كتاب المتاجر

وفيه مقاصد :

الأول : في المقدّمات ، وفيه فصلان :

الأول : في أقسامها.

وهي تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة :

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم‌

قوله : ( كتاب المتاجر ).

هي : جمع متجر ، هو : إما مصدر ميمي بمعنى التجارة كالمقتل بمعنى القتل ، أو اسم موضع وهي الأعيان التي تكتسب بها ، والأول أليق بمقصود الفن ، فانّ الفقه باحث عن فعل المكلف ، فالمناسب أن يكون موضوع أبوابه بعض موضوعه ، والأعيان هي متعلقات فعل المكلف.

واعلم أن التجارة قد عرّفها الأصحاب في الزكاة بشي‌ء يستفاد من تعريفهم مال التجارة ، وهي : عقد المعاوضة إلى آخره ، فيعتبر في كونها تجارة قصد الاكتساب ، سواء كان بعقد البيع أو الصلح أو غيرهما ، وظاهرهم في هذا الباب عدم اشتراط قصد الاكتساب ، بل عمموا التجارة هنا في مطلق المكاسب ، والشيخ وجماعة أفردوا كتابا للمكاسب وآخر للبيع ، وكأنه أولى مما فعله المصنف.

قوله : ( وهي تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة ).

لمّا لم يكن البيع والتجارة عبادة في أصله كان حقه أن يستوي طرفاه إلا لمرجّح من خارج ، والمرجّح لأحدهما لما تفاوت جاءت فيه الأحكام الأربعة ،


فمنه واجب ، وهو : ما يحتاج الإنسان إليه لقوته وقوت عياله ، ولا.وجه له سوى المتجر.

______________________________________________________

بخلاف العبادة ، فإنه يمتنع فيها استواء الطرفين. ولا شك أنّ هذا التقسيم ليس من خصوصيات التجارة ، بل أكثر الأبواب أو كلّها كالصلح والإجارة يجري فيه ذلك.

واعلم أنّ هذا ليس من مقصود العقود ، لأن الفقيه يبحث عنها من حيث تصح وتفسد ومن حيث تحل وتحرم ، أما من حيث يكون متعلق الثواب أم لا فانّ ذلك من غرض العبادة ، وإن كان لا محذور فيه ، لأنّ الشي‌ء الواحد قد يكون معاملة وبضميمة شي‌ء آخر يكون عبادة.

قوله : ( فمنه واجب ).

حق هذا الضمير أن يكون مؤنثا ، ليعود إلى الأقسام.

قوله : ( وهو ما يحتاج إليه الإنسان لقوته وقوت عياله ).

كان عليه أن يدرج مطلق المؤنة من قوت وكسوة وسكنى ، وأن يبين أن المراد بمؤنته : القدر الضروري في قوام بدنه ـ وأما قوت عياله فيراد به : ما يجب شرعا وإن زاد على قدر الضرورة ـ وأن يدرج فيه ما يدفع به حاجة المضطر مما يجب على الكفاية ، وأن يدرج فيه أيضا مطلق التجارة التي بها يتحقق نظام النوع ، فانّ ذلك من الواجبات الكفائية وإن زاد على ما ذكرناه.

قوله : ( ولا وجه له سوى المتجر ).

كان حقه أن يقول : وليس عنده ما يدفع به الحاجة ، لأنه إذا لم يكن عنده ما يدفع به الحاجة ، وله وجوه في تحصيله ـ أحدها التجارة ـ تكون التجارة حينئذ واجبا مخيرا ، وهو أحد أقسام الواجب ، فلا يجوز إخراجه بهذا القيد ، إلا أن‌


ومندوب ، وهو : ما يقصد به التوسعة على العيال ، أو نفع المحاويج مع حصول قدر الحاجة بغيره.

ومباح ، وهو : ما يقصد به الزيادة في المال لا غير ، مع الغنى عنه.

______________________________________________________

يراد بالتجارة : جميع أنواع الاكتساب على الإطلاق ، وهو بعيد ، وإن كان الباب جامعا لمعظم هذه الأقسام ، فانّا نظنّ أن ذكر كثير منها من قبيل الاستطراد.

قوله : ( ومندوب ، وهو : ما يقصد به التوسعة على العيال ، أو نفع المحاويج مع حصول قدر الحاجة بغيره ).

التقييد بالقصد يقتضي أن من قصد التوسعة بتجارته وليس عنده ما يموّن به عياله تكون تجارته مندوبة ، وليس بشي‌ء ، فينبغي إسقاط القصد ، ويقال : هو ما به التوسعة ، لأن القصد معتبر في مطابقة فعل المكلف لما يطلب منه.

ويستفاد من قوله : ( التوسعة ) أن قدر الواجب مندفع بغير هذه التجارة ، ولا فائدة في التقييد بالمحاويج ، فان مطلق نفع المؤمنين مستحب ، فالتجارة له كذلك.

واحترز بـ ( حصول قدر الحاجة بغيره ) عن الاكتساب لدفع ضرورتهم ، فإنه واجب حينئذ ، فيكون قيدا في المحاويج خاصة.

واعلم أنه بعد حصول قدر الحاجة لا يعدّون محاويج ، ولعله يريد الحاجة التي لا ينافيها الغنى ، فيكون المعنى : ونفع المحاويج الى النفع إلى آخره ، فيندفع عن العبارة ذلك ، ولا بد من التقييد بعدم منافاته شيئا من الواجبات.

قوله : ( ومباح ، وهو : ما يقصد به الزيادة في المال ).

لو قال : وهو ما يكون زيادة في المال فقط لكان أولى ، إلا أن يراد ما من شأنه ذلك.


ومكروه ، وهو : ما اشتمل على وجه نهى الشرع عنه نهي تنزيه ، كالصرف ، وبيع الأكفان والطعام والرقيق ، واتّخاذ الذبح والنحر صنعة ، والحياكة والنساجة ، والحجامة مع الشرط ،

______________________________________________________

قوله : ( ومكروه ، وهو : ما اشتمل على وجه نهى الشرع عنه نهي تنزيه ، كالصرف ، وبيع الأكفان والطعام والرقيق ).

تعليل كراهة الصرف في الاخبار : بكون الصيرفي لا يكاد يسلم من الربا ، وكراهة بيع الأكفان : بان صاحبه يسره الوباء ، وكراهة بيع الطعام : بأنه لا يسلم من الاحتكار ، وكراهة بيع الرقيق : بأن شرّ الناس من باع الناس ، وكراهة كونه جزارا : بسلب الرحمة (١) ، يشعر بأن المراد : كراهة اتخاذ هذه الأشياء صنعة ، فلو عرض فعل شي‌ء منها نادرا لم يكن مكروها ، كما لو احتاج إلى صرف دينار ونحو ذلك.

قوله : ( والحياكة والنساجة ).

إنما كرهتا لضعتهما وسقوط صاحبهما عند الناس ، والظاهر أنه لا تفاوت بينهما في المدلول ، ويمكن اختصاص إحداهما ببعض الأنواع ، كأن تكون الحياكة للغليظة ، والنساجة لضده ونحو ذلك.

قوله : ( والحجامة مع الشرط ).

أي : مع اشتراط الحجّام الأجرة ، فلا يكره لو فعل ولم يشترطها وإن بذلت له ، ولا بأس بأكلها حينئذ كما وردت به الأخبار (٢).

ويستحب لمن يحتجم أن يشترط قبل الفعل ، لأنه أبعد عن النزاع ، وله أن يماكس ، فكراهة الاشتراط من قبل الحجّام خاصة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٤ حديث ٤ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ٩٦ حديث ٣٦٩ ، التهذيب ٦ : ٣٦١ ـ ٣٦٣ حديث ١٠٣٧ ، ١٠٣٨ ، ١٠٤١ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ ـ ٦٤ حديث ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٢.

(٢) الكافي ٥ : ١١٥ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ حديث ١٠٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ حديث ١٩٠.


والقابلة معه ، واجرة الضراب ، وكسب الصبيان ، وغير المجتنب للحرام ، واجرة تعليم القرآن ،

______________________________________________________

قوله : ( والقابلة معه ).

أي : مع الشرط كما قلناه في الحجّام.

قوله : ( واجرة الضراب ).

وحرّمها بعض العامة (١) ، محتجا بحديث تضمّن النهي (٢) ، وعندنا أنه مكروه ، ولم يثبت ما يقتضي التحريم. ولو دفع إلى صاحب الفحل هدية أو كراية فلا بأس.

وينبغي أن يوقع العقد على العمل ، ويقدره بالمرة والمرتين لا مدة معلومة كما ذكره بعض العامة (٣) ، إلاّ أن يكتري لماشية كثيرة ، فإنّ إجارته حينئذ تقدّر بالمدة. ولو غصب فحلا فأنزاه فلصاحبه الأجرة ، والولد لصاحب الأنثى.

قوله : ( وكسب الصبيان ).

إذا لم يعلم أنه من موضع حلال. في الحديث : النهي عن كسب الصبي الذي لا صنعة له ، فإنه إن لم يجد سرق ـ فعلى المصنف التقييد ـ وكذا الأمة التي لا صنعة لها ، فإنها إذا لم تجد زنت (٤) ، وكذا كسب من لا يجتنب الحرام (٥).

قوله : ( واجرة تعليم القرآن ).

وقيل بتحريمها (٦) ، والأصح الكراهة ، إلا فيما يجب تعلّمه عينا ، أو تخيير‌

__________________

(١) ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم ، راجع فتح العزيز ٨ : ١٩١ ، المجموع ١٥ : ٤ ، الوجيز ١ : ١٣٨ ، ٢٣١ ، المغني لابن قدامة ٦ : ١٤٨ ، المبسوط للسرخسي ١٥ : ٨٣.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٧ حديث ٣٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٢ حديث ١٢٩١ ، ١٢٩٢ ، مسند أحمد ٢ : ١٤.

(٣) نسبه ابن قدامة الى القيل ، راجع المغني ٦ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٨ حديث ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ حديث ١٠٥٧.

(٥) الكافي ٥ : ٣١١ حديث ٣٤.

(٦) قاله أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٨٣.


وتعشير المصحف بالذهب ، والصياغة ، والقصابة ، وركوب البحر للتجارة ، وخصاء الحيوان ، ومعاملة الظالمين والسفلة والأدنين والمحارفين‌

______________________________________________________

وهما : الحمد والسورة ، أو كفاية كالمعتبر في الاجتهاد ، أو ما يكون به بقاء تواتر القرآن.

قوله : ( وتعشير المصحف بالذهب ).

ولا يحرم للرواية (١) ، وكتابة القرآن بالذهب أشد كراهة ، والظاهر أن كتبة الأحزاب بالذهب وجدوله به ونقشه كالتعشير.

قوله : ( والصياغة ).

للنهي عن اتخاذها صنعه في الحديث (٢).

قوله : ( والقصابة ).

للنهي أيضا عنها (٣) ، والفرق بينها وبين الذبح والنحر معلوم.

قوله : ( وركوب البحر للتجارة ).

لورود النص بذلك (٤) ، وهذا إذا غلب السلامة ، حيث لا يكون محل هيجان البحر.

قوله : ( وخصاء الحيوان ).

وقيل بتحريمه (٥) ، وفي حكمه الجبّ والوجاء.

قوله : ( ومعاملة الظالمين والسفلة ).

هو بكسر السين وسكون الفاء ، أو فتحه مع كسر الفاء : أسافلهم وإسقاطهم ، وهم قريب من الأدنين.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦٠ حديث ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ حديث ١٠٥٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٢ حديث ١٠٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٣ حديث ٢٠٩.

(٣) المصدر السابق.

(٤) الكافي ٥ : ٢٥٦ باب ركوب البحر للتجارة ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ حديث ١١٥٨ ـ ١١٦٠.

(٥) ذهب إليه أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٢٨١ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٤٥.


وذوي العاهات والأكراد ـ ومجالستهم ومناكحتهم ـ وأهل الذمة.

ومحظور ، وهو : ما اشتمل على وجه قبح ، وهو أقسام :

الأول : كلّ نجس لا يقبل التطهير : سواء كانت نجاسته ذاتية‌

______________________________________________________

وقد فسّر : بمن لا يبالي بما قال ولا بما قيل له ، أو الذي يضرب بالطنبور ، أو الذي لم يسرّه الإحسان ولم تسؤه الإساءة ، أو الذي ادّعى الأمانة وليس لها بأهل. ولا ريب أنّ من اجتمعت فيه هذه الخصال ، أو وجد فيه بعضها اجتنبت مخالطته (١). وفي الحديث : النهي عن مخالطة من لم ينشأ في الخير (٢).

قوله : ( وذوي العاهات ).

في الأخبار النهي عن ذلك ، والتعليل بأنهم أظلم شي‌ء (٣).

قوله : ( والأكراد ومجالستهم ومناكحتهم ).

في الحديث : النهي عن ذلك ، والتعليل بأنهم حيّ من الجن كشف عنهم الغطاء (٤).

قوله : ( وأهل الذمة ).

للنهي عن ذلك (٥).

قوله : ( الأول : كل نجس لا يقبل التطهير ).

أي : الأول من أقسام المحظور من التجارة : الاكتساب بـ ( كل نجس‌

__________________

(١) قال الصدوق في الفقيه ٣ : ١٠٠ : قال مصنف هذا الكتاب ـ 2 ـ : جاءت الأخبار في معنى السفلة على وجوه : فمنها : أن السفلة هو الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، ومنها : ان السفلة من يضرب بالطنبور ، ومنها : ان السفلة من لم يسره الإحسان ولا تسوؤه الإساءة. والسفلة : من ادعى الامانة وليس لها بأهل ، وهذه كلها أوصاف السفلة من اجتمع فيه بعضها أو جميعها وجب اجتناب مخالطته.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٨ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ حديث ٣٨٨ ، التهذيب ٧ : ١٠ حديث ٣٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٨ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ حديث ٣٨٩ ، التهذيب ٧ : ١٠ حديث ٣٥.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ حديث ٣٩٠ ، التهذيب ٧ : ١١ حديث ٤٢.

(٥) الفقيه ٣ : ١٠٠ حديث ٣٩١.


ـ كالخمر ، والنبيذ ، والفقاع ، والميتة ، والدم ، وأبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثها ، والكلب والخنزير وأجزائهما ـ أو عرضية ، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير ، إلاّ الدهن النجس لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة.

______________________________________________________

لا يقبل التطهير ). وأراد بـ ( النجس ) : ما كان عين نجاسة ، أو منجّسا بأحد الأعيان النجسة ، ولهذا قسّمه إلى : ما نجاسته ذاتية ، وما نجاسته عرضية ، وغاية ما فيه أن يريد باللفظ حقيقته ومجازه معا ، ومدار جواز البيع للأعيان وعدمه على وجود المالية المترتبة على كونه في العادة ذا نفع غالب مقصود.

واحترز بعدم قبول التطهير عن المتنجس الذي يقبله ، جامدا كان كالثوب ، أو مائعا كالماء ، فإنه يجوز بيعه كما سيأتي.

قوله : ( كالخمر والنبيذ ).

ضابطه : كل مسكر مائع بالأصالة ، والخمر من العنب ، والنبيذ من التمر.

قوله : ( والفقاع ).

قد سبق تعريفه.

قوله : ( والكلب والخنزير ).

وفرعهما مع حيوان آخر إذا عدّ كلبا وخنزيرا.

قوله : ( وأجزائهما ).

وإن لم تحلها الحياة ، لأنها نجسة ، خلافا للمرتضى (١) على ما سبق.

قوله : ( إلاّ الدهن النجس لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة ).

أراد بقوله خاصة : بيان حصر جواز الاستصباح به تحت السماء ، فلا يجوز تحت الظلال على الأصح ، وليس لنجاسة دخانه على الأصح ، بل هو تعبد ،

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٨.


ولو كانت نجاسة الدهن ذاتية ، كالألية المقطوعة من الميتة أو الحية لم يجز الاستصباح به ولا تحت السماء.

ويجوز بيع الماء النجس لقبوله الطهارة.

والأقرب في أبوال ما يؤكل لحمه التحريم للاستخباث ، إلاّ بول الإبل‌ للاستشفاء.

______________________________________________________

وليس المراد بـ ( خاصة ) : بيان حصر الفائدة كما هو ظاهر.

وقد ذكر شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : أنّ في رواية : جواز اتخاذ الصابون من الدهن النجس ، وصرّح مع ذلك بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده كطلي الدواب.

قيل : إن العبارة تقتضي حصر الفائدة ، لأن الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر ، فانّ المعنى في العبارة : إلا الدهن النجس لهذه الفائدة.

قلنا : ليس المراد ذلك ، لأن الفائدة بيان لوجه الاستثناء ، أي : إلا الدهن النجس لتحقق فائدة الاستصباح ، وهذا لا يستلزم الحصر ، ويكفي لصحة ما قلناه تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر.

قوله : ( لم يجز الاستصباح به ولا تحت السماء ).

في حواشي الشهيد نقل عن المصنف : بجواز ذلك في الدهن الذي هو نجاسة ، محتجا بالعموم. وهو بعيد ، لثبوت النهي عن الانتفاع بالميتة.

قوله : ( ويجوز بيع الماء النجس لقبوله الطهارة ).

وكذا كلّ ما عرض له التنجيس إذا أمكن التطهير ، وإنما اقتصر على ذكر الماء مع أن الحكم يعم غيره ، اكتفاء بإفادة ثبوت الحكم في كل موضع يثبت.

قوله : ( والأقرب في أبوال ما يؤكل لحمه التحريم للاستخباث ، إلاّ بول الإبل للاستشفاء ).


والأقرب جواز بيع كلب الصيد والماشية والزرع والحائط ، وإجارتها ،

______________________________________________________

ومال المصنف في المنتهى (١) والمختلف (٢) إلى جواز بيعها ، وحكاه عن المرتضى مدعيا فيه الإجماع (٣) ، والأصح الجواز إن فرض لها نفع مقصود محلّل ، أما بول الإبل فيجوز بيعه إجماعا.

ويجوز بيع أرواث ما يؤكل لحمه ، لأنه عين مملوكة طاهرة ينتفع بها في الزرع وغيره ، وبه صرح في المنتهى (٤).

قوله : ( والأقرب جواز بيع كلب الصيد والماشية والزرع والحائط ).

الخلاف فيما عدا كلب الصيد ، صرح به في المنتهى (٥) ، والأصح الجواز ، ولعل مقصود العبارة : ثبوت الخلاف في

المجموع من حيث هو هو ، وفي حكمها كلب البيت إذا اتخذ لحراسته ، كما صرح به في المنتهى (٦) ، والحائط : هو البستان.

قوله : ( وإجارتها ).

أي : إجارتها وكذا وكذا جائزة ، فهو من عطف جملة على جملة.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٠٨.

ملاحظة : في المنتهى : (. أما البول : فان كان بول ما لا يؤكل لحمه فكذلك حرام بيعه وثمنه وشراؤه لأنه نجس كالدم ، واما بول ما لا يؤكل لحمه فإنه طاهر ، فيجوز بيعه حينئذ ، قال السيد المرتضى : وادعي عليه الإجماع ).

فالظاهر أن في النسخة اشتباه ، إذ الصحيح : وأما بول ما يؤكل لحمه بقرينة ما قبله.

(٢) المختلف : ٣٤٠.

(٣) حكاه في المنتهى عن السيد المرتضى ، ولم نعثر على قول السيد بجواز بيع أبوال ما يؤكل لحمه ، لكن في الانتصار : ٢٠١ ، والناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٦ ، الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه ، فيحتمل ان ما نقله العلامة في المنتهى عن السيد هو الإجماع على طهارة ما يؤكل لحمه لا جواز بيعه ، واستفاد من الطهارة جواز البيع ، فتأمل.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠٠٨.

(٥) المنتهى ٢ : ١٠٠٩.

(٦) المنتهى ٢ : ١٠١٠.


واقتناؤها ـ وإن هلكت الماشية ـ والتربية.

ويحرم اقتناء الأعيان النجسة ، إلاّ لفائدة ، كالكلب ، والسرجين لتربية الزرع ، والخمر للتخليل ، وكذا يحرم اقتناء المؤذيات ، كالحيات والسباع.

الثاني : كلّ ما يكون المقصود منه حراما :

______________________________________________________

قوله : ( واقتناؤها وإن هلكت الماشية ).

أراد : وإن حصد الزرع وإن باع الحائط ، اكتفاء بما ذكره.

ولا إشكال في ذلك إذا كان في نيته العود إلى شي‌ء منها ، أما إذا لم يكن فالظاهر الجواز للقنية ، استصحابا لما ثبت.

قوله : ( والتربية ).

أي : تربية الجر والصغير ، وإن لم يكن له أحد هذه الأمور بالفعل ، لرجاء أحدها.

قوله : ( ويحرم اقتناء الأعيان النجسة ... ).

أما البيع فلا يجوز على كل حال كما سبق ، لأن الفائدة الموجودة في شي‌ء منها لا تصيرها مالا يقابل بمال.

والسرجين : بكسر السين ، نص عليه في القاموس (١).

قوله : ( الثاني : كلّ ما يكون المقصود منه حراما ).

أي : ما المراد منه على حالته التي هو فيها الأمر المحرم ، فان آلات اللهو الغرض الأصلي منها على هذا الوضع المخصوص هو المحرم ، وإن أمكن الانتفاع بها على حالتها في أمر آخر فهو مع ندرته أمر غير مقصود بحسب العادة ، ولا أثر لكون رضاضها بعد تكسيرها مما ينتفع به في المحلل ويعد مالا ، لأن بذل المال في مقابلها وهي على هيئتها بذل له في المحرم الذي لا يعدّ مالا عند الشارع.

__________________

(١) القاموس ٤ : ٢٣٤ وفيه : السرجين والسرقين بكسرهما : الزبل معربا سركين بالفتح.


كآلات اللهو كالعود ، وآلات القمار كالشطرنج ، وهياكل العبادة كالصنم ،

______________________________________________________

نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها ، وكان المشتري موثوقا بتقواه وأنه يكسرها ، أمكن القول بصحة البيع.

ومثله : باقي الأمور المحرمة ، مثل أواني النقدين والصنم ، وهل يلحق بذلك بيع نحو الدبس النجس ، على ان يمزج بالماء إلى أن يصير ماء؟ يحتمل ذلك ، لوجود المقتضي ، ولا أعلم فيه تصريحا لأحد.

وهل الصور المعمولة من هذا القبيل؟ ألحقها به بعض العامة (١) ، ولم أجد مثله في كلام أصحابنا ، ويمكن عدم اللحاق ، نظرا إلى أن الصور وإن حرم عملها فلا دليل يدل على تحريم اقتنائها ، إذ ليس المقصود منها محض التحريم ، ولو حرم الاقتناء لحرم حفظ ما هي فيه من ستر ونحوه ولم يجز بيعه ، وفي بعض الأخبار ما يدل على خلافه ، نعم لو كانت تعبد فهي أصنام.

إذا تقرر هذا ، فتقدير العبارة : الثاني من أقسام المحظور من التجارة : الاكتساب بكل ما يكون إلى آخره.

وقوله : ( كآلات اللهو ).

تقديره : كالاكتساب بآلات اللهو ، وإنما احتجنا إلى هذا التكلف ، لأن قوله فيما بعد : ( وبيع السلاح ) إن قرئ بالجر عطفا على آلات اللهو كان من الأعيان التي المقصود منها الحرام لا من أقسام الاكتساب ، وهو معلوم البطلان ، أو بالضم على أنه محذوف الخبر لم يكن من القسم الذي المقصود منه الحرام ، إلاّ أن يقال : هذا ليس مما لا يقصد منه إلا الحرام باعتبار شأنه ، فإنه يقصد به كل من الحرام والحلال ، ولكن بالعارض يقصد به الحرام ، فلا حاجة إلى التكلّف السابق في التقدير ، ويقرأ : ( وبيع السلاح ) وما عطف عليه من : ( بيع العنب ليعمل‌

__________________

(١) حكي عن الشافعي في بعض الوجوه التي رويت عنه حرمة بيع الصور المعمولة من الذهب والفضة وغيرهما. وقال الرافعي ـ من أصحاب الشافعي ـ : والمذهب البطلان مطلقا ، قال : وبه قطع عامة الأصحاب. راجع المجموع ٩ : ٢٥٦ ، وفتح العزيز ٨ : ١٢٠.


وبيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ، وإجارة السفن والمساكن للمحرمات ،

______________________________________________________

خمرا ) وما بعده بالرفع ، على تقدير الخبر لفظ : كذلك ونحوه.

قوله : ( وبيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ).

لا مانع من أن يراد بالمسلمين : المسلمون حقيقة ، والخوارج والغلاة ونحوهم داخلون في أعداء الدين ، ويدخل في قوله : ( وإن كانوا مسلمين ) قطّاع الطريق والمحاربون ونحوهم ، لأنهم أعداء الدين باعتبار المخالفة ، وكونهم حربا واستحقاقهم القتل ـ وإن كان لا يخلو من تكلّف ـ يبعث عليه ثبوت تحريم البيع عليهم على الأصح.

وهذا الحكم إنما هو في حال عدم الهدنة كما دلت عليه الرواية (١) ، بشرط أن لا يعلم منهم إرادة دفع الكفار به ، فان علم ذلك جاز كما وردت به الرواية (٢) أيضا ، وهذا إنما هو فيما لا يعد جنّة : كالدرع ، والبيضة ، والخف ، والتجفاف ـ بكسر التاء : وهو ما يلبس للخيل ـ فلا يحرم نحو هذه ، وسيأتي في آخر هذا المبحث في كلام المصنف ، وقد كان موضعه اللائق به هنا.

قوله : ( وإجارة السفن والمساكن للمحرمات ).

أي : بهذا القيد ، فلو أجرها ممن يتعاطاها لم يحرم على الأصح ، للأصل ولعموم( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) ولأنه المفهوم من حسنة عمر بن أذينة ، حيث كتب إلى أبي عبد الله 7 يسأله عن بيع الخشب ممن يعمله صلبانا ، فقال :« لا » (٤) فان المتبادر منها البيع على هذا الوجه ، أعني : اتخاذه صلبانا ، نعم ، هو مكروه لأنه مظنّة ذلك. ومتى باع في شي‌ء من هذه المواضع التي يحرم فيها البيع ، أو فعل شيئا من أنواع الاكتسابات بهذه الأشياء المحرمة حيث يحرم كان باطلا ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٢ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ حديث ١٠٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ حديث ١٨٧.

(٢) الكافي ٥ : ١١٣ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ حديث ١٠٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ حديث ١٨٨.

(٣) المائدة : ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٦ حديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ حديث ١٠٨٢ و ٧ : ١٣٤ حديث ٥٩٠.


وبيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ـ ويكره بيعهما على من يعمله من غير شرط ـ والتوكيل في بيع الخمر وإن كان الوكيل ذميا.

وليس للمسلم منع الذمي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرا ، ولو اجره لذلك حرم.

ولو استأجر دابة لحمل الخمر جاز إن كان للتخليل أو الإراقة ، وإلاّ حرم ، ولا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح.

الثالث : بيع ما لا ينتفع به : كالحشرات ، كالفأر‌

______________________________________________________

نظرا إلى أن النهي راجع إما إلى أحد العوضين ، أو إلى أحد المتعاقدين.

قوله : ( وبيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ).

أي : بهذا القيد ، وإلا فلا يحرم على الأصح ، لانتفاء المقتضي كما سبق.

قوله : ( ويكره بيعهما على من يعمله ).

أي : على من يعمل كلاّ من الخمر والصنم.

قوله : ( والتوكيل في بيع الخمر ).

أي : من المسلم ، لعدم جواز هذا الفعل منه ، وكذا الاستنابة فيه ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، ومن ثم لم يفترق الحال بكون الوكيل ذميا.

قوله : ( ولو اجره لذلك حرم ).

لأن إظهار ذلك للمسلمين ممنوع منه ، فكيف يجوز اشتراطه؟

قوله : ( ولا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح ).

أي : لأعداء الدين ، وهذا ما أشرنا إليه سابقا.

قوله : ( الثالث : بيع ما لا ينتفع به ).

ليست هذه العبارة بتلك الحسنة ، وكان الأولى أن يسكت عن البيع ، ليكون هذا أيضا من أقسام الاكتسابات المحرمة.

قوله : ( كالحشرات كالفأر والحياة ... ).


والحياة والخنافس والعقارب ، والسباع مما لا يصلح للصيد : كالأسد والذئب والرخم والحدأة والغراب وبيضها ، والمسوخ برية : كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع والدّب ، أو بحرية : كالجري والسلاحف والتمساح.

ولو قيل بجواز بيع السباع جمع لفائدة الانتفاع بذكاتها إن كانت مما تقع عليها الذكاة كان حسنا.

______________________________________________________

المراد بها : ما يتحشر ويتحجر في الأرض ، وفي حواشي شيخنا الشهيد : أنّ فيه دقيقة يعلم منها عدم وقوع الذكاة على الحشرات ، ولعله أراد باعتبار ما سيأتي من تعليل جواز بيع السباع لفائدة الانتفاع بذكاتها ، والظاهر أنّ عدم وقوع الذكاة على الحشرات موضع إجماع.

قوله : ( والغراب ).

لا بد من أن يراد بما لا يجوز بيعه : ما لا يؤكل لحمه ، أمّا ما يحل ، وهو :غراب الزرع ونحوه فيجب القول بجواز بيعه للنفع المحلل.

قوله : ( والمسوخ برية كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع ).

لأن هذا القصد ليس مما يعتد به ، ولا يوثق بحصوله ليعد مقصودا نفعه بحسب العادة ، والظاهر أنّ المسوخ مضمومة الميم ، مثل : دروس ودروب وبحور ونحوها.

قوله : ( أو بحرية كالجرّيّ ).

هو بكسر الجيم وتشديد الراء والياء : سمك طويل أملس لا فلس له.

قوله : ( ولو قيل بجواز بيع السباع أجمع لفائدة الانتفاع [ بذكاتها ] (١) إن كانت مما تقع عليها الذكاة كان حسنا ).

ما حسنه المصنف حسن ، وقوله : ( إن كانت ... ) احتاط به ، لإمكان أن يكون في السباع البحرية ما لا يقع عليه الذكاة وإن كان غير معلوم الآن.

__________________

(١) لم ترد في « س » و « م » ، وأثبتناها من خطية القواعد لاقتضاء الشرح لها.


ويجوز بيع الفيل والهرة ، وما يصلح للصيد كالفهد ، وبيع دود القزّ ،

______________________________________________________

وهكذا ينبغي القول في المسوخ ، وهو الذي يفهم من كلام المصنف في المختلف (١) والمنتهى (٢) ، وهو اختيار ابن إدريس (٣) ، وقوّته ظاهرة ، إذ لا مانع من وقوع الذكاة عليها ، وإنكار الشيخ ضعيف (٤) ، وحينئذ فالانتفاع بجلودها وشحومها لا مانع منه ، لطهارتها على ذلك التقدير.

قوله : ( ويجوز بيع الفيل ).

أي : وإن منعنا بيع المسوخ ، لورود النص على الانتفاع بعظامه (٥).

قوله : ( والهر ، وما يصلح للصيد كالفهد ).

أي : وإن منعنا بيع السباع.

قوله : ( وبيع دود القزّ ).

لانه حيوان طاهر ينتفع به في المحلل ، وكذا بزره ، لكن يراعى في بزره الوزن ، ويكفي فيه المشاهدة إن كان يباع عادة جزافا اتّباعا للعرف ، وسيأتي‌

__________________

(١) المختلف : ٣٤١.

قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٣ : وقد جوز هو ـ أي العلامة في المختلف ـ بيع الجميع ، وعبارته كأنها صريحة في ذلك ، لكن كلام جامع المقاصد يعطي انه ليس بتلك الصراحة حيث قال :يفهم من المختلف.

(٢) ذهب العلامة في المنتهى ٢ : ١٠١٦ الى تحريم بيع المسوخ برية كانت كالقرد والدب أم بحرية كالجري والمارماهي والسلاحف والرفاف. وفي ص ١٠١٧ ذهب الى جواز بيع الفيل ، وهو من المسوخ ، فما نسبه اليه المحقق الكركي من القول بجواز بيع المسوخ أجمع غير موجود في المنتهى الذي بين أيدينا ، والله أعلم.

(٣) السرائر : ٢٠٧.

قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٣ : وأول من خالف ابن إدريس في خصوص الفيلة والذئبة فجوز بيعها ، فنسبة الخلاف إليه في الجميع ـ كما في جامع المقاصد ـ لم تصادف محلها كما يظهر ذلك لمن لحظ جميع كلامه وجمع بين أطرافه.

(٤) النهاية : ٣٦٤.

(٥) الكافي ٥ : ٢٢٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٣٣ حديث ٥٨٥.


وبيع النحل مع المشاهدة وإمكان التسليم ، وبيع الماء والتراب والحجارة وإن كثر وجودها.

ويحرم بيع الترياق لاشتماله على الخمر ولحم الأفاعي ، ولا يجوز شربه للتداوي ، إلاّ مع خوف التلف.

______________________________________________________

ضابطه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وبيع النحل مع المشاهدة وإمكان التسليم ).

المراد بالمشاهدة له : من حيث الجملة ، بحيث يعلم قلّته من كثرته ، وترتفع الجهالة عن قدره ، وإن لم يشاهد كل واحدة واحدة ، فلو ستر بعضه ببعض فلم ير ذلك البعض ، لكن شاهد الجملة كفى في صحة البيع ، ولو بيعت في كوّاراتها (١) صح مع المشاهدة ، ويدخل ما فيها من العسل تبعا ، كاللبن في الضرع إذا بيعت الشاة ، وكأساس الحائط مع بيعه ، كذا ذكره المصنف في المنتهى (٢). ولا بد من إمكان التسليم كغيره من المبيعات.

قوله : ( وبيع الماء والتراب ... ).

ولو على الشاطئ ، وحيث يحفر التراب ، لأنهما متمولان.

قوله : ( ويحرم بيع الترياق ).

هو بكسر التاء : مركب معروف يشتمل على الخمر ولحوم الأفاعي ، فيحرم بيعه لذلك ، فانّ هذا المركب لا يعد مالا ، لأن بعضه من الأعيان النجسة والمحرمة فلا يقابل بالمال ، لكن الترياق عند الأطباء قد يخلو من هذين فيجوز بيعه قطعا ، بخلاف ما اشتمل على أحدهما وإن أمكن الانتفاع به في المحلل ، كالطّلاء والضماد الضروري ، لكن لو اضطر إليه فلم يمكن تحصيله إلاّ بعوض ، كان افتداء لا بيعا.

قوله : ( ولا يجوز شربه للتداوي إلاّ مع خوف التلف ).

__________________

(١) قال الجوهري في الصحاح ٢ : ٨١٠ ( كور ) : كوّارة النحل : عسلها في الشمع.

(٢) المنتهى ٢ : ١٠١٧.


أما السمّ من الحشائش والنبات ، فيجوز بيعه إن كان مما ينتفع به ، وإلاّ فلا.

وفي جواز بيع لبن الآدميات نظر ، أقربه الجواز.

ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز جاز مع علم المشتري ، وإلاّ تخير.

الرابع : ما نصّ الشرع على تحريمه عينا : كعمل الصور‌ المجسمة ،

______________________________________________________

لاشتماله على الخمر ، ولا يجوز شربها للتداوي ونحوه ، إنما يجوز عند خوف التلف.

قوله : ( أما السّم من الحشائش والنبات ، فيجوز بيعه إن كان مما ينتفع به ، وإلاّ فلا ).

النبات أعمّ من الحشائش ، لصدقه على ما له ساق ، ولا وجه لتقييد السّم بكونه من الحشائش والنبات ، لأن السم من المعادن أيضا كذلك.

قوله : ( وفي جواز بيع لبن الآدميات نظر ، أقربه الجواز ).

ما قربه أقرب ، لأنه عين طاهرة على الأصح ، ينتفع بها نفعا محللا مقصودا.

قوله : ( ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز جاز مع علم المشتري ، وإلا تخير ).

قيل : لا دخل لهذه المسألة هنا.

قلنا : بل علاقتها توهم كون مثل هذه الدار مما لا ينتفع بها ، فأراد دفع هذا التوهم ، لأنها في حدّ ذاتها ينتفع بها ، وإن تعذر أو تعسّر النفع باعتبار أمر عارضي ، وهو : فقد المسلك ، مع إمكان تحصيله من الجيران بنحو عارية واستئجار. وأراد المصنف بقوله : ( جاز ) اللزوم ، بقرينة قوله : ( وإلاّ تخير ).

قوله : ( الرابع : ما نص الشارع على تحريمه عينا ).

أي : بخصوص عينه لا باعتبار مقصوده.

قوله : ( كعمل الصور المجسمة ).


والغناء وتعليمه واستماعه ، وأجر المغنية ، وقد وردت‌ رخصة في إباحة

______________________________________________________

المتبادر من المجسمة : ما يكون لها جسم يحصل له ظلّ إذا وقع عليه ضوء ، ولا ريب في تحريم هذا القسم إذا كان من صور ذوات الأرواح ، وإن كانت عبارة الكتاب مطلقة.

وهل يحرم غير المجسمة كالمنقوشة على الجدار والورق؟ عمّم التحريم بعض الأصحاب (١) ، وفي بعض الأخبار ما يؤذن بالكراهية (٢) ، ولا ريب أنّ التحريم أحوط ، وهذا فيما له روح ، أما غيره كالشجر ، فيظهر من كلام بعض الأصحاب التحريم ، حيث حرم التماثيل وأطلق (٣). والمعتمد العدم ، والظاهر عدم الفرق فيه بين المجسّم وغيره ، فتكون الأقسام أربعة : أحدها : محرم إجماعا ، وباقي الأقسام :مختلف فيها ، لا كما يوجد في بعض الحواشي (٤).

قوله : ( والغناء ).

هو : ممدود ، والمراد به على ما في الدروس : مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب (٥). وليس مطلق مد الصوت محرما وإن مالت القلوب إليه ، ما لم ينته إلى حيث يكون مطربا بسبب اشتماله على الترجيع المقتضي لذلك ، واستثني من الغناء : الحداء ، وفعل المرأة له في الأعراس بشروطه الآتية ، واستثنى بعضهم مراثي الحسين 7 كذلك.

قوله : ( وتعليمه ).

وكذا تعلّمه.

قوله : ( وقد وردت رخصة ... ).

__________________

(١) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٣٤٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٠٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨١ حديث ١١٢٢.

(٣) منهم : أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٢٨١ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٤٤.

(٤) قال السيد العاملي في المفتاح ٤ : ٤٧ : في حاشية الإرشاد وحاشية الميسي. ان الصور خاصة بالحيوان ، وان التمثال يشمل الحيوان والأشجار ، والأكثر لم يفرقوا.

(٥) الدروس : ١٩٠.


أجرها في العرس ، إذا لم تتكلم بالباطل ، ولم تلعب بالملاهي ، ولم يدخل الرجال عليها.

ويحرم أجر النائحة بالباطل ، ويجوز بالحق.

والقمار حرام ، وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالجوز والخاتم ،

______________________________________________________

العمل على الرخصة وموردها ، فلا يرخص في غناء الرجال ، والمراد من عدم دخول الرجال عليها : عدم سماعهم صوتها ـ للقطع بالتحريم ـ وإن لم يدخلوا عليها ، وذلك إذا كانوا أجانب ، ويحتمل العموم لإطلاق النص (١).

وإنما يحرم من الملاهي ما لا يجوز مثله في العرس ، فالدّف الذي لا صنج فيه ولا جلاجل له يجوز لعبها به على الظاهر ، لاستثنائه.

قوله : ( ويحرم أجر النائحة بالباطل ، ويجوز بالحق ).

بشرط عدم آلات اللهو ، وعدم سماع الرجال الأجانب صوتها.

قوله : ( والقمار حرام ).

أي : عمله ، وهو : اللعب بالآلات المعدة له على اختلاف أنواعها ، من الشطرنج والنرد وغير ذلك ، وأصل القمار : الرهن على اللعب بشي‌ء من هذه الأشياء ، وربما أطلق على اللعب بها مطلقا ، ولا ريب في تحريم اللعب بذلك وإن لم يكن رهن ، والاكتساب به ، وبعمل آلاته.

قوله : ( وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالجوز ).

أي : ويحرم ما يؤخذ به كما ذكرنا ، حتى ما يؤخذ بلعب الصبيان بالجوز والخاتم ، فلا يجوز لوليّهم التصرف فيه ، بل ولا تمكينهم من أخذه ، بل يجب عليه دفعه إلى مالكه ، لبقائه على ملكه.

ويمكن أن يكون مراد العبارة : ويحرم القمار حتى لعب الصبيان إلى آخره ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٩ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٩٨ حديث ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ حديث ١٠٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ حديث ٢٠٧.


والغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام ، ومعونة الظالمين في الظلم ،

______________________________________________________

فتكون حتى عاطفة على القمار ، والعبارة على هذا المعنى أدلّ ، إلاّ أنّ إطلاق التحريم على هذا القسم مشكل ، لأن فعل الصبي لا يوصف بالحرمة ولا بغيرها من الأحكام الشرعية ، إلا أن يأوّل : بأنّ تكليف التحريم وغيره في ذلك يتعلق بالوليّ.

قوله : ( والغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء ).

للنهي عنه (١) ، واحترز به عن الغش بما لا يخفى ، كخلط ردي‌ء الحنطة بجيدها ، فإنه لا يحرم وإن كره. وأما حال البيع في الفرض الأول فيمكن صحته ، لأن المحرّم هو الغش ، وأما المبيع فإنه عين منتفع بها يعد مالا ، فيصح.

ويمكن الحكم بالبطلان ، لأن المقصود بالبيع هو اللبن ، والجاري عليه هو المشوب ، وفي الذكرى في باب الجماعة ما حاصله : لو نوى الاقتداء بإمام معين على أنه زيد فظهر عمرا ، أنّ في الحكم نظر ، قال : ومثله ما لو قال : بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار ، وجعل منشأ التردد تغليب الإشارة أو الوصف (٢).

قوله : ( وتدليس الماشطة ).

بتحمير الوجه ، وتزيين الخد ، ونقش اليد والرجل ، ووصل الشعر ، ولو أذن الزوج فليس تدليسا.

قوله : ( وتزيين الرجل بالحرام ).

وتزيين المرأة به أيضا كذلك ، كما لو لبس كل منهما زينة الآخر ، وتزين كل منهما كتزيين غيره إياه ، ولعل مراد العبارة ما يشمله ، بأن يكون المراد : تزيين نفسه وتزيين غيره إياه.

قوله : ( ومعونة الظالمين في الظلم ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٠ باب الغش ، التهذيب ٧ : ١٢ حديث ٥٢ ، ٥٣.

(٢) الذكرى : ٢٧١.


وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة ، ونسخ التوراة والإنجيل وتعليمهما ، وأخذ الأجرة عليهما ، وهجاء المؤمنين ،

______________________________________________________

حتى في بري القلم ، لا في غير الظلم.

قوله : ( وحفظ كتب الضلال ).

أي : حفظها في الصدر ، أو حفظها بمعنى : صيانتها عن أسباب التلف ، والظاهر عدم الفرق في كتب الضلال بين كتب الأصول والفروع ، لأن ابتناء فروعها على الأصول الفاسدة. ويجوز إتلاف ما كان موضع الضلال من الكتاب دون غيره ، مع المحافظة على بقاء ما يعدّ مالا من الورق والجلد ، إذا كان من أموال المسلمين أو المنتمين إلى الإسلام ، دون إتلاف الجميع قطعا.

قوله : ( لغير النقض أو الحجّة ).

أي : نقض مسائل الضلال ، أو الحجة على مسائل الحق من كتب الضلال ، وظاهره حصر جواز الحفظ والنسخ في الأمرين ، والحق أن فوائده كثيرة ، فلو أريد : نقل المسائل ، أو الفروع الزائدة ، أو معرفة بعض أصول المسائل ، أو الدلائل ، ونحو ذلك جاز الحفظ والنسخ أيضا ، لمن له أهلية النقض لا مطلقا ، لأن ضعفاء البصيرة لا يؤمن عليهم خلل الاعتقاد.

قوله : ( ونسخ التوراة والإنجيل وتعليمهما ... ).

هذان من كتب الضلال ، بل من رؤوسهما لكونهما محرفين ، فكان يغني عنه ما سبق ، وكأنه أراد التنبيه على انهما في أصلهما ما كانا ضلالا ، أو أنّ المنسوخ بعد النسخ يخرج عن كونه حقا.

قوله : ( وهجاء المؤمنين ).

هو بكسر الهاء والمد : ذكر المعايب بالشعر ، وبقيد المؤمنين يفهم عدم تحريم هجاء غيرهم ، وليس ببعيد ، لأن غير المؤمن يجوز لعنه ، فكيف تناول عرضه بما يقتضي إهانته؟!


والغيبة ، والكذب عليهم ، والنميمة ، وسب المؤمنين ، ومدح من يستحق الذم وبالعكس ،

______________________________________________________

قوله : ( والغيبة ).

هي : بكسر الغين المعجمة ، وحدّها على ما في الأخبار : أن يقول المرء في أخيه ما يكرهه ـ لو سمعه ـ مما فيه (١) ، وكذا ما في حكم القول : من الإشارة باليد وغيرها من الجوارح ، أو التحاكي بفعله أو قوله كمشية الأعرج. وقد يكون بالتعريض ، مثل قول القائل : أنا لا أفعل كذا معرضا بمن يفعله ، ولو قال ذلك فيه بحضوره فتحريمه أغلظ ، وإن كان ظاهرهم أنه ليس غيبة.

وضابط الغيبة : كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن والتفكه به ، أو إضحاك الناس منه. فأما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم : كنصيحة المستشير ، والتظلم وسماعه ، والجرح والتعديل ، ورد من ادّعى نسبا ليس له ، والقدح في مقالة أو دعوى باطلة خصوصا في الدين ، وغير ذلك.

ويوجد في كلام بعض الفضلاء : أن من شرطها أن يكون متعلّقها محصورا ، وإلاّ فلا تعد غيبة ، فلو قال عن أهل بلدة غير محصورة ما لو قاله عن شخص واحد مثلا يعد غيبة ، لم يحتسب غيبة.

قوله : ( والكذب عليهم ).

فان الكاذب ملعون ، وعلى المؤمنين أشد ، وعلى الله ورسوله والأئمة : أعظم. ولو اقتضت المصلحة الكذب وجبت التورية.

قوله : ( وسبّ المؤمنين ).

وذلك بإسناد ما يقتضي نقصه ، مثل الوضيع والناقص ونحو ذلك ، إلاّ لمن يستحق الإهانة ، كما سيجي‌ء في باب القذف.

قوله : ( ومدح من يستحق الذم وبالعكس ).

المراد : مدح من يستحق الذم من الوجه الذي يستحق به الذم ، وكذا‌

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ١٥٠.


والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ، وتعلّم السحر وتعليمه.

______________________________________________________

عكسه ، أما إعطاء الشخص الواحد حقه من المدح والذم باعتبار مقتضاهما فإنه يحسن ، ولا يبعد أن يقال بتحريم مدح من يستحق الذم وإن لم يكن من الوجه الذي يستحق به الذم إذا فهم السامع منه كونه ممدوحا ، لما فيه من إيهام الباطل ، وإنما ذكر هذا بخصوصه وإن كان نوعا من الكذب ، لأنه أغلظ من غيره ، ولما في ذم من يستحق المدح من زيادة إيذائه (١).

قوله : ( والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ).

المراد به : ذكر محاسنها وشدة حبها ونحو ذلك بالشعر ، ويقال : النسيب أيضا ، وانما يحرم بقيود :

أ : كونها معينة معروفة وإن لم يعرفها السامع إذا علم أنه قصد معينة ، لما فيه من هتك عرضها ، أما إذا لم يقصد مخصوصة فلا بأس.

ب : كونها مؤمنة ، فلا يحرم بنساء أهل الحرب ، وأما نساء أهل الذمة فظاهر التقييد بالمؤمنة يقتضي الحلّ ، والظاهر العدم ، لأن النظر إليهنّ بريبة حرام ، فهذا أولى ، ونساء أهل الخلاف أولى بالتحريم ، لأنهن مسلمات.

ج : كونها محرّمة ، أي : في الحال وإن لم يكن مؤبدا ، ولم يذكره المصنف.

فمتى انتفى واحد من الثلاثة لم يحرم ، وإذا شك في حصولها لا يحرم الاستماع ، واما التشبيب بالغلام فحرام على كل حال ، لأنه محض فحش مقرب للمفسدة.

قوله : ( وتعلّم السحر وتعليمه ).

قال في الدروس : إن تعلّمه للاحتراز منه وللفرق بينه وبين المعجز جائز ، وربما وجب (٢). وليس ببعيد إن لم يلزم منه التكلم بمحرم أو فعل ما يحرم.

__________________

(١) هذه الفقرة من ( ومدح من ) الى هنا كانت مقدمة على قوله : ( وسب المؤمنين ... ) ، فرتبناها حسب ما في القواعد.

(٢) الدروس : ٣٢٧ ، وفيه : ... اما علمه ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا ، وربما وجب على الكفاية ليدفع المتنبئ بالسحر.


وهو : كلام يتكلّم به أو يكتبه ، أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ، والأقرب أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل ، وعلى كلّ تقدير لو استحلّه قتل.

______________________________________________________

قوله : ( وهو : كلام يتكلم به أو يكتبه ، أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ).

الرقية بضم الراء : العوذة ، واعلم أن قوله : ( يؤثر في بدن المسحور ) إن كان قيدا في الجميع ، يخرج عن التعريف كثير من أقسام السحر التي لا تحدث شيئا في بدن أو قلب أو عقل ، أو بالأخير ، أعني قوله : ( أو يعمل شيئا ) يخرج عنه السحر بالعمل حيث لا يؤثر في شي‌ء من المذكورات.

ومن السحر : عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطئها ، وإلقاء البغضاء بينهما ونحو ذلك.

قوله : ( أو يعمل شيئا ... ).

يندرج في ذلك : العقد ، والنفث ، والدخنة ، والتصوير. قال في الدروس : ومن السحر : الاستخدام للجن والملائكة ، والاستنزال للشياطين (١).

قوله : ( والأقرب أنه لا حقيقة له ، وإنما هو تخييل ).

المتبادر إلى الفهم أنّ المراد : كون المفعول المعدود سحرا ـ مثل : عمل الحياة ، وإظهار الطيران ونحو ذلك ـ لا حقيقة له في الواقع ، وإنما يخيل إلى الناظرين كونه واقعا.

والذي يستفاد من عبارة الشارح (٢) والمنتهى (٣) وكلامهم في باب الجنايات ، أن المراد به : أن ترتب شي‌ء في بدن الإنسان وعقله والتفريق بين المرء وزوجه ونحو ذلك من الأمور المطلوبة بالسحر لا حقيقة لها ، وهو المفهوم من‌

__________________

(١) الدروس : ٣٢٧.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٧.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٤.


ويجوز حلّ السحر بشي‌ء من القرآن أو الذكر أو الأقسام ، لا بشي‌ء منه.

______________________________________________________

قولهم : لا تأثير للسحر.

والأول أوجه ، لأن تأثر الإنسان بالسحر غير موقوف على أنّ له حقيقة موجودة في الواقع ، لأن الأمور المخيلة ربما أثّرت بتوسط الوهم ، فان فعل الوهم أمر مقطوع به.

والحق : عدم القطع بأن له حقيقة أو لا حقيقة له ، والدلائل التي ذكروها من الجانبين لا دلالة فيها ، فان قوله تعالى ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ) (١) دال على ثبوت السحر ، وتخيل السعي لا على تخيل حقيقة السحر ، ومع ذلك فهذا لا يدل على أن جميع أفراد السحر ، إنما يحصل بها التخيل ، وقوله تعالى ( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ ) (٢) لا دلالة فيه أيضا ، لأن المراد من الإذن ليس هو الترخيص قطعا ، إذ لا معنى له في هذا المقام ، بل المراد منه : العلم والاطلاع ، كما يتبادر إلى الفهم ، ولا يضر كونه مجازا مع القرينة ، ومع ذلك فلا يدل على أنه لا حقيقة له ، وبناء الفقهاء [ في ] (٣) ثبوت القصاص على أنّ للسحر حقيقة غير ظاهر ، لجواز حدوث شي‌ء في بدن الإنسان بسبب التخيل بتوسط الوهم ، فما قرّبه المصنف غير واضح.

ولا استبعاد في أن يكون لبعض أفراده حقيقة ووجود ، فانّا نرى عقد الشخص عن زوجته يمنعه من وطئها منعا ظاهرا ، وحينئذ فلو قتل إنسانا بسحره مقرّا بذلك قتلناه به ، إذ لا أقل من أن يكون ذلك بتسبّبه إلى فعل الوهم فيه ذلك.

قوله : ( ويجوز حل السحر ... ).

الأقسام : بفتح الهمزة جمع قسم ، ولا تمتنع قراءته بكسرها ، على أنه‌

__________________

(١) طه : ٦٦.

(٢) البقرة : ١٠٢.

(٣) لم ترد في « م » ووردت في الحجري وأثبتناها للسياق.


وتعلّم الكهانة حرام ، والكاهن : هو الذي له رئيّ من الجن يأتيه بالأخبار ، ويقتل ما لم يتب.

والتنجيم حرام ، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال ، أو لها مدخل فيه.

______________________________________________________

مصدر أقسم.

قوله : ( وتعلم الكهانة ).

الظاهر أنها بكسر الكاف ، قال في الصحاح : يقال : كهن يكهن كهانة ، مثل : كتب يكتب كتابة ، إذا تكهن. وإذا أردت أنّه صار كاهنا قلت : كهن بالضم ، كهانة بالفتح (١).

قوله : ( والكاهن : هو الذي له رئيّ من الجن يأتيه بالأخبار ).

رئيّ بوزن كميّ ، وهو : التابع للإنسان يتراءى له ، أي : هو موضع رأيه ، وقد تكسر راؤه اتباعا لما بعدها. قال ابن الأثير في النهاية : يقال للتابع من الجن :رئيّ بوزن كميّ ، وهو فعيل أو فعول ، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه ، [ أو ] (٢) هو من الرّأي ، من قولهم : فلان رئيّ قومه ، إذا كان صاحب رأيهم ، وقد تكسر راؤه لاتباعها ما بعدها (٣). ومثله قال في الفائق (٤).

قوله : ( والتنجيم حرام وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال أو لها مدخل فيه ).

قوله : ( مع اعتقاد تأثيرها ) قيد في التنجيم وتعلم النجوم ، والمراد من التنجيم : الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية التي مرجعها إلى القياس والتخمين ، فان كون الحركة معينة والاتصال‌

__________________

(١) الصحاح ( كهن ) ٦ : ٢١٩١.

(٢) في نسخة « م » والحجري : ( أي ) ، وما أثبتناه من النهاية ، وهو الصحيح.

(٣) النهاية ٢ : ١٧٨.

(٤) الفائق ٢ : ٢٢.


والشعبذة حرام ، وهي : الحركات السريعة جدا ، بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشي‌ء وشبهه ، لسرعة انتقاله من الشي‌ء إلى شبهه.

______________________________________________________

المعين سببا لوجود ذلك ، إنما يرجع المنجمون فيه الى مشاهدتهم وجود مثله عند وجود مثلهما ، وذلك لا يوجب العلم بسببيتهما له ، لجواز وجود أمور أخرى لها مدخل في سببيّته لم تحصل الإحاطة بها ، فإنّ القوة البشرية لا سبيل لها إلى ضبطها ، ولهذا كان كذب المنجمين وخطؤهم أكثريّا. وقد ورد من صاحب الشرع النهي عن تعلم النجوم بأبلغ وجوهه ، حتى قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بحر أو بر ، فإنها تدعو إلى الكهانة ، [ و ] (١) المنجم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » (٢).

إذا تقرر ذلك فاعلم : أن التنجيم ـ مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية ولو على جهة المدخلية ـ حرام ، وكذا تعلّم النجوم على هذا الوجه ، بل هذا الاعتقاد كفر في نفسه ، نعوذ بالله منه.

أما التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرز من الكذب فإنه جائز ، فقد ثبت كراهية التزوج وسفر الحج والقمر في العقرب ، وذلك من هذا القبيل. نعم هو مكروه ، لأنه ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد ، وقد ورد النهي عنه مطلقا حسما للمادة ، وتحريم الأجرة وعدمه تابع للفعل.

وحكى في الدروس عن بعض الأصحاب القول بتحريمه ، لما فيه من التعرض للمحظور ، ولأن أحكامه [ تخمينية ] (٣) لا تخلو من الكذب ، وأما علم الهيئة فلا كراهة فيه ، بل ربما كان مستحبا ، لما فيه من الاطّلاع على عظم قدرة الله تعالى ، ولا يحرم الرّمل إذا لم يقطع فيه بالمطابقة ، لأن ذلك غير مقطوع به ، فلا‌

__________________

(١) الواو لم ترد في « م » والحجري ، وأثبتناها من نهج البلاغة ، وهو الصحيح.

(٢) نهج البلاغة ـ تحقيق صبحي الصالح ـ : ١٠٥ خطبة ٧٩ ، وفيه : « إياكم وتعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر أو بحر ، فإنها تدعو إلى الكهانة. ».

(٣) في « م » : تخيلية ، وما أثبتناه من الدروس ، وهو الأصح.


والقيافة حرام.

ويحرم بيع المصحف ، بل يباع الجلد والورق ، ولو اشتراه الكافر فالأقرب البطلان ، ويجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن.

وتحرم السرقة والخيانة وبيعهما ، ولو وجد عنده سرقة ضمنها ، إلاّ أن يقيم البينة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله.

______________________________________________________

يجوز اعتقاده ، وإنما يجوز إذا عدّه قالا ، وقد كان النبي 6 يحب الفال ويكره الطيرة (١) (٢).

قوله : ( والقيافة حرام ).

وهي : إلحاق الأنساب بما يزعم أنه يعلمه من العلامات ، أو إلحاق الآثار إذا رتّب عليه محرّما ، أو جزم بنسبه من زعم علمه بكونه أثره.

قوله : ( ويحرم بيع المصحف ... ).

للنصوص في الكتاب والسنة (٣).

قوله : ( ولو اشتراه الكافر فالأقرب البطلان ).

هذا أصح ، لانتفاء الصلاحية في أحد أركان البيع فيفسد ، وقيل : يصح ويؤمر ببيعه (٤).

قوله : ( ولو وجد عنده سرقة ضمنها ، إلاّ أن يقيم بينة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله ).

هذا قول الشيخ (٥) ، معوّلا على ما رواه أبو عمرو السراج ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الدروس : ٣٢٧.

(٢) راجع سفينة البحار ٢ : ١٠٢ ، وحياة الحيوان الكبرى للدميري ٢ : ٩٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٢١ باب بيع المصاحف ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ حديث ١٠٤٩ ، ١٠٥١.

(٤) قال العاملي في المفتاح ٤ : ٨٣ : ولم أجد القائل بصحة البيع وإجباره على بيعه ، نعم قد قيل ذلك في العبد المسلم فتأمل ، ولعل الفرق ان القرآن أعظم حرمة.

(٥) النهاية : ٤٠١.


ولو اشترى به جارية أو ضيعة ، فإن كان بالعين بطل البيع ، وإلاّ حلّ له وطء الجارية وعليه وزر المال.

ولو حجّ به مع وجوب الحج بدونه برئت ذمته ، إلاّ في الهدي إذا ابتاعه بالعين المغصوبة ، أما لو اشتراه في الذمة جاز.

ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب ، أو على الدابة‌ المغصوبة بطلا.

______________________________________________________

7 (١) ، وقال ابن إدريس : الضمان ثابت على كل حال بعد ثبوت كونها سرقة ، ولكن الرجوع على بائعها مشروط بثبوت كونه بائعا وعدم علمه بكونها سرقة (٢) ، ونزّل كلام الشيخ على ذلك ، وحسّنه المصنف في المنتهى (٣).

وتحرير المسألة : أنّ المراد من ضمانها إن كان : ردّها إلى مالكها ، فلا كلام في وجوب ردّها على كل حال ، سواء علم بكونها سرقة أولا ، وإن كان المراد : ضمان قيمتها إذا تلفت وكانت قيمية ، فكذلك ، وليس له الرجوع بها ، لأن التلف في يده وهو مضمون ، وإن كان المراد : رجوعه بالثمن ، فمع بقاء العين يرجع ، سواء كان عالما أو جاهلا ، ومع تلفها يرجع بعوضها إذا لم يكن عالما بالحال.

وأما ما يتبع العين من المنافع التي استوفاها من لبن ونحوه ، ففي رجوعه بها مع الجهل قولان ، أصحهما الرجوع معه لا مع العلم ، وكذا القول في الأجرة.

قوله : ( وعليه وزر المال ).

أي : ضمانه والإثم.

قوله : ( ولو حج به مع وجوب الحج بدونه برئت ذمته ، إلاّ في الهدي إذا ابتاعه بالعين المغصوبة ... ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٩ حديث ٧.

(٢) السرائر : ٢٣٣.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٥.


والتطفيف حرام في الكيل والوزن ، ويحرم الرّشا في الحكم وإن حكم على باذله بحق أو باطل.

الخامس : ما يجب على الإنسان فعله يحرم الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، نعم لو أخذ الأجر على المستحب منه فالأقرب جوازه.

______________________________________________________

إنما قيد بوجوب الحج بدونه ، لانتفاء أصل الوجوب بدون ذلك ، إذ المغصوب لا تتحقق معه الاستطاعة ، فلا يحصل به وجوب الحج ، فلا يسقط فعل وجوب الحج بالاستطاعة المتجددة ، وإنما لا تبرأ ذمته من الهدي إذا اشتراه بعين المغصوب ، لانه نسك وعبادة ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، ومثله الطواف والسعي في الثوب المغصوب ، أما الإحرام فيه فلا ، لأن لبس الثوبين ليس شرطا فيه ، وعلى القول باشتراطه يتجه الفساد.

قوله : ( ويحرم الرّشا في الحكم ... ).

أجمع أهل الإسلام على تحريم الرّشا في الحكم ، سواء حكم بحق أو باطل ، للباذل أو عليه ، وفي الأخبار عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم : انه الكفر بالله عز وجل وبرسوله 6 (١).

قوله : ( ما يجب على الإنسان فعله يحرم الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، نعم لو أخذ الأجرة على المستحب منها فالأقرب جوازه ).

أي : من هذه الأمور ، كتكفين القدر المندوب ، وحفر ما زاد على الواجب ، للأصل ، ولأنه فعل سائغ ، فجاز أخذ الأجرة عليه كالحج والصلاة. وقال ابن‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٩ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ حديث ٥٢٦.


وتحرم الأجرة على الأذان وعلى القضاء ، ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.

______________________________________________________

البراج : لا يجوز لإطلاق النهي (١) ، وعن المرتضى : جواز الأجرة على الواجب ، بناء على اختصاص الوجوب بالولي (٢).

قوله : ( وتحرم الأجرة على الأذان وعلى القضاء ).

أمّا الأذان ، ففي بعض الأخبار ما يقتضي تحريمه (٣) ، وللإجماع ، ولا فرق في التحريم بين أخذ ذلك من أهل البلد أو المحلة ومن السلطان ، وهل يحرم بذلك أذانه؟ قال ابن البراج : يحرم (٤) ، ووجّهه المصنف في المختلف بأنّ الأذان على هذا الوجه غير مشروع فيكون بدعة (٥).

وأما القضاء ، فللنص (٦) ، والإجماع ، ولا فرق بين أخذ الأجرة من المتحاكمين أو من السلطان أو أهل البلد ، عادلا كان أو جائرا ، سواء كان المأخوذ بالإجارة أو الجعالة أو الصلح ، وأطلق بعض الأصحاب جواز الأخذ (٧) ، والمصنف في المختلف قال : إن تعين القضاء عليه ، إما بتعيين الامام 7 ، أو بفقد غيره ، أو بكونه الأفضل وكان متمكّنا لم يجز الأجر عليه ، وإن لم يتعين ،

__________________

(١) المهذب ١ : ٣٤٥ ، وعبارته مطلقه.

وقال فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٤٠٨ : أطلق ابن البراج القول بالتحريم لعموم النهي عن أخذ أجرة التغسيل ، وهو يشمل الواجب والمندوب. وفي المفتاح ٤ : ٩٥ : ... ثم ان حكاية جامع المقاصد والمسالك عن القاضي غير صحيحة حيث قالا : وخلافا لابن البراج ، والموجود من كلامه في المختلف انما هو الإطلاق كما حكى في الإيضاح. راجع المختلف : ٣٤٢ في نقله عبارة ابن البراج.

(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٤ : ٩٢.

(٣) الفقيه ٣ : ١٠٩ حديث ٤٦١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ حديث ١١١٩ ، و ٦ : ٣٧٦ حديث ١٠٩٩ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ حديث ٢١٥.

(٤) المهذب ١ : ٣٤٥.

(٥) المختلف : ٣٤٢.

(٦) الكافي ٧ : ٤٠٩ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ حديث ٥٢٧.

(٧) منهم : المفيد في المقنعة : ٩٠.


ويجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الإملاك ، ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وأدائها.

خاتمة تشتمل على أحكام :

أ : تلقي الركبان مكروه على رأي ،

______________________________________________________

أو كان محتاجا فالأقرب الكراهة (١). هذا لفظه ، فان أراد بالأجرة المأخوذة : ما يعمّ المتحاكمين فمشكل ، لأنه رشوة ، وكذا إن أراد : عدم الأخذ من بيت المال مع التعيّن مطلقا ، والأقوى المنع مطلقا ، إلاّ من بيت المال خاصة ، فيتقيد بالحاجة.

قوله : ( ويجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح ).

إنما يجوز إذا كان وكيلا لأحد الزوجين أو لهما ، فيتولى الصيغة ويكون وكيلا بجعل ، أما إلقاء الصيغة على المتعاقدين فلا يجوز أخذ الأجرة عليه إجماعا ، لأنه من الواجبات الكفائية ، وكذا باقي العقود.

قوله : ( والخطبة في الإملاك ).

الخطبة بالضم : ما اشتمل على حمد الله والصلاة على رسوله وآله صلوات الله عليهم ، والإملاك بكسر الهمزة : التزويج ، والزوج مملك بفتح اللاّم. وأما الخطبة بكسر الخاء : فهو طلب المرأة من وليّها ونحوه.

قوله : ( وتحرم الأجرة على الإمامة والشهادة ... ).

المراد : إمامة الناس في الصلوات من غير فرق بين الواجبة والمندوبة ، ويجوز الارتزاق من بيت المال. وأمّا الشهادة تحمّلا وإقامة ، فلأنها من الواجبات إما العينية أو الكفائية.

قوله : ( خاتمة تشتمل على أحكام : الأول : تلقي الركبان مكروه على رأي ).

هي : جمع ركب ، والأصح التحريم ، لثبوت النهي في النصوص (٢).

__________________

(١) المختلف : ٣٤٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٨ حديث ١ ، ٢ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ حديث ٦٩٦ ، ٦٩٧ ، ٦٩٩.


وهو : الخروج إلى الرّكب القاصد إلى بلد للشراء منهم من غير شعور منهم بسعر البلد ، وينعقد.

ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون على الفور على رأي ، ولا فرق بين الشراء منهم والبيع عليهم.

______________________________________________________

قوله : ( وهو : الخروج إلى الرّكب القاصد إلى بلد للشراء منهم ، من غير شعور منهم بسعر البلد ).

لا يخفى أنّه ليس المراد بالخروج مطلقه ، بل ما كان أربعة فراسخ فما دون ، لما سنذكره ، وكذا القول في التقييد بالشراء منهم ، فانّ الحكم يعمّ البيع عليهم والشراء منهم كما سنذكره ، وهل يعم التلقي الصلح وغير ذلك من العقود المملكة؟ لا أعلم فيه تصريحا لأحد بشي‌ء ، والتعليل يقتضي التحريم.

قوله : ( وينعقد ).

هذا قول أكثر علماء الإسلام ، فإن النهي عن وصف خارج عن أركان البيع.

قوله : ( ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون ).

المراد به : ما لا يتغابن به في العادة ، أي : لا يتسامح بمثله ، والخيار للبائع إن اشتري منهم ، وللمشتري إن باع عليهم.

قوله : ( على الفور على رأي ).

اقتصارا على مقدار الضرورة في مخالفة لزوم البيع ، والاستصحاب يقتضي (١) عدم الفورية ، والأول أولى ، لأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة ، وإلاّ لم ينتفع بعمومه.

قوله : ( ولا فرق بين الشراء منهم ، والبيع عليهم ).

أي : في الأحكام كلها.

__________________

(١) وردت في « م » بعد ( يقتضي ) كلمة ( لزوم ) وحذفناها لعدم مناسبتها المقام.


ولا يكره لو وقع اتّفاقا ، ولا إذا كان الخروج لغير المعاملة ، وحدّه أربعة فراسخ ، فان زاد لم يكن تلقيا.

والنجش حرام ، وهو : الزيادة لزيادة من واطاه البائع ، ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون على الفور على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يكره لو وقع اتفاقا ، ولا إذا كان الخروج لغير المعاملة ).

نفي الكراهة هنا ملحوظ فيه أنه مختار المصنف في أصل المسألة.

قوله : ( والنجش حرام ).

بالإجماع ، وهو : بالنون المفتوحة والجيم الساكنة.

قوله : ( وهو : الزيادة لزيادة من وواطاه البائع ).

ليس هذا التعريف بجيد ، لأن النجش هو : الفعل الذي تحصل به الزيادة في المثمن لا نفس الزيادة ، فإنّها لا تحرم قطعا ، بل التعريف الصحيح : أنّه الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها ، بمواطاة البائع له على ذلك لإيقاع غيره ، وهو :غش وخداع ، وحقه أن تحرم الزيادة لذلك ، وإن لم تكن بمواطاة البائع للغش والخداع.

وهل المواطاة على ترك الزيادة في السلعة ليشتريها بالثمن القليل مثلها؟ لا أعلم فيه شيئا ، والأصل العدم ، نعم يثبت الخيار لو ظهر غبن.

قوله : ( ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون ).

لا فرق في ثبوت الخيار مع الغبن ، بين أن يكون النجش بمواطاة البائع ، أو لم يكن ، وكذا لو قال البائع : أعطيت في هذه السلعة كذا فصدّقه المشتري ، فانّ له الخيار ولا يأثم البائع ، إلاّ أن يكون كاذبا.

قوله : ( على الفور ... ).

الحكم كما سبق.


ب : يحرم الاحتكار على رأي ، وهو : حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح ،

______________________________________________________

قوله : ( يحرم الاحتكار على رأي ).

هذا مذهب الصدوق في البيع (١) وابن البراج (٢) ، وهو الأصح ، لقوله 7 : « المحتكر ملعون » (٣). وذهب الشيخ في المبسوط (٤) والمفيد (٥) [ إلى ] (٦) أنه مكروه ، وهو أحد قولي أبي الصّلاح في الكافي (٧) ، لقول الصادق 7 : « يكره أن يحتكر الطعام » (٨) الحديث ، وجوابه : القول بالموجب ، لأن المكروه أحد معاني الحرام ، وقد دلّ استحقاق اللعن على التحريم ، وكذا قوله 7 في السند الصحيح : « لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ » (٩) فانّ المفهوم من الخاطئ فاعل المحرّم.

قوله : ( وهو : حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح ).

في رواية : « والزيت » (١٠) ، ولا بأس بها ، ولا يتحقق الاحتكار في غير ذلك ، نعم لو اضطرّ الناس إلى ما سواها كان الحكم كما في المخمصة ، وما دام لا يبلغ حد الضرورة فلا يحرم ولا إثم.

__________________

(١) المقنع : ١٢٥.

(٢) المهذب ١ : ٣٤٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٥ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ حديث ٧٥١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٤.

(٤) المبسوط ٢ : ١٩٥.

(٥) المقنعة : ٩٦.

(٦) لم ترد في « م » والحجري ، وأثبتناها لعدم استقامة العبارة بدونها.

(٧) الكافي في الفقه : ٢٨٣.

(٨) الكافي ٥ : ١٦٥ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ حديث ٤١١.

(٩) الفقيه ٣ : ١٦٩ حديث ٧٤٩ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٣.

(١٠) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٤.


بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذر غيره ، فلو استبقاها لحاجته أو وجد غيره لم يمنع.

وقيل : ان يستبقيها ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص.

______________________________________________________

قوله : ( بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذر غيره ).

لا بدّ من قيد آخر ، وهو : الاحتياج إلى شرائها ، فلو استبقاها لحاجته إليها ولو في زمان مستقبل ، إما لمؤنته أو لدينه فلا يحرم ، والظاهر أنه لو أراد أداء دينه عند الحلول بثمنها ، أو عند حضور مالكه ، وخشي من بيعها حالا تلفها أو تشتتها ، لا يعد ذلك احتكارا ، للإجماع على أنّ الاحتكار إنما يتحقق إذا استبقاها للزيادة. أما لو كان ثمنها لا يفي بدينه ، ومع الاستبقاء تتحقق الزيادة والتوفية ، فإنه يحرم الاستبقاء ، لإطلاق النهي عن ذلك.

وهل يفرق في الاحتكار بين شراء الغلة ، وكونها من غلته التي استنماها ، وكونه جالبا؟

ظاهر المصنف في المنتهى : أن الاحتكار إنما يتحقق إذا اشترى الطعام وحبسه (١) ، وحسنة الحلبي عن الصادق 7 حيث قال : « الحكرة : أن يشتري الطعام ليس في المصر غيره فيحتكره » (٢) تدلّ عليه. إذا عرفت هذا ، فلو وجد باذل غيره تندفع به حاجة الناس لم يحرم الحبس.

قوله : ( وقيل : أن يستبقيها ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص ) (٣).

الظاهر أن الشرطين معتبران عند هذا القائل ، لدلالة الخبر على أنه مع‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٠٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٦ باختلاف يسير.

(٣) ذهب اليه ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٠ ، والشيخ في النهاية ٣٧٤ ـ ٣٧٥.


ويجبر على البيع لا التسعير على رأي.

______________________________________________________

وجود باذل غيره لا يحرم الاستبقاء (١) ، والإطباق على انتفاء التحريم لو استبقاها للحاجة.

والذي دلت عليه رواية السكوني : أن الاحتكار يتحقق بالزيادة على الأربعين في الخصب ، وعلى الثلاثة في الغلاء (٢) ، وهو مقتضى عبارة المصنف. والأول أصح ، لأن الحكم منوط بالحاجة ، كما هو المستفاد من الأخبار (٣) ، فلا يتقيد بزمان معين ، ولعل رواية السكوني بني فيها الأمر على مقتضى ذلك الزمان ، وإلاّ فقد تدعو الحاجة إلى الطعام قبل الثلاثة والأربعين إذا لم يوجد بائع أصلا.

واعلم أنّ ما ذكر في الاحتكار ثابت بمجرد حصول الحاجة إلى الطعام ، وإن لم يبلغ حد الضرورة.

أما لو احتاج الناس إلى الأرز والدخن والذرة مثلا ونحو ذلك ، فإنما يحرم حبسه عند الضرورة الشديدة ، وبدون ذلك لا يجب بذله ، وإن كان قوتا ولم يوجد غيره ، اقتصارا على مورد النص (٤).

وإن كان الاشتراك فيما يظن كونه العلة التي قد تقتضي التحريم ، كما لو كان استبقاء الطعام لحاجة ، فإنه لا يجب بذله إلا عند الضرورة.

قوله : ( ويجبر على البيع لا التسعير على رأي ).

هذا أصح ، لأن الناس مسلطون على أموالهم ، إلاّ أن يجحف في طلب الثمن ، أو يمتنع من تعيينه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٦ باختلاف يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٥ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ حديث ٧٥٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٦ باختلاف يسير.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٦.


ج : لو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل وكان منهم ، فإن عين اقتصر عليه ، فان خالف ضمن وإن أطلق فالأقرب تحريم أخذه منه ، ويجوز أن يدفع إلى عياله إن كانوا منهم.

د : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة ، إما لفظا أو بشاهد الحال.

ويكره انتهابه ، فان لم يعلم قصد الإباحة حرم.

هـ : الولاية من قبل العادل مستحبة ، وقد تجب إن الزم ، أو افتقر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‌ إليها.

______________________________________________________

قوله : ( لو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل [ وكان منهم ] (١) فان عين ... ).

فرع : لا تشترط العدالة في المفرّق ، إلاّ أن يكون التفريق واجبا.

قوله : ( وإن أطلق فالأقرب تحريم أخذه منه ).

هذا أصح ، للرواية (٢) ، ولأن المتبادر أن المدفوع إليه غير الدافع ، إلاّ أن تدل قرينة حالية أو مقالية على رضاه بأخذه منه جاز الأخذ ، ويأخذ كأحدهم لا أزيد.

قوله : ( ويجوز أن يدفع إلى عياله ... ).

يجوز ذلك على كل واحد من القولين ، لانتفاء المانع.

قوله : ( يجوز أكل ما ينثر في الأعراس ).

مثله : ما ينثر في غيره من الولائم ، كالختان والعقيقة وغيرهما ، اعتمادا على شاهد الحال ، ولو اعتيد أخذه واستقر العرف بذلك جاز الأخذ.

قوله : ( وقد تجب إن الزم ، أو افتقر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إليها ).

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد لأن السياق يقتضيها.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٢ حديث ١٠٠٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٤ حديث ١٧٦.


وتحرم من الجائر ، إلاّ مع التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين ، فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره ، إلاّ القتل الظلم.

ولو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية ، كره له الولاية حينئذ.

و : جوائز الجائر إن علمت غصبا حرمت ، وتعاد على المالك إن قبضها ، فان جهله تصدق بها عنه ، ولا تجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا.

______________________________________________________

ظاهره قصر الوجوب على الأمرين ، وليس كذلك ، فلو لم يعلم به الامام وكان أعلم من في القطر ، وجب إعلامه بنفسه ، لوجوب ذلك على الكفاية وانحصاره فيه.

قوله : ( وتحرم من الجائر ، إلاّ مع التمكن من الأمر بالمعروف ... ).

إذا علم ذلك علما يقينيّا ، كما صرح به في المنتهى (١) ، وأمن إدخال الجائر له فيما لا يجوز ، وبدون ذلك يحرم.

قوله : ( فان جهله تصدق بها عنه ).

ينبغي أن يكون ذلك بعد اليأس من الوصول إليه وإلى وارثه بعد موته ، وهذا إذا لم يلتبس بجماعة محصورين ، فإنه حينئذ يوقف حتى يصطلحوا.

قوله : ( ولا تجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا ).

أما اضطرارا فلا حرج ، والظاهر أنه يضمن على التقديرين ، ولو علم بعد الأخذ ولم يقصر في الدفع إلى المالك ولا في الحفظ ، واتفق التلف أو أخذها الظالم كرها ، ففي الضمان نظر.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٢٤.


والذي يأخذه الجائر من الغلات باسم المقاسمة ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه واتّهابه ، ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا.

______________________________________________________

قوله : ( والذي يأخذه الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة ، ومن الأموال باسم الخراج ).

المقاسمة هي : مقدار معين يؤخذ من حاصل الأرض نسبته إليه بالجزئية ، كالنصف والثلث. والخراج : مقدار معين من المال يضرب على الأرض أو على البستان ، كأن يجعل على كل جريب كذا درهما. وعبّر بقوله : ( باسم المقاسمة ) و ( باسم الخراج ) لأن ذلك لا يعد مقاسمة ولا خراجا حقيقة ، إذ تحقق ذلك إنما يكون بأمر الإمام 7. ولا فرق بين قبض الجائر إياها وإحالته بها إجماعا. ولا يعتبر رضا المالك قطعا ، لأن ذلك حق عليه لا يجوز له منعه بحال.

والجائر وإن كان ظالما بالتصرف فيه ، إلاّ أن الإجماع من فقهاء الإمامية ، والأخبار المتواترة عن أئمة الهدى (١) دلت على جواز أخذ أهل الحق لها عن قول الجائر ، تقصّيا من الحرج العظيم ، فانّ حقّ التصرف في ذلك لأهل البيت : ، وقد رفعوا الحجر من قبلهم. نعم لا يجوز أخذها بغير أمر الجائر قطعا. وكذا ثمرة الكرم والبستان ، صرّح به شيخنا الشهيد في حواشيه.

قوله : ( ومن الأنعام باسم الزكاة ).

خصّ الزكاة بالأنعام ، والظاهر أن زكاة الغلات والأموال كذلك ، وعبارة الدروس تتناولهما (٢) ، وفي بعض الأخبار ما قد يتناولهما ، ولا يخفى أن ذلك إنما يكون حيث لا يأخذ الجائر أزيد من الواجب. وهل يجوز أخذ الزكاة من الجائر لكل أحد وإن كان غنيا؟ ظاهر الأخبار والعبارات الإطلاق.

وهل تبرأ ذمة المالك من إخراج الزكاة مرة أخرى؟ يلوح ـ من تجويز‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٧ حديث ٩٣٧ ، ٩٣٨.

(٢) الدروس : ٣٢٩.


ز : إذا امتزج الحلال بالحرام ولا يتميز يصالح أربابه ، فإن جهلهم أخرج خمسه إن جهل المقدار وحلّ الباقي.

ح : لا يحلّ للأجير الخاص العمل لغير من استأجره إلاّ باذنه ، ويجوز للمطلق.

______________________________________________________

الأخذ ، والتعليل بكون دفع ذلك حقا واجبا على المالك ـ ذلك ، كما في الخراج والمقاسمة بغير فرق ، فتعتبر هاهنا النية كما يعتبر في إخراج مطلق الزكاة. ويحتمل العدم ، لأن الجائر ليس نائب الفقراء ، فتتعذر النية ، ولا يصح الإخراج بدونها.

قوله : ( فان جهلهم أخرج خمسه إن جهل المقدار ).

يراعي في الجهل ما تقدم ، ولو علم زيادته على الخمس أخرج بعد الخمس ما به تتحقق البراءة ، ولو امتنع اليقين كفى غلبة الظن ، والخمس لأربابه ، والزيادة يتصدق بها.

قوله : ( لا يحلّ للأجير الخاص العمل لغير من استأجره إلا بأذنه ، ويجوز للمطلق ).

سيأتي إن شاء الله تعالى أن الأجير الخاص هو : الذي يستأجر لعمل مدة معينة بحيث يباشره بنفسه ، والمطلق بخلافه. وإنما لم يجز للخاص أن يعمل بدون إذن المستأجر ، لأن منافعه في [ تلك المدة ] (١) قد صارت مملوكة له ، بخلاف المطلق. وإنما ذكر هذه هاهنا وإن كانت من مسائل الإجارة ، لأنها من جملة الاكتسابات المحرمة.

فعلى هذا لو عمل بدون الإذن تبرعا ، تخيّر المستأجر بين مطالبته بالمسمى مع دفعه إليه ، وبأجرة المثل. وإن عمل بأجرة ، فإن أجاز الإجارة الثانية فله المسمى الثاني ، فإن رضي بالقبض أخذ من الأجير ، وإلاّ فمن المستأجر ، وإن لم يجز تخير بين مطالبة الأجير بالمسمى واجرة المثل وبين مطالبة مستأجره بأجرة المثل.

__________________

(١) في « م » : ملك ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.


ط : لو مرّ بثمرة النخل والفواكه لا قصدا ، قيل : جاز الأكل دون الأخذ ، والمنع أحوط.

ولا يجوز مع الإفساد إجماعا ، ولا أخذ شي‌ء منها ، ولو أذن المالك مطلقا جاز.

ي : يحلّ ثمن الكفن ، وماء تغسيل الميت ، وأجرة البدرقة.

يا : يحرم على الرجل أن يأخذ من مال ولده البالغ شيئا إلاّ بإذنه ، إلاّ مع الضرورة المخوف معها التلف ، مع غنائه أو إنفاق ولده عليه.

ولو كان صغيرا أو مجنونا فالولاية له ،

______________________________________________________

قوله : ( قيل : جاز الأكل دون الأخذ ، والمنع أحوط ).

الحق أنه لا يجوز ، تمسكا بالدلائل القاطعة على تحريم مال المسلم إلاّ عن طيب نفس منه ، سوى بيوت من تضمنت الآية الأكل من بيوتهم (١). والقائل بالجواز الشيخ (٢) ، استنادا إلى بعض الأخبار (٣) التي لا تنهض معارضا لدلائل التحريم.

قوله : ( واجرة البدرقة ).

هي : الخفارة.

قوله : ( مع غنائه ، أو إنفاق ولده عليه ).

أي : ويحرم ذلك مع أحد الأمرين ، إلا عند خوف التلف ، لأنه بمنزلة الأجنبي حينئذ ، ومع انتفائهما يجوز أخذ مقدار النفقة على ما سيأتي.

قوله : ( أو مجنونا فالولاية له ).

هذا إذا كان جنونه متّصلا بالحجر الواقع في صغره ، فلو بلغ وصار رشيدا ثم جن ، فإنّ الولاية عليه للحاكم.

__________________

(١) النور : ٦١.

(٢) قاله في النهاية : ٣٧٠ ، والتهذيب ٧ : ٩٢ ـ ٩٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٩٣ حديث ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ حديث ٣٠٥ ، ٣٠٦.


فله الاقتراض مع العسر واليسر.

ويجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل ـ فيكون موجبا قابلا ـ وأن يقوّم جاريته عليه ويطأها حينئذ.

وللأب المعسر التناول من مال ولده الموسر قدر مؤنته.

ويحرم على الولد أن يأخذ من مال والده شيئا ، إلاّ باذنه.

ويحرم على الام أن تأخذ من مال ولدها شيئا وبالعكس ، إلاّ مع الاذن ، وليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير.

______________________________________________________

قوله : ( فله الاقتراض مع العسر واليسر ).

هل الجد كالأب في جواز الاقتراض مع العسر؟ يحتمل ذلك ، لأنه أب.

قوله : ( فيكون موجبا قابلا ).

الظاهر : أن هذا الحكم اتفاقي ، والجدّ في موضع يجوز له الاقتراض كالأب.

قوله : ( وأن يقوّم جاريته عليه ، ويطأها حينئذ ).

فيوقع البيع لنفسه هو متوليا طرفيه ، ولا يحلّ وطؤها قبل ذلك.

قوله : ( وللأب المعسر التناول من مال ولده ... ).

لا فرق بين كون الولد صغيرا أو كبيرا ، لكن لا بدّ في الكبير من إذنه ، ومع امتناعه يستقل بالأخذ ، وكذا كلّ من تجب نفقته يأخذ باذن المنفق ، فان تعذّر فالحاكم ، فان تعذّر استقل بالأخذ.

قوله : ( ويحرم على الولد أن يأخذ من مال والده شيئا ، إلاّ بإذنه ).

إنما يحرم بالشرطين السابقين في الأب ، إلاّ عند الضرورة.

قوله : ( ويحرم على الام أن تأخذ من مال ولدها شيئا وبالعكس ).

لا يخفى أن هذا بالقيود السابقة.


ويحرم على الزوجة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه شيئا وإن قلّ ، ويجوز لها أن تأخذ المأدوم وتتصدق به ما لم تجحف ، إلاّ أن يمنعها فيحرم.

وليس للبنت ولا للأخت ولا للام ولا للأمة تناول المأدوم ، إلاّ مع الاذن.

ويحرم على الزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئا ، إلاّ باذنه.

ولو دفعت إليه مالا لينتفع به ، كره له أن يشتري به جارية يطأها ، إلاّ مع الاذن.

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز لها أن تأخذ المأدوم وتتصدق به ، ما لم تجحف ).

هذا الحكم إجماعي ، وبه وردت النصوص (١). المأدوم هو : ما يؤتدم به ، مثل : اللحم والخل والدهن ، وليس ببعيد دخول الفاكهة ، وفي بعض الأخبار من طرق العامة جواز الرطب (٢).

قوله : ( ما لم تجحف ).

يختلف الإجحاف باختلاف الحال.

قوله : ( إلا أن يمنعها فيحرم ).

ولو ظهرت أمارات الكراهة فليس ببعيد القول بالتحريم.

قوله : ( وليس للبنت ولا للأخت ولا للام ... ).

وإن كانت إحداهنّ متصرفة في أمور المنزل ، لعدم النص على غير الزوجة.

قوله : ( لو دفعت إليه مالا لينتفع به ... ).

إنما كره ذلك ، لأن فيه مقابلة نفعها له بإضراره بها ، ولقول الصادق 7 ، وقد سأله الحسين بن المنذر : دفعت إليّ امرأتي مالا أعمل به ،

__________________

(١) المحاسن : ٤١٦ حديث ١٧٣ ، الكافي ٦ : ٢٧٧ حديث ٢ ، التهذيب ٩ : ٩٥ حديث ٤١٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٣١ حديث ١٦٨٦.


الفصل الثاني : في الآداب :

يستحب لطالب التجارة : أن يتفقه فيها أولا ، والإقالة للمستقيل ، وإعطاء الراجح ، وأخذ الناقص ، والتسوية ، وترك الربح للموعود بالإحسان وللمؤمن ـ إلاّ اليسير مع الحاجة ـ والتسامح في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء ، والدعاء عند دخول السوق ، وسؤال الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه ، والتكبير والشهادتان عند الشراء.

______________________________________________________

فاشتري من مالها الجارية أطؤها ، قال : فقال : « لا ، أرادت أن تقرّ عينك وتسخن عينها » (١). أما مع الاذن فلا كراهية.

قوله : ( يستحب لطالب التجارة : أن يتفقه فيها أولا ، والإقالة للمستقيل ، وإعطاء الراجح ، وأخذ الناقص ، والتسوية ).

أي : بين المتبايعين على هذا الوجه ، وهو : أن يجعل المماكس مثل غيره ، والصغير مثل الكبير ، فلا يجعل سبب المفاوتة هي : المماكسة ونحوها. أما لو جعل سببها رعاية دينه ، كرعاية الايمان والفضل والتدين ونحو ذلك فهو حسن.

قوله : ( وترك الربح للموعود بالإحسان ).

أي : إذا قال لشخص : هلمّ أحسن إليك ، يستحب له ترك الربح عليه.

قوله : ( والتكبير والشهادتان عند الشراء ).

يستحب : التكبير ثلاثا ، والدعاء عند الشراء ، وظاهر الحديث (٢) : أن ذلك بعد الشراء ، ويظهر منه أن ذلك للمشتري ، وأما الشهادتان فلم أجد التصريح بسنده.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٢١ حديث ٥٢٠ ، التهذيب ٦ : ٣٤٧ حديث ٩٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٦ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٢٥ حديث ٥٤٥ ، التهذيب ٧ : ٩ حديث ٣٣.


ويكره : الدخول أولا إلى السوق ، ومدح البائع ، وذم المشتري ، وكتمان العيب ، واليمين على البيع ، والسوم بين طلوع الفجر والشمس ، وتزيين المتاع ، والبيع في الظلمة ، والتعرض للكيل والوزن مع عدم المعرفة ، والاستحطاط بعد العقد ، والزيادة وقت النداء ، والدخول في سوم المؤمن ، وأن يتوكل حاضر لباد.

______________________________________________________

قوله : ( وكتمان العيب ).

إذا لم يكن خفيّا ، وإلاّ حرم ، كالماء في اللبن ، وقد سبق.

قوله : ( والسوم بين طلوع الفجر والشمس ).

لأنه وقت الدعاء وطلب الرزق.

قوله : ( والزيادة وقت النداء ).

أي : وقت نداء المنادي على السلعة ، كما يظهر من الرواية (١) ، بل يزيد إن شاء إذا سكت المنادي ، والمعنى فيه وراء النص : ما يظهر منه من زيادة الحرص.

قوله : ( والدخول في سوم المؤمن ).

وقيل : يحرم (٢) ، وهو الأصح ، لنهي النبي 6 عنه (٣) ، وموضع الكراهة أو التحريم : ما إذا وقع التصريح من البائع بالرضى بالبيع ، أو ظهرت امارته وسكنت نفسه.

قوله : ( وأن يتوكل حاضر لباد ).

المراد به : أن يقول الحاضر للبادي وقد جلب السلعة : أنا أبيع لك ، مريدا بذلك الاستقصاء بالثمن ، وقد روي عن الباقر 7 ، أن رسول الله 6 قال : « لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٥ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ حديث ٧٦٩ ، التهذيب ٧ : ٢٣٧ حديث ٩٩٤.

(٢) ذهب اليه الشيخ في المبسوط ٢ : ١٦٠ ، والراوندي في فقه القرآن ٢ : ٤٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٣.


ونهى النبي 7 : عن بيع حبل الحبلة وهو : البيع بثمن مؤجل إلى نتاج نتاج الناقة ، وعن المجر وهو : بيع ما في الأرحام ، وعن بيع عسيب الفحل وهو : نطفته ، وعن بيع الملاقيح وهي : ما في بطون الأمهات ، والمضامين وهي : ما في أصلاب الفحول ، وعن الملامسة وهو : أن يبيعه غير‌

______________________________________________________

حاضر لباد ، ذروا المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض » (١). والأصح التحريم ، لظاهر النهي ، وهو أحد قولي الشيخ (٢) ، والآخر الكراهية (٣) ، للأصل.

وشرط المصنف في المنتهى للتحريم شروطا ثلاثة : أن يقصد الحاضر البادي ليتولى البيع له ، وأن يكون البادي جاهلا بالسعر ، وأن يكون قد جلب السلعة للبيع (٤). وفي اشتراط الأخيرين نظر ، لإطلاق النص ، نعم اشتراط الأول صحيح ، فإنه لو لا ذلك لم تجز السمسرة له بحال ، وقد قال في الدروس : لا خلاف في جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد الى بلد (٥). والقروي كالبدوي في ذلك ، بل البلدي إذا قدم من خارج ، نظرا إلى العلة المومى إليها في الحديث ، وهل يحرم الشراء له؟ قال في المنتهى بعدمه (٦) ، وهو قوي ، للأصل.

قوله : ( وعن بيع عسيب الفحل ، وهو : نطفته (٧) ).

الموجود في كلام المعتمدين : عسب (٨) الفحل ، قال في الجمهرة :

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٨ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ حديث ٦٩٧ ، وفيهما : ... ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ، الفقيه ٣ : ١٧٤ حديث ٧٧٨ ،

(٢) قاله في المبسوط ٢ : ١٦٠.

(٣) قاله في النهاية : ٣٧٥.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠٠٥.

(٥) الدروس : ٣٣٣.

(٦) المنتهى ٢ : ١٠٠٥.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ١٢٢ ، ١٢٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٧ حديث ٣٤٢٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣١ حديث ٢١٦٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٧٢ حديث ١٢٩١ ، مسند أحمد ١ : ١٤٧.

(٨) في « م » والحجري : عسيب ، والصحيح ما أثبتناه للسياق.


مشاهد على أنه متى لمسه صحّ البيع ، وعن المنابذة وهو : أن يقول إن نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا ، وعن بيع الحصاة وهو : أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

وقال 7 : لا بيع بعضكم على بعض ، ومعناه : أن لا يقول الرجل للمشتري في مدة الخيار : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقل من الثمن ، أو خيرا منها بالثمن ، أو أقلّ.

______________________________________________________

والعسب عسب (١) الفحل ، إلى أن قال : وفي الحديث : نهى عن عسب (٢) الفحل : أي لا يؤخذ لضرابه كراء.

وفي نهاية ابن الأثير : أنه نهى عن عسب (٣) الفحل ، عسب (٤) الفحل :ماؤه ، فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما ، وعسبه أيضا : ضرابه ، إلى أن قال : وإنما أراد النهي عن الكراء (٥).

وفي فائق الزمخشري : أن النبي 6 نهى عن عسب (٦) الفحل ، أي : عن كراء قرعه ، والعسب : القرع ، يقال : عسب الفحل الناقة يعسبها عسبا (٧).

والفرق بينه وبين الملاقح : أن المراد بها : النطفة بعد استقرارها في الرحم ، والعسب هي : قبل استقرارها ، والمجر أعم من كلّ منهما.

قوله : ( وقال : لا يبع بعضكم على بعض ).

الحديث : « لا يبع أحدكم على بيع بعض » (٨) ، وهو للتحريم.

__________________

(١) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من الجمهرة ، وهو الصحيح.

(٢) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من الجمهرة ، وهو الصحيح.

(٣) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من النهاية ، وهو الصحيح.

(٤) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من النهاية ، وهو الصحيح.

(٥) النهاية ( عسب ) ٣ : ٢٣٤.

(٦) في « م » : عسيب ، وما هنا عن الفائق ، وهو الصحيح.

(٧) الفائق ( عسب ) ٢ : ٤٤٨.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٩ حديث ٣٤٣٦ ، مسند أحمد ٢ : ٧ ، ونقله أيضا الشيخ في المبسوط ٢ : ١٦٠ ، وابن أبي جمهور في العوالي ١ : ١٣٣ حديث ٢٢ باختلاف يسير.


وكذا لا ينبغي أن يقول للبائع في مدة خياره : أنا أزيدك في الثمن.

وبيع التلجئة باطل ، وهو : المواطاة على الاعتراف بالبيع من غير بيع خوفا من ظالم.

المقصد الثاني في البيع :

وفصوله ثلاثة : الصيغة ، والمتعاقدان ، والعوضان.

الفصل الأول : الصيغة :

البيع : انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لا ينبغي أن يقول للبائع ... ).

محصّله : الشراء على شراء غيره ، وهو أيضا محرم ، قال في المنتهى : المقتضي للنهي في البيع قائم في الشراء ، ولأن أحدا من المسلمين لم يفرق بين الصورتين (١).

قوله : ( وأركانه ثلاثة ).

ينبغي أن يكون مرجع الضمير في أركانه : هو المقصد لا البيع ، لأن هذه ليست أركانا للبيع ، إذ العوضان والمتعاقدان خارجة ، نعم هي معتبرة كاعتبار الأركان.

قوله : ( الأول : الصيغة ).

أي : بيان الصيغة ، ولمّا كان الخوض في بيان صيغة البيع مسبوقا بمعرفة البيع ، عرفه بقوله : ( انتقال عين ... ) وهذا تعريف الشيخ في المبسوط (٢) ، وتبعه ابن إدريس (٣) ، وردّه في المختلف (٤) واختار تعريف ابن حمزة ، وهو : أن البيع عقد يدل على انتقال عين إلى آخره ، محتجّا بأن المتبادر من البيع هو هذا (٥) ، واعتذر‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٠٤.

(٢) المبسوط ٢ : ٧٦.

(٣) السرائر : ٢١٢.

(٤) المختلف : ٣٤٧.

(٥) الوسيلة : ٢٧٠.


فلا ينعقد على المنافع ، ولا على ما لا يصحّ تملّكه ، ولا مع خلوّه من العوض ، ولا مع جهالته ،

______________________________________________________

ولد المصنف في بعض حواشيه ، وشيخنا الشهيد بأن هذا تعريف السبب بالمسبب ، وهو تعريف بالغاية. وفيه نظر ، فانّ المفهوم من بعت ليس هو عقد البيع قطعا ، وإنما المفهوم منه هو المفهوم من ملكت ، فانّ كلاهما إيجاب للبيع ، ولو كان المفهوم من بعت هو عقد البيع لما صح الإيجاب بملكت ، ولأن البيع هو المقصود بالعقد لا نفسه ، وكيف يصح تعريف السبب بالمسبب وهو غيره؟ واستعمال لفظه فيه مجازا لا يجوز شرح ماهيته به ، وليس التعريف بالغاية عبارة عن حمل الغاية على ذي الغاية ، بل أخذ معنى باعتبارها يصح حمله عليه.

والأقرب أن البيع هو : نقل الملك من مالك إلى آخر بصيغة مخصوصة ، لا انتقاله ، فان ذلك أثره إن كان صحيحا ، وأيضا فإن البيع فعل ، فكيف يكون انتقالا؟ ومع ذلك فتعريف المصنف صادق على بعض أقسام الصلح والهبة.

قوله : ( فلا ينعقد على المنافع ).

أكثر النسخ بالفاء ، وهو الأحسن والأصح ، ويحكى عن الشيخ قول في المبسوط بجواز بيع خدمة العبد (١).

قوله : ( ولا على ما لا يصح تملكه ).

مقتضى اللّف والنشر أن هذا محترز ( مملوكة ) وقد خرج بقوله :( انتقال ).

قوله : ( ولا مع جهالته ).

الضمير إن كان عائدا إلى العوض ليكون محترز قوله : ( بعوض مقدر ) بقي المبيع مطلقا غير مقيد بكونه معلوما ، ولا يقال : ( انتقال عين ) يقتضيه ، لأنه إنما يتحقق مع انتفاء الجهالة ، لأنّا نقول : فيكون قوله : ( مقدر ) مستدركا ، لإغناء قوله :

__________________

(١) لم نعثر عليه في المبسوط ، ونقله عن المبسوط الشيخ النراقي في المستند ٢ : ٣٧١.


ولا مع الإكراه.

______________________________________________________

( انتقال عين ) عنه.

وإن عاد الضمير إلى المجموع من البيع والعوض ، عاد إلى ما لم يدلّ عليه دليل ، ويجي‌ء المحذور السابق ، وهو : عدم ما يقتضي اشتراط العلم في المبيع ، أو كون القيد مستدركا.

قوله : ( ولا مع الإكراه ).

ظاهره أن ذلك محترز على وجه التراضي ، وربما يستغنى بالانتقال عنه ، لأنه لا يتحقق مع الإكراه ، وربما احترز به بعضهم عن تقويم العبد على معتق نصيبه منه ، فإنه لا يعدّ بيعا مع صدق التعريف عليه ، وكذا سائر الانتقالات القهرية.

واكتفى شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : بصحة الاحتراز بالنقل الصّوري ، الحاصل في بيع الإكراه من تقابض العوضين ، أو أن يحمل على إرادة العقد بالانتقال ، تسمية للسبب باسم المسبب ، فنحتاج إلى الاحتراز كما قال غيره : أنها الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين إلى آخره.

وقد عرفت امتناع هذا الإطلاق في التعريفات ، ومع ذلك فليس من قبيل إطلاق السبب على المسبب ، بل من قبيل الحذف.

ثم قال : يصحّ البيع بغير تراض في مواضع :

الأول : ما ذكر من التقويم ، وفيه نظر ، إذ ليس من البيع في شي‌ء.

الثاني : الفك للإرث ، وهو أشبه بالفك للمعتق خصوصا ، وأكثر الأصحاب لا يعتبر الإعتاق بعد بذل القيمة.

الثالث : في دين المماطل والغائب ، وهما منوطان برضى الحاكم ، وهو قائم مقام المالك حينئذ ، ومع تعذره فصاحب الدين قائم مقامه ، لاعتبار رضاه ظاهرا.

الرابع : في النفقة لذي النفقة ، وهو من هذا القبيل ، وكذا بيع الحيوان‌


ولا بدّ من الصيغة الدالة على الرّضى الباطن ، وهي : الإيجاب كقوله : بعت وشريت وملكت ، والقبول وهو : اشتريت أو تملّكت أو قبلت.

ولا تكفي المعاطاة

______________________________________________________

والعبد إذا امتنع من الإنفاق عليهما ، وقريب من ذلك عبد الكافر إذا أسلم.والاحتكار ، والطعام في المخمصة ليس من البيع في شي‌ء ، وإنما ذلك إباحة محضة للإتلاف ، فإذا فعله وجب العوض ، ولهذا لو استغنى عنه قبل إتلافه لم يجز له إتلافه.

واعلم أنّ الجار في قوله : ( على وجه التراضي ) إن تعلق بالانتقال ، اقتضى أن يكون وجه التراضي حالا للانتقال وهيئة له ، وليس كذلك ، فإنه شرط له تجب مقارنته للعقد لا لأثره المترتب عليه ، وإن لم يتعلق به لم يكن في الكلام له متعلق.

قوله : ( ولا بدّ من الصيغة الدّالة على الرضى الباطن ).

أي : المفيدة لذلك بمقتضى الوضع ، مع تجرّدها عن العوارض الدّالة على عدم الرضى.

قوله : ( وهي : الإيجاب ، كقوله : بعت وشريت ).

البيع والشراء موضوعان على سبيل الاشتراك لكل من المعنيين ، وبالضمائم يتميز المراد ، فإذا أتى بلفظ الشراء في الإيجاب على أنه يريد نقل الملك عنه لا يملكه. ولا ريب أنّ ( شريت ) بتخفيف الراء ، وتشديدها من أغلاط العوام.

قوله : ( والقبول ، وهو : اشتريت ... ).

كان الأولى أن يقول : كاشتريت ، لأن ابتعت ونحوه قبول قطعا.

قوله : ( ولا تكفي المعاطاة ).

هي : مفاعلة من الإعطاء ، فظاهره أنها لا تكفي في المقصود في البيع ، وهو :


______________________________________________________

نقل الملك. وليس كذلك ، فان المعروف بين الأصحاب أنها بيع وإن لم تكن كالعقد في اللزوم ، خلافا لظاهر عبارة المفيد (١) ، ولا يقول أحد من الأصحاب بأنها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية (٢) ، وقد رجع عنه في كتبه المتأخّرة عنها (٣).

وقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) يتناولها ، لأنها بيع بالاتفاق ، حتّى القائلين بفسادها ، لأنّهم يقولون : هي بيع فاسد. وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٥) فإنه عام ، إلا فيما أخرجه دليل.

وما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب : من أنها تفيد إباحة ، وتلزم بذهاب إحدى العينين ، يريدون به : عدم اللزوم في أول الأمر ، وبالذهاب يتحقق اللزوم ، لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك ، إذ المقصود للمتعاطين إنما هو الملك ، فإذا لم يحصل كانت فاسدة ( ولم يجز التصرف في العين ، وكافة الأصحاب على خلافه.

وأيضا فإن الإباحة المحضة ) (٦) لا تقتضي الملك أصلا ورأسا ، فكيف يتحقق ملك مال شخص بذهاب مال آخر في يده؟ وإنما الأفعال لما لم تكن دلالتها على المراد في الصراحة كالأقوال وإنما تدل بالقرائن ، منعوا من لزوم العقد بها ، فيجوز الترادّ ما دام ممكنا ، فمع تلف إحدى العينين يمتنع التراد ، فيتحقق اللزوم ، لأن إحداهما في مقابل الأخرى ، ويكفي تلف بعض إحدى العينين لامتناع التراد في الباقي ، إذ هو موجب لتبعيض الصفقة ، وللضرر ، ولأن المطلوب هو كون إحداهما في مقابل الأخرى.

__________________

(١) المقنعة : ٩١.

(٢) النهاية ٢ : ٤٤٩.

(٣) كما في المختلف : ٣٤٨.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) ما بين القوسين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.


وإن كان في المحقرات ، ولا الاستيجاب والإيجاب ، وهو : أن يقول المشتري بعني ، فيقول البائع : بعتك من غير أن يردّ المشتري.

ولا بد من صيغة الماضي ، فلو قال : اشتر أو ابتع أو أبيعك لم ينعقد وإن قبل.

______________________________________________________

واعلم : أن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة ، وكذا في الهبة ، وذلك لأنه إذا أمره بعمل على عوض معين ، عمله واستحق الأجر ، ولو كان هذا إجارة فاسدة لم يجز له العمل ، ولا يستحق اجرة مع علمه بالفساد ، وظاهرهم الجواز بذلك ، وكذا إذا وهب بغير عقد ، فان ظاهرهم جواز الإتلاف ، ولو كانت هبة فاسدة لم يجز ، ومنع من مطلق التصرف. وهو ملخص وجيه.

قوله : ( وإن كان في المحقرات ).

ردّ به على بعض العامة المكتفين بها في المحقرات كالعقد (١) ، واختلفوا في المحقرات ، فقال قوم : ما لم يبلغ نصاب السرقة (٢) ، وأحالها آخرون على العرف (٣).

والفرق بين المحقرات وغيرها تحكم.

قوله : ( ولا الاستيجاب والإيجاب ... ).

ظاهرهم أن هذا الحكم اتفاقي ، وما قيل بجواز مثله في النكاح (٤) ، مستند إلى رواية ضعيفة.

قوله : ( ولا بد من صيغة الماضي ).

لأنه صريح في إرادة نقل الملك ، وأما المستقبل فإنه شبيه بالوعد ، والأمر بعيد عن المراد جدا ، وكذا باقي العقود اللازمة ، ويشترط وقوع القبول على الفور عادة من غير أن يتخلل بينهما كلام أجنبي ، ووقوعهما بالعربية مراعى فيها أحكام‌

__________________

(١) ذهب إليه أبو حنيفة ، ونقل عن ابن سريج ، انظر : المجموع ٩ : ١٦٢ ، وفتح العزيز ٨ : ٩٩ ، ١٠١.

(٢) حكي عن الرافعي ، انظر : المجموع ٩ : ١٦٤.

(٣) المجموع ٩ : ١٦٤.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٨٧.


ولا تكفي الإشارة إلاّ مع العجز ، وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر.

ولا بدّ من التطابق بين الإيجاب والقبول ، فلو قال : بعتك هذين بألف ، فقال : قبلت أحدهما بخمسمائة ، أو قبلت نصفهما بنصف الثمن ، أو قال : بعتكما هذا بألف ، فقال أحدهما : قبلت نصفه بنصف الثمن لم يقع.

ولو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم يملك وضمن.

______________________________________________________

الاعراب والبناء ، وكذا كل عقد لازم ، لأن الناقل هو الألفاظ المخصوصة ، وغيرها لم يدل عليه دليل ، ومعلوم أن العقود الواقعة في زمن النبي والأئمة : إنما كانت بالعربية ، نعم يجوز لمن لا يعلم الإيقاع بمقدوره ، ولا يجب التوكيل ، للأصل ، نعم يجب التعلّم إن أمكن من غير مشقة عرفا.

قوله : ( وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر ).

ينشأ : من اتحاد اللّفظ والمعنى ، ومن الشك في ترتّب الحكم مع تأخيره ، مع أن الأصل خلافه ، فان القبول مبني على الإيجاب ، لأنه رضى به فلا بدّ من تأخره ، وتجويز التقديم في النكاح لمصلحة استحياء المرأة ، لا يقتضي التجويز هنا ، والأصح الاشتراط.

قوله : ( ولا بد من التطابق بين الإيجاب والقبول ... ).

أي : على الوجه المخصوص ، الذي يدل عليه باقي كلامه ، لا مطلق التطابق ، للاتفاق على أنه لو قال : بعتك ، فقال : اشتريت ، صح.

قوله : ( فقال : قبلت أحدهما بخمسمائة ).

أي : لا يصحّ هنا على أصح الوجهين ، ويحتمل الصحة ، لأنه في قوة عقدين ، ومن ثمّ افترقا في الشفعة لو اختصت بأحدهما ، وليس بشي‌ء ، لأن ذلك حق ثابت في البيع بالأصالة ، ورضاهما محمول عليه ، بخلاف ما هنا ، لأن رضاء البائع إنما وقع على المجموع بالمجموع.

قوله : ( ولو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم يملك وضمن ).


الفصل الثاني : المتعاقدان :

ويشترط فيهما : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد.

فلا عبرة بعقد الصبي وإن بلغ عشرا ، ولا المجنون سواء أذن لهما الولي أو لا ، ولا المغمى عليه ، ولا المكره ، ولا السكران والغافل والنائم والهازل ، سواء رضي كلّ منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا ، إلاّ المكره ، فإن عقده ينفذ لو رضي بعد الاختيار.

______________________________________________________

كالصحيح ، لأنهما تراضيا على ذلك فيحكم عليه به ، فلو تلف بغير تفريط كان من ضمانه ، وإذا علم بالفساد لم يجز له التصرف عندنا ، لأنه فرع الملك ولم يحصل ، وكذا نقول في كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، كما أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

قوله : ( وإن بلغ عشرا ).

خلافا لبعض الأصحاب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( سواء رضي كلّ منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا ، إلاّ المكره ، فإنّ عقده ينفذ لو رضي بعد الاختيار ).

وجهه : أنّ العقد المقتضي لوجوب الوفاء قد حصل ، فان الفرض أنّ الرّضى المعتبر في تأثيره قد وقع ، فتحقق السبب ، لا يقال : سببيته مشكوك فيها حينئذ ، لأنا نقول عموم الآية (١) يتناوله ، فان اشتراط مقارنة الرّضى للعقد يحتاج إلى دليل تخص به الآية ، مع كونه منقوضا بالفضولي ، إلاّ أن يقال : هو مخصوص بالنص.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : الأقرب أن الرّضى كاف فيمن قصد‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.


ولا يشترط إسلامهما ، نعم يشترط إسلام المشتري إذا اشترى مسلما ـ إلا أباه ومن ينعتق عليه ـ أو إذا اشترى مصحفا.

______________________________________________________

إلى اللفظ دون مدلوله ، فلو أكره حتى ارتفع قصده لم يؤثر الرّضى ، كالسكران (١). وليس لهذا محصل ، فإن الإكراه لا يبلغ مرتبة يصير به في اللفظ كالسكران ، إذ ليس هو من الأفعال التي يحدثها المكره في المكره على سبيل الإلجاء ، كما لو وجر الطعام في فيه ، وأخذ يده فوضع فيها سكينا ، ثم قبضها بيده وقطع بالسكين شيئا ، فإنه لا فعل له حينئذ.

أما الإكراه على اللفظ فلا يكون إلا على وجه واحد ، والفرق : أن حركات اللسان التي بها يتحقق النطق غير مقدورة ، للمكره. ما لم يفعله المكره والفرق بينه وبين السكران ظاهر ، فإنه لا أهلية له أصلا ، لانتفاء حصول عقله ، بخلاف المكره ، فإنّ أهليته بحالها ، وإنما المانع عدم رضاه.

واعلم أنّ هذه المسألة إن كانت إجماعية فلا بحث ، وإلا فللنظر فيها مجال ، لانتفاء القصد أصلا ورأسا مع عدم الرّضى ، ولا يتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم يتحقق الرضى ، لأن الظاهر من كون العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر.

قوله : ( إلا أباه ومن ينعتق عليه ).

لو قال : إلاّ من ينعتق عليه لأغنى عن ذكر الأب ، كما فعله في الدروس (٢). وهذا أصح الوجهين ، لانتفاء السبيل بحصول العتق عقيب الملك بغير فصل ، ولما فيه من المصلحة للقريب. والآخر العدم ، لامتناع ثبوت السبيل للكافر على المسلم الذي هو من توابع الملك ، وهو راجع إلى تحقيق معنى السبيل.

والظاهر أن المراد به : ما يترتب على الملك المستقر من السلطنة ، إما للرقبة ، أو المنفعة ، أو استحقاق الانتفاع ، أو إثبات اليد ونحو ذلك ، لا مطلق ما‌

__________________

(١) الدروس : ٣٣٥.

(٢) الدروس : ٣٣٧.


وهل يصح له استئجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع ، والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده.

______________________________________________________

يصح في راء للمشترى الكسر والفتح ، ولا ريب أنه مضمون عليه يترتب على الملك في الجملة ، لأن الله سبحانه نفى جعله السبيل للكافر على المسلم ، فلو أريد به مطلق ما يترتب على الملك ، لامتنع إرث الكافر للعبد المسلم من كافر آخر ، والثاني باطل اتفاقا ، فتعين أن يراد المعنى الأول ـ ومثله ما لو اعترف الكافر بأن عبد زيد حرّ ، ثم أراد شراءه ، فإنه ينعتق عليه إذا اشتراه ـ فيجوز.

قوله : ( وهل يصح له استئجار المسلم أو ارتهانه ، الأقرب المنع ).

وجه القرب : استلزامهما حصول السبيل المنفي بالآية (١) ، ومقتضى العبارة المنع مطلقا.

والأصح أنّ الإجارة إن كانت لعمل في الذمة يجوز ، لانتفاء السبيل ، فإنّها حينئذ كالدّين ، ولما روي : أن بعض الأنصار آجر نفسه من ذمي يسقي له كل دلو بتمرة ، وأتى به النبي 6 فلم ينكره (٢) ، وإن كانت على العين لم يجز للسبيل ، وكذا يجوز الرّهن إذا لم يكن تحت يد الكافر ، لأن استحقاق أخذ الدّين من قيمته لا يعدّ سبيلا.

قوله : ( والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده ).

الضمير المجرور في الجملتين بمقتضى السياق يعود إلى الكافر ، والمعنى : يجوز إيداع العبد المسلم للكافر ، وإعارته عند الكافر ، ووجه القرب : انتفاء السبيل ، وقد ذهب في العارية : إلى [ عدم ] (٣) جواز إعارة المسلم للكافر (٤) ، فحمل ذلك بعضهم على إعادة ضمير ( عنده ) إلى المسلم ، جمعا بين ما هنا وما في العارية ،

__________________

(١) النساء : ١٤١.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٤ : ٣٣٢.

(٣) لم ترد في « م » ، وأثبتناها للسياق ، وهو الموجود في القواعد في بحث العارية.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ١٩١.


______________________________________________________

والمعنى حينئذ : إعارة المسلم للكافر عند المسلم (١).

ولا يخفى ما في ذلك من التعسّف ، وارتكاب حذف لا يدلّ عليه دليل ، واختلاف مرجع الضمير بغير مائز ، بل ضمير ( عنده ) لا مرجع له حينئذ أصلا ، ومع ذلك فالسبيل موجود ، لاستحقاقه الانتفاع بالمسلم على ذلك التقدير ، وهو سبيل. وأيضا فالجمع لا يحصل ، لأن ما في العارية ظاهره المنع مطلقا.

ولو أنه حمل العبارة : على إعارة المسلم عند الكافر ـ فيكون مرجع الضميرين هو الكافر ، ويكون دليل إرادة كون العارية للمسلم العدول من ( له ) إلى ( عنده ) ـ لكان أولى مما تكلّفه ، نظرا إلى حصول الجمع ، واتفاق مرجع الضمير ، والسلامة من كثرة الحذف ، ومحافظة على النكتة في تعبير ( له ) إلى ( عنده ) من الإعارة له ، أي : للعبد الكافر ، فإنه جائز قطعا ، لكن مرجع هذا في الحقيقة إلى الوديعة عند الكافر.

وفي بعض حواشي الشهيد : أنه احترز بقوله : ( عنده ) من الإعارة له ، أي : للعبد الكافر ، فإنه جائز قطعا ، وأراد بذلك : أنه لو قال ( له ) لاحتمل معنيين :عارية العبد المسلم للكافر ، فيكون الضمير عائدا إلى الكافر المعار للعبد ، والآخر العارية للعبد ولو لكافر ، فيكون ضمير له للكافر الذي هو العبد المعار ، فلمّا قال : ( عنده ) تعين المعنى الأول وامتنع الثاني. وإنما احترز عنه ، لأنه مقطوع بجوازه ، فلا يجوز كونه في حيّز الأقرب.

وزعم أنّ فيه فائدة أخرى ، وهي : العدول عن تكرار الضمير بلفظه. وليس بشي‌ء ، لأن لفظ الضمير لم يختلف ، وإنما اختلف لفظ الأداة ، وما ذكره يرد مثله في الإبداع.

__________________

(١) قال العاملي في المفتاح ٤ : ١٧٩ : قال الشهيد في حواشيه : قيل : المراد بالإعارة أن يعير المسلم عبده الذمي ويوضع على يد مسلم ، والهاء في ( عنده ) تعود الى الكافر ، وقيل : الى المسلم ولا يدل عليه السياق ، وفيه جمع بينه وبين ما ذكره في العارية من منع عاريته. انتهى.


ولو أسلم عبد الذمي طولب ببيعه أو عتقه ، ويملك الثمن والكسب المتجدد قبل بيعه أو عتقه ، فلو باعه من مسلم بثوب ووجد في الثمن عيبا جاز له ردّ الثمن.

______________________________________________________

ولا يبعد أن يكون في عدوله إلى ( عنده ) لطيفة ، وهي : الإشارة إلى وجه جواز عارية المسلم للكافر ، فإنّ العارية إنما تقتضي كونه عنده ، وليس في ذلك شي‌ء من السبيل. وكيف حملنا العبارة فالأصح عدم جواز عارية المسلم للكافر ، لأن استحقاق الانتفاع به والاستخدام سبيل ظاهر ، ولمنافاته ما يفهم من قوله 7 : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (١).

أما الإيداع فلا ، لأنه محض استئمان ، فهو في الحقيقة خادم ، ولو كان المسلم جارية أو صبيا ، فالذي ينبغي عدم جواز إيداعه إياه بالاستقلال ، إذ لا يؤمن عليه.

قوله : ( ويملك الثمن والكسب المتجدد قبل بيعه أو عتقه ).

لأنه باق على ملكه ، وعليه نفقته إلى حين خروجه عن ملكه.

قوله : ( فلو باعه من مسلم بثوب ووجد في الثوب عيبا ، جاز له رد الثمن ).

أي : للكافر ، لأن إلزامه بالرّضى بالعيب تخسير ، وقد يعلم من هذا ثبوت أحكام الخيار اللاحق للعقد بأنواعه ، كما نبّه عليه في الدروس (٢) ، وهو الوجه ، لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر ، لانتفاء المقتضي ، لأن نفي السبيل لو اقتضى ذلك بمجرده لاقتضي خروجه عن الملك بالإسلام.

فعلى هذا لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها ، ولو أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها ، نعم لا يبعد أن يقال : للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس ، أو مطالبته بسبب ناقل يمنع الرجوع ، إذا لم يلزم منه تخسير المال.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٨.

(٢) الدروس : ٣٣٧.


وهل يسترد العبد أو القيمة؟ فيه نظر ، ينشأ : من كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختيارا ، ومن كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث ، فعلى الأول يسترد القيمة كالهالك ، وعلى الثاني يجبره الحاكم على بيعه ثانيا أو عتقه ـ وكذا البحث لو وجد المشتري به عيبا ـ وبأي وجه أزال الملك من البيع والعتق والهبة حصل الغرض.

ولا يكفي الرهن والإجارة والتزويج ، ولا الكتابة المشروطة ـ أما المطلقة ، فالأقرب إلحاقها بالبيع ، لقطع السلطنة عنه ـ ولا تكفي الحيلولة.

______________________________________________________

قوله : ( وهل يسترد العبد أو القيمة؟ فيه نظر ، ينشأ من كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختياراً ).

ليس هذا الوجه بشي‌ء ، لأن الثمن المعين إذا ردّه انفسخ العقد ، فيعود العبد إلى الكافر ، لامتناع بقاء ملك بغير مالك ، وامتناع كون الثمن والمبيع معا ملكا للمشتري ، وهذا قهري ، فأين التملك الاختياري الذي ادّعي؟ والثاني أصح ، فيجبره الحاكم على بيعه ثانيا.

قوله : ( وبأي وجه أزال الملك ، من البيع والعتق والهبة حصل الغرض ).

ومثله الصلح ، لكن ينبغي تقييد الهبة باللازمة.

قوله : ( أما المطلقة فالأقرب إلحاقها بالبيع ، لقطع السلطنة عنه ).

ليس ذلك شيئا ، لأن قطع بعض السلطنة غير كاف ، وقطع الجميع لم يتحقق ، لبقاء الرّق المقتضي للسبيل ، ولثبوت الحجر على المكاتب المطلق في تصرفاته كلّها ، واستقرار الرق لو تحقق العجز ، والأصح عدم الاكتفاء بها.

نعم لو تعقبها الإعتاق ، كأن كان عقيبها بغير فصل ، بتحقق وفاء العوض من الزكاة أو بيت المال ، لم يبعد صحتها ، لأنها أعود على العبد من بيعه ، فان حصل الوثوق بذلك ، وإلا الزم بإخراجه عن ملكه على الفور.


ولو أسلمت أم ولده لم يجبر على العتق ، لأنه تخسير ، وفي البيع نظر ، فان منعناه استكسبت بعد الحيلولة في يد الغير.

ولو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر باع الحاكم بثمن المثل ، فان لم يجد راغبا صبر حتى يوجد ، فتثبت الحيلولة.

ولو مات قبل بيعه ، فإن ورثه الكافر فحكمه كالمورث ، وإلاّ استقر ملكه.

وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحرّ أو العبد لغير مالكه؟ إشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( وفي البيع نظر ).

ينشأ : من عموم منع بيع أم الولد ، وعموم نفي السبيل ، أو من تعارض عموم بيع مملوك الكافر إذا أسلم للنص الوارد بذلك (١) ، ومنع إخراج أمهات الأولاد عن الملك ، والأصح أنه إن أمكن دفع عوضها من الزكاة أو بيت المال لتعتق وجب ، لأنهما مرصدان لنحو ذلك ، وإلاّ بيعت ، ترجيحا لجانب منع السبيل على المسلم ، [ ويبعد ] (٢) استكسابها ، لما فيه من السبيل المنفي ، ولإمكان أن لا يفي كسبها به فتبقى السلطنة ، ولو قلنا به فنفقتها من الكافر لا من كسبها.

قوله : ( وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحر أو العبد لغير مالكه؟ إشكال ).

الجار في ( لغير مالكه ) إن علّق بقوله : ( يباع ) كان الجار والمجرور والمضاف إليه ضائعا مستغنى عنه ، وإن علّق بمحذوف على أنه حال من ( العبد ) أو صفة له ، فهم منه أنه إذا كان العبد لمالك الولد لا يكون الحكم كذلك. وليس بجيد ، والأصح أنه يباع ، لعموم نفي السبيل ، وثبوت أحكام الإسلام ، ولهذا يأمره الولي بالعبادات للسبع والعشر.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣٢ حديث ١٩ ، التهذيب ٦ : ٢٨٧ حديث ٧٩٥.

(٢) في « م » : ويمكن ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو من الحجري ومن مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٢ نقلا عن جامع المقاصد.


وإسلام الجد أقوى إشكالا.

وليس للمملوك أن يبيع أو يشتري إلاّ بإذن مولاه ، فان وكله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي.

ويشترط كون البائع مالكا ، أو وليّا عنه ـ كالأب والجد له والحاكم وأمينه والوصي ـ أو وكيلا.

فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ،

______________________________________________________

قوله : ( وإسلام الجد أقوى إشكالا ).

الظاهر أن المراد : سواء كان الأب موجودا ، كافرا أو ميتا ، ولا أستبعد تبعيته له ، نظرا إلى عموم تبعيته أشرف الطرفين ، ولأن الإسلام مبني على التغليب ، وإنما كان هذا أقوى إشكالا ، لأن المقتضي للبيع هنا أضعف منه في إسلام الأب ، وإذا ثبت الإشكال في البيع هناك ، فهنا الإشكال أقوى لا محالة.

قوله : ( فان وكله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي ).

لعلّ النكتة في قوله : ( من مولاه ) استلزام بيع المولى له نفسه ، إجازته لوكيل الغير إياه ، بخلاف ما لو اشترى من وكيل مولاه ، والأصح الجواز ، لأن التغاير بين العوضين والمتعاقدين يتحقق مع التغاير الاعتباري.

واعلم أن تفريع هذا الحكم على منع المملوك من البيع والشراء بدون إذن مولاه غير ظاهر ، فان المتفرع عليه عدم الصحة لو وكّله بدون الاذن ، لا ما ذكره ، وكأنه فرّعه عليه باعتبار ما دل عليه الاستثناء ، أعني : جوازه بالإذن ، فإنه إذا وكّله على الوجه المذكور ، وباعه المولى نفسه كان ذلك جاريا مجرى الاذن ، فيصح. لكن قوله : ( على رأي ) لا يناسب من جهة التفريع ، لأن صحة ذلك وفساده باعتبار الرأي المذكور ليس من جهة الاذن وعدمه.

قوله : ( فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ).

هذا التفريع [ أيضا غير جيد ] (١) لأن المتبادر من اشتراط ما ذكره بطلان‌

__________________

(١) في « م » : هذا التفريع غير يفيد ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الأصح.


وكذا الغاصب وإن كثرت تصرفاته في الثمن ، بأن يبيع الغصب ويتصرف في ثمنه مرة بعد اخرى.

وللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته ،

______________________________________________________

البيع هنا ، لانتفاء الشرط إن كان ذلك شرطا في الصحة ، أو عدم لزومه إن كان شرطا في اللزوم ، فكونه موقوفا على الإجازة لا يظهر وجه تفريعه ، إلا إذا حملنا العبارة على أن الاشتراط في اللزوم ، وأن المراد بكونه موقوفا عدم لزومه ، لأنه في قوته ، لكن قوله : ( على رأي ) لا موقع له حينئذ ، وكيف كان فالعبارة لا تخلو من تكلف.

والأصح أن الفضولي موقوف غير باطل ، وكما يتصور الفضولي في البيع يتصور في الشراء ، وإن كان حديث عروة [ البارقي ، عن النبي 6 ] (١) إنما يدل على حكم البيع (٢).

قوله : ( وكذا الغاصب ).

أي : حكم الغاصب كالفضولي ، وهو أصح الوجهين ، وإن احتمل الفساد ، نظرا إلى القرينة الدالة على عدم الرّضا ، وهي : الغصب.

قوله : ( وللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته ).

بمعنى : أنّ له إجازة أي عقد اختار إجازته ، فإن أجاز عقدا من العقود المرتبة على المغصوب ـ كما لو بيع بسيف ، ثم بدار ، ثم بفرس ، ثم بثوب ، باعتبار اختلاف الأيدي ـ صحّ ذلك العقد ، وبطل ما قبله من العقود ، لأن صحته بإجازته تقتضي كون المبيع باقيا على ملكه ، وبقاؤه على ملكه ينافي صحة شي‌ء من العقود السابقة على ذلك العقد ، إذ لو صح شي‌ء منها لخرج المبيع عن ملكه ، فلم تؤثر إجازته فيه.

__________________

(١) في « م » : عن الباقر 7 ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٥ حديث ٣٦ ، المستدرك ٢ : ٤٦٢ باب ١٨ حديث ١ ، نقلا عن كتاب ثاقب المناقب لمحمد بن علي الطوسي ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٥ حديث ١٢٧٦.


______________________________________________________

لكن سيأتي ـ في أنّ من باع مال غيره فضولا ثم اشتراه ـ ما يقتضي التردد في بطلان ما قبله ، لأنا إذا حملنا عبارته فيما يأتي على التردد ، كان على احتمال الصحة ، يحتمل الصحة بالإجازة هنا. وأما ما بعده من العقود فيبني على أن إجازة الفضولي كاشفة أو ناقلة ، فإن قلنا بالأول صح ما بعده ، لتبين وقوع تصرّفه في ملكه ، وإن قلنا بالثاني تجي‌ء فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : البطلان ، لتعذر الإجازة ، لانحصارها في المغصوب منه ، وقد خرج عن ملكه.

الثاني : الصحة من غير توقف على إجازة المتصرف ببيعه.

الثالث : توقفه على إجازته ، وسيأتي مثل هذا فيما بعد.

ولو ترتبت العقود على ثمن المغصوب ، كما لو بيع السيف بقوس ، ثم القوس بدابّة ، ثم الدابة ببعير ، ثم البعير بدراهم ، فانّ الحكم ينعكس لو أجاز واحدا منها ، فانّ ما قبله يصح ، ويقف ما بعده على الإجازة كالفضولي ، إلا إذا قلنا الإجازة كاشفة ، كما لو أجاز بيع الدابة بالبعير ، فانّ إجازته إنما يعتدّ بها شرعا أن لو كان مالكا للدابة ، وإنما يكون مالكا لها حينئذ أن لو ملك ما بذلت في مقابله ، وهو : القوس ، وإنما يملكه على هذا التقدير إذا ملك السيف ، وإنما يملكه أن لو صحّ بيع السيف به ، فيجب الحكم بصحة ذلك ، حملا لكلام المسلم على الوجه الذي يكون معتدّا به شرعا.

واعلم : أنّ هذا إنما يستقيم إذا جرت العقود على العوض الذي هو الثمن ، ثم على ثمنه وهكذا ، فلو جرت على الثمن خاصة ، كما لو بيع السيف مرارا فأجاز واحدا منها ، فانّ ذلك العقد يصح ويبطل ما قبله ، إلاّ العقد الذي قوبل فيه المغصوب بالسيف ، وفيما بعد ذلك العقد الأوجه الثلاثة السابقة.

وبهذا يظهر أنّ إطلاق كلام الشارح (١) وشيخنا الشهيد في الدروس (٢)

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٨.

(٢) الدروس : ٣٣٥.


ومع علم المشتري إشكال.

______________________________________________________

ـ بأن في سلسلة المثمن يصح العقد المجاز ، وما بعده دون ما قبله ، وفي الثمن بالعكس ـ غير مستقيم ، ويحتاج إلى التنقيح في مواضع :

الأول : بيان حال ما بعده في سلسلة الثمن ، بما ذكرناه.

الثاني : وقوف ما بعد المجاز في سلسلة الثمن على الإجازة ، دون البطلان.

الثالث : أن ذلك في سلسلة مخصوصة في الثمن كما بيناه ، لا مطلقا.

قوله : ( ومع علم المشتري إشكال ).

أي : له التتبع إذا كان المشتري جاهلا ، لتحقق المعاوضة حينئذ ، أما مع علمه بالغصب ففي الحكم إشكال ، ينشأ من ثبوت المعاوضة في العقد ، فله تملّكه بالإجازة رعاية لمصلحته ، ومن انتفائها بحسب الواقع ، لأن المدفوع ثمنا يملكه الغاصب ، لتسليطه إياه عليه ، ولهذا يمتنع استرداده عند الأصحاب وإن بقيت عينه ، والمطالبة (١) بعوضه إذا تلف خاصّة عند المصنف ، فيمتنع على مالك العين تملكه.

ويمكن أن يكون ذلك معطوفا على محذوف دلّ عليه السياق ، وتقدير العبارة : وكذا الغاصب ، أي : وكذا بيع الغاصب موقوف إذا كان المشتري جاهلا ، ومع علمه إشكال ، ينشأ مما ذكر ، فيكون الإشكال في كونه موقوفا على الإجازة ، وإن بعد هذا التقدير ، وأيّما الأمرين قدّرت الاشكال فيه ، فمجيئه في الآخر لازم له.

ويمكن أن يكون الاشكال فيهما معا ، وفيه من التكلّف ما لا يخفى ، والأصح عدم الفرق بين علمه بالغصب وعدمه ، لأن المعتمد أنّ للمشتري استعادة الثمن مع بقاء عينه ، لعدم خروجه عن ملكه الى الغاصب ، لعدم المقتضي.

وتجويز تصرّفه فيه عند الأصحاب لتسليطه عليه ، لا ينافي كونه عوضا‌

__________________

(١) كلمة ( والمطالبة ) معطوفة على جملة ( يمتنع ) ، أي : وتمتنع المطالبة بعوضه. وفي « م » وردت كلمة ( فيمتنع ) قبل ( والمطالبة ) وحذفناها لعدم ورودها في الحجري ولعدم اقتضاء السياق لها.


والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال ،

______________________________________________________

للمبيع بمقتضى عقد البيع ، إذ لو وقع التصريح بمثل ذلك في عوض العقد الفضولي لمن أوقعه فضولا ، لم يكن قادحا في ثبوت الإجازة للمالك.

فان قلت : إن جعلت الإجازة كاشفة دلّت بحصولها على انتقال الثمن إلى ملك المجيز بالعقد ، فكيف تؤثر فيه إباحة المشتري له للغاصب بعد العقد ، إما بتسليطه إياه عليه أو بتصريحه له بالإباحة؟ وسيأتي في كلام المصنف اختيار كون الإجازة كاشفة.

قلت : لمّا أجمع الأصحاب على أنه إذا تلف العوض ، ليس للمشتري مطالبة المشترى به ، وجب إخراج هذا الحكم عن مقتضى الأصل بالإجماع ، وإجراء ما عداه على الأصل.

فإن قلت : حقّ المعاوضة مع كون المشتري عالما بأن البائع غاصب أن لا تكون مقصودة ، فلا يعتدّ بها أصلا.

قلت : هذا لا يقدح في كونها مقصودة ، وإلاّ لقدح في بيع الفضولي إذا علم المشتري بالحال. والحاصل : أن كلّما يقال في الغاصب ، يقال في الفضولي ، والجواب هو الجواب.

قوله : ( والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال ).

وجه القرب : أنه مع عدم من له أهلية الإجازة ، تكون صحة العقد ممتنعة في الحال ، وإذا امتنعت في زمان ما امتنعت دائما ، لأن بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائما ، ولما فيه من الضّرر على المشتري ، لامتناع تصرّفه في العين ـ لإمكان عدم الإجازة ، ولعدم تحقق المقتضي ـ وفي الثمن لإمكان الإجازة ، فيكون قد خرج عن ملكه.

وإنما يتصوّر ذلك عندنا : إذا تصرّف للطفل على خلاف المصلحة ، أما عند الأشاعرة فتصوّره ظاهر.

ويضعّف بانتقاضه ممن كان بعيدا ، يمتنع إليه الوصول عادة إلاّ في زمان‌


فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينعقد على إشكال ، وكذا لو باع مال غيره ثم ملكه وأجاز ،

______________________________________________________

طويل. والظاهر عدم الاشتراط ، لعموم الدّليل الدّال على صحة الفضولي من غير فرق ، فانّ عموم ( ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ) (١) يتناوله.

قوله : ( فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينعقد على إشكال ).

يلوح من هذا الاشكال التردد في اشتراط أن يكون للعقد مجيز في الحال ، إلاّ أن يقال : الطفل إذا بلغ كان له أهلية الإجازة بالفعل ، وقبله له ذلك بالقوة ، فالمجيز في الجملة موجود ، لكن على هذا تكون المسألة التي بعده عند المصنف مجزوما بعدم النفوذ فيها ، لانتفاء المجيز فعلا وقوة ، فيكون التشبيه في عدم النفوذ لا في الاشكال في عدم النفوذ ، وهذا وإن كان خلاف المتبادر منها ، إلاّ أنه تندفع المنافاة عن العبارة ، لأن التردد ينافي الترجيح المستفاد من قوله : ( والأقرب ... ).

قوله : ( وكذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه وأجاز ).

إن حمل على أن المراد : وكذا الإشكال في عدم النفوذ لو باع مال غيره إلى آخره ، فمنشأ الإشكال من أنّ العقد كان موقوفا على الإجازة من المالك الذي وقع البيع ، حال كونه مالكا ، وقد تعذّرت بانتقال الملك إلى مالك آخر ، فامتنع الحكم بالصحة. ومن أن الإجازة للعقد الفضولي من مالك العين ومن يقوم مقامه في ذلك ، فانّ الوكيل المفوّض تعتبر إجازته على وفق المصلحة قطعا ، ومن انتقل المبيع إليه تصرّفه أقوى ، بل يحتمل أن يقال : مجرّد الانتقال إلى المتصرف فضوليّا كاف في صحة العقد ، لأن ذلك أبلغ من إجازة المالك.

وإن حمل على أنّ المراد : وكذا لا ينفذ إلى أخره ، فوجهه أنّ الإجازة قد تعذرت ، وإنها على القول بأنها كاشفة ، يلزم كون الملك لشخصين في زمان واحد.

واعلم أنّ في هذه المسألة إشكالا ، وذلك لأن الإجازة إن كانت كاشفة لزم دخول المبيع في ملك المشتري من حين العقد ، فيكون السبب المقتضي لملك‌

__________________

(١) المائدة : ١‌


وفي وقت الانتقال إشكال ، ويترتب النماء.

______________________________________________________

العاقد فضولا غير صحيح ، لكونه واقعا على ملك الغير ، فإذا فسد فسدت الإجازة المترتبة عليه.

والتحقيق أن يقال : إن كان السبب الناقل للملك بعد العقد الفضولي مع علم المالك بجريان الفضولي كان فسخا له ، فيبطل ، فلا تؤثر فيه الإجازة لامتناع الرّضى بالفضولي مع صحة التصرف فيه ، الناقل عن الملك. وإن كان بغير علمه نظر في أنّه هل يعدّ هذا التصرف مستلزما للفسخ أم لا؟ وعلى الثاني نظر هل تعدّ الإجازة كاشفة ، أو معتبرة في السّبب المقتضي لنقل الملك؟ فعلى استلزام الفسخ لا بحث ، وعلى اعتبار الإجازة في السبب بناء على الثاني يمكن الصحة مع إجازته ، وعلى كونها كاشفة يتجه البطلان ، لأنه يلزم من ثبوتها نفيها.

إلاّ أنه يشكل بعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ولم يقم دليل يدل على انفساخ الفضولي ، ولا قام دليل على انحصار الإجازة في المالك المعين ، وهو الأول ، ومن المعلوم أن اللزوم الفضولي إنما يتوقف على انضمام رضى المالك إلى صيغة العقد ، ليصير العقد كالصادر عن رضاه ، فيكون كعقد الوكيل ، وإذا كان تقدّم العقد على الرّضى لا يقدح ، فتقدّمه على الملك لا يقدح ، لانتفاء المقتضي.

فيمكن أن يقال : يكفي لصحة الإجازة ثبوت الملك في ظاهر الحال ، فكأنه ناب مناب المالك فيها.

ويرد عليه : أن الثمن الثاني إن ملكه المالك لم يجز أن يتخلف عنه ملك المشتري المتصرف فضولا ، وإن لم يملكه كانت المعاوضة فاسدة ، ولا سبيل إلى القول به.

قوله : ( وفي وقت الانتقال إشكال ).

ينشأ : من أن الإجازة هي : الرّضى ، وهي : المكملة للسبب ، فيمتنع انتقال الملك قبلها ، ومن أنّ العقد سبب تامّ في حصول الملك ، لعموم ( أَوْفُوا

__________________

(١) المائدة : ١.


______________________________________________________

بِالْعُقُودِ ) (١) وتمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة ، فإذا أجاز تبين كونه تاما ، فوجب ترتّب الملك عليه ، وإلاّ لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة ، بل به مع شي‌ء آخر ، ولا دليل يدل عليه.

والاحتجاج بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود ـ لأن العقد حالها عدم ـ ليس بشي‌ء ، لأن تأثيرها ليس في العقد ، بل في الأمر المترتب عليه ، وهو : نقل الملك ، وهذا بعد تمام السبب يجب أن يكون موجودا لا معدوما ، على أنّه لا تأثير هنا ، لأن علل الشرع معرّفات للأحكام لا مؤثّرات ، فلا يمنع تعريفها للأحكام المرتبة على الأمور العدمية.

وكذا الاحتجاج على كونها جزءا أو شرطا ـ بأنها إما شرط في قبول المحلّ ، أو في فعل الفاعل ـ ليس بشي‌ء أيضا ، لمنع الحصر ، إذ يجوز كونها علامة على تمامية العقد واعتباره في نظر الشرع ، مع عدم مطابقته للمدّعي.

إذا عرفت هذا ، فهل للمشتري فسخ الفضولي قبل الإجازة ، بحيث إذا حصلت لا يكون معتدّا به؟ لا شكّ أنه على تقدير كونها كاشفة ليس له ذلك ، لأنه قد تبين دخوله في ملكه من حين العقد ، فكيف ينفسخ؟ وعلى التقدير الآخر ، لا بعد في أنّ له ذلك ، لأن الموجود هو بعض السبب ، فهو كما لو ردّ الإيجاب أو رجع عن قبوله ، لو جوزنا تقديمه قبل صدور الإيجاب.

ثمّ أنه هل للمشتري التصرف في الثمن؟ يوجد في عبارة الشارح السيد ما يدل على المنع في توجيه بيع مال الطفل ، وينبغي تنزيله على هذين القولين ، وأرجح القولين انتقال الملك بالعقد.

ويمكن أن يقال : إتلاف الثّمن المعين موجب لانفساخ البيع ، فيمتنع إتلافه.

__________________

(١) المائدة : ١.


ولو باع مال أبيه بظنّ الحياة وأنه فضولي ، فبان ميّتا حينئذ وأنّ المبيع ملكه ، فالوجه الصحة.

ولا يكفي في الإجازة السكوت مع العلم ، ولا مع حضور العقد.

ولو فسخ العقد رجع على المشتري بالعين ، ويرجع المشتري على البائع بما دفعه ثمنا ، وما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء ، مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك ، وإن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب ، إلاّ أن يكون الثمن باقيا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو باع مال أبيه بظن الحياة وأنه فضولي ).

قيل : قوله : ( وأنه فضولي ) مستغنى عنه. قلنا : بل أراد به : الإشعار بمنشإ الوجه الضعيف ، أعني : أن العقود تابعة للقصود.

قوله : ( فالوجه الصّحة ).

أراد : الصّحة من غير توقف على شي‌ء آخر ، أعني : اللزوم ، وينبغي أن يكون ذلك موقوفا على إجازته ، وهو الأصح ، لأنه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن ، بل مع إجازة المالك ، إلا أن يقال : قصده إلى أصل البيع كاف. ومثله : ما لو باعه فضوليا ، ثم تبين شراء وكيله إياه.

قوله : ( مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك ).

لثبوت غروره في الصورتين.

قوله : ( وإن لم يكن كذلك ).

أي : وإن انتفى الأمران ، وهو : جهله بأن له مالكا غير البائع ، وإذن المالك.

قوله : ( ولا بالثمن مع علم الغصب ).

أي : لا يرجع بالثمن إذا علم كون البائع غاصبا ، قيل : هذا القيد مستدرك ، قلنا : لا ، فإنه لا يلزم من علمه بأن له مالكا ، أن يكون في يده غصبا.


فالأقوى الرجوع به.

ولا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادعاء الملكية للبائع ، لأنه بنى على الظاهر.

ولو تلفت العين في يد المشتري ، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما بالقيمة إن لم يجز البيع ، فان رجع على المشتري الجاهل ، ففي رجوعه على البائع بالزيادة على الثمن إشكال.

______________________________________________________

قيل : هو في سياق بيع المغصوب ، قلنا : بل في سياق بيع مال الغير فضولا غاصبا كان أولا.

قوله : ( فالأقوى الرجوع به ).

هذا أصحّ ، وظاهر كلام الأصحاب عدم الرّجوع مطلقا ، وفي رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع (١) مطلقا ، وهو المتّجه ، لكن نقل في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع (٢).

قوله : ( ولا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادعاء الملكية ... ).

أي : لو قال : هذا كان مالا لفلان البائع واشتريته منه ، ثم ثبت كونه مال الغير ، لم يمنع قوله ذلك من الرّجوع ، وإن كان ظاهره ينافي استحقاق الرجوع ، لأنه بنى في قوله هذا على الظاهر.

قوله : ( فان رجع على المشتري الجاهل ، ففي رجوعه على البائع بالزيادة على الثمن إشكال ).

ينشأ : من أنها تلفت في يده ، فقرار ضمانها عليه ، ومن أنه غره بكون المبيع ملكا له ، فيرجع عليه ، وهو أقوى ، فيرجع بها.

__________________

(١) نكت النهاية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٣.


ولو باع ملكه وملك غيره صفقة صحّ فيما يملك ووقف الآخر على إجازة المالك ، فإن أجاز نفذ البيع وقسّط الثمن عليهما بنسبة المالين ، بأن يقوّما جميعا ، ثم يقوّم أحدهما ، هذا إذا كان من ذوات القيم ، وإن كان من ذوات الأمثال قسّط على الاجزاء ،

______________________________________________________

قوله : ( صح فيما يملك ، ووقف الآخر على إجازة المالك ).

أي : صح البيع فيما يملك ، أي : لزم لوجود شرط اللزوم ، وهو : كونه مالكا ، فدل على أنه أراد بالصحة : اللّزوم.

قوله : ( ووقف الآخر على إجازة المالك ).

فان قيل : كيف يكون الوقوف للآخر على الإجازة ، والموقوف إنما هو للعقد أو لأثره؟ قلنا : تقدير العبارة : وقف العقد في الآخر ، بدليل ما قبله. فان قيل : كيف يكون العقد الواحد لازما موقوفا؟ قلنا : بالإضافة إلى شيئين لا محذور.

قوله : ( وقسط الثمن عليهما بنسبة المالين ، بأن يقوّما ... ).

إنما اعتبر تقويمهما ثم تقويم أحدهما ، لتعرف نسبة قيمة كلّ منهما إلى مجموع القيمتين ، فيعرف ثمن كلّ منهما من مجموع الثمن ، وإنما لم يقسط على العينين ، لإمكان زيادة الثمن على القيمتين أو نقصانه عنهما ، وعدم مساواة كل من القيمتين للأخرى.

وفي عبارته حذف ، تقديره : ثم يقوّم أحدهما ، وتنسب قيمته إلى مجموع القيمتين ، ويؤخذ له بتلك النسبة من مجموع الثمن.

فرع : لو كان كمصراعي باب أو زوجي خفّ ، وجب أن يقوّما معا ، منفردا كلّ منهما عن الآخر ، ثم ينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ، لأنه إنما يقوّم المال باعتباره ، وكل منهما إنما يملك أحد الزوجين ، فلا يستحق ما يزيد من القيمة باجتماعهما ، بخلاف أحكام الغصب.

قوله : ( وإن كان من ذوات الأمثال قسّط على الأجزاء ).

وذلك لعدم الاحتياج إلى اعتبار القيمة ، لثبوت التساوي في المثلي بين‌


سواء اتحدت العين أو تكثرت.

ولو فسخ تخير المشتري في فسخ المملوك والإمضاء ، فيرجع من الثمن بقسط غيره.

ولو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه ، ويحتمل‌

______________________________________________________

أجزائه ، وسيأتي في الغصب إن شاء الله تعالى تحقيق الفرق بين المثلي والقيمي.

قوله : ( سواء اتّحدت العين أو تكثّرت ).

أي : سواء اتّحدت أو تكثرت في كلّ من المثلي والقيمي ، فالأقسام أربعة : اتّحدت في القيمي كالعبد المشترك ، تكثّرت فيه كالعبد مع الجارية ، اتّحدت في المثلي كقفيز من برّ ، تكثرت فيه كقفيزين ، لكن هذا على إطلاقه لا يستقيم ، بل يجب أن يقيد بما إذا تساوت الأوصاف التي لها دخل في زيادة القيمة ونقصانها ، أمّا إذا تفاوتت كجيد الحنطة مع رديئها أو مع الشعير مثلا ، فانّ المرجع حينئذ إلى القيمة ، وإلاّ لزم استواء الحنطة والشعير في الثمن ، وهو معلوم البطلان ، فإن متساوي الأجزاء إنما قسّط الثمن على أجزائه لتساويها في القيمة ، لعدم الاختلاف بينها المؤثر في اختلاف القيمة ، والموضع المذكور بخلاف ذلك.

قوله : ( ولو فسخ تخير المشتري في فسخ المملوك والإمضاء ).

ينبغي تقييده بما إذا كان جاهلا في الحال ، وإلا فلا فسخ له.

سؤال : التراضي إنما وقع على مجموع المبيع بما صحّ بالإضافة فإذا فسخ الغير في ملكه ارتفع التراضي ، فيلزم بطلان العقد؟

جوابه : لما وقع التراضي على المجموع صح العقد ، فإذا طرأ عليه البطلان بالإضافة إلى بعض المبيع لم يلزم بطلان الآخر ، لعدم الدلالة ، ولأن الرضى قد حصل ضمنا ، فتكفي الصحة ، ولا يلزم من البطلان في الآخر ارتفاع الرّضى الذي كان قد حصل ، ولا بطلان حكمه.

قوله : ( ولو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه ، ويحتمل‌


الإشاعة ، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة.

أما الإقرار فيبني على الإشاعة قطعا ،

______________________________________________________

الإشاعة ، فيقف في نصف النصيب الآخر على الإجازة ).

وجه الأول : أن اللفظ من حيث هو هو ، وإن تساوت نسبته إلى النصيبين ، إلاّ أنه من خارج قد ترجح انصرافه إلى النصف المملوك للبائع ، نظرا إلى أن إطلاق البيع إنما يحمل على المتعارف في الاستعمال والمتبادر إلى الفهم وهو البيع الذي ترتب عليه الانتقال بفعل المتعاقدين.

ووجه الثاني : استواء النسبة قصرا للنظر على اللفظ ، ولا ريب أنّ القرينة المذكورة مرجّحة للمعنى السابق ، فيكون الوجه الأول أقوى.

واعلم أنّ المراد بالإشاعة هنا : الإشاعة بالنسبة إلى النصيبين ، لا الإشاعة للاجزاء في الاجزاء ، لأنّ ذلك ثابت على كل من التقديرين ، أعني : صرف البيع الى المملوك ، أو تنزيله على مملوكه ومملوك شريكه ، فهو معنى آخر تدل عليه المقابلة لما قبله.

قوله : ( أما الإقرار فينزل على الإشاعة قطعا ).

أي : على الإشاعة التي ذكرنا معناها آنفا ، فلا ينحصر المقر به في نصيب المقر ظاهرا ، ولا بد من تحرير هذه المسألة ، وصورتها : أنّ ملكا كدار إذا كان بيد شخصين على ظاهر الملك ، فأقر أحدهما بأنّ ثالثا يستحق نصفها ، فإنّ الإقرار لا يحمل على أنّ النصف المقر به هو ما في يد المقر ، لأنّ لفظ الإقرار صالح لكل من النصيبين ولا ترجيح ، فصرفه إلى إحديهما دون الآخر ترجيح بغير مرجح.

ولا يمكن ادعاء الترجيح بأمر خارجي ، كما في المسألة السابقة ، لما ذكرناه من قرينة البيع هناك ، وهي متيقنة هنا ، فإن الإقرار لمّا كان إخبارا عن ملك الغير لشي‌ء ، لم يجب أن يكون منصرفا إلى ما في اليد ، لإمكان وقوع هذا الإخبار على ما في يد الغير.

لا يقال : الإقرار حقيقة إنما يكون على ما في اليد ، وأما على ما في يد الغير‌


فلو قال : نصف الدار لك ، أو قال مع ذلك : والنصف الآخر لي ولشريكي وكذّبه الشريك ، فللمقرّ له ثلثا ما في يده ، ولو قال : والنصف الآخر لي ، أو الدار بيني وبينك نصفان ، أخذ نصف ما في يده.

______________________________________________________

فإنما هو شهادة ، ولا يعد إقرارا ، لأنا نقول : الإقرار إخبار عن حق الغير ، ولم يثبت تخصيصه بما في اليد ، وتسميته الإخبار عما في يد الغير شهادة ، والأصل عدم ذلك.

ولو سلمنا فهذا الأمر إنما هو في لفظ الإقرار ، فيتحقق هذا لو قال : أقررت ، أما إذا قال : لفلان كذا الفلاني فإنه إخبار ، إن شئت سميته إقرارا ، وإن شئت شهادة ، وإن شئت وزعته لو تعلق بمختلفين في اليد وعدمها.

قوله : ( فلو قال : نصف الدار لك ، أو قال مع ذلك : والنصف الآخر لي ولشريكي وكذّبه الشريك ، فللمقرّ له ثلثا ما في يده ).

مقتضى قوله : ( أو قال مع ذلك ... ) أنه لا تفاوت بين الصورتين في الحكم المذكور ، وهو كذلك ، لأنّ اليد الثابتة لكل منهما الثابتة شرعا ، إذا ضممتها الإقرار اقتضت ذلك ، وظاهر قوله : ( فللمقر له ثلثا ما في يده ) أنّ ذلك يتفرع على الإشاعة المذكورة ، وليس كذلك. بل المتفرع على الإشاعة تنزيل الإقرار على ما في يديهما ، كما قررناه سابقا.

نعم له مدخل ، حيث أنّ تكذيب الآخر إذا انضم إليه اقتضى ذلك ، وهو كاف في صحة التفريع في الجملة ، ووجه استحقاق المقر له الثلثين ، أنّ الشريك المكذب بزعم المقر ظالم بالربع ، لأنه بمقتضى إخباره إنما يستحق ربعا ، وبيده نصف ، فالربع الذي ظلم بأخذه على حسب الإقرار نسبته إلى المقر وإلى الثالث على حدّ سواء ، إذ لا ترجيح ، فإنه قدر تالف من العين المشتركة ، فيوزع الاستحقاق على ما في يده ، وعلى ما وقع الظلم به ، والثالث بإقرار المقر يستحق النصف ، ويستحق هو الربع ، والنصف ثلثا المجموع ، فيكون للثالث ثلثا ما في يد المقر ، وثلثا ما في يد الشريك ظلما ، وللمقر ثلث كل منهما.


ولو ضمّ إلى المملوك حرا أو خمرا أو خنزيرا صح في المملوك وبطل في الباقي ، ويقسط الثمن على المملوك وعلى الحر لو كان مملوكا ،

______________________________________________________

لا يقال : مقتضى الإشاعة التنزيل على ما في يد كل واحد منهما ، فيكون للثالث بمقتضى الإقرار ربع ما في يد كل من الشريكين ، كما لو صرح فقال : لك نصف ما في يدي ونصف ما في يد شريكي ، فكيف تغير الحكم حتى صار له بيد المقر ثلث الأصل؟

لأنا نقول : لما حصل تكذيب الشريك ، تحقق تلف الربع ، فوجب كونه منهما ، فبمقتضى التكذيب صار الأمر كذلك.

فان قيل : التكذيب لا يقتضي ذلك ، لأنه يقتضي رد ما اقتضاه الإقرار ، وهو استحقاق الثالث نصف ما في يد الشريك ، وذلك ربع ، فكيف يتحقق ضياعه منهما ليلزم ما ذكر؟

قلنا : لما أقر له بنصف ، كان متعلق الإقرار أمرا كليا في يد كل واحد من الشريكين ، فلما رد الشريك إقراره ، كان الرد نافذا في الربع ، الذي هو نصف ما في يده فصار تالفا ، ويمتنع تلف الأمر الكلي ، إذ التلف إنما يتحقق في نفس الأمر ، بحيث يترتب عليه مقتضاه ، للأمر المتعين المتشخص.

ولا شبهة في أنّ العين المشتركة إذا تلف بعضها ، إنما يتلف من الشريكين على نسبته استحقاقهما ، ولما انتفت علاقة الشركة بين الثالث والشريك الثاني برده الإقرار ، انحصرت شركته للمقر ، فيكون التالف منهما موزعا على نسبة استحقاقهما.

إذا عرفت ذلك ، فالمسألة من اثني عشر ، لأنّ فيها نصف سدس ، وهو ثلث الربع ، ومخرجه اثنا عشر ، باعتبار ضرب مخرج المضاف في مخرج المضاف اليه.

قوله : ( وعلى الحر لو كان مملوكا ).

يلزم القائلين في الأول ـ أعني : مشتري المغصوب العالم بالغصب ـ بعدم الرجوع في الثمن عدم الرجوع هنا ، وهو مدخول ، إلا أن يقال : ذلك خرج‌


وعلى قيمة الخمر عند مستحليه.

ولو باع جملة الثمرة وفيما عشر الصدقة صح فيما يخصّه دون حصة الفقراء ، إلاّ مع الضمان.

______________________________________________________

بالإجماع ، وإطلاق المصنف التقسيط يقتضي الفرق بينه وبين ما هناك ، وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد طرد الحكم هنا ، وهو بعيد.

قوله : ( وعلى قيمة الخمر عند مستحليه ).

في حواشي شيخنا الشهيد : أنّ التقويم في الحر والعبد بيّن ، وفي الباقي تفصيل ، وهو : إنه إن تساوت قيمة الخل المنضم الى الخمر ، والشاة المنضمة إلى الخنزير عند الملتين ، قوما معا عند أهل الذمة ، وإن كان الخل أرفع قيمة عند المسلمين ، فالظاهر التقويم منفردين ، لاشتمال الاجتماع على غبن البائع ، أو امتناع التقويم ، لأنه إن كان عند أهل الذمة لزم الأول ، وإن كان عند المسلمين فالثاني.

وفي الحقيقة ، ليس لهذا الكلام كثير محصل ، لأنّ الأصل في التقويم اعتباره عند المسلمين ، لأنّ الحكم إنما هو لأهل الإسلام ، فما دام يمكن ذلك وجب المصير اليه ، ولا يعدل عنه الا عند التعذر ، وهو فيما يملك ممكن فتعين اعتباره ، ولا اعتبار بالتساوي وعدمه.

أما ما لا يملك ، فلا بد من الرجوع في تقويمه الى من يرى له قيمة من غير المسلمين للضرورة ، فيقتصر على محلها ، ولا ريب أنه لا يقبل قول الكافر في التقويم ، لاشتراط العدالة فيه ، بل يرجع في ذلك الى قول العدول ، كالذي أسلم عن كفر ، أو المسلم المجاور للكفار.

وقول المصنف : ( عند مستحليه ) لا ينافي ذلك ، لأنه ظرف للقيمة ، لا للتقويم.

قوله : ( إلاّ مع الضمان ).

الظاهر أنّ المراد به : عدم الأداء من غيرها ، ولا يشترط لفظ مخصوص ، نعم لا بد من علم المشتري به لو كان عالما بالزكاة.


ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة مع عدم الضمان لم يصح في نصيبه ، إذ ثمن حصته مجهول على إشكال.

ولو باع اثنان عبدين غير مشتركين صفقة بسط الثمن على القيمتين ، اتّفقتا أو اختلفتا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة مع عدم الضمان لم يصح في نصيبه ، إذ ثمن حصته مجهول على إشكال ).

هذا إذا باع أربعين لا أزيد ، فإن باع أزيد ، ولم يبلغ النصاب الثاني فالبطلان ليس إلا لعدم تعيين النصاب ، لأنّ الزائد عفو ، والاشكال يبتني على أنّ الواجب شاة غير معينة ، أو مقدار شائع في النصاب ، ويدل على الأول : الاكتفاء بشاة من غير اعتبار تقويم الجميع ، وأنه لو لم يبق إلا واحدة تعين أخذها من دون اعتبار القيمة.

وعلى الثاني وجوب التقسيط في المراض مع الصحاح ، والإناث مع الذكور ، وسقوط شي‌ء من الفريضة بتلف شي‌ء من النصاب بغير تفريط ، والأصح الثاني.

والجواب عن الأول : أنّ الشارع اكتفى بمسمى الشاة ، تسهيلا على المكلف.

فرع :

هل الخمس كالزكاة؟ ظاهر كلام الأصحاب : ـ أنه لو اشترى مالا ممن لا يخمس لم يجب عليه الخمس ـ العدم ، وينبغي أن يستثني من ذلك ما لو اشترى مال أهل الخلاف ، الذين يخالفون في محل الزكاة أو قدرها ، مع احتمال إطلاق الحكم.

قوله : ( اتفقتا أو اختلفتا ).

حكم الشيخ بالبطلان في المختلفين ، للجهل بالنسبة ، وهو ضعيف.


وللأب والجدّ له ولاية التصرف ما دام الولد غير رشيد ، فان بلغ ورشد زالت ولايتهما عنه ، ولهما أن يتوليا طرفي العقد.

والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه لصغر أو جنون أو فلس أو سفه ، أو الغائب.

______________________________________________________

قوله : ( وللأب والجد له ولاية التصرف ما دام الولد غير رشيد ).

أورد عليه : أن مقتضاه زوال الحكم بحصول الرشد ، وليس كذلك ، لأنه قد يصير رشيدا قبل البلوغ.

وجوابه : أنّ ذلك مدلول عليه بالمفهوم المخالف ، وهو مفهوم الزمان على ما ذكره بعض الأصوليين.

قوله : ( فان بلغ ورشد زالت ولايتهما عنه ).

قيل عليه : لا يصح هذا التفريع ، لأنّ الأول أعم من البلوغ وعدمه.

قلنا : لا يمتنع تفريع الشي‌ء على الشي‌ء ، باعتبار تناوله ما عليه التفريع ، كما في قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (١).

قوله : ( والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه ، لصغر أو جنون ).

بشرط ولايتهما ، مع عدم الأب والجد له في الصغير ، وكذا في المجنون إن اتصل جنونه بحجر الصغر ، بخلاف ما لو بلغ رشيدا ثم جن ، ولا شبهة في أنّ عبارته غير حسنة ، لأنه لم يستوعب من يليه الأب والجد له.

قوله : ( أو سفه ).

بشرط عدم الأب والجد له ، إلا أن يتجدد السفه بعد البلوغ والرشد.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.


والوصي إنما ينفذ تصرفه بعد الموت مع صغر الموصى عليه أو جنونه ، وله أن يقترض مع الملاءة ، وأن يقوّم على نفسه.

والوكيل يمضي تصرفه ما دام الموكّل حيا جائز التصرف ، فلو مات أو جنّ أو أغمي عليه زالت الولاية ، وله أن يتولّى طرفي العقد مع الاعلام على رأي ، وكذا الوصي يتولاهما ،

______________________________________________________

قوله : ( والوصي ـ إلى قوله : ـ أو جنونه ).

بشرط أن لا يكون جنونه متجددا بعد البلوغ والرشد ، وكذا القول في السفه.

قوله : ( وله أن يقترض مع الملاءة ).

اشترط الملاءة ، احتياطا لمال المولى عليه ولا بد من الاشهاد ، ولأنّ فيه تضييعا لحقه ، ولأن الوكيل في قضاء الدين يجب عليه الاشهاد ، فهذا أولى.

وكذا الرهن ، لما قلناه ، فإنه ربما كثرت ديونه ، فلزم الضرب مع الغرماء في حال الفلس أو الموت ، نبه عليه الشهيد في بعض حواشيه.

قوله : ( وأن يقوّم على نفسه ).

بان يوقع العقد الموجب للملك ، ولا بد من الاشهاد ، وكذا الرهن لما سبق.

قوله : ( وله أن يتولّى طرفي العقد مع الاعلام على رأي ).

أي : مع الإعلام بالحال ، والمراد به : الاذن من الموكل ، والخلاف يتحقق في شيئين : في توليه طرفي العقد ، وفي بيعه لنفسه ، وإن كانت العبارة أعم من ذلك ، فانّ اشتراط الإعلام إنما هو في تولية العقد لنفسه ، فلو كان وكيلا لآخر في الشراء ، أمكن أن لا يطرد الخلاف في شرائه لنفسه هنا.

والأصح جواز تولي الطرفين ، إذ مغايرة المتعاقدين يكفي فيها الاعتبار ، وجواز بيعه لنفسه مع الإذن ، ولو بالقرينة الدالة عليه ، كأن يقول : مرادي البيع وحصول الثمن.


وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولّى عليه.

ولو اتفق عقد الوكيلين على الجمع والتفريق في الزمان بطلا ،

______________________________________________________

قوله : ( وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولى عليه ).

لك في قراءة المولى وجهان :

أحدهما : على وزن فعلى ، اسم مفعول من وليته.

والثاني : على وزن مهدي ، من وليه يليه.

وبدون المصلحة يقع فضوليا ، وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى الشهيد ، نقلا عن المصنف بواسطة قطب الدين ، احتمال تنزيل تصرف الولي على خلاف المصلحة منزلة الإتلاف بالاقتراض ، فإن غاية ما فيه أنه إتلاف ، ولا يقصر عن الإتلاف بالاقتراض المحكوم بجوازه ، فان الجميع إتلاف. وليس بشي‌ء ، فإن الاقتراض ناقل الملك ، وإتلاف الإنسان مال نفسه ليس كإتلافه مال الطفل قبل صيرورته مملوكا.

وأيضا فإنّ الإتلاف إذا جاز على وجه مخصوص ، لم يثبت جوازه مطلقا ، كما هو ظاهر ، فان ثبوت جوازه في فرد ، لا يستلزم جوازه في فرد آخر. ولو صح ذلك لم يكن الحكم مقصورا على الأسباب الثابتة شرعا.

قوله : ( ولو اتفق عقد الوكيلين على الجمع والتفريق في الزمان بطلا ).

الجار الأول يتعلق بوكيلين ، فان فعيلا هنا بمعنى مفعول ، فيصح للتعلق به ، ولا يجوز تعلقه بـ ( اتفق ) ، لفساد المعنى. نعم الجار الثاني يتعلق بـ ( اتفق ) ، والتقدير : لو اتفق عقد البيع الصادر من الوكيلين اللذين وكالتهما على الجمع والتفريق : أي تصرف كل منهما مع الآخر ، وبدونه مأذون فيه زمانا ، بان كان زمان أحد العقدين بعينه هو زمان الآخر بطلا على أصح الوجهين ، للتنافي. واحتمال التنصيف ضعيف ، إذ لا مقتضي له. ونسبة كل من العقدين الى مجموع المبيع متساوية ، وهذا هو المراد بقوله : ( ويحتمل التنصيف في الأول ) وإنما أثبت‌


ولو سبق أحدهما صحّ خاصة ، ويحتمل التنصيف في الأول فيتخيران.

ولو باعاه على شخص ووكيله ، أو على وكيليه دفعة ، فان اتفق الثمن جنسا وقدرا صحّ ، وإلاّ فالأقرب البطلان.

ولو اختلف الخيار ، فالأقرب مساواته لاختلاف الثمن ،

______________________________________________________

لهما التخيير ، لتبعض الصفقة على ذلك التقدير.

قوله : ( ولو سبق أحدهما صح خاصة ).

أي : صح السابق دون اللاحق ، وهو الذي حاوله بقوله : ( خاصة ) ، وفي حواشي الشهيد : إنّ هذا حيث يكون وكيلا عن الموكل الأول ، فلو كان وكيلا عن المشتري الأول ، ولم يشترط قصد عين الموكل ، صح الثاني أيضا.

ومعنى هذا : أنه إذا كان الموقع للعقد الثاني وكيلا عن المشتري الأول ، ولم يقصد معينا ـ لأنا لم نشرطه في الصحة ـ كان العقدان لشخص واحد ، فيصحان إذا حصل الاتفاق الآتي ذكره.

واعلم أنّ السبق يتحقق بكمال القبول ، فمتى سبق قبول أحد العقدين فهو السابق ، بخلاف الإيجاب ، لأنّ انتقال الملك يترتب على كمال العقد.

قوله : ( فان اتفق الثمن جنسا وقدرا صح ).

لأنه لا مانع من الصحة إلاّ كونهما سببين تامين في انتقال الملك ، ولا امتناع في اجتماعهما ، لأنّ الأسباب الشرعية معرفات للأحكام.

قوله : ( وإلاّ ، فالأقرب البطلان ).

أي : وإن لم يتفق الثمنان في الجنس والقدر ، بان اختلفا في أحدهما ، والظاهر أنه يريد بالاختلاف في الجنس ، ما يشمل الاختلاف في الصفة ، ووجه القرب امتناع الجمع بين العقدين ، ولا ترجيح ، فيبطلان ، وهو الأصح ، ويحتمل التنصيف ـ الذي مر في المسألة السابقة ـ هنا بطريق اولى.

قوله : ( ولو اختلف الخيار فالأقرب مساواته ، لاختلاف الثمن ).

الاختلاف في القدر كشرط الخيار عشرة أيام وخمسة أيام ، ووجه القرب أن‌


إلاّ أن يجعلاه مشتركا بينهما.

الفصل الثالث : العوضان :

وشرط المعقود عليه : الطهارة فعلا أو قوة ،

______________________________________________________

الخيار نوع ارتفاق ، فان كان للمشتري ، كان بمنزلة النقصان في الثمن ، أو للبائع فهو بمنزلة الزيادة فيه ، ويحتمل عدم المساواة ، لأنه لا يعد مالا ، فلا يختلف به العوضان.

قوله : ( إلا أن يجعلاه مشتركا بينهما ).

اي : اختلاف الخيار مساو لاختلاف الثمن في جميع الأحوال ، إلا في حال جعل الوكيلين الخيار مشتركا بينهما ، والأجود جعل ضمير ( بينهما ) راجعا الى كل من البائع والمشتري ، والضمير في ( يجعلاه ) راجعا الى كل من الوكيلين في العقدين ، لكن لا تتناول العبارة حينئذ ما إذا باعا على شخص ووكيله.

ولو جعلناه راجعا الى المتعاقدين في كل من العقدين ، ليتناول ما ذكرناه ، لبقي رجوع ضمير ( بينهما ) إلى البائع والمشتري لا يخلو من سماجة ، ومع هذا ، فالأصح هنا البطلان أيضا ، لأن اختلاف الخيار بمنزلة اختلاف الثمن ، واشتراكه لا يخرجه عن الاختلاف المذكور ، الموجب لتنافي العقدين وبطلانهما ، وعبارة الشارح ولد المصنف (١) هنا لا تخلو من فساد ، فينبغي التنبيه لها.

قوله : ( وشرط المعقود عليه الطهارة فعلا ، أو قوة ).

أراد بالقوة هنا : كونه بحيث يقبل الطهارة ، كالثوب والماء النجسين ، ولكن يرد عليه الكلب والدهن المتنجس فإنهما غير طاهرين بواحد من الاعتبارين ، ويعتذر له سبق ذكر حكمهما في أول الباب ، فاعتمد على ما سبق.

ولا يرد عليه العصير العنبي بعد الحكم بنجاسته ، فإنه لا يصح بيعه حينئذ على الظاهر ، لأنه عين نجاسة قد أسقط الشارع منفعته ، وإن كان يؤول إلى الطهارة‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥.


وصلاحية التملك ، فلا يقع العقد على حبة حنطة لقلته.

______________________________________________________

كالخمر إذا أعدت للتخليل.

واعلم أنّ قوله : ( المعقود عليه ) يتناول الثمن والمثمن ، فإن كلا منهما جرى عليه العقد ، وإن كان المتبادر من المعقود عليه المثمن.

قوله : ( وصلاحيته للتملك ).

المتبادر من صلاحية التملك : كونه بحيث يمكن تملكه ، فتندرج فيه مباحات الأصل ، فإنها صالحة للتملك ، ولا يصح بيعها قبل الحيازة ، لكن قوله :( فلا يقع العقد على حبة حنطة ) يدل على أنه يريد : أنّ ما لا يتملك لقلته لا يقع العقد عليه ، فيكون ذكر الصلاحية مستدركا.

ومع ذلك فترد عليه مناقشة ، وهو : أنّ مثل الحبة والحبتين من الحنطة وغيرها لا تدخل في الملك ، وليس بشي‌ء ، فإنها تدخل في الملك ، وتقبل النقل بهبة ونحوها ، ولعله يريد بالتملك : التملك بعقد معاوضة ، فإنها لا تعد مالا عادة ، بحيث يجعل في مقابلها عوض ، ولا يجوز أخذ نحو ذلك غصبا إجماعا.

ويجب رد العين مع بقائها ، ولو تلفت فعند المصنف في التذكرة لا يجب لها شي‌ء (١) ، وفي الدروس يجب رد المثل (٢).

والتحقيق أن نقول : أن اجزاء الملك ـ وإن بلغت القلة ـ مملوكة قطعا ، ولا يجوز لأحد انتزاعها غصبا ، ويجب رد العين ، ومع التلف فالمثل ، لعموم « على اليد ما أخذت » (٣) ، والواجب في المثلي المثل ، ويلزم المصنف أنّ من أتلف على غيره حبات كثيرة منفردات لا يجب عليه شي‌ء.

وبيان الملازمة : أنّ إتلاف كل واحدة على حدة لا يوجب شيئا ، وإذا لم يترتب على تلفها شي‌ء حال التلف ، لا يترتب عليه شي‌ء بعد ذلك ، لعدم‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٢) الدروس : ٣٣٨.

(٣) مسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠.


والمغايرة للمتعاقدين ، فلو باعه نفسه فالأقرب البطلان وإن كان الثمن مؤجلا.

______________________________________________________

المقتضي ، وكذا يلزمه فيمن أتلف مدا من الحنطة لعدة ملاّك لكل واحد حبة ، أن لا يترتب عليه شي‌ء ، لانتفاء المقتضي بالإضافة الى كل واحد.

نعم لا يعد هذا القليل مالا في العادة ، فلا تجري عليه عقود المعاوضات ، لاستدعائها كون المعقود عليه مالا ومتقوما ، ومعلوم أنّ هذه لا تعد مالا ، ولا تعد متقومة في العادة.

وعبارة المصنف هنا تحتمل الأمرين ، فإنّ ظاهرها غير مراد ، لأنّ مقتضاه أنّ الحبة لا تملك ، وليس كذلك ، وإلا لجاز أخذها ، فيجتمع للآخذ في دفعات منها مال جزيل ، وليس لمانع أن يمنع الملازمة ملتزما بأنّ نفي الملك لا ينفي الأولوية الممكن ثبوتها هنا.

قوله : ( والمغايرة للمتعاقدين ، فلو باعه نفسه فالأقرب البطلان ).

هذا هو الأصح ، لاستحالة أن ينتقل العبد الى ملك نفسه ، ولأنّ الحرية شرط التملك ، الذي هو شرط صحة البيع ، وإنما يتحقق الفرض بالبيع فيلزم الدور ، وإنما خص التفريع ببيعه نفسه فيكون مبيعا ، ولم يفرع جعل نفسه ثمنا لامتناع تصور ذلك ، لأنه مملوك لغيره ، فلا يمكن تصرفه بغير إذنه.

قوله : ( وإن كان الثمن مؤجلا ).

حاول بذلك دفع توهم جوازه في هذه الحالة ، ينشأ توهم ذلك من تعليل عدم جواز البيع هنا لعدم ملك الثمن ، ومع وجود الأجل ينبغي ذلك ، لأنه تحرر بالبيع ، فيكون في وقت الحلول مالكا.

كذا قيل : وليس بشي‌ء ، لأنّ عدم ملك الثمن لا دخل له في صحة البيع وفساده ، وإلاّ لامتنع بيع الفقير الذي لا شي‌ء له أصلا ، بل عدم صلاحية الملك هو المانع ، وهو موجود في الحالين ، وإنما أراد رفع توهم من قد تخيل جوازه مع التأجيل ، نظرا الى عدم لزوم أداء الثمن ، لأنّ المانع هو امتناع لزوم الأداء ، لا نفي عدم الأداء.


بخلاف الكتابة.

والانتفاع به ، فلا يصح على ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي ، ولا على ما لا منفعة له كرطوبات الإنسان وشعره وظفره ، عدا اللبن.

والقدرة على التسليم ، فلا يصح بيع الطير في الهواء إذا لم تقض عادته بعوده ، ولا السمك في الماء إلاّ أن يكون محصورا ، ولا الآبق منفردا إلاّ على من هو في يده.

______________________________________________________

قوله : ( بخلاف الكتابة ).

جواب عن سؤال مقدّر قد يورد هنا ، ودفعه بأنّ الكتابة ليست بيعا ، بل عتق على وجه مخصوص ، وثبوت جوازه شرعا بالنص لا يقتضي جواز البيع.

قوله : ( فلا يصح على ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي ).

فإنّ لها منفعة مقصودة محرمة ، ويجوز بيع رضاضها ، كما سبق.

قوله : ( ولا على ما لا منفعة له ).

أي : لا منفعة معتدا بها عادة فيه ، وإن كان فيه منفعة لا يعتد بها.

قوله : ( فلا يصح بيع الطير في الهواء ، إذا لم تقض العادة بعوده ).

فان قضت العادة بذلك ـ ككثير من الحمام ونحوه ـ صح البيع ، وكذا يصح جعله ثمنا مع العادة ، ولا يصح لو لم تقض العادة بذلك.

قوله : ( ولا السمك في الماء ، إلا أن يكون محصورا ).

شرط في التذكرة لبيعه شروطا ثلاثة : أن يكون مملوكا ، ومشاهدته ، فيعتبر أن لا يكون هناك مانع من الرؤية ككدورة الماء ونحوها ، وإمكان صيده ، وبدون ذلك لا يجوز (١). وتملك السمكة في البركة المعدة لحيازته ، صرح به في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٦.


والعلم ، فلا يصح بيع المجهول ولا الشراء به.

ولا تكفي المشاهدة في المكيل والموزون والمعدود ، سواء كان عوضا أو ثمنا ، بل لا بدّ من الاعتبار بأحدها.

ولا يكفي الاعتبار بمكيال مجهول ، ولو تعذر وزنه أو كيله أو عدّه ، اعتبر وعاء وأخذ الباقي بحسابه.

وتكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يذرعا.

______________________________________________________

التحرير (١) في باب البيع. ولا فرق بين كبير البركة وصغيرها ، فإطلاق عبارة المصنف هنا بيع المحصور غير ظاهر.

ومع ذلك فإن أراد بالمحصور ما يعدّ بسهولة ، فهذا غير شرط لصحة بيع السمك الكثير في البركة الكبيرة بالشروط ، وإن كان في صيده مشقة كما صرح في التذكرة (٢).

ويمكن أن يريد بالمحصور : ما يكون في مكان يمكن ضبطه بالمشاهدة ، ليخرج عنه ما كان في نحو الأجمة ، والنهر الممتد الذي لا ينضبط ما فيه بالمشاهدة.

قوله : ( فلا يصح بيع المجهول ، ولا الشراء به ).

كان ينبغي فيما قبله أن يجعل كلا من الأمرين ، أعني : البيع له ، والشراء به معا سواء.

قوله : ( وتكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يذرعا ).

نقل الإجماع على جواز ذلك في التذكرة (٣) ، وحكى في الدروس عن ظاهر الخلاف منع ذلك (٤) ، والأصح الصحة ، لعدم المقتضي لاعتبار الذرع هنا ، إذ لا نقل عن عهده 6.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٨.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧٠.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٧.

(٤) الدروس : ٣٣٧.


ولو عرف أحدهما الكيل أو الوزن وأخبر الآخر صح ، فان نقص أو زاد تخير المغبون.

ولو كان المراد الطعم أو الريح افتقر إلى معرفته بالذوق أو الشم ، ويجوز شراؤه من دونهما بالوصف ، فان طابق صحّ ، وإلاّ تخيّر.

والأقرب صحة بيعه من غير اختبار ولا وصف ، بناء على الأصل من السلامة ، فإن خرج معيبا فله الأرش إن تصرف ، وإلاّ الأرش أو الرّد ،

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب صحة بيعه من غير اختبار ولا وصف ، بناء على الأصل من السلامة ).

المطعوم حلوا وحامضا ونحوهما ، كالعسل والدبس ، والمشموم بأنواعه ، يجوز اعتمادا على مقتضى طبعه ، إذ هو الأصل ، وتغيره عن مقتضاه خلاف الأصل ، فيكون ذلك جاريا مجرى وصفه ، فينتفى عنه الغرر.

وذكر بعض الأصحاب أن به رواية (١) ، تقتضي الصحة مع التراضي على ذلك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، والعمل به أظهر دليلا ، إذ ليس المراد بالغرر مطلق الجهالة ، وإلا لم يجز بيع الصبرة المرئي بعضها ، ولا البيع بالوصف بل على وجه مخصوص ، ويمنع حصوله هنا.

واعلم أنه ربما فهم من العبارة : أنه لا يشترط مشاهدته أيضا ، والظاهر أنه لا بد من المشاهدة ، لئلا يلزم الغرر ، وعبارات الأصحاب ليس فيها أزيد من بيعه بغير اختبار ولا وصف ، وفي بعضها من غير اختبار فقط ، وهو لا يدل على عدم اعتبار المشاهدة ، فيكون اعتبار المشاهدة مستفادا من عدم جواز بيع المجهول.

وأيضا فإنّ المغتفر هو عدم الاختبار ، بالإضافة إلى الشم والذوق ، وعبارة المختلف (٢) وابن إدريس (٣) تقتضيان اعتبار المشاهدة ، فعبارة ابن إدريس هذه :

__________________

(١) رواها ابن إدريس في السرائر : ٢٣٥.

(٢) المختلف : ٣٨٩.

(٣) السرائر : ٢٣٥.


والأعمى والمبصر سواء.

ولو أدّى اختباره إلى الإفساد كالبطيخ والجوز والبيض جاز بيعه بشرط الصحة ، فإن كسره المشتري فخرج معيبا فله الأرش خاصة إن كان لمكسوره قيمة ، والثمن بأجمعه إن لم يكن كالبيض الفاسد.

______________________________________________________

يمكن أن يقال : بيع عين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون موصوفا ، لأنه غير غائب فيباع بيع خيار الرؤية بالوصف ، فاذن لا بد من شمه وذوقه ، لأنه حاضر مشاهد غير غائب ، وعبارة المختلف قريبة من ذلك.

والحق أنّ المسألة إنما هي في المشاهد دون غيره ، فمن ثم يضعف الغرر ، لعدم الذوق والشم.

وفي التحرير : ولو بيع بشرط السلامة ، من غير اختبار ولا وصف إلى أخره (١) ، وهو مخالف لما هنا ، لأن مقتضى العبارة هنا بيعه مطلقا ، وما هنا موافق لعبارة الأكثر ، ولما نقل من لفظ الرواية.

قوله : ( والأعمى والمبصر سواء ).

خالف سلار في ذلك ، فجوز الرد للأعمى ولو بعد التصرف (٢) ، وليس بظاهر.

قوله : ( ولو أدّى اختباره إلى الإفساد كالبطيخ والجوز ، جاز بيعه بشرط الصحة ).

كما يجوز بيعه بشرط الصحة ، يجوز بيعه مطلقا ، وهو بمنزلة اشتراط الصحة ، وفي عبارة الشيخ : فابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب (٣) ، فعلى الإطلاق واشتراط الصحة لا بحث ، وعلى البراءة من العيوب يشكل لو خرج كله معيبا ، ولم يكن لمكسوره قيمة كالبيض ، فان مقتضى رجوعه بالثمن كله في الصورة‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٩.

(٢) المراسم : ١٨٠.

(٣) النهاية : ٤٠٤.


ويجوز بيع المسك في فاره وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط.

ولا يجوز بيع المباحات بالأصل قبل الحيازة ، والماء والسمك والوحش ، ولا بيع الأرض الخراجية إلاّ تبعا لآثار التصرف ،

______________________________________________________

الاولى ـ لعدم وجود ما يقابله ـ يقتضي بطلان هذا الشرط ، لمنافاته مقتضى العقد ، فإنه لا شي‌ء في مقابل الثمن حينئذ ، فيكون أكل مال بالباطل.

وقد نبه على هذا في الدروس (١) ولعل مراد المصنف بقوله : ( جاز بيعه بشرطه الصحة ) عدم جواز اشتراط البراءة من العيوب ، وإن كان الإطلاق منزلا على الصحة.

واعلم أنه لو احتاج نقله مثلا إلى مؤنة ، فبذلها المشتري ، ثم تبين الفساد ، فالذي يقتضيه النظر أنه ليس له رجوع على البائع بها ، لانتفاء المقتضي.

قوله : ( ويجوز بيع المسك في فاره وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط ).

المشهور في فاره بهاء غير منقوطة ، وهو الظاهر من عبارات الأصحاب ، والذي صرح به اللغويون فارة المسك بهاء (٢) ، وهي تاء مهموسة (٣) كالفأرة في غيره ، وهو الصواب.

إذا علم هذا فلا حاجة الى فتقه كما قلناه ، قال في الدروس : ويجوز شراء المسك في فاره ، وإن لم يفتق بإدخال خيط فيه ، وفتقه أحوط (٤) ، وعبارته تحتمل أمرين :

أحدهما : إن عدم فتقه يجوز البيع معه بإدخال خيط فيه ، فيكون ذلك قائما مقام اختباره.

والثاني : إنّ فتقه يتحقق بإدخال خيط فيه ، ولا يحتاج الى شقه ، وهو غير واجب ، فيكون في حيز لم ، ولما لم يكن للأول وجه تعين الحمل على الثاني.

__________________

(١) الدروس : ٣٣٧.

(٢) انظر : القاموس المحيط ( فار ) ٢ : ١٠٧ ، ومجمع البحرين ( فار ) ٣ : ٤٣٣.

(٣) أي أنها من حروف الهمس. وفي النسختين الخطبتين والنسخة الحجرية : مهموزة وهو خطأ قطعا.

(٤) الدروس : ٣٣٧.


والأقرب جواز بيع بيوت مكة.

ولو حفر بئرا في أرض مملوكة له أو مباحة ملك ماءها بالوصول إليه ، وكذا لو حفر نهرا فجرى الماء المباح فيه فإنه للحافر خاصة ، وكذا لو حفر فظهر معدن في أرض مباحة أو مملوكة.

ويشترط في الملك التمامية ، فلا يصحّ بيع الوقف ، إلاّ أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه ، ويكون البيع أعود.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب جواز بيع بيوت مكة ).

بناء على أنها فتحت صلحا أو عنوة ، فيكون بيعا تبعا لآثار التصرف ، ويكون الخلاف مع الشيخ القائل : بأن جميعها مسجد (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( فلا يصح بيع الوقف ، إلاّ أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه ، لخلف بين أربابه ، ويكون البيع أعود ).

عبارات الأصحاب في ذلك مختلفة ، وأكثرهم موافق لما هنا ، وفي الإرشاد اعتبر الخراب والخلف معا (٢) ، وبعضهم جعل الخراب سببا برأسه ، وبعضهم اعتبر أمرا زائدا (٣) ، والمعتمد جواز البيع في ثلاثة مواضع :

أحدها : ما إذا خرب واضمحل ، بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا رث ، وجذعه إذا انكسرت.

ثانيها : ما إذا حصل خلف بين أربابه ، يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار (٤).

ويشترى في الموضعين بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان ، ويتولى ذلك الناظر الخاص إن كان ،

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥٠ مسألة ٣١٥ كتاب البيوع.

(٢) إرشاد الأذهان : ١٣٧.

(٣) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٦ حديث ٣٠ ، الفقيه ٤ : ١٧٨ حديث ٦٢٨ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ حديث ٥٥٧ ، الاستبصار ٤ : ٩٨ حديث ٣٨١.


ولا بيع أم الولد ما دام ولدها حيا ، إلاّ في ثمن رقبتها مع إعسار المولى عنه ، وفي اشتراط موت المولى نظر.

ولا بيع الرهن بدون إذن المرتهن.

______________________________________________________

وإلاّ فالحاكم.

ثالثها : إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، ولم يكن لهم ما يكفيهم من غلة وغيرها ، لرواية جعفر بن حسان عن الصادق 7 (١).

واعلم أنّ قول المصنف : ( ويكون البيع أعود ) مراده به : اندفاع الخلف بالبيع ، وإلا فلا وجه لجوازه حينئذ.

قوله : ( وفي اشتراط موت المولى نظر ).

الأصح أنه لا يشترط ، لإطلاق الرواية (٢).

فرع (٣) : تباع أم الولد في مواضع :

الأول : إذا كانت أمة لكافر وأسلمت.

الثاني : إذا مات مورثها وليس سواها ، وخلف تركة.

الثالث : إذا أعسر مولاها في ثمن رقبتها.

الرابع : إذا وطأها فاستولدها بعد أن رهنها.

الخامس : إذا مات مولاها ولم يخلف سواها ، وعليه دين على قول (٤).

السادس : إذا قتلت مولاها ، وإذا جنت على غيره على قول (٥).

السابع : إذا مات ولدها.

الثامن : إذا استولد مملوكة الغير ، ثم ملكها.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٥ حديث ٢٩ ، وفيه : جعفر بن حيان ، الفقيه ٤ : ١٧٩ حديث ٦٣٠ ، وفيه : جعفر بن حنان ، التهذيب ٩ : ١٣٣ حديث ٥٦٥ ، الاستبصار ٤ : ٩٩ حديث ٣٨٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٢ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ حديث ٨٥٩ ، الاستبصار ٤ : ١٢ حديث ٣٥.

(٣) في « م » : قوله ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) قاله الشهيد في اللمعة : ١١٢.

(٥) المصدر السابق.


ويجوز بيع الجاني وإن كان عمدا وعتقه ، ولا يسقط حقّ المجني عليه عن رقبته في العمد ، ويكون في الخطأ التزاما للفداء ،

______________________________________________________

التاسع : في نفقتها.

العاشر : إذا علقت بعد إفلاس المولى ، وثبوت الحجر عليه.

الحادي عشر : إذا كان علوقها من المشتري في مدة خيار البائع.

الثاني عشر : بيعها على من تنعتق عليه.

الثالث عشر : بيعها بشرط العتق.

الرابع عشر : في بيع أم ولد المفلس إذا لم يكن رهنا (١) خلاف.

قوله : ( ويجوز بيع الجاني وإن كان عمدا وعتقه ، ولا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد ).

خالف الشيخ في جواز البيع في الجناية عمدا (٢) ، والوجه الجواز ، لعدم المانع ، والضمير في قوله : ( وإن كان ) يعود إلى الجاني ، أي : وإن كان الجاني قد جنى عمدا ، أو الى الفعل الذي هو الجناية ، أو الى الجناية على حد :

.................

ولا أرض أبقل إبقالها (٣)

ومنع المصنف في كتاب العتق من عتقه.

ولعل ما هنا هو الأظهر ، جمعا بين الحقين ، فانّ حق المجني عليه لا يسقط في العتق ، ولا في البيع ، فعلى هذا يقع العتق مراعى ، فان استرقه تبيّن بطلانه ، وإن رضي على مال تبيّن الصحة ، وفي البيع إن استوفى منه واسترقه ، رجع المشتري على البائع إن كان جاهلا ، لا إن كان عالما.

__________________

(١) في « م » : رهنا خ.

(٢) المبسوط ٢ : ١٣٥ ، والخلاف ٢ : ٣١ مسألة ١٩٧ كتاب البيوع.

(٣) قال الجوهري في الصحاح ٤ : ١٦٣٦ « بقل » : أبقلت الأرض : خرج بقلها. قال عامر ابن جوين الطائي :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

ولم يقل أبقلت لأنّ تأنيث الأرض ليس بتأنيث حقيقي.


فيضمن المولى حينئذ أقلّ الأمرين من قيمته وأرش الجناية على رأي ، ثم للمجني عليه خيار الفسخ إن عجز عن أخذ الفداء ، ما لم يجز البيع أولا.

فروع :

أ : لو باع الآبق منضما إلى غيره ولم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء ، وكان الثمن في مقابلة المنضم.

______________________________________________________

قوله : ( فيضمن المولى حينئذ أقلّ الأمرين من قيمته ، وأرش الجناية ، على رأي ).

هذا أصح ، خلافا للشيخ ، حيث أوجب الأرش مطلقا ، كائنا ما كان (١) ، فإن الأرش لو زاد على القيمة لم يجب سواها ، إذ لا يجني الجاني على أكثر من نفسه.

قوله : ( لو باع الآبق منضما إلى غيره ، ولم يظفر به ، لم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء ).

هذا هو المشهور ، وقال السيد المرتضى : لا يشترى وحده ، إلاّ إذا كان يقدر عليه المشتري (٢). ورواية سماعة (٣) تشهد للأول ، وفيها ضعف ، فقول السيد جيد ، واختاره في المختلف (٤) ، وحيث شرطا الضميمة فلا بد أن يكون مما يصح افراده بالبيع ، وإنما لم يرجع على البائع بشي‌ء مع عدم الظفر ، للرواية الصحيحة ، ولانه دخل على ذلك.

قوله : ( وكان (٥) الثمن في مقابلة المنضم ).

هكذا عبارات الأصحاب وعبارة الرواية (٦) ، ويشكل بأن البيع إنما وقع‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣١ مسألة ١٩٧ كتاب البيوع ، و ٣ : ٩٥ مسألة ٥ كتاب الجنايات.

(٢) الانتصار : ٢٠٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٩ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ حديث ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ٦٩ ، ١٢٤ حديث ٢٩٦ ، ٥٤٠.

(٤) المختلف : ٣٧٩.

(٥) في « م » : ولو كان ، وما أثبتناه من خطية القواعد ، وهو الصحيح.

(٦) هي رواية سماعة السابقة.


أما الضّال فيمكن حمله على الآبق لثبوت المقتضي ، وهو : تعذر التسليم ، والعدم لوجود المقتضي لصحة البيع ، وهو : العقد ، فعلى الأول يفتقر إلى الضميمة ـ ولو تعذر تسليمه كان الثمن في مقابلة الضميمة ـ وعلى الثاني‌

______________________________________________________

عليهما معا ، فكيف يكون الثمن في مقابلة أحدهما خاصة؟ فلعل المراد كون الثمن في مقابل الضميمة باعتبار ما حصل للمشتري ، وثبتت عليه يده لا باعتبار الملك.

وتظهر الفائدة لو أعتقه ، ويبعد القول بعدم دخوله في الملك مع صحة جريان المعاوضة عليه ، إذ مقتضى الصحة ترتب الأثر ، والفساد فيه الرجوع بحصته من الثمن ، والقول بدخوله في الملك متين ، والرواية وعبارات الأصحاب منزلة على ضرب من المجاز على معنى كان الثمن في مقابلة الضميمة.

لكن تشكل المسألة بما لو كانت الضميمة من غير مالك الآبق ، فانّ استحقاق صاحب الضميمة جميع الثمن معلوم البطلان ، لما قلناه من أنه خلاف مقتضى المعاوضة ، واستحقاق البعض يقتضي البطلان في الآبق ، وهو خلاف إطلاق النصوص.

ويندفع بعدم الصحة في هذه الصورة من رأس ، لأنّ الضميمة إنما هي لتملك الثمن كله ، وفي الصورة المذكورة يمتنع ذلك فتمتنع الصحة.

قوله : ( أما الضال فيمكن حمله على الآبق ، لثبوت المقتضي ، وهو تعذر التسليم ... ).

المراد : حمله عليه في اعتبار الضميمة ، وليس المراد بالحمل عليه : القياس في لحوقه حكمه ، بل مساواته له في الحكم بالدليل الذي ذكره. ويمكن احتمال آخر ، وهو عدم الصحة مطلقا ، لانتفاء شرط الصحة ، وهو إمكان التسليم ، والحمل على الآبق قياس ، ولم أجد بالاحتمال الثالث تصريحا.

فيمكن أن يقال : اشتراط القدرة على التسليم في الجملة ، لا مطلقا ، وإلا لامتنع مجي‌ء احتمال الصحة هنا مطلقا ، أو مع الضميمة ، للإجماع على اشتراط هذا الشرط.


لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه ، إلاّ مع الاسقاط.

ب : لو باع المغصوب وتعذّر تسليمه لم يصحّ ، ولو قدر المشتري على انتزاعه دون البائع فالأقرب الجواز ، فان عجز تخير.

وكذا لو اشترى ما يتعذّر تسليمه إلاّ بعد مدة ولم يعلم المشتري كان له الخيار.

______________________________________________________

فان قلت : فيلزم جواز بيع ما يتعذر تسليم بعضه.

قلنا : لا ، لأنّ المراد بقولنا : في الجملة ، ما لا ينافي مسألة الآبق والضال حذرا من مخالفة الإجماع ، لا مطلقا.

قوله : ( ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلمه ، إلاّ مع الإسقاط ).

أي : مع إسقاط الضمان المذكور ، فإنه يسقط ، لأنه حقه ، ويضعّف هذا الاحتمال بأنّ اشتراط القدرة على التسليم في الجملة إجماعي ، فكيف يحتج بوجود المقتضي للصحة؟

قوله : ( لو باع المغصوب وتعذر تسليمه ... ).

ظاهر عبارة الشيخ عدم صحة بيع المغصوب ، وإن أمكن تسليمه (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولو قدر المشتري على انتزاعه دون البائع ، فالأقرب الجواز ).

هذا أصح ، لوجود المقتضي وهو العقد ، وحصول المطلوب وهو تسليم المشتري المبيع ، فيكون الشرط إمكان تسليم البائع ، أو تسليم المشتري المبيع عادة في الجملة ، ولو لا هذا لامتنع القول بذلك ، لأنه يلزم مخالفة الإجماع.

قوله : ( فان عجز تخيّر ).

أي : فان تجدد عجزه تخير ، لأنه قبل القبض من ضمان البائع.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٧٣.


ولو باع ما يعجز عن تسليمه شرعا كالمرهون لم يصح ، إلاّ مع إجازة المرتهن.

ج : لو باع شاة من قطيع أو عبدا من عبيد ولم يعين بطل.

ولو قال : بعت صاعا من هذه الصيعان مما تتماثل أجزاؤه صحّ ، ولو قسّم أو فرّق الصيعان وقال : بعتك أحدها لم يصح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو باع ما يعجز عن تسليمه شرعا كالمرهون ... ).

قيل : قد ذكرت هذه المسألة ، لسبق ذكر منع بيع الرهن قبل الفروع.

قلنا : لم يبين وقوفه على الإجازة هناك ، وبيّن هنا.

قوله : ( لو باع شاة من قطيع ، أو عبدا من عبيد ، ولم يعين بطل ).

لأنّ المبيع واحد منها غير معين.

قوله : ( ولو قال : بعتك صاعا من هذه الصيعان ، مما تتماثل أجزاؤه صح ، ولو فرّق الصيعان ، وقال : بعتك أحدها لم يصح ).

الفرق بين الصورتين ، أنّ المبيع في الثانية واحد من الصيعان المتميزة المشخصة غير معين ، فيكون بيعه مشتملا على الغرر ، وفي الأولى المبيع أمر كلي غير مشخص ، ولا متميز بنفسه ، ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة ويؤخذ به ، مثله ما لو قسّم الأرباع وباع ربعها من غير تعيين ، ولو باع ربعا قبل القسمة صح ونزّل على واحد منها مشاعا لأنه حينئذ أمر كلي.

فإن قلت : المبيع في الأولى أيضا أمر كلي.

قلنا : ليس كذلك ، بل هو واحد من تلك الصيعان المشخصة منهم ، فهو بحسب صورة العبارة يشبه الأمر الكلي ، وبحسب الواقع جزئي غير متعين ولا معلوم.

والمقتضي لهذا المعنى هو تفريق الصيعان ، وجعل كل واحد برأسه ، فصار إطلاق أحدها منزلا على شخصي منها غير معلوم ، فصار كبيع أحد الشياه وأحد العبيد.

ولو أنه قال : بعتك صاعا من هذه ، شائعا في جملتها لحكمنا بالصحة.


وكذا يبطل لو قال : بعتك هذه العبيد إلاّ واحدا ولم يعيّن ، أو بعتك عبدا على أن تختار من شئت منهم.

ولو باع ذراعا من أرض أو ثوب يعلمان ذرعانهما صحّ إن قصدا الإشاعة ، وإن قصدا معيّنا بطل.

ويجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا من معلوم تساوت أجزاؤه أو اختلفت ، كنصف هذه الدار أو هذه الصبرة مع علمها قدرا.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا يبطل لو قال : بعتك هذه العبيد إلاّ واحدا ، ولم يعين ).

أي : حال العقد ، وإنما بطل ، لأنّ تجهيل المستثنى يقتضي تجهيل المستثنى منه.

فرع :

لو باعه الأرض إلاّ جريبا من هنا الى حيث ينتهي المزروع بطل ، للجهل بالموضع الذي ينتهي إليه ، وتفاوت الأجزاء ، وللشيخ قول بالجواز ضعيف (١) ، ومثله لو باعه جريبا من هنا الى حيث ينتهي.

قوله : ( ولو باع ذراعا من أرض أو ثوب ، يعلمان ذرعانهما صح إن قصدا الإشاعة ).

الذرعان بضم الذال ، كما ذكره في القاموس (٢) وإنما صح حينئذ ، لأنه كالجزء المعلوم النسبة ، فلذلك اشترط علمهما بقدر الذرعان في كل من الثوب والأرض ، وإنما يصح إذا علم كل منهما بأنّ الآخر قصد الإشاعة.

قوله : ( ويجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا من معلوم ، تساوت أجزاؤه أو اختلفت ).

يعتبر كون الجملة معلومة ، وإلا لزم جهالة المبيع ، ولا فرق بين متساوي‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٤ ، الخلاف ٢ : ٤٤ مسألة ٦٤ كتاب البيوع.

(٢) القاموس ( ذرع ) ٣ : ٢٢.


ويصح بيع الصاع من الصبرة وإن كانت مجهولة الصيعان إذا عرف وجود المبيع فيها ، وهل ينزّل على الإشاعة؟ فيه نظر ، فان جعلنا المبيع صاعا من الجملة غير مشاع بقي المبيع ما بقي صاع ، وعلى تقدير الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة.

د : إبهام السلوك كإبهام المبيع ، فلو باع أرضا محفوفة بملكه وشرط‌

______________________________________________________

الأجزاء ومختلفها في ذلك ، لانتفاء الغرر ، وهذا إنما يكون قبل تقسيم الأجزاء وتميزها ثم بيع جزء منها ، كما قلناه ، إلا أن يقصد الإشاعة في المجموع ، لأنه حينئذ كبيع الجزء من أشياء متعددة. ولا فرق في اشتراط العلم بالجملة حينئذ بين متساوي الأجزاء ومختلفها ، وإلا لم يكن الجزء معلوما.

قوله : ( ويصح بيع الصاع من الصبرة ، وإن كانت مجهولة الصيعان ).

وذلك لأنّ المبيع أمر كلي ، كما قدمناه ، والأجزاء متساوية ، فلا غرر ولا جهالة بجهل صيعانها ، بخلاف ما لو باع النصف ، فإنه مع الجهالة لا يعلم قدره ، فيلزم الغرر.

قوله : ( وهل ينزّل على الإشاعة؟ فيه نظر ).

ينشأ : من احتمال اللفظ كلا منهما ، والحق أنّ عدم الإشاعة هو السابق الى الفهم ، وعليه دلت الرواية (١). وتظهر الفائدة فيما لو تلفت بعض فعلى الإشاعة يتلف بعض المبيع ، وعلى العدم يبقي ما بقي صاع ، فقوله : ( فان جعلنا ... ) بيان لفائدة القولين.

قوله : ( إبهام السلوك كإبهام المبيع ).

أي : فيكون مبطلا ، وذلك لأنّ السلوك الى المبيع من حقوقه ، فابهامه يفضي الى إبهام المبيع ، فإن الأغراض تتفاوت بكون الممر من جهة دون جهة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢٦ حديث ٥٤٩.


الممرّ من جهة معينة صحّ البيع ، وإن أبهم بطل ، وإن قال : بعتكها بحقوقها صحّ ، فيثبت للمشتري السلوك من جميع الجوانب.

______________________________________________________

قوله : ( وإن قال : بعتكها بحقوقها صح ، فيثبت للمشتري السلوك من جميع الجوانب ).

لأنّ إطلاق العقد ينزل على ما يتوقف الانتفاع عليه ، وهو ثبوت الممر ، والجهات كلها متساوية في ذلك ، باعتبار انتفاء ما يدل على استحقاقه من جهة بخصوصها ، فيثبت من الجميع لبطلان الترجيح من غير مرجح. فان قيل : لم [ لم ] (١) يستحق المرور من جهة مخصوصة ، إما بان يجعل التعيين اليه ، أو الى البائع ، لاندفاع الضرورة بذلك؟

قلنا : لأنه لما باعها بحقوقها ، استحق المشتري المرور من جميع الجهات ، التي كان البائع يستحق المرور منها.

ولقائل أن يقول : إنّ البيع بحقوقها يقتضي دخول ما كان حقا لها ، أي :حقا لمالكها باعتبارها ، أما ما كان حقا لمالكها باعتبار ملكه لما حولها ، فلا يعد من حقوقها عادة ، فلا يندرج في حقوقها.

نعم لو تقدم إحياؤها على إحياء ما حولها ، كان المرور إليها من جميع الجوانب معدودا من حقوقها ، بخلاف ما لو كان إحياء ما حولها سابقا على إحيائها ، فإنه لا أحقية.

ويمكن الجواب : بأنّ إحياءها وإن تأخر عما حولها ، لكن استحقاق المرور باعتبارها ثابت في هذه الحالة أيضا ، لأنّ الممر

إليها من ضرورات الانتفاع بها ، وهو ثابت للمالك من جميع الجوانب ، كما لا يخفى.

ولا نعني بكون المرور إليها من جميع الجوانب إلاّ هذا المعنى ، واعلم أنه لو باعها وأطلق يتجه تعيين ما قلناه ، أعني : استحقاق المرور من جميع الجهات ، كما اختاره المصنف في التذكرة (٢).

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناها من الحجري لاختلال المعنى بدونها.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧١.


وإن كانت إلى شارع أو ملك المشتري على إشكال.

هـ : لو باع بحكم أحدهما ، أو ثالث من غير تعيين قدر الثمن أو وصفه بطل ، فيضمن المشتري العين لو قبضها بالمثل ، أو القيمة

______________________________________________________

قوله : ( وإن كانت إلى شارع أو ملك المشتري على إشكال ).

أي : يثبت السلوك من جميع الجوانب وان كانت الى شارع ، أو ملك المشتري ، الى أخره ، ومنشأ الاشكال من ثبوت استحقاق البائع المرور إليها من جميع الجوانب ـ في الصورتين المذكورتين ـ الى ملك المشتري ، فيكون ذلك حقا لها ، فيندرج في البيع.

ومن أنّ المقتضي لكونه حقا لها ، توقف الانتفاع على المرور الذي لا يتحقق إلاّ بذلك. كما قررناه ، وهو في الصورتين متحقق بالشارع وملك المشتري ، فلا دليل يدل على اندراج السلوك من الجوانب في البيع ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ، لأنه على خلاف الأصل. والذي ينبغي توقف استحقاق المرور من جميع الجوانب هنا على التعيين وإن كان متجها في صورة وجود ملك المشتري الى جانب المبيع استحقاق المرور مطلقا ، لأنّ المرور في ملك المشتري لم يكن حقا للبائع ، فلا يندرج في حقوقها.

ويمكن أن يقال : هو وإن لم يكن مندرجا في حقوقها فلا يلزم ما ذكر ، لأنّ ذلك إنما عددناه من حقوقها ، لضرورة توقف الانتفاع عليه الذي هو الغرض الأصلي من المبيع ، وفي كل من الصورتين ذلك مندفع.

واعلم أنه لو أطلق البيع ، ولم يقيد بحقوقها ، يجي‌ء الإشكال المذكور في هاتين الصورتين وإن كان هنا أضعف.

قوله : ( لو باع بحكم أحدهما ، أو ثالث من غير تعيين قدر الثمن أو وصفه بطل ، فيضمن المشتري العين لو قبضها بالمثل أو القيمة ).

لأنّ المشتري إنما قبضها ، بناء على أنّ الثمن في مقابلها للبائع ، وقد فات بفساد البيع فيجب ردها ، حذرا من أن يفوت على البائع كل من العوض والمعوض ،


يوم القبض ، أو أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف على الخلاف ،

______________________________________________________

ولأنه رضي بأنها تكون له وتلفها منه في مقابل الثمن ، وقد فات ذلك بفساد البيع ، فيكون تلفها منه بقيمتها.

وربما أشكل بأنه إنما دخل ، على أن تلفها منه بالثمن لا بالقيمة ، فيجب أن يكون اللازم الثمن ، زاد على القيمة أو لا.

ويجاب بأنّ ذلك كان باعتقاد صحة البيع ، فعند فساده يجب رد العين ، فمع فواتها يرجع الى قيمتها أو مثلها.

وعن قطب الدين : أن الحاكم إن كان المشتري فعليه ما حكم به ، إن زاد عن القيمة مع التلف (١) ، وينعكس لو كان البائع الحاكم ، وهو من مثال الاشكال المتقدم ، وجوابه جوابه.

واعلم أنّ الواجب في المثلي المثل بكل حال ، لأنه أقرب الى العين من القيمة باعتبار المشاكلة. ويشكل لو كان المثلي في موضع التسليم كثير القيمة ، وفي موضع دفع العوض قليلها جدا كالماء في المفازة ، وعلى شاطئ الفرات ، فانّ المتجه هنا الانتقال إلى القيمة ، وإلا لزم الضرر العظيم. ولو تعذر المثل في المثلي صير إلى القيمة وقت تعذره.

قوله : ( يوم القبض ... ).

ذكر المصنف قولين وبقي ثالث ، وهو لزوم قيمته يوم التلف كائنة ما كانت ، وهو الأصح ، لأنّ الواجب مع وجود العين ردها ، والانتقال إلى القيمة إنما يكون عند تلفها فيعتبر حينئذ ، لأنه وقت استحقاقه ، وهذا إنما هو في القيمة السوقية ، أما إذا تفاوتت القيمة لتفاوت العين كالهزال تم التلف ، فانّ الواجب الأعلى قطعا لفوات أبعاض العين ، وعليه نبه.

__________________

(١) ذكر السيد العاملي في المفتاح ٤ : ٢٧٩ : ان هذا القول نقله الشهيد في حواشيه.


وعليه أرش النقص والأجرة إن كان ذا اجرة لا تفاوت السعر ، وله الزيادة إن كانت من فعله عينا أو صفة ، وإلا فللبائع وإن كانت منفصلة.

و : تكفي المشاهدة عن الوصف وإن تقدمت بمدة لا تتغير عادة ، ولو احتمل التغيّر صحّ للاستصحاب ، فان ثبت التغيّر تخير المشتري ، والقول قوله لو ادّعاه على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وعليه أرش النقص [ والأجرة إن كان ذا اجرة ] (١) لا تفاوت السعر ).

أي : عليه أرش النقص ، لما قلناه : من أنّ الناقص من العين ، وليس عليه تفاوت السوق مع بقاء العين قطعا ، وإن نقصت القيمة السوقية للرخص ، لأنّ الواجب هو رد العين.

أما مع التلف ففيه الخلاف السابق ، لأنّ فوات العين يوجب الرجوع الى القيمة ، فتعتبر القيمة العليا حيث كانت مضمونة ، أو قيمة يوم القبض إذ هو وقت الضمان ، أو قيمة يوم التلف على الأصح ، ـ لما قلناه ـ وعليه اجرة الرد إن كان للرد مؤنة للضمان المذكور ، لظاهر « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢) ، وكذا في طرف المشتري ، لو كان لرد الثمن مؤنة أيضا.

قوله : ( وله الزيادة إن كانت من فعله عينا أو صفة ).

زيادة العين كالصبغ ونحوه ، والصفة كالصنعة يعلمها العبد ، والنقش في الثوب ونحوه ، فيشتركان بالنسبة.

قوله : ( والقول قوله لو ادعاه على إشكال ).

ينشأ : من احتمال أن يكون كل منهما هو المدعي ، ولعل الأظهر أنه البائع ، لأنّ الأصل عدم وصول حق المشتري اليه ، وبقاء حقه على البائع حتى يعلم المسقط‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد لأن الشرح يقتضيه.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠.


ولا يصح بيع السمك في الآجام وإن ضمّ إليه القصب ، وكذا اللبن في الضرع مع المحلوب منه ، وكذا الجلد والصوف على ظهر‌ النعم وإن

______________________________________________________

فيحلف المشتري ، فإنه في معنى المنكر وإن كان بصورة المدعي ، على أنّ المبيع ليس بالصفة التي اشتراه عليها.

قوله : ( ولا يصح بيع السمك في الآجام ، وإن ضم إليه القصب ).

هي جمع أجمة : وهي غابة القصب ، وهذا حيث لا يكون السمك محصورا مشاهدا ، وللشيخ قول بالجواز ضعيف (١) ، قال المصنف في المختلف : التحقيق أن يقال : المضاف الى السمك إن كان هو المقصود بالبيع ، ويكون السمك تابعا له صح البيع ، وإلا فلا (٢) ، وهذا حسن لكن فيه أعراض عن الأخبار الواردة في ذلك (٣).

قوله : ( وكذا اللبن في الضرع مع المحلوب منه ).

هذا هو المشهور ، وجوزه الشيخ في النهاية (٤) وجماعة (٥) ، والمنع أقوى ، ولو قاطعه على اللبن مدة معلومة بعوض لم يكن بيعا حقيقيا ، بل نوع معاوضة ومراضاة غير لازمة ، بل جائزة ، وفاقا لاختياره في المختلف (٦) ومنع منه ابن إدريس (٧) ، وصحيحة عبد الله بن سنان تشهد للجواز (٨).

قال في الدروس ولو قيل : بجواز الصلح عليها كان حسنا ، فيلزم حينئذ ، وعليه تحمل الرواية (٩).

قوله : ( وكذا الجلد والصوف على ظهر الغنم ).

__________________

(١) النهاية : ٤٠١ ، الخلاف ٢ : ٤٢ مسألة ٤٤ كتاب البيوع.

(٢) المختلف : ٣٨٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ حديث ١١ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ، ١٢٦ حديث ٥٤٣ ، ٥٥١.

(٤) النهاية : ٤٠٠.

(٥) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٣ ، ونقله العلامة في المختلف : ٣٨٦ عن القاضي وابن الجنيد وغيرهم.

(٦) المختلف : ٣٨٦.

(٧) السرائر : ٢٣٢.

(٨) الكافي ٥ : ٢٢٤ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٧ حديث ٥٥٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٣ حديث ٣٦٢.

(٩) الدروس : ٣٣٦.


ضمّ إليهما غيره ، وكذا ما في بطونها ، وكذا لو ضمّها.

ويجوز بيع الصوف على الظهر منفردا على رأي.

______________________________________________________

في بعض النسخ النعم ، وهو أولى ، والمراد : بيعهما معا ، حتى لا ينافي ما يأتي من جواز بيع الصوف على الظهور ، فإن الجهالة من جهة الجلد ، فإنه غير مرئي ولا موصوف.

قوله : ( وكذا ما في بطونها ).

أي : وكذا لا يجوز بيع ما في بطونها وإن ضم اليه غيره ، ولا يخفى ما فيه من التكرار ، باعتبار اندراجه في ضميمة ما قبله ، وباعتبار سبق منع بيع المجهول.

قوله : ( وكذا لو ضمها ).

أي : وكذا لو ضم النوعين معا ، بأن باع كل منهما مع الآخر ، وهو ما في البطون الى الجلد والصوف.

قوله : ( ويجوز بيع الصوف على الظهر منفردا على رأي ).

هذا مذهب المفيد (١) ، وأحد قولي ابن إدريس (٢) ، والمصنف في المختلف (٣) والتذكرة (٤) والتحرير (٥) ، وشرط شيخنا في الدروس في صحته اشتراط جزه في الحال أو بقائه إلى أوان جزه (٦) ، ولا ريب أنه أحوط. والمعتمد الجواز مطلقا ، لانتفاء الغرر ، ولرواية إبراهيم الكرخي (٧).

نعم ينبغي القول بثبوت المطالبة بجزه حالا ، إلا أن يشترط مدة معلومة.

إن قيل : بيعه إلى أوان جزه بيع إلى أجل مجهول.

__________________

(١) المقنعة : ٩٥.

(٢) السرائر : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، وقال بعدم الجواز في ص ٢٣١.

(٣) المختلف : ٣٨٦.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٨.

(٥) تحرير الأحكام ١ : ١٧٨.

(٦) الدروس : ٣٣٦.

(٧) الكافي ٥ : ١٩٤ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ حديث ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ٤٥ ، ١٢٣ حديث ١٩٦ ، ٥٣٩.


وكلّ مجهول مقصود بالبيع لا يصحّ بيعه وإن انضمّ إلى معلوم ، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا.

ز : رؤية بعض المبيع كافية إن دلّت على الباقي لكونه من جنسه ،

______________________________________________________

قلنا : ليس هذا بيعا إلى أجل ، بل هو بيع حال ، إلا أنّ الأجل عرض له في كمال حال البيع ، فاكتفى فيه بالحوالة على العرف ، فهو كما لو باع الثمرة وشرط بقاءها إلى أوان قطعها ، وسيأتي.

قوله : ( وكل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم إلى معلوم ، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا ).

قد صرح بهذا الضابط في المختلف (١) في مسائل ، ومثال ما إذا كان المجهول تابعا : الحمل مع امه ، وإطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة مع بيع دابة أخرى ، إلا أن يقال : التبعية إنما تتحقق مع الأم ، لأنه حينئذ بمنزلة بعض أجزائها ، ومثله زخرفة جدران البيت.

وقد يستفاد من الضابط ، أنه لا بد من كون المعلوم مقصودا ، ليصح ضم المجهول التابع اليه ، فيشترط ذلك في ضميمة الآبق ، وفي ضميمة الثمرة إذا أريد بيعها بعد ظهورها ، إن شرطنا أحد الأمور التي تأتي ونحو ذلك ، وفي استفادة ذلك من عبارات الأصحاب خفاء ، لأنها مطلقة.

قوله : ( رؤية بعض المبيع كافية إن دلت على الباقي ، لكونه من جنسه ).

أي : إن دلت على ذلك ، لكونه من جنسه ، فمتعلق اللام ( دلت ) والجار والمجرور في حيز ( إن ) : أي إن أفادت رؤيته الدلالة على الباقي بسبب كونه مجانسا له ، فلا يراد : إن سلة العنب تكفي رؤية بعضها ، فإنه من جنس الباقي ، لأنّ رؤيته لا يستفاد منها الدلالة على الباقي ، بسبب كونه من جنسه ، للتفاوت في أجزاء العنب‌

__________________

(١) المختلف : ٣٨٧.


كظاهر صبرة الحنطة ، ثم إن وجد الباطن بخلافه تخيّر في الفسخ ، ولا تكفي رؤية ظاهر صبرة البطيخ ورأس سلّة العنب والفاكهة.

ولو أراه أنموذجا ، وقال : بعتك من هذا النوع كذا بطل ، لأنه لم يعيّن مالا ولا وصف.

ولو قال : بعتك الحنطة التي في البيت ، وهذا الأنموذج منها صحّ ، إن أدخل الأنموذج لرؤية بعض المبيع ، وإن لم يدخل على إشكال ، ينشأ : من كون المبيع غير مرئي ولا موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال بأن يفقد.

______________________________________________________

والبطيخ في الصنف الواحد تفاوتا تختلف به الأغراض ، بخلاف أجزاء الصنف من الحنطة.

قوله : ( ثم إن وجد الباطن بخلافه تخيّر ).

لأنّ البيع قد صح ، لاندفاع الضرر بالدلالة السابقة ، وثبوت الخيار لتدارك الفائت.

قوله : ( ولو قال : بعتك الحنطة التي في البيت ، وهذا الأنموذج منها صح إن أدخل الأنموذج لرؤية بعض المبيع ).

قد يقال : يرد عليه إمكان تلف الأنموذج ، فلا يكون هناك ما يرجع اليه عند الاشكال.

قوله : ( وإن لم يدخل على إشكال ، ينشأ من كون المبيع غير مرئي ولا موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال بأن يفقد ).

ومن أنّ مشاهدة المثل أبلغ من الوصف. وفيه نظر ، لأنّ الرؤية لا تقتضي العلم بالأوصاف ، لإمكان الغفلة عنها ، بل عدم العلم بها أصلا ، بخلاف ما لو ضبطت باللفظ ، فإنها تصير متعينة حينئذ ، لكن هنا كلامان :

أحدهما : قول المصنف في تعليل كون المبيع غير مرئي ولا موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع اليه عند الإشكال بأن يفقد ، وأراد : فيما لو رأى أعلى صبرة الحنطة ، فإن‌


ح : لو باع عينا غير مشاهدة افتقر إلى ذكر الجنس والوصف ، فلو قال : بعتك ما في كمّي لم يصح ، ما لم يذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة ، اتحد الوصف أو تعدّد ، ولا يفتقر معهما إلى الرؤية من المتعاقدين ، فلو وصف للبائع أو للمشتري أو لهما صحّ البيع ، فان خرج على الوصف لزم ، وإلاّ تخيّر من لم يشاهده ، ففي طرف الزيادة يتخير البائع ، وفي طرف النقصان المشتري.

ولو اختار صاحب الخيار اللزوم لم يكن للآخر فسخه ، ولو زاد ونقص باعتبارين تخيّرا معا ، سواء بيع بثمن المثل أولا.

______________________________________________________

بيعها صحيح بذلك ، مع إمكان فقد الأعلى ، كأن تحترق مثلا ، فيكون المبيع غير موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع اليه عند فقد المرئي ، وحصول الاشكال. والتعليل الصحيح أنّ المبيع غير مرئي ولا موصوف ، ورؤية الأنموذج لا تقوم مقام الوصف ، لما قلناه ، بخلاف ما إذا رأى بعضه ودل على الباقي ، فإنه كالمرئي كله.

الثاني : ما الفرق بين قوله : بعتك من هذا النوع كذا ، وبين أن يبيعه الحنطة التي في البيت برؤية الأنموذج إذا لم يدخله ، حتى جزم في الأول بالبطلان ، وتوقف في الثاني؟ يجب ملاحظة الفرق ، وكأنه غير ظاهر.

قوله : ( لو باع عينا غير مشاهدة ، افتقر إلى ذكر الجنس والوصف ).

يعتبر في الوصف ما يكون رافعا للجهالة ، فيراعى التعرض لأوصاف السلم ، وفي التذكرة ما ينبه على ذلك (١).

قوله : ( ولا يفتقر معهما إلى الرؤية من المتعاقدين ).

أي : مع الجنس والوصف.

قوله : ( ولو زاد ونقص باعتبارين تخيرا ).

كما لو سمن وذهبت عينه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٧.


ولو رأى بعض الضيعة ووصف له الباقي تخيّر فيها كلّها لو خرجت على الخلاف ، وخيار الرؤية على الفور.

ط : يجوز الإندار للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة لا ما يزيد ، إلاّ بالتراضي ، ويجوز ضمّ الظرف في البيع من غير

إندار.

ي : لو باعه بدينار غير درهم نسيئة ممّا يتعامل به وقت الأجل ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو رأى بعض الضيعة ، ووصف له الباقي تخير فيها كلها لو خرجت على الخلاف ).

الضيعة : هي الأرض المعدة للزرع وشبهه ، وإنما كان له الخيار في المجموع خاصة ، حذرا من تبعض الصفة على البائع.

قوله : ( وخيار الرؤية على الفور ).

فيسقط بالتأخير إذا علم به ، ولو جهله فالظاهر بقاؤه ، بخلاف ما لو جهل الفورية ، إذ لا عذر له حينئذ.

قوله : ( يجوز الإندار للظروف ، ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، لا ما يزيد إلا بالتراضي ).

الإندار بالدال المهملة : الإسقاط والمراد باحتمال الزيادة والنقيصة : كونه بحيث لا يقطع بأحدهما ، فلا يجوز إندار ما يقطع بزيادته ، أو ما يقطع بنقيصته ، إلا أن يتراضى المتبايعان عليه ، لأنّ في ذلك تضييعا لمال أحدهما قطعا ، بخلاف ما إذا كان برضاهما ، واقتصر المصنف على قوله : ( لا ما يزيد ) لدلالته على النقيصة.

قوله : ( لو باعه بدينار غير درهم نسيئة ، مما يتعامل به وقت الأجل ).

يجب في ( غير ) نصبها ، وجرها غلط ، لأنها استثنائية لا صفة ، و ( نسيئة ) منصوبة ، إما لأنه حال من الدينار ، أو تمييز للنسبة في ( باعه بدينار ) ، والجار متعلق بمحذوف على أنه صفة لدرهم ، ولو أنه جعل صفة للدينار والدرهم معا ، ولأحدهما بالاستقلال على طريق البدل على معنى : بدينار بما يتعامل به وقت الأجل ، أو غير درهم مما يتعامل به كذلك ، أو بدينار غير درهم مما يتعامل به كذلك لكان أشمل ،


أو نقدا مع جهله بالنسبة ، أو بما يتجدّد من النقد بطل ، ولو قدّر الدرهم من الدينار صحّ.

ولو باعه بعشرين درهما من صرف العشرين بالدينار بطل ، مع تعدّد الصرف بالسعر المذكور ، أو جهله.

______________________________________________________

فإنه يعم المسائل كلها ، لكن لا يخفى ما فيه من التكلف ، ولا ريب في البطلان في الصور كلها ، للجهالة.

قوله : ( أو نقدا مع جهله بالنسبة ).

معطوف على نسبة ، أي : أو باعه بدينار غير درهم نقدا ، أي : حالا ، مع جهله بنسبة الدرهم الى الدينار ، إما بجهله لأحدهما المستلزم لجهله بالنسبة ، أو بجهله بمجرد النسبة ، حيث علم كلا منهما على انفراده.

قوله : ( أو بما يتجدد من النقد ).

معطوف على قوله : ( مع جهله ) ، أي : أو باعه بدينار غير درهم حالا ، مما يتجدد من النقد ، أي : يحدث السلطان المعاملة به بين الناس من الدنانير والدراهم.

لكن على هذا المعنى لا يحسن بالمقابلة ، لأنّ مقتضاها أنّ ما يتجدد من النقد هو الثمن ، وإنما هو الدينار إلاّ درهما.

ولو عطف على قوله : ( بدينار غير درهم ) لكانت المسألة خارجة عن مسألة الدينار والدرهم ، وظاهره أن الكلام إنما هو فيها ، فإنّ ذلك تفصيل لما أجمله الشيخ (١). ولا نزاع في أنّ الحكم في الجميع البطلان ، فقوله : ( بطل ) جواب في المسائل كلها.

قوله : ( ولو باعه بعشرين درهما من صرف العشرين بالدينار بطل ، مع تعدد الصرف بالسعر المذكور ، أو جهله ).

أي : لو باعه بعشرين درهما من الدراهم التي اعتيد صرف العشرين منها‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٩٨.


ولو باعه بنصف دينار لزمه شقّ دينار ، ولا يلزمه صحيح إلاّ مع إرادته عرفا.

______________________________________________________

بالدينار المعلوم ، فان كان صرف الدينار بالسعر المذكور ، أعني : ـ بالعشرين متعددا ، كما لو كانت أصناف الفضة متعددة كالخشنة ، والناعمة ، والسوداء والبيضاء ، وكلها تصرف بالسعر المذكور ـ بطل ، لعدم التعيين ، وإن لم يكن متعددا ، لكن جهل المشتري أو أحدهما ما يصرف منه عشرون بدينار بطل أيضا.

ويفهم من قوله : ( مع تعدد الصرف أو جهله ) أنه لو اتحد وعلماه يصح ، وهو ظاهر. والحاصل أنّ مدار الصحة على العلم بالمستثنى والمستثنى منه ، والنسبة بينهما لو اختلف جنسهما ، فيكون إطلاق الشيخ (١) والجماعة البطلان (٢) غير ظاهر.

والظاهر أنهم لا يريدون به إلاّ مع قيام أحد الموانع ، وبهذا تبين حكم الدرهم من الدراهم ، والدينار منها ومن الدنانير.

واعلم أنّ في هذه المسألة صورا : لأنّ البيع : إما أن يكون حالاّ ، أو مؤجلا. وعلى التقديرين إما أن يكون الاستثناء من النقد الحاضر ، أو من المتجدد ، أو من المتعامل به وقت الحلول في المؤجل. وعلى كل تقدير إما أن تكون النسبة معلومة ، أو لا. فالصور عشر ، تظهر بأدنى تأمل.

قوله : ( لزمه شق دينار ).

ولا يلزمه قطعه على الظاهر ، لأنّ فيه تفويتا للغرض ، فإنه لا يجري في المعاملة حينئذ ، بل يلزمه أن يسلمه نصف دينار ، كما يسلم نصف الدار مشاعا ونصف الدابة.

قوله : ( ولا يلزمه صحيح إلا مع إرادته عرفا ).

أي : مع جريانه في العرف كذلك ، فانّ كون المعاملة الجارية في العرف كذلك دليل على إرادته.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٩٨.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٥٠.


يا : لو باعه الصبرة كلّ قفيز بدينار وعلما قدرها صحّ ، وإلاّ بطل الجميع.

يب : يجوز استثناء الجزء المعلوم في أحد العوضين ، فيكون الآخر في مقابلة الباقي.

فلو قال : بعتك هذه السلعة بأربعة إلاّ ما يساوي واحدا بسعر اليوم ، قال الشيخ : يبطل مطلقا للجهالة ، والوجه ذلك ، إلاّ أن يعلما سعر اليوم.

______________________________________________________

قوله : ( لو باعه الصبرة كل قفيز بدينار وعلما قدرها صح ، وإلاّ بطل ).

وأطلق الشيخ صحة البيع (١) ، والمصنف صححه مع الجهالة في صاع ، والأصح ما هنا ، لأنّ المبيع هو الصبرة لا الصاع ، وقوله : ( كل قفيز ) بالنصب حال من الصبرة ، وليس بدلا ، لأنّ الصبرة مقصود بيعها ، وإنما هذا بيان لحال مبيعه ، فلا وجه لصحة البيع في قفيز واحد مع الجهالة.

قوله : ( يجوز استثناء الجزء المعلوم من أحد العوضين ).

يعلم من عبارته وتعداد المسائل ، ما كان استثناء في الثمن ، وما كان استثناء في المثمن.

قوله : ( بعتك هذه السلعة بأربعة إلا ما يساوي واحدا بسعر اليوم ، قال الشيخ : يبطل مطلقا للجهالة (٢) ، والوجه ذلك ، إلاّ أن يعلما سعر اليوم ).

لا شبهة في أنّ الإطلاق الواقع في عبارة الشيخ غير جيد ، لكن قول المصنف بالصحة إذا علما سعر اليوم يحتاج الى تنقيح ، فإنه لا بد في الصحة من علمهما بحصة الواحد من سعر اليوم ، فانّ العلم بالسعر لمقدار بمجرده ، لا يقتضي العلم بحصة جزء‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٢.

(٢) المبسوط ٢ : ١١٦.


ولو قال : إلاّ ما يخصّ واحدا ، قال : يصحّ في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن.

والأقرب عندي البطلان ، لثبوت الدّور المفضي إلى الجهالة ،

______________________________________________________

ذلك المقدار منه.

ويشترط أيضا أن لا يكون الاستثناء مستغرقا ، فلو كانت السلعة كلها تساوي واحدا بسعر اليوم لبطل ، لاستغراق الاستثناء.

قوله : ( ولو قال : إلا ما يخص واحدا ، قال : يصح في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن (١) ).

الفرق بين ( ما يساوي واحدا ) و ( ما يخص واحدا ) أنّ المساوي باعتبار السعر الواقع بين الناس ، لأنّ المتبادر من المساواة المساواة عرفا ، وما يخص الواحد باعتبار توزيع الثمن على السلعة ، لا بحيث يقابل الأجزاء بالأجزاء ، فإن الاختصاص يتعين بما يقتضيه المقام ، بخلاف مساواة السلعة للثمن ، فإنه مع الإطلاق ينزل على المتعارف.

قوله : ( والأقرب عندي البطلان لثبوت الدور المفضي إلى الجهالة ).

وذلك لأن معرفة المستثنى إنما يتحقق إذا عرف مقدار الجميع ، لما قلناه من أنّ المراد : ما يخص الواحد باعتبار توزيع كل من السلعة والثمن على الآخر ، وذلك إنما يكون مع صحة البيع وانعقاده ليتعين المستثنى ، وصحته إنما تتحقق إذا كان مقدار البيع معلوما ، والعلم به إنما يتحقق إذا علم المستثنى ، وهذا النوع من الدور دور معية لا دور توقف ، فان مقدار المبيع ومقدار المستثنى يعرفان معا.

واعلم أنّ البطلان الذي اختاره المصنف ، إنما يتجه إذا كان المستثنى من السلعة مقدار ما يخص واحدا بعد انعقاد البيع ، ومقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن ، فأما إن كان الاستثناء من السلعة لمقدار ما يخص واحدا ، حين مقابلة الثمن لمجموع السلعة قبل انعقاد البيع واستقراره ، فما ذكره الشيخ حق ، فإن أربعة دراهم في مقابل مجموع‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١١٦‌


فان علماه بالجبر والمقابلة أو غيرهما صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن.

______________________________________________________

السلعة تقتضي اختصاص درهم بربعها ، وقد نبه المصنف على ذلك في التذكرة (١). ويعلم إرادة البائع والمشتري لذلك بقولهما.

قوله : ( فان علماه بالجبر والمقابلة أو غيرها ، صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن ).

أي : فان كان كل واحد من البائع والمشتري حين العقد يعلمان مقدار ما صح البيع فيه ، ومقدار المستثنى بطريق الجبر والمقابلة أو غيرها من الطرق ، كالخطأين والأربعة المتناسبة صح البيع ، كما ذكره المصنف ، ولا يكفي لصحة البيع تمكنها من استخراج ذلك بعد العقد ، للجهالة الموجبة للبطلان.

وفي التذكرة : أنه لو باع خمسة أرطال على سعر المائة باثني عشر درهما صح وإن جهل في الحال قدر الثمن ، لأنه مما يعرف بالحساب ، ولا يمكن تطرق الزيادة إليه ولا النقصان ، فينتفي الغرر (٢).

ومثله جوّز فيما لو باع من اثنين صفقة قطعة أرض على الاختلاف ، بأن ورث من أبيه حصة ومن امه حصة أقل أو أكثر ، وجعل لواحد منهما أحد النصيبين ، وللآخر الباقي فإنه يصح ، وإن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال ، ونسبة النصيب في الثمن ، ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب ، إذ الثمن في مقابلة الجملة ، فلا تضر جهالته بالأجزاء (٣).

ومثله قال : لو قال : بعتك نصيبي من ميراث أبي من الدار ، فان عرف القدر حالة العقد صح ، وإن جهل بطل ، ولو عرف عدد الورثة وقدر الاستحقاق إجمالا فالأقوى الصحة ، ويكون له ما يقتضيه الحساب (٤).

فيظهر من كلامه أنه إذا كان المبيع معلوما بالقوة القريبة وإن كان مجهولا بالفعل يصح ، وهو مشكل ، للاشتراك في الغرر.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٧.

(٢) التذكرة ١ : ٤٨٧.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٧.

(٤) التذكرة ١ : ٤٨٧.


______________________________________________________

فأما بالجبر : بأن نفرض المستثنى شيئا ، فالمبيع السلعة إلاّ شيئا يعدل أربعة أشياء بأربعة دراهم ، لأنا فرضنا أنّ المقابل بدرهم شي‌ء ، فيكون المقابل بأربعة دراهم أربعة أشياء ، فإذا جبرنا السلعة إلاّ شيئا بشي‌ء ، وزدنا على أربعة أشياء شيئا للمقابلة ، كانت السلعة تعدل خمسة أشياء ، فالشي‌ء خمسها ، فيكون المستثنى خمسها يخص درهما ، والذي صح فيه البيع أربعة أخماسها بأربعة دراهم.

ولو قلت : المستثنى شي‌ء ، فالمبيع السلعة إلاّ شيئا ، كل ربع منها بدرهم ، وهو ربعها إلا ربع شي‌ء ، وذلك يعدل شيئا كاملا ، فإذا جبرناه بربع شي‌ء كان ربعا كاملا ، فيقابل الشي‌ء ربع شي‌ء ، فيكون ربع السلعة معادلا لشي‌ء وربع شي‌ء ، فتكون السلعة معادلة لخمسة أشياء ، فالشي‌ء خمسها.

وأما بالخطأين الزائدين : فبأن نفرض المستثنى ثلث السلعة تارة ، وربعها اخرى ، فلنطلب المخرج المشترك لهما ، طلبا لتسهيل العمل بصيرورتهما صحاحا ، وذلك اثنا عشر ، الثلث منها أربعة ، وقد فرضنا اختصاصها بدرهم ، فتكون بالثمن ستة عشر ، لأنه أربعة دراهم ، فإذا ضممنا المستثنى إليها بلغت عشرين ، وقد كانت اثنتي عشر ، فأخطأ بثمانية زائدة ، والربع ثلاثة ، فتكون بأربعة ، اثنا عشر هي مع المستثنى خمسة عشر ، فأخطأ بثلاثة زائدة ، فلنضرب المال الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني ، يبلغ اثني عشر.

وكذا المال الثاني ، وهو ثلاثة في الخطأ الأول ، وهو ثمانية تبلغ أربعة وعشرين ، نقسم الفضل بين حاصلي الضرب ، وهو اثنا عشر ، لأنك إذا أسقطت أقل المرتفعين وهو اثنا عشر من أكثرهما ، وهو أربعة وعشرون يبقى اثنا عشر ، فنأخذ الفضل بين الخطأين ، وهو الباقي من أكثرهما ، بعد إسقاط الأقل منه ، وهو خمسة.

وأنت بالخيار إن شئت رددت اثني عشر إلى واحد ، لأنها في الأصل شي‌ء واحد ، وإنما صار إلى اثني عشر محاولة لجعل الكسور صحاحا ، ثم تنسبه إلى الفضل بين الخطأين ، يكون خمسا ، فيكون المستثنى خمس السلعة.


______________________________________________________

وإن شئت قسمت اثني عشر على خمسة ، يخرج اثنان ، وخمسان هي المستثنى من مجموع السلعة ، وهو الخمس من اثني عشر.

أو الناقصين : بأن تفرض المستثنى الثمن تارة ، والسدس اخرى ، والمخرج المشترك لهما أربعة وعشرون ، فعلى تقدير كونه الثمن ، وهو ثلاثة منها يكون بأربعة دراهم اثني عشر ، هي مع المستثنى خمسة عشر ، فيكون الخطأ بتسعة ناقصة.

وعلى تقدير كونه السدس ، وهو أربعة منها يكون بأربعة دراهم ستة عشر ، هي مع المستثنى عشرون ، فيكون الخطأ بأربعة ناقصة.

فإذا ضربت المال الأول وهو ثلاثة في الخطأ الثاني ، وهو أربعة يبلغ اثني عشر ، وإذا ضربت المال الثاني وهو أربعة ، في الخطأ الأول وهو تسعة ، يبلغ ستة وثلاثين ، نأخذ الفضل بينهما ، وهو أربعة وعشرون.

فاما أن ترده إلى الواحد كما قلناه ، وتقسمه على الفضل بين الخطأين وهي خمسة ، أي : تنسبه إليه ، لأنّ قسمة الأقل على الأكثر هي نسبته إليه ، أو تقسم الفضل بين حاصلي الضرب ، أعني : أربعة وعشرين على الفضل بين الخطأين ، وهو خمسة ، تخرج أربعة وأربعة أخماس هي خمس أربعة وعشرين التي فرض كونها السلعة ، فيكون المستثنى خمسها.

ولو كان أحد الخطأين زائدا ، والآخر ناقصا كالثمن والثلث ، فان مخرجهما أربعة وعشرون ، فإنّ الخطأ بالفرض الأول تسعة ناقصة ، وبالفرض الثاني ستة عشر زائدة ، تجمعهما وتحفظهما للقسمة.

وكذا تعمل في كل ما يختلف فيه الخطآن بالزيادة والنقصان ، ثم تضرب المال الأول وهو ثلاثة في الخطأ الثاني ، وهو ستة عشر يكون ثمانية وأربعين ، ثم المال الثاني وهو ثمانية في الخطأ الأول ، وهو تسعة ، يكون اثنين وسبعين ، تضمها إلى المرتفع الأول ، يكون مائة وعشرين ، تقسمها على أربعة وعشرين ، وهو المخرج المشترك لكل من الثمن والسدس يكون خمسة ، تنسبها إلى المحفوظ يكون الخمس.


ولو باعه بعشرة وثلث الثمن فهو خمسة عشر ، لأن الثمن شي‌ء يعدل عشرة وثلث شي‌ء ، فالعشرة تعدل ثلثي الثمن.

______________________________________________________

وإن شئت قسمت مائة وعشرين على خمسة وعشرين ، تخرج أربعة وأربعة أخماس ، تنسبها إلى المخرج المشترك يكون خمسه ، فذلك هو المستثنى ، وبالأربعة الأعداد المتناسبة ، تقول : لما كان نسبة المستثنى إلى الدرهم الذي يخصه ، كنسبة المبيع إلى الأربعة الدراهم التي تخصه ، باعتبار كونها ثمنا له ، لأنّ الاستثناء بما يخص درهما من السلعة ، إنما كان باعتبار مقابلة ما انعقد عليه البيع من المبيع للثمن المقتضي لمقابلة الأجزاء بالأجزاء ، وجب أن تكون نسبة المستثنى إلى مجموع المستثنى والمبيع ، كنسبة الدرهم الى مجموع الدرهم وثمن المبيع ، والدرهم خمس المجموع.

وتحقيقه : أن أقليدس قد برهن على أن الأربعة إذا تناسبت ، كان نسبة الأول إلى الثالث كنسبة الثاني إلى الرابع ، وهو إبدال النسبة ، أي : جعل النسبة للمقدم إلى المقدم كنسبة التالي إلى التالي.

وبرهن أيضا على أنّ المقادير الأربعة إذا تناسبت مفصلة تناسبت مركبة ، فتكون نسبة مجموع المقدمين إلى المقدم كنسبة مجموع التاليين إلى التالي ، فإذا عكست كان نسبة المقدم إلى المقدمين كنسبة التالي إلى التاليين ، وهو محقق لما ذكرناه ، فيكون المستثنى خمس مجموع السلعة.

أو يقال : لمّا كان نسبة المستثنى إلى الدرهم كنسبة المبيع الى الثمن ، وجب أن تكون نسبة المستثنى إلى المبيع كنسبة الدرهم الى الثمن ، وهو بقدر ربعه ، وذلك لأنّ أقليدس قد برهن على أنّ الأربعة إذا تناسبت ، كانت بعد الإبدال متناسبة كتناسبها قبله ، فتكون خمس المجموع ، فيكون المستثنى خمس السلعة.

قوله : ( ولو قال : بعتك بعشرة وثلث الثمن ، فهو خمسة عشر ).

لأنك تقول : الثمن شي‌ء ، والمبيع بعشرة وثلث شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، وبعد إسقاط المشترك تكون العشرة معادلة لثلثي شي‌ء.

أو تقول : ثلث الثمن شي‌ء ، فالمبيع بعشرة وشي‌ء يعدل ثلاثة أشياء ، وبعد‌


ولو قال : وربع الثمن ، فهو ثلاثة عشر وثلث ،

______________________________________________________

إسقاط المشترك تكون العشرة معادلة لشيئين ، فالشي‌ء خمسة ، وبالخطأين تفرض ثلث الثمن ستة ، فيكون الثمن ثمانية عشر ، وقد كان بضميمته إلى العشرة ستة عشر ، فالخطأ باثنين زائدين ، ثم تفرضه سبعة ، فيكون الثمن إحدى وعشرين ، وبالإضافة إلى العشرة سبعة عشر ، فالخطأ بأربعة زائدة.

ومضروب المال الأول وهو ستة ، في الخطأ الثاني وهو أربعة ، أربعة وعشرون ، ومضروب المال الثاني وهو سبعة ، في الخطأ الأول وهو اثنان ، أربعة عشر ، فإذا أسقط أقل الخطأين من أكثرهما بقي اثنان.

وكذا أقل حاصلي الضرب من أكثرهما بقي عشرة ، فإذا قسمت على ما بقي من الخطأين خرج خمسه ، وهي ثلث الثمن المجهول ، فالثمن خمسة عشر.

قوله : ( ولو قال : وربع الثمن ، فهو ثلاثة عشر وثلث ).

لأنك تقول : الثمن شي‌ء ، فالمبيع بعشرة وربع شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، وبعد إسقاط المشترك تكون العشرة معادلة لثلاثة أرباع شي‌ء ، فربع الثمن ثلاثة وثلث.

أو تقول : ربع الثمن شي‌ء ، فالثمن في تقدير أربعة أشياء تعدل عشرة وشيئا ، فإذا أسقطت المشترك تكون العشرة في معادلة ثلاثة أشياء ، وبالخطأين تفرض الربع أربعة ، فيكون الثمن ستة عشر ، فأخطأ باثنين ، إذ الأربعة مع العشرة أربعة عشر ، ثم تفرضه خمسة ، فيكون الثمن عشرين ، فأخطأ بخمسة ، إذا أسقط أقلهما من الأكثر بقي ثلاثة.

ومضروب المال الأول وهو أربعة ، في الخطأ الثاني وهو خمسة ، عشرون ومضروب المال الثاني وهو خمسة ، في الخطأ الأول وهو اثنان ، عشرة ، إذا أسقطت أقلهما من الأكثر بقي عشرة ، تقسم على ما بقي من الخطأين ، يكون ثلاثة وثلثا ، وهي الربع المجهول.


ولو قال : إلاّ ثلث الثمن ، فهو سبعة ونصف.

المقصد الثالث : في أنواع المبيع ، وفيه فصول :

الأول : الحيوان ، وفيه مطلبان :

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : إلاّ ثلث الثمن ، فهو سبعة ونصف ).

لأنك تقول : الثمن شي‌ء ، فالمبيع بعشرة إلاّ ثلث شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، فبعد الجبر والمقابلة يكون شي‌ء وثلث شي‌ء يعدل عشرة ، فالشي‌ء سبعة ونصف.

أو تقول : المستثنى شي‌ء ، فالمبيع بعشرة إلاّ شيئا يعدل ثلاثة أشياء ، لأنّ ثلث الثمن شي‌ء ، فبعد الجبر والمقابلة ، العشرة تعدل أربعة أشياء ، فالشي‌ء اثنان ونصف.

أو تقول : المستثنى شي‌ء ، والثمن ثلاثة أشياء ، فالعشرة تعدل أربعة أشياء ، لأنها تعدل الثمن وثلاثة ، فالشي‌ء اثنان ونصف ، وهو المستثنى ، وبالخطأين تفرض المستثنى ثلاثة ، إذا أسقط من العشرة بقي سبعة هي الثمن ، وبذلك الفرض يكون الثمن تسعة ، فقد أخطأ باثنين.

ثم تفرضه أربعة ، فيبقى ستة هي الثمن ، وبمقتضى الفرض يكون الثمن اثني عشر ، فقد أخطأ بستة ، تضرب المال الأول ، وهو ثلاثة في الخطأ الثاني ، وهو ستة يكون ثمانية عشر ، ثم المال الثاني ، وهو الأربعة في الخطأ الأول ، وهو اثنان يكون ثمانية ، إذا أسقطت من المضروب الآخر بقي عشرة ، تقسّمها على ما بقي من الخطأين بعد الإسقاط وهو أربعة ، يكون اثنين ونصف هي الثلث المستثنى ، فيكون الثمن ما ذكر.

قوله : ( في أنواع المبيع ).

قد سبق الكلام على ما يعتبر في الموضعين ، وهذا الكلام على أمور مخصوصة من أنواع المبيع ، أعني : الحيوان والثمار والنقدين ، لأنّ هذه يشترط فيها أمور زائدة على ما تقدم ، مثل : تحريم بيع الام من دون الولد ، واعتبار بدو الصلاح في الثمرة ، والتقابض في المجلس في بيع النقدين.


الأول : الأناسي من أنواع الحيوان إنما يملكون بسبب الكفر الأصلي إذا سبوا ، ثم يسري الرق إلى ذرية المملوك وأعقابه وإن أسلموا ، ما لم ينعتقوا.

ولو التقط الطفل من دار الحرب ملك ، ولا يملك من دار الإسلام ولا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم ، فإن أقرّ بعد بلوغه بالرقية حكم بها

______________________________________________________

وإطلاقه ( أنواع ) ربما فهم منه أنه يذكر جميع أنواع المبيع هنا ، وليس كذلك ، وكأنه اعتمد في البيان على ما أتى به ، ثم إنّ هذه الأشياء لا تختص بكونها مبيعا ، بل يجوز جعلها ثمنا.

ثم اعلم أنه سيجي‌ء في كلامه الكلام في أنواع المبيع باعتبار النقد والنسيئة ، والبيع مع الإخبار برأس المال ، ومساواة الثمن للعوض.

قوله : ( إذا سبيوا ).

صوابه سبوا بغير ياء ، مثل دعوا ونهوا ، لكنه منقول عن خط المصنف كذلك ، ولعل الخطأ من الناقل.

قوله : ( ثم يسري الرق إلى ذرية المملوك وأعقابه ).

الذرية والأعقاب : هم النسل من الأولاد وأولادهم.

قوله : ( ولا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم ).

بشرط إمكان تولده منه عادة ، تمسكا بأصل الحرمة ، ولا فرق بين كون المسلم ذكرا أو أنثى.

قوله : ( فإن أقرّ بعد بلوغه بالرقية حكم عليه بها ).

أي : فان أقرّ المأخوذ من دار الحرب ، وفيها مسلم يتولد عنه بعد بلوغه ، ولا بد من كونه رشيدا ، وكأنه تركه استغناء بذكره في المسألة التي بعده.


عليه ، ما لم يكن معروف النسب ، وكذا كلّ من أقرّ بها بالغا رشيدا مجهولا وإن كان المقرّ له كافرا ، ولا يقبل رجوعه.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا كل من أقرّ بها بالغا رشيدا ).

اعتبر في التذكرة في باب اللقطة بلوغه وعقله (١) ، وكأنه يرى أنّ الرشد غير شرط ، لأنّ إقرار السفيه بالرقية ليس إقرارا بالمال ، فيكون مسموعا ، كإقراره بما يوجب القصاص.

ويشكل لو كان له مال ، فإنّ الإقرار على نفسه بالرق يقتضي كون المال للمقر له ، فيكون إقرارا بالمال ، إلا أن يقال : يثبت المال للمقر له تبعا لثبوت الرقية ، لا لأنه إقرار بالمال ، فلا يكون ذلك من صحة إقرار السفيه بالرقية ، وهو محتمل.

قوله : ( ولا يقبل رجوعه ).

قال في التذكرة : لاشتماله على تكذيب إقراره ، ودفع ما ثبت عليه بغير موجب ، قال : ولو أقام بينة لم تسمع ، لأنه بإقراره أولا قد كذبها (٢).

قلت : قد يقال : إذا أظهر لرجوعه تأويلا يسمع ، ـ كأن قال : لم أعلم بكوني تولدت بعد إعتاق أحد الأبوين مثلا ، ثم علمته بعد ذلك بالبينة وهو متجه ـ فالمصير اليه ليس بذلك البعيد ، وستأتي له نظائر في باب القضاء وغيره إن شاء الله تعالى.

ولو أقر بالرقية لمعين فردّ ، فادعى الحرية ، ففي اعتبار رجوعه وجهان :

أحدهما : يعتبر ، لأنّ إقراره قد سقط اعتباره برد المقر له ، فإذا انتفت رقيته وجب أن يكون حرا ، خصوصا على قول الشيخ بأنه لو أقرّ لآخر بالرقية لا يسمع (٣).

والثاني : لا يعتبر ، لأنه لما أقر بالرقية للمعين نفذ إقراره لا محالة ، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » فتحقق كونه رقا ، ورد المقر له إنما ينفي ملكه إياه بالنسبة إليه ظاهرا ، لا لكونه رقا الثابت شرعا بإقراره.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٨٣.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٧.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٥٢.


ولو اشترى عبدا يباع في الأسواق فادّعى الحرية ، لم يقبل إلاّ بالبينة.

ويملك الرجل كلّ بعيد وقريب ، سوى أحد عشر : الأب ، والام ، والجدّ ، والجدّة لهما وإن علوا ، والولد ذكرا وأنثى ، وولد الولد كذلك وإن نزل ، والأخت ، والعمة ، والخالة وإن علتا ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت وإن نزلتا ، فمن ملك أحدهم عتق عليه.

______________________________________________________

ولهذا لو رجع الى التصديق قبل منه ، ولأنه لما أقر بالرقية اقتضى ذلك منعه من التصرفات التي تعتبر فيها الحرية ، فزوال ذلك يحتاج إلى دليل. وما أشبه هذه المسألة بمسألة ما لو أقر لزيد بمال معين ، فرد المقر له الإقرار ، فادعاه المقر حين إنكار المقر له.

ومن هذا يظهر الحكم فيما لو أقر بالرقية ولم يعين. ثم ادعى الحرية ، ولو أظهر ـ في الموضعين ـ لرجوعه تأويلا ، يخرج به عن منافاة الإقرار ، ثم أقام بينة ، فعلى ما سبق تسمع هنا بطريق الاولى.

قوله : ( ولو اشترى عبدا يباع في الأسواق ، فادّعى الحرية لم يقبل إلا بالبينة ).

ظاهر العبارة أنه ادعى الحرية بعد الشراء ، نظرا الى مقتضى الفاء ، فانّ فاء الجزاء تقتضي ذلك ، وليس الحكم مخصوصا بذلك ، فإنه لو ادعى الحرية مع كونه يباع لم يثبت إلا بالحجة ، لأنّ ظاهر اليد والسلطنة يقتضي الملك ، حتى يثبت ما ينافيه.

قوله : ( ويملك الرجل ... ).

أي : ملكا مستقرا ، وإلا لم يستقم الاستثناء ، لأنّ المستثنيات تملك أيضا ، لكن يعتق حين الملك ، فلا يستقر ملك أحد منهم.

وقوله : ( فمن ملك أحدهم ) المراد به : في الجملة من غير تقييد بقولنا : غير مستقر ، وإلا لم يبق لقوله : ( عتق عليه ) موقع.


وتملك المرأة كلّ أحد ، سوى : الآباء وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والرضاع كالنسب على راي.

ويكره ملك القريب غير من ذكرنا ، ويصحّ أن يملك كلّ من الزوجين صاحبه ، فيبطل النكاح وإن ملك البعض.

وما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الامام فهو للإمام خاصة ،

______________________________________________________

قوله : ( والرضاع كالنسب على رأي ).

هذا هو الأصح ، لأنّ الأم من الرضاعة أم حقيقية ، وكذا الأخت والبواقي ، ولظاهر قوله : « الرضاع لحمة كلحمة النسب » ، وللرواية بذلك (١).

قوله : ( وإن ملك البعض ).

أي : يبطل النكاح فيه أيضا ، لمنافاة الملك العقد ، ويستحيل التبعيض ، لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

قوله : ( وما يؤخذ من دار الحرب بغير اذن الامام ، فهو للإمام خاصة ).

المراد : ما يؤخذ بالقتال ، وهو المعبر عنه بغنيمة من غزا بغير إذن الامام 7 ، وهذا هو المشهور ، للرواية الواردة به (٢) وان كانت مرسلة. أما ما يأخذه نحو الواجد ، لا على هذا الوجه ، بل على وجه الاختلاس ، أو على وجه المغالبة في المواضع المنفردة ونحوها على وجه الغصب فإنه لآخذه ، فان الحربي وماله في‌ء فكل من قهره ملكه ، ولو قهره على ماله ملك ماله ولو كان حربيا ، وقد سبق بيان ذلك في أحكام الغنيمة من الجهاد ، وسيأتي من قوله : ( وكل حربي قهر حربيا ... ) يدل على أنّ المصنف لا يريد هنا إلا ما ذكرناه.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٤٣ حديث ٨٧٧ ـ ٨٧٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٥ حديث ٣٧٨.


لكن رخّصوا لشيعتهم في حال الغيبة التملك والوطء وإن كانت للإمام أو بعضها.

______________________________________________________

قوله : ( لكن رخصوا لشيعتهم حال الغيبة التملك والوطء ، وإن كانت للإمام أو بعضها ).

أول هذه العبارة وآخرها غير ملتئمين ، لأنّ أولها يقتضي كون الحكم في غنيمة من غزا بغير اذن الامام ، كما يتبادر من قوله : ( لكن ) ، فإنها لاستدراك ما فهم من كونها للإمام 7 ، وهو عدم جواز التصرف فيها ، وآخرها يقتضي شمول الحكم لها ولغيرها لأنه قد سلف أنّ جميع المأخوذ بغير اذنه 7 له ، فكيف يستقيم قوله : ( أو بعضها )؟ ولعله حاول التنبيه بذلك على الحكم عند القائل بأنّ المأخوذ بغير اذنه 7 كالمأخوذ بإذنه.

أو أنه تخيل شمول العبارة لمن يشتري ممن لا يعتقد الخمس ، فإنه لا يجب إخراج خمسها ، كمن اشترى جارية بمال غير مخمس وهو لا يعتقد ذلك ، أو نمت عنده جارية مخمسة ، أو قهر حربيا على ابنته مثلا ، فإنها من الأرباح.

ولا يمكن أن يقال : إن هذه الغنيمة وإن كانت كلها للإمام ، إلا أنه لا يمتنع أن يجب فيها الخمس ، كما احتمله في المختلف (١) ، لأنّ ذلك لا يصحح ما ذكره ، لأنها إن كانت كلها للإمام ، وان وجب عليه فيها الخمس ، لم يستقم ان يقال : بعضها له ، وان كان بعضها له لم يستقم ان يقال : كلها له ، والترديد بين الأمرين يشعر بالتنافي بينهما.

واعلم أنّ الضمير في قوله : ( رخصوا لشيعتهم ) يريد بهم : أئمة الهدى : وإن لم يجر لهم ذكر ، لدلالة ذكر الامام 7 عليهم ، ولشدة ظهور ذلك ، كما في قوله سبحانه ( حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (٢) ، ومقتضاه أنها لا تحل للمخالف ، وهو كذلك كما دلت عليه الاخبار (٣).

__________________

(١) المختلف : ٣٨١.

(٢) سورة ( ص ) : ٣٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٦ حديث ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٧ حديث ١٨٨ ، ١٨٩.


ولا يجب إخراج حصّة غير الامام منها. ولا فرق بين أن يسبيهم المسلم والكافر.

وكلّ حربي قهر حربيا فباعه صحّ

______________________________________________________

لكن هذا في الغنيمة المذكورة ، دون ما لو قهر مخالف حربيا على ابنته مثلا فإنه يملكها ، إذ ليس هو بأسوأ حالا من الحربي. ولو أنّ مخالفا اشترى جارية من الغنيمة المذكورة بعد تملك الإمامي لها ، ففي بقاء التحريم عليه تردد.

وهل يملك الإمامي المغنومة من الغنيمة المذكورة بمجرد الاستيلاء عليها؟ قوة كلام الاخبار وعبارات الأصحاب تقتضي ذلك ، ويحتمل توقفه على بذل العوض ، لأنّ هذه يد ظاهرا ، فلا بد من بذل عوض في مقابلها ، فيكون حينئذ استنقاذا.

قوله : ( ولا يجب إخراج حصة غير الإمام منها ).

لظاهر ترخيصهم : لشيعتهم من غير اشتراط ، لإخراج الحصة المذكورة.

قوله : ( ولا فرق بين أن يسبيهم المسلم والكافر ).

لعل هذا راجع إلى أول الباب ، وهو قوله : ( الأناسي من أنواع الحيوان انما يملكون (١) بالكفر الأصلي إذا سبوا ) وان بعد هذا المرجع.

ويمكن أن يكون راجعا الى قوله : ( ما يؤخذ من دار الحرب ، فإنه لا فرق في الحكم بين كون الآخذ ـ وهو السابي ـ مسلما كسلطان الجور من المسلمين ، أو كافرا كسلطان كافر ، ونحوهما ).

قوله : ( وكل حربي قهر حربيا فباعه صح ).

قد سبق مرارا ما يصلح لكونه تقريبا لذلك ، وهو أنّ الحربي وماله في‌ء ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين من يدين بتحريم هذا النوع من القهر وغيره ، وكونه فيئا للمسلمين يقتضي عدم احترامه ، فيصير ملكا بالقهر والغلبة.

__________________

(١) في النسخة الخطية للقواعد : بسبب الكفر الأصلي.


وإن كان أخاه أو زوجته ، أو من ينعتق عليه كابنه وبنته وأبويه على إشكال ، ينشأ : من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض ، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر.

______________________________________________________

وتعليل الشارح في باب الجهاد ، بأنّ أهل الحرب لما لم يلتزموا شرعا لم يثبت في ذمة المتلف العوض (١) غير جيد ، لاقتضائه أنّ من التزم شرعا يثبت في ذمته العوض ، وليس كذلك.

قوله : ( وإن كان أخاه أو زوجته ).

لا وجه لذكر الأخ بخصوصه ، أما الزوجة ففي ذكرها تنبيه على سقوط حقوق الزوجية بانفساخ النكاح بتملكها.

قوله : ( أو من ينعتق عليه على اشكال ينشأ : من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض ، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر ).

مقتضى عبارته تكافؤ الوجهين ، وأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، وهو كذلك ، لأنّ القرابة المخصوصة تقتضي العتق ، وقهر الحربي يقتضي الملك ، والمقتضيان دائمان.

وقول المصنف : ( المبطل للعتق لو فرض ) مقتضاه أنّ العتق لا يقع ، لأنه حكم ببطلانه على تقدير فرض وقوعه ، وكأنه نظر الى أن القهر دائم ، وهو في كل آن يقتضي الملك ، فيمتنع حصول العتق حقيقة لوجود منافيه ، فلا يكون إلا بطريق الفرض.

ولك أن تقول : القهر إنما يقتضي ملك غير المملوك ، أما المملوك فلا يعقل ملكه ، فانّ من اشترى حربيا لا يقال : ملكه بالقهر ، فإذا تحقق الملك ، لم يكن القهر مملكا في ذلك الحال ، فيعمل المقتضي للعتق ـ وهو القرابة المخصوصة ـ حينئذ عمله ، لقبول المحل له حينئذ فيصير حرا ، وحينئذ فيعود الى الملك بالقهر المقتضي له.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٦٣.


والتحقيق : صرف الشراء إلى الاستنقاذ ، وثبوت الملك للمشتري بالتسلّط ، ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر.

______________________________________________________

وعلى هذا فلا يعد هذا إبطالا للعتق ، لأنّ العتق إذا وقع صحيحا كيف يبطل ، وإنما هو ملك طارئ بسبب مستقل؟ وأيضا فإن القرابة إنما تمنع دوام الملك لا ابتداءه ، لإمكان ملك القريب ، ولو كان دوام القرابة يمنع ابتداء الملك لامتنع دخول القريب في الملك المقتضي لانعتاقه.

ويمكن أن يقال : لما كان القهر دائما امتنع حصول العتق ، لأنه وإن لم يكن موجبا لحصول ملك آخر ، فهو مانع من الخروج عن الملك ، فان تحقق امتناع الخروج عن الملك بملاحظته ، فما ذكره المصنف صحيح ، وإلا فلا.

قوله : ( والتحقيق صرف الشراء إلى الاستنقاذ ، وثبوت الملك للمشتري بالتسلّط ).

هذا التحقيق جيد ، لأنّ الوجهين لما تعارضا وتكافئا لم يمكن الحكم بأحدهما دون الآخر ، فلم يبق إلا أن يكون تملك المشتري بتسلطه على الحربي الذي هو المبيع ، فيكون البيع الواقع ظاهرا استنقاذا في نفس الأمر لا بيعا حقيقيا ، لأنّ الشرط ـ وهو تحقق ملك البائع ـ غير معلوم ، والاستنقاذ هو : بذل عوض عن يد شرعية في نفس الأمر ، وظاهرا ، أو غير شرعية ، وهو الاقتدار. واليد الشرعية في نفس الأمر كهذه ، وظاهرا كما في الحربي في نفس الأمر إذا استولى عليه ظاهرا.

قوله : ( ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر ).

توجيه هذا النظر تفريعا على أنّ الشراء حينئذ استنقاذ غير ظاهر ، لأنه إذا لم يكن هناك بيع ، كيف تلحق أحكامه؟ وما ذكره أحد الشارحين من التوجيه بوجود عقد البيع ، وانه استنقاذ : غير جيد ، لأنه إن كان استنقاذا لم يكن بيعا.

وكذا ما بيّن به ولد المصنف من أنه كالبيع ، ومن انتفائه ، وهو ظاهر (١) ، والذي يختلج بخاطري أنّ هذا النظر من جانب المشتري لا وجه له‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٣٦.


المطلب الثاني : في الأحكام :

يجوز ابتياع بعض الحيوان بشرطين : الإشاعة ، وعلم النسبة ، فلو باعه يده أو رجله أو نصفه الذي فيه رأسه أو الآخر بطل ، ولو باعه شيئا منه أو جزءا أو نصيبا أو قسطا بطل.

______________________________________________________

أصلا ، لأنّ انتقال الملك اليه ليس بالعقد ، وما بذله لا يعد ثمنا.

أما من جانب البائع فلا يبعد ذلك ، لأنّ ما بيد الحربي إذا دخل بأمان محترم ، فلا يجوز انتزاعه بغير السبب المبيح له شرعا ، ويجب أن تترتب عليه أحكامه ، فيكون له خيار المجلس ، والرد بعيب الثمن ، ونحو ذلك ، وهو الذي يظهر من عبارة الدروس في كتاب العتق ، حيث قال : يكون استنقاذا لا شراء من جانب المشتري ، لكن جوّز له الرد بالعيب ، وأخذ الأرش (١) ، ولعله نظر الى أنه إنما بذل العوض عن اليد بناء على سلامته. وفي اقتضاء ذلك المطالبة بالأرش تردد ، لأنه عوض الجزء الفائت من المبيع ، ولا مبيع هنا. وجواز الرد مشكل أيضا ، بناء على الاستنقاذ ، لأنه إذا ملكه بالقهر والتسلط ، لم يكن له إبطال ملكه بدون حصول سبب شرعي.

قوله : ( فلو باعه يده ، أو رجله ، أو نصفه الذي فيه الرأس ، أو الآخر بطل ).

أي : أو النصف الآخر يعني : مقابل الذي فيه الرأس ، ووجه البطلان الجهالة ، فإنّ مقدار المبيع لا يعلم أين ينتهي. وعلل أيضا بعدم القدرة على التسليم ، فان كان منظورا فيه الى جهالة عين المبيع ، حيث أنّ أجزاءه غير متعينة فهو حق ، وإن نظر فيه الى غير ذلك انتقض بحال الإشاعة ، فإنّ تسليم المشاع أيضا غير مقدور.

إلا أن يقال : إذا باعه مشاعا فالإشاعة ملحوظة في البيع ، فتجب القدرة‌

__________________

(١) الدروس : ٢٠٩.


ويصح لو باعه نصفه أو ثلثه ، ويحمل مطلقه على الصحيح.

______________________________________________________

على التسليم بحسبها ، بخلاف ما إذا باعه معينا ، فإنه لا بد من القدرة على التسليم بحسب التعيين ، فتكون القدرة على التسليم معتبرا فيها حال المبيع على ما وقع عليه حالة البيع.

قوله : ( ويصح لو باعه نصفه أو ثلثه ).

مراده : إذا باعه ذلك على طريق الإشاعة ، وإلا لم يبق فرق بينه وبين قوله : ( ويحمل مطلقه على الصحيح ) ، وعبارة التذكرة (١) تنبيه على أنّ هذا هو المراد ، وصحة البيع حينئذ بالإجماع.

قوله : ( ويحمل مطلقه على الصحيح ).

أي : لو أطلق بيع النصف من الحيوان فهو وإن احتمل النصف معينا ، لكن الشائع والغالب هو بيعه مشاعا ، فيحمل مطلق النصف الواقع في العقد على النصف المشاع ، وعلله في التذكرة بأصالة صحة العقد (٢) ، وهو الذي يشعر به‌

قوله : ( على الصحيح ) ، فانّ لفظ المسلم يجب أن يصان عن الهذر.

ويرد عليه : أنّ مجرد أصالة صحة العقد لا يكفي في وجوب حمل اللفظ على المعنى الصحيح ، بل لا بد من دلالة اللفظ عليه ، إما بذاته أو بقرينة ، ليحكم بصحته.

وجوابه : انّ للفظ صلاحية الدلالة هاهنا ، وأقل المراتب أن تكون دلالته على كل من المعنيين مساوية للدلالة على الآخر ، فالقرينة : إرادته نقل الملك ، وصيانة كلام المسلم عن الهذر ، على أنّ الاستعمال في النصف الشائع أكثر.

فرع :

قوّى في التذكرة جواز بيع النصف معينا من الحيوان المذبوح ، معللا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٨.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٨.


ولو استثنى البائع الرأس والجلد فالأقرب بطلان البيع ، والصحة في المذبوح.

______________________________________________________

بزوال المانع ، فإنّ القدرة على التسليم ثابتة هنا (١). ولقائل أن يقول : إنّ الجهالة ثابتة هنا ، وهي مفضية الى عدم القدرة على التسليم ، كما قدمناه.

قوله : ( ولو استثنى البائع الرأس والجلد ، فالأقرب بطلان البيع والصحة في المذبوح ).

أقوال الأصحاب هنا أربعة :

الأول : القول بالصحة مطلقا (٢).

الثاني : القول بالبطلان مطلقا للجهالة ، فان كلا منهما مجهول (٣).

الثالث : تفصيل المصنف ، وهو القول بالصحة في المذبوح ـ وألحق به في المختلف ما يقصد به الذبح (٤) ـ والبطلان فيما ليس كذلك (٥).

الرابع : تفصيل شيخنا الشهيد في الدروس بالصحة مطلقا ، لكن يكون فيما لا يقصد بالذبح شريكا بنسبة القيمة (٦).

وقال الشيخ في المبسوط (٧) والنهاية : يكون شريكا بنسبة القيمة (٨) ، فإن كان مراده على الإطلاق فهو قول خامس ، وهو الذي افتى به ابن سعيد في الشرائع (٩) ، وإن أراد فيما عدا المذبوح كان كقول الدروس.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) ذهب اليه السيد في الانتصار : ٢١٢ ، وابن الجنيد كما في المختلف : ٣٨٤ ، وغيرهما.

(٣) لم نعثر على قائله ، وفي المفتاح ٤ : ٣٢٣ : « القول ببطلان البيع والشرط ، وقد نقله الفخر في الإيضاح ، وأبو العباس في المهذب. » ، ولم يذكروا اسم القائل.

(٤) المختلف : ٣٨٤.

(٥) كما ذهب اليه هنا في القواعد ، وكذا في التذكرة ١ : ٤٩٨.

(٦) الدروس : ٣٤٥.

(٧) المبسوط ٢ : ١١٦.

(٨) النهاية : ٤١٣ ، وفيه : وإذا باع الإنسان بعيرا أو بقرا أو غنما واستثنى الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع بمقدار الرأس والجلد.

(٩) الشرائع ٢ : ٥٧.


ولو اشتركا في الشراء وشرط أحدهما الرأس والجلد لم يصحّ ، وكان له بقدر ماله.

______________________________________________________

لكن ظاهر العبارة الإطلاق ، وفي رواية السكوني (١) وهارون الغنوي (٢) ما يشهد لقول المبسوط والنهاية ، وأول الروايتين مشعر بأنّ الاستثناء كان في بعير يراد به الذبح ، والقول بالبطلان مطلقا متجه ، فانّ العمل بهما ينافي مقتضى القرآن ، فإنّ المأمور به هو الوفاء بالعقد ، وهو هنا ممتنع ، لما سبق.

فالعدول عما يقتضيه خروج عن الوفاء به ، ومصير الى البيع بغير عقد ، والتزام غير ما وقع التراضي عليه. ومتى حكمنا ببطلان الاستثناء ، لم يبق في اللفظ ما يدل على استثناء جزء مشاع بوجه من الوجوه.

تفريع :

لا يصح استثناء اللحم بالوزن ، للتفاوت بالاختلاط بالعظم قلة أو كثرة ، وكذا بالشحم ، إلا أن يعين مكانا لا يختلط بغيره فإنه يجوز ، كما اختاره ابن الجنيد (٣) ، وحسنه في المختلف (٤).

قوله : ( ولو اشتركا في الشراء ، وشرط أحدهما الرأس والجلد لم يصح ، وكان له بقدر ماله ).

لدلالة رواية هارون بن حمزة على ذلك (٥) ، ويشكل الحكم بما قدمناه ، ويعارض ظاهر الرواية بمقتضى القرآن (٦) ، وبأنّ العقود بالقصود. ويرد على المصنف أنّ البطلان الذي افتى به في مسألة استثناء البائع آت هنا ، ودليل الصحة مشترك بين المسألتين ، لأنّ الروايتين المذكورتين وردتا بالصحة فيهما.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٤ حديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٣ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٧٩ حديث ٣٤١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٨٤.

(٤) المصدر السابق.

(٥) هي رواية هارون الغنوي السابقة.

(٦) المائدة : ١.


ولو قال له : الربح بيننا ولا خسران عليك ، فالأقرب بطلان الشرط.

ولو وطأها أحدهما لشبهة فلا حدّ ، وبدونها يسقط بقدر نصيبه خاصّة ، فإن حملت قومت عليه حصة الشريك ، وانعقد الولد حرا ، وعلى أبيه قيمة حصة الشريك منه يوم الولادة ، ولا تقوّم بنفس الوطء على رأي.

______________________________________________________

ولا جواب له إلا بأحد أمرين : إما أن يكون الحكم في مسألة الشريك مجمعا عليه ، فيعمل بالإجماع في موضعه ، أو أنّ رواية هارون صحيحة بخلاف رواية السكوني ، والذي يقتضيه النظر البطلان مطلقا ان لم يلزم في ذلك مخالفة الإجماع.

قوله : ( ولو قال : الربح بيننا ولا خسران عليك ، فالأقرب بطلان الشرط ).

الأصح بطلانه وبطلان العقد ، لأنه خلاف مقتضى الشركة ، وخلاف مقتضى أصول المذهب ، لأنّ نماء ملك الشخص إنما يكون له.

قوله : ( وبدونها يسقط بقدر نصيبه خاصة ).

الظاهر أنه لا فرق بين كونه محصنا وبكرا ، فان الحد إنما يتبعض إذا كان جلدا ، وفي رواية : يدرأ عنه من الحد بقدر ماله فيها من النقد ، ويضرب بقدر ما ليس له (١).

قوله : ( فان حملت قومت عليه حصة الشريك ).

ظاهره ثبوت هذا الحكم وإن كان عالما بالتحريم ، وربما أشكل من جهة أنه زان على ذلك التقدير ، فكيف يلحقه الولد؟ ويجاب بأنّ له فيها حقا ، فباعتباره يخرج عن كونه زانيا ، ولا يتبعض النسب ولا أمومة الولد ، وللرواية.

والمعتبر في التقويم قيمتها السوقية وإن زادت عن الثمن ، والرواية بلزوم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٢ حديث ٣٠٩.


ويتخير المشتري إذا تجدد العيب في الحيوان بعد العقد ، وقبل القبض في الفسخ ، والإمساك مجانا ، وبالأرش على رأي.

ولو تلف بعد قبضه في الثلاثة فمن البائع ، إن لم يحدث فيه المشتري حدثا.

ولو تجدّد فيه عيب من غير جهة المشتري ، فان كان في الثلاثة تخير كالأول ، وفي الأرش نظر.

ولا يمنع من الردّ بالعيب السابق ، فلو كان بعدها ، أو أحدث المشتري فيه حدثا منع من الرد بالعيب السابق.

والحمل حال البيع للبائع على رأي ، إلاّ أن يشترطه المشتري ،

______________________________________________________

الأكثر (١) متأولة بالحمل على ما إذا نقصت القيمة بالوطء.

قوله : ( وبالأرش على رأي ).

هذا هو الأصح ، لأنّ جميعه مضمون حينئذ فكذا أبعاضه ، لمقابلتها بأبعاض الثمن.

قوله : ( وفي الأرش نظر ).

هو كما سبق في الفتوى.

قوله : ( ولو كان بعدها ، أو أحدث المشتري فيه حدثا ، منع من الرد بالعيب السابق ).

لا من الأرش.

قوله : ( والحمل حال البيع للبائع على رأي ، إلا أن يشترطه المشتري ).

هذا هو الأصح ، وقيل : للمشتري ، ولا يصح استثناؤه للبائع (٢) ، وقيل :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ١٥٦.


فيثبت له معه ، فان سقط قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعله قوّمت في الحالين ، وأخذ من الثمن بنسبة التفاوت.

______________________________________________________

له ، ويصح استثناؤه (١) ، وكلاهما ضعيف.

قوله : ( فان سقط قبل قبضه ، أو في الثلاثة من غير فعله ، قوّمت في الحالين ، وأخذ من الثمن بنسبة التفاوت ).

أي : قومت في حال كونها حاملا ، ومجهضا ، وينسب التفاوت الى قيمتها حاملا ، ويؤخذ من الثمن بهذه النسبة ، وفي حواشي شيخنا الشهيد ما حاصله : أنّ هذا ليس على إطلاقه ، وإنما تمّ : إما على رأي المصنف من أنّ الحمل لا يدخل الا بالشرط فيكون خارجا عن المبيع ، أو على القول : بأنّ العيب الحادث في جملة ليس لأجزائها قسط من الثمن يوجب الأرش.

وما ذكره من أنّ عبارة المصنف لا تجري على إطلاقها صحيح ، فإنّ عبارة المصنف وإن لم يكن فيها دلالة على أنّ الحمل كان داخلا في المبيع ، ليتعرض الى قيمته ، بان يعتبر تقويمها حاملا مع الحمل ، لكنها مطلقة فيجب تنقيحها ، بان الحمل إن اشترط فلا بد من إدخاله في التقويم ، وإن لم يشترط قوّمت هي خاصة حاملا ، إلا أنّ في عبارته مناقشتين :

إحداهما : أن قوله : إنّ هذا يتمشى على رأي المصنف ، غير جيد ، لأنّ المصنف يرى دخول الحمل مع الشرط ، فمقالته لا تقتضي عدم دخوله مطلقا ، بل في بعض الأحوال ، فلا بد حينئذ من التقييد ، ومع ذلك فلو كانت مقالته تقتضي هذا لوجب إجراء كلامه على إطلاقه ، بناء على مذهبه ، فلا يستقيم ما ذكره ، وحقه أن يقول : هذه العبارة مطلقة ، ويجب تقييدها بما إذا كان الحمل غير داخل في البيع.

الثانية : قول : أن هذا يتمشى على القول بان العيب الحادث في جملة ليس لاجزائها قسط من الثمن الى آخره ، غير مستقيم ، فان الثمن إذا قوبل بالمبيع كان‌

__________________

(١) ذهب اليه ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٥.


ولو قال : اشتر حيوانا بشركتي أو بيننا صح البيع لهما ، وعلى كلّ منهما نصف الثمن ، فإن أدّى أحدهما الجميع باذن صاحبه في الإنقاد عنه لزمه الغرم له ، وإلاّ فلا ، ولو تلف فهو منهما ، ويرجع على الآمر بما نقد عنه باذنه.

والعبد لا يملك مطلقا على رأي ، فلو كان بيده مال فهو للبائع ، وإن‌

______________________________________________________

لأجزائه قسط منه قطعا ، ولهذا يزيد وينقص اعتبارها.

ويبعد أن يقال : أن مثل الحمل إذا اشترط لا يكون له جزء من الثمن ، لأنه وإن كان تابعا ، إلا أنّ الثمن يزيد باعتباره ، كما ينقص باعتبار عدم دخوله ، ولعل مراده من العبارة : أنّ العيب الحادث لا يوجب الأرش ، كما هو مذهب المفيد (١) ، وكون ذلك في جملة : ليس لاجزائها جزء من الثمن ، من زيادات القلم.

لكن يرد عليه : أنه على هذا القول لا أرش أصلا ، لأنه إنما يستحق الرد خاصة دون الأرش ، كما هو ظاهر ، فلا يستقيم بناء الحكم عليه.

واعلم أنّ في عبارته : العيب الحادث في جملة ليس لاجزائها قسط من الثمن يوجب الأرش ، وحقه لا يوجب الأرش ، وكأن ( لا ) سقط من قلم الناسخ.

قوله : ( لزم الغرم له ).

لأنه أمره بالأداء عنه ، فلم يكن متبرعا. فان قلت : لم يشترط الرجوع والاذن أعم منه ، قلت : وقع دفع المال بالاذن ، ولم يحصل ما يقتضي التبرع ، فلم يسقط الاستحقاق.

قوله : ( والعبد لا يملك مطلقا على رأي ).

هذا هو الأصح لظاهر قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) لا يقال : العبد لا عموم له ، فلم يدل على أنّ كل عبد كذلك ، لأنا نقول : ظاهر‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٢.

(٢) النحل : ٧٥.


علم به : فان شرطه المشتري صحّ إن لم يكن ربويا ، أو كان واختلفا ، أو تساويا وزاد الثمن.

ولو قال له العبد : اشترني ولك عليّ كذا لم يلزم على رأي.

ولو دفع إلى مأذون مالا ليشتري رقبة ويعتقها ويحجّ عنه بالباقي ،

______________________________________________________

الكلام : أن عدم القدرة على شي‌ء مرتب على العبودية والمملوكية.

قوله : ( أو تساويا وزاد الثمن ).

يعتبر في الزيادة أن تكون مما يتمول ، ليكون في مقابلة العبد.

قوله : ( ولو قال له العبد : اشترني ولك عليّ كذا ، لم يلزمه على رأي (١) ).

قيل باللزوم إذا كان له مال وقت الشرط (٢) ، تعويلا على رواية ليس لها دلالة ولا بينة (٣) ، والأصح العدم.

قوله : ( ولو دفع إلى مأذون مالا ليشتري رقبة ، ويعتقها ، ويحج عنه بالباقي ).

أي : يحج المأذون بالباقي ، ويلوح من قوله في الرواية : « أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد » (٤) أنه وكلّه في تحصيل فعل الحج ، ليكون شاملا لفعله بنفسه وغيره ، وإلا لم تمض مع إمكان أن يقال : أنّ مضيها أعم من صحة الإجارة.

وكونه لم يأمر بالرجوع الى الثمن يحتمل أن يكون لتلفه ، وإن لم يكن في الرواية ذكر للتلف لكنه محتمل ، وقوله : « فقد مضت بما فيها » ، قد يشعر بذلك ،

__________________

(١) ذهب الى هذا الرأي ابن إدريس في السرائر : ٤٠ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٥٨ ، والشهيد في الدروس : ٣٤٧.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٤١٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٩ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٤ حديث ٣١٥ ، ٣١٦.

(٤) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ حديث ١٠٢٣ و ٨ : ٢٤٩ حديث ٩٠٣ و ٩ : ٢٤٣ حديث ٩٤٥.


فاشترى أباه ودفع إليه الباقي للحج ، ثم ادّعى كلّ من مولى الأب والمأذون وورثة الدافع كون الثمن من ماله ، فالقول قول مولى المأذون مع اليمين وعدم البينة.

______________________________________________________

لأنه يؤذن بأنّ هناك شيئا.

قوله : ( فالقول قول مولى المأذون مع اليمين وعدم البينة ).

وذلك لأنه صاحب اليد ، لأنّ يد العبد يد المولى ، وفي النافع : يناسب الأصل إمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه (١) ، وكأنه يريد بالأصل : أصالة صحة ما فعل من شراء ، وعتق ، وغيرهما.

قال في الدروس : وهو قوي إذا أقر بذلك ، لأنه في معنى الوكيل ، إلا أنّ فيه طرحا للرواية المشهورة (٢) (٣).

قلت : وفيه ضعف آخر ، لأن إقرار الوكيل إنما يعتبر إذا لم يكن إقرارا على الغير ، ومعلوم أنّ إقرار العبد على ما في يده إقرار على السيد فلا يسمع.

ثم قال : وقد يقال : أنّ المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، ولا تعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد ، لأن دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فتساقطا ، قال : وهذا واضح لا غبار عليه (٤).

أقول : تأملنا ذلك فلم نجده واضحا ، فانّ المال الذي بيد المأذون في هذا الفرض لا يدل دليل أصلا على أنه لمولى الأب أو غيره ، وإنما الذي دل عليه الدليل هو أنه لمولاه ، نظرا الى مقتضى اليد ، فكيف يكون لمن لا يد له ، ولا سبب يقتضي ملكه سوى مجرد دعواه وإقرار المأذون الذي هو غير معتبر؟

__________________

(١) المختصر النافع : ١٣٣.

(٢) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ حديث ١٠٢٣ و ٨ : ٢٤٩ حديث ٩٠٣ و ٩ : ٢٤٣ حديث ٩٤٥.

(٣) الدروس : ٣٤٩.

(٤) الدروس : ٣٤٩.


وتحمل الرواية بالدفع إلى مولى الأب عبده كما كان ، على إنكار البيع ، فإن أقام أحدهما بينة حكم له.

______________________________________________________

وأعجب من هذا قوله : ان دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فإنه إن أراد بها صحة البيع ، فمعلوم أن دعوى مولى الأب : أنه اشترى بماله تقتضي فساد العقد ، لأنّ العوضين إذا كانا من مالك واحد لم تكن المعاوضة صحيحة.

قوله : ( وتحمل الرواية بالدفع إلى مولى الأب عبده كما كان على إنكار البيع ).

الرواية المشار إليها هي رواية ابن أشيم ، عن ابي جعفر 7 (١) ، وأشيم مضبوط ـ في مواضع لا بأس بالتعويل عليها ـ ، بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت ، وهي ضعيفة ، فإن ابن أشيم غال.

والجار في قوله : ( بالدفع ) يتعلق بالرواية أو بمحذوف ، أي : والرواية الواردة بالدفع إلى أخره ، و ( عبده ) بالنصب مفعول المصدر ، أي : يدفع عبد مولى الأب اليه ، والجار في قوله : ( على إنكار البيع ) متعلق بقوله : ( وتحمل الرواية ). ويشكل هذا الحمل بأنّ في الرواية أنه ادعى شراء أب المأذون بماله ، فيكون معترفا بالبيع ، مدعيا فساده.

وأشكل منه ردها مع كونها من المشاهير ، وأشكل من الجميع العمل بمقتضاها ، لأنّ قبول إقرار العبد على ما في يده لغير مولاه خلاف أصول المذهب ، وبالجملة فما صار اليه المصنف هو ما تقتضيه الأصول ، ويبقى النظر في تنزيل الرواية.

قوله : ( فإن أقام أحدهما بينة حكم له ).

يعني : مولى الأب وورثة الدافع ، لأنهما مدعيان ، فأيهما أقام بينة فالحكم له.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ حديث ١٠٢٣ و ٨ : ٢٤٩ حديث ٩٠٣ و ٩ : ٢٤٣ حديث ٩٤٥.


ولو أقام كلّ من الثلاثة بينة ، فان رجحنا بينة ذي اليد فالحكم كالأول ، وإلاّ فالأقرب ترجيح بينة الدافع ، عملا بمقتضى صحة البيع ، مع احتمال تقديم بينة مولى الأب ، لادّعائه ما ينافي الأصل ، وهو الفساد.

ولو اشترى كلّ من المأذونين صاحبه فالعقد للسابق ،

______________________________________________________

قوله : ( فان رجّحنا بينة ذي اليد فالحكم كالأول ).

الترجيح لبينة مولى المأذون ، لأنه ذو اليد ، وأراد بقوله : ( فالحكم كالأول ) التشبيه في أنّ الترجيح لجانبه ، لأنّ عليه اليمين أيضا.

قوله : ( وإلاّ فالأقرب ترجيح بينة الدافع ، عملا بمقتضى صحة البيع مع احتمال تقديم بينة مولى الأب ، لادعائه ما ينافي الأصل ، وهو الفساد ).

وجه القرب : ما أشار إليه من أن بينة الدافع قد اعتضدت بمقتضى الأصل ، فترجحت على الأخرى وهو الأصح. وتوضيح وجه الاحتمال : أنّ مولى الأب بالإضافة إلى ورثة الدافع خارج ، فتقدم بينته ، لأنه مدع بأحد تفاسير المدعي ، لانه يدعي ما ينافي الأصل.

ويضعّف بأنه مدع وخارج بالإضافة إلى مولى المأذون ، كما أنّ الآخر أيضا مدع وخارج بالإضافة اليه ، ولا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل ، ودعوى الآخر تخالفه ، أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الآخر مدعيا وخارجا ، فترجح بينته.

وتقديم بينة مدعي الفساد إنما يكون حيث لا يقطع بكون الآخر مدعيا ، فأما إذا قطع به وأقاما بينتين فلا بد من الترجيح ، وهو ثابت في جانب مدعي الصحة.

قوله : ( ولو اشترى كل من المأذونين صاحبه فالعقد للسابق ).

وذلك لأنّ العقد السابق هو الذي صدر عن أهله في محله ، والآخر محكوم ببطلانه إن اشتراه لنفسه وقلنا : إنّ العبد يملك ، لامتناع أن يملك العبد سيده‌


فان اتفقا بطل ، إلاّ مع الإجازة ، ولو كانا وكيلين صحا معا.

______________________________________________________

وإن اشتراه لمولاه.

أو قلنا : إنّه لا يملك : فإما أن يكون وكيلا ، أو مأذونا ، فإن كان مأذونا بطل الإذن بخروجه عن ملك المولى ، وإن كان وكيلا ، فان لم ينعزل عن الوكالة ببيع مولاه وخروجه عن ملكه فالعقد صحيح ، كما صح السابق ، والا وقف على الإجازة من المولى ، لأنه فضولي.

قوله : ( فان اتفقا بطلا ، الا مع الإجازة ).

يتحقق اقترانهما بالاتفاق في القبول ، لأنّ به يتم السبب ، والمراد ببطلانهما :عدم لزومهما ، وإلا لم يصحا مع الإجازة ، ووجه ذلك أنّ كل واحد منهما إذا كان مأذونا بطل اذنه بالبيع ، فيكون تصرفه حينئذ لمولاه فضوليا ، كذا حقق المصنف في المختلف (١).

ولك أن تقول : إن بطلان الاذن بمجرد الشروع في البيع غير واضح ، إذ المبطل إن كان الخروج عن الملك فإنما يخرج بتمام العقد ، وإن كان الشروع فيه ، لأنّ قصده إلى إخراجه عن ملكه قصد الى منعه من التصرف ، ففيه منع ، لأنّ قصده الى بيعه لا يدل على قصده الى منعه من التصرف بإحدى الدلالات.

ومن أين يعلم ذلك ، حتى أنه لو أوجب البيع فلم يقبل المشتري ، أو بدا له فانّ الظاهر بقاء الإذن عملا بالاستصحاب ، وتمسكا ببقاء المقتضي ، والظاهر أنّ كلا من العقدين صحيح غير موقوف على الإجازة.

قوله : ( ولو كانا وكيلين صحا معا ).

لأنّ الوكالة لا تزول بالإخراج عن الملك ، ولا بالقصد اليه ، بخلاف الاذن فإنه يزول بالإخراج عن الملك ، لأنه من توابعه ، وفي رواية أبي خديجة :يمسح طريقهما ، ويحكم بتقدم عقد من كان طريقه أقرب ، وفيها : إنّ الآخر يكون‌

__________________

(١) المختلف : ٣٨٣.


ولو اشترى مسروقة من أرض الصلح ، قيل : يردّها على البائع ويستعيد الثمن ، فان مات فمن وارثه ، فان فقد استسعيت ،

______________________________________________________

مملوكا له (١) ، ومقتضاه أن يكون كل منهما اشترى الآخر لنفسه ، وأنّ العبد يملك.

قال الشيخ : وفي رواية أخرى إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما ، فأيهما وقعت القرعة به كان عبدا للآخر (٢) ، قال المصنف في التذكرة : الرواية بالقرعة لم نقف عليها (٣) ، لكن الشيخ ; ذكر هنا الإطلاق في النهاية (٤) والتهذيب (٥).

والظاهر أنّ القرعة لاستخراج الواقع أولا ، مع علم المتقدم واشتباه تعيينه ، أو مع الشك في التقدم وعدمه ، أما مع الاقتران فلا وجه للقرعة ، وما ذكره حق في موضعه.

قوله : ( ولو اشترى مسروقة من أرض الصلح ، قيل : يردّها على البائع ويستعيد الثمن ، فان مات فمن وارثه ، فان فقد استسعيت ).

هذا الحكم وردت به رواية مسكين السمان (٦) ، وهو مخالف للقواعد المقررة من وجوه :

الأول : وجوب الرد على البائع أو وارثه مع فقده ، فإنه غير مالك ولا ذو يد شرعية ، فكيف يجوز تسليم مال غير المعصوم اليه؟ واعتذر شيخنا عن ذلك في شرح الإرشاد : بأنّ البائع لم يثبت كونه سارقا ، ويده أقدم ، ومخاطبته بالرد ألزم ، خصوصا مع بعد دار الكفر.

ولك أن تقول : أحد الأمرين لازم ، فانّ يده إن كانت شرعية فالبيع‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ حديث ٢٧٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١١ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ ذيل حديث ٢٧٩.

(٣) التذكرة ١ : ٥٠٠.

(٤) النهاية : ٤١٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١١.

(٦) التهذيب ٧ : ٨٣ حديث ٣٥٥.


والأقرب تسليمها إلى الحاكم من غير سعي.

ولو دفع بائع عبد موصوف في الذمة عبدين ليتخير المشتري ، فأبق أحدهما ضمنه بقيمته ، ويطالب‌ بما اشتراه ،

______________________________________________________

صحيح ماض ولا رد ، وإن كانت يد عدوان لم يجز التسليم إليه ومخاطبته بالرد ، ولا يقتضي جواز تسليم من هي في يده اليه ، وإن وجب عليه السعي في ذلك فانّ له طريقا اليه ، أما بمراجعة المالك أو الحاكم. وليس له أن يقول : الرواية متأيدة بهذا التوجيه ، لأنها إن كانت حجة فهي المستند ، وإلا طرحت ، ولا يحتاج الى هذا.

الثاني : إنّ استسعاءها في الثمن المدفوع إلى البائع ـ كما في الرواية ـ يقتضي أخذه من غير آخذه ، لأنّ ما بيدها لمالكها. واعتذر في الدروس بأنّ مال الحربي في‌ء في الحقيقة وبالصلح صار محترما احتراما عرضيا ، فلا يعارض ذهاب مال محترم احتراما حقيقيا (١).

ولك أن تقول : الاحترام يقتضي عصمة المال ، ولا تفاوت في ذلك بين كون الاحترام عرضيا وحقيقيا ، والمتلف للمال المحترم حقيقة ليس هو مولى الجارية ، بل الذي غره ، والمغرور لا يرجع على من لم يغره لا مباشرة ولا تسبيبا.

وحقيقة الحال أن كلا منهما مظلوم بضياع ماله ، ولا يرجع أحد المظلومين على المظلوم الآخر ، بل على ظالمة.

قوله : ( والأقرب تسليمها إلى الحاكم من غير سعي ).

هذا هو الأصح ، لكن على إطلاقه مشكل ، بل يجب تسليمها الى المالك ، فان تعذر الوصول إليه فإلى الحاكم ، وهذا هو المراد ، وكأن الإطلاق اعتمادا على تعذر الوصول الى المالك غالبا ، لبعد دار الكفر.

قوله : ( ولو دفع بائع عبد موصوف في الذمة عبدين ليتخير المشتري ، فأبق أحدهما ضمنه بقيمته ، ويطالب بما اشتراه ).

__________________

(١) الدروس : ٣٤٩.


______________________________________________________

وقال الشيخ : يرد المشتري الى البائع العبد الباقي ، ويسترجع نصف الثمن ويطلب الآبق ، فان وجده اختار حينئذ ، ورد النصف الذي قبضه من البائع اليه ، وإن لم يجده كان العبد الباقي بينهما (١) ، وهي رواية السكوني ، عن الصادق 7 (٢) ، وعليها جمع من الأصحاب (٣).

ويشكل بأنّ التالف مضمون على المشتري ، لأنه مقبوض بالسوم ، وله المطالبة بالمبيع ، لأنه موصوف في الذمة ، ولا وجه لكون العبد الباقي بينهما ، فانّ المبيع ليس نصف كل واحد منهما. والمعتمد ما اختاره المصنف من أنّ الآبق مضمون على المشتري بقيمته ، والمبيع موصوف في ذمة البائع ، فله المطالبة به ، وليس له استرجاع شي‌ء من الثمن.

وبنى في الدروس قول الشيخ والجماعة على أنّ العبدين متساويان في القيمة ، ومتطابقان في الوصف ، وإنّ حق المشتري منحصر فيهما (٤). ويشكل بأنّ انحصار الحق فيهما إنما يكون بورود البيع على عينهما ، وهو خلاف الفرض ، وعدم تضمين التالف مخالف لما عليه الأكثر من أنّ المقبوض بالسوم مضمون.

وفي المختلف نزلها على تساوي العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الأجزاء ، وحينئذ فيجوز بيع عبد منهما ، كما يجوز بيع قفيز من الصبرة ، وينزل على الإشاعة فيكون التالف منهما والباقي لهما (٥).

قلت : لو صح هذا التنزيل لنافى ارتجاع نصف الثمن ، كما وردت به الرواية ، وفي الكلام أيضا مناقشتان :

الاولى : ان العبدين ليسا من متساوي الأجزاء غالبا في شي‌ء ، وإن فرض‌

__________________

(١) النهاية : ٤١١.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٢ حديث ٣٥٤.

(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٦٠ ، والشهيد في اللمعة : ١٢٠.

(٤) الدروس : ٣٤٨.

(٥) المختلف : ٣٨٢.


ولو اشترى عبدا من عبدين لم يصح.

ويجب على البائع استبراء الموطوءة بحيضة ، أو خمسة وأربعين يوما قبل بيعها إن كانت من ذوات الحيض ،

______________________________________________________

اتفاق تساويهما على خلاف الغالب ، فلا يكونان كصبرة الحنطة.

الثانية : انه لو تم ذلك فالأصح أنّ إطلاق بيع قفيز من صبرة لا ينزل على الإشاعة ـ كما سبق بيانه ـ فلا يستقيم ما ذكره لتنزيل الرواية.

قوله : ( ولو باع عبدا من عبدين لم يصح ).

لجهالة المبيع ، ولو فرض استواؤهما من كل الوجوه ، وقد عرفت مقالته في المختلف.

قوله : ( ويجب على البائع استبراء الأمة الموطوءة بحيضة ، أو بخمسة وأربعين يوما قبل بيعها إن كانت من ذوات الحيض ).

لما روي عن الصادق 7 في الجارية التي لم تبلغ المحيض ، ويخاف عليها الحبل : أنّ البائع يستبرئها بخمس وأربعين ليلة ، وكذا المشتري (١).

وعن الرضا 7 فيمن وطأ جارية ، وعزل عنها : أنّ عليه أن يستبرئها (٢). فإن باعها قبل الاستبراء أثم قطعا ، ويصح البيع لرجوع النهي إلى أمر خارج. وهل يجب استبراؤها أم يتعين تسليمها إلى المشتري؟ أطلق في التذكرة (٣) والتحرير وجوب التسليم الى المشتري زمان الاستبراء (٤).

وهو كما يصلح للاستبراء الواجب على المشتري يصلح للاستبراء الواجب على البائع ، فإن أراد الأول فلا بحث فيه ، ولا يجب وضعها على يد عدل ، ولا يفرق بين كونها حسنة أو قبيحة. وإن أراد الثاني فهو مشكل ، فإنه واجب ثبت قبل البيع ، فلا وجه لسقوطه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٥ ، التهذيب ٨ : ١٧٠ حديث ٥٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٨ حديث ١٢٨٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧١ حديث ٥٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٧.

(٣) التذكرة ١ : ٥٠٠.

(٤) التحرير ١ : ١٩١.


وكذا يجب على المشتري قبل وطئها لو جهل حالها ،

______________________________________________________

فان قيل : بعد وقوع البيع صارت حقا للمشتري ، فلا يجوز منعه منها.

قلنا : قد ثبت وجوب الاستبراء سابقا على البائع فلا يسقط ، غاية ما في الباب ان المشتري إذا جهل الحال له الفسخ.

فان قيل : الاستبراء حق لله ، والمبيع حق للآدمي ، وحق الله لا يعارض حق الأدمي.

قلنا : في الاستبراء أيضا حق للبائع ، فلا يكون حقا لله محضا. وبعد ذلك فقول التذكرة لا يخلو من وجه ، فإنها بعد البيع أجنبية من البائع ، فلا يجوز بقاؤها عنده ، نعم يأثم بترك الاستبراء.

والتحقيق : أن يقال : أنه لو باع قبل الاستبراء يكون البيع مراعى ، فان ظهر حمل تبين بطلانه ، لأنه من المولى حيث كانت فراشا له ، وإلا تبينت الصحة ، فلا يكون حينئذ ملكا للمشتري ، فلا يتعين التسليم اليه ، بل ولا يجوز استصحابا لبقاء وجوب الاستبراء ، وهذا واضح ، لا شبهة فيه.

فرع :

لو شرط وضعها على يد عدل مدة الاستبراء صح ، وفي النفقة إشكال ، ينشأ : من أنها على المالك ، ومن أنه ممنوع منها باشتراط البائع ، فيكون على البائع.

قوله : ( وكذا يجب على المشتري قبل وطئها لو جهل حالها ).

إنما يجب الاستبراء على البائع إذا كان قد وطأها ، وإن عزل كما سبق في الرواية ، وأما المشتري فيجب عليه الاستبراء ، سواء علم الوطء أو جهل حالها ، للرواية السابقة ، ولما ورد في أوطاس (١) : لا توطأ الحبالى حتى يستبرئن‌

__________________

(١) أوطاس : واد في ديار هوازن فيه كانت وقعت حنين للنبي 6 يبني هوازن ، معجم البلدان ١ : ٢٨١.


ويسقط لو أخبر الثقة بالاستبراء ، أو كانت لامرأة ، أو صغيرة ، أو آيسة ، أو حاملا ، أو حائضا.

______________________________________________________

بحيضة (١).

ولو قال المصنف : وكذا يجب على المشتري قبل وطئها ولو جهل حالها لكان أولى ، لشموله كلا من القسمين.

قوله : ( ويسقط لو أخبر الثقة بالاستبراء ).

المراد به : العدل ، لأنّ غيره لا يعد ثقة. وفي الأخبار اعتبار وثوق المشتري به (٢) ، ولا ريب أنه لا يتحقق الوثوق شرعا بدون العدالة.

قوله : ( أو كانت لامرأة أو صغيرة أو آيسة ).

أي : أو كانت صغيرة ، أي : لم تبلغ ، أو آيسة ، وقد سبق بيان سن اليأس ، وبذلك وردت الرواية (٣). وهل تلحق بأمة المرأة أمة الصغير الذي لا يمكن الوطء منه عادة ، وكذا العنين والمجبوب؟ اشكال.

ومثله لو باعتها امرأة لرجل ، فباعها الرجل في المجلس ، ويقرب هنا عدم الاستبراء للقطع بعدم وطئه ، فهو أقوى من إخباره.

قوله : ( أو حاملا أو حائضا ).

أما الحامل ، فلأنّ حملها إن كان من زنى فلا حرمة له ، وإن كان من غيره فان التربص الى زمان وضعه لا يعد استبراء في عرف الفقهاء ، وأما الحائض فإنّ مسها إنما يكون بعد الطهر.

فالاستبراء المخصوص غير واجب ، وحيث يجب الاستبراء يستوي في‌

__________________

(١) روى المحدث النوري في مستدركه ٢ : ٥٩٦ باب ١٣ من أبواب نكاح العبيد حديث ٢ عن الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : « عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله 6 أمر مناديا فنادى يوم أوطاس : ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة ». وقريب منه ما رواه في العوالي ١ : ٢٣٨ حديث ١٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٢ حديث ٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٣ ، ٦٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٩.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٤ حديث ٦٠٧ ، ٦٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ باب ٢١١.


______________________________________________________

وجوبه كون الناقل بيعا وغيره من تمليك وارث ونحوهما ، لعموم حديث أوطاس.

ويجب الكف عن الوطء قبلا ودبرا ، ولا يحرم ما سواه ، لقول أبي الحسن 7 في حديث محمد بن إسماعيل ، وقد سأله يحل للمشتري ملامستها؟

قال : « نعم ولا يقرب فرجها » (١) ، وهو صادق على القبل والدبر. وفي التحرير حرم مطلقا (٢) ، والرواية حجة عليه ، واختار في الدروس ما قلناه (٣) ، وفي بعض الأخبار : التصريح بجواز التفخيذ (٤).

وقد يحتال لإسقاط وجوب الاستبراء بأمور :

منها : إعتاقها ، ثم العقد عليها ، فقد ورد جواز الوطء معه من غير استبراء في غير حديث (٥).

ومنها : بيعها لامرأة ، ثم شراؤها منها لاندراجها في أمة المرأة ، ولو ألحقنا بالمرأة غيرها كالطفل أمكن ذلك ، ولو باعها لرجل ثم اشتراها منه حيث يجوز أمكن الحكم بالسقوط أيضا.

ومنها : ما لو زوجها ، فطلقها الزوج قبل الدخول ، فإنها مطلّقة غير مدخول بها ، فلا عدة ولا استبراء عليها ، وما كان واجبا قبل ذلك فقد سقط بالعقد عليها مع احتمال بقاء الوجوب هنا.

نعم لو باعها لغيره ثم تزوجها منه ، أو أحله وطأها فإنه لا استبراءها هنا ، لأنّ النكاح لا يجب الاستبراء قبله إلا أن يعلم الوطء ، ولهذا لو أعتقها جاز أن يتزوجها في الحال ، فلو اشتراها حينئذ فلا استبراء ، لما عرفت من أنّ السابق قد سقط ، واللاحق لا يقتضي وجوب الاستبراء ، كما لو اشترى زوجته قبل الدخول‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ حديث ١٢٩١.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٩١.

(٣) الدروس : ٣٤٧.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٨ حديث ٦٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٣ حديث ١٣٠٤.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١٢ ـ ٦١٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٩٥ ـ ١٢٩٧.


ويحرم وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، ويكره بعده إن كان عن زنى ،

______________________________________________________

من مالكها ، فإنه لا وجه لوجوب الاستبراء حينئذ. وهذا وجه قوي ، ويكون هذا من المواضع التي يسقط فيها الاستبراء.

فان من اشترى منكوحته التي قد أولدها لا يعقل القول بوجوب استبرائها عليه ، لورود الرواية : بان من أعتق سريته لا استبراء عليه فزوجته أولى (١) ، لأن الزوجية أربط في الفراش من الملك.

قوله : ( ويحرم وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، ويكره بعده إن كان عن زنى ).

في عدة أخبار : النهي عن وطء الحامل (٢) ، وفي بعضها : حتى تضع ولدها من غير استفصال (٣) ، وهو شامل لمن كان حملها عن حل ، أو شبهة ، أو مجهولا ، وكذا ما كان عن زنى. وفي بعض الأخبار : « إذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام جاز وطؤها في الفرج » (٤).

وطريق الجمع : إما بحمل المنع على ما عدا الزنى وهو المناسب ، لأنّ المجهول محترم ، إذ الأصل فيه عدم التحريم وحمل الجواز على الزنى ، أو بحمل المنع على الحمل من الحلال والشبهة والجواز بعد الأربعة والعشرة على المجهول ، والزنى لا حرمة له أصلا. ويضعف هذا بأنّ المجهول إن كان له حرمة كان كالصحيح ، وإلا فكالزنى.

ولا يعارض بأنّ حق المالك لا يسقط إلا في الموضع المعلوم السقوط ، والمجهول يمكن فيه الزنى ، وبأن الزنى لا عدة له ولا استبراء ، ولا حمل للزاني‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٤ ، ١٧٥ حديث ٦١٠ ، ٦١١.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٦ ، ١٧٧ حديث ٦١٩ ، ٦٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٢ حديث ١٣٠١ ، ١٣٠٢.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٦ حديث ٦١٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٢ حديث ١٢٩٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٥ ، حديث ٢ ، وفيه : ... فلا بأس بنكاحها في الفرج ، التهذيب ٨ : ١٧٧ حديث ٦٢٢ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٤ حديث ١٣٠٥.


وفي غيره إشكال ،

______________________________________________________

ولا ماء له ، فلا يناسب وجوب التربص ، لأنّ إمكان الزنى مدفوع بأصالة عدمه ، وبوجوب البناء على الغالب ، وعدم احترام ماء الزاني ونفي العدة والاستبراء للزنى لا يمنع وجوب التربص في الحمل. والظاهر الأول مع كون الثاني محتملا. وقد اختلف كلام المصنف هنا ، وفي النكاح ، وفي الطلاق.

ثم إن تخصيص الوطء بالقبل ـ كما دلت عليه العبارة ـ غير ظاهر ، وكأنه تمسك بظاهر بعض الروايات الدالة على تحريم الوطء في الفرج الى أن تمضي المدة المذكورة (١) حملا للفرج على القبل.

وهكذا وجد في كلامه وكلام أكثر الأصحاب (٢) ، والمتجه المنع قبلا ودبرا ، لصدق اسم الفرج على الدبر ، ولأنّ في بعض الاخبار : « لا تقربها حتى تضع » (٣) ، وهو شامل للمدعى ، ولا يضر كون ظاهره دالا على عدم جواز مسها أصلا ، لاندفاع تحريم ما عدا الوطء برواية أخرى (٤).

قوله : ( وفي غيره إشكال ).

أي : وفي غير الزنى إشكال ، ينشأ من إطلاق التحريم قبل أربعة أشهر وعشرة أيام ، والجواز بعده في النصوص وكلام الأصحاب ، ومن إطلاق المنع الى حين المنع المقتضي لوجوب الجمع بحمل الأول على الزنى ، والثاني على ما عداه.

ويؤيده أنّ العدة والاستبراء إنما هما لعلم براءة الرحم من الحمل ، فإذا حرم الوطء لإمكان الحمل فمع وجوده أولى. واعلم أنّ فتوى المصنف قد اختلف في هذا الكتاب في هذه المسألة على ثلاثة أوجه : الأول : ما هنا.

الثاني : في النكاح ، ذهب الى تحريم الوطء الى الوضع فيما عدا الزنى وجهل الحال ، وفي المجهول حكم بالكراهية قبل أربعة أشهر وعشرة أيام ، ونفى البأس عن‌

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٥٩ ، والشهيد في الدروس : ٣٤٧.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٦ حديث ٦١٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٢ حديث ١٢٩٩.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٨ حديث ٦٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٣ حديث ١٣٠٤.


فإن وطأها عزل استحبابا ، فان لم يعزل كره بيع ولدها ، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.

ويكره : وطء من ولد من الزنى بالملك والعقد ـ فان فعل فلا يطلب الولد‌ منها ـ

______________________________________________________

الزنى.

الثالث : في الطلاق ، جعل الوطء فيما إذا كان الحمل من زوج ، أو مولى ، أو شبهة بعد أربعة أشهر وعشرة أيام مكروها ، وقبل ذلك حراما ، وسكت عن الزنى والمجهول.

وفي الجميع خص التحريم بالقبل حيث جزم ، فعلى هذا يكون الاشكال هنا في الجميع كما يرشد إليه كلامه آخرا ، والأصح التحريم فيما عدا الزنى الى الوضع.

قوله : ( فإن وطأها عزل استحبابا ).

أي : حيث يجوز الوطء ، لدلالة الأخبار عليه (١) ، وعلى ما اختاره المصنف من اختصاص التحريم بالقبل حيث يحرم الوطء ، هل يستحب العزل لو وطأ دبرا؟ يحتمله ، وليس في كلامه دلالة عليه.

قوله : ( فان لم يعزل كره له بيع ولدها ، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا ).

لدلالة الأخبار على ذلك ، وفيها التعليل بتغذيه نطفة الوطء (٢).

قوله : ( ويكره وطء من ولدت من الزنى بالملك والعقد ).

لدلالة الأخبار على ذلك ، معللا فيها بأنّ ولد الزنى لا يفلح (٣).

قوله : ( فان فعل فلا يطلب الولد منها ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٧ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٤ حديث ١٣٥١ ، التهذيب ٨ : ١٧٨ حديث ٦٢٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥٣ حديث ٥ ، و ٥ : ٣٥٥ حديث ٥.


ورؤية المملوك ثمنه في الميزان ، والتفرقة بين الطفل وامه قبل الاستغناء ببلوغ سبع سنين ، أو مدة الرضاع على خلاف ، وقيل : يحرم.

______________________________________________________

أي : لا يفعل ما يصيره كالطالب له بان ينزل فيها ، بل ينبغي له العزل ونحو ذلك مما يمنع حصول الولد عادة.

قوله : ( ورؤية المملوك ثمنه في الميزان ).

علل في الخبر بأنه لا يفلح (١) ، والظاهر أنّ ذكر الميزان ـ وإن وردت به الرواية ـ ليس قيدا في الكراهية ، لأنّ الظاهر أن ذلك جرى على ما كان مقتضى العرف حينئذ من جعل الثمن في الميزان ليوزن ، فلو جعل في غير الميزان كره رؤيته أيضا ، مع احتمال قصر الكراهة على مورد النص.

قوله : ( والتفرقة بين الطفل وامه قبل الاستغناء ببلوغ سبع سنين أو مدة الرضاع على خلاف ).

أي : على خلاف في تعيين مدة الاستغناء ، والتقدير : قبل الاستغناء الحاصل ببلوغ أحد المرتبتين كائنا ذلك ، أي : كونه بهذا أو بذاك على خلاف.

قوله : ( وقيل : يحرم ) (٢).

الأصح التحريم لدلالة عدة أخبار على ذلك ، مثل قوله 7 :« بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا » (٣) ، وغيره من الاخبار (٤). والظاهر أنّ البيع باطل ، لأنّ منع التفرقة أخرجهما عن صلاحية المعاوضة بهما ، ولأنّ النبي 6 بعث بالثمن إلى الجارية لما سمع بكاء ولدها ، ولم يأمر باسترضاء البائع (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٠ حديث ٣٠٢.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٢١ ، والنهاية : ٤١٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٥٩٩ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٦٠٠ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٥٩٩ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٤.


______________________________________________________

والظاهر أنه لا فرق بين البيع وغيره من العقود الناقلة ، كما اختاره في التذكرة (١) ، لأنّ الروايات أومأت إلى العلة ، وهي قائمة في الموضع المذكور. وهذا الخلاف إنما هو بعد سقي اللبأ الذي لا يعيش الولد بدونه غالبا ، أما قبله فلا يجوز قطعا ، لأنه تسبيب إلى إهلاك الولد.

واعلم أنّ الخلاف في مدة الاستغناء أطلقه الشيخ (٢) والجماعة في كتاب الجهاد وهنا ، ولم يفرقوا بين الذكر والأنثى (٣). والذي يقتضيه صحيح النظر الفرق بينهما ، لأنّ الفرق في حضانة الحرة قد وقع ، فجوّز التفريق بعد سنتين في الذكر ، وبعد سبع في الأنثى على المشهور بين المتأخرين (٤) ، فليجز ذلك في الأمة ، لأنّ حقها لا يزيد على حق الحرة ، ولأنّ « الناس مسلطون على أموالهم » (٥) ، خرج منه ما دل الدليل على منع التفرقة فيه بين مطلق الأمهات والأولاد ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولأنّ الأخبار الدالة على عدم جواز التفريق لا تحديد فيها ، فيحمل إطلاقها على المدة المحرمة بمقتضى الحضانة ، لأنّ ذلك هو الحق المقرر للأم في كون الولد معها في نظر الشارع.

وإطلاق الأصحاب هنا يحتمل أمرين : إما الحوالة على ما هناك ، أو لعدم الظفر بما يعين المراد ، وقد صرح به بعض متأخري الأصحاب ، وهو الشيخ أحمد بن فهد ، بأنّ المسألة هنا مبنية على الأقوال في الحضانة ، فكان شاهدا لما قلناه ، وهذا هو الصواب الذي ينبغي المصير إليه.

إذا عرفت ذلك ، فالظاهر إلحاق من يقوم مقام الأم في الشفعة كأمها وكالأخ والأخت ، وعليه دل بعض الأخبار (٦) ، وصرح به المصنف في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠١.

(٢) المبسوط ٢ : ٢١.

(٣) منهم : ابن الجنيد والعلامة كما في المختلف : ٣٣١ ، وابن إدريس في السرائر : ١٥٨.

(٤) منهم : الشهيد في اللمعة : ٢٠٣.

(٥) رواه الشيخ في الخلاف ٢ : ٤٧ مسألة ٢٩٠ كتاب البيوع.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٦٠٠ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٢.


ولو ظهر استحقاق الموطوءة غرم العشر مع البكارة ونصفه لا معها ، والولد حرّ ، وعلى الأب قيمته للمولى يوم سقوطه حيا ، ويرجع على البائع بما دفعه ثمنا وغرم عن الولد ، وفي الرجوع بالعقر واجرة الخدمة نظر ، ينشأ : من إباحة البائع له بغير عوض ، ومن استيفاء عوضه.

______________________________________________________

التذكرة (١) ، ومدة التحريم هي ما ذكرناه في الأم بطريق أولى.

فإذا كان الولد أنثى ومن قام مقام الام كذلك حرم التفريق الى سبع سنين ، وإلا فإلى سنتين لما قلناه من أنّ الذكر لا تحرم التفرقة فيه بعد سنتين ، فلا يفرق فيه بين كونه الولد أو القائم مقام الام.

قوله : ( ويرجع على البائع بما دفعه ثمنا ، وغرم عن الولد ).

للرواية ، ولأنّ المعاوضة لما كانت فاسدة لم يملك الثمن ، والولد حر فلا قيمة له إذ ليس مالا ، فيرجع بما اغترمه عنه قطعا ، ولا يخفى أنّ هذا الحكم مع جهالته بالغصب ، وقوله : ( ولو ظهر ) قد يرشد اليه.

قوله : ( وفي الرجوع بالعقر واجرة الخدمة نظر ، ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض ، ومن استيفاء عوضه ).

في الوجه الأول مناقشة ، فإنّ البائع ما أباحه له بغير عوض ، ولعله لما كان مقتضى المعاوضة إباحته له بغير عوض ، ـ بناء على ما أظهره من كونه ملكا أو في حكمه ، فكان كالمبيح له بغير عوض ، حيث أوقع صورة المعاوضة ـ أطلق عليه اسم المبيح. ولا يخفى ضعف الوجه الثاني ، لأنه لم يستوف العوض ، فإنه استوفى ذلك مجانا بزعم البائع ، وكان مغرورا فيرجع على من غره.

ولو قيل : في ( المنشأ هذا : ينشأ ) (٢) من أنه مغرور ومن أنّ الإتلاف منه لكان حسنا ، والأصح الرجوع بذلك أيضا.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠١.

(٢) في « م » : في المشاهد أشياء ، وفي الحاشية : ( الشاهد ) خ ل ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.


ويستحب لمن اشترى مملوكا : تغيير اسمه ، وإطعامه حلوة ، والصدقة عنه بشي‌ء.

ويصح بيع الحامل بحرّ ، والمرتد وإن كان عن فطرة على إشكال ، والمريض المأيوس من برئه. ولو باع أمة واستثنى وطأها مدة معلومة لم يصح.

الفصل الثاني : في الثمار : وفيه مطلبان :

الأول : في أنواعها :

يجوز بيع ثمرة النخل بشرط الظهور عاما واحدا وأزيد ،

______________________________________________________

قوله : ( وإطعامه حلوة ، والصدقة عنه بشي‌ء ).

في حديث زرارة ، عن أبي عبد الله 7 : « إذا اشتريت رأسا ، فغير اسمه ، وأطعمه شيئا حلوا ، وتصدق عنه بأربعة دراهم » (١).

قوله : ( ويصح بيع الحامل بحر ).

لأنّ المبيع لها لا للحر.

قوله : ( والمرتد وإن كان عن فطرة على اشكال ).

لأنه لا يخرج بالارتداد عن كونه مملوكا ومالا وإن وجب قتله.

قوله : ( يجوز بيع ثمرة النخل ، بشرط الظهور عاما واحدا وأزيد ).

إنما ابتدأ بثمرة النخل ، لكثرة دورانها على لسان أهل الشرع ، وكثرة ورود الأخبار بأحكامها بخصوصها (٢) ، واختصاصها بكثير من الأحكام.

والمراد بالظهور : خروج الثمرة وبروزها وإن كانت في طلعها ، كما دلت عليه الأخبار ، ففي حديث سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصح شراؤها قبل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٠ حديث ٣٠٢.

(٢) انظر : الوسائل ١٣ : ٢ باب ١ من أبواب بيع الثمار.


ولا يجوز قبله مطلقا على رأي.

ولا يشترط فيما بدا صلاحه ـ وهو : الحمرة أو الصفرة ـ الضميمة ، ولا زيادة على العام ، ولا يشرط القطع إجماعا ،

______________________________________________________

أن يخرج طلعها؟ فقال : « لا ، إلا أن يشتري معها شيئا » (١) الحديث ، وفي غيره من الأخبار ما يدل على ذلك أيضا (٢).

قوله : ( ولا يجوز قبله مطلقا على رأي ).

قال ابن بابويه بجوازه قبل أن يظهر زيادة على عام (٣) ، ونقل الشارح ولد المصنف القول بالجواز سنة مع الضميمة مطلقا (٤) ، وكثير من الأخبار تدل على ذلك (٥). فتشهد لابن بابويه رواية يعقوب بن شعيب الصحيحة (٦) ، وغيرها من الأخبار ، وقوله لا يخلو من قوة. وتشهد للقول الآخر رواية سماعة (٧) ، والعمل بالمشهور أقوى.

وقول المصنف : ( مطلقا ) يحتمل أن يكون في مقابل ( عاما واحدا ) ، ويحتمل أن يكون في مقابل الضميمة ، والزيادة على العام ، وشرط القطع ، أي :سواء كان مع أحد هذه أو بدونها.

قوله : ( ولا يشترط فيما بدا صلاحه ، وهو الحمرة أو الصفرة ... ).

اختلف كلام الأصحاب في أن بدوّ الصلاح في ثمرة النخل هل هو الاحمرار فيما يحمر والاصفرار فيما يصفر ، أو بلوغ غاية يؤمن عليها الفساد؟ وقيل :

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٦ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ حديث ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ حديث ٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٥.

(٢) منها : ما رواه الشيخ في التهذيب ٧ : ١٤٤ حديث ٦٣٧ ، الاستبصار ٣ : ١١٣ حديث ٤٠٢.

(٣) المقنع : ١٢٣.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٤٤٦.

(٥) انظر : الوسائل ١٣ : ٩ باب ٣ : من أبواب بيع الثمار.

(٦) التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٢.

(٧) الكافي ٥ : ١٧٦ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ حديث ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ حديث ٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٥.


وهل يشترط أحدها فيما لم يبد صلاحه؟ قولان ، أقربهما : إلحاقه بالأول.

ولو بيعت على مالك الأصل ، أو باع الأصل واستثنى الثمرة ، فلا شرط إجماعا. وأما ثمرة الشجرة ، فيجوز بيعها مع الظهور ، وحدّه انعقاد‌ الحب.

______________________________________________________

طلوع الثريا ، أورده في التذكرة بصيغة : وحكي عن بعض الفقهاء (١) ، فيحتمل أن يكون القائل بذلك من العامة (٢) ، والمشهور الأول ، وعليه دل أكثر الأخبار (٣).

قوله : ( وهل يشترط أحدها فيما لم يبد صلاحه؟ قولان ، أقربهما : إلحاقه بالأول ).

أي : بما بدا صلاحه ، فلا يشترط في صحة بيعه أحد الأمور الثلاثة ، تمسكا بعمومات الكتاب والسنة ، ورواية أبي الربيع الشامي محمولة على الاستحباب ، مع عدم صراحتها في البطلان (٤) ، والأصح عدم الاشتراط ، لرواية الحلبي (٥).

قوله : ( ولو بيعت على مالك الأصل ، أو باع الأصل واستثنى الثمرة ، فلا شرط إجماعا ).

أي : فلا يشترط شرط من هذه الشروط ، والحكم الثاني ظاهر ، والأول اعتبر لتبعية الأصل.

قوله : ( وأما ثمرة الشجرة ، فيجوز بيعها مع الظهور ، وحدّه انعقاد الحب ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠٣.

(٢) انظر : نيل الأوطار ٥ : ٢٧٦ ، الموطأ ٢ : ٦١٩ حديث ١٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٨٤ ، ٨٥ حديث ٣٥٨ ، ٣٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ حديث ٢٩٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٥٧ حديث ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٧٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ حديث ٥٧٦ ، علل الشرائع : ٥٨٩ حديث ٣٥ باختلاف في السند ، التهذيب ٧ : ٨٥ حديث ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ حديث ٢٩٩.


ولا تشترط الزيادة على رأي. ولا تجوز قبل الظهور عاما ولا اثنين على رأي ، ولا فرق بين البارز كالمشمش ، والخفي كاللوز.

______________________________________________________

وقيل : حده أن يتموه فيها الماء الحلو ويصفر لونها (١) ، وقيل غير ذلك ، وما ذكره المصنف أصح ، ومقتضى كلامه أن الظهور : انعقاد الحب ، وإن بدو الصلاح غيره.

وصريح عبارة التذكرة (٢) وغيرها : أن بدو الصلاح هو انعقاد الحب ، فيكون الظهور غيره ، فعلى تجويز بيعها بعد الظهور وقبل بدو الصلاح تباع قبل الانعقاد ، والظاهر الجواز مطلقا وإن كان الأحوط اعتبار الانعقاد ، وبالجواز صرح في التذكرة (٣) ، وهو ظاهر المختلف (٤) والإرشاد.

قوله : ( ولا تشترط الزيادة على رأي ).

يحتمل قوله : ( على رأي ) ارتباطه بكل من قوله : ( وحده انعقاد الحب ) ، وقوله : ( ولا تشترط الزيادة ) ، فانّ كلا منهما مختلف فيه ، ويحتمل اختصاصه بقوله : ( ولا تشترط الزيادة ) ، أي : على عام واحد ، ويمكن أن يراد : ولا تشترط الزيادة على ما ذكر مطلقا من زيادة على انعقاد الحب ، والزيادة على ما ذكر بضميمة ، أو اشتراط القطع ، أو البيع أزيد من عام.

قوله : ( ولا تجوز قبل الظهور عاما ، ولا اثنين على رأي ).

أي : في الشجر غير النخل ، والخلاف هنا كما تقدم في النخل ، والأصح عدم الجواز.

قوله : ( ولا فرق بين البارز كالمشمش ، والخفي كاللوز ).

أي : لا فرق في ذلك كله ، فما ذكر فيه الجواز يجوز مطلقا ، وما ذكر فيه المنع يمنع مطلقا.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ١١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٠٤.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المختلف : ٣٧٧.


وأما الخضر ، فيجوز بيعها بعد ظهورها وانعقادها لا قبله ، لقطة ولقطات.

والزرع يجوز بيعه ، سواء انعقد السنبل فيه أو لا ، قائما وحصيدا ، منفردا ومع أصوله ، بارزا كان كالشعير ، أو مستقرا كالحنطة والعدس والهرطمان والباقلى.

ولو كان مما يستخلف بالقطع كالكراث والرطبة وشبههما جاز بيعه جزة وجزات ، وكذا ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخرطات ، منفردة ومع الأصول ، بشرط الظهور في ذلك كلّه.

ولو باع الزرع بشرط القصل وجب قطعه على المشتري ، فان لم يفعل فللبائع قطعه وتركه بالأجرة ، وكذا لو باع الثمرة بشرط القطع.

______________________________________________________

قوله : ( وأما الخضر فيجوز بيعها بعد ظهورها وانعقادها ، لا قبله ).

كذا في التذكرة (١) وغيرها (٢) ، ومقتضاه اعتبار بدو الصلاح ، فلا يجوز بيعها عند ما يكون وردا قبل الانعقاد.

قوله : ( ولو كان مما يستخلف بالقطع كالكراث والرطبة (٣) ... ).

هي بفتح الراء وإسكان الطاء ، وإنما يجوز بيعه إذا ظهر ورقه ، لأنّ الأصول لا ترى ، فلو لم يكن الورق موجودا لكان المبيع مجهولا.

قوله : ( وكذا لو باع الثمرة بشرط القطع ).

أي : يجب على المشتري القطع ، فان لم يفعل فللبائع قطعها سواء كانت مما ينتفع به حينئذ أم لا ، صرح به في التذكرة (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٨٨.

(٣) قال الزبيدي في تاج العروس ١ : ٥٧١ « قتت » : القت : الإسفست بالكسر وهي الفصفصة اي الرطبة.

(٤) التذكرة ١ : ٥٠٤.


المطلب الثاني : في الأحكام :

ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة القطع قبل بدو صلاحها ، إلاّ أن يشترطه ، بل يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة ، فما قضت العادة بأخذه بسرا اقتصر على بلوغه ذلك ، وما قضت بأخذه رطبا أو قسبا أخّر إلى وقته ، وكذا لو باع الأصل واستثنى الثمرة وأطلق وجب على المشتري إبقاؤها.

ولكلّ من مشتري الثمرة وصاحب الأصل سقي الشجر مع انتفاء الضرر.

______________________________________________________

قوله : ( بل يجب تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة ).

في حواشي شيخنا الشهيد : أنّ قوله : ( عرفا ) جواب سؤال مقدّر ، تقديره : أن الأجل إذا كان مجهولا أخلّ بصحة البيع ، فكيف تجب التبقية إلى أوان أخذها وهو غير معلوم؟ وجوابه : أنّ ذلك معلوم عرفا فانتفت الجهالة ، كذا قال.

والسؤال غير وارد ، لأنّ هذا ليس أجلا في عقد البيع لا بالنسبة إلى الثمن ولا الى المثمن ، وإنما هذا أمر مترتب على عقد البيع وثبوته ، فهو من مقتضيات المعاوضة لا أجل في نفس المعاوضة ، فإذا ثبت البيع وانتقل المبيع إلى المشتري ثبت له حينئذ استحقاق التبقية ، فلا تضر جهالة أجل الإبقاء ، لأنّ ذلك حق خارج عن نفس المعاوضة ، على أنه لو كان الأجل في نفس المعاوضة لم يكن ما ذكره رافعا للجهالة ، فإنه لا يجوز تأجيل أحد العوضين إلى أوان أخذ الثمرة عرفا.

وأجاب بجوابين آخرين ، أحدهما : أنّ هذا الأجل ليس مقصودا في المعاوضة ، وإنما عرض إرفاقا بالمتعاوضين بعد تمام العقد ، وليس بعيدا مما قلناه وإن لم تكن عبارته صريحة فيه.


ولو تضررا منعا ، ولو تقابل ضرر أحدهما ونفع الآخر رجّحنا مصلحة المشتري ، ولا يزيد عن قدر الحاجة ، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة.

ولو انقطع الماء لم يجب قطع الثمرة وإن تضرر الأصل بمصّ الرطوبة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تضررا منعا ).

إذ ليس لأحدهما الإضرار بنفسه وصاحبه.

قوله : ( ولو تقابل ضرر أحدهما ونفع الآخر ).

مراده : أنه لو كان السقي وعدمه موجبا لضرر أحدهما ونفع الآخر ، أي :يقابل موجب الضرر والنفع بالنسبة إليهما ، أي : نافى موجب نفع أحدهما موجب نفع الآخر ، بحيث لا يجتمع معه ، فتكون العبارة في تأويل : قابل ضرر أحدهما ضرر الآخر ، وقابل نفع أحدهما نفع الآخر ، باعتبار تقابل المقتضيين في المقتضي.

ولا يجوز الحمل على ظاهر العبارة ، لأنّ النفع والضرر متقابلان مطلقا لهما ولغيرهما ، ولا ارتكاب ذلك بتأويل مقابله مقتضى نفع أحدهما وضرر الآخر ، لأنّ الشي‌ء الواحد إذا اقتضى الأمرين معا كان موضع الترجيح ، ولا يكون الشي‌ء الواحد مقابلا لنفسه. وإذا كان المقتضي لنفعهما معا غير المقتضي لضررهما معا صدق أن نفع أحدهما مقابل لضرر الآخر باعتبار مقتضاه ، ولا ترجيح في هذا الموضع جزما.

فالعبارة غير جيدة ، وكلام شيخنا الشهيد في بعض الحواشي : أنّ التقابل هنا تقابل العدم والملكة مع عدم اتحاد الموضوع ليس جيدا ، لأنّ موضع التقابل الذي أراده هو ما إذا كان السقي وعدمه نافعا لأحدهما مضرا للآخر ، وحينئذ فالموضوع متحد ولا معنى للتقابل فيه على واحد من الاعتبارين.

قوله : ( رجحنا مصلحة المشتري ).

لأنّ حقه على البائع حيث دخل على البيع الذي اقتضى وجوب الإبقاء والسقي.


ولو اعتاد قوم قطع الثمار قبل انتهاء الصلاح كقطع الحصرم ، فالأقرب حمل الإطلاق عليه.

ولو ظهر بعض الثمرة ، فباعه مع المتجدد في تلك السنة صحّ ، سواء اتحدت الشجرة أو تكثّرت ، وسواء اختلف الجنس أو اتحد.

ويجوز أن يستثني ثمرة شجرة أو نخلة معينتين ـ ولو أبهم أو شرط الأجود بطل البيع ـ وأن يستثني حصّة مشاعة أو أرطالا معلومة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اعتاد قوم قطع الثمار قبل انتهاء الصلاح كقطع الحصرم فالأقرب حمل الإطلاق عليه ).

وجه القرب : أنّ العرف إذا استقر كان دليلا على إرادتهم ذلك ، فيكون قرينة حالية على ارادة هذا القيد في العقد ، والإضمار من ضروب المجاز يثبت بالقرينة الدالة على إرادته ، وليس التوجيه الذي ذكره الشارحان (١) جيدا ، وهو أنّ خطاب قوم إنما يحمل على العرف الخاص بهم ، فإنّ الألفاظ في العقود والإيقاعات إنما تحمل عند الإطلاق والتجرد عن القرائن ، والموانع على الحقيقة العرفية العامة مع انتفاء الحقيقة الشرعية.

قوله : ( ولو ظهر بعض الثمرة فباعه مع المتجدد في تلك السنة صح ).

لرواية أبي الربيع الشامي (٢) ، لأنّ بيعها أزيد من سنة يقتضي الجواز هنا بطريق أولى ، والأول إجماعي.

قوله : ( ولو أبهم أو شرط الأجود بطل البيع ).

إن كان الأجود في البستان معلوما بينهم ، ولا يريدون بإطلاقهم سواه صح اشتراطه ، وهو ظاهر ، فإنّ المقتضي للبطلان إنما هو الجهالة فإذا انتفت صح.

__________________

(١) ولد المصنف في إيضاح الفوائد ١ : ٤٤٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٧ حديث ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٧٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٣.


فان اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة ، ولو اجتيحت الثمرة بعد الإقباض وهو التخلية هنا أو سرقت ، فهي من مال المشتري ، ولو كان قبل القبض فمن البائع.

ولو تلف البعض أخذ الباقي بحصته من الثمن وله الفسخ ، ولو أتلفه أجنبي تخير المشتري بين الفسخ وإلزام المتلف ، والأقرب إلحاق البائع به ، وإتلاف المشتري كالقبض.

______________________________________________________

قوله : ( فان اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة ).

بشرط عدم التعدي والتفريط ، وطريق معرفته في الجزء المشاع ظاهر ، وأما في الأرطال المعلومة فيؤخذ بالحرز والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها فيسقط من الثنيا بتلك النسبة.

والجوح : الإهلاك والاستئصال كالاجاحة والاجتياح ذكره في القاموس (١) ، وما في الكتاب مبني للمفعول فإنه متعد بنفسه.

قوله : ( ولو تلف البعض أخذ الباقي بحصته من الثمن وله الفسخ ).

لتبعض الصفقة ، وهو مضمون على البائع.

قوله : ( ولو أتلفه أجنبي تخير المشتري بين الفسخ وإلزام المتلف ).

أما الفسخ فلانه مضمون على البائع ، وأما إلزام المتلف فلأنه أتلف ماله ، لأنّ المبيع قد انتقل إلى المشتري وإن كان مضمونا على البائع.

واعلم : أنّ المراد بكونه مضمونا على البائع : تلفه من ماله وانفساخ البيع إذا تلف بآفة سماوية ، لامتناع تضمين البائع قيمة المبيع بمقتضى الآفة ، ولو أتلفه متلف تخيّر بين الفسخ وأخذ الثمن ، والإبقاء والمطالبة بالعوض.

قوله : ( والأقرب إلحاق البائع به ).

أي : بالأجنبي ، فيتخير معه بين الفسخ والمطالبة بالثمن ، وعدمه والمطالبة بالعوض. ووجه القرب : أنه أتلف ملكه فله مطالبته بعوضه. ويحتمل أن يكون‌

__________________

(١) القاموس المحيط ( جوح ) ١ : ٢١٩.


ولا يجب على البائع السقي ، بل التمكين منه مع الحاجة ، فلو تلفت بترك السقي ، فان لم يكن قد منع فلا ضمان عليه ، وإن منع ضمن ، وكذا لو تعيبت.

ويجوز بيع الثمرة والزرع بالأثمان والعروض ، إلاّ بيع الثمرة بالتمر وهي المزابنة ، وإلاّ الزرع بالحب وهي‌ المحاقلة. ولو اختلف الجنس جاز ،

______________________________________________________

إتلافه فسخا للبيع ، وهو ضعيف ، لأنّ انفساخه إنما يكون حيث لا يكون البائع متلفا ، تمسكا بأصالة بقاء العقد ، واقتصارا على موضع الوفاق. وهذا إذا لم يكن للبائع خيار ، فانّ كل ما يعد اجازة من المشتري يعد فسخا من البائع ـ كما سيأتي ـ فحينئذ يطالب بالثمن ليس إلا.

قوله : ( فلو تلفت بترك السقي ) إلى قوله ( وإن منع ضمن ).

إن قيل : كيف يضمن بالمنع؟

قلنا : لأنه سبب الإتلاف.

فإن قيل : التسبيب إنما يتحقق بإيجاد ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى ـ كما سيجي‌ء في الغصب كحفر البئر وفتح رأس الظرف ـ وهنا لم يوجد البائع شيئا ، وإنما منعه من السقي فهو كمنع المالك من حفظ دابته حتى هلكت.

قلنا : بل التحقيق أنّ البائع لما كان ذا يد على الأصول ، ومنع المشتري من سقي الثمرة صارت يد البائع على الثمرة باعتبار التبعية للأصول ، كما لو منع صاحب البيت من له صندوق في بيته عن حفظه حتى تكسّر أو احترق ، فإنه حينئذ يكون في يده تبعا للبيت ، فيجي‌ء الضمان من جهة اليد.

قوله : ( إلا بيع الثمرة بالتمر وهي المزابنة ).

هي مفاعلة من الزبن ، وهو الدفع ، ومنه الزبانية لأنهم يدفعون الناس الى النار ، سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين ، والغبن فيها مما يكثر ، وكل منهما يريد دفعه عن نفسه الى الآخر فيتدافعان.

قوله : ( ولا الزرع بالحب وهي المحاقلة ).


كما لو باع زرع حنطة بدخن.

وهل يسري المنع إلى ثمر الشجر؟ الأقرب ذلك ، لتطرق الربا على إشكال.

______________________________________________________

هي مفاعلة من الحقل ، وهي الساحة التي تزرع ، سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل ، أو أطلق اسم الحقل على الزرع تسمية للشي‌ء باسم مجاورة فكأنه باع حقلا بحقل. والأصل في تحريمها ما روي : أن النبي 6 نهى عن المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة : أن يبيع الرجل الزرع بما به فرق من حنطة ، والمزابنة : أن يبيع الثمرة بما به فرق من تمر (١).

قال المصنف في التذكرة : وهذا التفسير إن كان من النبي 6 فذاك ، وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه ، ولأنه مجهول بيع بجنسه وهما ربويان فلم يصح ، لتطرق احتمال الزيادة بل التساوي نادرا (٢).

إذا عرفت ذلك فقوله : ( ولا الزرع ) معطوف على قوله : ( إلا بيع الثمرة بالتمر ).

فرع :

لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه حشيش غير معلوم ولا مكيل سواء تساويا جنسا أو تفاوتا ، ولا يشترط التقابض في الحال ، وهو ظاهر ، وقد نص عليه في التذكرة (٣).

قوله : ( وهل يسري المنع إلى ثمر الشجر؟ الأقرب ذلك ، لتطرق الربا على اشكال ).

الإشكال في العلة التي هي وجه القرب ، ولا يلزم من ورود الاشكال فيها انتفاء القرب ، لإمكان ثبوت الحكم بعلة أخرى ، فإنّ العلة المقتضية لمنع بيع‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٣ ، ٦٣٥ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣٠٨ ، ٣٠٩.

(٢) التذكرة ١ : ٥٠٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٠٩.


والأصح عدم اشتراط كون الثمن من المثمن.

واستثني من الأول العرايا ، فإنه يجوز بيع العرية ، وهي : النخلة التي تكون في دار الإنسان أو بستانه بخرصها تمرا لا منها ، ولا يجوز ما زاد على الواحدة مع اتحاد المكان ، ويجوز تعدده.

______________________________________________________

الرطب ـ وهو نقصانه عند الجفاف ـ بالتمر قائمة هنا.

والذي في التذكرة : بناء الحكم في غير النخل على ثبوت الربا ، فحينئذ يكون الإشكال في ثبوته منافيا لكون المنع أقرب. والذي يختلج بخاطري إمكان التعليل بالعلة المنصوصة عليها المذكورة.

وأما الإشكال فالراجح فيه لزوم الربا ، لأنّ كونه غير مكيل ولا موزون الآن لا ينفي ثبوت الربا ، فإنه من جنس ما يكال وما يوزن.

قوله : ( والأصح عدم اشتراط كون الثمن من المثمن ).

هذا هو الأصح كما اختاره المصنف وجماعة (١) ، للربا الذي ذكرنا جواز حصوله ، ولما قلناه من العلة في بيع الرطب بالتمر ، ولصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله 7 (٢) وغيرها (٣).

قوله : ( واستثني من الأول العرايا ، فإنه يجوز بيع العرية ).

المراد بالأول : بيع الثمرة بالتمر.

قوله : ( وهي النخلة التي تكون في دار الإنسان ... ).

هذا التفسير أصح ، وفسرها الشيخ في المبسوط : بأنها النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها (٤) ، والأصح مختار المصنف لنص أهل اللغة على ما يكون في الدار بأنه عرية ، وللاشتراك في الحاجة الداعية إلى المشروعية ،

__________________

(١) منهم : الشهيد في الدروس ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، واللمعة : ١٢١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٧٥ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٣ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣٠٨.

(٣) معاني الأخبار : ٢٧٧ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٥ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣٠٩.

(٤) المبسوط ٢ : ١١٨.


ولا يشترط التقابض في بيع العرية قبل التفرق ، بل الحلول ، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر.

فروع :

أ : لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها ،

______________________________________________________

وإنما يجوز ذلك بشروط ستة :

أ : كون الثمن من غيرها فلا يجوز لو اشترطه منها ، واحتمل في المختلف الجواز (١) ، والأصح العدم.

ب : كونه معلوم القدر كيلا أو وزنا.

ج : كونه موصوفا أو مشاهدا.

د : كونه حالا.

هـ : عدم المفاضلة حين العقد.

و : اتحادها فلا يجوز في بستان واحد أزيد من واحدة ، ولو تعدد البستان أو الدار جاز تعددها.

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( بخرصها تمرا لا منها ) إشارة إلى الشرط الأول ، وقوله : ( بل الحلول ) إشارة إلى الرابع ، وقوله : ( ولا يجوز التفاضل عند العقد ) إشارة إلى الخامس ، وقوله : ( ولا يجوز ما زاد على الواحدة مع اتحاد المكان ) إشارة إلى السادس ، وقوله : ( بخرصها تمرا ) قد يومئ الى الثاني ، وسيأتي الشرط الثالث في الفرع السابع.

قوله : ( ولا يشترط التقابض في بيع العرية قبل التفرق ).

خلافا للشيخ في المبسوط ، فإنه اشترطه وطرد الحكم في بيع الربويات (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها ).

__________________

(١) المختلف : ٣٧٨.

(٢) المبسوط ٢ : ١١٨.


ولا يجوز التفاضل عند العقد.

ب : لا تثبت العرية في غير النخل ، إن منعنا بيع ثمر الشجر بالمماثل.

______________________________________________________

أي : لا يجب أن يطابق الحاصل من العرية من التمر للثمن الذي خرصت ثمرتها بمقداره عند البيع ، والحاصل أنه لا بد من خرصها : إما من البائع والمشتري ، أو من غيرهما من أهل الخبرة بحيث يغلب على ظنهما المقدار الحاصل منها تمرا عند الجفاف ، فتباع ثمرتها بهذا المقدار.

ثم إنها عند الجفاف لو زادت أو نقصت لم يكن ذلك قادحا في صحة المعاوضة ، لإطلاق النص ولسبق الحكم بالصحة.

إذا عرفت ذلك فهل يشترط لو كان الخارص غيرهما أن يكون عدلا؟ لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب ، وامتناع الرجوع الى خبر الفاسق قد يقتضي الاشتراط ، والظاهر العدم ، لكن يشترط كونه من أهل المعرفة.

قوله : ( ولا يجوز التفاضل عند العقد ).

لورود النص باعتبار المساواة حينئذ (١) ، فيكون التفاوت موجبا للربا ، ولأنّ الأصل المنع إلا فيما دل عليه النص (٢).

قوله : ( لا تثبت العرية في غير النخل إن منعنا بيع ثمر الشجر بالمماثل ).

لاختصاص النص بالنخل (٣). وقد سبق أنّ الأصح المنع في ثمر الشجر أيضا.

ويمكن أن يقال : يفهم من العبارة أنا إن لم نمنع تثبت العرية أيضا ، مع أنها لا تثبت على هذا التقدير ، لأنه إذا جاز مطلقا لم يكن الجواز مخصوصا بالعرية.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٥ حديث ٤٠٤.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٧ حديث ١ و ٢ و ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧ حديث ٧٥ و ٧٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٤.


ج : يجوز بيع العرية وإن زادت على خمسة أوسق.

د : إنما يجوز بيعها على مالك الدار أو البستان ، أو مستأجرهما ، أو مشتري ثمرة البستان على إشكال.

______________________________________________________

ولعله أراد الجواز في الجملة ، فلا ينبغي إلا على القول بالمنع لا على القول بالجواز.

قوله : ( يجوز بيع العرية وإن زادت على خمسة أوسق ). خلافا للشافعي (١).

قوله : ( إنما يجوز بيعها على مالك الدار أو البستان ، أو مستأجرهما ، أو مشتري ثمرة البستان على إشكال ).

الذي يظهر من كلام الشارحين : أن الاشكال في مشتري الثمرة ، ومنشؤه عدم تناول النص له والمشاركة في العلة (٢).

والتحقيق أن : نقول أن القول في شرح العرية غير منضبط ، لأنّ كلام أهل اللغة مختلف ، فينبغي أن يقال : ما ثبت القول بجوازه عند الأصحاب يجوز فيه اعتضادا بعمومات صحة البيع ، ونظرا إلى مشاركة العلة ، ولصدق إضافة الدار والبستان الى المالك والمستأجر ومشتري الثمرة.

وفي الدروس ذهب الى إلحاق المستعير (٣) ، وللنظر في هذا البحث مجال ، فإنّ الإضافة فيما ذكر إنما هي على وجه المجاز ، إلا أن يقال : المشقة معتبرة في مفهوم العرية ، حيث قال الشيخ : العرايا هي جمع عرية ، وهي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها (٤) ، فيكون مناط الحكم فيها المشقة على الغير في الدخول الى بستانه : إما لمكان أهله أو لغير ذلك ، فحينئذ يجوز البيع لدفع هذه المشقة ، فعلى هذا حيث تثبت هذه المشقة في النخلة الواحدة على الغير تثبت الرخصة.

__________________

(١) الأم ٣ : ٥٤ ، ٥٦.

(٢) فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٤٥٠.

(٣) الدروس : ٣٥١.

(٤) المبسوط ٢ : ١١٨.


هـ : لو قال : بعتك هذه الصبرة من الغلة أو الثمرة بهذه الصبرة سواء بسواء ، فان عرفا المقدار صح ، وإلا بطل وإن تساويا عند الاعتبار ، سواء اتحدا الجنسان أو اختلفا.

و : يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بشي‌ء معلوم منها لا على سبيل البيع ، وأن يبيع الثمرة مشتريها بزيادة ونقصان قبل القبض وبعده.

______________________________________________________

قوله : ( سواء بسواء ).

هو على حد مثلا بمثل ، فانّ السواء لا يصدق إلا بين شيئين ، ولعله حمل على معنى : قدرا بقدر بضرب من التجريد.

قوله : ( يجوز أن يتقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بشي‌ء معلوم منها ، لا على سبيل البيع ).

إنما لم يجز على سبيل البيع ، لما عرفت من أنه لا يجوز بيع الثمرة بجنسها ، وإن لم يكن الثمن منها ، فكيف إذا كان منها! وفي التذكرة هل يجوز البيع؟ يحتمل ذلك ، عملا بالأصل السالم عن معارضة الربا ، إذ لا وزن في الثمرة على رؤوس الشجر (١).

ويرد عليه : أنّ هذا إن كان في النخل فهو المزابنة ، وإن كان في غيره فعلى القولين ، فاحتمال التجويز مطلقا مشكل. وقد تضمنت العبارة اشتراط كون عوض القبالة معلوما وهو ظاهر ، وكون العوض من الثمرة. وعبارة الرواية (٢) قد تدل على الأمرين ، لأنّ أخذه بالكيل ، الظاهر أن المراد به : خرصه ، وقوله : « يعطيني نصف هذا الكيل » ، يقتضي إعطاء نصف المعين ، وواقعة النبي 6 مع أهل خيبر صريحة في ذلك (٣). والأصل في ذلك ما رواه يعقوب بن شعيب ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٣ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ حديث ٦٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ حديث ٥٤٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٦ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٥.


______________________________________________________

عن الصادق 7 قال : سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه : اختر : إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى ، وتعطيني نصف الكيل زاد أو نقص ، وإما أن آخذه أنا بذلك وأرد عليك ، قال :« لا بأس بذلك » (١) وفي الرواية مباحث :

أ : إن مقتضى قوله : إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى ، أن يتقبل عن ثمرة المجموع ، فظاهره أنه يخرص ويتقبله بخرصه ، فيكون للشريك نصف. وعبارة المصنف خالية من ذلك ، والرواية الواردة بفعل النبي 6 في خيبر مع اليهود دالة على ذلك.

ب : إن مقتضى قوله : زاد أو نقص كون هذه المعاملة معاوضة ، وإلا لكان الزائد لهما والناقص عليهما ، وقد امتنع كونها بيعا ، لما سبق ، فلم يبق إلا أن يكون صلحا بلفظ القبالة.

فإن قلت : الربا يعم الصلح ، فكيف جاز هنا مع امتناع البيع للربا؟

قلت : قد استثني هذا من الصلح ، فإنه وإن دخله الربا لكن اخرج هذا منه ، لدعاء الحاجة إليه.

فإن قلت : فعلى هذا تكون القبالة لازمة.

قلت : عبارة الكتاب لا دلالة فيها على اللزوم نفيا ولا إثباتا ، لكن سيأتي في المزارعة إشكال في أن الزائد إباحة ، وإن كان الناقص بآفة سماوية غير مضمون ، وذلك ينافي كونها صلحا ولازمة.

وفي التذكرة : وهل يكون ذلك لازما؟ إشكال (٢) ، وشيخنا الشهيد في الدروس صرح بكون ذلك نوعا من الصلح ، فيكون لازما (٣) ، وهو الذي يقتضيه النظر.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٣ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ حديث ٦٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ حديث ٥٤٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥١٠.

(٣) الدروس : ٣٥١.


______________________________________________________

ج : هل يحتاج ذلك الى صيغة عقد؟ الظاهر نعم ، لأنه صلح في المعنى ، ولأنّ الأفعال لما لم يكن لها دلالة بنفسها على المعاني تعيّن المصير إلى الألفاظ ، وحينئذ فيحمل على العقد ، لأنه الموظف شرعا لنقل الملك ، ولأنّ الأصل بقاء الملك لمالكه حتى يقطع بسببه.

فان قلت : عبارة الرواية تدل على خلاف ذلك.

قلت : ليس فيها دلالة على أنّ المسؤول عنه فيها هو الجاري في المعاوضة ، فيجوز أن يكون المسؤول عنه هو صحة إيقاع ما اراده.

د : قال في التذكرة : وهل يكون مضمونا في يده؟ الأقرب ذلك ، لأنه إما بيع فاسد أو تقبل (١) ، والذي يقتضيه البحث به كونه مضمونا ، لعموم « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢) ، ولأنه لم يدفع مجانا بل بعوض ، ولأنّ المقبوض بالسوم مضمون ـ كما سيأتي ـ فهذا أولى ، مع أنّ قول المصنف : لأنه إما بيع فاسد أو تقبل لا دلالة له على المدعى ، لأنّ الكلام إنما هو في كون المتقبل مضمونا.

واعلم أنّ المصنف قال في المزارعة ما ينافي هذا ، وكذا كلام الأصحاب. قال في الدروس : وقراره مشروط بالسلامة (٣) ، ومعناه : أنه لو تلف من الثمرة شي‌ء سقط عنه التالف.

وتحقيق ذلك مذكور في المزارعة ، فيما لو خرص على العامل وخيّره ، فإنّ الأصحاب نصوا على أنه إذا هلك شي‌ء سقط من المتقبل.

وهنا اشكال ، وهو أنّ التقبل إن كان بيعا لم يصح ، لكونه مزابنة ، وإن كان صلحا لم يصح لكون العوض مشروطا منها ، للغرر ، وإن كان في الذمة لم‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٠.

(٢) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٩ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢ ، وفيهما : حتى تؤدي ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، تلخيص المستدرك للذهبي المطبوع مع مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، وفيها : حتى تؤديه.

(٣) الدروس : ٣٥١.


______________________________________________________

يسقط بتلفه شي‌ء.

ويمكن الجواب : بأنّ ذلك صلح ، والغرر فيه محتمل مع ورود النص على ذلك ، وحينئذ فإذا تلف منه شي‌ء يلزم تلف بعض العوض المشروط ، فإذا لم يتحقق ضمانه لم يجب العوض.

فان قيل : إن كان صلحا صحيحا امتنع كونه بغير عوض.

قلنا : هو صلح صحيح ، والعوض مأخوذ من المعوض كما أشعرت به الرواية (١) ، وصرح به في كلام الأصحاب ، ومقتضى كلام الدروس أنّ ثبوته مراعى بالسلامة وعدمها ، فان هلكت فلا صلح ، وإن سلمت ثبت وجوب العوض (٢). ويشكل بأمرين :

أ : أنه لو هلك بعضها يجب القول بعدم بقاء الصلح ، فلا يلزمه ما بقي من العوض ، إلا أن يقال : سلامة الجميع شرط للصلح في الجميع ، وسلامة الأبعاض شرط للصلح فيها.

ب : لو تقبلها بعوض غير مشروط منها ، فقد صرح في الدروس بالجواز (٣) ، ولا معنى لاشتراط قراره بالسلامة حينئذ ، لأنّ المعوض إذا قبض بعوض يجب أن يكون مضمونا ، فإذا (٤) تلف يجب أن يبقى عوضه في الذمة ، فيمتنع اجتماع المعاوضة والقول بالسقوط بالتلف.

وإنما يتجه السقوط إذا كان العوض من المعوض ، لأنه إذا رضي به المقبل ، وتلف بغير تفريط احتاج بدله في الذمة إلى دليل ، ولا منافاة بين كونه إذا تلف في باقي المعاوضات يجب بدله ، وكونه إذا تلف هنا لا بدل له ، لأنّ المقتضي للوجوب هناك ثابت ، بخلاف هنا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٥.

(٢) الدروس : ٣٥١.

(٣) الدروس : ٣٥١.

(٤) من هنا الى قوله : ( بطل الثاني ) اعتمدنا فيه على النسخة الحجرية لعدم وجود نسخة خطية لهذه الفقرات ، والنسخة المعتمدة خالية منها أيضا.


ولو اشترى لقطة من الخضروات ، فامتزجت بالمتجددة من غير تمييز ، فالأقرب مع مماحكة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة ،

______________________________________________________

والمحصل أن نقول : أن كلا من القولين لا يخلو من الإشكال ، أما اشتراط كون القبالة من الثمرة المقبلة ففيه إشكالان :

الأول : إن اشتراط العوض من المعوض ينافي صحة المعاوضة عند جمع ، وليس ما يدل في النصوص على الجواز هنا.

الثاني : أنه لو نقصت الثمرة بغير آفة ، بل نقصانا عن الخرص يجب على تقدير كون العوض منها ، أن لا يجب الناقص على المتقبل ، مع أنهم يوجبونه عليه ، ومع الزيادة تكون له الإباحة ، كما يرونه ، وأما على الجواز مطلقا فالاشكالان مع ثالث ، وهو عدم إمكان اشتراط السلامة في قرار القبالة ، حيث يكون الثمن في الذمة ، لما قلناه من امتناع كون محل العوض الذمة ، ويذهب بتلف الثمرة.

قوله : ( ولو اشترى لقطة من الخضراوات ، فامتزجت بالمتجددة من غير تميز ، فالأقرب مع مماحكة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة ).

الصواب مماحكة ، فإنّ المماكحة لا أصل لها في اللغة ، ولكن قلم المصنف سبق الى غير المراد ، ومعنى محك وماحك : لج والمراد به هنا : المناقشة في المتجدد.

ووجه القرب : أنّ الشركة عيب يثبت بها الخيار ، والحق أنه إن تجدد ذلك قبل القبض ثبت الخيار ، للتعيب بالشركة ، وإلا فلا ، ويفهم من قوله : إن الأقرب ثبوت الخيار مع مماحكة البائع ، مخالفته لما إذا لم يماحك.

وقد تردد مع هبة الزائد ، فيبقى ما إذا لم يطالب ولم يهب غير مذكور حكمه في العبارة ، ولو حملت المماحكة على ما إذا لم يهب مجازا بقرينة المقابلة لعم الصور كلّها ، وأفاد أحكام الجميع.


ولا خيار لو وهبه البائع على إشكال.

ز : يشترط في الثمن الذي يشتري العرية به العلم بالكيل أو الوزن ، ولا تكفي المشاهدة.

ح : لا يجوز بيع ما المقصود منه مستور ، كالجزر والثوم ، إلاّ بعد قلعه ومشاهدته.

ولو اشترى الزرع قصيلا مع أصوله فقطعه فنبت فهو له ، أما لو لم يشترط الأصل فهو للبائع.

ولو سقط من الحب المحصود فنبت في القابل ، فهو لصاحب البذر لا الأرض.

______________________________________________________

قوله : ( ولا خيار لو وهبه البائع على إشكال ).

ينشأ من زوال العيب بالهبة وانتفاء المماحكة ، ومن عدم وجوب القبول ، والتحقيق : أنّ الهبة لا تتحقق بمجرد هبة البائع من دون القبول ، والعيب لا يزول إلا بانتقال الملك اليه بالقبول والقبض ، فبدونهما تبقى الشركة المعدودة من العيوب ، فيبقى الخيار بحاله ، ولا ريب أنّ القبول للهبة غير واجب عليه ليسقط خياره.

قوله : ( لا يجوز بيع ما المقصود منه مستور كالجزر والثوم ، إلا بعد قلعه ومشاهدته ).

ذهب في الدروس الى جوازه ، تحكيما للعرف ، وحكاه عن ابن الجنيد (١) ، وما ذكره من تحكيم العرف غير ظاهر ، لأنّ ذلك مجهول ، إذ المقصود منه هو ما ليس بمرئي ولا موصوف ، والتحقيق : أنه لا يجوز بيعا ، بل صلحا.

__________________

(١) الدروس : ٣٥١.


الفصل الثالث : في الصرف :

وهو : بيع الأثمان بمثلها ، وشرطها : التقابض في المجلس وإن كانا موصوفين غير معينين ، والتساوي قدرا مع اتفاق الجنس.

فلو افترقا قبله بطل ، ولا يتحقق الافتراق مع مفارقة المجلس مصطحبين ، ولو قبض الوكيل قبل تفرقهما صحّ لا بعده ، ولو قبض البعض صح فيه خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثالث : في الصرف : وهو بيع الأثمان بمثلها ).

الأثمان : هي الذهب والفضة كما نص عليه في التذكرة (١) وفي حواشي شيخنا الشهيد عن قطب الدين : أن الذهب والفضة ثمان وإن باعهما بعرض ، ولهذا لو باع دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار بالاتفاق ، قال : وان كانا عوضين فكل منهما بائع ومشتر ، فلو باع حيوانا بحيوان ، ثبت لكل منهما الخيار.

قوله : ( وشرطه التقابض في المجلس ).

حقه أن يقول : شرطه التقابض قبل التفرق ، والمجلس لا دخل له ، والتفرق يثبت عرفا ولو بخطوة ونحوها ، لا بالحائل بينهما كالجدار ونحوه إذا كانا مصطحبين.

قوله : ( وان كانا موصوفين غير معينين ).

لا يظهر وجه كون هذا هو الفرد الأخفى ، ليعطفه بـ ( أن ) الوصلية.

قوله : ( ولو قبض الوكيل قبل تفرقهما صح ، لا بعده ).

أي : وكيل كل منهما ، ولو كان العاقدان هما الوكيلان ، فالعبرة بتقابضهما أو بتقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين ، فانّ التفرق وعدمه إنما يعتبر في المتعاقدين ، سواء كانا هما المالكين أو الوكيلين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٠.


ولو اشترى منه دراهم ، ثم اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم بطل الثاني ، فإن افترقا بطل.

ولو كان له دنانير ، فأمره بأن يحوّلها إلى الدراهم أو بالعكس ، بعد المساعرة على جهة التوكيل صح وإن تفرقا قبل القبض ، لأن النقدين من واحد على إشكال ، ولو تفرقا قبل الوزن والنقد صح ، مع اشتمال المقبوض على الحق.

______________________________________________________

قوله : ( بطل الثاني ).

لأنّ انتقال العوضين في الصرف الأول موقوف على التقابض ، فيكون كل منهما قد باع ما لم يصر ملكا له ، والذي يجب أن يقال : إن البيع حينئذ يكون فضوليا.

قوله : ( ولو كان له دنانير فأمره أن يحولها الى دراهم ، أو بالعكس ، بعد المساعرة على جهة التوكيل صح وإن تفرقا قبل القبض ، لأنّ النقدين من واحد على إشكال ).

الذي ذكره الشيخ في النهاية هنا هو أنه إذا كان لإنسان على صيرفي دراهم أو دنانير ، فيقول له : حوّل الدراهم الى الدنانير ، أو الدنانير الى الدراهم ، وساعره على ذلك كان ذلك جائزا وإن لم يوازنه في الحال ولم يناقده ، لأنّ النقدين جميعا من عنده (١).

وقال ابن إدريس : إن أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض لم يصح بغير خلاف ، وإن أراد أنهما تبايعا وتقابضا ولم يوازنه كان صحيحا (٢). وقال المصنف في المختلف : ولا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره ، باعتبار اتحاد من عليه الحق ، فكان كالتقابض (٣).

__________________

(١) النهاية : ٣٨٠.

(٢) السرائر : ٢١٨.

(٣) المختلف : ٣٥٨.


______________________________________________________

ويحتمل أن يحمل كلام الشيخ على التوكيل ، فان قوله : حوّل الدراهم الى الدنانير أو الدنانير الى الدراهم نوع توكيل ، وحينئذ لا اشكال سواء تقابضا في المجلس أولا. هذا كلامه ، فحكم بأنه مع التوكيل لا اشكال ، وهنا تردد ، مع أنه فرض المسألة على جهة التوكيل ، والحق أنّ المسألة مقصورة على التوكيل خاصة ، فلو تعاقدا من غير توكيل لم يصح إذا تفرقا قبل القبض كما قاله ابن إدريس (١).

وليس في عبارة الشيخ والرواية (٢) ، ما ينافي ذلك ، فلا حاجة الى أن يقال : أنها واقعة خاصة ، وقد تكلف الشارح ولد المصنف بناء المسألة على مقدمات :

أ : أنه ليس من باب بيع دين بدين ، وليست المسألة المفروضة من هذا في شي‌ء ، إذ التوكيل إنما يحمل على العقد الصحيح كائنا ما كان.

ب : جواز تولي الواحد طرفي العقد ، وهذا متجه غير أنّ المصنف يختار الجواز ، وليس ببعيد أن يكون الاشكال بهذا الاعتبار.

ج : إن ما في الذمة مقبوض ، وهذا كالأول ، إذ لا حاجة لنا الى فرض المسألة مقصورة على بيع ما في ذمته بما في ذمته ، بل يمكن فرضها في تعيين كل من النقدين إن لم يجوز ذلك.

د : قبض الوكيل قبض الموكل (٣) ، وهذا لما كان موضع اتفاق لم يمكن بناء المسألة المشكلة عليه.

فان قيل : التعليل بكون النقدين من واحد أي دخل له في صحة المسألة؟

قلنا : من حيث أنه إذا كان وكيلا والنقدان منه ، كان التقابض ممكنا.

وقوله : ( على اشكال ) يتعلق بقوله : ( صح ..... ).

__________________

(١) السرائر : ٢١٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٥ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٦ حديث ٨٣٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٢ حديث ٤٤١.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٥١.


والجودة والرداءة والصياغة والكسر لا يوجب الاثنينية ، ويجوز التفاضل مع اختلاف الجنس.

والمغشوش يباع بغير جنسه إن جهل قدره ، وإلاّ جاز بجنسه ، بشرط زيادة السليم في مقابلة الغش.

ولا يجوز إنفاقه إلاّ إذا كان معلوم الصرف بين الناس ، فان جهل وجب إبانته.

______________________________________________________

قوله : ( والمغشوش يباع بغير جنسه إن جهل قدره ، وإلا جاز بجنسه ، بشرط زيادة السليم في مقابلة الغش ).

الغش بالكسر هو الاسم ، إذا عرفت ذلك فإطلاق المصنف بيع المغشوش بغير جنسه مع جهل قدره غير ظاهر ، لأنه متى بيع مع القطع بزيادة تقابل الغش صح ، سواء جهل قدر الغش أم لا.

فان قيل : إنما أطلق ذلك ، لأنّ البيع مبني على المكايسة والمغالبة ، فلا يدفع المشتري في مقابل المغشوش بوزنه صافيا ، ومتى دفع دون ذلك مع جهله القدر لم يأمن الربا.

قلنا : كون الغالب ذلك لا يمنع وقوع البيع بوزن الجميع صافيا ، لإمكانه في العادة ، فيكون إطلاق العبارة بأن يباع بغير الجنس غير جيد.

قوله : ( ولا يجوز إنفاقه إلا إذا كان معلوم الصرف بين الناس ، فان جهل وجب إبانته ).

المراد بإنفاقه : بيعه والشراء به ، ولا شبهة في أنه إذا كان معلوم الصرف بين الناس ، أي : مقدار ما فيه من الصافي ، أو مقدار ما يساوي باعتبار ما فيه من الصافي والغش.

وإطلاق عبارة الشيخ في النهاية على وجوب إبانته (١) محمول على الجهل‌

__________________

(١) النهاية : ٣٨٢.


وتراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر احتياطا ،

______________________________________________________

بصرفه بين الناس ، لانتفاء الغش إذا كان معلوما ، وعلى ذلك دلت رواية محمد ابن مسلم عن الباقر 7 (١) وصحيحته أيضا عن الصادق 7 (٢) ، فان جهل صرفه بين الناس فلم يعلم مقدار ما فيه من الصافي وجب إبانته ، وإلا كان غشا محرما ، ولصحيحة ابن سنان ، عن الصادق 7 (٣) وغيرها (٤).

إذا عرفت ذلك فالمراد من ( إبانته ) : إظهار حاله بحيث يتبين ، فهل يكفي فيها أن يقول : هذا مغشوش أم لا بد أن يقول : فيه من الفضة كذا ، ومن النحاس كذا؟ لا أعلم في ذلك تصريحا بشي‌ء ، والمتجه أنه إن كان يباع بجنس ما فيه من الجوهر لا بد من الإبانة ، ليعلم السلامة من الربا.

وإن بيع بغير جنسه كفى قول : انّ فيه غشا ، لأنّ ذلك لو منع لمنع فيما إذا كان قدر الغش مجهولا ، وقد أطلقوا جواز بيعه حينئذ بغير الجنس والجهالة ، وإن كان السابق الى الفهم منها جهالة كل من البائع والمشتري ، إلا أنها تصدق مع جهالة أحدهما ، ولأنها إن منعت منعت حيث وجدت.

ولا يخفى أنّ الغش المعتبر هو ما يكون له قيمة دون ما يستهلكه ، كما نبه عليه في التذكرة (٥).

قوله : ( وتراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر احتياطا ).

أي : يجب في بيعه كونه بالنقد الآخر أو بمخالفهما بطريق أولى ، لأنه إذا جاز بيعه بالنقد الآخر فبالمخالف يكون أبعد ، والمراد بقوله : ( احتياطا ) أن وجوب ذلك للاحتياط في التحرز من الربا. ولو بيع بوزنه من النقد المجانس له فالظاهر عدم الجواز ، لأنّ ما فيه من التراب لا قيمة له ، فيبقى الزائد في المقابل بغير عوض.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٤ حديث ٨٣١ ، التهذيب ٧ : ١٠٨ حديث ٤٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٩٦ حديث ٣٣٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٣ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٠٩ حديث ٤٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ حديث ٣٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٩ حديث ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ حديث ٨٣٦ ، التهذيب ٧ : ١٠٩ حديث ٤٦٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١٠٩ حديث ٤٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ حديث ٣٣٣.

(٥) التذكرة ١ : ٥١٢.


ولو جمعا بيعا بهما.

ولا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر الصفر ، ولا بالفضة في جوهر الرصاص.

والمصاغ من النقدين إن جهل قدر كل واحد بيع بهما أو بغيرهما أو بالأقل إن تفاوتا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو جمعا بيعا بهما ).

أي : لو جمع تراب كل من النقدين بيعا بهما ، لمقابلة كل بمخالفة ، ولو بيعا بأحدهما ، وقطع بزيادة الثمن على ما في مجانسة من الصافي ، يقابل بها تراب الآخر صح ، ولو بيعا بغيرهما صح مطلقا.

قوله : ( ولا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر الصفر ، ولا بالفضة في جوهر الرصاص ).

لأنّ ذلك تابع غير مقصود بالبيع ، فأشبه الحلية على سقوف الجدران ، ولحسنة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق 7 (١).

قوله : ( والمصاغ من النقدين إن جهل قدر كل واحد بيع بهما ، أو بغيرهما ، أو بالأقل إن تفاوتا ).

المصاغ قياسه من أصاغ ، وهو غير مسموع ، إنما المسموع منه الثلاثي ، وقياس المفعول منه مصوغ ، إذا علم هذا فالمصوغ من النقدين : إما أن يجهل مقدار ما فيه من كل واحد منهما ، أو يعلم ، فان جهل : فاما أن يعلم تساويهما ، أو تفاوتهما ، أو يجهل الأمران.

ولا ينافي علم تساويهما الجهل بقدر كل واحد منهما ، لإمكان أن يكون مع المصوغ منهما ضميمة أخرى من حديد ، أو نحاس ، أو نحو ذلك ، فان جهل قدر كل واحد منهما بيع بهما معا ـ ليكون كل جنس في مقابل الجنس الأخر ـ أو بغيرهما.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥١ حديث ٢٩ ، التهذيب ٧ : ١١٣ حديث ٤٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٨ حديث ٣٣٧.


وإن علم بيع بأيهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه ،

______________________________________________________

ولو بيع بأحدهما على وجه قطع بزيادته على ما في المصوغ من جنسه زيادة تقابل الباقي صح البيع ، ولا فرق بين إمكان التخليص وعدمه ، خلافا لابن حمزة حيث منع من بيع المجهول من كل منهما إذا أمكن تخليص أحدهما من الأخر ، سواء بيع بهما ، أو بأحدهما ، أو بالممتزج منهما (١). وهو ضعيف ، لأنّ المخلوط من جنسين لا تضر جهالة كل منهما على حدة كالحنطة والشعير.

إذا عرفت ذلك فلا فرق في جواز البيع بالجنسين معا ، أو بغيرهما ، بين كون الجنسين متساويين ، أو متفاوتين ، أو بجهل الحال ، فأما إذا بيع بأحدهما فإنه إن قطع بزيادة الثمن على ما في المصوغ من جنسه زيادة تقابل الجنس الآخر جاز ، فإنه يجوز مطلقا ، والا لم يجز مطلقا.

فقول المصنف تبعا للشيخ (٢) : ( أو بالأقل إن تفاوتا ) لا وجه له ، إذ مع الزيادة يصح مطلقا ، وبدونها لا يصح مطلقا كما قررناه. وتخيل انه إذا بيع بالأقل مع التفاوت يكون أقرب الى حصول الزيادة ، فتخصيصه به محافظة على حصوله ، ـ كما نبه عليه في الدروس ـ (٣) ضعيف ، لأنّ الشرط القطع بالزيادة ، وليس الأقل أولى بها من الأكثر من حيث الأقلية والأكثرية ، وقد نبه على ذلك المصنف في المختلف (٤).

واعلم أنّ المراد بـ ( الأقل ) : الأقل وزنا وقدرا ، لا الأقل قيمة كما توهمه بعضهم ، لأنّ أصل هذا الحكم عبارة الشيخ ، وهي صريحة في أنه إن كان الغالب الفضة بيع بالذهب ، وبالعكس.

قوله : ( وإن علم بيع بأيهما شاء ، مع زيادة الثمن ... ).

أي : وإن علم قدر كل واحد منهما ، فهو إشارة إلى القسم الآخر ، ولا‌

__________________

(١) الوسيلة ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٢) النهاية : ٣٨٢.

(٣) الدروس : ٣٧٠.

(٤) المختلف : ٣٥٨.


ولو بيع بهما أو بغيرهما جاز مطلقا.

وتراب الصياغة يباع بالجوهرين معا أو بغيرهما لا بأحدهما ، ثم يتصدق به مع جهل أربابه.

______________________________________________________

شك في جواز البيع بأيهما شاء ، إذا حصلت الزيادة المذكورة.

قوله : ( ولو بيع بهما ، أو بغيرهما جاز مطلقا ).

أي : سواء حصلت الزيادة أم لا ، ويمكن أن يكون المراد : الإطلاق بين أن يعلم قدر كل واحد منهما أو يجهل ، والأول أبعد عن التكرار ، وإن كان اعتبار الزيادة إنما هو بطريق المجاز ، لأنها باعتبار القيمة لانتفاء الجنسية.

قوله : ( وتراب الصياغة يباع بالجوهرين معا ، أو بغيرهما لا بأحدهما ، ثم يتصدق به مع جهل أربابه ).

أما بيعه بهما معا فللجهل بقدر كل منهما ، فلو بيع بأحدهما لم يؤمن حصول الربا ، وتجب الصدقة مع جهل أربابه ، والأصل في ذلك رواية علي بن ميمون الصائغ ، عن الصادق 7 (١).

لا يقال : لم لا يكون حلالا لآخذه ، كما يحل التقاط ما يتساقط من السنبل عند نقل الغلة؟

لأنا نقول : إنما يحكم بالحل إذا دلت القرائن على أعراض المالك ولم يعلم هنا ، وينبغي إلحاق ذوي الحرف بالصائغ في ذلك كالخياط والحداد ونحوهما ، والمراد بالصياغة في العبارة : المكان الذي يصاغ فيه.

واعلم أنّ مصرف هذه الصدقة هو مصرف سائر الصدقات المندوبة ، لأنها بالنسبة إلى المالك غير واجبة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٠ حديث ٢٤ ، التهذيب ٧ : ١١١ حديث ٤٧٩.


والمحلّى بأحد النقدين يباع مع جهل قدره بالآخر أو بغيرهما أو بالجنس مع الضميمة ، ومع علمه يباع بالآخر أو بغيرهما مطلقا ، وبجنسه مع زيادة الثمن أو اتّهاب المحلّى من غير شرط ،

______________________________________________________

قوله : ( والمحلى بأحد النقدين يباع مع جهل قدره بالآخر ، أو بغيرهما ، أو بالجنس مع الضميمة ).

أي : إلى الثمن ، لتكون الضميمة في مقابلة الحلية ، والمضمون في مقابلة المحلى ، وهكذا يفهم من عبارة المختلف (١) ، وفي حواشي شيخنا الشهيد ما صورته الى المثمن ، قاله المحققون ، ويجوز الى الثمن ، وصحته غير واضحة ، لأنّ الضميمة إلى المثمن يقتضي أمرا آخرا وزيادة أخرى ليصح البيع.

واعلم أنّ مقتضى العبارة : أنه لا يجوز بيعه بالجنس من دون الضميمة ، والحق الجواز مع العلم بزيادة الثمن زيادة تقابل المحلى ، وقد نبه عليه في المختلف (٢).

قوله : ( ومع علمه يباع بالآخر ، أو بغيرهما مطلقا ، وبجنسه مع زيادة الثمن ، أو اتهاب المحلى من غير شرط ).

المراد بقوله : ( مطلقا ) تعميم الجواز في بيعه بالجنس الآخر أو بغيرهما ، سواء حصل هناك زيادة من حيث القيمة تكافؤ المحلى أم لا ، وسواء اتهب أم لا ، لأنّ الإطلاق في مقابل هذين القيدين المعتبرين مع الجنس. ويوجد في بعض القيود تفسير ( مطلقا ) : بعلم أم لا ، وليس بمستقيم ، لأنّ أصل هذه المسألة مقيد بالعلم.

إذا عرفت ذلك ، فبيعه بالجنس مشروط بزيادة الثمن على الحلية ، زيادة تقابل المحلى ، أو باتهاب المحلى ، لكن يشترط لصحة العقد حينئذ أن لا يكون مشروطا اتهابه في العقد ، لأنّ اشتراط ذلك يقتضي الزيادة مع اتحاد الجنس ، فيلزم الربا.

__________________

(١) المختلف : ٣٥٩.

(٢) المختلف : ٣٥٩.


ولو تشخص الثمن تعيّن ، فليس له دفع المساوي.

فروع :

أ : لو عينا الثمن والمثمن ثم تقابضا ، فوجد أحدهما بما أخذه عيبا ، فان كان من غير الجنس بطل الصرف ، كأن يجد الذهب نحاسا أو الفضة رصاصا ، وكذا في غير الصرف لو باعه ثوبا كتانا فبان صوفا بطل ، وإن كان البعض من غير الجنس بطل فيه خاصة. ويتخير من انتقل إليه في الفسخ ، وأخذه بحصته من الثمن.

______________________________________________________

وسيأتي أنه لو باعه درهما بدرهم ، وشرط صياغة خاتم ـ إن قلنا بجوازه للرواية ـ (١) فإنه لا يتعدى. ولا يستقيم أن يكون معنى ( من غير شرط ) : من غير اشتراط زيادة ، لأنه مقابله ، إذ قد عطف عليه بـ ( أو ) فيكون بدله ، وحمله على عدم اشتراط التقابض فيه ضعيف.

ولا يخفى أنّ الزيادة إذا تحققت صح البيع بالجنس مع الجهل أيضا.

قوله : ( ولو تشخص الثمن تعين ، فليس له دفع المساوي ).

فيه تنبيه على رد خلاف بعض العامة حيث قال : إنّ الثمن لا يتعين بالتعين (٢).

قوله : ( لو عينا الثمن والمثمن ثم تقابضا ).

لا حاجة في تصوير المسألة إلى التقابض ، بل لو ظهر ذلك قبل فكذلك.

قوله : ( بطل الصرف ).

فيه تسامح إذ لم يصح من أصله ، ويحمل على أن مراده : ظهور بطلانه.

قوله : ( ويتخير من انتقل اليه بين الفسخ وأخذه بحصته من الثمن ).

وذلك لتبعض الصفقة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٩ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ١١٠ حديث ٤٧١.

(٢) انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٦٢.


وإن كان من الجنس ، كخشونة الجوهر واضطراب السكة وسواد الفضة تخير بين الردّ والإمساك ، وليس له مطالبة البدل في الموضعين.

______________________________________________________

قيل : حقه البطلان ، لأنّ البيع إنما تعلق بالمجموع ، فإذا بطل فيه لم يتحقق في شي‌ء.

قلنا : البيع تعلق بالجميع ضمنا ، فإذا بطل في البعض لم يجب أن يبطل في البعض الآخر ، لكن لتعلق التراضي بالمجموع أثبتنا له الخيار.

قوله : ( وليس له مطالبة البدل في الموضعين ).

أي : فيما لو ظهر المعيب من غير الجنس مع التعيين ، أو منه معه أيضا. واعلم أنّ الضمير في قوله : ( وإن كان من الجنس ) مقتضى السياق أن يعود إلى العيب ، لكنه لا يستقيم ، لأنّ العيب لا يعد من الجنس ، أو من غيره ، وإنما حقه أن يرجع الى المعيب.

فاما أن يكون عائدا إليه ، لدلالة العيب عليه ، أو يراد من العيب : المعيب ، كما يراد بالضحك الضاحك ، فإنه مجاز مشهور ، لأنّ إطلاق المشتق منه على المشتق شائع ، لكن قوله بعد : ( وإن كان من الجنس كخشونة الجوهر ) لا يستقيم ، لأنّ ضمير ( كان ) إن رجع الى العيب لم يستقم إلا بتأويل المعيب ، لما عرفت من أنّ العيب لا يعد من الجنس ، وحينئذ فلا يستقيم التمثيل بخشونة الجوهر ونحوه.

وقوله : ( بطل الصرف ) المراد منه : الصرف الذي قصداه ، والمراد ببطلانه : عدم صحته.

وقوله : ( كأن يجد الذهب نحاسا ، والفضة رصاصا ) فيه توسع ، إذ حقه أن يقول : ككون الذهب نحاسا ، أي : الذي ظن كونه نحاسا.

إذا عرفت ذلك ، فكما أنه ليس له البدل في الموضعين ، فليس له الأرش في الثاني ، حذرا من الربا ، وهو مفهوم من قوله بعد : ( ولو اختلف الجنسان فله الأرش ما داما في المجلس ..... ).


ولو اختلف الجنسان فله الأرش ما داما في المجلس ، فان فارقاه ، فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وإن كان مخالفا صح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اختلف الجنسان فله الأرش ما داما في المجلس ).

لا شبهة في هذا الحكم ، لثبوت النقصان في الصفة الموجبة لنقصان المالية ، وتطرق الربا منتف باختلاف الجنسين ، وكذا تخيّل مانعية التفرق قبل القبض.

قوله : ( فان فارقاه ، فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وإن كان مخالفا صح ).

مقتضى الحكم الواقع في عبارة المصنف هنا أمور :

أ : أن الأرش عوض العيب الواقع في أحد العوضين من غيرهما : وهو مشكل ، لأنّ المعروف أن الأرش جزء من الثمن ، نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح.

ب : أنه لا يتعين كونه من جنسهما ، لظاهر قوله : ( وإن كان مخالفا ) ، وقد صرح في التحرير بذلك (١). ويشكل بأنّ الحقوق المالية إنما يرجع فيها الى النقدين ، فكيف ألحق الواجب باعتبار نقصان في أحدهما؟

ج : الفرق بين الدفع من جنس السليم فيبطل فيه ، أو من جنس المعيب أو من غيرهما فيصح.

ويشكل بأنّ الدفع من جنس أحدهما كالدفع من جنس الآخر ، فإما أن يبطل فيهما معا ، أو يصح فيهما معا ، وما قيل من أنه لو دفع من جنس السليم ، كما لو كان العوضان دينارا وعشرة دراهم ، وكان الدينار معيبا من الجنس بما يقتضي نقصان قيمته بقدر درهم فدفع اليه درهما ، فان المبيع يكون دينارا ودرهما بعشرة دراهم ، وقد تفرقا قبل قبض الدرهم ، فيبطل الصرف فيه بعينه ، آت فيما لو دفع ذهبا قيمته درهم ، فإنهما قد تفرقا قبل قبضه ، فيجب أن يبطل كالسليم ، بخلاف ما لو دفع من غيرهما.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٢.


______________________________________________________

د : ظاهر قوله : ( بطل فيه ) أي : بطل البيع في الأرش ، أنه لا يجوز دفع الأرش بعد ذلك. ويشكل بأنه إذا استحق في ذمته عوض نقصان أحد العوضين ، كيف يبطل فيما لو عينه فيما لا يجوز أخذه؟

فإن قلت : هو مخيّر في جهات القضاء ، فإذا عين جهة له امتنع المطالبة بشي‌ء آخر ، فحيث امتنع أخذه ، لامتناع ذلك بالإضافة إلى الصرف للتفرق قبل قبضه ، وهو محسوب من العوضين.

قلنا : إذا امتنع شرعا من جهة لم يصدق تخييره بالإضافة إليها ، ولو سلم تخييره فيها لم يلزم البطلان ، بل عدم جواز المطالبة بغيرها ، حتى لو تراضيا على الأداء من غير النقدين بعد التعيين في أحدهما ينبغي القول بالجواز ، على أن القول بالبطلان بالتفرق قبل القبض من أصله مشكل. فان المدفوع ليس أحد عوضي الصرف ، وإنما هو عوض صفة فائتة من أحد العوضين. فترتب استحقاقها على صحة العقد ، وقد حصل التقابض في كل من العوضين ، فلا مقتضى للبطلان ، إذ وجوب التقابض إنما هو في عوضي الصرف ، لا في ما وجب بسببهما.

هـ : لم يذكر المصنف على تقدير البطلان في الأرش البطلان في شي‌ء من العوض السليم وعدمه ، ويلزمه القول بذلك ، لأنه على ما نقلناه عن بعض حواشي الشهيد يكون العوض السليم في مقابل المعيب والأرش ، فيكون التفرق واقعا قبل قبض العوض فيما قابل الأرش من السليم.

ويمكن أن يقال : قد صدق التقابض في مجموع العوضين المقتضي لصحة الصرف ، واشتراط قبض الأرش قبل التفرق إذا كان من النقدين ، أو من جنس السليم على اختلاف الرأيين ، ليس لكونه جزءا من المعاوضة ، بل لكونه من توابعها ، ومن ثم لو أسقط مستحقه لم يلزم في المعاوضة اختلال ، كما لو كان النقدان من جنس واحد.

والتحقيق أن يقال : إن كان الأرش داخلا في المعاوضة اعتبر قبضه في‌


ولو كانا غير معينين وظهر العيب من غير الجنس ، فان تفرقا بطل ، وإلاّ كان له المطالبة‌ بالبدل.

______________________________________________________

صحته وصحة مقابله إذا كان من النقدين ، والا لم يجب أصلا ، ولو قيل : إنه لكونه عوض صفة لا مقابل له من العوض الآخر ، رددناه بأن أحد العوضين في مقابل الآخر من جهة المالية ، فلا فرق بين الجزء والصفة التي لها دخل في المالية.

و : لم يذكر المصنف حال المعاوضة بعد بطلان البيع في الأرش ، وعلى ما ذكره يجب أن يثبت للمشتري الخيار ، لفوات بعض ما له دخل في المالية ، وامتناع تداركه ، كما لو كان العوضان من جنس واحد وأحدهما معيب من الجنس.

ولو قلنا ببطلان شي‌ء من الآخر في مقابل الأرش لوجب أن يثبت للبائع خيار تبعض الصفقة ، إلا أن يقال : التبعض جاء من قبله فلا يثبت له خيار. إذا عرفت ذلك فقد قال المصنف في التحرير ، ولو اختلفا فله الأرش في المجلس ، فلو فارقا لم يجز أن يأخذ من الأثمان ، ويجوز من غيرها (١).

وقريب منها عبارة الدروس (٢) ، وهي أجود من عبارة هذا الكتاب والتذكرة (٣) ، والعمل على ما في التحرير على تردد في كون الأرش من غير الثمن ، فلو قلنا به ففي المنع من أخذه من جنس النقدين بعد النقدين تردد ، ويظهر ذلك كله مما سبق.

قوله : ( ولو كانا غير معينين فظهر العيب من غير الجنس ، فان تفرقا بطل ).

لصدق التفرق قبل القبض ، ولا يخفى أنّ التحرز في كون العيب من غير الجنس واقع في العبارة.

قوله : ( وإلا كان له المطالبة بالبدل ).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٢.

(٢) الدروس : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

(٣) التذكرة ١ : ٥١٣.


ولو اختصّ العيب بالبعض اختص بالحكم ، ولو كان من الجنس فله الرد والإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس ،

______________________________________________________

لأنّ العوضين في الذمة ، والمدفوع لما لم يكن من الجنس امتنع كونه أحد العوضين ، فيطالب بما في الذمة ، لانتفاء المانع ، إذا لم يحصل التفرق قبل القبض.

قوله : ( ولو اختص العيب بالبعض اختص بالحكم ).

أي : اختص ذلك البعض بالحكم ، أي : البطلان فيه إن تفرقا قبل الأبدال ، فيتخير لتبعض الصفقة ، والمطالبة بالبدل إن لم يتفرقا.

قوله : ( ولو كان من الجنس فله الرد ، والإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس ).

التقييد باختلاف الجنس إنما هو للإمساك بالأرش.

فإن قلت : المبيع هو الأمر الكلي لا المدفوع فلم تثبت المطالبة بالأرش ، وقد كان الواجب أن يكون له الرد أو الرضى به.

قلنا : لما دفعه البائع وقبضه المشتري تعين بالفرض وتملكه ، فكان له المطالبة بأرشه ، كما أن له فسخ الملك فيه للعيب ، لأنّ الإطلاق منزل على الصحيح وإن صدق على المعيب.

لا يقال : إن كان المبيع صادقا على المعيب فلا رد ولا أرش ، وإلا لم يكن له المطالبة بالأرش ، إذ المبيع غير المعيب إلا بالتراضي.

لأنا نقول : المبيع صادق على المعيب ، لكنه منزل على الغالب في الإطلاق وهو الصحيح.

فان قلت : إن كان المعيب مقصودا للمتبايعين لم يثبت الأرش ، والا لم يسغ إمساكه بالأرش ، لأنّ المبيع غيره.

قلنا : هو مقصود تبعا ، نظرا إلى أنه مما يصدق مفهوم اللفظ عليه في الجملة ، فصح كونه مبيعا في الجملة ، ولكن لما كان الغالب الإطلاق على الصحيح ثبت له الأرش أو الرد ، نظرا الى الغالب.


ومجّانا مع اتفاقه والمطالبة بالبدل وإن تفرقا على إشكال ، وفي اشتراط أخذ البدل في مجلس الرد إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ومجانا مع اتفاقه ).

أي : وله الرد والإمساك مجانا مع اتفاق الجنس ، فلا يثبت الأرش ، للزوم الربا.

قوله : ( والمطالبة بالبدل ، وإن تفرقا على إشكال ).

الإشكال فيما إذا تفرقا ، ومنشؤه من أن الإبدال يقتضي كون المبيع هو البدل ، وقد تفرقا قبل قبضه فيكون الصرف باطلا ، فلا يكون له أخذ البدل ، ومن أن التقابض في العوضين قد تحقق ، لأنّ المدفوع كان محسوبا عوضا وقد ملكه المشتري ، بدليل أنّ نماءه من حين الإقباض إلى حين الرد له ، وهذا فسخ طارئ على الملك ، بسبب ظهور العيب.

وتحقيقه : أنّ ما في الذمة وإن كان أمرا كليا ، إلا أنه إذا عيّن في شي‌ء ، وقبضه المستحق تعيّن وثبت تملكه له ، فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته ، تداركا لفائت حقه ، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة ، فتعين حينئذ عوضا صحيحا.

وبهذا يظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة ، وقد قبضه قبل التفرق ، فتحقق شرط الصحة ، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطارئ على العوض المقتضي لعوده إلى الذمة ، وكون البدل عوضا في الجملة لا يقتضي نفي عوضية غيره ، فلا يقتضي التفرق قبل قبضه التفرق قبل قبض العوض في المعاوضة ، وهذا واضح ، فكان الأصح ثبوت المطالبة بالبدل.

قوله : ( وفي اشتراط أخذ البدل في مجلس الرد إشكال ).

ينشأ : من صدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحة ، ومن أنّ الفسخ في العوض المدفوع رفع كونه عوضا في الحال ، فيشترط قبض البدل ، لكونه هو الثمن ، والأصح عدم الاشتراط ، لأنّ قبض ما يعد ثمنا قد تحقق ، فيصح به الصرف ، والأصل عدم وجوب غيره ، ولأنّ القبض معتبر قبل تفرق المتعاقدين ،


ب : نقص السعر وزيادته لا يمنع الرد ، فلو صارفه وهي تساوي عشرة بدينار ، فردّها وقد صارت تسعة بدينار صح قطعا ، وكذا لو صارت أحد عشر.

ج : لو تلف أحدهما بعد التقابض ، ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل الصرف ، ويرد الباقي ويضمن التالف بالمثل أو القيمة.

ولو كان من الجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس ، وإلاّ فلا.

د : لو أخبره بالوزن ثم وجد نقصا بعد العقد بطل الصرف مع اتحاد الجنس ،

______________________________________________________

فان تحقق لم يشترط غيره ، وإلا فسدت المعاوضة من رأس.

قوله : ( نقص السعر وزيادته لا يمنع الرد ... ).

لأنه قد ثبت ، والأصل بقاؤه ، ولا تعد زيادته جبرا ، كما لا يعد نقصه عيبا.

قوله : ( لو تلف أحدهما بعد التقابض ، ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل الصرف ، ويرد الباقي ، ويضمن التالف بالمثل أو القيمة ).

قد سبق ما يصلح تقريبا لذلك ، وضمان التالف بالمثل في الذهب والفضة والدراهم والدنانير ، وبالقيمة في مثل المصوغات ، وما يكون من الأجناس الغير المثلية.

قوله : ( ولو كان من الجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس ، وإلا فلا ).

ولا يكون التلف مانعا من المطالبة بأرش العيب.

قوله : ( لو أخبره بالوزن ، ثم وجد نقصانه بعد العقد بطل الصرف مع اتحاد الجنس ).


ويتخير مع الاختلاف بين الرد والأخذ بالحصة.

ولو وجد زيادة ، فإن كان قال : بعتك هذا الدينار بهذا الدينار بطل ، وإن قال : بعتك دينارا بدينار صح ، وكانت الزيادة في يده أمانة ، ويحتمل أن تكون مضمونة ، لأنه قبضه على أنه عوض ماله.

______________________________________________________

المراد : أنه يتبين عدم صحته.

قوله : ( ويتخير مع الاختلاف بين الرد والأخذ بالحصة ).

سيأتي فيما لو باعه متساوي الأجزاء ، أو مختلفها على أنه مقدار معين ، فتبين أنه أقل أن يأخذ الأول بالحصة ، والثاني على خلاف.

قوله : ( ولو وجد زيادة ، فإن كان قال : بعتك هذا الدينار بهذا الدينار بطل ).

لأنه باع المجموع المشتمل على الزيادة بمقتضى الإشارة ، وإن سماه دينارا بأقل منه مع اتحاد الجنس.

قوله : ( وإن قال : بعتك دينارا بدينار صح ).

لأنّ المبيع والثمن في الذمة ، لا المدفوع.

قوله : ( وكانت الزيادة في يده أمانة ).

نظرا إلى أصالة البراءة من الضمان.

قوله : ( ويحتمل أن تكون مضمونة ، لأنه قبضه على أنه عوض ماله ).

هذا أصح ، لعموم « على اليد ما أخذت » (١) ، ولما ذكره ، لأنه قبضه على أنه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة ، فيجب أن يكون مضمونا ، نظرا الى مقتضى العقد ، ولأنه أقرب الى الزمان من المقبوض بالسوم ، وأصالة البراءة‌

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٩ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢ ، وفيهما : حتى تؤدي ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، تلخيص المستدرك للذهبي المطبوع مع مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، وفيها حتى تؤديه.


أما لو دفع إليه أزيد من الثمن ليكون وكيله في الزائد ، أو ليزن له حقّه منه في وقت آخر ، فإن الزيادة هنا أمانة قطعا.

ولو كانت الزيادة لاختلاف الموازين فهي للقابض ، ولآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة إن منعنا الإبدال مع التفرق ، وكذا لدافعها ، إذ لا يجب عليه أخذ العوض ، نعم لو لم يفترقا ردّ الزائد وطالب بالبدل.

______________________________________________________

بعد التزامه بالضمان لا يجدي نفعا.

قوله : ( أما لو دفع إليه ..... ).

لأنه وكيل له ، ونائب في الحفظ.

قوله : ( ولآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة ، إن منعنا الأبدال مع التفرق ).

الظرف الأخير قد تنازعه كل من الفسخ والأبدال ، أي : ولآخذ الزيادة الفسخ مع التفرق ، إن منعنا الأبدال مع التفرق ، وذلك لانه لا طريق الى التخلص من عيب الشركة إلا بالفسخ ، وهذا عيب طارئ على مقتضى العقد ، ولو جوزنا الأبدال ـ كما سبق انه الأصح ـ لكان الى التخلص من العيب طريق آخر ، فلا يثبت فسخ المعاوضة اللازمة.

قوله : ( وكذا لدافعها ، إذ لا يجب عليه أخذ العوض ).

أي : وكذا يثبت الفسخ لدافع الزيادة ، لأن حقه لما اختلط بحق المشتري باعتبار دفع المشتمل على الزيادة ، وحصل التفرق المانع من الأبدال حصل التعيب بالشركة ، وذلك لأن عين ماله لا يمكن الوصول إليها ، إذ هي مختلطة بعين مال الآخر ، والذي يأخذه بعد التميز إنما هو عوض ماله.

ولو جوزنا الأبدال بعد التفرق لم يثبت له الخيار ، لأنّ ما قبضه المشتري وإن اشتمل على حقه ، إلا أنه ليس عينه ، لمكان الزيادة ، والبائع مخير في جهات الأداء ، فله أن يعين للمشتري حقه.


هـ : لو كان لأحدهما على الآخر ذهب ، وللآخر على الأول دراهم ، فتصارفا بما في ذممهما جاز من غير تقابض على إشكال ، منشؤه : اشتماله على بيع دين بدين ، أما لو تباريا أو اصطلحا جاز.

ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ، ويكون صرفا بعين وذمة.

______________________________________________________

قوله : ( لو كان لأحدهما على الآخر ذهب ، وللآخر على الأول دراهم ، فتصارفا بما في ذممهما ، جاز من غير تقابض على إشكال ، منشؤه اشتماله على بيع دين بدين ).

قيل : إنما فرض المسألة في الذهب والدراهم ، لأنه لو اتحد الجنسان لوقع التقابض بما في ذمتهما على جهة القهر فلا يقع البيع ، وقوله : ( من غير تقابض ) يريد : من غير تقابض زائد على القبض [ الحاصل بكونه في الذمة ، لأن ما في الذمة مقبوض ، ولولاه لم يجز الصرف ، لاشتراطه بالقبض ] (١) قبل التفريق.

وما ذكره في منشأ الاشكال من اشتماله على بيع دين بدين حق ، ان كان المراد من بيع الكالئ بالكالئ : بيع الدين بالدين ، إلا أنه خلاف المعروف من كلامه فيما سيأتي بعد أسطر. ولم يذكر الوجه الآخر في منشأ الاشكال لظهوره ، فهو إما العمومات الدالة على الصحة ، لكونه بيعا ، أو يقال : هو الشك في كونه بيع الكالئ بالكالئ ، إلا أنّ هذا وحده يكون منشأ الاشكال باعتبار طرفي الشك ، إذا عرفت ذلك فلو تهاترا احتمل في الدروس الجواز (٢).

ووجه الاحتمال الآخر ، أعني : ما تشعر به العبارة من عدمه ، أنه يستلزم الصرف ، لأنّ الأداء عما في الذمة من غير الجنس ، وهما من النقدين يقتضي ذلك.

قوله : ( ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ، ويكون صرفا بعين وذمة ).

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.

(٢) الدروس : ٣٧٠.


ولو دفع القضاء على التعاقب من غير محاسبة ، كان له الإندار بسعر وقت القبض وإن كان مثليا.

و : لو اشترى دينارا بعشرة ومعه خمسة جاز أن يدفعها عن النصف ، ثم يقترضها ويدفعها عن الآخر ليصح الصرف وإن كان حيلة.

ز : لو اشترى من المودع الوديعة عنده صحّ ، إذا دفع إليه الثمن في المجلس ، سواء علما وجوده أو ظنّاه أو شكّا فيه ، فان ظهر عدمه بطل الصرف.

ح : روي جواز ابتياع درهم بدرهم وشرط صياغة خاتم ، ولا يجوز التعدية.

______________________________________________________

أي : استيفاء أحدهما بدلا من الآخر ، والمراد : كونه صرفا بعين وما في الذمة.

قوله : ( ولو دفع القضاء على التعاقب من غير محاسبة ، كان له الإندار بسعر وقت القبض وإن كان مثليا ).

المراد : أنهما لم يتحاسبا في وقت القضاء المتفرق في كل مرة ، إذ لو تحاسبا عند الأخذ ، لم يجز احتسابه بعسر الوقت.

والإندار بالدال المهملة معناه : الاسقاط ، أي : أنه يسقط مما في الذمة بسعر وقت القبض ، لأنه لا يحتسب مما في يده إلا إذا كان من جنسه ، فلا بد من اعتبار سعره بالجنس الآخر وإن كان مثليا ، لأنّ اعتبار المثلية في التضمين ، لا فيما إذا أخذ بدلا من جنس آخر.

وكذا القول في غير الصرف إذا وقع الاقتضاء في المثليات ، ومحل الاعتبار هو وقت الأخذ ، لأنه وقت الاستيفاء ، فيعتبر السعر حينئذ.

قوله : ( روي جواز ابتياع درهم بدرهم ويشترط صياغة خاتم ، ولا تجوز التعدية ).

الرواية رواها أبو الصباح الكناني ، عن ابي عبد الله 7 قال : سألته‌


المقصد الرابع : في أنواع البيع :

وهي بالنسبة إلى الأجل أربعة ، وإلى الإخبار برأس المال أربعة ، وإلى مساواة الثمن للعوض قسمان.

فهنا فصول ثلاثة :

الأول : العوضان إن كانا حالين فهو النقد ، وإن كانا مؤجلين فهو بيع الكالئ بالكالئ وهو منهي عنه ، وإن كان المعوّض حالاّ خاصة فهو النسيئة وبالعكس السلف.

______________________________________________________

عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم ، وأبدلك درهما طازجا بدرهم غلة ، قال : « لا بأس » (١). والطازج النقي الخالص ، معرّب أصله تارة.

وفي كون ما ذكره هو المروي نظر ، لأنّ الرواية تضمنت جعل ابدال الدرهم بالدرهم شرطا في الصياغة ، لا البيع بشرط الصياغة ، وقد نبه على ذلك المصنف في المختلف (٢) ، والشيخ (٣) ، وابن إدريس على الفتوى بجواز ذلك ، ووجهه ابن إدريس بانتفاء الربا ، لأنه الزيادة في العين ، وهي منتفية (٤) ، وذلك غير ظاهر ، لأنّ الربا مطلق الزيادة ، سواء كانت عينا أو صفة ، والأصح عدم الجواز.

ولو قلنا بالجواز في هذه المسألة اعتبارا بهذه الرواية ـ لو صلحت دليلا ـ لم يعد الحكم الى غير ذلك ، كاشتراط صياغة سوار مثلا ، اقتصارا على موضع النص.

قوله : ( وهي بالنسبة إلى الأجل أربعة ... ).

أنواع المبيع عشرة ، لأنّ العوضين : إما حالان وهو النقد ، أو مؤجلان وهو الكالئ بالكالئ ، أو الثمن حال وهو السلف ، أو بالعكس وهو النسيئة ، ولأن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٩ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ١١٠ حديث ٤٧١.

(٢) المختلف : ٣٥٨.

(٣) النهاية : ٣٨١.

(٤) السرائر : ٢١٨.


وهنا مطالب :

المطلب الأول : في النقد والنسيئة :

إطلاق العقد واشتراط التعجيل يقتضيان تعجيل الثمن ، واشتراط التأجيل في نفس العقد يوجبه بشرط الضبط ، فلو شرطا أجلا من غير تعيين ، أو عيّنا مجهولا كقدوم الحاج بطل.

ولو باعه بثمنين الناقص في مقابلة الحلول أو قلة الأجل ، والزائد في مقابلة الأجل أو كثرته بطل على‌ رأي.

______________________________________________________

البائع إذا كان قد اشترى ، فاما أن يبيع مساومة ، أي : من غير أخبار برأس المال ، أو معه بزيادة وهي المرابحة ، أو نقيصة وهي المواضعة ، أو برأس المال وهي التولية ، ولأنّ العوضين إما أن يجب فيهما التساوي وهو الربا ، أو لا فهو ما عداه.

واعلم أنّ الكالئ بالكالئ بالهمزة معناه : النسيئة بالنسيئة ، كذا فسره المتصدون لتفسير غرائب الحديث كابن الأثير في النهاية ، قال فيه : أنه نهي عن الكالئ بالكالئ (١) ، أي : النسيئة بالنسيئة ، وذلك ان يشتري الرجل شيئا الى أجل ، فإذا حلّ الأجل لم يجد ما يقضي به ، فيقول : بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شي‌ء آخر ، فيبيعه منه ، ولا يجري بينهما تقابض (٢).

قلت : يظهر من كلامه أن الكالئ بالكالئ : هو الدين بالدين ، سواء كان مؤجلا أم لا ، وإن كان أصل المادة دائرا على التأخير ، كما يظهر من الفائق (٣) والأساس (٤) ، ولعل المراد به : الدين من حيث أن من شأنه التأخير ، لكن على ما فسر به المصنف الكالئ لا يتجه بطلان ما تقدم من مصارفة ما في الذمم ، لأنّ المنهي عنه هو الكالئ بالكالئ ، لا الدين بالدين.

قوله : ( ولو باعه بثمنين ـ إلى قوله ـ بطل على رأي ).

__________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ٢٩٨ حديث ٩٤٧٠ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٥٧.

(٢) النهاية لابن الأثير ( كلأ ) ٤ : ١٩٤.

(٣) الفائق ( كلأ ) ٣ : ٢٧٣.

(٤) أساس البلاغة : ٣٩٦.


ولو باعه نسيئة ، ثم اشتراه قبل الأجل بزيادة أو نقيصة ، حالا أو مؤجلا جاز إن لم يكن شرطه في العقد.

ولو حلّ فابتاعه بغير الجنس جاز مطلقا ، والأقرب أن الجنس كذلك ، وقيل : تجب المساواة.

ويجوز البيع نسيئة بزيادة عن قيمته أو نقصان مع علم المشتري ، وكذا النقد.

______________________________________________________

وقيل : يصح بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين تعويلا على رواية في سندها قدح (١) ، والأصح العدم ، لأنّ مقتضاها لزوم ما لم يتراضيا عليه مع ما فيها من الطعن.

قوله : ( جاز إن لم يكن شرطه في العقد ).

فلو شرطه لم يجز ، وعلل بلزوم الدور ، فانّ انتقاله عن الملك موقوف على حصول الشرط ، وحصوله موقوف على انتقال الملك. وفيه نظر ، لأنّ الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال. وعلل أيضا بعدم حصول القصد الى نقله عن البائع. وليس بشي‌ء ، لأنّ الفرض حصوله ، وارادة شرائه بعد ذلك لا ينافي حصول قصد النقل ، وإلا لم يصح إذا قصدا ذلك ، وإن لم يشترطاه.

قوله : ( والأقرب ان الجنس كذلك ، وقيل : تجب المساواة ).

لا فرق بين الجنس وغيره على الأصح ، والرواية بالمنع (٢) غير صريحة في المدعى ، ومحمولة على الكراهة.

قوله : ( ويجوز البيع بزيادة عن قيمته ، أو نقصان مع علم المشتري ).

لا خلاف في هذا الحكم إلا في بعض صوره ، ذكره في المختلف ، (٣) ويفهم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٦ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٩ حديث ٨١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٧ حديث ٢٠١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٠ حديث ١٠٠٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٥٠ حديث ١٢٤٩ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٨٦ حديث ٩٣٦٠.

(٣) المختلف : ٣٥٩.


ولو شرط خيار الفسخ إن لم ينقده في مدة معينة صح ، ولو شرط أن لا بيع إن لم يأت به فيها ، ففي صحة البيع نظر ، فان قلنا به بطل الشرط على إشكال.

______________________________________________________

من العبارة أنه إذا لم يعلم المشتري لا يجوز البيع ، وليس كذلك بل يجوز مطلقا ، وان كان مع الجهالة له خيار الغبن.

قوله : ( ولو شرط أن لا بيع إن لم يأت به فيها ، ففي صحة البيع نظر ).

ينشأ : من عموم دلائل صحة البيع ، وأنه يجري مجرى اشتراط الخيار ومن أن صحة البيع تقتضي صحة الشرط ، فيلزم على تقدير عدم الإتيان به عدم البيع ، عملا بالشرط ، فيكون حين العقد حصول البيع وعدم حصوله على حد سواء ، فلا يكون الواقع سببا صحيحا في البيع فيكون باطلا ، ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد ، لأنه يقتضي ارتفاعه بعد وقوعه ، وهو معلوم البطلان ، والبطلان أظهر.

قوله : ( فان قلنا به بطل الشرط على إشكال ).

أي : فان قلنا بالبيع الواقع كذلك ، أي : بصحته بطل الشرط ، ومنشأ الاشكال : من أن مقتضاه عدم وقوع البيع على أحد التقديرين ، وهو خلاف الواقع فلا يكون صحيحا ، ومن أنه بمنزلة اشتراط الخيار ، وهذا الإشكال يبنى على شيئين :

الأول : أن العقد المشتمل على هذا الشرط صحيح ، إذ لو قلنا بفساده لفسد الشرط قطعا ، وهذا يبتني على شي‌ء آخر ، وهو الشي‌ء الثاني ، ان بطلان الشرط لا يفضي الى بطلان العقد ، إذ لو قيل بذلك لزم من القول بصحة العقد صحة الشرط ، لأنّ الفرض أن بطلانه يقتضي بطلان العقد فلا يجي‌ء الاشكال. والأصح بطلانهما ، فانّ بطلانه يقتضي بطلان العقد.


المطلب الثاني : في السلف : وفيه بحثان :

الأول : في شرائطه : وهي سبعة :

الأول : العقد :

ولا بدّ فيه من إيجاب ، كقوله : بعتك كذا ، صفته كذا ، إلى كذا ، بهذه الدراهم وينعقد سلما لا بيعا مجردا ، فيثبت له وجوب قبض رأس المال قبل التفرق

______________________________________________________

قوله : ( ولا بدّ فيه من إيجاب ، كقوله : بعتك كذا صفته [ كذا ] (١) إلى كذا بهذه الدراهم ).

والذي يقع منه هذا الإيجاب هو المسلّم إليه ، أعني : البائع ، وذلك لأنه يبيع موصوفا في الذمة إلى أجل.

قوله : ( وينعقد سلما ، لا بيعا مجردا ).

أي : ينعقد هذا العقد الواقع بلفظ البيع سلما ، لأنه قد اشتمل على بيع عين موصوفة إلى أجل بثمن حال ، وذلك هو السلم ، وكونه بلفظ البيع لا يضر ، لأنّ البيع جنس للسلم وغيره ، فإذا قيد بقيود السلم تمحض له ، ولا يكون ذلك بيعا مجردا عن كونه سلما. وإنما قيد بقوله : ( مجردا ) ، لأنّ السلم بيع كما عرفت ، فلو نفاه وأطلق لم يكن صحيحا ، فيكون ( مجردا ) صفة لقوله : ( بيعا ) ، وإن كان استفادة هذا المعنى من قوله : ( مجردا ) لا يخلو من شي‌ء.

قوله : ( فيثبت له وجوب قبض رأس المال قبل التفرق ).

هذا متفرع على كونه ينعقد سلما ، إذ لو كان بيعا مجردا لم يثبت له وجوب قبض الثمن قبل التفرق ، لأنّ ذلك من الأحكام الخاصة بالسلم ، ولو جعل قوله :( مجردا ) صفة لقوله : ( سلما ) على أنّ المعنى ( وينعقد سلما ) مجردا عن ذكر السلم ، لكان نفي كونه بيعا غير مستقيم.

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد لضرورة السياق.


نظرا إلى المعنى لا اللفظ ، أو أسلمت ، أو أسلفت ، أو ما أدّى المعنى.

والأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم ، فيقول : أسلمت إليك هذا الثوب في هذا الدينار.

______________________________________________________

قوله : ( نظرا الى المعنى ، لا اللفظ ).

تعليل للحكم بانعقاده سلما لا بيعا مجردا ، ومحصله : أنّ ذلك في المعنى سلم وإن كان اللفظ البيع. ولا يحتاج الى هذا التكلف ، لأن السلم بيع ، فوجود لفظ البيع في العقد لا يقتضي أن لا يكون سلما ، فليس في اللفظ ما ينافي كونه سلما أصلا ، بل البيع الموصوف إلى أجل هو السلم ، غاية ما في الباب أن اللفظ المخصوص غير موجود.

قوله : ( أو أسلمت ، أو أسلفت ، أو ما أدّى هذا المعنى ).

المراد : أسلمت ، أو أسلفت إليك كذا في كذا الى كذا ، وهاتان العبارتان إنما تقعان من المسلم أعني : المشتري ، لا المسلم اليه وهو البائع ، إذ لا يعقل معناهما بالنسبة إلى البائع ، فإن الذي يسلم الشي‌ء في الشي‌ء هو المشتري ، وقد صرح بذلك في الدروس (١).

قوله : ( والأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم ، فيقول : اسملت إليك هذا الثوب في هذا الدينار ).

أي : يقول ذلك البائع ، فيكون المسلم هو المبيع ، والمسلم فيه هو الثمن. ووجه القرب : أنّ الإيجاب في البيع يصح بكل ما ادى ذلك المعنى المخصوص ، كما سبق صحته كملكتك ، كذا بكذا.

ولا ريب أنّ السلم أقرب الى البيع من التمليك ، لأنه شائع في الهبة ، فإذا انعقد بالأبعد لتأديته المعنى المراد ، فبالاقرب إذا أداه أولى. ويحتمل ـ ضعيفا ـ البطلان ، لأنّ ذلك مجاز بالنسبة إلى البيع الذي ليس سلما ، والعقود اللازمة لا تثبت بالمجازات. وفيه منع ، لأنا قد بينا أنّ إيجاب البيع يصح بكل لفظ ادى‌

__________________

(١) الدروس : ٣٥٣.


وكذا لو قال : بعتك بلا ثمن ، أو على أن لا ثمن عليك ، فقال :قبلت ، ففي انعقاده هبة نظر ، ينشأ : من الالتفات إلى المعنى ، واختلال اللفظ.

______________________________________________________

ذلك المعنى كملّكتك ، وهذا أقرب في التأدية كما قلناه.

لا يقال : فيصح بلفظ الخلع والكتابة ، لأنا نقول : هذان لا يتأدى بهما معنى البيع إلا بتكلفات وقرائن أجنبية ، وهما حقيقتان في معنى آخر ، ومجاز في البيع من أبعد المجازات ، والمجاز لا ينعقد به البيع كما قررناه.

قوله : ( وكذا لو قال : بعتك بلا ثمن ، أو على أن لا ثمن عليك ، فقال : قبلت ، ففي انعقاده هبة نظر ).

ينشأ من وجود لفظ البيع المقتضي للثمن ، ووجود المنافي لصحته وهو اشتراط عدم الثمن فيكون بيعا فاسدا ، ومن أن التقييد حينئذ بعدم الثمن قرينة إرادة الهبة من لفظ البيع ، لأنّ الهبة هي التمليك بغير عوض ، فهو مساو لها في المعنى.

ويضعّف بان استعمال البيع في الهبة مجاز لم ينقل مثله ، ولا بد في التجوز من النقل ، فلا تكفي العلاقة ، ومن ثم امتنع نخلة للإنسان الطويل. وربما قيل بأنه إن قصد البيع بطل ، وان قصد الهبة صحت.

ويشكل الثاني بأن مجرد القصد غير كاف من دون حصول السبب الشرعي ، ولا استبعد القول بالبطلان.

قوله : ( ينشأ من الالتفات إلى المعنى واختلال اللفظ ).

أي : من الالتفات الى معنى مجموع العقد الواقع ، وإذا اجتمع معنى الجميع على وجه لا يتنافى كان معناه التمليك بغير عوض ، ومن أن اللفظ مختل ، لأنّ البيع يقتضي الثمن ، والتقييد بعدمه ينافيه.

ويضعف الأول ، بأنه انما يندفع التنافي إذا عدل باللفظ عن مدلوله الى ما لا يدل عليه دليل سوى التنافي ، وهذا غير كاف في الصحة ، وعلى هذا فلا يبطل شي‌ء من العقود المشتملة على ما ينافيها ، لوجود المندوحة في العدول به الى ما لا ينافي.


وهل يكون مضمونا على القابض؟ فيه إشكال ، ينشأ : من كون البيع الفاسد مضمونا ، ودلالة لفظه على إسقاطه.

أما لو قال : بعت ولم يتعرض للثمن ، فإنه لا يكون تمليكا ويجب الضمان.

الثاني : معرفة وصفه :

ويجب أن يذكر اللفظ الدال على الحقيقة كالحنطة مثلا ، ثم يذكر كلّ وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم ، بلفظ ظاهر الدلالة عند أهل اللغة ، بحيث يرجعان إليه عند‌

______________________________________________________

قوله : ( وهل يكون مضمونا على القابض؟ فيه إشكال ، ينشأ : من كون البيع الفاسد مضمونا ، ودلالة اللفظ على إسقاطه ).

أي : على إسقاط الضمان من حيث اشتراط عدم الثمن.

قيل : البيع يقتضي الثمن ، واشتراط عدم الثمن ينفيه ، وقد تعارضا ، فأقصى حالاتهما التساقط ، ويرجع الى حكم الأصل وهو ثبوت الضمان في اليد حتى يثبت المسقط.

قلنا : هذا إذا تكافئا ، ولا ريب أنّ ما دل بمنطوقة مطابقة أقوى مما يدل ضمنا ، ونفي الثمن مدلول عليه بالمطابقة بخلاف إثباته. وقيل : إن قصد الهبة فلا ضمان ، والا ثبت. وليس بمستبعد ، لأنّ أقل ما فيه أن يكون هبة فاسدة ، وهي غير مضمونة.

قوله : ( ثم يذكر كل وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا ، لا يتغابن الناس بمثله في السلم ).

المراد بقوله : ( اختلافا ظاهرا ) مفسر بقوله : ( لا يتغابن الناس بمثله ) ، وقوله : ( في السلم ) للاحتراز ، فإنه قد يقع التغابن في السلم بما لا يتغابن به في غيره ، وبالعكس.

قوله : ( بلفظ ظاهر الدلالة عند أهل اللغة ، بحيث يرجعان إليه عند‌


الاختلاف.

ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء إلى أن يبلغ الغاية لعسر الوجود ، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم.

فلو أفضى الإطناب إلى عزة الوجود ، كاللآلئ الكبار التي تفتقر إلى التعرض فيها للحجم والشكل والوزن والصفاء ، واليواقيت ، والجارية الحسناء مع ولدها إلى ما أشبهه ، لم يصح وإن كان مما يجوز السلم فيه ، لأدائه إلى‌

______________________________________________________

الاختلاف ).

المراد بظهور دلالته : ما قيده بقوله : ( بحيث ... ) ولا يختص الحكم بذي الدلالة عند أهل اللغة ، إذ ما تعتبر دلالته عند أهل العرف كذلك ، وإنما يمكن الرجوع إليه إذا كان مستفاضا ، أو يشهد به عدلان ، على ما سيجي‌ء في كلامه. والحق اعتبار الاستفاضة حتى لا يكون العلم به عسرا.

قوله : ( ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء إلى أن يبلغ الغاية ، لعسر الوجود ).

هذا التعليل غير تام ، لأنه يقتضي عدم الجواز ، مع أنه تعليل لعدم الوجوب ، وأيضا فإن بلوغ الغاية قد لا يؤدي الى عسر الوجود لكنه لا يجب ، لان الواجب ما تندفع به الجهالة ، وهي الأوصاف التي تتفاوت القيمة بتفاوتها تفاوتا لا يتغابن الناس بمثله.

قوله : ( فلو أفضى الإطناب إلى عزة الوجود ، كاللآلئ الكبار التي تفتقر إلى التعرض فيها للحجم ، والشكل ، والوزن ، والصفاء ، واليواقيت ، والجارية الحسناء مع ولدها ، إلى ما أشبهه ، لم يصح ).

أما إذا أفضى الإطناب الى عزة الوجود فإنه لا يصح ، لأنّ عقد السلم عقد مبني على الغرر ، لأنه بيع ما ليس بمرئي ، فإذا كان عزيز الوجود وكان مع الغرر مؤديا إلى الخصومة والنزاع والفسخ ، فكان منافيا للمطلوب فلا يصح ، إلا أنّ‌


______________________________________________________

الأشياء منها ما لا يمكن السلم فيه ، لأنّ صفاته التي تتفاوت القيمة باعتبارها تفاوتا بينا كثيرة ، إذا عددت أدى الى عسر وجوده ، وبدونها لا يحصل العلم بوصفه.

فمن ذلك كبار اللآلئ فإنه يمتنع السلم فيها ، إذ معظم صفاتها تتفاوت القيم باعتبارها أشد تفاوت ، فان لم تذكر جمعيها حصلت الجهالة ، وإن ذكرت عز وجودها فامتنع السلم فيها.

وكذا اليواقيت بخلاف صغار اللآلئ ، لعدم اعتبار أكثر الصفات حينئذ ، اكتفاء بالوزن والعدد مع تعدد بعض الصفات ، فمن ثم جاز السلم في صغارها دون كبارها ، كما سيأتي.

ولا كذلك اليواقيت ، لاعتبار الصفات في كبارها وصغارها ، حتى لو فرض الاكتفاء في بيع صغارها بالوزن لألحقناها باللآلي.

ومنها ما يمكن السلم فيه ، لأنّ صفاته التي تتفاوت القيمة باعتبارها كذلك يمكن ضبطها ، فهذه إن استقصي فيها لم يصح ، وإلاّ صح كالجارية الحسناء مع ولدها ، فان وصفها بصفات تفضي الى عزة الوجود ، بان يصف أعضائها وولدها كذلك ، بخلاف ما لو لم يصفها بما يصيّرها كذلك ، فإنه يصح إذا استوفى الصفات التي بها تتفاوت القيمة تفاوتا بينا.

ويمكن أن يقال : إنّ وجود الجارية الحسناء ـ أي : التي تطلب لأجل الحسن ، وهي السرية ـ مع ولدها الذي تعتبر فيه الصفات الرافعة للجهالة ، أو أمها ، أو عمها ، ونحو ذلك ، مما يعز وجوده ويعسر تحصيله ، فيمتنع السلم فيها وان لم يستقص في أوصافها ، بخلاف الجارية التي تطلب للخدمة ، لأنّ أوصافها أقل من أوصاف المطلوبة للحسن ، وهذا هو المتبادر من عبارة المصنف.

وإن كان الضابط المذكور في كلامه وكلام غيره ـ من أنّ المعيار في جواز السلم إمكان الوصف الذي به تتفاوت القيمة ، ولا يؤدي الى عسر الوجود ـ يقتضي أنه لو أمكن وصفها بصفاتها المعتبرة ، ولم يؤد الى عسر الوجود جاز السلم فيها.


عسر التسليم ، والأقرب جوازه في اللآلئ الصغار مع ضبط وزنها ووصفها لكثرتها.

ويجوز اشتراط الجيد والردي‌ء والأردأ على إشكال ـ ينشأ من عدم ضبطه ،

______________________________________________________

والحق أنّ الجزم بأنّ الجارية المطلوبة للحسن متى وصفت ـ كما سيأتي ـ بالصفات المعتبرة عزّ وجودها غير ظاهر ، وكذا ما أشبه هذه الأشياء ، فقول المصنف : ( الى ما أشبهه ) معناه : مضافا الى ما أشبهه.

إذا عرفت ذلك ففي عبارة الكتاب مناقشة ، لأنها تقتضي أنّ الجواهر الكبار مما لا يصح السلم فيها إذا استقصيت أوصافها ، نظرا الى قوله : ( بل يقتصر على ما يتناوله الاسم ، فلو أفضى الإطناب ... ) ، لأنّ مقتضى العبارة أنّ هذه من الصور التي يقتصر فيها على ما يتناوله الاسم ، وإن كان مقتضى قوله : ( التي تفتقر الى التعرض ... ) أنّ هذه وأمثالها لا بد فيها من التعرض إلى الأوصاف المفضية إلى عسر الوجود ، لأنّ صفاتها التي بها تختلف القيمة كثيرة جدا ، ومقتضى عطفه اليواقيت عليها يقتضي إلحاقها بها في حكمها ، لأنّ جميعها تتفاوت قيمتها بالأوصاف الكثيرة ، ولا يكفي فهيأ نحو الوزن ، وكذا الجارية الحسناء ، مقتضى عبارته أنه لا يجوز السلم فيها مطلقا ، وفيه ما عرفت.

قوله : ( والأقرب جوازه في اللآلئ الصغار ... ).

وجه القرب : أنها تباع وزنا ، ولا تعتبر فيها صفات كثيرة تتفاوت القيمة بها تفاوتا بينا ، بخلاف الكبار ، وضابط الصغار كل ما يباع بالوزن ، ولا تلاحظ فيها الأوصاف الكثيرة عرفا ، وتحديد بعض إياها بما يطلب للتداوي دون التزين ، أو ما يكون وزنه سدس دينار رجوع الى ما لا دليل عليه.

قوله : ( والأردأ على إشكال ، ينشأ من عدم ضبطه ).

فانّ ما من ردي‌ء إلا ويمكن أردأ منه ، والوجه الثاني يستفاد من قوله :( وقبض الجيد ... ) وبيانه : أنّ له مرجعا فلا يكون غير منضبط ، لوجوب قبض‌


ووجوب قبض الجيد لا يقتضي تعيينه عند العقد ـ لا الأجود.

وكلّ ما يمكن ضبط أوصافه المطلوبة يصح السلم فيه وإن كان مما تمسّه النار ، فيجوز في عيدان النبل قبل نحتها لا المعمول ، والخضر ، والفواكه ، وما تنبته الأرض ، والبيض ، والجوز ، واللوز ، وكلّ أنواع الحيوان ، والأناسي ، واللبن ، والسمن ، والشحم ، والطيب ، والملبوس ، والأشربة والأدوية وإن كانت مركبة إذا عرفت بسائطها ، وفي جنسين مختلفين ينضبط كلّ منهما بأوصافه ، وفي شاة لبون ـ ولا تجب ذات لبن ، بل ما من شأنها ـ

______________________________________________________

الجيد في باب السلم ، فإذا أتي بردي‌ء فإن كان هو الاردأ فلا بحث ، وإلا وجب قبضه ، لأنه جيد بالإضافة إلى الاردأ.

وقوله : ( ووجوب قبض الجيد ... ) جواب عن هذا ، تقريره : وجوب قبض الجيد لا يصيّر الاردأ مضبوطا عند العقد ومتعينا ، بل لا يقتضي كونه مضبوطا في وقت أصلا.

وقد عرفت أنّ ضبط المسلم فيه شرط لصحة السلم ، أما أنه لا يقتضي ضبطا فلانه ليس من أفراده ، ويزيده أيضا حسا أنه لو امتنع من أداء المسلم فيه ، لم يتمكن الحاكم من إجباره ، لأنّ الأردأ غير مضبوط ليجبر على تسليمه ، والجيد غير مستحق عليه ، وهذا ظاهر ، فلا يجوز السلم في الاردأ ، وهو الأصح.

قوله : ( فيجوز في عيدان النبل قبل نحتها لا المعمول ).

هذا متفرع على قوله : ( وكل ما يمكن ضبط أوصافه ... ) ، وإنما جاز السلم في غير المنحوت لإمكان ضبطه ، لكن لا بد من التقدير بالوزن ، أو العدد ، أما المعمول فلا يجوز ، سواء كان عليه ريش أم لا ، لعدم إمكان ضبطه ، لأن أطرافه خفيفة ووسطه ثخين مع كونه مخروطا فلا يمكن ضبطه.

قوله : ( وفي شاة لبون ، ولا تجب ذات لبن ، بل ما من شأنها ).

هذا رد على الشافعي ، حيث منع في أحد قوليه من السلف في شاة لبون ،


وفي شاة ذات ولد أو جارية كذلك على رأي ، أو حامل على إشكال ينشأ‌ من الجهل بالحمل ،

______________________________________________________

محتجا بأنه بمنزلة السلم في حيوان معه لبن مجهول (١) ، وليس بجيد ، لأنّ الواجب ما من شأنها أن يكون لها لبن وإن لم يكن لها لبن في حال البيع ، حتى لو كان لها لبن حينئذ لم يجب تسليمه ، بل له أن يحلبها ويسلمها.

فعلى هذا يكون المراد باللبون : ما لها لبن بالقوة القريبة من الفعل ، حتى لو دفع شاة حائلا أو حاملا لم يجب القبول.

نعم لو دفع حاملا تضع بعد ساعة ، قد در اللبن في ضرعها أمكن وجوب القبول ، فإنهم ذكروا هذا التفسير في اللبون ردا على الشافعي ، حيث فسرها بما لها لبن بالفعل ، فمنع من السلف فيها.

قوله : ( وفي شاة ذات ولد ، أو جارية كذلك على رأي ).

هذا هو الأصح ، لإمكان ضبط صفاتها المعتبرة في السلم ، وعدم أدائه إلى عسر الوجود ، ومنع الشيخ من ذلك (٢) ، وهو ضعيف ، والمراد : أن يكون الولد منفصلا ، لأنّ الحمل سيذكره.

واعلم أنّ ظاهر كلامه السابق : من أنّ السلم في الجارية الحسناء مع ولدها لا يجوز ، يقتضي أن تكون هذه مقيدة بكونها غير حسناء ، وهي الجارية المطلوبة للخدمة كالزنجية ، دون المطلوبة للتسري.

إلا أن تحمل عبارته السالفة على أنّ المراد : المنع من الجارية الحسناء مع ولدها إذا استقصي في أوصافها ، فتكون هذه على إطلاقها ، إلا أنه يرد عليه عدم الاحتياج في التصور الى ذكر الولد ، لأنّ الاستقصاء فيها وحدها مانع وإن لم يكن معها ولد.

قوله : ( أو حامل على اشكال ، ينشأ من الجهل بالحمل ).

__________________

(١) الأم ٣ : ١٢٠ ، التلخيص الحبير في تخريج الرافع الكبير المطبوع مع المجموع ٩ : ٢٨٣.

(٢) المبسوط ٢ : ١٧٦.


والمختلطة المقصودة الأركان إذا أمكن ضبطها كالعتابيّ ، والخز الممتزج من الإبريسم والوبر ، والشهد إذ الشمع كالنوى ، وكذا كلّ ما لا يقصد خليطه كالجبن وفيه الأنفحة ، ودهن البنفسج ، والبان ، والخل وفيه الماء ، والصفر ، والحديد ، والرّصاص ، والنحاس ، والزئبق ، والكحل ، والكبريت.

______________________________________________________

ومن أنه تابع فاغتفرت جهالته ، ولهذا جاز بيعه مع الام ، وهو الأصح.

قوله : ( والمختلطة المقصودة الأركان ).

احترز به عما لا يقصد بعض أجزائه ، كالماء في الخل.

قوله : ( كالعتابي ).

هو قماش معروف ، منسوب الى عين تاب بلد بالشام ، أدغمت النون في التاء.

قوله : ( والخز الممتزج من الإبريسم ، والوبر ).

ضمن الممتزج معنى المختلط فعدّاه بـ ( من ) ، وحقه التعدية بالباء ، يقال : امتزج كذا بكذا.

قوله : ( ودهن البنفسج ، والبان ).

وإن كان فيهما أجزاء من الطيب ، لأنّ المقصود هو الدهن المخلوط لا الخليط ، ولهذا لو مزج السمسم بالبنفسج ونحوه ، ثم اعتصر حصل المراد من دهن البنفسج.

قوله : ( والصفر ، والحديد ، والرصاص ، والنحاس ، والزئبق ، والكحل ، والكبريت ).

يمكن عطف هذا على ما تقدم مما يجوز السلم فيه ، إذا ضبطت أوصافه ، ويمكن عطفه على المختلط الذي لا يقصد خليطه ، فانّ كل واحد لا يخلو من مخالطة جز من معدن آخر ، أو تراب ، أو نحو ذلك.

واعلم أن الصفر بضم الصاد المهملة ، قال في الجمهرة : والصفر : هو‌


وكلّ ما لا يمكن ضبطه بالوصف لا يصح السلم فيه ، كاللحم مطبوخه ونيّه ، والخبز ، والجلود ، والجواهر التي يعسر ضبطها.

فروع :

أ : يجب أن يذكر في الحيوان : النوع ، واللون ، والذكورة أو الأنوثة ، والسن.

وفي الأناسي : زيادة القد كرباعي ، أي : أربعة أشبار ، أو خماسي ،

______________________________________________________

الجوهر الذي تسميه العامة الصفر ، وضبط الصاد في الأولى بالضم ، وفي الثانية بالكسر ، والرصاص بفتح الراء ، والنحاس بضم النون ، والزئبق بكسر الزاء والباء مع الهمز ، كذا ضبطه في الجمهرة.

قوله : ( والجواهر التي يعسر ضبطها ).

يمكن أن تكون جملة الصلة وموصولها جملة كاشفة ، فيكون منعا من سلف جميع الجواهر ، والعلة ما أشار إليها من عسر ضبط الصفات.

ويمكن أن يكون للاحتراز ، فيكون ما يفرض ضبطه من غير عسر فيه ، ولا إفضاء الى عزة وجوده جائز السلم ليس ببعيد ، فان نحو العقيق لا يتفاوت الحال في قيمته بتفاوت صفاته تفاوتا بيّنا كاللآلئ الكبار فيجوز السلم فيه ، وبه أفتى في الدروس (١).

قوله : ( كرباعي ، أي : أربعة أشبار ، وخماسي ).

الرباعي والخماسي بضم أوله ، وتعرض لتفسيره بما ذكره ، للرد على بعض العامة الذين نزلوه على ارادة السن ، أي : ابن أربع سنين ، أو خمس ، ونزلوا ذكر السن على وصف الأسنان ، كأن يقول : مفلج الثغر ، ونحو ذلك (٢) ، وليس بشي‌ء ، لأن التعرض الى وصف عضو لا يجوز ، لعزة الوجود.

__________________

(١) الدروس : ٣٥٤.

(٢) انظر : تلخيص الحبير في تلخيص الرافع الكبير المطبوع مع المجموع ٩ : ٢٨٣ ، وفتح العزيز مع المجموع ٩ : ٢٩١ ، والأم ٣ : ٩٥.


فيقول : عبد تركي ، أسمر ، ابن سبع ، طويل أو قصير أو ربع ، وينزّل كلّ شي‌ء على أقل الدرجات.

ولا يجوز وصف كلّ عضو للعزة ، والأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده وإن كان استقصاء ، كالسمن والجعودة.

______________________________________________________

قوله : ( أو ربع ).

رجل ربع ومربوع وربعة ، إذا كان معتدل الخلق كما في الجمهرة (١).

قوله : ( وينزّل كل شي‌ء على أقل الدرجات ).

فإذا أتى بما يقع عليه اسم الوصف المشروط وجب القبول ، ولم يكن للمسلم المطالبة بدرجة أعلى ، لأنّ المدار على صدق الاسم والدرجات لا نهاية لها ، وأراد بقوله : ( وينزّل كل شي‌ء ) : جميع الأوصاف الجارية في عقد السلم.

قوله : ( والأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده وإن كان استقصاء كالسمن ، والجعودة ).

هذا هو الأصح ، لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ، ويحتمل وجوب اشتراط ذلك ، لأنّ هذه الصفات مقصودة وتتفاوت باعتبارها القيمة.

والمفهوم من العبارة : أن مقابل الأقرب احتمال عدم الجواز ، وهو الذي فهمه الشارحان (٣) ولا وجه له ، لما سبق من أنّ ضابط الاستقصاء المانع من الصحة : ما أفضى إلى عسر الوجود ، قال في التذكرة : وبالجملة الضابط عزة الوجود وتعذره ، فيبطل معه ويصح بدونه (٤) ، وعبارة التذكرة يظهر منها أنّ الاشكال في الوجوب وعدمه ، وهو الذي يقتضيه النظر ، فانّ المنع لا يعقل وجهه.

__________________

(١) في « م » : جمهرة ، وما أثبتناه أنسب للسياق.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، الخلاف ١ : ٥٠٨ ، عوالي اللآلي ١ : ٢١٨ حديث ٨٤.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٦٠.

(٤) التذكرة ١ : ٥٥٠.


ويرجع في السن إلى الغلام مع بلوغه ، ومع صغره إلى السيد ، فان جهل فإلى ظنّ أهل الخبرة.

ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب ذكر الصنف ، ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه.

______________________________________________________

قوله : ( ويرجع في السن الى الغلام مع بلوغه ، ومع صغره الى السيد ، فان جهل فالى ظن أهل الخبرة ).

استشكل في التحرير الرجوع الى قول الغلام (١) ، والذي يظهر أنّ الاشكال (٢) في الرجوع الى قوله وقول السيد ، فإنه ليس المفهوم من الرجوع الى قوله إلا وجوب القبول ، بحيث لا يكون للمسلم رده والمطالبة بغيره ، وذلك بعيد عن قوانين الشرع ، بل الذي ينبغي أن يقال : إذا لم يصدقه المسلم ، ولم يمكن إقامة البينة يرجع الى ظن أهل الخبرة.

والظاهر لا تشترط العدالة ، لأنّ اشتراطها يفضي الى العسر ، وقد يفضي الى تعذر التسليم. إذا عرفت هذا فالذي ينزّل عليه اشتراط كونه ابن سبع ونحوه ، هو أن يكون في السنة السابعة مثلا ، ولا يتفاوت الحال بزيادة أو نقصان في السنة ، إذ لو اعتبر مقدار معين في السنة لم يجز اشتراطه ، لإفضائه إلى عسر الوجود.

قوله : ( ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب ذكر الصنف ).

المراد بالنوع هنا : ماعد في العرف نوعا كالنوبي والحبشي ، فلو كان هذا أصنافا مختلفة فلا بد من التعرض الى المراد.

قوله : ( ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه ).

أي : إن اتحد لون النوع كفى ذكر النوع عن اللون ، للتلازم في العادة ، فيعرف من هذا أنّ اللون إذا تعدد في النوع الواحد ، فلا بد من التعرض اليه ، وربما حملت العبارة على عود ضمير ( عنه ) الى الصنف ، وهو خلاف المفهوم منها ، مع أنه‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٩٤.

(٢) في « م » : الإشكالات ، والأنسب ما أثبتناه.


ب : يذكر في الإبل : الذكورة أو الأنوثة ، والسن كبنت مخاض ، واللون كالحمرة ، والنوع كنعم بني فلان أو نتاجهم بختي أو عربي ، إن‌

______________________________________________________

غير مطابق للحكم ، فانّ اتحاد اللون لا يكفي عن ذكر الصنف في النوع مع الاختلاف.

وهل يجب التعرض في الجارية إلى البكارة والثيبوبة؟ اشكال ، قال في التذكرة : لا يجب الا مع اختلاف القيمة باختلافهما اختلافا بينا (١).

قوله : ( والنوع كنعم بني فلان ، أو نتاجهم ... ).

أي : ونتاج بني فلان ، والمراد به : ما ينتج عندهم كطي بني قيس ، وإنما يصح ذلك بشرطين :

أحدهما : أن يكون المنسوب إليهم كثيرين ، فلو كانوا قليلين كان ذلك كاشتراط الثمرة من بستان بعينه فلا يصح ، لأنه يشترط في المسلم فيه عمومية الوجود.

الثاني : أن يكون للمنسوب إليهم نتاج معروف غير قليل ، فلا يصح بدون ذلك ، فقوله : ( إن كثروا ) شرط لتعين النوع بنعم بني فلان ، ومعناه : أنه لا بد من تعيين النوع ، ومن صور تعينه نسبة الإبل إلى بني فلان ، أو نتاجهم بالشرطين المذكورين ، وذلك كما لو عيّن النوع ببختي أو عربي.

والبختي بضم الباء ، وإسكان الخاء المعجمة ، وتشديد الياء ، واحد البخاتي : وهي الإبل الخراسانية ، فقول المصنف : ( كبختي ، أو عربي ) معناه : تعيّن نوعها بنعم بني فلان ونتاجهم ، كما يعينه ببختي أو عربي. هذا على ما في بعض النسخ من وجود الكاف ، فأما ما لا كاف فيها ففي صحة العبارة فيه تكلف ، لأنه لا يستقيم [ كونه بدلا ، إذ كل من المذكورين مقصود على تقدير التعيين به ، ولا يستقيم ] (٢) له معنى غير ذلك ، إلاّ بارتكاب تعسف.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٢.

(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخ الخطية ، أثبتناه من الحجرية لاقتضاء السياق له.


كثروا وعرف لهم نتاج ، وإلاّ بطل ، كنسبة الثمرة إلى بستان.

وفي الخيل : السن ، واللون ، والنوع كعربي أو هجين ، ولا يجب التعرض للشياه ، كالأغر والمحجل.

وفي الطيور : النوع ، والكبر والصغر من حيث الجثة ، ولا نتاج للبغال والحمير ، بل يذكر عوضه النسبة إلى البلد.

ج : يذكر في التمر أربعة أوصاف : النوع كالبرني ، والبلد إن اختلف الوصف كالبصري ، والقدّ كالكبار ، والحداثة أو العتق.

______________________________________________________

قوله : ( والنوع كعربي أو هجين ).

العربي : هو كريم الأبوين ، والهجين : هو كريم الأب خاصة ، وعكسه المقرف.

قوله : ( ولا يجب التعرض للشيات ).

وهي جمع شية ، وهي في الأصل مصدر وشاه وشياه وشية : إذا خلط بلونه لونا آخر ، والأغر هو : ذو البياض في وجهه ، والمحجل : ذو البياض في قوائمه ، أو في رجليه ، أو إحداهما مع اليدين ، أو إحداهما ، ولا يقال : محجل لذي البياض في اليدين خاصة ، نص عليه في القاموس (١).

قوله : ( ولا نتاج للبغال والحمير ).

أي : لا يتنوع أحدهما بكونه نتاج بني فلان ، بخلاف الإبل والخيل ، وأما الغنم والبقر فان عرف لها نتاج فكالإبل ، والا فكالبغال.

قوله : ( والحداثة والعتق ).

هي ضد الحداثة ، قال في التذكرة في السمن ، وأنه حديث أو عتيق (٢) ، وإطلاقه يقتضي الحديث ، لأنّ العتيق معيب ، فمقتضاه جواز السلم مع إطلاقه.

__________________

(١) القاموس المحيط ( حجل ) ٣ : ٣٥٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٢.


وفي البرّ وغيره من الحبوب : البلد ، والحداثة والعتق ، والصرابة أو ضدها.

والعسل : البلد كالمكي ، والزمان كالربيعي ، واللون ، وليس له إلاّ مصفّى من الشمع.

وفي السمن : النوع كالبقري ، واللون كالأصفر ، والمرعى ، والحداثة أو ضدها.

وفي الزبد : ذلك ، وأنه زبد يومه أو أمسه.

وفي اللبن : النوع ، والمرعى ، ويلزمه مع الإطلاق حليب يومه.

د : يذكر في الثياب ثمانية : النوع كالكتان ، والبلد ، واللون ، والطول ، والعرض ، والصفاقة ، والرقة ، والنعومة أو أضدادها.

______________________________________________________

قوله : ( والصرابة أو ضدها ).

المراد بالصرابة : كونها خالصة من خليط آخر كتراب ونحوه ، ولم أظفر له بمعنى في اللغة ، وكأنه خطأ.

قوله : ( وليس له إلا مصفى من الشمع ).

لأنّ الشمع ليس عسلا ، وقد اعتيد تصفيته.

قوله : ( وفي السمن : النوع ـ الى قوله : ـ والمرعى ).

الظاهر أنّ الرجوع في المرعى الى قول أهل الخبرة ، وعلى ما سبق في الغلام ـ من الاكتفاء بقول السيد ـ ينبغي هنا أن نكتفي بقول المسلم اليه.

قوله : ( وفي الزبد ذلك ، وأنه زبد يومه أو أمسه ).

لأنّ أجزاء اللبن مخالطة له ، فإذا تجاوز يومه ربما حصل فيه حموضة.

قوله : ( ويلزمه مع الإطلاق حليب يومه ).

لأنه إذا تجاوز يومه تحصل فيه حموضة وتغير ، وذلك عيب ، والإطلاق إنما يحمل على الحلو الباقي على صفته التي يخرج عليها ، وذلك إنما هو في اليوم غالبا.


ولو ذكر الوزن بطل لعزته ، وله الخام إلاّ أن يشترط المقصور.

ويذكر في الغزل : النوع كالقطن ، والبلد ، واللون والغلظ ، والنعومة أو أضدادها.

وفي القطن : ذلك ، إلاّ الغلظ وضده ، فان شرط منزوع الحبّ فله ، وإلاّ كان له بحبّه مع الإطلاق ، كالتمر بنواه على إشكال.

ويذكر في الصوف : البلد ، والنوع ، واللون ، والطول أو القصر ، والزمان ، وفي اشتراط الأنوثة أو الذكورة نظر ، وعليه تسليمه نقيا من الشوك والبعر.

هـ : يذكر في الرصاص : النوع كالقلعي والأسرب ، والنعومة أو‌

______________________________________________________

قوله : ( وإلا كان له بحبه مع الإطلاق كالتمر بنواه ، على اشكال ).

ينشأ من ابتناء العرف على كون التمر بنواه بخلاف القطن ، والأصح إن كان في بلد المتعاقدين عرف مستقر ، يتفاهم أحد الأمرين منه عند الإطلاق كان إطلاق العقد بمنزلة التقييد بذلك المتعارف ، وإلا وجب التعيين فيبطل بدونه.

قوله : ( وفي اشتراط الأنوثة أو الذكورة نظر ).

ينشأ من التفاوت في النعومة والخشونة اللتين هما مظنة تفاوت القيمة ، وفي التذكرة مال الى اشتراط ذلك واستغنى عن اشتراط النعومة والخشونة (١) وفي الاشتراط لأحد الأمرين قوة. ولو اعتبرنا في الاشتراط تفاوت القيمة باعتبارهما عرفا وعدمه أمكن ، لأنّ مدار هذه الأوصاف إنما هو على اختلاف القيمة باختلافهما ، فربما كان العامي أعرف بها من الفقيه ، كما صرح به في الدروس.

قوله : ( كالقلعي والأسرب ).

في حواشي شيخنا الشهيد : القلعي بفتح اللام ، وجدته بخط بعض الأدباء ، والذي ذكر في الصحاح بتسكين اللام ، منسوب الى القلع ، وهو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٢.


الخشونة ، واللون ، ويزيد في الحديد : ذكرا أو أنثى.

ولو انضبطت الأواني جاز السلف فيها. فيضبط الطست جنسه ، وقدره ، وسمكه ، ودوره ، وطوله.

وفي الخشب : النوع ، واليبس أو الرطوبة ، والطول ، والعرض والسمك ودوره ، ويلزمه أن يدفع من طرفه إلى طرفه بذلك السمك والدور. ولو كان أحد طرفيه أغلظ من الشرط فقد زاده خيرا ، ولا يلزمه القبول لو كان أدقّ ، وله سمح خال من العقد.

و : الصفات إن لم تكن مشهورة عند الناس لقلة معرفتها كالأدوية والعقاقير ، أو لغرابة لفظها ، فلا بد وأن يعرفها المتعاقدان وغيرهما.

وهل تعتبر الاستفاضة ، أم تكفي معرفة عدلين؟ الأقرب الثاني.

______________________________________________________

معدن (١).

قوله : ( الطست ).

هو بالطاء ، والسين المهملتين.

قوله : ( ولو كان أحد طرفيه أغلظ من الشرط فقد زاده خيرا ).

أي : فيجب قبوله ، وبذلك أفتى الشيخ في المبسوط (٢) ، وفيه نظر ، لأنّ الأغراض تختلف بذلك ، فربما قبح منظره بهذا ، وربما زادت مؤنة حمله ، والحق أنه إن لم يعد عيبا عادة ، ولم يفت به شي‌ء من الأغراض المقصودة يجب قبوله ، وإلا فلا.

قوله : ( وهل تعتبر الاستفاضة ، أم يكفي عدلان؟ الأقرب الثاني ).

قلت : هذا لا يناسب ما بنى عليه الباب من عدم الجواز فيما لا يعمّ وجوده ويعز (٣) حصوله ، ولا ريب أنّ معرفة العدلين مما لا يوثق بالرجوع إليهما ، لإمكان‌

__________________

(١) الصحاح ( قلع ) ٣ : ١٢٧١.

(٢) المبسوط ٢ : ١٧٨.

(٣) في « م » : ولا يعز ، وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٤ : ٤٥٢ عن جامع المقاصد ، وهو الصحيح.


الشرط الثالث : الكيل أو الوزن في المكيل والموزون : ولا يكفي العدّ في المعدودات ، بل لا بدّ من الوزن في البطيخ والباذنجان والبيض والرمان.

وإنما اكتفي في البيع بعدّها للمعاينة ، أما السلم فلا ، للتفاوت ، ولا يجوز الكيل في هذه لتجافيها في المكيال.

أما الجوز واللوز ، فيجوز كيلا ووزنا وعددا لقلة التفاوت ، وفي جواز تقدير المكيل بالوزن وبالعكس نظر.

ويشترط في المكيل العمومية ، فلو عيّن ما لا يعتاد كجرة وكوز‌ بطل ،

______________________________________________________

موت أحدهما أو غيبته ونحوها ، فالأقرب حينئذ اعتبار الاستفاضة.

قوله : ( الكيل أو الوزن في المكيل والموزون ).

قد يتوهم أن ما لا يكال ولا يوزن ، بل يباع جزافا يجوز السلم فيه جزافا ، وليس كذلك ، لأنّ بيعه مشاهدا سليم من الغرر بالمشاهدة ، فإذا بيع سلما احتيج الى تقديره بمعلوم ، وسيأتي في حكم القصب والحطب ما ينبه عليه.

قوله : ( ولا يكفي العدد في المعدودات ).

هذه العبارة وإن أطلقها ، لكن سيأتي في اللوز والجوز الجواز كيلا ووزنا وعددا ، لقلة التفاوت. وفي التذكرة : أنه لا يباع عددا من المعدودات صغيرها ولا كبيرها ، للتفاوت فيقتضي الغرر ، أما كيلا فلا بأس ، لأنها لا تتجافى في المكيال فيلزم التفاوت ، إنما ذلك في كبار المعدودات (١).

قوله : ( وفي جواز تقدير المكيل بالوزن وبالعكس نظر ) (٢).

قوله : ( ويشترط في المكيل العمومية ، فلو عيّن ما لا يعتاد كجرة وكوز بطل ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٦.

(٢) هكذا وردت في النسخ الخطية بدون شرح.


ولو اعتيد فسد الشرط وصح البيع ، وكذا صنجة الوزن ، فلو عينا صخرة مجهولة بطل ولو كانت مشاهدة.

ويجوز في المذروع أذرعا ، ولا يجوز في القصب أطنانا ، ولا الحطب حزما ، ولا الماء قربا ، ولا المجزوز‌ جزا.

______________________________________________________

المكيل كمنبر : زنبيل يسع ثلاثة عشر صاعا ، ولا يحسن في هذا الموضع ، بل حقه أن يقول : المكيال ، لأنّ المراد به : آلة الكيل مطلقا لا هذا الزنبيل المخصوص ، إذ لو أريد لم تصح العبارة ، فإنّ ما علم سعته لمقدار معلوم عموميته ثابتة ، وحينئذ فلا يصح تفريع ما ذكره من تعيين ما لا يعتاد كالجرة والكوز ، ولم أظفر في كلامهم بالمكيل بالياء من تحت ، إنما المعروف مكيال.

واعلم أنّ حق العبارة أن يقول : فلو عيّن مجهول القدر بين الناس ، فانّ عدم الاعتياد مع علم المقدار لا دخل له في عدم الصحة.

قوله : ( ولو اعتيد فسد الشرط ، وصح البيع ).

المراد : ولو عيّن مكيالا معتادا فسد الشرط بخصوص ذلك المكيال ، إذ لا يتعلق به غرض ، فاشتراطه بمنزلة عدم الاشتراط فيكون لغوا ، فيكون البيع صحيحا ، ويحتمل فساد البيع ، نظرا إلى صورة الشرط ، فان المشترط غير عام ، والتراضي إنما وقع على ذلك.

ويندفع ، بأنّ عدم تعلق الغرض به قرينة على أنه لا يراد خصوصه ، فيلغو اشتراطه.

واعلم أنّ ظاهر قوله : ( ولو اعتيد ) يقتضي أنّ المشترط لو اعتيد بعد أن لم يكن معتادا ، وهو غير مراد قطعا.

قوله : ( وكذا صنجة الوزن ).

الصنجة ، بفتح الصاد : ما يوزن به ، معرب.

قوله : ( ولا يجوز في القصب أطنانا ، ولا الحطب حزما ، ولا الماء قربا ، ولا المجزوز جزا ).


وكذا يشترط في الثمن علم مقداره بالكيل أو الوزن العامين.

ولا تكفي المشاهدة مع تقديره بأحدهما ، ولو كان من الأعواض الغير المقدرة بأحدهما جاز ، كثوب معلوم ودابة مشاهدة وجارية موصوفة فإنه يجوز إسلاف الأعواض في الأعواض وفي الأثمان ، والأثمان في الأعواض ، ولا يجوز في الأثمان بالأثمان.

______________________________________________________

لما فيها من التفاوت الموجب للغرر في عقد السلف ، وجواز بيعها مشاهدة جزافا لا يقدح ، لانتفاء المشاهدة التي بها يندفع الغرر عما يباع جزافا.

قوله : ( فإنه يجوز إسلاف الأعواض في الأعواض ).

إذ لا مانع [ من ذلك ، وكذا يجوز إسلاف الأعواض ] (١) في الأثمان ، لما قلناه من عدم المانع.

قوله : ( ولا يجوز في الأثمان بالأثمان ).

لو اقتصر على قوله : ( ولا يجوز في الأثمان ) اكتفاء بدلالة ما قبله ، على أنّ المسلف الأثمان ، وإنما لم يجز لأنّ التقابض قبل التفرق شرط ، وهو مناف للأجل ، ومع ذلك الزيادة الحكمية الحاصلة باعتبار الأجل موجبة للربا فيما إذا تماثل العوضان ، إذ للأجل اعتبار في الثمن.

ويرد على إطلاق هذا الحكم إمكان الجمع بين الأجل والتقابض قبل التفرق ، فلا تتحقق المنافاة ووقوع السلم حالا ، فلا يلزم الربا بالزيادة الحكمية.

ويمكن الجواب بان الجمع بين الأجل والتقابض وإن كان ممكنا ، إلا أن الأجل مانع من التقابض مدته ، فيكون العقد حينئذ

معرضا للبطلان في كل وقت من أوقات الأجل ، وعدم حصول التفرق قبل التقابض لا يدفع كونه معرضا لذلك ، والأولى المنع مطلقا كما اختاره المصنف في التذكرة (٢).

وأما السلم الحال فهو بيع في الحقيقة ، وليس هو سلما في الحقيقة وإن‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخ الخطية ، أثبتناه من الحجرية لاقتضاء السياق له.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٠.


الشرط الرابع : قبض الثمن في المجلس :

فلو تفرقا قبله بطل ، ولو تفرقا بعد قبض البعض صح فيه خاصة ، وللبائع الامتناع من قبض البعض للتعيب ، بخلاف الدين.

ولو كان الثمن خدمة عبد ، أو سكنى دار مدة معينة صح ، وتسليمهما بتسليم العين. ‌

______________________________________________________

كان بلفظه ، لما سيأتي من أنه لا بد من التصريح بالحلول مع لفظ السلم ، أو ذكر الأجل مضبوطا والا بطل لاقتضائه الأجل ، ولم يعين ، فعلم من ذلك أنّ السلم لا يكون حالا ، ومتى وقع حالا لا يكون سلما.

قوله : ( وللبائع الامتناع من قبض البعض للتعيب ، بخلاف الدين ).

أي : للتعيب بالتشقيص ، فانّ العقد إنما وقع على المجموع ، فيجب تسليم المجموع ، ولا كذلك الدين ، فيجب على صاحبه قبض البعض ، لانتفاء التعيب المذكور ، ولكن يجب أن يقيد هذا بما إذا كان الدين عوض إتلاف ، أو ضمان ، ونحوهما.

أما لو كان مبيعا فيجب القول : بأن للمشتري الامتناع من قبض البعض الى أن يسلمه الجميع ، فعين ما ذكرناه.

وليس لقائل أن يقول : إنّ المقتضي لعدم وجوب قبض البعض ليس هو التعيب بالتشقيص فقط ، بل هو مع تطرق انفساخ العقد في الباقي ، للتفرق قبل قبضه ، لأنا نقول : ان التشقيص وحده كاف في ثبوت العيب ، وإن قارنه الأمر الآخر فيجب أن يثبت الحكم في الموضع الذي ذكرناه ، وقد اقتصر في التذكرة على التعليل به (١).

قوله : ( وتسليمها بتسليم العين ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٦.


ولا يشترط التعيين ، فلو قال : أسلمت إليك دينارا في ذمتي بكذا ، ثم عين وسلّم في المجلس جاز.

ولو أسلم مائة في حنطة ومثلها في شعير ، ثم دفع مائتين قبل التفرق ، ووجد بعضها زيوفا من غير الجنس ، وزع بالنسبة ، وبطل من كلّ جنس بنسبة حصته من الزيوف.

ولو أحاله بالثمن ، فقبضه البائع من المحال عليه في المجلس فالأقوى عندي الصحة.

______________________________________________________

أي : تسليم الخدمة والسكنى ، وربما وجد وتسليمهما ، أي : تسليم كل من الخدمة والسكنى ، وهذا وإن لم يكن تسليما للخدمة والسكنى حقيقة ، فهو في حكم التسليم ، إذ الممكن من تسليمها ليس شيئا زائدا على ذلك.

قوله : ( فلو قال : أسلمت إليك دينارا في ذمتي ... ).

لا يريد به : أنّ ذمتي تكون مذكورة في العقد ، وإنما أراد به المصنف :كشف المراد ، بان يبين بان الدينار غير معين ، ليقابل به الثمن ، فنص على أنّ موضعه الذمة ، إذ لو اقتصر على قوله : ( أسلمت إليك دينارا ) في العبارة لم يمتنع تقييده بما يصيره معينا.

قوله : ( وبطل من كل جنس بنسبة حصته من الزيوف ).

إذ لا أولوية لأحدهما على الآخر في كون الزيوف محسوبة من ثمنه دون ثمن الآخر.

قوله : ( ولو أحاله بالثمن فقبضه البائع من المحال عليه في المجلس ، فالأقوى عندي الصحة ).

وجه القوة : أنّ الحوالة ناقلة ، لأنها تقتضي تحويل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فإذا اقترنت بالقبض في المجلس حصل الشرط.

قال بعض الشافعية : يبطل السلم ، لتحول الحق إلى ذمة المحال عليه ،


ولو جعل الثمن في العقد ما يستحقه في ذمة البائع بطل ، لأنه بيع دين بدين على إشكال.

ولو لم يعيّنه ، ثم حاسبه بعد العقد من دينه عليه ، فالوجه الجواز.

______________________________________________________

فامتنع الأداء عن المسلم ، لأنه إنما يؤدي عن نفسه (١) ، وليس بشي‌ء ، لأنه يؤدي عن نفسه مال المسلم الذي تحول الى ذمته ، وربما قيل بالمنع ، لأنّ الحوالة معاوضة ، فلا تصح عن ثمن السلم قبل قبضه. والأصح الصحة ، لأنه سيأتي أن الأصح إفادتها التحويل.

قوله : ( ولو جعل الثمن في العقد ما يستحقه في ذمة البائع بطل ، لأنه بيع دين بدين على اشكال ).

ينشأ من التردد في كون ما في ذمة أحد المتعاقدين يعد دينا ، بحيث يبطل جعله جزءا للمعاوضة الجارية عن دين آخر ، وينبغي عدم التوقف في إطلاق اسم الدين عليه ، فالأصح البطلان.

قوله : ( ولو لم يعينه ، ثم حاسبه بعد العقد من دينه عليه فالوجه الجواز ).

أي : لو لم يعينه حال العقد ، ووجه الجواز : أنّ ذلك استيفاء فيتحقق به القبض قبل التفرق. ويحتمل البطلان ، لأنّ الثمن قد تشخص بما في الذمة ، فيكون بيع دين بدين.

أو يقال : هذه معاوضة على ثمن السلم فتكون فاسدة ، وكلاهما ضعيف ، لأنّ تعيين الثمن في شي‌ء لا يقتضي كون ذلك هو الثمن الذي جرى عليه العقد ، ولا يعد ذلك أيضا معاوضة ، بل هو استيفاء.

ويشكل بما سبق من كلامه في الصرف ، من أنّ ذلك صرف ذمة بذمة فيكون بيع دين بدين ، إلا أن يوقع ذلك على وجه صلح ونحوه.

__________________

(١) انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٦٢.


ولو شرط تعجيل نصف الثمن وتأخير الباقي لم يصح ، أما في غير المقبوض فلانتفاء القبض ، وأما في المقبوض فلزيادته على المؤجل ، فيستدعي أن يكون في مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤجل ، والزيادة مجهولة.

الخامس : كون المسلم فيه دينا :

فلا ينعقد في عين ، نعم ينعقد بيعا ، سواء كانت العين مشاهدة أو موصوفة.

السادس : الأجل المضبوط بما لا يقبل التفاوت :

فلو شرط أداء المسلم فيه عند إدراك الغلات ، أو دخول القوافل بطل ، وكذا لو قال : متى أردت ، أو متى أيسرت.

ويجوز التأقيت بشهور الفرس والروم ، وبالنيروز والمهرجان ، لأنهما يطلقان على وقت انتهاء الشمس إلى أول برجي الحمل والميزان.

______________________________________________________

قوله : ( وأما في المقبوض فلزيادته على المؤجل ).

فإنّ الأجل له حظ من العوض ، ولهذا يزيد العوض عادة بزيادة الأجل ، فيكون العوض المقبوض في مقابله من المبيع أزيد من النصف ، لتكون الزيادة في مقابل الأجل ، ومقدار الزيادة مجهول.

قوله : ( نعم ينعقد بيعا ، سواء كانت العين مشاهدة أو موصوفة ).

وذلك لأنّ السلم لا يكون إلا مؤجلا ، فإذا وقع حالا امتنع كونه من افراد السلم ، وكون العين موصوفة لا يصيره سلما ، لانتفاء الأجل ، لكن سيأتي أنه لا بد من التصريح بالحلول عما قريب إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وكذا لو قال : متى أردت أو متى أيسرت ).

يجوز في تاء كل منهما الفتح والضم ، إلا أنّ الضم أوقع باعتبار التعليق باليسار ، لأن المناسب تعليق الأداء بيساره.

قوله : ( وبالنيروز والمهرجان ، لأنهما يطلقان على وقت انتهاء الشمس إلى برجي الحمل والميزان ).


ويجوز بفصح النصارى ، وفطير اليهود إن عرفه المسلمون.

ولو أجل إلى نفر الحجيج احتمل البطلان ، والحمل على الأول ، وكذا إلى ربيع أو جمادى.

______________________________________________________

فالنيروز : وقت انتهائها إلى الحمل ، وهو الاعتدال الربيعي. والمهرجان : وقت انتهائها إلى الميزان ، وهو الاعتدال الخريفي ، أعني : الذي يستوي فيه الليل والنهار ، ويريد المصنف بقوله : ( لأنهما يطلقان ) : إطلاقهما بالتوزيع ، لا أنّ كل واحد منهما يطلق على كل من الوقتين.

قوله : ( ويجوز بفصح النصارى ).

هو بكسر الفاء والصاد المهملة : عيد معروف عندهم.

قوله : ( إن عرفه المسلمون ).

يريد : معرفته على وجه يمكن الرجوع اليه عند الاختلاف ، ولا بد من معرفة المتعاقدين به ، مضافا الى معرفة غيرهما.

قوله : ( ولو أجلّ إلى نفر الحجيج احتمل البطلان ، والحمل على الأول ، وكذا إلى ربيع ، أو جمادى ).

منشأ الاحتمالين الاشتراك بين النفرين ، وربيعين ، وجماديين ، وأن الأول منهما هو المتبادر لقربه. وفرّق في التذكرة بين هذه وبين ما إذا قال : إلى الجمعة أو غيره من الأيام ، فحتمّ الحمل على الأقرب هنا ، محتجا بأنّ ذلك قضية العرف المتداول بين الناس (١).

ولك أن تقول : إن اعتبر الاشتراك فهو قائم في الجميع ، أو اقتضاه العرف فالظاهر أنه لا يتفاوت في أن المفهوم من الإطلاق في الجميع أولها ، وهو اختياره في التحرير (٢) ، وظاهر اختيار الدروس (٣).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٨.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٩٥.

(٣) الدروس : ٣٥٧.


وتحمل السنون والشهور على الهلالية وتعتبر الأشهر بالأهلة ، فإن عقدا في أوله اعتبر الجميع بالأهلة ، وإن عقدا في خلاله اعتبرت الشهور بعده بالأهلة ، ثم تمم المنكسر ثلاثين على رأي ، ويحتمل انكسار الجميع بكسر الأول ، فيعتبر الكل بالعدد.

______________________________________________________

قوله : ( وتحمل السنون والشهور على الهلالية ).

أي : فلا تحمل على السنين والشهور الشمسية.

قوله : ( وتعتبر الأشهر بالأهلة ).

الأصل هو هذا ، لأنها هلالية ، فان لم يقع في أول الهلال اعتبر العدد ، لأنه المعنى الثاني للشهر.

فان قيل : ما سبق من حمل الشهور على الهلالية يغني عن قوله : ( تعتبر الأشهر بالأهلة ).

قلنا : لا يغني ، لأنّ المراد بالأول : نفي اعتبارها بانتقالات الشمس أعم من اعتبارها بالعدد ـ اعني : ثلاثين ـ أم بالأهلة ، سواء كان تاما أو ناقصا ، على أنّ إعادة الحكم لبناء حكم آخر عليه لا يعد تكرارا.

قوله : ( فان عقدا في أوله اعتبر الجميع بالأهلة ، وإن عقدا في خلاله اعتبرت الشهور بعده بالأهلة ، ثم تمم المنكسر ثلاثين على رأي ... ).

المراد بعقدهما في أوله : إيقاع العقد فيما يعد عرفا أول الشهر ، فلو تراخى يسيرا عن أول الشهر ، بحيث لا يخل بالأولوية عرفا فالاعتبار بالهلال ، أما لو مضى زمان كثير ، كما لو عقدت في نصف الليل مثلا فالاعتبار بالعدد.

ووجه ما اختاره المصنف في المسألة الثانية : أنّ الأشهر الباقية أمكن إجراؤها على حكم الأصل ، أعني : اعتبارها بالهلال فتعين.

ولا يلزم إكمال الشهر الأول من الذي يليه ، لأنّ الإكمال صادق ، سواء أكمل من الذي يليه أو من غيره ولا يلزم محذور ولو أكمل من غيره ، بخلاف‌


ولو قال : إلى الجمعة أو رمضان حمل على الأقرب ، ويحلّ بأول جزء منهما.

ولو قال : محله في الجمعة أو في رمضان ، فالأقرب البطلان.

ولو قال : إلى أول الشهر أو آخره احتمل البطلان ، لأنه يعبّر به عن جميع النصف الأول والنصف الأخير والصحة ، فيحمل على الجزء الأول.

______________________________________________________

ما لو أكمل من الذي يليه ، فإنه يلزم اختلال الشهر الهلالي مع إمكان اعتباره بالهلال.

قوله : ( ويحل بأول جزء منهما ).

لأنّ الانتهاء إليهما إنما يتحقق بالانتهاء إلى أولهما.

قوله : ( ولو قال : محله في الجمعة ، أو في رمضان فالأقرب البطلان ).

هذا هو الأصح ، للجهالة الحاصلة من عدم التعيين.

قوله : ( ولو قال : إلى أول الشهر أو آخره احتمل البطلان ، لأنه يعبّر به عن جميع النصف الأول ، والنصف الأخير ... ).

أي : الأول يعبّر به عن النصف الأول ، والأخير يعبّر به عن النصف الأخير ، والأصح الصحة ، لأنّ المتعارف من الأول هو أول جزء ، ومن الآخر هو آخر جزء ، على أنه إن تم له إطلاق الأول على جميع النصف الأول كان مقتضى الانتهاء اليه بلوغ أوله.

واعلم أن قوله : ( والصحة ، فيحمل على الجزء الأول ) معناه : ويحتمل الصحة ، لكن الحمل على الجزء الأول إنما يتصور في الصورة الاولى ، وهي التأجيل بأول الشهر ، أما التأجيل بآخره فيكون على تقدير الصحة إلى آخر جزء.


والأقرب عدم اشتراط الأجل ، فيصح السلم في الحال ، لكن يصرح بالحلول ، فإن أطلق حمل على الأجل واشتراط ضبطه ، ولو أطلق ولم يضبطه ثم ضبطه قبل التفرق بطل.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب عدم اشتراط الأجل ، فيصح السلم في الحال ، لكن يصرح بالحلول ).

وجه القرب : دلالته على المراد من البيع ، لأنه يؤدي معنى إيجابه كما سبق ، ولأنّ السلم بيع ، لانه من جملة أفراده ، فلا يكون استعمال لفظه في بيع آخر استعمالا أجنبيا ، إلا أنه يجب أن يصرح بالحلول ، لأن جزء مفهوم السلم بالتأجيل ، فلا بد من صارف يصرفه عن مقتضاه ، وذلك هو التصريح بالحلول.

قوله : ( فإن أطلق حمل على الأجل ).

أي : فان أطلق اللفظ عن التقييد بالحلول ، حمل على مدلوله الأصلي ، وهو البيع إلى أجل ، فيشترط ضبط الأجل حينئذ ، كما أشار إليه بقوله : ( واشترط ضبطه ) ، وهنا سؤالان :

أحدهما : ان اشتراط ضبطه يقتضي ذكره ، فكيف يصدق الإطلاق؟

ودفعه ظاهر ، فإنّ الإطلاق قبل ذكره ، على أن المراد بالإطلاق : عدم ذكر الحلول ، لأنه في مقابله.

الثاني : أنهما إذا قصدا الحلول ، كيف تستقيم صحة البيع إذا ضبط الأجل؟ مع أنه خلاف المقصود.

ويمكن أن يقال : مراده : أنه إذا أطلق عقد البيع بلفظ السلم ، وعرّاه عن قيد الحلول اقتضى التأجيل ، فلا بد لصحته إذا كان مقصودا لهما من ضبط الأجل ، وصيانته عن الزيادة والنقصان ، فإن أهملا ذلك بطل ، وفي الدروس : لو قصد الحلول ولم يتلفظا به صح أيضا (١) ، وهو جيد.

__________________

(١) الدروس : ٣٥٦.


ولو قال : إلى شهر وأبهم اقتضى اتصاله بالعقد ، فالأجل إلى آخره ، وكذا إلى شهرين أو ثلاثة ، أما المعين فيحل بأوله كما تقدم.

ولا يشترط في الأجل أن يكون له وقع في الثمن ، فلو قال : إلى نصف يوم صح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : الى شهر وأبهم اقتضى اتصاله بالعقد ).

لأنّ الإطلاق في الأجل محمول على الاتصال.

قوله : ( فالأجل آخره ).

وذلك لأنّ الشهر لا يراد به أوله هنا قطعا ، وإلا لخلا من الأجل ، فإنا قد حملنا الإطلاق على الاتصال ، فلم يبق إلا أن يراد شهر كامل ، فان كان في أول الهلال فآخر الهلال آخره ، والا فثلاثون يوما.

قوله : ( أما المعين فيحل بأوله ).

أي : إما التأجيل بالشهر المعين كرجب فيحل بأوله ، لأنّ آخر الأجل يجب أن ينتهي اليه ، وذلك يتحقق بأوله ، لصدق الانتهاء اليه. ويشكل لو قال : الى رجب عند أول هلاله ، فيمكن البطلان ، ويمكن حمله على آخره كالمبهم.

في حواشي شيخنا الشهيد : الفرق أنّ الى الانتهاء الغاية ـ ينتهي بأوله ـ ، وانتهاء المغيا المبهم إنما يكون بآخره ، لأنه الأجل ، والغاية المبهمة بخلاف المغيا المعين ، فإن الغاية تنتهي بأوله ، وليس بظاهر ، لأن مقتضى اللفظ أن يكون المبهم والمعين هو الغاية.

قوله : ( ولا يشترط في الأجل أن يكون له وقع في الثمن ، فلو قال : الى نصف يوم صح ).

خلافا لأحمد من العامة (١) ، والمراد : بـ ( أن يكون له وقع في الثمن ) : أن يكون له اعتبار واعتداد ، بحيث يكون في العادة له قسط من الثمن.

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٤ : ٣٥٧ ، وشرح الكبير مع المغني ٤ : ٣٥٤.


السابع : إمكان وجود المسلم فيه عند الحلول ليصح التسليم ، وإن كان معدوما وقت العقد أو بعد الحلول.

ولا يكفي الوجود في قطر آخر لا يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة.

ولو احتاج تحصيله إلى مشقة شديدة ، كما إذا أسلم في وقت الباكورة في قدر كثير ، فالأقرب الصحة.

ولو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم ، كما لو أسلم فيما يعمّ وجوده وانقطع لجائحة ، أو وجد وقت الحلول عاما ، ثم أخر التسليم لعارض ، ثم طالب بعد انقطاعه تخير المشتري بين الفسخ والصبر ،

______________________________________________________

قوله : ( إمكان وجود المسلّم فيه عند الحلول ).

المراد بإمكان وجوده : كونه بحيث يوجد كثيرا عادة بحيث لا يندر تحصيله ، فالمراد : إمكان وجوده عادة ، فإن الممكن عادة هو الذي لا يعز وجوده.

قوله : ( ولا يكفي الوجود في قطر آخر لا يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة ).

وإن كان ينقل للقنية مثلا ، فانّ ذلك لا يصح السلم فيه ، لعدم تحقق الشرط.

قوله : ( كما إذا أسلم في وقت الباكورة في قدر كثير فالأقرب الصحة ).

لأن الشرط إمكان وجوده ، لا عدم المشقة في تحصيله ، والمراد بوقت الباكورة : أول حصول الفاكهة. قال في الجمهرة : الباكورة : النخلة المعجلة بالطلع والتمر ، وكذلك كل شجرة تعجل ثمرتها فهي باكورة.

قوله : ( أو وجد وقت الحلول عاما ، ثم أخّر التسليم لعارض ، ثم طالب بعد انقطاعه ... ).

ولو أخّر التسليم تفريطا منه فكذلك ، وفرّق بعض العامة ، فلم يثبت‌


ولو قبض البعض تخير في الفسخ في الجميع ، والمتخلف ، والصبر.

ولو تبين العجز قبل المحل ، احتمل تنجيز الخيار وتأخيره.

البحث الثاني : في أحكامه :

لا يشترط ذكر موضع التسليم على‌ إشكال

______________________________________________________

الفسخ هنا (١) ، والحق ثبوته سواء طالبه بالأداء أم لا ، نعم لو رضي بالتأخير فالظاهر أنه لا فسخ له حينئذ.

قوله : ( ولو قبض البعض تخير في الفسخ في الجميع ، والمتخلف ، والصبر ).

أما الفسخ في الجميع ، فلأن تبعض الصفقة عيب ، والمسلّم فيه إنما هو المجموع وقد تعذر. وأما الفسخ في المتخلف خاصة فلانه الذي تعذر فله الرجوع الى ثمنه ، لأنّ الصبر ضرر فلا يلزم به ، ولحسنة عبد الله بن سنان ، عن الصادق 7 (٢) ، فان فسخ في البعض المتخلف فالأصح أن للبائع الفسخ أيضا ، لتبعض الصفقة عليه أيضا.

واختاره في التحرير (٣) ، وقيده في الدروس بما إذا لم يكن التأخير بتفريطه (٤) ، وهو ظاهر. وفي التذكرة : أنه لا خيار للبائع ، لأن التبعيض جاء من قبله (٥).

قوله : ( ولو تبين العجز قبل المحل احتمل تنجيز الخيار ، وتأخيره ).

يضعف الاحتمال الأول بأنّ المقتضي لم يوجد الى الآن ، إذ لم يستحق شيئا حينئذ ، فالأصح التأخير.

قوله : ( لا يشترط ذكر موضع التسليم على اشكال ).

__________________

(١) هو الشافعي كما في كفاية الأخيار ١ : ١٦١.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٥ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤١.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٩٦.

(٤) الدروس : ٣٥٧.

(٥) التذكرة ١ : ٥٥٥.


وإن كان في حمله مؤنة ، فلو شرطاه تعين.

ولو اتفقا على التسليم في غيره جاز ، ومع الإطلاق ينصرف وجوب التسليم إلى موضع العقد.

ولو كانا في برية أو بلد غربة ، وقصدهما مفارقته قبل الحلول ، فالأقرب عندي وجوب تعيين‌ المكان.

______________________________________________________

ينشأ : من تفاوت الغرض بتفاوته ، ومن أنّ الإطلاق ينزل على موضع العقد. ومما يقوي وجوب تعيين مكان التسليم : أنّ إطلاق العقد إنما ينزل على موضعه إذا كان حالا ، لاستحقاق المطالبة حين إيقاعه ، وذلك فرع الثبوت في الذمة ، فيكون قد ثبت في الذمة في ذلك المكان.

أما إذا كان مؤجلا فإنّ الاستحقاق إنما يكون عند الحلول ، ولا يعلم في أي مكان تحقق الحلول على البائع.

فإن قيل : يلزم مثله في بيع النسيئة خصوصا إذا كان لحمل الثمن مؤنة.

قلنا : لما لم يقل أحد بوجوب التعيين هاهنا ، خرجت هذه المسألة عن مقتضى ما ذكرناه بالإجماع ، فلا يلحق بها المختلف فيه.

ولا ريب أنّ القول بأن إطلاق العقد محمول على التسليم في موضع العقد رجوع الى ما لا يدل عليه دليل ، والاشتراط مطلقا قوي.

قوله : ( وإن كان في حمله مؤنة ).

حاول بجملة ( إن ) الوصلية التنبيه على رد الخلاف للشيخ (١) ، وابن حمزة (٢).

قوله : ( ومع الإطلاق ينصرف وجوب التسليم الى موضع العقد (٣) ).

قوله : ( ولو كانا في برية ، أو بلد غربة ، وقصدهما مفارقته قبل الحلول فالأقرب عندي وجوب تعيين المكان ).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥٣ مسألة ٩ كتاب السلم.

(٢) الوسيلة : ٢٧٧.

(٣) هكذا ورد هذا القول في النسخ الخطية من دون شرح.


ويجب أن يدفع الموصوف ، فلو دفع غير الجنس لم يجب القبول ، وكذا الأردأ ، ولو كان من الجنس مساويا أو أجود وجب.

ولو اتفقا على أن يعطيه أردأ منه وأزيد ، فإن كان ربويا لم يجز على إشكال ، وإلاّ جاز.

______________________________________________________

أي : لو كان العقد في برية ، أو بلد غربة الى آخره ، ووجه القرب : أنّ موضع العقد غير مراد وغيره مجهول ، ويحتمل عدم الوجوب للأصل ، والتسليم حيث الطلب ، ولا ريب أن التعيين أولى.

ويفهم من عبارة المصنف : إنّ قصد أحدهما المفارقة لا يوجب التعيين ، والحق أنه لا فرق بين أن يكون قصدهما معا ، أو قصد أحدهما ، وبلد الغربة والبرية ليس قيدا ، بل المعتبر عدم صدق اسم بلدهما عرفا ، فلو كانا في خارجه فيما لا يخل بكونهما في البلد عادة ، أو أحدهما خاصة اعتبر تعيين المكان.

قوله : ( ولو كان من الجنس مساويا ، أو أجود وجب ).

إن شمله اسم المسلّم فيه ، والا ففيه نظر ، وإنما يشمله إذا أسلم في موصوف ، فانا ننزله على أقل درجات ذلك الوصف ، لأصالة البراءة من اعتبار الزائد ، فإذا اتى بأوسط الدرجات وما فوقه وجب القبول ، لصدق اسم المسلّم فيه عليه.

وان أسلم في ردي‌ء ، فجاء بما لا يقع عليه اسم الردي‌ء فظاهر كلام الأصحاب ـ إلا ابن الجنيد ـ (١) وجوب القبول أيضا (٢) ، ويشكل ، بأنه لا يندرج في مسمى المسلّم فيه.

قوله : ( ولو اتفقا على أن يعطيه أردأ منه وأزيد ، فإن كان ربويا لم يجز على إشكال ).

ينشأ من أنّ الربا يعم جميع المعاوضات ، أم يختص بالبيع؟ والأصح‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٦٧.

(٢) منهم : العلامة في المختلف : ٣٦٧ ، والشهيد في اللمعة : ١٢٥.


وليس له إلاّ أقل ما يتناوله الوصف ، وله أخذ الحنطة خالية من التبن ، والزائد على العادة من التراب ، وأخذ التمر جافا ، ولا يجب تناهي جفافه.

ولا يقبض المكيل والموزون جزافا ، وله مل‌ء المكيال وما يحتمله ، ولا يكون ممسوحا من غير دق ولا هز.

______________________________________________________

العموم ، لإطلاق النص بتحريمه ، وربما جعل منشأ الاشكال كون ذلك بيعا أو معاوضة ، وليس بظاهر ، إذ لا يعد ذلك بيعا.

قوله : ( وله أخذ الحنطة خالية من التبن ، والزائد على العادة من التراب ).

الظاهر أن التقييد في وجوب الأخذ بالخلو من التراب عادة لا يقتصر فيه على التراب ، بل التبن ، والشعير ، وكل خليط يخرج الحنطة ونحوها عن اسم المسلّم فيه إذا كثر كذلك.

ويمكن أن يقال : هذا إذا شرط الصرابة ، أما لو شرط ضدها فلا بحث ، نظرا الى الشرط ، وربما يقال : لا يحتاج الى ذكر هذا ، لأن قوله : ( وليس له إلا أقل ما يتناوله الوصف ) يغني : عنه.

قوله : ( وله مل‌ء المكيال ، وما يحتمله ، ولا يكون ممسوحا ).

جملة : ( وما يحتمله ) في معنى المفسرة لـ ( مل‌ء المكيال ) ، وكونه غير ممسوح لبيان أنّ المراد بملئه : أقصى ما يحتمله ، فإنه إذا مسح وجهه صدق المل‌ء ، ولكن لم يصدق أن ذلك أقصى ما يحتمله ، وبه تظهر فائدة قوله : ( وما يحتمله ) بعد قوله :( وله مل‌ء المكيال ).

قوله : ( من غير دق ولا هز ).

هذا حال من قوله : ( مل‌ء المكيال ) أي : فلا يستحق مع مل‌ء المكيال واحدا منهما ، وهل يجوز فعله لو تراضيا عليه؟ ينبغي أن يقال : إن أفضى إلى تجهيل المبيع ، بان تحصل زيادة تتفاوت بحيث لا يعلم قدرها ، ولا يتسامح بمثلها لم‌


ولا يجوز بيع السلف قبل حلوله ، ويجوز بعده قبل القبض على الغريم ، وغيره على كراهية ، ويجوز بيع بعضه وتولية بعضه.

ويجوز أن يسلف في شي‌ء ويشترط السائغ ، كالقرض والبيع والاستسلاف والرهن والضمين.

ولو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معينة صح ،

______________________________________________________

يجز ، والا جاز.

قوله : ( ويجوز بعده قبل القبض على الغريم ، وغيره على كراهية ).

سيأتي أن في بعض الصور خلافا.

قوله : ( ولو أسلف في غنم ، وشرط أصواف نعجات معينة صح ).

وتكون النعجات المعينة مغايرة للمسلّم فيه موجودة مشاهدة.

لا يقال : لا يجوز بيع المعين مؤجلا.

لأنا نقول : هذا شرط في السلم ، وليس الصوف هو المسلّم فيه.

ولا يقال : الشرط مع المبيع يقتضي كون المبيع هو المجموع ، وهو حجة ابن إدريس ، المانع من صحة ذلك (١).

لأنا نقول : الشرط ليس جزءا من المبيع حقيقة ، وإنما هو تابع من توابعه ، ويتسامح في التابع بما لا يتسامح به في غيره ، وإن سلم فالسلف يجوز أن يكون حالا ، فكذا بعضه ، وقد سبق أن بيع الصوف على ظهور الغنم جائز.

فإن قيل : السلم الحال هو الذي يجب تسليمه عاجلا ، ويشكل وجود تسليم الصوف المشترط كذلك.

قلنا : لا إشكال ، فإنّ هذا مبيع : بعضه حال يجب تسليمه عاجلا ، وبعضه مؤجل يجب تسليمه وقت الحلول.

__________________

(١) السرائر : ٢٣١.


ولو شرط كون الثوب من غزل امرأة معينة أو الثمرة من نخلة بعينها لم يلزم البيع ، اما لو أسند الثمرة إلى ما لا تحيل عادة كالبصرة جاز.

فروع :

أ : لو أسلف عرضا في عرض موصوف بصفاته ، فدفعه عند الأجل وجب القبول ، فلو كان الثمن جارية صغيرة والمثمن كبيرة ، فجاء الأجل وهي على صفة المثمن وجب القبول وإن كان البائع قد وطأها ، ولا عقر عليه

______________________________________________________

قوله : ( ولو شرط كون الثوب من غزل امرأة [ معينة ] (١) ، أو الثمرة من نخلة بعينها لم يلزم البيع ).

أي : لم يصح ، إطلاقا للعام وارادة للخاص ، وذلك لجواز موت المرأة ، وعدم حمل النخلة ، أو حصول ما لا يطابق الوصف ، وشرط السلم أن يكون المسلّم فيه كثير الوجود.

قوله : ( أما لو أسند الثمرة الى ما لا تحيل عادة ... ).

حالة النخلة تحيل ، إذا لم تحمل.

قوله : ( لو أسلف عرضا في عرض موصوف بصفاته ، فدفعه عند الأجل ... ).

العرض : بفتح العين المهملة وإسكان الراء ، ومعنى ( دفعه عند الأجل ) : أنه دفع العرض المسلّم عن العرض المسلّم فيه ، سواء كان عند العقد بصفاته أو لم يكن ، وإنما تجدد له ذلك بعد العقد ، وقول بعض العامة : انه يلزم أن يتحد العوض والمعوض (٢) باطل ، فإنه في وقت العقد لا اتحاد ، والمعتبر الاختلاف حينئذ ، وأيضا فإن المدفوع غير ما في الذمة وان كان من افراده.

قوله : ( وإن كان البائع قد وطأها ، ولا عقر عليه ).

__________________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد ، وهو الصحيح.

(٢) قاله أبو إسحاق كما في المجموع ١٣ : ١٦٩.


وإن كان حيلة.

ب : لو اختلفا في المسلم فيه ، فقال أحدهما في حنطة والآخر في شعير تحالفا وانفسخ العقد ، ولو اختلفا في اشتراط الأجل فالأقرب أن القول قول مدعيه إن كان العقد بلفظ السلم على إشكال ،

______________________________________________________

لأنه وطأ ماله.

قوله : ( وإن كان حيلة ).

أي : يصح ذلك وإن كان حيلة ، أي : وإن قصد بهذا العقد الحيلة لحل الوطء ، ثم استعادها خلافا لأحمد (١).

قوله : ( ولو اختلفا في اشتراط الأجل فالأقرب أن القول قول مدعيه إن كان العقد بلفظ السلم على اشكال ).

وجه القرب : أنه لو كان بلفظ البيع لكان القول قول المنكر للأجل ، إذ لا يلزم منه فساد العقد ، والأصل عدم ذكره ، ومنشأ الاشكال من تعارض الأصلين ، فإن الأصل عدم ذكر الأجل والأصل براءة الذمة منه ، والأصل في العقد الصحة.

ولا ريب في ترجيح قول مدعيه ، لأن مآل دعواهما في الحقيقة الى أن الشرط المعتبر في العقد هل ذكر أم لا؟ فلا يكون الاختلاف في الحقيقة إلا في صحة العقد وفساده ، لما علمت من أنه على تقدير عدم ذكر الأجل لا بيع أصلا ، لأنه على تقدير تجريد العقد بلفظ السلم عن ذكر الأجل يجب التصريح بالحلول ، والا كان فاسدا كما سبق.

وأيضا فإن استعمال السلم في المبيع المجرد مجاز ، والأصل عدمه ، نعم لو اختلفا في ذكر الأجل ، أو التصريح بالحلول ـ مع كون العقد بلفظ السلم ـ تعارض هنا أصلان : أصالة عدم اشتراطه ، وأصالة استعمال اللفظ في حقيقته ، اعني : لفظ السلم.

ويمكن ادعاء ترجيح دعوى الأجل ، بأنّ الأصل عدم التصريح بالحلول‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٤ : ٣٨٦ ، وشرح الكبير مع المغني ٤ : ٣٨٦.


وعلى قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى.

______________________________________________________

أيضا ، فبقي استعمال اللفظ في حقيقته ، وأصالة الصحة سليما عن المعارض.

فان قيل : الإشكال ينافي الأقرب ، لأنّ التردد ينافي الترجيح.

قلت : يمكن تنزيل العبارة على أنّ ذلك أقرب ، بالنظر الى التقييد بكون العقد بلفظ السلم ، لما عرفت من أنه إذا كان بلفظ البيع يكون الترجيح مع نافي الأجل ، فكأن الأقرب : أن الاشكال في تقديم قول مدعيه ، إذا كان العقد بلفظ السلم ، وفيه تكلف ، لأنّ ذلك يؤذن بمجي‌ء احتمال في المقابل ، وليس كذلك ، إذ لا تردد في أنّ مدعي الأجل إذا وقع العقد بلفظ البيع هو المدعي ، والعبارة لا تخلو من شي‌ء.

قوله : ( وعلى قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى ).

أي : وعلى قولنا بصحة السلم حالا ، فالإشكال في أنّ القول قول مدعي الأجل ، حيث يكون العقد بلفظ السلم أقوى ، فيكون عدم ترجيح قوله أقوى من ترجيحه ، لأن الإشكال إذا كان في جانب أقوى فهو في مقابله أضعف ، وما ضعف الاشكال فيه قوي فيه الحكم ، فيكون الاشكال جاريا في المسألة مطلقا.

أي : سواء قلنا بان السلم يصح حالا أم لا ، وفي أحد الشقين الإشكال أقوى ، أعني : إذا قلنا بصحته حالا ، وإنما كان كذلك ، لأنّ صحة السلم حالا يقتضي عدم فساد العقد بدون الأجل ، فلا يلزم من نفي الأجل الفساد ، فتبقى دعوى عدمه المعتضدة بالأصل بغير معارض.

ولك أن تقول : ان صحة العقد مع عدم الأجل مشروط بالتصريح بالحلول إذا كان بلفظ السلم ، والأصل عدمه ، مع ما يلزم من ارتكاب المجاز في حمل لفظ السلم على البيع المجرد ، فلا يتم ما ذكره المصنف ، بل يكون الاشكال آتيا على القول بصحة الحال ، كما يأتي على القول بالعدم.

واعلم أن الشارح ـ ولد المصنف ـ وجه كلام المصنف في كون عدم الاشتراط أقوى ، على تقدير القول بصحة الحال : بأنّ عدم الاشتراط قرينة في‌


______________________________________________________

صرف اللفظ الى مجازه (١) ، وليس بشي‌ء :

أما أولا ، فلأنّ ذلك مصحح للتجوز ، ولا يعد قرينة لارتكاب المجاز.

وأما ثانيا ، فلانه قد سبق في كلام المصنف ما يدل على أنه إذا أتى بلفظ السلم ، ولم يصرح بالحلول ، ولا ضبط الأجل يبطل العقد ، فكيف يستقيم ما ذكره؟

وأما ثالثا ، فلأنهما لم يتفقا على تجريد العقد عن ذكر الأجل حتى يعد ذلك قرينة ، وكيف يعد الأمر المختلف في وقوعه بين المتعاقدين قرينة على صرف اللفظ الى ما يوافق دعوى الأخر؟

واعلم أيضا أن الشارح السيد حمل عبارة المصنف على أنّ قول مدعي الأجل مقدم ، بناء على عدم صحة السلم إلا مؤجلا ، لاعتضاد جانبه مع أصالة صحة العقد ، بأن الأصل الحمل على الحقيقة ، فيكون الاشكال فيه ضعيفا ، فأما إذا قلنا بصحته حالا فقد وقع التعارض ، فيكون الإشكال حينئذ أقوى ، لقوة كل من الطرفين (٢).

وما ذكره مدفوع ، فان الاعتضاد بوجوب حمل اللفظ على حقيقته موجود على هذا التقدير أيضا ، لأن الحلول في السلم خلاف الحقيقة ، ومع ذلك إذا جرّد العقد بلفظ السلم عن الأجل والحلول كان باطلا.

وأيضا فإن نظم العبارة يساعد ما ذكره الشارح ولد المصنف من أن الترجيح على تقدير الحلول ، لأن الإشكال إذا كان في جانب أقوى كان في مقابله أضعف ، ولأن تفريع الحكم بكون الإشكال أقوى قد فرعه على جواز السلم حالا ، وهو يقتضي رفع المانع من الصحة إذا ترك الأجل ، وإنما يتم ذلك إذا لم يقتض لفظ السلم التأجيل أيضا ، وحينئذ فلا مانع أصلا من تقديم قول نافي الأجل.

وقد عهد من المصنف التعبير بقوة الإشكال فيما إذا كان أحد الطرفين‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٦٩.

(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٨٠.


أما لو اختلفا في الزيادة فالقول قول نافيها ، ولو اختلفا في الحلول فالقول قول المسلم إليه ، لأنه منكر ، ولو اختلفا في أداء المسلم فيه فالقول قول المنكر ، ولو اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع وإن تفرقا لأنه منكر.

______________________________________________________

أرجح ، كما في قوله : ( ونية الاستباحة أقوى إشكالا ) في أول الكتاب.

واعلم أن قول المصنف : ( ولو اختلفا ) إن رجع ضميره الى المسلّم والمسلّم اليه لم يكن للاختلاف توجيه ، فإنهما إنما يكونان كذلك ، إذا لم ينفه أحدهما عن نفسه ، ولا مرجع له سوى ذلك.

قوله : ( ولو اختلفا في الحلول فالقول قول المسلّم إليه ، لأنه منكر ).

هذا إذا كان اختلافهما في المبدأ مع اتفاقهما على مقدار الأجل ، ولو اختلفا في مقداره لكان القول قول نافي الزيادة ، كما علم من المسألة التي قبلها.

قوله : ( ولو اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع وإن تفرقا ، لأنه منكر ).

أي : منكر لقبض ماله الذي هو الثمن الثابت عند المسلم.

فان قلت : لم كان القول قول البائع ، مع أنه يقتضي فساد العقد بالتفرق قبل قبض الثمن ، والقول هو قول مدعي الصحة؟

قلت : ليس النزاع في الصحة ، إذ هما متفقان على وقوع العقد صحيحا ، ولكن اختلفا في حصول إيفاء الثمن ، والأصل عدمه ، وكون المفسد بحيث يلزم طروؤه ليفرقهما قبل القبض لا يقتضي ترجيح دعوى المسلم ، لأنّ المقتضي للفساد أيضا قائم ، وهو التفرق قبل القبض الذي لم يدل عليه دليل ، ولا يقدح فساد العقد به ، حيث أنه مسبب عنه ، فرجع الحكم فيه الى حصول المقتضي والشك في المانع ، وبمجرد الاحتمال لا يندفع بسببه المقتضي ، وليس هذا مما إذا وقع الاختلاف في وقوع العقد صحيحا أو فاسدا في شي‌ء. ومثله ما لو اختلفا في قبض أحد عوضي الصرف قبل التفرق ، أما لو اختلفا بعد الاتفاق على القبض في كونه‌


أما لو اختلفا بعد اتفاقهما على القبض في وقوعه قبل التفرق أو بعده قدم قول مدعي الصحة ، وكذا لو أقاما بينة ، لأنها تضم إلى الصحة الإثبات.

ولو قال البائع قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق ، قدم قوله رعاية للصحة.

______________________________________________________

وقع قبل التفرق أو بعده ، فان القول قول مدعي الصحة ، لا لدعوى الصحة فقط ، بل لأنّ الأصل عدم طروء المفسد ، وأصالة عدم التقدم في القبض معارضة بأصالة عدم التقدم في التفرق.

قوله : ( وكذا لو أقاما بينة ... ).

أي : القول قول مدعي الصحة لقوة جانبه بدعوى أصالة عدم طروء المفسد ، لأنّ الأصل بقاء صحة العقد ، ولكون دعواه مثبتة والأخرى نافية ، وبينة الإثبات مقدمة.

فرع :

لو قالت الأخرى : ضبطنا حالهما من حين العقد الى الآن ، وقطعنا بعدم حصول الإقباض وما جرى مجراه ، فالظاهر أن الترجيح في الجانب الآخر ، لأن ذلك مما لا ينضبط ، لجواز حصول الحوالة ولو من الوكيلين ، ونحو ذلك.

قوله : ( ولو قال البائع : قبضته ، ثم رددته إليك قبل التفرق ، قدم قوله ، رعاية للصحة ).

قد يقال : هذا محل اشكال ، نظرا الى أن أصالة الصحة تعارض بأصالة عدم حصول القبض ، إلا أن يقال : مع تعارضهما يحصل الشك في طروء المفسد ، والأصل عدمه.

أو يقال : المقتضي للفساد مشكوك فيه ، إذ لا يعلم أن التفرق كان قبل القبض ، والأصل عدمه فيتمسك بأصل الصحة.


ج : يجب قبول المثل وقت الحلول أو الإبراء ، فإن امتنع قبضه الحاكم إن سأله البائع.

ولو دفع أكثر لم يجب القبول بخلاف الأجود ، ولو دفع من غير الجنس جاز مع التراضي ، وكذا يجوز لو دفع بعضه أو أردأ قبل الأجل وإن شرط التعجيل. ‌

______________________________________________________

قوله : ( يجب قبول المثل ).

قيل : لا يحسن التعبير ، بل حقه أن يقول : يجب قبول المسلّم فيه.

قلنا : هذا حسن ، لأن المسلّم فيه أمر كلي لا يمكن تسليمه ، إنما يسلم ما يطابقه في الأوصاف من الأمور الجزئية.

قوله : ( أو الإبراء ).

أي يجب : إما قبول المثل المدفوع في وقت الحلول ، أو إبراء المسلّم اليه من المسلّم فيه ، ويمكن أن ينزّل على أن المراد : وجوب قبوله وقت الحلول ، أو وقت الإبراء من الأجل الصادر من الجانبين ، فإن إبراء أحدهما الآخر لا يوجب سقوط حقه من الأجل ما لم يسقط.

قوله : ( فان امتنع قبضه الحاكم إن سأله البائع ).

قيل : إنما يقبضه الحاكم بالشرط إذا أجبر المسلّم على القبض فلم يقبض ، والظاهر أن له أن يقبضه وإن لم يجبره على قبضه إذا امتنع ، ولو لم يسأله البائع لم يجب عليه قبضه ، ويجوز له ذلك ، لأنه نائب مناب المالك ، وهل له إجباره لو امتنع؟ الظاهر لا ، لأنّ يد البائع يد رضي بها المشتري ، ولم يصدر منه ما ينافيه.

قوله : ( ولو دفع أكثر لم يجب القبول ، بخلاف الأجود ).

لأن الأكثر مشتمل على الزيادة ، ومعها لا يتعين الحق فلا يجب قبضه ، وأما الأجود فقد سبق تحقيقه.

قوله : ( وكذا يجوز لو دفع بعضه ، أو اردأ قبل الأجل وإن شرط التعجيل ).


ولو دفعه قبل الأجل لم يجب القبول ، سواء تعلق بالبائع غرض ، كتخليص الرهن أو الضامن ، أو خوف الانقطاع في المحل ، أو لم يكن غرض سوى البراءة ، وسواء كان للممتنع غرض ، بأن يكون في زمن نهب أو كانت دابة يحذر من علفها ، أو لم يكن.

ولو أسلم نصراني إلى نصراني في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض بطل ، وللمشتري أخذ دراهمه ،

______________________________________________________

أي : وكذا يجوز مع التراضي لو دفع بعض المثل ، أي : بعض المسلّم فيه عن جميعه قبل الأجل وان شرط هذا الدافع التعجيل بإسقاط باقي الأجل ، وكذا الحكم فيما لو دفع اردأ منه قبل الأجل ، وان شرط في دفعه التأجيل المذكور ، إذ لا يتخيل بسبب ذلك حصول مانع. ولو دفعه كذلك من غير شرط ، وتراضيا عليه فلا إشكال في الصحة. وليس المراد من قوله : ( وإن شرط التعجيل ) اشتراط ذلك في العقد ، إذ ليس هو بصدد ذكر شروطه ، ولأن اشتراط ذلك في العقد لا يجوز ، لأنه يلزم تعدد المبيع إلى أجلين ، فيكون كالبيع إلى أجلين.

قوله : ( ولو دفع قبل الأجل لم يجب ... ).

رد بذلك على بعض المخالفين من العامة (١).

قوله : ( ولو أسلم نصراني إلى نصراني ).

لا حاجة الى التمثيل بالنصراني ، لأن كل كافر كذلك.

قوله : ( فأسلم أحدهما قبل القبض بطل ، وللمشتري أخذ دراهمه ).

أي : بطل السلم ، وذلك لتعذر العوض على وجه امتنع حصوله ، وتستحيل صحة المعاوضة مع امتناع العوضين أو أحدهما ، فللآخر الرجوع الى عوضه بالفسخ.

__________________

(١) قاله الشافعي ، انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٦٢ ، والمجموع ١٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠.


ويحتمل السقوط والقيمة عند مستحليه.

______________________________________________________

لا يقال : قد حكم بصحتها فيستصحب.

لأنا نقول : طرأ المنافي قبل قبض العوض المقتضي لثبات العقد ، فيثبت الانفساخ.

لا يقال : إن كان المسلم هو المسلف فليس المانع من قبل المسلم إليه ، فيجب بقاء المقابلة ، وإن كان المسلّم اليه لم يجب أن يسقط استحقاق الآخر بفعل غيره.

لأنا نقول : تعذر المسلّم فيه من قبل الشارع ، سواء كان بإسلام المسلّم أم المسلّم إليه ، لأنه بإسلام أحدهما خرج عن صلاحية تعلق المعاوضة به في نظر الشارع ، فامتنع بقاء صحتها ، حيث لم يحصل القبض المقتضي لثباتها.

وتخيل أن إسلام المسلّم اليه بمنزلة الإتلاف للخمر على الكافر ، فيضمن القيمة عند مستحليه ليس بشي‌ء ، لأنه لم يتلف شيئا ، ولا تسبب في الإتلاف ، وإنما تسبب الى امتناع التصرف في الخمر ، وذلك لا يعد إتلافا ، والأصح الانفساخ.

قوله : ( ويحتمل السقوط ).

أي : سقوط المسلّم فيه لا الى بدل ، لأن المسلّم إن كان هو المسلف فظاهر ، لأنه الذي فوّت على نفسه مالية الخمر بإسلامه ، وقد انعقد السلم صحيحا ، فلا شي‌ء له ، وإن كان هو المسلّم اليه فلأنّ المسلم لا يثبت في ذمته الخمر ، وليس بشي‌ء ، لأن الإسلام وان منع من الخمر ، إلاّ أنه لا دليل على بقاء معاوضة قد امتنع حصول أحد عوضيها.

قوله : ( والقيمة عند مستحليه ).

أي : ويحتمل ثالث ، وهو هذا ، وربما رخص بما إذا كان المسلم هو المسلّم إليه ، لأنه بمنزلة متلف خمر الكافر ، وليس بشي‌ء ، إذ هو قياس بغير جامع.


د : إذا قبضه تعين وبري‌ء المسلم إليه ، فإن وجده معيبا فردّه زال ملكه عنه وعاد حقه إلى الذمة سليما.

ولو وجد بالثمن عيبا ، فان كان من غير الجنس بطل إن تفرقا قبل التعويض أو كان معينا ، وإن كان من الجنس رجع بالأرش ، وله البدل مع عدم التعيين وإن تفرقا على إشكال ، وإن تعين تخير بين الأرش والرد فيبطل السلم.

ولو كان الثمن مستحقا ، فان كان معينا بطل ، وإلاّ بطل إن تفرقا قبل قبض عوضه.

______________________________________________________

قوله : ( فان وجده معيبا فردّه زال ملكه عنه ، وعاد حقه إلى الذمة سليما ).

اعترض شيخنا الشهيد بما لا محصل قويا له ، ثم أجاب بأنّ المراد : زوال الملك الذي حصل ظاهرا ، وليس بشي‌ء ، لأنّ الملك حصل ظاهرا وباطنا ، ولهذا يستحق نماءه في تلك المدة لو امتدت ، وأي بعد في أن يكون قد ملك المدفوع بالقبض ملكا متزلزلا لمكان العيب ، فإذا علم به كان له فسخ ملكيته ، والمطالبة بالسليم.

قوله : ( أو كان معينا ).

أي : مطلقا وان لم يتفرقا ، وقد سبق مثله في الصرف.

قوله : ( وله البدل مع عدم التعيين وإن تفرقا على اشكال ).

سبق مثل هذا في الصرف ، والفتوى على أن له البدل في الموضعين.

قوله : ( وإلا بطل إن تفرقا قبل قبض عوضه ).

ولا يعتد بقبضه ، لأنه مال الغير ، فلا يمكن جعله ثمنا بحال بخلاف المعيب.

فرع :

لو أسلفه ، أو صارفه ولم يحصل القبض إلا بعد مدة ، حتى حصل نماء ولم‌


هـ : لو أسلم في شيئين صفقة بثمن واحد صح ، تخالفا أو تماثلا.

ولو شرط الأداء في أوقات متفرقة صح إن عين ما يؤديه في كل وقت ، وإلاّ فلا ، ولو شرط رهنا أو ضمينا ثم تفاسخا أو رد الثمن لعيب بطل الرهن وبري‌ء الضمين.

ولو صالحه بعد الحلول على مال آخر عن مال السلم سقط الرهن لتعلقه بعوض مال الصلح لا به.

الفصل الثاني : في المرابحة وتوابعها.

المرابحة : هي البيع مع الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه ، وإيجابها كالبيع ويزيد بربح كذا.

ويجب العلم برأس المال والربح ، فلو قال : بعتك بما اشتريت وربح كذا ولم يعلم قدر الثمن لم يصح ، وكذا لو علما قدر رأس المال وجهلا

______________________________________________________

يتفرقا ، فالظاهر ان النماء لمن انتقل اليه العوض الباقي ، ولو تفرقا بعد حصوله ففي من له النماء إشكال ، ينشأ من أن التفرق قبل القبض موجب لبطلان العقد من حينه ، أو من أصله.

قوله : ( المرابحة هي البيع ).

كأنها إنما سميت مرابحة ، لأن الربح إنما يثبت إذا رضي كل واحد منهما ، فكأنهما مترابحان.

قوله : ( وكذا لو علما قدر رأس المال وجهلا الربح ).

إما بان لم يعلماه أصلا ، أو بان علما نسبة أبعاضه إلى أبعاض الثمن كربح درهم في كل عشرة ، ولم يعلما جملته فإنه لا يصح هاهنا على أصح الوجهين وإن أمكن استخراجه بالحساب بسهولة ، وهو مختار المختلف (١) ويكفي في عدم علمهما عدم علم واحد منهما.

__________________

(١) المختلف : ٣٦٨.


الربح ، ويجب ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف.

وتكره نسبة الربح إلى المال ، فيقول : رأس مالي مائة وبعتك بربح كل عشرة واحدا ، فان قال : فالثمن مائة وعشرة ، بل ينبغي أن يقول : رأس مالي مائة وبعتك بما اشتريت وربح عشرة.

ثم إن كان البائع لم يعمل فيه شيئا صح أن يقول : اشتريته بكذا ، أو هو عليّ ، أو ابتعته ، أو يقوم عليّ ، أو رأس مالي.

______________________________________________________

قوله : ( ويجب ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف ).

أي : صرف الدراهم والدنانير التي وقع الشراء بها إن اختلف الصرف ، بان يكون للدراهم نوعان وأكثر من الصرف وكذا الدنانير ، ولو اتحد نوع الصرف لم يحتج الى التعيين.

وكذا القول في الوزن لو كان الثمن دراهم معروفة بالوزن ، ووزنها يختلف.

ويمكن أن يكون المراد : أنه يجب الجمع بين ذكر صرف الدراهم مع الوزن إن فرض الاختلاف ، بان يكون صرف الدراهم المختلف وزن أنواعه واحدا في الجميع. ويمكن أن يراد : صرف الثمن ووزن المبيع فان ذكر الصرف لا يغني عن ذكر الوزن حينئذ ان أمكن حصول هذا الفرض ، والأول ألصق بالعبارة.

قوله : ( فان قال : فالثمن مائة وعشرة ).

أي : فان قال ذلك فمقدار الثمن مائة وعشرة.

قوله : ( ثم إن كان البائع لم يعمل فيه شيئا صح أن يقول : اشتريته بكذا ، أو هو عليّ ، أو ابتعته ، أو يقوم عليّ ، أو رأس مالي ).

هذه عبارات خمس ، ومرجعها عند التحقيق إلى أربع ، لأن اشتريته وابتعته بكذا مترادفان ، فصارت العبارات هذه : اشتريته ، ورأس مالي ، وهو عليّ ، ويقوم عليّ ، فالأولى والثانية معناهما واحد ، لا مدخل فيهما سوى الثمن ،


ولو عمل فيه ما له زيادة عوض ، قال : اشتريته بكذا وعملت فيه بكذا.

ولو استأجر في ذلك العمل صح أن يقول : يقوم عليّ ، أو هو عليّ ويضم الأجرة.

ولو قال : بعتك بما قام عليّ استحق مع الثمن جميع المؤن التي يقصد بالتزامها الاسترباح ، مثل ما بذله من دلالة واجرة البيت والكيال والحارس والحمال والقصار والصباغ ، مع علم قدر ذلك كلّه ،

______________________________________________________

والمصنف في المختلف سوّى بين الثانية وبين يقوّم (١) ، واختاره في الدروس (٢).

ويشكل بأنّ المتبادر من ( رأس مالي ) إنما هو ثمن المبيع ، فلا يتناوله ما بذل من الأجرة في مقابلة عمل و ( يقوّم علي ) يتناوله.

قوله : ( ولو عمل فيه ما له زيادة عوض ، قال : اشتريته بكذا ، وعملت فيه بكذا ).

وليس له أن يضم ما يساوي عمله من الأجرة إلى الثمن ويخبر بالجميع ، لأنه كذب بخلاف ما لو بذل الأجرة لغيره على ذلك العمل ، فإنه إذا ضم الأجرة إلى الثمن ، وقال : يقوّم علي بكذا كان صادقا.

قوله : ( ولو قال : بعتك بما قام عليّ استحق مع الثمن جميع المؤن التي يقصد بالتزامها الاسترباح مثل ما بذله من دلالة ، واجرة البيت ، والكيال ، والحارس ، والقصّار ، والصباغ مع علم قدر ذلك كله ).

التعويل في أمثال ذلك على العرف ، فكل ما التزمه لأجل غرض التجارة من المؤن ، فهو محسوب مما يقوّم به المتاع ، ومن ذلك اجرة البيت ، لأن التربص ركن في التجارة وانتظار الأرزاق.

__________________

(١) المختلف : ٣٧٠.

(٢) الدروس : ٣٤٤.


ولا يستحق المطالبة بالمؤن التي فيها بقاء الملك ، كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة.

وليس له الرجوع بما عمل بنفسه كما لو قصر الثوب أو تطوع به‌

______________________________________________________

قوله : ( ولا يستحق المطالبة بالمؤن التي فيها بقاء الملك كنفقة العبد ، وكسوته ، وعلف الدابة ).

المراد : نفقته التي بها بقاؤه عادة ، ومن جملتها اجرة مسكنه الذي لا بد له منه ، وكذا القول في العلف للدابة ، واجرة الإصطبل حيث لا يبقى إلا به ، لأنّ هذه الأمور من ضرورات بقائه ، وليست مقصودة لغرض الاسترباح ، ولأنها في مقابلة خدمة العبد وركوب الدابة ، بخلاف نحو الأقمشة المدخرة للاسترباح فقط من غير انتفاع بها. وفي الفرق بين المقامين نظر ، لأنّ جميع ذلك قد لا يلتزم إلا لغرض الاسترباح ، إلا أن يفرّق بين ما يمكن تحصيل مؤنة بالانتفاع به وما لا يمكن ، فلا تعد هذه مؤنة محضة ، لتحقق ما يقابلها.

فان تم هذا فليس في العبارة ما يقتضيه ، وهذا إنما هو في الزائد من العلف والنفقة الذي لا يقصد به إلا زيادة القيمة كالعلف للسمن ، وكذا زيادة ترفيه العبد بالمأكل والملبس لازدياد قواه وبدنه ، فان هذا مما يحتسب مع الثمن.

ومن هذا اجرة الطبيب إن كان مريضا لزيادة القيمة بزوال المرض ، قال في التذكرة : فإن حدث المرض في يده فهي كالنفقة (١).

واعلم أن العبارة لا تخلو من مناقشة ، لأن مقتضاه صحة البيع بما قام على البائع ، ثم يعين ما يجب على المشتري بضبط ما يتناوله وما لا يتناوله ، وليس كذلك ، بل لا بد من العلم بذلك في وقت البيع حذرا من الغرر.

قوله : ( وليس له الرجوع بما عمل بنفسه ، كما لو قصر الثوب ... ).

هذه العبارة أيضا لا يخلو ظاهرها من مناقشة ، إذ لا معنى للرجوع في هذا المحل ، وإنما المراد : أنّ اجرة ذلك لا يصح ضمها الى الثمن ليخبر بالمجموع ، أو لا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٢.


متطوع ، ولا اجرة البيت إذا كان ملكه ويخبر بعد أخذ الأرش من العيب السابق بالباقي.

ولو جنى على العبد فأخذ أرشه لم يضعه ، ولو جنى العبد في يده ففداه لم يضم الفداء ، ولا يضع قيمة النماء المتجدد.

ويجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في قدر الثمن ، وفي الإخبار عما طرأ في يده من عيب منقص أو جناية ، ولا يجب الإخبار بالغبن

______________________________________________________

يندرج في قوله : ( بعتك بما قام علي ) فليعلم ذلك ليكون العقد الواقع بهذه العبارة معلوما ـ في حال إيقاعه ـ متناولة.

واعلم أنه لا فرق بين قوله : بعتك بما قام عليّ ، وبما يقوم عليّ ، وجمع المصنف العبارتين تفننا وهربا من التكرار.

قوله : ( ويخبر بعد أخذ الأرش من العيب السابق بالباقي ).

أي : ويخبر البائع بما اشتراه مرابحة إذا كان معيبا ، وأخذ العوض من العيب السابق على العقد بما بقي من الثمن بعد أخذ الأرش ، لأنّ الأرش جزء من الثمن. والظاهر أن الحكم في أرش العيب المتجدد بعد العقد وقبل القبض كذلك.

وفي مسألة الصرف إذا أخذ الأرش من جنس المعيب ـ على رأي المصنف ـ ينبغي بيع المجموع ، ليخبر برأس المال ، ويشكل بعدم تناول العقد له.

قوله : ( ولو جنى على العبد ، وأخذ أرشه لم يضعه ).

لكن إن نقصت بالجناية قيمته وجب الإخبار بالصورة ، كما سنذكره قريبا.

قوله : ( ولا يجب الإخبار بالغبن ).

لأن البيع مع الاخبار برأس المال ليس مقتضاه عدم الغبن ، بل الصدق فيما أخبر به ، والفرض حصوله.


ولا بالبائع وإن كان ولده أو غلامه.

ويجب ذكر تأجيل الثمن ، ولو أسقط عنه البعض جاز أن يخبر بالأصل ، سواء كان الإسقاط في مدة الخيار أو بعده.

وليس له الإخبار بالشراء في الأبعاض مع تقسيط الثمن عليها ، إلاّ أن يخبر بصورة الحال ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا بالبائع وإن كان ولده ، أو غلامه ).

لما قلناه من أنّ مقتضى هذا البيع أداء الأمانة بالصدق في قدر الثمن ، وهو حاصل ، وليس مقتضاه كون البائع أجنبيا ، نعم لو ترتب على كون البائع ولده أو غلامه خديعة وجب الاخبار ، وسنزيد ذلك إيضاحا ، ويجب تقييد الغلام بكونه حرا ، إذ لا يتصور شراء الشخص من عبده.

قوله : ( سواء كان الإسقاط في مدة الخيار ، أو بعده ).

خلافا للشيخ ، حيث أوجب الاخبار بما يبقى بعد المسقط في مدة الخيار (١) ، وكأنه بناه على أن المبيع إنما ينتقل بانقضاء مدة الخيار ، وهو بناء غير ظاهر ، إذ لا دخل لذلك في كون الثمن إنما يتعين بانقضاء الخيار ، إذ الثمن هو ما وقع عليه عقد البيع ، ولا اثر لوقت انتقال الملك ، وليس هذا كالأرش ، إذ هو جزء من الثمن ، والإسقاط هبة جديدة.

قوله : ( وليس له الإخبار بالشراء في الأبعاض مع تقسيط الثمن عليها ، إلا أن يخبر بصورة الحال ).

أي : ليس له الاخبار بالشراء في أبعاض المبيع ، إذا قسّط الثمن عليها ليبيعها مرابحة ونحوها ، لعدم جريان البيع على الأبعاض ، وان جرى على المجموع فليس لها ثمن ، وإن لزم مقابلتها بأجزاء الثمن ، فلو فعل ذلك كان كذبا.

فان قلت : لو تلف بعضها قبل القبض فرجع بحصته من الثمن ، ورضي‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٤٤.


اتفقت أو اختلفت ، ساوى بينها أو لا ، باع خيارها بالأقل أو لا ، وكذا الحامل إذا ولدت وأراد بيعها منفردة.

ولا يخبر الدلال بالشراء عن تقويم التاجر مجردا عن البيع ، سواء ابتدأه أو لا.

______________________________________________________

بالبيع في الباقي صح الإخبار ، وذلك ينافي ما ذكر.

قلت : بعد التلف فالمبيع هو الباقي ، ولهذا يتوقف لزومه على رضاه ، ومثله العبد المعيب إذا أخذ أرشه.

وقول المصنف : ( إلا أن يخبر بصورة الحال ) لا يخلو من مسامحة ، لأنه استثناء من محذوف تقديره : ليس له الإخبار بذلك ، ليبيع مرابحة في حال من الأحوال ، إلا أن يخبر بصورة الحال ولعله تجوّز بإطلاق المرابحة عليه للمشابهة.

قوله : ( اتفقت أو اختلفت ... ).

خلافا لابن الجنيد ، حيث جوّز ذلك في المتفق كقفيزي حنطة (١) ، وهو ضعيف ، فان الكذب لازم ، ولا فرق بين أن يساوي بينهما في التقويم أو يفاوت ، وأن يجعل القيمة الدنيا في مقابل الجيد وعدمه.

قوله : ( وكذا الحامل إذا ولدت ، وأراد بيعها منفردة ).

لأنّ الثمن في مقابل المجموع ، وليس للأبعاض ثمن.

قوله : ( ولا يخبر الدلال بالشراء عن تقويم التاجر مجردا عن البيع ، سواء ابتدأه أو لا ).

أي : سواء ابتدأ التاجر الدلال بذلك ، أم ابتدأ الدلال التاجر به ، لانتفاء البيع في الموضعين ، فلو أخبر بما يقتضيه لكان كذبا ، وإنما الزائد لو باع للتاجر ، لأنه نماء ماله ، وللدلال اجرة المثل إذا تراضيا على كون الزائد له ، لأن العوض المشترط قد فات بالفساد ، فيرجع الى أجرة المثل.

وقال الشيخ : إن قوّم التاجر على الدلال المتاع بدرهم معلوم ، ثم قال له :

__________________

(١) نقل قوله في التنقيح الرائع ٢ : ٥٩ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٤٩١.


______________________________________________________

بعه بما أمكن ، والزائد لك ، والقيمة لي فإن الزائد للدلال ، والقيمة للتاجر ، ولو لم يزد شيئا فلا شي‌ء له.

ولو قال له الدلال : أخبرني بثمن هذا الثوب ، واربح عليّ فيه شيئا لأبيعه ، ففعل التاجر ، فإن الزيادة للتاجر ، ولا شي‌ء للدلال (١). واعترضه ابن إدريس بأن هذا ليس بيع مرابحة ، ولا اجارة ، ولا جعالة محضة (٢).

واعتذر المصنف في المختلف للشيخ بأن الجهالة في مال الجعالة لا تضر ، إذ لم تؤد إلى النزاع (٣) ، وهو حسن ، وسيأتي تحقيقه ، كما لو قال : من رد عبدي فله نصفه. وصحيحة محمد بن مسلم ، عن الصادق 7 (٤) وصحيحة زرارة ، عنه 7 (٥) تشهدان بذلك. وبدون الزيادة لا شي‌ء له ، كما لو قال : من رد عبدي فله ما عليه من الثياب فوجده عاريا ، وأما إذا كان القائل هو الدلال فلا شي‌ء على التاجر ، لأنه لم يشترط شيئا ، فينبغي أن لا يكون له عليه اجرة المثل أيضا لمثل ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر العبارة يشعر بتخيل فرق بين أن يبتدئ الدلال التاجر ، وان يبتدئ التاجر الدلال ، وبه صرح في الدروس (٦) ، وهو غير واضح ، فان الابتداء وعدمه مع حصول التراضي سواء في الحكم.

فان من قال لمن ذهب عبده : أرد عبدك على أنّ لي نصفه ابتداء منه ، فقال مولى العبد : نعم لك ذلك يستحق ما عيّن له ، ـ إن جوزنا كون العوض مجهولا ـ ، أو اجرة المثل إن لم نجوزه ، فلا يفترقان.

__________________

(١) النهاية : ٣٨٩.

(٢) السرائر : ٢٢٥.

(٣) المختلف : ٣٦٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٥٣ حديث ٢٣١.

(٥) التهذيب ٧ : ٥٤ حديث ٢٣٢.

(٦) الدروس : ٣٤٥.


وأما التولية فهي : إعطاء المتاع برأس المال ، فيقول : وليتك أو بعتك وشبهه ، فيقول : قبلت التولية أو البيع.

وهو بيع تلحق به أحكام البيع من الشفعة والتقابض في المجلس إن كان صرفا ، ويشترط العلم برأس المال لا ذكره ، ويلزمه مثل الثمن الأول جنسا ووصفا وقدرا.

وأما المواضعة فهي مأخوذة من الوضع ، وهي : أن يخبر برأس المال ، ثم يقول : بعتك به ووضيعة كذا.

ويكره لو قال : بوضيعة درهم من كل عشرة ، فلو كان الثمن مائة لزمه تسعون.

ولو قال : من كل أحد عشر كان الحط تسعة دراهم وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم ، فيكون الثمن إحدى وتسعين إلاّ جزءا من أحد عشر جزءا من درهم ، وكذا لو قال : بوضيعة درهم لكل عشرة.

______________________________________________________

والظاهر أنّ الشيخ إنما حكم بعدم شي‌ء في الثانية (١) ، لأنّ التاجر لم يلتزم بشي‌ء أصلا ، فلا يستحق الدلال اجرة عليه. والروايتان (٢) لا دلالة فيهما على الفرق بين الابتداء أولا والرضى آخرا.

والذي يقتضيه النظر أنهما إذا تراضيا على ذلك ، سواء تقدم بالقول الدلال أم التاجر ، إذا وقع ما يدل على الرضى من الآخر ، فإنه يكون جعالة فيصح ، ولو أبطلناها أوجبنا أجرة المثل في الموضعين.

ولو أنّ التاجر لم يصرح بشي‌ء لم يكن للدلال شي‌ء ، إلا أن يأمره بذلك ، ويكون له في العادة على مثل هذا اجرة.

قوله : ( وكذا لو قال : بوضيعة درهم لكل عشرة ).

أي : يكون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم ، لأن‌

__________________

(١) النهاية : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٥٣ ، ٥٤ حديث ٢٣١ ، ٢٣٢.


فروع :

أ : يجوز لبائع المتاع شراؤه بزيادة ونقيصة ، حالا ومؤجلا بعد القبض ، ويكره قبله إن كان مكيلا أو موزونا على رأي ،

______________________________________________________

الوضيعة للعشرة غير العشرة قطعا ، فهو بمنزلة ما لو قال : من كل أحد عشر.

ولو قال : بوضيعة العشرة درهم احتمل كونه بتسعين ، وكونه أحد وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا التفاتا الى كون الإضافة بمعنى من ، أو بمعنى اللام ، وكل منهما محتمل. قيل عليه : إن الاحتمال الثاني لا وجه له ، لأن العبارة لا تحتمله ، لأنّ وضيعة العشرة درهما لا يكون إلا في العشرة الدراهم ، دون ما عداها من اجزاء الدرهم.

قلنا : بل وجهه أن اللفظ لا بد فيه من تقدير وهو : إما بوضيعة كل عشرة درهما ، أو بقياس وضيعة العشرة درهما ، وما جرى هذا المجرى ، وكل من التقديرين محتمل ولا أرجحية لأحدهما على الآخر ، فيكون كل من الاحتمالين بحاله.

والاحتجاج بأنّ المواضعة على حد المرابحة للتقابل بينهما ، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة ضعيف ، لانتفاء التلازم ، فحينئذ يصار الى مقتضى القرينة إن كانت ، وإلا وجب التعيين فرارا من الغرر.

قوله : ( يجوز لبائع المتاع شراؤه بزيادة ونقيصة بعد القبض ، ويكره قبله إن كان مكيلا أو موزونا على رأي ).

قيل : لا مقتضى لذكر هذه المسألة في هذا الباب.

قلنا : المقتضي ترتيب ما سيأتي من الأحكام عليها ، وقد منع ابن ابي عقيل من بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه دون غيره (١) ، والشيخ في المبسوط منع‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٩٣.


ولو شرط الابتياع حال البيع لم يجز.

ويكره لو كان قصدهما ذلك ولم يشرطاه ، فلو باع غلامه سلعة ثم اشتراها بزيادة قصدا للإخبار بالزائد جاز إن لم يكن شرط الابتياع.

ب : لو ظهر كذب البائع في إخباره تخير المشتري في الإمضاء‌

______________________________________________________

من بيع الطعام قبل القبض خاصة (١) ، وكذا ابن حمزة ، الا أنه منع من بيع الطعام قبل القبض ، سواء كان مبيعا ، أو قرضا ، وجوز بيع غيره قبل القبض على كل حال ، إلا أن يكون سلفا ، فإنه منع من بيعه قبل قبضه على غير المسلف اليه (٢).

وما اختار هنا هو مختار الشيخ في النهاية (٣) ، وهو الأصح ، وفي بعض الاخبار المنع من بيع الطعام قبل قبضه إلا بتولية (٤).

قوله : ( ولو شرط الابتياع حال البيع لم يجز ).

علل بلزوم الدور ، باعتبار توقف صحة البيع على الشرط ، وتوقف الشرط على صحة البيع ، وليس بواضح ، وربما علل بغير ذلك ، ولا إشكال في الحكم بين الأصحاب.

قوله : ( فلو باع غلامه سلعة ، ثم اشتراها بزيادة قصدا للإخبار بالزائد ، جاز إن لم يكن شرط الابتياع ).

لا بد من تقييد غلامه بالحر ، إذ عبده لا يتصور شراؤه منه ، وفي الحكم بجواز ذلك اشكال ، نظرا الى أن ذلك تدليس ، لأن المتعارف من الشراء هو ما لا يكون لغرض الإخبار على الوجه المذكور ، فإذا أطلق الشراء وأراد هذا المعنى تحقق التدليس.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١١٩.

(٢) الوسيلة : ٢٩٠.

(٣) النهاية : ٣٨٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٩ حديث ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ ، ٣٦ حديث ١٤٧ ، ١٥٣.


بالمسمّى والفسخ ، وليس له قدر التفاوت ، سواء كان الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو حلوله.

وهل يسقط الخيار بالتلف؟ فيه نظر ، ولا خيار لو علم بكذبه ، ولا تقبل بينة البائع لو ادعى كثرة الثمن ، وله الإحلاف إن ادّعى العلم ، ولو صدقه المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء.

______________________________________________________

قوله : ( وليس له قدر التفاوت ).

لأن العقد إنما وقع على ذلك المبيع بالثمن المخصوص ، ولم يفت مما وقع عليه العقد شي‌ء ، لكن يثبت الخيار لثبوت التدليس.

قوله : ( وهل يسقط الخيار بالتلف؟ فيه نظر ).

ينشأ : من حصول المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس الا التلف ، وهو لا يصلح للمانعية ، إذ مع الفسخ يثبت المثل أو القيمة. ومن حصول الضرر للبائع ، حيث أنه ينتقل الى البدل قهرا. ويرجع الأول بعموم المغرور ، يرجع على من غره ، وبان الكذب في الاخبار مقتضى للخيار ، ولم يثبت اشتراطه بالعلم بذلك قبل تلف المبيع ، وفي الثبوت قوة.

قوله : ( ولا تقبل بينة البائع لو ادعى كثرة الثمن ).

لأنه أكذبها باخباره بالأقل وكذا دعواه لا تسمع ، ولو ظهر لدعواه محتمل ، كأن يقول : كان قد أخبرني وكيلي في الشراء ثم ثبت كذبه ، أو ورد عليّ خطه بذلك فبان مزورا ، فالظاهر القبول ، لحصول ظن صدقه فيندفع التنافي ، ولأنه لا يكاد ينفك من ذلك ، فلو لم يقبل لزم الضرر ، ولا منافاة بعد إظهار هذا التأويل.

قوله : ( وله الإحلاف إن ادعى العلم ).

فان دعوى العلم على المشتري مسموعة ، وإن لم تسمع دعواه بالكثرة إذ لو تحقق علمه بذلك تحقق بطلان الإخبار الأول بتصديقه ، وهل له أن يرد اليمين؟


ج : لو اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر ، ثم اشتراه بعشرة جاز أن يخبر بعشرة ، ولا يجب حط الربح.

ولو اشتريا ثوبا بعشرين ، ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد وعشرين.

ولو اشترى أحدهما نصفه بعشرة والآخر بعشرين ، ثم باعاه صفقة مرابحة ، فالثمن بينهما نصفان.

______________________________________________________

فيه وجهان يلتفتان الى أن اليمين المردودة كالبينة ، أو كإقرار المنكر؟ فعلى الثاني ترد ، وعلى الأول لا ، وسيأتي ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو اشتريا ثوبا بعشرين ، ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر ).

جاز أن يخبر بأحد وعشرين ، فان قيل : كيف جاز هذا الاخبار ، مع أن العقد الأول إنما وقع على المجموع ، وأحد النصفين إنما كان حصته عشرة من الثمن بالتقسيط؟ قلنا : تعدد المشتري يقتضي تعدد الصفقة ، فهو في قوة عقدين.

ولو اشترى جماعة أمتعة فلكل واحد الإخبار برأس المال ، بالإضافة الى ما له من المبيع.

قوله : ( ولو اشترى أحدهما نصفه بعشرة والآخر بعشرين ، ثم باعاه صفقة مرابحة فالثمن بينهما نصفان ).

لو قال : نصفين لكان أوجه ، ووجهه أن الثمن يقابل به المبيع ، فتكون أجزاؤه في مقابل اجزائه ، فيكون بالإضافة إلى أحدهما مرابحة ، والى الآخر مواضعة.

ويحتمل أن يراد بكونه بينهما نصفين : بينهما على وجه لو نصّف لكان زائدا على ما لكل واحد منهما ، بدليل كون البيع مرابحة ، وإنما يتحقق ذلك لو كان الربح موزعا على النصفين ، وإنما يتم ذلك بما قلناه. هذا مقتضى إطلاق اللفظ ، ولو قصد المتبايعان غير ذلك رتب على القصد مقتضاه ، وفي هذا قوة.


د : لو باعه تولية فحط البائع الأول عنه البعض فله الجميع ، ولو كان الحطّ قبل التولية فله الباقي إن كان بما أدّى ، ولو حطّ الجميع قبل التولية لم تصح التولية إن كان بما أدى أو بما قام.

الفصل الثالث : في الربا ، وفيه مطلبان :

الأول : في محلّه ، وله شرطان :

الأول : التماثل في الجنس :

الثمن والمثمن إن اختلفا جنسا جاز اختلافهما قدرا نقدا ونسيئة إلاّ الصرف ، فإنه لا يصح فيه النسيئة ، وإن اتفقا وجب اتفاقهما قدرا نقدا إن دخلهما الكيل أو الوزن إجماعا ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان الحط قبل التولية فله الباقي ، إن كان بما أدى ).

أي : له ما بقي من الثمن بعد الحط إن كان البيع وقع بما أدى ، لأن الذي أداه هو ذلك ، وينبغي أن يكون ذلك معلوما عندهما وقت العقد ، والا كان الثمن اللازم مجهولا في وقت العقد فلا يصح.

قوله : ( ولو حط الجميع قبل التولية لم تصح التولية إن كان بما أدى ، أو بما قام ).

إذا لم يؤد شيئا ، ولم يتقوم عليه بشي‌ء.

قوله : ( في الربا ).

الربا لغة : الزيادة ، قال الله تعالى ( فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) (١).

وشرعا : زيادة أحد العوضين المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع 6 إن علم ، وإلا فالعادة ولو في بلد ، إذا اختلفت البلدان حقيقة أو حكما. وفي غير المقدرين قرضا إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا ، ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده ، ولا زوجا مع زوجته.

قوله : ( وإلا فلا ).

__________________

(١) الروم : ٣٩.


ولا يشترط التقابض في المجلس قبل التفرق ، ويكره بيع أحد المختلفين بالآخر نسيئة وإن تساويا قدرا إذا دخلهما أحد التقديرين على رأي ، ولا يثبت الربا في غير البيع.

وضابط الاتفاق في الجنس شمول اللفظ الخاص لهما كالحنطة والأرز ، لا كالمطعوم المختلفة أفراده.

______________________________________________________

أي : وان لم يدخلهما الكيل أو الوزن فلا يجب اتفاقهما لا قدرا ولا نقدا.

قوله : ( ويكره بيع أحد المختلفين بالآخر نسيئة وإن تساويا قدرا ، إذا دخلهما أحد التقديرين على رأي ).

الأصح أنه مكروه ، ويندرج في العبارة ما إذا تساويا قدرا ، وما إذا اختلفا فيه ، كرطل حنطة برطل أرز ، أو رطلين.

قوله : ( ولا يثبت الربا في غير البيع ).

سيأتي في الصلح تردد في ثبوت الربا فيه ، والأصح ثبوته في كل معاوضة ، عملا بإطلاق قوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (١).

قوله : ( وضابط الاتفاق في الجنس شمول اللفظ الخاص لهما ).

المراد باللفظ الخاص : ما يكون مفهومه نوعا بالإضافة الى ما تحته ، فالجنس في عبارته هو ما يعبر عنه في المنطق بالنوع ، وأهل اللغة يسمونه جنسا ، وهذا وإن عز الوقوف عليه إلا أن بعض الأشياء قد قام القاطع على بيان نوعها ، فالحنطة بالنسبة الى ما تحتها نوع بالنص والإجماع ، فالحمراء والبيضاء وغيرهما واحد وكذا الأرز.

فإن قيل : هذا لا يطّرد ، فان الشعير ليس من افراد الحنطة ، مع انكم تعدونهما جنسا واحدا في قول ، والشامل لهما ليس نوعا.

قلنا : هذا خرج بالنص كما سيأتي.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.


والحنطة والشعير هنا جنس واحد على رأي ، وثمرة النخل كلّها جنس وإن اختلفت أصنافه ، كالردي‌ء الدقل وجيد النوع ، وثمرة الكروم جنس ، وأصل كل شي‌ء وفرعه جنس كالحنطة والدقيق والخبز ، والدبس والتمر والخل ، والعنب ودبسه جنس ، واللبن والزبد والأقط جنس ، والكشك والسمن جنس ، والسمسم والشيرج جنس.

______________________________________________________

فان قيل : يعلم من هذا النص أن المدار ليس على اتحاد النوع ، ولا على شمول الاسم الخاص ، والا لاطّرد.

قلت : تخلف الحكم في بعض موارد النص لا يقدح فيما دل الدليل على اناطة الحكم به ، وقد قال 7 : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (١).

فإن قيل : فما السر في عدهما جنسا؟

قلت : لعله لشدة ما بينهما من علاقة وارتباط ، بحيث أن أحدهما أقرب الى الآخر من جميع الحبوب.

والعلس والسلت إن جعلناهما من أحدهما فلا بحث ، والا فالإشكال.

قوله : ( والحنطة والشعير هنا جنس على رأي ).

احترز بـ ( هنا ) عما في باب الزكاة ، فإنهما جنسان لا يكمل أحدهما بالآخر ، والأصلح أنهما جنس للنص الصريح.

قوله : ( وأصل كل شي‌ء وفرعه جنس ).

فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا وإن كانا موزونين.

قوله : ( والزبد والأقط والكشك ... ).

الكشك أشبه بالمصنوع من جنسين ، لأنه معمول من الحنطة واللبن ، فإن أمكن اتخاذه من اللبن فقط اندفع ذلك.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٣ حديث ٢٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١١ حديث ٨١ باختلاف يسير.


والمصنوع من جنسين يباع بهما ، أو بأحدهما مع زيادة على مماثله.

واللحوم تابعة لأصولها ، فلحم البقر عرابه وجاموسه جنس ، ولحم الإبل عرابها وبخاتيّها جنس ، ولحم الغنم ضأنها وما عزها جنس ، والوحشيّ والإنسي جنسان.

والحمام جنس على إشكال ، والسموك جنس ، واللبن والدهن‌

______________________________________________________

قوله : ( والمصوغ من نقدين يباع بهما ، أو بأحدهما مع زيادة على مماثله ).

أو بجنس آخر ، ولا بد في الزيادة المذكورة من أن يكون لها وقع ، بحيث يصلح لأن يكون عوضا في البيع ، ويكفي معرفة المجموع وإن جهل قدر كل جنس.

وتنكير النقدين لا يكاد يوجد له نكتة ، فلو اتى باللفظ معرّفا لكان اولى ، وفي بعض النسخ : ( والمصنوع من جنسين ) وهو أولى ، لأنه أشمل ، ولأن حكم النقدين قد سبق في الصرف مستوفى.

قوله : ( عرابها وبخاتيّها ).

هو بتشديد الياء المثناة من تحت.

قوله : ( ولحم الغنم ضأنها وما عزها جنس ، والوحشي والانسي جنسان ).

الإجماع دليل ذلك كله.

قوله : ( والحمام جنس على اشكال ).

قد تقدم في الحج ضابط الحمام ، ومنشأ الاشكال : من الشك في أن مقوليته على ما تحته مقولية النوع على الأصناف ، أم الجنس على الأنواع ، والوقوف على الذاتيات عزيز ، ولا قاطع من قبل الشرع على واحد من الأمرين.

وعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) يقتضي صحة البيع الجاري على‌

__________________

(١) المائدة : ١.


تابعان ، وكذا الخل والدهن وما يتخذ منه جنس كالشيرج ودهن البنفسج ، والجيد والردي‌ء جنس ، والصحيح والمكسور جنس ، والتبر والمضروب جنس.

الشرط الثاني : الكيل والوزن :

فلا ربا إلاّ فيما يكال أو يوزن مع التفاوت ، ولو تساويا قدرا صح البيع نقدا ، ولو انتفى الكيل والوزن معا جاز التفاضل نقدا ونسيئة ، كثوب بثوبين وبيضة ببيضتين ، ولا فرق بين اختلاف القيمة واتفاقها.

______________________________________________________

بعض ببعض ، وقوله 7 : « ما اجتمع الحرام والحلال إلاّ غلب الحرام الحلال » (١) والعمل باتحاد الجنس أقرب إلى الاحتياط.

قوله : ( والتبر والمضروب جنس ).

ظاهره : يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التساوي ، وقد سبق في الصرف تحقيقه وأنه لا يجوز ، لاختلاط التبر باجزاء من غير الذهب ، فلجهل المقدار لم يجز ، بحيث لا يؤمن حصول الربا ، وحكمه بالجنسية هنا يمكن تفريع هذا الحكم عليه ، إذ لو كانا جنسين لجاز البيع بكل حال.

قوله : ( فلا ربا إلا فيما يكال أو يوزن مع التفاوت ).

لورود النص على ذلك (٢) ، ولا نعلله بكونه مطعوما ونحو ذلك ، كما هو رأي بعض العامة (٣).

قوله : ( ولو انتفى الكيل والوزن معا ، جاز التفاضل نقدا ونسيئة ).

خلافا للشيخ في النسيئة (٤) ، ومقتضى العبارة عدم ثبوت الربا في المعدود ، وهو أظهر القولين.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٢ حديث ٣٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٦ حديث ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٩ حديث ٨١.

(٣) ذهب إليه أحمد كما في المغني لابن قدامة ٤ : ١٣٧ ، والشافعي كما في كفاية الأخيار ١ : ١٥٣.

(٤) الخلاف ٢ : ١٢ مسألة ٦٧ كتاب البيوع.


والحوالة في التقدير على عادة الشرع ، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في زمانه 7 حكم بدخولهما فيه ، فان لم تعلم العادة الشرعية فعادة البلد ، فان اختلفت البلدان فلكل بلد حكم نفسه على رأي.

فلا يثبت الربا في الماء ولا الطين إلاّ الأرمني.

______________________________________________________

قوله : ( والحوالة في التقدير على عادة الشرع ، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في زمانه 7 حكم بدخولهما فيه ).

وذلك لوجوب حمل اللفظ على المتعارف عنده 7.

قوله : ( فان لم تعلم العادة الشرعية فعادة البلد ).

لأنّ الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ، والمعتبر إنما هو العرفية العامة ، كما بيّن في الأصول ، وهو مراد المصنف من قوله : ( فعادة البلد ) بدليل أن قوله : ( فان اختلفت البلدان ) يقتضي اعتبار اتفاقها في ذلك.

وينبغي أن يعلم أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها ، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله فالمعتبر هو السابق ، ولا اثر للتغير الطارئ ، للاستصحاب ، ولظاهر قوله 7 : « حكمي على الواحد حكمي على الجماعة » (١).

وأما في نحو الأقارير والايمان ونحوهما فالظاهر أن الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شي‌ء منها ، حملا له على ما يفهمه الموقع له.

قوله : ( فان اختلفت البلدان فلكل بلد حكم نفسه على رأي ).

اقامة للعرف الخاص مقام العام عند انتفائه ، ويحتمل عموم التحريم ، نظرا الى صدق المكيل والموزون في الجملة ، وفيه منع ، أو الى ظاهر قوله 7 :« إلاّ غلب الحرام الحلال » ، والتحريم أحوط.

قوله : ( فلا يثبت الربا في الماء والطين إلا الأرمني ).

فإنّ الماء غير موزون وإن كان لا يباع سلفا إلا وزنا ، وأما الطين فمنه‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٩٨ حديث ٢٧٠.


والمراد هنا : جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه ، لقلته كالحبة والحبتين ، أو لكثرته كالزبرة.

فروع :

أ : إذا خرج بالصنعة عن الوزن جاز التفاضل فيه ، كالثوب بالثوبين ، والآنية الحديد أو الصفر إذا لم تجر العادة بوزنها.

ب : لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ولا مكيلا ، ولا المكيل جزافا ولا موزونا.

______________________________________________________

الخراساني الذي يؤكل ، واكله محرم ، فان بيع لغرض صحيح احتمل ثبوت الربا وعدمه على دخول الكيل والوزن فيه وعدمه ، وأما الأرمني فإنه دواء يباع وزنا.

قوله : ( والمراد هنا : جنس المكيل والموزون ، وإن لم يدخلاه ... ).

أي : وإن كان المانع من دخولهما فيه القلة أو الكثرة ، لا إن كان المانع غير ذلك ، وإنما قيد بقوله : ( هنا ) احترازا من مطلق البيع ، فإنه إنما يجب الكيل أو الوزن إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا بالفعل.

فلو بيع ما لا يوزن عادة لقلته أو لكثرته ، وجنسه مكيل أو موزون كفى في صحة بيعه المشاهدة ، ومثله الثمرة على الشجرة ، هذا إذا بيع بغير جنسه ، فاما إذا بيع بجنسه فلا بد من القطع بالمساواة بين العوضين كيلا إن كان مكيلا ، وإلا فوزنا.

قوله : ( إذا خرج بالصنعة عن الوزن جاز التفاضل فيه كالثوب بالثوبين ).

وكذا الثوب بالغزل ، للنص الوارد بذلك (١).

قوله : ( لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ولا مكيلا ، ولا المكيل جزافا ولا موزونا ).

لئلا يلزم التفاوت فيما جعل معيارا له ، فانّ بعض الأصناف ربما تفاوتت‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٠ حديث ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٠ حديث ٥٢٤.


______________________________________________________

ثقلا وخفة ، فلو علم التساوي أو التفاوت اليسير الذي يجري مجرى تفاوت المكاييل والموازين لم يقدح على الأقرب ، فيجوز حينئذ بيع كل منهما بمعيار الآخر ، كما اختاره في التذكرة (١).

ولو كان الشي‌ء يكال مرة ويوزن اخرى اعتبر أغلب حالتيه ، فان استويا وتفاوت الأمران بالنسبة إليه ، ففي جواز بيعه بجنسه بأيهما اتفق اشكال.

فرع :

لو أريد بيع المكيل بالوزن ، أو بالعكس بغير جنسه سلفا أو تعجيلا ، ففي جوازه احتمالات ثلاثة :

الجواز مطلقا ، لأن المقصود اندفاع الغرر والجهالة ، وهو حاصل بذلك ، والمنع من بيعه بالجنس حذرا من التفاوت لا لحصول الجهالة.

فإن قيل : لما جعله الشارع مكيلا مثلا ، كان طريق اعتباره هو الكيل ، فبدونه يكون مجهولا ، لمساواة الوزن بالنسبة إليه لسائر الأمور الغير المعلومة كالمكيال المجهول والصنجة (٢) المجهولة.

قلنا : تجويز الشارع بيعه بالكيل لا يقتضي أن لا يحصل العلم به بدونه ، لجواز أن يكون ذلك طريق المساواة إذا بيع بجنسه ، والأصل في البيع الصحة ، فيقتصر على موضع اليقين.

والعدم مطلقا ، لأنّ كلا من المعيارين بالإضافة الى ما يعلم بالآخر غير محصل للعلم بالمقدار ، فلا يندفع به الغرر ، وفيه منع.

والتفصيل بجواز بيع المكيل موزونا دون العكس.

ويظهر من التذكرة اختياره (٣) ، لأنّ الوزن أصل المكيل ، وللإجماع على بيع الحنطة والشعير وزنا ، مع أن المصنف في التذكرة نقل الإجماع على انهما في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٣.

(٢) الصنج : الميزان ، الصحاح ( صنج ) ١ : ٣٢٦.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٣.


ج : لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير كالحنطة المقدرة بالكيل والدقيق المقدر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل أو بالوزن للاختلاف قدرا ، وتسويغه‌ بالوزن.

______________________________________________________

عهده 6 مكيلان ، وكذا التمر والملح ، وقد وقع التعليل بكون الوزن أصلا للكيل ، ولم يبينوا مرادهم منه.

فإن أرادوا به : أن الكيل طارئ على الوزن فغير واضح ، لأن المفروض أن المكيل لم يكن موزونا.

وان أرادوا : أن الوزن أدل على المقدار فغير ظاهر أيضا ، لأنّ معيار مقدار المكيل إنما هو باعتبار حجمه ، لا باعتبار ثقله وخفته.

وإن أرادوا : أغلبيته في أكثر الأشياء ليكون الأصل هاهنا بمعنى الراجح فشرعا غير معلوم ، والعرف لا يرجع اليه فيما ثبت شرعا حكمه ، وقد سبق في باب السلف من هذا الكتاب تردد المصنف في جواز السلف في المكيل موزونا ، وبالعكس.

وعندي أنّ الاحتمال الأول لا يخلو من قوة ، وإن كان الاقتصار على ما اختاره في التذكرة (١) أقرب الى الاحتياط بالوقوف مع كلام الأكثر.

قوله : ( احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن ، للاختلاف قدرا ).

أي : احتمل تحريم بيع نحو الحنطة والدقيق بعضا من أحدهما ببعض من الآخر ، إما كيلا فيهما ، أو وزنا فيهما ، لأن كل واحد من المعيارين يوجب اختلاف القدر بالنسبة إلى المعيار الآخر.

فان الحنطة أقل حجما لرزانتها وثقلها ، والدقيق بالعكس ، فلو بيعا وزنا تفاوتا كيلا ، أو كيلا تفاوتا وزنا مع ما عرفت من أنّ المكيل يحتمل أن لا يباع بالوزن أصلا ، فكيف بجنسه؟ وكذا العكس.

قوله : ( وتسويغه بالوزن ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٣.


د : يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية ، وكذا الخل بمثله.

المطلب الثاني : في الأحكام :

كلّما له حالتا رطوبة وجفاف يجوز بيع بعضه ببعض مع تساوي الحالتين ، فيباع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، والفواكه الرطبة بمثلها ، واللحم الطري بمثله ، والحنطة المبلولة بمثلها ، والتمر والزبيب والفاكهة الجافة والمقدد والحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله.

ولا يجوز مع الاختلاف في الحالتين ، فلا يباع الرطب بالتمر ، ولا العنب بالزبيب ، وكذا كلّ رطب مع يابسه ، سواء قضت العادة بضبط الناقص أو لا.

ولو اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ، كمد تمر ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمدين ودرهمين ،

______________________________________________________

أي : ويحتمل تسويغ بيعهما وزنا ، واليه ذهب الشيخ ، معللا بان الوزن أصل المكيل (١) ، وفيه ما عرفت ، والتحريم مطلقا طريق الاحتياط.

قوله : ( ويجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية ، وكذا الخل بمثله ).

لأن هذا الاختلاف قليل ، لا يقدح بالمساواة كعقد التبن في أحد القفيزين.

قوله : ( ولو اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ، كمد تمر ودرهم بمدين ، أو بدرهمين ، أو بمدين ودرهمين ).

لا يخفى أن قوله : ( صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ) لا يتناول بيعهما‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٩٠.


فان تلف الدرهم المعين أو استحق احتمل البطلان في الجميع ، وفي المخالف والتقسيط.

______________________________________________________

بالجنسين معا ، إلا إذا جعلنا الزيادة بحيث تتناول الجنس الآخر ، وهذا الحكم بإجماعنا ، ومنعه بعض العامة ، لحصول التفاوت (١).

فإن أجزاء المبيع تقابل باجزاء الثمن ، فربما حصلت الزيادة الموجبة للربا ، فإنه لو بيع مد ودرهم مثلا بمدين ، والدرهم يكون ثمن مد ونصف بحساب العادة ، يكون الدرهم ثلاثة أخماس المبيع ، فيقابله ثلاثة أخماس الثمن ويبقى خمساه ، وهو أربعة أخماس مد في مقابل المد ، وذلك ربا.

وجوابه : ان هذه الزيادة بمقتضى التقسيط لا بالبيع ، فان البيع إنما هو المجموع بالمجموع ، والممنوع منه هو البيع بالزيادة.

أو يقال : ان الاجزاء من المبيع على طريق الشيوع يقابل بالاجزاء من الثمن كذلك ، فكل من المد والدرهم بإزائه من المدين ، فلينزل على وجه لا يلزم منه حصول الزيادة ، إذ لا مقتضى لتنزيله على ذلك الوجه ، فيصح البيع وهو ظاهر ، لأنه لو اختلف الجنس من طرفي الثمن والمثمن قوبل كل جنس بمخالفه ، فلا زيادة حينئذ.

قوله : ( فان تلف الدرهم المعين أو استحق احتمل البطلان في الجميع وفي المخالف والتقسيط ).

إذا تلف الدرهم المعيّن ، أي : الذي جرى عليه العقد بخصوصه : إما في طرف الثمن ، أو في طرف المثمن قبل القبض ، أو خروج المعيّن مستحقا مطلقا ، وهذا بناء على أن الأثمان تتعين بالتعيين ، وإلا لم يطّرد هذا الحكم في طرف الثمن ، فالاحتمالات ثلاثة : البطلان في الجميع للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، فإنه لو باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين مثلا ، فانّ الدرهم إذا تلف وكان نصف المبيع ، بان تكون‌

__________________

(١) منهم : أحمد والشافعي كما في المغني لابن قدامة ٤ : ١٦٨ ـ ١٦٩ مسألة ٢٨٣٦.


______________________________________________________

قيمة المد درهما ، يبطل البيع في نصف الثمن فيبقى النصف الآخر ، وحيث كان منزلا على الإشاعة كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابل المد ، فتلزم الزيادة الموجبة للبطلان ، والبطلان في مخالف التالف.

والصحة في مخالف الباقي ، لأن كلا من الجنسين في المبيع قوبل به مخالفه في الثمن ، وصحة البيع منزلة على ذلك ، والصحة فيما بقي وما قابله كائنا ما كان ، فيقسط الثمن على التالف من المبيع والباقي.

ففي المثال السابق يصح البيع في نصف المبيع بنصف الثمن ، ولا ينظر إلى الزيادة ، لأنها إنما جاءت بسبب التقسيط ، وليس التقسيط بيعا ، وفي حال البيع لم تكن زيادة. وفيه نظر ، فان تبعض الصفقة لا يخرج الباقي عن كونه مبيعا وإن سلم ، فلا يخرج عن كونه معاوضة.

والأصح أن الربا يعم كل معاوضة ، ويمكن تنزيل التقسيط على معنى آخر لا تلزم معه زيادة ، كأن يجعل نصف الدرهم التالف في مقابل مثله من الثمن ، ونصفه الآخر في مقابل مد ونصف من الثمن ، بناء على أن الثمن نصف المثمن ، فيكون نصف المد في مقابل نصف مد ، ونصفه الآخر في مقابل درهم ونصف ، فيكون كل من نصفي المبيع في مقابل ما يساوي درهمين من الجنسين معا ، فلا زيادة في الجنس الواحد.

ووجهه : أن أجزاء المبيع لما قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع لم يجب أن يقع التقسيط على وجه يلزم معه المحذور ، فإنّ صيانة العقد عن الفساد مع إمكان السبيل اليه متعين. وفيه أيضا نظر.

فإنّ للتقسيط الذي يصح معه البيع طرقا ، كأن يجعل ثلث الدرهم مثلا في مقابل ثلث درهم من الثمن ، وثلثاه في مقابل مد وثلثين من الثمن ، ويجعل ثلث المد من المبيع في مقابل مثله من الثمن ، وثلثاه في مقابل الباقي من الدرهمين ، وهو درهم وثلثان ، أو يجعل الربع أو ما دونه أو ما فوق النصف ، فلا ترجيح لواحد من هذه‌


______________________________________________________

الطرق سوى التقسيط لكل من الجنسين على كل من الجنسين المقابلين ، نظرا الى استواء النسبة ، وحيث عدل عن هذا المحذور يلزم إما ارتكاب واحد بمجرد التحكم ، أو إفضاء الحال الى التنازع والتجاذب.

فان قلت : فكيف حكمت بصحة البيع تنزيلا على طريق لا يلزم به الربا؟

قلنا : لأنه ما دام العوضان موجودين فلا تفاوت ، ولا تنازع في تنزيله على أي طريق كان يندفع به المحذور ، لأنه على كل تقدير مجموع الثمن للبائع ، ومجموع المبيع للمشتري ، بخلاف ما إذا تلف البعض.

فان قلت : لا ريب أن الطريق المصحح للبيع هو المنزل عليه ، فيجب المصير اليه عند تلف البعض.

قلت : لم لا يجوز أن يكون المنزل عليه هو الأمر الكلي؟ فما دام لا يحتاج الى تعيينه فالبيع بحاله ، فإذا اضطررنا بالتلف الى التشخيص والتعيين فلا بد من معين ، وقد عرفت انتفاءه.

والذي يقتضيه النظر هو الاحتمال الثاني ، لنص الأصحاب على مقابلة كل جنس بمخالفه.

فان قلت : هذا أحد الطرق التي لا ترجيح لبعضها على بعض.

قلت : رجحان هذا على الباقي بنص الأصحاب : ان كل جنس في مقابل ما يخالفه.

ولا ريب أن الاحتمال الأول أحوط تفصيا من المحذور ، وهو إما الزيادة ، أو الترجيح لأحد المتساويات تحكما وتشهيا ، ولا يلزم بطلان هذا النوع من المبيع من رأس ، لما عرفت من الفرق بين سلامة العوضين وتلف بعضهما ، للاكتفاء بكون المصحح أمرا كليا مع سلامتهما ، وعدم الاكتفاء به في التقسيط.

واعلم أن مسألة الكتاب لا بد أن تقيد بأمور :

الأول : كون تلف الدرهم المعيّن قبل القبض ، لأنه حينئذ من ضمان‌


______________________________________________________

البائع بخلاف ما بعده ، وأما ظهور استحقاقه فلا فرق بين كونه قبل القبض أو بعده ، لعدم صلاحيته لان يكون من العوضين ، والعبارة مطلقة.

الثاني : كون تلف الدرهم بحيث تلزم منه الزيادة بالنسبة إلى الباقي ، ليكون البطلان محتملا ، وإطلاق العبارة يشمل ما إذا لم يلزم ذلك ، كما لو كان المبيع مدا ودرهما بمدين مثلا ، والمد من الجانبين يساوي درهما ، فإن الباقي وهو مد يقابل بنصف الثمن وهو مد ، فلا يلزم محذور ، بل قد يقال : ظاهر عبارة المصنف أن احتمال البطلان آت في جميع ما ذكره من الصور ، لذكر حكم تلف الدرهم عقيب ذكر الصور كلها ، فكان عليه أن يقيد بما يدفع هذا.

فان قلت : لعله أراد احتمال البطلان في الجميع ، نظرا الى أن صحة المسألة لما لم تطّرد عمّ البطلان الجميع.

قلت : هذا لا يستقيم لوجوب قصر البطلان على موضع سببه.

الثالث : أن احتمال البطلان في الجنس المخالف للتالف ـ المراد بقوله :( وفي المخالف ) أي : احتمل البطلان في الجنس المخالف من العوض الآخر ـ يجب أن يقيد بما إذا اشتمل العوض الآخر على جنسين ، إذ لو اشتمل على جنس واحد وجب أن يبطل في المجموع إن خالف جنس التالف ، ولا يبطل في شي‌ء منه إن وافقه ، وليس كذلك قطعا.

فان قلت : تخصيصه البطلان بالمخالف يشعر بان هناك جنسا مخالفا وجنسا موافقا.

قلت : ما ذكره صادق بما إذا تلف الدرهم من المبيع والثمن مدا تمر ، فإن الباقي مخالف.

فان قلت : فما حكمه؟

قلت : حقه أنّ التقسيط المعتبر إن اقتضى الزيادة بطل العقد من رأس.


ولو كان أحد العوضين مشتملا على الآخر غير مقصود صح مطلقا ، كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا جنسا على إشكال ، ويجوز مع الاختلاف ، وكذا يجوز بيع دجاجة فيها بيضة ببيضة أو دجاجة ، وشاة في ضرعها لبن بمثلها أو بخالية أو بلبن وإن كان من لبن جنسها ، ومكوك حنطة بمثله وإن اشتمل أحدهما على عقد التبن أو زوان أو تراب تجري العادة بمثله.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان أحد العوضين مشتملا على الآخر غير مقصود صح مطلقا ).

أي : سواء كان معه زيادة تساوي الجنس ، أو لا.

قوله : ( ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا على إشكال ).

ينشأ من أنه غير موزون ، ومن ورود النص بكراهته (١) ، وحمل جمع من الأصحاب إياه على التحريم (٢) ، والأصح الجواز ، إلا أن يكون مذبوحا كما اختاره في المختلف (٣).

قوله : ( وكذا يجوز بيع دجاجة فيها بيضة ببيضة أو دجاجة ).

لانتفاء الكيل والوزن ، وعدم كون البيضة مقصودة ، إذ هي من التوابع كالحمل واللبن في الشاة.

قوله : ( ومكوك حنطة بمثله وإن اشتمل أحدهما على عقد التبن ، أو زوان ، أو تراب تجري العادة بمثله ).

لأن هذا مما يتسامح به في العادة ، فلا ينقص أحد العوضين ليخرج عن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩١ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٧٦ حديث ٧٩٤.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ١٠٠ ، والخلاف ٢ : ٢٠ مسألة ١٢٦ كتاب البيوع ، وسلار في المراسم : ١٧٩ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٧٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٣.

(٣) المختلف : ٣٥٤.


ولو أراد المعاوضة على المتفاضلين المتفقين جنسا باع أحدهما سلعته بجنس غيرهما ثم اشترى به الأخرى ، أو باع المماثل قدرا ووهبه الزائد ، أو أقرضه إياه وتبارءا.

ولا ربا بين الوالد وولده ، فلكلّ منهما أخذ الفضل ، ولا بين السيد ومملوكه المختص ، ولا بين الزوج وزوجته ،

______________________________________________________

المماثلة ، ولو كان لا تجري العادة بمثله لم يصح البيع ، لأنه لا قيمة له في العادة ليقابل به ما يبقى من المكوك الصافي فتتحقق الزيادة.

قوله : ( ولا ربا بين الوالد وولده ، فلكل منهما أخذ الفضل ).

وفي ولد الولد بالنسبة إلى الجد تردد ، ينشأ من التردد في صدق اسم الولد عليه ، والأصح العدم ، لعموم أدلة التحريم ، وانتفاء المخصص هنا ، ولا فرق في الولد بين الذكر والأنثى ، لشمول الاسم.

قوله : ( ولا بين السيد ومملوكه المختص ).

احترز عن المشترك ، لأن ما بيده لسيديه معا ، فيكون الربا معه ربا مع المولى الآخر. وهل يفرّق بين المكاتب والقن؟ ظاهر النص الإطلاق ، وفيه إشكال ينشأ من : أنه أجنبي بالنسبة إليه ، لانقطاع سلطنته عنه ، ومن إطلاق قول الباقر 7 : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين اهله ربا. إنما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك » (١) إلا أن يقال : الإطلاق منزل على الغالب ، ولأن مال المكاتب مملوك له.

قوله : ( ولا بين الزوج وزوجته ).

لا فرق بين الدائمة والمتمتع بها على الأصح ، وفاقا للدروس (٢) خلافا للتذكرة (٣) ، لعموم النص ، وعلل المنع في التذكرة بأن التفويض في مال الرجل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٧ حديث ٣.

(٢) الدروس : ٣٦٩.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٥.


ولا بين المسلم وأهل الحرب ، فللمسلم أخذ الفضل في دار الحرب أو الإسلام دون العكس ، ويثبت بين المسلم والذمي على رأي.

والقسمة تمييز وليست بيعا ، فيجوز فيما يثبت فيه الربا وإن تفاضلا وزنا وخرصا ، ولو أخذ أحدهما الرطب والآخر التمر جاز.

ويجب على من أخذ الربا ردّه إلى مالكه إن عرفه ، أو إلى ورثته إن فقد ، ويتصدق به عنه إن جهله ، سواء استعمله مع علم التحريم أو جهله على رأي.

______________________________________________________

إنما يثبت في حق العقد الدائم ، فإن للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم. وليس بشي‌ء ، لأن مثل هذا لا يقيد به إطلاق النص الوارد بنفي الربا بين الزوج والزوجة.

قوله : ( ولا بين المسلم وأهل الحرب ، فللمسلم أخذ الفضل في دار الحرب أو الإسلام ، دون العكس ).

هذا هو التحقيق ، وأطلق الشيخ نفي الربا بين المسلم والحربي (١) ، فاقتضى جواز دفع الفضل اليه ، ورده ابن إدريس (٢) ، وهو الصواب. ولا فرق بين كونه معاهدا أم لا ، لأنّ الحربي في‌ء لنا ، وأمانه وإن منع من أخذ ماله بغير حق ، إلا انه إذا رضي بدفع الفضل انتقض أمانه فيه ، نبه عليه في التذكرة (٣).

أما الذمي فإن ماله حرام كمال المسلم ، كما سبق بيانه في الجهاد.

قوله : ( ويثبت بين المسلم والذمي على رأي ).

هذا هو الأصح ، تمسكا بعموم المحرم.

قوله : ( سواء استعمله مع علم التحريم ، أو جهله على رأي ).

أي : يجب رده على مالكه كما ذكر ، سواء استعمل الربا ـ أي : فعله ـ مع‌

__________________

(١) النهاية : ٣٧٦.

(٢) السرائر : ٢١٥.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٤.


المقصد الخامس : في لزوم البيع :

الأصل في البيع اللزوم ، وإنما يخرج عن أصله بأمرين : ثبوت خيار وظهور عيب ، فهنا فصلان :

______________________________________________________

علم التحريم ، أو مع جهل التحريم ، وهذا هو أصح القولين ، وليس في الآية دلالة على المسامحة في الزيادة مع الجهالة ، لأنّ المراد : فله ما سلف من الفعل المحرم.

فان قيل : ( ما ) للعموم فيشمل الزيادة؟ قلنا : العموم غير مراد ، وإلا لاقتضى ملك الزيادة مع العلم ، إذ لا تقييد في الآية (١) بالجهل ، وهو باطل إجماعا.

فإن قيل : الفرد المتفق عليه خارج من العموم الباقي على أصله.

قلت : السياق دال على أن المراد : فله ما سلف من الفعل ، إذ المنهي عنه إنما هو أكل الربا والبيع المشتمل عليه ، وليس لتلك الزيادة وردها ذكر في الآية ، ولظاهر قوله سبحانه ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (٢).

قوله : ( الأصل في البيع اللزوم ).

أي : بناؤه على اللزوم لا على الجواز ، وإن كان قد يعرض لبعض افراده الجواز ، أو أن الأرجح فيه ذلك ، نظرا الى أن أكثر أفراده على اللزوم.

قوله : ( ثبوت خيار ، وظهور عيب ).

ظهور العيب أيضا مقتض للخيار ، فكان حقه الاستغناء به ، إلا أن يقال : أن ثبوت الخيار لا بسبب نقصان في نفس العين وصفاتها قسم برأسه ، وبسببه قسم آخر ، أو أن مباحث العيوب لسعتها حقيقة بأفراد فصل لها ، فلأجل ذلك جعل العيب قسما. برأسه.

وهذا هو الملحوظ له والمطابق لفعله ، فإنه في أقسام الخيار ، قال : ( السابع :خيار العيب ) وسيأتي.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) البقرة : ٢٧٩.


الأول : الخيار ، وفيه مطلبان :

الأول : في أقسامه ، وهي سبعة :

الأول : خيار المجلس : ويختص بالبيع ويثبت بعد العقد في كل مبيع لم يشرط فيه سقوطه ، فان شرط سقط ، ولو اشترط أحدهما سقوطه عنه سقط بالنسبة إليه خاصة.

وهو ثابت للبائع والمشتري ما داما في المجلس وإن ضرب بينهما حائل ، أو فرّقا كرها ـ إما بالضرب أو الحمل ـ ولم يتمكنا من الاختيار ، أو فارقاه مصطحبين.

______________________________________________________

قوله : ( ويثبت بعد العقد في كل مبيع لم يشترط فيه سقوطه ... ).

حصر في التذكرة مسقطات خيار المجلس في أربعة :

أ : اشتراط سقوطه في متن العقد.

ب : الافتراق.

ج : التخاير.

د : التصرف. فان كان من المشتري سقط خياره في الرد ، لأنه بتصرفه التزم بالملك واختار إبقاء العقد ، وإن كان من البائع كان فسخا للعقد (١).

قوله : ( أو فرقا كرها : ـ إما بالضرب ، أو بالحمل ـ ، ولم يتمكنا من الاختيار ).

التهديد بمن يخاف منه إيقاع ما هدد به مثل الضرب ، ويفهم من قوله :( ولم يتمكنا من الاختيار ) ـ بان سد فمهما ، أو هددا على التكلم ـ ، انه مع التمكن منه يسقط ، لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٧.


ولو فارق أحدهما الآخر ولو بخطوة اختيارا عالمين أو جاهلين ، أو بالتفريق ، أو هرب أحدهما كذلك ، أو التزما به ، أو أوجبه أحدهما ورضي الآخر سقط.

ولو التزم به أحدهما سقط خياره خاصة ، ولو قال له : اختر فسكت ، فخيارهما باق على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولو فارق أحدهما الآخر ولو بخطوة اختيارا عالمين ، أو جاهلين ، أو بالتفريق ... ).

المراد بافتراقهما : طروء الافتراق بعد العقد ، بحيث يزيد على ما بينهما من البعد ، ويتحقق ذلك بالبعد بخطوة ونحوها ، وذلك لأن الافتراق الحقيقي حاصل بينهما وقت العقد.

فلا يراد من الحديث إلا الافتراق الطارئ بعده ، وليس له هناك معنى سوى المعنى اللغوي ، وهو متحقق بما قلناه ، وقد نبه عليه في التذكرة (١).

وفرق بعض العامة بين الدار الصغيرة والكبيرة ، فشرط في الصغيرة الخروج منها أو صعود سطحها ، واكتفى في الكبيرة بالانتقال من الصفة إلى الصحن (٢) ، وليس بشي‌ء. ولا فرق فيما قلناه بين قرب المكانين وبعدهما ، حتى لو تناديا بالبيع من بعد اعتبر التفرق من مكانيهما ، لسقوط الخيار.

قوله : ( أو هرب أحدهما كذلك ).

أي : ولو بخطوة اختيارا عالمين ، أو جاهلين ، أو بالتفريق ، وإن فعل ذلك حيلة في لزوم العقد.

قوله : ( ولو قال له : اختر فسكت ، فخيارهما باق على رأي ).

أما بقاء خيار الساكت فلا بحث ، وأما الآخر ففيه قولان : أصحهما البقاء ، لعدم حصول واحد من الأمور المسقطة الأربعة ، ولظاهر : « ما لم يفترقا » (٣).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٧.

(٢) منهم : الشافعي في كفاية الأخبار ١ : ١٥٥.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٧٣.


وخيار العاقد عن اثنين باق بالنسبة إليهما ، ما لم يشرط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد ، أو يفارق المجلس على قول.

ويحتمل سقوط الخيار وثبوته دائما ، ما لم يسقطه بتصرف أو إسقاط.

______________________________________________________

وقال الشيخ : يسقط ، لما روي عنه 7 : « ما لم يفترقا ، أو يقل أحدهما لصاحبه : اختر » (١) ، وفي السند جهالة.

قوله : ( وخيار العاقد عن اثنين باق بالنسبة إليهما ، ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد ، أو يفارق المجلس على قول ، ويحتمل سقوط الخيار وثبوته دائما ، ما لم يسقطه بتصرف أو إسقاط ).

العاقد عن اثنين ليس الخيار له ، بل لهما ، ثم إن كونه له لا ينتظم مع الحكم ببقائه بالنسبة إليهما ، وإنما يسوغ له اشتراط ذلك وإسقاطه ، والالتزام عنهما إذا كان وليا أو وكيلا مفوضا في ذلك ، أما لو كان وكيلا في العقد عنهما خاصة فليس له التزام ، ولا فسخ.

ولا ريب أن اشتراط السقوط في متن العقد حيث يجوز ذلك والالتزام به مسقط حيث يثبت الخيار ، وإنما ذكره في الاحتمال الأول والثالث ليتحرز عن المواضع التي يقطع فيها بالسقوط ، ويفترق عن الاحتمال الأول والثالث بكون مفارقة العاقد المجلس موجب للسقوط وعدمه.

وتحقيق الكلام فيها : أن ثبوت الخيار هنا وعدمه ، وتعيين أمد بقائه على تقدير الثبوت ، فيه احتمالات ثلاثة :

الأول : ثبوته إن لم يشترط عدمه ، وبقاؤه الى أن يحصل الالتزام قطعا ، أو مفارقة المجلس على قول نقله الشيخ في المبسوط (٢) ، فكأنه أراد : أن مجي‌ء الاحتمال مبني على قول نقله الشيخ ، يظهر من كلامه ضعفه ، فيكون مجي‌ء هذا الاحتمال مبنيا على ذلك القول الضعيف.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٨.

(٢) المبسوط ٢ : ٧٨.


______________________________________________________

ووجه هذا القول : أن الافتراق بين المتعاقدين يتحقق بمفارقة مجلس العقد ، وتباعدهما بعده عن الحالة التي كانا عليها ، فالعاقد عنهما يعتبر فيه الممكن من ذلك ، وهو مفارقة مجلس العقد ، إذ مفارقة نفسه غير معقولة.

ويضعف ، بأنّ الواقع في الحديث هو الافتراق ، لا مفارقة مجلس العقد ، حتى أن مفارقته من دون الافتراق لا أثر لها.

الثاني : الثبوت ، وإنما يسقط بالالتزام بعد العقد أو اشتراط السقوط فيه ، ووجه الثبوت في الموضعين : ظاهر قوله 7 : « البيعان بالخيار » (١) فإنه يعم البائعين بوكيلهما ، أو وليهما ، وقوله : « ما لم يفترقا » إنما يصلح لاخراجهما ، إذا أريد به عدم الملكة ، أعني : عدم الافتراق عما من شأنه الافتراق ، فان ذلك غير صادق في الشخص الواحد ، وهو غير متعين ، لاحتمال ارادة السلب ، لا عدم الملكة عنه.

الثالث : عدم الثبوت أصلا ، حملا للحديث على عدم الملكة ، وقد عرفت ما فيه.

والذي يجب أن يحقق في الحديث : أنّ البيعين إن أريد بهما : العاقدان لأنفسهما لم يعم الوكيلين ولا الموكلين ، وإن أريد بهما : مالك المبيع ومالك الثمن لم يطابق أول الحديث آخره ، إلا إذا كان المالكان هما العاقدان ، لأن قوله :« ما لم يفترقا » لا يصدق في المالكين ، إذا كان العاقدان غيرهما ، لانه يصير معناه حينئذ : البيّعان بالخيار ما لم يفترق العاقدان ، وهو غير ظاهر ، إلا أن يدعى وجود القرينة الدالة على مرجع هذا الضمير ، وهي ذكر طروء الافتراق المقتضي لسبق عدم الاجتماع للعقد ، أو يقال : الحديث دال على حكم المالكين المتعاقدين ، لأنه الغالب ، وحكم ما إذا كان العاقد وكيلا لهما مستفاد من خارج.

أما العاقد الواحد فلا دليل يدل على ثبوت الخيار معه ، وبناء ذلك على أن الواقع في الحديث عدم ملكه غير ظاهر ، لأنه لا ينتظر ذلك في عبارة الحديث‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٤ حديث ١٠٠.


ولو كان الشراء لمن ينعتق عليه فلا خيار ، وكذا في شراء العبد نفسه إن جوزناه.

ولو مات أحدهما احتمل سقوط الخيار ـ لأن مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس في الإسقاط ـ وثبوته ،

______________________________________________________

على أي تقدير نزّلت ، فانّ البيّعان لا يقع على الواحد ، إلا أن يدعى المجاز ، نظرا إلى أنه باعتبار كونه موجبا قابلا بمنزلة المتعاقدين ، وفيه ما لا يخفى ، وأنا في هذه المسألة من المتوقفين.

واعلم أن في قوله : ( العاقد عن اثنين ) مناقشة ، لأنّ العاقد عن واحد مع نفسه يخرج من العبارة ، ولا وجه لإخراجه ، بل ينبغي إدراجه ليكون الحكم واردا عليهما.

قوله : ( ولو كان الشراء لمن ينعتق فلا خيار ، وكذا في شراء العبد نفسه إن جوزناه ).

على الأصح فيهما ، ونحن لا نجوز شراء العبد نفسه. ومثله ما لو كان المبيع جمدا في زمان الحر ، لأنه يذوب شيئا فشيئا ، إلا أن يقال : التلف لا يسقط الخيار.

قوله : ( ولو مات أحدهما احتمل سقوط الخيار ، لأنّ مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس ).

أي : فيسقط بطريق أولى ، وفيه نظر لمنع الأولوية ، فإن المراد من الافتراق : التباعد في المكان ، وهو إنما يكون للجسم ، فلا يعقل ارادة الروح.

قوله : ( وثبوته ).

هذا الاحتمال أظهر تمسكا بالاستصحاب ، لأن ثبوته معلوم بالعقد والمسقط غير متيقن ، وفي العبارة مسامحة ، حيث أراد بالثبوت البقاء ، وإلا لم يستقم ، لأن أصل الثبوت لا بحث فيه.


فينتقل إلى الوارث ، فان كان حاضرا امتدّ الخيار بينه وبين الآخر ما دام الميت والآخر في المجلس ، وإن كان غائبا امتد إلى أن يصل إليه الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت.

وهل يمتد بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر؟ نظر ، هذا كلّه إذا لم يفارق الآخر.

ولو حمل أحدهما ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( فينتقل إلى الوارث ، فان كان حاضرا امتد الخيار بينه وبين الآخر ما دام الميت والآخر في المجلس ).

لأنّ بقاء الخيار إنما كان لانتفاء تفرق المتعاقدين ، وذلك إنما هو لاعتبار بقاء الميت مع العاقد الآخر في المجلس.

قوله : ( وإن كان غائبا امتد الى أن يصل اليه الخبر ، إن أسقطنا اعتبار الميت ).

هذا ليس بشي‌ء ، لأنا إذا أسقطنا اعتبار الميت امتنع الحكم ببقاء الخيار ، لانتفاء متعلقة ، وهو عدم تفرق المتبايعين ، ثم إنا إذا أسقطنا اعتبار الميت فالحكم ببقاء الخيار الى وصول الخبر دعوى لا مستند لها ، وأبعد منه امتداده بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر ، لأن المراد من المجلس : مجلس البيع ، لا مطلق المجلس ، فتحديده بهذا المجلس تحكم ، فإما أن يجعل على الفور ، أو يجعل على التراخي غير محدود بالمجلس ، والحق أنّ هذه احتمالات واهية.

قوله : ( هذا كله إذا لم يفارق الآخر ).

فإنه لو فارق صدق الافتراق ، فيسقط الخيار قطعا.

قوله : ( ولو حمل أحدهما ، ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على اشكال ).

لا وجه لهذا الاشكال بعد قوله فيما سبق : ( أو فرقا كرها ) الى قوله ( ولم‌


أما الثابت ، فان منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط ، وإلاّ فالأقرب سقوطه ، فيسقط خيار الأول.

ولو جنّ أحدهما أو أغمي عليه لم يسقط الاختيار ، وقام الولي بما فيه الحظ.

ولو جاء مصطحبين ، فقال أحدهما : تفرقنا ولزم البيع ، وأنكر الآخر ، فعلى المدعي البينة إن لم يطل الوقت ، أما لو طال ، فيحتمل ذلك

______________________________________________________

يتمكنا من الاختيار ) إلا أن يقال : هذا رجوع عن الجزم الى التردد ، وهو بعيد ، والحق أن الخيار لا يسقط ، لأن الافتراق المستند إليهما لم يتحقق.

ولو تناديا بالبيع في سفينتين مثلا ففرقهما الريح التي لا يتمكنان من الاصطحاب معها ، فالظاهر أن الحكم كذلك إن لم يتمكنا من الاختيار ، ولو دهشا فلم يختارا حينئذ ففي السقوط نظر.

قوله : ( أما الثابت فان منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط ).

قد يقال : إن الاشكال آت هنا أيضا ، لأنّ الافتراق إن صدق سقط الخياران ، وإن انتفى بقيا ، وإن شك فيه فالشك في خيار كل منهما ، وفي العبارة فساد آخر ، لأن عطف المصاحبة على التخاير يقتضي بقاء الخيار بالمنع من أحدهما ، وليس كذا.

قوله : ( وإلا فالأقرب سقوطه ، فيسقط خيار الأول ).

أي : وإن لم يمنع فالأقرب سقوط خياره ، ووجه القرب : صدق الافتراق.

والتحقيق أن يقال : بقاء خيارهما معا وسقوطه دائر مع صدق الافتراق وعدمه ، فلا وجه للتفريق بينهما في الحكم.

قوله : ( ولو جاءا مصطحبين ، فقال أحدهما : تفرقنا ولزم البيع ، وأنكر الآخر ، فعلى المدعي البينة إن لم يطل الوقت ).

لأن الأصل عدم التفرق ، ولا ظاهر هاهنا.

قوله : ( أما لو طال فيحتمل ذلك ).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.


ترجيحا للأصل على الظاهر مع التعارض ، وتقديم قوله ترجيحا للظاهر.

أما لو اتفقا على التفرق واختلفا في الفسخ ، فالقول قول منكره مع احتمال الآخر ، لأنه أعرف بنيته.

______________________________________________________

أي : ان على المدعي البينة ، لعموم « البينة على المدعي » (١).

قوله : ( ترجيحا للأصل على الظاهر عند التعارض ).

أي : على المدعي البينة ، لترجيح ما دل عليه الأصل على ما دل عليه الظاهر إذا تعارضا ، وهو أحد الأوجه ، والمراد بالظاهر هاهنا : هو شهادة العادات بعدم بقاء المتبايعين مصطحبين مدة طويلة.

قوله : ( وتقديم قوله ، ترجيحا للظاهر ).

أي : واحتمل تقديم قول مدعي التفرق ، ترجيحا للظاهر ، وهو عدم بقاء الاصطحاب في المدة الطويلة.

وفي تقديم الظاهر هاهنا قوة ، نظرا إلى شدة استبعاد بقاء الشخصين مجتمعين مدة طويلة مع كون الاصطحاب منسوبا إليهما معا ، حتى لو أراد أحدهما المفارقة احتيج في منعه الى الالتزام والقبض ، وذلك من الأمور النادرة ، لكن هذا الظاهر يتفاوت قوة وضعفا بإفراط طول المدة وعدمه.

قوله : ( أما لو اتفقا على التفرق ، واختلفا في الفسخ فالقول قول منكره مع احتمال الآخر ، لأنه أعرف بنيته ).

هذا الاحتمال في غاية الضعف ، بل كاد يضمحل ، لأن هذا ليس من الأمور المستندة إلى نيتهما ، أو نية أحدهما.

نعم لو قيل : اختلافهما في فعل مدعي الفسخ فالقول قوله بيمينه ، لأنه أعرف بفعل نفسه لكان أقرب الى الارتباط بالمدعى ، والأصح أن القول قول المنكر بيمينه.


الثاني : خيار الحيوان ، ويمتد إلى ثلاثة أيام من حين العقد على رأي ، ويثبت للمشتري خاصة على رأي وإن كان الثمن حيوانا.

ويسقط باشتراط سقوطه في العقد ، وبالتزامه بعده ، وبتصرفه فيه وإن لم يكن لازما ، كالهبة قبل القبض والوصية.

الثالث : خيار الشرط ، ولا يتقدر بحدّ ، بل بحسب ما يشترطانه ، بشرط الضبط وذكره في صلب العقد ، فلو شرطا غيره كقدوم الحاج بطل العقد ، ولو شرط مدة قبل العقد أو بعده لم يلزم.

______________________________________________________

قوله : ( ويمتد إلى ثلاثة أيام من حين العقد على رأي ).

وقيل : من حين التفرق.

قوله : ( ويثبت للمشتري خاصة على رأي ، وإن كان الثمن حيوانا ).

للأصحاب ثلاثة أقوال ، يفرق في الثالث بين أن يكون الثمن حيوانا وعدمه ، وليس هذا الثالث ببعيد ، فان فيه جمعا بين الأخبار ، إلا أن المشهور بين الأصحاب اختصاصه بالمشتري مطلقا ، والعمل بالمشهور أوجه.

قوله : ( وبتصرف فيه وإن لم يكن لازما كالهبة قبل القبض والوصية ).

لقول الصادق 7 : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة الأيام فذلك رضى منه فلا شرط له » ، قيل : وما الحدث؟ قال : « إن لامس ، أو قبّل ، أو نظر منها الى ما يحرم عليه قبل الشراء » (١).

فعلى هذا ركوب الدابة وتحميلها ، والحلب والطحن تصرف ، ولو قصد به الاختبار فقد استثناه بعضهم من التصرف المسقط ، وليس ببعيد.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ حديث ١٠٢.


ويجوز جعل الخيار لهما ، أو لأحدهما ، ولثالث ولهما ، أو لأحدهما مع الثالث ، واختلاف المدة لو تعدد صاحبه وعدم اتصالها ، واشتراط المؤامرة إن عين المدة ، وردّ المبيع في مدة معينة برد البائع فيها الثمن.

______________________________________________________

قوله : ( واشتراط المؤامرة إن عين المدة ).

باتفاقنا ، لعموم دلائل جواز الاشتراط ، وعلى هذا فليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمر فلانا ، ويأمره بالرد وفاء بالشرط ، لأنه جعل الخيار له دون العاقد ، وبه صرح في التذكرة (١).

والمؤامرة مفاعلة من الأمر ، والمراد به : أن يستأمر البائع ، أو المشتري ، أو هما من سمياه في البيع أو الشراء ، كالولد لوالده ، والأخ لأخيه ، والأجنبي لأجنبي.

وينبغي أن يقال : يجب على المشروط استئماره اعتماد المصلحة ، لأنه مؤتمن ، فلو امره بخلاف ما فيه مصلحة لم يجب عليه امتثاله ، لكن لو امره بعدم الفسخ ، وكان الأصلح الفسخ ، فهل له الفسخ؟ فالظاهر العدم ، لانتفاء المقتضي ، إذ لم يشترط لنفسه خيارا.

ولو امره بالفسخ فالظاهر عدم وجوب القبول ، لانتفاء المقتضي نعم لو أراد الفسخ لم يكن له إلاّ بأمره.

قوله : ( ورد المبيع في مدة معينة برد البائع فيها الثمن ).

أي : ويجوز اشتراط البائع رد المبيع من المشتري ، حيث يرد عليه الثمن ، ولا بد لذلك من مدة معينة ، وذلك بان يبيعه بكذا على أنه متى جاء بالثمن في عشرة أيام يسترد المبيع ، بأن يفسخ البيع فيكون حينئذ اشتراطا للخيار مع رد الثمن ، فلا بد من الفسخ ، فلا يكون رد الثمن بمجرده قاطعا للبيع.

قال في الدروس : فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ، ولا يحمل الإطلاق على المعيّن ، ولو شرطا رد المعيّن احتمل الجواز ، وما دام لا يرد الثمن أو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٩.


وأول وقته عند الإطلاق من حين العقد ، لا التفرق ولا خروج الثلاثة في الحيوان ، ولا يتوقف الفسخ به على حضور الخصم ولا قضاء القاضي.

ولو أبهم الخيار في إحدى العينين أو أحد المتبايعين بطل العقد فيهما.

ولا يصح اشتراطه فيما يستعقب العتق ، وفي ثبوته في الصرف‌ إشكال.

______________________________________________________

مثله مع الإطلاق كملا فليس له الفسخ ، والأصل في ذلك ـ قبل الإجماع منا ـ الأخبار عن أهل البيت : (١).

ولو شرطا ارتجاع بعضه ببعض الثمن ، أو الخيار في البعض فقد تردد في الصحة في الدروس (٢) ، ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا رد المبيع صح ، قال في الدروس : فيكون الفسخ مشروطا برد المبيع ، فلو فسخ صاحب الخيار قبله لغا (٣).

قوله : ( ولا يتوقف الفسخ على حضور الخصم ، ولا قضاء القاضي ).

أي : الفسخ بالخيار المشروط ، واشترط الأمرين أبو حنيفة (٤).

قوله : ( ولا يصح اشتراطه فيما يستعقب العتق ).

لمنافاته مقتضى العقد ، إذ مقتضاه ترتب العتق على العقد إذا كان صحيحا ، إلا أن يقال : هذا ليس من مقتضيات البيع ، بل هو اثر الملك ، فإذا تحقق اشتراط الخيار كان الملك متزلزلا ، فلا يلزم حصول العتق ، إذ هو تابع للملك الثابت ، ولا يزيد الكلام هنا على الكلام في ثبوت خيار المجلس في شراء القريب.

قوله : ( وفي ثبوته في الصرف إشكال ).

__________________

(١) الدروس : ٣٦٠.

(٢) الدروس : ٣٦٠.

(٣) الدروس : ٣٦٠.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨١ ، المغني لابن قدامة ٤ : ١٢٧.


الرابع : المغبون يثبت له الخيار بشرطين : عدم العلم بالقيمة وقت العقد ، والزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن بمثلها وقت العقد ، فيتخير المغبون خاصة في الفسخ والإمضاء بما وقع عليه العقد ، ولو دفع الغابن التفاوت فلا خيار على إشكال.

______________________________________________________

لا مانع من ثبوته فيه ، إلاّ نقل الشيخ الإجماع على عدم ثبوته فيه (١) ، وفي الثبوت قوة ، نظرا إلى عموم الأخبار (٢) ، وعدم تحقّق الإجماع.

قوله : ( بشرطين : عدم العلم بالقيمة وقت العقد ، والزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن بمثلها وقت العقد ).

( وقت العقد ) ظرف لقوله : ( لا يتغابن ) فلو اختلفت الأحوال فيها ، بأن كانت في بعضها يتغابن بها ، وفي بعضها لا يتغابن ، فالمعتبر وقت العقد ، فان كانت مما يتغابن بها حينئذ فلا غبن ، وإلاّ ثبت ، ومتى اختلفا في أنّ القيمة وقت العقد لا يتغابن بها ، فعلى مدعي الغبن البينة.

ولو اختلفا في جهالة مدعي الغبن الحال ، ففي الحكم تردد ، ولم أقف في كلام الأصحاب على تصريح في ذلك ، وليس ببعيد ثبوت جهالة القيمة بيمينه ، لأن العلم والجهل من الأمور التي تخفى ، فلا يطّلع عليها إلا من قبل من هي له ، نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان ، بحيث لا تخفى عليه قيمته ، لم يلتفت إلى قوله.

قوله : ( ولو دفع الغابن التفاوت فلا خيار على إشكال ).

ينشأ : من زوال الضرر بزوال مقتضيه ، ومن أنّ الخيار قد ثبت فلا يزول إلا بدليل ، ولم يثبت أنّ زوال الضرر يقتضي زواله. ويؤيد الأول أن دفع التفاوت لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن عن اشتمالها عليه ، لأنه هبة مستقلة ، حتى لو دفعه بمقتضى الاستحقاق فلا يحلّ أخذه ، إذ لا يستحقه ، ولا‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٤ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٨.


ولا يسقط بالتصرف ، إلاّ أن يخرج عن الملك بالبيع وشبهه ، أو يمنع مانع من ردّه كاستيلاد الأمة أو عتقها ، ولا يثبت به أرش.

______________________________________________________

ريب أنّ من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره. ولو دفع التفاوت في مقابل ترك الفسخ ، كان ذلك منوطا بالتراضي ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( ولا يسقط بالتصرف ، إلاّ أن يخرج عن الملك بالبيع وشبهه ).

تحقيق الحكم في المسألة : ان التصرف إما أن يكون في المبيع خاصة ، أو في الثمن خاصة ، أو فيهما ، وعلى كل تقدير إما أن يكون المغبون البائع ، أو المشتري ، وعلى تقدير التصرف فاما أن يكون تصرفا مخرجا عن الملك ، أو لا ، فهذه اثنتا عشرة صورة :

أ : المغبون البائع ، وتصرّفا في العوضين تصرّفا مخرجا عن الملك.

ب : بحالها ، والتصرّف غير مخرج.

ج : كذلك ، لكن البائع تصرّف تصرّفا مخرجا ، ولم يتصرف المشتري أصلا.

د : بحالها ، وتصرّف البائع غير مخرج.

هـ : تصرّف البائع مخرج ، وتصرف المشتري غير مخرج.

و : عكسه.

ومثل هذه الصور إذا كان المغبون المشتري ، ولو كانا معا مغبونين فستّ اخرى ، فالمجموع ثماني عشرة.

وتحقيق أحكامها إجمالا : أن المغبون إذا كان هو البائع لا يسقط خياره بتصرّف المشتري ، سواء أخرج المبيع عن ملكه أم لا ، لعدم الدليل الدال على سقوطه حينئذ ، فإنّ ضرر البائع لا يسقط اعتباره بتصرّف من لا ضرر عليه. فعلى تقدير الإخراج لو فسخ البائع يلزم المشتري المثل أو القيمة ، ولو تصرف البائع في الثمن فهل يسقط خياره أم لا؟ وهل يفرّق بين التصرف المخرج عن الملك وغيره؟


______________________________________________________

لا أعلم في ذلك تصريحا.

لكن في عبارة التذكرة ما يقتضي عموم سقوط الخيار هنا بالتصرف إذا كان مخرجا عن الملك ، فإنه قال : ولا يسقط هذا الخيار بتصرّف المغبون ، لأصالة الاستصحاب ، إلاّ أن يخرج عن الملك ببيع وعتق وشبهه ، لعدم التمكن من استدراكه (١). هذا لفظه ، وهو شامل لما قلناه ، مع احتمال أن يريد به : تصرف المشتري خاصّة إذا كان هو المغبون ، لكن ما استدلّ به (٢) بعينه قائم فيما ذكرناه.

وأما المشتري ، فانّ خياره لا يسقط بتصرف البائع قطعا ولا بتصرفه ، إلاّ أن يخرجه عن ملكه ، ولا بدّ من تقييد الإخراج عن الملك بكونه لازما ، كما يرشد إليه تعليل التذكرة (٣) ، إذ لو كان غير لازم لكان الاستدراك ممكنا بالفسخ ، وتمثيل الكتاب يرشد إلى ذلك ، وأظهر منه تمثيل التذكرة (٤).

إذا عرفت ذلك فعبارة الكتاب حقّها أن تكون هكذا : ولا يسقط بالتصرف من المغبون إلا أن يخرج عن الملك بوجه لازم.

فان قلت : قد سبق في فروع المرابحة تردد في أن تلف المبيع هل يسقط خيار المشتري إذا علم كذب البائع في إخباره برأس المال أم لا؟ فما الفرق بينه وبين ما هاهنا؟ وهل المراد بالتلف هناك : ما يعمّ إتلاف المشتري وغيره؟ وهل يفرّق هاهنا بين تلف المبيع بنفسه وبفعل المشتري؟

قلت : قد يمكن الفرق بأن السبب هناك أقوى ، لأن المخبر كذبا عاد مدلّس ، والمغرور يرجع إلى من غرّه ، بخلاف ما هاهنا ، فانّ الغابن لم يقع منه تغرير ، وإنما التقصير من جهل المغبون ، وفي تأثير هذا الفرق إشكال.

وأمّا التلف هناك ، فظاهر العبارة يقتضي عدم الفرق بين إتلاف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٢) لم ترد في « م » ، وأثبتناها للسياق.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٤) التذكرة ١ : ٥٢٣.


الخامس : من باع ولم يسلم ولا قبض الثمن ولا اشترط تأخير الثمن يلزمه البيع ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحق ، وإلاّ تخير البائع في الفسخ والصبر والمطالبة بالثمن ، ولا خيار لو أحضر الثمن قبل الفسخ مطلقا.

______________________________________________________

المشتري المبيع وتلفه بنفسه. وليس ببعيد ، لأن خيار التدليس كخيار العيب ، فهو أقوى من خيار الغبن.

وأمّا هاهنا فينبغي الفرق بين ما إذا تلف المبيع بنفسه ، أو أتلفه المشتري ، لأن الإتلاف أقوى من التصرّف المخرج عن الملك. ولو [ تلف ] (١) بنفسه ففي سقوط الخيار تردد ، ينشأ من عدم التمكن من استدراكه ، ومن عدم التقصير من المشتري ، فلا يسقط حقه.

إذا عرفت هذا ، فهل هذا النوع من الخيار على الفور أم على التراخي؟ فيه قولان ، قد سبق مثلهما في تلقي الرّكبان ، وهذا إذا لم يجهل المشتري بأصل الخيار أو فوريته ، فان جهل أحدهما تخير إذا علم.

قوله : ( خيار التأخير : من باع ولم يسلم المبيع ).

مقتضاه : أنه لو تسلّمه المشتري بغير إذن البائع لم يعتدّ به ويثبت الخيار ، وهو كذلك ، لظاهر الرواية (٢) وكلام الأصحاب ، وبه صرّح في الدروس (٣).

قوله : ( ولا خيار لو أحضر الثمن قبل الفسخ مطلقا ).

احتمل في الدروس جوازه حينئذ لوجود مقتضيه ، فيستصحب الحكم (٤).

__________________

(١) لم ترد في « م » وأثبتناها من الحجري لاقتضاء السياق لها.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ حديث ٢٥٩.

(٣) الدروس : ٣٦١.

(٤) الدروس : ٣٦٢.


ولا يسقط بطلب الثمن بعدها ، فان تلف في الثلاثة فمن البائع على رأي ، وكذا بعدها إجماعا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يسقط بطلب الثمن ).

هذا ظاهر الأكثر على ما حكاه في الدروس (١) ، وظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢) ـ وحكاه في الدروس عن ابن الجنيد (٣) ـ بطلانه ، وظاهر الأخبار تشهد لكلّ منهما (٤).

ولعل المراد به : أنه آئل إلى ذلك باعتبار ثبوت الخيار ، وإيراد ذلك في باب الخيار دليل على أنّ هذا هو المراد ، ويبعد قولهما ، بأن العقد الصحيح المحكوم بلزومه يبطل بعدم قبض الثمن والمبيع مع بقاء العين ، وكيف كان فهذا القدر من التأخير مناف لفورية هذا الخيار إن قلنا بها. ولا فرق في ذلك بين كون الثمن معيّنا أو في الذمة.

فرع :

حكى في الدروس عن بعض كلام الشيخ : أن للبائع الفسخ متى تعذر الثمن ، قال : وفيه قوة (٥). والحقّ أنّ التمسك بلزوم العقد إلى أن يثبت المقتضي للفسخ شرعا هو الأوجه.

قوله : ( فإن تلف في الثلاثة فمن البائع على رأي ).

هذا هو المشهور وعليه العمل ، وقال المرتضى : أنه فيها من المشتري (٦) ، وفرّق ابن حمزة بين أن يعرضه البائع على المشتري فيكون الضمان فيه كالدين عند‌

__________________

(١) الدروس : ٣٦٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٨٧.

(٣) الدروس : ٣٦٢.

(٤) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١١ ، التهذيب ٧ : ٢١ ، ٢٢ حديث ٨٨ ، ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ ، ٧٨ حديث ٢٥٨ ، ٢٥٩.

(٥) الدروس : ٣٦٢ ، وانظر : النهاية : ٣٨٨.

(٦) الانتصار : ٢١٠.


ولو اشترى ما يفسد ليومه فالخيار فيه إلى الليل ، فان تلف فيه‌

______________________________________________________

الحلول ، وعدمه فيكون الضمان من البائع (١).

ويشكل بأن العرض على المشتري لا يقوم مقام القبض ، إلاّ أن يمتنع المشتري من القبض ، ولا يرضى البائع ببقائه في يده بعد تعيينه ، وحينئذ فلا فرق بين التلف في الثلاثة وبعدها في كون الضمان من المشتري ، بل لا تبقى صورة هذه المسألة.

قوله : ( ولو اشترى ما يفسد ليومه فالخيار فيه إلى الليل ).

في هذه العبارة كلامان :

الأول : أن مؤدّاها غير المراد منها ، إذ المراد : أنّ ما يفسد بالمبيت كالفاكهة والطعام واللّبن ونحوها يلزم البيع فيه يوما ، وعند انقضائه يثبت الخيار للبائع.

والظاهر أن المستفاد من العبارة : ثبوت الخيار في اليوم وبقاؤه إلى الليل ، لأن ( إلى ) لمّا كانت هنا لانتهاء الغاية وجب أن يكون ابتداء ، ولمّا لم يذكر في العبارة شيئا بخصوصه ، وجب الحمل على زمان وقوع العقد ، لانتفاء ما يتبادر اليه الذهن سواه ، والظاهر فساد هذا المعنى.

الثاني : أن ظاهر قوله : ( ما يفسد ليومه ) يقتضي أن يكون الفساد في اليوم ، والمنصوص عليه إنما هو ما يفسد بمضي اليوم ، أما ما يفسد في اليوم بأن يبقى نصف يوم ثم يفسد أو أقل أو أكثر ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن يتقدّر لزوم البيع بمقدار بقائه ، ثم يثبت الخيار.

والثاني : أن يتقدّر باليوم حملا له بالمنصوص ، واختار في الدروس (٢) الثاني ، وهو قوي ، دفعا للضّرر. ولو كان مما يصبر يومين ، فقد احتمل في التذكرة التربص به إلى الليل (٣) ، والصّبر به إلى حين خوف الفوات أقوى.

__________________

(١) الوسيلة : ٢٧٤.

(٢) الدروس : ٣٦٢.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٣.


احتمل الخلاف ، ولو قبض بعض الثمن أو سلّم بعض المبيع فكالأول في الجميع.

ولو شرط نقد بعض الثمن وتأجيل الباقي ، ففي ثبوت الخيار مع تأخير النقد إشكال ، أقربه عدم الثبوت.

______________________________________________________

إذا عرفت هذا ، فالذي ينبغي أن يعرف : أن لزوم البيع هاهنا إلى حين خوف الفساد بحسب العادة المستمرة ، وقرائن الأحوال الموجودة ، بحيث إن تربص به زيادة فسد ، لا أنه يبقى لزوم البيع مدة بقائه ، ثم حين الشروع في الفساد يثبت الخيار ، كما توهمه كثير من العبارات ، لأن الخيار حينئذ ممّا لا فائدة فيه ، لتحقق الضرر ، وليس في النّص ما ينافي شيئا من ذلك.

واعلم أنّه ليس المراد من الفساد : التلف ، ولا بلوغه مرتبة لا ينتفع به ، بل المراد به : نقصان الوصف ، وتغيّر الطعم في المطعوم المفضي إلى قلة الرغبة ، كما صرح به في الدروس (١) ، وقال في شرح الإرشاد : تسمية هذا خيارا من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يؤول إليه.

قوله : ( ولو قبض بعض الثمن أو سلّم بعض المبيع فكالأول في الجميع ).

أي : فكالمذكور في أول كلامه في جميع الأحكام المذكورة ، وذلك لأنّ من تسلّم البعض خاصة لم يتسلّم المبيع ولا الثمن ، فيندرج في صورة القبض ، ولأنّ ما لم يتسلّمه من المبيع مضمون ، فالضرر قائم بالنسبة إليه ، فلا بدّ من ثبوت الخيار لدفعه ، وتبعض الصفقة ضرر ، فيثبت في الجميع.

قوله : ( ولو شرط نقد بعض الثمن وتأجيل الباقي ، ففي ثبوت الخيار مع تأخير النقد إشكال ، أقربه [ عدم ] (٢) الثبوت ).

ينشأ من أنّ الحال من الثمن إذا لم يقبض كالثمن في حكمه ، ومن أن‌

__________________

(١) الدروس : ٣٦٢.

(٢) لم ترد في « م » وأثبتناها من نسخة القواعد الخطية ، وهو الصحيح لاقتضاء الشرح لها.


ولو شرط تأخير الثمن فأخره عن الأجل ، لم يكن للبائع خيار.

السادس : خيار الرؤية : فمن اشترى عينا موصوفة شخصية تخير مع عدم المطابقة بين الفسخ والإمضاء.

ويجب في هذا البيع ذكر اللفظ الدال على الجنس ، والأوصاف التي تثبت الجهالة برفع أحدها.

______________________________________________________

الأصل في البيع اللزوم ، وخرج عنه صورة النص ، ولأن في الرواية : « ولا قبض الثمن » (١) وهو يشعر بكون الثمن حالا ، لأن المتبادر أنه عدم ملكه ، ويؤيد هذا ـ ليظهر منه وجه القرب ـ أنّ رضاه بالتأجيل في البعض أسقط خياره بالنسبة إليه ، والصفقة لا تتبعض ، وعدم الثبوت هنا أقوى.

قوله : ( ولو شرط تأخير الثمن ، فأخّره عن الأجل لم يكن للبائع خيار ).

المراد بالتأخير الأول : التأجيل ، وإنما لم يثبت الخيار هنا لنحو ما قلناه من الوجوه في المسألة السابقة ، وعلى قول الشيخ ـ أنه متى تعذر قبض الثمن يتخير (٢) ـ يثبت الخيار هنا.

قوله : ( والأوصاف التي تثبت الجهالة برفع أحدها ).

ضابطة ذلك : أن كل وصف تتفاوت الرغبات بثبوته وانتفائه ، وتتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره ، فلا بدّ من استقصاء صفات السلم كلّها ، صرّح به المصنف في التذكرة (٣).

فعلى هذا ما لا يجوز السلم فيه لا يجوز بيعه بالوصف ، إلاّ أن يبيع عينا شخصية تقبل الوصف ، وتنضبط باستقصاء الأوصاف الموجبة للتفاوت كلّها ككبار اللآلئ ، فانّ هذه لا يجوز السلم فيها ، لأنّ ضبطها يؤدي إلى عزّة الوجود ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ حديث ٢٥٩ ، وفيهما : ولا يقبض الثمن.

(٢) النهاية : ٣٨٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٤.


ولا تشترط رؤية البائع ، فلو باع بوصف الوكيل ثم ظهر أجود تخير البائع ، ولو شاهد بعض الضيعة ووصف له الباقي ثبت له الخيار في الجميع مع عدم المطابقة.

ولو نسج بعض الثوب ، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل.

______________________________________________________

وهذا مندفع بكون العين شخصية. أما ما لا يمكن ضبطه أصلا بحسب العادة ، فيمتنع بيعه بالوصف.

قوله : ( ولو [ شاهد ] (١) بعض الضيعة ووصف له الباقي ، ثبت له الخيار في الجميع مع عدم المطابقة ).

دون ما لم يره فقط ، تفاديا من تبعّض الصفقة بالنسبة إلى البائع.

قوله : ( ولو نسج بعض الثوب ، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل ).

لأن ذلك بيع لعين شخصية بيع بمضمون في الذمة مجهول ، وما أشبه هذا بما لو أراه أنموذجا ، وباعه ما في البيت على أنه مثله ، ولم يدخل الأنموذج في البيع. وهنا مباحث :

[ الأول ] (٢) : أقسام الخيار قد حدّدت في كلام الشارع ، إلاّ خيار الغبن والتأخير والرؤية ، فأما خيار الغبن ففي كونه على الفور أو التراخي قولان ، وقد سبق مثلها في التّلقّي [ وبيّنّا ] (٣) الرّاجح هناك ، وربّما أنكره بعض الأصحاب (٤) ، ومثله خيار الرؤية ، وفي خيار التأخير تردّد.

[ الثاني ] (٥) : هل يصح اشتراط إسقاط هذه الأقسام؟ أما المجلس والحيوان والعيب فظاهر صحة إسقاطها ، وأما خيار الغبن والتأخير والرؤية ففيها‌

__________________

(١) في « م » : اشترى ، وما أثبتناه من القواعد ، وهو الصحيح.

(٢) لم ترد في « م » وأثبتناها من الحجري للسياق.

(٣) في « م » : وهنا ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.

(٤) منهم : العلامة في المختلف : ٣٦٦.

(٥) في « م » : قوله ، وما هنا من الحجري وهو الصحيح لأن ما بعده ليس من القواعد.


السابع : خيار العيب ، وسيأتي.

المطلب : الثاني في الأحكام :

يثبت خيار الشرط في كل عقد سوى الوقف والنكاح ، ولا يثبت في الطلاق ولا العتق ولا الإبراء.

______________________________________________________

احتمال ، وصحة الاشتراط فيما عدا خيار الرؤية أظهر ، أما خيار الرؤية ، فإن شرط رفعه بطل الشرط والعقد للزوم الغرر ، لأن الوصف قائم مقام الرؤية ، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي ولا موصوف.

قوله : ( يثبت خيار الشرط في كل عقد سوى النكاح والوقف ).

يريد بالعقد : ما يعمّ الإيقاع ، ليكون ذكر حكم الطلاق والعتق في قوة الاستثناء ، أو يريد به : معناه الحقيقي ، وذكر حكمهما على طريق الاستيفاء.

وإنما لم يدخل خيار الشرط النكاح مع تناول عموم قوله 7 :« المسلمون عند شروطهم » (١) للإجماع ، ولأنه ليس عقد معاوضة ، ليشرع له اشتراط التروّي والاختيار ، ولشدّة الاحتياط في الفروج ، ولأن فيه شائبة العبادة ، ولأن رفعه يتوقف على أمر معين ، فلا يقع بغيره.

نعم يصحّ اشتراطه في الصداق وحده ، لما فيه من معنى المعاوضة وجواز إخلاء العقد عنه مع العموم السالف ، والوقف ازالة ملك على وجه القربة ، فهو في معنى العبادة ، فلا يدخله ، ولأن هذه الإزالة لما لم تكن الى عوض أشبهت العتق.

وهل العمرى والحبس وما في معناهما كذلك؟ ينبغي الجواب بنعم ، للاشتراك في المعنى المذكور.

قوله : ( ولا يثبت في الطلاق ولا العتق ولا الإبراء ).

أمّا الطّلاق ، فلأنه مزيل لعلاقة النكاح ، فلا يتصوّر فيه الخيار ، وفي معناه الخلع والمبارأة ، لأن الغرض منهما الفرقة ، والمال بالعرض ، وفي معنى العتق التدبير ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، ٩ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ حديث ١٣٦٣.


ويسقط بالتصرف ،

______________________________________________________

وكذا الكتابة المطلقة على ما ذكره في التحرير (١) والتذكرة (٢) ، وأما المشروطة فيثبت فيها خيار الشرط للمولى.

وفي العبد قولان ، اختار الثبوت الشيخ (٣) ، والعدم المصنف في التحرير (٤). وكذا لا يثبت في الإبراء ، لأنه إسقاط ، ولا في الوصية ، لأن الخيار فيها إلى الموت ، وكذا العقود الجائزة ، ومنه الرهن بالنسبة إلى المرتهن.

أما الصّلح الذي لا يكون في معنى الإبراء ، والضمان والهبة على وجه لازم ، والحوالة والكفالة والإجارة والمساقاة والمزارعة والسبق والرمي ، فيدخلها ، على خلاف في بعضها ، يدلّ على دخولها عموم الحديث (٥) ، وكذا يدخل القسمة ، سواء اشتملت على رد ، أم لا.

قوله : ( ويسقط بالتصرف ).

إجماعا ، ويدلّ عليه الحديث السابق (٦) ، ولو وقع التصرف نسيانا ، كما لو وطأ الجارية ظانّا أنها أخرى ، ففي السقوط نظر ، وظاهر الرواية يقتضيه ، ولم أظفر فيه بكلام للأصحاب.

ولا يعدّ ركوب الدّابة للاستخبار ، أو لدفع جموحها (٧) ، أو لخوف من ظالم ، أو ليردّها تصرّفا ، وبالأخير صرّح في التذكرة (٨) ، وهل يعدّ حلبها للاستخبار تصرّفا؟ ليس ببعيد أن لا يعدّ. وكذا لو أراد ردّها ، وحلبها لأخذ اللبن على إشكال ، ينشأ من أنه ملكه فله استخلاصه ، وفي التذكرة : أن الأقرب عدّه تصرّفا (٩).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٦٧.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٣) المبسوط ٢ : ٨٢.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ١٦٧.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٦) المصدر السابق.

(٧) قال الجوهري : جمع الفرس جموحا وجماحا : إذا اعتز فارسه وغلبه ، فهو فرس جموح ، الصحاح ( جمح ) ١ : ٣٦٠.

(٨) التذكرة ١ : ٥٢٩.

(٩) التذكرة ١ : ٥٢٩.


فإن كان مشتركا اختص السقوط بمن يختص بالتصرف ، ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف ، فان تصرف سقط الخياران ، وإلا خيار الآذن.

والخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان ،

______________________________________________________

قوله : ( فان كان مشتركا ، اختصّ السقوط بمن يختص بالتصرف ).

هذا في طرف المشتري صحيح ، أما في طرف البائع فلا يستقيم ، لأن كلّ ما يعدّ من التصرفات إجازة لو وقع من المشتري يعدّ فسخا لو وقع من البائع ، ومع ثبوت الفسخ لا معنى لسقوط الخيار. وربّما حمل على أنّ المراد في طرف البائع : أنّ تصرفه بالثمن مسقط لخياره ، وهو مخالف لظاهر كلامهم ، فانّ المتبادر من التصرف : التصرف في المبيع ، مع أنّ هذا المذكور محتمل ، وإن كان في حمل العبارة عليه تعسف.

فرع :

لو تصرّف ذو الخيار غير عالم ، كأن ظنّها جاريته المختصة به ، فتبينت ذات الخيار ، أو ذهل عن كون المشتراة ذات خيار ففي الحكم تردد ، ينشأ من إطلاق الخبر بسقوطه الخيار بالتصرف (١) ، ومن أنّه غير قاصد إلى لزوم البيع ، إذ لو علم لم يفعل ، والتصرف إنما عدّ مسقطا لدلالته على الرضى باللزوم ، ولم أظفر في ذلك بكلام للأصحاب.

قوله : ( ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف ، فان تصرّف سقط الخياران ، والاّ خيار الآذن ).

سيأتي أنّ في سقوطه بالعرض على البيع والاذن فيه إشكال ، ولا فرق بين ذلك وبين ما هنا ، فيكون رجوعا عن الجزم إلى التردد ، وهو محل تردد.

قوله : ( والخيار موروث بالحصص كالمال من أيّ أنواعه كان ).

الجار متعلق بمحذوف على أنه صفة ، أو حال من الخيار.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣ ، ٢٦ حديث ٩٨ ، ١١١.


إلاّ الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال ، أقربه ذلك إن اشترى بالخيار لترث من الثمن.

______________________________________________________

قوله : ( إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال ، أقربه ذلك ، إن اشترى بخيار لترث من الثمن ).

هذا الاستثناء من محذوف يدل عليه قوله : ( موروث ) تقديره لجميع الوارث أو نحوه ، فيكون التقدير : الخيار موروث لجميع الوارث ، مقسوم عليهم كالمال ، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض ، فإنّها لا ترث من الخيار المتعلق بها ، سواء كانت مبيعة أو مشتراة على إشكال ، ينشأ من أنه حق خارج عن الأرض فترث منه ، ومن أنه من الحقوق المتعلقة بها فإرثه تابع لإرثها ، ومع انتفاء التابع ينتفي متبوعه.

والأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى أرضا بخيار ، فأرادت الفسخ لترث من الثمن ، وأما إذا باع أرضا بخيار ، فإنّ الإشكال في هذه الصورة بحاله ، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا.

وحمل الشارحان العبارة على أنّ الأقرب إرثها إذا اشترى بخيار ، لأنها حينئذ تفسخ فترث من الثمن ، بخلاف ما إذا باع بخيار (١). وهو خلاف الظاهر ، فانّ المتبادر أنّ المشار إليه بقوله : ( ذلك ) هو : عدم الإرث الذي سيقت لأجله العبارة ، ففهم إرادة

الإرث منها ارتكاب لما لا يدل عليه دليل ، مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم أيضا ، فإنّ الأرض حق لباقي الورّاث استحقوها بالموت ، فكيف تملك إبطال استحقاقهم لها ، وإخراجها عن ملكهم؟

نعم لو قلنا : أن الملك إنما ينتقل بانقضاء مدة الخيار استقام ذلك ، وأيضا فإنّها إذا ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميت أرضا بخيار بطريق أولى ، لأنها ترث حينئذ من الثمن ، وأقصى ما يلزم : إرثها من الخيار ليبطل حقها من الثمن ، وهو أولى من إرثها حق غيرها من الأرض التي اختصّوا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٧.


وهل للورثة التفريق؟ نظر ، أقربه المنع وإن جوزناه مع تعدد المشتري.

ولو زال عذر المجنون العاقد حالة العقد لم ينتقض تصرف الولي بالخيار إذا لم يخالف المصلحة.

______________________________________________________

بملكها ، فيكون قوله : ( ان اشترى بخيار ... ) مستدركا.

والحقّ : أنّ إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد ، وإبطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج إلى دليل ، نعم قوله : ( لترث من الثمن ) على هذا التقدير يحتاج إلى تكلّف زيادة تقدير ، بخلاف ما حملا عليه.

قوله : ( وهل للورثة التفريق؟ فيه نظر ، أقربه المنع ).

لأن في ذلك تبعيضا للصفقة بالنسبة إلى البائع ، ولأن مورثهم إنما ملك الفسخ في الجميع والمنتقل إليهم انما هو حقه ، ومتى فسخ أحدهم وأجاز الآخر قدم الفسخ ، لأن المجيز لا يملك إبطال حق غيره إنما يملك إبطال حق نفسه ، فيبقى حق الباقين ، لكن إذا فسخ إنما يجوز الفسخ في الجميع ، فيشكل حينئذ بلزوم إبطال حق المجيز من العين ، إلاّ أن يقال : الفسخ والإجازة متى اجتمعا قدّم الفسخ ، فان تمّ ذلك تمّ الحكم هنا ، وفيه ما فيه ، وفي التذكرة صرّح بتقديم الفسخ (١) ، وهو محتمل.

قوله : ( وإن جوزناه مع تعدد المشتري ).

أي : ليس للورثة التفريق وإن جوزنا التفريق مع تعدد المشتري والصفقة واحدة ، لأن التجويز هنا لأن العقد في قوة المتعدد ، لأن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري كما يجي‌ء.

قوله : ( فلو زال عذر المجنون العاقد حالة العقد ، لم ينتقض تصرف الولي بالخيار إذا لم يخالف المصلحة ).

وكذا كلّ تصرّف للولي والوكيل حيث لم يخالف المصلحة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٨.


ولو كان الميت مملوكا مأذونا فالخيار لمولاه.

ولو شرط المتعاقدان الخيار لعبد أحدهما ملك المولى الخيار ، ولو كان لأجنبي لم يملك مولاه ولا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حقا للمولى ، فلو مات لم ينتقل إلى مولاه ، وكذا لو مات الأجنبي المشروط له الخيار.

والمبيع يملك بالعقد على رأي ، فالنماء المتجدد بعد العقد للمشتري وإن كان في مدة الخيار ، فان فسخ العقد رجع بالثمن واسترد البائع الأصل دون النماء.

وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ، فيرجع المشتري بالثمن لا غير ، وإن تلف بعد قبضه وانقضاء الخيار فهو من مال المشتري.

______________________________________________________

قوله : ( والمبيع يملك بالعقد على رأي ).

هذا هو أصح القولين (١).

قوله : ( فالنماء المتجدد بعد العقد للمشتري وإن كان في مدة الخيار ).

لأنه نماء بملكه.

قوله : ( وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ، فيرجع المشتري بالثمن لا غير ).

هذا إجماعي ، ومعنى كونه من مال بائعه : أنه بالتلف ينفسخ البيع فيه ، فيرجع إلى ملكه ، والثمن إلى ملك المشتري ، أمّا النماء الحاصل بعد العقد فللمشتري ، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة ، لما قلناه من أنّ معنى كونه مضمونا عليه : أنه بالتلف ينفسخ العقد ويرجع إلى ملكه ، وليس هو كغيره‌

__________________

(١) ذهب الى هذا القول ابن البراج في المهذب ١ : ٣٥١ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٥٣٣ ـ ٥٣٤ ، والمختلف : ٣٤٩ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٨.

واما القول الثاني ـ وهو انتقال المبيع بالعقد وانقضاء الخيار ـ فذهب اليه الشيخ في الخلاف ٢ : ٥ مسألة ٢٩ كتاب البيوع.


وإن كان في مدة الخيار من غير تفريط ، فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي ، وإن كان للمشتري خاصة فمن البائع.

ويحصل الفسخ بوطء البائع ، وبيعه ، وعتقه ، وهبته وإن كان من ولده.

______________________________________________________

من المضمونات التي تضمن بالمثل أو القيمة ، لأنّ المشتري ما استقر ملكه للمبيع حيث لم يقبضه ، فكان متزلزلا ، فعند التلف يتعذر أخذ العوضين ، فبطلت المعاوضة.

ولو أتلفه متلف تخير بين الفسخ وأخذ الثمن ، وبين مطالبة المتلف وإن كان هو البائع على الأصح ، وقد سبق مثله في بيع الثمار.

قوله : ( وإن كان في مدة الخيار من غير تفريط فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي ).

هو : من المشتري في هذه الصور كلّها ، سواء فرّط أم لا ، بل مع تفريطه ضمانه أولى ، ولا يسقط خيار البائع في هذا البيع ، حيث يكون له خيار كما سبق (١).

ولو كان الخيار لأجنبي فهل يسقط؟ ينبغي إن كان الشرط من البائع إلاّ يسقط ، وإلاّ سقط.

قوله : ( وإن كان للمشتري خاصّة فمن البائع ).

فينفسخ البيع به ويسترد المشتري الثمن ، وحينئذ فيسقط الخيار لانفساخ العقد ، وهذا إذا لم يكن من المشتري تفريط ، فكان على المصنف أن يقتصر في التقييد بعدم التفريط على هذه الصورة.

قوله : ( ويحصل الفسخ بوطء البائع وبيعه وعتقه وهبته وإن كان من ولده ).

لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيل ، وتنزيل فعله‌

__________________

(١) كذا في « م » ، وفي الحجري : كما سيأتي.


والأقرب صحة العقود ، ولا تحصل الإجازة بسكوته على وطء المشتري.

والمجعول فسخا من البائع إجازة من المشتري لو أوقعه ، والإجارة والتزويج في معنى‌ البيع ،

______________________________________________________

على ما يجوز له مع ثبوت طريق الجواز ، ولا يكون أول الوطء محرّما ، لأنا نحكم بأن الوطء يوجب الفسخ قبله ، كما نبه عليه في التذكرة (١).

وتحقيقه : أن يجعل القصد إلى الفعل المقارن له هو المقتضي للفسخ ، وحينئذ فلا تجب عليه قيمة الولد لو أولدها ، وتصير أم ولد قطعا.

وحاول بقوله : ( وإن كان من ولده ) الرّد على بعض العامة القائل بأن الهبة من الولد جائزة (٢) ، فكأنه قال : وإن كانت الهبة جائزة ، وإنما ذكر ضمير كان ، لأن المراد عوده إلى كلّ واحد من هذه.

قوله : ( والأقرب صحة العقود ).

لأنها عقود صدرت من أهلها في محلها ، لجواز التصرف له قطعا ، ولأنها أقوى من تصرف الفضولي قطعا ، وهو صحيح مع الإجازة ، والإجازة هنا منحصرة في طرف البائع وقد حصلت.

ولا يقال : هي مشروطة بالملك ومحصلة له ويستحيل اجتماعها ، لأنّا نقول : المحصّل له القصد المقارن ، وهذا هو الأصح ، ويحتمل ضعيفا عدم الصحة ، لأن أوّلها صدر في غير ملك ، وجوابه يظهر مما سبق.

قوله : ( والمجعول فسخا من البائع إجازة من المشتري لو أوقعه ).

أي : كلّما يعدّ من التصرفات الواقعة من البائع فسخا للبيع في موضع الخيار ، يعد إجازة من المشتري لو أوقعها.

قوله : ( والإجارة والتزويج في معنى البيع ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٤.

(٢) كفاية الأخيار ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.


والعرض على البيع والإذن فيه كالبيع على إشكال.

______________________________________________________

أما الإجارة فلأنها تمليك للمنفعة ، والأصل فيها أن لا تكون فضولية ، والنكاح لا يقصر عن الإجارة.

قوله : ( والعرض على البيع والاذن فيه كالبيع على إشكال ).

العرض على البيع إن كان من طرف المشتري أبطل خياره ، وهو مروي بطريق السكوني (١) ، ذكره في الدروس (٢) ، واختاره في التحرير (٣) ، ومثله البيع فاسدا.

أما إذا كان من البائع فالإشكال ، وعبارة المصنف محتملة لشمولها ، وهو الذي فهمه الشارح (٤) ، ومنشأ الاشكال من دلالته بالالتزام على الرّضى بالبيع من طرف المشتري فيكون إجازة ، وعدمه من طرف البائع فيكون فسخا ، ومن ثمّ يحصل بهما الرجوع عن الوصية ، ومن أنّ أحدهما لا يقتضي إزالة الملك ، ولا ينافي التردد في الفسخ والإجازة ، وأحدهما لا يتحقق بالمحتمل.

واختار المصنف في التذكرة الأول في البائع والمشتري (٥) ، والذي يقتضيه النظر أنهما إجازة من المشتري ، لما في الرواية (٦) ، ولدلالتها على الرّضى بالبيع ، أما من البائع فلا يبعد عدّهما فسخا إذا كان الإذن في البيع لوكيله ، ولو كان للمشتري فإن فعل كان مسقطا لخياره قطعا ، لعدم إمكان فسخ العقد الواقع بإذنه.

أما إذا لم يبع ففي كون مجرد الإذن إجازة الاشكال ، ومثله الاذن في سائر التصرفات غير الناقلة للملك ، ومثله لو أذن المشتري للبائع في البيع ، فانّ كونه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

(٢) الدروس : ٣٦١.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٦٨.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٩.

(٥) التذكرة ١ : ٥١٧.

(٦) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.


ولو باع المشتري أو وقف أو وهب في مدة خيار البائع أو خيارهما لم ينفذ إلاّ بإذن البائع ، وكذا العتق على إشكال.

______________________________________________________

مسقطا لخياره إذا لم يبع لا يخلو من بعد ، والعبارة تتناول ذلك كلّه.

وتلخيص الكلام في هذا المبحث : أنّ العرض على البيع إما أن يكون من البائع أو المشتري ، وكذا الاذن فيه لا يكون من كلّ منهما ، ثم الصادر من كلّ منهما إما أن يكون للآخر رضى بفعله أو على جهة التوكيل له أو لغيره ، فهاهنا صور :

أ : العرض على البيع من المشتري ، وفي الرواية انه مسقط لخياره (١).

ب : عرضه على البيع عن البائع ، وفي كونه مسقطا لخياره نظر.

ج : عرض البائع عن نفسه.

د : عرضه على المشتري ، وفيهما الإشكال.

هـ : إذن المشتري في البيع على جهة التوكيل ، ولا يقصر عن عرضه على البيع لنفسه.

و : إذنه للبائع ، وفي كونه مسقط الخيار الإشكال.

ز : إذن البائع في البيع توكيلا عن نفسه ، وفيه الاشكال ، ويقوى كونه فسخا ، إذ التوكيل نوع تصرف ، ولأن الوكالة لا تتعلق بمال الغير.

ح : إذنه للمشتري عن نفسه ، وفيه الإشكال ما لم يتصرف به ، فان تصرف فلا إشكال في السقوط.

قوله : ( وكذا العتق على إشكال ).

أي : لا ينفذ إلاّ بإذن البائع على إشكال ، ينشأ من مصادفة الملك ، ومن تعلّق حق البائع بالعين ، فلا يسوغ إبطاله.

فإن قلنا بالنفوذ احتمل أن يكون له الفسخ كما كان ، فيبطل العتق ، ويحتمل بطلان الخيار فيه ، فيجعل كالتالف وينتقل إلى القيمة ، ويرجّح جانب الصحة أنه مع إجازة البائع عتق صدر من أهله في محلّه ، لأنه مالك ، ولا مانع إلا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.


نعم له الاستخدام والمنافع والوطء ، فان حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع.

ولو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا ، فان كان الخيار له بطل العتقان ، لأنه بعتق الجارية مبطل للبيع وبعتق العبد ملتزم به ، فعتق كل منهما يمنع عتق الآخر ، فيتدافعان.

______________________________________________________

حق البائع ، وبالإجازة يسقط ، والعتق مبني على التغليب ، وأما مع فسخه فالإبطال محتمل ، نظرا إلى سبق حقه ، والنفوذ إعطاء العتق مقتضاه ، وفي ضمان القيمة جمع بين الحقين ، وهو قريب.

قوله : ( نعم له الاستخدام والمنافع والوطء ).

سيأتي في كلامه التوقف في إباحة الوطء.

قوله : ( فإن حبلت ، فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع ).

وجه القرب : أن مقتضى الاستيلاد في الملك امتناع خروج أمّ الولد عنه ، وبضمان القيمة يجمع بين الحقين ، ويحتمل أخذ العين ، لسبق حقه على الاستيلاد ، والأصح الأول.

قوله : ( ولو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا ، فان كان الخيار له بطل العتقان ، لأنه بعتق الجارية مبطل للبيع ، وبعتق العبد ملتزم به ، فعتق كلّ منهما يمنع عتق الآخر ، فيتدافعان ).

أي : لو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا ، فلا يخلو إما أن يكون الخيار فيهما معا له خاصّة ، أو للبائع خاصة ، أو لهما معا ، فهذه حالات ثلاث : الاولى : أن يكون له خاصة ، ففيه احتمالات ثلاثة ، أحدها : بطلان العتقين معا لامتناع عتقهما معا ، لأن عتق الجارية يقتضي انفساخ البيع وخروج العبد عن ملكه فيبطل عتقه ، وعتق العبد يقتضي التزامه وعدم عود الجارية إليه فيبطل عتقها ، فعتق كلّ منهما مبطل لعتق الآخر ، فتمتنع صحتهما ، وعتق أحدهما دون الآخر مع‌


ويحتمل عتق الجارية ، لأن العتق فيها فسخ وفي العبد إجازة ، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة قدّم الفسخ ، كما لو فسخ أحد المتعاقدين وأجاز الآخر ، فان الفسخ يقدم.

وعتق العبد ، لأن الإجازة إبقاء للعقد ، والأصل فيه الاستمرار.

______________________________________________________

اشتراكهما في السبب ترجيح من غير مرجّح ، فلم يبق إلاّ بطلانهما ، وهو الأصح.

قوله : ( ويحتمل عتق الجارية ، لأن العتق فيها فسخ وفي العبد إجازة ، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة قدّم الفسخ ، كما لو فسخ أحد المتعاقدين وأجاز الآخر ، فإنّ الفسخ يقدّم ).

ويمكن الجواب عن هذا : بمنع تقديم الفسخ على الإجازة دائما ، لأن كلّ واحد منهما إذا صدر بحق امتنع الحكم ببطلان أحدهما وصحة الآخر ، لأنه تحكّم محض. وتقديم الفسخ في المثال المذكور ليس بمجرد كونه فسخا وكون الآخر إجازة ، بل لأن الحق [ لاثنين ] (١) فإذا أجاز أحدهما اقتضت الإجازة لزوم العقد من طرفه خاصّة ، ولزوم العقد من أحد الطرفين بخصوصه لا يقتضي لزومه من الطرف الآخر ، فيبقى خيار الآخر كما كان ، فإن شاء فسخ وإن شاء أجاز ، ولا ينقص ذلك عمّا إذا كان العقد في أصله لازما من أحد الطرفين خاصة ، لاختصاص الخيار بالطرف الآخر.

قوله : ( وعتق العبد ، لأنّ الإجازة إبقاء للعقد ، والأصل فيه الاستمرار ).

هذا هو الاحتمال الثالث ، ووجهه ضعيف جدا ، فإن أصالة الاستمرار يعدل عنها إذا حصل المقتضي للعدول.

لا يقال : المقتضي للعدول ـ وهو عتق الجارية ـ قد كافأه عتق العبد ، فيرجح بالأصل.

لأنّا نقول : أصالة الاستمرار في بيع العبد معارض بأصالة بقاء الخيار في‌

__________________

(١) في « م » : لا يبين ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.


وإن كان الخيار لبائع العبد لم ينفذ عتق الجارية ولا العبد ، إلا مع الإجازة على إشكال.

______________________________________________________

كل من العبد والجارية ، وترجيح أحد الأصلين على الآخر يستدعي مرجّحا ، وهو مفقود ، ولو حكما بصحة عتق العبد دون الجارية لبطل الخياران ، وربّما بني الوجهان الأخيران على أن المبيع في زمن الخيار ملك للبائع أو للمشتري.

فإن قلنا بالأول نفذ عتق الجارية لأنها المملوكة دون العبد ، وإن قلنا بالثاني نفذ عتق العبد لأنه المملوك. وليس بشي‌ء ، لأن الخيار يقتضي ثبوت سلطنة الإعتاق.

قوله : ( وإن كان الخيار لبائع العبد لم ينفذ عتق الجارية ولا العبد ، إلاّ مع الإجازة على إشكال ).

هذه هي الحالة الثانية ، وهي أن يكون الخيار لبائع العبد خاصة في كلّ من العبد والجارية ، وقد أعتق المشتري كلاهما ، فعتق الجارية لا يقع ، لأنه غير مالك لها ولا صاحب خيار بالنسبة إليها ، إذ الخيار لبائع العبد.

وأما عتق العبد ، ففي [ نفوذه ] (١) مع الإجازة من البائع إشكال ، ينشأ من أن الخيار له ، فلا يقع العتق من دون إذنه ، ومن أنه مبني على التغليب ، وحقه يتدارك بالقيمة جمعا بين الحقين.

واعلم أن في جملة المستثنى والمستثنى منه قضيتين : سالبة ، وموجبة ، لأن الاستثناء من الإثبات نفي ، وبالعكس ، وتقدير ذلك : لا يقع عتق العبد بدون الإجازة ، ويقع معها.

والإشكال في العبارة يمكن أن يكون في الأولى خاصّة ، ويمكن أن يكون في الأخيرة ، ويمكن كونه في كلّ منهما ، فان كان في الأولى فمنشؤه نحو ما سبق ، وإن كان في الأخيرة فمنشؤه الشك في أن العتق هل يقع موقوفا أم لا؟ ومثل هذا يقال في حلّ الإشكال السابق في قوله : ( لم ينفذ إلاّ بإذن البائع ، وكذا العتق على‌

__________________

(١) في « م » : الجواز ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.


ولو اشترك الخيار صح عتق الجارية خاصة ، لأن إعتاق البائع مع تضمنه للفسخ يكون نافذا على رأي ، ولا يعتق العبد وإن كان الملك فيه لمشتريه ، لما فيه من إبطال حق الآخر.

فروع :

أ : لا يبطل الخيار بتلف العين ، فان كان مثليا طالب صاحبه‌

______________________________________________________

إشكال ) والفتوى هنا كالفتوى هناك.

قوله : ( ولو اشترك الخيار صحّ عتق الجارية خاصة ، لأن إعتاق البائع مع تضمنه للفسخ يكون نافذا على رأي ).

هذه هي الحالة الثالثة ، وهي : أن يكون الخيار لهما ، والإعتاق من المشتري للعبد والجارية ، ووجه صحة عتق الجارية : أن المشتري بالنسبة إلى هذه الجارية كبائع العبد بالنسبة إلى العبد ، فمن قال بصحة العقود المتضمنة للفسخ من البائع الواقعة على العبد المبيع ، وصحة عتقه وانفساخ البيع ، فحقه أن يقول بصحة عتق الجارية هنا ، وانفساخ هذا البيع ، وقد سبق أنّ الأصح في المسألة الأولى ذلك ، فليكن هنا كذلك ، ودليل المقامين واحد.

قوله : ( ولا يعتق العبد وإن كان الملك فيه لمشتريه ، لما فيه من إبطال حقّ الآخر ).

لا يقال : كيف حكمت بعتق الجارية مع أن للآخر فيها حق الخيار لأنه مشترك ، لأنّا نقول : إعتاق الجارية من المشتري فسخ ، وهو مقدم على إجازة البائع لو أجاز.

وأما إعتاق العبد فلو نفّذناه لكان إجازة ، ولاقتضي إبطال حقّ البائع من خياره لو أراد الفسخ ، وليس له ذلك ، فيتحقق المرجّح لعتق الجارية على العبد فتعين ، إذ يمتنع عتقهما معا ، لما ذكرناه من التدافع أول الباب.

قوله : ( لا يبطل الخيار بتلف العين ، فان كان مثليا طالب صاحبه‌


بمثله ، وإلاّ القيمة.

______________________________________________________

بمثله ، وإلاّ القيمة ).

إطلاق الخيار في العبارة يتناول جميع أقسام الخيار : من المجلس والحيوان والشرط وغيرها ، وكذلك يتناول ما إذا كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما ، وإطلاق التلف يتناول ما إذا كان بآفة سماوية أو أرضية ، بتفريط من المشتري أو لا ، وما إذا كان من البائع أو من المشتري أو من أجنبي ، سواء كان التلف قبل قبض المشتري أم بعده. وبعض هذه الصور غير مراد له قطعا ، وبعضها مما يتوقف في إرادته.

وتفصيل أحكامها : أنّ التلف متى كان بفعل المشتري أو بتفريطه كان مسقطا لخيار المشتري دون البائع ، ومتى كان بفعل البائع فالأصح أنه كأجنبي ، وقد سبق مثله في بيع الثمار ، فيكون الخيار بحاله للمشتري ، وكما لا يسقط خيار المشتري بالتلف في بعض الصور المذكورة لا يسقط خيار البائع ، حيث لا يكون الإتلاف مستندا إليه ، بشرط أن يكون بعد قبض المشتري إن كان التلف بآفة ، فإنه حينئذ يكون فسخا ولو كان بآفة.

فإن كان قبل القبض انفسخ العقد ، فيسقط الخيار لأيهما كان ، وإن كان بعده فهو كما كان ، فان كان للبائع وفسخ فله المثل أو القيمة وللمشتري الثمن ، وكذا إن فسخ المشتري حيث يكون الخيار لهما.

أما إذا اختص الخيار بالمشتري ، وتلف بآفة من غير تفريط منه ، فإنّه من مال البائع ، فينفسخ العقد.

ومجي‌ء هذه الأحكام في خيار الشرط لا كلام فيه ، وخيار المجلس لا يبعد منه ، وإن لم أجد به تصريحا ، لظاهر قوله 7 : « ما لم يفترقا » (١).

أما خيار الحيوان فإنّه لمّا كان مختصا بالمشتري كان التلف بآفة من غير تقصير من ضمان البائع ، فيكون فسخا ، وبتقصيره من ضمانه ، وفي احتسابه حينئذ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٤ ، ٦ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠ حديث ٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ حديث ٢٤٠.


ب : لو قبّلت الجارية المشتري فالأقرب أنه ليس بتصرف وإن كان مع شهوة إذا لم يأمرها ، ولو انعكس الفرض فهو تصرف وإن لم يكن عن شهوة.

______________________________________________________

إجازة تردد من البائع والأجنبي كما قلناه في الثمار.

وفي بقاء خيار الغبن بعد التلف تردد ، سواء كان التلف من البائع أم من أجنبي أم بآفة ، إلاّ أن يكون التلف بالآفة قبل القبض ، فإنه من ضمان البائع ، وعلى إطلاق كلامهم ينبغي أن يكون بعد القبض كذلك ، لاختصاص الخيار بالمشتري ، فينفسخ العقد في الموضعين.

إلاّ أنّ التردد في كلامه السابق من فروع المرابحة بثبوت الخيار للمشتري المكذوب في الاخبار برأس المال ينافي الحكم بانفساخ العقد ، إلاّ إن كان من المشتري كما سبق ، ومثله خيار الرؤية ، أما العيب والتدليس فستأتي أحكامهما. فعلم من هذا أنّ إطلاق عبارة المصنف لا يستقيم.

قوله : ( لو قبّلت الجارية المشتري فالأقرب أنه ليس بتصرف [ وإن كان مع شهوة ] (١) إذا لم يأمرها ).

وجه القرب : أنه لم يقع منه الفعل ولم يستند إليه ، فلم يعدّ تصرفا منه لا لغة ولا عرفا ، ويحتمل أن يقال : إن علم بإرادتها ذلك وثبت لها حتى قبّلت عدّ تصرفا ، وفيه ضعف ، لأنه بثباته لا يعدّ فاعلا للتقبيل.

ولو أمرها صدق استناد الفعل إليه عرفا ، لأن ذا السلطنة يعدّ فاعلا إذا صدر الفعل بأمره ، وفي مثل ذلك كلام يأتي في الإيمان إن شاء الله تعالى ، وذكر المشتري في مسألة الكتاب على طريق التمثيل ، فلو وقع ذلك بالنسبة إلى البائع حيث يكون الخيار له فهو كالمشتري.

قوله : ( ولو انعكس الفرض فهو تصرف ، وإن لم يكن عن شهوة ).

سبق في الرواية ما يدل عليه (٢).

__________________

(١) لم يرد في « م » ، وأثبتناه من نسخة القواعد الخطية.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.


ج : ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال ، فإن فعل لم يحدّ والولد حر ولا قيمة عليه ، فان فسخ البائع رجع بقيمة الأم خاصة وتصير أم ولد ، ولو وطأ البائع كان فسخا ولا يكون حراما.

د : لا يكره نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار.

______________________________________________________

قوله : ( ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال ).

قد سبق في كلامه الجزم بجواز الوطء هاهنا ، ومنشأ الاشكال من عموم « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ومن أنه ربّما أفضى إلى الاستيلاد الموجب لسقوط خيار البائع. ويضعف بمنع الدلالة ، وبأن هذا قائم في الاستخدام ، فإنه ربّما أدّى إلى المرض والتلف ، والأصح الجواز. نعم لو قلنا : أنّ المبيع إنما ينتقل بمضيّ الخيار لم يجز.

قوله : ( فان فعل لم يحد ، والولد حر ولا قيمة عليه ).

لأنها مملوكته ، ونماء المبيع في مدة الخيار له ، نعم لو قلنا بأن المبيع إنما ينتقل بمضي الخيار لم يجز.

قوله : ( ولو وطأ البائع كان فسخا ولا يكون حراما ).

لأن التصرف من البائع في موضع خياره فسخ ، وإنما لم يحرم ، لأن القصد المقارن للفعل يؤثر الفسخ ، فيقع الوطء حال الملك.

قوله : ( لا يكره نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار ).

المراد بنقد الثمن : تسليمه للبائع ، وخالف مالك فقال : يكره نقد الثمن في مدة الخيار ، لأنه يصير في معنى بيع وسلف ، لأنه إذا نقده الثمن ثم تفاسخا صار‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.


هـ : البيع بالوصف قسمان : بيع عين شخصية موصوفة بصفات السلم ، وهو ينفسخ بردّه على البائع وتلفه قبل قبضه ، ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه.

وبيع عين موصوفة بصفات السلم غير معينة ، فإذا سلّم إليه غير ما وصف فرده طالب بالبدل ولا يبطل ، وكذا لو كان على الوصف فرده فأبدله صح أيضا.

______________________________________________________

كأنه أقرضه إياه ، فيكون قد اشتمل على بيع وقرض (١) ، وغلّطه في التذكرة ، بأن القرض لم يثبت أولا ، بل صار في ذمته بعد الفسخ ، مع أنه لا منافاة بينهما ، ولا بينهما وبين السلف (٢).

قوله : ( البيع بالوصف قسمان ... ).

الفرق بين هذين القسمين : أن المبيع في الأول جزئي ، وفي الثاني كلي ، وذكره صفات السلم في القسمين دليل منه على اعتبار وصفه بهما ، وإلاّ لم يصح ، وقد نبهنا عليه سابقا.

وربّما قيل عليه : إنّ ذكر أحكام هذين القسمين هاهنا لا مقتضي له ، لأنها أجنبية في هذا الباب.

وجوابه : أنه ذكرهما ليبني عليهما الحكم في الرّد حيث يوجد سببه ، فإنّه في القسم الأول يوجب الانفساخ لتشخص المبيع فيه ، بخلاف الثاني.

إذا عرفت ذلك فقوله : ( وهو ينفسخ بردّه على البائع ) مراده به : ردّه بسبب يقتضيه كعيب وغبن ونحوهما ، أو تراضيهما على ذلك ، وإنما لم يتعرض إلى التقييد به ، لأنه قد علم من أحكام الخيار عدم جواز الرّد بغير سب ، وكذا قوله :( لو كان على الوصف فرده فأبدله صحّ أيضا ) مراده بذلك : حيث يتراضيان.

__________________

(١) بلغة السالك ٢ : ٩٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٧.


وهل يجب قبض الثمن في المجلس أو قبضه؟ نظر.

و : لو شرط الخيار لأجنبي كان الفسخ إليه لا إلى المشترط ، إلاّ أن نقول : إن شرط الخيار للأجنبي شرط له وتوكيل للأجنبي.

ز : لو شرط الخيار شهرا مثلا بعد مضي مدة معينة ، احتمل بطلان الشرط ، لأن الواجب لا ينقلب جائزا ،

______________________________________________________

قوله : ( وهل يجب قبض الثمن في المجلس ، أو قبضه؟ نظر ).

ينشأ : من أنه بدون ذلك هل يعدّ بيع دين بدين أم لا؟ والحقّ أنه لا يعدّ ، لأنّ بيع موصوف في الذمة ليس بيعا لدين ، لأنه لم يثبت في الذمة إلى الآن ، ولو كان بيعا لدين بدين وجب أن لا يصحّ وإن قبض أحد العوضين في المجلس ، لأنه لا يخرج بذلك عن كونه بيع دين بدين ، وإلحاقه بالسّلف في هذا الحكم قياس بغير جامع.

قوله : ( إلاّ أن نقول : إن شرط الخيار للأجنبي شرط له ، وتوكيل للأجنبي ).

وجه هذا الاحتمال : أنّ التسلّط على المبيع ، والثمن من توابع الملك ، فلا يكون اشتراط الخيار للأجنبي صحيحا ، إلاّ إذا نزّلناه على أنه توكيل ، وعموم « المسلمون عند شروطهم » (١) [ يدل على ] (٢) جواز الاشتراط ، وتنزيله على التوكيل لا ضرورة إليه ، إذ الممتنع هو سلطنة الانتفاع بالمبيع لغير مالكه ، أما سلطنة رفع العقد فلا مانع من ثبوته للأجنبي ، وقد تدعو الحاجة إليه ، فحينئذ إثبات الخيار لمشترطه لا للأجنبي لا مقتضي له أصلا ، إذ لا إشعار للّفظ فيه.

قوله : ( لو شرط الخيار شهرا مثلا بعد مضي مدة معينة احتمل بطلان الشرط ، لأن الواجب لا ينقلب جائزا ).

لا مانع من انقلاب الواجب في العقود جائزا ، وقد ثبت في مواضع ، فانّ‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٢٧ حديث ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٣.

(٢) لم ترد في « م » ، أثبتناها لاقتضاء السياق لها.


والصحة عملا بالشرط ، فلا يتخير قبل انقضاء المدة.

ح : لو فسخ المشتري بخياره فالعين في يده مضمونة ، ولو فسخ البائع فهي في يد المشتري أمانة على إشكال.

الفصل الثاني في العيب ، وفيه مطالب :

الأول : في حقيقته :

وهو : الخروج عن المجرى الطبيعي لزيادة أو نقصان موجب لنقص المالية كالجنون ، والجذام ، والبرص ، والعمى ، والعور ، والعرج ، والقرن ، والفتق ، والرتق ، والقرع ، والصمم ، والخرس ، وأنواع المرض‌

______________________________________________________

المبيع لو تعيب قبل القبض مع فرض لزوم البيع انقلب جائزا ، وكذا المبيع في التأخير يلزم ثلاثة أيام أو يوما ، ثم يثبت الجواز ، فلا يمتنع حينئذ تأخير زمان الخيار.

قوله : ( والصحة عملا بالشرط ، فلا يتخير قبل انقضاء المدة ).

لأن ذلك مقتضى الخيار المشروط تأخيره ، والأصح الصحة.

قوله : ( لو فسخ المشتري بخياره فالعين في يده مضمونة ).

لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ ، إذ لم يسلمها البائع إلا في مقابلة الثمن ، والأصل بقاؤه ، ولم يتجدد ما يدل على رضى البائع ببقاء العين في يد المشتري ، إذ الفسخ إنما هو من قبله ، فيبقى ما كان.

قوله : ( ولو فسخ البائع فهي في يد المشتري أمانة على إشكال ).

ينشأ : مما ذكر ، ومن أنّ الفسخ لمّا صدر من البائع كان تركه للعين في يد المشتري مشعرا بالرّضى به المقتضي للاستئمان ، وفيه ضعف ، لأنّ مجرد هذا التوهم لا يسقط الأمر الثابت.

قوله : ( الأول : في حقيقته ، وهو : الخروج عن المجرى الطبيعي لزيادة أو نقصان موجب لنقص المالية كالجنون ، والجذام ، والبرص ، والعمى ، والعور ، والعرج ، والقرن ، والفتق ، والرتق ، والقرع ، والصمم ،


ـ سواء استمر كما في الممراض ، أو لا كالعارض ولو حمّى يوم ـ والإصبع الزائدة ، والحول ، والخوص ، والسبل وهو زيادة في الأجفان ، والتخنيث ،

______________________________________________________

والخرس ، وأنواع المرض ـ سواء استمرّ كما في الممراض ، أو لا كالعارض ولو حمّى يوم ـ والإصبع الزائدة ، والحول ، والخوص ، والسبل وهو : زيادة في الأجفان ، والتخنيث ).

ينبغي أن يكون مراده بـ ( المجرى الطبيعي ) : ما جرت به العوائد الغالبة ، لتندرج فيه الأمور التي ليست مخلوقة أصلا ليكون على نهج مقتضى الطبيعة ، أم لا ككون الضيعة ثقيلة الخراج ومنزل الجنود.

وقوله : ( موجب لنقص المالية ) كان عليه أن يقيده بقوله : غالبا ، ليندرج فيه الخصاء والجبّ ، فإنّهما يزيدان في المالية ، مع أنهما عيبان يثبت بهما الرّد قطعا ، وفي الأرش إشكال ، منشؤه : أن تعيينه منوط بالنقصان وهو منتف هنا ، ولا يدفع عنه ذلك ذكرهما فيما بعد ، لأن ذلك وان حصل به تبيان الحكم ، إلاّ أنه لا يكون مصححا للضابط.

و ( القرن ) في العبارة : محرّكة على ما ذكره في الجمهرة ، قال : وامرأة قرناء وهي : التي تظهر قرنة رحمها من فرجها : وهو عيب ، والاسم القرن ، وضبطها ضبطا معتمدا محركة. وفي نهاية ابن الأثير : القرن بسكون الراء شي‌ء يكون في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطء ، ويقال له : العفلة (١).

و ( الفتق ) : بالتحريك على ما ذكره في النهاية ، قال : الفتق بالتحريك انفتاق المثانة ، وقيل : انفتاق الصّفاق إلى داخل في مراق البطن ، وقيل : هو أن ينقطع اللحم المشتمل على الأنثيين (٢). وفي الغريبين : أنه بالتحريك أيضا ، قال :هكذا أقرأنيه الأزهري. وعلى حاشية الفائق بخط بعض الأفاضل : أن هذا وهم وافتراء على الأزهري ، وأنه وجد بخطه بالإسكان ، وعليه صح.

__________________

(١) النهاية ( قرن ) ٤ : ٥٤.

(٢) النهاية ( فتق ) ٣ : ٤٠٩.


وكونه خنثى ، والجب والخصاء ، وإن زادت بهما قيمته ،

______________________________________________________

و ( الرتق ) : بالتحريك مصدر قولك : امرأة رتقاء ، بينة الرتق لا يستطاع جماعها ، لارتتاق ذلك الموضع منها ، قاله في الصحاح (١). و ( القرع ) : بالتحريك ، قال في الجمهرة : وقرع رأس الإنسان يقرع قرعا ، إذا تحاتّ شعره ، الذكر أقرع ، والأنثى قرعاء.

وفيها : حول الرجل يحول حولا ، إذا كان أحد سوادي عينيه في موقه والآخر في لحاظه. وفي القاموس : الحول محرّكة ، ظهور البياض في مؤخر العين ، ويكون السواد في قبل المآق ، أو إقبال الحدقة على الأنف ، أو ذهاب حدقتها قبل مؤخّرها ، أو أن تكون العين كأنما تنظر إلى الحجاج ، أو أن تميل الحدقة إلى اللحاظ (٢).

وفيه : أن الخوص ـ بالخاء المعجمة ـ محرّكة [ غؤور ] (٣) العينين ، خوص كفرح فهو أخوص (٤) ـ وبالمهملة ـ محرّكة : ضيق في مؤخر العينين ، أو في إحداهما ، حوص كفرح فهو أحوص (٥). ومن المرض الاستحاضة ، نصّ عليه في التذكرة (٦).

قوله : ( والتخنيث ).

أي : كونه مخنّثا ممكّنا من نفسه ، وفيه من العار ما لا يخفى.

قوله : ( والجبّ والخصاء ، وإن زادت بهما قيمته ).

أي : هما عيب ، لنقصانهما عن أصل الخلقة وإن زادت بهما القيمة ، وفي أخذ الأرش بهما إشكال ، منشؤه عدم الاطّلاع على قدر نقص القيمة بهما ، وفي‌

__________________

(١) الصحاح ( رتق ) ٤ : ١٤٨٠.

(٢) القاموس ( حول ) ٣ : ٣٦٤.

(٣) في « م » : عور ، وما أثبتناه من القاموس ، وهو الصحيح.

(٤) القاموس ( خوص ) ٢ : ٣٠٢.

(٥) القاموس ( حوص ) ٢ : ٢٩٩.

(٦) التذكرة ١ : ٥٣٩.


وبول الكبير في الفراش ، والإباق ، وانقطاع الحيض ستة أشهر وهي في سن من تحيض ، والثفل الخارج عن العادة في الزيت أو البرز ، واعتياد الزنى والسرقة ،

______________________________________________________

الصحاح : خصيت الفحل خصاء ممدودا ، إذا سلّت خصيتيه (١).

قوله : ( وبول الكبير في الفراش ).

دون الصغير ، لجريان العادة به ، وكونه ممّا لا ينفك منه صغير غالبا ، فكان كالطبيعي الجبلّي ، وضابط الصغير والكبير : العادة ، كما نبّه عليه في التذكرة (٢) ، وضبط بعض العامة سن الصغير بسبع (٣) لا دليل عليه ، ولا فرق بين الذكر والأنثى.

قوله : ( والإباق ).

هو من أفحش العيوب ، لأنه معه في حكم التالف ، ولأنه سرقة لنفسه ، فهو أبلغ من السرقة ، والموجب للرد هو ما يكون عند البائع ، أو يحدث في الثالث عند المشتري قبل تصرفه ، أما غيره فلا ، قال في التذكرة : والمرّة الواحدة في الإباق تكفي في أبدية العيب ، كالوطء في إبطال العنة (٤).

قوله : ( والثفل الخارج عن العادة ).

في القاموس : الثفل بالضم ، والثافل : ما استقر تحت الشي‌ء من كدرة (٥) ، والمراد بالبرز : دهن الكتان.

قوله : ( واعتياد الزنى والسرقة ).

قيّد بالاعتياد فيهما ، لأن المرة عنده لا تكفي ، والذي يلوح من تعليل‌

__________________

(١) الصحاح ( خصى ) ٦ : ٢٣٢٨.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٩.

(٣) انظر : المجموع ١٢ : ٣٢١.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٥) القاموس ( ثفل ) ٣ : ٣٤٢.


والبخر والصنان الذي لا يقبل العلاج ، وكون الضيعة منزل الجنود ،

______________________________________________________

التذكرة كون الإباق عيبا (١) عدم اشتراط الاعتياد هنا ، فتكفي المرة ، وعبارته في حكمهما في التذكرة خالية من اعتبار الاعتياد (٢) ، وكذا في التحرير (٣) ، وعبارة الدروس (٤) أيضا خالية.

وظني أن الاعتياد غير شرط ، لأن الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرأة عليه ، ويصير للشيطان على النفس سبيلا ، ولترتب وجوب الحدّ الذي لا يؤمن معه الهلاك عليهما ، وعلى هذا فيكون شرب الخمر عيبا ، ومال في التذكرة إلى عدمه (٥). ولو حصلت التوبة الخالصة المعلوم صدقها بالقرائن القوية في هذه المواضع بعد تحقق العيب ، ففي زوال الحكم نظر.

قوله : ( والبخر والصنان الذي لا يقبل العلاج ).

أفرد ( الذي ) بتأويل كل واحد منهما ، ولا يحسن تقييده بكونه [ غير قابل للعلاج ] (٦) فانّ البخر الذي يكون من تغير المعدة عيب وإن أمكن علاجه ، بخلاف ما يكون من قلح الأسنان ، أي : صفرتها ، والفرق أن الأول مرض ، بخلاف الثاني ، فإنّه يزول بتنظيف الفم.

وكذا القول في الصنان الذي يكون مستحكما ، بخلاف العارض الذي يحدث من عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ ، لعدم الانفكاك من ذلك غالبا عند هذه الأمور. ولعله أراد بقبوله العلاج : الزوال بسرعة وسهولة ، بخلاف ما يحتاج إلى الدواء ، لكنه لا يفهم من العبارة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٨٢.

(٤) الدروس : ٣٦٤.

(٥) التذكرة ١ : ٥٤٠.

(٦) في « م » : عرفا بل للعلاج ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.


وثقيل الخراج ، واستحقاق القتل بالردة أو القصاص ، والقطع بالسرقة أو الجناية ، والاستسعاء في الدين ، وعدم الختان في الكبير دون الصغير والأمة ، والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري بجلبه.

والثيوبة ليست عيبا ، ولا الصيام ، ولا الإحرام ، ولا الاعتداد ، ولا التزويج ، ولا معرفة الغناء والنوح ،

______________________________________________________

قوله : ( وثقيل الخراج ).

ذكر الضمير بتأويل الموضع ، ومثله أن يصير للظلمة عليها سبيل خارج عن العادة ولو بمرة ، والمراد بـ ( ثقيل الخراج ) كونه فوق المعتاد في أمثالها.

قوله : ( والقطع بالسرقة أو الجناية ).

هذان عيبان بالاستقلال ، وإن كانت السرقة عيبا برأسها.

قوله : ( وعدم الختان في الكبير دون الصغير ).

لعدم اعتباره في الصغير ، وينبغي أن يراد بـ ( الصغير ) هنا : ما دون البلوغ ، نظرا إلى أنّ ذلك إنما يجب في البالغ ، ويمكن الرّجوع فيه إلى مقتضى العادة الغالبة ، حتّى لو كان سنّ دون البلوغ يغلب وقوع الختان قبله ردّ به. وليس بشي‌ء ، لأن المرجع إلى عادة الشرع ـ إذا وجدت ـ متعين ، ومن ثم لم يعتبر الختان في الأمة وإن اعتيد.

قوله : ( والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري بجلبه ).

أي : دون المجلوب من بلاد الشرك وإن كان كبيرا ، فانّ عدم الختان فيه ليس عيبا يردّ به ، لأن الغالب عدم فعل ذلك في بلاد الشرك ، لكن يشترط أن يعلم المشتري كونه مجلوبا ، وإن لم يعلم عدم الختان.

قوله : ( ولا الاعتداد ، ولا التزويج ).

إذا كان زمان الاعتداد قصيرا جدا فلا بحث في أنه لا يعدّ عيبا ، أما إذا‌


ولا العسر على إشكال ، ولا الكفر ، ولا كونه ولد زنى وإن كان جارية ، ولا عدم المعرفة بالطبخ والخبز وغيرهما.

______________________________________________________

كان طويلا فقد احتمل في التذكرة ثبوته (١) ، وكذا احتمل في التزويج ذلك إذا استعقب فسخه العدّة (٢) ، وهو مشكل [ والأكثر على إطلاق ] (٣) نفي كونه عيبا.

قوله : ( ولا العسر على إشكال ).

العسر : هو قوة اليد اليسرى على ما تقوى عليه اليمنى مع ضعف اليمنى ، عكس المعتاد ، ومنشأ الاشكال : من أنّ المطلوب من المنافع حاصل ، ومن خروجه عن المجرى الطبيعي ، والأصحّ أنه عيب ، لرواية محمد بن مسلم عن الباقر 7 ، المتضمنة واقعة ابن أبي ليلى في خلوّ الركب عن الشعر (٤).

قوله : ( ولا الكفر ).

وللشيخ (٥) وابن الجنيد (٦) قول بأنه عيب ، واختاره في الدروس (٧) ، ويشكل أنه ليس خروجا عن المجرى الطبيعي ، إلاّ أن يقال : قوله 7 :« كل مولود فإنه يولد على الفطرة » (٨) قد يدل على خروجه عنه.

اما الفسق فليس عيبا جزما ، إلا أن يكون زانيا ، لأنه يوجب الحدّ ، وكذا كل موجب له كشرب المسكر ، فإنّه معرض للحدّ ، ولا يؤمن معه التلف.

قوله : ( ولا كونه ولد زنى وإن كان جارية ).

اختار في الدروس كونه عيبا (٩) ، واحتمل في حواشي القواعد كونه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٩.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٩.

(٣) لم ترد في « م » ، وأثبتناه من الحجري.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٥ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٦٥ حديث ٢٨٢.

(٥) قال في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٦٠ : وحكي عن الشيخ.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٣٧٥.

(٧) الدروس : ٣٦٤.

(٨) الكافي ٢ : ١٠ حديث ٤ ، وليس فيه : فإنه.

(٩) الدروس : ٣٦٤.


المطلب الثاني : في الأحكام :

كلّما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة مما لا يعدّ فقده عيبا يثبت الخيار عند عدمه ، كاشتراط الإسلام ، أو البكارة ، أو الجعودة في الشعر ، أو الزجج في الحواجب ، أو معرفة الطبخ ، أو غيره من الصنائع ، أو كونها ذات لبن ، أو كون الفهد صيودا.

ولو شرط غير المقصود فظهر الخلاف ، فلا خيار ، كما لو شرط السبط أو الجهل.

ولو شرط الكفر أو الثيوبة فظهر الضد تخير ، لكثرة طالب الكافرة‌

______________________________________________________

عيبا ، لحصول النقص في نسب الولد ، ويضعف بأن المقصود من الجارية المالية لا الاستيلاد ، وليس هذا بخارج عن المجرى الطبيعي.

قوله : ( أو البكارة ).

هذا هو الأصح ، أعني : ثبوت الردّ في المشروط بكارتها إذا ظهر الضدّ ، وقال الشيخ (١) وابن البراج : لا ردّ (٢) ، والأصح ما اختاره المصنف في المختلف (٣) : أنه إن علم سبق الثيوبة على العقد تخير المشتري بين الرد والأرش إن [ لم ] (٤) يكن تصرّف ، وله الأرش معه ، ومع الشك لا أرش ولا ردّ ، لأنّها قد تذهب بالعلّة والنزوة ، وفي مقطوعة علي بن إبراهيم (٥) ما يدلّ على ذلك.

قوله : ( ولو شرط الكفر أو الثيوبة فظهر الضد تخير ، لكثرة طالب‌

__________________

(١) النهاية : ٣٩٤.

(٢) قاله في الكامل كما نقله العلامة عنه المختلف : ٣٧٢.

(٣) المختلف : ٣٧٢.

(٤) لم ترد في « م » ، وأثبتناها من الحجري.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٦ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٦٤ حديث ٢٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ حديث ٢٧٨.


من المسلمين وغيرهم ، وعدم تكلّفها العبادات ، وربما عجز عن البكر.

ولو شرط الحلب كل يوم شيئا معلوما ، أو طحن الدابة قدرا معينا لم يصح.

ولو شرطها حاملا صح ، ولو شرطها حائلا فبانت حاملا ، فان كانت أمة تخير ، وإن كانت دابة احتمل ذلك لإمكان إرادة حمل ما تعجز‌

______________________________________________________

الكافرة من المسلمين وغيرهم ، وعدم تكلّفها العبادات ، وربّما عجز عن البكر ).

في هذه العبارة لف ونشر ، لأن قوله : ( لكثرة طالب الكافرة ... ) تعليل التخير إذا ظهر ضدّ الكفر المشروط ، الذي حقه أن لا يراد ولا يشترط.

وتوضيحه : أنّ الكفر وإن كان وصف نقص ، لكنه مما يقصد ، وذلك لأن طالب الكافر كثير ـ فانّ جهات رغبته متعددة ، فإنّ بيعه على كلّ من الكافر والمسلم جائز ، بخلاف المسلم ـ وخدمته أوفر ، لأنه لعدم تكلّفه العبادات متى طالب وجد. وقوله : ( وربما عجز عن البكر ) تعليل للتخير إذا ظهر ضدّ الثيوبة المشروطة ، التي حقها أن لا تراد ولا تشترط.

وتوضيحه : أن البكارة وإن كانت صفة مطلوبة ، إلا أنّ الثيوبة تطلب كثيرا للعاجز عن البكر ، فكانت غرضا مقصودا في الجملة.

واعلم أنه لو قال : لكثرة طالب الكافر لكان أشمل ، ولكنّه لاحظ أنّ الثيوبة إنما تكون في الأنثى ، فأجرى وصف الكفر عليها طلبا للمناسبة ، ولأن المشروط فيه غير مذكور ، فجعل الكلام على وتيرة واحدة ، لئلا يخرج إلى تقدير متعدد.

ولا يخفى أن الكفر الذي يجوز اشتراطه هو ما يقرّ أهله عليه.

قوله : ( وإن كانت دابة احتمل ذلك لإمكان إرادة حمل ما تعجز‌


عنه حينئذ ، وعدمه للزيادة إن قلنا بدخول الحمل كالشيخ.

وإطلاق العقد واشتراط الصحة يقتضيان السلامة من العيب ، فلو وجد المشتري عيبا سابقا على العقد ولم يكن عالما به تخير بين الفسخ والأرش.

ولو تبرأ البائع من العيوب في العقد وإن كانت مجملة ، أو علم المشتري به قبله ، أو أسقطه بعده سقط الرد والأرش.

______________________________________________________

عنه حينئذ ، وعدمه للزيادة إن قلنا بدخول الحمل (١) كالشيخ (٢) ).

ينبغي أن يكون قوله : ( إن قلنا ) شرطا لـ ( احتمل ) لأنا إذا لم نقل بدخول الحمل يكون للبائع ، فيكون المبيع مشغولا بملكه على وجه لا يستطاع تفريغه.

ثم إذا قلنا بمقالة الشيخ ، فأي الاحتمالين أرجح؟ لا ريب أنه الأول ، لأن الحمل وإن كان زيادة في المال ، إلاّ أنه موجب للنقيصة من وجه آخر ، لمنع الانتفاع بها عاجلا ، ولأنه لا يؤمن عليها ـ إذا وضعته ـ الهلاك.

قوله : ( ولو تبرّأ البائع من العيوب في العقد وإن كانت مجملة ).

خالف في ذلك ابن الجنيد في الاكتفاء بالبراءة من العيوب إجمالا (٣) ، وهو قول ابن البراج (٤) ، والمشهور الاكتفاء ـ وهو الأصح ـ ولا جهالة ، لأن نفي العيوب للعموم ، فيندرج فيه كلّ عيب ، ولحسنة جعفر بن عيسى ، عن أبي الحسن 7 (٥) ، وتخيّل الجهالة مردود بالمنع من ثبوت الغرر به ، إذ المبيع مشاهد ، ولأنه لو تمّ لزم فساد العقد ، وصورة التبرؤ أن يقول : برئت من جميع العيوب.

قوله : ( أو علم المشتري به قبله ).

أي : بالعيب قبل العقد ، فلا شي‌ء له ، لأنه إنما اشتراه على ذلك.

__________________

(١) في « م » وردت كلمة ( البائع ) ولم ترد في القواعد فحذفناها ، لأن إثباتها يغاير المتن مع الشرح.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٨ مسألة ١٧٤ كتاب البيوع.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٧١.

(٤) المهذب ١ : ٣٩٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٦٦ حديث ٢٨٥.


ولو أحدث فيه حدثا قبل العلم بالعيب أو بعده ، أو حدث عنده عيب آخر بعد قبضه من جهته مطلقا أو من غير جهته ـ إذا لم يكن حيوانا في مدة الخيار ـ فله الأرش خاصة ، ولو كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الرد مطلقا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أحدث فيه حدثا قبل العلم بالعيب أو بعده ).

لا ردّ له في الصورتين ، للتصرف ـ لكن له الأرش فيهما ، ووجهه في الثانية : أنه حقّ مالي ثبت بالعقد ، لوجوب تنزيله على صحة المبيع ، والأصل بقاؤه ، ولا دلالة للتصرف على إسقاطه ، نعم يدلّ على الالتزام بالعقد ـ ولدلالة الأخبار (١) على ذلك ، وهذا هو الأصح والمشهور ، خلافا لابن حمزة حيث أسقطهما (٢).

قوله : ( أو حدث عنده عيب آخر بعد قبضه من جهته مطلقا ).

أي : سواء كان المبيع حيوانا في مدة الخيار أم لم يكن ، كما يدلّ عليه التقييد في المسألة التي بعد هذه ، ووجهه : أنه بمنزلة إحداثه حدثا ، ويتحقق كونه من جهته بتقصيره في المحافظة على المبيع وصيانته ، وقيد بكونه بعد قبض المشتري ، لأنه قبله مضمون على البائع ، يثبت به كلّ من الأمرين على الأصح والأرش كما سبق.

قوله : ( أو من غير جهته إذا لم يكن حيوانا في مدة الخيار ).

إذا لم يكن الحادث من جهة المشتري ، لكن لو لم يكن المبيع حيوانا ، أو كان وكان الحدث بعد الثلاثة لم يكن له ردّ ، لأن المبيع حينئذ من ضمان المشتري ، فنقصانه يكون محسوبا منه ، فيمتنع الرد.

نعم يثبت الأرش لمثل ما قلناه في السابق ، أما لو كان حيوانا وحدث في الثلاثة من غير جهة المشتري ، فلا يمنع الرد ولا الأرش ، لأنه حينئذ مضمون على البائع ، والظاهر أنّ كلّ خيار يختصّ بالمشتري كذلك.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٧ حديث ٢ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٦٠ حديث ٢٥٧.

(٢) الوسيلة : ٢٩٦.


وينبغي إعلام المشتري بالعيب أو التبرؤ مفصلا ، فإن أجمل بري‌ء.

ولو ابتاع شيئين صفقة ووجد بأحدهما عيبا سابقا تخير في رد الجميع أو أخذ الأرش ، وليس له تخصيص الراد بالمعيب ، فان كان قد تصرف في أيهما كان سقط الرد خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( وينبغي إعلام المشتري بالعيب ، أو التبرؤ مفصّلا ).

الظاهر أن المراد بـ ( ينبغي ) هنا : الاستحباب كما هو الغالب في استعمالها ، لأن التبرّؤ مفصّلا غير واجب عنده ، لكن هذا إنما يكون في غير العيب الخفيّ ، مثل شوب اللبن بالماء ونحوه ، فانّ هذا يجب ذكره كما سبق ، وبدونه ينبغي أن يكون العقد باطلا ، لأن ما كان من غير الجنس لا يصحّ العقد فيه ، والآخر مجهول ، إلاّ أن يقال : إن جهالة الجزء غير قادحة إن كانت الجملة معلومة ، كما لو ضمّ ماله ومال غيره وباعهما ، ثم ظهر البعض مستحقا ، فانّ البيع لا يبطل في ماله ، وإن كان مجهولا قدره وقت العقد.

وقوله : ( فإن أجمل بري‌ء ) لا يستقيم على إطلاقه ، لما قلناه في شوب اللبن بالماء ، وفي الدروس : أنه لو تبرّأ من العيب سقط وجوب الإعلام (١) ، ومقتضى كلامه السقوط في العيب الخفيّ ، وفيه تردد ، لأن الماء ليس من جنس اللبن.

قوله : ( وليس له تخصيص الرد بالمعيب ).

لما فيه من ضرر تبعيض الصفقة بالنسبة إلى البائع.

قوله : ( فان كان قد تصرف في أيهما كان سقط الرد خاصة ).

المراد بـ ( أيهما كان ) : استواء التصرف في الصحيح والمعيب ، والمعنى : أنه إذا كان تبعيض الصفقة على البائع ممتنعا ، فالتصرف في أيهما كان مانع من الرد ، لأنه ممنوع من ردّه بالتصرف ، وفي الباقي يمتنع تبعيض الصفقة.

__________________

(١) الدروس : ٣٦٤.


وليس للمشتريين صفقة الاختلاف ، ـ فيطلب أحدهما الأرش والآخر الرد ، بل يتفقان ـ على إشكال.

أما لو ورثا خيار عيب فلا إشكال في وجوب التوافق ، ولا إشكال في جواز التفريق لو باعهما في عقدين.

ولو اشترى من اثنين جاز له الرد على أحدهما والأرش من الآخر ، سواء اتحد العقد أو تعدد ،

______________________________________________________

قوله : ( وليس للمشتريين صفقة الاختلاف ، فيطلب أحدهما الأرش والآخر الرد ، بل يتفقان على إشكال ).

الجار متعلق بالنفي المدلول عليه : سلب استحقاق المشتريين صفقة الاختلاف. وقوله : ( فيطلب ) إلى قوله : ( بل يتفقان ) معترض ، ومنشأ الاشكال :من ثبوت الصفقة صورة التعدد معنى.

والأصح أن لهما الاختلاف في ذلك ، لأن التعدد في البيع يتحقق بتعدد البائع وبتعدد المشتري ، لاختلاف الملكين. نعم لا يبعد الفرق بين ما إذا كان البائع عالما بالصورة ، وبين ما إذا كان جاهلا ، فيجوز الاختلاف في الأول دون الثاني.

قوله : ( أما لو ورثا خيار عيب فلا إشكال في وجوب التوافق ).

إن قيل : قد سبق في كلام المصنف أنّ فيه نظرا ، وإن كان استقرب المنع من التفريق ، لكن كيف يستقيم نفي الاشكال؟

أمكن الجواب : بأنه لا إشكال عنده الآن.

قوله : ( ولو اشترى من اثنين جاز له الرد على أحدهما والأرش من الآخر ، سواء اتحد العقد ، أو تعدد ).

قد يقال : مع اتحاد العقد يجي‌ء الإشكال السابق في المشتريين صفقة ، لصورة الصفقة هنا أيضا. إلاّ أن مسألة المشتريين اختصت بالخلاف في حكمها بخلاف البائعين.


والأرش جزء من الثمن ، نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح.

وطريقه : أن يقوّم في الحالتين ، ـ فيحتمل قيمته حين العقد والقبض والأقل منهما ـ ، ويؤخذ من الثمن بنسبة التفاوت بينهما ،

______________________________________________________

قوله : ( والأرش جزء من الثمن ، نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح ).

هذا إذا كان الأرش من البائع للمشتري ، إلاّ في الصورة السابقة في الصرف ، وأما إذا كان من المشتري للبائع ، كما إذا حدث في المبيع عيب بيد المشتري وفسخ البائع بخياره ، فإنّه يأخذ الأرش من المشتري ، وهو تفاوت ما بين القيمتين.

وقوله : ( نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح ) فيه حذف ظاهر ، تقديره : إلى قيمة الصحيح.

قوله : ( وطريقه : أن يقوّم في الحالين ، فيحتمل قيمته حين العقد والقبض والأقل منهما ، ويؤخذ من الثمن بنسبة التفاوت بينهما ).

أراد بـ ( الحالين ) : ما استفيد من الكلام ، وهو : حال العيب وحال الصحة.

وقوله : ( ويؤخذ ... ) معطوف على قوله : ( يقوّم في الحالين ) وهو من تمام بيان طريق أخذ الأرش ، فما بينهما من تعيين القيمة معترض.

والمراد بقوله : ( فيحتمل قيمته حين العقد ... ) أن تقويمه حال كونه صحيحا وحال كونه معيبا يحتمل أن تعتبر قيمته حين العقد ، لأنه وقت دخوله في ملكه ووقت استحقاقه الأرش.

ويحتمل اعتبار قيمته حين القبض ، لأنه حين استقرار الملك ، إذ البيع قبل القبض بمعرض الانفساخ لو حصل التلف. وفيه ضعف ، إذ لا دخل لذلك في اعتبار القيمة حينئذ ، مع كون استحقاق الأرش قبل ذلك.

ويحتمل اعتبار الأقل من القيمتين ، لأنه إن كان الأقلّ هو قيمة حين‌


ويؤخذ بالأوسط إن اختلف المقوّمون.

ولو ظهرت الأمة حاملا قبل العقد كان له الرد وإن تصرف بالوطء خاصة ،

______________________________________________________

العقد فلأنه وقت الاستحقاق ، وإن كان هو قيمة حين القبض فلأنه وقت الاستقرار ، وضعفه يظهر من ضعف الثاني ، والأول أقوى.

قوله : ( ويؤخذ بالأوسط إن اختلف المقوّمون ).

المراد بـ ( الأوسط ) : قيمة منتزعة من المجموع ، نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم ، فمن القيمتين نصف مجموعهما ، ومن الثلث ثلاثة وهكذا ، وذلك لأنه لا ترجيح لقيمة على اخرى ، ولانتفاء الأوسط في نحو القيمتين ، فلم يبق إلاّ أن يراد بالتوسط معنى آخر ، وهو لا انتزاع القيمة من المجموع ، بحيث لا يكون للقيمة المنتزعة نسبة إلى بعض تلك القيم هي أرجح وأقرب من نسبتها إلى البعض الآخر.

ويعتبر في المقوّم : التعدد ، مع الذكورة ، والعدالة ، والمعرفة ، واعتبر في الدروس مع ذلك ارتفاع التهمة (١) ، وهو ظاهر ، فإنّه شاهد ، فيعتبر لقبول شهادته عدم التهمة.

قوله : ( ولو ظهرت الأمة حاملا قبل العقد كان له الرد وإن تصرف بالوطء خاصّة ).

لا حاجة الى التقييد بقبليّة العقد ، لأن العيب الحادث بعد العقد قبل القبض مضمون على البائع ، إلاّ أن يعتذر بأن الرد بعد التصرف خلاف الأصول المقررة ، فيقتصر فيه على صورة النص ، وهذا يتمّ إن لم يكن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنصوص ، وتقييد التصرف بكونه بالوطء فقط ينفي غيره ، لكن يجي‌ء في مقدماته كالتقبيل والملاعبة نظر ، من عدم النص وأضعفيتها بالنظر إلى الوطء ،

__________________

(١) الدروس : ٣٦٦.


ويرد معها نصف عشر قيمتها ، فان تصرف بغيره فلا رد ، وكذا لا ردّ لو وطأ وكان العيب غير الحمل.

______________________________________________________

ولعدم انفكاكه منها غالبا ، فإذا لم يقدح معه فبدونه أولى ، وفيه قوة ، وإن توقف في الدروس (١).

إذا تقرر هذا ، فالمشهور بين الأصحاب أن الأمة تردّ بعيب الحمل بعد التصرّف بالوطء وإن لم يكن الحمل من البائع ، للأخبار (٢) الواردة بذلك ، وذهب بعضهم إلى ذلك حيث يكون الحمل من البائع ، واختاره المصنف في المختلف ، ونزّل إطلاق النصوص عليه (٣).

ويشكل بعدم المقتضي للتقييد ، وبأنه لا معنى لتخصيص التصرف بالوطء حينئذ ، لأنه لا بيع على ذلك التقدير ، والأصحّ الأوّل.

قوله : ( ويرد معها نصف عشر قيمتها ).

هذا هو المشهور ، وورد به بعض الأخبار (٤) ، وقال بعض الأصحاب : يردّ معها العشر (٥). وفصّل ابن إدريس : بالبكارة والثيوبة ، فأوجب العشر في الأول ونصفه في الثاني (٦) ، وهو صحيح وإن بعد الفرض ، فان فيه جمعا بين الأخبار.

وعلى هذا الحكم إشكال : من حيث أنها مملوكة للمشتري حين الوطء ، فكيف يجب عليه شي‌ء بوطئها؟ فمن ثمّ يقوى القول بتنزيل الحكم على كون الحمل من البائع. قال في الدروس : إلا أن يقول الرد يفسخ العقد من أصله ، أو يكون المهر جبرا لجانب البائع كما في لبن المصراة وغيرها عند الشيخ (٧) (٨).

__________________

(١) الدروس : ٣٦٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٥ حديث ٨ ، ٩ ، الفقيه ٣ : ١٣٩ حديث ٦٠٨ ، التهذيب ٧ : ٦٢ حديث ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، الاستبصار ٣ : ٨١ حديث ٢٧٥ ، ٢٧٦.

(٣) المختلف : ٣٧٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٦٢ حديث ٢٧١ ، ٢٧٢ ، الاستبصار ٣ : ٨١ حديث ٢٧٢ ، ٢٧٣.

(٥) منهم : أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٣٥٨.

(٦) السرائر : ٢٢٦.

(٧) المبسوط ٢ : ١٢٥.

(٨) الدروس : ٣٦٤.


فروع :

أ : لو قتل بردّة سابقة فللمشتري الأرش ، وهو نسبة ما بين قيمته‌

______________________________________________________

وأقول : لا وجه لهذا الاشكال بعد الاعتراف بثبوت وجوب العقر في الاخبار ، والاستبعاد مدفوع كما اندفع بالنسبة إلى جواز الردّ بعد التصرف ، وكونه مقصورا على الوطء خاصة.

فعلى المشهور هذه المسألة خرجت عن الأصول بأمرين : الردّ بعد التصرف المخصوص بالعيب المخصوص ، وثبوت العقر على المشتري بوطء جاريته ، وعلى الآخر لا مخالفة للأصل ، لكن لا يقتصر الحكم على الوطء ، بل جميع التصرفات كذلك ، وهو متجه ، لو لا مخالفة المشهور ، والعدول عن ظاهر الأخبار.

وقوله : ( فان تصرف بغيره فلا ردّ ) بناء منه على اختيار المشهور.

وكذا قوله : ( وكذا لا ردّ لو وطأ وكان العيب غير الحمل ) اقتصارا في مخالف الأصل على المنصوص.

قوله : ( لو قتل بردّة سابقة ، فللمشتري الأرش ... ).

أي : سابقة على العقد أو القبض ، لأنه حينئذ مضمون على البائع.

وقوله : ( من الثمن ) متعلق بمحذوف ، على أنه حال من الأرش أو صفة له ، وما بينهما اعتراض.

وعلى هذا الحكم إشكال ، حاصله : أن المقتول بالردة لا قيمة له ، فهو كالبيض المكسور إذا خرج بالكسر فاسدا ، فيجب أن يسترد المشتري جميع الثمن في صورة القتل بالردة.

وجوابه : أنّ البيض الفاسد لا قيمة له في وقت العقد بحسب الواقع ، لكن لعدم الاطلاع عليه جوّز المتعاقدان أن تكون له قيمة ، فالكسر كاشف عن حاله بخلاف ما هنا ، فان المرتد في وقت البيع كان مالا متقوّما ، غاية ما هناك أن قيمته ناقصة ، لأنه بمعرض أن يقتل ، ونقصانها على حسب ما تقتضيه رغبات‌


مستحقا للقتل وغير مستحق من الثمن ، وكذا لو قطع في قصاص أو سرقة فله أرش ما بين كونه مستحقا وغير مستحق للقطع.

ب : لو حملت من السحق فوطأها المشتري بكرا ، فالأقرب أن عليه عشر قيمتها ، ويحتمل نصف العشر وعدم الرد ،

______________________________________________________

الناس ، باعتبار الاقدام على حالته الخطيرة ، كالمريض مرضا مخوفا.

بقي هنا شي‌ء ، وهو : أنه تقييد هذا الحكم بما إذا كان القتل بعد انقضاء خيار المشتري ، أو قبله وقد تصرّف ، وإلاّ كان له الفسخ ، أو يقال : ينفسخ العقد ، لأن تلفه حينئذ من ضمان البائع ، ولمّا كان المتلف له الشارع كان بمنزلة التالف بآفة.

قوله : ( فله أرش ما بين كونه مستحقا وغير مستحق للقطع ).

الجار والمجرور الأخير قد تنازعه كلّ من ( مستحقا ) و ( غير مستحق ) وهما معا بكسر الحاء : اسم فاعل ، وهو ظاهر.

قوله : ( لو حملت من السحق فوطأها المشتري بكرا ، فالأقرب أنّ عليه عشر قيمتها ، ويحتمل نصف العشر وعدم الرد ).

هذا من فروع المسألة السابقة ، بناء على المشهور : من عدم اعتبار كون الحمل من البائع ، وقد ذكر المصنف فيه احتمالات :

أقربها الأول ، وهو : وجوب العشر ، لأن عقر البكر هو ذلك كما ثبت في النصوص.

والثاني : وجوب نصف العشر ، عملا بإطلاق كلام أكثر الأصحاب ، وما دلّ من الأخبار (١) : على رد نصف العشر إذا ظهرت الجارية [ حاملا ] (٢) بعد الوطء ، فإنه يتناول صورة النزاع ، ويضعف بأن المطلق يحمل على المقيد.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٦٢ حديث ٢٧١ ، ٢٧٢ ، الاستبصار ٣ : ٨١ حديث ٢٧٢ ، ٢٧٣.

(٢) في « م » : حائلا ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.


وكذا الإشكال في وطء الدبر ، ونصف العشر فيه أقرب.

______________________________________________________

والثالث : عدم الردّ هاهنا ، لأن الأصل عدم الرّد مع التصرف ، خرج منه الوطء حيث يجب نصف العشر ، وذلك عقر الثّيب ، فيبقى ما عداه على الأصل.

ويضعّف : بأن تقييد نصف العشر بالثيب لا يقتضي تقييد الجارية المردودة بكونها ثيبا ، لأن تقييد جملة لا يقتضي تقييد اخرى ، ولأن في بعض الأخبار التصريح بردّ العشر (١) ، ذكره في الدروس (٢) ، وذلك لا يكون إلاّ في البكر ، فاندفع المنافي ، والأصح الأول.

قوله : ( وكذا الإشكال في وطء الدبر ، ونصف العشر فيه أقرب ).

أي : وكذا يجي‌ء مثل الاحتمالات السابقة ، فيما لو كان وطأ الجارية ـ التي ظهرت حاملا ـ في الدّبر ، ووجوب نصف العشر هنا ـ وهو الاحتمال الثاني ـ أقرب.

وجه الأول : إطلاق العشر في عقر البكر ، فيتناول صورة النزاع.

ويضعّف : بأن ترتّبه على وطء البكر يقتضي أن يكون للوطء تعلّق بزوال البكارة ، فإنّه المتبادر إلى الفهم ، ولان ترتّب الحكم على الوصف يشعر بالعلية ، وذلك منتف هاهنا.

ووجه الثاني : أنه لا ينقص عن وطء الثيّب ، ولأن الواجب أحد الأمرين بالسبر والتقسيم ، فإذا انتفى الأول تعيّن الثاني ، وهو الأقرب.

ووجه الثالث : عدم تناول النّص له ، لأن الوارد بوجوب العشر منزّل على إزالة البكارة ، والوارد بنصف العشر على وطء الثيب ، وليست هذه واحدة منهما.

ويضعّف : بأن النصوص بردّ الحامل ولو بعد الوطء تتناول هذه ، ولا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٦٢ حديث ٢٦٨ ، الاستبصار ٣ : ٨١ حديث ٢٧٤.

(٢) الدروس : ٣٦٣.


ج : لو كان المبيع غير الأمة ، فحمل عند المشتري من غير تصرف ، فالأقرب أن للمشتري الرد بالعيب السابق ، لأن الحمل زيادة ، ولو كانت حاملا فولدت عنده ثم ردها رد الولد.

د : لو كان كاتبا أو صانعا فنسيه عند المشتري لم يكن له الرد بالسابق.

______________________________________________________

يضرّنا تنزيل العشر ونصف العشر على البكر والثيب ، ويكون طريق استخراج عقر هذه ما ذكرناه من السبر والتقسيم.

قوله : ( لو كان المبيع غير الأمة ، فحمل عند المشتري من غير تصرّف ، فالأقرب أنّ للمشتري الرد بالعيب السابق ، لأن الحمل زيادة ).

إنما قيد بقوله : ( من غير تصرف ) لأنه مع التصرف لا رد قطعا ، وما ذكره من وجه القرب إن تمّ إنما يتخرج على قول الشيخ : من كون المبيع في زمن الخيار ملك البائع (١) ، بشرط أن يكون تجدّد الحمل في زمان الخيار بيد المشتري ، إذ لو كان قبل القبض لكان مضمونا على البائع ، كما دل عليه قوله : ( فحمل عند المشتري ) فإذا اطلع على العيب الموجب للرد يرد حينئذ ، لأن الحمل هنا زيادة محضة ، وليس كحمل الأمة لو حملت عند المشتري بغير تقصير منه ، فإنه يردّها حينئذ ، لأن حملها ليس بزيادة محضة ، بل هو عيب.

وقد عرفت فيما مضى أن حمل الدابة أيضا ليس زيادة محضة ، فلا يتم ما ذكره ، والأصح أنه لا يردّ هنا أيضا على واحد من القولين (٢).

قوله : ( ولو كانت حاملا ).

أي : وقت العقد ، فانّ الولد إما جزء من المبيع ، أو باق على ملك البائع.

قوله : ( لو كان كاتبا أو صانعا ... ).

أي : المبيع ، سواء كان عبدا أو جارية ، لأن نسيان الصنعة عيب ، وهو في‌

__________________

(١) النهاية : ٣٩٣.

(٢) القولين : نزلها الشارح الفاضل على جواز الرد وإن قلنا : أن الحمل للمشتري ، لأنه كالثمرة على الشجرة ، وهو ضعيف ، وقوله : ( الحمل زيادة ) ينافيه.


هـ : لو باع المعيب سقط رده وإن عاد إليه بالعيب ، ولا يسقط الأرش وإن خرج عن ملكه ، وكذا لو مات أو أعتقه أو وقفه ، والأرش بعد العتق له.

و : لو باع الجاني خطأ ضمن أقل الأمرين على رأي ، والأرش على رأي ،

______________________________________________________

يد المشتري مضمون عليه ، لكن يجب أن يقيّد بما إذا لم يكن ذلك في زمان خياره إذا لم يتصرف ولم يكن من قبله ، ومثله نسيان الدابة الطحن ، ونحو ذلك.

قوله : ( لو باع المعيب سقط ردّه ).

لخروجه عن الملك ، ولو وهبه هبة لازمة فكذلك ، وفي غير اللازمة نظر ، لإمكان فسخها.

قوله : ( وإن عاد إليه بالعيب ).

هذا وصلي لما قبله ، اي : يسقط رده وإن عاد ، لعدم الدليل الدّال على ثبوته بعد سقوطه.

قوله : ( ولا يسقط الأرش ).

لأنه حقّ ماليّ قد ثبت فيبقى ، وعليه دلّت النصوص (١).

قوله : ( والأرش بعد العتق له ).

في مقروءة على شيخنا الشهيد ما صورته : بخطه ـ يعنى : المصنف ـ قال أحمد (٢) والشعبي (٣) بجعل الأرش في الرّقاب.

قوله : ( لو باع الجاني خطأ ضمن أقلّ الأمرين على رأي ).

أي : فيكون التزاما لفدائه ، فإنّه مخير في ذلك وفي تسليمه ، فإذا أخرجه عن الملك تعيّن الأول ، والأصح أن المضمون أقلّ الأمرين ، إذ زيادة الأرش غير‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٥ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٦٠ ـ ٦١ حديث ٢٦٣ ، ٢٦٤.

(٢) المغني لابن قدامة ٤ : ٢٧١ ، المجموع ١٢ : ٢٨٨.

(٣) المجموع ١٢ : ٢٨٨.


وصح البيع إن كان موسرا ، وإلاّ تخير المجني عليه.

ولو كان عمدا وقف على إجازة المجني عليه ، ويضمن الأقل من الأرش والقيمة لا الثمن معها ،

______________________________________________________

مضمونة على المولى ، لأن جناية العبد لا يضمنها سيده ، ولا يجني الجاني على أزيد من نفسه.

قوله : ( وصح البيع إن كان موسرا ).

أي : المولى بشرط بذل الواجب.

قوله : ( وإلاّ تخير المجني عليه ).

أي : وإن لم يكن موسرا تخير في فسخ البيع ، وإبقائه إلى حين يسار المولى فيرجع عليه بالواجب ، وكذا يفسخ لو ماطل وهو موسر.

قوله : ( ولو كان عمدا وقف على إجازة المجني عليه ).

[ أي : لو كان الجاني المبيع قد جنى عمدا ، وقف البيع على إجازة المجني عليه ] (١) لتعلق حقه بالعين ، فيكون مخيّرا في الفسخ والإجازة.

قوله : ( ويضمن الأقل من الأرش والقيمة لا الثمن معها ).

أي : ويضمن المولى أقلّ الأمرين من أرش الجناية وقيمة العبد ، مع إجازة المجني عليه البيع في الصورة السابقة ، ولا يضمن الثمن ، لأنه ربّما زاد على القيمة ، والزائد ملك للمولى ، لأنه كسب له في مقابل ماله ، وزيادة الأرش ليست على المولى لما سبق.

فان قيل : المجني عليه حقّ للجاني فثمنه له ، قلنا : ليس حقا له وإن تعلّق حقه به ، فإذا اختار الإجازة بقي على ملك المولى.

إذا عرفت ذلك ، فالضمير في قوله : ( ويضمن ) يعود إلى البائع الذي هو المولى ، وقوله : ( من الأرش والقيمة ) بجرّهما بيان لـ ( الأقل ) وقوله : ( لا الثمن ) منصوب عطفا على ( الأقل ) وهو معترض بين الظرف ، أعني : ( معها ) وعامله وهو‌

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناها من الحجري.


وللمشتري الفسخ مع الجهل ، ـ فيرجع بالثمن ـ أو الأرش ، فإن استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضا ،

______________________________________________________

( يضمن ) وضمير ( معها ) يعود إلى الإجازة ، أعني : ( إجازة المجني عليه ) البيع.

قوله : ( وللمشتري الفسخ مع الجهل ... ).

أي : لمشتري الجاني عمدا فسخ البيع إذا كان جاهلا بالحال ، لكونه معيبا بذلك ، وهل له الفسخ في الجاني خطأ؟ يحتمل العدم ، لالتزام المولى بالبيع ، والثبوت ، لأنه ربّما ظهر إعساره فيرجع المجني عليه بالعبد ، وهو أقوى.

وعبارة المصنف هنا تحتمل إرادة ثبوت الفسخ للمشتري في الموضعين ، إلا أن آخرها وهو قوله : ( فالأرش ثمنه أيضا ) يشعر باختصاصها بمشتري الجاني عمدا ، ومتى فسخ المشتري رجع بالثمن ، وإن شاء أبقى البيع وطالب بالأرش.

إذا عرفت ذلك فقوله : ( أو الأرش ) مرفوع بالعطف على ( الفسخ ) وقوله : ( فيرجع بالثمن ) معترض بينهما لترتبه على ( الفسخ ) أما قوله : ( مع الجهل ) فلا وجه لوقوعه بينهما ، إذ هو معتبر في كلّ منهما ، فإنه إذا كان عالما بالحال وقت البيع لا يستحق فسخا ولا أرشا ، فكان الأحسن أن يقول : وللمشتري الفسخ فيرجع بالثمن أو الأرش مع الجهل.

قوله : ( فان استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضا ).

المراد بـ ( ثمنه ) : قيمته ، فإنّ إطلاق اسم الثمن على القيمة واقع في كلامهم ، نظرا إلى أنّ شأنه إذا بيع أن يشترى بقيمته وإن اقتضت العوارض زيادة أو نقصانا.

وإنما حملنا الثمن في عبارته على القيمة ، لما عرفت من أن الثمن لا يضمن إذا أجاز المجني عليه البيع ، بل المضمون أقل الأمرين ، وقرينة ذلك في العبارة‌ قوله : ( أيضا ) ، فإنّه لم يسبق إيجاب دفع الثمن في الأرش ، بل دفع القيمة كما هو معلوم.


وإلاّ فقدر الأرش ، ولا يرجع لو كان عالما ، وله أن يفديه كالمالك ولا يرجع به.

ولو اقتص منه فلا ردّ وله الأرش ،

______________________________________________________

قوله : ( وإلاّ فقدر الأرش ).

أي : وإن لم تستوعب الجناية القيمة فقدر الأرش هو الواجب لما سبق. إذا عرفت ذلك فهذا الأرش إن كان من البائع فقد سبق ذكره في قوله : ( ويضمن الأقل من الأرش والقيمة ... ) وإن كان من المشتري فسيأتي في قوله : ( وله أن يفديه كالمالك ) فيكون مستدركا.

ويمكن الجواب : بأن هذا بيان لحكم ما إذا كان المشتري جاهلا ورضي بالأرش من البائع ، فإنّه إن طلب المجني عليه الأرش وكان مستوعبا لم يلزم المشتري سوى القيمة ، ولو اقتصّ منه ذهب على المشتري ، ولم يذكره لظهوره.

قوله : ( ولا يرجع لو كان عالما ).

أي : لو كان المشتري عالما بالحال فلا رجوع له على البائع بالثمن ، إذ ليس له الفسخ لعلمه بالعيب ، ولو قال : ولا فسخ لو كان عالما لكان أولى ، لأن نفي استحقاق الرجوع لا يقتضي نفي ثبوت الفسخ.

قوله : ( وله أن يفديه كالمالك ... ).

أي : للمشتري العالم بالعيب ذلك ، لكن برضى المجني عليه ، وهو مستفاد من قوله : ( كالمالك ) ولكونه عالما لم يكن له الرجوع به.

قوله : ( ولو اقتص منه فلا ردّ وله الأرش ).

أي : لو اقتص من الجاني في يد المشتري فلا ردّ ، لأن ذلك عيب قد حدث في يده فيكون مضمونا ، فامتنع الرد ، لكن له المطالبة بالأرش إذا كان جاهلا بالعيب ، كما لو حدث في المعيب عيب آخر عند المشتري الجاهل بعينه.

ولا يخفى أنّ هذا حيث يكون الاقتصاص في غير زمان الخيار المختصّ بالمشتري ، فإنّه في زمان هذا الخيار مضمون على البائع ما لم يفرّط المشتري.


وهو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا وغير جان من الثمن.

ز : لو باعه من ينعتق عليه ولما يعلم عتق عليه ولا شي‌ء له ، ولو اشترى زوجته بطل النكاح ، ولو ظهر تحريم الجارية مؤبدا عليه فلا فسخ ولا أرش وإن نقص انتفاعه ، لبقاء القيمة محفوظة بالنسبة إلى غيره.

المطلب الثالث : في التدليس :

التدليس بما يختلف الثمن بسببه يثبت به الخيار بين الفسخ والإمضاء مع عدم التصرف ، ومعه لا شي‌ء ولا أرش إذا لم يكن عيبا ، وذلك كتحمير‌ الوجه ووصل الشعر وأشباه ذلك.

______________________________________________________

قوله : ( وهو : نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا وغير جان من الثمن ).

إنما أفرد هذا الأرش بالذكر بعد أن ذكر ضابط الأرش مطلقا ، لأنّه ربما يخفى ، وفي العبارة حذف ، تقديره : والأرش هنا نسبة تفاوت ما بين قيمته جانيا إلى قيمته غير جان ، فيؤخذ بتلك النسبة من الثمن ، ولا بد من تقييد كونه جانيا بالجناية المخصوصة ، لتفاوت القيمة قلة أو كثرة بتفاوت الجنايات.

قوله : ( لو باعه من ينعتق عليه ، ولما يعلم عتق عليه ولا شي‌ء له ).

أي : لو باعه من ينعتق عليه ولم يعلم بالحال قبل البيع ، واستمر عدم العلم إلى أن وقع العقد عليه ثبت العتق ، للملك المقتضي له ، ولم يستحق شيئا على البائع ، لأن ما باعه إيّاه لا نقصان في ماليته وقيمته ، وترتّب العتق على القرابة لا ينافي ذلك. ويشكل بما إذا دلّسه عليه. ومثله ما لو ظهر تحريم الجارية مؤبدا عليه.

قوله : ( التدليس ).

هو تفعيل من الدّلس وهو محرّكا : الظلمة ، كأن المدلس بمخادعته آت في الظلمة.

قوله : ( وذلك كتحمير الوجه ).


والتصرية في الشاة تدليس لا عيب ، ويرد معها مثل اللبن الموجود حال البيع دون المتجدد على إشكال مع فقده ،

______________________________________________________

مقتضى هذا مع ما سبق : أنّ تحمير الوجه إنما يثبت به الرّد إذا شرط فظهر الضد ، واختار في المختلف (١) والتذكرة (٢) ثبوت الخيار فيه وإن لم يشترطه ، وكذا اختار فيما لو بيّض وجهها بالطلاء ثم أسمر (٣) ، صرّح بهما في الكتابين (٤) ، وللنظر فيهما مجال ، وعبارته هنا بإطلاقها تقتضي العدم.

ويستثني من قوله : ( وأشباه ذلك ) ما لو شرط البكارة فظهرت الثيوبة ، فإنّ له الأرش على ما سبق ، وإطلاق العبارة هنا يقتضي العدم.

قوله : ( والتصرية في الشاة تدليس لا عيب ).

صريت الشاة تصرية : إذا لم تحلبها أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها ، وأصله من الصرى ، يقال : صرى الماء زمانا في ظهره أي : [ احتبس ] (٥) ذكر نحوا من ذلك في الصحاح (٦). والمراد : أن مجرّد تحفيل اللبن في ضرع الشاة تدليس يثبت به الرد ، وإن لم يشترط كونها كثيرة اللبن.

قوله : ( ويردّ معها مثل اللبن الموجود حال البيع دون المتجدد ، على إشكال مع فقده ).

أي : يثبت ردّ المصراة ، ويردّ معها مثل اللبن الموجود حال البيع مع فقده ، فيستفاد منه ردّ اللبن لو كان موجودا بعينه ، وهو الأصح ، وقال الشيخ في المبسوط :يردّ صاعا من تمر ، أو صاعا من برّ. قال : فان تعذّر وجبت قيمته ، وإن أتى على قيمة الشاة. قال : وإذا كان لبن التصرية باقيا لم يشرب منه شيئا فأراد ردّه مع‌

__________________

(١) المختلف : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٤٠.

(٣) في « م » والحجرية : استمر ، وما أثبتناه من المختلف والتذكرة ، وهو الصحيح.

(٤) قاله في المختلف : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، والتذكرة ١ : ٥٤٠.

(٥) في « م » : حبس ، وما أثبتناه من الصحاح ، وهو الصحيح.

(٦) الصحاح ( صرى ) ٦ : ٢٣٩٩.


ولو زال الوصف حتى الطراوة فالأرش ، فإن تعذر فالقيمة السوقية ، ولا يثبت الرد مع التصرف إلاّ هنا وفي الجارية الحامل مع‌ الوطء ،

______________________________________________________

الشاة لم يجبر البائع عليه ، وإن قلنا : يجبر البائع عليه لأنه عين ماله كان قويا (١).

هذا في اللبن الموجود وقت البيع ، أما المتجدد بعد العقد ففي وجوب ردّه إشكال ، ينشأ : من عموم الحكم برد اللبن معها ، ومن أنه تجدد في ملك المشتري ، وبناه في الدروس على أنّ الفسخ يرفع العقد من أصله أو من حينه (٢). وليس بشي‌ء ، لأن رفع العقد الثابت المترتب عليه حكمه من أصله ، حتى كأنه لم يكن لا يعقل وحكى عن الشيخ القطع بعدم استرجاع المتجدد (٣) (٤) ، وهو واضح ، لأنه نماء ملكه ، وعليه الفتوى.

واعلم أن قوله : ( مع فقده ) يتعلق بقوله : ( ويرد معها مثل اللبن ) فانّ الانتقال إلى المثل إنما يكون مع فقد العين.

قوله : ( ولو زال وصفه حتى الطراوة فالأرش ).

لأنه مضمون على المشتري ، فإنه جزء المبيع ، ولو اتخذ منه جبنا أو سمنا ففي الدروس أنه كالتالف ـ ويشكل بأنه عين المال ـ قال : ولو قلنا برده فله ما زاد بالعمل (٥).

قوله : ( فان تعذّر فالقيمة السوقية ).

أي : فان تعذر المثل فلا بد من الانتقال إلى القيمة ، والمراد بـ ( القيمة ) ما يكون وقت الدفع ومكانه ، لأنه محل الانتقال إلى القيمة.

قوله : ( ولا يثبت الرّد مع التصرف إلا هنا ، وفي الجارية الحامل مع الوطء ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٢٥.

(٢) الدروس : ٣٦٣.

(٣) المبسوط ٢ : ١٢٥.

(٤) الدروس : ٣٦٣.

(٥) المصدر السابق.


والأقرب ثبوت التصرية في البقرة والناقة ، أما الأتان والأمة مع الإطلاق فلا ، ولو تحفلت الشاة بنفسها فالأقرب سقوط الخيار.

______________________________________________________

ينبغي أن يراد بقوله : ( هنا ) مطلق التصرية ، لتندرج فيه مع الشاة البقرة والناقة على ما اختاره ، والحكم في الجارية صحيح على القول بردّها لمطلق الحمل ، وعلى ما اختاره في المختلف : من اشتراط كون الحمل من البائع ليردّها (١) ، لا يتحقق كونه ردا للمبيع بعد التصرف ، لامتناع البيع في المستولدة.

قوله : ( والأقرب ثبوت التصرية في الناقة والبقرة ).

أي : الأقرب ثبوت حكم تصرية السابق ، ووجه القرب : أنّ كلّ واحدة منهما تقصد للّبن فاشبهتا الشاة ، ويحتمل العدم اقتصارا على مورد النص (٢) ، وأفتى في التذكرة بالثبوت (٣) ، وأورد رواية (٤) تتناولهما بعمومها ، وكذا أفتى في الدروس (٥) ، وهو قريب.

قوله : ( أما الأتان والأمة مع الإطلاق فلا ).

الأتان بفتح الهمزة : الحمارة ، والمراد بـ ( الإطلاق ) : تجريد العقد عن اشتراط زيادة اللبن إذا بيعتا ، ووجهه الاقتصار على مورد النص ، وانهما لا ترادان لأجل اللبن.

قوله : ( ولو تحفّلت (٦) الشاة بنفسها فالأقرب سقوط الخيار ).

بأن بقيت في المرعى يومين أو أزيد فتحفّلت ، وكذا لو نسي المالك أن يحلبها فتحفلت ، ووجه القرب : انتفاء التدليس ، ويحتمل الثبوت ، لأن الضرر لا يختلف ، والأصح عدم الثبوت ، ولو عبّر به كان أحسن من التعبير بالسقوط.

__________________

(١) المختلف : ١٩٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ١.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٦.

(٤) معاني الأخبار : ٢٨٢.

(٥) الدروس : ٣٦٣.

(٦) قال الجوهري : والتحفيل مثل التصرية ، وهو : أن لا تحلب الشاة أياما ليجتمع اللبن في ضرعها للبيع. الصحاح ( حفل ) ٤ : ١٦٧١.


وتختبر التصرية بثلاثة أيام ،

______________________________________________________

قوله : ( وتختبر التصرية بثلاثة أيام ).

وذلك بأن ينقص اللبن فيها عما كان عليه أولا ، فإنّها تتحقق ، وهل يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها؟ تردد المصنف في التحرير (١) ، ونفاه في التذكرة ، معلّلا بأن الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية ، فلم يعلم قبلها ، ولاحتمال استناد تغيّر اللبن إلى الأمكنة أو العلف ، فلا يثبت له حينئذ الخيار (٢) ، ويظهر من عبارة الكتاب ذلك ، حيث جعل الثلاثة محل الاختبار ، والعمل به أولى ، وسيأتي في عبارة الكتاب.

ولو عرف التصرية قبل الثلاثة بإقرار البائع أو بشهادة الشهود ، قال في التذكرة : يثبت الخيار إلى تمام الثلاثة ، لأنه كغيره من الحيوان ، أما لو أسقط خيار الحيوان ، فان خيار التصرية لا يسقط ، وهل يمتد إلى الثلاثة ، أو يكون على الفور؟ إشكال.

ولو عرف التصرية عند آخر الثلاثة ، أو بعدها فالظاهر ثبوت الخيار (٣). لوجود المقتضي فيها ، وإن لم يعلم به سابقا.

وعبارة الدروس قد تخالف هذا ، حيث قال : فلو تساوت الحلبات [ في الثلاثة ] (٤) أو زادت اللاحقة فلا خيار ، ولو زادت بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار (٥) فمقتضاها ثبوت الخيار بالنقص ، إلاّ أن تحمل الزيادة بعد النقص على كونها بعد الثلاثة ، وهو خلاف ظاهرها ، وكلام الدروس هو المتبادر ، فعلى ما يظهر من كلام المصنف لا أثر للنقصان في اليوم الثاني ما لم يستمر إلى اليوم الثالث.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٨٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٦.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٦.

(٤) لم ترد في « م » ، وأثبتناها من الدروس والحجري.

(٥) الدروس : ٣٦٣.


فان زالت التصرية قبل انقضائها فلا خيار ،

______________________________________________________

وهل يعتبر نقصان اليوم الثالث وحده؟ تعليله ـ بإمكان زيادة اللبن حيث زاد لاختلاف الأمكنة والمرعى ـ يقتضي عدم اعتباره ، لأن ظاهر هذا أنه لا بدّ من التكرّر ، ليوثق بكون النقصان لا لأمر عارض ، وقوله بعدم الثبوت قبلها لأنها [ المدة ] (١) المضروبة ، قد يقتضي الثبوت بالنقصان في اليوم الثالث.

واعلم أنه على ما اختاره في الدروس ، ليس للتصرية الموجبة لثبوت الفسخ طريق إلا الاختبار بالنقصان في الثلاثة ، فلا أثر للبينة ولا للإقرار ما لم يتحقق النقصان فيها ، لأن زوال التصرية فيها مسقط للخيار ، وثبوت النقصان فيها موجب لثبوته ، فأي أثر للثبوت بأحدهما؟

وأما على رأي المصنف فانّ الثبوت بأحدهما إذا اقترن بنقصان ما أوجب الخيار ، وبدونهما لا يثبت ، لا باستمرار النقصان على الوجه السابق.

والعمل بمختار المصنف وإن كان لا يخلو من الوقوف مع جانب الاحتياط ، إلاّ أن المفهوم من النصوص (٢) وإطلاق كلامهم : أن نقصان اللبن في جزء من الثلاثة موجب للخيار.

قوله : ( فان زالت [ التصرية ] (٣) قبل انقضائها فلا خيار ).

مراده بزوال التصرية : أن يدر اللبن على الحد الذي كان يدر مع التصرية ، ويستمر كذلك.

فان قلت : إذا كان اختبار التصرية إنما هو بنقصان اللبن فيها ، فإذا در صار اللبن فيها على نهج واحد ، فمن أين علم أنها مصراة؟

قلت : ذلك بطريق آخر مثل شهادة البينة والإقرار ، ولا يتجه أن يكون العلم بذلك بالاختبار ، وفي استفادة ذلك من العبارة خفاء.

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناها من الحجري.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ١ ، معاني الأخبار : ٢٨٢ ، التهذيب ٧ : ٢٥ حديث ١٠٧.

(٣) لم ترد في « م » وأثبتناها من خطية القواعد لاقتضاء الشرح لها.


ويثبت لو زالت بعدها.

ولو كان المشتري عالما بالتصرية فلا خيار له ، ولو علم بالتصرية قبل الثلاثة تخير على الفور ، ولو رضي بالتصرية ثم ظهر على آخر ، فان كان حلبها فلا رد ، وإلاّ فله ذلك.

______________________________________________________

ووجه سقوط الخيار زوال الموجب له ، ويحتمل بقاؤه. ومثله ما لو لم يعلم بالعيب القديم حتى زال ، أو لم يعلم الأمة بالعتق حتى عتق الزوج.

قوله : ( ويثبت لو زالت بعدها ).

يريد : لو تغير لبن التي علم تصريتها في زمان الثلاثة ، وبعد انقضائها زالت التصرية ، بأن صار زيادة اللبن على الحد الذي كان مع التصرية ، فإن الخيار ثابت لسبق استقراره في الثلاثة ، فلا يزول.

فان قلت : بم طريق العلم يكون بالتصرية هنا؟

قلت : بالإقرار ، وبالبينة ، وبالنقصان الذي به يتحقق الاختبار في الثلاثة ، ففي الأولين يكفي للثبوت نقصان ما ، وفي الثالث لا بد من حصول النقصان في الثلاثة على الوجه المعتبر عنده.

فان قلت : بم يتحقق زوال التصرية بعدها؟

قلت : ليس له في كلامهم ضابط ، وينبغي أن يقال : إذا صار اللبن يدر بعد الثلاثة على الوجه الذي كان يدر زمان التصرية ، بحيث يصير عادة لها عرفا ، فحينئذ يتحقق الزوال.

فان قلت : الخيار على الفور ، فكيف يمتد الى هذا الوقت؟

قلت : لا نقول بامتداده كذلك ، بل نقول بثبوته وصحة الفسخ به ، وإن تحقق الزوال على الوجه المذكور بعد ذلك.

قوله : ( ولو علم بالتصرية قبل الثلاثة تخيّر على الفور ).

علم التصرية قبل الثلاثة إنما يكون بغير الاختبار ، بناء على ما سبق في عبارته من أن اختبارها بثلاثة أيام ، وذلك بشهادة البينة أو إقرار البائع.


ولو شرط كثرة اللبن في الأمة والفرس والأتان فظهر الخلاف ، فله الفسخ.

أما لو أشبع الشاة فامتلأت خواصرها فظنها المشتري حبلى ، أو سوّد أنامل العبد أو ثوبه فظنه كاتبا ، أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا خيار ، لأنه لا يتعين في الجهة التي يظنها.

______________________________________________________

لكن قد صرح في التذكرة : بان له الخيار الى تمام الثلاثة ، وتردد فيما لو أسقط خيار الحيوان (١) ، فيلوح من كلامه تجويز استناد كون هذا الخيار ثلاثة أيام إلى خيار الحيوان.

ويشكل ، بأن خيار الحيوان لا يبقى مع التصرف ، إلا أن يلتزم باستثناء هذا.

وفي الدروس : تقييد الخيار بالثلاثة لمكان خيار الحيوان (٢) ، صرح به الشيخ (٣) ، قال : وروى العامة الثلاثة لمكان التصرية (٤). وتظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان ، ثم قال : هذا الخيار على الفور إذا علم به ، والظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إن كانت ثابتة ، وإلا فمن حين العلم.

وقال في التحرير : الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوانات ، ويثبت على الفور (٥) ، وظاهر هذه العبارة أن الفورية بالنسبة الى ما بعد الثلاثة ، إلا انه يشكل جواز إبقاء المصراة بعد العلم بالتصرية إلى آخر الثلاثة ، وهو بتصرف فيها بالحلب ، إلا أن يقال : لا يجوز له حلبها حينئذ.

ولا يمكن أن يراد : أن الثلاثة محل الخيار ، فمتى علم كان على الفور ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٦.

(٢) الدروس : ٣٦٣.

(٣) المبسوط ٢ : ١٢٥ ، الخلاف ٢ : ٢٧ مسألة ١٦٧ كتاب البيوع.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٨ حديث ٢٤ ، ٢٥ ، المغني لابن قدامة ٤ : ٢٥٥.

(٥) تحرير الأحكام ١ : ١٨٥.


ولو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة فلا شي‌ء له ، وكذا لو تعيب عنده قبل علمه بالتدليس.

المطلب الرابع : في اللواحق :

لو ادّعى البائع التبري من العيوب قدّم قول المشتري مع اليمين وعدم البينة ، ويقدّم قول البائع مع اليمين وعدم البينة وشهادة الحال لو‌

______________________________________________________

وبعدها لا خيار له وإن علم ، لأنّ صريح كلام التذكرة (١) والدروس ينافي ذلك (٢) ، وظاهر عبارة التحرير في قوله كغيرها من الحيوانات (٣).

والذي ينبغي علمه هنا : هو امتداد الخيار بامتداد الثلاثة ، لأنه خيار الحيوان كما صرح به الشيخ (٤) ، وتصرف الاختبار مستثنى دون غيره ، فمتى علم بالتصرية فشرط بقاء الخيار عدم التصرف ، فإذا انقضت الثلاثة فالخيار على الفور.

قوله : ( ولو ماتت الشاة المصراة ، أو الأمة المدلسة ، فلا شي‌ء له ).

لأنها من ضمانه ، وقد امتنع الرد بموتها ، ولا أرش له ، لانتفاء العيب ، وفي الفرق بينهما وبين ما ذكره في المرابحة ، إذا تلف المبيع المكذوب في الاخبار برأس ماله نظر.

قوله : ( وكذا لو تعيبت عنده قبل علمه ).

اقتصارا على موضع الوفاق ، ولأن هذا العيب من ضمان المشتري ، ثم تقييده بقبلية علمه غير ظاهر ، لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك ، إلا أن يقال : إنه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره ، ولم أظفر في كلام المصنف وغيره شي‌ء في ذلك.

قوله : ( ويقدّم قول البائع مع اليمين وعدم البينة وشهادة الحال لو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٦.

(٢) الدروس : ٣٦٣.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٨٥.

(٤) المبسوط ٢ : ١٢٥ ، الخلاف ٢ : ٢٧ مسألة ١٦٧ كتاب البيوع.


ادعى المشتري سبق العيب.

والخيار ليس على الفور ، فلا يسقط إلاّ بالإسقاط ولو علم بالعيب‌

______________________________________________________

ادعى المشتري سبق العيب ).

( عدم ) منسبق على ( اليمين ) ، أي : مع اليمين ومع عدم البينة من طرف المشتري ، إذا حلف البائع على عدم سبق العيب وجب أن يحلف على البت على عدم العلم بالعيب ، لوجوب تسليم المبيع عليه إلى المشتري سليما كما اقتضاه العقد.

ثم هو فيما بينه وبين الله إن لم يعلم العيب ، ولم يجد ما يدل عليه ، وقد مارسه قبل ذلك فلا جناح عليه ، ولا يبعد جواز الحلف على البت استنادا الى الأصل ، إذ الأصل عدمه ، كما يحلف على عدم النجاسة في الماء استنادا إلى أصالة عدمها.

وينبغي أن يكون قوله : ( وشهادة الحال ) معطوفا على البينة ، أي : ومع عدم شهادة الحال يتقدم العيب على زمان العقد ، فان شهد الحال بذلك قضي به. والمراد بشهادة الحال : دلالة القرائن على تقدم العيب ، ككون الجرح مندملا ، وما بين العقد والدعوى من الزمان لا يندمل فيه مثله عادة.

لكن في الدروس اعتبر افادة ذلك القطع (١) ، وما أحسنه ، إذ القرائن المثمرة للظن ـ الذي لم يثبت من قبل الشارع اعتباره ـ يبعد المصير إليها ، وقد يستفاد من الحكم بشهادة الحال ـ إذا أفادت القطع بثبوت سبق العيب ـ التعويل على ما أثمر القطع واليقين في كل موضع ، كالشياع إذا بلغ مرتبة التواتر وأثمر اليقين.

قوله : ( والخيار ليس على الفور ... ).

أي : خيار العيب ، ويريد بقوله : ( فلا يسقط إلا بالإسقاط ) أن ذلك ما لم يتصرف ، وحاول بجملة الوصلية الرد على المخالف من العامة.

__________________

(١) الدروس : ٣٦٣.


وتطاول زمان السكوت ، ولا يفتقر في الفسخ إلى حضور الغريم ولا الحاكم.

ويتخير المشتري بين الرد والأرش لو تجدد العيب قبل القبض وبعد العقد على رأي ، ولو قبض البعض وحدث في الباقي عيب ، فله الأرش أو رد الجميع دون المعيب على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يفتقر في الفسخ الى حضور الغريم ولا الحاكم ).

رد بذلك على خلاف أبي حنيفة (١).

قوله : ( ويتخير المشتري بين الرد والأرش لو تجدد العيب قبل القبض وبعد العقد على رأي ).

هذا هو الأصح ، وقد سبق في بيع الحيوان غير مرة.

قوله : ( ولو قبض البعض ، وحدث في الباقي عيب فله الأرش أو رد الجميع ، دون المعيب على إشكال ).

الإشكال إنما هو في رد المعيب وحده ، ومنشؤه من أن وقوع البيع على مجموع الصفقة يمنع من رد البعض خاصة إلا برضى المتعاقدين ، ومن أن سبب الرد هو العيب الحادث في البعض ، وقد حدث حين كان ذلك البعض مضمونا وحده ، فيتعلق به جواز الرد دون المقبوض.

ولقائل أن يقول : إن حدوث العيب في غير المقبوض مقتض لجواز رده في الجملة ، لا رده وحده ، لأن كون المقبوض غير مضمون لا يمنع رده كما لا يقتضيه ، فيبقى مقتضي وحدة الصفقة بحاله ، فلا يجوز تبعيضها إلا بالتراضي ، وهذا هو الأصح.

ومثله ما لو رد الجميع المشتري ، ولم يرض البائع إلا برد المعيب وحده ، فانا نحكم برد الجميع ، لأن المعيب يرد بعيبه الحادث في وقت كونه مضمونا ، والباقي حذرا من تبعض الصفقة.

__________________

(١) اللباب في شرح الكتاب ٢ : ٢٣.


وكل عيب يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار ، فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة ، وترد الجارية والعبد من الجنون والجذام والبرص وإن تجددت ما بين العقد والسنة وإن كان بعد القبض ، ما لم يتصرف المشتري ، فان تصرف وتجدد أحد هذه على رأس السنة فله الأرش.

______________________________________________________

قوله : ( وكل عيب يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار ، فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة ).

إذا لم يتصرف المشتري ، ولم يكن بتقصيره ، والخيار الواقع في العبارة يراد به : خيار الحيوان ، وكذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرط له.

وهل خيار الغبن والرؤية كذلك؟ يبعد القول به خصوصا على القول بكونه فوريا ، لا خيار العيب ، لأن العيب الحادث يمنع الرد بالعيب القديم قطعا.

قوله : ( وترد الجارية والعبد من الجنون والجذام والبرص ما بين العقد والسنة ).

للرواية عن الرضا 7 : « ان احداث السنة ترد الى تمام السنة » (١) وفسرها بالجنون والجذام والبرص ، وبمضمونها صرح في الدروس فعدها أربعة (٢).

قوله : ( وإن كان بعد القبض لم يتصرف المشتري ).

لأن التصرف مسقط قطعا.

قوله : ( فإن تصرف وتجدد أحد هذه على رأس السنة فله الأرش ).

لو قال : الى بدل ( على ) لكان أولى ، لأنه لا رد بما حدث بعد تمام السنة ، ولعل المراد بما حدث على رأس السنة : ما حدث في الجزء الأخير منها ، وفي أول الرواية السابقة الرد بها بعد السنة ، وآخرها ما ذكرناه سابقا (٣) ، ويمكن تنزيله على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٦ حديث ١٦ ، التهذيب ٧ : ٦٣ حديث ٢٧٤.

(٢) الدروس : ٣٦٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٦ حديث ١٦ ، التهذيب ٧ : ٦٣ حديث ٢٧٤.


ولو زاد المبيع ثم علم بالعيب السابق فله الرد ، والزيادة المنفصلة له والمتصلة للبائع.

ولو باع الوكيل فالمشتري يرد بالعيب على الموكل ، ولا يقبل إقراره على موكله في تصديق المشتري على تقدم العيب مع إمكان حدوثه ، فان ردّه المشتري على الوكيل لجهله بالوكالة لم يملك الوكيل ردّه على الموكل لبراءته‌ باليمين ،

______________________________________________________

ما قلناه ، فيقع الرد بعد السنة ، ويصدق تجدده على رأسها.

قوله : ( والزيادة المنفصلة له والمتصلة للبائع ).

لتحقق الجزئية في المتصلة ، وعلى رأي الشيخ فينبغي أن يكون الحمل كالمتصلة وان تجدد في ملك المشتري (١).

قوله : ( ولو باع الوكيل فالمشتري يرد بالعيب على الموكل ).

لأن المعيب ملك للموكل ، والوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أمر به ، فلا عهدة عليه ، ولأن الوكالة عقد جائز ، فله عزل نفسه في كل وقت ، فلا يثبت وجوب الرد عليه.

قوله : ( ولا يقبل إقراره على موكله في تصديق المشتري على تقدم العيب مع إمكان حدوثه ).

لا يقبل إقراره بذلك على موكله مطلقا ، وإذا امتنع حدوث العيب فثبوته ليس من جهة قبول إقرار الوكيل ، بل للقطع بالتقدم المستفاد من العادة.

فرع :

لو أقر البائع بالتوكيل ، والمشتري يدعي الجهالة به أمكن أن يثبت تخييره في طلب الرد على كل منهما إذا أقر بسبق العيب ، أو طلب يمين المنكر.

قوله : ( فان ردّه المشتري على الوكيل لجهله بالوكالة لم يملك الوكيل رده على الموكل ، لبراءته باليمين ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٣٩.


ولو أنكر الوكيل حلف ، فان نكل فرد عليه احتمل عدم رده على الموكل لإجرائه مجرى الإقرار ، وثبوته لرجوعه قهرا كالبينة.

______________________________________________________

أي : فان رد المشتري المعيب على الوكيل لجهله بالوكالة ، وعدم تمكن الوكيل من اقامة البينة بكونه وكيلا ـ والحال أنه مقر بسبق العيب مع إمكان حدوثه ، ولا يخفى أن له تحليفه على نفي العلم بالوكالة لو ادعاه ـ لم يملك الوكيل رد المعيب على الموكل بمجرد اعترافه بسبقه ، لأن إقراره لا ينفذ عليه ما لم يقر الموكل بذلك ، فإن أنكر برأ باليمين على نفي سبق العيب على البت ، ويملك الوكيل تحليفه على ذلك ، لأنه بزعمه أن العيب سابق مظلوم بإنكار البائع السبق مع جهل المشتري بالوكالة ، فله أن يدفع الظلامة عن نفسه بطلب اليمين ، لأنه ربما أقر بالسبق عند عرضها عليه فاندفعت الظلامة ، ولو رد اليمين ، والحالة هذه على الوكيل ، فحلف على السبق الزم به الموكل حينئذ.

قوله : ( ولو أنكر الوكيل حلف ، فان نكل فردّ عليه احتمل عدم رده على الموكل ، لإجرائه مجرى الإقرار ، وثبوته لرجوعه قهرا كالبينة ).

أي : لو أنكر الوكيل سبق العيب ، والحال أن المشتري جاهل بكونه وكيلا ، ولم يثبت ذلك حلف الوكيل على عدم تقدم العيب ليسلم من الظلم برد المعيب عليه ، فحلفه للدفع عن نفسه في الحقيقة ، لا لنفي ذلك عن الموكل ، وإن كان مالا له بحسب الواقع.

وهل يملك المشتري حينئذ تحليف الموكل لكونه مقرا بالتوكيل ، لإمكان أن يقر عند عرض اليمين عليه ، فيستحق الرد عليه؟ يبعد ذلك ، لأن دعواه على أحدهما تنافي دعواه على الآخر ، مع احتماله مؤاخذة له بإقراره.

فإن نكل الوكيل ردت اليمين على المشتري ، فيحلف على سبق العيب ، ويرد المعيب على الوكيل باليمين المردودة.


______________________________________________________

ثم أنه هل يثبت للوكيل في هذه الحالة رده على الموكل؟ مبني على أن اليمين المردودة هل هي كالبينة ، أم هي كإقرار المدعى عليه؟ فان قلنا بالثاني لم يملك الرد عليه قطعا ، لأن إقرار الوكيل بسبق العيب لا يمضي على الموكل ، فاليمين الجارية مجراه كذلك ، وإن قلنا بالأول ثبت له الرد على ما ذكره المصنف ، لأن ما قامت به البينة محكوم به لا محالة بخلاف الإقرار ، فإنه يلزم من أقر به.

ومما يدل على أن اليمين المردودة كالبينة أنها ترد على المدعي ولو قهرا بالنسبة إلى المنكر ، فأشبهت البينة من هذه الحالة ، ولأن جانب المدعي تطلب منه البينة لقوله 6 : « البينة على المدعي » (١). فلو لا أن اليمين المردودة كالبينة لما ثبت بها دعواه.

وفي بناء رد المعيب على الموكل في هذه الحالة ، على كون اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة نظر ، لأن البينة في هذه الحالة على سبق العيب غير مسموعة من الوكيل ، ولا موجبة للرد على الموكل ، لأنّ الوكيل ينكر سبق العيب ، فهو بزعمه معترف بكون المشتري ظالما ، وقد قال 7 : « من ظلم لا يظلم » فلا يسوغ له ، اللهم إلا أن يكون إنكاره لسبق العيب على وجه الاستناد الى الأصل ، بحيث لا ينافي ثبوته ولا دعوى ثبوته ، كأن يقول في الجواب : لا حق لك علي من جهة هذه الدعوى ، أو ليس في المبيع عيب يثبت لك علي الرد به ، فإنه حينئذ لا يمتنع تخرج المسألة على القولين المذكورين.

واعلم أن كون اليمين المردودة كإقرار المنكر أو كالبينة مسألة معلومة في باب القضاء ، والخلاف فيها شائع ، ويتخرج على القولين فيها مسائل كثيرة ، منها هذه.

وقد سبق في باب المرابحة : إذا ادّعى المخبر برأس المال زيادته على ما أخبر‌

__________________

(١) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ ، عوالي اللآلي ٣ : ٥٢٣ حديث ٢٢.


ولو اشترى بشرط البكارة فادعى الثيوبة ، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات.

ولو رد المشتري السلعة لعيب ، فأنكر البائع أنها سلعته قدّم قوله مع اليمين ، ولو ردّها بخيار ، فأنكر البائع أنها سلعته احتمل المساواة وتقديم قول المشتري مع اليمين ، لاتفاقهما على استحقاق الفسخ ، بخلاف العيب.

______________________________________________________

به لا تسمع دعواه ، ولو ادعى العلم على المشتري حلف له ، وهل يرد عليه اليمين فيثبت دعواه لو حكم؟ يبنى على القولين.

فلو قلنا : كالبينة لم يحلف ، إذ لا تسمع بينة دعواه ، فعلى هذا ينبغي انحصار اليمين في طرف المشتري.

إذا عرفت هذا فقوله : ( احتمل عدم رده على الموكل ) الضمير في ( رده ) يعود الى المعيب ، وضمير ( لإجرائه ) يعود الى اليمين المردودة بتأويل الحلف ، وضمير ( ثبوته ) يعود الى رد المعيب ، وضمير ( لرجوعه ) يعود الى اليمين أيضا ، والمعنى : احتمل عدم رد المعيب على الموكل لإجراء الحلف بالرد مجرى الإقرار ، واحتمل ثبوت رده لرجوع الحلف بالرد قهرا على المدعى ، فأشبه البينة.

قوله : ( ولو اشترى بشرط البكارة فادعى الثيوبة ، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات ).

أي : المتصفات بالعدالة ، ولا يخفى أن شهادتهن بالثيوبة إنما تفيد إذا شهدن بها قبل البيع ، نعم لو شهدن بالبكارة في الحال افاده ، فتندفع بذلك دعوى المشتري.

قوله : ( ولو ردّها بخيار ، فأنكر البائع أنها سلعته ، احتمل المساواة وتقديم قول المشتري مع اليمين لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بخلاف العيب ).

وجه المساواة بين هذه المسألة وما قبلها في تقديم قول البائع : اشتراكهما في كون البائع منكرا ، ووجه الاحتمال الثاني ـ وهو تقديم قول المشتري مع اليمين ـ


______________________________________________________

ما ذكره المصنف من اتفاقهما على استحقاق الفسخ ، فلا يلتفت الى إنكار البائع ، لأنه يقتضي عدم الفسخ ، بخلاف مسألة العيب ، لعدم اتفاقهما على مقتضي الفسخ ، فإنّ المشتري يدعي ثبوت الموجب له ـ وهو العيب ـ والأصل عدمه ، كما أن الأصل عدم كونها سلعة البائع ، فقد اجتمع أصلان.

ولك أن تقول : في توجيهه نظر ، لأنّ فرض المسألة لا يقتضي تنازعهما في ثبوت أصل الخيار ، وإنما النزاع في أن السلعة هي هذه أم لا ، وهذا لا دخل له في بقاء الخيار ولا عدمه ، حتى لو فسخ في هذه الحالة لحكمنا بصحة الفسخ ، وكان قاضيا عليه ببقاء السلعة.

فإذا حلف البائع على نفي كونها سلعته طولب بإحضارها ، ولو أن تنازعهما من أول الأمر في أن السلعة لم تتلف فالخيار باق ، أو تلفت فهو منتف ، لكان القول قول المشتري ، لأصالة بقائها وأصالة بقاء الخيار ، فما ذكره لا يصلح للفرق.

ولو قيل : إن إنكار كون هذه هي السلعة يفضي الى سقوط الخيار ، لأن حلف البائع على نفي ذلك ، وإصرار المشتري على دعواه انها هي ، يؤدي الى عدم بقاء الخيار المتفق على ثبوته ، وهو باطل ، فيكون قول المشتري مقدما من هذه الجهة.

لدفعناه بان ذلك لا يفضي الى سقوط الخيار ، لإمكان فسخ المشتري ، والحالة هذه ، إذ كون السلعة غير هذه لا يمنع من الخيار.

نعم بعد الفسخ يصير النزاع في أن هذا عين مال البائع ، أم لا؟ وترجيح جانب المشتري فيه مشكل ، لأن البائع منكر ، والأصل عدم كون المأتي به عين ماله ، وقبض المشتري إياه إنما كان لمصلحته ، وهو في عهدة ضمانه.

واجتماع أصلين في المسألة السابقة دون هذه لا يضر ، لأن الحكم فيها مستندا إلى أصالة عدم كونها سلعته ، وإن تأيد الحكم في الأولى بالأصل الثاني ، فحينئذ الأظهر ترجيح المساواة.

قال الشارح ولد المصنف : الاختلاف في موضعين :


ولو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا ، فوجد المشتري عيبا قديما وتجدد عنده آخر لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ولا مع الأرش ، ولا يجب الصبر على المعيب مجانا.

______________________________________________________

أحدهما : خيانة المشتري بتغير السلعة ، فالبائع يدعيها ، والأصل عدمها. وليس بشي‌ء ، لأن كل مدعيين أحدهما يدعي خيانة الآخر ، فلو أثّر لأثر فيما إذا ادعى عليه مالا فأنكره ، فإنه يدعي خيانته بإنكاره.

والتحقيق : أن هذا ساقط الاعتبار بقوله 7 : « واليمين على من أنكر » (١).

الثاني : سقوط الخيار الثابت للمشتري ، فالبائع يدعيه ، والأصل عدمه (٢). وقد عرفت مما قررناه أن النزاع ليس فيه ، فهذا ايضا ليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا ، فوجد المشتري عيبا قديما ، وتجدد عنده آخر ، لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ولا مع الأرش ، ولا يجب الصبر على المعيب مجانا ).

أما أنه لا يستحق الأرش ، فلأنه يستلزم زيادة المبيع على الثمن مع اتحاد الجنس في الربوي.

وأما أنه ليس له الرد مجانا ـ أي : بغير جبران للمعيب المتجدد ـ فلأن في ذلك إضرارا بالبائع ، لأن نقصان المالية بالعيب في يد المشتري مضمون عليه ، فكيف يلزم البائع بما يقتضي سقوطه؟ بل العيب المتجدد عند المشتري مسقط للرد على كل حال ، فكيف يثبت هنا على وجه النقصان؟ ومن هذا يعرف وجه عدم استحقاقه الرد مع الأرش أيضا.

وأما أنه لا يجب الصبر على المعيب مجانا ، فللنص (٣) والإجماع على أن العيب القديم في المبيع مضمون للمشتري على البائع ، فكيف يسقط هنا؟

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٥٢٣ حديث ٢٢ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٩٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٧ حديث ٢ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٦٠ حديث ٢٥٨ ، ٢٦٠.


فالطريق : الفسخ وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيبا بالقديم سليما عن الجديد.

ويحتمل الفسخ مع رضى البائع ، ويرد المشتري العين وأرشها ولا ربا ، فإن الحلي في مقابلة الثمن ، والأرش للعيب المضمون كالمأخوذ للسوم.

______________________________________________________

قوله : ( فالطريق : الفسخ ، وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس ، معيبا بالقديم ، سليما عن الجديد ).

إنما كان هذا هو الطريق ، لأنه لم يبق من الأمور الممكنة إلا هذا ، فالحال في الجميع بين حق كل من البائع والمشتري هو هذا.

فان قيل : ما ذكره في قوله : ( ويحتمل ... ) ينافي الانحصار في هذا ، فلا يكون هو الطريق.

قلنا : لا منافاة ، لأن مراده : الطريق في إعطاء كل ذي حق حقه على وجه الاستحقاق ، لا على وجه يعم التراضي ، ولا طريق على هذا الوجه إلا هذا ، فيفسخ المشتري العقد ، ليدفع الضرر عن نفسه ، وينزل المبيع منزلة التالف ، لمنع رده بتجدد العيب الحادث ، فينتقل الى قيمته من غير الجنس معيبا بالعيب القديم ، لأنه من ضمان البائع ، سليما عن الجديد ، لأنه من ضمان المشتري.

قوله : ( ويحتمل الفسخ مع رضى البائع ، ويرد المشتري العين وأرشها ... ).

لو قال : ويحتمل رد العين مع الأرش مع رضى البائع إذا فسخ المشتري لكان أولى ، لأن ثبوت الفسخ لا تردد فيه ، وليس رضى البائع شرطا فيه ، بل هو قهري بالنسبة اليه ، إنما المشترط برضاه هو دفع العين بأرش المعيب المتجدد ، لأن قبولها معه قد بينا أنه غير واجب عليه مطلقا ، فيقف ردها اليه على رضاه لا محالة.

نعم ، قد يتخيل من ذلك حصول الربا ، لأنّ المردود حينئذ يزيد على وزن الآنية ، وقد رده المصنف بقوله : ( ولا ربا ، فإن الحلي في مقابلة الثمن ، والأرش للعيب المضمون كالمأخوذ للسوم ) ومعناه : ان تخيل الربا هنا مدفوع باختلاف جهة‌


______________________________________________________

المقابلة ، لأنّ الحلي المدفوع بعد الفسخ في مقابلة الثمن المأخوذ حينئذ ، والأرش في مقابلة العيب المضمون ، فهو كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا تجدد بيد المستام وإن كانت ربوية ، فكما لا يعد هنا ربا كذا لا يعد في صورة النزاع.

ولقائل أن يقول : إن اختلاف جهة المقابلة لا يمنع الربا ، وإلا لجاز شراء الحلي المعيب بمثله مع أرش العيب ، وإنما التعليل الصحيح لذلك : إن الربا ممنوع منه في المعاوضات ، لا في الضمانات ، لما ذكرناه في السوم ، لانتفاء صدق مقابلة الشي‌ء بمثله مع زيادة.

وهذا الاحتمال أيضا قوي متين لا رد له ، لكنه مقيد برضى البائع كما عرفت ، وهذان الوجهان للعامة ، ولم يشترطوا في الثاني التراضي ، وليس بظاهر.

ولهم ثالث ، وهو أن يرجع المشتري بأرش العيب القديم ، والمماثلة في مال الربا إنما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت ، والأرش حق ثبت بعد ذلك ، فلا يقدح في العقد السابق.

قال المصنف في التذكرة : وهذا الوجه عندي لا بأس به (١) ، وقد تنظر فيه من جهة أن أخذ الأرش إنما كان لفوات مقابله من المبيع ، فتبقى المعاوضة على المعيب ، وما بقي من الثمن بعد الأرش.

واعلم أنّ الشارح وجه عدم الرد مع الأرش بلزوم الربا (٢). وليس بجيد ، لأن ذلك ممنوع منه من جهة أخرى ، وهو لزوم الضرر على البائع ، فلا يكون حقا للمشتري.

نعم إذا رضي احتمل الجواز والمنع ، لتخيل حصول الربا وعدمه ، وهو الذي ذكره المصنف في الاحتمال ثانيا ، بعد أن قال سابقا : ( ولا الرد مجانا ، ولا مع الأرش ) وقال ايضا : ( وإنما فرضه ) يعني المبيع حليا ، لأنه لو لم يكن حليا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣١.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٩٩.


المقصد السادس : في أحكام العقد :

وفيه فصول :

الأول : ما يندرج في المبيع : وضابطة الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا ، والألفاظ ستة :

الأول : الأرض ، وفي معناها البقعة والعرصة والساحة.

______________________________________________________

ضمنه بالمثل معيبا بالقديم سليما عن الجديد ، لكن الحلي من ذوات القيم.

وما قاله صحيح ، لكن لو فرض كونه غير حلي وذكر حكمه لصح أيضا ، فلا يكون هذا وجها لفرض هذا بخصوصه ، بل وجهه اختياره ، نعم اعتبار القيمة إنما يصح في الحلي.

قوله : ( وضابطه الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا ).

في حواشي شيخنا الشهيد ، عن قطب الدين : بالدلالة المطابقية والتضمنية دون الالتزامية ، فلا يدخل الحائط لو باع السقف ، ويدخل في العرف العام والخاص ، لكن هل يصار الى الخاص عند وجود العام في موضع تفاهمه؟ يحتمل ذلك ، ويقدم العرفي على اللغوي ، وإن عكس في العبارة.

قوله : ( الأرض وفي معناها البقعة ، والعرصة ، والساحة ).

العرصة : كل بقعة من الدور واسعة ليس فيها بناء ، الجمع : عراص وعرصات وأعراص.

والساحة : الناحية ، وفضاء بين دور الحي ، الجمع : ساح وسوح وساحات. ذكره في القاموس (١) والمعنى الثاني هو المراد.

__________________

(١) القاموس المحيط ( سوح ) ١ : ٢٣٠.


ولا تندرج فيها الأشجار ولا البناء ، ولا الزرع ، ولا أصل البقل ، ولا البذر وإن كان كامنا ـ ولا يمنع صحة بيع الأرض ، لكن للمشتري مع الجهل الخيار بين الفسخ والإمضاء مجانا ـ ولو قال : بحقوقها.

أما لو قال : وما أغلق عليه بابه ، أو ما هو فيه ، أو وما اشتملت عليه حدوده دخل الجميع ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا تندرج فيها الأشجار ، ولا البناء ، ولا الزرع ، ولا أصل البقل ، ولا البذر وإن كان كامنا ).

لأنّ شيئا من ذلك لا يدخل في مفهوم الأرض ، ولا البواقي.

قوله : ( ولا يمنع صحة بيع الأرض ، لكن للمشتري مع الجهل الخيار بين الفسخ والإمضاء مجانا ).

أما عدم منعه صحة البيع فظاهر ، لعدم منعه من التسليم ، وأما ثبوت الخيار مع الجهل ، فلأنه لاشتغال المبيع بأحد هذه يتعذر الانتفاع به الى زمان تفريعه ، أو ينقص.

قوله : ( ولو قال : بحقوقها ).

هو وصلي لما سبق ، أي : لا يندرج شي‌ء من ذلك في بيع الأرض والبواقي وإن قال البائع : بعتكها بحقوقها على الأصح ، إذ ليس شي‌ء من ذلك من حقوقها ، بل حقوقها الممر ومجرى الماء وأشباه ذلك ، وقال الشيخ ; :يدخل (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( أما لو قال : وما أغلق عليه بابها ، أو ما هو فيه ، أو ما اشتملت عليه حدودها دخل الجميع ).

قد يتوهم من قوله : ( وما أغلق عليه بابها ) بالعطف اعتبار هذا مع قوله :( بحقوقها ) ليندرج فيه ما ذكره ، وليس مرادا وإن اقتضته العبارة ، لأنّ قوله :

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٠٥.


ويدخل لو لم يقل : في ضمان المشتري ويده بالتسليم إليه وإن تعذر انتفاعه.

______________________________________________________

بعتكها بما فيها ، أو بما اشتملت عليه حدودها ، أو بما أغلق عليه بابها يقتضي دخول ذلك ، كما صرح به في التذكرة (١) ، وقد ورد الأخير في مكاتبة محمد بن الحسن الصفار عن العسكري 7 (٢).

واعلم أن مقتضى إطلاق العبارة دخول البذر الكامن في الأرض المبيعة إذا اتى بواحدة من هذا العبارات.

وفي المختلف : إنّ البذر إذا كان أصلا في البيع بطل البيع المشتمل على ضميمته إلى الأرض ، وإن كان الأصل هو الأرض والبذر تابع صح البيع (٣) ، وهو بناء على أن الجهالة إنما تغتفر في التابع ، وأطلق في الدروس الصحة (٤) تبعا لإطلاق الشيخ في المبسوط (٥) والخلاف (٦) ، والمسألة موضع توقف.

وسيأتي في كلام المصنف التصريح فيها بالصحة ، نعم لو وصف البذر وعين قدره صح الشراء على ذلك ، ولو صالح عليه صح مطلقا.

قوله : ( ويدخل لو لم يقل : في بضمان المشتري ويده بالتسليم إليه وإن تعذر انتفاعه ).

أي : ويدخل المبيع المذكور في ضمان المشتري وفي يده بالتسلم اليه ولو لم يقل واحدة من العبارات الثلاث التي تقتضي اندراج الأمور المذكورة من الشجر والبناء والزرع في المبيع ، وإن تعذر انتفاع المشتري بالمبيع حينئذ على أصح الوجهين لحصول التسليم المعتبر ، وتعذر الانتفاع وقتا ما لا ينافيه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٢.

(٢) التهذيب ٧ : ١٣٨ ، ١٥٥ حديث ٦١٣ ، ٦٨٥.

(٣) المختلف : ٣٩٢.

(٤) الدروس : ٣٤٠.

(٥) المبسوط ٢ : ١٠٩.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٢ مسألة ١٣٨ كتاب البيوع.


والأحجار إن كانت مخلوقة أو مدرجة في البناء دخلت ، وإن كانت مدفونة لم تدخل ، فان كان المشتري عالما فلا خيار له ـ وله إجبار البائع على القلع ، ولا اجرة له عن مدة القلع وإن طالت ، وعلى البائع تسوية الحفر ـ وإن كان جاهلا تخير في الفسخ والإمضاء.

______________________________________________________

قوله : ( والأحجار إن كانت مخلوقة ، أو مدرجة في البناء دخلت ).

لا إشكال في الثاني إذا قلنا بدخول البناء في بيع الأرض ، أو على تقدير اشتراطه ، أما الأول فقد استشكله في المختلف من حيث كون الاسم لا يصدق عليها ، ولا يدخل تحت معناه (١). وليس بجيد ، فانّ الحجر من أجزاء الأرض قطعا ، فيدخل وإن لم يشترطه.

فرع :

إن كانت الحجارة المخلوقة مضرة بالغراس ، وتمنع عروقه من النفوذ ، ونحو ذلك تخير المشتري مع جهالته ، وإلا فلا.

قوله : ( فان كان المشتري عالما فلا خيار له ).

لرضاه بالعيب.

قوله : ( وله إجبار البائع على القلع ).

لأنه إذا دخل المبيع في ملكه كان له طلب تفريغه من مال البائع. ولو اشترط بقاءها فلا بد من تعيين المدة ، إذ ليس هناك أمد يتنظر ، ذكر نحوه في التذكرة (٢).

قوله : ( وعلى البائع تسوية الحفر ).

لأنه نقصان في المبيع أحدثه لتخليص ملكه ، ولوجوب التسليم مفرغا.

__________________

(١) المختلف : ٣٩٢.

(٢) التذكرة ١ : ٥٧١.


والأقرب عدم ثبوت الأجرة عن مدة القلع أو مدة بقاء الزرع ، لأنها مستثناة كمدة نقل المتاع ، وله أرش التعيب مع التحويل.

ولو ترك البائع الحجارة للمشتري ولم يكن بقاؤها مضرا ، سقط خيار المشتري ولم يكن بقاؤها مضرا ، سقط خيار المشتري ، ولا يملكها المشتري بمجرد الاعراض ، بل لا بد من عقد.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب عدم ثبوت الأجرة عن مدة القلع ، أو مدة بقاء الزرع ، لأنها مستثناة كمدة نقل المتاع ).

توضيح ما ذكره : ان علمه باشتغال المبيع بذلك يقتضي رضاه على هذه الحالة ، لكن حين صار ملكا له ثبت له مطالبة البائع بتفريغ الملك على الوجه المعتاد ، بد لذلك من مدة ، فيجب استثناؤها. ويحتمل ـ ضعيفا ـ الثبوت ، لاستيفاء البائع منافع ملك المشتري ، فيجب بذلها ، وفيه ضعف ، والأول هو الأصح.

قوله : ( وله أرش التعيب مع التحويل ).

لأنه صدر من البائع ، ولم يدل على استثنائه دليل.

قوله : ( ولو ترك البائع الحجارة للمشتري ، ولم يكن بقاؤها مضرا سقط خيار المشتري ).

لا كلام في ثبوت الخيار مع الضرر ، أما إذا لم تكن مضرة فإنه يشكل سقوط الخيار الثابت بمجرد ترك البائع لها ، إذ لا يجب عليه قبولها ، وما أشبه هذه المسألة بمسألة ما إذا اختلطت اللقطة المبيعة من الخضروات بالمتجدد منها.

قوله : ( ولا يملكها المشتري بمجرد الإعراض ، بل لا بد من عقد ).

فعلى هذا لو أراد البائع الرجوع بها كان للمشتري الخيار ، كما صرح به في التذكرة (١). ويحتمل عدم جواز الرجوع ، لأن سقوط الخيار إنما هو في مقابلها. ولو وهبه إياها هبة غير لازمة فالاحتمالان آتيان هنا أيضا.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧١.


الثاني : البستان والباغ : ويدخل فيه الشجر والأرض والحيطان ، وفي دخول البناء إشكال ، أقربه عدم الدخول.

ويدخل فيه العريش الذي توضع عليه القضبان على إشكال ، ويدخل المجاز والشرب على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وفي دخول البناء إشكال ، أقربه عدم الدخول ).

لا يخفى أن المراد بـ ( البناء ) : ما عدا حيطان البستان ، فإنها داخلة في لفظ البستان ، وما في معناه لقضاء العرف بدخوله ، وبه صرح في التذكرة (١).

ومنشأ الاشكال : من التردد في تناول الاسم لمطلق البناء الواقع في البستان ، لتخيل أنه من توابعه ، والأقرب عدم الدخول ، للشك في ذلك ، وعدم استقرار العرف به ، نعم يدخل مع حصول القرينة الدالة على إرادة دخوله من المتعاقدين.

قوله : ( ويدخل فيه العريش الذي توضع عليه القضبان على إشكال ).

العريش : شي‌ء يعمل من الخشب وغيره ، يشبه السقف ، تلقى عليه قضبان شجر العنب وغيره. والقضبان بضم أوله وكسره ذكره في القاموس (٢) ، ومنشأ الاشكال الشك في دخوله في مسمى البستان ، والأصح تحكيم العرف في ذلك ، فالمتعارف دخوله كالمثبت وما جرى مجراه يدخل بخلاف غيره.

وفي الدروس : اعتبر كونه مثبتا دائما أو غالبا (٣) ، وهو قريب مما قلناه.

قوله : ( ويدخل المجاز والشرب على إشكال ).

الإشكال إنما هو في الشرب ، لأن المجاز من ضروراته ، فلا شك في‌

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) القاموس المحيط ( قضب ) ١ : ١١٧.

(٣) الدروس : ٣٤٠.


الثالث : الدار : وتدخل فيها الأرض والبناء على اختلافه حتى الحمام المعدود من مرافقها ، والأعلى والأسفل إلاّ أن تشهد العادة باستقلال الأعلى ، والمثبت سواء عد من أجزاء الدار ـ كالسقوف والأبواب المنصوبة والحلق والمغاليق ـ أو لا ، بل اثبت للارتفاق ، كالسلم المثبت والرفوف المثبتة والأوتاد المغروزة ،.

______________________________________________________

دخوله ، ومنشؤه من الشك في تناول اللفظ له عرفا ، والظاهر أنه لا فرق بينهما ، لأن كل واحد منهما من ضروريات الانتفاع ، وإن كان ضرورة المجاز أشد ، لامتناع الانتفاع بدونه.

وأما الشرب ، فان الانتفاع بالبستان النفع المطلوب من أمثاله لا يكون بدونه ، وإن أمكن الانتفاع بوجه آخر ، فيكون حاله من جهة كونه بستانا دليلا على تناوله الشرب ، وإرادتهما إياه.

قوله : ( والأعلى والأسفل ، إلا أن تشهد العادة باستقلال الأعلى ).

بأن يكون لها طريق مستقل ومرافق على حدة ، وبدونه يدخل عملا بمقتضى العرف ومبادرة المعنى الى الفهم ، وعلى هذا تحمل مكاتبة الصفار إلى العسكري 7 بعدم دخول الأعلى (١).

قوله : ( والمثبت سواء عد من أجزاء الدار ـ كالسقوف والأبواب المنصوبة والحلق والمغاليق ـ أو لا بل اثبت للارتفاق ، كالسلم المثبت والرفوف المثبتة والأوتاد المغروزة ).

ضابط ما يدخل من المثبتات ما يعد جزءا في العادة ، أو من مرتفقات الدار عرفا ، ونفى المصنف في التذكرة دخول السلالم المسمرة والرفوف والأوتاد المثبتة (٢) ، وفيه نظر ، فان ما اثبت من هذه محسوب من الدار بالتبعية خصوصا‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٥٣ حديث ٦٧٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٠ حديث ٦٦٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٧٢.


دون الرحى المثبت ، والدنان ، والإجانات المثبتة ، وخشبة القصارين ، والخوابي المدفونة ، والكنوز المذخورة ، والأحجار المدفونة.

ولا ما ليس بمتصل ، كالفرش ، والستور ، والرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير سمر ، والحبل ، والدلو ، والبكرة ، والقفل إلا المفاتيح فإنها تدخل.

______________________________________________________

السلم المنصوب مثبتا للغرفة ونحوها ، واختار في الدروس ما اختاره المصنف هنا (١) ، وهو الأصح.

قوله : ( دون الرحى المثبت ).

فلا يدخل شي‌ء من حجرتها لا الأعلى ، ولا الأسفل ، إذ لا تعد من الدار ، وإنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال ، وليست كالحمام ، إذ هو من جملة البيوت ، وظاهر إطلاقهم دخول الحمام الذي يعد من مرافق الدار دخول قدره من النحاس ونحوه.

وفي الفرق بينه وبين الرحى توقف ، إلا أن يلحظ كونه مثبتا مع القطع بعد الحمل من المرافق ، وأحد حجري الرحى غير مثبت مع الشك في كونها من المرافق للدار عادة.

قوله : ( وخشبة القصارين والخوابي المدفونة ).

هي جمع خابية ، وهي : الحب (٢) ، وعدم دخولها في الدار واضح ، أما لو بيعت المصبغة ، أو المدبغة ، أو دكان القصار ففي دخول الخشبة والخوابي إذا كانت مثبتة احتمال.

قوله : ( إلا المفاتيح ).

لأنها من توابع المغاليق المثبتة ، وهذا في غير مفاتيح الأقفال ، لأن كلا من القفل والمفتاح غير مثبت.

__________________

(١) الدروس : ٣٤٠.

(٢) في الحجري ورد بياض بدل الحب ، وفي ( م ) وردت كلمة غير مقروءة ، ولعلها الحب ، والخابية : هي الحب كما في لسان العرب ١٤ : ٢٢٣ ، خبا.


وفي ألواح الدكاكين إشكال : من حيث أنها تنقل وتحوّل فصارت كالفرش ، ومن حيث أنها أبواب ، ويدخل فيه المجاز.

ولو قال : بحقوقها وتعدد دخل الجميع ، ولو لم يقل فإشكال ، فإن قلنا بدخول الجميع فلا بحث ، وإلاّ وجب التعيين.

الرابع : القرية والدسكرة : وتدخل فيها الأبنية ، والساحات التي تحيط بها البيوت ، والطرق المسلوكة فيها.

______________________________________________________

قوله : ( وفي ألواح الدكاكين إشكال : من حيث أنها تنقل وتحوّل فصارت كالفرش ، ومن حيث أنها أبواب ).

والأقوى دخولها ، وجعلها منقولة نوع ارتفاق ، لئلا يضيق الموضع بها ، لأنّ كبرها مطلوب لاستتارة المكان ، فلو أثبتت لمنعت جملة منه.

قوله : ( ولو قال : بحقوقها ، وتعدد دخل الجميع ).

لأنّ الجميع معدود من حقوقها ، وقد سبق في أول كتاب البيع كلام فيما إذا كان المبيع الى جانب ملك المشتري أو طريق.

قوله : ( ولو لم يقل فإشكال ).

ينشأ : من نصهم على دخول المجاز ، وهو صالح للواحد والكثير ، ومن أن الحكم بدخوله إنما هو لقضاء العرف به من حيث توقف الانتفاع عليه ، ويكفي في ذلك مجاز واحد ، فدخول الجميع لا دليل عليه ، وهذا أصح لوجوب التمسك بأصالة عدم الشمول ، لانتفاء الدليل الناقل عنه.

قوله : ( فان قلنا بدخول الجميع فلا بحث ، وإلا وجب التعيين ).

فبدونه يبطل العقد ، لأن إبهام السلوك موجب لجهالة المبيع كما سبق ، إذ السلوك من الجوانب متفاوت ، وقد حكمنا بعدم دخول الجميع ، فلا بد من التعيين.

قوله : ( القرية والدسكرة ).

في الدروس : والضيعة في عرف أهل الشام (١) ، والدسكرة : هي القرية ،

__________________

(١) الدروس : ٣٤٠.


وفي دخول الأشجار النابتة وسطها إشكال ، أقربه عدم الدخول.

ولا تدخل المزارع حول القرية وإن قال : بحقوقها ، إلاّ مع القرينة ، كالمساومة عليها وعلى مزارعها بثمن ويشتريها به ، أو يبذل ثمنا لا يصلح إلاّ للجميع.

الخامس : الشجر : ويندرج تحته الأغصان الرطبة ، والأوراق ، والعروق دون الفراخ.

ولو تجددت فلمالك الأرض الإزالة عند صلاحية الأخذ ، ويستحق الإبقاء مغروسا لا المغرس ، فلو انقلعت سقط حقه.

______________________________________________________

نص عليه في القاموس (١).

قوله : ( وفي دخول الأشجار النابتة وسطها إشكال ، أقربه عدم الدخول ).

ينشأ من الشك في دخولها في مسمى القرية ، ولعل الظاهر العدم ، نعم لو اقتضى العرف دخولها في المسمى ، أو دلت القرينة على ذلك كالمساومة على المجموع ، أو بذل ثمن لا يقابل به عادة إلا المجموع حكم بدخولها.

قوله : ( دون الفراخ ).

وإن كانت نابتة من عروق الشجرة المبيعة ، إذ لا تعد جزءا منها عرفا.

قوله : ( ولو تجددت فلمالك الأرض الإزالة عند صلاحية الأخذ ).

لا شبهة أنها للمشتري ، لأنها نماء ملكه ، ولا يجب على البائع إبقاؤها ، لأنّ البيع إنما اقتضى إبقاء الشجرة ، وما يعد من أجزائها والفراخ ليست منها ، وإنما تسوغ له إزالتها عند صلاحية الأخذ ، وذلك حيث ينتفع بها إذا أخذت كما في الزرع والثمرة إذا اشتراهما ، والمرجع في ذلك الى العرف.

__________________

(١) القاموس المحيط ( الدسر ) ٢ : ٢٩.


ولو اشترى الشجرة بحقوقها لم يستحق الأرض أيضا ، بل الإبقاء.

وليس له الإبقاء في المغرس ميتة ، إلاّ أن تستخلف عوضا من فراخها المشترطة.

______________________________________________________

فلا يسوغ قبل ذلك ، لما فيه من الإضرار بالمشتري ، ولا يستحق البائع على المشتري أجرة لذلك ، لأن الإبقاء إلى أوان الانتفاع من مقتضيات العقد.

وهنا اشكال ، وهو : أن الفرخ إن شمله اسم الشجرة وجب إبقاؤه كالشجرة ، وإن لم يشمله لم يجب إبقاؤه وقتا ما ، بل يزال حالا كما لو نبت حب الغير في أرض آخر.

ويمكن الجواب بأنّ اسم الشجرة لا يتناوله ، فمن ثم لا يجب إبقاؤه دائما ، لكن لا تجوز إزالته حالا ، لأنه من نماء الشجرة ، فهو كثمرتها ، فإنها وان لم تدخل في مسماها ، لكن يجب إبقاؤها إلى أوان البلوغ عرفا ، ثم تسوغ الإزالة ، ولو شرط إبقاء الفرخ دائما فلا بحث في وجوبه.

فائدة :

ذكر في الدروس دخول الفراخ في بيع الشجرة بالشرط بصيغة (١) ، قيل : وهو يشعر بتردده في ذلك ، وكأنه ينظر إلى أنها جزء باعتبار حصولها من أصول الشجرة الداخلة في مسماها.

ويمكن رد هذا ، بأنها وإن نمت من أصول الشجرة ، إلا أن العرف اقتضى خروجها عن الجزئية ، وعدها شجرة اخرى ، هذا إذا لم تكن نابتة في نفس المغرس ، أما إذا نبتت ففيه الإشكال.

قوله : ( وليس له الإبقاء في المغرس ميتة ، إلا أن تستخلف عوضا من فراخها المشترطة ).

الاستثناء هنا من محذوف ، أي : وليس له إبقاء الشجرة في المغرس بعد موتها في حال ، إلا في حال استخلافها عوضا من فراخها بشرط أن يكون مشترط‌

__________________

(١) الدروس : ٣٤٠.


ولا تندرج الثمرة المؤبرة فيها ، إلاّ أن يشترطه المشتري ، سواء أبرها البائع أو تشققت من نفسها فأبرتها اللواقح

وعلى المشتري التبقية إلى بلوغ الصلاح مجانا ، ويرجع في الصلاح‌

______________________________________________________

الإبقاء.

أما أنه لا يجب إبقاؤها ميتة فهو ظاهر ، لأنها حينئذ لا تعد شجرة ، وإنما هي حطب ، فتجب إزالتها ، وهل يجب إبقاء أصلها لرجاء أن تنبت؟ ظاهر العبارة عدم ذلك ، لأن استبقاء أصول الشجرة إنما كان بالتبعية لها ، وقد زالت.

ويحتمل الوجوب ، لوجوب إبقاء المجموع ، فلا يسقط الحكم بزوال بعضه ، هذا إذا لم يشترط بقاء الفراخ ، فلو شرطه ، وكان الفرخ وقت موت الشجرة موجودا فإنه يجب إبقاؤه ، عملا بالشرط ، وإن لم يكن موجودا ، فهل يجب الإبقاء لرجاء وجوده بناء على عدم وجوب الإبقاء للأصل استقلالا؟ فيه تردد ، ينشأ : من الشك في المقتضي ، ومن رجاء النفع.

واعلم أنّ الاستثناء الواقع في العبارة منقطع ، لأنّ إبقاء الشجرة الميتة لا يجب على حال وإن بقي أصلها. ثم إن بقاء الأصل على تقدير اشتراط بقاء الفرخ المستخلف إنما يتحقق إذا كان زواله مضرا بالفرخ ، فان لم يكن مضرا ، فعلى مقتضى عبارة المصنف السابقة من عدم وجوب إبقاء الأصول استقلالا لا يجب هنا وإن كان إطلاق جملة الاستثناء يقتضي وجوب الإبقاء مع الاستخلاف مطلقا.

والتحقيق : أنه إن وجب إبقاؤه بالاستقلال لم يتقيد بحصول الفرخ ، ولا باشتراط إبقائه ، وإلا لم يجب إلا إذا حصل المتبوع ، والعبارة لا تنطبق على واحد من الأمرين.

قوله : ( ولا تندرج الثمرة المؤبرة فيها إلا أن يشترطه المشتري ).

التأبير : [ هو ذر طلع الفحل في كمام الإناث ونحوه. ] (١).

__________________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في « م » وفي مكانه بياض.


إلى العادة ، فمما يؤخذ بسرا إذا تناهت حلاوته ، وما يؤخذ رطبا إذا تناهي ترطيبه ، وما يؤخذ تمرا إذا نشف نشفا تاما ، وكذا لو اشترى ثمرة كان له إبقاؤها. ولو لم يكن مؤبرا دخل بشرطين :

الأول : أن يكون من النخل ، فلو اشترى شجرة من غير النخل وقد ظهرت ثمرتها لم يدخل ، سواء كانت في كمام وقد تفتّح عنها أو لم يكن قد تفتح ، أو كانت بارزة.

الثاني : الانتقال بالبيع ، فلو انتقلت النخلة بغيره من صلح بعوض أو غيره ، أو هبة بعوض وغيره ، أو إجارة ، أو صداق ، أو غير ذلك لم تدخل.

______________________________________________________

قوله : ( سواء كانت في كمامة وقد تفتح عنها ، أو لم يكن قد تفتح ، أو كانت بارزة ).

[ أي : لا كمام لها ، والكمامة : وعاء الطلع ، وغطاء النور ، ذكره الجوهري (١) ] (٢).

قوله : ( فلو انتقلت النخلة بغيره من صلح بعوض ، أو غيره ).

في الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد أي : غير عوض ، والصلح جائز بغير عوض ، نقله عن والده ، وقيل : الأولى رد الضمير الى الصلح ، أي : أو غير صلح.

أقول : لا ريب أنّ المتبادر عود الضمير الى الصلح ، لكن يشكل عليه أنّ‌ قوله : ( أو هبة بعوض ، وغيره ... ) يصير مستدركا لاندراج ذلك كله في غير الصلح ، وعود الضمير الى العوض على ما فيه من التكلف يقتضي وقوع الصلح بغير عوض.

ويشكل ، بأنه في عقود المعاوضات وهي تقتضي عوضين. ولا يبعد أن‌

__________________

(١) الصحاح ( كمم ) ٥ : ٢٠٢٤.

(٢) ما بين المعقوفتين لم ترد في « م » وأثبتناه من الحجري.


فروع :

أ : إذا ظهرت الثمرة بعد البيع ، فهي للمشتري إذا لم تكن موجودة حال العقد ، إلاّ أن يشترطها البائع.

ب : لو كان المقصود من الشجر الورد ، فان كان موجودا حال العقد ، فهو للبائع وإن لم يكن‌ تفتح.

______________________________________________________

يكون نظرهم في ذلك الى أن الصلح في الدين على بعضه صحيح ، وهو هبة للبعض ، فيقتضي وقوع الهبة بلفظ الصلح. ولا دلالة فيه ، لأنه على ذلك التقدير صلح مشتمل على عوضين ، فانّ البعض والكل مختلفان ، ويحصل منه باعتبار مقتضاه ما يحصل من الهبة للبعض كما في البيع المشتمل على المحاباة.

أما وقوع الهبة بلفظ الصلح فلا دليل عليه.

فان قيل : لو كان هذا معاوضة حقيقة لزم الربا في الربوي.

قلنا : لما كان أحد العوضين داخلا في الآخر ، وإن غايره مغايرة الجزء للكل لم يتحقق شرط الربا ، وتحقق شرط الصلح بتغاير العوضين.

قوله : ( إذا ظهرت الثمرة بعد البيع ، فهي للمشتري إذا لم تكن موجودة حال العقد ).

يشكل ظاهر العبارة ، بأنّ ظهور الثمرة بعد البيع يقتضي عدم كونها موجودة وقت العقد ، إذ لو كانت موجودة حين إيقاعه لم يتحقق ظهورها بعده ، إذ لا يراد عند الفقهاء من ظهور الثمرة إلا بروزها الى الوجود ، لا زوال الساتر عنها ، إلا أن يحمل الظهور على بدو الصلاح ، نظرا إلى أنها قبله بمعرض التلف ، فكأنها غير ظاهرة ، أو أن وقت الانتفاع بها قبله بعيد ، فكانت غير ظاهرة ، وفيه ما لا يخفى ، فان مدار الحكم على الوجود وعدمه ، فبدو الصلاح لاغ.

قوله : ( لو كان المقصود من الشجر الورد ، فان كان موجودا حال العقد ، فهو للبائع وإن لم يكن تفتح ).


ج : إنما يعتبر التأبير في الإناث من النخل ، لأن التأبير هو شق أكمّة النخل الإناث وذر طلع الفحل فيها ، فحينئذ لا شي‌ء للمشتري في طلع الفحول إن كان موجودا حال البيع.

د : لو أبر البعض ، فثمرته للبائع وثمرة غير المؤبر للمشتري ، سواء اتحد النوع أو اختلف ، وسواء اتحد البستان‌ أو تعدد.

______________________________________________________

وذلك كشجر الورد والياسمين وغيرهما ، وللشيخ قول بالدخول (١) ، حكاه في التحرير (٢).

قوله : ( إنما يعتبر التأبير في الإناث من النخل ).

أي : إنما يعتبر في كون الثمرة للبائع ، حتى أنه إذا لم يتحقق التأبير يكون للمشتري ، نظرا الى الغالب.

قوله : ( لأن التأبير هو شق أكمة النخل الإناث ، وذر طلع الفحل فيها ).

الأكمة بتشديد الميم جمع كمام ، وهذا التعليل جار على العرف الغالب ، فإنّ شق أكمة الفحل ، وذر طلع الأنثى فيها ممكن ، وقد نقل أنه يفعل ويحصل منه ثمر ، إلا أنّ ذلك لندرته لا يقدح ، ويحتمل التأبير على الغالب.

واعلم أن الشق ليس هو نفس التأبير ، وإنما هو مقدمته ، بل التأبير هو ذر طلع الفحل في كمام الأنثى ونحوه ، ففي العبارة تسامح.

قوله : ( فحينئذ لا شي‌ء للمشتري في طلع الفحول إن كان موجودا حال البيع ).

أي : فحين إذا كان اعتبار التأبير إنما هو في الإناث ، لتكون الثمرة للبائع ، وبدونه للمشتري.

قوله : ( سواء اتحد النوع أو اختلف ، وسواء اتحد البستان أو تعدد ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٠٣.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٧٥.


أما لو كان بعض طلع النخلة مؤبرا وبعضه غير مؤبر ، احتمل دخول غير المؤبر خاصة ، وعدم الدخول مطلقا لعسر التمييز.

______________________________________________________

حاول بذلك الرد على بعض الشافعية الفارقين بين ما إذا اتحد النوع فيستوي كله في الحكم ، وما إذا تعدد ، وكذا رد على من فرق بين البستان الواحد والمتعدد (١).

قوله : ( أما لو كان بعض طلع النخلة مؤبرا وبعضه غير مؤبر ، احتمل دخول غير المؤبر خاصة ، وعدم الدخول مطلقا لعسر التمييز ).

وجه الاحتمال الأول : أن النص دل على أن البائع يستحق الثمرة بعد تأبيرها (٢) ، وتعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّية ، فيكون التأبير هو العلة ، فمتى وجد ترتب عليه حكمه.

وأما توجيه الاحتمال الثاني بعسر التمييز ، فقد قيل عليه : إن ذلك لو ثبت موجب لفساد العقد ، إذا كان مقصودا بالبيع لما يلزم من الجهالة ، إذ التقدير حصوله حين العقد ، وهذا غير وارد ، لإمكان أن يراد عسر التمييز بعد تأبير الباقي.

ويظهر من عبارة التذكرة مجي‌ء احتمال ثالث ، وهو الدخول مطلقا ، فإنه قال : لو أبر بعض النخلة كان جميع طلعها للبائع ، ولا يشترط لبقاء الثمرة على ملكه تأبير جميع طلعها ، لما فيه من العسر وعدم الضبط. وساق الكلام الى أن قال : وهو أولى من العكس ، فان المفهوم من العكس كون جميعها إلحاقا لما أبر بما لم يؤبر ، لصدق عدم التأبير في المجموع (٣). والاحتمال الأول لا يخلو من قوة ، وهو ظاهر اختيار الدروس (٤) وإن كان الثاني غير بعيد ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

__________________

(١) الوجيز في فقه الشافعي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز المطبوع مع المجموع ٩ : ٥٠ ، ٥١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٧ ، ١٧٨ حديث ١٢ ، ١٧ ، التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٦٩ ـ ٣٧١.

(٣) التذكرة ١ : ٥٧٣.

(٤) الدروس : ٣٤٠.


هـ : لا يدخل الغصن اليابس ولا السعف اليابس على إشكال ، وفي ورق التوت نظر.

و : لو خيف على الأصول مع تبقية الثمرة ضررا يسيرا لم يجب القطع ، ولو خيف الضرر الكثير فالأقرب جواز القطع ،

______________________________________________________

قوله : ( لا يدخل الغصن اليابس ، ولا السعف اليابس على إشكال ).

الغصن يقال في الشجر ، والسعف في النخل ، والاشكال فيهما ، ومنشؤه :من أنه كان جزءا ، ومن أنه باستحقاقه القطع عادة قد يتخيل خروجه عن الجزئية ، والأول أقوى ، تمسكا بالاستصحاب ، ووقوفا مع المعلوم ، ولأن من حلف لا يمس جزءا من شجرة يحنث بمس غصنها اليابس كما ذكره في التذكرة (١).

قوله : ( ولو خيف الضرر الكثير فالأقرب جواز القطع ).

وجه القرب قوله 7 : « لا ضرر ولا إضرار في الإسلام » (٢) فإن قيل : قد التزمه بالعقد ، قلنا : لا نسلم ، لأن العقد إذا عري عن الشرط نزل على الغالب ، والغالب عدم الضرر الكثير.

فان قيل : قد سبق في باب بيع الثمار أنه إذا تعارض نفع أحدهما وضرر الآخر قدمنا مصلحة المشتري.

قلت : هذا ايضا مقيد بعدم كون الضرر كثيرا ، والمرجع في الكثرة والقلة إلى العادة.

وقد استدل الشارح على الأقرب بما تقرر في الكلام من أنه لا يجوز تكليف شخص ، لاشتمال التكليف على لطف للغير خاصة ، لا للمكلف به (٣). وهو غير مستقيم ، لأن هذا ليس من هذا القبيل ، وإنما هو من حيث التزام البائع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٣.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٧.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٤.


وفي دفع الأرش نظر.

ز : لو كانت الثمرة مؤبرة فهي للبائع ، فلو تجددت أخرى فهي للمشتري ، فان لم يتميزا فهما شريكان ، فان لم يعلما قدر ما لكلّ منهما اصطلحا ولا فسخ لإمكان التسليم ، وكذا لو اشترى طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض ، وله الفسخ.

______________________________________________________

تحمل الضرر بإيقاع البيع ، فان تحقق ذلك ثبت ، وإلاّ فلا.

وسوق العبارة يقتضي كون فرض المسألة فيما إذا باع الأصول وبقيت الثمرة له ، فلو باع الثمرة وبقيت الأصول له فحكمها مستفاد مما سبق في بيع الثمار ، والفتوى على الأقرب.

قوله : ( وفي دفع الأرش نظر ).

ينشأ : من جواز القطع ، فلا يجب ، لعدم الدليل ، ومن أن فيه جمعا بين الحقين. والحق ضعف هذا النظر جدا ، والاحتمال الأول هو الأقوى ، للمنع من جواز القطع بغير أرش ، فيمنع الحكم من أصله ، ولأن فيه ضررا على المشتري ، والضرر لا يزول بالضرر.

قوله : ( فان لم يتميزا فهما شريكان ).

لأن الشركة عبارة عن امتزاج المالين بحيث لا يتميزان.

قوله : ( فان لم يعلما قدر ما لكل منهما اصطلحا ).

أي : على تقدير عدم التمييز إن لم يعلما قدر المالين ، لا طريق الى الخلاص إلا الصلح ، والمعادل محذوف تقديره : وإن علماه اقتسماه.

فان قيل : كيف يعلمان قدر ما لكل منهما مع عدم التمييز؟

قلت : قد يتصور ذلك فيما إذا كان المبيع اربع نخلات مثلا ، قد أبّر منهما اثنتان ، وثمرتها جميعا متساوية ، فإن قدر ما لكل واحدة منهما النصف ، وإن لم يتميز المالان.

قوله : ( ولا فسخ ، لإمكان التسليم ).


ح : لو باع أرضا وفيها زرع فهو للبائع ، سواء ظهر أو لا ، إلاّ أن يشترطه المشتري فيصح ظهر أو لا ، ولا تضر الجهالة لأنه تابع.

______________________________________________________

مقتضى العبارة : أن اختلاط المالين وقع قبل التسليم ، فيشكل حينئذ عدم‌ ثبوت الفسخ ، لأن الشركة عيب ، فإذا حدث قبل القبض ثبت به الفسخ.

فان قلت : لعل مراد المصنف بقوله : ( لإمكان التسليم ) إمكان تسليم البائع إلى المشتري جميع الثمرة ، فإنه يجبر على القبول حينئذ عند الشيخ (١) ، لأنه زاده فضلا ، فيكون المصنف قائلا بمقالة الشيخ ، وقد سبق نظيره في بيع الثمار ، إذا اختلطت اللقطة المبيعة بأخرى.

قلت : هذا ممكن ، لكن قوله في مسألة اختلاط طعام المشتري بطعام البائع قبل القبض : ( وله الفسخ ) ينافي ذلك ، فان الشيخ قائل بالحكم في المسألتين معا ، فسوى بينهما في عدم الفسخ إذا سلم الجميع ، وثبوته مع عدمه.

والذي اختاره المصنف في المختلف انه إذا كان الامتزاج قبل التسليم ثبت الخيار للمشتري ، ولا يجب عليه قبول هبة البائع حصته (٢) ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( إلا أن يشترطه المشتري ، فيصح ظهر أو لا ، ولا تضر الجهالة ، لأنه تابع ).

أجاب عن سؤال السائل : إن ضم المجهول الى المعلوم فيما إذا لم يكن الزرع قد ظهر يصير المعلوم مجهولا ، بان جهالة التابع لا تقدح ، وهذا تابع ، فمقتضى كلامه صحة ذلك مطلقا ، لأن الزرع بالنسبة إلى الأرض من توابعها ، لكن في المختلف : أن البذر إذا كان أصلا في البيع بطل ، بخلاف ما إذا كان الأصل هو الأرض ، والبذر تابع فإنه يصح (٣) ، ومقتضاه أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والقصود ، والذي في المختلف هو الذي يقتضيه النظر.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٠٤.

(٢) المختلف : ٣٩١.

(٣) المختلف : ٣٩٢.


وللبائع التبقية إلى حين الحصاد مجانا ، فلو قلعه قبله ليزرع غيره ، لم يكن له ذلك وإن قصرت مدة الثاني عن إدراك الأول.

وعلى البائع قلع العرق إذا كان مضرا ـ كعرق القطن والذرة ـ وتسوية الحفر ، ولو كان للزرع أصل ثابت يجز مرة بعد اخرى ، فعليه تفريغ الأرض منه بعد الجزة الأولى على إشكال ، أقربه الصبر حتى يستقلع.

والأقرب عدم دخول المعادن في البيع ، ولو لم يعلم به البائع تخير إن قلنا به.

______________________________________________________

وما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول إن جعل جزءا من المبيع لا يصح ، وإن اشترط صح ، ونحو ذلك ليس بشي‌ء ، لأن العبارة لا أثر لها ، والمشروط محسوب من جملة المبيع ، ولأنه لو باع الحمل والام معا صح البيع ، ولا يتوقف على بيعها واشتراطه.

قوله : ( ولو كان للزرع أصل ثابت يجز مرة بعد اخرى ، فعليه تفريغ الأرض منه بعد الجزة الأولى على إشكال ، أقربه الصبر حتى يستقلع ).

منشأ الاشكال : من أن لنفع هذا النوع من الزرع غايتين : ابتداء وانتهاء ، فيمكن الحمل على الاولى وعلى الثانية ، والأقرب ما قربه المصنف ، لأن الغايتين وما بينهما هو نفعه المتعارف ، فهو بمنزلة نفع غيره من الأنواع المخالفة له ، ويستقلع بفتح الياء وكسر اللام معناه : يبلغ حدا يستحق القلع.

قوله : ( والأقرب عدم دخول المعادن في البيع ).

وجه القرب : أنها لا تعد جزءا من الأرض ، ويحتمل دخولها كالحجارة الثابتة ، ويضعف بالفرق ، لأن الحجارة من أجزاء الأرض بخلاف المعادن ، والأصح الأول. وموضع المسألة ما إذا لم يأت بما يقتضي دخولها ، نحو قوله : ( وما أغلق عليه بابها ).

قوله : ( ولو لم يعلم به البائع تخيّر إن قلنا به ).

أي : لو لم يعلم بالمعدن تخير إن قلنا بدخوله في بيع الأرض مع الإطلاق ،


ط : يدخل في الأرض البئر والعين وماؤهما.

ي : لو استثنى نخلة كان له الممر إليها والمخرج ومدى جرائدها من الأرض ، فلو انقلعت لم يكن له غرس أخرى ، إلاّ أن يستثني الأرض ، وكذا لو باع أرضا وفيها نخل أو شجر.

السادس : العبد : ولا يتناول ماله الذي ملكه مولاه ، إلاّ أن يستثنيه المشتري إن قلنا أن العبد يملك ،

______________________________________________________

وبماذا تثبت جهالته؟ لا اعلم به تصريحا ، ولا يبعد ثبوتها بيمينه.

ولو قلنا بعدم الدخول بالإطلاق ، فباعها بما أغلق عليه بابها ففي ثبوت الخيار هنا مع عدم العلم نظر.

واعلم أن ضمير ( به ) يعود الى المذكور ضمنا في المعادن ، وضمير ( به ) الثانية يعود الى المضاف إليه في عدم دخول المعادن ، وفي بعض النسخ : ( والأقرب دخول المعادن ) والذي شرحه الشارح هو العبارة الأولى (١).

قوله : ( يدخل في الأرض البئر والعين وماؤهما ).

البئر والعين : مجمع ماء على وجه مخصوص ، والمراد بالماء ما في وسطها ، ورد به على الشيخ ، حيث قال بفساد البيع للجهالة (٢) ، وجوابه : أن هذا تابع.

قوله : ( ولا يتناول ماله الذي ملّكه مولاه ، إلا أن يستثنيه المشتري ).

أي : إلا أن يستثنيه مما لا يندرج في إطلاق البيع ، والمراد : اشتراط دخوله.

قوله : ( إن قلنا أن العبد يملك ).

ربما يوهم الاشتراط بخلاف الحكم على تقدير انتفاء الشرط ، فكان الأولى أن يقول : وإن قلنا أن العبد يملك ، ويمكن الجواب بان الحكم على تقدير عدم‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٥.

(٢) المبسوط ٢ : ١٠٦.


وينتقل إلى المشتري مع العبد ، وكأن جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز أن يكون مجهولا وغائبا.

______________________________________________________

ملك العبد بطريق أولى ، وإنما اختار الإتيان في العبارة بالشرط ، لأنه صوّر المسألة في المال الذي ملّكه مولاه ، ولا يتصور ذلك إلا على تقدير ملكه ، إذ بدونه يقع اللفظ لاغيا ، ولا يتحقق تمليك ولا ملك.

قوله : ( وينتقل إلى المشتري مع العبد ).

أي : بالشرط ، وهذا لا يتفاوت فيه ما ملّكه إياه مولاه ، وغيره.

قوله : ( وكأنّ جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز أن يكون مجهولا وغائبا ).

يجوز في ( كأن ) التخفيف والتشديد ، أي : وكأن جعل المال المذكور على تقدير اشتراط المشتري إياه إبقاء له على ملك العبد ، أو كأنّ الجعل على ذلك التقدير إبقاء له على العبد ، فإنه بحسب الواقع ليس إبقاء له كذلك ، بل هو ملك للمشتري ، لدخوله في البيع ، ومن ثم كان التشديد أولى.

ويتفرع على هذا جواز كونه مجهولا وإن أمكن استعلامه ، وغائبا لم يوصف وإن أمكن وصفه ، وذلك لأنه كالمندرج في البيع تبعا ، فتغتفر فيه الجهالة ، كما تغتفر في سائر الأشياء التابعة.

وبملاحظة هذا المعنى تظهر جودة التخفيف ، لأنه إذا كان للعبد شائبة الملك فيه ، وما يستحق العبد البائع فيه ينتقل إلى المشتري يكون تحقق التبعية أظهر ، لكن قوله : ( وينتقل إلى المشتري ) ينافيه.

ولو أنه قال : وينتقل حق البائع فيه الى المشتري لكان التخفيف أجود ، وعلى هذا يمكن أن يقال : لا يشترط هنا التحرز من الربا ، كما لو باع دارا منقوشة بالذهب ، فإنه لكونه تابعا لا ينظر إليه لو كان الثمن ذهبا كما سبق بيانه.

وإطلاق الدروس اشتراط العلم ، والتحرز من الربا بعد تعميم الحكم‌


أما إذا أحلنا تملكه وباعه وما معه ، صار جزءا من المبيع ، فيعتبر فيه شرائط البيع.

وهل تدخل الثياب التي عليه؟ أقربه دخول ما يقتضي العرف دخوله معه.

______________________________________________________

بعدم الدخول ، إلا مع الشرط في القول بملك العبد وعدمه (١) يقتضي اشتراطهما على تقدير الملك أيضا ، وهو الذي يستفاد من كلام التذكرة فإنه قال ـ بعد حكاية قول الشافعي بكونه تابعا ـ : ولبعض اتباعه بكونه غير مبيع لا أصلا ولا تبعا (٢) ، وفرق بين القولين بعدم اعتبار أحكام الربا على الثاني دون الأول (٣).

والتحقيق أن نقول : إن باعه العبد وماله ، بحيث كان المال جزءا من المبيع شرط فيه ما شرط في المبيع ، وإن باعه العبد وشرط له المال كان المال للمشتري ، واشترط فيه شرائط البيع ، وهذا التحقيق جيد ، وما ذكره في هذا الكتاب ضعيف ، لأن ملك العبد ضعيف لا يخرج المال به عن كونه ملكا للبائع يقبل التصرفات.

قوله : ( أما إذا أحلنا تملكه ، وباعه وما معه ، صار جزءا من المبيع ، فيعتبر فيه شرائط البيع ).

يظهر من قوله : ( صار جزءا من المبيع ) أنه في الأول لا يعد جزءا ، وهو كذلك ، لأنه مملوك للعبد ، وإن كان ملكا متزلزلا فلا يكون جزءا حقيقة ، بل كالجزء ، وقد ذكرنا تحقيق التذكرة وأنه جزء ، وإن قلنا : العبد يملك فلا يتم ما ذكره هنا.

قوله : ( وهل تدخل الثياب التي عليه؟ أقربه دخول ما يقتضي العرف دخوله ).

( أقربه ) مع قوله : ( هل ) قرينة على أن هناك محذوفا : على اشكال ،

__________________

(١) الدروس : ٣٤١.

(٢) انظر : فتح العزيز المطبوع مع المجموع ٩ : ٣٥ ـ ٣٦.

(٣) التذكرة ١ : ٥٧٢.


الفصل الثاني : في التسليم :

وفيه مطلبان :

الأول : في حقيقته :

وهو : التخلية مطلقا على رأي ، وفيما لا ينقل ولا يحول كالأراضي والأبنية والأشجار ، والنقل في المنقول ،

______________________________________________________

ونظر ، ونحوه ، ومنشؤه من تعارض العرف واللغة ، ولا شبهة في ضعفه ، لأن اللغة لا يصار إليها مع وجود العرف ، فحينئذ الأقرب دخول الثياب.

وفي تعيين ما يدخل وجهان أيضا ، أقربهما عند المصنف دخول ما يقتضي العرف دخوله ، فلا يقتصر على دخول ساتر العورة دون غيره ، إذ لا دليل عليه إذا كان العرف المستقر بخلافه ، وما اختاره هو الأقوى.

فعلى هذا لو اقتضت العادة دخول ثوب واحد اقتصر عليه ، وإن اقتضت أكثر صير اليه ، ولو اختلف العرف لاختلاف الزمان بالحر والبرد وشبههما فالمتبع هو العرف ، ومع الشك فالأصل العدم ، لانتفاء المقتضي ، ولو دلت القرينة على شي‌ء بخصوصه فلا كلام في اتباعها.

قوله : ( الأول : في حقيقته : وهو التخلية مطلقا على رأي ).

أي : في كل شي‌ء ، سواء ما ينقل ويكال وغيرهما ، ولا يخفى أن التخلية لا تتحقق إلا برفع البائع يده ، ويتحقق رفعها وإن كان المبيع مشغولا بما له كما سيأتي.

قوله : ( والنقل في المنقول ).

لا يراد بهذا النقل نقل البائع ، إذ لا يعتبر نقله قطعا ، إنما المعتبر نقل المشتري كما دل عليه الخبر (١) ، ونقل المشتري قبض لا تسليم ، وأيضا فإن نقل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.


والكيل والوزن فيما يكال أو يوزن على رأي ،

______________________________________________________

البائع وان لم يعتبر فإنه لا يعد تسليما ، إذ التسليم محاولة إدخال المبيع في يد المشتري.

نعم ، قد يستدعي النقل في بعض الحالات ، لكن لا يكون نفسه ، فالعبارة غير جيدة ، لأن البحث في التسليم ، وما ذكره لا يعد تسليما على واحد من التقديرين ، ومع ذلك فان مراده التنبيه على أن التسليم المقتضي لزوال الضمان إنما يتحقق مع نقل المشتري المبيع كما دل عليه الخبر ، والعبارة لا تساعد على ذلك.

قوله : ( والكيل والوزن فيما يكال أو يوزن ).

المراد به : الكيل الذي به يتحقق اعتبار البيع ، فلا بد من رفع البائع يده عنه ، فلو وقع الكيل ولم يرفع البائع يده فلا تسليم ولا قبض ، ولو أخبره البائع بالكيل فصدقه وأخذه على ذلك حصل القبض ، كما نص عليه في التذكرة (١) ، فلو قال : إنه ظهر ناقصا عما أخبر به ، فالقول قوله مع يمينه وإن لم يمكن استعلام حاله.

ولو أخذ المبيع جزافا ، وأخذ ما يكال وزنا ، أو بالعكس ، فان تيقن حصول الحق فيه صح ، والا فلا ، ذكره في التذكرة (٢).

والذي ينبغي أن يقال : ان هذا الأخذ بإعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع إلى المشتري ، وانتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط على بيعه ، لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه على التحريم أو الكراهية ، ولو كيل قبل ذلك ، فحضر كيله أو وزنه ، ثم اشتراه وأخذه بذلك الكيل ، فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن ، بل هو أولى ، وهنا مباحث ثلاثة :

الأول : إطلاق عبارة المصنف الكيل أو الوزن يقتضي الاكتفاء بأيهما‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٦٠ ـ ٥٦١.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٦.


______________________________________________________

كان ، وقد عرفت أن المعتبر هو ما لا بد من اعتبار المبيع به ، فلو كال ما يوزن فقط فهو كما لو أخذه جزافا ، كما حكيناه عن التذكرة (١) ، ولا يخفى أنه لا بد مع الكيل أو الوزن من رفع البائع يده كما قلناه.

الثاني : قال في الدروس : القبض في غير المنقول التخلية بعد رفع اليد ، وفي الحيوان نقله ، وفي المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد (٢) ، وأراد بالمعتبر : ما يكون له اعتبار مخصوص ، لتندفع به جهالته. وهذا الذي ذكره هو مقتضى العرف ، إلا أن الذي دلت عليه النصوص (٣) هو اعتبار النقل أو الكيل أو الوزن ، ولا دليل على الاكتفاء بالعدد في المعدود ، وعلى وضع الثوب في اليد.

نعم في قوله : أو نقله ، دلالة على حصول القبض بنقل المكيل بدون الكيل ، وهو حسن ، لكن كونه قبضا بالنسبة إلى زوال التحريم أو الكراهة عن بيعه حينئذ مشكل ، إلا أن يحضر كيله السابق المشتري ، أو يخبره البائع فيصدقه.

والذي اختاره في المختلف : أن المبيع إن كان منقولا فالقبض فيه هو النقل ، أو الأخذ باليد ، وإن كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك أو الكيل أو الوزن ، وان لم يكن منقولا فالقبض فيه هو التخلية (٤).

وفي المبسوط : القبض فيما لا ينقل ولا يحوّل هو التخلية ، وإن كان مما ينقل ويحوّل فان كان مثل الدراهم والدنانير والجواهر وما يتناول باليد فالقبض فيه التناول ، وإن كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة ، فإن القبض في البهيمة أن يمشي بها الى مكان آخر ، وفي العبد أن يقيمه الى مكان آخر ، وإن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه ، وإن اشترى مكايلة فالقبض فيه أن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٦.

(٢) الدروس : ٣٤٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

(٤) المختلف : ٣٩٣.


فحينئذ لو اشترى مكايلة وباع مكايلة ، لا بدّ لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض.

______________________________________________________

يكيله ، هذا كلامهم (١).

وفيه : أن الرواية دلت على اعتبار النقل في المنقول (٢) ، فالاكتفاء بأخذه باليد خلاف ما دلت عليه ، وأيضا فإن اعتبار الكيل أو الوزن في جواز بيع المكيل أو الموزون في صحيحة معاوية بن وهب (٣) دليل على أن القبض الذي تترتب عليه أحكامه كلها لا يكون إلا بالكيل أو الوزن ، فلا يكفي النقل فيه من دون كيل ، أو ما يقوم مقامه.

نعم ، زوال الضمان وامتناع الحبس إذا أخذه المشتري ظاهر بشرط اذن البائع في الثاني ، ومتى دلت الروايات على اعتبار النقل في المنقول ، والكيل في الموزون ثبت القول الثاني ، إذ لا قائل بالفصل.

وأما العبد ، فلا يبعد أن يقال : إنّ أخذه ونقله يتحقق بانتقاله بأمره ، إذا لم تجر العادة بأخذه باليد ، ومما يقوم مقام الكيل أن يبيع من الصبرة عدة أصوع يقطع باشتمالها عليها ثم يهبه الباقي ، فإن هذا بمنزلة الكيل ، لأن بيعه كذلك بمنزلة اعتباره ، ولهذا يصح البيع.

الثالث : اختار في الدروس : أن القبض هو التخلية بعد رفع اليد بالنسبة إلى زوال الضمان عن البائع ، لا بالنسبة إلى زوال التحريم والكراهية عن البيع قبل القبض (٤) ، والخبر دال على خلاف ما ذهب اليه.

قوله : ( فحينئذ لو اشترى مكايلة وباع مكايلة ، لا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض ).

أي : حين كان القبض في المكيل هو الكيل بناء على القول الثاني : لو‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٢٠.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥ حديث ١٤٦.

(٤) الدروس : ٣٤٢.


ويتم القبض بتسليم البائع له وغيره ، وله أن يتولى القبض لنفسه كما يتولى الوالد الطرفين ، فيقبض لولده من نفسه ولنفسه من ولده.

______________________________________________________

اشترى شيئا مكايلة ، أي : لو اشترى شيئا لا يباع إلا مكايلة ، وباع كذلك لا بد لكل بيع من هذين كيل جديد لأنه لا بد من قبض ، ولو أنه حصّل الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفى به ، أو أخبره البائع فصدقه لكفى نقله ، وكان ذلك قائما مقام الكيل.

ولو أخذه جزافا فان قطع باشتمال المأخوذ على المبيع فكذلك ، ولو لم يقطع فمقدار المأخوذ محسوب من المبيع ، وقد صرح في التذكرة بما عدا الأولى والأخيرة (١) ، وظاهر كلامه فيها عدم الاحتياج الى الكيل في جواز البيع ، بحيث لا يعد بيعا للمبيع قبل قبضه ، وفيه نظر.

والمراد بقوله : ( ليتم القبض ) حصوله ، وقد يطلق على حصول الشي‌ء ذلك ، إذ بالحصول يتحقق التمام.

قوله : ( ويتم القبض بتسليم البائع له وغيره ).

أي : ويتحقق بتسليم البائع المبيع للمشتري ، وغير البائع ممن يقوم مقامه بولاية أو وكالة ، أو للمشتري وغير المشتري ممن يقوم مقامه ، إلا أن فيه عطفا على الضمير المجرور.

قوله : ( وله أن يتولى القبض لنفسه ، كما يتولى الوالد الطرفين ، فيقبض لولده من نفسه ، ولنفسه من ولده ).

ليس لضمير ( له ) مرجع مذكور في العبارة ، لكنه مدلول عليه بما سبق ، إذ الكلام في قبض المبيع ، أي : وللمشتري أو لمن يعتبر قبضه المبيع أن يتولى طرفي القبض في دفعتين ، كما يقبض الوالد من نفسه لولده إذا اشترى له من نفسه مال نفسه ، وكما يقبض لنفسه من نفسه عن ولده.

واعلم أن في العبارة مناقشات :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٢.


ويجب التسليم مفرغا ، فلو كان في الدار كمتاع وجب نقله ، ولو كان في الأرض زرع قد بلغ وجب نقله ، وكذا يجب نقل العرق المضر ، كالذرة والحجارة المدفونة المضرة.

وعلى البائع تسوية الأرض ، ولو احتاجت إلى هدم شي‌ء هدم وعلى البائع‌ الأرش.

______________________________________________________

الأولى : إن كل مشتر انما يقبض المبيع لنفسه ، فلا يختص ذلك ببعض الصور ، كما يظهر من تمثيله بالوالد.

الثانية : إن المثال غير مطابق ، لما ذكره أولا ، لأن قبضه لنفسه ليس هو عبارة عن تولي الطرفين.

الثالثة : إنه إذا اشترى مال ولده إنما يقبض لنفسه من نفسه ، لا عن ولده كما هو صريح العبارة. نعم يقبضه عن ولده ، والخطب فيه يسير ، لأنه إذا قبض لنفسه من نفسه لا عن ولده ، فكأنه قبض من ولده.

إذا عرفت هذا ، فهل يشترط هنا في القبض النقل في المنقول؟ الأقرب انه لا يشترط ، لأنه مقبوض في يده ، فقبضه له يتحقق باستدامة القبض مع القصد.

قوله : ( ويجب تسليم المبيع مفرغا ).

أي : يجب كل من التسليم والتفريغ ، فلو كان المبيع مشغولا بمال البائع فسلمه البائع إلى المشتري فتسلمه حصل القبض عندنا ، كما صرح به في التذكرة (١) خلافا لبعض العامة (٢) ، ويجب التفريغ مع ذلك.

قوله : ( ولو كان في الأرض زرع قد بلغ وجب نقله ).

وإن لم يكن قد بلغ صبر إلى أوان بلوغه ، ومع الجهل بشي‌ء من ذلك ، والاحتياج الى زمان يفوت به شي‌ء من النفع يتخير المشتري.

قوله : ( ولو احتاجت الى هدم شي‌ء هدم ، وعلى البائع الأرش ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٢.

(٢) هم من الشافعية ، انظر : المجموع ٩ : ٢٧٦.


ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده ، باختيار البائع وبغير اختياره.

واجرة الكيال ، ووزان المتاع وعادّه ، وبائع الأمتعة على البائع ، واجرة ناقد الثمن ووزانه.

ومشتري الأمتعة وناقلها على المشتري ، ولا اجرة للمتبرع وإن أجاز المالك ،

______________________________________________________

أي : لو احتاجت هذه المذكورات في تفريغ المبيع منها الى الهدم فلا بد منه ، وعلى البائع الأرش ، لأنه إتلاف لبعض المبيع لحق وجب عليه ، ومع جهل المشتري بالحال فله الفسخ.

قوله : ( ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده ، باختيار البائع وبغير اختياره ).

الصور أربع : منها ، ما لو كان القبض قبل نقد الثمن بغير اختيار البائع ، وهذا قبض بالنسبة الى ما عدا حق البائع من جنس المبيع الى أن يقبض الثمن ، فان حق البائع هذا يبقى كما كان ، إذ لا يملك المشتري إسقاط حق البائع ، وكذا لا يزول لهذا القبض حكم خيار التأخير.

قوله : ( واجرة الكيّال ووزان المتاع ... ).

الحاصل أن كل فعل هو لأحد من المتعاقدين على الآخر ، اجرة عمله على المخاطب ، ولا ريب أن المبيع يجب تسليمه الى المشتري على الوجه المعتبر مكيلا أو موزونا أو معدودا على اختلاف أحواله ، وكذا القول في الثمن.

قوله : ( ومشتري الأمتعة وناقلها على المشتري ).

لأن الشراء فعل لأجله ، ونقل الأمتعة إلى المكان الذي يريد أمر خارج عن اقباض المبيع ومتأخر عنه ، فلا يتعلق بالبائع.

قوله : ( ولا اجرة للمتبرع وإن أجاز المالك ).

أي : لا أجرة للمتبرع بشي‌ء من هذه الأفعال الواجبة للبائع على المشتري ، أو بالعكس وإن أجاز المالك لذلك ـ أي : الذي حقه أن يصدر منه ـ فلو تبرع‌


ولا يتولاهما الواحد ، بل له اجرة ما يبيعه على الآمر بالبيع ، وما يشتريه على الآمر بالشراء.

______________________________________________________

متبرع بكيل المبيع فأجاز البائع الكيل ورضي لم تلزمه أجرة ، لأنه في وقت صدوره لا يستحق بسببه اجرة ، فلا يجب بسببه شي‌ء بعد ذلك.

قوله : ( ولا يتولاهما الواحد ، بل له اجرة ما يبيعه على الآمر بالبيع ، وما يشتريه على الآمر بالشراء ).

أي : ولا يتولى العملين من بيع الأمتعة عن شخص وشرائها عن الآخر ، بحيث يأخذ أجرة العملين منهما ، هذا هو المراد من العبارة وإن كانت غير دالة عليه ، لكن بمعونة ما قبله وما بعده يستفاد ذلك ، لأن تولي العملين بغير اجرة لا محذور فيه قطعا ، وكذا بأجرة من أحدهما إذا أتى بما أمره به ، وكذا لو أتى بغير ذلك من الأعمال مثل كيل المبيع أو وزنه ، ونقد الثمن أو وزنه ، وإن أخذ أجرتين للعملين فلم يبق إلا ما ذكرناه.

أما بيع المشاع وشراؤه فلما لم يتصور وقوع الفعلين من شخص واحد في سلعة واحدة ، لأن البيع مبني على المكايسة والمغالبة ، ولا يكون الشخص الواحد غالبا ومغلوبا ، وارتكابه الحالة الوسطى موقوف على رضاهما بذلك.

أما الولي لطفلين فلما كان فعله منوطا بالمصلحة ، ولم يمتنع أن يكون الشراء بالثمن الأعلى مال الطفل مصلحة للآخر ، لعدم حصول غيره ، وضرورته اليه لم يمتنع توليه الطرفين ، وأيضا فإنه إذا أمرهما معا كما يأتي به السعي محسوب للأمر بالبيع ، فلا يبقى فعل للأمر بالشراء ليتولاه عنه.

نعم لو أمر بالشراء فقط فسعى فيه ، وماكس عن المشتري الى أن بلغ به المرتبة المأمور بتحصيلها ، كان ذلك محسوبا له. ولا يراد بالبيع والشراء هنا الإيجاب والقبول ، لأن توليهما من الواحد عن البائع والمشتري جائز عند المصنف ، فلا يمتنع إيقاعهما بالأمر وأخذ الأجرة عليهما ، لأن كلا منهما عمل برأسه مستقل بنفسه بخلاف ما سبق.


ولو هلك المتاع في يد الدلال من غير تفريط فلا ضمان ، ويضمن لو فرط ، ويقدم قوله مع اليمين وعدم البينة في عدم التفريط ، وفي القيمة لو ثبت بالإقرار أو البينة.

المطلب الثاني : في حكمه ووجوبه :

حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف مطلقا على رأي ، للنهي عن بيع ما لم يقبض خصوصا الطعام ، والأقوى الكراهية.

______________________________________________________

قوله : ( حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري ).

أي : الضمان الذي كان متعلقا بالبائع ، وهو كون المبيع لو تلف محسوبا من ماله ، فإنه بعد القبض لو تلف يكون من مال المشتري. وهنا سؤال ، وهو أنه قد سبق أن القبض في المنقول نقله ، فيشكل عليه أنه لو أخذه المشتري بيده ولم ينقله ، بل تسلمه في موضعه الذي كان فيه ، ثم تلف لا يكون من ضمانه مع أنه في يده ، وذلك غير ظاهر. والرواية (١) وإن دلت على ذلك إلا أن ما دل على ثبوت الضمان بإثبات اليد (٢) ينافيها. والجواب يحتاج الى فضل تأمّل ، وتحقيق هذا موقوف على تحقيق معنى إثبات اليد.

قوله : ( والتسلط على التصرف مطلقا على رأي ، للنهي عن بيع ما لم يقبض خصوصا الطعام ، والأقوى الكراهية ).

أي : من أحكام القبض التي ترتب عليه التسلط على التصرف مطلقا على رأي لبعض الأصحاب ، فلا يصح كل تصرف قبله ، للنهي عن بيع ما لم يقبض (٣) ، وثبوت هذا النهي يقتضي المنع من بعض التصرفات ، فيكون حينئذ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ حديث ٨٩.

(٢) الفروع ٥ : ١٧٣ حديث ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

(٣) الفقيه ٣ : ١٢٩ حديث ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ حديث ١٤٧.


وله بيع ما انتقل إليه بغير بيع قبل قبضه ، كالميراث والصداق وعوض الخلع.

______________________________________________________

جواز مجموع التصرفات موقوفا على القبض.

ومتعلق الجار في قوله : ( للنهي عن بيع ما لم يقبض ) هو التسلط ، وليس أخص من الدعوى كما قيل ، لأن توقف التسلط على مجموع التصرفات من حيث المجموعية على القبض يتحقق بالمنع من بعضها قبله ، وإنما ينبغي توقفه عليه لجواز المجموع قبله ، لا لجواز البعض فقط ، لأنه إذا جاز البعض قبله وامتنع البعض لم يكن المجموع ـ الذي هو عبارة عن جميع التصرفات مع اعتبار الهيئة الاجتماعية ـ جائزا ، ولا يجوز إلا بعد القبض ، وفرق بين توقف المجموع وتوقف الجميع ، لاعتبار الهيئة الاجتماعية في الأول ، ولا يلزم من توقفها توقف كل فرد من تلك الأفراد ، بخلاف توقف الجميع ، فإن الهيئة الاجتماعية غير منظور إليها فيه ، فإثبات الحكم لكل الأفراد مع قطع النظر عن هيئة الاجتماع ، إنما يتحقق إذا كان كل فرد متوقفا.

فعلى هذا يراد بقول المصنف : ( التسلط على التصرف ) جملته من حيث الجملة ويكون قوله : ( مطلقا ) هو الكاشف عن هذا المراد ، وهو أولى من حمل الشهيد في بعض فوائده إياه على التعميم في الطعام وغيره ، والمكيل والموزون وغيرهما.

ولو حملت العبارة على ارادة كل تصرف تصرف بحيث لإيراد الجميع ، لكان فيه ـ مع كون الدليل أخص من المدعى ـ الفساد من حيث المعنى أيضا ، إذ من المعلوم عدم توقف كل فرد من افراد التصرفات على القبض ، وإنما خص الطعام ، لأن أكثر المانعين من الأصحاب خصوا المنع به.

وفي بعض الفوائد المنسوبة إلى ولد المصنف : أن الطعام الحنطة والشعير ، وكيف كان فالأصح الكراهية ، جمعا بين الأخبار ، وتوفيقا بين الأدلة.


ولو أحال من له عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم ، فالأقوى الكراهية ، وعلى التحريم يبطل ، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أحال من له عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم ، فالأقوى الكراهية ).

المنع من ذلك يتوقف على كون الحوالة بيعا ، وانّ بيع ما لم يقبض ممنوع منه ، وكل من الأمرين منتف ، فإنّ الحوالة استيفاء ، لما فيها من معنى التحويل ، وبتقدير أن تكون معاوضة لا يتعين كونها بيعا ، ولو ثبت ذلك ، فبيع الطعام قبل قبضه مكروه لإحرام ، والأصح الكراهية.

فإن قلت : ما وجه الكراهية؟

قلت : التحرز مما هو مظنة التحريم ، والمحافظة على الخروج من الخلاف.

فان قلت : على هذا يكفي كون أحد المالين سلما ، إما المحال به ، أو المحال عليه فلم اعتبر فيهما معا كونهما سلما؟

قلت : لأن المنع إنما هو من بيع ما لم يقبض ، وإذا كان أحد المالين سلما دون الآخر لم يتعين ، لكونه مبيعا ، لإمكان اعتباره ثمنا ، إذ لا معين لأحدهما.

واعلم أن الباء في قوله : ( بقبضه ) متعلقة بقوله : ( أحال ) ، وكذا ( على ) في قوله : ( على من له عليه مثله ).

قوله : ( وعلى التحريم يبطل ، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ).

أي : وعلى القول بتحريم هذه الحوالة يبطل ، لأن المحتال قبض المحال به عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ، وهذا يقتضي أن يكون بيع ما لم يقبض بناء على تحريمه باطلا ، وقد صرح في المختلف بخلافه (١) ، وكأنه بناه على أن النهي‌

__________________

(١) لم نجده في المختلف ، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧١٤ : وحكى في جامع المقاصد عن المختلف أنه صرح بعدم البطلان ، وكأنه بناه على أن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولكني لم أجد ذلك في المقام.


وكذا لو دفع إليه مالا وأمره بشراء طعام له لم يصح الشراء ولا يتعين له بالقبض.

أما لو قال : اشتر به طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح الشراء ، وفي القبض قولان.

ولو كان المالان أو المحال به قرضا‌ صح ، وكذا يصح بيعه على من

______________________________________________________

في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ويشكل بأن النهي هنا راجع الى نفس المبيع ، فكان كبيع المجهول.

إذا عرفت هذا فلا يخفى ما في هذا التعليل من عدم الارتباط بالمدعى ، فإن الحوالة إن لم تكن بيعا لم يكن القبض عوضا عن مال المحتال مؤثرا للفساد ، إلا أن ينزل على أن القبض عوض عن المال يقتضي كونها بيعا ، وهو غير واضح.

قوله : ( وكذا لو دفع إليه مالا ، وأمره بشراء طعام له لم يصح الشراء ).

لأن مال الغير يمتنع به شراء شي‌ء لنفسه ما دام على ملك الغير ، ومال في المختلف الى جواز ذلك (١) ، والأصح ما هنا ، إلا أن يعلم بقرينة أنه يريد قضاء طعامه بالدراهم وإن كانت من غير الجنس ، أو يريد قرضه إياها ، أو شراءه لمن عليه الطعام ، واستيفاؤه بعد الشراء ، ويكون التعبير بكون الشراء له ائلا الى ذلك.

واعلم أن في قوله : ( وكذا ) مناقشة ، فإن التشبيه لهذه بما قبلها غير واضح.

قوله : ( وفي القبض قولان ).

يلتفتان الى أن الواحد هل يتولى طرفي القبض في غير الأب؟ وقد منعه الشيخ في المبسوط (٢) ، والأصح الجواز.

قوله : ( ولو كان المالان أو المحال به قرضا صح ).

__________________

(١) المختلف : ٣٩٤.

(٢) المبسوط ٢ : ١٢١.


هو عليه ، ولمالك الوديعة والقراض ومال الشركة البيع في يد المستودع والعامل والشريك ، وكذا كلّ أمانة هي في يد الغير ، كالمرتهن والوكيل.

ولو باع ما ورثه صح ، إلاّ أن يكون الميت قد اشتراه ولم يقبضه فخلاف ، وكذا الإشكال في الاصداق وشبهه.

______________________________________________________

أما إذا كان المالان قرضا فلا بحث ، وأما إذا كان المحال به فلأنّ بيع ما لم يقبض بناء على التحريم غير متحقق ، وكان الأولى أن يقول : أو أحدهما ، سواء المحال به أو المحال عليه ، لأنه إذا كان أحدهما قرضا لم يتعين كون الآخر هو المبيع.

وليس له أن يقول : إن المحال به مشبه للمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر ، إذ ربما يقال : إن شبهه بالثمن أظهر لاقترانه بالباء ، وكل ذلك ضعيف ، فالأولى ما ذكرناه وقد لحظه في الدروس فعبر بـ ( أحدهما ) (١).

ويظهر من كلام التذكرة مجي‌ء احتمال عدم صحة الحوالة إذا كان المحال به قرضا (٢) ، وهو مخالف لما هنا ، ومراده بقوله : ( صح ) أن ذلك جار على القول بعدم صحة الحوالة في المسألة السابقة ، وإلاّ فإذا صح هناك فهنا بطريق أولى.

قوله : ( ولو باع ما ورثه صح ، إلاّ أن يكون الميت قد اشتراه ولم يقبضه فخلاف ).

إنما أعاد صحة بيع الموروث ليستثني منها ما إذا اشترى الميت ولم يقبض على الخلاف ، والفتوى هنا كالفتوى فيما سبق بالجواز مع الكراهية.

قوله : ( وكذا الإشكال في الإصداق وشبهه ).

أي : مثل الاشكال والخلاف في الموروث إذا اشتراه الميت ولم يقبضه ، وباعه الوارث ، الإشكال في الاصداق وعوض الخلع ، ونحوهما إذا اشترى المصدق الصداق مثلا ولم يقبضه ، وأرادت المرأة بيعه ، وهذا غير متبادر من العبارة.

ولو أنه قال : وكذا الإشكال في الصداق وشبهه لكان أدل وأظهر ، لأن‌

__________________

(١) الدروس : ٣٤١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧٥.


ولو قبض أحد المتبايعين فباع ما قبضه ثم تلفت الأخرى قبل القبض بطل الأول ، وعلى البائع الثاني قيمة ما باعه ، والإطلاق يقتضي تسليم الثمن والمثمن ، فان امتنعا أجبرا ويجبر أحدهما لو امتنع ، سواء كان الثمن عينا أو دينا.

ولو اشترط أحدهما تأخير ما عليه صح ، وكذا يصح لو اشترط البائع سكنى الدار سنة أو الركوب مدة.

______________________________________________________

المشبه حينئذ الصداق بالميراث ، فحيث جعل المشبه الاصداق صار تعيين المراد بعيدا عن الفهم.

وحكى شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : أن في بعض النسخ : وكذا الإشكال في الاصداق وشبهه. وفيه : ان التشبيه غير ظاهر وجهه ، ومع ذلك فقد سبق بيان هذا الحكم ، فيكون تكرارا بغير فائدة.

قوله : ( بطل الأول ، وعلى البائع الثاني قيمة ما باعه ).

أما البطلان فلأن تلف أحد العوضين قبل القبض يقتضي انفساخ العقد ، وأما وجوب قيمة ما باعه البائع الثاني ، فلأنه لا سبيل الى بطلان المعاوضة الصحيحة اللازمة لحدوث مبطل للمعاوضة الأولى ، فان الحق هنا يتعلق بثالث ، بل يجعل بمنزلة التالف ، فتجب قيمته إن كان قيميا ، وإلا فمثله ، ولم يتعرض للمثل لظهوره.

قوله : ( والإطلاق يقتضي تسليم الثمن والمثمن ، فان امتنعا أجبرا ، ويجبر أحدهما لو امتنع ).

هذا بيان وجوب التسليم على كل من المتبايعين ، وهذا وإن كان من أحكام القبض إلا أنه لكونه أصلا في الباب أفرده بالذكر ، ولأن المراد بحكم التسليم ما يترتب عليه بعد تحققه ، وكل ما ذكره من الأحكام سابقا فهو من هذا القبيل.

وأراد بوجوبه أمرا آخر ، ولا ريب أن الإطلاق يقتضي تسليم العوضين ،


وإذا تلف المبيع قبل قبضه ، فهو من ضمان البائع وينفسخ العقد.

وإتلاف المشتري قبض ، وإتلاف الأجنبي لا يوجب الانفساخ على الأقوى ، نعم يثبت للمشتري‌ الخيار ،

______________________________________________________

لكون كل من العوضين ينتقل الى من يراد بالعقد انتقاله اليه ، والفرض أنه حال ، والأصح أنهما يجبران معا على التسليم.

فلا يبدأ بالبائع خلافا للشيخ (١) ، ولا بالمشتري لاستواء العقد في إفادة الملك بالنسبة الى كل واحد منهما.

ولو امتنع أحدهما من قبض ماله أجبره الحاكم ، فإن أصر وكل من يقبض عنه ، ومع فقد الحاكم فالظاهر أنه كالدين إذا بذله وعرضه عليه فامتنع من قبوله يصير في ضمانه ، لأن الدين كذلك مع أنه غير متعين ، فالمبيع المتعين أولى.

قوله : ( وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من ضمان البائع ).

لا ريب في هذا ، فيقدّر دخوله في ملك البائع قبل التلف بأقل زمان ، ويكون التلف كاشفا عن هذا ، ومثله دخول الدية في ملك الميت ، والعبد في ملك المعتق عنه ، والصداق في ملك المصدق عنه.

قوله : ( وإتلاف الأجنبي لا يوجب الانفساخ على الأقوى ).

لأنه عاد غاصب مال الغير ، فيجب أن يثبت لصاحب المال الرجوع عليه ، ويحتمل إيجابه الانفساخ ، لأن تلف المبيع قبل قبضه متحقق فيما لو أتلفه متلف ، والأول أصح.

ويحمل إطلاق كون التلف قبل القبض من البائع على التلف بنفسه ، جمعا بينه وبين إطلاق تعلق الضمان بالجاني ، وعدم تضييع حق المشتري الثابت له بالعقد.

قوله : ( نعم يثبت للمشتري الخيار ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٤٨.


وإتلاف البائع كإتلاف الأجنبي على الأقوى.

ولو تعيّب بجناية أجنبي فللمشتري الفسخ ومطالبة الجاني بالأرش ، والأقوى أن جناية البائع كذلك ، ولو كان بآفة سماوية ، فللمشتري الخيار بين الرد والأرش على إشكال.

ولو تلف أحد العبدين انفسخ البيع فيه وسقط قسطه من الثمن ، وكذا كل جملة تلف بعضها وله قسط من الثمن ، ولو لم يكن له قسط من الثمن كقطع يد العبد فللمشتري الرد ، وفي الأرش نظر ، والسقف من الدار‌

______________________________________________________

لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع ، فلا بد للضمان من حكم ، وليس إلا الفسخ والرجوع عليه بالثمن ، فيرجع البائع على المتلف بالمثل أو القيمة.

قوله : ( وإتلاف البائع كإتلاف الأجنبي على الأقوى ).

وجه القوة أنه متلف مال الغير عدوانا ، فيجب عليه ما يجب على الأجنبي ، ويحتمل أن يكون إتلافه فسخا ، تسوية بين إتلافه وتلف المبيع بنفسه. ويضعف بأنه ليس بفسخ ، فإتلافه يكون عدوانا يترتب عليه استحقاق المطالبة بما أتلفه.

قوله : ( ولو كان بآفة سماوية فللمشتري الخيار بين الرد والأرش على إشكال ).

ينشأ : من أنه تعيب على ملك المشتري لا من قبل أحد ، ومن أنه مضمون على البائع ، والأصح أن له الأرش إن لم يفسخ ، وقد سبق بيان ذلك مرارا.

قوله : ( ولو تلف أحد العبدين انفسخ البيع فيه ، وسقط قسطه من الثمن ).

لأنّ تلفه قبل القبض على ملك البائع.

قوله : ( وكذا كل جملة تلف بعضها وله قسط من الثمن ، ولو لم يكن له قسط من الثمن كقطع يد العبد فللمشتري الرد ، وفي الأرش نظر ).

الفرق بين ماله قسط من الثمن وبين ما ليس له ذلك : أن الأول لا يبقى‌


كأحد العبدين لا كالوصف.

ولو اشترى بدينار فدفعه ، فزاد زيادة لا تكون إلاّ غلطا أو تعمدا ، فالزيادة في يد البائع أمانة ،

______________________________________________________

مع فواته أصل المبيع ، بل بعضه كأحد العبدين أو سقف البيت ونحوه ، والثاني يبقى معه أصل المبيع ، والجزء التالف بمنزلة الوصف كيد العبد ونحوها من أعضائه ، التي فواتها لا يخلّ ببقاء العبد.

وقد يفرق بين ما له قسط وما لا قسط له بإمكان الإفراد بالبيع وعدمه ، فما أمكن افراده فمن الأول ، وما لا يمكن فمن الثاني.

ومنشأ النظر في ثبوت الأرش : من أنه لا قسط له من الثمن ، فلا أرش له ، لأن الأرش هو مقدار حصته من الثمن ، ومن أن القيمة تزيد بوجوده ، وتنقص بعدمه ، وفواته من أظهر العيوب وأبينها ، وللقطع بأن المبيع هو مجموع بدن العبد وقد فات بعضه ، والأصح تخيّره بين الرد والأرش.

قوله : ( لا كالوصف ).

فلو كان العبد كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض فللمشتري الرد خاصة ، فإن الفائت ليس بعضا من المبيع ، ومن ثم لو شرط كونه كاتبا فظهر بخلافه لم يستحق سوى الرد.

قوله : ( ولو اشترى بدينار فدفعه فزاد زيادة لا تكون إلاّ غلطا أو تعمدا ، فالزيادة في يد البائع أمانة ).

احترز بالزيادة التي لا تكون إلا غلطا أو تعمدا عن الزيادة التي تتفاوت بها الموازين فإنها للبائع ، كما أن مثلها في المبيع للمشتري ، ومثله زيادة الثمن أو نقصانه عن القيمة بما يتغابن به ويتسامح به عادة ، فإنه لا يثبت به خيار الغبن وإن تحققت الجهالة.

وفي كون الزيادة في يد البائع أمانة نظر ، فإنه إنما قبضها بناء على أنها من جملة الثمن ، فتكون كالثمن مضمونة ، وهو الأصح.


وهي للمشتري في الدينار مشاعة.

ولو ادّعى المشتري النقصان قدم قوله مع اليمين وعدم البينة ، إن لم يكن حضر الكيل أو الوزن ،

______________________________________________________

نعم لو دفعها المشتري عن عمد فالمتجه حينئذ كونها أمانة ، لأن دفعها مع علمه بأنها ليست حقا له يقتضي رضاه بيده.

قوله : ( وهي للمشتري في الدينار مشاعة ).

لأن الثمن كان في الذمة غير معيّن ، فحيث عينه في المدفوع ، وحصل قبض البائع له تعين ، وليس ببعيد أن يثبت للبائع الفسخ ، لأن الشركة عيب ، فإذا فسخ رجع الثمن إلى الذمة كما كان. ويحتمل العدم ، لأنه قد رضي بكونه أمرا كليا في الذمة ، فإذا عينه في شي‌ء بخصوصه كان أقل شيوعا مما رضي به.

وهل يتفاوت الحال في ذلك لو عين الثمن في العقد ، بان باعه بهذا الدينار ، فظهر فيه زيادة؟ ليس ببعيد عدم التفاوت ، لأن المدفوع ثمنا يصلح للثمنية.

غاية ما يقال : أنه وصفه بكونه دينارا وقد فات ، فيتخير في فسخ البيع وعدمه ، وما سبق في الصرف من أنه لو باعه دينارا بهذا الدينار ، فظهر فيه زيادة بطل.

وجهه لزوم الربا بالزيادة في أحد العوضين المعينين ، وفيه بحث ، فإن الزيادة غير داخلة في المبيع قطعا للحكم بأنها للدافع ، فكيف يلزم الربا؟ فينبغي تأمل هذا المبحث. واعلم أن فائدة الإشاعة تظهر إذا قلنا : إنها أمانة ، وتلف المجموع أو البعض بغير تفريط ، فان التالف من الزيادة لا يجب له عوض.

قوله : ( ولو ادعى المشتري النقصان قدّم قوله مع اليمين وعدم البينة ، إن لم يكن حضر الكيل أو الوزن ).

أي : ادعى نقصان المدفوع اليه على أنه المبيع بأن قال : ما دفعته إليّ على أنه المبيع نقص كذا ، فإن الأصل عدم وصول حقه إليه ، فيقدم قوله بيمينه.


وإلاّ فالقول قول البائع مع يمينه ، بخلاف ما لو ادعى إقباض الجميع.

______________________________________________________

قوله : ( وإلاّ فالقول قول البائع مع يمينه ).

أي : إن لم يكن كذلك بان حضر الكيل في المكيل ، والوزن في الموزون ، ومثله العد في المعدود وفيما يعد وإن بيع جزافا ، لأن الظاهر أنه لم يرض به إلا بعد الاحتياط لنفسه في ملاحظة المقدار ، فيكون الظاهر مرجحا لقول البائع ومقويا لجانبه ، فيقدم قوله بيمينه.

قوله : ( بخلاف ما لو ادعى إقباض الجميع ).

أي : التفصيل في المسألة السابقة بما إذا لم يحضر الاعتبار فيقدم قوله ، وما إذا حضر فيقدم قول البائع ، بخلاف ما إذا ادعى البائع إقباض الجميع ، فأنكره المشتري ، فان قول المشتري بيمينه مقدم هاهنا سواء حضر الاعتبار أم لا ، إذ لم يتفقا على تسليم المبيع هنا ، وإنما البائع يدعيه والمشتري ينكره.

ولا يلزم من حضور المشتري الاعتبار حصول تسليمه. وأما في المسألة الأولى فقد اتفقا على تسليم ما يعد أنه مبيع ، والمشتري يدعي نقصانه عن القدر المعين.

فان قلت : فعلى هذا يجب أن يكون القول قول البائع مطلقا.

قلت : إذا لم يحضر المشتري الاعتبار لا وجه لتقديم قول البائع ، لأنه بنى على قول غيره ، وتمسك بظاهر الحال ، وتطرق الخلل إليه كثير بخلاف اما لو حضر.

وأيضا فإن البناء على ظاهر الحال لا يقتضي وصول حقه اليه بوجه ، فإنه لو صرح بأن الذي وصل إليّ تسلمته على أنه مجموع المبيع بناء على الظاهر وركونا الى قول الغير لم يكن إقرارا بوصول جميعه ، ومع ذلك فالأصل عدم وصول حقه اليه وبقاؤه عند البائع.

وليس لهذا الأصل معارض من ظاهر ولا غيره كما في الشق الآخر ، فكان قوله بيمينه هو المقدم.


ولو أسلفه طعاما بالعراق لم يجب الدفع في غيره ، فان طالبه بالقيمة لم يجز على رأي ، لأنه بيع الطعام قبل قبضه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلفه طعاما بالعراق لم يجب الدفع في غيره ).

لاختلاف البلدان في قيمة الطعام ، فربما كان في بلد المطالبة أعلى ، ولأن السلف إن اشترط فيه تعيين مكان التسليم فظاهر ، وإلا فإن الإطلاق منزل على التسليم في بلد العقد.

ويشكل ، بأنه ربما لم يكن مريدا الى بلد السلف ، أو أن المسلم إليه لا يوثق بعوده اليه والظفر به هناك ، بل ربما يكون قد هرب من المسلف ، فلم يظفر به إلا بعد مدة ، فيكون منعه من مطالبته مفضيا الى ذهاب حقه أبدا ، وطريقا إلى مدافعة الغريم عن أداء الحق دائما ، وذلك ضرر بيّن مع كون الدين حالا ، والاستحقاق له ثابت.

والتحقيق : أن يقال : له المطالبة به إن كان في موضع المطالبة مثل بلد السلف أو أدون ، وإن كان أكثر فله المطالبة بقيمة بلد السلم ، لتعذر المثل.

ولو أتاه برهن أو ضمين وتهيأ للمسير معه مع أول رفقة فالظاهر عدم وجوب الصبر ، لما فيه من الضرر ، وتأخير الدين الحال المستحق.

قوله : ( فان طالبه بالقيمة لم يجز على رأي ، لأنه بيع الطعام قبل قبضه ).

قد سبق أن بيع الطعام قبل قبضه مكروه ، فلا يكون ممنوعا منه ، مع أن دفع القيمة وإن كان معاوضة على الطعام فلا دليل على تحتم كونها بيعا.

ويمكن المنع بوجه آخر ، وهو أن القيمة لم يجر عليها عقد السلف ، ولم يدل دليل على استحقاقها ، إنما المستحق هو الطعام ، فان ثبتت المطالبة به فذاك ، وإلا فلا مطالبة بالقيمة.

ويمكن الجواب : أن الطعام قد حل ، والتقصير من المسلّم اليه ، حيث لم يحضره في مكان التسليم عند الحلول ، ولا مانع من التسليم الآن ، إلا أن كونه ليس‌


ولو كان قرضا جاز أخذ السعر بالعراق ، ولو كان غصبا فله المثل حيث كان ، فان تعذر فالقيمة الحاضرة عند الإعواز.

______________________________________________________

في مكان التسليم الذي هو حق عليه.

فإذا أسقطنا حق المسلّم من المطالبة بالطعام ارتفاقا بحال المسلم اليه فينتقل حق المسلف إلى القيمة في مكان التسليم جمعا بين الحقين ، وليس هذا كما إذا انقطع المسلم فيه عند الحلول ، فانّ تعذر العوض يمنع من استحقاق المطالبة به ، لأنه يستلزم التكليف بما لا يطاق ، والقيمة لم يجر عليها العقد.

قوله : ( ولو كان قرضا جاز أخذ السعر بالعراق ).

لأن تطرق المنع من جهة تحريم البيع قبل القبض منتف هنا ، لكن يشكل بأنّ المطالبة بالقرض إنما هي في بلده ، لأنه حين دخوله في ملك المقترض استحقت مطالبته ، فيختص بذلك البلد.

ويضعف ، بأنّ استحقاق المطالبة به في ذلك المكان لا يمنع من المطالبة به مطلقا ، ولا دليل يدل على الاختصاص ، فيستحق المطالبة مطلقا ، ولو سلّم فما ذكرناه في السلم آت هنا.

فعلى الجواب الأول يستحق المطالبة بالطعام كائنا ما كان ، وهو خيرة المختلف (١) وفيه قوة ، وعلى الثاني يطالب بقيمة العراق.

قوله : ( ولو كان غصبا فله المثل حيث كان ).

لأنه حق ثبت عليه لعدوانه ، فيعم كل مكان ، ولأنه مأخوذ بأشق الأحوال.

قوله : ( فان تعذر فالقيمة الحاضرة عند الإعواز ).

أي : وإن كانت أزيد من قيمة بلد الغصب ، ويظهر من المختلف إيجاب قيمة بلد الغصب إذا كانت أقل (٢) ، كقيمة العراق في الفرض المذكور.

__________________

(١) المختلف : ٣٩٥.

(٢) المختلف : ٤٩٥.


فروع :

أ : النماء قبل القبض إذا تجدد بعد العقد للمشتري ، فإن تلف الأصل قبل القبض بطل البيع ولا ثمن على المشتري وله النماء ، فان تلف النماء من غير تفريط لم يضمن البائع.

ب : لو امتزج المبيع بغيره قبل القبض ، تخير المشتري بين الفسخ والشركة.

ج : لو غصب قبل القبض وأمكن استعادته بسرعة لم يتخير المشتري ،

______________________________________________________

وحكى الأول ـ وهو مختاره هنا ـ عن والده ، وهو الأصح ، ولو تفاوتت القيم فقيمة وقت الدفع ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة في المثلي ، ويحتمل الأعلى من حين الانقطاع الى حين الدفع. والإعواز بكسر أوله : [ الفقدان ] (١).

قوله : ( فان تلف النماء من غير تفريط لم يضمن البائع ).

لأن المضمون عليه إنما هو المبيع لا نماؤه ، فإن المعاوضة لم تجر إلا على الأصل.

قوله : ( لو امتزج المبيع بغيره قبل القبض تخيّر المشتري بين الفسخ والشركة ).

ما سبق من كلامه في الفرع السابع من فروع ما يدخل في المبيع ينافي هذا الإطلاق ، والمعتمد ما هنا ، ومتى رضي بالشركة فمئونة القسمة على البائع ، لأنّ هذا العيب مضمون عليه ، والتخلص منه واجب عليه ، ولوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.

قوله : ( لو غصب قبل القبض وأمكن استعادته بسرعة لم يتخير المشتري ).

__________________

(١) في « م » ورد بياض مكان هذه الكلمة.


وإلا تخير المشتري ، وفي لزوم البائع بالأجرة عن مدة الغصب نظر ، ولو منعه البائع عن التسليم ثم سلم ، فعليه اجرة مدة المنع.

______________________________________________________

وتجب على البائع استعادته في صورة الإمكان ، لأن التسليم واجب عليه ، ولا يتم إلاّ بالاستعادة.

قوله : ( وإلاّ تخير ).

أي : وإن لم يمكن استعادته بسرعة ، بأن لم يمكن أصلا ، أو أمكن بمضي زمان كثير تخيّر في الفسخ والصبر.

قوله : ( وفي لزوم البائع بالأجرة مدة الغصب نظر ).

حقه أن يقول : وفي إلزام البائع الى آخره ، ومنشأ النظر : من أن العين مضمونة عليه ، والمنفعة من توابعها فتكون مضمونة ، ولأنّ ذلك نقص دخل على المبيع قبل القبض ، فيكون من ضمان البائع ، ومن أن المضمون : العين ، وما كان من توابعها الداخلة في البيع.

وليست المنفعة من هذا القبيل ، وإنما هي نماء للمبيع فلا تكون مضمونة ، وهو الأصح ، ولا ريب في ضعف هذا النظر ، فقد سبق عن قريب أن النماء غير مضمون ، والمنفعة نماء.

نعم ، قد يقال : إن النماء المتصل محل التردد ، فانّ المبيع لو سمن في يد البائع ثم هزل يجي‌ء فيه الوجهان ، لا إن كان السمن موجودا وقت العقد ، فإنه مضمون قطعا.

قوله : ( ولو منعه البائع عن التسليم ، ثمّ سلّم فعليه اجرة مدة المنع ).

لو قال : عن التسلم (١) لكان أولى ، لأن التسليم فعل البائع ، فكيف يمنع عنه المشتري؟

__________________

(١) في « م » : التسليم ، وما أثبتناه هو الصواب.


الفصل الثالث : في الشرط :

عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه ، وهي إما أن يقتضيها العقد ـ كالتسليم ، وخيار المجلس ، والتقابض ، وخيار الحيوان ، فوجود هذه الشروط كعدمها ـ وإما أن لا يقتضيها.

فاما أن يتعلق بمصلحة المتعاقدين ـ كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، والشهادة ، وصفة مقصودة في السلعة ، كالصناعة ، والكتابة ،

______________________________________________________

واعلم أن إطلاق هذه العبارة يقتضي شمول ما إذا كان منع البائع التسليم بحق ، كما لو حبس المبيع لقبض الثمن ، وفي ثبوت الأجرة في هذه الصورة نظر ، ينشأ : من أن حبسه بحق واذن من الشارع ، ومن أن جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة ، فلا يلزم من ثبوت الأول الثاني.

ولو طلب المشتري الانتفاع بالمبيع في يد البائع بنفسه وبغيره الى حين تسليم الثمن فالظاهر أن للبائع المنع ، والنفقة في مدة الحبس على المشتري ، لأنّه ملكه ، وما أشبه هذه بمسألة منع الزوجة نفسها قبل الدخول الى أن تقبض المهر ، فان في استحقاقها النفقة ترددا ، ويحتمل الفرق بين الموسر والمعسر.

قوله : ( وهي إما أن يقتضيها العقد ... ).

الضمير يعود الى الشروط مطلقا ، وإن كان المتبادر عوده الى الشروط التي لا تنافي البيع ، لأنها المذكورة ، والمراد بـ ( ما يقتضيها العقد ) : ما وضعه في نظر الشارع على أن يكون مفيدا لها ، كالملك في المبيع للمشتري ، والثمن للبائع ـ وهذا هو المقصود الأصلي ـ والتسليم الذي لا يتم معظم الغرض المطلوب ـ وهو الانتفاع ـ إلاّ به ، وخيار المجلس ، والحيوان ، ونحوهما مما جعله الشارع من كمال الارتفاق بحال المتبايعين ، أو أحدهما بالنسبة إلى البيع.

قوله : ( وإما أن لا يقتضيها العقد ، فإما أن يتعلق بمصلحة المتعاقدين ـ كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، والشهادة ، وصفة مقصودة في السلعة كالصياغة والكتابة ... ).


وهو جائز إجماعا ـ وإما ان لا يتعلق.

فاما أن لا ينافي مقتضى العقد ـ كاشتراط منفعة البائع ، كاشتراط خياطة الثوب أو صياغة الفضة ، أو اشتراط عقد في عقد ، كأن يبيعه بشرط أن يشتري منه ، أو يبيعه شيئا آخر ، أو يزوجه ، أو يسلفه ، أو يقرضه ، أو يستقرض منه ، أو يؤجره ، أو يستأجره ، أو يشترط ما بني على التغليب والسراية ، كشرط عتق العبد ، فهذه الشروط كلها سائغة ـ وإما أن ينافي مقتضى العقد ، كما لو شرط أن لا يبيعه ، أو‌

______________________________________________________

الذي يفهم من سوق عبارته هنا ومما سيأتي من القسم الثالث ، أن مراده بما ( يتعلق بمصلحة المتعاقدين ) : ما يتعلق بها بالنسبة إلى العقد ، أو أحد العوضين ، وإنّ سرد الأمثلة يدل على ذلك ، فإن الأجل في أحد العوضين ، والخيار المشروط لهما ، أو لأحدهما في العقد ، والرهن والضمين بالنسبة الى أحد العوضين ، والشهادة على تلك المعاوضة ، كله يشعر بذلك ، وكذا تقييد الصفة المقصودة بكونها في السلعة.

قوله : ( وإما ان لا يتعلق ، فإما أن لا ينافي مقتضى العقد كاشتراط منفعة البائع كخياطة الثوب ، أو صياغة الفضة ، أو اشتراط عقد في عقد ... ).

المراد من كون هذا القسم لا يتعلق بمصلحة المتعاقدين : عدم تعلقه بها من جهة كونهما متعاقدين ، وإلا لزم التداخل بين هذا القسم والقسم الثاني ، فخياطة الثوب محمولة على ثوب لا يكون هو المبيع ، ولا بعضه ، وكذا الفضة.

قوله : ( أو يشترط ما يبنى على التغليب والسراية ).

المراد به : العتق ، وإنما كان مبنيا على التغليب ، لأن عناية الشارع بفك الرقبة اقتضت وقوع العتق بأدنى سبب يقتضيه ، يعرف هذا بتتبع مسائل العتق ، ومن دلائل ابتنائه على التغليب ثبوت السراية إلى المجموع إذا أعتق الشقص.

قوله : ( وإما أن ينافي مقتضى العقد ، كما لو شرط أن لا يبيعه أو‌


لا يعتقه ، أو لا يطأ ، أو لا يهب ، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن ، أو أن يعتقه والولاء للبائع ، فهذه الشروط باطلة.

______________________________________________________

لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب ).

المراد بـ ( ينافي مقتضى العقد ) : ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه ، ورتبه عليه ، على أن أثره وفائدته التي لأجلها وضع كانتقال العوضين الى المتعاقدين ، وإطلاق التصرف لهما في البيع ، وثبوت التوثق لهما في الرهن ، والمال في ذمة الضامن بالنسبة إلى الضمان ، وانتقال الحق إلى ذمة المحال عليه في الحوالة ، ونحو ذلك.

فلو شرط في المبيع أن يبقى على ملك البائع ، لكان ذلك منافيا لما جعل الشارع عقد البيع واقعا عليه ، ومقتضيا له.

ومثله لو شرط أن لا ينتفع بالمبيع أصلا ، أو لا يبيعه أبدا ، أو لا يعتقه كذلك ، أو لا يطأ الجارية كذلك أيضا ونحو ذلك ، لأن الغرض الأصلي من انتقال الملك إنما هو إطلاق التصرفات ، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلا نافى مقتضى العقد.

فان قلت : فعلى هذا لو شرط عدم الانتفاع زمانا معينا يجب أن لا يكون صحيحا ، لمنافاته مقتضى العقد ، إذ مقتضاه إطلاق التصرف.

قلت : لا يلزم ذلك ، لأن إطلاق التصرف يكفي فيه ثبوت جوازه وقتا ما ، فما دام لا يشترط المنع مطلقا لا يتحقق المنافي.

ويمكن أن يقال : أثر الملك من حيث هو التصرف في كل وقت ، فاشتراط المنع وقتا ما ينافي مقتضى العقد ، ودفع ذلك لا يخلو من عسر. وكذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا ، فان ثبوته مقتضى العقد ، فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافيا لمقتضاه مع أن اشتراط ذلك جائز.

ولا يمكن أن يراد بمقتضى العقد ما لم يجعل إلا لأجله ، كانتقال العوضين في البيع الذي هو الأثر الحقيقي له ، لأن ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع المبيع‌


والضابط : أن كل ما ينافي المشروع ، أو يؤدي إلى جهالة الثمن أو المثمن فإنه باطل ، والأقوى بطلان البيع أيضا.

______________________________________________________

مثلا.

والحاسم لمادة هذا الاشكال أن الشروط على أقسام :

منها : ما انعقد الإجماع على حكمه من صحة وفساد ، فلا عدول عنه.

ومنها : ما وضح فيه المنافاة للمقتضي ، كشرط عدم الضمان عن المقبوض بالبيع ، ووضح مقابله ولا كلام في اتباع ما وضح.

ومنها : ما ليس واحدا من النوعين ، فهو بحسب نظر الفقيه.

قوله : ( والضابط أن كل ما ينافي المشروع ، أو يؤدي إلى جهالة الثمن ، أو المثمن فإنه باطل ).

قد يتوقف في صحة هذا الضابط ، فإن منافاة اشتراط عدم الهبة للمشروع غير ظاهر ، إذ يشرع كون الشي‌ء مملوكا ولا يهبه مالكه ، وسوق كلامه يقتضي اندراج هذا وما قبله في الضابط.

فان قلت : منافاته من جهة منعه من الهبة.

قلت : منعه من الهبة إن أريد به بالنسبة إلى العقد المعرّى عن الشرط فهو وارد في كل شرط ، لأنه مخالف لمقتضي العقد الخالي منه ، وإن أريد بالنسبة إلى العقد المتضمن له فهو غير واضح.

ثم إن قوله : ( أو يؤدي الى جهالة الثمن أو المثمن ) داخل فيما ينافي المشروع ، فانّ بيع الغرر غير مشروع.

قوله : ( والأقوى بطلان البيع أيضا ).

أي : إذا شرط شيئا منافيا يبطل البيع المتضمن للشرط كما يبطل الشرط. ووجه القوة : أن التراضي لم يقع إلا على المجموع من حيث هو مجموع ، فإذا امتنع بعضه انتفى متعلق التراضي ، فيكون الباقي تجارة لا عن تراض ، وهو الأصح.

ويحتمل ـ ضعيفا ـ الصحة ، لأن التراضي قد تعلق بكليهما ، فإذا امتنع‌


ويجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره ، كجعل الزرع سنبلا والبسر تمرا ، ولو شرط التبقية صح ، ولو شرط الكتابة أو التدبير صح ، ولو شرط أن لا خسارة لم يصح.

______________________________________________________

أحدهما بقي الآخر. وليس بشي‌ء ، لأن التراضي بالمجموع لا بكل منهما.

قوله : ( ويجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره ، كجعل الزرع سنبلا ... ).

أي : دون غير ما يدخل تحت القدرة ، كاشتراط جعل البائع الزرع سنبلا ، فان ذلك غير مقدور له ، بل لله تعالى اسمه.

وفسره شيخنا الشهيد بشرط أن يجعل الله الزرع سنبلا ، وكأنه نظر الى أن الأول لا يكاد يتصور وقوعه من عاقل ، للعلم البديهي بامتناع ذلك من غير الإله سبحانه.

وإنما بطل هذا الشرط أيضا ، لأنّ جعل الله سبحانه الزرع سنبلا ، والبسر تمرا ليس للبائع فيه مجال السعي ، بخلاف إشهاد الشاهدين ، فانّ ذلك وإن لم يكن من مقدوراته ـ لأن تحمل الشاهدين الذي هو المطلوب بالشرط فعلهما لا فعل البائع ـ إلا أنه يمكن سعيه في وقوعه والتماسه لتحققه.

قوله : ( ولو شرط التبقية صح ).

لأن تبقية الزرع إلى أوان صيرورته سنبلا ، أو غير ذلك مقدور له.

قوله : ( ولو شرط الكتابة أو التدبير صح ).

إذ هما في معنى العتق ، وعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) يتناول الجميع.

قوله : ( ولو شرط أن لا خسارة لم يصح ).

أي : لو باعه وشرط كون خسارة المبيع عليه ـ أي : على البائع لم يصح ـ لأنه خلاف مقتضى ثبوت الملك.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.


فروع :

أ : لو شرط أجلا يعلمان عدمهما قبله ، كما لو شرط تأخير الثمن ألف سنة ، أو الانتفاع بالمبيع ذلك ، فالأقرب الصحة على إشكال.

ولو شرطا أجلا مجهولا بطل البيع ، لاشتماله على جهالة في أحد‌

______________________________________________________

قوله : ( لو شرط أجلا يعلمان عدمهما قبله ، كما لو شرط تأخير الثمن ألف سنة ، أو الانتفاع بالمبيع ذلك ، فالأقرب الصحة على إشكال ).

أي : لو شرط الانتفاع بالمبيع ألف سنة ، والإشارة بـ ( ذلك ) الى ظرف الزمان من دون في مما ينظر في صحته.

ووجه القرب عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، ومنشأ الاشكال من هذا ، ومن أن اشتراط الأجل المذكور يقتضي منع البائع من الانتفاع بالثمن ، والمشتري بالمبيع أصلا ، وهو مناف لمقتضى البيع. وفيه نظر.

فان الانتفاع يتحقق بانتفاع الوارث ، وأيضا فيلزم أن من كان مريضا مرضا يقطع بموته فيه عادة لا يصح تأجيله سنة وسنتين ، وهو بعيد ، على أنّ الوجه الثاني لو كان صحيحا لم يكن للأول أثر.

فلا يثبت الاشكال لوجوب استثناء هذا من عموم الشرط. وما ذكره الشارح في توجيه الاشكال قريب (١) ، لأن عموم الاشتراط يخص بوجوب استثناء المنافي.

واعلم أن قرب أحد الوجهين ينافي الاشكال والتردد فيهما ، فكيف يكون القرب لأحدهما على اشكال؟ وطرف الصحة ليس بعيدا ، وإن كان التوقف في مثل ذلك طريق السلامة.

قوله : ( ولو شرطا أجلا مجهولا بطل البيع ، لاشتماله على جهالة في‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٢.


العوضين.

ب : الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط ـ إما بالوصف أو المشاهدة ـ

______________________________________________________

أحد العوضين ).

لأنه إن كان الأجل للثمن فالجهالة فيه ، أو للمثمن فالجهالة فيه.

قوله : ( الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط ، إما بالوصف أو المشاهدة ).

إذ لو لم يعين يلزم الغرر والجهالة ، لأن الشرط داخل في أحد العوضين ، ولما في الأعيان التي تصلح لكونها رهنا من التفاوت الكثير في تعلق الرغبات بها ، وسهولة بيعها ، وكمال الاجتهاد من راهنها في فكها وعدم ذلك ، فلو لا التعيين لأدى مع الجهالة إلى شدة التنازع ، وهذا قوي. ويحتمل ـ ضعيفا ـ الجواز للأصل ، ويتخير الراهن في التعيين.

واستدل الشارح على الأقرب بأنّ كلما يصح اشتراط رهنه يصح رهنه بالضرورة (١) ، ويلزمه كلما لا يصح رهنه لا يصح اشتراط رهنه ، والمجهول لا يصح رهنه ، وفيه نظر.

فإن المقدمة الأولى وإن كانت صحيحة ، لأن ما لا يصح رهنه أصلا لو صح اشتراط رهنه للزم صحة اشتراط ما لا يصح شرعا ، إلا أن هذا لا يثبت به المدعى ، لأن المتنازع فيه هو اشتراط رهن مجهول في وقت الاشتراط معلوم في وقت الرهن ، ولا تتناوله المقدمة المذكورة.

نعم لو كانت المقدمة هكذا : كلما يصح رهنه يصح اشتراط رهنه ، سواء كان في وقت الاشتراط معلوما أو مجهولا ، ليتناول المتنازع فيه ، وتوقفت صحتها على البيان كصحة المتنازع فيه.

ولا بد في المقدمة الواقعة في كلام الشارح من تقييدها بالوقت ، فان كلما‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٣.


وتعيين الكفيل ، إما بالاسم والنسب أو المشاهدة أو الوصف ، كرجل موسر ثقة.

ولا يفتقر إلى تعيين الشهود ، بل الضابط العدالة ، فلو عينهم فالأقرب تعيّنهم.

وهل تشترط مغايرة الرهن للمبيع؟ نظر ، نعم تشترط المغايرة في‌

______________________________________________________

يصح اشتراط رهنه يجب أن يكون رهنه في الوقت الذي يطلب هو الإتيان بالشرط فيه صحيحا ، حتى لو صح في وقت كونه مجهولا اشترط رهنه إذا صار معلوما ، لم يكن رهنه في وقت الاشتراط صحيحا.

فلا بد من تقييد صحة وقوع الرهن بكونه معلوما. على أن العكس أيضا ـ وهو كلّ ما لا يصح رهنه لا يصح اشتراط. رهنه ـ إذا لوحظ فيه ما قلناه كان صحيحا ، ولم تكن فيه دلالة على ثبوت هذا المدعى ، وإن أجري على إطلاقه كان محل المنع.

قوله : ( وتعيين الكفيل إما بالاسم والنسب ، أو المشاهدة ، أو الوصف ، كرجل موسر ثقة ).

أي : الأقرب اشتراط تعيينه بأحد هذه الطرق الثلاثة ، والكلام فيه كما في الرهن ، والفتوى كما سبق.

قوله : ( ولا يفتقر إلى تعيين الشهود ، بل الضابط العدالة ).

لأن الغرض من الشهادة قبولها شرعا ، ومناط ذلك العدالة.

قوله : ( فلو عينهم فالأقرب تعيّنهم ).

وجه القرب تعلق الغرض بذلك ، وعموم : « المسلمون عند شروطهم » ويحتمل ـ ضعيفا ـ العدم ، لحصول المطلوب بمطلق شهادة العدول ، وفيه منع.

قوله : ( وهل تشترط مغايرة الرهن للمبيع؟ نظر ).

ينشأ : من أصالة العدم ، ومن أن شرط صحة الرهن كونه مملوكا ، وكون الدين ثابتا ، وحين الاشتراط كلاهما منتف ، لأن محلهما قبل تمام العقد.


المبيع ، فلو قال : بعتك هذا بشرط أن تبيعني إياه لم يصح ، ولو شرط أن يبيع فلانا صح.

ولو أخل المشتري بالرهن أو الكفيل تخير البائع ، فإن أجاز فلا خيار للمشتري.

ولو امتنع الشاهدان اللذان عينا من التحمل تخير البائع أيضا.

ولو هلك الرهن ، أو تعيب قبل القبض ، أو وجد به عيبا قديما تخير البائع أيضا ، ولو تعيب بعد القبض فلا خيار.

ج : لو باعه العبد بشرط العتق مطلقا أو عن المشتري صح ،

______________________________________________________

ويمكن الجواب بان ذلك شرط صحة الرهن ، لا شرط اشتراط الارتهان ، وكذا القول في الدين ، فان ثبوته إنما هو شرط لصحة الرهن.

قوله : ( ولو أخل المشتري بالرهن ، أو الكفيل تخير البائع ).

وكذا لو امتنع الكفيل من الكفالة ، ولا يبعد أن له إجباره على ذلك إن كان المنع من قبل العاقد كما سيأتي.

قوله : ( ولو هلك الرهن ، أو تعيب قبل القبض ... ).

لتعذر الشرط ، والمراد بقبلية القبض : قبليته في الرهن ، وينبغي أن يكون هذا بناء على اشتراط القبض في الرهن ، لتحقق كمالية الرهن بدونه على القول الآخر.

قوله : ( أو وجد به عيبا قديما ... ).

لأن إطلاق اشتراطه إنما يحمل على الأصل من كونه صحيحا.

قوله : ( ولو تعيب بعد القبض فلا خيار ).

وكذا لو هلك بعده ، بناء على اشتراطه في الصحة.

قوله : ( لو باعه العبد بشرط العتق مطلقا ، أو عن المشتري صح ).

الذي في التذكرة : أن اشتراط العتق مطلقا ، وعن المشتري صحيح عندنا‌


والأقرب أنه حق للبائع لا لله تعالى ،

______________________________________________________

وعند الشافعي (١) ، وعن البائع صحيح عندنا لا عنده (٢) ، فعلى هذا تشكل عبارة الكتاب هنا ، لأن المتبادر من قوله : ( مطلقا ) تجريد الشرط عن التقييد بواحد معين ، وحينئذ فيفهم منها أن اشتراط العتق عن البائع لا يجوز كمقالة الشافعي.

قوله : ( والأقرب أنه حق للبائع ، لا لله تعالى ).

وجه القرب : أن اشتراطه يقتضي تعلق غرضه به ، ولأن الشروط من جملة العوضين ، فما كان من طرف البائع فهو محسوب من جملة الثمن ، ولهذا يسامح في الثمن بسببه ، وما كان من طرف المشتري فهو محسوب من جملة المثمن.

ويحتمل أن يكون حقا لله تعالى ، لأن العتق قربة ، ويكون هنا كالملتزم بالنذر.

والتحقيق : أنه لا منافاة بين كونه حقا للبائع وحقا لله.

واعلم أنه قال في التذكرة : ان العتق المشروط اجتمع فيه حقوق : حق لله تعالى ، وحق للبائع ، وحق للعبد (٣) ، فهو مخالف لظاهر هذه العبارة ، فإنها تقتضي انحصار الحق فيه بالبائع ، والصحيح المطابق للقواعد هو ما في التذكرة ، لأن العتق قربة ، فلا بد أن يكون فيه حق لله تعالى.

ويمكن أن يقال : ما هنا أجود ، لأن البائع يطالب بتمام ما نقص من القيمة بسبب الشرط إذا تعذر الشرط ، ولو كان له بعض الحق لم تكن له المطالبة بالجميع.

والتحقيق في ذلك : أن العتق فيه معنى القربة والعبادة ، وذلك حق لله تعالى ، وزوال الحجر وهو حق العبد ، وفوات المالية على الوجه المخصوص للقربة وهو حق للبائع.

__________________

(١) المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٣) التذكرة ١ : ٤٩٢.


فله المطالبة به.

ولو امتنع المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء لا إجبار المشتري ،

______________________________________________________

ولما لم يكن للأولين تعلق بالمالية ساغ قطع النظر في البحث عن المسألة عنهما ، لأن البحث هنا إنما هو لأجل تحقيق ما يترتب على ذلك من أحكام المالية ، فحسن إطلاق كون الشرط حقا للبائع ، فيكون ما هنا مع صحته أحسن مما في التذكرة وإن كان كل منهما صحيحا.

قوله : ( فله المطالبة به ).

تفريع هذا على كون العتق المشروط حقا للبائع يقتضي أنه على تقدير كونه حقا لله تعالى ليس له المطالبة به ، والذي في التذكرة مخالف له ، لأنه قال فيها : وإن قلنا : إنه حق الله تعالى فكذلك عندنا ، وهو أصح وجهي الشافعية (١) (٢) ، لكن يتفرع عليه أنه لو أسقطه سقط ، بناء على أنه حق له.

قوله : ( ولو امتنع المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء ).

هل هذا الخيار على الفور ، أم على التراخي؟ كل منهما محتمل ، وإن كان الأول أحوط.

قوله : ( لا إجبار المشتري ).

الألصق بالعبارة قراءته بالجر معطوفا على ( الإمضاء ) ، لا على ( الفسخ ) ، لأن التخيير في شي‌ء واحد لا يستقيم ، ولو قرئ بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور لأمكن ، أي : تخير في هذين الأمرين ، ولا يتخير إجبار المشتري.

واعلم أن في إجبار المشتري على العتق وجهين :

أحدهما : العدم ، لأن للبائع طريقا آخر وهو الفسخ.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) انظر : المجموع ٩ : ٣٦٤.


فان تعيب أو أحبلها المشتري أعتق وأجزأه لبقاء الرق ، وإن استغلّه أو أخذ من كسبه فهو له.

ولو مات أو تعيب بما يوجب العتق رجع البائع بما نقصه شرط العتق ،

______________________________________________________

والثاني : له ذلك ، لظاهر قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله 7 : « إلا من عصى الله » وهو الأوجه.

قوله : ( فإن تعيب ، أو أحبلها المشتري أعتق وأجزأ ، لبقاء الرق ).

مع الاحبال لا كلام في الإجزاء ، وأما مع التعيب فيحتمل أن يكون للبائع الفسخ ، فيطالب بأرش العيب ، ولو امتنع من الإعتاق فهل يكون الاستيلاد مانعا من الفسخ ، فتعد بمنزلة التالف ، فيرجع بالقيمة ، أم يثبت له الفسخ كيف كان ، لان حقه أسبق؟ مختار التذكرة الأول (٢).

فإن قلنا بالثاني فهذا من المواضع التي تباع فيها أم الولد.

قوله : ( ولو مات ، أو تعيب بما يوجب العتق رجع بما نقصه شرط العتق ).

هذا أحد الاحتمالين ، وضعفه في الدروس بان الشروط لا يوزع عليها الثمن (٣).

والاحتمال الآخر : تخيره بين الفسخ والرجوع بالقيمة ، وبين الإجازة بجميع الثمن ، وذكر الاحتمالين في التحرير (٤) وهنا اختار ثبوت كل من الأمرين.

وكلام الدروس لا يخلو من شي‌ء ، لأنّ الثمن هنا لم يوزع على الشرط ، بحيث يجعل بعضه مقابلا له ، وإنما الشرط هنا محسوب من الثمن ، وقد حصل باعتباره نقصان في القيمة ، فطريق تداركه ما ذكره.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٣) الدروس : ٣٤٣.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ١٨٠.


فيقال : كم قيمته لو بيع مطلقا وبشرط العتق؟ فيرجع بالنسبة من الثمن ،

______________________________________________________

ويشكل : أن يكون الشرط مقابلا ببعض قيمة العبد ، والشروط لا يقابل بها شي‌ء من القيمة.

قوله : ( فيقال : كم قيمته لو بيع مطلقا وبشرط العتق؟ فيرجع بالنسبة من الثمن ).

هذا بيان طريق استخراج ما يقتضيه شرط العتق من القيمة ، وضابطه أن يقوّم بدون الشرط ، ويقوم معه ، وينظر التفاوت بين القيمتين ، فينسب إلى القيمة التي هي مع شرط العتق ، ويؤخذ من المشتري مضافا الى الثمن بمقدار تلك النسبة من الثمن.

فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة ومعه ثمانين ، لكان التفاوت بعشرين نسبتها الى الثمانين أنها ربعها ، فيؤخذ من المشتري بمقدار ربع الثمن ، ويسلّم إلى البائع ، وهو الذي يتسامح به البائع في مقابل شرط العتق ، فلو كان الثمن ستين لأضيف اليه خمسة عشر اخرى.

ولا يخفى أن في عبارة الكتاب قصورا عن هذا المعنى ، لأن المتبادر من‌

قوله : ( فيرجع بالنسبة من الثمن ) أنه يأخذ من الثمن بمقدار النسبة بين القيمتين ، وليس بمستقيم ، فان ذلك يدفع الى البائع مضافا الى الثمن.

ومع ذلك لا يعرف أي شي‌ء يراد بـ ( النسبة ) ، أهو نسبة التفاوت إلى القيمة الدنيا ، أم الى العليا؟ وإنما المنسوب اليه هو القيمة الدنيا ، فإذا عرفت النسبة بالجزئية أخذ مقدار ذلك الجزء من الثمن من المشتري وأضيف إلى الثمن.

ويمكن الاعتذار بان سوق الكلام يدل على أن الذي يرجع هو البائع ، وذلك ينافي كون المرجوع به من الثمن ، بل هناك محذوف مقدّر تقديره : فيرجع البائع على المشتري بمقدار تلك النسبة من الثمن.

فإذا كانت النسبة ربعا مثلا نظر الى مقدارها من الثمن ، كم هو؟ فأخذ من المشتري بقدر ذلك ، فيكون متعلق ( من ) محذوفا على أنه حال من النسبة ، ولا‌


وله الفسخ فيطالب بالقيمة ، وفي اعتبارها إشكال ، وفي التنكيل إشكال.

______________________________________________________

يخفى ما فيه من التكلف.

قوله : ( وله الفسخ فيطالب بالقيمة ).

أي : جميعها ، لأن الشرط لم يأت به المشتري ، فيتسلط البائع على الفسخ.

قوله : ( وفي اعتبارها إشكال ).

يحتمل أن يكون المراد : وفي تعيين اعتبار وقتها إشكال ، ينشأ : من احتمال ثبوت قيمة يوم القبض ، لأنه أول دخوله في ضمان المشتري ، وقيمة يوم التلف ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ، وقبلها كان الحكم متعلقا بالعين ، وأعلى القيم من حين القبض الى التلف ، لأنه في جميع ذلك مضمون عليه. والأصح الثاني ، لأن ضمان العين لا يقتضي ضمان القيمة مع وجودها ، فلا ينقل إلى القيمة إلا عند التلف.

ويحتمل أن يكون المراد : وفي تعيين كيفية اعتبارها إشكال ، ينشأ : من احتمال اعتبار قيمة عبد مشروط العتق ، لأنه كذلك دخل في ضمان المشتري ، ومن احتمال اعتبار قيمة عبد مجرد عن الاشتراط ، لأن الشرط حق على المشتري ، وهو محسوب من جملة الثمن ، ولم يأت به المشتري ، ومجموع العبد مضمون ، فعند الفسخ يصير العبد مجردا عن البيع والشرط ، وهذا هو الذي حقه أن يجزم به ، والأول ضعيف جدّا.

قوله : ( وفي التنكيل إشكال ).

ينشأ : من حصول العتق ، ومن أن المشترط عتق هو قربة لا معصية.ويضعف الوجه الأول ، بأنّ العتق الحاصل غير المشترط ، فلا يجزئ عن المشترط ، فحينئذ يأتي فيه ما سبق من الرجوع بما يقتضيه شرط العتق ، أو الفسخ والرجوع بالقيمة.

والفرق بين هذه وبين ما إذا تعيّب بما يوجب العتق ـ حيث لم يتردد في الحكم هناك ، وهنا أورد إشكالا ـ أن العتق في السابق لا يعد منسوبا إليه‌


ولو باعه أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، وإذا أعتق المشتري فالولاء له ، ولو شرطه البائع لم يصح.

د : لو شرط أن الأمة حامل أو الدابة كذلك صح ، أما لو باع‌

______________________________________________________

بخلاف ما هنا.

قوله : ( ولو باعه ، أو وقفه ، أو كاتبه تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء ).

في التذكرة : تخير البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، فإن فسخ البيع بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام ، ويخالف هنا العتق بشرط ، لأن العتق مبني على التغليب والسراية ، فلا سبيل الى فسخه مع القول بصحته ، وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما فعله المشتري؟ فيه احتمال (١).

هذا كلامه ، فاما تخييره بين فسخ البيع والإمضاء فظاهر ، لأن الشرط لم يحصل ، بل لا تنفذ هذه الأمور ، لأن تصرف المشتري بكل ما ينافي العتق المشترط تصرف غير مستحق له شرعا ، هذا هو الذي ينبغي أن يقال.

وأما باقي العبارة فليس لها معنى ظاهر ، وحقها : ويخالف هنا العتق بشرطه ، إلى آخره ، فإنه إذا وقع العتق بشرطه لا سبيل الى فسخه ، لأن العتق لابتنائه على التغليب والسراية لا يقبل الفسخ ، وتردده في أن له طلب فسخ ما فعله المشتري موضع تأمّل ، لأن الذي ينبغي أن يقال : إن المشتري ممنوع شرعا من كل تصرف ينافي العتق المشترط.

قوله : ( ولو شرطه البائع لم يصح ).

لقوله 7 : « الولاء لمن أعتق » (٢) فيكون شرطا مخالفا للسنة.

قوله : ( لو شرط أن الأمة حامل ، أو الدابة كذلك صح ، أما لو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٩٧ ، ١٩٨ حديث ١ ، ٢ ، دعائم الإسلام ٢ : ٣١٧ حديث ١١٩٤ ، عوالي اللآلي ٣ : ٤٢٣ حديث ١٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٨١ ، الجامع الصغير ٢ : ٧٢٣ حديث ٩٦٨٦ نقلا عن الطبراني.


الدابة وحملها أو الجارية وحبلها بطل ، لأنه كما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزءا من المقصود ، ويصح تابعا.

ه : لو باعه متساوي الأجزاء على أنه قدر معين فزاد ، فالزيادة للبائع ولا خيار للمشتري ،

______________________________________________________

باع الدابة وحملها أو الجارية وحبلها بطل ، لأنها كما لا يصح بيعه منفردا لا يصح بيعه جزءا من المقصود ، ويصح تابعا ).

مقتضى هذه العبارة : أن كون المجهول تابعا أو مقصودا يختلف باختلاف اللفظ ، فان باع الجميع لم يصح ، وإن شرط المجهول ، واجرى البيع على المعلوم صح. وفيه نظر ، لأن تابعية الشي‌ء للشي‌ء بحسب الواقع ، أو بحسب قصد المتبايعين كأساس الجدار ، والحمل مع الام لا يخرج عن التابعية باختلاف الصيغة.

قال في الدروس : ولو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوى الصحة ، لأنه بمعنى الاشتراط ، ولا تضر الجهالة ، لأنه تابع (١) ، فكلامه يقتضي أن التابعية لا تتغير باختلاف الصيغة ، وهو الأصح.

قوله : ( لو باعه متساوي الأجزاء على أنه قدر معين فزاد ، فالزيادة للبائع ، ولا خيار للمشتري ).

في كون الزيادة للبائع إشكال ، لأنّ العقد إنما جرى على المجموع ، غاية ما في الباب أنه قدره بقدر معين ، فيثبت للبائع الفسخ ، لفوات الوصف المشترط ، وحصول الضرر بالزيادة.

وهل يحتمل البطلان ، كما لو باعه ثوبا على أنه قطن فخرج كتانا؟ الظاهر العدم ، للفرق بين كون ذلك من غير الجنس ، وهذا منه ، إنما الفائت الوصف ، وعلى تقدير كون الزيادة للبائع ينبغي الجزم بثبوت الخيار للمشتري ، لما فيه من ظهور عيب الشركة الذي لم يدخل على الرضى به.

__________________

(١) الدروس : ٣٤٣.


ولو نقص تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن.

ولو كان مختلف الاجزاء فنقص ، تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن على رأي

______________________________________________________

قوله : ( ولو نقص تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن ).

أما تخيره بين الفسخ والإمضاء فظاهر ، وأما أنه يمضي بقدر حصته من الثمن فيشكل بأن مجموع المبيع المقابل بمجموع الثمن هو ذلك الموجود ، غاية ما هناك أنه لم يعلم بالنقصان ، فثبت له الخيار ، وسيأتي في كلام المصنف خلاف هذا.

قوله : ( ولو كان مختلف الأجزاء فنقص ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء بقدر حصته من الثمن على رأي ).

اختاره المصنف في المختلف (١) ، وهو خيرة ابن إدريس (٢) ، واختار في المبسوط تخيّره بين الفسخ والإمضاء بمجموع الثمن (٣).

قال في المختلف : إنه مبني على قول بعض العامة ، من أن العيب لا يوجب الأرش (٤) ، وليس ما قاله بظاهر ، لأن العيب خروج عن المجرى الطبيعي بزيادة أو نقصان يقتضي اختلافا في المسمى الذي وضع الاسم بإزائه كالعبد.

ونقصان القدر ليس خروجا عن المجرى الطبيعي ، وإنما هو متضمن لفوات بعض الصفات التي لا تقابل بشي‌ء من الثمن ، ولا يستحق بسبب فواتها أرش ، على أن مختلف الأجزاء لا يعرف قدر حصة الناقص من الثمن ، لأن الفائت غير معلوم.

__________________

(١) المختلف : ٣٩٠.

(٢) السرائر : ٣٤٧.

(٣) المبسوط ٢ : ١٥٤.

(٤) انظر : المجموع ١٢ : ١٦٨.


ـ ولو كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، لم يكن للمشتري الأخذ منها على رأي ـ ولو زاد احتمل البطلان ،

______________________________________________________

ولما كان ذلك مبنيا على الاختلاف لم يعرف وصف الفائت ، وعلى هذا القول فهل يثبت للبائع الخيار؟ صرح به في المختلف (١) ورده في شرح الإرشاد كالمعيب ، ثم احتمل ثبوته على تقدير جهله بالحال.

قوله : ( ولو كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، لم يكن للمشتري الأخذ منها على رأي ).

أي : لو كان المبيع أرضا فنقصت عن القدر المشترط ، وكان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، لم يكن للمشتري الأخذ من البائع تتمتها على قول المصنف وابن إدريس ، وهو يقتضي عدم وجوب ذلك على البائع.

وقال الشيخ في النهاية : انه يجب التوفية منها ، ولا خيار للمشتري (٢) ، تعويلا على رواية عمر بن حنظلة ، عن الصادق 7 (٣) وطعن فيها المصنف بجهالة بعض رواتها مع مخالفتها لظاهر الكتاب العزيز (٤) ، فإن أخذ الزائد لم يتضمن التجارة ، ولا وقع عليه التراضي.

وفي الرواية : أنه إن لم يكن له أرض بجنبها أخذ المبيع بحصته من الثمن ، وثبت له الخيار. والطعن على الرواية قد علم ، فلا يصلح تمسكا بواحد من الحكمين ، والأخذ بالحصة مناف لمقتضى العقد.

قوله : ( ولو زاد احتمل البطلان ).

لجهالة المبيع حينئذ ، فإن الزيادة غير معينة ، ولأن المبيع ذلك الموصوف بالوصف المنتفي ، فيكون منتفيا ، ويظهر من تخصيص المصنف احتمال البطلان‌

__________________

(١) المختلف : ٣٩٠.

(٢) النهاية : ٤٢٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٥١ حديث ٦٦٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٣ حديث ٦٧٥.

(٤) النساء : ٢٩.


والصحة فالزيادة للبائع وله جملة الثمن ، ويتخير المشتري حينئذ للعيب بالشركة ، فإن دفع البائع الجميع سقط خياره.

والأقرب أن للبائع الخيار في طرف الزيادة بين الفسخ والإمضاء في الجميع في متساوي الاجزاء ومختلفها ، وللمشتري الخيار في طرف النقصان فيهما بين الفسخ والإمضاء بالجميع.

______________________________________________________

بمختلف الاجزاء أن التعليل المعتبر عنده هو الأول.

قوله : ( والصحة ، فالزيادة للبائع ).

لأن المبيع بحسب الصورة هو المجموع ، وكون الزائد ليس جزءا منه تجدد العلم به بعد الحكم بصحة العقد فيكون للبائع ، وفيه قوة ، ويثبت للمشتري الخيار ، وهل يثبت للبائع ، لأن الشركة عيب؟ لا اعلم فيه شيئا.

قوله : ( والأقرب أن للبائع الخيار في [ طرف الزيادة ] بين الفسخ والإمضاء في الجميع في متساوي الأجزاء ومختلفها ).

وجه القرب : أن المبيع هو العين الشخصية ، موصوفة بكونها مقدارا مخصوصا بالثمن المعين ، وبفوات الوصف لا يخرج الجميع عن كونه مبيعا ، ولا يختلف في ذلك متساوي الأجزاء ومختلفها ، وفرق الشيخ ضعيف (١).

نعم ، يثبت للبائع الخيار ، لفوات الوصف المضر بحاله دون المشتري. ويحتمل أن تكون الزيادة للبائع فيهما ، فيتخير المشتري ، وكونها للبائع في المختلف ، فيتخير المشتري ، وللمشتري في المتفق ، ووجه ذلك قد يعلم مما سبق.

قوله : ( وللمشتري الخيار في طرف النقصان فيهما بين الفسخ والإمضاء بالجميع ).

أي : والأقرب أن للمشتري الخيار في طرف النقصان في مختلف الأجزاء ومتفقها إلى آخره ، ووجهه أن المبيع هو المعين بمجموع الثمن ، ويحتمل الفرق بين المختلف والمتفق ، وقد عرف مما سبق.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٥.


ولو باعه عشر أذرع من هنا إلى هناك صح ، ولو قال : من هاهنا إلى حيث ينتهي الذرع لم يصح ، لعدم العلم بالمنتهى.

ولو قال : بعتك نصيبي من هذه الدار ولا يعلمانه ، أو بعتك نصف داري مما يلي دارك لم يصح ، لعدم العلم بالمنتهى.

و : كلّ شرط يقتضي تجهيل أحد العوضين ، فان البيع يبطل به ، وما لا يقتضيه لكنه فاسد ، فإن الأقوى بطلان البيع ، ولا يحصل به ملك للمشتري ، سواء اتصل به قبض أو لا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : من هنا إلى حيث ينتهي الذرع لم يصح ، لعدم العلم بالمنتهى ).

وقال الشيخ (١) وجماعة : يصح (٢) ، ونزله شيخنا في شرح الإرشاد على أن أجزاء الأرض متساوية أو متفاوتة ، وفيه نظر ، فإنه يلزمه حينئذ الصحة ، وإن لم يعين المبدأ ولا المنتهى كما في الصبرة ، والأصح البطلان.

قوله : ( كل شرط يقتضي تجهيل أحد العوضين ، فان البيع يبطل به ).

أي : وجها واحدا ، للنهي عن بيع الغرر كجهالة الأجل في الثمن أو المثمن.

قوله : ( وما لا يقتضيه لكنه فاسد ، فإن الأقوى بطلان البيع ، ولا يحصل به ملك للمشتري ).

كما لو اشترط تسليم الثمن في مدة معينة ، فان لم يفعل فلا بيع مثلا ، ووجه القوة : أن التراضي إنما وقع على الوجه الذي يمتنع وقوعه ، فلا تراضي حينئذ. ويشكل : بأنه لو شرط كون العبد كاتبا مثلا ، أو اشترى العبدين جميعا ، فتبين أنه غير كاتب ، أو أن أحد العبدين ليس ملكا له ، فان البيع لا يبطل بذلك وان‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٥٤ ، والخلاف ٢ : ٤٤ مسألة ٢٦٤ كتاب البيوع.

(٢) نقل في المختلف : ٣٩٠ هذا القول عن ابن إدريس وابن البراج ، ولم نعثر عليه في كتبهما.


ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع أو هبة أو غيرهما ، وعليه رده مع‌

______________________________________________________

ثبت له الفسخ ، مع أن التراضي لم يتحقق إلا على الوجه الذي ليس بواقع ، وفي الفرق بينهما عسر.

وكيف كان ، فلا سبيل الى القول بالبطلان في الأخير عندنا ، وأما الأول فلأنه محل اختلاف ، والنظر ينساق الى البطلان فيه ، فيكون البطلان أقوى.

واعلم أن الشارح ولد المصنف قال : ان كون هذه شروطا مجاز ، لأنها تابعة للعقد ، والعقد سبب فيها ، فلا يعقل كونها شرطا له ، وإلاّ دار ، بل هذه صفات للبيع تختلف الأغراض باختلافها (١). ولا محصل لهذا الكلام ، فان هذه شروط للبيع الذي هو انتقال المبيع من البائع إلى المشتري ، لا شروط العقد.

وقد عرفت فيما سبق أن البيع ليس هو نفس العقد ، حتى لو كان نفس العقد امتنع كونها شروطا له ، بل للانتقال الذي هو أثره ، وكيف يعقل أن هذه الشروط شروط للعقد الذي هو الإيجاب والقبول؟

ثم قوله : إن هذه صفات للبيع ليس بجيد ، إلا بناء على أن البيع هو العقد ، وحينئذ فكونها صفات له لا ينافي كونها شروطا لأثره ، وأما ان فقدها لا يستلزم أرشا فلا دخل له فيما نحن فيه ، بل هذا ملتفت الى أن الأمور المشترطة لما لم تكن داخلة في نفس مسمى المبيع ، لم يكن بإزائها شي‌ء من الثمن ، لأن الثمن في مقابل المبيع وأجزائه وإن كان قد يزيد بوجود بعض الصفات ، لأن زيادته على أنه في مقابل المبيع ملحوظا فيه مقارنة الصفة المعينة ، والثمن للمبيع باعتبار المقارنة ، وليس في مقابل الصفة منه شي‌ء.

قوله : ( ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ، أو هبة ، أو غيرهما ).

لأنه مملوك للغير لم يؤذن في التصرف به ، وقول بعض العامة : بأن عقد البيع تضمن الاذن في التصرف مع انتقال الملك ، فإذا انتفى الثاني بقي الأول كما كان (٢) ، يضعف ، بأن الاذن إنما هو على وجه مخصوص ، وقد انتفى.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٨.

(٢) قاله الغزالي كما في المجموع ٩ : ١٤٨ ، ١٧٤.


نمائه المتصل أو المنفصل ، واجرة مثله ، وأرش نقصه ، وقيمته لو تلف يوم تلفه ، ويحتمل أعلى القيم.

ولو وطأها لم يحدّ ، وعليه المهر وأرش البكارة ، والولد حر وعلى أبيه قيمته يوم سقط حيا ـ ولا شي‌ء لو سقط ميتا ـ وأرش ما نقص بالولادة.

ولو باع المشتري فاسدا لم يصح ، ولمالكه أخذه من الثاني ، ويرجع على الأول بالثمن مع جهله ، فان تلف في يد الثاني تخير البائع في الرجوع ، فان زادت القيمة على الثمن ورجع المالك على الثاني ، لم يرجع بالفضل على الأول ، لاستقرار التلف في يده ، وإن رجع على الأول رجع بالفضل على‌

______________________________________________________

قوله : ( واجرة مثله ).

لأنها حق للبائع ، ولم يأذن في الانتفاع إلا على تقدير الانتقال. ويشكل بان كون العين مضمونة لا يقتضي ضمان المنفعة ، ودفعه بان يد المشتري حينئذ يد عدوان ، لأنه تبين أنه أثبتها بغير حق ، بخلاف يد البائع بالنسبة إلى المبيع قبل القبض.

قوله : ( وقيمته لو تلف يوم تلفه ، ويحتمل أعلى القيم ).

ويحتمل قيمة يوم القبض ، والأصح قيمة يوم التلف.

قوله : ( ولو وطأها لم يحد ).

إذا لم يعلم بالفساد وقت الوطء.

قوله : ( وعلى أبيه قيمته يوم سقوطه حيا ).

لأنه أول وقت تقوّمه لو كان مالا ، ولأنه ما دام لا ينفصل بمنزلة عضو من الأم.

قوله : ( فان زادت القيمة على الثمن ، ورجع المالك على الثاني لم يرجع بالفضل على الأول ، لاستقرار التلف في يده ، وإن رجع على الأول‌


الثاني.

ولو زاد في يد المشتري الأول ، ثم نقص في يده إلى ما كان ، احتمل رجوع المالك إليه بتلك الزيادة ، لأنها زيادة في عين مضمونة ، وعدمه ، لدخوله على انتفاء العوض في مقابلة الزيادة ،

______________________________________________________

رجع بالفضل على الثاني ).

لأن الفضل عن الثمن مضمون ، لأن يد كل منهما يد بغير حق ، وقد عرفت أن المنفعة مضمونة ، فالزيادة في نفس العين أولى.

ولا يقال : إنه دخل على ضمان العين بالثمن خاصة ، فإذا لم يحصل الملك يجب أن يضمنها بما دخلا عليه ، وهو الثمن ، لأنا نقول : إن الوجه الذي دخلا عليه قد تبين بطلانه ، واليد عادية (١) ، فيجب رد كل ملك على مالكه ، فإذا حصل تلف أو نقصان وجب البدل أو الأرش كائنا ما كان ، ولا وجه حينئذ لاعتبار الثمن.

ومثله ما لو استأجره فاسدا ، فإنه إذا استوفى المنفعة وجبت اجرة المثل ، وإن زادت على المسمى ، وحيث تبين وجوب الزيادة ، فمن استقر التلف في يده أقوى وأقرب ممن كان سببا.

قوله : ( ولو زاد في يد المشتري الأول ، ثم نقص في يده إلى ما كان ، احتمل رجوع المالك إليه بتلك الزيادة ، لأنها زيادة في عين مضمونة ، وعدمه ، لدخوله على انتفاء العوض في مقابلة الزيادة ).

لا وجه للتقييد بالمشتري الأول ، فإنّ المشتري الثاني كذلك ، فلو حذف الأول لكان أخصر وأشمل.

ثم إنّ ما ذكره دليلا على الاحتمال الأول لا ينتج مطلوبه ، فإنه ليس كل زيادة في عين مضمونة يجب أن تكون مضمونة.

والأولى في التعليل : أنّ يد المشتري فاسدا يد عدوان ، فهي كيد‌

__________________

(١) في نسخة « م » : عارية خ.


فحينئذ ان تلف بتفريطه ضمن ، وإلاّ فلا.

ولو أتلف البائع فاسد الثمن ثم أفلس ، رجع في العين ، والمشتري أسوة الغرماء.

______________________________________________________

الغاصب ، وكلما هو حق للبائع يجب رده عليه ، فعند فواته يجب المصير الى بدله.

والاحتمال الثاني ضعيف جدا ، فإن المنفعة المتجددة قد حكم بكونها مضمونة ، ولم يتردد ، مع أنها ليست جزءا من المبيع ، ودخل على أنها ليست مجانا ، فأيّ مجال للتردد في ضمان ما يعد جزءا حقيقة؟ والأصح الأول.

فرع :

على المشتري مؤنة رد المبيع فاسدا إن كان له مؤنة كالمغصوب ، ولا يرجع بالنفقة إلا إذا كان جاهلا بالفساد ، إذ لا يعد متبرعا بنفقته ، إذ لم ينفق إلا بناء على أنه ماله ، فإذا فات ذلك رجع كل الى حقه ، وجعل في التذكرة البائع غارا (١).

قوله : ( فحينئذ ان تلف بتفريطه ضمنه ، وإلاّ فلا ).

أي : فحين لم يكن له الرجوع بتلك الزيادة ، إذ هي أمانة على هذا التقدير.

قوله : ( ولو أتلف البائع فاسد الثمن ، ثم أفلس رجع في العين ، والمشتري أسوة الغرماء ).

لأن العين باقية على ملك البائع ، وهي عين ماله ، والثمن بعد إتلافه دين من جملة الديون ، وليس له حبس العين ليقبض الثمن ، لأنه لم يقبضه وثيقة ، بل على تملّكه وقد فات ، خلافا لبعض العامة (٢).

الاسوة ، بالضم وبالكسر : القدوة ، وما يتأسّى به الحزين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٥.

(٢) قاله الإصطخري كما في المجموع ٩ : ٣٦٩.


ز : لو قال : بع عبدك من فلان على أن عليّ خمسمائة ، فباعه بهذا الشرط بطل ، لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري ، فليس له أن يملك العين ، والثمن على غيره ، بخلاف أعتق عبدك وعليّ خمسمائة ، أو طلّق امرأتك وعليّ مائة ، لأنه عوض في مقابلة فكّ ،

______________________________________________________

قوله : ( لو قال : بع عبدك من فلان على أن عليّ خمسمائة ، فباعه بهذا الشرط بطل ، لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري ، وليس له أن يملك العبد ، والثمن على غيره ).

أي : باع العبد من فلان على أنّ على الآمر خمسمائة ، ووجه البطلان : أنّ ظاهر هذا الاشتراط بين الإيجاب والقبول أن يكون المشترط داخلا في البيع ، فيكون القدر المشترك من جملة الثمن ، وذلك مخالف لمقتضى عقد البيع ، من كون الثمن بأجمعه على المشتري.

فان قيل : لم لا ينزل إطلاق هذا على ما يجوز من ضمان أو جعالة؟

قلنا : لوجهين :

أ : إن إطلاق ما يذكر من العوض محمول على الثمن ، عملا بمقتضى البيع ، فلا يحمل على شي‌ء أجنبي عنه ، إلا بدليل يصرفه عن المقتضى.

ب : إن الأصل عدم وجوب شي‌ء زائد عن الثمن يكون عوض الجعالة ، والأصل عدم وجوب الأمرين معا ، اعني : ثبوت الثمن في ذمة المشتري ، ثم ثبوت حق الضمان له ، أو لبعضه على الآمر.

قوله : ( بخلاف : أعتق عبدك وعليّ خمسمائة ، أو طلّق امرأتك وعليّ مائة ، لأنه عوض في مقابلة فك ).

أي : لا يصح فيما تقدم بخلاف الصورتين المذكورتين ، فإنه يصح فيهما اشتراط العوض على الآمر ، لأن العتق فك للرقبة من قيد الملك ، والطلاق فك للمرأة من قيد الزوجية ، وليس شي‌ء منهما معاوضة ، بحيث يستلزم عوضا لا يكون من غير المتعاوضين ، لكن هنا سؤال وهو : أن هذا القول إن كان على طريق‌


ولو قال : على وجه الضمان صح البيع والشرط.

ح : يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد ، كبيع وسلف ،

______________________________________________________

الجعالة فلا مخالفة لما هنا ، لأن الجعالة هنا أيضا جائزة.

قوله : ( ولو قال : على وجه الضمان صح البيع والشرط ).

أي : لو كان قول الآمر : ( بع عبدك ... ) على طريق الضمان ـ بمعنى : أن يضمن خمسمائة هي الثمن ، أو بعضه ـ صح البيع إذا أوقعه البائع على هذا الشرط ، وصح الشرط أيضا ، وحينئذ فلا يكون القول الأول ضمانا ، ولا موجبا للضمان.

وإنما الحكم أن الآمر إذا قال ذلك ، ووقع العقد عليه إذا أتى بالضمان على الوجه المعتبر يصح ، ويتحقق لزوم البيع ، وإلا تخيّر البائع ، لكن هل يجب على الآمر الضمان بعد العقد لأمره السابق؟ فيه بعد ، وعلى هذا فلا مجال لتوهم متوهم : أن هذا ضمان ما لم يجب ، بعد ملاحظة ما قررناه.

ولو قال ذلك على وجه الجعالة ، بأن جعل له على هذا العمل ذلك الجعل صح ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، وبه صرح في التذكرة (١) ، وعلى هذا فيلزمه الجعل بإيقاع عقد البيع ، ولا حاجة الى ذكر هذا في العقد ، لأن الجعالة عقد آخر خارج عن البيع بخلاف الضمان المشترط في نفس العقد.

قوله : ( يجوز أن يجمع بين شيئين مختلفين فما زاد في عقد ، كبيع وسلف ).

صورته : أن يقول : بعتك هذا العبد ، وعشرة أقفزة حنطة موصوفة بكذا ، مؤجلة الى كذا إلى آخره بمائة درهم ، فيكون بيعا وسلفا بإحدى صيغه ، التي إيجابها يكون بلفظ البيع من البائع ، وهذا وإن كان في الصورة عقدا واحدا ، لاتحاد إيجابه وقبوله والعوض عن الجميع ، إلا أنه في قوة عقدين ، ولا محذور في صحة ذلك عندنا.

وكون العوض معلوما بالإضافة إلى الأمرين معا كاف في انتفاء الغرر‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٤.


أو إجارة وبيع ، أو نكاح وبيع وإجارة ، ويقسّط العوض على قيمة المبيع وإجارة المثل ومهر المثل ، من غير حصر على إشكال ، ولو كان أحد الأعواض مؤجلا قسّط عليه كذلك.

______________________________________________________

والجهالة ، وإن كان عوض كل منهما بخصوصه غير معلوم حال العقد.

لا يقال : كل منهما بيع ، ولا بد في البيع من العلم وانتفاء الغرر.

قلنا : كل منهما بيع في المعنى ، وفي الصورة هما بمنزلة عقد واحد ، فيكفي العلم بالنسبة الى ذلك العقد.

قوله : ( أو إجارة وبيع ).

مثاله : بعتك هذه الدار ، وأجرتك الدار الأخرى سنة بمائة.

قوله : ( ويقسط العوض على قيمة المبيع وإجارة المثل ومهر المثل ).

وذلك لأن العوض المجعول في مقابل المتعدد ، إنما بذل في مقابل كل واحد من جهة ماليته ، أو ما هو بالنسبة إليه كجهة المالية بالنسبة إلى غيره مما هو مال ، ولأن هذه (١).

قوله : ( من غير حصر على إشكال ).

الإشكال مخصوص بمهر المثل ، أي : يقسّط على مهر المثل من غير حصر له في مهر السنّة لو زاد عليه على إشكال ، ينشأ : من إطلاق الأصحاب التقسيط على مهر المثل ، ولأنه بالنسبة إلى البضع كالقيمة السوقية بالنسبة إلى السلعة ، ومن أن المرأة إنما تستحق مهر السنة لو زاد مهر مثلها عليه ، فلا يقسط (٢) على ما لا يعد عوضا لبضعها ، وهذا بناء على أن المفوضة ترد الى مهر السنة مع زيادة مهر مثلها عليه.

وسيأتي أن المعتمد خلافه ، فالأصح عدم الحصر في مهر السنة لو زاد مهر مثلها عليه.

__________________

(١) هكذا ورد في « م » ، وفي الهامش : كذا وجد.

(٢) في « م » : يسقط.


ويجوز بيع السمن بظروفه ، وأن يقول : بعتك هذا الزيت بظروفه كل رطل بدرهم.

الفصل الرابع : في الاختلاف :

إطلاق العقد يقتضي نقد البلد ، فان تعدد فالغالب ، فان تساوت النقود افتقر إلى التعيين لفظا ، فإن أبهماه بطل ، وكذا الوزن.

ولو اختلفا في قدر ما عيناه أو وصفه بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ولا بينة ، فالقول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة قائمة

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز بيع السمن بظروفه ).

لأنه إذا رضي أن يكون الظرف بسعر السمن جاز إذا استجمع البيع باقي الشروط.

قوله : ( وأن يقول : بعتك هذا الزيت بظروفه ، كل رطل بدرهم ).

بشرط أن تكون أرطال المجموع معلومة ـ وإن جهلا تفصيله ـ لحصول العلم بقدر المبيع وإن كان قدر كل نوع من أجزائه مجهول القدر ، إذ لا يلزم من هذه الجهالة غرر في المبيع ، وقد رضي أن يكون الظرف بسعر الزيت ، وخلاف بعض العامة في صحة ذلك (١) لا يلتفت اليه.

قوله : ( إطلاق العقد يقتضي نقد البلد ، فان تعدد فالغالب ، فان تساوت النقود افتقر إلى التعيين لفظا ، فإن أبهماه بطل ، وكذا الوزن ، ولو اختلفا في قدر ما عيّناه أو وصفه ، بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ، ولا بينة فالقول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة قائمة ).

المراد : قدر ما عيّناه من الثمن دون المثمن ، لأن أحكامه ستأتي فيما بعد ، وقد يستعان في العبارة على ارادة ذلك بقوله : ( إطلاق العقد يقتضي نقد البلد )

__________________

(١) انظر المجموع ٩ : ٣١٩.


______________________________________________________

فانّ الغالب كون النقد ثمنا ، فتكون هذه الأحكام كلها للثمن ، وكذا ذكره فيما سيأتي في أحكام المثمن.

وقوله : ( بعد اتفاقهما على ذكره في العقد ) احتراز من اختلافهما في ذكر المعين ثمنا في العقد ، فإنهما إذا اختلفا على هذا الوجه يكون القول قول مدعي الصحة بيمينه ، إذ القائل بعدم ذكره في العقد يدعي فساده ، فإذا حلف على ذكره في العقد ، فالظاهر أنه يحلف على ذكر هذا المعين في العقد فيثبت. ويحتمل أن يحلف على ذكر ثمن يصح به العقد ، فتندفع دعوى الآخر ، ويبقى اختلافهما في القدر والوصف على حكمه.

واعلم أن الضمير في ( ذكره ) يعود الى ( ما ) أي : ذكر ما عيّناه ، لكن قد يقال : قوله : ( بعد اتفاقهما ... ) مستدرك ، لأن اتفاقهما على ذكره في العقد ليس زائدا على تعيينهما إياه ، لأن المتبادر من ذلك كون التعيين في العقد.

واحترز بقوله : ( ولا بينة ) عما لو كان ثم بينة ، فإنه لا يميز ، لكن تحقيق حال البينة ، وممن تكون مسموعة موقوف على تحقيق المدعي والمنكر هنا ، فان قلنا بالأول والسلعة قائمة فالمدعي هو المشتري ، أو بالثاني فالمدعي هو من كانت السلعة خارجة عنه ، أو بالثالث فالمدعي هو البائع ، أو بالرابع فكل منهما مدع ومنكر.

وما افتى به هو مختار أكثر الأصحاب (١) ، واحتجوا له ، بأن المشتري مع قيام السلعة يدّعي تملكها وانتقالها اليه بما ادعاه من العوض ، والبائع ينكره ، وقد ينظر فيه ، بأن البائع لا ينكر ذلك كله ، فإنه يعترف بتملكه إياها وانتقالها إليه ، ويصدقه على استحقاق ما ذكره ، لكن يدّعي أمرا زائدا ، والمشتري ينكره ، فيكون هو المنكر.

فان قيل : لما عيّن السبب المقتضي للانتقال ، وتشخصه بوقوعه على الثمن الزائد وبالوصف المخصوص ، لم يكن اعترافه بالملك مطلقا ، بل على ذلك الوجه‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ١٤٦ ، والشهيد في الدروس : ٣٥٢.


ـ وقيل : إن كانت في يده ـ

______________________________________________________

الذي إن ثبت ثبت به ذلك الثمن المخصوص ، فحينئذ يكون منكرا لما يدعيه المشتري.

قلنا : كما أنه منكر بناء على ما ذكر ، كذلك هو مدع أيضا لعقد يضمن الزيادة ، فيكون مع إنكاره لما يدّعيه المشتري مدعيا عليه ثمنا مخصوصا ، اقتضاه عقد آخر ، والمشتري ينكره ، فيكون كل منهما مدعيا ومنكرا.

واحتجوا أيضا بما روي عن الصادق 7 أنه قال في الرجل يبيع الشي‌ء ، فيقول المشتري هو بكذا وكذا بأقل مما قال البائع ، قال : « القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشي‌ء قائما بعينه » (١) ، وقد طعن فيها بالإرسال.

ويمكن الجواب بانجبارها بالشهرة وعمل الأصحاب ، فيكون العمل بمقتضاها هو الأقوى ، وإن كان القول بالتحالف لا يخلو من قوة ، واختاره شيخنا الشهيد في قواعده (٢).

قوله : ( وقيل : إن كانت في يده ).

هذا قول ابن الجنيد ، قال : وإذا حلف البائع تخيّر المشتري بين الأخذ والترك (٣) ، وحكى في التذكرة كما حكاه هنا ، ونفى عنه البأس (٤) ، ووجهه غير ظاهر ، فانّ كون السلعة في يده مع اعترافه بزوال ملكه عنها بالبيع الذي ادعاه لا أثر له في تقديم قوله ، لاعترافه بان هذه اليد ليست يد ملك ، إلا أن يقال : انه نفى ملكية المشتري السلعة إلا على الوجه المخصوص ، فتكون يده بالنسبة الى ما عدا ذلك الوجه يد ملك ، فإنه على تقدير عدم تحققه لم يتحقق السبب المخرج لها عن ملكه ، ويشكل بأن الدعوى لو تضمنت إقرارا نفذ وإن لم تنفذ الدعوى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٧١ حديث ٧٦٥ ، التهذيب ٧ : ٢٢٩ حديث ١٠٠١.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٤٦.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٩٥.

(٤) التذكرة ١ : ٥٧٥.


وقول المشتري مع يمينه إن كانت السلعة تالفة ، وقيل : إن كانت في يده.

ويحتمل تقديم قول المشتري لأنه منكر ، ويحتمل التحالف وبطلان البيع.

______________________________________________________

قوله : ( وقول المشتري مع يمينه إن كانت تالفة ).

هذه تتمة القول الأول ، واحتج له بأن البائع مع التلف يدعي على المشتري مالا في ذمته ، وهو ينكره ، وبمفهوم الشرط في الرواية السالفة فإنه حجة عند المحققين مع الاعتضاد بعمل الأصحاب ، وقد سبق أنّ العمل على هذا.

قوله : ( وقيل : إن كانت في يده ).

هذا تتمة قول ابن الجنيد (١) ، ويشكل اعتبار اليد في ذلك ، فإنه معترف بابتنائها على يد البائع وسبق تملكه.

قوله : ( ويحتمل تقديم قول المشتري ، لأنه منكر ).

هذا يتم إذا جمعنا بين قول البائع والمشتري ، وأمضينا ما اتفقنا عليه ، وقدمنا قول المنكر فيما اختلفا فيه ، وتحقيقه : إن ثبوت الملك للمشتري وانتقاله عن البائع أمر متفق عليه ، وكذا استحقاق ما يقرّ به المشتري ، ويبقى الزائد يدعيه البائع ، وينكره المشتري ، فيقدم قوله بيمينه.

لكن يشكل ، بأن قول كل واحد منهما مناف لقول الآخر ، حيث أن كل واحد منهما شخّص دعواه بما ينافي دعوى الآخر.

قوله : ( ويحتمل التحالف وبطلان البيع ).

لما ذكرناه من أن كلا منهما مدع ومنكر ، ومع قيام البينتين على الدعويين تعارضتا فتجري فيهما أحكام التعارض ، وإنما يبطل البيع مع التحالف ، لانتفاء كل من دعوى البائع والمشتري بيمين صاحبه.

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٩٥.


فيحتمل استحباب تقديم البائع في الإحلاف ، لعود الملك اليه فجانبه أقوى ، والمشتري ، لأنه ينكر الزيادة ، والتساوي ، لأن كلا منهما مدع ومدّعى عليه ، فان البائع يدعي الزيادة وينكر تملك المبيع بدونها ، والمشتري بالعكس فيقرع.

ثم يحتمل أن يحلف كل منهما يمينا واحدة جامعة بين النفي والإثبات ، ـ فيقول البائع : ما بعت بعشرة بل بعشرين ، ويقول المشتري : ما‌

______________________________________________________

قوله : ( فيحتمل استحباب تقديم البائع في الإحلاف ، لعود الملك اليه ، فجانبه أقوى ).

أي : لعود الملك اليه بعد التحالف ، فهو في قوة صاحب اليد ، لأن الحال آئل الى ذلك ، وصاحب اليد أقوى بالنسبة إلى الآخر ، فهو أحق باليمين ، ولما لم ينهض الدليل على الوجوب كان ذلك على الاستحباب ، وأشار بقوله : ( فيحتمل ) بالفاء الى تفريع هذه الاحتمالات على ما قبله.

قوله : ( والمشتري ، لأنه ينكر الزيادة ).

فهو أقوى ، لأنه منكر ، ولأنه إذا نكل وجب الثمن الذي ادعاه البائع ، وانفصل الحكم.

قوله : ( والتساوي ، لأن كلا منهما مدع ومدّعى عليه ).

وعلى هذا ففيه احتمالان :

أحدهما : أنه يتخير الحاكم في التقديم.

والثاني : القرعة ، وإليه الإشارة بقول المصنف : ( فيقرع ) ، واختار المصنف أنه يبدأ بيمين من ادعي عليه أولا ، فإن كان المدعى عليه أولا المشتري بدأ به ، والا فالبائع ، وليس ببعيد.

قوله : ( ثم يحتمل أن يحلف كل منهما يمينا واحدة جامعة بين النفي والإثبات ).

وجهه : أن ذلك يغني عن يمين اخرى لو نكل الآخر. ويضعف بأنّ اليمين‌


اشتريت بعشرين بل بعشرة ـ أو يمينا على النفي ، فإن نكل أحدهما بعد يمين صاحبه الجامعة بين النفي والإثبات قضي عليه ، وبعد المنفردة بالنفي تعاد عليه يمين الإثبات ، فإن نكل فهو كما لو تحالفا ، لأن نكول المردود عليه عن يمين الرد كحلف صاحبه.

______________________________________________________

للإثبات إنما تصح بعد النكول ، لأنّ حلف المنكر إنما يكون لما نفاه بإنكاره ، وأما ما يدعيه فإنما يحلف عليه بالرد أو النكول.

واعلم أن المصنف لم يذكر حكم التحالف هنا ، وقد ذكره في التذكرة ، قال : إذا حلف كل من المتبايعين يمين النفي سقطت الدعويان عندنا ، كما لو ادعى على الغير بيع شي‌ء أو شراءه فأنكر ، وحلف ، سقطت الدعوى ، وكان الملك باقيا على حاله ، ولم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه ، ثم حكى عن الشافعي وجهين : أحدهما : انفساخه بنفسه (١) ، والآخر : توقفه على الفسخ (٢) (٣).

قوله : ( أو يمينا على النفي ).

أي : بعد ما ذكر يحتمل أن يحلف كذا وكذا ، فيكون هذا محتملا على سبيل البدل من الأول ، وهذا هو المتجه لما قلناه.

قوله : ( فان نكل ... ).

هذا تفريع على كل من الاحتمالين ، فالتفريع على الأول ما ذكره أولا ، وعلى الثاني ما ذكره ثانيا.

قوله : ( فان نكل فهو كما لو تحالفا ، لأن نكول المردود عليه عن يمين الرد كحلف صاحبه ).

أي : فان نكل الحالف يمن النفي عن يمين الإثبات بعد نكول صاحبه عن أصل اليمين كان كما لو تحالفا في ثبوت الفسخ ، بدليل أنّ نكول المردود عليه‌

__________________

(١) فتح العزيز ( المطبوع مع المجموع ) ٩ : ١٨٦.

(٢) الوجيز ١ : ١٥٤.

(٣) التذكرة ١ : ٥٧٨.


ولو كان المبيع تالفا وجب القيمة عند التحالف يوم التلف ، ويحتمل يوم القبض.

ولو تلف بعضه ، أو تعيب ، أو كاتبه المشتري ، أو رهنه ، أو أبق ، أو آجره رجع بقيمة التالف ، وأرش العيب ، وقيمة المكاتب ، والمرهون ، والآبق ، والمستأجر ،

______________________________________________________

اليمين عن الحلف كحلف صاحبه ، وذلك لأن اليمين لما انحصرت في جانبه لإثبات الحق ، كان نكوله عنها موجبا لسقوطه ، فهو كما لو حلف صاحبه ، اعني : المنكر.

قوله : ( ولو كان المبيع تالفا وجبت القيمة عند التحالف يوم التلف ، ويحتمل يوم القبض ).

ويحتمل ثالثا ، وهو أعلى القيم من القبض الى التلف ، وقد سبق مثله غير مرة ، والأصح الأول.

قوله : ( ولو تلف بعضه ، أو تعيّب ، أو كاتبه المشتري ، أو رهنه ، أو أبق ، أو آجره رجع بقيمة التالف ، وأرش العيب ، وقيمة المكاتب ، والمرهون ، والآبق ، والمستأجر ).

هذا لف ونشر على الترتيب ، وإنما انتقل إلى القيمة في الكتابة والرهن ، لتعلق حق آدمي بالعين على وجه اللزوم ، والإباق بمنزلة التلف ، والإجارة تقتضي سلطنة المستأجر على العين ، وجميع هذه التصرفات صدرت من المشتري ، وهو مالك له أهلية التصرف ، فلا سبيل إلى إبطالها.

وذهب المصنف في التذكرة إلى أن للبائع فسخ الكتابة والإجارة والرهن ، التفاتا الى سقوط الدعويين المقتضيتين لانتفاء الملك (١) ، ويرد عليه أن السقوط طارئ بعد التحالف ، لاتفاقهما على ثبوت الملك قبله ، فلا سبيل الى نفيه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٩.


وللبائع استرجاع المستأجر ، لكنه يترك عند المستأجر مدة الأجرة ، والأجرة المسماة للمشتري ، وعليه اجرة المثل للبائع.

ولو زالت الموانع ، بأن عاد الآبق ، أو فكّ الرهن ، أو بطلت الكتابة بعد دفع القيمة ، فالأقرب عود ملك البائع إلى العين ، فيسترد المشتري‌

______________________________________________________

أصلا ورأسا ، والآبق مضمون عليه ، لأن يد المشتري بالنسبة إلى المبيع يد ضمان كما هو معلوم.

قوله : ( وللبائع استرجاع المستأجر ، لكنه يترك عند المستأجر مدة الإجارة ).

لأن العين ملكه وإن تعلق بها حق سابق على وجه اللزوم قبل عودها الى ملكه ، لكن لا سبيل إلى إبطال حق المستأجر منها ، فحينئذ يتخير بين المطالبة بالبدل وبين الرجوع بها والصبر الى انقضاء مدة الإجارة ، وإنما لم يكن له في المرهون ذلك ، لأن عود الرهن غير موثوق به ، لإمكان بيعه لوفاء الدين ، فإنه وثيقة بالنسبة إليه.

قوله : ( والأجرة المسماة للمشتري ، وعليه اجرة المثل للبائع ).

أما أنّ الأجرة المسماة له ، فلأنّ الإجارة عقد صدر منه على منفعة ماله في وقت كان مالكا له ، وأما أن عليه أجرة المثل للبائع ، فلأنّ المبيع بعد الفسخ حق له ، وكذا منافعه التي نفذ فيها اجارة المشتري ، فعليه عوضها ـ أعني : أجرة المثل لها ـ كما يجب عليه بدل العين لو تلفت.

ولا يخفى أن الواجب اجرة المثل لما بعد الفسخ الى آخر الإجارة ، لأن ما قبل ذلك حق للمشتري.

قوله : ( ولو زالت الموانع ، بأن عاد الآبق ، أو فكّ الرهن ، أو بطلت الكتابة بعد دفع القيمة ، فالأقرب عود ملك البائع إلى العين ، فيسترد المشتري القيمة ).


______________________________________________________

وجه القرب : أن القيمة إنما أخذت للحيلولة وقد زالت ، ولأن المعاوضة مشروطة بصدور عقد ولم يتحقق.

ويحتمل العدم ، لأن العين قبل رجوعها ليست ملكا للبائع ، وإلا لزم ملك العوض والمعوض معا ، وانتفاء ملك العوض.

والقسمان باطلان ؛

أما الأول فظاهر ، وأما الثاني ، فلأن أخذ العوض حينئذ لا فائدة له ، لانحصار فائدته في كونه عوضا عن المبيع ، فإذا انتفى الملك امتنع كونه عوضا.

وهنا اشكال ، وهو أن المبيع إن كان على ملك البائع امتنع ملك العوض ، فينتفي معنى التعويض ، فإن خرج عن ملكه احتاج الى عود الملك الى سبب مملك ، ولم يثبت كون عود المبيع سببا مملكا.

ويمكن الجواب بالتزام خروج المبيع عن الملك ، ودخول العوض فيه دخولا متزلزلا ، لأنّ له حقا في عين ماله ، فلا يسقط حقه منها بالكلية سقوطا قهريّا ، وثبوت العوض إنما كان محافظة على وصول حقه اليه بحسب المقدور ، فيكون بعود المبيع مسلّطا على الرجوع الى عين ماله ، وما قرّبه المصنف قريب.

واعلم أن قوله : ( فالأقرب عود ملك البائع ) متضمن للاعتراف بخروج الملك عنه ، ودال على أنه يعود بنفسه من غير توقف على فسخ ملكية العوض ، فحينئذ يترادان ، ويحتمل توقفه على الفسخ والمطالبة بالمبيع ، ولم أقف في ذلك على شي‌ء محقق ، لكن دخول العوض في ملكه يقتضي توقف زوال الملك على سبب يقتضيه.

وقد يتوقف في كون زوال الحيلولة سببا في ذلك من دون فسخ البائع ، والكل محتمل. وقوله : ( فيسترد المشتري القيمة ) إما أن يريد بها مطلق العوض ، ليشمل المثل في المثلي ، أو نبه باسترداد القيمة في القيمي على استرداد المثل في المثلي.


والنماء المنفصل للمشتري على إشكال.

ولو اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله ، أو في قدر الأجل ، أو في اشتراط رهن من البائع على الدرك ، أو ضمين عنه ، أو في المبيع ، فقال :بعتك ثوبا ، فقال : بل ثوبين ولا بينة ، قدم قول البائع مع اليمين.

______________________________________________________

قوله : ( والنماء المنفصل للمشتري على إشكال ).

المراد بالنماء : ما كان بعد التحالف ودفع العوض ، للحيلولة في الرهن والكتابة والإجارة ، ومنشأ الاشكال من أن المبيع بدفع العوض دخل في ملك المشتري لما قلناه ، ومن أن عوده في الملك بعد رجوعه يقتضي عدم انقطاع علاقة الملك بالكلية ، وفي الأول قوة لما قررناه.

واحترز بالمنفصل عن النماء المتصل ، فان ذلك للبائع قطعا إذا استرد المبيع ، ولا يجوز أن يريد المصنف بالنماء ما قبل التحالف ، لأن احتمال رفع العقد من أصله بالتحالف الذي هو أحد شقّي الإشكال ينافي بقاء الرهن والكتابة والإجارة.

قوله : ( ولو اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله ، أو في قدر الأجل ، أو في اشتراط الرهن من البائع على الدرك ، أو ضمين عنه ، أو في المبيع ، فقال : بعتك ثوبا ، فقال : بل ثوبين ، ولا بينة ، قدم قول البائع مع اليمين ).

لأنه في المواضع كلها منكر ، وتحقيقه : أنهما اتفقا على صدور العقد وحصول الملك وثمن معين ، واختلفا في أمر زائد ، والبائع ينكره ، وهذا يتجه على ما عدا القول بالتحالف ، لأنا إذا اعتبرنا القدر المشترك المتفق عليه بين كلام المتبايعين ، ونظرنا في الزائد عليه ، فاعتبرنا من كان بالنسبة إليه مدعيا ومنكرا ، فاعطيناه حكمه.

ولو نظرنا الى امتناع العمل المتفق عليه ـ إذ ليس هناك في الحقيقة متفق عليه ، لأن أحدهما يسند الملك الى سبب مخصوص ، والآخر ينفيه ويسنده الى‌


ولو قال : بعتك العبد بمائة ، فقال : بل الجارية تحالفا وبطل البيع.

______________________________________________________

سبب آخر ـ ففي الحقيقة الملك بقول أحدهما خلاف الملك بقول الآخر ، وحينئذ فكل منهما مدّع ومدّعى عليه ، فيتحالفان ، وهذا يتجه على القول بالتحالف في الاولى إن لم تكن المسألة إجماعية عندنا.

واعلم أن الحكم بيمين البائع فيما لو اختلفا في المبيع ـ كما لو قال : بعتك ثوبا ، فقال : بل ثوبين ـ لا يستقيم على إطلاقه ، بل يجب أن يقيد ذلك بما إذا لم يختلفا في الثمن على كل من التقديرين ، لأنه حينئذ يمكن الأخذ بالمشترك بين كلاميهما ، بخلاف ما لو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل هذا وهذا بألفين ، فإنه لا مشترك بين كلاميهما يمكن الأخذ به ، فلا بد من التحالف ، واختاره في التذكرة (١).

قوله : ( ولو قال : بعتك العبد بمائة ، فقال : بل الجارية تحالفا ... ).

لاختلافهما في المبيع المقتضي لتعدد الدعوى ، ولأنه يمتنع الجمع بين كلاميهما ، إذ ليس هناك قد مشترك بينهما يبقى معه أصل المبيع. ومثله ما لو اختلفا في الثمن المعين ، فقال : بعتك بهذه الالف ، فقال : بل بهذه ، ومثله الاختلاف في جنسه ، أو في خصوص العوضين المعينين ، أو جنسهما لما قلناه.

واعلم أن قوله : ( تحالفا وبطل البيع ) تنبيه على عدم الاحتياج الى الفسخ مع التحالف ، لكنه يحتمل الانفساخ والانتفاء بالتحالف ، بحيث يندفع أصلا ، كما صرح به في التذكرة (٢) وقد نبهنا عليه سابقا ، والاحتمال الأول ألصق بالعبارة ، لدلالة البطلان عليه ، لاقتضائه سبق الصحة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٥.

(٢) المصدر السابق.


ولو قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحرّ ، أو قال : فسخت قبل التفرق وأنكر الآخر ، قدّم قول مدعي الصحة مع اليمين ، واختلاف الورثة كالمتعاقدين.

فروع :

أ : لو قلنا بالتحالف ، فاختلفا في قيمة السلعة التالفة ، رجعا إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها ، فان اختلفا في الصفة قدم قول المشتري مع يمينه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحر ، أو قال : فسخت قبل التفرق ، فأنكر الآخر ، قدّم قول مدعي الصحة مع اليمين ).

نبه بقوله : ( قدم قول مدعي الصحة ) على علة تقديم قول البائع ، فإن الأصل في العقود الصحة ، فيكون قول البائع موافقا للأصل ، وفيه إيماء إلى علة الحكم في المسألة الثانية ، فإن الأصل عدم طروء المبطل على العقد ، كما أن الأصل فيه الصحة.

وفي بعض النسخ : قدم قول مدعي الصحة ودوامها ، فيكون كل من الأمرين منبها على علة الحكم في واحدة.

قوله : ( واختلاف الورثة كالمتعاقدين ).

فيقدم قول ورثة البائع مع بقاء السلعة ، وقول ورثة المشتري مع تلفها الى آخره.

قوله : ( لو قلنا بالتحالف عند التخالف ، فاختلفا في قيمة السلعة التالفة ، رجعا إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها ).

ذكر شيخنا الشهيد ; في بعض حواشيه : أن الرجوع الى كلام المقومين بالنسبة إلى المثل موصوفا بصفات العين ليس معهودا عند أصحابنا ، بل فتواهم على تقديم قول الغارم مع التلف.

قال : وقد ذكره المصنف في غير موضع في هذا الكتاب ، منها آخر مسألة‌


ب : لو تقايلا المبيع ، أو رد بعيب بعد قبض الثمن ثم اختلفا في قدر الثمن ، قدم قول البائع مع يمينه ، لأنه منكر لما يدعيه المشتري بعد الفسخ.

ج : لو قال : بعتك وأنا صبي ، احتمل تقديم قول مدعي الصحة مع يمينه ، وتقديم قول البائع ، لأصالة البقاء.

______________________________________________________

في هذا الباب ، وهي قوله : ( ولو اختلفا في قيمة التالف ... ) قال : ووجهه أن فيه حسم مادة الخلاف ، لارتفاع التهمة عن البينة.

أراد بذلك توجيه كلام المصنف في هذه المسألة ، وما ذكره في التوجيه لا يخلو من شي‌ء ، فان حسم مادة الخلاف لم يكن ، لأن البينة لا تهمة بالنسبة إليها ، بل لمحض حكم الشارع وذلك بالنسبة إلى البينة واليمين سواء ، فيجب الأخذ بظاهره ، واليمين على من أنكر.

نعم ، قد يقال : البينة ممكنة في هذا الموضع ، وهي حجة المدعي ، ولا ينتقل الى اليمين إلا مع تعذرها ، فان تم هذا فما ذكره جيد ، وإلاّ فلا ، وفي تمامه نظر ، لأن الأوصاف لا تعطي قيمة الأشياء ، لكن للأعيان خصوصيات لا يفي بها الوصف ، إنما يطلع عليها بالمشاهدة ، فحينئذ الحكم بقبول يمين المنكر هنا ، مع تعذر البينة المطلعة على عين السلعة.

قوله : ( لو تقايلا المبيع ، أو رد بعيب بعد قبض الثمن ، ثم اختلفا في قدر الثمن قدم قول البائع مع يمينه ، لأنه منكر لما يدعيه المشتري بعد الفسخ ).

تنقيحه : أنه المنكر خاصة ، لأنه بعد فسخ البيع لم يبق هناك مبيع ولا ثمن ، وإنما الاختلاف في استحقاقه مالا زائدا أو ناقصا ، فيقدم قوله ، لأنه ينكر الزيادة.

قوله : ( لو قال : بعتك وأنا صبي ، احتمل تقديم قول مدعي الصحة مع يمينه ، وتقديم قول البائع ، لأصالة البقاء ).

ويؤيد الأول أن إطلاق الإقرار بالعقد إنما يحمل على العقد المعتبر شرعا ،


ولو قال : كنت مجنونا ولم يعلم له سبقه ، قدم قول المشتري مع يمينه ، وإلاّ فكالصبي.

______________________________________________________

الذي يترتب عليه أثر ، لأنه المتبادر إلى الأفهام عند أهل الشرع.

والحق : أن الاحتمال الثاني في غاية الضعف ، لأن أصالة البقاء مندفعة بالإقرار بالبيع المحمول على البيع الصحيح شرعا ، فان صحته تقتضي عدم بقاء الصبوة ، فلا يعد معارضا ، كما لا يعد احتمال الفساد معارضا ، لأصالة الصحة في مطلق الإقرار بوقوع عقد البيع.

فان قلت : هنا أصلان قد تعارضا للقطع بثبوت وصف الصبوة سابقا.

قلت : قد انقطع هذا الأصل بالاعتراف بصدور البيع المحمول على الصحيح ، كما يحكم بانقطاع أصالة بقاء ملك البائع بالاعتراف بصدور البيع لو اختلفا في صحته وفساده.

ولو ثبت في هذه المسألة تعارض الأصلين لثبت تعارضهما فيما لو قالا :تبايعنا ، وادعى أحدهما الفساد مع أنه لا يقول به ، والفرق غير واضح ، وكون الصبوة مستمرة سابقا لا مدخل له في الفرق (١).

قوله : ( ولو قال : كنت مجنونا ، ولم يعلم له سبقه ، قدم قول المشتري مع يمينه ، وإلاّ فكالصبي ).

أي : فيجي‌ء فيه احتمال تقديم جانب الصحة ، لأنها الأصل ، والفساد ، لأصالة بقاء مقتضيه ، وليس بشي‌ء لانقطاع هذا الأصل كما قررناه في المسألة السابقة.

__________________

(١) « سيأتي في الضمان تحقيق في نظير هذه المسألة يخالف ما هنا ، محصله : انه ما دام لا تتحقق أركان العقد فالأصل يتمسك به ، وكان ما في الضمان هو المتجه ، فعلى هذا يكون تقديم قول مدعي الصحة هنا غير متجه ، لأنه أصل يتمسك ، فينبغي التأمل للبابين ». وردت هذه العبارة في متن « م » ، وفي حاشيتها وردت عبارة : « من قوله : سيأتي في الضمان تحقيق في نظير هذه المسألة. إلى آخر المبحث ، في نسخة انه حاشية وفي خرى لا ».


د : لو قال : وهبت مني ، فقال : بل بعته بألف ، احتمل أن يحلف كلّ منهما على نفي ما يدعيه الآخر ويرد إلى المالك ، وتقديم قول مدعي الهبة مع اليمين.

هـ : لو قال البائع : رددت إلى العبد المؤجل ثمنه ، فقال : بل المعجل مع اتفاق الثمنين جنسا وقدرا ، فالقول قول البائع مع اليمين ، ومع اختلافهما يتحالفان ويبطل البيع.

______________________________________________________

قوله : ( لو قال : وهبت مني ، فقال : بل بعته بألف ، احتمل أن يحلف كلّ منهما على نفي ما يدعيه الآخر ، ويرد إلى المالك ، وتقديم قول مدعي الهبة مع اليمين ).

وجه الأول : أن كل واحد منهما مدع ومنكر ، ووجه الثاني : اتفاقهما على انتقال الملك عن مالكه الى الآخر ، واختلافهما في استحقاق العوض ، فيحلف المنكر.

والذي يقتضيه النظر استواء هذه المسألة وما سبق في كلام المصنف من‌ قوله : ( ولو اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله ) إلى آخر المسائل ، فلا وجه لتردده هاهنا مع فتواه فيما سبق بتقديم قول البائع بيمينه ، وحقه بناء على ذلك تقديم قول المشتري هاهنا.

والعجب انه في التذكرة حكم بتقديم قول المنكر (١) وهنا حكم بالتحالف ، وقد عرفت التنافي بين دليل الحكمين في المسائل كلها ، ولا ريب في أرجحية القول بالتحالف ، لكن يتجه على ذلك طرده في المسائل كلها.

قوله : ( لو قال البائع : رددت إلى العبد المؤجل ثمنه ، فقال : بل المعجل مع اتفاق الثمنين جنسا وقدرا ، فالقول قول البائع مع اليمين ... ).

وجه الفرق بين المسألتين : أنه إذا اختلف جنس الثمن في كلامهما لم يكن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٦.


خاتمة :

الإقالة فسخ لا بيع في حق المتعاقدين وغيرهما ، وشرطها عدم الزيادة والنقصان في الثمن ، فتبطل بدونه ،

______________________________________________________

هناك مشترك بين الكلامين يرجع اليه ، وينظر إلى الزائد فيقدم قول منكره بيمينه ، والزائد هو الأجل ، والبائع ينكره ، فيكون بمنزلة ما لو اختلفا في المبيع والثمن معا ، لأن المردد غير مبيع ، فكأنه لم يجر عليه بيع ، لكن .. (١) واعلم انه يجي‌ء احتمال التحالف أيضا في المسألة الأولى ، لأن كل واحد منهما مدع ومنكر ، وقد عرفت مما سبق الحكم في نظائرها.

قوله : ( خاتمة : الإقالة فسخ لا بيع ).

خلافا لجمع من العامة (٢) ، ولا فرق بين أن يقع بلفظ الفسخ أو الإقالة. وفرّق بعض الشافعية ، فخص الخلاف بما إذا ذكرت بلفظ الإقالة دون الفسخ (٣). وألفاظها : تفاسخنا ، أو تقايلنا ، أو يقول أحدهما : أقلتك ، فيقبل الآخر ، ولو تقايلا بلفظ البيع ، وقصدا الإقالة المحضة لم تلحق أحكامه.

قوله : ( في حق المتعاقدين وغيرهما ).

وقال أبو حنيفة : إنها بيع بالنسبة إلى الشفيع ، فيستحق الشفعة وإن كانت فسخا في حق المتعاقدين (٤) ، وبطلانه ظاهر.

قوله : ( وشرطها عدم الزيادة والنقصان في الثمن ، فتبطل بدونه ).

أي : تبطل الإقالة بدون الشرط المذكور ، فلو أقاله بزيادة عن الثمن ، أو نقيصة عنه فالمبيع باق على ملك المشتري ، لأنها فسخ ، ومقتضاه رجوع كل عوض‌

__________________

(١) ورد هنا بياض في « م ».

(٢) قاله الشافعي في أحد قوليه ومالك ، انظر : المجموع ٩ : ٣٦٩ و ١٣ : ١٦٠ ، والمحلى ٩ : ٢ ، واللباب ١ : ٢٥٩ ، وشرح الكبير مع المغني ٤ : ١٣٢.

(٣) انظر المجموع ٩ : ٢٦٩ ، وشرح الكبير مع المغني لابن قدامة ٤ : ١٣٢.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ ، المجموع ١٣ : ١٦٠ ، شرح الكبير مع المغني ٤ : ١٣٢.


ويرجع كلّ عوض إلى مالكه إن كان موجودا ، ومثله أو قيمته على التفصيل مع عدمه.

ولا تثبت بها شفعة ، ولا تسقط اجرة الدلال بها على المبيع ، وتصح في الكل والبعض والسلم وغيره.

ولو اختلفا في قيمة التالف ، فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.

______________________________________________________

الى مالكه ، فإذا شرط فيها ما يخالف مقتضاها فسد الشرط ، وفسدت بفساده.

قوله : ( ويرجع كل عوض إلى مالكه إن كان موجودا ).

هذا حكم كون الإقالة فسخا ، فهو ملتفت الى ما قبل قوله : ( فتبطل بدونه ).

قوله : ( ومثله أو قيمته على التفصيل مع عدمه ).

ويجب مثل كل من العوضين إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا على تقدير عدمه ، وقول المصنف : ( على التفصيل ) إشارة الى ما تقدم من احتمال قيمة وقت التلف ، وقيمة وقت القبض ، والأعلى ، وقد عرفت اعتبار قيمة وقت التلف ، لأن الضمان متعلق بالعين ما دامت موجودة ، فإذا تلفت تعلق بقيمتها.

قوله : ( ولا تسقط اجرة الدلاّل بها على البيع ).

أي : ولا تسقط اجرة الدلال بالإقالة ، وكذا الوزّان والناقد بعد صدور هذه الأفعال لوجود سبب الاستحقاق ، فلا يسقط بالطاري.

قوله : ( وتصح في البعض والكل والسلم وغيره ).

لأنّ الإقالة مستحبة ، فتجري في البعض والكل ، وإذا تقايلا في البعض اقتضى التقسيط ، ففي ربع المبيع ربع الثمن ، وفي نصفه النصف ، وعلى هذا ، ومنع جماعة ـ منهم مالك ـ من الإقالة في بعض السلم ، لأنه إذا أقاله في بعضه صار بيعا‌


______________________________________________________

وسلفا (١) ، وقد نهى النبي 6 عنه.

وتوجيهه : انّ رد بعض رأس المال بسبب الإقالة في بعض المبيع يصير بمنزلة القرض ، إذ قد رد عوضه ، والباقي مبيع ، فيتحقق البيع والسلف ، وينتقض بأرش العيب ، مع أن ذلك لا يعد قرضا

قطعا.

* * *

__________________

(١) انظر : المحلى ٩ : ١١٥ ، والمغني لابن قدامة ٤ : ٣٧٢ ، وشرح الكبير مع المغني ٤ : ٣٧٢.


فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

أقسام المتاجر

ما يجب من المتاجر ........................................................... ٦

ما يستحب وما يباح من المتاجر ............................................... ٧

ما يكره من المتاجر ........................................................... ٨

حرمة التجارة بالأعيان النجسة كالخمر والنبيذ و .............................. ١١

حكم الدهن النجس لفائدة الاستصباح به تحت السماء ......................... ١٢

حكم بول الإبل للاستشفاء ................................................. ١٣

كلب الصيد والماشية والزرع والحائط ........................................ ١٤

حرمة اقتناء الأعيان النجسة إلا لفائدة ........................................ ١٥

حرمة التجارة بآلات اللهو والقمار ........................................... ١٦

حرمة بيع السلاح لأعداء الدين ............................................. ١٧

حرمة بيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما .......................... ١٨

حرمة بيع الحشرات التي لا ينتفع بها ، والسباع مما يصلح للصيد ................. ١٨

جواز بيع الفيل والهرة ودود القز ............................................. ١٩

حرمة بيع الترياق .......................................................... ٢١

حكم بيع السم ، وبيع لبن الآدميات ......................................... ٢٢

حرمة عمل الصور المجسمة ، والغناء .......................................... ٢٢

حرمة القمار .............................................................. ٢٤

الغش ، والتدليس ، ومعونة الظالمين .......................................... ٢٥

حفظ كتب الضلال ونسخها ، وهجاء المؤمنين ................................ ٢٦

الغيبة ، والكذب على المؤمنين وسبهم ........................................ ٢٧

التشبيب ، والسحر ........................................................ ٢٨


الموضوع

الصفحة

لكهانة ، والتنجيم ......................................................... ٣١

حرمة القيافة ، وبيع المصحف ............................................... ٣٣

حرمة الرشا في الحكم ...................................................... ٣٥

حرمة أخذ الأجرة على تغسيل الميت وتكفينه ودفنه ............................ ٣٥

حرمة أخذ الأجرة على الاذان والقضاء ....................................... ٣٦

جواز أخذ الأجرة على عقد النكاح .......................................... ٣٧

حكم تلقي الركبان ........................................................ ٣٧

حرمة النجش .............................................................. ٣٩

حرمة الاحتكار ............................................................ ٤٠

حكم ما ينثر في الأعراس ................................................... ٤٣

حكم جوائز الجائر ......................................................... ٤٤

حكم ما يأخذه الجائر من الغلات والأموال .................................... ٤٥

حكم امتزاج الحلال الحرام .................................................. ٤٦

حرمة عمل الأجير الخاص لغير من استأجره ................................... ٤٦

حكم ما يسمى بحق المارة ................................................... ٤٧

حم أخذ الرجل من مال ولده ، أو بالعكس ................................... ٤٧

حكم أخذ الزوجة من مال زوجها ........................................... ٤٩

آداب التجارة

ما يستحب لطالب التجارة ................................................. ٥٠

ما يكره لطالب التجارة ..................................................... ٥١

النهي عن عسيب الفحل .................................................... ٥٢

البيع

صيغة عقد البيع

تعريف البيع ............................................................... ٥٤


الموضوع

الصفحة

عدم انعقاد البيع على المنافع ، ولا على مالا يصح تملكه ........................ ٥٥

عدم انعقاد البيع مع خلوه من العوض ، أو مع جهالته أو مع الاكراه ............. ٥٥

الايجاب والقبول ، والمعاطاة وما يتعلق بها ..................................... ٥٧

المتعاقدان

اشتراط : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد في المتعاقدين .................. ٦١

عدم اشتراط اسلام المتعاقدين ................................................ ٦٢

عدم صحة استئجار الكافر المسلم ، أو ارتهانه ................................. ٦٣

حكم ما لو أسلم عبد الذمي ................................................ ٦٥

حكم ما لو أسلمت أم الولد ................................................ ٦٧

حكم بيع الطفل باسلام أبيه الحر ، أو العبد لغير مالكه ......................... ٦٧

حكم المالك ما لو ترتبت العقود على العين المغصوبة ........................... ٦٩

حكم ما لو باع مال الطفل ثم بلغ وأجاز ، أو مال غيره ثم ملكه وأجاز ........... ٧٣

حكم ما لو باع أبيه بظن الحياة فبان ميتا ...................................... ٧٦

حكم ما لو باع ملكه وملك غيره صفقة ...................................... ٧٨

حكم ما لو باع مالك النصف النصف ....................................... ٧٩

لو ضم إلى المباع ما يحرم بيعه ............................................... ٨٢

ولاية الأب والجد والحاكم .................................................. ٨٥

أحكام الوصي ............................................................. ٨٦

ما لو تعارض عقد الوكيلين على عين واحدة .................................. ٨٧

العوضات

اشتراط طهارة المعقود عليه ، وصلاحيته للتملك ............................... ٨٩

اشتراط الانتقاع بالمعقود عليه ، والقدرة على تسليمة .......................... ٩٢

عدم صحة بيع المجهول ، وكفاية المشاهدة في الأرض والثوب .................... ٩٣

حكم بيع المطعوم والمشموم من غير اختبار .................................... ٩٤


الموضوع

الصفحة

حكم ما لو أدى اختبار العين إلى فسادها ..................................... ٩٥

جواز بيع المسك في فاره .................................................... ٩٦

حكم بيع بيوت مكة ، وبيوت الوقف ........................................ ٩٧

جواز بيع الجاني عمدا ...................................................... ٩٩

حكم بيع الآبق منضماً إلى غيره ............................................ ١٠٠

عدم جواز بيع المغصوب .................................................. ١٠٢

حكم بيع أحد أفراد الكلي من دون تعيين ................................... ١٠٣

بطلان المبيع بإبهام السلوك ................................................. ١٠٥

البيع بحكم أحدهما ، أو ثالث من غير تعيين الثمن ............................ ١٠٧

بيع السمك في الآجام ، واللبن في الضرع مع الضميمة ....................... ١١٠

عدم جواز بيع الحمل في بطن أمه مع الضميمة ، وجواز بيع الصوف على الظهر منفردا ١١١

حكم رؤية بعض المبيع .................................................... ١١٢

حكم بيع العين الغير المشاهدة .............................................. ١١٤

حكم الاندار للظروف .................................................... ١١٥

حكم البيع بدينار غير درهم نسيئة مما يتعامل به وقت الأجل .................. ١١٥

حكم بيع الصبرة كل قفيز بدينار مع العلم بقدرها ، أولا ..................... ١١٨

حكم استثناء الجزء المعلوم من أحد العوضين ................................. ١١٨

أنواع البيع

بيع العبيد

أسباب الرق ............................................................. ١٢٥

حكم ما لو بان العبد المشترى حرا ......................................... ١٢٨

الأرحام المستثنون من الملك ................................................ ١٢٨

حكم غنيمة من غزا بغير اذن الامام ........................................ ١٢٩

ترخيص الأئمة : لشيعتهم الملك والوطء حال الغيبة ...................... ١٣٠


الموضوع

الصفحة

لا فرق بين أن يكون السابي مسلماً أو كافرا ................................ ١٣١

بيع بعض الحيوان ......................................................... ١٣٤

حكم وطء الأمة المشتركة لشبهة ، أو بدونها ................................ ١٣٨

في ما لو حدث عيب بالحيوان بعد العقد .................................... ١٣٩

حكم الحمل حال البيع .................................................... ١٣٩

عدم ملكية العبد مطلقا .................................................... ١٤٠

حكم مخالفة الوكيل بالشراء لما قرره الموكل ................................. ١٤٢

حكم ما لو اشترى مسروقة من أرض الصلح ................................ ١٤٧

في ما لو دفع بائع عبد موصوف في الذمة عبدين فأبق أحدهما ................. ١٤٨

حكم استبراء الأمة بعد شرائها ............................................. ١٥٠

حكم وطء الأمة الحامل بعد شرائها ........................................ ١٥٤

كراهية وطء من ولد من الزنى ............................................. ١٥٦

حكم التفرقة بين الطفل وأمه .............................................. ١٥٧

حكم ما لو ظهر استحقاق الموطوءة ........................................ ١٥٩

ما يستحب فعله بالمملوك بعد شرائه ........................................ ١٦٠

جواز بيع الحامل بحر ، والمرتد ............................................. ١٦٠

بيع الثمار

جواز بيع ثمرة النخل بشرط الظهور عاماً واحداً وأزيد ........................ ١٦٠

حكم اشتراط الضميمة وعدمها ، في ما بدا صلاحه وعدمه ................... ١٦١

جواز بيع ثمرة الشجرة مع الظهور .......................................... ١٦٣

جواز بيع الخضر بعد ظهورها وانعقادها ..................................... ١٦٤

حكم ما لو باع الثمرة بشرط القطع ........................................ ١٦٤

حكم تبقية الثمرة إلى بدو صلاحها لو اشتراها قبله ........................... ١٦٥

في ما لو تضرر مشتري الثمرة وصاحب الأصل ، أو أحدهما .................. ١٦٦

جواز قطع الثمار قبل انتهاء الصلاح حسب ما اعتاده العرف .................. ١٦٧


الموضوع

الصفحة

حكم استثناء ثمرة شجرة معينة ............................................. ١٦٧

حكم المزابنة والمحاقلة ...................................................... ١٦٩

معنى العرية ، وما يتعلق بها من أحكام ....................................... ١٧١

ما لو تقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بشئ معلوم ................ ١٧٥

حكم ما لو اشترى لقطة من الخضروات فامتزجت بالمتجددة من غير تمييز ...... ١٧٩

حكم بيع ما المقصود منه مستور ........................................... ١٨٠

بيع الصرف

تعريف بيع الصرف ، وشروطه ............................................ ١٨١

جواز بيع المغشوش بغير جنسه ............................................. ١٨٤

حكم بيع تراب معدن أحد النقدين بالاخر .................................. ١٨٥

حكم بيع تراب الصياغة بالجوهرين ، أو بغير هما ............................ ١٨٨

حكم بيع المحلى بأحد النقدين بالاخر أو بغير هما ............................. ١٨٩

حكم ما لو وجد عيب في الثمن أو المثمن ................................... ١٩٠

نقص السعر وزيادته لا يمنع الرد ........................................... ١٩٧

حكم ما لو تلف أحدهما بعد التقابض ...................................... ١٩٧

حكم ما لو وجد نقص أو زيادة بالوزن المتفق عليه ........................... ١٩٧

حكم ابتياع درهم بدرهم وشرط صباغة خاتم ............................... ٢٠١

النقد والنسيئة

حكم البيع بثمنين ........................................................ ٢٠٣

حكم ما لو باعه نسيئة ثم اشتراه قبل الأجل بزيادة أو نقيصة .................. ٢٠٤

حكم البيع نسيئة بزيادة عن القيمة أو بنقصان ............................... ٢٠٤

حكم ما لو شرط ألا بيع إن لم يأت بالنقد في المدة المعينة ..................... ٢٠٥


السلف

الموضوع

الصفحة

شرائطه سبعة : الأول : العقد ............................................. ٢٠٦

الثاني : معرفة وصفه ................................................... ٢٠٩

الثالث : الكيل أو الوزن في المكيل والموزون .............................. ٢٢٤

الرابع : قبض الثمن في المجلس ........................................... ٢٢٧

الخامس : كون المسلم فيه دينا .......................................... ٢٣٠

السادس : الأجل المضبوط الذي لا يقبل التفاوت .......................... ٢٣٠

السابع : امكان وجود المسلم فيه عند الحلول .............................. ٢٣٦

حكم عدم اشتراط ذكر موضع التسليم ..................................... ٢٣٧

حكم ما لو دفع مساوياً للجنس أو أجود ، مع اتفاقهما أو عدمه ............... ٢٣٩

حكم ما إذا كان في العين شوائب .......................................... ٢٤٠

جواز اشتراط السائغ في عقد السلف ....................................... ٢٤١

حكم ما لو أسلف عرضاً في عرض موصوف بصفاته ......................... ٢٤٢

حكم اختلاف المتعاقدين في اشتراط الأجل .................................. ٢٤٣

حكم اختلاف المتعاقدين في قبض الثمن ..................................... ٢٤٦

حكم ما لو احضر المثل أو أكثر أو بعضه وقت الحلول ....................... ٢٤٨

حكم ما لو احضر المثل قبل الأجل ......................................... ٢٤٩

حكم ما لو اسلم نصراني إلى نصراني في خمر فاسلم أحدهما ................... ٢٤٩

ما لو ظهر عيب بالثمن أو العين ........................................... ٢٥١

المرابحة وتوابعها

معنى المرابحة ............................................................. ٢٥٢

حكم ما إذا عمل البائع في العين شيئاً أو لم يعمل ............................ ٢٥٣

ما يجب ذكره في عقد المرابحة ، وما لا يجب ................................. ٢٥٦

معنى المواضعة ............................................................ ٢٦٠


الموضوع

الصفحة

يجوز لبائع المتاع شراؤه ، وما يتعلق بهذه المسألة .............................. ٢٦١

حكم ما لو ظهر كذب البائع في إخباره ..................................... ٢٦٣

الربا

معنى الربا لغة وشرعا ..................................................... ٢٦٥

كراهية بيع أحد المختلفين بالاخر نسيئة ، ومعنى الاتفاق في الجنس ............. ٢٦٦

لا ربا إلا في المكيل أو الموزون ............................................. ٢٦٩

لا ربا في الماء والطين إلا الأرمني ........................................... ٢٧٠

عدم جواز بيع الموزون بجنسه جزافاً ولا مكيلا ، أو بالعكس .................. ٢٧١

جواز بيع الخبز بمثله ، وبيع مد تمر ودرهم بمدين أو بدرهمين .................. ٢٧٤

حكم ما لو كان أحد العوضين مشتملاً على الاخر ........................... ٢٧٩

عدم جواز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا ..................................... ٢٧٩

الذين لا يثبت الربا بينهم ................................................. ٢٨٠

الخيارات

خيار المجلس ............................................................. ٢٨٣

خيار الحيوان ، وخيار الشرط .............................................. ٢٩١

خيار الغبن .............................................................. ٢٩٤

خيار التأخير ............................................................. ٢٩٧

خيار الرؤية .............................................................. ٣٠١

خيار العيب ............................................................. ٣٠٣

أحكام تتعلق بالخيارات ................................................... ٣٠٣

العيب

حقيقة العيب ، والعيوب التي توجب الرد ................................... ٣٢٢

الأمور التي لا توجب الرد ................................................. ٣٢٧

لو لم يجد المشتري الشرط الذي شرطه في العيب ............................. ٣٢٩

لو تبرأ البائع من العيوب .................................................. ٣٣١


الموضوع

الصفحة

حكم ما لو أحدث المشتري حدثاً بالعين قبل علمه بالعيب أو بعده ............. ٣٣٢

استحباب اعلام المشتري بالعيب أو التبري منه ............................... ٣٣٣

حكم ما لو اشترى شيئين صفقة ووجد بأحدهما عيبا ......................... ٣٣٣

الأرش جزء من الثمن ، وطريقة حسابه ..................................... ٣٣٥

حكم ما لو ظهرت الأمة حاملا قبل العقد ................................... ٣٣٦

استحقاق مشتري العبد الأرش لو قتل بردة قبل العقد ........................ ٣٣٨

حكم ما لو وطأ المشتري الأمة الباكر وهي حاملة من السحق قبل العقد ........ ٣٣٩

حكم ما لو كان المبيع غير الأمة ، فحمل عند المشتري من غير تصرف ......... ٣٤١

حكم ما لو نسي العبد الصنعة عند المشتري ................................. ٣٤١

حكم ما لو باع العين المعيبة مع علمه بذلك ................................. ٣٤٢

حكم ما لو باع من ينعتق عليه ............................................. ٣٤٦

تعريف التدليس .......................................................... ٣٤٦

حكم التصرية في الشاة ................................................... ٣٤٧

عدم ثبوت الرد مع التصرف .............................................. ٣٤٨

حكم التصرية في باقي الحيوانات ........................................... ٣٤٩

كيفية اختبار التصرية ..................................................... ٣٥٠

حكم ما لو ادعى البائع التبري من العيوب .................................. ٣٥٤

عدم فورية الخيار ، وعدم سقوطه إلا بالاسقاط .............................. ٣٥٥

حكم ما لو تجدد العيب قبل القبض ........................................ ٣٥٦

العيوب التي ترد بها الجارية ................................................ ٣٥٧

حكم الزيادة المتصلة والمنفصلة ............................................. ٣٥٨

أحكام تتعلق بما إذا باع الوكيل فظهر بالعين عيب ........................... ٣٥٨

أحكام العقد

ما يندرج في مبيع : الأرض ................................................ ٣٦٦

: البستان والباغ ....................................................... ٣٧١


الموضوع

الصفحة

: الدار ................................................................ ٣٧٢

: القرية ............................................................... ٣٧٤

: الشجر .............................................................. ٣٧٥

: العبد ................................................................ ٣٨٦

التسليم

حقيقة التسليم ........................................................... ٣٨٩

حكم التسليم في ما لو كان متولي طرفي العقد واحدا ......................... ٣٩٣

وجوب تسليم المبيع مفرغا ................................................. ٣٩٤

صحة القبض قبل نقد الثمن وبعده ......................................... ٣٩٥

حكم ما يتطلبه القبض والتسليم من المؤونة .................................. ٣٩٥

الاحكام التي تترتب على القبض ........................................... ٣٩٧

حكم الإحالة بالطعام على من له عليه مثله .................................. ٣٩٩

حكم ما لو باع ما ورثه قبل القبض ، أو قبل أن يقبضه الميت ................. ٤٠١

حكم ما لو قبض أحد المتبايعين فباع ما قبضه ثم تلفت الأخرى قبل القبض ..... ٤٠٢

اطلاق العقد يقتضي تسليم الثمن والمثمن ................................... ٤٠٢

حكم تلف المبيع قبل قبضه ، واتلاف المشتري أو الأجنبي العين ................ ٤٠٣

حكم ما لو تعيب المبيع بآفة سماوية ......................................... ٤٠٤

حكم تلف بعض المبيع .................................................... ٤٠٤

حكم ما لو زاد الثمن زيادة لا تكون إلا غلطاً أو تعمدا ....................... ٤٠٥

حكم ما لو ادعى المشتري النقصان ......................................... ٤٠٦

عدم وجوب دفع العين في غير بلد السلم .................................... ٤٠٨

حكم تلف النماء من غير تفريط ، وحكم ما لو امتزج المبيع بغيره .............. ٤١٠

حكم ما لو غصبت العين قبل القبض ....................................... ٤١١

الشرط

بيان كل ما يصح اشتراطه ، ومالا يصح .................................... ٤١٢


الموضوع

الصفحة

حكم اشتراط الأجل المجهول ، أو الطويل الذي يعلمان عدمهما قبله ............ ٤١٧

وجوب تعيين الرهن المشروط .............................................. ٤١٨

وجوب تعيين الكفيل ..................................................... ٤١٩

حكم ما لو أخل المشتري أو الكفيل بالرهن ................................. ٤٢٠

حكم ما لو باع العبد بشرط العتق مطلقا .................................... ٤٢٠

حكم ما لو شرط كون الأمة أو الدابة حاملا ................................ ٤٢٦

حكم ما لو تبين المباع زائداً أو ناقصا ....................................... ٤٢٧

بطلان البيع بالشرط الفاسد ، أو الذي يقتضي تجهيل أحد العوضين ............ ٤٣١

حكم ما لو قال : بع عبدك من فلان وعلي كذا ، أو أعتق عبدك .............. ٤٣٦

جواز الجمع بين عقدين مختلفين في عقد واحد ............................... ٤٣٧

أحكام اختلاف المتعاقدين ................................................. ٤٣٩

أحكام الإقالة ............................................................ ٤٥٤

فهرس الموضوع .......................................................... ٤٥٧

* * *

جامع المقاصد في شرح القواعد - ٤

المؤلف: الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي ( المحقق الثاني )
الصفحات: 467