مقدمة المؤلف
بسم الله الرحيم الرحيم
الحمد لله تعالى والصلاة على رسوله وآله
تتوالى.
قد بالغ علماء العامة في الثناء على
الصحيحين أعني صحيح محمد بن إسماعيل البخاري ، وصحيح مسلم بن الحجاج القشيري ،
وذكروا أنهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم والفرقان العظيم ، وحكى جماعة منهم
اجماع الأمة على صحة الأحاديث المودعة فيهما ، وتلقّيهم إياهما بالقبول ، بل تعدى جماعة من محققيهم لاثبات كون
أخبارهما مقطوعة الصدور عن سيد البشر 9
، بل ذكروا تصحيح النبي 9
، كتاب البخاري ، وإذنه في روايته عنه ، بل كتاب مسلم أيضاً كما ستعرف تفصيل ذلك
كلّه ، وشنع جماعة منهم على الشيعة في تركهم العمل بأخبارهما ، وعدم اعتمادهم
عليهما ، قال صاحب النواقض وهو الشهير : بالميرزا مخدوم الشريفي حفيد السيد الشريف
في كتابه : من هفواتهم يعني الشيعة إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقّت الأمة
بقبولها منها : صحيحا البخاري ، ومسلم الّذَين مرّ ذكرهما.
قال أكثر علماء المغرب : أصح الكتب بعد
كتاب الله تعالى صحيح مسلم بن الحجاج القشيري .
وقال الأكثرون من غيرهم : صحيح محمد بن
اسماعيل البخاري هو الأصح ، وما اتّفقا عليه ، هو ما اتّفق عليه الأمة ، وهو الذى
يقول فيه المحدِّثون كثيراً : صحيح متّفق عليه ، ويعنون به اتّفاقهما ، لا اتفاق
الأمة ، وان لزمه ذلك
، واستدل ( السيوطي ) في الأزهار [ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ، في كثير من
مواردها على الصحيحين ، ثم قال في تدريبه بعد كلام النووي : « اتّفاق الشيخين »
وذكر الشيخ : يعني ابن الصلاح ( أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم
القطعي حاصل فيه ) قال : خلافاً لمن نفى ذلك ، محتجاً بأنه لايفيد إلا الظن ،
وإنّما تلقته الأمة بالقبول
لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ.
وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويماً ،
ثم بان لي أن الذي أخترناه أولاً هو الصحيح ، لأن الظن من هو معصوم من الخطاء
لايخطئ ، والأُمة في ]
إجماعها معصومة عن
الخطاء ، ولهذا كان الإجماع المبنى على الاجتهاد حجة مقطوعة بها ، وقد قال إمام
الحرمين : لو حلف انسان بطلاق امرأة أن ما فى الصحيحين مما حكما بصحته من قول
النبي 6 لزمه الطلاق
لإجماع المسلمين على صحته
، ثم حكى السيوطي عن النووي انه قال : خالفه ( أي ابن الصلاح ) المحققون والأكثرون
فقالوا : يفيد الظن مالم يتواتر .
وقال : تلقى الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيها من غير توقف على النظر
فيه بخلاف غير هما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ولايلزم من
اجماع الأمة على العمل بما فيهما اجماعهم على القطع بأنه كلام النبي 6 وقد اشتدّ انكار ابن برهان على من قال
بقول الشيخ ، وبالغ في تغليطه .
قال السيوطي : وكذا عاب ابن عبد السلام
على ابن الصلاح هذا القول ، ثم قال : قال البلقيني : ما قاله النووي وابن عبد
السلام ومن تبعهما ممنوع ، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح ، عن
جماعة من الشافعية كأبي إسحاق ، وأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي الطيب ، والشيخ
أبي إسحاق الشيرازي ، وعن السرخسي من الحنفية ، والقاضي عبد الوهاب من المالكية ،
وأبي يعلى وابن الزعواني من الحنابلة ، وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعرية ،
وأهل الحديث قاطبة ، ومذهب السلف عامة بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صحة التصوف :
فالحق به ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه ، وقال شيخ الإسلام : ما ذكره النووي في
شرح مسلم من جهة الأكثرين ، أما
المحققون فلا ، وقد
وافق ابن الصلاح أيضاً المحققون .
ثم قال السيوطي بعد حكايته عن ابن كثير
أيضاً موافقة ابن الصلاح قلت : وهو الذي اختاره ولا أعتقد سواه. انتهى كلام
السيوطي .
وقد ذهب ابن تيمية الذي يستندون
بافاداته ويبتهجون بهفواته إلى قول ابن الصلاح أيضاً على ما في إمعان النظر.
وقال شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني
في « شرح نخبة الفكر » : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافاً لمن أبى ذلك ،
قال : هو أنواع :
منها
: المشهور اذا كانت له طرق متبائنة سالمة
من ضعف الرواة والعلل.
منها
: ما أخرجه الشيخان في صحيحهما ما لم
يبلغ حدّ التواتر ، فإنه احتف به قرائن.
منها
: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في
تمييز الصحيح عن غيرهما ، وتلقّي العلماء لكتابهما بالقبول ، وهذا التلقّي وحده
أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر. قال : وليس الاتفاق
على وجوب العمل فقط ، فإن الإتفاق حاصل على وجوب العمل بكل ما صحّ ولو لم يخرجه
الشيخان ، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية ، والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما
يرجع إلى نفس الصحة ، وممن صرّح من أئمة الأصول بافادة ما خرّجه الشيخان العلم
اليقيني النظري ، الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ، ومن
أئمة الحديث أبو
عبدالله الحميدي ، وأبو الفضل بن الطاهر انتهى .
وبالغ بعض أواخرهم في اثبات قطعية صدور
أحاديثهما حتى ألّف في ذلك رسالة مستقلّة سمّاها « غاية الإيضاح في المحاكمة بين
النووي وابن الصلاح » ، وأدرج هذه الرسالة في كتابه المسمّى بـ « الدراسات » ،
وأطال فيه لكنه لم يأت في الاستدلال للطرفين بغير ما عرفت في عبارة السيوطي ،
وحاصل تحريره لدليل ابن الصلاح : « أن تصحيح الحديث ملازم للظن بصدوره ، فالإجماع
على الصحة معناه حصول الظن من جميع الأُمة بالصدور ، وظن الأُمة بأجمعهم مقطوع
العصمة عن الخطاء بدليل قطعية الإجماعات الاجتهادية ، ثم إنه أربى على من تقدم
عليه فلم يرض بما استثناه غيره مما انتقد أحد من الحفاظ ، أو وقع التجانب بين
مدلوليه ، فذهب إلى أن الخبرين المتناقضين كلاهما مقطوع الصدور ، وعدم ظهور وجه
الجمع بينهما لا يدل على عدمه في الواقع ، وأما ماانتقد عليهما ، فهو أيضاً لم
ينزل عن أعلى درجات الصحة ، وهي درجة ما أخرجه الشيخان ، ونفي الريب عن وجوب العمل
بالمنتقد منهما من غير نظر ووقفة إلى ما يندفع به ذلك الانتقاد بمجرد إخراجهما [
له وجوباً مؤكداً لا يوجد في صحيح غيره فان حكم كلّ حديث صحيح ولو في أدنى مراتب
الصحة وجوب العمل لحصول الظن الغالب ، ولكنّ بين ظن وظن ما يكاد يشيه ما بين
اليقين والشك ، فوجوب العمل هذا بمجرد اخراجهما ] ، فكيف اذا نظر فيما أجابوا عن ذلك ،
وبما جعلوه هباءاً منثوراً ، وتصدّى جماعة للجواب عما
تكلّم فيه من أحاديث
الصحيحين أو أحدهما بل أفرد بعضهم كتاباً في ذلك وهو العراقي ، وأجاب شيخ الإسلام
في مقدمة شرحه عن جميع ما انتقد على البخاري » انتهى بمحصله .
وعثرت على كلام جماعة غير من تقدم يطول
ذكرهم ذهبوا إلى ما ذهب إليه هؤلاء لا فائدة مهمة في نقل خرافاتهم ، وأطرف من هذا
كله ما ذكره الشيخ أحمد النخلي مفتي الحنفية ، المترجم في كتاب « سلك الدرر في
أعيان القرن الثانى عشر »
، والكتاب موجود في خزانة كتب حرم المدينة المنورة ، حيث قال في رسالته التي ذكر
فيها مشايخه ومروياته ، والرسالة موجودة في خزانة كتب حرم مكة ، ما هذا لفظه :
أخبرنا شيخنا السيد السند أحمد بن
عبدالقادر ، نفع الله تعالى به قال : أخبرنا جمال الدين القيرواني ، عن شيخه الشيخ
يحيى الخطاب المالكي المكي ، قال : أخبرنا عمّي الشيخ بركات الخطابي ، عن والده ،
عن جده الشيخ محمد بن عبدالرحمن الخطاب شارح مختصر خليل ، قال : مشينا مع شيخنا
العارف بالله الشيخ عبدالمعطي التنوسي ، لزيارة النبي 6 فلمّا قربنا من الروضة الشريفة ،
ترجّلنا فجعل الشيخ عبدالمعطي يمشي خطوات ويقف ، حتى وقف تجاه القبر الشريف فتكلّم
بكلام لم نفهمه ، فلما انصرفنا سألناه عن وقفاته؟ فقال : كنت أطلب الإذن من رسول
الله 6 في القدوم
عليه ، فإذا قال
لي أقدم ، قدمت ساعة
ثم وقفت ، وهكذا حتى وصلت إليه فقلت : يا رسول الله 6
كل ما رواه البخاري عنك صحيح؟ فقال : صحيح ، فقلت : أرويه عنك يا رسول الله 6؟ فقال : أروه عني ، ثم حكى النخلي
إجازة عبدالمعطي للخطاب ، وكذا كل واحد لمن بعده حتى وصل إلى نفسه.
وأورد صاحب رسالة الدر الثمين في مبشرات
النبي الأمين هذه الحكاية ، ثم قال : ووجدت هذا الحديث بخط الشيخ عبدالحق الدهلوي
بإسناده له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه وفيه : فلمّا فرغ من الزيارة وما يتعلق بها
سئل أن يروي عنه 6
صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ فسمع الإجازة من النبي 6
فذكر صحيح مسلم أيضاً.
أقول : هذا كلّه مضافاً إلى ما ذكروا في
ترجمة البخاري ومسلم ، وأثبتوا لهما من المحاسن الجليلة ، والمآثر الأصيلة ،
والمفاخر الأثيلة ، والمدائح العظيمة ، والمحامد الجسيمة ، والمكارم الفخيمة ،
وسنتلو عليك شطراً منها فيما بعد ان شاء الله تعالى.
الفصل الأوّل
الإلزامات
المعاند وروايات المناقب
ذكروا أن البخاري ألّف صحيحه في بيت
الحرام
، والتزم عند كتابة كل حديث أن يغتسل غسلاً ويصلّي ركعتين ثم يكتب ، وقد سمع صحيحه منه تسعون ألفاً ،
ورووا عنه ، وأنت إذا سمعت هذا كلّه ، وأمعنت النظر فيها ، وتأملت في مطاويها
وحوافيها ، فمن الآن فاستمع ما يتلى عليك ونحن نبدأ أولاً بذكر جملة من التعصّبات
فنقول :
قد أنكر كثير من أعيان علمائهم كثيراً
من الأخبار الواضحة المتضافرة بل المتواترة بطرقهم المروية ، وجملة منها في صحاحهم
لما رأوا فيها من الدلالة على الحق الواضح القويم ، ويحسبونه هيّناً ، وهو عند
الله عظيم ، وهي على ما يظهر بالتّتبع كثيرة ، نذكر شطراً يسيراً.
منها : بعضها مذكور في الصحاح ، وبعضها
مشهور مأثور في كثير من كتبهم المعتبرة المعوّل عليها.
أما الكبرى : فادلتها مبسوطة مشروحة في
كتب الفريقين ، ولنكتف من الأخبار المذكورة في كتب القوم مما يتعلق بالمقام بنبذ
يسير ، فالجرعة تدل على
القدير ، فنقول :
يدل عليها بعد قوله تعالى ، في مواضع عديدة ، فمن القرآن : ( قل لا
أسألكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى )
وما تواتر في كتب الفريقين ، من قول
النبي 6 : مثل أهل
بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك.
وما رواه ابن حجر المتعصب في الصواعق ،
قال :
الحديث
الرابع والثلاثون : أخرج الدارقطني ،
في الإِفراد عن ابن عباس أن النبي 6
قال : علي باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً .
وفي مفتاح النجاة للبدخشاني ، الذي هو
من عظماء أهل السنة : أخرج الديلمي عن ابن عمر : علي باب حطّة ، الحديث .
وأورد السيوطي هذا الحديث في الجامع
الصغير الذي قال في وصفه : هذا الكتاب أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفاً ، ومن
الحكم المصطفوية صنوفاً ، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة ، ولخصت فيه من معادن
الأثر ابريزه وبالغت في تحرير التخريج فتركت القشر وأخذت اللباب ، وصنته عمّا تفرد
به وضاع أو كذاب ، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع كالفائق والشهاب
وحوى من نفائس
الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب .
وما تواتر أيضاً عند الفريقين من قوله :
« إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر
كتاب الله وعترتي أهل بيتي » .
وما رواه الحاكم في المستدرك ، عن أبي
ذر ، قال : قال رسول الله 6
من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن
عصى علياً فقد عصاني وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وروى أيضاً بسند آخر عن أبي ذر : من
فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني .
وروى أيضاً ، عن عمرو بن شاس حديثاً في
آخره قال : يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت : أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله
6 ، قال : بلى
من آذى علياً فقد آذاني ، وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
قد عقد البدخشاني في مفتاح النجاة باباً
: في ان الحق مع علي يدور كيف ما دار. وأورد فيه أحاديث كثيرة مما أخرجه الترمذي
عن أبي يعلى والضياء عن أبي سعيد وابن مردويه عن عائشة أيضاً ، وعن أبي موسى
الاشعري وعن أم سلمة وعن شهر بن حوشب عن أم سلمة والطبراني في الاوسط والصغير عن
أم سلمة والديلمي عن عمار بن ياسر ، وأبي أيوب ، والحاكم ، وغيرهم ، وذكر بعض هذه
الاخبار أيضاً الشيخ عبدالحق الدهلوي في رجال المشكاة في ترجمة الامير 7.
ورواه الحاكم في المستدرك بسند متّصل ،
إلى ان قال : حدّثني أبو أيوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمر رسول
الله 6 علي بن أبي
طالب بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقي .
ورواه أيضاً البدخشاني في مفتاح النجاة
عن ابن مسعود ، وفي كنز العمال أيضاً عن ابن مسعود وفيه أيضاً عن زيد بن علي عن
أبيه عن جدّه علي 7
أمرني رسول الله 6
بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، ورواه أيضاً محمد بن طلحة الشافعي في كتاب
مطالب السؤول وغيرهم في غيرها والناكثون أصحاب وقعة الجمل ، والمارقون أصحاب
النهروان ، والقاسطون أصحاب صفين .
منها
: حديث المنزلة ، أعني قوله 6 لأمير المؤمنين 7 : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ».
حيث أنه مروي في صحاحهم وغيرها من الكتب
التي يعسر تعدادها
، وسنفرد لذكرها باباً على حدة ، وذكره البخاري في موضعين من صحيحه بطرق ثلاثة ، وأورده مسلم ، والترمذي في صحيحهما ، وابن ماجه في سننه وهو
أحد الصحاح الستّ ، على ما ذكره جماعة منهم : ابن خلكان ، وأورده الإمام أحمد بن
حنبل في مسنده
، والنسائي في خصائصه
، هؤلاء أرباب الصحاح الستّ ، وأورده غيرهم ممن لا يحصى ، وكتب القاضي علي بن
المحسن التنوخي وهو من أعيان علمائهم كما يعرف من كتاب الأنساب
للسمعاني ، وتاريخ
ابن خلكان ، كتاباً مستقلاً في ذكر طرق هذا الحديث ، ورواه عن أزيد من عشرين
صحابياً ، واعترف بكثرة طرقه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وابن حجر المكي في الصواعق ، وقد صرح في الصواعق بتواتر حديث
تعدّدت طرقه لكن بأقل من طرق هذا الحديث بكثير ، واعترف جماعة منهم بتواتر هذا
الحديث منهم العلامة السيوطي ، وأورده في رسالة « الأزهار المتناثرة في الأحاديث
المتواترة »
، وذكره ابن تيمية في المنهاج
، مع ولعه بالمماراة واللّجاج ، [ وقال : ] ان هذا الحديث صحيح بلاريب.
ثم ان غاية الاستغراب ونهاية الاستعجاب
أن جماعة من أساطينهم منعوا صحة هذا الحديث مع ما عرفت أن اخراج أحد الشيخين له
كاف في الحكم بصحته ، وبكونه مقطوع الصدور ، منهم : محققهم المدقق رئيس الحذاق
المتكلّمين الآمدي ، ومنهم : المحقق النحرير العضدي ، قال : والجواب منع صحة
الحديث ، ومنهم : شمس الدين الإصبهاني في شرح الطوالع ، وفي شرح التجريد ، قال :
لايصح الإستدلال به من جهة السند ، ولئن سلم صحة السند الخ.
وابن حجر المكي مع أنه ممن ادعى الإجماع
على أن الصحيحين أصح الكتب بعد كلام الله
، واعترف بما تقدم آنفاً ذكر كلام الآمدي في مقام الجواب والرّد على الشيعة ، قال
: وجوابها أن هذا الحديث ان كان غير صحيح كما يقول الآمدي فظاهر ... الخ .
ومنها
: حديث الغدير ، الذي لايبلغ خبر من
الأخبار درجته في كثرة الطرق ، واجتمعت فيه أضعاف أضعاف شروط التواتر ، واعترف ابن
حجر المكي بصحة أكثر طرقه .
ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، والترمذي في صحيحه ، وغيرهم ممن يتعذر استيفاء
جميعهم ، وقد صنّف بعضهم فيه كتاباً مفرداً ، بل عن أبي المعالي الجويني ، انه
يتعجّب ويقول : « رأيت ببغداد في يد صحاف مكتوب عليه : هذه المجلدة الثامنة
والعشرون من طرق حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » ويتلوه المجلدة التاسعة
والعشرون »
، وقد صرح العلامة السيوطي بتواتر هذا الحديث أيضاً في الأزهار ، ومع هذا فقد كذّب
هذا الخبر كثير من أعيانهم وحكموا بأنه موضوع ، بل أقام جماعة كثيرة منهم أدلة
عقلية ونقلية على بطلان هذا الخبر ووضعه.
منها
: حديث « إنّ علياً مني وأنا من علي وهو
ولي كل مؤمن بعدي »
رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن أبي شيبة ، وابن
جرير ، وأبو عبدالله الحاكم
، وأبو يعلى الموصلي ، وأحمد بن حنبل ، وابن عبد البر ، وابن الأثير
الجزري ، ومحب الدين الطبري ، وابن حجر المكي ، وعلي المتقي ، ونور الدين السمهودي ، وغيرهم ، وحكم
ابن تيمية وصاحب الصواقع ، بكذبه وبطلانه.
ومنها
: الحديث المروي في شأن نزول قوله تعالى
: ( إنّما وَلِيّكُمُ اللهُ ... ) الآية وإنه في حقّ أمير المؤمنين 7 ، رواه جمع كثير وجمّ غفير من أعيان
علمائهم ومفسريهم ومحدِّثيهم ، منهم النسائي ، وابن المغازلي ، وابن الجوزي ،
والثعلبي ، والواحدي ، ومحب الدين الطبري ، والعلامة السيوطي ، وعلي المتقي ، وأبو
الشيخ ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن مردويه ، والخطيب ، وعبد
بن حميد ، وابن عساكر ، والطبراني ، والحافظ أبو نعيم ، وغيرهم ، ومع هذا كلّه حكم بوضعه وبطلانه
جماعة ، منهم : ابن تيمية وغيره.
ومنها
: حديث الطير ، وأن رسول الله 6 قال : « اللهم جئني بأحب خلقك إليك
فجاء علي 7 » .
رواه ابن الأثير في جامع الأصول : الستة
ورزين في تجريد الصحاح الست ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ، والبلاذري في التاريخ
، والسمعاني في الأنساب ، وابن البيع في صحيحه ، وأبو يعلى في مسنده ، والإمام
أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة ، والنطنزي
في الخصائص ، والنسائي في الخصائص ، وابن عساكر ، وابن النجار ، والبغوي في
المصابيح ، وابن حجر في المنح المكية ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى ،
والعلامة السيوطي في جمع الجوامع ، والعلامة المتقي في كنز العمال ، وابن المغازلي
في المناقب ، بأسانيد كثيرة ، وألّف ابن عقدة في طرق هذا الحديث كتاباً مستقلاً ،
وأفرد ابن مردويه أيضاً فيه كتاباً
، ومع ذلك ردّه ابن تيمية في المنهاج ، وحكم ببطلانه ، وفي صواقع الكابلي : الخبر
ـ يعني خبر الطير ـ موضوع.
قال الشيخ العلامة امام أهل الحديث شمس
الدين أبو عبدالله محمد بن
أحمد الدمشقي الذهبي
في تلخيصه : لقد كنت زمناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يحسن للحاكم أن يودعه في
مستدركه ، فلمّا علّقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه ، وممن صرّح
بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري .
ومنها
: حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها »
.
رواه كثير من الأعلام المحدثين وصرّح
جماعة منهم بصحته ، وجماعة بحسنه ، ورواه الترمذي في صحيحه ، ومع ذلك ذكره ابن الجوزي فى
الموضوعات ، وعن البخاري أنه قال : ليس له وجه صحيح ، وقال النووي أنه موضوع.
ومنها
: حديث المؤاخاة ، المروي في مسند أحمد بن حنبل وصحيح
الترمذي والجمع بين
الصحاح الستة للعبدري وكتاب المناقب لابن المغازلي وغيرها من الكتب المعتمدة
والأسفار المعتبرة ، ومع ذلك ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث
لايرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع ، وأن واضعه جاهل . والعجب أنه مع كونه حنبلياً كيف رضي
بخروج الإمام أحمد من زمرة أهل المعرفة بالحديث ، مع كثرة اطرائه في مدحه ،
واختياره على مثل أبي حنيفة ، والشافعي ، لكنه نشأ من قلّة تتبعه وكثرة وقاحته.
ومنها
: حديث « سدّ الأبواب إلاّ باب علي » .
المروي في كثير من كتبهم المعتمدة منها
: صحيح الترمذي ، وخصائص النسائي ، ومسند الأمام أحمد ، ومسند البزار ، وجمع
الجوامع للسيوطي ، وكنز العمال للمتقي ، وتاريخ المدينة للسيد نورالدين السمهودي ،
ورواه الطبراني في الكبير ، والأوسط وغيرهم .
ذكر ابن تيمية أنه ممّا وضعه الشيعة على
طريق المقابلة.
ومنها
: حديث : « من أراد أن ينظر إلى آدم في
علمه وإلى نوح في تقواه وإلى ابراهيم في حلمه ، وإلى موسى في بطشه ، وإلى عيسى في
عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » .
رواه جماعة كثيرة ، منهم باختلاف في بعض
الألفاظ ، منهم : البيهقي ، والحاكم ، والديلمي ، وابن شاهين ، وعبدالرزاق ، وابن
بطة ، وأبونعيم ، والحافظ عمر بن محمد بن جعفر ، وأبو الخير الحاكمي ، والنطنزي ،
وابن المغازلي ، ومحب الدين الطبري ، والسيد على الهمداني ، وغيرهم ، ومع هذا حكم
جماعة منهم بأنه موضوع على رسول الله 6
.
ومنها
: حديث « لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو
بن عبدود ، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة » .
رواه كثير منهم : أبو القاسم السهيلي في
روض الأُنف ، والماوردي في
سيره ، وبرهان الدين
الحلبي الشافعي في انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ، ( يعني النبي 6) بل أورده الحاكم في المستدرك على
الصحيحين ، ونصّ على صحته واستدرك به على الشيخين أنهما لم يخرجاه مع أنه على
شرطهما .
وذكر ابن تيمية أنه من الأكاذيب الموضوعة
، ولذا لم يروه أحد من العلماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ، بل
ولا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والأنس ، فإن ذلك يدخل فيه عبادة
الأنبياء ، وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمروبن عبدود ، وعمرو هذا
لم يكن فيه معاداة النبي 6
ومضارّته له وللمؤمنين ، مثل ما كان من صناديد قريش الذين قتلوا ببدر مثل أبي جهل
وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحرث ، وأمثالهم الذين نزل فيهم
القرآن ، وعمرو هذا لم ينزل فيه شيء من القرآن ولاعرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد
ولا غير ذلك من مغازي قريش التي غزا فيها النبي 6
ولا في سرايا ، ولم يشتهر ذكره إلاّ في قصة خندق.
ومع أن قصته ليست مذكورة في الصحاح
ونحوها ، كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم مبارزة حمزة ، وعبيدة ، وعلي ،
مع عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وكتب التفسير والحديث مملوأة بذكر المشركين الذين
كانوا يؤذون النبي 6
مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحرث ، وغيرهم وبذكر رؤوساء الكفار
مثل الوليد بن المغيرة وغيره ، ولم يذكر أحد عمرو بن عبدود ، لا في هؤلاء ولا في
هؤلاء ، ولا كان من مقدمي القتال ، فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين؟
ومن المنقول بالتواتر : أن الجيش لم
ينهزم بقتله ، بل بقوا بعده محاصرين مجدين كما كانوا قبل قتله ] .....
وبعد ما شاهدت في الكتب المعتبرة ،
وسمعت من قول النبي 6
ذكر المناقب والفضائل لعلي بن أبي طالب 7
وحقّانيته ، ننظر بعين الانصاف ، من دون عصبية ، إلى ما في البخاري من الإشكال ،
الموهن لأصحيته بين الكتب ، وذلك في أمور .
الأمر الأول : البخاري وعدم روايته عن الصادق 7
[ ويعدّ من أشدّ تعصباتهم في الجرح
والتعديل قولهم في الصادق 7
]!
قال الذهبي في الكاشف : جعفر بن محمد بن
علي بن أبي طالب أبو عبدالله الهاشمي المدني الصادق ، أحد الأعلام ، وأمه أمّ فروة
بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولهذا
كان يقول : ولّدني أبوبكر مرتين ، روى عن أبيه وجدّه لأمه القاسم ، وعبيدالله بن
أبي رافع ، وعروة ، وعطاء ، ونافع ، ومحمد بن المنكدر ، وعنه خلائق لا يحصى منهم :
ابنه موسى ، وشعبة ، والسفيانان ، مالك ، ووهب ، وحاتم بن اسماعيل ، وعبدالوهاب
الثقفي ، وأبوعاصم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو أكبر منه ، ويحيى بن سعيد قال :
ابن المديني سئل يحيى عن جعفر بن محمد؟ فقال : في نفسي منه شيء .
وأقول : عدم اخراج البخاري لحديثه 7 وعدم الإحتجاج به ، واعتقاد عدم
قابليته العياذ بالله ، للايداع في صحيحه السقيم ، مع اخراجه مرويات كثير من
الخوارج والنواصب والكذابين ، والوضاعين ، والإحتجاج بهم وايداع أحاديثهم في كتابه
، وان كان كافياً في الدلالة على نصبه وضلالته وشقاءه ، كالدلالة على ترجيح روايات
هؤلاء الملاحدة الملاعين والعياذ بالله على رواياته 7
.
لكن صرّح محقّقهم المدقّق الذي يفتخرون
بإفاداته أعني ابن تيمية بهذا المطلب ، لكمال تورطه في النصب والعداوة وتوغّله في
الوقاحة والشقاء ، قال في المنهاج ، مظهر المزيد اللجاج والاعوجاج ما هذا نصّه :
وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر قواعد الفقه ، لكن رووا
عنه الأحاديث كما رووا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين الزهري
وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما
بلغه عن يحيى بن سعيد فيه كلام فلم يخرّج له .
ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من
يحتج بهم البخاري ، وهذه العبارة تنادى على البخاري ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن
سعيد ، الذي هو أقدمهم وأعلمهم بالنصب والإنحراف عن أهل البيت : .
وأمّا شقاء ابن تيمية وضلالته فممّا لا
يحتاج إلى بيان ، حيث لا يرضى بمساواة الصادق صلوات الله عليه لسائر من روى عنهم
البخاري ، بل ادعى أولاً
: ترجيح الزهري عليه 7.
وثانياً
: امتناع أن يكون 7 مثل من يحتج بهم البخاري ، وستعرف أن
البخاري احتج بجماعة من الخوارج والنواصب المطعونين بالكذب والوضع عند أئمتهم ، فالثابت عن البخاري ترجيح غيره عليه
صلوات الله عليه.
والثابت عن ابن تيمية استمالة ترجيحه
على غيره بل امتناع مماثلته ومساواته لغيره في الحفظ وقد علم مما سبق انحراف
الذهبي ذهب الله بنوره أيضاً عن أهل البيت :
حيث أنه بعد أن التزم في كتاب الميزان أن يذكر كلّ من تكلّم فيه أئمة السند بتليين
مّا وأن لا يشذ عنه أحد مما ذكر في كتاب البخاري وابن عدي في الرجال استثنى منهم
الصحابة والأئمة الأربعة ، يعني أبا حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ومالكاً.
وقال : إنهم وإن تكلّموا فيهم لكني لا
أذكرهم في كتابي هذا لجلالتهم في الإسلام .
ومع هذا تعرض لذكر الصادق صلوات الله
عليه في هذا الكتاب ، وأمّا استثناءه فيمن استثنى فيدل على أن الذهبي لم يعتقد
مساواته لمالك وأبي حنيفة مثلاً في الجلالة والعظمة.
ويدلك هذا وأمثاله على أن أعاظم قدمائهم
وعلمائهم لم يزالوا منحرفين عن أهل البيت :
، وأن ما تصدّى جماعة من متأخريهم لإثباته من أنهم لم يزالوا من أهل الولاء لهم
والتمسك بحبلهم والإستناد إلى أخبارهم وبذل أموالهم وأنفسهم في سبيل مودتهم إنّما
هو أكاذيب لفّقوها فراراً عن إلزامات الشيعة لهم.
هذا الذهبي على إمامته وجلالته عندهم
تأنّف من ذكر الصحابة في كتابه ،
__________________
وفيهم ضعفاءٌ ،
مجروحون ، مقدوحون ، مطعونون ملعونون ، ومن ذكر أئمتهم في الفروع مع ما هم عليه من
الضلال والفساد المذكور على لسان علمائهم النقاد كما ستعرف ، وتعرض لذكره 7 في المقدوحين ، والعياذ بالله ، وان
مدحه بأنه برّ صادق كبير الشأن ، قال في صدر كتاب الميزان :
« أمّا بعد هدانا الله وسددنا ووفقنا
لطاعته ، فهذا كتاب جليل مبسوط في ايضاح نقلة العلم النبوي وحملة الآثار ، ألّفته
بعد كتابي المنعوت بالمغني ، وطوّلت العبارة ، وفيه أسماء عدّة من الرواة زائداً
على من في المغني ، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيل على الكامل لابن عدي ، وقد
ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل.
فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي
قال فيه أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان ، وتكلّم في ذلك
بعده تلامذته ، يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمر بن علي
الفلاس ، وأبو خيثمة ، وتلامذتهم : كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ،
وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي ، وخلق من بعدهم مثل : النسائي ، وابن خزيمة ،
والترمذي ، والدولابي ، والعقيلي ، وله مصنّف مفيد في معرفة الضعفاء ، ولأبي حاتم
بن حبان كتاب كبير عندي
في ذلك ، ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل ، هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك ، وكتاب
أبي الفتح الأزدي ، وكتاب أبي محمد بن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، والضعفاء
للدارقطني ، والضعفاء للحاكم ، وغير ذلك.
وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل
لابن عدي ، بكتاب لم أره ، وصنّف أبو الفرج بن الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك ، كنت
اختصرته أولاً ، ثم ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل.
والساعة فقد استخرت الله عزّوجلّ في عمل
هذا المصنّف ورتّبته على حروف المعجم حتى في الآباء ليقرب تناوله ورمزت على اسم
الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمة الستة البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ،
والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة برموزهم السائرة ، فإن اجتمعوا على اخراج رجل
فالرمز « ع » وان اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز « عو ».
وفيه من تكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى
لين ، وأقل تجريح ، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح والتعديل ذكروا
ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين
مّا في كتب الأئمة المذكورين ، خوفاً من أن يتعقّب عليّ ، لا أني ذكرته لضعف فيه
عندي ، إلاّ ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما ، من الصحابة ، فانّي
أُسقطهم لجلالة الصحابة ، ولا أذكرهم في هذا المصنّف ؛ فإن الضعف إنّما جاء من جهة
الرواة إليهم ، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً
لجلالتهم في الاسلام وعظمتهم في النفوس ؛ فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف
وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس » .
مع العترة الطاهرة
ولو تشبث ناصب عنيد ومتعصّب جحيد ، بأن
اعراض البخاري عن الصادق 7
وعن روايته ليس لكونه ناصباً منحرفاً ، بل دعاه إلى ذلك مزيد التحقيق والتنقيد
والتنقيح والتورع وصون الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها.
قلنا له : هذا والله عين النصب
والإِنحراف ، وللنواصب والخوارج أن يقولوا : ما دعانا إلى ما قلنا في حق علي 7 وأهل بيت النبي 6 إلاّ مزيد التحقيق والتنقيد والتورع
وصون الشرع المقدس ، ولذا صرفنا أعمارنا ووجهنا همّنا إلى إسقاطهم واسقاط كلماتهم
عن درجة الإعتبار حتى لا يدخل في الشريعة ما ليس منها ، نعوذ بالله من هذه
الهذيانات.
ولنذكر هنا أموراً ، ثم نتعرض للوجه
الثاني من الوجوه الواردة على البخاري :
الأوّل
: في بيان حال مجالد الذي قال القطان شيخ
مشايخ البخاري : أنه أحب إليّ من جعفر!
قال الذهبي في ميزان الإعتدال : مجالد
بن سعيد بن عمير الهَمْداني مشهور ، صاحب حديث ، على لين فيه ، روى عن قيس بن أبي
حازم ، والشعبي ، وعنه يحيى القطان ، وأبو أسامة وجماعة ، قال ابن معين وغيره : لا
يحتج به .
وقال أحمد : يرفع كثيراً مما لا يرفعه
الناس ليس بشيء.
وقال النسائي : ليس بالقوي ، وذكر الأشج : أنه شيعي ؛ وقال
الدارقطني : ضعيف ، وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يضعّفه ، وكان ابن مهدي لا
يروي عنه ، وقال الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أن يجعلها لي مجالد
كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ!
وقيل لخالد الطحان : دخلت الكوفة فَلِمَ
لم تكتب عن مجالد؟ قال : لأنّه كان طويل اللحية!
قلت : مِن أنكر ما له من الشعبي عن
مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذَّهب والفضة .
فظهر أن مجالد مطعون عند مهرة فن الرجال
، وأن الإمام أحمد بن حنبل قال في حقه : ليس بشيء ، ويحيى بن معين قال : لا يحتجّ
به ، ويحيى بن سعيد القطان الفتّان يرميه بالوضع ، ويقول : لو شئت أن يجعل مجالد
هذه الأحاديث كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ ؛ ومع هذا يقول هذا
الفتّان الشقي : أنه أحب إلي من جعفر ، نعوذ بالله ونشتكي إلى الله.
الثاني
: أن جماعة من أعيان العامة ألّفوا كتباً
ورسائل في مناقب العترة العلوية ، وذكروا فيها من الأخبار والآثار المروية بطرقهم
ما لايحصى.
وذكروا أن مودة السادات من أجزاء
الإيمان ، ومن الفرائض الأكيدة ،
وقالوا بوجوب تعزير
المستخف بهم ، بل بكفره ، وحكموا بحرمة إهانتهم ، والوقيعة فيهم ، وإن أخطأوا في
الإعتقاد ، أو فسقوا بالجوارح.
وذكروا أن السادات يموتون على الإيمان
كأزواج النبي 6
والعشرة المبشرة ، فهؤلاء وإن وقع منهم ما وقع في الدنيا إلاّ أنهم حال الخروج
منها يموتون مع كمال الإيمان ، تصديقاً لبشارة ربّ العالمين.
والكلام في هذا المطلب طويل ، من أراده
فعليه المراجعة إلى كتبهم ، ونحن لا نذكر منها إلاّ أحرفاً وأسطراً يسيرة.
والغرض أنه اذا كان إساءة الأدب والإيذاء
بالنسبة إلى السادات العلوية بهذه المثابة ، فكيف يكون حال من استخفّ بسيدهم
وإمامهم وحجتهم وعمادهم الذي تراب نعاله كحل الجواهر لأعين هؤلاء السادات ، وبشرف
الإنتساب إليه والإنقياد له يرجون من الله رفع الدرجات ونيل المثوبات وغفران
السيئات.
وبالجملة فجماعة منهم ألّفوا الكتب
والرسائل في هذا المعنى فراراً عن إلزامات الشيعة ، وإصلاحاً لحال أسلافهم ،
ودفعاً لتشنيع الشيعة عليهم بالنصب والإنحراف والبغض ، ولن يصلح العطار ما أفسده
الدهر.
وعدّ صاحب الصواعق هذا الإلزام والتشنيع
من جملة تعصبات الشيعة ، قال في تعداد التعصبات.
التاسع
عشر : أن أهل السنة أفرطوا بغض أهل البيت ،
ذكر ذلك ابن شهر آشوب ، وكثير من علمائهم ، ولقّبوهم بالنواصب وهو كذب صرد وعصبيّة
ظاهرة ، فإنهم يقولون : إن الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع
بريته ولا يؤمن
أحدكم حتى تكون عترة النبي 6
أحب إليه من نفسه ، ويروون في ذلك أحاديث.
منها
: ما رواه البيهقي ، وأبو الشيخ ،
والديلمي ، أنه 6
قال : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه.
ويكون عترتي أحب إليه من نفسه » .
وأخرج الترمذي ، والحاكم عن ابن عباس
رضي الله عنه أنه 6
قال : « أحبّوا أهل بيتي بحبّي »
، إلى غير ذلك من الأخبار.
ويقولون : من ترك المودّة في أهل بيت
رسول الله 6 فقد خانه ،
وقد قال الله تعالى : ( لاتخونوا الله
والرسول )
، ومن كره
أهل بيته فقد كرهه 6
ولقد أجاد من أفاد :
ولا تعدل بأهل البيت خلقاً
|
|
فأهل البيت هم أهل السيادة
|
وبغضهم لأهل العقل خسر
|
|
حقيقي وحبّهم عبادة
|
ويوجبون الصلاة عليهم في الصلوات ، قال
الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري 4
: من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك
ولم ينكره أحد ، انتهى كلام صاحب الصواعق.
وذكر ملك العلماء شهاب الدين الدولت
آبادي في رسالة
مناقب السادات : هم حجة الله على الورى فيهم نزل ، ( هل أتى )
، و ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّالمودّة في
القربى )
، وعليه قول
الشاعر :
من معشر حبّهم دين وبغضهم
|
|
كفر وقربهم منجى ومعتصم
|
مودّة القربى واجبة على المؤمن والسني بالنص
الصريح ومن لم يقبل ولـم يتبع فلـيس بمؤمن موحد بل هو كافـر ملحد ملعون مرتد
وقال المناوي في فيض القدير ما هذا نصّه
: أخلفوني ، بضمّ الهمزة واللام ، أي : يكونوا خلفائي في أهل بيتي علي وفاطمة
وابنيهما ، فاحفظوا حقي فيهم ، وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم ،
والإحسان إليهم ، وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم ، ( قل لا أسئلكم عليه
أجراً إلاّ المودّة في القربى )
.
قال المجد اللغوي : وما احتج به من رمي
عوامهم بالابتداع وترك الاتباع ، لاينج فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم
الذرية فالقبيح عمله لا ذاته.
وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض
الأشراف لكونه رافضياً فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ، ومنعته فاطمة من
الجواز على الصراط فشكاها لأبيها ، فقالت : منع ولدي رزقه.
فاعتل بأنه يسبّ الشيخين ، فالتفتت
فاطمة إليهما وقالت : أتؤاخذان ولدي؟ قالا : لا ، فانتبه مذعوراً في حكاية طويلة.
ولما جرى على الإمام أحمد بن حنبل من
الخليفة العباسي ما جرى ، ندم وقال : اجعلني في حلّ ، فقال : ما خرجت من منزلي حتى
جعلتك في حلّ ، إعظاماً لرسول الله 6
لقرابتك منه.
وحكى المقريزي عن بعض العلماء أنه كان
يبغض بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى 6 في النوم فعاتبه ، فقال : يا رسول الله
6 حاشا لله ما
أكرههم وإنّما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال : مسئلة فقهية أليس الولد العاق
يلحق بالنسب؟ قال : نعم ، قال : هذا ولد عاق .
أقول : الحكاية التي أجملها في منع بعض
العمال هي التي ذكرها مفصلة ، السيد نورالدين علي السمهودي في جواهر العقدين.
وحكاها أيضاً رضي الدين علي الحسيني
الشامي في تنضيد العقود ، نقلاً عن السيد عبد الرحيم السمهودي في كتاب الإشراف عن
فضل الأشراف ، قال السيد نور الدين المذكور : وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر
من المراجعة إلى كتبهم ، أخبرني الإمام الشيخ العلامة محقق المالكية في زمنه شهاب
الدين أحمد بن يونس القسطنطني المغربي نزيل الحرمين الشريفين في مجاورته بالمدينة
النبوية سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.
أن بعض مشايخه ممن يثق به أخبره أن
شخصاً من أعيان المغاربة عزم على التوجه من بلاده للحج ، قال : حضر إليه شخص من
أصحاب الثروة مبلغاً
أظنّه مائة دينار ،
وقال له إذا وصلت إلى المدينة النبوية فسأل عن شخص من الأشراف بها يكون صحيح النسب
، فتدفع ذلك إليه عسى أن يكون لي بذلك وصلة بجده 6
قال : فلما رجع إليهم ذلك المغربي أخبر
: أنه قدم المدينة وسأل عن أشرافها ، فقيل له : أن نسبهم صحيح غير أنهم من الشيعة
، الذين يسبون ، قال : فكرهت دفع ذلك لأحد منهم.
قال : ثم جلس إلي واحد منهم ، أو قال :
جلست إليه فسألته عن مذهبه؟ فقال : شيعي.
فقلت له : لو كنت من أهل السنة لدفعت
إليك مبلغاً عندي ، قال : فشكى فاقته وشدّة احتياجه ، وسئلني شيئاً منه ، فقلت :
لا سبيل إلي أن أعطيك شيئاً.
فذهب عني فلمّا نمت تلك الليلة رأيت أن
القيامة قد قامت والناس يجوزون على الصراط فأردت أن أجوز فأمرتْ فاطمة 3 يعني فمنعت ، فصرت استغيث ولا أجد
مغيثاً حتى أقبل رسول الله 6
فاستغثت به ، وقلت : يا رسول الله 6
منعتني فاطمة من الجواز على الصراط! فالتفت إلي وقال : قد قالت : انّك منعت ولدها
رزقه.
فقلت : يا رسول الله 6 والله ما منعته إلاّ لأنّه يسبّ
الشيخين ، قال : فالتفتت فاطمة 3
إلى الشيخين وقالت لهما : تؤاخذان ولدي بذلك؟ فقالا : لا ، بل سامحناه بذلك.
قال : فالتفت إلي وقال : ما الذي أدخلك
بين ولدي وبين الشيخين؟ فانتبهت فزعاً ، وأخذت المبلغ وجئت إلى ذلك الشريف فدفعته
له ، فتعجب من
ذلك ، وقال : بالأمس
سئلتك في يسير منه ، فامتنعت ، والآن كيف جئتني به؟ فقال : فقصصت عليه القصة فبكى
، وقال : أشهدك عليَّ وأشهد الله ورسوله أني لا أسبهما أبداً ما حييت .
وقال في تنضيد العقود : وعدم الإنتقال
لما يصدر من ذريته 6
من أجلّ القربات وأعظم المثوبات.
ففي توثيق عرى الإيمان للبازري : أنّ من
علامات محبته 6
محبة ذريته ، واكرامهم والاغضاء عن انتقادهم.
فمن انتقد ذرية محمد 6 لم يحب محمداً قط ، وان يغضّ الإنسان
من انتقاد ذرية رسول الله 6
وأهل البيت لأنهم قوم شرّفهم الله تعالى واجلاهم ، فلا تعيب عليهم أفعالهم كما
تعيب الأفعال فيمن أقدارهم بحسب أفعالهم.
وقال الشيخ عبد القادر العبدروسي في
كتاب عقد اللئآل في فضائل الآل : حكى التقي المقريزي ، عن يعقوب المغربي ، أنه كان
بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فقال له الشيخ العابد الفاسي :
وهما بالروضة المكرمة.
إنّي كنت أبغض أشراف المدينة النبوية
بني حسين ، لتظاهرهم بالرفض ، فرأيت وأنا نائم تجاه قبر الشريف رسول الله 6 وهو يقول : يا فلان باسمي : ما لي أراك
تبغض أولادي؟
فقلت : حاشا لله ما أكرههم ، وإنّما
كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ، فقال لي : مسألة فقهية ، أليس الولد العاق
يلحق بالنسب؟ فقلت : بلى يا
رسول الله 6 ، فقال : هذا ولد عاق فلمّا انتبهت صرت
لا ألقى من بني حسين أحداً إلاّ بالغت في اكرامه ، ثم قال : قال التقي المقريزي :
وعندي عدّة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني حسن ، وبني حسين ، فإياك والوقيعة فيهم
وان كانوا على أي حالة لأن الولد ولدٌ على كلّ حال صلح أو فجر .
وأيضاً في ذلك الكتاب ، ورأى الشيخ
المحقق العارف المدقق أبو العباس المديني المغربي : فاطمة الزهراء رضي الله عنها
كشفاً ، وهي تقول في أشراف يبغضون الشيخين : أنفك معك وإن كان أجذع.
وقال ملك العلماء شهاب الدين أحمد بن
عمر الهندي الدولت آبادي صاحب « البحر الموّاج في التفسير والإرشاد » في النحو ، و
« بديع البيان والمعاني » وغيرها ، وهو من عظماء أهل السنة وعلمائهم كما صرّح به
بعضهم ، ويعرف أيضاً من كتاب « كشف الظنون » ، و « سبحة المرجان » ، و « تسلية
الفؤاد » ، وغيرها ، قال في رسالة « مناقب السادات » ما هذا لفظه ... .
__________________
وليعلم ، أن مولّف هذه الرسالة أعني ملك
العلماء عقد فيها باباً في اثبات عدم زوال الإيمان من جميع أولاد رسولنا 6 وانهم لا يموتون مصرّين على الكبيرة ،
واستدل فيها بالكتاب والأخبار ، وأطال في بيانها واقتصرنا من هذه الرسالة على هذا
القدر ، وهو كاف في المرام.
والغرض من هذا كلّه ، انه اذا كان إساءة
الأدب والإهانة وعدم المحبة بالنسبة الى العترة العلوية بهذه المثابة فكيف بالنسبة
إلى الأئمة الإثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر ، الذين هم أصفياء الله من
بين الورى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى مفاخر آل عدنان والمفترض
طاعتهم على الإنس والجان ويفتخر هؤلاء العلوية بالإنتساب اليهم ، ونطق بشطر يسير
من مناقبهم ومقاماتهم وكراماتهم لسان المتعصبين والناصبين الجاحدين.
وذكر نبذة قليلة منها بعض علماء السنة
في كتبهم ، كفصل الخطاب ، وشواهد النبوة للجامي ، والفصول المهمة ، ومطالب السؤول
، وتذكرة الخواص ، وروضة الأحباب ، وكتاب ابن روزبهان ، وغيرها.
ويعجبني أن أذكر في المقام كلاماً ذكره
إمامهم المتعصب المعاند والمشكك الناصب ، الجاحد الذي تمسك في كتبه لانتصار مذهبهم
بكل
حشيش ، وأنكر كثيراً
ممّا ثبت بالضرورة ، حماية للباطل وترويجاً للفاسد الكاسد العاطل أعني فخرالدين
الرازي ، فكلامه أدخل في الزام النواصب رماهم الله بعذاب واصب ، قال في رسالته
الموضوعة لترجيح مذهب الشافعي ، عند ذكر الحجية على ترجيحه :
الحجة
السادسة : القول بأن الشافعي أخطأ في مسألة كذا ،
اهانة للشافعي القرشي ، واهانة قرشي غير جائز فوجب أن لايكون القطع بخطائه في شيء
من المسائل ، انّما قلنا أن تخطئته اهانته ، لأن اختيار الخطاء ان كان للجهل فنسبة
الإنسان إلى الجهل اهانة ، وان كان مع العلم كانت مخالفة الحق مع العلم بكونه حقاً
، من أعظم أنواع المعاصي ، وكانت نسبة الإنسان إليه إهانة لله ، وإنّما قلنا أن
إهانة القرشي غير جائزة ، لما روى الحافظ باسناده عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال :
سمعت رسول الله 6
يقول : « من يرد هوان قريش أهانه الله » .
وروى أيضاً باسناده ، عن أبي هريرة أن
سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي 6
فقالت : يا رسول الله 6
ان الناس يصيحون بي ، ويقولون : انّك ابنة حمالة حطب النار ، فقام 6 وهو مغضب شديد الغضب ، فقال : ما بال
أقوام يؤذونني في قرابتي ، فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله كان ملعوناً لقوله
تعالى : ( إنّ الّذينَ يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في
الدنيا والآخرة )
.
فإذن ظهر وجه الإستدلال ظهوراً لا يرتاب
فيه عاقل ، وكان الحاكم أبو عبدالله الحافظ يقول : يجب على الرجل أن يحذر من
معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلا يدخل تحت هذا الوعيد .
أقول : وقد ظهر أيضاً ظهوراً لا يرتاب
فيه عاقل كفر من خطّأ أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين ، والأئمة الطاهرين وأهل
البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وثبت انهم ملعونون في كتاب الله وعلى
لسان نبيه في الدنيا والآخرة ، والأخبار متواترة مسطورة في كتبهم وصحاحهم بمنع أبي
بكر وعمر أمير المؤمنين عمّا يدعيه من فدك والخمس وغيرهما.
وقصارى ما ذكروا في تأويلها وتوجيهها لا
تخرج عن تخطئتها لهما ومما يقضى منه العجب ، أن الرازي نفسه خطّأ الشافعي في مواضع
( من هذه الرسالة ) فاستحق اللعن والطرد بمقتضى كلامه واحتجاجه.
بل نسب إليه ما لايجوز ، وهو أعظم من
التخطئة حيث ذكر في عدد الإعتراضات التي أوردها الشافعي على الإمام مالك ، ما هذا
لفظه :
ومنها
: أخبرنا مالك ، عن أبي الزبير ، عن عطاء
بن أبي رباح ، عن ابن عباس أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو محرم بمنى قبل أن يفيض ،
فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي وبه نأخذ.
وقال مالك : عليه عمرة وحجّة تامة
وبدنة.
ورواه عن ربيعة وعن ثور بن زيد عن عكرمة
، فهو سيء القول في عكرمة ، ولايرى لأحد أن يقبل حديثه ، وهو يروي بيقين عن عطاء
عـن ابن عباس خـلافه
، وعـطاء ثقة عنـده ، وعنـد النـاس.
قال الشافعي : والعجب أنه يقول في عكرمة
ما يقول ، ثم يحتاج إلى شيء من علمه ، يوافق قوله ، فيسميه مرة ، ويسكت عنه أخرى ،
ويروي عن ثور بن زيد ، عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره ، ويسكت عن
ذكر عكرمة ، وإنّما يحدّثه ثور عن عكرمة ، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم
أن يتحفظوا فيها.
ثم قال الفخر : وأمّا الإعتراض الثاني :
وهو أن مالكاً إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره ، واذا لم يحتج اليه تركه ،
فهذا إن صح من مالك أورث ذلك طعناً في روايته وفي ديانته ، ولو كان الأمر كذلك
فكيف جاز الشافعي أن يتمسك بروايات مالك؟ وكيف يجوز أن يقول : إذا ذكرت الأئمة
فمالك النجم.
ولايخفى أن مقدم القضية الشرطية ثابت
بنص الشافعي الذي لا يجوز لأحد التشكيك في صدقه وأمانته ، وصحة أقواله ، فثبوت
التالي واضح بلا مرية ، وأمثال هذا كثير في كلامه.
وقد أبرز هذا الداء الدفين ، والإنحراف
عن الأئمة الطاهرين جماعة من فضلائهم بل يحتج به الدواني وجعله دليلاً على حقية
مذهبه.
قال جلال الدين الدواني في شرحه على
العقائد العضدية عند ذكر الحديث المعروف : « ستفرّق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة كلّها
في النار إلاّ واحدة » عند حصر الماتن الفرقة الناجية في الأشاعرة ما هذا لفظه :
فإن قلت : كيف حكم بأن الفرقة الناجية
هم الأشاعرة ، وكل فرقة تزعم أنها الناجية؟
قلت : سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون
بما روى عن النبي 6
وأصحابه ، وذلك إنّما ينطبق على الأشاعرة ، فإنّهم يتمسكون في عقائدهم بالأخبار
الصحيحة المروية عنه 7
وعن أصحابه رضي الله عنهم لايتجاوزون عن ظواهرها إلاّ بضرورة ، ولا يسترسلون مع
عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم ، ولامع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما
روى عن أئمتهم لإعتقادهم العصمة فيهم ، انتهى.
وزاد حسين الخلخالي في حاشيته على شرح
العقائد ، وأظهر كمال العداوة والنصب الكائن في صدور أعيانهم ، وأتى بما يدل على
صدور الكذب والإفتراء والعياذ بالله عن أئمتنا الطاهرين حيث قال : قوله المتشبثين
بما روى عن أئمتهم من غير استنادهم المروي إلى النبي 7
وأصحابه ، وذلك الاتباع منهم لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب
والإفتراء منهم.
وهذه الحاشية معروفة عندهم ، مذكورة في
كتاب كشف الظنون ويحتج بقراءتها ابراهيم بن حسن الكردي ، في كتاب « الأمم إلى
إيقاظ الهمم » ، ثم ان بعض المعاصرين من العامة لكثرة ما شاهد من الزامات الشيعة ،
سلك في المقام سبيل الإنصاف واتخذ طريق المداهنة والمساهلة في اظهار مكنون ضمائر
اسلافه فقال في كتابه المسمّى بـ « حلّ المعاقد » في شرح العقائد ، قوله : كالشيعة
الخ.
ههنا اختلاج فإنه إن أراد أن الشيعة
يتبعون الأئمة الذين هم عترة الرسول 6
لكونهم مجددي دين ، لا لأنّهم ناقلوه عن ناقل الدين فهو
افتراء ، وإن أراد
أن الشيعة يتبعون الأئمة لأنّهم نقلوا الدين ، وهم عدول الأمّة حتى أثبتوا العصمة
لهم.
فالطعن إما لعدم كون الأئمة : عدولاً ، فهو تزلزل الإيمان ، أو لعدم
صحة الإتباع بالأئمة ، وان كانوا عدولاً فهو ترجيح بلا مرجح ، فإن معاشر الأشاعرة
إنّما يتبعون الأشعري ، والشافعي لأنهما ناقلا الدين ، عادلين فلا فرق فتدبر.
والعجب من كلام الدواني ، ما ذكره
محققهم الملقب بشيخ الإسلام ، أعني ابن تيمية حيث نسب اتباع أخبار الأئمة : إلى الضلال وشنّع غاية التشنيع على
اعتقاد حجية اجماعهم ، واتحاد قولهم مع قول الرسول 6
قال في المنهاج :
وأما الفقه ، فهم يعني الشيعة من أبعد
الناس عن الفقه ، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت
كعلي بن الحسين ، وابنه أبي جعفر ، وابنه جعفر بن محمد ، وهؤلاء رضي الله عنهم من
أئمة الدين وسادات المسلمين لكن لاينظرون في الإسناد إليهم هل يثبت إليهم أم لا
فإنه لا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد.
ثم ان الواحد من هؤلاء اذا قال قولاً
لايطلب دليله من الكتاب والسنة ولا ما يعارضه ، ولا يردون ما تنازع فيه المسلمون
إلى الله والرسول كما أمر الله ورسوله بل قد اصّلوا لهم ثلاثة أصول :
أحدها
: أن هولاء معصومون.
والثاني
: أن كل ما يقولونه فإنه نقل عن النبي 6.
والثالث
: أن إجماع العترة حجة ، وهؤلاء هم
العترة ، فصاروا لذلك لاينظرون إلى دليل ولا تعليل.
قال : وإن كانت المسألة ممّا انفردوا
بها اعتمدوا على الأصول الثلاثة التي فيها من الجهل والضلال ما لا يخفى.
وكم لهذا الناصب العنيد من نظائر هذا
الكلام لعلك ستطلع على بعضها في تضاعيف المباحث.
والإنصاف أن هذا النصب والعداوة مما
توارثوا بينهم ، وورثه خلفهم عن سلفهم ومتأخرهم عن متقدمهم ، فإنّهم لم يزالوا
منحرفين عن العترة الطاهرة :
ومتخلّفين عن سفينة نجاة الإمة.
هذا إمامهم الأعظم ومجتهدهم الأقدم أبو
حنيفة مع أنه حكى عنه ملك العلماء في كتاب « هداية السعداء » من شدة اعتقاده
بالعترة الطاهرة :
وانخفاضه لهم ، قد وقع منه مع أبي عبدالله الصادق صلوات الله عليه ما وقع مما يكشف
عن بطلان ما نسبوه إليه من المودّة والموالاة.
قال في « هداية السعداء » في شرح «
ذخائر العقبى » في مناقب أولى القربى ، قال : القاضي عزّالحق والدين الزرندي
المدني الحنفي : نقل عن أبي حنيفة الكوفي : أنه مرّ يوماً في سكّة من سكك بغداد
فرأى بعض أولاد السادات يلعب بالجوز ، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشي
أربعين خطوة ثم ركب وتوجّه إلى أصحابه فقال : من جال في قلبه ، أو من ظهر على
لسانه أنه خير من صبي أو من غلام من أهل بيت رسول الله 6 فهو عندي زنديق.
وهذه الحكاية المرسلة وإن كانت آثار
الوضع عليها لائحة لكنها حجة عليه وعلى أتباعه.
ذكر قاضي القضاة أبو المؤيد محمد
الخوارزمي في « جامع مسانيد أبي حنيفة » ما هذا لفظه :
« أبو حنيفة قال : جعفر بن محمد أفقه من
رأيت ، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور ، أن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد; فهيّأ
له مسائل شداداً.
فلخّصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى
المنصور بالحيرة ، ثم أبرد إلي فوافيته على سريره وجعفر بن محمد عن يمينه فوجدت من
جعفر هيبة لم أجدها من المنصور.
فاجلسني ثم التفت إلى جعفر قائلاً يا
أبا عبدالله هذا أبو حنيفة ، فقال : نعم أعرفه.
ثم قال المنصور : سله ما بدا لك يا أبا
حنيفة ، فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة ، ويفحم حتى أجاب عن أربعين مسألة.
فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء ،
فلذلك أحكم أنه أفقه من رأيت ، أخرجه الحافظ طلحة بن محمد في مسنده عن أبي العباس
أحمد بن محمد بن سعيد ، عن جعفر بن محمد بن الحسين الحازمي ، عن أبي نجيح ابراهيم
بن محمد عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة » .
وأمثال هذا وان كانت كثيرة في كتب
الإمامية أيدهم الله وأخبارهم الصحيحة مفصحة عنها ، إلاّ أن العامة يحكمون بوضعها
وبطلانها ، وفي هذه الحكاية المسندة المعتبرة وجوه من الدلالة على خبث سريرة
الإمام الأعظم.
ومنها : أنها تدل على أنه قصد بهذا
الأمر الشنيع أن ينصرف وجوه الناس عن أبي عبدالله 7
وينفضوا من حوله ويصير 7
خفيفاً في أعينهم منحط الشأن عندهم واضح الجهل لديهم.
فإن المنصور لما رأى افتنان الناس به
وانهماكهم في حسن الإعتقاد به طلب من أبي حنيفة مسائل مشكلة ليصرف قلوب الناس عنه
وبعث إليه أن الناس قد فتنوا بجعفر فهيّأ له كذا فلخّص له تلك المسائل وبعث بها
إليه ثم شافهه 7
بها.
وفيه من الوجوه الدلالة على ضلالته
وكفره مالا يخفى وقد عرفت سابقاً في الجملة حال اهانة الذرية العلوية بل يكفي في
المقام أخبارهم المروية المتضمّنة للذم واللوم على معاداة آحاد الناس وحسدهم وترك
النصيحة لهم.
ومنها : أنها تدل على أنه اعتقد عجز
الإمام 7 عن أسئلته ،
وأنه يفحم بمسائل أعدّها وهيّأها مع قلة باعه في العلوم وعدم اشتغاله بمقدمات
الفقه من العربية والنحو واعراضه عن الحديث ، وغاية بعده عن الروايات وعدم معرفته
بما يعرفه أجلاف الأعراب.
مع أن علومهم لدنيّة ومعارفهم ربّانيّة
، وهذه المعارضة نظير معارضة يحيى بن أكثم المأبون قاضي المأمون غير المأمون الذي
هو من أفاضل قضاتهم وأعاظم ثقاتهم وأماثل هداتهم مع العسكري 7 وقصده الزامه وافحامه كما يعلم من
المراجعة إلى كتب الخاصة والعامة ، وممن أوردها منهم ابن حجر المكي المتأخر
المتعصب الباهت في الصواعق.
ومنها : أنها تدل على أنه من الصادّين
عن سبيل الله ، اذ لا يخلو الأمر في الواقع من أن يكون معتقداً في حق الإمام 7 أنه يدعو الناس والعياذ بالله إلى غير
دين الله ويرشدهم
إلى غير أحكام الله ، فأراد صرف قلوبهم عنه فهو أشدّ ضلالة من النواصب والخوارج.
ويكفي في شناعة هذا الاعتقاد وضلالته
وكفر صاحبه ما ملأت العامة به كتبهم ودساتيرهم وشحنوا به دفاترهم وطواميرهم أو
يعتقد أنه يدعوهم إلى الحق المبين ومع ذلك أراد صرفهم عنه فهو من الملحدين بآيات
الله والصادّين عن سبيل الله أو يكون شاكاً في ذلك فكذلك وعلى كل حال لا يخرج من
كونه صاداً عن دين الله على جميع التقادير الثلاثة ، إذ المدار في الصدّ على نفس
الأمر ، دون الاعتقاد فيصير مصداقاً لقوله تعالى ( الذين يستحبون الحياة
الدنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ) .
ولمثل هذا ولظاهره حكم الإمام 7 بأنه من الصادِّين ، على ما رواه ثقة
الإسلام أبو جعفر الكليني في جامعه الكافي عن سدير ، قال : سمعت أبو جعفر 7 وهو داخل ، وأنا خارج وأخذ بيدي ثم
استقبل القبلة فقال : يا سدير إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار ، فيطوفوا بها
ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا ، وهو قول الله تعالى ( وإنّي
لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) .
ثم أومئ بيده إلى صدره ، إلى ولايتنا ،
ثم قال : يا سدير أفأراك الصادّين عن دين الله؟ ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان
الثوري في ذلك الزمان ، وهم حلق في المسجد ، هؤلاء الصادّين عن دين الله بلا هدى
من الله أو كتاب مبين .
ومما يقضى منه العجب أن بعضهم ذكر أن
أبا حنيفة استشهد في طريق
محبة مولانا الصادق 7 ، قال محمود القادري في كتاب حياة
الذاكرين : قيل أن رجلاً أتى أبا حنيفة رحمة الله عليه وقال : أخي توفي وأوصى بثلث
ماله لإمام المسلمين ، إلى من أدفع؟
فقال له أبو حنيفة : أمرك بهذا السؤال
أبو جعفر الدوانيقي وكان يبغض أبا حنيفة كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام
الشافعي ، فحلف السائل كذباً أنه ما أوفى بهذا السؤال ، فقال : أبو حنيفة : ادفع
الثلث إلى جعفر بن محمد الصادق فإنه هو الإمام الحق ، انتهى.
وذكر صاحب كتاب غرّة الراشدين : أن هذه
الفتوى صارت سبباً لحبه ، أقول : ولا أدري كيف جمع أبو حنيفة بين هذا التصديق
والاعتراف وذاك التخلف والانحراف وبين هذا الاقرار والإلتزام وذاك الإعراض في جميع
العقائد والأحكام وما قصده من الإفحام والإلزام.
اللهم إلاّ أن يقال : لاغرو ، فقد جمع
بين الإذعان بنبوة سيد المرسلين والمخالفة في أربعمائة مسألة من مسائل الدين وقد
ثبت بحمدالله زندقته وكفره باعترافه.
حيث انه اذا كان من جال في قلبه أنه خير
من صبي من أهل بيت النبي 6
زنديقاً ، بمقتضى صريح ما حكى من كلامه ، فكيف حال من قصد الالزام والإفحام لأئمة
الأعلام من أهل البيت :
، وبالجملة فشنائعه أكثر من أن تسطر وأشهر من أن تذكر ، وقد [ ... ]
فيها رسالة مفردة حتى أن حجة الإسلام
الغزالي مع احترازه عن لعن يزيد
عليه لعائن الله
واحتياطه وتورعه ، حكى في كتاب المنخول
: أن أئمة السلف والخلف يلعنون أباحنيفة.
ولنختم هذا الأمر بكلام للناصب العنيد
والمغصب الجحيد ابن روزبهان ، قال في صدر كتابه : ومن الغرائب أن هذا الرجل يعني
العلامة وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر ( صلوات اللّه عليهم )
أجمعين وهم صدور ايوان الإصطفاء وبدور سماء الأجتباء ، ومفاتيح أبواب الكرم ،
ومجاديح هواطل النعم ، ليوث غياض النبالة ، وغيوث رياض الأبالة ، وسباق مضامير
السماحة ، وخزان نقود الرماحة ، والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية ، والجبال
الرواسخ في الفهم والدراية ، وهم كما قلت فيهم :
شمّ المعاطس من أولاد فاطمة
|
|
علوّ رواسي طود الغر والشرف
|
فاقوا العرانين في نشر الندى كرما
|
|
بسمح كفّ خلا من هجنة السرف
|
تلقاهم في غداة الروع إذ رجفت
|
|
أكتاف اكفائهم في رحبة التلف
|
مثل الليوث إلى الأهوال سارعة
|
|
حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف
|
بنو علي وصي المصطفى حقاً
|
|
أخلاف صدق نموا من أشرف السلف
|
وقال في موضع آخر عند ذكر العلامة 4 : نبذاً من فضائل أهل البيت من طرق
العامة ما هذا لفظه : ماذكر من فضائل آل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى
سائر آل محمد والسلام ، أمر لاينكر فإن الإنكار على البحر برمته ، وعلى البرّ
بسعته ، وعلى الشمس بنورها ، وعلى الأنوار بظهورها ، وعلى السحاب بجوده ، وعلى
الملك بسجوده انكار لايزيد المنكر إلاّ الاستهزاء به ، ومن هو قادر على أن ينكر
على جماعة هم أهل السداد وخزان معدن النبوة وحفاظ آداب الفتوّة صلوات الله وسلامه
عليهم ، ثم ذكر قصيدة مشتملة على التسليم على النبي وآله بأسمائهم إلى خاتم
الأوصياء صلوات الله عليهم.
أقول : ومن الغريب استغرابه لانتساب
الإمامية إلى الأئمة الإثني عشر ، فإنه لم تكن الإمامية مع افناء أعمارهم في تتبع
أحاديث الأئمة
وأخبارهم ،
المنتسبين إليهم ، فهل يجوز لجاهل أن ينسب أبا حنيفة وسفيان الثوري إليهم؟ أو ينسب
مصنّفوا صحاح العامة إليهم مع انحرافهم عنهم؟
هذا أجلّهم البخاري ، قالوا في حقّه :
أنه استراب في حقّ الإمام الصادق! فلم يرو له ولم يحتج بخبره ، ولم ير حديثه
لائقاً بالإيداع في صحيحه السقيم ، وبالجملة فالفكر فيهم طويل والتعجب منهم غير
قليل.
الأمر الثاني : يحيى بن سعيد القطّان
في بيان حال القطّان الفتّان الذي تفوّه
بذلك الهذيان فتبعه البخاري ، وتوضيح أنه من سادة العامة وكبرائهم وقادتهم
وعظمائهم ، وأن أئمتهم إليه ينتسبون وبه ينتمون وينتهون.
فإذا تبيّن انحرافه عن أهل البيت : ثبت انحراف عظمائهم الأعلام ، فنقول :
قال النووي في تهذيب الأسماء : يحيى بن
سعيد القطّان هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري القطان ،
الإمام من تابعي التابعين ، سمع يحيى بن سعيد الأنصاري ، وحنظلة بن أبي سفيان ،
وابن عجلان ، وسيف بن سليمان ، وهشام بن حسان ، وابن جريج ، وسعيد بن أبي عروبة ،
وابن أبي ذوئيب ، والثوري ، وابن عيينة ، ومالكاً ، ومسعراً ، وشعبة ، وخلائق
وغيرهم.
وروى عنه الثوري وابن عيينة ، وشعبة ،
وابن مهدي ، وعفّان ، وأحمد بن
حنبل ، ويحيى بن
معين ، وعلي بن المديني ، واسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلاّم ، وأبو
خيثمة ، وأبوبكر بن أبي شيبة ، ومسدّد ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، وعمرو بن
علي ، وابن مثنى ، وابن بشار ، وخلائق من الأئمة وغيرهم.
واتفقوا على امامته وجلالته ، ووفور
حفظه وعلمه وصلاحه ، قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثل يحيى القطّان في كلّ أحواله.
وقال يحيى بن معين : أقام يحيى القطان
عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة ،
وما رؤي يطلب جماعة قط نوى ما فاتته فيحتاج إلى طلبها.
وقال أحمد بن حنبل : يحيى القطان إليه
المنتهى في الثبت بالبصرة ، وهو أثبت من وكيع ، وابن مهدي ، وأبي نعيم ، ويزيد بن
هارون ، وقد روى عن خمسين شيخاً ممن روى عنهم سفيان ، قال : لم يكن في زمان يحيى
مثله.
وقال أبو زرعة : هو من الثقات الحفاظ.
وقال يحيى بن معين : قال لي عبد الرحمن
بن مهدي : لاترى بعينك مثل يحيى القطان.
وقال ابن منجويه : كان يحيى القطان من
سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً ، وفقهاً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل
العراق رسم الحديث ، وأمعن في البحث عن الثقات ، وترك الضعفاء.
وقال بندار : كتب عبدالرحمن بن مهدي عن
يحيى القطّان ثلاثين ألفاً وحفظها.
وقال زهير : رأيت القطّان بعد وفاته
وعليه قميص مكتوب بين كتفيه : بسم الله الرحمن الرحيم براءة ليحيى بن سعيد من
النار ، وقال ابن سعد : توفي يحيى القطّان في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة ، وكان
مولده سنة عشرين ومائة ، .
وقال السمعاني في الأنساب : القطّان
بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة في آخرها نون ، هذه النسبة إلى بيع القطن ،
والمشهور بها هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فرّوخ الأحول القطّان مولى بني تميم من
أئمة أهل البصرة.
يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام
بن عروة ، وروى عنه أهل العراق ، مات يوم الأحد سنة ١٩٨ هـ وكان اذا قيل له في
علته يعافيك الله ، قال : أحبّه اليّ أحبه إلى الله عزّوجلّ ، وسرد جملة من
الأكاذيب السابقة ، إلى أن قال : ذكر عمرو بن الفلاس : أن يحيى بن سعيد القطّان
كان يختم القرآن في كلّ ليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة .
وذكره الذهبي في الكاشف وأثنى عليه ، وحكى عن بندار : أنه قال : امام أهل
زمانه يحيى القطّان
، واختلف اليه عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط ، وذكره في حاشية الكاشف واثنى
عليه ببعض ما تقدم ومثله.
وذكره محمد بن حبّان في كتاب الثقات
ومدحه بأمثال ما تقدم ، قال : وصلّى عليه اسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن
عبدالله بن عباس وهو أمير البصرة.
وذكره اليافعي في مرآة الجنان ، وأثنى عليه ببعض ما ذكر ، وكذا الشيخ
عبد الحق في المشكوة وغيرهم ، وقد تقدم في الأمر الثاني كلام الذهبي وثنائه عليه
وعرفت في كلامه أن يحيى بن معين وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي
الفلاس ، وأبو خيثمة تلامذة القطّان ، وأن أبا زرعة وأبا حاتم والبخاري ومسلماً
وأبا اسحاق الجوزجاني تلامذته.
والغرض من هذا كلّه ضعف ما أجاب به بعض
متأخري العامة من أن أهل السنة ليسوا منحصرين في القطّان والبخاري حتى يثبت من
انحرافهما انحرافهم ، مع أنهما ليسا بشيء في جنب العلماء الذين اعتمدوا على أقوال
الأئمة الطاهرين من أهل السنّة والجماعة.
ووجوه الضعف والفساد في هذا الكلام أظهر
من أن ينبّه عليه ، ولنقصر في الكلام في الوجه الأول من وجوه الطعن في البخاري على
هذا المقدار وهو واف في اثبات المرام من ضلالته بانحرافه عن الإمام الصادق 7 وعدم الإحتجاج بأخباره وعدم اخراج
رواياته في كتابه ، وعدم اطمينانه بصدق لهجته والعياذ بالله.
واذ انضاف إلى ذلك ما سيأتي من وجوه
القدح من كتابه من احتجاجه بروايات جماعة من الكذابين والوضاعين والخوارج ممن قدح
فيهم علماء الرجال من العامة اذ دار الأمر وضوحاً وظهوراً ، وان لم يهتد به من لم
يجعل الله له نوراً.
الأمر الثالث : اعتقاد البخاري بخلق القرآن
أنه كان قائلاً بخلق اللفظ بالقرآن وهو
ضلال وبدعة عند أكثر العامة ، وكان قائلاً بأن الإيمان مخلوق ، وحال القائل به
أيضاً كسابقه بل أفظع ، ولذلك أخرجوه من بخارا ، وخرج من نيسابور وتركه أبو زرعة
وأبو حاتم ، وشنعا عليه
، ونهى محمد بن يحيى الذهلي عن الحضور عنده ، وقال : من يحضر عنده فلا يجالسنا ولا
يحضر مجلسنا ، فتركه المحدّثون وانقطع عنه المختلفون اليه ، فلمّا بلغه التشنيع
الذهلي عليه قال : حمله على ذلك الحسد على ما رزقني الله من العلم ، ومع ذلك روى
عن الذهلي في صحيحه ولكن باخفاء وتدليس في اسمه وسيتضح ذلك كلّه.
فإن قلت : ألستم ، يقولون : أن الرجل
إذا كان فاسد العقيدة لكن كان صحيح النقل مثبتاً في خبره بحيث لا يحدّث إلاّ عن
ثقة يجوز الاحتجاج بخبره ويصح الاعتماد على روايته؟
وذكرتم أن جماعة من أرباب الأصول
الأربعمائة وغيرها ينتحلون المذاهب الفاسدة لكن اعتمدنا على روايتهم لأنّهم رووها
في حال استقامتهم ، أو لأنّهم كانوا ثقات في النقل.
واستندتم إلى ما روى في حقّ كتب بني
فضّال حيث أنه سئل
العسكري 7 عن كتبهم؟ فقال 7 : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا.
فإذن ذهب ما توحشته في اثبات كون
البخاري مبدعاً هدراً ، فإنه صحيح النقل وان كان فاسد العقيدة ، على أن ما حكى من
القول السابق مما وافق فيه الإمامية ، فلم تنقمونه عليه وتحكمون بفساد اعتقاده؟
فإذن ما أديتم في اثبات مدّعاكم إلى ركن
شديد ، حيث لم يثبت به فساد في عقيدته ولا خلل في روايته.
قلت : لسنا نحن الآن بصدد اثبات اختلال
أخباره وضعف أحاديثه ايطالاً للأمر على ما سيأتي بل بصدد اثبات فساده في نفسه
واختلال عقيدته ولو على مقتضى مذهبهم حيث أن الغرض الزام العامة.
ولا شبهة في أن اثبات اختلاله على
أصولهم وقواعدهم أدخل في هذا المرام مضافاً إلى فوائد أُخر ستعرفها في طي التفصيل.
منها : ثبوت حسد بعض كبرائهم على بعض
وتضليل بعضهم بعضاً وتكفيره ، قبالاً لما أورده الناصب الشقي نصر الله الكابلي في
الصواقع : حيث أنه من الوجوه العقلية على فساد مذهب الإمامية وعدم جواز الإعتماد
على أخبارهم ، ان بعض قدمائهم وكبرائهم كهشام بن الحكم ضلّل بعض أجلائهم كهشام بن
سالم ومؤمن الطاق على ما نسبه إلى النجاشي فلا يثبت بخبرهم حكم.
ونحن الآن نسرد عليك بعض ما ذكروه ممّا
يتعلق بهذه الواقعة ، قال العلامة المحدّث ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري
شرح صحيح البخاري ، ما هذا لفظه قال : حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت
مسلم بن الحجاج يقول
: لما قدم محمد بن اسماعيل نيسابور ما رأيت عالماً ولا والياً فعل به أهل نيسابور
ما فعلوا به فاستقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث فقال محمد بن يحيى الذهلي في
مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن اسماعيل غداً فليستقبله فإنّي استقبله ،
فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور فدخل البلد فقال : محمد بن يحيى لا
تسألوه عن شيء من الكلام ، فإن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه وشمتت بنا
كلّ اباحتي وجهمي ومرجئي بخراسان.
فازدحم الناس على محمد بن اسماعيل حتى
امتلأت الدار والسطوح فلمّا كان اليوم الثاني أو الثالث من قدومه قام رجل فسأله عن
اللفظ بالقرآن؟ فقال : لفظي بالقرآن مخلوق ؛ وقال بعضهم : لم يقل ، فوقع بينهم في
ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار فاخرجوهم.
وقال ابن حجر أيضاً : قال الحاكم أبو
عبدالله في تاريخه : قدم البخاري بنيسابور سنة خمسين ومائتين ، فأقام بها مدّة
يحدّث على الدوام ، قال سمعت محمد بن حازم البزار يقول : سمعت الحسن بن محمد بن
جابر يقول : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم
فاسمعوا منه ، قال : فذهب الناس اليه واقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في
مجلس محمد بن يحيى ، قال : فتكلّم فيه ، وقال أيضاً :
وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من
المشايخ أن محمد بن اسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ
الوقت ، فقال : يا أبا عبدالله ما تقول في اللفظ بالقرآن ، مخلوق هو أو غير مخلوق؟
فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثاً ، فألحّ عليه ، فقال
البخارى : القرآن
كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والإمتحان بدعة ، فشغب الرجل وقال : قد
قال : لفظي بالقرآن مخلوق .
وقال أيضاً الحاكم : لما وقع بين
البخاري وبين محمد بن محمد بن يحيى في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلاّ
مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن سلمة ، فقال الذهلي : ألا من قال باللفظ فلا يحضر
مجلسنا.
وقال أيضاً : قال الحاكم أبو عبدالله :
سمعت محمد بن صالح بن هاني يقول : سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول : دخلت على
البخاري فقلت : يا أبا عبدالله أن هذا الرجل مقبول بخراسان خصوصاً في هذه المدينة
وقد لَجَّ في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منّا ان يكلّمه فيه فماترى؟ قال : فقبض
على لحيته ثم قال : ( وأفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد )
اللهم إنّك
تعلم اني لم أرد المقام بنيسابور [ اشراء ولابطراً ، ولاطلباً ] للرياسة وإنّما أبت نفسي إلى الرجوع
إلى الوطن لغلبة المخالفين ، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما أتاني الله لا غير ،
ثم قال لي : يا أحمد اني خارج غداً لتختلصوا من حديثه لأجلي .
وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي
عبدالله بن الأخرم قال : لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة في مجلس محمد بن
يحيى بسبب البخاري قال
الذهلي : لا يساكنني
هذا الرجل في البلد ، فخشي البخاري وسافر .
وقال أيضاً : قال أبو حامد الشرقي سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول :
القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس
ولا يكلّم ، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن اسماعيل فاتّهموه ، فإنه لا يحضر مجلسه
إلاّ من كان على مذهب .
وقال تاج الدين عبدالوهاب السبكي في
طبقات الشافعية في ترجمة البخاري : وقال أبو حامد الشرقي رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان
والذهلي يسأله عن الأسماء والكنى والعلل ويمرّ فيه البخاري مثل السهم فما أتى على
هذا شهر حتى قال الذهلي : ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتنا ، فإنهم كتبوا إلينا
من بغداد أنه يتكلم في اللفظ ، ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه.
قلت : وكان البخاري على ما روى وسنحكي
ما فيه ممن قال لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال محمد بن يحيى الذهلي من زعم أن لفظي
بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلّم ، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر!
ثم اعلم أن علماء السنة فتحوا لتخليص
البخاري من البدعة والضلالة أبواباً من صنوف الإحتيال ووقفوه بغرائب الهفوات
وتكلموا بعجائب الخرافات ؛ منهم : علامتهم السبكي في الطبقات ، وحاصل جميع ما ذكره
في دفع هذا الطعن وجوه ثلاثة :
الأول
: أن الذهلي والبخاري كانا في هذه
المسألة على رأي واحد وعقيدة متحدة اذ كيف يظن بالذهلي اعتقاد ان اللفظ الخارج من
بين شفته المحدثين قديم ، وهو قول لا يشهد له معقول ولا منقول ، ومن زعمه فقد باء
باثم عظيم.
وإنّما أراد الذهلي النهي عن الخوض في
مسائل الكلام والافصاح بهذا القول خشية أن يجرّ الكلام إلى ما لا ينبغي كما أن نهي
الإمام أحمد بن حنبل أيضاً عن القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق منزّل على ما ذكر.
وكلام البخاري عندنا محمول على ذكر ذلك
عند الإحتياج فالكلام عند الإحتياج واجب والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنة ، وكيف
يظن بالبخاري أنه يذهب إلى شيء من أقوال المعتزلة فضلاً عن الجهمية؟
وقد صح عنه أنه قال : إنّي لاستجهل من
لايكفر الجهمية ، ومع ذلك فقد حكم الذهبي برجوع كلام البخاري إلى قول الجهمية وهم
شرٌ من المعتزلة.
الثاني
: أن الذهلي حمله الحسد على الوقيعة في
البخاري! قال : ولا يرتاب المنصف في أن الذهلي لحقه الحسد التي لم يسلم منها إلاّ
أهل العصمة وقد سأل بعضهم البخاري عما وقع بينه وبين الذهلي فقال البخاري : كم
يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم ، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء.
الثالث
: أن البخاري ما افصح بهذا القول فإنه قد
ثبت أنه لما قال له أبو عمرو الخفاف أن الناس قد خاضوا في قولك : « لفظي بالقرآن
مخلوق » قال : يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك ، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري
وهمدان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقران مخلوق فهو كذاب
، فإني لم أقله إلاّ أني قلت : أفعال العباد مخلوقة ، قال يعني اني ما
قلت ذلك الكلام لأنه
خوض في صفات الله ولاينبغي الاّ للضرورة ولكني قلت : أفعال العباد مخلوقة وهو
قاعدة مغنية عن التخصيص في هذه المسألة بالذكر ، فان كل عاقل يعلم أن لفظنا من
جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة ، ولقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه ،
رواها حاتم بن أحمد الكيدري ، فقال : سمعت مسلم بن الحجاج إلى آخر ما تقدم في كلام
ابن حجر .
أقول : وفساد هذه الوجوه مما لا يخفى
على ذي مسكة.
أما
الأول : قلنا : فانه تصريح ما حكى عن الذهلي
أنه قال : من ذهب إلى محمد بن اسماعيل فاتهموه ، فانه لا يحضر مجلسه الاّ من كان على
مذهبه ، وهل يمكن صرف هذا الكلام إلى ما هجر به السبكي؟
مضافاً إلى ما هو صريح سائر الكلمات
المتقدمة المنقولة عن الذهلي من تضليل البخاري والحكم بانه مبتدع والنهي عن الحضور
عنده وغير ذلك ، وكذا ما تقدم منه سابقاً من استناده إلى ما كتبوا اليه من بغداد.
وأما
الثاني : ففيه أولاً : أنه ينافي ظاهر ما
حكى عن الذهلي من ترويجه للبخاري وأمر الناس باستقباله عند قدومه ، ثم أمرهم
بالسماع منه ووصفه بالرجل الصالح ، ونهيه الناس عن السؤال منه في الكلام ، لئلا
يقع بينه وبين معاشرته معه باحسن ما يكون ، حتى ظهر من البخاري ما ظهر.
وكتبوا إلى الذهلي من بغداد ما كتبوا ;
ولو كان الذهلي حسوداً لما وقع منه بعض هذا الامور! بل كان يأمر بالسؤال عنه في
الكلام حتى لا يقبل أحد اليه مع أنه نهى عن ذلك ، وقال : لا تسألوا عنه في الكلام
كما تقدم ، مضافاً إلى ما ذكروا
في حق الذهلي من
المحامد العظيمة والمناقب الفخيمة ، وأنه من أجلة شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي
وابن ماجة والنسائي أصحاب الصحاح كما في تراجم الحفاظ.
وقال الصفدي في الوافي بالوفيات : محمد
بن يحيى بن عبدالله بن خالد بن فارس الإمام الذهلي مولاهم النيسابوري الحافظ ، سمع
من خلق كثير روى عنه الجماعة خلا مسلم.
قال : ارتحلت ثلاث رحلات وانفقت مائة
وخمسين ألفاً.
قال النسائي : ثقة مأمون ، قال أبو عمرو
الخفاف : رأيت محمد بن يحيى في المنام فقلت ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي ، قلت :
ما فعل بحديثك؟ قال : كتب بماء الذهب ورفع في عليين.
وقال الذهبي في الكاشف : محمد بن يحيى
بن عبدالله بن خالدبن فارس الذهلي أبو عبدالله النيسابوري الحافظ ، عن ابن مهدي
وعبد الرزاق وأحمد واسحاق وعنه ( خ ) أي البخاري ، والأربعة ، وابن خزيمة ، وأبو
عوانه ، وأبو علي الميداني.
ولايكاد البخاري يفصح باسمه لما وقع
بينهما! قال ابن أبي داود : حدّثنا محمد بن يحيى وكان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال أبو حاتم : هو امام أهل زمانه توفي
٢٥٨ هـ وله ستّ وثمانون.
وفي حاشية الكاشف روى عنه ( خ ) البخاري
في صحيحه ، فتارة يقول : حدّثنا محمد فلا ينسبه ، وتارة يقول : حدّثنا محمد بن
عبدالله فينسبه إلى جده ، وتارة يقول : حدّثنا محمد بن خالد فينسبه الى جدّ أبيه
ولم يقل في موضع
منها حدّثنا محمد بن
يحيى ، ثم قال : قال ابن أبي حاتم : ثقة صدوق امام .
وقال النسائي : ثقة مأمون إلى غير ذلك
مما ذكروه في حقه من جلائل الأوصاف.
وثانياً
: ان هذه المعاندة ، والمباغضة ،
واللّداد ، والحسد ، سيما على العلم والحديث الذي هو من رزق الله تعالى يعطيه من
يشاء على ما نصّ عليه البخاري ، مما يوجب الفسق والفجور ، والضلال سيما بملاحظة
منشأه ، وهو حب الرياسة ، والشهرة ، والتفرد بالأمر الذي نسبوه إلى الذّهلي.
ومع ذلك كيف روى عنه البخاري في صحيحه
واحتجّ بحديثه مع شهادته عليه بما سمعت!؟ وقد بلغ من احتياطه! أنه والعياذ بالله ،
لم يحتج بخبر الأمام الصادق صلوات الله عليه ، كما سمعت لما بلغه عن يحيى بن سعيد.
ثم انه دلّس في كتابه بأن لم يفصح باسم
الذهلي
مع أنه معتمداً ، ثقة ، في الحديث عند البخاري ، فلا وجه لاخفاء اسمه إلاّ الحسد
والبغض ، كما ذكر الذهبي أن منشاءه ما كان بينهما ، وان لم يكن ثقة فاخفاء اسمه
تدليس وخيانة صريحة ، حتى يظن أنه غير الذهلي وأنه رجل موثوق به مسكون إلى قوله .
وثالثاً
: بعد تسليم أن ما وقع من الذهلي وقع
حسداً وبغضاً للبخاري ، وكذا ما وقع من البخاري نقول : يثبت بذلك سقوط أخبارهما
جميعاً عن درجة
الإعتبار بناءً على
ما ذكره الكابلي في الصواقع حيث قال في بيان الأدلة العقلية على بطلان مذهب
الإمامية.
ورابعاً
: أن قدماءهم وقدوتهم ورواة الأخبار من
الأئمة من الثقات الذين أخذوا عنهم الأصول والفروع يكذب بعضهم بعضاً كهشام بن
الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وصاحب الطاق فان كلاً منهم ادعى الرواية عن علي بن
الحسين وابنه محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق وأخذ المذهب عنهم وضلّل بعضهم
بعضاً.
وقد صنّف هشام بن الحكم كتاباً في الرد
على الجواليقي وصاحب الطاق كما ذكره النجاشي ، فلا يثبت بخبرهم حكم انتهى.
مع أنه من المعلوم أن مجرد ردّ أحد لا
يوجب قدحاً ولا جرحاً في من ردّ عليه ولا في الرادّ.
فكيف بالتضليل والحكم الإبتداع والتكذيب؟
فنقول : ان قدماء العامة وقدوتهم ومن
أخذوا عنهم الأحاديث والأصول والفروع يضلّل بعضهم بعضاً ويحكم بأنه مبتدع يحرم
مجالسته والتكلم معه والحضور عنده كما صدر من الذهلي بالنسبة البخاري كما عرفت ومن
أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين أيضاً بالنسبة إليه كما ستعرف فلا يثبت بخبرهم حكم.
وأما
الثالث : ففيه ما لايخفى بعد ما حكي من البخاري
من الإهتمام في اثبات خلق اللفظ بالقرآن والإستدلال عليه بالشكل الأول من الأشكال
المنطقية ، لاسيما
وقد اعترف السبكي بأنه أفصح بذلك ، يعني بكلتا المقدمتين في رواية صحيحة عنه.
وحكى هو أيضاً كغيره عن البخاري أنه
استدل على المقدمة الاولى أعني قوله : أفعال العباد مخلوقة ، وبما رواه عن حذيفة
قال : قال النبي 6
ان الله يصنع كلّ صانع وصنعته.
والمقدمة الأخرى أعني قوله : ألفاظنا من
جملة أفعالنا بديهية باعتراف السبكي.
والذي نقلنا عنه من قوله : بخلق القران
والايمان ، فهو أيضاً ثابت عنه بلا مرية ، وذهب كثير من سلف العامة إلى كفر من قال
بهذا القول ، وممن نصّ على كفره زين الدين عبدالرحيم صاحب الفصول العمادية ، سبط
صاحب الهداية ، والشيخ أبو بكر بن حامد ، والشيخ أبو حفص الزاهد ، والشيخ أبوبكر
الاسماعيلي ، ولنقل عبارة صاحب الفصول العمادية وهي هذه : من قال بخلق القرآن فهو
كافر ، وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر ، وروى عن بعض السلف أنه روى عن أبي
حنيفة 4 أن الإيمان
غير مخلوق ، وسئل الشيخ الامام أبوبكر محمد بن الفضل 4
عن الصلاة خلف من يقول بخلق الايمان؟ قال : لا تصلّوا خلفه.
وذكر أبو سهل بن عبدالله وهو أبو سهل
الكبير عن كثير من السلف 4
ان من قال : القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن قال : الإيمان مخلوق فهو كافر ، وحكي أنه
وقعت هذه المسألة بفرغانة فأتي بمحضر منها إلى ائمة بخارى ، فكتب فيه الشيخ الامام
أبوبكر بن حامد والشيخ الامام أبو حفص
الزاهد والشيخ
الامام أبو بكر الاسماعيلي 4
أن الايمان غير مخلوق ، ومن قال بخلقه فهو كافر.
وقد خرج كثير من الناس من بخارى منهم
محمد بن اسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الايمان مخلوق ، انتهى.
وهذا الرجل يعني صاحب الفصول من أعيان
العامة وترجمته موجودة في كتاب « كتائب الاعلام الأخيار » من مذهب النعمان المختار
.
وأما ما حكينا عنه من كونه متروكاً عند
الرازيين فلأنّ الذهبي وهو الامام الحافظ المتقن المقدم في علم الرجال والحديث ذكر
البخاري في كتاب الضعفاء والمتروكين ، وقال ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ ،
تركه لأجلها الرازيان .
ويظهر من الذهبي أيضاً في الميزان أن
الرازيين تركا البخاري كما أن مسلماً ترك علي بن المديني شيخ البخاري ، قال ما
لفظه : علي بن عبدالله بن جعفر أبوالحسن الحافظ أحد الاعلام الأثبات وحافظ العصر ،
ذكره العُقيلي في كتاب الضعفاء ، فبئس ما صنع ، فقال : جنح إلى ابن أبي داود
والجهمية وحديثه مستقيم ان شاء اللّه.
قال لي عبد الله بن أحمد : كان أبي
حدّثنا عنه ، ثم امسك عن اسمه ، وكان يقول : حدّثنا رجل ، ثم ترك حديثه بعد ذلك.
قلت : بل حديثه عنه في مسنده ، وقد تركه
ابراهيم الحربي ، وذلك لميله إلى أحمد بن أبي داود ؛ فقد كان محسناً اليه ، وكذا
امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى ، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم
من الرواية عن تلميذه محمد
لأجل مسألة اللفظ ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كان أبو زرعة ترك الرواية عن
علي من أجل ما كان منه في المحنة انتهى .
وجلالة الرازيين مما لا يخفى على ناظر كتب القوم ، م ، ت ، س ، ق ، فلنذكر شطراً
منها :
أما
أبو زرعة :
فهو شيخ النسائي ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجة ، قال الذهبي في الكاشف :
عبيدالله بن عبدالكريم أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأعلام ، روى عن أبي نعيم
والفضل ، وقبيصة ، وطبقتهم في الآفاق ، وعنه م ، ت ، س ، ق ، وأبوزرعة ، ومحمد بن
الحسين القطان ، وأمم .
قال ابن راهويه : كل حديث لا يعرفه أبو
زرعة فليس له أصل
، مناقبه تطول.
وفي حاشية الكاشف : أنه أحد الأئمة
المشهورين والأعلام المذكورين ، الجوّالين ، المكثرين ، والحافظين ، والمتقنين.
روى عنه أبو زرعة الدمشقي الرازي
وعبدالله بن أحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي الفلاس ، وهو من شيوخه وابن أخيه
أبوالقاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم الرازي ، وأبو حاتم محمد بن ادريس
الرازي ، وهو من اقرانه.
قال النسائي : ثقة ، وقال أبو حاتم :
امام .
وقال أبومصعب : رأيت مالكاً وغيره ، فما
رأت عيناي مثله ، وقال فضلك الصائغ : دخلت على الربيع بمصر فقال لي من اين أنت؟
قلت : من الري من بعض شاكردي أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ، ان أبا
زرعة آية وليس له ثان .
وقال عبدالواحد بن غياث ما رأى أبا زرعة
مثل نفسه أحداً .
وقال أبو زرعة : أنا أحفظ عشرة آلاف
حديث في القراءات ، وقال أيضاً : كتبت عن ابراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث ،
وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف حديث .
وقال محمد بن جعفر بن حمكويه : سئل أبو
زرعة الرازي ، عن رجل حلف بالطلاق ان أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟ قال :
لا. وقال :
أحفظ مائة ألف حديث
كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد ، وفي المذاكرة : ثلاث مائة ألف حديث .
وقال أبو بكر محمد بن عمر الرازي الحافظ
: لم يكن في هذه الأمة أحفظ من أبي زرعة ، كان يحفظ مائة وأربعين ألفاً في
القراءات والتفسير وحفظ كتب الامام أبي حنيفة في أربعين يوماً ، وكان يسريها مثل
الماء.
وذكره ابن حجر العسقلاني في التقريب
وقال : أنه امام حافظ ، ثقة مشهور من الحادية عشر .
ذكره اليافعي في مرآة الجنان في وقائع
سنة أربع وستين ومائتين وأثنى عليه ، وذكره ابن جزلة الحكيم في مختصر تاريخ بغداد
وفيه أنه قال : أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد .
وأما
أبو حاتم الرازي :
فمناقبه مذكورة في تهذيب الكمال ، والكاشف ، وتذكرة الحفاظ ، وتذهيب التهذيب ،
وتهذيب التهذيب ، وتقريب العسقلاني ،
وأنساب السمعاني ،
وتراجم الحفاظ والتبيان لابن ناصر الدين ، وطبقات الفقهاء الشافعية للسبكي ،
وغيرها .
ولنقصر على شطر يسير منها :
قال السمعاني في الأنساب في نسبة
الحنظلي ما لفظه : وبالري درب مشهور يقال له درب حنظلة منها أبو حاتم محمد بن
ادريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي الحنظلي امام عصره والمرجوع اليه في
مشكلات الحديث ، وهو من هذا الدرب ، وكان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين
بالفضل والحفظ والرحلة ، وسمع محمد بن عبدالله الأنصاري وأبا زيد النحوي وعبيد
الله بن موسى ، وهوذة بن خليفة ، وأبامسهر الدمشقي ، وعثمان بن الهيثم المؤذن
وسعيد بن أبي مريم المصري ، وأبا اليمان الحمصي في أمثالهم.
وكان أول كتبه الحديث في سنة تسع
ومائتين ، روى عنه الأعلام الأئمة مثل يونس بن عبدالاعلى والربيع بن سليمان
المصريان وهما أكبر منه سنّاً وأقدم سماعاً ، وأبو زرعة الرازي والدمشقي ومحمد بن
عوف الحمصي وهؤلاء من أقرانه ، وعلم لايحصون ، وذكر أبوحاتم وقال : أول سنة خرجت
في طلب الحديث أقمت سنين أحصيت ماشياً على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي
حتى مما زاد على ألف فرسخ تركته.
وقال أبوحاتم : قلت على باب أبي الوليد
الطيالسي ، من أغرب عليّ
حديثاً غريباً
مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله عليّ درهم يتصدّق به ، وقد حضر على باب أبي الوليد
خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه ، وانما كان مرادي أن يلقي عليَّ ما لم أسمع به
فيقولون : هو عند فلان ، فاذهب واسمع وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي فما
تهيّأ لأحد منهم أن يغرب عليّ حديثاً .
الأمر الرابع : التعريف بالبخاري
من وجوه الطعن في البخاري ما يدل على
عدم ديانته ووثاقته وتدليسه ، وأنه تصرف في مال الغير بغير اذنه مع العلم بكراهته
وعدم رضاه ، وارتكب الكذب الصريح وأقدم على أمر قبيح ، كما يظهر كلّه مما قاله
مسلمة بن قاسم في تاريخه على مانقل عنه
قال : وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح
أن علي بن المديني ألّف كتاب العلل وكان ضنيناً به لا يخرجه إلى أحد ولا يحدّث به
لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته ، فغاب علي بن المديني في بعض حوائجه فأتى البخاري
إلى بعض بنيه فبذل له مائة دينار على أن يخرج له كتاب العلل ليراه ويكون عنده
ثلاثة أيام ففتنه المال وأخذ منه مائة دينار ثم تلطف مع أمه فاخرجت الكتاب فدفعه
اليه ، وأخذ عليه العهود والمواثيق أن لا يحبسه عنده أكثر من الامد الذي ذكر.
فأخذ البخاري الكتاب وكان مائة جزء
فدفعه إلى مائة من الوراقين
وأعطى كل رجل منهم
ديناراً على نسخه ومقابلته في يوم وليلة ، فكتبوا له الديوان في يوم وليلة وقوبل
ثم صرفه إلى ولد علي بن المديني ، وقال : انّما نظرت إلى شيء فيه.
وانصرف علي بن المديني فلم يعلم بالخبر
، ثم ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظ ، وكان كثير الملازمة لابن
المديني ، وكان ابن المديني يقعد يوماً لأصحاب الحديث يتكلم في علله وطرقه ، فلما
أتاه البخاري بعد مدّة قال له : ما جلسك عنّا؟ قال شغل عرض لي ثم جعل علي يلقى
الأحاديث ويسألهم عن عللها ، فيبدر البخاري بالجواب بنصّ كلام علي في كتابه فعجب لذلك
، ثم قال له من اين علمت هذا؟! هذا قول منصوص ، والله ما أعلم أحداً في زماني يعلم
هذا العلم غيري ، فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً ، وعلم أن البخاري خدع أهله بالمال
حتى أباحوا له الكتاب.
ولم يزل مغموماً بذلك ولم يثبت الاّ
يسيراً حتى مات ، واستغنى البخاري عن مجالسة علي والتفقه عنده بذلك الكتاب ، وخرج
إلى خراسان وتفقّه بالكتاب ووضع الكتاب الصحيح والتواريخ فعظم شأنه وعلا ذكره ،
وهو أول من وضع في الاسلام كتاب الصحيح ، فصار الناس له تباع بكتابه واشتهر لدى
العلماء في تأليف الصحيح انتهى .
ووجوه الطعن في البخاري من هذا الكلام
ظاهرة الوجه.
الوجه
الرابع : ما يدل على بلادته وبُعده عن الفقه ذكر
صاحب الكفاية في شرح الهداية في فقه الحنفية ، ما لفظه :
واذا شرب صبيان بلبن شاة فلا رضاع بينها لأنه لا
حرمة بين الآدمي والبهائم ، لأن الحرمة لا تكون الاّ بعد الأُميّة والبهيمة لا
يتصور أن تكون أُمّاً للآدمي ولاداً وكذا رضاعاً ، وكان محمد بن اسماعيل صاحب
الحديث يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، وانه دخل في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص
الكبير وجعل يفتي فقال له الشيخ لا تفعل فلست هنالك فأبى أن يقبل نصيحته حتى
استفتي عن هذه المسألة اذا رضع صبيان بلبن شاة فافتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا
وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى .
ويعلم حمقه اجمالاً من المكاتبة الجارية
بين الفاضل التفتازاني وأبي مسعود البخاري حيث كتب البخاري إلى ذلك الفاضل شيئان
لا يجتمعان : « الإنسانية والخراسانية » فكتب في جوابه : شيئان لا يفترقان :
الحمارية والبخارية ، وكذا يعلم من شعر الذي نسبه مؤلف كتاب « روح الرواح » إلى
أبي الكاتب في ذم بخارى وهو :
لو الفرس العتيق أتى بخارى
|
|
لصار بطبعها منها حمارا
|
فلم تر مثلها عيني كنيفاً
|
|
تبوأها أمير الشرق دارا
|
ومن أغلاطه الفاضحة التي يترتب عليه ما
لا يحصى من المفاسد ما ذكر في باب الأنساب ، من الغاية للسخاوي الشافعي في شرح
الهداية المنظومة للشيخ محمد الجزري الشافعي : أن أبا مسعود عقبة بن عمرو البدري
لم ينسب كذلك لشهوده بدراً في قول الجمهور ، وان عدّه البخاري في صحيحه ممن شهدها!
وانّما كان نازلاً يعني ساكناً بها ، فقد وقع لكبار أهل الحديث من ذلك أوهام
انتهى.
ولايخفى ان مثل هذا الغلط مع أنه باطل
في نفسه يقود إلى غيره من الباطل العظيم فان البخاري اذا توهم أن أبا مسعود شهد
بدراً وقد تقرّر عند القوم
أن أهل بدر كلهم
كانوا عادلين فيعد جميع رواياته من الصحيح وهذا بلاء عظيم.
الوجه
الخامس : ما يدل على خيانته الصريحة وضلالته
القبيحة وان عادته أن يبتر الأحاديث النبوية الواردة في حقّ أمير المؤمنين وأهل
البيت الطاهرين مما صحّت وثبتت عند أكابرهم المحققين وأعاظمهم المنقّدين ، بل بتر
في غير موضع من كتابه ما أورده من الحديث المتعلق بهذا المقام كما نبه عليه بعض
أكابرهم الاعلام.
قال العلامة ذو النسبين ابن دحية الكلبي
وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من كتاب ابن خلّكان وبغية الوعاة ، وحسن
المحاضرة ، وغيرها في كتب شرح أسماء النبي 6
ما لفظه : ترجم البخاري في وسط المغازي ما هذا نصه :
بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد
إلى اليمن قبل حجة الوداع ، حدّثني أحمد بن عثمان ، قال : حدّثنا شريح بن مسلمة ،
قال : حدّثنا ابراهيم بن يوسف بن اسحاق بن أبي اسحاق ، حدّثني أبي عن أبي اسحاق
سمعت البراء بعثنا رسول الله 6
مع خالد بن الوليد الى اليمن ، قال : ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه فقال : مُر أصحاب
خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقّب ، ومن شاء فليقبل فكنت ممن عقّب معه ، قال :
فغنمت اواق ذوات عدد .
حدثني محمد بن بشار ، قال : حدّثنا روح
بن عبادة ، قال : حدثنا علي بن سويد ابن منجوف ، عن عبدالله بن بريده ، عن أبيه ،
قال : بعث النبي 6
علياً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى
إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي 6
ذكرت له ذلك فقال : يا بريدة أتبغض علياً؟
فقلت : نعم ، قال :
لا تبغضه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك .
قال ذو النسبين : أورده البخاري ناقصاً
مبتراً كما ترى ، وهي عادته في ايراد الأحاديث التي من هذا القبيل ، وما ذاك الاّ
لسوء رأيه في التنكب عن هذا السبيل ، وأورده الإمام أحمد بن حنبل كاملاً محققاً
والى طريق الصحة فيه موفقاً ، فقال فيما حدّثني القاضي العدل بقية مشايخ العراق
تاج الدين أبو الفتح محمد بن أحمد المنداني قراءة عليه بواسط العراق بحق سماعه ،
على الثقة الرئيس أبي القاسم بن الحصين بحق سماعه على الثقة الواعظ أبي علي الحسين
بن المذهب بحق سماعه على الثقة أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان الفطسي بحق سماعه من
الامام أبي عبدالرحمن بن عبدالله بحق سماعه على امام أهل السنة أبي عبدالله بن
أحمد بن حنبل قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدّثنا عبد الجليل قال : انتهيت
إلى حلقة فيها أبو مجاز وابنا بريدة ، فقال عبدالله بن بريدة : قال أبي أبغضت
علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط ، قال : واحببت رجلاً لم أحبه إلاّ على بغضه علياً
، قال : فبعث ذلك الرجل على خيل فصحّبه ما اصحبه إلاّ على بغضه علياً ، قال :
فأصبنا سبياً ، فكتب إلى رسول الله 6
ابعث علينا من تخميسه.
قال : فبعث الينا علياً في السبي وصيفة
هي أفضل من السبي ، قال : فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟
قال : ألم ترد إلى الوصيفة التي كانت في السبي ، فانى قسمت وخمست فصارت في الخمس ،
ثم صارت في أهل بيت النبي 6
ثم صارت في آل علي ووقعت بها.
قال : فكتب الرجل إلى نبي الله 6 : قلت ابعثني فبعثني مصدّقاً ، قال :
فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق صدق فامسك يدي والكتاب ، قال : أتبغض علياً؟ قال :
قلت : نعم ، قال : فلا تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبّاً ، فوالذي نفس محمد بيده
نصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ، قال : فما كان من الناس أحد بعد رسول الله 6 أحب الي من علي ، قال عبدالله فوالذي
لا اله الاّ هو ما بيني وبين النبي 6
في هذا الحديث غير أبي بريدة .
__________________
ولا يخفى أن صريح هذا الكلام ، أن هذا
الحذف والاسقاط والتصرف والإختباط والتبديل ، والتغيير ، والتنقيص ، والتبتير ،
ليس مما يختص بهذا الحديث ، بل هذه عادته في كل ما كان من هذا القبيل كما صرح به
ابن دحية وصرح أيضاً في بتنكبه عن صراط الله القويم.
وقال : أيضاً في موضع آخر بعد أن أورد
من حديث مسلم حديثاً ، ثم أورده عن البخاري ما لفظه : بدئنا بما أورده بكماله
وقطعه البخاري واسقط منه على عادته كما ترى وهو مما عيب عليه في تصنيفه على ما جرى
ولاسيما اسقاطه لذكر علي رضي الله عنه.
وناهيك بهذا القول شاهداً على انحراف
البخاري عن أمير المؤمنين 7
وكفاك به دليلاً على سوء رأيه وقبح عقيدته وشناعة سريرته وانهماكه في التعصب
المخزي بين الانام ، وأي خزي أعظم من أن يبتر الانسان أحاديث الرسول 6 بمحض هواه وسوء رأيه الجالب للهوان
والملام وقد ظهر لك انهم في ردّ الحق هائمون ، حائرون ، ( يريدون
ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ) .
ثم ان جلالة ابن دحية مما لايخفى على من
راجع كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان ، و « بغية الوعاة » وغيرها.
قال
الاول :
أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن الجميَّل بن فرح بن خلف بن قومس بن
مزلال ابن ملاّل بن بدر بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي صاحب رسول الله 6 الكلبي المعروف بذي النسبين الاندلسي
البلنسي الحافظ ، إلى أن قال : كان يذكر أن أمّه أمة الرحمن بنت أبي عبدالله ابن
أبي البسام موسى بن عبدالله بن الحسين بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فلهذا كان يكتب
بخطه ذو النسبين بين دحية والحسين رضي الله عنهما ، وكان يكتب أيضاً : « سبط أبي
البسام » اشارة إلى ذلك وكان أبو الخطاب المذكور ، من أعيان العلماء ، ومشاهير
الفضلاء ، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به ، عارفاً بالنحو واللغة ، وأيام
العرب ، وأشعارها ، واشتغل بطلب الحديث ، في أكثر بلاد الاندلس الإسلامية ، ولقى
بها علمائها ومشايخها ، ثم رحل منها إلى برّ العدوة ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ،
ثم ارتحل إلى افريقية ، ومنها إلى الديار المصرية ، ثم إلى الشام والشرق والعراق.
وسمع ببغداد من بعض أصحاب ابن الحصين ،
وسمع بواسط من أبي الفتح محمد بن أحمد ابن الميداني ، ودخل إلى عراق العجم وخراسان
وما والاها ، ومازندران ، وكل ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم ،
وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ، ويستفاد منه ؛ وسمع باصبهان من أبي
جعفر الصيدلاني ،
وبنيسابور من منصور بن عبدالمنعم الفراوي .
وأثنى عليه في بغية الوعاة وحسن
المحاضرة بنظير ما ذكر وقال مات سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.
الوجه
السادس : ما يدل على جهله وجحوده وتعصبه حيث أنه
طعن في حديث الغدير وضعّفه على ما حكاه ابن تيمية عنه في المنهاج.
وذكر الفاضل البدخشاني وهو من عظماء أهل
السنة في كتابه المسمى بنزل الأبرار بعد ذكر حديث الغدير : هذا حديث صحيح مشهور لم
يتكلّم في صحته الاّ متعصّب جاحد لا اعتبار بقوله.
فإن الحديث كثير الطرق جدّاً ، وقد
استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وقد نصّ الذهبي على كثير من طرقه بالصحة ، ورواه
من الصحابة عدد كثير.
وقد نص كثير من اعاظمهم المنقّدين
وأفاضلهم المحققين على تواتر هذا الحديث فضلاً عن صحته كما لا يخفى على من راجع «
الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة » للعلامة السيوطي مجدّد دينهم في المائة
التاسعة ، « والفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة » له أيضاً ، أو راجع « أسنى
المطالب » لابن الجزري او شرح « الجامع الصغير » لنور الدين العزيري ، او « شرح
الجامع الصغير » للمناوي ، او « المرقاة
» لعلي القاري او « الاربعين » لجلال الدين المحدّث وغيرها ، وقال العلامة التستري
4 بعد ذكر
الحديث : وكيف لا يكون الحديث من الصحاح وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده بأكثر من
خمس
عشرة طريقاً ، وابن
عقدة في مائة وخمس طرق ، وابن المغازلي في اثني عشر طريقاً؟
وقال بعد روايته هذا الحديث ، صحيح عن
رسول الله 6 ، كذا رواه
الثعلبي في تفسيره وقد صنّف الشيخ الفاضل ختم المحدّثين محمد الجزري الشافعي في
ذلك رسالة ، وقد أثبت فيها تواتر هذا الحديث من سبعين طريقاً ، ونسب منكره إلى
الجهل والعصبية.
ولنذكر بعض ما قيل في حقّ ابن الجزري
المذكور :
قال السخاوي في الضوء اللامع لأهل القرن
التاسع : بعد أن ذكر ترجمة مبسوطة وذكر مصنّفاته ومشايخه وشطراً من حالاته ما لفظه
:
وقد ذكر الطاوسي في مشيخته وقال : أنه
تفرّد بعلوّ الرواية وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل ومعرفة الرواية من المتقدمين
والمتأخرين إلى آخر ما ذكره.
وقال في مفتاح كنز الدراية : قال
العلامة أبو القاسم عمر بن فهد في معجم شيوخ والده الحافظ تقي الدين بن فهد : هو
الامام العلامة أستاذ الأقراء أبو الخيرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن محمد بن
محمد علي بن يوسف العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي الشهير بابن الجزري بفتح الجيم
والزاء وكسر الراء نسبة الى جزيرة ابن عمر ببلاد بكر قرب الموصل.
كان والده تاجراً وبقي مدّة من العمر لم
يرزق ولداً فلما حجّ شرب ماء زمزم وسأل الله أن يرزقه ولداً عالماً ، فولد له
شيخنا هذا بعد صلاة الترويح من ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة احدى
وخمسين
وسبعمائة بدمشق ونشأ
بها وتفقه بها على العماد بن كثير ولهج بطلب الحديث والقراآت. فسمع من ابن أميلة
والصلاح بن أبي عمرو بن كثير في آخرين.
وذكر له اجازة من الذين هم جماعة ، ورحل
إلى القاهرة والاسكندرية واعتنى بالقراآت وبرز فيها وبنى مدرسة سماها دار القرآن
ودخل بلاد الروم فنشر بها علم القراآت في البلاد الاسلامية.
وكان شكيلاً حسناً ، فصيحاً ، بليغاً ،
وتلقب في بلاد الروم بالإمام الأعظم ، وحجّ مرّات واستقرّ أخيراً بشيراز ، وكان
أوقاته بين قراءة قرآن واسماع حديث وغير ذلك ، وبورك له فيها.
وكان مع ازدحام الناس عليه يؤلف قدر ما
يكتب الناسخ ، لاينام عن قيام الليل في سفر ولا حضر ، ولا يترك صوم الإثنين
والخميس وثلاثة أيام من كل شهر.
وله المؤلفات العديدة الجامعة المفيدة ،
وعدّد جملة منها إلى أن قال : ذكر منها ابن فهد تسعة وثلاثين مؤلفاً ، توفي في يوم
الجمعة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ، .
ولنكتف بهذا النبذ اليسير فالجرعة تدل
على القدير.
ولنشرع في ذكر وجوه القدح في صحيحه
السقيم ونوردها في فصلين :
أولهما
: في ذكر جملة من رواياته الموضوعة
وأحاديثه الباطلة مما يجب الحكم بوضعها وبطلانها ولو بنى على أصول العامة وقواعدهم
، أو حكم
علمائهم بوضعها
وبطلانها او استشكلوا فيها ، وهي وان كانت كثيرة لا تحصيها هذه العجالة الاّ أنا
نأتي ببعضها ليستدل به على باقيها.
والثاني
: في ذكر جملة من رواته الوضاعين
الكذابين والخوارج والنواصب بمقتضى تصريحات علمائهم وناقديهم في الحديث والرجال.
الفصل الثاني
الروايات
المتكلّم فيها
الفصل
الأول : في نبذ من الروايات المشار إليها مع
قطع النظر عن التعرض لحال رواتها مما يشهد مضامينها بما فيها.
حديث : خِطبة عائشة
فمنها
: ما رواه في كتاب النكاح عن عروة أن
النبي 6 خطب عائشة ،
فقال له أبوبكر : إنّما أنا أخوك ، فقال : « أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي
حلال » .
واستشكل بعض علماء العامة ، وهو
المغلطاي بن قليج الحنفي ، فانه قال : في صحة هذا الحديث نظر ، لأن الخلّة لأبي
بكر إنّما كانت بالمدينة وخطبة عائشة كانت بمكة! فكيف يلتئم قوله : إنّما أنا أخوك؟
وأيضاً : فالنبي 6 ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه ابن
أبي عاصم من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن خاطب عن عائشة أن النبي 6 أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب
عائشة فقال لها أبوبكر وهي لا تصلح له انّما هي بنت أخيه ، فرجعت ، فذكرت ذلك
للنبي 6 ، فقال :
ارجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي.
فاتت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : ادعي
رسول الله 6 فجاء
فانكحته .
واثنى السيوطي في « حسن المحاضرة » على
هذا الرجل ،
وقال : الامام الحافظ علاء الدين ، ولد سنة تسع وثمانين وستمائة .
وكان حافظاً عارفاً بفنون الحديث ،
علاّمة في الأنساب ، وله أكثر من مائة مصنّف كشرح البخاري وشرح ابن ماجة وغير ذلك
مات في سنة ٧٦٢ هـ .
وأجاب عن هذا الإشكال العسقلاني في فتح
الباري بما لفظه ، قلت : اعتراضه الثاني يردّ اعتراضه الاول بوجهين :
أحدهما
: أن المذكور في الحديث الأخوة ، وهي
أخوة الدّين والّذي اعترض به الخلّة ، وهي أخص من الاخوة ، ثم الذي وقع بالمدينة
هو قوله 6 : لو كنت
متّخذاً خليلاً ... الحديث. الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد فليس فيه اثبات
الخلّة إلاّ بالقوّة لا بالفعل.
الوجه
الثاني : أن في الثاني اثبات ما نفاه في الاول ،
والجواب عن اعتراضه بالمباشرة امكان الجمع ، بأنه خاطبه بذلك بعد أن أرسلها .
أقول : توضيح ايراد المورد بحيث يظهر
منه سقوط هذا الجواب وفساده ، أن مراد أبي بكر بقوله : إنّما أنا أخوك ماذا؟
فإن أراد الأخوّة الثابتة بمقتضى
الاسلام ، حيث أن المؤمنين بعضهم أخوة بعض ، لزم منه اعتقاد بطلان نكاح المسلمين
والمسلمات ، وبطلان الأنكحة السابقة الواقعة في هذه الشريعة ، بل في جميع الشرايع
، وانسداد باب التناكح بين المسلمين بالمرّة.
وهذا مما لا يمكن أن ينسب إلى بليد أحمق
، ويتأنف عن احتماله كلّ سفيه أخرق ، فكيف يعتقده الخليفة الذي هو في غاية الدهاء
والفراسة؟!
وان أراد منه الاخوّة الثابتة له
بالخصوص بتخصيص من النبي 6
بذلك فهذا التخصيص قد ثبت في حديث الخلّة بالمدينة ، وهو متأخر عن تزويج عائشة!
فكيف يقوله أبو بكر بمكة؟
وحديث الخلّة ، المشتمل على تخصيصه
بالاخوة رواه البخاري في باب المناقب بطرق عديدة :
منها
: ما عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال
رسول الله 6 لو كنت
متّخذاً خليلاً غير ربي لاتّخذت أبابكر خليلاً ، ولكن أخوّة الاسلام ومودّته .
ومنها
: ما عن ابن عباس : لو كنت متّخذاً
خليلاً من أمّتي لاتّخذت أبابكر ، ولكن أخي وصاحبي .
وتوضيح الايراد الثاني : ان ظاهر ما
رواه البخاري أنه 6
باشر الخطبة بنفسه وهو ينافي ما في الرواية الاخرى ، أنه أرسل خولة لخطبتها ، ولا
يمكن الجمع أيضاً ، فإنه بعد أن عرف أبوبكر أن أخوّة الاسلام لا تمنع من التزويج
بما ذكرت له خولة ، وبلّغت إليه من النبي 6
كيف شافه النبي 6
ثانياً بهذا التوهم الفاسد والاعتقاد الكاسد؟
اذا عرفت هذا ظهر لك فساد ما أجاب به
العسقلاني ، فإن قوله المذكور في حديث الاخوّة ، وهي أخوة الدين ، والذي اعترض به
الخلة وهي أخصّ من الاخوّة ، في غاية الضعف والبطلان ، وناش من عدم فهم مرام
المورد ، حيث أن المورد حمل الاخوّة على الاخوة الخاصة الثابتة لابي بكر لتخصيص
لما في الحمل على الاخوّة العامة في الدين من الشناعة.
وذكر أن هذه الاخوّة الخاصة ثابتة في
حديث الخلّة ، وهو بالمدينة ولشهرة هذا الحديث اكتفى بقوله : أن الخلة كانت
بالمدينة ، ولم يرد أن الخلة هي الاخوة حتى يورد عليه بأنها غيرها ، وأنها أخص
منها.
ولما رأى المورد ان رعاية جانب الخليفة
أولى من البخاري احتمل أن يكون مراد الخليفة الاخوة في الدين فاستشكل في حديث
البخاري وصحته!
فان من ابتلى ببليّتين يختار أهونهما ،
والعسقلاني غفل عن ذلك كله وتفوّه بما لا محصّل له.
بل يزيد الامر به شناعة ، من أن المراد
الاخوة في الدين ، وأن الخلة غير الاخوة مع أن حديث الخلة مما تعرض هو لشرحه ،
وكان حين الجواب بباله حتى أنه أشار اليه بقوله : الحديث الماضي في المناقب عن أبي
سعيد ، ولاحول ولا قوّة إلاّ بالله.
وأما جوابه عن الاشكال الثاني : بامكان
الجمع ، فقد عرفت ما فيه ، فلابد له من تكذيب الحديث أو تحميق الخليفة وتضليله ،
فإن اختار الأول فقد أجاد ، وان أصرّ على العناد وقدح في الخليفة الغير السالك
مسلك السداد ، فهذا هو عين المراد لأهل الرشاد وأشهى إلينا من تكذيب حديث صحيح
امامهم العماد.
نسبة الخلاف إلى ابراهيم
ومنها
: ما أورده في مواضع عديدة من صحيحه.
منها
: ما في كتاب التفسير : قال : حدّثنا
اسماعيل ، قال حدّثنا أخي عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي
6 قال يلقى
ابراهيم أباه فيقول : يا ربّ إنّك وعدتني الاّ تخزني يوم يبعثون فيقول الله : اني
حرمت الجنة على الكافرين ، وفي رواية أخرى : فيقول : يا ربّ انّك وعدتني ألاّتخزني
يوم يبعثون ، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ .
ولا يخفى ما في هذا الإفتراء من غاية
الازراء بشأن ابرهيم 7
ومخالفته لنصّ الكتاب الكريم.
أما أولاً : فلخطائه في اعتقاد أن تعذيب
أبيه خزي له بل خزي أعظم ، وأي خزي أعظم من هذا.
فان ذلك مما لا يتخيّله من له أدنى عقل
ودراية فضلاً عن النبي المعصوم المبعوث للهداية.
وثانياً : للجهل بالمراد من وعده تعالى
بأن لايخزيه.
وثالثاً : مخالفته للدلائل العقلية
الدالة على المنع من الاستغاثة للمشركين من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم.
قال الرازي في تفسيره : وسبب هذا المنع
ما ذكره الله تعالى في قوله : ( من بعد ما تبيّن لهم
أنهم أصحاب الجحيم )
، وأيضاً
قال : ( أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك )
والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم انه يدخلهم النار وطلب الغفران لهم جار مجرى طلب
أن يخلف الله وعده ووعيده ، وأنه لا يجوز.
وأيضاً ، لما سبق قضاء الله تعالى بأنه
يعذبهم فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين وذلك يوجب نقصان درجة النبي وحطّ مرتبته.
وأيضاً أنه قال : ( ادعوني
استجب لكم )
وقال عنهم
أنهم اصحاب الجحيم فهذا الاستغفار يوجب دخول الخلف في أحد هذين النصين وأنه
لايجوز.
ورابعاً : مخالفته لأمر الله تعالى بل
إصراره على المخالفة حيث لم ينته بنهي الله تعالى إيّاه في الدنيا عن الاستغفار ،
وصرح بممنوعيته عن الاستغفار لابيه الفخر الرازي في تفسيره في قوله تعالى : ( وما كان
استغفار ابراهيم لأبيه ).
وخامساً
: بمنافاة هذه الرواية لقوله تعالى ( فلما تبين
له أنه عدوّ لله تبرّأ منه )
، قال العسقلاني : قد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته ، فقال
بعد أن أخرجه :
« هذا حديث في صحته نظر من جهة أن
ابراهيم عالم بأن الله لايخلف الميعاد ، فكيف يجعل ما بأبيه خزياً له مع علمه بذلك
».
وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر
قوله تعالى : ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة
وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرّأ منه ) .
قال : والجواب عن ذلك ، أن أهل التفسير
اختلفوا في الوقت الذي تبرّأ ابراهيم فيه من أبيه ، فقيل : كان ذلك في الحياة الدنيا
لما مات مشركاً ، وهذا الوجه للطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس ، واسناده صحيح.
وفي الرواية فلمّا ، مات لم يستغفر له ،
ومن طريق علي بن طلحة عن ابن عباس نحوه ، قال : استغفر له ما كان حيّاً فلمّا مات
امسك.
وأورد أيضاً ، من طريق مجاهد وقتادة
وعمرو بن دينار نحو ذلك ، وقيل إنّما تبرّأ منه يوم القيامة لما آيس منه حين مسخ
على ما صرّح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها ، وهذا أخرجه الطبري أيضاً من
طريق عبدالملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول : ان ابراهيم يقول يوم
القيامة : ربّ والدي ، فإذا كانت الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرّأ
منه.
ومن طريق عبيد بن عمير قال : يقول
ابراهيم لأبيه : اني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم ، فخذ بحقوتي
فيأخذ بضبيعيه فيمسخ ضبعاً ، فإذا رآه ابراهيم مسخ تبرّأ منه.
ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرّأ منه
لما مات مشركاً ، فترك الاستغفار لكن لما رآه يوم القيامة ادركته الرقة والرأفة
فسأل فيه ، فلمّا رآه مسخ يئس منه حينئذ وتبرّأ تبرّياً أبديّاً.
وقيل أن ابراهيم لم يتيقّن موته على
الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع ابراهيم على ذلك ويكون وقت تبريه منه
بعد اكالة التي وقعت في هذا الحديث .
هذا غاية ما تشبّثوا به لدفع الطعن عن
هذا الخبر وفسادها مما لا يخفى.
أما الأخير : الذي نسب إلى القيل :
فيرده جميع رواياتهم التي اذعنوا بصحتها.
منها : ما نقله العسقلاني وقال : اسناده
صحيح.
ومنها : ما أورده في الدر المنثور ، قال
: أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ( فلمّا تبيّن له )
حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه.
وأخرج الفريابي وابن خزيمة ، وابن
المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبوبكر الشافعي في فوائده ، والضياء في
المختارة عن ابن عباس قال : لم يزل ابراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلمّا تبيّن له
أنه عدوّ لله فتبرّأ منه ، يقول : لما مات على الكفر.
وأما ما ذكره بقوله : ويمكن الجمع ، فلا
معنى محصل له لان مناط الاشكال على أن ابراهيم بعد علمه بأنه كان مشركاً ومات عليه
كما سلّمه في هذا الجواب ، كيف استغفر له ويشفع فيه مع علمه بأنه تعالى لا يخلف
الميعاد.
فإن أراد العسقلاني من قوله : لمّا رآه
أدركته الرقة ، بيان داعي الاستغفار فهو من قبيل أصوات الحيوانات التي تصدر من غير
ارتباط ، حيث أن الكلام
والاشكال في عدم
جواز الاستغفار ، فالجواب عنه ببيان داعيه كما ترى ، وان أراد أن الرقة والرأفة
يجوز ارتكاب المنهي عنه فهو مما لا يتفوّه به عاقل فضلاً عن فاضل.
وكيف لايلتزم به في تجويز جميع الشنايع
والقبائح والفسق والزنا واللواط فلو زنى أحد بإمرأة شابّة دعته إلى الزنا من باب
الرأفة والرقة لزمه الحكم بالجواز والاباحة؟!
وأما كلامه الاول : فحاصله الاختلاف في
أن وقت التبري هل هو في الدنيا بعد موته او في الآخرة بعد مسخه؟
وتخيّل أنه لو كان التبري في القيامة لم
يلزم قبح ، ووجوه الفساد في هذا الكلام أيضاً واضحة ، اما أولاً : فلأن صريح كتاب
الله وقوع التبري من ابراهيم حيث قال : ( تبيّن له أنه عدوّ
لله تبرّأ منه )
.
وأتى بصيغة الماضي الفعلين جميعاً وصرف
اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز.
وثانياً : ان من الواضح تعدد الروايات
على وقوع التبري في الدنيا وفيها باعتراف العسقلاني بصحته وهي موافقة لظاهر القرآن
والروايات المخالفة أقل عدداً غير موصوفة بالصحة مخالفة لظاهر القرآن.
ومن البيّن ترجيح الاولى فيزيد الاشكال
لا أنه يندفع.
ثالثاً : أنه على فرض ترجيح الروايات
الثانية يندفع الاشكال الاخير الذي ذكره غير الاسماعيلي.
وأما الاول : فباق مجاله حيث أن مناطه
ليس على المخالفة لظاهر الآية ، بل على أن ابراهيم بعد ما علم شرك آزر وعلم ان
الله لا يخلف الميعاد كيف جعل ما بابيه خزياً له؟
ورابعاً : أن الاقوال الاخيرة التي
نقلها عن سعيد بن جبير وعبيد الله بن عمير لا يدل على أن المراد من التبري في
الآية هو التبري في الآخرة ، فإنّهما اقتصرا على ذكر قصة ابراهيم من غير أن يفسر
الآية بذلك.
وخامساً : أن هذه الاقوال والروايات
بعينها مما يستشكل فيها الاسماعيلي وغيره ، اذ هي مثل ما في البخاري ويرد عليها ما
يرد عليه من طعن في حديث البخاري كيف لا يطعن عليها ، وهل هذا الاّ مثل أن يجاب عن
الاشكال باعادة حديث البخاري.
سادساً : أنه لو حمل حديث التبري يوم
القيامة اختل نظم الآية وفات ما هو المقصود المهم منها ، اذ الغرض منها أن ابراهيم
مع كونه أواهاً حليماً موصوفاً بشدّه الرقّة والشفقة لَما تبيّن له كفر أبيه تبرّأ
منه ولم يستغفر له والمؤمنون أولى بان لا يستغفروا للمشركين ، ولهذا ذكر هذه الآية
عقيب قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولي قربى )
.
قال الرازي في تفسيره : في توصيف
ابراهيم 7 بالاوّاه
والحليم ما لفظه : اعلم أنه تعالى انما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنه
تعالى وصفه بشدّة الرقّة والشفقة والخوف والوجل ، ومن كان كذلك فإنه لعظيم رقّته
على أبيه
وأولاده فبيّن تعالى
أنه مع هذه العادة تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لَما ظهر له اصراره على الكفر ،
فانتم بهذا المعنى أولى.
ولذلك وصفه أيضاً بأنه حليم ، لان أحد
أسباب الحكم رقة القلب وشدّة العطف لان المرء اذا كان حاله هكذا اشتدّ حلمه عند
الغضب .
وانت خبير بان هذا الكلام انما يتم لو
كان المراد التبري في الدنيا ، اذ لوكان تبريه منه في الآخرة مع استغفاره له في
الدنيا حتى بعد موته لم يكن هذا ممّا يوجب امتناع المؤمنين عن الاستغفار لاقربائهم
من المشركين بل كان مؤيداً لجوازه إلى غير ذلك من وجوه الفساد في هذا الكلام.
نسبة الخلاف إلى النبي 6
ومنها
: ما أورده في كتاب التفسير عن ابن عمر
قال : لمّا توفي عبدالله بن أبي ، جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله 6 فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ،
فأعطاه ثم سئله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله 6
ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله 6
فقال : يا رسول الله 6
تصلي عليه؟! وقد نهاك ربك أن تصلي عليه.
فقال رسول الله 6 : إنّما خيّرني الله ، فقال : ( استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ) ، وسأزيد على السبعين ، قال : انه
منافق ، قال : فصلى عليه رسول الله 6
: فأنزل الله تعالى : ( ولاتصلّ على أحد منهم
مات أبداً ولاتقم على قبره )
.
حكم الغزالي في المنخول بان هذا الحديث كذب قطعاً.
قال بعد ذكر الاحتجاجات الشافعية على
حجية المفهوم وردّها ، ما هذا لفظه : على أن ما نقل في آية الإستغفار ، كذب قطعاً
، اذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة ، فلا يظن برسول الله 6 ذهول عنه.
وقال العسقلاني في شرح البخاري : وقد
استشكل فهم التخيير من الآية على كثير ، وسبق جواب الزمخشري عن ذلك.
وقال صاحب الانصاف : مفهوم الآية ممّا
زلّت فيه أقدام حتى أنكر القاضي أبوبكر الباقلاني صحة الحديث ، وقال : لا يجوز أن
يقبل هذا ولا يصح أن رسول 6
قاله.
وقال امام الحرمين في مختصره : هذا
الحديث غير مخرج في الصحيح ، وقال في البرهان : لايصحّحه أهل الحديث.
وقال الغزالي في المستصفى : الاظهر أن
هذا الخبر غير صحيح ، وقال الداوودي الشارح : هذا الحديث غير محفوظ ، وهذا عجيب.
وحكى ابن حجر في فتح الباري أيضاً هذه
الاقوال فراجع .
حديث : احراق بيت النملة
ومنها
: رواه في كتاب بدء الخلق ، قال : حدّثنا
اسماعيل بن أبي أويس ، قال حدّثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي
هريرة ، إن رسول الله 6
قال : نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فاخرج من تحتها ،
ثم أمر ببيتها فاحرق بالنّار ، فأوحى الله تعالى إليه : فهلاّ نملة واحدة؟
ويكفي في بطلانه ما ذكره الفخر الرازي
تشنيعاً على الشيعة من أنهم في طعنهم على الصحابة أقلّ ادراكاً وشعوراً من نملة
سليمان حيث أنها علمت أن أصحاب سليمان بمجرّد ادراكهم صحبته النبي في مدّة قليلة
لايعتمدون اهلاك النمل وحطمها ، واحتملت أن يقع منهم لا عن التفات ، فلذا قيّده
بقولها : ( وهم لايشعرون ) .
واستحسن هذا الكلام بعض أعيان متأخري
العامة ، وهو صاحب التحفة الاثني عشرية ، قال في مقام تسفيه من يطعن على الصحابة
ما هذا لفظه : ... .
فاذا كان حطم النمل التي تقع تحت
الاقدام ممتنعاً من جنود النبي 6
عمداً فامتناع اهلاكها واحراقها من نفس النبي 6
أولى ، فلينظر العاقل أن هؤلاء القوم المصحّحين لروايات البخاري الموجبة لاثبات
أمثال هذا على الأنبياء :
أولى بالتسفيه والتحميق أو من يطعن على جماعة من الصحابة بالنصوص الثابتة الصحيحة
عند الفريقين المروية في اسفار الفريفين.
حديث : تفضيل الخلفاء وتكذيب رواته
ومنها
: ما أورده في باب مناقب عثمان عن ابن عمر
قال : كنا في زمن النبي 6
لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي 6 لا نفاضل بينهم .
والدلائل على الكذب والبطلان في هذا
الهذيان والبهتان أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصى اذ قد ثبت بالادلة الساطعة
والبراهين القاطعة ممّا صحت من طرقهم ورويت في صحاحهم أفضلية علي 7 عن الشيخين فضلاً عن الثالث.
ثم ان هذا الخبر مخالف لاجماعهم حيث
أنهم مجمعون على أفضليته 7
عن غير الثلاثة من الصحابة ، ولذا بالغ علاّمتهم المحدّث ابن عبد البر في
الاستيعاب في ابطال هذا الخبر ، قال :
أَخبرنا محمد بن زكريا ويحيى بن
عبدالرحمن وعبدالرحمن بن يحيى قالوا حدثنا أَحمد بن سعيد بن حرم ثنا أَحمد بن خلد
ثنا مروان بن عبدالملك ، قال سمعت هارون بن اسحاق يقول : سمعت يحيى بن معين يقول :
من قال ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة.
فذكرت له هؤلاء والذين يقولون : أبوبكر
، وعمر ، وعثمان ثم يسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ.
وكان يحيى بن معين يقول : أَبو بكر وعمر
وعلي وعثمان.
وقال ابو عمرو : من قال بحديث ابن عمر :
كنا نقول على عهد رسول الله 6
ابو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ثم نسكت ، يعني فلا نفاضل وهو الذي أنكر ابن معين
وتكلّم فيه بكلام غليظ ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أَهل السنة
من السلف والخلف من أَهل الفقه والأثر ، بأنّ علياً أفضل الناس بعد عثمان ، هذا
مما لم يختلفوا فيه وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان ، واختلف السلف أَيضاً في
تفضيل عليّ وأَبي بكر.
وفي اجماع الجميع الذي وصفنا دليل على
أن حديث ابن عمر وَهمٌ وغلط وأنه لا يصح معناه وان كان اسناده صحيحاً .
ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر
وحديث ابن سعيد : كنّا نبيع أمّهات الاولاد على عهد رسول الله 6 وهم لايقولون بذلك ، فقد ناقضوا وبالله
التوفيق.
حديث : ليلة الإسراء
ومنها
: قصة الاسراء ، قال : حدّثنا عبدالعزيز
بن عبدالله ، قال : حدّثني سليمان عن شريك بن عبدالله ، أنه قال : سمعت أنس بن
مالك يقول : ليلة أسري برسول الله 6
من مسجد الكعبة ، « أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد
الحرام.
فقال : أولهم : أيهم هو؟ فقال أوسطهم :
هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم.
فكانت تلك الليلة ، فلم يرهم حتى أتوه
ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عينه ولاينام قلبه.
وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام
قلوبهم ، فلم يكلّموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاّه منهم جبرئيل ،
فشقّ جبرئيل ما بين نحره إلى لبَّته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم
بيده ، حتى أنقى جوفه ، ثم أتى بطست من ذهب فيه تورٌ من ذهب محشوّاً إيماناً وحكمة
، فحشا به صدره ولغاديده ـ يعني : عروق حلقه ـ ثم أطبقه ثم عرج به الى السماء
الدنيا ، فضرب باباً من أبوابها فناداه أهل السماء : من هذا؟ فقال : جبرئيل ،
فقالوا : ومن معك؟ قال : معي محمد ، قال : وقد بعث إليه؟ قال : نعم ، قالوا :
فمرحباً به وأهلاً الى آخر ما ذكره .
وأورده مسلم أيضاً في صحيحه ، وقال
النووي في شرح مسلم ، قوله ذلك : قبل أن يوحي إليه : وهو غلط لم يوافق عليه ، فإن
الاسراء أقل ما قيل فيه ، أنه كان بعد مبعثه 6
بخمسة عشر شهراً.
وقال الحربي : كان ليلة سبع وعشرين من
شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.
وقال الزهري : كان ذلك بعد مبعثه بخمس
سنين ، وقال ابن اسحاق : أسري به وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل ، وأشبه هذه
الاقوال قول الزهري ، وابن اسحاق ، اذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها صلّت معه
بعد فرض الصلاة عليه ، ولا خلاف في أنها توفيت قبل الهجرة بمدّة ثلاث سنين وقيل
بخمس.
ومنها : أن العلماء مجمعون على أن فرض
الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟!
وأما قوله : في رواية شريك ، وهو نائم ،
وفي الرواية الأُخرى : بينا أنا عند البيت ، بين النائم واليقظان ، فقد يحتج به من
يجعلها رؤية نوم ، ولاحجة فيه ، اذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه ، وليس
في الحديث ما يدل على كونه نائماً في القصة كلّها.
هذا الكلام للقاضي 4 ، وهذا الذي قاله في رواية شريك ، وان
أهل العلم أنكروها ، قد قاله غيره ، وذكر البخاري رواية شريك هذه عن أنس في كتاب
التوحيد في صحيحه وأتى بالحديث مطولاً.
قال الحافظ عبد الحق في كتابه الجمع بين
الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية : هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر ،
عن أنس وقد زاد فيه زيادة مجهولة ، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة ، وقد روى حديث
الاسراء جماعة من الحفاظ المتقنين عن الائمة المشهورين ، كابن شهاب ، وثابت
البناني ، وقتادة ، يعني عن أنس : فلم يات أحد منهم بما أتى به شريك وشريك ليس
بالحافظ عند أهل الحديث ، قال : والأحاديث التي تقدّمت قبل هذا هي المعول عليها .
وقال الكرماني في الكواكب الدراري : قال
النووي : جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء ، في جملتها أنه قال : « ذلك قبل
أن يوحي اليه » ، وهو غلط لم يوافق عليه.
وأيضاً العلماء أجمعوا على أن فرض
الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون قبل الوحي.
أقول : وقول جبرئيل في جواب بوّاب
السماء ، اذ قال : أبَعَثَ؟ قال : نعم ، صريح في أنه كان بعده .
وقال ابن القيم في زاد المعاد : فصل قال
الزهري : عرج برسول الله 6
إلى بيت المقدس والى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة.
وقال ابن عبد البر وغيره : كان بين
الاسراء والهجرة سنة وشهران ، وكان الاسراء مرة واحدة وقيل مرّتين ، مرّة يقظة
ومرّة مناماً ، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله : ثم
استيقظت ، وبين سائر الروايات.
ومنهم من قال : بل كان هذا مرّتين ،
مرّة قبل الوحي بقوله : في حديث شريك : « وذلك قبل أن يوحى اليه » ومرّة بعد الوحي
، كما دلّت عليه سائر الاحاديث.
ومنهم من قال : بل ثلاث مرّات ، مرّة
قبل الوحي ، ومرّتين بعده.
وكلّ هذا خبط ، وهذه طريقة ضعفاء
الظاهرية من أرباب النقل الذين اذا رؤوا في قصة لفظ تخالف سياق بعض الروايات جعلوه
مرّة أخرى ، فكلّما اختلف عليهم الروايات عدّدوا الوقائع.
والصواب الذي عليه أئمة النقل أن
الاسراء كان مرّة واحدة بمكة بعد البعثة ، ويا عجباً لهؤلاء الذين زعموا أنه
مراراً ، كيف ساغ لهم أن يظنّوا أنه في
كلّ مرّة تفرض عليه
الصلاة خمسين ، ثم يتردّد بين ربه وبين موسى ، حتى تسير خمساً ، ثم يقول : « امضيت
فريضتي وخفّفت عن عبادي ، ثم يعيدها في المرّة الثانية إلى خمسين ، ثم يحطها عشراً
عشراً ، وقد غلّط الحفاظ شريكاً في الفاظ من حديث الاسراء .
حديث : تفضيل زيد بن عمرو بن نفيل على النبي 6
ومنها
: ما أورده في كتاب الذبائح : «
حَدَّثَنا مُعَلى بنُ أَسَد ، حَدَّثَنا عَبدُالعَزيزِ ـ يَعني ابنَ المُختارِ :
أَخبَرَنا مُوسى بنُ عُقبَةَ قالَ : أَخبَرَني سالِمُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبدَاللهِ
يُحَدِّثُ عَن رَسُولِ الله : أَنَّهُ لَقِيَ زَيدَ بنَ عَمروبنَ نُفَيل بِأسفَل
بَلْدَح ـ وَذاكَ قَبلَ أَنْ يُنزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ 6 الوَحيُ ـ فَقَدَّمَ إِلَيهِ رَسُولُ
اللهِ 6 سُفرَةً
فِيها لَحْمٌ ، فَأبى أَنْ يَأكُلَ مِنْها ، ثُمَّ قالَ : إِنّي لاآكُلُ مِما تَذْبَحونَ
عَلَى أَنْصابِكُمْ ، وَلاآكُلُ إِلاّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ »!!.
وأورد هذا الحديث الامام أحمد بن حنبل
وأبو يعلى والبزار وغيرهم من أكابر القوم مع التصريح بأكل رسول الله 6 مما ذبح على النصب ، قال ابن حجر العسقلاني
في فتح الباري شرح البخاري :
وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قهر
منه وهو عند أحمد ، فكان زيد يقول : عذت بما عاذ به ابراهيم ثم يخرُّ ساجداً
للكعبة ، قال : فمرّ بالنبي 6
وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه.
قال : يابن أخي لا آكل مما ذبح على
النصب ، قال : فما رأي النبي 6
يأكل مما ذبح على النصب من يومه وذلك.
وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى
والبزار وغيرهما ، قال : خرجت مع رسول الله 6
يوماً من مكة وهو مرد في مذبحنا شاة على بعض الأصنام فاذبحناها فلقينا زيد بن عمرو
، فذكر الحديث مطولاً ، فقال زيد : اني لا أكل مما لم يذكر اسم الله عليه .
وأورده البخاري أيضاً في موضع آخر من
صحيحه ، لكن بتعبير وتبديل ، قال في كتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو ابن نفيل
: حدّثني محمد بن أبي بكر ، قال : حدّثنا فضيل بن سليمان ، حدّثنا موسى ، حدثنا
سالم بن عبدالله بن عمر أن النبي 6
لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي 6 الوحي فقدمت إلى النبي 6 سفرة فأبى أن يأكل منها.
ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون
على انصابكم ، ولا آكل الاّ ما ذكر اسم الله عليه ، وان زيدبن عمرو كان يعيب على
قريش ذبائهم ، ويقول : الشاة خلقها الله تعالى وانزل لها من السماء الماء وانبت
لها من الارض ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ انكاراً لذلك واعظاماً له .
وأيّاً من هذه الروايات قلنا به يوجب
اثبات طعن عظيم على سيد النبيين وأفضل المرسلين واثبات أعرفية زيد بالله وتعظيمه
منه 6.
ويدل على أن مثل هذا الامر الذي ارتكز
قبحه في عقل زيد الغير المتدين
بدين وفي عقول
المتقطنين وان لم يكونوا بالشرايع ملتزمين ، قد خفي على سيد البشر نعوذ بالله من
هذه الهذيانات.
اذ لو قيل بموجب رواية أحمد وأبي يعلى
والبزار من أكله مما ذبح على النصب بل مباشرته لهذا الذبح مع زيد بن حارثة فالامر
واضح ، ولو قيل بموجب ما رواه البخاري في كتاب الذبائح فهو أيضاً لايخلو من رضائه 6 بهذا الامر الشنيع وحفظ هذا اللحم في
السفرة وعدم ابائه عن أكله 6
ودعوته لزيد في الاكل منه واباء زيد وأعرفيته بالله منه وأورعيته وأعقليّته.
ولو قيل بموجب ما رواه في كتاب المناقب
فكذلك اتحاد الحديثين ، فلابد من ارجاع الضمير في قوله : فأبى ، إلى زيد كما هو
سياق الكلام والمقام والحديث يفسّر بعضه بعضاً ، كما صرّح به أعيان العامة فيلزم
جميع ما ذكرنا.
ولو تعسّف متعسّف فارجع الضمير إلى
النبي 6 فلا أقل
دعوة النبي 6 زيداً إلى
هذا الامر القبيح الذي تقرّرت حرمته في الشرايع السابقة بل في شريعة ابراهيم على
ما اعترف بعض أعيانهم وارتكز قبحه في العقول ولننقل بعض كلمات القوم مما يتعلق
بالمقام.
فنقول من عجيب الأمر أن ابن روزبهان
لابتلائه بضيق خناق الالزام والافحام من علامة العلماء الاعلام حيث ذكر هذا الحديث
بعين الالفاظ التي أوردها البخاري في كتاب الذبائح ، من أن رسول الله 6 لقى زيد بن عمرو فقدم اليه رسول الله 6 سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم
قال : اني لا آكل مما تذبحون على انصابكم! اضطرب واختلّ عقله وضاق عليه الامر
فاختلق تتمة لهذا الحديث غير مرتبطة به لفظاً ولا معنى.
فقال : من غرائب ما يستدل به على ترك
امانة هذا الرجل وعدم الاعتماد والوثوق على نقله رواية هذا الحديث ، فقد روى بعض
هذا الحديث ليستدل به على مطلوبه وهو الطعن في رواية الصحاح ، وما ذكر تمامه وتمام
الحديث : « أن رسول الله 6
لما قال لزيد بن عمرو بن نفيل هذا الكلام ، قال : وأنا أيضاً لا آكل من ذبيحتهم
ومما لم يذكر عليه اسم الله تعالى فاكلا معاً ».
وهذا الرجل لم يذكره التتمة ليتمكن من
الطعن في الرواية ، نسأل الله العصمة من التعصب فانه بئس الضجيع.
أقول : فيه أولاً : ان هذه التتمة
موضوعة مختلقة افتراها واخترعهاً هذا الناصب ، ونسخ صحيح البخاري موجودة منتشرة في
شرق العالم وغربها ليس فيها من هذه التتمة عين ولا أثر فليراجع من أراده.
وثانياً : انه إمّا أن يكون الضمير في
الحديث في قوله : « فأبى » و « ثم قال » راجعاً إلى الرسول أو إلى زيد ، فان كان
راجعاً إلى الرسول 6
فنفس العبارة المنقولة كافية في دفع الطعن ، ولايتمكن من الطعن فيه وان لم تكن هذه
التتمة موجودة مع أن صريح كلامه ابتناء عدم التمكن من الطعن ودفعه على هذه التتمة
وأيضاً على التقدير فالضمير في هذه التتمة في قوله : « قال وأنا أيضاً » ان كان
راجعاً إلى الرسول 6
فلا معنى له أصلاً بل يصير من قبيل الهذيان ، اذ بعد قول الرسول 6 في الحديث : أنا لا آكل ، فأي معنى
لقوله ثانياً : وأنا أيضاً لا آكل؟
وان كان إلى زيد فلهذه التتمة مدخلية في
دفع الطعن عن زيد؟ والكلام لم يكن فيه ، ولم يرده العلامة قدّس الله روحه حتى يحذف
التتمة لاجله ،
وان كان الضمير في
الحديث في قوله : « فأبى ثم قال » راجعاً إلى زيد فلا معنى لقوله : لما قال رسول
الله 6 لزيد هذا
الكلام.
فان هذا الكلام على هذا التقدير لم يقله
رسول الله 6 ، بل قاله
زيد ولا شبهة في أن هذا الكلام إشارة إلى الكلام المنقول في عبارة العلامة 4.
وبهذا التقرير يعلم خيانة ابن روزبهان
في النقل وافترائه كما يعلم من سخافة عقله وقلّة ادراكه ، حيث أنه اختلق عبارة لا
يمكن ارتباطها بالحديث وقد اقتصر العلامة التستري نوّر الله مرقده لتوضيح الفقرة
الاولى أعني خيانته في النقل ، دون الثانية قبالاً لما تفوّه به في حقّ العلامة ،
لامن جهة أنه خفي عليه ما قرّرناه.
فقال رحمة الله عليه : من بدايع حيل هذا
الناصب العاجز الكاذب الخائن أنه لما أراد التفصي عن التشنيع المتوجه على أصحابه
في هذه الرواية بضمّ بعض ما اخترعه من العبارات أرعد وأبرق أولاً تشدّد في اظهار
التعجب والغرابة ونسبة المصنّف قدس الله روحه إلى الخيانة والتقصير ، وختم ذلك
بسؤال العصمة عن التعصب ليسدّ بذلك باب رجوع الناظرين إلى مأخذ الرواية فلايظهر
خيانته فيها بالزيادة عليها.
والحاصل إنّا قد راجعنا صحيح البخاري
فكان الحديث كما نقله المصنّف تغمده الله بغفرانه ، ولم يكن من الاضافة التي ذكرها
هذا الناصب الخائن الشقي عين ولا أثر ، فمن أبى لحسن ظنه في هذا الشقي السقيم
فليراجع ذلك الصحيح ، ليتّضح له ما أتى به من الكذب الصريح.
ومن هاهنا أيضاً يظهر صدق ما أشرنا إليه
في بعض المباحث ، من أن
أصحاب الناصب يعدّ
ما نبّههم الشيعة على شناعة بعض أحاديثهم ، يزيدون على ذلك أو ينقصون عنه على
حسبما عرض لهم من ضيق الخناق فلايعتد بما يرويه أهل الشقاق انتهى كلامه رفع مقامه.
وليعلم أن جماعة من أعيانهم كالجرجاني
والاسماعيلي وغيرهما نقلوا الفاظ الحديث المروي في كتاب المناقب أيضاً مطابقة لما
في باب الذبائح.
قال في فتح الباري في شرح البخاري قوله
: فَقُدِّمَت بضم القاف ، قوله إلى النبي 6
كذا الأكثر ، وفي رواية الجرجاني ، وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما .
ولننقل بعض كلماتهم الأُخر مما يتعلق
بالمقام.
قال ابن حجر العسقلاني : قال الداودي :
كان النبي 6 قبل البعث
يجانب المشركين في عباداتهم ولكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبائح ، وكان زيد قد
علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم
، وسخافته ظاهرة.
وقال السهيلي في روض الانف بعد نقل
الحديث : وفيه سؤال يقال : كيف وفّق الله زيد إلى ترك أكل ما ذبح على النصب وما لم
يذكر اسم الله عليه! ورسول الله 6
أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية لما ثبت الله له من عصمته!؟
فالجواب من وجهين :
الاول
: انه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح ،
فقدمت إليه السفرة ، أن رسول الله 6
أكل منها ، وانما في الحديث أن زيداً قال حين قدمت السفرة لا اكل مما لم يذكر اسم
الله عليه.
الجواب
الثاني : ان زيداً انما فعل ذلك برأي رآه لا
بشرع متقدّم ، وإنّما تقدم شرع ابراهيم بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله
، وانّما نزل تحريم ذلك في الاسلام.
وبعض الأُصوليين يقولون : الأشياء قبل
ورود الشرع على الاباحة ، فان قلنا بهذا وقلنا ان رسول الله 6 كان يأكل مما ذبح على النصب ، فإنّما
فعل مباحاً ، وان كان لا يأكل منها فلا اشكال ، وان قلنا أيضاً ، أنها ليست على
الاباحة ولا على التحريم وهو الصحيح.
فالذبائح خاصة لها أصل في تحليل الشرع
المتقدم ، فالشاة والبعير ونحو ذلك ممّا أحلّه الله تعالى في دين من قد كان قبلنا
، ولم يقدح في ذلك التحليل المتقدم ما ابتدعوه حتى جاء الاسلام وأنزل الله سبحانه
: ( ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه ) .
ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل الكتاب
عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم ولم يقدح في التحليل ما أحدثوه من الكفر
وعبادة الصلبان ، فكذلك كان ما ذبحه أهل الاوثان محلّلاً بالشرع المتقدم حتى خصّه
القرآن بالتحريم .
وقال الزركشي ، وهو من أكابر القوم ، في
كتاب التنقيح بعد نقل الحديث : ان قيل كان نبينا 6
أولى بهذه الفضيلة ، قلنا : ليس في الحديث أن النبي 6
أكل من السفرة.
وأجاب السهيلي : بأن زيداً انما قال ذلك
برأي منه لا شرع متقدم ، وفي
شرع ابراهيم تحريم
الميتة لا تحريم ما ذبح لغير الله وانّما نزل تحريم ذلك في الاسلام ، وهذا الذي
قاله ضعيف ، بل كان في شريعة الخليل تحريم ما ذبح لغير الله ، وقد كان عدوّ
الاصنام ، والله تعالى يقول : ( ثم أوحينا إليك أن
اتبع ملّة ابراهيم حنيفاً )
.
وبالجملة فرواية نسبة أكل مما ذبح على
النصب إلى النبي 6
كما صرّح في رواية أحمد وأبو يعلى والبزار وغيرهم أو دعوته غيره إلى أكله مع أنه
ممّا يجتنب عنه اليهود والنصارى ويختصّ بعابدي الأصنام مما لا تخفى.
حديث : « كَذِب ابراهيم ثلاث كذبات »
ومنها
: ما يدل على صدور الكذب عن ابراهيم وهو
مروي في الصحيحين والفاظه على ما في الجمع بين الصحيحين هكذا :
ان رسول الله 6 قال في صفة حال الخلق يوم القيامة :
وانهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر اليهم ، فيأتون نوحاً فيعتذر اليهم ،
فيأتون ابراهيم فيقولون : يا ابراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الارض ، اشفع لنا
إلى ربك ، أما ترى ما نحن فيه ، فيقول لهم ان ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله ولن يغضب
بعده مثله ، واني قد كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري .
وفيه أن رسول الله 6 قال : لم يكذب ابراهيم النبي قط الاّ
ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله وواحدة في شأن سارة .
وما ذكروا في توجيهه ، من أن المراد «
صورة الكذب » ينافي امتناعه من الشفاعة لأجلها وينافي غضب الربّ لأجلها.
قال الفخر الرازي : واعلم ان بعض
الحشوية روى عن النبي 6
أنه قال : ما كذب ابراهيم إلاّ ثلاث كذبات ، فقلت : الاولى أن لا يقبل مثل هذه
الاخبار ، فقال على طريق الاستنكار : ان لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة ، فقلت له :
يا مسكين ان قلناه لزمنا الحكم بتكذيب ابراهيم 7
، وان أردناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ولا شك أن صون ابراهيم عن الكذب أولى من
صون طائفة من المجاهيل عن الكذب .
حديث امتناع علي بن أبي طالب عن صلاة الليل
ومنها
: ما أورده في غير موضع منه مما يدل على
امتناع أمير المؤمنين علي 7
عن صلاة الليل ، أعني التهجد ، واحتجاجه على تركها بشبهة الجبرية التي لا يسوغ
لأحد التمسك بها وان كان قائلاً بالخبر كما ستعرف في كلامهم.
قال البخاري في باب تحريص النبي 6 على صلاة الليل والنوافل :
عن الزهري أخبرني علي بن الحسين أن حسين
بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله 6
طرقه وفاطمة بنت النبي فقال : لا تصليان؟
فقلت يا رسول الله 6 أنفسنا بيد الله لو شاء أن يبعثنا
بعثنا فانصرف رسول الله 6
حين قلت له ولم يرجع اليّ ، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذه ويقول : كان الانسان أكثر
شيء جدلاً
، وأورده أيضاً في كتاب التفسير في باب « وكان الانسان أكثر شيء جدلاً » .
وأورده أيضاً في كتاب الاعتصام بالكتاب
والسنة .
وأورده أيضاً في كتاب ردّ الجهمية
وغيرهم في باب المشيّة والارادة .
وذكر جماعة من متأخري العامة هذا الخبر
الموضوع في مقابل الرواية الصحيحة الثابتة بطرقهم وطرق الشيعة ، من أن عمر ردّ على
الرسول 6 في قوله :
ايتوني بدواة وقرطاس ونسبته إلى الهجر ، فقالوا : كما وقع من عمر هذا فقد وقع من
علي 7 ، فما هو
الجواب هنا هو جوابنا ثمة!.
ولعمري أن هذه المعارضة والمقابلة غاية
الحماقة ونهاية الخرافة ، اذ فيها مضافاً إلى وجوه الفرق بين القضيّتين أن هذا
الخبر من موضوعات عهد بني أميّة ولم يرد في كتاب من كتب الشيعة.
والاستشهاد برواية البخاري كاستشهاد ابن
آوى بذنبه ، بل هو مخالف لما ثبت وصحّ في كتب الفريقين من كثرة عبادته 7 حتى قال جماعة من العامة ، منهم ابن
أبي الحديد : أن الناس تعلموا منه المواظبة على صلاة الليل والعبادات.
بل بعد تسليم الخبر أيضاً لا معنى
للمعارضة ، قال ابن حجر ردّاً على ابن بطّال ، ما لفظه : ومن اين له أن علياً لم
يمتثل ما دعاه الله ، فليس في القصة تصريح بذلك وانّما أجاب علي بما ذكر اعتذاراً
عن تركه القيام بغلبة النوم ولا يمتنع أنه صلّى عقيب هذا المراجعة وليس في الخبر
ما ينفيه.
ولننقل بعض كلمات ابن تيمية في المنهاج
مما يعلم منه غاية نصبه وشقاوته وضلالته وانهماكه في عداوته حيث أنه أطال الكلام
في مواضع عديدة من كتابه في بطلان التمسك بشبهة القدر وأن بطلانها ضروري ثم نسب
صريحاً التمسك بها إلى أمير المؤمنين 7
قال:
الاحتجاج بالقدر حجة باطلة داحضة
باتّفاق كلّ ذي عقل ودين من جميع العالمين والمحتج به لا يقبل من غيره مثل هذه
الحجة ، اذا احتج بها في ظلم ظلمه ايّاه وترك ما يجب عليه من حقوقه ، بل يطلب منه
ماله عليه ويعاقبه على عدوانه عليه ، وانما هو من جنس شبه السوفسطائية التي تعرض
في العلوم ، فكما انّك تعلم فسادها بالضرورة وان كانت تعرض كثيراً لكثير من الناس
حتى قد يشك في وجود نفسه ، وغير ذلك من المعارف الضرورية ، فكذلك هذا يعرض في
الاعمال حتى يظن أنها شبهة في اسقاط الصدق والعدل الواجب وغير ذلك ، واباحة الكذب
والظلم وغير ذلك.
ويعلم بالضرورة ان هذه شبهة باطلة ،
ولهذا لا يقبلها أحد عند التحقيق ولا يحتج بها أحد الاّ مع عدم علمه بالحجة بما
فعله ، فاذا كان معه علم بان ما فعله هو المصلحة وهو المأمور ، وهو الذي ينبغي
فعله ، لم يحتج بالقدر وكذلك اذا كان معه علم بان الذي لم يفعله ليس عليه أن يفعله
أو ليس بمصلحة أو ليس هو مأموراً به لم يحتج بالقدر ، بل اذاً كان متبعاً لهواه
بغير علم احتج بالقدر ، ولهذا
قال المشركون : ( لو شاء
الله ما أشركنا ولاآبائنا ولا حرّمنا من شيء ) قال الله تعالى : ( هل عندكم
من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الاّ الظن وان أنتم إلاّ تخرصون قل فلله الحجة
البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين )
فان هؤلاء المشركين يعلمون بفطرتهم
وعقولهم أن هذه الحجة داحضة وباطلة فان أحدهم لو ظلم الاخر ، أو حرج في ماله ، أو
فرج امرأته ، أو قتل ولده ، أوكان مصرّاً على الظلم فنهاه الناس عن ذلك فقال : لو
شاء الله لم أفعل هذا ، لم يقبلوا منه هذه الحجة ولا هو يقبلها من غيره ، وانما
يحتج بها المحتج رفعاً لللوم بلا وجه.
فقال الله لهم : هل عندكم من علم
فتخرجوه لنا؟ بأن هذا الشرك والتحريم من أمر الله وأنه مصلحة ينبغي فعله ، ان
تتبعون إلاّ الظن ، فانه لا علم عندكم بذلك ، ان تظنون ذلك الاّ ظنّاً وان أنتم
إلاّ تخرصون تحرزون وتفترون ، فعمدتكم في نفس الأمر ظنكم وخرصكم ليس في عمدتكم في
نفس إلاّ وكون الله شاء ذلك وقدره.
فإن مجرد المشيّة والقدرة لا تكون عمدة
لأحد فى الفعل ولا حجة لأحد على أحد ولا عذراً لأحد اذ الناس كلهم مشتركون في
القدر ، فلو كان هذا حجة وعمدة لم يحصل فرق بين العادل والظالم والصادق والكاذب
والعالم والجاهل والبر والفاجر ، ولم يكن فرق بين ما يصلح الناس من الاعمال وما
يفسدهم وما ينفعهم وما يضرهم.
وهؤلاء المشركون المحتجّون بالقدر على ترك
ما أرسل الله به رسله من
توحيده والايمان به
لو احتج به بعضهم على بعض في سقوط حقوقه ومخالفة أمره لم يقبله منه ، بل كان هؤلاء
المشركون يذم بعضهم بعضاً ويعادي بعضهم بعضاً ، ويقاتل بعضهم بعضاً ، على فعل ( ما
يرونه )
تركاً لحقهم أو ظلماً ، فلما جاءهم رسول الله 6
يدعوهم إلى حق الله على عبادة وطاعة أمره احتجوا بالقدر .
وقال في موضع آخر : وهذا السؤال أعني
لزوم افحام الانبياء في جواب الكفار ، انما يتوجه على من يسوّغ الاحتجاج بالقدر
ويقيم عذر نفسه أو غيره ، اذا عصى بأن هذا مقدر عليّ ، ويرى أن شهود هذا هو شهود
الحقيقة ، أي الحقيقة الكونية.
وهؤلاء كثيرون في الناس وفيهم من يدعي
أنه من الخاصة العارفين أهل التوحيد الذين فنوا في توحيد الربوبية ، ويقولون : أن
العارف اذا فنى في شهود توحيد الربوبية ، لم يستحسن حسنه ولم يستقبح قبحه ، ويقول بعضهم من شهد الإرادة سقط عنه
الأمر ، ويقول بعضهم الخضر 7
سقط عنه التكليف لأنه شهد الإرادة.
وهذا الضرب كثير في متأخري الشيوخ
النساك والصوفية والفقراء بل في الفقهاء والأمراء والعامة ، ولا ريب أن هؤلاء شرٌّ
من المعتزلة والشيعة الذين يقرون بالامر والنهي وينكرون القدر وبمثل هؤلاء طال
لسان المعتزلة والشيعة في المنتسبين إلى السنة.
فان من أقرّ بالأمر والنهي والوعد
والوعيد وفعل الواجبات وترك المحرمات ولم يقل أن الله خلق أفعال العباد ولايقدر
على ذلك ولا شاء المعاصي ، هو قد قصد تعظيم الأمر وتنزيه الله تعالى عن الظلم
واقامة حجة الله على نفسه لكن ضاق عطنه فلم يحسن الجمع بين قدرة الله التامة وبين
المشية العامة ، وخلقه الشامل وبين عدله وحكمته ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، فجعل
الله الحمد ولم يجعل له تمام الملك.
والذين اثبتوا قدرته ومشيّته ، وخلقه
وعارضوا بذلك أمره ونهيه ووعده ووعيده شرٌّ من اليهود والنصارى كما قال هذا
المصنّف .
فان قولهم يقتضي افحام الرسل ، ونحن
انما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلاً ، وأما الحق فعلينا أن نقبله من كل
قائل وليس لأحد أن يردّ بدعة ببدعة ولايقابل باطلاً بباطل.
والمنكرون للقدر وان كانوا في بدعة
فالمحتجّون به على الامر أعظم بدعة وان كان أولئك يشبهون المجوس فهؤلاء يشبهون
المشركين المكذبين للرسل ، الذين قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا ولا
حرّمنا من دونه من شيء.
وقد كان في أواخر عصر الصحابة رضي الله
عنهم جماعة من هؤلاء القدرية ، وأما المحتجون بالقدر على الامر فلا يعرف لهم طائفة
من طوائف المسلمين معروفة وانّما كثروا في المتأخرين .
وهذه الكلمات كلّها كما ترى تسليم
التشنيعات التي أوردها العلامة قدس
سره على العامة أعني
على الاشاعرة ، منهم الذين هم الاكثرون عدداً وعدّة ، ومع هذا كلّه قال هذا الناصب
ما نقلنا عنه ، أولاً ما هذا لفظه :
ثم يعلم ان هذه الحجة باطلة بصريح العقل
، عند كل أحد مع الايمان بالقدر ، وبطلان هذه الحجة لا يقتضي التكذيب بالقدر ،
وذلك أن بني آدم مفطورون على احتياجهم إلى جلب المنفعة ودفع المضرة ، ولا يعيشون
ولا يصلح لهم دين ولا دنيا إلاّ بذلك.
فلابد أن يتأمروا بما فيه محصل منافعهم
ودفع مضارهم ، سواء بعث إليهم رسول أم لم يبعث ، لكن علمهم بالمنافع والمضار بحسب
عقولهم وقصودهم ، والرسل صلوات الله عليهم ، بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها ،
وتعطيل المفاسد وتقليلها.
فاتباع الرسل أكمل الناس في ذلك ،
والمكذبون للرسل انعكس الأمر في حقّهم ، فصاروا يتبعون المفاسد ويعطلون المصالح ،
فهم شرّ الناس ، ولابد لهم مع ذلك من أمور يجتلبونها وأمور يجتنبونها ، وأن
يتدافعوا جميعاً ما يضرهم من الظلم والفواحش ونحو ذلك.
فلو ظلم بعضهم بعضاً في دمه ، أوماله ،
أوحرمه ، فطلب المظلوم الاقتصاص والعقوبة ، لم يقبل أحد من ذوي العقول احتجاجه
بالقدر ، ولو قال : اعذروني ، فان هذا كان مقدراً عليَّ ، لقالوا : وأنت لو فعل بك
ذلك ، فاحتج عليك ظالمك بالقدر ، لم تقبل منه ، وقبول هذه الحجة يوجب الفساد الذي
لا صلاح معه ، وان كان الاحتجاج بالقدر مردوداً في فطر جميع الناس وعقولهم ، مع ان
جماهير الناس مقرّون بالقدر ، علم أن الاقرار بالقدر لا
ينافي دفع الاحتجاج
به ، بل لابد من الايمان به ، ولابد من ردّ الاحتجاج به.
ولما كان الجدل ينقسم إلى حقّ وباطل
وكان من لغة العرب : أن الجنس ، اذا انقسم إلى نوعين : أحدهما أشرف من الآخر ،
خصوا الأشرف باسم الخاص ، وعبّروا عن الآخر ، باسم العام ، كما في لفظ الجائز
العام والخاص ، والمباح العام والخاص ، وذوي الأرحام العام والخاص ، ولفظ الجواز ،
العام والخاص ، ويطلقون لفظ الحيوان على غير الناطق ، لاختصاص الناطق باسم الانسان
غلبوا في لفظ الكلام والجدل ، فلذلك يقولون : فلان صاحب كلام ومتكلّم ، اذا كان قد
يتكلّم بلا علم ، ولهذا ذم السلف ، أهل الكلام والجدل.
فاذا لم يكن الكلام بحجة صحيحة ، لم يكن
الاّ جدلاً محضاً ، والاحتجاج بالقدر من هذا الباب ، كمافي الصحيح عن علي رضي الله
عنه قال : طرقني رسول الله 6
وفاطمة فقال : ألا تقومان فتصليان ، فقلت : يا رسول الله 6 إنّما أنفسنا بيد الله إن شاء أن
يبعثنا بعثنا ، قال فولّى وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ، فإنّه لما
أمرهم بقيام الليل فاعتل علي بالقدر ، وأنه لوشاء الله لايقظنا ، علم النبي 6 ان هذا ليس فيه إلاّ مجرد الجدل الذي
ليس بحق ، فقال : وكان الانسان أكثر شيء جدلاً .
وأنا والله استحيي من بيان لوازم كلامه
الميشوم سيما بعد ضم بعضها إلى بعض ، وتعصّبات هذا الملحد الزنديق وتحاملاته كثيرة
لم أر أحداً من علماء العامة بلغ مبلغه في التعصب وتجاسر على بعض ما صدر عنه ، وقد
تقدم كلامه في حجية أقوال العترة الطاهرة.
وبلغ من تعصبه إلى أن صنّف رسالته في
فضل معاوية ويزيد ، كما ذكره صلاح الدين في فوات الوفيات المذيّل على تاريخ ابن
خلّكان ، فانه اثنى عليه أولاً بأوصاف جميلة ، فقال : شيخنا الامام الرباني امام
الائمة ومفتي الأُمة وبحر العلوم سيد الحفاظ وفارس المعاني والالفاظ فريد العصر
وقريع الدهر شيخ الاسلام قدوة الانام علامة الزمان وترجمان القرآن علم الزهاد
وأوحد العباد قامع المبتدعين وآخر المجتهدين نزيل دمشق صاحب التصانيف التي لم يسبق
إلى مثلها ثم ضيّع ستّ ورقات تقريباً في أحواله ثمّ عدّ من مصنّفاته رسالة في فضل
معاوية وابنه يزيد .
ابن تيمية وطاعة أولى الأمر
وقال في موضع من المنهاج : أبوبكر وعمر
رضي الله عنهما وليا الامر ، والله قد أمر بطاعة أولى الأمر ، وطاعة ولي الأمر
طاعة الله ومعصيته معصية الله ، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه ، وعلي
وفاطمة ردّا أمر الله وسخطا حكمه وكرها رضي الله ، لان الله يرضيه طاعته وطاعة ولي
الامر طاعته فمن كره طاعة ولي الامر فقد كره رضوان الله ، والله يسخط بمعصيته
ومعصية ولي الامر معصيته ، فمن اتبع معصية ولي الامر فقد اتبع ما اسخط الله وكره
رضوانه .
كفانا بهذا قدحاً في أبي بكر وعمر حيث
انهما أسخطا علياً وفاطمة صلوات الله عليهما ومن أسخطهما فقد أسخط رسول الله 6 على ما في
الصحيحين للبخاري
ومسلم ، قال الله تعالى : ( إنَّ الذين يؤذون
الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة ) .
ولينظر العاقل جسارة هذا الخبيث حيث نسب
إلى أميرالمؤمنين والصديقة الطاهرة أنهما أسخطا الله وكرها رضوانه مع ما ملؤا به
كتبهم وطواميرهم من مناقبهما وفضائلهما ويستدل على ذلك بأنهما سخطا حكم أبي بكر
وهو ولي الامر.
ولايعقل انه اذا ثبت انهما سخطاه ثبت
انه ليس ولي الامر والشيعة يستدلون بأمثال هذا على أن ابابكر غاصب للامر ، وكيف
يجعل هذا الشقي كونه ولي الامر أمراً مفروغاً عنه ويفرّع عليه هذه الهذيانات ، ولذا
ترى علماء السنة اعملوا كلّ حيلة في دفع هذا الطعن واثبات أنهما لم يسخطا على أبي
بكر.
وذكر هذا الشقي في موضع آخر أن
أميرالمؤمنين علياً 7
أخطأ في سبعة عشر موضعاً وخالف نصّ القرآن الكريم.
ولهذا وأمثاله صار مطعوناً في عصره
مخذولاً في زمانه عند علماء السنة أيضاً وأفتى جماعة من أهل نحلته بكفره وزندقته.
وفي تاريخ اليافعي أنه نودي بدمشق وغيره
، أن من كان على عقيدة ابن تيمية فدمه وماله حلال ، وقال ابن حجر المكي صاحب
الصواعق في كتابه المسمّى باشرف الوسائل إلى فهم الشمائل ، ما هذا لفظه : قال ابن
القيم عن شيخه ابن تيمية أنه ذكر شيئاً بديعاً ، وهو أنه 6 لما رأى ربّه واضعاً يده بين كتفيه
اكرم ذلك الموضع بالعذبة
والشملة والستار.
قال العراقي : لم نجد لذلك أصلاً ، أقول
بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما ، اذ هو مبني على ما ذهبنا إليه واطالا في
الاستدلال له والحط على أهل السنة في نفيهم له ، وهو اثبات الجهة والجسمية لله
تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً ، ولهما في هذا المقام من
القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ منه الاذان ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال
والبهتان ، قبّحهما الله وقبح من قال بقولهما ، والامام أحمد وأجلاء مذهبه مبرّأون
عن هذا الوصمة القبيحة كيف وهي كفر عند كثيرين.
وقال المحقق الدواني في شرح العقائد
العضدية : ولابن تيمية ابي العباس أحمد وأصحابه ميل عظيم إلى اثبات الجهة ومبالغة
في القدح في نفيها ، ورأيت في بعض تصانيفه : انه لا فرق عند بديهية العقل بين ان
يقال : هو معدوم او يقال طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده ، ونسب النافين إلى
التضليل ؛ هذا مع علوّ كعبه في العلوم النقلية والعقلية كما يشهد به من تتبع
تصانيفه.
وقال أيضاً عند ذكر القدم الجنسي للعالم
: وقد قال به بعض المحدّثين المتأخرين وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به
في العرش.
ابن حجر العسقلاني ومعرفته بابن تيمية
وقال ابن حجر في « الدرر الكامنة في
أعيان المائة الثامنة » : وكان يعني ، ابن تيمية يتكلّم على المنبر بطريقة
المفسرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسنة والنظر ما لايقدر أحد
ان يورده في عدّة مجالس ، كأن هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر.
ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلوّ فيه
واقتضى له ذلك العجيب بنفسه حتى رهل على ابناء جنسه واستشعر أنه مجتهد ، فصار يردّ
على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم حتى انتهى الى عمر فخطأه في شيء ، فبلغ
الشيخ ابراهيم الرقي فانكر عليه فذهب اليه واعتذر واستغفر.
وقال في حقّ علي خطأ في سبعة عشر أشياء
ثم خالف فيها نص الكتاب منها
: اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول
الاجلين.
وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في
الاشاعرة حتى أنه سبّ الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه ولما قدم غازان بجيوش
التتار إلى الشام خرج إليه وكلّمه بكلام قوي ، فهم بقتله ثم نجى واشتهر أمره من
يومئذ ، ثم ساق الكلام إلى أن قال : ضبطوا عليه كلمات في العقائد وقعت منه في
مواعظه وفتاويه فذكروا انه ذكر حديث النزول ، فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي
هذا ، فنسب إلى التجسيم.
وردّه من توسل بالنبي 6 او استغاث ، فأشخص من دمشق ...
ثم قال : وافترق الناس فيه شيعاً فمنهم
من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله
: ان اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستوى على العرش بذاته ،
فقيل له : يلزم من ذلك التحيّز والانقسام ، فقال : أنا لا أسلّم أن التحيّز
والانقسام من خواص الاجسام ، فالزم بانه يقول بالتحيّز في ذات الله تعالى.
ومنهم من ينسبه إلى الزندقة ، لقوله :
أن النبي 6 لايستغاث به
وان في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم رسول الله 6
وكان أشد الناس عليه في
ذلك النور البكري
فانه لما عقد له المجلس بسبب ذلك ، قال بعض الحاضرين يعزّر ، فقال البكري لا معنى
لهذا القول فانه ان كان تنقيصاً يقتل وان لم يكن تنقيصاً لا يعزّر.
ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي
ما تقدّم
، ولقوله : انه كان مخذولاً حيث ما توجه وانه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها.
وانه قاتل للرياسة لا للديانة ، ولقوله
: انه يحبّ الرياسة ، وان عثمان يحب المال.
ولقوله : أبوبكر أسلم شيخاً يدري ما
يقول ؛ وعلي أسلم صبياً والصبي لا يصح اسلامه ، على قول.
وكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل وما
نسبه من الثناء على
قصة أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها فانه شنّع في ذلك فالزموه بالنفاق
لقوله 6 لايبغضك
الاّ منافق .
ونسبة قوم إلى أنه يسعى في الامامة
الكبرى فانه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه ، فكان ذلك مولداً لطول سجنه وله
وقائع شهيرة ، وكان اذا حوقق والزم يقول : لم أرد هذا انما اردت كذا فيذكر
احتمالاً بعيداً .
ابن حجر المكي ومعرفته بابن تيمية
وقال ابن حجر في رسالته المسماة بـ « الجوهر المنظم
في زيارة المقبر المكرم » : فان قلت : كيف تحكى الاجماع السابق على مشروعية
الزيارة والسفر اليها وطلبها ، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك
كلّه كما رواه السبكي في حطّه واطال أعني ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجه
الاسماع وتنفر عنه الطباع بل زعم حرمة السفر اليها اجماعاً وانه لايقصّر فيه
الصلاة ، وان جميع الاحاديث الواردة فيها موضوعة وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل
مذهبه؟
قلت : مَن ابن تيمية حتى ينظر اليه او
يعوّل في شيء من امور الدين عليه؟ وهل هو الاّ كما قال جماعة من الائمة الذين
تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا أعوار سقطاته وقبائح اوهامه
وغلطاته ، كالعز بن جماعة عبد أضلّه الله وأغواه والبسه رداء الخزي وأرواه وبوّأه
من قوّة الافتراء والكذب ما اعقبه الهوان واوجب له الحرمان.
ولقد تصدّى شيخ الاسلام وعالم الامام
المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وامانته النقي السبكي للردّ عليه في تصنيف
مستقل ، أفاد فيه وأجاد فاصاب وأوضح بيان حججه طريق الصواب.
ومن عجائب الوجوه ما تجاسر عليه بعض
السذجاء ، من الحنابلة فغير في وجوه مخدراته الحسان التي لم يطمثهن انس قبله ولا
جان ، وأتى بما دلّ على جهله ، وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله.
فليته اذا جهل استحيى من ربه وعساه ،
اذا فرط وافرط رجع إلى الله ، لكن إذا غلبت الشقاوة واستحكمت الغباوة ، فعياذاً بك
اللهم من ذلك وضراعة إليك في ان نديم لنا سلوك أعظم المسالك.
هذا وما وقع من ابن تيمية مما ذكر ، وان
كان عثرة لا تقال أبداً ومصيبة لتستمر عليه شومها دواماً وسرمداً.
ليس بعجيب فانه سولت له نفسه وهواه
وشيطانه ، انه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب وما درى المحروم ، انه أتى بأقبح
المعائب اذ خالف اجماعهم في مسائل كثيرة وتدارك على أئمتهم سيما على الخلفاء
الراشدين باعترافات سخيفة شهيرة وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجه الاسماع وتنفر
عنه الطباع حتى تجاوز إلى الجانب الأقدس المنزه عن كل نقص والمستحق لكلّ كمال أنفس
، فنسب اليه العظايم والكبائر وخرق سباج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعلامة
على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم والتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين
والمتأخرين حتى قام عليه علماء عصره والزموا السلطان بقتله أو حبسه فقهره وحبسه
إلى أن مات وخمدت تلك البدع ، فزالت تلك الظلمات ، ثم انتصر له اتباع لم يرفع الله
لهم رأساً ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب
من الله ذلك بما عصوا وما كانوا يعتدون.
وقال المولوي عبدالحليم في كتابه المسمى
بـ « حلّ المعاقد » في شرح العقائد : كان تقي الدين ابن تيمية حنبلياً لكنه تجاوز
عن الحدّ وحاول اثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله ، فاثبت له الجهة والجسم
وله هفوات أُخر كما يقول : وأن أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه كان يحب
المال ، وأن
أمير المؤمنين سيدنا
علي رضي الله عنه ما صلح ايمانه فانه آمن في حال صباه ، وتفوّه في حقّ أهل بيت
النبي ما لا يتفوّه به المؤمن المحقق.
وقد وردت الاحاديث الصحاح في مناقبهم في
الصحاح ، وانعقد مجلس في قلعة جبل ، وحضر العلماء الاعلام والفقهاء العظام ،
ورئيسهم كان قاضي القضاة زين الدين المالكي ، وحضر ابن تيمية ، فبعد القيل والقال
بهت ابن تيمية.
وحكم قاضي القضاة بحبسه وكان ذلك سنة
سبع مأة وخمس من الهجرة ، ثم نودي بدمشق وغيره : من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ
ماله ودمه ، كذا في مرآة الجنان للامام أبي محمد عبدالله اليافعي ، ثم تاب وتخلّص
من السجن سنة سبعمأة وسبع من الهجرة.
وقال : أبا أن يكون اشعرياً : ثم نكث
عهده وأظهر مكنونه ومرموزه فحبس حبساً شديداً مرّة ثانية ، ثم تاب وتخلّص من السجن
وأقام بالشام ، وله هناك واقعات ، كتبت في كتب التواريخ وردّ أقاويله وبين أحواله
الشيخ ابن حجر في المجلد الاول من الدرر الكامنة والذهبي في تاريخه وغيرهما من
المحققين.
هذا الكلام وقع في البين والمرام ان ابن
تيمية لما كان قائلاً بكونه تعالى جسماً ، قال بأنه ذو مكان فان كل جسم لابد له من
مكان على ما ثبت ولما ورد في الفرقان الحميد ( الرحمن على العرش
استوى )
، قال ان
العرش مكانه ولما كان الواجب أزلياً عنده ، وأجزاء العالم حوادث عنده فاضطر إلى
القول بازلية جنس العرش وقدمه ، وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية ، فمطلق التمكن له
تعالى ازلي والتمكنات المخصوصة حوادث عنده كما ذهب المتكلمون إلى حدوث التعلقات.
وصنّف بعض الاواخر كتاباً سمّاه منتهى
المقال في شرح حديث لا تشدّ الرحال ، وأوضح فيه فساد ابن تيمية وجمع فيه شطراً من
مساويه ومعائبه وأغلاطه وكفرياته ، وحكى فيه منشوراً طويلاً أمر به السلطان ،
ودقته تنقل منه بعض ما يتضمن بيان اعتقاده بالجهة والتجسيم ، وهي هذه.
وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة ، قد
بسط لسان قلمه ، ومدّ عنان كلمه ، وتحدّث في مسائل القرآن ، والصفات ، ونصّ في
كلامه على أمور منكرات ، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون ، وفاه بمايمجه
السلف الصالحون ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الاسلام ، وانعقد على خلافه اجماع
العلماء الاعلام ، واشتهر من فتاواه في البلاد ما استخف به عقول العوام ، وخالف
فيه علماء عصره وفقهاء شامه ومصره ، وبعث رسائله إلى كل مكان ، وسمى كتبه أسماء ما
أنزل الله بها من سلطان ، ولما اتّصل بنا ذلك ومن سلكه من هذه المسالك ، وما
أظهروا من هذه الأحوال ، وأشاعوه وعلى أنه استخف قومه فاطاعوه حتى اتّصل بنا أنهم
صرّحوا في حقّ الله بالحرف والأصوات والتجسيم فقمنا في حق الله تعالى ، مشفقين من
هذا النبأ العظيم ، إلى آخر النشور الطويل.
وستعرف شطراً من تعصباته فيما سيأتي
انشاء الله تعالى ، وهذه الكلمات وان كانت خارجة عن المقصود إلاّ انّا اتينا به
لفوائد :
منها
: اظهار كون هذا الشقي من النواصب الطغام
، والكفرة اللئام ، واظهار ان من يلقبه بشيخ الاسلام ويذكره في كتابه بتعظيم تام
من متأخريهم الاعلام مثله في الضلالة والخروج عن الاسلام.
ومنها
: تشفّي قلوب المؤمنين اذا اطّلعوا على
شرحه على منهاج الكرامة للعلامة الحلي قدس الله روحه وكثرة تشنيعه عليه فأحببت أن
يطّلعوا على شطر من أحواله ونبذ من محنه وابتذاله.
ومنها
: ان يعلم صحة ما نسبه علماء الشيعة إلى
الحنابلة من القول بالتجسيم وان انكار وجود هذا القول بينهم كانكار ذو وجود ابي
بكر وعمر ومن المجسمة امامهم المعول عليه في الحديث والرجال الذهبي كما يعرف من
طبقات السبكي ، ومنهم : الحافظ ابن مندة كما يعرف من تاريخ اليافعي ، ومنهم : كهمس
شيخ البخاري ، ومضر وأحمد الجهمي كما يعرف من الشهرستاني في الملل والنحل ، وجماعة
أخرى ، ومع هذا كله يطعنون على الشيعة بأن هشام بن الحكم من المجسمة لقوله : أنه
تعالى جسم لا كالاجسام ، مع براءته من هذا القول ، وأنه انما أورده الزاماً يعلم
من كتب العامة كالملل والنحل فضلاً عن كتب الشيعة.
حديث : خِطبة بنت أبي جهل
ومنها
: أعني من رواياته الموضوعة ما يتضمن قصة
خطبة بنت أبي جهل قال في كتاب الفضائل في باب ذكر أصهار النبي 6 : حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن
الزُّهري قال : حدّثني علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة ، قال : ان علياً خطب بنت
أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله 6
فقالت : يزعم قومك انك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول
الله 6 فسمعته حين
تشهد ، يقول : أما بعد فاني انكحت أبا العاص ابن الربيع فحدّثني وصدّقني ، وأن
فاطمة بضعة مني وأني أكره أن يسوءها ، والله لاتجتمع بنت رسول الله 6 وبنت عدوّ الله عند رجل واحد فترك علي
الخطبة .
وهذا الخبر من موضوعات عهد بني أمية أيضاً
، وهو الذي أشير إليه في تعصبات ابن تيمية أنه أخذ بمفهومه وذكر ما يستحيى من ذكره
وقال : أن رسول الله 6
مدح صهره أبا العاص المشرك في هذا الخبر ، ثم تفوّه بما ( تكاد
السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً ) .
ويدل على هذا ما حكاه ابن ابي الحديد في
الجزء الثالث من شرحه عن الشيخ أبي جعفر الاسكافي : أن معاوية وضع قوماً من
الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه
والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله.
فاختلفوا ، ما أرضاه منهم أبو هريرة
وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ، روى الزهري عن
عروة بن الزبير ، قال : حدّثتني عائشة قالت كنت عند رسول الله 6 اذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عائشة
ان هذين يموتان على غير ملّتي ، أو قال : ديني ، إلى أن قال.
وأما عمرو بن العاص فروى عنه الحديث الذي
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مسنداً متّصلاً بعمرو بن العاص قال : سمعت رسول
الله 6 يقول : ان
آل أبي طالب ليسوا بأوليائي وانما وليّي الله وصالح المؤمنين .
وأما أبو هريرة فروى قصة خطبة بنت أبي
جهل ، وان النبي 6
خطب على المنبر وذكر ما ذكر.
أقول : ثم ان جماعة من العامة ذكروا ،
أن رعاية الأدب يقتضي ترك رواية هذا الحديث.
وذكروا : ان نقله تنقيص لأميرالمؤمنين 7 ، وفي كثير من كتبهم أن ابا حنيفة عاتب
الأعمش ولامه على رواية هذا الحديث ، وقال : أنه وان كان صحيحاً لكن لا يسوغ لك
نقله ، مع عدم ابتناء مسألة دينيّة عليه.
وذكروا أن ابا حنيفة وشريك بن عبدالله
وابن ابي شبرمة ، وابن ابي ليلى ، اتّفقوا وذهبوا إلى دار الأعمش ولاموه على
روايته هذا الحديث.
وبعد هذا كله ، فكيف يمكن التزام أن
السيد السجاد زين العابدين 7
روى هذا الحديث واشاعه ، فروى عنه الزهري أليس هو أولى برعاية أدب جدّه؟ أم لم يكن
أعرف من أبي حنيفة وعسره بمقام جدّه؟
وان نقل هذا الحديث تنقيص له بل استغرب
ابن حجر من المسور انه كيف روى هذا الحديث لزين العابدين 7؟ قال في فتح الباري :
ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في
تعصّبه لعلي بن الحسين حتى قال : انه لو أودع عنده السيف لايُمَكِّن أحداً منه حتى
تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن فاطمة محتجاً بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في أن
ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض جدّه علي
بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضي أن يقع من النبي 6 في ذلك من الإنكار ما وقع .
حديث : الاستسقاء للكفار
ومنها
: رواية ابن مسعود في استسقاء الكفار ،
وحكاه عن أسباط وهو غلط واختلاط ، كما نبّه عليه جماعة منهم ، وقالوا : ان ما رواه
اسباط ، وهم وتفصيله :
انه قال : عن مسروق ، قال : أتيت ابن
مسعود فقال : إنَّ قريشاً أَبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي 6 فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها ، وأكلوا
الميتة والعظام ، فجاءَه أبو سفيان فقال : يا محمد 6!
جئت تأمر بصلة الرحم ؛ وإن قومك قد هلكوا فادع الله تعالى فقرأ : ( فارتقب
يوم تأتي السماء بدخان
مبين
) ، ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى
: ( يوم نبطش البطشة الكبرى )
يوم بدر ، قال : وزاد أسباط عن منصور فدعى رسول الله 6
فسُقُوا الغيث فاطبقت عليهم سبعاً وشكى الناس كثرة المطر ، فقال : « اللهم حوالينا
لا علينا » ، فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم .
وقد اعترض العيني في عمدة القاري على
البخاري : بزيادته اسباط هذا!.
فقال الداودي : أدْخَل قصة المدينة في
قصة قريش وهو غلط ، وقال أبو عبدالملك : الذي زاده أسباط ، وهم أخلاط ، لانه ركّب
سند عبدالله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله : فدعى رسول الله 6 فسقوا الغيث إلى آخره.
وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي
وقال : حديث عبدالله بن مسعود كان بمكة وليس فيه هذا ، والعجب من البخاري كيف أورد
هذا ، وكان مخالفاً لما رواه الثقات ، وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله : لامانع أن
يقع ذلك مرّتين.
وفيه نظر لا يخفى ، وقال الكرماني : فان
قلت : قصة قريش والتماس أبي سفيان كانت في مكة لا في المدينة قلت : القصة مكية
الاّ القدر الذي زاد أسباط فانه وقع في المدينة .
حديث : أخذ الأجرة على القرآن
ومنها
: ما رواه عن ابن عباس في كتاب الطب :
أن نفراً من أصحاب رسول الله 6 مرّوا بماء فيهم لديغ ـ أو : سليم ـ
فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال : هل فيكم من راق؟ ان في الماء رجلاً لديغاً ـ
او : سليماً ـ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى
أصحابه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : أخذت على كتاب الله أجراً؟ حتى قدموا المدينة ،
فقال : يا رسول الله 6!
أخذ على كتاب الله أجراً ، فقال رسول الله 6
: ان أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله .
وهذا الخبر مروي عن عائشة أيضاً عن رسول
الله 6 وقد عدّه
ابن الجوزي في « الموضوعات » ، وأدرجها في الاحاديث الموضوعة والروايات المكذوبة
قال : روى عمرو بن المُخَرِّم البصري عن ثابت الحفار عن ابن مليكة عن عائشة قالت :
سألت رسول الله 6
عن كسب المعلمين؟ فقال : ان أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله .
قال ابن عدي : لعمرو أحاديث مناكير ،
وثابت لايعرف والحديث منكر .
وفي الميزان : ثابت الحفار عن أبي مليكة
بخبر منكر ، قال ابن عدي لا يعرف .
حديث : فيه تكذيب ( وإن طائفتان ... )
ومنها
: ما رواه في كتاب الصلح : ان أنساً قال
قيل للنبي 6 لو أتيت
عبدالله بن أبي ، فانطلق إليه النبي 6
وركب حماراً ، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة فلمّا أتاه النبي 6 قال إليك عني! والله لقد آذاني نتنُ
حمارك ، فقال رجل من الانصار منهم : والله لحمار رسول الله 6 أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبدالله رجل من
قومه فشتمه فغضب لكل منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ،
فبلغنا أنها نزلت : ( وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )
.
قال الزركشي في التنقيح لألفاظ الجامع
الصحيح : فبلغنا أنها نزلت : وان طائفتان ، قال ابن بطال : يستحيل نزولها في قصة
عبدالله بن أبي وأصحابه ، لأن أصحاب عبدالله ليسوا بمؤمنين وقد تعصبوا له في
الإسلام في قصة الإفك.
وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن
أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي 6
مرّ في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين وعبدة الاوثان واليهود وفيهم عبدالله
بن أبي فذكر الحديث ، فدلّ على أن الآية لم تنزل فيه وانّما نزلت في قوم من الاوس
والخزرج اختلفوا فاقتتلوا بالعصى والنعال.
وقال ابن حجر : وقد استشكل ابن بطال
نزول الآية المذكورة ، وهي قوله تعالى : ( وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا )
في هذه
القصة لأن المخاصمة
وقعت بين من كان مع
النبي 6 من الصحابة
وبين الصحابة وبين عبدالله بن أبي وكانوا اذ ذاك كفّاراً فكيف ينزل فيهم طائفتان
من المؤمنين؟
ولا سيما ان كانت قصة أنس وأسامة متحدة
، فان في رواية أسامة فاستبّ المسلمون والمشركون ، قلت : يمكن ان يحمل على التغليب
، مع ان فيها اشكالاً من جهة اخرى ، وهي أن حديث أسامة صريح في ان ذلك كان قبل
وقعة بدر وقبل أن يسلم عبدالله بن أبي وأصحابه ، والآية المذكورة في الحجرات
ونزولها متأخر جدّاً وقت مجيء الوفود لكنه يحتمل ان يكون آية الاصلاح نزلت قديماً
فيندفع الاشكال .
أقول : أما احتمال التغليب فممّا لايرضى
به اللبيب الأديب ، اذ لم يقع توصيف الكفار العابدين للاصنام بالايمان ولو على
سبيل التغليب في نظم ولا أثر ولا حديث ولا آية تحققت هذه الكلمة فيها ، ولم يجوزه
أحد من العلماء ، ولا شاهد على جوازه ، ولو رفعنا اليد عن ظواهر الآيات والاخبار
بمجرد الاحتمالات البعيدة التي لا شاهد عليها ولا داعي إليها ، لاندفع الامان من
جميع النصوص وانقلبت الشريعة ظهراً لبطن.
وتصديق البخاري ليس بداع عقلي ولا ديني
مع ما علم من حاله وسائر رواياته.
وأما احتمال تعدد النزول فهو مما لا
يرضى به أكابرهم ولا يزالون يشنعون على علماء الامامية في قولهم في بعض الآيات
أنها وردت في كذا بأنها
وردت في قصة اخرى
ولا يحتملون تعدد النزول كما أورده في شأن نزول آية : ( وآت ذا
القربى حقّه )
.
وكما أورده ابن تيمية في قوله تعالى : ( سئل سائل
بعذاب واقع )
، من ابطال
نزولها في قصة الحارث ابن النعمان الفهري بان السورة مكية وقد نزلت قبل ذلك بسنين.
أبوحنيفة يكذّب حديث أبي هريرة
ومنها
: ما أورده في كتاب الاشربة عن أبي هريرة
: أن النبي 6 قال : لا
يزني حين يزني وهو مؤمن
الحديث.
وبالغ امامهم الأعظم أبو حنيفة في ردّ
هذا الخبر وتكذيبه والطعن عليه ، قال في كتاب العالم والمتعلم من تصانيفه على ما
نصّ عليه الكفوي في كتاب الاعلام الاخبار ، ما لفظه : قال المتعلم أي أبومطيع
البلخي : ما قولك في أناس رووا أن المؤمن اذا زنى خلع الايمان من رأسه كما يخلع
القميص ، ثم اذا تاب أعاد إليه إيمانه؟ أتشك في قولهم أو تصدّقهم؟ فان صدّقت قولهم
دخلت في قول الخوارج ، وان شككت في قول الخوارج ورجعت عن العدل الذي وضعت ، وان
كذّبت قولهم الذي قالوا كذّبت قول النبي 7
فانهم رووا عن رجال شتى حتى ينتهى به رسول الله 7.
قال العالم اي أبو حنيفة : أكذب هؤلاء
ولا يكون تكذيبي لهؤلاء وردّي
عليهم تكذيباً للنبي
7 ، إنّما
يكون التكذيب لقول النبي 7
أن يقول الرجل أنا مكذب للنبي 7.
وأما إذا قال : أنا مؤمن بكل شيء تكلّم
به النبي 7 غير أن
النبي 6 لم يتكلّم
بالجور ولم يخالف القرآن فهذا من التصديق بالنبي والقرآن وتنزيه له من الخلاف على
القرآن ولو خالف النبي 7
القرآن وتقول على الله لم يدعه تبارك وتعالى حتى يأخذه باليمين ويقطع منه الوتين
كما قال الله تعالى في القرآن .
والنبي 7
لا يخالف كتاب الله ، ومخالف كتاب الله لا يكون نبي الله وهذا الذي رووه خلاف
القرآن ، ألا ترى إلى قوله : الزانية والزاني؟ ثم قال : واللذان يأتيانها منكم ولم
يعن به من اليهود والنصارى ولكن عنى به المسلمين فردّ على كل رجل يحدّث عن النبي 7 بخلاف القرآن وليس ردّاً على النبي ولا
تكذيباً له ولكن ردّاً على من يحدّث عن النبي 7
بالباطل والتهمة دخلت عليه لا على نبي الله.
كلّ شيء تكلّم به النبي 7 سمعنا به أو لم نسمعه فعلى الرأس
والعين ، وقد آمنا به ونشهد أنه كما قال النبي 7
، ونشهد أيضاً على النبي 7
، أنه لم يأمر بشيء نهى عنه يخالف أمر الله تعالى ولم يقطع شيئاً وصله الله تعالى
، ولا وصف أمراً وصف الله تعالى ، ذلك الأمر بخلاف ما وصفه النبي 7 ، ونشهد أنه كان موافقاً لله عزّوجلّ
في جميع الأمور فلم يبتدع
ولم يتقوّل غير ما
قال الله ولا كان من المتكلّفين ولذلك قال الله تعالى : ( من يطع
الرسول فقد أطاع الله )
.
ونحن أوردنا هذا الكلام الزاماً على
العامة لا تصديقاً لهذا الاحتجاج واعترافاً بمتانة هذا الاستدلال من مخالفة هذا
الخبر لكتاب الله اذ فيه من وجوه النظر ما لا يخفى على من له أدنى تأمل.
ومن عجيب الامر أن العلامة التفتازاني
حكم بان بعض روايات البخاري من موضوعات الزنادقة حاكياً ذلك عن يحيى بن معين وهو
المعوّل عليه في معرفة الصحيح من السقيم ، قال في « التلويح شرح التوضيح » قوله :
وانما هذا خبر الواحد في معارضة الكتاب لانه مقدّم لكونه قطعياً متواتر النظم لا
شبهة في متنه ولا في سنده لكن الخلاف انما هو في عمومات الكتاب وظواهره ، فمن
يجعلها ظنية يعتبر بخبر الواحد اذا كان على شرائطه عملاً بالدليلين
ومن يجعل العام قطعياً فلا يعمل بخبر
الواحد في معارضته ، ضرورة أن الظني يضمحل بالقطعي فلا ينسخ الكتاب به ، ولا يزاد
عليه أيضاً لانه بمنزلة النسخ واستدل على ذلك بقوله 7
: تكثر لكم الأحاديث من بعدي فاذا أروى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما
وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردّوه .
وأجيب بانه خبر واحد قد خصّ منه البعض
اعني المتواتر والمشهور فلا يكون قطعياً فكيف يثبت به مسألة الأصول على أنه مما
يخالف عموم قوله
تعالى : ( ما آتاكم
الرسول فخذوه )
وقد طعن فيه
المحدّثون ، بان في رواته يزيد بن ربيعة ، وهو مجهول وترك في اسناده واسطة بين
الأشعث وثوبان ، فيكون منقطعاً.
وذكر يحيى بن معين أنه حديث وضعه
الزنادقة ، وايراد البخاري إياه في صحيحه
لا ينافي الانقطاع وكون أحد رواته غير معروف بالرواية.
ابن حزم وتكذيب حديث المعازف
وكذا ابن حزم الاندلسي وهو من أعيان
علماء العامة ويحتج بافاداته صاحب الامتاع ، وذكر محي الدين ابن العربي في « الباب
الثالث والعشرين والمائتين » من الفتوحات : « رأيت النبي 6 وقد عانق أبا محمد بن حزم المحدّث فغاب
الواحد في الاخر فلم يزالا واحداً وهو رسول الله 6
فهذه غاية الوصلة وهو المعبر عنه بالاتحاد » .
وابن حزم هذا حكم بموضوعية بعض روايات
البخاري أيضاً.
قال في كتاب المحلى : ومن طريق البخاري
« قال هشام بن عمّار : أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، أنا
عطية بن قيس الكلابي ، أنا عبد الرحمن غنم الأشعري ، حدّثني أبو عامر أو أبو مالك
الأشعري ، والله ما كذبني أنه سمع رسول الله 6
يقول : ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحرير
والخمر والمعازف » ، وهذا منقطع لم يتصل ، ما بين البخاري
وصدقة بن خالد ، ولايصح في هذا الباب شيء أبداً ، وكل ما فيه فموضوع .
ولنقتصر في ذكر رواياته الموضوعة التي
تدل مضامينها على كذبها على القدر ، فان الكلام في ذلك يطول جداً.
وهذا شطر من موضوعاته التي لاتوافق أصول
العامة وقواعدهم أيضاً ، وأما الروايات المخالفة لما ورد عن أهل بيت العصمة
والطهارة ، وصح عن معادن العلم والحكمة فممّا لاتحصى ، ولسنا نتعرض لها في هذه
الرسالة فانها تحتاج الى كتاب مفرد في ذلك.
فلنرجع إلى بيان أحوال يسير من رواة
أحاديثه وممن احتج بهم واستدل لهم : فنقول في توضيح شنايع بعض من روى عنه البخاري
وغيره من ارباب الصحاح الست ولا نأتي في هذا الفصل أيضاً إلاّ بما كتب اعيان
العامة وعلمائهم مما يتّضح منه قدح رواتهم وكونهم ضالين مبدعين أو خارجين عن
الاسلام والدين أو كذابين وضّاعين ولانروي عن علماء الامامية في اثبات هذا الامر
شيئاً.
وليعلم ان التعرض لحال جميع رواته
الموصوفين بما ذكر يحتاج إلى
مجلدات ضخام ويأبى
عند المقام ، فالاولى التعرض لحال مشاهير رواتهم واعيان قادتهم وثقاتهم ومن أكثروا
عنه النقل والرواية في جميع كتبهم ، فيعلم منه حال باقيهم ومن لم نسمّهم.
ثم ان من كان من هؤلاء المشاهير صحابياً
أو من التابعين فهو عند العامة معدّل بنصّ الفرقان الكريم وأحاديث الرسول الكريم
وخير الامة بمقتضي ما يرونه عن الرسول 6
أنه قال : خير القرون الذي من بعدي ، فاذا أوضحنا شنائع امثال هؤلاء ومن كلمات
علمائهم فالسكوت عن حال الباقين أولى وأحرى.
الفصل الثالث
مشاهير الرواة
في حديث السنة
عبدالله بن عمر بن الخطاب
عقد له البخاري باباً مفرداً في مناقبه
، وروى فيه عن ابن عمر عن أخته حفصة : أن النبي 6
قال : عبدالله رجل صالح .
ويكفي في الجزم بوصفه ، كون راويه نفس
عبدالله عن أخته!
وأما مطاعنه فكثيرة ، فقد تغيظ عليه
رسول الله 6 لما وقع منه
في طلاق امرأته ، ففي الدر المنثور للسيوطي أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في
المصنّف وأحمد وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي
، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو يعلى ، وابن مردويه ، والبيهقي في
سننه عن ابن عمر : أنه طلّق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله 6 فغيّظ فيه رسول الله 6 ثم قال : ليرجعها ثم يمسكها حتى تطهر ،
فان بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهراً قبل أن يمسها.
فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن
يطلّق بها النساء ، وقرأ : يا أيها النبي اذا طلقتم النساء فطلّقوهن في قبل عدتهن
، وفى نقل الخبر بطوله فائدة أخرى وهي أن يعلم أن القول بتحريف القرآن للذين لا
يزالون يشنعون به على الشيعة ممّا يدل عليه رواياتهم المتفق الموجودة في جميع
صحاحهم.
ثم ذكر السيوطي روايات عديدة أُخر أنه 6 قال : فطلّقوهن قبل
عدّتهن ، مع أن الموجود في القرآن الذي بأيدينا
اليوم : ( فطلّقوهن لعدتهن ) .
وهذا الأمر أعني عدم قدرته على طلاق
زوجته هو الذي منع أباه عمر أن يوصي إليه ويستخلفه ، فانه لما قيل لعمر استخلف
عبدالله ابنك ، قال : لايصلح لها لأنه لا يحسن أن يطلّق امرأته كما في كثير من كتب
القوم.
عبدالله بن عمر لم يبايع علي بن أبي طالب
ثم ان ابن عمر ممّن لم يبايع أمير
المؤمنين ، ولم يعتقد حقية خلافته وانكار خلافة أحد الخلفاء الراشدين كفر وضلالة
عند العلماء السنة.
وبايع يزيد بن معاوية ، وهو أيضاً كفر
عندهم على ما نصّ به محمد بن شعيب الكشي من أكابر الحنفية في كتاب التمهيد.
قال من رضي بامام باطل فانه يكفر.
أما الفقرة الأولى : وهي امتناعه عن
بيعة أمير المؤمنين 7
فيدل عليها ما أورده أبو عبدالله الحاكم في المستدرك ، وهو ممن اتّفقوا على أنه من
أعظم الائمة.
قال ثم بعث ، إي علي 7 إلى سعد بن وقاص ، وعبدالله بن عمر ،
ومحمد بن مسلم ، فقال : قد بلغني عنكم هنّات ، فقال سعد : صدقوا لا أبايعك ، ولا
اخرج معك حيث تخرج حتى تعطني سيفاً يعرف المؤمن من الكافر.
وقال له ابن عمر انشدك الله والرحم أن
لاتحملني على ما لا أعرف ، والله لا أبايع حتى يجتمع المسلمون على ما جمعهم الله
عليه.
ويدل عليها أيضاً ، ما ذكره سبط ابن
الجوزي في التذكرة ، قال : وقال ابن
جرير : وممن امتنع
من بيعته أي علي بن أبي طالب 7
حسان بن ثابت ، وأبو سعيد الخدري ، والنعمان بن بشير ، ورافع بن خديج ، في آخرين ،
وفي زيد بن ثابت ، ومحمد بن سلمة خلاف ، وقال غير ابن جرير : لم يباعه قدامة بن
مظعون وعبدالله بن سلام ، والمغيرة بن شعبة ، وعبدالله بن عمر ، وسعد ، وصهيب ،
وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد ، وكعب بن مالك ، وهرب قوم إلى الشام وهؤلاء يسمّون العثمانية
.
وفي بعض الروايات ما يدل على أنه بايع
ثم استقال البيعة ، فاقاله أميرالمؤمنين 7.
عبدالله بن عمر وبيعته ليزيد والحجاج
وذكر ابن مسكويه في كتاب نديم الفريد ،
أن عبدالله بن حارث قال لعبدالله بن عمر : أتيت علي بن أبي طالب وله قرابة وسابقة
وفضائل عديدة فبايعته طائعاً غير مكره ، ثم جئته فقلت اقلني اقالك الله ثم تدق
الباب على أصحاب الحجاج تقول : خذوا بيعتي فَإني سمعت النبي 6 يقول : « من مات ليلة وليس في عنقه
بيعة امام مات ميتة جاهلية » ثم اضطرب الحبل بالناس فزعمت انك لاتعرف حقاً فتنصره
ولا باطلاً فتقاتل أهله. الخبر.
ويدل على الثانية ما رواه البخاري في
صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد القرآن بزعمهم في كتاب الفتن في باب : « اذا قال عند
قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه » : عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن
معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال : اني سمعت رسول الله 6 يقول : « ينصب لكل غادر لواء
يوم القيامة ، »
وأنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وأني لا أعلم عذراً أعظم من أن
يبايع رجل على بيع الله ورسوله ، ثم ينصب له القتال ، واني لا أعلم أحداً منكم
خلعه ، ولا بايع في هذا الأمر إلاّ كانت الفيصل بيني وبينه .
قال العسقلاني في شرحه : وكان ابن عمر
لما مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته.
وقال ابن الملقن في شواهد التوضيح معنى
الترجمة ، انما هو في خلع أهل المدينة ليزيد بن معاوية ورجوعهم عن بيعته ، وما
قالوا له ، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته ، وذلك ان ابن عمر بايعه ،
فقال عنده بالطاعة بخلافته ، ثم خشى على بنيه وحشمه النكث مع أهل المدينة حتى
نكثوا بيعة يزيد ، فوعظهم وجمعهم وأخبرهم أن النكث أعظم القدر.
والغرض من نقل هذه العبارة الرد على بعض
متأخريهم حيث قال لم ينسب أحد من العلماء ابن عمر إلى بيعة يزيد ، وليس في الباب
الاّ كلمة بايعنا وهو محمول على التغليب ، ولذا لم ينسب شراح البخاري البيعة إليه
صريحاً.
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري :
ووقع عند الاسماعيلي من طريق سهل بن اسماعيل ، عن حمّاد بن زيد ، في أوله من
الزيادة عن نافع ، ان معاوية أراد على ابن عمر ان يبايع ليزيد فابى وقال : لا
أبايع لأميرين فأرسل إليه معاوية بمأة ألف درهم ، فأخذها فدّس إليه رجلاً فقال له
ما يمنعك أن تبايع فقال : إن ذاك لذاك ؛ يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة ،
ان ديني عندي اذاً الرخيص ، فلما مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته ، فلما خلع أهل
المدينة ، الحديث.
ويدل على الفقرتين معاً ماذكره سبط ابن
الجوزي قال : قال الزهري : والعجب ان عبدالله بن عمر وسعد بن أبي وقاص لم يبايعا
علياً وبايعا يزيد بن معاوية ويرشد إليهما.
وأيضاً ما ذكره القسطلاني في باب ما كان
أصحاب النبي 6 يواسي بعضهم
بعضاً في الزراعة والتمرة من كتاب المزارعة في شرح حديث نافع ان ابن عمر كان يكري
مزارعة على عهد النبي 6
وأبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من امارة معاوية ، قال : قوله : وصدراً من امارة
معاوية اي خلافته.
وانّما لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه
لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الاخبار.
وكان رأى ابن عمر أنه لا يبايع لمن لا
يجتمع عليه الناس ، ولهذا لم يبايع أيضاً لابن الزبير ولا لعبدالملك في حال
اختلافهما ، وبايع ليزيد بن معاوية ، ثم لعبدالملك بن مروان ، بعد قتل ابن الزبير .
وفي كثير من الكتب أن ابن عمر طرق
الحجاج ليلاً وقال هات يدك أبايعك لامير المؤمنين عبدالملك فاني سمعت رسول الله 6 يقول : من مات وليس عليه بيعة امام
فموته جاهلية ، فأنكر عليه الحجاج مع كفره وعتوّه وقال له : بالامس تقعد عن بيعة
علي بن أبي طالب وأنت اليوم تسألني البيعة من عبدالملك بن مروان؟ يدي عنك مشغولة
لكن هذا رجلي .
عبدالله بن عمر يخالف علي بن أبي طالب
ويدل عليها أيضاً ، بل وزيادة أن ابن
عمر كان يعدّ الخلفاء الصالحين ، ويعدّ منهم معاوية ويزيد ، ولا يعدّ أمير
المؤمنين عليّاً 7.
وكفاه بهذا نصباً وشقاوة وكفراً وضلالة
ولعمري أن هذا هو غاية الانهماك في معاداة الله ورسوله وأوليائه ، وموالاة أعدائه
واربى في ذلك على الخوارج والنواصب ، وكيف يتفوّه من له شرذمة من الحياء في حق
يزيد بأنه صالح لا يوجد مثله ، ويعتقد أنه خليفة رسول الله 6 مع ما وقع منه من وقعة الطفوف ووقعة
المدينة ووقعة الحرة ، وما تواتر منه من الولع على شرب الخمر وأنواع الكبائر.
ولا يعتقد في حق أمير المؤمنين 7 مع ما صلح وثبت عن النبي 6 من طرقهم في حقه من الفضائل والمناقب ،
والنصوص الدالة على خلافته ، التي يحملها علماء السنة على ما بعد الخلفاء الثلاث ،
ويقولون : ليس فيها التقييد بأنه خليفتي بلافصل ، والآيات الكريمة التي نزلت في
شأنه ، وما دلّ على وجوب مودته ، وفرض طاعته ، مما لا تحصيها مجلدات ضخام ، أنه
خليفة رسول الله 6.
وقد بلغ شناعة معاوية ويزيد حداً لم
يقدر علماء العامة على انكارها ، واستنكفوا من القول الجميل في حقهما.
قال ابن روزبهان المتعصب وغيره : أن
معاوية لم يكن من الخلفاء حتى نذب عنه المطاعن ، بل هو من الملوك ، بل يستدلون بما
يرونه من النبي 6
أنه قال : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم يكون ملكاً » ، خصوصاً على نفي الخلافة
عنه.
وبالجملة ، قال السيوطي في تاريخ
الخلفاء : أخرج ابن عساكر عن عبدالله بن عمر قال أبوبكر الصديق : اصبتم اسم عمر
الفاروق قرن من حديد ، اصبتم اسم ابن عفان ذو النورين قتل مظلوماً يؤتي كفلين من
الرحمة ، ومعاوية وابنه ملكاً لارض المقدسة ، والسفاح وسلام ، والمنصور ، وجابر ،
ومهدي ، والأمين ، وأمير الغضب ، كلّهم من بني كعب بن لؤي كلّهم صالح ، لايوجد
مثله ، قال الذهبي : له طرق عن ابن عمر لم يرفعه أحد .
والرواية ثابتة عن ابن عمر وله طرق عديد
بنص الذهبي ، وفي كنز العمال عن عبدالله بن عمر ، يكون على هذه الأُمة اثنا عشر
خليفة ، أبو بكر الصديق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ، عثمان
ذو النورين قتل مظلوماً او بي كفلين من الرحمة ملك الارض المقدسة ، ومعاوية وابنه
، ثم يكون السفاح ، والمنصور ، وجابر ، والأمين ، وسلام ، وأمير الغضب ، لايرى مثل
كلهم من بني كعب بن لؤي فيهم رجل من قحطان ، منهم من لا يومين منهم من يقال له
لتبايعنا أو ليقتلنك ، فان لم يبايعهم قتلوه .
وكفاه هذا الكلام خزياً وخسارة وعداوة
لأهل بيت العصمة والطهارة.
وقد ناقض نفسه فبايع لعبدالملك ولم يكن
من هؤلاء المعدودين ثم ان أم المؤمنين عائشة علامة عصرها ومجتهدة دهرها التي حفظت
أربعين ألف حديث بزعمهم كذبت ابن عمر وغلّطه في روايات عديدة وحكمت بافترائه على
رسول الله 6.
منها
: ما في صحيح البخاري عن مجاهد قال دخلت
أنا وعروة بن الزبير
المسجد فاذا عبدالله
بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، واذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى قال : فسئلناه
عن صلاتهم؟.
فقال : بدعة ، ثم قال له : كم اعتمر
النبي 6؟.
قال : أربع ، أحداهن في رجب ، فكرهنا أن
نرد عليه ، قال : وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة يا أمّاه
، يا أم المؤمنين ، ألاتسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن؟
قالت : ما يقول؟ قال : يقول : ان رسول
الله 6 اعتمر أربع
عمرات ، إحداهن في رجب ، قالت : يرحم الله أبا عبدالرحمن ، ما اعتمر عمرة الاّ وهو
شاهده ، وما اعتمر في رجب قط .
وفي صحيح مسلم : أنها قالت : يغفرالله
لابي عبدالرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر في عمرة الاّ وأنا معه ، قال :
وابن عمر يسمع ، فما قال لا ، ولا نعم سكت.
ومنها
: ما رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن
عبيدالله بن أبي مُليكة قال : توفيت ابنة لعثمان ، فجئنا لنشهدها ، وحضرها ابن عمر
وابن عباس ، فقال عبدالله بن عمر : لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء؟ فان رسول
الله 6 قال : إنّ
الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ، فقال ابن عباس : قد كان عمر ، يقول بعض ذلك ، ....
فذكر ذلك لعائشة فقالت : رحم الله عمر والله ما حدّث رسول الله 6 : ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله
عليه ، ولكن رسول الله 6
قال : إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.
قال : وقالت عائشة : حسبكم قران : ( ولا تزر
وازرة وزر أخرى )
... قال ابن
أبي مليكة : والله ما قال ابن عمر شيئاً .
ومنها
: ما رواه البخاري عن ابن عمر ان رسول
الله 6 قال : إن
بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم .
وروى البيهقي عن عروة عن عائشة قالت :
قال رسول الله 6
ابن اُم مكتوم رجل أعمى فاذا أذّن فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ، وكان بلال يبصر
الفجر وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر وذكر هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري أيضاً
.
ومنها
: ما رواه الطبراني في « الأوسط » : عن
موسى بن طلحة ، قال بلغ عائشة أن ابن عمر يقول : ان موت الفجأة سخطة على المؤمنين
، فقالت : يغفرالله لابن عمر إنّما قال رسول الله 6
: « موت الفجأة تخفيف على المؤمنين وسخطة على الكافرين » .
ومنها
: ما رواه الدارقطني في سننه عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة أنها بلغها قول ابن عمر في القُبلة الوضوء ، فقالت : كان
رسول الله 6 يُقَبّل وهو
صائم ثم لا يتوضأ
، وكذا ردّ عليه ابن عباس ترجمان القرآن.
قال السيوطي في الاتقان : وان عبر واحد
بقوله : نزلت في كذا ، وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد ، وذاك استنباط
مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال : انزلت : نساءكم حرث لكم في اتيان النساء
في أدبارهن .
وتقدّم عن جابر التصريح بذكر سبب خلافه
فالمعتمد حديث جابر كما أخرجه أبو داود والحاكم .
وبعض ما ذكرنا كاف في سقوط أخباره عن
درجة الاعتبار ، وكيف يثق العاقل الحازم على أخبار هذا المنهمك في الضلالة ،
المفارق عن طاعة الله ورسوله ، الذي وقع وعلم منه امتناعه عن البيعة لعلي بن أبي
طالب ، واقدامه على بيعة يزيد ، وعده للخلفاء الصالحين ، وما وقع وعلم منه تحريف
الحديث ووهمه فيه ، سيما فيما خالف كتاب الله بنص عائشة.
ومما يقضي منه العجب أن ابن عمر هذا ،
ممن روى حديث باب حطّة.
فقد أخرج الديلمي عنه أنه قال : قال
رسول الله 6 : علي باب
حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً .
فالحمدلله على ثبوت ما اعترف به نفسه.
عبدالله بن عمرو بن العاص
هو زاهد القوم!! روى البخاري في مواضع
عديدة من صحيحه ما محصله :
انه سمع رسول الله 6 ان عبدالله بن عمرو بن العاص يصوم
ولايفطر ويصلي ولا ينام.
فقال 6
له : ان لجسدك عليك حقاً ، وان لعينك عليك حقاً ، وان لزوجك عليك حقّاً ، وان
لزورك عليك حقّاً ، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فان الحسنة بعشر
أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ، فقال عبدالله : اني اطيق أفضل من ذلك ، قال فصم
يوماً وأفطر يومين ، قال : اني اطيق أفضل من ذلك ، فقال 6 فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود
، وهو أفضل الصيام فقلت : اطيق أفضل من ذلك ، فقال النبي 6 : لا أفضل من ذلك .
ومجمل أحواله انه أيضاً ممن تخلّف عن
أمير المؤمنين 7
وفارقه وخرج عن طاعته وعصاه وآذاه وقاتله وحاربه وأعان اعداءه وأخذل أولياءه.
وكان على ميمنة عسكر معاوية ، وتقلّد
سيفين من غاية حرصه على القتال.
وافتخر بارتكاب هذه العظائم الكبائر
والانحراف عن امام الأبرار ، وموالاة قدوة الأشرار والفجار ، وانشدّ في ذلك
الاشعار.
وكلّ من اتصف ببعض هذه الصفات فضلاً عن
كلّها فهو هالك كافر خارج عن طاعة الله عاص لله ورسوله مؤذ لله مندرج في زمرة من
أمر رسول الله 6
بمقاتلته من القاسطين مفارق لله ورسوله تارك لما أمر الله به في كتابه متهورٌ في
ضلالة ، منهمك في الشقاوة ، موصوف بكلّ رذيلة ، ويجب الاجتناب عنه والتحرز منه
وعدم الاعتماد عليه ، لما رواه الحاكم في المستدرك ـ وهو على ما نصّ عليه علمائهم
من أعظم الائمة الذين حفظ الله بهم الدين وانتفع بتصانيفه أهل المشرق والمغرب ـ.
قال : قال له : ـ اي لعبدالله بن عمروبن
العاص ـ أبوه يوم صفّين أخرج فقاتل ، قال : يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل وقد
كان من عهد رسول الله 6
ما قد سمعت؟!
قال : انشدك بالله أتعلم ان ما كان من
عهد رسول الله 6
إليك; أنه أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال : اطع أباك عمرو بن العاص قال : نعم ، قال
: فإني آمرك أن تقاتل ، قال فخرج يقاتل فلمّا وضعت الحرب قال عبدالله :
لو شهدت جمل مقامي ومشهدي
|
|
بصفّين يوماً شاب منها الذوائب
|
عشية جاء أهل العراق كأنهم
|
|
سحاب ربيع زعزعته الجنائب
|
وجئناؤهم ندوي كأن صفوفنا
|
|
من البحر موج موجه متراكب
|
اذا قلت قدولوا سراعاً بدت
|
|
لناكتائب منهم وارجحنت كتائب
|
فدارت رحانا واستدارت رحاهم
|
|
سراة النار ما تولي المناكب
|
فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا
|
|
علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب
|
وفي أسد الغابة لابن الاثير الجزري ،
قال في ترجمة ابن عمرو بن العاص :
وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد
معه أيضاً صفّين ، وكان على الميمنة
، قال له أبوه : يا عبدالله اخرج فقاتل ، فقال : يا ابتاه أتامرني ان أخرج فاقاتل؟
وقد سمعت رسول الله 6
بعهد إلي ما عهد ، قال : اني انشدك الله يا عبدالله الم يكن آخر عهد اليك رسول
الله 6 أن أخذ بيدك
ووضعها في يدي؟ وقال : اللهم بلى ، قال : فاني اغرم عليك ان تخرج فتقاتل فخرج
وتقلّد سيفين .
وما ذكر من انه ندم بعد ذلك لا يفيد في
اصلاح حاله فان التوبة عن حقوق الناس لايكفي فيها مجرد الندم ، سيّما انه ندم على
القتال ، لاعلى التخلّف عن أمير المؤمنين ومفارقته ، وهل يرجع بعد ذلك إلى متابعته
والتفرد بحاشيته.
وحسبك في هذا المقام شهادة عمرو بن
العاص على ان الخروج على أمير المؤمنين خلع رقية الاسلام وتهوّر في الضلالة واعانة
على الباطل.
قال سبط ابن الجوزي ، وهو من أئمة
الحنفية ومن شراح الجامع الصغير وصحيح مسلم ، ومحامده موجودة في كتب القوم ، قال
في كتاب تذكرة خواص الامة :
وفي هذا السنة وهي سنة ستّ ثلاثين ،
اتفق معاوية وعمرو بن العاص على قتال علي واصطلحا على ذلك قبل نزول علي على
النخيلة في أيام وقعة الجمل بعد ان كان معاوية قد يئس منه ، وعزم عمرو على المسير
إلى نصرة علي ، فاعطاه معاوية مصراً طعمة فمال إليه.
وقال أهل السير لما حصر عثمان خرج عمرو
بن العاص إلى الشام فنزل فلسطين ، وكان يؤلب على عثمان لانحرافه عنه فاقام بفلسطين
حتى قتل عثمان.
عمرو بن العاص ومعاوية
فقيل لمعاوية انه لا يتم ذلك الأمر الاّ
بعمرو ، فانه دويهة العرب ، فكتب إليه يستدعيه ويستعطفه ، ويعده المواعيد ان هو
وافقه على قتال أمير المؤمنين ، ويذكر ما جرى على عثمان ، فكتب اليه عمرو :
« أما بعد فاني قرئت كتابك وفهمته ،
فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهون معك في الضلالة واعانتي
إياك على الباطل واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو أخو
رسول الله 6 ووليه ووصيه
، ووارثه ، وقاضي دينه ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيدة نساء العالمين ، وأبو
السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.
وأما قولك : انك خليفة عثمان فقد عزلت
بموته ، وزالت خلافتك.
وأما قولك : أن أمير المؤمنين أشلى
الصحابة على قتل عثمان فهو كذب ، وزور ، وغواية ، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا
الحسن بذل نفسه لله تعالى ، وبات على فراش رسول الله 6
وقال فيه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فكتابك لايخدع ذا عقل وذا دين والسلام ».
فلما قرء كتابه قال له عتبة بن أبي سفيان
: لاتيأس منه ، فكتب إليه وارغبه في الولاية واشركه معه في سلطانه وكان في أسفل
كتابه :
جهلت ما تعلم محلك عندنا
|
|
فارسلت شيئاً من عتاب وما تدري
|
فثق بالذي عندي لك اليوم آنفاً
|
|
من العز والاكرام والجاه والقدر
|
واكتب عهداً ترتضيه مؤكداً
|
|
واشعفه بالبذل مني وبالبر
|
فكتب اليه عمرو يقول :
أبى القلب مني أن يخادع بالمكر
|
|
بقتل بن عفان أجر إلى الكفر
|
واني لعمرى ذو دهاء وفطنة
|
|
ولست أبيع الدين بالرشح والدفر
|
أليس صغيراً ملك مصر ببيعة
|
|
هي العار في الدنيا على الال من عمرو
|
وذكر سيف عن هشام بن محمد أنه كتب عمرو
إلى معاوية :
معاوي لا اعطيك ديني ولم أنل
|
|
به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
|
فان تعطني مصراً فاربح بصفقة
|
|
أخذت بها شيخاً يضر وينفع
|
فكتب إليه معاوية : قد أقطعتك مصراً
طعمة ، واشهد عليه شهوداً ، وبات عمرو طول ليلته متفكراً فدعى غلاماً يقال له
وردان ، ( وهو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له سوق وردان ) فقال له : ماترى يا
وردان؟
فقال : ان مع علي آخرة ولا دنيا ، وان
مع معاوية دنيا ولا آخرة ، فالتي مع علي تبقى ، والتي مع معاوية تفنى ، فلما أصبح
ركب فرسه ومعه عبدالله ابنه ، وهو يقول له : لا تذهب إلى معاوية ولا تبع آخرتك
بدنيا فانية ، وهو متحير فلم يزل حتى وصل إلى طريقين ، أحدهما : تأخذ إلى المدينة
، والأخرى : إلى دمشق ، فوقف عندهما ، ثم ضرب رأس فرسه ، نحو دمشق ، وقال معاوية
ارفق من علي وأتى معاوية .
ثم ان عبدالله بن عمرو كان يحدث عن كتب
اليهود والنصارى ، التي حملها معه من الشام في وقعة اليرموك ، حتى أتقاه الناس ،
وقلّ حديثه مع أنه كان أكثر حديثاً من أبي هريرة ، وكانوا قد يقولون له : حدّثنا
عن النبي 6 ولا تحدثنا
عن الصحيفة.
وتفصيل الواقعة مذكور في كثير من الكتب
، منها « شرح نخبة الفكر » لعلي القاري ، ومنها : « حاشية القالي المسمات بقضاء
الوطر ».
عبدالله بن عمرو بن العاص في كلام معاوية
ثم ان معاوية الذي عقد البخاري باباً في
مناقبه ، وروى في حقه أنه فقيه ، كذّب عبدالله بن عمرو.
وقد رواه البخاري أيضاً ، في صحيحه عن
الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدّث ، انه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من
قريش ، ان عبدالله بن عمرو بن العاص يحدث ، انه سيكون ملك من قحطان ، فغضب معاوية
فقام ، فاثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال :
أما بعد فانه بلغني ان رجالاً منكم
يتحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولاتؤثر عن رسول الله 6 ، فاؤلئك جهالكم ، فإياكم والأماني
التي تضلّ أهلها ، فاني سمعت رسول الله 6
يقول : ان هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد الاّ كبَّه الله على وجهه ، وما
أقاموا الدين .
والرواية تدل على ان عبدالله بن عمرو
كان عند معاوية من المضلِّين الجهال ولعمري ان هذا هو مصداق المثل المعروف : ويل
لمن كفّره نمرود.
عبدالله بن الزبير
أثنى عليه علماء العامة في كثير من
كتبهم ووصفوه بمحامد عظيمة ومحاسن فخيمة وعدّه جماعة منهم من مصاديق الخلفاء
الاثني عشر الذين ذكر رسول الله 6
انه يكون الدين بهم عزيزاً.
ونقلوا من كثرة صلاته وعباداته أشياء ،
منها : انه قسم الدهر على ثلاث ليال : فليلة هو قائم حتى الصباح ، وليلة هو راكع
حتى الصباح ، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
ومنها : انه كان يواصل الصوم سبعاً ،
يصوم يوم الجمعة فلا يفطر الاّ يوم الجمعة الاخر ، ويصوم بالمدينة فلا يفطر الاّ
بمكة ، ويصوم بمكة فلا يفطر الاّ بالمدينة.
قالوا ولقد قام يوماً إلى الصلاة فمرّ
حجر من حجارة المنجنيق بلبنة مطبوخة من شرفات المسجد فمرت بين لحيته وصدره فوالله
ما خشع لها بصره ، ولا قرائته ، ولاركع دون الركوع الذي كان يركع.
ولقد كان اذا دخل في الصلاة خرج من كل
شيء اليها ، ولقد كان يركع في الصلاة فيقع الزحم على ظهره ويسجد فكأنه مطروح ، إلى
غير ذلك كثيرة.
وهو أيضاً لا يقصر في المطاعن عن أخويه
المتقدمين بل يربوا عليهما بكثير بل لا يمكن استيفاء جميع ما فيه في هذه الرسالة
على بعضها.
وهو على ما نص عليه عمر بن الخطاب الذي
يزعم علماء القوم انه كان مسدداً ، يقع في الخارج كلّما ، يجري على لسانه وينزل
الوحي على طبق رأيه : كان شيطاناً كاملاً ، ففي محاضرات الراغب الاصبهاني : « مرّ
عمر رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فعدا ، ووقف عبدالله بن
الزبير ، فقال له عمر : ما لك لا تذهب مع الصبيان؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم أجن
اليك فاخافك ، ولم يكن في الطريق ضيق فاوسعه لك ، فقال عمر : اي شيطان يكون هذا » .
والراغب هذا من أجلة علماء القوم ، نقل
السيوطي في بغية الوعاة عن الزركشي : أن فخرالدين الرازي ، عدّ الراغب من أئمة
السنة ، وقرنه بالغزالي ، وقال : هذه فائدة حسنة ، قال : وكنت أظنه معتزلياً فتحقق
عندي خلافه بهذا الكلام .
ثم ان ابن الزبير الحد بمكة وعليه نصف
عذاب العالم بمقتضى رواياتهم.
ففي كنز العمال : يلحد رجل من قريش بمكة
يقال له عبدالله عليه شطر عذاب العالم.
وعن ابن عمر انه سيلحد في الحرم رجل لو
توزع ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت .
وعن ابن عمر : يحلّها وتحلّ به رجل من
قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتا .
وعن ابن عمر أيضاً : يلحد بمكة كبش أي
سيّد من قريش اسمه عبدالله عليه مثل أوزار نصف الناس .
وعن عثمان يلحد رجل من قريش بمكة يكون
عليه نصف عذاب العالم .
وعن عثمان ورجال المحدثين ثقات ، وذكر
العلامة محمد بن علي
الحكيم الترمذي من
أعيان العامة الذي قالوا فيه انه من الاوتاد الاربعة ومدائحه معلومة من فيض القدير
للمناوي ، ذكر في كتاب نوادر الاصول :
حدّثنا ابراهيم بن المستمر الهذلي قال :
حدّثني عبدالرحمن بن سليمان قال : سمعت أبي يذكر عن أبيه قال : صحبت ابن عمر من
مكة إلى المدينة فقال النافع لا تمرّ بي على المصلوب ، يعني ابن الزبير فما فجئه
في جوف الليل الاّ ان صك محمد جذعه فجلس فمسح عينيه ثم قال : يرحمك الله يا أبا
خبيب ان كنت وان كنت ، ولقد سمعت أباك الزبير يقول : قال رسول الله 6 : من يعمل سوء يجز به في الدنيا أو في
الاخرة ، فان يك هذا بذاك فهه ، فهه .
قال أبو عبدالله : فأما في التنزيل فقد
احمله فقال : ( من يعمل سوءاً يجز به )
، دخل فيه البر والفاجر ، والولي والعدو ، والمؤمن والكافر ، ثم يقول رسول الله 6 في هذا الحديث بين الموطنين ، فقال :
يجزيه في الدنيا أو في الاخرة ، وكأنه أخبر بانه يجزي بذلك السوء في أحد الموطنين
، إما في الدنيا وإما في الاخرة.
وليس يجمع عليك الجزاء في الموطنين ،
ألا ترى إن ابن عمر قال : فان يك هذا بذاك فهه به ، معناه انه قاتل في حرم الله
وأحدث حدثاً عظيماً فيها حتى أحرق البيت ، ورمى الحجر الأسود بالمنجنيق ، فانصدع
حتى صبب بالفصه ، فهو إلى يومنا كذلك وسمع للبيت آمين.
وقد قال رسول الله 6 يوم فتح مكة أنها لم تحل لأحد قبلي ،
ولا تحلّ
بعدي وانما احلت بي
ساعة من نهار ، حرمت يوم خلقت السموات والارض.
ولما رأى ابن عمر فعله ثم رآه مقتولاً
مصلوباً ، ذكر قول رسول الله 6
: من يعمل سوء يجزبه ، ثم قال : ان يك هذا القتل بذلك الذي فعله فهه به ، أي ، ان
كان جوزي بذلك السوء ، السوء من هذا القتل والصلب.
وروى العلامة السيوطي في جمع الجوامع عن
اسحاق بن سعيد عن أبيه قال : أتى عبدالله بن عمر عبدالله بن الزبير ، فقال : يابن
الزبير ايّاك والالحاد في حرم الله تعالى ، فاني سمعت رسول الله 6 يقول سيلحد فيه رجل من قريش لو أن
ذنوبه توزن بذنوب الثقلين لرجحت عليه فانظر لا يكون.
ومن ظريف الأمر أن البخاري أيضاً أورد
في صحيحه ، ما يدل على ان ابن الزبير أحلّ حرم الله ، وهذه ألفاظه في كتاب التفسير
:
حدّثني عبدالله بن محمد قال : حدّثني
يحيى بن معين ، قال حدّثنا حجاج ، قال ابن جريج ، قال ابن أبي مليكة ، وكان بينهما
شيء فغدوت على ابن عباس فقلت : أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله؟
فقال : معاذ الله ، ان الله كتب ابن
الزبير وبني أميّة محلين ، واني والله لا أحلُّه أبداً .
وفي فتح الباري للعسقلاني : ان الضمير
في قوله : « بينهما » راجع إلى ابن عباس وابن الزبير قال : قوله : « محلّين » أي
أنهم كانوا يحلّون القتال في الحرم ، وإنّما نسب ابن الزبير إلى ذلك ، وان كان بنو
أمية هم الذين ابتدأوه في القتال وحصروه.
وإنّما بدأ منه أولاً دفعهم عن نفسه
لإنّه بعد أن ردّهم الله عنه ، حصر بني هاشم ليبايعوه فسرّع فيما يؤذن بإباحة
القتال ، وكان الناس يسمّون ابن الزبير المحلّ لذلك .
ومن عجيب الأمر ما في هذه الرواية من ان
ابن عباس يرى ابن الزبير أهلاً للخلافة لشرف نسبه مع أنه قد وقع منه بالنسبة إلى
ابن عباس ما وقع كما سيأتي ، ومع انه قد طعن فيه في صدر الرواية بما نقلنا وفي
ذيله بكلام آخر لم ننقله.
ومع ان جماعة منهم ذكروا انه قال : كانت
في ابن الزبير ضلال لا تصلح معها للخلافة.
ومن اطلع على بعض ما وقع بين ابن عباس
وابن الزبير من مشاجرات والمذاكرات جزم بان هذه الجملة التي لم نوردها موضوعة على
ابن عباس.
ومن شنائع أحواله انه كان يقاتل على
الدنيا وتحمل وزر جميع من قاتل وقتل معه ، والأخبار الواردة في ذم التكالب على الدنيا
وطلب الرياسة الباطلة ومقاتلة الناس عليها مما لا يمكن احصاؤها.
روى البخاري في كتاب الفتن عن أبي
المنهال قال : لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء
بالبصرة ، فانطلقت مع أبي إلى ابي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في
ظل عُلِّيَّة له من قصب ، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث ، فقال : يا أبا
برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلّم به : إني إحتسبت عند الله
أني أصبحت
ساخطاً على أحياء
قريش ، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة ،
وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد 6
حتى بلغ بكم ما ترون ، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم ، ان ذاك الذي بالشام والله
إن يقاتل إلاّ على الدنيا ، وان هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلاّ على
الدنيا ، وإن ذاك الذي بمكّة والله إن يقاتل إلاّ على الدنيا .
وفي فتح الباري : في معنى « ان ذاك الذي
بمكة » زاد يزيد بن ذريع يعني ابن الزبير.
والحاكم في المستدرك أيضاً أورد هذه
الرواية ، وفي فتح الباري في معنى قول أبي برزة : اني احتسبت عند الله ، ان معناه
انه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله أجراً على ذلك لان الحب في الله
والبغض في الله من الايمان .
فثبت بنص ابن حجر ، ان البغض على ابن
الزبير بغض في الله ، وان السخط عليه يوجب الغفران ، وان حبه كما هو شعار السنّية
خروج عن الإيمان.
وقال ابن الملقن في شرحه : وأما قول أبي
برزة : « واحتسابه سخطه على أخبار قريش عند الله تعالى » فكأنه قال : الّلهم لا
أرضى ما يصنع قريش من القتال على الخلافة ، فاعلم ذلك من نيتي واني أسخط أفعالهم
واستباحتهم للدماء والاموال ، فأراد ان يحتسب ما يعتقده من انكار القتال في
الإسلام عند الله وذخراً ، فانّه لم يقدر من التعبير عليهم الاّ بالقول والنية
التي بها يأجر الله عباده.
وروى الحاكم في المستدرك باسناده ، عن
نافع عن ابن عمر ، انه قال لرجل سأله عن القتال مع الحجاج ، أو مع ابن الزبير ،
فقال له ابن عمر : مع أي الفريقين قاتلت فقتلت ففي لظى ، قال وهذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه .
ومن قبائحه التي لا تحصى الدفاتر الطوال
، لوازم شناعتها انه كان ينقص أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وجميع بني
هاشم ، واغرى أباه الزبير على قتاله ، وأغرى عائشة على وقعة الجمل ، وأهانها ،
وخوّفها ، بقوله :
أدركنا علي; وحلف يميناً كاذبة وسنّ
سنّة شهادة الزور ، وهي أول شهادة زور وقعت في الاسلام على ما نصّ عليه علماؤهم ،
وقاتل أمير المؤمنين 7
وسبه وشتمه واسقط ذكر النبي 6
عن الخطبة في الجمعة وغيرها ، ولا يشك جاهل فضلاً عن عالم في كفر من وُصف ببعض هذه
الصفات فضلاً عن جميعها ، وضلالته وانهماكه في خسارته وشقاوته.
وأدلة الكبرى وان كانت بيّنة مبيّنة
مشروحة ومبسوطة ، إلاّ ونحن نأتي بجملة من الأخبار الواردة من طرق القوم ثم نعطف
على بيان الصغرى.
وحقيقة هذا الطعن تنحل إلى مطاعن لاتحصى
، يليق أن يفرد كلّ منها بفصل وباب.
فنقول : يدل عليها مضافاً إلى ما سبق ،
مما يدل على أن معصية علي معصية الرسول 6
وطاعته طاعته ، ومفارقته مفارقته ، وانه باب حطة من خرج عنه كان كافراً.
وما أورده البدخشاني من عظماء أهل السنة
في مفتاح النجاة قال : أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زر بن حبيش ، قال : سمعت
علياً 7 يقول :
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأميّ 6
إليّ أنه لايحبني إلاّ مؤمن ولايبغضني الاّ منافق .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ، عن أم سلمة
رضي الله عنها قالت : قال رسول الله 6
: « لا يحب علياً منافق ولا يبغض علياً مؤمن » .
وفي رواية ابن أبي شيبة : لا يبغض علياً
الاّ مؤمن ولا يحبه منافق
، وعند الطبراني في الكبير عنها : لا يحب علياً الاّ مؤمن ولايبغض علياً الاّ
منافق.
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري
والبزار والطبراني في الاوسط عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قالا : « كنّا
نعرف المنافقين ببغضهم علياً » .
وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمان رضي
الله عنه قال : قال رسول الله 6
لعلي : « محبك محبي ومبغضك مبغضي » .
قال وأخرج الطبراني في الكبير عن أم
سلمة رضي الله عنها عن رسول
الله 6 قال : من أحب علياً فقد أحبني ومن
أحبني فقد أحب الله ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله .
قال : وأخرج أبو يعلى والبزار عن سعد بن
أبي وقاص قال : قال رسول الله 6
: « من آذى علياً فقد آذاني ».
قال : وأخرج ابن عدي عن جابر رضي الله
عنه : ان النبي 6
قال لعلي : يا علي لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار .
وأخرج الديلمي عن الحسين رضي الله عنه
عن النبي 6 قال : لو أن
عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه ، وكان له مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل
الله ، ومُدّ في عمره حتى يحج ألف عام على قدميه ، ثم قتل بين الصفاء والمروة
مظلوماً ، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنّة ولم يدخلها .
وأخرج ابن مردويه عن عطية بن سعد قال :
دخلنا على جابر بن عبدالله رضي الله عنه وهو شيخ كبير فقلنا : أخبرنا عن هذا الرجل
ـ علي بن أبي طالب ـ فرفع حاجبيه ثم قال : ذاك من خير البشر ، فقيل له : ما تقول
في رجل يبغض علياً؟ قال : ما يبغض علياً الاّ كافر .
وأخرج عن سالم بن أبي الجعد ، قال :
تذاكروا فضل علي عند جابر بن عبدالله فقال : وتشكون فيه؟ فقال بعض القوم : انه
أحدث ، قال : وما يشك فيه الاّ كافر ، أو منافق.
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن عدي
والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي كرم الله وجهه ، قال : دعاني رسول الله
6 فقال : ان
فيك مثلاً من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، وأحبه النصارى حتى أنزلوه
بالمنزل الذي ليس به ، ألا وانه يهلك فيَّ اثنان محب مفرط يفرطني بما ليس في ومبغض
يحمله شنآني على ان باهتني .
وروى البخاري في كتاب الايمان من صحيحه
ان النبي 6 قال : سباب
المسلم فسق وقتاله كفر ، ورواه في كتاب الفتن وفي كتاب الادب أيضاً .
وروى الحاكم في المسستدرك عن أبي
عبدالله الجدلي ، قال : دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فقالت لي أيسب رسول الله 6 فيكم؟ فقلت : معاذ الله أو سبحان الله
أو كلمة نحوها ، قالت : سمعت رسول الله 6
يقول : من سبّ علياً فقد سبني .
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
وقد رواه أبوبكر بن عثمان البجلي عن أبي
اسحاق بزيادة الفاظ ، قال : سمعت أبا عبدالله الجدلي يقول : حججت وأنا غلام فمررت
بالمدينة واذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوجة النبي 6 فسمعتها يقول : يا شبث بن ربعي فاجابها رجل جلف جاف لبيك يا
أمّتاه ، قالت : يسبّ رسول الله 6
في ناديكم؟ قال : وأنى ذلك؟ قالت : فعلي بن أبي طالب ، قال : انا لنقول أشياء نريد
عرض الدنيا ، قالت : فاني سمعت رسول الله 6
يقول : من سبّ علياً فقد سبني ، ومن سبني فقد سبّ الله تعالى .
وفي المستدرك أيضاً ، عن أبي مليكة قال
: جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عباس ، فحصبه ابن عباس فقال : يا عدوّ
الله آذيت رسول الله 6
( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في
الدنيا والاخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً )
، لو كان
رسول الله 6 حياً لآذيته
، قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
ولنكتف بهذا المقدار فان الكلام في ذلك
يطول جدّاً.
ولنذكر بعض ما صدر من هذا الشقي مما يعلم
منه انطباق جميع أخبار الذم واللعن والطرد عليه.
فنقول : ذكر علاّمتهم المحدّث ابن عبد
البر في الاستيعاب قال علي بن
أبي طالب : ما زال
الزبير يعدّ منا أهل البيت حتى نشأ عبدالله.
وذكر ابن الاثير الجزري في كتاب أسد
الغابة : وكان علي رضي الله عنه يقول : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ له
عبدالله
وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة : وفي
رواية ، أن علياً لما التقى بالزبير ، قال له : كنا نعدك في خيار بني عبدالمطلب
حتى بلغ ابنك السوء ففرّق بيننا .
قال ابن أبي الحديد في أواخر شرحه : روى
المسعودي عن سعيد بن جبير ان ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير :
إلى مَ تؤتيني وتعنفي؟ قال ابن عباس : اني سمعت رسول الله 6 يقول : بئس المرء المسلم ليشبع ويجوع
جاره ، وأنت ذلك الرجل ، فقال ابن الزبير لاكتم بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة!
وتشاجرا فخرج من مكة فاقام بالطائف حتى
مات.
قال وقطع عبدالله بن الزبير في الخطبة
ذكر رسول الله 6
جُمَعاً كثيرة فاستعظم الناس ذلك فقال : اني لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أهيل سوء ،
اذا ذكرته اطلعوا أعناقهم فأنا أحب ان اكْبِتهم.
قال : لما كاشف عبدالله بن الزبير بني
هاشم وأظهر بغضهم ، وعابهم وهمّ بما همّ به في أمرهم ، ولم يذكر رسول الله 6 في خطبته ، لا يوم الجمعة ولا غيرها ،
عاتبه على ذلك قوم من خاصّتة ، وتشاءموا بذلك منه ، وخافوا عاقبته.
فقال : والله ما تركت ذلك علانية الاّ
وأنا أقوله سراً وأكثر منه ؛ لكني رأيت
بني هاشم اذا سمعوا
ذكره اشرأبّوا وأحمرّت ألوانهم ، وطالت رقابهم والله ما كنت لآتي لهم سروراً وأنا
أقدر عليه ، والله لقد هممت ان أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم ناراً!!
فاني لا أقتل منهم إلاّ آثماً كفّاراً
سحّاراً ، لا إنماهم
الله ، ولا بارك عليهم ، بيت سوء ، لا أول لهم ولا آخر ، والله ما ترك نبي الله
فيهم خيراً ، استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس.
فقام اليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال
: وفّقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم ، فقام عبدالله بن
صفوان بن أمية الجمحي ، فقال : والله ما قلت صواباً ، ولا هممت برشد ، أرهط رسول
الله 6 تعيب ،
وإياهم تقتل ، والعرب حولك! والله لو قتلت عدّتهم أهل بيت من الترك مسلمين ما
سوّغه الله لك ، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره.
فقال : اجلس أبا صفوان فلست بناموس .
فبلغ الخبر عبدالله بن العباس ، فخرج
مغضباً ومعه ابنه حتى أتى المسجد فقصد المنبر فحمد الله فاثنى عليه ، وصلّى على
رسول الله 6 ثم قال :
أيها الناس ان ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله 6
ولا آخر ، فيا عجباً كل العجب لافترائه ولكذبه! والله ان أول من أخذ الإيلاف ،
وحمى عيرات قريش لهاشم ، وإنّ أول من سقى بمكة عذباً ، وجعل باب الكعبة ذهباً
لعبدالمطلب ، والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش ، وإن كنا لقالتهم اذا قالوا ،
وخطباءهم اذا خطبوا ،
وما عُدّ مجد كمجد
أولنا ، ولا كان في قريش مجدٌ لغيرنا ; لأنّها في كفر ماحق ، ودين فاسق ، وضلّة
وضلالة ، في عشواء
عمياء ، حتى اختار الله تعالى لها نوراً ، وبعث لها سراجاً فانتجبه طيباً من
طيّبين ، لايسبّه بمسّبة ، ولايبغي عليه غائلة ، فكان أحدنا وولدنا ، وعمّنا وابن
عمنا ، ثم ان أسبق السابقين إليه منا وابن عمّنا ثم تلاه في السبق ، ثم أهلنا ولحمتنا
واحداً بعد واحد.
ثم إنّا لخير الناس بعده وأكرمهم أدباً
، أشرفهم حسباً ، وأقربهم منه رحماً.
واعجباً كل العجب لابن الزبير! يعيب بني
هاشم ، وانما شَرُف هو وأبوه وجدّه بمصاهرتهم ; أما والله انه لمسلوب قريش ، ومتى
كان العوّام بن خويلد يطمع في صفيّة بنت عبدالمطلب! قيل للبغل : من أبوك يا بغل؟
فقال : خالي الفرس ، ثم نزل.
عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عباس
قال : خطب ابن الزبير بمكة على المنبر ،
وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر ، فقال : ان ههنا رجلاً أعمى الله قلبه كما
أعمى بصره ، يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله ، يفتي في القملة والنملة ،
وقد احتمل مال البصرة بالأمس ، وترك المسلمين بها يرتضجون النوى ، وكيف ألومه في ذلك ، وقد قاتل
أُمَّ المؤمنين ، وحواريَّ رسول الله 6
ومن وقاه بيده.
فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن
هشام مولى بني أسد بن خزيمة :
استقبل بي وجه ابن
الزبير ، وارفع من صدري ؛ وكان ابن عباس قد كُفّ بصره فاستقبل به قائده وجه ابن
الزبير ، وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ، ثم قال : يابن الزبير :
قد أنصف القارة من راماها
|
|
إنّا إذا مافئةٌ نلقاها
|
يردّ أولاها على أخراها
|
|
حتى تصير حرضاً دعواها
|
يابن الزبير ، أما العمى فان الله تعالى
يقول : ( فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي
في الصدور )
، وأما فُتياى
في القَملة والنَّملة ؛ فان فيها حكمين ، لا تعلمها أنت ولا أصحابك.
وأما حمل المال فانه كان مالاً جبيناه
فاعطينا كل ذي حق حقه ، وبقيت بقيَّة وهي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا ،
وأما المتعة : فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بُردَي عَوسَجة.
وأما قتالنا أمّ المؤمنين : فبنا سمِّيت
أم المؤمنين لابك ولا بأبيك; فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه
عنها ، ثم أتخذاها فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما ، فما أنصفا
الله ولا محمداً من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيّه وصانا حلائلهما.
وأما قتالنا إيّاكم : فإنّا لقيناكم
زحفاً ، فان كنّا كفّاراً فقد كفرتم بفراركم منّا ، وان كنّا مؤمنين فقد كفرتم
بقتالكم إيّانا ، وايم الله لولا مكان صفيّة فيكم ، ومكان خديجة فينا لما تركت
لبني أسد بن عبد العزَّى عظماً إلاّ كسرته.
فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن
بُردَي عَوسجة؟ فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس ، وعن بني هاشم! فانهم كُعُمُ الجواب اذا بدهوا ، فقال : بلى وعصيتك
، فقالت : يا بُني احذر هذا الأعمى الذي ما اطاقته الإنس والجن ، واعلم أنّ عنده
فضائح قريش ومخازيها بأسرها ; فإيّاك وإيّاه آخر الدهر.
وهذه القضية تشهد على ابن الزبير بالكفر
من وجوه عديدة لاتخفى ، وليت شعري لِمَ لَمْ يوجد هذا التكاذيب والتخاصم سقوط
أخبارهما عن درجة الحجية والاعتبار عند العامة ، وأوجب مجرد ردّ هشام بن الحكم على
هشام بن سالم مع عدم العلم بحقيقة سقوط أخبارهما جميعاً عن الاعتبار والحجية ، كما
ذكره المتعصب الكابلي.
وفيها أيضاً شهادة على ان ابن عباس
الملقّب بترجمان القرآن عند القوم ، والذي عقد البخاري باباً في مناقبه وروى في
حقه : أن النبي 6
دعا له بان يعلّمه الله الحكمة ، يرى حلّية المتعة.
وأما اقدام ابن الزبير على سبّ أمير
المؤمنين 7 فيعلم
تفصيله من الرجوع إلى تاريخ روضة الاحباب وهو من التواريخ المعتبرة للقوم.
عبدالله بن الزبير وخدعته لعائشة
وأما ما وقع منه في وقعة الجمل : فقد
ذكر السمعاني في الانساب في نسبة الحوأبي وورد في حديث عصام بن قدامة عن عكرمة عن
ابن عباس ان
النبي 6 قال لنسائه : ليت شعري ايتكن صاحبة
الجمل الأديب ، وقيل الاحمر ، تنحبها كلاب الحوأب.
وروى اسماعيل بن أبي خالد ، كذلك عن قيس
بن أبي حازم ، عن عائشة أنها مرّت بماء فنبحتها كلاب الحوأب فسألت عن الماء؟
فقالوا : هذه ماء الحوأب.
والقصة في ذلك أن طلحة والزبير بعد قتل
عثمان وبيعة علي خرجا إلى مكة وكانت عائشة حاجة تلك السنة بسبب اجتماع الفساد
والغيث من البلاد بالمدينة بقتل عثمان ، فخرجت عائشة هاربة من الفتنة.
فلما لحقها طلحة والزبير حملاها إلى
البصرة في طلب دم عثمان من علي ، وكان معها ابن الزبير عبدالله ابن اختها أسماء
ذات النطاقين ، فلما وصلت عائشة معهم إلى هذا الماء نبحت الكلاب عليها فسألت عن
الماء واسمه؟ فقيل : لها الحوأب ، فتوقّفت على الرجوع فدخل عليها ابن أختها ابن
الزبير وقال : ليس هذا ماء الحوأب حتى قيل انه حلف على ذلك وكفّر عن يمينه ، والله
أعلم ، وتممت عائشة إلى البصرة وكانت وقعة الجمل المعروفة .
وقال قاضي القضاة ابن الشحنة الحلبي في
كتاب روض المناظر :
في
سنة ستّ وثلاثين : أرسل علي بن أبي
طالب رضي الله عنه إلى البلاد عماله فبعث عمّار بن شهاب إلى الكوفة ، وكان من
المهاجرين وولي عثمان بن حنيف الانصاري البصرة ، وعبيدالله بن عباس اليمن ، وقيس
بن سعد الانصاري مصر ، وسهل بن حنيف الانصاري الشام ، فرجع من الطريق لما سمع
بعصيان
معاوية وكذلك عمارة
لقيه طلحة بن خويلد الذي ادعى النبوة في خلافة أبي بكر فقال : ان أهل الكوفة لا
يستدلون بأبي موسى الاشعري ، فرجع ولما وصل عبدالله إلى اليمن خرج الذي كان بها من
قتل عثمان وهو يعلى بن منبه بما بها من الاموال الى مكة وصار مع عائشة وطلحة
والزبير وجمعوا جمعاً عظيماً وقصدوا البصرة ، ولم يوافقهم عبدالله بن عمر.
وأعطى يعلى بن منبه لعائشة جملاً كان
اشتراه بمائة دينار اسمه عسكر ، وقيل بثمانين وركبته ومرّوا بمكان اسمه الحوأب
فنبحتهم كلابه فقالت عائشة : أي ماء هذا؟
فقيل لها : هذا ماء الحوأب فصرخت وقالت
: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، سمعت رسول الله 6
يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب؟ ثم ضرب عضد بعيرها فاناخته
، وقالت : دونني فأقاموا يوماً وليلة فقال لها عبدالله بن الزبير : انه كذب ليس
هذا ماء الحوأب.
ولم يزل بها وهي تمتنع ، فقال : النجا
النجا فقد أدرككم علي ، فارتحلوا فوصلوا البصرة .
وقال ابن قتيبة في « الامامة والسياسة »
: فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة تنبحها كلاب الحوأب ،
فقالت لمحمد بن طلحة : أي ماء هذا؟
قال : ماء الحوأب.
قالت : ما أراني إلاّ راجعة.
قال : لِمَ؟ قالت : سمعت رسول الله 6 يقول لنسائه : كأني باحديكن قد نبحها
كلاب الحوأب ، وإيّاك أن تكون هي أنت يا حميراء!
فقال لها محمد بن طلحة : تقدمي رحمك
الله ، ودعي هذا القول.
فأتى عبدالله بن الزبير فحلف لها بالله
لقد خلفته في أول الليل ، وأتاها ببيّنة زور من الاعراب فشهدوا بذلك.
وقال جمال الدين المحدث في « روضة
الأخبار » نحو ما ذكروا : إنّه لما امتنعت من الذهاب جاء ابن الزبير بخمسين شاهد
شهدوا أنه ليس بماء الحوأب.
وقالوا : هي أول شهادة زور اقيمت في
الاسلام.
وأن عائشة ما قنعت بتلك الشهادة وكانت
تجزع وتضطرب حتى صاح عبد الله بن الزبير من اخريات الناس أدركنا علي.
فخافت عائشة وطلبت دليلاً فقال لها طلحة
: ان الدليل قد فرّ لغلطه وخطائه في تلك التسمية ، وبالجملة هذه القضية متواترة
مذكورة في كتب الخاصة والعامة.
وفي التذكرة لسبط ابن الجوزي : نقلاً عن
ابن جرير أن طلحة والزبير قالا لها : ما هذا الحوأب ؛ وأحضرا خمسين رجلاً فشهدوا
بذلك وحلفوا ، وأن الشعبي قال : هي أول شهادة زور أقيمت في الاسلام .
أقول : لا منافاة فان المقتضى الجمع
بينها ، ان الثلاثة اشتركوا في هذا الفعل القبيح ، والصنيع الشنيع ، واقامة شهود
الزور.
وذكر أيضاً حكاية طويلة محصلها أنه طلب
أميرالمؤمنين صلوات الله عليه الزبير ووعظه وزجره وذكره قول رسول الله 6 قال للزبير لتقابلن علياً وأنت ظالم
له.
فقال الزبير : لو ذكرت هذا ما خرجت من
المدينة ووالله لا أقاتلك.
وفي رواية : فما الذي أصنع وقد التقيا
حلقتا البطان ورجوعي على عار ، فقال علي 7
له : ارجع بالعار ولاتجمع بين العار والنار فأنشد الزبير في ذلك الاشعار ، وعاد
إلى عائشة وقال لها : ما كنت في موطن منذ عقلت عقلي الاّ وأنا أعرف أمري الاّ هذا.
قالت له : فما تريد أن تصنع؟ قال : أذهب
وادعهم ، فقال له عبدالله ولده : جمعت هذين الفريقين حتى اذا حدّ بعضهم لبعض أردت
أن تتركهم وتذهب؟
أحسست برايات ابن أبي طالب فرأيت الموت
الأحمر منها ومن تحتها ، تحملها فئة انجاد سيوفهم حداد؟!
فغضب الزبير وقال : ويحك قد حلفت أن لا
أقاتله.
فقال : كفِّر عن يمينك ، فدعا غلاماً له
يقال له مكحول فاعتقه.
وفي رواية أن الزبير لما قال له ابنه
ذلك غضب وقال له : ابنه والله لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبداً ، فحمل
الزبير حملة منكرة.
باختصار فلينظر العاقل إلى هذا الشقي
المنهمك في الضلالة كيف كان يغري عائشة وأباه إلى مقاتلة نفس رسول الله 6 ووصيه وابن عمه ومن كان معصيته معصيته
وطاعته طاعته ، وكيف كان بعد ترك مقاتلته فضيحة باقية في أعقابهم.
وفي الروايات المعتبرة أنه افتخر عند
معاوية بأنه وقف في الصف بازاء علي بن أبي طالب.
فقال له معاوية : لا جرم قتلك وأباك
بيده اليسرى وبقيت اليمنى فارغة.
ومن نتائج بغضه انه كان يحبّ خروج سيّد
الشهداء صلوات الله عليه من مكة إلى العراق وكان 7
أثقل خلق الله عليه لما علم أن أهل الحجاز لايبايعونه ما دام هو 7 بالبلد وقد ينافق فيظهر كراهته لخروجه.
وقال صلوات الله عليه : ان ابن الزبير
ليس شيء من الدنيا أحب اليه من أن أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس ما يعدلونه
بي فودّ اني خرجت حتى يخلو له.
وقال ابن عباس له 7 وقد رآه عارفاً جازماً على الخروج لقد
أقررت عين ابن الزبير بالخروج من الحجاز ، وهو اليوم لا ينظر إليه أحد معك ومرّ
ابن عباس بابن الزبير فقال : قرّت عينك يابن الزبير ، ثم قال :
يالكِ من قُبَّرة بمعمر
|
|
خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفري
|
وَنَقِّرِي ما شئتِ ان تُنَقِّرِي
|
|
هذا حسين سائرٌ فابشري
|
هذا حسين يخرج إلى العراق ويخليك
والحجاز ، ذكر هذا كلّه جماعة ، منهم علاّمتهم المحدّث عمر بن فهد المكي في «
اتحاف الورى » في
ضمن حكاية طويلة
ومجدد دينهم في المأة التاسعة السيوطي : في « تاريخ الخلفاء » وغيرهما في غيرهما.
ولعمري لولم يكن لابن الزبير الاّ فرحته
وسروره بمفارقة مثل أبي عبدالله 7
وخروجه من الحجاز لكفاه خزياً وخسارة وشقاراً وضلالة ، ولو كان له أدنى حظ من
الايمان وأقل قسط من الايقان لما صار قرير العين بمسير الحسين صلوات الله وسلامه
عليه بل بكى وذاب ألماً ، وصار قلبه لذلك مجروحاً وعينه مقروحاً وأطال الحزن
والكابة ، ويعنى بالشجن والسامة وهل يسرّ بالفراق الاّ الشامت الكاشح والمبغض
الغير الناصح.
عبدلله بن الزبير ومحاصرته لبني هاشم
ومن شنائع أطواره وقبائح أفعاله ما صدر
منه بالنسبة إلى سيدنا محمد بن الحنفية وابن عباس من التشديد عليهما وايذائهما
وحصرهما في الشعب واحضار الحطب لاحراقهما لامتناعهما من مبايعته مع عدم صلاحيته
للخلافة بنص علماء القوم.
قال في الاستيعاب : قال علي بن زيد
الجدعاني : كان عبدالله بن الزبير كثير الصلاة شديد البأس كريم الجدات ، والامّهات
، والخالات الاّ انه كان فيه خلال لا تصلح للخلافة ، لانه كان بخيلاً ضيّق العطن
سيّء الخلق ، حسوداً ، كثير الخلاف أخرج محمد بن الحنفية ، ونفى عبدالله بن عباس
إلى الطائف .
وبعد ملاحظة ما تقدم من تصريحهم بأن من
رضي بامام باطل فانه يكفر
يتضّح غاية الوضوح
كفر نفس الامام الباطل الذي لا يصلح للامامة.
وفي تاريخ ابن خلكان في ترجمة سيدنا ابن
الحنفية : ولما دعى ابن الزبير إلى نفسه وتابعه أهل الحجاز بالخلافة دعى عبد الله
ابن عباس ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما إلى البيعة فأبيا ذلك ، وقالا له : لا
نبايعك حتى يجتمع لك البلاد ويتفق الناس فأساء جوابهم وحصرهم وآذاهم وقال لهما
والله لئن لم تبايعا أحرقتكما بالنار.
وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب
التفسير : كان ابن عباس وابن الحنفية بالمدينة ثم سكنا مكة فطلب منهما ابن الزبير
البيعة فابيا حتى يجتمع الناس على رجل فضيّق عليهما فبعثا رسولاً إلى العراق فخرج
اليهما جيش في أربعة آلاف ، فوجدوهما محصورين وقد احضر الحطب على الباب يخوّفهما
بذلك فاخرجوهما إلى الطائف.
وقال عمر بن فهد المكي في « اتحاف الورى
» في وقائع سنة ستّ وستين : فيها دعى عبدالله بن الزبير محمد بن الحنفية ومن معه
من أهل بيته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة
الصحابي ليبايعوه فامتنعوا وقالوا : لانبايع حتى تجتمع الأمّة فاكثر ابن الزبير
الوقيعة في ابن الحنفية ، وذمه فاغلظ له عبدالله بن هاني الكندي وقال : لئن لم
يضرك الاّ تركنا بيعتك لا يضرك شيء ، وان صاحبنا يقول لو بايعني الأمّة كلّها غير
سعد مولى معاوية ما قتلته وانما عرّض بذكر سعد لأن ابن الزبير أرسل إليه فقتله
فسبّ عبدالله ، وسبّ أصحابه ، وأخرجهم من عنده ، فاخبروا ابن الحنفية بما كان منهم
ولم يلحّ عليهم ابن الزبير.
فلما استولى المختار على الكوفة ، وصارت
الشيعة تدعوا لابن الحنفية ، خاف ابن الزبير ان يتداعي الناس إلى الرماية فحينئذ
ألح على ابن الحنفية وعلى أصحابه في البيعة له ، فجلسهم بزمزم وتوعّدهم بالقتل
والاحراق ، وأعطى إليه عهداً ان لم يبايعوه ينفذ فيهم ما توعّدهم به وضرب لهم على
ذلك أجلاً ، فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث الى المختار والى من
بالكوفة رسولاً يعلمهم حالهم وحال من معهم وما كان توعدهم به ابن الزبير.
فوجد ثلاثة نفر من أهل الكوفة حين نام
الحرس على باب زمزم ، وكتب معهم إلى المختار وإلى أهل الكوفة يعلمهم حاله وحال من
معه وما توعدهم به ابن الزبير من القتل والتحريق بالنار ويطلب منهم النصرة ،
ويسألهم ان لا يخذلوه كما خذلوا الحسين 7
وأهل بيته.
فقدموا على المختار فدفعوا اليه الكتاب
فنادى في الناس فقرأ عليهم الكتاب إلى أن قال : فوجّه المختار أبا عبدالله الجدلي
في سبعين راكباً من أهل القوة ، ووجّه ظبيان بن عمّارة أخا بني تميم ، ومعه
أربعمأئة ، وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة درهم وسيّر أبا معتمر في مأة وهاني بن
قيس في مأة وعمير ابن طارق في أربعين ويونس ابن عمران في أربعين وكتب إلى محمد بن
علي مع الطفيل بن عامر ومحمد بن قيس بتوجيه الجند اليه وخرج الناس أثرهم في أثر
بعض.
وجاء أبو عبدالله الجدلي ، حتى نزل ذات
عرق في سبعين راكباً فأقام بها حتى أتاه عمير ويونس في ثمانين راكباً فبلغوا مأة
وخمسين رجلاً ، فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام ، ومعهم الكافر كوبات ، وهم ينادون يا لثارات
الحسين 7 حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعدّ ابن
الزبير الحطب ليحرقهم ، وكان قد بقى من الأجل يومان فطردوا الحرس ، وكسروا أعواد
زمزم ودخلوا على ابن الحنفية ، فقالوا : خلّ بيننا وبين عدوّ الله ابن الزبير.
فقال لهم : اني لا استحل القتال في حرم
الله ، فقال ابن الزبير واعجباً لهذه الخشبية ينعون حسيناً ، ثم كأني قتلته ،
والله لو قدّرت على قتلته لقتلتهم ، وانّما قيل لهم خشبية لانهم وصلوا إلى مكة
وبايديهم الخشب كراهة اشهار السيوف في الحرم وقيل لانهم أخذوا الحطب الذي أعدّه
ابن الزبير وقال ابن الزبير : أيحسبون أني أخلى سبيلهم دون أن أبايع ويبايعون؟!
فقال أبو عبدالله الجدلي : أي وربّ
الكعبة والمقام وربّ الحلّ والحرام لتخلّ سبيلهم أو لنجادلنك بأسيافنا جدالا يرتاب
فيه المبطلون.
فقال ابن الزبير : هل أنتم والله الاّ
أكلة رأس لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتى تعطف رؤوسهم.
فقال له قيس بن مالك : أما والله اني
لأرجو اذا رمت ذلك ان يرسل إليك قبل أن ترى ما تحب.
فكف ابن الحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة ،
ثم قدم أبو المعتمر في مائة وهاني بن قيس في مائة وظبيان ابن عمّارة في مائتين ،
ومعه المال حتى دخلوا المسجد الحرام فكبروا وقالوا : « يا لثارات الحسين 7 » رآهم ابن الزبير وخافهم.
فخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب
علي وهم يسبون ابن الزبير ويستأذنون ابن الحنفية فيه ، فيأبى عليهم واجتمع مع محمد
في الشعب أربعة
آلاف رجل ، فقسّم
بينهم ذلك المال ثم ذكر مما يتعلق بهذه القصة أشياء كثيرة لم ننقلها اختصاراً .
قال ابن أبي الحديد : قال المسعودي :
وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبدالله في حصر بني هاشم في الشعب ، وجمعه الحطب
ليحرقهم ويقول انما أراد بذلك أن الاّ تنتشر الكلمة ، ولا يختلف المسلمون ، وأن
يدخلوا في الطاعة ، فتكون الكلمة واحدة ، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما
تأخروا عن بيعة أبي بكر ، فانه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار.
ولا ينبغي أن يفعل عما يفهم من هذا
الاعتذار فانه يدل على ان احضار عمر الحطب لاحراق بيت سيدّة النساء وأمير المؤمنين
صلوات الله عليهم كان أمراً مسلّماً مفروغاً عنه عند قدمائهم فلا يجدي انكار
متأخريهم طائلاً.
ويدل على أن جسارة ذلك الشقي على أهل
البيت أوجبت هذه الامور وأثمرت هذه العظائم ، وأنه لولم يجرأ أولاً ذاك الملعون
على ما فعل لما جرى على أهل البيت ماجرى.
اللهم العن أول من أسس أساس الظلم
والجور عليهم ، وآخر تابع له على ذلك.
ومما عيّب على ابن الزبير أنه قال :
لتنتهن عائشة عن بيع رباعها او لأحجرنّ عليها ، وكانت لا تمسك شيئاً مما يأتي في
يدها بل تتصدّق به. فنذرت عائشة ان لا يكلمه.
قال السيد السمهودي في « جواهر العقدين
» : فان في قوله ذلك جرأة عليها وتنقيصاً لقدرها بنسبتها إلى ارتكاب التبذير
الموجب لمنعها من التصرف مع كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها
في منزلته ، فرأت ذلك منه نوع عقوق فجعلت مجازاته ترك مكالمته.
وقال ابن حزم في المحلى في « كتاب الحجر
» : وأما الرواية عن ابن الزبير فطامة الأبد لا وما ندري كيف استحل مسلم أن يحتجّ
بخطيئة ووهلة وزلة كانت من ابن الزبير ، والله تعالى يغفر له اذ أراد مثله في كونه
من أصاغر الصحابة أن يحجر على مثل أم المؤمنين التي أثنى الله عليها أعظم الثناء
في بعض القرآن ، وهو لا يكاد ليجزي منها في الفضل عند الله تعالى ثم قال : ومعاذ
الله من هذا ومن أن تكون ام المؤمنين توصف بسفه وتستحق ان يحجر عليها نعوذ بالله
من هذا القول.
وأصل الرواية على ما ذكرها البخاري في
كتاب البرّ والصلة : أن عائشة حدّثت أن عبدالله بن الزبير قال : في بيع أو عطاء
أعطته عائشة : والله لتنتهين عائشة أو لاحجّرن عليها ، قالت : أهو قال هذا؟ قالوا
: نعم قالت ، : هو لله علي نذر أن لا أكلّم ابن الزبير أبداً فاستشفع ابن الزبير
إليها حين طالت الهجرة فقالت : لا والله لا أشفع فيه أحداً ولا أتحنّث إلى نذري
فلما طال ذلك على ابن الزبير كلّم المسور بن المخرمة وعبد الرحمن بن الاسود ابن
عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فانها لا
تحل لها أن تنذر قطيعتي فاقبل به المسور وعبدالرحمن مشتملين بارديتهما حتى استأذنا
على
عائشة فقالا : السلام
عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ فقالت عائشة : أدخلوا ، قالوا كلّنا؟ قالت : نعم
أدخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير ، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب
فاعشق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبدالرحمن يناشدانها إلاّ ما كلّمت
وقبلت منه ، ويقولان ان النبي 6
قد نهى عما عملت من الهجرة وانه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، فلما
أكثروا على عائشة من التذكرة والتجريح ، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول اني نذرت والنذر
شديد فلم يزالا حتى كلّمت ابن الزبير واعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر
نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبلّ دموعها خمارها .
ولابن الزبير شنائع كثيرة غير ما قدمنا
وفيما ذكرناه كفاية.
عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري
وهو وان بالغ القوم في ثنائه ومدحه
وتوثيقه والاطراء عليه ، لكن يعلم بأدنى تتبع أنه أيضاً من المنافقين ، الأشرار والملعونين بلسان 6 ووصيه
سيد الابرار ، ومن
المبغوضين ، المنحرفين عن أهل البيت الأطهار صلى الله عليه وعليهم ، ما تعاقبت
الادوار ، ونصّ رسول الله 6
ضلالته واضلاله ، ذكر محدثهم النحرير ابن عساكر الذي اثنى عليه ابن خلكان ،
واليافعي في تاريخه عن أبي يحيى حكيم ، قال : كنت جالساً مع عمّار فجاءه أبو موسى
فقال : ما لي ولك ألست أخاك؟ قال : ما أدري ولكن سمعت رسول الله 6 يلعنك ليلة الجمل قاله : انه قد استغفر
لي قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار .
وهذا الحديث وان حكم ابن عدي وابن
الجوزي بوضعه ونسبا الوضع إلى بعض رواته لكن ردّ عليهم علاّمتهم المحض السيوطي في
اللآلي المصنوعة قال :
قال ابن عدي : حدّثنا أحمد بن الحسين
الصوفي ، ثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، ثنا حسين الاشقر ، عن قيس بن الربيع عن
، عمران بن ظبيان ، عن حكيم بن يحيى قال : كنت جالساً مع عمّار ... الخ ، قال :
قال ابن عدي : والبلاء من العطار لا من حسين ، قلت : العطار وثقه الخطيب في تاريخه
.
وفي لسان الميزان قال الخطيب : قال محمد
بن منصور : كان ـ يعني العطار ـ ثقة ، مأموناً حسن العقل .
ثم لا يخفى ان كثيراً من علماء العامة
صرحوا ، بان لعن الكافر أيضاً غير
جائز ، حتى يثبت
موته على الكفر ، فيتضح حينئذ حال أبي موسى غاية الوضوح ، وذكر ابن أبي الحديد في
مواضع من شرحه أن أمير المؤمنين 7
يلعن أبا موسى في قنوت صلاته وفي كنز العمال ، وهو من الكتب التي عليها غاية
اعتمادهم واستنادهم :
عن عبدالرحمن ابن معقل قال : صليت مع
علي صلاة الغداة فقنت فقال : في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه وعمرو بن العاص
وأشياعه وعبدالله بن قيس وأشياعه.
وروى جماعة منهم البيهقي عن علي 7 قال : قال رسول الله 6 ان بني اسرائيل اختلفوا فلم يزل
اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلاّ وأضلاّ ، وأن هذه الامة مختلفة فلا يزال
اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلاّ وضلّ من اتبعهما.
وقال سبط ابن الجوزي : قال الشعبي : لما
فصّل الحكمان من دومة الجندل عزم علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه على
قتالهم ، فقام خطيباً وقال : أيها الناس قد كنت أمرتكم بأمر في هذه الحكومة
فخالفتموني وعصيتموني ، ولعمري ان المعصية تورث الندم ، فكنت أنا وأنتم كما قال
أخو هوازن :
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى
|
|
فلم يستبينوا الرشد الاّ ضحى الغد
|
ألا ان هذين الحكمين ، قد نبذا كتاب
الله وراء ظهورهما ، فأماتا ما أحيى القرآن ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل
واحد منهما هواه بغير هدى من الله ،
فحكما بغير بينة ولا
سنة ماضية ، وكلاهما لم يرشدا فبرئا من الله ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدوا
الجهاد .
وذكر هذه الخطبة أيضاً ابن الصباغ من
علماء القوم في « الفصول المهمة » وقال محدّثهم الحاوي للمحاسن والمفاخر ابن عبد
البر في « الاستيعاب » ، في ترجمة أبي موسى الاشعري في الكنى :
ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة
عثمان ، ثم لما دفع أهل الكوفة حتى قتل عثمان ثم كان منه بصفّين.
وفي التحكيم ما كان ، وكان منحرفاً عن
علي لانه عزله ولم يستعمله ، وغلبه أهل اليمن في إرساله التحكيم.
وقال في باب الأسماء في ترجمة عبدالله
بن قيس : وولاّه عمر على البصرة في حين عزل المغيرة عنها ، فلم يزل عليها إلى صدر
من خلافة عثمان ، فعزله عثمان عنها وولاه عبدالله بن عامر بن كريز ، فنزل أبو موسى
حينئذ الكوفة وسكنها ، فلمّا رفع أهل الكوفة سعيد بن العاص ، ولّوا أبا موسى
وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقرّه عثمان على الكوفة ، إلى أن مات.
وعزله علي عنها ، فلم يزل واجداً على
علي 7 ، حتى جاء
منه ما قال حذيفة ، فقد روى فيه الحذيفة كلام كرهت ذكره ، والله يغفر له ثم كان من
أمره يوم الحكمين ما كان .
والذي طوى ذكره من كلام حذيفة ، فقد
ذكره غيره ، وهو أنه وصف
بعض الناس عند حذيفة
أبا موسى بالدين ، فقال حذيفة : أما أنتم فتقولون ذلك ، وأما أنا فاشهد أنه عدوّ
لله ولرسوله ، وحرب لهما في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، ويوم لا ينفع
الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
وهذا الكلام وان أخفاه وستره وتأنف عن
ذكره صاحب الاستيعاب ، الاّ أنه يكفي في المقام ما صرّح به من انحراف أبي موسى عن
علي 7 ، وحديث ما
كنا نعرف المنافقين الاّ ببغضهم علي بن ابي طالب ، في غاية الإشتهار ، وقد أورده
في ترجمته 7.
وذكر ابن حجر في فتح الباري ، في شرح ما
رواه البخاري من أن علياً بعث عماراً والحسن الى الكوفة ليستنفروا ويستنهضا الناس.
وان أبا موسى أخذ في تخذيل الناس عن
النهوض ناقلاً عن عمر ابن شبه ، والطبراني ، بسندهما إلى ابن أبي ليلى ، وذكر
عبدالله ابن مسلم ابن قتيبة الدينوري في كتاب الامامة والسياسة ما لفظه :
وذكروا أن علياً لما نزل قريباً من
الكوفة بعث عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الاشعري ، وكان أبو موسى
عاملاً لعثمان على الكوفة فبعثهما علي إليه وإلى أهل الكوفة يستنصرهم.
فلما قدما عليه قام عمّار بن ياسر ومحمد
بن أبي بكر ، فدعوا الناس إلى نصرة علي 7
فلما أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى ، فقالوا : ترى الخروج مع هذين
الرجلين إلى صاحبهما أم لا؟
قال أبو موسى : أما سبيل الآخرة ففي ان
تلزموا بيوتكم ؛ وأما سبيل
الدنيا وسبيل النار
فالخروج مع من أتاكم فاطاعوه ؛ فتباطأ الناس على علي 7
، وبلغ عمّاراً ومحمداً ما أشار به أبو موسى على أولئك فأتياه فأغلظا له في القول.
فقال أبو موسى : والله ان تبعة عثمان في
عنقي وعنق صاحبكما ; ولئن أرادنا للقتال ما لنا إلى قتال أحد من سبيل حتى نفرغ من
قتلة عثمان ، ثم خرج أبو موسى وصعد المنبر ثم قال : أيها الناس ان أصحاب رسول الله
6 الذين صحبوه
في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممن لم يصحبه ، وان لكم حقّاً عليَّ أؤدّيه إليكم ،
ان هذه الفتنة ، النائم فيها خير من اليقظان ، والقائم فيها خير من الساعي والساعي
خير من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتى تخلى هذه الفتنة.
أبو موسى كان مخالفاً لعلي بن أبي طالب
وروى الحاكم في المستدرك عن الشعبي قال
: لما قتل عثمان وبويع لعلي رضي الله عنه ، خطب أبو موسى وهو على الكوفة : فنهى
الناس عن القتال والدخول في الفتنة.
فعزله علي عن الكوفة من ذي قار وبعث
إليه عمّار بن ياسر والحسن بن علي فعزلاه .
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة : قال
سيف بن عمر : لما خرج علي من المدينة ، وذلك في آخر شهر ربيع الاخر سنة ستّ
وثلاثين ، كتب إلى أهل الكوفة يستنفرهم وكان أبو موسى الاشعري والياً عليها.
فجاء الناس يستشيرونه في الخروج فقال
أبو موسى : ان أردتم الدنيا فاخرجوا وان أردتم الاخرة فاقيموا.
وبلغ علياً قوله فكتب إليه : اعتزل عن
عملنا مذموماً مدحوراً يابن الحائك فهذا أول يومنا منك.
قال : وذكر المسعودي في مروج الذهب أن
علياً كتب إلى أبي موسى انعزل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً فان لم تفعل فقد أمرت
من يقطعك ارباً ارباً يابن الحائك ما هذا أول هناتك وان لك لهنات وهنات ، ثم بعث
علي الحسن وعمّاراً إلى الكوفة فالتقاهما أبو موسى ، فقال له الحسن لم ثبطّت القوم
عنّا فوالله ما أردنا الاّ الاصلاح.
فقال : صدّقت ولكني سمعت رسول الله 6 يقول : ستكون فتنة يكون القاعد فيها
خيراً من القائم والماشي خيراً من الراكب فغضب عمّار وسبّه.
وروى البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي
وائل قال : دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة
يستنفرهم ، فقالا : ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من اسراعك في هذا الأمر منذ
أسلمت.
فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما
أمراً أكره عندي من ابطائكما عن هذا الأمر ، وكساهما حلّة ، حلّة ، ثم راحوا إلى
المسجد .
وروى أيضاً بسند آخر عن شقيق ابن سلمة قال : كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى
وعمّار ، فقال أبومسعود : ما من أصحابك أحد الاّ لو شئت لقلت فيه غيرك ، وما رأيت
منك شيئاً منذ صحبت النبي 6
أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر ، فقال عمّار : يا أبا مسعود! وما رأيت منك
ولا من صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي 6
أعيب عندي من أبطائكم في هذا الأمر ، فقال أبو مسعود : وكان
مؤسراً يا غلام هات
حلّتين ، فاعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمّاراً ، وقال روحا فيه إلى الجمعة .
وبالجملة فقد تواتر عن أبي موسى انحرافه
عن أميرالمؤمنين وبغضه له وتخذيل الناس عنه ، والحكم بان القتال معه دخول في
الفتنة المنهية ، وذمّ أميرالمؤمنين 7
له وبغض ماذكر كاف في الدلالة على شقاوته وضلالته عن النهج القويم وانحرافه عن
الصراط المستقيم سيّما اذا لوحظت الأخبار الواردة من طرقهم في فضائله 7 ، وأنه مع الحق والحق معه ، وان مواليه
موالي الله ، ومبغضه مبغض لله ورسوله ، وما ورد في خصوص محارباته من الأحاديث
النبوية.
ومن طريف الأمر ان أبا موسى كان يعلم
ذلك كله ويشهد به ووقع منه ما وقع ، فقد روى ابن مردويه على ما في مفتاح النجاة عن
أبي موسى أنه قال : أشهد أن الحق مع علي ، ولكن مالت الدنيا باهلها ولقد سمعت رسول
الله 6 يقول له : «
يا علي أنت مع الحق والحق بعدي معك ».
وروى الحاكم في المستدرك عن عتاب بن
ثعلبة ، قال حدثني أبو أيوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمر رسول الله 6 علي بن أبي طالب 7 بقتال الناكثين ، والقاسطين ،
والمارقين ، بالطرافات والنهروانات وبالسعفات قلت : يا رسول الله 6 مع من نقاتل من هؤلاء الأقوام؟ قال :
مع علي بن أبي طالب .
وفي كنز العمال عن ابن مسعود ، قال خرج
رسول الله 6 فاتى منزل
أم سلمة فجاء علي 7
فقال رسول الله : 6
يا أم سلمة هذا والله قاتل القاسطين ، والناكثين ، والمارقين ، من بعدي .
وروى أيضاً ، عن زيد بن علي بن الحسين
بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي قال : أمرني رسول الله 6 بقتال عساكر الناكثين ، والمارقين ، والقاسطين.
ثم ان حديث خاصف النعل من الأحاديث
المستفيضة التي أوردها جماعة لا تحصى في كتبهم ، كالحاكم في المستدرك ، والنسائي
في الخصائص وابن أبي شيبة في المصنّف ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وأبويعلى في
مسنده وابن حبان في صحيحه ، وأبو نعيم في الحلية ، والضياء المقدسي في المختارة
والذهبي في المعجم المختصر ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، وذخائر العقبى وابن
مندة في كتاب الصحابة ، وابن الاثير في أسد الغابة ، والسيوطي في جمع الجوامع ،
وعلي المتقي في كنز العمال ، وغيرهم في غيرها ، ولنكتف بعبارة بعضهم :
روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد قال
: كنا مع رسول الله 6
فانقطعت نعله فتخلّف علي يصلحها فمشى قليلاً ثم قال : ان منكم من يقاتل على تأويل
القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم أبوبكر وعمر قال أبوبكر :
أنا هو؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو؟ قال : لا ، ولكن خاصف
النعل يعني علياً
فاتياه فبشراه فلم يرفع رأسه كأنه قد سمعه من رسول الله 6 ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه .
وفي كنز العمال ومسند أبي يعلى : كنا
جلوساً في المسجد فخرج رسول الله 6
فجلس الينا وكأن على رؤوسنا الطير لا يتكلّم منّا أحد ، فقال : ان منكم رجلاً
يقاتل على تأويل القرآن كما قوتلتم على تنزيله فقام أبوبكر فقال : أنا هو يا رسول
الله 6؟ قال : لا
ولكنه خاصف النعل في الحجرة ، فخرج علينا علي 7
ومعه نعل رسول الله 6
يصلح منها ، ش ، حم ، ع ، حب ، ك ، حل ، ض .
وبالجملة فالمطلب من الوضوح بحيث لا
يحتاج إلى اكثار الشواهد عليه.
واذا لم يعتد أبو موسى بمدح النبي 6 لحروبه وغزواته 7 بل أمره به فياليته اعتد واعتنى بما
صدر عن شيخيه من التمني والشعف والغرام على أن يكون مصدرين لهذه الحروب.
ومن عجيب الامر أن رواية الفتنة التي
قرئها على المنبر وخذل الناس بها عن النهوض انما وردت في حقه ، وقد صرف الكلام عن
موضعه على مايظهر من كنز العمال ، حيث روى عن أبي مريم.
قال : سمعت عمّار بن ياسر يقول : يا أبا
موسى أنشدك الله ألم تسمع
رسول الله 6 يقول : « من كذّب عليَّ متعمداً
فليتبوّأ مقعده من النار » ، وأنا سائلك عن حديث فان صدقت والاّ بعثت عليك من
أصحاب رسول الله 6
من يقررك به! أنشدك الله أليس انما عناك رسول الله 6
ما أنت نفسك؟
فقال أنها ستكون فتنة بين أمتي أنت يا
أبا موسى فيها ، نائماً خير منك قاعداً وقاعداً خير منك ماشياً ، فخصّك رسول الله 6 ولم يعم الناس ، فخرج أبو موسى ولم يرد
فيها شيئاً .
ومن أعظم الشواهد وأقوى الدلائل على
ضلاله ونفاقه وعناده وشقاقه ما صدر منه في قضية التحكيم حيث رأى عبدالله بن عمر بن
الخطاب الذي مرّ شطر من فضائحه وقبائحه أهلاً للخلافة وخلع أمير المؤمنين 7 عن الامامة وبلغ الغاية القصوى من
الضلالة والجهالة والخباثة والعداوة والشقاوة والخسارة والجسارة ، وتفصيل القضية
مذكور في كثير من كتبهم ، منها كتاب سبط ابن الجوزي والفصول المهمة وروضة الاحباب
وشرح النهج وغيرها فراجع.
ومن طريف الامر أن عمرو بن العاص الداعي
إلى النار شبّه أبا موسى بالحمار الحامل للاسفار فاعقب الحمار بذلك العار والشنار.
وقال عبدالله بن قتيبة في كتاب الامامة
والسياسة : ثم قام عمرو فقال : أيها الناس هذا أبو موسى شيخ المسلمين وحكم أهل
العراق ، ومن لايبيع الدين بالدينار ، وقد خلع علياً وأثبت معاوية ، فقال أبو موسى
: ما لك عليك لعنة الله ما أنت الاّ كمثل الكلب تلهث ، قال عمرو : لكنك مثل الحمار
يحمل الاسفار واختلط الناس وهذه القضية بعينها مذكورة في الفصول المهمة وروضة
الاحباب وتذكرة سبط
ابن الجوزي ، ورسالة رفع الإلتباس في ضرب المثل من القرآن ، والإقتباس للسيوطي
فراجع.
ويظهر من هذه الترجمة شطر من فضائح عمرو
بن العاص أيضاً ، وقد سبق في تضاعيف الكتاب بعضها ، ولذا أطوي عن التعرض له بترجمة
مستقلة ، وان كان ببالي سابقاً.
وفي التذكرة لسبط ابن الجوزي أيضاً ،
أنه كان علي اذا صلى الغداة ، قنت ودعى ولعن معاوية ، وعمرواً ، وأبا الاعور
السلمي ، وحبيباً ، وعبد الرحمن بن الخالد ، والضحاك ابن قيس ، والوليد بن عقبة .
وفيها أيضاً : أن علياً 7 قال له يا ابن النابغة : متى لم تكن
للفاسقين ولياً وللمسلمين عدواً هل تشبه الا أمك التي دفعت بك؟
فقام عمرو وقال : لا يجمع بيني وبينك
مجلس بعد اليوم ، فقال علي : ان الله قد طهر مجلسي منك ومن أشباهك .
وفيها أيضاً : ان ابن عباس قال لأبي
موسى : قبحك الله يابن قيس ، لقد حذّرتك غدرة الفاسق الخبيث فابيت؟
فقال أبو موسى : ظننت انه ينصح الأُمة ،
وما ظننت أنه يبيع الاخرة بالدنيا
، وقد ثبت ضلالته واضلاله بنص النبوي المتقدم انفاً حيث قال في وصف الحكمين أنهما
ضلاّ وأضلاّ.
وروى امامهم الحافظ الثقة أبو يعلى
الموصلي في الذي يعرف شطر من محامده ومحاسنه من الرجوع إلى كتاب الثقات لابن حبان
، وتاريخ الحاكم ، وأنساب السمعاني وتذكرة الذهبي ، و « مفتاح كنز الدراية »
وغيرها في مسنده بسنده المتصل عن أبي برزة قال : كنا مع النبي 6 فسمع صوت غناء فقال : انظروا ما هذا؟
فنظرت فاذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنّيان ، فجئت فأخبرت النبي 6 فقال : الّلهم اركسهم في الفتنة ركساً
اللهم دعهما النار دعّاً .
وروى هذا الحديث امام مذهبهم أحمد بن
حنبل أيضاً في مسنده الذي ستسمع شطراً مما أثنوا عليه ، وقالوا في صحته والاعتماد
عليه وأنه الأصل في معرفة الصحيح من السقيم.
ورواه أيضاً امامهم العلامة بقية الحفاظ
أبو القاسم الطبراني في معجم الكبير بسنده المتصل عن ابن عباس قال : سمع النبي 6 صوت الرجلين يتغنّيان وهما يقولان :
ولايزال حواري يلوح حطامه
|
|
ذوى الحرب عنه ان يجن فيقبرا
|
فسأل عنهما فقيل له معاوية وعمرو بن
العاص ، فقال : اللهم اركسهما في الفتنة ركساً ودعهما إلى النار دعّاً .
وقبائح عمرو بن العاص لاتخفى على من له
أدنى تتبع في الكتب ، ولا تفي هذه الرسالة باحصائها.
والعجب ان القوم رووا عن النبي 6 أنه صلّى عليه ، ففي الرياض النضرة
لمحب الدين الطبري : أن رسول الله 6
قال : اللهم صلّ على أبي بكر فانه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صلّ على عمر فانه يحبك
ويحب رسولك ، اللهم صلّ على عثمان فانه يحبك ويحب رسولك ، اللهم صلّ على أبي عبيدة
ابن الجراح فانه يحبك ويحب رسولك اللهم صلّ على عمرو بن العاص فانه يحبك ويحب
رسولك أخرجه الخلعي .
فلينظر العاقل إلى هؤلاء الضالين
المعاندين كيف لا يصلون على أمير المؤمنين وآله الطاهرين مع اعترافهم بقضاء الأدلة
على جوازها ، ورجحانها ، وكيف تركوا ذكر أمير المؤمنين 7 في هذا الرواية؟! وان لم يتركوه إلاّ
تعصباً ونصباً ، لكن نعم ما فعلوا ، حيث لم يقرنوا اسمه الشريف بهذه الأسامي
الميشومة الملعونة ، وكيف يروون في حقّ مثل هذا الشقي الملحد ان النبي صلّى عليه؟
وشنع بعض متأخريهم غاية التشنيع ، على
ما رواه الكشي ، وأورده القاضي في « مجالس المؤمنين » : من أنه ذُكر محمد بن أبي
بكر عند الإمام الصادق صلوات الله عليه فقال 7
: رحمه الله وصلّى عليه.
ومن الطريف ان المخاطب الظريف لما سمع
رواية الصلوات على محمد بن أبي بكر الذي كان ذا سداد ، ورشاد ، وصاحب نسك وعبادة ،
واجتهاد ، ولد في زمان النبي 6
وأثنى عليه الوصي ، وحزنت بجليل رزئه أم المؤمنين ، ودعت على قاتله اللعين ، حاد
عنها وشغب عليها ، فورم أنفه وشخب وجهه والتاع قلبه
وتحارزت عيونه ،
وانتفخت أوداجه ، ونظر شزار ، واستشاط غيظاً ، وضاق ذرعاً ولم يعلم أن أئمته
وشيوخه يردون الصلوة على من دعى عليه النبي 6.
وذكر عماد الدين أبو الفداء اسماعيل في
كتابه المسمى بالمختصر من أخبار البشر : انه لما بلغ عائشة قتل أخيها محمد جزعت
عليه وقنتت في دبر كلّ صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص .
وروى الحاكم في المستدرك حديثاً صحيحاً
يتضمن لعن عائشة على عمرو بن العاص!
فاخرج بسنده عن مسروق أنه ذكر عند عائشة
أن علياً قتل ذا الثدية فقالت لي : اذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناساً ممن شهد
ذلك ممن تعرف من أهل البلد فلما قدمت وجدت الناس أشياعاً.
فكتبت لها من كلّ شيع عشرة ممن شهد ذلك
، قال : فأتيتها بشهادتهم ، فقالت : لعن الله عمرو بن العاص فانه زعم لي انه قتله
بمصر ، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وفي كثير من الكتب أنه يؤلّب على عثمان
ويفسد الأمر عليه ، ذكر صاحب الاستيعاب في ترجمة عبداللّه بن أبي سرح انه لما
ولاّه ايّاه يعني مصراً عثمان وعزل عنها عمرو بن العاص يطعن على عثمان ويؤلّب عليه
ويسعى في فساد أمره ، فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال : اني اذا
نكأت قرحة أدميتها أو نحو ذلك.
وذكر ترجمة محمد بن أبي حذيفة ، أنه كان
محمد بن أبي حذيفة أشدّ الناس تأليباً على عثمان وكذلك كان عمرو بن العاص منذ عزله
عن مصر يعمل حيلته بالتاليب والطعن على عثمان.
وذكر في ترجمته أيضاً نحو ذلك ، وأورد
نحوه السيوطي في « حسن المحاضرة » وابن ظهير في « الفضائل الباهرة ».
ومسألة خبث ولادته معروفة في كثير من
الكتب ، منها : « انسان العيون في سيرة الامين والمأمون » ، ومنها : كتاب «
المستطرف » ، ومنها : « تذكرة سبط ابن الجوزي » ومحصلها أن أمه كانت بغيّاً عند
عبدالله ابن صدعان فوطئها في طهر واحد أبو لهب وأمية بن سلف وأبو سفيان بن حرب
والعاص بن الوائل وادعي كلّهم عمرو ، فالحقته أمه بالعاص وقيل لها : لم اخترت
العاص؟ فقالت : لانه كان ينفق على بناتي.
ويعجبني ما أورده عالمهم المحدث ابن
الشحنة الجلبي في كتاب روض المناظر قال في سنة ستين مات معاوية ، وكان عمره خمساً
وسبعين سنة ، وكان يغلب حلمه على ظلمه ، وكان داهية ، يحسن سياسة الملك.
دخلت عليه أروى بنت الحارث بن عبد
المطلب فقال لها : مرحباً بك يا خالة كيف حالك؟ فقالت : بخير يابن أختي لقد كفرت
النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك ، وكنا أهل البيت
أعظم الناس في هذا الدين بلاء ، حتى قبض الله نبيّه 6
مشكوراً سعيه ، مرفوعاً منزلته ، فوثبت علينا بعده تميم وعدي وأمية ، فابتزونا
حقّنا ، وليتم علينا ، فكنا فيكم بمنزلة بني اسرائيل في آل فرعون ، وكان
علـي بـن أبـي طالـب
بعـد نـبينا بمنزلـة هارون من موسى.
فقال لها عمرو بن العاص : كفي أيتها
العجوز الضالة ، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك ، فقالت : وأنت يا ابن النابغة ، تتكلّم وأمك كانت أشهر بغي بمكة ،
وأرخصهن أجرة ، فادعاك خمسة من قريش ، كلٌّ يقول هو لي ، فسُئلتْ أمك عن ذلك ،
فقالت : كلّهم أتاني فانظروا أيهم أقرب شبهاً به وكان أقربهم شبهاً بك العاص بن
وائل فألحقوك به.
فقال لها معاوية عفى الله عمّا سلف ،
هاتي حاجتك ، فقالت : أريد ألفي دينار اشتري بها فوارة في أرض خوارة تكون لفقراء
بني الحارث بن عبدالمطلب ، وألفي دينار أخرى أزوّج بها فقراء بني الحارث ، وألفي
دينار أخرى ، أستعين بها على شدّة الزمان ، فأعطاه ستة آلاف دينار وانصرفت ، وذكر هذه الحكاية أيضاً بعينها أبو
الفداء اسماعيل في المختصر .
وبالجملة فمطاعن هذا الشقي كثيرة لا
يمكن استيفاؤها ويكفيه ما وقع منه في مقاتلته لنفس رسول الله 6 ، ومن حربه حربه ، وسلمه سلمه ، وما
تواتر منه من معاداته أولياء الله وموالاته أعداء الله ، وكونه من القاسطين ومن
الفئة الباغية بنصّ النبوي المتواتر بين الفريقين في حق عمّار وغير ذلك.
ومما يقضي منه العجب أن جماعة من
أساطينهم وأعيانهم رووا في حقّ هذا الملحد الكافر الملعون أحاديث عن النبي 6 مما تدلّ على صلاحه
وفضله : كأحمد بن
حنبل ، والترمذي ، وابن عساكر ، والطبراني ، وأبو يعلى ، والبيهقي ، والحاكم وابن
سعد ، وغيرهم ، مضافاً إلى ما مرَّ من صلوة النبي عليه كما يعلم من المراجعة إلى «
جمع الجوامع » ، و « كنز العمال » روى في الأخير : عمرو بن العاص من صالحي قريش .
والترمذي عن طلحة : أسلم الناس وآمن
عمرو بن العاص .
وفي مسند أحمد والترمذي عن عقبة بن عامر
الاكمال : نعم أهل البيت عبدالله وأبوعبدالله وأم عبدالله ابن عمرو بن العاص .
وابن عساكر عن عمرو بن دينار عن جابر ان
النبي 6 دخل على
عمرو بن العاص فقال : أن عمرو بن العاص لرشيد الأمر وعن طلحة بن عبيدالله ان عمرو بن العاص
لمن صالحي قريش ونعم أهل البيت عبدالله وأبو عبدالله : أحمد بن حنبل وابن عدي عن
جابر يا عمرو انك لذي رأي رشيد في الاسلام.
أبو هريرة الدوسي
الذي ملأوا كتبهم وطواميرهم من رواياته
وقد سبق نقلاً عن ابن أبي الحديد المعتزلي أن معاوية بذل له مالاً ليفتري على أمير
المؤمنين صلوات الله عليه حديثاً يدل على ذمّه ففعل.
ويعلم من كثير من كتب القوم أنه كان
معروفاً بالتساهل في الرواية والوضع والاختلاق ، روى الحميدي في الجمع بين
الصحيحين في مسند عبدالله بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة : من المتفق
عليه أي مما اتفق البخاري ومسلم على روايته ، أن رسول الله 6 أمر بقتل الكلاب الاّ كلب صيد أو كلب
غنم أو ماشية ، فقيل لابن عمر : أن أبا هريرة يقول : أو كلب زرع ، فقال ابن عمر :
ان لأبي هريرة زرعاً .
وروى في الحديث السادس والستين بعد
المائة ، في مسند أبي هريرة : من المتفق عليه أيضاً عن أبي رزين قال : خرج الينا
أبوهريرة فضرب يده على جبهته وقال : ألا انكم تحدّثون عليَّ أنّي أكذب على رسول الله 6 لتهتدوا وأضلّ ، الحديث.
وروى في الحديث الستين بعد المأة : من
المتفق عليه في مسند أبي هريرة يروي عن النبي 6
: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.
فقال ابن عمر : قد أكثر علينا أبو هريرة
.
وقال علي القاري من أجلاء علمائهم
ونحارير محققيهم وفضلائهم في المرقاة شرح المشكاة : وعنه أي عن أبي هريرة قال :
إنَّكم ـ أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين ـ تقولون أكثر أبو
هريرة أي الرواية عن
النبي 6 والله الموعد ، أي موعدنا فيظهر عنده
صدق الصادق وكذب الكاذب لأن الاسرار تنكشف هنالك.
وقال الطيبي : أي لقاء الله الموعد ، أي
موعدنا ، يعنى به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد أو أنقص لاسيّما على رسول
الله 6 إلى ما ذكر.
وفي المفاتيح للخلخالي ، شرح المصابيح
أيضاً مايقرب مما ذكر.
وقال عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتاب
الردّ على من قال بتناقض الحديث : ما يدل على أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وعمر وعثمان وعائشة كانوا يكذبون أبا هريرة واعتذر عنه بما لا يجدي ، قال : فأما
طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة ، فإن أبا هريرة صحب رسول الله 6 نحواً من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه
، وعمر بعده نحواً من خمسين سنة ، وكانت وفاته تسع وخمسين ، وفيها توفيت أم سلمة
زوجة النبي 6 ، وتوفيت
عائشة قبلها بسنة ، فلما أتى من الرواية عنه ، بما لم يأت بمثله من صحبه من أجلة
أصحابه والسابقين الأولين إليه اتّهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك
ومن سمعه معك وكانت عائشة أشدّهم انكاراً عليه ، حتى تطاولت الأيّام بها وبه وكان
عمر شديداً على من أكثر الرواية.
وروى الطبراني في المعجم الاوسط ان أبا
هريرة روى أن رسول الله 6
قال : من لم يوتر فلا صلاة له ، فقالت : ومن سمع هذا من أبي القاسم ما بعد العهد
وما نسينا ، إنّما قال أبو القاسم : من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة ، حافظاً
على وضوئها ومواقيتها ، وركوعها ، وسجودها ، لم ينتقص منه شيئاً كان
له عهد أن لا يعذبه
، ومن جاء وقد انتقص منهن شيئاً فليس له عهد عند الله ان شاء رحمه وان شاء عذّبه.
وروى شمس الأئمة في كتاب الاصول : أنه
لما سمعت ـ أي عائشة ـ أبا هريرة يروى أن ولد الزنا شرّ الثلاثة ، قالت : كيف يصح
هذا!؟ وقد قال الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر
أخرى .
وفي كنز العمال عن ميمون بن مهران أنه
شهد ابن عمر صلّى على ولد الزنا ، فقيل له : أن أبا هريرة لم يصل عليه ، وقال : هو
شرّ الثلاثة ، فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة.
وروى أيضاً بعد الرواية السابقة ، أن
عائشة قالت : لابن أختها ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل أي أبي هريرة؟ ورسول
الله 6 حدّث
بأحاديث لو عدّها عاد لأحصاها.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي أن أبا
هريرة روى أن رسول الله 6
قال : « لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً » .
وروى الحافظ أبوزرعة العراقي في كتاب
شرح الاحكام عن ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ان
عائشة كانت تمشي في خفّ واحد وتقول لاخيفنّ أبا هريرة قال واسناده صحيح.
وروى أيضاً في كتاب المذكور أنه روى ابن
عبد البر في « التمهيد » عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرت أبا هريرة يحدّث عن
النبي 6 أنه قال
الشوم في الثلاث : الفرس ، والمرأة والدار ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في
الارض ، ثم قالت : كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم من حدث عنه بهذا؟ ولكن
رسول الله 6 كان يقول :
كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في المرأة والدار والدابة ، ثم قرأت عائشة : ( ما أصاب
من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إنَّ ذلك على الله
يسير )
.
وذكر ابن الاثير في النهاية : ومنه حديث
عائشة : « فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض » هو مبالغة في الغضب والغيظ . وأورد هذا الحديث بعينه وبتمامه
عبدالله بن قتيبة في كتاب الردّ على من قال بتناقض الحديث أيضاً.
ورواه أيضاً أحمد بن حنبل وابن خزيمة
والحاكم قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من
طريق قتادة عن أبي حسان ، أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : أن
أباهريرة قال : ان رسول الله 6
قال : الطيرة في الفرس ، والمرأة ، والدار ، فغضبت غضباً شديداً وقالت : ما قاله؟
وانما قال : ان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك .
وفي كتاب الاصول للسرخسيّ أنه لما بلغ
عمر أن أبا هريرة يروي بعض مالا يعرف ، قال : لتكفن عن هذا أو لالحقنك بجبال دوس .
وفي كنز العمال عن السائب بن يزيد ، قال
سمعت عمر بن الخطاب ، يقول لابي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول الله 6 أو لألحقنّك بأرض دوس وقال لكعب
لتتركنّ الحديث أو لألحقنّك بأرض القردة .
وذكر علاّمتهم الزمخشري في الفائق : أن
أبا هريرة استعمله عمر على البحرين فلما قدّم عليه قال : يا عدوّ الله وعدوّ رسوله
سرقت من مال الله فقال : لست بعدوّ الله ولا عدوّ رسوله ، ولكني عدوّ من عاداهما
وما سرقت ، ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها في بيت
المال ثم دعاه إلى العمل فابى.
فقال عمر : فان يوسف قد سئل العمل ،
فقال : ان يوسف مني بريءٌ وأنا منه برآء وأخاف ثلثا واثنتين ، قال : أفلا تقول
خمساً؟ قال : أخاف أن أقول بغير حكم واقضى بغير علم ، وأخاف أن يضرب ظهري ويشتم
عرضي ويؤخذ مالي.
البراء : البري المراد بالبرائة بعده
عنه في المقايسة لقوة يوسف على الاستقلال باعباء الولاية وضعفه عنه ، وأراد
بالثلاث والاثنتين : الخلال المذكورة وانما جعلها قسمين لكون الثنتين وبالاً عليه
في الآخرة والثلاث بلاء أو ضرراً في الدنيا.
ويظهر من رسالة الفخر الرازي في تفضيل
الشافعي ، أن الحنفية كانوا
يطعنون في أبي هريرة
، قال : وأما أصحاب الرأي فان أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب ، فتارة يرجحون
القياس على الخبر ، وتارة بالعكس.
أما الأول : فهو أن مذهبنا ، أن التصرية
سبب مثبت للرَّد ، وعندهم ليس كذلك ، ودليلنا : ما أخرج في الصحيحين عن أبي هريرة
، أن النبي 6 قال : لا
تصرّوا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ، فإنه يخيّر النظرين بعد أن يحلبها ثلاثاً
ان رضيها أمسكها وان سخطها ردّها ، وردّ معها وصاعاً من تمر .
واعلم أن الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا
الخبر تأويلاً البتة بسبب ، أنه مفسر في محل الخلاف ، اضطروا إلى أن يطعنوا في أبي
هريرة ، وقالوا : انه كان متساهلاً في الرواية ، وما كان فقيهاً ، والقياس على
خلاف هذا الخبر ، لأنه يقتضي تقدير خيار العيب بالثلاث ، ويقتضي تقويم اللبن بصاع
من تمر من غير زيادة ولا نقصان ، ويقتضي اثبات عوض في مقابلة لبن حادث بعد العقد ،
فهذه الاحكام مخالفة للاصول فوجب ردّ ذلك الخبر لأجل القياس.
وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب
البيوع : أنه قال الحنابلة : واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة باعذار شتى ،
فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ، ولم يكن كابن مسعود وغيره من
فقهاء الصحابة ، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجليّ .
أبوحنيفة يطعن على أبي هريرة
وذكر الزندويستي وهو من أجلّة علماء الحنفية وأعاظم
مشايخهم وأثنى عليه الكفوي في « كتائب الاعلام الاخيار » في كتابه المسمى بـ «
روضة العلماء » روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل ، فقيل له : اذا قلت قولاً
وكان كتاب الله يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بكتاب الله ، فقيل : اذا كان خبر
الرسول يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بخبر الرسول ، فقيل : اذا كان قول الصحابي
يخالف قولك؟ قال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : اذا كان قول التابعين يخالف
قولك؟ قال : اذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل ، ثم قال : أترك قولي بجميع قول
الصحابة الاّ ثلاثة منهم : أبوهريرة ، وأنس بن مالك ، وسمرة بن جندب.
قال : قال الفقيه أبو جعفر الهندواني :
انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون الى آخر ما ذكره.
وحكى أيضاً عن عيسى بن أبان أنه قال :
أقلّد أقاويل جميع الصحابة الاّ ثلاثة منهم : أبوهريرة ، ووابصة بن معبد ، وأبو سنابل بن بعكك.
والقضية السابقة أعني مطعونية أبي هريرة
عند أبي حنفية مذكورة في « كتائب الأعلام الأخيار » أيضاً.
ويظهر من ابن حزم الاندلسي من أعيان
محققي القوم الذي ذكروا أنه بلغ
رتبة الاجتهاد فكان
لا يقلّد أحداً من الأئمة الأربعة ، وذكر محيى الدين في الفتوحات أنه رآه صار
متّحداً مع الرسول 6
في كتاب « المحلى » في مسألة أحقيّة البايع بمتاع المبتاع اذا أفلس : ان محمد بن
الحسن الشيباني مقلّد الحنفية وتلميذ إمامهم الأعظم ، والذي نقلوا في حقه من
الشافعي : أن اليهود والنصارى لو نظروا في تصانيف محمد بن الحسن لآمنوا من غير
اختيار ، كان يطعن في أبي هريرة ، ولايحتج بروايته.
قال ابن حزم : روينا من طرق أبي عبيدة ،
أنه ناظر في هذه المسألة ، محمد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أن قال : هذا من
حديث أبي هريرة.
قال علي : نعم والله من حديث أبي هريرة
البر الصادق ، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبدالله بن المبارك : من
أفقه أبو يوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال : قل أيهما أكذب .
وليت شعري أن الحنفية لماذا يعتمدون على
رواية أبي هريرة بعد ما صدر في حقه عن إمامهم الأعظم وتلميذه الأفخم ما صدر؟!
ومن مطاعنه : أنه كان يلعب بالشطرنج ،
ذكر الدميري في حياة الحيوان في لغة العقرب ما لفظه : وروى الصعلوكي تجويزه ، أي
الشطرنج عن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، والحسن البصري ، والقاسم بن محمد ، وأبي
قلابة ، وأبي مجلز ، وعطاء ، والزهري وربيعة بن عبدالرحمن ، وأبي الزياد ، والمروي
، عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب القوم.
وذكر ابن الاثير في النهاية : وفي حديث
بعضهم قال رأيت أبا هريرة
يلعب السُّدر ،
السُّدر لعبة يقامر بها ، تُكسر سينها وتضُمّ ، وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب ، يعني « سه در ».
وقال ابن تيمية المتعصب الناصب في
منهاجه : ان مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام وقد ثبت عن علي بن ابي طالب انه
مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال : ( ما هذه التماثيل التي
أنتم لها عاكفون )؟
.
وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى
وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة ، وتنازعوا في أن أيهما أشدّ تحريماً؟
الشطرنج أو النرد ، فقال مالك : الشطرنج أشدّ من النرد.
وهذا منقول عن ابن عمر لأنها تشغل القلب
بالفكر ، والذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشدّ .
واعترف بصحة هذا الحديث المروي عن أمير
المؤمنين 7 ، ابن
روزبهان في كتابه.
وفي كنز العمال : ملعون من لعب الشطرنج
، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير ، رواه عبدان ، وأبوموسى ، وابن حزم ، عن حبة
بن مسلم وفيه أيضاً : اذا أمرتم بهذا ، الذين يلعبون بهذه الأزلام ، والشطرنج ،
والنرد ، وما كان من هذه فلا تسلّموا عليهم ، وإن سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم.
والديلمي عن أبي هريرة : ويكفي في ذمّ
اللعب به هذا الحديث الذي
حدّث به أبو هريرة
نفسه ، وروى في كنز العمال روايات أُخر كثيرة دالة على حرمته وذم فاعله ، و « أنه
من أهل النار » ، و « انه من شرار خلق الله » ، و « لا ينظر الله إليه يوم القيامة
» ، نقلاً عن الديلمي وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن ماجة ،
وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وهؤلاء كلهم من أساطين دينهم ومذهبهم ، وسوّدوا
في اثبات فضائلهم ومحامدهم أوراقاً طويلة. ومن قبائح أبي هريرة وشنائعه الفظيعة ،
انه كان منحرفاً عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، مولياً لعدوه ، معاد لوليّه.
ولما نبهه على ذلك الأصبغ بن نباته
استرجع ولم يحر جواباً.
قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة
: قال اصبغ : فقلت يا معاوية لا تقتل بقتلة عثمان ، فإنك لاتطلب إلاّ الملك
والسلطنة ، ولو أردت نصرته لفعلته ، ولكنك تربصت به وتقاعدت لتجعل ذلك سبباً إلى
الدنيا ; فغضب ، فأردت أن أزيده ، فقلت يا أباهريرة أنت صاحب رسول الله 6 أقسم عليك بالله الذي لا إله إلاّ هو ،
وبحقّ رسوله هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حقّ أمير المؤمنين : « من كنت
مولاه فعليٌّ مولاه »؟
فقال : إي والله لقد سمعته يقول ذلك.
فقلت : إذن أنت يا أباهريرة واليت عدوّه
وعاديت وليّه ، فتنفس أبوهريرة وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فتغير وجه
معاوية ، وقال : يا هذا كفّ عن كلامك فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم
عثمان ، فإنه قتل مظلوماً.
سبط ابن الجوزي
ومن المناسب جدّاً ان نتعرّض هنا
اجمالاً لحال سبط بن الجوزي ، وشطر من محامده واثبات انه من أعاظم علماء القوم ،
وان تذكرته من الكتب المعتمدة ، فإنّا ننقل كثيراً عن تذكرته فربما يجرّ أحد
المتعصبين الجاهلين على ازرائه والقدح في جلالته أو في كتابه ، أو عدم صحة انتساب
الكتاب إليه.
فنقول : هو من أعيان علمائهم المحققين
وأجلاء محدّثيهم المنقّدين ولا يزال سلف علمائهم وخلفهم يستندون إلى إفاداته
ويحتجون بكلماته كإمامهم الذهبي ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي والصفدي ، وابن
خلكان ، وتقي الدين الفاسي ، ونور الدين السمهودي ، وصاحب الصواعق ، وغيرهم.
وقد اعتمد على كتابه المذكور جماعة ،
منهم : السمهودي وغيره ، حتى أن علاّمتهم المتعصب نقل عن كتابه هذا ـ أعني تذكرة
خواص الأُمة ـ في الصواعق.
واعتمد على كلامه جماعة ، منهم : الحافظ
أبو المؤيد الخوارزمي ، من أوائل مسند أبي حنيفة ، عند دفع الإشكالات عن أبي
حنيفة.
قال : وأما قوله : أن أبا حنيفة لحن حيث
قال في مسألة : القتل بالقتل ، ولو رماه بأباقبيس ، فالجواب عنه بوجوه ثلاثة :
الأول : أنه ذكر الإمام الحافظ سبط بن الجوزي انه افتراء على أبي حنيفة.
وجعله الكابلي في الصواعق من قرناء
الطبري ، والبخاري ، واحتج بكتاب تاريخه عند الجواب عن طعن درء الحد عن المغيرة.
والذهبي أثنى عليه في العبر في أخبار من
غبر لكن عابه
وازدري عليه في كتاب الميزان
، وعابه في كتاب تاريخه ، فقال : انه ألّف مرآة الزمان فتراه يأتي بمناكير
الحكايات ، وما أظنه بثقة بل يحيف ويجازف ثم انه يترفض.
وقال في موضع آخر كان حنبلياً وتحوّل
حنفياً للدنيا ، وتعقّبه العلامة الكفوي في كتائب الاعلام الاخيار وقال : واعلم ان
صاحب « مرآة الزمان » قد كان ناقلاً عمن تقدمه في التاريخ ووظيفته الرواية والعهدة
على الراوي فنسبته إلى المجازفة جور عليه فان غالب التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد
التي لا غبار عليها ، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي
ومن بعدهما تطفلوا على تاريخه ونقلوا من « مرآة الزمان » شيئاً كثيراً فان لم يكن
ثقة فهم ليسوا بثقات.
وقال ابن خلكان في تاريخه بعد ذكر
عبدالرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي وكان سبطه شمس الدين ... أبو المظفر يوسف بن قُزُغلي الواعظ
المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه مقبول عند الملوك وغيرهم ،
وصنّف تاريخاً كبيراً رأيته بخطه في أربعين مجلداً سمّاه
« مرآة الزمان »
وتوفي ليلة الثلاثاء ، حادي عشرين ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة بدمشق بمنزله
بجبل قاسيون ودفن هناك ، ومولده سنة احدى وثمانين وخمسمائة ببغداد ، رحمه الله
تعالى ، وكان يقول : أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين .
وذكره الذهبي في كتبه وأثنى عليه ، قال
في سيره : الشيخ العالم المتفنّن الواعظ البليغ المؤرخ الاخباري ، واعظ الشام شمس
الدين أبو المظفر يوسف بن قُزُغلي بن عبدالله التركي العوني الهبيري البغدادي
الحنفي سبط الامام أبي الفرج ابن الجوزي ، انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير
ومعرفة التاريخ ، وكان حلو الايراد ، لطيف الشمائل ، مليح الهيئة ، وافر الحرمة ،
له قبول زائد ، وسوق نافق بدمشق ، أقبل عليه أولاد الملك العادل ، وأحبّوه ، وصنّف
« تاريخ مرآة الزمان » وأشياء ، ورأيت له مصنّفاً يدلّ على تشيّعه ، وكان العامة
يبالغون في التغالي في مجلسه ، سكن دمشق من الشبيبة ، وأفتى ودرّس.
توفي بمنزله بسفح قاسيون ، وشيّعه
السلطان والقضاة وكان كيّساً ظريفاً متواضعاً ، كثير المحفوظ ، طيّب النغمة ، عديم
المثل ، له تفسير كبير في تسعة وعشرين مجلداً ، توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين
وستمائة .
قد تمّت الرسالة المسماة بالقول الصراح
فنسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يوفقنا بالشكر دائماً ولاداء الحق والتمسك بحبل
اللّه المتين قائماً على (
ومن يَهدِ
اللّهُ فَمالَهُ مِنْ مُضَلٍّ
)
والحمدللّه ربّ العالمين
* * *
المصادر والمراجع
القرآن
الكريم :
١
ـ الإحكام في أصول الأحكام : لابن حزم
أبي محمد علي بن حزم الظاهري المتوفى ٤٥٦ هـ.
٢
ـ أَحوال الرجال : لأبي إِسحاق
إِبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى ٢٥٩ هـ ، ط. مؤسسة الرسالة.
٣
ـ أخبار أبي حنيفة وأصحابه : للكيرانوي
الشيخ حبيب أَحمد ، ط. مكتبة الدراسات والبحوث العربية ـ دار الفكر العربي ـ ط
الاُولى ـ ١٩٨٩ م.
٤
ـ أخبار القضاة : لمحمد بن خلف
المعروف بوكيع المتوفى ٣٠٦ هـ تحقيق مصطفى المراغي ط عالم الكتاب ـ بيروت.
٥
ـ إِختلاف العلماء : أَبو عبدالله محمد
بن نصر المروزي المتوفى ٢٩٤ هـ ، ط. عالم الكتب ؛ بيروت ـ ط الثانية ـ ١٤٠٦ هـ
تحقيق : السامرائي.
٦
ـ الأدب المفرد : للبخاري محمد بن
اسماعيل المتوفى ٢٥٦ هـ ط. مكتبة الآداب القاهرة ١٤٠٠ هـ / ١٩٧٩ م.
٧
ـ الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة :
للسيوطي جلال الدين عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفّى ٩١١ هـ.
٨
ـ الأَساس في السنة وفقهها : سعيد حوّى ،
ط. دارالسلام للطباعة والنشر والتوزيع; القاهرة ـ ١٤١٢ هـ.
٩
ـ أَسامي من روى عنهم البخاري من مشايخه :
لإبن عدي أَحمد بن عبدالله الجرجاني المتوفى ٣٦٥ هـ تحقيق حماد بن محمد ، ط. دار
البخاري ، المدينة المنورة.
١٠
ـ الإستيعاب : لأبي عمر يوسف بن
عبدالله بن محمد بن عبدالبر المتوفى ٤٦٣ هـ ط. دار النهضة ـ مصر الفجالة القاهرة ،
تحقيق علي محمد البجاوي.
١١
ـ أسد الغابة : عزّالدين أبو الحسن
علي بن محمد الجزري ابن الأثير المتوفى ٦٣٠ هـ ، ط. دار إحياء التراث العربي ـ
بيروت.
١٢
ـ أسباب ردِّ الحديث : محمد محمود بكّار ،
دار طيبة للنشر والتوضيح الرياض ـ ط الثانية ـ.
١٣
ـ أسباب النزول : لابي الحسن علي بن
أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى ٤٦٨ هـ ، ط. دار الكتب العلمية ـ ١٤٠٠ هـ.
١٤
ـ الإِسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير :
لابي شهبة محمد أَبو شهبة ، ط. دار الجيل ـ بيروت.
١٥
ـ أَسماء الضُعفاء والكذابين :
لإبن شاهين ، ط. كلية الحديث النبوي بالمدينة ـ ط الأَولى ـ تحقيق القشقري.
١٦
ـ الإصابة في تمييز الصحابة :
لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى ٨٥٢ هـ ، ط. دار الفكر للطباعة
والنشر.
١٧
ـ أصول السرخسي : للسرخسي محمد بن
أحمد بن أبي سهل المتوفى ٤٩٠ هـ ، ط. دار الكتاب العربي ، ط الأولى ـ ١٣٧٢ هـ.
١٨
ـ أصول الكافي : للكليني محمد بن
يعقوب المتوفى ٣٢٩ هـ ، منشورات المكتبة الاسلامية.
١٩
ـ أَعلام الموقعين : لابن القيّم محمّد
بن أَبي بكر المتوفى ٧٥١ هـ ، ط. دار الجيل للنشر والتوزيع بيروت ـ علق عليه طه
عبدالرؤف سعد.
٢٠
ـ الأعلام : خير الدّين محمود
بن محمد الزركلي المتوفى ١٣٩٦.
٢١
ـ الإِعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ :
السخاوي محمد بن عبدالرحمن المتوفى ٢.٩ هـ تحقيق روز نطال بغداد ١٣٨٢ هـ.
٢٢
ـ الإِبهاج في شرح المنهاج للبيضاوي :
للسبكي علي بن عبدالكافي المتوفى ٧٥٦ هـ تحقيق شعبان محمد ط مكتبة الكليات
الأَزهرية بالقاهرة ١٤٠٢ هـ.
٢٣
ـ الإِحكام في بيان الأَحكام :
ابن حزم على بن أَحمد بن سعيد الاندلسي المتوفى ٤٥٦ هـ ، ط. دار الحديث القاهرة ـ
ط الثانية ـ ١٤١٣ هـ.
٢٤
ـ إِكمال مبهمات البخاري وفوائد فتح الباري :
لابن حجر أَحمد بن علي العسقلاني المتوفى ٨٥٢ هـ ، ط. دار الثقافة العربية ١٤١٥ هـ
تحقيق عمروعلي عمر.
٢٥
ـ أَبو حنيفة حياته وعصره وآراؤه وفقهه :
محمد أَبو زُهرة ، ط دار الفكر العربي القاهرة.
٢٦
ـ الإِلزامات : للدارقطني علي بن
عمر البغدادي المتوفى ٣٨٥ هـ تحقيق :
مقبل بن هادي ط
المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.
٢٧
ـ الإِمام البخاري : للندوي تقي الدين
المظاهري ، ط. دار العلم دمشق ـ ط الثالثة ـ ١٤٠٨ هـ.
٢٨
ـ الإِمام الحميدي وكتابه المسند :
عبدالرحمن الصويان ، ط. دار المعراج ، الرياض ـ ط الأَولى ـ ١٤١٦ هـ.
٢٩
ـ الإِكمال : لابن ماكولا على بن
هبة الله المتوفى ٤٧٥ هـ ، تحقيق المعلمي اليماني ، بيروت ـ لبنان.
٣٠
ـ الانتقاء في فضائل الثلاثة الأَئمة الفقهاء :
ابن عبدالبر ، أَبو عمرو يوسف بن عبدالله المتوفى ٤٦٣ هـ ، ط دار الكتب العلمية ـ
بيروت ـ بدون تاريخ.
٣١
ـ الإمام الزُّهْري : للضاري حارث سليمان
، طـ. مكتبة بسام ـ موصل ـ العراق ، ١٤٠٥ هـ.
٣٢
ـ الانتقاض في الرّد على العيني :
ابن حجر العسقلاني أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ ، ط. الرياض.
٣٣
ـ أنساب الأَشراف : للبلاذري أَحمد بن
يحيى المتوفى ٢٧٩ هـ ، ط. دار الفكر ـ بيروت.
٣٤
ـ الأنساب : للسمعاني عبدالكريم
بن محمد بن منصور المتوفى ٥٦٢ هـ.
٣٥
ـ الإِنصاف في بيان أَسباب الإِختلاف :
ولي الله الدهلوي أَحمد بن عبدالرحيم المتوفى ١١٧٦ ، ط. دار النفائس بيروت ـ ط
الثالثة ـ ١٤٠٦ هـ.
٣٦
ـ بحوث في تاريخ السنة : أَكرم ضياء
العمري ، ط. مؤسسة الرسالة ، بيروت.
٣٧
ـ بداية المجتهد : للقرطبي محمّد بن
الرشد المتوفى ٥٩٥ هـ ، ط. التاسعة ـ ١٤٠٩ هـ ـ دار المعرفة ، بيروت.
٣٨
ـ البداية والنهاية : لإبن كثير إِسماعيل
بن عمر الدمشقي المتوفى ٧٧٤ هـ ، ط. دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٣٩
ـ البدر الطالع : للشوكاني محمد بن
علي المتوفى ١٢٥٠ هـ ، ط. دار المعرفة ـ بيروت.
٤٠
ـ البدايع والصنايع : الكاساني أَبوبكر
بن مسعود المتوفى ٥٨٧ هـ ، ط. دار الكتب العلمية ـ بيروت ط الثانية ١٤٠٢ هـ.
٤١
ـ بيان خطأ البخاري : لابن أَبي حاتم
الرازي صاحب الجرح والتعديل المتوفى ٣٢٧ هـ ، طـ. حيدر آباد الهند ـ تحقيق المعلمي
اليماني.
٤٢
ـ بغية الوعاة : للسيوطي جلال الدين
عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفّى ٩١١ هـ ، ط. المكتبة العصرية ـ بيوت تحقيق أبو
الفضل ابراهيم. بيروت.
٤٣
ـ البيان والتوضيح لمن أَخرج في البخاري :
أَبو زرعة العراقي المتوفى ٨٢٦ هـ ، ط. دار الجنان ـ لبنان.
٤٤
ـ تاج التراجم في من صنّف من الحنفية :
ابن قطلوبغا زين الدين قاسم الحنفي المتوفى ٨٧٩ هـ تحقيق ابراهيم صالح ط. دار
المأمون للتراث ، دمشق وبيروت.
٤٥
ـ تاريخ الإِسلام : الذَّهبي محمد بن
أَحمد المتوفى ٧٤٨ هـ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت.
٤٦
ـ تاريخ الأمم والملوك : للطبري محمد
بن جرير المتوفى ٣١٠ هـ ط. مطبعة الإستقامة القاهرة ١٣٥٨ هـ / ١٩٣٩ م.
٤٧
ـ تاريخ أَهل الحديث : للدهلوي المدني
احمد بن محمّد المتوّفى ١٣٧٥ هـ ـ ط مكتبة الغرباء الأَثرية في المملكة العربية
السعودية ـ ١٤١٧ هـ ـ تحقيق ، الأَثري.
٤٨
ـ تاريخ بغداد : للخطيب البغدادي
أَحمد بن علي المتوفى ٤٦٣ هـ ط دار الفكر للطباعة والنشر.
٤٩
ـ تاريخ التراث العربي : فؤاد سزكين
، ترجمة الدكتور محمود فهمي حجازي والدكتور أبو الفضل ط الهيئة المصرية العامة للتأليف
١٩٧١م ، ١٩٧٨م.
٥٠
ـ تاريخ التشريع : للخضري محمّد
الخضري ط الاستقامة بالقاهرة ١٩٦٠م.
٥١
ـ تاريخ الجهمية والمعتزلة : للقاسمي
محمد جمال الدين.
٥٢
ـ تاريخ الخلفاء : للسيوطي جلال الدين
عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفّى ٩١١ هـ.
٥٣
ـ تاريخ خليفة بن خياط : لأبي عمرو
خليفة بن خياط شباب العصفري المتوفى ٢٤٠ هـ تحقيق أكرم ضياء العمري الدمشقي ١٩٧٧
م.
٥٤
ـ التاريخ الكبير : للبخاري محمد بن
إِسماعيل المتوفى ٢٥٦ هـ ط دار الكتب العلمية بيروت.
٥٥
ـ التاريخ الصغير والأَوسط : للبخاري
محمد بن إِسماعيل المتوفى ٢٥٦ هـ دار الوعي والتراث ـ حلب.
٥٦
ـ تاريخ ابن الوردي : عمر بن مظفّر
الشهير بابن الوردي المتوفى ٧٤٩ هـ ـ ط ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٧ هـ.
٥٧
ـ تاريخ أبي الفداء : اسماعيل بن علي بن
محمد أبي الفداء المتوفى ٧٣٢ هـ ط. دار المعرفة ـ بيروت.
٥٨
ـ تاريخ مدينة دمشق : لإبن عساكر علي بن
الحسن المتوفّى ٥٧١ هـ ، ط. دار الفكر للطباعة والنشر تحقيق علي شيري ط الأَولى
١٤١٧ هـ.
٥٩
ـ تأويل مختلف الحديث : لإبن قتيبة عبدالله
بن مسلم الدينوري المتوفى ٢٧٦ هـ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٦٠
ـ التبيين لأسماء المدلسين : لسبط ابن العجمي
ـ ابراهيم بن محمّد المتوفى ٨٤١ هـ ـ تحقيق يحيى شفيق ، ط دار الكتب العلمية ـ
بيروت ١٤٠٦ هـ ، ط. الاُولى.
٦١
ـ تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق :
عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى ٧٦٢ هـ ، ط. دار الكتب العلمية بيروت ١٤٢٠ هـ.
٦٢
ـ تحفه اثناعشرية : عبدالعزيز الدهلوي
المتوفى ١٢٣٩ هـ ، ط. باكستان.
٦٣
ـ تحفة الأحوذي : لأبي العلى محمد بن
عبدالرحمن المباركفوري المتوفى ١٣٥٣ هـ تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان ، ط مكتبة
السلفية المدينة المنورة.
٦٤
ـ تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف :
لأبي الحجاج يوسف بن عبدالرحمن المزي المتوفى ٧٤٢ هـ تحقيق عبدالصمد شرف الدين ط ،
ثانية ١٤٠٣ هـ دار القيامة الهند ـ المكتب الإسلامي بيروت.
٦٥
ـ تدريب الراوي : للسيوطي جلال الدين
عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفى ٩١١ هـ ط دارالكتاب العربي تحقيق أَحمد عمر هاشم ـ
١٤٠٩ هـ.
٦٦
ـ تذكرة الحفاظ : للذهبي محمد بن
أَحمد المتوفى ٧٤٨ هـ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تصحيح المعلمي اليماني ١٣٧٤
هـ.
٦٧
ـ تذكرة الخواص : لسبط بن الجوزي
يوسف بن قُزُغلي المتوفى ٦٥٤ هـ ط. بيروت.
٦٨
ـ تاريخ التراث العربي : لفؤاد سزكين
تعريب : محمود الحجازي ط جامعة الإِمام ابن سعود بالرياض ١٤٠٣ هـ.
٦٩
ـ تاريخ القضاة في الإِسلام :
محمود بن محمد بن عرنوس ط مكتبة الكليات الأَزهرية بالقاهرة.
٧٠
ـ تذهيب التهذيب : أَحمد بن عبدالله
الخزرجي المتوفى ٩٠٠ هـ تحقيق محمود عبدالوهاب فايد مكتبة القاهرة.
٧١
ـ تسمية من أَخرجهم البخاري ومسلم :
للحاكم النيسابوري المتوفى ٤٠٥ هـ تحقيق كمال يوسف الحوت ـ مؤسسة الكتب الثقافية ـ
دار الجنان ـ بيروت ـ لبنان ط الأَولى ١٤٠٧ هـ.
٧٢
ـ تقريب التهذيب : لإبن حجر أَحمد بن
علي العسقلاني المتوفى ٨٥٢ هـ ط دار المعرفة ، بيروت ، تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف.
٧٣
ـ التعديل والتجريح لمن خرّج له البخاري :
للباجي ـ سليمان بن خلف المتوفى ٤٧٤ هـ ط ـ دار اللواء الرياض ـ تحقيق أَبولبابة ـ
١٤٠٦ هـ.
٧٤
ـ تغليق التعليق على صحيح البخاري :
لابن حجر العسقلاني أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ تحقيق سعيد عبدالرحمن موسى ط
المكتب الإِسلامي دار عمار الأَردن ١٤٠٥ هـ الأَولى.
٧٥
ـ التفسير الكبير : للفخر الرازي محمد
بن عمر المتوفى ٦٠٦ هـ ط دار احياء التراث العربي ـ بيروت.
٧٦
ـ تفسير المنار : محمد عبده ـ محمد
رشيد رضا ط دار المعرفة ، بيروت.
٧٧
ـ تقييد العلم : للخطيب البغدادي
أَحمد بن علي المتوفى ٤٦٣ هـ ط دار إِحياء السنة ـ بيروت.
٧٨
ـ التقييد والإيضاح : للعراقي زين الدين
أبي الفضل عبدالرحيم بن الحسين المتوفى ٨٠٦ هـ تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ط.
الأولى ١٣٨٩ هـ مكتبة السلفية المدينة المنورة.
٧٩
ـ التمهيد لما في الموطأ : ابن عبدالبر
أَبو عمرو يوسف بن عبدالله المتوفى ٤٦٣ هـ تحقيق مصطفى العلوي والبكري ، ١٣٨٧ هـ
الرباط.
٨٠
ـ التنكيل : للمعلمي اليماني
عبدالرحمن بن يحيى المتوفّى ١٣٨٦ هـ ط المكتب الإِسلامي ـ دمشق ـ ١٤٠٦ هـ تحقيق
زهير الشاويش ، وناصر الدين الالباني.
٨١
ـ تهذيب الأَسماء واللغات : للنووي أَبو
زكريا محيى الدين بن شرف المتوفى ٦٧٦ هـ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٨٢
ـ تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ ط دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
٨٣
ـ تهذيب الكمال : للمزي أَبو الحجاج
يوسف بن عبدالرحمن المتوفى ٧٤٢ هـ ط مؤسسة الرسالة ، تحقيق بشّار عواد.
٨٤
ـ توشيح الديباج وحلية الإِبتهاج :
بدرالدين القرافي المتوفى ٩٤٦ هـ ط دارالغرب الإِسلامي تحقيق ـ أَحمد شتيوي ط
الأَولى ١٤٠٣ هـ.
٨٥
ـ التقييد والإِيضاح : للعراقي زين الدين
عبدالرحيم بن الحسين المتوفى ٨٠٦ هـ تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان ط مكتبة السلفية
المدينة المنورة ـ ١٣٨٩ هـ.
٨٦
ـ تلخيص المستدرك : للذهبي محمد بن
أَحمد بن عثمان المتوفى ٧٤٨ هـ طبع ذيل المستدرك للحاكم.
٨٧
ـ توضيح المشتبه : لابن ناصر الدين
محمد بن عبدالله الدمشقي المتوفى ٨٤٢ هـ تحقيق محمد نعيم العرقسوسي ـ مؤسسة الرسالة
بيروت ـ ط الثانية ١٤١٤ هـ.
٨٨
ـ التلويح في شرح التوضيح : للتفتازاني
مسعود بن عمر بن عبدالله المتوفى ٧٩٢ هـ ، ط. دار الكتب العربية.
٨٩
ـ توضيح الأَفكار لمعاني تنقيح الأَنظار :
الصنعاني محمد بن إِسماعيل الأَمير الحسني المتوفى ١١٨٢ هـ ط دار إِحياء التراث
العربي ط الأَولى ١٣٦٦ هـ.
٩٠
ـ تيسير مصطلح الحديث : محمود الطحان ط
مكتبة المعارف الرياض ـ الطبعة السابعة.
٩١
ـ الثقات : محمد بن حبان بن
أَحمد بن أَبي حاتم التميمي البستي المتوفى ٣٥٤ هـ تحقيق محمود ابراهيم زايد ط دار
الوعي ـ حلب ١٣٦٦ هـ.
٩٢
ـ ثمرات النظر في علم الأَثر :
للأمير الصنعاني محمد بن اسماعيل المتوفى ١١٨٢ هـ ط دار العاصمة الرياض ط الأَولى
١٤١٧ هـ.
٩٣
ـ جامع الأَصول في أَحاديث الرسول :
لإبن الأَثير المبارك بن محمد الجزري المتوفى ٦٠٦ هـ ط دار إِحياء التراث العربي ،
ط الثانية ١٤٠٣ هـ أَشرف على طبعه الشيخ عبدالمجيد سليم.
٩٤
ـ جامع بيان العلم : لإبن عبدالبر يوسف
بن عبدالله المتوفى ٤٦٣ هـ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.
٩٥
ـ جامع التحصيل : للعلائي صلاح الدين
خليل بن كيكلدي المتوفى ٧٦١ هـ تحقيق حمدي السلفي ط دار العربية للطباعة بغداد
١٣٩٨ هـ.
٩٦
ـ الجامع في العلل ومعرفة الرجال :
للامام أَحمد بن حنبل المتوفى ٢٤١ هـ ، رواية عبدالله ابنه ، والمروزي والميموني ـ
ط ـ مؤسسة الثقافية ـ بيروت ـ اعتنى به محمّد حسام بيضون ط الأَولى ١٤١٠ هـ.
٩٧
ـ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع :
الخطيب البغدادي أَحمد بن علي المتوفى ٤٦٣ هـ تحقيق أَحمد شاكر ط مكتبة المعارف ـ
الرياض.
٩٨
ـ الجامع الصغيرفي أحاديث البشير النذير :
للسيوطي جلال الدين عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفى ٩١١ هـ ، ط. دار الكتب العلمية
بيروت ط الأولى.
٩٩
ـ الجرح والتعديل : للرازي عبدالرحمن
بن حاتم المتوفى ٣٢٧ هـ ط دار إِحياء التراث العربي عن النسخة المطبوعة بحيدرآباد
الهند ـ تحقيق ، المعلمي اليماني.
١٠٠
ـ الجمع بين رجال الصحيحين : المقدسي
محمد بن طاهر المتوفى ٥٠٧ هـ ط دار الباز ، مكة المكرمة ط الثانية ١٤٠٥ هـ ودار
الكتب العلمية ـ بيروت.
١٠١
ـ جلاء العينين ، بتخريج روايات البخاري في رفع اليدين :
للسندي أَبو محمد بديع الدّين شاه الراشدي ؛ ط مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت ط ؛
الأَولى ١٤٠٧ هـ.
١٠٢
ـ جواهر العقدين : للسمهودي ط. دار
الكتب العلمية.
١٠٣
ـ الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية :
عبد القادر محمد بن محمد الحنفي المتوفى ٧٧٥ هـ تحقيق عبد الفتاح الحلو ، مطبعة
عيسى البابي وشركائه ، ١٣٩٨ هـ ١٩٧٨ م.
١٠٤
ـ حاشية الشلبي على شرح « كنز الدقائق » :
فخر الدين الزيلعي ط دار المعرفة ـ بيروت اُعيد بالأُفست من الطبعة الأَولى ببولاق
مصر.
١٠٥
ـ الحث على حفظ العلم : لابن الجوزي
عبدالرحمن بن علي أَبو الفرج المتوفى ٥٩٧ هـ ط الثانية بيروت.
١٠٦
ـ الحجة على أَهل المدينة : للشيباني
محمد بن الحسن المتوفى ١٨٩ هـ ط عالم الكتب بيروت ، ط الثالثة ١٤٠٣ هـ.
١٠٧
ـ حسن المحاضرة : للسيوطي جلال الدين
عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفّى ٩١١ هـ تحقيق محمد أَبو الفضل إِبراهيم ، ط
الأَولى طبع عيسى البابي الحلبي وشركائه ١٣٨٧ هـ.
١٠٨
ـ حلية الأَولياء : لأبي نعيم
الإِصبهاني أَحمد بن عبدالله المتوفّى ٤٣٠ هـ ط دار الفكر للطباعة والنشر.
١٠٩
ـ حياة البخاري : للقاسمي جمال الدين
محمد بن محمد سعيد الدمشقي ط دار النفائس بيروت ١٤١٢ هـ تحقيق محمود الأَرناؤوط.
١١٠
ـ خلق أَفعال العباد : للبخاري محمد بن
إِسماعيل المتوفّى ٢٥٦ هـ ، ط الدار السلفية ، الكويت ط الأَولى ١٤٠٥ هـ.
١١١
ـ خيرالكلام في القراءة خلف الإِمام :
للبخاري محمد بن إِسماعيل بن إِبراهيم الجعفي المتوفّى ٢٥٦ هـ ، ط دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ ١٤٠٥ هـ ـ ط الأَولى.
١١٢
ـ دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب :
محمد أمين السندي المتوفى ١١٦١ هـ ، تحقيق محمد عبد الرشيد النعماني ، ط لجنة
إحياء الأدب بكراتشي ـ باكستان. ط الأولى ١٩٥٧ م.
١١٣
ـ الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور :
للسيوطي جلال الدين عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفّى ٩١١ هـ ، ط. دار الفكر للطباعة
والنشر ، ط. الأولى ١٤٠٣ هـ / ١٩٨٣ م.
١١٤
ـ الدرر الكامنة : ابن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ ط دار الجيل بيروت ١٤١٤ هـ.
١١٥
ـ دلائل التوثيق المبكر للسُّنة والحديث :
الدكتور إِمتياز أَحمد ، عميد كلية المعارف الإِسلامية بجامعة كراتشي ، نقله إِلى
العربية الدكتور أَمين قلعجي ط الأَولى القاهرة ١٤١٠ هـ ط دارالوفاء.
١١٦
ـ ديوان الضُعفاء والمتروكين :
للذّهبي أَبو عبدالله محمد بن أَحمد المتوفّى ٧٤٨ هـ تحقيق لجنة من العلماء بإشراف
الناشر ، قدم له الشيخ خليل الميس ط دار القلم ـ بيروت ، ط الأَولى ١٤٠٨ هـ.
١١٧
ـ ذخائر العقبى : محب الدين الطبري ،
ط. دار المعرفة بيروت.
١١٨
ـ رجال صحيح البخاري : للكلاباذي أَبو نصر
أَحمد بن محمد البخاري المتوفّى ٣٩٨ هـ ط دار المعرفة تحقيق عبدالله الليثي ط
الأَولى بيروت ١٤٠٧ هـ.
١١٩
ـ رجال صحيح مسلم : ابن منجويه أَحمد
بن علي الإِصبهاني المتوفّى ٤٢٨ هـ ط دار المعرفة بيروت ١٤٠٧ هـ تحقيق عبدالله
الليثي ط الأَولى.
١٢٠
ـ الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة :
للكتاني محمد بن جعفر ط بيروت ١٣٣٢ هـ.
١٢١
ـ رشفة الصادي من بحر فضائل النبي الهادي :
أبي بكر شهاب الدين الحضرمي ، ط. الأولى ، دار الكتب العلمية بيروت ، تحقيق السيد
علي عاشور.
١٢٢
ـ روض المناظر في علم الأوائل والأواخر :
لابن شحنة محمد بن محمد المتوفى ٨١٥ هـ.
١٢٣
ـ روض الأنف : للسهيلي عبدالرحمن
بن عبدالله المتوفى ٥٨١ هـ تحقيق عبدالرحمن الوكيل ، ط. القاهرة ـ مدينة الزهراء ـ
حلوان.
١٢٤
ـ الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرين بالجنة :
للطبري أَحمد الشهير بالمحب الطبري ـ ط دار الندوة الجديدة بيروت ـ ط الأَولى ١٤٠٨
هـ.
١٢٥
ـ زاد المعاد في هدى خير العباد :
لابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر المتوفى ٧٥١ هـ ط. دار الفكر ، بيروت.
١٢٦
ـ ذبّ ذبابات الدراسات : عبدالطيف بن
الشيخ محمد هاشم الحارثي السندي المتوفى ١١٨٩ هـ ط. لجنة احياء الأدب السندي ـ
بندر رود ـ كراتشي. ط الأولى ١٣٧٩ هـ ١٩٥٩ م.
١٢٧
ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة :
آقا بزرگ الطهراني ( ١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ هـ ) دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
١٢٨
ـ ذيل تذكرة الحفاظ : محمد بن علي
أَبوالمحاسن الحسيني المتوفى ٧٦٥ هـ ط دار الكتب العلمية بيروت.
١٢٩
ـ سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر :
١٣٠
ـ سنن ابن ماجة : للقزويني محمد بن
يزيد المتوفّى ٢٧٥ هـ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ط القاهرة.
١٣١
ـ سنن أَبي داود : للسجستاني سليمان
بن الأَشعث المتوفّى ٢٧٥ هـ تحقيق عزّت عبيد الدّعّاس ، ط حمص سوريا ١٣٨٨ هـ.
١٣٢
ـ سنن الترمذي : لأبي عيسى الترمذي
المتوفى ٢٧٩ هـ تحقيق أَحمد شاكر وجماعته.
١٣٣
ـ سنن الدارقطني : للّدارقطني علي بن
عمر المتوفّى ٣٨٥ هـ تحقيق عبدالله هاشم اليماني القاهرة ١٣٨٦ هـ.
١٣٤
ـ سنن الدارمي : للدارمي عبدالله بن
عبدالرحمن المتوفّى ٢٥٥ هـ ط دار المحاسن ، القاهرة ، تحقيق عبدالله هاشم اليماني
١٣٨٦ هـ.
١٣٥
ـ السنن الكبرى : للبيهقي أَحمد بن
الحسين المتوفّى ٤٥٨ هـ ط دار المعرفة بيروت ، تحقيق يوسف مرعشلي.
١٣٦
ـ سنن النسائي : للنسائي أَحمد بن
شعيب المتوفّى ٣٠٣ هـ مع حاشية زهر الرُّبى للسيوطي وحاشية السندي ط دار إِحياء
التراث العربي.
١٣٧
ـ سؤلات ابن جُنيد ليحيى بن معين :
إِبراهيم الختلي ، تحقيق الدكتور أَحمد نور
سيف ، ط مكتبة الدار
المدينة النبوية ط الأَولى ١٤٠٨ هـ ط مكتبة القرآن بالقاهرة.
١٣٨
ـ سؤلات البرقاني للدارقطني :
أَحمد بن محمد البرقاني أَبوبكر الخوارزمي المتوفى ٤٢٥ هـ تحقيق مجدي سيد ابراهيم.
١٣٩
ـ سير أَعلام النبلاء : للذَّهبي محمد بن
أَحمد المتوفّى ٧٤٨ هـ ط مؤسسة الرسالة تحقيق شعيب الأرناؤوط.
١٤٠
ـ سيرة الإِمام البخاري : للمباركفوري
الشيخ عبدالسلام ط الجامعة السلفية ، بنارس الهند ط الثانية ، مقدمة ، مقتدى حسن
ياسين.
١٤١
ـ عارضة الأَحوذي بشرح صحيح الترمذي :
لابن العربي محمّد بن عبدالله الإِشبيلي المعروف بابن العربي المالكي المتوفى ٥٤٣
هـ ، ط دار الفكر ـ بيروت ١٤١٥ هـ ط الأَولى ـ تحقيق العطار.
١٤٢
ـ شرح أَصول إِعتقاد أَهل السنة والجماعة :
للالكائي هبة الله الطبري ط دار طيبة ـ ط ١٤١١ هـ طبعة الثانية ، تحقيق سعد حمدان.
١٤٣
ـ شرح الأَلفية : أَبوالفضل زين
الدين عبدالرحيم الحسين العراقي المتوفى ٦.٨ هـ تحقيق أَحمد شاكر.
١٤٤
ـ شرح السنة : للبغوي ، أبومحمد
الحسين بن مسعود المتوفى ٥١٦ هـ تحقيق شعيب الأرناؤوط ط. المكتب الإسلامي بيروت.
١٤٥
ـ شرح كتاب الفقه الأكبر : للقاري ملا
علي المتوفى ١٠١٤ هـ ط ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
١٤٦
ـ شرح معاني الآثار : للطحاوي أَبي جعفر
أَحمد بن محمد بن سلامة المتوفّى ٣٢١ هـ ط دار الكتب العلمية ط الأَولى ١٣٩٩ هـ ،
علق عليه محمد زهري النّجار.
١٤٧
ـ شرح نخبة الفكر : لإبن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفّى ٨٥٢ هـ ط. دار الكتب العلمية بيروت ١٣٩٨ هـ / ١٩٧٨ م.
١٤٨
ـ شروح البخاري : النووي والقسطلاني
وعون الباري ـ ط ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت بدون تاريخ.
١٤٩
ـ شروط الأَئمة الستة : أَبوبكر محمد بن
طاهر المقدسي المتوفى ٧.٥ هـ ط مكتبة عاطف بالقاهرة.
١٥٠
ـ شذرات الذهب في أَخبار من ذهب :
لإبن العماد عبدالحيّ بن العمادالحنبلي المتوفّى ١٣٥٠ هـ ، ط دار إِحياء التراث
العربي ، بيروت.
١٥١
ـ الشكوى والعتاب وما وقع للخلاّن والأصحاب :
للثعالبي أبي منصور عبدالملك بن محمد المتوفى ٤٢٩ هـ ط. دار الصحابة بطنطا ط.
الأولى ١٤١٢ هـ / ١٩٩٢ م.
١٥٢
ـ الشمائل المحمدية : لأبي عيسى الترمذي
تخريج عزّت عبيد الدعاس ، ط. الأولى ١٤٠٦ هـ دار الندوة الجديدة بيروت.
١٥٣
ـ صحيح البخاري : محمد بن إِسماعيل
البخاري الجعفي المتوفّى ٢٥٦ هـ ط باموق إِستانبول ، طبع جميع مجلداته في مجلد
واحد.
١٥٤
ـ صحيح مسلم : لأبي الحسين مسلم
بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى ٢٦١ هـ ط دار إِحياء الكتب العربية القاهرة
، ت ، محمد فؤاد عبد الباقي وبشرح النووي ط ، دار إِحياء التراث العربي ط الثالثة.
١٥٥
ـ صفة الصفوّة : لابن الجوزي ،
تحقيق محمد الفاخوري ود. محمد رواس القلعجي ، ط. دار المعرفة بيروت ١٩٨٦ هـ.
١٥٦
ـ الصواعق المحرقة : ابن حجر الهيتمي
المكي تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف ، ط شركة الطباعة الفنية المتحدة القاهرة ١٩٦٥ م.
١٥٧
ـ صيانة صحيح مسلم من الإِخلال :
لابن الصلاح الشهرزوري المتوفى ٦٤٣ هـ تحقيق موفق بن عبدالله ط دار الغرب
الإِسلامي ١٤٠٤ هـ.
١٥٨
ـ الضُعفاء لأبي زرعة الرازي وأَجوبته على أَسئلة البرذعي :
تحقيق سعدي الهاشمي ط الجامعة الإِسلامية ـ بالمدينة المنورة ـ ط الاولى ٢.١٤ هـ.
١٥٩
ـ الضُعفاء الصغير : للبخاري محمد بن
إِسماعيل المتوفّى ٢٥٦ هـ ط دار الوعي حلب ١٣٩٦ هـ ، تحقيق محمود إِبراهيم زايد.
١٦٠
ـ الضُعفاء الكبير : للعقيلي محمد بن
عمرو المتوفّى ٣٢٢ هـ ط دار الكتب العلمية ، ١٤٠٤ هـ ت ، عبدالمعطي أَمين قلعجي.
١٦١
ـ الضُعفاء والكذابون : عن أَبي زرعة عبيدالله
بن عبدالكريم ، وأَبي حاتم الرازيين ، مما سألهما ، جمعه وأَلّفه أَبو عثمان
البرذعي ، تحقيق سعدي الهاشمي ط المجلس العلمي الجامعة الإِسلامية بالمدينة
المنورة ١٤٠٢ هـ.
١٦٢
ـ الضُعفاء والمتروكون : للنسائي
أَحمد بن شعيب المتوفّى ٣٠٣ هـ ط دار القلم للطباعة ، بيروت ، تحقيق الشيخ
عبدالعزيز عزالدّين السيروان.
١٦٣
ـ الضُعفاء والمتروكون : للدّارقطني
علي بن عمر المتوفّى ٣٨٥ هـ ط دار القلم للطباعة ، بيروت ، تحقيق الشيخ عبدالعزيز
السيروان ط الأَولى ١٤٠٠ هـ.
١٦٤
ـ الضُعفاء والمتروكون : لإبن الجوزي
عبدالرحمن بن علي البغدادي المتوفّى ٥٩٧ هـ ط دار الكتب العلمية ، حققه أَبو
الفداء عبدالله القاضي.
١٦٥
ـ الضوء اللامع : للسخاوي محمد بن
عبدالرحمن المتوفى ٩٠٢ هـ.
١٦٦
ـ الضُعفاء لأبي نعيم : أَبو نعيم أَحمد بن
عبدالله المتوفّى ٤٣٠ هـ ط دارالبيضاء المغرب.
١٦٧
ـ طبقات الحفاظ : للسيوطي جلال
الدّين عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفى ٩١١ هـ ، ط ، دار الكتب العلمية ١٤٠٣ هـ ، ط
الأَولى تحقيق لجنة التحقيق.
١٦٨
ـ طبقات الحنابلة : لأبي يعلى محمد بن
أَبي يعلى الحنبلي المتوفّى ٥٢٦ هـ ط ، مطبعة السّنة المحمدية ١٣٧١ هـ.
١٦٩
ـ طبقات الشافعية الكبرى : للسبكي
عبدالوهاب بن علي المتوفّى ٧٧١ هـ تحقيق محمود أَحمد الطناحي وعبدالفتاح الحلو
مطبعة عيسى البابي الحلبي.
١٧٠
ـ طبقات الشافعية : للأسنوي عبدالرحيم
بن الحسن المتوفّى ٧٧٢ هـ تحقيق عبدالله الجبوري.
١٧١
ـ طبقات الفقهاء الشافعية : للعبادي
محمد بن أَحمد المتوفّى ٤٥٨ هـ تحقيق غوستا فيتسام ، ليدن ١٩٦٤ م.
١٧٢
ـ الطبقات الكبرى : لإبن سعد محمد بن
سعد المتوفّى ٢٣٠ هـ ط دار بيروت للطباعة والنشر ١٤٠٥ هـ ، تحقيق إِحسان عباس.
١٧٣
ـ طبقات المدلِّسين : لإبن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفّى ٨٥٢ هـ ط مكتبة المنار ـ الأردن ١٤٠٤ هـ تحقيق القريوتي ط
الأَولى.
١٧٤
ـ العبر في خبر من غبر : للذّهبي
محمد بن أَحمد المتوفّى ٧٤٨ هـ ط دار الكتب العلمية ، تحقيق بسيوني زغلول.
١٧٥
ـ العسجد المسبوك والجوهر المحكوك :
للغساني الملك الأشرف المتوفى ٨٠٣ هـ.
١٧٦
ـ العقد الفريد : ابن عبدربه أَحمد
بن محمد الأَندلسي المتوفى ٣٢٨ هـ ط دار الكتب العلمية ـ تحقيق مفيد محمد قميحة ط
الثانية ٧.١٤ هـ.
١٧٧
ـ العلل ومعرفة الرّجال : لأبي
عبدالله أَحمد بن محمد بن حنبل المتوفّى ٢٤١ هـ ط دار الخاني الرياض.
١٧٨
ـ علوم الحديث ومصطلحه : ابن الصلاح
عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري المتوفى ٦٤٣ هـ ط دار الفكر المعاصر بيروت ـ سوريا
تحقيق نورالدين عتر.
١٧٩
ـ علوم الحديث ومصطلحه : لصبحي
الصالح ط. الرابعة دار العلم للملايين ١٣٨٥ هـ ١٩٦٦ م.
١٨٠
ـ عمدة القاري : للعيني بدرالدين
محمود بن أَحمد المتوفّى ٨٥٥ هـ ط دار الفكر.
١٨١
ـ فتح الباري : لإبن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفّى ٨٥٢ هـ ط دار إِحياء التراث العربي.
١٨٢
ـ فتح المغيث : للسخاوي محمد بن
عبدالرحمن المتوفى ٩٠٢ هـ ، ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.
١٨٣
ـ الفتوحات المكية : لابن العربي محي
الدين المتوفى ٦٣٨ هـ.
١٨٤
ـ فردوس الأخبار : للديلمي شيروية بن
شهردار المتوفى ٥٠٩ هـ تحقيق فوّاز أحمد الزمرلي ط. دار الكتاب العربي ط. الأولى
١٤٠٧ هـ ١٩٨٧ م.
١٨٥
ـ الفصل في الملل والأَهواء والنحل :
ابن حزم على بن أَحمد بن سعيد المتوفى ٤٥٦ هـ ط بإشراف زيدان أَبوالمكارم حسن ١٣٨٧
هـ.
١٨٦
ـ الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين في علوم الحديث :
للقاسمي محمّد جمال الدين ط ـ دار النفائس بيروت ـ ط الثانية ١٤٠٩ هـ.
١٨٧
ـ فقه أَهل العراق وحديثهم : للكوثري
محمد زاهد ط دار الثقافة الإِسلامية ـ جدة ـ مؤسسة الريان ـ المكتبة المكية ١٤١٨
هـ تحقيق ـ عبدالفتاح أَبوغدة.
١٨٨
ـ الفلك الدوار في علوم الحديث والفقه والآثار :
للسيّد صارم الدين ابراهيم بن محمد الوزير ، تحقيق محمد يحيى سالم عزان ، ط. دار
التراث اليمني مطبعة صعدة صنعاء ١٤١٥ هـ.
١٨٩
ـ الفوائد البهيئة في تراجم الحنفية :
للكنوي ط مطبعة السعادة بالقاهرة ١٣٢٤ هـ تحقيق المعلمي اليماني ط ثانية بيروت
١٣٩٢ هـ.
١٩٠
ـ الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة :
للشوكاني محمد بن علي ، تحقيق
عبدالرحمن يحيى
المعلمي اليماني ، ط. الأولى مطبعة السنة المحمدية القاهرة ١٣٨٠ هـ ١٩٦٠ م.
١٩١
ـ فوات الوفيات : للكتبي محمد بن
شاكر المتوفى ٧٦٤ هـ ط دار الثقافة ، بيروت تحقيق إِحسان عباس.
١٩٢
ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير :
لعبدالرؤوف المناوي المتوفى ١٠٣١ هـ ط. دار المعرفة بيروت.
١٩٣
ـ قرة العينين برفع اليدين في الصلاة :
للبخاري محمد بن إِسماعيل المتوفّى ٢٥٦ هـ
١٩٤
ـ قواعد في علوم الحديث : للتهانوي
ظفر أَحمد العثماني المتوفى ١٣٩٤ هـ تحقيق عبدالفتاح أَبو غدّة ، ط مكتبة
المطبوعات الإِسلامية ـ القاهرة ـ ١٤٠٤ هـ الطبعة الخامسة.
١٩٥
ـ القول المسدّد في الذبّ عن أحمد :
لابن حجر العسقلاني أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ ط عالم الكتب بيروت ط الاولى ١٤٠٤
هـ ـ ١٩٨٤ م.
١٩٦
ـ الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب السِّتَّة :
للذَّهبي محمد ابن أَحمد المتوفّى ٧٤٨ هـ ط دار الكتب الحديثة ، القاهرة تحقيق
عزَّت عطية وموسى الموشي.
١٩٧
ـ الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث تحريم المعازف :
للأثري ط ، المملكة السعودية.
١٩٨
ـ الكامل في ضعفاء الرجال : لإبن عدي
أَحمد بن عدي المتوفّى ٣٦٥ هـ ط دار الفكر بيروت ط ، الأَولى ١٤٠٤ هـ.
١٩٩
ـ الكامل في التاريخ : علي بن أبي الكرم
محمد بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير المتوفى ٦٣٠ هـ ط. دار الكتب العلمية
بيروت الطبعة الأولى ١٤٠٧ هـ ١٩٨٧ هـ.
٢٠٠
ـ كتب السنة دراسة توثيقية : عبدالمطلب
رفعت فوزي أَبوشهبة ط الاولى ١٣٩٩ هـ مكتبة الخانجي القاهرة.
٢٠١
ـ كشف الأَسرار عن أَصول فخرالإِسلام البزدوي الحنفي :
لعبدالعزيز البخاري المتوفّى ٧٣٠ هـ ط دار الكتاب الإِسلامي ـ القاهرة ـ طبعة
جديدة بالاُوفست.
٢٠٢
ـ كشف الإِلتباس عما أَورده البخاري على بعض الناس :
للغنيمي عبدالغني الميداني المتوفّى ١٢٩٨ هـ ط مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب
١٤١٤ هـ اعتنى به عبدالفتاح أَبو غدة.
٢٠٣
ـ كشف الظنون : مصطفى بن عبدالله الشهير
بحاجي خليفة المتوفى ١٠٦٧ هـ ، ط. دار الفكر بيروت ٢.١٤ هـ.
٢٠٤
ـ الكفاية في علم الرواية : للخطيب
البغدادي أَحمد بن علي المتوفّى ٤٦٣ هـ ط دار الكتب الحديثة ، القاهرة تحقيق محمد
الحافظ التيجاني.
٢٠٥
ـ كفاية الطالب : للكنجي الشافعي
محمد بن يوسف ، ط المطبعة الحيدرية ـ النجف ، العراق.
٢٠٦
ـ كنز العمال : علي بن حسان التقي
الهندي المتوفى ٩٧٥ هـ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت ٩.١٤ هـ
٢٠٧
ـ الكواكب الدراري : للكرماني محمّد بن
يوسف المتوفى ٧٨٦ هـ ط المطبعة البهية ـ بالقاهرة ١٣٥٨ هـ.
٢٠٨
ـ كوثر المعاني الدراري : للشنقيطي
محمّد الخضر الجكني المتوفى ١٣٥٤ هـ ، ط مؤسسة الرسالة بيروت ـ ١٤١٥ هـ.
٢٠٩
ـ اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة :
ط. دار المعرفة بيروت ١٩٨٣ م.
٢١٠
ـ اللباب في تهذيب الأَنساب :
عزالدين بن الأَثير أَخو صاحب النهاية المتوفى. ٦٣ هـ ط مكتبة القدسي القاهرة ١٣٩٣
هـ.
٢١١
ـ اللباب في شرح الكتاب : للغنيمي
عبدالغني الميداني الحنفي المتوفّى ١٢٩٨ هـ ط دار احياء التراث العربي بيروت تحقيق
ـ محمود أَمين النواوي ١٤١٢ هـ.
٢١٢
ـ لسان الميزان : ابن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ ط دار احياء التراث العربي بيروت ـ تحقيق ـ المرعشلي
١٤١٦ هـ.
٢١٣
ـ المبسوط : شمس الدين السرخسي
المتوفى ٤٩٠ هـ ط دار المعرفة ـ بيروت ١٤٠٦ هـ.
٢١٤
ـ المتواري على تراجم أَبواب البخاري :
للاسكندراني احمد بن محمّد المعروف بابن المنير المتوفى ٦٨٣ هـ تحقيق صلاح الدين
مقبول احمد ، ط مكتبة المعلا الكويت ١٤٠٧ هـ ط الاولى.
٢١٥
ـ المجروحين من المحدثين والضُعفاء والمتروكين :
لإبن حبّان محمد بن حبّان التميمي البستي المتوفّى ٣٥٤ هـ ، ط ٨ دار الوعي سوريا
حلب ، تحقيق محمود إِبراهيم زايد ط الأَولى ١٣٩٦ هـ.
٢١٦
ـ مجمع الأَنهر في شرح ملتقى الأَبحر :
لداماد أَفندي ـ عبدالله بن محمّد بن سليمان ، ط ـ دار احياء التراث العربي للنشر
بهامشه بدر المتقى في شرح الملتقى.
٢١٧
ـ مجمع الزوائد : علي بن أبي بكر
الهيثمي المتوفى ٨٠٧ هـ ط. دارالكتاب العربي. بيروت. ط الثالثة ١٤٠٢ هـ ١٩٨٩ م.
٢١٨
ـ المجموع في شرح المهذب : للنووي أَبو
زكريا محيي الدين بن شرف المتوفى ٦٧٦ هـ ط دار الفكر بيروت.
٢١٩
ـ المحاضرات : للراغب الإصبهاني.
٢٢٠
ـ المحدِّث الفاصل : الرامهرمزي الحسين
بن عبدالرحمن المتوفى ٣٦٠ هـ تحقيق محمد عجاج الخطيب ط الاولى دار الفكر للطباعة
والنشر١٣٧١ هـ.
٢٢١
ـ المحلّى : لإبن حزم علي بن
أَحمد المتوفّى ٤٥٦ هـ ، ط مكتبة الجمهورية القاهرة بإشراف : زيدان أَبو المكارم.
٢٢٢
ـ مختصر تاريخ دمشق : لابن منظور محمد بن
مكرّم المتوفى ٧١١ هـ تحقيق ابراهيم الزيبق ط دار الفكر ١٤٠٨ هـ.
٢٢٣
ـ المدونة الكبرى : للإمام مالك بن أنس
، ط. دار صادر بيروت.
٢٢٤
ـ مرآة الجنان وعبرة اليقظان :
لليافعي عبدالله بن أَسعد المتوفّى ٧٦٨ هـ ، ط دار الكتاب الإِسلامي ، القاهرة ط ،
الثانية ١٤١٣ هـ.
٢٢٥
ـ المستدرك على الصحيحين : أَبو
عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري المتوفى ٤.٥ هـ ط دارالمعرفة ـ بيروت ـ
تحقيق المرعشلي.
٢٢٦
ـ المستفاد من ذيل تاريخ بغداد :
لابن الدمياطي أَحمد بن ايبك المتوفى ٧٤٩ هـ ط دار الكتب العلمية ـ تحقيق قيصر
أَبوفرح.
٢٢٧
ـ مسند أَحمد بن حنبل : أَبو عبدالله أَحمد
بن محمد بن حنبل المتوفّى ٢٤١ هـ المكتب الإِسلامي ، ودار الصادر ، بيروت ١٣٩٨ هـ.
٢٢٨
ـ مسند أبي يعلى : أحمد بن علي بن
المثنى التميمي المتوفى ٣٠٧ هـ ط. دار المأمون للتراث ـ دمشق ـ بيروت تحقيق حسين
سليم أسد ، ط الثانية ١٤١٠ هـ ١٩٨٩ م.
٢٢٩
ـ مسند الحميدي : للحميدي عبدالله بن
الزبير المتوفّى ٢١٩ هـ ، ط ، عالم الكتب بيروت ومكتبة المثنى القاهرة ، تحقيق
حبيب الرحمن الأَعظمي.
٢٣٠
ـ مسند الشهاب : للقضاعي محمّد بن
سلامة المتوفى ٤٥٤ هـ ط مؤسسة الرسالة بيروت ـ تحقيق السلفى ـ ط ـ ١٤٠٥ ـ ط
الاُولى.
٢٣١
ـ المسند الجامع لأحاديث الكتب الستة :
بشّار عواد وآخرون ـ ط الاولى ـ دار الجيل ـ بيروت شركة المتحدة ـ الكويت ١٤١٣ هـ.
٢٣٢
ـ مشكاة المصابيح : للخطيب التبريزي
محمد بن عبدالله المتوفى ٧٣٧ هـ ط.
المكتب الإسلامي
تحقيق ناصر الدين الألباني ط الثانية ١٤٠٥ هـ ١٩٨٥ م.
٢٣٣
ـ مشكل الآثار : للطحاوي المصري
الحنفي محمد بن سلامة المتوفى ٣٢١ هـ ط. دار الباز دائرة المعارف النظامية في
الهند ـ حيدر آباد ١٣٣٣ هـ.
٢٣٤
ـ مصابيح السُّنّة : للبغوي الحسين بن
مسعود الشافعي المتوفى ٥١٦ هـ تحقيق محمد حسن هيتو ط. الأولى.
٢٣٥
ـ المصنَّف : ابن أَبي شيبة أَبو
بكر بن عبدالله بن محمد بن ابراهيم بن أَبي شيبة المتوفى ٢٣٥ هـ ط ـ دار التاج
بيروت ط ـ الاولى ١٤١٤ هـ.
٢٣٦
ـ المصنَّف : أَبوبكر عبدالرزاق
بن همّام الصنعاني ـ المتوفى ٢١١ هـ ط ـ المكتب الإِسلامي ـ تحقيق ـ حبيب الرحمن
الأَعظمي ، ط الثانية ٣.١٤ هـ.
٢٣٧
ـ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول :
لابن طلحة كمال الدين بن محمد بن طلحة الشافعي المتوفى ٦٥٢ هـ تحقيق ماجد بن أحمد
العطيّة ط. مؤسسة أم القرى ١٤٢٠ هـ.
٢٣٨
ـ معاني الآثار : للطحاوي أَبو جعفر
أَحمد بن محمد سلامة المتوفّى ٣٢١ هـ.
٢٣٩
ـ معجم الأُدباء : لياقوت الحموي
المتوفى ٦٢٦ هـ ، طـ. دار المأمون مصر.
٢٤٠
ـ معجم الأَوسط : أَبو القاسم سليمان
بن أَحمد الطبراني المتوفى ٣٦٠ هـ ، طـ. مكتبة المعارف ـ الرياض ـ تحقيق محمود
الطحان ـ ط الاولى ١٤١٥ هـ / ١٩٩٥م.
٢٤١
ـ معجم البلدان : لياقوت الحموي
الرومي البغدادي المتوفى ٦٢٦ هـ ، طـ. دار صادر بيروت ١٣٩٩ هـ.
٢٤٢
ـ معجم الفرق الإسلامية : لشريف يحيى
الأمين ، ط. دار الأضواء بيروت ١٩٨٦ م.
٢٤٣
ـ معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة ـ ط
دار إِحياء التراث العربي.
٢٤٤
ـ المعجم الكبير : للطبراني سليمان بن
أَحمد المتوفّى ٣٦٠ هـ ، ط. الدار العربية للطباعة تحقيق حمدي عبدالمجيد السَّلفي.
٢٤٥
ـ المعرفة والتاريخ : للفسوي يعقوب بن
سفيان المتوفّى ٢٧٧ هـ ، ط مؤسسة الرسالة تحقيق أَكرم ضياء العمري.
٢٤٦
ـ معرفة علوم الحديث : للحاكم النيسابوري
محمد بن عبدالله المتوفّى ٤٠٥ هـ ، ط المكتب التجاري للطباعة والنشر ، تحقيق معظم
حسين.
٢٤٧
ـ المغني في الضُعفاء : أَبوعبدالله
الذَّهبي محمد بن أَحمد بن عثمان المتوفى ٧٤٨ هـ ط مؤسسة الرسالة تحقيق شعيب
الارنؤوط.
٢٤٨
ـ مقالات الأشعريين : للأشعري أبو الحسن
البصري المتوفى ٣٢٤ هـ ، ط. مكتبة النهضة المصرية ، ط. ثانية ١٣٨٩ هـ.
٢٤٩
ـ المقنع : لابن الملقن عمر بن
علي الأَنصاري المتوفى ٨٠٤ هـ تحقيق عبدالله بن يوسف الجديع ط دار فواز للنشر
السعودية.
٢٥٠
ـ مناقب أَبي حنيقة : للخوارزمي موفق بن
أَحمد المتوفّى ٥٦٨ هـ ط الكتاب العربي ـ بيروت ـ ١٤٠١ هـ ، ط الاُولى.
٢٥١
ـ مناقب الشافعي : للبيهقي أَحمد بن
الحسين المتوفّى ٤٥٨ هـ ، ط دار التراث القاهرة ط الأَولى ١٣٩٠ هـ.
٢٥٢
ـ مناهج المحدِّثين في رواية الحديث بالمعنى :
عبدالرزاق بن خليفة الشايجي ط دار ابن حزم للطباعة والنشر ـ بيروت ط ١٤١٩ هـ.
٢٥٣
ـ المنتظم : أَبو الفرج
عبدالرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى ٥٩٧ هـ ط دار الكتب العلمية بيروت تحقيق محمد
عبدالقادر عطا ، ط الاولى ١٤١٢ هـ ١٩٩٢م.
٢٥٤
ـ منتهى الآمال شرح حديث إِنّما الأَعمال :
للسيوطي جلال الدين عبدالرحمن بن أَبي بكر المتوفّى ٩١١ هـ.
٢٥٥
ـ المنخول : للغزالي أبو حامد
محمد بن محمد بن محمد ، ط. دار الفكر بيروت.
٢٥٦
ـ منهاج السنة : لابن تيمية احمد بن
عبدالحليم المتوفى ٧٢٨ هـ تحقيق محمّد رشاد سالم.
٢٥٧
ـ موضح أَوهام الجمع والتفريق :
للخطيب البغدادي أَحمد بن علي المتوفّى ٤٦٣ هـ ، ط دائرة المعارف العثمانية ،
تحقيق المعلمي اليماني.
٢٥٨
ـ المؤتلف والمختلف : للدارقطني علي بن
عمر البغدادي المتوفى ٣٨٥ هـ تحقيق موفق بن عبدالله ط دار الغرب الإِسلامي.
٢٥٩
ـ موسوعة فلاسفة ومتصوفة اليهودية :
عبدالمنعم الحفني ط المكتبة المدبولي.
٢٦٠
ـ الموضوعات : لابن الجوزي أبي
الفرج عبدالرحمن بن علي المتوفى ٥٩٧ هـ.
٢٦١
ـ ميزان الإِعتدال : للذَّهبي محمد بن
أَحمد المتوفّى ٧٤٨ هـ ، ط دار المعرفة ، بيروت تحقيق علي محمد البجاوي.
٢٦٢
ـ النبذ في أَصول الفقه الظاهري :
لابن حزم علي بن أَحمد الأَندلسي المتوفى ٤٥٦ هـ ط دار ابن حزم ـ بيروت ط ـ
الأَولى ١٤١٣ هـ.
٢٦٣
ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :
لإبن تغري يوسف بن تغري الأَتابكي المتوفّى ٧٨٤ هـ ، ط دار الكتب العلمية ـ
القاهرة.
٢٦٤
ـ نصب الراية لأحاديث الهداية :
للزيلعي جمال الدّين عبدالله بن يوسف الحنفي المتوفّى ٧٦٢ هـ ، ط ، دار احياء
التراث العربي للطباعة والنشر ـ بيروت ـ ط الثانية ١٤٠٧ هـ.
٢٦٥
ـ نثر الدر : لمنصور بن الحسين
الآبي ، ط. الهيئة المصرية للكتاب ، مصر.
٢٦٦
ـ نظرات جديدة في علوم الحديث :
د. حمزة عبدالله المليباري ط. المكتبة المكية مكة المكرمة السعودية ودار ابن حزم
ط. الأولى ١٤١٦ هـ ١٩٩٥ م.
٢٦٧
ـ النكت على ابن الصلاح : لابن حجر
العسقلاني أَحمد بن علي المتوفى ٨٥٢ هـ تحقيق ربيع بن هادي ط الجامعة الإِسلامية
بالمدينة المنورة.
٢٦٨
ـ النهاية في غريب الحديث : لابن الأثير
مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المتوفى ٦٠٦ هـ ت ، طاهر أحمد
الزاوي محمود محمد الطناجي ط. الأولى.
٢٦٩
ـ الوافي بالوفيات : خليل بن ايبك بن
عبدالله الصفدي ، المتوفى ٧٦٤ هـ ط.هلموت ريتر ، جمعية المستشرقين الالمانية.
٢٧٠
ـ وفيات الأَعيان : لابن خلكان أَحمد
بن محمد المتوفّى ٦٨١ هـ ، ط دار صادر ـ بيروت ، تحقيق : إِحسان عباس.
٢٧١
ـ الهداية : للمرغيناني ـ علي
بن أَبي بكر الفرغاني المتوفى ٥٩٣ ـ المطبوع مع نصب الراية.
٢٧٢
ـ هدية العارفين : إِسماعيل باشا
البغدادي ـ إِستنبول ١٩٥١م.
٢٧٣
ـ هدى الساري : ابن حجر العسقلاني
أَحمد بن علي المتوفّى ٨٥٢ هـ ، ط دار الإِفتاء المملكة العربية السعودية.
فهرس الموضوعات
تقديم : آية الله جعفر السبحاني............................................... الف
مع الإمام البخاري في صحيحه ............................................... الف
ترجمة شيخ الشريعة الإصبهاني.................................................. ح
شيخ الشريعة وثورة العشرين ................................................. يب
شيخ الشريعة وكتبه العلمية................................................... يج
كلمة المحقق................................................................. يد
مقدمة المؤلف .............................................................. ١٥
الفصل الأوّل
الإلزامات
المعاند وروايات المناقب ...................................................... ٢٥
الأمر الأول : البخاري وعدم روايته عن الصادق 7 .......................... ٣٩
مع العترة الطاهرة ........................................................... ٤٥
الأمر الثاني : يحيى بن سعيد القطّان ........................................... ٦٩
الأمر الثالث : اعتقاد البخاري بخلق القرآن .................................... ٧٣
الأمر الرابع : التعريف بالبخاري ............................................. ٨٩
الفصل الثاني
الروايات المتكلّم فيها
حديث : خِطبة عائشة ..................................................... ١٠٥
نسبة الخلاف إلى ابراهيم .................................................. ١٠٩
نسبة الخلاف إلى النبي 6 ............................................. ١١٥
حديث : احراق بيت النملة ................................................ ١١٦
حديث : تفضيل الخلفاء وتكذيب رواته ..................................... ١١٨
حديث : ليلة الإسراء ..................................................... ١٢٠
حديث : تفضيل زيد بن عمرو بن نفيل على النبي 6 ..................... ١٢٤
حديث : « كَذِب ابراهيم ثلاث كذبات » .................................. ١٣١
حديث امتناع علي بن أبي طالب عن صلاة الليل ............................. ١٣٢
ابن تيمية وطاعة أولى الأمر ................................................. ١٤٠
ابن حجر العسقلاني ومعرفته بابن تيمية ...................................... ١٤٢
ابن حجر المكي ومعرفته بابن تيمية .......................................... ١٤٥
حديث : خِطبة بنت أبي جهل .............................................. ١٤٩
حديث : الاستسقاء للكفار ................................................ ١٥٢
حديث : أخذ الأجرة على القرآن .......................................... ١٥٤
حديث : فيه تكذيب ( وإن طائفتان ... ) .................................. ١٥٥
أبوحنيفة يكذّب حديث أبي هريرة .......................................... ١٥٧
ابن حزم وتكذيب حديث المعازف .......................................... ١٦٠
الفصل الثالث
مشاهير الرواة في حديث السنة
عبدالله بن عمر بن الخطاب ................................................. ١٦٥
عبدالله بن عمر لم يبايع علي بن أبي طالب ................................... ١٦٦
عبدالله بن عمر وبيعته ليزيد والحجاج ....................................... ١٦٧
عبدالله بن عمر يخالف علي بن أبي طالب .................................... ١٧٠
عبدالله بن عمرو بن العاص ................................................. ١٧٥
عمرو بن العاص ومعاوية................................................... ١٧٨
عبدالله بن عمرو بن العاص في كلام معاوية .................................. ١٨١
عبدالله بن الزبير .......................................................... ١٨١
عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عباس .......................................... ١٩٥
عبدالله بن الزبير وخدعته لعائشة ............................................ ١٩٧
عبدلله بن الزبير ومحاصرته لبني هاشم ........................................ ٢٠٣
عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري ......................................... ٢٠٩
أبو موسى كان مخالفاً لعلي بن أبي طالب .................................... ٢١٤
أبو هريرة الدوسي ........................................................ ٢٢٦
أبوحنيفة يطعن على أبي هريرة .............................................. ٢٣٣
سبط ابن الجوزي......................................................... ٢٣٧
المصادر والمراجع .......................................................... ٢٤١
فهرس المحتويات ........................................................... ٢٧٣
*
* *
|