Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages001.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages002.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages003.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimagesrafed.jpg


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وآله الطيّبين الطاهرين .

وبعد ، فإنّ ممّا أطبق عليه المسلمون بشتّىٰ طوائفهم ومذاهبهم هو أنّ كتاب الله وسنّة رسوله هما المصدران الأوّلان لمعرفة الاحكام الشرعية والتكاليف المناطة بالفرد المسلم ، ولا يهمنا في محلّ كلامنا هنا الاختلاف بعد ذلك في باقي مصادر التشريع الإسلامي ، إذ المراد هنا هو إلقاء الضوء علىٰ السنّة النبويّة الشريفة ومداليلها الشرعية وتبيانها لتفاصيل مرادات الشارع المقدس من كتاب الله المجيد .

وللأهمية البالغة للسنّة المباركة حرص المسلمون ـ والشيعة الإماميّة منهم قبل باقي الطوائف ـ علىٰ تدوينها والحفاظ عليها ، حتّىٰ أنّهم كانوا يضربون آباط الإبل ويقطعون الفيافي من أجل العثور علىٰ حديث من ‌


أحاديث البشير النذير .

وإذا كان تدوين السنّة الشريفة قد تعثّر شوطاً طويلاً عند أبناء العامّة من المسلمين ، ومن بعد ذلك دوّنت تحت ضغوط وتأثيرات الحكّام والسلطات ، فإنّ التدوين عند الإمامية اتّخذ شكلاً مستقلّاً عن الحكومات ، وفي وقت مبكّر من عصر الإسلام .

ولذلك نجد بصمات الاستقلال ـ وعدم التأثّر بالمؤثّرات الحكوميّة والسياسية والعنصرية والعصبية القبليّة ـ واضحة المعالم في مدوّنات الإماميّة للسنّة الشريفة ، كما نلمس بوضوح آثار منقولات أهل البيت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دون المنقولات عمّن لا يمتّ للتدوين بصلة إلّا بنحو بعيد وبعد زمان متطاول .

فقد حرص أئمّة أهل البيت بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وانتهاءً بالإمام الحجة بن الحسن عليه‌السلام ، علىٰ نقل أحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسنّته علىٰ وجهها التامّ دون أيّ تغيير ، بل جهدوا في بيان وتصحيح التحريفات والانحرافات والتصحيفات وسوء الفهم الّذي وقع عند عامة المسلمين ، ففهموا الأحاديث علىٰ غير وجهها الصحيح .

هذا من جهة ، ومن جهة أخرىٰ فإنّ أئمة آل محمّد عليهم‌السلام وضعوا قواعد وقوانين إسلامية ثابتة لمعرفة الحديث ، صحيحه من سقيمه ، والمعوّل عليه من المطرّح ، وما صدر فعلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما تقوِّل فيه عليه .

وقد تمخّض ذلك المسير العلميّ الطويل عن بروز أربعمائة أصل من الأصول المعوّل عليها إجمالاً في الأحاديث النبوية التي نقلها أهل البيت للمسلمين ، ومن ثمّ تناقلتها عنهم الأجيال .


وبعد ذلك ، تلخّصت زُبدة تلك الأصول الأربعمائة في الكتب الحديثية الأربعة التي عُني بجمع شتاتها وتبويبها المحمّدون الثلاثة في كتاب الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار .

الاستبصار من الكتب الأربعة :

وإذا لاحظنا هذه الأسفار الحديثية النفيسة ، وجدناها تترتب وفق التسلسل الزمني لتأليفها علىٰ النحو التالي :

١ ـ الكافي : لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ، المتوفّىٰ سنة ٣٢٩ هـ.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّىٰ سنة ٣٨١ هـ.

٣ ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّىٰ سنة ٤٦٠ هـ.

٤ ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : لشيخ الطائفة أيضاً .

فمن هذا الترتيب يظهر جليّاً أنّ الاستبصار هو آخر الكتب الأربعة تأليفاً ، إذ أنّه يقع زمنيّاً بعد كتاب تهذيب الأحكام ، وقد صرّح شيخ الطائفة نفسه فيه بأنّه ألّفه بعد التهذيب ، فأحال علىٰ التهذيب في عدّة مواضع منه .

والّذي نريد أن نقوله هنا هو : إنّنا ـ عندما دقّقنا النظر في علّة تأليف شيخ الطائفة للاستبصار بعد التهذيب ـ رأينا أنّ للشيخ عناية خاصّة بهذا المؤلّف النفيس ، ربّما يدركها الحاذق من خلال عنوان الكتاب ، إذ أنّ الغرض الأصلي للشيخ من كتابه الاستبصار هو بيان وجوه الجمع بين ما قد يبدو متعارضاً من الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت ، وهو ما يسمّىٰ في ‌


المصطلح الأصولي « بالتعارض البدوي » أو « التعارض غير المستقر » ، وهذه ميزة انفرد بها الاستبصار من بين الكتب الأربعة ، وله قدم السبق في هذا الميدان من بينها .

ولا نكاد نبتعد عن الصواب إذا قلنا أنّ لتأخر الشيخ الطوسي عن سابِقَيه ، وتأخّر الاستبصار عن التهذيب ، دوراً فاعلاً في نضوج فكرة التأليف ، وتقدّم هذه المدوّنة ـ المتأخّرة زماناً ـ خطوة أو خطوات إلىٰ الأمام من حيث النضوج العلمي ، فالكافي والفقيه والتهذيب كلها لم تضع في منهجها طريقة الجمع بين المختلف من الأخبار بالدرجة الأساسيّة ، فإن جاء شي‌ء من ذلك فيها كان عرضيّاً ومن فيوضات الأقلام الشريفة لمؤلّفيها ، بخلاف كتاب الاستبصار الّذي جعل جُلّ همّه وغاية سعيه إلىٰ حلّ ما اختلف من الأخبار الواردة عن أهل البيت والخروج بنتيجة فقهيّة ، بعد الفراغ من النتيجة الترجيحية لرواية علىٰ أخرىٰ أو لطائفة من المرويّات علىٰ طائفة أُخرىٰ .

كلّ هذا من حيث نفس منهجيّة الكتاب ، ومن حيثية أخرىٰ نرىٰ أهميّة هذا الكتاب من خلال عبقريّة مؤلّفه وإلمامه الواسع بمرويّات أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن خلال كونه شيخَ الطائفة وفقيهها في زمانه ، وقد عرف واشتهر ـ بحقّ ـ بصواب استنباطاته وعلميّته الفائقة في تشخيص مرادات المعصوم من المرويّات ، حتّىٰ أنّ آرائه ما زالت حتّىٰ اليوم شاخصة للعيان ينهل منها كلّ فقيه ، ويستفيد منها كلّ عالم ، فلا تضع يدك علىٰ كتاب من كتب الفقه الإماميّ إلّا وتطالعك آراء الشيخ الطوسي شامخة ، موضوعة موضع الاحترام ـ أخذاً وردّاً ـ من قبل الأعلام .

كلّ هذه الأمور مجتمعة تجعل لكيفيّة الجمع بين مختلفات الأخبار‌


عند الشيخ الطوسي أهميّة قصوىٰ وبرمجة رائعة في الفقه الإمامي ، كما تضفي علىٰ كتاب الاستبصار مسحة اضافية من العبقريّة والإبداع ، لا نجدها في نظائره الثلاثة الاُخر .

ولذلك قال العلّامة الطهراني في حقّ الكتاب : الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ . . . ، هو أحد الكتب الأربعة والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعيّة عند الفقهاء الأثني عشرية منذ عصر المؤلف حتّىٰ اليوم . . . . غير أنّ هذا مقصور علىٰ ذكر ما اختلف فيه من الأخبار وطريق الجمع بينها ، والتهذيب جامع للخلاف والوفاق (١) .

وقال السيّد حسن الصدر الكاظمي : وأمّا الاستبصار فهو بضعة من التهذيب ، أفردها مقتصراً علىٰ الأخبار المختلفة ، والجمع بينها بالقريب والغريب (٢) .

شروح الاستبصار :

ولهذه الخصوصيّة المتطوّرة فكريّاً التي امتاز بها كتاب الاستبصار ـ مضافاً إلىٰ كونه ركناً من أركان الحديث الإمامي ـ عكف عليه العلماء قرنا بعد قرن بالشرح والتحشية والتعليق ، بعد الفراغ عن أنّ ما من عالم إمامي إلّا وهو ينتهل من معين هذا الكتاب الذي ضمّ بين دفّتيه كنوزاً من علوم ومرويات محمّد وآل محمّد عليهم‌السلام .

قال العلّامة الطهراني : وهو [ أيّ الاستبصار ] أحد الكتب الأربعة

__________________

(١) الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة ٢ : ١٤ .

(٢) نهاية الدراية في شرح الوجيزة : ٦٠٢ .


والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعيّة عند فقهاء الشيعة الإمامية الاثني عشرية منذ عصر مؤلّفه حتّىٰ اليوم ، ولذلك كثر شرّاحه والمعلّقون عليه منذ القرن الخامس إلىٰ الآن (١) .

وقد ذكر ثلاث عشرة حاشية علىٰ الاستبصار ممّا عثر عليه هو بنفسه قدّس الله سرّه (٢) ، دون ما طمسته يد الزمان وأخفاه الحدثان ، وغير ما ذكره الطهراني من تعليقاته وحواشيه بأسماء خاصّة لا بعنوان الشرح والتعليقة .

وعلىٰ كلّ حال فإنّ الذي يهمّنا هنا هو شروح الاستبصار ، لأنّ ما نحن بصدد الكلام عنه هو أحد شروح الاستبصار ، فكان لا بُدّ من معرفة أهمّية ومحلّ هذا الشرح بين الشروح الاُخرىٰ ، وميزاته الّتي يمتاز بها عن باقي الشروح ، وأين يقع مكانه زمنيّاً من مراحل التطوّر والمواكبة في الفقه الإماميّ ، وشروحات الكتب الأربعة .

والذي نراه بارزاً وشاخصاً للعيان من أمّهات الشروح للاستبصار هي الشروح التالية :

١ ـ شرح الاستبصار : للعلّامة الفقيه السيّد محمّد بن عليّ بن الحسين الموسوي العاملي ( صاحب المدارك ) ، المتوفّىٰ سنة ١٠٠٩ هـ.

٢ ـ شرح الاستبصار : للسيّد ماجد بن السيّد هاشم الجد حفصي البحراني ، المتوفّىٰ سنة ١٠٢١ هـ.

٣ ـ شرح الاستبصار : للعلّامة المولىٰ عبدالله بن الحسين التستري ، المتوفّىٰ سنة ١٠٢١ هـ.

٤ ـ شرح الاستبصار : للعلّامة السيّد ميرزا محمّد بن عليّ بن إبراهيم ‌

__________________

(١) الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة ١٣ : ٨٣ .

(٢) انظر الذريعة ٦ : ١٧ ـ ١٩ .


الأسترآبادي ، الرجالي المعروف ، المتوفّىٰ سنة ١٠٢٨ هـ.

٥ ـ شرح الاستبصار ( استقصاء الاعتبار ) ، للشيخ الجليل فخر الدين أبي جعفر محمّد بن جمال الدين أبي منصور الحسن ، بن زين الدين الشهيد الثاني ، المتوفّىٰ سنة ١٠٣٠ هـ.

٦ ـ شرح الاستبصار ، الذي هو تعليقات للسيّد يوسف الخراساني ، كتبها سنة ١٠٣٠ هـ.

٧ ـ شرح الاستبصار ( جامع الاخبار في شرح الاستبصار ) : للشيخ عبداللطيف بن أبي جامع العاملي ، تلميذ الشيخ البهائي الذي توفي سنة ١٠٣١ هـ.

٨ ـ شرح الاستبصار : للمولىٰ محمّد أمين بن محمّد شريف الاسترآبادي ، المتوفّىٰ سنة ١٠٣٦ هـ.

٩ ـ شرح الاستبصار : لسيّد الفلاسفة مير محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني المشهور بـ « الداماد » المتوفّىٰ سنة ١٠٤١ هـ.

١٠ ـ شرح الاستبصار : للعلّامة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ نور الدين عليّ الجامعي العاملي ، المتوفّىٰ سنة ١٠٥٠ هـ.

١١ ـ شرح الاستبصار : للعلّامة السيّد مير شرف عليّ بن حجّة الله الشولستاني ، المتوفّىٰ سنة ١٠٦٠ هـ.

١٢ ـ شرح الاستبصار : للشيخ زين الدين عليّ بن سليمان بن الحسن ابن درويش بن حاتم البحراني ، المعروف بـ « عليّ القدمي » ، المتوفّىٰ سنة ١٠٦٤ هـ.

١٣ ـ شرح الاستبصار : للمولىٰ عبدالرشيد بن المولىٰ نور الدين التستري ، المتوفّىٰ سنة ١٠٧٨ هـ.


١٤ ـ شرح الاستبصار : للفاضلة حميدة الرويدشتي بنت المولىٰ محمّد شريف بن شمس الدين محمّد الاصفهاني ، المتوفّاة سنة ١٠٨٧ هـ.

١٥ ـ شرح الاستبصار : للشيخ الفقيه قاسم بن محمّد جواد المعروف بـ « ابن الوندي » وبالفقيه الكاظمي ، المتوفّىٰ سنة ١١٠٠ هـ.

١٦ ـ شرح الاستبصار : للفقيه المحدّث الجزائري ، السيّد نعمة الله بن عبدالله الموسوي التستري ، المتوفّىٰ سنة ١١١٢ هـ.

١٧ ـ شرح الاستبصار : للسيّد عبدالرضا بن عبدالصمد الحسيني الأوالي البحراني ، معاصر المحدّث الجزائري .

١٨ ـ شرح الاستبصار : للسيّد مير محمّد صالح بن عبدالواسع الخواتون آبادي ، صهر العلّامة المجلسي ، المتوفّىٰ سنة ١١١٦ هـ.

١٩ ـ شرح الاستبصار : للعلّامة السيّد عبدالله بن نور الدين الجزائري التستري ، المتوفّىٰ سنة ١١٧٣ هـ.

٢٠ ـ شرح الاستبصار : للميرزا حسن بن عبدالرسول الحسيني الزنوزي الخوئي ، المتوفّىٰ سنة ١٢٢٣ هـ.

٢١ ـ شرح الاستبصار : للمحقّق المقدس السيّد محسن بن الحسن الأعرجي الكاظمي ( صاحب المحصول ) ، المتوفّىٰ سنة ١٢٢٧ هـ.

٢٢ ـ شرح الاستبصار : للشيخ عبدالرضا الطفيلي النجفي ، الّذي كان حيّاً في سنة ١٣٠٥ هـ.

فهذه اثنان وعشرون شرحاً للاستبصار ، كلّها كتبت بيد علماء ومجتهدي زمانهم ، عناية منهم بهذا السفر العظيم .

ويلاحظ أنّه تتابعوا عليه قرناً بعد قرن بالشرح والتحشية والتعليق ، رأينا في هذه العجالة كيف أن أجلّة العلماء من القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر ، قد توافروا عليه بالشرح والاهتمام .

استقصاء الاعتبار :

ولعلّ من أبرز شروح الاستبصار هو « استقصاء الاعتبار » ، لعبقرية كاتبه من جهة ، ولميزاته وفوائده الغزيرة من جهة أخرىٰ كما سيأتي ، فلا غرو أن يحتلّ هذا الشرح المكانة المرموقة بين شروح الاستبصار .

قال الشيخ آغا بزرك الطهراني : استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار للشيخ أبي جعفر محمّد بن أبي منصور الحسن . . . كبيرٌ ، خرج منه ثلاثة مجلّدات في الطهارة والصلاة والنكاح والمتاجر إلىٰ آخر القضاء . . . بدأ فيه بمقدّمة فيها اثنتا عشرة فائدة رجالية ، نظير المقدمات الاثنتي عشرة لمنتقىٰ الجمان لوالده الشيخ حسن ، وبعد المقدمة اخذ في شرح الأحاديث ، فيذكر الحديث ويتكلّم أوّلاً فيما يتعلّق بسنده من أحوال رجاله تحت عنوان « السند » ، ثمّ بعد الفراغ عن السند يشرع في بيان مداليل ألفاظ الحديث وما يستنبط منها من الأحكام تحت عنوان « المتن » (١) . . .

وقد ذكر هذا التأليف القيّم كلّ من ترجم للشيخ المترجم له ، مضافاً إلىٰ تآليف أخرىٰ قيّمة له في عدّة علوم .

وكتاب الاستقصاء فيه من الفوائد ما يعسر أن تجده في غيره من الكتب ، خصوصاً في المسائل الدرائية والرجالية ، فإنّه قدس‌سره كان ذا باع طويل في هذا المجال ، وحسبك أنّ المحدّث النوري في خاتمة المستدرك أفاد كثيرا من تلكم الفوائد . وسنشير إلىٰ ميزات اُخرىٰ لشرحه هذا عند التعرّض لذلك في هذه المقدمة .

__________________

(١) الذريعة ٢ : ٣٠ .


المؤلّف‌ ـ ولادته :

هو الشيخ الجليل فخر الدين أبو جعفر محمّد بن جمال الدين أبي منصور الحسن ، بن زين الدين الشهيد الثاني .

ولد شيخنا المترجم له ضحىٰ يوم الاثنين العاشر من شهر شعبان المعظّم عام ثمانين وتسعمائة .

وقد وجد تاريخ ولادته هذا بخطّ والده الشيخ حسن بن الشهيد الثاني ، كما صرّح بذلك الشيخ عليّ ابن المترجم له في كتابه « الدرّ المنظوم والمنثور » .

ويبدو أنّ والده كان يتوسّم فيه مخايل النجابة والفقاهة والعلم ، فأحبّه وحرص علىٰ ضبط تاريخ ولادته بالشعر ، بعد أن فدّاه وأخاه بنفسه ، وإليك النص الذي نقله الشيخ عليّ في كتابه الدر المنظوم والمنثور ، قال :

وعندي بخطّ جدي المرحوم المبرور الشيخ حسن ، ما هذا لفظه ـ بعد ذكر مولد ولده زين الدين عليّ ـ : ولد أخوه فخر الدين محمّد أبو جعفر ـ وفّقهما الله لطاعته وهداهما إلىٰ الخير وملازمته ، وأيّدهما بالسعد والإقبال في جميع الأمور ، وجعلني فداهما من كلّ محذور ـ ضحىٰ يوم الاثنين ، العاشر من الشهر الشريف شعبان عام ثمانين وتسعمائة ، وقد نظمت هذا التاريخ عشية الخميس تاسع شهر رجب عام واحد وثمانين وتسعمائة بمشهد الحسين عليه‌السلام بهذين البيتين ، وهما :

أحمد ربي الله إذ جاءني

محمّد من فيض نُعماه

تاريخه لا زال مثل اسمه

« بجوده يسعده الله » (١)

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٤٤ .

نشأته :

لم تذكر المصادر التي ترجمت للمؤلف مكان ولادته علىٰ وجه الدقة والتحديد ، إلّا أنّ قرائن الأحوال وعباراتهم في شرح أحواله تدلّ علىٰ أنّه ولد في لبنان ، مضافاً إلىٰ أنّ الحر العاملي ذكره في القسم الأوّل من أمل الآمل الّذي ذكر فيه علماء جبل عامل ، وكان أوّل اشتغاله لطلب العلم فيها .

قال الشيخ يوسف البحراني : وكان اشتغاله أوّلاً عند والده والسيّد محمّد صاحب المدارك ، قرأ عليهما وأخذ عنهما الحديث والاُصولين وغير ذلك من العلوم ، وقرأ عليهما مصنّفاتهما من المنتقىٰ والمعالم والمدارك ، وما كتبه السيّد علىٰ المختصر النافع ، ولما انتقلا إلىٰ رحمه الله بقي مدّة مشتغلاً بالمطالعة .

ثمّ سافر إلىٰ مكّة المشرّفة واجتمع فيها بالميرزا محمّد الاسترآبادي صاحب كتاب الرجال ، فقرأ عليه الحديث .

ثمّ رجع إلىٰ بلاده وأقام بها مدّة قليلة ، ثمّ سافر إلىٰ العراق ، خوفاً من أهل النفاق وعداوة أهل الشقاق ، وبقي مدّة في كربلاء مشتغلاً بالتدريس .

ثمّ سافر إلىٰ مكّة المشرّفة ، ثمّ رجع منها إلىٰ العراق وأقام فيها مدّة .

ثمّ عرض ما يقتضي الخروج منها ، فسافر إلىٰ مكّة المشرّفة ، وبقي فيها إلىٰ أن توفّي رحمه الله (١) .

وذكر الآغا بزرك أنّه اختصّ بالميرزا محمّد الرجاليّ خمس سنين (٢) .

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٨٢ ـ ٨٣ . وعنه في روضات الجنات ٧ : ٤٣ . وتنقيح المقال ٣ : ١٠٢ .

(٢) طبقات أعلام الشيعة ٥ : ٥١٩ .


وأوضح الخوانساري أنّ ملازمته للميرزا الاسترآبادي كانت في مكّة المكرّمة ، وأنّ المترجم له كان معجباً غاية الإعجاب ، بأستاذه الرجاليّ النحرير ، فقال : وكان هو أيضاً مجاوراً بمكّة المعظّمة ، وملازماً لمجلس مباحثة صاحب الترجمة المتقدمة [ أي الميرزا محمّد الاسترآبادي ] ، ومعتقداً لغاية نبله وفضله وتحقيقه ، بل مفتخراً بالاهتداء إلىٰ سبيله وطريقه (١) .

ونقل الخوانساري في الروضات عن ولد المترجم له في كتابه « الدرّ المنثور » قوله : وكان وهو في البلاد يذهب إلىٰ دمشق ويقيم بها مدّة بعد مدّة ، واختلط بفضلاء العامّة ، وصاحبهم وعاشرهم أحسن عِشرة ، وقرأ عندهم في علوم شتّىٰ (٢) .

وهذا ما يؤكّد لنا أنّ هذا العالم الجليل ، وغيره من علماء وفضلاء الطائفة كانوا حريصين أشدّ الحرص علىٰ تتبّع الحقائق ، وأخذ الشاردة والواردة من العلماء ، أيّاً كان انتماؤهم المذهبيّ ، لأنّ الحقيقة العلمية مناطها الدليل والبرهان ، لا المذاهب والمشارب .

فقد تتلمَذَ المؤلّف رحمه‌الله منذ نعومة أظفاره علىٰ كبار علماء الطائفة الإماميّة ، مثل والده وصاحب المدارك ، كما يبدو واضحاً جليّاً أنّه كان مولعاً بعلم الرجال ، وقد مرّ أنّه لازم الميرزا محمّد الاسترآبادي خمس سنين يباحث ويدرس معه في علم الرجال . ولذلك برزت عبقريته وقدرته العلميّة في هذا المجال أكثر من أيّ مجال آخر ، وهذا ما سنوضّحه في ميزات الكتاب ، وما يبدو شاخصاً للعيان من خلال مباحث شرح الاستبصار ، وقد وقعت تحقيقاته الرجالية موقع إجلال وإكبار علماء الطائفة ‌

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٣٩ .

(٢) روضات الجنات ٧ : ٤١ .


ومحدّثيهم ، حتّىٰ أنّ العلّامة المحدّث النوري عبّر عنه تارة بـ « المحقّق الشيخ محمّد » (١) ، وتارة بـ « المدقّق الشيخ محمّد » (٢) ، وقد أفاد منه ونقل الكثير من تحقيقاته الرجالية التي دوّنت في استقصاء الاعتبار ، وذلك لأهميتها وضخامة فكر صاحبها في التنقيحات والتحقيقات الرجالية .

ولا يخفىٰ حرصه علىٰ طلب العلم ومدارسته ، حيث كان بعد وفاة أستاذيه يطالع ويقرأ ولم يركن إلىٰ الراحة والهدوء ، بل راح يجدّ ويثابر ، بل الذي نستشمّه من عبارة ولده أنّه كان بعد تحصيله علوم المذهب ، ووفاة أستاذيه ، يذهب ليدارس ويتتلمذ علىٰ أيدي فضلاء العامّة ، ممّا يظهر مدىٰ جدّه ومثابرته في تحصيل العلوم ، وذلك هو الذي جعل من هذا الرجل عالماً مجدّاً يغني المكتبة الإسلامية بشتّىٰ التآليف القيّمة .

وكان الشيخ محمّد قد برز علىٰ أقرانه من العامّة في حلقة الدرس ، قال ولده الشيخ عليّ : وكان من جملة من قرأ عليهم رجل فاضل في علوم العربية والتفسير والاُصول اسمه الشيخ شرف الدين الدمشقي ، وكان يجتمع في درسه خلق كثير ، رأيته أنا وشاهدت حلقة درسه ، وهو طاعن في السنّ ، وكان إذا جرىٰ بحث في مجلسه وتكلّم والدي في مسألة بكلام ، وبحث معه يعارضه أهل ذلك المجلس عناداً أو لسوء فهم ، فيقع البحث بينهم والشيخ ساكت ، وإذا انتهىٰ الأمر ليحكم بينهم يقول : يا إخوان لا يغيّر في وجوه الحسان ، يعني به والدي رحمه‌الله ، فإذا سمعوا هذا سكتوا (٣) . . .

__________________

(١) انظر خاتمة مستدرك الوسائل ٥ : ٢٣ .

(٢) انظر خاتمة مستدرك الوسائل ٥ : ٨٩ و٣٧٠ .

(٣) روضات الجنات ٧ : ٤١ ـ ٤٢ .


زهده وتقواه :

وقد كان المؤلّف من الزهّاد الورعين ، يمتاز بتقوىٰ وورع فائق ، وكان يحتاط أشدّ الاحتياط في أمر الدين ، عملاً بقول الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد : أخوك دينك فاحتَط لدينك بما شئت (١) ، وكان من جملة احتياطه وتقواه أنّه بلغه أنّ بعض أهل العراق لا يخرج الزكاة ، فكان كلّما اشترىٰ من القوت شيئاً زكويّاً زكّاه قبل أن يتصرّف فيه (٢) .

ولذلك قال ولده في حقّه : كان عالماً عاملاً ، وفاضلاً كاملاً ، وورعاً عادلاً ، وطاهراً زكيّاً ، وعابداً تقيّاً ، وزاهداً مرضيّاً ، يفرّ من الدنيا وأهلها ويتجنّب الشبهات . . . كانت افعاله منوطة بقصد القربة (٣) . . .

فيظهر جليّاً أنّ من أهمّ ما كان يتمتّع به هذا الرجل الفقيه الرجاليّ هو التقوىٰ والزهد ، والأنس بالله ، وأنّه كان ينيط كلّ أعماله بقصد التقرّب إلىٰ الله ، وهذا ما لا يناله إلّا من رحمه الله وكان ذا حظ عظيم .

ومع أنّ الطائفة المحقّة أجمعت علىٰ جواز أخذ الهدايا حتّىٰ من الحكّام والأمراء ، لكنّنا نرىٰ شيخنا المصنّف يتورّع عن أخذها احتياطاً لدينه ومبالغة في التقوىٰ والتقرّب إلىٰ الله ، ساعياً أن لا يعيش إلّا ممّا رزقه الله ، بل نراه إذا وقع في محذور من قبول الهدايا جعل لذلك طريق حلٍّ لارجاع تلك الأموال إلىٰ معطيها .

فقد أرسل له الأمير يونس بن الحرفوش إلىٰ مكّة المشرّفة خمسمائة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٦٧ / ٣٣٥٠٩ .

(٢) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .

(٣) أمل الآمل ١ : ١٣٩ ، وعنه في رياض العلماء ٥ : ٥٩ ـ ٦٠ .


قرش ، وكان هذا الرجل له أملاك من زرع وبساتين وغير ذلك . . . وأرسل إليه معها كتابة مشتملة علىٰ آداب وتواضع ، وكان له فيه اعتقاد زائد ، والتمس منه أن يقبل ذلك ، وأنّه من خالص ماله الحلال ، وقد زكّاه وخمّسه ، إلىٰ أن يقبل .

فقال له الرسول : إنّ أهلك وأولادك في بلاد هذا الرجل ، وله بك تمام الاعتقاد ، وله علىٰ أولادك وعيالك شفقة زائدة ، فلا ينبغي أن تجبهه بالردّ .

فقال : إن كان ولا بُدّ من ذلك فأبقها عندك ، واشترِ في هذه السنة مائة قرش منها شيئاً من العود والقماش ، وتوصله إليه علىٰ وجه الهديّة ، وهكذا تفعل كلَّ سنة حتّىٰ لا يبقىٰ منها شي‌ءٌ ، فأرسل له ذلك تلك السنة وانتقل إلىٰ رحمة الله ورضوانه (١) .

وطلبه سلطان ذلك الزمان ـ عفىٰ الله عنه ـ مرّة من العراق ، فأبىٰ ذلك ، وطلبه من مكّة المشرّفة ، فأبىٰ ، فبلغه أنّه يعيد عليه أمر الطلب ، وهكذا صار ، فإنّه عيّن له مبلغاً لخرج الطريق ، وكان يكتب له ما يتضمّن تمام اللّطف والتواضع ، وبلغني أنّه قيل له : إذا لم تقبل الإجابة فاكتب له جواباً .

فقال : إن كتبت شيئاً بغير دعاء له كان ذلك غير لائق ، وإن دعوت له فقد نُهينا عن مثل ذلك ، فألحّ عليه بعض أصحابه ، وبعد التأمّل قال : ورد حديث يتضمّن جواز الدعاء لمثله بالهداية ، فكتب له كتابة ، وكتب فيها من الدعاء « هداه الله » لا غير (٢) .

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .

(٢) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .


اساتذته ومشايخه :

لقد مرّ في أثناء ما تقدم ما يتعلّق ببعض أساتذته ، غير أنّ ذكرهم علىٰ نسق واحد يمكن معه استيضاح واستجلاء معالم أكثر وضوحاً عن دراسة هذا الرجل وتعلّمه علىٰ يد كبار العلماء ، فمن أساتذته :

١ والده الفقيه الحسن بن الشهيد الثاني .

٢ السيّد محمّد بن عليّ بن أبي الحسن الموسوي العاملي صاحب « المدارك » .

٣ الميرزا أحمد بن عليّ الاسترآبادي .

٤ الميرزا محمّد الاسترآبادي.

٥ الشيخ شرف الدين الدمشقي .

٦ وروىٰ عن خال والده ، الشيخ عليّ بن محمود العاملي .

٧ وروىٰ عن ابن خال والده ، وهو الشيخ زين الدين بن الشيخ عليّ ابن محمود العاملي .

٨ وروىٰ عن عمه الشيخ علي بن محمّد بن علي الحرّ .

إلىٰ غير هؤلاء من المشايخ الّذين روىٰ عنهم أو قرأ عليهم أو باحث معهم في مسائل الدين والفقه .

وأمّا تلامذته :

فقد أقرأ المؤلف الكثير ، وتتلمذ عليه الفضلاء ، وروىٰ عنه المشايخ ، وقد مرّ أنّه قضىٰ عمره كلّه في القراءة والإقراء والدرس والتدريس والتأليف والتصنيف ، ومن تلامذته ومن قرأوا عليه‌ :


١ ـ ولده الشيخ زين الدين .

٢ ـ الشيخ محمّد بن عليّ الحرفوشي .

٣ ـ الشيخ إبراهيم بن إبراهيم بن فخر الدين العاملي البازوري .

٤ ـ الشيخ أحمد بن أحمد بن يوسف السوادي العاملي العيناثي .

٥ ـ الشيخ حسين بن الحسن العاملي المشغري .

٦ ـ الشيخ عليّ بن أحمد بن موسىٰ العاملي النباطي .

٧ ـ الشيخ عليّ بن محمود العاملي المشغري .

٨ ـ الأمير فيض الله بن عبدالقاهر الحسيني التفرشي .

هؤلاء بعض تلامذته الّذين ذكرهم الحرّ العاملي في أمل الآمل ، وأكثرهم من علماء جبل عامل ، ومن المتيقّن أنّ هناك الكثير ممّن تتلمذوا عليه في كربلاء والنجف والشام ممن تُرِكَ ذكرهم ، ولم نستقصهم اكتفاء بمن ذكرنا من الأعلام والفضلاء .

خطّه وأدبه :

ولم تقف كمالات المؤلّف رحمه‌الله علىٰ ما ذكرنا من تضلّعه في علم الرجال والدراية ، وتبحّره ودقّته في الفقه ، وباعه غير القصير في الاُصول . بل تعدّىٰ ذلك الىٰ كمالات اُخرىٰ ، فجمع خصلتين اُخريين كانتا شاخصاً واضحاً في بناء شخصيته العلميّة ، فقد امتاز رحمه‌الله بجودة الخطّ واستنساخه لبعض المؤلّفات ، كما جلّىٰ في النثر والشعر ، وكان ذا رقّة وروعة في شعره .

قال السيّد الخوانساري : وقد كان عندنا من كتب خزانة سيّدنا وسميّنا وشيخ إجازتنا العلّامة الرشتي أعلىٰ الله تعالىٰ مقامه نسخة كتاب الرجال ‌


الكبير ، بخطّ هذا الرفيع جنابه [ يعني به المؤلف ] العادم للعديل والنظير ، وعندنا الآن أيضاً بخطّه الحسن الّذي يقارب في الحسن خطّ والده الجليل الشيخ حسن رحمة الله تعالىٰ عليهما ، علىٰ ظهر كتاب الفقيه الّذي صحّحه أبوه المذكور في نجف الغريّ علىٰ مشرّفه السلام (١) .

وهذا واضح في أنّ المؤلّف كان ذا خطٍّ حسن ، ربّما قارب خطّ والده المعروف بحُسن وجودة الخطّ .

وأمّا شعره ونثره ، فقد كان رحمه‌الله شاعراً مجيداً ، لأبياته من الرقّة والسلاسة ما يهزّ السامع ويثير مكامن عواطفه ، كما كان له نثر ومراسلات مع أدباء عصره .

قال الميرزا عبدالله الأفندي : كان عالماً فاضلاً . . . حافظاً شاعراً أديباً ، منشئاً ، جليل القدر عظيم الشأن حسن التقرير (٢) . . .

ونقل السيّد الخوانساري عن ولد المؤلّف قوله : ولوالدي رحمه‌الله أشعار رائقة تشتمل علىٰ مواعظ وحكم وألغاز ومراسلات وإنشاءات نثر (٣) . . .

وفي لؤلؤة البحرين ، نقلاً عن الشيخ عليّ ولد المصنّف ، أنّه قال وهو في معرض تعداد مؤلّفات ومصنّفات والده : وله كتاب مشتمل علىٰ أشعار له ولغيره ، ومراسلات بينه وبين من عاصره ، وكتاب جامع مشتمل علىٰ مواعظ ونصائح وحكم ومراثي وألغاز ومدائح ومراسلات شعريّة بينه وبين أهل العصر ، وأجوبة منه لهم في المدائح والألغاز (٤) . . .

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٣٩ .

(٢) رياض العلماء ٥ : ٥٨ . ونفس هذه العبارات في أمل الآمل ١ : ١٣٩ .

(٣) روضات الجنات ٧ : ٤٢ .

(٤) لؤلؤة البحرين : ٨٣ .


وصرّح الحر العاملي أنّ له ديوان شعر ، كما سيأتي ذلك عند تعداد مؤلفاته ، وقال : وله شعر حسن (١) .

ونظرة واحدة في أدب هذا الرجل وشعره ، تهدينا إلىٰ أنّ الأقوال التي قيلت في حقّه ـ خصوص هذا المضمار ـ إن لم نقل أنّها لا توفي حقّه فهي ليست مبالغاً فيها ، لأنّه كان ذا حسّ مرهف ولفظ رقيق حتّىٰ في تصويره لمأساة الحسين عليه‌السلام ، ومن قصائده في الرثاء الحسيني قوله :

كيف ترقأ دموع أهل الولاء

والحسين الشهيد في كربلاء

جدّه المصطفىٰ الأمين علىٰ الوحـ

ـي من الله خاتم الأنبياءِ

وأبوه أخو النبي عليّ

آية الله ، سيّد الأوصياءِ

أمّه البضعة البتول ، أخوه

صفوة الأولياء والأصفياءِ

يا لها من مصيبة أصبح الديـ

ـن بها في مذلّة وشقاءِ

ليت شعري ما عذر عبد محبّ

جامد الدمع ساكن الأحشاءِ

وابن بنت النبيّ أضحىٰ ذبيحاً

مستهاماً مرمّلاً بالدماءِ

وحريم الوصي في أسر ذُلٍّ

فاقدات الآباء والأبناءِ

وعليّ خير العباد أسيرٌ

في قيود العدىٰ حليف العناءِ

مثل هذا جزاء نصح نبيّ

كَلَّ عن نعته لسان الثناءِ

أسّس السابقون بيعة غدر

وبنىٰ اللّاحقون شرّ بناءِ

حرّفوا ، بدّلوا ، أضاعوا ، أقاموا

بِدَعاً بالعناد والشحناءِ

واستبدّوا بإمرة نصبوها

شَرَكاً للأئمّة النجباءِ

منعوا فاطم البتول تراثاً

من أبيها بفاسد الآراءِ

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٣٩ . وصرّح بذلك أيضاً الميرزا عبدالله أفندي في رياض العلماء ٥ : ٥٩ ، والسيّد الخوانساري في روضات الجنات ٧ : ٤٠ .


يا بني الوحي لا يُخفِّفُ وجداً

نالنا من شماتة الأعداءِ

غيرُ ذي الأمر نور وحي إلهٍ

حجّة الله كاشف الغمّاءِ

لهفَ نفسي علىٰ زمان أرىٰ فيـ

ـه مزيلاً لدولة الأشقياءِ

أترىٰ يسمح الزمان بهذا

ويحوز الراجون خير رجاءِ (١)

وهذه القصيدة تمتاز ـ إضافة إلىٰ جودة سبكها وحلاوة ألفاظها ورقّة وصدق العاطفة فيها ـ بشتّىٰ المعاني الضخام ، التي تتّضح فيها بصمات العلماء والفقهاء ، والعقائديين المحقّقين ، والمؤرّخين الذين يعطون فلسفة التاريخ حقّها .

فقد بدأ قصيدته بالحزن وإثارة العواطف الدينيّة ، ثمّ انتقل إلىٰ صفات الشهيد وبيان ضخامة انتسابه الأسري إلىٰ لباب النبوة ، النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلىٰ خاتم الأوصياء عليّ عليه‌السلام ، وإلىٰ البضعة الزهراء عليها‌السلام ، مع أخوّته لصفوة الأولياء الحسن الزكي عليه‌السلام ، ثمّ عاد إلىٰ التفجّع واستدرار العواطف الجيّاشة ، فصوّر الحسين ذبيحاً مرمّلاً ، وعرّج علىٰ ذكر السبايا والإمام السجّاد عليه‌السلام .

ثمّ عاتب المسلمين علىٰ لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عتباً لاذعاً في البيت العاشر من القصيدة ، حيث تجلىٰ فيه نفس الشريف الرضيّ حيث يقول في مقصورته الرائعة :

ليس هذا لرسول الله يا

أمّة الطغيان والبغي جزا

وانتقل في البيت الحادي عشر إلىٰ فلسفة الأحداث التاريخية ، فبرز محلّلاً رائعاً ، تتجلّىٰ فيه صورة القاضي ابن قريعة وهو يقول :

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٤٠ ـ ١٤١ ، ونقل بعضها في روضات الجنات ٧ : ٤١ ، ونقلها في رياض العلماء ٥ : ٦٠ ـ ٦١ .


وأريتكم أنّ الحسيـ

ـن أصيب في يوم السقيفة

ولأيّ ذنب أُلحدت

بالليل فاطمة الشريفة

فقد انتقل المؤلف انتقالة رائعة إلىٰ بيان إمرة علي المغتصبة ، ومنع الزهراء نحلتها وإرثها .

ثمّ عرّج في نهايات قصيدته إلىٰ استنهاض الحجّة ( عج ) والتشوّق لظهوره لكشف الغمّة وإزالة دولة الأشقياء .

هذا ، وله قصيدة في مدح أُستاذه السيّد محمّد بن أبي الحسن العاملي صاحب المدارك ، يقول في مطلعها :

يا خليليَّ باللطيف الخبير

وبودّ أضحىٰ لكم في الضمير

خصّصا بالثنا إماماً جليلاً

وخليلاً أضحىٰ عديم النظير

ثمّ رثاه بعد انتقاله إلىٰ رحمة الله ورضوانه بقصيدة قال فيها :

ما لفؤادي مدىٰ بقائي

قد صار وقفاً علىٰ العناء

وما لجسمي حليف سقم

بدا به اليأس من شفائي (١)

وعلىٰ كلّ حال ، فإنّ المؤلّف كان ذا مرتبة راقية من الأدب شعراً ونثراً ، مضافاً إلىٰ فقهه وأُصوله ونبوغه في علم الرجال ، لكنّ العجب لا ينقضي من عدم انطباع هذه الرقة ، وهذا القلم الدفّاق ، علىٰ عباراته في كتاب « الاستقصاء » ، إلّا إذا عرفت أنّ مؤلّفنا كان دقيقاً غاية الدقّة ، كثير الغوص في التشعّبات وإثارة الإشكالات حولها ، ممّا أفقده مرونة التعبير وسلاسة الإفهام ، كما صرّح بذلك الشيخ يوسف البحراني حيث قال : وقد وقفت علىٰ جملة من مصنّفات الشيخ . . . فوجدت الرجل فاضلاً إلّا أنّ عباراته معقّدة غير سلسة (٢) .

__________________

(١) انظر أمل الآمل ١ : ١٤٠ .

(٢) لؤلؤة البحرين : ٨٤ .


مدح العلماء وإطراؤهم إيّاه :

بعدما عرفت من بُعد غور الرجل ، وتتلمذه علىٰ يد كبار العلماء ، وتربيته لخيرة الفضلاء ، ومثابرته علىٰ العلم وخدمة الدين ، وبعدما ستعرف من ضخامة مؤلّفاته وكثرتها ، لا غرو أن تجد العلماء يقفون منه موقف الاجلال والإكبار ، ويشيدون به معتزّين ببروز مثل هؤلاء الفضلاء والعلماء الّذين رفدوا الفكر الإسلامي بروائع الأفكار وأبكارها .

فقد ذكره ولده الشيخ علي في كتاب « الدر المنثور » في الجزء الثاني فقال : كان عالماً عاملاً ، وفاضلاً ، كاملاً ، وورعاً عادلاً ، وطاهراً زكيّاً ، وعابداً تقيّاً ، وزاهداً مرضيّاً ، يفرّ من الدنيا وأهلها ، ويتجنّب الشبهات ، جيّد الحفظ والذكاء والفكر والتدقيق ، كانت أفعاله منوطة بقصد القربة ، صرف عمره في التصنيف والعبادة والتدريس والإفادة والاستفادة (١) .

وقال الشيخ يوسف البحراني : وكان الشيخ محمّد فاضلاً محقّقاً مدقّقاً ورعاً فقيهاً متبحّراً (٢) .

وقال الحرّ العاملي في شأنه : كان عالماً فاضلاً ، محقّقاً مدقّقاً ، متبحّراً جامعاً كاملاً ، صالحاً ورعاً ، ثقة ، فقيهاً محدّثاً ، متكلّماً حافظاً ، شاعراً أديباً ، منشئاً جليل القدر ، عظيم الشأن ، حسن التقرير (٣) .

ونقل صاحب الروضات مدح أستاذ المؤلف له ، فقال : صورة ما كتبه أستاذه المعظّم عليه في أواخر رجاله الكبير من بيان حال طرق الصدوق إلىٰ ‌

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٣٩ .

(٢) لؤلؤة البحرين ٨٢ .

(٣) أمل الآمل ١ : ١٣٩ .


أرباب الاُصول ، مع تلخيص ما منه رحمه‌الله ، وهي هكذا :

من فوائد مولانا علّامة الزمان ميرزا محمّد أطال الله بقاءه في كشف طرق هذا الكتاب ، وبيان حالها تفصيلاً ، بالنظر إلىٰ الرواة المعتمدين وغيرهم ، نقلته من كتابه في الرجال ، وهو كتاب لم يُرَ مثله في كتب المتقدّمين ، ولم يسمع بما يدانيه أفكار المتأخرين (١) . . .

وقد مرّ عليك أنّ صاحب الروضات مدحه فقال في معرض بيانه لنسخة كتاب الرجال للمؤلف ، حيث قال : نسخة كتاب الرجال الكبير بخطّ هذا الرفيع جنابه ، العادم للعديل وللنظير (٢) . . .

وإطراء العلماء هذا ومدحهم له ـ وعلىٰ وجه الخصوص أستاذه الأسترآبادي الّذي شهد له بالتفوّق ، والسبق ـ لم يكن ليمنع من وجود بعض المؤاخذات علىٰ المؤلّف رحمه‌الله والّتي ذكرها العلماء وبيّنوا وجهها ومبعث وجودها في قلم وعلميّة هذا العالم الفاضل النحرير .

قال الشيخ يوسف البحراني : وقد وقفت علىٰ جملة من مصنّفات الشيخ المزبور منها شرحه للاستبصار ، وحاشية علىٰ الفقيه ، وتأمّلت كلامه فوجدت الرجل فاضلاً ، إلّا أنّ عبارته معقّدة غير سلسة ، وتصنيفه غير مهذّب ولا محرّر ، وتراه يبحث في المسألة حتىٰ إذا أتىٰ الموضع المطلوب منها أحال بيانه علىٰ حواش له في كتب أخرىٰ أو مصنّف آخر ، وهذا إمّا ناشئ من العجز أو من عدم جودة الملكة في التصنيف .

ويؤيّد ما قلناه ما وقفت عليه في كلام شيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبدالله بن الحاج صالح البحراني رحمه‌الله ، قال : وكان الشيخ محمّد مدقّقاً غير ‌

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٣٩ .

(٢) روضات الجنات ٧ : ٣٩ .


محقّق ، أخبرني الشيخ عمّن أخبره من المشايخ ، عن الشيخ عليّ بن سليمان البحراني أنّه شاهده وذكر أنّه ليس في مرتبة الاجتهاد ، لأنّه من شدّة دقّته لم يقف علىٰ شي‌ء ، قال الشيخ : وهذه الدقّة تسمّىٰ بالجربزة (١) ، ومن وقف علىٰ مصنّفاته كشرح الاستبصار وحاشية الفقيه عرف صحّة ما نقله الشيخ عنه ، انتهىٰ (٢) .

والواقع أنّ هذا الكلام في عين كونه دقيقاً من جهة مدوّنات الشيخ محمّد إلّا أنّ فيه تساهلاً من جانب آخر ، وهو أنّ الذي نميل إليه أنّ المصنّف رحمه‌الله لم يكن بصدد تأليف كتاب فقهيّ استدلالي شامل كسائر الشروح المطوّلة الّتي يطرح كتّابها فيها وجهات نظرهم وآراءهم الفقهية ، بل كان غرضه ـ خصوصاً في كتاب الاستقصاء ـ بيان ما ذهب إليه الشيخ الطوسيّ من وجوه الجمع ، وشرحها وتوجيهها ، وإيراد الإشكالات عليها وحلّها إن أمكن ذلك ، وربّما أبدىٰ وجهة نظره في خصوص موردٍ ما ، دون إرادة الوصول إلىٰ النتيجة الفقهية النهائيّة ، فلا يمكن إلقاء التبعة كلها علىٰ حالة التدقيق المفرط عنده التي أخرجته إلىٰ حالة الجربزة ، فإنّ هذه الحالة وإن كانت واضحة في كتابه الاستقصاء ، وربّما في كلّ تآليفاته كما تقدّم نقل ذلك عن بعض الأعلام ، لكنّ الذي نراه هو أنّ هذا الرجل لم يؤلّف كتاباً استدلالياً موسّعاً ليؤاخذ بهذه المؤاخذة ثمّ يتّهم بعدم الاجتهاد ، لأنّ عدم إبداء النظر الأخير كانت له ـ حسب قرائن التأليف ـ مبرراته كما أوضحنا ذلك .

مضافاً إلىٰ أن الكثير من علماء الطائفة المحقّة كانوا لسببٍ أو لآخر ،

__________________

(١) الجُربزة : كلمة فارسية معناها سرعة الفهم والذكاء ـ فرهنگ معين ١ : ١٢٢٣ .

(٢) لؤلؤة البحرين : ٨٤ .


لا يريدون عن عمد إظهار آرائهم الفقهية ، مقتصرين علىٰ البحوث العلميّة المحضة ، مختصّين أنفسهم بآرائهم ونتائجهم الفقهية ، طارحين وجهات نظرهم علىٰ تلامذتهم فقط ، وربّما صرّحوا قليلاً برأيهم القاطع الذي يتوصّلون إليه في فرع أو مسألة ما ، فهم يصبّون جلّ اهتماماتهم علىٰ إغناء البحوث العلمية من رفيع أفكارهم وبديع أنظارهم وتنشئة مجموعة من الكوادر والفضلاء .

مؤلفاته ومصنفاته :

علمنا من خلال ترجمة هذا العالم الفاضل أنّه صرف عمره مثابراً في التحقيق والتدريس والتدقيق والتأليف والتصنيف ، فكان حصيلة ذلك ـ بعد تربية الفضلاء ـ أن أتحف المكتبة الإسلامية بتآليف قيّمة ، ذكر المترجمون له منها :

١ ـ استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ، وهو الكتاب الماثل بين يديك .

٢ ـ تعليقات علىٰ كتاب مدارك الأحكام .

٣ ـ حاشية اُصول الكافي .

٤ ـ حاشية علىٰ شرح اللمعة . وصل فيها إلىٰ كتاب الصلح .

٥ ـ حاشية الفقيه ، وهي حاشية علىٰ العبادات من كتاب « من لا يحضره الفقيه » .

٦ ـ حاشية كتاب الرجال ، وهي حاشية علىٰ كتاب الرجال للميرزا محمّد الاسترآبادي الرجالي المعروف .

٧ ـ حاشية المختلف .

٨ ـ حاشية المدارك . وهي غير تعليقاته عليه .


٩ ـ حاشية المطوّل .

١٠ ـ حاشية المعالم . وهي حاشية علىٰ اُصول معالم الدين لوالده .

١١ ـ ديوان شعره .

١٢ ـ رسالة سمّاها « تحفة الدهر في مناظرة الغنىٰ والفقر » .

١٣ ـ رسالة في تزكية الراوي .

١٤ ـ رسالة في التسبيح والفاتحة فيما عدا الاُوليين وترجيح التسبيح .

١٥ ـ رسالة التسليم في الصلاة . حقّق فيها ما ترجّح عنده .

١٦ ـ رسالة في الطهارة .

١٧ ـ « روضة الخواطر ونزهة النواظر » وهو كتاب مشتمل علىٰ فوائد ومسائل وأشعار له ولغيره ، وحِكَم وغيرها ، ملتقطة من كُتُب شتّىٰ .

١٨ ـ شرح الاثني عشرية لوالده .

١٩ ـ شرح تهذيب الأحكام .

٢٠ ـ كتاب مشتمل علىٰ مسائل وأحاديث .

٢١ ـ كتاب جامع مشتمل علىٰ نصائح ومواعظ وحكم ومراث وألغاز ومدائح ومراسلات شعرية بينه وبين شعراء أهل العصر ، وأجوبة منه لهم في المدائح والألغاز .

٢٢ ـ كتاب مشتمل علىٰ أشعار له ولغيره ، ومراسلات بينه وبين من عاصره .

وهكذا تتضح معالم النضوج الفكريّ ، وجوانبه في تأليفاته ، فقد صبّ اهتمامه علىٰ الفقه أوّلاً ، ثمّ علىٰ كتب الأحاديث ، ثمّ الرجال ، ثمّ أصول الفقه ، ثمّ علم البلاغة فيما يشمل من علم المعاني والبديع والبيان ، ثمّ في الأدب شعراً ونثراً ، وبعد ذلك في علوم شتّىٰ جمعها من كتب شتىٰ .


فلا ريب ولا شبهة في أنّه كان حاوياً لأصناف من الكمالات وأنواع من العلوم ، كما كان مشهوراً بدقّة النظر وقوّة العقل ، كلّ هذا بعد تسليم الجميع بأنّه من فحول وأساطين الرجاليين .

وفاته ومدفنه :

توفّي الشيخ محمّد رحمه‌الله في ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثين من الهجرة في مكّة المشرّفة . ودفن بمكّة المكرّمة ، في منطقة المعلّىٰ ، قرب مزار أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .

وجد بخط السيّد حسين بن محمّد بن علي بن أبي الحسن العاملي ، ما صورة خطّه : توفّي ابن خالي الشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدين العاملي في عاشر ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثين من الهجرة في مكّة المشرّفة (١) .

قال الخوانساري : فظهر من تاريخ مولده ووفاته أنّ عمره خمسون سنة وثلاثة أشهر (٢) .

ثمّ قال : وهو بعينه تاريخ وفاة شيخنا البهائي قدس‌سره البهي بأصفهان (٣) .

وقد كان المؤلّف رحمه‌الله قد أحسّ بدنوّ أجله ، فكان يتمنّىٰ أن يساعده الله ويعينه علىٰ سكرات الموت وما بعده ، فقد نقل ولده الشيخ عليّ عن خطّ الشيخ حسين المشغري ـ الذي كان من جملة تلامذة أبيه المذكور ومصاحبيه في مكة المشرّفة ـ أنّه كتب بعد ما رقم تاريخ وفاته ليلة الاثنين ‌

__________________

(١) رياض العلماء ٥ : ٦١ .

(٢) روضات الجنات ٧ : ٤٤ ، لؤلؤة البحرين : ٨٥ .

(٣) روضات الجنات ٧ : ٤٥ .


العاشر من ذي القعدة الحرام سنة ثلاثين من الهجرة : وقد سمعت منه قدس‌سره قبل انتقاله بأيّام قلائل مشافهة ، وهو يقول لي : إنّي أنتقلُ في هذه الأيّام عسىٰ الله أن يعينني عليها ، وكذا سمعه غيري ، وذلك في مكّة المشرّفة ، ودفنّاه ـ برَّد الله مضجعه ـ في المعلّىٰ ، قريباً من مزار خديجة الكبرىٰ رضي الله تعالىٰ عنها (١) .

وكان من كرامات هذا الشيخ الجليل ، أنّ زوجته بنت السيّد محمّد بن أبي الحسن ، وأمّ ولده ، أخبرت أنّه لمّا تُوفّي كنَّ يسمعن عنده تلاوة القرآن طول تلك الليلة (٢) .

كتاب الاستقصاء وميزاته :

إنّ كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار يمثّل واحداً من أبرز شروح الاستبصار ، وقد وجدنا مؤلّفه يقسّمُ مباحثه تقسيمات رباعية .

أ ـ ذكر الروايات الّتي في الاستبصار ، وما قاله الشيخ الطوسي في جمعها ، ورفع تعارضها البدوي .

ب ـ شرح سند الرواية أو الروايات ، والخروج بنتيجة رجالية أخذاً وردّاً ، وصحّةً وسقماً .

ج ـ الخوض في البحث المتنيّ ، وبيان وجوه الرواية ومعانيها ، وربّما توسّع المؤلّف في بحثه وأبدىٰ آراءه ونظراته فيها علىٰ نحو الجزم والالتزام أو علىٰ نحو الاحتمال لتقوية الذهنية الفقهية .

د ـ شرح لغة الحديث ، إن وجدت فيه كلمات تحتاج إلىٰ الشرح ‌

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٤٥ .

(٢) روضات الجنات ٧ : ٤٣ .


ويتوقّف عليها ابتناء هذا الرأي أو ذاك .

هذا هو تقسيم الكتاب بنحو مجمل ، فهو رباعيّ في كلِّ موضوع ، اذ هو كالآتي : الروايات ، السند ، المتن ، اللغة ، وربّما لم يجعل للّغة عنواناً مستقلاً ، فيبقىٰ التقسيم حينذاك ثلاثيّاً .

وعلىٰ كلّ حال ، فإنّ ما يهمّنا تجليته وإبرازه في هذه المقدّمة ، هو أهمّ ميزات الكتاب ، الّتي امتاز بها فكان محطّ نظر الفقهاء والفضلاء ، لأنّ للكتاب ميزات جمّة يقف عليها المطالع المدقّق ، ونحن نذكر هنا أهمّها ، وهي :

١ ـ إنّ كونه من شروح الاستبصار ـ الذي هو أحد الكتب الأربعة المعتمدة عند الإمامية ـ يعطي له قيمة علميّة وأهميّة كبيرة .

٢ ـ التنظيم الجيّد ، والخطّة المحبوكة ، في تناول المطالب بالبحث والتحقيق .

٣ ـ احتواؤه علىٰ تحقيقات رشيقة ، وتدقيقات والتفاتات يندر أن تجمع في كتاب آخر غيره ، مع عبارة مختصرة وجيزة .

٤ ـ خلوصه عن التكرار في البحوث ، واكتفاؤه بالإحالة علىٰ مواضع أخرىٰ بمثل قوله « تقدّم » أو « سيأتي » ، فلا يكرّر مطلباً إلّا إذا كانت هناك عناية خاصة أو فائدة جديدة .

٥ ـ محاولته إصابة لباب المطالب ، والابتعاد عن التفصيلات المملّة ، ولذلك فهو يحيل في كثير من الموارد علىٰ مؤلّفاته وتحقيقاته الاُخرىٰ ، خصوصاً حواشيه علىٰ التهذيب والفقيه والروضة والمعالم ، ورجال الميرزا محمّد الاسترآبادي .


٦ ـ وفرة التحقيقات الرجالية بشكل كبير جدّاً ، ولعلّ هذه السمة والميزة هي أهمّ وأعنىٰ ما في كتاب الاستقصاء ، فقد أبدع في تحقيقاته الرجالية ومبانيه الدرائية ، وكان ذلك منه رحمه‌الله معالجةً للوضع الذي كان سائداً في زمانه ، وهو عدم الاعتناء المتزايد بالبحوث الإسنادية والرجالية ، فكانت هذه الناحية سدّاً للخَلل ، ودفعاً لحركة جديدة في الحوزة العلمية آنذاك .

ولكي لا يخلو المقام من فوائد أكثر ، رأينا من الأرجح أن نثبت هنا بعض مباني المؤلّف والاُصولية ، ثمّ نذكر بعض مبانيه الرجاليّة لنقف علىٰ مدىٰ إبداع هذا الفقيه المدقّق .

من مبانيه الاُصولية :

١ ـ التسامح في أدلة الكراهة محل تأمل (١) .

٢ ـ قوله بعدم حجيّة مفهوم الوصف (٢) .

٣ ـ قوله بحجيّة مفهوم الشرط (٣) .

٤ ـ إن الشهرة إنّما تكون مثمرة إذا كانت حاصلة قبل زمان الشيخ الطوسي .

٥ ـ عدم اشتراط جميع الأعصار في تحقق الإجماع (٤) .

٦ ـ عدم المنع عن تأخير بيان المجمل إلىٰ زمان الحاجة (٥) .

__________________

(١) ص : ١٢٣ .

(٢) ص : ١٩٤ .

(٣) ص : ٢٠٨ .

(٤) ج ٢ : ٦ .

(٥) ج ٢ : ٩٦ .


مبانيه وتحقيقاته الرجالية والدرائية :

١ ـ إنّ رواية الأجلاء ـ مثل الكليني ـ عن شخص تدل علىٰ اعتباره (١) .

٢ ـ إنّ الاعتماد علىٰ المراسيل لا يصلح للقدح (٢) .

٣ ـ تقديم النجاشي علىٰ الشيخ عند تعارض الجرح والتعديل (٣) .

٤ ـ عدم إفادة تصحيح العلّامة للتوثيق المعتبر (٤) .

٥ ـ الاشكال في إفادة تصحيح الشيخ للتوثيق المعتبر (٥) .

٦ ـ مزية تصحيح الصدوق علىٰ نحو يقرب من التوثيق (٦) .

٧ ـ ترك النجاشي ذكر المذهب ـ كالوقف ـ دليل علىٰ نفيه (٧) .

٨ ـ إنّ حديث إبراهيم بن هاشم لا يعد من الصحيح ، بل من الحسن (٨) .

٩ ـ إن الاضمار لا يوجب ضعف الحديث (٩) .

١٠ ـ رواية الصدوق مرجح (١٠) .

__________________

(١) ص : ٤٨ .

(٢) ص : ٤٨ .

(٣) ص : ١٠٨ .

(٤) ج ٣ : ٢٧ .

(٥) ج ٣ : ٢٧ .

(٦) ج ٣ : ٢٨ .

(٧) باب المسافر علىٰ بعض أهله .

(٨) ص : ٥٢ ـ ٥٣ .

(٩) ص : ٧٢ .

(١٠) باب من يصلي وحده كم يصلي ؟


١١ ـ إن الاجماع علىٰ تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير محل كلام ، وعلىٰ تقديره لا يثمر عدم الالتفات الىٰ من بعده (١) .

١٢ ـ إن محمّد بن شهر آشوب غير معلوم الحال (٢) .

١٣ ـ إنّ محمّد بن قولويه محل تأمّل (٣) .

١٤ ـ انصراف ابن مسكان المطلق إلىٰ عبدالله (٤) ، والحلبي إلىٰ محمّد ابن علي الحلبي ، ومعاوية بن وهب إلىٰ الثقة (٥) ، وابن سنان الراوي عن أبي عبدالله عليه‌السلام هو عبدالله (٦) .

١٥ ـ إن الوكالة من ناحية الأئمة عليهم‌السلام لا تثبت توثيق الوكيل (٧) .

النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق :

١ ـ النسخة المخطوطة في مكتبة مدرسة الفيضية / قم : وهي من مقدّمة المؤلّف إلىٰ نهاية الصلاة ، كتبت بخطّ الناسخ محمود الحسيني علىٰ الأجزاء الثلاثة سنة ١٠٣١ هـ ، ١٠٣٢ هـ ، ١٠٣٧ هـ ورمزنا لها في الهامش بـ ( فض ) .

٢ ـ النسخة المخطوطة في مكتبة الاستانة الرضوية / مشهد : وهي من مقدّمة المؤلّف إلىٰ نهاية الصلاة ، كتبت بخطّ الناسخ محمود الحسيني ، علىٰ

__________________

(١) ص : ٣١٦ ، وج ٢ : ١٧٩ .

(٢) ص : ٣١٦ .

(٣) ص : ١١١ ، ١٦١ .

(٤) ص : ٢٥٧ .

(٥) ص ٤١٧ .

(٦) ج ٢ : ٧١ .

(٧) باب الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب .


الأجزاء الثلاثة سنة ١٠٤٤ هـ ، ١٠٤٥ هـ ، ورمزنا لها في الهامش بـ ( رض ) .

٣ ـ النسخة المخطوطة في مكتبة دانشگاه / طهران : وهي من أبواب تطهير الثياب والبدن إلىٰ باب القعود بين الأذان ، وهي مجهولة الناسخ ، يوجد في الورقة الأخيرة منها سنة ١٠٢٦ هـ. ورمزنا لها في الهامش بحرف ( د ) .

٤ ـ النسخة المخطوطة في مكتبة مجلس الشورىٰ الإسلامي ( شوراي ملي ) ، وهي من قوله « أبواب كيفية الصلاة من فاتحتها إلىٰ خاتمتها / باب وجوب قراءة الحمد » إلىٰ نهاية الصلاة ، بخط الناسخ فخر الدين بن محمّد علي الطُريحي سنة ١٠٢٨ هـ ، ورمزنا لها في الهامش بحرف ( م ) .

كما استفدنا من النسخة المطبوعة من الاستبصار لدار الكتب الاسلامية بطهران ، ومن النسخ المخطوطة الّتي أشار إليها المحقّق .

منهجية التحقيق :

أخذت مؤسّسة آل البيت في مشهد المقدسّة علىٰ عاتقها تحقيق الكتاب ، وشكلت لأجل ذلك لجاناً ـ عمل فيها المحقّقون حسب اختصاصهم العلمي ـ وشرعت بالعمل الجماعي وفقاً لخطّتها السائرة في التحقيق ، واللّجان كما يلي :

١ ـ لجنة المقابلة : وقد عمل في هذا الحقل الأخَوان الفاضلان محمّد الأنصاري ، وعلي الإبراهيمي .

٢ ـ لجنة الاستخراج : وعملها استخراج الأقوال والروايات وغريب الحديث و . . . ، من المصادر الأساسيّة ، وقد عمل في هذه اللّجنة كلّ من حجج الإسلام : الشيخ علي المقني ، والشيخ محمّد حسين أميني ، والشيخ ‌


محمّد علي زينلي ، والأخوة الأماجد : عبدالحسين الحسون وعبدالرضا مجيد الروازق ، والسيّد عبدالعزيز كريمي .

٣ ـ لجنة تقويم النصّ : وتكونت هذه اللّجنة من حجج الإسلام : الشيخ محمّد صبحي ، والشيخ عباس تبريزيان ، والشيخ مجتبىٰ فرحناكي ، والشيخ كريم الأنصاري .

٤ ـ كتابة الهامش : وقد اُنيطت بالأخ السيّد محمّد جواد الحسيني .

٥ ـ الإشراف والمراجعة النهائية : وقد كانت مهمّته من مسؤوليّات حجة الاسلام الشيخ محمّد بهره‌مند .

وفي الختام نقدّم جزيل شكرنا لجميع العاملين في تحقيق هذا الكتاب ، وبالأخص حجة الاسلام الشيخ محسن قديري لما بذله من جهد في ملاحظة الكتاب .

سائلينه سبحانه وتعالىٰ أن يتقبله بأحسن قبوله

وصلىٰ الله علىٰ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين‌

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث‌


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimagesrafed.jpg


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages040.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages041.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages042.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages043.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages044.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages045.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages046.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimages047.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEEsteqsa-Eatebar-introimagesrafed.jpg

إستقصاء الإعتبار - -١

المؤلف: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الصفحات: 48