، فكذا لا سبيل إلى تخصيصه بما إذا كان كالزرّ ونحوه‌

__________________

(١) تعرّض 1 هنا لحكم المحمول واختار دخوله في عموم المنع ـ إذا كان لوقوع الصلاة إضافة إليه ـ مستظهرا ذلك من الموثقة بتقريب يبتني على أمرين : ـ

الأول : ما هو بمنزلة الصغرى ، وهو أن عموم قوله 7 « وكلّ شي‌ء منه » يشمل العظم ونحوه من الأجزاء التي يغلب كونها محمولة للمصلّي لا ملبوسة له.

والثاني : ما هو بمنزلة الكبرى ، وهو أنّه يتوسع في الظرفيّة والإضافة الصلاتية بمقدار ما يناسب حال ما أخذ في مدخول الأداة ، فإذا أخذ فيه ما نسبته إلى الصلاة نسبة المحمول المصاحب ـ كالعظم ـ توسّعت الظرفية بحسبه ، وشملت الإضافة الصلاتية إلى المحمول ، فكأنّه قال ( لا تصلّ حاملا ما لا يؤكل لحمه ).

(٢) أي عموم « وكلّ شي‌ء منه » ، فإنه لو اخرج عنه لم يكن فيما أخذ في مدخول الأداة ما نسبته إلى الصلاة ـ في الغالب ـ نسبة المحمول ، وكذا لو لم يخرج عن لكنّه خصّص بما إذا كان كالزرّ ونحوه ، والوجه في نفي السبيل عن إخراجه عن العموم هو اقتضاء العموم دخوله وفقد المخصّص ، كما أن الوجه في نفي السبيل عن تخصيصه بمثل الزرّ هو‌


من توابع اللباس ـ كما لا يخفى. نعم لو لم يكن في البين سوى المصاحبة للمصلّي من دون أن يكون لوقوع الصلاة إضافة إليه لم يندرج في هذا العموم (١) ، وقد يمثّل لذلك بما إذا كان في حقّة وكانت الحقّة معه. وهو حسن إذا كانت الحقّة معلّقة عليه ولم تتحرّك بحركات الركوع والسجود (٢) ، دون ما إذا كانت في جيبه ـ كما لا يخفى.

الرابعة : لو مزج غير المأكول بما تجوز الصلاة فيه (٣) فإن كان‌

__________________

شمول العموم لجميع أحواله وأشكاله ـ سواء كان تابعا للباس أم مستقلا ـ ، والمفروض انتفاء المخصص.

(١) لأنه لا ربط له بصلاته ، ولا إضافة لصلاته إليه وإن كان للمصلي نفسه إضافة إليه ، فلا يصدق الصلاة فيه ـ حتى توسّعا.

(٢) كما إذا كان يصلّي قائما مومئا للركوع والسجود والحقّة معلّقة في رقبته مثلا ، أو أنه يصلّي قائما معلّقا عليه الحقّة فإذا أراد الركوع والسجود نزعها ووضعها على الأرض ، فإنّ كونه في الحقّة ـ وهي معلّقة ـ يجعله كثير الابتعاد عن بدن المصلّي ولباسه ، فكأنه لا يعدّ من توابعه التي يكون للصلاة أضافه إليها ، والمفروض أيضا عدم تحرّكه بالحركات الصلاتية الموجب لارتباطه بالصلاة ، فلا يصدق أنّه صلّى فيه ، بخلاف ما إذا وضع الحقّة في جيب ثوبه الملتصق ببدنه وصلّى راكعا وساجدا ، بل أو مومئا لهما ، ولا أثر لكونه في الحقّة ـ والحال هذه ـ في المنع عن صدق الصلاة فيه ، هذا. لكن قد يشكل بأنّ الإضافة الصلاتية ـ بالنظر الدقّي ـ متحققة في الفرض المزبور أيضا ، وأنّ اعتبار التحرك بالحركات الصلاتية في تحقق الإضافة المزبورة غير واضح ، فلا حظ وتأمّل.

(٣) وهو النباتي أو المأكول أو كالخزّ المستثنى من غير المأكول.


ذلك الخليط قدر ما يحصل منه زيادة عرفيّة في مقدار المجموع (١) لم يخرج عن حكمه ، سواء كان ظاهرا أو كان غشّا خفيّا (٢) لا يبان فيه ، إذ لا مجال لتوهّم استهلاكه (٣) ، ولا جدوى لتسمية المجموع عرفا باسم ما غشّ به (٤) ، كيف وليست ناشئة عن الصدق والانطباق (٥) ، وإنما هي من الخطأ أو التسامح في التطبيق ، وأيّا ما كان (٦) لا عبرة به ، ومن ذلك الخزّ المغشوش بوبر الأرانب ونحوه ، وتقدّم (٧) أنّ ما دلّ على عدم جوازها فيه ـ وهو رواية أحمد بن‌

__________________

(١) بحيث يقال عرفا إنّه مؤلّف من المأكول وغيره ، ولو بنسبة العشر مثلا أو أقلّ.

(٢) إذ لا أثر لخفائه مع فرض وجوده بمقدار معتدّ به.

(٣) حتّى عرفا ، لأن المفروض أنّ له كميّة محسوسة بحيث يراه العرف موجودا ضمن المجموع ، وهو ينافي الاستهلاك ـ المبنيّ على عدّه معدوما.

(٤) كما إذا سمّي الخزّ المغشوش بوبر الأرانب أو الثعالب باسم الخزّ.

(٥) فإنّ المسامحة العرفية إن كانت في توسعة دائرة المفهوم ، بحيث أصبح المفهوم العرفي تامّ الانطباق والصدق على المورد ، أخذ بها. أمّا إذا كانت مسامحة في التطبيق فقط من دون انطباق حقيقي ـ لعدم اتّساع المفهوم حقيقة ولا عرفا ـ فلا عبرة بها ـ كالمسامحة في إطلاق الكرّ على ما ينقص منه غرفة ـ ، والمقام من الثاني ، وأوضح منها في عدم الاعتبار ما إذا كان خطأ عرفيا في التسمية والتطبيق.

(٦) أي من الأمرين : الخطأ أو التسامح.

(٧) تقدّم منه 1 في ذيل الجهة الاولى أنّ ما سوى الخز والسنجاب مما‌


محمّد وأيوب بن نوح ـ هو المعمول به بين الأصحاب ، بل نقل في المعتبر عن جماعة منهم دعوى الإجماع على ذلك ، وكان حال ما دلّ على جوازها في المغشوش بتلك الأوبار (١) كحال ما دلّ على جوازها فيها عند خلوصها (٢) ـ كما تقدّم ـ ، ولو فرض تكافؤهما (٣) وتساقطهما بذلك ـ كما هو الشأن فيما كان للمخصّص معارض‌

__________________

وردت الرخصة فيه ـ ومنها الخز المغشوش بوبر الأرانب ـ قد ورد المنع عنه أيضا ، وعليه ـ أي على المنع ـ بنى العصابة ولم يلتفتوا إلى روايات الرخصة ، حيث عرفوا أنها إنما أعطيت من جراب النورة ، هذا. وقد أشار عليه 1 هنا إلى الرواية المانعة عن الخز المغشوش ، وهي ما رفعه أحمد بن محمّد أو أيوب بن نوح ـ على اختلاف طرقه ـ عن أبي عبد الله 7 أنه قال : « الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به ، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه » ، راجع الباب ٩ من لباس المصلي من الوسائل ، الحديث ١.

(١) وهو رواية داود الصرمي ـ كما في التهذيب ـ أو داود الصرمي عن بشير بن يسار ـ كما في الاستبصار ـ قال : سألته عن الصلاة في الخز يغشّ بوبر الأرانب ، فكتب : « يجوز ذلك » ، راجع نفس الباب ، الحديث ٢.

(٢) أي في أوبار الأرانب الخالصة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله 7 قال : سألته عن الفراء والسمّور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، قال : « لا بأس بالصلاة فيه ». ( الباب ٤ ، الحديث ٢ ) ، وأشباهه تشمل الأرانب. والمقصود بالعبارة أنّ حال الجميع واحد ، وهو أنها مهجورة عند الأصحاب محمولة على التقية.

(٣) بأن لم يعتدّ برجحان الرواية المانعة على المجوّزة بمخالفتها لمن جعل الله الرشد في خلافهم.


يعادله (١) ـ فقد عرفت أنّ (٢) إطلاق المنع عن الأرانب والثعالب يعمّ الغشّ ، وإطلاق الرخصة في الخزّ لا يعمّ المغشوش.

ولو كان مقدار الغشّ يسيرا جدّا بحيث لا يحصل منه زيادة عرفية في مقدار المجموع ، ويكون وجوده كعدمه ، ففي سقوط حكمه بذلك وعدمه وجهان : من صدق استهلاكه عرفا ، ومن أنّ (٣)

__________________

(١) والمقام من هذا القبيل ، فإنّ الدليل المجوّز مقيّد لإطلاق المنع عن المغشوش به معارض بالدليل المانع. وظاهر العبارة أنّ حكم المتعارضين المتعادلين إذا كان أحدهما مخصّصا لعامّ والآخر موافقا له هو التساقط والرجوع إلى العموم ، دون التخيير ، وفي الأصول أطلق 1 القول بالتخيير من دون استثناء المورد المذكور ، والظاهر أنّ الوجه في استثنائه أن العامّ لم يثبت تخصيصه بشي‌ء لابتلاء المخصص بالمعارض ـ حسب الفرض ـ ، إذن فأصالة العموم محكّمة فهو المعوّل عليه ، دون شي‌ء من المتعارضين.

(٢) عرفت أمر الإطلاقين ممّا مرّ آنفا من أنه في مفروض المقام لا مجال لتوهّم الاستهلاك ، وأن تسمية المجموع عرفا باسم المغشوش خطأ أو تسامح في التطبيق ، ولا عبرة بشي‌ء منهما ، ومقتضى ذلك أن إطلاق المنع عن الأرانب والثعالب يعمّ المقامين لتحقّق موضوعه ، بخلاف إطلاق الرخصة في الخز ، فإنّ موضوعه عنوان الخز الظاهر في الخالص ، فلا يشمل المغشوش ، إذن فالإطلاق الأوّل هو المرجع في المقام بعد تساقط المتعارضين ، هذا. وقد سمعت إطلاقات المنع عن الأرانب والثعالب عند إيراد أخبار الباب ، وعمدتها صحيحتا ابن راشد وابن مسلم المانعتان عن الثعالب وصحيحة ابن مهزيار المانعة عن الأرانب.

(٣) محصّل هذا الوجه أنه لا عبرة بالصدق العرفي لعنوان الاستهلاك ،


عنوان الاستهلاك لم يؤخذ ـ بنفس عنوانه ـ مخرجا لموضوعات الأحكام عن الموضوعيّة لها ، كي يدور مدار صدقه العرفي ، وإنّما العبرة في ذلك بانعدام تلك الموضوعات بامتزاجها بما يغلب عليها ، إمّا حقيقة كالدم المستهلك في الماء ، فإنّ صورته النوعيّة تنعدم * حقيقة باستيلاء الماء عليه وتفرّق أجزائه فيه ، أو عرفا كالماء القليل الملقى في نهر ونحوه (١) ، ولو ألقي في حوض صغير مملوك للغير ففي كونه من التالف إشكال (٢) ، فضلا عن الصوف‌

__________________

لعدم وروده بعنوانه في دليل شرعي يبيّن كونه مخرجا لموضوعات الأحكام عن الموضوعية لها ، كي يتبع صدق هذا العنوان عرفا ، وإنما العبرة في الخروج عن الموضوعية بانعدام الموضوع خارجا إما حقيقة أو عرفا ، فإن لم ينعدم وكان له وجود حقيقة وعرفا لحقه حكمه وإن صدق في مورده الاستهلاك عرفا.

(١) فإنّ تفرّق الأجزاء وإن حصل فيه أيضا ـ كما في مثال الدم ـ إلاّ أنه لمجانسته مع المختلط به في الماهية فلا يوجب الاختلاط زوال صورته النوعية حقيقة ـ كما كان في الدم ـ ، بل انعدام وجوده عرفا ، لشدة استيلاء ماء النهر عليه واستيعابه إياه وضياعه فيه ، فلا يرى له وجود ، ويعدّ من التالف ، ويضمن بدله لمالكه إن كانت له ماليّة.

(٢) وجهه أنّ عدم غزارة ماء الحوض واستيعابه لما ألقي فيه من القليل يوجب عدم وضوح انعدام ما ألقي فيه في نظر العرف ـ حذو وضوحه إذا ألقي في ماء النهر الكبير ـ فلا يعلم كونه من التالف عرفا المضمون لمالكه أو كونه من الزيادة في مقدار المجموع الموجبة للاشتراك بين المالكين ، إذن فمورد الإشكال هو ما إذا شك في تحقق الزيادة العرفية وعدمه.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تنهدم ) والصحيح ما أثبتناه.


القليل (١) المندوب بقطن كثير ، ونحو ذلك.

وبالجملة فإذا لم يكن الخلط موجبا لزيادة عينيّة أو حكميّة (٢) في المجموع ، وكانا لمالكين فلا إشكال في عدم اشتراكه بينهما ، أمّا استناد ذلك (٣) إلى خروجه ـ من جهة قلّته ـ عن الماليّة مع بقاء سائر أحكامه ، أو كونه من التالف العرفي وسقوط جميع أحكامه بذلك لا يخلو عن‌

__________________

(١) وإذا كان متّخذا من غير المأكول كان مثالا للشبهة المبحوث عنها ، ووجهه أقوائية الإشكال فيه من سابقه أن الخلط والامتزاج في الجوامد أضعف منه في المائعات ـ كما لا يخفى.

(٢) كما إذا أوجب الخليط زيادة قيمة المجموع من دون زيادة عينية في كميّته ، ومحصّل ما أجمله 1 في هذا المقام : أن الخلط والغش في محل الكلام إن كان بمقدار يوجب زيادة عينية أو حكمية في المجموع ـ كما في الصورة السابقة ـ كان للخليط حكمه ـ كما مرّ ـ ، وإذا كانا لمالكين اشتركا في المجموع ، وإن لم يكن بهذا المقدار ـ وهي الصورة الثانية ـ لم يشترك فيه المالكان بلا إشكال ، أمّا لمجرد خروج الخليط لقلّته عن المالية ـ كما في حبة الحنطة ، والاشتراك فرع تحقق المالية لكلّ من الخليطين ـ مع بقاء وجوده الخارجي ، فيبقى معه سائر أحكامه ـ ومنها عدم جواز الصلاة فيه إذا غشّ بغير المأكول ـ ، وإمّا لكونه معدودا في العرف من التالف المنعدم الوجود ، فيسقط به جميع أحكامه فيجوز الصلاة فيه. ووجه الترديد هو ما تقدّم منه 1 من الترديد في كفاية صدق الاستهلاك عرفا في سقوط أحكامه ، أو عدم كفايته لعدم ورود عنوان الاستهلاك موضوعا في دليل شرعي ليتبع صدقه ، وإنما المتّبع انعدام الموضوع حقيقة أو عرفا ، وتحققه في المقام غير معلوم ، إذن فيشكل الصلاة فيه ، وإن لم يكن إشكال في عدم الاشتراك فيه بين المالكين.

(٣) أي استناد عدم الاشتراك بينهما.


الإشكال ، ولنقتصر ممّا يهمّ من فروع التلازم بين الحكمين على ذلك.

الأمر الثالث : إنّه بعد الفراغ عن كون التلازم المذكور من الواضحات التي لا مجال للشبهة فيها ، ففي استناده (١) إلى عدم صلاحيّة غير المأكول ـ من حيث نفسه ـ لوقوع الصلاة فيه وكونه في عداد الموانع بذلك ، أو إلى انتفاء ضدّه الوجوديّ الذي هو الوقوع في المأكول وكونه كالطهارة ونحوها من الشرائط الوجوديّة ، أو إلى مجموع الأمرين ورجوع النتيجة في المقام إلى شرطيّة أحد الضدين ومانعيّة الآخر ، وجوه وأقوال.

فظاهر الأكثر هو الأوّل ، لأنهم لم يعتبروا من هذه الجهة سوى انتفاء تلك الخصوصيّة المفسدة (٢) ، ولو كانوا يعتبرون ضدّها الوجوديّ لم يكتفوا في بيانه بنفي ضدّه ـ كما هو الشأن في نظائره ،

__________________

(١) أي استناد التلازم المذكور والحكم بفساد الصلاة في أجزاء غير المأكول إلى وجدانها للمانع ـ وهو وقوعها في أجزائه ـ ، أو إلى فقدها لشرط الوقوع في المأكول ، أو إليهما جميعا.

(٢) إذ عبّروا بمثل : لا تجوز ، أو لا تصح الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، أو يشترط أن لا يكون لباس المصلي منها ، ونحو ذلك ممّا ظاهره المانعية وتقيّد المطلوب بعدم وقوعه في غير المأكول ، ولو كانوا قائلين بالشرطية وتقيّد المطلوب بوقوعه في المأكول لعبّروا بمثل : تجب الصلاة في أجزاء المأكول ، أو يعتبر وقوعها فيها ، ونحو ذلك ، ـ كما عبّروا كذلك بالنسبة إلى سائر الشرائط كالطهارة ونحوها ـ ، وليس من المتعارف في مقام بيان اعتبار شي‌ء التعبير باعتبار انتفاء ضده ، فإنه تبعيد للمسافة ـ كالأكل من القفا.


كالطهارة الحدثيّة والخبثيّة وغير ذلك.

وذهب غير واحد (١) تبعا لمحكيّ المنتهى إلى الثاني ، وعليه بنوا رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى الشكّ في الامتثال (٢) إمّا مطلقا ، أو بالتفصيل الأخير (٣) ـ كما ستعرفه.

واختار الثالث في الجواهر ، لكنّه عمّم المانعيّة لجميع ما يصلّى فيه من اللباس وعوارضه والشعرات الملقاة والمحمول ، نظرا إلى ظهور صدر الموثّقة (٤) في المانعيّة وشمول الظرفيّة فيه لجميع‌

__________________

(١) تقدّم كلام العلاّمة 1 في المنتهى والمصرّح فيه بالشرطية ، وهي ظاهر كشف اللثام ، ومفتاح الكرامة أيضا.

(٢) فذهبوا لأجله إلى المنع ، لأنّ القيد الوجودي لا بدّ من إحرازه لدى الامتثال ، والشك في تحققه شك في الامتثال ، وهو مجرى قاعدة الاشتغال.

(٣) وهو القول الرابع المتقدم نقله في أوّل الرسالة عند تحرير أقوال المسألة ، وهو التفصيل بين ما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان وشكّ في مأكوليته فالمنع ، وما إذا لم يعلم ذلك وكانت النباتية أيضا محتملة فالجواز ، وستعرف أن القائل بهذا التفصيل يرى اختصاص شرطية المأكولية بما إذا كان من أجزاء الحيوان ، فيختصّ الشك في الامتثال بهذه الصورة لا محالة.

(٤) وهو قوله 7 : « الصلاة في وبر كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره. فاسدة » فإنه ظاهر في المانعية ، والظرفية فيه شاملة للباس وعوارضه والشعرات والمحمول ، وقد مرّ بيان كيفية شمولها والتوسّع فيها.


ذلك ، وقد استظهر شرطيّة المأكوليّة أيضا من ذيلها (١) ، لكنّه خصّصها باللباس ، لخلوّه عمّا يوجب التوسّع في الظرفية فيه (٢) ، وقد التزم في خصوص اللباس بكلا الأمرين بزعم عدم التنافي ، وفرّع ما اختاره من التفصيل في جوازها (٣) في المشتبه بين اللباس وغيره من المذكورات على ذلك (٤) ، بناء منه (٥) على المفروغيّة عن‌

__________________

(١) وهو قوله 7 : « لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره مما أحلّ الله أكله » ، وسيأتي البحث عنه.

(٢) فيؤخذ بظاهر الظرفية فيه وهو الظرفية الحقيقية الخاصّة باللباس.

(٣) أي جواز الصلاة.

(٤) يعني على تعميمه المانعية للجميع وتخصيصه الشرطية باللباس ، قال 1 في الجواهر ( ٨ : ٨٢ ) : « ولكن قد يقال : إن المستفاد من الموثق المزبور شرطية المأكول بالنظر إلى الملبوس نفسه ، أمّا ما كان عليه من الشعرات ـ بناء على المنع منها ـ أو الفضلات أو المحمول أو نحو ذلك فلا دلالة فيه على اشتراط كونه من المأكول كي لا يجزي الصلاة مع الشك فيها ، بل هي تبقى على النهي عنها من غير المأكول ، فمع تحققها تبطل الصلاة ، ومع الشك فلا » انتهى موضع الحاجة ، ومحصّله أنّه لا دليل على الشرطية بالنسبة إلى غير الملبوس ، بل مجرد المانعية المستتبعة للصحة مع الشك ، أمّا الملبوس فقد دلّ الدليل على الشرطية أيضا بالنسبة إليه ، ومقتضاها البطلان لدى الشك.

(٥) تعليل لاختياره التفصيل المذكور ، فإنّ مقتضى الأصل المذكور عدم وقوع الصلاة في المأكول المعتبر شرطا في اللباس فتبطل ، وعدم وقوعها في غير المأكول المعتبر مانعا في غير اللباس فتصح ، وسيأتي تحقيق الحال في هذا الأصل في المقام الثالث من مقامات البحث عن الأصول العملية التي وقع البحث عن جريانها في المقام.


حجيّة أصالة العدم عند الشكّ في أيّ حادث يترتّب الأثر على وجوده ، وجعل الجواز والعدم في المشتبه مبنيّا على القول بمانعيّة غير المأكول وشرطيّة المأكوليّة من ذلك (١) ، وتقدّم ابتناء ما اختاره من الجواز فيما انفصل عن الإنسان مطلقا إذا كان من العوارض أو المحمول ، واستشكاله في الثوب المنسوج من شعره أيضا على ذلك (٢) ، ولا يهمّنا التعرّض لمواقع النظر فيما أفاده.

وإنّما المهمّ في المقام هو البحث أوّلا عن إمكان اجتماعهما (٣) في الضدّين أو امتناعه ، ثم تنقيح ما يستفاد في مقام الإثبات من أدلّة الباب.

أمّا الأوّل : فلا يخفى أنّ امتناعه من فروع امتناع الجمع بين الضدّين (٤) ، ويلحقه في الوضوح.

أمّا في التكوينيّات فظاهر ، لأنّ مناط شرطيّة الشرط (٥) وكونه‌

__________________

(١) الظاهر أن الظرف متعلق بـ ( جعل ) ، و ( في ) سببية ، يعني أنه 1 جعل الجواز وعدمه مبنيا على القولين ـ كما تقدّم نقله عنه لدى سرد الأقوال ـ بسبب بنائه على المفروغية عن حجية الأصل المذكور.

(٢) تقدّم نقل ذلك عنه 1 لدى البحث عن الصلاة في أجزاء الإنسان وفضلاته ، حيث بنى التفصيل المذكور على اختصاص الشرطية باللباس.

(٣) اي اجتماع الشرطية والمانعية.

(٤) سيتضح لك وجهه قريبا.

(٥) مهّد 1 لإثبات مطلوبه والبرهنة عليه مقدمة تعرّض فيها لبيان المناط لكل من أجزاء العلة الثلاثة : المقتضي والشرط وعدم المانع ، وموقعه من‌


من أجزاء العلّة هو توقّف تماميّة المقتضي ـ فيما له من التأثير في إفاضة المعلول ـ على وجوده ، كمجاورة النار للأجسام القابلة للاحتراق بها ، فإنّها إنّما تكون محترقة لها بالمجاورة ، لا بنفس ذاتها. ومناط مانعيّة المانع هو دفاعه عن تلك الفاعليّة ، ودفعه لذلك التأثير الحاصل للمقتضي بمعونة شرطه ، كما إذا كان ما جاورته النار ذا رطوبة حافظة له دافعة لتأثيرها في إحراقه ، ونحو ذلك ، وبهذا الاعتبار (١) عدّ عدم المانع أيضا من أجزاء العلّة ، وإلاّ فالذي‌

__________________

تركيب العلّة ، ووجه دخله في ترتّب المعلول عليه ، فأفاد 1 : أن المقتضي هو الذي يترشّح منه وجود المعلول ويكون له الفاعليّة والتأثير في إفاضته ولا شأن للآخرين في هذه المرحلة ـ أعني مرحلة الرشح والتأثير ـ ، كما في النار بالنسبة إلى الاحتراق ، أمّا الشرط فهو الذي يتوقف تمامية المقتضي في فاعليّته وتأثيره عليه فلا تأثير له بالفعل إلا بمعونته ولدى تحققه ، كالمجاورة ـ في المثال ـ فإنّ النار لا تحرق الجسم القابل للاحتراق بنفسها ، وإنما تحرقه إذا جاورها ، وأمّا المانع فهو الذي يمنع عن تأثير المقتضي بمعونة شرطه في مقتضاه ويدفع عن فاعليّته له ، كما في الرطوبة الحافظة للجسم والدافعة لتأثير النار المجاورة له في احتراقه ، ولأجله كان وجود المعلول متوقفا على انتفائه ، كما هو متوقف على وجود المقتضي وشرطه.

(١) أي باعتبار كون المانع دافعا عن المحل تأثير المقتضي فيه كان وجود المعلول متوقفا على عدمه ، فعدّ هذا العدم بهذا الاعتبار من أجزاء علّته ، لا باعتبار كونه جزءا مؤثرا في وجود المعلول راشحا له ، إذ الرشح‌


يترشّح عنه وجود المعلول هو المقتضي وإن كان رشحه له متوقّفا على اجتماع الأمرين ، وتنحسم مادّة الإشكال (١) في عدّ العدم من أجزاء علّة الوجود بذلك ، ويتّضح سرّ الترتّب والطوليّة (٢) بين أجزاء‌

__________________

والتأثير يختص بالمقتضي فهو العلة وتمام المؤثر ، لكن بما أن تأثيره موقوف على اجتماع الأمرين : الشرط وعدم المانع ، فبهذا الاعتبار عدّا من أجزاء العلة.

(١) فإن الإشكال الضروري الورود ـ من أنّ العدم لا يعقل أن يكون مؤثرا أو جزء المؤثر في شي‌ء ، فكيف عدّ عدم المانع من أجزاء العلة ـ إنما تنحسم مادّته بما ذكر من أنه لا يراد بالعلة ماله التأثير ومنه الوجود ، بل مطلق ما يتوقف عليه الوجود.

(٢) غرضه 1 بيان أن الطولية والترتب الواقع بين أجزاء العلة الثلاثة في مقام الفعلية والتأثير إنما هو من متفرعات ما ذكر من المناط لكل من الثلاثة ، فإنّ مقتضى ما ذكر أن يكون الشرط متأخرا رتبة عن المقتضي ، ويكون عدم المانع متأخرا كذلك عنهما في كل من طرفي التأثير وعدمه ، ذلك لأن الشرط ليس له أثر في وجود المعلول ولا في عدمه إلاّ بعد وجود المقتضي ، فما لم توجد النار لا يستند عدم الاحتراق إلى انتفاء المجاورة بل إلى انتفائها ، وإذا وجدت وتحقق معها المجاورة فحينئذ كان لها الدخل في وجود الاحتراق ، وإن لم تتحقق معها استند عدم الاحتراق إلى انتفائها ، كما أن المانع لا أثر له وجودا ولا عدما إلاّ بعد اجتماع الأولين ، فإذا لم توجد النار ، أو وجدت ولم تتحقق المجاورة لم يستند عدم الاحتراق إلى وجود الرطوبة ، بل إلى أحد الأمرين ـ كما عرفت ـ ، نعم إذا وجدتا فإن وجدت الرطوبة أيضا استند عدم الاحتراق إليها وإن لم‌


العلّة في كلا طرفي التأثير في وجود المعلول وعدمه من ذلك ، فلا يكون للشرط أثر لا وجودا ولا عدما إلاّ بعد وجود المقتضي ، ولا للمانع أيضا إلاّ بعد اجتماع الأمرين.

وكيف كان فمقتضى كون الشرط متمّما (١) لفاعليّة المقتضي في إفاضة المعلول ، وكون المانع كاسرا ودافعا لتلك الفاعليّة الحاصلة للمقتضي بمعونة شرطه هو امتناع أن يجتمع مناط الأمرين وشأنيّتهما (٢) ، فضلا عن فعليّتهما التي عرفت الترتّب والطوليّة‌

__________________

توجد وجد الاحتراق وكان لعدمها دخل في وجوده ، ويتحصّل من كلّ ذلك أنه إذا وجد المعلول استند إلى جميع أجزاء علته إذ كان لكل منها دخل في وجوده ، وإن لم يوجد فبما أنه يكفي في عدمه عدم أحد الثلاثة والمفروض أنّ بينها ترتّبا وطوليّة فيستند العدم ـ لا محالة ـ إلى عدم أسبقها رتبة ـ حسبما عرفت.

(١) أعاد 1 هنا ذكر مناط الأمرين توطئة ليفرّع عليه النتيجة المطلوبة ، أعني : امتناع اجتماع الأمرين مناطا وفعلية في ممتنعي الجمع كالضدين ـ كما ستعرف.

(٢) مناط الأمرين وما يرجع إلى مقام الشأنية هو ما ذكر من أن الشرط متمّم لفاعلية المقتضي والمانع دافع لهذه الفاعلية المتمّمة بمعونة الشرط ، ويقابله مقام فعليتهما ، وهو مقام دخلهما بالفعل في وجود المعلول وعدمه.

ومقتضى قوله : « فضلا عن فعليتهما » هو كون امتناع اجتماع الأمرين في الضدين ونحوهما من ممتنعي الجمع بالنسبة إلى مقام الفعلية أوضح من مقام الشأنية والمناط ، ووجهه ما مرّ من وضوح أنّه لا أثر للمانع وجودا‌


فيها (١) إلاّ في ممكني الجمع ، ويكون التضاد الموجب لامتناع اجتماع الأضداد هو الموجب لامتناع اجتماعهما (٢) في الضدّين.

وقد ظهر من ذلك أنّه لقد أجاد المحقّق الخونساري 1 فيما أفاده (٣) من امتناع استناد عدم الشي‌ء إلى وجود مانعه إلاّ بعد وجود‌

__________________

ولا عدما إلاّ بعد وجود الشرط ، وعليه فإذا فرض أنّ الشرط هو أحد الضدين ، وقد فرض وجوده ودخله في التأثير امتنع وجود الضد الآخر معه ، لامتناع اجتماع الضدين ، فكيف يفرض له المانعيّة الفعليّة ، كما أنه إذا فرض العكس وأنّ أحد الضدين مانع وفرض وجوده ومانعيته عن التأثير فكيف يعقل شرطية الضد الآخر وفرض وجوده ودخالته في التأثير. وأمّا الامتناع بالنسبة إلى مقام الشأنيّة والقوّة فلأنّه إذ فرض تحقّق مناط الشرطيّة في أحد الضدين فكان له شأنيّة المتمميّة لفاعلية المقتضي فكيف يمكن تحقّق ملاك المانعية في ضده الآخر ، ويكون له صلاحية الدفع للفاعلية المتممة بالضد الأول ـ حسب الفرض ـ ، فإنّ ثبوت هذه القوة والشأنيّة له فرع إمكان اجتماعه مع الأوّل ، والمفروض امتناعه لتضادّهما ، ونحوه لو انعكس الفرض وفرض تحقّق مناط المانعيّة في أحد الضدين ، إذن فلا يعقل تحقق المناطين إلاّ في شيئين ممكني الجمع خارجا ـ كما هو ظاهر بالتأمل.

(١) أي في الفعليّة.

(٢) أي اجتماع الشرطيّة والمانعيّة في الضدين ـ حسبما شرحناه ـ ، وهذا هو معنى ما أفاده 1 في صدر البحث من أن امتناع اجتماعهما في الضدين من فروع امتناع اجتماع الضدين.

(٣) ادّعى المحقّق المذكور 1 استحالة أن يستند عدم أحد الضدين إلى‌


__________________

وجود الضد الآخر ـ استناد عدم الشي‌ء إلى وجود مانعه ـ ، وبرهن عليه بما يتألف من أمرين : أحدهما ما تقدم بيانه من أنّ عدم الشي‌ء يمتنع أن يستند إلى وجود مانعه إلاّ بعد وجود مقتضيه وتمامية اقتضائه بوجود شرطه ، وإلاّ لاستند العدم إلى عدم المقتضي أو الشرط ، والثاني أنه يستحيل اجتماع المقتضي للضدين حذو استحالة اجتماع الضدين أنفسهما ، واستنتج من ذلك أنه لا يمكن وجود الضد المانع ومانعيّته عن تأثير مقتضي الضد الممنوع ليستند عدم الممنوع إلى وجوده ، لأنّ وجوده متوقف على وجود مقتضيه ، ومانعيته متأخرة عن وجود مقتضي الممنوع وشرطه ، فلزم اجتماع مقتضي الضدين ـ المحال ـ ، هذا.

وقد استجود المحقّق الجدّ 1 استدلاله هذا ، ووافقه في دعواه امتناع اجتماع مقتضي الضدين ، وعلّله في الأصول ـ على ما في تقريرات بحثه ـ بأنّ اقتضاء المحال كنفسه محال ، وأنّه لا فرق في ذلك بين المقتضيات التكوينيّة وبين الإرادة المقتضية للأفعال الاختيارية ، وأنّ من الواضح استحالة تعلق إرادتين من شخص واحد بفعلين متضادّين ، أمّا بالنسبة إلى شخصين فتكون الإرادة الغالبة القاهرة منهما هي المقتضية دون الأخرى ، ثم أفاد 1 أنه إن أبيت إلاّ عن أنّ عدم تأثير الأضعف أو المساوي إنما يستند إلى وجود مزاحمة ، إذ لولاه لأثّر أثره ، فلا قصور في اقتضاء أيّ منهما ، إلاّ أنّه لا مناص من القول بأنّ عدم أحد الضدين إنما يستند إلى وجود مقتضي الضد الآخر الأقوى منه أو المساوي ، لا إلى وجود الضد الآخر نفسه ـ كما يدعيه الخصم ـ ، ويشهد له أنّه لا وجود للضد الآخر نفسه في صورة التساوي ـ كما لا يخفى ـ ، راجع أجود التقريرات ( ١ :


__________________

٢٥٥ إلى ٢٥٧ ). وسيأتي منه 1 هنا التصريح بالمطلب الأخير في التنبيه الرابع من تنبيهات الخاتمة إذ يقول : « فإنّ غاية ما يقتضيه امتناع تأثير كلّ منهما ـ يعني بهما مقتضي الوجوب والحرمة. إنما هي خروج الأضعف منهما عن صلاحيّته لذلك بأقوائيّة الآخر لا بوجود ما يقتضيه ».

هذا وقد أورد على المطلب الأول ـ امتناع اجتماع مقتضيي الضدين ـ المحقّق الأصفهاني 1 في نهايته ( ٢ : ١٩٠ الطبعة الحديثة ) بأن استحالة اقتضاء المحال أجنبية عمّا نحن فيه ، فإنها فيما إذا كان شي‌ء واحد مقتضيا لأمرين متنافيين ، لا فيما إذا كان شيئا يقتضي كلّ منهما أمرا مضادا لما يقتضيه الآخر ، فسبب البياض لا يقتضي إلاّ البياض ، وكذا سبب السواد ، وليس هناك سبب يقتضي بذاته البياض والسواد حتى يكون مقتضيا للمحال. وإليه يرجع ما أورده السيّد الأستاذ 1 في تعليقته على أجود التقريرات ( ١ : ٢٥٥ ) من أن كلاّ من المقتضيين إنما يقتضي أثره في نفسه ومع قطع النظر عن الآخر ، فمقتضى البياض إنما يقتضيه في نفسه ، كما أن مقتضي السواد يقتضيه كذلك ، ولا استحالة في ذلك ، وإنما المستحيل هو اقتضاء شي‌ء للبياض المقارن للسواد. وأضاف 1 أنه لو لا ما ذكرناه ـ يعني من إمكان اجتماع المقتضيين في أنفسهما ـ لاستحال استناد عدم الشي‌ء إلى وجود مانعه ، لأنّ الأثر المترتّب على وجود المانع إن لم يكن مضادّا للممنوع فلا موجب لكونه مانعا منه ، وإن كان مضادا له فكيف يعقل وجود المقتضي لما فرض ممنوعا ليستند عدمه إلى وجود المانع.

أقول : يمكن أن يقال إنّ كلّ ما يفرض في الخارج من قبيل اجتماع‌


__________________

مقتضي الضدين فهو في الحقيقة ليس منه ، لأن هناك قصورا لا محالة في أحد المقتضيين أو كليهما ، فإذا فرضنا أنّ هبوب الرياح يقتضي حركة الجسم إلى المشرق وإشعاع الشمس يقتضي حركته نحو المغرب ، فذات المقتضيين وإن وجدا إلاّ أنّه لا يخلو أحدهما عن قصور في اقتضائه ، فإن الذي له اقتضاء التأثير في مثل هذه الموارد هو الأقوى منهما ، فالأضعف قاصر الاقتضاء ، وإذا تساويا قوة وضعفا فكلاهما قاصران عن الاقتضاء ، والمقتضي إنما هو البالغ منهما درجة من القوة بحيث يغلب على الآخر. وبعبارة أخرى : عدم تحقّق الحركة نحو المشرق ـ في المثال ـ ليس مستندا إلى وجود الشعاع ، إذ قد يكون موجودا ومع ذلك تتحقق تلك الحركة ، كما إذا كانت الرياح المحرّكة لها أقوى من الشعاع ، بل عدم تحققها مستند إلى ضعف الرياح بالنسبة إلى الشعاع أو مساواتها له في المرتبة ، والجامع وجود القصور فيها ، وإلاّ فلو لا القصور لكانت متّصفة بصفة الاقتضاء ، ولا أقلّ من القول بأنّ لقصور الرياح دخلا في عدم تحقق مقتضاها وإن كان لوجود الشعاع أيضا دخل فيه إلاّ أن استناد العدم إلى قصور المقتضي في نفسه أسبق من استناده إلى أمر خارجي ـ كما مر ـ ، بل إذا فرض أن النار القويّة لا تمنعها الرطوبة من التأثير وإنّما تمنع الضعيفة ، فإذا وجدت الضعيفة ولم تؤثّر لمكان وجود الرطوبة فعدم تأثيرها يستند إلى ضعفها قبل أن يستند إلى وجود الرطوبة.

وبالجملة : القول بمانعية الضد الآخر فيما إذا كان أقوى من مقتضي الأوّل أو مساويا له دون ما إذا كان أضعف ليس بأولى من القول بعدم اتصاف مقتضي الأوّل بالاقتضاء فيما إذا كان أضعف من مقتضي الآخر أو‌


__________________

مساويا له ، بل الثاني أولى ـ كما عرفت ـ ، هذا.

وعن بعض أكابر المحققين ـ دامت بركاته * ـ الإيراد على المطلب : بأنّ مردّه إلى أن مقتضي الضد إنما يتصف بصفة الاقتضاء إذا كان قاهرا على مقتضي الضد الآخر ، وإذ لا خصوصية لمقتضي الضد الآخر في ذلك من بين سائر الموانع فلا بد من اعتبار كونه قاهرا على سائر الموانع أيضا ، ولازم هذا إلغاء دور عدم المانع المعدود جزءا للعلّة التامة والالتزام بانحصار أجزائها في المقتضي والشرط.

ويشكل بمنع الملازمة ، فإنه قد لا تتحقّق قاهريّة ومقهوريّة بين المقتضي والمانع ، ويكون المقتضي بذاته مقتضيا لا بمرتبته ، وكذا المانع ، فإذا وجد ذات المقتضي وفقد ذات المانع أثّر أثره ، وإن وجد المانع منعه عن التأثير ، وقد يفرض اختلاف المراتب في ناحية المانع دون المقتضي فيكون المانع بمرتبته الشديدة مانعا دون الضعيفة ، فإذا وجد ذات المقتضي ولم توجد تلك المرتبة من المانع أثّر ، وإن وجدت منعته من التأثير ، ولا قاهريّة في البين ، ولم يسقط عدم المانع عن جزئيته للعلّة التامة في شي‌ء من الموردين ، نعم إذا فرض الاختلاف في ناحية المقتضي فقط ـ كما مرّ في مثال النار القويّة والضعيفة ـ فحينئذ إذا وجدت القويّة أثّرت في الإحراق لقاهريّتها على الرطوبة الموجودة وسقوط الرطوبة حينئذ عن المانعيّة ، وإن وجدت الضعيفة لم تؤثّر وكان استناد عدم الأثر إلى ضعفها وقصورها أولى من استناده إلى وجود المانع.

__________________

(*) هو العلم الباهر والبحر الزاخر ، بدر سماء التحقيق والتدقيق ، الفقيه الربانيّ السيّد علي الحسيني السيستاني ـ دام وجوده الشريف ـ ، ( منه عفي عنه ).


المقتضي وتماميّة اقتضائه بوجود شرطه ، وحيث يستحيل وجود المقتضي للضدّين فيستحيل أن يدفع أحدهما تأثير مقتضي الآخر في إفاضة وجوده ، ويستند عدمه إليه.

لكنّ العجب أنّه قد حاول أن يدفع الدور (١) الوارد على من‌

__________________

وأمّا ما أفاده السيّد الأستاذ 1 ثانيا ، فيلاحظ عليه أنّه لا ملزم لأن يكون المانع ذا أثر مضادّ للممنوع ، فالرطوبة المانعة عن تأثير النار في الاحتراق ليست مانعيّتها بملاك أنها تقتضي أثرا مضادّا للاحتراق ، إذ قد لا يترشح منها أثر ، بل لها خاصيّة مودعة في ذاتها وهي دفعها لتأثير النار في المحلّ وحفظها له عن التأثّر والاحتراق.

(١) ذكروا في مبحث الضد أن بعضهم استدلّ على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه بأن وجود أحد الضدين متوقف على عدم ضده توقف الشي‌ء على عدم مانعه ، فعدمه مقدمة لذلك الوجود المأمور به ، فيجب ، فيحرم فعله ، وقد أوردوا عليه بوجوه : منها استلزامه الدور ، فإن الموجب لتوقّف وجود أحدهما على عدم الآخر هو التمانع المتحقّق بينهما وكون وجود كلّ منهما مانعا عن وجود الآخر ، ومتى ما كان وجود شي‌ء مانعا عن آخر كان عدم الآخر مستندا إلى وجوده ، فتوقف عدم أحد الضدين على وجود ضده ، والمفروض أن وجوده أيضا متوقف على عدمه ، فلزم الدور.

وقد حاول المحقّق الخونساري 1 أن يدفع الدور بما حكيناه عنه من أن الشي‌ء إنما يكون مانعا ويستند عدم الممنوع إليه فيما إذا وجد مقتضي الممنوع بجميع شرائطه ، وهذا في الضدين محال لاستحالة اجتماع مقتضييهما ، إذن فلا توقف من أحد الطرفين ، لكنه 1


توهّم مقدميّة ترك أحد الضدّين لفعل الآخر بذلك ، مع أنّه يهدم أساس ذلك التوهّم من أصله ، ضرورة امتناع أن يتوقّف وجود شي‌ء بعد وجود المقتضي وشرطه إلاّ على انتفاء ما يدافع المقتضي ويدفع تأثيره في إفاضة وجود ذلك الشي‌ء ، ويكون علّة لعدمه ، أمّا ما يستحيل دفعه لذلك التأثير فلا يعقل أن يكون لعدمه دخل في علّة وجود ذلك الشي‌ء ، وإلاّ كان عدم كلّ شي‌ء من أجزاء العلّة لوجود كلّ شي‌ء ، وظاهر أنّه بعد ما امتنع أن يكون وجود أحد الضدين علّة لعدم الآخر ، ويدفع تأثير المقتضي في إفاضة وجوده امتنع أن يتوقّف وجود الآخر أيضا على عدمه ـ توقّف الشي‌ء على عدم مانعه ـ ، ضرورة ترتّب هذا التوقّف (١) على تلك العلية ، وإذا‌

__________________

سلّم المقدّميّة والتوقف من الطرف الآخر ، وأنّ وجود أحد الضدين متوقف على عدم الآخر فيما إذا كان الآخر موجودا ، مع أن ما دفع به الدور يهدم أساس المقدميّة ، ويقتضي امتناع التوقف من الطرفين ، ضرورة أنه إذا امتنع كون أحد الضدين مانعا عن الضد الآخر ومستندا عدمه إليه فكيف يعقل أن يكون لعدمه دخل في علة وجود الآخر ، وأيّ ملاك غير المانعية يقتضي كون عدم شي‌ء من أجزاء علّة وجود شي‌ء آخر ، والمفروض انتفاء المانعية في الضدين ، فلو كان لعدم أحدهما ـ مع ذلك ـ دخل في وجود الآخر لزم ـ كما أشار إليه المصنف 1 ـ أن يكون لعدم كلّ شي‌ء دخل في وجود كلّ شي‌ء لانتفاء الخصوصية للضدين ، وهو كما ترى.

(١) يعني ترتّب توقّف الشي‌ء على عدم مانعه على عليّة وجود المانع لعدم الممنوع ، فإذا امتنعت العلية امتنع التوقّف المترتّب عليها ـ لا محالة.


امتنعت امتنع ما يترتّب عليها أيضا ـ لا محالة ـ ، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

وأمّا في التشريعيّات فلأنّ دخل وجود الشرط وعدم المانع في متعلّق الحكم أو موضوعه وإن كان ناشئا عن تقييده بهما (١) ، وكانت شرطيّة الشرط ومانعيّة المانع منتزعة عن ذلك (٢) ـ لا محالة ـ ، لكن لمّا كان دخله في ملاك الحكم (٣) ناشئا ـ على أصول‌

__________________

(١) أي تقييد متعلق الحكم أو موضوعه بوجود الشرط وعدم المانع.

(٢) أي عن التقييد المذكور ، وهذه إشارة إجمالية إلى ما هو مفصّل في الأصول من أنّ الشرطية والمانعية ـ كالجزئية والسببية ـ ليست من الأمور الاعتبارية المجعولة استقلالا أو تبعا ، بل أمور انتزاعية تنتزع من تعلّق الحكم بفعل مقيّد بوجود شي‌ء أو بعدمه ، أو من تعليق الحكم على أمر مقيّد كذلك ، فتنتزع من الأوّل الشرطية أو المانعية للمتعلق ، ومن الثاني الشرطية أو المانعية للموضوع.

(٣) محصّل المرام : أن منشأ دخل الأمرين ـ وجود الشرط وعدم المانع ـ في الحكم وإن كان هو تقييده بهما خطابا ، فينتزع عنه الشرطية والمانعية الشرعيتان ، لكن لمّا كانت الأحكام الشرعية ـ بناء على أصول العدلية ـ تابعة للملاكات الواقعية ، وناشئة عن العلل الغائية التكوينية فلا محالة يستكشف دخلهما في ملاك الحكم دخلا واقعيا تكوينيا ، ويكون وجه دخلهما فيه توقّفه على وجود الأول وعدم الثاني توقفا تكوينيا ـ شأن توقّف كلّ معلول تكويني على وجود شرطه وعدم مانعه ـ ، إذن فيندرج الشرط والمانع الشرعيان ـ بالنسبة إلى ملاك الحكم ـ في باب الشروط والموانع التكوينية ، فإذا امتنع اجتماع مناطيهما في الضدين تكوينا ـ كما تقدم ـ جرى ذلك في التشريعي بعينه.


العدليّة ـ عن توقّفه على ذلك الوجود وهذا العدم ـ توقّف كلّ معلول تكوينيّ على وجود شرطه وعدم مانعه ـ وكانت الشرطيّة والمانعيّة التكوينيّة بالنسبة إلى الملاك هي ملاك التقييد (١) المنتزعة عنه الشرطيّة والمانعيّة التشريعيّة ، فسبيلهما من هذه الجهة سبيل سائر التكوينيّات ، ويستحيل اجتماع ملاكيهما في الضدّين ـ كما تقدّم.

مضافا إلى امتناع تشريعهما خطابا أيضا ـ ولو مع الغضّ عن امتناع الملاكين (٢) ـ ، فإن المتلازمين سواء كانا وجوديّين أو كان أحدهما وجوديّا والآخر عدميّا (٣) كما لا يصلحان لتعلّق الحكمين المتنافيين بهما (٤) لمكان التنافي ، وعنه ينشأ تعارض الدليلين‌

__________________

(١) يعني أنّ منشأ التقييد في مرحلة الحكم المنتزع عنه الشرطية والمانعية الشرعية هو الشرطيّة والمانعيّة التكوينيّة المتحقّقة في مرحلة الملاك.

(٢) محصّله أنه لو فرض ـ محالا ـ إمكان كون أحد الضدين شرطا في ملاك الحكم والآخر مانعا عنه ، ولم يلزم منه محذور ، لكنه يمتنع الجمع بينهما خطابا في مرحلة التشريع ـ بتقييد الواجب بوجود أحدهما وعدم الآخر معا ـ للزوم اللغوية الممتنع وقوعها من الشارع الأقدس ، فإنّه إذا قيّد الواجب بأحدهما حصل قهرا التقيّد بعدم الآخر ، للتلازم بين الأمرين ، ومعه فتقييده بهذا العدم بجعل آخر لغو واضح.

(٣) فالأوّل كاستقبال الشمال واستدبار الجنوب ، والثاني كلبس المأكول وعدم لبس غير المأكول.

(٤) كتعلّق الوجوب بأحد المتلازمين والحرمة بالآخر ، وكتقييد الواجب‌


الكاشفين عن ذلك فيما إذا كان التلازم دائميّا ، وتزاحم الحكمين في الاتّفاقي ـ كما حرّر في محلّه ـ ، فكذا لا يصلحان لتعلّق الحكمين المتوافقين أيضا بهما ، لمكان اللغويّة (١) ، فإذا قيّد الواجب بوجود أحد الضدّين كان تقيّده بعدم الآخر حاصلا بالتبع قهرا ، ويكون تقييده به بتشريع مستقلّ آخر من اللغو المنزّه عنه مقام الشارعيّة ، ولو كان ذلك مؤدّى الدليلين كان سبيلهما سبيل المتعارضين ـ كما عرفت (٢).

نعم لو كان متعلّق التكليف ـ كالصلاة مثلا ـ مشتملا على‌

__________________

بوجود أحدهما وعدم الآخر ، لأن مقتضى التلازم بينهما هو وقوع التنافي بين الحكمين المتنافيين المتعلّقين بهما ، والتنافي بين الحكمين ـ كما تنبئ عنه العبارة ـ يدرج المورد في باب التعارض تارة ، والتزاحم اخرى ، ويختص التعارض بكون التنافي في مقام جعل الحكم وتشريعه ـ على نحو القضية الحقيقيّة ـ ، وطرفا التعارض هما الدليلان الكاشفان عن جعل الحكمين ، كما يختص التزاحم بكون التنافي في مقام فعليّة الحكم دون جعله ، وطرفاه هما الحكمان أنفسهما ، والتلازم المفروض في المقام إن كان دائميا ـ كما في المثالين المتقدمين ـ اندرج في باب التعارض لمكان تنافي الجعلين ، وإن كان اتفاقيا كاستقبال القبلة واستدبار الجديّ اندرج في باب التزاحم لعدم التنافي بين الجعلين ، بل بين الحكمين المجعولين.

(١) لا يخفى اختصاص اللغوية بموارد التلازم الدائمي ـ كما في محل الكلام ـ دون الاتفاقي ، لعدم لزوم اللغوية فيه.

(٢) إذ قد عرفت أن المتعارضين هما الدليلان الكاشفان عن حكمين لا يمكن اجتماعهما في مرحلة الجعل ، والمقام كذلك ، إذ المفروض أن جعل أحد الحكمين لغو ممتنع صدوره من الشارع المقدّس.


الجزء الصوريّ (١) والهيئة الاتصاليّة التي توجد بأوّل أفعاله وتنتهي بانتهائها ، وقد أخذ وجود أحد الضدين قيدا لأفعاله (٢) ـ كما لعلّه‌

__________________

(١) الرابط بين أجزائه الماديّة وأفعاله الحسيّة والمستمر من المبدإ إلى المنتهى ، وظاهر شيخنا الأنصاري 1 في الثامن من تنبيهات الاستصحاب من فرائده اختياره ، إذ قال : إنّما نستكشف من تعبير الشارع عن بعض ما يعتبر عدمه في الصلاة بالقاطع أنّ هناك هيئة اتصالية معتبرة فيها تنهدم بعروضه وتنقطع به ، لكنّه لم يرتضه المحقق الجدّ 1 ـ وفاقا لاستاذه المجدد الشيرازي 1 ـ ، وأفاد أن أدلّة القواطع قاصرة الدلالة على ذلك ، وأن غاية ما يستفاد منها اعتبار عدم هذه الأمور أثناء الصلاة حتى في سكناتها كاعتبار عدم الموانع في خصوص أفعالها ، راجع أجود التقريرات ( ٢ : ٤٣٨ ). ويأتي منه 1 التعرض للقولين في أوائل المقام الثالث المعقود للبحث عن جريان الأصل الموضوعي.

هذا وقد أفاد 1 هنا أنه لو فرض ثبوت الجزء الصوري في مورد ـ كما إذا فرض تعلّق التكليف الصلاتي مثلا بما يشتمل على الجزء المذكور ـ وفرض أيضا أن أحد الضدين ـ كالطهارة ـ اعتبر شرطا لأفعال الصلاة ، فحينئذ وإن لم يمكن اعتبار الضدّ الآخر ـ كالحدث ـ مانعا لها ، لما تقدم من لزوم اللغويّة ، إلاّ أنه لا مانع من اعتباره قاطعا للهيئة الاتصالية المفروضة ، فإنّه اعتبار زائد ، فلا يلزم منه المحذور المذكور.

أقول : بل لا مانع من اعتباره قاطعا ولو لم يثبت الجزء الصوري ، إذ القاطعيّة ـ كما عرفت ـ لا تستدعي الجزء الصوري ، ولا تقتضي سوى اعتبار العدم في أفعال الواجب وأكوانه جميعا ، وهذا اعتبار زائد على اعتبار المانعية الخاص بأفعال الواجب.

(٢) أي لأفعال متعلق التكليف.


الأصل (١) في القيود ـ أمكن أن يعتبر الآخر قاطعا لتلك الهيئة ، ويقيّد المطلوب بعدم تخلّله في أثنائه ـ كما في شرطيّة الطهارة مثلا وقاطعيّة الحدث ، ونحو ذلك ـ ، ولو كان الشرط الوجوديّ قد اعتبر في أكوانه أيضا (٢) ـ كما في ستر العورة ـ امتنع جعل الآخر قاطعا أيضا حذو المانعيّة فيما تقدّم ، هذا كلّه في مقام الثبوت.

وأمّا في مقام الإثبات فلا يخفى أنّ أدلّة الباب مطبقة المفاد على مانعيّة غير المأكول ، وما توهّم ظهوره في شرطيّة المأكوليّة بمعزل عن ذلك (٣).

أمّا الأوّل : فلما عرفت من أنّ المانعيّة الشرعيّة ناشئة ـ ملاكا ـ عن مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة المانعة في عالم التكوين عن اشتمال متعلّق التكليف على ملاك حسنه ، ومنتزعة ـ خطابا ـ عن تقييده بعدم التخصّص بها (٤) ، وإطباق مفاد الأدلّة على ذلك ظاهر ، إذ هي‌

__________________

(١) أي أخذه قيدا لأفعاله خاصّة دون أكوانه لعلّه الأصل في القيود ، وذلك لظهور دليل التكليف في تعلّقه بالأفعال خاصّة دون الأكوان المتخللة ، وظهور دليل القيد في كونه قيدا للمتعلق ، والنتيجة هي اختصاص القيد بالأفعال.

(٢) كما هو معتبر في أفعاله ، فإنّ جعل الضد حينئذ قاطعا والمطلوب مقيدا بعدمه في الأفعال والأكوان مستلزم لمحذور اللغوية ، كما كان في جعل المانعيّة.

(٣) أي عن ظهوره في الشرطية.

(٤) أي تقييد المتعلق بعدم التخصّص بتلك الخصوصية ، وقد مرّ تفصيل‌


بين (١) ما يتضمّن الحكم بفساد الصلاة المتخصّصة بها ، أو بعدم جوازها ـ كما في عدّة من الأخبار العامّة أو الواردة في الموارد الخاصّة ـ ، أو النهي الغيري عنها ، والكلّ واضح الانطباق إمّا على نفس القيديّة المستتبعة للمانعيّة ، أو على ملزومها ، أو لازمها (٢).

__________________

الكلام في الأمرين ـ ما هو منشأ المانعيّة ملاكا وما تنتزع منه خطابا ـ ، والغرض هنا تطبيق مفاد أدلّة المقام على ذلك.

(١) بيانه أنّ ألسنة روايات الباب مختلفة ، فإنها على ثلاث طوائف : الأولى ـ ما حكم فيه بفساد الصلاة المتخصّصة بهذه الخصوصية ، وهي موثقة ابن بكير في فقرتين منها ، والثانية ـ ما حكم فيه بعدم جواز الصلاة المتخصّصة بها ، كما في عدّة من الأخبار العامة كمرفوعة العلل ( لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ ) ، وفي رواية الهمداني جوابا عن الصلاة فيما ذكر قال 7 ( لا تجوز الصلاة فيه ) ، ونحوها بعض الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة كالحديث الثالث والخامس من الباب ٧ من أبواب لباس المصلي من الوسائل ، والثالثة ـ ما تضمّن النهي الغيري عن الصلاة المذكورة كرواية ابن أبي حمزة ( لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّا ) ، وما عن الفقيه في وصية النبيّ 6 لعليّ 7 ( يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه ) ، وفي صحيحة الأحوط ( لا تصلّ فيها ـ أي في جلود السباع ـ) ، ونحوها ورد في السّمور والثعالب وغيرهما ، وهي كثيرة منتشرة في الأبواب المذكورة من الوسائل.

(٢) يعني أن هذه الألسنة المختلفة إمّا تفيد قيديّة عدم الوقوع في غير المأكول للصلاة ، وهي مستتبعة للمانعية ومنشأ لانتزاعها ـ خطابا ـ ، أو تفيد عدم اشتمال الصلاة لأجل الخصوصية الوجودية على ملاك حسنها‌


أمّا الموثّقة فلأنّ الفساد فيها إن كان بمعناه العرفي (١) المقابل للصحّة العرفيّة ، والمساوق لخروج الشي‌ء عن الاشتمال على ما هو مناط الرغبة إليه ـ كما هو الأظهر (٢) ـ كان مفاده خروج الصلاة المتخصّصة بتلك الخصوصيّة الوجوديّة عن صلاحية التعبّد والتقرّب بها ، ولو حمل على معناه الأخصّ المقابل للصحّة الشرعيّة كان مفاده وجوب إعادتها ، ويدلّ على ملزوم المانعيّة على الأوّل ، وعلى لازمها على الثاني (٣) ، وعلى كلّ منهما فظهورها (٤)

__________________

والرغبة إليها ، وهو ملزوم المانعيّة ومنشأها ـ ملاكا ـ فيكشف عنها لمّا ، أو تفيد فسادها ووجوب إعادتها لمكان تلك الخصوصية ، وهو لازم المانعيّة وأثرها امتثالا ، فيكشف عنها إنّا ، والدلالة على المانعيّة في الأوّل مطابقية ، وفي الأخيرين التزامية.

(١) وهو ما يقابل التماميّة أو استجماع الشي‌ء لجميع ما يعتبر في ملاكه ويكون مناط الرغبة إليه.

(٢) لأنّه معناه اللغوي والعرفي العامّ ، فيتعين حمل اللفظ عليه لا سيّما إذا كان معناه العرفي الخاص ـ الشرعي ـ من لوازمه وآثاره ـ كما في المقام ، حيث إن وجوب إعادة الشي‌ء أثر شرعي مترتب على عدم تماميته.

(٣) الأوّل هو المعنى العرفي والثاني هو الشرعي ، وكون الثاني لازم المانعية واضح ، وكذا كون الأول ملزومها ، لما مرّ آنفا من أنّ الفساد بهذا المعنى يفيد خلوّ الشي‌ء عن الملاك المرغوب منه.

(٤) أي ظهور الموثّقة ، وظهورها في ذلك ممّا لا بدّ منه في استفادة المانعية منها ـ كما هو ظاهر.


في استناد الفساد إلى تلك الخصوصيّة ـ خصوصا مع التفريع في صدرها (١) ـ من أقوى مراتبه (٢).

وقد ظهر الوجه في دلالة ما تضمّن الحكم بعدم جوازها (٣) على المانعيّة أيضا من ذلك ، لما عرفت ـ فيما تقدّم ـ من أنّ (٤) عدم جواز العبادة ـ مثلا ـ أو المعاملة يساوق فسادها بالمعنى الثاني ، ويكون كاشفا إنيّا عن المانعيّة (٥).

وأمّا النواهي الغيريّة (٦) فكونها في جميع أبوابها بيانا‌

__________________

(١) وهو قوله 7 ( فالصلاة في وبره. فاسدة ) تفريعا على قوله ( الصلاة في وبر كلّ شي‌ء ـ إلخ ـ) ، فإنّ دلالته على استناد الفساد إلى الخصوصية المذكورة واضحة جليّة.

(٢) أي مراتب الظهور.

(٣) هذه هي الطائفة الثانية.

(٤) عرفت ذلك في الأمر الأول المتقدّم في أوائل الكتاب ، فقد أفاد 1 هناك أن الجواز الشرعي الشائع استعماله في أبواب العبادات والمعاملات يراد به الصحة الشرعية والنفوذ الوضعي ، لا ما يقابل الحرمة التكليفية ، إذن فعدم جواز العبادة يساوق فسادها الشرعي ووجوب إعادتها ، فيدل في المقام على لازم المانعيّة ـ حسبما مرّ.

(٥) حيث إنّه يستكشف الملزوم من لازمه والعلّة من معلولها.

(٦) وهي الطائفة الثالثة ، وغيريّتها إنما هي باعتبار أنه نهي لأجل الفرد ـ وهو الصلاة الواجبة نفسيّا ـ ومترشّح من الأمر بها وقد يعبّر عنها بالإرشادية ـ ، والغرض من سوقه ـ كما أفاده 1 ـ بيان قيديّة متعلّقه العدمي ـ وهو في المقام عدم الوقوع في غير المأكول ـ للصلاة ، وقد مرّ‌


لما ينتزع عنه المانعيّة هو الذي يقتضيه كون الطلب فيها غيريّا قد سيق بيانا لقيديّة متعلّقه العدمي لمثل الصلاة من المركّبات الاعتباريّة ، كما أنّ الأوامر الغيريّة (١) أيضا إنما تدلّ على جزئيّة‌

__________________

أن المانعية تنتزع من هذا التقييد ، كما أن الغرض من سوق الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط هو بيان قيديّتها للواجب على نحو دخول ذات القيد أيضا فينتزع منها الجزئية ، أو بدونه فينتزع منها الشرطية.

(١) الوجه في توصيف الأوامر المتعلّقة بالشرائط بالغيريّة واضح ، فإن الشرط يغاير المشروط ذاتا ، غايته أن المشروط متقيّد به ، فيكون مقدّمة للغير وقد أمر به لأجل الغير ، أما توصيف الأوامر المتعلقة بالأجزاء بها ـ مع أنه لا تغاير بينها وبين المركب ذاتا ـ فإنما هو بلحاظ التغاير الاعتباري بينهما ، فإن الركوع ـ مثلا ـ إذا لوحظ بذاته لا بشرط الانضمام إلى غيره ركوع وجزء وإذا لوحظ بشرط الانضمام صلاة ومركّب.

فان قلت : التغاير الاعتباري المذكور لا يصحّح مقدّميّة الجزء للكلّ ليتعلّق به الأمر الغيري ، فإن الجزء الملحوظ لا بشرط في ذاته هو عين الملحوظ بشرط شي‌ء لا غيره ، ولا تقدّم للأوّل على الثاني ـ حتى لحاظا ـ فأين المقدّمية.

قلت : نعم ، لكن لمّا كان يعتبر في المركّبات لحاظ الوحدة واعتبار الأمور المتباينة أمرا واحدا ، وهذا النحو من اللحاظ متأخر رتبة عن لحاظ ذوات الأجزاء لا بشرط فبهذا الاعتبار يتمّ تقدّم الأجزاء على المركّب ومقدّميتها له ، هذا. لكنّه مع ذلك تقدّم باللحاظ لا بالذات وتغاير كذلك ، وهذا لا يكفي في الوجوب المقدّمي ، إذ يعتبر فيه التغاير الذاتي والتقدّم الواقعي ، فالتعبير عن الأوامر المتعلّقة بالأجزاء بالغيرية مسامحة‌


متعلقها * أو شرطيّته بهذه العناية ، هذا. مضافا إلى أنّ التعليل بمسوخيّة الأكثر (١) في قوّة التنصيص بعدم صلاحيّة المسوخ من حيث نفسه لوقوع الصلاة فيه ، ويستفاد نظيره بالنسبة إلى السباع أيضا من التعليل المتقدّم للرخصة في السنجاب (٢).

وأمّا الثاني (٣) : فلانحصار ما توهّم ظهوره في الشرطيّة بقوله 6 في ذيل الموثّقة « لا يقبل الله تلك الصلاة حتّى يصلّيها في غيره ممّا أحلّ الله أكله » ، وقوله 7 في رواية ابن أبي حمزة المتقدمة ، قال : قلت أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد قال « بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه » ، ولا يصلح شي‌ء منهما لذلك.

__________________

واضحة ، والأولى التعبير عنها بالضمنية ، نظرا إلى أنّها كأنّها قطعات من الأمر النفسيّ الواحد المنبسط على المركب ، هذا. وفي مبحث المقدّمة من تقريرات دروس المحقق الجدّ 1 تحقيقات قيّمة حول ما ذكرناه آنفا وغيره ، حريّة بالمراجعة.

(١) الوارد في مرفوعة العلل المتقدمة ، فيستفاد منها مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة المسوخيّة للصلاة.

(٢) وهو التعليل الوارد في رواية ابن أبي حمزة المتقدّمة في قوله 7 ( لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا يأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول الله 6 إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب ) ، فإنه يستفاد منه عدم صلاحية السبع الذي يأكل ـ اللحم وله ناب ومخلب لوقوع الصلاة فيه ، ومانعيته عنها.

(٣) وهو كون ما توهّم ظهوره في الشرطية غير ظاهر فيها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( متعلقة ) والصحيح ما أثبتناه.


أمّا الشرطيّة في هذه الرواية فلأنّها ظاهرة في حدّ نفسها في الرجوع إلى متلوّها (١) وكون المأكوليّة شرطا لقابليّة الحيوان للتذكية ، ويعارضها ما يدلّ على قابليّة السباع والمسوخ أيضا لها ، فيمكن الجمع بينهما بحمل ذلك الدليل على تأثيرها في طهارة ما تحلّه الحياة منهما ، وجواز الانتفاع به ، وحمل هذه الرواية على توقّفها من جهة جواز الصلاة فيه على المأكوليّة.

ويمكن أن يستظهر (٢) من تتمّة الرواية أنّ هذه الشرطيّة من‌

__________________

(١) أي المتصل بها ، فكأنّه قيل ( بلى الذكيّ ما ذكّي بالحديد وكان مما يؤكل لحمه ) ، فيكون ظاهرا في اعتبار المأكولية في تذكية الحيوان ، وأن غير المأكول لا يقبل التذكية ، وهذا يعارض ما دلّ على قابلية بعض ما لا يؤكل لحمه كالسباع والمسوخ للتذكية ، وقد جمع 1 بينهما بحمل ما دلّ على قابليّة النوعين للتذكية ، على تأثير التذكية في طهارة ما تحلّه الحياة منهما ـ كالجلد ـ وجواز الانتفاع به فلا تعرضه النجاسة الموتية ، ولا نظر فيه إلى التذكية المعتبرة في الصلاة ، وحمل هذه الرواية ـ بقرينة وقوع السؤال فيها عن الصلاة في الفراء ـ على توقف التذكية المعتبرة في الصلاة على المأكولية ، والمعنى ( لا تصلّ إلاّ فيما كان ذكيّا والذكيّ الذي تجوز الصلاة فيه هو ما ذكّي بالحديد وكان مأكول اللحم ) ، ومقتضاه ـ كما ترى ـ اعتبار المأكولية شرطا في الصلاة.

(٢) هذا احتمال آخر في الرواية ، محصّله أنّ قوله 7 ( إذا كان ممّا يؤكل لحمه ) من تتمّة الجواب الأوّل وهو ( لا تصلّ إلاّ فيما كان ذكيّا ) ، وقد وقع السؤال الثاني مع جوابه ـ أعني : أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد ،


تتمّة الجواب الأوّل ، وأنّ السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي ، وقد اتّفق في الروايات الأخر أيضا نظيره ، وظاهر الشرطيّة وإن كان هو اعتبار المأكوليّة في جواز الصلاة في الجلود على كلّ منهما (١) ، إلاّ أن تعليله للرخصة (٢) في السنجاب بأنّه ( لا يأكل اللحم وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله 6 ) يدلّ على أنّ ما نهى عن أكله هو الذي لا تجوز الصلاة فيه ، وأنّ المأكوليّة إنّما اعتبرت في جواز الصلاة في الفراء لمكان المضادّة لما نهى عنه ، لا لتقوّم المطلوبيّة بالوقوع في المأكول ، فيتّحد مآل هذه الرواية حينئذ مع ما تقدّم من أدلّة المانعيّة.

__________________

وقوله 7 : بلى ـ كجملة معترضة في الوسط نشأ من عجلة الراوي ، فلم يمهل الإمام 7 ليتمّ كلامه فسأله في الأثناء وأجابه 7 ثم أتمّ 7 كلامه الأوّل ، فكأنّه 7 قال ( لا تصلّ إلاّ فيما كان ذكيّا وكان ممّا يؤكل لحمه ) ، ومفاد الرواية ـ على هذا ـ أنه يعتبر في الصلاة في الفراء التذكية والمأكولية ، ومقتضاه كالمعنى الأوّل اعتبار المأكولية شرطا في الصلاة ، ويفترق عنه في أنه لا يرد عليه ما ورد على الأوّل من إشكال المعارضة.

(١) أي من الاحتمالين ـ كما بيّناه آنفا.

(٢) حاصله أنّ التعليل المذكور في ذيل الرواية يفيد أنّ حكم الصلاة جوازا ومنعا يدور مدار نهي رسول الله 6 عن أكل كلّ ذي ناب ومخلب ، فإذا كان الشي‌ء ممّا نهى 6 عن أكله لم تصح الصلاة في أجزائه ، وإلاّ صحت ، وهذا يدلّ على مانعيّة محرّم الأكل في الصلاة ، ويقتضي كون المأكولية المذكورة في صدر الرواية غير معتبرة من حيث هي ، بل باعتبار مضادّتها لما اعتبر عدمه فيها.


وأمّا ذيل الموثّقة فلأنّ قوله 6 « لا يقبل » لم يورد جملة ابتدائيّة (١) مسوقة لبيان ما اعتبر فيما يصلّى فيه ، كي تستظهر شرطيّة الوقوع في المأكول من إناطة القبول به ، وإنّما هو من تتمّة الحكم السابق ، وخبر آخر عن المبتدإ الأول ، وحكم عليه بعدم القبول أيضا بعد الحكم عليه بالفساد للاشتمال على تلك الخصوصيّة ، إمّا تأكيدا لذلك الحكم ، أو تأسيسا (٢) لنفي الإجزاء الثانويّ المجعول للناسي ونحوه ـ كما سيأتي تنقيحه إن شاء الله تعالى (٣) ـ ، وعلى كلّ منهما فدلالته على استناد عدم القبول أيضا‌

__________________

(١) الجملة الابتدائية هي المستأنفة التي يفتتح بها الكلام أو المعترضة المنقطعة عما قبلها ، فلو كانت الجملة المذكورة كذلك بأن قيل ابتداء ( لا يقبل الله الصلاة إلاّ إذا صلّيت فيما أحلّ الله أكله ) فلا ريب في ظهورها في الشرطية ، لكنها ليست كذلك ، بل هي متصلة بما قبلها مرتبطة به ، وخبر ثان للمبتدإ ( الصلاة في وبره. ) بعد خبره الأوّل ( فاسدة ) ، وظاهرها حينئذ المانعيّة ، لوضوح دلالتها على أن الصلاة المذكورة لاشتمالها على خصوصية الوقوع في غير المأكول محكومة بالفساد وبعدم القبول ، وأن الأمرين مستندان إلى وجود تلك الخصوصية المانعة.

(٢) يعني أن الحكم على الصلاة ثانيا بعدم القبول إما تأكيد للحكم الأوّل بالفساد ، أو تأسيس لحكم آخر هو نفي الإجزاء الثانوي المجعول للناسي ونحوه ـ بمثل صحيحة لا تعاد ـ عن المقام.

(٣) لم يأت منه 1 في هذه الرسالة تنقيح ذلك ، وقد اختار 1 في تعليقته‌


ـ كالفساد ـ إلى تلك الخصوصيّة ظاهرة ، وتؤكّده الإشارة (١) التي‌

__________________

على العروة ـ في المسألة ١٩ من شرائط لباس المصلّي ـ بطلان الصلاة الواقعة في غير المأكول نسيانا ، وكذلك أفتى في وسيلة النجاة ، وهذا هو المنسوب إلى المشهور مع أن مقتضى عموم صحيحة لا تعاد هو الصحة ، والظاهر ـ كما عن غير واحد ـ أن مستند البطلان هو ذيل الموثقة المذكور بناء على أولوية التأسيس من التأكيد ، وظهور كونه في مقام بيان حكم الصلاة الواقعة من المكلّف ، كأنّه قيل ( إذا صلّى فعليه الإعادة ) ، وإطلاقه وإن شمل الجاهل والناسي ، والنسبة بينه وبين الصحيحة عموم من وجه ، لاختصاصها ـ على المختار ـ بغير الجاهل وعمومها لسائر الخلل ، إلاّ أنه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقه بالنسبة إلى الجاهل بمقتضى صحيحة عبد الرحمن الآتية في الأمر الرابع والظاهرة في صحة الصلاة الواقعة في غير المأكول جهلا ، فيختصّ بالناسي ، وتنقلب النسبة بينه وبين صحيحة لا تعاد ، ويكون أخصّ مطلقا منها فيتقدّم عليها ، على أنه قد يناقش في شمول الصحيحة للموانع حذو شمولها للأجزاء والشرائط ، وعليه فالبطلان أوضح ، كما أنه قد يقال بشمول الموثق للجاهل بالحكم أيضا ، وعليه فلا انقلاب ويؤخذ في مورد الناسي بالصحيحة الحاكمة بالصحة لأقوائيتها دلالة ، أما بناء على عموم الصحيحة للجاهل ـ كما عليه جماعة ـ فالموثق في نفسه أخصّ مطلقا منها فتخصّص به ، كما يخصّص هو بصحيحة عبد الرحمن ، والنتيجة على هذا أيضا هو التفصيل المتقدم بين الجهل والنسيان.

(١) وهي كلمة ( تلك ) الواقعة في هذه الجملة ، والرابطة لها بالمبتدأ ، ووجه التأكيد أنها إشارة إلى الصلاة المتخصّصة بتلك الخصوصيّة ، فتفيد أن عدم قبولها مستند إلى تخصّصها بها.


جي‌ء بها رابطا للجملة الخبريّة الثانية ، وسواء كانت راجعة (١) إلى شخص تلك الصلاة ، والضمير إلى نوعها ـ وهو الظهر مثلا أو العصر أو غيرهما ـ بالاستخدام ، والغاية تأكيدا لعدم القبول ، لا غاية حقيقيّة ، أو كانا راجعين جميعا إلى ذلك النوع ، وكانت الغاية حقيقية ، فالصلاة في غيره (٢) إنّما تكون غاية لعدم القبول ـ بأحد‌

__________________

(١) احتمل 1 في مرجع الإشارة أمرين ، على الأوّل منهما تكون الغاية المدلول عليها بقوله 7 ( حتى يصلّيها في غيره ) غاية غير حقيقيّة ، وعلى الثاني غاية حقيقيّة ، أمّا الأوّل فهو أن ترجع الإشارة إلى شخص تلك الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل ، ولأجل أن الضمير في ( يصلّيها ) لا بدّ أن يرجع إلى نوعها كالظهر ـ أي حتى يصلّي نوع تلك الصلاة ضمن شخص آخر في غير ما لا يؤكل ـ لا إلى شخصها ، إذ لا يعقل أن يصلّي شخصها في غيره ، فإن الشخص لا يتعدّد ، فيلزم الاستخدام في الضمير ـ لا محالة ـ ، وعلى هذا فالغاية ليست حقيقيّة ، إذ لا يمكن أن يكون الصلاة في غيره ضمن فرد آخر غاية لعدم قبول الفرد الأوّل بحيث إذا تحقّقت هذه الغاية أصبح الأوّل مقبولا ، فإن الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، وإنما هي تأكيد لعدم قبول الأوّل جي‌ء بصورة الغاية ، والمقصود أن الله تعالى لا يقبل الصلاة المذكورة بوجه ، بل لا بدّ وأن يعيد صلاته في غيره. والثاني أن ترجع إلى نوع تلك الصلاة كرجوع الضمير إليه ، فلا استخدام ، والغاية ـ على هذا ـ حقيقية ، والمعنى أن الله تعالى لا يقبل الصلاة حتى تصلى في غير ما لا يؤكل ، فإذا تحقّقت الغاية وصلّيت كذلك قبلها.

(٢) يعني سواء كانت الغاية حقيقية أم صورية فالصلاة في غير ما لا يؤكل‌


الوجهين ـ لانتفاء تلك الخصوصيّة عنها وكونها في غيره ، ويدور الأمر في قوله « ممّا أحلّ الله أكله » (١) بين أن يكون بيانا لأحد أفراد ذلك الغير ، أو يكون تقييدا له ، ولا ريب في أظهريّة الأوّل ـ ولو بمعونة صدر الكلام ، وسوقه ، ومعهوديّة صحة الصلاة في القطن والكتان ونحوهما عند الراوي.

__________________

إنما تكون غاية لعدم القبول ومحكومة هي بالقبول فلمكان انتفاء خصوصية الوقوع فيما لا يؤكل عنها لفرض وقوعها في غيره ، إذ قد عرفت آنفا ظهور الرواية في أن الحكم بالفساد أولا وبعدم القبول ثانيا مستند إلى تلك الخصوصية المانعة ، ومقتضاه أن تكون غائيّة الصلاة في غيرها لعدم القبول واتصافها بالقبول مستندة إلى انتفاء تلك الخصوصيّة ، لا إلى تحقّق الخصوصيّة المضادّة ليفيد شرطيّتها ـ كما يظهر بالتدبر ـ ، إذن فالرواية بفقراتها المتتابعة حتّى قوله 7 ( حتى يصلّيها في غيره ) ظاهرة الدلالة في المانعية من دون إشكال ، نعم قد يشكل الأمر في دلالة ما بعده وهو ( ممّا أحل الله أكله ) ، وقد عالجه 1 بما ستعرف.

(١) يعني أن هذه القطعة من الرواية يحتمل أن تكون بيانا لأحد أفراد الغير المذكور في قوله 7 ( حتى يصلّيها في غيره ) ذكر مثالا ، وله أفراد أخر غير ذلك ـ كالقطن والكتان ونحوهما من غير الحيواني ـ تصح الصلاة في جميعها ، وعليه فلا دلالة لها على شرطيّة المأكوليّة ، ويحتمل أن تكون تقييدا لذلك الغير وأنه لا بدّ في القبول من أن يصلّي في غيره ممّا يحلّ أكله ، وعليه فتفيد الشرطية ، ورجّح 1 الأوّل بقرينة ظهور صدر الكلام وسياقه في المانعية ، وهي قرينة داخليّة ، وبمعونة معهوديّة صحة الصلاة في غير الحيواني عند الراوي بحيث لا ينسبق إلى ذهنه إرادة اعتبار المأكولية من هذه الفقرة ، وهذه قرينة خارجية.


وإن أبيت مع جميع ذلك إلاّ عن استقرار ظهور هذا الذيل في شرطيّة المأكوليّة ، فأقصى ما يقتضيه ذلك ـ بعد ما أوضحناه من امتناع الجمع بين شرطيّة أحد الضدّين ومانعيّة الآخر ـ هو سقوط الموثّقة (١) عن صلاحيّة التمسّك بها من هذه الجهة ، لتنافي جزئيها ، وتعارض صدرها بذيلها من سوء تعبير ابن بكير ، ونحن في غنى عنها بعد قوّة دلالة غيرها من أدلّة الباب على المانعيّة ، فلقد قلّ أن يظفر في أدلّة الأحكام بأظهر منها ، خصوصا مع اشتمالها على التعليل (٢) المخرج لها عن قبول تأويلها بما ينطبق على الشرطيّة ، ويبقى القول بها (٣) بلا دليل عليه في حدّ نفسه ، فضلا عمّا يصلح معارضا لهذه الأدلة.

بقي هنا شي‌ء : وهو أن عنوان ( ما لا يؤكل ) لكونه مصدّرا بأداة النفي فقد تشبّث بعض القائلين بالشرطيّة بذلك ، وادّعى أنّه من العناوين العدميّة التي لا تصلح * للمانعيّة (٤) ، ولكونه عبارة أخرى‌

__________________

(١) حاصله أنه لو سلّم ظهور هذا الذيل في الشرطية فأقصى ما يقتضيه هو تعارض صدر الموثقة وذيلها الناشئ من سوء تعبير الراوي ، لما مرّ من امتناع الجمع بين شرطيّة شي‌ء ومانعيّة ضدّه ، فيتساقطان ، وتسقط الموثقة عن صلاحية إثبات المانعية ، لكنّا في غنى عنها بعد قوّة دلالة غيرها من الأخبار على المانعية.

(٢) وهو التعليل بمسوخيّة الأكثر ، والتعليل في السنجاب بأنه ليس ممّا نهى عنه رسول الله 6 ، وقد مرّ ذكرهما في عداد أدلّة المانعيّة.

(٣) أي بالشرطية.

(٤) إذ المانع لا بدّ أن يكون أمرا وجوديّا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يصلح ) والصحيح ما أثبتناه.


عن انتفاء حليّة الأكل حقيقة (١) فيرجع التقييد بعدمه إلى قيديّة المأكوليّة ، لأنّ نفي عدم الشي‌ء عبارة أخرى عن إثبات وجوده.

وأنت خبير بما فيه من الغرابة :

أمّا أوّلا فلأن (٢) ( ما يؤكل ) و ( ما لا يؤكل ) عنوانان للمحلّلات الشرعيّة ومحرّماتها ، وينتزع أحدهما عن حليّة الشي‌ء ، والآخر عن حرمته ، والنفي المصدّر به (٣) عنوان ( ما لا يؤكل ) تعبير عمّا يقتضيه‌

__________________

(١) فإنّ عدم المأكولية ، معناه ـ في الحقيقة ـ عدم حلّية الأكل ، فإذا قيّد متعلق التكليف بعدم هذا العنوان العدمي انقلب وجوديا وهو المأكولية أو محلّلية الأكل ، لأن عدم العدم يساوق الوجود ، إذن فثبت شرطية المأكوليّة.

(٢) ردّ على ما زعمه القائل من أن عنوان ( ما لا يؤكل ) عنوان عدميّ لا يصلح للمانعية ، ومحصّل الردّ أن العنوان المذكور ليس منتزعا من عدم حليّة الأكل بل من حرمته ، فمرجعه ـ لدى التحليل ـ إلى عنوان ( محرّم الأكل ) ومنتزع من تحريم الشارع أكل الشي‌ء في قبال ( ما يؤكل ) الراجع ـ في الحقيقة ـ إلى عنوان ( محلّل الأكل ) لانتزاعه من تحليل الشارع إيّاه ، فهو وإن كان في نفسه عنوانا عدميا إلاّ أنه بمنشإ انتزاعه عنوان وجودي ، بل من أظهر مصاديقه ، والأمر المنتزع لا حقيقة له إلاّ بمنشإ انتزاعه.

(٣) يعني أنّ تصدير العنوان المذكور بأداة النفي ليس لأجل كونه عبارة أخرى عن انتفاء الحليّة ، بل هو من مصاديق تصدير الجملة الخبرية ـ المستعملة في مقام إنشاء النهي التحريمي ـ بها ، وقد ذكر في محلّه أنّ المناسبة المصحّحة لهذا الاستعمال هو اقتضاء تحريم الشي‌ء انتفاءه خارجا ، وأنّه لحرمته ومنع الشارع عنه كأنه منفيّ الوجود رأسا.


النهي من انتفاء متعلّقه ، فهو باعتبار منشأ انتزاعه من أظهر العناوين الوجوديّة ، ودعوى كونه عدميّا راجعا إلى انتفاء حليّة الأكل ساقطة.

وأمّا ثانيا فلأنّ مأكوليّة المأكول وعدم مأكوليّة غيره لكونهما عنوانين لاحقين للحيوان ، ولا مساس لهما بالصلاة أصلا ، فلا يعقل تقييدها بشي‌ء منهما وجودا وعدما ، كي تنتزع شرطيّة أحدهما أو مانعيّة الآخر من ذلك ، وإنّما الإضافة التي تلحق الصلاة (١) ـ باعتبار الوقوع في أحدهما ونحو ذلك (٢) ـ هي الصالحة لأن تؤخذ قيدا وجوديّا أو عدميّا ، وتنتزع شرطيّة تلك الإضافة أو مانعيّتها عن التقيّد بها ، وظاهر أنّ وقوعها فيما لا يؤكل هو الذي‌

__________________

(١) محصّله أن مبنى مقالة القائل على أن تكون الصلاة مقيّدة بعدم عدم المأكوليّة ـ الراجع إلى المأكولية ـ ، وليس الأمر كذلك ، ضرورة أنّ المأكوليّة وعدمها عنوانان لاحقان للحيوان المتّصف بهذا تارة وبذاك اخرى ، ولا يعقل أن يلحقا الصلاة ، إذ لا معنى لتقييدها وتوصيفها بشي‌ء منهما وجودا ولا عدما بأن تتصف هي نفسها بالمأكولية أو عدمها أو عدم المأكوليّة ، كي تنتزع الشرطية أو المانعيّة من ذلك ، وإنما الذي يعقل تقيّدها به وجودا أو عدما هو الإضافة الخاصّة الحاصلة بين الصلاة وبين أحدهما كالظرفية المتحقّقة بوقوعها في أحدهما ، فينتزع من التقيّد بتلك الإضافة شرطيتها أو مانعيتها ، وروايات الباب ـ كما سمعت مفصّلا ـ ناطقة بتقيّدها بعدم الوقوع في غير المأكول لا بالوقوع في المأكول.

(٢) أي نحو الوقوع في أحدهما من سائر صور الإضافة المتصوّرة في المقام ، ككون المصلّي لابسا أو مصاحبا لأحدهما ، أو كون لباس المصلّي وغيره ممّا معه معمولا منه.


نطقت الأدلّة بمانعيّته وتقيّدها بعدمه ، وكونه (١) من العناوين الوجوديّة ـ الصالحة للمانعيّة ملاكا وخطابا ـ بمكان من البداهة ـ ولو فرض أنّ عنوان ( ما لا يؤكل ) (٢) بنفسه وبمنشإ انتزاعه من العناوين العدميّة المحضة.

وأمّا ما قرع سمعك (٣) من أنّ سلب عدم الشي‌ء عبارة أخرى عن إثبات وجوده ، فإنّما هو مع ورود السلب على نفس عدم ذلك الشي‌ء ـ كما في المعدولة السالبة مثل ( زيد ليس بلا قائم ) ونحو ذلك ـ ، إذ هو حينئذ نقيض نقيضه (٤) ، ونقيض نقيض الشي‌ء هو عينه ، وأين هذا عن وروده على عنوان آخر وجوديّ له تعلّق بعدم‌

__________________

(١) أي كون وقوعها فيما لا يؤكل.

(٢) المقصود أنّا ذكرنا أولا أنّ عنوان ما لا يؤكل وإن كان بنفسه عدميا ، إلاّ أنه بمنشإ انتزاعه وجوديّ ، ونقول هنا إنه لو لم سلّم كونه عدميّا حتى بمنشإ انتزاعه ، إلاّ أنّه ليس هو الذي قيّدت الصلاة بعدمه ليقال إنّ العنوان العدمي غير صالح للمانعيّة ، وإنما الذي قيّدت الصلاة بعدمه هو الوقوع فيه ، وهو أمر وجوديّ بالبداهة.

(٣) ردّ على ما ذكره القائل المتقدم من أنّ مرجع التقييد بعدم عدم المأكولية إلى التقييد بالمأكولية لأنّ سلب العدم يساوق الإيجاب ، وحاصل الردّ أنه إنّما يتمّ فيما إذا ورد السلب على نفس العدم ، وليس كذلك المقام ، فإنّ السلب فيه وارد على عنوان وجوديّ متعلق بذلك العدم ، وهو الوقوع في غير المأكول ـ كما عرفته آنفا.

(٤) الضمير البارز راجع إلى السلب ، يعني أن السلب الوارد على عدم الشي‌ء هو نقيض نقيضه.


ذلك الشي‌ء ـ كالمقام ونظائره ـ ، فهل يصغى إلى دعوى (١) أنّ النهي عن إكرام من ليس بعالم إيجاب لإكرامه؟ ، وهل يمكن أن يصرف عمدة أدلّة المانعيّة (٢) ـ حتّى النصّ المعلّل بالمسوخيّة ـ عن كونه كالنّص فيها ، ويجعل دليلا على شرطيّة المأكوليّة بأمثال هذه الأوهام؟.

هذا كلّه مضافا إلى أنّ قيام الإجماع القطعي (٣) ، بل الضرورة القاضية بصلاحيّة ما عدا غير المأكول والحرير والذهب (٤) للتستّر به ، ووقوع الصلاة فيه في عرض المأكول يهدم أساس الشرطيّة من أصله ، ولا ينطبق إلاّ على المانعيّة ـ ولو مع الغضّ عمّا تقدّم من الأدلة.

__________________

(١) فكما أنّ النهي عن إكرام غير العالم لا يساوق الأمر بإكرام العالم ، لأنّ السلب وارد على الإكرام المتعلّق بغير العالم لا على غير العالم نفسه ، كذلك النهي عن إيقاع الصلاة في غير المأكول لا يلازم الأمر بإيقاعها في المأكول.

(٢) أراد 1 بالعمدة الروايات التي أخذ فيها عنوان ما لا يؤكل لحمه ، ومنها الرواية المعلّلة بأن أكثرها مسوخ ـ التي هي كالنص في مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة حسبما مرّ.

(٣) دليل آخر على المانعيّة يضاف إلى ما تقدم من الأدلّة اللفظية ، محصّله أن مقتضى صحة الصلاة في غير الحيواني ـ إجماعا بل وضرورة ـ عدم شرطية المأكولية ، فيتعيّن مانعية غير المأكول.

(٤) كالمتّخذ من النبات مثل القطن والكتان ، أو من الموادّ النفطية وما يشبهها المتعارفة في هذه الأزمان ، والجامع ما ليس حيوانيا ولا ذهبا.


وقد يتكلّف في تطبيق الشرطيّة على ذلك (١) بجعل الإجماع والضرورة على ما ذكر دليلا على أحد الأمرين : إمّا على تخصيص الاشتراط بالمأكوليّة بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ـ كما سلكه غير واحد (٢) ـ ، أو على تعميم (٣) موضوع الشرط لجميع ما تجوز الصلاة فيه من قطن أو كتّان أو غيرهما ـ كما في مفتاح الكرامة (٤) ـ ، ومع أنّه تكلّف لا موجب له ، ولا محصّل لشي‌ء من الوجهين سوى عدم الوقوع في غير المأكول بتغيير في العبارة (٥) ،

__________________

(١) فيجمع بين الشرطية وبين الإجماع والضرورة المزبورين بأحد التصويرين.

(٢) يظهر ذلك من الجواهر حيث ادعى في ( ٨ : ٨١ ) ظهور قوله 7 ( لا يقبل الله تلك الصلاة ـ إلخ ) في اشتراط المأكولية في الساتر إذا كان من حيوان.

(٣) فيكون الشرط وقوع الصلاة في أحد هذه الأمور : الحيوان المأكول أو القطن أو الكتّان أو نحوهما.

(٤) قال 1 فيه ( ٢ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ) : « والحاصل أنّه لو صلى في جلد أو منسوج من صوف أو شعر أو ريش أو شي‌ء لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه. إلى أن قال : لم تكن مجزئة ، لإخلاله بالشرط عمدا ، وهو لبس النبات أو ما يحكم بذكاته شرعا من جلد ما يؤكل لحمه أو نحو الخزّ أو صوف ما يؤكل أو شعره أو ريشه أو نحو الخزّ » انتهى موضع الحاجة ، هذا لكن قد سبقه في ذلك ـ مطلبا وعبارة ـ الفاضل الأصبهاني 1 في كشفه ، ( راجع كشف اللثام ١ : ٢٧٢ ).

(٥) فإن اشتراط الوقوع في المأكول إن كان اللباس حيوانيا مرجعه في الحقيقة إلى اشتراط عدم الوقوع في غيره بقول مطلق ، كما أن اشتراط الوقوع في أحد الأمور المتقدّمة مما سوى غير المأكول أيضا راجع في الواقع إلى ما ذكر ، فكلّ من التصويرين تبعيد للمسافة وتكلف بلا جدوى ، لأوله إلى المانعية ـ كما ذكرنا.


فقد عرفت أنّ (١) مرجع ما قضت الضرورة به إلى عدم العبرة بخصوصيّة وجوديّة أخرى سوى التستّر وانتفاء تلك الأمور ، وأين هذا عمّا يصلح دليلا لذلك التخصيص أو التعميم؟ وهل هو إلاّ هادم * أساسه (٢) ، هذا.

مع ما في جعل الحيوانيّة شرطا لقيديّة المأكول من الرجوع إلى ترتّب الطلب بالفصل على وجود جنسه (٣) ، وحيث إنّ الجنس‌

__________________

(١) هذا هو العمدة في ردّ التكلّف المزبور ، محصله أن الضرورة الآنفة الذكر القاضية بصحة الصلاة في كلّ شي‌ء سوى غير المأكول والحرير والذهب مردّها في الحقيقة إلى أنه لا يعتبر فيما يرجع إلى لباس المصلّي ـ وراء التستّر ـ خصوصية وجودية أخرى ، وإنما المعتبر خصوصيّات عدميّة هي عدم الوقوع في غير المأكول والحرير والذهب ، ومعه كيف يصح جعل الضرورة دليلا على اعتبار خصوصيّة وجودية ـ على أحد التصويرين المتقدمين.

(٢) أي هل رجوع ما قضت به الضرورة إلى ما ذكر إلاّ هادم أساس ذلك التخصيص أو التعميم.

(٣) لأنّ مردّ ذلك إلى تعليق الأمر بالفصل على وجود الجنس ، وأنه إذا كان اللباس حيوانيا وجب كونه متفصّلا بأحد فصول الأنواع المأكولة ، والترتّب والتعليق لا يصح إلاّ مع تغاير وجودي المعلّق والمعلّق عليه ، ولا تغاير بين وجودي الجنس والفصل ، فإنّهما موجودان بوجود واحد هو وجود الماهية النوعية وإن انحلّت إليهما بالتحليل العقلي ، وإن شئت قلت : إنه إذا وجد الجنس فقد وجد ـ لا محالة ـ ضمن أحد فصوله ، فإن كان هو المأكول فطلبه تحصيل للحاصل ، وإن كان هو غير المأكول فطلب للمحال.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( هادما ) والصحيح ما أثبتناه.


ليس موجودا بوجود آخر مغاير لوجود فصله ، فلا يستقيم ذلك إلاّ بتكلّف آخر من إرجاع الشرط إلى التعقّب بوجوده (١) ، ونحو ذلك ممّا يرتفع به ذلك المحذور. ومع ذلك فعند انتفاء الحيوانيّة (٢) وإن‌

__________________

(١) فإنّه بفرض الشرط ـ الحيوانية ـ متأخرا ترتفع الطوليّة والترتّب الوجودي بينه وبين المأكولية ، وأمكن تقارنهما بل واتّحادهما في الوجود ، وإذ لا نقول بالشرط المتأخر فيلتزم بشرطية التعقّب به ، وهو مقارن ، ولا مانع من الالتزام بالشرط المقارن المذكور وإرجاع الشرط المتأخر إليه إن كان هناك ما يوجبه ويلجئ إليه ـ على تفصيل قرّر في محلّه ـ هذا ، ولا يخفى أنّ التكلّف المذكور فيه نوع خفاء.

(٢) هذا إشكال آخر على دعوى اختصاص شرطية المأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا ، حاصله أن مقتضى ذلك انتفاء شرطيتها لدى انتفاء الحيوانية بالضرورة ، لكنّه لا يمكن أن يثبت حينئذ الإطلاق المقابل للشرطية ـ مقابلة العدم والملكة ـ بأن يكون الحكم واردا على المقسم الشامل للمأكول وغيره ولا يقيّد بأحدهما ، وذلك لانتفاء المقسم المذكور حسب الفرض ، فينتفي بذلك موضوع الإطلاق الذي هو بعينه موضوع التقييد ، وبانتفائه ينتفي كلّ منهما ويتحقق الإهمال الثبوتي وهو ممتنع ، وكما يمتنع كلّ من الإطلاق والتقييد اللحاظيين كذلك يمتنع نتيجة الإطلاق ونتيجة التقييد بمعونة متمّم الجعل ، لما حقّقه 1 في الأصول من اختصاص ذلك بموارد الانقسامات الثانوية ـ لمتعلق التكليف أو موضوعه ـ المتأخّرة عن مرحلة جعل التكليف ، والمأكولية وعدمها ليست منها ، بل من الانقسامات الأوّلية التي لا بد أن يكون التكليف الواقعي بالإضافة إليها مطلقا أو مقيّدا ، ويستحيل الإهمال الثبوتي فيها بالنسبة إلى‌


كانت الشرطيّة منتفية ، ولكن لا بالإطلاق المقابل لها ، بل إنما ينتفي كلّ من الإطلاق والتقييد بانتفاء موضوعه ، وهذا أيضا محذور آخر لا مناص عن الالتزام به بناء على الشرطيّة وتقييد الاشتراط بالحيوانيّة.

وكيف كان فقد عرفت أنّ أصل القول بشرطيّة المأكوليّة لا يرجع إلى محصّل ـ فضلا عن تقييدها بالحيوانيّة. وأردأ منه تقييد المانعيّة بها ـ كما مال إليه بعض من عاصرناه 1 ـ بتوهّم أنّ ورود بعض أدلّة الباب في مورد السؤال عن الوبر ونحوه يقتضي ذلك (١) ،

__________________

الجاعل الملتفت ، وقد عرفت لزوم هذا المحال في المورد على المبنى المذكور. على أن نتيجة الإطلاق أو التقييد إنما يتوصل بها الجاعل إلى غرضه من إطلاق ملاك حكمه أو تقييده فيما امتنع لحاظ أيّ منهما في الجعل الأوّل ، وفي المقام يستحيل اختصاص الغرض بالمأكول أو عمومه لغيره في فرض انتفاء الحيوانية ـ كما هو واضح ـ ، فيتعيّن الإهمال الواقعي في متعلّق التكليف بالنسبة إلى المأكولية وعدمها ، وبما أنه أيضا محال فلا مناص من رفع اليد عن هذا التصوير والالتزام بالمانعية ، هذا.

وقد يجلو في الخاطر أنه عند انتفاء الحيوانيّة لا مناص من انتفاء كلّ من الإطلاق والتقييد بالنسبة إلى أقسامها ، والإهمال في هذا الحال ضروري ، وإنما المحال هو الإهمال بالنسبة إلى أقسام غير الحيوان من مثل القطن والكتان ونحوهما ، وإذ لا دليل على التقييد بأحدها فيثبت الإطلاق ، ونتيجة ذلك تعلّق الوجوب بالصلاة المقيّدة بالمأكول على تقدير كون اللباس حيوانيا ، وبالصلاة المطلقة على تقدير كونه غيره.

(١) بدعوى أنّ مرجعه إلى قولنا : إن كان ما تصلّي فيه وبرا ـ مثلا ـ فيعتبر أن لا يكون من غير المأكول.


وهو من وضوح الفساد بمكان (١) لا يهمّنا توضيحه.

الأمر الرابع : إنّه بعد ما اتضح أنّ مانعيّة غير المأكول هي التي نطقت به أدلّة الباب ، فلا يخفى أنّ مقتضى إطلاق تلك الأدلّة وانتفاء ما يوجب اختصاصها (٢) بصورة العلم بموضوعها هو كونها واقعيّة مترتّبة في نفس الأمر على موضوعها النفس الأمريّ ، لا علميّة متوقفة على العلم به (٣) ـ كما ادّعاه غير واحد من الأساطين (٤) ـ ، وفرّعوا جوازها في المشتبه على ذلك (٥).

__________________

(١) فإنّه ـ مضافا إلى ورود المحذورين الأخيرين عليه ـ مخدوش ثبوتا : بلغوية إناطة مانعية غير المأكول بالحيوانية ، ضرورة أن الحيوانية بمنزلة الجنس لغير المأكول فلا تحقّق ولا تحصّل له بدونها ، فموضوع المانعية لا محالة هو الحيوان غير المأكول ، ومقتضى إناطة الحكم بتحقق موضوعه إناطة المانعية بتحقق الحيوان المذكور ، لا إناطة مانعية غير المأكول بتحقّق الحيوانية ، وإثباتا : بأنّ وقوع السؤال في بعض النصوص عن الوبر ونحوه من الأجزاء الحيوانية ليس فيه أيّ إشعار ـ فضلا عن الدلالة ـ بكون المانعيّة المبيّنة في الجواب مقيّدة بذلك ، نعم موضوع المانعية هو وبر غير المأكول ، لكن أين هذا من تقييد مانعية غير المأكول بالربويّة.

(٢) أي اختصاص المانعية.

(٣) أي بموضوعها ، ليكون المانع هو المعلوم كونه غير مأكول.

(٤) أوّلهم ـ ظاهرا ـ السيّد في المدارك ، لقوله المتقدم نقله في أول الرسالة : ( والنهي إنما تعلق بالصلاة في غير المأكول فلا يثبت إلاّ مع العلم بكون الساتر كذلك ).

(٥) أي على كون المانعية علميّة ، فحكموا بالجواز الواقعي في المشتبه‌


وقد بناه بعضهم (١) على دعوى كون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة أو منصرفة إليها (٢) ، لكن لم يظهر ممّن ادّعاه أنّ المدار على علم المتكلّم أو المخاطب (٣) ، وبأيّ عناية يمكنه أن يعتبر فيه علم الثالث الذي يلزمه العمل بمراد المتكلم (٤). وكيف كان فهذه الدعوى ممّا لا يليق بأن يلتفت إليها أصلا (٥).

وكذا دعوى قصور (٦) الأدلّة ـ بعدم ورودها في مقام البيان ـ

__________________

لانتفاء موضوع المانعية واقعا ، ومقتضاه أن لا يؤثّر فيه انكشاف عدم المأكولية إلاّ التبدّل من حينه ـ كما مرّ في أوائل الكتاب.

(١) أي بنى كون المانعيّة علميّة على الدعوى المذكورة ، ويظهر ذلك من الوحيد 1 في تعليقته على المدارك (٢٤٣) ، إذ صرّح بأن اللفظ اسم لما هو في نفس الأمر حرام من غير تقييد بالعلم وعدمه ، كما وترشيد إليه عبارة الغنائم الآتية.

(٢) فيكون معنى ما لا يؤكل لحمه ـ وضعا أو انصرافا ـ ( ما علم أنّه لا يؤكل لحمه ) ، فتصبح المانعيّة علميّة لا واقعيّة.

(٣) بل أو التفصيل بينهما فيكون المدار على علم المتكلم في الجمل الخبرية ، وعلى علم المخاطب المكلّف بالعمل في الجمل الطلبية.

(٤) كما هو الشأن في الأحكام الشرعية المجعولة على نحو القضايا الحقيقية ، فإنها واجبة العمل على كلّ مكلف وإن لم يكن مخاطبا ، وهذا كلّه شاهد على ضعف الدعوى في نفسها.

(٥) إذ هي دعوى لا بيّنة عليها ولا برهان من عقل أو نقل أو لغة أو عرف ، ومعذورية الجاهل بالحكم أو بموضوعه أمر آخر لا ربط له بمعاني الألفاظ وظواهرها ، ومقتضى

القاعدة وضعها لذوات المعاني بما هي.

(٦) يعني أن هذه الدعوى ـ كسابقتها ـ لا تليق بالالتفات ، ومحصّلها إنكار ثبوت الإطلاق لأدلة الباب لتشمل صورة الجهل.


عن إفادة (١) المانعيّة المطلقة ، فإنّ هذه الدعوى إنّما تصحّ فيما سيق لبيان أصل التشريع (٢) ، لا في مثل عموم الموثّقة وإطلاقات سائر الأدلّة ـ سيّما المعلّلة منها (٣) ـ ، وهل يظفر في أدلة الأحكام بأظهر في العموم والإطلاق من * هذه الأدلّة؟.

وقد ادّعى (٤) المحقّق القميّ 1 صراحة بعض الأدلّة ، وظهور بعضها الآخر في اختصاص المانعيّة بما علم أنّه من غير المأكول ، والظاهر أن يكون نظره ـ فيما ادّعى صراحته ـ إلى صحيحة‌

__________________

(١) متعلق بـ ( قصور ).

(٢) فلم يكن المتكلم في مقام البيان ليؤخذ بإطلاق كلامه ـ نظير « أقيموا الصلاة ».

(٣) كروايتي المسوخ والسنجاب المتقدمتين ، ووجه الخصوصية أن التعليل يفيد عموم الحكم المعلّل به لموارده.

(٤) هذه هي الدعوى الثالثة لإثبات اختصاص المانعية بصورة العلم ، وقد ادّعاها 1 في خاتمة جامع شتاته ـ المتفرقات ـ (٨٠٥) في مطاوي الجواب عن سؤال المراد بما هو المعروف من كون الألفاظ أسامي للمعاني النفس الأمرية وما يترتب عليه من الثمرات ، قال 1 ما ترجمته :

( إن الأخبار الدالة على المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بعضها صريح في اختصاص المنع ، بما علم كونه منها ، وبعضها ظاهر في ذلك ، ولم نجد فيها ما يدل على الاجتناب عن الواقعي منها ، وأظهرها الموثقة والمتبادر منها ما علم كونه شعر حرام الأكل ووبره ونحوهما ) إلى آخر كلامه 1.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


عبد الرحمن (١) الحاكمة بعدم لزوم الإعادة على من صلّى في عذرة إنسان أو كلب أو سنّور جاهلا بذلك ، وفي دعوى الظهور إلى دعوى ظهور الحرام الوارد في صدر الموثّقة فيما علم حرمته ، وقصر مفاد النواهي الغيريّة ـ وكذا ما حكم فيها بعدم جوازها في غير المأكول أيضا ـ بما علم (٢) أنّه كذلك.

ولا يخفى ما في جميع ذلك :

أمّا الصحيحة فلأنه ـ لو سلّم التعدّي (٣) عن موردها إلى غير‌

__________________

(١) ابن أبي عبد الله المروية في الكافي والتهذيبين بإسناد معتبرة ، قال :

سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد صلاته ، قال 7 : « إن كان لا يعلم فلا يعيد » ، راجع الباب ٤٠ من أبواب النجاسات من الوسائل ، الحديث ٥ ، فإنّ العذرة المذكورة تعدّ من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وقد صرّحت الصحيحة بصحة الصلاة فيها مع الجهل.

(٢) متعلق بـ ( قصر ) ، وقد تقدّم سابقا ذكر ما سيق بلسان النهي الغيري أو بلسان نفي الجواز ، والمقصود أنّ نظر المحقّق المذكور 1 فيما ادّعاه من ظهور بعض الأدلة في الاختصاص ـ مضافا إلى صدر الموثقة ـ إلى هاتين الطائفتين من الأخبار ، بدعوى ظهورهما في الصلاة فيما علم أنه غير مأكول.

(٣) ظاهر العبارة تسليم التعدي عن مورد الصحيحة إلى سائر الأعيان النجسة ، وعدم تسليمه بالنسبة إلى الأجزاء الطاهرة من غير المأكول. لكن لم يظهر وجه عدم التسليم الأخير بعد أن لا خصوصية لنجاسة الجزء ولا دخل لها في الحكم بعدم الإعادة من ناحية الوقوع في غير المأكول ،


النجس من الأجزاء حتى إلى نفس اللباس ـ فأقصى ما يدلّ عليه هذه الصحيحة ، ونحوها ممّا يدلّ على الاجتزاء عن الواقع بما وقع امتثالا له ـ على وجه (١) يعذر الفاعل فيه ـ هو عدم مانعيّة ما يلزم من‌

__________________

فإنّ الصلاة في العذرة كما أنها صلاة في النجس ، كذلك هي صلاة في غير المأكول ، وقد حكم بصحتها مع الجهل ، فإذا صحّ التعدّي من الناحية الأولى عن المورد إلى سائر النجاسات فما المانع من التعدي من الناحية الثانية عنه إلى سائر أجزاء غير المأكول ، وعليه فيحكم بموجب الصحيحة بصحة الصلاة في غير المأكول جهلا ، ولولاها لأشكل الحكم بناء على ما اختاره 1 من عدم شمول حديث ( لا تعاد ) للجاهل ، هذا. وقد أفتى 1 في وسيلة النجاة وحاشية العروة بالصحة مع الجهل ، فلاحظ.

(١) متعلق بـ ( وقع ) ، ومحصّل المرام أن الصحيحة وأشباهها ـ ممّا حكم فيه بعدم لزوم الإعادة والاجتزاء بالعمل الناقص عن المأمور به التامّ ـ إنّما تدل على الاجتزاء به فيما إذا أتى به المكلف عن عذر من نسيان أو غفلة أو جهل مركب أو استناد إلى أمارة معذرة أو أصل مؤمّن ، ثمّ انكشف الخلاف وتبيّن نقصه ، بحيث لو لا الدليل على الإجزاء لكان مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إعادته ، إلاّ أن دليل الإجزاء دلّ على نفي اعتبار الجزء أو القيد المفقود في المتعلق في هذه الحالة ، ومقتضاه عدم وجوب الإعادة ، أمّا إذا أتى به المكلّف مع الالتفات والشك من دون عذر أو استناد إلى حجة ـ كما إذا صلّى في غير المأكول كذلك ـ فلا دلالة لمثل الصحيحة المتقدّمة على الاجتزاء به ، ومقتضى كون مانعيّة غير المأكول ـ بموجب إطلاق أدلّتها ـ واقعية وجوب الإعادة لإحراز الواقع ، وهذا كما‌


مانعيّته وجوب إعادة ذلك الفعل ، وأين هذا من تخصيصها من أوّل الأمر بالمعلوم؟.

وأمّا تخصيص الحرام الوارد في صدر الموثّقة بالمعلوم فحيث إنّه لم يعهد منه 1 دعوى دخل العلم في مداليل الألفاظ (١) ، فالأوجه إرجاع ما ادّعاه إلى دعوى أنّ عنوان الحرام قد أخذ بوصف تنجّزه (٢) ، لا بعنوانه النفس الأمريّ موضوعا لهذا الحكم ـ كما في حرمة التكسّب بالأعمال المحرّمة (٣) ونحوها ـ ، لكن لمّا كان أخذ (٤) الوصف المذكور في الموضوع تقييدا لإطلاقه ومتوقّفا‌

__________________

ترى أجنبي عمّا هو المدّعى من كون المانعيّة مجعولة من أول الأمر علمية بحيث لا مانعية مع الشك مطلقا.

(١) بل في غنائمه التصريح بعدمه ، قال : ( إن قلنا بأن المراد ممّا لا يؤكل لحمه في الأخبار هو ما كان كذلك في نفس الأمر كما هو الأظهر لأنه هو مقتضى وضع الألفاظ فلا مناص عمّا ذكره في المنتهى ـ أي من المنع ـ ) ( غنائم الأيام : ١٥٠ ).

(٢) فيكون الموضوع الواقعي للمانعيّة هو الشي‌ء المتنجّز حرمة أكله ، ومجهول الحرمة ليس كذلك.

(٣) فإن الإجارة على العمل المحرّم أو الجعالة عليه أو نحوهما من التكسّبات محرمة باطلة ، لكن لا بمجرد حرمته الواقعيّة ، بل بما أنّ حرمته متنجزة ، لأن ملاك الحكم هو انتفاء القدرة على الحرام تشريعا ، والمحروميّة منه كذلك ، والقدرة على التسليم معتبرة في صحة المعاملة ، وهذا يختص بما تنجّزت حرمته ، فإنّ غيره لا يكون تامّ التأثير في المنع عن الفعل والتعجيز عنه.

(٤) جواب عن الدعوى المذكورة ، حاصله أنّ الموضوع ـ وهو حرام الأكل ـ مطلق ، وتقييده بالتنجز يحتاج إلى قرينة مفقودة.


على قرينة مفقودة في المقام ، فإطلاقه يدفع هذه الدعوى.

ومع الغضّ عن ذلك فأقصى ما يقتضيه ذلك هو (١) عدم مانعيّة ما أخذ من الحيوان المشكوك حليّته أو حرمته من جهة الشبهة الموضوعيّة أو الحكميّة ، ولا يجدي في عدم مانعيّة ما تردّد بين أن يكون مأخوذا من الحلال أو الحرام الممتاز كلّ منهما في الخارج عن الآخر إلاّ بالرجوع إلى دعوى دخل العلم في مداليل الألفاظ ، وتعميمه لمدلول الإضافة (٢) المفيدة للنسبة التقييدية أيضا ، ولا أظنّ أن يلتزم به القائل بذلك (٣) ـ فضلا عن مثله (٤).

وأمّا دعوى قصر مفاد الخطابات الغيريّة بالمعلوم فالذي يظهر‌

__________________

(١) محصّله أن التقييد المذكور إنما يجدي في نفي مانعية الجزء المأخوذ من حيوان معيّن يشك في حليّته وحرمته لشبهة حكمية أو موضوعية ، ولا تنحصر موارد الشك في ذلك ، بل قد يتصوّر ـ ولعلّه الغالب ـ الشك في الجزء لدوران أمره بين كونه مأخوذا من محلّل الأكل أو محرّمه ، وفي مثله لا يجدي التقييد المذكور شيئا ، إذ ليس الجزء المزبور جزءا لما لا يعلم حليّته وحرمته ، وبعبارة أخرى : لما لم تتنجّز حرمته ، بل مردّد بين كونه جزءا لما علمت حليّته أو لما تنجّزت حرمته.

(٢) لتكون إضافة الجزء المأخوذ ـ كالوبر ـ إلى الحيوان في قولنا ( لا تصلّ في وبر الحيوان المحرّم الأكل ) مقيدة بالعلم ، أي : لا تصلّ فيما علم كونه وبره ، ومقتضاه صحّة الصلاة في الثانية من الصورتين الآنفتين أيضا كالأولى.

(٣) أي يلتزم بهذا التعميم القائل بدخل العلم في مداليل الألفاظ.

(٤) أي مثل المحقّق المذكور الذي لم يعهد منه هذا القول.


من جملة ما أفاده هو استناده في ذلك إلى دعوى انصراف الخطابات (١) بحال العلم بمتعلّقاتها ، واشتراطها بحكم العقل أيضا بذلك (٢) ، ولا يبعد أن يكون مراده من حال العلم حال إمكانه (٣) ، وكيف كان فلو فرض لدعوى الانصراف في المقام معنى محصّل (٤) ، وصلاحيّته للاختلاف باختلاف أحوال المكلّفين ، فلا يخفى ما فيها من الجزافيّة والغرابة.

__________________

(١) أوامر كانت أم نواهي ، نفسية أم غيرية.

(٢) بدعوى حكمه بقبح تكليف الجاهل كحكمه بقبح تكليف العاجز ، ولعلّ الحكم العقلي المذكور هو الوجه للانصراف المدعى ، فيكون من قبيل اقتضاء القرينة العقلية تقييد المطلق وصرف ظهوره الإطلاقي.

(٣) لعلّ هذا مستفاد من كلماته 1 في هذا المقام ـ كما يظهر بالمراجعة ـ ، وعليه فالخطب أهون ، فإنّ دعوى قبح توجيه الخطاب إلى من لا يمكنه العلم ليست بكلّ البعيد ، فيشبه خطاب العاجز الذي لا يمكنه الامتثال ، وهذا بخلاف دعوى قبح توجيهه إلى مطلق من لا يعلم فعلا وإن أمكنه العلم بالفحص والسؤال.

(٤) عبارة المقام تتضمن الردّ على دعوى الانصراف من وجهين : أحدهما المناقشة في أن يكون للانصراف المزبور معنى محصّل ، نظرا إلى أنّ مقتضاه اختلاف التكليف باختلاف أحوال المكلف علما وجهلا ، وصلاحيّة الانصراف لأن يتكفل مثل هذا الاختلاف غير واضحة ، كوضوح صلاحيّته للاختلاف باختلاف الأفراد ، والثاني أن الدعوى المذكورة ـ لو فرض لها معنى محصّل ـ دعوى جزافية لا وجه لها ولا شاهد عليها.


وأغرب من ذلك دعوى كونه (١) شرطا عقليّا في متعلّق الخطاب ، فإنّ الذي يصحّ من دعوى استقلال العقل به هو توقّف تنجّز الخطاب وعدم معذوريّة المكلّف في مخالفته على وجوده العلميّ ، وقصوره بنفس وجوده الواقعي عن هذه الصلاحيّة (٢) ، وأين هذا عن كون (٣) العلم بمتعلّق الخطاب ـ كالقدرة عليه ـ شرطا عقليّا لصحة الطلب به ، والجهل به موجبا لسقوطه النفس الأمريّ ، وأيّ مساس له بالخطابات الغيريّة (٤) التي سبيلها سبيل سائر ما يدلّ على القيديّة.

ولعلّ أن يكون ما في بعض كلماتهم ـ من عدّ العلم والقدرة في مساق واحد من الشرائط العامّة ـ قد أوجب هذا الوهم ، فقاس (٥)

__________________

(١) أي العلم.

(٢) أي عن صلاحية تنجزه وعدم المعذورية في مخالفته ، فإنّ العقل مستقل بأنّ التكليف بمجرد فعليّته ووجوده الواقعي من دون وصوله إلى المكلف لا يصلح لأن يؤاخذ على مخالفته ، بل يعذر فيها في هذه الحالة ، وإنّما يقطع عذره وصوله إليه وعلمه به.

(٣) للبون البعيد بينهما من جهتين : ـ إحداهما كون الشرط هو العلم بالخطاب والمدعى كونه العلم بمتعلقه ، والثانية كون المشروط هو تنجز الخطاب والمدعى كونه فعليّته ووجوده الواقعي.

(٤) يعني ولو فرض كون العلم بالمتعلق كالقدرة عليه شرطا عقليا في حسن الخطاب ، لا في تنجزه فهو خاصّ بالخطابات النفسيّة ، ولا مساس له بالخطابات الغيريّة التي غاية ما تدلّ عليه هو القيدية للمتعلق دون التكليف النفسي.

(٥) أي المحقّق المذكور 1.


العلم بمتعلّق الخطاب على القدرة عليه في اشتراط حسن الخطاب به ، وقاس الخطاب الغيري على النفسي في اشتراطه بما يتوقّف عليه حسنه ، وقد سبقه أستاذه أستاذ الكلّ الوحيد البهبهاني ( نوّر ضريحه ) ـ فيما حكي عنه ـ إلى المقايسة الأخيرة ، ففصّل في كون القيديّة بنفس دليلها مقصورة بصورة التمكّن من القيد وساقطة عند تعذّره (١) ، أو كونها مطلقة (٢) موجبة لسقوط الخطاب بالمقيّد عند تعذّر قيده بين أن تكون مستفادة من الخطابات الغيريّة (٣) ، أو من مثل « لا صلاة إلاّ بطهور » ونحوه (٤).

وأنت خبير بما في كلا القياسين : أمّا الأوّل فلأنّهما (٥) وإن اشتركا في معذوريّة المكلّف عند انتفائهما في الجملة ، وبهذا الاعتبار عدّا في مساق واحد من الشرائط العامّة (٦) ، لكن العذر‌

__________________

(١) فتسقط حينئذ القيديّة فقط دون الخطاب بالمقيّد.

(٢) فمتعلقها قيد على كلّ حال ، وإذا تعذّر القيد تعذّر المقيّد ، فيسقط خطابه.

(٣) التي لسانها لسان التكليف أمرا أو نهيا ، فتختص القيديّة بصورة التمكن ، لاشتراط التكليف عقلا بالقدرة نفسيا كان أم غيريا.

(٤) ممّا لا يشتمل على أمر أو نهي ليختص بحال القدرة ، فتكون القيدية فيه مطلقة.

(٥) أي العلم والقدرة.

(٦) إذ يصح القول بأنّ جميعها شرائط لعدم المعذوريّة في المخالفة ، فإنّ شرائط حسن الخطاب أيضا إذا انتفت يعذر المكلف في مخالفته.


العقلي عند انتفاء أحدهما هو الجهل بنفس التكليف (١) وأثره الأمن من العقاب على مخالفته ، وعند انتفاء الآخر هو العجز عن متعلّق التكليف وأثره سقوط نفسه ، ومع هذا البون البعيد بينهما من هاتين الجهتين (٢) فكيف يقاس أحدهما بالآخر فيما يمتازان فيه؟.

وأمّا الثاني ففيه أوّلا : أنّ مقتضى كون الخطاب غيريّا مسوقا لبيان الارتباط والقيديّة ، لا لإنشاء الطلب به هو انسلاخه عن الطلب المولويّ بالكليّة (٣) ، ألا ترى أنّه قد ورد لبيان ماله دخل في متعلّقات التكاليف الوجوبيّة والاستحبابيّة وأبواب الأسباب ، (٤) ، بل المباحات العادية (٥) بجامع واحد من دون تفكيك في مدلوله‌

__________________

(١) لا بمتعلقه ، فإنّ العالم بالتكليف الجاهل بمتعلّقه لا يعذر في مخالفته ، بل عليه معرفة ما طلب منه المولى ثم امتثاله.

(٢) إحداهما كون الجهل متعلقا بنفس التكليف والعجز بمتعلقه ، والثاني كون أثر الأول سقوط العقاب على مخالفته وأثر الثاني سقوط أصله.

(٣) فمدلوله ـ على خلاف مدلول الخطاب النفسي ـ أجنبي عن إنشاء الطلب رأسا ومقصور على بيان الجزئية أو القيدية ودخالتها في الماهيّة المركبة ، وهذا أمر عقلي صرف مطرد في جميع الماهيات شرعية كانت أم غيرها ، ولأجله تعدّ أوامر أو نواهي إرشادية.

(٤) المراد بها أبواب المعاملات من العقود والإيقاعات التي هي أسباب لمسبّباتها الاعتبارية.

(٥) كما إذا سيق الأمر لتعليم تحضير مأكول أو مشروب مباح مركب من أجزاء خارجية ، فيقال مثلا : خذ كذا من الخلّ وضعه على النار ثم صبّ عليه كذا من السكر ، وهكذا.


باعتبار اختلاف موارده (١).

ومجرّد انبساط الطلب (٢) بالمركّب على جميع ما له دخل في متعلّقه من أجزائه وقيوده ، وصلاحيّة الخطاب الغيريّ لأن يكون بيانا لتعلّقه بآحادها وطلبا مولويّا بهذا الاعتبار ، غير مجد بعد ظهوره في المعنى الواحد المطّرد في الجميع ، وعدم الاختلاف في مدلوله العرفي باعتبار وروده لبيان ما له دخل في متعلّق التكليف أو مركّب‌

__________________

(١) فمدلوله في أبواب التكاليف هو نفس مدلوله في غيرها ، وليس له في الثانية شائبة طلب أصلا فكذلك في الأولى.

(٢) هذا غاية ما يمكن أن يقرّب به دعوى دلالة الخطاب الغيري في موارد التكاليف الوجوبية والاستحبابية على الطلب ، ومحصّله أن الطلب المتعلق بالمركب أو المقيد ينبسط لا محالة على أجزائه وعلى التقيّد بقيوده ، فيكون لكلّ جزء أو تقيّد شطر من الطلب ، والخطابات الغيريّة المتعلّقة بآحاد هذه الأجزاء والتقيدات بيان لتعلّق الطلب بكلّ منها على هذا النحو ، إذن فهي متكفلة للطلب المولوي كالخطاب النفسي المتعلق بجملة العمل.

ومحصّل الجواب أنّا لا نرى للخطابات الغيرية في الموارد المذكورة دلالة خاصة مفقودة في سائر الموارد ، بل المدلول العرفي في الجميع واحد وهو بيان الدخل والارتباط لا غير ، هذا.

ولا يخفى أن ما يقال من أن الجزئية والشرطية والمانعيّة منتزعة عن الحكم التكليفي يراد به أنها منتزعة عن الأمر النفسي المتعلق بالمركب أو المقيّد ، لا أنها منتزعة عن الأمر المتعلق بالجزء أو الشرط نفسه أو النهي المتعلق بالمانع كذلك.


آخر.

مضافا إلى ما يستلزمه (١) التفكيك في مدلوله بهذا الاعتبار لأن يكون مستعملا في الطلب بالقدر المشترك بين الوجوب والاستحباب ، وقد بيّن امتناعه في محلّه (٢).

__________________

(١) يعني أنّ لازم دعوى التفرقة بين الأبواب والالتزام بدلالته في متعلقات التكاليف على الطلب أن تكون الصيغة فيها مستعملة في إنشاء الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب ، وذلك في مثل المركبات التي تكون تارة واجبة واخرى مستحبة كالصلاة ، فإن الأمر المتعلق بجزئها مثلا نحو ( اركع في صلاتك ) لمّا كان شاملا للصلاة الواجبة والمستحبة معا فلازم كونه طلبا مولويا غيريا هو استعماله في الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب ، ليفيد وجوب الركوع في الصلاة الواجبة واستحبابه في المستحبة ، وهذا ممتنع لدى القوم ـ ومنهم المحقق المزبور 1 ـ ، لما بيّن في الأصول من امتناعه بناء على ما اشتهر بين القدماء من تركّب حقيقة كلّ من الوجوب والندب من جنس هو طلب الفعل وفصل هو المنع من الترك أو الترخيص فيه ، وكذا على ما اشتهر بين المتأخرين من بساطتهما وكون التفاوت بينهما بالشدة والضعف ، وذلك لاستحالة وجود الجنس غير متفصّل بفصل أو وجود الماهية المشكّكة غير محدودة بحدّ ، نعم على المختار ـ من خروج الوجوب والندب عن مدلول الصيغة ، وأنها لا تستعمل إلاّ في إنشاء النسبة الإيقاعية ، وإنّما يحكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ما لم يرد منه الترخيص في مخالفته ـ فلا إشكال ، والتفصيل في محله.

وكيفما كان ، فمع امتناع إنشاء القدر المشترك في التكليف النفسي بناء على مسالك القوم ـ كما عرفت ـ فكيف يتصوّر في الغيري.

(٢) قد عرفت اختصاص الامتناع بالمسلكين المشهورين المتقدمين ، وأنه لا امتناع على المسلك المختار ، فالإشكال المذكور جدليّ لا برهانيّ.


وثانيا : أنّه لو سلّم صحة التفكيك في مدلوله بين الأبواب ، وكونه في متعلّقات التكاليف ناظرا إلى جهة التكليف دون الوضع ، وطلبا مولويّا بهذا الاعتبار ، فلا يخفى أنّ ما يعتبره العقل في حسن الخطاب (١) ليس مدلولا لفظيا لهيئة الأمر والنهي ، كي تكون القيديّة المقيّدة بالمقدوريّة ونحوها هي مؤدّى الخطابات الغيريّة ، وإنّما هو قيد في ناحية المدلول ، وشرط عقليّ فيما يطالب به من المكلّف بأيّ كاشف كان ، وظاهر أنّ الطلب بالمركّب بما له من التعلّق بجملة أجزائه وقيوده الملحوظ اعتبار الوحدة فيها هو المتوقّف حسنه على مقدوريّة متعلّقه ، لا بآحاد تعلّقاته ، وإلاّ كانت خطابات مستقلّة. ولو فرض استقلال العقل باشتراط آحادها بذلك (٢) كان عند‌

__________________

(١) محصّله أنه بعد التسليم فشرائط حسن الخطاب إنما يعتبرها العقل في صحة الطلب الذي هو مدلول الخطاب ، وليست هي جزءا لمدلوله اللفظي كي يكون مفاد الخطاب الغيري القيديّة المقدورة مثلا ، ومن الواضح أنّ الطلب الذي يعتبر العقل شروطا في صحته هو الطلب المتعلق بجملة العمل بأجزائه وقيوده بلحاظ ما له من الوحدة الاعتبارية ، لا الطلبات الضمنية المتعلقة بآحاد أجزائه وتقيّداته ـ والمدعى دلالة الخطابات الغيرية عليها ـ ، إذ لو اعتبرت الشرائط في كلّ من هذه الطلبات باستقلالها وغير مرتبطة بأخواتها لأصبحت طلبات نفسيّة وأوامر استقلالية ، وهو خلف الفرض.

(٢) يعني من دون استلزامه خطابات مستقلة ، بل مع التحفظ على ارتباطيتها بعضها ببعض.


استفادة القيديّة من مثل « لا صلاة إلاّ بطهور » أيضا كذلك (١) ، وتعذّر إطلاقها بالكليّة. ولعلّ أن يكون الخلط في استفادة القيديّة من الخطاب الغيري أو ترتّبها على النهي النفسي ـ كما في باب النهي عن العبادة ، على أحد الوجهين فيه (٢) كما ستعرفه ـ قد أوجب هذا الوهم (٣).

وبالجملة فلا فرق بين أن يستفاد قيديّة الطهارة من قوله سبحانه ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) في آية الوضوء ، أو من قوله 7 « لا صلاة إلاّ بطهور » في دلالة كلّ منهما على القيديّة المطلقة (٤) على كلّ‌

__________________

(١) لأنّ حكم العقل بذلك لا بدّ أن يكون بملاك قيديّتها للعمل وكونها من تعلّقاته ، لا لتعلّق الخطاب الغيري بها ، وهذا الملاك مطّرد في المثال ، ومقتضى ذلك أن تكون القيديّة مقصورة بحال التمكن من دون فرق بين ما سيق بلسان التكليف أو بمثل « لا صلاة إلاّ بطهور » ، فلا وجه لتفصيل الوحيد 1 على كلّ تقدير.

(٢) إشارة إلى ما سيأتي في الرابع من تنبيهات الخاتمة من البحث عن أنه إذا استفيدت المانعيّة من النهي النفسي المتعلق بحصة من العبادة ـ باعتبار أنّ حرمتها تنافي إطلاق الأمر بالعبادة فيقيّد بغير الحصّة المحرّمة ـ ، فهل المانعيّة مترتّبة على حرمتها الواقعية ، ومسببة عنها ، بحيث إذا ارتفعت الحرمة واقعا لانتفاء القدرة مثلا ارتفعت المانعية أيضا ، أم أنها غير مترتبة عليها بل هي في عرضها ، وجهان ، والتفصيل هناك.

(٣) وهو سقوط القيدية المستفادة من الخطاب الغيري بالتعذّر ، قياسا لها بالقيدية المترتّبة ـ على أحد الوجهين ـ على النهي النفسي.

(٤) لعدم الموجب لتقييدها في الأوّل بصورة التمكن ـ حسبما سمعت.


تقدير.

الأمر الخامس : إنّه بعد الفراغ عن كون المانعيّة في المقام مطلقة غير مقصورة بصورة العلم بموضوعها ، فقد تشبّثوا لجوازها (١) في المشتبه :

تارة بإطلاق ما يدلّ على جوازها فيما كان من الملابس تستر العورة (٢).

وأخرى بإطلاق ما يدلّ على جوازها فيما أخذ من يد المسلم (٣) ، وما يلحق به (٤).

__________________

(١) الجواز المدّعى هنا جواز ظاهري تقتضيه أدلة اجتهادية أو أصول عملية ، مع كون المانعية الواقعية مترتبة على موضوعها الواقعي ، وهذا بخلاف الجواز المدعى في الأمر السابق ، فإنّه جواز واقعي ناش عن اختصاص المانعية ـ واقعا ـ بما علم عدم مأكوليته.

(٢) نحو ما دلّ على جواز صلاة الرجل في قميص واحد إذا كان كثيفا ، وكذا صلاة المرأة في الدرع والمقنعة ، والنهي عن الصلاة فيما شفّ أو وصف ، وما ورد من أمر المرأة بالتستّر في الصلاة بثوبين أو ثلاثة ( راجع البابين ٢١ و ٢٨ من أبواب لباس المصلي من الوسائل ) ، بدعوى شمول إطلاقها لجميع أنواع اللباس ـ ومنها المشكوك المبحوث عنه ـ ، هذا ، وممن استند إلى هذا الوجه صاحب الجواهر 1 ( الجواهر ٨ : ٨٠ ).

(٣) بالشراء منه أو من سوق المسلمين وإن لم يثبت إسلام البائع ، فإنّ الظاهر أن اعتبار سوقهم إنما هو لأماريّتها على إسلام من فيها من الباعة ، والروايات الدالة على ذلك مذكورة في الباب ٥٠ من أبواب النجاسات من الوسائل.

(٤) كالمصنوع في أرض يغلب فيها المسلمون ، وما وجد مطروحا في أرضهم ممّا عليه أثر استعمالهم ـ على كلام في الأخير ـ ، راجع الباب الآنف الذكر.


وثالثة بدعوى استلزام النزع حال الصلاة للحرج المنفيّ ، وبدعوى السيرة العمليّة على عدم التحرّز عن المشتبه (١) ، ونحو ذلك.

ولا يخفى عليك ما في جميع ذلك :

أمّا إطلاق جوازها فيما يستر العورة من الملابس فلو فرض الظفر بإطلاق ناظر إلى ما عمل اللباس منه (٢) غير مقصور مساقه بخصوص جهة التستّر به كان التمسّك به في المقام مبنيّا على القول بحجيّة الإطلاق والعموم المخصّص بالمنفصل (٣) بالنسبة إلى‌

__________________

(١) الوجوه الثلاثة الأخيرة استند إليها الفاضل النراقي 1 في مستنده قال ( ٤ : ٣١٦ ) : ( ولكن تعارضها ـ أي الموثقة ـ الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين وفيما يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة ، وتعارضهما بالعموم من وجه ، والأصل مع الجواز فهو الأظهر. ويؤيده بل يدلّ عليه عمل الناس بل إجماع المسلمين حيث إنه لم يعلم كون أكثر الثياب المعمولة من الصوف. مما يؤكل جزما ومع ذلك يلبسها ويصاحبها الناس من العوام والخواص في جميع الأمصار والأعصار ويصلون فيه من غير تشكيك أو إنكار ، بل لولاه لزم العسر والحرج في الأكثر ) انتهى موضع الحاجة. هذا ، وقد وقع في كلمات المحقق القمي وصاحب الجواهر وغيرهما 1 أيضا ذكر السيرة والحرج في سياق الوجوه المجوزة.

(٢) بأن يكون في مقام البيان من هذه الجهة أيضا ولا يكون مقتصرا على بيان جهة التستّر.

(٣) فإن الإطلاق المذكور ـ على تقدير الظفر به ـ مقيّد بما دلّ على عدم جواز الصلاة في غير المأكول ، ومعه فالتمسّك به في المقام تمسّك بالإطلاق في الشبهات المصداقيّة لمقيّده ، والمحقّق في محلّه فساده.


المصاديق المشتبهة ، وقد اتّضح فساده في محلّه ، لكن الظاهر أن لا يظفر المتتبّع في أبواب الملابس بإطلاق كذلك ، ويكون هذا التشبث ساقطا من أصله.

وتشبّث بعض من عاصرناه 1 بإطلاق جوازها في الخزّ بدعوى شموله لما يشكّ في غشّه بوبر الأرانب ونحوه ممّا تداول غشّه به ، وإلاّ (١) كان الحثّ على الصلاة فيه قليل الجدوى ، لندرة العلم بخلوصه ، وبالقطع بعدم الفرق بينه وبين سائر المشتبهات يتمّ المطلوب *.

وأنت خبير بما في كلتا الدعويين (٢) :

أمّا شمول إطلاقات الباب للمردّد بين الخالص والمغشوش فلأنّ الرخصة في الخزّ إن كانت واردة عليه بعنوانه النفس الأمري (٣) ـ كما هو الأصل في باب الألفاظ (٤) ـ كان ما يدلّ على عدم جوازها في المغشوش تنصيصا بما يقتضيه إطلاقها (٥) ، لا تقييدا له ،

__________________

(١) أي وإن لم يشمل المشكوك غشّه واختص بالمعلوم خلوصه.

(٢) وهما دعوى إطلاق نصوص الخز ، ودعوى القطع بعدم الفرق بينه وبين سائر المشتبهات.

(٣) وهو الخز الخالص غير المغشوش بغيره.

(٤) فإنه الموضوع له لغة ، فيحمل اللفظ عليه لو لا القرينة على الخلاف.

(٥) أي إطلاق الرخصة ، لأنّ مقتضى إطلاقها على هذا التقدير اختصاصها بالخز الخالص ، فيخرج المغشوش خروجا تخصّصيا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( مط ) أي مطلقا ، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه.


وتسمية المغشوش باسمه من الخطأ أو التسامح في التطبيق ، وقد تقدّم عدم الاعتداد به (١) ، ويكون تسمية المردّد بين الخالص والمغشوش بهذا الاسم مردّدة (٢) بين الحقيقيّة الناشئة عن الانطباق على ذلك العنوان ، أو التسامحيّة التي لا جدوى لها ، وواضح أنّه مع الشكّ في مصداقيّة المصداق لا معنى للتمسّك بالعموم أو الإطلاق ، ولا يجوز قولا واحدا. ولو كانت الرخصة واردة على ما يسمّى في العرف خزّا (٣) ، لا على عنوانه النفس الأمري ـ كما ادّعاه المستدلّ وبالغ في الإصرار عليه ـ كان ما يدلّ على عدم جوازها في المغشوش تقييدا لإطلاقه ، والتمسّك به لجوازها في المردّد بين الخالص والمغشوش مبنيّا على حجيّة الإطلاق والعموم المخصّص بالمنفصل بالنسبة إلى المصاديق المشتبهة (٤) ، والذي أعهده منه 1 أنه كان لا يلتزم بذلك.

__________________

(١) تقدّم ذلك في الجهة الرابعة من الجهات الملحقة بالأمر الثاني.

(٢) يعني يتردّد أمر تسمية المشكوك خلوصه وغشّه بالخزّ بين كونها تسمية حقيقية ـ على تقدير خلوصه ـ أو تسمية مبنيّة على التسامح في التطبيق ـ على تقدير غشّه ـ ، إذن فهو مردد بين كونه مصداقا للخزّ حقيقة وعدمه ، ومعه كيف يصح التمسّك بإطلاق نصوص الخزّ ، وهل هو إلا من التمسك بالإطلاق في الشبهات المصداقيّة لنفسه ، وهو غير جائز قولا واحدا.

(٣) ليشمل المغشوش ـ كما يشمل الخالص.

(٤) أي للمخصص لا لنفس العام أو المطلق ـ كما كان على التقدير الأوّل ـ ، وهذا وإن كان خلافيا إلاّ أن المختار عندنا وعند المستدلّ ـ ظاهرا لأنّه المعهود منه كما في المتن ـ عدم الجواز.


وأمّا التعدّي إلى سائر المشتبهات بدعوى القطع بعدم الفرق ، فلا يخفى ما فيه من الغرابة ، إذ بعد أن كانت الرخصة في الخزّ تخصيصا لعموم المانعيّة على كلّ تقدير (١) ، فلو فرض ورودها على مسمّاه العرفي ، وشمول دليلها للغشّ الغير المعلوم ـ كما ادّعاه ـ كان ذلك تخصيصا آخر تبعيّا (٢) ، فكيف يدّعى القطع بعدم الفرق بين ما أخرجه المخصّص عن العموم وما بقي مشمولا له بعد التخصيص؟.

ويتلوه (٣) التشبّث بإطلاق ما يدلّ على جوازها فيما أخذ من يد المسلم وما يلحق به ، إذ لا عين ولا أثر لما يدلّ على هذا العنوان (٤) الشامل لكلّ مشتبه أخذ من يد المسلم وما بحكمه في شي‌ء من روايات ذلك الباب كي تكون من قبيل القضايا الحقيقيّة ، ويتمسّك بإطلاقها في كونها بمنزلة الكبرى الكليّة لأنواع‌

__________________

(١) من تقديري ورود الرخصة على الخز الحقيقي أو على المسمّى العرفي.

(٢) اقتضاه التخصيص الأصلي المتعلّق بالخز ، إذن فالتعدّي عن الخزّ الخالص إلى المشكوك خاص بالمورد اقتضاه ـ حسبما يدّعيه المستدلّ ـ دليل التخصيص ، فأخرجه عن عموم المانعية ، وأين هذا من سائر المشتبهات التي لا تخصيص في مواردها.

(٣) أي يتلو سابقه في الضعف التشبّث بإطلاق نصوص جواز الصلاة فيما أخذ من يد المسلم أو سوقهم أو صنع في أرضهم ، بدعوى شموله لمشتبه المأكوليّة ، وهذا هو الوجه الثاني من الوجوه الأربعة المتقدّمة.

(٤) أي عنوان المأخوذ من يد المسلم على نحو تكون يده أمارة في كلّ مشتبه سواء فيه مشتبه التذكية أم غيرها كالمأكولية أو كونه حريرا أو ذهبا أو نحوها.


المشتبهات ، وإنّما هي مسوقة بأسرها للترخيص فيما كان يعمل (١) من الفراء والخفاف من الجلود المشكوكة تذكيتها ، لعدم مبالاة مخالفينا بشرائط التذكية (٢) ، واستحلالهم ذبائح أهل الكتاب والميتة بالدباغ ، وليست متكفّلة إلاّ لإلغاء الشكّ في تذكية ما كانت مأكوليّته محرزة ، ولا مجال لأن يدّعى شمولها لما إذا كانت مأكوليّته أيضا مشكوكة ، ويتعدى إلى ما عمل من الصوف أو الوبر أيضا (٣) بالقطع بعدم الفرق بين ما تحلّه الحياة وما لا تحلّه ، إذ بعد ما عرفت أنّ مساق هذه الروايات مساق القضايا الخارجية (٤) ، دون الحقيقية ، فلا جرم يتوقّف صحة هذه الدعوى على العلم بأنّ ما كانت الفراء والخفاف تعمل منه مردد * بعضه بين أن يكون من جلود‌

__________________

(١) أي كان يعمل في تلك الأعصار ، فالترخيص ناظر إليها على نحو القضيّة الخارجيّة.

(٢) لذهابهم إلى عدم اعتبار بعض شرائطها ـ كالاستقبال.

(٣) ليثبت الجواز في مشكوك المأكوليّة منهما أيضا.

(٤) لكونها مسوقة ـ كما سمعت ـ لبيان حكم الجلود المعروضة للبيع في أسواق تلك الأعصار ، فلا بدّ من أن تؤخذ بعين الاعتبار خصوصياتها التي كانت عليها ـ وهي كون الجلود مشكوكة التذكية ومحرزة المأكوليّة ـ بل أكثر هذه الروايات واضحة الدلالة على انحصار منشأ السؤال في الشك في التذكية وأنه لا نظر إلى ما سواها ، هذا. ولا يذهب عليك أنّ سوقها مساق القضايا الخارجيّة لا ينافي استفادة الحكم الكبروي منها على نحو القضية الحقيقية ـ كما هو واضح.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( مردّدا ) والصحيح ما أثبتناه.


المأكول أو غيره. ومع الغضّ (١) عن كفاية الشكّ في ذلك في امتناع هذه الدعوى ، فالنظر في روايات الباب يورث القطع بعدمه ، وأنّ حال ما كانت تعمل منه الفراء والخفاف في تلك الأعصار كحال ما تعمل من الجلود المعمولة في عصرنا في مثل بغداد ممّا يكثر فيه مخالفونا ، وكما لا نشكّ في مأكوليّة شي‌ء منه ـ وإنّما نشكّ في تذكيته ـ فكذا كان حالها في تلك الأعصار ، ومن هنا لا عين ولا أثر للسؤال عمّا كان يعمل من الصوف والوبر (٢) في شي‌ء من الروايات.

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه لا يبعد ظهور الأدلّة في أنّ اعتبار اليد في باب التذكية من فروع اعتبارها في إحراز الملكيّة بها (٣) ، فإن ميتة‌

__________________

(١) محصّل جوابه 1 عن الدعوى المذكورة وجهان :

أحدهما : أن دعوى الشمول للجلود المشكوكة المأكولية فرع العلم بوجودها في تلك الأسواق ، وإذ لا علم لنا به فالدعوى ساقطة.

والثاني : دعوى القطع بعدم وجودها فيها ، لوضوح ان الجلود المعمولة منها الفراء والخفاف ليست سوى جلود الأنعام التي ذبحت وأكلت لحومها وشحومها أو عرضت للبيع في الأسواق ، فلا يتطرّق إليها الشك إلاّ من حيث تذكيتها.

(٢) وليس إلاّ لعدم الشك في كونهما متّخذين من المأكول ، والشك في تذكية حيوانهما لا أثر له بالنسبة إلى قبيلهما ممّا لا تحلّه الحياة.

(٣) فإذا وجد في يد مسلم جزء حيوانيّ تحلّه الحياة كانت أمارة على ملكيّته له ، ومقتضى ملكيّته كونه مذكى ، إذ الميتة النجسة غير قابلة للملك ، فالملكية تكشف إنّا عن التذكية ، أمّا غير المأكول فهو قابل‌


ذي النفس غير قابلة لأن تملك وتباع وتشترى وينتفع بها ، ولا يترتّب على ما علم أنّه من غير المأكول شي‌ء من هذه الأحكام ـ فضلا عمّا شكّ فيه.

فقد ظهر من ذلك ما في التشبّث بالتعليل الوارد في ذيل رواية حفص بن غياث (١) لهذا المدّعى من الغرابة ، إذ بعد أن كان‌

__________________

للملك كالمأكول ، فأماريّة اليد على الملكية لا تستلزم كونه من المأكول ، ونحوه الحال في الميتة الطاهرة بناء على ما يظهر من عبارة المتن من اختصاص عدم قابلية الملك والبيع بميتة ذي النفس النجسة ، هذا.

وقد يشكل ما أفيد بأنّ قاعدة اليد لا يختص جريانها بيد المسلم ، فإن اللحم الموجود في يد الكافر أيضا محكوم بملكيته له ، مع أنه لا يحكم عليه بالتذكية ، فكيف الفرعيّة.

ويمكن أن يجاب عنه بأن القاعدة وإن جرت بالنسبة إلى يد الكافر أيضا ، لكن لم يثبت اقتضاؤها فيه الملكية ، فلعلّ الذي تقتضيه بالنسبة إليه هو مجرد حق الاختصاص الثابت في الميتة أيضا ، وقد ذكر في محلّه أن أماريّة القاعدة لا تنحصر في الملكية ، فكما أنها بالنسبة إلى يد مدّعي الوكالة أو الولاية أو نحوهما أمارة على وكالته أو ولايته ، كذلك يمكن أن يكون يد الكافر على اللحم أمارة على مجرد اختصاصه به لا ملكيته.

(١) أوردها في قضاء الوسائل في الباب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٢ ، وذيلها قوله 7 ( لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق ) ، والرواية بطولها تفيد جواز الشهادة بالملكية استنادا إلى اليد ، وفي سندها القاسم بن يحيى ولم تثبت وثاقته ، بل عن ابن الغضائري تضعيفه.


ما لا تحلّه الحياة من غير المأكول ـ وكذا ما تحلّه هي بعد تذكيته ـ ملكا يجوز بيعه وشراؤه وكلّ انتفاع به عدا الصلاة فيه ـ سواء أخذ من يد المسلم أو غيره ـ ، فليت شعري أيّ محذور نوعيّ أو اختلال نظام يلزم من لحوق مشكوكه بمعلومه في ذلك ، ونظيره (١) دعوى استقرار السيرة العمليّة على الصلاة في المشتبه.

وأغرب من الجميع دعوى * استلزام النزع حال الصلاة الحرج المنفيّ ، وليت شعري لو كان هذا المقدار من الكلفة (٢) رافعا للتكليف فلم لم يتشبّث به لجوازها حتى في الثعالب والسمّور ، بل لسقوط معظم التكاليف؟.

وبالجملة فهذه الوجوه وإن تمسّك بها المجوّزون ، لكنّها بمعزل عن الصلاحيّة ، وإنّما المتعيّن هو البحث عن اندراج هذه الشبهة في مجاري قاعدة الاشتغال أو البراءة ، وعلى التقدير الأخير‌

__________________

ومحصّل الدعوى أنه يستفاد من هذا التعليل الترخيص الشرعي في كلّ ما لولاه لاختلّ النظام ـ ومنه المقام. وحاصل الردّ إنكار كون المقام منه ، وقد بيّن في المتن.

(١) أي نظيره في الغرابة ، إذ لا يكاد يكون استقرار سيرة المتديّنين محتملا مع فتوى معظم الفقهاء بعدم الجواز ، هذا فضلا عن دعوى اتصالها بزمن المعصومين :.

(٢) ولو سلّمت الكلفة والحرج بحسب نوع المكلفين فهي لا تجدي في رفع التكليف عمّن لا كلفة عليه شخصا ـ كما حقق في محله.

__________________

(*) كلمة ( دعوى ) غير موجودة في الطبعة الاولى أضفناها لاقتضاء السياق.


فهل تشارك (١) الشبهات الموضوعيّة التحريميّة في جريان أصالة الحلّ فيها أيضا ، ويعمّهما ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل بجامع واحد ، أو أنّه يختص (٢) بذلك القسم ، وعلى كلّ تقدير فهل يجري الاستصحاب في موارد الشبهة ـ إمّا مطلقا أو في الجملة ـ أو أنّه لا مجرى له مطلقا.

وإذ قد عرفت ذلك فينبغي أن نمهّد للبحث عن اندراجها في مجاري كلّ واحد من هذه الأصول الثلاثة مقاما برأسه ، فالمقامات حينئذ ثلاثة : ـ

__________________

(١) أي الشبهة المبحوث عنها.

(٢) أي إن ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل يختص بالشبهات الموضوعية التحريمية ، ولا يشمل المقام.


( المقام الأوّل )

في تنقيح أنّ مرجع الشبهة إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر ، واندراجها في مجاري البراءة بذلك.

ولنقدّم لتوضيحه مقدّمتين :

الاولى : إنّه لا خفاء في أنّ البحث عن جريان البراءة وعدمه في المقام ، ونظائره ـ ممّا ينشأ تردّد الواجب بين الأقلّ والأكثر عن شبهة خارجيّة ـ إنّما هو بعد الفراغ عن جريانها في الارتباطيات ، وعدم مانعيّة الارتباطية (١) والشكّ في تحقّق المطلوب الواقعي المردّد بين الأمرين عن انحلال العلم الإجمالي بالخطاب المعلوم تعلّقه بأحدهما إلى متيقّن هو المعاقب على تركه ، ومشكوك تجري البراءة فيه.

__________________

(١) أشار 1 بهذه العبارة إلى ما يذكر في مبحث الشك في الارتباطيات من أن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر ينحلّ إلى العلم التفصيلي بتعلّقه بالأقلّ والشك في تعلّقه بالزائد ، فتجري البراءة فيه ، وأن الشك فيه ـ وإن استلزم لمكان الارتباطية الشك في تحقق الواجب الواقعي خارجا بالإتيان بالأقل وفراغ الذمة بذلك بعد اشتغالها اليقيني ـ لا يمنع عن الانحلال المزبور ، وسيأتي تفصيل الكلام حول ذلك في البحث الكبروي الآتي ، فانتظر.


وواضح أنّه بعد الفراغ عن ذلك فالضابط في تنجّز الخطاب الارتباطي (١) بحسب كميّته أن يكون نفس تعلّقه بكلّ واحد من أجزاء متعلّقه أو قيوده بحيث لو فرض تكليفا استقلاليا وخطابا نفسيّا كان مستجمعا لما يوجب تنجّزه ، وخروجه عن مجاري البراءة ، وإلاّ لم تكن الارتباطيّة مؤثّرة (٢) في تنجيز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها ، وكانت كعدمها ، ويكون التكليف المعلوم بالإجمال (٣) متوسّطا في التنجز وعدمه باعتبار ما علم أو لم يعلم‌

__________________

(١) ملخّص المرام أنه ـ بعد الفراغ عن أن الارتباطية لا تمنع عن الانحلال ـ لا يعتبر في تنجّز كلّ من الخطابات الارتباطية المتعلّقة بآحاد الأجزاء والقيود سوى ما يعتبر في تنجّز الخطاب الاستقلالي ، بحيث لو فرض الارتباطي استقلاليا لكان متنجّزا ، فإن مقتضى ما فرغنا عنه أنه لا أثر للارتباطية في التنجيز والخروج عن مجاري البراءة أصلا وأن وجودها كعدمها. إذن فالضابط في تنجّز الارتباطي فرضه استقلاليا وجوبيا أو تحريميا ـ حسب اختلاف الموارد ـ ، والنظر في استجماعه شرائط التنجز وعدمه ، وستعرف أنه في مورد البحث يفرض القيد العدمي خطابا استقلاليا تحريميا ، والشبهة موضوعيّة ، وانتظر التفاصيل.

(٢) أي وإن لم يكن بحيث لو فرض تكليفا استقلاليا كان متنجزا ، بل كان مع هذا الفرض غير متنجز ، فالارتباطية لا تؤثر في تنجيز غير المتنجز ، بل هي كعدمها ـ كما هو المفروغ عنه حسب الفرض.

(٣) بعد ما أفاد 1 ضابط التنجز بالنسبة إلى الخطابات الارتباطية ، أشار إلى حالة التنجز بالإضافة إلى نفس التكليف الأصلي المتعلق بالمركب أو‌


تعلّقه به ـ على ما حرّر في محلّه.

وإذ لا خفاء في ابتناء جريان البراءة في الارتباطيات على ذلك فالذي يهمّ البحث عنه هو تنقيح أنّه هل يجري * ما تنتزع عنه مانعيّة غير المأكول وأشباهه مجرى وجوب قضاء الفريضة الفائتة ـ مثلا ـ ، أو حرمة شرب الخمر ، ونحوهما في كونه بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه انحلاليا يترتّب على مصداقية كلّ واحد منها تقيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه ـ كما في المثالين (١) وأشباههما ـ ، ويرجع الشكّ فيها (٢) إلى الشكّ في القيديّة المترتبة عليها ـ لا محالة ـ ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة الخارجية بين الأقلّ والأكثر (٣) ، ويندرج في مجاري البراءة بعد الفراغ عن ذلك المبنى ، ويكون حال الشبهة‌

__________________

المقيد ، والوجه في كونه متوسطا في التنجز هو تنجّزه على تقدير دون آخر ، فإنه إن كان متعلقا بالأقل فهو متنجز ، وإن كان متعلقا بالأكثر فكذلك متنجز لا يعذر في مخالفته إذا استندت المخالفة إلى ترك الأقلّ ، وليس متنجزا فيعذر في مخالفته إذا استندت إلى ترك خصوص الزائد المشكوك.

(١) فالانحلال كما يقتضي كون كلّ مصداق للفريضة الفائتة محكوما بوجوب قضائه ، وكلّ فرد من الخمر محرما شربه ، كذلك يقتضي كون الصلاة متقيّدة بعدم وقوعها في كلّ مصداق لغير المأكول.

(٢) أي في المصداقية.

(٣) الأقل هو الصلاة المتقيّدة بعدم وقوعها في المصاديق المعلومة لغير المأكول ، والأكثر هي المتقيّدة بعدم وقوعها فيها وفي المشكوكة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تجري ) والصحيح ما أثبتناه.


المبحوث عنها حينئذ كحال الشبهة الموضوعيّة التحريميّة بعينه (١).

أو أنّ مرجع الأمر (٢) في باب القيود العدميّة سواء كان لها تعلّق بموضوع خارجيّ ـ كالمقام ونحوه ـ أو لم يكن ـ كعدم التكلّم والقهقهة وأشباههما ـ إلى قيديّة عنوان بسيط ونعت عدميّ لا يقبل التعدّد بتعدّد الوجودات ، ولا زيادة باعتبارها ، وإنّما يكون التحرّز عن مجموعها محصّلا خارجيّا له ، والتكليف بذلك العنوان ـ استقلاليا كان أو قيديا (٣) ـ متنجزا بنفس العلم به (٤) ، والشبهة راجعة إلى المحصّل الخارجي الذي هو بمعزل عن جريان البراءة فيه (٥) ، ويتردّد هو دون متعلّق التكليف (٦) بين الأمرين ، وهذا هو الذي يهمّ تنقيحه‌

__________________

(١) فإنها تشابهها من جميع الجهات سوى جهة الاستقلالية والارتباطية ، فكما تجري البراءة في المصداق المشكوك خمريته ، كذلك في الشبهة المبحوث عنها ، لاقتضاء الانحلال الآنف الذكر كونه في الأول شكا في التكليف الاستقلالي ، وفي الثاني شكا في ثبوت قيدية زائدة ، وقد أشرنا آنفا إلى أنّ مقتضى فرض الارتباطي استقلاليا هو فرض الشبهة في المقام شبهة موضوعية تحريمية.

(٢) محصّل هذا الوجه أن مرجع الشك في المقام ونحوه من القيود العدميّة إلى الشك في المحصّل ، وهو شكّ في مقام الامتثال ومجرى لقاعدة الاشتغال.

(٣) أي تكليفا قيديا ـ كما في المقام.

(٤) فلا يتوقّف تنجّزه على العلم بموضوعه أيضا ـ كما على الوجه الأوّل ـ ، إذ لا موضوع له لمكان بساطته ، وإنما الموضوع لمحصّله.

(٥) لعدم كونه بنفسه متعلقا للتكليف لتجري البراءة مع الشك فيه ، وما هو المتعلق له أمر لا يشكّ فيه.

(٦) فإن متعلق التكليف ـ كما عرفت ـ أمر لا تردّد فيه بين الأقل والأكثر ،


في المقام ، وعليه يبتني اندراج الشبهة المبحوث عنها في مجاري البراءة أو الاشتغال ـ بعد الفراغ عن ذلك المبنى ـ ، دون سائر ما ذكر ، ولا محصّل له (١) سوى التشبّث بالارتباطيّة ، واستلزام الشكّ في مانعيّة المشتبه للشكّ في الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة ، وهو ـ كما ترى ـ خروج عن الفرض (٢) ورجوع عن ذلك المبنى ـ كما لا يخفى.

الثانية : إنّه بعد أن تبيّن أنّ مبنى الوجهين في المسألة هو كون القيد العدمي المنتزعة عنه مانعيّة غير المأكول وأشباهه ممّا يتنجّز خطابه بنفس العلم به ، أو يتوقف تنجّزه على العلم بموضوعه أيضا (٣) ، فالمهمّ حينئذ هو تنقيح ضابط القسمين ، وتوضيح ما به يمتاز رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في الامتثال عن رجوعها إلى الشكّ في التكليف ، ثم البحث عن اندراج الشبهة المبحوث عنها في أيّ الضابطين.

ومحصّل ما عندنا في ذلك هو أنّه ـ بعد أن لا خفاء في أنّه لا بدّ في متعلّق التكليف من أن يكون عنوانا اختياريّا يصلح لأن يتعلّق به الإرادة الفاعليّة (٤) إمّا بنفسه ، أو بتوسيط ما يكون ذلك العنوان‌

__________________

لعدم قابليته للتعدد بتعدد الوجودات لبساطته ، وإنما التردد في محصّله ، وأنه هو التحرّز عمّا يشمل المشكوك أو لا ، ومقتضى القاعدة فيه الاشتغال.

(١) أي لسائر ما ذكر.

(٢) إذ المفروض الفراغ عن جريان البراءة في الارتباطيات في نفسها.

(٣) لتجري في الشبهة المبحوث عنها قاعدة الاشتغال على الأوّل ، وأصالة البراءة على الثاني.

(٤) فإن الإرادة الآمريّة إنما تتعلّق بما يصلح لأن تتعلّق به الإرادة الفاعليّة ، وهو الفعل الاختياري ، ولا يكاد يتعلق التكليف بما هو خارج عن الاختيار ، وسقوط التكليف به لحصول الغرض أو لانتفاء الموضوع أمر آخر.


مسبّبا توليديّا له (١) ـ فإمّا أن يكون (٢) العنوان المذكور اختياريا كلّه ، ولا تعلّق له بموضوع خارج عن الاختيار أصلا ـ كالتكلّم ونحوه ـ ، أو يكون له تعلق بالموضوع المذكور ، وهذا يتصوّر على وجوه : ـ فتارة يكون ذلك الموضوع متحققا خارجيا (٣) ـ كما في مثل استقبال القبلة أو استدبارها.

وأخرى يكون عنوانا كلّيا ذا أفراد محقّقة الوجود ومقدّرته ، وهذا يتصوّر على وجهين :

فتارة يؤخذ عنوان الموضوع بلحاظ صرف وجوده المساوق للإيجاب الجزئي موضوعا لحكمه ، كما في الماء أو التراب ـ مثلا ـ بالنسبة إلى وجوب الوضوء أو التيمّم ، وأشباههما ممّا يكون إطلاق كلّ من متعلّق الحكم وموضوعه بدليّا (٤) ، ويختصّ ذلك بالتكاليف‌

__________________

(١) فإن اختياريّة الواسطة والسبب التوليدي تكفي في اختياريّة ذيها ـ وهو المسبب المتولّد منه قهرا ـ كالإحراق المتولّد من الإلقاء والتطهير المترتّب على الغسل ، ضرورة أن القدرة على السبب قدرة على المسبّب.

(٢) شروع في تقسيم متعلق الحكم باعتبار تعلّقه بموضوع خارجي وعدمه ونوعيّة الموضوع إلى أربعة أقسام ، وهذه أولى المقدمتين اللتين أعدّهما 1 قبل الخوض في صميم البحث.

(٣) أي موجودا شخصيا عينيا كالقبلة في المثال.

(٤) فإنّ المطلوب في المثالين هو صرف وجود الوضوء والتيمم ، وموضوعهما صرف وجود الماء والتراب ، لا مطلق وجوده لينحلّ الحكم ويتعدّد بتعدد وجودات موضوعه ـ كما في القسم الرابع ـ ، بل لا يترتّب على تعدّد وجوداته سوى التوسعة في الامتثال والتخيير العقلي بينها في امتثال واحد.


الوجوديّة ـ كما ستعرفه (١) ـ فيكفي تمكّن المكلّف من أحد مصاديقه في فعليّة خطابه ، ولا يترتّب على مصداقيّة الزائد سوى التوسعة في امتثاله.

وأخرى يكون موضوعا للحكم بلحاظ مطلق وجوده ، كالعقد ـ مثلا ـ أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به أو حرمة شربه ، ونحو ذلك ممّا يستفاد أخذه موضوعا للحكم على نهج القضايا الحقيقيّة من عموم الدليل أو إطلاقه الشمولي (٢) ، فينحلّ ذلك الحكم حينئذ بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك ، كما هو الشأن في محمولات القضايا الحقيقيّة بالنسبة إلى أشخاص موضوعاتها ، ويستكشف اشتمال كلّ واحد منها على ملاك حكمه من ذلك (٣).

وموضوعات التكاليف العدميّة بأسرها من هذا القبيل ، ولا يعقل (٤)

__________________

(١) ستعرف بعد قليل أن موضوعات التكاليف العدمية ـ المحرّمات ـ بأجمعها من قبيل القسم الرابع ، ولا يتصوّر فيها هذا القسم ، فاختصّ هذا بالوجودية.

(٢) يعني أنّ من عموم الدليل ـ نحو ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )أو إطلاقه الشمولي نحو ( لا تشرب الخمر ) يستفاد كون الموضوع مأخوذا بلحاظ مطلق وجوده ، وعلى نهج الموضوع في القضية الحقيقية المتكفلة للحكم على أفراد موضوعها المحقّقة الوجود ومقدّرته ، بحيث كلّما يفرض له من أفراد ـ سواء كانت موجودة بالفعل أم معدومة لكنّها مقدّرة الوجود ـ تدخل فيه ويثبت لها الحكم على تقدير وجودها ، ومقتضاه انحلال الحكم وتعدّد وجوده حسب تعدد وجودات موضوعه ، فيكون لكلّ موضوع حكم يخصّه.

(٣) أي من ثبوت الحكم له ، فإن الحكم كاشف إنّا عن الملاك.

(٤) وجه عدم المعقوليّة أن مقتضى لحاظ الموضوع صرف الوجود ـ كما‌


موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود لتلك الأحكام إلاّ إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات (١) ، فيتّحد في النتيجة مع القسم الرابع (٢) عند عدم صلاحيّة الحكم للانحلال (٣) ، ومطلوبية نفس السلب الكلّي‌

__________________

عرفت في القسم الثالث ـ هو فعلية الحكم بمجرد وجود موضوعه ، من دون أن يتعدّد بتعدّد أفراد موضوعه ، وإنما الفعلي حكم واحد لا يستدعي إلاّ امتثالا واحدا ، ولو كان التكليف العدمي ـ مثل لا تشرب الخمر ـ كذلك لزم تحقق امتثاله بالاقتصار على اجتناب أحد أفراد الخمر مع ارتكاب جميع ما سواه ، ومثل هذا التكليف من السخافة بمكان لا يكاد يصدر من عاقل فما ظنّك بالمولى الحكيم تعالى علوّا كبيرا.

(١) بأن يراد بالتحرّز عن صرف وجود الموضوع ما يلازمه من التحرّز عن جميع وجوداته على نحو العموم المجموعي والسلب الكلّي ، فيكون صرف الوجود بهذا الاعتبار معنى انبساطيا ـ كما سيأتي منه 1 التعبير به ـ يجمع جميع وجوداته ويلمّ شملها ، ويكون المطلوب ـ في المثال ـ أمرا وحدانيا هو الاجتناب عن مجموع أفراد الخمر على نحو السلب الكلي ، بحيث إذا ارتكب فردا منها فقد خالف التكليف ، ولا تكليف بعد ذلك بالنسبة إلى ما عداه لانتفاء الانحلال ، حذو ما هو الحال في باب النذر وأخويه بناء على ما هو المتسالم عليه عند الأصحاب ـ كما أفاده 1 فيما يأتي ـ من أنه لو نذر أن لا يشرب ماء دجلة ـ مثلا ـ فبمجرد تعمّد شربه يحنث ، وتلزمه كفارة واحدة ، ويسقط الخطاب المتوجّه إليه من جهة نذره.

(٢) فإنه بحسب النتيجة لا بدّ ـ كما عرفت ـ من اجتناب جميع الأفراد كما هو الحال في القسم الرابع ، غايته أنه هنا لا انحلال فلا يتعدّد الحكم بتعدّد وجودات موضوعه ، بخلافه في القسم الرابع.

(٣) يعني أنه في التكاليف العدميّة إنّما يصار إلى هذا المعنى المعقول من‌


ـ كما في باب النذر ونحوه ممّا لا يصلح الحكم لأن يتعدّد بتعدّد وجودات موضوعه كما ستعرفه ـ ، وأمّا موضوعات التكاليف الوجوديّة فهي صالحة لأن تؤخذ بجميع هذه الوجوه (١) ـ كما لا يخفى ـ وهذا هو محصّل ما ينقسم إليه التكاليف باعتبار تعلّقها بالموضوعات الخارجيّة وعدمه ، وقد ظهر انحصار الأقسام فيما ذكر (٢).

وكيف كان ، فمن الواضحات الضروريّة أنّ المدار (٣) في تشريع الأحكام ليس على تشريع كلّ شخص من الحكم (٤) بالنسبة‌

__________________

صرف الوجود فيما إذا لم يصلح الحكم للانحلال والتعدد ، وكان المطلوب نفس السلب الكلّي ـ كما في باب النذر ونحوه.

(١) بما فيها المعنى الأخير من صرف الوجود.

(٢) لأن الحصر فيها عقلي ، إذ الحكم لا يخلو إما أن لا يكون له موضوع واخرى له ذلك ، والثاني لا يخلو إما أن يكون شخصيا خارجيا أو كليا ذا أفراد ، والثاني لا يخلو إما أن يلحظ على نحو صرف الوجود أو مطلق الوجود على نحو الانحلال أو الانضمام.

(٣) هذه هي ثانية المقدمتين بيّن 1 فيها ـ بإيجاز ـ كيفية تشريع الأحكام وما لها من مراتب ومراحل.

(٤) بيان لكيفية تشريع الأحكام بعقدها السلبي ، محصّله أن القضايا المتكفّلة للأحكام الشرعية الكلّية ليست إخبارا عن إنشاءات استقبالية تتعدّد حسب تعدد المكلفين والوقائع ، ووعدا بأنه سبحانه ينشئ في كلّ واقعة بإنشاء خاص حكما خاصا بها ـ عند اجتماع شرائطه فيها ـ على نهج القضية الخارجية وإلا لزم منه ارتفاع المائز بين موضوع الحكم وعلة تشريعه ، وخروج ما هو بوجوده‌


إلى كلّ مكلّف وفي كلّ قضيّة بإنشاء يخصّه ، كي يرتفع الفارق بين موضوعات الأحكام وعلل تشريعها ، ويلزم من التوالي الضروريّ فسادها (١) ما أوضحناه في محلّه.

__________________

العيني موضوع للحكم الى كونه بوجوده العلمي باعثا على تشريعه وعلة غائية له ، وبالجملة صيرورة شرائط المجعول شرائط للجعل ، ضرورة أنّه كما أنّ المؤثّر في تشريع الأحكام وعلّته الغائية هو اشتمال المتعلق على ملاك حسنة أو قبحه بوجوده العلمي دون الواقعي ، فكذلك تحقّق الموضوع واجتماع الشرائط في الواقعة الخاصة إنما يكون بوجوده العلمي مؤثّرا في تشريع الحكم فيها على نهج القضية الخارجية وباعثا عليه دون الواقعي ، فإذا اعتقد الحاكم وجوده أنشأ حكمه الشخصي في الواقعة صادف الواقع أم لا ، وإلاّ لم ينشئه أصاب أم أخطأ ، هذا ، واللازم المذكور ضروريّ الفساد مخالف لظواهر أدلّة الأحكام الدالّة على كون موضوعاتها شرائط لها بوجوداتها العينيّة لا عللا لتشريعها بوجوداتها اللحاظية.

(١) أشار 1 بهذا إلى الخلط الواقع في بعض المسائل الأصولية بين شرائط الجعل وشرائط المجعول بترتيب أحكام الأوّل على الثاني :

منها : إرجاع شرائط التكليف والوضع إلى شرطيّة اللحاظ ـ وهو مقارن ـ ، وتجويز الشرط المتأخّر على أساسه ـ كما صنعه المحقق صاحب الكفاية 1 ـ ، وقد ظهر ممّا مرّ أنّه إنّما يستقيم في شرائط الجعل وعلله الغائية وهي بمعزل عن محط البحث.

ومنها : دعوى أن الواجب المشروط ينقلب مطلقا بوجود شرطه ، فلا يجدي اشتراط أحد الخطابين المتزاحمين بعصيان الآخر في تصحيح الترتّب ودفع محذور طلب الجمع بين الضدين ، لأنّه عند حصول الشرط‌


وإنّما المجعول (١) حكما كليّا على موضوعه المقدّر وجوده ـ كوجوب الفرائض الخمس على المكلّفين بها في أوقاتها ، والحجّ على المستطيع ، وتبادل العوضين عند تحقّق البيع الجامع لشرائطه ،

__________________

يصبح الاشتراط كعدمه فيعود المحذور. ويردّه أنها إنما تتمّ في شرائط الجعل التي لدى تحقّقها ينشأ الحكم مطلقا غير مشروط بشي‌ء ، لا في شرائط المجعول التي لا يعقل انسلاخ الشرطيّة عنها بمجرد تحقّقها ، إذ لا يخرج الحكم بذلك عن كونه حكما على ذلك الموضوع.

ومنها : ما في الكفاية أيضا من عدّ السببيّة ـ المتّصفة بها الأسباب الشرعيّة كالدلوك والعقد من الأمور التكوينيّة المنجعلة ، لا من الأحكام الوضعيّة المجعولة ، بدعوى أن اتصافها بها إنما هو لاشتمالها على خصوصيّة ذاتية تؤثّر في وجوب الصلاة أو الملكيّة مثلا ، فتكون ـ إذن ـ منجعلة تبعا لتكوين المتصف بها ، لا مجعولة تبعا لتشريع حكم تكليفي أو وضعي على تقدير وجود المتّصف بها. وفيه أن هذا إنما ينطبق على دواعي الجعل وعلله الغائية ، لا على أسباب المجعول ، فإنّ المسلّم هو تأثير تلك الخصوصيّة الذاتية بوجودها اللحاظي تكوينا في جعل الحكم وتشريعه ، أما تأثيرها بوجودها العيني في الحكم نفسه فغير معقول ، لاستحالة ترشّح الحكم الشرعي عن أمر تكويني ، وقضاء الضرورة بتكوّنه بتشريع شارعة عن إرادته.

(١) بيان للعقد الإيجابي من كيفية تشريع الأحكام ، وخبر المبتدأ قوله ( هو الحكم الشرعي ) ، وحاصل المقصود أن ما يصدر من الشارع لدى تشريع الأحكام ليس إخبارا عن إنشاء استقبالي ـ كما عرفت ـ ، بل هو بنفسه إنشاء لحكم كلّيّ انحلاليّ وجعل له على موضوعه المقدّر وجوده بنحو القضية الحقيقية ، بحيث تترتّب عليه فعليّة أحكام شخصية عند تحقّق وجودات ذلك الموضوع من دون إنشاء جديد لها ، بل بنفس ذلك الإنشاء الانحلاليّ الأول.


وغير ذلك ـ هو الحكم الشرعيّ المجعول في جميع الأبواب (١) ، ويعبّر عن ذلك الموضوع المقدّر وجوده في أبواب التكاليف بشرائطها ، وفي الوضعيّات بأسبابها لمناسبة ظاهرة (٢) ، ويعبّر عن‌

__________________

(١) سواء في ذلك أبواب التكاليف ـ كما في مثالي الصلاة والحج ـ والوضعيّات ـ كما في مثال البيع.

(٢) أمّا الأول فباعتبار أن الموضوع شرط متمّم لفاعليّة المقتضي وتأثيره في مرحلة الملاك ، ذلك أنّ لوجوده دخلا في فعلية الملاك المقتضي لجعل التكليف ، فتماميّة المقتضي المذكور في تأثيره في مقتضاه متوقّفة على تحقّق الموضوع ، فهو ـ إذن ـ شرط تكوينيّ في هذه المرحلة ، وعنه ينشأ أخذه موضوعا معلّقا عليه الحكم في مرحلة التشريع ، فأصبحت الشرطية التكوينية منشأ لتعليق الحكم تشريعا المنتزع عنه شرطيّة المعلّق عليه وموضوعيّته ، هذا بالنسبة إلى مقام الثبوت والقضية اللبّية.

والأمر كذلك في مقام الحكاية بالقضيّة اللفظيّة ، فإنّ الحكم المجعول على نحو القضيّة الحقيقيّة كما يصحّ إلقاؤه بصيغة القضيّة الحمليّة نحو ( المستطيع يجب عليه الحج ) ، كذلك يصحّ إلقاؤه قضية شرطيّة بجعل الموضوع شرطا ، فيقال ( إذا استطاع المكلف وجب عليه الحج ) ، وقد ذكروا أن مرجع الموضوع ـ في القضية الحقيقية ـ إلى الشرط وبالعكس ، وأن القضية المذكورة تنحلّ إلى شرطية مقدّمها وجود الموضوع خارجا وتاليها عنوان المحمول ، هذا.

ولا يخفى أن مقتضى ما ذكرناه من المناسبة صحة التعبير عن الموضوع بالشرط في جميع الأبواب حتى الوضعيّات ، إلاّ أنه اختص في هذه الأخيرة باسم السبب لمناسبة اخرى تخصّ هذا الباب ، وهي شدّة شبهة بالأسباب‌


نفس ذلك المجعول الشرعي (١) على موضوعه المقدّر وجوده بالحكم الشأنيّ في الجميع ، إذ كونه من قبيل ما بالقوّة ظاهر.

وكما لا خفاء (٢) في أنّ دوران فعليّة ذلك الحكم وكونه بعثا أو زجرا (٣) فعليّا للمكلّف ، وكذا تحقّق ما أنشِئ بعقد أو إيقاع أو غير ذلك مدار تحقّق ذلك الموضوع هو الذي يقتضيه كونه مجعولا على ذلك التقدير ، وتنتزع سببيّة الأسباب لمسبّباتها عن ذلك (٤) ، ولا‌

__________________

التكوينيّة المؤثّرة في مسبّباتها ، إذ كما أن النار ـ فرضا ـ توجد الحرارة تكوينا ، كذلك العقد الإنشائي أو الحيازة ـ مثلا ـ يوجد الملكيّة اعتبارا ، والإنشاء عندهم إيجاد في الاعتبار. هذا ، وقد يعبّر بالسبب حتى في موضوعات التكاليف ، وستعرف قريبا وجهه.

(١) وذلك قبل فعليته بفعلية موضوعه ، أما بعدها فهو الحكم الفعلي ، وسيذكر الآن.

(٢) بيان ضمنيّ لمرحلة فعلية الحكم ، مجمله ما مرّ من أن مقتضى جعل الحكم على تقدير تحقق موضوعه هو إناطة فعليّته بتحقّقه ودورانها مداره.

(٣) هذا في التكليفيات ، كما أن ما بعده في الوضعيات.

(٤) أي عن الدوران المذكور ، فمن دوران وجود المسبّب مدار وجود السبب تنتزع السببيّة ، والغرض من درج هذه الجملة المعترضة في هذا المقام الإشارة إلى المناسبة في تسمية الموضوع بالسبب ، ووجه الشبه بينهما ، وأنه لمّا كان منشأ انتزاع عنوان السببيّة للسبب والمسببيّة للمسبب دوران جود الثاني مدار وجود الأول وإناطته به ، وكانت هذه العلقة بعينها متحققة بين الموضوع وحكمه ناسب أن يسمّى الموضوع باسم السبب ـ وإن اختلفا في أن الإناطة بين الأوّلين تكوينيّة ذاتيّة ، وبين الأخيرين تشريعيّة جعليّة.


يعقل أن يتخلّف عنه (١) لا وجودا ولا عدما ، وإلاّ كان خلفا واضحا (٢) ، ومن بداهة امتناعه يتّضح من مهامّ المسائل (٣) ما لا يخفى.

فكذا لا خفاء في أنّ تنجّزه (٤) ـ بمعنى تماميّته في تأثيره التشريعيّ المتوقّف على وصوله (٥) ـ إنّما يدور بعد العلم بالكبرى الشرعيّة المذكورة مدار العلم بتحقّق ذلك الموضوع ، وانضمام‌

__________________

(١) أي يتخلف الحكم عن الموضوع لا وجودا بأن يتخلف عن وجوده فلا يوجد معه ، ولا عدما بأن لا ينتفي عند انتفائه ، ـ حذو امتناع تخلف المعلول عن علته.

(٢) لأنه خلاف فرض كونه مجعولا على ذلك التقدير وحكما على ذلك الموضوع ، والخلف محال ، لأنه مناقضة واضحة.

(٣) كمسألة امتناع الشرط المتأخر ، فإن مقتضى ما ذكر من كون الحكم مجعولا عن تقدير تحقق موضوعه هو عدم تخلفه عنه بتقدمه عليه أو تأخره عنه ، فلو تقدّم عليه ـ كما في الشرط المتأخر ـ لزم الخلف المحال. وكمسألة امتناع الواجب المعلّق ، فإن فعليّة الوجوب قبل حلول الوقت المأخوذ في موضوعه وتقدّمه عليه خلف واضح. ونحوهما امتناع الاستصحاب التعليقي المفروض فيه عدم تحقق أحد أجزاء موضوع الحكم المستصحب ، فلا تحقق للحكم في الحالة السابقة ليستصحب ، ولا يعقل تحققه للخلف المذكور. ومنها مسألة وجوب المقدمات المفوّتة قبل وجوب ذيها ، فإنه إذ يمتنع فعليّته قبل الزمان المأخوذ في موضوعه للخلف المزبور ، فلا وجوب ليترشّح منه إلى المقدمة ، فلا محيص من متمّم الجعل لإيجابها ، إلى غير ذلك من المسائل.

(٤) بيان لمرحلة تنجز الحكم.

(٥) فإنّ الحكم المجعول غير الواصل إلى المكلف لا يكون تامّ التأثير في بعثه نحو العمل ، فإن انبعاثه عنه فرع وصوله إليه.


الصغرى إلى تلك الكبرى (١) ، إذ هو في كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات (٢) بمنزلة النتيجة الحاصلة من انضمام المقدّمتين ، ولا يعقل أن تتخلّف عنه (٣) لا وجودا ولا عدما ، وإلاّ عاد ذلك الخلف ـ لا محالة.

وبالجملة : فالذي يعقل من مراتب الحكم هو هذه الثلاثة (٤)

__________________

(١) فإن وصول الحكم الفعلي إلى المكلف وتنجّزه عليه يتوقّف على علمه بالكبرى الشرعيّة المجعولة على نحو القضية الحقيقية ، وعلى علمه بتحقق موضوعها صغرويّا ، وبضمّ هذه الصغرى إلى تلك الكبرى المتشكّل منهما الشكل الأوّل من القياس يستنتج الحكم الفعلي ، ويصل إليه ، فيكون متنجّزا في حقّه.

(٢) يعني أن الحكم الفعلي يكون بمنزلة النتيجة في كلتا المرحلتين : مرحلة فعليته وثبوته الواقعي ، ومرحلة تنجّزه والعلم به ، فبثبوت المقدّمتين يثبت الحكم ، وبالعلم بهما يعلم به.

(٣) أي تتخلّف النتيجة عن انضمام المقدمتين وجودا وعدما ، وإذ قد عرفت آنفا امتناع تخلف فعليّة الحكم عن فعليّة المقدّمتين ثبوتا ، للزوم الخلف ، فكذلك ـ إثباتا ـ يمتنع تخلّف تنجّزه عن العلم بالمقدّمتين ، لنفس المحذور.

(٤) مراده 1 بالثلاثة الشأنيّة والفعليّة والتنجّز ، وقد سمعت أن الحكم الشأني هو المجعول الشرعي على موضوعه المقدّر الوجود قبل فعليّته بفعليّة موضوعه ، فهو الحكم الشخصي الذي لم يصر بعد فعليّا ، بل له شأنيّتها وقوّتها ، أما الحكم الإنشائي الذي تقدّم أنه إنشاء الحكم الكلّي على موضوعه المقدّر الوجود على نحو القضية الحقيقيّة والكبرى الكليّة فليس هو نحو وجود للحكم ـ حتى شأنا ـ ليعدّ من مراتبه ، إذ ليس هناك بعث فعليّ ولا شأني ولا زجر كذلك ولا غيرهما ، وحقيقة الحكم ما كان كذلك.


بما عرفت من تفسيرها ، وترتّب كلّ لاحقة على سابقتها ، وامتناع التداخل فيها (١) والتفكيك بينها (٢) ، وكونه (٣) من الخلف الضروريّ امتناعه ، ويطّرد ذلك في جميع أنواعه (٤).

وإنّما ينشأ اختلاف الأقسام الأربعة المذكورة ـ في تنجّز‌

__________________

فإن قلت : كيف وله نحو وجود اعتباريّ ، إذ يوجد بإنشائه ، ويستمرّ وجوده ما لم يعرضه النسخ ، ويستصحب بقاؤه إذا شك فيه بلا إشكال ، وهو الذي تقدّم دخل العلم به ـ مضافا إلى العلم بتحقّق الموضوع ـ في بلوغ الحكم مرتبة التنجّز.

قلت : نعم ، لكنّه معنى آخر للحكم غير منوط بوجود موضوع أصلا ، فإنّه عبارة عن قضيّة تعليقيّة ، مفادها إناطة تكليف أو وضع بأمر ودورانه مداره ، وما هذا شأنه أجنبيّ عمّا نحن بصدده من تعداد مراتب الحكم الشخصي المتضمّن بعثا أو زجرا متوجّها إلى مكلّف خاص ، أو ملكية أو زوجية أو نحوهما متحقّقة في موضوع كذلك.

ثمّ إنّ في عدّ الشأنيّة من مراتب وجود الحكم مسامحة واضحة ، فإنّه لا وجود له بعد ، بل شأنيّة الوجود ، فلا بدّ من ارتكاب التسامح في ناحية الحكم ذي المراتب ، وإرادة ما يعمّ الشأنيّة ، والأمر سهل.

(١) بصيرورة مرتبتين منها مرتبة واحدة ، للزوم الخلف.

(٢) المراد التفكيك في مرحلة الفعلية بين فعلية الحكم وتحقّق موضوعه ، وفي مرحلة التنجّز بين تنجّزه والعلم به.

(٣) أي كون التفكيك المذكور من الخلف ، وقد مرّ تفصيله.

(٤) وهي الأقسام الأربعة المتقدمة ، ومن هنا يبدأ 1 فيما عقد له البحث ـ وهو التحقيق حول اختلاف الأقسام الأربعة في التنجز ـ بعد ما فرغ من المقدمتين اللتين مهّدهما أمامه.


ما عدا الأخير منها بنفس العلم بالحكم (١) واجتماع شرائط التكليف (٢) ، وتوقّفه في خصوص الأخير على العلم بموضوعه أيضا (٣) ـ عن كون (٤) الخطاب متضمّنا بنفسه للاشتراط بوجود موضوعه أيضا (٤) ، ومتوقّفا كونه * خطابا متوجّها في نفس الأمر إلى المكلّف على وجوده في خصوص ذلك القسم ، دون سائر الأقسام.

أمّا في القسم الأوّل فظاهر (٦) ، إذ المفروض تعلق التكليف في هذا القسم بعنوان اختياريّ لا تعلّق له بالموضوع الخارج عن الاختيار أصلا ، فلا يتوقّف فعليّة هذا القسم من التكليف بعد القدرة على متعلّقه إلاّ على اجتماع شرائطه ، ولا تنجّزه أيضا بعد العلم‌

__________________

(١) يعني به الحكم الكبروي وأصل التشريع.

(٢) أي والعلم باجتماع شرائطه العامة والخاصة.

(٣) أي مضافا إلى العلم بما ذكر.

(٤) متعلق بـ ( ينشأ ) ، والمقصود أنه في خصوص القسم الأخير يكون الخطاب الكبروي متضمنا للاشتراط بوجود موضوعه والتعليق عليه ، ويتوقف صيرورته خطابا فعليا متوجها إلى المكلف على وجود الموضوع المعلّق عليه ، وشي‌ء من الأمرين غير متحقّق في سائر الأقسام ، وهذا الاختلاف هو منشأ اختلافها الآنف الذكر بالنسبة إلى مرحلة التنجز.

(٥) أي كما هو مشترط بحصول شرائط.

(٦) تفصيل لذلك الإجمال وبيان لكيفيّة فعلية الحكم وتنجّزه في كلّ من الأقسام الأربعة ، وما يترتّب عليها من حكم موارد الشبهة المصداقيّة لكلّ منها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( متوقفا وكونه ) والصحيح ما أثبتناه.


بتشريعه إلاّ على العلم باجتماعها (١) ، فكلّما (٢) رجعت الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في ذلك (٣) كان مرجعها إلى الشكّ في التكليف (٤) ، وتجري البراءة فيها من دون فحص (٥) إلاّ إذا قام الدليل على وجوبه (٦) ـ على تفصيل بين الشكّ في القدرة وغيرها (٧) كما ستعرفه (٨).

__________________

(١) أي اجتماع شرائط التكليف ، والمقصود بالعبارة أن التكليف في هذا القسم لا يتوقّف فعليّته على وجود موضوع أصلا ، ولا تنجزه على العلم بوجوده. هذا ، ولا يخفى على النبيه ما في تخصيص القدرة بالذكر من بين شرائط التكليف من النكتة ، فإن التنجز متوقف بعد العلم بالتشريع على العلم باجتماع ما سوى القدرة من الشرائط ، أما هي فلا ، بل يجب الاحتياط مع الشك فيها ـ على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

(٢) عبّر 1 بأداة العموم لأن الحكم عامّ لجميع المقامات ، ولا اختصاص له بمقامنا هذا ، ـ كما هو واضح.

(٣) أي في اجتماع شرائط التكليف بأن شكّ في تحقق بعضها في مورد ، فتكون الشبهة حينئذ مصداقية للشكّ في تحقّق مصداق التكليف في المورد ، أما إذا شكّ في أصل تشريعه فالشبهة معه حكمية خارجة عن محل الكلام.

(٤) لأنّ الشك في الشرط شكّ في المشروط.

(٥) لما حقّق في محلّه من عدم وجوب الفحص في الشبهات المصداقية ، فتجري فيها البراءة بدونه.

(٦) كما في الموارد التي يلزم من ترك الفحص فيها مخالفة التكليف الواقعي غالبا كالنظر إلى الفجر في الصوم ، ومراجعة الدفتر في الاستطاعة وبلوغ النصاب ، والسؤال في بلوغ المسافة ونحوها.

(٧) أي تفصيل في وجوب الفحص بين الشك في القدرة وغيرها من سائر الشرائط العامة والخاصة.

(٨) عند التعرض لحكم القسم الثالث.


وبعد العلم باجتماعها فإن كان (١) العنوان المتعلّق للتكليف من المقدور بلا واسطة والصادر بنفسه (٢) امتنعت الشبهة المصداقيّة فيه حال صدوره الإراديّ بعد تبيّن مفهومه ، إذ يستحيل أن يشكّ من أراد شيئا عند إرادته له في هويّة ما أراده (٣) ، وإنّما يعقل الشكّ في‌

__________________

(١) الشبهة المصداقية لهذا القسم من التكاليف تتصوّر بأحد نحوين : إمّا أن تكون ناشئة عن الشكّ في تحقق إحدى شرائطه ـ وقد تقدم ـ ، أو ناشئة ـ بعد العلم باجتماع الشرائط ـ عن الشكّ في مصداقيّة ما صدر من المكلف للمكلّف به ، وهذا ما تصدّى 1 لبيانه هنا.

(٢) هذا في قبال ما سيجي‌ء من فرض كون المتعلق من المسبّبات التوليدية.

(٣) فإن الفعل الاختياري ـ وهو الصادر عن إرادة ـ لا يعقل صدوره إلاّ بعد تصوّره وتبيّن مفهومه لاستحالة تعلق الإرادة بشي‌ء لا يعرفه المريد ، فإذا عرفه وتعلقت به إرادته وحرّك عضلاته نحوه فكيف يشكّ في هذا الحال في وجوده وصدق عنوان المراد عليه؟ وكيف يتحقّق منه تحريك العضلات نحوه عن إرادة واختيار مع غيبوبته عن ذهنه؟ هذا.

ومن الغريب استغراب السيّد الأستاذ 1 من مقالة أستاذه المحقّق الجدّ 1 قائلا : إن الفعل الاختياري إنما يلزم فيه حضوره للفاعل من الجهة التي تعلّق بها غرضه ، وأما صدق عنوان آخر من العناوين الخارجية فالشكّ فيه بمكان من الضرورة كما إذا شكّ المتكلم في صدق عنوان الذكر على ما يصدر منه من الكلام حال صدوره ( رسالة اللباس المشكوك : ٧١ ).

فإنّه إذا فرض تعلق الغرض بالتكلم ـ مثلا ـ وقد تعلّقت به إرادته وأوجده فلا يشك في صدق عنوانه عليه ، وأما عنوان الذكر فالشك في صدقه لا بدّ أن يكون ناشئا عن عدم تعلّق إرادته به إمّا لعدم تصوّر مفهومه أو لغفلته عنه لعدم تعلّق غرضه به ، أمّا مع فرض التفاته إليه ومعرفته لمفهومه وتعلق إرادته به أيضا فلا يعقل الشك المذكور وعدم حضوره في ذهنه حال صدوره الإرادي منه.


العنوان الاختياري حال صدوره إذا كان من المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها ، واشتبه السبب المحصّل له (١) ، وواضح أنّه متى رجعت الشبهة المصداقيّة إلى مرحلة المحصّل كان مرجعها إلى الشكّ في الامتثال ، وجوديّا كان العنوان المتعلّق أو عدميّا (٢) ، حتى فيما إذا كان المحصّل شرعيّا (٣) أيضا وتردّد بين الأقلّ والأكثر ، ولعلّنا نتعرّض لذلك في المحلّ المناسب له ـ إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) فيشكّ حينئذ في أنّ ما يصدر منه هل هو محصّل للمتعلّق وسبب توليدي له أو لا ، ولأجله يشكّ في وجود المتعلق بذلك وعدمه.

(٢) وبعبارة اخرى : كان العنوان متعلّقا لتكليف وجودي أو عدمي ، أمّا رجوعها إلى الشك في الامتثال دون التكليف في الوجودي فواضح ، وأمّا في العدمي كما إذا حرم عليه إحراق شي‌ء وتنجّز عليه وشك في أن الإلقاء الكذائي محصّل له أو لا ، فلأن المفروض أنه لا شك في ثبوت الحرمة وفعليتها وإنما يشك في أنه هل يتحقّق امتثالها مع فعل مشكوك المحصّلية أو أنه يتوقف على تركه ، ومقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الترك ، ولا يقاس به موارد الشبهة المصداقيّة لموضوع الحرمة ـ كمشكوك الخمريّة ـ بدعوى أنّه يشك في تحقّق الامتثال بشربه وقضية الاشتغال تركه ، ضرورة أن مقتضى الانحلال الشك في ثبوت التكليف في مورده ، والمرجع فيه البراءة.

(٣) كأفعال الطهارات الحدثية والخبثية بناء على تعلّق الأمر بالطهارة وكون تلك الأفعال محصّلات شرعية لها ، فإذا شك في حصول الطهارة عن الخبث بالغسل مرة أو عن الحدث بالمسح منكوسا ـ مثلا ـ لزم الاحتياط ، ووجهه مذكور في الأصول مفصّلا ( راجع فوائد الأصول ١ : ٨٧ و ٤ : ٤٨ ، وأجود التقريرات ١ : ١١٩ و ٢ : ١٧٨ إلى ١٨٠ ).


نعم في القسم الأوّل (١) يمكن أن يتطرّق الشبهة المصداقية بعد الفراغ عنه ، لكن حيث لا أثر لهذه الشبهة في المحرّمات (٢) أصلا ، ولا في الواجبات أيضا في غير ما يوجب القضاء والإعادة (٣) فقاعدة الفراغ حاكمة (٤) على أصالة الاشتغال في هذا القسم (٥) ، ولا يندرج ما عداه لا في مجاري الاشتغال ، ولا البراءة (٦).

وأمّا القسم الثاني : فهو ـ وإن فارق سابقه في التعلّق بالموضوع‌

__________________

(١) المراد به ما كان المتعلق مقدورا بلا واسطة ، والوجه في تطرق الشبهة المصداقية إليه بعد الفراغ عنه هو إمكان طروّ النسيان حينئذ ، فيشك في هويّة فعليه السابق.

(٢) إذ لا أثر للشك في مصداقيّة ما صدر منه سابقا للحرام وعدمها ، ولو فرض لصدوره منه أثر فمقتضى الأصل عدمه.

(٣) فإنه أيضا لا أثر يترتّب فعلا على الشك في أنّ ما صدر منه سابقا مصداق للواجب أو لا ، ولا يجدي استصحاب عدم صدوره منه لترتيب آثار فسقه مثلا ، لعدم ترتّبها على مجرد عدم الصدور.

(٤) يعني : إذا كان الواجب ممّا يجب بتركه القضاء والإعادة فلو لا قاعدة الفراغ لكان مقتضى قاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم الإتيان وجوب إعادته في الوقت بل وقضائه خارجه ـ على بعض الوجوه ـ ، إلاّ أن القاعدة المذكورة حاكمة على الأصلين ، ومقتضاها صحة المأتي به ومصداقيّته للواجب.

(٥) يريد 1 به القسم الأخير من أقسام ما يتطرّق فيه الشبهة المصداقية بعد الفراغ عنه ، وهو الذي اختص بجريان قاعدة الفراغ فيه ، ويقابله ما عداه من المحرّمات والواجبات التي ليس لها إعادة أو قضاء ، وهو المراد بقوله 1 متعاقبا ( ولا يندرج ما عداه. إلخ ).

(٦) لما عرفت من أنه لا أثر لشبهاته المصداقية ، ويعتبر في جريان الأصول ترتّب أثر شرعي عليها.


الخارجيّ هنا ، دون ما تقدّم ـ لكن لمّا كان الموضوع المفروض في هذا القسم متحقّقا فعليّا ، ومتشخّصا خارجيّا ، لا كليّا ذا أفراد مقدّرة الوجود ، كي يتضمّن الخطاب شرطيّة (١) من هذه الجهة (٢) ، فلا أثر لهذا التعلّق أصلا (٣) ، ويكون وجوده كعدمه ، ويطّرد في هذا القسم جميع ما تقدّم في سابقه (٤) سوى أنّ الشبهة المصداقيّة تتطرّق هنا (٥) بالنسبة إلى نفس العنوان المقدور بنفسه أيضا حال صدوره من جهة التعلّق بالموضوع المذكور وإمكان الشكّ فيه ـ كما في استقبال القبلة‌

__________________

(١) المراد بها اشتراط فعلية الخطاب بوجود فرد من ذلك الكلي ، وقد أشار 1 إلى التضمّن المذكور قبل الدخول في تفاصيل الأقسام ، وسيأتي تحقيقه مفصّلا لدى التعرض للقسم الرابع ، فانتظر.

(٢) وإن تضمّن شرطية من سائر الجهات كالشرطية بالنسبة إلى سائر شرائط التكليف.

(٣) إذ التعلق المزبور لم يوجب شرطية وتعليقا وحكما على موضوع مقدّر الوجود ، فلا أثر لوجوده ، وكان بمنزلة العدم.

(٤) من تطرّق الشبهة المصداقية فيه مع الشك في اجتماع شرائط التكليف ، وكذا مع العلم باجتماعها والشك في مصداقية الفعل الصادر بعد الفراغ عنه أو حال صدوره إذا كان من المسببات التوليدية ، وأن المرجع في الأوّل البراءة ، وفي الثاني قاعدة الفراغ ، وفي الثالث الاشتغال.

(٥) أما هناك فقد عرفت أنه لا يمكن تطرّقها فيه ، والفارق بينهما تعلّق العنوان المتعلق للتكليف هنا بالموضوع الخارجي ـ كالقبلة ـ دونه هناك ، ولأجله يمكن هنا الشك في مصداقية الصادر للعنوان المقدور بنفسه حال صدوره الإرادي ، للشك في تعلّقه بالموضوع المذكور وعدمه.


واستدبارها ونحو ذلك ـ ، ولازم ذلك (١) هو العلم الإجمالي بتوجّه التكليف الوجوبي أو التحريميّ عند تردّده بين المتباينين ـ كما عند اشتباه القبلة ـ ، فيجب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة (٢) ، والفحص في التحريميّة (٣) ، ويتخيّر عند تعذّر الأمرين (٤).

ولو تردّد بين الأقل والأكثر (٥) ـ كما إذا تردّد مقدار الموقف في عرفات والمشعر * الحرام من جهة الشبهة الخارجية بين الأمرين ـ اتّجه التفصيل في رجوع الشبهة إلى الشكّ في الامتثال أو التكليف بين الوجوبيّة والتحريميّة ، ففي الوقوف الواجب يجب الإتيان به فيما علم أنّه من‌

__________________

(١) أي لازم الشبهة المصداقية المذكورة الناشئة عن الشك في الموضوع المزبور ، والملازمة واضحة.

(٢) بالجمع بين المحتملين تفريغا للذمّة عن التكليف المعلوم بالإجمال.

(٣) كما إذا حرم استقبال القبلة في حالة خاصة وهو لا يدري أين وجه القبلة ، فيحتمل الحرمة أينما توجّه ، وفي مثله يحكم العقل بوجوب الفحص عنها ـ وإن كانت الشبهة موضوعية ـ لتوقف امتثال التكليف المتنجّز عليه ، ويكفي في الفحص العلم بوجود القبلة في بعض الجهات خاصّة فيجتنبها.

(٤) أي الاحتياط والفحص ، فإنه إذا لم يمكن الفحص ولا الموافقة القطعية بالاحتياط التام يتنزل إلى الموافقة الاحتمالية ، ويكتفى ببعض المحتملات فعلا ـ في الشبهة الوجوبية ـ أو تركا ـ في التحريمية.

(٥) هذا في قبال التردد بين المتباينين ـ السابق ذكره.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( مشعر ) والصحيح ما أثبتناه.


الموقف (١) ، وفي حرمة الإفاضة قبل الغروب والطلوع (٢) يقتصر (٣) على ما علم خروجه عن حدود الموقف ، ويجوز الانتقال من القدر المعلوم إلى المشكوك مع عدم إخلاله بالوقوف الواجب قبل ذلك.

والسرّ في ذلك (٤) هو إطلاق الطلب الوجوبيّ (٥) بالنسبة إلى‌

__________________

(١) فلا يجزي الوقوف في المكان المشكوك كونه منه ، وهذا مثال للشبهة الوجوبية ، كما أنّ ما بعده مثال للتحريمية.

(٢) الأوّل بالنسبة إلى الوقوف بعرفات ، والثاني بالنسبة إلى الوقوف بالمشعر الحرام.

(٣) أي يقتصر في لزوم الاجتناب على ذلك ، فلا بأس بالإفاضة إلى المقدار المشكوك بعد أداء ما وجب عليه من الوقوف فيما علم دخوله في الموقف.

(٤) توضيح ذلك : أن هناك فرقا بين التكاليف الوجوبية والتحريمية ، نظرا إلى أن الوجوب متعلّق بعنوان الواجب نفسه ، ويطلب إيجاد ما ينطبق عليه هذا العنوان خارجا ، فمتعلّقه واقع تحت الطلب ، ومقتضاه لزوم إحراز تحققه في الخارج ، وعدم الاكتفاء بالمشكوك ، لكونه شكا في مرحلة الامتثال بعد تنجز التكليف. أمّا الحرمة فهي عند التحقيق ليست كذلك ، بل مشروطة بكون الفعل مصداقا لعنوان الحرام ، بمعنى أنه إذا كان الفعل بحيث لو وجد لكان الهويّة الكذائية كان فعله حراما ، وإلاّ فلا ، وعليه فمتعلّقه خارج عن دائرة الطلب مأخوذ شرطا لتعلّقه معلّقا عليه ، فلا يلزم إحراز تركه ، بل يكون الشك فيه شكا في التكليف ومجرى للبراءة.

وبالجملة كلّ من الوجوب والحرمة متعلق بالوجود الواقعي ، إلاّ أن مقتضى تعلق الوجوب به أنه مع الشك فيه يشكّ في حصول الامتثال ، وقاعدة الاشتغال تقتضي لزوم الإحراز ، أمّا الحرمة فمقتضى تعلّقها به أنه مع الشك يُشكّ في التعلق والأصل البراءة ، وسرّ الفرق ما أفاده 1 من الوقوع تحت الطلب وعدمه.

(٥) في قبال اشتراطه بالانطباق على عنوان متعلقة ـ كما في التحريمي.


الانطباق على عنوان متعلّقه ودخوله تحت الطلب (١) ـ لا محالة ـ ، وكونه في التحريميّ خارجا عن دائرة الطلب وشرطا لشموله (٢) ، ولكن لا بمعنى ترتّبه (٣) على تحقّق الانطباق في الخارج كي يرجع إلى طلب عدم الشي‌ء على تقدير وجوده ، بل بمعنى كونه منعا عمّا لو وجد لكان تلك الهويّة ، فهذه الشرطيّة (٤) واقعة في التكاليف الوجوديّة تحت دائرة التكليف (٥) ، وخارجة عنها في العدميّة (٦)

__________________

(١) أي دخول الانطباق المزبور تحت الطلب ، إذ هو مطالب به ضرورة ، فالطلب وارد عليه.

(٢) أي لشمول التحريم ، فالتحريم مشروط بالانطباق المزبور معلّق عليه ، فهو خارج عن حيّز الطلب ، وليس مطالبا به ليلزم إحرازه.

(٣) يعني : لا مجال لأن يتوهم أن مقتضى الاشتراط المذكور ترتّب التحريم على تحقق الانطباق خارجا ، فإن مرجعه إلى طلب عدم الشي‌ء على تقدير وجوده ، وهو طلب للمحال ، بل المراد ترتّب الحرمة على ما لو وجد لكان الهويّة الكذائية ، فقولنا ( لا تفض من عرفات ) يعني : لا تفعل ما ينطبق عليه عنوان الإفاضة ، وليس المراد أنّ ما وجد في الخارج وانطبق عليه العنوان حرام مطلوب تركه ليلزم المحال ، بل المراد أنّ ما لو وجد لكان إفاضة فاتركه.

(٤) وهي شرطية أنه لو وجد لكان كذا أو انطبق عليه عنوان كذا.

(٥) لتعلّق التكليف فيها بفعل ما لو وجد لكان ذلك الفعل ، فيكون فعله مطالبا به ، ولا بدّ من إحراز كونه كذلك ، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ كذلك ، فيرجع مع الشك إلى قاعدة الاشتغال.

(٦) لتعلّق التكليف فيها ـ في الحقيقة ـ بترك فعل على تقدير كونه لو وجد هو ذلك الفعل ، فالتكليف معلق على كونه لدى وجوده هو ذلك.


متوقّف شموله عليها (١) ، ومن هنا يرجع الشكّ فيها في الوجوديّة إلى الشكّ في الامتثال ، وفي العدميّة إلى الشكّ في التكليف ، وسيأتي مزيد تنقيح منّا لذلك (٢) ـ إن شاء الله تعالى.

ويلحق القسم الثالث أيضا بسابقيه في عدم تضمّن الخطاب لشرطيّة من جهة التعلّق بموضوعه ، فإنّ الموضوع المفروض في هذا القسم ـ وإن كان كليّا ذا أفراد صالحة للانطباق على عنوانه ـ بدليا (٣) ـ ، لكن لمّا كان القدر المتوقّف عليه توجّه ذلك التكليف هو تمكّن المكلّف من صرف وجوده (٤) المنطبق ـ على البدل ـ على أحدها ، ولا يترتّب على مصداقيّة الزائد أثر سوى التوسعة في دائرة التخيير العقليّ في مرحلة امتثاله ، فلا مدخلية لوجود الزائد وعدمه في التكليف أصلا ،

__________________

(١) أي شمول التكليف العدمي لمورد متوقف على صدق تلك الشرطيّة فيه ، فإذا شكّ فيها كان شكا في التكليف المشروط بها لا محالة ، والمرجع فيه البراءة.

(٢) في التنبيه الثالث من تنبيهات الخاتمة.

(٣) أي انطباقا بدليا ، إشارة إلى ما مرّ من بدليّة إطلاق الدليل بالنسبة إلى الموضوع في هذا القسم.

(٤) يعني أن القدر المتوقف عليه فعليّة التكليف هو ما به يتمكن من امتثاله ، وهو صرف وجود الموضوع المتحقق بوجود أيّ من أفراده ، فيكفي في فعليته وجود فرد واحد ، ولا أثر للزائد عليه سوى التوسعة في الامتثال وتكثّر أبدال التخيير العقلي من دون دخله في أصل التكليف ، وعليه فلا أثر للشك فيه مصداقا سوى الشكّ في تحقق الامتثال به وعدمه ، والمرجع فيه قاعدة الاشتغال.


ويرجع الشكّ فيه إلى الشكّ فيما ذكر من صلاحيّته للامتثال به.

وأمّا بالنسبة إلى ما يتوقّف عليه التمكّن (١) من صرف وجوده فهو وإن كان شرطا لتوجّه التكليف ـ لا محالة ـ ، لكن لمّا كان تمكّن المكلّف ممّا تعلّق به ذلك التكليف ـ كالوضوء مثلا ـ متوقّفا على تمكّنه من الماء أوّلا ثمّ من استعماله في التطهّر به ونحو ذلك (٢) ، والاشتراط بالقدرة ـ المتضمّن له كلّ تكليف ـ يعمّ الأمرين جميعا (٣) ، فلا يعقل أن يتضمّن الخطاب شرطيّة أخرى من هذه الجهة ، ويرجع الشبهة المصداقيّة (٤) حينئذ إلى الشك في تمكنه من متعلّق التكليف ، ويلحقها حكم الشكّ في القدرة.

__________________

(١) لا يخفى على النبيه ما في العبارة من التنبيه بالعلّة في قالب الموصول والصلة.

(٢) يعني : ونحو ما ذكر ـ من الماء والتمكن منه ومن استعماله في الوضوء ـ بالنسبة إلى غير مثال الوضوء.

(٣) وهما التمكن من تحصيل الموضوع ـ كالماء ـ والتمكن من استعماله فيما تعلق به التكليف ـ كالوضوء ـ ، ومحصّل المقصود أن القدرة المشروط بها التكليف المتعلق بالوضوء مثلا ـ بمناط شرطيّة القدرة في كلّ تكليف ـ لا تختص بالقدرة على الفعل نفسه ، بل تعمّ القدرة على تحصيل موضوعه ، فإنها في الحقيقة من شؤون القدرة على الفعل ، وبدونها تنتفي القدرة عليه ـ لا محالة ـ ، إذن فشرطيّة القدرة التي يتضمنها الخطاب في هذا القسم تشمل القدرة على صرف وجود موضوعه ، ولا يتضمّن شرطية أخرى زائدة عليها ليكون بمنزلة قولنا ( إذا وجدت الماء وقدرت على الوضوء فتوضأ ) ، بل الشرطيّة واحدة تلمّ شمل الأمرين جميعا.

(٤) وهي ما إذا شك في تحقق صرف وجود الموضوع في الخارج.


وهي وإن شاركت بقيّة الشرائط العامّة في اشتراط التكاليف بها ، وكان توهّم كونها كالعلم بالخطاب شرطا لتنجّزه دون توجّهه أوضح فسادا من عكسه (١) ـ المتقدّم نقله عن بعض الأساطين ـ ، لإمكان أن يكون (٢) للعلم بالحكم دخل في تماميّة ملاكه (٣) ، ويقوم الدليل المنتج نتيجة التقييد على ذلك ـ كما في مسألة الجهر والإخفات والقصر والإتمام على ما اتّضح في محلّه ـ ، ولكن مقتضى استقلال العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه هو امتناع توجّه التكليف إلى القدر المشترك بين القادر والعاجز ، فلا تصل النوبة حينئذ إلى التنجّز والمعذورية (٤) ، بل لا يرجعان إلى‌

__________________

(١) وهو كون العلم بالخطاب شرطا لتوجّهه وفعليّته كالقدرة ، وقد تقدّم نقله عن المحقّق القمي 1.

(٢) تعليل لأوضحيّة فساد التوهم المذكور من عكسه ، وذلك بالمقايسة بينهما بذكر توجيه للعكس وبرهان على إمكانه الذاتي والوقوعي أولا ، ثمّ التعرّض لحال الأصل وبيان امتناعه استنادا إلى استقلال العقل بقبحه.

(٣) أشار 1 بهذا إلى ما حقّقه في الأصول من أن العلم بالحكم قد يكون له دخل في تماميّة ملاكه ثبوتا فيكون الحكم بالنسبة إلى الجاهل به فاقدا للملاك ، وفي مثله لمّا لم يمكن الشارع استيفاء غرضه بجعل الحكم مقيدا بالعلم به تقييدا لحاظيا ـ للزوم الدور ـ ، فلا مناص له من إهمال جعله الأوّليّ ، وتتميمه بجعل آخر يفيد فائدة التقييد المذكور ، وينتج نتيجته ، وعليه فكون العلم بالحكم شرطا فيه ملاكا وتشريعا بمكان من الإمكان ، وقد وقع ذلك في الشريعة في مسألتي وجوب الجهر والإخفات والقصر والإتمام ـ على ما فصّل في محلّه.

(٤) فإن التكليف إنما يصل إلى هذه المرحلة فيما إذا كان متوجها إلى المكلف ،


محصّل في غير العلم والجهل. هذا ، مضافا إلى أنّ نفس الطلب التشريعي (١) لكونه إيجادا لداعي الاختيار ، وتوجيها لإرادة الفاعل المختار إلى ما هو تحت إرادته واختياره فهو بنفسه يتضمّن فرض القدرة على متعلّقه ـ ولو مع الغضّ عن الحكم العقليّ المذكور (٢) ـ ، وبهذا يوجّه ما أفيد من امتناع (٣) تعلّق الإرادة التشريعيّة كالتكوينيّة إلاّ بالمقدور.

لكنّها تمتاز (٤) ـ مع ذلك ـ عن بقيّة الشرائط (٥) بأنّ اشتراط‌

__________________

أمّا إذا امتنع توجّهه إليه ـ لمكان عجزه ـ فلا موضوع للتنجّز أو المعذوريّة ، إذن فلا محصّل لكون التنجّز والمعذوريّة دائرتين مدار غير العلم والجهل.

(١) تعرّض 1 لهذا في الأصول في سياق الردّ على ما حكي عن المحقّق الثاني 1 في مبحث الضد من كفاية الإتيان بالفرد المزاحم ـ وإن لم يكن مقدورا شرعا ـ لدى امتثال الأمر بالطبيعة ، لأن الانطباق قهريّ والإجزاء عقليّ. فذكر 1 أنه مبنيّ على انحصار الوجه في اعتبار القدرة في التكليف في حكم العقل بقبح تكليف العاجز ، والتحقيق يقتضي عدم الانحصار ، وأن الاعتبار ممّا يقتضيه ذات التكليف ، نظرا إلى أن الطلب التشريعي بنفسه إيجاد لداعي المكلّف وتحريك لإرادته نحو فعله الاختياري ، فهو متعلّق ـ لا محالة ـ بخصوص الحصة المقدورة لا مطلقا ، والفرد المزاحم ليس كذلك ، فلا يجزي لدى الامتثال.

(٢) كما لو بني على إنكار التحسين والتقبيح العقليين.

(٣) إذ لا وجه لامتناع تعلّق الإرادة التشريعيّة بغير المقدور سوى ما ذكر من كون الطلب توجيها لإرادة الفاعل نحو المقدور خاصّة.

(٤) استدراك عمّا ذكره 1 قبل أسطر بقوله ( وهي وإن شاركت. إلخ ).

(٥) فبقيّة الشرائط كالتمييز والبلوغ والعقل والذكر والالتفات لا تتصوّر إلاّ‌


التكاليف بها يتصوّر على وجهين : فتارة لدخلها ـ كالبلوغ مثلا ـ في ملاكه ، فلا يفوت العاجز مصلحة أصلا ـ كما في الحجّ ونحوه ـ ، وأخرى لتوقّف حسن الخطاب عليه بعد اطّراد ملاكه (١).

والكاشف عن الأوّل (٢) هو أخذها شرطا شرعيّا في لسان الدليل المسوق للتأسيس (٣) ، دون التقرير لما يستقلّ به العقل ، فيكشف ذلك عن ترتّبه خطابا وملاكا عليها ، ويكون المدار فيها على القدرة العرفيّة‌

__________________

على أحد الوجهين : أما الأخيران فاشتراط التكليف بهما إنما هو لتوقّف حسن الخطاب عقلا عليهما ، وأما البلوغ فلدخله في الملاك خاصة دون حسن الخطاب ، لصحة خطاب الصبي المميّز ، وأما العقل والتمييز فلدخلهما في الأمرين ، وهذا كلّه بخلاف القدرة فإنّها تارة دخيلة في الخطاب فقط ـ كما في أغلب التكاليف ـ وتسمّى بالقدرة العقليّة ، وأخرى دخيلة في الملاك زائدا على دخلها في الخطاب ـ كما في الحج والوضوء ـ ويعبّر عنها بالقدرة الشرعيّة.

(١) بالنسبة إلى القادر والعاجز.

(٢) بيان للفارق الإثباتي بين القسمين.

(٣) توصيف بمنزلة التعليل ، توضيحه أن الظاهر في كلّ ما أخذ في لسان الدليل أن يكون تأسيسا ومما يكون بيانه من وظيفة الشارع وعلى عهدته ولا يعلم إلاّ من قبله ، لا تقريرا لما يستقل به العقل وإرشادا إليه ، إذ يكفي فيه الإيكال إلى حكم العقل ، فلا داعي إلى تكلّف البيان ، ومقتضاه أن يكون أخذ القدرة شرطا في لسان الدليل ناشئا عن دخلها في الملاك ، شأنها شأن الشرائط الخاصة ، فيستكشف منه إنّا الدخالة المذكورة ، لا بيانا لاعتبارها في حسن الخطاب فقط ، وإلاّ لكان تقريرا بحتا ، وهو خلاف الأصل ـ كما ذكرنا.


على نفس (١) متعلّق التكليف عند فعليّة خطابه ، ولا عبرة بالقدرة العقليّة التي لا يراها العرف مصداقا لها (٢) ، ولا بالقدرة على تحصيلها مع العجز الفعلي عن متعلّق التكليف (٣) ، ويجوز التعجيز عنه اختيارا قبل حلول زمانه وفعليّة التكليف (٤) ، إلاّ إذا قام الدليل على عدم جوازه (٥) أو‌

__________________

(١) هذا أحد الفوارق المهمّة بين قسمي القدرة ، والوجه فيه أن القدرة إذا أخذت في لسان الدليل حملت ـ كسائر القيود المأخوذة في الدليل ـ على معناها العرفي تعويلا على الظهورات العرفية للألفاظ ، ومقتضاه إرادة القدرة العرفية ـ دون العقلية ـ ، على متعلق التكليف نفسه ـ دون القدرة على تحصيل القدرة عليه ـ ، وعند فعلية خطابه ـ لا قبلها ولو بتعجيز نفسه. أمّا إذا لم يؤخذ في لسان الدليل فالعبرة فيها بنظر العقل ، وهو مستقل بكفاية القدرة الحقيقيّة التكوينيّة ولو بالقدرة على تحصيل القدرة ، بل وإن كان قبل فعليّة الخطاب ، وسيأتي ذكره.

(٢) كما إذا تمكّن من الامتثال بتحمّل جهد كثير فوق الطاقة العادية ، بحيث يلحقه بالعاجز في نظر العرف وإن كان متمكنا حقيقة.

(٣) إذ لا يصدق عرفا ـ على العاجز فعلا المتمكن من تحصيل القدرة بفعل المقدمات ـ أنّه قادر ، بل هو فعلا عاجز ، وإن اكتفى به العقل في حسن توجيه الخطاب إليه لكفاية القدرة الشأنية والقدرة على تحصيلها في ملاك حسنة.

(٤) فإنّ من كان قادرا قبل فعليّة الخطاب فعجز حينها ـ وإن كان بتعجيز نفسه ـ لا يصدق عليه حينها أنه قادر ، فلا يشمله الدليل ، بل لا مانع من التعجيز الاختياري ، لعدم الدليل على حرمته شرعا ، ولا على استحقاق العقوبة عليه عقلا ، وقاعدة ( الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ) غير جارية في المقام ـ كما حقّقه 1 في الأصول.

(٥) أي عدم جواز التعجيز ، كما حكي القول به عن بعض في مسألة إراقة الماء أو إبطال الوضوء قبل الوقت مع العلم بعدم وجدان الماء أثناءه.


وجوب تحصيل التمكّن منه مع إمكانه (١) ، ونحو ذلك (٢).

ولو لم تؤخذ * شرطا شرعيّا كذلك (٣) ، وكان المتكفّل للاشتراط بها هو الحكم العقليّ المذكور وتضمّن الخطاب بنفسه له (٤) كان ضابطا للثاني (٥) ، لأنّ أقصى ما يقتضيه (٦) اشتراطه بها‌

__________________

(١) يعني : أو قام الدليل على وجوب تحصيل التمكن منه مع إمكان تحصيله ، فإنّه إذا دلّ الدليل على وجوب تحصيله فقد دلّ بفحواه على عدم جواز التعجيز وتفويت القدرة الحاصلة.

(٢) كما إذا قام الدليل على كفاية القدرة العقلية وإن لم يرها العرف مصداقا للقدرة.

(٣) أي في لسان الدليل المسوق للتأسيس.

(٤) مرّ آنفا أن الدليل على شرطيّة القدرة العقليّة في عامّة التكاليف أمران :

حكم العقل المستقلّ بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه ، وإليه استند المشهور ، واقتضاء ذات الطلب القدرة على متعلقة ، وهو الذي حقّقه المحقق الجدّ 1 وأصرّ عليه.

(٥) وهو القدرة العقلية المتوقف حسن الخطاب عليها دون الملاك.

(٦) تعليل لامتناع كون القدرة في هذا القسم دخيلة في الملاك ، متضمن لبرهان فلسفي ، توضيحه : أن الذي يقتضيه الوجهان ـ الحكم العقلي المذكور وتضمن الخطاب بنفسه للاشتراط بها ـ هو كون المطلوب بما هو متعلّق للطلب مقيدا بها ، فالتقييد ـ بموجب الوجهين ـ واقع في مرحلة تعلّق الطلب فلا يتعلق إلاّ بالحصّة المقدورة ، ولا يقتضيان كون المطلوب بما هو متعلّق للملاك المقتضي للطلب مقيّدا بها ليكون القيد مأخوذا في‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يؤخذ ) والصحيح ما أثبتناه.


بهذين الاعتبارين هو تقييد المطلوب بها بما أنّه المطالب به ، لا بما أنّه يقتضي الطلب به ، وإلاّ لزم دخل مقتضى الشي‌ء فيما يقتضيه ، فيكون وروده عليه (١) كاشفا إنيّا عن اشتماله على ملاك الطلب به من دون أن يكون لما يلازم وروده عليه دخل فيه ، وإلاّ كان ما يلازم الشي‌ء دخيلا في ملزومه ، فيكفي حينئذ (٢) مجرّد التمكّن العقليّ من متعلّق التكليف ـ ولو بالتمكّن من تحصيل القدرة عليه ـ في فعليّة خطابه (٣) ، ويكون التعجيز عنه ـ ولو قبل فعليّة التكليف ـ من‌

__________________

مرحلة الملاك ، وحينئذ فلو فرض للقيد دخل فيه باعتبار أنّ له دخلا في مقتضاه من الطلب لزم أن يكون للمقتضي ـ بالفتح ـ دخل في مقتضيه ، ويتقيّد المقتضي ـ بالكسر ـ بما تقيّد به مقتضاه ، وهو ممتنع لامتناع أن يكون للمعلول دخل في علّته ، ويؤخذ قيده قيدا فيه. هذا ، وفي تقريرات أصوله 1 إشارة إلى المطلب ( راجع أجود التقريرات ١ : ٢٦٧ ، وفوائد الأصول ١ : ١٩١ ).

(١) تفريع على تقييد المطلوب بالقدرة بما أنّه المطالب به ، متكفل للبرهان ببيان آخر ، يعني : فيكون ورود الطلب ـ في لسان الدليل ـ على مطلوبه المطلق غير المقيّد بالقدرة ـ كما هو مفروض الكلام ـ كاشفا إنيّا عن اشتمال المطلوب بإطلاقه على الملاك ، وإن كان وروده عليه يلازمه القدرة ـ بمقتضى الوجهين المتقدّمين ـ إلاّ أنّه لا يمكن أن يكون لهذا الملازم دخل في الملاك ، وإلاّ لزم أن يكون ما يلازم الشي‌ء دخيلا في ملزوم ذلك الشي‌ء ـ وهو الملاك ـ ، وهو ممتنع لامتناع دخل ما يلازم المعلول في علته.

(٢) أي حين إذ لم تكن القدرة دخيلة في الملاك في هذا القسم ، بل كان دخلها فيه ممتنعا بالبرهان المتقدم.

(٣) متعلق بـ ( يكفي ).


التفويت المحرّم (١) ، عكس ما تقدّم في سابقه.

ولو شكّ فيها (٢) فسبيله في الصورة الأولى سبيل الشكّ في سائر الشرائط (٣) ، وتقدّم جريان البراءة فيها (٤) بلا فحص ، إلاّ أن يقوم دليل على وجوبه ، بخلافه في الثانية (٥) فإنّ ملاكات الأحكام (٦) وإن كانت بمعزل عن صلاحية تعلّق التكليف بها أو استقلال العقل بلزوم إحرازها بلا توسيط خطاب (٧) ـ كما لعلّ أن‌

__________________

(١) أي للملاك ، لما حقّق في محلّه من أن المورد مجرى قاعدة ( الامتناع بالاختيار ) ، لتمامية الملاك في ظرفه ، ومعه يحكم العقل بوجوب حفظ القدرة عليه لواجدها ، وعدم تفويتها بالاختيار بتعجيز نفسه ـ ولو قبل أوانه.

(٢) أي في القدرة بشبهة مصداقية.

(٣) فإنّها كسائر شرائط التكليف شرائط في الملاك والخطاب معا ، والشك فيها شكّ في أصل التكليف ، ومجرى للبراءة.

(٤) أي في شرائط التكليف ، تقدّم ذلك عند الكلام في القسم الأوّل ، حيث قال 1 : « فكلّما رجعت الشبهة المصداقية إلى الشك في ذلك كان مرجعها إلى الشك في التكليف ، وتجري البراءة فيها من دون فحص إلاّ إذا قام الدليل على وجوبه ».

(٥) فإنها في هذه الصورة شرط في الخطاب فقط ، والشك فيها وإن كان شكا في توجّهه لكن مقتضى العلم بالملاك هو لزوم الفحص ـ كما سيبيّن ـ ، وهذا ـ كما ترى ـ فارق مهم آخر بين القسمين.

(٦) الغرض من هذا البيان إثبات وجوب الفحص في موارد الشك في القدرة العقلية.

(٧) لأن نسبة متعلقات التكاليف إليها نسبة المعدّ إلى المعلول المعدّ له مع‌


نوضحه في المحلّ المناسب له إن شاء الله تعالى ـ ، لكن حيث إنّها تكشف * بطريق اللمّ عن الخطاب المحصّل لها (١) ، فالعلم بها يستلزم العلم بذلك الخطاب ـ لا محالة.

وفي المقام وإن كان الشكّ في القدرة مستلزما للشكّ في توجّه الخطاب ، لكنّ العلم (٢) بإطلاق المناط وقوّته (٣) ، وأنّ الشارع لا‌

__________________

توسط أمور غير اختيارية بينهما كزرع الحبّ وصيرورته سنبلا ، لا نسبة السبب التوليدي إلى مسبّبه ، ومثله لا يصلح لتعلّق التكليف به لعدم صلاحيّته لتعلّق إرادة الفاعل به ، كما أنّه لا يستقلّ العقل بلزوم تحصيله ـ بما هو تحصيل للملاك ـ من دون توسيط خطاب شرعي ، بل غاية ما يستقل به هو امتثال الخطاب ، وإنما على المولى جعل التكليف على وجه محصّل للملاك وعدم تفويته على العبد ، والتفصيل في محله.

(١) لما عليه العدليّة من تبعية الأحكام للملاكات الواقعية ، فأحدهما يكشف عن الآخر لمّا أو إنّا ، ومقتضاه أن العلم بالملاك يستلزم العلم بالخطاب ـ من غير ناحية اعتبار القدرة العقلية فيه غير الدخيلة في ملاكه ـ ، ففي المقام إذا علم بتماميّة الملاك من جهة العلم باجتماع شرائطه فلا محالة يعلم بفعليّة الخطاب ـ على تقدير القدرة الواقعيّة ـ ، ويكون متنجزا أيضا على هذا التقدير ، وسيأتي مزيد التوضيح.

(٢) يعني : لكنّه لا يستلزم الشك في المناط لفرض إطلاقه وعدم دخل القدرة فيه ، والعلم بإطلاقه وقوّته يلازم العلم بعدم المعذوريّة على تقدير المقدوريّة الواقعيّة.

(٣) باعتبار كونه ملاكا ملزما مقتضيا للوجوب أو الحرمة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يكشف ) والصحيح ما أثبتناه.


يرضى أن يفوت عند إمكان حصوله (١) يلازم العلم بعدم المعذوريّة على فرض المقدوريّة الواقعيّة ، وهذا (٢) هو مناط وجوب الفحص ، وكذلك الاحتياط أيضا فيما يجب فيه أحدهما (٣) المعيّن أو المخيّر مطلقا ، فإنّ مناطه في جميع ذلك هو ثبوت عدم المعذوريّة على‌

__________________

(١) وهذا لا ينافي ما تقدّم آنفا من إنكار استقلال العقل بلزوم إحراز الملاكات ، لاختصاص ذلك ـ كما عرفت ـ بما إذا لم يتوسّط خطاب ، ومفروض المقام توسّط الخطاب.

فإن قيل : المفروض الشك في فعلية الخطاب.

قلنا : نعم ، لكن العبرة في المقام بواقعة ، نظرا إلى العلم بتماميّة الملاك الملزم فيه ، فلا يستلزم الشك في الخطاب الشك فيه ، وفي مثله يكون الخطاب الواقعي على تقدير فعليّته متنجزا ، فلا يعذر بمجرد الشك ، للزوم إحرازه الملاك حينئذ إن أمكنه ، ومقتضاه لزوم الاختبار والفحص عن قدرته ، فإن تبيّن عجزه كان معذورا في فوات الملاك عنه ، نعم إذا كان الشك في الخطاب مستلزما للشك في الملاك ـ كما في غير المقام ـ فلا علم به حينئذ ليجب تحصيله ، إلاّ إذا قام الدليل على وجوب الاحتياط لإحراز الواقع.

ومن جميع ذلك يظهر بطلان دعوى جريان البراءة في المقام باعتبار كونه من الشك في التكليف ، فلاحظ.

(٢) مرجع الإشارة هو العلم بعدم المعذوريّة ـ المذكور.

(٣) الفحص أو الاحتياط ، فما يجب فيه أحدهما مخيّرا فكالشبهات الحكميّة الكليّة قبل الفحص في الأدلة وبعض الشبهات الموضوعية كالاستطاعة ونحوها والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، وما يجب فيه الاحتياط معيّنا فكالشبهات الحكميّة والمقرونة بالعلم مع تعذّر الفحص ، وما يجب فيه الفحص معيّنا فكالمقام.


تقدير المصادفة الواقعيّة ، إمّا لمكان العلم الإجمالي (١) أو لموجب آخر (٢) ، فالخطاب المشروط بالقدرة (٣) يكشف في المقام عن إطلاق مناطه كشفا إنيّا ، وهو عن وجوب الفحص كشفا لميّا (٤) ويستقلّ العقل باستكشاف هذا الخطاب الطريقي (٥) ممّا عرفت (٦) ، ويندرج في باب الملازمات العقليّة (٧).

__________________

(١) فإن العلم الإجمالي ينجّز التكليف الواقعي ويرفع المعذورية على تقدير المصادفة.

(٢) يوجب عدم المعذوريّة المذكورة كالعلم بإطلاق الملاك وقوّته في مفروض المقام ، وكاقتضاء وظيفة العبودية التصدّي لامتثال أحكام مولاه في الشبهات الحكميّة ، وكلزوم غلبة المخالفة من ترك الفحص في بعض الشبهات الموضوعية.

(٣) المراد به الخطاب الجامع لجميع شرائطه الدخيلة في الملاك والمشكوك فعليّته للشك في القدرة العقليّة ، ومثله يكشف إنّا عن إطلاق ملاكه وفعليّته لفعليّة جميع ما له دخل فيه على الفرض.

(٤) أي وإطلاق ملاكه يكشف لمّا عن وجوب الفحص عن القدرة المشكوكة وجوبا شرعيا طريقيّا.

(٥) وهو وجوب الفحص ، إذ ليس هو خطابا نفسيا يقصد به التوصّل إلى إيجاد متعلقة خارجا ، بل طريقيّ لغرض رعاية الواقع والوصول إليه.

(٦) من إطلاق الملاك وقوّته وأن الشارع لا يرضى بفواته عند إمكان حصوله ، إذ منه يستكشف العقل الخطاب الطريقي المزبور.

(٧) وهي المسائل العقلية التي يتوقف حكم العقل فيها على سبق حكم شرعي في مواردها ، ويكون الحكم الشرعي بمنزلة الموضوع له كمسألتي وجوب مقدّمة الواجب والإجزاء ونحوهما ، في قبال‌


وهذا البحث (١) سيّال في جميع ما يقصر الخطاب الواحد عن استيفائه تمام ما يقتضيه ملاكه ، لاختلاف مرتبة فيه (٢) إمّا لكونه (٣) ملاكا للحكم الواقعيّ والطريقيّ المتكفّل للشكّ فيه (٤) ـ كالمقام (٥) ونحوه (٦) ـ ، أو لقصور فيه عن إيجاب ما يتوقّف عليه (٧) إمّا لسبقه‌

__________________

المستقلاّت العقلية غير المتوقّفة على مقدّمة شرعية كأبواب التحسين والتقبيح ، والمقام من الأوّل فيقال : كلّما كان هناك خطاب شرعي تامّ الملاك وقد استقلّ العقل بلزوم استيفاء ملاكه إن أمكن ، فإذا شك في القدرة على متعلقة كشف عن وجوب الفحص عنها شرعا ، كما يكشف عن وجوب المقدمة كذلك.

(١) وهو البحث عن استكشاف العقل خطابا شرعيا متمّما للخطاب الأوّل.

(٢) تعليل للقصور الآنف الذكر ، وعلّة مطّردة في جميع الصور الآتية للمسألة جامعة شمل كافة مواردها المختلفة ، ومحصّلها وجود اختلاف المرتبة فيما يقتضيه الملاك فلا يمكن استيفاء تمامه إلاّ بخطابين مترتبين : أصليّ ومتمّم.

(٣) تفصيل لصور اختلاف المرتبة ، ومحصّل الصورة الأولى هذه أن يكون الملاك اللازم الاستيفاء ملاكا لحكم واقعي وآخر طريقي موصل إليه عند الشك فيه ، واختلاف المرتبة بين الحكمين المذكورين واضح ، ضرورة أن الطريق متأخر عن ذيه ، والمجعول لدى الشك في شي‌ء متأخّر عن ذلك الشي‌ء.

(٤) أي المتكفل لبيان الطريق إلى الحكم الواقعي لدى الشك فيه.

(٥) لما عرفت من أن الملاك فيه لا يمكن استيفاؤه مع الشك إلاّ بتتميم الخطاب الواقعي بخطاب طريقي متعلّق بالفحص.

(٦) من سائر موارد وجوب الفحص ، وكذا موارد وجوب الاحتياط.

(٧) أي لقصور في الخطاب الواقعي عن إيجاب ما يتوقف عليه استيفاء‌


الزماني (١) ـ كما في المقدّمات المفوّتة التي يجب الإتيان بها قبل وجوب ذيها (٢) ـ ، أو لاختلاف بينهما (٣) في الرتبة ، ولهذا الأخير عرض عريض ، ويندرج فيه جميع ما له دخل في الملاك ويستحيل شمول الخطاب له إمّا لتأخّر الخطاب عنه في الرتبة (٤) ـ كما إذا كان موضوعا له (٥) ، أو دخيلا في القدرة على متعلّقه (٦) ونحو ذلك ـ ، أو لتأخّره في الرتبة عن الخطاب كما في نيّة‌

__________________

الملاك ، فلا يتكفل لوحدة تشريع ما يقتضيه الملاك ، إما للاختلاف الزماني ، أو للاختلاف الرتبي ـ كما سيبيّن.

(١) أي سبق ما يتوقف عليه استيفاء الملاك على الخطاب زمانا.

(٢) كالسير إلى الحج قبل الموسم ، فإنّ وجوب ذي المقدّمة ـ لتأخّره زمانا عن المقدّمة ـ قاصر عن إيجابها وترشّح الوجوب منه إليها.

(٣) أي بين الخطاب وما يتوقّف عليه الملاك في الرتبة دون الزمان.

(٤) فإن الاختلاف في الرتبة تارة يتحقّق بتأخّر الخطاب عمّا له الدخل في الملاك رتبة ، واخرى بالعكس.

(٥) أي كان ما له الدخل في الملاك موضوعا للخطاب ، كالعلم بوجوب الجهر أو الإخفات ـ مثلا ـ المأخوذ في موضوع الخطابين ، فإن الخطاب متأخر عن موضوعه ، ومعه لا يعقل تقدّمه عليه الذي يقتضيه كون العلم متعلقا بالخطاب نفسه ، وإذا استحال أخذه في موضوع الخطاب الأوّل فلا مناص من الخطاب المتمّم المنتج نتيجة التقييد.

(٦) أي كان ما له الدخل في الملاك دخيلا في القدرة على متعلق الخطاب ، وبما أنّ القدرة شرط في حسن الخطاب فالخطاب متأخر عنها رتبة ، فهو متأخر عما هو دخيل فيها أيضا ، فلا يعقل تكفّل الخطاب له وتعلّقه به ، والمفروض دخله في الملاك ، فلا محيص للتوصل إليه من متمّم الجعل.


التقرب في العبادات (١) ـ مثلا ـ بناء على أنّ المتكفّل لتشريع اعتبارها (٢) بنتيجة التقييد هو الجعل الثاني ـ كما هو أحد الوجهين فيها (٣).

ففي جميع ذلك يكون الملاك مقتضيا تشريع ما لم يتكفّله ذلك الخطاب ، ومتمّما له (٤) ـ لا محالة ـ ، فإمّا (٥) أن يكون طريقيّا بالنسبة‌

__________________

(١) فإنّ قصد الأمر لتعلّقه بالأمر فهو متأخر عنه لا محالة ، ويستحيل أن يتعلّق الخطاب بما هو متعلّق بالخطاب نفسه ومتوقف عليه ، فلا مخلص إلاّ بالخطاب المتمّم المنتج نتيجة التقييد ، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه.

(٢) أي اعتبار نيّة التقرب ، والمقصود أنّ كون نيّة التقرّب ممّا نحن فيه مبنيّ على ذلك.

(٣) وهو الذي اختاره 1 في الأصول وحقّقه ، والمراد بالوجه الآخر ما يستفاد من قوله 1 في العبارة الآتية : ( بناء على عدم كون الأمر التعبدي. إلخ ) ، وهو أنه لمّا كان الغرض من تشريع الأمر التعبّدي هو التعبّد به فيكفي في إيجاب نية القربة مجرّد كونه أمرا تعبديّا من دون حاجة إلى جعل المتمّم ، لاقتضاء هذا السنخ من الأمر في نفسه عدم السقوط إلاّ بقصد التقرّب ، في قبال الأمر التوصّلي الذي يسقط بمجرّد حصول المأمور به بأي وجه اتّفق ، وتفصيل الكلام في محلّه.

(٤) أي ويكون ما شرّع متمّما للخطاب.

(٥) الصور المتقدمة كانت عللا للقصور الذي هو سبب لتشريع الخطاب المتمّم ، والأقسام الآتية أقسام لنفس الخطاب المتمّم المسبّب عن ذلك القصور ، وهي ثلاثة ـ كما ستسمع.


إليه (١) ـ كالمقام ونحوه ـ ، أو جاريا مجرى الخطاب الغيريّ المقدّمي (٢) كما في المقدّمات العقليّة السابقة على ذيها في الزمان (٣) ، أو الرتبة (٤) ، أو منتجا نتيجة التقييد الشرعي كما إذا كانت المقدّمة السابقة على ذيها في الزمان شرعية لا عقلية ، كالغسل قبل الفجر في شهر رمضان (٥) ونحوه ، وكما في نيّة‌

__________________

(١) أي بالنسبة إلى الخطاب الأوّل ، فإنّ وجوب الفحص أو الاحتياط طريق موصل إليه.

(٢) وليس هو منه حقيقة ، فإنّ الوجوب الغيري وجوب مترشح من الوجوب النفسي ، وهذا ليس كذلك لامتناع الترشّح قبل فعليّة المترشّح منه ، إلاّ أنه جار مجراه ومنتج نتيجته من عدم كونه وجوبا نفسيا مستقلا ناشئا عن ملاك قائم بمتعلقه ، بل نحو وجوب متعلق بمقدّمته السابقة على أوانه ، ناش عن ملاك التحفظ عليه وعلى ملاكه وعدم فواته في أوانه ، فكان جعله متمما للجعل الأصلي.

(٣) كالسير إلى الحج قبل زمانه ، لتوقّف القدرة على الحج عليه عقلا لا شرعا.

(٤) كما إذا وجب حفظ الموضوع بقاء في مورد ، ـ وسيأتي بحثه مفصلا في القسم الرابع والتمثيل له بوجوب تجهيز الميت ـ فإنّ حفظه مقدّمة عقليّة يتوقف عليه القدرة على الامتثال عقلا ، لكنّه سابق على ذيه رتبة لتقدّم رتبة الموضوع على حكمه.

(٥) فإنّه مقدّمة شرعية لا عقلية ، إذ يتوقف عليه الاجتناب عن الإصباح جنبا المعتبر في الصوم شرعا ، والدخيل في ملاكه واقعا ، ولأجله كان الخطاب المتمّم المتعلق به منتجا نتيجة التقييد الشرعي ، وإلاّ فالمتعلّق بالمقدّمة العقلية لا ينتج هذه النتيجة ، لعدم دخلها بنفسها في الواجب وملاكه أصلا ، بل مجرد توقّف استيفاء الملاك عليها.


التقرّب (١) أيضا ـ بناء على عدم كون الأمر التعبّدي (٢) بمعونة كون الغرض من تشريعه هو التعبّد به كافيا في إيجابها (٣) ، وكون الغرض المذكور ملاكا لتشريع المتمّم المنطبق عليه. فيكون الخطابان لوحدة ملاكهما بمنزلة خطاب واحد ، ولا يكون إيجاب التعبّد ـ مثلا ـ ولا الغسل قبل الفجر خطابا مستقلا بواجب آخر كي يعقل الانفكاك بينهما في الطاعة والعصيان ، وإلاّ كان مخالفا لما يقتضيه ملاكه (٤).

__________________

(١) هذا مثال آخر للقسم الثالث ـ أعني المتمّم المنتج نتيجة التقييد الشرعي ـ ، هذا. والتقييد في هذا المثال وسابقه واقع في ناحية المتعلق ، وموارد أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه ـ كموردي الجهر والإخفات ـ مندرجة في هذا القسم ، ويكون المتمّم المجعول فيها منتجا نتيجة التقييد الشرعي في ناحية الموضوع ـ كما لا يخفى.

(٢) مرّت الإشارة آنفا إلى ما للمسألة من الوجهين ، وأن اندراجها في المقام مبنيّ على أحدهما ، ومحصّل الكلام : أنه تارة يبنى على أنه يكفي في إيجاب التقرّب كون الأمر المجعول من سنخ الأمر التعبدي ، واخرى على عدم كفايته والحاجة إلى جعل آخر ، والاندراج في المقام يتمّ على الثاني دون الأوّل ، هذا. ومن التفنّن تعرّضه 1 هناك للعقد الإيجابي من هذا المبنى ـ الثاني ـ ، وهنا للعقد السلبي ، فلاحظ.

(٣) أي إيجاب نيّة التقرّب.

(٤) فإن ما يقتضيه ملاكه هو كونه متمّما لملاك الواجب الأصلي وحافظا له ، فلا ملاك له باستقلاله في قبال ملاك الأصلي ، إذن فليس لهما إلاّ إطاعة أو معصية واحدة ، وثواب أو عقاب فأرد.


وكيف كان فكما أن القدرة (١) على نفس العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف يمكن أن يؤخذ شرطا شرعيّا تارة وعقليّا أخرى ، فكذلك التمكّن من صرف وجود الموضوع في هذا القسم ـ الثالث ـ أيضا يصلح للوجهين.

بل يمكن التفكيك فيما كان من هذا القبيل بين التمكّن من الموضوع المذكور والقدرة على العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف ، فيكون شرطا شرعيا بالنسبة إلى أحدهما ، وعقليا بالنسبة إلى الآخر ، فيلحق كلاّ منهما حكمه.

والظاهر أن يكون في باب الوضوء من هذا القبيل (٢) ، فيكون‌

__________________

(١) عود إلى أصل المسألة بعد الفراغ عن تحقيق حال القدرة المعتبرة في التكاليف وانقسامها إلى عقليّة وشرعيّة وما يفترقان فيه من الأحكام ، وبعد ما انجرّ إليه الكلام من البحث المستطرد عن متمّم الجعل والتحقيق حول علله وأنواعه.

وقد ظهر ممّا سبق حكم الشبهة المصداقية للقسم الثالث ، وأن مرجعها إلى الشك في القدرة المختلف حكمه باختلاف قسمي القدرة ، والمقصود بيانه هنا هو أنّه لمّا كانت القدرة معتبرة في هذا القسم من التكاليف من وجهين : القدرة على متعلق التكليف نفسه ، والقدرة على صرف وجود موضوعه ، فلا محالة يختلف الحال من حيث العقلية والنقلية باختلاف الموارد ، فتارة تكون القدرة على كلا الأمرين شرعية ، واخرى عقلية كذلك ، وثالثة القدرة على أحدهما شرعية وعلى الآخر عقلية ، ويلحق كلا منهما حكمه.

(٢) أي من قبيل التفكيك بين القدرتين.


تمكّنه من الماء قدر ما يكفيه لوضوئه أو غسله شرطا شرعيّا ، لأنّ آية الوضوء تتضمّن * الاشتراط به (١) لاشتمالها على تقييد وجوب التيمم بعدمه (٢) ، ومقتضاه تنويع المكلّفين (٣) باعتبار التمكّن منه وعدمه إلى النوعين ، وتخصيص كلّ منهما بما يخصّه ، والتفصيل قاطع للشركة. وأمّا التمكّن من استعماله في التطهّر به فلكونه خارجا عمّا يقتضيه التنويع المذكور ، وعدم قيام دليل آخر على الاشتراط به بهذا الوجه (٤) فليس الاشتراط به إلاّ من جزئيات ما يستقلّ العقل باعتباره في حسن الخطاب بعد تماميّة ملاكه.

ومن هنا استقرّت الفتوى ـ إلاّ من شاذّ لا يعبأ بخلافه ـ بأنه لو كلّف بالتيمم وصرف (٥) ما يجده من الماء في حفظ نفس محترمة‌

__________________

(١) أي بالتمكن من الماء قدر الوضوء أو الغسل.

(٢) وذلك في قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ).

(٣) أي مقتضى التقييد في الآية الشريفة هو التفصيل بين الواجد وغيره ، ووجوب الوضوء على الأوّل والتيمّم على الثاني ، والتفصيل قاطع للشركة ، فيختص حكم كلّ منهما به ولا يشاركه فيه الآخر ، إذن فقد أخذ في لسان الدليل اشتراط الوضوء بالقدرة على الماء ، فتكون من هذه الناحية شرعيّة ، وأما القدرة على استعماله في التطهّر فلا تقتضيها الآية الشريفة ولا غيرها من الأدلة اللفظية ـ كما أفيد في المتن ـ ، ـ فهي ـ لا محالة ـ عقلية.

(٤) أي بالشرط الشرعي.

(٥) عطف على التيمم.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يتضمن ) والصحيح ما أثبتناه.


فخالف وتوضّأ بطل وضوؤه ، ولو كلّف بالتيمم لضيق الوقت فخالف وتوضّأ لغاية أخرى صحّ وضوؤه ، إذ في الصورة الاولى يكون الخطاب بالوضوء أو الغسل ساقطا بملاكه (١) ، فلا مجال لتصحيحه بقصد الجهة (٢) لمكان انتفائها ، ولا بالخطاب الترتّبي لتوقّفه بعد الفراغ عن إمكانه (٣) ـ كما هو التحقيق ـ على وجودها (٤) ، بخلافه في الثانية لأنّ أقصى ما يقتضيه (٥) وجوب‌

__________________

(١) لأنه غير متمكّن من الماء شرعا ، لوجوب صرف ما عنده منه في حفظ النفس المحترمة حسب الفرض ، وهذا تعجيز مولوي له بالنسبة إلى الماء ، موجب لانتفاء شرط وجوب الطهارة المائيّة وخلوّها عن الملاك ، فتبطل لا محالة. وبعبارة أخرى : يعدّ المورد من صغريات التزاحم بين المشروط بالقدرة الشرعية والعقلية ، وقد حقّق في الأصول تعيّن ترجيح الثاني ، وأنه إذا خالف وأتى بالأوّل بطل لخلوّه عن الملاك والخطاب ، فلا مجال لتصحيحه بقصد الملاك لانتفائه ، ولا بالخطاب الترتّبي لتوقفه ـ كالخطاب غير الترتّبي ـ على الملاك ـ المفروض انتفاؤه.

(٢) وهي الملاك.

(٣) أي عن إمكان الخطاب الترتّبي ، وقد حقّقه 1 في الأصول بما لا مزيد عليه ، ولا يدع مجالا للشك فيه.

(٤) أي وجود الجهة.

(٥) محصّله أنه حيث سقط التكليف بالوضوء لما ضاق وقته لأجل عدم وفاء الوقت له ، وتبدّل إلى التكليف بالتيمم له بموجب إطلاقات التيمم ، فليس مقتضى ذلك خلوّ الوضوء عن الملاك رأسا حتى بالنسبة إلى سائر الغايات‌


التيمّم لما ضاق وقته هو سقوط الطلب بالوضوء لسائر الغايات ـ خطابا ـ بمزاحمة ذلك التكليف مع بقاء ملاكه ، فيمكن تصحيحه بكلا الأمرين ـ كما هو الشأن في أشباهه ـ ، ولتمام الكلام في ذلك محلّ آخر.

وأمّا القسم الرابع : فقد عرفت امتيازه عمّا تقدّمه (١) بما له من التعلّق بموضوع خارجيّ ذي أفراد مقدّرة الوجود ، وأخذ ذلك الموضوع باعتبار مطلق وجوده وبلحاظ المرآتيّة (٢) لما ينطبق عليه في الخارج موضوعا لحكمه ، وقضيّة ذلك (٣)

__________________

كالكون على الطهارة ونحوه ـ ، بل غايته بعد سقوط التكليف به لما ضاق وقته هو سقوط خطابه فقط بالنسبة إلى سائر الغايات ، لوقوع التزاحم بينه وبين الخطاب المتعلّق بما ضاق وقته وأهميّة الثاني منه ، أما ملاكه فباق بحاله لعدم اشتراطه بالقدرة الشرعية على فعله ـ كما عرفت ـ ، ومعه يمكن تصحيحه ـ أي الوضوء لسائر الغايات ـ بكلّ من قصد الملاك والأمر الترتبي ـ كنظائره.

(١) يمتاز هذا القسم عن سوابقه بأنّ له تعلّقا بالموضوع الخارجي بخلاف الأوّل ، والموضوع عنوان كلّيّ ذو أفراد بخلاف الثاني ، ومأخوذ بلحاظ مطلق وجوده بخلاف الثالث.

(٢) إشارة إلى أن الموضوع في هذا القسم لوحظ عنوانا حاكيا عن أفراده الخارجيّة ، ومرآة لمصاديقه ، ليتوصّل به إلى الحكم عليها ـ كما هو الشأن في القضايا الحقيقية ـ ، فهي في الحقيقة المحكوم عليها دونه ـ كما سيتضح.

(٣) مرجع الإشارة هو ما به يمتاز هذا القسم عن جميع ما سواه من كون الموضوع‌


أمران : ـ

الأوّل : انحلال ذلك الحكم بالنسبة إلى كلّ واحد من تلك الوجودات إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك ، حسبما يقتضيه مرآتيّة ذلك العنوان لما ينطبق عليه في موضوعيّته (١) لحكمه ، كما عرفته (٢) في مثالي العقد أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به وحرمة شربه ونحو ذلك ، فيكون المنشأ بذلك الإنشاء (٣) والخطاب المتوجّه إلى المكلّف هو آحاد تلك الخطابات التفصيليّة المنحلّة إليها تلك الكبرى ، دون نفسها (٤) ، إذ ليس هو (٥) إلاّ إنشاء إجماليّا‌

__________________

مأخوذا بلحاظ مطلق وجوده ومرآتيّته لوجوداته الخارجية ، فإن هذا يقتضي ـ كما أفاده 1 ـ أمرين هما : انحلال الحكم الكبروي الواحد إلى أحكام شخصية خاصة لآحاد وجودات موضوعه منشأه في ظرف وجودها ، واشتراط كلّ من تلك الأحكام ـ خطابا وملاكا ـ بوجود شخص موضوعه ، وستسمع التفصيل.

(١) أي موضوعيّة ذلك العنوان.

(٢) عرفت ذلك في صدر البحث لدى تعداد الأقسام ، فكلّ عقد وجد يكون قد أنشِئ له وجوب الوفاء بشخصه ، وكذا الخمر.

(٣) تفريع على الأمر الأوّل ، محصّله أن مقتضى الانحلال المذكور كون الإنشاء الكبروي إنشاء إجماليا منحلاّ إلى إنشاءات صغرويّة لخطابات تفصيليّة فعليّة متوجهة إلى المكلفين.

(٤) أي ليس المنشأ هو نفس الكبرى.

(٥) أي ليس الإنشاء الكبروي إلاّ إنشاء إجماليا لتلك الخطابات لا للكبرى نفسها فالمنشأ هي تلك الخطابات وقد أنشئت بإنشاء إجماليّ واحد.


لها.

الثاني : ترتّب كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة ـ التي عرفت أنّها البعث أو الزجر (١) المتوجّه إلى المكلّف ـ على شخص موضوعه ، واشتراطه ـ خطابا وملاكا ـ بوجوده (٢) ، بحيث لا يعقل لنفس ذلك الشخص من الخطاب ولا لملاكه تحقق إلاّ بتحقق شخص موضوعه ، وينشأ هذا الاشتراط عن أخذ كلّ واحد ممّا ينطبق على ذلك العنوان مقدّر الوجود (٣) ، وإيراد حكمه عليه بهذه‌

__________________

(١) أي الفعليّان المتوجّهان فعلا إلى المكلف.

(٢) فإنّ أخذه في لسان الدليل موضوعا للحكم يكشف إنّا عن دخله في الملاك ، واشتراط فعلية الملاك شخصا ـ كالخطاب ـ بتحقّقه الشخصي.

(٣) كما هو شأن القضايا الحقيقيّة التي يرد فيها الحكم على الأفراد المقدّر وجودها بمرآتيّة عنوان الموضوع لها ، سواء وجدت فعلا أم مستقبلا أم لم يوجد أصلا إلاّ أنها على تقدير وجودها يشملها الحكم ويرد عليها ، فالحكم ليس مقصورا على أشخاص ما هو موجود في الخارج محقّقا ـ بما هو كذلك ـ كما هو حال القضية الخارجية ، بل يعمّ كل ما قدر وجوده ـ بما هو منطبق عليه العنوان ـ ، ولا يعتبر فعلية وجوده حتى مستقبلا ، فيصح مثل ( كل عنقاء طائر ) ، هذا. وبما أنّ الأحكام الشرعية مجعولة كذلك ، فمن لحاظ الموضوع فيها كذلك وورود الحكم على كلّ ما ينطبق عليه ينشأ الاشتراط المتقدم ذكره ، ضرورة أن مرجع كون الشي‌ء على تقدير وجوده محكوما بكذا إلى أنه لو وجد ثبت له الحكم ، ولأجله ذكروا أن القضية الحقيقيّة تنحلّ إلى شرطيّة ـ كما سيأتي بيانه.


المعونة (١) ، فيتضمّن أخذه موضوعا للحكم بهذا الوجه (٢) لهذه الشرطيّة (٣) ، وتكون في قوّة الشرطيّة الصريحة ، فلو لم يوجد كلّ شخص من العقد ـ مثلا ـ أو الخمر أو نجس أو حرام آخر لم يعقل لوجوب الوفاء به ، ولا لحرمة شرب ذلك الشخص من الخمر ، أو تناول ذلك النجس وغيره خطاب ولا ملاك (٤) ، ولم تكن للمصلحة أو المفسدة المقتضية له (٥) عين ولا أثر في وعاء وجودها (٦) أصلا.

وإلى هذا يرجع ما ذكره المنطقيّون من انحلال القضايا الحقيقيّة إلى شرطيّة مقدّمها وجود الموضوع (٧) وتاليها عنوان المحمول (٨) ، فعقد وضعها يتضمّن الاشتراط المذكور (٩) ، وينحلّ‌

__________________

(١) أي بمعونة كونه مقدّر الوجود ومفروضه.

(٢) وهو كونه مقدّر الوجود.

(٣) متعلق بـ ( يتضمّن ) ، وقد مرّ آنفا وجه تضمّنه لها.

(٤) كما هو الحال في سائر شرائط الأحكام المأخوذة في لسان الدليل.

(٥) أي للخطاب المذكور.

(٦) أي وجود المصلحة أو المفسدة بوجودها العلمي ، شأن سائر العلل الغائية.

(٧) تقديره : إذا وجد الموضوع ، أو كلّما وجد في الخارج شي‌ء وكان مصداقا للموضوع.

(٨) كعنوان ( حرام ) أو ( واجب ) أو نحو ذلك ، ولأجل ذلك كان مرجع الموضوع إلى الشرط ومرجع الشرط إلى الموضوع ، والاختلاف إنما هو في الصيغة الكلامية.

(٩) أشار 1 بهذه الجملة وما يليها إلى الأمرين المتقدمين : الانحلال والشرطية ،


عقد حملها بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع إلى محمولات مستقلّة ، ومن هنا يكون وجود الموضوع في هذا القسم (١) من‌

__________________

فأسندهما إلى عقدي الوضع والحمل ، وجعل كلا من العقدين متكفلا لأحد ذينك الأمرين ، فتدبر في ذلك فإنّه دقيقة شريفة ونكتة لطيفة.

(١) وهو القسم الرابع ، فإنّه لمّا كان مرجع الموضوع في هذا القسم إلى الشرط ، وكان وزان العقد في مثل ( يجب الوفاء بالعقد ) وزان الاستطاعة في ( إذا استطعت فحجّ ) ، فكلتا الطائفتين تعدّان من الشرائط الخاصّة للتكليف في قبال شرائطه العامّة ، ومن شأن الخصوصيّة أن تكون متأخّرة عن العموميّة تأخّرا بالرتبة في الذهن والاعتبار ، ولذا لا يسند انتفاء التكليف إلى انتفائها إلاّ إذا توفّرت الشرائط العامّة ، وإلاّ لأسند إلى انتفاء هذه دون تلك ، نظير تأخّر رتبة الشرط عن المقتضي وعدم المانع عنهما ، وهذا ما أفاده 1 من أنّ وجود الموضوع ـ وهو الشرط الخاص ـ جزء أخير لشرائط التكليف ، هذا.

وقد ناقش ـ في إطلاق ما حقّقه 1 من أنّ قضيّة هذا القسم من الأحكام هو الاشتراط السالف الذكر ـ السيّد الأستاذ 1 في رسالة اللباس المشكوك ( ٧٧ إلى ٧٩ ) ، فسلّمه في موارد تعلّق متعلق التكليف بأمر غير اختياري كالوقت ، وفصّل في الاختياري بين ما هو دخيل في اتصاف الفعل بالملاك وبين ما هو دخيل في تحقّق ما هو متّصف به ، فسلّم الاشتراط في القسم الأوّل وأنكره في الثاني ، وفرّق فيه بين التكليف الإيجابي والتحريمي من حيث اقتضاء الإيجابي وجوب إيجاد الموضوع أيضا كنفس الفعل ، عكس التحريمي المقتضي حرمة إيجاده وحرمة إيجاد الفعل على تقدير وجوده.


__________________

أقول : لا يخفى أنّ تصوير القسمين في الإيجابي يختصّ بما إذا كان المطلوب صرف الوجود كوجوب إكرام عالم ، إذ قد يفرض فيه دخل الموضوع في الملاك ، فلا ملاك للإكرام إلاّ عند وجود العالم ، فمع عدمه لا ملاك فلا تكليف بإكرامه ليقتضي إيجاده مقدمة ، وقد يفرض عدم دخله فيه ، فيكون ملاك الإكرام كوجوبه فعليّا وإن لم يوجد عالم ، بل يجب حينئذ إيجاده ـ إن أمكن ـ مقدمة لإكرامه ، كما يجب على المريض إيجاد الدواء مقدمة لشربه ، أمّا إذا كان المطلوب مطلق الوجود مثل ( أكرم العالم ) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) فيتعيّن كونه من القسم الأوّل ولا يتصوّر فيه الثاني ، بداهة امتناع إطلاق الأمر بالوفاء بجميع العقود ـ مثلا ـ بحيث يقتضي إيجادها ثم الوفاء بها ، هذا. وبما أن محطّ كلام المحقّق الجدّ 1 في المقام هو خصوص القسم الرابع ـ حسب تقسيمه ـ وهو التكليف المتعلّق بما له تعلّق بموضوع خارجي باعتبار مطلق وجوده ، فلا انتقاض عليه بموارد طلب صرف الوجود التي عرفت إمكان تصوير القسم الثاني فيها.

وأمّا التحريمي فقد ادعى 1 جريان القسمين فيه ، ومثّل للثاني بحرمة شرب الخمر قائلا : إنّ شربه فعل ذو مفسدة في نفسه ، وإنما وجود الخمر في الخارج من مبادئ تحقّق المفسدة ، فإذا قدر المكلف على إيجاده تعلّق النهي بإيجاده أو شربه بعد وجوده ، وفي مثله لا يكون وجود الموضوع شرطا في الفعليّة ، هذا. ويعني بكونه ذا مفسدة في نفسه أنّه ذو مفسدة مع قطع النظر عن وجود الخمر وعدمه.

وهذا محل تأمّل ، فإن فعلية الملاك وتماميّة داعويّته إلى الحكم‌


__________________

مصلحة كان أو مفسدة ـ إنما هي ببلوغه مرحلة من القوّة والشأنيّة لا يتخلّل بينها وبين تحقّقه الغالبي خارجا ـ بحصول المصلحة أو الوقوع في المفسدة ـ سوى فعل المكلف ، فيصبح داعيا للجاعل إلى البعث نحو الفعل تحصيلا للمصلحة أو الزجر عنه تحذّرا من الوقوع في المفسدة ـ ولا يقدح تخلّف الداعي أحيانا ـ ولا يكاد يصل إلى هذه المرحلة إلاّ لدى وجود موضوعه لا قبله ، ويزيد ذلك وضوحا مقايسة العلّة الداعية إلى النهي عن فعل بالصارف النفسي الرادع لفاعله عن فعله ، فكما أنّ الرادعيّة الفعليّة عنه لا تكون إلاّ مع وجود الموضوع ، كذلك الداعويّة الفعليّة إلى الردع عنه لا تكون إلاّ عنده ، وعلى هذا فمفسدة الإسكار ـ مثلا ـ لا تصل إلى المرتبة الآنفة الذكر لتدعو إلى النهي عن شرب الخمر إلاّ عند وجود الخمر ، هذا.

وفي كلامه 1 مواقع أخر للنظر : منها قوله 1 : إن امتثاله يكون بعدم إيجاد الموضوع خارجا أو بعدم إيجاد الفعل المتعلّق به بعد وجوده ، إذ يلاحظ عليه أن عدم إيجاد الموضوع ليس امتثالا لحرمة الشرب ، فلا مانع من إيجاده ثم لا يشرب ما أوجده ، وحرمة الإيجاد إن ثبتت فبدليل آخر ، وإلاّ فحرمة الشرب لا تقتضي حرمة الإيجاد ، وإلاّ لحرم إيجاد النجس لمكان حرمة تناوله.

ومنها قوله 1 : ومن هنا يعلم أنّه إذا علم المكلّف من حاله أنّه لو أوجد الخمر لشربه ـ لا محالة ـ حرم عليه إيجاده ، وليس إلاّ لفعليّة التكليف قبل وجود موضوعه في هذا القسم ، إذ يناقش بأنّه ليس الوجه فيه ذلك ، بل وجهه أن إيجاده ـ والحالة هذه ـ تعجيز لنفسه عن امتثال‌


التكاليف هو الجزء الأخير من شرائط التكليف ، حذو الاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ ، ودخول شهر رمضان في وجوب صومه ونحو ذلك.

لكن لا يخفى أنّ القدر الذي يقتضيه ذلك (١) هو اشتراط كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيلية بوجود موضوعه في حدوثه ، ويترتّب عدم وجوب العقد مقدّمة للوفاء به ، وعدم تفويت الحاضرة مقدّمة لقضائها ونحو ذلك ، على اشتراطه ملاكا أيضا بذلك (٢).

أمّا اشتراطه به في مرحلة البقاء أيضا وعدمه فأجنبيّ عمّا يقتضيه ذلك الاشتراط بالكليّة ، ويتساوى وجوده لعدمه فيما نحن‌

__________________

التكليف في ظرفه ، ومقتضى قاعدة ( أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ) مع فرض تماميّة الملاك في ظرفه هو حكم العقل بحرمة تعجيز نفسه بإيجاده ـ على التفصيل المذكور في محلّه.

(١) يعني أنّ الذي يقتضيه الاشتراط ـ المتقدم ذكره ـ هو اشتراط حدوث الخطاب الشخصي بحدوث موضوعه ، أما اشتراط بقائه أيضا ببقائه فلا يقتضيه ما تقدّم ، كما لا يقتضي عدمه.

(٢) فإنه إذا كان الملاك أيضا كالخطاب مشروطا بوجود موضوعه فلا ملاك قبل وجوده ليقتضي وجوب إيجاده ، والوجوب المشروط لا يقتضي إيجاب شرطه ، فلا يجب إيجاد العقد مقدمة للوفاء به ، ولا تفويت الحاضرة مقدمة لقضائها ونحو ذلك ، بل متى ما وجد العقد بنفسه ، أو فاتت الحاضرة بنفسها وجب الوفاء ، أو القضاء ، نعم لو فرض الملاك مطلقا وغير مشروط بذلك كان مقتضاه وجوب الوفاء والقضاء فعلا مطلقا ـ وجد موضوعه أم لم يوجد ـ ، بل مع عدمه يجب إيجاده مقدمة.


بصدده (١) ، لكنّه لا بأس بأن نتطفّل بتوضيحه.

وظاهر أنّ الاشتراط به ـ خطابا ـ (٢) ممّا لا محيص عنه على كلّ تقدير (٣) ، ضرورة أنّ القدرة على متعلّق التكليف تدور مداره (٤).

وأمّا ملاكا فلا خفاء في صلاحيّة الخطاب الإيجابي (٥) للاشتراط به تارة ـ كما في العقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء به ـ ،

__________________

(١) فإنّ ما نحن بصدده هو جريان البراءة في الشبهات المصداقية لهذا القسم ، وهذا إنما يبتني على اشتراط فعليّة كلّ من الأحكام الشخصية المنحلّ إليها بوجود موضوعه حدوثا ، ولا أثر للاشتراط به بقاء وعدمه في ذلك ، ومع ذلك فقد أفضل 1 بتوضيحه ـ كما ستسمع.

(٢) أي اشتراط بقاء الخطاب ببقاء الموضوع.

(٣) سواء اشترط به ملاكا أيضا أم لا.

(٤) أي مدار بقاء الموضوع ، فإن متعلّق التكليف متعلّق به ، ومثله لا بدّ من أن يكون له بقاء ما ليتمكّن المكلّف من الامتثال بفعل ما يتعلّق به ، ومقتضى اشتراط الخطاب بالقدرة اشتراطه بما تدور القدرة مداره.

(٥) فصّل 1 في اشتراط بقاء الملاك ببقاء الموضوع وعدمه بين التكاليف الوجوبية والتحريمية ، وأفاد أن ملاك التكليف الوجوبي يقع على وجهين : فقد يكون بقاؤه مشروطا ببقاء الموضوع ـ كما في مثال العقد ـ فإنه يجوز إعدامه اختيارا فيرتفع معه وجوب الوفاء وملاكه ، وأخرى لا كذلك ـ كما في وجوب تجهيز الميت ـ فإنّه لا يجوز إعدامه بل يجب حفظه ـ بالدليل المتمم للجعل كما ستعرف ـ إلى أن يتمّ تجهيزه ، فيستكشف منه أن ملاك تجهيزه مطلق وغير مشروط ببقائه.


ولعدمه أخرى ، كما في بقاء الميّت بالنسبة إلى وجوب تجهيزه ، ونحو ذلك ممّا يكون مجرّد تحقّق الموضوع هو تمام العلّة في توجّه خطابه (١) ، ولا يتوقّف عليه في مرحلة البقاء سوى التمكّن من امتثاله. ويكون اشتراط التكليف به في الصورة الأولى (٢) كاشتراطه بالسفر والحضر ونحوهما ممّا يدور حسن الواجب في حدوثه وبقائه مداره ، ويجوز إعدامه اختيارا بعد فعليّة خطابه (٣). ويرجع في الثانية (٤) إلى باب الاشتراط بالقدرة (٥) ، ويكون إعدامه تعجيزا‌

__________________

(١) فيكون خطابه وملاكه فعليّين بمجرد حدوث الموضوع ، ولا يتوقف على بقائه سوى القدرة العقلية على امتثاله.

(٢) وهي ما كان بقاء الملاك فيه مشروطا ببقاء موضوعه كمثال العقد ، ففي هذه الصورة يدور ملاك حسن الواجب وفعلية خطابه حدوثا وبقاء مدار الموضوع كذلك ، حذو دوران وجوب القصر مدار السفر ، والتمام مدار الحضر حدوثا وبقاء.

(٣) إذ لا مقتضي لوجوب حفظ الموضوع وإبقائه ، بل متى ما بقي بقي معه المشروط وإذا ارتفع ـ ولو اختيارا ـ ارتفع معه ، كما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الحدوث.

(٤) وهي ما لا يكون بقاء الملاك مشروطا ببقاء الموضوع ، بل مجرّد حدوثه كاف في بقائه ـ أي الملاك.

(٥) المقصود بها القدرة العقلية ، وباب الاشتراط بها إشارة إلى ما تقدّم من أن التكليف المشروط بالقدرة العقلية يكفي في فعليّته مجرد التمكن العقلي من متعلّقه ولو بالتمكن من تحصيل القدرة عليه ، وأن التعجيز عنه‌


عن الواجب وتفويتا لملاكه ، ولامتناع (١) أن يتكفّل الخطاب إيجاب حفظه ـ وإلاّ لزم تقدّمه على نفسه ـ فيندرج المقام فيما يستحيل أن يستوفي ما يقتضيه الملاك إلاّ بخطابين لتعدّد الرتبة ـ حسبما تقدّم ضابطه ـ ، ويكون المتمّم المتكفّل لإيجاب حفظ الموضوع ـ كسائر ما يرجع إلى باب التفويت (٢) ـ منتجا نتيجة الخطاب المقدّمي‌

__________________

محرّم لكونه تفويتا للملاك الفعلي المطلق ، والوجه في رجوع الصورة الثانية إلى هذا الباب هو إطلاق الملاك فيها بقاء ، وعدم دخل بقاء الموضوع في بقائه ، وعدم توقف ما سوى التمكن من الامتثال على بقائه ـ كما مرّ ـ ، فإنّ قضية ذلك كفاية القدرة العقلية في بقاء التكليف فلا يجوز التعجيز عن امتثاله وتفويت ملاكه بإعدام موضوعه.

(١) تعليل مقدّم على المعلّل ، وحاصل الدعوى المعلّلة به اندراج الصورة الثانية إلى هذا الباب هو إطلاق الملاك فيها بقاء ، وعدم دخل بقاء الموضوع في بقائه ، وعدم توقف ما سوى التمكن من الامتثال على بقائه ـ كما مرّ ـ ، فإنّ قضية ذلك كفاية القدرة العقلية في بقاء التكليف فلا يجوز التعجيز عن امتثاله وتفويت ملاكه بإعدام موضوعه.

(١) تعليل مقدّم على المعلّل ، وحاصل الدعوى المعلّلة به اندراج الصورة الثانية الآنفة الذكر في ضابط متمّم الجعل المتقدّم بحثه مفصّلا ، وهو قصور الخطاب الواحد عن استيفاء تمام ما يقتضيه ملاكه لاختلاف مرتبة فيه ، فيكون مقتضيا تشريع ما استحال أن يتكفله الخطاب الأصلي وكاشفا عنه كشفا لميّا.

ومحصّل التعليل أن وجوب إبقاء الموضوع وحفظه في المقام يمتنع أن يتكفّله الخطاب الأصلي ، كما يمتنع أن يتكفل وجوب إيجاده لاختلافهما رتبة ، فيلزم من تكفّله له تقدّم الشي‌ء على نفسه ، فإن الخطاب متأخر رتبة عن موضوعه ، فلو اقتضى إيجاد موضوعه أو إبقاءه بعد وجوده لزم أن يكون متقدّما عليه متحقّقا قبل تحققه ، وهذا خلف ومناقضة ، ولأجله فإذا اقتضى الملاك إبقاء الموضوع في مورد كالمقام فلا محيص من الخطاب المتمم.

(٢) قد عرفت أنّ ملاك الحكم في محلّ الكلام لكونه مطلقا وغير مشروط ببقاء‌


الغيريّ ، ومندرجا مع إيجاب المقدّمات المفوّتة تحت جامع واحد (١) ، وإن اختلفا في كون المانع عن تكفّل الخطاب النفسي لهذا المتمّم هو التقدّم الرتبي ها هنا ، والزماني ثمّة.

وكيف كان ففي مقام الإثبات (٢) يتوقّف كونه على الوجه الثاني على قيام الدليل عليه ، وإلاّ فمقتضى كون المنشأ بذلك الإنشاء‌

__________________

الموضوع فهو يقتضي عدم جواز التعجيز عنه ، وتفويته بإعدام موضوعه ، إذن فهو مندرج في باب التفويت.

(١) هو جامع التفويت ، فإنّ التحفّظ على الملاك الفعلي المطلق وعدم تفويته هو المناط المطّرد في البابين ، والمقتضي لوجوب حفظ الموضوع هنا ولوجوب المقدّمة المفوّتة هناك ، وكلاهما منتجان نتيجة الوجوب الغيري ، لكون وجوبهما بمناط التمكن من امتثال التكليف النفسي ، وليسا غيريّين حقيقة لامتناع ترشحهما من وجوب ذيهما ، لتقدّم الأوّل عليه رتبة ـ كما مر وجهه آنفا ـ والثاني زمانا ، وقد تقدّم ذكر الصورتين في سياق البحث عن ضابط المتمم لدى قوله 1 ( أو جاريا مجرى الخطاب الغيري. إلى قوله : في الزمان أو الرتبة ).

(٢) بعد ما انتهى الكلام في تحقيق ما يرجع إلى مقام الثبوت لتصوير التكليف الإيجابي ـ بالنسبة إلى اشتراطه خطابا وملاكا ببقاء موضوعه وعدم اشتراطه به إلاّ خطابا ـ على صورتين ، أشار 1 هنا إلى ما يقتضيه الدليل في مقام الإثبات ، فأفاد أنّ مقتضى الأصل في هذا المقام كونه من قبيل الأولى ، لأنّ الدليل الكاشف عن الإنشاء الواقعي دال على إنشاء حكم معلقا على موضوع ، ومقتضاه دوران الحكم مدار موضوعه حدوثا وبقاء خطابا وملاكا ، ولا بدّ لكونه من قبيل الثانية من قيام دليل خاص عليه.


حكما على ذلك الموضوع هو الأوّل ، وهو الأصل فيه.

وأمّا التكاليف التحريميّة فاشتراطها بوجود موضوعاتها مطلقا (١) هو المتعيّن فيها ، ولا مجال لأن يتطرّق فيها الاحتمال الآخر (٢) أصلا ، إذ بعد وضوح أنّ مناط حرمة الخمر ـ مثلا ـ وكلّ نجس ومحرّم هو المفسدة التي في تلك الموضوعات ، فلو أمكن أن تكون تلك المفسدة مناطا لوجوب حفظ الموضوع (٣) في شي‌ء من المحرّمات مقدّمة لتمكّن المكلّف من تركه الاختياري كان المناط حينئذ مطلقا بالنسبة إلى وجود الموضوع في بقائه ـ لا محالة ـ ، حذو ما عرفته في وجوب تجهيز الميّت ونحوه ، لكن حيث لا مجال (٤) لأن يتوهم مناطيّة تلك المفسدة في شي‌ء من المحرّمات لذلك فلا محيص عن اشتراط كلّ محرّم ـ حدوثا وبقاء ـ بوجود موضوعه مطلقا.

وأمّا وجوب إعدام الموضوع (٥) لو توقّف عليه التخلّص عن‌

__________________

(١) حدوثا وبقاء خطابا وملاكا.

(٢) وهو إطلاق ملاكها ، وعدم اشتراطه بقاء ببقاء موضوعه المستتبع لوجوب حفظ الموضوع وحرمة إعدامه.

(٣) بحيث تقتضي المفسدة الكامنة في الخمر الموجود وجوب إبقائه لكي يتمكن المكلّف من ترك شربه اختيارا ، إذ مع انعدامه فشربه منترك قهرا.

(٤) إحالة إلى الوجدان الجازم بانتفاء هذا الاحتمال رأسا في جميع أبواب المحرّمات ، فيتعيّن كون الحرمة مطلقا مشروطة بوجود موضوعها حدوثا وبقاء.

(٥) تحصّل ممّا تقدّم أن التكليف الوجوبي تارة يجوز إعدام موضوعه ـ كما‌


الحرام ، كما لو علم من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقائه (١) ، أو كان مكرها على تناوله ومختارا في إعدامه فأجنبيّ عن هذا الوادي (٢) ، على كلّ من تقديري كونه من الإرشاديات العقليّة الراجعة إلى مرحلة الامتثال (٣) أو كونه مولويّا مترشحا ـ حذو وجوب المقدّمة ـ من النهي (٤) ، فإنّ إعدام الموضوع وإن كان مستتبعا لسقوط خطابه ـ لا محالة ـ لكنّ مناط استقلال العقل بوجوبه في مفروض المقام ـ بأحد الوجهين (٥) ـ

__________________

في وجوب الوفاء بالعقد ـ واخرى لا يجوز ـ كما في وجوب تجهيز الميت ـ ، وأن التكليف التحريمي يجوز إعدام موضوعه مطلقا في جميع موارده لتعيّن كون الحرمة مشروطة بوجود موضوعها حدوثا وبقاء ، ومعه لا يعقل حرمة إعدامه. وتعرّض 1 هنا لحكم التحريمي من حيث وجوب إعدام موضوعه وعدم وجوبه ، وأنّه إذا ثبت وجوبه في مورد فلا ينافي اشتراط التكليف في بقائه بوجود موضوعه ، كما كان ينافيه حرمة إعدامه ، وسيأتي التفصيل.

(١) أي بقاء الموضوع كالخمر ، فلا يقدر على كفّ نفسه عن شربه ، فيعدمه تخلّصا عن الوقوع في المعصية.

(٢) أي لا ارتباط له بحديث اشتراط التحريم بوجود موضوعه حدوثا وبقاء ، فلا يصادمه ولا ينافيه.

(٣) بناء على إنكار الوجوب الشرعي المولوي للمقدّمة ، فيكون حكما عقليّا مستقلا واقعا في مرحلة الإطاعة.

(٤) أي وجوبا غيريا مترشحا من النهي ـ حذو ترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها ـ لتوقف امتثال النهي عليه ، فيدخل في باب الملازمات العقلية.

(٥) هما كونه إرشاديا أو مولويا غيريا.


ليس هو استتباعه لذلك (١) ، كي يمتنع أن يتكفّله الخطاب (٢) على كلّ من تقديري اشتراطه بموضوعه وعدمه (٣) ، وإنّما مناطه هو توقّف التخلّص عن عصيان النهي عليه (٤) بلا دخل لما يستتبعه فيه (٥) ، وكون الاشتراط (٦) بالموضوع بمعزل عن كونه موجبا‌

__________________

(١) أي لسقوط خطابه ، فإنّ إسقاط الخطاب غير واجب على المكلّف كي يكون هو المناط المقتضي لوجوب إعدام الموضوع ، وإنما الواجب عليه هو امتثال الخطاب بفعل الواجب أو التجنّب عن الحرام.

(٢) أي يتكفل سقوط الخطاب ، يعني : كي يقال إنّه يمتنع تكفل الخطاب سقوط نفسه ، إذ الحكم لا يعقل أن يتكفل إيجاد نفسه أو إبقاءه أو إعدامه ، فلو فرض اقتضاء الملاك لسقوط الخطاب فلا يتكفّله إلاّ خطاب آخر متمّم.

(٣) إذ لا يختص امتناع تكفل الخطاب سقوط نفسه بصورة إطلاق ملاكه وعدم اشتراطه حدوثا وبقاء بموضوعه ، باعتبار أنّ مقتضى الإطلاق المزبور وجوب حفظ الموضوع فلا يعقل معه وجوب إسقاط الخطاب بإعدام الموضوع ، بل الامتناع المذكور يعمّ صورة الاشتراط بالموضوع ، ـ المستتبع لجواز إعدامه ـ أيضا ، لما عرفت من أنّ الشي‌ء لا يمكن أن يتكفل إسقاط نفسه ويسبّب إعدامه.

(٤) أي على إعدام موضوعه ، فيكون إعدامه مقدمة لامتثال النهي والتجنب عن الحرام ، إذ المفروض أنّه لو تركه لغلبة الهوى وأوقعه في الحرام.

(٥) يعني أنّ ما يستتبعه إعدام الموضوع من سقوط الخطاب لا دخل له فيما هو المناط لوجوب إعدامه.

(٦) الظاهر ( ويكون ) والاشتباه من الناسخ ، والمقصود أن اشتراط الخطاب‌


لتخصيص حكم العقل بوجوب ما يتوقّف عليه التخلّص المذكور بما عدا إعدامه.

وهذا في غير صورة الإكراه (١) ظاهر ، وكذا في تلك الصورة أيضا ، فإنّ مبنى وجوب الإعدام في هذه الصورة (٢) هو اعتبار عدم المندوحة في ترك الواجب أو فعل الحرام المكره عليه ، وإلاّ فلا موجب له على كلّ تقدير ، وحيث إنّ المدار في المندوحة المعتبر عدمها على إمكان التفصّي عمّا أكره عليه (٣) ، لا على التمكّن من رفع‌

__________________

بموضوعه حدوثا وبقاء ـ الذي عرفت أنّه المتعيّن في المحرّمات ـ لا يقتضي وجوب حفظ الموضوع وحرمة إعدامه ، ليمتنع معه حكم العقل بوجوب إعدامه في مفروض المقام توصّلا به إلى التخلّص من الحرام ، ويوجب تخصيص حكمه بوجوب ما يتوقف عليه التخلص المذكور بما سوى إعدامه. وهذا ما وسعني عجالة من توضيح عبائر المقام والكشف عن حقيقة المرام ، ولا بدّ من التأمل التامّ.

(١) وهي صورة علمه من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقاء الموضوع ، فيرتكب الحرام.

(٢) محصّل الكلام : أن وجوب الإعدام في هذه الصورة ـ وهي ما إذا كان مكرها على تناول الحرام ومختارا في إعدامه وإتلافه ـ مبني على اعتبار عدم المندوحة في ارتفاع التكليف بالإكراه ، والمندوحة في المقام موجودة وهي إعدام الموضوع ، فيجب التفصّي به عن الحرام المكره عليه ، أمّا بناء على عدم اعتباره فلا موجب لوجوب الإعدام ، فيجوز فعل الحرام المكره عليه حينئذ ، وترك التفصي عنه بإعدام موضوعه.

(٣) محصّله : أن العبرة في المندوحة إنما هي بإمكان التفصّي عما اكره‌


موضوع الإكراه كأن يدفع شيئا إلى المكره ليرفع اليد عن إكراهه ، أو التمكّن من إخراج ما أكره عليه عن كونه تركا للواجب أو فعلا للحرام كأن يسافر من أكره على الإفطار في رمضان (١) ليترخّص في إفطاره ونحو ذلك ، فحال إعدام الموضوع في هذه الصورة أيضا كما في سابقتها (٢) ، ولا يخرج باستتباعه سقوط الخطاب عن كونه في‌

__________________

عليه ، بأن يتخلص منه مع بقاء الإكراه وبقاء المكره عليه على صفة الحرام ، فلا يكفي في المندوحة التمكن من رفع إكراه المكره بدفع مال إليه ـ مثلا ـ ليرفع اليد عن إكراهه ، ولا التمكّن من إخراج المكره عليه عن صفة الحرام كالمكره على الإفطار المحرّم في شهر رمضان فيسافر ليسوغ له الإفطار ، فلا يجب على المكره دفع المال المذكور ولا السفر ، لعدم كونه مندوحة وتفصّيا عن ارتكاب الفعل المكره عليه ، ووجوبه من جهة أخرى ـ لو فرض ـ فهو أمر آخر لا كلام لنا فيه ، وهذا بخلاف إعدام الموضوع ـ كالخمر ـ ، فإنه نوع تفصّ عن الحرام المكره عليه ، فيجب.

(١) لا يخفى أنّه إذا أكره على الإفطار بخصوص مصداقه المحرّم فإفطاره في السفر ليس عملا بما اكره عليه ، وإخراجا له عن صفة الحرام ، بل هو مخالفة للإكراه. أمّا إذا أكره على الجامع بين المحرّم والمحلّل فهذا أجنبيّ عن الإكراه على المحرّم وعلى المكره حينئذ اختيار المصداق المحلّل كالسفر والإفطار فيه ، ويجري هذا الكلام في كلّ ما هو من هذا القبيل ، فلاحظ ، ولعلّ المحقق الماتن 1 ينظر إلى أمر آخر ، والله أعلم.

(٢) أي في وجوبه لتوقّف التخلّص من الحرام عليه ، وقد عرفت عدم سقوط الحرمة في هذه الصورة بالإكراه ، لاعتبار عدم المندوحة فيه وإعدام الموضوع مندوحة.


حدّ نفسه مندوحة عمّا أكره عليه (١) ، ولا سبيل إلى مقايسته بالسفر في رمضان ونحوه ممّا يوجب رفع وصف الحرمة عمّا أكره عليه ، لا التخلّص عن ارتكابه.

وبالجملة فالبون بعيد (٢) بين حرمة إعدام الموضوع ووجوبه ، والذي ينافي اشتراط الملاك في بقائه بوجود موضوعه هو الأوّل ،

__________________

(١) يعني أن الأعدام المذكور يعدّ مندوحة عمّا أكره عليه ، فيجب بهذا الاعتبار وإن كان في نفس الحال مسقطا للخطاب وإسقاط الخطاب ليس بواجب ويمتنع أن يتكفّله الخطاب ـ كما مر ـ ، فلا تنافي بين وجوبه بعنوان المندوحة والتخلّص به من الحرام وعدم وجوبه باعتبار مسقطيّته للخطاب.

(٢) توضيح لما أشار 1 إليه أوّلا من أن وجوب إعدام الموضوع في المثالين المتقدمين ونحوهما أجنبيّ عن هذا الوادي ، بل عمّم 1 هنا الحكم إلى كلّ مورد يقتضي الملاك لزوم إعدام الموضوع مطلقا كاقتضاء الملاك المقتضي لحرمة عبادة الصنم وجوب إعدامه أيضا ، فإن اشتراط خطاب الحرمة وملاكه بوجود الصنم ودورانهما مداره حدوثا وبقاء لا ينافيه وجوب إعدامه ، وإنما الذي ينافيه هو وجوب حفظه وحرمة إعدامه ، لما مرّ من أنّه لو اقتضى الملاك وجوب حفظ موضوع الحرام كان الملاك لا محالة مطلقا بالنسبة إلى بقاء الموضوع ، لكن لا مجال لتوهم اقتضائه ذلك في المحرمات ، فلا محيص عن اشتراطه ببقائه ، إذن فالذي يجتمع مع وجوب الحفظ هو إطلاق الملاك لا اشتراطه ، بخلاف وجوب الإعدام فإنه لا مانع منه مع فرض الاشتراط ، فالصنم ـ مثلا ـ يجب إعدامه فإن بقي ولم يعدم حرم السجود له.


دون الثاني ، ولا مجال لأن يقاس أحدهما بالآخر ، فلو فرض الملاك مقتضيا لزوم إعدام موضوعه بنفسه ـ كما في الصنم مثلا وأواني الذهب والفضّة وغير ذلك ـ فأيّ منافاة يعقل بينه وبين اشتراطه في حدوثه وبقائه به ، وهل يعقل أن يكون لوجوب الإعدام في الأمثلة إطلاق (١) بالنسبة إلى حالتي وجود الموضوع في حدوثه أو بقائه.

وكيف كان فقد عرفت أنّه لا أثر للاشتراط في البقاء وعدمه فيما نحن بصدده أصلا (٢) ، وقد استطردنا توضيحه.

وإنّما الذي يبتني عليه جريان البراءة (٣) في الشبهات‌

__________________

(١) الظاهر أنّ المراد أن وجوب إعدام الموضوع في الأمثلة المتقدمة لا يعقل له إطلاق كي يقتضي وجوب إحداثه وإبقاء الحادث ، ليتحقق التنافي بينه وبين اشتراط حرمة السجود ـ مثلا ـ بحدوثه وبقائه ، ضرورة التهافت بين وجوب إعدامه ووجوب إحداثه وحفظه ، بل وجوب الإعدام أيضا كحرمة السجود مشروط بحدوث الموضوع وبقائه ، فإذا وجد بنفسه وكان له بقاء وجب إعدامه وحرم السجود له ما دام باقيا.

(٢) أشار 1 إلى ذلك سابقا بعد الفراغ عن إثبات انحلال القسم الرابع من التكاليف إلى أحكام خاصة لموضوعات كذلك واشتراط كلّ منها ـ خطابا وملاكا ـ بوجود شخص موضوعه ، وأفاد أنّ القدر الذي يقتضيه هذا الاشتراط هو اشتراطه به حدوثا ، أما اشتراطه به في مرحلة البقاء أيضا وعدمه فأجنبيّ عما يقتضيه ذلك ، ويتساوى وجوده لعدمه فيما نحن بصدده ـ كما سيأتي بيانه ـ ، ولأجله كان البحث عنه استطراديا.

(٣) بيان لما نحن بصدده وتعليل لكون مسألة البقاء أجنبيّة عنه ،


الموضوعية الوجوبية والتحريمية هو الانحلال المتقدّم توضيحه واشتراط كلّ من الخطابات التفصيلية المنحلّة إليها تلك الكبرى بوجود موضوعه في حدوثه ، على كلّ من تقديري الاشتراط في البقاء أيضا وعدمه.

فنتيجة الأمر الأوّل (١) هي دوران تنجّز التكليف في هذا القسم مدار العلم بآحاد تلك الخطابات التفصيليّة المذكورة ، لأنّها هي التكاليف الفعليّة والبعث والزجر المتوجّه إلى المكلف ، وأمّا نفس الكبرى فليس العلم بها إلاّ علما بخطاب مشروط (٢) يتوقف فعليّته‌

__________________

ومحصّله : أنّ الذي نحن بصدده هو جريان البراءة في الشبهات الموضوعيّة لهذا القسم ، وهذا إنما يبتني على الانحلال واشتراط كلّ من الخطابات التفصيليّة بوجود موضوعه حدوثا ، إذ يكون الشك في حدوثه شكا في التكليف مجرى للبراءة ، ولا أثر للاشتراط به بقاء وعدمه في ذلك ـ كما لا يخفى.

(١) أشار 1 آنفا إلى الأمرين بقوله : ( الانحلال المتقدم توضيحه واشتراط. إلخ ) ، ومرّ تفصيلهما في ابتداء البحث عن القسم الرابع ، وهذا الكلام عود إلى أصل المطلب الذي كان 1 بصدد تحقيقه ، هذا.

والوجه في أنّ نتيجة الأمر الأوّل هو دوران تنجز التكليف مدار العلم بآحاد الخطابات التفصيلية المنحلّ إليها وعدم كفاية العلم بالكبرى المنحلّة هو ما أشير إليه في المتن من أنّ الخطابات المنحلّ إليها هي الأحكام الفعليّة المتوجّهة إلى المكلفين ، وبضميمة أنّ التنجز يدور مدار العلم بالحكم الفعلي ينتج دوران التنجز مدار العلم بتلك الخطابات.

(٢) فإنّها حكم كليّ مجعول على موضوعه المقدّر وجوده ، وقد عرفت أنّ‌


على وجود شرطه كوجوب الحجّ على المستطيع ـ مثلا ـ ونحو ذلك.

ونتيجة الأمر الثاني (١) هي توقّف العلم بكلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة على العلم بشخص موضوعه ، ورجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في البعث أو الزجر المجعول على تقديره ـ كما في الشكّ في الاستطاعة ونحوها ـ ، فكما أنّ نفس تلك الكبرى ـ كوجوب قضاء الفريضة الفائتة مثلا أو حرمة شرب الخمر ونحو ذلك ـ ليست بنفسها تكليفا متوجّها بالفعل إلى المكلف ، ولا بعثا أو زجرا فعليا له إلاّ بعد انضمام الصغرى إليها وبمقداره (٢) ، فكذلك‌

__________________

مقتضاه الاشتراط ، فهي ليست إلاّ حكما شأنيّا مشروطا فعليّته بوجود موضوعه ، فالعلم بها وحدها لا يؤثر في تنجز التكليف.

(١) وهو اشتراط فعليّة كلّ من الخطابات التفصيلية بوجود شخص موضوعه ، والوجه في إنتاجه توقف العلم بفعلية كلّ من تلك الخطابات ـ الذي عرفت آنفا أن التنجّز يدور مداره ـ على العلم بوجود شخص الموضوع واضح ، فإنّ مقتضى اشتراط شي‌ء بشي‌ء وإناطته به استلزام العلم بالثاني العلم بالأوّل وكشفه عنه إنّا ، وإذ لا سبيل إلى استكشاف فعلية الخطاب إلاّ بالعلم بتحقق موضوعه خارجا فلا محالة يتوقّف العلم بها على العلم به ، فمع الشك فيه تكون هي مشكوكا فيها أيضا ومجرى للبراءة ، هذا. والمتحصّل من النتيجتين المتقدّمتين أن العلم بوجود الموضوع يستلزم أمرين متلازمين العلم بالخطاب الفعلي وتنجّزه ، فإذا شكّ في وجوده فلا علم بالخطاب الفعلي ولا تنجّز.

(٢) أي بمقدار الانضمام وبعدده ، إذ تتعدّد التكاليف المتوجهة بالفعل إلى‌


العلم بها أيضا ـ حذو النعل بالنعل.

وبالجملة فيجري آحاد تلك الخطابات التفصيلية التي عرفت أنّها التكاليف المتوجهة إلى المكلّفين مجرى النتيجة المتحصّلة في نفس الأمر من انضمام صغرى خارجيّة إلى كبرى شرعيّة ـ كما هو الشأن في جميع شرائط التكليف (١) ـ ، وكما أنّ تحقق تلك النتيجة في نفس الأمر يتوقّف على انضمام الأمرين ، فكذلك العلم بها أيضا يتوقف على العلم بالمقدّمتين ، ولا يعقل أن يكون العلم بالكبرى وحدها علما بالنتيجة أو منجزا لها مع عدم العلم بها (٢) ، وإلاّ لزم‌

__________________

المكلفين بتعدّد صغريات الموضوع المنضمّة إلى الكبرى ، وهكذا في مرحلة التنجّز تتعدّد التكاليف المتنجّزة بتعدّد العلم بالصغريات المنضمّ إلى العلم بالكبرى.

(١) المراد بها ما يقابل الموضوع ذا الأفراد المقدّرة الوجود ـ الذي به امتاز القسم الرابع عن الأقسام الثلاثة الأول المتقدّمة ـ ، فإنّ شرائط التكليف مشترك فيها بين جميع الأقسام الأربعة ، ولا أقلّ من الشرائط العامة ، وفعلية كلّ تكليف نتيجة متحصّلة من انضمام صغرى تلك الشرائط إلى الكبرى الشرعية ، وتنجزه نتيجة مترتبة على العلم بالأمرين ، هذا وفي عبارة المتن إشارة إلى أنّ صغرويّة تحقّق الموضوع في القسم الرابع إنما هي بملاك صغرويّة تحقّق شرط التكليف في جميع أقسامه ، لما مرّ تحقيقه من اقتضاء الموضوعية في هذا القسم للاشتراط.

(٢) قيد المعيّة راجع إلى الثاني خاصة أعني منجزا ، وضميرا التأنيث راجعان إلى النتيجة.


التعدي (١) إلى كلّ خطاب مشروط مع الشكّ في حصول شرطه ، وكان خروجا عمّا يستقلّ العقل به من قبح العقاب على المجهول.

وقد انقدح ممّا حرّرنا المقام به أنّ انطباق عنوان الموضوع على ما يشكّ كونه مصداقا له من باب المقدّمة الوجوبية (٢) ، وأنّ حديث (٣) المقدّمة العلميّة المتكرّر ذكره والاستشكال‌

__________________

(١) أي التعدي من الأحكام المجعولة على موضوعاتها المقدّر وجودها ـ كما في القسم الرابع ـ إلى كلّ حكم مشروط ، فيشمل سائر الأقسام ، وجه اللزوم أنّه لا خصوصيّة للقسم الرابع تقتضي كفاية العلم بكبراه في العلم بالنتيجة وتنجز خطابه ـ وإن لم ينضم إليه العلم بتحقّق موضوعه صغرى ـ ، فلو كفى فبملاك الكفاية في الخطاب المشروط ـ وإن لم يعلم بحصول شرطه صغرى ـ ، وهذا ممّا يستقل العقل بخلافه ، فإنّه مستقل بقبح العقاب على المجهول ، والتكليف المعلوم كبراه فقط ـ من دون العلم بصغراه وبحصول شرائطه والمفروض توقّف فعليّته على تحقّقها ـ مجهول الفعلية ، فكيف يتنجّز ويعاقب عليه.

(٢) التي يعبّر عنها بشرط الوجوب وشرط التكليف أيضا ، فإذا كان عنوان الموضوع منطبقا في نفس الأمر على المشكوك وكان هو فردا منه ـ بحسب الواقع وإن لم يعلم به ـ فقد تحقّق أحد شروط التكليف ومقدّماته واقعا ، وقد مرّ أنّ قضية الموضوعيّة هو الاشتراط.

(٣) وهو أن التكليف إذا تعلّق بكليّ ذي أفراد معلومة ومشكوكة وجب الاحتياط بمراعاة التكليف بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة أيضا من باب المقدمة العلمية ، لتوقف العلم بالامتثال بالنسبة إلى الأفراد الواقعيّة على‌


به (١) في كلمات شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ نوّر ضريحه ـ في كلا بابي الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة والتحريميّة أجنبيّ عنه (٢) بالكليّة ، ولا يخفى أنّ ما أفاده 1 في دفعه يوهم بظاهره دعوى اختصاص الحكم الواقعي بالمصاديق المعلومة (٣) ، لكن لمنافاته لما هو المعلوم من مسلكه (٤) فينبغي إرجاعه إلى ما‌

__________________

ذلك ، ولا مجال لقاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ) نظرا إلى ورود البيان الشرعي بالنسبة إلى الحكم الكبروي.

(١) أي ذكره بعنوان الإشكال على جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية.

(٢) أي عن الانطباق المذكور الذي عرفت أنّه من باب المقدّمة الوجوبية ، وذلك لأنّ المقدمة الوجوبية هو وجود المصداق الواقعي لموضوع الوجوب ـ كالعقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء به ـ وإن كان مجهولا لدى المكلف ، والذي هو مقدمة علمية هو إلحاق المصداق المشكوك بالمعلوم في مقام الامتثال تحصيلا للعلم بالامتثال ، وأين أحدهما من الآخر.

(٣) قال 1 في باب الشبهة الموضوعية التحريمية : ( إن النهي عن الخمر ـ مثلا ـ يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا أو إجمالا ، وأما الأفراد المشكوكة فلم يعلم من النهي تحريمه ، وليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرّم يحسن العقاب عليه ، وأظهر منه قوله 1 في الشبهة الوجوبية : ( إن قوله « اقض ما فات » يوجب العلم التفصيلي بوجوب قضاء ما علم فوته وهو الأقل ، ولا يدلّ أصلا على وجوب ما شكّ في فوته. ثم قال :

فالأمر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضي إلاّ وجوب المعلوم فواته إلخ ).

(٤) فقد صرّح 1 في أوائل مبحث القطع من فرائده بأنّ أحكام الخمر إنما‌


أوضحناه (١).

فهذا (٢) هو محصّل الفارق بين ما يلحقه شرطيّة أخرى انحلالية من ناحية تعلّقه بالموضوع الخارجيّ ، ويكون كالجزء الأخير من شرائط التكليف (٣) ـ كما هو مرجع هذا القسم الأخير ـ وما ينتفي ذلك فيه ـ كما في بقيّة الأقسام ـ ، وتحصّل منه (٤) أنّ مرجع كلّ ممّا أخذ شرطا للتكليف أو موضوعا له على نهج القضايا الحقيقيّة إلى الآخر ، لما عرفت من أنّ عقد الوضع في تلك القضايا‌

__________________

تثبت للخمر لا لما علم أنّه خمر ، وقال 1 بعد ذلك في مطاوي كلماته : ( بناء على أن الحرمة والنجاسة الواقعيتين إنما تعرضان مواردهما بشرط العلم لا في نفس الأمر ـ كما هو قول بعض ـ).

(١) من أنّ فعلية التكليف الواقعي تدور مدار تحقّق موضوعه واقعا ـ علم به أم لا ـ وتنجزه يدور ـ بعد العلم بالكبرى ـ مدار العلم بتحقق الموضوع ، فإذا شك في تحققه كان شكا في التكليف مجرى للبراءة. إذن فتنجزه هو المختص بالمصاديق المعلومة دون أصل فعليته.

(٢) أشار 1 بلفظ الإشارة هذا إلى ما استوفى بحثه وأكمل أشواطه بما لا مزيد عليه من بيان الفارق المنظور بين القسم الرابع وسائر الأقسام ، وهو تضمن القسم الرابع شرطية انحلالية ناشئة من تعلّقه بموضوع خارجي ذي أفراد مقدّرة الوجود بلحاظ مطلق وجوده ، وعدم تضمن سائر الأقسام لها ، لعدم تعلّقها بموضوع كذلك ، فهذا الكلام منه 1 استنتاج من جميع ما تقدم ، واستخلاص منه.

(٣) قد مرّ الوجه في ذلك عند تعرّضه 1 له سابقا.

(٤) مرجع الضمير بعينه هو المشار إليه باسم الإشارة آنفا.


يتضمّن الاشتراط (١) ، ومآل كلّ اشتراط إلى الموضوعية.

وقد تبيّن من ذلك أنّ ضابط رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في التكليف هو رجوعها إلى الشكّ فيما يستتبع التكليف ، وقد عرفت انحصاره (٢) بما كان شرطا أو موضوعا له ، وضابط رجوعها إلى الشكّ في الامتثال هو رجوعها إلى الشكّ في تحقق (٣) الفعل أو الترك المطالب به بعد العلم بالطلب به ـ ولو لتردّد موضوعه بين المتباينين ، أو محصّله بين الأمرين (٤) ـ ، ويلحق الشكّ فيما‌

__________________

(١) مرّ شرح هذا وما بعده سابقا ، فلا وجه للإعادة.

(٢) أي : انحصار ما يستتبع التكليف ويدور فعليّته مداره في الشرط والموضوع المختلفين اصطلاحا والمتحدين مآلا ، وقد تبيّن من التفاصيل المتقدمة حول الأقسام أن الشبهة المصداقية الراجعة إلى الشك في التكليف ناشئة من الشك في حصول الشرط في كل من الأقسام الأربعة ، ومن الشك في وجود الموضوع في خصوص القسم الرابع ، وأنّه في القسم الثالث لمّا كان مرجع الشك في تحقّق موضوعه إلى الشك في القدرة اختصّ إلحاقها بسائر الشرائط في جريان البراءة من دون فحص بما إذا كانت شرعيّة لا مطلقا.

(٣) فيكون شكا في الامتثال بعد ثبوت التكليف وتنجزه بالعلم به تفصيلا أو إجمالا ، والمرجع فيه قاعدة الاشتغال.

(٤) فإنّ الشك في تحقق المطلوب بعد العلم بطلبه ينشأ تارة من الشك في أصل صدوره من المكلّف ، وأخرى من تردّد موضوعه بين المتباينين ، كما إذا تردّد الخمر المعلوم بالإجمال بين إنائين ، فيشكّ في تحقّق الترك المعلوم طلبه إن لم يتركهما جميعا ، وثالثة من تردّد محصّله بين الأمرين ،


يوجب السقوط القهريّ (١) ـ للعجز مثلا ، أو الاضطرار ، أو الحرج الرافع للتكليف ، أو قيام الغير به ، أو ذهاب الموضوع ، وغير ذلك ـ بالشكّ في المسقط الاختياريّ (٢) في عدم جواز القناعة‌

__________________

كما إذا تردّد الوضوء المحصّل للطهارة بين أمرين ، والجامع هو الشك في المسقط الاختياري ، وقد تقدّم أن الشبهة المصداقية في بعض صور القسم الأوّل شكّ في المحصّل ، وفي بعض صور القسم الثاني من قبيل المعلوم بالإجمال المتردّد بين متباينين ، وفي بعض صوره الآخر من قبيل التردّد بين الأقلّ والأكثر الراجع إلى الشك في الامتثال ، كما تقدم وأشرنا آنفا إلى تفصيل في القسم الثالث ، فليراجع.

(١) بأن يشك في تحقّق أحد المسقطات القهرية وعدمه.

(٢) فإن قلت : الإلحاق إنما يتم فيما إذا شكّ في طروّ المسقط القهريّ بعد ثبوت التكليف ، أما إذا شكّ في وجوده من حين توجه التكليف إليه كما إذا احتمل حرجية الصوم عليه من قبل حلول شهر رمضان ـ مثلا ـ فهو من الشك في ثبوت التكليف لا في سقوطه ، والمرجع فيه البراءة ، إذ لا فرق في ذلك بين ما كان ناشئا من الشك في تحقق موضوع التكليف أو شرطه أو من الشك في وجود المانع عن فعليته ـ كما في المقام.

قلت : ـ مع الغضّ عن جريان الأصل الموضوعي ـ استصحاب عدم المانع ـ في كثير من موارده ـ فالشك في طروّه إنّما يستتبع الشك في توجّه الخطاب ، لا في فعلية الملاك ، فحكمه حكم الشك في القدرة العقلية ، وقد تقدّم أنّ العلم بإطلاق الملاك الفعلي في موارد الشك في القدرة العقلية يلازم العلم بعدم المعذورية على فرض المقدورية الواقعية ، ومنه يظهر اختصاص العجز المعدود في المتن من المسقطات القهرية بالعجز المقابل للقدرة العقلية دون الشرعية.


باحتماله (١) ، وإن اختلفت النتيجة (٢) في وجوب الفحص أو الاحتياط أو التخيير بينهما ـ كما لا يخفى.

وإذ لا خفاء في صلاحية القيود (٣) أيضا للانقسام إلى الأقسام‌

__________________

(١) إذ لا يكفي احتمال طروّ المسقط في الاندراج في مجاري البراءة اختياريا كان أم قهريا.

(٢) يعني أن المسقطات وإن شارك بعضها بعضا في عدم جواز القناعة باحتمالها لكن النتيجة بحسب الموارد مختلفة ، فقد تكون النتيجة تعيّن الفحص كما في الشك في العجز ، والاضطرار ، وذهاب الموضوع ، وأخرى التخيير بينه وبين الاحتياط كما في موارد العلم الإجمالي ، والشك في المحصل ، والحرج ، وقيام الغير ، وثالثة تعيّن الاحتياط كما في الموارد المذكورة إذا تعذر الفحص. وقد سبق منه 1 في ذيل البحث عن شرطية القدرة تصريحه بأنّ المناط المطّرد في جميع موارد وجوب الفحص أو الاحتياط هو ثبوت عدم المعذورية على تقدير المصادفة الواقعية ، فليراجع.

(٣) بعد ما فرغ 1 من البحث عن تصوير الأقسام الأربعة في التكاليف النفسية ، وبيان الضابط لتنجز كلّ منها ، والشبهات المصداقية المتصوّرة فيه ، تطرّق إلى البحث عمّا هو المعقود له هذه الرسالة والمقصود فيها بالأصالة ، وهي التكاليف الشرطية من القيود الوجودية ـ الواجب الشرطي ـ والعدمية ـ الحرام الشرطي ـ التي تقيّد بها المطلوبات النفسية ، فادّعى وضوح صلاحيّتها للانقسام إلى الأقسام الأربعة ، نظرا إلى وضوح أنّ كلّ ما يصلح لأن يتعلّق به التكليف النفسي بأيّ من أقسامه صالح لأن يؤخذ قيدا ومتعلقا للتكليف الشرطي وجودا أو عدما كاستقبال القبلة‌


الأربعة المذكورة كالنفسيّات ، وكون القيديّة من حيث نفسها قابلة للإطلاق تارة وللاشتراط اخرى (١) ، فيطّرد فيها ما حرّرناه ضابطا لتنجّز الأقسام ، ومعيارا لرجوع الشبهة إلى الشكّ في التكليف أو الامتثال ، فكلّما كانت القيدية (٢) ، مشروطة بشرط أو كانت انحلاليّة مترتّبة آحادها (٣) على أشخاص موضوعها وشكّ فيها من جهة الشكّ في تحقّق شرطها أو موضوعها فمرجع هذه الشبهة المصداقيّة إلى‌

__________________

وهو من القسم الثاني ـ المأخوذ قيدا في الصلاة ، وكالوضوء بالماء ـ وهو من القسم الثالث ـ المأخوذ كذلك ، وهكذا.

(١) كما في النفسيات ، فالقيدية تارة مطلقة ، وأخرى مشروطة بشرط وإن كان لأجل تعلّقها بموضوع ذي أفراد بنحو الانحلال ـ الذي عرفت أوله إليه ـ ، ونتيجة الفرق بينهما أنّها إذا كانت مشروطة بشرط فيسقط عن القيدية مع انتفاء الشرط ـ كالطهور المقيّد به الصلاة إذا فرض اشتراط قيديته بالقدرة ـ ، فإنّه لا قيديّة له مع العجز عنه ، فتجب الصلاة حينئذ بلا طهور. أمّا إذا كانت مطلقة من هذه الجهة ـ كما إذا فرض الطهور كذلك ـ كانت قيديته للصلاة محفوظة في حالتي القدرة عليه والعجز عنه ، فمع العجز تسقط الصلاة رأسا للعجز عنها ، فإنّ العجز عن القيد عجز عن المقيّد.

(٢) بيان لما هو الضابط الكلّي الإجمالي لرجوع الشبهة إلى الشك في التكليف أو الامتثال بالنسبة إلى القيود.

(٣) أي : مشروطة آحاد تلك القيديّة المنحلّة إليها بوجود الأشخاص ، وستعرف اختصاص ذلك بالقيود العدمية ، وهذا إشارة إلى ما تقدّم من رجوع الموضوعية في القضايا الحقيقيّة الانحلاليّة إلى الشرطيّة.


الشكّ في تقيّد المطلوب بقيد زائد (١) ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ والأكثر ، وفيما عدا ذلك (٢) يرجع الشبهة المصداقية إلى الشكّ في تحقق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به.

وإذ قد تمهّد ذلك فلا يخفى أنّ (٣) القيود الوجودية لكونها راجعة بأسرها إلى أحد الأقسام الثلاثة الأول (٤) ، ولا مجال لأن تكون‌

__________________

(١) لأنّ الشك في تحقّق شرط القيدية أو موضوعها ـ شبهة مصداقية ـ يستتبع الشك في القيدية نفسها ، حذو ما تقدّم من أن الشك في تحقّق شرط التكليف أو موضوعه يستتبع الشك في التكليف ، إذن فيشك في تقيّد المطلوب النفسي بهذا القيد زائدا على القيود المعلومة ، فيكون من تردّد متعلق التكليف بين الأقل والأكثر الارتباطيّين الناشئ من شبهة مصداقية.

(٢) وهي القيود المتنجّزة المعلومة قيديّتها كبرى وصغرى كالقيود المطلقة والمشروطة بشرط معلوم التحقّق والمتعلّقة بموضوع معلوم الوجود ، فإذا شك في شي‌ء منها مصداقا كان من الشك في الامتثال ، ومرجعه هنا إلى الشك في تحقّق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به ، حذو رجوعه في التكاليف النفسية إلى الشك في تحقّق الفعل أو الترك المعلوم طلبه.

(٣) تفصيل للضابط الإجمالي المتقدم ، وتطبيق له على الأقسام الأربعة بالنسبة إلى كلّ من القيود الوجودية والعدمية.

(٤) وليمثّل من قيود الصلاة الوجودية للقسم الأوّل بشرطية الطمأنينة لأفعالها ، والقيام للقراءة ، والجلوس للتشهّد والسلام ، وللقسم الثاني‌


انحلاليّة (١) ، وإلاّ تعذّر امتثالها (٢) ، فمرجع شبهاتها المصداقية (٣) عند إطلاق التقييد بها (٤) إلى الشكّ في الامتثال ، ولو كان مشروطا بما‌

__________________

بشرطية الوقت ، واستقبال القبلة ، وستر العورة ، وطهارة البدن واللباس ، وللقسم الثالث بشرطيّة الطهور بالماء أو التراب ، وشرطية كون الساتر لباسا.

(١) يعني أنّه إذا كان القيد الوجودي متعلقا بموضوع ذي أفراد ـ كالمثالين الأخيرين الآنفين ـ فلا مجال إلاّ لأن يؤخذ بلحاظ صرف وجوده على نحو القسم الثالث ، لا انحلاليا وبلحاظ مطلق وجوده على نحو القسم الرابع.

(٢) فإنّ مقتضى الانحلال تقيّد المطلوب بالقيد المتعلق بالموضوع بلحاظ جميع أفراده ، وهذا في الوجودي ـ مضافا إلى أنّه لا يقتضيه الملاك ـ خارج عن قدرة المكلف ، وكيف يمكنه الوضوء ـ مثلا ـ بجميع ما يجوز له التصرف فيه من المياه ، أو الستر بجميع ما يملكه من الملابس ، ولا يلزم مثل ذلك في الواجبات النفسية كوجوب الوفاء بالعقد ، ووجوب ردّ السلام ، ونظائرهما ـ كما هو واضح بالتأمل.

(٣) يعني أنّه إذ ثبت انحصار ما يتصوّر من القيود الوجودية في الأقسام الثلاثة الأول فلا يتصور فيها شبهة مصداقية ناشئة من الشك في تحقق موضوعها ، بخلاف القيود العدمية ـ كما ستعرف ـ ، إذن فينحصر شبهاتها المصداقية في صورتين : ما إذا كانت القيدية مطلقة وشك في تحقّق القيد لدى الامتثال ، فيرجع إلى الشك في الامتثال ، وما إذا كانت مشروطة وشك في تحقّق شرطها خارجا ، فإنه يستتبع الشك في تقيّد المطلوب بقيد زائد ، ويندرج في تردّد متعلق التكليف من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

(٤) هذه هي الصورة الأولى الآنفة الذكر.


يشكّ في تحقّقه (١) ـ كما لو تردّدت المرأة في وجوب ستر رأسها في الصلاة (٢) من جهة الشكّ في حريّة نفسها ولم يكن في البين ما يحرز إحدى الحالتين (٣) ، ونحو ذلك ـ كان من تردّد الواجب من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر.

وأمّا القيود العدميّة فحال ما كان راجعا منها إلى أحد القسمين الأوّلين (٤) هو بعينه حال القيود الوجودية فيما ذكر (٥) ـ على كلام فيما يرجع منها إلى القسم الثاني إذا شكّ فيه من جهة الشكّ في سعة موضوعه كما تقدّم (٦) ـ ، ويأتي مزيد توضيح له في تنبيهات‌

__________________

(١) وهي الصورة الثانية.

(٢) فإنّ الواجب عليها الصلاة المقيّدة بستر الرأس إن كانت حرّة ، فإذا شكّت في حرية نفسها فمرجعه إلى الشك في تقيّد صلاتها بهذا القيد ـ زائدا على القيود المعلومة. هذا ، ولا يخفى أن الشبهة المبحوث عنها تكون من هذا القبيل بناء على القول بشرطية المأكولية واختصاص هذه الشرطية بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ، وسيأتي ذكره في أواخر البحث الصغرويّ الآتي.

(٣) الحريّة والرقيّة من استصحاب ونحوه.

(٤) ويمكن أن يمثّل للقسم الأوّل في الصلاة بترك التكلم والقهقهة والبكاء فيها ، وللقسم الثاني بترك الالتفات عن القبلة أثناءها.

(٥) وهو ما ذكر آنفا من الصورتين للشبهة المصداقية للقيود الوجودية.

(٦) تقدم عند البحث عند الأقسام الأربعة أنّه في القسم الثاني قد يشك في مقدار الموضوع الخارجي الذي تعلّق به متعلق التكليف سعة وضيقا‌


الرسالة (١) ( إن شاء الله تعالى ) ، وقد تبيّن حال ما يرجع منها إلى القسم الثالث أيضا ممّا تقدّم (٢).

وإنّما الكلام فيما (٣) إذا كان العنوان المأخوذ عدمه قيدا للمطلوب ـ كالوقوع في غير المأكول ونحوه (٤) ـ ممّا يتعلّق (٥) بموضوع خارجيّ يتوقّف تحقّق المطلوب على انتفاء مجموع وجوداته ، والبحث فيه يقع :

تارة في الصغرى ، وأنّ القيد العدميّ المنتزعة عنه مانعيّة هذه‌

__________________

كالموقف في عرفات والمشعر الحرام إذا تردّد بين الأقل والأكثر ، وقد تقدّم منه 1 تحقيق الحال فيه ، وأن المتجه التفصيل في رجوع هذه الشبهة إلى الشك في الامتثال أو التكليف بين الوجوبية والتحريمية.

(١) وذلك في التنبيه الثالث منها.

(٢) تقدّم منه 1 عند تصوير الأقسام أن القسم الثالث غير متصوّر في التكاليف العدمية ، إذ لا يعقل أخذ موضوع التكليف العدمي بلحاظ صرف وجوده ، بل يتعيّن أخذه بلحاظ مطلق وجوده ، وقد مرّ وجهه هناك ، ولا يخفى اطراد مناطه في التكاليف العدميّة القيديّة وعدم اختصاصه بالنفسيات.

(٣) وهذا هو القسم الرابع من القيود ، وقد عرفت اختصاصه بالعدميّة ، ولا يخفى أن اندراج هذه الموارد في القسم الرابع مبنيّ على ثبوت الانحلال فيها صغرويا ، وهو ما يتكفّله المبحث الأوّل الآتي.

(٤) كالميتة والنجس والحرير والذهب.

(٥) المراد بالموصول هو العنوان الذي قيّد المطلوب بعدمه كالوقوع ـ أي وقوع الصلاة ـ المتعلق بغير المأكول ونحوه.


الأمور (١) هل هو (٢) من الانحلاليّات المتعدّدة بتعدّد أشخاص موضوعاتها ، فيترتّب على مصداقيّة كلّ واحد من مصاديقه الخارجيّة تقيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، ويرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في القيديّة المترتبة عليها ـ لا محالة ـ ، ويؤول الأمر حينئذ إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ والأكثر ، أو أنّها إنّما تنتزع عن قيديّة عنوان بسيط ، ونعت عدميّ مساوق لمحمول المعدولة (٣) ، ويجري ذلك العنوان مجرى المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها ، والتحرّز عن مجموع وجودات الموضوع مجرى محصّلاتها ، فيكون ما قيّد المطلوب به عنوانا بسيطا لا تعلّق له بالموضوع الخارجيّ أصلا (٤) ، ولا يتعدّد‌

__________________

(١) وهي غير المأكول ونحوه ، فإنّ مانعيّتها منتزعة من تقيّد الصلاة بعدم الوقوع فيها.

(٢) مرّ توضيح هذين الوجهين في المقدمة الاولى من مقدّمتي المقام الأوّل المعقود لتنقيح رجوع الشبهة المصداقية فيما نحن بصدده إلى التردّد بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، واندراجها في مجاري البراءة.

(٣) وهو الذي أخذ حرف النفي جزءا لموضوعه أو لمحموله أو لهما ، نحو : زيد لا شارب أو غير شارب الخمر ، فيصبح نعتا عدميا بسيطا منتزعا من تركه شرب جميع الأفراد ، متحصّلا منها ، ويمكن التعبير عنه في المقام بمثل قولنا : صلّ صلاة غير واقعة في غير المأكول ، أو صلّ وأنت غير لابس أو غير حامل لغير المأكول ونحو ذلك.

(٤) فإنّ النعت المذكور عنوان انتزاعيّ عقليّ ومفهوم ذهنيّ لا تحقّق له إلاّ‌


بتعدّد وجوداته ، وما يقبل التعدّد بذلك ويتردّد من جهة الشبهة المصداقيّة بين الأقل والأكثر هو محصّله الخارجيّ الذي بمعزل عن جريان البراءة فيه.

وأخرى في الكبرى ، وأنّه لو ترتّبت قيديّة قيد (١) على موضوع خارجيّ لمكان الاشتراط أو الموضوعيّة (٢) ، وقد شكّ فيها من جهة الشكّ في موضوعها ، وتردّد متعلّق التكليف من هذه الجهة بين الأقلّ والأكثر فهل تقصر أدلّة البراءة بعد الفراغ عن جريانها في الارتباطيات عن شمولها للمقام ، أو أنّه ـ بعد الفراغ عن عدم كون الارتباطيّة (٣) موجبة لتنجّز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها ـ فحال الشبهات الموضوعية في الارتباطيات كحالها في النفسيات ، وكما‌

__________________

في وعاء الذهن ، ومثله لا يمكن تعلّقه بموضوع خارج عن وعائه ، ولا تعدّده بتعدّد محصّله ومنشأ انتزاعه في الخارج عن هذا الوعاء ، ولا ينافي ذلك ذكر متعلق له في العبارة الحاكية عنه ـ كالخمر في المثال ـ ، فإنّه إنما يذكر لبيان حدود ذلك العنوان البسيط وخصوصياته.

(١) يعني : لو ثبت بحسب الصغرى كون القيد العدمي في محل البحث انحلاليا بتعدّد بتعدّد أشخاص موضوعه ، ويترتّب على وجود كلّ منها قيديّته للمطلوب ، لا عنوانا بسيطا وحدانيا ، فيقع الكلام في الكبرى ، وأن كلّ ما هو كذلك إذا شكّ في قيديّته من جهة الشك في تحقق موضوعه فهل تشملها أدلة البراءة كما تشمل الشك في النفسيات من جهة الشبهة الموضوعية ، أو أنها قاصرة الشمول لها.

(٢) أمّا الموضوعية فحقيقة ، وأمّا الاشتراط فمآلا ـ كما تقدم.

(٣) مرّ تفصيله في المقدمة الاولى من مقدّمتي المقام الأوّل.


لم يكن دليل البراءة قاصرا عن الشمول لها فكذلك المقام أيضا ـ حذو النعل بالنعل. وإذ قد عرفت ذلك فينبغي أن نحرّر كلاّ من الأمرين في مبحث برأسه :

المبحث الأوّل : ـ في تنقيح الصغرى.

وينبغي تقديم أمور :

الأوّل : أنّهم عرّفوا المانع بأنّه الأمر الوجوديّ المتوقّف وجود المعلول على عدمه ، وقد تقدّم بعض الكلام في توضيح هذا التوقف (١) ، وهذا التعريف يعمّ المانع الشرعي أيضا كالعقلي ، لما عرفت أنّ مانعيّته عن الملاك تكوينيّة (٢) ـ حذو سائر الموانع التكوينيّة ـ من غير فرق بين باب الأسباب ومتعلقات التكاليف ، لتقيّده (٣) بعدم ما يخرجه عن الانطباق على ملاكه ، وتنتزع مانعيّته‌

__________________

(١) تقدّم ذلك في أوائل الأمر الثالث المعقود لإثبات المانعية فيما نحن فيه ونفي الشرطية ، وأفاد 1 هناك أن مناط مانعيّة المانع هو دفعه لتأثير المقتضي في المعلول ، وأنّه بهذا الاعتبار عدّ عدم المانع من أجزاء العلة.

(٢) عرفت ذلك في الموضع الآنف الذكر ، حيث أفاد 1 أن مانعية المانع ـ حذو شرطية الشرط ـ وإن كانت منتزعة عن تقييد متعلق الحكم أو موضوعه بعدمه ، لكن لمّا كان دخله في ملاك الحكم ـ على مذهب العدلية ـ ناشئا عن توقّفه على عدمه ـ توقّف كلّ معلول تكويني على عدم مانعه ـ فبهذا الاعتبار يكون مرجع المانع التشريعي إلى المانع التكويني ، ويحكم عليه بأحكامه.

(٣) أي تقيّد متعلّق الحكم أو موضوعه بعدم المانع المخرج له عن الانطباق على ملاكه ، وتنتزع مانعيته عن هذا التقيّد.


عن ذلك ، لكنّه في أبواب الأسباب (١) يوجب انتفاء المسبّب الشرعي الذي قيّد سببه بعدم تلك الخصوصيّة ، وفي متعلقات التكاليف يوجب خروج الفرد المتخصّص بها عن الانطباق على المطلوب ، ويعبّر عنه (٢) بالفساد ـ كما تقدّم (٣).

الثاني : لو تركّب متعلّق التكليف ـ كالصلاة مثلا ـ من أجزاء وقيود وجوديّة وعدميّة فتركيب أجزائه ، ثمّ (٤) تقييدها بالقيود الوجوديّة ، ثمّ العدميّة وإن كان متقدّما في الرتبة (٥) على تعلّق الطلب به ـ لا محالة ـ ، لكن حيث إنّه مجرّد اعتبار تصوّري في تلك الرتبة (٦) ، ولا يوجد مجعول شرعيّ (٧) بذلك إلاّ بعد تعلّق الطلب به ،

__________________

(١) المراد بها أبواب الموضوعات الشرعيّة المعلّقة عليها الأحكام الوضعية والتكليفية.

(٢) أي : عن خروج الفرد عن الانطباق على المطلوب.

(٣) تقدّم ذكر معنى الفساد في الأمر الثالث ـ المعقود لإثبات المانعية ـ لدى التكلم عن مقام الإثبات.

(٤) دلّ 1 بالعطف بـ ( ثمّ ) على أن هناك ترتيبا بين الأمور الثلاثة في التصوّر واللحاظ ، فإنّ تقييد شي‌ء بشي‌ء متأخر رتبة عن لحاظ ذات المقيّد ـ بما له من الأجزاء ـ ، كما أن التقييد بالعدم متأخر كذلك عن التقييد بالوجود ، لأن الأوّل ينتزع عنه المانعية ، والثاني الشرطية ، وقد سبق تأخّر رتبة المانع عن الشرط.

(٥) لتقدّم الموضوع على الحكم رتبة.

(٦) وهي الرتبة المتقدمة على تعلق الطلب به.

(٧) هذا الكلام وكذا ما يأتي منه 1 من قوله : ( وقد اتضح فساد القول‌


فمن هنا (١) كانت الجزئية والشرطيّة والمانعيّة منتزعة في متعلّقات التكاليف عن تعلّق التكليف بها ، وفي أبواب الأسباب عن جعل المسبّبات الشرعيّة الوضعيّة أو التكليفية على تقديرها (٢) ، وتنتزع‌

__________________

بجعل الماهيات مطلقا ) تصريح منه 1 بنفي كون الماهيات المخترعة والمركبات الاعتبارية الشرعية مجعولات شرعية مطلقا ، فضلا عن كونها من مقولة الأحكام ، خلافا لما هو ظاهر الشهيد 1 في قواعده ، حيث عبّر عنها بالماهيات الجعليّة. وعليه فما قد ينسب إلى المصنف 1 ـ من ذهابه إلى جعلها ، وعدّها قسما ثالثا للمجعولات في قبال الأحكام الوضعية والتكليفية ـ في غير محله.

ومحصّل ما أفاده 1 هنا أنه ليس هناك قبل رتبة الطلب جعل شرعي متعلق بالمركب ، وتركيب وتقييد تشريعيان بل مجرد تصوّر للمتعلق بأجزائه وقيوده ، واعتبار لوحدته ، نعم إذا تعلّق به الطلب انتزعت الجزئية والشرطية والمانعية من التعلّق المذكور ، وتعدّ هذه الثلاثة مجعولات انتزاعية ، لانتزاعها من المجعول المتأصّل ـ أعني التكليف المتعلق بالمركب ـ لكن كونها كذلك لا يقتضي كون التركيب والتقييد مجعولين حتى انتزاعا ـ كما يظهر بالتأمّل.

(١) يعني : من تعلق الطلب بالمركب الذي لوحظ له أجزاء وقيود وجودية وعدمية في رتبة متقدمة تنتزع الأمور الثلاثة.

(٢) أي : وتنتزع الأمور الثلاثة في أبواب الموضوعات ـ التي أخذت مقدّرة الوجود وجعلت عليها الأحكام الوضعية والتكليفية ـ من جعل تلك الأحكام على تقدير تحقّق تلك الموضوعات ، فتنتزع من الجعل المزبور الجزئية لأجزاء الموضوع ، والشرطية والمانعية لقيوده ـ كما في أجزاء المتعلق وقيوده ـ ، كما‌


سببيّة تلك الأسباب لمسبّباتها أيضا (١) عن ذلك ، وقد اتضح فساد القول بجعل الماهيّات مطلقا (٢) ، وكذلك القول بتأصّل السببيّة وأخواتها الثلاث (١) المذكورة في الجعل (٣) أيضا من ذلك ، وانقدح أيضا.

الثالث : لو كان لمتعلّق التكليف تعلّق بموضوع خارجيّ ـ كما هو المفروض في محلّ البحث ـ فقد تقدّم (٤) أنّ الإضافة اللاحقة‌

__________________

وتنتزع منه السببية للموضوع برمّته ، هذا. ولعلّ في عطفه 1 انتزاع الثلاثة في أبواب الأسباب على انتزاعها في أبواب المتعلقات ـ مع اختصاص البحث في المقام بالمتعلقات وكيفية تركيبها وتقييدها ـ إشارة إلى أن شأن التركيب والتقييد في المتعلقات شأنهما في الأسباب ، فكما لا مجال لدعوى الجعل في هذه فكذلك في تلك ، وانتزاع الثلاثة من جعل التكليف أو الوضع أمر آخر.

(١) أي : تنتزع السببية عن ذلك كما تنتزع عنه الجزئية للسبب والشرطية والمانعية له.

(٢) أي : لا جعلا متأصّلا ، ولا انتزاعيا ـ حسبما مرّ وجهه.

(٣) الظرف متعلق بـ ( تأصّل ) ، هذا ، وليس في كلامه 1 ما يتّضح منه فساد القول بتأصل السببية في الجعل ، بل مجرد دعوى انتزاعيتها ، لكنّه مقرّر في الأصول ، وقد برهن 1 هناك على امتناع جعل السببية مطلقا تكوينا وتشريعا أصالة وتبعا ، وكونها منتزعة من ذات السبب في التكوينيات ـ والسببية فيها حقيقية ـ ، ومن ترتب الحكم على موضوعه في التشريعيات ـ والسببية فيها مجازية. ( راجع أجود التقريرات ٢ : ٣٨٤ ).

(٤) تقدّم ذلك في أواخر الأمر الثالث تحت عنوان ( بقي هنا شي‌ء ) ، فقد‌

__________________

(١) الموجود في الطبعة الاولى ( الثلاثة ) والصحيح ما أثبتناه.


للصلاة ـ من جهة وقوعها في غير المأكول مثلا أو الحرير أو الذهب أو غير ذلك ـ هي الصالحة لأن يؤخذ عدمها قيدا للمطلوب ، وأمّا نفس حرمة أكل الحيوان ـ مثلا ـ فهي أجنبيّة * عن الصلاة ، وظاهر أنّها بمعزل عن هذه الصلاحيّة.

وإذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ قيديّة عدمها يتصوّر ثبوتها على وجوه : إذ يمكن أن يكون القيد نعتا عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة (١) ، والتقييد به راجعا إلى اعتبار أن تكون الصلاة واجدة لهذا النعت (٢) ، فيرجع الأمر حينئذ إلى باب العنوان والمحصّل ـ كما تقدّم ـ ، ويمكن أن يكون من باب السلب المحصّل (٣) ، ويرجع‌

__________________

أفاد 1 هناك ردّا على من تشبّث بشرطية المأكولية بدعوى كون ( ما لا يؤكل ) عنوانا عدميا غير صالح للمانعية ، فلا بدّ من رجوعه إلى شرطية المأكولية ، أنّه ـ مضافا إلى أن العنوان المذكور وجوديّ لانتزاعه من حرمة الأكل فاللامأكولية أو حرمة الأكل عنوان لاحق للحيوان ، ولا مساس له بالصلاة ، فلا يعقل تقييدها بعدمه ، والذي يصلح لأن تقيّد به هي الإضافة اللاحقة للصلاة باعتبار وقوعها في غير المأكول ، وهذه الإضافة أمر وجوديّ ، فتقيّد الصلاة بعدمها ، وتنتزع منه مانعيتها.

(١) مرّ شرحه قريبا.

(٢) كنعت ( اللاواقعة في المأكول ).

(٣) دون الإيجاب المعدول المحمول ، وذلك نحو ( صلّ ولا تكن صلاتك‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( أجنبي ) والصحيح ما أثبتناه.


التقييد إلى اعتبار عدم التخصّص بتلك الخصوصيّة الوجوديّة ، من دون أن يكون للنعت العدمي دخل فيه ، فيكون هو حينئذ ملازما لتحقّق القيد ، لا قيدا بنفسه (١). وعلى هذا التقدير أيضا فيمكن أن يكون نفس السلب الكلّي ـ بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع ـ قيدا واحدا (٢) ، كما يمكن أن يكون منحلاّ والقيد آحاده (٣).

__________________

في غير المأكول ) ممّا يدل على اعتبار عدم تخصّص الصلاة بوقوعها في غير المأكول من دون اعتبار اتّصافها بالنعت العدمي المتقدّم.

(١) أي يكون النعت العدمي ملازما لتحقق قيد ( عدم الوقوع في غير المأكول ) ، إذ متى لم تقع الصلاة فيه فهي متصفة بـ ( غير الواقعة فيه ) ـ لا محالة ـ ، وقد تقدّم أن العنوان النعتي مسبب توليدي متحصل من الأعدام الخارجية ، وليس النعت المذكور قيدا بنفسه ليرجع إلى الاحتمال الأوّل.

(٢) بأن تكون الصلاة مقيدة بعدم الوقوع في مجموع أفراد غير المأكول بنحو العموم المجموعي وملاحظة العدم أمرا واحدا مضافا إلى مجموع الوجودات ، أو ملاحظة مجموع الأعدام أمرا واحدا ، وبعبارة أخرى :

عدم المجموع أو مجموع الأعدام ، وهذا هو الاحتمال الثاني ، ومقتضاه أنّه لو جازت الصلاة في فرد منها لاضطرار ـ مثلا ـ فلا مانعية بالنسبة إلى سائر الأفراد.

(٣) بأن تكون مقيّدة بعدم الوقوع في كلّ فرد ـ على نحو الانحلال ـ ، فيكون عدم كل فرد قيدا بنفسه ، فيتعدّد القيد بتعدّد الأفراد ، وهذا هو‌


ولا يخفى أنّ الاحتمالات الثلاثة المذكورة تتطرّق في النواهي النفسية أيضا حذو المقام بعينه ، وكما أنّ (١) ظهور النهي عن شرب الخمر ـ مثلا ـ في مبغوضيّة متعلّقه (٢) واستنادها إلى اشتمال موضوعه على مفسدة مقتضية للزجر عن ذلك المبغوض يضادّ مطلوبيّة العنوان العدمي من حيث نفسه ، ويدفع الاحتمال الأوّل ، وظهور ما أخذ عنوانا لموضوعه ـ وهو الخمر في المثال ـ في الطبيعة المرسلة (٣) المنطبقة على كلّ مصداق يكشف عن اشتمال‌

__________________

الاحتمال الثالث ، ومقتضاه عدم سقوط القيديّة عن الباقي إذا سقطت عن البعض لاضطرار ونحوه.

(١) بيان لمرحلة الإثبات ، وتقريب لاستظهار الاحتمال الثالث من النواهي النفسية دون الاحتمالين الأولين.

(٢) فإنّ ظاهر النهي عن شي‌ء مبغوضية ذلك الشي‌ء وكونه بنفسه مشتملا على المفسدة ، لا محبوبية اتصاف المكلّف بكونه تاركا لذلك الشي‌ء وكون الاتصاف المذكور ذا مصلحة ، فلا دلالة لمثل ( لا تشرب الخمر ) على مطلوبية كونه لا شارب الخمر بوجه ، وإنما يدلّ عليها مثل ( كن لا شارب الخمر ).

(٣) فإنّ الخمر اسم جنس مطلق غير مقيد بقيد ، ومفاده الطبيعة المطلقة السارية في جميع مصاديقه والمنطبقة على كل منها ، فكلّ مصداق وجود للطبيعة مشتمل على المفسدة المقتضية للنهي ، فيكون النهي زجرا عن شرب كلّ منها بنحو الانحلال ، فلكلّ فرد امتثال وعصيان مستقلان ، وأمّا لحاظ جميع وجودات الطبيعة أمرا واحدا والزجر عن شربها بهذا‌


كلّ واحد من مصاديقه على تلك المفسدة ، ويدفع الاحتمال الثاني ، ويتمّ الانحلال المتقدم توضيحه بذلك ، ففي المقام أيضا يطّرد جميع ذلك ، إذ بعد ما عرفت (١) من استناد المانعيّة ومنشأ انتزاعها إلى عدم صلاحيّة غير المأكول وأشباهه لوقوع الصلاة فيه بعنوانه (٢) المرسل المنطبق على آحاد مصاديقه ، فأيّ فرق يعقل بين موضوعيّته لتقييد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، وموضوعية الخمر لحرمة شربه؟ وهل بين تعلّق الطلب النفسي المولويّ بعدم الخصوصيّة (٣) الوجودية المانعة وتعلّقه بالعنوان المحرّم النفسي‌

__________________

اللحاظ ـ ليكون المطلوب السلب الكلّي كما في باب النذر ، ويتحقق عصيانه بفعل أول وجوداته ، فلا إطاعة ولا عصيان بعده ـ فهو خلاف الظاهر ، لأنّه عناية زائدة لا تكاد تؤدّيها العبارة ، ولا يصار إليها إلاّ بدليل.

(١) بيان لوجه الاطراد ، ووحدة الحكم في المقامين ، وعدم صلاحية الاستقلالية والقيدية للفارقيّة.

(٢) الضمير راجع إلى غير المأكول ، والعبارة تتضمن المقايسة بين المقامين ، وأنه كما أن النهي عن شرب الخمر ظاهر في مبغوضية متعلقة واشتماله بنفسه على المفسدة ، لا محبوبية الاتصاف بكونه تاركا له ، كذلك تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول ظاهر في عدم صلاحيته بنفسه لوقوعها فيه ، لا محبوبية الاتصاف بكونها غير واقعة فيه ، وكما أنّ عنوان الخمر ظاهر في الطبيعة المرسلة المنطبقة على كلّ مصداق ، والمقتضية للانحلال ، كذلك عنوان غير المأكول لعدم الفرق بينهما من الناحيتين.

(٣) أي : بالصلاة المقيّدة بعدم الخصوصية.


فارق آخر سوى كونه من جهة القيديّة في أحدهما واستقلاليا في الآخر؟ وهل يعقل أن يكون ذلك (١) موجبا لقيديّة العنوان البسيط المساوق لمحمول المعدولة أو مانعا عن الانحلال المتقدّم توضيحه؟

فإن قلت : توهّم كون القيد عنوانا بسيطا مساوقا لمحمول المعدولة وإن كان واضحا فساده ، لكنّ انحلال السلب الكلّي في أبواب القيود وقياسه بالنفسيّات في ذلك أيضا (٢) ظاهر منعه ، لأنّ مناط هذا الانحلال هو اشتمال كلّ واحد من وجودات الموضوع على ملاك حكمه (٣) ، وهذا في القيود لا سبيل إلى دعواه ، إذ مقتضى (٤) كون القيد العدمي متوقّفا تحققه على انتفاء ما قيّد‌

__________________

(١) المشار إليه هو تعلّق الطلب بعدم الخصوصية المانعة أو جهة القيدية ، والمقصود أن القيدية لا تمنع عن الظهورين المتقدمين ، لتوجب قيديّة العنوان البسيط ، أو تمنع عن الانحلال.

(٢) أي كما قيس بها في نفي مطلوبية العنوان البسيط.

(٣) مرّ آنفا ذكر هذا المناط ، ومرّ أنّ الكاشف عنه هو ظهور عنوان الموضوع في الطبيعة المرسلة.

(٤) تعليل لما يدّعيه هذا القائل ـ من بطلان الانحلال في القيود العدمية ، وتعيّن قيديّة السلب الكلي بوحدته الشاملة لجميع الوجودات ـ من وجهين : أحدهما توقّف تحقق القيد العدمي على انتفاء جميع الوجودات ، فتبطل الصلاة بأحد تلك الوجودات. والثاني استناد فساد‌


المطلوب بعدمه كليّا (١) ، واستناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها ، ومع التعاقب إلى خصوص السابق منها ولغويّة اللاحق هو قيام ملاك المانعيّة بصرف وجود الموضوع بالمعنى المنطبق على السلب الكلّي (٢) ، ويكون هو القيد بنفسه دون آحاده ، والتحرّز عن مجموع الوجودات محصّلا له (٣) ، ويرجع الأمر في موارد الشبهة إلى تردّد المحصّل الخارجيّ دون نفس متعلّق التكليف بين الأمرين (٤).

قلت : بعد أن لا سبيل إلى دعوى قصور في أدلّة أبواب‌

__________________

الصلاة عند تقارن الوجودات إلى القدر المشترك ، وعند تعاقبها إلى السابق منها ، بدعوى أنّ ما ينتقض بأحد الوجودات ويستند انتقاضه ـ مع التعدد ـ إلى السابق منها ، أو القدر المشترك ، ويلغو غيره إنما هو السلب الكلّي الوحداني دون آحاده المنحلّ إليها ، فيكون هو القيد دونها ، ومقتضاه قيام المانعية بصرف الوجود الحاصل بأوّل الوجودات ، فلا مانعية لغيره.

(١) أي بجميع وجوداته.

(٢) يعني لا صرف الوجود بمعناه الآخر الممتنع في التكاليف العدمية ، وقد تقدّم منه 1 عند ذكر الأقسام الأربعة أن موضوعات التكاليف العدمية بأسرها من قبيل القسم الرابع ، ولا يعقل موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود إلاّ إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات فيما إذا كان المطلوب نفس السلب الكلي كما في باب النذر.

(٣) بدعوى أنّه أمر واحد ـ اعتبارا ـ متولد من ترك المجموع ، ومتحصل منه.

(٤) أي الأقل والأكثر ، والمرجع في مثله الاشتغال.


الموانع ـ خصوصا ما نحن فيه (١) ـ عن الدلالة على استقلال كلّ واحد ممّا ينطبق على عناوين موضوعاتها في المانعيّة ملاكا وخطابا ، فالخروج عن ذلك يتوقّف على قيام دليل يكون من قبيل القرينة المنفصلة على خلاف ظواهر الأدلّة ، ولو قام دليل على أنّ الاضطرار إلى لبس شي‌ء منها في حال الصلاة يوجب السقوط كليّا ـ لا متقدّرا بمقداره ـ كان ذلك كاشفا عمّا ذكر من قيديّة نفس السلب الكلّي ، لكن لا عين ولا أثر لهذا الدليل (٢) ، بل ما دلّ بعمومه على أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها (٣)

__________________

(١) لعلّ العمدة في وجه الخصوصية لما نحن فيه التعبير بأداة العموم في موثقة ابن بكير المتقدمة الدالة بظاهرها على الاستقلالية والانحلال ، وأمّا الوجه العامّ المطرد في جميع أبواب الموانع فهو ما مرّ من ظهور العناوين المأخوذة موضوعا للمانعية في أدلتها ـ كالحرير والذهب ونحوهما ـ في الطبيعة المرسلة المنطبقة على آحاد مصاديقها ـ حذو ظهور عنوان الخمر المأخوذ موضوعا للنهي النفسي في ذلك.

(٢) حاصل الكلام أن ظهور أدلة الموانع في نفسها في الانحلاليّة واضح ـ حسبما مرّ ـ ، ولا مجال لرفع اليد عنه والحمل على قيدية السلب الكلّي إلاّ بدليل منفصل ، كما لو فرض قيام الدليل على أن الاضطرار إلى لبس شي‌ء منها حال الصلاة يوجب السقوط بالمرّة لا بمقداره ، لكن لا دليل من هذا القبيل ، بل الدليل على خلافه موجود.

(٣) هذه قاعدة فقهية متصيّدة ممّا دلّ على رفع ما اضطرّ إليه ، وأن كلّ محرّم شرعي فهو محلل لمن اضطر إليه ، بضميمة ما يستفاد منها عرفا‌


قاض بخلافه (١) ، وقد تسالموا في المقام وأشباهه أيضا على ذلك (٢) ، ولا بدعوى قيام دليل آخر على ثبوت تكليف جديد (٣) بعد خروج السلب الكلّي بالاضطرار إلى بعض الوجودات عن القيديّة ، بل جريا منهم على ما يقتضيه أدلّة المانعيّة (٤).

وأمّا ما ذكر موجبا للخروج (٥) عن ظواهر الأدلّة وكاشفا عن قيديّة نفس السلب الكلّي فكلّه بمعزل عن ذلك (٦) :

أمّا التوقف على انتفاء ما قيّد المطلوب بعدمه كليّا فاستناده إلى الارتباطيّة ظاهر (٧) ، ولذا يطّرد في القيود المتباينة أنواعها‌

__________________

من لزوم الاقتصار على أقل ما يرتفع به الاضطرار ، إذ لا اضطرار بالنسبة إلى الزائد عليه ، والظاهر أنه ليس هناك عموم يدلّ على القاعدة المذكورة ، وإن أوهمه ظاهر المتن ، فلاحظ.

(١) أي بخلاف السقوط الكلّي.

(٢) أي على عدم السقوط الكلي.

(٣) يعني بالنسبة إلى الباقي.

(٤) من الانحلال واستقلال كلّ فرد في المانعية ، فلا يسقط بالاضطرار عن المانعية سوى المضطر إليه دون غيره.

(٥) المراد به الوجهان المتقدمان آنفا.

(٦) أي عن كونه موجبا للخروج المذكور وكاشفا عن القيدية المزبورة.

(٧) فإنّ مقتضى الارتباطية بين أجزاء المطلوب وقيوده الوجودية والعدمية توقّف صحته على وجدانه لجميع ذلك ، فيفسد بفقد واحد منها ، وإذ عرفت دلالة أدلة الموانع على الانحلال وتعدّد المانعية بتعدّد وجودات‌


أيضا (١) ، ويدور مقدار الكليّة المعتبرة من هذه الجهة (٢) مدار مقدار القيديّة ، ويخرج ما سقطت قيديّته بالاضطرار عن الدائرة ، وأين هذا عن قيديّة نفس السلب الكلّي؟ وهل هو إلاّ من لوازم الانحلال والارتباطيّة؟

وأمّا استناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها ، ومع التعاقب إلى السابق منها فمنافاته لكون القيديّة انحلاليّة وإن توهّمه غير واحد من أفاضل من عاصرناهم ، بل كانوا‌

__________________

موضوعها وتقيّد الصلاة بعدم كلّ منها ، فلا محالة يتوقّف صحتها وانطباقها على المطلوب على عدم الجميع ، فتفسد بوقوعها في أحدها كما تفسد بفقدها لأحد أجزائها أو شرائطها. وبالجملة فلا دخل لقيدية السلب الكلي في التوقف المذكور ، بل هو من مقتضيات الارتباطية سواء بني على السلب الكلي أو على الانحلال.

(١) فإنّه يعتبر انتفاء جميع الأنواع التي قيّد المطلوب بعدمها ـ كغير المأكول والذهب والحرير ونحوها ـ كلّ بجميع مصاديقه ، ويفسد العمل بوقوعه في أحد مصاديق أيّ منها كان من غير فرق ، وليس ذلك إلاّ من لوازم الارتباطية ، وإلاّ فعلى القائل المذكور الالتزام بكشف ذلك عن قيدية سلب كلّيّ واحد شامل للجميع ، ولا يظن التزامه به.

(٢) وهي كليّة اعتبار انتفاء كلّ ما قيّد المطلوب بعدمه ، والحاصل أنّه يدور مقدار هذه الكلّية وسعة دائرتها مدار مقدار القيود العدمية بما لكلّ نوع منها من المصاديق ـ حسبما يقتضيه الانحلال ـ فتتسع دائرة تلك الكليّة مهما كثرت القيود ، وتتضيّق إذا قلّت ، ويكون ما سقط عن القيدية باضطرار ونحوه خارجا عن تلك الدائرة.


في حيص وبيص (١) في جريان البراءة في المقام من ذلك ، لكنّه مدفوع :

أوّلا بالنقض بما إذا كانت الوجودات المتقارنة أو المتعاقبة متباينة في أنواعها (٢).

وثانيا بالحلّ ، فإنّ المقيّد بعدم الخصوصية المانعة ليس هو الشخص الخارجي كي يكون عدم قابليّته لأن يتعدّد أو يتكرّر فساده (٣) موجبا لخروج الأنواع المتباينة ـ فضلا عن أشخاص نوع واحد ـ عن المانعيّة المطلقة (٤) ، وإنّما المقيّد بذلك هو الطبيعة‌

__________________

(١) يقال : وقعوا في حيص بيص ، أي في اختلاط لا مخلص لهم منه ، والظاهر زيادة الواو الواقعة في المتن بين الكلمتين.

(٢) كما إذا اجتمع مصداق من غير المأكول مع فرد من الحرير متقارنين أو متعاقبين ، فإنّ حديث الاستناد آت فيه أيضا ، فلو كان الحديث المزبور كاشفا عن قيدية السلب الكلي لكان كاشفا عن قيدية سلب كلّي واحد شامل لوجودات جميع الأنواع المتباينة ـ حذو ما مرّ في الوجه الأوّل ـ ، ولا يظنّ أن يقول بها هذا القائل.

(٣) تعدّد الفساد بالنسبة إلى المتقارنين ، وتكرّره بالنسبة إلى المتعاقبين.

(٤) ليختصّ مانعيتها بصورة عدم سبق غيرها عليها ، ويختص استقلالها في المانعية بما إذا لم يقترن بها غيرها.

ومحصّل المرام أن الوجه المذكور إنما يجدي لإثبات قيديّة السلب الكلي وقيام المانعية بصرف الوجود فيما إذا اعتبر قيدا للشخص الخارجي ، فيقال حينئذ : إن عدم قابلية الشخص لأن يعرض عليه الفساد أكثر من‌


المأمور بها ، ويدور كون السلب الكلّي قيدا بنفسه أو كونه انحلاليا مدار قيام المنافاة لملاك حسنها (١) بصرف وجود الموضوع ، بحيث لو ارتفعت عن شخص ارتفعت كليّا ، أو قيامها بأشخاص وجوداته بحيث لا ترتفع عن كلّ واحد منها إلاّ بما يوجب ارتفاعها * عن شخص نفسه (٢) ، وينحصر الكاشف الإنّيّ عن ذلك بكون‌

__________________

مرّة يقتضي أن يستند فساده إلى أسبق وجودات مانعه من أيّ نوع كان ، ومع التقارن إلى الجامع بينها ، فتختص المانعية بذلك ، ويسقط ما سواه عن المانعية ، فلا مانعية مطلقة للأنواع فضلا عن أشخاص النوع الواحد.

لكن لا ريب في عدم رجوع القيد إلى الشخص الموجود لعدم كونه المأمور به بنفسه ، كيف وهو مسقط للأمر والأمر به تحصيل للحاصل ، وإنما الأمر متعلق بالطبيعة ـ كما أوضح في محلّه ـ ، فهي المتقيّدة به ، إلاّ أنّها لا يتصوّر فيها الفساد ليبحث عن أنّ فسادها مستند إلى الأسبق أو الجامع ، وإنما المتصف به هو الشخص الخارجي ، والقيد غير راجع إليه ، فما يرجع إليه القيد لا موضوع فيه للبحث المذكور ، وما فيه موضوعه لا يرجع إليه القيد. هذا ، وستعرف الآن ما يقتضيه تقيّد الطبيعة بعدم المانع.

(١) أي : حسن الطبيعة ، والمنافاة لملاك حسنها عبارة أخرى عن المانعية عنها ، فإنّ المانع الشرعي ـ كما سبق ـ مانع تكوينيّ عن الملاك مناف له ثبوتا.

(٢) يعني : يقتصر في ارتفاع المنافاة على الشخص الذي له موجب‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( ارتفاعه ) والصحيح ما أثبتناه.


السقوط بالاضطرار إلى البعض كليّا أو متقدّرا بمقداره ، وإذ قد عرفت أنّ المتعيّن هو الثاني فاحتمال قيدية السلب ساقط من أصله.

وأمّا فساد الفرد (١) فليس إلاّ عبارة أخرى عن خروجه عن الانطباق على الطبيعة المأمور بها ، وظاهر أنه لو تعدّد ما يوجب ذلك (٢) كان مستندا إلى الجميع بنسبة واحدة ـ لا محالة ـ كما هو‌

__________________

لارتفاعها عنه ، ولا يتعدّى إلى غيره.

ومحصّل المقصود أنه لمّا كانت المانعية راجعة إلى الطبيعة المأمور بها دون الشخص فمانعية شي‌ء عنها ناشئة ـ لا محالة ـ عن منافاته لملاك حسنها ثبوتا ، فإن كان المنافي له هو صرف وجود المانع بحيث ترتفع منافاة المانع له بالمرّة إذا ارتفعت منافاة مصداق منه له فمقتضاه قيدية السلب الكلّي ، وإن كان المنافي له كلّ واحد من آحاد وجوداته ، بحيث إذا ارتفعت منافاة بعضها له لموجب مّا بقيت منافاة الباقي له بحاله فمقتضاه قيدية الآحاد بنحو الانحلال ، وهذا هو الفارق الثبوتي بينهما.

وأما إثباتا فالكاشف الوحيد عمّا ذكر هو ملاحظة كون السقوط بالاضطرار ـ أو نحوه ـ إلى البعض كليا ، أو متقدرا بمقداره ، فإن كان الأوّل انكشف قيدية السلب الكلي ، وإن كان الثاني انكشف الانحلال ، وإذ تقدّم أن الثاني هو المتعين ، للعموم المؤيّد بالتسالم ، فيتعيّن الانحلال.

(١) غرضه 1 من هذا الكلام توضيح أن حديث الاستناد السالف الذكر وإن تمّ في الجملة ، لكنّ بينه وبين ما نحن بصدده بعد المشرقين ، فهو بمعزل عن صلاحيته لإثبات قيدية السلب الكلّي.

(٢) أي : ما يوجب الفساد والخروج عن الانطباق المذكور.


الشأن في أشباهه (١) ، ولو سبق فساده لبعض ذلك (٢) فهل هو إلاّ كالسابق فساده لسبق مانع من نوع آخر؟ وهل اللاحق (٣) حينئذ إلاّ كالوارد على فعل آخر أجنبيّ عن المأمور به؟ وهل بين عدم التأثير في فساده حينئذ وبين الانحلال وعدمه إلاّ بعد المشرقين؟.

وبالجملة فالذي ينافي الانحلال ويكشف عن قيديّة نفس السلب الكلّي هو عدم تأثير المسبوق بمثله (٤) للفساد إذا لم يؤثّر السابق في * فساده لسقوط القيديّة بالنسبة إليه ـ كما عند‌

__________________

(١) مما اجتمعت فيه علّتان على معلول واحد ، فإن المحقّق في محله أن التأثير حينئذ يكون لهما مجتمعتين ، أو للقدر المشترك بينهما ، لا لكلّ منهما مستقلة.

(٢) أي لبعض موجبات الفساد.

(٣) أي الموجب اللاحق ، والمقصود أن ورود اللاحق لا يؤثر في فساده شيئا بعد تأثير السابق فيه ، فوروده عليه بعد فساده بمنزلة وروده على فعل أجنبيّ عن المأمور به في عدم ترتّب أثر عليه.

(٤) يعني به اللاحق المسبوق بمماثله في النوع ، وهذه عبارة أخرى عمّا تقدم آنفا من أن الذي يكشف عن قيدية السلب الكلي هو كون المانعية بحيث إذا سقطت عن شخص سقطت كليّا ، فإن لازم كون المانعية كذلك أنّه إذا لم يؤثّر السابق في الفساد لسقوط القيدية بالنسبة إليه لاضطرار ـ مثلا ـ فلا يؤثر اللاحق ـ المماثل له في النوع ـ أيضا في الفساد ، لسقوط القيدية حينئذ عن نوعه رأسا.

__________________

(*) كلمة ( في ) غير موجودة في الطبعة الاولى وقد أضفناها لاقتضاء السياق.


الاضطرار ـ ، لا مع بقاء القيديّة (١) بالنسبة إلى السابق بحالها ، وخروج الفرد بسبقه عن الانطباق على المأمور به ، ولعلّ أن يكون الخلط بين الصورتين (٢) قد أوجب هذا الوهم ، فلا تغفل.

ثم لو سلّم (٣) عدم قابليّة القيود العدميّة لأن تكون انحلاليّة ، وبني على قيديّة نفس السلب الكلّي دون آحاده ، فأقصى ما يقتضيه ذلك ـ بعد أن لا مجال لرفع اليد عن موضوعيّة العنوان الخارجي (٤)

__________________

(١) يعني لا يكشف عن قيدية السلب الكلي تأثير السابق فقط في الفساد ولغويّة اللاحق وخروج الفرد بسبقه عن الانطباق على المأمور به ـ كما كان يدّعيه القائل المتقدم ـ لما مرّ من أنه إنما يتمّ لو كان المقيد هو الفرد ، وليس كذلك ، بل هو الطبيعة ، لأنها المأمور بها.

(٢) وهما عدم تأثير اللاحق في الفساد إذا لم يؤثر السابق فيه ، وعدم تأثير اللاحق في الفساد بعد تأثير السابق فيه ، فتدبر ولا تغفل.

(٣) غرضه 1 من هذا التسليم الإنكار على ما رتّبه القائل المتقدم على قيدية السلب الكلي من كون التحرز عن مجموع الوجودات محصّلا له ، ورجوع الشبهة الخارجية إلى الشك في المحصّل دون نفس متعلق التكليف ، ومحصّل الدعوى أنه ـ بناء عليه ـ يكون المورد من الشك في متعلق التكليف نفسه ودورانه بين الأقل والأكثر.

(٤) كعنوان ( محرّم الأكل ) الملحوظ مرآة لمصاديقه الخارجية ، فإن مقتضى موضوعيته كون ملاك المانعية قائما بتلك الوجودات المنطبق هو عليها ، والصلاة مقيدة بعدم وقوعها في تلك الوجودات. والمراد بهذا الكلام دفع احتمال موضوعية العنوان النعتي البسيط المساوق لمحمول المعدولة ، وتقيد الصلاة بكونها واجدة لهذا النعت ، وقد تقدم بحثه.


الناشئ ملاك المانعيّة عن وجوداته ـ هو جريان كلّ واحد منها مجرى الجزء (١) لما قيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه ، إمّا حقيقة بناء على موضوعية مجموع الوجودات لذلك ـ كما هو المتعيّن فيما كان من أدلّة المانعيّة بصيغة العموم اللغوي (٢) بعد تعذّر الحمل على الاستغراقي كما هو المفروض (٣) ـ ، أو حكما بناء على أن يكون الموضوع هو الطبيعة بلحاظ صرف وجودها بمعناه الانبساطي (٤)

__________________

(١) فالصلاة ـ بناء على ما ذكر ـ مقيّدة بتقييد وحدانيّ بعدم وقوعها في مجموع تلك الوجودات ، فعدم وقوعها في كلّ من آحادها جزء للقيد حقيقة أو حكما ـ كما ستعرف.

(٢) كالعموم الواقع في موثقة ابن بكير ( كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة.

فاسدة ).

(٣) فإن المفروض تسليم عدم قابلية القيد للانحلالية ، فالعموم الوارد لا بدّ من الخروج عمّا هو ظاهره والأصل فيه من الاستغراقية ، وحمله على المجموعية ، ومقتضاه تعلّق الطلب بالصلاة المقيّدة بعدم وقوعها في مجموع وجودات غير المأكول باعتبارها أمرا واحدا ، وجزئية كلّ منها للقيد حينئذ تكون حقيقية.

(٤) هذا المعنى من صرف الوجود تقدّم شرحه لدى التعرض لأقسام التكليف الأربعة حينما أفاد 1 أن موضوعات التكاليف العدمية إنما يعقل موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات ، وذلك فيما إذا لم يتمّ الانحلال وكان المطلوب هو السلب الكلي ـ كما في النذر ـ ، فيراد بالتحرّز عن صرف الوجود ما يلازمه من التحرز عن جميع الوجودات على نحو‌


الجامع لجميع وجوداتها ـ وهذا هو المتعيّن في مطلقات الباب بعد تعذّر الحمل على الطبيعة المرسلة (١) ـ ، ويتّحد نتيجة الوجهين (٢). وعلى كلّ منهما * فالخطاب النفسي (٣) المترتّب على موضوع كذلك (٤) وإن لم يتعدّد بتعدّد وجوداته ، لكنّه لمّا كان في مقدار شموله تابعا لسعة وجود موضوعه ، وكانت مصداقيّة كلّ مصداق‌

__________________

العموم المجموعي ، فإذا ارتكب فردا فقد خالف التكليف ، ولا تكليف بعده بالنسبة إلى ما عداه.

(١) تقدّم أنّ مقتضى الظهور الإطلاقي لعنوان الموضوع في مثل ( لا تشرب الخمر ) ، أو المانع في مثل ( لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه ) هو الطبيعة المرسلة المنطبقة على كل مصداق على نحو الانحلال ، فإن بني على تعذّر الأخذ به في المقام ـ كما هو المفروض ـ فيتعيّن حمله على الطبيعة بصرف وجودها بالمعنى المشار إليه آنفا المستلزم للسلب الكلي ، ويكون المطلوب هو الصلاة المقيّدة بعدم الوقوع في طبيعيّ غير المأكول بالمعنى المزبور الذي مرجعه إلى مطلوبية عدم وقوعها في جميع وجوداته على نحو العموم المجموعي ، وعليه فتصبح جزئية كلّ منها حكمية لا حقيقية.

(٢) فإن نتيجتهما هي جزئية كلّ واحد من الوجودات ، ودخالة عدمه في تحقق القيد العدمي للمطلوب.

(٣) كما في باب النذر وأخويه ، وسيأتي ذكره في كلامه 1.

(٤) أي على موضوع لوحظ مجموع وجوداته موضوعا واحدا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( منها ) والصحيح ما أثبتناه.


موجبا لزيادة في شمول ذلك التكليف (١) فيرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في تلك الزيادة ـ لا محالة ـ ، ويتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقل والأكثر.

وبالجملة فرجوع الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث وأشباهه (٢) إلى تردّد نفس متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجية بين الأمرين وإن كان على ما أوضحناه من الانحلاليّة أظهر ، لكن لا يدور مدارها ، بل يطّرد على تقدير عدمها وقيديّة نفس السلب الكلّي أيضا ، ويكون حاله عند قيديّته كحاله عند. مطلوبيّته النفسيّة ، كما في باب النذر وأخويه ـ بناء على ما هو المتسالم عليه عند الأصحاب ـ ، فكما أنّه لو نذر أن لا يشرب ماء دجلة * ـ مثلا ـ فبمجرّد تعمّد شربه يحنث ، وتلزمه كفارة واحدة ، ويسقط الخطاب المتوجّه إليه من جهة نذره لانتفاء ما يوجب انحلاله ـ حذو المحرّمات الذاتية (٣) ـ ، لكن لو تردّد ماء خاصّ بين أن يكون من‌

__________________

(١) فمهما ازدادت مصاديقه ازداد شمول التكليف واتسعت دائرته بذلك فتتّسع دائرة متعلقة أيضا ـ لا محالة ـ ، ومقتضاه أن يستتبع الشك في المصداقية الشك في سعة المتعلق ودورانه بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، فيكون من الشك في التكليف.

(٢) من القيود العدمية.

(٣) مثال للمنفي ، فإن في المحرّمات الذاتية ما يوجب انحلاله ويقتضيه ،

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( الدجلة ) والصحيح ما أثبتناه.


دجلة أو غيرها فمرجع ذلك إلى الشكّ في شمول ذلك التكليف للمشتبه المذكور وعدمه ، لا إلى الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مقدار شموله ، إلاّ بإخراج ماء دجلة عن كونه بلحاظ المرآتيّة لما ينطبق عليه موضوعا (١) لهذا الحكم ، وإرجاع المكلّف به إلى عنوان بسيط يتحصّل بالتحرّز عن وجودات ماء دجلة ، وهو خلاف غرض الناذر ، وأجنبيّ عمّا تعلّق به نذره وإن‌

__________________

وقد تقدم بيانه في أوائل هذا المبحث لدى مقايسة المقام بالنهي عن مثل شرب الخمر ، وليس في باب النذر وأخويه ما يوجبه ، بل فيه ما يقضي بخلافه ويقتضي اعتبار السلب الكلي ، فإن الظاهر تعلّق غرض الناذر بترك مجموع الوجودات جملة واحدة على نحو الارتباط وإخلاء صفحة الوجود عنها بالمرّة ، لا ترك كلّ فرد في نفسه على وجه الاستقلال ، فهو نذر واحد غير منحلّ إلى نذور ، متعلق بالسلب الكلي ، ومقتضاه سقوط خطابه بمجرد ارتكاب فرد منه وإشغال حيّز الوجود به ، وتحقق الحنث بذلك ، فله ارتكاب سائر الأفراد ، وليس عليه أكثر من كفارة واحدة.

(١) المنصوب خبر لـ ( كونه ) ، ومحصّل هذا الاستثناء أن لا يكون نذره متعلقا بأن لا يشرب ماء دجلة ـ على نحو السلب المحصّل وتعلّق ترك الشرب بالوجودات الخارجية للماء ـ ، بل بأن يكون غير شارب له على وجه الإيجاب المعدول المحمول ، ليكون المنذور التعنون بهذا العنوان البسيط والاتصاف به المتحصّل من التحرّز عن جميع وجودات الماء ، فإن مرجع الشبهة المصداقية ـ على هذا ـ إلى الشك في المحصّل وتردّده بين الأقل والأكثر دون نفس متعلق التكليف ، لكن الفرض المزبور بمنأى عن غرض الناذر ومخالف لظاهر نذره.


كان لازما عقليا للمنذور ومسبّبا توليديا له (١) ، فكذلك المقام أيضا لو بني على قيديّة نفس السلب الكلّي ومنع عن انحلاله ، إذ ليس هو (٢) إلاّ عبارة عن مجموع الأعدام أو عدم المجموع ، فيرجع الأمر في موارد الشبهة إلى تردّد نفس متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر على كلّ تقدير ، ولا سبيل إلى إرجاع الأمر إلى باب العنوان والمحصّل إلاّ بعزل العنوان الخارجي الناشئ عنه ملاك المانعيّة عن موضوعيّته لهذا الحكم ، وإرجاع القيد إلى ما يساوق محمول المعدولة ، وقد اتضح أنّه لا مجال لدعواه.

هذا كلّه بناء على ما هو المختار من المانعيّة.

وأمّا على القول بالشرطية فبعد أن قام الإجماع ، بل قضت الضرورة بصلاحيّة ما أنبتته الأرض بأنواعه في عرض أجزاء المأكول لوقوع الصلاة فيه ، فإن جمع بين الأمرين (٣) بتعميم موضوع‌

__________________

(١) كما هو شأن العنوان العدمي البسيط ـ كما مر.

(٢) أي : ليس السلب الكلّي إلاّ مجموع الأعدام باعتبار المجموعة أمرا واحدا مترابطا ، أو عدم المجموع باعتبار العدم المضاف إلى مجموع الوجودات عدما واحدا.

(٣) أي بين الشرطية وبين الإجماع والضرورة المزبورين ، وقد مرّ الكلام حول الجمع بين الأمرين بأحد التكلّفين مع ما في كلّ منهما من وجوه الضعف في أواخر الأمر الثالث. والغرض هنا بيان حال الشبهة الخارجية وما هو المرجع فيها على القول بالشرطية بكلّ من التكلّفين.

وحاصله أنه إذا التزم بشرطية القدر المشترك بين الحيواني المأكول‌


الشرط للقدر المشترك بين الجميع ـ كما تكلّفه بعضهم ـ كان القدر المشترك المذكور كغيره من القيود الوجوديّة اللازم إحرازها والشبهة راجعة إلى الشكّ في الامتثال على كلّ حال.

ولو التزم بالتكلّف الآخر ، وقيّدت شرطيّة المأكوليّة بما إذا كان اللباس ـ مثلا ـ من أجزاء الحيوان ـ كما صنعه الآخرون ـ كانت الحيوانيّة حينئذ بالنسبة إلى قيديّة المأكوليّة جارية مجرى شرط الوجوب ـ كما أوضحناه (١) ـ ، ويرجع الأمر عند العلم بها والشكّ في المأكوليّة وعدمها إلى الشكّ في تحقّق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به ، وعند الشكّ فيها ثمّ الشكّ في المأكوليّة وعدمها أيضا على تقديرها إلى تردد المكلّف به من جهة الشبهة الخارجيّة بين‌

__________________

والنباتي فلا بدّ من إحرازه مطلقا كسائر القيود الوجودية ، فالشك في تحققه ـ لاحتمال كون اللباس متخذا من الحيوان غير المأكول ـ شك في تحقق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به وهو شكّ في الامتثال ومجرى لقاعدة الاشتغال ، وإذا التزم بتخصيص الاشتراط بالمأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا اختص لزوم إحراز هذا القيد بصورة العلم بالحيوانية ، لأن الحيوانية حينئذ شرط للقيد بمنزلة شرط الوجوب ، فمع الشك فيها يشك في قيدية المأكولية ، ويتردّد أمر الواجب من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، نعم إذا علم بها وشك في المأكولية وعدمها كان شكا في تحقق القيد المعلوم تقيد المطلوب به ، ومجرى للاشتغال.

(١) عند تحقيق الحال في الأقسام الأربعة ، وبيان الضابط للشبهة المصداقية الراجعة إلى الشك في التكليف أو في الامتثال في النفسيات والقيود.


الأقلّ والأكثر ، ويتّجه التفصيل الأخير (١) ـ المتقدّم نقله عند تحرير الأقوال في المسألة ـ بعد ما سنحقّقه من الكبرى آنفا. وكيف كان فقد عرفت أنّه لا أساس ولا محصّل للقول بالشرطيّة في المقام على كلّ تقدير (٢) ، وهذا تمام الكلام في الصغرى.

المبحث الثاني : ـ في تنقيح الكبرى.

ولباب ذلك هو أنّهم قد عقدوا في كلّ من مباحث الشبهات الوجوبيّة والتحريميّة بابا مستقلا للبحث عن جريان البراءة فيما إذا كان الشكّ في وجوب شي‌ء أو حرمته ناشئا عن الشبهة الخارجيّة ، بلا تعرض منهم لتنقيح الضابط (٣) في ذلك ، لكنّهم اقتصروا في مباحث الارتباطيات على ما كان تردّد الواجب بين الأقل والأكثر‌

__________________

(١) وهو التفصيل بين ما إذا علم بالحيوانية وشك في المأكولية فلا يجوز ، وما إذا لم يعلم بها أيضا وكانت النباتية محتملة فيجوز ، ووجه اتّجاه هذا التفصيل واضح ممّا مرّ آنفا بضميمة ما سيتمّ تحقيقه في البحث الكبروي الآتي ـ من جريان البراءة في الشبهات الخارجية المردد فيها الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

(٢) فما ذكرناه من بيان مرجع الشبهة على هذا القول لا يعني اختيارنا له بوجه من الوجوه ، وقد عرفت بطلانه مفصلا في الأمر الثالث المتقدم والمعقود لإثبات المانعية ونفي الشرطية.

(٣) بحيث يكون ملاكا مطّردا يدور مداره جريان كلّ من البراءة أو الاشتغال في هذه الأبواب.


ناشئا عن الشبهة الحكميّة أو المفهوميّة ، وأهملوا هذا القسم (١) بالكليّة ، حتّى أنّ ظاهر عنوان المسألة الرابعة التي عقدها شيخنا أستاذ الأساتيذ ( نوّر ضريحه ) في ذلك الباب (٢) ، وبعض ما أورد فيها من الأمثلة (٣) وإن كان ينطبق على ذلك ، لكنّ الذي يظهر ممّا أفاده برهانا على وجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التي عقد تلك المسألة لبيان حكمها من ( أنّ متعلّق التكليف مبيّن (٤) معلوم‌

__________________

(١) وهو ما إذا كان التردّد في الارتباطي بين الأقل والأكثر ناشئا عن الشبهة الخارجية ، فلم يعقدوا له في هذه المباحث بابا مستقلا ـ كما عقدوه للاستقلالي.

(٢) وهو باب الارتباطيات ، فإنه 1 أورد المسألة الرابعة من مسائل هذا الباب تحت عنوان ( الشك في جزئية شي‌ء للمأمور به من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي ) ، وظاهر هذا العنوان منطبق على القسم الآنف الذكر.

(٣) وهو تمثيله بما إذا وجب صوم شهر هلالي فشكّ في أنه تامّ أو ناقص ، فإن هذا المثال منطبق على القسم المزبور ، لدوران أمر الواجب فيه بين الأمرين لشبهة خارجية.

(٤) هذه نص عبارة الشيخ 1 أوردها في المسألة المذكورة بعد ما اختار فيها وجوب الاحتياط ، قال 1 : والفارق بين ما نحن فيه وبين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التي حكمنا فيها بالبراءة هو أن نفس التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا وبين تعلقه بالمشكوك. فالعقل والنقل الدالاّن على البراءة مبيّنان لتعلق التكليف بما عداه من أول الأمر في مرحلة الظاهر ، وأمّا ما نحن فيه فمتعلق التكليف مبيّن معلوم. إلى آخر ما ورد هنا في المتن.


تفصيلا لا تصرّف للعقل والنقل فيه ، وإنما الشكّ في تحققه في الخارج والأصل عدمه ، والعقل أيضا مستقلّ بوجوب الاحتياط مع الشك في التحقّق ) ، هو قصر نظره في تلك المسألة بما إذا رجعت الشبهة إلى المحصّل الخارجي (١) ، وتردّد هو بين الأمرين ، لكن لا يخلو تنزيل بعض ما أورد فيها من الأمثلة على ذلك من التكلّف (٢).

__________________

(١) فإن هذا هو الظاهر من العبارة المتقدمة ، ويؤيده قوله 1 في المسألة الاولى من مسائل هذا الباب بعد ما استدل فيها للبراءة ( نعم قد يأمر المولى بمركّب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا أتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك ، كما إذا أمر بمعجون وعلم أن المقصود منه إسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة أو علم أنّه الغرض من المأمور به ، فإن تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم كما سيجي‌ء في المسألة الرابعة ) انتهى. إذن فتخرج المسألة المذكورة عمّا نحن بصدده ، ويكون الأمر كما أفيد آنفا من إهمالهم للقسم المتقدّم ذكره.

(٢) فإنّه 1 مثّل لها بمثالين : أحدهما ما مرّ ، والثاني ما أفاده بقوله : ( ومثل ما إذا أمر بالطهور لأجل الصلاة ـ أعني الفعل الرافع للحدث أو المبيح للصلاة ـ فشك في جزئية شي‌ء للوضوء أو الغسل الرافعين ) انتهى ، وهذا الأخير وإن أمكن إرجاعه إلى باب الشك في المحصّل بإرادة شرطية الطهارة المتحصلة من الوضوء أو الغسل دون أنفسهما ، وإلاّ كان من الدوران بين الأقل والأكثر لشبهة حكمية لا خارجية ، إلاّ أن إرجاع الأوّل إلى الباب المذكور مشكل ، فإنّ الظاهر أن الشهر عبارة عن نفس الأيام‌


وكيف كان فالمهمّ في المقام هو تنقيح أنّه بعد الفراغ عن جريان البراءة في الارتباطيات فهل يقصر ما يدلّ عليها عن الشمول للشبهة الموضوعيّة المذكورة ، أو أنّه يعمّها والشبهات الحكميّة والمفهوميّة بجامع واحد ـ كما في النفسيّات.

فنقول : إنّ مدرك جريان البراءة في جميع مجاريها لا يخلو إمّا أن يكون هو استقلال العقل بمعذورية الجاهل ، وعدم كون الحكم الشرعي بنفس وجوده الواقعي (١) علّة لاستحقاق عقاب المخالفة ، أو يكون هو عموم ما يدلّ على رفع (٢) كلّ مجهول هو من مجعولات الشارع (٣) ، وبيده زمامه ، وقابل للتصرّف التشريعي فيه‌

__________________

الواقعة بين الهلالين ، وليس أمرا بسيطا متحصّلا منها ، فإذا دار أمره بين الناقص والتام لاشتباه الهلال ـ مع الغض عن الاستصحاب الجاري في المورد ـ كان من دوران أمر متعلق التكليف نفسه بين الأقل والأكثر لشبهة خارجية ، لا من الشك في محصّل المتعلق ودوران أمره بين الأمرين ، اللهم إلاّ بارتكاب التكلّف بدعوى كون الشهر عنوانا بسيطا منتزعا من اجتماع الأيام.

(١) وإنّما بوصوله إلى المكلف وعلمه به ، والحكم العقلي المذكور هو المعبّر عنه بقاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ).

(٢) كحديث ( رفع ما لا يعلمون ) ونحوه من الروايات الدالة على البراءة الشرعية المفصّلة في علم الأصول.

(٣) كليا كان المجعول ـ كما في الشبهات الحكمية ـ أم شخصيا ـ كما في الشبهات المصداقية.


بوضع أو رفع أو تنزيل (١) أو غير ذلك من وجوه التصرف الظاهري.

وواضح أنّه لا توقّف لتحقّق موضوع كلّ من الحكم العقليّ والنقليّ المذكورين إلاّ على الجهل بمجعول شرعيّ يترتّب العقاب على مخالفته ، ويقبل الوضع والرفع الظاهري الشرعي بنفسه (٢) ، ولا مدخليّة لخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة أخرى في موضوع شي‌ء من الحكمين ، لا من حيث أسباب الجهل (٣) ، ولا أنحاء‌

__________________

(١) فالوضع الظاهري كما في موارد إيجاب الاحتياط المجعول متمّما للخطاب الواقعي حال الجهل به ، وموصلا إلى ملاكه الاحتمالي اهتماما به ، وقد مرّ ذكره في أقسام متمّم الجعل ، والرفع الظاهري كما في موارد البراءة والحلية المجعولتين امتنانا على العباد ، وتوسعة عليهم ، لعدم الاهتمام بالملاك الواقعي المحتمل ، والتنزيل الظاهري كما في موارد الاستصحاب ونحوه من الأصول التنزيلية المتكفلة لجعل أحد طرفي الشك والبناء عليه وإلغاء الآخر.

(٢) فإن حكم العقل بقبح عقاب الجاهل بالحكم الشرعي ليس موضوعه سوى الجهل بالحكم الذي يترتب على مخالفته العقاب ، كما أن حكم الشرع برفع الحكم المجهول رفعا ظاهريا لا موضوع له سوى الجهل بالحكم الذي يقبل الرفع الظاهري ، وليس في دليل أيّ من الحكمين ما يقتضي دخالة أمر آخر في موضوع شي‌ء منهما.

(٣) ككون الجهل ناشئا من الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع ـ كما في الشبهات الحكمية والمفهومية ـ ، أو من الجهل بالانطباق الخارجي ـ كما في الشبهات الموضوعية.


المجعول (١) ، ومن هنا لم (٢) يخالف أحد في جريانها في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة مطلقا (٣) ، وإن خالف الأخباريّون في الحكميّة التحريميّة زعما لقيام أدلّة خاصّة على وجوب الاحتياط فيها بالخصوص ، لا منعا لتماميّة أدلّة البراءة عند مجهوليّة التكليف واقعا وظاهرا ، وإلاّ لم يعقل التفصيل في ذلك بين الشبهة في نفس الحكم وموضوعه ، ولا بين كونها وجوبيّة أو تحريميّة (٤) ـ كما لا يخفى.

وعلى هذا ففي الارتباطيات إمّا أن نقول بتماميّة كلّ من البراءة العقليّة والشرعيّة ، نظرا إلى أنّه بعد رجوع قيديّة القيود أيضا ـ كالاستقلاليّات ـ إلى المجعولات الشرعيّة (٥) القابلة‌

__________________

(١) ككون المجعول حكما نفسيا استقلاليا أو قيديا ارتباطيا ، هذا ومقتضى عموم دليلي الحكمين من الناحيتين هو جريانهما في موارد الشبهات الموضوعيّة الواقعة في الارتباطيات ، وهو الذي نحن بصدد إثباته في المقام.

(٢) أي : من أجل تسالمهم على عدم دخل خصوصيّة الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع في موضوع أيّ من الحكمين لا خلاف في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية في الجملة ، ولا أقل من النفسية منها.

(٣) أي وجوبية كانت أم تحريمية.

(٤) وبعبارة اخرى : إن ذهاب الأخباريين إلى وجوب الاحتياط في الشبهة المزبورة إنما هو لدعواهم قيام أدلة خاصة عليه فيها ، لا لمنعهم من تمامية أدلة البراءة بالنسبة إليها ، وإلاّ لم يكن وجه للتخصيص بالحكمية دون الموضوعية ، وبالتحريمية دون الوجوبية.

(٥) وذلك بجعل منشأ انتزاعها ، وتعلق الأمر بالمقيّد بها ، وقد مرّ في ثاني‌


لأنحاء التصرف الظاهري (١) المجعول بالأصول الظاهريّة ، واستناد العقاب المترتّب على عصيان الخطاب من جهة كلّ واحد من القيود إلى قيديّته (٢) ، ووقوعه بهذا الاعتبار (٣) في حيّز التكليف بالمقيد ، فلا مجال حينئذ للمنع عن صلاحيّتها في حدّ نفسها (٤) ـ عند الجهل بها ـ لجريان كلّ من الحكم العقلي والنقلي المذكورين فيها ، وتماميّة ذلك بحسب المقتضي ، وينحصر ما يصلح مانعا عن ذلك في العلم بالتكليف المردّد متعلّقه بين الأمرين (٥) ، وبعد العلم‌

__________________

الأمور المقدّمة أمام المبحث الأوّل المتقدم ما ينفع المقام.

(١) ومنه الرفع الظاهري ، إذن فهي قابلة للرفع بأدلة البراءة الشرعية فتشملها.

(٢) فيشملها دليل البراءة العقلية ، توضيحه أنّ قيدية القيد للواجب تقتضي كون مخالفته مخالفة للواجب ، وعصيانا لخطابه ـ لانتفاء المقيد بانتفاء قيده ـ ، ويستند العقاب المترتب على مخالفة الخطاب حينئذ إلى مخالفة القيدية ، فإذا جهل بها كان العقاب على مخالفته المستند إلى مخالفتها عقابا بلا بيان.

(٣) أي باعتبار قيديته للواجب ، وتوقف تحقق المقيد على تحقق القيد ، وكون مخالفة هذا مخالفة لذاك ، وموافقته موافقة له.

(٤) أي صلاحيّة القيدية المجهولة لذلك في حدّ نفسها ومع قطع النظر عن الموانع ، والمقصود أن المقتضي لجريان الحكمين موجود ، وستعرف ما يصلح مانعا عنه وردّه.

(٥) هما المقيد بالقيد المشكوك وغير المقيد به ، والمقصود أن العلم‌


التفصيلي (١) بتعلّق شخص ذلك التكليف بالأقلّ على كلّ تقدير (٢) ، وسقوط الأصول النافية فيه بذلك ، ورجوع الأمر بالنسبة إلى الخصوصيّة المشكوكة إلى الشكّ في تعلّق التكليف المذكور بها أيضا وعدمه ـ كما هو ضابط كون الشبهة بدويّة يجري فيها الأصل العقلي والشرعي ـ لا إلى كونها (٣) هي المتعلّقة للتكليف المعلوم أو طرفها الآخر ـ كما هو الضابط في طرفيّة الشبهة للعلم الإجمالي الموجب لسقوط الأصول النافية بالمعارضة ، كما حرّر في محلّه ـ ،

__________________

الإجمالي بالتكليف المتعلق بالأقل أو الأكثر صالح للمانعية ، إذ يوجب سقوط الأصلين الجاريين في الطرفين بالمعارضة ، فيتنجز التكليف الواقعي ، ويجب الاحتياط بفعل الأكثر.

(١) ردّ لصلاحية العلم الإجمالي المذكور للمانعية ، وذلك بدعوى انحلاله إلى علم تفصيلي لا مجال لجريان الأصل فيه وشك بدوي يجري فيه الأصل بلا معارض.

(٢) فهذا المقدار من المتعلق معلوم تفصيلا فيتنجز بالعلم به ، ولا مجال معه للأصول النافية. أمّا الزائد عليه فلا علم بوقوعه في حيّز التكليف ، فلا منجّز بالنسبة إليه ، فلا مانع من جريان الأصلين فيه ، وقد مرّ أن القيدية مجعول شرعي قابل للرفع ، ويترتّب العقاب على مخالفته ، وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي.

(٣) أي : لا يرجع الشك في الخصوصية إلى الشك في كونها هي وحدها متعلقة للتكليف المعلوم أو طرفها الآخر ـ الأقل ـ ، ليكون من دوران المعلوم بالإجمال بين المتباينين ، وتسقط الأصول النافية في الأطراف بالمعارضة.


فلا جرم ينحلّ هو (١) حينئذ إلى معلوم تفصيليّ ومشكوك بدويّ ، ويخرج بذلك عن صلاحيّة المنع عن جريان كلّ من الحكمين فيما عد المتيقّن وقوعه في حيز التكليف ، كما في سائر موارد الانحلال ، فإنّ تمام موضوعه (٢) وملاكه الدائر هو مداره ـ على ما حقّق في محلّه ـ هو تبيّن التكليف (٣) ـ الممكن كونه هو المعلوم الإجماليّ * ـ في بعض الأطراف ، وسلامة الأصل الجاري في الآخر‌

__________________

(١) ضمير الفاعل هنا وفيما بعده ( يخرج ) راجع إلى العلم الإجمالي.

(٢) أي الانحلال.

(٣) بالعلم به تفصيلا في بعض الأطراف ، أو قيام الحجة عليه كذلك على نحو يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليه ، بحيث لا يبقى في الطرف الآخر سوى الشك البدوي الجاري فيه الأصل سليما عن المعارض ، هذا. وقد ذكروا رجوع المعلوم بالإجمال إلى قضية منفصلة مانعة الخلوّ وانحلاله إلى قضيتين حمليتين متيقّنة ومشكوكة ، والتفاصيل موكولة إلى محلّه من الأصول.

ولا يخفى أنه لا مجال لدعوى الانحلال الحقيقي في المقام ـ وإن نسب إلى ظاهر بعضهم 1 ـ ، ضرورة تحقق العلم ـ وجدانا ـ بتكليف متعلق بأحد الأمرين الأقل أو الأكثر ، وعدم زوال هذا الترديد بالعلم التفصيلي والشك المزبورين ، بل الانحلال المدعى حكمي عقلي أو شرعي ناش من العلم التفصيلي بالأقل وحكم العقل أو الشرع على الزائد المشكوك بالبراءة سليمة عن المعارض ، والتفصيل في محله.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( الإجمال ) والصحيح ما أثبتناه.


عمّا يوجب السقوط والطرفيّة (١) ، وهو بعينه متحقّق في محلّ البحث ـ كما لا يخفى.

وإمّا أن نستند (٢) في ذلك إلى خصوص ما يدلّ على البراءة الشرعيّة ، ونمنع عن جريان الحكم العقليّ المذكور لمنع كفاية مجرّد العلم بتعلق التكليف المذكور بالأقلّ في الانحلال العقليّ المتوقّف عليه تماميّة البراءة العقليّة (٣) ، نظرا إلى أنّه ـ بعد استقلال العقل (٤) بعدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عند قطعيّة‌

__________________

(١) والذي يوجبهما هو الأصل المعارض.

(٢) تقريب للمبنى القائل بعدم جريان البراءة العقلية في الارتباطيات في قبال ما تقدّم من تقريب المبنى القائل بجريانها فيها كالبراءة الشرعية ، وقد اختار 1 العدم في بحث الأصول ، ولم يصرّح به هنا وإن كان في إيراده إياه متأخرا عن الآخر نوع ترجيح له.

(٣) جعل 1 جريان البراءة العقلية متوقفا على الانحلال العقلي نظرا إلى أنه لو لا حكم العقل بالانحلال إلى معلوم تفصيلي ومشكوك لم يحكم هو في المشكوك بالبراءة ، وهذا على العكس من الانحلال الشرعي ، فإنه مترتب على جريان البراءة الشرعية ـ كما سيبيّن ـ ومتفرع عليه.

(٤) هذا هو الأساس الذي بنى 1 عليه المنع من جريان البراءة العقلية في الارتباطيات.

وحاصله : أنّ العقل المستقل في باب الإطاعة قاض بوجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم وعدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية ، وأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ كذلك ، وهذا لا يصادمه أيّ حكم‌


__________________

عقليّ آخر ، فلا حكم له بقبح العقاب بلا بيان إذا اقتضى الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في مورد ـ كما في المقام ـ ، فإنه لمّا كان التكليف بالأقل معلوم الثبوت على كلّ تقدير فمقتضى وجوب الموافقة القطعية وجوب الإتيان به بضميمة القيد المشكوك ، ضرورة أنّ مقتضى احتمال دخالته عدم حصول اليقين بالموافقة بالنسبة إلى الأقل إلاّ بذلك ، ومعه فلا يبقى مجال لحكم العقل بقبح العقاب على مخالفة القيدية المشكوكة ، إذن فالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لا يوجب انحلال العلم الإجمالي ليندرج الزائد المشكوك في مجاري البراءة العقلية ، وإنما يوجبه فيما إذا كان المعلوم التفصيلي متعلّقا بالمطلق ـ كما في الاستقلاليات ـ دون المهمل المردّد بين المطلق والمقيد ـ كالمقام. هذا.

وقد يورد عليه ـ كما عن غير واحد من الأعلام ـ بأن العقل إنما يستقلّ بوجوب الموافقة القطعية بالنسبة إلى المقدار الذي علم بتعلّق التكليف به وتنجز به عليه ـ وهو الأقل ـ ، أمّا الزائد فلم يعلم بتعلّق التكليف به أيضا ثبوتا ، لعدم قيام حجّة عليه ، فالعقاب عليه عقاب بلا بيان ، فمقام السقوط لا بدّ أن يطابق مقام الثبوت ، ولا يزيد عليه ، إلاّ أن يقال : إن العلم الإجمالي بنفسه علة تامة لتنجز الواقع ، ولا يتوقف تنجيزه على تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها ، ومقتضاه وجوب الموافقة القطعية بفعل الأكثر ، لكنّ هذا خلاف المبنى المختار.

أقول : الظاهر ـ كما يقتضيه التأمل في عبارة المتن ـ أن المكلف حيث يعلم تفصيلا بتعلق التكليف بالأقل على كل تقدير فالعقل يستقلّ بوجوب تفريغ ذمّته بالإتيان بهذا المطلوب الشرعي وإدراك واقعه جزما ،


التكليف ـ فلا يكاد أن يتمّ الانحلال العقلي بمعلوميّة التكليف في بعض الأطراف ، ويندرج الآخر في مجاري البراءة العقليّة إلاّ مع عدم استلزامه لهذا المحذور (١) ، ولا يكاد يتحقّق ذلك (٢) إلاّ مع كون‌

__________________

فإذا فرض أن إدراكه كذلك يستلزم ضمّ أمور محتملة إليه لزم ذلك بحكم العقل ، فليس لزوم ضم الزائد المحتمل ناشئا من تنجز الواقع بالعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين الأقل أو الأكثر ، ليقال بابتنائه على عليّة العلم الإجمالي للتنجز وهو خلاف المختار ، بل منشأه تنجّز الأقل بالعلم التفصيلي بمطلوبيّته على كل تقدير ، ومقتضاه لزوم تحصيل القطع بموافقته ، ولا يكون إلاّ بالضمّ المذكور.

فإن قلت : لزوم ضمّ الزائد المشكوك ناش من احتمال قيديته للأقل ، وحيث إنه لم يثبت القيدية بحجّة معتبرة فمقتضى قبح العقاب بلا حجة عدمه وجواز الاكتفاء بالأقل.

قلت : لا سبيل للعقل إلى حكم يلزم منه الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية عن التكليف القطعي ، وحكمه بقبح العقاب بلا بيان في المقام كذلك ، ففي الحقيقة حكمه بوجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بيان وارد على قاعدة القبح رافع لموضوعها ، فتأمّل. وإن أبيت إلاّ عن كون المنجّز في المقام علما إجماليا لا تفصيليا ، وكون ما ذكر التزاما بعليّة العلم الإجمالي للتنجز في المقام فلا مضايقة في الالتزام بها في الارتباطيات خاصة ، فتبصر.

(١) وهو محذور الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية مع قطعيّة التكليف ، فمع لزوم هذا المحذور لا يحكم العقل بالانحلال والبراءة عن القيدية المشكوكة.

(٢) أي لا يتحقق الانحلال غير المستلزم للمحذور المذكور إلاّ في مورد‌


المعلوم التفصيلي بحيث لا يتوقّف القطع بموافقته على انضمام المحتمل الآخر إليه ، وإطلاقه (١) بالنسبة إليه ، وإلاّ فمع إهماله من هذه الجهة ، وتردّده بين أن يكون بالنسبة إليه على وجه الإطلاق أو التقييد ـ كما هو الحال في الارتباطيات ـ فلا يكاد يتحقّق القطع بموافقة القدر الثابت مع عدم انضمام المحتمل الآخر إليه ، فضلا عن أن يوجب الانحلال (٢) ، بل ليس إجمال العلم هاهنا إلاّ عبارة أخرى عمّا ذكر من الإهمال (٣) ، فلا يعقل أن يجعل نفس القضيّة‌

__________________

يكون المعلوم التفصيلي بحيث لا تتوقف موافقته القطعية على ضمّ المشكوك إليه ، لكون ذلك المعلوم مطلقا بالنسبة إلى هذا المشكوك ـ كما في الأقل والأكثر الاستقلاليين.

(١) عطف على ( كون المعلوم التفصيلي ... ).

(٢) أي فكيف يوجب العلم التفصيلي المذكور ـ والحالة هذه ـ الانحلال لتصل النوبة إلى جريان الأصل في المشكوك ، إذ هو مستلزم للاكتفاء بالموافقة الاحتمالية عن التكليف المعلوم ، والعقل مستقلّ بعدم جوازه.

(٣) إذ العلم التفصيلي بوجوب الأقل المردّد بين المطلق والمقيد هو عين العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر ، ومعه فلا يعقل أن يكون مثل هذا العلم التفصيلي موجبا للانحلال ، وإلا لزم أن يكون الشي‌ء موجبا لانحلال نفسه.

وإن شئت قلت : العلم الإجمالي بإحدى الخصوصيتين ليس إلاّ علما تفصيليا بالجامع بينهما ، فكيف ينحلّ به ، وإلاّ لانحلّ في المتباينين أيضا ، والذي ينحلّ به هو العلم التفصيلي بإحداهما بعينها ، وهو غير‌


المهملة موجبة للانحلال.

لكن بعد أن لا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع لقيديّة الخصوصيّة المشكوكة على حدّ شموله للنفسيّات ، ووضوح أنّ الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عن التكليف القطعي وإن كان مانعا عن تماميّة البراءة العقليّة ـ كما قد عرفت ـ ، لكنّه لا يصلح مانعا عن جريان شي‌ء من الأصول الشرعية (١) حتى مع عدم تكفّلها (٢) لما يوجب خروجها عن كونها احتمالية إلى كونها في الظاهر قطعيّة ، فضلا عمّا إذا تكفّل لذلك ـ كما في مثل المقام ـ ، فلا جرم يرتفع‌

__________________

متحقق في المقام ، هذا.

ولا يخفى أن الانحلال الممنوع في هذه العبارة هو الانحلال الحقيقي ، والخصم يعترف بامتناعه ، وإنما يدّعي الانحلال الحكمي وكون الزائد المشكوك ممّا لم تقم عليه حجة فيحكم العقل بالبراءة عنه ، لكن عرفت الوجه في منع الانحلال الحكمي العقلي أيضا.

(١) لجواز حكم الشارع بكفاية الموافقة الاحتمالية للتكليف المعلوم ، كما في الأصول والقواعد الجارية في مرحلة الفراغ ، أما العقل فلا سبيل له إلى مثله.

(٢) يعني : لا يعتبر أن يكون الأصل الشرعي الجاري في المقام متكفّلا لكون الموافقة في الظاهر قطعية ، لعدم الحاجة إلى إثباتها ، إذ يكفي أن يثبت بالأصل اكتفاء الشارع بالموافقة الاحتمالية بدلا عن القطعية ، أما إذا ثبت به كونه موافقة قطعية للتكليف الظاهري فالأمر أوضح ، والمقام كذلك ، لأنه إذ ترتفع القيدية في الظاهر بدليل الرفع فمقتضاه تعلّق التكليف الظاهري بالأقل ، فيكون الإتيان به موافقة قطعية ، لا احتمالية.


قيديّة المشكوك في الظاهر ، ويؤول الأمر إلى إطلاق ظاهري (١) في المعلوم التفصيلي ـ لا محالة ـ ، ويجري الارتباطي مجرى غيره (٢) في الظاهر ، ويتمّ الانحلال من ضمّ هاتين المقدّمتين (٣). وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه ، وإنما تعرّضنا لهذا المقدار ـ مع خروجه عمّا كنّا بصدده ـ تنبيها على المبنى.

وعلى كلّ حال فقد عرفت أنّ ملاك جريان البراءة في الارتباطيات وتمام موضوعها إنّما هو الجهل بتقيّد المطلوب‌

__________________

(١) فإنّ الإطلاق يقابل التقييد تقابل العدم والملكة فإذا ارتفع التقييد في المورد القابل بحديث الرفع ثبت الإطلاق ـ لا محالة ـ ، فيتمّ لوجوب الأقل إطلاق ظاهري بالنسبة إلى القيد المشكوك ، وبمعونته يتم انحلال العلم الإجمالي انحلالا حكميا ، ويرتفع الإجمال ظاهرا عن وجوب الأقل.

وقد يقال : إنّ نفي التقييد بالأصل لا يكفي في ثبوت الإطلاق إلاّ بناء على الأصل المثبت ، إذ الإطلاق عنوان انتزاعي منتزع عن عدم التقييد ، ولا يثبت العنوان المنتزع بالأصل الجاري في منشأ انتزاعه.

ويمكن الجواب بأنّه ليس المقصود في المقام إثبات عنوان الإطلاق ، إذ لا أثر يترتب عليه هنا ، بل المهمّ إثبات المعنون نفسه ـ أعني نفي تقيّد الواجب بالمشكوك ـ ، فإنه يكفي نفيه في ارتفاع الإجمال عن الواجب ، ولعلّه لذلك عبّر المصنف 1 بقوله ( ويؤول الأمر ) دون ( ويثبت الإطلاق ).

(٢) وهو الاستقلالي الذي يكون الانحلال فيه حقيقيا.

(٣) وهما : ارتفاع قيديّة المشكوك ظاهرا بحديث الرفع ، وأول الأمر إلى الإطلاق الظاهري.


بخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة أخرى زائدة على ما علم دخله فيه (١) ، من دون فرق في ذلك بين استناده إلى الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع ـ كما في الشبهات الحكميّة والمفهوميّة (٢) ـ أو إلى الجهل بالانطباق الخارجي الموجب لدخل خصوصيّة أخرى في المطلوب ـ كما في محلّ البحث وأشباهه (٣).

وتوهّم عدم جريانها في خصوص الأخير لا بدّ وأن يرجع إمّا إلى دعوى قصور في المقتضي بأن يدّعى اختصاص حكم العقل بعذريّة الجهل ، وقصر مفاد دليل الرفع بخصوص القسمين الأوّلين (٤).

__________________

(١) أي في المطلوب من الأجزاء والقيود المعلوم دخلها فيه.

(٢) وهي الشبهة في الحكم الناشئة من اشتباه المفهوم من النص وإجماله مادة أو هيئة أو متعلقا ، ومن الواضح أن ارتفاع الجهل في هذه الشبهة ـ كالشبهة الحكمية ـ إنما يكون ببيان الشارع.

(٣) من الشبهات الموضوعية للموانع المأخوذ عدمها قيدا في المطلوب ، فإنّ من الواضح أن الشك في انطباق عنوان المانع كعنوان ( ما لا يؤكل لحمه ) على شي‌ء يستلزم الشكّ في دخل عدم ذلك الشي‌ء في المطلوب زائدا على دخالة إعدام المصاديق المعلومة منه فيه ، ورفع الجهالة في هذا القسم ليس من شأن الشارع ـ كما لا يخفى.

(٤) متعلق بكلّ من ( اختصاص ) و ( قصر ) ، فيكون من باب التنازع في العمل ، يعني يدعى اختصاص كلّ من حكم العقل بالبراءة وحكم الشرع بالرفع ـ وهما مقتضيان لجريان البراءة في الارتباطيات بناء على جريان‌


أو إلى دعوى وجود المانع بأن يدّعى كفاية العلم بالكبرى (١) المتلقّاة من الشارع في اتّصاف القيديّة المترتّبة على كلّ واحد من الانطباقات بالمعلوميّة ، والخروج عن موضوع حكم العقل والنقل بالبراءة.

وكلّ منهما ـ مضافا إلى اطّراده في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة (٢) ، بل واطّراد الأخير في الشبهات المفهوميّة أيضا بقسميها (٣) ـ لا يخفى فساده :

__________________

الأوّل أيضا فيها وغض النظر عن المناقشة المتقدمة فيه ـ بالقسمين الأوّلين ـ الشبهة الحكمية والمفهومية ـ ، فالمقتضي بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية قاصر.

(١) فيكون العلم بها مانعا عن جريان حكم العقل والنقل بالبراءة في الشبهات الموضوعية ، لتقيّد الأوّل بعدم البيان والثاني بعدم العلم ، والكبرى المذكورة ـ بموجب هذه الدعوى ـ تكفي بيانا لصغرياتها الواقعية ، وعلما بها ، فيتنجز التكليف الواقعي بالنسبة إلى جميع انطباقاته الواقعية ، ومقتضاه وجوب الاحتياط في المصاديق المشتبهة.

(٢) لأن ملاك المنع المستند إلى الوجهين المزبورين هو موضوعية الشبهة ، وهي متحققة في النفسيات أيضا ، فلا بدّ من المنع فيها أيضا ، مع أنّ الظاهر التسالم على الجريان فيها.

(٣) وهما ما دار أمره بين المتباينين وما دار أمره بين الأقل والأكثر ، فإن الوجه الثاني جار في هذه الشبهات أيضا ولا اختصاص له بالموضوعية ، ومقتضاه البناء على وجوب الاحتياط فيما دار أمره منها بين الأقل‌


أمّا الأوّل فهو بالنسبة إلى عموم دليل الرفع ظاهر (١) ، لأنّه تخصيص لا موجب له ، وعموم الدليل ينفيه (٢) ، وكذا بالنسبة إلى حكم العقل بمعذوريّة الجاهل بعد تسليم جريانه عند الجهل بالقيديّة أيضا (٣) ـ كما هو المفروض (٤) ـ ، فإنّ حكمه بذلك وإن كان (٥)

__________________

والأكثر ، كما إذا ورد ( أكرم عادلا ) ، ودار أمر مفهوم العادل بينهما ، فيقال إن العلم بهذه الكبرى الشرعية كاف في حصول العلم بوجوب إكرام عادل واقعي ، فيجب الاحتياط ـ كما يجب في الدائر بين المتباينين بلا إشكال.

(١) أي فساد الأول بالنسبة إلى العموم المذكور ظاهر.

(٢) لاندراج الشبهات الموضوعية ـ كالحكمية ـ في عموم ( رفع ما لا يعلمون ) من دون أيّ مانع ، فإنّ مفاده الرفع الظاهري للحكم المجهول مطلقا ، وكما أنّ هناك في الشبهات الحكمية حكما مجهولا مرفوعا بالحديث وهو الحكم الكبروي ، كذلك في الشبهات الموضوعية يرفع الحكم الصغروي المجهول ، غايته أن الجهل هنا ناش من الجهل بالموضوع الخارجي المتعلق للحكم النفسي أو القيدي.

(٣) وقد عرفت أنه غير مسلّم وقابل للمناقشة.

(٤) إذ لو لم يفرض تسليم جريان الحكم العقلي المذكور في الارتباطيات في الجملة لم يكن للبحث عن جريانه في خصوص الشبهات الموضوعية منها مجال.

(٥) محصّل المرام أن هناك من الأحكام الواقعية ـ بحسب مقام الثبوت ـ ما سكت عنه الشارع ولم يبيّنه النبيّ ـ 6 ولا أيّ من أوصيائه : لمصلحة تقتضي السكوت عنه وعدم تبليغه ، فهو مع كونه حكما لبيّا ذا‌


__________________

ملاك في نفسه ، لكنّ المصلحة اقتضت ترك تبليغه مطلقا أو لفترة ، فلم تتمّ فيه مبادئ فعليّته التامّة بتوجيهه إلى المكلف وبعثه أو زجره به ـ كما هو الحال عند بيان الأحكام تدريجا في صدر الإسلام.

ومنها ما بيّنه الشارع وبلّغه ، لكنّه اختفى عنّا البيان ولم يصل إلينا لموانع خارجية ، أو وصل بيان مجمل مشتبه المفهوم لأمور طارئة.

ومنها ما بيّنه ووصل إلينا من غير إجمال ، لكنّه اشتبه علينا موضوعه لاشتباه في الانطباق الخارجي.

وأمّا بحسب الإثبات فتارة يعلم سكوت الشارع وعدم صدور بيان منه ، واحتمل مع ذلك وجود التكليف الواقعي في المورد ، فكان أمره دائرا بين انتفاء التكليف واقعا وبين وجوده وانتفاء بيانه واقعا لمصلحة.

ولا ريب في حكم العقل فيه بالمعذورية وقبح العقاب عليه لكن بملاك يخصّه ولا يطرد في غيره ، وهو عدم كون التكليف فعليا متوجها إلى المكلفين رأسا لعدم تمامية مبادئ توجيهه إليهم وبعثهم إليه أو زجرهم عنه ـ وإن تمّت فيه مبادئ جعله وتشريعه في نفسه وكان له نحو وجود في علمه تعالى ـ إلاّ أنه لا أثر يترتب عليه ما لم يبلّغ ، وكان من قبيل الحكم الاقتضائي ، فشأنه شأن ما لو علم انتفاء التكليف فيه حتى لبّا ، والجامع هو العلم بانتفاء التكليف الفعلي المتوجه إلى المكلفين ، وقبح العقاب حينئذ يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

واخرى لا يعلم سكوت الشارع واحتمل بيانه واستناد جهلنا إلى اختفاء البيان عنّا وعدم وصوله ـ على ما هو عليه ـ إلينا للعوائق الخارجية ، فلم يصل بالمرة ، أو وصل على غير ما كان عليه بحيث أصبح مشتبه المفهوم‌


بالنسبة إلى ما علم سكوت المولى عنه وشكّ في دخله في‌

__________________

بالنسبة إلينا.

وثالثة يعلم بيان الشارع وقد وصل إلينا من غير إجمال في مفهومه واشتباه في المراد منه وإنما يستند جهل المكلف إلى اشتباه المصداق الخارجي وانطباق عنوان الموضوع عليه.

وقد أفاد 1 أنّ الأول من هذين القسمين أيضا لا إشكال في حكم العقل فيه بالمعذورية وقبح العقاب ـ كالقسم الأوّل المتقدم ـ ، إلاّ أنّ حكمه فيه بذلك لم يكن لملاك خاص به ، ليختص بموارد لزوم الرجوع فيها لرفع الجهالة إلى الشارع ـ وهي موارد الشبهات الحكمية والمفهومية ـ ، كي يبقى في غيرها ـ وهي الشبهات الموضوعية ـ القسم الأخير ـ بلا ملاك يقتضيه ، بل إنما يحكم به لملاك مطّرد في الجميع ، وهو توقف تمامية الحكم الفعلي في تأثيره في تحريك المكلف بعثا أو زجرا على العلم به ووصوله إليه كبرى وصغرى ، وعدم كفاية مجرد صدوره من الشارع وبيانه له ـ فضلا عن وجوده اللبّي الواقعي من دون بيان ـ في تمامية تأثيره التشريعي وصلاحيته للباعثية والزاجرية الفعليتين ، فإن من البديهي أنّ الشي‌ء إنما يحرّك الفاعل نحوه بوجوده العلمي لا الواقعي ، فالحكم الفعلي المبيّن غير الواصل إلى المكلف قاصر في نفسه عن التأثير في انبعاثه أو انزجاره ، فعدم انبعاثه أو انزجاره الناشئ من القصور المذكور لا يعدّ في نظر العقل عصيانا للمولى يستحق لأجله العقاب ، بل عقابه ـ والحالة هذه ـ ظلم يقبح صدوره منه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا ـ كما ترى ـ مطّرد في جميع أقسام الشبهة. إذن فلا يبقى لدعوى عدم جريان الحكم العقلي في الشبهات الموضوعية وقصور مقتضيه فيها أيّ وجه يذكر.


غرضه الواقعي (١) لملاك خاصّ (٢) لا يطّرد في غيره ، لكن بعد عدم اختصاص (٣) عذريّة الجهل بخصوص هذا القسم واطّرادها فيما إذا احتمل اختفاء البيان أيضا ـ ولو باعتبار الاشتباه في مفهوم اللفظ ـ فليس حكمه بذلك لملاك خاصّ يوجب المعذوريّة في خصوص ما لا بدّ فيه من الرجوع إلى الشارع كي يختص بالقسمين الأوّلين (٤) ، وإنّما هو لملاك مطرد هو توقّف تمامية الإرادة التشريعية ـ في مرحلة التأثير في بعث المكلّف وزجره ـ على وجودها العلمي ، وقصورها ـ بنفس وجودها الواقعي وصدورها عن المولى ـ عن صلاحية التأثير في ذلك ، فيكون العقاب حينئذ على عدم الانبعاث أو الانزجار عمّا هو قاصر بنفسه عن التأثير في البعث والزجر ـ ظلما يقبح عن المولى صدوره ، فهذا هو ملاك استقلال العقل بمعذوريّة الجاهل وقبح المؤاخذة على المجهول ، واطّراده في جميع أقسام الجهل بالحكم الشرعي وعدم اختصاصه بقسم خاصّ منه ممّا لا‌

__________________

(١) إذ لو علم بدخل شي‌ء في غرض المولى وتماميّة الملاك المقتضي للتكليف فيه بحيث تمّ حكم العقل على طبقه لثبت حكم الشرع فيه بالملازمة ـ وإن سكت عنه ظاهرا ـ ، فإن العقل رسول باطني فيجب الامتثال ، ولا مسرح فيه لحكم العقل بعذرية الجهل ، لانتفاء الموضوع.

(٢) الظرف خبر لـ ( كان ) ، وقد عرفت فيما مضى آنفا المعنيّ بهذا الملاك الخاص.

(٣) أي : بعد معلومية عدم الاختصاص ووضوحه.

(٤) مرّ آنفا بيان هذا وما بعده ، فلا نعيد.


خفاء فيه.

وأمّا الثاني (١) فهو أوضح فسادا من سابقه ، إذ بعد ما عرفت من أنّ (٢) انحلال الكبرى الشرعية فيما يرجع إلى القسم الثالث (٣) بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه إلى حكم خاصّ استقلالي أو على وجه القيدية مترتّب على شخص موضوعه ، وأنّ التكليف الذي يتوجّه إلى المكلّف ، ويقبل الوضع والرفع ، ويترتّب عليه عقاب المخالفة هو عبارة عن آحاد تلك الخطابات التفصيلية المنحلّة تلك الكبرى إليها دون نفسها ، إذ هي ليست إلاّ إنشاء لها على سبيل الإجمال ، فلا بدّ حينئذ في خروج كل واحد منها (٤) عن موضوع حكم العقل والنقل بالبراءة من معلوميّة شخصه (٥) المتوقفة‌

__________________

(١) وهو دعوى كفاية العلم بالكبرى الشرعية مانعا عن جريان البراءة في الشبهات الموضوعية.

(٢) الظاهر زيادة كلمة أن.

(٣) بل الرابع ، ولعلّ الاشتباه من الناسخ ، وقد تقدّم ذكر هذا القسم مفصّلا ضمن تقسيم الأحكام باعتبار تعلّق متعلقاتها بالموضوع الخارجي وعدمه إلى أربعة ، وتقدم الكلام هناك حول الانحلال والترتّب المذكورين ، وأن الخطابات التفصيلية المترتبة على أشخاص الموضوع والمنحلّة إليها الكبرى هي الخطابات الفعلية المتوجهة فعلا نحو المكلف بعثا أو زجرا ، أما نفس الكبرى فليست إلاّ إنشاء إجماليا لتلك الخطابات.

(٤) أي : من تلك الخطابات الفعلية.

(٥) أي شخص ذلك الخطاب ، وقد سبق عند ذكر مراتب الحكم أنّ تنجّزه‌


على العلم بشخص موضوعه ، ولا جدوى لمجرّد العلم بالكبرى الشرعيّة وحدها في ذلك.

وبالجملة فبعد البناء على عدم مانعيّة العلم بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر عن جريان البراءة بالنسبة إلى ما عدا المتيقن تعلّق التكليف به ، وكون الارتباطية كعدمها في ذلك ، فلا جرم تجري الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث مجرى الشبهات الموضوعيّة النفسية (١) ، وكما أنّه لا مجال للمنع عن جريان البراءة فيها (٢) لا بدعوى القصور في المقتضي ، ولا بدعوى مانعيّة العلم بالكبرى الشرعيّة ، فكذلك فيما نحن فيه ، والتفصيل بينهما (٣) في كل واحد‌

__________________

يدور ـ بعد العلم بالكبرى الشرعية ـ مدار العلم بتحقّق موضوعه وانضمام الصغرى إلى الكبرى ، وأنه في كلتا مرحلتي الثبوت والإثبات بمنزلة النتيجة الحاصلة من انضمام المقدمتين. إذن فمجرد العلم بالكبرى لا يكفي في تنجز التكليف وخروجه عن موضوع البراءة ، بل لا بدّ فيه من العلم بالصغرى أيضا وإحراز تحقّق الموضوع ، فمع الشك فيه شبهة مصداقية يشك في فعليته وتوجهه إلى المكلف ويندرج به في مجاري البراءة عقلا ونقلا.

(١) فإنه مقتضى ما بني عليه من كون الارتباطية كعدمها ـ كما هو واضح.

(٢) أي في النفسيات.

(٣) فإنه إن ادّعي قصور المقتضي فبملاك الموضوعية وهو مطرد في النفسيات والارتباطيات ، وإن ادّعي مانعية العلم بالكبرى فكذلك أيضا وهو مطرد فيهما كذلك ، فالتفصيل بين البابين لا محصّل له في شي‌ء من‌


من هاتين الجهتين ممّا لا يرجع إلى محصّل.

وحاصل المقال أنّه بعد ما أوضحنا من رجوع الشبهة المبحوث * عنها إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ والأكثر على كلّ تقدير (١) ، فهي تجري في الارتباطيّة (٢) ومعلومية التكليف المردّد مجرى الشبهات الحكميّة‌

__________________

الوجهين بعد ما عرفت من أن الارتباطية لا أثر لها في تنجيز ما ليس بمتنجز لولاها.

(١) أي : سواء بني على انحلال قيديّة عدم الوقوع في غير المأكول إلى قيود متعدّدة بتعدّد أفراد موضوعها ـ كما هو المختار حسبما تقدم ـ أو بني على قيدية نفس السلب الكلي وتقيّد الصلاة بعدم وقوعها في مجموع الوجودات قيدا واحدا ، وعدم الوقوع في كلّ فرد على الأوّل قيد مستقل ، وعلى الثاني جزء القيد ، والشبهة الحاصلة بالنسبة إلى المصداق المشتبه على كلّ من التقديرين خارجية دائرة بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وقد مر تحقيق ذلك كله فيما سبق.

(٢) أي الشبهة المبحوث عنها تجري من حيث الارتباطية مجرى الشبهات الحكمية والمفهومية المردّد أمرها بين الأقل والأكثر والمفروض فيهما جريان البراءة ، وتجري من حيث موضوعية الشبهة مجرى الشبهات الموضوعية النفسية والمفروض فيها أيضا جريان البراءة ، فإذا التزم في كلا المقامين ـ أعني الحكمية الارتباطية والموضوعية النفسية ـ بجريان البراءة ، ولم يكن أيّ من الجهتين ـ الارتباطية والموضوعية ـ مانعة عن‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المبحوثة ) والصحيح ما أثبتناه.


والمفهوميّة الراجعة إلى تردّد المكلّف به بين الأمرين ، وفي العلم بالكبرى الشرعيّة وكون الشبهة خارجيّة ـ ليس من شأنها الرجوع فيها إلى الشارع ـ مجرى الشبهات الموضوعيّة النفسيّة ، وبعد الالتزام بجريان البراءة في كلا المقامين ، وعدم مانعيّة شي‌ء من هاتين الجهتين عن ذلك فلا يعقل أن يؤثّر اجتماعهما في ذلك ، وهل هو إلاّ كضمّ المعدوم إلى المعدوم؟ وهل التفصيل بين المقامين والمقام والالتزام بجريان البراءة فيهما دونه إلاّ من صرف التحكّم ، فلعلّ أن يكون ذهاب المشهور إلى عدم جواز الصلاة في المشتبه ـ بعد ظهور كلماتهم في المانعيّة والتزامهم بجريان البراءة في كلا المقامين ـ مبنيّا على منع الصغرى (١) وتوهّم رجوع القيد إلى عنوان بسيط اختياريّ يحصل في الخارج بالتحرّز عن مجموع الوجودات ـ كما يظهر من بعض تعبيراتهم ـ ، وهو (٢) وإن كان ـ بعد ما تقدّم من عدم إمكان رفع اليد عمّا يدلّ على موضوعيّة العنوان المذكور (٣) بلحاظ‌

__________________

جريانها ، فاجتماعهما في مورد الشبهة المبحوث عنها لا يعقل أن يكون مانعا ، وكيف يمكن أن يكون اجتماع أمرين لا مانعية لأيّ منهما محدثا للمانعية.

(١) وهي الانحلال ، ولو كانوا قائلين بالشرطية أو مانعين من جريان البراءة في أحد المقامين المذكورين ـ منعا كبرويا ـ لم يكن وجه لحمل كلامهم على المنع الصغروي.

(٢) أي رجوع القيد إلى العنوان البسيط.

(٣) وهو عنوان غير مأكول اللحم ، أي موضوعيّته لحكم المانعية بلحاظ‌


تقرّره الخارجي لهذا الحكم ـ ممّا لا سبيل إليه ، بل وينافيه تسالمهم (١) على لزوم الاقتصار عند الاضطرار على مقدار الضرورة من حيث قضاء نفس الجهة المستتبعة للمانعيّة بذلك ـ لا بدعوى قيام دليل آخر يوجب ذلك حسبما تقدم بيانه ـ ، لكنّه مع ذلك (٢) فهو أهون من منع الكبرى (٣) ـ كما لا يخفى ـ ، وليس في إهمالهم لذكر هذا القسم (٤) في مسائل الباب دلالة على منعهم عن جريان‌

__________________

وجوداته الخارجية ، وقد سبق تفصيل الكلام فيه في البحث الصغروي المتقدم.

(١) مرّ في البحث المشار إليه بيان منافاته لقيدية العنوان البسيط ، بل ومنافاته لقيدية السلب الكلي أيضا ، وعدم ملائمته إلاّ لانحلال القيدية ، كما مرّ هناك ظهور تسالمهم على ذلك في كونه جريا على ما تقتضيه أدلة المانعية ، لا لأجل قيام دليل آخر ـ بعد سقوط القيدية رأسا بالاضطرار إلى البعض ـ على ثبوت تكليف جديد بالنسبة إلى الباقي.

(٢) أي : مع ما فيه من وجوه الإشكال.

(٣) وهي جريان البراءة ، لما في منع جريانها في المقام مع الالتزام بجريانها في المقامين المتقدّمين من التهافت الواضح ، ولا كذلك منع الصغرى ، على أن طبع الصغريات أن يكون مجال المناقشة فيها أوسع من الكبريات ، هذا ولا يذهب عليك أن المنع الصغروي المحتمل بناء المشهور عليه إنما يتمّ بدعوى قيدية العنوان البسيط ـ كما صنعه المصنف 1 ـ ، فإنها التي تدرج الشبهة في مجاري قاعدة الاشتغال ، ولا يستقيم بالبناء على قيدية السلب الكلي ، فإن مقتضاها الإدراج في مجاري البراءة ـ كما على الانحلال ـ وقد مر بحثه.

(٤) وهو ما اجتمع فيه جهتا الارتباطية والموضوعية.


البراءة فيه بعد اطّراد الملاك واشتراكه ، فليكن تنقيحنا له استدراكا لما فاتهم ذكره من أقسام تردّد الواجب بين الأقلّ والأكثر ، وكم ترك الأوّل للآخر ، وهذا هو تمام الكلام في المقام الأوّل ، وتوضيح كون الشبهة المبحوث (١) عنها من مجاري البراءة.

__________________

(١) الموجود في الطبعة الاولى ( المبحوثة ) والصحيح ما أثبتناه.


( المقام الثاني )

في توضيح كونها من مجاري أصالة الحلّ المعوّل عليها عند الشكّ في خصوص حلّية الشي‌ء وحرمته ، والمستفاد اعتباره من * قول أبي جعفر ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ في رواية عبد الله بن سليمان (١) جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه : « كلّ ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال. إلخ » ، وقول أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ في صحيحة عبد الله بن سنان : « كلّ شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال. إلخ » ، وموثقة مسعدة بن صدقة (٢) : « كلّ شي‌ء هو لك حلال. إلخ ».

ومحصّل الكلام في ذلك : هو أنّها أيضا باعتبار شمول ما يدلّ على اعتبارها (٣) لمحلّ البحث قاضية بعدم مانعيّة المشتبه وجواز‌

__________________

(١) رواها في الوسائل في الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١ ، وعبد الله بن سليمان هو الصيرفيّ ، وهو غير موثّق.

(٢) الصحيحة مرويّة في الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ ، والموثّقة في نفس الباب ـ الحديث ٤.

(٣) ستعرف ـ بعد حين ـ أنّ الوجه في شمول أدلّة اعتبار هذا الأصل للمقام‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


الصلاة فيه ، ولكن لا بتقريب أنّ الشكّ في مانعيّة المشتبه لكونه مسبّبا عن الشكّ في حلّية ما أخذ منه * وحرمته وهو من مجاري أصالة الحلّ ، فقضيّة السببيّة والمسببيّة (١) ـ حينئذ ـ هو الحكم بعدم مانعيّته تبعا للحكم على ما أخذ هو منه ** بالحلّية ـ بمقتضى هذا الأصل.

وذلك لأنّ تردّد مثل الصوف المشتبه بين ما يجوز الصلاة فيه وما لا يجوز يكون ـ تارة ـ باعتبار تردّده بين الأخذ من الحلال أو الحرام المعلوم كلّ واحد منهما والممتاز في الخارج عن الآخر (٢) و ـ أخرى ـ باعتبار تردّد ما علم أخذه منه بين الحلال والحرام (٣).

ولا خفاء في أنّ ما هو من قبيل القسم الأوّل فليس للشكّ‌

__________________

هو الشك في حلّية الصلاة في المشتبه وحرمته ـ المنتزع عنها المانعيّة ـ لا كون الشك في مانعيّته مسبّبا عن الشك في حلّية أكله أو نحو ذلك.

(١) ليجري الأصل في ناحية السبب وهو أصالة حليّة ما أخذ منه ، ويترتّب عليه المسبّب وهو عدم المانعيّة.

(٢) كما هو الغالب في موارد الاشتباه في المقام ونظائره.

(٣) لشبهة حكميّة كما إذا لم يعلم نوع حيوان معيّن أنّه حلال أو حرام ، أو موضوعيّة كما إذا تردّد حيوان خارجيّ بين نوعين محلّل ومحرّم.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.


السببيّ فيه مساس بمجاري أصالة الحلّ أصلا (١) ، إذ ليس في البين حيوان مشتبه يشكّ في حلّيته وحرمته كي يندرج في مجاري هذا الأصل ، وإنّما الشبهة راجعة إلى مرحلة أخذ الصوف من أيّ الحيوانين المعلوم حلّية أحدهما وحرمة الآخر ، وواضح أنّها بمعزل عن ذلك (٢).

ولا مجال لدعوى استلزام هذه الشبهة للشكّ في حلّية ما أخذ منه * هذا الصوف وحرمته وإجراء الأصل فيه بهذا الاعتبار (٣) ، لأنّ هذا العنوان (٤) إذا لوحظ مرآة لما في الخارج فدعوى الاستلزام ممنوعة (٥) ، كيف وليس هو خارجا عن الشخصين ، والمفروض عدم‌

__________________

(١) فلا يجري الأصل المذكور للحكم على ما أخذ منه بالحلّية.

(٢) أي : عن اندراجها في مجاري هذا الأصل ، وبالجملة : الفرق بيّن بين الشك في حلّية الحيوان وحرمته وبين الشكّ في أخذ هذا الصوف من الحيوان المعلوم الحلّية أو المعلوم الحرمة ، والشبهة هنا من القسم الثاني ، ومجرى الأصل هو الأوّل.

(٣) بأن يقال : إنّ الشك في الأخذ من المحلّل أو المحرّم يستلزم الشك في حلّية المأخوذ منه وحرمته ، فيجري فيه أصالة الحلّية ، ويترتّب عليه عدم المانعيّة ، وقد وصف 1 هذه الدعوى في آخر كلامه بالمغالطة.

(٤) وهو عنوان ما أخذ منه هذا الصوف.

(٥) إذ ـ عليه ـ يكون العنوان مشيرا إلى ما في الخارج ، وما في الخارج لا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.


تطرّق الشك في الحلّية والحرمة بالنسبة إلى شي‌ء منهما ، ولا يعقل أن يكون الشكّ في اتّخاذ هذا الصوف من * كلّ منهما موجبا للشكّ‌

__________________

يشكّ في حلّيته أو حرمته ، إذ هو إمّا هذا وهو معلوم الحلّية أو ذاك وهو معلوم الحرمة. إذن فالشك في الأخذ لا يستلزم الشك في حلّية الموجود الخارجيّ المعنون وحرمته.

ومنه يظهر النظر فيما أفاده السيّد الأستاذ 1 في هذا المقام ( رسالة اللباس المشكوك : ٧٣ ) من أنّ معلوميّة حكم كلّ منهما في نفسه لا ينافي الشكّ الفعليّ في حرمة ما أخذ منه هذا الصوف ، وأن معنون هذا العنوان موجود خارجيّ يشك في حلّيته وحرمته فعلا.

إذ فيه أنّ الموجود الخارجيّ المشار إليه بالعنوان المذكور لا يشكّ في حلّيته وحرمته ، بل يشكّ في شخصه ، لعدم تعيينه ، فلا يعلم أنّه هو هذا الغنم الحلال أو ذاك الأرنب الحرام ، فليس في البين موجود خارجيّ يشك في حلّيته وحرمته ليجري فيه أصالة الحلّية. هذا ، وقد جعل 1 المقام نظير ما إذا وقع بيد المكلف قطعة لحم يشكّ في أخذها من لحم معلوم الحرمة أو من آخر معلوم الحلّية ، حيث لا إشكال في جريان أصالة الحلّ فيها. لكنّ هناك ـ كما ترى ـ فرقا بين المقامين ، فإنّ المدّعى في محلّ الكلام هو الشكّ في حلّية ما أخذ منه الصوف وحرمته ، أمّا الصوف نفسه فلا معنى للشك في حلّيته وحرمته بالمعنى المبحوث عنه هنا ، أمّا قطعة اللحم ـ في المثال ـ فيشكّ فعلا في حلّيتها وحرمتها في نفسها وإن كان هذا الشك ناشئا من الشك في كونها مقطوعة من أيّ اللحمين ، ونحوه الكلام فيما مثّل 1 به ثانيا من فقد أحد اللحمين ، فراجع وتدبّر.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


في حلّيته وحرمته (١). وإن لو حظ من حيث نفس هذا المفهوم (٢) المنتزع عن لحاظ الاتّصاف باتّخاذ هذا الصوف منه * ، فهو وإن صحّ دعوى الاستلزام ـ حينئذ ـ بهذا الاعتبار (٣) ، لكن بعد وضوح عدم صلاحيّة نفس المفاهيم الانتزاعيّة من حيث أنفسها لا للاندراج في عموم الموصول أو الشي‌ء الوارد في عناوين الأدلّة (٤) ، ولا للحكم عليها بالحلّ والحرمة فلا جدوى في إحراز الاتّخاذ من‌

__________________

(١) أي : في حلّية ما اتّخذ منه وحرمته ، فإنّ ما اتّخذ منه ـ كما عرفت ـ إمّا هذا وهو حلال قطعا أو ذاك وهو حرام كذلك ، والشك في الأخذ لا يعقل أن يسري إلى حكم المأخوذ منه بعينه فيوجب شكا فيه ـ كما لا يخفى.

(٢) وهو مفهوم ما اتّخذ منه هذا الصوف.

(٣) فإنّ المفهوم الانتزاعي المذكور لكونه كلّيا مردّدا في صدقه على كلّ من الحيوانين ـ المتّخذ من أحدهما الصوف والمفروض حلّية أحدهما وحرمة الآخر ـ فلا محالة يتردّد أمر المفهوم في مفهوميّته بين الحلّية والحرمة ـ لو فرض صلاحية المفاهيم أنفسها لتعلّق الأحكام بها ، وهي ممنوعة كما حقّق في محلّه وسيشار إليه. وهذا نظير مفهوم ( أحدهما ) المنتزع من شيئين خارجيّين ، فإنّه إذا فرض اتّصاف أحدهما بالحلّية مثلا والآخر بالحرمة استتبع ذلك تردّد المفهوم المذكور نفسه بين الوصفين.

(٤) أي : أدلّة أصالة الحلّ ، فإنّ المراد بهما الموجود الخارجيّ دون المفهوم المنتزع ـ كما هو واضح.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.


الحلال بهذا الأصل لهذه المغالطة.

وأمّا ما يرجع إلى القسم الثاني فهو وإن كان الأصل ـ حينئذ ـ قاضيا بحلّية الحيوان المشتبه المذكور عند ترتّب أثر شرعيّ (١) على حلّية الحيوان بالمعنى الممكن إحرازه بهذا الأصل ، ولو باعتبار الصلاة في أجزائه مع عدم جريانه لأكل لحمه (٢) إمّا لخروجه عن مورد الابتلاء ـ مثلا ـ أو لعدم إحراز تذكيته ـ ولو من جهة الشكّ في قبوله لها ـ أو غير ذلك ، لكنّه ـ مع ذلك ـ فلا جدوى له فيما نحن فيه.

وتوضيح ذلك : أنّ الأحكام الشرعيّة المترتّبة على المحرّمات الشرعيّة ـ مثلا ـ أو محلّلاتها تترتّب * عليها تارة باعتبار نفس ذواتها (٣)

__________________

(١) إذ يعتبر في جريان الأصل ترتّب أثر شرعي على مؤدّاه وهو في المقام موجود.

(٢) يعني : لا يعتبر في جريان هذا الأصل في الحيوان المشتبه ترتّب الأثر عليه بالنسبة إلى أكل لحمه ، بل يكفي في الأثر جواز الصلاة في أجزائه ولو كانت لا تحلّها الحياة ممّا لا يعتبر فيه التذكية ، ولا يقدح عدم ترتّب حلّية أكل اللحم عليه لخروجه عن محلّ الابتلاء أو لعدم إحراز تذكيته أو نحو ذلك.

(٣) فتكون الذوات تمام الموضوع لتلك الأحكام كما أنّها موضوعات للحلّية أو الحرمة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يترتب ) والصحيح ما أثبتناه.


من دون أن يكون لاتّصافها بالوصف المذكور (١) دخل * في موضوع الحكم ، فيكون أخذه في لسان الدليل معرّفا للموضوع (٢). وأخرى باعتبار اتّصافه بها ، فيكون أخذه فيه عنوانا له (٣).

ولا خفاء في أنّ ما هو من قبيل القسم الأوّل فلا ترتّب فيه لأحد الحكمين على الآخر وإنّما يعرضان في عرض واحد لموضوع واحد ، وكذلك الشكّ في أحدهما لا يتسبّب عن الشكّ في الآخر وإنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في موضوعهما ، فإن كان هناك أصل موضوعيّ يوجب تنزيل الموضوع (٤) فهو وإلاّ فلا جدوى للأصل الحكميّ القاضي بترتّب أحدهما في ترتّب الآخر أيضا وإلغاء الشك فيه ، لا بنفسه (٥) ، ولا بتوسّط إثبات‌

__________________

(١) وهو وصف كونه محرّما أو محلّلا.

(٢) أي : يكون الوصف المذكور مأخوذا في لسان الدليل معرّفا ومشيرا إلى موضوع الحكم من دون دخل له فيه.

(٣) أي : للموضوع ، ودخيلا فيه ، فيكون اتّصاف الشي‌ء بالحلّية أو الحرمة مأخوذا في موضوع الحكم الثاني.

(٤) كالاستصحاب الموضوعيّ الموجب لتنزيل المستصحب منزلة الواقع ، فإذا ثبت به الموضوع ترتّب عليه كلا الحكمين في عرض واحد ، وإذا انتفى انتفيا جميعا.

(٥) أي : بنفس الأصل الحكمي الجاري في الأوّل ، ضرورة أنهما حكمان متغايران فكيف يثبت أحدهما بالأصل المثبت للآخر.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( دخلا ) والصحيح ما أثبتناه.


الملزوم (١) إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت.

وأمّا ما يرجع إلى القسم الثاني فهو أيضا يتصوّر على وجهين : لأنّ أخذ وصف الحلّية أو الحرمة الشرعيّة في موضوع حكم آخر يكون ـ تارة ـ باعتبار معناها الذاتيّ (٢) المجعول لذوات الأنواع المحلّلة أو المحرّمة في حدّ ذاتها ونوعها ، والمحفوظ عند طروّ ما يوجب الرخصة فعلا أو المنع كالاضطرار ـ مثلا ـ أو المغصوبيّة ، و ـ أخرى ـ باعتبار معناها الفعليّ الذي هو عبارة عمّا ذكر من الرخصة أو المنع الفعليّ المقابل والمنافي كلّ منهما للآخر بهذا الاعتبار ، والمجامع له بالاعتبار الأوّل (٣).

ولا خفاء في أنّهما ـ وإن اشتركا في كون الشكّ السببيّ (٤) في‌

__________________

(١) وهو الموضوع ، باعتبار أن ثبوت أحد الحكمين بالأصل يستلزم ثبوت موضوعه ويترتّب على ثبوت الموضوع ثبوت حكمه الآخر ، وذلك لأنّه من الأصل المثبت الذي لا نقول بحجيّته ، فإنّ ثبوت الموضوع ملزوم عقليّ لثبوت حكمه فلا يثبت بالأصل الحكمي.

(٢) وهي الحلّية أو الحرمة الذاتية المجعولة لذوات الأنواع بعناوينها الأوّلية وإن طرأ عليها عنوان ثانوي من اضطرار أو غصب أو نحوهما ممّا يوجب صيرورة الحرام الذاتي حلالا فعلا أو بالعكس.

(٣) فإنّ الحرمة الفعليّة تنافي الحلّية الفعليّة وتقابلها ، لكنّها تجامع الحلّية الذاتيّة ، وكذا العكس.

(٤) وهو الشك في الحكم الأوّل ـ الحلّية أو الحرمة ـ المأخوذ في موضوع الحكم الثاني ، ووجه الاشتراك واضح ، فإنّ أصالة الحلّ كما تجري فيما يشك في حلّيته الذاتيّة كذلك فيما يشك في حلّيته الفعليّة.


كلّ واحد منهما من مجاري أصالة الحلّ ـ ، لكن حيث إنّ غاية ما يستفاد ممّا يدلّ على اعتبار هذا الأصل إنّما هو الرخصة في المشكوك بما هو مشكوك الحكم ، وعدم رعاية جانب الحرمة فيه ، دون البناء على أنّه الحلال واقعا وحكمه الواقعيّ هو الحلّية ، كي يرجع إلى جعل أحد طرفي الشكّ وإلغاء الآخر (١) ـ كما هو لسان‌

__________________

(١) محصّل المرام : أنّ المجعول بأصالة الحلّ ـ حسبما يستفاد من أدلّتها ـ هو مجرد الترخيص العمليّ في ارتكاب المشكوك حلّيته وحرمته ما دام هو مشكوك الحكم ومتّصفا بهذا الوصف وعدم لزوم رعاية احتمال حرمته بالاجتناب عنه من دون أن يتكفّل البناء على حلّيته الواقعيّة ، كما هو لسان الاستصحاب ونحوه من الأصول المحرزة ، كي يرجع إلى جعل أحد طرفي الشك ـ الحلّية ـ على أنه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر ـ الحرمة ـ ، فالمجعول بها حلّية ظاهرية خاصّة بحال الشك ، ووزانها وزان الحلّية الواقعيّة الفعليّة المجعولة للشي‌ء في حال الاضطرار خاصّة ، دون الذاتيّة المجعولة له في حدّ ذاته. إذن فهي لا تتكفّل سوى الحليّة الفعليّة ما دام الشك.

وحينئذ فإن كان المأخوذ في موضوع الحكم الثاني هو الحلّية الفعليّة والشك فيه مسبّبا عن الشك فيها ـ كما هو الشأن في القسم الثاني من القسمين الأخيرين ـ فأصالة الحلّية الجارية في جانب الشك السببيّ حاكمة على الأصل الجاري في ناحية المسبّب ورافعة للشك فيه ، وإن كان المأخوذ فيه هو الحلّية الذاتيّة ـ كما في القسم الأوّل منهما ـ فلا حكومة حينئذ ، إذ هي لا تثبت بالأصل المذكور فلا يصلح لرفع الشك في ناحية المسبّب.


الاستصحاب ـ مثلا ـ ، فليس الحكم الظاهريّ المجعول بهذا الأصل ـ حينئذ ـ إلاّ من سنخ الواقعيّ المجعول عند الاضطرار ـ مثلا ـ دون الذاتيّ المجعول للشي‌ء في حدّ ذاته ، ولا تكفّل له لجعل متعلّق (١) الشكّ السببيّ وإلغاء الشك فيه إلاّ في خصوص القسم الأخير خاصّة ، فلا يستتبع ارتفاع الشكّ المسبّبي ومجعوليّة متعلّقة (٢) إلاّ في خصوص هذا القسم دون القسم الأوّل ، فإنّ مناط حكومة الأصل الجاري في أحد الشكّين على الآخر وارتفاع موضوعه به (٣) إنّما هو كونه * باعتبار تكفّله لتنزيل الملزوم (٤) مستتبعا لتنزيل لازمه أيضا وإلغاء الشكّ فيه ـ لا محالة ـ ، لا من حيث نفس جريانه فيه مع عدم تكفّله لذلك (٥) ، إذ لا يعقل أن يكون (٦) مجرّد موضوعيّة الشكّ‌

__________________

(١) وهو الحلّية.

(٢) وهو الحكم الثاني الذي أخذت الحلّية في موضوعه.

(٣) أي : موضوع الشك الآخر بذلك الأصل.

(٤) وهو السبب كما أنّ لازمه هو المسبّب. والمقصود أنّ مناط الحكومة أن يكون الأصل متكفّلا لجعل ما هو ملزوم وموضوع لحكم آخر ، فيستتبع ـ لا محالة ـ جعل ذلك الحكم وإلغاء الشك فيه.

(٥) أي : عدم استتباعه لتنزيل اللازم.

(٦) يعني : لا يعقل أن يكون مجرّد جريان أصل متكفّل لحكم ظاهريّ‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( لكونه ) والصحيح ما أثبتناه.


السببيّ لحكم ظاهريّ موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له عليه أو رافعا للشك المسبّبي مع عدم تنزيله لما يشكّ فيه.

وإذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ أدلّة الباب بين طائفتين :

الأولى : ما علّق فيه الحكم بمانعيّة الأجزاء على نفس الأنواع والعناوين المحرّمة كالأرانب والثعالب والسمّور وغير ذلك.

والثانية : ما علّق فيه على عنوان ( ما لا يؤكل ) أو على ( ما هو حرام أكله ) أو نحو ذلك.

ولا خفاء في ظهور الطائفة الأولى ـ خصوصا مع انضمامها بما ورد من تعليل الحكم بالمسوخية (١) ـ في ترتّب المانعيّة في عرض حرمة الأكل على نفس تلك الأنواع من حيث عدم صلاحيّتها في حدّ ذاتها لوقوع الصلاة في أجزائها ـ كعدم صلاحيّتها لأكل لحومها ـ ، لا من حيث كونها محكومة بحرمة الأكل كي يترتّب أحد الحكمين على الآخر.

وأمّا الطائفة الثانية : فكما يصلح الوصف فيها للعنوانيّة فكذا‌

__________________

في الشك السببيّ ـ كأصالة الحلّية ـ موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له على ذلك الحكم كما إذا كان مترتّبا على الحلّية الذاتيّة وكان الحكم الذي يتكفّله الأصل هو الحلّية الفعليّة ، وإذا لم يوجب التنزيل في ناحية الشك المسبّبيّ فلا محالة لا يكون رافعا للشك فيه.

(١) في مرفوعة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة ، فإنّ المسوخيّة عنوان ذاتيّ للأنواع المسوخة ، وتعليل المانعية بها يدلّ على موضوعية تلك الأنواع وتعليق الحكم عليها.


يصلح للمعرّفية أيضا ، فيحمل حينئذ على الوجه الأخير (١) بقرينة الطائفة الاولى ـ لا محالة. بل لو سلّم لبعضها ـ كصدر الموثّقة (٢) مثلا باعتبار التفريع الوارد فيها ـ ظهور في دخل الاتّصاف بالوصف المذكور في موضوع الحكم ، فبعد أظهريّة الطائفة الاولى وكونها باعتبار ما تتضمّنه * من التعليل أبعد عن قبول الحمل والتأويل فلا مناص عن حمل الوصف على المعرفيّة ويستقيم التفريع أيضا بذلك (٣). وعلى هذا فلا ترتّب بين الحكمين ولا سببيّة ولا مسبّبيّة‌

__________________

(١) وهو المعرّفية لتلك الأنواع والذوات ، وقد مرّ بيان الفرق بينها وبين العنوانيّة.

(٢) وهو قوله 7 « الصلاة في كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في شعره إلخ ». فإنّ تفريع فساد الصلاة في شعره ونحوه على كونه حراما أكله ظاهر في نفسه في موضوعيّة الاتّصاف بحرمة الأكل وكونه مأخوذا على نحو العنوانيّة ، وليس سبيله سبيل قولهم : في سائر روايات هذه الطائفة : « لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه » الذي يتساوى فيه الاحتمالان.

(٣) محصّل المرام : أنّ الطائفة الأولى أخبار كثيرة قويّة الدلالة ـ ولا سيّما مع انضمام التعليل بالمسوخيّة إليها ـ على عدم صلاحيّة تلك الأنواع للصلاة فيها لذواتها ، ويبعد جدا حملها جميعا على إرادة عدم صلاحيّتها لذلك لأجل حرمة أكلها. وأمّا الطائفة الثانية فما سوى صدر الموثّقة يحتمل فيه الأمران ، فيحمل ـ كما مرّ ـ على المعرفيّة بقرينة الطائفة الأولى. بقي‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يتضمنه ) والصحيح ما أثبتناه.


بين الشكّين وإنما يتسبّبان في عرض واحد عن الشكّ في كونه من أفراد الغنم مثلا أو الأرنب ، وواضح أنّ نفس الشكّ السببيّ (١) حينئذ ليس بنفسه ومع قطع النظر عن استتباعه للشك في جواز الأكل وعدمه من مجاري أصالة الحلّ ـ كما لا يخفى.

ثمّ لو سلّمنا ظهور الأدلّة في ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل ، فغاية ما يسلّم من ذلك إنّما هو ترتّبها عليه على الوجه الأوّل (٢) ، فإنّ هذا هو الظاهر من الحرمة والحليّة الموصوفة بهما محرّمات الأنواع ومحلّلاتها (٣) دون الثاني ، وإلاّ (٤) لزم ـ مضافا إلى خروجه عن ظواهر أدلّة الباب ـ دخول ما لا تحلّه الحياة من ميتة الغنم (٥) ـ مثلا ـ فيما لا تجوز الصلاة فيه ، وخروج ما اضطرّ إلى‌

__________________

صدر الموثّقة ، وهو لأظهريّة الطائفة الأولى منه وعدم صلاحيّته لوحدة؟؟؟

لمقاومتها لا بدّ من رفع اليد عن ظاهره ، وحمله أيضا على المعرّفية.

(١) وهو هنا الشك في كونه من أفراد الغنم أو الأرنب مثلا ، فانتبه.

(٢) وهو كون الحرمة المترتّب عليها حرمة ذاتيّة.

(٣) فإنّ قولنا ( ما لا يؤكل لحمه أو يؤكل ) يعني النوع الذي يحرم أكله أو يحلّ ، والظاهر من اتّصاف النوع بأحد الوصفين هو اتّصافه به من حيث ذاته لا بلحاظ عوارضه وثانويّاته.

(٤) أي : وإن كانت المانعيّة مترتّبة على الحرمة الفعليّة.

(٥) كصوف الغنم الميتة ، فإنها لموتها يحرم أكلها حرمة فعليّة ، في قبال الأرنب المضطرّ إلى أكله حيث يحلّ أكله حلّية فعليّة ، فلو كانت العبرة بحرمة الحيوان وحلّيته الفعليّتين لزم ما هو ضروريّ البطلان من فساد الصلاة في الأوّل وصحتها في الثاني.


أكله من الأرنب أو الثعلب ـ مثلا ـ عنه ، والتالي باطل بالضرورة فكذلك المقدّم.

وبالجملة : فلا مناص ـ بعد تسليم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل ـ عن الالتزام به على الوجه الأوّل ـ ولو سلّم عدم ظهور الأدلّة فيه (١).

وعلى هذا فأصالة الحلّ وإن كانت جارية في الشكّ السببيّ (٢) ، لكنّها باعتبار عدم تكفّلها لإلغاء الشكّ في ملزوم المانعيّة (٣) فلا يعقل أن يستتبع إلغاء الشكّ فيها ـ كما قد عرفت ـ ، فيبقى الشكّ في المانعيّة ـ حينئذ ـ بحاله ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيه بالخصوص ، هذا.

ولا فرق فيما ذكرنا (٤) بين أن يكون الشكّ في حلّية الحيوان‌

__________________

(١) لما عرفت من لزوم ما هو ضروريّ البطلان لو لم يلتزم بهذا الوجه ، فكيف إذا كانت الأدلّة أيضا ظاهرة فيه ـ كما سمعت.

(٢) ومقتضاها حلّية أكل ما هو مردّد بين الغنم والأرنب ، لكنّها حلّية فعليّة خاصّة بحال الشكّ ، ولا تقتضي الحلّية الذاتيّة لينتفي بها موضوع المانعيّة وملزومها ، فيبقى الشك في المانعيّة بحاله ويرجع فيه إلى الأصل الجاري فيه نفسه.

(٣) فإنّ ملزومها ـ كما عرفت ـ هو الحرمة الذاتيّة ، والأصل لا يقتضي سوى الحلّية الفعليّة ، فلا يتكفل إلغاء الشك في الملزوم ليستتبع إلغاء الشك في المانعيّة نفسها.

(٤) من أنّ جريان أصالة الحلّ في الشك السببيّ لا يجدي في إلغاء الشك في موضوع المانعيّة.


المشتبه من جهة الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة ، إذ بناء على شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل للشبهات الحكميّة أيضا (١) فالشك في قابليّة النوع المشتبه للتذكيّة (٢) واقتضاء الأصل الموضوعيّ عدمها ـ بناء على جريانه فيما إذا كان الشك فيها من جهة القابليّة أيضا (٣) ـ وإن لم يكن مانعا عن جريان أصالة الحلّ لترتيب ما لا توقّف له من الآثار على تذكية الحيوان ـ كالصلاة فيما لا‌

__________________

(١) كما هو أحد القولين ، وإن لم يرتضه هو 1 ، وتفصيل الكلام محرّر في الأصول.

(٢) توضيحه : أنّ النوع المشتبه شبهة حكمية إن كان يعلم قابليّته للتذكية فلا كلام في جريان أصالة الحلّ فيه ، فيحلّ أكله إذا ذكّي ، أما إذا كان يشك في قابليّته لها فالأمر كذلك ـ بناء على عدم جريان الأصل الموضوعيّ ـ أصالة عدم التذكية ـ مع الشك في القابلية ، أمّا بناء على جريانه معه أيضا فأصالة الحلّ لا تجدي فيما يتوقّف من الآثار على التذكية ـ كحلّية أكله ونحوها ـ ، أمّا بالنسبة إلى ما لا يتوقّف منها عليها ـ كجواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه ـ فإجداؤها مبنيّ على كون المانعية مترتّبة على الحرمة الفعلية ، وقد عرفت امتناعه مضافا إلى ظهور الأدلّة في خلافه ، ونحوه ـ من حيث حكم الصلاة ـ صورة العلم بقبول النوع المشتبه للتذكية ـ المتقدّمة.

(٣) قد حقّق في محلّه أنّ جريان استصحاب عدم التذكية لدى الشك في القابليّة مبنيّ على كون التذكية أمرا بسيطا متحصّلا من ذبح الحيوان بشرائطه مع قابليّة المحلّ ، أمّا بناء على كونها الذبح نفسه والقابليّة شرطا في الحل والطهارة فلا مجال للاستصحاب بل المرجع حينئذ أصالة الطهارة والحلّية.


تحلّه الحياة من أجزائه ونحو ذلك ـ ، لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يقتضيه الحكم بحلّية النوع المشتبه بمقتضى هذا الأصل هي الرخصة في أكله (١) ، دون اللحوق بالأنواع المحلّلة في حدّ ذاتها ونوعها ، كي يترتّب عليه آثارها (٢) التي منها جواز الصلاة في أجزائها ، فيبقى الشكّ في مانعيّة الأجزاء (٣) حينئذ بحاله ـ كما قد عرفت.

بل لو منعنا عن أصل جريان أصالة الحلّ في الشبهات الحكميّة رأسا (٤) ، وقلنا بأنّ الأصل فيها هو الحرمة إمّا لنفس كون الشبهة تحريميّة ـ كما عليه الأخباريّون (٥) ـ ، أو لأنّ الأصل في الشبهة التحريميّة ـ وإن كان في حدّ نفسها هو الحلّ ـ إلاّ أنّ حصر المحلّلات في الطيّبات في قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (٦) ـ مثلا ـ يوجب انقلاب الأصل في المطعومات (٧) على حدّ غيرها‌

__________________

(١) أي : بما هو مشكوك الحكم رخصة عمليّة فعليّة لا الحلّية الواقعيّة الذاتيّة.

(٢) أي : يترتّب على النوع المشتبه آثار الأنواع المحلّلة في ذاتها.

(٣) مطلقا تحلّها الحياة أم لا تحلّها.

(٤) يعني : حتّى بالنسبة إلى أكله.

(٥) القائلون بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكميّة التحريميّة.

(٦) يستفاد الحصر من هذه الجملة باعتبار وقوعها جوابا عن السؤال عمّا أحلّ لهم ، قال تعالى ( يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ).

(٧) اختصاصه بالمطعومات مستفاد من سياق الآية المباركة. وهذه القاعدة‌


ممّا علّق فيه الحلّ والإباحة على عنوان وجوديّ كالدماء والأموال والفروج وغير ذلك ـ كما هو ظاهر المحكيّ عن المحقّق والشهيد الثانيين وشارح الروضة (١) وبعض آخر (٢) ـ ، وإن كان لازم هذا الوجه ـ على تقدير تماميّته (٣) ـ هو التعدّي إلى الشبهات الموضوعيّة (٤) أيضا وهم لا يلتزمون بذلك.

__________________

قوّاها المصنف الجدّ 1 واعتمد عليها في الفقه ، ومحصّلها : أنّه إذا علّق حكم ترخيصي تكليفي أو وضعي على أمر وجوديّ دلّ بالدلالة الالتزامية العرفية على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر وعدم جواز الارتكاب عند الشك فيه ، فيجب الاحتياط وجوبا طريقيا ولا مجال في مثله لأصالة البراءة ، وهذا هو المراد بانقلاب الأصل ، وقد جعل 1 هذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة الحرمة ووجوب الاحتياط في الدماء والأموال والفروج في كلّ من شبهاتها الحكمية والموضوعية ، نظرا إلى تعليق كلّ من جواز إزهاق الروح والتصرف المالي والاستمتاعي على كون المقتول مهدور الدم والمالك طيّب النفس والمرأة زوجة أو ملك يمين ، وعليها بنى 1 أصالة انفعال الماء حتى يحرز كونه عاصما ، حيث علّق اعتصامه على كونه كرّا أو جاريا أو نحوهما من المياه العاصمة ، وأصالة حرمة النظر حتى يحرز كونه محرما أو مماثلا ونحو ذلك.

(١) هو الفاضل الأصفهاني 1 في المناهج السويّة ـ كما قيل.

(٢) يعني أنّ انقلاب الأصل في المطعومات بمقتضى حصر المحلّلات في الطيّبات وتعليق الحلّ عليها ظاهر المحكيّ عن الأعلام 1.

(٣) ولا يكاد يتمّ ، إذ لا مجال لإجراء القاعدة المذكورة في المطعومات ، والتفصيل مذكور في الأصول ( فوائد الأصول ، الطبعة الحديثة ٣ : ٣٨٦ ).

(٤) الدائر أمر الحيوان فيها بين الحلّية والحرمة ، وذلك لاطّراد المناط.


وكيف كان ، فغير خفيّ أنّه بناء على أصالة الحرمة (١) في الحيوان المشتبه لإحدى هاتين الجهتين (٢) فليس مفادها على كلّ منهما إلاّ على مفاد أصالة الحلّ (٣) ، وكما قد عرفت أنّها (٤) لا ترجع * إلى إلغاء ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاءها (٥) فكذا لا ترجع هي (٦) أيضا إلى تنزيله (٧) كي يستتبع تنزيلها ، فيبقى الشك في المانعيّة على هذا القول أيضا بحاله ـ حذو ما سمعت.

__________________

(١) هذه العبارة إعادة إجمالية لمقدّم الشرطيّة ( لو منعنا. ) أعيد لأجل ربط التالي به وهو قوله ( فليس مفادها إلخ ).

(٢) وهما : كون الشبهة تحريميّة وانقلاب الأصل في المطعومات.

(٣) إذ لا تقتضي سوى الحرمة الفعليّة وعدم الرخصة في الأكل لا اللحوق بالأنواع المحرمة ذاتا.

(٤) أي : أصالة الحلّ.

(٥) المقصود إلغاء الشك في ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاء الشك في المانعيّة نفسها ، والتعبير مسامحيّ.

(٦) أي : أصالة الحرمة.

(٧) أي : تنزيل ملزوم المانعية ، فإنّ ملزومها ـ كما مرّ ـ هو الحرمة الذاتيّة ، وأصالة الحرمة لا تقتضي سوى الحرمة الفعلية. إذن فكما أنّ أصالة الحلّ لا تجدي في نفي المانعية كذلك أصالة الحرمة لا تجدي في إثباتها ، فيبقى الشك في المانعيّة بحاله ، ولا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيه نفسه.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يرجع ) والصحيح ما أثبتناه.


ومن ذلك كلّه فقد ظهر أنّه لقد أجاد المحقّق الأردبيلي 1 فيما أفاده في شرح الإرشاد (١) : من أنّ حكمهم بتحريم المشتبه ـ على تقدير التسليم ـ إنّما يوجب اللحوق بالمعلوم (٢) في أكل اللحم فقط ، لا في جميع الأحكام (٣). وأنّ ما صنعه بعض الأعلام (٤) في رسالته المعمولة في المسألة ـ من إخراج الصوف المأخوذ من * المشتبه على كلّ من القولين (٥) عن حريم هذا النزاع (٦) وإلحاقه بالمأخوذ من ** الحلال أو الحرام المعلومين (٧) ، تمسّكا بقضيّة‌

__________________

(١) قال 1 فيه : « ولا يضرّ حكمهم بأن الحيوان ما لم يعلم أنّه حلال يحكم بتحريمه ـ على تقدير التسليم ـ ، لأنّ ذلك يلحق بالمعلوم في أكل اللحم فقط ـ إن كان لدليل ـ لا في جميع الأحكام المترتبة على ما هو حرام في الحقيقة » انتهى.

(٢) أي : بمعلوم الحرمة.

(٣) التي منها جواز الصلاة في أجزائه ، ووجه الظهور ما عرفت من أنّ أصالة الحرمة لا تتكفّل جعل ملزوم المانعيّة ليستتبع جعلها ، كلّ ذلك بناء على تسليم ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل ، وقد تقدّم أنّه غير مسلّم.

(٤) هو الفاضل الآشتياني 1 في ( إزاحة الشكوك ).

(٥) وهما الرجوع إلى أصالة الحليّة أو إلى أصالة الحرمة في اللحوم.

(٦) إشارة إلى النزاع المتشعّب منه القولان المزبوران آنفا.

(٧) فإنّه 1 صرّح بأنّه لا مجال لتوهّم جريان أصالة الحلّ في الصوف‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


السببيّة والمسببية (١) ، رادّا بها على ما أفاده المحقّق المذكور (٢) ـ ممّا لا يليق بمثله الخبير بمجاري الأصول.

وبالجملة : فحديث السببيّة والمسببيّة أجنبيّ عن المقام (٣) ، أو أنّه لا جدوى له (٤) ، وليس التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث مبنيّا عندنا على ذلك.

ولا مبنيّا على إحراز الإباحة التكليفيّة (٥) المقابلة للحرمة‌

__________________

المشتبه أخذه من معلوم الحليّة أو معلوم الحرمة ، إذ ليس في البين ـ كما تقدّم هنا أيضا ـ حيوان مشتبه يشكّ في حليّته وحرمته. إذن فهذا القسم من الصوف خارج ـ موضوعا ـ عن حريم النزاع المذكور.

(١) تعليل لإخراج الصوف المأخوذ من الحيوان المشتبه عن حريم النزاع ، والظاهر أنّ المراد أنّ النزاع المزبور في هذا القسم إنّما يصحّ بالنسبة إلى الحيوان المأخوذ منه الصوف دون الصوف نفسه ، لأنّ الشك في صحة الصلاة فيه مسبّب ـ في نظره ـ عن الشك في حليّة حيوانه ، فإن بني على أصالة الحلّ فيه ترتّب عليها صحّة الصلاة في صوفه ، وإن بني على أصالة الحلّ فيه ترتّب عليها صحّة الصلاة في صوفه ، وإن بني على أصالة الحرمة اقتضت بطلانها فيه ، إذن فالصوف نفسه خارج ـ بهذا المعنى ـ عن حريم هذا النزاع.

(٢) قال 1 (٧٩) بعد نقله كلام المحقق الأردبيلي 1 المتقدم رادّا له : « إن المنع يترتّب على تحريم اللحم ، فإذا حكم بحرمته ـ ولو من جهة الأصل والقاعدة ـ حكم ببطلان الصلاة فيه ».

(٣) بناء على ما هو المختار من عدم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل.

(٤) بناء على تسليم الترتّب ، نظرا إلى أنّ المترتّب عليه هي الحرمة الذاتيّة التي لا يقتضيها الأصل إثباتا ولا نفيا.

(٥) بأن يحرز بأصالة الحلّ إباحة الصلاة في المشكوك إباحة تكليفيّة ذاتيّة ،


الذاتيّة أو التشريعيّة بها ، وإحراز الصحّة الظاهريّة أيضا بذلك (١). كيف ولا بدّ في تحقّق موضوع هذا الأصل من الجهة الاولى (٢) ـ وهي احتمال الحرمة الذاتيّة ـ من اتّصاف الصلاة في غير المأكول الواقعي بها ، وليس إلى دعواه سبيل ، إذ لا دليل على ذلك عند اختلال ما عدا الطهارة (٣) من القيود ، وعلى تقدير صحة التعدّي (٤) بدعوى قطعيّة المناط واطّراده (٥) فالحرمة مترتّبة على‌

__________________

فيجوز الإتيان بها ، أو تشريعيّة فيجوز التعبّد بها وإسنادها إلى الشارع.

(١) بدعوى أنّه إذا ثبت جواز فعلها أو إسنادها إلى الشارع فلا محالة تكون صحيحة مطابقة للمأمور به ومسقطة للتكليف ، وسيأتي ما فيه.

(٢) محصّله : أنّ موضوع أصالة الحلّ المقابل للحرمة الذاتيّة هو احتمال الحرمة الذاتيّة ، ولا يتحقّق هذا الاحتمال إلاّ إذا كانت الصلاة في غير المأكول الواقعي حراما ذاتيّا ـ لتكون في المشكوك مشكوكة الحرمة ـ ، ولم يثبت ذلك بدليل.

(٣) أي : الحدثيّة ، فإنّه يستفاد من بعض الروايات حرمة دخول المحدث في الصلاة حرمة ذاتية ، كموثّقة مسعدة بن صدقة عن الصادق 7 فيمن يصلّي على غير وضوء تقيّة ثم يتوضأ إذا انصرف ويصلّي ، قال 7 : « سبحان الله أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا ». ( الباب ٢ من أبواب الوضوء من الوسائل ـ الحديث ١ ).

(٤) عن الطهارة إلى سائر القيود ـ ومنها المقام.

(٥) بأن يدّعى أنّ المناط لحرمة الصلاة من دون طهارة هو كونه إخلالا بقيد معتبر في الصلاة ، وهذا متحقّق في الصلاة في غير المأكول ـ مثلا‌


المانعيّة (١) دون العكس ـ كما لا يخفى ـ ، فلا جدوى (٢) لإحراز الحلّية المقابلة لها (٣) بهذا الأصل في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت.

ومن الجهة الثانية (٤) أوضح فسادا من سابقه * ، إذ بعد تحقّق موضوع القبح العقليّ والتشريع المحرّم (٥) بنفس الشكّ في‌

__________________

أيضا ، ويدّعى أيضا قطعيّة هذا المناط ، فيكون من تنقيح المناط القطعيّ الموجب للتعدّي.

(١) لوضوح أنّها ناشئة عن المانعيّة ومسبّبة عنها ، وكلامنا في الحرمة التي هي سبب للمانعية ليترتب على إحراز الحليّة بالأصل إحراز عدم مانعيّة المشتبه وجواز الصلاة فيه.

(٢) يعني : وإذ أصبحت الحرمة مترتّبة على المانعيّة فإحراز الحلية بالأصل لا يجدي في إحراز عدم المانعيّة إلاّ على الأصل المثبت ، لأنّ المانعيّة حينئذ موضوع للحرمة ، والأصل الجاري لإحراز الحكم لا يثبت موضوعه ، بخلاف العكس ، ضرورة أنّ تحقّق الحكم عند تحقّق موضوعه شرعيّ ولا كذلك عكسه.

(٣) أي : للحرمة الذاتيّة.

(٤) وهي إحراز الإباحة التكليفيّة المقابلة للحرمة التشريعيّة بهذا الأصل.

(٥) أي تحقّق موضوع التشريع القبيح عقلا والمحرم شرعا ، أمّا قبحه عقلا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( سابقته ) والصحيح ما أثبتناه.


المشروعيّة (١) سواء كان باعتبار الشكّ في أصل التشريع ـ كالنافلة الرباعيّة مثلا (٢) ـ أو من جهة الشكّ في الانطباق على المشروع ـ كما فيما نحن فيه وأشباهه (٣) ـ ، فلا مجال لأن يتردّد التعبّد به (٤) بين الحلال والحرام (٥) كي يتحقّق موضوع هذا الأصل.

أمّا على ما هو التحقيق في باب التشريع ـ من دوران حرمته الواقعيّة مدار انتفاء ما يوجب الاستناد إلى الشارع (٦) ، لا مدار عدم‌

__________________

فلأنّ إسناد ما لا يعلم أنّه من المولى إليه تصرّف في سلطانه بغير إذنه وافتراء عليه ، وأمّا حرمته شرعا فللأدلّة السمعيّة المذكورة في محلّها ـ مضافا إلى قاعدة الملازمة.

(١) فإنّ موضوع التشريع هو ما لا يعلم مشروعيته وكونه من الدين المتحقق بنفس الشك في المشروعيّة.

(٢) إذ يشك في أصل تشريعها وثبوتها في قاموس الشريعة ـ حذو مشروعيّة الثنائيّة وثبوتها فيه.

(٣) من موارد الشبهات الموضوعيّة ، ففيما نحن فيه يشكّ في مصداقيّة الصلاة الواقعة في المشكوك للصلاة المشروعة ـ أعني غير الواقعة في غير المأكول ـ ، وبهذا الاعتبار يعدّ من موارد الشك في المشروعيّة.

(٤) أي : يتردّد الفعل المتعبّد به والصادر عن بناء قلبيّ على ثبوته في الشريعة مع عدم العلم به ، عملا كان أو إفتاء ، فإنّ التشريع ليس مجرّد البناء المذكور ، بل الجري العمليّ على طبقه والفعل بداعي مشروعيّته.

(٥) بل يتعيّن كونه من الحرام ، للقطع بتحقّق موضوعه السابق الذكر ، ومعه لا تحقّق للشكّ المأخوذ موضوعا لأصالة الحلّ.

(٦) بأن لم تقم عند المكلّف حجّة معتبرة على الحكم تسوّغ له إسناده إلى‌


المشروعيّة النفس الأمريّة ـ فظاهر ، لعدم انفكاك الشكّ فيها ـ حينئذ ـ عمّا فرض موضوعا واقعيا لحرمة التعبّد ، فلا يعقل أن يتطرّق الشكّ فيها كي يندرج في مجاري هذا الأصل ، أو يتشبّث في إحراز عدم المشروعيّة الواقعيّة بأصالة عدمها (١) ، كيف ومع الغضّ (٢) عن انتفاء الحالة السابقة فيما ينشأ الشكّ فيها عن الشكّ في الانطباق (٣) ـ كما في نظائر المقام ـ ، واختصاصها (٤) بما إذا كان ناشئا عن الشكّ في أصل التشريع ، فمقتضى عدم دوران حرمة التعبّد أو جوازه مدار المشروعيّة النفس الأمريّة وعدمها هو عدم ترتّب أثر على هذا الأصل أصلا ، لا باعتبار حرمة التعبّد وهو‌

__________________

الشارع ، فإسناده إليه ـ والحالة هذه ـ تشريع محرّم وإن كان الحكم المذكور مشروعا في نفس الأمر ، فتمام الموضوع للحرمة الواقعيّة هو عدم ثبوت الحكم بحجّة شرعيّة ، لا عدمه الواقعي ولا ثبوت عدمه ، فالمشكوك ثبوته كالثابت عدمه في حرمة التعبّد به واقعا ، ولا شكّ في حرمته كي يندرج في مجاري هذا الأصل.

(١) بأن يستصحب عدم مشروعيّتها السابقة على الحوادث.

(٢) تعليل لفساد التشبّث بأصالة عدم المشروعيّة الواقعيّة.

(٣) وهو الثاني من قسمي الشكّ في المشروعيّة المتقدّمين ، وانتفاء الحالة السابقة فيه واضح ـ بناء على المختار من اعتبار وجود الموضوع في العدم النعتيّ ـ ، أمّا بناء على عدم الاعتبار فالحالة السابقة متحقّقة ، فإنّ الصلاة قبل وجودها لم تكن منطبقة على المشروع فيستصحب إلى ما بعد وجودها.

(٤) أي : الحالة السابقة.


ظاهر (١) ، ولا باعتبار كون المؤدّى ممّا تناله بنفسه يد الجعل (٢) فإنّه إنّما يجدي في جريان الأصل لإحراز عدمه إذا لم يكن البناء العمليّ الذي هو المجعول بالأصول حاصلا بنفس الشكّ وجدانا ، وإلاّ فيرجع التعبّد به ـ حينئذ ـ إلى تحصيل الحاصل وإحراز ما هو‌

__________________

(١) وجه الظهور : ما عرفت من أنّ الموضوع الواقعيّ لحرمة التعبّد والتشريع هو عدم ثبوت المشروعيّة ، وهو متحقّق وجدانا فتترتّب عليه الحرمة قهرا ، وليس موضوعها عدم المشروعيّة الواقعيّة ليجدي الاستصحاب في ترتبها. فلا وجه لما قد يقال : من أنّه إذا أحرز عدم المشروعيّة بالاستصحاب كان حرمة التشريع لأجل إحراز عدم المشروعيّة لا لأجل الشك فيها ، وذلك لما سمعت من أنّ تمام الموضوع للحرمة هو عدم ثبوت المشروعيّة ، وهو حاصل بالوجدان ، وإحراز عدمها غير مؤثر في شي‌ء.

(٢) محصّله : أنّ ما يعتبر في جريان الأصل العملي من كون مؤدّاه قابلا للجعل الشرعي إثباتا ونفيا وإن تحقّق في المقام ، لأنّ أمر تشريع الحكم بيد الشارع فمع الشك فيه يجري استصحاب عدم تشريعه ، إلاّ أنّه لمّا كان المجعول بالأصل هو البناء العملي على طبق المؤدّى فهو إنّما يصح جعله بالأصل إذا لم يكن حاصلا في نفسه بمجرد الشكّ ، وإلاّ كان التعبّد بجعل الأصل مع حصول البناء العملي بالوجدان لغوا وتحصيلا تعبّديا لما هو حاصل بالوجدان وهو أردأ أنحاء تحصيل الحاصل ، وكان إحراز مؤدّاه به إحرازا تعبّديا لما هو محرز بالوجدان وهو ممّا لا محصّل له ، والمقام كذلك فإنّ الشك في المشروعيّة وجدانا يقتضي بناء العمل على ترك إسناد المشكوك إلى الشارع حذرا من التشريع المحرّم ، ومعه لا مجال للجعل التعبّدي بلسان الأصل لاستلزامه المحذور المتقدم.


محرز وجدانا بالتعبّد ، وهو ـ كما ترى ـ ممّا لا يرجع إلى معنى محصّل معقول. وحيث إنّ بناء العمل على عدم المشروعيّة النفس الأمريّة ليس إلاّ عبارة عن عدم التعبّد الحاصل بنفس الشكّ وجدانا فعدم معقوليّة جعله التعبّديّ ـ حينئذ ـ أوضح من أن يخفى.

نعم لو قيل بأنّ المحرّم الواقعيّ في باب التشريع هو التعبّد بما لم يتعبّد به الشارع في نفس الأمر (١) ، وأنّ استقلال العقل بقبح التعبّد بالمشكوك لكونه إقداما على ما لا يؤمن من الوقوع فيه ، لا لأنّه القبيح الواقعيّ ـ كما هو أحد الاحتمالين (٢) في ارتكاب محتمل الضرر ونحوه ممّا يستقلّ العقل بقبح الإقدام عند الشكّ ـ ، فتدور الحرمة الواقعيّة ـ حينئذ ـ مدار المصادفة ، وإلاّ فيجري مجرى التجرّي (٣) اتّجه جريان الاستصحاب حينئذ وحكومته على هذا‌

__________________

(١) فيكون حرمته الواقعيّة وقبحه الذاتيّ دائرا مدار عدم المشروعيّة في الواقع ، وحرمته حال الشك وعدم قيام الحجّة على المشروعيّة طريقيّة بمناط إدراك الواقع والتحرّز عن الوقوع في التشريع المحرّم ، لا واقعيّة متّحدة المناط مع حرمته حال العلم ـ كما كان على القول الأوّل المختار.

(٢) والاحتمال الآخر هو كون الإقدام على ما لا يؤمن من الضرر قبيحا ذاتا ، وحراما واقعا ـ كان الضرر معلوما أو محتملا.

(٣) أي : وإن لم يصادف الواقع فتعبّد بالمشكوك وكان في الواقع مشروعا ، أو أقدم على محتمل الضرر ولم يكن فيه ضرر كان من قبيل التجرّي ، حيث ارتكب ما هو محرم ظاهرا لا واقعا.


الحكم العقليّ (١) ، لكونه (٢) على هذا المبنى كسائر القواعد الظاهريّة المقرّرة لمرحلة التحيّر ، فيرتفع موضوعه بالأصل القاضي بتنزيل المتعلّق ـ كما في قاعدة الطهارة (٣) مثلا بالنسبة إلى استصحابها.

لكنّه لا يجدي في جريان أصالة الحلّ ، لأنّ الشكّ في المشروعيّة النفس الأمريّة وإن كان مستتبعا ـ حينئذ ـ للشكّ في حرمة التعبّد أو جوازه (٤) ـ لا محالة ـ ، لكن بعد استقلال العقل بحكم طريقيّ (٥) بنفس الشكّ في المشروعيّة واستتباعه لحكم ظاهريّ (٦) بقاعدة الملازمة ، فلا جرم تكون الحرمة ـ حينئذ ـ معلومة ، ويرتفع بذلك موضوع أصالة الحلّ (٧) ، ولا تصل النوبة‌

__________________

(١) وهو حكم العقل بقبح التعبّد بالمشكوك بمناط إحراز الواقع ، وجه الحكومة أنه باستصحاب عدم المشروعيّة يحرز عدم المشروعيّة الواقعيّة ، فيرتفع الشك المأخوذ موضوعا للحكم العقليّ المزبور.

(٢) أي الحكم العقلي.

(٣) فإنّها قاعدة ظاهريّة مقرّرة للشاك في الطهارة فيرتفع موضوعها بالأصل التنزيليّ المحرز للطهارة ، وإن كانا متوافقين بحسب المؤدّى ـ كالمقام.

(٤) يعني : وهو موضوع لأصالة الحلّ.

(٥) لنشوئه عن ملاك إدراك الواقع والتطرّق إليه.

(٦) شرعيّ هو حرمة التعبّد بمقتضى قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

(٧) فتكون القاعدة العقليّة حاكمة على أصالة الحلّ ، إذ بها أصبحت حرمة التعبّد معلومة ـ ولو ظاهرا ـ ، فلا شك في حرمتها ليرجع إلى أصالة الحلّ.


إليها ولو مع عدم جريان الأصل الموضوعيّ المذكور (١) ـ كما في موارد الشكّ في الانطباق على المشروع.

وإن شئت قلت : موضوع القاعدة هو الشكّ السببيّ (٢) وموضوع أصالة الحلّ هو الشكّ المسبّبي ، فلا جرم تكون القاعدة ـ حينئذ ـ كأصالة الحرمة في النفوس والأموال مثلا (٣) حاكمة عليها ، بل لو فرض اتّحاد الموضوع والمرتبة (٤) فلا بدّ من التخصيص ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) يعني : فضلا عما إذا كان الأصل المذكور ـ وهو الاستصحاب الآنف الذكر ـ جاريا.

توضيحه أنّه في موارد عدم جريان الاستصحاب ـ وهي ما إذا كان الشك في الانطباق على المشروع كما تقدّم ـ لا تصل النوبة إلى أصالة الحلّ ، لحكومة القاعدة عليها ـ كما سمعت ـ ، أمّا في موارد جريانه ـ وهي ما إذا كان الشك في أصل التشريع ـ فعدم وصول النوبة إلى أصالة الحلّ أوضح ، لحكومة الاستصحاب على القاعدة أيضا فضلا عن الأصل ، لأنّ الاستصحاب أصل موضوعيّ وهما حكميّان.

(٢) وهو الشك في المشروعيّة وعدمها ، فإنّه سبب للشك في حرمة التعبّد وجوازه الذي هو موضوع أصالة الحلّ ، والأصل الجاري في الشك السببيّ حاكم على الجاري في المسبّبي.

(٣) فإنّ موضوعها هو الشك في الموضوع الخارجي كالشك في كون الشخص مهدور الدم أو محقونه ، وهو سبب للشك في جواز قتله وعدمه الذي هو موضوع أصالة الحلّ ، فتكون تلك حاكمة على هذه.

(٤) بأن يفرض أنّ موضوع القاعدة العقليّة أيضا هو الشك في حرمة التعبّد‌


هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه لو سلّم قضاء الأصل (١) بجواز التعبّد بما يشكّ انطباقه على المطلوب فلا جدوى له في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وتطبيق المأتيّ به على المطلوب ، لكونه من الملزومات المبنيّ إحرازها على حجيّة الأصل المثبت ، ولا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق (٢) والموافقة الاحتماليّة حتّى على القول‌

__________________

وجوازه ، فيتّحد موضوعها مع موضوع أصالة الحلّ ، وتصبحان في مرتبة واحدة فلا حكومة في البين ، وبما أنّ بينهما تنافيا في الحكم وموضوع القاعدة أخصّ مطلقا من موضوع الأصل فلا بدّ من تخصيص الثاني بالأوّل ، إذن فالنتيجة ـ على هذا الفرض أيضا ـ هي حرمة التعبّد.

ونحوه الكلام بعينه فيما إذا فرض أنّ موضوع أصالة الحرمة في المهمّات هو الشك في الحرمة والجواز ، لا الشك في الموضوع الخارجيّ.

(١) يعني : لو سلّم فيما نحن فيه ـ الذي مرّ أنّه من قبيل الشك في الانطباق على المشروع ـ جريان أصالة الحلّ واقتضاؤها جواز التعبّد بمصداقيّة الصلاة الواقعة في اللباس المشتبه للصلاة المشروعة ، فهي لا تجدي فيما يهمنا من إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على القول بحجيّة الأصول المثبتة ، فإنّ عدم مانعيّة المشتبه ملزوم لمؤدّي الأصل ـ أعني جواز التعبّد المزبور ـ ونسبته إليه نسبة الموضوع إلى حكمه ، والأصل المثبت للحكم لا يثبت موضوعه.

(٢) أي : ولا جدوى للأصل المزبور في الاكتفاء في مقام الامتثال بمشكوك الانطباق والاجتزاء بالموافقة الاحتمالية ـ ولو قلنا بالأصل المثبت ـ ، إذ لا ملازمة بين جواز التعبّد المذكور وبين الاجتزاء بمشكوك الانطباق كي يكون القول بحجيّة الأصل المثبت مجديا في إثباته ، فإنّ جواز إسناد‌


بحجيّة الأصول المثبتة أيضا ، إذ لا ملازمة بين الأمرين ـ كما لا يخفى.

وبالجملة : فليس التمسّك بهذا الأصل عندنا مبنيّا على شي‌ء من هذه الوجوه ـ حسبما استوفينا الكلام فيه.

وإنّما بناء الاستدلال على إجرائه في نفس الشكّ في مانعيّة المشتبه ، بدعوى رجوعه باعتبار منشأ انتزاع المانعيّة إلى الشكّ في حليّة الصلاة فيه وحرمتها حقيقة (١) ، واندراجه في مجاري هذا الأصل بهذا الاعتبار (٢) ، ورجوع الحكم على نفس المشتبه والصلاة فيه بالحليّة الظاهريّة إلى ترخيص ظاهريّ فيه من هذه الجهة (٣) ، ورفع القيديّة المحتملة عنه في الظاهر.

__________________

مشكوك الانطباق إلى الشارع لا يقتضي عقلا ولا شرعا جواز الاكتفاء به لدى الامتثال ، والمفروض الشكّ في انطباقه على المطلوب ، فتبصّر.

هذا ، لكن لا يخفى أنّه إذا جرى الأصل المذكور وثبت به ـ كما عرفت ـ عدم مانعيّة المشتبه بناء على الأصل المثبت ، لزمه الإجزاء والصحّة عقلا ، لانطباق المأتيّ به على المطلوب ، وعليه فالأمران المتقدّمان وإن لم يكن بينهما ملازمة ، إلاّ أنّهما لازمان لملزوم واحد هو عدم مانعيّة المشتبه ، فيثبت الإجزاء على المبنى المذكور بهذه المعونة.

(١) فإنّ المانعيّة لمّا كانت منتزعة من النهي عن الصلاة في غير المأكول ـ مثلا ـ فمرجعها إلى حرمة الصلاة فيه ، ومرجع الشك فيها بالنسبة إلى المشتبه إلى الشك في حليّة الصلاة في المشتبه وحرمتها.

(٢) أي : باعتبار الشك في حليّة الصلاة فيه وحرمتها.

(٣) أي : في المشتبه من جهة وقوع الصلاة فيه.


قال المحقّق القميّ 1 (١) في تقريب الاستدلال : ( كما أنّ اللحم المشترى من السوق الذي هو مطابق لجنس اللحم القابل لكونه كلاّ من النوعين نوعان قابلان لأن يحكم على كلّ منهما بما حكم به الشارع وعلم منه حكمه ، فكلّ فرد من أفراد هذا الجنس يحكم بحليّته بمقتضى هذا الحديث حتّى يعلم أنّه بعينه الحرام ، فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا تحلّ الصلاة فيه وبعضها ممّا تحلّ ، فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتّى يعرف أنّه ممّا لا تحلّ ، والحلّ والحرمة تابعان لما قصد من الموضوعات من جملة أفعال المكلّفين ، ففي بعضها يراد الأكل ، وفي بعضها اللبس ، وفي بعضها الصلاة فيه وغير ذلك ). انتهى موضع الحاجة (٢) ، ولا يخفى ما في صدر العبارة من التعقيد (٣) ، لكنّ المراد غير خفيّ.

__________________

(١) قاله 1 في المتفرّقات من جامع شتاته (٨٠٦) في مطاوي الجواب عن السؤال عمّا هو المعروف من وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة ، وقد سبق حكاية بعض عبائره في هذا الجواب في الأمر الرابع المتقدّم.

(٢) ومحلّ الاستشهاد قوله 1 ( فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا تحلّ الصلاة فيه وبعضها ممّا تحلّ فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتى يعرف أنّه مما لا تحلّ ) ، وقوله 1 أخيرا ( وفي بعضها الصلاة فيه ) ، فعدّ الصلاة فيه من جملة الأفعال المتعلّقة بالموضوعات المحكوم عليها بالحلّ أو الحرمة ، وظاهر العبارتين شمول روايات أصالة الحلّ للشكّ في مانعيّة المشتبه باعتباره شكّا في حلّية الصلاة فيه وحرمتها.

(٣) وهو قوله : ( الذي هو مطابق لجنس اللحم ـ إلى قوله ـ وعلم منه‌


وكيف كان ، فمحصّل التقريب (١) هو : أنّ الموصول أو الشي‌ء الوارد في عنوان الروايات (٢) لا يخلو إمّا أن يراد به نفس الموضوعات المشتبهة الخارجيّة ، ـ كما هو الظاهر من لفظة الشي‌ء والتمثيل له في رواية مسعدة بالثوب ونحوه (٣) ، ومن ورود الموصول في رواية عبد الله بن سليمان جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه (٤) ـ ، فيكون المراد بالحلّ والحرمة ـ حينئذ ـ المعنى الوضعيّ (٥) العارض لنفس الموضوعات الخارجيّة باعتبار ما يتعلّق‌

__________________

حكمه ) ، يعني أنّ لحم السوق الذي هو من جنس اللحم له نوعان حلال وحرام ويعرف كلّ من النوعين من بيان الشارع ، فإذا اشتبه فرد منه أنّه من أيّ النوعين يحكم بحليّته حتّى يعلم أنّه من الحرام.

(١) أي : تقريب الاستدلال على جريان أصالة الحلّ في الشك في المانعيّة.

(٢) ورد الموصول ( كلّ ما فيه حلال وحرام ) في رواية ابن سليمان ، والشي‌ء ( كلّ شي‌ء ) في معتبرتي ابن سنان ومسعدة.

(٣) ويؤكّده العموم في ذيلها ( والأشياء كلّها على هذا ـ الحديث ـ).

(٤) فإنّ كلاّ من الجبن والثوب ونحوهما موضوعات خارجيّة مشتبهة.

(٥) يعني : إذا كان فعل المكلف متعلّقا بموضوع خارجيّ فكما تتعلّق حلية أو حرمة تكليفيّتان بذلك الفعل ، كذلك تتعلق حليّة أو حرمة وضعيّتان بموضوعه.

بيانه : أنّه لا ريب في وقوع إسناد الحكمين المزبورين إلى الموضوعات الخارجيّة أنفسها في كثير من الآيات والروايات ، كما لا ريب‌


بها من أفعال المكلّفين ، أو يراد به نفس الأفعال المشتبهة من حيث أنفسها (١) ، أو باعتبار تعلّقها بموضوعاتها * المشتبهة (٢) ، فيراد‌

__________________

في عدم كونهما تكليفيّتين مع التحفّظ على حقيقيّة الإسناد ، لأنّ التكليف هو الحكم الشرعي من حيث الاقتضاء والتخيير ، ولا يتصوّر في ذات الموضوع الخارجيّ اقتضاء ولا تخيير ، فلا بدّ إمّا من ارتكاب التجوز في الإسناد وتقدير فعل مناسب من أكل أو شرب أو نحوهما ، فتكون الحلّية أو الحرمة حينئذ تكليفيّتين ، أو إبقاء الإسناد على حقيقته بأن يراد بالحلّية والحرمة المعنى الوضعيّ منهما العارض لذات الموضوع حقيقة فإنّ المحروميّة أو عدمها كما تتحقق بالنسبة إلى الفعل كذلك هي متحققة بالنسبة إلى الذات المتعلّقة له ، فتتصف بالحلّ تارة وبالحرمة أخرى ، لكن لا بما هي هي ـ كما في اتصافها بالطهارة أو النجاسة مثلا ـ ، ولا باعتبار ما يتعلّق بها من فعل المكلّف على نحو الواسطة في العروض بأن تكونا عارضتين على الفعل أوّلا وبالذات وعلى متعلّقه ثانيا وبالعرض ، إذ مرجعه حينئذ إلى المعنى الأوّل ، بل على نحو الواسطة في الثبوت ، فيكون تعلّق الفعل الحلال أو الحرام بالموضوع الخارجيّ مصحّحا لاتّصاف الموضوع نفسه بهما ، فتدبّر.

(١) متعلق بالمشتبهة.

(٢) عطف على ( من حيث أنفسها ) ، فإنّ اشتباه الفعل وتردّده بين الحلال والحرام يكون تارة من جهة اشتباهه بنفسه كالتكلّم المردّد بين كونه محرّما أو محلّلا ، واخرى من جهة اشتباه ما يتعلّق به من الموضوع كشرب المائع المردّد بين الخلّ والخمر ، فيسري اشتباه الموضوع إلى الفعل نفسه ـ لا محالة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( لموضوعاتها ) والصحيح ما أثبتناه.


بهما (١) المعنى الاقتضائي (٢) اللاحق لأفعال المكلّفين وما يقابله من الرخصة والإباحة الخاصّة التي هي أحد الأحكام الخمسة.

فعلى الأوّل يختصّ جريان هذا الأصل بما إذا استند الشكّ في الحلّ والحرمة إلى تردّد موضوع خارجيّ بين الأمرين (٣).

وعلى الثاني يعمّ ما إذا استند إلى تردّد المكلّف أيضا بين من يحلّ له الفعل أو يحرم عليه (٤) وغير ذلك (٥).

وعلى كلّ منهما فكما لا اختصاص لجريان هذا الأصل بما إذا كانت الحرمة المحتملة ـ على تقدير ثبوتها الواقعيّ ـ عارضة‌

__________________

(١) أي بالحلّ والحرمة على هذا التقدير.

(٢) وهي الحرمة التكليفيّة التي تفيد المنع واقتضاء الترك ، وهذا المعنى ـ كما سيأتي التحقيق حوله مفصّلا ـ متحقّق في النواهي الغيريّة المفيدة لقيديّة العدم أيضا ـ كالنهي عن الصلاة في غير المأكول ـ ، لدلالتها على المنع عن إيقاع الواجب فيه واقتضاء تركه ، فلا اختصاص له بموارد النواهي النفسيّة ، وانتظر التفصيل.

(٣) فلا يجري فيما لم يكن فعل المكلف متعلّقا بموضوع خارجيّ أصلا ـ كالتكلّم ـ ، أو كان ولم يستند الشك في الحلّ والحرمة إلى تردّد ذلك الموضوع بينهما ـ كلبس الحرير بالنسبة إلى الخنثى ، وفعل ما يشك المكلّف في تعلّق نذره أو شرطه أو نحوهما بتركه وعدمه.

(٤) كما عرفت في مثال الخنثى ، لاستناد الشك إلى تردّد المكلّف بين كونه ذكرا أو أنثى.

(٥) كما سمعت من المثال الأخير وأشباهه ممّا يتردّد فعل المكلف ذاته بين الحلّ والحرمة ، ـ كان لذلك الفعل موضوع خارجيّ أم لم يكن.


للشي‌ء (١) من جميع الجهات ، فلا يكون له منفعة محلّلة أصلا (٢) ، أو من جهة دون اخرى (٣) ، بل يعمّ جميع الوجوه والاعتبارات (٤) التي منها الصلاة فيه ، وعلى تقدير حمل الموصول والشي‌ء على نفس الأفعال فالأمر في العموم أظهر (٥).

فكذا لا اختصاص له بما إذا كان المنع المذكور حكما نفسيّا وخطابا مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة ، بل يعمّ ما إذا كان من جهة القيديّة (٦) أيضا ، لاشتراكهما جميعا فيما هو ملاك الاتّصاف بالحرمة الشرعيّة ـ وهو الوقوع في حيّز التكليف العدميّ بأحد الوجهين ـ ، وخروج النفسيّة والاستقلال ، وكذلك الاستناد إلى‌

__________________

(١) هذا بناء على أن يراد بالموصول والشي‌ء الموضوعات المشتبهة.

(٢) لفرض حرمة الانتفاع بجميع منافعه.

(٣) فيحرم الانتفاع به في بعض منافعه لا جميعها.

(٤) يريد 1 بذلك التعميم للموارد التي لا تعدّ منفعة للشي‌ء ولا تكون حرمته باعتبار الانتفاع به في جهة ، بل باعتبار آخر كلبس غير المأكول في الصلاة ، فإنّه ليس محرّما بما هو لبس وانتفاع منه لمبغوضيّة في هذا الانتفاع مطلقا أو في حال الصلاة ، بل لمحبوبيّة الصلاة غير الواقعة فيه واشتمالها على المصلحة الملزمة ، وبهذا الاعتبار تصبح الصلاة الواقعة فيه حراما ، بل هو نفسه أيضا من جهة وقوع الصلاة فيه.

(٥) إذ عليه تتعلّق الحرمة المحتملة بالصلاة الواقعة في الشي‌ء المشتبه ، وتعلّقها بها أوضح من تعلّقها بالشي‌ء نفسه ، فإنّه قد لا يستأنس بعض الأذهان كون غير المأكول نفسه حراما ـ ولو باعتبار حرمة الصلاة فيه.

(٦) أي : كان المنع من جهة قيديّة العدم للواجب.


المبغوضيّة الذاتيّة عن مدلول اللفظ (١) لغة وعرفا ، فكما أنّ المائع المردّد بين الخلّ والخمر مردّد هو من جهة شربه ، وكذا نفس شربه بين الحلال والحرام ، فكذلك الصوف ـ المردّد بين ما قيّدت الصلاة بعدم الوقوع فيه وما رخّص إيقاعها فيه ـ مردّد هو ، وكذلك الصلاة فيه بين الأمرين ، وكما أنّ الحكم على المائع المردّد ـ مثلا ـ أو شربه بالحليّة (٢) يرجع إلى ترخيص فيه من الجهة المشكوكة ، فكذا في الصوف المردّد ـ أيضا ـ يرجع إلى الترخيص من هذه الجهة ، ومرجعه إلى إطلاق ظاهريّ (٣) في المطلوب من جهة الوقوع في المشتبه ، فيلزمه الصحّة والإجزاء الظاهري ـ لا محالة.

وحاصل التقريب يتركّب من مقدّمات ثلاث :

الاولى : ـ رجوع الشكّ في مانعيّة المشتبه باعتبار منشأ انتزاعها (٤)

__________________

(١) وهو لفظ الحرمة ، فإنّ مدلوله ـ كما سيجي‌ء ـ ليس إلاّ عبارة عن منع الشارع عن شي‌ء وحرمانه العباد عنه تشريعا ـ ولو كان من قبيل المنع عن الصلاة في شي‌ء ـ ، ولا يعتبر في مفهومه ـ لغة ولا عرفا ـ مبغوضيّة الفعل ذاتا ، ولا نفسيّة الخطاب الناهي عنه.

(٢) بموجب روايات أصالة الحلّ.

(٣) أي : مرجع هذا الترخيص الظاهريّ إلى إطلاق المطلوب إطلاقا ظاهريّا بالنسبة إلى وقوعه في المشكوك وعدمه ، فلا يتقيّد ـ بحسب الوظيفة الظاهريّة ـ بعدم الوقوع فيه.

(٤) فإنّ المانعيّة لكونها منتزعة ـ كما مرّ ـ من منع الشارع عن إيقاع الصلاة في شي‌ء فالشك في المانعيّة يرجع إلى الشك في المنع المزبور.


إلى الشك في منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيه أو ترخيصه له ، وهذه المقدّمة هي بمنزلة الصغرى فيما نحن فيه (١) ، وعليها يبتنى التفرقة (٢) بين ما نحن فيه وبين ما إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة في الاندراج في مجاري هذا الأصل وعدمه.

والثانية : ـ عدم اختصاص ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل بما إذا كان المنع المشكوك فيه حكما مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة ، كي يختصّ الترخيص الظاهريّ الذي هو مؤدّى هذا الأصل بالشبهات التحريميّة النفسيّة ، بل يعمّها وما إذا كان من جهة القيديّة أيضا ـ كما نحن فيه وأشباهه ـ من حيث شمول لفظ الحرام الوارد في عناوين الأدلّة (٣) لهما على نمط واحد.

والثالثة : ـ ترتّب النتيجة ـ الصحّة الظاهريّة (٤) ـ على تعلّق‌

__________________

(١) إذ ينقّح بها ـ كما ستعرف لدى تحقيق الحال فيها ـ أنّ أحد طرفي الشك في الشبهة المبحوث عنها هو حرمة الصلاة في المشتبه ، والطرف الآخر هو حلّيتها ، وبذلك يتحقّق في المقام الصغرى لكبرى أصالة الحلّ ، فيقال : هذا ما يشكّ في حلّيته وحرمته ، وكلّ ما هو كذلك فهو حلال.

(٢) سيأتي بيان الفرق بين ما نحن فيه ـ القيود العدميّة ـ وبين القيود الوجوديّة من حيث الاندراج في مجاري أصالة الحلّ وعدمه ، وأنّه مبتن على تعلّق المنع الشرعي بالعدميّة دون الوجوديّة.

(٣) مطلقا سواء أدلّة اعتبار هذا الأصل وغيرها ، وهذه المقدّمة بمنزلة الكبرى فيما نحن فيه.

(٤) الصحة عطف بيان للنتيجة.


الترخيص الظاهريّ بإيقاع الصلاة في المشتبه من جهة نفس الشكّ في مانعيّته (١) بمقتضى هذا الأصل ، لا كما لو فرض جريانه من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ـ حسبما تقدّم الكلام فيه.

أمّا المقدّمة الأولى : ـ فالكلام فيها يقع ـ تارة ـ في رجوع (٢) الجهة المستتبعة للمانعيّة إلى المنع الشرعيّ المولويّ عن إيقاع‌

__________________

(١) يعني : أنّ الصحّة الظاهريّة والإجزاء إنّما يترتّب على ما يقتضيه الأصل من الترخيص الظاهري إذا جرى الأصل المذكور بلحاظ الشك في المانعيّة ، لا بلحاظ احتمال الحرمة الذاتيّة أو التشريعيّة ، لما تقدّم من عدم اقتضائه الإجزاء لو جرى باعتبار أحد هذين الاحتمالين ، بخلاف ما إذا جرى باعتبار الشك في المانعيّة ، وستعرف التفصيل.

(٢) فإنّ إثبات هذه المقدّمة ـ التي عرفت أنّها بمنزلة الصغرى فيما نحن فيه ـ يتوقّف على أمرين : ـ

الأوّل : رجوع مانعيّة غير المأكول مثلا في الصلاة إلى منع الشارع عن إيقاعها فيه ، وانحلاله إلى المنع عن إيقاعها في آحاد وجوداته الخارجيّة ، وقد تقدّم تحقيق الكلام حول ذلك في المقام الأوّل المعقود لتنقيح كون الشبهة المبحوث عنها من مجاري أصالة البراءة.

والثاني : رجوع إطلاق الصلاة بالنسبة إلى أضداد غير المأكول وعدم مانعيّتها فيها إلى ترخيص الشارع في الصلاة في أيّ فرد منها ، فيستنتج منهما أنّ المصداق المشتبه المردّد بين كونه من مصاديق عنوان المانع أو أحد أضداده الوجوديّة يشك في منع الشارع عن الصلاة فيه أو ترخيصه فيها ، فيندرج في صغريات أصالة الحلّ.


الصلاة في آحاد ما ينطبق على عنوان المانع في الخارج ، و ـ اخرى ـ في رجوع إطلاق المطلوب أيضا بالنسبة إلى الأضداد الوجوديّة الواقعة طرفا للشبهة ـ كأجزاء المأكول مثلا أو القطن أو الكتّان ـ إلى الرخصة الشرعيّة المقابلة للمنع المذكور.

أمّا الأوّل : فهو ظاهر ممّا أسلفناه في المقام السابق (١) ، إذ بعد انحلالها (٢) ـ كحرمة شرب الخمر مثلا ـ بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع إلى تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه (٣) ، فوقوعه بهذا الاعتبار (٤) في حيّز التكليف بالمقيّد (٥) وتعلّق نفس ذلك التكليف به من هذه الجهة ممّا لا خفاء فيه.

وبهذا يفترق ما نحن فيه عمّا إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة (٦) ، إذ هي لكونها واقعة في حيّز التكليف باعتبار الوجود‌

__________________

(١) من انحلال الحكم في القسم الرابع من أقسام متعلّق التكليف ـ أعني ما له تعلق بموضوع خارجي ذي أفراد مقدّرة الوجود ـ واندراج ما نحن فيه في هذا القسم.

(٢) أي : انحلال المانعيّة.

(٣) أي : في كلّ واحد من وجودات الموضوع.

(٤) أي : باعتبار عدم الوقوع فيما ذكر.

(٥) وهو الصلاة ، فإنّ التكليف متعلّق بالصلاة المقيّدة بعدم الوقوع في آحاد هذه الوجودات.

(٦) بأن يشكّ في تحقّق جزء الواجب أو شرطه للشك في مصداقيّة‌


فهي جارية باعتبار منشأ انتزاع جزئيّتها أو شرطيّتها مجرى الواجبات النفسيّة (١) ، وليست هي (٢) متضمّنة لتعلّق منع شرعيّ بالفاقد أصلا كي يندرج الشبهة بهذا الاعتبار في مجاري هذا الأصل ، ولو فرض اندراجها * فيها من جهة أخرى ملازمة لتلك الجهة (٣) كما لو شكّ في حرمته الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة. وهذا‌

__________________

الموجود له ، فإنّه لا مجال لإجراء أصالة الحلّ فيه ، لعدم وقوعه في حيّز التكليف العدمي والمنع الشرعي ليتردّد أمر مشكوكه بين الحلال والحرام.

(١) فإنّ الجزئيّة والشرطيّة إذ تنتزعان من تعلّق التكليف بالعمل المركّب من أجزاء المقيّد بشرائط فكلّ من الأجزاء والشرائط مطلوبة الوجود ضمنا ، وواقعة في حيّز التكليف الوجودي ـ حذو الواجبات النفسيّة.

(٢) أي : القيود الوجوديّة لا تتضمّن منعا شرعيّا كما كانت القيود العدميّة تتضمّنه ، إلاّ إذا بني على اقتضاء الأمر بالشي‌ء ـ ولو شطرا أو شرطا ـ للمنع عن تركه ليستلزم تعلّق المنع بالفاقد له ، لكنّ المقرّر في محلّه بطلان المبنى.

(٣) أي : اندراج الشبهة المذكورة في مجاري هذا الأصل من جهة أخرى ملازمة لجهة الشك في الجزئيّة أو الشرطيّة ـ كما إذا شك في حرمة الفعل المقترن بمشكوك الجزئيّة أو القيديّة حرمة ذاتيّة أو تشريعيّة ـ ، وقد مرّ استظهار الحرمة الذاتيّة للصلاة الفاقدة للطهارة الحدثيّة ، فإنّه تندرج شبهتها المصداقيّة حينئذ في مجاري أصالة الحلّ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( اندراجه ) والصحيح ما أثبتناه.


بخلاف الموانع فإنّها جارية باعتبار نفس الجهة المستتبعة لمانعيّتها (١) ـ كما قد عرفت ـ مجرى المحرّمات النفسيّة مندرجة بهذا الاعتبار في جزئيّات الشكّ في الحرمة الشرعيّة حقيقة.

ومن ذلك كلّه فقد انقدح أنّ الاعتراض (٢) على التمسّك بهذا الأصل فيما نحن فيه ـ تارة ـ بابتنائه على جريانه عند الشك في الحرمة التشريعيّة ، وهو ممّا لا سبيل إليه (٣) ، و ـ اخرى ـ بأنّه لو سلّم جريانه فيما نحن فيه لاطّرد في باب الشكّ في الأجزاء والشرائط أيضا ، لاتحاد المناط (٤) ، وحينئذ فإن التزم بذلك فيها أجمع لزم تأسيس فقه جديد (٥) ، وإلاّ فلا بدّ من التخصيص (٦) الذي‌

__________________

وعبّر 1 بالجهة الملازمة نظرا إلى أنّ ما يفرض في هذه الموارد من حرمة تكليفيّة فهي لازمة للجزئيّة أو القيديّة ومترتّبة عليها ، وقد تقدم أنّ أصالة الحلّ الجارية في المشتبه منها ـ على هذا الفرض ـ لا تجدي في إثبات ملزومها إلاّ على الأصل المثبت.

(١) والتي هي منشأ انتزاعها ، وهي منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيها.

(٢) المعترض هو الفاضل الآشتياني 1 في رسالته ( إزاحة الشكوك ).

(٣) قال 1 في الرسالة (٤٦) : إن حرمة الصلاة في غير المأكول إنّما هي لفقدها الشرط فالحرمة تشريعيّة ، ولا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة والحلّية فيها.

(٤) وهو دخل الجميع فيما هو المطلوب الشرعي.

(٥) أقول : لا يلزم ذلك وإنما يلزم نوع استدلال جديد مع وحدة النتيجة ، إذ المختار جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.

(٦) أي : تخصيص أدلّة هذا الأصل بغير الشك في الأجزاء والشرائط ( راجع الرسالة : ٣٤ ـ ٣٥ ).


لا يلتزم به أحد ويستهجن جدا ـ إلى آخر ما أفاده دامت أيّامه ـ ، ممّا نشأ عن عدم إعطاء المقام من التأمّل حقّه ، كيف وقد عرفت أنّه لا مساس لجهة اندراج الشبهة في مجاري هذا الأصل بباب التشريع أصلا ، ولا للشكّ في تحقّق * القيود الوجوديّة بباب الشكّ في الحرمة الشرعيّة من شي‌ء ، وأنّ بين البابين (١) بونا بعيدا **.

وأمّا الثاني (٢) : فلأنّ الحلّ والإباحة وإن كانت من الأحكام الوجوديّة (٣) عندنا دون محض اللاحكميّة ـ كما ربما يتوهّم ـ ، إلاّ‌

__________________

(١) أي : باب الشك في تحقّق القيود الوجوديّة وباب الشك في الحرمة الشرعيّة ، فإنّ الذي يناسب الأوّل هو الشك في الوجوب دون الحرمة.

(٢) وهو رجوع إطلاق المطلوب بالنسبة إلى أضداد المانع ـ كأجزاء المأكول والقطن والكتّان ـ إلى الرخصة الشرعيّة فيها.

(٣) محصّل ما أفاده 1 في إثبات هذا الأمر : أنّ الإباحة التكليفيّة حكم شرعيّ وجوديّ في قبال الأحكام الأربعة الأخر ، وليست هي مجرد عدم الحكم والخلوّ عنه لتصبح الأحكام التكليفيّة أربعة ـ كما قد يتوهّم ـ ، وأنّ حقيقة هذا الحكم هو إرسال المولى عنان عبده وإطلاق لجامه فيما يتساوى وجوده وعدمه ، وأنّه إليه يرجع إطلاق المطلوب ـ كالصلاة ـ وعدم تقييده وجودا ولا عدما بما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ـ كإيقاعها في الكتان ـ ، بل هو هو في الحقيقة ، فإنّ الإطلاق المذكور‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( تحقيق ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( بون بعيد ) والصحيح ما أثبتناه.


أنّ حقيقتها إنّما هي عبارة عن إرسال المولى وترخيصه فيما يتساوى وجوده وعدمه في غرضه ، وهذا ممّا لا ينفكّ عنه إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ، بل هو عبارة أخرى عنه في الحقيقة ـ كما لا يخفى ـ ، هذا.

مضافا إلى ظهور موثّقة مسعدة (١) في كفاية مجرّد الشكّ في‌

__________________

ليس إلاّ عبارة عن إرخاء عنان العبد في إيقاع المطلوب فيه وعدمه ، وبذلك يثبت حلّية الصلاة في مثل الكتّان في قبال حرمتها في غير المأكول ، واندراج المشتبه المردّد بينهما في مجاري أصالة الحلّ ، هذا.

ولا يخفى أنّ مقتضى ذلك كون الإطلاق في الموارد المذكورة ـ أعني موارد إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده ولا لعدمه فيه ونظائرها ـ أمرا وجوديّا ، مع أنّ المختار أنّه عدميّ مقابل للتقييد مقابلة العدم والملكة. ولعلّ التأمّل في عبارة المتن يفضي إلى أنّ المراد أنّ الإطلاق المذكور في نفسه وإن كان عدميّا إلاّ أنّه منشأ لجعل الرخصة والإباحة وهي وجوديّة ، فالإباحة وإن كانت من الأحكام الخمسة المجعولة من قبل الشارع ، إلاّ أنّ مأخذها ومنشأ اعتبارها أمر عدميّ هو عدم تحديد المكلف والتضييق عليه وإلزامه بجانب الوجود خاصّة أو العدم كذلك ، فتدبّر.

(١) بيان ذلك : أنّه لا حاجة لنا إلى إثبات الأمر الثاني الأنف الذكر ، وأنّ اندراج المشتبه في مجاري أصالة الحلّ لا يتوقّف على تعلّق الحليّة الشرعيّة بالصلاة في الكتّان ـ مثلا ـ ، وذلك لعدم الدليل على اعتبار التردّد بين الحلّية والحرمة في جريان هذا الأصل ، بل ظاهر موثقّة مسعدة كفاية التردّد بين الحرمة وعدمها ، لقوله 7 : « كلّ شي‌ء هو لك حلال‌


حرمة الشي‌ء وعدمها في تحقّق موضوع هذا الأصل ، وخروج سائر الروايات المفروضة فيها طرفيّة الضدّ الخاصّ الوجوديّ للشبهة ـ باعتبار الورود مورد الغالب ـ عن صلاحيّة التقييد.

وأمّا المقدّمة الثانية : فمحصّل الكلام فيها هو أنّ الحرام الوارد في عنوان الأدلّة (١) سواء أريد به المعنى الوضعيّ (٢) العارض لذوات الأشياء الخارجيّة من حيث تعلّق أفعال المكلّفين بها ، أو الاقتضائيّ العارض لنفس الأفعال ، فليس هو إلاّ عبارة عمّا منع عنه الشارع وحرم (٣) العباد عنه في عالم الجعل والتشريع (٤) ولو باعتبار بعض ما يتعلّق به من الأفعال ـ كالصلاة فيه مثلا ـ ، فالجعل‌

__________________

حتى تعلم أنّه حرام بعينه » ، حيث جعل موضوع أصالة الحلّية ـ بقرينة الغاية ـ ما لا يعلم أنّه حرام أو ليس بحرام. وأمّا قوله 7 في صحيحة ابن سنان : « كلّ شي‌ء فيه حلال وحرام » ، وفي رواية ابن سليمان : « كلّ ما فيه حلال وحرام » ، اللذان فرض فيهما طرفيّة الضدّ الوجودي ـ أعني الحلّية ـ للشبهة فلا يصلحان لتقييد الموثقة ، لورود القيد فيهما مورد الغالب ، فإنّ الغالب كون طرف الشبهة كذلك ، وقد يكون طرفها مجرّد عدم الحرمة ـ كما في المقام بناء على عدم تسليم تعلّق الحلّية بالصلاة في الكتان ونحوه.

(١) مطلقا سواء أدلّة هذا الأصل وغيرها.

(٢) مرّ شرح العبارة.

(٣) بصيغة الثلاثيّ المجرّد المبنيّ للفاعل.

(٤) أمّا في التكوين فلا محروميّة ولا ممنوعيّة.


التشريعيّ المقتضي لذلك هو التحريم (١) ، والمجعول الشرعيّ المعبّر عنه باسم المصدر هو الحرمة ، ومعروضها هو الحرام ، والحلال ما يقابل ذلك. أمّا استناد المنع والترخيص المذكورين إلى مبغوضيّة الشي‌ء في حدّ نفسه وعدم مبغوضيّته كذلك ، أو استقلال الجعل (٢) المقتضي لذلك ، فهو خارج عن مدلول اللفظ لغة وعرفا (٣) ، ويشهد لذلك الاستعمالات الواردة فيما نحن فيه وأشباهه في لسان الرواة وجواب الأئمّة ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ بحيث يظهر منه أعميّة حاقّ مدلول اللفظ عن القسمين ، لا لأجل تجوّز فيه : ـ فمنها : ما رواه الكليني 1 (٤) بإسناده عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ : هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ ، فكتب 7 « لا تحلّ الصلاة في حرير محض ».

__________________

(١) إذ يقال : حرّم الله الخمر أو شرب الخمر ـ أي جعل حرمته ، أو جعله حراما ـ فجعله تحريم والمجعول هو الحرمة ومتعلّقها ـ الخمر أو شربه ـ هو الحرام.

(٢) أي : كونه خطابا نفسيّا لا غيريا.

(٣) فإنّ المنع المقوّم لمفهوم الحرمة متحقّق حتّى فيما لم يكن للشي‌ء مبغوضيّة ذاتيّة ، ولم يكن تحريمه بخطاب مستقلّ.

(٤) رواه عنه في الوسائل في الباب ١١ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٢ ، والسند صحيح ، ورواه الشيخ 1 في التهذيبين عن الكليني. والشاهد فيه تعبيره 7 بعدم حلّ الصلاة في الحرير المحض ـ الظاهر في المانعيّة دون الحرمة النفسيّة.


ومنها : ما عن الفقيه مرسلا (١) قال : سئل أبو جعفر وأبو عبد الله 8 فقيل لهما : إنّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها ، أفنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا 8 : « نعم إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه » ، فإنّ ظاهر السؤال عن الصلاة فيه إنما هو باعتبار المانعيّة دون الحرمة النفسيّة ، فقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ « ولم يحرّم » مستعمل باعتبار متعلّقاته الثلاثة (٢) في القدر المشترك بينهما (٣) ـ لا محالة ـ ، وهذا من أقوى الشواهد على أعميّة المدلول ، وظهور السياق في وحدة المثبت والمنفيّ في قوله « حرّم » و « لم يحرّم » ممّا يؤكّد ذلك (٤) ويؤيّده ، بل ويدفع احتمال عموم المجاز (٥) أيضا ، مضافا‌

__________________

(١) رواه عن الصدوق في الوسائل في الباب ٣٨ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١٣ ، ورواه في العلل أيضا مسندا.

(٢) وهي اللبس والمسّ والصلاة فيه.

(٣) أي : بين الحرمة النفسيّة والمانعيّة ، الأولى بالنسبة إلى اللبس والمسّ ، والثانية بالنسبة إلى الصلاة ، وبضميمة ظهور عدم الاعتماد في ذلك على القرينة يثبت المطلوب.

(٤) خبر لظهور السياق ، وهذا شاهد آخر على أعميّة المدلول ، وحاصله دلالة السياق على كون التحريم المثبت في « حرّم » والمنفي في « لم يحرّم » بمعنى واحد ، لظهوره في تعلّق كلّ من الإثبات والنفي بشي‌ء واحد ، وليس إلاّ الجامع بين الحرمة النفسيّة والمانعيّة.

(٥) وهو الاستعمال في الجامع بين الحقيقة والمجاز ، والمقصود أنّ الدلالة‌


إلى ضعفه في حدّ نفسه (١) ، وإرسال الرواية أو حملها على التقيّة غير ضائر لما نحن بصدده (٢).

ومنها : ما عن الخصال (٣) بإسناده عن جابر الجعفيّ قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ يقول : « ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه وحرم ذلك على الرجال ».

ومنها : ما عن الشيخ (٤) بإسناده عن موسى بن أكيل النميري‌

__________________

السياقيّة المذكورة تدفع احتمال عموم المجاز في قوله 7 « ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه » ، بتقريب أنّه لو اختصّ مدلول اللفظ لغة بالحرمة النفسيّة ، وكان استعماله في الجامع بينها وبين المانعيّة من عموم المجاز ففي جانب الإثبات لا وجه لعموم المجاز ، لتعلّقه بالأكل والشرب وحرمتهما نفسيّة ، وحينئذ فلو استعمل في جانب النفي في عموم المجاز انهدم ظهوره السياقي في وحدة المثبت والمنفيّ ، إذن فمقتضى الأخذ بهذا الظهور عدم الاستعمال في عموم المجاز وكون الاستعمال حقيقيا في الموردين بجامع واحد.

(١) أي : ضعف هذا الاحتمال ، إذ لا وجه له مطلقا.

(٢) لأنه يكفي فيما نحن بصدده ثبوت الاستعمال العربي ـ ولو من غير المعصوم 7 ، فلا يقدح فيه إرسال الرواية وعدم ثبوت صدورها منه 7 فضلا عما إذا ثبت الصدور وحملت على التقيّة.

(٣) رواه عنه في الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٤) رواه عنه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب لباس المصلي ـ


عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ قال : « وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ـ الحديث ـ » ، واستعمال الحرمة فيهما (١) في القدر المشترك بين القسمين ـ كما عرفته في سابقتهما ـ ، بعد وضوح أنّ المنع عن الصلاة فيه إنّما هو لمكان المانعيّة ، لا لكونه حراما نفسيّا آخر في عرض اللبس (٢) ، وكاشفيّته عن أعميّة المدلول ممّا لا خفاء فيه.

ومنها : ما عنه (٣) بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد ـ صلوات الله عليه ـ : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة‌

__________________

الحديث ٥ ، والرواية مرسلة ، وفيها بعد العبارة الواردة في المتن : « وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجنّ والشياطين فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة ، إلاّ أن يكون في قبال عدوّ فلا بأس به ـ الحديث ـ » ، أورد هذا الذيل في الوسائل في الباب ٣٢ من هذه الأبواب ـ الحديث ٦.

(١) أي في الروايتين الأخيرتين باعتبار تعلّقها في الأولى بالتختّم والصلاة ، وفي الثانية باللبس والصلاة.

(٢) فإنّ الصلاة فيه أيضا تختّم ولبس فيشملها تحريمهما ، فجعلها في قبالهما دليل على إرادة المانعيّة بالنسبة إليها وكاشف عن أعميّة المدلول.

(٣) رواه الشيخ 1 في التهذيبين ، ورواه عنه في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤ ، والسند صحيح.


حرير محض أو تكة من وبر الأرانب ، فكتب 7 : « لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه ». وعدم العمل بإطلاق الفقرة الأخيرة (١) أو طرحها رأسا وحملها ـ باعتبار تعليق الحكم فيها على التذكية الغير المعتبرة في الوبر ونحوه ممّا لا تحلّه الحياة فيه (٢) عندنا (٣) ـ على التقيّة لا ينافي ما نحن فيه (٤).

ومنها : ما عنه (٥) أيضا بإسناده عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ : عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ـ إلى آخر الرواية ـ ، فإنّ ظاهر السؤال إنّما هو استناد عدم حلّ الصلاة فيه إلى مانعيّته ، لا لكونه حراما نفسيّا ، وهو وإن كان في لسان الراوي ولكنّ دلالته على أعميّة المدلول في عرفهم ظاهرة (٦).

__________________

(١) مرّ بيان هذا المطلب في أوائل الرسالة لدى البحث عن حكم الصلاة في غير المأكول إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة وحده.

(٢) الظاهر زيادة كلمة ( فيه ).

(٣) متعلق بغير المعتبرة.

(٤) كما عرفت نظيره آنفا ، لا سيما والرواية صحيحة يصحّ إسنادها إلى المعصوم 7.

(٥) رواه الشيخ 1 في التهذيبين ، ورواه عنه في الوسائل في الباب ٣٠ من أبواب التيمم ـ الحديث ١ ، والرواية موثّقة.

(٦) فإنّ السائل عربيّ من أهل اللسان.


ومنها : التوقيع المبارك المحكيّ عن الاحتياج (١) عن الحميريّ عن مولانا صاحب الزمان ـ صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ : إنّه كتب إليه : روي لنا عن صاحب العسكر 7 أنّه سئل عن الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع 7 : « يجوز » ، وروي عنه أيضا أنّه « لا يجوز » ، فبأيّ الخبرين نعمل ، فأجاب 7 : « إنّما حرم في هذه الأوبار والجلود وأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال » ، فإنّ مرجع الضمير (٢) وإن لم يكن مذكورا لا في كلامه ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ ولا في كلام الراوي ، لكنّه بقرينة الظرفيّة (٣) ليس هو اللبس ، فيتعيّن أن يكون هو الصلاة فيه ، وشيوع السؤال عنها أوجب المعهوديّة المغنية عن الذكر. والإشكال في فقه الحديث لا ينافي المقصود (٤).

__________________

(١) رواه عنه في الوسائل في الباب ١٠ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١٥.

(٢) في ( يجوز ) و ( لا يجوز ) في كلام الراوي وفي ( حرم ) في كلام الإمام ـ 7 ـ ، ويدور أمره بين اللبس والصلاة فيه.

(٣) في قوله 7 « إنما حرم في هذه الأوبار » ، فإنه لا يصحّ قولنا : حرم اللبس في هذه الأوبار ، ويصحّ : حرم الصلاة فيها ، فيكون هو المتعيّن ، واستغني عن ذكرها لشيوع السؤال عنها الموجب لمعهوديتها ، هذا.

لكن الموجود في الوسائل ( سئل عن الصلاة في الخز ) ، وهكذا أورده المحقق الماتن 1 في أوائل الرسالة لدى البحث عن حكم الصلاة في جلد الخز ، وعليه فمرجع الضمير مصرّح به في الكلام ، فلا إشكال.

(٤) لوضوح اضطراب متنه وإجماله ـ كما تقدّم ـ ، لكنّه لا يضرّ بما نحن بصدده من استعمال الحلّية والحرمة في المانعيّة وعدمها.


ومنها : التوقيع المبارك الآخر (١) المحكيّ عن خرائج القطب الراوندي عن أحمد بن روح عنه ـ عجل الله تعالى فرجه وأدرك بنا أيّامه وصلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ ، وفيه « وسألت ما يحلّ * أن تصلّي فيه من الوبر والسمّور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل ، فأمّا السمّور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ، ويحلّ لك جلود المأكول ـ إلى آخر التوقيع المبارك ـ » إلى غير ذلك ممّا يظفر عليه بالتتبّع في خلال الأبواب ، ويكشف عن أعميّة حاقّ المدلول ، وفيما نقلناه غنى وكفاية.

فلا مجال ـ حينئذ ـ للمنع عن شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل لما نحن فيه وأشباهه على حدّ شمولها للشبهة التحريميّة النفسيّة ، ويرجع الحليّة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل ـ حينئذ ـ إلى الأعمّ ممّا ** يقابل المنع النفسيّ الاستقلاليّ أو الضمنيّ المستتبع للمانعيّة ـ لا محالة.

وأمّا الثالثة : فلأنّه بعد أعميّة الحكم الظاهريّ المذكور ممّا *** يقابل كلّ واحد من قسمي المنع ، ووضوح كونه ترخيصا‌

__________________

(١) أورده المحدّث النوري 1 في المستدرك ، الباب ٣ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ ، وفيه ( عن أحمد بن أبي روح ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تحلّ ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( عمّا ) والصحيح ما أثبتناه.

(***) الموجود في الطبعة الاولى ( عمّا ) والصحيح ما أثبتناه.


في المشكوك من الجهة التي يشكّ ـ باعتبارها ـ في كونه ممنوعا عنه أو مرخّصا فيه ، فلا جرم ينحلّ هو (١) في كلّ مورد إلى ما يناسبه ـ كانحلال خطاب ( لا تنقض ) على حسب اختلاف متعلّق الشكّ واليقين (٢) ـ ، وليس ذلك من الجمع بين المعاني المتباينة في خطاب واحد ، وإنّما هو من باب انحلال العموم (٣) ـ كما لا يخفى ـ ، فيرجع (٤) ـ حينئذ ـ في الشبهات التحريميّة النفسيّة إلى الرخصة المقابلة للمنع النفسيّ ، وفي أمثال المقام إلى ما يقابل الجهة المستتبعة للمانعيّة ، ومرجعه إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب (٥) من جهة الوقوع في المشتبه ، ورفعا لتقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه في الظاهر ، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ ـ لا محالة ـ ، كما في سائر موارد إحراز القيود المشكوكة أو رفع تقيّد المطلوب بها بأصل‌

__________________

(١) أي : الحكم الظاهري المذكور.

(٢) من كونه حكما كليّا عقليّا أو شرعيّا ، أو حكما جزئيّا ، أو موضوعا خارجيّا ، أو نحو ذلك.

(٣) أي : استعمال اللفظ في المعنى الوحدانيّ العام ، فينحلّ قهرا إلى أنواعه وأفراده المتكثّرة.

(٤) تفريع وبيان لقوله « ينحلّ في كل مورد إلى ما يناسبه ».

(٥) أي : مرجع الحكم الظاهري الترخيصي المقابل لقيدية العدم في أمثال المقام إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب ـ كالصلاة ـ من جهة الوقوع في المشتبه ، وعدم تقيّده ـ ظاهرا ـ بعدم الوقوع فيه ، ولازمه إجزاء المطلوب الواقع فيه إجزاء ظاهريّا.


موضوعيّ أو حكميّ (١).

وهذا هو الفارق (٢) بين ترخيص الشارع للصلاة في المشتبه بمقتضى هذا الأصل باعتبار نفس الشكّ في مانعيّته ، وبين ما لو فرض (٣) ترخيصه فيها من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ، ضرورة أنّ ترخيص الشارع لما يشكّ في انطباقه على المطلوب باعتبار الشك في ترتّب حكم آخر عليه (٤) ، أو انطباقه على عنوان آخر (٥) غير مجد ، لا في إحراز تطبيق المأتيّ به على‌

__________________

(١) كإحراز الطهارة أو الوقت باستصحابهما ـ وهو أصل موضوعيّ ـ ، وكرفع جزئية الاستعاذة ـ مثلا ـ بأصالة البراءة ـ وهي أصل حكميّ.

(٢) أي : رجوع الرخصة الظاهرية المقابلة للمنع الضمني إلى الإطلاق الظاهري في المطلوب واستلزامه الإجزاء الظاهري هو الفارق بين الترخيصين لعدم تحقّق ذلك في الترخيص الثاني ـ كما ستسمع.

(٣) جعله 1 فرضا لما تقدّم من عدم ثبوت الحرمة الذاتيّة للصلاة في غير المأكول الواقعي ، لتكون في المشتبه محتملة الحرمة ومجرى لأصالة الحلّية ، وعدم تطرّق الشك في حرمة التعبّد بمشكوك الانطباق ليتحقّق موضوع هذا الأصل ، وعلى تقدير تطرّقه فهو محكوم بأصالة الحرمة ، أو مخصّص بها ـ على التفصيل المتقدّم.

(٤) وهو الحرمة الذاتيّة المحتمل ترتّبها على فعل مشكوك الانطباق ، فإنّ الترخيص الظاهري فيه بمقتضى هذا الأصل لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه وانطباق المأتيّ به على المطلوب إلاّ على الأصل المثبت ـ كما تقدّم بيانه.

(٥) يعني : أو باعتبار الشك في انطباق مشكوك الانطباق على عنوان آخر‌


المطلوب ، ولا في اجتزائه بمشكوك الانطباق ـ كما تقدّم ـ ، فلا سبيل حينئذ إلى الاكتفاء به مع عدم علاج هذا الشكّ (١) ـ كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا رجع ترخيصه إلى الإطلاق الظاهريّ المذكور ، إذ لا يبقى حينئذ مجال للشكّ في انطباقه على المطلوب ـ المفروض فيه هذا الإطلاق ـ ، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ (٢) ـ لا محالة ـ بهذا الاعتبار ، فكما أنّ إجزاء كلّ واحد من المطلوب الواقعيّ أو الظاهريّ عن الأمر المتعلّق به (٣) عقليّ (٤) لا يقبل الجعل وضعا ورفعا (٥) ، فكذلك إجزاء الظاهريّ أيضا ـ مع انحفاظه وعدم ارتفاعه بانكشاف الخلاف ـ عن الواقعي (٦) من اللوازم العقليّة‌

__________________

وهو عنوان التشريع ـ ، فإنّ الترخيص الظاهري بالتعبّد به لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه ، ولا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق ، وقد مرّ شرحه.

(١) وهو الشك في مانعيّة المشتبه وتقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه.

(٢) أي : الإجزاء ما دام لم ينكشف الخلاف ـ كما سيذكر.

(٣) يعني : إجزاء المطلوب الواقعي عن الأمر الواقعي ، والظاهري عن الظاهري.

(٤) ضرورة أنّ الإتيان بالمأمور به بأيّ أمر يفي بالغرض الداعي إلى ذلك الأمر ، ومعه لا موجب لبقائه ، فيستقلّ العقل بالإجزاء وسقوط الأمر.

(٥) شأن سائر الأحكام العقليّة المستقلّة.

(٦) متعلّق بـ ( إجزاء ) ، ومحصّل الكلام : أنّ الأمر الظاهري ما دام منحفظا‌


المترتّبة على نفس ذلك الجعل ، إذ هو (١) حينئذ بعينه هو المطلوب الواقعيّ بحكم الشارع ، فما دام هذا الحكم القاضي بالاتّحاد والعينيّة محفوظا لا يعقل عدم الإجزاء ، كما أنّه بعد ارتفاعه بانكشاف الخلاف وتبيّن المغايرة لا يعقل أن ينسحب الإجزاء الظاهريّ الناشئ عن العينيّة الجعليّة ـ المفروض انكشاف خلافها ـ ، بل لا بدّ فيه من قيام دليل آخر على الاجتزاء عن * المطلوب بما وقع امتثالا له ، وليس تبدّل الحال في المقام كتبدّل حالتي الحضور والسفر ونحوهما ممّا يوجب انقلاب التكليف (٢) ـ على أصول المخطّئة ـ ، ولا الإجزاء الواقعيّ الموجب لسقوط التكليف النفس الأمريّ من اللوازم‌

__________________

ولم ينكشف خلافه فالإتيان بمتعلّقه يجزي عقلا عن الواقعي ، لأنّ مقتضى جعل الأمر الظاهري هو قيامه مقام الواقعي وجعل العينيّة والهوهويّة بينهما ، فالمطلوب الظاهري بعينه هو الواقعي بحكم الشارع ، ومقتضاه الإجزاء ما دام الأمر الظاهري باقيا ، فإذا ارتفع بانكشاف الخلاف انتفى الإجزاء ، لانتفاء العينيّة الجعليّة بانكشاف المغايرة.

(١) مرجع الضمير هو المطلوب الظاهري.

(٢) أي : الواقعي كانقلاب وجوب التمام واقعا إلى وجوب القصر كذلك ، وإنّما الذي يوجبه تبدّل الحال في المقام وأشباهه ـ على أصول المخطئة ـ هو انكشاف فوات الواقع ، فيحكم العقل بعدم الإجزاء ولزوم التدارك وامتثال الأمر الواقعي ، نعم على التصويب يوجب تبدّل التكليف الواقعي ، لكنّه خلاف مذهبنا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( من ) والصحيح ما أثبتناه.


الشرعيّة المترتّبة على الإتيان بالمطلوب الواقعيّ ، كي يترتّب الحكم به إلى آخر الأبد (١) على الجعل الظاهريّ في ظرف وجوده ولا يؤثّر فيه انكشاف الخلاف ، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

وهذا هو تمام الكلام في تقريب التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث ، وقد عرفت أنّ المنع عن جريانها لا بدّ وأن يرجع : إمّا إلى منع الصغرى (٢) ، فيمنع عمّا ذكر من انحلال الجهة المستتبعة للمانعيّة ـ بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع ـ إلى قيديّة خاصّة راجعة إلى المنع عن إيقاعها فيه ، ويدّعى رجوعها إلى عنوان بسيط عدميّ (٣) يتحصّل بالتحرّز عن مجموع الوجودات ، فيكون الشبهة‌

__________________

(١) يعني : لو كان إجزاء المطلوب الواقعي عن أمره الواقعي حكما شرعيا لترتّب على الجعل الظاهري ـ المقتضي لكون المطلوب الظاهري بعينه هو الواقعي بحكم الشارع كما عرفت ـ الحكم بإجزائه عن الواقعي إلى آخر الأبد بمجرّد حدوث الجعل المزبور ، من دون أن يؤثّر فيه انكشاف الخلاف ، لكنّه ليس كذلك ، بل هو ـ كما مرّ ـ حكم عقلي ، والعقل إنّما يحكم بإجزاء ما جعله الشارع عين المطلوب الواقعي ما دام الحكم بالعينيّة محفوظا لم ينكشف خلافه ، لا مطلقا وإلى الأبد.

(٢) قد مرّ بيان ما هو بمنزلة الصغرى والكبرى لاستنتاج جريان أصالة الحلّ في المقام ، وأنّ تنقيح الصغرى مبنيّ على انحلال المانعيّة إلى تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في كلّ واحد ممّا ينطبق عليه عنوان المانع.

(٣) بيان لوجه منع الصغرى ، ومحصّله : دعوى كون الصلاة مقيّدة بعنوان نعتيّ عدميّ بسيط مساوق لمحمول المعدولة كعنوان ( الصلاة اللاواقعة‌


حينئذ بمعزل عن الاندراج في مجاري أصالة الحلّ أيضا كالبراءة ـ حسبما تقدّم.

أو إلى منع الكبرى ، فيدّعى دخل النفسيّة والاستقلال فيما أخذ الشكّ فيه موضوعا لهذا الأصل ، وقد عرفت فساد كلّ منهما (١) بما لا مزيد عليه.

فمن الغريب ـ وما عسى أن لا يكون أغرب منه ـ ما يقال (٢) في تقريب خروج الشبهة عن مجاري كلا الأصلين : من أنّ الشكّ فيما نحن فيه إنّما هو في الوضع لا التكليف ، فحديث أصل البراءة والحلّ أجنبيّ عنه.

لأنّ مراده (٣) بالوضع لا يخلو : إمّا أن يكون هو الصحّة أو المانعيّة ، وبعد اطّراده على كلّ منهما (٤) في الشبهات الحكميّة‌

__________________

في غير المأكول ) ، فيرجع إلى باب المحصّل الذي لا يتحصّل فيه العنوان إلاّ بالتحرّز عن مجموع الوجودات ، وقد مرّ تفصيل الكلام في ردّها في المقام الأوّل.

(١) عرفت فساد الاولى ممّا سلف في المقام الأوّل ، والثانية من خلال المقدّمة الثانية من المقدّمات الثلاث المتقدمة هنا.

(٢) القائل هو الفاضل الآشتياني 1 في رسالته ( إزاحة الشكوك : ٤٧ ).

(٣) تعليل لغرابة المقال.

(٤) يعني أنّ الوضع على كلّ من معنييه لا يختصّ بالشبهات المصداقيّة التي منها ما نحن فيه ، بل يطرّد في الشبهات الحكميّة أيضا ، والقائل المزبور يسلّم جريان أصالة البراءة فيها ، فكيف ينكره في المقام.


المسلّم جريان البراءة فيها عندنا وعنده ، وتسليمه أيضا لانتزاعيّة المانعيّة وأخواتها عن التكليف (١) ، ووضوح ترتّب الصحّة الظاهريّة على الأصول الجارية عند الشكّ في القيود (٢) ، فلا محصّل لهذه المقالة أصلا ، اللهم إلاّ أن يرجع مرامه إلى ما تقدّم من منع الصغرى (٣) جريا منه فيما أراده بالوضع على غير ما استقرّ عليه الاصطلاح ، وهو ـ وإن اتّضح فساده ممّا تقدّم ـ لكنّه يرجع حينئذ إلى محصّل (٤) ، ويعود النزاع علميّا.

نعم على القول بتأصّل المانعيّة وأخواتها في الجعل يشكل التمسّك بهذا الأصل في محلّ البحث ، فإنّ الشبهة وإن كانت‌

__________________

(١) فيكون المجعول في الحقيقة من سنخ التكليف الذي يسلّم القائل جريان أصالتي البراءة والحلّ فيه.

(٢) إذ ليست الصحّة الواقعيّة ولا الظاهريّة مجعولة بالأصالة ـ وضعا ـ ولا منتزعة عن المجعول الشرعي ، وإنما هي صفة لفعل المكلّف باعتبار مطابقته للمأمور به الواقعي أو الظاهري. إذن فالصحّة الظاهرية تتحقّق بمطابقة الفعل للأصول الجارية في أجزائه وقيوده لدى الشك فيها لشبهة حكمية أو مصداقية ، فهي مترتّبة على الأصول المزبورة ومن لوازمها ، وليست بنفسها موضوعا لجريانها كي يقال : إنّ حديث أصل البراءة والحلّ أجنبيّ عن موارد الشك فيها.

(٣) بأن يريد بالوضع قيدية العنوان العدمي البسيط ، ولعلّه باعتبار مشابهته بالأحكام الوضعية التي تتسبّب من أسبابها الخاصّة وتتحصّل منها.

(٤) فإنّه أمر يمكن دعواه ـ نظريّا ـ بخلاف سابقه.


ـ حينئذ ـ باعتبار ما يستتبعه الوضع من التكليف (١) راجعة إلى الشكّ في الحرمة ، لكن بعد وضوح عدم ارتفاع الشكّ السببيّ بالأصل الجاري في الشكّ المسببيّ فلا جدوى لهذا الأصل في إحراز عدم مانعيّة المشتبه إلاّ على حجيّة الأصل المثبت. اللهم إلاّ أن يدّعى عدم توقّف الخروج عن عهدة التكليف على علاج هذا الشكّ (٢) بعد ترخيص الشارع في الإتيان بمشكوك الانطباق من جهة نفس هذا الشكّ (٣).

وعلى كلّ حال فحيث إنّ نفس الوضع ـ حينئذ ـ ممّا تناله‌

__________________

(١) كسائر الأحكام الوضعيّة المتأصّلة بالجعل ، فإنّها تستتبع ـ لا محالة ـ أحكاما تكليفيّة ، وتترتّب هذه عليها ترتّب الحكم على موضوعه ، فالمانعيّة على هذا القول تستتبع حرمة إيقاع الفعل مع المانع ـ بمعناها الأعمّ المتقدّم تحقيقه ـ والشكّ فيها يسبّب الشكّ في الحرمة ، وبهذا الاعتبار يندرج في مجاري أصالة الحلّ ، لكنّه أصل جار في ناحية المسبّب والحكم ، ولا يرفع الشك في ناحية السبب والموضوع كي يحرز به عدم مانعيّة المشتبه إلاّ على الأصل المثبت ، فإنّ الأصل المثبت للحكم لا يثبت موضوعه إلاّ على المبنى المذكور.

(٢) وهو الشك في مانعيّة المشتبه.

(٣) متعلّق بمشكوك الانطباق ، يعني أنّه لمّا رخّص الشارع ـ بمقتضى أصالة الحلّ الجارية في ناحية المسبّب ـ في الإتيان بالصلاة في المشتبه المشكوك انطباقها على الصلاة المطلوبة ـ لأجل الشكّ في مانعيّة المشتبه ـ ، فقد يدّعى كفاية ذلك في الخروج عن عهدة التكليف وعدم توقّف الخروج عنها على علاج الشك السببيّ المتعلّق بالمانعيّة نفسها.


بنفسه يد الجعل ، فلا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع (١) وجريان البراءة الشرعيّة ـ بناء على هذا المبنى الفاسد من أصله (٢) ـ بعد ما تقدّم من الانحلال ، وبهذا يستقيم جريان البراءة في الشبهات الحكميّة (٣) أيضا على هذا القول ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) فإنّه لا مانع من شموله لكلّ ما هو مجعول شرعيّ ، تكليفا كان أم وضعا ، ومنه ما نحن فيه ـ بناء على القول بتأصّل المانعيّة في الجعل ـ والمفروض انحلال هذا الحكم وتعدّده بتعدّد أفراد المانع خارجا. إذن فعلى هذا القول وإن لم يكن مجال لجريان أصالة الحلّ بالنسبة إلى المانعيّة نفسها إلاّ أنّه لا مانع من جريان أصالة البراءة عنها.

(٢) وهو تأصّل جعل المانعيّة.

(٣) يعني الشبهات الحكميّة الكلّية للمانعيّة كما إذا شك في مانعيّة الميتة الطاهرة مثلا في الصلاة ، فإنّها بنفسها مجعولة شرعا مشكوك فيها ، فترفع بحديث الرفع.


( المقام الثالث )

في البحث عن جريان الأصل الموضوعيّ ـ المعبّر عنه بأصالة عدم المانع (١) ـ في المقام.

وقد اختلفت كلماتهم في ذلك ، فظاهر من فرّع الجواز والعدم (٢) في محلّ البحث على القول بمانعيّة غير المأكول وشرطيّة المأكوليّة تعويلا في ذلك على الأصل الموضوعيّ ـ كما مرّ ذكره عند نقل الأقوال ـ هو المفروغيّة عن جريانها فيما نحن فيه بناء على المانعيّة ، لكنّه بإطلاقه (٣) لا يستقيم إلاّ بأحد أمرين :

إمّا بدعوى استقرار طريقة العقلاء عند دوران الأمر بين وجود شي‌ء وعدمه على البناء على العدم ، ولكن لا من حيث مسبوقيّة الحوادث به (٤) كي يرجع إلى الاستصحاب ، بل لأنّ أولويّة العدم إلى‌

__________________

(١) والمانع في المقام هو وقوع الصلاة في غير المأكول ، ولم يعبّر 1 بالاستصحاب نظرا إلى أعميّة العبارة المذكورة منه ، وشمولها لما سيأتي من الأصل العقلائي القاضي بالبناء على العدم ، وإن كان الاستصحاب هو العمدة في هذا المقام.

(٢) وهو صاحب الجواهر 1 ـ كما مرّ في أوّل الرسالة.

(٣) قيّده 1 بالإطلاق لما سيتّضح من إمكان الاستغناء عن الأمرين في بعض صور المسألة.

(٤) أي : بالعدم ، وبناء العقلاء على العدم من الحيثيّة المذكورة قد عدّ من أدلّة‌


الممكن من حيث ذاته وافتقار وجوده إلى علّة خارجة عن ذاته يوجب البناء ـ عند الشكّ ـ على ما هو أولى به من حيث نفسه ، حتى بمعناه الناقص الربطيّ (١) بالنسبة إلى العوارض التي يشكّ في تخصّص معروضاتها بها عند حدوثها.

أو بتسليم حجيّة الأصول المثبتة (٢).

وحيث إنّ الدعوى الاولى دون إثباتها خرط القتاد (٣) ، والثانية بمكان من وضوح الفساد ، فالتمسّك بهذا الأصل باستصحاب العدم السابق (٤) لا يستقيم إلاّ على بعض التقادير.

__________________

الاستصحاب ـ كما حرّر في محلّه ـ ، لكنّه ليس هو المقصود في هذا الأمر ـ الأوّل ـ ، وإنّما المقصود دعوى استقرار السيرة العقلائية على البناء على العدم لمجرّد كونه أولى بالممكن في ذاته ، لعدم افتقاره في عدمه إلى علّة خارجة عن ذاته ، بخلاف وجوده ـ المفتقر إليها.

(١) وهو العدم النعتي ـ الذي هو مفاد ( ليس ) الناقصة ـ بالنسبة إلى عوارض الشي‌ء المشكوك تخصّصه بها عند حدوثه ـ كقرشيّة المرأة ـ ، فإنّه بمقتضى هذا الوجه يبنى على عدمها حتى بعد وجود معروضها ، بخلافه على الوجه الثاني ـ الاستصحاب ـ لما سيأتي تحقيقه من المنع عن جريانه في الأعدام الأزليّة.

(٢) ليصحّ ـ بموجبه ـ التمسّك باستصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النعتي.

(٣) إذ لم يثبت استقرار طريقتهم على البناء على العدم بما هو أولى بذات الممكن من الوجود ، كما ولا يقتضيه دليل عقلي ولا تعبّد شرعي.

(٤) على وجه لا يبتني على حجيّة الأصول المثبتة ، والباء هنا للسببيّة ،


ولا بدّ في توضيحه من بيان أمرين : ـ

الأوّل (١) : إنّه بعد وضوح أنّ حقيقة المجعول في الأصول العمليّة هي البناء العمليّ على مؤدّياتها ، دون الثبوت الواقعيّ كما في باب الأمارات (٢) ـ ولذا يكون مثبتاتها حجّة دونها (٣) ، كما حقّق في محلّه ـ ، فلا يخفى أنّه كما لا فرق في الأثر العمليّ الذي لا بدّ في جريان الأصل من ترتّبه عليه بين أن يكون بحيث يرجع التصرّف الظاهريّ فيه (٤) إلى مرحلة توجّه التكليف وثبوته (٥) ، أو إلى ناحية‌

__________________

وفي ( بهذا الأصل ) للتعدية.

(١) هذا الأمر معقود لبيان الضابط لجريان الاستصحاب في الموضوعات المركّبة ، والتمييز بينها وبين العناوين الملازمة لها.

(٢) فإنّ المجعول فيها هو الكاشفيّة والطريقيّة ، ومقتضاها الثبوت الواقعي لمؤدّياتها تعبّدا ، أمّا في الأصول العمليّة فمجرّد البناء العملي وتطبيق العمل على طبق المؤدّى مع البناء على أنّه هو الواقع أو من دون بناء عليه ، وأيّا كان فلم يجعل فيها الطريقيّة وثبوت المؤدّى ـ كما جعلت في الأمارات.

(٣) فإنّ الحكم بثبوت المؤدّى حكم بثبوته بجميع لوازمه وملزوماته وملازماته ، أمّا الحكم بتطبيق العمل على المؤدّى من دون ثبوته فليس حكما به بالنسبة إلى لوازمه ونحوها ، ولا يقتضي سوى الجري عملا على طبق المؤدّى وما يترتّب عليه من الآثار الشرعيّة بلا واسطة عقليّة أو عاديّة ، وتمام الكلام في محلّه.

(٤) أي : في الأثر العملي إثباتا أو نفيا.

(٥) كما في موارد أصالة البراءة ، والاستصحاب المثبت للتكليف أو النافي له.


الخروج عن عهدة التكليف وسقوطه (١) ، من حيث صلاحيّة كلّ منهما لأن تناله يد الجعل والتصرّف على نمط واحد ـ كما لا يخفى ـ ، فكذا لا فرق بين أن يكون ترتّبه عليه ـ بأحد الوجهين ـ باعتبار كون المؤدّى تمام الموضوع للحكم الشرعي ، أو لكونه مأخوذا فيه على جهة القيديّة ـ بأحد أنحائها ـ (٢) ، ضرورة كفاية هذا المقدار من الأثر الناشئ عن القيديّة أيضا بالنسبة إلى كلّ من المرحلتين في تحقّق حقيقة المجعول بالأصول ـ كما لا يخفى.

وليس العنوان المركّب (٣) من مجموع القيد والمقيّد كالصلاة في ظرف طهارة الفاعل ـ مثلا ـ أو الغسل بالماء الطاهر إلاّ عبارة عن نفس تلك الأمور المحرز ما عدا الطهارة منها بالوجدان وهي‌

__________________

(١) كموارد قاعدة الاشتغال وقواعد الفراغ والتجاوز والحيلولة ونحوها.

(٢) أي : كون المؤدّى مأخوذا في موضوع الحكم أو متعلّقه على وجه القيديّة بأحد أنحائها ـ من الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمتعلّق أو الموضوع ـ كما في استصحاب الطهارة في مثالي الصلاة عن طهارة والغسل بالماء الطاهر ـ الآيتين ـ ، والأثر المترتّب على الأصل حينئذ هو البناء عملا على تحقّق القيد.

(٣) شروع في البحث عن حكم استصحاب الموضوعات المركّبة والبسيطة ، وحاصل المراد بالعبارة : أنّ عنوان ( الصلاة في ظرف طهارة المصلّي ) ـ مثلا ـ ليس عنوانا بسيطا ملازما لذات المقيّد والقيد ، كي لا يجدي استصحاب الطهارة لإحرازه إلاّ على القول بالأصول المثبتة ، وإنّما هو عبارة عن الأمرين نفسيهما ، فيكفي في إحرازهما إحراز أحدهما بالوجدان ، والآخر بالأصل.


بالأصل ، وليس هو عنوانا خارجا عمّا هو محرز بهما ملازما له كي يندرج في اللوازم الغير الشرعيّة ، ولا (١) كون الماء طاهرا أو المصلّي متطهّرا إلاّ عبارة عن نفس تحقّق الوصف فيما اعتبر تحقّقه فيه (٢) ، وواضح أنّ إثبات الأصل لنفس * مؤدّاه (٣) إنّما هو عبارة أخرى عن حجيّته ، ولا مساس له بباب اللوازم الغير الشرعيّة أو الملزومات (٤) التي يراد من عدم حجيّة الأصل المثبت عدم كفايته في إحرازها ولا في ترتيب (٥) ما رتّبه الشارع من الأثر عليها بلا مؤنة إحرازها.

وأمّا مقارنة الشرط للمشروط فإن أريد به منشأ انتزاع هذا العنوان (٦) ـ وهو نفس تحقّق المشروط الذي هو الغسل أو الصلاة‌

__________________

(١) عطف على ( وليس العنوان المركّب ) ، والمقصود هنا بيان حال القيد نفسه.

(٢) وهو الماء والمصلّي.

(٣) وهو متحقّق في المقام من دون زيادة.

(٤) أي : مطلقا وإن كانت شرعيّة كالحكم وموضوعه الملزوم له ـ كما مرّ غير مرّة.

(٥) أي : وعدم كفاية الأصل في ترتيب آثار تلك اللوازم التي رتّبها الشارع عليها من دون تحمّل مؤنة إحراز اللوازم أنفسها بأمارة أو أصل.

(٦) أي : عنوان المقارنة ، وهذا يفترق عن العنوان ـ المتقدّم تحقيقه آنفا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بنفس ) والصحيح ما أثبتناه.


في المثالين في ظرف تحقّق الشرط (١) الذي هو طهارة الماء أو المصلّي ـ فقد عرفت أنّه محرز بعضه بالوجدان والآخر بالأصل ، ولا حاجة إلى إحراز أمر آخر خارج عمّا هو محرز بهما ، كي يؤول إلى إحراز اللوازم الغير الشرعيّة بالأصل المحرز لملزوماتها *.

وإن أريد به نفس هذا العنوان المنتزع عن تحقّق أحد الأمرين في ظرف الآخر فالمفروض ترتّب الحكم على منشأ الانتزاع دون العنوان المنتزع (٢) ، وبعد ما عرفت من إحراز أحد جزءي ما ينتزع هو عنه بالوجدان والآخر بالأصل فمقارنة كلّ منهما للآخر ـ مع أنه لا حاجة إلى إحرازها ـ متحقّقة قهرا ومحرزة بالوجدان ـ لا محالة (٣).

__________________

والمركّب من المقيّد والقيد ـ بعدم اعتبار المقارنة هناك واعتبارها هنا ، فأصبح هذا عنوانا انتزاعيّا دون ذاك.

(١) أي : مجرّد اجتماعهما في الزمان.

(٢) فإنّ العنوان المنتزع المذكور ـ المقارنة ـ ليس هو متعلّق الحكم أو موضوعه ـ حسب الفرض ـ ، بل المتعلّق هو الصلاة في ظرف طهارة المصلّي ، والموضوع هو الغسل في ظرف طهارة الماء ، وهذا مركّب من جزءين يحرز أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل ، من دون حاجة إلى إحراز أمر آخر.

(٣) إذ يحرز بالوجدان مقارنة الصلاة الوجدانيّة أو الغسل الوجداني مع الطهارة المستصحبة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بملزوماتها ) والصحيح ما أثبتناه.


نعم قد يستفاد من دليل الحكم ترتّبه على العنوان الملازم أو المنتزع عمّا يمكن إحرازه بضمّ الوجدان بالأصل ، لا على نفسه (١) ، فلا يترتّب على مؤدّى الأصل حينئذ أثر شرعي أصلا ، إذ ليس هو حينئذ إلاّ جزءا من العنوان الملازم تحقّقه لتحقّق الموضوع ، دون نفس الموضوع (٢).

وهذا نظير (٣) ما ذكروه من جريان استصحاب الشهر السابق بالنسبة إلى يوم الشكّ ، ومنع ترتّب أحكام أوّل الشهر على ما بعده (٤) ، نظرا إلى عدم كون الأوّليّة عنوانا مركّبا من * العدم‌

__________________

(١) أي : على نفس ما يمكن إحرازه بالضمّ المذكور.

(٢) أي : ليس مؤدّى الأصل جزءا من نفس الموضوع ، لأنّ الموضوع ـ حسب الفرض ـ عنوان بسيط لا جزء له ، وإنّما هو جزء من العنوان المركّب الملازم للموضوع ، فلا يجدي الأصل لإحرازه إلاّ بناء على حجيّة الأصل المثبت.

(٣) لا يخفى مغايرة كلّ من الأمثلة الثلاثة للآخر في نوعه ، وانحصار الأنواع فيها (٢) ( منه 1 ).

(٤) أي : بعد يوم الشكّ ، فلا يترتّب على هذا الاستصحاب سوى آثار الشهر السابق من وجوب الصوم ونحوه.

__________________

(١) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


السابق والوجود اللاحق (١) ، كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل (٢) وإنّما هو عنوان ثانويّ ينتزع عن الوجود المسبوق بالعدم (٣) ، فليس مؤدّى الأصل ـ حينئذ ـ إلاّ جزءا من العنوان الملازم للموضوع (٤) دون نفسه (٥) ـ كما لا يخفى.

وما ذكروه من عدم كفاية استصحاب رطوبة أحد المتلاقيين إذا كان نجسا في تنجّس الآخر ، نظرا إلى عدم ترتّب التنجيس على نفس تماسّ الجسمين عند رطوبة أحدهما ، كي تكون نفس الرطوبة ـ حينئذ ـ جزءا من موضوع الحكم فيجري فيه ما تقدّم (٦) ، وإنّما‌

__________________

(١) أي : من عدم كون اليوم السابق من الشهر وكون اليوم اللاحق منه.

(٢) إذ يحرز كون اليوم اللاحق من الشهر الجديد بالوجدان ، للعلم بعدم زيادة الشهر على ثلاثين ، كما ويحرز عدم كون اليوم السابق من هذا الشهر بالاستصحاب.

(٣) فهو عنوان بسيط منتزع من المركّب المتقدّم ذكره ، وليس هو نفس المركّب ، هذا. والوجود المسبوق بالعدم عبارة أخرى عمّا ذكر آنفا من العدم السابق والوجود اللاحق ، وليس مغايرا له.

(٤) أي : جزءا من العنوان المركّب المذكور الملازم للعنوان الانتزاعيّ المفروض موضوعيّته للحكم ، والمنشأ لانتزاعه.

(٥) أي : ليس جزءا لنفس الموضوع.

(٦) من اندراجه في الموضوع المركّب المحرز أحد جزءيه ـ وهو تماسّ‌


يترتّب هو على تأثّر أحدهما عن الآخر وسراية رطوبته إليه ، وهو مسبّب عمّا يمكن إحرازه بضمّ الوجدان بالأصل (١) ، لا نفسه (٢) ـ كما قد عرفت.

وما ذكروه في باب الجماعة من ترتّب إدراك الركعة على إدراك (١) الإمام في الركوع ، ومنع كفاية الأصل في إحرازه (٣) ، نظرا إلى ترتّبه في لسان الدليل على ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه (٤) ، لا‌

__________________

الجسمين ـ بالوجدان ، والآخر ـ وهو رطوبة أحدهما ـ بالأصل ، هذا.

وترتّب التنجيس على ما ذكر هو أحد القولين في المسألة وفي قبالة القول الآخر ـ الآتي.

(١) فإنّ التماسّ مع الرطوبة سبب تكوينيّ للتأثّر والسراية ، واستصحاب السبب التكويني أو جزئه لا يكفي في إحراز مسبّبه إلاّ على الأصل المثبت.

(٢) أي : وليس هو نفس ما يمكن إحرازه بالضمّ المذكور ـ كما على الوجه الأوّل.

(٣) أي : في إحراز إدراك الإمام في الركوع ، والأصل هنا هو استصحاب بقاء الإمام راكعا إلى حين وصول المأموم إلى حدّ الركوع.

(٤) ففي صحيحة الحلبي : « إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ـ الحديث ـ » ، ونحوها غيرها ، راجع الباب ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل ، وظاهرها أنّ‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( ترتب إدراك الركعة بإدراك ) والصحيح إمّا ( تحقّق ) بدل ( ترتب ) أو ( على ) بدل الباء.


على الركوع في ظرف ركوعه كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل.

لكن لا يخفى ابتناء ذلك على ظهور القبليّة في لسان الدليل في كونها عنوانا للموضوع (١) ، لا تحديدا له ، وإلاّ فيندرج فيما ذكرنا ، ويجري فيه ما تقرّر في حكم الحادثين اللذين يشكّ في بقاء أحدهما عند تحقّق الآخر ، أو عدم تحقّقه إلاّ بعد ارتفاعه (٢) ،

__________________

إدراك الإمام في الركوع الذي به يتحقّق إدراك الركعة إنّما يتحقّق بركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه ، لا بمجرّد ركوعه في ظرف ركوعه ـ نظير الصلاة في ظرف الطهارة ـ كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه ـ وهو ركوع المأموم ـ بالوجدان والآخر ـ وهو بقاء ركوع الإمام إلى حين ركوع المأموم ـ بالأصل. فالقبليّة مأخوذة في موضوع الحكم وهي كالتقدّم والتأخّر والتقارن عنوان بسيط ينبئ عن الإضافة الخاصّة الحاصلة بين ركوع المأموم ورفع الإمام رأسه ، وليس لها حالة سابقة لتستصحب ، وأصالة بقاء الإمام راكعا إلى حين ركوع المأموم إنما تجدي ـ كما عرفت ـ لإحراز ركوع المأموم في ظرف ركوع الإمام ، والمفروض أنّه ليس هو موضوع الحكم بل ملازم لموضوعه ، فلا يثبت بها إلاّ على القول بحجيّة الأصول المثبتة.

(١) بأن تكون بعنوانها مأخوذة في الموضوع ، أمّا إذا كانت معرّفة له مسوقة لتحديده وبيان أنّ إدراك الركعة إنما يتحقّق بإدراك الإمام في الركوع واجتماعهما في هذا الحال ـ الحاصل بركوع المأموم قبل رفع الإمام رأسه ـ خرج عنوان القبليّة عن الموضوعيّة ، واندرج المورد في الموضوعات المركّبة الممكن إحراز بعض أجزائها بالوجدان والآخر بالأصل.

(٢) أي : عدم تحقّق الآخر إلاّ بعد ارتفاع الأوّل ، وإنّما عبّر 1 كذلك ولم‌


ويختلف مجرى الأصل ـ حينئذ ـ باختلاف حال المأموم (١) وإحرازه لأيّ الأمرين من ركوعه أو آخر جزء من ركوع الإمام في زمان خاص وشكّه في الآخر * ، وعدم إحرازه لشي‌ء منهما إلاّ بعد حين ـ حسبما حرّر في محلّه.

وبالجملة : فالضابط الذي يدور جريان الأصل لإحراز بعض‌

__________________

يقل : ( أو عدم بقائه عند تحقّقه ) رعاية للتعبير بالحالة السابقة التي يجري فيها الاستصحاب من الجانبين وهما : استصحاب بقاء أحد الحادثين عند تحقّق الآخر ، واستصحاب عدم تحقّق الآخر إلاّ بعد ارتفاع الأوّل.

(١) فإنّ المختار في هذا الباب ـ على ما حقّق في محلّه ـ جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومة ، فإذا علم زمان موت المورّث دون زمان إسلام وارثه فشكّ في بقاء كفره إلى زمان الموت أو عدم بقائه ـ بأن أسلم قبل الموت ـ استصحب البقاء فلا يرث ، وإذا انعكس الأمر فعلم زمان الإسلام دون زمان الموت فشكّ في تحقّق الموت حال الكفر أو عدم تحقّقه إلاّ بعد الإسلام استصحب عدم تحقّقه فيرث. والمقام ـ بناء على المعرفيّة وتركّب الموضوع ـ من هذا القبيل ، فإذا علم المأموم زمان ركوعه وشكّ في زمان آخر جزء من ركوع الإمام ـ كما هو الغالب ـ جرى استصحاب بقاء ركوع الإمام إلى زمان ركوعه وترتّب عليه إدراكه للركعة ، وإذا علم زمان آخر جزء من ركوع الإمام وشكّ في زمان ركوع نفسه جرى استصحاب عدم ركوعه إلى آخر زمان ركوع إمامه وترتّب عليه عدم إدراكه للركعة ، وإذا جهل الزمانين جرى الاستصحابان وتساقطا بالمعارضة ويحكم عليه حينئذ أيضا بعدم إدراك الركعة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( الإحراز ) والصحيح ما أثبتناه.


الموضوع مداره إنّما هو تركّبه من مؤدّى الأصل وغيره ، ودخله ـ بما هو كذلك ـ فيه بأحد أنحائه (١) ، فلو لم يكن كذلك كأن يكون الموضوع من أصله عنوانا بسيطا ملازما لما يمكن إحرازه بضمّ الوجدان بالأصل ، أو كان مركّبا ولكن لا من نفس مؤدّى الأصل بل من العنوان الملازم له ولغيره ، لم يكن الأصل ـ حينئذ ـ مجديا ـ كما لا يخفى.

بل حيث قد عرفت من مطاوي ما حرّرنا أنّ غاية ما يمكن إحرازه بالأصل إنّما هو بقاء المستصحب إلى منتهى ما يشكّ بقاؤه فيه من زمانه ، دون العناوين الملازمة لذلك ، فالمركّب من العناوين المتباينة التي لا رابط بينها (٢) من غير جهة الزمان إنّما يجدي الأصل في إحرازها مع رجوع الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها ـ لا محالة (٣) ـ إلى مجرّد اعتبار التحقّق في جزء خاصّ من الزمان (٤) ،

__________________

(١) أي : دخل مؤدّى الأصل بما هو جزء الموضوع في الموضوع بأحد أنحاء الدخل على نحو الجزئيّة ، فإنّ أنحاء تركّب الموضوع مختلفة ، فإمّا مركّب من العرض ومحلّه ، أو من عرضين لمحلّ واحد ، أو لمحلّين ، أو من جوهرين ، أو من جوهر وعرض غير قائم به.

(٢) لا واقعا ولا اعتبارا سوى الرابط الاعتباريّ الزمانيّ ـ وهو الاجتماع في الزمان.

(٣) قيد للملحوظة ، إذ لا مناص من لحاظ الوحدة بين أجزاء المركّب.

(٤) محصّله : أنّ الوحدة الاعتباريّة الملحوظة بين أجزاء الموضوع المركّب ـ التي يجدي الأصل في إحرازها ـ لا بدّ أن ترجع إلى مجرّد الوحدة‌


دون ما إذا رجع هو إلى اعتبار الربط الثانويّ الحاصل بين نفس الحادثين من جهة الاجتماع في زمان واحد ـ كما لعلّ أن يكون هيئة الحال حكاية عنه (١) ـ ، فإنّه لا سبيل إلى إحرازه بالأصل إلاّ مع سبق تحقّق مجموع العنوان ، ولا يجديه إحراز أحد الأمرين بالأصل ـ مثلا ـ والآخر بالوجدان ، إذ غاية ما يثبت بذلك إنّما هو العنوان الملازم تحقّقه لتحقّق الموضوع ، دون نفسه. ولك إلحاق الموضوع في هذا القسم (٢) أيضا بالعناوين البسيطة الملازمة للمركّبات الممكن (٣) إحرازها‌

__________________

الاعتبارية الزمانيّة بأن يكون مصحّح اعتبار الوحدة بينها هو تحقّق الجميع في زمان واحد ، لا إلى اعتبار أزيد من ذلك كاعتبار ربط خاصّ ثانويّ بينها وراء الربط الزمانيّ العامّ ، وإلاّ فلا مجال لإحرازه بالأصل إلاّ إذا كان لنفس الربط الخاصّ المذكور حالة سابقة ، أمّا في غير هذه الصورة فإحراز ذوات الأجزاء كلا أو بعضا بالأصل لا يجدي لإحرازه إلاّ على القول بحجيّة الأصول المثبتة.

(١) أي : عن اعتبار الربط الثانويّ المذكور ، كما إذا كان الحكم مترتّبا على مجي‌ء زيد راكبا ، فإنّ إحراز مجيئه بالوجدان وركوبه بالأصل ـ مثلا ـ لا يجدي في إحراز الموضوع ـ أعني عنوان المجي‌ء حال الركوب ـ وإن كان ملازما له إلاّ على الأصل المثبت.

(٢) مرجع الإشارة هو اعتبار الربط الثانويّ المذكور. والظاهر أنّ المراد إلحاقه بالأنواع الثلاثة المتقدّمة وإدراجه في النوع الثالث منها ، لكونه عنوانا بسيطا ينبئ عن ربط خاصّ بين حادثين ، نظير القبليّة في المثال المتقدم.

(٣) صفة للمركّبات.


بضميمة الأصل ـ كما لا يخفى.

الثاني (١) : ـ إنّ القيود المعتبرة في مثل الصلاة ترجع * ـ تارة ـ إلى اعتبار وصف وجوديّ أو عدميّ في المصلّي في ظرف فعل الصلاة ، و ـ اخرى ـ إلى اعتبار ذلك فيما يصلّى فيه ـ مثلا ـ أو عليه ، و ـ ثالثة ـ إلى اعتبار ما ذكر من الخصوصيّة الوجوديّة أو العدميّة في نفس الصلاة ، وإن كان لحوقها بتوسّط المصلّي ـ مثلا ـ ، أو ما يصلّي فيه (٢).

ولا خفاء في جريان الاستصحاب وكفايته في إحراز القيد فيما يرجع إلى أحد القسمين الأوّلين بعد سبق تحقّقه فيما اعتبر تحقّقه فيه من الفاعل ـ مثلا ـ أو لباسه أو الزمان أو المكان (٣) أو غير ذلك ،

__________________

(١) هذا الأمر معقود لبيان أقسام القيود المعتبرة في الصلاة والمختلفة باختلاف ما اعتبر تحقّقها فيه ، والتحقيق حول ما يصحّ استصحابه منها وما لا يصحّ.

(٢) فلا يختصّ هذا القسم بأوصاف الصلاة اللاحقة لها بنفسها من جهر أو إخفات أو موالاة أو ترتيب أو نحوها ، بل يعمّ ما يلحقها بتوسّط المصلّي كالاستقبال بها والستر حالها ونحوهما ، أو بتوسّط ما يصلّي فيه أو عليه كالصلاة في الزمان أو المكان أو اللباس الكذائي ، أو على المصلّى أو المسجد الكذائي.

(٣) كما إذا شكّ المصلّي في بقاء طهارته أو طهارة بدنه أو لباسه ، أو في بقاء الوقت ، أو بقاء إباحة المكان ، أو طهارة مسجد الجبهة أو نحو ذلك ،

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يرجع ) والصحيح ما أثبتناه.


لرجوعه إلى إحراز بعض الموضوع بالأصل والآخر بالوجدان ـ كما قد عرفت ـ ، من غير فرق في ذلك بين سبق الالتفات إلى الشكّ ولحوقه (١) مع قطع النظر عن قاعدة الفراغ ، أو يفرض الشكّ فيما لا تجري * هي فيه ولا يعمّه دليلها (٢).

فإنّا وإن اعتبرنا فعليّة الشكّ في مجاري الأصول ولم نقل بكفاية تقديره (٣) في ذلك ، إذ ـ مضافا (٤) إلى عدم أخذه في‌

__________________

فإنّه لا مانع من الاستصحاب لإحراز القيد والتئام الموضوع من ضمّه إلى الوجدان ، لاندراجه فيما تقدّم من ضابط الموضوعات المركّبة المحرزة بالضمّ المذكور.

(١) بأن كان قبل الصلاة ملتفتا إلى شكّه في بقاء القيد فاستصحبه وصلّى ، أو كان غافلا عنه وإنّما التفت إليه بعدها ، فإنّه مع قطع النظر عن قاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب أو في مورد لا مجرى لها فيه لا مانع من جريان الاستصحاب حين الالتفات بعد الصلاة وترتيب أثره عليه.

(٢) أي : دليل القاعدة ، وذلك كما على القول باعتبار احتمال الالتفات حين العمل في جريان القاعدة ، إذ عليه لا مجرى لها في محلّ الكلام لأنّ المفروض فيه العلم بالغفلة.

(٣) أي : الشكّ التقديريّ وكونه بحيث لو التفت لشكّ ، مع انتفائه فعلا لغفلته.

(٤) استدلّ 1 على اعتبار فعليّة الشكّ في مجاري الأصول العمليّة بأمرين :

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يجري ) والصحيح ما أثبتناه.


موضوعها إلاّ على هذا الوجه ـ ، فلا يعقل أن يتحقّق نتيجة الجعل الظاهريّ إلاّ بعد فعليّة إحرازه ـ كما حقّق في محلّه ـ ، لكن حيث إنّ غاية ما يقتضيه ذلك (١) إنّما هو عدم كون الطهارة ـ مثلا ـ أو أهليّة البائع لنفوذ التصرّف (٢) محرزة بالأصل عند الغفلة التي هي ظرف‌

__________________

أحدهما : ظهور لفظ الشك ـ المأخوذ موضوعا للأصول في أدلّتها ـ في الشك الفعليّ ، حذو ظهور سائر الألفاظ في تحقّق معانيها بالفعل وعدم كفاية التقدير فيها.

والثاني : أنّ النتيجة المترتّبة على الجعل الظاهريّ والأثر العمليّ المرغوب منه ـ وهو تنجيز الواقع والمعذوريّة عن مخالفته ـ لا يكاد يتحقّق إلاّ بعد فعليّة إحرازه والعلم به وبموضوعه ، فإنّ الحكم الظاهريّ وإن شارك الواقعيّ في امتناع دورانه ـ جعلا ـ مدار العلم به للزوم الدور ، إلاّ أنهما يفترقان في الفعليّة ، فالواقعي يتمّ فعليّته بفعليّة موضوعه علم به المكلّف أم جهل ، وربّما يترتّب عليه آثار بمجرّد فعليّته ـ وإن جهل ـ ، أمّا الظاهري فلا أثر له بواقعة المجهول ، إذ لا يترتّب عليه التنجيز أو التعذير إلاّ بعد العلم به والالتفات إليه.

(١) المشار إليه هو اعتبار فعليّة الشكّ ، ومحصّل المرام : أنّ مقتضى اعتبار فعليّة الشك ليس إلاّ عدم جريان الأصل حال الغفلة ، أمّا بعد زوالها وفعليّة الشك فلا مانع من جريانه وترتيب آثاره الفعليّة عليه ، والمفروض أنّ المورد ممّا يحرز بعضه بالوجدان والآخر بالأصل ، ولا فرق بين الصورتين ـ الالتفات حين العمل أو بعده ـ إلاّ في سبق إحراز الجزء المحرز بالأصل في الأوّل ولحوقه في الثاني ، وهذا لا يصلح أن يكون فارقا فيما هو المهمّ ، ضرورة عدم توقّف ترتب الآثار الفعليّة على سبق الإحراز.

(٢) وذلك فيما إذا كان البائع أهلا للتصرّف سابقا وشك في بقائها حال البيع‌


فعل الصلاة أو البيع ، لا عدم جريانه لإحرازها فيه (١) بعد فعليّة الشكّ واجتماع أركان الاستصحاب ، فمع ترتّب أثر فعليّ على إحراز القيد في ظرف وقوع المقيّد من جهة الإعادة أو القضاء أو التصرّف في المبيع (٢) ـ مثلا ـ أو غير ذلك ، ووضوح رجوع الأمر في كلتا الصورتين إلى إحراز بعض العنوان بالأصل والآخر بالوجدان (٣) ، واشتراكهما في رجوع التصرّف الظاهريّ فيهما (٤) إلى مرحلة الخروج عن عهدة التكليف وسقوطه ـ مثلا ـ أو تحقّق موضوع الحكم ، فغاية ما هناك من الفرق بينهما إنّما هو سبق إحراز ما يحرز بالأصل في إحداهما ولحوقه في الأخرى ، وهذا ممّا لا يعقل أن يكون فارقا في ذلك.

__________________

(١) أي : ولا يقتضي ذلك عدم جريان الأصل ـ بعد فعليّة الشكّ واجتماع أركان الاستصحاب ـ لإحراز الطهارة أو الأهلية في ظرف الصلاة أو البيع.

(٢) أمثلة للأثر الفعلي المترتّب ـ بعد الفراغ ـ على إحراز تحقّق القيد عند وقوع المقيّد ، فالأثر المترتّب في مثال استصحاب الطهارة هو عدم وجوب إعادة الصلاة أو قضائها ، وفي مثال استصحاب الأهليّة هو صحّة البيع وجواز تصرّف المشتري في المبيع.

(٣) المحرز بالوجدان في المثالين هو الصلاة والبيع.

(٤) أي : اشتراك الصورتين في رجوع التصرّف الظاهريّ فيهما إلى مرحلة سقوط التكليف ـ كما في مثال طهارة المصلّي ـ ، أو إلى مرحلة ثبوته وتحقّق موضوعه ـ كما في مثال أهليّة البائع للتصرّف ـ ، فإنّ استصحاب الأهليّة يصحّح البيع ويحقّق موضوع جواز التصرّف في المبيع.


بل وبعد ما عرفت من دوران الصحّة (١) والإجزاء الظاهريّ المترتّب على الجعل الظاهريّ حدوثا وبقاء مدار وجوده فلا جدوى ـ حينئذ ـ لمجرّد الإحراز السابق (٢) عند سبق الالتفات إلى الشكّ في علاج الشكّ الفعليّ ، ولا غناء به * عن فعليّة جريانه لدفع هذا الشكّ أصلا ، ولا مجرى حينئذ لقاعدة الفراغ ـ مثلا ـ أو أصالة الصحّة في العقود (٣) ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) عرفت ذلك في أواخر البحث عن أصالة الحلّ ، حيث أفاد 1 هناك أنّ الصحّة والإجزاء الظاهريّ من اللوازم العقليّة المترتّبة على الجعل الظاهريّ ، وأنه ما دام هذا الجعل منحفظا لا يعقل عدم الإجزاء ، وبعد ارتفاعه بانكشاف الخلاف لا يعقل بقاء الإجزاء إلاّ إذا قام عليه دليل خاصّ ، إذن فالصحّة الظاهريّة تدور مدار الجعل الظاهري حدوثا وبقاء.

(٢) محصّله : أنه إذا دار الإجزاء الظاهري مدار الجعل الظاهري حدوثا وبقاء فعند سبق الالتفات إلى الشك وسبق جريان الأصل لإحراز تحقّق القيد حين وقوع المقيّد لا يكفي هذا الإحراز في علاج الشك الفعليّ ـ الحاصل بعد الفراغ والمستمرّ من ذي قبل ـ ، ولا يستغنى به عن جريان الأصل فعلا لدفع هذا الشك بقاء ، إذ لو لم يجر حينئذ لم يكن للجعل الظاهري بقاء فيرتفع الإجزاء بارتفاعه ، وإذ لا مانع بل ولا محيص عن جريان الأصل بعد العمل في صورة سبق الالتفات إلى الشكّ ففي صورة لحوقه أيضا كذلك.

(٣) جواب عن إشكال مقدّر ، وهو أنه كيف يجري الاستصحاب بعد‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( له ) والصحيح ما أثبتناه.


فما أفاده بعض (١) مشايخنا المحقّقين ـ قدّس الله تعالى أسرارهم الزكيّة ـ من ( التفصيل بين الصورتين ، نظرا إلى ترتّب جواز الدخول في الصلاة ـ مثلا ـ أو الشراء على سبق إحراز القيد بالأصل وعدم ترتّب أثر عليه عند لحوقه إلاّ وقوع الصلاة ـ مثلا ـ أو البيع عند طهارة المصلّي ونفوذ تصرّف البائع ـ مثلا ـ ، أو صحّة الصلاة أو البيع الواقع حال الغفلة ، وكلّ منهما (٢) من اللوازم الغير الشرعيّة ) ممّا لا يليق بأنظاره العالية ، ضرورة أنّ الجواز (٣) المدّعى ترتّبه على سبق إحراز القيد إنّما يراد به في مثل المقام بالمعنى الوضعيّ المقابل لفساد العبادة ـ مثلا ـ أو المعاملة ، والمساوق لمضيها من حيث (٤) الخروج عن عهدة التكليف ـ مثلا ـ أو ترتّب‌

__________________

(١) هو شيخنا العلاّمة الأوّاه الميرزا الرشتي ـ طاب ثراه ـ ( منه 1 ).

__________________

الفراغ من العمل مع أنّ المورد في مثال الصلاة مجرى لقاعدة الفراغ ، وفي مثال البيع مجرى لأصالة الصحّة وهما حاكمتان على الاستصحاب ، وجوابه أنه يختص موردهما بالشك الحادث بعد الفراغ غير المسبوق به حين الفعل ، والشك في المقام مسبوق به ومستمرّ من قبل ، فلا حاكم على الاستصحاب.

(١) أي من وقوع الصلاة أو البيع واجدا لقيده ، وصحّته.

(٢) وهو جواز الدخول في الصلاة أو جواز الشراء.

(٣) متعلّق ـ بـ ( مضيّها ) ، فإنّ مقتضى جواز العبادة ومضيّها الخروج عن عهدة التكليف بها وسقوط الإعادة والقضاء ، كما أنّ مقتضى صحّة المعاملة ونفوذها ترتّب الأثر المعاملي عليها.


الأثر * المعامليّ ، دون التكليفيّ المقابل لحرمتها الذاتيّة ـ مثلا ـ أو التشريعيّة ، وإلاّ لقلّ الجدوى فيه (١) ولم يجد في إحراز متعلّق التكليف أو موضوع الحكم إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت ـ حسبما تقدّم الكلام فيه ـ ، وهو بهذا المعنى (٢) ممّا لا يعقل فرق ـ في ترتّبه على إحراز القيد بالأصل ـ بين الصورتين.

وبعبارة أخرى نقول : بعد فرض توقّف الخروج عن عهدة التكليف ـ مثلا ـ أو ترتّب الأثر المعامليّ على تحقّق العنوان المركّب من مجموع الأمرين ، فإحراز هذا العنوان ممّا لا مناص عنه على كلّ تقدير ، وحينئذ فإن كان إحراز بعضه بالوجدان ـ مثلا ـ

__________________

(١) أي : لو أريد بالجواز المدّعى ترتّبه على الأصل ـ في صورة سبق الالتفات ـ الجواز التكليفي الذاتي أو التشريعي ، دون مضيّ العمل وصحّته لعلّ الجدوى في إجراء الأصل ، فإنّ إجراءه لإحراز إباحة الدخول في الصلاة أو الشراء تكليفا لا يجدي فيما هو المهمّ من إحراز تحقّق متعلق التكليف أو موضوع الوضع إلاّ على الأصل المثبت ، فإنّ تحقّق المتعلّق أو الموضوع ملزوم للحلّية المذكورة ، فهو نظير ما مرّ من أنّ إحراز حلّية الصلاة في المشتبه ذاتا أو تشريعا بالأصل لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه إلاّ على المبنى المذكور.

(٢) أي : والجواز بمعناه الوضعيّ المساوق للصحّة والمضيّ والمترتّب على الأصل لا يعقل أن يفرّق في ترتّبه على إحراز القيد بالأصل بين صورتي سبق الالتفات ولحوقه.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( أثر ) والصحيح ما أثبتناه.


والآخر بالأصل كافيا في ذلك (١) كما حقّقناه وأوضحنا * أنّه لا مساس له (٢) بباب اللوازم الغير الشرعيّة لم يعقل في ذلك فرق بين الصورتين ، وإلاّ فكذلك ، والتفصيل بينهما في ذلك (٣) ممّا لا يمكننا المساعدة عليه.

وكذلك الحال فيما أفاده أخيرا من عدّ الصحّة الظاهريّة من اللوازم العقليّة الغير المترتّبة على الجعل الظاهريّ ، إذ هو ـ مع ما فيه من الخلط بين الصحّة الواقعيّة التي هي من خواصّ الإتيان بنفس المطلوب الواقعيّ (٤) ، والظاهريّة التي هي من لوازم نفس الجعل الظاهريّ (٥) وفائدته التي لا يعقل عدم ترتّبها عليه عند انحفاظه‌

__________________

(١) أي : في إحراز العنوان المركّب ليترتّب عليه الخروج عن عهدة التكليف والأثر المعاملي.

(٢) أي : لإحراز المتعلّق أو الموضوع المركّب بإحراز بعضه بالوجدان والآخر بالأصل.

(٣) أي : في كفاية ذلك في إحراز المركّب بالبناء على الكفاية في صورة سبق إحراز القيد ، وعدمها في صورة اللحوق ـ كما عن المحقّق المذكور.

(٤) فإنّها تنتزع من انطباق المأتيّ به على المأمور به الواقعي ويتّصف هو بها بهذا الاعتبار ، والانطباق أمر تكوينيّ عقليّ لا مدخل للشرع فيه ، فالصحّة الواقعية من اللوازم غير الشرعية.

(٥) فإنّ مقتضى الجعل الظاهريّ بلسان أمارة أو أصل هو صحّة العمل‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( أوضحناه ) والصحيح ما أثبتناه.


ـ حسبما مرّ الكلام فيه ـ ، مدفوع بأنّ صحّة العمل سواء أريد بها تماميّته بما اعتبر فيه من الأجزاء والقيود المعلوم اعتبارها فيه ، أو كونه موافقا للأمر ـ مثلا ـ ، أو ما يساوق ذلك (١) ـ ولو باعتبار حكم الشارع بأنّه كذلك (٢) ـ ممّا لا مناص (٣) في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم توجّهه إلى المكلّف عن إحرازها (٤) على كلّ تقدير ، وحينئذ فإن كان إحراز بعض المركّب بالأصل والآخر بالوجدان مجديا في ذلك (٥) لم يعقل فيه فرق بين الصورتين ، أو لا‌

__________________

المأتي به على طبقه وتماميّته ـ شرعا ـ ومطابقته ـ كذلك ـ للواقع ، بل الهوهويّة بينهما بحكم الشارع ، ولازمه إجزاؤه عن الواقع ما دام الجعل المذكور منحفظا لم ينكشف خلافه ـ حسبما مرّ تحقيقه في أواخر المقام المتقدّم ـ ، وهذا من اللوازم العقليّة القهريّة للجعل الشرعي وآثاره التي لا تكاد تنفكّ وتنسلخ عنه ولا يعقل عدم ترتّبها عليه ، إذ بدونه يلغو الجعل ويسقط عن الفائدة رأسا ، وبهذا الاعتبار يصحّ دعوى مجعوليّة الصحّة الظاهريّة بمعنى تبعيّتها للجعل التشريعي ولزومها له وترتّبها عليه ، وتفترق بذلك عن الصحّة الواقعيّة.

(١) إشارة إلى الوجوه والأقوال المختلفة في تفسير مفهوم الصحّة ، وتفصيله مذكور في محلّه من الأصول.

(٢) أي : بأنه تامّ أو موافق للأمر أو نحو ذلك ، وذلك في موارد الصحّة الظاهريّة الآنفة الذكر.

(٣) خبر لـ ( أنّ ).

(٤) أي : إحراز صحّة العمل ، ضرورة أنّ الخروج عن العهدة فرع الإتيان بالعمل الصحيح التامّ ومسبب عنه ، فإحرازه فرع إحرازه.

(٥) أي : في إحراز الصحّة.


فكذلك ، فالتفصيل بينهما من هذه الجهة (١) أيضا (٢) ممّا لا يرجع إلى محصّل ، وحريّ لأن يعدّ من كبوة الجواد.

وأمّا القسم الثالث : ـ فلا يخلو إمّا أن يكون القيد حاصلا من أوّل الشروع ثم يشكّ في ارتفاعه في الأثناء (٣) ، أو يكون مشكوك الحصول من أوّل الأمر.

أمّا الأوّل : فإن قلنا (٤) بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة في‌

__________________

(١) أي : من جهة كون إحراز بعض المركّب بالأصل والآخر بالوجدان مجديا في إحراز الصحّة أو لا.

(٢) يعني : كالجهة المتقدّم ذكرها وهي جهة كون الإحراز الائتلافي مجديا في إحراز العنوان المركّب المتعلّق للتكليف أو الموضوع للحكم.

(٣) كما إذا فرض كون الستر أو الاستقبال معتبرا في الصلاة نفسها ، فدخل فيها ساترا أو مستقبلا ثمّ شكّ أثناءها في بقائه.

(٤) محصّل ما أفاده 1 في هذا المقام : أنّ جريان الاستصحاب في هذا النحو من القيود يتوقّف على تماميّة أمرين :

الأوّل ـ كون المركّبات الاعتباريّة المختلفة الأجزاء ـ كالصلاة ونحوها ـ على غرار المركّبات المتشابهة الأجزاء من مثل التكلّم والمشي ونحوهما مندرجة في كبرى الأمور التدريجيّة المبنيّة على التقضّي والتصرّم مع انحفاظ وحدتها الاتصاليّة العرفيّة الموجبة لاعتبارها باقية ـ وإن تبادلت أجزاؤها وانعدم بعض وحدث بعض آخر ـ فيتّحد بذلك متعلّق الشك واليقين فيها ويصحّ الاستصحاب ، واندراج تلك المركّبات فيما ذكر إنّما يتمّ بالقول بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها والهيئة الاتصاليّة القائمة بموادّ أجزائها المختلفة في حفظ وحدتها العرفيّة واتحاد القضيّة‌


المركّبات الاعتباريّة والهيئة الاتصاليّة القائمة بموادّ أجزائها في اتحاد متعلّق الشكّ واليقين عرفا ، على حدّ غيرها من التدريجيّات (١) المبنيّة على التقضّي والتصرّم مع انحفاظ وحدتها الاتصاليّة الموجبة لاعتبار البقاء في الآن الثاني ، دون الحدوث والانعدام (٢) ، والتزمنا بموضوعيّتها (٣) ـ بهذا الاعتبار ـ لما اعتبر‌

__________________

المتيقّنة والمشكوكة فيها ـ حذو التدريجيّات المتناسقة الأجزاء كما سمعت.

والثاني ـ الالتزام بكون هذه المركّبات باعتبار هيئتها الاتصاليّة المذكورة موضوعا لما اعتبر فيها من القيود الوجوديّة والعدميّة ، لا باعتبار أجزائها المتنوّعة وأفعالها المتباينة ، إذ لو كانت معتبرة في موادّ الأجزاء نفسها وعلم باشتمال الجزء السابق عليها وشكّ في اللاحق لم يكن البناء على وجودها فيه إبقاء لما كان وإبراما لليقين السابق ، بل إحداث لما لم يكن وهو بمعزل عن الاستصحاب ، لاختلاف موضوعي المتيقّن والمشكوك ، وهذا بخلاف ما إذا كان محلّ اعتبارها هي الهيئة الاتصاليّة والكون الصلاتيّ المستمرّ ، لوحدة موضوع المستصحب حينئذ ، وبقائه في حالتي الشك واليقين ، فيقال : كانت الهيئة الاتصاليّة واجدة لكذا أو فاقدة له ونشكّ في بقائها على هذه الصفة فيستصحب.

(١) يعني : لمّا كانت الوحدة الاتصاليّة في التدريجيّات المتناسقة الأجزاء تكفي في اتحاد متعلّق الشك واليقين عرفا ـ المعتبر في جريان الاستصحاب ـ فإن ألحقنا المركّبات الاعتباريّة بها وقلنا بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها في ذلك أمكن الاستصحاب ، وإلاّ فلا.

(٢) أي : لا أنه في الآن الثاني ينعدم شي‌ء ويحدث شي‌ء آخر.

(٣) هذا ثاني الأمرين المتوقّف عليهما جريان الاستصحاب في المقام ،


فيها من القيود ، لا موضوعيّة أفعالها بما هي متعدّدة متباينة ، اتّجه التمسّك بالاستصحاب ـ حينئذ ـ في جميع صور الشكّ في ارتفاع القيد الوجوديّ أو العدميّ في الأثناء ، ولو مع استناده إلى الشكّ في رافعيّة الموجود (١) من جهة الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة. فإنّه وإن لم يكن الأصل موجبا لارتفاع الشكّ السببيّ (٢) وإحراز حال المشتبه المذكور (٣) ، إلاّ أنّه بعد كفايته في إحراز القيد فلا حاجة إلى إحراز حال المشتبه ورفع الشبهة عنه ـ كما هو الحال في استصحاب الطهارة عند خروج البلل المشتبه موضوعا أو حكما (٤)

__________________

وقد مرّ آنفا.

(١) أي : استناد الشك في ارتفاع القيد إلى الشك في رافعيّة الموجود ، على المشهور والمنصور من جريان الاستصحاب في موارد الشك في رافعيّة الموجود ـ حذو جريانه في موارد الشك في وجود الرافع.

(٢) وهو الشك في رافعيّة الموجود الذي فرض سببا للشك في ارتفاع القيد ، يعني أنّ الاستصحاب وإن لم يحرز به حال الموجود المشكوك رافعيّته وأنه رافع أو غير رافع ، إلاّ أنه لا مانع من جريانه لإحراز القيد نفسه ـ بناء على تماميّة ما عرفت من الأمرين ـ ، ومعه لا حاجة إلى جريانه في الشك السببيّ المذكور ورفع الشك فيه ، ولا يضرّ بقاؤه بإحراز حال القيد نفسه باستصحابه ـ كما هو الحال في الشك في بقاء الطهارة الناشئ عن خروج البلل المشكوك رافعيّته ـ ، فإنّ الاستصحاب وإن لم يحرز حال البلل المشتبه إلاّ أنه بعد كفايته في إحراز الطهارة فلا حاجة إلى رفع الشبهة في ناحية السبب.

(٣) وهو الموجود المشكوك رافعيّته.

(٤) أمّا موضوعا فكالمردّد بين البول والمذي ، وأمّا حكما فكما إذا كان الخارج مذيا وفرض الشك في رافعيّته شرعا.


ونحو ذلك.

وإن منعنا عن ذلك من أصله (١) ، أو قلنا (٢) بموضوعيّة كلّ واحد من الأجزاء لما اعتبر فيها من القيود في عرض الآخر ، دون نفس الكون الصلاتيّ بما هو أمر واحد مستمرّ ـ كما هو أظهر الوجهين (٣) ـ لم يجد سبق تحقّق القيد ـ حينئذ ـ في جريان الاستصحاب عند الشكّ ، لتعدّد متعلّق الشكّ واليقين (٤).

وفي جريانه لإحراز نفس الجزء الصوريّ والهيئة الاتصاليّة‌

__________________

(١) المراد به المنع عن الأمر الأوّل المتقدّم ذكره ـ أعني كفاية الوحدة الاعتباريّة للمركّب في اتحاد متعلّق الشك واليقين وإلحاقه بهذا الاعتبار بالتدريجيّات.

(٢) أي : منعنا عن الأمر الثاني السالف الذكر فقط ، دون الأوّل.

(٣) الظاهر رجوعه إلى الأخير ، وتسليمه 1 أصل الوحدة الاتصاليّة والكون الصلاتي الواحد المستمر ، لكن من دون أن يتعلّق به التكليف ويصبح جزءا صوريا للواجب في قبال الأجزاء الماديّة ، ولذا لم يعبّر 1 في عبارته هذه بالجزء الصوريّ ـ وإن عبّر به بعد ذلك عند بيان المبنى القائل باعتباره ـ ، وأيضا من دون أن يكون موضوعا للقيود وإنّما الموضوع لها هي ذوات الأجزاء الماديّة ، إذن فكون هذا أظهر الوجهين إنّما هو في قبال موضوعيّة الهيئة الاتصاليّة ، لا أصل وجودها.

(٤) إذ المفروض انتفاء الهيئة الاتصاليّة الحافظة للوحدة رأسا ، أو وجودها وعدم موضوعيّتها للقيود المعتبرة بل موضوعيّة ذوات الأجزاء. وعلى كلّ تقدير فاليقين متعلّق بواجديّة جزء لقيد ، والمشكوك فيه هو واجديّة جزء آخر له ، وهذا أجنبيّ عن الاستصحاب.


عند الشكّ فيما يوجب قطعها ، أو طروّ ما يشكّ أنّه كذلك (١) من جهة الشبهة الموضوعيّة ـ مثلا ـ أو الحكميّة ـ كما هو خيرة شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 (٢) ـ ، أو عدم جريانه فيه أيضا ـ كما أفاده سيّدنا الأستاذ الأكبر أنار الله برهانه ـ ، وجهان مبنيّان على كون الجزء الصوريّ المستكشف اعتباره (٣) من أدلّة القواطع عبارة عن أمر وجوديّ مستمرّ يقطعه التكلّم أو القهقهة ـ مثلا ـ ، كي يرجع الشكّ في تخلّل القاطع ، أو قاطعيّة المتخلّل ـ حينئذ ـ إلى الشكّ في بقائه وارتفاعه ، ويكون إحرازه بالأصل كافيا فيما لا بدّ للمكلّف من إحرازه (٤) وإن كان الشكّ السببيّ باقيا بحاله ـ كما عرفته في‌

__________________

(١) أي أنه قاطع ، وبعبارة أخرى : عند الشك في وجود القاطع أو قاطعيّة الموجود.

(٢) قال 1 في الثامن من تنبيهات الاستصحاب : إذا استكشفنا من تعبير الشارع عن بعض ما يعتبر عدمه في الصلاة بالقواطع أنّ للصلاة هيئة اتصاليّة ينافيها توسّط بعض الأشياء في خلال أجزائها الموجب لخروج الأجزاء اللاحقة عن قابليّة الانضمام والأجزاء السابقة عن قابليّة الانضمام إليها ، فإذا شك في شي‌ء من ذلك وجودا أو صفة جرى استصحاب صحّة الأجزاء بمعنى بقائها على القابليّة المذكورة ، فيتفرّع على ذلك عدم وجوب استئنافها ، أو استصحاب الاتصال الملحوظ بين الأجزاء السابقة وما يلحقها من الأجزاء الباقية ، فيتفرّع عليه بقاء الأمر بالإتمام.

(٣) ووقوعه في حيّز الطلب.

(٤) يعني : يكون إحراز بقاء الجزء الصوري بالاستصحاب في مورد الشك في بقائه المسبّب عن الشك في تخلّل القاطع أو قاطعيّة المتخلّل كافيا‌


استصحاب الطهارة عند خروج المذي ونحوه. أو كونه فيما لوحظ (١) فعلا للمكلّف واعتبر في متعلّق تكليفه عبارة عن نفس عدم تخلّل هذه الأمور دون أمر آخر تكون هي رافعة له ، فإنّ أدلّة القواطع ـ بعد وضوح كونها مسوقة لبيان ما اعتبر في متعلّق التكليف على حدّ غيرها ممّا يستفاد منه * الجزئيّة وأخواتها ـ فلا يستفاد منها ** إلاّ تقيّد المطلوب بعدم تخلّلها في أثنائه ، وليس‌

__________________

في إحراز صحّة الصلاة التي لا بدّ للمكلّف من إحرازها ، ولا حاجة إلى رفع الشك السببيّ وإحراز حال المشتبه تخلّله أو قاطعيّته ، ولا ضير في بقاء هذا الشك بحاله ـ كما مرّ في مثال استصحاب الطهارة عند خروج البلل المشتبه.

(١) أي : كون الجزء الصوريّ في نسبته إلى فعل المكلّف المتعلّق للتكليف وعلاقته به ، ومحصّل المرام أنّ مقتضى سياق أدلّة القواطع ـ كأدلّة الأجزاء والشرائط والموانع ـ هو بيان ما يعتبر في متعلّق التكليف بنفسه ويطالب به المكلّف مباشرة وجودا أو عدما ، وليس ما يصلح مطالبته به كذلك سوى نفس عدم تخلّل أمور معيّنة في الأثناء من التكلّم والقهقهة ونحوهما ، أمّا الأمر الوجوديّ المستمرّ في حال الأفعال والسكنات جميعا الذي يقطعه هذه الأمور فلا يصلح لأن يطالب به إلاّ بعناية أنّ رفعه بيده ، ومثله لا يكاد يقتضيه سياق الأدلّة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عنه ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( عنها ) والصحيح ما أثبتناه.


التعبير عنها بالقواطع منافيا لذلك (١) ، ولا كاشفا عن قيدية ما لا يصلح لأن يطالب به من المكلّف إلاّ بعناية أنّ رفعه بيده (٢) ، فيكون سبيل القواطع أيضا سبيل غيرها من الموانع (٣) ، ولا يجدي خلوّ الأجزاء السابقة عنها في استصحابه (٤) ـ حذو ما عرفت في سائر القيود (٥).

وأمّا إذا كان الشكّ حاصلا من أوّل الشروع فالمسألة مبنيّة على الخلاف في كفاية استصحاب العدم السابق على الحوادث (٦) في إحراز عدم تخصّصها بالخصوصيّات المشكوكة عند حدوثها ، أو عدم كفايته فيه.

وقد اختلفت كلمات شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 في ذلك ، ففي‌

__________________

(١) فإنّ هذا التعبير لا يدلّ على تقيّد المطلوب بأمر وراء عدم التخلّل المذكور.

(٢) وهو الأمر الوجوديّ المستمرّ ، فإنّه بنفسه ليس فعلا صادرا عن المكلّف ، بل أمر حاصل قهرا من تتابع أجزاء العمل وتعاقبها ، نعم له رفعه وقطعه بفعل أحد تلك الأمور.

(٣) فكما أنّ الموانع قيود عدمية لأفعال الصلاة فإذا شكّ في طروّها على جزء لاحق فلا يجدي خلوّ الأجزاء السابقة عنها في استصحاب خلوّه عنها ، لتعدّد متعلّق الشك واليقين ، كذلك القواطع قيود عدميّة لمطلق الأكوان الصلاتيّة ، ولا يجدي خلوّ الأكوان السابقة عنها في استصحاب خلوّ اللاحقة ، للعلّة نفسها.

(٤) أي : في استصحاب خلوّها إلى الأجزاء اللاحقة.

(٥) يعني بها القيود الوجوديّة.

(٦) وهو الاستصحاب المعروف باستصحاب العدم الأزلي.


مسألة الشكّ في مخالفة الشرط الواقع في ضمن العقد للكتاب من جهة الشكّ في كون الحكم على وجه لا يقبل التغيير بالشرط بنى على الأوّل (١) ، وفي مسألة الشكّ في كرّية الماء وحيضيّة الدم على الثاني (٢) ، بل قضيّة ما أفاده ـ في خاتمة التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب (٣) معيارا لما يجدي استصحاب العدم السابق‌

__________________

(١) قال 1 في مبحث الشروط من مكاسبه : ( فإن لم يحصل له ـ أي تمييز ما يقبل تغيّره بالشرط ممّا لا يقبل ـ بنى على أصالة عدم المخالفة. ،

ثم قال : إنّ البناء على أصالة عدم المخالفة يكفي في إحراز عدمها واقعا ) انتهى موضع الحاجة.

(٢) كما يظهر ممّا ننقله من عبارته 1 الآتية.

(٣) فقد أفاد 1 هناك : أنّ الاستصحاب في الأمر العدمي المقارن للوجودات خال عن الإشكال إذا لم يرد به ارتباط الموجود المقارن له به ـ كما إذا فرض الدليل على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا فهي استحاضة ، فإنّ استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك لا يوجب انطباق هذا السلب على ذلك الدم وصدقه عليه حتى يصدق ( ليس بحيض ) على هذا الدم ، فيحكم عليه بالاستحاضة ، إذ فرق بين الدم المقارن لعدم الحيض وبين الدم المنفيّ عنه الحيضيّة ، وسيجي‌ء نظير هذا الاستصحاب في الفرق بين الماء المقارن لوجود الكرّ وبين الماء المتّصف بالكريّة ، والمعيار عدم الخلط بين المتّصف بوصف عنوانيّ وبين قيام ذلك الوصف بمحلّ ، فإنّ استصحاب وجود المتّصف أو عدمه لا يثبت كون المحلّ موردا لذلك الوصف العنواني ، فافهم ، انتهى. وظاهره المفروغيّة عن عدم الجدوى لاستصحاب عدم الحيضيّة ـ على نحو العدم المقارن ـ في إحراز عدم كون الدم دم حيض.


في إحراز القيد وما لا يجديه ذلك ، وجعل ضابط الأوّل ترتّب الأثر على العدم المقارن ، وضابط الثاني ترتّبه على العدم النعتيّ ـ هي المفروغيّة عن عدم الجدوى لاستصحاب العدم السابق على الحوادث في إحراز حالها (١) ، وما أفاده في هذا الضابط هو الحقيق بأن يفهم ويغتنم ، ويسجد شكرا لمن أجراه على قلمه وأ لهم (٢).

وتوضيحه يتوقّف على تنقيح أمور : ـ

الأوّل : أنّه كما لا فرق في المستصحب العدميّ بين أن يكون تمام الموضوع للحكم ، أو يكون جزءا منه على حدّ غيره (٣) ـ كما أوضحناه (٤) ـ ، فكذا لا فرق في ترتّب الأثر على استصحابه بين أن يكون باعتبار موضوعيّة نفسه (٥) للحكم ـ بأحد الوجهين ـ ، أو يكون باعتبار أنّ نقيضه الوجوديّ هو المأخوذ كذلك ، ويترتّب على‌

__________________

(١) أي : حال تلك الحوادث ، وهو عدم تخصّصها بالخصوصيّات المشكوكة عند حدوثها.

(٢) لسموّ المطلب وعلوّ شأنه وغاية متانته بمثابة لا يناله إلاّ الأوحديّ من ذوي النفوس الكاملة المستعدّة للفيوضات والإلهامات الربّانيّة ، وإنّ شيخنا الأعظم ( قدّس الله نفسه الزكية ) لمن أماثلهم.

(٣) وهو المستصحب الوجودي.

(٤) أوضحه 1 في الأمر الأوّل المتقدّم في أوائل المقام الثالث.

(٥) أي : نفس العدم ، وحينئذ يترتّب الأثر الشرعي على المستصحب نفسه ، وهذا واضح.


انتفائه انتفاؤه (١) ، فإنّ انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه وإن لم يكن صالحا لأن تناله يد الجعل ـ ولو تبعيّا ـ (٢) ، إلاّ أنّ المجعول الشرعيّ المترتّب على موضوعه في لسان دليله لكونه صالحا لأن يتعبّد بالبناء على كلا طرفي وجوده وعدمه (٣) ، فبهذا الاعتبار يخرج الأصل النافي له أو لموضوعه عن صلاحيّة التعبّد به. وما ينسب إلى شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 ـ من المنع عن كفاية هذا الأثر في جريان الأصل ـ من الأوهام المحضة ، وكلماته مشحونة بخلافه‌

__________________

(١) أي : يترتّب انتفاء الحكم على انتفاء الوجوديّ المأخوذ موضوعا للحكم ـ تماما أو جزءا ـ باستصحاب عدمه.

(٢) لأنّ الشارع إنّما يجعل الحكم عند تحقّق موضوعه ، ولا يجعل انتفاء الحكم عند انتفاء موضوعه ، بل هو أمر عقليّ ضروريّ ، نظير انتفاء المعلول بانتفاء علّته ، ومثله لا تناله يد الجعل الشرعي ـ حتى تبعا ـ شأنه في ذلك شأن التكوينيّات.

(٣) فإنّ المجعول الشرعي وإن كانت فعليّته وتحقّقه الواقعي دائرة مدار تحقّق موضوعه ـ كما هو مقتضى كونه مجعولا على تقديره ومترتّبا عليه في لسان دليله ـ ، إلاّ أنّه إذا شكّ في فعليّته فللشارع التصرف الظاهري فيه بالتعبّد بالبناء على وجوده أو عدمه بجعل أصل مثبت له أو لموضوعه ، أو ناف كذلك وظيفة عملية للمكلّف الشاكّ ، وصحّة تصرّفه في هذا المقام يتبع صحّة تصرّفه في أصل الجعل الواقعي ، فإنّه من شؤونه ولواحقه ، والكلّ من مقتضيات شارعيّته وجاعليّته ، وبهذا الاعتبار يصحّ إجراء الأصل النافي للحكم لنفيه ، أو النافي للموضوع لنفي الحكم المترتّب على وجوده.


ـ كما لا يخفى على الخبير بها.

ثمّ إنّ الغالب في ترتّب الأثر على الأصل بهذا الاعتبار (١) وإن كان في الأصول العدميّة (٢) ، لكنّه ليس من خواصّها ، بل يطّرد في الوجوديّات أيضا (٣) ، ومن ذلك استصحاب وجود الموانع ـ كما لا يخفى.

الثاني : إنّه بعد أن تبيّن أنّ ترتّب الأثر على الأصل يكون ـ تارة ـ من حيث نفس مؤدّاه ، و ـ أخرى ـ بعناية نقيضه ، فلا يخفى أنّ المخصّص أو المقيّد النافي للحكم الوارد على العنوان المأخوذ في مصبّ الإطلاق أو العموم عمّا (٤) إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إن كان مسوقا لمحض إفادة ذلك (٥) من دون أن يتكفّل لإثبات حكم آخر‌

__________________

(١) أي باعتبار أنّ نقيض المستصحب هو المأخوذ في موضوع الحكم.

(٢) إذ الغالب ترتّب الأثر على المستصحب العدميّ باعتبار أنّ نقيضه الوجوديّ موضوع للحكم ، فينتفي بانتفائه.

(٣) فيستصحب وجود شي‌ء باعتبار أنّ نقيضه العدميّ موضوع للحكم ، فينتفي بوجوده ، كما في استصحاب وجود الموانع ، فإنّ عدمها هو المأخوذ في موضوع الحكم باعتبار تقيّد المطلوب به ـ كتقيّد الصلاة بعدم الوقوع في غير المأكول.

(٤) متعلّق بالنافي ، وذلك مثل ( لا يجب إكرام العالم الفاسق ) ، فإنّه ينفي وجوب الإكرام الوارد على عنوان العالم عن المتخصّص منهم بخصوصيّة الفسق.

(٥) أي : مجرّد إفادة نفي حكم العام عن المتخصّص بالخصوصيّة.


على المتخصّص بها ، كان مفاده حينئذ ـ استثناء كان أم خطابا غيريّا أو غير ذلك ـ هو مانعيّة تلك الخصوصيّة عن ذلك الحكم ، ودخل عدم التخصص بها في معروضه ، وكان ترتّب الأثر على إحراز عدمها لكونه (١) هو القيد الذي تكفّل المخصّص لبيان دخله فيه ، لا بعناية نقيضه ، إذ المفروض أنّه لا حكم له.

وإن كان مسوقا لإثبات حكم آخر عليه ، وكانت إفادته للتخصيص أو التقييد بمعونة تضادّ الحكمين واستحالة تواردهما على متعلّق واحد (٢) ، رجعت نتيجة التخصيص أو التقييد ـ حينئذ ـ إلى تنويع ذلك العنوان إلى نوعين متقابلين : أحدهما هو الخاصّ ،

__________________

(١) أي : العدم ، فإنّ مفاد المخصّص أو المقيّد في هذا القسم لمّا كان هو مجرّد مانعيّة الخصوصيّة عن حكم العام ودخل عدمها فيه ، فالأثر المترتّب على استصحاب عدمها إنّما هو باعتبار موضوعيّة نفسه على وجه القيديّة ، لا باعتبار موضوعيّة نقيضه الوجودي ، فإنّ المفروض أنّ وجودها لا حكم له ، وحينئذ فإذا فرض ـ في المثال ـ أنه أحرز علم زيد بالوجدان فبضميمة استصحاب عدم فسقه يتمّ إحراز الموضوع المركّب لوجوب الإكرام.

(٢) توضيحه أنّ مفاد المخصّص أو المقيّد في هذا القسم ـ الثاني ـ مطابقة إثبات حكم آخر ـ كحرمة الإكرام ـ على المتخصّص بالفسق ، وبمعونة تضادّ هذا الحكم مع حكم العامّ واستحالة تواردهما على موضوع واحد ـ وهو العالم الفاسق ـ أصبح مخصّصا للعام ومفيدا لاختصاص حكمه بغير مورده ، بخلاف القسم الأوّل الذي مفاده التخصيص مطابقة.


والآخر نقيضه (١) ، وصرف الحكم الوارد عليه (٢) إلى ذلك القسيم ـ لا محالة ـ ، فيكون التخصّص بتلك الخصوصيّة دخيلا في موضوع أحد الحكمين ، وعدمه في الآخر ، والمخصّص دالا على الأوّل بالمطابقة ، وعلى الآخر بالالتزام (٣) ، فيتّحد مع القسم الأوّل من جهة ، ويمتاز عنه من اخرى (٤) ويترتّب الأثر على إحراز عدمها بأحد الاعتبارين (٥) من حيث نفسه ، وبالآخر بعناية نقيضه.

والأثر المترتّب بهذه العناية وإن كان مترتّبا على انتفاء ما أخذ‌

__________________

(١) كالفاسق وغير الفاسق ، فالعالم الفاسق محكوم بالحكم الذي تكفّله دليل المخصّص ـ وهو الحرمة في المثال ـ ، والعالم غير الفاسق محكوم بحكم العام ـ الوجوب.

(٢) أي : على العنوان العام.

(٣) الأوّل هو دخل الفسق في موضوع حرمة الإكرام ، والآخر هو دخل عدم الفسق في موضوع وجوب الإكرام ، ودلالة المخصّص على هذا الأخير التزاميّة ، لأنه إنّما يدلّ عليه بضميمة ما مرّ من تضادّ الحكمين واستحالة تواردهما على متعلّق واحد.

(٤) يتّحد هذا مع القسم الأوّل من جهة الدلالة الثانية التي هي التزاميّة هنا ومطابقيّة في الأوّل ، ويمتاز عنه من الجهة الأولى ، فإنّ الأوّل لا دلالة له عليها ، والثاني يدلّ عليها مطابقة.

(٥) وهو اعتبار دخل عدم الخصوصيّة في موضوع حكم العامّ ، فإنّه باستصحاب عدمها يترتّب الأثر على إحرازه من حيث نفسه ، في قبال اعتبار دخل الخصوصيّة في موضوع حكم المخصّص ، إذ الأثر يترتّب على إحراز عدمها بعناية نقيضه الوجودي.


بجملته في الدليل المخصّص موضوعا لحكمه ، وعلى انتفاء كلّ واحد من أجزائه وقيوده (١) ـ حسبما تقدّم توضيحه (٢) ـ ، لكنّه لمسبّبيّة الشك في الجملة عن الشك في أجزائها (٣) ، وحكومة‌

__________________

(١) فالأثر المترتّب ـ في مثال حرمة إكرام العالم الفاسق ـ على إحراز عدم الموضوع بعناية نقيضه الوجودي يترتّب ـ تارة ـ على إحراز انتفاء كلّ واحد من قيوده ـ العلم والفسق ـ بالأصل ، أو بعضها به والبعض الآخر بالوجدان ، و ـ اخرى ـ على إحراز انتفاء المجموع ـ العالم الفاسق ـ ، فيستصحب انتفاء العالم الفاسق.

(٢) لدى بيان الضابط لجريان الأصل في أجزاء المركّب وقيوده.

(٣) كما هو مقتضى تشكّل المركّب من أجزائه.

وقد يشكل : بأنّ السببيّة المزبورة ليست شرعيّة ، وشرعيّتها معتبرة في حكومة الأصل السببيّ على المسببيّ ـ كما حقّق في محلّه.

ويمكن دفعه : بأنه ليس للأجزاء سببيّة بمعناها المصطلح ـ حذو سببيّة النار للحرارة في التكوين ـ ليقال : إنّ إجراء الأصل في السبب لإثبات مسبّبه التكوينيّ مبنيّ على حجيّة الأصل المثبت ، ضرورة أنه لا سببيّة حقيقة بمعنى التأثير والترشيح ، ولا اعتبارا وشرعا بمعنى الموضوعيّة ، لعدم الاثنينيّة في البين ، فإنّ المركّب هي الأجزاء بعينها ، فإنّه يتألف منها ويتشكّل من اجتماعها ، إلاّ أنّ مقتضى تشكّل المركّب الاعتباري من الأجزاء شرعا ـ بتركيب الشارع إياه منها اعتبارا ـ هو لحوقه بالمركّب الحقيقي في دوران وجوده مدار وجود جميعها ، وعدمه على عدم بعضها ثبوتا وإثباتا ، وعليه فإذا أحرز وجودها جميعا إحرازا عقليّا أو شرعيّا أو بالتلفيق فقد أحرز وجود المركّب كذلك ، ومعه لا مجال للتعبّد‌


الأصل المحرز لجزء خاصّ عند إحراز البقيّة بالوجدان على الأصل النافي لها (١) ، فلا يصلح هو لأن يكون معارضا ولا معاضدا له (٢) ، ولا تصل النوبة إليه (٣) إلاّ مع انتفاء الحالة السابقة للجزء رأسا ، أو سقوط الأصل المحرز له بما يعارضه في رتبته. ومسألة الحادثين عند العلم بتاريخ أحدهما والشكّ في الآخر من الأوّل ، وعند الجهل بتاريخهما جميعا من الثاني (٤) ـ فلا تغفل.

__________________

بعدم وجود المركّب بجملته ، وبهذا الاعتبار يكون الأصل المحرز لبعض أجزائه مع إحراز البعض الآخر بالوجدان حاكما على الأصل النافي له برمّته ، فتدبّر.

(١) أي للجملة.

(٢) أي : لا يصلح الأصل النافي للجملة لأن يكون معارضا للأصل المحرز للجزء ـ إن كان وجوديّا ـ أو معاضدا له ـ إن كان عدميّا ـ ، وذلك لتأخّر رتبته عنه ـ حسبما عرفت.

(٣) أي : إلى الأصل النافي للجملة ، ضرورة أنه إنما تصل النوبة إلى الأصل المحكوم مع عدم جريان الأصل الحاكم في نفسه ، أو سقوطه بالمعارضة مع ما يكافئه رتبة.

(٤) المراد بالأوّل جريان الأصل المحرز لبعض الأجزاء مع إحراز البقيّة بالوجدان وحكومته على الأصل النافي للجملة ، وبالثاني جريان الأصل النافي المذكور وعدم محكوميّته بالأصل الجاري في الجزء.

ووجه كون مسألة الحادثين المجهول تاريخ أحدهما خاصة من الأوّل هو جريان الأصل في المجهول تاريخه منهما ـ كاستصحاب عدم إسلام الوارث حال حياة المورّث ـ من دون معارض ، وحكومته على أصالة‌


وعلى كلّ حال ، فإذا وصلت النوبة إلى الأصل المحرز لانتفاء ما أخذ ـ بجملته ـ موضوعا في الدليل المخصّص ، فغاية ما يمكن أن يترتّب من الأثر عليه هو انتفاء حكمه (١) ، ولا مساس له بترتيب الحكم الوارد على العنوان المطلق أو العامّ أصلا ، كيف والجزء الآخر الذي يكشف تحريم إكرام الفاسق عن دخله في وجوب إكرام العالم ـ مثلا ـ هو عدم فسقه ، لا انتفاء العالم الفاسق بالكلّية إلاّ باعتبار استلزامه له (٢) ، وهذا بخلاف نفس حرمة الإكرام (٣) ، فإنّها‌

__________________

عدم تحقّق المركّب من الإسلام والحياة.

ووجه كون صورة الجهل بتاريخهما جميعا من الثاني هو تعارض الأصلين من الطرفين ـ كالاستصحاب المذكور مع استصحاب عدم موت المورّث إلى زمان إسلام الوارث ـ وتساقطهما ووصول النوبة إلى الأصل النافي للمركّب.

(١) وبعبارة أخرى واضحة : أنّ الأثر الذي يترتّب على استصحاب عدم كون زيد عالما فاسقا ـ في المثال المتقدّم ـ هو انتفاء حرمة إكرامه فقط ، لا ثبوت وجوب إكرامه أيضا ، وذلك لأنّ الذي اقتضاه الدليل المخصّص بدلالته الالتزاميّة ـ حسبما تقدّم ـ هو دخل عدم الخصوصيّة في موضوع الحكم العام ، فيكون الواجب إكرام العالم المقيّد بعدم الفسق ـ العالم غير الفاسق ـ ، لا موضوعيّة انتفاء مجمع العنوانين ـ كغير العالم الفاسق الصادق على الجاهل مطلقا أيضا ـ كي يترتّب على استصحاب عدم كونه عالما فاسقا وجوب إكرامه.

(٢) أي : استلزام عدم فسق العالم لانتفاء العالم الفاسق ، فيكون استصحاب انتفاء العالم الفاسق لإثبات الحكم المترتّب على ملزومه ـ عدم فسق العالم ـ وهو وجوب الإكرام مبنيّا على حجيّة الأصول المثبتة.

(٣) التي هي مفاد دليل المخصّص ، فإنّ موضوعها هو العالم الفاسق ، وبما‌


لمكان اشتراطها بوجود موضوعها فيستتبع انتفاؤه لانتفائها ـ لا محالة.

وبالجملة : فترتّب الأثر على الأصل المحرز لانتفاء ما أخرجه المخصّص بجملته عن العموم إنّما يختصّ بالقسم الثاني بالنسبة إلى خصوص حكمه ، ولا يطّرد في القسم الأوّل أصلا (١) ، ولا فيه أيضا بالنسبة إلى حكم العامّ (٢) ـ كما لا يخفى ـ ، ولمكان الخلط في المخصّص ـ مثلا ـ بين النوعين ، وفي ترتّب الأثر على الأصل بين الاعتبارين (٣) يقع ـ من الخلط والاشتباه في المقام ـ ما لا يخفى ، فلا تغفل.

الثالث : ـ إنّ تركّب متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها يكون ـ تارة ـ من العرض ومحلّه ، و ـ اخرى ـ من عنوانين متباينين أجنبيّ كلّ‌

__________________

أنّ الحكم مشروط بوجود موضوعه وينتفي بانتفائه فاستصحاب عدم كونه عالما فاسقا يترتّب عليه انتفاء حرمة إكرامه.

(١) فإنّ المخصّص ـ في هذا القسم ـ لا يتكفّل لإثبات حكم على عنوان العام المتخصّص بالخصوصيّة ، فلا أثر يترتّب على الأصل المحرز لانتفاء العنوان المتخصّص بها بجملته.

(٢) أي : ولا في القسم الثاني بالنسبة إلى حكم العام ، لما عرفت من أنّ المخصّص ـ في هذا القسم ـ لا يقتضي موضوعيّة انتفاء مجمع العنوانين لحكم العام ، ليترتّب هذا الحكم على الأصل المزبور.

(٣) وهما اعتبار موضوعيّة مؤدى الأصل نفسه للحكم ، واعتبار موضوعيّة نقيضه.


منهما عن الآخر وفي عرضه (١).

أمّا ما كان من قبيل الأخير : فحيث إنّه لا رابط بين المتباينات إلاّ الزمان ، وليس شي‌ء منها بوجوده وعدمه مقسّما للآخر إلاّ من جهة اقترانه أو عدم اقترانه به (٢) ، فلا محيص ـ حينئذ ـ في الوحدة الاعتباريّة التي لا يعقل التركيب إلاّ بها (٣) من أن ترجع * إلى اعتبار أن يتحقّق أحد الأمرين عند تحقّق الآخر وفي ظرف وجوده ، فإذا كان القيد (٤) وجوديّا كان عبارة عن الوجود المقارن ، أو عدميّا فكذلك ، والعدم المقارن هو الذي يترتّب الأثر على إحرازه (٥) في‌

__________________

(١) إذ لا تقوّم لأحدهما بالآخر ، بخلاف العرض ومحلّه فإنّ العرض قائم بمحلّه ، فهو في طوله.

(٢) فلا يقسّم أحدهما الآخر إلاّ بهذا الاعتبار ، فزيد ـ مثلا ـ تارة مقترن بعمرو زمانا ، واخرى غير مقترن به ، وهذا غاية ما بينهما من الارتباط ، ولا كذلك ما هو من قبيل الأوّل ، فإنّ العرض بوجوده وعدمه مقسّم لمحلّه باعتبار قيامه به تارة ، وعدمه اخرى ، فزيد ـ مثلا ـ إمّا عالم أو غير عالم.

(٣) فإنّ التركيب عبارة عن جعل الشيئين شيئا واحدا ـ ولو اعتبارا ـ ولا تتحقّق هذه الوحدة بين المتباينات إلاّ من حيث يتحقّق الارتباط بينها ، وقد عرفت أنه لا رابط بينها إلاّ الاقتران الزمانيّ ، فيتعيّن أن يكون هو محقّق الوحدة بينها.

(٤) المراد به كلّ من أطراف التركيب وأجزاء الارتباط.

(٥) أي : إحرازه باستصحاب العدم ، فإن كان القيد عدميّا ترتّب الأثر على‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يرجع ) والصحيح ما أثبتناه.


هذا القسم إمّا من حيث نفسه ، أو بعناية نقيضه ، أو بكلا الاعتبارين ـ حسبما تحرّر ضابطه ـ ، من دون فرق بين أن يكون الجزءان جوهريّين ، أو عرضيّين ، أو مختلفين ، ولا فيما إذا كانا عرضيّين بين أن يكونا عارضين لموضوع واحد ـ كالصلاة وطهارة الفاعل مثلا ـ ، أو لموضوعين كما في ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم الرخصة المالكيّة أو الشرعيّة فيه (١) ، وترتّب الوراثة على إسلام الوارث عند حياة مورّثه ، ونحو ذلك ، فإنّ كلا منهما وإن كان بالنسبة إلى معروضه من القسم الأوّل ، لكنّه بالنسبة إلى الآخر من هذا القسم ، ويلحقه من كلّ جهة حكمها.

ثمّ لا يخفى أنّه لا ينحصر القيديّة في هذا القسم بأن يرجع إلى اعتبار المقارن ، بل يمكن أن يرجع إلى قيديّة السابق أو اللاحق أيضا (٢) أو يعمّ الجميع (٣) ، إلاّ أنّ حكم الجميع من الجهة التي نحن‌

__________________

إحراز العدم المقارن من حيث نفسه ، وإن كان وجوديّا ترتّب على إحرازه بعناية نقيضه ، وإن أخذ وجوديّا في حكم وعدميّا في آخر ترتّب على إحرازه بكلا الاعتبارين.

(١) فإنّ كلا من الاستيلاء وعدم الرخصة عرض قائم بموضوع مغاير لما يقوم به الآخر ، وكذلك إسلام الوارث وحياة المورّث ، وبهذا الاعتبار يعدّ من هذا القسم ، وإن كان كلّ من العرضين بالنسبة إلى موضوعه من القسم الأوّل ، ويلحق كلّ اعتبار حكمه.

(٢) والضابط كون قيد المتعلّق أو الموضوع ذا ربط زمانيّ بمقيّدة بتقدّم أو تأخّر أو تقارن ، ولا خصوصيّة للأخير.

(٣) بأن يكون مطلقا من هذه الجهة وغير مقيّد بأحد الثلاثة.


فيها هو حكم المقارن ـ كما سيجي‌ء بيانه (١) ـ ، فلا ينثلم الضابط الذي أفاده شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 (٢) بذلك.

بل قد عرفت ممّا قدّمنا أنّه قد يؤخذ العنوان الملازم (٣) لتحقّق أحد الأمرين عند تحقّق الآخر موضوعا للحكم ، دون نفسه ، فلا يترتّب عليه حينئذ أثر كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل ـ حسبما تقدّم ضابطه. والأوصاف المتوقّف لزوم العقد على اتّصاف العوضين بها كسلامتهما عن العيوب ، وعدم التفاوت الفاحش بينهما في الماليّة ، ونحو ذلك ممّا اعتبر في لزوم العقد وقوعه على المتّصف بها ، لا وقوعه في ظرف الاتّصاف مندرجة بأسرها في ذلك (٤) ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) أي بيان حكم المقارن.

(٢) المراد به ما تقدّم من الضابط الذي أفاده 1 لجريان الاستصحاب وعدمه من كون الأثر مترتّبا على العدم المقارن أو على العدم النعتيّ ، وجه عدم الانثلام أنه 1 لا يروم الحصر في المقارن ، بل مطلق الربط الزماني ، وذكر المقارن مبنيّ على الغالب.

(٣) تنبيه منه 1 إلى أنه لا بدّ في هذا المقام من التمييز وعدم الخلط بين أخذ أمرين في موضوع الحكم على نحو التركّب ولحاظ كلّ منهما بوجوده المقارن للآخر أو عدمه كذلك ، وبين أخذ العنوان البسيط الملازم لهما في موضوعه دون أنفسهما ، فإنّ الأوّل يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل ، ويترتّب عليه الأثر بذلك ، ولا كذلك الثاني إلاّ بناء على حجّية الأصول المثبتة ، وقد تقدّم التفصيل.

(٤) أي : في النحو الثاني الذي أخذ فيه العنوان الملازم موضوعا ، فإنّ‌


وأمّا ما كان من قبيل الأوّل فإنّ العرض وإن كان لتقوّمه بأنّ وجوده في نفسه ولنفسه هو بعينه وجوده في موضوعه ولموضوعه (١) صالحا (٢) لأن يلاحظ ـ تارة ـ بما هو شي‌ء بحيال ذاته ، فيكون ـ حينئذ ـ مباينا لموضوعه وعرضا غير محمول (٣) ، ووجوده أو عدمه بهذا الاعتبار هو المحموليّ (٤) المقارن له في الزمان (٥) كسائر مقارناته ، و ـ أخرى ـ بما أنّه حاصل لموضوعه‌

__________________

المستفاد من الأدلّة أنه يعتبر في لزوم العقد وقوعه على العوضين المتّصفين بصفة السلامة ، أو بعدم التفاوت الفاحش بينهما في الماليّة ـ وإلاّ ثبت خيار العيب أو الغبن ـ ونحوهما ، وهذا عنوان ملازم لوقوع العقد عند تحقّق الاتصاف بها ، فلا يترتّب أثر على إحراز السلامة أو عدم التفاوت بالاستصحاب ، وإنّما يترتّب على تقدير كفاية وقوع العقد مقارنا للاتصاف المزبور ، لكنّ الأدلّة لا تقتضيه.

(١) فإنّه لمّا كان وجوده النفسيّ على نحو القيام بالغير والنعتيّة له ، فوجوده في نفسه الذي يطرد العدم عن ماهيّة نفسه هو بعينه وجود طارد لعدم مّا عن موضوعه ، إذن فللعرض وجود واحد ذو اعتبارين نفسيّ محموليّ وعرضيّ نعتيّ.

(٢) خبر لـ ( كان ) ، يعني أنه لمكان كون وجوده ذا جهتين يصلح لأن يلاحظ على نحوين.

(٣) كالقيام الملحوظ مباينا لموضوعه ، فلا يحمل عليه بنحو ( زيد قيام ) إلاّ تجوّزا.

(٤) فوجوده المحموليّ كما في قولنا ( القيام موجود ) ، وعدمه المحموليّ كما في قولنا ( القيام معدوم ) ، إذ يصبح الوجود أو العدم محمولا عليه.

(٥) أي : للموضوع كسائر المقارنات المباينة له ، والعبارة تتضمّن الإشارة‌


لاحق به ، فيكون ـ حينئذ ـ عرضيّا محمولا (١) ، ونعتا وجوديّا أو عدميّا له ، ووجوده أو عدمه هو الرابط النعتيّ اللاحق به (٢) ، لكن لا محيص في تقيّد معروضه بوجوده أو عدمه من أن يرجع إلى الوجه الثاني دون الأوّل (٣) ، فإنّ القيديّة النفس الأمريّة التي يكشف عنها كلّ مخصّص أو مقيّد منحصرة في كلتا * مرحلتي الثبوت والإثبات (٤) بذلك.

أمّا في مرحلة الثبوت فيتّضح انحصارها به من مقدّمتين ضروريّتين : ـ

__________________

إلى ما اصطلح عليه من التعبير عن وجود العرض وعدمه بالاعتبار المذكور بالمحموليّ تارة ، والمقارن اخرى.

(١) فيعبّر عنه بصيغة المشتقّ ـ كالقائم ـ ويحمل على موضوعه أو يسلب عنه نحو ( زيد قائم أو ليس بقائم ).

(٢) هذا إجمال تفصيل يأتي حول حقيقة النعتيّة والربطيّة من أنّ ما هو النعت اللاحق بالموضوع والقائم به هو وجوده أو عدمه لا ماهيّته ، وبهذا الاعتبار يعبّر عنه بالوجود أو العدم النعتيّ.

(٣) يعني أنه إذا أخذ المعروض موضوعا لحكم أو متعلّقا له وقيّد بوجود عرضه أو بعدمه ، فلا محيص من تقييده بوجوده أو عدمه النعتيّين ، دون المحموليّين.

(٤) القيديّة النفس الأمريّة هي مرحلة الثبوت ، والمخصّص أو المقيّد الكاشف عنها هي مرحلة الإثبات ، فلطف العبارة لا يكاد يخفى ، والمقصود أنه في كلتا المرحلتين يتعيّن قيديّة النعتيّ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( كلا ) والصحيح ما أثبتناه.


الاولى : ـ عدم تعقّل الإهمال النفس الأمريّ في متعلّقات الأحكام وموضوعاتها بالنسبة إلى كلّ واحد من انقساماتها المنقسمة هي بنفسها إليها (١) مع علم الآمر بذلك والتفاته إلى ما له دخل منها وجودا أو عدما في غرضه وما يتساوى طرفاه فيه (٢) ، وامتناعه أوضح وأظهر من أن يبرهن عليه باستحالة قيام العرض بمبهم لا تحصّل له في حدّ معروضيّته (٣) ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) فلا بدّ إمّا من إطلاقها النفس الأمريّ أو تقييدها كذلك بأحد طرفي الانقسام ـ الوجود أو العدم ـ ، ولا يعقل الإهمال الثبوتيّ من العالم الملتفت ، أمّا الإثباتي فلا مانع منه ، والتفصيل مذكور في محلّه.

(٢) أي : يتساوى وجوده وعدمه في غرضه.

(٣) بدعوى أنّ الحكم الشرعي عرض لمتعلّقه أو لموضوعه ، فيستحيل قيامه بمتعلّق مبهم أو موضوع مهمل. هذا ، وفي العبارة دلالة على وضوح المطلب وعدم افتقاره إلى البرهان ، كما أنّ فيها إشعارا بأنّ ما ذكر ليس هو برهانه الحقيقي.

ووجهه أنّ الأحكام الشرعيّة ليست من سنخ المقولات العرضيّة ، بل هي أمور اعتباريّة جعليّة لا تأصّل لها في الأعيان ، نعم تشابهها في أنّ الوضعيّة منها تحمل على موضوعاتها الجوهريّة ، والتكليفيّة توصف بها الأفعال ، وبهذا الاعتبار تحتاج إلى محلّ تقوم به حذو الأعراض ، وإبهام المحلّ وعدم تحصّله ممتنع من غير فرق بين البابين.

نعم هناك فرق بينهما من حيث إنّ الاستحالة في الأعراض ذاتيّة ، وفي الأحكام والاعتباريّات وقوعيّة ، إذ الإهمال المذكور لا يزيد على كونه ممتنع الصدور من العاقل الملتفت ، ولو كان ممتنعا ذاتا لامتنع‌


والثانية : تأخّر مرتبة الإطلاق والتقييد باعتبار ما يقارن الشي‌ء في زمانه عن تحديده باعتبار انقسامات نفسه (١) ، وهذا أيضا في الظهور والبداهة كاستحالة الإهمال النفس الأمريّ ، ومن جزئيّاته (٢).

وواضح أنّ نتيجة هاتين المقدّمتين هي انحصار قيديّة الخصوصيّة العرضيّة لمعروضها في مرحلة الثبوت بالنعتيّ ، وامتناع التقييد بالمقارن ، إذ بعد ما امتنع أن يكون (٣) مهملا بالنسبة إلى‌

__________________

صدوره حتى من غير الملتفت.

وبالجملة استحالة الإهمال ذاتا في التكوين لا تلازم استحالته كذلك فيما هو بمنزلته في التشريع ، غايته استحالة وقوعه من المشرّع الحكيم ـ تعالى شأنه.

(١) ضرورة أنّ الشي‌ء لا بدّ أن يقاس أوّلا في نفسه ، ويلاحظ خصوصيّاته الداخليّة ، ثم يقاس إلى ما يباينه ويقارنه في الزمان ، ويلاحظ حاله بالنسبة إليها ، فلحاظ الانقسامات الداخليّة للشي‌ء وإطلاقه أو تقييده بالنسبة إليها مقدّم على لحاظ انقساماته الخارجيّة إطلاقا أو تقييدا ، وإلاّ فلو أهملت الاولى ولو حظ أوّلا الانقسامات الخارجيّة كان بالنسبة إلى الاولى من الإهمال النفس الأمريّ ـ ولو في هذه المرحلة ـ ، وقد عرفت في المقدّمة الأولى امتناعه.

(٢) قد عرفت آنفا وجه كونه من جزئياته.

(٣) أي المعروض ، فإنّ مقتضى المقدّمة الأولى امتناع الإهمال الواقعيّ مطلقا ، ومقتضى المقدّمة الثانية امتناع إهمال المعروض بالنسبة إلى الوجود والعدم النعتيّين لعرضه ، فهو إذن يمتنع أن يخلو من الإطلاق بالنسبة إليهما أو التقييد بأحدهما ، ثمّ على ضوء ذلك يلاحظ حال الانقسام بالنسبة إلى المقارن ـ كما ستسمع.


النعت الوجوديّ أو العدميّ اللاحق من واجديّته لتلك الخصوصيّة ، أو فاقديّته لها ، فإن أخذ في نفس الأمر مقيّدا بأحدهما لزمه عدم الانقسام حينئذ بالنسبة إلى المقارن رأسا ، وامتنع التقييد والإطلاق بالنسبة إليه بارتفاع موضوعه (١) ، ولو فرض مطلقا بالنسبة إليهما كان مقتضى عينيّة وجود العرض لموضوعه مع وجوده لنفسه (٢) هو امتناع التقييد بالمقارن للمناقضة والتدافع بين ذلك الإطلاق وهذا التقييد في كلتا * مرحلتي الجعل والملاك (٣) ، مضافا إلى عدم‌

__________________

(١) وهو الانقسام ، إذ بعد تقييده بالنعتيّ وجودا أو عدما لا يتصوّر له انقسام بالنسبة إلى المقارن ، ضرورة أنّ مقارنته مع وجود العرض أو عدمه حاصلة قهرا ، وإذا انتفى الانقسام بالنسبة إليه امتنع الإطلاق أو التقييد بالإضافة إليه ، لانتفاء موضوعه.

(٢) فإنّ معنى العينيّة المزبورة ـ كما تقدّم ـ هو أنّ وجوده النفسيّ يكون على نحو القيام بالغير ، فلا وجود له على غير هذا النحو ، وإذا فرض إطلاق المعروض بالنسبة إلى قيام العرض به وعدمه ـ والمفروض أنّ قيامه به عين وجوده في نفسه ـ فمقتضى الإطلاق المذكور التساوي في الحكم بين صورتي وجوده في نفسه وعدمه ، ومعه كيف يصحّ التقييد بصورة وجوده في نفسه على نحو الوجود المقارن ، أو بصورة عدمه كذلك على نحو العدم المقارن ، وهل هذا إلاّ تناقض.

(٣) فإنّه إذا فرض عدم دخالة أيّ من الوجود والعدم النعتيّين للعرض في‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( كلا ) والصحيح ما أثبتناه.


رجوعه إلى محصّل (١) ـ كما لا يخفى ـ ، وإذا انحصر الوجه في القيديّة النفس الأمريّة بذلك فيكون الدليل عليها في الجملة دليلا عليها بذلك الوجه (٢) ، ولا يترتّب على إجماله من هذه الجهة أثر أصلا ، بل لو فرض ظاهرا في قيديّة المقارن فلا محيص عن صرفه عنه ـ كما هو الشأن في أشباهه (٣).

وأمّا في مرحلة الإثبات فانطباق مفاد المركّب التوصيفيّ (٤) وما يجري مجراه (٥) ـ بمدلوله المطابقيّ ـ على ما عرفت أنّه المتعيّن (١)

__________________

الملاك المقتضي للجعل فكيف يمكن فرض دخل وجوده المحموليّ أو عدمه كذلك فيه ، أليس هذا هو التهافت.

(١) يعني مع قطع النظر عن امتناع التقييد المذكور للمناقضة ، فليس لمثل هذا التقييد ـ مع فرض ذلك الإطلاق ـ معنى محصّل معقول.

(٢) يعني : يكفي في الدلالة على قيديّة النعتيّ قيام الدليل على أصل التقييد ـ وإن كان مجملا من حيث قيديّة النعتي أو المحمولي ـ ، وذلك للبرهان الثبوتيّ ـ المتقدّم ـ على انحصار القيديّة النفس الأمريّة بالنعتيّ ، ولا يضرّ معه إجمال الدليل إثباتا.

(٣) ممّا يكون ظاهر الدليل أمرا ممتنعا ، فإنّه لا محيص عن صرفه عن ظاهره وحمله على الممكن.

(٤) تفصيل في مرحلة الإثبات والدلالة بين المركّب التوصيفيّ ـ كالعالم العادل ـ ، وبين غيره من الاستثناء والمنفصل ، بكون قيديّة النعتي في الأوّل مدلولا مطابقيّا للكلام ، وفي الثاني التزاميّا ـ كما ستعرف.

(٥) نحو ( أكرم العالم إن كان عادلا ).

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المتيقن ) والصحيح ما أثبتناه.


في مرحلة الثبوت ظاهر (١) ، وأمّا ما عدا ذلك فلا يخلو : إمّا أن يكون متكفّلا لمحض إفادة أنّ للخصوصيّة الكذائيّة دخلا ـ وجودا أو عدما ـ في الحكم ، بلا تعرّض لحال النوع المتخصّص أو اللامتخصّص بها أصلا (٢) ـ كأن يقوم إجماع ونحوه على مجرّد ذلك ـ ، أو يكون متعرّضا لحال ذلك النوع بأحد ما تقدّم من الوجهين (٣) ، وتستفاد القيديّة من ذلك.

وغير خفيّ (٤) أنّ ما يمكن أن يدّعى إجماله من الجهة التي نحن فيها هو خصوص القسم الأوّل ، وغاية ما يقتضيه ذلك ـ بعد تباين الكيفيّتين وانتفاء الجامع بينهما (٥) ـ هو تردّد القيد بين المتباينين ، دون الأقلّ والأكثر ـ كما عساه يتوهّم (٦) ـ ، وواضح أنّه ـ مع الغضّ‌

__________________

(١) فإنّ التوصيف يدلّ على النعتيّة ـ كما هو واضح.

(٢) فيدلّ الدليل ـ كالإجماع ونحوه من الأدلّة اللبّيّة ـ على مجرّد أنّ للعدالة أو عدم الفسق ـ مثلا ـ دخلا في وجوب إكرام العالم ، وأنّ العالم المتخصّص بخصوصيّة العدالة أو اللامتخصّص بخصوصيّة الفسق هو الموضوع لهذا الحكم ، من دون تعرّضه لحال هذا المتخصّص أو اللامتخصّص أنه على نحو المقارنة أو النعتيّة.

(٣) من المقارنة أو النعتيّة.

(٤) تفصيل بين القسمين الأخيرين بصحّة دعوى إجمال الدليل في الأوّل وتردّده بين المقارنة والنعتيّة ، دون الثاني.

(٥) وليسا من الأقل والأكثر ليكون الجامع بينهما هو الأقلّ.

(٦) أي : كونه من التردّد بين الأقلّ والأكثر بجعل قيديّة المقارنة هي الأقلّ‌


عمّا عرفت من أنّه لا مجال لإعمال قواعد الإجمال في مثله (١) ـ فغاية ما يقتضيه إجماله هو عدم الجدوى لإحراز المقارن (٢) مع عدم إحراز نعتيّته في ترتيب الحكم إثباتا ونفيا ـ كما هو الشأن في أشباهه (٣).

وهذا بخلاف ما كان من قبيل الثاني (٤) ، كما هو الغالب فيما بأيدينا من التخصيصات والتقييدات الدائرة ، فإنّها ـ بمداليلها الالتزاميّة اللفظيّة ـ منطبقة على قيديّة النعتيّ (٥) ، ولا مجال لدعوى إجمالها من هذه الجهة ، فضلا عن التردّد بين الأقلّ والأكثر الذي قد عرفت ما فيه ، لأنّ (٦) ما وقع محلا للبحث من ذلك (٧) هو ما إذا كان‌

__________________

(١) عرفت ذلك آنفا ، وأنّ تعيّن قيديّة النعتي ـ ثبوتا ـ كاف في رفع إجمال الدليل ـ إثباتا ـ ، فلا تصل النوبة إلى إعمال قواعد الإجمال.

(٢) فإنّ مقتضى الإجمال ـ على نحو الدوران بين المتباينين في المقام ـ هو العلم إجمالا بقيديّة أحد الأمرين ، ومقتضاه عدم كفاية إحراز المقارن من دون إحراز النعتي ، ليرتّب عليه الحكم وجودا أو عدما.

(٣) من موارد المجمل المردّد بين متباينين.

(٤) وهو ما إذا كان الدليل متعرّضا لنوع الخصوصيّة ومبيّنا له ، فيكون حينئذ من المبيّن ، دون المجمل ـ كما كان في القسم الأوّل.

(٥) يعني أنّ الغالب فيما بأيدينا من الأدلّة اللفظيّة إنّما هو من قسم المبيّن ، وهو ظاهر الدلالة ـ بالدلالة الالتزاميّة ـ على قيديّة النعتي ، وسيأتي بيان كيفيّة الدلالة.

(٦) تعليل لكون الغالب فيما بأيدينا من المبيّن الدالّ على قيديّة النعتي.

(٧) أمّا مثل المركّب التوصيفي فلم يقع محلا للبحث ، ودلالته على النعتية‌


المخصّص ـ كالاستثناء مثلا ، أو المنفصل ـ نافيا للحكم الوارد على المطلق أو العامّ عن نوعه المتخصّص بخصوصيّة وجوديّة ، إمّا ابتداء ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ ذلك (١).

وتوضيح أنه لا ينطبق نتيجة التخصيص أو التقييد بكلّ منهما (٢) إلاّ على ما عرفت أنّه المتعيّن في مرحلة الثبوت هو : أنّه بعد وضوح أنّ التباين الكلّي بين ما هو الموضوع (٣) للكبرى المستفادة كلّيتها من الإطلاق أو العموم لما أخرجه المخصّص عن تلك الكلّية ـ بأحد الوجهين (٤) ـ ممّا لا مناص عنه (٥) ، ـ وإلاّ لم ترفع‌

__________________

مسلّمة.

(١) أمّا الأوّل فكقولنا ( أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ) أو ( أكرم العلماء ولا يجب إكرام فسّاقهم ) ، حيث ينفي ابتداء وجوب الإكرام الوارد على العلماء عن المتخصّص منهم بخصوصيّة الفسق ، وأمّا الثاني فكقولنا ( أكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم ) ، حيث إنّه بمعونة الحكم على فسّاقهم بالحرمة يفيد نفي الوجوب الوارد على العامّ عنهم ، لاستحالة توارد الحكمين المتضادين على متعلق واحد. هذا ، وقد مرّ ذكر القسمين في الأمر الثاني المتقدّم.

(٢) أي الاستثناء والمنفصل.

(٣) المراد به الباقي تحته بعد التخصيص.

(٤) وهما : إخراجه عن تلك الكليّة ابتداء ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ حكمها.

(٥) ففي المثال لا بدّ من كون الواجب إكرامه هو العالم غير الفاسق ، وغير الواجب أو المحرّم إكرامه هو العالم الفاسق ، ليكون بينهما تباين كلّي.


المناقضة أو المضادّة عن البين (١) ـ ، فيكون المخصّص حينئذ بحكومته على أصالة العموم كاشفا لا محالة عن تخصّص ذلك الموضوع (٢) بما يوجب مباينته له كلّيا ـ وإن أمسك في مصبّ العموم عن بيانه ، وعوّل فيه على المنفصل (٣).

ولمكان أنّه لا يعقل أن يتباينا كذلك إلاّ بتنويع ذلك العنوان (٤) إلى ما أخرجه المخصّص ، وقسيمه المنقسم هو إليهما بلا ثالث بينهما ، وصرف الحكم الوارد عليه إلى ذلك القسيم ، فلا‌

__________________

(١) أي : وإن لم يكن تباين كلّي بين الأمرين لزمت المناقضة ـ إذا كان الإخراج ابتدائيا ـ ، أو المضادّة ـ إذا كان الإخراج بمعونة الحكم بالضدّ.

(٢) أي : موضوع العام ، فإنّ مقتضى حكومة المخصّص على العام وقرينيّته على التصرّف فيه ـ بضميمة استحالة المناقضة أو المضادّة بين الأحكام ـ هو تخصّص موضوع العام بما يوجب مباينته لموضوع المخصّص مباينة كلّية.

(٣) ولا ضير في تأخير البيان إذا اقتضته المصلحة ، أمّا في الاستثناء فلا تأخير ، لاتصاله بالعموم.

(٤) محصّله : أنّ التباين الكلّي الذي عرفت عدم المناص عنه لرفع المضادّة أو المناقضة لا يكون إلاّ بتنويع عنوان العام ـ كالعالم ـ إلى نوعين قسيمين لا ثالث لهما : أحدهما ما أخرجه المخصّص وهو العالم الفاسق ، والآخر قسيمه الباقي تحت العموم والمحكوم بحكمه وهو العالم غير الفاسق ، أو العالم الذي لا يكون فاسقا ولا يكون متخصّصا بخصوصيّة الفسق ـ على نحو العدم النعتي ـ ، وليس قسيمه هو العالم الذي لا يوجد معه الفسق والمقارن لعدمه ـ على نحو العدم المحمولي ـ وهذا هو النتيجة الضروريّة للتخصيص أو التقييد ـ في موارد الاستثناء والمنفصل ـ المقتضي للمباينة الكلّية والتنويع والانقسام.


جرم يكون هو الباقي من العامّ موضوعا لحكمه بعد ما أخرجه المخصّص ، لأنّه هو الذي يبقى منه بعد خروج قسيمه.

وبانضمام هذه المقدّمة الضروريّة ـ التي هي عبارة أخرى عن التقييد أو التخصيص ـ إلى ما تقدّم من مغايرة الانقسام اللاحق لذلك العنوان ـ باعتبار اقترانه بوجود تلك الخصوصيّة أو عدمها ـ للانقسام اللاحق باعتبار نعتيّته له ، وبداهة أنّ المقابلة بينهما (١) بكلّ واحد من الاعتبارين إنّما هي مع ما يقابله بذلك الاعتبار دون الآخر ، فمرجع نفي الحكم الوارد على ذلك العنوان عمّا إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إنما هو إلى تخصيصه بما لم يكن متخصّصا بها ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب ، أو المرأة التي لا تكون من قريش (٢) ، ونحو ذلك ـ ، وعدمها النعتيّ هو الذي تكفّل المخصّص بمدلوله الالتزاميّ (٣) لبيان دخله فيه (٤) ، دون المحموليّ الراجع إلى‌

__________________

(١) أي : بين الوجود والعدم ، فإنّ كلا منهما إذا اعتبر بأحد الاعتبارين ـ من المقارنة أو النعتية ـ فإنما يقابله الآخر إذا اعتبر بنفس ذلك الاعتبار ، لا بالاعتبار الآخر ، وعليه فإذا اعتبر وجود خصوصيّة الفسق في المخصّص على نحو الوجود النعتي ـ كما هو المفروض ـ فلا بدّ أن يعتبر في مقابله من العامّ عدمها على نحو العدم النعتي ، دون المحمولي.

(٢) والعدم فيهما نعتيّ.

(٣) فإنّ انتفاء حكم العام عن موضوع المخصّص ـ الذي أفاده المخصّص ابتداء مطابقة ، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ حكم العامّ التزاما ـ يستلزم ثبوت حكم العامّ لقسيم موضوع المخصّص ، فيكون هذا مدلولا التزاميّا له.

(٤) أي دخل هذا العدم النعتي في الحكم الوارد على العنوان العامّ.


انتفائها (١) ، أو انتفاء ما أخرجه الاستثناء ـ مثلا ـ بجملته عن العموم (٢) ، كيف وما يقارن وجوده لهذين العدمين (٣) ليس قسيما للشرط المخالف ـ مثلا ـ إلاّ بلازمه لا بنفسه (٤) ، ولا يخرجه هذه المقارنة ـ مع الغضّ عمّا يلازمها ـ عن الانطباق على نفس المقسم (٥)

__________________

(١) أي انتفاء الخصوصيّة الوجوديّة ، كانتفاء الفسق ، وانتفاء مخالفة الكتاب ، وانتفاء الانتساب إلى قريش.

(٢) أي : انتفاء الجملة الخارجة بالاستثناء ، كانتفاء الشرط المخالف للكتاب ، وانتفاء المرأة القرشيّة ، وانتفاء العالم الفاسق.

(٣) المقارن وجوده للعدم المحمولي الأوّل ـ في الأمثلة ـ هو الشرط المقارن لانتفاء مخالفة الكتاب ، والمرأة المقترنة بعدم الانتساب إلى قريش ، والعالم الذي لا يوجد معه الفسق. والمقارن وجوده للعدم المحمولي الثاني هو الشرط المقارن لانتفاء الشرط المخالف للكتاب ، والمرأة المقارنة لانتفاء المرأة القرشيّة ، والعالم المقارن لانتفاء العالم الفاسق ، فلا تغفل.

(٤) فإنّ القسيم للشرط المخالف ـ كما مرّ ـ إنّما هو الشرط الذي لا يخالف ، وليس هو الشرط المقارن لانتفاء المخالفة إلاّ باعتبار لازمه ، إذ الأوّل يلزم الثاني.

(٥) العبارة لا تخلو عن تعقيد ، والمقصود أنّ المقارن المذكور ـ مع قطع النظر عمّا يستلزمه من العدم النعتي ـ منطبق على المقسم نفسه ، وليس هو قسما ثالثا في قبال قسمي الوجود والعدم النعتي وقسيما لهما ، بل هو باق ـ بعد ـ على انطباقه على نفس المقسم بماله من القسمين الآنفي الذكر ، فينطبق ـ مع الغضّ عمّا يلازمه ـ تارة على الوجود النعتي ،


الذي خرج بالتخصيص عن كونه تمام الموضوع للحكم إلى كونه كالجزء منه ، فلا يعقل (١) أن يكون هو أيضا نوعا آخر في عرضهما ، كي يندرج هو أيضا فيما يبقى منه بعد التخصيص في عرض ذلك القسيم ، ويكون إحرازه كإحرازه كافيا في ترتيب حكمه.

وأمّا ما قد أفيد (٢) من أنّ المخصّص (٣) بالاستثناء ـ مثلا ـ أو المنفصل ليس كالمخصّص بالتوصيف المتّصل معنونا بعنوان خاصّ (٤) ، كي يتوقّف ترتيب حكمه على إحراز ذلك العنوان ، وإنّما قضيّة عمومه المخصّص هي المعنونيّة بكلّ عنوان لم يكن بذلك الخاصّ ، وكفاية إحراز أيّ عنوان لم يكن هو (٥) في ترتيب‌

__________________

واخرى على العدم النعتي وإن كان هو قسما له في قبال المقارن للوجود ، فهو نظير انطباق العالم على الإنسان بقسميه من العادل والفاسق وإن كان هو قسما له في قبال الجاهل.

(١) تفريع على انطباق المقارن المزبور على المقسم ، يعني : وإذ يصحّ الانطباق المذكور فمقتضاه عدم كون المنطبق قسيما للنوعين ـ الوجود والعدم النعتيّين ـ ، ونوعا آخر في عرضهما ، ليندرج في الباقي تحت العموم ، ويكفي إحرازه باستصحاب العدم الأزليّ في ترتيب حكم العامّ ، كما يندرج القسيم الآخر ـ العدم النعتي ـ فيه ، ويكفي إحرازه في ترتيبه.

(٢) المفيد هو المحقّق الخراساني 1 في كفايته.

(٣) بصيغة المفعول ، وكذا اللذان بعده.

(٤) كعنوان العالم العادل أو العالم غير الفاسق.

(٥) مرجع الضمير هو ذلك الخاصّ ، فكلّ عنوان يفرض سوى عنوان‌


حكمه ، فالشرط الذي لم يوجد مخالفته للكتاب ـ مثلا ـ ، وكذلك المرأة التي لم يوجد انتسابها إلى قريش ، ونحو ذلك مصداق من العامّ وليس بمصداق للخارج قطعا ، فيكون من الباقي بعد التخصيص ـ لا محالة ـ ، ويترتّب عليه حكمه.

فهو ـ وإن اعتمده من اعتمده ـ ، لكنّك إذا أحطت خبرا بما قدّمنا عرفت أنّه لا سبيل إلى شي‌ء من جزءي الدعوى (١).

أمّا الأوّل : فلأنّ غاية ما يمكن أن يسلّم (٢) من دعوى عدم معنونيّة العامّ بالمنفصل خاصّة ، أو الاستثناء أيضا ـ بناء على لحوقه‌

__________________

الخاصّ ـ وهو العالم الفاسق في المثال ـ فالعامّ المخصّص معنون به ، وهو مندرج فيما يبقى من العامّ بعد التخصيص ، ومن جملتها عنوان العالم الذي لا يوجد معه الفسق ، وعليه فيكفي في ترتيب حكم العام إحرازه باستصحاب العدم المحمولي.

(١) السلبي وهو عدم معنونيّة العامّ بعنوان خاصّ ، والإيجابي وهو معنونيّته بكلّ عنوان سوى عنوان الخاصّ.

(٢) محصّل المرام : أنّ معنونيّة العامّ بالمخصّص ذات مرتبتين : إحداهما تنويعه لعنوان العامّ إلى نوعين متباينين قسيمين : أحدهما عنوان الخاصّ والآخر نقيضه ، واختصاص حكم العامّ بالثاني ، والثانية كونه مأخوذا في مصبّ العموم بحيث ينعقد للكلام ظهور تصديقيّ فيه ، ولازمه سراية إجماله إلى العامّ نفسه. والذي يسلّم اختصاصه بالمتّصل وعدم انسحابه إلى المنفصل هي المرتبة الثانية ، ولذا لا نقول بسراية الإجمال في المنفصل ، أمّا الاولى فلا محيص عن تعميمها للمنفصل ، لما تقدّم من أنّ التنويع والانقسام من لوازم ذات التخصيص ، بل هو عينه.


من هذه الجهة (١) بالمنفصل ـ هو عدم كونه كالتوصيف المتّصل مأخوذا بعنوانه في مصبّ العموم ، بحيث يسري إليه إجماله عند تردّد مفهومه بين الأقلّ والأكثر (٢) ، ولا يكون العموم مجديا في رفع إجماله (٣) من الجهة الراجعة إلى تخصيصه. أمّا تنويعه لذلك العنوان (٤) ـ بعد تبيّن مفهومه (٥) وسقوط أصالة العموم بذلك (٦) ـ إلى ما عرفت (٧) من النوعين ، وإخراجه له عن كونه تمام الموضوع للحكم ـ بمقتضى‌

__________________

(١) يعني : من الجهة التي ستذكر الآن من عدم أخذه في مصبّ العموم ، وفيه إيماء إلى ضعف المبنى ، إذ لا وجه لاستثناء الاستثناء من المخصّصات المتّصلة ، وإلحاقه بالمنفصل في ذلك.

(٢) أو بين المتباينين ، إذ لا اختصاص لسراية الإجمال في المتّصل بموارد التردّد بين الأقلّ والأكثر ، ولعلّ الوجه في تخصيصه بالذكر أنّ السراية في المتباينين لا تختصّ بالمتّصل ، فإنّ الإجمال التبايني للمنفصل أيضا يسري إلى العام ، غايته أنه يمنع عن حجيّة ظهوره وفي المتّصل يمنع عن أصل انعقاده ، وهذا بخلاف الإجمال بين الأقلّ والأكثر ، فإنّه مع انفصاله لا يمنع عن حجيّة ظهور العام بالنسبة إلى الزائد المشكوك.

(٣) أي : المخصّص من الجهة الراجعة إلى تخصيصه للعموم ، ولا كذلك المنفصل فإنّ العموم يجدي في رفع إجماله بالنسبة إلى الزائد المشكوك ـ كما أشرنا إليه آنفا.

(٤) أي : تنويع المنفصل ـ فضلا عن الاستثناء ـ لعنوان العامّ.

(٥) أي : المخصّص ، احترازا عمّا إذا كان مجملا مردّدا بين أمرين.

(٦) أي : بالمخصّص المبيّن المفهوم ، وهو احتراز عمّا إذا سقط الأصل المذكور بإجمال المخصّص ودورانه بين المتباينين ـ مثلا.

(٧) متعلّق بالتنويع.


عمومه أو إطلاقه ـ إلى كونه كالجزء منه ، فقد عرفت أنّه عبارة أخرى عن التخصيص الذي لا محيص عنه (١) في دفع التنافي عن البين ، ولا يعقل بدونه تباين العنوانين.

وبالجملة : فمعنونيّة العام بنقيض الخارج ـ بمعنى صرف حكمه إليه ، وكونه هو الموضوع في الكبرى الكليّة المستفادة من * الإطلاق أو العموم ـ هي عين التخصيص أو التقييد ، ولو لا ذلك لما كان تخصيصا ولا تقييدا ، ولا ارتفعت (٢) المناقضة أو المضادّة عن البين ، ولا كان للمنع عن التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة مجال (٣) ـ كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فلأنّ شمول المطلق أو العامّ لما ينطبق من مصاديقه (٤) على سائر العناوين ـ حتّى الأنواع والأصناف المندرجة‌

__________________

(١) أي : عن التنويع ، وكذا ضمير ( بدونه ) فيما بعده ، وقد مرّ بيان المطلب.

(٢) مرّ شرحه.

(٣) فإنّ وجه المنع هو معنونيّة العامّ بنقيض الخارج ، وكون المعنون المذكور هو الموضوع للحكم ، وما اشتبه مصداقيّته للمخصّص يشكّ في مصداقيّته للموضوع ، ولا مجال للتمسّك بعموم حكم مع الشك في تحقّق موضوعه.

(٤) ملخّص الكلام : أنّ العام إنّما يشمل مصاديقه بنفس عنوانه ، لا‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


تحت أجناسها وأنواعها (١) ـ ليس بتوسّط تلك العناوين ، كي يرجع أصالة الإطلاق أو العموم إلى معنونيّته بكلّ عنوان ، ويلزم ـ ممّا بينها من التلازم أو التضاد والتنافي ـ من المحاذير ما لا يخفى (٢) ، ويؤول نتيجة التخصيص أو التقييد ـ حينئذ ـ إلى خروج أحدها وبقاء البواقي ، ويجدي إحراز أيّ واحد منها (٣) في ترتيب حكمه.

وإنّما يشمل (٤) كلّ واحد منها بنفس عنوانه ، لا بعناوينها ، ويرجع‌

__________________

بتوسّط عناوين أخر وبمعونة معنونيّته بها ، فإنّ ضمّها إليه كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، واندراج ما سوى العنوان الخارج منها فيه لا يوجب معنونيّته بها ، ودخلها في موضوع الحكم ـ كما هو الحال أيضا في العامّ غير المخصّص ـ ، فمرجع أصالة العموم أو الإطلاق إنّما هو إلى عدم دخل شي‌ء منها ، لا دخل كلّ منها ، بل الدخيل في موضوع الحكم والدائر هو مداره في غير مورد التخصيص هو عنوان العامّ بما هو ، وفي مورد التخصيص هو عنوان ما تحصّل من الدليلين ، وإحراز انطباقه هو الذي يجدي في ترتيب حكمه ، لا إحراز انطباق عناوين اخرى منطبقة عليه.

(١) لفّ ونشر ، أي : أنواع جنس العامّ المندرجة تحته ، وأصناف نوعه المندرجة كذلك.

(٢) إذ يلزم من الحكم على عنوانين متلازمين تلازما دائميّا بحكم واحد محذور اللغويّة ، ومن الحكم على عنوانين متضادّين أو متناقضين بحكم واحد محذور الخلف والمناقضة ـ كما يظهر بالتأمّل.

(٣) أي : من العناوين الباقية في ترتيب حكم العامّ.

(٤) بيان للعقد الإيجابي ، وما هو الصحيح من المقال في المقام.


الأصلان (١) ـ حينئذ ـ إلى عدم مدخليّة شي‌ء منها في موضوعيّته للحكم الوارد عليه ، وتساوي وجود أيّ عنوان وعدمه في الكبرى المستفادة كلّيتها من عمومه أو إطلاقه ، وبعد كاشفيّة المخصّص عن عدمها (٢) بالنسبة إلى ما أخرجه منها فلا يتساوى طرفا هذا الخارج (٣) في تلك الكلّية ـ لا محالة ـ ، بل تدور هي مدار نقيضه (٤) وتبقى البقيّة (٥) على ما كانت عليه من التساوي وعدم المدخليّة.

فكما أنّه عند عدم التخصيص ينحصر ما هو الصغرى لتلك الكبرى الكليّة فيما أحرز انطباقه على العامّ ، ولا يغني عنه إحراز أيّ عنوان ، ويجري ضمّ غيره إليه مجرى ضمّ الحجر إلى الإنسان ، فكذلك الحال بعد التخصيص ـ أيضا ـ بالنسبة إلى ما تحصّل دوران الكليّة مداره من مجموع الدليلين.

وبالجملة : فبون بعيد بين أن يرجع الأصلان إلى معنونيّة المطلق أو العامّ بكلّ عنوان ، وبين أن يرجعا إلى عدم معنونيّته بشي‌ء منها ، والذي يجدي في ترتّب الأثر على إحراز أيّ عنوان‌

__________________

(١) يعني بهما أصالتي العموم والإطلاق.

(٢) أي : عن عدم كلّية تلك الكبرى.

(٣) وطرفاه هما وجوده وعدمه ، فالخارج وجوده والباقي تحت العامّ عدمه.

(٤) أي : تدور تلك الكلّية مدار نقيض الخارج ، وتتقيّد به.

(٥) أي : بقيّة العناوين سوى العنوان الخارج بالتخصيص.

وبالجملة : فقبل التخصيص كان وجود جميع العناوين الأخر وعدمها متساوية ، وبعده خرج عن التساوي طرفا العنوان الخارج خاصّة ، وبقي الباقي.


هو الأوّل ، والذي يرجعان إليه هو الثاني (١) ، فتدبّر حقّه.

ولو أريد إحراز أنّه ليس بذلك الخاص بهذه المعونة فكونه لازما عقليّا لما يحرز بالأصل ، لا محرزا بنفسه به أوضح من أن يخفى (٢).

وقد تحصّل ممّا حرّرنا انقسام القيود إلى مقارن محض ، ونعتيّ محض ، وما اجتمع فيه الجهتان (٣). واتّضح أنّه في القسم الأوّل يترتّب الأثر على الوجود أو العدم المحموليّ ، وفي الثاني على الربطيّ ، وأنّه في القسم الثالث ـ وإن كان بما أنّه أخذ في محلّه من النعتيّ ، ويلحقه من هذه الجهة حكمه ـ لكن حيث إنّه‌

__________________

(١) يعني : أنّ الصحيح في مرجعهما هو الثاني ، وعليه فلا يجدي في ترتّب الأثر إحراز أيّ عنوان سوى العنوان المتحصّل من مجموع الدليلين.

(٢) يعني : لو كان المقصود من إحراز أحد العناوين الباقية بالأصل إحراز أنه ليس معنونا بالعنوان الخاصّ ـ على نحو العدم النعتيّ ـ ، فيراد بأصالة عدم تحقّق الفسق مقارنا للعالم ـ مثلا ـ إحراز أنّه ليس فاسقا ، ليرتّب عليه حكم العامّ ، ففيه أنه مبنيّ على حجيّة الأصول المثبتة ، لأنّ انتفاء العنوان الخاصّ ـ على نحو النعتيّة ـ لازم عقليّ لما أحرز بالأصل من انتفائه المحمولي ، وليس هو محرزا به بنفسه.

إذن فإحراز أحد تلك العناوين لا يترتّب عليه أيّ أثر ، لا في نفسه ، ولا بتوسّط لازمه.

(٣) كما مرّ في مثالي ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم الرخصة المالكيّة أو الشرعيّة ، وترتّب الوراثة على إسلام الوارث عند حياة المورّث.


بالنسبة إلى ما في عرضه من المقارن فيلحقه من هذه الجهة أيضا حكم المقارن.

ثمّ لا يذهب عليك أنّه لا يراد بالنعتيّ في محلّ البحث خصوص ما كان نعتا اصطلاحيّا لمعروضه ، بل يعمّه وما إذا كان فعلا صادرا عنه (١) أيضا ، لاتّحاد المناط وهو دخل النسبة الثبوتيّة أو السلبيّة في معروض الحكم ـ كما لا يخفى.

الرابع : إنّه بعد أن تحرّر الضابط في ترتّب الأثر على الوجود أو العدم المقارن والنعتيّ ، واتضح أنّه متى ترتّب أثر شرعي على أحدهما بأحد الاعتبارين ترتّب انتفاء ذلك الأثر على إحراز نقيضه بذلك الاعتبار دون الآخر ـ إذ ليس هو بنقيضه (٢) ـ ، فلا يخفى أنّ قضيّة ما أوضحناه فيما تقدّم ـ من دوران إحراز بعض المركّب بالأصل مدار سبق تحقّقه على الوجه الذي اعتبر قيدا فيه (٣) ، بحيث لو كان باقيا (٤) في ظرف الشكّ الذي أحرز فيه بقيّة الأجزاء التأم هو‌

__________________

(١) فلا فرق بين كون الموضوع هو العالم العادل أو غير الفاسق ، والمرأة القرشيّة ونحوها ، أو كونه هو المكلّف الحاضر أو المسافر ، أو المفطر أو الصائم أو نحو ذلك ، إذ العبرة بدخل النسبة الثبوتيّة أو السلبيّة في موضوع الحكم ، سواء كانت بين النعت ومنعوتة ، أو بين الفعل وفاعله.

(٢) أي : ليس النقيض بالاعتبار الآخر نقيضا لذلك الشي‌ء ، فالوجود النعتي نقيضه العدم النعتي لا العدم المحمولي ، وكذا العكس.

(٣) من النعتيّة أو الاقتران.

(٤) فيستصحب بقاؤه في هذا الظرف ، وبه يلتئم الموضوع المركّب.


ـ حينئذ ـ من نفس هذا الاجتماع ، بلا ضميمة ما يلازمه (١) من إضافة بعضها إلى بعض ـ هي عدم الجدوى لاستصحاب العدم المسبوق به أيّ ماهيّة ـ وإن كانت عرضيّة ـ عند (٢) تحقّق اخرى ـ وإن كان معروضها ـ إلاّ في إحراز عدمها المحموليّ المقارن له (٣) ، وفي ظرف وجوده ، وترتيب ما لهذا العدم من الأثر عليه بعناية نفسه أو نقيضه ، دون النعتيّ اللاحق به ، وترتيب أثره عليه.

أمّا كفايته لإحراز العدم المحموليّ فظاهر ، فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث (٤) ـ من أيّ مقولة كان ـ عن مسبوقيّته به ، في مقابل وجوده العينيّ ـ مثلا ـ أو الاعتباريّ ، وبعد أن كان المفروض هو كفاية نفس بقائه إلى زمان أحرز فيه بقيّة أجزاء المركّب في التيامه (٥) بلا مؤنة أمر آخر أزيد من نفس هذا الاجتماع ، فيكفي الأصل ـ حينئذ ـ في إحرازه ـ لا محالة ـ ، ويندرج‌

__________________

(١) أي : العنوان الملازم المنتزع من إضافة بعض الأجزاء إلى بعض ـ كالتقدّم والتأخّر وهيئة الحال ونحوها ـ ، فإنّ إثباته باستصحاب الجزء مبنيّ على الأصل المثبت ـ كما تقدّم.

(٢) ليتحقّق بذلك اجتماعهما ، ويلتئم المركّب.

(٣) أي : عدم الماهيّة العرضيّة المحمولي المقارن لوجود المعروض.

(٤) فإنّه لكونه ماهيّة ممكنة لا بدّ من سبق عدمه ، ولا ريب في تحقّق سبقه ـ على نحو العدم المحموليّ ـ في قبال وجوده المحمولي العيني أو الاعتباري ، وستعرف أنه لا يعقل سبقه ـ على نحو العدم النعتي.

(٥) متعلّق بـ ( كفاية ) ، أي التئام المركّب.


فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان والآخر بالأصل ـ حسبما تحرّر ضابطه.

وأمّا عدم كفايته لإحراز النعتيّ ـ المعبّر عنه في لسان علماء المعقول بالربطيّ والرابطيّ (١) ـ ، فتوضيحه يتوقّف على تنقيح أمرين :

أحدهما : أنّه كما قد عرفت أنّ (٢) العدم الأزليّ المسبوق به كلّ ممكن إنّما هو بمعناه التامّ (٣) المحموليّ المقابل لتقرّره في الوعاء المناسب له (٤) ، فكذلك المسبوق بهذا العدم ـ أيضا ـ بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه (٥) إنّما هو الماهيّات المحفوظة في الحالين (٦) ، والمعرّاة عن الأمرين ، فإنّها هي التي‌

__________________

(١) باعتبار قيامه بموضوعه ، وارتباطه به.

(٢) عرفت ذلك قبل قليل عند قوله 1 : ( فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث من أيّ مقولة كان عن مسبوقيّته به في مقابل وجوده العينيّ ـ مثلا ـ أو الاعتباريّ.

(٣) وهو مفاد ليس التامّة.

(٤) أي : وجوده في وعاء العين أو الاعتبار.

(٥) بأن يكون موضوعا للعدم المستصحب ، متقوّما به استصحابه ، ومحفوظا في حالتي اليقين السابق والشك اللاحق ، في قبال المعنى الآخر للمسبوقيّة بالعدم ـ الآتي ذكره ، والأجنبيّ عن الاستصحاب.

(٦) أي : في حالتي الوجود والعدم ، فإنّ الماهيّة هي التي يعرضها الوجود تارة ، والعدم اخرى ، لكنّها في نفسها ليست إلاّ هي ، ومعرّاة عن الأمرين.


يمكن الحكم عليها (١) بالبقاء على عدمها السابق ، دون نفس الوجودات (٢) ، أو المتحصّل من الأمرين (٣). إذ ـ بعد وضوح أنّه لا ينقلب ولا يتبدّل أحد النقيضين بالآخر (٤) ، وإنّما يطرد كلّ منهما‌

__________________

(١) وذلك بالحكم الشرعي الاستصحابي ، فيحكم بموجبه على الماهيّة بأنها باقية على عدمها السابق الأزلي.

(٢) أي : ليس المسبوق بالعدم وما كان معدوما سابقا هو الوجود ، كي يمكن الحكم عليه بأنه باق على عدمه السابق ، إذ لا يعقل اتّصاف الوجود بالعدم وعروض العدم عليه.

(٣) الظاهر أنّ المراد بالأمرين : الوجود والماهيّة ، والمتحصّل منهما هو الماهيّة الموجودة ، وكون هذا هو المسبوق بالعدم محال كسابقه ، وبنفس ملاكه ، إذ مقتضاه كون الموجود معدوما ، وهو اجتماع للنقيضين.

(٤) فإنّ التبدّل إنّما يكون بين الماهيّات بالنسبة إلى صورها النوعيّة ، كتبدّل الخشب فحما الحاصل بانعدام صورة الأوّل وتبدّلها إلى صورة الآخر ، وقريب منه الانقلاب ، ولا كذلك الوجود والعدم ، فإنّه لا تبدّل لأحدهما بالآخر ، فلا يعقل أن يصير الوجود عدما ولا العدم وجودا ـ بمعنى تبدّله إليه ـ ، ولا يقال : كان الوجود عدما فصار وجودا ، أو إنّ الوجود صار عدما كما يقال : كان الفحم خشبا وصار الخشب فحما ، كي يكون المسبوق بالعدم هو الوجود ، وإنّما الماهيّة كانت معدومة فوجدت ، أو موجودة فعدمت. أمّا نفس الوجود والعدم فبينهما مطاردة ومناقضة ، حيث إنّ كلا منهما ينقض الآخر ويطرده عن الماهيّة ، ويزيحه عنها.

إذن فالماهيّة هي الموجودة أو المعدومة ، وهي المسبوقة بالعدم والصالحة لاستصحاب عدمها ، دون الوجود.


الآخر ـ ، فلا يعقل أن يكون شي‌ء منها (١) مسبوقا بالعدم بهذا المعنى المتقوّم به استصحابه (٢) ، وإن كان مسبوقا به (٣) بمعنى آخر أجنبيّ عن ذلك ، راجع إلى صرف تقدّم أحد النقيضين على الآخر ، وهذا (٤) من الوضوح والبداهة كاستحالة اجتماع النقيضين ومن جزئيّاته (٥) ، وإن كان أكثر ما يقع من الاشتباه في محلّ البحث إنّما هو من جهة الخلط بين المعنيين ، فلا تغفل.

ثانيهما : أنّ حقيقة المقوليّة والنعتيّة التي تقع التامّة الخبريّة ، أو الناقصة التقييديّة حكاية عنها أو بإزائها (٦) هي في باب الأعراض‌

__________________

(١) أي : من الوجودات الصرفة ، أو المتحصّلة ممّا ذكر.

(٢) وهو أن يكون الوجود موضوعا للعدم المستصحب ، فيقال : إنّه كان معدوما سابقا فيستصحب.

(٣) أي : الوجود مسبوقا بالعدم بمعنى آخر أجنبيّ عمّا يتقوّم به الاستصحاب ، وهو صرف تقدّم عدم الممكنات على وجودها زمانا ـ الذي تقتضيه طبيعتها الإمكانية ـ ، فإنّه بهذا الاعتبار يصحّ أن يقال : الوجود مسبوق بالعدم ، لكنّها تغاير المسبوقيّة المعتبرة في الاستصحاب. ونظير المقام أنه تارة يقال : زيد مسبوق بالعدالة ، واخرى يقال : فسق زيد مسبوق بعدالته ، وكلاهما صحيح ، باعتبارين.

(٤) المشار إليه هو : استحالة أن يكون الوجود مسبوقا بالعدم بالمعنى المتقوّم به استصحابه.

(٥) فإنّ كون الوجود معدوما يقتضي اتحادهما خارجا ، وهذا اجتماع للنقيضين.

(٦) لفّ ونشر مرتّب ، تقديره : أنّ حقيقة المقوليّة التي تقع الجملة التامّة‌


عبارة عن نفس لحوق العرض بموضوعه ، وإضافته إليه ، وبهذا الاعتبار يكون عرضيّا محمولا. وواضح أنّ هذا اللحوق والإضافة ليس من ناحية نفس ماهيّته (١) المعرّاة عن الوجود والعدم ، كيف وماهيّة السواد ـ مثلا ـ من حيث هي ليست إلاّ هي ، ولا يعقل لها من حيث نفسها لحوق ولا إضافة إلى الجسم أصلا ، وإنّما وجوده أو عدمه هو النعت (٢) اللاحق لمعروضه والفاني حصوله فيه ، لما‌

__________________

الخبريّة حكاية عنها ، وحقيقة النعتيّة التي تقع الناقصة التقييديّة بإزائها. ، والمراد بمقوليّة المقولة تحقّقها خارجا بحيث يصدق حدّها على ما في الخارج وتحمل وتقال عليه ، وتحقّقها في باب الأعراض إنّما هو بلحوقها بمعروضها ، فيصحّ حملها عليه ، وأمّا نعتيّتها فهي بلحاظ تحقّقها نعتا وصفة لمعروضها ـ كزيد العالم ـ ، ولا فارق بين العنوانين ـ المقولية والنعتية ـ إلاّ الاعتبار ، هذا. وقد مرّ أنّ النعتية الوجودية أو العدمية هي المستفادة من أدلة التقييد والتخصيص بدلالتها المطابقية أو الالتزامية.

(١) فليست ماهيّة العرض نفسها هي التي تلحق الموضوع وتكون نعتا له ، بل وجوده أو عدمه هو النعت اللاحق له.

(٢) أمّا نعتيّة الوجود فواضحة ، فإنّ قولنا : ( زيد قائم ) يفيد أنه واجد للقيام منعوت به ، فوجود القيام نعت له.

وأمّا نعتيّة العدم فلأنّ مفاد قولنا : ( زيد ليس قائما ) أنه فاقد للقيام ، وأنه منتف عنه القيام ، فيخبر عنه بأنه غير قائم ، ويسند إليه ، وينعت به ، وليس مفاده مجرّد عدم النعت ، للفرق الواضح بينه وبين قولنا : ( ليس قيام زيد ) على نحو ليس التامّة ، أو ( قيام زيد منتف ) ، حيث إنّ مفاده نفي القيام المضاف إليه ، وهذا لا نعتية فيه ، ولذا يصدق حتى مع انتفاء زيد المضاف إليه ، فتبصّر.


عرفت من تقوّمه بأنّ وجوده في نفسه ولنفسه هو عين وجوده في موضوعه ولموضوعه (١) ، وكذلك عدمه أيضا عند وجوده (٢) ، وإلى هذا يرجع تقسيمهم * للوجود والعدم إلى نفسيّ ورابطيّ (٣) ، وتخصيصهم الأوّل بالمعروضات ، والثاني بإعراضها.

وبالجملة : فمقوليّة المقولات ورابطيّة وجودها وعدمها (٤) ينشآن عن منشأ واحد حقيقي هو لحوقها وجودا أو عدما بمعروضاتها ، وإضافتها ** إليها ، فهي بوجودها أو عدمها نعوت وجوديّة أو عدميّة لتلك المعروضات ، لا بنعتيّتها لها موجودة أو معدومة (٥) ، لما عرفت من أنّ الإضافة بينهما في كلّ من طرفي الوجود والعدم‌

__________________

(١) إذن فوجوده هو اللاحق بموضوعه والنعت الوجودي له ، لا ماهيّته.

(٢) أي : عند وجود موضوعه ، إذن فعدمه هو اللاحق بموضوعه والنعت العدمي له في ظرف وجوده ، وقد عرفت وجهه آنفا ، وستعرف اعتبار وجود الموضوع في نعتيّة العدم أيضا كالوجود.

(٣) فإنّ مقتضاه أنّ الوجود أو العدم هو الرابطي النعتي ، لا الماهيّة.

(٤) يعني : كونها مقولات عارضة على معروضاتها ورابطات بوجودها أو عدمها بها.

(٥) أي : لا بنعتية ذواتها لمعروضاتها موجودة أو معدومة ، وبعبارة أخرى واضحة : وجودها لمعروضاتها أو عدمها عنها هي النعوت لها ، وليست ذواتها نعوتا موجودة أو معدومة لها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تقسيمه ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( إضافته ) والصحيح ما أثبتناه.


عبارة عن نفس ذلك الوجود وهذا العدم (١).

وإذ تمهّد ذلك فلا يخفى أنّ النعتيّة والربطيّة ـ التي عرفت أنّها هي اللحوق والقيام بالموضوع ـ وإن كانت في طرف الوجود (٢) مساوقة لنفس وجود العرض ، فلا يعقل أن يوجد هو في نفسه ولنفسه إلاّ وكان في موضوعه ولموضوعه ـ لا محالة (٣) ـ ، ويمتنع أن يوجد لا فيه ، أو يسبقه بوجوده (٤) ولكنّها في طرف العدم السابق لمكان سبقه (٥) ، واستحالة نعتيّته لموضوعه عند انتفائه (٦) ، فلا جرم تنفكّ إحدى الجهتين عن الأخرى (٧) ولا يعقل أن يكون العدم السابق‌

__________________

(١) فالربط والإضافة والنعتيّة الحاصلة بينهما إنّما هي بنفس وجود العرض لمعروضه ، أو عدمه عنه عند وجوده ، وسيأتي لهذا تتمة عند البحث عن أجزاء القضيّة.

(٢) فرّق 1 في النعتيّة واللحوق بين طرفي الوجود والعدم ، ففي الأوّل بما أنّ وجود العرض عين لحوقه لموضوعه فنعتيّة وجوده لموضوعه مساوقة لنفس وجوده ، فلا انفكاك بين الجهتين ، أمّا في الثاني فمع وجود الموضوع ـ وإن كانت النعتيّة العدميّة متحقّقة ـ إلاّ أنه مع انتفائه تستحيل النعتيّة ، وتتعيّن المحموليّة.

(٣) لما عرفت من تقوّم وجوده النفسي بذلك.

(٤) أي : يسبق العرض موضوعه في الوجود ، فيوجد قبله.

(٥) أي : سبق عدم العرض على وجود موضوعه ، فلم يكن للعدم حينئذ موضوع.

(٦) أي : عند انتفاء الموضوع ، لما عرفت من استحالة النعتيّة واللحوق ـ وجوديّا كان أو عدميّا ـ مع انتفاء المنعوت والملحوق به.

(٧) وهما : جهة عدمه في نفسه وعدمه لموضوعه ، فلا تحقّق للثانية ـ أي‌


عليه (١) إلاّ المحموليّ المعرّى عن هذا اللحوق والإضافة ، واستمرار هذا العدم إلى ظرف تحقّقه ـ وإن كان مساوقا لنعتيّته له ، ولحوقه به ـ إلاّ أنّ إحرازه بالأصل غير مجد (٢) إلاّ في إحراز ذاته المجرّدة عن الإضافة إليه ، ولا يثبت به إلاّ المقارن الذي قد عرفت أنّه بمعزل عن ترتّب الأثر عليه في هذا القسم (٣) لا من حيث نفسه ، ولا بعناية نقيضه.

فإن قيل : أليس قد فصّل (٤) علماء الميزان في توقّف صدق‌

__________________

العدم النعتي ـ ، وتتحقّق الاولى فقط ، وهي محموليّة لا محالة.

(١) أي : على الموضوع ، وكذا الضمير الآتي في ( تحقّقه ).

(٢) توضيحه : أنه إذا استمرّ العدم السابق على الموضوع إلى زمان تحقّق الموضوع ـ كما إذا استمرّ عدم القرشيّة إلى زمان وجود المرأة ـ ، وأحرز ذلك وجدانا ، فهذا العدم وإن أصبح في هذه المرحلة نعتا له ولا حقا به ـ لا محالة ـ ، فتكون المرأة ـ بطبيعة الحال ـ غير قرشيّة ، إلاّ أنه لا مجال لإحراز ذلك بالأصل ، لانتفاء اليقين السابق بنعتيّة العدم لتستصحب إلى ما بعد وجود الموضوع ، لما عرفت من استحالة النعتيّة مع انتفاء المنعوت ، نعم يحرز به بقاء ذات العدم مجرّدا عن النعتيّة والإضافة ، وهو عدم محموليّ مقارن ، ولا يجدي لإحراز النعتيّ إلاّ على القول بالأصل المثبت.

(٣) وهو القسم الأوّل من المركّب ـ العرض ومحلّه ـ ، أي : لا يترتّب أثر هذا القسم على الأصل المذكور ، وإنّما يترتّب عليه أثر القسم الثاني ـ المركّب من عنوانين متباينين.

(٤) محصّل التفصيل : أنه إن كان مفاد السالبة سلب الربط بين الموضوع والمحمول ـ كما في السالبة المحصّلة مثل : ليس زيد عالما ـ لم يتوقّف‌


السوالب الخارجيّة (١) على وجود موضوعاتها وعدمه بين أن يرجع مفادها إلى ربط السلب ـ كما في المعدولة محمولها ـ ، أو إلى سلب الربط ـ كما في السالبة المحصّلة ـ ، فبنوا في الأوّل على التوقّف ، وفي الثاني على عدمه ، وهل يرجع البحث عن تحقّق الحالة السابقة بالنسبة إلى العدم الربطيّ عند انتفاء معروضه إلاّ إلى البحث عن صدق السالبة المحصّلة عند انتفاء موضوعها ، فكيف ينكر ذلك ، ويرجع مفادها إلى العدم النعتيّ المساوق لمفاد المعدولة في الصدق والتحقّق ، وهل هذا إلاّ رجوع * عمّا بني عليه جريان أصالتي البراءة والحلّ (٢) من دعوى عدم رجوع التقييد المستتبع للمانعيّة إلى اعتبار‌

__________________

صدقها على وجود الموضوع ، وإن كان مفادها ربط السلب ، أي ربط المحمول السلبيّ بالموضوع ـ كما في الموجبة المعدولة المحمول مثل :

زيد لا عالم ـ توقّف صدقها على وجوده كالموجبة المحصّلة.

وملخّص الاعتراض : أنّ مقتضى ذلك تحقّق الحالة السابقة بالنسبة إلى العدم النعتي عند انتفاء معروضه ، ففي المثال يصدق ـ قبل وجود زيد ـ قولنا ( ما كان زيد عالما ) على نحو السالبة المحصّلة ، فيستصحب عدم كونه كذلك إلى ما بعد وجوده ، ولا وجه لإرجاع ذلك إلى الموجبة المعدولة المحمول نحو ( كان زيد لا عالما ) ، ليدّعى عدم صدقها مع انتفاء موضوعها ، فلا حالة سابقة لها لتستصحب.

(١) أي : القضايا الخارجيّة السالبة.

(٢) تقدّم بيان المبنى المذكور لدى البحث الصغرويّ عن كون الشبهة‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( رجوعا ) والصحيح ما أثبتناه.


النعت العدميّ في متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها.

قلت : بعد الغضّ عن أنّ تسالمهم على رجوع الأخبار في نتيجة الحمل إلى الأوصاف هدم لما أسّسوه (١) ، وأنّ تصريحهم بتلازم السالبة المعدولة محمولها للموجبة المحصّلة في الصدق نقض لما غزلوه (٢) ـ ، فلا يخفى أنّ ما زعموه من رجوع السلب المحصّل إلى سلب الربط الصادق عند انتفاء الموضوع مبنيّ ـ عند‌

__________________

المبحوث عنها من مجاري أصالة البراءة ، وأشير إليه إجمالا عند البحث عمّا هو المختار في تقريب الاستدلال بأصالة الحلّ في محلّ البحث ، وحاصله كون القيد العدميّ المنتزع عنه المانعيّة انحلاليّا راجعا إلى تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في كلّ واحد من مصاديق غير المأكول ـ مثلا ـ ، وليس عنوانا بسيطا ونعتا عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة ـ كالصلاة اللاواقعة في غير المأكول ـ ، ليكون المقام من الشك في المحصّل ، هذا. وملخّص الإشكال هنا : أنّ إرجاع العدم النعتيّ إلى العنوان البسيط المساوق للمعدولة رجوع عن المبنى المتقدّم.

(١) فإنّهم تسالموا على أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف ، وأنه بعد الإخبار بأنّ زيدا ـ مثلا ـ عالم يقال : زيد العالم جاء ، ومقتضى شموله للسالبة أيضا أنه بعد الإخبار بأنّ زيدا ليس بعالم مثلا ـ بالسلب المحصّل ـ يصحّ التوصيف بمثل : زيد اللاعالم ـ على نحو العدول ـ ، فهما ـ إذن ـ متلازمان في الصدق ، ومقتضى تلازمهما كذلك اعتبار وجود الموضوع في الأوّل ـ حذو اعتباره في الثاني.

(٢) فإنّه إذا كان مثل ( زيد ليس بلا قائم ) ملازما لـ ( زيد قائم ) في الصدق ـ لأنّ سلب السلب إيجاب ـ ، فمقتضاه اعتبار وجود الموضوع في الأولى ـ وهي على الفرض سالبة ـ حذو اعتباره في الثانية.


جملة منهم (١) ـ على ما تخيّلوه من عدم اشتمال السوالب على النسبة رأسا (٢) ، وكون السلب فيها واردا على النسبة الثبوتيّة التي هي في الإيجابيّة ، ورجوع مفادها إلى سلب الحمل ، وقطع الربط المتحقّق عند انتفائه (٣) لا محالة. وعند آخرين ـ وهم القائلون بتربيع أجزاء القضيّة (٤) ، وكون الجزء الأخير منها هو وقوع النسبة أو لا وقوعها ـ على ما توهّموه من كون المادّة المشتركة (٥) ـ التي لا محيص عنها ويرجع إنكارها إلى مكابرة الضرورة (٦) ـ عبارة عن‌

__________________

(١) وهم القدماء من أهل المعقول ، وعلى هذا القول فأجزاء القضيّة الموجبة ثلاثة ، والسالبة اثنان.

(٢) بدعوى أنّ مفادها سلب النسبة الثبوتيّة المتحقّقة في الموجبة ، إذن فلا نسبة لها ، وإنّما تختصّ النسبة بالموجبة.

(٣) أي : انتفاء الموضوع ، فقولنا ( ليس زيد قائما ) ، بمنزلة قولنا ( الربط بين زيد والقيام منتف ) ، وهذا صادق حتى مع انتفاء زيد ، لأنّ انتفاء الإضافة بين طرفين كما يكون بانتفائها نفسها مع وجود الطرفين ، كذلك يكون بانتفائها لأجل انتفاء أحد الطرفين.

(٤) وهي الموضوع والمحمول والنسبة ووقوع النسبة في الموجبة ، أو لا وقوعها في السالبة ، ويعبّر عن الجزء الأخير بالحكم.

(٥) بين الموجبة والسالبة ، بحيث يرد عليها كلّ من الإيجاب والسلب.

(٦) لقضاء الضرورة بأنّ هناك أمرا واحدا تثبته القضيّة الموجبة وتنفيه السالبة ، وأنه لا فرق بين القضيّتين إلاّ من ناحية إفادة إحداهما الثبوت والأخرى الانتفاء.


نفس النسبة التقييديّة (١) المجرّدة عن الأمرين ، والصالحة لورود كلّ منهما عليه ، ورجوع مفاد القضيّة إلى الحكاية عن تحقّقها ، أو انتفائها اللامتوقّف على وجوده (٢).

والمحققون منهم وإن تنبّهوا لفساد كلّ من القولين ، وأنّه لا يعقل أن ينقلب ما يتضمّنه القضيّة من المعنى الحرفيّ اسميّا (٣) ، فيكون (٤)

__________________

وفي العبارة تعريض ببطلان القول الأوّل المستلزم لإنكار المادّة المشتركة ، فإنّ السلب ـ بناء عليه ـ وارد على النسبة الإيجابيّة ، وواقع في طولها.

(١) كالنسبة في ( قيام زيد ) المجرّدة عن الإثبات أو النفي ، فيرد عليها الإثبات تارة ويفيد أنّ النسبة المذكورة متحقّقة ، والنفي اخرى فيفيد أنّها غير متحقّقة.

(٢) أي : الموضوع ، و ( اللامتوقّف ) نعت لـ ( انتفائها ) ، يعني أنّ مرجع قولنا ( زيد قائم ، أو ليس بقائم ) ـ على هذا المبنى كما عرفت ـ إلى قولنا ( قيام زيد متحقّق ، أو منتف ) ، ومن الواضح ـ كما مرّ ـ أنّ صدق الأخير لا يتوقّف على وجود زيد. إذن فصدق السالبة المحصّلة على هذا القول ـ أيضا كسابقه ـ غير متوقّف على وجود الموضوع.

(٣) فإنّ مرجع القولين إلى أنّ قولنا ( زيد ليس بقائم ) مساوق لقولنا ( النسبة بين زيد والقيام منتفية ) ، ومقتضاه لحاظ النسبة معنى اسميّا ، والإخبار عنها بالانتفاء على نحو مفاد ليس التامّة والسلب المحموليّ ، والحال أنّ القضيّة إنّما تتضمنها على وجه المعنى الحرفيّ ، والسلب مأخوذ فيها على نحو مفاد ليس الناقصة.

(٤) تفريع على انقلاب المعنى الحرفيّ اسميّا ، أي : يكون السلب ـ على‌


السلب محموليّا ، و * الربط المحصّل للتركيب ، والحاصل في غيره ولغيره مفهوما استقلاليا ، ولا أن يرد (١) السلب على الإيجاب ، أو يردا ** جميعا على الربط الذي ليس بخارج عن حقيقتهما (٢) ، ولا‌

__________________

هذا ـ محمولا في القضيّة بنفسه ، والربط معنى اسميّا مستقلا بالمفهوميّة ، والحال أنّه معنى حرفي حادث بهويّته عند التركيب الكلامي ، حاصل في غيره ولغيره ، قائم به ، ومحصّل للتركيب بين المفاهيم الاسميّة ، والربط بينها في ظرف الاستعمال ـ بناء على المختار من إيجاديّة المعاني الحرفيّة.

(١) عطف على ( أن ينقلب ) ، وهذا إشكال آخر على كلا القولين ، كلّ من جهة ، ومحصّله : أنّ السلب ـ على الأوّل ـ وارد على الإيجاب ، وقد مرّ ـ آنفا ـ أنّ هذا مناف لما تقضي به الضرورة من وجود مادّة مشتركة بين الموجبة والسالبة ، و ـ على الثاني ـ يكون كلّ من السلب والإيجاب واردين على الربط والنسبة التقييديّة ، وهذا ـ مضافا إلى ما مرّ في الإشكال الأوّل من أنّ الربط لا تتضمّنه القضيّة إلاّ معنى حرفيا ، فكيف يجعل اسميّا وموضوعا يحمل عليه الوقوع تارة واللاوقوع اخرى ـ يشكل بأنّ الربط ليس أمرا خارجا عن حقيقة كلّ من الإيجاب والسلب ، بل هو في حاقّ حقيقته على قسمين : إمّا ثبوتيّ هو ثبوت المحمول للموضوع ، أو سلبيّ هو سلبه عنه ، فلا اثنينيّة في البين ليرد أحدهما على الآخر.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الأخير ، كما أنّ ما بعده إشارة إلى ما قبله.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( أو ) والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( يردان ) والصحيح ما أثبتناه.


يتضمّنه القضيّة إلاّ معنى حرفيّا ، فبنوا (١) على تثليث أجزاء القضيّة ، وقسّموا النسبة في حاقّ حقيقتها إلى ثبوتيّة وسلبيّة ، حذو ما قسّموا الرابط الخارجيّ (٢) ـ الذي يقع ما في القضيّة بإزائه ـ إلى وجوديّ هو نفس وجود المقولات ـ ، وعدميّ هو عدمها ، فانطبقت الحكاية بذلك على المحكيّ بحذافيرهما.

ولقد أجادوا فيما صنعوا (٣) ، ولكنّهم ـ مع ذلك ـ فقد غفلوا‌

__________________

(١) تفريع على ( تنبّهوا ) ، والأجزاء الثلاثة هي الموضوع والمحمول والنسبة الثبوتيّة في الموجبة والسلبيّة في السالبة ، وقد مرّ ـ آنفا ـ عدم الاثنينيّة بين النسبة وبين الثبوت أو السلب ، وأنّها في حقيقتها إمّا هي ثبوت شي‌ء لشي‌ء أو سلبه عنه.

(٢) وهو النسبة الخارجيّة الحاصلة بين الطرفين ، والقائمة بهما في القضيّة الخارجيّة ، ويسمّى بالوجود الرابط ، في قبال الوجود المستقلّ ( الوجود في نفسه ) المنقسم إلى ما وجوده لنفسه ـ كالجواهر ـ ، ويسمّى بالوجود النفسيّ ، وما وجوده لغيره ـ كالأعراض ـ ، ويسمّى بالوجود الرابطيّ أو الناعتيّ ، وتقع النسبة الكلاميّة بإزاء هذا الرابط الخارجيّ موجدة له ، أو حاكية عنه ـ على الخلاف.

فالمراد أنّهم كما قسّموا الرابط الخارجيّ إلى وجوديّ وعدميّ ، كذلك قسّموا ما بإزائه من الرابط الكلاميّ إلى ثبوتيّ وسلبيّ ، وكما أنّ الرابط الخارجيّ في حقيقته هو وجود المقولة لما تقال عليه أو عدمها عنه ، كذلك الربط الكلاميّ في هويّته هو ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه عنه ، وبذلك ينطبق تمام الحاكي على تمام المحكيّ ، فيتطابقان بحذافيرهما.

(٣) من رفض القولين الأوّلين ، وعدم جعل الوقوع أو اللاوقوع جزءا‌


عن ابتناء التفصيل في صدق هاتين القضيّتين (١) عند انتفاء الموضوع وعدمه على تلك المباني (٢) ، فنسجوا على منوالهم (٣) ، حتّى أنّ الفاضل السبزواريّ ـ مع تغليطه له في محكيّ حواشي الأسفار ـ قد جرى عليه في منظومة المنطق (٤) ، والخطب في مثله لهيّن.

وبالجملة : فحيث إنّه ليس بين المقولات وما تقال عليه (٥)

__________________

للقضيّة ، لا في بنائهم على التثليث وجعل النسبة جزءا للقضيّة في قبال الطرفين ، لما سيجي‌ء من بطلانه ، وأنه ليس بينهما هويّة ثالثة ربطيّة.

(١) وهما : السالبة المحصّلة والموجبة المعدولة المحمول.

(٢) وهي القولان الأوّلان ، وقد مرّ بيان ابتناء التفصيل المذكور ودعوى صدق السالبة عند انتفاء الموضوع على أحدهما.

(٣) في الدعوى المذكورة غافلين عن عدم انسجامها مع مبناهم.

(٤) قال في حاشية الأسفار ١ : ٣٧١ : ( إنّ السالبة باعتبار أنها قضيّة وحكم من الأحكام لا تصحّ إلاّ مع اعتبار وجود الموضوع ، فلا مورد يصحّ فيه السلب إلاّ ويصحّ فيه إيجاب العدول أو إيجاب سلب المحمول ، فليس ـ كما هو المشهور ـ يصحّ السالبة بانتفاء الموضوع في نفسه دونهما ) إلى آخر كلامه 1 ، وهو واضح الدلالة على اعتبار وجود الموضوع في السالبة كالمعدولة ، ومع ذلك جرى في منظومته في المنطق (٥٢) على مسلك المشهور إذ قال : ( فكان الإيجاب أخصّ إذ لزم. وجود موضوع له والسلب عمّ ).

(٥) محصّله : أنه ليس في وعاء الخارج وراء المقولة العرضيّة وما تقال عليه من معروضها حقيقة ثالثة تربط بين الأمرين ـ كخيط يشدّ أحدهما بالآخر ـ بحيث إن وجدت وجد الربط بينهما ، وإن انتفت انتفى ـ ، بل ليس هناك وراء وجود‌


هويّة ثالثة ربطيّة خارجيّة يوجد الربط بينهما بوجودها * ، وينتفي بانتفائها ** ، ولا مقوليّتها إلاّ من ناحية وجودها وعدمها (١) ، دون ماهيّاتها ، فليس حديث سلب الربط ـ حينئذ ـ إلاّ من الشعريّات التي لا محصّل لها إلاّ حسن العبارة ، فضلا عن أن يفرّق بين السالبة المحصّلة والمعدولة محمولها بمثله ، وإنّما الفارق بينهما هو ترتّب هذا الإيجاب على ذلك السلب ترتّب العناوين الثانويّة على‌

__________________

المعروض سوى وجود العرض أو عدمه الذي هو بعينه وجوده لمعروضه أو عدمه له ، ونعتيّته ومقوليّته إنّما هي بذلك ، لا بماهيّته ـ كما تقدّم.

وإذ لم يكن في واقع الأمر وراء وجود المعروض سوى وجود العرض أو عدمه ـ من دون ثالث رابط بينهما ـ فلا حقيقة للربط ولا أساس له. إذن فلا موضوع لحديث سلب الربط ، ولا معنى له محصّل ، فهو تعبير شعريّ حسن الظاهر فارغ المؤدّى ، ومعه كيف يصحّ أن يفرّق به بين السالبة المحصّلة والمعدولة المحمول ، ويدّعى عدم توقّفه على وجود الموضوع ، بل القضيّتان سواء في توقّف صدقهما على وجوده ، لاشتراكهما في الحكاية عن واقع واحد هو انتفاء المقولة عن موضوعها ـ الراجع إلى نعتيّة عدمها له ـ ، وقد عرفت أنه لا يعقل النعتيّة إلاّ عند وجود المنعوت له.

(١) هذا هو العقد الإيجابيّ للمطلب ، وما قبله عقده السلبيّ. هذا ، وقد مرّ ـ آنفا ـ شرح هذه العبارة وما بعدها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بوجوده ) ، والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( بانتفائه ) ، والصحيح ما أثبتناه.


محصّلاتها (١) ، ولمكان التلازم بين العنوانين في التحقّق الخارجيّ فلا جدوى لهذا الفرق فيما نحن فيه (٢) ، وإن كان مجديا في رجوع الشبهة المبحوث * عنها إلى مرحلة التكليف أو المحصّل (٣) ـ حسبما تقدّم الكلام فيه (٤).

__________________

(١) فليس كلّ منهما حاكية عن حقيقة خارجيّة غير ما تحكي عنه الأخرى ، إذ ليس في البين إلاّ حقيقة واحدة ، بل الأولى تحكي عن الواقع بعنوانه الأوّليّ ، والثانية تحكي عن عنوان ثانويّ بسيط منتزع مترتّب على الواقع ، ومتحصّل منه ، فهي تحكي عنه ـ مطابقة ـ ، وعن الواقع المنتزع عنه والمحصّل له ـ التزاما.

(٢) من عدم جريان الاستصحاب لإحراز العدم النعتيّ ، فإنّ مقتضى التلازم الخارجيّ بين العنوانين المذكورين ، بل وحدة المعنون بهما هو اشتراكهما في كون العدم الملحوظ فيهما عدما نعتيّا ، وقد تقدّم أنه لا مجال لإحرازه بالأصل ، فلا مجرى لاستصحاب عدم كون الشرط مخالفا ـ مثلا ـ على نحو السلب المحصّل ، ولا لاستصحاب لا مخالفته على نحو العدول لانتفاء الحالة السابقة ، واستصحاب عدم تحقّق المخالفة ـ عدما محموليّا ـ لا يجدي لإحراز النعتيّ إلا على القول بالأصول المثبتة.

(٣) فإن قيّدت الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول ـ على نحو السالبة المحصّلة ـ كانت الشبهة المبحوث عنها من الشك في التكليف ، ومن مجاري البراءة ، وإن قيدت بكونها لا واقعة فيه ـ على نحو العدول ـ كانت من الشك في المحصّل ، ومن مجاري قاعدة الاشتغال.

(٤) لدى تنقيح البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المبحوثة ) ، والصحيح ما أثبتناه.


فإن قيل : أليس نفس النعت الوجوديّ الحاصل لموضوعه عند حدوثه من الحوادث ، فكيف يمنع عن مسبوقيّته بالعدم بما هو كذلك (١) ، ويخصّ سبق عدمه بلحاظ مباينته لموضوعه؟ وهل يعقل أن يوجب تعدّد اللحاظ تعدّدا في نفس الأمر (٢) ، أو يفصّل في استحالة ارتفاع النقيضين بين اللحاظين (٣)؟.

أجيب عنه : بأنّه ـ مع الغضّ عمّا تقدّم (٤) من أنّ قسيم الخارج ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب مثلا ـ هو الذي لا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه ، وأنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب‌

__________________

(١) أي : بما هو حاصل لموضوعه عند حدوثه ، وحاصل الإشكال : أنّ النعت وجد حاصلا في موضوع وعلى وجه النعتيّة ، ولم يكن له ـ بما هو كذلك ـ وجود قبل ذلك ، إذن فوجوده النعتيّ مسبوق بالعدم ، ولا يختصّ سبق عدمه بوجوده المحموليّ المباين لموضوعه.

(٢) إذ ليس هناك في نفس الأمر إلا وجود واحد مسبوق بالعدم ، وهو ـ كما ذكر ـ الوجود النعتيّ ، ولا يتعدّد وجوده الواقعيّ بتعدّد لحاظه نعتيّا تارة ، ومحموليّا اخرى.

(٣) ويقال : إنّه إن لوحظ محموليّا استحال ارتفاع وجوده وعدمه معا ، بخلاف ما إذا لوحظ نعتيّا ، فإنّه ـ مع عدم موضوعه ـ لا موجود ولا معدوم ، وإنّما المعدوم ـ حينئذ ـ هو المحموليّ.

(٤) تقدّم في الأمر الثالث أنّ قسيم الخارج بالاستثناء أو المنفصل ـ كالشرط الذي لا يخالف الكتاب ـ هو الباقي من العامّ موضوعا لحكمه ولا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه ، والعدم فيه نعتيّ لاحق بموضوعه ، وتقدّم في الأمر الرابع أنّ غاية ما يمكن إحرازه بالأصل هو عدمه المقارن دون النعتيّ ، لعدم مسبوقيته على وجه النعتيّة.


عدم أيّ عنوان عند حدوث آخر إنّما هو * عدمه المقارن له ، دون اللاحق به ، لعدم مسبوقيّته على هذا الوجه.

فلا يخفى أنّ مرجع دعوى مسبوقيّة النعوت الوجوديّة ـ بما هي كذلك ـ بالعدم إنّما هو إلى أخذ المتحصّل عن وجود تلك الخصوصيّة ـ بما أنّه وجودها لموضوعها ـ حادثا مسبوقا بذلك (١) ، وقد تبيّن ممّا قدّمنا أنّ مسبوقيّة نفس الوجود الحادث بالعدم (٢) ليس بهذا المعنى المتقوّم به استصحاب عدمه ، وإلاّ كان استصحابا لمعدوميّة نفس الوجود ، وهو من الأغلاط الواضحة ، وإنّما هو مسبوق به بذلك المعنى الآخر ـ الذي تقدّم أنّه أجنبيّ عن ذلك.

وبالجملة : فليس المسبوق بالعدم ـ بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه ـ إلاّ نفس الماهيّات ، ولا عدمها السابق إلاّ المحمولي‌

__________________

(١) فإنّ معنى كون النعت الوجوديّ ـ بما هو نعت ـ مسبوقا بالعدم هو كون وجوده ـ بما هو وجوده لموضوعه ـ كذلك ، فأصبح الوجود مسبوقا بالعدم ، وقد مرّ أنّ استحالته كاستحالة اجتماع النقيضين ، ومن جزئيّاته.

(٢) تقدّم في مطاوي الأمر الرابع : أنّ المسبوق بالعدم بالمعنى الصالح لاستصحاب عدمه إنّما هي الماهيّة ذاتها ، لا الوجود ، لاستحالة أن يكون الوجود معدوما سابقا ليستصحب عدمه ، فإنّه من اجتماع النقيضين ، واستصحابه استصحاب لاجتماع النقيضين. نعم الوجود مسبوق بالعدم بمعنى آخر هو تقدّم العدم على الوجود زمانا ، لكنّه بهذا المعنى لا يجدي شيئا في الاستصحاب.

__________________

(*) كلمة ( هو ) غير موجودة في الطبعة الاولى ، وقد أثبتناها لاقتضاء السياق.


المعرّى ـ في باب المقولات ـ عن اللحوق بموضوعاتها عند انتفائها ، ولا استصحابه محرزا سوى العدم المقارن ، ولا استصحاب عدمها (١) ـ بما هي حاصلة في موضوعها ولموضوعها ـ بدعوى مسبوقيّتها به بذلك المعنى المغالطيّ (٢) إلاّ من استصحاب اجتماع النقيضين ـ كما قد عرفت.

وقد ظهر من ذلك أنّ حديث ارتفاع النقيضين أجنبيّ عن محلّ البحث بالكلّية ، إذ بعد أن كان التقابل بين الوجود والعدم (٣) راجعا‌

__________________

(١) أي : ليس استصحاب عدم المقولات ـ بما هي حاصلة في موضوعها وموجودة فيه ـ إلاّ من استصحاب اجتماع النقيضين ، لرجوعه إلى استصحاب كون وجودها على هذا النحو معدوما ، وكون الوجود معدوما تناقض واضح.

(٢) لما فيه من المغالطة والتلبيس على الغافل والتشبيه عليه ، حيث يخلط بين مسبوقيّة العدم بالوجود ـ بمعناها المعقول المتقدّم ـ ، وبين مسبوقيّته به ـ بمعناها التناقضيّ الغلط ـ ، فيجري الاستصحاب المتقوّم بالمعنى الثاني متخيّلا أنه هو المعنى الأوّل الصحيح.

(٣) بعبارة واضحة : أنّ التقابل بين الوجود والعدم على قسمين : تقابل النقيضين الممتنع ارتفاعهما ، وتقابل العدم والملكة الصالح له ، وهما ـ بعد اشتراكهما في انتفاء الواسطة بين المتقابلين ـ يفترقان باختلافهما في نوعيّة الانقسام إلى المتقابلين ، ففي باب المناقضة يلحق الانقسام جميع الماهيّات ـ حتى الفرضيّات المحضة كالعنقاء واللاعنقاء ـ ، وفي باب الملكة والعدم يلحقها بزيادة قيد الشأنية وقابليّة المحلّ ، ولأجله يجوز ارتفاعهما عن المحلّ غير القابل ، بخلاف سابقه.


إلى باب المناقضة الموجبة لعدم جواز الارتفاع ـ تارة ـ ، وإلى باب الملكة والعدم الصالح لذلك ـ اخرى ـ ، وكان الفارق بين البابين ـ بعد اشتراكهما جميعا في عدم الواسطة بين المتقابلين ـ هو تغاير الانقسام إليهما ، ولحوقه في أحدهما لأيّ ماهيّة ـ ولو فرضيّة محضة ـ ، وفي الآخر بعد شأنيّة وصلاحيّة زائدة ، فاختصاص المناقضة بالمحموليين ، ورجوع التقابل بين الربطيّين إلى الثاني أوضح من أن يخفى.

ولو قيل بتقرّر الماهيّات في الأزل (١) من جهة تعلّق العلم الأزليّ بها ، أو غير ذلك ـ كما هو مرجع القول بالأعيان الثابتة ـ كان حال الموضوع ـ حينئذ ـ باعتبار تقرّره السابق أيضا مشكوكا ـ لا محالة ـ ، ولم يكن لتوهّم الحالة السابقة مجال ، وسقط هذا البحث‌

__________________

وقد ظهر ممّا سلف أنّ الوجود والعدم المحموليّين يعدّان من المتناقضين ـ كالقيام وعدم القيام ومخالفة الكتاب وعدمها ـ ، وأمّا الربطيّان فيندرجان في العدم والملكة ـ ككون زيد قائما وعدمه ومخالفة الشرط للكتاب وعدمها ـ ، والمحلّ القابل لهما هو الموضوع الموجود ، فينتفيان معا عند انتفائه.

(١) محصّله : أنه لا مجال لاستصحاب العدم النعتيّ حتى لو قيل بالأعيان الثابتة ، وأنّ للماهيّات الممكنة المعدومة نحو تقرّر وثبوت في الأزل ـ كما عن المعتزلة زعما منهم أنه المصحّح لتعلّق علمه ( تعالى الأزليّ بها ـ ، بل ولو قيل بكفاية هذا النحو من التحقّق لموضوع المستصحب في صحّة استصحابه ، فإنّ موضوع النعت العدميّ ـ كالشرط ـ المفروض تقرّره سابقا لا يعلم حاله أنّه منعوت بعدم المخالفة ـ مثلا ـ أو بوجودها ، وأيّا منهما كان فهو منعوت به أزلا ، ولا يتصوّر له حالة سابقة متيقنة لتستصحب.


من أصله.

فإن قيل : أليس قد عوّل الفقهاء على أصالة الضمان عند تردّد اليد على مال الغير بين أن يكون بإذن منه أو بغير إذنه ، وعلى أصالة عدم النسب ـ أيضا ـ في جميع الأبواب ، فهل يستقيم شي‌ء من ذلك إلاّ على إحراز حال الحادث باستصحاب العدم السابق على حدوثه (١).

قلت : أمّا تعويلهم على أصالة الضمان فهو ـ وإن كان قد حمله كلّ ممّن يرى التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة ، أو التشبّث بقاعدة المقتضي والمانع على مذاقه ، واستظهر به (٢) ـ ، لكنّ‌

__________________

(١) تقريب الإشكال : أنّ موضوع الضمان هو الاستيلاء على مال الغير غير المأذون فيه من مالكه ، وقد تحقّق الاستيلاء ، ويشكّ في تحقّق إذن المالك معه ، فيستصحب عدم اتصاف الاستيلاء بكونه مأذونا فيه ـ على نحو العدم النعتيّ.

وأنّ الانتساب المأخوذ موضوعا للحكم في أبواب الإرث وغيره ـ على وجه النعتية ـ إذا شكّ في تحقّقه عند تحقّق المنتسب فيستصحب عدمه الأزليّ لنفي الحكم المترتّب على نقيضه ، إذن فالمسألتان مبنيّتان على استصحاب العدم الأزليّ.

(٢) أي : استعان به لمسلكه ، وذلك : فإنّ الأوّل يرى أنّ مستند حكم الفقهاء بالضمان هو عموم ( على اليد ما أخذت ) مع الشكّ في مصداق مخصّصة ـ وهو كون اليد غير عادية ـ ، والثاني يرى أنّ مستنده هو القاعدة المذكورة ، فإنّ مقتضي الضمان ـ وهو الاستيلاء ـ محرز ، ويشكّ‌


الذي ينادي تعبيراتهم ـ بأعلى صوتها ـ به هو استنادهم فيها إلى أصالة عدم الإذن من المالك ، دون شي‌ء آخر ، وانطباقه على ما حرّرناه ضابطا لتركّب الموضوع من المقارن أو النعتيّ أوضح من أن يخفى ، فإنّ المتحصّل ممّا يدلّ على ضمان اليد ـ بعد تخصّصه ، أو تخصيصه (١) بما إذا لم تكن بإذن من المالك ـ هو ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم إذنه فيه ، ومرجعه إلى تركّب سببه (٢) من عرضين لموضوعين ، فيكون كلّ منهما بالنسبة إلى محلّه من النعتيّ ، وبالنسبة إلى الآخر من المقارن ، ويكفي مسبوقيّة محلّه به (٣)

__________________

في مانعه ـ وهو كون اليد أمانيّة ـ ، ومقتضى القاعدة البناء على عدمه وتأثير المقتضي في مقتضاه.

(١) الأوّل مبنيّ على أنّ الأخذ في المرويّ ( على اليد ما أخذت حتى تؤدّي ) ظاهر في القهر والغلبة ، فتخرج اليد المأذونة عن العموم بالتخصّص ، والثاني مبنيّ على خروجها بأدلّة أخر مخصّصة ، لا بما ذكر.

(٢) أي : سبب الضمان وموضوعه ، وقد مرّ في الأمر الثالث أنّ المورد من هذا القبيل ، وليس من قبيل التركّب من العرض ومحلّه ، وأنّ كلا من العرضين بالنسبة إلى موضوعه يكون من النعتيّ ، وبالنسبة إلى العرض الآخر من المقارن ، فالاستيلاء عرض قائم بفاعله وبالمال ، والمفروض إحرازه كذلك بالوجدان ، كما أنّ عدم الإذن قائم بالمالك ، ولا مانع من استصحاب عدمه بما هو كذلك ، فإنّ المالك كان في زمان ولم يكن آذنا في التصرّف ، فيستصحب بقاؤه على هذه الصفة ، وبضمّه إلى ما أحرز بالوجدان يلتئم موضوع الضمان.

(٣) أي : يكفي في العرض النعتيّ مسبوقيّة محلّه به ـ كمسبوقيّة المالك‌


في إحرازه بالأصل عند إحراز الآخر بالوجدان في التيام سبب الضمان بلا مؤنة أمر آخر ـ حسبما تحرّر ضابطه.

وأمّا أصالة عدم النسب : فظاهر شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ أنار الله تعالى برهانه ـ هو دعوى التسالم على العمل بهذا الأصل في جميع المقامات (١) ، وعليه بنى الحكم بعدم حيضيّة الدم الذي تراه المرأة ـ المشكوكة قرشيّتها ـ عند تجاوزها عن الخمسين.

فإن رجع ما أفاده 1 إلى دعوى الإجماع على العمل بهذا الأصل بالخصوص ـ كما يقتضيه تعويله عليه في تلك المسألة (٢) ، أو ثبت ما يقوى عندنا جدّا ـ من أنّ خصوص النسب ممّا جرت طريقة العقلاء ـ حفظا لأنسابهم ـ على سلبه عمّن لم يثبت انتسابه إليهم (٣) ـ فهو ، وإلاّ فقد عرفت أنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب عدم أيّ عنوان (٤) إلى زمان حدوث من يشكّ في نسبه إنّما هو عدمه المقارن لوجوده (٥) ، دون المرتبط به ، من غير فرق‌

__________________

بعدم إذنه ـ في إحراز ذلك العرض بالأصل.

(١) صرّح 1 في مبحث الحيض من طهارته (١٧٩) : بأنّ أصالة عدم الانتساب معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات.

(٢) أي : يقتضي دعوى الإجماع تعويله على الأصل في مسألة الحيض.

(٣) أي : إلى العقلاء ، إذن فعمدة الدليل عليه هي السيرة العقلائيّة غير المردوعة من قبل الشارع.

(٤) كعنوان القرشيّة والأبوّة والنبوّة ونحوها.

(٥) أي : لوجود من يشكّ في نسبه.


بين أن يكون المستصحب عدمه هو العنوان الأوّليّ المعبّر به عن حقيقة النسب ، والمأخوذ موضوعا للحكم في لسان دليله ـ كقرشيّة المرأة مثلا ونحو ذلك ـ ، أو يكون من العناوين الثانويّة المنتزعة عنه ـ كتحقّق الانتساب بينها وبين قريش (١) وأمثال ذلك ـ ، وتبديل أحد العنوانين بالآخر لا يخرج عدمه السابق عن المحموليّ إلى الربطيّ (٢) ، ولا ما يحرز باستصحابه عن المقارن إلى النعتيّ ، فلو قيل بكفاية إحراز العدم المقارن في تنقيح أنّ المرأة ممّن لا تحيض إلاّ إلى الخمسين فلا حاجة إلى تبديل العنوان ، وإلاّ لم يجد إلاّ تبعيد‌

__________________

(١) فإنّ الانتساب بينهما عنوان ثانويّ ملحوظ اسميّا يخبر عنه بالتحقّق ـ تارة ـ وعدمه ـ اخرى ـ ، منتزع من الربط النسبيّ الحاصل بين المرأة وقريش ، والملحوظ حرفيّا في العنوان الأوّليّ ـ قرشيّة المرأة ـ ، حذو انتزاع عنوان النسبة بين زيد والقيام من ( زيد قائم ).

وهذا تعريض بصاحب الكفاية 1 ، حيث بدّل العنوان الأوّل بالثاني مدّعيا أنّ الأخير مسبوق بالعدم وإن لم يكن الأوّل مسبوقا بوجود ولا بعدم.

ومحصّل الردّ : أنه لا جدوى للتبديل المذكور سوى تغيير العبارة ، وإلاّ فهما سواء في نعتيّة عدمهما وانتفاء الحالة السابقة له ، واختصاصها بالعدم المحموليّ منهما ـ كعدم القرشيّة وعدم تحقّق الانتساب إلى قريش ـ فلا يثبت باستصحاب الثاني عدم تحقّق الانتساب بين هذه المرأة وبين قريش ، كما لا يثبت باستصحاب الأوّل عدم قرشيّتها إلاّ بناء على حجيّة الأصل المثبت.

(٢) يعني : أنّ العدم السابق إنّما هو العدم المحموليّ ، وهذا لا يعقل أن يتبدّل إلى الربطيّ بتبديل العنوان.


ذلك البون البعيد (١) ـ كما لا يخفى.

وليس مجرّد تعويلهم على هذا الأصل في إحراز حال من يشكّ في نسبه ما لم يصل حدّ الإجماع مجديا في حجّيّته (٢) ، بعد اضطراب‌

__________________

(١) فإنّ تبديل العنوان الأوّلي إلى الثانويّ الانتزاعيّ تبعيد للمسافة ، فإذا لم يجد استصحاب العدم المقارن من الأوّل في تنقيح حال المرأة وكان البون إليه بعيدا ، لم يجد فيه استصحاب العدم المقارن من الثاني بطريق أولى ، بل يصبح البون معه أبعد.

(٢) يعني أنّ أصالة العدم التي ادّعى شيخنا الأنصاري 1 تسالمهم على العمل بها في جميع المقامات إن قام الإجماع على العمل بها كذلك ، أو في خصوص باب النسب كفى ذلك في إثبات حجيّتها ، لكن لا إجماع تعبديّ معتبر عليه كاشف عن رأي المعصوم ، لاستناد المعوّلين على هذا الأصل إلى أصول وقواعد أخر ، فإنّ جملة منهم جعل أصالة العدم ـ مطلقا ـ من الأصول العقلائيّة التي لا مساس لها بالاستصحاب ، وجملة أخرى أرجعها إلى الاستصحاب ، وهؤلاء أيضا مختلفون في أنّ الاستصحاب أمارة ظنيّة أو أصل عمليّ ، والقائلون بأصليّته بين من يرى حجيّة الأصول المثبتة وبين من لا يراها ، فمن المحتمل ـ قويّا ـ أنّ هؤلاء عوّلوا على الأصل المذكور في المقام بناء منهم على كونه أمارة معتبرة ، ومثبتات الأمارة حجّة ، أو بناء منهم على حجّية المثبتات حتى في الأصول العمليّة ، إذن فلا إجماع تعبّدي في المقام ، كما ولم يتمّ عندنا شي‌ء من المباني المذكورة.

وبالجملة : فإن تمّ ما قوّيناه من جريان السيرة العقلائيّة على سلب النسب عن مشكوك الانتساب فهو ، وإلاّ فالاستصحاب لا يجدي إلاّ لإحراز عدمه المقارن دون النعتيّ إلاّ بناء على الأصل المثبت.


كلماتهم في رجوع أصالة العدم إلى الاستصحاب ، أو كونها من الأصول العقلائيّة التي لا يدور التعويل عليها مدار تحقّق الحالة السابقة ، واختلافها (١) في كون الاستصحاب من الأمارات المعتبرة من باب الظنّ النوعيّ أو الأصول التعبّديّة ، وتعويلهم على الأصول المثبتة ـ تارة ـ ، وإلغائهم لها ـ اخرى ـ ، لعدم كون المسألة منقّحة منضبطة.

لكن لا يخفى أنّ العمدة في مسيس الحاجة إلى هذا الأصل إنّما هي في أبواب المواريث ، ولا حاجة لأغلب ما يراد ترتيبه فيها (٢) إلى * سلب النسب (٣) عمّن يشكّ في نسبه ، كي يندرج فيما لا يجري الأصل لإحرازه.

أمّا إذا كان الشكّ في الفروع ـ كما إذا شكّ في كونه ابنا للميّت مثلا ـ فظاهر ، فإنّه وإن كانت وراثته منه مترتّبة على كونه ابنا له ، ولازمه توقّف الحكم بعدم وراثته منه على سلب البنوّة عنه (٤) ، لكن‌

__________________

(١) أي : اختلاف كلماتهم.

(٢) أي : ما يراد ترتيبه من الأحكام في أبواب المواريث.

(٣) سلبا نعتيّا ـ على نحو ليس الناقصة ـ ، بل يكفي سلبه محموليّا بنحو ليس التامّة ، فيمكن إحرازه بالأصل.

(٤) ولا يجدي استصحاب ابن له في إحرازه إلاّ على القول بالأصل المثبت.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( على ) والصحيح ما أثبتناه.


لا ترتّب لوراثة (١) من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له إمّا عن أصل الإرث ـ كالدرجة أو الطبقة المتأخّرة ـ ، أو عن الزائد عن أدنى النصيبين ـ كالأبوين مثلا أو الزوجين (٢) ـ إلاّ على انتفاء ابن للميّت إمّا مطلقا ، أو ما عدا المعلوم كونه ابنا له ، فإنّه هو الذي نطقت به آيات الفرائض ، واستفيد من أدلّة المواريث.

أمّا بالنسبة إلى الشكّ في الحاجب فظاهر بعد أن كانت وراثة من يحجبه الولد ـ بأحد الوجهين ـ معلّقة في صريح آيات الإرث على انتفائه (٣).

__________________

(١) أي : لا يترتّب على سلب البنوّة عنه وراثة من يشكّ كون هذا المشكوك بنوّته مشاركا له ـ كسائر الأبناء ـ ، أو حاجبا له عن أصل الإرث ـ كالواقع في الدرجة المتأخرة من أولاد الأولاد ، أو في الطبقة المتأخرة من الإخوة والأجداد ـ ، أو حاجبا له عن الزائد على أدنى النصيبين ممّن يأتي ذكره ، وإنّما يترتّب وراثتهم على انتفاء ابن للميّت ـ على نحو ليس التامّة ـ وهو مسبوق بالتحقّق فيحرز بالأصل.

(٢) فإنّ الابن يحجب الامّ عن الثلث إلى السدس ، ويحجب الأب عن أن يردّ إليه الزائد على السدس ، ويحجب الزوج عن النصف إلى الربع ، والزوجة عن الربع إلى الثمن.

(٣) قال تعالى في وراثة الطبقة الثانية التي يحجبها الولد عن أصل الإرث ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ )، وفي وراثة الامّ التي يحجبها عن الزائد عن أدنى النصيبين ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ )، وفي وراثة‌


وأمّا بالنسبة إلى الشكّ في المشارك فهو ـ وإن لم يكن في الظهور كسابقه * ـ لكن حيث لا خفاء في إطباق أدلّة المواريث على توقّف وراثة كلّ وارث في أيّ طبقة أو درجة لكلّ المال على انحصاره فيه (١) ، فمرجع هذا الحصر (٢) إلى عقد إيجابيّ ـ هو في الطبقة والدرجة الاولى (٣) عبارة عن تولّد المعلومين من الميّت ـ ، وسلبيّ ـ هو عدم تولّد غيرهم منه ـ لا محالة ، بلا مدخليّة لعدم كون المشكوك ابنا له في شي‌ء من ذلك (٤).

__________________

الزوجين اللذين يحجبهما عن الزائد ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ). ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ )، وفي الجميع علّقت وراثة المحجوب على أن لا يكون للميّت ولد ـ على نحو العدم المقارن.

(١) أي : انحصار الوارث في ذلك الواحد أو الأكثر من طبقة أو درجة واحدة.

(٢) وشأن كلّ حصر أن ينحلّ إلى عقد إيجابيّ ، وآخر سلبيّ.

(٣) أي : بالنسبة إلى الدرجة الاولى من الطبقة الاولى هو تولّد أناس معلومين من الميّت بلا واسطة ، وبضميمة العقد السلبيّ ـ وهو عدم تولّد غيرهم منه ـ إليه يتحقّق الانحصار المذكور ، ويلتئم موضوع وراثتهم لكلّ المال. إذن فهو من الموضوعات المركّبة من جزءين يمكن إحراز أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل.

(٤) لا في العقد الإيجابيّ ولا السلبيّ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( كسابقته ) ، والصحيح ما أثبتناه.


وبالجملة : فالحكم مترتّب في جميع موارد الشكّ في الفروع على * انتفاء المنتسب المشارك ـ مثلا ـ أو الحاجب ، وهو مسبوق بالتحقّق ـ كما قد عرفت ـ ، لا على سلب الانتساب عن الشخص ـ الغير المسبوق به (١) ـ ، فأصالة عدم تولّد ابن للميّت أصلا ، أو ما عدا المعلوم تولّده منه يكفي في إحرازه (٢) ، وإن كان الشكّ في انتساب المشكوك إليه ـ بعد ـ بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا الشكّ أصلا ، بل لو انعكس الأمر وكان الأصل جاريا في إحراز عدم الانتساب دون المنتسب لم يجد في وراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له إلاّ باعتبار استلزام أحد العنوانين للآخر (٣) ، فيبتني على حجّية الأصل المثبت.

وكذا الحال فيما لو كان الشكّ راجعا إلى من في حاشية النسب ـ كالإخوة مثلا أو غيرهم ** من الحواشي (٤) ـ إذ لا توقّف لوراثة من يشكّ في مشاركة مشكوك الاخوّة ـ مثلا ـ ، أو حجبه له ـ بأحد‌

__________________

(١) أي : بالتحقّق ، و ( الغير ) صفة لـ ( سلب ).

(٢) أي : في إحراز انتفاء المنتسب ، فيترتّب عليه الحكم.

(٣) يعني : أنّ استصحاب عدم كون الشخص منتسبا ـ لو جرى ـ لا يجدي في إحراز عدم وجود المنتسب ـ الذي هو الموضوع للحكم ـ إلاّ بناء على حجيّة الأصل المثبت ، لأنه لازم عقليّ للمستصحب.

(٤) كأولاد الإخوة والأعمام والأخوال وأولادهم.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( إلى ) ، والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الاولى ( غيرها ) ، والصحيح ما أثبتناه.


الوجهين (١) ـ إلاّ على انتفاء الأخ (٢) ، ولا مدخليّة لعدم كون المشكوك أخا له في ذلك (٣) ، وإن كان (٤) موجبا للحكم بعدم وراثته منه.

وبعد وضوح أنّ الانتهاء إلى عمود النسب (٥) والتولّد من‌

__________________

(١) وهما : الحجب عن أصل الإرث كحجب الأخ لولد الأخ ، وللعمومة والخؤولة ، والحجب عن بعضه كحجبه للامّ عن الثلث إلى السدس بشروط.

(٢) أو انتفاء ما عدا معلوم الاخوّة.

(٣) أي : في وراثة من ذكر.

(٤) أي : عدم كون المشكوك أخا للميّت ، لوضوح ترتّب وراثته على كونه أخا له ـ كما تقدّم نحوه في الفروع.

(٥) محصّل الكلام : أنّ عناوين الاخوّة والعمومة ونحوهما من حواشي النسب إنّما تنتزع عن التولّد من الأصول والانتهاء إلى عمود نسب واحد ، كما أنّ عنوان البنوّة ينتزع عن التولّد من النفس بلا واسطة أو معها ، والكلّ مشترك في المسبوقيّة بالعدم ، إذ كما أنه كان زمان ولم يكن للميّت ابن ، كذلك كان زمان ولم يكن لأبيه أو جدّه ـ مثلا ـ ابن ، فيجري الأصل لإحراز بقاء هذا العدم المحموليّ ، ويترتّب عليه وراثة المشارك للمشكوك والمحجوب له ، وهذا بخلاف أصول النسب من الآباء والأجداد ، إذ لا يعقل ـ مع فرض وجود الميّت وتولّده ـ أنه كان زمان ولم يكن له أب أو جدّ ، بل الأمر بالعكس وأنه كان زمان وكان له أب وجدّ ، ومقتضى الأصل حينئذ بقاؤه ، فيمنع عن وراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له ، نعم لا يحرز به أبوّة مشكوك الأبوّة أو جدودته للميّت ليترتّب عليه وراثته منه إلاّ على الأصل المثبت ، بل المحكم حينئذ أصالة عدم أبوّته أو جدودته له ـ على تحقيق يأتي.


الأصول هو الذي ينتزع عنه عنوان الاخوّة ـ مثلا ـ أو العمومة ، ويترتّب عليه وراثة الحواشي ومشاركتها ، أو حجبها لمن تشاركه ، أو تحجبه ، ومن هنا يحجب ابن العمّ ـ وإن نزل وبعد بهذا الاعتبار (١) ـ عمّ الأب ، لكونه في الانتهاء إلى العمود أقرب منه إليه (٢) ، فلا جرم يكون الحواشي ـ أيضا ـ باعتبار التفرّع عن الأصول مسبوقة ـ كالفروع ـ بالعدم لا محالة ، ويجري الأصل في إحراز استمرار عدمها ، ويترتّب عليه وراثة من يشكّ مشاركة المشكوك أو حجبه له ، وإن كان الشكّ في اخوّته له ـ مثلا ـ بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا الشكّ أصلا ـ حذو ما سمعته في الفروع ـ ، وعلى هذا يستقيم إلحاقهم للخناثى (٣) إذا نقصن عن الأربع بالأخوات في عدم‌

__________________

(١) أي : باعتبار النزول كابن ابن العمّ ، وهكذا نازلا.

(٢) فإنّ ابن العمّ ـ فنازلا ـ يجتمع مع الميّت في جدّة الأدنى ، إمّا عمّ الأب فيجتمع معه في جدّة الأعلى ، وبما أنّ الأوّل أقرب في الانتهاء إلى الأصول حجب الثاني وورث دونه ، وهذا شاهد على أنّ المحقّق لحواشي النسب هو التولّد من الأصول ، وأنّ العبرة في وراثتهم ـ مع التعدّد ـ هو الأقربيّة بهذا الاعتبار ، وإن بعد باعتبار التفرّع والنزول.

(٣) فإنّهنّ إن كنّ أربعا حجبن الامّ عن الثلث قطعا ، إذ لا أقلّ من كونهنّ جميعا إناثا ، والأخوات الأربع يحجبنها عنه ، أمّا إذا نقصن عن الأربع ـ كالثنتين والثلاث ـ فلا حجب لترتّب وراثتها للثلث على أن لا يكون للميّت أخوان ، أو أخ واختان ، وهو محرز بالأصل ، لا على أن لا يكون المشكوك أخا له غير الممكن إحرازه به.


حجب الامّ عن الثلث ، دون الإخوة ، إذ لا ترتّب لوراثتها له إلاّ على انتفاء الاخوّة ، لا على عدم اخوّة المشكوك ، فيجري الأصل في إحراز انتفائها ، ولا حاجة إلى إحراز حال الخناثى (١) ـ كما قد عرفت.

نعم لا يجري ذلك فيما إذا شكّ في الأصول ، ضرورة أنّ مقتضى الأصل فيها (٢) هو بعكس ما مرّ في الفروع والحواشي ، لكن لا يخفى أنّ أصالة بقاء الأب ـ مثلا ـ وإن كان مانعا عن الحكم بوراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له ، لكنّه لا يجدي في وراثة مشكوك الأبوّة ـ أصلا ـ ، بل يحكم بعدم وراثته من الميّت بأصالة عدم أبوّته له ، نظرا إلى أنّ حقيقة النسب ومنشأ انتزاع هذا العنوان وإن كان من الإضافات القائمة بطرفيها ، فإذا أضيفت إلى الأصول كانت توليدا ينتزع عنه عنوان الأبوّة ، أو إلى الفروع فتولّدا ينتزع عنه عنوان البنوّة ، لكن حيث لا خفاء في مباينة الجهة القائمة بأحد الطرفين للأخرى (٣) ، وجريان كلّ منهما لموضوعها مجرى‌

__________________

(١) أي : من حيث الذكورة والأنوثة.

(٢) مرّ آنفا بيان ما يقتضيه الأصل فيها ويترتّب عليه.

(٣) فجهة التوليد قائمة بالأب وعرض له ، وجهة التولّد قائمة بالابن ومن إعراضه ، فهما متباينتان ـ ذاتا ـ وإن تلازمتا ـ خارجا ـ ، فيكفي في الحكم بوراثة كلّ من الطرفين من الآخر إحراز الجهة القائمة بالوارث ـ وإن لم تحرز الأخرى ـ ، وبما أنّ توليد مشكوك الأبوّة للميّت أمر‌


عرض مستقلّ لموضوع كذلك ، فلا خفاء حينئذ في انسلاب الجهة الأولى عن الأصول بعد تقرّرها وعند انعدام الفروع ، وإن لم تكن الأخرى لمكان عدم تقرّر موضوعها كذلك (١). وبعد وضوح أنّ وراثة كلّ واحد من طرفي عمود النسب عن الآخر إنّما تترتّب * على الجهة القائمة به بلا دخل لما يقوم منها بالآخر وينتزع عنه العنوان الآخر في ذلك (٢) وإن كان ملازما له وموضوعا لوراثته‌

__________________

حادث مسبوق بالعدم النعتي ، إذ كان في زمان موجودا ولم يكن أبا له فيستصحب عدمه ويترتّب عليه عدم وراثته منه ، وإن كان الشك في بنوّة الميّت له بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا الشك.

وبهذا يفترق هذا المورد عن الموارد السابقة ، إذ قد عرفت أنّه ليس لانتفاء بنوّة المشكوك ، أو اخوّته ، أو عمومته للميت حالة سابقة ليستصحب ، ويترتّب عليه عدم وراثته منه ، وهذا بخلاف الأبوّة ، فإن انتفاء أبوته له مسبوق بالتحقق فيستصحب.

(١) المقصود بالعبارة بيان الفارق بين الأبوّة القائمة بالأب ، والبنوّة القائمة بالابن ، من حيث سبق العدم النعتي في الأوّل دون الثاني ، فإنّه كان للأب تقرّر في زمان منسلبا عنه أبوّته للميت ، ويشكّ في بقاء عدم أبوّته له فيستصحب ، أمّا الابن فلم يكن له تقرّر كذلك ، بل وجد إمّا ابنا له أو لا ، فلا مجال فيه للاستصحاب.

(٢) أي : بلا دخل للجهة القائمة بالآخر والمنتزع عنها العنوان الآخر في وراثة الأوّل.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يترتّب ) والصحيح ما أثبتناه.


منه (١) ـ فأصالة عدم توليد مشكوك الأبوّة للميّت يكفي في عدم وراثته منه (٢) وإن كان الشكّ في بنوّته له ـ بعد ـ بحاله ، ولا حاجة إلى علاج هذا الشّك ـ أصلا ـ ، بل لو انعكس الأمر في مجرى الأصل (٣) لم يجد إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت ، هذا.

ولمانع أن يمنع عن جريان أصالة عدم الأبوّة ـ أيضا ـ بالمعنى المجدي في عدم الوراثة ، بدعوى أنّ النسب (٤) ـ لكونه من الأعراض القائمة بموضوعين ـ فالمسلوب عن الأصول عند انعدام الفروع ليس هو بهذا المعنى المضاف إلى الطرفين ، وإنّما هو الأبوّة‌

__________________

(١) أي : وإن كانت الجهة الثانية ملازمة للأولى خارجا وموضوعا لوراثة من تقوم به ممّن تقوم به الاولى.

(٢) مرّ بيانه آنفا ، وكذا ما بعده.

(٣) بأن فرض جريان أصالة عدم بنوّة الميت لمشكوك الأبوّة دون أصالة عدم أبوّته للميت ، فإنّه لا يجدي في إحراز عدم أبوته له ليترتّب عليه عدم وراثته منه إلاّ على الأصل المثبت.

(٤) محصّل المناقشة : أنّ النسب عرض من مقولة الإضافة قائم بطرفين ، بحيث يكون القيام بهما معا دخيلا في حقيقته مأخوذا في مفهومه ، فلا تحقّق لابوّة شخص لآخر إلاّ عند تحقّق بنوّة الآخر له ، ولا ينتفي الأوّل إلاّ لدى انتفاء الثاني ، وعلى هذا فأصالة عدم أبوّة المشكوك للميّت لا يحرز بها إلاّ نفي الأبوّة القائمة بطرف واحد ، ولا يحرز بها نفي الأبوّة بمعناها القائم بطرفين والذي هو الموضوع للأثر الشرعي ـ حسب الفرض ـ ، إلاّ إذا أحرز عدم بنوّة الميّت له ، ولا مجال لإحرازه بالأصل ، لما مرّ من انتفاء حالته السابقة.


والتوليد بالمعنى الغير المتكرّر والقائم بطرف واحد ـ كما لا يخفى ـ ، ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فغاية ما يترتّب من الأثر عليها هو عدم وراثته عن الميّت ، ولا تجدي في وراثة من يشكّ مشاركته أو حجبه له إلاّ بمعونة أمر آخر (١).

ولقد أطلنا الكلام في تشخيص الضابط في جريان الأصل لإحراز القيود الوجوديّة والعدميّة ، وتميّز موارده ، حيث لم نقف له على تحرير في كلماتهم ، ولم نجد بدّا منه ، والكلام يجرّ الكلام ، والحديث شجون (٢). ولنرجع إلى ما كنّا فيه.

فنقول : بعد ما تبيّن من عدم صحة التعويل في إحراز ما يراد إحرازه من القيد العدميّ ـ في محلّ البحث وأشباهه ـ باستصحاب العدم السابق على وجود الموضوع ، وتوقّفه (٣) على سبق تحقّقه‌

__________________

(١) المراد بالأمر الآخر ما مرّ من إثبات ملازم المستصحب به ـ المبنيّ على حجيّة الأصل المثبت ـ ، وذلك بأن يستصحب عدم أبوّة المشكوك لإحراز عدم وجود الأب الملازم له ، وترتيب أثره عليه.

(٢) الظاهر ( ذو شجون ) ، مثل معروف ، أي ذو فنون متشعّبة تأخذ منه في طرف فلا تلبث حتى تكون في آخر ، ويعرض لك منه ما لم تكن تقصده.

(٣) أي : توقّف إحراز القيد العدمي النعتي المذكور بالاستصحاب على سبق تحقّقه في موضوعه المعتبر تحقّقه فيه بعد تقرّره ـ أي الموضوع ـ ووجوده ، لما حقّق ـ مستوفى ـ من أنّه لا تحقّق للعدم النعتي سابقا على وجود موضوعه.


فيما اعتبر تحقّقه فيه بعد تعيّنه وتقرّره المساوق لوجوده ـ حسبما استوفينا الكلام فيه ـ ، فلا يخلو الأمر في التقييد المستتبع لمانعيّة أجزاء غير المأكول من أن يرجع :

إمّا إلى اعتبار (١) أن لا يكون المصلّي في ظرف فعل الصلاة متلبّسا بها ، أو مصاحبا لها ، ونحو ذلك من الاعتبارات والعناوين اللاحقة للفاعل ، فيكون سبق تحقّقه فيه (٢) عند عدم تلبّسه بالمشكوك ـ مثلا ـ ، أو عدم تلطّخ بدنه به ونحو ذلك كافيا في جريان الأصل لإحرازه عند فعل الصلاة ـ كما في الطهارة وغيرها من القيود الراجعة إلى اعتبار وصف في الفاعل ، حسبما تقدّم الكلام فيه.

__________________

(١) تقدّم في أوائل المقام الثالث انقسام القيود المعتبرة في مثل الصلاة إلى أقسام ثلاثة ، وأنّه إمّا قيد للمصلّي في ظرف الصلاة ، أو قيد لما يصلّى فيه أو عليه ، أو قيد للصلاة نفسها. وتعرّض 1 هنا لحال خصوص القيديّة المستتبعة لمانعيّة غير المأكول ، وتحقيق حالها من حيث جريان الاستصحاب فيها وعدمه على تقدير اندراجها في كلّ من الأقسام الثلاثة المزبورة.

(٢) يعني : يكفي في جريان الاستصحاب ـ على هذا التقدير ـ سبق تحقّق عنوان عدم كون المصلّي متلبّسا بغير المأكول ، أو عدم كونه متلطّخا به حينما لم يكن متلبّسا بالمشكوك ، فيستصحب إلى ما بعد تلبّسه به.

وبعبارة واضحة : كان قبل تلبّسه بالمشكوك غير متلبّس بغير المأكول قطعا ، ويشكّ في بقائه على هذه الصفة بعد تلبّسه بالمشكوك ودخوله في الصلاة ، فيستصحب ويحرز به تحقّق القيد حال الصلاة.


أو إلى اعتبار أن لا يكون اللباس ونحوه متّخذا منها ، ولا مشتملا عليها ، كي يرجع إلى ما اعتبر فيه (١) ، ويتّجه التفصيل في جريان الأصل الموضوعي ـ حينئذ ـ بين أن يكون المشتبه هو نفس اللباس ـ مثلا ـ ، أو يكون هو من عوارضه (٢) الموجبة لخروجه عمّا كان عليه من عدم الاشتمال والتلطّخ بأجزاء غير المأكول ، نظرا إلى انتفاء الحالة السابقة في الاولى ، وتحقّقها في الثانية (٣) فيكفي استصحاب حال اللباس ـ حينئذ ـ في إحراز القيد ، ولا يلتفت (٤)

__________________

(١) أي : يرجع التقييد المبحوث عنه ـ على هذا التقدير ـ إلى ما يعتبر في اللباس.

(٢) فلا يجري الأصل في الأوّل ، ويجري في الثاني.

(٣) أمّا انتفاؤها في الأولى فلأنه ليس هناك زمان كان اللباس ولم يكن من أجزاء غير المأكول ، ليستصحب بقاؤه على هذه الصفة ، بل هو وجد إمّا من هذه الأجزاء أو من غيرها. وأمّا تحققها في الثانية فلأنّ اللباس كان في زمان ولم يكن مشتملا على أجزاء غير المأكول ، ولا متلطّخا بها ، فيستصحب هذا العدم النعتي.

(٤) يعني أنّه في الصورة الثانية يجري الاستصحاب المنقّح لحال اللباس من حيث عدم اشتماله على غير المأكول ، ويكفي ذلك في إحراز القيد والحكم بصحّة الصلاة ، ولا يلتفت إلى نفس المشتبه الذي يشتمل عليه اللباس ، ولا حاجة إلى علاج الشكّ فيه كي يقال إنّه لا سبيل إلى علاجه لانتفاء الحالة السابقة فيه ـ كاللباس نفسه في الصورة الاولى ـ ، وذلك لعدم كونه مصداقا آخر لما اعتبر فيه القيد العدمي في عرض اللباس ليجب إحراز حاله ، فإنّ المعتبر في الصلاة أن لا يكون لباسها متّخذا من‌


إلى ما عليه من المشتبه ، لعدم كونه مصداقا آخر لما اعتبر فيه ذلك في عرض اللباس ، كي يلزم إحراز حاله ورفع الشبهة عنه ، وإنّما يجري ـ من غير جهة كونه مغيّرا لحال اللباس (١) ـ مجرى سائر أنحاء المحمول ـ الذي بناء هذا القول على عدم مانعيّته.

أو رجوعه إلى اعتبار عدم تخصّص نفس الصلاة بخصوصيّة الوقوع في أجزاء غير المأكول ، ومانعيّتها بما هي لاحقة لها ، فلا يكون القيد ـ حينئذ ـ مسبوقا بالتحقّق عند وقوعها في المشكوك من أوّل الشروع (٢) وكون المشكوك بحيث يصدق معه عنوان الصلاة فيه (٣) ،

__________________

غير المأكول ، أو مشتملا عليه ، ولا يعتبر فيها أن لا يكون ما يشتمل عليه لباسها من غير المأكول ، فتدبّر.

(١) يعني : يجري ما على اللباس من المشتبه ـ من غير جهة كونه مغيّرا لحال اللباس ، ومؤثرا فيه بإعطائه صفة الاشتمال عليه ـ مجرى المحمول في الصلاة.

وبعبارة واضحة : إنّ فيه حيثيّتين : حيثيّة ذاته وهو بهذا الاعتبار محمول في الصلاة ، وبناء قائل هذا القول ـ التفصيل ـ على عدم مانعيّة غير المأكول منه ، وحيثيّة إحداثه وصفا في اللباس بصيرورته مشتملا عليه ، وقد عرفت أن الاستصحاب يكفي لإحرازه.

(٢) يعني : إذا وقعت الصلاة من أوّل الشروع فيها في المشكوك فليس هناك زمان كانت الصلاة ولم تكن واقعة في أجزاء غير المأكول لتستصحب ، بل هي وجدت إمّا واقعة فيها أو غير واقعة.

(٣) أي : مع فرض كون نسبة المشكوك إلى الصلاة نسبة الظرف إلى‌


لا كبعض أقسام المحمول الذي لا بأس بالمعلوم منه.

وإذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ الظاهر (١) النواهي الغيريّة عن إيقاع (٢) الصلاة في غير المأكول ، وغيرها ممّا حكم فيه على الصلاة المتخصّصة بالخصوصيّة المذكورة بالفساد تارة ، وعدم الجواز اخرى ، والحرمة ثالثة إنّما هو مانعيّتها بما هي من الخصوصيّات اللاحقة لنفس الصلاة دون المصلّي ـ مثلا ـ أو ما يصلّي فيه ، واستنادها إلى المصلّي أو ما تقع * هي فيه (٣) لا يوجب صرف الأدلّة عن ظواهرها وإرجاع القيد إلى النعوت والعناوين اللاحقة بأحدهما ـ كما لا يخفى.

وأمّا الوجهان الأوّلان : فالأوّل منهما وإن عمّ نفعه في جريان‌

__________________

المظروف ـ ولو الظرفية التوسّعيّة حسبما مرّ في أوائل الرسالة ـ ، ليصدق معه عنوان الصلاة فيه ، لا كبعض أقسام المحمول الذي لا يصدق معه ذلك بل مجرّد المصاحبة للمصلّي ـ كالحقّة المعلّقة غير المتحرّكة بحركات الركوع والسجود ـ ، فإنّه لا بأس بالمعلوم منه في الصلاة فضلا عن المشتبه.

(١) محصله استظهار ثالث الوجوه الذي لا مجرى معه للأصل مطلقا.

(٢) متعلّق بالنواهي ، ومقتضى تعلقها به كونه هو المانع وإلاّ لتعلّقت بكون لباسه متخذا منه حال الصلاة أو بكون المصلّي لابسا له حالها.

(٣) يعني : أنّ استناد تخصّص الصلاة بالخصوصية المذكورة إلى المصلّي باعتبار صدورها منه ، أو إلى اللباس الذي تقع فيه الصلاة باعتبار كونها صفة له لا يوجب صرف ظهور الأدلّة في اعتبارها في الصلاة نفسها.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يقع ) والصحيح ما أثبتناه.


الأصل لإحراز القيد في جميع صور الشكّ (١) ، لكنّا لم نقف له على عين ولا أثر لا في أخبار الباب ، ولا في كلمات الأصحاب ، فلا سبيل ـ حينئذ ـ إلى البناء عليه ، وصرف الأدلّة عن ظواهرها إليه.

والثاني أيضا وإن ذهب إليه غير واحد ، وعليه بنى التفصيل في جواز الصلاة في المشتبه بين الصورتين (٢) ـ كما تقدّم ذكره عند نقل الأقوال (٣) ـ ، نظرا إلى جريان الأصل الموضوعي في إحداهما ، وعدمه في الأخرى ، لكن لا يخفى خلوّ أدلّة الباب عمّا يصلح سندا له ، لانحصاره (٤) ـ فيما عثرنا عليه ـ فيما رواه سماعة (٥) عن أبي عبد الله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ « ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » ، ومثله في رواية ريّان بن الصلت (٦) عن أبي الحسن الرضا‌

__________________

(١) سواء كان المشتبه نفس اللباس ، أم كان من عوارضه.

(٢) المذكورتين آنفا ، وقد مرّ ذكر الوجه في جريان الأصل الموضوعي في الثانية دون الاولى.

(٣) في أوّل الرسالة ، فقد عدّ هذا قولا ثالثا في المسألة.

(٤) أي : انحصار ما يصلح سندا له.

(٥) رواه المشايخ الثلاثة عنه بأسانيد معتبرة ، ومتنه في رواية الكليني ; هكذا : سئل أبو عبد الله 7 عن جلود السباع ، فقال : « اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه ». وفي رواية الصدوق والشيخ رحمهما الله عنه 7 ـ في حديث ـ قال : « وأمّا الجلود ـ أي جلود السباع ـ فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيه » ، رواها في الوسائل في الخامس من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ و ٤.

(٦) رواها الشيخ 1 بسند معتبر عنه ، قال : سألت أبا الحسن الرضا 7


ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ ، وهو ـ أيضا ـ غير صالح لذلك ، فإنّ النهي الغيريّ (١) الظاهر في مانعيّة متعلّقه وإن تعلّق فيه بعنوان اللبس إلاّ أنّ تعقّبه بقوله 7 « تصلّون فيه » يوجب صرف النهي عنه إليه من حيث ظهور مساقه في أنّه هو الذي يراد بالنهي انتفاؤه (٢) ـ كما نطقت به سائر أدلّة الباب ـ ، دون مجرّد التقييد لمتعلّق النهي ، كي يرجع مفاده ـ حينئذ ـ إلى أنّ ما يراد انتفاؤه إنّما هو اللبس عند فعل الصلاة ، وإلاّ لزم خلوّ الظرف عن الفائدة ـ كما لا يخفى.

ولو سلّم تكافؤ الاحتمالين فإمّا أن يحمل على ما ذكرنا ـ بقرينة سائر الأدلّة ـ ، أو يخرج ـ بمعارضتها ـ عن صلاحيّة التمسّك به (٣) ، ومع ذلك كلّه فحيث إنّه لا دلالة فيه على مانعيّة عوارض اللباس أصلا فلا انطباق له على المدّعى ، والتمسّك فيها‌

__________________

عن لبس فراء السمّور والسنجاب. إلى أن قال : فقال 7 : « لا بأس بهذا كلّه إلاّ بالثعالب » ، رواها في الوسائل في نفس الباب ـ الحديث ٢. والنهي فيها وإن تعلّق بمطلق اللبس ، لكنّه منصرف إلى اللبس حال الصلاة ، إذ لا ريب في جوازه في نفسه ـ تكليفا.

(١) هذه المناقشة تختصّ بموثقة سماعة ، ولا تجري في معتبرة الريّان.

(٢) فيكون المراد النهي عن الصلاة فيه ، لا عن لبسه حال الصلاة ، وإلاّ لزم خلوّ الظرف ( فيه ) عن الفائدة ، إذ لو أريد الثاني لقيل : لا تلبسوه وأنتم تصلّون.

(٣) أي : بمعارضته لسائر الأدلّة يخرج الموثّق عن صلاحيّة التمسّك به ، لأنّها أكثر منه عددا ، وأقوى دلالة ، فتقدّم عليه.


بسائر أدلّة الباب يفضي إلى هدم المبنى (١) ـ كما لا يخفى ـ ، هذا.

بل الظاهر أنّ توهّم رجوع القيد في محلّ البحث إلى اعتبار النعت في اللباس ـ كما هو مبنى هذا التفصيل ـ إنّما نشأ عن خلط في البين ، فإنّ الذي يظهر من التتبّع في كلمات الأصحاب وملاحظة استدلالاتهم إنّما هو استناد الخلاف الواقع بينهم ـ في قصر مانعيّة غير المأكول بما إذا كان خصوص اللباس متّخذا منها ، أو مشتملا عليها ، أو متلطخا بها ونحو ذلك ، أو تعميمها للمحمول أيضا إمّا مطلقا ، أو خصوص ما كان منه ملصقا بالثوب أو الجسد دون غيره ـ إلى الخلاف فيما يوجب صدق عنوان الصلاة فيه ، بعد الفراغ عن مانعيّة نفس ذلك العنوان (٢) ـ كما أطبقت عليه مفاد أدلّة الباب ـ ، لا إلى الخلاف في أنّه هل هو العنوان اللاحق للباس خاصّة كي يستقيم التمسّك‌

__________________

(١) لظهور سائر الأدلّة في اعتبار المانعيّة قيدا للصلاة نفسها بالنسبة إلى اللباس وعوارضه جميعا ، فتمسّك هذا القائل بها هدم لمبناه من أساسه.

(٢) أي : نفس عنوان الصلاة فيه ، ومحصّل الكلام : أن منشأ الخلاف المذكور هو الخلاف في أنّ عنوان الصلاة في غير المأكول ـ الذي هو العنوان المانع ـ هل يختصّ صدقه بما إذا كان اللباس أو عوارضه منه ، أو يعمّ المحمول الملصق بالثوب أو الجسد ، أو مطلق المحمول ، وليس المنشأ هو الخلاف في نفس عنوان المانع ، وأنّه هل هو كون اللباس متّخذا منه أو مشتملا عليه ، أو كون الأعمّ منه ومن المحمول كذلك. إذن فالعبرة إنما هي بعنوان الصلاة فيه ، فإنه المأخوذ عدمه في متعلّق التكليف ، وقد تقدّم أنّه لا مجال معه للتمسّك بالأصل الموضوعي.


بالأصل الموضوعيّ فيما إذا كان المشتبه من عوارض اللباس (١) ، أو للأعمّ منه ومن المحمول أيضا ـ بأحد الوجهين ـ كي ينسدّ باب إجراء الأصل ـ مطلقا ـ (٢) ، كيف وليس في أدلّة الباب من ذلك (٣) عين ولا أثر.

وبالجملة : فالشبهة المتنازع فيها من هذه الجهة إنّما هي فيما يوجب لحوق العنوان المذكور (٤) للصلاة بعد الفراغ عن مانعيّته وتقيّد المطلوب بعدمه ، لا في نفس عنوان المانع وتعيين ما أخذ نعتا فيه (٥) ـ كما هو مبنى التوهّم المذكور (٦).

وحينئذ فلا جدوى لاستصحاب حال اللباس في إحراز القيد ـ ولو على القول بدوران العنوان المذكور مدار اتّخاذ اللباس منها (٧)

__________________

(١) دون ما إذا كان هو نفس اللباس ـ كما مرّ.

(٢) فإن عوارض اللباس والمحمول أيضا ـ على هذا الوجه ـ قد اعتبر في الصلاة أن لا تكون بنفسها من غير المأكول ، ولا أصل موضوعيّ يحرز ذلك ، لانتفاء الحالة السابقة فيها ـ كما تقدّم.

(٣) أي : من كون المانع أمرا يدور بين كونه عنوانا لاحقا للباس أو للأعمّ منه ومن المحمول.

(٤) وهو عنوان الصلاة فيه.

(٥) أي : ما أخذ عنوان المانع نعتا فيه لاحقا له من اللباس خاصّة ، أو الأعمّ منه ومن المحمول.

(٦) أي : منشأ توهم رجوع القيد إلى أخذه نعتا في اللباس خاصة الذي هو مبنى التفصيل المتقدّم.

(٧) أي القول باختصاص ما يوجب لحوق العنوان المذكور ـ الصلاة في غير‌


مثلا ، أو اشتماله عليها ، أو تلطّخه بها ونحو ذلك (١) ـ ، إذ أقصى ما يقتضيه ذلك إنّما هو توسّط تلك العناوين وجودا وعدما في تحقّق عنوان المانع أو انتفائه ، لا مانعيّتها بنفسها وتقيّد المطلوب بعدمها كي يرجع إجراء الأصل في إحراز انتفائها إلى إحراز بعض متعلّق التكليف بالأصل.

وبالجملة : فليس الأصول الجارية باعتبار سبق حال اللباس حينئذ إلاّ كالأصول الجارية باعتبار سبق حال المصلّي ، وكما أنّه لا جدوى لشي‌ء منها (٢) في إحراز عدم تخصّص نفس الصلاة بالخصوصيّة المذكورة إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت ، فكذلك الحال في الأصول المحرزة لحال اللباس أيضا ، اللهمّ إلاّ أن يتشبّث بذيل دعوى خفاء الواسطة ـ الممنوعة عندنا من‌

__________________

المأكول ـ للصلاة بكون اللباس متّخذا منه أو مشتملا عليه ، وعدم عمومه للمحمول.

(١) محصّل المرام : أنّ مقتضى ما ذكرناه من تعلّق التكليف العدميّ بوقوع الصلاة في غير المأكول هو سقوط الاستصحاب في المقام ـ حتى بناء على اختصاص موجبه بكون اللباس متخذا منه أو مشتملا عليه أو متلطّخا به ـ ، إذ لا حالة سابقة لعدم وقوع الصلاة فيه ، أمّا عدم اشتمال اللباس عليه أو عدم تلطّخه به فهو وإن كانت له حالة سابقة ـ كما مرّ ـ إلاّ أنّه ليس بنفسه مأخوذا في متعلّق التكليف ليجدي الاستصحاب لإحرازه ، وإنّما هو ملازم للمتعلّق وعلّة لتحقّقه وموجب له ، ولا يصلح الاستصحاب لإثبات مثله إلاّ على القول بحجيّة الأصل المثبت.

(٢) أي : من الأصول الجارية باعتبار حال المصلّي.


أصلها * كما حرّر في محلّه ـ في إحدى الطائفتين دون الأخرى (١) ، لكن لا يخفى ما فيها من الجزافيّة والتحكّم (٢).

ومن ذلك فقد ظهر أنّ مبنى التفصيل في جواز الصلاة في المشتبه وعدمه بين أن يكون هو نفس اللباس أو ما عليه (٣) ـ كما هو أحد أقوال المسألة ـ في غاية الضعف والسقوط.

وأضعف منه التمسّك للتفصيل الآخر (٤) ـ الذي قد عرفت أنّه لا مناص عن الالتزام به (٥) بناء على شرطيّة المأكوليّة وتقييد الاشتراط بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ـ بأصالة عدم كونه‌

__________________

(١) المراد بالأولى هي الأصول الجارية باعتبار سبق حال اللباس ، وبالأخرى الأصول الجارية باعتبار سبق حال المصلّي.

(٢) فإنّ خفاء الواسطة متحقّق في الطائفتين ، فإن كان مجديا ففيهما ، وإلاّ فكذلك ، فلا وجه للتفرقة بينهما.

(٣) لا يخفى أنّ هناك مبنى آخر للتفصيل المذكور ـ اختاره صاحب الجواهر 1 ، وتقدّم نقله سابقا ـ وهو التفصيل بين اللباس وما عليه ، بالبناء على الشرطيّة في الأوّل والمانعيّة في الثاني ، فإنّ مقتضاه المنع في المشتبه من اللباس والجواز في غيره.

(٤) وهو التفصيل بين ما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان وشكّ في مأكوليّته ، وبين ما إذا لم يعلم ذلك وكانت النباتية محتملة ، بالمنع في الأوّل والجواز في الثاني ، وقد تقدّم في أوّل الرسالة عدّ هذا رابع الأقوال في المسألة.

(٥) أي : بهذا التفصيل ، وقد عرفت ذلك في ذيل البحث الصغرويّ للمقام الأوّل المتقدم ، كما عرفت هناك تقريبه ، وسنشير إليه في التعليق الآتي.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( أصله ) والصحيح ما أثبتناه.


منها (١) ، لا بما تقدّم منّا في تقريبه (٢) ، فإنّه وإن كان مؤدّى الأصل ذا أثر شرعيّ ـ على هذا المبنى الفاسد من أصله ـ ، لدوران شرطيّة المأكوليّة حينئذ مدار كونه من أجزاء الحيوان (٣) ، وجريانه بالنسبة إلى منشأ انتزاعها مجرى شرط الوجوب (٤) ـ كما تقدّم ـ ، لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يمكن إحرازه من انتفاء الخصوصيّة العرضيّة باستصحاب عدمها السابق على وجود موضوعها إنّما هو عدمها المقارن ، لا على وجه النعتيّة له ، فلا مجال لإحراز عدم كونه من‌

__________________

(١) أي : عدم كون اللباس من أجزاء الحيوان ، والظرف متعلّق بالتمسّك.

(٢) يعني : أنّ الضعف إنّما هو في التمسّك لهذا التفصيل باستصحاب العدم ، لا بما تقدّم منّا فإنّه لا ضعف فيه ـ بناء على هذا المبنى ـ ، بل لا مناص عليه من الالتزام بموجبه بالتفصيل المذكور. والذي تقدّم في الموضع المشار إليه هو أنّه بناء على اختصاص شرطية المأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا فمع العلم بالحيوانية يجب إحراز المأكولية ، ومع الشك فيها يشكّ في شرطية المأكولية ، ويتردّد أمر الواجب من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وهو مجرى أصالة البراءة.

(٣) فباستصحاب عدم كون اللباس من أجزاء الحيوان يحرز انتفاء موضوع الشرطية ، فتنتفي الشرطية لا محالة ، وهذا أثر شرعيّ مترتب على الاستصحاب المذكور ـ لو تمّت أركانه ـ ، لكنّها لا تكاد تتمّ لما سيشير 1 إليه ـ وتقدّم في نظائره ـ من انتفاء الحالة السابقة.

(٤) أي : جريان كونه من أجزاء الحيوان بالنسبة إلى منشأ انتزاع شرطية المأكولية مجرى شرط الوجوب ـ الذي بانتفائه ينتفي الوجوب ، ـ وقد تقدّم بيانه في ذيل البحث الصغرويّ المذكور.


أجزاء الحيوان بالأصل (١) كي يترتّب عليه عدم دخل وصف المأكوليّة فيه ، هذا.

وقد سلك بعض الأعلام (٢) في تزييف التمسّك بهذا الأصل (٣) بعكس ما سلكناه (٤) ، فأشكل فيه بعدم ترتّب الأثر ، وسلّم التماميّة من جهة الحالة السابقة.

قال في رسالته المعمولة في هذه المسألة ـ بعد تقريب التمسّك بالأصل المذكور ـ : ( وهذا (٥) نظير الرجوع إلى الأصل في كلّ حادث‌

__________________

(١) إذ ليس هناك زمان كان اللباس ولم يكن من أجزاء الحيوان ، ليستصحب ويترتّب عليه عدم اشتراط مأكوليته.

(٢) هو الفاضل الآشتياني 1 في رسالته ( إزاحة الشكوك : ١١٣ ).

(٣) المراد التمسّك به في أصل المسألة.

(٤) فإنّا إنّما منعنا عنه من جهة انتفاء الحالة السابقة ، لا لانتفاء الأثر الشرعي ، وهو 1 جرى على العكس من ذلك ـ كما ستعرف.

(٥) مرجع الإشارة هو ما ذكره قبل هذا في تقريب الأصل المذكور ، قال : ( وأمّا الثاني ـ يريد به ما إذا لم يعلم أنّه مأخوذ من الحيوان أو من غيره ـ فيمكن القول فيه بالجواز ، نظرا إلى الرجوع إلى الأصل الموضوعيّ ، لأنّ صنعه من الحيوان مشكوك فيدفع بالأصل ، ولا نريد به إثبات كونه من غير الحيوان حتى يعارض بالمثل ، مضافا إلى كونه أصلا مثبتا ) ، فقال متصلا : وهذا نظير الرجوع. إلى آخر ما في المتن ، والمراد أنّ المقام من صغريات ما إذا علم إجمالا بحدوث أحد أمرين يترتب الأثر على أحدهما خاصّة دون الآخر ، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد شيئين وأحدهما بعينه خارج عن محلّ الابتلاء ، وكواجدي المني في الثوب‌


معلوم إجمالا تردّد أمره بين حادثين يترتّب الأثر الشرعيّ على عدم أحدهما بالخصوص دون الآخر ، ومن هنا يرجع إلى الأصل في النسب (١) في باب الميراث والخمس وغيرهما من الأبواب. إلى أن قال : لكنّ الإنصاف عدم خلوّ المذكور عن الإشكال ، لا من جهة ما ذكر في حكم الحادث المردّد فإنّه ليس من محلّ الإشكال في شي‌ء ، بل من جهة الإشكال في كون الفرض من مصاديقه وجزئيّاته (٢) كما‌

__________________

المشترك ، حيث يجري استصحاب عدم النجاسة أو الجنابة في أحدهما خاصة ، ولا يعارضه استصحاب العدم بالنسبة إلى الآخر لعدم الأثر ، وفي المقام يعلم إجمالا أنّ اللباس إمّا متّخذ من الحيوان غير المأكول أو المأكول أو من غير الحيوان ، والأثر الشرعي إنّما يترتّب على اتخاذه من الأوّل خاصة ، فيجري أصالة عدمه بلا معارض. وعلى هذا التقريب فهو 1 لم يشكل في هذا الأصل بعدم ترتّب الأثر ـ كما وقع في المتن ـ وإنّما نفى ترتب الأثر على أحد الأصلين دون الآخر ـ حذو ما عرفت.

(١) إذ يدور أمر المشكوك نسبه بين كونه ابنا للميت مثلا أو عدمه ، فيجري أصالة عدمه. هذا ، لكنّه كما ترى ليس من الدوران بين حادثين ، بل بين حدوث أمر وعدمه ، إلاّ إذا ارجع إلى الدوران بين كونه ابنا له أو ابنا لغيره ، واختصّ الأثر الشرعيّ بالأوّل ، فيدفع بالأصل من دون معارض.

(٢) لعلّ وجه الإشكال في مصداقية الفرض لتلك الكبرى هو المناقشة في جريان الاستصحاب فيه من جهة انتفاء الحالة السابقة للعدم النعتيّ ، ويشهد بذلك قوله في العبارة الآتية : ( وإن جعل مصداق المانع فيتوجّه‌


في باب النسب (١) فإنّه لا إشكال فيه أصلا ، ومن هنا اتّفقوا على أنّ السيادة على خلاف الأصل ، فافهم واغتنم ) انتهى ما أردنا نقله.

وأنت إذا أحطت خبرا بما قدّمنا عرفت ما فيه من وجوه الفساد (٢) ، والعجب أنّه ـ مع شدّة إصراره في هذا المقام بنفي الإشكال عمّا أفاده في حكم الحادث المردّد ، حتى تخيّل أنّه ممّا ينبغي أن يفهم ويغتنم ـ لم يعبأ به في محلّ البحث أصلا (٣) ، وقد أنكره غاية الإنكار في ردّ من بنى على جريان أصالة عدم المانع في المقام بناء على المانعيّة ، فقال (٤) ما حاصله : ( إنّ مجرى الأصل إن جعل عنوان المانع ومفهومه فيتوجّه عليه أنّ إثبات عدم مفهوم المانع بالأصل لا يجدي في إثبات كون اللباس متّصفا بعدم المانع ، إلاّ على القول باعتبار الأصول المثبتة ، إذ الأصل في المتّصف لا‌

__________________

عليه عدم الحالة السابقة للباس بالفرض ) ، وعليه فيكون وجه إشكاله 1 في المقام هو ما نراه بعينه ، فلاحظ.

(١) تمثيل لكون المورد من مصاديقه ، أي : كما يكون باب النسب من مصاديقه بغير إشكال.

(٢) منها تسليمه تماميّة الأصل في محلّ الكلام من جهة الحالة السابقة ـ بناء على إرادته 1 ذلك ، وقد عرفت المناقشة فيه آنفا ـ ، ومنها تسليمه جريانه بقول مطلق في باب النسب ونفيه الإشكال في هذا الباب.

(٣) أقول : قد أشار هو 1 ـ كما سمعت ـ إلى الإشكال في كون الفرض من مصاديقه ، وعليه فلا تدافع.

(٤) إزاحة الشكوك : ١٠٤.


يثبت اتّصاف المحلّ بالوصف المشكوك ، وإن جعل مصداق المانع فيتوجّه عليه عدم الحالة السابقة للباس بالفرض ، فالفرق بين الشرط والمانع في أمثال المقام لا معنى له أصلا ) انتهى ملخّصا.

وهو ـ مع الغضّ عن أنّه لا محصّل للشقّ الأوّل من الترديد (١) ـ حسن (٢) لو لا ما صنعه من إرجاع القيد إلى أوصاف اللباس (٣) ، وكيف كان فبين ما أفاده في المقامين من التدافع والتهافت ما لا يخفى (٤).

هذا كلّه إذا كان الشكّ حاصلا من أوّل الشروع ، وقد عرفت أنّه لا مجال للتشبّث بالأصل الموضوعيّ أصلا.

أمّا إذا طرأ في الأثناء فيبتني جريان الأصل في إحراز القيد‌

__________________

(١) وهو جعل مجرى الأصل عنوان المانع ومفهومه ، إذ لا معنى لاستصحاب عدم المفهوم.

أقول : لا يبعد أن يكون هذا من ضيق التعبير ، والمراد عدم المانع على نحو العدم المقارن ، في قبال الشق الثاني المراد به العدم النعتيّ ، ويؤيّده تعبيره 1 عنه بـ ( الأصل في المتّصف ) الذي سبقه شيخنا الأعظم 1 في التعبير عنه فيما تقدّم نقله من فرائده من قوله : ( فإنّ استصحاب وجود المتصف أو عدمه لا يثبت كون المحلّ موردا لذلك الوصف العنواني ).

(٢) حيث منع من جريان الأصل في الشقّ الثاني ، نظرا إلى انتفاء الحالة السابقة.

(٣) لما عرفت من عدم تماميّته بحسب الأدلّة ، وأنّ مقتضاها رجوعه إلى الصلاة نفسها.

(٤) لكنّه بناء على ما احتملناه في وجه إشكاله 1 ـ في عبارته الاولى ـ على جريان الأصل في محلّ الكلام فلا تدافع بين العبارتين.


باعتبار سبق التحقّق في الأجزاء السابقة على ما تقدّم من الوجهين في ذلك (١) ، وقد عرفت أنّ المختار عندنا هو عدم الجدوى لسبق تحقّقه عند افتتاح الصلاة في إحراز بقائه بالأصل ، لتعدّد متعلّق الشكّ واليقين ـ حسبما أوضحناه.

وهذا آخر ما أردنا تحريره في أصل المسألة.

ولنختم الكلام بالتنبيه على أمور : ـ

الأوّل : إنّ المبحوث عنه فيما تقدّم إنّما هو مع رجوع الشبهة إلى مانعيّة الموجود ـ كأن يشتبه الثوب المعيّن الخارجيّ بين أن يكون من محرّم الأكل أو غيره.

أمّا إذا شكّ في أصل وجود المانع ـ كأن يشكّ في وقوع شي‌ء من أجزاء ما لا يؤكل عليه أو لصوقه به ونحو ذلك ـ فقد يقال : إنّه لا مانع عن الأصل الموضوعيّ (٢) حينئذ ، ولا محذور فيه أصلا.

وهو من الغرابة بمكان ، فإنّ المنع عن جريان أصالة عدم التلبّس‌

__________________

(١) تقدّم ذلك في أوائل الأمر الثاني ، وأحد الوجهين هو موضوعيّة الهيئة الاتصالية ـ القائمة بموادّ الأجزاء ، والحافظة لوحدتها الاعتباريّة ـ لما اعتبر فيها من القيود الوجودية والعدمية. والثاني ما اختاره 1 من موضوعية كلّ واحد من الأجزاء له في عرض الآخر. فعلى الأوّل يجري استصحاب بقاء القيد إذا سبق تحقّقه عند الافتتاح ، لاتحاد موضوع المستصحب الموجب لاتحاد متعلّق الشك واليقين ، ولا يجري على الثاني لتعدّد المتعلّق.

(٢) فيستصحب عدم وقوع ذلك الشي‌ء عليه ، أو عدم لصوقه به.


ـ مثلا ـ ، أو اللصوق أو الحمل أو غير ذلك فيما تقدّم (١) لم يكن مبنيّا على ما زعمه الفاضل السبزواري 1 من التفصيل في أصل جريان الاستصحاب بين الصورتين (٢) ، كي يوجّه به التفصيل في جريان الأصول المذكورة وعدم جريانها بين المقامين ، وإنّما هو لمكان عدم ترتّب الأثر الشرعيّ على المستصحبات المذكورة بنفسها ، ومثبتيّة الأصول المحرزة لها ـ كما قد عرفت ـ ، وهذا ممّا لا يعقل الفرق فيه بين أن يستند الشكّ في بقائها وارتفاعها إلى الشكّ في رافعيّة الموجود ، أو وجود الرافع (٣). ولو فرض ترتّب‌

__________________

(١) من موارد الشك في مانعية الموجود ، كالشك في ثوب ملبوس أو جزء ملصوق أنّه من محرّم الأكل أو لا.

ومحصّل الكلام : أنّا إذ منعنا عن جريان أصالة عدم تلبّس غير المأكول ، أو عدم لصوقه به فلم يكن ذلك من جهة كونه شكا في رافعية الموجود ، والاستصحاب يختصّ حجيّته بموارد الشك في وجود الرافع ـ كما هو المحكيّ عن الفاضل السبزواريّ 1 ـ ، وإنّما هو لمكان أنّ المستصحب المذكور ليس موضوعا أو متعلقا لحكم شرعي ، فإنّ المأخوذ في متعلّق التكليف الصلاتي هو عدم وقوع الصلاة في غير المأكول ، لا عدم تلبّس المصلّي به أو عدم لصوقه أو نحو ذلك ، واستصحاب شي‌ء منها لا يجدي في إثبات عدم الوقوع المذكور إلاّ بناء على الأصل المثبت.

(٢) هما الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود.

(٣) ففي موارد استناد الشك إلى وجود الرافع أيضا لا يترتب أثر على‌


أثر شرعيّ عليها ، إمّا بدعوى رجوع القيد إلى اعتبار انتفاء نفس تلك العناوين الراجعة إلى أوصاف المصلّي في ظرف فعل الصلاة (١) ، أو قيل بشرطيّة المأكوليّة وخصّ الاشتراط بصورة تلبّس المصلّي ـ مثلا ـ بأجزاء الحيوان (٢) ، لا كما صنعوه (٣) من تقييدها بما إذا كان اللباس منها ، اتّجه التمسّك بالأصول المذكورة على نمط واحد (٤) ـ كما لا يخفى.

وبالجملة : فكما قد عرفت في أصل المسألة ـ من أنّه لا مجال للرجوع إلى الأصول الموضوعيّة في علاج الشبهة أصلا ، بل لا بدّ فيه من الجري على ما يقتضيه البراءة أو الاشتغال ـ ، فكذلك الحال في المقام أيضا ـ حذو ما سمعت.

فالمهمّ حينئذ ـ بعد وضوح كون الشبهة في المقام بمعزل عن‌

__________________

استصحاب عدم التلبس أو اللصوق ، وإجراؤه لإحراز عدم وقوع الصلاة في غير المأكول مبنيّ على حجيّة الأصول المثبتة.

(١) بأن يدّعى تقيّد المتعلّق بعدم تلبّس المصلي أو عدم اللصوق به ونحوهما في ظرف الصلاة ، لترجع إلى خصوصيّة في المصلّي نفسه ، فإنّه ـ حينئذ ـ لا مانع من استصحاب عدم تلبسه أو اللصوق به ، ويترتب عليه الأثر المفروض.

(٢) فإنّه باستصحاب عدم تلبّسه بها ، أو عدم لصوقها به يحرز انتفاء موضوع الشرطيّة الذي هو بمنزلة شرط الوجوب لها.

(٣) أي : صنعه بعض القائلين بشرطية المأكولية ، إذ قيّدوها بكون اللباس من أجزاء الحيوان ، لا بتلبّس المصلّي بها.

(٤) بلا فرق بين الشك في الوجود أو الرافعية.


الاندراج في مجاري أصالة الحلّ (١) ـ إنّما هو البحث عن كونها ـ كسابقتها ـ مندرجة في مجاري البراءة ، أو أنّ بينهما فرقا في ذلك.

والتحقيق في ذلك : أنّ الشكّ في اللصوق ـ مثلا ـ ينشأ تارة عن الشك في أصل الوجود كما إذا شكّ في أنّه هل بال الخفّاش محاذيا للمصلّي ، بحيث لو بال وقع عليه قطعا ، وأخرى من جهة الشكّ في الوقوع واللصوق بعد العلم بالتحقّق الخارجيّ.

ولا خفاء في رجوع الشبهة في الصورة الأولى ـ باعتبار ترتّب قيديّة خاصّة على تحقّق كلّ واحد ممّا ينطبق على عنوان الموضوع في الخارج (٢) ، كما قد عرفت ـ إلى الشكّ في تقيّد المطلوب بقيد زائد على ما علم دخله فيه ، فيندرج في مجاري البراءة ـ كما تقدّم.

وهذا بخلاف الثانية ، فإنّه بعد العلم بتحقّق الموضوع في مورد الابتلاء يكون تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه معلوما ـ لا محالة ـ ، والشبهة راجعة إلى مرحلة تحقّق القيد (٣) المعلوم دخله في‌

__________________

(١) لأنّ الشك فيه إنّما هو في وجود المانع والحرام بالمعنى المتقدّم تحقيقه ـ أعني مطلق الممنوع الشرعيّ ، استقلاليا كان أم قيديا ـ ، والأدلة القائمة على أصالة الحلّ تختصّ بموارد تردّد الشي‌ء المعيّن الخارجيّ بين الحلال والحرام ـ كما هو الحال في موارد الشك في مانعية الموجود ـ ، ولا تشمل موارد الشك في أصل وجود الحرام ـ كما في المقام.

(٢) على نحو الانحلال كما تقدم بحثه مستوفى ، فيشك في أنّه هل قيّد المطلوب بقيد زائد مترتب على وجود بول الخفّاش مثلا ـ الملازم لوقوعه عليه ـ أو لا ، ومقتضى البراءة عدمه.

(٣) أي : تحققه الخارجيّ في مقام الامتثال وفراغ الذمّة.


المطلوب والخروج عن عهدة ما علم من التكليف ، فاللازم ـ حينئذ ـ هو الفحص والتثبّت وعدم الاكتفاء بمجرّد الاحتمال ـ كما هو الشأن فيما يرجع فيه الشبهة إلى مرحلة الخروج عن عهدة التكليف.

وفي لزوم تحصيل العلم بذلك ، أو كفاية الظنّ فيه مطلقا ، أو خصوص الاطمئنانيّ ـ البالغ احتمال خلافه من الوهم بحيث لا يعتني به العقلاء في مقاصدهم ـ وجوه : خيرها أخيرها.

وذلك بالنسبة إلى عدم جواز الاكتفاء بمطلق الظنّ ظاهر ، بعد عدم الدليل على حجيّته إلاّ في موارد خاصّة ـ كالقبلة أو عدد الركعات مثلا ـ ، ووضوح عدم جريان مقدّمات الانسداد ـ على تقدير إنتاجها لمطلق الظنّ ـ في هذه الصورة (١) ، وإن أمكن دعوى جريانها في الصورة الأولى على تقدير عدم الاندراج (٢) في مجاري البراءة ، لكثرة البلوى ، وندرة حصول العلم بالواقع فيها ، واستلزام الاحتياط للحرج الغالبيّ (٣) ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) متعلّق بـ ( جريان ) ، يعني : أنّ مقدمات الانسداد ـ على تقدير إنتاجها حجيّة مطلق الظن ـ غير جارية في هذه الصورة ، وسيظهر وجهه.

(٢) أي : عدم اندراج الصورة الأولى بأن فرض كون المرجع فيها أيضا ـ كالثانية ـ قاعدة الاشتغال.

(٣) ومعه يمكن دعوى تماميّة المقدمات ـ بناء على إنتاجها حجيّة مطلق الظن ـ في هذه الصورة ، ولا كذلك الصورة الثانية ، لقلّة مواردها ، فلا حرج يلزم من الاحتياط فيها.


وأمّا بالنسبة إلى كفاية الاطمئنان فلما تقرّر في محلّه من استقرار طريقة العقلاء على الاكتفاء به في إحراز مقاصدهم ، وإلغائهم ـ بفطرتهم ـ لاحتمال خلافه بالكلّية ، وجريهم عليه من حيث إحرازهم الواقع به ، وسقوطه عن الوسطيّة (١) عندهم ، لا كاقتفائهم في موارد جلب النفع أو دفع الضرر أثر الظنّ مثلا ، بل والاحتمال ، فإنّ إقدامهم فيهما إنّما هو على عنوان المظنون أو المحتمل ، دون الواقع ـ كما عند حصول الاطمئنان ـ ، ولذا يكتفون به (٢) في مقام الأمن من العطب والهلكة أيضا مع وضوح دوران الإقدام فيه مدار إحراز الواقع ، وبضميمة عدم الردع عنه (٣) في إحراز الأغراض الشرعيّة في غير ما اعتبر فيه خصوص البيّنة يتمّ المطلوب ، ولا يعتبر فيه الحصول عن سبب خاصّ كالعلم (٣) ، بل الظاهر دوران طريقيّة أغلب الأسباب المعوّل عليها عندهم مدار‌

__________________

(١) أي : الوسطية في قياس الاستنتاج ، حذو سقوط العلم عنها ، فهم يرون به الواقع ويتطرّقون به إليه ويرتّبون آثار الواقع بما هو واقع ، لا بما هو مطمئنّ به ـ كما هو الحال في العلم ـ ، وهذا بخلاف استنادهم إلى الظن أو الاحتمال لجلب نفع أو دفع ضرر ، حيث إنهم يرتّبون فيهما آثار الشي‌ء بما هو مظنون أو محتمل.

(٢) أي بالاطمئنان.

(٣) أي : من قبل الشارع ، فإنّ سكوته عمّا استقرّ عليه بناء العقلاء ، وعدم ردعه عنه ـ الكاشف عن إمضائه ـ دليل على اعتباره عنده في الشرعيّات.

(٤) أي : كما لا يعتبر في العلم ذلك.


حصوله (١) ، نعم يعتبر فيه عدم الاستناد إلى ما يعدّ الركون إليه عندهم من السفه (٢) ـ كالنوم ونحوه ـ ، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

وإلى هذا يرجع ما أفاده في الجواهر من إلحاق الاطمئنان مطلقا بالعلم ، وهو الوجه فيما أفتى به سيّدنا الأستاذ الأكبر 1 من كفايته في إحراز حال الماهوت ونحوه قبل بنائه على الجواز في أصل المسألة (٣) ، وقد سبقه إلى ذلك شيخنا أستاذ الأساتيذ ـ أنار الله تعالى برهانه ـ فيما صرّح به من كفايته في إحراز وصول الماء إلى البشرة في الغسل والوضوء عند الشكّ في الحاجب ذاتا أو وصفا (٤) ونحو ذلك ـ بناء على إرادته من غلبة الظنّ ذلك ـ ، وليس شي‌ء من ذلك مبنيّا على إجراء مقدّمات الانسداد في خصوص المورد (٥) ، واستنتاج حجيّة الظنّ الاطمئنانيّ منها كي يورد عليه بعدم تماميّتها ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) أي : حصول الاطمئنان كخبر الثقة ، وقول أهل الخبرة ونحوهما.

(٢) لعدم استقرار طريقتهم على الاستناد إليه.

(٣) فهو 1 حين بنائه على المنع كان يكتفي بالاطمئنان في إحراز كون الماهوت ونحوه متّخذا من مأكول اللحم.

(٤) أي : وجود الحاجب ، أو حاجبية الموجود.

(٥) أي : ليس اكتفاء هؤلاء الأعلام 1 بالاطمئنان في هذه الموارد خاصّا بها ، ومستندا إلى إجراء مقدمات الانسداد فيها ، بل بملاك حجية الاطمئنان في نفسه.


الثاني : إنّه قد تبيّن ممّا حررنا عدم اختصاص هذا البحث بما إذا كان الاشتباه فيما يصلّى فيه من جهة الشكّ في اتّخاذه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، واطّراده في جميع ما يتردّد هو بين ما يجوز الصلاة فيه وما لا يجوز (١) ، إلاّ أنّ خصوص التذكية حيث لا يخلو الشكّ فيها إمّا عن أمارة معتبرة توجب البناء عليها ـ كما إذا أخذ من يد المسلم ، أو سوق الإسلام مثلا ـ ، وإلاّ (٢) فمقتضى الأصل الموضوعيّ هو البناء على عدمها ، فقضيّة السببيّة والمسبّبية ـ حينئذ ـ إنّما هو ارتفاع موضوع هذا البحث فيه على كلّ تقدير (٣) ، وخروجه بذلك عن عموم هذا النزاع.

وهذا بخلاف ما إذا شكّ في كونه من الحرير ـ مثلا ـ أو الذهب ، فإنّه بعد البناء فيهما ـ كأجزاء غير المأكول والميتة ـ على المانعيّة أيضا مضافا إلى حرمة اللبس حال الصلاة وغيرها (٤) بعنوان واحد ـ كما هو ظاهر أدلّة الباب ، وكلمات الأصحاب ـ ، دون‌

__________________

(١) كالحرير والذهب.

(٢) أي : وإمّا لا أمارة على التذكية ، ومقتضى الاستصحاب حينئذ عدمها ، إذن فلا يخلو موارد الشك فيها عن وجود أمارة يحرز بها التذكية ، أو أصل يحرز به عدمها.

(٣) فإنّ الشك في جواز الصلاة فيه وعدمه مسبّب عن الشك في تذكيته ، فإذا أحرز تذكيته بالأمارة ، أو عدمها بأصالة عدم التذكية فلا يبقى شكّ في ناحية المسبّب ، فلا موضوع للبحث عن جريان أصالة عدم المانع ، ولا تصل النوبة إلى هذا النزاع أصلا.

(٤) أي : وغير الصلاة بعنوان واحد هو عنوان اللبس.


الحرمة النفسيّة المحضة (١) كي يندرج في باب النهي عن العبادة ـ كما جنح إليه بعضهم ـ ، فليس في البين ما يوجب البناء على أحد الطرفين أصلا (٢) ـ حسبما تقدّم البحث عنه في أصل المسألة ـ ، ولا المانعيّة فيهما مترتّبة على حرمة اللبس كي يتسبّب أحد الشكّين عن الآخر (٣) ، ويقع البحث في كفاية أصالة الحلّ لإلغاء الشكّ السببيّ ، واستتباعه بذلك لإلغاء الشكّ المسبّبي أيضا وعدمها ـ حسبما مرّ بيان الضابط فيه (٤) ـ ، وإنّما هي مترتّبة في لسان الأدلّة على نفس عنواني الحرير والذهب ، بلا دخل لوصف حرمة اللبس فيه ، ومجرّد التلازم بين الحكمين على تقدير ثبوته لا يوجب ترتيب أحدهما بالأصل القاضي بالبناء على الآخر (٥) ـ كما قد عرفت ـ ، ومن هنا فرّق الأصحاب بين الشكّ في التذكية وغيرها ، فأفردوه‌

__________________

(١) بأن يكون النهي عن الصلاة في الذهب أو الحرير تحريميّا نفسيّا ـ كالنهي عن صلاة الحائض ـ ، لا إرشادا إلى المانعيّة ، وعليه فيندرج في باب النهي عن العبادة المقتضي للفساد.

(٢) من أصل موضوعيّ يحرز به وقوع الصلاة في الحرير أو الذهب ، أو عدم وقوعها فيه ، فإنّه لم يكن هناك زمان كانت الصلاة ولم تكن واقعة في الذهب أو الحرير لتستصحب.

(٣) إذ عليه يكون الشك في المانعية مسبّبا عن الشك في حرمة اللبس.

(٤) مرّ بيانه في أوائل المقام الثاني المعقود للبحث عن اندراج الشبهة المبحوث عنها في مجاري أصالة الحلّ.

(٥) وهو أصالة الحلّ القاضية بحلّ اللبس ، فإنّها لا تجدي في ترتيب ما يلازمها من عدم المانعية إلاّ بناء على حجيّة الأصل المثبت.


بالبحث (١) ، وفصّلوا فيه بين الصورتين ، ثمّ أطلقوا القول بعدم الجواز إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه ، ولم يفرّقوا فيه بين المشتبه بغير المأكول وغيره (٢).

إلاّ أنّ في المدارك ـ بعد أن بنى على ما هو المختار من الجواز ـ جعله في المشتبه بالحرير والذهب أولى (٣) ، ولعلّه للبناء على أنّ مانعيّتهما في طول الحرمة الذاتيّة ، دون القيديّة في عرضها (٤) ، وتوهّم (٥) أولويّة جريان الأصل فيما إذا كانت القيديّة من جهة النهي‌

__________________

(١) أي : الشك في التذكية ، والصورتان هما وجود أمارة معتبرة على التذكية وعدمها.

(٢) أي : بالنسبة إلى غير مشتبه التذكية أطلقوا الحكم بعدم الجواز ، من دون فرق بين المشتبه بغير المأكول والمشتبه بالحرير والذهب. قال المحقق 1 في الشرائع : ( إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه وصلّى أعاد ).

(٣) أي جعل الجواز فيهما أولى من الجواز في غير المأكول. قال 1 ( ٤ : ٢١٤ ) تعليقا على قول المحقّق 1 الآنف الذكر ، وبعد نقله استدلال العلاّمة 1 في المنتهى على ذلك : بأنّ الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط ، قال : ( ويمكن المناقشة فيه بالمنع من ذلك ، لاحتمال أن يكون الشرط ستر العورة بما يعلم تعلّق النهي به ، ولو كان الملبوس غير ساتر ـ كالخاتم ونحوه ـ فأولى بالجواز ) انتهى ، هذا. وفي استفادة ما نسبه إليه المحقق الماتن 1 من العبارة تأمّل ، فلاحظ.

(٤) أي : في عرض الحرمة الذي عرفت أنّه المختار ، والقيدية هي المانعية نفسها ، وتغيير التعبير تفنن.

(٥) عطف على البناء ، والمراد بالأصل أصالة الحلّ.


النسفيّ من * محلّ البحث وأشباهه. وقد عرفت ما في الجزء الأوّل (١) من المنع ، وسنوضح ما في الجزء الثاني (٢) أيضا في محلّه.

بقي الكلام في أنّ الطهارة الخبثيّة حيث لا يخلو الشكّ فيها ـ مع سبق إحدى الحالتين وعدمه ـ عن الأصل الموضوعيّ أو الحكميّ (٣) المحرز لحال ما اعتبرت هي فيه ، فلا تصل النوبة ـ حينئذ ـ إلى الرجوع إلى ما يقتضيه الاشتغال أو البراءة (٤) كي يبحث عن شمول هذا البحث (٥) وعدمه له ، أو يبنى ذلك على شرطيّتها أو مانعيّة النجاسة (٦).

__________________

(١) وهو كون المانعية مسببة عن الحرمة وفي طولها ، وقد عرفت آنفا ظهور أدلة الباب وكلمات الأصحاب في العرضية ، وترتب المانعية على نفس عنواني الذهب والحرير بلا دخل لوصف حرمة اللبس فيها.

(٢) وهو دعوى أولوية جريان الأصل في القيديّة المترتبة على الحرمة من القيدية التي ليست كذلك ، وسيأتي توضيح ما فيه في التنبيه الرابع.

(٣) لف ونشر مرتّب ، فمع سبق الطهارة أو النجاسة يجري الأصل الموضوعيّ ، ومع عدمه يجري الأصل الحكميّ ـ أصالة الطهارة ـ ، وبهما يحرز حال ما اعتبرت فيه الطهارة من البدن واللباس.

(٤) فإنّها أصول حكمية جارية بالنسبة إلى الصلاة ، ورتبتها متأخرة عن الأصول المحرزة لحال الموضوع الخارجيّ ـ طهارة ونجاسة.

(٥) وهو البحث المعقود له المقام الأوّل المتقدم.

(٦) فعلى الأوّل لا إشكال في كونه من مجاري قاعدة الاشتغال ، وعلى الثاني يندرج في البحث المذكور.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( عن ) والصحيح ما أثبتناه.


لكن لو تردّد ما على اللباس ـ مثلا ـ من الدم المسفوح بين المعفوّ وغيره ، فقضيّة ترتّب العفو ـ في لسان دليله ـ على كون الدم أقلّ من الدرهم ، أو من الجروح ـ مثلا ـ هي عدم الجدوى لاستصحاب حال ما هو عليه في معفويّته ، وكون العبرة في ذلك ـ وجودا وعدما ـ بإحراز حال نفسه (١) ، ولمكان أنّه ليس له حالة سابقة يجدي استصحابها ـ حسبما تقدّم الكلام في نظائره ممّا يكون المصداق الخارجيّ مردّدا بين النوعين عند حدوثه ـ ولا مناص عن الجري على ما يقتضيه الاشتغال أو البراءة ، ففي اطّراد هذا البحث وعدمه (٢) حينئذ وجهان : مبنيّان على رجوع نتيجة العفو إلى‌

__________________

(١) يعني : لا أثر يترتب على استصحاب حال اللباس ـ مثلا ـ الذي عليه الدم المشكوك عفوه ، وهو استصحاب عدم وقوع الدم غير المعفوّ عليه ، فإنّه وإن كانت له حالة سابقة لكنّه لا يترتب عليه أثر شرعي ، نظرا إلى ترتب العفو ـ في لسان دليله ـ على كون الدم نفسه على الصفة الكذائية ، لا على كون اللباس ـ مثلا ـ واقعا عليه الدم الكذائي ، فالعبرة ـ إذن ـ بإحراز حال الدم نفسه ، ومن الواضح ـ كما تقدّم في نظائره ـ أنّه ليس له حالة سابقة لتستصحب ، إذ ليس هناك زمان كان الدم ولم يكن على الصفة الكذائيّة ، بل هو عند حدوثه حدث مردّدا بين النوعين دم الجروح مثلا أو غيره ، وحينئذ تصل النوبة إلى الأصول الحكمية من البراءة أو الاشتغال.

(٢) وهو البحث المتقدم تفصيله من كون أمثال المقام من قبيل الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، أو من الشك في المحصّل الراجع إلى الشك في الخروج عن العهدة.


تخصيص قيديّة الطهارة بما عدا مورد العفو (١) ، وكونها من قبيل تخصيص الوجوب في النفسيّات ، أو رجوعها إلى تخصيص القيد بكونه هو الطهارة عمّا عدا ما يعفى عنه (٢) ، وجريانها مجرى تقييد الواجب دون وجوبه.

وأوّل الوجهين هو المتعيّن (٣) ، فإنّ قيديّة الطهارة في مقابل كلّ من الحدث والنجاسة ، وكونها ضدّا وجوديّا لما يقابلها * في كلا البابين ، لا عدميّا مناقضا له كي يرجع نتيجة قيديّتها إلى مانعيّته (٤) ،

__________________

(١) فلا إطلاق لشرطيّة الطهارة ، بل تختص شرطيّتها بغير موارد العفو ولا شرطيّة في موارده ، كما أنّه لا وجوب في غير مورد تحقق شرط الوجوب ، وعليه فمع التردّد بين المعفوّ وغيره يشكّ في القيدية الزائدة ، ويندرج المورد بذلك في الكبرى المبحوث عنها.

(٢) فلا إطلاق للطهارة المشروط بها ، بل الشرط هو الطهارة عمّا عدا المعفوّ عنه ، أمّا أصل الاشتراط فعلى إطلاقه ، فهو كالواجب المقيّد بقيد مع بقاء الوجوب على إطلاقه ، وعليه فمع التردّد المزبور يرجع إلى قاعدة الاشتغال ، للعلم بأصل الاشتراط وإنما يشك في تحقق امتثاله.

(٣) والمعيّن له هو ما سيأتي : من ظهور نفس لسان العفو في رفع القيدية أوّلا ، ومن استلزام الوجه الثاني ـ ببيان يأتي ـ كون الطهارة أمرا عدميا عبارة عن عدم النجاسة ، وهو خلاف التحقيق.

(٤) أي : مانعية ما يقابلها من الحدث والنجاسة ، لأنّ العدم لا يصلح شرطا فلا محالة يكون نقيضه الوجوديّ مانعا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( يقابله ) ، والصحيح ما أثبتناه.


وإن كانا (١) من الواضحات المفروغ عنها ، وكانت قضيّة ذلك (٢) هي رجوع الشكّ فيها ـ مع إطلاق قيديّتها (٣) ـ إلى الشكّ في الامتثال (٤) ـ حسبما مرّ ضابطه ـ ، لكنّه مضافا إلى ظهور نفس لسان العفو في رفع القيديّة (٥) ، وكونه معيّنا لأوّل الوجهين ، فلا يخفى أنّ تنويع الطهارة باعتبار أنواع النجاسات وتخصيص القيد ببعضها ـ كما هو مرجع الوجه الثاني (٦) ـ إنّما يستقيم إذا كانت هي عبارة عن‌

__________________

(١) مرجع ضمير التثنية هو قيدية الطهارة وكونها ضدا ، والمقصود استيضاح أنّ المقابلة بين الطهارة والحدث وبين الطهارة والنجاسة على نمط واحد ، وأنّه كما لا ينبغي الريب في أنّ التقابل الأوّل من قبيل تقابل الضدين فكذلك الثاني ، وأنّ الطهارة في الأوّل كما اعتبرت أمرا وجوديا كذلك في الثاني ، ولا وجه لدعوى الفرق ، فضلا عن دعوى كون التقابل في كلا البابين من تقابل النقيضين.

(٢) مرجع الإشارة هو كون الطهارة أمرا وجوديا.

(٣) كما هو الحال بناء على الوجه الثاني.

(٤) والمرجع فيه قاعدة الاشتغال ، للزوم إحراز تحقق القيد الوجوديّ المعلوم تقيّد المطلوب به.

(٥) فإنّ ظاهر العفو هو إسقاط الشرط ـ في مورد العفو ـ عن الشرطيّة ، فتختصّ لا محالة بغير مورده ، ومقتضاه تعيّن الوجه الأوّل.

(٦) فإنّ تخصيص الطهارة المشروط بها بكونها هي الطهارة عن غير النجاسة المعفوّ عنها ـ في الحقيقة ـ تنويع لها بحسب أنواع النجاسات ، وتخصيص لها ببعضها ، وهذا إنّما يستقيم بناء على كون الطهارة أمرا عدميا عبارة عن عدم النجاسة ، ورجوع قيديّتها إلى مانعية النجاسة ،


عدم النجاسة ، فينهدم أساس شرطيّتها ـ حينئذ ـ ولا محيص عن المانعيّة ، ويندرج الشبهة في محلّ البحث على كلّ تقدير (١).

أمّا على ما هو التحقيق من كونها (٢) ضدّا وجوديّا لها ـ كما هو مبنى القول بالشرطيّة ـ فلا يكاد يستقيم ذلك أصلا ، كيف وليس (٣) أنواع أحد الضدّين أنواعا للآخر كي يرجع الترخيص في بعضها إلى تخصيص الواجب الشرطيّ بما عدا المرخّص فيه ويبقى وجوبه‌

__________________

لكنّه خلاف التحقيق وهدم لأساس شرطيّتها ، وسيأتي الوجه في عدم استقامة التنويع المذكور بناء على وجودية الطهارة.

(١) يعني لو بني على مانعية النجاسة اندرج المشتبه المردد بين المعفوّ وغيره في محلّ البحث ـ من كونه من موارد الأقل والأكثر أو من الشك في المحصّل ـ على كلّ تقدير من تقديري رجوع نتيجة العفو إلى تخصيص القيدية أو إلى تخصيص القيد ، إذ لا فرق في انسحاب البحث المزبور على هذا المبنى بين كون مانعية النجاسة مختصة بغير موارد العفو وبين كون المانع هو نجاسة غير هذه الموارد ـ كما يظهر بأدنى تأمّل.

(٢) أي الطهارة.

(٣) تعليل لعدم استقامة التنويع المذكور بناء على التضاد ، محصّله : أنّ أنواع أحد الضدين ـ كالنجاسة ـ ليست أنواعا للآخر بالبداهة ، فكيف تقيّد الطهارة ببعض أنواع ضدّها مع بقاء وجوبها الشرطيّ على إطلاقه ، إذن فلا محصّل للوجه الثاني ، ويتعيّن البناء على الأوّل ولا محذور فيه من هذه الناحية ـ بناء على المختار من التضاد والشرطيّة ـ ، لرجوع العفو والترخيص حينئذ إلى تخصيص شرطيّة الطهارة ـ لا نفسها ـ بما عدا مورد الرخصة ، وهذا هو المتعيّن ولو مع عدم ظهور دليل العفو في ذلك ـ فضلا عمّا عرفت من ظهوره فيه.


على إطلاقه ، وإنّما قضيّة المضادّة ـ بعد الترخيص المذكور ـ هي تخصيص القيديّة بما عدا مورد الرخصة ولو مع عدم ظهور دليله في ذلك فضلا عن ظهوره فيه. كما أنّ مرجع ما ذكروه من كون الطهارة الخبثيّة من الشروط العلميّة ـ أيضا ـ إلى ذلك (١) ، وحاصله اشتراط قيديّتها بأمرين : أحدهما العلم بالنجاسة ، والثاني عدم كون النجس ممّا عفي عنه ، ولا سبيل إلى دعوى كون القيد هو الطهارة الخاصّة في شي‌ء من المقامين ـ بناء على المضادّة دون المناقضة.

وإذ كانت نتيجة العفو تخصيصا للقيديّة دون القيد فيرجع الشكّ فيه إلى الشكّ فيها (٢) ـ كما لا يخفى. ومع الغضّ عن ذلك وفرض تردّد العفو بين الأمرين ، فينطبق (٣) النتيجة من الجهة التي‌

__________________

(١) أي : إلى تخصيص قيدية الطهارة بالنجاسة المعلومة ، أو بما عدا النجاسة المجهولة ، ولا سبيل إلى تخصيص الطهارة نفسها بذلك ، لما قد عرفت.

(٢) أي : يرجع الشك المصداقيّ في العفو إلى الشك في القيدية ، ومرجعه إلى الشك في مقدار متعلق التكليف ، ودورانه من جهة الشبهة الخارجية بين المطلق ـ وهو الأقل ـ أو المقيد بالطهارة ـ وهو الأكثر ـ ، فيندرج في الكبرى المبحوث عنها.

(٣) يعني : أنّه مع الغضّ عمّا ذكرنا من تعيّن الوجه الأوّل ، وفرض تردد أمر العفو بين الأمرين ، فتتّحد نتيجة هذا التردد في مورد الكلام مع نتيجة الوجه الأوّل ، لأنّه إذا كان تخصيص القيدية في موارد العفو المعلوم محتملا ففي موارد الشك في العفو محتمل أيضا ـ لا محالة ـ ، ومقتضى هذا الاحتمال هو الشك في أصل القيدية الراجع إلى الشك في متعلق التكليف ودورانه بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين.


نحن فيها على تخصيص القيديّة كما هو الشأن في جميع ما يتردّد فيه الوجوب أو القيدية بين الإطلاق والمشروطيّة (١) ، لرجوع الشكّ فيما يشكّ كونه شرطا للتكليف ـ بأحد الوجهين (٢) ـ إلى الشكّ في ذلك التكليف ـ كما لا يخفى.

وحينئذ فيجري زيادة الدم على مقدار الدرهم ، وعدم كونه من الجروح ـ مثلا ـ ، أو كونه من الدماء الثلاثة ونحوها ـ بالنسبة إلى قيديّة الطهارة في مقابل الأثر الحاصل منه (٣) ، لا مطلقا ـ مجرى شرط الوجوب ، ويرجع الأمر عند الشكّ في المصداق الخارجيّ إلى تردّد متعلّق التكليف ـ من جهة الشبهة الخارجيّة ـ بين الأقلّ والأكثر ، ويندرج في الكبرى المبحوث عنها ـ كما مرّ في نظائره.

الثالث : إنّه لو كان العنوان ـ المأخوذ عدمه قيدا في المطلوب ـ من الاختياريّات الغير المتوقّف صدورها على تحقّق‌

__________________

(١) فإنّه إذا تردّد أمر الوجوب بين كونه مطلقا أو مشروطا بشي‌ء فكما أنّه مع عدم تحقق ذلك الشي‌ء قطعا يشك في الوجوب ، فكذلك مع الشك في تحققه ، لأنّ الشك في تحقّقه شكّ في تحقّق ما يشكّ كونه شرطا للوجوب ، ومرجعه إلى الشك في الوجوب نفسه ، هذا. وشأن الشك في القيدية شأنه في الوجوب نفسه ، لرجوعه إليه ـ كما مرّ.

(٢) من التكليف الاستقلاليّ أو القيديّ.

(٣) أي : من الدم ، والأثر الحاصل منه هو النجاسة الدميّة في قبال مطلق النجاسة ، والمقصود أنّه إذا كانت النجاسة حاصلة من خصوص الدم فزيادته على الدرهم ونحوها شرط لقيدية الطهارة ، ولا قيديّة لها مع انتفائها ، فهي تجري من القيدية مجرى شرط الوجوب.


موضوع خارجيّ (١) وفرض تطرّق الشبهة المصداقيّة فيه بعد تبيّن مفهومه ، كما لو شكّ في كون التكلّم ردّا للتحيّة (٢) ـ مثلا ـ ، أو الانحراف عن القبلة بإلغاء نقطة اليمين أو اليسار (٣) ـ بناء على عدم قاطعيّة * ما دونه ـ ، ونحو ذلك ، ففي لحوق الشبهة المصداقيّة المذكورة بما هو المبحوث عنه في أصل المسألة ، أو عدم لحوقها‌

__________________

(١) وإن كان له تعلّق بموضوع فعليّ متحقّق في الخارج كما في استقبال القبلة ـ وهو القسم الثاني من الأقسام الأربعة المتقدمة في أوائل المقام الأوّل ـ ، ولأجل تعلّقه به وإمكان الشك في الموضوع المتعلّق به يفرض تطرّق الشبهة المصداقية فيه حال صدوره بعد تبيّن مفهومه ـ كما في مثالي المتن ببيان يأتي ـ ، إذ لو لم يكن له تعلّق بموضوع خارجيّ أصلا ـ كما في القسم الأوّل منها ـ امتنعت الشبهة المصداقية فيه حال صدوره الإراديّ بعد تبيّن مفهومه ـ كما تقدّم هناك ـ ، هذا. وأمّا ما يتوقف صدوره على تحقق موضوع خارجيّ فهما القسمان الثالث والرابع ، وقد تقدّم اختصاص الثالث بالتكاليف والقيود الوجوديّة وعدم تصوّره في العدمية التي نحن بصددها ، وأنّ الرابع هو الذي تتطرّق فيه الشبهة المصداقية المبحوث عنها في أصل المسألة.

(٢) فإنّ التكلّم بغير ردّ التحيّة أخذ عدمه قيدا في الصلاة ، وبما أنّ ردّ التحيّة موضوعه التحيّة المتحققة خارجا ، فالشك في تحققها يستلزم الشك في كون التكلم ردّا للتحيّة فلا مانعية له ، وعدمه فيكون مصداقا للمانع.

(٣) فإنّ موضوعه القبلة ، والشك في جهتها يستلزم الشك ـ مصداقا ـ في مقابلتها لنقطة اليمين أو اليسار الممنوع عنها في الصلاة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( قاطعيته ) ، والصحيح ما أثبتناه.


به وجريانها مجرى الشكّ في القيود الوجوديّة وجهان : مبنيّان على كون التكليف المتوجّه من هذه الجهة متعلّقا بما هو مفروض الانطباق على العنوان المذكور (١) ، كي يتمّ الانحلال والترتّب (٢) المبتني عليهما رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى مرحلة التكليف في المقام أيضا ، أو كونه متعلّقا بعدم هذا العنوان (٣) بما هو عنوان اختياريّ يتمكّن منه المكلّف بلا ترتّب له على الانطباق المذكور ، كي يرجع الشبهة حينئذ إلى مرحلة الخروج عن العهدة ـ كما في القيود الوجوديّة.

وغير خفيّ أنّ ما أوجب البناء على الانحلال والترتّب ـ المتقدّم تنقيحهما في أصل المسألة ـ هو بعينه يوجب البناء عليهما في المقام أيضا.

فإنّ اختياريّة متعلّق التكليف (٤) إنّما يوجب تنجّز التكاليف‌

__________________

(١) بأن يكون التكليف العدميّ القيديّ متعلقا بما ينطبق عليه عنوان التكلّم ـ مثلا ـ أو الانحراف عن القبلة ، فينحلّ لا محالة ـ بالنسبة إلى آحاد ما ينطبق عليه ـ إلى تكاليف متعدّدة ، ويترتب كلّ منها على كلّ من الانطباقات ، فإذا شك في الانطباق في مورد شك في ترتب التكليف عليه ، وهو شك في مرحلة التكليف.

(٢) مرّ تنقيحهما في المقام الأوّل لدى تحقيق حال القسم الرابع من الأقسام الأربعة المشار إليها آنفا.

(٣) بأن يكون التكليف متعلقا بنفس العنوان العدميّ من دون نظر إلى انطباقاته ، فإذا شكّ في الانطباق كان من الشك في مرحلة الامتثال.

(٤) بيان للفارق بين التكاليف الوجودية من القسم المبحوث عنه في المقام‌


الوجوديّة ـ استقلاليّة كانت أم قيديّة ـ بنفس العلم بها ، لمكان رجوعها إلى إيجاب ما ينطبق ويحمل عليه عناوين متعلّقاتها ، وإطلاقها (١) بالنسبة إلى نفس الانطباق المذكور ، لأنّه هو الذي يطالب به من المكلّف ، فيرجع الشكّ فيه إلى مرحلة الخروج عن العهدة ـ لا محالة ـ ، دون التكليف.

وليس كذلك الحال في التكاليف العدميّة ، فإنّ قضيّة استنادها إلى مفسدة مطّردة فيما ينطبق على عناوين متعلّقاتها ـ لا إلى مصلحة في تحقّق العنوان العدميّ (٢) من حيث نفسه ـ هي انحلالها استقلاليّة‌

__________________

أعني المتعلقة بالعناوين الاختيارية غير المتوقف صدورها على تحقق موضوع خارجيّ ـ وبين العدمية منها ، وحاصل الفرق : أنّ الوجوديّة منها تتنجز بنفس العلم بها ، لأنّها إيجاب لما ينطبق عليه عنوان المتعلّق واقعا ويحمل عليه ، فهو المطالب به فيها ، ومقتضاه لزوم إحراز الانطباق ، وعدم الاكتفاء بالشك فيه في الخروج عن العهدة ، وليست كذلك العدمية ، لاستنادها إلى مفسدة مطردة في انطباقات العنوان المطلوب عدمه ، ومقتضاه الانحلال وترتب آحاد الأحكام الخاصة على آحاد تلك الانطباقات ، فإذا شكّ في الانطباق على مورد شكّ في توجّه التكليف فيه ، لا في الخروج عن العهدة.

(١) عطف على ( رجوعها ) ، أي : وإطلاق التكاليف الوجودية بالنسبة إلى الانطباق على عناوين متعلقاتها ، وعدم اشتراطها بالانطباق المزبور ، ضرورة أنّه داخل تحت الطلب والطلب وارد عليه ، بخلاف العدمية فإنّ الانطباق فيها خارج عن دائرة الطلب ، وشرط لشموله ، وقد تقدم التحقيق حول ذلك في أوائل المقام الأوّل لدى البحث عن القسم الثاني.

(٢) ليرجع الشك في مصداقه إلى الشك في المحصّل.


كانت أم قيديّة ـ بالنسبة إلى آحاد ما ينطبق على تلك العناوين ـ إلى حكم خاصّ لمتعلّق مخصوص بأحد الوجهين (١) ، دون مطلوبيّة نفس السلب الكلّي (٢) من حيث نفسه ، فضلا عن العنوان العدميّ الملازم له كي يؤول الأمر إلى باب العنوان والمحصّل ـ حسبما أوضحناه في أصل المسألة (٣) ـ ، وقضيّة هذا الانحلال هي ترتّب آحاد الخطابات التفصيليّة التي ينحلّ * إليها السلب الكلّي على الانطباق على العنوان المطلوب عدمه ، فيكون هو (٤) ـ حينئذ ـ موجبا لتوجّه التكليف ، دون الخروج عن العهدة كما في التكاليف الوجوديّة ، ولكن لا بمعنى ترتّب الخطاب على تحقّق الانطباق في الخارج ، كي يرجع إلى طلب عدم الشي‌ء على تقدير وجوده ، بل بمعنى ترتّبه على شأنيّة الانطباق ، وكون هويّة المصداق بحيث لو وجدت في الخارج كانت تلك الهويّة وانطبق عليها ** ذلك العنوان (٥) ،

__________________

(١) من الاستقلالية أو القيدية.

(٢) بنحو العموم المجموعيّ.

(٣) مرّ إشباع الكلام في تحقيقه في البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.

(٤) أي الانطباق على العنوان.

(٥) فهويّة المصداق إذا كانت بحيث لو وجدت كانت تلك الهويّة المحرّمة فهي حرام ـ استقلالا أو قيدا ـ ، وقد مرّ توضيحه سابقا لدى البحث عن القسم الثاني المشار إليه آنفا.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( تنحل ) ، والصحيح ما أثبتناه.

(**) الموجود في الطبعة الأولى ( عليه ) ، والصحيح ما أثبتناه.


وهذه الشرطيّة (١) هي التي ذكر المنطقيّون أنّ عقد الوضع ينحلّ ـ عقلا ـ إليها (٢) ، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك (٣) في توضيح اشتراط التكاليف بوجود موضوعاتها (٤).

وتغاير المقامين (٥) من جهة اختلاف عقد الحمل ، وكونه محمولا للماهيّة المعرّاة عن الوجود والعدم في مفروض المقام (٦) ، وبعد فرض الوجود فيما تقدّم (٧) وإن كان موجبا لاختلاف نتيجة الشرطيّة‌

__________________

(١) وهي كون الهويّة لو وجدت في الخارج لكانت الهويّة الكذائيّة ، فقولنا ( الانحراف عن القبلة حرام ) ـ مثلا ـ مرجعه إلى قولنا ( كلّ ما لو وجد في الخارج كان انحرافا فهو لو وجد كان حراما ).

(٢) يعني في القضايا الحقيقية.

(٣) في أوائل المقام الأوّل.

(٤) وانقسامها من هذه الحيثية إلى أربعة أقسام.

(٥) وهما : مقامنا هذا المنطبق على القسم الثاني من الأقسام الأربعة ، والمقام المتقدم في أصل المسألة والمنطبق على القسم الرابع منها.

(٦) لأنّ موضوع القضية في مفروض المقام هو متعلق التكليف ، ومحمولها هو التكليف نفسه وهو إنما يتعلّق بالماهية المعرّاة عن الوجود والعدم ، إذ يطلب به إيجادها أو الاستمرار على عدمها ، ولا يعقل تعلّقه بالموجودة منها أو المعدومة ، فقولنا ( الانحراف عن القبلة حرام ) إنّما هو بمنزلة قولنا ( كلّ ما لو وجد في الخارج كان انحرافا فهو في نفسه ـ مع قطع النظر عن وجوده وعدمه ـ حرام ) ، لامتناع تعلق الحرمة بالموجود.

(٧) لأنّ موضوع القضية في المقام المتقدم هو موضوع الحكم ـ كالخمر ـ ، وقد تقرّر أن فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه ، فقولنا ( الخمر‌


المذكورة من جهة الشأنيّة والفعليّة (١) ، إلاّ أنّ ترتّب الجزاء المنحلّ (٢) إليها عقد الحمل على الشرطيّة المذكورة ، ورجوع الشكّ فيها (٣) إلى الشكّ في الحكم الذي يتضمّنه تلك الجزائيّة ممّا لا مناص عنه على كلّ تقدير (٤) ، فكما أنّه لو كان العنوان المذكور حراما نفسيّا ، وشكّ في انطباقه على مصداق خارجيّ ـ كما في مفروض المقام ـ ، فلا مجال لأن يدّعى خروج الشبهة المذكورة بسبب العلم بتلك الكبرى عن مجاري أصالتي البراءة والحلّ ، وليس السرّ فيه إلاّ ما عرفت (٥) ، فكذلك الحال إذا كانت مطلوبيّة عدم العنوان من جهة القيديّة‌

__________________

يحرم شربه ) بمنزلة قولنا ( كلّ ما لو وجد في الخارج كان خمرا فهو لو وجد بالفعل حرم شربه ).

(١) لأنّ مرجع الأوّل إلى قولنا ( كلّ ما كان للانحراف شأنيّة الوجود فيه فهو حرام ) ، ومرجع الثاني إلى قولنا ( كلّ ما كان وجودا فعليا للخمر حرم شربه ).

(٢) إشارة إلى الانحلال والترتب المتقدم تنقيحهما في المقام الأوّل ، والمراد بالجزاء الخطابات التفصيلية المنحلّ إليها عقد الحمل والمترتبة على عقد الوضع ، وباعتبارها أنث الضمير الراجع إليه ، وإنما عبّر 1 به مقابلة بينه وبين الشرطية ، وإيعازا إلى أنّ الترتب المزبور إنما هو بملاك ترتب الجزاء على الشرط.

(٣) أي : في الشرطية المذكورة.

(٤) محصّله : أنّ المقامين وإن اختلفا فيما ذكر ، إلاّ أنّهما مشتركان في الترتب والانحلال المقتضيين لكون الشك في الشرطية شكا في التكليف والحرمة ، ومجرى لأصالتي البراءة والحلّ ، كما إذا شك في أنّ للانحراف شأنيّة الوجود في المورد أو لا ، أو أن للخمر وجودا فعليّا أو لا.

(٥) من الشرطيّة والانحلال.


أيضا ـ حذو النعل بالنعل ـ ، والتفكيك بينهما (١) في ذلك إن كان من جهة الارتباطيّة فقد تقدّم (٢) أنّه خروج عن الفرض ، ورجوع إلى المنع عن جريان البراءة في الارتباطيّات مطلقا ، وإن كان بدعوى عدم جريان الانحلال والترتّب المذكورين في باب القيود العدميّة ، واختصاصهما بالنفسيّات فقد عرفت (٣) أنّه لا محصّل لها ، فتدبّر حقّه.

الرابع : إنه لو كان مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة ناشئة عن مبغوضيّتها الموجبة لمبغوضيّة ما يتخصّص بها من العبادة (٤) ، وخروجها بهذا الاعتبار عن صلاحيّة الاتّصاف بالمحبوبيّة والمقربيّة ـ كما هو الحال في باب النهي في العبادة (٥) ـ ، وشكّ في انطباق المصداق الخارجيّ على المنهيّ عنه من جهة الشكّ في الخصوصيّة المذكورة (٦) ، ـ كما لو قلنا بأنّ مانعيّة الحرير أو الذهب مثلا من هذا القبيل (٧) ـ فلا خفاء في استتباع هذا الشكّ للشكّ في‌

__________________

(١) أي : بين الحرام النفسيّ والقيديّ.

(٢) تقدّم ذلك في المقدمة الاولى من المقام الأوّل.

(٣) عرفت ذلك في البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.

(٤) ولأجل هذه المبغوضية يتعلق النهي النفسيّ بالعبادة المذكورة ، ويدلّ على مانعية تلك الخصوصية وفساد العبادة معها.

(٥) فإنّ ملاك الاندراج في هذا الباب هو مبغوضية العبادة المتخصّصة بخصوصية وجودية ، وتعلق النهي النفسيّ بها كما في صلاة الحائض وصوم العيدين ونحوهما.

(٦) كما إذا صلّى في ثوب مشكوك الحريرية أو الذهبية.

(٧) بأن قلنا بأنّ ما ورد من النهي عن الصلاة فيهما نهي تحريميّ نفسيّ‌


كلّ من حرمة المشكوك انطباقه على متعلّق النهي وفساده ـ بناء على ما هو المحقّق في محلّه (١) من تلازم الأمرين (٢) ـ ، ولا في جريان أصالة الحلّ من الجهة الاولى (٣) من حيث نفسها ـ كما لا يخفى ـ ، لكنّه لا يجدي في خروج الشبهة من الجهة الثانية عن عموم هذا النزاع (٤) إلاّ مع ترتّب فساد العبادة المحرّمة على حرمتها بالمعنى المقابل للحلّية المجعولة بهذا الأصل (٥) ، وإلاّ فإمّا أن لا سببيّة ومسببيّة في البين ، وإمّا أن لا جدوى لها (٦) ـ حسبما تقدّم‌

__________________

ومنه يستفاد المانعيّة والفساد ، خلافا لما هو المختار ـ وقد تقدم في التنبيه الثاني ـ من كونه نهيا غيريا وإرشادا إلى المانعيّة ، مضافا إلى النهي النفسيّ المتعلق بلبسه مطلقا حال الصلاة وغيرها.

(١) من مبحث دلالة النهي عن العبادة على فسادها.

(٢) الحرمة والفساد.

(٣) وهي جهة الحرمة ، فإنّ الشك في الحرمة مجرى لأصالة الحلّ.

(٤) يعني أنّ جريان أصالة الحلّ من حيث الحرمة لا يجدي في خروج الشبهة المزبورة من حيث الفساد والمانعية عن عموم النزاع المتقدم في المقام الثاني ـ من جريان أصالة الحلّ في موارد الشك في المانعية وعدمه ـ ، ولا يوجب ارتفاع الشك من هذه الحيثية والحكم بالصحة.

(٥) وهي الحرمة الفعلية الظاهرية ، فإنّ قضيّة السببيّة والمسببيّة هي الحكم بانتفاء فساد العبادة لانتفاء سببه ـ الحرمة الفعلية ـ بمقتضى أصالة الحلّ فيحكم بصحتها ، وبذلك تخرج الشبهة عن عموم النزاع المزبور.

(٦) فإنّه إن لم يترتب الفساد على الحرمة بالمعنى المذكور ، بأن لم يترتب‌


تحريره (١).

والتحقيق في ذلك بعد وضوح أنّ مقتضى النهي عن بعض أنواع الواجب (٢) هو تقيّد المطلوب بما عد المحرّم (٣) ـ كما فيما تقدّم (٤) ـ ، وإن كان بينهما فرق في ذلك باعتبار استناده في أحدهما إلى قصور المقتضي في حدّ نفسه ، وفي الآخر إلى غلبة الجهة المزاحمة (٥)

__________________

على الحرمة أصلا بل كانا في عرض واحد ، أو ترتّب لكن على الحرمة الذاتية المجعولة للشي‌ء في حدّ ذاته لم يكن الأصل المذكور مجديا في رفع الشبهة من حيث المانعية ، إذ على الأوّل لا سببية في البين ، وعلى الثاني لا جدوى لمثل هذه السببية ، لوضوح أنّ أصالة الحلّ لا تنفي الحرمة الذاتية لينتفي معها الفساد.

(١) في المقام الثاني لدى تحقيق الحال عن أنّ مانعية الوقوع في غير المأكول مجعولة في عرض حرمة الأكل ، وليست مترتبة عليها ، وأنّه مع التسليم فهي مترتبة على الحرمة الذاتية غير المرتفعة بأصالة الحلّية.

(٢) في موارد النهي عن العبادة التي منها المقام ـ بناء على حرمة الصلاة في الذهب والحرير نفسيّا.

(٣) فإنّه مقتضى الجمع بين إطلاق دليل الواجب وبين الدليل الناهي.

(٤) المراد به ما تقدّم في أصل المسألة أعني موارد النهي الغيريّ المستتبع للمانعية والدالّ على دخل عدم الخصوصية ـ كالوقوع في غير المأكول ـ في المطلوب ، والمقصود إفادة أنّ المقامين مشتركان في تقيد المطلوب بما عدا الحصة المنهيّ عنها.

(٥) فإنّ الحصة المنهيّ عنها في موارد النهي الغيريّ غير واجدة لتمام ملاك الوجوب في نفسها ، أمّا في موارد النهي النفسيّ فملاك وجوبها مزاحم بملاك أقوى هي مفسدة وقوع العبادة في الحرير أو الذهب ـ مثلا.


ـ كما قد عرفت (١) ـ هو أنّ القيديّة المستندة إلى النهي النفسيّ لكونها ناشئة عن مضادّة الحكمين واستحالة تواردهما على متعلّق واحد (٢) ، فيبتني ترتّبها على حرمة العبادة المنهيّ * عنها ، أو كونهما في عرض واحد بلا ترتّب في البين على الخلاف المعروف في استناد انتفاء أحد الضدّين إلى وجود الآخر ، أو كونهما في عرض واحد بلا استناد ولا ترتّب لأحدهما على الآخر (٣) ، فعلى الأوّل يستقيم في المقام دعوى الترتّب بين الأمرين ، والسببيّة والمسببيّة بين الشكّين (٤) ، بخلافه على الثاني ـ كما لا يخفى.

__________________

(١) لعلّه إشارة إلى ما أفاده 1 في مستهلّ هذا التنبيه ـ الرابع ـ من أنّ الخصوصيّة المانعة المفروضة فيه مبغوضة في نفسها ، وموجبة لمبغوضية ما يتخصّص بها من العبادة وخروجها عن صلاحية الاتصاف بالمحبوبية والمقربية.

(٢) وهو الحصة المنهيّ عنها ، فإن ورد عليها الوجوب فقط لزم منه إهمال دليل الحرمة بالمرّة ، ولا يلزم هذا المحذور إذا وردت عليها الحرمة خاصة ، فيتعيّن ، ومقتضى ذلك هو القيدية وخروجها عن إطلاق دليل الوجوب.

(٣) ففي المقام هل يكون انتفاء الوجوب عن الحصة المحرّمة ـ كما هو مقتضى القيدية ـ مستندا إلى وجود ضدّه ـ الحرمة ـ ومترتبا عليه ، أو أنّه غير مستند إليه بل هو في عرضه.

(٤) فيكون الشك في القيديّة مسبّبا عن الشك في الحرمة ، والأصل الجاري في الشك السببيّ رافعا للشك المسببيّ.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( المنهيّة ) ، والصحيح ما أثبتناه.


وحيث إنّ من الواضح ـ كما حقّق وبرهن عليه في محلّه (١) ـ هو انتفاء الترتّب والعلية بين الأمرين ، وكونهما في عرض واحد يستند أحدهما إلى وجود علّته والآخر إلى انتفائها حتّى مع اشتمال كلّ منهما على المقتضي في حدّ نفسه (٢) ـ كما في مفروض المقام (٣) ـ ، فإنّ غاية ما يقتضيه (٤) امتناع تأثير كلّ منهما في ملاكيّة الحكم على حسب ما يقتضيه ـ لمكان المضادّة ـ إنّما هي خروج الأضعف منهما عن صلاحيّته لذلك بأقوائيّة الآخر ، لا بوجود ما‌

__________________

(١) من مبحث اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، وقد تقدّم بعض الكلام هنا في الأمر الثالث.

(٢) فضلا عمّا إذا لم يشتمل الضد المنتفي على المقتضي ، فيستند انتفاؤه حينئذ إلى عدم مقتضيه ، كما يستند وجود الآخر إلى وجود علّته التامّة ، أما إذا اشتمل كلّ منهما على المقتضي في حدّ نفسه فهو ما سيتعرّض 1 لحكمه.

(٣) لاشتمال كلّ من الحرمة والوجوب بالنسبة إلى الحصّة المحرّمة على الملاك المقتضي له في حدّ نفسه وإن امتنع تأثيرهما جميعا.

(٤) محصّله : أنّه لمّا كان تأثير كلّ من المقتضيين ـ في مفروض المقام ونحوه ـ في ملاكيّته للحكم ـ كلّ فيما يقتضيه ـ ممتنعا ، لمكان المضادّة بين مقتضييهما ، فلا محالة يختصّ التأثير بالأقوى منهما ، ويسقط الأضعف عن صلاحيّة التأثير بأقوائيّة الآخر ، لا بوجود مقتضاه ـ أي الآخر ـ نفسه ، إذن فالمانع عن تأثير الأضعف في مقتضاه هو وجود الأقوى ، فإليه يستند عدم ما يقتضيه الأضعف لا إلى وجود ما يقتضيه الأقوى ـ كما حرّر في محلّه.


يقتضيه (١) ـ حسبما حرّر في محلّه ـ ، فجهة المبغوضيّة التي هي ملاك النهي والمنافية للمقربيّة المعتبرة في العبادة ، بل للجهة التامّة والمحبوبيّة التي لا بدّ منها في متعلّق الأمر مطلقا هي الموجبة للتقييد المذكور في عرض النهي (٢) ، دون نفس النهي ، وليس اقتضاؤه للفساد حينئذ إلاّ من صرف التلازم والكاشفيّة ، دون الترتّب والموضوعيّة (٣) ، وحيث لا ترتّب بين الأمرين فلا سببيّة ولا مسببيّة أيضا بين الشكّين ، وإنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في الخصوصيّة المبغوضة الموجبة للحرمة والفساد في عرض واحد ، ولا جدوى للأصل الحكميّ الجاري في أحدهما ـ ولو مع تكفّله لتنزيل المتعلّق (٤) ، وإلغاء الشكّ فيه ـ في ترتيب الآخر أيضا إلاّ على القول‌

__________________

(١) مرجع ضمير الفاعل هو المقتضي الأقوى ، وضمير المفعول هو الرابط الراجع إلى الموصول.

(٢) فأقوائيّتها وغلبتها على ملاك المحبوبية كما تؤثر في النهي عن الحصة الخاصة ، كذلك توجب سقوط هذا الملاك عن التأثير في وجوبها وتقييد المطلوب بغيرها ، وليس الموجب له هو النهي نفسه.

(٣) يعني أنّ اقتضاء النهي للفساد ليس بمعنى موضوعيّته وسببيّته له ، وتأثيره فيه ، بل بمعنى التلازم بينهما ، وكاشفية النهي عن الفساد ، لكشفه عن الملاك الأقوى والخصوصية المبغوضة الموجبة للحرمة والفساد في عرض واحد.

(٤) بأن كان من الأصول التنزيلية ـ كالاستصحاب ـ ، إذ لا نقول بحجيّة الأصول المثبتة ولو كانت تنزيلية.


بحجيّة الأصل المثبت ، فضلا عمّا إذا لم يتكفّل لذلك وكان حكما على المشكوك بما هو مشكوك الحكم ـ كما هو مفاد أصالة الحلّ حسبما استوفينا الكلام فيه (١).

بل اللازم ـ على هذا المبنى ـ هو عدم الجدوى لارتفاع الحرمة خطابا مع تماميّة ملاكها ـ كما عند النسيان ونحوه ـ في ارتفاع المانع عن إطلاق متعلّق الأمر (٢) ، فضلا عن أن يكون المعذوريّة المستندة إلى الجهل بها مجدية (٣) ـ كما لا يخفى.

ثمّ لو سلّم أنّ قضيّة التضاد إنّما هي استناد انتفاء أحد الضدّين إلى وجود الآخر ـ لا إلى انتفاء علّته التي قد عرفت أنّها في المقام عبارة عن الملاك التامّ (٤) ـ كما زعمه غير واحد (٥) ، وبنوا عليه مقدّميّة ترك أحد الضدّين لفعل الآخر (٦) ، فغاية ما يلزم من ذلك‌

__________________

(١) في أوائل المقام الثاني المتقدم.

(٢) فيبني على بقاء القيدية لبقاء موجبها وتماميّته ، ومقتضاه الفساد ، وهذا من اللوازم المهمّة المترتبة على هذا المبنى.

(٣) فإنّه مع الجهل لم يرتفع حتى الخطاب فكيف ترتفع معه القيدية ، ومن الواضح أنّ الجهل لا يؤثر إلاّ في المعذوريّة عند المخالفة.

(٤) عرفت آنفا أنّ علّة الضدّ المنتفي ـ وهو في المقام الوجوب ـ هو الملاك التامّ والمحبوبيّة التي لا بدّ منها في متعلق الأمر ، لكنّ أقوائية مقتضي الضد الآخر ـ الحرمة ـ أسقطته عن التمامية ومنعته عن التأثير في مقتضاه.

(٥) ضمير المفعول يرجع إلى استناد انتفاء أحد الضدين إلى وجود الآخر.

(٦) نظرا إلى أنّ استناد عدم أحد الضدين إلى وجود الآخر ناش من مانعية‌


ـ بعد وضوح أنّ المضادّة بين الأحكام إنّما هي في مرحلة صدورها النفس الأمريّ ولا دخل لوصف التنجّز فيها ـ إنّما هو ترتّب القيديّة في المقام على حرمة العبادة بوجودها النفس الأمريّ من حيث عدم صلاحيّة المحرّم ـ بما هو كذلك (١) ـ للاندراج في إطلاق متعلّق الأمر ، ولازم هذا الوجه وإن كان هو الصحّة الواقعيّة (٢) عند ارتفاعها (٣) خطابا ولو مع بقاء ملاكها ـ كما عند النسيان ونحوه ـ ، أو الظاهريّة كما إذا شكّ فيها (٤) وكان في البين أصل يقتضي البناء على ذلك (٥) ـ كما هو لسان الاستصحابات الحكميّة مثلا ـ ، لكن حيث قد عرفت قصور أصالة الحلّ عن ذلك (٦) وكونها حكما على المشكوك بما هو مشكوك الحكم ، فلا جدوى لها (٧) ـ على هذا‌

__________________

وجود الضد عن وجود ضده ، وبما أنّ عدم المانع ممّا يتوقّف عليه وجود الشي‌ء فعدم أحد الضدين مقدمة لوجود الآخر.

(١) أي محرّم في نفس الأمر.

(٢) والاندراج في إطلاق متعلق الأمر.

(٣) أي : الحرمة واقعا.

(٤) أي : في الحرمة.

(٥) أي : على الصحّة كما هو الحال في الأصول التنزيلية المقتضية للبناء على كون مؤدّياتها هي الواقع ، فترتفع بها الحرمة ارتفاعا بنائيّا ، وبارتفاعها ترتفع القيدية كذلك ـ قضية للسببيّة والمسببيّة ـ وتصح العبادة صحة ظاهرية بنائية.

(٦) أي : عن اقتضائها البناء على الحلية على أنّها هي الواقع.

(٧) إذ لا ترتفع بها الحرمة النفس الأمرية لا ارتفاعا حقيقيا ولا بنائيا ،


المبنى الفاسد من أصله أيضا ـ في إلغاء الشكّ السببيّ كي يستتبع إلغاء الشكّ المسببيّ ، وخروجه بذلك عن عموم هذا النزاع ـ كما مرّ في نظائره (١).

نعم لو قيل بعدم استلزام النهي النفسيّ للتقييد رأسا ، وبني فساد العبادة المحرّمة على محض منافاتها (٢) لما يتضمّنه الأمر من الرخصة في الإتيان بكلّ واحد ممّا ينطبق على متعلّقه ، بدعوى توسّطها (٣) في الصحة وعدم ترتبها على محض الانطباق ـ كما لعلّ أن يستظهر ممّا * يحكى عن إفادات شيخنا أستاذ الأساتيذ 1 في مجلس الدرس ـ ، قامت الرخصة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل في ذلك (٤)

__________________

وإنّما يرتفع تنجّزها الذي عرفت أنّه لا دخل له في المضادة المفروضة.

(١) مرّ نظيره في أوائل المقام الثاني لدى البحث عن ترتّب مانعية غير المأكول على حرمة الأكل.

(٢) أي : الحرمة ، ومحصّل هذا القول : أنّ الحكم بصحة العبادة المأتيّ بها يتوقف على اندراجها ضمن انطباقات المتعلّق التي يتضمّن الأمر الرخصة في الإتيان بكلّ منها ، ولا يكفي فيه مجرد الانطباق ، والحصة المحرّمة غير مندرجة في هذه الانطباقات ، ضرورة منافاة حرمتها مع الرخصة المزبورة ، فهذا هو منشأ الحكم بفسادها لا تعلّق النهي النفسيّ بها.

(٣) مرجع هذا الضمير المؤنث هو الرخصة ، ومرجع ما بعده هو الصحة.

(٤) أي في توسّطها في الصحة.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( عمّا ) ، والصحيح ما أثبتناه.


مقام الواقعيّة التي يتضمّنها الأمر (١) ، وكانت السببيّة والمسببيّة حينئذ مجدية (٢).

ولو استقام ما ربّما يتخيّل من استناده في المقام (٣) وفي باب اجتماع الأمر والنهي أيضا إلى مجرد عدم تمشّي قصد التقرّب من المكلّف دون شي‌ء ممّا تقدّم ، كان نفس عدم تنجّز النهي (٤) حينئذ ـ فضلا عن الرخصة الشرعيّة الظاهريّة ـ كافيا في ارتفاع هذا المحذور (٥) وجدانا ، ولا يبقى مجال لأن يستتبع الشكّ في الحرمة للشكّ في الفساد من هذه الجهة (٦).

لكن بعد وضوح (٧) عدم توسّط ما ذكر من الرخصة المقابلة‌

__________________

(١) ويثبت بها الصحة الظاهرية.

(٢) فإنّ الشك في صحة الفرد المشتبه وفساده ـ على هذا المبنى ـ مسبّب عن الشك في الترخيص في الإتيان به ، ومقتضى أصالة الحل هو الترخيص فيه ، ويترتب على صحته.

(٣) أي : استناد الفساد في موارد فساد العبادة المحرّمة.

(٤) ومجرد ثبوت المعذورية في المخالفة عقلا بمقتضى أصالة البراءة العقلية.

(٥) وهو عدم تمشّي قصد القربة ، فإنّ المعذورية العقلية أو الرخصة الشرعية تؤمّنه من ناحية احتمال الحرمة وترخّص له الفعل ، فيتحقق منه قصد القربة وجدانا وتصح به العبادة.

(٦) أي : من جهة عدم تمشّي قصد القربة. والمقصود أن الشكّ في الحرمة وإن تحقق في المقام وجدانا ، لكنّه مع جريان الأصول المرخّصة لا شك في الفساد من الجهة المذكورة وجدانا لتمشّي قصد القربة معه قطعا.

(٧) ردّ على المبنيين.


للحرمة التكليفيّة في ترتّب الإجزاء العقليّ على تحقّق المطلوب في الخارج (١) ودورانها (٢) على كلّ تقدير ـ وكذلك المقرّبيّة (٣) التي لا يعقل معها عدم تمشّي قصد التقرّب ، ولا ترتّب غير الانقياد عليه عند انتفائها في نفس الأمر ـ مدار (٤) إطلاق المطلوب ، وعدم تعقّل (٥) انحفاظه (٦) بالنسبة إلى متعلّق النهي ـ لمكان المضادّة ـ ، ولا استتباعه (٧) للفساد أو عدم تمشّي قصد القربة لو جاز شموله‌

__________________

(١) فإنّ الصحة والإجزاء العقلي إنّما يترتب ـ بحكم العقل ـ على تحقق المطلوب خارجا وانطباق المأتيّ به عليه ، والرخصة المدّعاة لا دخل لها في ذلك أصلا.

(٢) عطف على ( عدم توسّط ) ، أي : دوران الرخصة على كلّ من تقديري دخلها في الصحة وعدمه.

(٣) عطف على الضمير في ( دورانها ) ، يعني أنّه مع كون العبادة مقرّبة واقعا لا يعقل عدم تمشّي قصد القربة ، وأنّه عند انتفاء المقرّبية في نفس الأمر لا يترتب على قصد التقرب سوى الانقياد.

(٤) متعلّق بـ ( دورانها ) ، يعني أنّ الرخصة والمقرّبية المذكورتين تدوران مدار إطلاق المطلوب وتتقدّران بمقدار شموله ، فإن شمل جميع الانطباقات شملت الرخصة وكذا المقربيّة جميعها ، وإن خصّص ببعضها اختصّتا به أيضا.

(٥) عطف آخر على ( عدم توسّط ).

(٦) الضمير راجع إلى الإطلاق ، والمقصود أنّ إطلاق المطلوب لا يعقل انحفاظه مع تعلّق النهي ببعض أفراده ، لما مرّ من مضادّة الحكمين واستحالة تواردهما على متعلّق واحد ، ومع تقيد الإطلاق وسقوط الأمر بالنسبة إلى الحصة المنهيّ عنها فلا رخصة ولا مقربيّة بالنسبة إليها.

(٧) عطف على ( انحفاظه ) ، والضمير راجع إلى النهي. يعني لو جاز‌


له ، أو فرض (١) وقوع هذا المحال ، ففساد أصل المبنى وما تخيّل ابتناؤه عليه ـ على كلّ من المسلكين ـ ممّا لا خفاء فيه.

الخامس : إنّه لو كانت المانعيّة ناشئة عن المزاحمة (٢) الموجبة لانتفاء شرط المقدوريّة عمّا يتعلّق به أحد الخطابين ، أو يعمّه إطلاقه باتّفاق (٣) مصادفة الآخر ، بعد عدم التنافي من غير هذه الجهة (٤)

__________________

شمول الإطلاق لمتعلّق النهي وفرض وقوع هذا المحال ، فكانت الحصة المحرّمة أيضا مطلوبة لم يعقل معه استتباع النهي المذكور للفساد ، ولزوم البناء على الصحة ، كما لم يعقل عدم تمشّي قصد القربة أيضا.

وبالجملة : فأمر كلّ من الصحة والرخصة وتمشّي قصد القربة دائر مدار إطلاق الأمر ، فإنّه المنشأ الأصليّ لكلّ ذلك ، فما شمله الإطلاق ثبت له جميع ما ذكر ، وما لم يشمله ـ كالحصة المنهيّ عنها ـ لم يثبت له شي‌ء منها ، ولو فرض ـ محالا ـ شموله للحصة المذكورة كان شأنها شأن غيرها ممّا يشمله فيتضمن الأمر الرخصة في الإتيان بها ، كما ويتمشّى بها قصد القربة ، ويحكم عليها بالصحة. إذن فمع غضّ النظر عمّا يستتبعه النهي من تقييد إطلاق الأمر المقتضي للفساد لا وجه للحكم بالفساد استنادا إلى منافاة الحرمة للرخصة المزبورة ، أو إلى عدم تمشّي قصد القربة معها ، وعليه فلا محصّل لشي‌ء من المبنيين.

(١) عطف تفسير وتوضيح.

(٢) المانعية هنا تغاير المانعية المصطلحة المتحقّقة في الموارد المتقدّمة ، فإنّها هنا بمعنى المراحمة والمعجزيّة والشاغلية ، دون قيدية الخصوصية العدمية في المتعلق ، فانتبه.

(٣) متعلق بـ ( انتفاء ) ، والباء للسببية.

(٤) وهي جهة قصور القدرة عن أحد المتعلقين وعدم التمكن من امتثال‌


ـ كما هو ضابط الرجوع إلى باب تزاحم الحكمين المترتّب على توجّه التكليف بهما إلى المكلّف * القادر (١) ، دون تعارض الدليلين المبنيّ على استحالة ما عدا الواحد منهما حسبما حرّر في محلّه ـ ، فلا خفاء في عدم صلاحيّتها لتطرّق الشبهة فيها (٢) ـ حذو ما تقدّم في أنحائها ـ كي يبحث عن دخولها في عموم هذا النزاع أو خروجها عنه.

وذلك لأنّه بعد استناد مانعيّة المزاحم إلى كونه ـ بشاغليّته التشريعيّة وعدم تمكّن المكلّف في عالم التشرّع والتديّن من عدم الجري على طبقه ـ تعجيزا (٣) مولويّا له عمّا لا يتمكّن معه منه ، وجاريا مجرى الشاغل القهريّ والمانع التكوينيّ في ذلك ، فلا‌

__________________

أحد الخطابين.

(١) بيان لضابط الفرق بين بابي التزاحم والتعارض ، محصّله : أنّ التزاحم يقع بين خطابين فعليين متوجهين إلى المكلف القادر على امتثال كلّ منهما في حدّ نفسه وقد أوجب اتفاق مصادفتهما عجزه عن امتثال أحدهما ، أمّا التعارض فيقع بين دليلين يستحيل اجتماع مدلوليهما جعلا.

(٢) أي : لا يتصوّر هنا الشك في المانعية كما كان يتصور في أنحائها المتقدمة.

(٣) خبر لـ ( كونه ) ، أي : كون المزاحم تعجيزا مولويّا للمكلف عن المزاحم الآخر الذي لا يتمكن منه مع الأوّل.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( بالمكلف ) ، والصحيح ما أثبتناه.


يعقل لها (١) تحقّق واقعيّ إلاّ مع تماميّته في الشاغليّة التشريعيّة الموجبة لسلب الاختيار عنه ـ بحسب الجعل والتشريع ـ عن عدم الجري عليه ، ولا يكاد أن يتّصف بذلك (٢) إلاّ بوصوله ، فإنّه المتوقّف عليه تأثيره في اختياره والمنوط شاغليّته به ، وأمّا نفس وجوده الواقعيّ فحيث إنّه بنفسه ومع عدم وصوله إليه ـ بأحد أنحائه ـ قاصر عن التأثير المذكور ، ولا شاغليّة له بنفس مؤدّاه (٣) فبأن لا يكون شاغلا له (٤) عن غيره وموجبا للعجز عنه أحقّ وأحرى بعد ترتّب الثانية على الاولى (٥) ، وإذ لا مانعيّة له إلاّ بوصوله لا بنفسه فلا يعقل أن يستتبع الشكّ فيه للشكّ فيها (٦) ـ كما لا يخفى.

وعلى هذا يستقيم ما ظاهرهم التسالم عليه من قصر مانعيّة النهي عن الغصب ونحوه من العناوين المجامعة * للمطلوب في‌

__________________

(١) أي : لا يعقل للمانعية تحقق إلاّ مع تمامية المزاحم في الشاغلية الموجبة لسلب اختيار المكلّف ـ تشريعا ـ عن تركه.

(٢) أي : لا يتّصف المزاحم بصفة تماميّة الشاغلية.

(٣) أي : بالنسبة إلى نفس مؤدّاه.

(٤) أي للمكلّف.

(٥) فإنّ الشاغلية إلى النفس بمنزلة الموضوع للشاغلية عن الغير.

(٦) أي : في المانعية ، فإنّ المشكوك فيه غير واصل ، ومثله لا شاغلية له عن غيره فلا مزاحمة له ولا مانعية جزما.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( الجامعة ) والصحيح ما أثبتناه.


الوجود الخارجيّ (١) بصورة تنجّزه (٢).

لكن لا يخفى أنّ الكلام فيما إذا اجتمع العنوانان المتعلّق أحدهما للأمر والآخر للنهي إيجادا ووجودا ـ كما هو موضوع البحث في مسألة الاجتماع ـ يقع :

تارة (٣) في أنّه بعد وضوح مضادّة الحكمين واستحالة تواردهما ـ ولو بالإطلاق ـ على متعلّق واحد ، والفراغ عن عدم الجدوى لمجرّد تعدّد العنوان في ارتفاع هذا المحذور إلاّ مع تعدّد المعنون ـ الذي هو متعلّق الحكم والعنوان مرآة له وآلة لملاحظته ـ ، لا مع اتّحاده وإن تعدّدت جهة الصدق والانطباق ، فهل الاجتماع في مفروض المقام (٤) من باب انتزاع العنوانين عن نفس المجمع ـ بما‌

__________________

(١) كما في الصلاة في المكان المغصوب.

(٢) فإنّ غير المتنجّز الواصل لا شاغلية له ـ كما عرفت ـ فلا مزاحمة ولا مانعية ، إذن فتصح صلاة الجاهل بالغصب ـ كما عليه التسالم.

(٣) هذه هي الجهة الاولى من الجهتين المبحوث عنهما في مسألة الاجتماع في الأصول.

(٤) وهو ما إذا اجتمع العنوانان ـ كالصلاة والغصب ـ إيجادا ووجودا ، فالقائل بامتناع اجتماع الأمر والنهي فيه يرى أنّ العنوانين في مفروض البحث منتزعان عن المجمع نفسه ، وجهتا الصلاة والغصب المجتمعتان فيه موجبتان لصحة انتزاع العنوانين عنه ، أو أنّهما متصادقان عليه ـ كتصادق عنواني العالم والفاسق على زيد ـ ، والجهتان علّتان للصدق والانطباق ـ كعليّة علم زيد وفسقه لصدق العنوانين المذكورين عليه ـ ،


__________________

وعلى كلّ تقدير فالمجمع أمر واحد وحقيقة فأرده ، وتعدّد العنوان والجهة لا يوجب تعدده ، فيلزم من شمول إطلاق دليل كلّ منهما للمجمع تعلّق كلّ من الحكمين بعين ما تعلّق به الآخر وهو محال.

ونحن إذ نختار الجواز نقول : إنّ محط البحث إنّما هو ما إذا اتحد العنوانان إيجادا ووجودا ، دون ما إذا تصادقا مفهوما على ذات واحدة ، وكما لا ريب في امتناع الاجتماع في الثاني وكونه من التعارض بالعموم من وجه ، كذلك لا ينبغي الريب في جوازه في الأوّل.

ومحصّل الفرق بينهما : أنّ مرجع التصادق إلى مصداقيّة هويّة واحدة لعنوانين جوهريين أو عرضيين أو مختلفين ، وانطباقها عليهما وصحة حملهما عليها لكونهما مأخوذين ( لا بشرط ) بالإضافة إليها ـ كما في العناوين الاشتقاقية المحمولة على الذوات ـ ، والتركيب بينهما حينئذ تركيب اتحاديّ نظرا إلى وحدة الهويّة المنطبقة عليهما ـ وجودا وماهية ـ ، والجهتان ـ كعلم زيد وفسقه أو حيوانيته وناطقيته ـ تعليليتان لكون كلّ منهما علة لمصداقية تلك الهويّة لعنوان ، وتعدد الجهات الجوهرية أو العرضية في ذات لا يوجب تعددا في الذات نفسها ـ بالضرورة ـ ، وحينئذ فمع وحدة الهويّة يندرج المورد في باب التعارض ، ولا جدوى فيه لتعدّد العنوان.

أمّا الاتحاد الوجوديّ فمرجعه إلى وجود هويّتين متباينتين ـ بتمام حقيقتهما ـ بوجود واحد منبسط عليهما ، وذلك فيما إذا صدرتا من الفاعل بتأثير واحد وحركة فأرده من دون تمايز بينهما بحسب الإشارة الحسيّة ، فالوجود واحد بوحدة عددية لكنّه ـ حقيقة ـ وجودان لماهيّتين‌


هو كذلك ـ ، أو تصادقهما عليه تصادق عنواني العالم والفاسق على زيد ـ مثلا ـ ، والجهتان المتباينتان موجبتان لصحّة الانتزاع ـ مثلا ـ ، أو علّتان ـ كعلم زيد وفسقه ـ لما ذكر من الصدق والانطباق ، فلا يجدي تعدّدهما تعدّدا في المجمع المنطبق كلّ منهما عليه أصلا ، ويلزم من إطلاق كلّ منهما له تعلّق كلّ من الحكمين بعين ما يتعلّق الآخر ـ بالإطلاق ـ به.

أو أنّه بعد أن كان عقد ذلك البحث فيما إذا اتّحد العنوانان ـ إيجادا ووجودا ـ ، دون ما إذا تصادقا مفهوما ، وامتاز بذلك عن التعارض بالعموم من وجه ـ حسبما أوضحنا في محلّه أنّه ضابط البابين ـ ، فمقتضى نفس الفرض حينئذ ـ مع الغضّ عن البراهين‌

__________________

لا تصادق بينهما ولا انطباق ، وإنّما ينطبق إحداهما على أحد العنوانين والأخرى على الآخر ، نعم كلّ منهما مشخّصة للأخرى وتجري منها مجرى الضمائم ، ولمكان تعدّد الهويّة يكون التركيب بينهما انضماميّا ملازما لتقييدية الجهتين ، ولا يصح حمل إحداهما على الأخرى لمباينتهما ولحاظ كلّ منهما ( بشرط لا ) بالنسبة إلى الأخرى ، ومع تعدّد الماهيّة فلا محالة يتعدّد الوجود ويكون لكلّ منهما حظّ من الوجود المنبسط مغاير للأخرى.

وبما أنّ الأحكام لا تتعلق بالطبائع بما لها من الضمائم ، ولا بالأشخاص بمشخّصاتها ، بل بالطبائع المعرّاة ـ كما حقق في محله ـ فلا مانع من شمول إطلاق كلّ من الحكمين لمورد الاجتماع ، وتكون إحدى الهويّتين متعلقة للأمر والأخرى للنهي من دون محذور ، والتفاصيل محررة في الأصول.


المحرّرة في محلّها ـ هو تعدّد ما ينطبق على العنوانين لا اتّحاده ، لأنّ مرجع التصادق إنّما هو إلى مصداقيّة هويّة واحدة لطبيعتين جوهريّتين كانتا ـ كما في تصادق الجنس والفصل ـ أو عرضيتين ـ كمثال العالم والفاسق ـ أو مختلفتين * ، والاجتماع على هذا الوجه هو المعبّر عنه في مصطلح علماء المعقول بالتركيب الاتّحادي الملازم لتعليليّة الجهتين ، لكونهما ـ كالعلم والفسق في المثال ، وكذلك الحيوانيّة والناطقيّة مثلا ـ راجعة إحداهما إلى ما به تكون الذات الخارجيّة مصداقا لإحدى الطبيعتين والأخرى إلى ما به يكون نفس تلك الذات مصداقا للأخرى ، ولعدم تعدّد تلك الهويّة بذلك فيكون المنطبق على أحد العنوانين منطبقا بعينه على الآخر ويستحيل توارد الحكمين عليه.

وهذا بخلاف ما إذا اتّحدا وجودا ، فإنّ قضيّة نفس الفرض حينئذ ـ مع الغضّ عن كلّ برهان ـ هي موجوديّة هويّتين متباينتين بوجود واحد منبسط عليهما ، وتشخّص كلّ منهما بالأخرى بأحد أنحائه ، فيندرج فيما يعبّر عنه في اصطلاحهم بالتركيب الانضماميّ الملازم لتقييديّة الجهتين ، لكونهما (١) هما المنطبقتين على العنوانين‌

__________________

(١) تعليل لتسمية الجهة في هذا الفرض بالتقييدية ، والظاهر أنّه 1 يروم‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( جوهريين كانا ، عرضيين ، مختلفين ) والصحيح ما أثبتناه.


مقيّدة كلّ منهما من الوجود المنبسط عليهما حصّتها ، ويختصّ ذلك في الجوهريّين بالهيولى والصورة ـ حذو اختصاص تصادقهما أيضا بالجنس والفصل (١) ـ ، وفي العرضين ـ كمفروض المقام ـ أو المختلفين (٢) بما إذا كانت إحداهما من المقولات الصالحة لأن تكون ضميمة في الوجود للأخرى ـ حسبما أوضحناه في محلّه ـ ، ومثال الغصب والصلاة وما كان من قبيله من ذلك.

وبالجملة : فمقتضى ما فرض موضوعا في عقد البحث هو كون الجهتين الصادرتين عن الفاعل بإيجاد واحد هما المنطبقتين‌

__________________

إرجاع التقييد هنا إلى معنى التعيين ، أي : تعيّن كلّ من الجهتين حصّتها من الوجود المنبسط وتفصلها عن الأخرى.

(١) ينبغي إلحاق النوع بهما في ذلك ، فإنّه عنوان جوهريّ متصادق مع كلّ من الجنس والفصل.

(٢) أي : يختصّ التركيب الانضماميّ في العرضين أو المختلفين بالمقولات العرضية الصالحة للانضمام إلى مقولة أخرى بحيث يتحقق به التركيب الانضمامي سواء كانت كلّ منهما مقولة مستقلّة قابلة لصدورها من المكلف ابتداء بلا توسيط فعل من الأفعال ـ كالصلاة والغصب ـ أم كانت إحداهما كذلك والآخر متمّما للمقولة ، والمراد بهذا الأخير الإضافة اللاحقة لفعل المكلف والارتباط الحاصل بينه وبين متعلقة ممّا لا يمكن صدوره منه مستقلا ، كالابتداء والانتهاء بالنسبة إلى السير ، وآلية الإناء ونحوه بالنسبة إلى الأكل والشرب ونحوهما ، فإذا تعلق الأمر بالوضوء والنهي عن استعمال آنية الذهب والفضّة مثلا كان الوضوء في الآنية المذكورة مندرجا في باب الاجتماع ، والتفاصيل موكولة إلى محلها.


على العنوانين ، لا علّتين لانطباق المجمع ـ المفروض تركّبه منهما بما هو كذلك ـ على كلّ واحد كي يلزم الخلف (١).

وإذ لا خفاء في أنّ مثار الكثرة هو الماهيّات ، وبتعدّدها تتعدّد الوجودات ـ لا محالة ـ وإن كانت مشخّصة بعضها لبعض ـ بأحد أنحائه ـ ، ولا يعقل أن يكون حظّ كلّ منهما من الإيجاد والوجود المنبسط عليهما هو بعينه حظّ الآخر منه ، ولا وحدته (٢) ووحدة الشخص المتحصّل منهما إلاّ عدديّة لا حقيقيّة فتتعدّدان ماهيّة ووجودا ـ وإن تشخّصت إحداهما بالأخرى. وبعد الفراغ عن أنّ متعلّقات الأحكام هي الطبائع المعرّاة عن الضمائم دون الأشخاص بمشخّصاتها فيجري كلّ منهما بالنسبة إلى الأخرى مجرى سائر الضمائم الخارجة عمّا يراد تحقّقه أو انتفاؤه (٣) ، ولا يلزم من إطلاق الطرفين ما ذكر من المحذور.

واخرى (٤) في أنّه بعد الفراغ عن رجوع الاجتماع في محلّ‌

__________________

(١) فإنّ كون الجهتين علّتين للانطباق خلف لما فرض من كونهما هما المنطبقتين على العنوانين والمجمع مركبا منهما تركيبا انضماميا.

(٢) أي : ليست وحدة الإيجاد والوجود المنبسط ووحدة الشخص المتحصّل من الوجودين إلاّ وحدة عددية.

(٣) بالأمر به أو النهي عنه.

(٤) هذه هي الجهة الثانية من جهتي البحث في مسألة الاجتماع ، ومحصّلها : أنّ وجود المندوحة هل يكفي في تحقق امتثال الأمر بالإتيان‌


البحث إلى باب الانضمام دون التصادق ، ووضوح أنّ قضيّة اشتراط التكليف بالقدرة على متعلّقاتها هي تزاحم الخطابين عند انتفاء المندوحة (١) وسقوط أحدهما حينئذ بعدم مقدوريّته. فهل يكفي وجودها وتمكّن المكلّف من الطبيعة المأمور بها بذلك (٢) في الإتيان بالفرد المجامع للمحرّم بداعي أمرها لفرض القدرة عليها ، وعدم خروج ما لا يقدر عليه (٣) من جهة الضميمة المحرّمة (٤) عن الانطباق عليها بعد اشتماله ـ في عرض غيره ـ على جهة المطلوبيّة وانتفاء ما يوجب التقييد بالمقدوريّة (٥).

__________________

بالمجمع باعتبار أنّ الطبيعة المأمور بها مقدورة على الفرض ، وهي منطبقة على المجمع لاشتماله ـ كغيره ـ على ملاك المطلوبية ، وليس في البين ما يوجب تقييد متعلق الأمر بالقدرة ، أو لا يكفي نظرا إلى وجود ما يوجب التقييد المزبور وهو امتناع تعلق الإرادة التشريعية ـ بعثا أو زجرا ـ إلاّ بالمقدور ، فغير المقدور ـ ولو شرعا كالمجمع ـ لا يشمله إطلاق الأمر ، فيبطل حيث لا مصحّح له وراء ذلك ـ كما سيشار إليه هنا ممّا هو مفصّل في الأصول.

(١) بأن انحصر امتثاله للأمر في الإتيان بالفرد المجامع للمحرّم.

(٢) أي : بوجود المندوحة.

(٣) يعني : بالقدرة الشرعية.

(٤) متعلق بـ ( يقدر ) ، وما لا يقدر عليه من هذه الجهة هو الفرد المجامع للمحرّم.

(٥) في قبال الوجه الثاني المبنيّ على وجود ما يوجب تقييد الطبيعة بالمقدورية.


أو أنّه وإن كانت المندوحة موجبة لعدم التزاحم بين الخطابين لكنّه بعد أن كانت حقيقة الإرادة التشريعيّة ـ كالتكوينيّة ـ عبارة عن اختيار أحد طرفي ما فرض مقدورا (١) بالبعث عليه أو الزجر عنه ، فكما لا يصلح أن تتعلّق بغير المقدور ـ ولو مع الغضّ عن استقلال العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه ـ فكذا لا يصلح أن تتعلّق * بالقدر المشترك بينهما بما أنّه كذلك (٢) ، فتكون المقدوريّة حينئذ من القيود اللاحقة من ناحية الوقوع في حيّز الخطاب لكونها من لوازم حقيقة البعث والزجر. كما أسلفناه (٣).

ولازم ذلك هو تبعيّة إطلاق المطلوب لمقدار مقدوريّته وخروج ما لا يقدر عليه ـ لمكان المزاحم ـ عن الانطباق عليه بما هو يطالب به وإن كان مشتملا على جهة الحكم وملاكه ، وكان قصدها (٤) كافيا عندنا في المقرّبيّة المعتبرة في العباديّة في غير أمثال المقام ممّا (٥) يوجب المزاحم ـ مضافا إلى سلب القدرة عمّا‌

__________________

(١) لا مطلقا ، إذن فمتعلق الإرادة هو خصوص الحصّة المقدورة.

(٢) أي : بما أنّه قدر مشترك شامل لغير المقدور.

(٣) وذلك أثناء البحث حول شرط القدرة في المقدّمة الثانية للمقام الأوّل.

(٤) أي : قصد الجهة والملاك.

(٥) بيان لأمثال المقام ، والمقصود الإشارة إلى ما حقّقه 1 في الأصول من‌

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولى ( يتعلق ) والصحيح ما أثبتناه.


يزاحمه ـ خللا في حسنه الفاعليّ أيضا ـ كما حرّر في محلّه. ونظير هذا البحث يجري في جميع ما يكون بعض أفراد الواجب ممّا لا يقدر عليه لمانع شرعيّ من حيث استلزامه إمّا لترك واجب لا بدل له ـ كالضدّين الموسّع أحدهما (١) ـ أو فعل محرّم ـ كما في محلّ البحث وأشباهه.

وإذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ إرجاع (٢) المبحوث عنه في مسألة الاجتماع إلى صغرى التزاحم ـ كما هو مقتضى تسالمهم‌

__________________

أنّ قصد الملاك إنّما يجدي في المقربية ـ كما هو المختار ـ فيما إذا لم يوجب المزاحم خللا في حسنه الفاعليّ ، أمّا إذا أوجبه ـ كما في أمثال المقام ممّا تكون العبادة صادرة من الفاعل على وجه مبعّد قبيح لإتيانه به مركّبا مع الحرام بإيجاد واحد وحركة فأرده ـ فمثله لا يصلح للمقربية فيبطل.

(١) كما إذا وجبت الصلاة وهي موسّعة ووجب إنقاذ الغريق وهو فوريّ ولا بدل له ، فترك الإنقاذ واشتغل بالصلاة في سعة وقتها ، هذا. ولازم كلامه 1 عدم اتصاف الصلاة ـ في هذا الفرض ـ بالحسن الفاعليّ فتبطل حذو الصلاة في المغصوب ، فلاحظ.

(٢) محصّل المقصود : أنّ القوم إذ رتّبوا لوازم باب التزاحم ـ من قصر المانعية بصورة التنجز وتخصيص النزاع بمورد وجود المندوحة ـ على المقام فلأجل بنائهم على اندراجه في هذه الكبرى واختصاص النزاع بالجهة الثانية المتقدمة بعد الفراغ عن انتفاء التعارض وجواز الاجتماع من الجهة الاولى. ولو فرض النزاع من الجهة الأولى فالقائل بالامتناع لا بدّ أن يدرجه في باب التعارض بدعوى وجود ملاكه فيه ، ولا مجال لإدراجه ـ على هذا التقدير ـ في باب تزاحم الحكمين أصلا.


على قصر مانعيّة النهي بصورة تنجّزه ، وكذلك إخراجهم لما إذا انتفت المندوحة عن حريم النزاع وعقد البحث في غيره ـ إنّما يستقيم إذا كان البحث عنه والبناء عليه من الجهة الثانية بعد الفراغ عن تباين متعلّقي * الحكمين كليّا ، وكون الاجتماع في المقام من باب انضمام إحدى الهويّتين بالأخرى وتشخّصها بذلك ، دون تصادق العنوانين على هويّة واحدة ـ كما في مثل ( أكرم عالما ولا تكرم الفاسق ) ونحو ذلك.

وأمّا إذا كان البحث عنه والبناء عليه من الجهة الأولى ـ كما هو المشهور عند متأخّري من يرى الامتناع ، وإن كان ظاهر متقدّميهم خلاف ذلك ـ فلا يكاد يستقيم ذلك (١) أصلا ، إذ ليس ما يبحث عنه من هذه الجهة إلاّ استلزام إطلاق الطرفين لمحذور اجتماع الضدّين أو عدم استلزامه له (٢) ، ورجوعه إلى البحث عن صغرى التعارض أوضح من أن يخفى ، كيف وليس تمام موضوعه وملاكه إلاّ عبارة عن استحالة توارد الحكمين ـ الحاكي أحد الدليلين عن أحدهما والآخر عن الآخر ـ على هويّة واحدة ، وهذا بعينه هو الذي يبحث عنه من هذه الجهة ويدّعيه القائل بالامتناع.

وبعد البناء عليه (٣) فيندرج المقام في جزئيّات التعارض‌

__________________

(١) أي : ترتيبهم لوازم باب التزاحم المتقدمة.

(٢) لكون التركيب بين المتعلقين اتحاديا أو انضماميا.

(٣) أي : البناء على توارد الحكمين على هويّة واحدة والقول بالامتناع.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الأولي ( متعلق ) والصحيح ما أثبتناه.


بالعموم من وجه ولا مناص عن الجري على ما يقتضيه قواعده ، ولا مساس له بباب تزاحم الحكمين أصلا ، ضرورة أنّ عدم دخل (١) التنجّز وعدمه ولا وجود المندوحة وعدمها في تضادّ الأحكام ، واستحالة تواردها ـ ولو بالإطلاق من الجانبين أو أحدهما ـ على متعلّق واحد ممّا لا يعقل أن يفرّق فيه بين المقام وغيره ممّا يتصادق العنوانان على هويّة واحدة ، ولو بني على الامتناع بهذه الدعوى فكيف يعقل التفكيك في التقييد (٢) الناشئ عن تضادّ الحكمين بين موارده؟.

ومجرّد اشتمال (٣) كلّ من الحكمين على المقتضي في محلّ البحث وإن كان مجديا في صحّة تسمية المقام ـ بهذا الاعتبار ـ بالتزاحم (٤) ، لكنّه لا يجدي في اللحوق بباب تزاحم الحكمين‌

__________________

(١) محصّل المراد : أنّ ما ذكر ـ من استحالة توارد الحكمين على هويّة واحدة ـ هو تمام ملاك التعارض ولا دخل فيه للتنجز وعدمه ، ولا لوجود المندوحة وعدمها ، ولا يفرّق في عدم الدخل المذكور بين مقام وآخر ، فكيف يعقل البناء في المقام على التعارض مع البناء على اختصاص المانعية بصورة التنجز وتخصيص النزاع بمورد وجود المندوحة؟.

(٢) وهو تقييد إطلاق أحد الدليلين أو كليهما ـ الذي لا بدّ منه في موارد التعارض بالعموم من وجه.

(٣) تعريض بما نهجه صاحب الكفاية 1 من أنّه يعتبر في الاندراج في مبحث الاجتماع اشتمال كلّ من متعلّقي الحكمين في مورد الاجتماع على ملاك حكمه ، فبدونه يندرج المورد في باب التعارض.

(٤) لكونه تزاحما بين المقتضيين.


وإعمال قواعده ، كيف ومع الغضّ عن اطّراده في جميع أبواب التعارض من حيث كاشفيّة كلّ من المتعارضين ـ ما لم تصل النوبة إلى طرح سنده (١) ـ عن ذلك وعدم منافاة الآخر له إلاّ في النتيجة (٢) دون وجود الجهة المغلوبة ، إلاّ إذا علم بكذلك أحدهما (٣) من الخارج فيخرجان عن باب التعارض رأسا ويكونان من اشتباه الحجّة باللاحجّة ، وبينهما بعد المشرقين ، فلا يخفى أنّ غاية ما يوجبه اشتمال كلّ من الحكمين المتضادّين على المقتضي في حدّ نفسه هو تمانع الجهتين وتزاحمهما النفس الأمريّ عند الآمر في ملاكيّة الحكمين المستحيل جعل ما عدا الواحد منهما لمكان المضادّة (٤) ، وغاية ما يتوقّف عليه ذلك إنّما هو التفات الآمر‌

__________________

(١) إذ مع طرح سند أحدهما ـ لاشتمال الآخر على المرجّح السنديّ ـ لا يبقى ما يكشف عن الملاك.

(٢) يعني : إذا لم يطرح سند أيّ منهما فترجيح أحدهما بأحد المرجّحات ـ غير السندية ـ لا ينافي كاشفية المرجوح في نفسه عن الملاك في الجملة وإن كان مغلوبا بالنسبة إلى ملاك الراجح ، وإنّما المنافاة الناشئة عن التعارض واقعة في النتيجة وما ينتهي إليه الأمر ، وذلك بالأخذ بأحدهما وطرح الآخر.

(٣) فينتفي حينئذ موضوع الاستكشاف المزبور ، لكنّه ليس من التعارض في شي‌ء. أذن فالتزاحم بين المقتضيات متحقّق في جميع موارد التعارض إذا لم ينته الأمر فيها إلى طرح السند.

(٤) فيوجب ذلك تقديم الأقوى منهما ملاكا وجعل الحكم على طبقه خاصّة دون الآخر.


بذلك (١) ، ولا مساس لتنجّز الخطاب (٢) الناشئ عن الجهة الغالبة بخروج الأخرى عن ملاكيّة الحكم عنده ، ولا لعدم تنجّزه بارتفاع المضادّة المتوقّفة عليه ملاكيّة الجهة المغلوبة للحكم على حسب ما تقتضيه ، وهذا بخلاف ما إذا كان الحكمان المشروط كلّ واحد منهما بالقدرة على متعلّقه مزاحما أحدهما المعيّن ـ مثلا ـ أو المخيّر للآخر وموجبا للعجز عنه ، لما عرفت (٣) من قصوره عن كونه تعجيزا مولويّا عمّا يزاحمه إلاّ بعد وصوله ، وعدم كونه مزاحما له إلاّ في البعث عليه والطلب به ، لا في * تماميّة ملاكه وجهة حسنه الكافية في العباديّة والمقربيّة في غير المقام ـ كما قد عرفت (٤).

__________________

(١) أي بالتمانع والتزاحم النفس الأمريّ المزبورين.

(٢) يعني ليس شأن تزاحم الملاكين عند الآمر شأن تزاحم الحكمين عند المكلف في توقّف تحقّق التزاحم بينهما ـ الموجب لسقوط الخطاب المهمّ ـ على تنجز الخطاب الأهمّ ، وارتفاع التزاحم من البين مع عدم تنجزه ، ضرورة أنّه لا أثر لتنجز الحكم الأقوى ملاكا في سقوط الملاك الآخر عن ملاكيته للحكم ، ولا لعدم تنجزه في ارتفاع المضادّة بين الحكمين والمزاحمة بين الملاكين.

(٣) عرفته في أوّل هذا التنبيه ـ الخامس.

(٤) في هذا التنبيه لدى البحث عن الجهة الثانية من جهتي البحث في مسألة الاجتماع.

__________________

(*) الموجود في الطبعة الاولى ( إلى ) والصحيح ما أثبتناه.


وبالجملة : فلو بني على الامتناع ـ بدعوى رجوع الاتّحاد في الوجود أيضا إلى تصادق العنوانين وارتفاع الفارق بين البابين ـ فلا محيص عن الالتزام بخروج المجمع عن إطلاق أحدهما في نفس الأمر ـ كما في نظائره (١) ـ ، وبعد ترجيح جانب النهي بما يؤخذ به في نظائر المقام فيرجع الأمر إلى تقيّد المطلوب النفس الأمريّ بما عدا المحرّم ـ لا محالة ـ إمّا بعنوانه الأوّليّ الذاتيّ (٢) ويلزمه الفساد ولو مع نسيان الحرمة فضلا عن الجهل بها ، كما في غيره ممّا يتقيّد أحد العامّين من وجه بما عدا الآخر ، أو الثانويّ المتحصّل من تعلّق النهي به (٣) وعليه يتوجّه التفصيل في الفساد بين الجهل والنسيان في جميع ما يكون التقييد ناشئا عن مضادّة الحكمين من دون فرق بين المقام وغيره. وعلى كلّ منهما فتكون القيديّة في المقام ـ كحالها فيما إذا استفيدت من تعلّق النهي النفسيّ بنوع من العبادة ومن جزئيّاته (٤) ـ واقعيّة لا مجال لدعوى قصرها‌

__________________

(١) من موارد التعارض بين العامّين من وجه.

(٢) كعنوان الغصب ، فيتقيّد الصلاة مثلا بعدم وقوعها في المغصوب ، وعليه فيحكم بفساد الواقعة فيه مطلقا ـ ولو جهلا أو نسيانا.

(٣) كعنوان الغصب المحرّم ، وعليه تتقيّد الصلاة بعدم وقوعها في المغصوب على وجه محرّم ، ويحكم بفساد الواقعة في المغصوب جهلا ، دونها نسيانا لانتفاء الحرمة بالنسيان.

(٤) أي : من جزئيات ما إذا استفيدت القيدية من النهي النفسيّ ، وقد تقدّم تفصيل الكلام فيها في التنبيه السابق ـ الرابع.


بصورة التنجّز ، فيتطرّق الشكّ فيها (١) حينئذ ـ على حدّ سائر القيود الواقعيّة ـ لا محالة ، ولا جدوى لأصالة الحلّ في إلغائه على كلّ من الوجهين (٢) ـ حذو ما تقدّم (٣) ـ ، ولا لوجود الجهة المغلوبة أيضا في العباديّة والمقرّبيّة (٤) ـ كما قد عرفت ـ ، بل ولا بدّ عند انتفاء المندوحة ـ وكذلك النسيان أيضا ـ من الجري على ما يقتضيه تعذّر القيد الناشئ قيديّته من الخطاب النفسيّ أو نسيانه ، دون تزاحم الحكمين ـ كما لا يخفى.

وتسالمهم في جميع ذلك على خلاف ذلك وجريهم فيها على قواعد التزاحم ممّا لا ينطبق إلاّ ببناء الامتناع ـ إمّا مطلقا أو عند انتفاء المندوحة خاصّة ـ على الجهة الثانية دون الاولى ، ولا يستقيم على هذا المبنى (٥) أصلا.

بل لو قيل بكون الجهل بالحكم ـ كالنسيان ـ موجبا لسقوط‌

__________________

(١) أي : في القيدية كما إذا شك في غصبية المكان فإنّه يستتبع الشكّ في تقيد الصلاة بعدم وقوعها فيه ويندرج في باب الأقل والأكثر الارتباطيين.

(٢) من تقيد المطلوب بما عدا المحرّم بعنوانه الاوّليّ أو الثانويّ.

(٣) تقدّم تحقيق الحال في ذلك في المقام الثاني وكذا في التنبيه الرابع مفصّلا.

(٤) إذ لا أثر لوجودها مع فرض تقيد العبادة واقعا بعدم وقوعها في الحرام.

(٥) وهو بناء الامتناع على الجهة الاولى واندراج المقام في باب التعارض.

انتهى ما أردت إيراده شرحا على الرسالة الشريفة ، والحمد لله على توفيقه لإتمامه وله الشكر على تأييده وإنعامه والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله الهداة المعصومين.


الخطاب واقعا بدعوى أنّ هذا هو مفاد حديث الرفع لا مجرّد المعذوريّة ، والتزم بما يلزمه من التوالي لم يجد ذلك في التفصيل بين المقام وغيره ممّا يتصادق العنوانان على هويّة واحدة ، فليكن ذلك أيضا كاشفا عن فساد ذلك المبنى من أصله ، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

وليكن هذا آخر ما أردنا تحريره في تنبيهات المسألة من استقصاء أنواع الموانع وأنحاء المانعيّة وتميّز ما يدخل الشكّ فيه في عموم هذا النزاع عمّا يخرج منه.

ولنختم الرسالة بذلك حامدا مصلّيا مسلّما ، وكان تسويدها بيد مصنّفها العاصي الجاني المبتلى بهواه ( محمّد حسين النائيني ) ـ عفا الله تعالى عن جرائمه وتجاوز عنه ـ في السنة الخامسة عشرة بعد الألف والثلاثمائة ، وبقيت في السواد سنين حتى استخرجناها بتحرير جديد بالتماس من إخواننا المؤمنين.

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.


الفهرس

تمهيد........................................................................... ٥

الأقوال في المسألة................................................................ ٧

تقديم اُمور : الأول في معنى الجواز لغةً وشرعاً..................................... ١٠

الجواز الواقعي والظاهري........................................................ ١١

الأمر الثاني : إيراد روايات الباب................................................ ١٣

ظهور الروايات في التلازم بين حرمة أكل الحيوان وفساد الصلاة في أجزائه........... ١٥

دعوى انحصار مناط المنع في المسوخ وردها........................................ ١٦

بيان الضابطة لكون الجهة غير المطردة حكمةً لتشريع حكمٍ مطرد.................... ١٧

عدم انطباق الضابطة على المقام ................................................. ١٩

الإيراد على التلازم بين الحكمين ودفعه .......................................... ٢٠

بيان الضابطة لتعليل الحكم بمناطه وأنه على وجهين................................ ٢١

بيان الضابطة لما يكون من العلة المنصوصة في قوة الكبرى الكلية..................... ٢٢

أقسام العلل الشرعية............................................................ ٢٤

أصالة كون العلة من قبيل واسطة الثبوت.......................................... ٢٥

الضابطة الإثباتية لكون العلة واسطة العروض وكبرى كلية.......................... ٢٧


المناقشة في مثال الواسطة الثبوتية ودفعها........................................... ٣٠

عدم انطباق الضابطة الإثباتية على رواية مقاتل..................................... ٣٤

ابتناء انطباق الضابطة على رواية علي على إحدى نسختيها......................... ٣٦

وجود المانع على النطباق الضابطة على الرواية..................................... ٤٠

عدم صلاحية رواية الحنّاط لمعارضة عموم المانعية................................... ٤٥

استثناء الخزّ من عموم المانعية.................................................... ٤٨

دلالة رواية ابن أبي يعفور على الجواز في جلد الخز................................. ٤٩

دلالة صحيحة سعد على الجواز في جلد الخز...................................... ٥١

تقريب دلالة الصحيحة على الجواز .............................................. ٥٣

دلالة صحيحة سعد على الجواز في جلد الخز...................................... ٥٧

عدم صلاحية روايت المنع للمعارضة.............................................. ٥٩

هويّة الخز..................................................................... ٦٠

الخلاف في استثناء النسنجاب.................................................... ٦٦

النصوص الدالة على الجواز في السنجاب.......................................... ٦٧

المناقضة في النصوص المذكورة................................................... ٧٠

حكم سائر ما وردت الرخصة فيه ............................................... ٧٧

تقييد بعضهم الرخصة بحال الضرورة ............................................ ٨٠

أقسام ما يحرم أكله من الحيوان.................................................. ٨١

جواز الصلاة في ذي اللحم من المحرم غير ذي النفس............................... ٨٢

المناقشة في شمول الدليل لغير ذي النفس وردها..................................... ٨٣

دعوى الجواهر كون الذبح تذكيةً للحيوان المذكور وردّها.......................... ٨٩

جواز الصلاة في أجزاء الانسان.................................................. ٩٣

حكم الصلاة في أجزاء المحرم العارضي............................................ ٩٦

عدم جواز الصلاة في أجزاء الموطوء وشارب لبن الخنزيرة........................... ٩٧


جواز الصلاة في أجزاء الجلّال.................................................... ٩٩

أقسام ما على المصلّى عند فعل الصلاة.......................................... ١٠٠

عدم جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة من المحرّم............................... ١٠١

مستند القائل بالجواز وتضغيفه ................................................. ١٠٣

تحقيق حول الفقه الرضوي ومدى اعتباره ....................................... ١٠٦

عدم جواز الصلاة في عوارض البدن واللباس من المحرم............................ ١٠٩

عدم جواز الصلاة في المحمول من المحرّم.......................................... ١١٣

حكم الممزوج والمغشوش بالمحرّم................................................ ١١٤

حكم ما إذا كان مقدار الغش يسيراً مستهلكاً.................................... ١١٧

الأمر الثالث : هل الوقوع في المأكول شرطٌ او الوقوع في غيره مانعٌ أو كلاهما..... ١٢٠

امتناع اجتماع شرطية أحد الضدين ومانعية الآخر تكويناً......................... ١٢٣

تحقيقٌ حول أجزاء العلّة وطوليتها............................................... ١٢٤

تحقيقٌ حول استحالة اجتماع مقتضيي الضدّين................................... ١٢٧

الاعتراض على مقالة الخونساري رحمه الله ...................................... ١٣٢

امتناع اجتماع شرطية الشيء ومانعيّة ضدّه في التشريعيات ملاكاً وخطاباً........... ١٣٤

إمكان اعتبار شيءٍ شرطاً واعتبار ضدّه قاطعاً ................................... ١٣٧

استظهار المانعية من أدلّة الباب................................................. ١٣٨

المناقشة في أدلة القائلين بالشرطية............................................... ١٤٣

المناقشة في دلالة رواية ابن أبي حمزة على الشرطية................................ ١٤٤

المناقشة في دلالة ذيل الموثقة على الشرطية....................................... ١٤٦

تشبّثٌ من بعض القائلين بالشرطية وردّه........................................ ١٥٠

تكلّف في تصوير الشرطية وردّه................................................ ١٥٥

الأمر الرابع : غثبات أن المانعية واقعية لا علمية.................................. ١٥٩

الوجوه المدّعاة لكون المانعية عليمة وردّها ....................................... ١٦٠

دعوى القمي قدس سره الشريف دلالة النصوص على مانعة المعلوم وردّها.......... ١٦١

ردّ دعوى شرطية العلم عقلاً في متعلق الخطاب.................................. ١٦٧


إبطال مقايسة العلم على القدرة................................................ ١٦٨

تحقيق في مفاد الخطابات الغيرية................................................. ١٦٩

رد تفصيل الوحيد قدس سرده في اعتبار القدرة في القيود.......................... ١٧٢

الأمر الخامس : مالأدلة الاجتهادية المستدل بها على الجواز في المشتبه وردّها......... ١٧٤

الاستدلال بإطلاق الرخصة في الخزّ وتضعيفه.................................... ١٧٦

الاستدلال بنصوص الجواز فيما اُدذ من يد المسلم وتضعيفه........................ ١٧٨

تضعيف سائر الأدلة.......................................................... ١٨١

تعين البحث عما يقتضيه الاُصول العملية في مقامات ثلاثة ........................ ١٨٢

المقام الأول : في اندراج الشهة في الاقل والأكثر وجريان البراءة فيها ............... ١٨٤

بيان ما يتبنى عليه القول بالبراءة أو الاشتغال في المقام ............................. ١٨٦

تمهيدُ لبيان الضابط المائز بين الشك في التكليف أو الامتثال........................ ١٨٨

تقسيم التكليف باعتبار تعلقه بالموضوع الخارجي وعدمه إلى أربعة أقسام............ ١٨٩

التفرقة بين موضوعات التكاليف الوجودية المعدمية .............................. ١٩١

تحقيق حول كيفية تشريعالأحكام وبيان مراتبها................................... ١٩٣

بعض موارد الخلط بين شرائط الجعل وشرائط المجعول............................. ١٩٤

بيان المناسبة في العبير عن الموضوع بالشرط أو السبب............................ ١٩٦

دوران فعلية الحكم مدار تحقق موضوعه ........................................ ١٩٧

بعض مهامّ المسائل المترتبة على امتناع الخلف.................................... ١٩٨

دوران تنجّز التكليف مدار العلم بتحقق موشوعه................................. ١٩٨

تثليث مراتب الحكم.......................................................... ١٩٩

منشأ اختلاف الأقسام الأربعة في التنجز........................................ ٢٠٠

صُور الشبهة المصداقية المتصورة فيالقسم الاول وحكمها ......................... ٢٠٠

صور الشبهة المصداقية للقسم الثاني وحكمها.................................... ٢٠٤

حكم ما لو تردد موضوع القسم الثاني بين الأقل والأكثر......................... ٢٠٦

التفيل في موارد التردد المذكور بين الوجوبية والتحريمية وسرّه ..................... ٢٠٧

الشبهة المصداقية للقسم الثالث وحكمها........................................ ٢٠٩


اشتراط فعلية التكاليف بالقدرة عقلاً وباقتضاء الخطاب........................... ٢١١

انقسام القدرة الى عقلية وشرعية والضابط لكل منهما............................. ٢١٣

امتناع دخل القدرة العقلية في الملاك ووجهه...................................... ٢١٥

حكم الشك في القدرة بكل من قسميها......................................... ٢١٧

بيان ما هو المناط لوجوب الفحص أ, الاحتياط .................................. ٢١٨

بيان الضابط لاستكشاف العقل الخطاب المتمم................................... ٢٢٠

تحقيق حول اسباب القصور الموجب لجعل المتمم.................................. ٢٢١

حصر أقسام الخاب المتمم في ثلاثة.............................................. ٢٢٣

القدرة المعتبرة في في القسم الثالث من ناحيتين صلاحةلإ لأن تكون عقلية أو شرعية . ٢٢٦

القدرة المعتبرة في الوضوء عقلية وشرعية معاً باعتبارين ............................ ٢٢٧

امتياز القسم الرابع عن سائر الاقسام بما يقتضي الانحلال والترتب.................. ٢٢٩

تحقيق ما ينشأ عنه الاشتراط في القسم الرابع..................................... ٢٣١

انحلال القضايا الحقيقية إلى شرطية.............................................. ٢٣٢

المناقشة في اقتضاء القسم الرابع للاشتراط والجواب عنها ......................... ٢٣٣

تحقيق حال الاشتراط بوجود الموضوع في مرحلة البقاء............................ ٢٣٦

بيان لأأن المتكفل لإيجاب حفظ الموشوع هو الخطاب المتمم........................ ٢٣٩

اقتضاء الأصل الأولي دوران الحكم مدار موضوعه حدوثاً وبقاءاً.................... ٢٤١

ما يقتضيه التحريم بالنسبة إلى إعدام موضوعه ................................... ٢٤٢

ابتناء جريان البراءة في الشبهات الموضوعية على الانحلال والاشتراط................ ٢٤٧

دوران التنجز مدار العلم بآحاد الخطابات الفعلية................................. ٢٤٨

توقف العلم بالخطاب الفعلي على اعلم بشخص موضوعه......................... ٢٤٩

توقف الفعلية على انضمام الصغرى إلى الكبرى وتوقف التنجز على العلم بهما ...... ٢٥٠

انطباق عنوان الموضوع مقدمة وجوبيّة لا علميّة ................................. ٢٥١

محصل الفارق بين القسم الرابع وسائر الأقسام................................... ٢٥٣

ضابط رجوع الشبهة المصداقية إلى الشك في التكليف أو الامتثال.................. ٢٥٤


إلحاق الشك في المسقط القهري بالشك في المسقط الاختياري..................... ٢٥٥

جريان الأقسام الاربعة وضوابط تنجزها في باب القيود ........................... ٢٥٦

حكم الشبهات المصداقية للقفيود الوجودية بأقسامها الثلاثة....................... ٢٥٨

حكم الشبهات المصداقية للقيود العدمية بأقسامها الأربعة.......................... ٢٦٠

تفصيل الكلام في الشبهات المصداقية للقسم الرابع من القيود العدميّة............... ٢٦١

البحث الصغروي والكبروي الواقع في المقام ونظائره من موارد القسم الرابع من القيود العدمية ٢٦١

المبحث الأول في تنقيح الصغرى ؛ تعريف المانع وأقسامه ......................... ٢٦٤

إبطال القول بجعل الماهيّات الاعتبارية........................................... ٢٦٥

بيان انتزاعية السبيّة وأخواتها................................................... ٢٦٦

الوجوه الثلاثة المحتملة ثبوتاً لقيدية العدم......................................... ٢٦٨

تطرق الوجوه الثلاثة في النواهي النفسيّة واستطهار الوجه الثالث ـ الانحلال ـ في البايين ٢٧٠

مستند القائل بالوجه الثاني ـ قيدية السلب الكلي ـ............................. ٢٧٢

ظهور الادلة في الانحلالية وانتفاء الدليل المخرج.................................. ٢٧٣

رد ما استند إليه القائل بقيدية السلب الكلي من الوجهين ........................ ٢٧٥

تحقيق في رجوع القيد الى الطبيعة وطرو الفساد على الشخص .................... ٢٧٧

اقتضاء قيدية السلب الكلي جزئية كل فرد للقيد حقيقةً أو حكماً ................. ٢٨١

رجوع الشبهة على تقدير قيدية السلب إلى باب الأقل والأكثر وعدم دوران الاندراج فيه مدار الانحلالية ٢٨٤

حكم الاشبهة بناءاً على الشرطية على كل من التكلفين........................... ٢٨٦

المبحث الثاني في تنقيح الكبرى : إهمال القوم لحكم الدوران بين الأقل والأكثر لشبهة خارجية ٢٨٨

مدرك أصالة البراءة بوجه عام عقلاً وشرعاً...................................... ٢٩١

تقريب جريان البراءة العقلية والشرعية في الارتباطيات............................ ٢٩٣

ملاك انحلال العلم الإجمالي..................................................... ٢٩٥


تقريب عدم جريان البراءة العقلية في الارتباطيات................................. ٢٩٧

جريان البراءة الشرعية وثبوت الإطلاق الظاهري في الارتباطيات................... ٣٠١

المناقشة في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية من وجهين وردّها ................ ٣٠٣

اطراد ملاك عذرية الجهل في الشبهات الموضوعية................................. ٣٠٥

رد دعوى كفاية العلم بالكبرى في المنع عن جريان البراءة......................... ٣٠٩

اجتماع ملاكي الارتباطية والموضوعية في الشبهة المبحوث عنها.................... ٣١١

استظهار ابتناء ذهاب المشهور إلىالمنع على منع الصغرى.......................... ٣١٢

المقام الثاني : في اندراج الشبهة في المقام في مجاري أصلاة الحل...................... ٣١٥

إبطال مسببية الشك في المانعية عن الشك في الحرمة .............................. ٣١٦

منع استلزام الشك فيما اُخذ منه للشك في حلية المأخوذ........................... ٣١٧

وصف الحلال والحرام تارةً موضوعٌ للحكم واُخرى معرف لموضوعه............... ٣٢٠

الحلية أو الحرمة قد تؤخذ موضوعاً بمعناها الذاتي واُخرى بمعناها الفعلي ............. ٣٢٢

المجعول بأصاله الحل ترخيصٌ فعلي في حال الشك................................ ٣٢٣

استظهار المعرفية للموضوع من أدلة الباب....................................... ٣٢٥

استظهار الذاتية من الأدلة على تقدير موضوعية الموصف.......................... ٢٣٧

عدم الرق فيما ذكر بين الشبهات الموضوعية والحكمية........................... ٣٢٨

ما يقتضيه البناء على أصالة الحرمة في المقام ..................................... ٣٣٠

فيه استحسان مقال وتضعيف آخر ............................................. ٣٣٣

إبطال بناء الاستدلال بأصالة الحل على إحراز الإباحة التكليفية بها ................. ٣٣٤

تحقيق حول الاُصول الاجارية في موارد الشك في المشروعية ....................... ٣٣٧

بيان الوجه الصحيح للاستدلال بأصالة الحل في المقام............................. ٣٤٤

حقيقة الحل والحرمة المتعلقين بالموضوعات أو بالأفعال ............................ ٣٤٦

عدم اختصاص أصالة الحل بموارد الشك في الحرمة النفسية ....................... ٣٤٩

تقريب الاستدلال على ذلك وتركبه من مقدمات ثلاث.......................... ٣٥٠

رجوع المانعية إلى المنع الشرعي على وجه الانحلال............................... ٣٥٣

عدم تضمن القيود الوجودية للمنع الشرعي...................................... ٣٥٤


رجوع الإطلاق بالنسبة إلى أضداد المانع إلى الرخصة فيها......................... ٣٥٧

شمول أدلة أصالة الحل للمنع الشرعي من جهة القيدية ............................ ٣٥٨

شواهد من الروايات استعملت فيها الحرمة فيما يعم المانعية ....................... ٣٥٩

إفادة الحلية الظاهرية في القيود للإطلاق والصحة الظاهرية........................ ٣٦٦

تحقيق حول إجزاء المطلوب الظاهري عن الواقعي ................................ ٣٦٨

رد دعوا كو الشك في المقام في الوضع دون التكليف............................. ٣٧١

الإشكال على جريان أصالة الحل بناءاً على تأصل جعل المانعية..................... ٣٧٢

المقام الثالث : في البحث على اندراج الشبهة في مجاري الاستصحاب الموضوعي..... ٣٧٥

كفاية ترتب الأثر الناشئ عن القيدية في جريان الاُصول العملية.................... ٣٧٨

الضابط في جريان الأصل لإحراز بعض أجزاء المركب وقيوده..................... ٣٧٩

ثبتيّة الأصل الجاري فيما يلازمه أو ينتزع عنه أو يتسبّب منه موضوع الحكم........ ٣٨١

تحقيق وتفصيل في مسألة الشك في إدراك الإمام في الركوع....................... ٣٨٤

عدم جريان الأصل مع اعتبار الربط الثانوي بين الأجزاء.......................... ٣٨٧

صور القيود المعتبرة في الصلاة.................................................. ٣٨٨

عدم اعتبار سبق الالتفات إلى الشك في جريان الأصل............................ ٣٨٩

عدوىالمحقق الرشتي رحمه الله اعتبار سبق الالتفات ومناقشتها...................... ٣٩٣

حكم الشك في بقاء القيد الصلاني الحاصل منأول الشروع........................ ٣٩٧

هل يجري الاستصحاب لإحراز الجزء الصوري.................................. ٤٠٠

بداية البحث عن استصحاب العدم الأزلي....................................... ٤٠٣

جريان استصحاب العدم مع ترتب الأثر على نقيضه الوجودي..................... ٤٠٥

حكم المخصص إذا كان نافياً لحكم العام محضاً أو كان مثباُ لحكم آخر............. ٤٠٧

حكومة الأصل المحرز للجزء على الأصل النافي للجملة............................ ٤١٠

ما يترتب من الأثر على الأصل النافي للجملة..................................... ٤١٢

أقسام الموضوعات والمتعلقات المركبة............................................ ٤١٣

رجوع التركب من المتاينين إلى مقارنة الوجود أو العدم........................... ٤١٤


صلوح العرض للحاظه محمولياً تارة ونعتيّاً اُخرى................................. ٤١٧

انحصار قيدية العرض ثبوتاً بوجوده أو عدمه النعتيين.............................. ٤١٨

امتناع التقييد ثبوتاً بوجود العرض أو عدمه المحموليين............................. ٤٢١

اقتضاء الدليل اثباتاً قيدية النعتي................................................. ٤٢٢

ما يقتضيه الدليل المجمل المردد بين النعتية والمحموليّة............................... ٤٢٣

كون أغلب الأدلة من المبين الدال على قيدية النعتي............................... ٤٢٤

انطباق نتيجة التخصيص بالاستثناء أو المنفصل على قيدية النعتي.................... ٤٢٥

دعوى الكفاية عدم معنونية العام بعنوان خاص ومناقشتها......................... ٤٢٩

دعوى الكفاية معنونية العام بكل عنوان سوى عنوان الخاص وتضعيفها............. ٤٣٢

كفاية استصحاب العدم الأزلي لإحراز العدم المحمولي............................. ٤٣٧

التحقيق حول عدم كفاية استصحاب العدم الأزلي لإحراز العدم النعتي.............. ٤٣٨

اللاحق بالموضوع هو وجود العرض أوعدمه دون ماهيته.......................... ٤٤٠

استحالة نعتيّة العدم مع انتفاء الموضوع.......................................... ٤٤٣

استشهاد البعض بمقالة المناطقة على صدق السالبة المحصلة مع انتفاء الموضوع........ ٤٤٤

ابتناء إفادة القضية سلب الربط على أحد قولين فاسدين.......................... ٤٤٦

تحقيق حول فساد القوليين وبيان حقيقة الأمر ................................... ٤٤٨

هدم أساس سلب البرط وتحقيق الحال في المذهب الفصل.......................... ٤٥١

الفارق بين السلب المحصل والمعدول المحمول...................................... ٤٥٢

دعوى مسبوقية النعوت الوجودية بالعدم وردها................................. ٤٥٤

حكم المسألة لو قيل بالأحيان الثابتة............................................ ٤٥٧

دعوى ابتناء أصلين فقهيين مسلمين على الاستصحاب الأزلي وردها............... ٤٥٨

المناقشة في أصالة عدم النسب وبيان المختار فيها ................................. ٤٦٠

فيه تعريض لصاحب الكفاية 1............................................... ٤٦١

كفاية سلب النسب محمولياً في أغلب موارد الشك فيه ........................... ٤٦٣


عدم الجدوى لأصلابة بقاء الاب في وراثة مشكوك الاُبوة......................... ٤٦٩

المناقشة في جريان أصالة عدم الأبوة............................................. ٤٧١

الوجوه المتصورة لمانعية غير المأكول ومقتضى الأصل على كل منها................. ٤٧٣

استظهار ثالث الوجوه من الأدلة............................................... ٤٧٦

التشبث للوجه الثاني بموثقة سماعة ورده......................................... ٤٧٧

نشوء توهم الوجه الثاني عن خلط في المقام....................................... ٤٧٩

طهور الكلمات في كون المانع هو وقوع الصلاة في غير المأكول.................... ٤٧٩

تضعيف الأقوال تفصيلية في المسألة............................................. ٤٨٢

نقل مقالة الفاضل الآشتياني ومناقشتها........................................... ٤٨٤

حكم الشك في بقاء القيد أثناء الصلاة.......................................... ٤٨٧

الخاتمة : الأمر الأول في عدم جريان الأصل الموضوعي مع الشك في وجود المانع...... ٤٨٨

تحقيق حول اندراج المورد في مجاري البراءة....................................... ٤٩١

قيام الأطمئنان مقام العلم...................................................... ٤٩٣

الثاني : في عدم اختصاص البحث بالصلاة في مشكوك المأكتولية................... ٤٩٥

مقالة المدرك وردها........................................................... ٤٩٧

الاُصول الجارية في مواد الشك في الطهارة الخبثيّة................................. ٤٩٨

حكم تردد الدم بين المعفو وغيره............................................... ٤٩٩

تحقيق في رجوع نتيجة العفو إلى تخصيص قيدية الطهارة لا تخصيص ذات القيد...... ٥٠٠

الثالث حكم الشك في القيد العدمي غير المتوقف على موضوع خارجي ............ ٥٠٤

إثبات الانحلال والترتب في القيود العدمية المذكورة............................... ٥٠٧

تحقيق حول ترتب الخطاب على الانطباق على العنوان المطلوب عدمه .............. ٥٠٨

الرابع : حكم الشبهة المصداقية للمانعية مالناشئة عن المبغوضية..................... ٥١١

هل المناعية المذكورة مترتبة على الحرمة أو هما في عرض واحد..................... ٥١٣

ابتناء المسألة على الخالف في استناد النتفاء الذد إلى وجوب ضدّه وعدمه ........... ٥١٤


عدم الجدوى لأصلاة الحل في المورد حتى لو بني على الاستناد...................... ٥١٧

حكم المسألة بناءاً على تضمن الأمر الرخصة في الإتيان بكل فرد من متعلقة......... ٥١٩

حكم المسألة بناءاً على استناد الفساد إلى انتفاء القربة............................. ٥٢٠

الرد على المبنيين المتقدمين..................................................... ٥٢١

الخامس : حكم المانعية الناشئة عن المزاحمة....................................... ٥٢٢

البحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه من الجهة الاُولى................... ٥٢٥

التفكيك بين موارد التركيب الاتحادي والنضمامي............................... ٥٢٧

البحث عن جواز الاجتماع وعدمه من الجهة الثانية............................... ٥٣٠

عدم استقامة إدراج المقام في التزاحم إذا كان بحثاً عن الجهة الاُولى................. ٥٣٣

عدم الجدوى لاشتمال الحكمين على الملاك في الاندراج في باب التزاحم............ ٥٣٥

ما يترتب على القول بالامتناع والتعارض........................................ ٥٣٨

الختام....................................................................... ٥٤٠

رسالة الصّلاة في المشكوك

المؤلف: الميرزا محمّد حسين الغروي النّائيني
الصفحات: 551
ISBN: 964-319-053-6