

ملحق
سند
حديث أنا
مدينة العلم
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد :
فهذه أسماء جماعة
آخرين من كبار الأئمة والحفّاظ والعلماء الأعلام من أهل السنّة ، الرواة الحديث
أنا مدينة العلم في مختلف القرون ... استخرجتها من الأسانيد أو نقلتها من المصادر
بقدر الاستطاعة وكلّما سنحت فرصة ، أوردها هنا تتميما للفائدة ، والله هو الموفق.
(١)
رواية داود بن سليمان
الغازي
وهو من كبار مشايخ
الحديث بقزوين ، اشتهر بروايته عن سيدنا الامام علي بن موسى الرضا 7.
روى الحافظ ابن
النجار الحديث الشريف عن طريقه عن الامام الرضا 7 .
__________________
ترجمته :
قال الرافعي : «
داود بن سليمان بن يوسف الغازي أبو أحمد القزويني شيخ اشتهر بالرواية عن علي بن
موسى الرضا ويقال : ان عليا كان مستخفيا في داره مدة مكثه بقزوين ، وله نسخة عنه
يرويها أهل قزوين عن داود. كإسحاق بن محمد وعلى بن محمد بن مهرويه وغيرهما » .
(٢)
رواية أبي معاوية الضّرير
من أشهر وأعظم
رواة حديث أنا مدينة العلم : أبو معاوية محمد بن خازم التميمي الضرير ، المتوفى
سنة ١٩٥. فإنّه وقع في كثير من أسانيد القوم في رواية هذا الحديث عن الأعمش عن
مجاهد عن ابن عباس ... كما لا يخفى على من نظر فيها.
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « روى عنه : أحمد
بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة زهير ابن حرب ... » ثم أورد كلمات الثناء عليه
ووثّقه .
٢
ـ الذهبي : « أبو معاوية
الحافظ الثبت ، محدّث الكوفة ... » .
__________________
٣
ـ ابن حجر : « ثقة ، أحفظ الناس
لحديث الأعمش ... » .
٤
ـ السيوطي : « وثقه ابن معين
والعجلي والنسائي والدار قطني » .
(٣)
رواية أبي عبيد
وهو القاسم بن
سلام البغدادي المتوفى سنة ٢٢٤.
رواه عن أبي
معاوية الضرير ، كما في ( فتح الملك العلي ) عن ابن حبّان .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : ترجم له ترجمة
مطوّلة جدّا .
٢
ـ الذهبي : « الإمام ،
المجتهد ، البحر ، القاسم بن سلام البغدادي اللغوي الفقيه صاحب المصنفات » فحكى
قول إسحاق بن راهويه : « الله يحبّ الحقّ ، أبو عبيد أعلم منّي وأفقه » وقوله : «
نحن نحتاج إلى أبي عبيد ، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا » وقول أحمدك « أبو عبيد أستاذ
، وهو يزداد كلّ يوم خيرا » وقول يحيى بن معين ـ وقد سئل عنه ـ : « أبو عبيد يسأل
عن الناس » وقول أبي داود : « ثقة مأمون ». ثم قال الذهبي :
« من نظر في كتب
أبي عبيد علم مكانه من الحفظ والعلم ، وكان حافظا للحديث وعلله ، ومعرفته متوسطة ،
عارفا بالفقه والاختلاف ، رأسا في اللغة ،
__________________
إماما في القراءات
له فيها مصنّف ، ولّي قضاء الثغور مدة. مات بمكة سنة ٢٢٤ » .
٣
ـ ابن حجر العسقلاني ، فذكر جملة من الكلمات في حقّه .
وتوجد ترجمته في
الطبقات ٧ / ٣٥٥ ، المعارف ٥٤٩ ، معجم الأدباء ١٦ / ٣٥٤ وفيات الأعيان ٤ / ٦٠ ،
النجوم الزاهرة ٢ / ٢٤١ وغيرها.
(٤)
رواية الفيدي
وهو : محمد بن
جعفر العلاّف ، المتوفى سنة ٢٣٦. رواه عنه يحيى بن معين. وهو في طريق رواية
الحاكم.
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « خ ، محمد بن
جعفر الفيدي العلاّف. عن وكيع ونحوه.
وعنه : البخاري.
مات بعد الثلاثين » .
٢
ـ ابن حجر : « خ ، محمد بن
جعفر ... روى عنه البخاري حديثا واحدا في الهبة ... ذكره ابن حبان في الثقات. قال
أبو القاسم : مات يوم الخميس غرة جمادى الآخرة سنة ٢٣٦ ... » .
__________________
(٥)
رواية ابن خداش
وهو أبو محمد بن
خداش الطالقاني ، المتوفى سنة ٢٥٠.
رواه عن أبي
معاوية الضرير كما في ( فتح الملك ) .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « محمود بن خداش ،
أبو محمد الطالقاني ، سكن بغداد وحدّث بها » ثم روى ثقته عن ابن معين وأبي الفتح
محمد بن الحسين الأزدي الحافظ ... وذكر عن البخاري أنه مات سنة ٢٥٠ .
٢
ـ الذهبي : « الامام الحافظ
الثقة » .
٣
ـ ابن حجر : « روى عنه :
الترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة وإبراهيم الحربي.
قال ابن محرز عن
ابن معين : ثقة.
وقال أبو الفتح
الأزدي : من أهل الصدق والثقة.
وذكره ابن حبان في
الثقات.
وقال مسلمة : ثقة
» .
__________________
(٦)
رواية إسحاق الحربي
هو من رواة الحديث
عن أبي الصّلت الهروي ، وقد رواه الحافظ الخطيب عن طريقه في تاريخه ، وأورد الحافظ
المغربي روايته فيمن رواه عن أبي الصلت .
ترجمته :
قال الحافظ الذهبي : « الامام الحافظ الصدوق : أبو يعقوب إسحاق بن الحسن بن
ميمون البغدادي الحربي ، ولد سنة نيف وتسعين ومائة. حدّث عنه : محمد بن مخلد ، وأبوبكر
النجار ، وأبو سهل بن زياد ، وأبوبكر الشافعي ، وأبو علي ابن الصواف ، وأبوبكر
القطيعي ، وخلق كثير.
قال الدار قطني :
قال لنا أبوبكر الشافعي : سئل إبراهيم الحربي عن إسحاق بن الحسن فقال : هو ينبغي
أن يسأل عنا.
وقال عبد الله بن
أحمد بن حنبل : هو ثقة ...
قلت : كان من
العلماء السّادة. مات في شوال ٢٨٤ وقد جاوز التسعين » .
وله ترجمة في :
المنتظم ٥ / ١٧٤ ، الوافي بالوفيات ٨ / ٤٠٩ ، شذرات
__________________
الذهب ٢ / ١٨٦.
(٧)
رواية محمّد بن إسماعيل
الضراري
قال الحافظ المغربي : « أما رواية محمد
بن إسماعيل فأخرجها ابن جرير في تهذيب الآثار قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الضراري
، ثنا عبد السلام بن صالح الهروي ، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد
المدينة فليأتها من بابها » .
ترجمته :
قال الحافظ ابن حجر : « محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الضرائري أبو صالح الرازي.
روى عن يونس بن محمد المؤدب ، ويعلى بن عبيد ، وعبد الرزاق ، وعبيد الله بن موسى ،
وعبد الله بن يزيد المقري ، وأبي نعيم ، والفريابي ، وغيرهم.
وعنه : ابن ماجة ،
وأبو حاتم وقال : صدوق ، وأبو بشر الدولابي ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري » .
وقال الذهبي : «
سمع عبد الرزاق وطبقته. وعنه : ق ومحمد بن جرير ، وجماعة. صدوق » .
__________________
(٨)
رواية القاسم بن عبد
الرحمن الأنباري
هو من رواة الحديث
عن أبي الصّلت الهروي. وقد رواه الحافظ الخطيب بسنده عنه ... .
وقال الحافظ ابن
حجر : « قال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري : سألت يحيى بن معين عن حديث حدّثنا به
أبو الصلت ... فقال : هو صحيح » .
وقال الحافظ
المغربي : « وأمّا رواية القاسم بن عبد الرحمن الأنباري فأخرجها الخطيب ... .
ترجمته :
وترجم له الحافظ
ابن حجر حيث قال : « وفي الرواة القاسم بن عبد الرحمن الأنباري ـ بالموحدة بعد
النون ـ واسم جده زياد. روى عن أبي جعفر النفيلي وغيره. وعنه : أبو عمرو بن
السمّاك وطبقته ... » .
__________________
(٩)
رواية المبرّد
وهو أبو العباس
محمد بن يزيد الأزدي المتوفى سنة ٢٨٦.
رواه عن أمير المؤمنين 7 مرسلا حيث قال : « قال علي رحمة الله
عليه في حديث : وكان رسول الله 6
يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « محمد بن يزيد ...
أبو العباس الأزدي ، ثمّ الثمالي ، المعروف بالمبرد ، شيخ أهل النحو وحافظ علم
العربية ... وكان عالما فاضلا موثوقا به في الرواية ... » .
٢
ـ الذهبي : « كان إماما
علاّمة جميلا وسيما فصيحا مفوّها موثقا صاحب نوادر وظرف ... مات ٢٨٦ » .
٣
ـ الداودي : « كان عالما فاضلا
فصيحا بليغا مفوها ثقة أخباريا موثوقا به في الرواية ... » .
__________________
(١٠)
رواية أبي عبد الله
الصائغ
هو ممن روى الحديث
عن أبي الصّلت ، فقد أخرج الطبراني الحديث عنه وعن الحسن بن علي المعمري جميعا عن
أبي الصّلت ، عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس .
وأورده الحافظ
المغربي في كتابه .
ترجمته :
وترجم الحافظ
الذهبي بقوله : « الصائغ المحدّث الامام الثقة أبو عبد الله محمّد بن علي بن زيد
المكي الصائغ ، سمع ...
مع الصدق والفهم
وسعة الرواية.
حدث عنه : دعلج بن
أحمد ، وأبو محمد الفاكهي ، وسليمان الطبراني ، وخلق كثير من الرّحالين.
وفاته بمكة في ذي
القعدة سنة ٢٩١ » .
وله ترجمة في :
تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٥٩ ، العبر ٢ / ٩٠ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٠٩.
__________________
(١١)
رواية أحمد بن حفص
وهو : أحمد بن حفص السعدي الجرجاني
المتوفى سنة ٢٩٣ ، أو ٢٩٤ ، وهو شيخ ابن عدي الجرجاني ، روى عنه حديث أنا مدينة
العلم بسنده عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عبّاس ... .
ترجمته :
قال الحافظ السّهمي : « أبو محمّد أحمد بن حفص بن عمر بن حاتم بن النجم بن ماهان
السعدي الجرجاني ، يعرف ب « حمدان ». روى عن : علي بن الجعد ، وسويد بن سعيد ،
ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وابني أبي شيبة أبي بكر وعثمان ، وأحمد بن حنبل ،
ويحيى بن معين ، ويحيى بن أكثم. وغيرهم.
مات في سنة ثلاث
أو أربع وتسعين ومائتين.
سمعت الامام أبابكر
الإسماعيلي يقول : كان يعرف الحديث ، صدوقا ، وكان ممرورا ... » .
__________________
(١٢)
رواية صالح بن محمد جزرة
هو ممّن روى الحديث الشّريف عن أبي
الصّلت الهروي ، فقد رواه الحافظ السمرقندي في كتابه ( بحر الأسانيد ) عن أبي طالب
حمزة بن محمد الحافظ ، عن محمد بن أحمد الحفاظ ، عن أبي صالح الكرابيسي ، عن صالح
بن محمد ، عن أبي الصلت الهروي ، أنا أبو معاوية ، عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس
عن رسول الله 6
قال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد بابها فليأت عليا » .
ترجمته :
وهو : صالح بن
محمّد المتوفى سنة ٢٩٤.
قال الذهبي : « صالح بن محمّد ... الامام الحافظ الكبير الحجّة محدّث
المشرق أبو علي الأسدي البغدادي الملقب جزرة ... حدّث عنه مسلم بن الحجاج خارج
الصحيح ، وهو أكبر منه بقليل ...
قال الدار قطني :
كان ثقة حافظا غازيا.
وقال الحافظ أبو
سعد الإدريسي : ما أعلم في عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله.
الخطيب : كان
صدوقا ثبتا ذا مزاح ... » .
__________________
وتوجد ترجمته في :
تاريخ بغداد ٩ / ٣٢٢ ، تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٤١ ، النجوم الزاهرة ٣ / ١٦١ ، شذرات
الذهب ٢ / ٢١٦ ، تاريخ ابن كثير ١١ / ٢٠٢ وغيرها.
(١٣)
رواية المعمري
وهو الحسن بن علي
المعمري المتوفى سنة ٢٩٥. وهو شيخ الطبراني الذي روى عنه حديث أنا مدينة العلم في
( المعجم الكبير ) .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « الحسن بن علي بن
شبيب أبو علي المعمري الحافظ ، رحل في الحديث الى البصرة والكوفة والشام ومصر ...
كان من أوعية العلم ، يذكر بالفهم ويوصف بالحفظ ، ذكره الدار قطني فقال : صدوق
حافظ ... مات سنة ٢٩٥ ... » .
٢
ـ ابن الجوزي : « أبو علي المعمري الحافظ ، ... كان من أوعية العلم ، وله حفظ وفهم. وقال
الدار قطني : صدوق حافظ ... وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماما ربّانيا ... » .
٣
ـ السيوطي : « المعمري الحافظ
العلامة البارع أبو علي ... » .
__________________
(١٤)
رواية ابن زاطيا
وهو علي بن إسحاق
بن عيسى بن زاطيا المتوفى سنة ٣٠٦. فقد وقع في طريق اسناد رواية الحافظ ابن عدي
بترجمة « عثمان بن عبد الله الأموي » ورواية الحافظ الكنجي في كتابه ( كفاية
الطالب ).
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « علي بن إسحاق بن
عيسى بن زاطيا ... روى عنه : أبو عمرو ابن السّماك ، وأبوبكر الشافعي ، وعبد
العزيز بن محمد بن الواثق بالله ، وعبد الله بن إبراهيم الزبيبي ، وعيسى بن حامد
الرخجي ، وأبو حفص ابن الزيات ، وعلي بن عمر السكري وغيرهم.
وكان صدوقا ... » .
٢
ـ الذهبي : « المحدّث ... روى
عنه ... وأبوبكر ابن السنّي وقال : لا بأس به. قلت : كفّ بصره بأخرة. توفي في
جمادى الأولى سنة ٣٠٦ » .
__________________
(١٥)
رواية الخثعمي الأشناني
وهو أبو جعفر محمد
بن الحسين المتوفى سنة ٣١٥ ، شيخ الخطيب البغدادي ، رواه عنه في ( تاريخه ) و (
تلخيص المتشابه ).
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « كان ثقة حجة » .
٢
ـ الذهبي : « الخثعمي :
الامام الحجة المحدث أبو جعفر ... قال الدار قطني : أبو جعفر ثقة مأمون » .
٣
ـ السمعاني : « أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص بن عمر الأشناني الكوفي ، ثقة صالح مأمون ،
سمع عباد بن يعقوب الرواجني ... وكان تقوم به الحجة. وفاته سنة ٣١٥ » .
__________________
(١٦)
رواية ابن مروان القرشي
وهو إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٣١٩.
وهو شيخ عبد
الوهاب الكلابي روى عنه الحديث.
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « ابن مروان. هو
الحافظ الامام أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي
الدمشقي ، محدّث رحّال ... عنه ... عبد الوهاب الكلابي ، وحميد الورّاق ، وآخرون.
مات في رجب سنة ٣١٩ » .
٢
ـ الذهبي : « ابن مروان
الامام الحافظ الثقة الرّحال ... » .
٣
ـ الصفدي : « الأموي الدمشقي
... الحافظ » .
__________________
(١٧)
رواية أبي الطيب الدقّاق
وهو محمد بن عبد
الصمد المتوفى سنة ٣١٩. رواه عنه الخطيب البغدادي في تاريخه.
ترجمته :
قال الخطيب : « محمد بن عبد الصمد أبو الطّيب الدقاق يعرف بالبغوي. وكان
ابن خالة عبد الله بن محمد البغوي ... حدّث عنه : القاضي أبو الحسن الجراحي ، وأبو
حفص ابن شاهين ، ومحمد بن عبد الله ابن أخي ميمي ، وما علمت من حاله إلاّ خيرا ...
» .
(١٨)
رواية عبد الملك الجرجاني
وهو عبد الملك بن
محمد بن عدي ، أبو نعيم ، الفقيه الجرجاني ، المعروف بالاسترابادي ، المتوفى سنة
٣٢٢ ـ أو ٣٢٣. وهو شيخ أبي أحمد ابن عدي الجرجاني ، وقد وقعا في طريق رواية الحافظ
الكنجي الحديث في كتابه ( كفاية
__________________
الطالب ) .
ترجمته :
١
ـ الخطيب البغدادي : « كان أحد أئمة المسلمين ، ومن الحفّاظ لشرائع الدين ، مع صدق وتورع وضبط
وتيقّظ ، سافر الكثير ، وكتب بالعراق والحجاز ، والشام ومصر ، وورد بغداد قديما ...
» .
٢
ـ الذهبي : « أبو نعيم ابن
عدي الامام الحافظ الكبير الثقة ... قال حمزة ابن يوسف : كان مقدّما في الفقه
والحديث وكانت الرحلة اليه ... قال الحاكم : هو الفقيه الحافظ للمسانيد والفقهيّات
عن الصحابة والتابعين ... » .
٣
ـ الأسنوي : « كان إماما حافظا
ورعا فقيها رحّالا إلى الآفاق ، قال أبو الوليد حسان القرشي : لم يكن في عصرنا
بخراسان أحفظ للفقه وأقاويل الصحابة منه. وكان الرحال تشدّ إليه. ولد سنة ٢٤٢ ومات
سنة ٣٢٣ ... » .
(١٩)
رواية مكرم بن أحمد
المتوفى سنة ٣٤٥.
فقد ورد في طريق رواية الحافظ ابن الأثير في ( أسد الغابة ).
__________________
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « حدثنا عنه : أبو
الحسن ابن رزقويه وأبو الحسين بن الفضل القطّان وأبو علي ابن شاذان.
وكان ثقة. أخبرنا
ابن شاذان : توفي سنة ٣٤٥ ... » .
٢
ـ الذهبي : « حدّث عنه : ابن
مندة ، والحاكم ، وأبو الحسن ابن رزقويه ، وابن الفضل القطّان ، وأبو علي ابن
شاذان ، وآخرون. وثّقه الخطيب ... » .
(٢٠)
رواية أحمد بن فاذويه
الطحّان
قال الخطيب : « أحمد بن فاذويه بن عزرة أبوبكر
الطحان ، حدّث عن أحمد ابن محمد بن يزيد بن سليم. روى عنه محمد بن المظفر ، وأبو
القاسم بن الثلاّج. أخبرني أحمد بن محمد العتيقي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد
الله الشاهد ، حدثنا أبوبكر أحمد بن فاذويه بن عزرة الطحان ، حدثنا أبو عبد الله
أحمد بن محمد ابن يزيد بن سليم ، حدثني رجاء بن سلمة ، حدثنا أبو معاوية الضرير عن
الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة
العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » .
__________________
(٢١)
رواية النعمان بن هارون
البلدي
هو من رجال الحاكم
في ( المستدرك ) وقد صحّح الحديث.
ترجمته :
وذكره الحافظ
الخطيب في ( تاريخه ) فقال : « النعمان بن هارون بن محمد بن هارون بن جابر بن
النعمان ، أبو القاسم الشيباني البلدي ، يعرف بابن أبي الدلهاث. قدم بغداد وحدّث
بها ...
روى عنه : محمد بن
المظفر ، وعلي بن عمر السكري. وما علمت من حاله إلاّ خيرا » .
(٢٢)
رواية عبد الرحمن بن
سليمان بن موسى الجرجاني
هو شيخ الحافظ ابن
عدي. وعنه روى الحديث الشريف كما سيأتي.
ترجمته :
قال السهمي : « عبد الرحمن بن سليمان بن موسى بن عدي أبو سعيد
__________________
الجرجاني نزيل
مكة. روى عن أحمد بن سعيد الرازي ، حدّثنا عنه عبد الله بن عدي الحافظ ، وأبوبكر
محمد بن أحمد المفيد بجرجرايا ... » .
(٢٣)
رواية ابن مهرويه
وهو : علي بن محمد
بن مهرويه القزويني ، كان حيا سنة ٣٥٥.
فقد وقع في طريق رواية الحافظ ابن
النجار حديث أنا مدينة العلم عن الامام الرّضا 7
عن آبائه الطاهرين :
.
ترجمته :
١
ـ السمعاني : « وأبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني حدّث في القرية ببغداد والجبال
عن يحيى بن عبدك القزويني ، وداود بن سليمان الغازي ، ومحمد بن المغيرة ، والحسن
بن علي بن عفان. روى عنه : عمر بن محمد بن سنبك ، وأبوبكر محمد بن عبد الله
الابهري ، ومحمد بن عبيد الله بن الشخير ، وأبو حفص ابن شاهين الواعظ وغيرهم.
ذكره أبو الفضل
صالح بن محمد بن أحمد الحافظ في طبقات أهل همدان وقال : ... كان يأخذ على نسخة علي
بن موسى الرضا. وكان شيخا مسنّا ومحلّه الصدق » .
__________________
٢
ـ الرافعي : ذكره كذلك وأضاف
أنه حدّث ببغداد سنة ٣٢٣.
(٢٤)
رواية ابن خلاّد
وهو أبوبكر أحمد
بن يوسف المتوفى سنة ٣٥٩ شيخ الحافظ أبي نعيم.
قال أبو نعيم : « حدثنا أبوبكر ابن خلاد
وفاروق الخطابي قالا : ثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا محمد بن عمر بن الرومي ، ثنا شريك
، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابحي ، عن علي قال : قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
ترجمته :
قال الذهبي : « الشيخ الصدوق المحدّث مسند العراق ... روى عنه : الدار
قطني ، وابن رزقويه ، وهلال الحفار ، وأبو علي ابن شاذان ، ومحمد بن عبد الواحد بن
رزمة ، وأبو نعيم الحافظ وآخرون.
قال الخطيب : كان
لا يعرف شيئا من العلم غير أنّ سماعه صحيح.
وقال أبو نعيم :
كان ثقة.
وكذا وثّقه أبو
الفتح ابن أبي الفوارس » .
وتوجد ترجمته في
تاريخ بغداد ٥ / ٢٢٠.
__________________
(٢٥)
رواية فاروق الخطابي
وهو شيخ الحافظ
أبي نعيم.
وقد عرفت روايته
من عبارة ( معرفة الصحابة ).
ترجمته :
قال الذهبي : « فاروق بن عبد الكبير بن عمر. المحدّث المعمّر ، مسند
البصرة أبو حفص الخطابي البصري ...
حدّث عنه : أبوبكر
محمد بن أبي علي الذكواني ، وأحمد بن محمد بن الصقر البغدادي ، وعلي بن عبد كويه ،
وأبو نعيم الحافظ وآخرون.
وما به بأس.
بقي إلى سنة ٣٦١ »
.
(٢٦)
رواية ابن عدي
روى الحديث بترجمة
« سعيد بن عقبة أبي الفتح الكوفي » وبترجمة « أحمد بن سلمة » وبترجمة « عثمان بن
عبد الله الأموي ». قال في الأول :
__________________
« حدّثنا أحمد بن حفص ، ثنا سعيد بن عقبة أبو
الفتح الكوفي ، ثنا سليمان الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب.
قال الشيخ : وهذا
يروى عن أبي معاوية عن الأعمش ، وعن أبي معاوية يعرف بأبي الصلت الهروي عنه ، وقد
سرقه من أبي الصّلت جماعة ضعفاء » .
وروى أبو القاسم
السهمي الحديث عن ابن عدي بسنده ... .
وابن عساكر عن
السهمي عنه بسنده ... .
ترجمته :
وهو الحافظ أبو
أحمد عبد الله بن علي ابن عدي صاحب ( الكامل في الضعفاء ) المتوفى سنة ٣٦٥ :
قال السمعاني : «
أبو أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد الجرجاني المعروف بابن القطّان الحافظ من أهل
جرجان ، كان حافظ عصره ، رحل إلى الإسكندرية وسمرقند ، ودخل البلاد وأدرك الشيوخ.
كان حافظا متقنا لم يكن في زمانه مثله » .
وتوجد ترجمته في :
تذكرة الحفاظ ٣ / ١٦١ ، مرآة الجنان ٢ / ٣٨١ ، العبر ٣ / ٥١.
__________________
(٢٧)
رواية شمس الدين المقدسي
وهو : صاحب كتاب (
أحسن التقاسيم ) من علماء القرن الرابع على ما في بعض المصادر ، رواه في كتابه
المذكور .
ترجمته :
١
ـ حاجي خليفة : « أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد
المقدسي الحنفي المتوفى سنة ... وهو كتاب مرتّب على الأقاليم العرفيّة ... » .
٢
ـ الزركلي : « محمد بن أبي بكر
البناء المقدسي ويقال له : البشاري ، شمس الدين أبو عبد الله ، رحّالة جغرافي ،
ولد في القدس ، وتعاطى التجارة ، فتجشّم أسفارا هيّأت له المعرفة بغوامض أحوال
البلاد ، ثم انقطع إلى تتّبع ذلك فطاف أكثر بلاد الإسلام ، وصنّف كتابه أحسن
التقاسيم في معرفة الأقاليم ... » وأرخّ وفاته بسنة : نحو ٣٨٠. .
٣
ـ كحالة : « مؤرّخ رحّالة
جغرافي » وأرخّه بسنة ٣٧٥ .
٤ ـ وأرخ وفاته في
هدية العارفين بحدود سنة ٤١٤.
__________________
(٢٨)
رواية ابن شاذان
وهو أحمد بن
إبراهيم بن شاذان البزاز المتوفّى سنة ٣٨٣. فقد وقع في سند رواية ابن المغازلي ،
كما لا يخفى على من راجعه.
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « روى عنه الدار
قطني ... وكان ثقة ثبتا صحيح السّماع كثير الحديث ... سمعت الأزهري يقول : كان ابن
شاذان ثقة ثبتا حجّة ... أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي قال : سنة ٣٨٣ فيها توفي أبوبكر
ابن شاذان لثلاث عشرة ليلة بقين من شوال ، ثقة مأمون فاضل كثير الكتب ، صاحب أصول
حسان » .
٢
ـ الذهبي : « ابن شاذان الشيخ
الامام المحدّث الثقة المتقن ... » .
(٢٩)
رواية الدار قطني
وهو أبو الحسن علي
بن عمر البغدادي المتوفى سنة ٣٨٥. فقد وقع في غير واحد من أسانيد رواية حديث أنا
مدينة العلم ، منها رواية الحافظ ابن عساكر في
__________________
تاريخ دمشق بترجمة
مولانا أمير المؤمنين 7 .
ترجمته :
الذهبي
: « الدار قطني ـ أبو
الحسن علي بن عمر البغدادي الحافظ المشهور ، صاحب التصانيف. ذكره الحاكم فقال :
صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع ، إماما في القرّاء والنحاة ، صادفته فوق ما
وصف لي ، وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب : كان فريد عصره وفزيع دهره ونسيج
وحده وإمام وقته ، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال ، مع
الصّدق وصحة الاعتقاد والاضطلاع من علوم سوى علم الحديث ... وقال أبو ذر الهروي
قلت للحاكم : هل رأيت مثل الدار قطني؟ فقال : هو إمام لم ير مثل نفسه فكيف أنا. وقال
البرقاني : كان الدار قطني يملي عليّ العلل من حفظه. وقال القاضي أبو الطيب الطبري
: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث » .
(٣٠)
رواية الكلابي
وهو أبو الحسين
عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي ، المعروف بابن أخي تبوك ، المتوفى سنة
٣٩٦.
روى حديث مدينة العلم حيث قال :
« حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال :
حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي بالرملة قال : حدثنا أبو الصلت الهروي عبد السلام
بن صالح قال : حدثنا أبو
__________________
معاوية عن الأعمش عن
مجاهد عن ابن عباس قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا
مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه » .
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « الكلابي المحدّث
الصّادق المعمّر » ثم ذكر مشايخه والرواة عنه ، وأرخّ وفاته بالسنة المذكورة. ونقل
عن عبد العزيز الكتاني قوله : كان ثقة نبيلا مأمونا .
٢
ـ الذهبي كذلك في العبر .
٣
ـ ابن العماد ، فذكر عبارة العبر على عادته .
(٣١)
رواية أبي الحسن العلوي
وهو أبو الحسن
محمد بن الحسين العلوي النيسابوري المتوفى سنة ٤٠١ ، وكان من شيوخ الحاكم وأبي بكر
البيهقي ... وقد وقع في طريق إسناد رواية الموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي فراجعه.
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « العلوي ـ الامام
السيد المحدّث الصدوق ، مسند
__________________
خراسان ، أبو
الحسن محمد بن الحسين بن داود بن علي العلوي الحسني النيسابوري. الحسيب ، رئيس
السادة ... حدّث عنه الحاكم وأبوبكر البيهقي وهو أكبر شيخ له ... قال الحاكم : هو
ذو الهمّة العالية والعبادة الظاهرية ، وكان يسئل أن يحدّث فلا يحدّث ، ثم في
الآخر عقدت له مجلس الاملاء وانتقيت له ألف حديث ، وكان يعدّ في مجلسه ألف محبرة ،
فحدّث وأملى ثلاث سنين. مات فجأة في جمادى الآخرة سنة ٤٠١ » .
٢
ـ السبكي وساق نسبه نقلا
عن الحاكم قال : وأثنى عليه وقال : شيخ الشرق في عصره ... .
٣
ـ الأسنوي ، حيث ترجم له
ولأخيه أبي علي محمد وقال : « كانا من سادات الشافعية ، وأعيان العلماء وخيار أهل
السنة » .
(٣٢)
رواية محمد بن أحمد بن
رزق
وهو شيخ الحافظ
الخطيب البغدادي. روى عنه هذا الحديث الشريف في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « محمد بن أحمد بن
محمّد بن أحمد بن رزق ... أبو الحسن البزاز المعروف بابن رزقويه ... وكان ثقة
صدوقا كثير السماع والكتابة ، حسن
__________________
الاعتقاد ، جميل
المذهب ، مديما لتلاوة القرآن ، شديدا على أهل البدع ، ومكث يملي في جامع المدينة
من بعد سنة ٣٨٠ إلى قبل وفاته بمدة. وهو أول شيخ كتبت عنه ، وأوّل ما سمعت منه في
سنة ٤٠٣ ... » .
٢
ـ الذهبي : « الإمام المحدّث
المتقن المعمّر شيخ بغداد ... » .
٣
ـ ابن تغري بردي : « سمع الحديث فأكثر ، وكان ثقة صدوقا كثير السماع حسن الاعتقاد جميل المذهب » .
(٣٣)
رواية الصّيرفي
وهو : أبو سعيد
محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان النيسابوري المتوفى سنة ٤٢١. وقد طريق رواية ابن
المغازلي فراجعه.
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « الصّيرفي الشيخ
الثقة المأمون ... وسمع أيضا من أبي عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ... حدّث عنه
أبوبكر البيهقي والخطيب ... » .
٢
ـ ابن العماد : « أبو سعيد الصيرفي محمد بن موسى ... كان ثقة ... » .
__________________
(٣٤)
رواية البرقاني
وهو أبوبكر أحمد
بن محمد بن أحمد الخوارزمي الشافعي المتوفى سنة ٤٢٥. فقد وقع في طريق رواية الحافظ
ابن عساكر في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « أحمد بن محمد بن
أحمد بن غالب ، أبوبكر ، الخوارزمي ، المعروف بالبرقاني ـ فذكر أسفاره ومشايخه في
البلاد. ثم قال ـ ثم عاد إلى بغداد فاستوطنها وحدّث بها ، فكتبنا عنه ، وكان ثقة
ورعا متقنا متثبّتا فهما ، لم ير في شيوخنا أثبت منه ...
سمعت أبا القاسم
الأزهري يقول : البرقاني إمام إذا مات ذهب هذا الشأن. يعني الحديث.
سمعت أبا محمد
الخلاّل ـ ذكر البرقاني فقال ـ : كان نسيج وحده ...
ومات ; في يوم الأربعاء
أول يوم من رجب سنة ٤٢٥ » .
٢
ـ الذهبي : « البرقاني ،
الامام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدّثين ... شيخ بغداد ... » .
٣
ـ الأسنوي : « كان إماما حافظا
ورعا مجتهدا في العبادة حافظا للقرآن ... » .
__________________
(٣٥)
رواية النرسي
وهو محمد بن عمر
النرسي المتوفى سنة ٤٢٦ شيخ الخطيب البغدادي ، رواه عنه في تاريخه .
ترجمته :
وقال بترجمته : «
محمد بن عمر بن القاسم بن بشر بن عاصم بن أحمد ، أبوبكر النرسي ، يعرف بابن عدسيّة
، كتبنا عنه ، وكان شيخا صالحا صدوقا من أهل السنة ، معروفا بالخير ... » .
(٣٦)
رواية الثعلبي
وهو أبو إسحاق
أحمد بن محمد بن إبراهيم المتوفى سنة ٤٢٧ أو ٤٣٧.
رواه في تفسيره
المعروف ، عن طريق أحمد والترمذي ، بعين لفظهما.
ترجمته :
١
ـ السبكي : « كان أوحد زمانه
في علم القرآن » .
__________________
٢
ـ الداودي : « كان أوحد زمانه
في علم القرآن ، حافظا للّغة ، بارعا في العربية ، واعظا ، موثقا ... » .
٣
ـ الأسنوي : « ذكره ابن الصلاح
والنووي من الفقهاء الشافعية ، وكان إماما في اللغة والنحو » .
(٣٧)
رواية الدسكري
وهو أبو طالب يحيى
بن علي المتوفى سنة ٤٣١ ، شيخ الخطيب البغدادي ، روى عنه الحديث الشريف في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ عبد الغافر الفارسي : « أبو طالب الدسكري يحيى بن علي بن الطيب ، الفقيه الصوفي ، الدسكري ، أبو
طالب ، المقيم بحلوان ، خادم الفقراء بها ، وشيخ البلد ، والمفتي والمحدّث والقاضي
، كتب بجرجان ونيسابور وأصبهان ، وحدّث عن الغطريفي وابن المقري ، وروى الكثير ،
فسمع منه الغرباء تبرّكا بروايته ، وتوفي يوم الجمعة في رجب سنة ٤٣١. روى عنه :
أحمد بن أبي سعد بن علي النيسابوري ... المؤذن » .
__________________
٢
ـ السبكي : « يحيى بن علي ...
الشيخ الجوّال في البلاد ، سمع أبا أحمد الغطريفي وغيره. روى عنه أبوبكر الخطيب
وغيره ... » ثم أورد كلام الفارسي المذكور .
(٣٨)
رواية الصّيمري
وهو الحسين بن علي
المتوفى سنة ٤٣٦ ، شيخ الخطيب البغدادي ، روى عنه الحديث الشريف في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « سكن بغداد ،
وكان أحد الفقهاء المذكورين من العراقيين ، حسن العبارة جيد النظر ، ولي قضاء
المدائن في أول أمره ، ثم ولّي بأخرة القضاء بربع الكرخ ، ولم يزل يتقلّده إلى حين
وفاته ... كتبت عنه ، وكان صدوقا وافر العقل جميل المعاشرة ، عارفا بحقوق أهل
العلم ... مات سنة ٤٣٦ » .
٢
ـ ابن الجوزي : ترجمة بعبارة الخطيب المتقدمة .
٣
ـ الذهبي : « الصيمري القاضي
العلاّمة ... وكان من كبار الفقهاء المناظرين ، صدوقا وافر العقل ... » .
__________________
٤
ـ السمعاني : « أحد الفقهاء المذكورين من أصحاب أبي حنيفة » ثم ذكر عبارة الخطيب. .
(٣٩)
رواية السهمي
وهو حمزة بن يوسف
السّهمي أبو القاسم الجرجاني المتوفى سنة ٤٣٧.
روى هذا الحديث الشريف حيث قال : «
أخبرنا ابن عدي : أحمد بن سلمة هذا حديث عن الثقات. أخبرنا أبو أحمد ابن عدي ،
حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن موسى بن عدي الجرجاني بمكة ، حدثنا أحمد بن سلمة بن
عمرو الجرجاني ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها
من بابها » .
ترجمته :
١
ـ ابن الجوزي : « حمزة بن يوسف ... أبو القاسم الجرجاني. روى الحديث الكثير » .
٢
ـ الذهبي : « السهمي الامام
الحافظ المحدّث المتقن المصنف أبو القاسم ... محدّث جرجان ... صنف التصانيف وتكلّم
في العلل والرجال ... مات سنة ٤٢٨ وقيل ٢٧. حدّث الخطيب عن رجل عنه » .
__________________
٣
ـ السيوطي : « الامام الثبت ...
جال البلاد ... وصنّف ورجح وعدّل وصحّح وعلّل. مات سنة ٤٢٧ » .
(٤٠)
رواية العتيقي
وهو أحمد بن محمد
العتيقي المتوفى سنة ٤٤١ ، شيخ الخطيب البغدادي روى عنه الحديث في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « كتبت عنه وكان
صدوقا ... سمعت أبا القاسم الأزهري ذكر أبا الحسن العتيقي فأثنى عليه خيرا ووثّقه.
مات العتيقي سحر يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من صفر سنة ٤٤١ » .
٢
ـ السمعاني : « كان أحد الثقات المكثرين من الحديث ، رحل إلى الشام وديار مصر وسمع الحديث
الكثير ، روى عنه أبوبكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب » .
٣
ـ ابن الجوزي : « كان صدوقا » .
٤
ـ الذهبي : « الامام المحدّث
الثقة » .
__________________
(٤١)
رواية أبي سعيد الفقيه
رواه الحافظ ابن
عساكر عن الحافظ زاهر بن طاهر الشحامي عنه .. .
ترجمته :
قال
الذهبي : « الشيخ الفقيه
الامام ، الأديب النحوي الطبيب ، مسند خراسان ، أبو سعد محمد بن عبد الرحمن بن
محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري الكنجرودي أو الجنرودي ـ وجنزرود محلة ـ عنه
: البيهقي والسّكري. وروى الكثير ، وانتهى إليه علوّ الإسناد. حدّث عنه : ...
وزاهر الشحامي ...
قلت : توفي في صفر
سنة ٤٥٣. سمعنا كثيرا من حديثه بالاجازة العالية » .
وله ترجمة في :
الوافي بالوفيات ٣
/ ٢٣١ ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ١ / ٧٨ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٩١ ، العبر ٣ /
٢٣٠.
__________________
(٤٢)
رواية الجوهري
وهو أبو محمد
الحسن بن علي البغدادي المتوفى سنة ٤٥٤ ، وقع في طريق رواية الحافظ ابن عساكر
للحديث الشريف في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الخطيب : « كتبنا عنه ،
وكان ثقة أمينا كثير السماع » .
٢
ـ الذهبي : « انتهت اليه علو
الرواية في الحديث ، وأملى مجالس كثيرة ، وكان صاحب حديث » .
٣
ـ ابن الأثير : « بغدادي ثقة مكثر ، أصل من شيراز وولد ببغداد ، وسمع أبابكر القطيعي وأبا
عمرو ابن حيويه وغيرهما. روى عنه أبوبكر الخطيب ... وتوفي سنة ٤٥٤ » .
(٤٣)
رواية العيّار
وهو أبو عثمان
سعيد بن أحمد النيسابوري المتوفى سنة ٤٥٧. وقع في طريق
__________________
رواية الحافظ ابن
النجاري.
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « العيّار الشيخ
العالم الزاهد المعمّر أبو عثمان سعيد بن أبي سعيد أحمد بن محمد بن نعيم بن أشكاب
النيسابوري الصوفي المعروف بالعيّار ... حدّث عنه : محمد بن الفضل الفراوي ، وزاهر
الشحامي ، وأبو المعالي محمد ابن اسماعيل الفارسي ، وعدّة. ومن أصبهان : غانم بن
أحمد الجلودي ، وفاطمة بنت محمد البغدادي ... قال عبد الغافر : مات العيار بغزنة
في ربيع الأول سنة ٤٥٧ » .
٢
ـ الصفدي : « عمّر حتى جاوز
المائة ، وتفرّد بالرواية عن أشياخه ... وروى عنه الكبار والأئمة. وتوفي بغزنة سنة
٤٥٧ » .
٣ ـ ابن العماد
كذلك .
(٤٤)
رواية الحسكاني
وهو الحافظ القاضي
أبو القاسم الحسكاني الحذّاء المتوفى بعد سنة ٤٧٠.
روى حديث أنا مدينة العلم بقوله : «
أخبرنا السيّد أبو الحسن محمد بن الحسيني ;
قراءة ، أخبرنا محمد بن محمد بن سعد الهروي ـ وكتبه لي بخطّه
__________________
ـ أخبرنا محمد بن عبد الله الشامي وأبو الصّلت
الهروي وأبو معاوية ، عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » .
ترجمته :
١
ـ عبد الغافر : « أبو القاسم الحسكاني الحذاء عبيد الله بن عبد الله بن أحمد ... الحافظ
المتقن ، من أصحاب أبي حنيفة ، فاضل ، عن بيت العلم والوعظ والحديث ... سمع عاليا
، وانتخب على الشيوخ ، وجمع الأبواب والكتب والطرف ... ولم يأل في الطلب ثم في
النشر والإفادة » .
٢
ـ الذهبي : « الحسكاني القاضي
المحدّث ... الحافظ ، شيخ متقن ذو عناية تامّة بعلم الحديث ... وكان معمّرا عالي
الإسناد ... وما زال يسمع ويجمع ويفيد ، وقد أكثر عنه المحدّث عبد الغافر بن
اسماعيل الفارسي وذكره في تاريخه ، لكن لم أجده ذكر له وفاة ، وقد توفي بعد ٤٧٠ ،
ووجدت له مجلسا يدل على تشيّعه وخبرته بالحديث ، وهو تصحيح خبر ردّ الشمس لعلي 2 وترغيم النواصب
الشمس » .
(٤٥)
رواية ابن مسعدة
وهو أبو القاسم
إسماعيل بن مسعدة الجرجاني المتوفى سنة ٤٧٤.
__________________
وقع في طريق رواية
الحافظ ابن عساكر .
ترجمته :
الذهبي
: « الإمام المفتي
الرئيس أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل ابن الامام الكبير أبي بكر
الإسماعيلي الجرجاني ، سمع أباه وعمه المفضل وحمزة بن يوسف الحافظ ، والقاضي محمد
بن يوسف الشالنجي ، وأحمد بن إسماعيل الرباطي.
وعنه : زاهر
الشحامي وأخوه وجيه ... ولد سنة ٤٠٤ ومات بجرجان وله ٧٠ سنة ، وكان صدرا معظّما
إماما واعظا بليغا ، له النظم والنثر وسعة العلم. روى ابن السمرقندي عنه كتاب
الكامل لابن عدي » .
وله ترجمة في
المنتظم ٩ / ١٠ ، الوافي بالوفيات ٩ / ٢٢٣ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٥٤ وغيرها.
(٤٦)
رواية أبي الوليد الباجي
وهو أبو الوليد
سليمان بن خلف الأندلسي المتوفى سنة ٤٧٤. وقع في سند رواية العلاّمة المحدّث أحمد
المغربي في كتابه فتح الملك .
ترجمته :
١
ـ ابن خلكان : « أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف ... من علماء
__________________
الأندلس وحفّاظها
... وهو أحد أئمة المسلمين ... وتوفي بالمرية سنة ٤٧٤ » .
٢
ـ الذهبي : « أبو الوليد
الباجي ، الامام العلامة الحافظ ذو الفنون القاضي ، أبو الوليد سليمان بن خلف ...
» .
٣ ـ اليافعي : «
كان من علماء الأندلس وحفاظها » ثم ذكر كلمات ابن خلكان والذهبي .
٤
ـ السيوطي : « العلامة الحافظ
ذو الفنون ... برع في الحديث وعلله ورجاله والفقه وغوامضه والكلام ومضايقه ، وتفقه
به الأصحاب ، وروى عنه خلائق ... » .
(٤٧)
رواية السّمرقندي
وهو أبو محمد
الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي المتوفى سنة ٤٩١. وقع في كثير من الطرق والأسانيد
... وقال المغربي : « وأخرجه الحافظ أبو محمد الحسن ابن أحمد السمرقندي في ( بحر
الأسانيد في صحاح المسانيد ) الذي جمع فيه مائة ألف حديث بالأسانيد الصحيحة ».
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « السمرقندي ،
الحافظ الامام الرجال أبو محمد الحسن بن
__________________
أحمد بن محمد ...
قال أبو سعد السمعاني : سألت إسماعيل الحافظ عنه فقال : إمام حافظ سمع وجمع وصنف.
وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب القند : الامام الحافظ قوام السنّة أبو محمد
السمرقندي نزيل نيسابور ، لم يكن في زمانه في فنّه مثله في الشرق والغرب.
له كتاب ( بحر
الأسانيد في صحاح المسانيد ) جمع فيه مائة ألف حديث ، لو رتب وهذّب لم يقع في
الإسلام مثله ، وهو ثمانمائة جزء ... مات في ذي القعدة سنة ٤٩١ » .
٢
ـ السيوطي : « كان إماما حافظا
عديم النظير في حفظه ، لم يكن في وقته مثله في الشرق والغرب » .
(٤٨)
رواية الراغب الاصبهاني
وهو أبو القاسم الحسين بن محمّد المتوفى
ـ على ما قيل ـ سنة ٥٠٢ ، رواه مرسلا عن رسول الله 6
حيث قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « الراغب العلامة
الماهر المحقّق الباهر ، أبو القاسم الحسين ابن محمد بن المفضل الاصبهاني الملقب
بالراغب ، صاحب التصانيف ، كان من
__________________
أذكياء المتكلمين.
لم أظفر له بوفاة ولا بترجمة » .
٢
ـ السيوطي : « الراغب ، صاحب
المصنفات ، كان في أوائل المائة الخامسة. له « مفردات القرآن » و « أفانين البلاغة
» و « المحاضرات » وقفت على الثلاثة. وقد كان في ظنّي أن الراغب معتزلي حتى رأيت
بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من القواعد الصغرى لابن عبد السلام ما
نصه : ذكر الامام فخر الدين الرازي في تأسيس التقديس في الأصول أن أبا القاسم
الراغب من أئمة السنة ، وقرنه بالغزالي. قال : وهي فائدة حسنة ، فإن كثيرا من
الناس يظنون أنه معتزلي » .
(٤٩)
رواية ابن قبيس
هو من رجال الحافظ
ابن عساكر .
ترجمته :
قال الذهبي : « الشيخ الامام الفقيه ، النحوي ، الزاهد العابد القدوة ،
أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن محمد بن قبيس الغساني الدمشقي المالكي ، ولد
سنة ٤٤٢ ..
سمع أباه وأبا
القاسم السمياطي وأبابكر الخطيب ...
حدّث عنه : أبو
القاسم ابن عساكر ...
__________________
قال ابن عساكر :
كان ثقة متحرّزا متيقّظا منقطعا في بيته بدرب النقاشة أو بيته في المنارة الشرقية
بالجامع ، وكان فقيها مفتيا يقرئ النحو والفرائض ، وكان متغاليا في السنّة ، محبّا
لأصحاب الحديث ، وكان لا يحدث إلاّ من أصل ، سمعت منه الكثير ، ومات يوم عرفة سنة
٥٣٠.
وقال السلفي : كان
يسكن المنارة ، وكان زاهدا عابدا ثقة لم يكن في وقته مثله بدمشق ، وهو مقدّم في
علوم شتّى ، محدث ابن محدث » .
وله ترجمة له :
مرآة الجنان ٣ / ٢٥٧ ، العبر ٤ / ٨٢ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٢٥٩ ، إنباه الرواة ٢ /
٢٣٢ ...
(٥٠)
رواية ابن القشيري
وهو شيخ الحافظ
ابن عساكر. روى عنه الحديث الشريف . وتوفي سنة ٥٣٢.
ترجمته :
قال الذهبي : « ابن القشيري : عبد المنعم الشيخ الامام المسند المعمّر
أبو المظفّر ابن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري. ولد
سنة ٤٤٥.
حدّث عنه : عبد
الوهاب الانماطي ، وأبو الفتح ابن عبد السلام ، وأبو سعد السمعاني ، وابن عساكر.
__________________
قال السمعاني :
شيخ ظريف مستور الحال سليم الجانب ، غير مداخل للأمور ... » .
وله ترجمة في :
المنتظم ١٠ / ٧٥ ، طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ١٩٢ وغيرهما.
(٥١)
رواية زاهر الشّحامي
وهو أبو القاسم
زاهر بن طاهر الشحامي المتوفى سنة ٥٣٣ ، وقع في غير واحد من الأسانيد ، منها طريق
الحافظ ابن عساكر في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الذهبي : ووصفه ب « مسند
خراسان » .
٢
ـ ابن الجوزي في حوادث سنة ٥٣٣
.
٣
ـ ابن الجزري : « زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد أبو القاسم الشحامي المستملي ، ثقة صحيح
السماع. كان مسند نيسابور ، توفي في ربيع الآخر سنة ٥٣٣ » .
__________________
(٥٢)
رواية أبي منصور القزّاز
وهو أبو منصور عبد
الرحمن بن محمد بن زريق القزاز المتوفى سنة ٥٣٥ ، وقع في طريق رواية ابن الأثير
حيث رواه عنه بواسطة أبي اليمن الكندي .
ترجمته :
١
ـ ابن الجوزي : « كان صحيح السماع ... وكان ساكنا قليل الكلام خيّرا سليما صبورا على العزلة
حسن الأخلاق ... » .
٢
ـ الذهبي : « القزاز الشيخ
الجليل الثقة أبو منصور ... راوي تاريخ الخطيب عنه ... حدّث عنه : ابن عساكر ،
والسمعاني ، وأبو موسى المديني ، وابن الجوزي ... وأبو اليمن الكندي ... وكان شيخا
صالحا ، متوددا سليم القلب حسن الأخلاق صبورا ، مشتغلا بما يعنيه. توفي سنة ٥٣٥
وكان صحيح السماع ، أثنى عليه السمعاني وغيره » .
٣
ـ ابن الأثير : « روى عنه الناس فأكثروا. ومن طريقه اشتهر تاريخ بغداد للخطيب » .
__________________
(٥٣)
رواية الزمخشري
وهو جار الله
محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨. رواه في كتابه في غريب الحديث ، وفي (
خصائص العشرة ) .
ترجمته :
١
ـ ابن خلكان : « أبو القاسم محمود بن عمر ... الامام الكبير في التفسير والحديث والنحو
واللغة وعلم البيان. كان إمام عصره من غير مدافع. تشدّ إليه الرّحال في فنونه ...
» .
٢
ـ ياقوت الحموي : « كان إماما في التفسير والنحو واللغة والأدب ، واسع العلم ، كبير الفضل ،
متفنّنا في علوم شتى ، معتزلي المذهب ، متجاهرا بذلك ... » .
٣
ـ الداودي : « كان واسع العلم
كثير الفضل ، غاية في الذكاء وجودة القريحة ، متفننا في كلّ علم ، لقي الكبار وصنف
التصانيف المفيدة ... » .
__________________
(٥٤)
رواية الأنماطي
وهو أبو البركات
عبد الوهاب الانماطي المتوفى سنة ٥٣٨ من مشايخ الحافظ ابن عساكر وممّن روى عنه
الحديث الشريف في تاريخه .
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « قال السمعاني :
هو الحافظ ثقة متقن واسع الرواية دائم البشر سريع الدمعة عند الذكر حسن المعاشرة
... قال السلفي : كان عبد الوهاب رفيقنا حافظا ثقة ، لديه معرفة جيدة ، قال ابن
ناصر : كان بقية الشيوخ ، سمع الكثير ، وكان يفهم ، مضى مستورا ، وكان ثقة » .
٢
ـ السيوطي : « الأنماطي الحافظ
العالم محدّث بغداد أبو البركات ... » .
(٥٥)
رواية ابن خيرون
وهو : أبو منصور
محمد بن خيرون البغدادي المتوفى سنة ٥٣٩. رواه عنه الحافظ ابن عساكر في تاريخه .
__________________
ترجمته :
١
ـ ابن الجوزي : « كان ثقة ، وكان سماعه صحيحا ، سمعت عليه الكثير وقرأت عليه » .
٢
ـ الذهبي : « ابن خيرون الشيخ
الامام المعمّر ـ قال السمعاني : ثقة صالح ماله شغل سوى التلاوة والاقراء. وقال
ابن الخشّاب : كان شافعيّا من أهل السنة ... مات في رجب سنة ٥٣٩ ببغداد » .
٣
ـ ابن الجزري : « روى عنه الحافظ ... وكان صالحا خيّرا إماما في القراءات ... » .
(٥٦)
رواية فاطمة بنت محمّد
البغدادي
المتوفاة سنة ٥٣٩.
شيخه السمعاني ، وابن عساكر ، وأبي موسى المديني ، وغيرهم من الأعلام الحفّاظ.
وقعت في طريق رواية الحافظ ابن النجار الحديث الشريف ، حيث رواه عنها بواسطة واحدة
، وهي ترويه عن العيّار النيسابوري المتقدم ذكره.
ترجمتها :
١
ـ الذهبي : « فاطمة بنت
البغدادي ، الشيخة العالمة الواعظة الصالحة
__________________
المعمرة ، مسندة
أصبهان ، أم البهاء فاطمة بنت محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن ابن علي بن البغدادي
الاصبهاني. مولدها بعد الأربع وأربعمائة ... وعمّرت وتفرّدت بأشياء. حدّث عنها :
السمعاني ، وابن عساكر ، وأبو موسى المديني ، ... قال السمعاني ، شيخة معمّرة
مسندة. وأرخ مولدها. وقال أبو موسى : توفيت في الخامس والعشرين من رمضان سنة ٥٣٩.
قال : ولها قريب من ٩٤ سنة » .
٢
ـ ابن العماد : « مسندة أصبهان ... وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيّار ... » .
(٥٧)
رواية وجيه بن طاهر
وهو : وجيه بن
طاهر الشحامي البغدادي التوفي سنة ٥٤١ ، وقع في طريق رواية الحافظ الحمويني في (
فرائد السمطين ) والحافظ الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) ، حيث روى هذا الحديث الشريف
عن الحسن بن أحمد السمرقندي.
ترجمته :
١
ـ ابن الجوزي : « كان شيخا صالحا صدوقا صالحا ، حسن السيرة ، منوّر الوجه والشيبة ، سريع
الدمعة ، كثير الذكر ، ولي منه إجازة بمسموعاته ومجموعاته » .
__________________
٢
ـ الذهبي : « كان خيّرا
متواضعا متعبّدا لا كأخيه ، وقد تفرد في عصره » .
وقال أيضا : «
الشيخ العدل مسند خراسان ... حدّث عنه ابن عساكر والسمعاني ... قال السمعاني :
كتبت عنه الكثير ، وكان كخير الرجال متواضعا متوددا ألوفا ، دائم الذكر ، كثير
التلاوة ، وصولا للرّحم ، تفرّد في عصره بأشياء » .
(٥٨)
رواية القاضي عياض
وهو : عياض بن
موسى المتوفى سنة ٥٤٤. وقع في سند رواية الحافظ المغربي في كتابه ( فتح الملك ) .
ترجمته :
١
ـ ابن الوردي : « القاضي عياض بن موسى بن عياض البستي بمراكش. ومولده بسبته سنة ٤٧٦. أحد
الأئمة الحفاظ المحدثين الأدباء ، وتآليفه وأشعاره شاهدة بذلك » .
٢
ـ ابن خلكان : « إمام وقته في الحديث وعلومه » .
__________________
٣
ـ الذهبي : « قال ابن بشكوال
: هو من أهل العلم واليقين والذكاء والفهم » .
(٥٩)
رواية الدهلقي
رواه في كتابه ( لباب الألباب في فضائل
الخلفاء ) في فصل الأخبار المسندة في شأن أمير المؤمنين 7 بقوله : « أخبرنا أستادي الفقيه الامام
الأقبل ، صائن الدين شرف الإسلام ، أبو حفص عمر بن عيسى الخطيبي قال : أخبرنا
منصور بن هبة الله الأسدآبادي ـ في يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة سنة ٥٤٣ ـ
قال : أخبرنا أبو الدرداء سعد بن أبي عبد الله الحسين بن محمد الزوزني قال :
أخبرنا أبو الفضل عبد الملك بن أبي الحسن بن محمد الهروي قال : ثنا أبو عثمان قال
: ثنا قتيبة بن سعيد قال : ثنا يعقوب بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن أبي خازم ـ
واللفظ ليعقوب ـ قال : أخبرنا سهل بن سعد الساعدي عن ابن عباس قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
(٦٠)
رواية الملاّ
وهو : عمر بن محمد
بن خضر الموصلي المعروف بالملاّ ، المتوفّى سنة ٥٧٠.
__________________
روى هذا الحديث
الشريف في كتابه ( وسيلة المتعبدين ) الذي اعتمد عليه القوم ونقلوا عنه في كتب
الحديث والسّيرة النبويّة .
ترجمته :
ترجم له وأثنى
عليه جماعة كبيرة من الأعلام ، منهم :
١
ـ ابن الجوزي في تاريخه .
٢
ـ سبط ابن الجوزي في تاريخه .
٣
ـ ابن تغري بردي في تاريخه .
٤
ـ ابن كثير في تاريخه .
(٦١)
رواية ابن الأنباري
وهو : أبو البركات
عبد الرحمن بن محمّد ابن الأنباري المتوفى سنة ٥٧٧ ، رواه مرسلا إيّاه إرسال
المسلّم حيث قال : « والرّسول يقول في حقّه : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
__________________
ترجمته :
١
ـ الأسنوي : « ابن الأنباري
اللغوي أبو البركات عبد الرحمن بن محمد ابن عبيد الله ... تبحّر في علم الأدب إلى
أن صار إمام وقته بتصانيف وتلاميذ ... توفي ببغداد ليلة الجمعة تاسع شعبان سنة
٥٧٧. ذكره ابن خلكان » .
٢
ـ ابن شاكر الكتبي : « كان إماما ثقة صدوقا ، غزير العلم ورعا زاهدا تقيا عفيفا ، لا يقبل من أحد
شيئا » .
٣
ـ ابن العماد : « العبد الصالح أبو البركات ... كان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا للدنيا ...
» .
(٦٢)
رواية الطّالقاني
وهو : رضي الدين
أبو الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني القزويني المتوفى سنة ٥٩٠.
رواه في كتابه ( الأربعين ) في الباب
الثالث والعشرين والذي عنونه بأنه « في كون علي باب مدينة العلم » بقوله :
« وبه قال الحاكم : أنا أبو العباس
الأموي ، نا محمد بن عبد الرحمن الهروي. قال الحاكم : وحدّثنا أبو عبد الله محمد
بن عبد الله الصفار ، نا إبراهيم ابن إسحاق السّراج النيسابوري ببغداد ، نا أبو الصّلت
عبد السلام بن صالح بن سليمان بن ميسرة الهروي بنيسابور ، نا أبو معاوية عن الأعمش
عن مجاهد عن ابن
__________________
عباس قال قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « الطالقاني الشيخ
الامام العلامة الواعظ ذو الفنون رضي الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف
الطالقاني القزويني الشافعي ... قال ابن النجار : كان إماما في المذهب والأصول
والتفسير والخلاف والتذكير ... وكان كثير العبادة والصلاة ، دائم الذكر ، قليل
المأكل ... وهو ثقة في روايته ... وقال ابن الدّبيثي : أملى عدة مجالس ، وكان
مقبلا على الخير كثير الصلاة ... إلى أن توفي في المحرم سنة ٥٩٠ ... » .
٢
ـ السبكي : « الشيخ الامام
الفقيه الصوفي الواعظ الملقّب رضي الدين أحد الأعلام ... » وأطال في ترجمته .
(٦٣)
رواية أبي اليمن الكندي
وهو : زيد بن
الحسن الكندي البغدادي المتوفى سنة ٦١٣ ، فقد وقع في طريق رواية الحافظ الكنجي
والحافظ ابن الأثير في ( أسد الغابة ).
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « العلاّمة تاج
الدين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن
__________________
زيد بن الحسن
البغدادي المقرئ اللغوي ، شيخ الحنفية والقراء والنحاة بالشام ، ومسند العصر ... »
.
٢
ـ ابن الجزري : « ولد في شعبان سنة ٥٢٠ ببغداد ، وتلقى القرآن على سبط الخياط وله نحو من سبع
سنين وهذا عجيب. وأعجب من ذلك أنه قرأ القراءات العشر وهو ابن عشر ، وهذا لا يعرف
لأحد قبله ، وأعجب من ذلك طول عمره وانفراده في الدنيا بعلوّ الاسناد في القراآت
والحديث ، فعاش بعد أن قرأ القراآت ثلاثا وثمانين سنة ، وهذا ما نعلمه وقع في
الإسلام » .
٣
ـ ابن الأثير : « كان إماما في النحو واللغة ، وله الاسناد العالي في الحديث ، وكان ذا فنون
كثيرة من أنواع العلوم » .
(٦٤)
رواية الرّافعي
وهو : أبو القاسم
عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني المتوفى سنة ٦٢٤ ، وقع في طريق رواية الحافظ
الحمويني في ( فرائد السمطين ) .
ترجمته :
وهو من كبار أعلام
السنة المعتمدين عندهم في الحديث والتاريخ والرّجال ، أثنى عليه مترجموه وأطروه
ومدحوه ، وكتابه ( التدوين بذكر أهل العلم
__________________
بقزوين ) من الكتب
المعتبرة المشهورة بينهم ... أنظر :
١
ـ السبكي في طبقات
الشافعية ٥ / ١١٩.
٢
ـ ابن الوردي في تتمة المختصر
٢ / ١٤٨.
٣
ـ ابن شاكر في فوات الوفيات
٢ / ٣.
وغيرها من الكتب
المصنفة في الرجال والتاريخ.
(٦٥)
رواية أبي نصر الدمشقي
وهو : أبو نصر شمس
الدين محمد بن هبة الله الدمشقي المتوفى سنة ٦٣٥ وهو شيخ الحافظ الكنجي الذي روى
عنه الحديث ، ووصفه بالعلامة قاضي القضاة.
ترجمته :
١
ـ الذهبي : « أبو نصر ابن
الشيرازي القاضي شمس الدين محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي
الشافعي. ولد سنة ٥٤٩ وأجاز له أبو الوقت وطائفة. وسمع من أبي يعلى بن الحبوبي
وطائفة كبيرة وله مشيخة في جزء. درّس وأفتى وناظر وصار من كبار أهل دمشق دي العلم
والرواية والرياسة والجلالة. درّس مدة بالشامية الكبرى ، وتوفي في ثاني جمادى
الآخرة » .
٢
ـ ابن قاضي شهبة : « كان فقيها فاضلا خيّرا ديّنا منصفا ، عليه سكينة ووقار ، حسن الشكل ، يصرف
أكثر أوقاته في نشر العلم » .
__________________
(٦٦)
رواية أبي الرجا
الخوارزمي
المتوفى سنة ٦٥٨.
روى هذا الحديث الشريف في كتاب ( فضائل
شهر رمضان ) في « الليلة السادسة عشرة ـ : ابن عباس 2
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد
العلم فليأت الباب ».
ترجمته :
وهو : أبو الرجا
نجم الدين مختار بن محمود بن محمد الزاهدي الخوارزمي الحنفي. ترجم له وأثني عليه
في غير واحد من المصادر راجع : تاج التراجم ٥٤ ، الجواهر المضيّة ٢ / ١٦٦ ،
الفوائد البهيّة ٢١٣ معجم المؤلفين ١٢ / ٢١١.
وكتابه المذكور لا
يزال مخطوطا.
(٦٧)
رواية ابن أبي جمرة
المالكي
وهو : أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة
المتوفى سنة ٦٩٩. أرسله إرسال المسلّم في كتابه بلفظ : « قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
__________________
ترجمته :
١
ـ محمد مخلوف : « أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة المحدّث الراوية القدوة المقرئ العمدة الولي
الصالح الزاهد العارف بالله ، له كرامات جمعت في كراريس. أخذ عن جماعة منهم أبو
الحسن الزيات ، أخذ عنه صاحب المدخل ابن الحاج. ألف مختصر البخاري وشرحه بهجة
النفوس مشهور. توفي سنة ٦٦٩ » .
٢
ـ حاج خليفة في شروح البخاري
: « وشرح العارف القدوة عبد الله بن سعد بن أبي جمرة ـ بالجيم ـ الاندلسي. وهو على
ما اختصره من البخاري ، وهو نحو ثلاثة آلاف حديث. وسمّاه : بهجة النفوس وغايتها
بمعرفة ما لها وما عليها » .
(٦٨)
رواية النويري
وهو : شهاب الدين
أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة ٧٣٢ رواه
بقوله : « وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : أنا مدينة العلم وعلي
بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه » .
ترجمته :
قال ابن تغري بردي :
« الشيخ الامام المؤرخ الفقيه شهاب الدين أبو
__________________
العباس أحمد بن
عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة البكري النويري الشافعي. صاحب التاريخ
المعروف بتاريخ النويري. في يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان.
كان فقيها فاضلا
مؤرّخا بارعا ، وله مشاركة جيّدة في علوم كثيرة ... » .
(٦٩)
رواية الذهبي
وهو : محمد بن
أحمد المتوفى سنة ٧٤٨ ... رواه في ( تذكرة الحفاظ ) بسنده عن السمرقندي قال : «
أخبرنا إسحاق بن يحيى ، أنا الحسن بن عباس ، أنا عبد الواحد بن حمويه ، أنا وجيه
بن طاهر ، أنا الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ ... » .
ترجمته :
ترجم له السبكي في
طبقاته ٥ / ٢١٦ ، وابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ٤ / ٤٢٦ ، والسيوطي في
طبقات الحفاظ ٥١٧ ، والشوكاني في البدر الطالع ٢ / ، ٠١١ وهذا خلاصة ما قال الشوكاني :
« محمد بن أحمد
الذهبي الحافظ الكبير المؤرخ صاحب التصانيف السائرة في الأقطار ، مهر في فن الحديث
، قال ابن حجر : كان أكثر أهل عصره تصنيفا ، وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها ...
».
__________________
(٧٠)
رواية ابن كثير الدمشقي
وهو : إسماعيل بن
عمر بن كثير المتوفى سنة ٧٧٤. روى حديث أنا مدينة
العلم في تاريخه بقوله : « وأمّا حديث ابن عباس فرواه ابن عدي من طريق أحمد ابن
سلمة أبي عمرو الجرجاني ، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم
فليأت باب المدينة » .
ترجمته :
ترجم له ابن حجر
العسقلاني في الدرر الكامنة ١ / ٣٩٩ والسيوطي في طبقات الحفاظ : ٥٢٩. وقال الداودي
بترجمته :
« إسماعيل بن عمر
بن كثير ... كان قدوة العلماء والحفاظ وعمدة أهل المعاني والألفاظ ، سمع الكثير ،
وأقبل على حفظ القرآن ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ ، حتى برع في ذلك
وهو شاب » ثم ذكر كلمات الذهبي وابن حجر وغيرهما في وصفه .
__________________
(٧١)
رواية الزين العراقي
وهو : عبد الرحيم
بن الحسين المعروف بالزين العراقي المتوفى سنة ٨٠٦.
وقع في طريق رواية
الحافظ المغربي في كتابه فتح الملك .
ترجمته :
١
ـ ابن الجزري : « عبد الرحيم بن الحسين ... المعروف بالعراقي ، حافظ الديار المصريّة ومحدّثها
وشيخها ... برع في الحديث متنا وإسنادا ، وتفقّه على شيخنا الأسنوي وغيره. وكتب
وألّف وجمع وخرّج وانفرد في وقته. توفي يوم الأربعاء ثاني شعبان سنة ٨٠٦ » .
٢
ـ السيوطي : « العراقي. الحافظ
الامام الكبير الشهير ... حافظ العصر ... كان شيوخ عصره يبالغون في الثناء عليه
بالمعرفة ، كالسبكي والعلائي والعز ابن جماعة والعماد بن كثير وغيرهم ... » .
٣
ـ السخاوي. ترجم له ترجمة
مطوّلة .
__________________
(٧٢)
رواية الهيثمي
وهو : نور الدين
علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة ٨٠٧. روى
حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها بقوله : « وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه.
رواه الطبراني » .
ترجمته :
السّخاوي
: « علي بن أبي بكر
الحافظ ويعرف بالهيثمي ، ولد في رجب سنة ٧٣٥. وكان عجبا في الدين والتقوى والزهد
والإقبال على العلم والعبادة والأوراد.
قال شيخنا في
معجمه : وكان خيّرا ساكنا ليّنا سليم الفطرة شديدة الإنكار للمنكر.
وقال البرهان
الحلبي : إنه كان من محاسن القاهرة.
وقال التقي الفاسي
: كان كثير الحفظ للمتون والآثار ، صالحا خيّرا.
وقال الأقفهسي :
كان إماما عالما حافظا زاهدا متواضعا متودّدا في الناس ، ذا عبادة وتقشّف وورع.
والثناء على دينه
وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جدّا ، بل هو في ذلك كلمة اتفاق » .
__________________
(٧٣)
رواية القلقشندي
وهو : أبو العباس
أحمد بن علي المتوفى سنة ٨٢١.
قال : « ومن
السجلاّت بالوظائف الدينيّة على هذه الطريقة ما كتب به القاضي الفاضل عن العاضد
بولاية بعض القضاة وهو :
الحمد لله الواسعة
عطاياه ... وعلى أخيه وابن عمه القائم مقامه بفصل حكمه وفضل علمه : أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ، الذي حرز له من المكرمات لبابها ، وطابت بغبار حلمه إقامة
الألباب وإلبابها ، وميزّه عن الكافّة بقوله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ... » .
ترجمته :
قال السخاوي : « أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي ثم القاهري.
كان أديبا مؤرخا مفنّنا ، اشتهر بكتابه صبح الأعشى. وهو أفضل تصانيفه ، لكونه
جامعا بين الأدب والتاريخ ووصف البلدان ونحو ذلك. وله غيره. توفي سنة ٨٢١ » .
__________________
(٧٤)
رواية العيني
وهو : بدر الدين
محمود بن أحمد الحنفي العيني المتوفى سنة ٨٥٥.
رواه في شرحه على
صحيح البخاري .
ترجمته :
١
ـ ابن العماد : « بدر الدين أبو الثناء وأبو محمد محمود ... الحنفي المعروف بالعيني. قال
تلميذه ابن تغري بردي : هو العلامة ، فريد عصره ووحيد دهره ، عمدة المؤرخين مقصد
الطالبين قاضي القضاة ... وكان أحد أوعية العلم. وأخذ عنه من لا يحصى ... » .
٢
ـ السخاوي. ترجم له ترجمة
مفصّلة ووصفه بقوله : « وكان إماما عالما علاّمة عارفا بالصرف والعربية وغيرها ،
حافظا للتاريخ ، وللّغة ، كثير الاستعمال لها ، مشاركا في الفنون ، اشتهر اسمه وبعد
صيته ، مع لطف العشرة والتواضع ، حدّث وأفتى ودرّس » ثم ذكر ترجمته عن ابن حجر
وغيره .
__________________
(٧٥)
رواية الأعور الواسطي
وهو صاحب الرّسالة
المشهورة التي ألّفها في الردّ على الاماميّة. فأجاب عنه غير واحد من كبار
علمائها. روى حديث أنا مدينة العلم في رسالته في مقام الجواب عن الاستدلال بها.
وسيأتي التعرّض لأقاويله في موضعها من الكتاب ان شاء الله.
تعالى.
ترجمته :
قال السخاوي : « يوسف. الجمال أبو المحاسن الواسطي الشافعي تلميذ النجم
السكاكيني. ممّن لقيه الشيخ عبد الله البصري نزيل مكة. رأيت له مؤلّفا سماه :
الرسالة المعارضة في الرد على الرافضة. وكذا اختصر الملحة نظما » .
(٧٦)
رواية ابن الوزير الحنفي
المتوفى سنة ٩٢٠. رواه
في كتابه ( الروضة ) مرسلا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلفظ : « قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
__________________
(٧٧)
رواية ابن الديبع
وهو : عبد الرحمن
بن علي المتوفى سنة ٩٤١.
رواه من طريق
الترمذي في صحيحه عن علي 7.
ومن طريق الحاكم
في المستدرك عن ابن عباس 2 .
ترجمته :
١
ـ ابن العيدروس ترجم له ترجمة مطولة ، وبالغ في الثناء عليه ووصفه بأعلى الأوصاف : « الامام
الحافظ الحجة المتقن ، شيخ الإسلام علامة الأنام ، الجهبذ الامام مسند الدنيا أمير
المؤمنين في حديث سيد المرسلين ، خاتمة المحققين شيخ مشايخنا المبرزين » .
٢
ـ الغزي : « عبد الرحمن بن
علي ... الشيخ الامام العلامة الأوحد المحقق الفهامة ، محدّث اليمن ومؤرّخها ومحيي
علوم الأثر بها ، وحيد الدين أبو الفرج الشيباني الزبيدي الشافعي ، المعروف بابن
الديبع بكسر الدال المهملة » .
٣ ـ الشوكاني نحو
ذلك .
__________________
(٧٨)
رواية النجم الغيطي
وهو نجم الدين
محمد بن أحمد الغيطي السكندري الشافعي المتوفى سنة ٩٨٤ ، الواقع في طريق رواية
الحافظ المغربي .
ترجمته :
وتوجد ترجمته في
الكواكب السائرة وشذرات الذهب وغيرهما ...
قال ابن العماد بعد أن عنونه كذلك : « الامام العلامة المحدث المسند شيخ
الإسلام ...
قال في الكواكب ...
انتهت إليه الرياسة في علم الحديث والتفسير والتصوف ... أجمع أهل مصر على جلالته ،
وما رأيت أحدا من أولياء مصر إلاّ يحبّه ويجلّه.
وذكره القاضي محب
الدين الحنفي في رحلته إلى مصر وقال : وأمّا حافظ عصره ، ومحدّث مصره ووحيد دهره ،
الرحلة الامام والعمدة الهمام الشيخ نجم الدين الغيطي ، فإنه محدّث هذه الديار على
الإطلاق ، جامع للكمالات الجميلة ومحاسن الأخلاق ... أجمعت على صدارته في العلم
علماء البلاد ... » .
__________________
(٧٩)
رواية أحمد بن خليل
السبكي
وهو الشيخ شهاب
الدين أحمد بن خليل بن ابراهيم الشافعي المصري المتوفى سنة ١٠٣٢ الواقع في سند
رواية الحافظ المغربي صاحب كتاب فتح الملك العلي .
ترجمته :
قال المحبي : « الشيخ أحمد ... ذكره الشيخ مدين القوصوني فيمن ترجم من
علماء عصره وقال في حقّه : الفاضل العلامة الفقيه المفيد ... وأخذ عن الشيخ محمد
الرملي ... وله من المؤلفات حاشية على الشفا للقاضي عياض ...
ورأيت في تعاليق
أخينا الفاضل مصطفى بن فتح الله ترجمته وذكر : إنه أخذ عن النجم الغيطي ومن في طبقته
من علماء وقته. وعنه الشيخ سلطان الزاجي والشمس محمد البابلي وغيرهما. وكان له
مهارة في علوم الحديث ...
وكانت وفاته سنة
١٠٣٢ » .
(٨٠)
رواية الشمس البابلي
وهو أبو عبد الله
محمد بن علاء الدين ـ أو علي ـ القاهري الأزهري
__________________
الشافعي شمس الدين
البابلي. المتوفى سنة ١٠٧٧.
وقع في طريق رواية
الحافظ المغربي.
ترجمته :
١
ـ قال الزركلي : « فقيه شافعي من علماء مصر » .
٢
ـ قال كحالة : « محدّث ، حافظ ، فقيه » .
(٨١)
رواية المقدسي الحنفي
رواه في كتابه ( مناقب الخلفاء ) في
الباب الرابع في مناقب علي بن أبي طالب. فصل في خصائصه :
« منها : أنه باب دار الحكمة وباب دار
العلم وأنه أقضى الامة : عن علي 2
: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. وفي رواية : أنا
دار العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ».
(٨٢)
رواية عبد القادر الكردي
رواه في كتابه ( الريحانة الشّميمة في
شرح الموضحة القويمة في فضل
__________________
الخلفاء الأربعة
الكريمة ) حيث قال : « وعنه : قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة
العلم وعلي بابها » و « عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول : «
سلوني » الاّ علي. وعن ابن مسعود
قال : أفرض أهل المدينة وأقضاها علي. وعن عائشة : إن عليا ذكر عندها : أما أنه
أعلم من بقي بالسنة ».
(٨٣)
رواية عبد الكريم بن ولي
الدين
رواه في كتابه ( مزيل الاشتباه في أسماء
الصحابة ) بترجمة أمير المؤمنين 7
قائلا : « أنا مدينة العلم وعلي بابها. رواه محيي السنة في مصابيحه وأبو عمر
والعقيلي وابن عدي والطبراني عن ابن عباس ، والحاكم عن جابر ، كما في الجامع ».
(٨٤)
رواية المغربي
وهو : محمد بن محمّد المالكي المتوفى
سنة ١٠٩٤ ، رواه عن علي 7
مرفوعا حيث قال : « علي ـ رفعه : أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
ترجمته :
قال
المحبي : « محمد بن محمد
... المغربي المالكي نزيل الحرمين : الامام
__________________
الجليل المحدّث
المفنن ، فرد الدنيا في العلوم كلّها ، الجامع بين منطوقها ومفهومها ، والمالك
لمجهولها ومعلومها. نقلت عن شيخنا المرحوم عبد القادر بن عبد الهادي ـ هو ممّن أخذ
عنه وسافر إلى الروم في صحبته وانتفع به ، وكان يصفه بأوصاف بالغة حدّ الغلو ـ فإنه
كان يقول : إنه يعرف الحديث والأصول معرفة ما رأينا من يعرفها ممّن أدركناه. وأمّا
علوم الأدب فإليه النهاية ، ... وقد أخذ عنه بمكة والمدينة والروم خلق ، ومدحه
جماعة وأثنوا عليه. وكان وفاته بدمشق يوم الأحد عاشر ذي القعدة سنة ١٠٩٤ » .
(٨٥)
رواية المغربي
وهو عبد الملك بن
حسين العصامي المكي المتوفى سنة ١١١١.
روى الحديث الشريف
في كتابه سمط النجوم .
ترجمته :
١ ـ البدر الطالع للشوكاني .
٢ ـ سلك الدرر للمرادي .
__________________
(٨٦)
رواية العجلوني
وهو : إسماعيل بن
محمّد ، المتوفى سنة ١١٦٢. رواه في كتابه ( كشف الخفا ) الحديث رقم ٦١٨.
ترجمته :
قال المرادي : « إسماعيل بن محمد ... الشيخ الامام العالم الهمام الحجة
الرحلة العمدة الورع العلامة. كان عالما بارعا صالحا مفيدا محدّثا مبجّلا قدوة
سندا خاشعا ، له يد في العلوم ، لا سيّما الحديث والعربية وغير ذلك مما يطول شرحه
، ولا يسع في هذه الطروس وصفه. له القدم الراسخ في العلوم واليد الطولى في دقائق
المنطوق والمفهوم ... اشتغل على جماعة أجلاّء بالفقه والحديث والتفسير والعربية
وغير ذلك ، إلى أن تميّز على أقرانه بالطلب ... ومشايخه كثيرون ، والكتب التي
قرأها لا تعد لكثرتها.
ترجمه الشيخ سعيد
السمّان في كتابه وقال في وصفه : خاتمة أئمة الحديث.
وبالجملة ، فهو
أحد الشيوخ الذين لهم القدم العالي في العلوم والرسوخ وكانت وفاته ٢٦١١ » .
__________________
(٨٧)
رواية الزبيدي
وهو : محمد مرتضى
الحسيني الحنفي المتوفى سنة ١٢٠٥.
رواه من طريق الحاكم والطبراني عن أبي
معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
لكنّه قال : من أتى العلم فليأت الباب .
ترجمته :
قال الزركلي : «
علاّمة باللغة والحديث والرجال والأنساب ، من كبار المصنفين ، أصله من واسط في
العراق ، ومولده بالهند في بلجرام ، ومنشؤه في زبيد باليمن. رحل إلى الحجاز وأقام
بمصر ، فاشتهر فضله وانهالت عليه الهدايا والتحف ، وزاد اعتقاد الناس فيه ، وتوفي
بالطاعون في مصر » ثم ذكر مؤلفاته .
(٨٨)
رواية محمد الكزبري
المتوفى سنة ١٢٢١.
وقع في طريق رواية الحافظ المغربي .
__________________
ترجمته :
ذكره صاحب معجم
المؤلفين وقال : محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن زين الدين بن عبد الكريم الصفدي
العطار الشهير بالكزبري ، محدّث مسند. ولد في ١٣ شعبان ، ودرّس الحديث في جامع بني
أمية ، وتوفي بدمشق ... من آثاره ... » .
(٨٩)
رواية الآلوسي
وهو نعمان بن
محمود البغدادي المتوفى سنة ١٢٥٢. يرويه حيث يصف مولانا أمير المؤمنين 7 بقوله : « هو باب
مدينة العلم والنقطة تحت الباء » .
ترجمته :
قال الزركلي : «
نعمان بن محمود بن عبد الله ، أبو البركات خير الدين الآلوسي. واعظ فقيه باحث. من
أعلام الأسرة الآلوسية في العراق ، ولد ونشأ ببغداد ، وولي القضاء في بلاد متعددة
، منها الحلة ، وترك المناصب.
من كتبه : جلاء
العينين في محاكمة الأحمدين ابن تيمية وابن حجر » .
__________________
(٩٠)
رواية عبد الرحمن الكزبري
المتوفى سنة ١٢٦٢.
وقع في طريق رواية الحافظ المغربي .
ترجمته :
ذكره صاحب معجم
المؤلفين بقوله :
« عبد الرحمن بن
محمد بن عبد الرحمن الكزبري الدمشقي الشافعي. أبو المحاسن وجيه الدين. عالم محدث.
ولد بدمشق وتوفي بمكة حاجا في ١٩ ذي الحجة. له ثبت » .
(٩١)
رواية زيني دحلان
وهو : أحمد زيني
دحلان الشافعي المتوفى سنة ١٣٠٤. رواه في كتابه ( الفتوحات الإسلامية ) .
__________________
ترجمته :
هو : أحمد زيني
دحلان الشافعي المكي ، فقيه محدّث ، مؤرّخ مشارك في أنواع العلوم ، مفتي الشّافعية
بمكة ، والمدرّس بها.
له مؤلّفات عديدة.
توفي سنة ١٣٠٤ .
وللشيخ عثمان
الدمياطي ـ كان حيّا سنة ١٣٠٠ ـ كتاب نفحة الرحمن في مناقب السيد أحمد زيني دحلان .
(٩٢)
رواية الأبياري
وهو الأستاذ عبد
الهادي الأبياري المصري المتوفى سنة : ١٣٠٥.
أرسله في كتابه ( جالية الكدر ) عن رسول
الله 6 بقوله : «
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
ترجمته :
قال الزركلي : « عبد الهادي نجا بن رضوان نجا بن محمد الأبياري المصري.
كاتب أديب ، له نظم ... توفي في القاهرة. له نحو أربعين كتابا » .
__________________
(٩٣)
رواية الولاتي
وهو : محمد بن
يحيى بن عمر المتوفى سنة ١٣٢٩. أو ١٣٣٠ وقع في طريق رواية الحافظ المغربي.
ترجمته :
١ ـ قال الزركلي : « عالم بالحديث ، من فقهاء المالكية ، شنقيطي الأصل ، كان
قاضي القضاة بجهة الحوض بصحراء الغرب الكبرى ... » .
٢ ـ قال كحالة : « محدّث ، فقيه ، أصولي ، ناظم ... » .
(٩٤)
رواية البرزنجي
وهو : احمد بن إسماعيل الشافعي المتوفى
سنة ١٣٣٢ رواه في ( مقاصد الطالب ) مرسلا عن رسول الله 6 ، قال : « قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
__________________
ترجمته :
قال كحالة : « أحمد بن إسماعيل البرزنجي الحسيني الموسوي المدني. عالم
مشارك في علوم مختلفة. توفي بالمدينة.
من مؤلفاته :
رسالة في مناقب عمر بن الخطاب.
مقاصد الطالب في
مناقب علي بن أبي طالب » .
(٩٥)
رواية بهجت أفندي
ورواه الشيخ
القاضي محمد بهجة أفندي المتوفى سنة ١٣٥٠ في كتابه ( تاريخ آل محمد : ٥٦ ).
(٩٦)
رواية النبهاني
وهو : يوسف بن
إسماعيل الشافعي المتوفى سنة ١٣٥٠ :
رواه في غير واحد من مؤلّفاته ، ففي (
الفتح الكبير ) : « قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها
فمن أراد العلم فليأت الباب. عق ، عد ، طب ك عن ابن عباس » .
ورواه في ( الشرف المؤبّد ) .
__________________
ترجمته :
قال كحالة : « يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني الشافعي أبو المحاسن.
أديب شاعر صوفي. من القضاة ... تولى القضاء في قصبة جنين من أعمال نابلس ، ورحل
إلى القسطنطينية ، وعيّن قاضيا بكوي سنجق من أعمال ولاية الموصل ، فرئيسا لمحكمة
الجزاء باللاذقية ، ثم بالقدس فرئيسا لمحكمة الحقوق ببيروت » .
(٩٧)
رواية محمّد مخلوف
المالكي
المتوفى سنة ١٣٦٠
رواه حيث ذكر مولانا أمير المؤمنين 7 بقوله : « ويروى من فضائله
أنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
ترجمته :
قال الزركلي : « محمد بن محمد بن عمر بن علي بن سالم مخلوف ، عالم بتراجم
المالكية ، من المفتين. مولده ووفاته في المنستير بتونس. تعلّم بجامع الزيتونة ،
ودرّس فيه ثم بالمنستير وولي الإفتاء بقابس سنة ١٣١٣ فالقضاء بالمنستير ١٣١٩.
فوظيفة باش مفتي بها. أي المفتي الأكبر سنة ١٣٥٥ إلى أن توفي.
اشتهر بكتابه :
شجرة النور في طبقات المالكية » .
__________________
(٩٨)
رواية الشنقيطي
محمد حبيب بن عبد
الله ، المتوفى سنة ١٣٦٣.
رواه في كتابه (
كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٤٨ ).
ترجمته :
قال كحالة : « محمّد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد الشنقيطي ... محدّث
... اختير مدرّسا في كليّة أصول الدين بجامعة الأزهر ، وتوفي بالقاهرة في ٨ صفر ،
ودفن بمقابر الامام الشافعي ... » .
(٩٩)
رواية أحمد عبد الجواد
وعباس أحمد صقر
رويا حديث مدينة العلم في كتاب ( جامع
الأحاديث ) حيث جاء فيه : « أنا مدينة العلم وعلي بابها. أبو نعيم في المعرفة. عن
علي » .
__________________
(١٠٠)
رواية ابن الصديق المغربي
صاحب كتاب ( فتح
الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي ).
قال في مقدمته : «
فإنّ الأحاديث الصحيحة الواردة بفضل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عديدة متكاثرة
وشهيرة متواترة ، حتى قال جمع من الحفاظ : إنه لم يرد من الفضائل لأحد من الصحابة
بالأسانيد الصحيحة الجياد ما ورد لعلي بن أبي طالب. إلاّ أن هناك أحاديث اختلف
فيها أنظار الحفاظ ، فصحّحها بعضهم وتكلّم فيها آخرون ، منها : حديث الطير ، وحديث
الموالاة ، وحديث ردّ الشمس ، وحديث باب العلم.
... وأما حديث باب العلم فلم أر من أفرده
بالتأليف ، ولا وجّه العناية اليه بالتصنيف. فأفردت هذا الجزء لجمع طرقه وترجيح
قول من حكم بصحته ... ».
ثم روى الحديث بقوله : « أنبأنا عشرة
قالوا : أنبأنا البرهان السقاء ، أنا ثعيلب ، أنا الملوي والجوهري قالا : أنا أبو
العز محمد بن أحمد العجمي ، أنا الشمس البابلي ، أنا أحمد بن خليل السبكي ، أنا
النجم الغيطي ، أنا زكريا ، أنا محمد بن عبد الرحيم ، أنا عبد الوهاب بن علي.
ح
ـ وأنبأنا العفري ، أنا البرزنجي ، أنا
الفلاني ، أنا ابن سنه ، أنا الوولاتي ، أنا ابن أركماش ، أنا أحمد بن علي الحافظ
، أنا عبد الرحيم بن الحسين الحافظ ، أنا الصلاح بن كيكلدي الحافظ.
قالا : أنا محمد بن أحمد بن عثمان
الحافظ ، أنا إسحاق بن يحيى ، أنا الحسن ابن عباس ، أنا عبد الواحد بن حمويه ، أنا
وجيه بن طاهر ، أنا الحسن بن أحمد
السمرقندي الحافظ ،
أنا أبو طالب حمزة بن محمد الحافظ ، أنا محمد بن أحمد الحافظ ، أنا أبو صالح
الكرابيسي ، أنا صالح بن محمد ، أنا أبو الصلت الهروي ، أنا أبو معاوية ، عن
الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس :
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال
: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد بابها فليأت عليا.
أخرجه الحافظ أبو
محمد الحسن بن أحمد السمرقندي في كتابه ( بحر الأسانيد في صحاح المسانيد ) الذي
جمع فيه مائة ألف حديث بالأسانيد الصحيحة ، وفيه يقول الحافظ أبو سعد ابن السمعاني
: لو رتّب وهذّب لم يقع في الإسلام مثله ، وهو في ثمانمائة جزء.
قلت : والحديث
رواه عن أبي الصلت جماعة منهم :
محمد بن إسماعيل
الضراري.
ومحمد بن عبد
الرحيم الهروي.
والحسن بن علي
المعمري.
ومحمد بن علي
الصائغ.
وإسحاق بن حسن بن
ميمون الحربي.
والقاسم بن عبد
الرحمن الأنباري.
والحسين بن فهم بن
عبد الرحمن.
أمّا رواية محمد
بن إسماعيل ، فأخرجها ابن جرير في تهذيب الآثار قال ...
وأمّا رواية محمد
بن عبد الرحيم ، فأخرجها الحاكم في المستدرك على الصحيحين قال ...
وأمّا رواية الحسن
بن علي ومحمد بن الصائغ ، فأخرجها الطبراني في المعجم الكبير قال ...
وأمّا رواية إسحاق
بن الحسن الحربي ، فأخرجها الخطيب ... قال ...
وأمّا رواية
القاسم بن عبد الرحمن الأنباري ، فأخرجها الخطيب أيضا قال ...
وأمّا رواية
الحسين بن فهم ، فأخرجها الحاكم في المستدرك قال ...
فهذا الحديث
بمفرده على شرط الصحيح ، كما حكم به يحيى بن معين ، والحاكم ، وأبو محمد
السمرقندي. وبيان ذلك من تسعة مسالك ... ».
ثم شرع في ذكر المسالك
حتى آخر الكتاب حيث ردّ في نهايته على كلام من ناقش في صحة الحديث ... فراجعه من
أوّله إلى آخره ، فإنّه من خير ما كتب من هذا الباب ...
ترجمته :
وأمّا مؤلّفه فإنّ
المعلومات عن حاله قليلة جدّا ، ولعلّه لكونه في بلاد المغرب العربي. قال كحالة : « أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحسيني المغربي. محدّث
، حافظ ، من أهل المغرب الأقصى. توفي سنة ١٣٨٠ » .
__________________
مع الدهلوي
في سند حديث المدينة
قوله :
« الحديث الخامس : ما رواه جابر : إنّ
النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
أقول :
عبارته توهم أن لم
يرو هذا الحديث من الصّحابة إلاّ جابر ، وقد علمت ـ في الفائدة الأولى من الفوائد
العشرة المتقدّمة في أوّل الكتاب ـ رواية كبار الأئمة والحفّاظ حديث مدينة العلم
عن جملة من الأصحاب ، منهم : سيّدنا أمير المؤمنين 7 ، وسيّدنا الامام الحسن 7 ، وسيّدنا الامام الحسين 7 ، وعبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن
مسعود ، وحذيفة ابن اليمان ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وعمرو بن العاص.
بل تقدّم عن
الحافظ الزرندي قوله عند ذكر هذا الحديث : « فضيلة اعترف بها الأصحاب وابتهجوا ،
وسلكوا طريق الوفاق وانتهجوا » ...
ولا يتوهّم أنّ (
الدهلوي ) لعلّه رواه عن جابر من جهة كونه من حديث جابر أشهر منه من حديث غيره من
الأصحاب ، إذ لا يخفى على الخبير أنّ الأشهر بين المحدّثين حديث ابن عباس دون غيره
من الأصحاب.
كما لا يتوهّم :
لعلّ ( الدهلوي ) ذكره من حديث جابر لكون حديثه هو مورد استدلال الإماميّة دون
حديث غيره ، لأنّ علماء أهل الحق رووا حديث مدينة العلم عن جابر وغيره من الأصحاب
، محتجّين به في الكتب الكلامية ، كما لا يخفى من راجع ( المناقب لابن شهرآشوب ) و
( العمدة لابن بطريق ) و ( غاية المرام للبحراني ) وغيرها من الأسفار.
هذا ... وليت (
الدهلوي ) حيث اقتصر على حديث جابر ـ ليوهم الناظرين في كتابه أنّه لم يروه أحد من
الأصحاب سواه ـ ذكر حديث جابر بتمامه ، ولم يسقط منه الفقر المتعدّدة ، وبالرغم من
وضوح ذلك ممّا تقدّم نعيد ذكر النصّ الكامل له برواية
الحافظ الخطيب البغدادي بسنده عن عبد الرحمن بن بهمان : « قال سمعت جابر بن عبد
الله قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم الحديبية ـ وهو آخذ بيد
علي ـ هذا أمير البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، فمدّ بها
صوته وقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » .
فهذا ما رواه جابر
على حقيقته ، وهو حديث يشتمل على كلمات تكشف عن مدى اهتمام رسول الله 6 في إثبات خلافة
أمير المؤمنين 7 وبيان أفضليّته من غيره ... ولكن لم يرق ( للدهلوي ) ذكر
هذه الجمل.
بل الأعجب من ذلك
إسقاطه ذيل الحديث ، وهوقوله 6 : « فمن أراد العلم فليأت الباب » مع بلوغه أقصى درجات الشهرة والإعتبار ، وعدم خلوّ لفظ من
ألفاظ الحديث ـ في رواية جابر وغيره ـ منه ...
__________________
وهذه مؤاخذات لا
مفرّ ( للدهلوي ) منها ، إلاّ الاعتراف بقصور باعه وعدم اطّلاعه على طرق الحديث
وأسانيده ، غير أنّه تبع الكابلي وقلّده في هذا الموضع كسائر مواضع كتابه ، فقد
قال الكابلي في ( صواقعه ):
« الخامس ـ ما رواه جابر : إنّ النّبي
صلّى الله عليه وسلّم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وهو باطل ، لأنّ الخبر مطعون فيه ، قال يحيى بن معين : لا
أصل له ، وقال البخاري : إنه منكر وأنّه ليس له وجه صحيح. وقال الترمذي أيضا : إنّه
منكر. وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد : هذا الحديث لم يثبتوه. وقال الشيخ
محي الدين النووي ، والحافظ شمس الدين الذهبي ، والشيخ شمس الدين الجزري : إنه
موضوع فلا يجوز الاحتجاج به. ولأنّ من كان باب مدينة العلم لا يلزم أن يكون صاحب
الزعامة الكبرى. ولأنّه لا يقاوم الأخبار الصحاح الدالة على خلافة المتقدّمين عليه
».
قوله :
« وهذا الخبر أيضا
مطعون فيه ».
أقول :
على رسلك أيّها
الشيخ المهذار ، وعلى ضلعك أيّها المتفيهق المتنطّع المكثار ، أمالك حياء؟! كيف
نصبت نفسك لقدح فضائل وصيّ المختار ـ عليهما وآلهما الصّلاة والسلام ـ ورمي مناقبه
بالوضع والصّغار؟ لقد تهت في بادية عظيمة الأهوال ، وارتقيت مرقبا صعب المنال ،
وأتعبت نفسك بالمحال والمحال ، وبالغت في الخدع والاحتيال ...
كيف تبطل وترد
وتنفي مثل هذا الحديث المشهور الشائع ، والخبر
المستفيض الذائع ،
الصحيح سندا والواضح جددا ، اللاّمع منارا البالغ أنوارا ، الذي نقله ورواه وخرّجه
جهابذة الأخبار ومنقّدوا الآثار ، ونظمه الأعلام الأحبار في الأشعار ، وذكروه في
الكتب والأسفار على مدى تحوّل الأعصار ، وهو من الاشتهار والشّيوع والثقة
والاعتبار ، وتمسّك الخلف والسلف والاعتناء بشأنه بمكان عظيم الشأن لا تمسّه يد
الإنكار والتضعيف ، ولا تصل إليه غائلة التوهين والتسخيف؟!
ولعمري إنّ
الطّاعنين في الحديث الشريف شذاذ لا يعبأ بهم ذو والتحقيق ، ومعاندون لا يحتفل بهم
أولوا النظر الدقيق ، قد أخطئوا وجه الصواب فهم في غلواء العصبيّة متمادون ، وفي
سورة حميّة الجاهلية عادون ...
ردّ نسبة القدح الى ابن
معين
قوله :
« قال يحيى بن
معين : لا أصل له ».
أقول :
نسبة القدح في
خصوص حديث مدينة العلم وعلي بابها إلى يحيى بن معين مكذوبة ، ولا يخفى بطلانها على
أهل النّظر والتحقيق ، ونحن نوضّح ذلك في وجوه :
١ ـ إنّه صحّحه في جواب سؤال
الأنباري
لقد أفتى يحيى بن
معين بصحّة حديث مدينة العلم في جواب سؤال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري : « سألت
يحيى عن هذا الحديث فقال : هو صحيح. قال الخطيب : أراد إنّه صحيح من حديث أبي
معاوية وليس بباطل ، إذ
قد رواه غير واحد
عنه ».
وفي تهذيب الكمال بترجمة أبي الصّلت عبد
السلام بن صالح الهروي : « قال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري : حدّثنا أبو الصّلت
الهروي قال : حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت بابه. قال القاسم : سألت
يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال : صحيح. قال أبوبكر بن ثابت الحافظ : أراد إنّه
صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل ، إذ قد رواه غير واحد عنه » .
وفي تهذيب التهذيب بترجمة أبي الصّلت :
« وقال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري : سألت يحيى بن معين عن حديث حدّثنا به أبو
الصلت عن أبي معاوية ، عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا : أنا مدينة العلم
وعلي بابها. الحديث. فقال : هو صحيح. قال الخطيب : أراد به صحيح عن أبي
معاوية ، إذ قد رواه غير واحد عنه » .
وقد ورد تصحيح ابن
معين للحديث في كتب أخرى غير ما ذكر ، كما مرّ فيما مضى.
٢ ـ إنّه أثبته في جواب الدوري
لقد أثبت يحيى بن
معين حديث مدينة العلم في جواب سؤال عباس بن محمد الدّوري ... فقد
قال الحاكم النيسابوري بعد إخراج حديث مدينة العلم
__________________
بطريق أبي الصلت
الهروي ـ : « وأبو الصّلت ثقة مأمون ، فإنّي سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في
التاريخ يقول : سمعت العباس بن محمد الدوري يقول : سألت يحيى بن معين عن أبي
الصّلت الهروي ، فقال : ثقة ، فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش : أنا
مدينة العلم؟ فقال : قد حدّث به محمد ابن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون » .
وقال الخطيب في ( تاريخ بغداد ) ـ على
ما نقل عنه السّيوطي : « قال عباس الدّوري : سمعت يحيى بن معين يوثّق أبا الصّلت
عبد السّلام بن صالح فقلت له : إنّه حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش : أنا مدينة
العلم وعلي بابها! فقال : ما تريدون من هذا المسكين؟ أليس قد حدّث به محمّد بن
جعفر الفيدي عن أبي معاوية » .
وقال عبد الغني المقدسي بترجمة أبي
الصّلت : « قال عباس بن محمد : سمعت يحيى بن معين يوثق أبا الصلت ، فقيل له : إنه
حدّث عن أبي معاوية : أنا مدينة العلم وعلي بابها! فقال : ما تريدون من هذا
المسكين؟ أليس قد حدّث به محمد الفيدي عن أبي معاوية؟ » .
وقال المزي بترجمته : « قال عباس بن
محمد الدوري : سمعت يحيى بن معين يوثّق أبا الصّلت عبد السلام بن صالح ، فقلت :
إنه حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش : أنا مدينة العلم وعلي بابها! فقال : ما تريدون
من هذا المسكين؟ أليس قد حدّث محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية فقال نحوه » .
وقال ابن حجر : « وقال الدوري : سمعت
ابن معين يوثق أبا الصلت وقال
__________________
في حديث أنا مدينة
العلم وعلي بابها : قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية » .
وقد استشهد بهذا
الكلام العلائي والفيروزآبادي في دفاعهما عن هذا الحديث كما مرّ فيما مضى.
٣ ـ إنّه أثبته في جواب ابن
المحرز
وأثبته يحيى بن
معين في جواب سؤال أحمد بن محمد بن القاسم بن المحرز عن أبي الصلت عبد السّلام
الهروي ، فقد ذكر الخطيب في ( تاريخه ) ـ على ما نقل عنه السيوطي ما نصّه : « وقال
أحمد بن محمد بن القاسم بن المحرز : سألت يحيى ابن معين عن أبي الصلت عبد السلام
بن صالح الهروي فقال : ليس ممّن يكذب ، فقيل له في حديث أبي معاوية أنا مدينة
العلم ، فقال : هو من حديث أبي معاوية ، أخبرني ابن نمير قال : حدّث به أبو معاوية
قديما ، ثمّ كفّ عنه ، وكان أبو الصّلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم
المشايخ ، فكانوا يحدّثونه بها » .
وفي تهذيب الكمال : « وقال أحمد بن محمد
القاسم بن محرز : سألت يحيى ابن معين عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن
عباس : أنا مدينة العلم وعلي بابها. فقال : هو من حديث أبي معاوية وفي حديث أبي
معاوية ، أخبرني ابن نمير قال : حدّث به أبو معاوية قديما ثمّ كفّ عنه ، وكان ابو
الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم المشايخ ، وكانوا يحدّثونه بها » .
وفي قوت المغتذي عن الحافظ العلائي : «
وقال أحمد بن محمّد بن محرز : سألت يحيى بن معين عن أبي الصّلت فقال : ليس ممّن
يكذب ، فقيل له في حديث
__________________
أبي معاوية أنا
مدينة العلم ، فقال : هو من حديث أبي معاوية ، أخبرني ابن نمير قال : حدّث به أبو
معاوية قديما ثم كفّ عنه ، وكان أبو الصّلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم
المشايخ » .
وتجده كذلك في نقد
الصّحيح كما تقدّم ، وفي تهذيب التهذيب.
٤ ـ إنّه أثبته في جواب صالح
جزرة
وكذلك أثبت ابن معين هذا الحديث في جواب
سؤال صالح بن محمد جزرة عن أبي الصّلت الهروي ، قال الحاكم : « سمعت أبا نصر أحمد
بن سهل الفقيه القباني إمام عصره ببخارى يقول : سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ
يقول : وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال : دخل يحيى بن معين ـ ونحن معه ـ على أبي
الصّلت فسلّم عليه ، فلما خرج تبعته ، فقلت له : ما تقول ـ رحمك الله ـ في أبي
الصّلت؟ فقال : هو صدوق ، فقلت له : إنه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن
النبي صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم
فليأتها من بابها فقال : قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش ، كما
رواه أبو الصّلت » .
وفي اللآلى المصنوعة عن الخطيب البغدادي
: « وقال عبد المؤمن بن خلف النسفي : سألت أبا علي صالح بن محمد عن أبي الصلت
الهروي فقال : رأيت يحيى بن معين يحسن القول فيه ، ورأيته سئل عن الحديث الذي روى
عن أبي معاوية : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فقال : رواه أيضا الفيدي. قلت : ما
اسمه؟ قال : محمد بن جعفر » .
__________________
وفي قوت المغتذي
عن الحافظ العلائي ـ بعد نقل رواية الدوري السالفة الذكر ـ « وكذلك روى صالح جزرة
أيضا عن ابن معين » .
وفي نقد الصحيح
كذلك : « وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ وأحمد ابن محمد بن محرز عن يحيى بن معين
أيضا » .
أقول :
فظهر أنّ « يحيى
بن معين » ممّن يصحّح حديث مدينة العلم ويثبته ، وقد علم من الوجوه المذكورة أنه
قد سعى ـ السّعي الجميل ـ في سبيل إثبات هذا الحديث وردّ الشّبهات عنه ، فكيف يجوز
نسبة كلمة « لا أصل له » إليه؟
اللهمّ إلاّ أن
يقال بأنّ هذه الكلمات قد صدرت منه قبل وقوفه على حقيقة أمر الحديث ، ثم صرّح بما
هو الحق الثابت والحقيقة الراهنة ، وهذا هو الذي اختاره المولوي حسن الزمان حيث
قال : « تنبيه : من أحسن بيّنة على معنى ختم الأولياء الحديث المشهور الصحيح الذي
صحّحه جماعات من الأئمة ، منهم أشدّ الناس مقالا في الرّجال ، سند المحدثين ابن
معين ، كما أسنده عنه ووافقه الخطيب في تاريخه ، وقد كان قال أوّلا : لا أصل له ...
» .
لكنّ المستفاد من
كلام السّخاوي أن هذه الكلمة لم تصدر من ابن معين بالنسبة إلى حديث مدينة العلم في
حين من الأحيان ، بل إن ذلك ـ على فرض ثبوته ـ كان منه بالنسبة إلى حديث
: أنا دار الحكمة ... قال السخاوي
: « حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها. الحاكم في
المناقب من مستدركه ، والطبراني في معجمه الكبير ، وابو الشيخ ابن حيان في السّنة
له ، وغيرهم ، كلّهم من حديث أبي معاوية
__________________
الضرير ، عن الأعمش
، عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا به بزيادة : فمن أراد العلم فليأت الباب.
ورواه الترمذي في المناقب من جامعه ،
وأبو نعيم في الحلية ، وغيرهما ، من حديث علي : إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال : أنا دار الحكمة وعلي بابها.
قال الدار قطني في
العلل عقيب ثانيهما : إنّه حديث مضطرب غير ثابت ، وقال الترمذي : إنه منكر ، وكذا
قال شيخه البخاري وقال : إنه ليس له وجه صحيح ، وقال يحيى بن معين ـ فيما حكاه
الخطيب في تاريخ بغداد ـ إنه كذب لا أصل له.
وقال الحاكم عقيب
أوّلهما : إنّه صحيح الإسناد » .
أقول :
لكنّ صدوره
بالنّسبة إلى هذا الحديث أيضا مستبعد عندي ، لأنّه ـ كحديث مدينة العلم ـ حديث
صحيح ، وقد نصّ على صحته ابن جرير الطبري ، والعلائي ، والفيروزآبادي ، وغيرهم.
فالعجب من (
الدهلوي ) كيف غفل عن هذا كلّه؟! وكأنّه لم يحفظ من كلمات أعلام طائفته شيئا ،
واقتصر على استراق هفوات الكابلي العنيد في صواقعه!!
ولقد بلغ دفاع ابن
معين عن حديث مدينة العلم من المتانة والقوّة حدّا لم يتمكّن أحد من القادحين فيه
من الإتيان بجواب عنه ، ومن هنا قال العلائي ـ فيما نقل عنه السّيوطي في ( قوت
المغتذي )ـ : « ولم يأت كلّ من تكلّم على حديث
أنا مدينة العلم بجواب عن هذه
الروايات الثابتة عن يحيى بن معين ». وقال ابن حجر المكي في المنح المكيّة نقلا عن
العلائي : « ولم يأت أحد ممن تكلّم في هذا
__________________
الحديث بجواب عن
هذه الروايات الصحيحة عن يحيى بن معين ».
ومن شواهد ما ذكره العلائي
والفيروزآبادي ما جاء في سير أعلام النبلاء بترجمة أبي الصّلت الهروي ، حيث حكى توثيق
يحيى بن معين إيّاه وإثباته حديث مدينة العلم بقوله : « وقال عباس : سمعت ابن معين
يوثّق أبا الصّلت ، فذكر له حديث أنا مدينة العلم فقال : قد حدّث به محمد بن جعفر
الفيدي عن أبي معاوية » .
وقد أقرّ الذّهبي
ما رواه عباس الدّوري عن يحيى بن معين ، غير أنّه اعترض عليه من ناحية أخرى ،
فعقبّه بقوله : « قلت : جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها ، وكان هذا بارّا بيحيى
، ونحن نسمع من يحيى دائما ونحتجّ بقوله في الرجال ، ما لم يتبرهن لنا وهن رجل
انفرد بتقويته أو قوّة من وهّاه ».
وهذا الكلام يضرّ
بمذهب أهل السّنة ، بل يمكن القول بأنّه يهدم أساس مذهبهم ، إذ لا يخفى علوّ قدر
ابن معين وجلالة منزلته في علوم الحديث ـ ولا سيّما. فن الجرح والتعديل ـ على من
راجع تراجمه في تهذيب التهذيب ١١ / ٢٨٠ وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٥٦ ووفيات
الأعيان ٦ / ١٣٩ وتذكرة الحفاظ ٢ / ٤٢٩ ومرآة الجنان حوادث : ٢٠٣ وغيرها.
بل ذكر ابن
الرّومي ـ فيما نقل عنه ابن خلكان ـ : « ما سمعت أحدا قط يقول الحق غير ابن معين ،
وغيره كان يتحامل بالقول ».
__________________
ردّ قدح البخاري
قوله :
« وقال البخاري :
انه منكر وليس له وجه صحيح ».
أقول :
أوّلا : صدور هذا
الكلام من البخاري بالنّسبة إلى حديث « أنا مدينة
العلم » ممنوع ، بل إنّه قد تفوّه
به بالنّسبة إلى حديث « أنا دار الحكمة » كما علمت بذلك من عبارة السّخاوي المتقدّمة ، فذكر (
الدّهلوي ) إيّاه بصدد ردّ حديث « أنا مدينة
العلم »
باطل.
وثانيا : لو
سلّمنا صدوره بالنّسبة إلى حديث « أنا مدينة
العلم » فإنه مردود بوجوه :
١ ـ البخاري مجروح
إنّ البخاري مقدوح
ومجروح ، حسب إفادات أكابر علماء أهل السّنة ،
فلاحظ نبذا من
مثالبه وقوادحه في كتاب ( استقصاء الإفحام ) ومجلّد حديث الغدير من هذا الكتاب ،
فلا وزن لكلامه لدى أهل النظر والتحقيق ولا سيّما في خصوص هذا الحديث العظيم.
٢ ـ البخاري منحرف
وإن البخاري من
أعداء أهل البيت : والمنحرفين عن أمير المؤمنين ، والشواهد الصحيحة على هذا
كثيرة ، وهو أمر قد اعترف به أعاظم علمائهم ، كما لا يخفى على من طالع كتاب (
استقصاء الافحام ) ومجلّد حديث الولاية من هذا الكتاب ، فلا يلتفت إلى طعنه في هذه
الفضيلة العظيمة والمنقبة الباهرة الثابتة لسيّدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة
والسّلام.
٣ ـ رواية عبد الرّزاق الحديث
ولقد روى عبد
الرزاق بن همام الصنعاني حديث مدينة العلم بطريقين صحيحين كما دريت سابقا ، وعبد
الرزاق ـ هذا ـ من كبار مشايخ البخاري ، وقد أكثر من الرواية عنه في صحيحه كما لا
يخفى على المتتبّع ، ومع هذا لا يبقى ريب في سقوط قدح البخاري.
٤ ـ رواية أحمد
ولقد أخرج أحمد بن
حنبل حديث مدينة العلم ، وأحمد أحد الأئمّة الأربعة ، ومن مشايخ البخاري أيضا ،
أخرجه ـ كما علمت سابقا ـ بطرق متعددة ، وقد نصّ سبط ابن الجوزي وغيره على أنّ
أحمد متى روى حديثا وجب المصير إلى روايته ، فلا يعبأ حينئذ بقدح البخاري أو غيره
في هذا الحديث
الشريف.
٥ ـ رواية
ابن معين
وقد رواه يحيى بن
معين أيضا ، وهو من أركان ثقات علمائهم ، ومن أعاظم مشايخ البخاري كذلك ، وقد
أثبته وصرّح بصحته مرة بعد أخرى كما سبق آنفا ، فلا قيمة لقدح البخاري بعد تصحيح
ابن معين إيّاه.
٦ ـ رواية الطبري
ولقد حكم محمد بن جرير الطبري بصحّة
حديث « أنا دار الحكمة » في كتابه ( تهذيب الآثار ) كما علمت سابقا ، واختار اتّحاده مع حديث
« أنا مدينة العلم ». ومع تصحيح هذا
الامام العظيم لا يصغي منصف إلى قدح البخاري في هذا الحديث.
٧ ـ رواية الحاكم
وأخرج الحاكم النيسابوري حديث « أنا
مدينة العلم » في ( المستدرك على الصحيحين ) وصحّحه على شرط الشيخين ، وهذا من أوضح الشواهد على أنّ قدح
البخاري ليس إلاّ من تعصّبه وعناده مع الحق وأهله ، وهو يكفي دليلا على سقوط هذا
القدح.
٨ ـ رواية الترمذي
وأخرج الترمذي حديث أنا مدينة العلم
وعلي بابها في صحيحه ، على ما نقل
عنه ابن طلحة
الشافعي في ( مطالب السئول ) كما تقدّم ، وهذا أيضا يسقط قدح البخاري فيه عن درجة
الاعتبار.
٩ ـ جزم جماعة من الحفاظ بصحّته
كما جزم وحكم
جماعة من أعيان حفّاظ أهل السّنة بصحّة حديث مدينة العلم ، غير مبالين بقدح
البخاري فيه ، ومنهم : سبط ابن الجوزي ، وأبو عبد الله الكنجي ، وجلال الدين
السيوطي ، والمتقي الهندي ، ومحمد صدر العالم ، ومحمد البدخشاني ، والأمير
الصنعاني ، والمولوي حسن زمان.
وإعراض هؤلاء عن
قدح البخاري دليل آخر على وهنه ...
١٠ ـ تحسين جماعة
وحكم بحسن حديث
أنا مدينة العلم جماعة آخرون من
الحفاظ والعلماء ، وصرّحوا ببطلان قدح القادحين فيه ، ومنهم : العلائي ،
والفيروزآبادي ، وابن حجر العسقلاني ، والسخاوي ، ومحمد بن يوسف الشامي ، وابن حجر
المكي ، ومحمد طاهر الفتني ، ومحمد حجازي ، وعبد الحق الدهلوي ، والعزيزي ،
والشبراملسي ، والزرقاني ، والصبّان ، والشوكاني ، والميرزا حسن علي المحدّث ...
فقدح البخاري باطل
لدى كلّ هؤلاء المحقّقين ...
١١ ـ كلام الزركشي
وحكم بدر الدين
الزركشي الشّافعي بأنّ حديث أنا مدينة العلم ينتهي إلى درجة الحسن المحتجّ به ،
ولا يكون ضعيفا فضلا عن كونه موضوعا ، فهو ـ إذن ـ يرى بطلان دعوى البخاري كما هو
واضح.
١٢ ـ فتوى ابن حجر المكي
وأفتى ابن حجر
المكّي في ( فتاواه الحديثية ) بحسن حديث أنا
مدينة العلم ، بل صرّح بصحته
تبعا للحاكم ، ثم اعترض على قدح البخاري وغيره فيه ، وهذا نصّ كلامه : « وأمّا
حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فهو حديث حسن ، بل قال الحاكم صحيح ، وقول البخاري : ليس
له وجه صحيح ، والترمذي : منكر ، وابن معين : كذب ـ معترض ، وإن ذكره ابن الجوزي
في الموضوعات وتبعه الذهبي على ذلك ».
١٣ ـ إعراض جماعة عن قدح
البخاري
ولقد نقل جماعة من
أعيان علماء أهل السنة كلمة البخاري في حديث أنا مدينة العلم ثم أعرضوا عنها ولم
يعبئوا بها ، وذهبوا إلى اعتبار الحديث وتحسينه والاحتجاج به ، ومنهم : السّيوطي ـ
في ( الدرر المنتثرة ) ـ والسمهودي ، والقاري ، والمنّاوي ، وثناء الله باني بتي ـ
وهو بيهقي عصره في رأي ( الدهلوي )ـ.
فاستناد (
الدّهلوي ) إلى كلام البخاري مع رواية مشايخ البخاري الحديث وتصحيحهم له ، وتصحيح
جماعة من الحفاظ وتحسين آخرين له ، وهكذا إعراض كبار العلماء عن قدح البخاري ـ عجيب
جدا.
ردّ نسبة القدح إلى
الترمذي
قوله :
« وقال الترمذي :
إنّه منكر غريب ».
أقول :
إنّ نسبة القدح في
حديث أنا مدينة العلم إلى الترمذي كذب محض لوجوه :
(١) نقل جماعة الحديث عن صحيح
الترمذي
١ ـ ابن طلحة الشافعي
قال ابن طلحة الشافعي في مطالب السئول
في حق أمير المؤمنين 7
: « ولم يزل بملازمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يزيده الله تعالى علما ، حتى
قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما نقله الترمذي في صحيحه بسنده عنه :
أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
٢ ـ ابن تيميّة
فقد أورده عن صحيح
الترمذي واستدل به ، ولو كان ثمة قدح من الترمذي لما تمّ استدلاله.
قال ابن تيميّة في
منهاجه : « وحديث أنا مدينة العلم أضعف وأوهى ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات وإن رواه الترمذي
، وذكره ابن الجوزي وبيّن أنّ سائر طرقه موضوعة ».
ولو كان للترمذي
قدح في حديث مدينة العلم لذكره هذا الناصب العنيد ، إذ هو بصدد ردّ هذا الحديث ،
كما هو واضح!!
٣ ـ ابن روزبهان
لقد اعترف الفضل
ابن روزبهان برواية الترمذي هذا الحديث في صحيحه ، اعترف به في ردّه على كلام
العلاّمة الحلّي 1 ، ولو كان الترمذي قد قال فيه « إنه منكر غريب » لذكر
كلامه البتّة ، وهذا من الظهور بمكان ...
٤ ـ الميبدي
ونقل الحسين الميبدي حديث أنا مدينة
العلم في ( الفواتح ) عن صحيح الترمذي واحتجّ به لمرامه ، كما وقفت فيما سبق على نصّ كلامه ، ...
٥ ـ محمد بن يوسف الشامي
وتقدّم نصّ كلام
محمد بن يوسف الشامي في سيرته حيث قال « روى الترمذي وغيره مرفوعا : أنا مدينة
العلم وعلي بابها ، والصواب إنه
حديث
حسن ... » ولو كان
الترمذي قد قدح فيه لما جاز له السّكوت عن نقل قدحه.
٦ ـ ابن حجر المكي
وذكر ابن حجر
المكي في صواعقه رواية الترمذي هذا الحديث الشريف ، ولم ينسب إليه أيّ قدح فيه ،
ولو كان لذكره قطعا.
٧ ـ الميرزا مخدوم
ونقل الميرزا مخدوم حديث مدينة العلم في
نواقضه عن الترمذي ، وأورده في فضائل أمير المؤمنين 7
، قال : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ،
أخرجه الترمذي ».
ولو كان ما نسب (
الدهلوي ) إلى الترمذي صحيحا لما أثبت الميرزا مخدوم هذا الحديث في فضائل علي 7 ، ولذكر ـ على
الأقل ـ قدح التّرمذي فيه.
٨ ـ العيدروس اليمني
وذكر العيدروس
اليمني في العقد النّبوي حديث مدينة العلم برواية الترمذي في فضائل سيدنا أمير
المؤمنين 7 ، وهذا يدل على عدم صدور القدح فيه من التّرمذي.
٩ ـ الشيخاني القادري
وكذلك الشيخاني
القادري في الصراط السّوي ، رواه عن الترمذي وهو بصدد ذكر رواته ، فلو كان ثمة قدح
منه لذكره أو نوّه به في الأقل.
١٠ ـ عبد الحق الدهلوي
والشيخ عبد الحق
الدهلوي ذكر إخراج الترمذي حديث مدينة العلم في رجال المشكاة.
١١ ـ الشبراملسي
وتقدّم في محلّه قول نور الدين
الشبراملسي في تيسير المطالب :
« قوله مدينة العلم : روى الترمذي وغيره
مرفوعا : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، والصواب إنه حديث حسن كما قاله الحافظ العلائي وابن حجر » وهذا أيضا يبطل
دعوى قدح الترمذي في هذا الحديث الشريف.
١٢ ـ الكردي
وقال إبراهيم الكردي الكوراني في نبراسه
كما سمعت فيما مضى : « وأمّا أنه باب مدينة علمه ففي قوله صلّى الله عليه وسلّم : أنا
مدينة العلم وعلي بابها ، رواه البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ،
والترمذي والحاكم عن علي ». وهذا أيضا ممّا يدفع نسبة
صدور القدح في هذا الحديث عن الترمذي.
١٣ ـ الزرقاني
وهكذا رواه محمد
بن عبد الباقي الزرقاني في شرح المواهب اللدنية وقد مضت عبارته ...
١٤ ـ الصبّان
وذكر الصبّان
المصري في إسعاف الراغبين رواية الترمذي حديث مدينة العلم وهو بصدد إثباته كما
دريت في مضى ، وهذا دليل آخر على كذب ما نسب إلى الترمذي ...
١٥ ـ العجيلي
وتقدم أيضا قول العجيلي في ذخيرة المآل
: « وأخرج الترمذي أنّه قال صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها
فمن أراد العلم فليأت الباب ، ولهذا كانت الطرق والسلسلات راجعة إليه ».
فالعجيلي رواه عن الترمذي وهو بصدد إثباته وبيان أعلمية أمير المؤمنين 7 من غيره على ضوء
الحديث ، ولو كان الترمذي قادحا فيه لما استند إليه ، وذلك ظاهر كلّ الظهور.
(٢) تحسين الترمذي الحديث
بل إنّ الترمذي قد حسّن حديث أنا مدينة
العلم وعلي بابها ، فضلا عن روايته له ، جاء ذلك في اللّمعات في شرح المشكاة وهذه
عبارته ـ كما سمعت سابقا ـ « واعلم أن المشهور من لفظ الحديث في هذا المعنى : أنا
مدينة العلم وعلى بابها. وقد تكلّم النقّاد فيه ، وأصله من أبي الصّلت عبد السلام وكان شيعيّا وقد
تكلّم فيه ، وصحّح هذا الحديث الحاكم وحسّنه الترمذي ... ».
فهل يبقى شك في
كذب دعوى ( الدهلوي )؟!
(٣) اعتراض السّيوطي على ابن الجوزي
لقد ذكر السّيوطي إخراج الترمذي حديث
مدينة العلم في النكت البديعات على الموضوعات ، معترضا به على قدح ابن الجوزي في
الحديث وإيراده إيّاه في الموضوعات ، وهذا نصّ كلامه : « حديث ـ ق ك ـ أنا مدينة
العلم وعلي بابها. أورده
من حديث علي وابن عباس وجابر.
قلت : حديث علي
أخرجه الترمذي والحاكم ، وحديث ابن عباس أخرجه الحاكم والطبراني ، وحديث جابر
أخرجه الحاكم ... ».
وقال السّيوطي في
اللآلي المصنوعة بعد ذكر قدح ابن الجوزي : « قلت : حديث علي أخرجه الترمذي ... ».
فكأنّه يقول لابن
الجوزي : كيف تورد حديث مدينة العلم من حديث علي في الموضوعات وتقدح فيه وقد أخرجه
الترمذي ...؟!
(٤) كلام الشوكاني
وقد نقل الشوكاني
في الفوائد المجموعة القدح في هذا الحديث عن بعض المتعنّتين ثمّ قال : « وأجيب عن
ذلك بأنّ محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثّقه يحيى بن معين ، وأن أبا الصلت
الهروي قد وثّقه ابن معين والحاكم ، وقد سئل عن هذا الحديث فقال : صحيح ، وأخرجه الترمذي
عن علي مرفوعا ، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعا وقال : صحيح
الإسناد ... ».
ردّ قدح ابن الجوزي
قوله :
« وذكره ابن
الجوزي في الموضوعات ».
أقول :
احتجاج ( الدهلوي
) بذكر « ابن الجوزي » حديث مدينة العلم في « الموضوعات » غريب جدّا ، وذلك لسقوط
ابن الجوزي وكتابه المذكور عن درجة الاعتبار ، لدى أكابر العلماء الأعلام ، ولنذكر
شطرا من كلماتهم في هذا المضمار :
من كلمات العلماء في ابن الجوزي
قال ابن الأثير في
حوادث سنة ٥٩٧ من الكامل : ـ « وفي هذه السّنة في شهر رمضان توفي أبو الفرج عبد
الرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد ، وتصانيفه مشهورة ، وكان كثير
الوقيعة في الناس ، لا سيّما في العلماء المخالفين
لمذهبه والموافقين
له ، وكان مولده سنة ٥١٠ ».
وكذا في الخميس في
حوادث السنة المذكورة.
وفي المختصر في
أخبار البشر : « وكان كثير الوقيعة في العلماء ».
وفي الكامل بترجمة
عبد الكريم السمعاني : « وقد جمع مشيخته فزادت عدّتهم على أربعة آلاف شيخ ، وقد
ذكره أبو الفرج ابن الجوزي فقطّعه ، فمن جملة قوله فيه : إنه كان يأخذ الشيخ
ببغداد ويعبر به إلى فوق نهر عيسى فيقول : حدثني فلان بما وراء النهر. وهذا بارد
جدا ، فإنّ الرجل سافر إلى ما وراء النهر حقّا ، وسمع في عامة بلاده من عامة شيوخه
، فأيّ حاجة به إلى هدا التدليس البارد ، وإنّما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي ،
وله أسوة بغيره ، فإن ابن الجوزي لم يبق على أحد إلاّ مكثري الحنابلة » .
وذكره ابن الوردي .
وقال اليافعي في
مرآة الجنان حوادث ٥٩٥ « وفيها أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقّاه الناس ، وبقي
في المطمورة خمس سنين ، كذا ذكره الذهبي ، ولم يتبيّن لأيّ سبب سجن ، وكنت قد سمعت
فيما مضى أنه حبس بسبب الشيخ عبد القادر بأنّه كان ينكر عليه ، وكان بينه وبين
أبيه عداوة بسبب الإنكار المذكور ، وأخبرني من وقف على كتاب له أنّه ينكر فيه على
قطب الأولياء تاج المفاخر الذي خضعت لقدمه رقاب الأكابر الشيخ محي الدين عبد
القادر قدس الله روحه ونوّر ضريحه ، وإنكار ابن الجوزي عليه وعلى غيره من الشيوخ
أهل المعارف والنور من جملة الخذلان وتلبيس الشيطان والغرور ، والعجب منه في
إنكاره عليهم وبمحاسنهم يطرز كلامه فقد ملأت ـ والحمد لله ـ محاسنهم الوجود ، فلا
مبالاة بذم كلّ مغرور وحسود ».
__________________
وقال الذهبي
بترجمة أبان بن يزيد العطّار : « ثم قال ابن عدي : هو حسن الحديث متماسك ، يكتب
حديثه ، وعامّتها مستقيمة ، وأرجو أنّه من أهل الصدق.
قلت : بل هو ثقة
حجة ، ناهيك بأن أحمد بن حنبل ذكره فقال : كان ثبتا في كلّ المشايخ ، وقال ابن
معين والنسائي : ثقة. وقد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر
فيه اقوال من وثّقه ، وهذا من عيوب كتابه ، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق ، ولو لا
أنّ ابن عدي وابن الجوزي ذكرا أبان بن يزيد لما ذكرته أصلا » .
وقال الذهبي في
تذكرة الحفاظ : « قرأت بخطّ الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر فسقطت لحيته فكانت
قصيرة جدّا ، وكان يخضبها بالسواد ، وكان كثير الغلط فيما يصنّفه ، فإنه كان يفرغ
من الكتاب ولا يعتبره. قلت : له وهم كثير في تواليفه ، يدخل عليه الداخل من العجلة
والتحول إلى مصنف آخر ، ومن أن جلّ علمه من كتب وصحف ما مارس فيه أرباب العلم كما
ينبغي » .
وقال ابن حجر
بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري : « وذكر أبو منصور بن طاهر التميمي في كتاب الفرق
بين الفرق ، أنّ الواثق لما قتل أحمد بن نصر الخزاعي ـ وكان ثمامة ممّن سعى في
قتله ـ فاتفق أنه حجّ فقتله ناس من خزاعة بين الصّفا والمروة. وأورد ابن الجوزي
هذه القصّة في حوادث سنة ثلاث عشرة ، وترجم لثمامة فيمن مات فيها وفيها تناقض ،
لأن قتل أحمد بن نصر تأخّر بعد ذلك بدهر طويل ، فإنه قتل في خلافة الواثق سنة بضع
وعشرون ، فكيف يقتل قاتله سنة ثلاث عشرة ، والصّواب أنه مات في سنة ثلاث عشرة ،
ودلّت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينتقد ما يحدّث به » .
__________________
وفي طبقات الحفاظ
للسيوطي وطبقات المفسّرين للداودي بترجمة ابن الجوزي « قال الذهبي في التاريخ
الكبير : لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة ، بل باعتبار كثرة
اطلاعه وجمعه » .
من كلمات العلماء في الموضوعات
لابن الجوزي
قال ابن الصلاح :
« ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلّدين ، فأودع فيها كثيرا
ممّا لا دليل على وضعه ، وإنما حقّه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة » .
وقال محمد بن
إبراهيم بن جماعة الكناني في المنهل الروي في علم أصول حديث النبيّ : « وصنّف
الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابه في الموضوعات ، فذكر كثيرا من الضعيف الذي لا
دليل على وضعه ».
وقال ابن كثير «
وقد صنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا حافلا في الموضوعات ، غير أنّه أدخل
فيه ما ليس منه ، وأخرج عنه ما كان يلزمه ذكره ، فسقط عليه ولم يهتد إليه » .
وقال الزين
العراقي بشرح قوله :
« وأكثر الجامع
فيه إذ خرج
|
|
لمطلق الضعف عنى
أبا الفرج ».
|
قال : « قال ابن
الصلاح : ولقد أكثر الذي جمع ... وأراد ابن الصلاح بالجامع المذكور أبا الفرج ابن
الجوزي ، وأشرت إلى ذلك بقولي عنى أبا الفرج » .
__________________
وقال ابن حجر
العسقلاني بعد إثبات حديث سدّ الأبواب إلاّ باب علي 7 : « وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، وأخرجه
من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم ، وأعلّه
ببعض من تكلّم فيه من رواته ، وليس بقادح ، لما ذكرت من كثرة الطرق ، وأعلّه أيضا
بأنّه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر ، وزعم أنه من وضع الرافضة
قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. انتهى ، وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا فإنه سلك
ردّ الأحاديث الصحيحة بتوهّمه المعارضة ، مع أنّ الجمع بين القصتين ممكن ».
وقال ابن حجر أيضا
في بحثه حول الحديث المذكور : « قول ابن الجوزي في هذا الحديث إنه باطل وإنه موضوع
، دعوى لم يستدل عليها إلاّ بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين ، وهذا إقدام على ردّ
الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم ، ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلاّ عند
عدم إمكان الجمع ، ولا يلزم من تعذّر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك ، لأن
فوق كلّ ذي علم عليم ، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على الحديث بالبطلان ،
بل يتوقّف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له ، وهذا الحديث من هذا الباب ، هو
حديث مشهور له طرق متعددة ، كلّ طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ،
ومجموعها ممّا يقطع بصحّته على طريقه كثير من أهل الحديث » .
وقال السخاوي : «
ويوجد الموضوع كثيرا في الكتب المصنفة في الضعفاء وكذا في العلل ، ولقد أكثر
الجامع فيه مصنفا نحو مجلّدين ، إذ خرج عن موضوع كتابه لمطلق الضعف ، حيث أخرج فيه
كثيرا من الأحاديث الضعيفة التي لا دليل معه على وضعها ، وعنى ابن الصلاح بهذا
الجامع الحافظ الشهير أبا الفرج ابن الجوزي ، بل ربما أدرج فيها الحسن والصحيح مما
هو في أحد الصحيحين فضلا
__________________
عن غيرهما ، وهو ـ
مع إصابته في أكثر ما عنده ـ توسع منكر ينشأ عنه غاية الضرر ، من ظن ما ليس بموضوع
بل هو صحيح موضوعا ، مما قد يقلّده فيه العارف تحسينا للظن به ، حيث لم يبحث فضلا
عن غيره ، ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالا ، والموقع له استناده في غالبه بضعف
راويه الذي رمي بالكذب مثلا ، غافلا عن مجيئه من وجه آخر ... » .
وفيه : « ثم إنّ
من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية كثيرا
ممّا أورده في الموضوعات ، كما أن في الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية ، بل قد
أكثر في تصانيفه الوعظية وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه. قال شيخنا : وفاته من
نوعي الموضوع والواهي في الكتابين قدر ما كتب ، قال : ولو انتدب شخص لتهذيب الكتاب
ثم لإلحاق ما فاته لكان حسنا ، وإلاّ فيما تقرر عدم الانتفاع به إلاّ للناقد ، إذ
ما من حديث إلاّ ويمكن أن لا يكون موضوعا » .
وقال السّيوطي : «
وقد جمع في ذلك الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا ، فأكثر فيه من إخراج الضعيف
الذي لم ينحط إلى رتبة الوضع بل ومن الحسن ومن الصحيح ، كما نبّه على ذلك الأئمة
الحفاظ ومنهم ابن الصّلاح في علوم الحديث وأتباعه » .
وفيه : « واعلم
أنه جرت عادة الحفّاظ كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون على حديث
بالبطلان من حيثيّة سند مخصوص ، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن ، ويكون
ذلك المتن معروفا من وجه آخر ، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به ،
فيغتّر ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن
__________________
بالوضع مطلقا
ويورده في كتاب الموضوعات ، وليس هذا بلائق ، وقد عاب عليه الناس ذلك ، آخرهم
الحافظ ابن حجر ... ».
وفيه في تحقيق حديث « من قرأ آية الكرسي
دبر كلّ صلاة ... » قال : « وقال
الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث المشكاة : غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في
الموضوعات ، وهو أسمج ما وقع له.
وقال الحافظ شرف
الدين الدمياطي في جزء جمعه في تقوية هذا الحديث : محمد بن حمير القضاعي الشبلنجي
الحمصي كنيته ابو عبد الحميد ، احتج به البخاري في صحيحه ، وكذلك محمد بن زيد
الألهاني أبو سفيان الحمصي ، احتج به البخاري أيضا ، وقد تابع أبا أمامة علي بن
أبي طالب ، وعبد الله بن عمرو بن العاصي ، والمغيرة بن شعبة ، وجابر ، وأنس ،
فرووه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وأورد حديث علي من الطريقين السابقين ،
وحديث ابن عمرو ، والمغيرة ، وجابر ، وأنس ، من الطرق التي سأزيدها ، ثم قال :
وإذا انضمّت هذه الأحاديث بعضها إلى بعض أخذت قوة.
وقال الذهبي في
تاريخه : نقلت من خط السيف أحمد بن أبي المجد الحافظ قال : صنّف ابن الجوزي كتاب
الموضوعات فأصاب في ذكره أحاديث مخالفة للنقل والعقل ، ومما لم يصب فيه إطلاقه
الوضع على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها ، كقوله فلان ضعيف ، أو ليس
بالقوي ، أوليّن ، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه ، ولا فيه مخالفة ولا
معارضة لكتاب ولا سنة ولا اجماع ، ولا حجة بأنه موضوع سوى كلام ذلك الرجل في راويه
، وهذا عدوان ومجازفة. قال : فمن ذلك أنه أورد حديث أبي أمامة في قراءة آية الكرسي
بعد الصّلاة ، لقول يعقوب بن سفيان في راويه محمد بن حمير : ليس بالقوي ، ومحمد
هذا روى له البخاري في صحيحه ، ووثّقه أحمد وابن معين » .
__________________
وفيه في الكلام حول حديث « أوّلكم ورودا
عليّ الحوض أوّلكم إسلاما علي ابن أبي طالب » : « والعجب من المصنف أنه قال في العلل باب فضل علي بن أبي
طالب : قد وضعوا أحاديث خارجة عن الحدّ ذكرت جمهورها في كتاب الموضوعات ، وإنّما
أذكر هاهنا ما دون ذلك ، ثمّ أورد هذا الحديث ، وهذا يدل على أن متنه عنده ليس
بموضوع فكيف يورده في الموضوعات؟ وقد عاب عليه الحفاظ هذا الأمر بعينه فقالوا :
إنّه يورد حديثا في كتاب الموضوعات ويحكم بوضعه ، ثم يورده في العلل وموضوعه
الأحاديث الواهية التي لم تنته إلى أن يحكم عليها بالوضع ، وهذا تناقض » .
وفيه بعد حديث « إن طالت بك مدة أو شك
أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر » وذكر
قدح ابن الجوزي : « قلت : لا والله ما هو بباطل ، بل صحيح في نهاية الصحة ، أخرجه
مسلم في صحيحه ، قال شيخ الإسلام
ابن حجر في القول المسدد : هذا حديث صحيح خرجه مسلم عن جماعة من مشايخه ... وقد
أخطأ ابن الجوزي في تقليده لابن حبان في هذا الموضع خطأ شديدا ، وغلط ابن حبان في
أفلح فضعّفه بهذا الحديث ... ولقد أساء ابن الجوزي لذكره في الموضوعات حديثا في
صحيح مسلم ، وهذا من عجائبه ».
وفيه بعد حديث « إذا أتاكم كريم قوم
فأكرموه » « قلت : بل وا عجبا من
المؤلّف كيف يحتم على رد الأحاديث الثابتة من غير تثبت ولا تتبع ، فإن حديث
إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ورد من رواية أكثر من عشرة من الصحابة ، فهو متواتر على رأي من يكتفي في
التواتر بعشرة ... ».
وقال السّيوطي في
صدر النكت البديعات على الموضوعات « وبعد ، فإنّ كتاب الموضوعات جمع الامام أبي
الفرج ابن الجوزي قد نبّه الحفاظ قديما وحديثا
__________________
على أنّ فيه
تساهلا كثيرا ، وأحاديث ليست بموضوعة ، بل هي من وادي الضعيف ، وفيه أحاديث حسان
وأخرى صحاح ، بل وفيه حديث من صحيح مسلم نبّه عليه الحافظ أبو الفضل ابن حجر ،
ووجدت فيه حديثا من صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر ، وآخر متنه في البخاري من
رواية صحابي غير الذي أورده عنه ... ».
وقال في خاتمته :
« هذا آخر ما أوردته في هذا الكتاب من الأحاديث المتعقّبة ، التي لا سبيل إلى
إدراجها في سلك الموضوعات ، وعدّتها نحو ثلاثمائة حديث ، منها في صحيح مسلم حديث ،
وفي صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر حديث ، وفي مسند أحمد ثمانية وثلاثون حديثا ،
وفي سنن أبي داود تسعة أحاديث ، وفي جامع الترمذي ثلاثون حديثا ، وفي سنن النسائي
عشرة أحاديث ، وفي سنن ابن ماجة ثلاثون حديثا ، وفي مستدرك الحاكم ستون حديثا ،
على تداخل في العدة ، فجميع ما فيه من الكتب الستة والمسند والمستدرك مائة حديث
وثلاثون حديثا ، وفيه من مؤلفات البيهقي : السنن ، والشعب ، والبعث ، والدلائل ،
وغيرها ، ومن صحيح ابن خزيمة والتوحيد له ، وصحيح ابن حبان ، ومسند الدارمي ،
وتاريخ الطبري ، وخلق أفعال العباد ، وجزء القراءة له ، وسنن الدار قطني جملة
وافرة ».
وقال السّيوطي : «
وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين أعني أبا الفرج ابن الجوزي ، فذكر في
كتابه كثيرا مما لا دليل على وضعه ، بل هو ضعيف بل وفيه الحسن بل والصحيح ... » .
وقال الشامي في
سبل الهدى والرشاد : « وقد نص ابن الصّلاح في علوم الحديث وسائر من تبعه على أن
ابن الجوزي تسامح في كتابه الموضوعات ، فأورد فيه أحاديث وحكم بوضعها وليست
بموضوعة ، بل هي ضعيف فقط وربما تكون
__________________
حسنة أو صحيحة ،
قال زين الدين العراقي في ألفيّته :
و أكثر الجامع
فيه إذ خرج
|
|
لمطلق الضعف عنى
أبا الفرج.
|
وألّف شيخ الإسلام
أبو الفضل ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ كتابا سمّاه : القول المسدّد ... ».
وإن شئت المزيد من
كلماتهم فراجع : صدر ( مختصر تنزيه الشريعة ) وصدر ( تذكرة الموضوعات ) و ( أسماء
رجال المشكاة لعبد الحق ) و ( كشف الظنون ) و ( المسلك الوسط الداني إلى الدر
الملتقط للصغاني ) و ( شرح المواهب اللدنيّة ) و ( نيل الأوطار ) و ( القول
المستحسن في فخر الحسن ) و ( الفوائد المجموعة ).
ردّ العلماء على قدح ابن الجوزي
وبالاضافة إلى ما
تقدّم : فإن كبار الحفاظ والعلماء أبطلوا بالأدّلة القاطعة دعوى ابن الجوزي ،
وانتقدوا إيداعه حديث أنا مدينة العلم في الموضوعات ، وقد تقدّمت نصوص عباراتهم في ذلك في مواضعها
من الكتاب ، ونكتفي هنا بذكر أسمائهم :
١ ـ الحافظ صلاح
الدين العلائي.
٢ ـ الحافظ بدر
الدين الزركشي.
٣ ـ شيخ الإسلام
الحافظ العسقلاني.
٤ ـ الحافظ السخاوي.
٥ ـ الحافظ
السيوطي.
٦ ـ الحافظ
السمهودي.
٧ ـ الحافظ ابن
عرّاق.
٨ ـ الحافظ ابن
حجر المكّي.
٩ ـ العلاّمة مجد
الدين الفيروزآبادي.
١٠ ـ العلاّمة
المتقي الهندي.
١١ ـ العلاّمة
القاري.
١٢ ـ العلاّمة
المنّاوي.
١٣ ـ العلاّمة
الشيخ عبد الحق الدهلوي.
١٤ ـ العلاّمة
الزرقاني.
١٥ ـ العلاّمة
البدخشاني.
١٦ ـ العلاّمة
محمد صدر العالم.
١٧ ـ العلاّمة
الأمير الصنعاني.
١٨ ـ العلاّمة
الصبان المصري.
١٩ ـ العلاّمة
القاضي ثناء الله الهندي.
٢٠ ـ قاضي القضاة
الشوكاني.
٢١ ـ العلاّمة
الميرزا حسن علي المحدّث.
٢٢ ـ العلاّمة ولي
الله اللكهنوي.
٢٣ ـ العلاّمة
المولوي حسن الزمان.
٢٤ ـ العلاّمة
الدمنتي الشّاذلي.
ردّ قدح ابن دقيق العيد
قوله :
« وقال الشّيخ
تقيّ الدين ابن دقيق العيد : هذا الحديث لم يثبتوه ».
أقول :
إنّ هذا الكلام
بعيد عن الصدق والصّواب غاية البعد ، فقد علمت فيما تقدّم إثبات كبار المحدّثين
وأعاظم المسندين ومشاهير الحفاظ المعتمدين هذا الحديث الشريف ، في كتبهم المعتبرة
وأسفارهم المعتمدة ، مصرّحين بصحته أو حسنه أو ثبوته عن رسول الله 6 ، كما أنّ جماعة
كبيرة منهم وصفوا سيّدنا أمير المؤمنين 7 ب « باب مدينة العلم » و « باب مدينة الحكم والعلوم »
وأمثال ذلك ، كما نظم آخرون منهم هذه المأثرة في أشعارهم ...
فهل يبقى مع هذا
كلّه وزن لقول هذا الرّجل « هذا الحديث لم يثبتوه »؟! وهل يجوز لأحد أن يحتجّ بمثل
هذا الكلام؟!
ومن هنا ترى إعراض
جماعة من محققيهم عن هذا الكلام مع ذكرهم له ،
كالزركشي في (
اللآلى المنثورة ) والسخاوي في ( المقاصد الحسنة ) والسيوطي في ( الدرر المنتثرة )
والقاري في ( المرقاة ) ...
الكلام على رأي النووي
والذهبي والجزري
قوله :
« وقال الشيخ محي
الدين النواوي والحافظ شمس الدين الذهبي والشيخ شمس الدين الجزري : إنه موضوع ».
أقول :
لا بدّ من تحقيق
الحال وبيان الحقيقة في مقامات :
(١) رأي الشّيخ محيي الدّين
النواوي
أمّا محيي الدين
النواوي ، فالواقع أنّه قد قدح في حديث « أنا دار
الحكمة وعليّ بابها » ، وهذا نصّ كلامه
« وأمّا الحديث
المروي عن الصنابحي عن علي قال
قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. وفي رواية : أنا
مدينة العلم وعلي بابها ، فحديث باطل ، رواه الترمذي وقال : هو حديث منكر ، وفي بعض النسخ : غريب ، قال : ولم
يروه من الثقات غير شريك ، وروى مرسلا » .
فظهر أنّ قدحه
متوجّه في الأصل إلى حديث « أنا دار الحكمة » ، غير أنّه توهّم أنّ حديث
« أنا مدينة العلم » رواية من روايات
ذاك الحديث ، ولا يخفى سقوط هذا التوهّم على من لاحظ روايات المحدثين وطرق
الحديثين المذكورين في مختلف الكتب والأسفار ، لأنّ كلاّ منهما قد روي وأخرج فيها
بطرق وأسانيد كثيرة خاصة به ، بحيث لا يلزم من القدح في أحدهما القدح في الآخر ...
فهذا وهم من ( الدهلوي ) إن لم يكن كذب وتدليس.
ثبوت حديث : « أنا دار الحكمة
وعلىّ بابها »
على أنّ حديث
« أنا دار الحكمة وعليّ بابها » حديث ثابت ، قد أخرجه جهابذة الحديث وأعلام الحفاظ والعلماء ، فدعوى بطلانه
ساقطة ، ومن المناسب أن نعيد ذكر بعض من أخرجه من مشاهير محدثي أهل السّنة ...
فنقول :
١ ـ رواية أحمد :
لقد روى أحمد حديث « أنا دار الحكمة
وعلي بابها » عن الصنابحي عن أمير المؤمنين 7
... ذكر ذلك المولوي حسن علي في ( تفريح الأحباب ) ، وقد تقدّم سابقا عن جماعة قولهم : إذا روى أحمد حديثا وجب
المصير إليه ...
٢ ـ رواية الترمذي وتحسينه :
ولقد أخرجه الترمذي في صحيحه وحكم بحسنه
كما في ذخائر العقبى حيث
__________________
قال : « ذكر أنه ـ 2 ـ باب دار الحكمة : عن علي 2 قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها ، أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن » .
وقوله « حديث حسن
» دليل على اعتباره ، لأنّه قال « وما ذكرنا في هذا الكتاب في إسناده من يتهم
بالكذب ، ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن ».
٣ ـ رواية الطبري وتصحيحه :
وعلم فيما تقدّم
رواية أبي جعفر محمد بن جرير الطبري هذا الحديث في ( تهذيب الآثار ) وحكمه بصحّته
...
٤ ـ رواية الحاكم وتصحيحه :
وأخرجه الحاكم في
( المستدرك على الصحيحين ) وصحّحه ، قاله محمد بن يوسف الشامي في سبل الهدى والرشاد
، والشبراملسي في تيسير المطالب السنية والزرقاني في شرح المواهب اللدنية.
٥ ـ رواية جماعة آخرين :
كما علم ممّا
تقدّم رواية جماعة آخرين لحديث « أنا دار الحكمة وعلي بابها » وهم بين من يثبته ،
ومن يصحّحه ، ومن يقول إنه حسن ومنهم : الكنجي ، والمحبّ الطبري ، والعلائي ،
والفيروزآبادي ، والجزري ، والعسقلاني ، والسيوطي ، والعلقمي ، والشامي ، والمناوي
، والدهلوي ، والعزيزي ، والزرقاني ، والبدخشاني ، وشاه وليّ الله ، ...
فظهر بطلان قول
النواوي : « فحديث باطل ».
__________________
ردّ نسبة القدح في الحديث
المذكور للترمذي
وأمّا قوله « رواه
الترمذي وقال : هو حديث منكر ، وفي بعض النسخ : غريب » فمن المنكرات الفاضحة ، بل
الحق الثابت أنّه رواه وقال « حسن غريب » كما تقدّم عن المحبّ الطبري في ( ذخائره
) وسيأتي عن ( رياضه ) أيضا.
تحريف عبارة الترمذي
غير أنّ الأيدي
الأثيمة قد غيّرت وحرّفت عبارة التّرمذي ، وقد عمد النواوي إلى اعتماد هذه العبارة
المحرّفة ، جحدا لفضيلة من فضائل سيدنا أمير المؤمنين 7 ...
لقد قال الترمذي
في هذا الحديث إنه « حسن غريب » كما علمت من رواية محبّ الدين الطبري عنه في (
ذخائر العقبى ). وقال في الرياض النضرة : « عن علي قال
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. أخرجه الترمذي وقال : حسن غريب » .
هذا ما نقله
المحبّ الطبري عن الترمذي ، وهو من أقدم وأوثق نقلة هذا الحديث عن صحيح الترمذي ...
لكنّ بعض المعاندين
أسقطوا كلمة « حسن » وتركوا كلمة « غريب » من كلام الترمذي من بعض نسخ صحيحه ، ومن
هنا نسب غير واحد ممّن تأخّر عن المحبّ الطبري إلى الترمذي قوله في هذا الحديث «
غريب » من دون كلمة « حسن »!! كالخطيب التبريزي في ( المشكاة ) ، والعلائي في (
أجوبته ) ، وابن كثير في
__________________
( تأريخه ) ،
والفيروزابادي في ( نقد الصحيح ) ، والسّيوطي في ( القول الجلي ) ، والوصّابي في (
الاكتفاء ) ، والمناوي في ( التيسير ) و ( فيض القدير ) ، والعزيزي في ( السّراج
المنير ) ...
وجاء آخرون ... فلم
يتركوا كلمة « غريب » بعد حذف « حسن » على حالها ، بل أبدلوها بلفظ « منكر » ،
وكأنّ النواوي قد قدّم هذه النسخة على تلك ، إذ نسب إلى الترمذي أنّه « حديث منكر
» ، ثم قال : « وفي بعض النسخ : غريب »!! كما اغتر بهذا التحريف السخاوي في (
المقاصد الحسنة ).
وقد ترقّى آخرون
حتى جمعوا في بعض نسخ صحيح الترمذي ـ بعد حذف لفظ « حسن » ـ بين « منكر » و « غريب
» ، وقد نسب ذلك بعضهم إلى الترمذي غفلة أو تغافلا ، كما فعله ولي الله الدهلوي في
( قرة العينين )!!
فتنبّه ، ولا تكن
من المغترين الغافلين ، والمنخدعين الذاهلين ، واستعذ بالله من تبديل المدغلين
وتحريف المبطلين ...
وكم له من نظير!!
ولا تستبعد هذا
الذي حقّقناه ، فكم له من نظير عندهم ، ولا بأس بذكر أحد موارد تحريفاتهم :
لقد التزم البغوي
في ( مصابيحه ) الإعراض عن ذكر الحديث المنكر ، فإنّه قال في صدر كتابه ما نصه «
وتجد أحاديث كلّ باب منها تنقسم إلى صحاح وحسان ، وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج
القشيري النيسابوري ـ رحمهما الله ـ في جامعيهما ، وأعني بالحسان ما أورده أبو
داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، وغيرهما من
الأئمة في تصانيفهم ـ 4 ـ ، وأكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل ، غير أنّها لم
تبلغ غاية شرط
الشيخين في علوّ الدرجة من صحة الإسناد ، إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن.
وما كان فيها من
ضعيف أو غريب أشرت إليه ، وأعرضت عن ذكر ما كان منكرا أو موضوعا ، والله المستعان
وعليه التكلان ».
ولكنّك تجد كلمة «
منكر » بعد حديث في مدح قبيلة « حمير » ، وهذا نصّ عبارته في « باب في مناقب قريش
وذكر القبائل » :
« عن أبي هريرة قال : كنّا عند النّبي 7 ، فجاءه رجل أحسبه من قريش فقال : يا
رسول الله العن حميرا! فقال النبي 7
: رحم الله حميرا ، أفواههم سلام ، وأيديهم طعام ، وهم أهل أمن وإيمان. منكر » .
ولقد صرّح شارحه
الخلخالي بإلحاق بعضهم لفظ « منكر » حيث قال : « قوله : منكر ، أي هذا الحديث منكر
، يحتمل أنّ إلحاق لفظ المنكر هاهنا من غير المؤلّف من بعض أهل المعرفة بالحديث ،
لأنه لو كان يعلم أنه منكر لم يتعرّض له ، لأنّه قد التزم الإعراض عن ذكر المنكر
في عنوان الكتاب » .
وفي المرقاة في
شرح الحديث : « وقال شارح المصابيح قوله منكر ، هذا إلحاق من بعض أهل المعرفة
بالحديث ... » .
تصرّف النووي في كلام الترمذي
ثمّ إنّ النووي
ذكر عن الترمذي أنّه « قال : ولم يروه من الثقات غير شريك » وهذا لا يطابق عبارة
التّرمذي في صحيحه ، وهذا لفظه « ولا نعرف هذا الحديث
__________________
عن أحد من الثقات
غير شريك » ولا يخفى الفرق بين الكلامين على ذوي الفضل والنظر الدقيق.
وعلى كلّ حال ...
فإنّ هذا الكلام لا يقتضي قدحا في حديث « أنا دار
الحكمة وعلي بابها » ، إذ لو سلّم ذلك
كان هذا الحديث من أفراد شريك ، وهذا لا يمنع صحته أو حسنه ، ولهذا قال الترمذي
نفسه ـ فيما نقله عنه المحبّ الطبري ـ حديث حسن ... وقال العلائي : « وشريك هو ابن
عبد الله النخعي القاضي ، احتج به مسلم وعلّق له البخاري ، ووثّقه يحيى بن معين ،
وقال العجلي : ثقة حسن الحديث ، وقال عيسى بن يونس : ما رأيت أحدا قط أورع في علمه
من شريك ، فعلى هذا يكون بمفرده حسنا » وقال الفيروزابادي : « وشريك هذا احتج به
مسلم ، وعلّق له البخاري ، ووثّقه ابن معين والعجلي وزاد : حسن الحديث ، وقال عيسى
بن يونس : ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك ، فعلى هذا يكون بمفرده حسنا ».
على أنّه قد علمت
سابقا أنه قد رواه غير شريك من الثقات.
تحريف آخر لكلام الترمذي
ومن عجائب الأمور
تحريف بعض الزائغين لهذه العبارة أيضا من كلام الترمذي ، فإنّهم لما رأوا أنّ هذه
العبارة تدلّ على ثبوت هذا الحديث واعتباره ، بدّلوا كلمة « غير شريك » إلى « عن
شريك » ... جاء ذلك في المرقاة بشرح كلام الترمذي هذا حول حديث
أنا مدينة العلم : « ولا نعرف » أي
نحن « هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك » بالنصب على الاستثناء ، وفي نسخة
بالجر على أنه بدل من أحد. قيل : وفي بعض نسخ الترمذي : عن شريك بدل غير شريك ،
والله أعلم » .
__________________
ولا يخفى غرضهم من
هذا التحريف وما يؤول إليه معنى العبارة على النّبيه ... ولكنّ هذا التحريف لم يلق
رواجا بل جاءت عبارة الترمذي على أصلها وواقعها لدى المحدثين ، كما في ( المشكاة )
و ( نقد الصحيح ) و ( أسنى المطالب ) و ( جمع الجوامع ) و ( كنز العمّال ) و (
معارج العلى ) وغيرها ...
توهّم النووي
ونقل النووي عن
التّرمذي في ذيل كلامه أنّه قال « وروي مرسلا » وهذا أيضا وهم صريح ، فقد قال
الترمذي ـ بعد أن أخرج حديث : أنا دار الحكمة بسنده عن شريك عن سلمة عن سويد عن
الصنابحي عن أمير المؤمنين 7 ـ « روى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن
الصنابحي » فتوهّم النووي من قوله « ولم يذكروا فيه عن الصنابحي »
كونه مرسلا ، والحال أن هذا لا يوجب الإرسال ، لأن « سويد بن غفلة » تابعي مخضرم ،
أدرك الخلفاء الأربعة وسمع منهم الحديث ، فحديثه عن أمير المؤمنين 7 بلا واسطة متصل
لا منقطع ، فذكر الترمذي أو غيره « الصنابحي » فيه من المزيد في متصّل الأسانيد ،
وكأنّ النووي قد غفل عن هذا فزعم إرساله ، لكن صرّح به الحافظ العلائي ـ كما دريت
سابقا ـ حيث قال « ولا يرد عليه رواية من أسقط منه الصنابحي ، لأنّ سويد بن غفلة
تابعي مخضرم أدرك الخلفاء الأربعة وسمع منهم ، فذكر الصنابحي ، فيه من المزيد في
متّصل الأسانيد » ... وكذا صرّح به الفيروزآبادي أيضا في ( نقد الصحيح ) ...
__________________
رواة حديث أنا دار الحكمة من
الصّحابة والتابعين
ولا يخفى عدم
انفراد الصنابحي ، وسويد بن غفلة ، في رواية حديث « أنا دار الحكمة » عن أمير
المؤمنين 7 ، بل رواه عنه جماعة من التابعين كذلك أيضا وهم :
١ ـ أبو عمرو عامر
بن شراحيل الشّعبي ، وقد أخرج حديثه ابن مردويه.
٢ ـ أبو القاسم
أصبغ بن نباته التميمي الحنظلي الكوفي ، وقد أخرج حديثه أبو نعيم في ( الحلية )
والجزري في ( أسنى المطالب ).
٣ ـ أبو زهير
الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي ، كما في ( الحلية ) و ( أسنى المطالب
).
كما قد تابع عليا
أمير المؤمنين 7 في روايته من الصحابة :
١ ـ عبد
الله بن عباس ، ففي حلية الأولياء : « حدّثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ، نا
الحسن بن سفيان ، نا عبد المجيد بن بحر ، نا شريك ، عن سلمة ابن كهيل ، عن
الصنابحي ، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا دار
الحكمة وعلي بابها. رواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه ، ومجاهد عن ابن
عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مثله » .
٢ ـ جابر
بن عبد الله الأنصاري ، ففي زين الفتى : ـ « أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن
أحمد بن نصر ; قال :
أخبرنا الشيخ إبراهيم بن أحمد الحلوائي ;
، عن محمود بن محمد بن رجا ، عن المأمون بن أحمد وعمار بن عبد المجيد وسليمان بن
خميرويه ، عن الامام محمد بن كرام ;
، عن أحمد ، عن محمد بن فضيل ، عن زياد بن زياد ، عن عبيد بن أبي جعد ، عن جابر بن
__________________
عبد الله قال : سمعت
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : أنا دار الحكمة وعلي بابها ، فمن أراد
الحكمة فليأت الباب ، مذكور في كتاب المكتفي » .
نتيجة البحث
فتلخص مما تقدّم :
بطلان تكلّم النووي في حديث « أنا دار
الحكمة » ، ومن ذلك يتضّح بطلان ما
يتوجّه من ذلك من القدح في حديث
« أنا مدينة العلم » بناء على تسليم
كونه رواية من روايات الحديث الأوّل ، فظهر سقوط الاحتجاج بكلام النووي مطلقا.
بطلان قدحه من كلام العلماء
ولقد تعرّض جماعة
من العلماء لقدح النووي وأعرضوا عنه أو أبطلوه ، ومنهم :
١ ـ السيوطي في
تاريخ الخلفاء : ١٧٠.
٢ ـ ابن حجر المكي
في المنح المكيّة في شرح الهمزيّة والصّواعق.
٣ ـ الشيخ عبد
الحق الدهلوي في أسماء رجال المشكاة.
٤ ـ محمد بن علي
الصبان في إسعاف الرّاغبين : ١٥٦.
٥ ـ القاضي ثناء
الله في السّيف المسلول وهو بيهقي عصره عند ( الدهلوي ).
٦ ـ المولوي حسن
على المحدّث في تفريح الأحباب وهو تلميذ ( الدهلوي ).
__________________
ثبوت حديث مدينة العلم من شعر
للنووي
ومن آيات علوّ
الحق أن النووي أثبت حديث « أنا مدينة العلم » في أبيات له من الشعر ذكرها شهاب الدين أحمد في توضيح
الدلائل وقد تقدّمت سابقا.
(٢)
رأي شمس الدين الذّهبي
وأمّا شمس الدين
الذّهبي فإنّه وإن قدح في حديث مدينة العلم غير أنّه لا يلتفت إلى قدحه ولا يعبأ
به ، لوجوه :
١ ـ انحراف الذّهبي وتعصّبه
لقد اشتهر الذهبي
بالانحراف عن أهل البيت : ، وتعصّبه عليهم ونصبه العداء لهم ، وقد فصّلنا الكلام حول
ذلك على ضوء كلمات واعترافات كبار علماء أهل السنة في مجلد حديث الطير ، وعلى هذا
الأساس فلا أثر ولا قيمة لطعنه في حديث مدينة العلم ...
٢ ـ تحقيق العلائي
وقد تعرّض الحافظ
العلائي لقدح الذهبي وردّ عليه الرّد الصريح وحقّق هذا الحديث الصّحيح ، وهذا نصّ
كلامه على ما نقله السيوطي حيث قال : « وقال
الحافظ صلاح الدين
العلائي في أجوبته : هذا الحديث ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من طرق
عدّة ، وحكم ببطلان الكل ، وكذلك قال بعده جماعة منهم الذهبي في الميزان وغيره.
والمشهور به رواية
أبي الصّلت عبد السلام بن صالح الهروي ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ،
عن ابن عباس مرفوعا ، وعبد السلام هذا تكلّموا فيه كثيرا ، قال النسائي : ليس بثقة
، وقال الدار قطني وابن عدى : متّهم زاد الدار قطني : رافضي ، وقال أبو حاتم : لم
يكن عندي بصدوق ، وضرب أبو زرعة على حديثه.
ومع ذلك فقد
قال الحاكم : حدّثنا الأصم ، حدثنا عباس ـ يعني الدوري ـ قال : سألت يحيى بن معين
عن أبي الصلت فقال : ثقة ، فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية حديث أنا مدينة
العلم؟ فقال : قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي ـ وهو ثقة ـ عن أبي معاوية ، وكذلك
روى صالح جزرة أيضا عن ابن معين. ثمّ ساقه الحاكم من طريق محمد بن يحيى بن الضريس ـ وهو ثقة حافظ ـ عن محمد بن
جعفر الفيدي عن أبي معاوية. وقال أبو الصّلت أحمد
بن محمد بن محرز : سألت يحيى ابن معين عن أبي الصلت فقال : ليس ممّن يكذب ، فقال :
له في حديث أبي معاوية ، أنا مدينة العلم ، فقال : هو من حديث أبي معاوية ، أخبرني
ابن نمير قال : حدّث به أبو معاوية قديما ثمّ كفّ عنه ، وقال : كان أبو الصلت رجلا
موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم المشايخ.
قلت : فقد برئ أبو
الصّلت عبد السلام من عهدته ، وأبو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ وحفّاظهم
المتّفق عليهم ، وقد تفرّد به عن الأعمش فكان ما ذا؟ وأيّ استحالة في أن يقول
النّبي صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا في حقّ علي؟
ولم يأت كلّ من
تكلّم في هذا الحديث وجزم بوضعه بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن يحيى بن معين ،
ومع ذلك فله شاهد ... » .
__________________
٣ ـ ردّ ابن حجر العسقلاني على
الذهبي
وقد بلغت دعوى
الذهبي هذه من البطلان حدّا حتى ردّ عليها الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وتعقّبه
بكلامه الحق الحقيق بالقبول ، ولنورد أوّلا نصّ كلام الذهبي في الميزان :
قال « جعفر بن محمد الفقيه ، فيه جهالة
، قال مطين : حدثنا جعفر ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس [ قال
] : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها. [ و ] هذا موضوع » .
فقال ابن حجر : «
هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم ، أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل ،
فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع » .
٤ ـ ردّ ابن حجر المكي عليه
وردّ ابن حجر
المكّي ـ على ما هو عليه من التعصّب والتعنّت ـ على القول بوضع الحديث بعد أن نسبه
إلى جماعة ـ منهم الذهبي في ميزانه ـ وهذا نصّ كلامه : « وهؤلاء وإن كانوا أئمّة
أجلاّء ، لكنّهم تساهلوا تساهلا كثيرا كما علم مما قرّرته ، وكيف ساغ الحكم بالوضع
مع ما تقرّر أنّ رجاله كلّهم رجال الصحيح إلاّ واحد فمختلف فيه؟! ويجب تأويل كلام
القائلين بالوضع بأن ذلك لبعض طرقه لا لكلّها ، وما أحسن قول بعض الحفاظ في أبي
معاوية أحد رواته المتكلّم فيهم بما لا يسمع : هو ثقة مأمون من كبار المشايخ
وحفّاظهم ، وقد تفرّد به عن الأعمش ، فكان ما ذا؟ وأيّ استحالة في أنّه صلّى الله
عليه وسلّم يقول مثل هذا في حق علي؟ ... »
__________________
هذا كلامه في
المنح المكية في شرح الهمزيّة وقال في فتاواه : « وأمّا حديث
: أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فهو حديث حسن بل قال الحاكم صحيح ، وقول البخاري ليس له وجه صحيح ، والترمذي
منكر ، وابن معين كذب ـ معترض وان ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه الذهبي
وغيره على ذلك ».
٥ ـ إعراض جماعة آخرين وردّهم
عليه
ولقد أعرض جماعة
آخرون عن قدح الذهبيّ وردّوا عليه ، مثبتين للحديث ومستشهدين بأجوبة العلائي وابن
حجر وغيرهما على ذلك ومنهم :
١ ـ السّيوطي في (
اللآلي المصنوعة ) و ( جمع الجوامع ) و ( قوت المغتذي ).
٢ ـ السخاوي في (
المقاصد الحسنة ).
٣ ـ المتقي في (
كنز العمال ).
٤ ـ عبد الحق
الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ).
٥ ـ القاري في (
المرقاة في شرح المشكاة ).
٦ ـ المناوي في (
فيض القدير ).
٧ ـ محمد صدر العالم
في ( معارج العلى ).
٨ ـ محمد الأمير
الصنعاني في ( الروضة النديّة في شرح التحفة العلوية ).
٩ ـ الدمنتي
الشاذلي في ( نفح قوت المغتذى ).
وقد تقدمت نصوص
عباراتهم سابقا.
٦ ـ من آيات علوّ الحق
ومن آثار علوّ
الحق وآياته رواية الذهبي هذا الحديث بسنده ، عن سويد بن
سعيد ، عن النبيّ 6 ضمن ما وقع له من
عالي حديثه ، فقد قال بترجمة سويد من ميزانه ما نصّه : « قلت : عاش سويد مائة سنة
، ومات في سنة أربعين ومائتين ، وقع لنا من عالي حديثه :
أخبرنا أبو
المعالي الأبرقوهي ، أنا المبارك بن أبي الجود أنا أحمد بن أبي غالب ، أنا عبد
العزيز بن علي ، أنا أبو طاهر الذهبي ، ثنا عبد الله بن محمّد ، ثنا سويد بن سعيد
، ثنا زياد بن الربيع ، عن صالح الدهان ، عن جابر بن زيد قال : نظرت في أعمال
المرء ، فإذا الصّلاة تجهد بالبدن ولا تجهد بالمال ، وكذلك الصيام ، والحج يجهد
المال والبدن ، فرأيت أنّ الحجج أفضل من ذلك كلّه.
أخبرنا محمد بن
عبد السّلام ، عن زينب بنت أبي القاسم ، أنا عبد المنعم ابن القشيري ، أنا أبو
سعيد الأديب ، ثنا محمد بن بشير ، ثنا أبو لبيد السرخسي ، ثنا سويد ، ثنا علي بن
مسهر ، عن داود ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : صاحب الذبح إسحاق ، وقوله : (
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ ) أي بنبوّته.
وبه نا علي ، عن أشعب ، عن ابن سيرين ،
عن الجارود العبدي قال : أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أبايعه فقلت : إني على
دين. وإنّي إن تركت ديني ودخلت في دينك لا يعذّبني الله في الآخرة؟ قال : نعم.
وبه ثنا عبد
الرحيم بن سليمان ، عن عبيد بن أبي الجحد قال : سئل جابر عن قتال علي ، فقال : ما
يشكّ في قتاله إلاّ كافر.
وبه ثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن
الصنابحي ، عن علي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي
بابها فمن أراد المدينة فليأت باب المدينة » .
هذا كلام الذهبي
في الميزان ، وبعد هذا البيان ، وغبّ ذلك التبيان ، لا يخلد إلى قدح هذا الحديث
إلاّ من غلب على قلبه العناد وران ، واستهام به الغرور
__________________
واستهواه الشيطان
، والله العاصم عمّا يروث سخط الرحمن ويقود إلى لظى النيران ...
(٣) رأي شمس الدين الجزري
وأمّا نسبة القدح
في حديث مدينة العلم إلى شمس الدين الجزري فكذب فاضح وفرية واضحة. فلقد
روى الجزري حديث أنا مدينة العلم في كتابه ( أسنى المطالب في مناقب أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ) وبالغ في إثباته وتحقيقه ، وهذه عبارته فيه بلفظها :
« أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال ـ قراءة
عليه ـ عن علي بن أحمد بن عبد الواحد ، أخبرنا احمد بن محمد بن محمد ـ في كتابه من
أصبهان ـ أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقرئ ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن
أحمد الحافظ ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ، أخبرنا الحسن بن سفيان ،
أخبرنا عبد الحميد بن بحر ، أخبرنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن الصنابحي ، عن علي
2 قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي في
جامعه عن إسماعيل بن موسى ، حدّثنا محمد بن عمر الرومي ، حدثنا شريك ، عن سلمة بن
كهيل ، عن سويد بن غفلة ، عن الصنابحي عن علي وقال : حديث غريب ، ورواه بعضهم عن
شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي ، قال : ولا نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات
غير شريك ، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.
قلت : ورواه بعضهم
عن شريك عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد ، ورواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي
نحوه ، ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن
عباس عن النبي صلّى
الله عليه وسلّم ولفظه : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من
بابها. وقال الحاكم : صحيح
الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أيضا من حديث
جابر بن عبد الله ولفظه : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب
» .
هذا ، وقد قال
الجزري في صدر كتابه المذكور : « وبعد ، فهذه أحاديث مسندة ممّا تواتر وصحّ وحسن
من أسنى مناقب الأسد [ اسد الله ] الغالب ، مفرّق الكتائب ومظهر العجائب ، ليث بني
غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ـ كرّم الله تعالى وجهه ورضي عنه
وأرضاه ـ أردفتها بمسلسلات من حديثه وبمتّصلات من روايته وتحديثه ، وبأعلى إسناد
صحيح إليه ، من القرآن والصحبة والخرقة التي اعتمد فيها أهل الولاية عليه ، نسأل
الله تعالى أن يثيبنا على ذلك ويقرّبنا لديه ».
وقال بعد إيراد
أحاديث المناقب التي أشار إليها « قلت : فهذا نزر من بحر ، وقل من كثر ، بالنسبة
إلى مناقبه الجليلة ومحاسنه الجميلة ، ولو ذهبنا لاستقصاء ذلك بحقّه لطال الكلام
بالنسبة إلى هذا المقام ، ولكن نرجو من الله تعالى أن ييسّر إفراد ذلك بكتاب
نستوعب فيه ما بلغنا من ذلك ، والله الموفق للصّواب ».
فظهر أنّ الجزري
قد روى حديث مدينة العلم في هذا الكتاب ، الذي ألّفه لما تواتر وصحّ وحسن من أسنى
مناقب أمير المؤمنين 7 الجليلة ومحاسنه الجميلة ، وهو يرجو الله تعالى أن يثيبه
على ذلك ويقرّبه لديه ...
فوا عجباه!! كيف
يستجيز ( الدهلوي ) نسبة القدح إليه مع كلّ هذا؟ ويرتكب هذا الإفك المبين؟ ولكن
ليس هذا منه ببديع وطريف ، فقد عرف قدما بالتهالك على الافتراء والتحريف ، والله
المجازي كلّ من يعتدي لزيغه على الحق ويحيف.
__________________
هذا ، والجدير
بالذكر : إن القاضي باني بتي نسب القدح كذلك إلى الجزري ، غير أنّه أبطله بكلام
ابن حجر ، وأضاف أنّه بالنظر إلى كثرة شواهد هذا الحديث يمكن الحكم بصحّته ...
قوله :
« فالتّمسك بهذه
الأحاديث الموضوعة ـ التي أخرجها أهل السنة عن دائرة ما يجوز التّمسك والاحتجاج به
ـ في مقام إلزامهم بها ، دليل واضح على مزيد فهم علماء الشيعة!! ».
أقول :
لقد علم ـ ممّا
تقدّم في الكتاب من كلمات كبار الأئمة والحفاظ ، ومشاهير العلماء والمحققين ـ أن
حديث مدينة العلم من الأحاديث الصحيحة والأخبار المعتبرة المحتج بها ... وأن ذلك
كلّه يشهد بصحّة استدلال أهل الحق به لإثبات خلافة أمير المؤمنين 7 عن النبي 6 بلا فصل ، وكذا
إلزامهم من خالف ذلك بهذا الحديث الشريف ...
فقد عني بروايته
وإخراجه وإثباته جمّ غفير من الحفّاظ المسندين ، ونصّ على صحّته طائفة منهم ، وعلى
حسنه آخرون ، وصرّح بعضهم ببلوغه درجة
الحسن المحتج به
...
استدلال علماء أهل السنة بحديث
مدينة العلم
بل احتج بحديث
مدينة العلم جماعة من مشاهير علمائهم ، واستدلّوا به في مختلف بحوثهم ، وهذا من
أقوى الشواهد على أنّه من الأحاديث المحتج بها ...
فمنهم
: العاصمي ، حيث
قال في ذكر الشّبه بين أمير المؤمنين وداود 8 « فكذلك المرتضى رضوان الله عليه أوتي من فصل الخطاب ، كما
ذكرناه في معنى قوله 7
: أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وفي فصل قضائه » .
ومنهم
: الخوارزمي ، حيث
استدل بحديث مدينة العلم على غزارة علم أمير المؤمنين 7 .
ومنهم
: أبو الحجاج
البلوي ، استدل به على علوّ مكانه 7 في العلم .
ومنهم
: ابن عربي إذ قال
في كتاب ( الدرر المكنون والجوهر المصون ) ـ على ما نقل عنه القندوزي البلخي ـ : «
والامام علي 2 ورث علم الحروف من سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم ، وإليه الاشارة بقوله
صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فعليه بالباب »
.
ومنهم
: ابن طلحة الشافعي
حيث استشهد به في الفصل الرابع ، في كلام له حول وصف أمير المؤمنين 7 ب « الأنزع
البطين » ، وقد تقدم نصّه ... .
__________________
ومنهم
: الكنجي الحافظ ،
استدل به على أولويّة الامام 7 في قتال أهل البغي ... .
ومنهم
: محبّ الدين
الطبري ، استشهد به ذخائر العقبى على أنه 7 باب مدينة العلم ، واستدل به على اختصاصه بهذه الفضيلة في
الرياض النضرة .
ومنهم
: سعيد الدين
الفرغاني ، ذكره في شرح التائيّة في بيان حصّة أمير المؤمنين من العلم ...
ومنهم
: السيد علي
الهمداني ، احتج به في مشارب الأذواق وقد تقدم كلامه.
ومنهم
: إمام الدين
الهجروي ، استدل بهذا الحديث على كون « باب مدينة العلم » من أسمائه 7 في كتابه أسماء
النبيّ وخلفائه الأربعة.
ومنهم
: الخوافي ، أورده
تأييدا لما ذكره من اختصاصه 7 بمزيد العلم والحكمة.
ومنهم
: الدولت آبادي ،
احتجّ به في كتابه هداية السّعداء.
ومنهم
: شهاب الدين احمد
، استدل به في الفصل الخامس عشر من كتابه توضيح الدلائل على أنّه 7 « باب مدينة
العلم ».
ومنهم
: ابن الصباغ
المالكي ، تمسّك به في بيان تفجّر بحار العلوم من صدره 7 .
ومنهم
: البسطامي في درة
المعارف حيث استدل به على أنّه 7 ورث علم الحروف من النّبي 6.
__________________
ومنهم
: شمس الدين
اللاهيجي ، استدل به في مفاتيح الإعجاز على أنّه 7 أقرب النّاس إلى رسول الله 6.
ومنهم
: الكاشفي ، استدلّ
به في روضة الشهداء في مدح علم الامام 7.
ومنهم
: ابن روزبهان ،
استدل به على وفور علمه في كتابه الباطل.
ومنهم
: الميبدي ، استدل
به في شرح الديوان على وجوب توجّه أهل العرفان إلى أمير المؤمنين 7.
ومنهم
: الشّامي صاحب
السّيرة استدل به على كون « مدينة العلم » من أسماء الرّسول الكريم 6 في سيرته.
ومنهم
: ابن حجر المكي ،
استدل به في المنح المكية على أنّ الامام 7 وارث معظم علم القرآن من النّبي 6 ، وفي تطهير
الجنان على أعلميّته ...
ومنهم
: جمال الدين المحدّث
، استدل به في روضة الأحباب في مدح علم الامام 7.
ومنهم
: السيد محمد
البخاري في تذكرة الأبرار على وفور علمه.
ومنهم
: العزيزي في
السراج المنير ، استدل به على أنه ينبغي للعالم أن يخبر الناس بفضل من علم فضله ...
.
ومنهم
: الشبراملسي في
تيسير المطالب على أن من أسماء النّبي 6 : « مدينة العلم ».
ومنهم
: الكردي في
النبراس على أن « باب مدينة العلم » من أسماء الامام 7 ...
ومنهم
: إسماعيل الكردي
في جلاء النظر ، استدل به على براءة ساحته عليه
__________________
السلام عن الخطأ
...
ومنهم
: الزرقاني ، استدل
به في شرح المواهب اللدنيّة على كون « مدينة العلم » من أسماء النّبي 6. .
ومنهم
: سليمان جمل ،
استدل به في الفتوحات الأحمدية على إمداد النبي عليا بالعلوم.
ومنهم
: الأورنقابادي ،
استدل به في نور الكريمتين على أن النبي أشار إلى كلّية بيت النبوّة ...
ومنهم
: العجيلي ، احتج
به في ذخيرة المآل على أنه 7 باب مدينة العلم.
إحتجاج شاه ولي الله
ومن العجيب إنكار
( الدهلوي ) صلوح حديث مدينة العلم للاحتجاج به ، مع احتجاج والده في مواضع من (
قرة العينين ) وكذا في ( إزالة الخفاء ) به ...
إحتجاج ( الدهلوي ) نفسه
والأعجب من ذلك
أنّه يقول هذا مع استدلاله هو بحديث مدينة العلم في فتوى له ، وقد تقدّم ذكر
السؤال وجوابه عنه في محلّه من الكتاب ، وهل هذا إلاّ تناقض؟!
ومن هنا يتضّح لك
أنّ « الحقّ يعلو ولا يعلى عليه » والحمد لله على ذلك حمدا جزيلا.
__________________
قوله :
« إنّ هذا العمل
منهم ليشبه حال من تعامل مع خادم ـ لشخص عزله عن الخدمة لتقصيراته وخيانته ،
وأخرجه من داره ، ونادى المنادي بذلك بأمره ، معلنا أن لا علاقة لفلان الخادم
بفلان ولا ذمّة له عنده ـ ثم جاء هذا المتعامل مع هذا الخادم عالما بكلّ ما ذكر ،
إلى سيّده ، ليطالبه بدينه على الخادم!! إنّ هذا الشخص في أعلى مراتب الحمق في نظر
العقلاء ».
أقول :
لا يخفى على
المنصف النبيل أن ( الدهلوي ) قد ضلّ سواء السبيل في هذا التمثيل العليل ، كبر
مقتا عند الله أن يرمى الحديث الصحيح بالسّخرية والاستهزاء ، ويعزو الحق الواضح
إلى الكذب والافتراء ، ولا يخاف بطش الله وسطوته ، ولا يخشى أخذه بالقدرة ونقمته.
ولكنّ حب الباطل يعمي البصائر ويغشى السرائر ، ويصمّ الآذان ويفسد الإيمان ، ويبعث
على الاقتحام في المهالك والتوغّل في الحوالك.
وقد حاق ـ والحمد
لله ـ بنفسه وبال هذا التمثيل الأعوج ، ونزل به بوالده نكال هذا الهذر الأسمج ،
فإنّهما بنفسهما قد اعتمدا على هذا الحديث الشريف واستندا بهذا الخبر المنيف ،
فكيف ينسب نفسه ووالده إلى الاعتماد على الخادم الخائن ، والركون إلى السارق المائن
، هل هذا إلاّ هذر قبيح وهراء فضيح؟!
دلالة حديث
أنا مدينة العلم وعلي بابها
قوله :
« ومع هذا ، فإنّ
هذا الحديث غير مفيد لما يدّعونه! فأيّ ملازمة بين كون الشخص باب مدينة العلم
وكونه صاحب الرئاسة العامة بلا فصل بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ ».
أقول :
إنّ انكار دلالة
حديث مدينة العلم على مذهب أهل الحق عدوان محض وغمط للحق ، ولا يرتضيه ذوو الإنصاف
والبصيرة والمتجنّبون للعناد والعصبيّة ، ونحن نوضّح دلالته في وجوه :
١ ـ دلالة حديث مدينة العلم على
الأعلميّة
إنّ حديث
أنا مدينة العلم وعلي بابها يدلّ على أعلميّة أمير
المؤمنين عليه
السلام ،
والأعلمية تستلزم الأفضليّة ، ولا ريب في استحقاق الأفضل الامامة وتعيّنه لها دون
غيره.
أمّا دلالته على
أعلميّته فلأنّه باب مدينة العلم ، إذ لو كان غيره أعلم منه لزم النقص في الباب ،
والنقص فيه يفضي إلى النقص في المدينة ، وذلك ما لا يجترئ مسلم على تقوّله ولا
مؤمن على تخيّله ...
وأيضا : صريح
الحديث إنّ رسول الله 6 مدينة العلم ، وإنّ أمير المؤمنين 7 باب تلك المدينة
، والعقل السليم يحكم بأنّه لا يكون بابا لمدينة العلم إلاّ من أحاط بجميع علومها
... وهذا المعنى يستلزم أعلميّة أمير المؤمنين 7 من كافّة الخلائق ـ فضلا عن سائر الأصحاب ـ لأنّ رسول الله
6 كان أفضل وأكمل من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين بالإجماع ...
ونحن نورد في
المقام كلمات بعض العلماء الأعلام في تقرير أعلميّة مدينة العلم عليه وآله السلام
، لئلاّ يرتاب أحد في حصول كمالاته وعلومه لباب المدينة 7 :
قال أبو حامد
الغزالي في ( الرسالة اللدنيّة ):
« والطريق الثاني
: التعليم الرّباني ، وذلك على وجهتين : الأوّل : إلقاء الوحي وهو أنّ النفس إذا
كملت بذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل ، وينفصل نظرها عن شهوات
الدنيا وينقطع نسبها عن الاماني الفانية ، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها ،
وتتمسّك بجود مبدعها وتعتمد على إفادته وفيض نوره ، والله تعالى ـ بحسن عنايته ـ يقبل
على تلك النفس إقبالا كلّيا وينظر إليها نظرا إليها ، ويتّخذ منها ألواحا ومن
النفس الكلّي قلما ، وينقش فيها جميع علومه ، ويصير العقل الكلّي كالمعلّم والنفس
القدسي كالمتعلّم ، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس وينقش فيها جميع الصّور من غير
تعلّم وتفكّر ، ومصداق هذا قول الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم : (
وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) الآية.
فعلم الأنبياء
أشرف مرتبة من جميع علوم الخلائق ، لأنّ حصوله من الله تعالى بلا واسطة ووسيلة ،
وبيان هذه الكلمة يوجد في قصة آدم والملائكة ، فإنّهم تعلّموا طول عمرهم وحصلوا
بفنون الطرق الكثيرة العلوم حتى صاروا أعلم المخلوقات وأعرف الموجودات ، وآدم لمّا
جاء ما كان عالما لأنّه ما تعلّم وما رأى معلّما ، فتفاخرت الملائكة عليه وتجبّروا
وتكبّروا وقالوا : ( نَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ونعلم حقائق الأشياء ، فرجع آدم إلى باب خالقه وأخرج قلبه
وأقبل بالاستغاثة على الربّ تعالى ، ( وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ :
أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) فصغر حالهم عند
آدم وقلّ علمهم وانكسرت سفينة جبروتهم ، فغرقوا في العجز فقالوا : ( لا عِلْمَ
لَنا ) ، فقال تعالى : ( يا آدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ) فأنبئهم آدم عن مكنونات الغيب ومستترات الأمر.
فتقرّر الأمر عند
العقلاء : أن العلم الغيبي المتولّد عن الوحي أقوى وأكمل من العلوم المكتسبة ،
وصار علم الوحي إرث الأنبياء وحق الرسل ، حتى أغلق الله باب الوحي في عهد سيدنا
محمد عليه الصلاة والسلام ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين ،
وكان أعلم وأفصح العرب والعجم ، وكان يقول : أدّبني
ربّي فأحسن تأديبي ، وقال
لقومه : أنا أعلمكم بالله وأخشاكم من الله ، وإنّما كان علمه أشرف وأكمل وأقوى لأنّه حصل عن التعليم الرباني وما اشتغل
قط بالتعلّم والتعليم الانساني ، فقال تعالى : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ
الْقُوى ) ».
وقال القاضي عياض
:
« فصل : ومن
معجزاته الباهرة : ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم ، وخصّه به من
الاطّلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ، ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه
وسياسة عباده ومصالح أمته ، وما كان في الأمم قبله ، وقصص الأنبياء والرسل
والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم إلى زمنه ، وحفظ شرائعهم وكتبهم ، ووعي
سيرهم وسرد أنبائهم وأيّام الله فيهم ، وصفات أعيانهم واختلاف آرائهم ، والمعرفة
بمددهم وأعمارهم ، وحكم حكمائهم ، ومحاجّة كلّ أمّة من الكفرة ،
ومعارضة كلّ فرقة
من الكتابيين بما في كتبهم ، وإعلامهم بأسرارها ومخبّآت علومها ، وإخبارهم بما
كتموه من ذلك وغيره.
إلى الاحتواء على
لغات العرب وغريب ألفاظ فرقها والإحاطة بضروب فصاحتها ، والحفظ لأيّامها وأمثالها
وحكمها ومعاني أشعارها ، والتخصيص بجوامع كلمها ، إلى المعرفة بضرب الأمثال
الصحيحة والحكم البيّنة ، لتقريب التفهيم للغامض والتبيين للمشكل.
إلى تمهيد قواعد
الشرع الذي لا تناقض فيه ولا تخاذل ، مع اشتمال شريعته على محاسن الأخلاق ومحامد
الآداب وكلّ شيء مستحسن مفضّل لم ينكر منه ملحد ذو عقل سليم شيئا إلاّ من جهة
الخذلان ، بل كلّ جاحد له وكافر به من الجاهلية إذا سمع ما يدعو إليه صوّبه
واستحسنه ، دون طلب إقامة برهان عليه ، ثمّ ما أحلّ لهم من الطّيبات وحرّم عليهم
من الخبائث ، وصان به أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من المعاقبات والحدود عاجلا
والتخويف بالنار آجلا.
إلى الاحتواء على
ضروب العلوم وفنون المعارف كالطب والعبادة والفرائض والحساب والنسب وغير ذلك من
العلم ، ممّا اتّخذ أهل هذه المعارف كلامه 7 فيها قدوة وأصولا في علمهم ...
هذا ، مع أنّه
صلّى الله عليه وسلّم كان لا يكتب ، ولكنّه أوتي علم كلّ شيء ... ولا سبيل إلى جحد
الملحد بشيء ممّا ذكرناه ، ولا وجد الكفرة حيلة في دفع ما نصصناه ، إلاّ قولهم :
أساطير الأوّلين ، وإنّما يعلّمه بشر ، فردّ الله قولهم بقوله : ( لِسانُ
الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) ... » .
وقال الرازي في
بيان الحجج على أفضليّة نبيّنا 6 من سائر الأنبياء : :
« الحجة السادسة
عشرة : قال محمّد بن عيسى الحكيم الترمذي في تقرير
__________________
هذا المعنى : إنّ
كلّ أمير فإنّه مزيّته على قدر رعيّته ، فالأمير الذي تكون إمارته على قرية تكون
إمارته ومزيّته بقدر تلك القرية ، ومن ملك الشرق والغرب احتاج إلى أموال وذخائر
أكثر من أموال تلك القرية ، فكذلك كلّ رسول بعث إلى قومه فأعطي من كنوز التوحيد
وجواهر المعرفة على قدر ما حمل من الرّسالة ، فالمرسل إلى قومه في طرف مخصوص من
الأرض إنّما يعطى من هذه الكنوز الروحانيّة بقدر ذلك الموضع ، والمرسل إلى كلّ أهل
الشرق والغرب ـ إنسهم وجنّهم ـ لا بدّ وأن يعطى من المعرفة بقدر ما يمكنه أن يقوم
بسعيه بأمور أهل الشرق والغرب.
وإذا كان كذلك كان
نسبة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى نبوة سائر الأنبياء كنسبة كلّ المشارق
والمغارب إلى ملك بعض البلاد المخصوصة ، ولو كان كذلك لا جرم أعطي من كنوز الحكمة
والعلم ما لم يعط أحد قبله ، فلا جرم بلغ في العلم إلى الحدّ الذي لم يبلغه أحد من
البشر قال تعالى في حقّه : ( فَأَوْحى إِلى
عَبْدِهِ ما أَوْحى ) وفي الفصاحة إلى أن قال
: أوتيت جوامع الكلم ، وصار كتابه
مهيمنا على الكتب وصارت امّته خير الأمم » .
وقال ابن حجر
المكي في ( المنح المكيّة ) بشرح قول البوصيري :
« لك ذات العلوم
من عالم
|
|
الغيب ومنها
لآدم الأسماء ».
|
قال « ... واحتاج
الناظم إلى هذا التفصيل مع العلم به ممّا قبله ، لأنّ آدم ميّزه الله تعالى على
الملائكة بالعلوم التي علّمها له ، وكانت سببا لأمرهم بالسجود والخضوع له ، بعد
استعلائهم عليه بذمّه ومدحهم أنفسهم بقولهم ( أَتَجْعَلُ فِيها
مَنْ يُفْسِدُ ) إلخ ، فربما يتوهم أنّ هذه المرتبة الباهرة لم تحصل
لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ، إذ قد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل ، فردّ
ذلك التوهّم ببيان أن آدم عليه الصلاة والسلام لم يحصل له من العلوم إلاّ مجرّد
العلم بأسمائها ، وأن الحاصل لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم هو العلم بحقائقها
ومسمّياتها ، ولا ريب أن
__________________
العلم بهذا أعلى
وأجلّ من العلم بمجرّد أسمائها ، لأنّها إنّما يؤتى بها لتبيين المسمّيات فهي
المقصودة بالذات وتلك بالوسيلة وشتان ما بينهما.
ونظير ذلك أن
المقصود من خلق آدم صلّى الله عليه وسلّم انّما هو خلق نبيّنا صلّى الله عليه
وسلّم من صلبه ، فهو المقصود بطريق الذّات وآدم بطريق الوسيلة ، ومن ثمّ قال بعض
المحققين : إنّما سجد الملائكة لأجل نور محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي في جبينه
... ».
وقال الشيخ خالد
الأزهري شارحا قول البوصيري :
« فاق النبيين
في خلق وفي خلق
|
|
ولم يدانوه في
علم ولا كرم
|
وكلّهم من رسول
الله ملتمس
|
|
غرفا من البحر
أو رشفا من الديم
|
وواقفون لديه
عند حدّهم
|
|
من نقطة العلم
أو من شكلة الحكم »
|
قال الأزهري : «
ومعنى الأبيات الثلاثة : إنّه صلّى الله عليه وسلّم علا جميع النبيين في الخلقة والسجيّة
، ولم يقاربوه في العلم ولا في الكرم ، كما سيأتي بيانه في قوله : يا أكرم الرسل ،
وفي قوله : ومن علومك علم اللوح والقلم. وكلّ النبيّين أخذ من علم رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم مقدار غرفة من البحر أو مصّة من المطر الغزير ، وكلّهم واقفون عند
غايتهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم ، وخصّ الشكلة بالحكم لزيادة التفهيم بها
على النقطة » .
وكذا قال العصام
بشرح الأبيات المذكورة في ( شرح البردة ) فقال في شرح الأول : « قال : لم يدانوه ـ
ولم يقل : لم يدانه كلّ واحد منهم ، لأنّ ذلك أبلغ ، إذ معناه أنهم لو جمعوا
وقوبلوا بمحمّد عليه الصّلاة والسّلام وحده لم يدانوه ، فكيف لو قوبل واحد بواحد
... وفي قوله : في كرم ـ دلالة على أنهم لا يدانوه في علم وحده ولا في كرم وحده ،
لا أنهم لا يدانوه في العلم والكرم من حيث المجموع »
__________________
انتهى ملخصا.
وقال في شرح
الثاني : « فإن قلت : هم عليهم الصّلاة والسّلام سابقون على النّبي صلّى الله عليه
وسلّم كيف يلتمسون غرفا من بحره؟ قلت : هم سألوا منه مسائل مشكلة في علم التوحيد
والصفات ، فأجاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وحلّ مشكلاتهم ، وبين يديه جرت
المحاجّة بين آدم صفي الله وبين موسى كليم الله ليلة المعراج ، وإليه أشار بقوله
: حاج موسى آدم فحج آدم موسى. أو تقول : « الاعتبار بتقدّم الروح العلوي لا القالب السفلي ، وروح نبيّنا
مقدم على سائر الأنبياء ، وإليه أشار بقوله
: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين. والحاصل : كلّ الأنبياء من نبينا لا من غيره استفادوا العلم وطلبوا الشفقة إذ
هو البحر من العلم والسّحاب من الجود وهم كالأنهار والأشجار ». انتهى ملخصا.
فظهر أنّ النبي 6 أعلم من جميع
الأنبياء والمرسلين والملائكة ، وكلّهم ملتمس منه غرفا من البحر أو رشفا من الديم
، وهذه المراتب بعض مراتب علم « مدينة العلم » 6 ، فأمير المؤمنين علي 7 أعلم منهم جميعا ، لأنّه « باب مدينة العلم » ولأنّه 6 نصّ على أنّ من
أراد « المدينة » فليأتها من « بابها ».
اعترافهم بدلالة الحديث على
الأعلميّة
ولقد بلغت دلالة
حديث مدينة العلم على أعلمية الإمام علي 7 حدّا من الظهور والوضوح حتّى صرّح بذلك جماعة من علماء أهل
السّنة ولنذكر كلمات بعضهم :
قال شهاب الدين أحمد في ( توضيح الدلائل
) : « الباب الخامس عشر ـ في أنّ النبي صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم دار
حكمة ومدينة علم وعلي لهما باب ، وأنّه أعلم الناس بالله تعالى وأحكامه وآياته
وكلامه بلا ارتياب :
عن مولانا أمير المؤمنين علي رضي الله
تعالى عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم : يا علي إنّ
الله أمرني أن أدنيك فأعلّمك لتعي وأنزلت هذه الآية : (
وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ )
وأنت أذن واعية لعلمي. رواه الحافظ الامام أبو نعيم في الحلية ، ورواه
سلطان الطريقة وبرهان الحقيقة الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي في الشوارق
بإسناده إلى عبد الله بن الحسن رضي الله تعالى عنهما ولفظه قال : حين نزلت هذه
الآية ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله
وبارك وسلّم لعلي رضي الله تعالى عنه : سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي ، قال علي
كرم الله تعالى وجهه : فما نسيت شيئا بعده ، وما كان لي أن أنسى. قال شيخ المشايخ
في زمانه وواحد الأقران في علومه وعرفانه الشيخ زين الدين أبوبكر محمد بن علي
الخوافي قدس الله تعالى سرّه : فلذا اختص علي كرم الله وجهه بمزيد العلم والحكمة ،
حتى قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم : أنا مدينة العلم وعلي
بابها. وقال عمر : لو لا علي
لهلك عمر ».
وقال ابن روزبهان بجواب قول العلامة الحلي
: « التاسع عشر ـ في مسند أحمد بن حنبل وصحيح مسلم قال : لم يكن احد من أصحاب رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : سلوني إلاّ علي بن أبي طالب ، وقال رسول الله 6 : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
قال : « هذا يدل
على وفور علمه واستحضاره أجوبة الوقائع ، واطّلاعه على أشتات العلوم والمعارف ،
وكلّ هذه الأمور مسلّمة ولا دليل على النصّ ، حيث أنه لا يجب أن يكون الأعلم خليفة
، بل الأحفظ للحوزة والأصلح للأمّة ، ولو لم يكن أبوبكر أصلح للامامة لما اختاروه
كما مرّ ».
وقال المناوي بشرح
حديث مدينة العلم ما نصه : « أنا مدينة العلم
وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. فإنّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم المدينة الجامعة لمعالي الديانات كلّها ،
ولا بدّ للمدينة من باب ، فأخبر أنّ بابها هو علي كرم الله وجهه ، فمن أخذ طريقه
دخل المدينة ، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى.
وقد شهد له بالأعلمية
الموافق والمؤالف والمعادي والمخالف : أخرج الكلاباذي أنّ رجلا سأل معاوية عن
مسألة فقال : سل عليا هو أعلم مني ، فقال : أريد جوابك ، قال : ويحك كرهت رجلا كان
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغره بالعلم غرا. وكان أكابر الصحب يعترفون له
بذلك ، وكان عمر يسأله عمّا أشكل عليه : جاءه رجل فسأله فقال : هاهنا علي فاسأله ،
فقال : أريد أن أسمع منك يا أمير المؤمنين ، قال : قم لا أقام الله رجليك ، ومحا
اسمه من الديوان. وصحّ عنه من طرق أنه كان يتعوّذ من قوم ليس هو فيهم ، حتى أمسكه
عنده ولم يولّه شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل.
وأخرج الحافظ عبد
الملك بن سليمان قال : ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي؟ قال : لا والله.
وقال الحرالي : قد
علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ
عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عن القلوب الحجاب حتى يتحقّق اليقين الذي لا
يتغيّر بكشف الغطاء. إلى هنا كلامه » .
وفيه : « أنا دار الحكمة ـ وفي
رواية : أنا مدينة الحكمة ـ وعلي بابها ، أي علي ابن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة وناهيك بهذه المرتبة
ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها ، ومن زعم ان المراد بقوله
: وعلي بابها ـ أنه مرتفع من
العلوّ وهو الارتفاع فقد تمحّل لغرضه الفاسد ، لا يجديه ولا يسمنه ولا يغنيه.
أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعا
: ما أنزل الله عز وجل يا أيّها الذين آمنوا إلاّ وعلي رأسها وأميرها. وأخرج عن ابن مسعود
قال : كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم : فسئل عن علي كرّم الله وجهه فقال :
قسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزء واحدا. وعنه
أيضا : أنزل القرآن
__________________
على سبعة أحرف ، ما
منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وأمّا علي فعنده منه علم الظاهر والباطن. وأخرج أيضا : علي سيد
المسلمين وإمام المتقين. وأخرج
أيضا : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب. وأخرج أيضا : علي راية الهدى. وأخرج أيضا : يا علي
إنّ الله أمرني أن أدنيك وأعلّمك لتعي ، وأنزلت عليّ هذه الآية (
وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) وأخرج أيضا عن ابن عباس : كنّا نتحدّث أن رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم عهد إلى علي كرّم الله وجهه سبعين عهدا لم يعهد إلى غيره.
والأخبار في هذا
الباب لا تكاد تحصى » .
وقال ابن حجر
المكي في ( المنح المكّية ) : « تنبيه : ممّا يدلّ على أنّ الله سبحانه اختص عليا
من لعلم بما تقصر عنه العبارات قوله صلّى الله عليه
وسلّم : أقضاكم علي ، وهو حديث صحيح
لا نزاع فيه ، وقوله : أنا دار الحكمة ـ وفي
رواية أنا مدينة العلم ـ وعلي بابها ».
وقال ابن حجر أيضا
في ( تطهير الجنان ) في الدفاع عن معاوية : « السادس : خروجه على علي كرّم الله
وجهه ومحاربته له ، مع أنّه الامام الحق بإجماع أهل الحل والعقد ، والأفضل الأعدل
الأعلم بنصّ الحديث الحسن ـ لكثرة طرقه ـ خلافا لمن زعم وضعه ولمن زعم صحته ولمن
اطلق حسنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها ... ».
واما
استلزام الأعلمية للأفضلية فهو موضع وفاق بين
العلماء والعقلاء. لأنّ العلم أشرف الفضائل وأعلى المناقب وأسنى المراتب ، وإن من
فاق الناس علما كان أفضلهم وأشرفهم مقاما وأعلاهم درجة ...
وبالرّغم من تقرّر
هذا المعنى وثبوته ، ولكن من المناسب إيراد عبارات بعض كبار العلماء لمزيد الوضوح
والتّبيين :
قال الحكيم الترمذي : « الأصل الخامس
والثلاثون والمائة ـ حدثنا إسماعيل ابن نصر بن راشد قال : حدّثنا مسدّد قال :
حدّثنا بشر بن المفضل قال : حدّثنا
__________________
عمر مولى عقدة قال :
سمعت أيوب بن صفوان يذكر عن جابر بن عبد الله قال : خرج علينا رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم فقال : أيّها الناس من كان يحبّ أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف
منزلة الله عنده ، فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه ، وإن لله سرايا من
الملائكة تحلّ وتقف على مجالس الذكر ، فاغدوا وروحوا في ذكر الله ، ألا فارتعوا في
رياض الجنة. قالوا : وأين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال : مجالس الذكر فاغدوا
وروحوا في ذكر الله وذكّروه بأنفسكم.
فمنزلة الله عند العبد إنّما هو على
قلبه على قدر معرفته إيّاه وعلمه وهيبته منه وإجلاله له ، وتعظيمه والحياء منه
والخشية منه والخوف من عقابه والوجل عند ذكره وإقامة الحرمة لأمره ونهيه ، وقبول
منته وروية تدبيره ، والوقوف عند احكامه وطيب النفس بها ، والتسليم له بدنا وروحا
وقلبا ، ومراقبة تدبيره في أموره ولزوم ذكره والنهوض بأثقال نعمه وإحسانه ، وترك
مشيّاته لمشيّاته ، وحسن الظن به في كلّ ما نابه.
والناس في هذه الأشياء على درجات
يتفاضلون ، فمنازلهم عند ربهم على قدر حظوظهم من هذه الأشياء ، وإنّ الله تبارك
اسمه أكرم المؤمنين بمعرفته ، فأوفرهم حظا من المعرفة أعلمهم به ، وأعلمهم بهم
أوفرهم حظا من هذه الأشياء ، وأوفرهم حظا منها أعظمهم منزلة عنده ، وأرفعهم درجة
وأقربهم وسيلة ، وعلى قدر نقصانه من هذه الأشياء ينتقص حظّه وينحط درجته وتبعد
وسيلته ويقل علمه به وتضعف معرفته إيّاه ويسقم إيمانه ويملكه نفسه. قال الله تبارك
اسمه ( وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى
بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً )
فإنّما فضّل الخلق بالمعرفة له والعلم به لا بالأعمال ، واليهود والنصارى وسائر
أهل الملل قد علموا أعمال الشريعة فصارت هنا هباء منثورا ، فبالمعرفة تزكو الأعمال
، وبها تقبل منهم ، وبها تطهر الأبدان ، فمن فضّل بالمعرفة فقد أوتي حظّا من العلم
به ، ومن فضل بالعلم به يكون هذه الأشياء التي وصفنا موجودة عنده » .
__________________
وقال الغزالي في (
الرّسالة اللّدنية ) : « اعلم أنّ العلم هو تصوّر النفس الناطقة المطمئنّة حقائق
الأشياء وصورها المجرّدة عن المواد بأعيانها وكيفيّاتها وكمّياتها وجواهرها
وذواتها إن كانت مفردة وان كانت مركبة ، فالعالم هو المحيط المدرك المتصوّر ،
والمعلوم هو ذات الشيء الذي ينتقش علمه في النفس ، وشرف العلم بقدر شرف معلومه
ورتبة العالم بحسب رتبة العلم.
ولا شك أنّ أفضل
المعلومات وأعلاها وأشرفها وأجلّها هو الله تعالى الصانع المبدع الحق الواحد ،
فعلمه ـ وهو علم التوحيد ـ أفضل العلوم وأجلّها وأكملها ، وهذا العلم الضروري واجب
تحصيله على جميع العقلاء ، كما قال صاحب الشّرع عليه الصلاة والسلام : طلب العلم
فريضة على كلّ مسلم ، وأمر بالسّفر في طلب العلم فقال : اطلبوا العلم ولو بالصين.
وعالم هذا العلم
أفضل العلماء ، وبهذا السبب خصّهم الله تعالى بالذكر في أجلّ المراتب ، فقال : ( شَهِدَ
اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ) فعلماء التوحيد
لا بإطلاق هم الأنبياء ، وبعدهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ، وهذا العلم وإن
كان شريفا في ذاته كاملا بنفسه لا ينفي سائر العلوم ، بل لا يحصل إلاّ بمقدمات
كثيرة ، وتلك المقدمات لا تنتظم إلاّ عن علوم شتى ، مثل علم السماوات والأفلاك
وجميع علوم المصنوعات ، ويتولّد عن علم التوحيد علوم أخر كما سنذكرها بأقسامها في
مواضعها » وقد ذكر الغزالي في الباب الأوّل من كتاب العلم من كتاب ( إحياء علوم
الدين ) فضل العلم والتّعليم والتعلّم وشواهده من النقل والعقل ... وبحث حول ذلك
بالتّفصيل .
وقال الفخر الرازي
في تفسيره :
« واعلم أنه يدل
على فضيلة العلم : الكتاب والسّنة والمعقول ، أمّا الكتاب فوجوه :
__________________
الأول : إنّ الله
تعالى سمّى العلم بالحكمة ، ثم أنّه تعالى عظّم أمر الحكمة ، وذلك يدل على عظم شأن
العلم.
الثاني : قوله
تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ).
الثالث : قوله
تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) المراد بأولي الأمر العلماء في أصحّ الأقوال ، لأن الملوك
يجب عليهم طاعة العلماء ولا ينعكس.
ثم انظر إلى هذه
المرتبة ، فإنه تعالى ذكر العالم في موضعين من كتابه في المرتبة الثانية قال : ( شَهِدَ
اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً
بِالْقِسْطِ ) وقال : ( أَطِيعُوا اللهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ثم إنّه سبحانه
وتعالى زاد في الإكرام فجعلهم في المرتبة الأولى في آيتين فقال تعالى : ( وَما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) وقال تعالى : ( كَفى
بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ).
الرابع : ( يَرْفَعِ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ).
واعلم أنه تعالى
ذكر الدرجات لأربعة أصناف ، أوّلها : للمؤمنين من أهل بدر قوله : ( إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) إلى قوله : ( لَهُمْ
دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) والثانية : للمجاهدين قوله : ( وَفَضَّلَ اللهُ
الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ ) والثالثة : للصالحين : ( وَمَنْ يَأْتِهِ
مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى ) والرابعة :
للعلماء( وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ).
فالله تعالى فضّل
أهل بدر على غيرهم من المؤمنين بدرجات ، وفضّل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما
درجات منه ، وفضّل الصالحين على هؤلاء بدرجات ، ثم فضّل العلماء على جميع الأصناف
بدرجات.
فوجب كون العلماء
أفضل الناس.
الخامس : قوله : ( إِنَّما
يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) وإن الله تعالى وصف
العلماء في كتابه
بخمس مناقب :
أحدها : الايمان :
( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ
آمَنَّا ).
وثانيها : التوحيد
والشهادة : ( شَهِدَ اللهُ ) إلى قوله ( وَأُولُوا
الْعِلْمِ ).
وثالثها : البكاء
: ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ ).
ورابعها : الخشوع
: ( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ
قَبْلِهِ ).
وخامسها : الخشية
: ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ
الْعُلَماءُ ).
وأمّا الأخبار
فوجوه ... » .
وقال النيسابوري
في تفسيره : « البحث الثالث في فضل العلم : لو كان في الإمكان شيء أشرف من العلم
لأظهر الله تعالى فضل آدم بذلك الشيء ، وممّا يدل على فضله الكتاب والسّنة
والمعقول .. » فذكر الآيات التي ذكرها الرازي ، ثم الأحاديث عن النبي صلّى الله
عليه وسلّم في فضل العلم والعلماء ... » .
كما خصّ السمهودي
الباب الأول من كتاب ( جواهر العقدين ) للكلام « في إيراد الدلائل الدالة على فضل
العلم والعلماء ، ووجوب توقيرهم واحترامهم والتحذير من بعضهم والأذى لبعضهم ، وقد
تظاهرت الآيات وصحيح الأخبار والآثار وتواترت ، وتطابقت الدلائل العقلية والنقليّة
وتوافقت على هذا الغرض الذي أشرنا إليه ، وعوّلنا في هذا الباب عليه ... ».
وقال المولوي عبد
العلي في ( شرح مسلم ) في الكلام على مقامات الأولياء والتفاضل بينهم ، قال بعد
كلام له : « لأنّ التفاضل ليس إلاّ بالعلم ، والفضل بما عداه غير معتد به ».
__________________
قصّة استخلاف آدم 7
قال الله تعالى في
كتابه العزيز( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي
جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي
أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ
عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ
بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ).
قال الرازي :
« اعلم أنّ
الملائكة لمّا سألوا عن وجه الحكمة في خلق آدم وذرّيته ، وإسكانه تعالى إيّاهم في
الأرض ، وأخبر الله تعالى عن وجه الحكمة في ذلك على سبيل الإجمال بقوله تعالى : ( إِنِّي
أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ) أراد تعالى أن يزيدهم بيانا وأن يفصّل لهم ذلك المجمل ،
فبيّن تعالى لهم من فضل آدم 7 ما لم يكن ذلك معلوما لهم ، وذلك بأن علّم آدم الأسماء
كلّها ثم عرضهم عليهم ، ليظهر بذلك كمال فضله وقصورهم عنه في العلم ، فيتأكّد ذلك
الجواب الإجمالي بهذا الجواب التفصيلي » .
قال : « المسألة
السادسة : هذه الآية دالّة على فضل العلم ، فإنه سبحانه ما اظهر كمال حكمته في
خلقة آدم 7 إلاّ بأن أظهر علمه ، فلو كان في الإمكان وجود شيء أشرف من العلم لكان من
الواجب إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم » .
__________________
قال : « ثم خذ من
أوّل الأمر ، فإنه سبحانه لمّا قال ( إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) فلما قالت الملائكة ( أَتَجْعَلُ فِيها
مَنْ يُفْسِدُ فِيها ) قال سبحانه ( إِنِّي أَعْلَمُ ما
لا تَعْلَمُونَ ) فأجابهم سبحانه بكونه عالما ، فلم يجعل سائر صفات الجلال
من القدرة والإرادة والسمع والبصر والوجوب والقدم والاستغناء عن المكان والجهة
جوابا لهم وموجبا لسكوتهم ، وإنما جعل صفة العلم جوابا لهم ، وذلك يدل على أن صفات
الجلال والكمال وان كانت بأسرها في نهاية الشرف إلاّ أنّ صفة العلم أشرف من غيرها.
ثم إنّه سبحانه
إنّما أظهر فضل آدم 7 بالعلم ، وذلك يدل أيضا على أنّ العلم أشرف من غيره.
ثم إنّه سبحانه
لمّا أظهر علمه جعله مسجود الملائكة وخليفة العالم السفلي ، وذلك يدل على أنّ تلك
المنقبة إنّما استحقّها آدم 7 بالعلم.
ثم إنّ الملائكة
افتخرت بالتسبيح والتقديس ، والافتخار بهما إنما يحصل لو كانا مقرونين بالعلم ،
فإنهما إن حصلا بدون العلم كان ذلك نفاقا ، والنفاق أخسّ المراتب ، قال تعالى : ( إِنَّ
الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) أو تقليدا
والتقليد مذموم فثبت أن تسبيحهم وتقديسهم إنما صار موجبا للافتخار ببركة العلم » .
وقال بتفسير ( وَإِذْ
قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ... ).
« اعلم أنّ هذا هو
النعمة الرابعة من النعم العامة على جميع البشر ، وهو أنّه سبحانه وتعالى جعل
أبانا مسجود الملائكة ، وذلك لأنه تعالى ذكر تخصيص آدم بالخلافة أوّلا ، ثم تخصيصه
بالعلم الكثير ثانيا ، ثمّ بلوغه في العلوم إلى أن صارت الملائكة عاجزين عن بلوغ
درجته في العلم ، وذكر الآن كونه مسجودا للملائكة » .
__________________
وهكذا قال بتفسير
الآيات المذكورة كلّ من النيسابوري في تفسيره ( غرائب القرآن ) والبيضاوي في (
تفسير : ١٤٠ ) والخطيب الشربيني في ( السراج المنير ١ / ٤٨ ) وغيرهم من مشاهير
المفسّرين.
المشابهة بين علي وآدم 8
ومن لطائف المقام
أنّ العاصمي ذكر ـ لإثبات المشابهة بين أمير المؤمنين وآدم 8 في العلم والحكمة
أنه كما أنّ آدم فضّل على جميع الملائكة بالعلم ـ وهو أفضل الخصال ـ فكذلك سيّدنا
أمير المؤمنين 7 فضّل على جميع الأمّة بالعلم والحكمة ـ ما خلا الخلفاء
الماضين ـ.
إلاّ أنّه
باستدلاله على هذا المطلب بحديث : « يا علي
ملئت علما وحكمة » ، وبحديث
: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » قد أبطل ـ من حيث لا يشعر ـ استثنائه الخلفاء الثلاثة ، وأيّد استدلال أهل
الحق بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » على أفضليّة الامام 7 ـ عن طريق
الأعلمية ـ عن جميع الخلائق سوى أخيه وصنوه 6.
وهذا نصّ كلامه في
( زين الفتى ) : « وأمّا العلم والحكمة ، فإنّ الله تعالى قال لآدم 7 ( وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ) ففضّل بالعلم العباد الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون
ما يؤمرون واستحق بذلك منهم السجود له ، فكما لا يصير العلم جهلا والعالم جاهلا
فكذلك لم يصر آدم المفضّل بالعلم مفضولا ، وكذلك حال من فضّل بالعلم فأمّا من فضل
بالعبادة فربّما يصير مفضولا ، لأنّ العابد ربّما يسقط عن درجة العبادة إن تركها
معرضا عنها ، أو يتوانى فيها تغافلا عنها فيسقط فضله ، ولذلك قيل : بالعلم يعلو
ولا يعلى ، والعالم يزار ولا يزور ومن ذلك وجوب وصف الله سبحانه بالعلم والعالم ،
وفساد الوصف له بالعبادة والعابد ، ولذلك منّ على نبيّه 7 بقوله : (
وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ )
( فَضْلُ اللهِ
عَلَيْكَ عَظِيماً ) فعظّم الفضل عليه بالعلم دون سائر ما أكرمه به من الخصال
والأخلاق ، وما فتح عليه من البلاد والآفاق.
وكذلك المرتضى ـ رضوان
الله عليه ـ فضّل بالعلم والحكمة ففاق بهما جميع الأمة ما خلا الخلفاء الماضين ـ رضي
الله عنهم أجمعين ـ ولذلك وصفه الرسول 7 بهما حيث قال : يا علي ملئت علما وحكمة
، وذكر في
الحديث عن المرتضى رضوان الله عليه أنّ النبي صلّى الله عليه كان ذات ليلة في بيت
أمّ سلمة فبكرت إليه بالغداة ، فإذا عبد الله بن عباس بالباب ، فخرج النبي صلّى
الله عليه إلى المسجد وعلي عن يمينه وابن عباس عن يساره ، فقال النبي 7 : يا علي ما أوّل نعم الله عليك؟ قال :
أن خلقني فأحسن خلقي ، قال : ثم ما ذا؟ قال : أن عرّفني نفسه ، قال : ثم ما ذا؟
قال قلت : وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها. قال : فضرب النبي صلّى الله عليه يده
على كتفي وقال : يا علي ملئت علما وحكمة ولذلك قال النبي صلّى الله عليه : أنا
مدينة العلم وعلي بابها. وفي بعض الروايات : أنا دار الحكمة وعلي بابها ».
٢ ـ دلالته على العصمة
إنّ حديث مدينة
العلم يدلّ على عصمة سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، ولا ريب حينئذ في
خلافته بعد رسول الله 6 بلا فصل ...
وأمّا دلالته على
العصمة فقد أفصح عنها المحقّقون من أهل السّنة ، قال إسماعيل بن سليمان الكردي في
( جلاء النظر في دفع شبهات ابن حجر ) بعد كلام له : « وإيّاك والاغترار بظواهر
الآثار والأحوال من التزيّي بزيّ آثار الفقر ، كلبس المرقّعات ، وحمل العكاز وغير
ذلك ، لأنها ليست نافعة لمن اتصف بها وهو ليس على شيء من المعرفة بالله ، بل قد
يكون المتصف بها صاحب انتقاد على المشايخ
بنظره إلى نفسه ،
حيث أنه يرى حقيقة الأمر عنده دون غيره ، وكثير من اهل هذا الشأن هلكوا في أودية
الحيرة ، لأنّهم اغتراهم الجهل المركب ، فلا يدرون ولا يدرون أنّهم لا يدرون ،
كابن تيميّة وابن المقري والسّعد التفتازاني وابن حجر العسقلاني وغيرهم ، فإنّ
اعتراضهم على معاصريهم وعلى من سبق من الموتى دال على حصرهم طريق الحق عندهم لا
غير.
وقد زاد ابن
تيميّة بأشياء ومن جملتها : ما ذكره الفقيه ابن حجر الهيتمي ـ ; ـ في فتاواه
الحديثية ، عن بعض أجلاّء عصره أنّه سمعه يقول ـ وهو على منبر جامع الجبل
بالصالحية ـ : إنّ سيدنا عمر ـ 2 ـ له غلطات وأيّ غلطات ، وإن سيّدنا علي ـ 2 ـ أخطأ في أكثر
من ثلاثمائة مكان!! فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ عمر وعلي رضي
الله عنهما بزعمك؟ أما سمعت قول النبي صلّى الله
عليه وسلّم في حقّ سيدنا علي : أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ ... ».
فإنّ ظاهر عبارته
واستدلاله بحديث مدينة العلم في الردّ على ذاك المتعصّب العنيد دلالة هذا الحديث
الشريف على عصمة الامام 7 ...
وقال المولوي نظام الدين السهالوي
الأنصاري في ( الصبح الصادق ) ما نصّه : « إفاضة ـ قال الشيخ ابن همام في فتح
القدير ـ بعد ما أثبت عتق أمّ الولد وانعدام جواز بيعها عن عدّة من الصحابة رضوان
الله تعالى عليهم ، وبالأحاديث المرفوعة ، واستنتج ثبوت الإجماع على بطلان البيع ـ
ممّا يدلّ على ثبوت ذلك الإجماع ما أسنده عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن
ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : سمعت عليا يقول : اجتمع رأيي ورأي عمر في
أمّهات الأولاد أن لا يبعن ، ثمّ رأيت بعد أن يبعن ، فقلت له : فرأيك ورأي عمر في
الجماعة أحبّ إليّ من رأيك وحدك في الفرقة ، فضحك علي رضي الله تعالى عنه.
واعلم أن رجوع علي
ـ رضي الله تعالى عنه ـ يقتضي أنّه يرى اشتراط انقراض العصر في تقرّر الإجماع ،
والمرجّح خلافه ، وليس يعجبني أنّ لأمير المؤمنين
شأنا يبعد اتباعه
أن يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول ، فلو كان عدم الاشتراط أوضح لا
كوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه ، وقد قال رسول
الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا
نبي بعدي ، رواه الصحيحان ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم :
أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي ، فالانقراض هو الحق.
لا يقال : إن
الخلفاء الثلاثة أيضا أبواب العلم ، وقد حكم عمر بامتناع البيع. لأنّ غاية ما في الباب
أنهما تعارضا ، ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل ، وهو لا يقتضي أن يكون
الأفضليّة في العلم أيضا ، وقد ثبت أنه باب دار الحكمة ، والحكمة حكمه ».
ومفاد هذا الكلام
دلالة حديث « أنا دار الحكمة وعلي بابها » على عصمة الامام 7 ، وحينئذ تكون دلالة
حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ثابتة عليها بالأولويّة ، لما سيأتي عن ابن طلحة قوله : «
لكنّه صلّى الله عليه وسلّم خصّ العلم بالمدينة والدار بالحكمة لما كان العلم أوسع
أنواعا وأبسط فتونا وأكثر شعبا وأغزر فائدة وأعمّ نفعا من الحكمة ، خصص الأعم
بالأكبر والأخص بالأصغر ».
٣ ـ دلالته على أنّ الامام
واسطة العلوم
ويدل حديث مدينة
العلم على أنّ الأمّة يجب أن تستمدّ العلوم من رسول الله 6 بواسطة سيدنا
أمير المؤمنين 7 ، وهذا شرف يتضاءل عنه كلّ شرف ، وفضيلة ليس فوقها فضيلة ،
ومرتبة تثبت الأفضليّة فضلا عن غيرها من الأدلّة ... ومن هنا أيضا تثبت خلافة أمير
المؤمنين 7 بلا كلام :
قال محمد بن
إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني في ( الروضة الندية ) بعد تصحيح الحديث : « نعم ،
ولعلّك تقول : كيف حقيقة هذا التركيب النبوي ،
أعني قوله
: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ فأقول : الكلام فيه استعارة تخييليّة ومكنيّة وترشيح ، وذلك أنّه شبّه العلم
بمحسوس من الأموال يحاز ويحرز ، لأنّ بين العلم والمال تقارن في الأذهان ، ولذلك
يقرن بينهما كثيرا ، مثل ما في كلام الوصي 7 : العلم خير من المال ، في كلامه المشهور الثابت لكميل بن
زياد ، وفي الحديث النبوي : منهومان لا يشبعان
طالب علم وطالب دنيا ، فشبّه العلم
بالمال بجامع النفاسة في كلّ منهما ، والحرص على طلبهما والفخر بحيازتهما ، ولذلك
قال الشافعي ; :
قيمة المرء علمه
عند ذي العلم
|
|
وما في يديه عند
الرّعاع
|
وإذا ما جمعت
علما ومالا
|
|
كنت عين الوجود
بالإجماع
|
ولمّا شبّه العلم
بالمال أثبت له ما هو من لوازم المال ، وهو ما يجمعه ويحفظ فيه من المكان ، وجعل
المكان المدينة ، لأنّه لم يرد نوعا من العلم مشبّها بنوع من المال ، بل علوم جمة
واسعة من فنون مختلفة كالأموال المتعددة الأنواع التي لا يحفظها إلاّ مدينة ، ثم
طوى ذكر المشبّه به أعني المال كما هو شأن المكنيّة ، ورمز إليه بلازمه وهو
المدينة استعارة تخييلّية ، ثم أثبت لها الباب ترشيحا ، مثل قولهم : أظفار المنيّة
نشبت بفلان ، ثم حمل ضمير قوله : مدينة العلم على ضمير نفسه صلّى الله عليه وسلّم
فأخبر عنه بها ، وأخبر عن علي 7 بأنه بابها ، فلمّا كان الباب للمدينة من شأنه أن يجلب منه
إليها منافعهما ويستخرج منه إلى غيرها مصالحها كان فيه إيهام أنه صلّى الله عليه
وسلّم يستمدّ من غيره بواسطة الباب الذي هو علي 7 ، دفع صلّى الله عليه وسلّم هذا الإيهام بقوله
: « فمن أراد العلم فليأت من الباب » ، إخبارا بأنّ هذا باب تستخرج منه العلوم وتستمد بواسطته ، ليس له من شأن
الباب إلاّ هذا ، لا كسائر الأبواب في المدن ، فإنّها للجلب إليها والإخراج عنها ،
فلله درّ شأن الكلام النبوي ما أرفع شأنه وأشرفه وأعظم بنيانه ، ويحتمل وجوها من
التخريج أخر ، إلاّ أنّ هذا أنفسها.
وإذا عرفت هذا
عرفت أنّه قد خصّ الله الوصيّ 7 بهذه الفضيلة العجيبة ، وتوّه شأنه ، إذ جعله باب أشر فما
في الكون وهو العلم ، وأن منه يستمد ذلك منه أراده ، ثم إنه باب لأشرف العلوم وهي
العلوم النبوية ، ثم لأجمع خلف الله علما وهو سيّد رسله صلّى الله عليه وسلّم ،
وإنّ هذا الشرف يتضاءل عنه كلّ شرف ، ويطأطئ رأسه تعظيما له كلّ من سلف وخلف ،
وكما خصّه باب مدينة العلم فاض عنه منها ما يأتيك من دلائل ذلك قريبا ».
٤ ـ دلالته على أنّ الامام حافظ
العلم
ويدلّ حديث مدينة
العلم على أن أمير المؤمنين 7 حافظ علوم رسول الله 6 ، وهذا المعنى بوحده دليل على أفضليّته 7 من سائر الأصحاب
، وهو المطلوب في هذا الباب.
ولقد صرّح بما
ذكرنا كمال الدين ابن طلحة حيث قال في ذكر شواهد علم الامام وفضله :
« ومن ذلك ما رواه
الامام الترمذي في صحيحه بسنده ، وقد تقدّم ذكره في الاستشهاد في صفة أمير
المؤمنين بالأنزع البطين : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أنا مدينة
العلم وعلي بابها ، ونقل الامام أبو محمد
الحسين بن مسعود القاضي البغوي في كتابه الموسوم بالمصابيح : إن رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم قال : أنا دار الحكمة وعلي بابها ، لكنّه صلّى الله عليه وسلّم خصّ العلم بالمدينة والدار
بالحكمة ، لما كان العلم أوسع أنواعا وأبسط فنونا وأكثر شعبا وأغزر فائدة وأعمّ
نفعا من الحكمة خصّص الأعم بالأكبر والأخص بالأصغر.
وفي قول النبي
صلّى الله عليه وسلّم ذلك إشارة إلى كون علي 7 نازلا من العلم والحكمة منزلة الباب من المدينة والباب من
الدار ، لكون الباب حافظا لما هو داخل المدينة وداخل الدار من تطرّق الضّياع
واعتداء يد الذهاب
عليه ، وكان معنى
الحديث أنّ عليا 7 حافظ العلم والحكمة ، فلا يتطرّق إليهما ضياع ولا يخشى
عليها ذهاب ، فوصف عليا بأنّه حافظ العلم والحكمة ، ويكفى عليا 7 علوّا في مقام
العلم والفضيلة أن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حافظا للعلم والحكمة » .
٥ ـ دلالته على وجوب الرجوع
إليه
ويدلّ حديث مدينة
العلم على وجوب رجوع الأمّة إلى أمير المؤمنين 7 لأخذ العلم منه ، ولذا قال
6 في ذيله «
فمن أراد العلم فليأت الباب » وقال « كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلاّ من
الباب ».
وهذا أيضا وجه آخر
لإثبات المطلوب. والحمد لله.
قال العلاّمة ابن
شهرآشوب عليه الرحمة بعد نقل الحديث من طرق المخالفين : « وهذا يقتضي وجوب الرجوع
إلى أمير المؤمنين 7 ، لأنّه كنّى عنه بالمدينة وأخبر أن الوصول إلى علمه من
جهة علي خاصة ، لأنه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلاّ منه. ثمّ أوجب ذلك
الأمر به بقوله : « فليأت الباب ». وفيه دليل على عصمته ، لأنّه من ليس بمعصوم يصحّ منه وقوع
القبيح ، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدّى إلى أن يكون 7 قد أمر بالقبيح
وذلك لا يجوز ، ويدلّ أيضا : أنه أعلم الأمة ، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها
ورجوع بعضها إلى بعض وغناه 7 عنها ، وأبان 7 ولاية علي 7 وإمامته وأنّه لا يصح أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد
وفاته إلاّ من قبله وروايته عنه كما قال الله تعالى : ( وَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) » .
__________________
وقال القاضي
التستري الشهيد نوّر الله مرقده في ( إحقاق الحق ) :
« أقول : في
الحديث إشارة إلى قوله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ
مِنْ أَبْوابِها ) وفي كثير من روايات ابن المغازلي تصريح بذلك ،
ففي بعضها مسندا إلى جابر 2 : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن
أراد العلم فليأت الباب. وفي
بعضها مسندا إلى علي 7
: يا علي أنا مدينة وأنت الباب كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من الباب. وروى عن ابن عباس : أنا
مدينة الجنة وعلي بابها فمن أراد الجنّة فليأتها من بابها. وعن ابن عباس أيضا
بطريق آخر : أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب.
وهذا يقتضي وجوب
الرجوع إلى أمير المؤمنين 7 ، لأنّ النبي 6 كنّى عن نفسه الشريفة بمدينة العلم وبدار الحكمة ، ثم أخبر
أن الوصول إلى علمه وحكمته وإلى جنّة الله سبحانه من جهة علي خاصة ، لأنّه جعله
كباب مدينة العلم والحكمة والجنة التي لا يدخل إليها إلاّ منه ، وكذّب 7 من زعم أنّه يصل
إلى المدينة لا من الباب ، وتشير إليه الآية أيضا كما ذكرناه.
وفيه دليل على
عصمته وهو ظاهر ، لأنّه 7 أمر بالاقتداء به في العلوم على الإطلاق ، فيجب أن يكون
مأمونا عن الخطأ ، ويدل على أنه إمام الأمة لأنه الباب لتلك العلوم ، ويؤيد ذلك ما
علم من اختلاف الأمة ورجوع بعض إلى بعض وغناؤه 7 عنها ، ويدل أيضا على ولايته وإمامته 7 ، وأنّه لا يصح
أخذ العلم والحكمة ودخول الجنة في حياته 6 إلاّ من قبله ، ورواية العلم والحكمة إلاّ عنه ، لقوله
تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) حيث كان 7 هو الباب ، ولله
در القائل :
« مدينة علم
وابن عمك بابها
|
|
فمن غير ذاك
الباب لم يؤت سورها ».
|
ويدل أيضا : على
أنه من أخذ شيئا من هذه العلوم والحكم التي احتوى عليها رسول الله 6 من غير جهة علي 7 كان
عاصيا كالسارق
والمتسوّر ، لأنّ السارق والمتسوّر إذا دخلا من غير الباب المأمور بها ووصلا إلى
بغيتهما كانا عاصيين ، وقوله 7 : « فمن أراد العلم فليأت الباب » ليس المراد به التخيير ، بل المراد به الإيجاب والتهديد
كقوله عز وجل ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ
فَلْيَكْفُرْ ) والدليل على ذلك : أنّه ليس هاهنا نبي غير محمد 6 هو مدينة العلم
ودار الحكمة ، فيكون العالم مخيّرا بين الأخذ من أحدهما دون الآخر. وفقد ذلك دليل
على إيجابه وأنّه فرض لازم. والحمد لله ».
وقال : ثمّ لا
يخفى على أولي الألباب أن المراد بالباب في هذه الأخبار الكناية عن الحافظ للشيء
الذي لا يشذّ عنه منه شيء ولا يخرج الاّ منه ولا يدخل عليه الاّ به ، وإذا ثبت أنه
7 الحافظ لعلوم النبي 6 وحكمته ، وثبت أمر الله تعالى ورسوله بالتوصّل به إلى
العلم والحكمة وجب اتباعه والأخذ عنه ، وهذا حقيقة معنى الامام كما لا يخفى على
ذوي الأفهام ».
٦ ـ دلالته على أنّ الامام أوّل
من يقاتل أهل البغي
وممّا يدلّ عليه
حديث مدينة العلم ما ذكره الكنجي من أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أوّل
من يقاتل أهل البغي بعد رسول الله 6. وهذا الوجه أيضا يقتضي أفضليّة الامام 7 من سائر الأصحاب
، وصحّة الاستدلال به على مطلوب أهل الحق ... وهذا نصّ كلام الحافظ الكنجي :
« قلت ـ والله
أعلم ـ : إنّ وجه هذا عندي أنّ النّبي صلّى
الله عليه وسلّم قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، أراد صلّى الله عليه وسلّم أن الله تعالى علّمني العلم
وأمرني بدعاء الخلق إلى الإقرار بوحدانيّته في أوّل النّبوة ، حتى مضى شطر زمان
الرسالة على ذلك ، ثم أمرني الله بمحاربه من أبى الإقرار لله عز وجل
بالوحدانيّة بعد
منعه من ذلك ، فأنا مدينة العلم في الأوامر والنواهي وفي السلم والحرب ، حتى جاهدت
المشركين ، وعلي بن أبي طالب بابها ، أي : هو أوّل من يقاتل أهل البغي بعدي من أهل
بيتي وسائر أمتي ، ولو لا أنّ عليا بيّن الناس قتال أهل البغي ، وشرع الحكم في
قتلهم وإطلاق الأسارى منهم وتحريم سلب أموالهم وسبى ذراريهم ، لما عرف ذلك ،
فالنبي صلّى الله عليه وسلّم سنّ في قتال المشركين ونهب أموالهم وسبي ذراريهم ،
وسنّ عليّ في قتال أهل البغي أن لا يجهز على جريح ولا يقتل الأسير ولا تسبى النساء
والذريّة ولا تؤخذ أموالهم ، وهذا وجه حسن صحيح.
ومع هذا ، فقد قال
العلماء من الصّحابة والتابعين وأهل بيته : بتفضيل علي ، وزيادة علمه ، وغزارته ،
وحدّته فهمه ووفور حكمته ، وحسن قضاياه وصحّة فتواه ، وقد كان أبوبكر وعمر وعثمان
وغيرهم من علماء الصّحابة يشاورونه في الأحكام ، ويأخذون بقوله في النقض والإبرام
، اعترافا منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه ، وليس هذا الحديث في حقّه
بكثير ، لأنّ رتبته عند الله عزّ وجل وعند رسوله وعند المؤمنين من عباد أجلّ وأعلى
من ذلك » .
٧ ـ الحديث في رواية جابر
قال الخطيب : « أخبرنا أبو طالب يحيى بن
علي الدسكري قال : أخبرنا أبوبكر بن المقري قال : ثنا أبو الطيب محمد بن عبد
الصّمد الدقاق قال : حدثنا أحمد ابن عبيد الله أبو جعفر المكتّب قال : أخبرنا عبد
الرزاق قال : ثنا سفيان عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن بهمان قال
: سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبيّة
وهو آخذ بيد علي : هذا أمير
__________________
البررة وقاتل الفجرة
، منصور من نصره مخذول من خذله ، يمدّ بها صوته ، أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن
أراد العلم فليأت الباب » .
وقال ابن المغازلي : « أخبرنا أبو الحسن
أحمد بن المظفّر بن أحمد العطّار الفقيه الشافعي ـ رحمه الله تعالى ، بقراءتي عليه
فأقرّ به ، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ـ قلت له : أخبركم أبو محمّد عبد الله بن
محمد بن عثمان المزني ـ الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي ; ـ نا عمر بن الحسن الصيرفي ; ، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد ، نا
عبد الرزاق قال : أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن بهمان
عن جابر بن عبد الله قال : أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعضد علي فقال : هذا
أمير البررة وقاتل الكفرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ، ثم مدّ بها صوته فقال :
أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ».
وقال : « أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى
، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصّلت القرشي ، نا علي بن محمد بن المقري ، نا
محمد بن عيسى ابن شعبة البزاز ، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب ، نا عبد
الرزاق ، أنا معمر عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله
الأنصاري يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ـ يوم الحديبيّة ، وهو
آخذ بضبع علي بن أبي طالب ـ : هذا أمير البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول
من خذله ، ثم مدّ بها صوته فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم
فليأت الباب » .
وقال الكنجي : « أخبرنا العلامة قاضي
القضاة أبو نصر محمد بن هبة الله ابن قاضي القضاة محمد بن هبة الله بن محمد
الشيرازي ، أخبرنا الحافظ أبو القاسم ، أخبرنا القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو
القاسم بن مسعدة ، أخبرنا حمزة بن يوسف ، أخبرنا أبو أحمد بن عدي ، حدثنا النعمان
بن هارون البلدي
__________________
ومحمد بن أحمد بن
المؤمّل الصيرفي وعبد الملك بن محمد قالوا : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد
المؤدّب ، حدثنا عبد الرزاق ، عن سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد
الرحمن بن بهمان قال : سمعت جابرا يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يقول ـ يوم الحديبيّة وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول ـ : هذا أمير البررة
وقاتل الفجرة ، منصور من نصره مخذول منخذله ، ثمّ مدّ بها صوته وقال : أنا مدينة
العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. قلت : هكذا رواه ابن عساكر في
تاريخه ، وذكر طرقه عن مشايخه » .
أقول : فهذا
الحديث قد رواه كبار الحفّاظ أمثال :
عبد الرّزاق بن
همام الصنعاني.
وابن السقاء
الواسطي.
وأبي الحسن
العطّار الشافعي.
والخطيب البغدادي.
وأبي محمد
الغندجاني.
وابن المغازلي.
وابن عساكر ،
والكنجي الشافعي.
وهذا الحديث يدلّ
من جهات عديدة على اهتمام النبيّ 6 بالإفصاح عن إمامة أمير المؤمنين 7 وأفضليّته قولا
وفعلا ، وتلك الجهات هي :
١ ـ إيراده 6 هذا الكلام « يوم
الحديبية » ، وهو مشهد عظيم من مشاهد المسلمين يجتمع فيه الوضيع والشريف والصغير
والكبير ...
٢ ـ أخذه 6 بضبع أمير
المؤمنين 7 لمزيد التأكيد وإتمام الحجة على الحاضرين والغائبين ...
__________________
٣ ـ قوله
6 في حقه : «
هذا أمير البررة وقاتل الكفرة » وهو نصّ صريح في إمامته ...
٤ ـ قوله
6 : « منصور
من نصره مخذول من خذله » إيجابا لطاعته وإلزاما لاتّباعه ...
٥ ـ مدّه
6 صوته بقوله
: « أنا مدينة ... » إبلاغا لجميع
الحاضرين ... فكيف يقال : إنّه 6 لم يقصد بهذا الحديث إمامة أمير المؤمنين 7؟ وأنّ هذا الحديث
ليس فيه دلالة على مدّعي أهل الحق؟
٨ ـ الحديث في خطبة الامام
الحسن 7
روى القندوزي الحنفي :
« عن الأصبغ بن نباتة قال : لمّا جلس
علي 7 في الخلافة
خطب خطبة ذكرها أبو سعيد البختري إلى آخرها ، ثم قال للحسن 8 : يا بني فاصعد المنبر وتكلّم ، فصعد
وبعد الحمد والتّصلية قال : أيها الناس سمعت جدّي رسول الله 6 يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ،
وهل تدخل المدينة إلاّ من بابها. فنزل.
ثمّ قال الحسين 7 فاصعد المنبر وتكلّم فصعد ، فقال بعد
الحمد والتّصلية : أيّها الناس سمعت جدّي رسول الله 6
يقول : إنّ عليا مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك ، فنزل.
ثم قال علي 7 : أيها الناس إنّهما ولدا رسول الله 6 ، وديعته التي استودعهما على أمّته ،
وسائل عنهما » .
__________________
فذكر الامام الحسن
7 حديث مدينة العلم في هذا الحال ـ أي عند جلوس الامام علي 7 في الخلافة ـ واقتصاره
عليه ، من أوضح البراهين على دلالته على إمامة أمير المؤمنين 7 ، ووجوب متابعته
والانقياد له ...
٩ ـ رجوع الطرق إلى الامام 7
قال شهاب الدين
أحمد بن عبد القادر العجيلي :
« ودعوة الحق
وباب العلم
|
|
وأعلم الصّحب
بكلّ حكم ».
|
قالت أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول
الله 6 يقول : أما
ترضين ـ يا فاطمة ـ أن زوّجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما. وقالت أمّ سلمة رضي
الله عنها : سمعت رسول الله 6
يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
فهو الداعي إلى الحق وهو دعوة الحق.
وفي الجامع الكبير : قسّمت الحكمة عشرة
أجزاء ، فأعطي علي سبعة أجزاء والناس جزء وعلي أعلم بالواحد منه منهم.
وأخرج الترمذي أنه قال 6 : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد
العلم فليأت الباب.
ولهذا كانت الطرق
والسّلسلات راجعة إليه ».
أي : لمّا كان علي
7 باب مدينة العلم كانت الطرق والسّلسلات راجعة إليه ، وهذا المعنى أيضا يثبت
أفضليته ، وثبوتها كاف في هذا الباب كما لا يخفى على أولى الألباب » .
__________________
١٠ ـ دلالة الحديث على أنّ
الامام خاتم الأولياء
قال المولوي حسن
الزمان :
« تنبيه : ومن
أحسن بيّنة على معنى ختم الأولياء : الحديث المشهور الصحيح الذي صحّحه جماعات من
الأئمة :
منهم : أشدّ الناس
مقالا في الرجال سند المحدثين ابن معين ، كما أسنده ووافقه الخطيب في تاريخه ـ وقد
كان قال أوّلا لا أصل له ـ.
ومنهم : الامام
الحافظ المنتقد المجتهد المستقل المجدد الجامع من العلوم ـ كما ذكره السيوطي ،
وابن حجر ، والتاج السبكي ، والذهبي ، والنووي ، عن الامام الحافظ الخطيب البغدادي
ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، ويؤيده قول إمام الأئمة ابن خزيمة : ما أعلم
على أديم الأرض أعلم من ابن جرير ـ في تهذيب الآثار ، وقد قال الخطيب : لم أرد
مثله في معناه ، كما نقل كلامه السيوطي في مسند علي من جمع الجوامع.
ومنهم : الحاكم.
ومن آخرهم : المجد
الشيرازي شيخ ابن حجر ، في نقد الصحيح ، وأطنب في تحقيقه كما نقله الدهلوي في
لمعات التنقيح.
واقتصر على تحسينه
: العلائي ، والزركشي ، وابن حجر ، في أقوام أخر ، ردّا على ابن الجوزي.
من قوله 6
:
أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى
المدينة إلاّ من بابها ، قال الله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ
مِنْ أَبْوابِها ).
وهو أقوى شاهد لصحة
رواية صحّحها الحاكم : فمن أراد العلم فليأت
الباب.
وهذا مقام الختم
من أنّه لا وليّ بعده إلاّ وهو راجع إليه ، آخذ من لديه ،
وإليه الاشارة بما
في الحديث الصحيح المستفيض المشهور بل المتواتر ، من الأمر بسدّ كلّ باب في المسجد
إلاّ بابه ، مستندا إلى أمر الله تعالى بذلك ، فهو سدّ كلّ باب من صاحب الشريعة
إلاّ ما شاء في الطريقة إلى الحقيقة إلاّ بابه ، فلا جرم قد انحصرت سلاسل الطريقة
في باب المرتضى إلاّ ما ندر كخوخة الصديق أبي بكر ، ويؤيّده الأحاديث الصحيحة
المذكورة وغيرها المشهورة.
ومن هنا كان
المرتضى مثل عيسى ـ على نبيّنا وكلّ الأنبياء الصلاة والسلام ـ في إفراط وتفريطهم
فيه كما ورد ، وقد استشهد ليلة رفع فيها عيسى كما ورد من طرق عن الامام الحسن بن
علي في الخطبة ، فإنّه خاتم الولاية العامة من آدم إلى آخر ولي.
والمرتضى كرّم
الله وجهه خاتم الولاية الخاصة المحمدية الأكبر ، فالمهدي الوارد فيه ـ عند
الطبراني وجماعة : المهدي منّا أهل البيت يختم الدين به كما فتح بنا ـ فولي آخر من
العرب من أكرمها أصلا ، ويدا كان الشيخ الأكبر خاتم الولاية المحمدية الأصغر عاصره
ولقيه ونفيه خاتما خاصا في العالم غيره قبل تحققه برتبته وإن كان بشّر به فنسي ،
ثم لمّا تحقّق حقّق » .
وحاصل هذا الكلام
: إن حديث مدينة العلم من أحسن بيّنة على أن أمير المؤمنين 7 خاتم الأولياء ،
وأنّ كلّ ولي راجع إليه ، آخذ من لديه ، وهذا وجه آخر لدلالة حديث مدينة العلم على
أفضليته فإمامته 7 ...
__________________
قوله :
« غاية ما في
الباب أنّه قد تحقّق فيه شرط من شروط الامامة على الوجه الأتم ، ومع وجدان أحد
الشروط لا يلزم وجود المشروط ».
أقول :
لقد ثبت ـ من
البحوث المتقّدمة ـ دلالة حديث مدينة العلم على إمامة سيدنا أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام ، وكلام ( الدهلوي ) هذا يؤيّد استدلال أهل الحق بهذا الحديث
الشريف على الامامة والخلافة ، لأنّ تحقق أحد شروط الامامة فيه ـ وهو العلم ـ بالوجه
الأتم ثبتت أعلمية الامام 7 ، وهذه تقتضي أفضليّته وحينئذ لا يبقى ريب في وجدانه لسائر
شرائط الامامة.
أدلة أخرى على استلزام
الأعلمية للأفضلية فالامامة
وبالرغم من ثبوت
استلزام الأعلمية للأفضلية ، وأيضا استحقاق الأعلم للإمامة والخلافة ، من الوجوه
المذكورة سابقا ، لكنّا نذكر فيما يلي بعض الأدلّة المحكمة على هذا المطلب :
١ ـ قصّة جالوت
قال الله تعالى : ( أَلَمْ
تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا
لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ )
( أَلاَّ تُقاتِلُوا
قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ
دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ
قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ
عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ
قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ).
قال الثعلبي
والبغوي والنسفي وغيرهم : « ( قالَ إِنَّ اللهَ
اصْطَفاهُ ) اختاره ( عَلَيْكُمْ وَزادَهُ
بَسْطَةً ) فضيلة وسعة ( فِي الْعِلْمِ ) وذلك أنه كان
أعلم بني إسرائيل في وقته » .
٢ ـ قصّة استخلاف داود سليمان 8
وهذه القصّة ذكرها
أبو الحسن محمد بن عبد الله الكسائي في ( قصص الأنبياء ) ، وأبو إسحاق أحمد بن
محمد الثعلبي في ( العرائس ) ، وعبيد الله الكاشغري في ( نفائس العرائس ) بألفاظ
متقاربة ، وهذه هي القصة بلفظ أبي إسحاق الثعلبي :
« باب في قصّة
استخلاف داود ابنه سليمان ـ 8 ـ وذكر بدو الخاتم. قال أبو هريرة 2 :
أنزل الله تعالى
كتابا من السماء على داود 7 مختوما بخاتم من ذهب فيه ثلاثة عشر مسألة ، فأوحى الله
تعالى إليه أن سل عنها ابنك ، فإن هو أخرجهنّ فهو الخليفة من بعدك ، قال : فدعا
داود 7 سبعين قسّا وسبعين حبرا ، وأجلس سليمان بين أيديهم وقال : يا بنيّ إن الله
تعالى أنزل عليّ كتابا من السماء فيه مسائل ، وأمرني أن أسألك منها ، فإن أخرجتهنّ
فأنت الخليفة من بعدي. فقال سليمان : ليسأل نبيّ الله عمّا بدا له وما توفيقي إلا
بالله ، قال داود :
__________________
يا بني ما أقرب
الأشياء؟ وما أبعد الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحشها؟ وما أحسن الأشياء؟ وما
أقبحها؟ وما أقل الأشياء؟ وما أكثرها؟ وما القائمان؟ وما الساعيان؟ وما المشتركان؟
وما المتباغضان؟ وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره؟ وما الأمر الذي إذا ركبه
الرجل ذم آخره؟
فقال سليمان 7 : أمّا أقرب
الأشياء فالآخرة ، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا ، وأما آنس الأشياء فجسد
فيه روح ، وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه ، وأمّا أحسن الأشياء فالإيمان بعد
الكفر ، وأمّا أقبح الأشياء فالكفر بعد الايمان ، وأما أقل الأشياء فاليقين ، وأما
أكثر الأشياء فالشك ، وأما القائمان فالسماء والأرض ، وأما الساعيان فالشمس والقمر
، وأما المشتركان فالليل والنهار ، وأما المتباغضان فالموت والحياة ، وأما الأمر
الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم عند الغضب ، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل
ذم آخره فالحدّة عند الغضب.
قال : ففكّوا
الخاتم ، فإذا جواب المسائل سواء على ما نزل من السماء فقال القسيسون : لا نرضى
حتى نسأله عن مسألة ، فإن أخرجها فهو الخليفة من بعدك ، فقال سليمان 7 : سلوني وما
توفيقي إلاّ بالله ، فقالوا له : ما الشيء الذي إذا صلح صلح كلّ شيء من الإنسان ،
وإذا فسد فسد كلّ شيء من الإنسان؟ فقال : هو القلب.
فقام داود فصعد
المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : إن الله تعالى يأمرني أن أستخلف عليكم
سليمان. قال : فضجّت بنو إسرائيل وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا! وفينا من هو
أفضل منه وأعلم! فبلغ ذلك داود 7 ، فدعا أسباط رؤساء بني إسرائيل وقال لهم : إنه قد بلغني
مقالتكم ، فأروني عصيّكم ، فأيّ عصاه أثمرت فإنّ صاحبها ولي هذا الأمر بعدي ،
قالوا : قد رضينا فجاءوا بعصّيهم ، فقال لهم داود : ليكتب كلّ رجل منكم اسمه على
عصاه ، فكتبوا ، ثم جاء سليمان بعصاه ، فكتب عليها اسمه ، ثم أدخلت بين
العصيّ وأغلق
عليها الباب وحرست رؤس أسباط بني إسرائيل ، فلما أصبح صلّى بهم الغداة ثم أقبل
ففتح فأخرج عصّيهم فإذا هي كما هي ، وعصا سليمان قد أورقت وأثمرت ، قال : فسلّموا
ذلك لداود 7 ، فلما رأى ذلك داود حمد الله وجعل سليمان خليفة ثم سار به في بني إسرائيل
فقال : إنّ هذا خليفتي عليكم من بعدي ».
٣ ـ حديث : من استعمل عاملا ...
ومن الأدّلة على
تعيّن الأعلم للخلافة والامامة : ما جاء في ( كنز العمال ) من قوله 6 :
« من استعمل عاملا
من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد
خان الله ورسوله وجميع المسلمين. م د. عن ابن عباس » .
لأنّه إذا كان
استعمال عامل هذا شأنه في أمر صغير خيانة لله ورسوله وجميع المسلمين ، فما ظنّك
بالولاية العامة والامامة الكبرى والخلافة العظمى عن رسول الله؟!
٤ ـ الدليل من الأشعار المرويّة
ومن الأدلة على
اقتضاء الأعلمية للامامة : الأشعار التي رويت عن واحد من الصحابة أنه قالها بعد
السقيفة في مدح علي 7 ، وبيان أنّه صاحب الخلافة بعد رسول الله 6 ، دون أبي بكر بن
أبي قحافة ، وهذه هي :
__________________
ما كنت أحسب أنّ
الأمر منحرف
|
|
عن هاشم ثم منها
عن أبي حسن
|
أليس أوّل من
صلّى لقبلتكم
|
|
وأعلم الناس
بالآثار والسّنن
|
وأقرب الناس
عهدا بالنبي ومن
|
|
جبريل عون له في
الغسل والكفن
|
من فيه ما في
جميع الناس كلّهم
|
|
وليس في الناس
ما فيه من الحسن
|
ما ذا الذي
ردّكم عنه فنعرفه
|
|
ها إن بيعتكم من
أول الفتن »
|
وهذه الأبيات
ذكرها الخوارزمي ونسبها إلى « العباس بن عبد المطلب » .
وذكرها الأيوبي في
( المختصر في أخبار البشر ) إلاّ البيت الأخير منها مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ
، ناسبا إيّاها إلى « عتبة بن أبي لهب » وعزاها في ( الموفقيات ) إلى « بعض ولد أبي لهب بن عبد
المطلّب » وهذا نصّ كلامه :
« روى محمد بن
إسحاق : إن أبابكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرة ، قال :
وكان عامة
المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أن عليا هو صاحبها بعد رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم ، فقال الفضل بن عباس : يا معشر قريش ـ وخصوصا يا بني تيم ـ إنكم إنّما
أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم ، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله
لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا ، حسدا منهم لنا وحقدا علينا ، وإنا
لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه ، وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب :
ما كنت أحسب أنّ
الأمر منصرف
|
|
عن هاشم ثم منها
عن أبي حسن
|
أليس أوّل من
صلّى لقبلتكم
|
|
وأعلم الناس
بالقرآن والسّنن
|
وأقرب الناس
عهدا بالنبي ومن
|
|
جبريل عون له في
الغسل والكفن
|
من فيه ما فيهم
لا يمترون به
|
|
وليس في الناس
ما فيه من الحسن
|
ما ذا الذي
ردّهم عنه فنعلمه
|
|
ها إنّ ذا غبننا
من أعظم الغبن »
|
__________________
وعزاها الزين
العراقي في ( شرح الألفية ) وفي ( التقييد والإيضاح ) ، وكذا السخاوي في ( فتح
المغيث ـ شرح ألفية الحديث ) في البحث حول أوّل من أسلم ... إلى « خزيمة بن ثابت »
وهذا نصّ كلام العراقي في كتابه الثاني :
« والصحيح أنّ
عليّا أوّل ذكر أسلم ، وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه كما سيأتي ، وقال ابن إسحاق
في السيرة : أول من آمن خديجة ثم علي بن أبي طالب ، وكان أوّل ذكر آمن برسول الله
صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن عشر سنين ، ثم زيد ابن حارثة فكان أول ذكر أسلم بعد
علي ، ثم أبوبكر فأظهر إسلامه إلى آخر كلامه. وما ذكرنا أن الصحيح من أن عليا أول
ذكر أسلم هو قول أكثر الصحابة : أبي ذر ، وسلمان الفارسي ، وخباب بن الأرت ،
وخزيمة بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبي أيوب الأنصاري ، والمقداد بن الأسود ، ويعلى
بن مرة ، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وعفيف الكندي.
وأنشد أبو عبد
الله المرزباني لخزيمة بن ثابت :
ما كنت أحسب هذا
الأمر منصرفا
|
|
عن هاشم ثم منها
عن أبي حسن
|
أليس أوّل من
صلّى لقبلتهم
|
|
وأعلم الناس
بالفرقان والسنن »
|
وكذا نسبها إليه
الشيرازي في ( روضة الأحباب ) والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ).
وعزاها بعضهم
كالفخر الرازي في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) والنيسابوري في تفسيره ( غرائب القرآن )
والبيضاوي في ( تفسيره ) إلى « حسّان بن ثابت » .
وعزاها بعضهم كأبي
جعفر الإسكافي في ( نقض العثمانيّة ) إلى « أبي سفيان ابن حرب » حيث قال في بيان
أنه 7 أوّل من أسلم : « وأما الأشعار المرويّة
__________________
فمعروفة كثيرة
منتشرة ، فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيبا للوليد
بن عقبة بن أبي معيط :
وإنّ وليّ الأمر
بعد محمد
|
|
علي وفي كل
المواطن صاحبه
|
وصي الرسول حقا
وصنوه
|
|
وأوّل من صلّى
ومن لاذ جانبه
|
وقال خزيمة بن
ثابت :
وصيّ رسول الله
من دون أهله
|
|
وفارسه مذ كان
في سالف الزمن
|
وأوّل من صلّى
من الناس كلّهم
|
|
سوى خيرة
النسوان والله ذو منن
|
وقال أبو سفيان بن
حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبوبكر :
ما كنت أحسب أن
الأمر منصرف
|
|
عن هاشم ثم منها
عن أبي حسن
|
أليس أوّل من
صلّى لقبلتهم
|
|
وأعلم الناس
بالأحكام والسنن
|
وقال أبو الأسود
الدؤلي يهدّد طلحة والزبير :
وإنّ عليا لكم
مصحر
|
|
يماثله الأسد
الأسود
|
أما إنه أوّل
العابدين
|
|
بمكّة والله لا
يعبد
|
وقال سعيد بن قيس
الهمداني يرتجز بصفين :
هذا علي وابن عم
المصطفى
|
|
أوّل من أجابه
فيما روى
|
هو الامام لا
يبالي من غوى وقال زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي :
فحوطوا عليا
وانصروه فإنّه
|
|
وصي وفي الإسلام
أول أول
|
وإن تخذلوه والحوادث
جمّة
|
|
فليس لكم عن
أرضكم متحوّل
|
والأشعار كالأخبار
إذا امتنع في مجيء القبيلتين التواطي والاتفاق كان ورودهما حجة ».
٥ ـ قول عمر : لو أدركت معاذ بن
جبل ...
ومن غرائب الأمور : ما رووه عن عمر بن
الخطاب أنّه كان يتمنّى وجود معاذ بن جبل حين موته ليستخلفه من بعده ، وكان السبب
في ذلك ما كان سمعه ـ على حدّ زعمه ـ من قول رسول الله 6 في حقّ معاذ « إن العلماء إذا اجتمعوا
يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم ».
وممّن روى هذه القصّة : ابن سعد (
الطبقات ) وأحمد ( المسند ) وابن قتيبة ( الامامة والسياسة ) وأبو نعيم ( الحلية )
وابن حجر والعسقلاني ( فتح الباري ) والمتقى ( كنز العمال ) ...
قال ابن سعد : « أخبرنا يزيد بن هارون ،
أنا سعيد بن أبي عروبة : سمعت شهر بن حوشب يقول : قال عمر بن الخطاب : لو أدركت
معاذ بن جبل فاستخلفته ، فسألني عنه ربي لقلت : ربي! سمعت نبيّك يقول : إن العلماء
إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم بقذفة حجر ».
ومن هنا يعلم أن
تقدّم الرجل في العلم كاف لاستخلافه ، وأن عمر كان يرى جواز ذلك بالاستناد إلى تلك
الجهة ، وهذا من أقوى الشواهد على أفضليّة الأعلم وأولويّته بالخلافة والامامة ،
ومن ادعى خلاف هذا المعنى فقد سفّه عمر وجهّله ...
هذا ، مع عدم
وجدان معاذ غير العلم من الشروط المعتبرة في الامام ، منها القرشيّة وقد تقرّر أن
« الأئمة من قريش » ...
قوله :
« لا سيّما مع
وجود ذاك الشرط أو ما يفوقه في غيره ، كما ثبت
برواية أهل السنة ، مثل : ما صبّ الله شيئا في صدري إلاّ وقد صببته في صدر أبي بكر
».
أقول :
إنّ من له أدنى
تتبّع للأخبار والآثار يعلم أنّ الشيوخ الثلاثة كانوا على جانب عظيم من الجهل
والغباوة ، وقد ذكر العلامة السيد محمد قلي طرفا من براهين ذلك في ( تشييد المطاعن
) ومن شاء فليراجع.
وبالنظر إلى هذه
الحقيقة الراهنة لم يشترط أهل السنة في الامام أن يكون عالما بالفعل بجميع الأحكام
، بل اكتفى جمهورهم باشتراط الاجتهاد ، إلاّ أن بعضهم لم يشترطها وجوّز أن يكون
الامام مقلّدا للمجتهدين في أمور الدين ، وليس هذا إلاّ محاولة منهم لتصحيح خلافة
المشايخ ...
وقد ذكر ذلك كلّه
التفتازاني في ( شرح المقاصد ) في ذكر شروط الامام حيث قال « وزاد الجمهور اشتراط
أن يكون شجاعا لئلاّ يجبن عن إقامة الحدود ومقاومة الخصوم ، مجتهدا في الأصول
والفروع ليتمكّن من القيام بأمر الدين ، ذا رأي في تدبير الأمور لئلاّ يخبط في سياسة
الجمهور.
ولم يشترطها بعضهم
لندرة اجتماعها في الشخص ، وجواز الاكتفاء فيها بالاستعانة من الغير ، بأن يفوّض
أمر الحروب ومباشرة الخطوب إلى الشجعان ، ويستفتي المجتهدين في أمور الدين ،
ويستشير أصحاب الآراء الصائبة في أمور الملك » .
__________________
ولقد أيّد صديق
حسن خان قول هذا البعض ودافع عنه في ( إكليل الكرامة في تبيان الامامة ).
دحض المعارضة
بـ « ما صبّ الله شيئا في صدري
إلاّ وصببته في صدر أبي بكر »
قوله :
« مثل : ما صبّ الله شيئا في صدري إلاّ
وصببته في صدر أبي بكر ».
أقول :
هذه المعارضة
مردودة باطلة لوجوه :
١ ـ الحديث مختلق
إنّ آثار الاختلاق
على هذا الحديث ظاهرة ، والعقل السّليم يحكم ببطلانه ، وذلك لأنّ مفاده المساواة
بين رسول الله 6 وأبي بكر في جميع العلوم ، وهذا مما يقطع ببطلانه كلّ
مسلم.
٢ ـ مصادمته للواقع
وأيضا ، يفيد هذا
الكلام أنّ أبابكر كان حاملا لجملة علوم النبي 6 ، فهو باطل من هذا الحيث كذلك ، لأنّ جهل أبي بكر بالأحكام
وغيرها لا يكاد يخفى على أحد ، وقد فصّل الكلام على موارد من ذلك في كتاب ( تشييد
المطاعن ) ، حيث يظهر بمراجعته جهل أبي بكر بكثير من الأحكام والمعارف اليقينيّة
والآيات القرآنيّة ومسائل الشّريعة ... حتى لقد اعترف بالجهل في مواضع ورجع إلى
غيره يستفتيه في الحوادث الواقعة ... وهذا ما يدلّ على أنّ « ما صبّ الله في صدري
شيئا إلاّ وصببته في صدر أبي بكر » كذب موضوع على رسول الله 6.
٣ ـ رأي ابن الجوزي
وقال ابن الجوزي
بعد إيراد نبذة من الموضوعات في شأن أبي بكر : « قال المصنف : وقد تركت أحاديث
كثيرة يروونها في فضل أبي بكر ، منها صحيح المعنى لكنه لا يثبت منقولا ، ومنها ما
ليس بشيء ، وما أزال أسمع العوام يقولون عن
رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنه قال : ما صبّ الله في صدري شيئا إلاّ
وصببته في صدر أبي بكر. وإذا اشتقت إلى الجنة قبّلت شيبة أبي بكر. وكنت أنا وأبوبكر
كفرسي رهان سبقته فاتّبعني ولو سبقني لاتّبعته في أشياء ما رأينا لها أثرا لا في الصحيح ولا في الموضوع ،
ولا فائدة في الإطالة بمثل هذه الأشياء » .
وفي هذا الكلام
فوائد :
__________________
الأولى : لقد بلغ
هذا الحديث المزعوم من البطلان حدّا حتّى لم يفرده ابن الجوزي بالذكر والقدح فيه ،
بل تركه مع الأحاديث الواضحة الهوان والبيّنة البطلان ...
الثانية : إن هذا
الكلام ممّا افتراه العوام وتناقلوه ، وأنّ العلماء لم يتطرّقوا إلى ذكره مطلقا ...
الثالثة : إنّه من
المفتريات التي لا أثر لها لا في الصحيح ولا في الموضوع ، وهذا غاية السّقوط ...
الرابعة : إنّه لا
فائدة في الاطالة بمثله.
ومن عجيب صنع (
الدهلوي ) أنه عند ما يحاول عبثا الطعن في حديث ( مدينة العلم ) يستند إلى كلام (
ابن الجوزي ) ، ولكنّه يعرض عن طعنه في : « ما صبّ الله في صدري ... » المزعوم ...!!
وهذا ممّا لا يكاد يقضى منه العجب إلى آخر الأبد ، وكم مثله ( للدهلوي ) المتعوّد
للأود واللد ...
٤ ـ رأي الطّيبي
ونصّ على وضعه الحسين
بن عبد الله الطّيبي في كتابه ( الخلاصة في أصول الحديث ) كما سيعلم من عبارتي
الفتني والشوكاني ...
ترجمة الطّيبي
والطيبي ـ هذا ـ من
مشاهير محققي أهل السّنة في الحديث :
قال الخطيب
التبريزي في خاتمة ( الإكمال في أسماء الرجال ) : « وفرغت من هذه تصنيفا يوم
الجمعة عشرين رجب الحرام الفرد ، سنة أربعين وسبعمائة من جمعه وتهذيبه وتشذيبه ،
وأنا أضعف العباد الراجي عفو الله تعالى وغفرانه محمد بن
عبد الله الخطيب
ابن محمّد ، بمعاونة شيخي ومولاي سلطان المفسّرين وإمام المحققين ، شرف الملة
والدين ، حجة الله على المسلمين ، الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي ، متعهّم
الله بطول بقائه ، ثم عرضته عليه كما عرضت المشكاة ، فاستحسنه كما استحسنها ،
واستجاده كما استجادها ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله
وأصحابه أجمعين ».
وقال ابن حجر : «
الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي ، الامام المشهور ، صاحب شرح المشكاة وغيره ...
كان كريما متواضعا حسن المعتقد ... مقبلا على نشر العلم ، آية في استخراج الدقائق
من القرآن والسنن ... » .
وقال السيوطي : «
... الامام المشهور العلاّمة في المعقول والعربية والمعاني والبيان » ثم نقل كلام
ابن حجر العسقلاني .
٥ ـ رأي ابن القيّم
وهذا الكلام في
رأي ابن قيم الجوزية « مما وضعه جهلة المنتسبين إلى السّنة » وسيأتي كلامه بعينه
عن القاري قريبا.
ترجمة ابن القيّم
ونكتفي لترجمة ابن
القيّم بما ذكره السيوطي وهذا نصّه « محمد بن أبي بكر ابن أيوب بن سعيد بن جرير ،
الشمس ابن قيم الجوزية الحنبلي العلامة ، ولد في سابع صفر سنة ٦٩١ ، وقرأ العربية
على المجد التونسي ، وابن أبي الفتح البعلي ،
__________________
والفقه والفرائض
على ابن تيمية ، والأصلين عليه وعلى الصفي الهندي ، وسمع الحديث من التقي سليمان ،
وأبي بكر بن عبد الدائم ، وأبي نصر ابن الشيرازي ، وعيسى المطعم ، وغيرهم.
وصنّف وناظر
واجتهد ، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث والفروع والأصلين العربية ،
وله من التصانيف : زاد المعاد ، ومفتاح دار السعادة ، مهذّب سنن أبي داود ، سفر
النجدين بين رفع اليدين في الصلاة ، معالم الموقعين عن ربّ العالمين ، ... » .
٦ ـ رأي الفيروزابادي
وقال مجد الدين
محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي في خاتمة كتابه ( سفر السعادة ) : « ومن أشهر
الموضوعات في باب فضائل أبي بكر 2
حديث : إنّ الله يتجلّى يوم القيامة للناس عامة ولأبي بكر خاصة، وحديث : ما صبّ الله
في صدري شيئا إلاّ وصببته في صدر أبي بكر، وحديث : كان رسول الله 6 إذا اشتاق الجنة قبّل شيبة [ أبي بكر ]
وحديث
: أنا وأبوبكر كفرسي رهان وحديث : إن الله تعالى لمّا اختار الأرواح اختار
روح اختار روح أبي بكر. وأمثالها من المفتريات
المعلوم بطلانها ببداهة العقل ».
فهل يجوز الاستناد
إلى مثل هذا الكلام والاعتماد عليه لاثبات علم لأبي بكر؟ إنّ هذا لعمري من أفظع
الفظائع وأشنع الشنائع وأفجر الصنائع!!
__________________
٧ ـ رأي الفتني
وصرّح محمد طاهر
الكجراتي الفتني بوضعه حيث قال : « في الخلاصة
: ما صبّ الله في صدري شيئا إلاّ صببته في صدر أبي بكر ، موضوع ». .
٨ ـ رأي القاري
وقال القاري في (
الموضوعات الكبرى ) نقلا عن ابن القيّم : « وممّا وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة
في فضل الصّديق حديث : إن الله يتجلى للناس عامة يوم
القيامة ولأبي بكر خاصة. وحديث
: ما صبّ الله في صدري شيئا إلاّ صببته في صدر أبي بكر. وحديث : كان إذا
اشتاق إلى الجنة قبّل شيبة أبي بكر وحديث : أنا وأبكر كفرسي رهان وحديث : إنّ الله
لمّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر وحديث عمر : كان رسول
الله 7 وأبي [ أبو ] بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما وحديث : لو حدّثتكم بفضائل عمر
عمر نوح في قومه ما فنيت وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر ، وحديث
: ما سبقكم أبي [ أبو ] بكر بكثرة صوم ولا صلاة وإنّما سبقكم بشيء وقر في صدره ، وهذا
من كلام أبي بكر ابن عيّاش ».
ومن هنا يعلم أنّ
احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الإفك المبين ـ مع ما يدّعيه لنفسه من الفضل والعلم ـ ليس
إلاّ مكابرة ومعاندة للحق وأهله ...
٩ ـ رأى عبد الحق الدّهلوي
ولقد أيّد الشيخ
عبد الحق الدهلوي رأي الفيروزآبادي في ( شرح سفر
__________________
السعادة ) بقوله :
« قال المصنف : إن أمثال هذه الأحاديث ـ لاستلزامها الأفضلية من جميع الخلائق من
الأنبياء وغيرهم ، أو إفادتها المساواة لسيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم في
رتبته ، أو خروجها عن دائرة حكم العقل والعادة ـ كلّها موضوعات ».
١٠ ـ رأي الإله آبادي
واعترف محمد فاخر
الإله آبادي بوضع هذا الفرية الشّنيعة وأثبت ذلك بما لا مزيد عليه ... وبيان ذلك :
إنّ النيسابوري
قال بتفسير آية الغار : « استدل أهل السنة بالآية على أفضلية أبي بكر ، وغاية
إنجاده ونهاية صحبته وموافقة باطنه ظاهره ، وإلاّ لم يعتمد الرسول عليه في مثل تلك
الحالة ، وأنه كان ثاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار ، وفي العلم لقوله
: ما صبّ شيء في صدري إلاّ وصببته في صدر أبي بكر ... » .
فردّ عليه
العلاّمة نور الله التستري في ( كشف العوار في تفسير آية الغار ) بقوله : « وأما
ما ذكره من انضمام كون ثاني اثنين في العلم ، ثم الاستدلال عليه بقول
: ما صبّ في صدري إلاّ صببته في صدر أبي بكر ، فمن فضول الكلام ولا تعلّق له بالاستدلال من الآية على
أفضلية أبي بكر ، على أنّ الشيخ الفاضل خاتم محدثي الشافعية مجد الدين
الفيروزآبادي ـ صاحب القاموس في اللغة ـ قد ذكر في خاتمة كتابه المشهور الموسوم
بسفر السعادة : إنّ هذا الحديث وغيره مما روي في شأن أبي بكر من أشهر الموضوعات
والمفتريات المعلوم بطلانها ببداهة العقل إلخ ».
فقال محمد فاخر
الإله آبادي في كتابه ( درّة التحقيق في نصرة الصدّيق ) في ردّه على القاضي
التستري مع الإشارة إلى كلام النيسابوري.
__________________
« وأمّا خامسا :
فلأن الحديث الذي أتى به دليلا على الثانويّة في العلم فنحن أيضا بحمد الله تعالى
نعرفه من الموضوعات ، صرّح به غير واحد من الجهابذة الثقات ، وددت أنّ العلامة
المستدل به لم يحتج به ، وأسقط هذه الثانوية من نضد الكلام ، لضعف الاحتجاج
وإيهامه سوء الأدب ، هل يكون أحد ثانيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في العلم
نبيّا كان أو وليّا؟ هذا دأب من لا خلاق له من الدين ، ولا يعرف مقام سيد المرسلين
صلّى الله عليه وسلّم ، كما يذكره الشيعة في فضائل أئمة أهل البيت سلام الله عليهم
، عفا الله تعالى عنا وعن العلامة وعن سائر من اجترأ مثل جرأته ، فالله تعالى
ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والصدّيق والأئمة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ برآء عن
أمثال هذه الإطراءات ، ولله در الامام الهمام ـ رحمه
الله تعالى ـ حيث لم يذكر هذه
الثانوية ، كما يظهر من عبارة التفسير الكبير ، ومرّ سابقا ».
أقول : وهذا
الكلام يدل على بطلان الحديث المزعوم من جهات عديدة لا تخفى ، وأمّا ما شنّع به
بزعمه على الشّيعة فهو منبعث من عدم معرفته بمراتب أئمة أهل البيت ومنازلهم
السّامية من جهة ، ومن عدم وقوفه على الأحاديث الصحيحة الواردة عن رسول الله 6 في حقهم في هذا
الباب من جهة أخرى ، وقد تقدّم منا ذكر شطر منها في مؤيّدات حديث مدينة العلم
فليراجع.
ترجمة الإله آبادي
والإله آبادي من
كبار محدّثي أهل السّنة ، في الهند. ترجم له وبالغ في الثناء عليه : الصديق حسن
خان في ( إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين ).
١١ ـ رأي الشوكاني
وقال قاضي القضاة الشوكاني في ( الفوائد
المجموعة في الأحاديث الموضوعة ) : « حديث : ما صبّ الله في صدري شيئا إلاّ وصببته
في صدر أبي بكر ، ذكره صاحب الخلاصة وقال : موضوع ».
١٢ ـ بطلانه من كلام الدهلوي
ويثبت بطلان هذا
الكلام المنسوب إلى رسول الله 6 كذبا وافتراء من كلام ( الدهلوي ) نفسه. فقد ذكر في (
التحفة ) أنّ كلّ حديث لا سند له لا يصغى إليه ، وقد تقدّم نصّ ابن الجوزي على
أنّه من الأحاديث التي لا أثر لها لا في الصحيح ولا في الموضوع ، فمن العجيب ـ اذن
ـ احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الكلام المزعوم.
خلاصة ونقاط
فتلخّص ممّا تقدّم
أمور :
الأوّل : إنّه ليس
لأهل السّنة دليل يحتجّون به على اتّصاف أبي بكر بالعلم ، لا من الصحاح ولا من
الموضوعات ، وإلاّ لم يحتجّوا بمثل هذا الكلام من خرافات العوام وهفوات الجهّال ...
الثاني : لقد علم
من كلام ابن الجوزي أنّ هذا الكلام من أخسّ الموضوعات وأرذل المفتريات ، ولم نجد
أحدا من جهابذة الحديث خالفه في هذا الحكم ، فكيف أعرض ( الدهلوي ) عن كلامه
المقبول لدى الجميع فاستند إلى تجاسره في القدح في حديث مدينة العلم مع ردّ كبار
الحفاظ عليه؟ إن هذا
عجيب!! ومن هنا
يظهر مجانية ( الدهلوي ) للانصاف وسلوكه طريق الغيّ والاعتساف ...
الثالث : لقد علم
من كلام الفيروزابادي أنّه من الموضوعات والمفتريات المعلوم بطلانها ببداهة العقل
... فما ظنّك ب ( الدهلوي ) الّذي يحتجّ به؟!! ...
الرّابع : لقد علم
من كلام ابن القيّم أنّ هذا الكلام ممّا وضعه جهلة المنتسبين إلى السّنة ... ومنه
يعلم أنّ ( الدهلوي ) قد اقتفى أثر الجهلة باحتجاجه بهذا الكلام ، فعدّه حينئذ في
زمرة العلماء ونظمه في سلك المحدثين ظلم قبيح.
الخامس : لقد علم
من كلام ابن الجوزي أنّ هذا الكلام ممّا صدر من العوام وسمع منهم ، وأنّه لا أثر
له لا في الصحيح ولا في الموضوع ... وبذلك يعرف شأن ( الدهلوي ) ...
دحض المعارضة
بـ « لو كان بعدي نبي لكان عمر »
قوله :
« ومثل : لو كان بعدي نبي لكان عمر ».
أقول :
إن هذا باطل ،
والمعارضة به ساقطة لوجوه :
١ ـ كفر عمر سابقا
لا خلاف بين
المسلمين في أنّ عمر بن الخطاب كان قد أمضى شطرا كبيرا من عمره في الشرك وعبادة
الأوثان ، وهذا الأمر ثبت بالتواتر ولا يحتاج إلى الاستدلال والبرهان ، ولا يسع
أحدا ـ ولو كان في غاية العصبيّة والعناد ـ جحده ، فمن المستحيل صدور هذا الكلام ـ
الدال على استحقاق عمر للنبوّة ـ من رسول الله 6 لأنّه يخالف الإجماع القائم بين المسلمين على أنّ الكفر
مانع عن النّبوة ،
والمسبوق بالكفر لا يكون نبيا.
وأمّا دلالته على
استحقاقه النبوّة فواضحة جدا ، وظاهرة من كلمات القوم ويشهد بذلك :
أوّلا : أنّهم
أوردوا هذا الكلام في باب فضائل عمر بن الخطّاب ...
وثانيا : أن
الطيبيّ زعم بلوغ عمر درجة الأنبياء في الإلهام ، ثمّ ذكر أنّ النبي 6 كأنّه تردّد في
أنه هل هو نبي أم لا!! ثم ذكر هذا الحديث المزعوم تأييدا لكلامه ، وهذا نصّه كما جاء
في ( المرقاة ) بشرح حديث أبي هريرة : « لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون فإن
يك من أمتي أحد فإنّه عمر ». قال :
« قال الطيبي :
هذا الشرط من باب قول الأجير : إن كنت عملت لك فوفّني حقّي ، وهو عالم بذلك ،
ولكنّه يخيّل من كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع
وضوحه ، والمراد بالمحدّث : الملهم المبالغ فيه الذي انتهى إلى درجة الأنبياء في
الإلهام ، فالمعنى : لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء يلهمون من قبل الملأ
الأعلى ، فإن يك في أمتي أحد هذا شأنه فهو عمر ، جعله لانقطاع قرينه وتفوّقه على
أقرانه في هذا ، كأنّه تردّد في أنه هل هو نبي أم لا ، فاستعمل إن ، ويؤيّده ما
ورد في الفصل الثاني : لو كان بعدي نبي
لكان عمر بن الخطّاب ، ف « لو » في
الحديث بمنزلة « إن » على سبيل الفرض والتقدير ، كما في قول عمر 2 : نعم العبد صهيب
لو لم يخف الله لم يعصه » .
وثالثا : لقد ذكر
الشيخ أحمد السرهندي المجدّد في مكاتيبه : انّ الشيخين
__________________
يعدّان في
الأنبياء ، وهما محفوفان بفضائل الأنبياء. ثمّ احتجّ لذلك بهذا الكلام الباطل.
ورابعا : قال
الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بشرحه : « قوله : لكان عمر
بن الخطاب. لعلّه صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك لأجل كون عمر ملهما محدّثا ، يلقي
الملك في روعه الحق ، وله مناسبة بعالم الوحي والنبوة. والله أعلم ».
وخامسا : قال
الشيخ ولي الله الدهلوي : « النوع التاسع والثلاثون : لو كان بعده صلّى الله عليه
وسلّم نبي لكان عمر ، فقد روي عن عقبة بن
عامر أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن
الخطاب. أخرجه الترمذي » .
٢ ـ عمر غير معصوم
اتفق المسلمون على
أنّ عمر لم يكن معصوما. والشواهد على هذا من كلامه هو وغيره كثيرة جدا ، ومن لم
يكن معصوما فلا يجوز أن يكون نبيّا البتّة ، فالكلام المحتجّ به ـ الدالّ على جواز
نبوّة عمر لو كان بعد النبي 6 نبيّ ـ باطل.
٣ ـ استلزامه أفضليّة عمر من
أبي بكر
ثمّ إنّ هذا
الكلام يستلزم أن يكون عمر أفضل من أبي بكر ، ولكنهم أجمعوا على أنّ الأفضل منهما
هو أبوبكر ، فهذا دليل آخر على بطلان هذا الحديث
__________________
المزعوم.
ومن الغريب ذكر
بعضهم إيّاه في الأدلّة الدالّة على أنّ الأفضلية بترتيب الخلافة ، قال التفتازاني
في ( تهذيب الكلام ) : « والأفضلية بترتيب الخلافة ، أما إجمالا : فلأنّ اتّفاق
أكثر العلماء على ذلك يشعر بوجود دليل لهم عليه. وأمّا تفصيلا فلقوله تعالى : (
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) وهو أبوبكر. ولقوله
7 : والله ما
طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر. وقوله : خير أمّتي أبوبكر
ثم عمر.
وقال
: لو كان بعدي نبي لكان عمر. وقال : عثمان أخي ورفيقي في الجنة ».
لكنّ الملاّ يعقوب
اللاّهوري ـ نبّه إلى خطأ هذا الاستدلال فقال في ( شرح التهذيب ) : « ولقوله
صلّى الله عليه وسلّم : خير أمتي أبوبكر ثم عمر. وقال 7 : لو كان بعدي نبي لكان عمر.
لا شكّ أنّ هذا
وما بعده يدل على فضل من ورد في فضله ، وأما على الوجه الذي يدّعيه أهل الحق ففي
ثباته له نوع تردّد ، ولو قرّرنا هذا الدليل بأنّه لو كان بعده 7 نبي لكان هو خيرا
من غيره وأنّ عمر وحده صالح لنيل النبوة على تقدير عدم ختمها ، يلزم أن يكون عمر
أفضل من أبي بكر ، والتخصيص يخلّ بالتنصيص ».
٤ ـ بطلانه ببداهة العقل
إنّ هذا الحديث
المزعوم من الموضوعات المعلوم بطلانها ببداهة العقل ، كسائر ما روي في شأن أبي بكر
وعمر ، وقد أورد الفيروزآبادي بعضها ـ وقد تقدّم نصّ كلامه ـ. بل إنّه أعظم وأطمّ
من تلك كما هو واضح.
٥ ـ ضعف أسانيده
وهو ـ بالإضافة
الى ما تقدّم ـ ضعيف سندا ، ولنوضّح ذلك فيما يلي : إنهم يروونه ـ في الأكثر ـ من
حديث « عقبة بن عامر » ومداره على « مشرح ابن هاعان ».
قال الترمذي : « حدثنا سلمة بن شبيب ،
نا المقري ، عن حياة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن
عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو كان نبي بعدي لكان عمر بن
الخطّاب. هذا حديث غريب لا نعرفه
إلاّ من حديث مشرح بن هاعان » .
ضعف مشرح بن هاعان
فنقول : إنّ «
مشرح بن هاعان » من ضعفاء المحدّثين ، ذكره ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين )
قائلا : « مشرح بن هاعان المغافري المصري لا يحتج به ». وقال بعد القدح. فيه وهو
الحديث الثاني من فضائل عمر : « قال ابن حبان : انقلبت على مشرح صحائفه فبطل
الاحتجاج به » .
وقال الذهبي : « د
ت ق : مشرح بن هاعان المصري ، عن عقبة بن عامر ، صدوق ، ليّنه ابن حبان ، وقال
عثمان بن سعيد عن ابن معين ثقة ، وقال ابن حبان : يكنى أبا مصعب ، يروي عن عقبة
مناكير لا يتابع عليها. روى عنه الليث وابن لهيعة.
__________________
فالصواب ترك ما
انفرد به. وذكره العقيلي فما زاد في ترجمته من أن : قيل : إنه جاء مع الحجاج إلى
مكة ونصب المنجنيق على الكعبة » .
وفي ( حسن
المحاضرة ) بترجمته : « قال ابن حبان : يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها » .
فظهر ضعف الرجل
وسقوط حديثه فقد أورده ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ) والعقيلي في (
الضعفاء ) وقال ابن الجوزي : « لا يحتج به » ، وقال ابن حبّان : « انقلبت عليه
صحائفه فبطل الاحتجاج به ».
ولأنّه جاء مع
الحجاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة ، وأيّ قدح أعلى من هذا؟ وهل يجوز
الاحتجاج بحديث من هذا حاله وفعله؟
ومن هنا يظهر أيضا
سقوط توثيق ابن معين ـ على فرض ثبوته ـ له ، على أنّ الجرح المفسّر سببه مقدّم على
التعديل كما تقرّر في محلّه ، وكأنّ الذهبي استصغر هذه الطامّة من الرّجل فقال :
صدوق!! ...
ويزيد سقوط الحديث
وضوحا قول ابن حبان : « يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ». وقد علمت أنّ هذا
الحديث منها ، وقوله أيضا : « فالصواب ترك ما انفرد به » وقد علمت من كلام الترمذي
انفراده به ...
ضعف بكر بن عمرو
ثم إن راويه عن
مشرح هو : « بكر بن عمرو المغافري » وهو أيضا مطعون فيه ، قال ابن حجر : « قال
الحاكم : سألت الدار قطني عنه فقال : ينظر في أمره »
__________________
وقال الذهبي : «
قال أبو عبد الله الحاكم : ينظر في أمره » وفي ( تهذيب التهذيب ) « قال ابن القطّان : لا نعلم عدالته
» .
ومن هنا فقد ذكره
ابن حجر العسقلاني في مقدمة ( فتح الباري ) في سياق أسماء من طعن فيه من رجال
البخاري .
الحديث من طريق آخر
ورواه الطّبراني في ( المعجم الصّغير )
من رواية « عصمة بن مالك » لكنّ إسناده ضعيف كذلك ، قال المناوي : « لو كان بعدي
نبي لكان عمر بن الخطاب. أخبر عمّا لم يكن لو كان كيف يكون ، وفيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من
أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين ، حم ت ك عن عقبة بن عامر الجهني طب عن عصمة بن
مالك وإسناده ضعيف » .
وقال بعد قول
السيوطي : « طب عن عصمة بن مالك » قال : « قال البيهقي : وفيه : الفضل بن مختار ،
وهو ضعيف » .
ضعف الفضل بن المختار
أقول : ولنذكر بعض
كلماتهم في ضعف هذا الرجل :
قال ابن الجوزي في
( الضعفاء والمتروكين ) : « الفضل بن المختار أبو سهل
__________________
البصري. منكر
الحديث. وقال ابو حاتم الرازي : يحدث بالأباطيل ، سمع محمد ابن مسلم الطائفي ،
وأبان بن أبي عيّاش. روى عنه إبراهيم بن مخلّد ، وسعيد بن عفير ».
وفي ( ميزان
الاعتدال ) : « الفضل بن المختار أبو سهل البصري ، عن ابن أبي ذئب وغيره ، قال أبو
حاتم : أحاديثه منكرة يحدّث بالأباطيل. وقال الأزدي : منكر الحديث جدّا ، وقال ابن
عدي : أحاديثه منكرة عامّتها لا يتابع عليها » ثم روى عنه أحاديث فقال : « فهذه
أباطيل وعجائب » .
وفي ( المغني في
الضعفاء ) : « الفضل بن المختار أبو سهل عن ابن أبي ذئب ، مجهول ، قال أبو حاتم :
ويحدّث بأباطيل » .
وفي ( لسان
الميزان ) : « وقال العقيلي يحدّث عن محمد بن مسلم الطّائفي ، وهو منكر الحديث ...
» .
وقال السّيوطي في ( ذيل اللآلي المصنوعة
) : « ابن عدي : حدثنا الحسين بن عبد الغفار الأزدي ، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير
، حدثنا الفضل بن المختار ، عن أبان ، عن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم لأبي بكر : يا أبابكر ما أطيب مالك ، منه بلال مؤذّني وناقتي التي هاجرت عليها
، وزوجتني ابنتك ، وواسيتني بنفسك ومالك ، كأني أنظر إليك على باب الجنّة تشفع
لأمتي. أورده ابن الجوزي في الواهيات ، وقال : أبان متروك ، والفضل بن المختار قال
أبو حاتم الرازي : يحدّث بالأباطيل ، وأورده صاحب الميزان في ترجمة الفضل وقال : هذا باطل ».
__________________
الحديث بلفظ آخر
وجاء بعض
الوضّاعين فنسب إلى النبيّ 6 أنه قال لعمر بن الخطاب : « لو كان
بعدي نبي لكنته ».
لكنّ المحققّين
النقاد من أهل السّنة كالخطيب البغدادي وابن عساكر أنكروه ، فقد
قال المتقي : « عن ابن عمر : قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن
الخطاب : لو كان بعدي نبي لكنته. خط وقال : منكر ، كر » .
وقال : « لو كان بعدي نبي لكنته قاله
لعمر. الخطيب في رواة مالك ، وابن عساكر عن ابن عمر وقال : منكر » .
بل لقد أورده ابن
الجوزي في ( الموضوعات ) ... قال البدخشاني في (
تحفة المحبين ): « لو كان بعدي نبي لكنته. قاله لعمر. خط في رواة مالك ، عس وقال :
منكر ، كلاهما عن ابن عمر ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ».
الغرض من وضع هذا الحديث
ثمّ إنّ الغرض من
هذا الافتراء والتزوير هو مقابلة الحديث المتواتر
الوارد في حق أمير المؤمنين 7
: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » إذ فيه إيماء لطيف إلى أنّه لو كان بعده 6 نبي لكان علي 7 ، وقد اعترف علماء أهل السنة بهذا المعنى ، كما لا يخفى
على من لاحظ ( المرقاة في شرح المشكاة ).
__________________
بل لقد صرّح النبي
6 بهذا في بعض طرق حديث المنزلة ... قال العلامة
ابن شهرآشوب : « وفي روايات كثيرة : إلاّ أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنته. رواه
الخطيب في التاريخ ، وعبد الملك العكبري في الفضائل ، وأبوبكر بن مالك ، وابن
الثلاج ، وعلي بن الجعد ، في أحاديثهم ، وابن فياض في شرح الأخبار عن عمّار بن
مالك ، عن سعيد بن خالد ، عن أبيه » .
وقال السيوطي في ( بغية الوعاة ) في «
باب في أحاديث منتقاة من الطبقات الكبرى ، عنّ لنا أن نختم بها هذا المختصر ،
ليكون المسك ختامه والكلم الطيب تمامه » بعد أحاديث رواها بسنده عن الخطيب :
« وبه إليه : أنبأنا أبو القاسم الأزهري
، حدثنا المعافى بن زكريا ، حدثنا ابن أبي الأزهر ، حدثنا أبو كريب محمد بن العلا
، حدثنا محمد بن إسماعيل بن صبيح ، حدثنا أبو أويس ، حدثنا محمد بن المنكدر ،
حدثنا جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي : أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ولو كان لكنته » .
بل إنّ هناك
أحاديث أخرى من فضائله تدل على هذا المعنى ، ففي
كتاب ( المودّة في القربى للهمداني ) : « عن أنس 2
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن الله اصطفاني على الأنبياء واختار لي
وصيّا وخيرت ابن عمي وصيّي ، وشدّ به عضدي كما شدّ عضد موسى بأخيه هارون ، وهو
خليفتي ووزيري ، ولو كان بعدي النبوة لكان نبيا ».
ويؤيّده أخبار
أخرى ، منها ما رواه النطنزي في ( الخصائص العلوية )
بقوله : « أخبرني أبو علي الحداد قال : حدّثني أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن
الأشج قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________________
يقول : يا علي إنّ
اسمك في ديوان الأنبياء الذين لم يوح إليهم ».
تقليب الحديث الموضوع
والجدير بالذكر أن
بعض مهرة الوضع قلب متن ذاك الحديث الموضوع فذكره بلفظ « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر
» فقد جاء في ( ميزان الاعتدال ) ما نصه : « رشدين بن سعد المهري المصري ، عن زهرة
بن معبد ، ويونس بن يزيد وعنه : قتيبة ، وأبو كريب ، وعيسى بن مثرود ، وخلق. قال
أحمد : لا يبالي عمّن روى ، وليس به بأس في الرقاق وقال : أرجو أنه صالح الحديث.
وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أبو زرعة : ضعيف ، وقال الجوزجاني : عنده مناكير
كثيرة. قلت : كان صالحا عابدا سيّئ الحفظ غير معتمد. مات سنة ١٨٨. وقال أبو يوسف
الرقي : إذا سمعت بقيّة يقول ثنا أبو الحجاج المهري فاعلم أنّه رشدين بن سعد ، وعن
قتيبة قال : ما وضع في يد رشدين شيء إلاّ وقرأه ، وقال س : متروك.
عمرو الناقد ، ثنا عبد الله بن سليمان
الرقي ، ثنا رشدين ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : لكلّ
شيء قمامة وقمامة المسجد لا والله وبلى والله.
رشدين ، عن ريان بن قائد ، عن سهل بن
معاذ ، عن أبيه مرفوعا : الذي يتخطّى رقاب الناس يوم الجمعة يتّخذ جسرا إلى جهنم.
أحمد بن الحجاج القهستاني ، ثنا ابن
المبارك ، ثنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحرث ، عن أبي السمج ، عن أبي الهيثم ،
عن أبي سعيد : لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفاعل والمفعول به وقال : أنا
منهم بريء.
ابن أبي السري العسقلاني ، ثنا رشدين ،
ثنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر مرفوعا : لو لم أبعث فيكم
لبعث عمر نبيا. قال
ابن
عدي : قلّب رشدين
متنه ، إنما متنه لو كان بعدي نبي لكان عمر » .
أورده ابن الجوزي في الموضوعات
بل لقد أورده ابن
الجوزي في ( الموضوعات ) ضمن الأحاديث الموضوعة في فضل عمر قائلا : «
الحديث الثاني : أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال : أنبأنا ابن مسعدة قال : أنبأ حمزة
قال : أنبأ ابن عدي قال : ثنا علي بن الحسن بن قديد قال : ثنا زكريا ابن يحيى
الوقار قال : ثنا بشر بن بكر ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، عن ضمرة بن
حبيب ، عن عصيف بن الحارث ، عن بلال بن رباح قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وعلى آله وسلّم : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
قال ابن عدي : وثنا عمر بن الحسن بن نصر
الحلبي قال : ثنا مصعب بن سعد أبو خيثمة قال : ثنا عبد الله بن واقد قال : حدّثنا
حيوة بن شريح ، عن بكر ابن عمرو ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
قال المصنف : هذان
حديثان لا يصحّان عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. أمّا الأوّل : فإن
زكريا بن يحيى كان من الكذّابين الكبار ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث. وأمّا
الثّاني : فقال أحمد ويحيى : عبد الله بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي : متروك
الحديث ، وقال ابن حبّان : انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » .
__________________
دفاع السّيوطي
ومن الصنائع
المستفظعة : كلام السّيوطي في تعقيب كلام ابن الجوزي والدفاع عن هذا الحديث الباطل
والكذب الواضح ، إذ قال : « ابن عدي ، ثنا علي بن الحسين بن قدير ، ثنا زكريا بن
يحيى الوقار ، ثنا بشر بن بكر ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني ، عن
ضمرة ، عن عصيف بن الحارث ، عن بلال ابن رباح مرفوعا : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
وقال : ثنا عمر بن
الحسن بن نصر الحلبي ، ثنا معصب بن سعد أبو حنيفة ، ثنا عبد الله بن واقد ، ثنا
حياة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح ابن هاعان ، عن عقبة بن عامر مرفوعا : لو
لم أبعث فيكم لبعث عمر. لا يصح. زكريا كذّاب يضع ، وابن واقد متروك ، ومشرح لا
يحتج به.
قلت : زكريا ذكره
ابن حبان في الثقات ، وابن واقد هو أبو قتادة الحراني وثّقه ابن معين وأحمد
وغيرهما ، ومشرح ثقة صدوق ، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وقال أبو العباس الزوزني في كتاب شجرة
العقل : ثنا علي بن الحسين بالرقة ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عتبة المعروف
بالرملي ، ثنا الحسين بن الفضل الواسطي ، ثنا عبد الله بن واقد ، عن صفوان بن عمرو
، عن راشد بن سعد ، عن عبد الله بن جبير الحضرمي قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم لعمر : لو لم أبعث لبعثت.
وقد ورد من حديث
أبي بكر وأبي هريرة. قال الديلمي : أنا أبي ، أنا عبد الملك
بن عبد الغفار ، أنا عبد الله بن عيسى بن هارون ، عطاء بن ميسرة الخراساني ، عن
أبي هريرة رفعه : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر ، أيّد الله عمر بملكين يوفّقانه
ويسدّدانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صوابا. قال الديلمي : تابعه راشد بن سعد ، عن المقدام بن معدي
كرب ، عن أبي بكر الصديق. والله
أعلم » .
الرّد على دفاع السّيوطي
ودفاع السّيوطي عن
هذا الحديث المصنوع الموضوع مردود وذلك :
أوّلا : لأنّ
السّيوطي قد حرّف كلام ابن الجوزي ، فقد جاء في كلامه في جرح ( زكريّا بن يحيى )
قوله : « كان من الكذابين الكبار » لكنّ السّيوطي ذكر بدل هذه الجملة كلمة « كذّاب
».
كما ذكر ابن
الجوزي عن أحمد ويحيى قولهما في ( عبد الله بن واقد ) : « ليس بشيء ». لكنّ
السّيوطي أسقط ذلك من عبارة ابن الجوزي تمهيدا لزعمه بعد ذلك « وثّقه ابن معين
وأحمد ».
وأيضا ، جاء في
كلام ابن الجوزي عن ابن حبان « انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » لكنّ
السّيوطي حوّرها إلى كلمة « لا يحتج به ».
إلى غير ذلك من
الدقائق التي لا تخفى على أهل النظر ...
وثانيا : لأنّ
قوله في حق ( زكريا بن يحيى ) : « ذكره ابن حبان في الثقات » لو سلّم فهو معارض
بطعن وجرح جماعة من الأئمة ، قال الذهبي : « زكريا بن يحيى المصري ، أبو يحيى
الوقار ، عن ابن وهب فمن بعده ، قال ابن عدي : يضع الحديث ، كذّبه صالح جزرة ، قال
صالح : ثنا زكريا الوقار وكان من الكذّابين الكبار ، وقال ابن يونس : كان فقيها
صاحب حلقة ، عاش ثمانين سنة ، وقيل كان من الصلحاء العباد الفقهاء نزح عن مصر أيام
محنة القرآن إلى طرابلس المغرب ، ضعّفه ابن يونس وغيره » .
__________________
وقال ( المغني في
الضعفاء ) : « زكريا بن يحيى الوقار عن ابن وهب ، وكان احد الفقهاء اتّهم بالكذب »
.
بل لقد ضعّفه
السّيوطي نفسه ونقل كلمات الأعلام في ذلك ، فقد جاء في كتاب الأنبياء والقدماء من
( ذيل اللآلي المصنوعة ) بعد حديث : « قلت : زكريا الوقار ، قال ابن عدي : يضع
الحديث. وقال صالح جزرة : كان من الكذّابين الكبار. وقال ابن حبان : أخطأ في هذا
الحديث. وقال العقيلي : حدّث عن ابن وهب حديثا باطلا ».
وثالثا : لأنّ ما
ذكره لتوثيق « ابن واقد » مردود بما تقدّم في كلام ابن الجوزي عن احمد ويحيى من
أنّه « ليس بشيء » وعن النسائي : « متروك الحديث ». لكنّ السّيوطي أسقط من كلام
ابن الجوزي قدح أحمد ويحيى ، ولم ينسب قدح النسائي إليه بل قال : « متروك » من دون
ما نسبة إلى قائل ... وهل هذا إلاّ تخديع شنيع؟!.
ولو كان السيوطي
بصدد التحقيق في المسألة لكان مقتضى القاعدة عدم تحريف كلام ابن الجوزي ، وذكر نصه
بتمامه ثم التحقيق في ثبوت قدح أحمد ويحيى ، فإمّا يذعن بذلك وإما يبطله ويثبت
توثيقهما الرجل ببرهان مبين ، أو يرجّح التوثيق على الجرح ـ لو ثبت كلا الطرفين ـ بدليل
...
لكنّه سلك غير
سبيل المحقّقين وارتكب ما لا يجوز ...
والتحقيق : إنّه
لو ثبت توثيق أحمد ويحيى « لابن واقد » لعارضه جرحهما إيّاه ـ بنقل ابن الجوزي ـ وتكون
النتيجة سقوطهما معا ، وبقاء جرح النسائي بلا معارض ، وهو كاف لضعف الرجل. فكيف
وقد وافقه على ذلك جماعة ، كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، وابن سعد ، وصالح
جزرة ، والحربي ، وابن عدي ، والدار قطني ، وأبى داود ، وأبي نعيم ، وغيرهم؟!. بل
لو فرض ثبوت توثيق
__________________
أحمد ويحيى لم
يلتفت إليه مع ذلك ... قال الذهبي : « ق : عبد الله بن واقد ، أبو قتادة الحراني ،
مات سنة عشر ومائتين. قال البخاري : سكتوا عنه ، وقال أيضا : تركوه ، وقال أبو
زرعة والدار قطني : ضعيف ، وقال أبو حاتم : ذهب حديثه ، وروى عبد الله بن أحمد عن
ابن معين : ليس بشيء ، وروى الدولابي عن عباس عن يحيى : ليس بشيء ، وقال أيضا :
ليس به بأس ، كثير الغلط.
ابن عدي ، ثنا ابن
حوصا ، ثنا عباس بن محمد عن ابن معين : أبو قتادة الحراني ثقة. وقال عبد الله بن
أحمد : قلت لأبي : إن يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب
، فعظم ذلك عنده جدّا وقال : هؤلاء أهل حران يحملون عليه ، كان أبو قتادة يتحرّى
الصّدق ، ولقد رأيته يشبه أصحاب الحديث ، وقال أحمد في موضع آخر : ما به بأس ، رجل
صالح يشبه أهل النسك وربّما أخطأ وقال الجوزجاني : متروك.
وقال يحيى بن بكير
: قدم ابو قتادة على الليث وعليه جبّة صوف وهو يكتب في كتف قد وضع صوفة في قشر
جوزة فكتب منها ، فلمّا ذهب إلى منزله بعث إليه سبعين دينارا فردّها.
وقال ابن حبان :
كان أبو قتادة من عبّاد الجزيرة فغفل عن الإتقان ، فوقعت المناكير في أخباره ، فلا
يجوز أن يحتجّ بخبره » .
وقال ابن حجر : «
قال الميموني عن أحمد : ثقة إلاّ أنّه كان ربما أخطأ ، وكان من أهل الخير يشبه
النسّاك ، وكان له ذكاء ، وقال عبد الله عن أبيه نحو ذلك ، وزاد : فقيل له : إن
قومه يتكلّمون فيه ، قال : لم يكن به بأس ، فقلت : إنهم يقولون : لم يكن يفصل بين
سفيان ويحيى بن أبي أنيسة ، قال : لعلّه اختلط ، أما هو فكان ذكيا ، فقلت : إن
يعقوب بن إسحاق بن صبيح ذكر أنه كان يكذب ، فعظم ذلك عنده جدّا وقال : كان أبو
قتادة يتحرى الصّدق وأثنى عليه قال : قد رأيته
__________________
يشبه أصحاب الحديث
، وأظنّه كان يدلّس ، ولعله كبر فاختلط.
قال عبد الله بن
أحمد : وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال الدوري عن يحيى : ثقة ، وقال ابن أبي
حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقلت : ضعيف الحديث؟ قال : نعم لا يحدّث عنه. قال :
وسألت أبي عنه ، فقال : تكلّموا فيه ، منكر الحديث وذهب حديثه ، وقال البخاري :
تركوه منكر الحديث وقال في موضع آخر : سكتوا عنه ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال
الجوزجاني : متروك الحديث. قال البخاري مات سنة ٢٠٧. وقال أبو عروبة الحراني : ذكر
أصحابنا أنه مات سنة ٢١٠.
قلت : وقال ابن
سعد : كان لأبي قتادة فضل وعبادة ولم يكن في الحديث بذاك ، وقال البزار : لم يكن
بالحافظ ، وكان عفيفا متفّقها بقول أبي حنيفة ، وكان يغلط ولا يرجع إلى الصواب.
وقال ابن حبان : كان من عبّاد الجزيرة فغفل عن الإتقان وحدّث عن الوهم فوقع
المناكير في حديثه ، فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة : ضعيف مهين. وقال
الحربي : غيره أوثق منه ـ وهذه العبارة يقولها الحربي في الذي يكون شديد الضعف ـ وقال
أبو عروبة : كان يتكّل على حفظه فيغلط ، وقال ابن عدي : ليس هو عندي ممّن يتعمّد
الكذب ، إنما يخطئ ، وقال أبو داود : أهل حرّان يضعّفونه وأحمد ثنا عنه. وقال :
إنما كان يؤتى من لسانه ، وقال الحاكم أبو أحمد : حديثه ليس بقائم ، وقال أبو نعيم
الاصبهاني : روى عن هاشم وابن جريح منكرات » .
وأمّا دعوى
السيوطي توثيق « غيرهما » ـ أي غير أحمد ويحيى ـ « لابن واقد » فلم نجد في كتب
الرجال ما يدلّ عليها ، وعلى المدّعي إثبات ذلك ... نعم ذكروا القدح فيه عن جماعة
من الأساطين بالاضافة إلى أحمد ويحيى ، كما علم من عبارات ( الميزان ) و ( تهذيب التهذيب
) وكذا في غيرهما من الكتب ... ففي
__________________
( الضعفاء
المتروكين لابن الجوزي ) : « عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني مشهور بالحديث
والزهد. قال أبو حاتم : ذهب حديثه. وقال الدار قطني وغيره : ضعيف. وأما أحمد فقال
: ما به بأس وربما أخطأ ، وقال البخاري : تركوه ».
وفي ( تقريب
التهذيب ) : « عبد الله بن واقد الحراني أبو قتادة ، أصله من خراسان ـ : متروك ،
وكان أحمد يثني عليه وقال : لعلّه كبر واختلط وكان يدلّس. من التاسعة. مات سنة ٢١٠
» .
وقال السندي في (
مختصر تنزيه الشريعة ) : « عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني ، روى خبرا موضوعا
مهتوكا قال الذهبي هو آفته ، وقال ابن الجوزي : دسّ في حديثه ، وكان مغفّلا ».
بل انّ السّيوطي
نفسه طعن فيه ، وهذا من العجائب المستطرفة ـ فقد
جاء في كتاب الجهاد من ( ذيل اللآلي المصنوعة ) ما نصه : « الديلمي : أنبأنا أبي ،
أنبأنا عبد الباقي بن محمد ، أنبأنا أحمد بن محمد بن عمران ، أنبأنا الحسن بن أحمد
بن سعيد الرهاوي ، حدثني سعيد ، عن عثمان بن مطر ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي
إسحاق ، عن عبد الله بن واقد ، عن أبي سعيد رفعه : من رابط يوما في سبيل الله كان
له كعتاقه ألف رجل كل رجل عبد الله ألف عام.
عثمان بن مطر
متروك ، وكذا عبد الله بن واقد ».
فتخلّص : أن ضعف «
عبد الله بن واقد » ثابت لدى المحققين. بل لقد زاد الحديث المفتعل « لو لم أبعث
فيكم لبعث عمر » ضعفا وهوانا وقوعه في سنده ، ومن هنا ذكره الذهبي في ( الميزان )
بترجمة ابن واقد ضمن الأحاديث الضّعيفة بسببه حيث قال
: « ابو خيثمة مصعب بن سعيد ، ثنا عبد الله بن واقد ، ثنا حياة بن شريح ، عن بكر
بن عمرو ، عن مشرح ، عن عقبة بن عامر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو لم
أبعث فيكم لبعث فيكم عمر » .
__________________
ورابعا : لأنّ ما
ذكره بصدد توثيق « مشرح » يبطله ما تقدم سابقا من وجوه ضعفه عن العقيلي ، وابن
حبان ، وابن الجوزي ...
وخامسا : لأنّ ما
أورده عن الزوزني في سنده « ابن واقد » أيضا وقد عرفته ، وأيضا في سنده « راشد بن
سعد الحمصي » وقد ضعّفه الدار قطني وابن حزم. قال ابن حجر بترجمته : « وذكر الحاكم
أن الدار قطني ضعّفه ، وكذا ضعّفه ابن حزم. وقد ذكر البخاري أنه شهد صفين مع
معاوية » .
بل يكفي في سقوطه
ما ذكره البخاري من خروجه مع الفئة الباغية ... على أنّه من أهل حمص ، وأهل حمص
معروفون ببغض أمير المؤمنين 7 ونصبهم العداء له ، كما أنّهم موصوفون بالرّقاعة ، كما لا
يخفى على من راجع ( معجم البلدان ) و ( شرح مقامات الحريري ) وغيرهما.
وسادسا : لأنّ
حديث أبي هريرة ـ الذي رواه الديلمي وذكره السيوطي مؤيّدا للحديث المفتعل ـ في
طريقه « إسحاق بن نجيح » وهو من أكذب النّاس لدى نقّاد الحديث وعلماء الرجال :
قال ابن الجوزي في
( الضعفاء والمتروكين ) : « إسحاق بن نجيح أبو صالح الملطي أكذب الناس ».
وقال الذهبي في (
ميزان الاعتدال ) : « قال أحمد : هو من أكذب الناس. وقال يحيى : معروف بالكذب ووضع
الحديث ، وقال يعقوب الفسوي : لا يكتب حديثه ، وقال س والدار قطني : متروك. وقال
الفلاّس : كان يضع الحديث صراحا ...
وقال يزيد بن مروان الخلاّل : ثنا إسحاق
بن نجيح ، عن عطا ، عن أبي
__________________
هريرة مرفوعا : إن
لكلّ نبي خليلا من أمته وإنّ خليلي عثمان. وهذا باطل ، ويدل على ذلك قوله 7 : لو كنت متّخذا من هذه الأمة خليلا
لاتخذت أبابكر خليلا. قال أحمد بن حنبل
فيما رواه عنه ابنه عبد الله : إسحاق بن نجيح من أكذب الناس ، يحدّث عن النّبي وعن
ابن سيرين برأي أبي حنيفة. وقال أحمد بن محمد القاسم بن المحرز : سمعت يحيى بن
معين يقول : إسحاق بن نجيح الملطي كذاب عدوّ الله رجل سوء خبيث. وقال عبد الله بن
علي المديني : سألت أبي عن إسحاق الملطي فقال بيده هكذا ، أي ليس بشيء. ومن علي
المديني : سألت أبي عن إسحاق الملطي فقال بيده هكذا ، أي ليس بشيء. ومن أباطيل
الملطي ... » .
وذكره الذهبي في (
المغني في الضعفاء ) قائلا : « إسحاق بن نجيح الملطي ، عن عطاء الخراساني وابن
نجيح : معروف بالوضع » .
وقال ابن حجر : «
قال أحمد : إسحاق من أكذب الناس يحدّث عن النبيّ ـ يعني عثمان ـ وعن ابن سيرين
برأي أبي حنيفة. وقال ابن محرز : سمعت ابن معين يقول : كذاب عدوّ الله رجل سوء
خبيث. وقال ابن أبي شيبة عنه : كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق بن نجيح
الملطي ، وقال ابن أبي مريم عنه : من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال عبد الله
بن علي بن المديني : سألت أبي عنه فقال بيده هكذا ، أي ليس بشيء وضعّفه ، وقال في
موضع آخر : روى عجائب ، وقال عمرو بن علي : كذّاب كان يضع الحديث ، وقال الجوزجاني
: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة ، وقال علي بن نصر الجهضمي والبخاري : منكر الحديث
، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال يعقوب الفسوي : لا يكتب حديثه ، وقال صالح
بن محمد : ترك حديثه ، وقال أبو أحمد بن عدي : أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما
أتى عن ابن جريح بكلّ منكر وضعه عليه ، وهو بيّن الأمر في الضعفاء ، وهو ممّن يضع
الحديث.
__________________
قلت : وقال
النسائي في التمييز : كذّاب ، وقال أبو أحمد الحاكم : منكر الحديث ، وقال ابن حبان
: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا ، وقال البرقي : نسب إلى الكذب ، وقال
الجوزجاني : كذّاب وضّاعّ لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره ،
وأبو سعيد النّقاش : مشهور بوضع الحديث ، وقال ابن طاهر : دجال كذاب ، وقال ابن
الجوزي : أجمعوا على أنه كان يضع الحديث. وذكره الدولابي والساجي والعقيلي وغيرهم
في الضعفاء » .
بل لقد ضعّفه
السيوطي نفسه ، فقد قال في ( ذيل اللآلي المصنوعة ) بعد
أن روى حديثه « إن لكلّ نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان » قال : أورده
ابن الجوزي في الواهيات وقال : إسحاق بن
نجيح معروف بالكذب ووضع الحديث. وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على رسول الله
صراحا. ويزيد بن مروان قال يحيى : كذّاب. وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات
لا يجوز الاحتجاج به. وقال في الميزان : هذه من أباطيل إسحاق ».
وفي كتاب الأطعمة
منه بعد حديث : « إسحاق بن نجيح كذّاب يضع الحديث ».
فالعجب كيف يذكر
في هذا المقام حديث هذا الدجّال الكذّاب مؤيّدا للحديث المفتعل الموضوع في فضل عمر؟!
...
هذا كلّه مضافا إلى
:
أن في إسناد حديث
أبي هريرة « عطاء الخراساني » وقد ذكره البخاري والعقيلي في الضعفاء ، وكان يكذب
على سعيد بن المسيب ، وقال ابن حبان : كان رديّ الحفظ يخطئ ولا يعلم ، فبطل
الاحتجاج به ... جاء ذلك بترجمته في ( ميزان الاعتدال ٣ / ٧٤ ) و ( تهذيب التهذيب
٧ / ٢١٢ ).
وإلى أنّ عطاء عن
أبي هريرة مرسل ، قال ابن حجر : « روى عن الصحابة
__________________
مرسلا كابن عباس ،
وعدي بن عدي الكندي ، والمغيرة بن شعبة ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وأنس ، وكعب
بن عجرة ، ومعاذ بن جبل. وغيرهم ».
قال « وقال
الطبراني : لم يسمع من أحد من الصّحابة إلاّ من أنس » .
وإذا كان مرسلا
ولم يعرف الواسطة فلا اعتبار لهذا الحديث من هذه الجهة كذلك.
وباختصار : إنّ
هذا الحديث موهون للغاية ، ومن هنا قال المناوي : « وأما خبر
الديلمي عن أبي هريرة : لو لم أبعث لبعث عمر فمنكر » .
وأمّا حديث أبي
بكر الذي جعله السيوطي مؤيّدا للحديث الموضوع فمداره على « راشد بن سعد ». وقد
عرفته فيما تقدّم.
فظهر : بطلان حديث
الديلمي بكلا طريقيه وسقوطه عن درجة الاعتبار ، ومن هنا أورده البدخشاني في ( تحفة
المحبّين ) عن الفردوس عن أبي بكر وأبي هريرة ، في الفصل الثالث ـ من باب فضائل
عمر ـ الذي خصّه بالأحاديث الضّعاف ، كما لا يخفى على من راجع الكتاب المذكور.
فسقط دفاع
السّيوطي عن الحديث المفتعل الموهون ، وسقوط ما ذكره بالتفصيل ، ولله الحمد على
ذلك حمدا كثيرا.
__________________
وجوه استدلال الشيعة بروايات أهل السنة
قوله :
« فإن اعتبرت
روايات أهل السنة فهي معتبرة بالنسبة إلى الكل ، وإلاّ سقط إلزامهم ، لأنهم لا
يلزمون برواية واحدة ».
أقول :
يتضّح سقوط هذا
الكلام وسخافته بالوجوه التالية :
١ ـ بطلان احتجاجاته به
إنه يجوز للشّيعة
إلزام ( الدهلوي ) وسائر علماء أهل السنة بنفس هذا البيان الذي أورده لإلزامهم ،
فلهم أن يقولوا ـ لمن احتجّ برواية من رواياتهم من باب
الإلزام ـ هذا
الكلام في جوابه ، وعلى هذا الأساس تبطل جميع احتجاجات ( الدهلوي ) في كتابه (
التحفة ).
٢ ـ النقض باستدلال المسلمين
ولو كان هذا
الكلام صحيحا لبطل استدلال المسلمين بروايات المخالفين من اليهود والنصارى وغيرهم
وإلزامهم بها ، إذ يجوز لهم ـ بناء عليه ـ أن يجيبوا عن ذلك بمثل هذا الكلام ، وبه
يبطل ما يذكره المسلمون ويستدلون به على نبوّة نبيّنا 6 على ضوء روايات
المخالفين.
وكأنّ ( الدهلوي )
حيث يريد نصرة المشايخ الثلاثة لا يدري ـ أو لا يلتفت ـ إلى ما يترتّب على كلامه
من المفاسد!!
٣ ـ لزوم غلق باب الإلزام
بل إنّه يستلزم
غلق باب الإلزام والاحتجاج ، وهو أهمّ أبواب علم الكلام والمناظرة ، لأنّ كلاّ من
المتخاصمين يحتجّ بروايات الآخر ليلزمه بها ، فلكل منهما أن يقول هذا الكلام في
جواب الآخر ، وحينئذ ينسدّ باب المناظرة ، وتبطل جميع استدلالات المتكلّمين في
سائر كتب الكلام.
٤ ـ وجه استدلال الشّيعة
إنّ استدلال أهل
الحق بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بإخراج أهل السّنة إيّاه في كتبهم ، ليس من جهة أنّهم
يعتقدون صحة تلك الروايات واعتبارها ، بل إنّما يستدّلون بتلك الرّوايات لإتمام
الحجة على أهل السّنة ،
ودعوتهم الى الأخذ
به والعمل بمقتضاه ، وبذلك يسقط ما ذكره ( الدهلوي ) ولا يصغى إليه.
٥ ـ قاعدة الإقرار
إنّه لمّا كانت
قضّية ( إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود ) مسلّمة لدى جميع
العقلاء ، وكان حديث مدينة العلم قد رواه وأخرجه كبار علماء أهل السّنة ، وأوضحوا
دلالته على إمامة أمير المؤمنين 7 وخلافته بلا فصل ، صحّ للشّيعة الاستدلال على مطلوبهم
بروايات أهل السّنة ، وكان في غاية المتانة.
وأمّا احتجاج (
الدهلوي ) بروايات بعض أهل نحلته في فضل الخلفاء فهي من متفردات رواتها وواضعيها ،
فلا يجوز له الاستناد إليها ، وإلزام أهل الحق بها البتّة ...
وبهذا الوجه أيضا
يبطل هذا الكلام ...
٦ ـ اعتبار اقرار الخصم
إن موقف أهل
السّنة ـ حيث يروون ويثبتون حديث « أنا مدينة
العلم » وغيره من فضائل أمير
المؤمنين 7 ـ موقف الخصم المقر ، وفي مورد رواية فضائل الشّيوخ موقف الخصم المدعي ، وقد
تقرّر لدى الجميع اعتبار إقرار الخصم على كلّ حال ، وبطلان دعواه إلاّ أن يقيم
عليها الدليل والبرهان.
وعلى هذا الأساس
يتم استدلال أهل الحق بروايتهم حديث « مدينة العلم » ولا يتمّ ( للدهلوي )
الاحتجاج بحديث « ما صبّ الله ... » وحديث « لو كان بعدي ... ». لأنّه ادعاء محض ،
وكان على ( الدهلوي ) إقامة البرهان والدليل
على صحّة هذين
الحديثين ليجوز له الاحتجاج بهما.
ولا يخفى أنّ
الشّواهد على ما ذكرنا من اعتبار إقرار الخصم دون دعواه ـ إلاّ مع الدليل ـ كثيرة
جدا ، لكنّا نكتفي هنا بذكر واحد منها ، وذلك ما جاء في ( تاريخ الخلفاء ) حيث قال
: « وأخرج عن إبراهيم بن الحسن قال قال المدائني للمأمون : إن معاوية قال : بنو
هاشم أسود وأحداء ونحن أكثر سيدا ، فقال المأمون : إنّه قد أقرّ وادّعى ، فهو في
ادّعائه خصم وفي إقراره مخصوم » .
فظهر أنّ ما أراده
( الدهلوي ) من إلزام أهل الحق ـ الذين يحتجون برواية أهل السنة فضائل الامام 7 ـ بقبول « ما صبّ
الله ... » وغيره من الخرافات لا يلتفت إليه أدنى التفات ...
٧ ـ كلام رشيد الدين
ولقد قال رشيد
الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) في ( الشوكة العمرية ) : « إنّه وإن كان الأئمة
الأطهار : ـ بمقتضى الأحاديث التي ذكرها صاحب الرسالة وغيرها من الأحاديث الشائعة
المستفيضة ـ سادة الأمّة ، وإن أخبار أولئك الأخيار هي مفاتيح المغلقات ومصابيح
الظلمات ومصادر الحكمة ومظاهر الشريعة ، إلاّ أنّ الكلام في أسانيد تلك الأخبار ،
وكثيرا ما يكون رواة إحدى الفرق لديهم مأمونين ولدي غيرهم مطعونين ، ولذا ترى كلّ
فرقة صحّة ما ورد عن طريق رواتها وتقدح ما ورد عن طريق رواة الفرقة المخالفة لها ».
فمن العجيب تغافل
( الدهلوي ) عن هذا الأصل الذي ذكره تلميذه في مقام البحث والمناظرة ... فيطالب
الشيعة بقبول « ما صبّ الله ... » وأمثاله من الخرافات ، في مقابل احتجاجهم
بروايات أهل السّنة في باب فضائل أمير المؤمنين
__________________
7 وأهل البيت الطاهرين.
٨ ـ كلام الدهلوي في صدر التحفة
ولقد ذكر (
الدهلوي ) نفسه في صدر كتابه ( التحفة ) بأنه قد التزم فيه الاحتجاج مع الشيعة بما
ورد في كتبهم المعتبرة ، لأنّ كلا من الطرفين المتخاصمين ينسب الآخر إلى التّعصب
والعناد ولا يثق برواياته ... فالعجب منه كيف نسي هذا الإلزام؟! وكيف احتجّ ب « ما
صبّ الله ... » وغيره من الخرافات؟! وكيف طالب الشيعة بقبول هذه الخرافات؟! وهل
هذا إلاّ تهافت غريب وتناقض عجيب؟!!
٩ ـ كلام والده
وبمثل كلام الرشيد
صرّح شاه ولي الله الدهلوي في خاتمة كتابه ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ). وقد
صرّح بأنّه لا يجوز المناظرة مع الامامية بأحاديث الصحيحين فضلا عن غيرها ...
فليراجع.
١٠ ـ بطلان الحديثين المزعومين
لقد ظهر بالتفصيل
صحّة حديث مدينة العلم وثبوته سندا ودلالة ، حسب تصريحات كبار أعلام أهل السنة.
وظهر بطلان « ما صبّ الله ... » و « لو كان بعدي ... » حسب تصريحات كبار علمائهم
كذلك.
فمطالبة أهل الحق
باعتبار هذين الحديثين ـ بعد ذلك ـ وعدم الالتزام بمقتضى حديث ( مدينة العلم )
سخيف للغاية.
ومن هنا يظهر
انطباق المثل الذي ذكره على نفسه ، والله سبحانه العاصم وهو ولي التوفيق ، وصلّى
الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من
الأولين والآخرين.
والحمد لله رب
العالمين.
قال
الميلاني : هذا آخر الكلام
على ما تفّوه به ( الدهلوي ) في الجواب عن حديث
« أنا مدينة العلم » ولنتعرّض لما أتى
به غيره من علماء أهل السنة في هذا الباب والله المستعان.
مع العلماء الآخرين
فيما قالوه حول حديث مدينة العلم
وإذ فرغنا من نقض
كلمات ( الدهلوي ) حول حديث « أنا مدينة
العلم وعلي بابها » وإبطال هفواته في
تضعيفه ، كان من المناسب التعرّض لكلمات غيره من علماء ومحدّثي أهل السّنة
بالنّسبة إلى هذا الحديث ، أوحديث « أنا دار
الحكمة وعلي بابها » إفحاما للخصام
واستيفاء للكلام ، والله وليّ التوفيق :
(١)
مع العاصمي
في كلامه حول حديث أنا
مدينة العلم
قال أبو محمد أحمد
بن محمد بن علي العاصمي ما نصّه :
« وتكلّموا في تأويل
هذا الحديث.
فذهبت الخوارج ومن
قال بقولهم إلى أنه أراد بقوله « وعلي بابها
» الرفيع الباب من العلوّ ،
علي بمعنى العالي لا الاسم العلم الذي كان المرتضى رضوان الله عليه
مسمّى به ، يقال :
شيء عال وعليّ ، وباب عال وعليّ ، مثل سامع وسميع ، وعالم وعليم ، وقادر وقدير.
وإنما أرادوا بذلك
الوقيعة في المرتضى رضوان الله عليه والحطّ عن رتبته. وهيهات لا يخفى على البصر
النّهار.
وذهب بعض من
يخالفهم الى أنّ المرتضى ـ رضوان الله عليه ـ لما كان باب المدينة ، ولا يوصل إلى
المدينة إلاّ من جهة بابها ، فكذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم مدينة العلم
والنبوة ، ولا يوصل إلى علم النبي إلاّ من جهة علي.
وهذا أيضا غلو
وتجاوز عن الحدّ ، نستعيذ بالله مما يوجب سخط الله ، لأنّهم يتطرّقون بذلك إلى
إبطال إمامة الشيخين ، ثم إلى إبطال إمامة ذي النورين! وإن كان الأمر على ما قالوا
لما كان يوصل إلى العلم والأحكام والحدود وشرائع الإسلام إلاّ من جهته ، ولكان فيه
إبطال كلّ حديث لم يكن المرتضى طريقه ، ولكان فيه إبطال كثير من شرائع الدين التي
أجمعت عليها الأمة باليقين.
ووجه الحديث عندنا
: إنّ المدينة لا تخلو من أربعة أبواب ، لأنّها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب ،
ففي كل ركن باب ، وقد كان المرتضى أحد أبوابها ، وكان الخلفاء الثلاثة قبله هم
الأبواب الثلاثة ، وهذا وإن كان صحيحا في المعنى والحكم فإنّ تخصيص النبي 7 إيّاه بلفظة باب
مدينة العلم يدل على تخصيص كان له في العلم والخبرة وكمال في الحكمة ونفاذ في القضية
، وكفى بها رتبة وفضيلة ومنقبة شريفة جليلة » .
دلالة الحديث على مذهب الامامية
أقول
: لا ريب في أنّ
الصحيح هو الوجه الثاني ، لكنّ العاصمي رماه بالغلو والتّجاوز ، لأنّه يقتضي إمامة
أمير المؤمنين 7 بعد رسول الله صلّى
__________________
الله عليه وآله
وسلّم بلا فصل فاستعاذ منه ، والحال أن ما ذكره الامامية هو المعنى الحقيقي لحديث
« أنا مدينة العلم وعلي بابها » وقوله صلّى الله عليه وسلّم « فمن أراد العلم
فليأت الباب » كما رواه الحاكم وغير واحد ، وقوله « فمن أراد العلم فليأت باب
المدينة » كما رواه سويد الحدثاني ، وقوله : « فمن أراد المدينة فليأت الباب » كما
رواه الحاكم في المستدرك ، وقوله : « فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » كما
رواه محمد ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار، وقوله : « فمن أراد العلم فليأته من بابه » كما
رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقوله : « يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير
بابها » كما رواه أبو الحسن الحربي في كتاب الأمالي ، وقوله : « ولا تؤتى
البيوت إلاّ من أبوابها » كما رواه ابن المغازلي في المناقب ، وقوله : « كذب من زعم
أنه يصل إلى المدينة إلاّ من قبل الباب » كما رواه ابن المغازلي أيضا في المناقب
...
كلّ ذلك من
الشواهد الواضحة والدلائل الساطعة على هذا المعنى.
بل إنّ كلمات كبار
علماء أهل السّنة في شرح حديث « أنا مدينة
العلم » صريحة في هذا المعنى ،
قال المناوي : « فإنّ المصطفى 6 المدينة الجامعة لمعانى الديانات كلّها ولا بدّ لها من باب
، فأخبر أنّ بابها هو علي كرم الله وجهه ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة ، ومن أخطأه
أخطأ طريق المهدي » .
وقال أيضا : « قال
الحرالي : قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ، ومن
جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع الله من القلوب الحجاب ، حتى يتحقّق
اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء. إلى هنا كلامه » .
__________________
وقال أيضا : «
فإنّ المصطفى 6 هو المدينة الجامعة لمعانى الديانات كلّها ، ولا بدّ
للمدينة من باب يدخل منه ، فأخبر أنّ بابها هو علي ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة ،
ومن لا فلا » .
وقال محمد بن
إسماعيل الأمير اليماني ـ بعد كلام له في معنى هذا الحديث ـ : « وإذا عرفت هذا
عرفت أنه قد خصّ الله الوصيّ 7 بهذه الفضيلة العجيبة ونوّه شأنه ، إذ جعله باب أشرف ما في
الكون وهو العلم ، وأنّ منه يستمد ذلك من أراده ، ثم إنه باب لأشرف العلوم وهي
العلوم النبوية ، ثم لأجمع خلق الله علما وهو سيد رسله صلّى الله عليه وسلّم ،
وأنّ هذا الشرف يتضاءل عنه كلّ شرف ، ويطأطئ رأسه تعظيما له كلّ من سلف وخلف » .
فإنكار العاصمي
هذا المعنى الواضح الذي ينادي به الحديث الشريف بمختلف ألفاظه ، ويعترف به غير
واحد من شرّاحه وغيرهم ، عجيب للغاية.
ومن آيات علوّ
الحق : أنّ السخاوي والزركشي قد أيّدا في ( المقاصد
الحسنة ) و ( الدرر المنتثرة ) حديث مدينة العلم بحديث : « علي مني وأنا من علي لا
يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي » الدال بصراحة على انحصار أداء الأحكام وغيرها عن رسول الله 6 بعليّ عليه
الصلاة والسلام ، فيكون معنى حديث مدينة العلم عندهما نفس المعنى الذي ذكرناه ،
وهو أنّه لا يمكن الوصول إلى علم رسول الله إلاّ من طريق أمير المؤمنين. فمن شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر!
وأمّا قول العاصمي
: « وإن كان الأمر على ما قالوا لما كان يوصل إلى العلم والأحكام والحدود وشرائع
الإسلام إلاّ من جهته » فكلام عاطل ، لأنّ النبيّ 6 أخبر أنّ الطريق الموصل إلى ذلك هو طريق علي 7 لا غير ، وأنّ من
زعم الوصول إلى ذلك لا عن طريقه فهو مفتر كذّاب ، ويكفى في
__________________
إظهار كذبهم قوله
6 : « يا علي
كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها » وأيضا قوله عليه وآله الصلاة والسلام : « كذب
من زعم أنه يصل إلى المدينة إلاّ من قبل الباب ».
ولو سلّم وصول
بعضهم إلى بعض الأمور لا عن طريقه لم يكن ذلك وصولا على المنهج المعتبر والوجه
المأمور به ، بل يكون وصولهم كوصول السّارق والمتسوّر ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ
اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) . ومن هنا قال
أمير المؤمنين 7
في بعض خطبه : « ونحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا تؤتى البيوت إلاّ من
أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقا » وقد ذكر الشيخ سليمان القندوزي هذا الكلام ضمن شواهد حديث
مدينة العلم كما ورد في كتاب ( نهج البلاغة ) الذي اعترف أكابر علماء
أهل السّنة بأنّه من كلام سيدنا أمير المؤمنين 7 ، وقد قال عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي بشرحه :
« ثم ذكر أن
البيوت لا تؤتى إلاّ من أبوابها. قال الله تعالى : ( وَلَيْسَ الْبِرُّ
بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) ثم قال : من أتاها من غير أبوابها سمّى سارقا ، وهذا حق
ظاهرا وباطنا. أما الظاهر فلأن من يتسوّر البيوت من غير أبوابها هو السارق. وأما
الباطن فلأن من طلب العلم من غير أستاذ محقق فلم يأته من بابه فهو أشبه شيء
بالسارق » .
ثم إنّ هذا المعنى
الذي يذكره أهل الحق لا يستلزم إبطال كلّ حديث لم يكن الامام 7 في طريقه ، بل
ينظر فإن كان من طريق الصحابة العدول
__________________
المقبولين ، وكان
موافقا لما وصل من طريق باب مدينة العلم ، لم يكن لابطاله وجه ، وإلاّ كان باطلا
بلا ريب ، فبطل ما زعمه العاصمي. والحمد لله.
وأيضا : لا يستلزم
ذلك إبطال شيء من شرائع الدين التي أجمعت عليها الأمّه ، لأنّ الإجماع على تلك
الشرائع إن كان أمير المؤمنين 7 داخلا فيه وجب اتباع تلك الشّرائع ـ ولا يجوز إنكار الوصول
إليها من طريقه 7 ـ وإن لم يكن الامام داخلا فيه لم يجز اتّباعها والعلم بها
، بل لا يجوز دعوى اجماع الأمّة عليها حينئذ ، بل إطلاق « شرائع الدين » عليها
بعيد عن الصّواب.
وجوه الجواب عن تأويل العاصمي
وأمّا قوله : «
ووجه الحديث عندنا أنّ المدينة لا تخلو من أربعة أبواب ، لأنها مبنيّة على أربعة
أركان وأسباب ، ففي كلّ ركن باب ، وقد كان المرتضى أحد أبوابها ، وكان الخلفاء
الثلاثة قبله هم الأبواب الثلاثة » فالجواب عنه من وجوه :
١ ـ إنه دعاوى فارغة
إنّ هذا الوجه ليس
إلاّ دعاوى فارغة وتخرّصات عاطلة ، فإنّه يدّعي أولا « أن المدينة لا تخلو من
أربعة أبواب » ثم يعلّل هذه الدعوى بقوله « لأنّها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب
... » ويستنتج : « وقد كان المرتضى ... » وكلّ ذلك دعوى بلا دليل ، بل إنّها دعاوى
ممنوعة ، لأنّ المدينة قد تخلو من أربعة أبواب ، ولا يشترط أن تكون مبنيّة على
أربعة أركان وأسباب ، ولو سلّم ذلك فلا يشترط أن يكون في كلّ ركن باب ، ومع
التّسليم فكيف يجوز قياس مدينة العلم بالمدينة المادية الظاهريّة؟
إنّ أهل الحق
ليترفّعون عن التفّوه بمثل هذه الكلمات والتخيّلات ، والتشبث بها في مقام
الاستدلال ...
٢ ـ لم يذكر النبي الاّ بابا
واحدا
ولو كان الخلفاء
الثلاثة الأبواب الثلاثة الأخرى للمدينة لذكر النّبي 6 ذلك كما ذكر عليّا 7 ، بل كان عليه 6 أن يذكرهم قبله ـ على ما يدّعي العاصمي ـ والاّ لزم ترجيح
المرجوح في الذكر وترك ذكر الراجح والأسبق ، وهو غير جائز.
وحيث لم يذكر 6 بابا للمدينة سوى
أمير المؤمنين 7 ظهر بطلان ما زعمه العاصمي في معنى الحديث.
وبما ذكرنا يظهر
لنقّاد الكلام إن ما تفوّه به العاصمي ـ على أثر حبّ الشيوخ الثّلاثة ـ من الكلام
الباطل العاطل في نفسه يستلزم نسبة الظلم إلى النّبي 6 ، والعياذ بالله.
٣ ـ أمر النبي بإتيان هذا الباب
فقط
وأمر رسول الله 6 ـ في ذيل الحديث
ـ بإتيان الباب ، وهو لا يريد من « الباب » إلاّ « عليّا 7 » ، بل لقد صرّح
باسمه في بعض ألفاظ الحديث بقوله : « فمن أراد بابها
فليأت عليا » .
ومن الواضح جيّدا
: أنّه لو كان الخلفاء الثلاثة قد بلغوا هذه المرتبة لذكرهم 6 كما ذكره ، إذ لو
كان ثمّة مصلحة لعدم ذكرهم في صدر
__________________
الحديث فلا أقل من
الإرجاع إليهم والأمر بإتيانهم في ذيله!
وإذ لم يشر النبي 6 إلى هذا الأمر ،
واقتصر على ذكر علي 7 كيف يجوز أن يقال بأنّهم كانوا الأبواب الثلاثة؟ وهل هذا
إلاّ مجرّد الإفك والافتراء؟
٤ ـ عدم ذكره الثلاثة في حديث
آخر
ولو فرض وجود
مصلحة لترك الرسول 6 ذكر كون الثلاثة الأبواب الأخرى لمدينة العلم في هذا
الحديث ، كان من اللازم أن يصرّح بهذا المعنى في حديث آخر ، ولكن دون إثبات ذلك
خرط القتاد.
ومن هنا أيضا يظهر
أنّ دعوى العاصمي ذلك ليس إلاّ من الهواجس النفسانية.
٥ ـ اعترافهم بالجهل في مواضع
عديدة
ومما يبطل الوجه
الذي ذكره العاصمي جهل المشايخ بالأحكام والقضايا ، واعترافهم بعدم التفقّه في
الدين ، في مواضع كثيرة جدا ، فمن لم يكن له حظ من العلم كيف يكون بابا لمدينة
العلم؟.
٦ ـ النقض عليه بكلام نفسه
وبالتّالي ، فإنّ
هذا الوجه الذي ذكره العاصمي منقوض بما قاله هو في الجواب عمّا يذهب إليه الشيعة
من أنه « إن كان الأمر على ما قالوا لما كان يوصل إلى العلم والأحكام والحدود
وشرائع الإسلام إلاّ من جهته ، ولكان فيه إبطال كلّ حديث لم
يكن المرتضى طريقه
، ولكان فيه إبطال كثير من شرائع الدين التي أجمعت عليها الامّة باليقين » فإنّ
هذا الكلام بعينه يتوجّه إلى الوجه الذي اختاره ، ولا سيّما وأنّ أهل السّنة
يأخذون عن كلّ من دبّ ودرج من أصحابهم ، وأنّ روايات غير الخلفاء في مصادر الحديث
عندهم اكثر بكثير من روايات الخلفاء.
٧ ـ بطلانه من ذيل كلامه
ومن الطّريف قول
العاصمي بعدئذ : « وهذا وإن كان صحيحا في المعنى والحكم ، فإن تخصيص النبي 7 إيّاه بلفظة باب
مدينة العلم يدلّ على تخصيص كان له في العلم والخبرة وكمال في الحكمة ونفاذ في
القضيّة ، وكفى بها رتبة وفضيلة ومنقبة شريفة جليلة ». فإنه بعد ما حاول تأويل
الحديث وتوجيهه بما ذكره لم يجد بدّا من الاعتراف بتخصيص أمير المؤمنين 7 بهذه الفضيلة ،
لعدم وصف أولئك بلفظ « باب مدينة العلم » أو نحوه لا في هذا الحديث ولا في غيره من
الأحاديث ، فاعترف بدلالة هذا التخصيص « على تخصيص كان له في العلم والخبرة وكمال
في الحكمة ونفاذ في القضية ، وكفى بها رتبة وفضيلة ومنقبة شريفه جليلة » وهذا يفيد
أعلمية الامام 7.
فهذا الحديث يدلّ
على إمامته من جهة دلالته على الأعلمية. كما يدلّ على الامامة من جهة دلالته على
أنّه لا يوصل إلى النبي 6 إلاّ من جهته عليه الصلاة والسلام.
فكلام العاصمي هذا
يتضمّن وجها آخر لدلالة حديث « أنا مدينة
العلم وعلي بابها » على إمامة أمير
المؤمنين 7. والله يحق الحق بكلماته ، ويبطل الباطل بقواهر حججه وبيّناته.
(٢)
مع العاصمي أيضا
واعلم أنّ للعاصمي
في كتابه المذكور كلاما آخر حول حديث مدينة العلم هذا نصّه :
« قلت : ومعنى
الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه مثل المدينة ، وإذا كانت مدينة مثل النبي صلّى
الله عليه فليس بعجب أن يكون لها أبواب كثيرة ، لأن مدينة مثلها مثل النّبي 7 فليس بعجب أن
يكون لها طول وسعة وعرض كأوسع مدينة في الدنيا ، وليس بعجب أن يكون لها أبواب
كثيرة.
فعلي باب منها في
القضاء ، كما خصّه النبي صلّى الله عليه به : أخبرنا
الحسين بن محمد البستي قال : حدّثنا عبد الله بن أبي منصور قال : حدّثنا محمد بن
بشر قال : حدّثنا محمد بن إدريس قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن المثنى قال :
حدّثني حميد عن أنس قال : قضى علي قضاء ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه
فأعجبه فقال : الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت. قال : وبعثه رسول الله
صلّى الله عليه إلى اليمن بالقضاء فقال : يا رسول الله لا علم لي بالقضاء. فوضع
النبي صلّى الله عليه يده على صدره ثم قال : أللهم اهد قلبه وسدّد لسانه. قال :
فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا.
ثم يكون أبوبكر
الصديق رضوان الله عليه بابا منها ، وهو أوّل باب وأفضل باب ، حيث جعله النبي صلّى
الله عليه أوّلهم في الحديث الذي ذكر فيه أصحابه وخصّ كلّ واحد منهم بخاصيّة ،
فكان رضوان الله عليه بابا في الرحمة والرأفة
بالمسلمين والشفقة
عليهم كما قال صلّى الله عليه : أرحم أمتي أبوبكر.
وفي
رواية أخرى : أرأف أمتي بأمتي أبوبكر. ولا يكون الرحمة بالمسلمين إلاّ من أصل
العلم.
وبعد الصّديق كان
عمر بن الخطاب 2 بابا في الشدّة على المنافقين والمخالفين في الدين ، قوله
صلّى الله عليه : وأشدّهم ـ وروي : وأصلبهم ـ في دين الله عمر بن الخطاب.
ثم عثمان بن عفان
الباب الثالث منها في صدق الحياء ، قوله صلّى
الله عليه : وأصدق أمتي حياء عثمان بن عفان.
وباب منها : أبيّ
بن كعب حيث فضّله النبي صلّى الله عليه بعلم القرآن وقراءته ،
قوله 7
: وأقرؤهم أبيّ بن كعب ، وروي
: وأقرؤهم لكتاب الله.
ومنها : معاذ بن
جبل ، لما فضّله النبي صلّى الله عليه في العلم خاصة دون غيره ،
قوله 7
: وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل.
وباب منها : زيد
بن ثابت ، لما فضّله النبي صلّى الله عليه بعلم الفرائض خاصة دون غيره ، قوله
7 : وأفرض
أمتي زيد بن ثابت.
وباب منها : أبو
عبيدة بن الجراح في الأمانة في الإسلام ، حيث خصّه النبي 7 بالأمانة في
الإسلام ، والأمانة لا تؤدّى إلاّ بالعلم ، قوله
7 : ولكل أمة
أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح.
ثمّ قال لأبي ذر في غير هذا الحديث : من
أراد أن ينظر إلى بعض زهد عيسى فلينظر إليه. فينبغي أن يكون له باب في الزهد من تلك المدينة. وجعل له
أيضا باب الصّدق ، قوله صلّى الله عليه : ما حملت الأرض
ولا أظلّت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر ، فجعل له بابين : باب الصدق وباب الزهد. والزهد في الدنيا جامع للعلم كلّه ،
وقد ذكرنا ـ في فضل مشابه أبينا آدم 7 ـ في معنى هذا الحديث ما اغنى عن إعادته هاهنا ».
وجوه الجواب عن هذا الكلام
وفي هذا الكلام
وجوه من النّظر ، منها ما نذكره فيما يلي باختصار :
١ ـ التناقض في كلماته
إن هذا الكلام
يناقض كلامه المردود المتقدّم ، لأنّه زعم هناك « إنّ المدينة لا تخلو من أربعة
أبواب ، لأنّها مبنيّة على أربعة أركان وأسباب ... » فجعل الخلفاء الأربعة الأبواب
المؤدية الى المدينة ، وهنا يقول : « فليس بعجب أن يكون لها أبواب كثيرة ... » ثم
ذكر تسعة أشخاص جعلهم الأبواب الموصلة إليها ، مستندا إلى روايات موضوعة سيأتي
بيان حالها.
٢ ـ بطلان دعوى اختصاص علي
بالقضاء
وإن قوله : « فعلي
باب منها في القضاء » تخصيص بلا مخصّص إلاّ التعصّب والعناد ، وأمّا الحديثان
اللذان ذكرهما في باب قضائه 7 فلا يقتضيان تخصيص حديث
« أنا مدينة العلم وعلي بابها » بكونه بابها في القضاء ، بل إنّهما يدلاّن على علوّ مقامه في القضاء وأعلميته
من سائر الأصحاب ، وذلك يستلزم إمامته وخلافته من تلك الجهة ، كما سيأتي بيانه
فيما بعد إن شاء الله تعالى.
على أنّه لو سلّم
هذا التخصيص في حديث « أنا مدينة العلم » فإنّه سيأتي أن تخصيص النبي 6 إيّاه بهذه الفضيلة تصريح منه بأنّه قد جمع له جميع العلوم
وسائر أنواعها وأقسامها ، فلو فرض أن يكون معنى حديث أنا مدينة العلم كون علي 7 بابا لها في
القضاء ، ثبت كونه بابا إليها في جميع
العلوم ، ومن هنا
قال ابن حجر المكي : « تنبيه ـ ممّا يدلّ على أنّ الله سبحانه اختص عليا من العلوم
بما تقصر عنه العبارات : قوله صلّى الله عليه
وسلّم : أقضاكم علي. وهو حديث صحيح لا
نزاع فيه ، وقوله : أنا دار الحكمة ـ وفي رواية ـ مدينة
العلم وعلي بابها »
حيث جعل كلا من حديث «
مدينة العلم » وحديث « أقضاكم علي » دالا على أنّ الله سبحانه اختص عليا من العلوم بما تقصر عنه
العبارات ...
٣ ـ حديث : أرحم أمتي ... موضوع
واستند العاصمي في
هذا الكلام إلى حديث : أرحم أمتي أبوبكر ... وهو من الأكاذيب الموضوعة والأباطيل المصنوعة ، حسب اعتراف
كبار حفّاظ أهل السّنة ومشاهير علمائهم ، كما سنوضّح ذلك عن قريب.
ولمّا كان هذا
الحديث مما وضعته ألسنة المفترين وصنعته أيدي الوضّاعين والكذّابين ، نجد الاختلاف
الفاحش في ألفاظه ، فهو في بعضها كذب من أوّله إلى آخره ، وفي بعضها يشتمل على بعض
الجمل الصادقة الصادرة عن رسول الله 6 في حق علي 7 وبعض خواص أصحابه ، وهي فضائل واردة في أحاديث صحيحة
خلطتها أيدي الخيانة مع هذا الحديث الموضوع لغرض التغطية. ولنرفع السّتار عن ذلك
بالإجمال فنقول :
الحديث عن أنس بن مالك
لقد رووا هذا
الحديث عن أنس بن مالك ، وأخرجه الترمذي وابن ماجة من أصحاب الصحاح ... قال
الترمذي : « مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت
__________________
وأبي وأبي عبيدة بن
الجراح رضي الله عنهم :
حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حميد بن
عبد الرحمن ، عن داود بن العطار ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، واشدّهم في أمر الله
عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ابن عفان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ،
وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو
عبيدة بن الجراح. هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلاّ من هذا الوجه.
وقد رواه أبو قلابة عن أنس عن النبي
صلّى الله عليه وسلّم نحوه : ـ حدثنا محمد بن بشار ، نا عبد الوهاب بن عبد الحميد
الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأشدّهم في أمر الله عمر ،
وأصدقهم حياء عثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ،
وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل. ألا وإنّ لكلّ أمّة أمينا وإنّ أمين هذه
الأمة أبو عبيدة بن الجراح. هذا حديث حسن صحيح » .
وقال ابن ماجة : « حدثنا محمد بن المثنى
، ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، ثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن
مالك إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأشدّهم
في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأعلمهم
بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، ألا وإنّ لكلّ أمة أمينا
وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح. حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن سفيان عن
خالد الحذاء عن أبي قلابة مثله » .
__________________
نظرة في رجاله
أمّا « أنس بن
مالك » فهو من كبار أعداء أمير المؤمنين 7. وحديث قصّة الطائر المشوي من أصدق الشواهد على ذلك ، بل
يدلّ على ذلك هذا الحديث نفسه ـ على فرض ثبوته ـ حيث مدح فيه الثلاثة وجماعة من
أشياعهم ، ولم يذكر فيه أمير المؤمنين 7.
وأمّا « أبو قلابة
» الذي عليه مدار حديثي ابن ماجة وطريقه الثاني عند الترمذي ، فهو أيضا مقدوح
ومجروح كما سيأتي.
وأمّا « خالد
الحذاء » ـ وهو من رجال ابن ماجة في طريقيه والترمذي في الطريق الثاني ـ فقد طعن
فيه وجرحه أعلام القوم : كشعبة بن الحجاج ، وابن علّية وحمّاد بن زيد ، وسليمان
التيمي ، وأبي حاتم ، والعقيلي صاحب الضعفاء ... كما لا يخفى على ناظر كتب القوم ،
وستسمع بعض ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأمّا « عبد
الوهاب بن عبد المجيد » ـ الثقفي الواقع في الطريق الثاني عند الترمذي ، والأول
عند ابن ماجة ـ فقد قال ابن حجر العسقلاني : « عدّه ابن مهدي فيمن كان يحدّث عن
كتب الناس ولا يحفظ ذلك الحفظ » قال : « وقال الدوري عن ابن معين : اختلط بآخره.
وقال عقبة بن مكرم : اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع سنين » وفيه : « وقال عمرو
بن علي : اختلط حتى كان لا يعقل ، وسمعته وهو مختلط يقول : حدثنا محمد بن عبد
الرحمن بن ثوبان باختلاط شديد » وقال سبط ابن العجمي الحلبي : « عبد الوهاب بن عبد المجيد
بن الصلت قال عقبة بن مكرم : كان قد اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع. قال أبو
داود : تغيّر ، وذكره العقيلي فقال : تغيّر في آخر عمره ، وذكره ابن الصلاح أيضا
__________________
فيهم » .
وأمّا « محمد بن
بشار » ـ راويه عن « عبد الوهاب » في الطريق الثاني عند الترمذي ـ فسيأتي القدح
فيه إن شاء الله تعالى.
وأمّا « سفيان
الثوري » ـ راويه عن « خالد » عند ابن ماجة في الطريق الثاني ـ فسيأتي بيان القدح
فيه كذلك.
وأمّا « وكيع » ـ راويه
عن « سفيان » عند ابن ماجة في الطريق الثاني ـ فقد طعن فيه أحمد وابن المديني كما
في ( تهذيب التهذيب ) وذكره الذهبي في ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ) .
وأمّا « قتادة » ـ
راويه عن « أنس » في الطريق الأول عند الترمذي ـ فله قوادح عظيمة ومثالب جسيمة ،
لا تخفى على من راجع ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) وغيره.
وأمّا « داود بن
العطار » ـ راويه عن « معمر » في أول طريقي الترمذي ـ ففي ( ميزان الاعتدال ) : «
قال الحاكم : قال يحيى بن معين : ضعيف الحديث. وقال الأزدي : يتكلّمون فيه » .
وأمّا « سفيان بن
وكيع » ـ في طريق الترمذي ـ فمقدوح كذلك ، قال الذهبي : « قال البخاري : يتكلّمون
فيه لأشياء لقّنوه إيّاها ، وقال أبو زرعة : يتّهم بالكذب ، وقال ابن أبي حاتم :
أشار أبي عليه أن يغيّر ورّاقه فإنّه أفسد حديثه ... » وفي ( الكاشف ) :
« ضعيف » وذكره الذهبي أيضا في ( المغني في الضعفاء ) قائلا : «
ضعّف. وقال أبو زرعة : كان يتّهم بالكذب » .
__________________
إنه لا يخلو عن إرسال
ثمّ إنّ هذا
الحديث لا يخلو عن إرسال ، فلو سلم رواته عن الطعن لم يجز الحكم بصحته ... قال
ابن حجر بشرح قول عمر « أقرؤنا أبيّ » : « كذا أخرجه موقوفا ، وقد أخرجه الترمذي
وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا في ذكر أبي وفيه ذكر جماعة وأوّله : أرحم
أمتي بأمتي أبوبكر وفيه : أقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب. الحديث وصححه. لكن قال غيره : إن الصّواب إرساله » .
وقال السخاوي في حديث
أرحم أمتي بأمتي أبوبكر : « والحديث أعلّ
بالإرسال ، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح إلاّ أنه قيل : إنه لم يسمع منه هذا. وقد
ذكر الدار قطني في العلل الاختلاف فيه على أبي قلابة ، ورجّح هو وغيره كالبيهقي
والخطيب في المدرج أن الموصول منه ذكر أبي عبيدة ، والباقي مرسل ، ورجّح ابن
الموافق وغيره رواية الموصول » .
__________________
المرسل حديث ضعيف
ومن المعلوم أنّ
الحديث المرسل ضعيف والاحتجاج به ساقط ، وقد نصّ على ذلك ابن الصّلاح في ( علوم
الحديث ) والسّيوطي في ( تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ) وكذا غيرهما ، وهذه
عبارة السيوطي : « ثم المرسل حديث ضعيف لا يحتجّ به عند جماهير المحدثين والشافعي
، كما حكاه عنهم مسلم في صدر صحيحه ، وابن عبد البر في التمهيد ، وحكاه الحاكم عن
ابن المسيّب ومالك وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول والنظر ... » .
رواية العاصمي واضحة الإرسال
وأمّا العاصمي
نفسه فقد روى هذا الحديث بسند مرسل ، حيث رواه بإسناده عن أبي قلابة عن رسول الله 6 بلا وساطة أنس ،
فانّه لم يجرأ على دعوى سماعها منه ، ومن المعلوم ان أبا قلابة تابعي لم يدرك صحبة
النّبي 6 ، وهذا نصّ روايته : « أخبرني شيخي محمد
بن أحمد ; قال : حدثنا
أبو سعيد الرازي قال : حدثنا يوسف بن عاصم الرازي البزار قال : حدثنا إبراهيم بن
الحجاج قال : حدثنا حماد عن عاصم الأحول ، عن أبي قلابة أن رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم قال : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأحدّهم في دين الله عمر ، وأكثرهم
حياء عثمان بن عفان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت
، وأقرؤهم أبيّ بن كعب ، ولكلّ أمة أمين وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح ».
__________________
رواية قتادة مرسلا
بل يظهر من مراجعة
( المصابيح ) و ( المشكاة ) و ( فتح الباري ) رواية قتادة هذا الحديث مرسلا ، فلم
يجرأ على دعوى سماعها من أنس كذلك ، وهذه عبارة [
المصابيح للبغوي ] : « عن أنس 2
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأشدّهم بأمّتي في
أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي ، وأعلمهم
بالحلال والحرام معاذ ابن جبل ، ولكل أمّة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن
الجراح. صح. ورواه بعضهم عن قتادة 2
مرسلا وفيه : وأقضاهم علي ».
حصيلة البحث
إن هذا الحديث عن
أنس مرسل ، فضلا عن كونه ضعيفا سندا ، وجعل الترمذي وابن ماجة ـ ومن حذا حذوهما ـ أنسا
بين أبي قلابة أو قتادة وبين رسول الله 6 خطأ فاحش أو تدليس ظاهر.
الحديث عن ابن عمر
وقد روي هذا الحديث
الموضوع عنه 6 برواية عبد الله بن عمر قال الحاكم : «
حدّثنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاّب بهمدان ، حدثنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا محمد
بن يزيد بن سنان الرّهاوي ، حدثنا الكوثر ابن حكيم أبو محمد الحلبي ، عن نافع عن
ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ أرأف أمتي بها أبوبكر ،
وإنّ أصلبها في أمر الله عمر ، وإنّ أشدّها
حياء عثمان ، وإنّ
أقرأها أبيّ بن كعب ، وإنّ أفرضها زيد بن ثابت ، وإنّ أقضاها علي بن أبي طالب ،
وإنّ أعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وإنّ أصدقها لهجة أبو ذر ، وإنّ أمين
هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، وإنّ حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس » .
نظرة في رجاله
وهذا السند ضعيف
أيضا ، فأمّا « محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي » فقد صرّحوا بضعفه ، ففي ( الميزان
) : « قال الدار قطني : ضعيف ... وقال النسائي : ليس بالقوي » وأورده في ( المغني
في الضّعفاء ) وقال ابن حجر : « قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال :
ليس بشيء ، هو أشدّ غفلة من أبيه ... وقال البخاري أبو فروة متقارب الحديث إلا
ابنه محمدا يروي عنه مناكير. وقال الآجري عن أبي داود : وأبو فروة الجزري ليس بشيء
وابنه ليس بشيء. وقال النسائي ليس بالقوي ... قال الترمذي : لا يتابع على روايته
وهو ضعيف وقال الدار قطني : ضعيف » وقال ابن حجر في ( تقريب التهذيب ) : « ليس بالقوي » .
وأمّا « كوثر بن
حكيم » ففي ( الضعفاء والمتروكين للبخاري ) : « كوثر بن حكيم عن نافع : منكر
الحديث » وفي ( الضّعفاء والمتروكين للنّسائي ) : « متروك الحديث » وقال الذهبي :
« قال أبو زرعة : ضعيف ، وقال ابن معين ، ليس بشيء ، وقال أحمد بن حنبل ، أحاديثه
بواطيل ليس بشيء ، وقال الدار قطني وغيره :
__________________
متروك » وقال الذهبي أيضا
« تركوا حديثه ، له عجائب » .
طريق آخر عن ابن عمر
وقد أورد السيوطي هذا الحديث الموضوع عن
مسند أبي يعلى الموصلي عن ابن عمر حيث قال : « أرأف أمّتي بأمتي أبوبكر ، وأشدّهم
في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقضاهم علي ، وأفرضهم زيد بن ثابت ،
وأقرؤهم أبي ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ. ألا وإنّ لكلّ أمة أمينا وأمين هذه
الأمة أبو عبيدة ابن الجراح. عن ابن عمر » .
نظرة في سنده
لا حاجة لأن نراجع
مسند أبي يعلى للوقوف على رجال هذا السند بالتفصيل ، لأن الحافظ السخاوي والعلامة
المنّاوي قد نصّا ـ كما ستسمع ـ على أنّه من طريق ابن البيلماني عن أبيه ، وكلاهما
ساقط عن درجة الاعتبار ، فأمّا « محمد بن عبد الرحمن البيلماني » فقد قال البخاري
: « محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث ، كان الحميدي يتكلّم فيه
» وقال النسائي : « منكر الحديث » وفي ( الموضوعات لابن الجوزي ) بعد حديث في فضل جدّة : «
محمد بن عبد الرحمن قال يحيى : ليس بشيء. وقال ابن حبان : حدّث عن أبيه بنسخة
شبيها بمائتي
__________________
حديث كلّها موضوعة
، لا يحل الاحتجاج به » وفي ( ميزان الاعتدال ) : « محمد ابن عبد الرحمن بن
البيلماني عن أبيه : ضعّفوه. وقال البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال الدار
قطني وغيره : ضعيف ... قال ابن عدي : كلّما يرويه ابن البيلماني البلاء منه » وقال في ( المغني
في الضعفاء ) : « ضعّفوه. وقال ابن حبان : روى عن أبيه نسخة موضوعة » وأورده سبط ابن
العجمي في ( الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث ) وقال ابن حجر : « ضعيف ، وقد
اتّهمه ابن عدي وابن حبان » .
وأمّا أبوه « عبد
الرحمن بن البيلماني » ففي ( ميزان الاعتدال ) : « عبد الرحمن ابن البيلماني ، من
مشاهير التابعين ، يروي عن ابن عمر ، ليّنه أبو حاتم وقال الدار قطني : ضعيف لا
تقوم به حجة » وذكره في ( المغني في الضعفاء ) وفي ( تقريب
التهذيب ) : « ضعيف » .
حصيلة البحث
فظهر بطلان هذا
الحديث عن ابن عمر بكلا طريقيه ، ومن هنا قال الحافظ السخاوي : « وعن ابن عمر عند
ابن عدي في ترجمة كوثر بن حكيم ، وهو متروك. وله طريق أخرى في مسند أبي يعلى من
طريق ابن البيلماني عن أبيه عنه » فإنّ في
__________________
هذا الكلام فوائد
:
١ ـ إن حديث
: ارحم أمتي بأمتي ... عن ابن عمر مذكور في كتاب الكامل لابن عدي ، وذلك مما يدلّ على وهنه ، لأنّ كتاب الكامل لابن عدي
موضوعه الضّعفاء والمجروحون وأحاديثهم.
٢ ـ إن ابن عدي
أورد هذا الحديث في ترجمة كوثر بن حكيم ، ومنه يظهر أنّه يتّهم كوثر بن حكيم بوضع
هذا الحديث.
٣ ـ إن راويه كوثر
بن حكيم متروك عند الحافظ السخاوي.
٤ ـ إن طريقه
الآخر هو من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر.
٥ ـ إن ضعف ابن
البيلماني وأبيه ثابت مشهور إلى حدّ أعرض السخاوي عن بيانه ، واكتفى بالقول بأنه
من طريق ابن البيلماني عن أبيه.
الحديث عن جابر
وأخرج الطبراني
هذا الحديث الموضوع عن جابر حيث قال : « ثنا علي بن
جعفر الملحي الاصبهاني ، ثنا محمد بن الوليد العباسي ، ثنا عثمان بن زفر ، ثنا
مندل بن علي ، عن ابن جريح ، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري 2 قال قال رسول الله 6 : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأرفق أمتي
لأمّتي عمر بن الخطاب ، وأصدق أمتي حياء عثمان ، وأقضى أمتي علي بن أبي طالب ،
وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة ، وأقرأ
أمتي أبي بن كعب ، وأفرضها زيد بن ثابت. وقد أوتي عويمر عبادة يعني أبا الدرداء
رضي الله عنهم أجمعين. لم يروه عن ابن جريح إلاّ مندل » .
__________________
نظرة في رجاله
وهذا الحديث أيضا
مطروح ، لأن في طريقه « مندل بن علي » ـ وقد تفرّد به عن ابن جريح كما نص عليه
الطبراني نفسه ـ قال النسائي ( كتاب الضعفاء والمتروكين ) : « مندل بن علي ضعيف »
وقال الذهبي : « قال أبو حاتم : شيخ. وقال أبو زرعة : ليّن. وقال أحمد : ضعيف » وفي ( الضعفاء
للذهبي ) : « فيه لين ، ضعّفه أحمد والدار قطني » وقال ابن حجر : «
قال الجوزجاني : ذاهب الحديث ، وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوي عندهم. وقال
الساجي : ليس بثقة ، روى مناكير. وقال ابن معين : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدّث
عنه. وقال ابن قانع والدار قطني : ضعيف. وقال ابن حبان : كان ممن يرفع المراسيل
والموقوفات من سوء حفظه فاستحق الترك. وقال الطحاوي : ليس من أهل الثبت في الرواية
بشيء ولا يحتجّ به » وفي ( تقريب التهذيب ) : « ضعيف » وقال صفي الدين
الخزرجي : « ضعّفه أحمد وغيره » .
و « ابن جريج »
قال ابن حجر العسقلاني « قال الجرمي عن مالك : كان ابن جريح حاطب ليل » قال : «
وقال عثمان الدارمي عن ابن معين : ليس بشيء في الزهري » قال : « وقال جعفر بن عبد
الواحد عن يحيى بن سعيد : كان ابن جريح صدوقا فإذا قال حدثني فهو سماع ، وإذا قال
أخبرني فهو قراءة ، وإذا قال : قال فهو شبه الريح » . قلت : وأنت ترى
في سند الطبراني أنّه لم يقل : « قال » أيضا.
__________________
وقال الدارقطني
بأنّه قبيح التّدليس ، ففي ( تهذيب التهذيب ) : « وقال الدار قطني يتجنّب تدليس
ابن جريج فإنه قبيح التدليس ، لا يدلّس إلاّ ممّا سمعه من مجروح » وفيه عن ابن
حبان : « وكان يدلّس » وفيه : « وقال أبوبكر : ورأيت في كتاب علي بن المديني :
سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريح عن عطاء الخراساني فقال : ضعيف. قلت ليحيى :
انه يقول : أخبرني. قال : لا شيء ، إنه ضعيف ، إنما هو كتاب وقفه عليه » . قلت : وسيأتي
ذكر بعض المطاعن التي تترتّب على ارتكاب التّدليس ، ولقد بلغت جرأة ابن جريح على
التّدليس حدّا كان يرتكب الكذب فيه بصراحة ووضوح ففي ( تهذيب التهذيب ) : « قال
ابن سعد : ولد سنة ٨٥ عام الجحاف. أنا محمد بن عمر ـ يعني الواقدي ـ قال ثنا عبد
الرحمن ابن أبي الزناد قال : شهدت ابن جريح جاء إلى هشام بن عروة فقال : يا أبا
المنذر الصحيفة التي أعطيتها فلانا أهي من حديثك؟ قال : نعم. قال محمد بن عمر : فسمعت
ابن جريج بعد ذلك يقول : حدثنا هشام الأحصى » .
الحديث عن أبي سعيد الخدري
وروى ابن عبد البر
هذا الحديث الموضوع عن أبي سعيد الخدري حيث قال
: « وقد أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن
زهير قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا سلام ، عن زيد العمي عن
أبي الصّديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
: أرحم أمتي بها أبوبكر ، وأقواهم في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقضاهم
علي ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأعلمهم بالحلال
والحرام معاذ بن جبل ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن
__________________
الجراح ، وأبو هريرة
ووعاء للعلم ـ أو قال ووعاء العلم ـ وعند سلمان علم لا يدرك ، وما أظلّت الخضراء
ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر » .
نظرة في رجاله
وفي سنده « زيد
العمّي » قال النسائي ( كتاب الضعفاء والمتروكين ) : « زيد العمى ضعيف » وفي ( ميزان
الاعتدال ) : « قال ابن معين : صالح ، وقال مرة : لا شيء. وقال مرة : ضعيف يكتب حديثه.
وقال أبو حاتم : ضعيف يكتب حديثه. وقال الدار قطني : صالح. وضعّفه النسائي. وقال
ابن عدي : لعلّ شعبة لم يرو عن أضعف منه. وقال السعدي : متماسك ... » وقال في ( الكاشف
): « فيه ضعف » وقال ابن حجر : « ضعيف » .
وفي هذا السند «
سلام » وهو « سلام بن سليم الطويل » قال النسائي « متروك الحديث » وفي ( الموضوعات
لابن الجوزي ) في حديث في فضل المؤذّنين : « وفيه سلام الطويل قال يحيى : ليس بشيء
لا يكتب حديثه. وقال البخاري : تركوه. وقال النسائي والدار قطني : متروك وقال ابن
حبان : يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المعتمّد لها » وقد أورد الذهبي
هذا الحديث بعد كلمات القدح فيه في ( ميزان الاعتدال ) وذكره في ( المغني في
الضعفاء ) وقال ابن حجر : « قال
__________________
أحمد : روى أحاديث
منكرة. وقال ابن أبي مريم عن ابن معين : له أحاديث منكرة. وقال الدوري وغيره عن ابن
معين : ليس بشيء. وقال ابن المديني : ضعيف. وقال ابن عمار : ليس بحجة. وقال
الجوزجاني : ليس بثقة. وقال البخاري : تركوه. وقال مرة : يتكلّمون فيه. وقال أبو
حاتم : ضعيف الحديث ، تركوه. وقال أبو زرعة : ضعيف. وقال النسائي : متروك وقال مرة
: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. قال ابن خراش : كذّاب ، وقال مرة : متروك. وقال أبو
القاسم البغوي : ضعيف الحديث جدّا. وروى ابن عدي أحاديث وقال : لا يتابع على شيء
منها ... وقال ابن حبان : روى عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمّد لها ... وقال
العجلي : ضعيف. وقال الساجي : عنده مناكير. وقال الحاكم : روى أحاديث موضوعة. وقال
أبو نعيم في الحلية في ترجمة الشعبي : سلام بن سليم الخراساني متروك باتفاق ... » .
ومن هنا ترى
الحافظ السخاوي يقول في هذا الحديث بهذا الطريق : « وعن أبي سعيد عن قاسم بن أصبغ
، عن ابن أبي خيثمة. وعنه العقيلي في الضعفاء عن علي بن عبد العزيز كلاهما عن أحمد
بن يونس عن سلام عن زيد العمي عن أبي الصديق عنه. وزيد وسلام ضعيفان » .
وقال محمد بن معتمد خان في ( تحفة
المحبين ) في فصل الأحاديث الضّعيفة : « أرحم أمتي بها أبوبكر ... أخرجه ابن عبد
البر في الاستيعاب عن أبي سعيد الخدري. وفي سنده سلام وهو الطويل متروك عن زيد العمي ضعيف » .
__________________
الحديث عن أبي محجن الثقفي
وأخرجه ابن عبد البر عن أبي محجن الثقفي
حيث قال : « وقد وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجوه أصحابه وخلالهم ليقتدى
به فيهم بمثل ذلك ، فيما رواه شيخنا عيسى بن سعيد بن سعدة المقري قال : حدّثنا أبوبكر
أحمد بن إبراهيم ابن شاذان قال : حدّثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ، وأنبأنا
به أبو عثمان سعيد بن عثمان قال : حدّثنا أحمد بن دحيم قال : حدّثنا يحيى بن محمد
بن صاعد قال : حدّثنا محمد بن عبيد بن ثعلبة العامري بالكوفة قال : حدّثنا عبد
الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني قال : حدّثنا أبو سعد الأعور. يعني البقال
وكان مولى لحذيفة ـ قال حدثنا شيخ من الصحابة يقال له أبو محجن أو محجن بن فلان
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ أرأف أمتي بأمتي أبوبكر ، وأقواها
في دين الله عمر ، وأصدقها حياء عثمان ، وأقضاها علي بن أبي طالب ، وأقرأها أبي بن
كعب ، وأفرضها زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين
وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح » .
نظرة في سنده
وفي سنده « سعيد
البقّال » قال النسائي : « ضعيف » وقال الذهبي : « تركه الفلاّس. وقال ابن معين : لا يكتب
حديثه. وقال أبو زرعة : صدوق مدلس.
__________________
وقال ح : منكر
الحديث ... » وذكره في ( المغني في الضعفاء ) وقال « ابن حجر :
ضعيف مرسل » وقال صفي الدين الخزرجي : « قال الذهبي مات سنة بضع
وأربعين ومائة وما علمت أحدا وثّقه » وقد نصّ ابن حجر في الاصابة بترجمة أبي محجن على ضعف الرجل
وأنه لم يدرك أبا محجن .
وأما « أبو محجن
الثقفي » فكان فاسقا فاجرا منهمكا في الشّراب لا يكاد يقلع عنه ولا يردعه حد ولا
لوم ، جلده عمر بن الخطاب في الخمر مرارا ـ وقد كان عمر يحاول ان لا يجري الحدّ في
شاربي الخمر من أصحابه لأنه كان منهم ـ لانهماكه وتجريه وفعله ذلك علانية وجهارا ،
ونفاه إلى جزيرة في البحر ، وقد حضر القادسية وهو سكران من الخمر ، فأمر به سعد بن
أبي وقاص إلى القيد ... فهذا طرف من قبائح هذا الرجل وفضائحه ومن شاء التفاصيل
فليرجع إلى ترجمته في ( الاستيعاب ) و ( أسد الغابة ) و ( الاصابة ) وغيرها من
مصادر تراجم الصحابة.
الحديث عن شدّاد بن أوس في
الموضوعات
وقد أخرج أبو جعفر
العقيلي هذا الحديث الموضوع عن شداد بن أوس في ( كتاب الضعفاء ) وابن عساكر في (
تاريخ دمشق ) وضعفه ، وأورده ابن الجوزي في ( الموضوعات ) وفي سنده مجروحون ،
واتّهم منهم بشير بن زاذان فإمّا وضعه وإمّا دلّسه عن بعض الضعفاء ... قال
محمد بن معتمد خان البدخشاني في ( تحفة
__________________
المحبين ) في الفصل
الذي عقده للأحاديث الضعيفة : « أبوبكر أرأف أمتي وأرحمها ، وعمر بن الخطاب خير
أمتي وأعدلها ، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها ، وعلي بن أبي طالب ألبّ أمتي
وأشجعها. عق عس وضعّفه عن شداد ابن أوس. وفي سنده مجروحون واتّهم منهم بشير فإمّا
وضعه وإمّا دلّس عن بعض الضعفاء. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات » .
وهذه عبارة ابن الجوزي في ( الموضوعات )
:
« حديث في ذكر جماعة من الصحابة : أنبأنا
عبد الوهاب بن المبارك قال : أنبأنا محمد بن المظفر قال : أنبأ أبو الحسن أحمد بن
محمد العتيقي قال : أخبرنا يوسف بن الدخيل قال : ثنا أبو جعفر العقيلي قال : ثنا
بشر بن موسى قال : ثنا عبد الرحيم بن واقد الواقدي قال : ثنا بشير بن زاذان ، عن
عمر بن صبيح عن كن عن شدّاد بن أوس : إن رسول الله 6
قال : أبوبكر أوزن أمتي وأرجحها ، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأكملها ، وعثمان أحيا
أمتي وأعدلها ، وعلي بن أبي طالب ولي أمتي وأوسمها ، وعبد الله بن مسعود أمين أمتي
وأوصلها ، وأبو ذر أزهد أمتي وأرأفها ، وأبو الدرداء أعدل أمتي وأرحمها ، ومعاوية
بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها.
طريق آخر ـ أخبرنا علي بن عبيد الله قال
: أنبأ علي بن أحمد البندار قال : أنبأنا أبو عبد الله ابن بطة قال : حدّثني أبو
صالح محمد بن أحمد قال : ثنا خلف ابن عمرو العكبري قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم
قال : ثنا يزيد الحلال صاحب ابن أبي الشوارب قال : حدّثنا أحمد بن القاسم بن بهرام
قال : ثنا محمد بن بشير عن بشير بن زاذان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم : أبوبكر خير أمتي وأتقاها ، وعمر أعزّها وأعدلها ، وعثمان
أكرمها وأحياها ، وعلي ألبّها وأوسمها ، وابن مسعود آمنها وأعدلها ، وأبو ذر
أزهدها وأصدقها ، وأبو
__________________
الدرداء أعبدها ،
ومعاوية أحلمها وأجودها.
قال المصنف : هذا
حديث موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وفي الطريقين جماعة مجروحون ،
والمتهم به عندي بشير بن زاذان ، إما أن يكون من فعله أو من تدليسه عن الضعفاء وقد
خلط في إسناده. قال ابن عدي : هو ضعيف يحدّث عن الضّعفاء » .
و « بشير بن زاذان
» ضعّفه الذهبي أيضا ، إذ ذكره في ( المغني في الضعفاء ) وقال : « ضعّفه الدار
قطني وغيره » .
الحديث عن ابن عباس لا سند له
وروى الملاّ في
سيرته هذا الافك الشنيع والكذب الفظيع عن ابن عباس : قال
المحبّ الطبري في : « الفصل الرابع في وصف كلّ واحد من العشرة بصفة حميدة ـ عن ابن
عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ،
وأقواهم في دين الله عمر ، وأشدّهم حياء عثمان ، وأقضاهم علي بن أبي طالب ، ولكل
نبي حواري وحواريّ طلحة والزبير ، وحيثما كان سعد ابن أبي وقاص كان الحق معه ،
وسعد بن زيد من أحباء الرحمن ، وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن ، وأبو عبيدة بن
الجراح أمين الله وأمين رسوله ، ولكل نبي صاحب وصاحب سرّي معاوية بن أبي سفيان ،
فمن أحبّهم فقد نجا ومن أبغضهم فقد هلك. خرجه الملاّ في سيرته » .
وهذا الحديث باطل
قطعا ، إذ لا سند له أبدا ، وركاكة ألفاظه وسخافة
__________________
معانيه تشهد بوضعه
، وممّا ينادى بذلك اشتماله على فضيلة لمعاوية بن أبي سفيان ، وقد نصّ كبار الأئمة
كالبخاري ، والنسائي ، والحاكم ، وابن الجوزي ، وابن تيمية ، وابن حجر ، وغيرهم ،
على أنّه لم يثبت حديث في فضل معاوية بن أبي سفيان ... كما ستطلع عليه في ما بعد
إن شاء الله تعالى.
حصيلة البحث
وقد علم من هذا
البحث بوضوح : أن حديث « أرحم أمتي بأمتي ... ». حديث موضوع ومفتعل بجميع طرقه وألفاظه ، على ضوء كلمات كبار
أئمة الجرح والتعديل ، ومشاهير حفاظ الحديث والأخبار.
آراء المحققين الآخرين
وقد نصّ جماعة من
مشاهير محقّقي أهل السّنة في الحديث والرجال على وضع هذا الحديث أو بطلانه أو ضعفه
ولا بأس بذكر بعض كلماتهم في هذا المقام :
قال المناوي بشرح
هذا الحديث : « ع من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر بن الخطاب. وابن
البيلماني حاله معروف. لكن في الباب أيضا عن أنس وجابر وغيرهما عند الترمذي ، وابن
ماجة ، والحاكم وغيرهم. لكن قالوا في روايتهم بدل أرأف : ارحم. وقالت : حسن صحيح.
وقال ك : على شرطهما.
وتعقّبهم ابن عبد
الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة ، وبأن شيخه ضعّفه ، بل رجح وضعه » .
__________________
ترجمة ابن عبد الهادي
وابن عبد الهادي ـ
الذي تعقّب القوم في تذكرته بأنّ في الحديث نكارة وبأنّ شيخه ابن تيميّة ضعّفه بل
رجح وضعه ـ من محققي حفّاظ أهل السّنة المشاهير ، قال الحافظ الذهبي في ذكر مشايخه
:
« وسمعت من الامام
الأوحد الحافظ ، ذي الفنون ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي. ولد سنة خمس
أو ست وسبعمائة ، وسمع من القاضي ولي الدين عبد الدائم والمطعم ، واعتنى بالرجال
والعلل وبرع وجمع ، وتصدى للافادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول
والنحو ، وله توسّع في العلوم وذهن سيّال. توفي في شهر جمادى الأولى سنة ٧٤٤ » .
وقال ابن رجب
بترجمته : « المقرئ الفقيه المحدّث الحافظ الناقد النحوي المتفنّن ... عني بالحديث
وفنونه ومعرفة الرجال والعلل وبرع في ذلك ، وتفقّه في المذهب وأفتى وقرأ الأصلين
والعربية وبرع فيها ، ولازم الشيخ تقي الدين ابن تيميّة مدة ... وكتب بخطه المتقن
الكثير ، وصنف كتبا كثيرة ... » .
وقال الحافظ ابن
حجر : « مهر في الحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها. قال الصفدي : لو عاش لكان
آية ... وقال الذهبي في معجمه المختص : الفقيه البارع المقرئ المجوّد المحدّث
الحافظ النحوي الحاذق ذو الفنون ، كتب عني واستفدت منه. وقال ابن كثير : كان حافظا
علاّمة ناقدا ، حصّل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار ، وبرع في الفنون ، وكان
جبلا في العلل والطرق والرجال ، حسن الفهم جدا صحيح الذهن ... » .
__________________
٤ ـ بطلان دعوى ان أبابكر اوّل
باب لأنه باب في الرحمة
وقول العاصمي : «
ثم يكون أبوبكر الصديق رضوان الله عليه بابا منها ، وهو أول باب وأفضل باب ، حيث
جعله النبي صلّى الله عليه وسلّم أوّلهم في الحديث الذي ذكر فيه أصحابه ، وخصّ كلّ
واحد منهم بخاصّية ، فكان رضوان الله عليه بابا في الرحمة والرأفة بالمسلمين
والشفقة عليهم ، كما قال صلّى الله عليه وسلّم : أرحم أمتي أبوبكر. وفي رواية أخرى : أرأف
أمتي بأمتي أبوبكر. ولا يكون الرحمة بالمسلمين إلاّ من أصل العلم ».
واضح البطلان ،
لأنّ شواهد جهل أبي بكر متظافرة جدّا ، ومن كان جاهلا بمعنى « الأب » و « الكلالة
» و « إرث العمّة والخالة » كيف يجوز أن يكون بابا لمدينة العلم؟! وكيف يكون أوّل
باب وأفضل باب؟! وقد عرفت أن الحديث المذكور موضوع ، فبطل الاستدلال به.
نوادر الأثر في شدة أبي بكر
على أن هناك في
كتب أهل السّنة ، أحاديث وآثارا تحكي شدّة أبي بكر على المسلمين ، وهذا من وجوه
بطلان قوله : « فكان بابا في الرحمة والرأفة بالمسلمين والشفقة عليهم » ... ومن
تلك القضايا ما يلي :
(١) ما أخرجه
البخاري في كتاب الأدب قائلا : « باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف ـ حدّثنا
عيّاش بن الوليد ، حدّثنا عبد الأعلى قال : حدّثنا سعيد الجريري ، عن أبي عثمان ،
عن عبد الرحمن بن أبي بكر : إن أبابكر تضيّف رهطا فقال لعبد الرحمن : دونك أضيافك
فإني منطلق إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فافرغ من قراهم قبل أن أجىء. فانطلق
عبد الرحمن فأتاهم بما عنده
فقال : اطعموا.
فقالوا : اين ربّ منزلنا؟ قال : أطعموا. قالوا : ما نحن بآكلين حتى يجيء رب
منزلنا. قال : اقبلوا عنا قراكم فإنه إنّ جاء ولم تطعموا لنلقينّ منه ، فأبوا.
فعرفت انه يجد عليّ ، فلما جاء تنحيّت عنه. فقال : ما صنعتم؟ فأخبروه. فقال : يا
عبد الرحمن ، فسكتّ. ثم قال : يا عبد الرحمن. فسكتّ. فقال : يا غنثر أقسمت عليك إن
كنت تسمع صوتي لمّا جئت. فخرجت فقلت : سل أضيافك. فقالوا : صدق ، أتانا به. قال :
فإنما انتظرتموني ، والله لا أطعمه الليلة. فقال الآخرون : والله لا نطعمه حتى
تطعمه. قال : لم ار في الشر كاللّيلة! ويلكم ما أنتم! لما لا تقبلون عنا قراكم.
هات طعامك. فجاء به ، فوضع يده فقال : بسم الله الأولى للشيطان. فأكل وأكلوا » .
وأخرجه مسلم في باب إكرام الضّيف وفضل
إيثاره : « حدثنا محمد بن مثنى قال : نا سالم بن نوح العطار عن الجريري عن أبي
عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : نزل علينا أضياف لنا. قال وكان أبي يتحدّث
إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الليل فانطلق وقال : يا عبد الرحمن افرغ من
أضيافك. قال : فلما أمسيت جئنا بقراهم قال : فأبوا فقالوا : حتى يجيء أبو منزلنا
فيطعم معنا. قال فقلت لهم : إنه رجل حديد وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه
أذى. قال : فأبوا. فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم فقال : أفرغتم من أضيافكم. قال
: قالوا : لا والله ما فرغنا. قال : الم آمر عبد الرحمن؟ قال : وتنحّيت عنه. فقال
: يا عبد الرحمن! قال : فتنحيّت عنه. قال فقال : يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع
صوتي إلاّ جئت. قال : فجئت. قال فقلت : والله ما لي ذنب ، هؤلاء أضيافك فسلهم ، قد
أتيتهم بقراهم فأبوا أن يطعموا حتى تجيء قال فقال : ما لكم ألاّ تقبلوا عنا قراكم؟
قال فقال أبوبكر : فو الله لا أطعمه الليلة. قال فقالوا والله لا نطعمه حتى تطعمه.
قال فقال : ما رأيت في الشر كالليلة قط ، ويلكم مالكم ألاّ تقبلوا
__________________
عنا قراكم! قال : ثم
قال : أما الأولى فمن الشيطان هلمّوا قراكم. قال : فجيء بالطعام فسمّى فأكل
وأكلوا. قال : فلما أصبح غدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله
برّوا وحنثت. قال فأخبره. فقال : بل أنت أبرّهم وأخيرهم. قال : ولم تبلغني كفارة »
.
أقول
: وهذا الحديث يدل
على الشدّة والغضب من جهات :
فالأولى
: قول عبد الرحمن :
« إنه رجل حديد ، وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى » فهذا يشهد بأنّ ما
رووه من أنه أرحم الامّة بالأمّة ... كذب مختلق.
والثّانية
: تنحّي عبد الرحمن عنه.
والثّالثة
: نداؤه عبد الرحمن
: « يا غنثر » وهو شتم أي : يا لئيم أو نحو ذلك من المعاني القبيحة. وقد اخرج
البخاري في باب قول الضيف « لا آكل حتى تأكل » القصّة وفيها : « فغضب أبوبكر فسبّ
وجدع » قال القسطلاني في شرحه : « فسبّ أي شتم لظنّه أنّهم فرّطوا في حق ضيفه ،
وجدّع بالجيم المفتوحة والدال المهملة المشددة وبعدها عين مهملة : دعا بقطع الأنف
أو الاذن أو الشفة » فهذا يدلّ على شدة غضبه وبذاءة لسانه وسوء خلقه ، حيث جعل
يدعو عليهم بذلك من غير استعلام منهم هل فرّطوا في حق ضيفه أولا!! بل المستفاد من
البخاري أنه فعل ذلك بعد أن سأل أهله : « ما صنعتم؟ فأخبروه » وحينئذ يكون سبّه
إيّاهم أشنع وأفظع.
والرّابعة
: قوله للأضياف : «
فو الله لا أطعمه الليلة » صنيع قبيح منه تجاه إبائهم عن الأكل حتى يجيء ، يكشف عن
غضبه معهم وعدم إكرامه لهم ، من دون أن يكون منهم شيء يستحقّون ذلك به!! بل يجب
إكرام الضيف عقلا وعرفا وشرعا على كلّ حال ، وهذا أمر يعرفه ويفعله حتى أجلاف
العرب ...
__________________
بل من عادة
الأضياف أنّهم لا يأكلون حتى يأكل معهم مضيّفهم ، كما يشهد بذلك ما أخرجه البخاري
في صحيحه في كتاب الأدب : إنّ سلمان زار أبا الدرداء « فصنع له طعاما فقال : كل
فإني صائم. قال : ما أنا بآكل حتى تأكل » ... فلو كان في أبي بكر شيء من الرحمة
والرأفة لأكل مع أضيافه بعد انتظارهم له وإن كان صائما ، لا أن يقول بكلّ خشونة :
والله لا أطعمه الليلة!!
والخامسة
: إنه لا ريب في
مرجوحية هذا القسم ، لظهور رجحان الأكل مع الأضياف ولو استلزم الترك هتكهم كان
حراما لحرمة هتك المسلم ـ وهذا من آيات جهله وسوء خلقه.
والسادسة
: قوله : « ما رأيت
في الشر كالليلة قط » كلام خشن يؤذي الأضياف بلا موجب.
والسابعة
: قوله لهم : « ويلكم
... » ينافي الأدب والإكرام ...
(٢) ما
أخرجه محي السّنة البغوي في ( المصابيح ) والخطيب التبريزي في ( مشكاة المصابيح )
: « عن النعمان بن بشير إنه قال : استاذن أبوبكر 2
على النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فسمع صوت عائشة رضي الله عنها عاليا ، فلمّا دخل
تناولها ليلطمها وقال : لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ،
فجعل النبي يحجزه ، وخرج أبوبكر مغضبا فقال النبي حين خرج أبوبكر : كيف رأيتني
أنقذتك من الرجل؟ قالت : فمكث أبوبكر أياما ثم استأذن فوجدهما قد اضطجعا فقال لهما
: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم :
قد فعلنا ، قد فعلنا » .
ومن الواضح : أنه
كان عليه بادئ بدء أن ينهاها عن ذلك بلسانه ، ثم إذا لم تنته بادر إلى لطمها ،
فإنّ ذلك طريق الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
أقول
: وسبب هذه القضيّة
اعتراض عائشة على النبي 6
__________________
وسلّم في أنّ عليا
أحبّ إليه من أبيها ومنها ، حسدا منها وعنادا له عليه الصلاة والسّلام ، ولكن أبا
داود ومن حذا حذوه أسقطوا من الحديث هذه الفقرة وقد جاء بتمامه في ( المسند ) حيث
قال : « ثنا أبو نعيم ، ثنا يونس ، ثنا العيزار بن حريث قال قال النعمان بن بشير :
استأذن أبوبكر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول
: والله لقد عرفت أن عليّا أحبّ إليك من أبي ومنّي ـ مرتين أو ثلاثا ـ فاستأذن أبوبكر
فدخل فأهوى إليها فقال : يا بنت فلانة! لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم ».
ورواه النسائي قائلا : « أخبرني عبدة بن
عبد الرحيم المروزي قال : أنبأنا عمر بن محمد قال : أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن
العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال : استأذن أبوبكر على النبي صلّى الله عليه
وسلّم ، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول : والله لقد علمت أن عليا أحبّ إليك من أبي
، فأهوى لها ليلطمها وقال لها : يا بنت فلانة أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم! فامسكه رسول الله وخرج أبوبكر مغضبا. فقال رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم يا عائشة! كيف رأيتني أنقذتك من الرجل! ثم استأذن أبوبكر بعد ذلك وقد
اصطلح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعائشة فقال : أدخلاني في السلم كما
أدخلتماني في الحرب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : قد فعلنا » .
وقد جاء في هذا
اللفظ قوله لعائشة : « يا بنت فلانة » ولا يخفى عليك معناه!!
(٣) ما
رواه محي السّنة البغوي في تفسيره قائلا : « أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا
عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا ابراهيم بن محمد بن سفيان ،
أنا مسلم بن الحجاج ، أنا زهير بن حرب ، أنا روح بن عبادة ،
__________________
أنا زكريا بن إسحاق
، أنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبوبكر يستأذن على رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم فوجد الناس جلوسا ببابه ولم يؤذن لأحد منهم. قال : فأذن لأبي
بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له ، فوجد النبي جالسا حوله نساؤه واجما
ساكتا قال : فقال : لأقولنّ شيئا أضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : يا
رسول الله ما لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها؟ فضحك رسول
الله وقال : هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة. فقام أبوبكر إلى عائشة يجأ عنقها ،
وقام عمر الى حفصة يجأ عنقها ، كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم ما ليس عنده؟! قلن : والله لا نسأل رسول الله شيئا أبدا ليس عنده ... » .
وانظر ( لباب التأويل ) عن مسلم ، (
تفسير ابن كثير ) عن أحمد ، ( الدر المنثور ) عن أحمد والنسائي وابن مردويه.
(٤) ما
أخرجه أحمد قال : « ثنا عبد الله بن إدريس قال : ثنا ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير عن أبيه : إن أسماء بنت أبي بكر قالت : خرجنا مع رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم حجاجا ، حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله ، فجلست عائشة إلى
جنب رسول الله وجلست إلى جنب أبي ، وكانت زمالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر ، فجلس أبوبكر ينتظره أن يطلع عليه ، فطلع
وليس معه بعير فقال : أين بعيرك؟ قال : قد أضللته البارحة. فقال أبوبكر : بعير
واحد تضلّه! فطفق يضربه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتبسّم ويقول : أنظروا
إلى هذا المحرم وما يصنع » .
وانظر : ( سنن أبي داود ) و ( سنن ابن
ماجة ) و ( الدر المنثور ) بتفسير ( فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ )
عن الحاكم ـ قال وصححه ـ ... لكن
عند ابن
__________________
ماجة « وكانت
زمالتنا وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر » وعند الحاكم : « وكانت زاملتنا مع
غلام أبي بكر ».
(٥) ما أخرجه في ( مشكاة المصابيح ) في
باب حفظ اللسان والغيبة والشتم : « وعن عائشة قالت : مرّ النبي صلّى الله عليه
وسلّم بأبي بكر ـ وهو يلعن بعض رقيقه ـ فالتفت إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم
فقال : لعّانين وصدّيقين!! كلاّ وربّ الكعبة ، فأعتق أبوبكر يومئذ بعض رقيقه ثم
جاء إلى النبي فقال : لا أعود » .
أقول
: من الواضح أن ذلك
البعض من رقيقه لم يكن مستحقا للّعن ، إذ لو كان مستحقا له لما منع النبي 6 عن لعنه ، ولما
اعتقه أبوبكر يومئذ ، ولما قال للنبي : لا أعود ...
ويستفاد من هذا
الحديث أنّ اللّعان لا يكون صدّيقا ، لأن هاتين الصفتين لا يجتمعان ، وقد بلغ
امتناع اجتماعهما حدّا أقسم عليه النبي 6 بقوله : « كلاّ وربّ الكعبة » ... وحيث ثبت من هذا الحديث
كون أبي بكر لعّانا فهو ليس صدّيقا ، فمن هنا أيضا يثبت بطلان ما نسبوه إلى النبي 6 في باب تلقيبه أبابكر
بالصدّيق ...
هذا ، وفي
( المشكاة ) : « عن أبي هريرة : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لا ينبغي
لصدّيق أن يكون لعّانا. رواه مسلم.
وعن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم يقول : إن اللعانين لا يكونون شهداء ، ولا شفعاء يوم
القيامة. رواه مسلم » .
وفيه : « وعن ابن مسعود قال قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم : ليس المؤمن بالطعّان ولا باللّعان ولا الفاحش ولا
البذي. رواه الترمذي والبيهقي في
__________________
شعب الإيمان. وفي
أخرى له : ولا الفاحش البذي وقال الترمذي : هذا حديث غريب.
وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم : لا يكون المؤمن لعّانا. وفي
رواية : لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعّانا. رواه الترمذي.
وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم : لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بجهنّم. وفي رواية : ولا
بالنار. رواه الترمذي وأبو داود ... » .
(٦) ما رواه
الطبري وابن الأثير في تاريخيهما في ذكر جيش أسامة واللفظ للأول : « فوقف أسامة
بالناس ثم قال لعمر : إرجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس ،
فإنّ معي وجوه الناس وجلّتهم ، ولا آمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال
المسلمين أن يتخطّفهم المشركون. وقالت الأنصار : فإن أبى إلاّ أن نمضي فأبلغه عنّا
، واطلب إليه أن يولّي أمرنا رجلا أقدم سنّا من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة وأتى أبابكر
فأخبره بما قال أسامة. فقال أبوبكر : لو خطفتني الكلاب والذياب لم أرد قضاء قضى به
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال : فإنّ الأنصار أمروني أن أبلغك ، وأنهم
يطلبون إليك أن تولّي أمرهم رجلا اقدم سنّا من أسامة.
فوثب أبوبكر ـ وكان
جالسا ـ فأخذ بلحية عمر فقال له : ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم وتأمرني أن أنزعه؟!
فخرج عمر إلى
الناس فقالوا له : ما صنعت؟ قال : امضوا ثكلتكم أمهاتكم ، ما لقيت في سببكم من
خليفة رسول الله! » .
__________________
لكنّ ابن الأثير
حرّف الرواية وأسقط منها جملة « قال : امضوا ثكلتكم أمّهاتكم ... » لأنّه كلام
شديد قاله عمر للأصحاب ، تشفيا من قول أبي بكر له : « ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن
الخطاب ».
ولمّا كانت القصّة
ـ على كلّ حال ـ تدلّ على غلظة الرجلين وشدّتهما وعدم رأفتهما فقد رواها ابن خلدون
محرفة محوّرة فقال : « ووقف أسامة للناس ورغب من عمر التخلّف عن هذا البعث ،
والمقام مع أبي بكر شفقة من أن يدهمه أمر. وقالت له الأنصار : فإن أبى إلاّ المضيّ
فليولّ علينا أسنّ من أسامة. فأبلغ عمر ذلك كلّه أبابكر. فقام وقعد وقال : لا أترك
أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أخرج وأنفذه » فانظر كيف جعل
جملة « فقام وقعد وقال ... » مكان : « فوثب أبوبكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر ...
»!!
وما أكثر صنائع يد
الأمانة!! من نظائر المقام ...
قال أبوبكر : إنّ لي شيطانا
يعتريني ...
وما ذكرنا بعض
الأدلّة والشواهد على أنّ أبابكر ارحم الأمة بالأمة!!! وسبب وقوع هذه الصّنائع
القبيحة منه ـ بالإضافة إلى قساوته الطبيعيّة وجفائه الباطني ـ شيطانه الذي كان
يعتريه ويتخبّطه من المسّ ، وهذا أمر قد اعترف به على رءوس الأشهاد في أوّل خطبة
خطبها ... قال الحافظ جلال الدين السيوطي : « أخرج ابن سعد عن الحسن البصري قال :
لما بويع أبوبكر قام خطيبا فقال : أمّا بعد فإنّي وليّت هذا الأمر وأنا له كاره ،
والله لوددت أنّ بعضكم كفانيه ، ألا وإنّكم إن كلّفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم أقم به ، كان رسول الله عبدا أكرمه الله بالوحي
وعصمه به ، ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحدكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت
فاتّبعوني ، وإذا رأيتموني زغت
__________________
فقوّموني. واعلموا
أنّ لي شيطانا يعتريني ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم
وأبشاركم » .
وانظر : ( الطبري
) و ( الرياض النضرة ) و ( منهاج السنة ) و ( كنز العمال ) و ( الصّواعق ) وغيرها.
هذا ... ولو
سلّمنا كون أبي بكر أرحم الأمة بالأمة ، فإنّ هذا لا يتمّ للعاصمي مرامه ، لأنّ
قوله : « ولا تكون الرحمة بالمسلمين إلاّ من أصل العلم » ممنوع ، وإلاّ لزم أن
يكون كثير من النسوان والصبيان ذوي الرحمة بالمسلمين علماء ، وهذا ممّا يضحك
الثكلى ...
ولو سلّمنا كونه
أرحم الأمة وأن الرحمة بالمسلمين لا تكون إلاّ من أصل العلم ... فإنّ هذا يستلزم
ثبوت علم له في الجملة ، ومن الواضح أنّ حصول علم في الجملة لأحد لا يكفي لأن يكون
باب مدينة العلم ، والاّ للزم أن يكون كلّ من حصل على علم مّا في الجملة بابا
لمدينة العلم ، وهذا من البطلان بمكان ، لا يتجاسر عليه أحد من أهل الإيمان.
٥ ـ بطلان دعوى أنّ عمر باب
المدينة بعد أبي بكر
قال العاصمي : « وبعد الصديق كان عمر بن
الخطاب بابا في الشدة على المنافقين والمخالفين في الدين ، قوله : « صلّى الله
عليه : وأشدّهم ـ وروى : وأصلبهم ـ في دين الله عمر بن الخطّاب ».
وهو باطل جدّا ،
فإنّ « وأشدّهم ... » فقرة من الحديث الموضوع الذي أوّله : أرحم
أمّتي بأمّتي ... وقد تقدّم إثبات
وضعه بجميع طرقه وألفاظه. فهذا
__________________
أولا.
من شواهد محاماة عمر للمنافقين
والمخالفين
وثانيا : دعوى
كونه شديدا على المنافقين والمخالفين كذب صريح ، وتلك قضاياه في المحاماة لهم
والمجاملة معهم والثناء عليه مدوّنة في كتب الحديث والتاريخ ، نتعرض لبعضها هنا
باختصار :
(١) ما
رواه الحافظ السّيوطي في الدر المنثور بتفسير قوله تعالى : ( وَإِذْ
يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ) عن دلائل النبوة للبيهقي في رواية
مطوّلة في غزوة بدر :
« ثم سار رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش ، فقال رسول الله أشيروا علينا في أمرنا
ومسيرنا. فقال أبوبكر : يا رسول الله أنا أعلم الناس بمسافة الأرض ، أخبرنا عدي بن
أبي الزغباء أنّ العير كانت بوادي كذا وكذا ، فكأنّا وإيّاهم فرسا رهان إلى بدر.
ثم قال : أشيروا عليّ. فقال عمر بن
الخطاب : يا رسول الله إنها قريش وعزّها ، والله ما ذلّت منذ عزّت ولا آمنت منذ
كفرت ، والله لتقاتلنّك ، فتأهّب لذلك أهبته وأعدد له عدّته.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :
أشيروا عليّ. فقال المقداد بن عمرو : إنّا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى ( فَاذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكم
متبعون » .
وفي ( السيرة الحلبّية ): « ثم قال :
أشيروا عليّ. فقال عمر : يا رسول الله إنها قريش وعزّها ، والله ما ذلّت منذ عزّت
ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنّك ،
__________________
فتأهّب لذلك أهبته
وأعدّ لذلك عدّته » .
أقول
: لقد آذى عمر
بكلامه المذكور رسول الله 6 وأغضبه حتى احمرّت وجنتاه ، ولقد حاول أهل السنّة إخفاء
هذا الأمر ، ولكنّه لا يخفى على المتتبّع للأخبار والآثار ، قال الطبري في ذكر
غزوة بدر : « ثنا محمد بن عبيد المحاربي قال : ثنا إسماعيل بن ابراهيم ابو يحيى
قال : ثنا المخارق ، عن طارق ، عن عبد الله بن مسعود قال : لقد شهدت من المقداد
مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إليّ ممّا في الأرض من شيء ، كان رجلا فارسا وكان
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا غضب احمارّت وجنتاه ، فأتاه المقداد على تلك
الحال فقال : أبشر يا رسول الله ، فو الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى
: ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا
هاهُنا قاعِدُونَ ) ولكن والذي بعثك بالحق لنكوننّ من بين يديك ومن خلفك وعن
يمينك وعن شمالك ، أو يفتح الله لك » .
وقد أسقط بعض
مؤرّخيهم كلامي أبي بكر وعمر الدال أحدهما على الجبن والخور والآخر على مدح أهل
الكفر والجور ... ففي ( طبقات ابن سعد ) « ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ،
حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش ، فأخبر به رسول الله « ص » أصحابه
واستشارهم ، فقال المقداد بن عمرو البهراني : والذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك
الغماد لسرنا معك حتى ننتهي إليه » .
وأسقطهما البعض
الآخر ، وجعل في مكان كلّ واحد « قال فأحسن » ثم ذكر كلام المقداد بتمامه ... ففي
( سيرة ابن هشام ) : « وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا غيرهم ، فاستشار الناس
وأخبرهم عن قريش. فقام أبوبكر الصديق فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب فقال
وأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال :
__________________
يا رسول الله ،
امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( فَاذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ) ولكن اذهب أنت
وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد
لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيرا ودعا
له به » .
ولكنّ صنيع هؤلاء
لا ينفع الشّيخين بحال ، فقد رفعت روايتا السيوطي والطبري السّتار عن حقيقة أمرهما
، وكشفتا النقاب عن باطن سرّهما ، وعلم أنه كيف أغضب عمر بكلامه رسول الله 6 ، وأنه كيف أزال
المقداد كربته بكلامه فدعا له وقال له خيرا ، حتى تمنى ابن مسعود أن يكون صاحب هذا
الموقف الكريم والمشهد العظيم ...
(٢) ما
أخرجه الحاكم في كتاب قسم الفيء حيث قال :
« أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني
، ثنا ابن أبي عزرة ، ثنا محمد بن سعيد الاصبهاني ، ثنا شريك ، عن منصور ، عن ربعي
بن خراش ، عن علي قال : لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة أتاه ناس من
قريش فقالوا : يا محمد إنا حلفاؤك وقومك ، وإنه لحق بك أرقّاؤنا ، ليس لهم رغبة في
الإسلام ، وإنهم فرّوا من العمل ، فارددهم.
فشاور أبابكر في أمرهم فقال : صدقوا يا
رسول الله.
فقال لعمر : ما ترى؟ فقال قول أبي بكر.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :
يا معشر قريش ، ليبعثنّ الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان يضرب رقابكم
على الدين.
فقال أبوبكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال
: لا.
قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال :
لا.
__________________
ولكن خاصف النعل في المسجد ، وقد كان
ألقى نعله إلى علي يخصفها. ثم قال : أما إني سمعته يقول : لا تكذبوا عليّ فإنه من
يكذب عليّ يلج النار.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
» .
وانظر : ( مسند أحمد ) و ( الخصائص ) و
( كنز العمال ) وغيرها. وقد عدّ القضية شاه ولي الله الدهلوي في ( إزالة الخفا )
من مآثر أمير المؤمنين 7
وصرّح بدلالته على خلافته.
أقول
: ولمّا كانت هذه
القصّة دالة على مجاراة الشيخين للكفّار ومحاماتهما لهم والتصديق لقولهم ، فقد
رجّح بعض محدثي القوم تحريفها بإسقاط كلامهما في النقل رأسا ... ففي
( صحيح الترمذي ) ما هذا لفظه : « حدثنا سفيان بن وكيع ، نا أبي عن شريك ، عن
منصور عن ربعي بن حراش قال : نا علي بن أبي طالب بالرّحبة فقال : لمّا كان يوم
الحديبيّة خرج إلينا ناس من المشركين ، فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين
فقالوا : يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا ، وليس لهم فقه
في الدين ، وإنّما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا ، فإن لم يكن
لهم فقه في الدين سنفقهّهم.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : يا
معشر قريش لتنتهينّ أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسّيف على الدّين ... »
.
لكن البعض الآخر
منهم رجّح الإبقاء على نصّ الرواية ، لكن جعل كلمة « فقال ناس : صدقوا يا رسول
الله ردّهم إليهم » بدل اسم الشيخين سترا عليهما ... في
( سنن أبي داود ) ما نصّه : « باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون ـ
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قال : ثنا محمد ـ يعني ابن سلمة ـ عن محمد بن
إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن منصور بن المعتمر ، عن ربعي
__________________
ابن خراش عن علي بن
أبي طالب قال : خرج عبدان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ يعني يوم
الحديبيّة قبل الصلح ـ فكتب إليه مواليهم فقالوا : يا محمد ، والله ما خرجوا إليك
رغبة في دينك ، وانما خرجوا هربا من الرق. فقال ناس : صدقوا يا رسول الله ردّهم
إليهم. فغضب رسول الله وقال : ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم
من يضرب رقابكم على هذا. وأبي أن يردّهم وقال : هم عتقاء الله عز وجل » .
وانظر : ( المستدرك ) و ( المصابيح ) و
( المشكاة ) وغيرها.
وهذا التحريف وإن
كان لغرض حماية الشيخين ، لكن شاء الله تعالى أن يكون سببا لمزيد هتكهما وظهور
كفرهما ووضوح نفاقهما ... وذلك لأنّ شرّاح ( المصابيح ) و ( المشكاة ) ـ حيث شرحوا
هذا الحديث المحرّف وغفلوا عن أنّ القائل لهذا القول هما الشيخان ـ ذكروا في تعليل
غضب النّبي 6 : « لأنّهم عارضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين ، وشهدوا لأوليائهم
المشركين بما ادّعوه ... فكان معاونتهم لأوليائهم تعاونا على العدوان ».
ولنذكر نصوص
عباراتهم لتعرف حقيقة أمر الرجلين ومعنى كلامهما في تصديق المشركين :
قال فضل الله بن
الحسن التوربشتي في ( شرح المصابيح ) : « وإنما غضب رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم ، لأنهم عارضوا حكم الشّرع فيهم بالظن والتخمين ، وشهدوا لأوليائهم المشركين
بما ادّعوه أنهم خرجوا من الرق لا رغبة في الإسلام ، وكان حكم الشرع فيهم أنّهم
صاروا بخروجهم عن دار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام أحرارا ، فكان معاونتهم
لأوليائهم تعاونا على العدوان » .
__________________
وقال الخلخالي : «
قوله : ردّهم إليهم. أمر مخاطب. فغضب رسول الله 7 ، لأنهم عارضوا حكم الشرع فيهم بالظنّ والتخمين ، وشهدوا
لأوليائهم المشركين بما ادّعوه أنهم خرجوا هربا من الرق لا رغبة في الإسلام ، وكان
حكم الشرع فيهم أنهم صاروا بخروجهم من دار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام أحرارا ،
فكان معاونتهم لأوليائهم تعاونا على العدوان.
قوله : ما أراكم تنتهون. النفي وإن دخل على أراكم ظاهرا لكنه بالحقيقة ينفي
الانتهاء ، أي أراكم ما تنتهون من تعصب أهل مكة. حتى
يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا. أي على هذا الحكم. وأبي أن يردهم. أي وأبي النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يردّ العبدان » .
وقال الطيبي : « وقوله
: ما أراكم تنتهون. فيه تهديد عظيم
... التوربشتي : وإنّما غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنهم عارضوا حكم
الشرع فيهم ... » .
وكذا جاء في (
المرقاة في شرح المشكاة ) و ( أشعة اللمعات في شرح المشكاة لعبد الحق الدهلوي )
فراجع.
(٣) ما رواه القوم من امتناعه من قتل ذي
الثّدية المنافق ، بالرغم من أمر النبي 6
بقتله ، فقد قال الحافظ ابن حجر بترجمة ذي الثدية : « وقال أبو يعلى في مسنده ـ
رواية ابن المقري عنه ـ ثنا محمد بن الفرج ، ثنا أحمد بن الزبرقان ، حدثني موسى بن
عبيدة ، أخبرني هود بن عطا ، عن أنس قال : كان في عهد رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم رجل يعجبنا تعبّده واجتهاده ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم
باسمه فلم يعرفه ، ووصفناه بصفته فلم يعرفه ، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل فقلنا
: هو هذا ، قال : إنكم لتخبروني عن
__________________
رجل إنّ في وجهه
سفعة من الشيطان ، فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلّم ، فقال له رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم : أنشدك الله هل قلت حين وقفت على المجلس ما في القوم أحد أفضل مني أو
خير مني؟
قال : أللهم نعم. ثم دخل يصلّي ، فقال
رسول الله : من يقتل الرجل؟ قال أبوبكر : أنا ، فدخل عليه فوجده يصلي فقال : سبحان
الله أقتل رجلا يصلي وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل المصلّين!
فخرج. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ما فعلت؟ قال : كرهت أن أقتله وهو
يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين!
فقال : من يقتل الرجل؟ قال عمر : أنا.
فدخل فوجده واضعا جبهته ، قال عمر : أبوبكر أفضل منّي ، فخرج! فقال له النبي صلّى
الله عليه وسلّم : مه؟ قال : وجدته واضعا جبهته لله فكرهت أن أقتله!
فقال : من يقتل الرجل؟ فقال علي : أنا.
فقال : أنت إن أدركته ، قال : فدخل عليه فوجده قد خرج. فرجع إلى رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم فقال له : مه؟ قال : وجدته قد خرج. قال : لو قتل ما اختلف من أمتي
رجلان كان أوّلهم وآخرهم.
قال موسى : فسمعت محمد بن كعب يقول : هو
الذي قتله علي ، ذو الثدية » .
وانظر : ( نوادر الأصول ) و ( حلية
الأولياء ) و ( الباهر في حكم النبي بالباطن والظاهر ) قال السيوطي بعد الحديث : «
أخرجه أبو يعلى في مسنده من طرق عن موسى به. وموسى وشيخه فيهما لين. ولكن للحديث
طرق متعددة تقتضي ثبوته ... » فذكر تلك الطرق بالتفصيل عن أبي يعلى ، والبزار ،
والبيهقي ، والمحاملي من حديث أنس ، وعن ابن أبي شيبة ، وابن منيع ، وأبي يعلى من
حديث
__________________
جابر ، وقال : « هذا
إسناد صحيح على شرط مسلم ».
ورواه السيوطي في ( الخصائص الكبرى ) عن
ابن أبي شيبة وأبي يعلى ، والبزار ، والبيهقي من حديث أنس ...
(٤) ما
رووه من امتناعه عن قتل منافق في قضيّة مشابهة للقضيّة السّابقة ، قال أحمد : «
ثنا روح ، ثنا عثمان الشحام ، ثنا مسلم بن أبي بكرة عن أبيه : أنّ نبي الله صلّى
الله عليه وسلّم مرّ برجل ساجد وهو ينطلق الى الصلاة ، فقضى الصلاة ورجع عليه وهو
ساجد ، فقام النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : من يقتل هذا؟ فقام رجل فحسر عن
يديه فاخترط سيفه وهزّه ، ثم قال : يا نبي الله بأبي أنت وأمّي كيف أقتل رجلا
ساجدا يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا عبده ورسوله؟! ثم قال : من يقتل هذا؟
فقام رجل فقال : أنا ، فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزّه حتى أرعدت يده ، فقال :
يا نبي الله ، كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا عبده
ورسوله؟! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : والذي نفس محمد بيده لو قتلتموه لكان
أوّل فتنة وآخرها » .
ورواه أبو العباس المبرّد في ( الكامل )
والسيوطي في ( الباهر ) عن المسند ، ثم قال : « هذا الاسناد أيضا صحيح على شرط
مسلم ، فإنّ روحا من رجال الصحيحين ، وعثمان الشحام ومسلم بن أبي بكرة كلاهما من
رجال مسلم. وسياق هذه القصة فيه
مغايرة لسياق حديث أنس وجابر ، فلعلّها قصة أخرى وقعت لرجل آخر ... ».
(٥) ما رووه في
قصة أخرى تتعلّق بالخوارج أيضا ... قال أحمد : «
ثنا بكر ابن عيسى ، ثنا جامع بن مطر الحبطي ، ثنا أبو روبة شداد بن عمران القيسي ،
عن أبي سعيد الخدري ، إن أبابكر جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا
رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا ، فإذا رجل متخشّع حسن الهيئة يصلّي.
__________________
فقال له النبي صلّى
الله عليه وسلّم : اذهب إليه فاقتله. قال : فذهب إليه أبوبكر ، فلمّا رآه على تلك
الحال كره أن يقتله! فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فقال النبي
صلّى الله عليه وسلّم لعمر : اذهب فاقتله. فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبوبكر
، فكره أن يقتله. فرجع فقال : يا رسول الله إنّي رأيته يصلّي متخشّعا فكرهت أن
أقتله. قال : يا علي اذهب فاقتله. قال : فذهب علي فلم يره. فرجع علي فقال : يا
رسول الله إني لم أره. قال فقال النبي : إنّ هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز
تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه حتى يعود
السهم في قوسه ، فاقتلوهم هم شرّ البرية » .
وفي ( فتح الباري
) : « تنبيه : جاء عن أبي سعيد الخدري قصة أخرى تتعلق بالخوارج ، فيها ما يخالف
هذه الرواية ، وذلك فيما أخرجه أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال : جاء أبوبكر ...
وله شاهد من حديث جابر. أخرجه أبو يعلى ورجاله ثقات » .
(٦) ما رووه في
قصّة الرجل المنافق الأسود الذي اعترض على رسول الله 6 تقسيمه غنائم خيبر ، فأمر الشيخين بقتله فأبيا ولم يطيعاه
... قال المبرّد : « ويروى أنّ رجلا أسود شديد
السواد ، شديد بياض الثياب ، وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو فيهم
يقسّم غنائم خيبر ، ولم تكن إلاّ لمن شهد الحديبيّة ، فأقبل ذلك الأسود على رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : ما عدلت منذ اليوم. فغضب رسول الله حتى رؤي
الغضب في وجهه الشريف. فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ألا أقتله يا رسول
الله؟ فقال : لا ، إنه يكون لهذا وأصحابه نبأ.
قال أبو العباس : وفي حديث آخر : إن
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له : ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ ثم قال لأبي
بكر رضي الله تعالى عنه : أقتله.
__________________
فمضى ثم رجع فقال :
يا رسول الله رأيته راكعا. ثم قال لعمر : أقتله. فمضى ثم رجع فقال : يا رسول الله
رأيته ساجدا. ثم قال لعلي : أقتله فمضى ثم رجع فقال : يا رسول الله لم أره ، فقال
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو قتل هذا ما اختلف اثنان في دين الله ».
هذا ، وفي
بعض الروايات : أنّ عثمان ذهب ليقتله بعد رجوع الشيخين « فوجده في السجود. فقال :
إن أبابكر وعمر لم يقتلاه في القيام والركوع ، فكيف أقتله في السجود؟ فرجع » .
(٧) ومن المواقف
التي أظهر فيها عمر ضعفه في الدّين ورأفته بالمنافقين قضيّة المرتدّين ، قال ابن
الأثير في حديث طويل عن عمر : « وأمّا يومه ، فلما قبض رسول الله ارتدت العرب
وقالوا : لا نؤدّي زكاة. فقال : لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليهم. فقلت : يا خليفة
رسول الله تألّف الناس وارفق بهم. فقال لي : أجبّار في الجاهلية وخوّار في الإسلام؟!
إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدين ، أينقص وأنا حي؟! » .
وانظر : ( الرياض
النّضرة ) و ( المشكاة ) و ( تاريخ الخلفاء ) و ( كنز العمال ) و ( الصواعق )
وغيرها.
أقول
: وإنّ لم تؤمن
بدلالة كلام عمر وجواب أبي بكر على ضعف عمر ووهنه في أمر الدّين ، ورفقه ورأفته
تجاه المنافقين ، فعليك بمراجعة شروح المشكاة ... وهذا نصّ عبارة الطّيبي في (
الكاشف ) نورده ليطمئنّ قلبك : « قوله : خوّار في الإسلام. يه : هو من خار يخور ،
إذا ضعفت قوته ووهنت. أقول : أنكر عليه ضعفه ووهنه في أمر الدين ، ولم يرد أن يكون
جبّارا ، بل أراد به التصلّب والشدة في الدين ، لكن لما ذكر الجاهلية قرنه بذكر
الجبار. ومن العجب أن أبابكر رضي
__________________
الله عنه كان
منسوبا إلى الرفق والدماثة ، وعمر 2 الى الشدة والصّلابة ، فعكس الأمر في هذه القضيّة ».
اختلاق آخر
ولمّا رأى القوم
أنّ ما وضعوه على رسول الله 6 من أنّ « أشدّهم في دين
الله عمر » لا يصدق في حق عمر
، وتنّبهوا إلى أنّ الحقائق التاريخيّة تكشف عن ذلك لا محالة ... التجئوا إلى وضع
جملة أخرى بدلها ، فنسبوا إليه 6 قوله : « أرحم أمتي بأمتي أبوبكر وأرفق
أمّتي لأمتي عمر » أخرجه الطبراني ورواه عنه المحبّ الطبري حيث قال : « ذكر ما جاء
في وصف جمع كلا بصفة حميدة. عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم : أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأشدّهم في دين الله عمر ... وخرّجه الطبراني فقال
: أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأرفق أمتي لأمتي عمر ، وأقضى أمتي علي بن أبي طالب. ثم معنى ما بقي » .
ولكن قد غفل واضعه
عمّا قصده واضع الحديث الأول من « وصف جمع كلا بصفة حميدة » حيث وصف أبابكر «
بالرحمة » ووصف عمر « بالشدّة في الدين » أمّا في هذا الاختلاق الجديد فقد وصف أبوبكر
« بالرحمة » ووصف عمر « بالرّفق » وكلاهما واحد.
وبعد ، فلو سلّم
كون عمر « أشدّهم في دين الله » فإنّ هذا الوصف لا يقتضي لأن يكون عمر بابا لمدينة
العلم أعني رسول الله 6 ، فبطل ما ادّعاه العاصمي والحمد لله رب العالمين.
__________________
اختصاص حذيفة بعلم المنافقين
ومن الجدير بالذكر
هنا ما جاءت به أحاديث القوم من جهل عمر بالمنافقين واختصاص حذيفة بن اليمان بهذا
العلم ، فإنّ عمر كان يسأل حذيفة عنهم وكان هو المعروف بين الصحابة بهذا العلم ،
بل في بعض رواياتهم أن عمر خاطبه بقوله : « يا حذيفة ، بالله أنا من المنافقين! »
... وإليك بعض ما جاء في ذلك :
قال ابن عبد البر
بترجمة حذيفة : « وكان عمر بن الخطاب يسأله عن المنافقين وهو معروف في الصحابة
بصاحب سرّ رسول الله 6. وكان عمر ينظر إليه عند موت من مات منهم ، فإن لم يشهد
جنازته حذيفة لم يشهدها عمر » .
وفي ( إحياء علوم
الدين ) : « ولقد كان عمر 2 يبالغ في تفتيش قلبه ، حتى كان يسأل حذيفة 2 أنه هل يعرف به
من آثار النفاق شيئا ، إذ كان قد خصّه رسول الله 6 بعلم المنافقين » .
وقال الذهبي : «
زيد بن وهب الجهني الكوفي من جلة التابعين وثقاتهم ، متفق على الاحتجاج به ، إلاّ
ما كان عن يعقوب الفسوي ، فإنه قال في تاريخه : في حديثه خلل كثيرة ولم يصب الفسوي
، ثم إنه ساق من روايته قول عمر : يا حذيفة بالله أنا من المنافقين! قال : وهذا
محال ، أخاف أن يكون كذبا. قال : ومما يستدل به على ضعف حديثه روايته عن حذيفة :
إن خرج الدجال تبعه من كان يحبّ عثمان. ومن خلل روايته قوله : ثنا ـ والله ـ أبو
ذر ، ثنا بريدة قال : كنت مع النبي 6 فاستقبلنا أحدا. الحديث.
__________________
فهذا الذي استنكره
الفسوي من حديثه ما سبق إليه ، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا رددنا كثيرا من السنن
الثابتة بالوهم الفاسد ، ولا نفتح علينا في زيد بن وهب خاصة باب الاعتزال بردّ
حديثه الثابت عن ابن مسعود حديث الصادق المصدوق. وزيد سيد جليل القدر ، هاجر إلى
النبي 6 فقبض وزيد في الطريق ، وروى عن : عمر ، وعثمان ، وعلي ، والسابقين ، وحدّث
عنه خلق ، ووثّقه ابن معين وغيره ، حتى أن الأعمش قال : إذا حدّثك زيد بن وهب عن
أحد فكأنّك سمعته من الذي حدّثك عنه. قلت : مات سنة تسعين أو بعدها » .
وفي ( السيرة
الحلبية ) في ذكر واقعة عقبة : « وكان يقال لحذيفة 2 : صاحب سر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... فلما توفي
رسول الله كان عمر بن الخطاب ـ 2 ـ في خلافته إذا مات الرجل ممن يظنّ به أنه من أولئك ، أخذ
بيد حذيفة 2 فناداه إلى الصّلاة عليه ، فإن مشى معه حذيفة صلّى عليه عمر 2 ، وإن انتزع يده
من يده ترك الصلاة عليه » .
أقول
: فإذا كان هذا حال
عمر في الجهل بالمنافقين ، كيف يعقل أن يصفه النبي 6 بأنّه « أشدّهم على المنافقين »! بل لو كان الأشدّ عليهم
لكان من المناسب أن يعرّفه النبي 6 بالمنافقين ، لا أن يسرّ بأسمائهم إلى حذيفة دونه! بل لقد
عرفت أنّه كان يسأل حذيفة « أنّه هل يعرف به من آثار النفاق شيئا؟ »! بل جاء في
حديث زيد بن وهب ـ المتفق على الاحتجاج به ـ أنه قال لحذيفة : « بالله أنا من
المنافقين »! فهل يعقل أن يكون « أشدّهم على المنافقين » والحال هذه؟!
__________________
٦ ـ بطلان دعوى أن عثمان باب
المدينة بعد عمر
قال العاصمي : «
ثم عثمان بن عفان الباب الثالث منها في صدق الحياء ، قوله 6 : وأصدق أمتي
حياء عثمان بن عفان ».
أقول
: وهذا باطل أيضا ،
لأنّ هذا الذي نسبه إلى النبي 6 هو من أجزاء الحديث الطويل الموضوع الذي أوضحنا وضعه
بالتّفصيل سابقا.
على أنّ ثبوت
الحياء لعثمان ـ فضلا عن صدقه ـ يعدّ من المستحيلات ، لأنّ كلّ واحد من قضاياه
وأموره وما أحدثه دليل قاطع على عدم حيائه من الله ومن النّاس ، حتى جاهده القوم
وفعلوا به ما فعلوا ، ثم قتلوه شرّ قتله ...
ولمّا كانت تلك
القضايا التي نقم عليه بها من ضروريّات التّاريخ التي لا تقبل أيّ بحث وجدال ، فلا
نطيل المقام بذكرها ولا نسوّد الصّفحات بإيرادها.
٧ ـ بطلان دعوى كون أبيّ من
أبواب مدينة العلم
ثم قال العاصمي : « وباب منها أبيّ بن
كعب ، حيث فضّله النّبي صلّى الله عليه وسلّم بعلم القرآن وقراءته. قوله 7 : وأقرؤهم أبي بن كعب. وروي : وأقرؤهم
لكتاب الله ».
أقول
: دعوى أنّ أبيّ بن
كعب من أبواب مدينة العلم استنادا إلى دعوى أنّ النّبي 6 فضّله بعلم
القرآن وقراءته ، في غاية الغرابة ، وهي باطلة لوجوه :
الأول
: إنّه لا دليل من
النصوص والأحاديث على كونه بابا للمدينة ، وكونه
أقرأ الأصحاب
للقرآن ـ لو صحّ ـ لا يقتضى ذلك البتة.
الثاني
: استدلاله بما نسب
إلى النبي 6 بأنه قال « وأقرؤهم أبي بن كعب » باطل ، لأن ذلك من أجزاء الحديث الطويل الذي أوضحنا كونه
موضوعا بالتفصيل.
الثالث
: لو سلّمنا صحة
الحديث ، لكنه لا يقتضي تفضيل أبي على جميع الأصحاب في علم قراءة القرآن ، كما
تشهد بهذا كلمات أعلام القوم ، حيث صرّحوا بكونه أقرأ « بالنسبة لجماعة مخصوصين أو
وقت من الأوقات ، فإنّ غيره كان أقرأ منه » ... قاله المناوي في ( فيض القدير )
وانظر أيضا كلامه في ( التيسير ) وكلام نور الدين العزيزي في ( السراج المنير في
شرح الجامع الصّغير ).
فظهر أنّ النبي 6 لم يفضّله بعلم
القرآن وقراءته ، فبطل ما ادّعاه العاصمي في هذا المقام أيضا.
٨ ـ بطلان دعوى كون معاذ من
أبواب مدينة العلم
ثم قال العاصمي : « وباب منها معاذ بن
جبل ، لما فضّله النبي صلّى الله عليه وسلّم في العلم خاصة دون غيره ، قوله 7 : وأعلم أمّتي بالحلال والحرام معاذ بن
جبل ».
وجوه بطلان هذه الدعوى
أقول
: وهذه الدعوى
باطلة كذلك لوجوه :
الأول
: إنّ دعوى كون «
معاذ بن جبل » بابا من أبواب مدينة العلم من غير نصّ صريح في ذلك عن مدينة العلم 6 تجاسر قبيح
وتخرّص فضيح.
الثاني
: استشهاده بما نسب
إليه 6 أنه قال : «
وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل » يبطله كون هذا من الحديث الطويل الثابت وضعه واختلاقه على رسول الله 6.
الثالث
: إن كون معاذ بن
جبل بابا من أبواب المدينة إنّما يثبت في حال اختصاص علم الحلال والحرام به دون
غيره من الأصحاب ، او إثبات كونه مبرّزا من بينهم في هذا العلم ، وكلا الأمرين غير
ثابت ، فإن كونه مخصوصا بهذا العلم دونهم ـ بأن يكون هو العالم بهذا العلم وليس
لغيره منهم نصيب منه ـ ظاهر البطلان جدّا ، ولا يلتزم به أحد من أهل السنة أبدا.
وأمّا الأمر الثاني فغير ثابت كذلك ، لتنصيص العلماء المحققين على أنه « يصير كذلك
بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم » قال المناوي ( فيض القدير ) : « يعني انه
يصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم ، وإلاّ فأبوبكر وعمر وعلي أعلم منه
بالحلال والحرام ... » وفي ( التيسير ) : « يعني : سيصير أعلمهم بعد انقراض أكابر
الصحابة » وقال العزيزي « يعني سيصير أعلمهم بعد انقراض أكابر الصحابة ».
من شواهد جهل معاذ بالحلال
والحرام
الرابع
: إنه مع قطع النظر
عمّا تقدّم هناك في أمهات مصادر أهل السّنة شواهد على جهل معاذ بالحلال والحرام ،
ومعها تبطل دعوى العاصمي من أصلها ... ومن ذلك ما رواه ابن سعد بترجمته حيث قال :
« أخبرنا عبيد
الله بن موسى ، أنا شيبان ، عن الأعمش ، عن شقيق قال : استعمل النبي صلّى الله
عليه وسلّم معاذا على اليمن ، فتوفي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستخلف أبوبكر
وهو عليها وكان عمر عامئذ على الحج ، فجاء معاذ إلى مكة ومعه رقيق ووصفاء على حدة.
فقال له عمر : يا أبا عبد الرحمن لمن هؤلاء الوصفاء؟ قال : هم لي. قال : من أين هم
لك؟ قال : أهدوا لي. قال : أطعني
وأرسل بهم إلى أبي
بكر ، فإن طيّبهم لك فهم لك. قال : ما كنت لأطيعك في هذا ، شيء أهدي لي أرسل بهم
إلى أبي بكر؟! قال : فبات ليلة ثم أصبح فقال : يا ابن الخطاب ما أراني إلاّ مطيعك
، إني رأيت اللّيلة في المنام كأنّي أجّر وأقاد ـ أو كلمة تشبهها ـ إلى النار وأنت
آخذ بحجزتي! فانطلق بي وبهم إلى أبي بكر. فقال : أنت أحق بهم. فقال أبوبكر : هم
لك. فانطلق بهم إلى أهله فصفّوا خلفه يصلّون. فلما انصرف قال : لمن تصلّون؟ قالوا
: لله تبارك وتعالى. قال : فانطلقوا فأنتم له » .
وفيه أيضا : « أخبرنا محمد بن عمر ،
حدثني عيسى بن النعمان ، عن معاذ ابن رفاعة ، عن جابر بن عبد الله قال : كان معاذ
بن جبل ـ ; ـ من أحسن
الناس وجها وأحسنه خلقا وأسمحه كفّا ، فادّان دينا كثيرا ، فلزمه غرماؤه حتى تغيّب
منهم أيّاما في بيته ، حتى استأدى غرماؤه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فأرسل
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى معاذ يدعوه ، فجاءه ومعه غرماؤه ، فقالوا :
يا رسول الله خذلنا حقّنا منه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :
رحم الله من تصدّق عليه.
قال : فتصدّق عليه ناس وأبى آخرون
وقالوا : يا رسول الله ، خذلنا حقّنا منه.
فقال رسول الله : اصبر لهم يا معاذ.
قال : فخلعه رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم من ماله فدفعه إلى غرمائه فاقتسموه بينهم فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم.
قالوا : يا رسول الله بعه لنا.
قال لهم رسول الله « ص » : خلّوا عنه
فليس لكم إليه سبيل.
__________________
فانصرف معاذ الى بني سلمة فقال له قائل
: يا أبا عبد الرحمن ، لو سألت رسول الله ، فقد أصبحت اليوم معدما. قال : ما كنت
لأسأله. قال : فمكث يوما ، ثم دعاه رسول الله فبعثه إلى اليمن وقال : لعلّ الله
يجبرك ويؤدّي عنك دينك.
قال : فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل بها
حتى توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فوافى السنة التي حجّ فيها عمر بن
الخطاب ـ استعمله أبوبكر على الحج ـ فالتقيا يوم التروية بمنى ، فاعتنقا وعزّى كلّ
واحد منهما صاحبه برسول الله ، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدّثان ، فرأى عمر عند معاذ
غلمانا فقال : ما هؤلاء يا أبا عبد الرحمن؟ قال : أصبتهم في وجهي هذا. فقال عمر :
من أيّ وجه؟ قال : أهدوا إليّ وأكرمت بهم فقال عمر : أذكرهم لأبي بكر. فقال معاذ :
ما ذكري هذا لأبي بكر؟ ونام معاذ ، فرأى في النوم كأنّه على شفير النّار وعمر آخذ
بحجزته من ورائه يمنعه أن يقع في النار ، ففزع معاذ فقال : هذا ما أمرني به عمر.
فقدم معاذ ، فذكرهم لأبي بكر ، فسوّغه أبوبكر ذلك وقضى بقيّة غرمائه وقال : إني
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : لعلّ الله يجبرك » .
أقول
: وهذه القصّة فيها
دلالة واضحة على جهل معاذ بالحلال والحرام ، وعدم تورّعه في جمع الأموال ، وحينئذ
لا يعقل أن يصدق في حقه كونه أعلم الأصحاب والأمّة بالحلال والحرام.
حديث موضوع في الذّب عن معاذ
وممّا يضحك الثكلى
وضع بعض أسلاف القوم حديثا في حماية معاذ وذبّ هذه المنقصة المذكورة عنه ... وذلك
ما جاء في ( الاصابة ) بترجمة معاذ وهذا
__________________
نصّه : « وذكر
سيف في الفتوح بسند له عن عبيد بن صخر قال قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ ـ
حين بعثه إلى اليمن ـ : إني قد عرفت بلاءك في الدين ، وقد طيّبت لك الهدية ، فإن
أهدي لك شيء فاقبل. قال : فرجع حين رجع بثلاثين رأسا أهديت له » .
الوجوه الدالة على وضعه
أقول
: وهذا حديث موضوع
مختلق لوجوه :
الأول
: إنّه من حديث «
سيف بن عمر الكوفي » صاحب كتاب الفتوح وهو ضعيف جدا ، بل إنه متهم بالزندقة ...
قال الذهبي : « قال عباس عن يحيى : ضعيف. وروى مطين عن يحيى : فليس خير منه. وقال
أبو داود : ليس بشيء. وقال أبو حاتم متروك. وقال ابن حبان : اتّهم بالزندقة. وقال
ابن عدي : عامّة حديثه منكر ».
قال : « وكان سيف
يضع الحديث وقد اتّهم بالزندقة » .
وقد أورد ابن حجر
هذه الكلمات وغيرها بترجمته من ( تهذيب التهذيب ) .
الثاني
: لقد أغفل ابن حجر
في ( الاصابة ) ذكر سند رواية سيف ، فلم نعلم حاله ، لكن غالب من يروي عنه سيف من
المجهولين كما نصّ عليه الذهبي ، ويؤيد ذلك انّ في
( الاصابة ) بترجمة عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري ـ بعد ذكر أخبار رواها سيف عن سهل
بن يوسف بن سهل ، عن أبيه ، عن عبيد بن صخر ـ : « وبهذا الاسناد : إن النبي صلّى
الله عليه وسلّم كتب إلى معاذ أنّي عرفت بلاءك في الدين ، والذي ذهب من مالك حتى
ركبك الدين ، وقد طيّبت لك الهدية ،
__________________
فإن أهدي إليك شيء
فاقبل »
وهذا نفس حديث سيف الذي
أسقط ابن حجر سنده ، و « سهل بن يوسف » ، و « يوسف بن سهل » كلاهما مجهولان.
ولعلّه من هنا
أفتى الامام أبو جعفر الطبري بضعف هذا الحديث ، ففي
( كنز العمال ) ما نصه : « عن معاذ بن جبل : لمّا بعثني رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم إلى اليمن ، قال : إني قد علمت ما لقيت في الله ورسوله وما ذهب من مالك ،
وقد طيّبت لك الهديّة ، فما أهدي لك من شيء فهو لك. ابن جرير وضعّفه »
.
الثالث
: لقد ورد في
الأحاديث الكثيرة تحريم النبي 6 هدايا العمّال وجعلها « غلولا » ونهى عن قبولها قولا وفعلا
، وقد أخرج تلك الأحاديث البخاري في صحيحه في « باب من لم يقبل الهدية لعلّة » و «
باب كيف كانت يمين النبي » و « باب احتيال العامل ليهدى له » و « باب هدايا العمال
» و « باب محاسبة الامام عماله ».
ومسلم في « باب
تحريم هدايا العمال ».
وأحمد بن حنبل في
مسنده.
ومن الأحاديث التي اتفقوا عليها ما
أخرجه أحمد قائلا : « ثنا سفيان ، عن الزهري سمع عروة يقول : أنا أبو حميد
الساعدي. قال : استعمل النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له ابن
اللتبية على صدقة فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم على المنبر فقال : ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول : هذا لكم وهذا
أهدي لي!! أفلا جلس في بيت أمّه وأبيه فينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفس محمد
بيده ، لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلاّ جاء به يوم القيامة على رقبته ، إن كان
بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر. ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة يديه ثم
قال : اللهم هل بلّغت ـ ثلاثا ـ.
__________________
وزاد هشام بن عروة
: قال أبو حميد : سمع أذني وأبصر عيني ، وسلوا زيد بن ثابت » .
وفي ( المسند ) أيضا : « حدثنا إسحاق بن
عيسى ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير عن أبي حميد
الساعدي : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : هدايا العمال غلول » .
الرابع
: انه لو كان النبي
6 قد طيّب الهدية لمعاذ بن جبل لاعتذر بذلك معاذ امام عمر بن الخطاب ، عند ما
أمره بإرسال الغلمان إلى أبي بكر حتى يطيّبهم له ، فإنّه لو صحّ تطييب النبيّ 6 له ذلك لم يكن
مورد لتطييب أبي بكر أو عدم تطييبه ، لا أن يعتذر بقوله : « ما كنت لأطيعك في هذا
، شيء أهدي لي ، أرسل بهم إلى أبي بكر!! ».
الخامس
: إنه لو كان لهذا
الحديث الموضوع أصل لما رأى معاذ في المنام « كأنّه على شفير النار وعمر آخذ
بحجزته من ورائه يمنعه أن يقع في النّار ... » لأنّ ما طيّبه له النبي 6 لا يوجب تملّكه
دخول النار البتّة ، فرؤيته ذلك في المنام وفزعه منه ثم مجيؤه بهم إلى أبي بكر ـ كما
أمره عمر بن الخطّاب ـ يدلّ بوضوح على ارتكابه الذّنب العظيم الموجب لدخول النّار
، ويدل أيضا على أنّ حديث سيف موضوع باطل لا أصل له.
وممّا يؤكّد ما
ذكرنا ويقطع الألسنة ويحسم النّزاع في المقام : ما أخرجه الترمذي في صحيحه من نهي
النبي 6 معاذ نهيا قاطعا عن إصابة شيء من الأموال بغير اذن منه 6 ، وإليك نصّ الحديث
:
__________________
« باب ما جاء في هدايا الأمراء. حدثنا أبو كريب
، حدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد الأودي ، عن المغيرة بن شبيل ، عن قيس بن أبي
حازم ، عن معاذ ابن جبل قال : بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن ،
فلمّا سرت أرسل في أثري فرددت فقال : أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبنّ شيئا بغير
إذني ، فإنّه غلول ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة. لهذا دعوتك. فامض لعملك.
قال : وفي الباب
عن عدي بن عميرة ، وبريدة ، والمستورد بن شداد ، وأبي حميد ، وابن عمر » .
فإن هذا الحديث
نهى قاطع مع التحذير والتّخويف الشديدين ، وينبغي أن يعدّ هذا الحديث من معاجز
النبي ـ 6 ـ ومن آيات نبوّته ، حيث يظهر منه علمه بما سيرتكبه معاذ في مسيره هذا ، فمنعه
عن ذلك من ذي قبل ، وذكّره بحرمة إصابة شيء من تلك الأموال ، ولكنّ ذلك كلّه لم
ينفع معاذا ولم يردعه عن التّصرف في الأموال.
اتّجار معاذ في مال الله
وممّا ارتكبه معاذ
جهلا بالأحكام اتّجاره في مال الله الذي كان بيده « وكان أوّل من اتّجر في مال
الله » حتى ذكّره عمر فأبى ، إلى أن رأى في منامه ما رأى ، وإليك نصّ الخبر الوارد
بترجمته حيث قال ابن عبد البر :
« حدثنا خلف بن
قاسم ، حدثنا ابن المفسّر ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبد
الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن
أبيه قال : كان معاذ بن جبل شابا جميلا أفضل من شباب قومه سمحا لا يمسك ، فلم يزل
يدّان حتى أغلق ماله من الدين ،
__________________
فأتى النبي صلّى
الله عليه وسلّم فطلب إليه أن يسأل غرمائه أن يضعوا له فأبوا ، ولو تركوا لأحد من
أجل أحد لتركوا معاذ من أجل رسول الله.
فباع النبي صلّى
الله عليه وسلّم ماله كلّه في دينه ، حتى قام معاذ بغير شيء ، حتى إذا كان عام فتح
مكة بعثه النبي إلى طائفة من اليمن ليجبره ، فمكث معاذ باليمن أميرا ـ وكان أوّل
من اتّجر في مال الله هو ـ فمكث حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا
قدم قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما : أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيّشه وخذ
سائره منه ، فقال أبوبكر : إنما بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليجبره ،
ولست بآخذ منه شيئا إلاّ أن يعطيني. فانطلق عمر إليه إذ لم يطعه أبوبكر فذكر ذلك
لمعاذ. فقال معاذ : إنما أرسلني النبي صلّى الله عليه وسلّم ليجبرني ولست بفاعل.
ثم لقي معاذ عمر فقال : قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به ، إني رأيت في المنام أني
في حومة ماء قد خشيت الغرق فخلّصتني منه يا عمر ، فأتى معاذ أبابكر فذكر ذلك له
وحلف أن لا يكتمه شيئا ، فقال أبوبكر 2 : لا آخذ منك شيئا قد وهبته. فقال : هذا حين حل وطاب ،
وخرج معاذ عند ذلك إلى الشام » .
٩ ـ بطلان دعوى كون زيد من
أبواب مدينة العلم
ثم قال العاصمي :
« وباب منها : زيد بن ثابت لما فضّله النبي صلّى الله عليه بعلم الفرائض خاصة دون
غيره. قوله 7
: وافرض أمتي زيد بن ثابت ».
أقول
: وهذا باطل لوجوه
:
الأول
: إنّه لم يثبت عن
النبي 6 ـ وهو مدينة العلم ـ ما يفيد كون زيد بابا لهذه المدينة.
__________________
الثاني
: استدلاله بجملة «
وأفرض أمتي زيد بن ثابت » واضح البطلان ، لأنّ هذه الجملة من أجزاء الحديث الطويل الذي بيّنا كونه
موضوعا بالتفصيل سابقا.
الثالث
: مقتضى هذه الجملة
الموضوعة اختصاص علم الفرائض بزيد بن ثابت أو كونه الأفضل فيه من بين جميع الأصحاب
، أمّا اختصاصه به بحيث لم يكن لغيره حظ من هذا العلم فواضح البطلان. وأمّا كونه
الأفضل فيه فلا سبيل إلى إثباته ، بل لقد صرّح المحققون من أهل السّنة بأن معناه
صيرورة زيد أفرض الأمّة بعد انقراض عظماء الصحابة ، بل يتضّح بطلان هذا الكلام بما
نقل المناوي عن ابن عبد الهادي من أنه لم يكن زيد في عهد المصطفى مشهورا بالفرائض
أكثر من غيره ، ولا اعلم انه تكلّم فيها على عهده ولا على عهد أبي بكر ... قال
المناوي : « وأعلمهم بالحلال والحرام. أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام معاذ بن
جبل الأنصاري ، يعني أنه يصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم ، وإلاّ فأبوبكر
وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام ، وأعلم من زيد بن ثابت بالفرائض. ذكره ابن
عبد الهادي ، قال : ولم يكن زيد في عهد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم مشهورا
بالفرائض أكثر من غيره ، ولا أعلم أنه تكلّم فيها على عهده ولا على عهد أبي بكر 2 » .
وفي ( التيسير ) :
« أي : إنه سيصير كذلك بعد انقراض أكابر الصحابة. والاّ فعلي وأبوبكر وعمر أفرض
منه »
فظهر بطلان دعوى
العاصمي وقوله : « لما فضّله النبي ... ».
١٠ ـ بطلان دعوى كون أبي عبيدة
من أبواب مدينة العلم
ثم قال العاصمي :
« وباب منها أبو عبيدة بن الجراح في الأمانة في
__________________
الإسلام ، حيث
خصّه النبي 7 بالأمانة في الإسلام ، والأمانة لا تؤدّى إلاّ بالعلم. قوله
7 : ولكلّ أمة
أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ».
أقول
: وهذا باطل كذلك ،
ونحن نوضح ذلك في وجوه :
وجوه بطلان هذه الدعوى
الوجه
الأول : لقد ذكرنا غير
مرّة عدم جواز جعل أحد بابا لمدينة العلم إلاّ مع وصول نصّ صحيح صريح في ذلك عن
مدينة العلم 6 نفسه.
الوجه
الثاني : إنّ ما ذكره من
« قوله 7
: ولكلّ أمّة أمين ... » تقوّل على رسول الله 6 ، وهو كلام مختلق موضوع لا أصل له.
ولقد ذكروا هذا
الكلام ضمن حديث « أرحم أمتي بأمّتي ... » وقد سبق أنّ هذا الحديث طويل موضوع بطوله.
ورووه أيضا حديثا
مستقلا برأسه ، لكنّ جميع طرقه في الصحيحين مقدوحة وموهونة سندا ، فإنّ عامّة طرقه
مطعونة ولم يسلم منها شيء ، فإذا لم يصح هذا الحديث بطرق الكتابين فكيف بأسانيده
الأخرى؟
ولنذكر طرقه في
البخاري أوّلا ، ثم نتبعها بطرقه عند مسلم فنتكلّم عليها بالتفصيل :
طرق الحديث في صحيح البخاري
قال البخاري في كتاب المناقب : « مناقب
أبي عبيدة بن الجراح ـ حدثنا
عمرو بن علي ، ثنا
عبد الأعلى ، ثنا خالد ، عن أبي قلابة قال : حدّثني أنس بن مالك : أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم قال : لكلّ أمّة أمين وإنّ أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن
الجراح.
حدثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن صلة ، عن حذيفة قال قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهل نجران : لأبعثنّ
ـ يعني عليكم ـ أمينا حق أمين ، فأشرف أصحابه ، فبعث أبا عبيدة ».
وفي كتاب المغازي : « باب قصة أهل نجران
ـ حدثني عباس بن الحسين ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة
بن زفر ، عن حذيفة قال : جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فو الله لئن كان
نبيّا فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا ، قالا : إنّا نعطيك ما سألتنا
فابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعثه معنا إلاّ أمينا. فقال : لأبعثنّ معكم رجلا أمينا
حق أمين ، فاستشرف له أصحاب رسول الله فقال : قم يا أبا عبيدة بن الجراح ، فلما
قام قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : هذا أمين هذه الأمة.
حدثني محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن
جعفر ، حدثنا شعبة ، قال سمعت أبا إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال : جاء أهل
نجران إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا : ابعث لنا رجلا أمينا ، فقال :
لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حق أمين ، فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة.
حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن
خالد عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لكلّ أمة أمين ،
وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ».
وفي كتاب أخبار الآحاد : « حدثنا سليمان
بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن صلة عن حذيفة : إن النبي صلّى الله عليه
وسلّم قال لأهل نجران : لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حق أمين ، فاستشرف لها أصحاب
النبي ، فبعث أبا عبيدة.
حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن
خالد ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : لكلّ أمة أمين ،
وأمين هذه الأمة أبو عبيدة » .
طرق الحديث في صحيح مسلم
وقال مسلم : « حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة
، نا إسماعيل بن علية ، عن خالد. ح وحدثني زهير بن حرب ، نا إسماعيل بن علية ، أنا
خالد عن أبي قلابة قال قال أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن لكلّ
أمة أمينا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
حدثني عمرو الناقد قال : نا عفّان ، نا
حماد ، عن ثابت عن أنس : إنّ أهل اليمن قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
فقالوا : ابعث معنا رجلا يعلّمنا السنة والإسلام. قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال :
هذا أمين هذه الأمة.
حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار ـ
واللفظ لابن المثنى ـ قالا : ثنا محمد بن جعفر قال : سمعت أبا إسحاق يحدّث عن صلة
بن زفر ، عن حذيفة قال : جاء أهل نجران إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا
: يا رسول الله ابعث إلينا رجلا أمينا. فقال : لأبعثنّ إليكم رجلا أمينا حق أمين ،
قال : فاستشرف لها الناس. قال : فبعث أبا عبيدة بن الجراح.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أنا أبو
داود الحفري قال : نا سفيان عن أبي إسحاق بهذا الاسناد نحوه » .
__________________
وجوه الوهن في هذه الطرق
وغير خاف على ذوي
العلم والتحقيق أن عامة هذه الطرق مطعون ، وإليك البيان :
أمّا الطّريق
الأول عند البخاري فمداره على « أنس بن مالك » ومن أعظم قوادح أنس عداؤه لأمير المؤمنين
علي 7 ، وقد فصّلنا الكلام في ذلك في مجلّد حديث الغدير ، ومجلّد حديث الطائر.
* وفيه « أبو
قلابة عبد الله بن زيد الجرمي » وهو أيضا من المشهورين بالنصب والتحامل على سيدنا
أمير المؤمنين 7 ، وهذا من أعظم الجرائم وأقبح الآثام المسقطة عن العدالة
والوثاقة ، بل الموجبة للكفر والخلود في العذاب الأليم ـ لكنّ القوم يوثّقونه مع
اعترافهم بذلك!! ـ قال ابن حجر : « وقال العجلي : بصري تابعي ثقة ، وكان يحمل على
علي ولم يرو عنه شيئا » .
ومن قوادحه إنه
كان يدلّس ... قال الذهبي « إمام شهير من علماء التابعين ، ثقة في نفسه ، إلاّ أنه
يدلّس عمن لحقهم وعمّن لم يلحقهم ، وكان له صحف يحدّث منها ويدلّس » .
ومن هنا فقد أورده
البرهان سبط ابن العجمي في ( التّبيين لأسماء المدلّسين ).
ومن الواضح أنّ
ارتكاب التدليس خيانة واضحة على الشرع ، وقد ذهب فريق من المحدثين والفقهاء إلى
أنّ من عرف بارتكاب التدليس ولو مرة صار مجروحا مردودا ...
هذا كلّه بالاضافة
إلى تصريح جماعة من الحفّاظ وأعيان العلماء بأنّ أبا قلابة
__________________
معدود عند الناس
في البلّه ، وعلى هذا الأساس تعجّبوا من عمر بن عبد العزيز إبطال حكم القسامة
الثابت بحكم رسول الله 6 وعمل الخلفاء الراشدين بقول أبي قلابة ، في قضية ذكرها
البخاري في ( صحيحه ). فراجع كلماتهم في ( عمدة القاري ) و ( إرشاد الساري ) وكذا
في ترجمة أبي قلابة من ( تهذيب التهذيب ).
فظهر أنّ الرجل
مجروح مقدوح للغاية ، وانّ أعظم قوادحه وجرائمه انحرافه عن سيدنا أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام كأنس بن مالك ، ولذا نراه قد ابتلاه الله تعالى ـ كما ابتلى
أنسا ـ بالأسقام والأمراض ، قال الذهبي : « وأخبرني عبد المؤمن بن خالد الحافظ قال
: وأبو قلابة ممن ابتلى في بدنه ودينه ، أريد على القضاء بالبصرة فهرب إلى الشام
فمات بعريش مصر سنة أربع ، وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره ، وهو مع ذلك حامد شاكر » .
وفي ( حاشية ميزان
الاعتدال ) : « أبو قلابة ابتلي في دينه فأريد للقضاء فهرب الى الشام ، وفي بدنه
فأصابه الجذام ، فذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك شاكر ، زاره عمر بن عبد
العزيز فقال له : يا ابا قلابة تشدّد لا يشمت بنا المنافقون ».
* وفي هذا الطريق
« خالد بن مهران الحذّاء » وهو أيضا مجروح جدّا ، قال أبو حاتم : لا يحتجّ به ،
ووقع فيه شعبة ، وضعّفه ابن علّية ... كما في ترجمته من ( تهذيب التهذيب ).
وفي ( تقريب
التهذيب ) : « قد أشار حمّاد بن زيد إلى أنّ حفظه تغيّر لمّا قدم من الشام ، وعاب
عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان ».
* وفي هذا الطريق
« عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري » قال الذهبي : « قال محمد بن سعد : لم يكن
بالقوي ، ومات سنة تسع وثمانين ومائة. وقال أحمد :
__________________
كان يرى القدر ،
وقال بندار : والله ما كان يدري أيّ رجليه أطول » وكذا ذكره في (
المغني في الضعفاء ) وابن حجر في ( تهذيب التهذيب ).
وقد عدّه السيوطي
في ( تدريب الراوي ) في « من رمي ببدعة ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما » .
وأمّا الطريق الثاني عند البخاري الذي جاء في ـ كتاب المناقب ـ أيضا ففيه « أبو
إسحاق السبيعي » وقد كان مختلطا قال الذهبي : « وروى جرير عن مغيرة قال : ما أفسد
حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش. وقال الفسوي قال ابن عيينة : ثنا أبو
إسحاق في المسجد ليس معنا ثالث. قال الفسوي : قال بعض أهل العلم : كان قد اختلط ،
وانما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه » .
وكان مدلّسا ...
قال ابن حجر : « وقال ابن حبان في كتاب الثقات : كان مدلّسا : ولد سنة ٢٩ ويقال :
٣٢. وكذا ذكره في المدلّسين : حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري. وقال ابن المديني
في العلل قال شعبة : سمعت أبا إسحاق يحدّث عن الحرث بن الأرمع بحديث فقلت له :
سمعت منه؟ فقال : حدثني به مجالد عن الشعبي عنه. قال شعبة : وكان أبو إسحاق إذا
أخبرني عن رجل قلت له : هذا أكبر منك؟ فإن قال : نعم علمت أنه لقي ، وإن قال : أنا
أكبر منه تركته.
وقال أبو إسحاق
الجوزجاني : كان قوم من أهل الكوفة لا تحمد مذاهبهم ـ يعني التشيّع ـ هم رؤس
محدّثي الكوفة مثل : أبي إسحاق ، والأعمش ، ومنصور وزبيد ، وغيرهم من أقرانه ،
احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث ، ووقفوا عند ما أرسلوا ، لما خافوا أن
لا يكون مخارجها صحيحة فأمّا أبو إسحاق يروى عن قوم لا يعرفون ، ولم ينشر عنهم عند
أهل العلم إلاّ ما حكى أبو إسحاق
__________________
عنهم ، فإذا روى
تلك الأشياء عنهم كان التوقف في ذلك عندي الصّواب ، وقد حدّثنا أبو إسحاق ، ثنا
جرير عن مغيرة قال : أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق ـ يعني للتدليس ـ.
وقال يحيى بن معين : سمع منه ابن عيينة بعد ما تغيّر » .
وقد ذكره سبط ابن
العجمي في ( التبيين لأسماء المدلّسين ) وفي ( الاغتباط بمن رمي بالاختلاط ).
ومن قوادحه
العظيمة روايته عن عمر بن سعد ـ لعنه الله ـ قاتل سيّدنا الحسين بن عليّ 8 ... قال الذهبي :
« عمر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. وعنه ابنه ابراهيم وأبو إسحاق. وأرسل عنه
الزهري وقتادة. قال ابن معين : كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟! قتله المختار سنة ٦٥
أو سنة ٦٧ » وفي ( ميزان الاعتدال ) : « عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري
، هو في نفسه غير متهم ، لكنه باشر قتال الحسين 7 وفعل الأفاعيل ، روى شعبة عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث
عن عمر بن سعد فقام إليه رجل فقال : أما تخاف الله! تروي عن عمر بن سعد؟ فبكى وقال
: لا أعود. وقال العجلي : روى عنه الناس ، تابعي ثقة. وقال أحمد بن زهير : سألت
ابن معين : أعمر بن سعد ثقة؟ فقال : كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟! قال : خليفة :
قتله المختار سنة خمس وستين » .
والأفظع من ذلك
روايته عن شمر بن ذي الجوشن قال الذهبي : « شمر بن ذي الجوشن أبو السابغة الضبابي.
عن أبيه. وعنه أبو إسحاق السبيعي. ليس بأهل للرواية ، فإنه أحد قتلة الحسين 2 ، وقد قتله أعوان
المختار. روى أبوبكر ابن عياش عن أبي إسحاق قال : كان شمر يصلّي معنا ثم يقول :
__________________
أللهم إنّك تعلم
أني شريف فاغفر لي. قلت : كيف يغفر لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم؟ قال : ويحك فكيف نصنع! إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ،
ولو خالفنا هم كنّا شرّا من هذه الحمير السقاة. قلت : إنّ هذا العذر قبيح ، فإنما
الطاعة في المعروف » .
وأمّا الطريق الثالث عند البخاري في كتاب المغازي :
* ففيه « أبو إسحاق السبيعي ». وقد عرفته قريبا.
* وفيه : «
إسرائيل بن يونس » وقد ضعّفه ابن المديني شيخ البخاري ، وكان يحيى القطّان لا
يرضاه ولا يحدّث عنه ، وعن أحمد أنه قال « فيه لين » وقال عبد الرحمن بن مهدي : «
لصّ يسرق الحديث » راجع : ( ميزان الاعتدال ) و ( تهذيب التهذيب ) وغيرهما.
* وفيه : « عباس
بن الحسين القنطري » وهو مجهول ، قال ابن حجر ( تهذيب التهذيب ) : « وقال ابن أبي
حاتم عن أبيه : مجهول » .
وأمّا الطريق الرابع عند البخاري في كتاب المغازي فمداره على « أبو إسحاق
السبيعي ». وقد عرفته آنفا.
* وفيه « محمد بن
جعفر غندر » وقد كان من المغفّلين قال الذهبي : « وقيل : كان مغفّلا » وفي ( تذكرة
الحفاظ ) : « ومع إتقانه كان فيه تغفّل ». قال علي بن غنام : أتيت غندرا فذكر من
فضله وعلمه بحديث شعبة ، فقال لي : هات كتابك ، فأبيت إلاّ أن يخرج كتابه وأخرجه
وقال : يزعم الناس أني اشتريت سمكا فأكلوه وأنا نائم ولطّخوا به يدي ، ثم قالوا :
أكلت فشمّ يدك ، أفما كان يدلّني بطني » .
__________________
وممّا يقتضي ضعفه
ويقضي بسقوطه عن درجة الاعتبار ما حكاه الذهبي قائلا : « قال الدينوري في المجالسة
: نا جعفر بن أبي عثمان سمعت يحيى بن معين يقول : دخلنا على غندر فقال : لا
أحدّثكم بشيء حتى تمشوا خلفي إلى السوق فيراكم الناس فيكرموني ، فمشينا خلفه فجعل
الناس يقولون : من هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فيقول : هؤلاء أصحاب الحديث جاءوني من
بغداد يكتبون عنّي » .
ومن هنا كان يحيى
بن سعيد إذا ذكر غندر عنده عوّج فمه كأنّه يستضعفه ، قال ابن حجر : « قال ابن
المديني : كنت إذا ذكرت غندرا عند يحيى بن سعيد عوّج فمه كأنّه يستضعفه » .
* وفيه : « محمد
بن بشار بندار » وله قوادح كثيرة ، منها : انهماكه في المجون حتى كان يستهزئ عند
التحدث عن رسول الله 6 قال الذهبي : « قال إسحاق بن إبراهيم الفزاري : كنّا عند
بندار فقال في حديث عن عائشة : قال قالت رسول الله 6. فقال رجل : تمزح؟! أعيذك بالله فما أفضحك!! فقال : كنا
إذا خرجنا من عند روح دخلنا على أبي عبيدة فقال : قد بان عليك ذاك » وقال ابن حجر : «
قال إسحاق بن إبراهيم الفزاري : كنّا عند بندار فقال في حديث عن عائشة قال قالت
رسول الله. فقال له رجل : تسخر منه أعيذك بالله ما أفضحك؟! فقال : كنّا إذا خرجنا
من عند روح دخلنا إلى أبي عبيدة فقال : قد بان ذلك عليك » .
ومنها
: إن عمرو بن علي
الفلاّس كان يحلف أن بندارا يكذب ، قال ابن حجر : « قال عبد الله بن محمد بن سيّار
: سمعت عمرو بن علي يحلف أن بندارا يكذب فيما يروي ».
__________________
ومنها
: إنّ علي بن
المديني كذّب حديثه ، قال ابن حجر : « قال
عبد الله بن علي بن المديني : سمعت أبي ـ وسئل عن حديث رواه بندار ، عن ابن مهدي ،
عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم عمن روى ـ عن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه
وسلّم قال تسحّروا فإن في السحور بركة ـ فقال : هذا كذب ، وأنكره أشدّ الإنكار وقال حدثني أبو داود موقوفا ».
ومنها
: إنّ يحيى بن معين
كان لا يعبأ به ويستضعفه ، قال الذهبي : « قال عبد الله بن الدورقي : كنّا عند ابن
معين فجرى ذكر بندار فرأيت يحيى بن معين لا يعبأ به ويستضعفه » .
ومنها
: إنّ القواريري
كان لا يرضاه وقال : كان صاحب حمام ... قال الذهبي : « قال عبد الله بن الدورقي :
كنا عند يحيى بن معين فجرى ذكر بندار ، فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه ، ورأيت
القواريري لا يرضاه وقال : كان صاحب حمام » .
وكذا بترجمته من (
تهذيب التهذيب ).
ولقد بلغ حال
بندار في الضعف والقدح حدّا جعل الأدفوي رواية الشيخين عن بندار من وجوه الجرح في
صحيحهما حيث قال ( الامتاع في أحكام السّماع ) : « ووراء هذا بحث آخر وهو : إنّ
قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح : إنّ الأمّة تلقّت الكتابين بالقبول ، إن أراد كلّ
الأمة فلا يخفى فساد ذلك ، إذ الكتابان إنّما صنّفا في المائة الثالثة بعد عصر
الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأئمة المذاهب المتّبعة ورؤس حفاظ الأخبار
ونقّاد الآثار ، المتكلّمين في الطّرق والرّجال ، المميّزين بين الصحيح والسّقيم.
وإن أراد بالأمة
الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الأمة ، فلا يستقيم له دليله الذي قرّره من تلقي
الأمة وثبوت العصمة لهم ، والظاهرية إنّما يعتنون
__________________
بإجماع الصّحابة
خاصة ، والشيعة لا تعتد بالكتابين وطعنت فيهما ، وقد اختلف في اعتبار قولهم في
الإجماع وانعقاده.
ثمّ إن أراد كلّ
حديث فيهما تلقي بالقبول من الناس كافة فغير مستقيم ، قد تكلّم جماعة من الحفّاظ
في أحاديث فيهما ، فتكلّم الدار قطني في أحاديث وعلّلها ، وتكلّم ابن حزم في
أحاديث كحديث شريك في الإسراء قال إنه خلط ، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا
يمكن الجمع بينهما ، والقطع لا يقع التعارض فيه.
وقد اتّفق البخاري
ومسلم على إخراج حديث محمد بن بشار بندار ، وأكثرا من الاحتجاج بحديثه ، وتكلّم
فيه غير واحد من الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل ، ونسب إلى الكذب ، وحلف عمرو بن علي
الفلاس شيخ البخاري أنّ بندارا يكذب في حديثه عن يحيى ، وتكلّم فيه أبو موسى ،
وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السحور : هذا كذب. وكان يحيى لا يعبأ
به ويستضعفه وكان القواريري لا يرضاه ».
وأمّا الطريق الخامس عند البخاري الذي أخرجه في كتاب المغازي أيضا فمداره على «
أبو قالبة » و « خالد الحذاء ». وقد عرفت أنّهما مجروحان ومقدوحان ...
وأمّا الطريق السادس عند البخاري الذي أخرجه في كتاب أخبار الآحاد فمداره على «
أبو إسحاق السبيعي ». وقد عرفت أنه مقدوح.
وأمّا الطريق السابع عند البخاري الذي أخرجه في كتاب أخبار الآحاد كذلك ،
فمداره على « أبو قلابة » و « خالد الحذاء ». وقد عرفت أنّهما مقدوحان ومجروحان.
وأمّا طرق مسلم ، فالطريق الأول منها مداره على « أبي قلابة » و « خالد الحذاء ». وقد سبق
قدحهما بالتفصيل.
* وفيه « إسماعيل
بن علية » ، وهو أيضا لا يخلو عن قدح ، قال الذهبي :
« سهل بن شادويه ،
سمعت علي بن خشرم يقول : قلت لوكيع : رأيت ابن علية يشرب النبيذ حتى يحمل على
الحمار يحتاج من يردّه إلى منزله. قال وكيع : إذا رأيت البصري يشرب فاتّهمه. قلت :
وكيف؟ قال : الكوفي يشربه تديّنا والبصري يتركه تديّنا.
قال عفان : ثنا
حماد بن سلمة : ما كنا نشبّه شمائل ابن عليه إلاّ بشمائل يونس بن عبيد حتى دخل
فيما دخل فيه. وقال مرّة : حتى أحدث ما أحدث » .
وأمّا الطريق الثاني عند مسلم فمداره على « ثابت البناني » وقدح فيه بالاختلاط
، قال ابن حجر : « وفي سؤالات أبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي لأحمد بن حنبل :
سئل أبو عبد الله عن ثابت وحميد أيّهما أثبت في أنس؟ فقال قال يحيى القطان : ثابت
اختلط ، وحميد أثبت في أنس منه » .
* وفيه « حمّاد بن
سلمة » وهو كذلك ، قال ابن حجر : « حماد بن سلمة بن دينار البصري ، أبو سلمة ، ثقة
عابد ، أثبت الناس في ثابت ، وتغيّر حفظه بآخره ، من كبار الثامنة ، مات سنة ٦٧ » وفي ( الكاشف ) :
« هو ثقة صدوق يغلط وليس في قوة مالك » وفي ( الموضوعات لابن الجوزي ) في حديث فيه
حماد بن سلمة : « هذا حديث لا يثبت. قال ابن عدي الحافظ : كان ابن أبي العوجاء
ربيب حماد بن سلمة وكان يدسّ في كتبه الأحاديث ».
* وفيه « عمرو
الناقد » قال ابن حجر : « وأنكر علي بن المديني عليه روايته عن ابن عيينة ، عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود : إن ثقفيّا وقرشيا وأنصاريا
عند أستار الكعبة. الحديث. وقال : هذا كذب لم يرو هذا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح.
قال الخطيب : والأصح أن حجّاجا سأل أحمد
__________________
عنه فقال أحمد ذلك
» .
وأمّا الطريق الثالث عند مسلم فإنّ مداره على « أبي إسحاق السبيعي » وقد تقدم
القدح فيه بالتفصيل قريبا.
* وفيه : « محمد
بن جعفر غندر » وقد تقدم قدحه أيضا.
* وفيه : « محمد
بن بشار بندار » وقد تقدم قدحه ايضا.
وأمّا الطريق الرابع عند مسلم فمداره على « أبو إسحاق السبيعي » المذكور قدحه
سابقا.
أقول :
وإذا عرفت القدح
والجرح في طرق البخاري ومسلم التي هي أحسن طرق هذا الحديث في فضل أبي عبيدة ، فلا
حاجة إلى الخوض في بيان بطلان أسانيد الترمذي ، فإن تلك الأسانيد مشتملة على بعض
هؤلاء الرجال المقدوحين ، كما لا تخفى على من راجعها.
حديث أمانة أبي عبيدة بلفظ آخر
وقدح الحفاظ فيه
ثم إنّ بعض رواة
أهل السنة رووا حديث أمانة أبي عبيدة بلفظ وسياق آخر ، لكنه قد بلغ من البطلان
حدّا التجأ الحافظ الذهبي ، والحافظ العسقلاني ، إلى الاعتراف ببطلانه. قال
الذهبي : « الحسين بن محمد بن عباد. بغدادي لا يعرف. روى البزار عنه عن محمد بن
يزيد بن سنان ، ثنا كوثر بن حكيم ، عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم : إنّ أمين هذه الأمة أبو عبيدة ، وإن حبر هذه الأمة ابن عباس. وهذا باطل » .
وقال ابن حجر
العسقلاني : « الحسين بن محمد بن عباد بغدادي لا يعرف ،
__________________
روى البزار عنه ...
هذا باطل. وهذا لا ذنب فيه لشيخ البزار ، والحمل فيه على كوثر بن حكيم فانه متهم
بالكذب وسيأتي » .
الوجه الثالث : بطلان الحديث
معنى
وبالإضافة إلى
بطلان حديث أمانة أبي عبيدة سندا ، فإنّ هذا الحديث موضوع باطل معنى ، لأمور نذكرها
فيما يلي باختصار :
١ ـ خيانة أبي عبيدة في كتمان
خبر عزل خالد
لو كان أبو عبيدة
أمينا لما كتم خبر عزل خالد بن الوليد عن أمارة جيوش المسلمين في فتح الشّام ، وقد
ذكر المؤرّخون الأثبات أنّ عمرا قد كتب إلى أب المسلمين في فتح الشّام ، وقد ذكر
المؤرّخون الأثبات أنّ عمر قد كتب إلى أبي عبيدة بولاية الشّام وأمارة جيوش
للمسلمين وعزل خلاد عن ذلك ، فكتم أبو سمرته إلى البياض وغضب ... وقد ذكر الواقدي
الخبر بالتفصيل في كتاب ( فتوح الشام ).
اعتذار الطبري وردّه
وبالرّغم من أنّه
لم يكن لأبي عبيدة في كتم الخبر عذر إلاّ الضّعف واللين والخيانة والاستهانة بدماء
المسلمين وأموالهم وأمورهم ، فقد حاول رواة أهل السنة وعلماؤهم أن يعتذروا له ،
فذكروا لهذا الأمر أعذارا شتّى ، فجعل الطبري عذره
__________________
الاستحياء حيث قال
:
« ثم ساروا إلى
دمشق وخالد على مقدمة الناس وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له ياهان بدمشق ،
وقد كان عمر عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس ، فالتقى
المسلمون والروم فيما حول دمشق فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم هزم الله الروم وأصاب
منهم المسلمون ، ودخلت الروم دمشق فغلّقوا أبوابها ، وجثم المسلمون عليها فرابطوها
حتى فتحت دمشق وأعطوا الجزية. وقد قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد ،
فاستحيى أبو عبيدة أن يقرئ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق ، وجرى الصلح على يدي خالد
وكتب الكتاب باسمه » .
ولكنّ هذا العذر
غير مقبول ، إذ لا مجال للحياء في إنفاذ الأمور الدّينية ولا سيّما الأمارة ونحوها
، على أن كتاب عمر إلى أبي عبيدة ينادي ببطلان هذا العذر ، حيث كتب له ـ كما في (
فتوح الشام للواقدي ) : « بسم الله الرحمن الرحيم : من عبد الله أمير المؤمنين
وأجير المسلمين إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح ـ سلام عليكم ، فإني أحمد الله الذي
لا إله إلاّ هو ، وأصلّي على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقد وليّتك على أمور
المسلمين ، فلا تستحي فإنّ الله لا يستحي من الحقّ شيئا ».
اعتذار سبط ابن الجوزي ووجوه
ردّه
واعتذر له سبط ابن
الجوزي بأنه قد كتم الحال حياء من خالد وخوفا من اضطراب الأمور ، حيث قال في (
مرآة الزّمان ) : « فكتب عمر إلى أبي عبيدة : سلام عليك ، أما بعد فإنّي قد عزلت
خالدا عن جند الشام وولّيتك أمرهم ، فقم به. والسلام. فوصل الكتاب إلى أبي عبيدة ،
فكتم الحال حياء من خالد وخوفا من
__________________
اضطراب الأمور ،
ولم يوقفه على الكتاب حتى فتحت دمشق وكان خالد على عادته في الإمرة وأبو عبيدة
يصلّي خلفه ».
وهذا العذر غير
مقبول كذلك لوجوه :
(
الأول ) : لو كان هناك خوف
من اضطراب أمر المسلمين لما صدر هذا الأمر من عمر ، إذ لا يشكّ أهل السّنة في
بصيرة عمر بأمور الرّعية وإدارة الدولة ، بل ظاهر كلماتهم تقدّمه على أبي بكر في
هذا الشأن.
(
الثاني ) : لو كان الخوف من
اضطراب الأمور هو العذر الحقيقي لأبي عبيدة ـ في كتم الحال عن خالد ـ لما غضب عمر
من ذلك ، بل كان يستحسن ذلك من أبي عبيدة ويشكره عليه ، وقد ذكر الواقدي أن عمر
قال : « يا ابن قرط : ما علم المسلمون بموت أبي بكر الصديق ولا بولايتي عليهم أبا
عبيدة؟ قال : لا ، فغضب وجمع الناس إليه وقام على المنبر ... ».
(
الثالث ) : إنّه لو فرض بأنّ
غضب عمر كان على عادته في الغلظة والفظاظة ، وأنه لو كان قد علم بهذا العذر من أبي
عبيدة لما غضب ، لكان على عبد الله بن قرط أن يخبر عمر بواقع العذر ليمنعه عن هذا
الغضب ، ولكنّا لم نجد لذلك أثرا في التّاريخ ، وذلك دليل على بطلان هذا الاعتذار.
(
الرابع ) : أنّه لو سلّم هذا
العذر باعتبار أنّ الظروف لم تكن مساعدة للإخبار بالعزل والمسلمون محاصرون لدمشق ،
فلو أخبر احتمل اضطراب أمورهم وضعف عزائمهم ... فإنه لا محال لهذا العذر في كتم
الكتاب الثاني الذي أرسله عمر بعد فتح دمشق ، ولكنّ أبا عبيدة كتم الحال عن خالد ،
حتى كتب خالد بفتح الشام وما جرى من الأمور باسم أبي بكر ، وأرسل الكتاب على يد
عبد الله بن قرط الذي حمل الكتاب الأول من عمر إلى أبي عبيدة ، ومن هنا لما وجد
عمر الكتاب باسم أبي بكر خاطب عبد الله بقوله : « يا ابن قرط ... » وغضب من ذلك
غضبا شديدا ...
فظهر بطلان هذا
العذر أيضا كسابقه ...
فإن قيل : إن عمرو
إن كتب إلى أبي عبيدة بأمارة الجيوش وعزل خالد عنها ، لكنّه لم يعلم أبا عبيدة سبب
عزل خالد وهو ارتكابه القبائح وصدور الفسوق منه ، وإلاّ لما توانى أبو عبيدة في
إطاعة الأمر وامتثاله.
قلنا : إنّ هذا
ايضا لا يكون عذرا لأبي عبيدة كذلك.
أمّا أولا فلأنّ
التفريط في أوامر الخليفة والتأخير في امتثالها ـ ولا سيّما مثل هذا الأمر ـ غير
جائز ، والجهل بسبب النصب والعزل لا يجوّر ذلك.
وأمّا ثانيا فلأن
عمر قد أعلم أبا عبيدة بسبب عزل خالد كما في ( الطبري ) و ( الكامل ) و ( مرآة
الزمان ) و ( تاريخ ابن كثير ) قال الطبري : « وأما ابن إسحاق فإنه قال في أمر
خالد وعزل عمر إيّاه ما : ثنا محمد بن حميد قال : ثنا سلمة عنه قال : إنّما نزع
عمر خالدا في كلام كان خالد تكلّم به فيما يزعمون ، ولم يزل عمر عليه ساخطا ولأمره
كارها في زمان أبي بكر ، كلّمه لوقعته بابن نويرة وما كان يعمل به في حربه ، فلما استخلف
عمر كان أول ما تكلّم به عزله ، فقال : لا يلي لي عملا أبدا. فكتب إلى أبي عبيدة :
إن خالد أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه ، وإن هو لم يكذّب نفسه فأنت الأمير
على ما هو عليه ، ثم انزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين » .
وممّا ذكرنا يظهر
أنّ الواقدي لم يذكر النّص الكامل للكتاب الأوّل الذي أرسله عمر إلى أبي عبيدة ...
٢ ـ مخالفة أخرى لأبي عبيدة في
باب كتمان عزل خالد
ولأبي عبيدة في
قضيّة عزل خالد بن الوليد مخالفة صريحة لحكم عمر بن الخطاب ، توجب القدح في أمانته
وديانته ، وإليك تفصيل القضيّة من الطبري :
__________________
« وفي هذه السنة (
سنة ١٧ ) أدرب خالد بن الوليد وعياض بن غنم في رواية سيف عن شيوخه. ذكر ذلك : كتب
إليّ السري : عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة والمهلّب ، قالوا : وأدرب
سنة ١٧ خالد وعياض ، فسارا فأصابا أموالا عظيمة ، وكانا توجّها من الجابية ، فرجع
عمر إلى المدينة وعلى حمص أبو عبيدة ، وخالد تحت يديه على قنّسرين ، وعلى دمشق
يزيد بن أبي سفيان ، وعلى الأردن معاوية ، وعلى فلسطين علقمة بن مجزز ، وعلى
الاهراء عمرو بن عبسة ، وعلى السّواحل عبد الله بن قيس ، وعلى كلّ عمل عامل ،
فقامت مسالح الشام ومصر والعراق على ذلك إلى اليوم لم تجز أمّة إلى أخرى عملها ،
بعد إلاّ أن يفحموا عليهم بعد كفرهم منهم فيقدموا مسالحهم بعد ذلك ، فاعتدل ذلك
سنة ١٧.
كتب إليّ السري :
عن شعيب ، عن سيف ، عن أبي المجالد وأبي عثمان والربيع وأبي حارثة قالوا : ولمّا
قفل خالد وبلغ الناس ما أصابت تلك الصائفة انتجعه رجال ، فانتجع خالدا رجال من أهل
الآفاق ، فكان الأشعث بن قيس ممّن انتجع خالدا بقنسرين فأجازه بعشرة آلاف ، وكان
عمر لا يخفى عليه شيء في عمله ، وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالدا ويعقله
بعمامته وينزع عنه قلنسوته ، حتى يعلمهم من أين إجازة الأشعث ، أمن ماله؟ أمن
إصابة أصابها؟ فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد أقرّ بخيانة ، وإن زعم أنها من
ماله فقد أسرف. واعزله على كلّ حال واضمم إليك عمله.
فكتب أبو عبيدة
إلى خالد ، فقدم عليه ، ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر ، فقام البريد فقال : يا
خالد أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة؟ فلم يجبه ، حتى أكثر عليه وأبو عبيدة
ساكت لا يقول شيئا. فقام بلال إليه فقال : إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا. ثم
تناول قلنسوته فعقله بعمامته وقال : ما تقول أمن مالك أم من إصابة؟ قال : لا ، بل
من مالي ، فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم عمّمه بيده ثم قال : نسمع ونطيع لولاتنا ونفخم
ونخدم موالينا.
قالوا : وأقام
خالد متحيّرا لا يدري أمعزول أم غير معزول؟ وجعل أبو
عبيدة لا يخبره ،
حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظنّ للذي قد كان ، فكتب إليه بالإقبال ، فأتى خالد
أبا عبيدة فقال : رحمك الله ما أردت إلى ما صنعت!! كتمتني أمرا كنت أحبّ أن أعلمه
قبل اليوم.
فقال أبو عبيدة :
إني والله ما كنت لأروّعك ما وجدت لذلك بدّا ، وقد علمت أنّ ذلك يروّعك. قال :
فرجع خالد إلى قنسرين فخطب أهل عمله وودّعهم وتحمل ، ثم أقبل إلى حمص فخطبهم
وودّعهم ، ثم خرج نحو المدينة حتى قدم على عمر فشكاه وقال : لقد شكوتك إلى
المسلمين ، وبالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر.
فقال عمر : من أين
هذا الثراء؟ قال : من الأنفال والسهمان ما زاد على الستين ألفا فلك. فقوّم عمر
عروضه ، فخرجت إليه عشرون ألفا فأدخلها بيت المال. ثم قال : يا خالد والله إنك
عليّ لكريم وإنك إليّ لحبيب ، ولن تأتيني بعد اليوم على شيء » .
وقد رواه عز الدين
ابن الأثير في تاريخه كذلك .
٣ ـ تهاون أبي عبيدة في إجراء
الحدّ الشرعي وهو خيانة عظيمة
وممّا ينافي
الأمانة ويؤكّد وضع الحديث الموضوع في أمانة أبي عبيدة : تهاونه في إجراء حدّ شرب
الخمر في أبي جندل وصاحبيه ، فإن التهاون تجاه الحدود الإلهيّة خيانة كبيرة وذنب
عظيم. قال ابن عبد البر بترجمة أبي جندل : « وذكر عبد الرزاق عن ابن جريح قال :
أخبرت أن أبا عبيدة بالشّام وجد أبا جندل بن سهيل وضرار ابن الخطاب وأبا الأزور ـ وهم
من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ قد
__________________
شربوا الخمر. فقال
أبو جندل : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ) الآية كلها. فكتب أبو عبيدة إلى عمر : إن أبا جندل خصمني
بهذه الآية. فكتب عمر : إن الذي زيّن لأبي جندل الخطيئة زيّن الخصومة ، فأحددهم.
قال أبو الأزور :
أتحدّوننا؟ قال أبو عبيدة : نعم. قال : فدعونا نلقى العدوّ غدا ، فإن قتلنا فذاك
وإن رجعنا إليكم فحدّونا. فلقى أبو جندل وضرار وابو الأزور العدو فاستشهد أبو
الأزور وحدّ الآخران » .
ورواه ابن حجر
العسقلاني بترجمة أبي الأزور ، وابن الأثير بترجمة أبي جندل والطبري في حوادث
سنة ١٨ والمتقي عن عروة بن الزبير .
٤ ـ رأي أبي عبيدة في أهل حمص
ينافي الأمانة والديانة
وذكر المؤرخون :
إن أبا عبيدة صالح أهل حمص على أن لا يخرجهم من ديارهم ، ثم ارتأى نقض العهد معهم
وإخراجهم ، إلاّ أن أصحابه منعوه من ذلك. فقد جاء في كتاب ( فتوح الشام ) تحت
عنوان جمع الروم للمسلمين بعد أن أخرجهم المسلمون من الشام :
« فلما جاء أبا
عبيدة خبرهم وعددهم وكثرتهم وما أقبلوا به من غيرهم ممن كان على دينهم وطاعتهم من
الجنود ، رأى ألاّ يكتم ذلك المسلمين ، وأن يستشيرهم فيه لينظر ما يؤول إليه رأي
جماعتهم ، فدعا رؤس المسلمين وذوي الهيئة والصّلاح منهم ، ثم قام فحمد الله وأثنى
عليه وصلّى على النبي صلّى الله عليه ثم قال :
__________________
أمّا بعد فإنّ
الله عزّ وجل وله الحمد قد أبلاكم أيها المؤمنون فأحسن البلاء عندكم ، وصدقكم
الوعد وأعزّكم بالنصر ، وأراكم في كلّ موطن ما تسرّون به ، وقد سار إليكم عدوّكم
من المشركين بعدد كثير ، ونفروا إليكم فيما حدثني عيون نفير الروم الأعظم ،
فجاءوكم برّا وبحرا حتى خرجوا إلى صاحبهم بأنطاكية ، ثم قد وجّه إليكم ثلاثة عساكر
في كلّ عسكر منها ما لا يحصيه إلاّ الله من البشر ، وقد أحببت ألاّ أغرّكم من
أنفسكم وأن لا أطوي عنكم خبر عدوّكم ، ثم تشيرون عليّ برأيكم وأشير عليكم برأي ،
فإنّما أنا كأحدكم.
فقام يزيد بن أبي
سفيان فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى الله عليه ثم قال له : نعم ما
رأيت رحمك الله ، إذ لم تكتم عنّا ما أتاك من عدوّنا وأنا مشير عليك ، فإن كان
صوابا فذاك ما نويت ، وإن لم يكن الرأي غير ما أشير به فإنّي لا اعتمد غير ما يصلح
المسلمين. أرى أن تعسكر على باب مدينة حمص بجماعة المسلمين ، وتدخل النساء
والأبناء والأولاد داخل المدينة ثم تجعل المدينة في ظهورنا ، ثم تبعث إلى خالد بن
الوليد فيقدم عليك من دمشق ، وتبعث إلى عمرو ابن العاص فيقدم عليك من الأردن وأرض
فلسطين ، فتلقاهم بجماعة من معك من المسلمين.
وقام شرحبيل بن
حسنة ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى الله عليه ثم قال : أمّا بعد
فإنّ هذا مقام لا بدّ فيه من النصيحة للمسلمين ، وإن خالف الرجل منّا أخاه فإنما
على كلّ امرئ منّا أن يجهد نفسه ورأيه للمسلمين في النصيحة ، وأنا الآن فقد رأيت
غير ما رأى يزيد وهو ـ والله ـ عندي من الناصحين لجماعة المسلمين ، ولكن لا أجد
بدّا من أن أشير عليكم بما أظنّه خيرا للمسلمين ، إني لا أرى أن تدخل ذراري
المسلمين مع أهل حمص وهم على دين عدوّنا هذا الذي أقبل إلينا من المشركين ، ولا
آمن إن وقع بيننا وبينهم من الحرب ما نتشاغل به أن ينقضوا عهدنا وأن يثبوا على
ذرارينا ، فيتقرّبون بهم إلى عدونا.
فقال له أبو عبيدة
: إنّ الله قد أذلّهم لكم ، وسلطانكم أحبّ إليهم من
سلطان عدوّكم ،
وأما إذ ذكرت ما ذكرت وخوّفتنا ما خوفتنا ، فإني أخرج أهل المدينة منها وأنزلها
عيالنا ، وأدخل رجالا من المسلمين فيقومون على سورها وأبوابها ، ونقيم نحن بمكاننا
هذا حتى يقدم علينا إخواننا.
فقال له شرحبيل :
إنه ليس لك ولا لنا معك أن نخرجهم من ديارهم وقد صالحناهم عليها وعلى أموالهم ألاّ
نخرجهم منها ».
ومن رواة الخبر
أيضا : صاحب كتاب ( روضة الصفا ) والمحدّث الشيرازي في ( روضة الأحباب ).
٥ ـ ما كان بين أبي عبيدة
والروم في قصّة التمثال
وجوّز أبو عبيدة
أن يصنع تمثال منه وتفقأ عين التمثال إرضاء للكفّار في مقابل أنّ بعض المسلمين فقأ
عين تمثال ملكهم من غير عمد ، فقد روى الواقدي :
« عن ملتمس بن
عامر قال : كنّا في بعض الغارات إذ نظرت إلى العمود عليه صورة الملك هرقل ، فعجبنا
منه ، وجعلنا نحوم حوله ونحن نلعب بخيولنا ونعلّمها الكرّ والفرّ ، وكان بيد أبي
جندلة قناة تامّة ، فقرّب به فرسه من الصورة وهو لا يريد ذلك ، وهو غير متعمّد ،
ففقأ عين الصّورة. وكان قوم من الروم من غلمان صاحب قنّسرين يحفظون المدد ، فرجع
بعضهم إلى البطريق وحدّثه بذلك ، فدفع صليبا من الذهب إلى بعض أصحابه ، وسلّم إليه
مائة فارس من أعلام الروم عليهم الديباج ، وفي أوساطهم المناطق المزخرفة ، وأمر
إصطخر أن يصير معهم ، وقال له : إرجع إلى أمير العرب وقل له : غدرتم بنا ، ولم
تفوا بذمّتكم ، ومن غدر خذل.
فأخذ إصطخر الصليب
وسار مع المائة ، حتى أشرف على أبي عبيدة ، فلمّا نظر المسلمون إلى الصليب وهو
مرفوع ، أسرعوا إليه ونكسوه ، ووثب أبو عبيدة
واستقبلهم وقال :
من أنتم؟ قال إصطخر : أنا رسول إليك من صاحب قنسرين ، وقد غدرتم ونقضتم. قال أبو
عبيدة : وما سبب نقضنا لصلحكم؟ ومن نقض؟ قال : نقضه الذي فقأ عين ملكنا. فقال أبو
عبيدة : وحقّ رسول الله ما علمت بذلك ، وسوف أسأل عن ذلك.
قال : ثم نادى أبو
عبيدة في العرب : يا معاشر العرب ، من فقأ عين التمثال فليخبرنا عن ذلك! قال أبو
جندلة بن سهيل بن عمرو : أنا فعلت ذلك من غير تعمد. فما الذي يرضيك منا؟ قالت
الأعلاج : لا نرضى حتى نفقأ عين ملككم ـ يريدون بذلك لينظروا إلى وفاء ذمة
المسلمين ـ. فقال أبو عبيدة : فها أنا ، اصنعوا بي مثل ما صنع بصورتكم. قالوا : لا
نرضى بذلك ، ولا نرضى إلاّ بملككم الأكبر الذي يلي العرب كلّها. قال أبو عبيدة :
إن عين ملكنا أمنع من ذلك ، قال : وغضب المسلمون إذ ذكروا عين عمر 2 وهمّوا بقتلهم ،
فنهاهم أبو عبيدة عن ذلك. فقال المسلمون : نحن دون إمامنا ، نفديه بأنفسنا ، ونفقأ
عيوننا دونه. فقال إصطخر عند ما نظر إلى المسلمين قد همّوا بقتله : لا نفقأ عينه
ولا عيونكم ، لكن نصوّر صورة أميركم على عمود ، ونصنع به مثل الذي صنعتم بصورة
ملكنا. فقال المسلمون : إن صاحبنا ما صنع ذلك إلاّ من غير تعمّد ، وأنتم تريدون
العمد.
فقال أبو عبيدة :
مهلا يا قوم ، فإذا رضي القوم بصورتي فأنا أجيبهم إلى ذلك ، لا نغدر ولا يتحدّث
القوم ، إنّا عاهدنا ثم غدرنا ، فإنّ هؤلاء القوم لا عقل لهم. ثم أجابهم أبو عبيدة
إلى ذلك. قال : فصوّرت الروم مثل صورة أبي عبيدة على عمود له عينان من الزجاج ،
فأقبل رجل منهم حنقا وفقأ عين الصورة برمحه ، ثم رجع إصطخر إلى صاحب قنسرين ،
فأخبره بذلك. فقال لقومه : بهذا الأمر تمّ لهم ما يريدون » .
__________________
٦ ـ ظن عمر بأبي عبيدة الظنون
وعند ما صالح أبو
عبيدة أهل قنّسرين ظنّ عمر به الظنون ، وحسب أنه قد داخله جبن وركن الى القعود عن
الجهاد ، فكتب إليه كتابا يتوعّده فيه ويحذّره المعصية ... ومن الواضح أنه لو كان
أبو عبيدة « أمين الأمّة » لما كان ذلك من عمر ، ولما جاز له أن يظنّ به الظنون ...
قال الواقدي : «
فقام ابو عبيدة على حمص يغار يمينا وشمالا ، ينتظر خروج السّنة ، ثم ينظر ما يفعل
بعد ذلك ، وأبطأ خبر أبي عبيدة على عمر 2 ، إذ لم ير له كتابا ولا فتحا ، فأنكر ذلك من أمره ، وظن
به الظنون ، وحسب أنه قد داخله جبن وركن إلى القعود عن الجهاد ، فكتب إليه : بسم
الله الرحمن الرحيم ، إلى أبي عبيدة بن الجراح : سلام عليكم ، فإني أحمد الله الذي
لا إله إلاّ هو ، وأصلّي على نبيّه ، وآمرك بتقوى الله وأحذّرك معصيته ، وأنهاك أن
تكون ممن قال الله فيهم في كتابه : ( قُلْ إِنْ كانَ
آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) الآية. وصلّى
الله على خاتم النبيين. ونفذ الكتاب إليه.
فلما قرأه على
المسلمين علموا أنه يحرّضهم على الجهاد ، ندم أبو عبيدة على ما صالح أهل قنسرين.
ولم يبق أحد من المسلمين إلاّ بكى من كتاب عمر 2 ».
٧ ـ اعتراف أبي عبيدة بمخالفة
النّبي وقلقه من لقائه
وقد خالف أبو
عبيدة أمر النبي 6 في التقليل من الخيل والخدم ، فملأ بيته رقيقا ومربطة خيلا
، حتى كان يبكي ويقول : كيف ألقى رسول الله ...؟!
قال أحمد : « ثنا أبو المغيرة ، ثنا صفوان
بن عمرو ، ثنا أبو حسبه مسلم بن أكيس مولى عبد الله بن عامر عن أبي عبيدة بن
الجراح قال : ذكر من دخل عليه فوجده يبكي. فقال : ما يبكيك يا أبا عبيدة؟ فقال :
يبكيني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر يوما ما يفتح الله على المسلمين
ويفيء عليهم ، حتى ذكر الشام فقال : إن ينسأ في أجلك يا أبا عبيدة فحسبك من الخدم
ثلاثة : خادم يخدمك ، وخادم يسافر معك ، وخادم يخدم أهلك ويرد عليهم. وحسبك من
الدواب ثلاثة : دابّة لرجلك ، ودابة لثقلك ، ودابة لغلامك.
ثمّ ها أنا ذا أنظر إلى بيتي قد امتلأ
رقيقا ، وأنظر إلى مربطي قد امتلأ دوابّ وخيلا ، فكيف ألقى رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم بعد هذا!! وقد أوصانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنّ أحبّكم
إليّ وأقربكم مني من لقيني على مثل الحال الذي [ التي. ظ ] فارقني عليها » .
وأخرجه محبّ الدين الطبري عن أحمد .
والملاّ علي المتقي عن ابن عساكر .
حديث مفتعل في زهد أبي عبيدة
ومع هذا ، فقد
اختلق أهل السنة حديثا في زهد أبي عبيدة ، لكن آثار الاختلاق والافتعال لائحة عليه
، ففي كتاب ( الرياض النضرة ):
« ذكر زهده : عن
عروة بن الزبير قال : لمّا قدم عمر بن الخطاب الشام تلقّاه أمراء الأجناد وعظماء
أهل الأرض ، فقال عمر : اين أخي؟ قالوا : من؟ قال : أبو عبيدة. قالوا : يأتيك
الآن. فلما أتاه نزل فاعتنقه. ثم دخل عليه بيته فلم ير في
__________________
بيته إلاّ سيفه
وترسه ورحله ، فقال له عمر : ألا اتّخذت ما اتّخذ أصحابك! فقال : يا أمير المؤمنين
: هذا يبلغني المقيل. أخرجه في الصفوة والفضائل ، وزاد بعد قوله يأتيك الآن : فجاء
على ناقة مخطومة بحبل.
وفي رواية : إن
عمر قال له : اذهب بنا إلى منزلك. قال : وما تصنع! ما تريد إلاّ أن ينغص عيشك علي.
قال : فدخل منزله فلم ير شيئا. قال : أين متاعك فإني لا أرى إلاّ لبدا وصحفة وسيفا
وأنت أمير!! أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسرات. فبكى عمر. فقال
له أبو عبيدة : قد قلت لك سينغص عيشك علي يا أمير المؤمنين ، يكفيك ما يبلغك
المقيل. فقال عمر : غرّتنا الدنيا كلّنا غيرك يا أبا عبيدة » .
(
الوجه الرابع ) لو سلّمنا هذا الحديث فلا يتم للعاصمي مقصوده ، لأنه إن أراد من اختصاص أبي
عبيدة بالأمانة عدم اتّصاف أحد غيره من أصحاب النبي 6 بصفة الأمانة ، فإنّ بطلانه في غاية الوضوح والظّهور. وإن
أراد من ذلك أن اتّصاف أبي عبيدة بتلك الصفة أكثر وأشد من اتّصاف غيره من الصحابة
بها ، فهذا أيضا في غاية البطلان ، إذ لا يصدّق عاقل من المسلمين أن يكون اتّصافه
أكثر من اتّصاف نفس رسول الله أمير المؤمنين 7 ، وسائر الأصحاب الأطياب أمثال سلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار
بتلك الصفة. وأيضا ، فإنّ من البعيد التزام أهل السّنة بكون أبي عبيدة أكثر أمانة
من الشيخين ، وإن احتملنا التزامهم بذلك بالنسبة إلى الثالث لاشتهاره بالخيانة في
مال الله وحقوق المسلمين.
وعلى كلّ حال فلا
مزيّة لأبي عبيدة على سائر الأصحاب في صفة الأمانة ، وحينئذ كيف يجوز جعله باب
النبي 6 في الأمانة ، وأحد أبواب مدينة العلم؟!
__________________
(
الوجه الخامس ) قول العاصمي : « والأمانة لا تؤدّى إلاّ بالعلم » ممنوع ، فأيّ ملازمة بين
العلم والأمانة؟ إنّ « الأمانة » منفكّة عن « العلم » بالقطع والوجدان ، وعلى هذا
، فلو سلّمنا كون أبي عبيدة أمينا فلا دليل على كون أدائه للأمانة بالعلم ...
(
الوجه السادس ) إنه مع غض النظر عن جميع ما ذكرنا : إذا كان أبو عبيدة باب مدينة العلم في
الأمانة ، كان من المناسب وصول أخبار الأمانة وأحكامها عن مدينة العلم عن طريق أبي
عبيدة ، ولا أقل من وصول جلّها عن طريقه ، ولكن لم يؤثر عن أبي عبيدة شيء في هذا
الباب بتلك المثابة ، ولم يدّع احد من أهل السّنة ذلك أبدا ، فكيف يجوز أن يكون
باب مدينة العلم في الأمانة؟
(
الوجه السابع ) إنه مع التنزّل عما سبق كله نقول : إذا كان أبو عبيدة باب مدينة العلم في
الأمانة أليس كان من اللازم أن تكون آثار الأمانة وعلائمها لائحة في سيرته وأعماله
، فيكون بابا للمدينة في الامانة بحسب سيرته وأفعاله ، ويكون حاكيا لأمانة رسول
الله 6 في أعماله وأقواله؟!
(
الوجه الثامن ) لو تنزلنا عن ذلك فلا أقلّ من نزاهة هذا الرجل وبراءته عن كلّ ما يتنافى
والأمانة ... إن هذا أقلّ ما يرجى ممّن يتصف بالأمانة ، ويريد أن يكون بابا لمدينة
العلم في هذه الصفة ...
لكن التأمّل في
سيرة أبي عبيدة والتدبّر في أخباره وأحواله يظهر لنا بعد هذا الرجل عن هذه الصفة ،
وعدم لياقته لتلك المنزلة ... وقد تقدّمت عما قريب نماذج تغنينا في هذا المقام.
وبالله التوفيق.
١١ ـ بطلان دعوى كون أبي ذر من
أبواب مدينة العلم
قال العاصمي في نهاية كلامه : « ثمّ قال
لأبي ذر 2 في غير هذا
الحديث : من أراد أن ينظر إلى بعض زهد عيسى فلينظر إليه. فينبغي أن يكون
له باب في الزهد
من تلك المدينة وجعل له أيضا باب الصدق ، قوله
صلّى الله عليه : ما حملت الأرض ولا أظلّت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر ، فجعل له بابين باب الصدق وباب الزهد. والزهد في الدنيا
جامع للعلم كله ... ».
ونقول : في كلامه
وجوه من النّظر :
١ ـ عبارة العاصمي حول أبي ذر
تختلف عن عبارته حول من سبقه
ذكر العاصمي حول
أبي ذر أنّه « ينبغي أن يكون له باب في الزهد من تلك المدينة » وهذه العبارة تختلف
عن عبارته حول الصّحابة الآخرين الذين جعل لهم أبوابا على سبيل الجزم ، فإن أراد
من « ينبغي » معناه الحقيقي ، فهذا لا ينافي مطلوب الشيعة ومقصودهم ، لأنّهم
يذعنون بجلالة قدر سيدنا أبي ذر 2 وبلوغه الذروة العليا في الزهد والورع ، وإن أبا ذر عند
الشيعة الامامية ممّن أتى مدينة العلم من بابها ، وحصل له من الشأن والمقام الرفيع
ما لم يحصل إلاّ لأفراد معدودين من أصحاب سيّد المرسلين صلوات عليه وآله أجمعين.
وإن أراد من «
ينبغي » معناه المجازي ، وقصد إثبات باب لأبي ذر كما زعم ذلك لغيره ففيه :
أوّلا
: إنّه لا يجوز جعل
أحد من الصحابة بابا لتلك المدينة الاّ بنص صريح من النبي 6 ، ولو كان ذاك
الصحابي كثير الفضائل وجليل القدر.
ثانيا
: كون الرجل بابا
لهذه المدينة شرف عظيم يستلزم العصمة كما دريت فيما سبق ، وأبو ذر الغفاري 2 على جلالته
وعظمته بين الفريقين غير معصوم اجماعا.
ثالثا
: إن باب المدينة
متّحد مع المدينة ، وأبو ذر وان بلغ المقامات الرفيعة والدرجات الشامخة لم يصل إلى
مقام الاتحاد مع النبي 6 في
النفس.
رابعا
: إنه لم يبلغ أبو
ذر تلك الدرجات ولم يحصّل تلك الفضائل إلاّ بولائه لأهل البيت : ومتابعته
ومشايعته لهم ، بل إن أعلى مناقبه وأفضل محامده هو انقياده لهم واقتفاؤه لآثارهم ،
فلا يعقل أن يكون مشاركا لهم في مقاماتهم الخاصة بهم ، ومن المعلوم أن كونهم باب
مدينة العلم من فضائلهم الخاصة كما شهدت بذلك الأحاديث المنقولة سابقا.
خامسا
: كونه باب مدينة
العلم في الزهد يتوقف على تقدّمه على جميع الأصحاب في هذه الصفة ، لكن بلوغه في
ذلك إلى مرتبة سيدنا أمير المؤمنين 7 غير مقبول فضلا عن كونه أزهد منه ، وليس لأحد من المسلمين
فضلا عن المؤمنين أن يدّعي ذلك ، فكيف يكون أبو ذر باب المدينة في الزهد ولا يكون
علي 7 بابا لها فيه؟
٢ ـ أحاديث شبه أبي ذر بعيسى من
متفرّدات أهل السّنة
إن فضائل أبي ذر
ومناقبه على كثرتها مقبولة لدى الفريقين ، وكتبهم مشحونة بنقلها ، ولا يجوز لأحد
نفيها وإنكارها ، لكنّ أحاديث شبه أبي ذر بعيسى بن مريم من متفرّدات أهل السّنة ،
فإن الشيعة لا يروون تلك الأحاديث ولا يرون صحّة مضمونها ، لأنّ تشبيه غير المعصوم
بالمعصوم عندهم غير جائز.
٣ ـ شذوذ الحديث الذي ذكره
العاصمي في زهد أبي ذر
وإن هذا الحديث
الذي ذكره العاصمي هنا غير موجود في كتب الحديث المشهورة والأسفار المعتبرة ،
فالأحاديث التي رواها أهل السنة في تشبيه زهد أبي ذر بزهد عيسى بن مريم هي :
ما أخرجه الترمذي بإسناده « عن أبي ذر
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من
ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم 7.
فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله أفتعرف ذلك له؟ قال : نعم فاعرفوه له. هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقد
روى بعضهم هذا الحديث فقال : أبو ذر يمشى في الأرض بزهد عيسى بن مريم 7 » .
وما أخرجه ابن عبد البر قال : « وروي عن
النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : أبو ذر في أمّتي شبيه عيسى بن مريم في زهده
» .
وما أخرجه ابن عبد البر أيضا : « وقال
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم » .
ما أخرجه المتقي قال : « ما أظلّت
الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة اصدق من أبي ذر. من سرّه أن ينظر إلى زهد
عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. ابن سعد عن مالك بن دينار مرسلا.
ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على
ذي لهجة أصدق من أبي ذر ثم رجل من بعدي ، من سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم زهدا
وسمتا فلينظر إلى أبي ذر. ابن عساكر عن الهجنع بن قيس مرسلا » .
٤ ـ النظر في كلام العاصمي حول
صدق لهجة أبي ذر
وأمّا قول العاصمي
: « وجعل له أيضا باب الصّدق ... » فهو كعبارته
__________________
السابقة حول زهد
أبي ذر محتمل للوجهين المذكورين ، فإن أراد بيان اتّصاف أبي ذر بهذه الصّفة
الحميدة فلا كلام في ذلك لأحد من المسلمين ، وإن كذّبه عثمان ابن عفان وأتباعه.
وإن أراد كونه باب مدينة العلم في الصّدق فهذا باطل بنفس ما تقدّم ، وانّ صدق
اللهجة لا يستلزم كونه باب مدينة العلم.
وبما ذكرنا يبطل
قوله : « فجعل له بابين باب الصدق وباب الزهد » إن أراد الجعل الحقيقي.
٥ ـ تصرّف العاصمي في حديث : ما
أظلّت ...
وقد رأيت تصرّف
العاصمي في حديث « ما أظلّت ... » لأنّ اللّفظ الذي ذكره يغاير لفظ الحديث المذكور
في كتب الفريقين والمشهور على ألسنة المسلمين ، ولم يظهر لنا وجه هذا التّصرف.
٦ ـ بطلان دعوى ان الزهد جامع
للعلم كلّه
وأمّا قوله : «
والزّهد جامع للعلم كلّه » فكلام باطل ، كما هو ظاهر كلّ الظّهور ، على أنّه إن
كان أبو ذر جامعا للعلم كلّه ـ بسبب زهده ـ كان في درجة أمير المؤمنين 7 في العلم ، وهذا
لا يلتزم به أحد ، والأدلّة على أعلمية أمير المؤمنين 7 من جميع الأصحاب
لا تحصى كثرة.
بل يلزم من كلام
العاصمي هذا مساواة أبي ذر للنبي 6 في العلم ... وهذا في غاية البطلان.
هذا تمام الكلام
على كلمات العاصمي في هذا المقام.
(٣)
مع الطيبي
في كلامه حول حديث أنا دار الحكمة
وللحسين بن عبد
الله بن محمد الطيبي شارح المشكاة تأويل الحديث
« أنا دار الحكمة » نرى من الضروري أن
نذكره ونكشف عواره ... قال :
« قوله : وعلي بابها. لعلّ الشيعة تتمسّك بهذا التمثيل أنّ أخذ الحكمة والعلم
مختصّ به 2 لا يتجاوز إلى غيره إلاّ بواسطته 2 ، لأن الدار إنما يدخل فيها من بابها ، وقد قال تعالى ( لَيْسَ
الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ
اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ).
ولا حجة لهم. إذ
ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة ، ولها ثمانية أبواب » .
أقول
: هذا كلامه ، وهو
فاسد بوجوه متكاثرة ، يتّضح أكثرها ممّا تقدّم ، ونشير هنا إلى بعضها.
وجوه بطلان كلام الطّيبي
١ ـ سعة الدار لا تستلزم وجود
أكثر من باب
إنّ سعة الدار لا
تستلزم أبدا أن يكون لها أكثر من باب ، وإنّما اللازم اتّساع باب الدار بما يتناسب
وسعتها ، ولا ريب في سعة باب دار الحكمة بما يتناسب
__________________
وسعة دار الحكمة ،
ولقد بلغت سعة هذا الباب حدّا تقصر عنه عقول الحكماء وعبارات البلغاء ... وسيأتي
مزيد بيان لهذا في غضون الكتاب ، وبه صرّح ابن حجر المكي حيث قال :
« مما يدلّ على
أنّ الله سبحانه اختص عليا من العلوم بما تقصر عنه العبارات قوله
صلّى الله عليه وسلّم : أقضاكم علي. وهو حديث صحيح لا نزاع فيه ، وقوله : أنا
دار الحكمة ـ وفي
رواية : مدينة العلم ـ وعلي بابها » .
٢ ـ تعدّد أبواب الجنة بحسب
أفعال أهل الجنة لا بحسب سعتها
وتدلّ الأخبار
الكثيرة الواردة في كتب أهل السنة على أن تعدّد أبواب الجنة وتعيينها هو بحسب
أفعال الخير الصادرة من أهل الجنة في دار الدنيا ، وليس ذلك بحسب سعة الجنة حتى
يقال بأن دار الجنة ليست بأوسع من دار الحكمة ، ولها ثمانية أبواب ، فيلزم أن يكون
لدار الحكمة ثمانية أبواب كذلك أو أكثر ... ولا بأس بذكر نصوص من هذه الأخبار :
قال السّيوطي : «
باب عدد أبواب الجنة وأسمائها : قال الله تعالى ( وَسِيقَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ
أَبْوابُها ).
أخرج الشيخان عن سهل بن سعد : إن رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم قال : في الجنة ثمانية أبواب ، منها : باب الرّيان ، لا
يدخله إلاّ الصائمون ، وفي لفظ : إن في الجنة بابا يقال له : الريان ، يدخل منه
الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل معهم أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون؟ فيدخلون
منه ، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد.
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي
هريرة نحوه.
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة عن رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم قال :
__________________
من أنفق زوجين من
ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي
من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الرّيان ، ومن كان من أهل
الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ... » .
وقال السيوطي
بتفسير ( حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها ) :
« أخرج البخاري ومسلم والطبراني عن سهل
بن سعد 2 : إنّ رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم قال : في الجنة ثمانية أبواب ، منها : باب يسمّى
الرّيان ، لا يدخله إلاّ الصائمون.
وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم
والترمذي والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة 2
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من
أبواب الجنة ، وللجنة أبواب ، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان
من أهل الصيام دعي من باب الرّيان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ،
ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ... » .
وفيه : « وأخرج
ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : للجنة ثمانية أبواب : باب
للمصلّين ، وباب للصائمين ، وباب للحاجّين ، وباب للمعتمرين ، وباب للمجاهدين ،
وباب للذاكرين ، وباب للشاكرين.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال قال رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم : لكلّ عمل أهل من أبواب الجنة ، يدعون منه بذلك العمل
» .
وقال النووي : « قوله صلّى الله عليه
وسلّم من باب كذا ومن باب كذا ، فذكر الصلاة والصدقة والصيام والجهاد. قال القاضي : وقد
جاء ذكر بقية أبواب
__________________
الجنة الثمانية في
حديث آخر في باب التوبة ، وباب الكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس ، وباب الراضين. فهذه سبعة أبواب جاءت في الأحاديث. وجاء في حديث السبعين
ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم يدخلون من الباب الأيمن ، فلعلّه الباب
الثامن » .
وقال القسطلاني :
« وفي نوادر الأصول : من أبواب الجنة باب محمد صلّى الله عليه وسلّم ، وهو باب
الرحمة ، وهو باب التوبة. وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البرّ : باب الزكاة ،
باب الحج ، باب العمرة. وعند عياض : باب الكاظمين الغيظ ، باب الراضين ، الباب
الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه. وعند الآجري
عن أبي هريرة مرفوعا : إن في الجنة بابا يقال له الضحى ، فإذا كان يوم القيامة
ينادي مناد : أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى ، هذا بابكم فادخلوا منه. وفي الفردوس عن ابن
عباس يرفعه : للجنة باب يقال له الفرح ، لا يدخل منه الاّ مفرّح الصبيان وعند
الترمذي : باب للذكر. وعند ابن بطّال : باب للصابرين.
والحاصل : إن كلّ
من أكثر نوعا من العبادة خص بباب يناسبها ، ينادى منه جزاء وقدرا. وقل من يجتمع له
عمل بجميع انواع التطّوعات ، ثم إنّ من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب
على سبيل التكريم ، والاّ فالدخول إنما يكون من باب واحد ، وهو باب العمل الذي
يكون أغلب عليه » .
٣ ـ تمثيل النبي نفسه ب « دار
الجنة »
على أنّ النبي 6 قد ورد عنه تمثيل
نفسه الشريفه بـ
__________________
« دار الجنّة » ،
كما ورد التمثيل ب « دار الحكمة » ، ولا ريب في أنّه كان يعلم بأن للجنة ثمانية
أبواب ، وأنّ نفسه الشريفة أوسع من دار الجنّة ، وهو مع ذلك جعل أمير المؤمنين 7 بمفرده باب دار
الجنّة. فظهر بطلان كلام الطّيبي ، ولعلّه لم يقف على الحديث المذكور.
٤ ـ لو كان لدار الحكمة أبواب
فهم الأئمة المعصومون
ولو كان لدار
الحكمة أبواب عديدة فليس تلك الأبواب إلاّ الأئمة المعصومون : ، لأنهم أبواب
العلم ، وأنّهم الموصوفون ب « الباب المبتلى به من أتاهم نجى ومن أباهم هوى »
وأنّهم الذين قال فيهم : « مثل أهل بيتي فيكم مثل باب
حطة من دخله غفر له » ... ولم يرد في حقّ
غيرهم شيء من هذا القبيل ، بل إن غيرهم لا يليق لهذا المقام ، للمفضولية وعدم
العصمة وغيرهما من الموانع.
٥ ـ ظاهر الحديث وحدة الباب
ثم إنّ ظاهر حديث
« أنا دار الحكمة وعلي بابها » وحدة الباب ، فلو تصوّر تعدّد الباب بوجه من الوجوه ، وجب أن يكون لتلك
الأبواب نوع من الوحدة والاتّحاد ، لكنّ هذه الوحدة لا تتحقّق بالنسبة إلى الأصحاب
، لكثرة التفرّق والاختلاف فيما بينهم ، بخلاف الأئمّة المعصومين ، فإنهم بحكم
الباب الواحد وحقيقتهم واحدة ومن هنا ترى وصف جميعهم بالباب في
قوله : « فهم الباب المبتلى به ... » كما صحّ التعبير عنهم بالأبواب كما في قوله
: « وهم أبواب العلم في أمّتي من تبعهم نجا من النار ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط
مستقيم ».
وقد ذكرنا سابقا
الخطبة المشتملة على جملة : « فهم الباب ... » عن كتاب ( منقبة المطهرين لأبي نعيم
) ، ولنورد هنا نصّ رواية أبي الفتح النطنزي لتلك
الخطبة ، فإنه قال
:
« أخبرنا أبوبكر محمد بن أبي نصر شجاع
بن أبي بكر الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أخبرنا أبو الخير محمد بن أحمد بن
هارون ، قال : أخبرنا أبوبكر أحمد ابن موسى الحافظ ، قال : حدثنا أبو أحمد بن يوسف
الجرجاني ، قال : حدثنا محمد ابن إبراهيم البزاز ، قال : حدثنا محمد بن حميد. قال
: حدثنا هارون بن عيسى ، قال حدثنا زاهر بن الحكم ، قال : حدثنا أبو حكيم الحناط ،
عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خرج
علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما ومعه علي والحسن والحسين ، فخطب ثم قال
: أيها الناس إن هؤلاء أهل بيت نبيّكم ، قد شرّفهم الله بكرامته ، واستحفظهم سرّه
، واستودعهم علمه ، عماد الدين ، شهداء على أمته ، برأهم قبل خلقه ، إذ هم أظلّة
تحت عرشه ، نجباء في علمه ، اختارهم فارتضاهم واصطفاهم ، فجعلهم علماء فقهاء
لعباده ، فهم الأئمة المهديّة ، والقادة الباعثة ، والأمة الوسطى ، والرحمة
الموصولة ، هم الكهف الحصين للمؤمنين ، ونور أبصار المهتدين ، وعصمة لمن لجأ إليهم
، ونجاة لمن احترز بهم ، يغتبط من والاهم ، ويهلك من عاداهم ، ويفوز من تمسّك بهم
، الراغب عنهم مارق ، والمقصّر عنهم زاهق ، واللازم بهم لاحق ، فهم الباب المبتلى
به ، من أتاهم نجا ، ومن أباهم هوى ، هم حطة لمن دخله ، وحجة الله على من جهله ،
إلى الله يدعون ، وبأمر الله يعملون ، وبآياته يرشدون ، فيهم نزلت الرسالة ،
وعليهم هبطت ملائكة الرحمة ، وإليهم بعث الروح الأمين تفضلا من الله ورحمة ،
وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، وعندهم ـ بحمد الله ـ ما يلتمس ويحتاج من
العلم والهدى في الدين ، وهم النور في الضلالة عند دخول الظلمة ، وهم الفروع
الطيبة من الشجرة المباركة ، وهم معدن العلم ، وأهل بيت الرحمة ، وموضع الرسالة ،
ومختلف الملائكة ، هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا » .
__________________
ومن هنا أيضا جعل
النبي 6 عليا بوحده باب حطة ، كما جعل أهل بيته باب حطّة في حديث آخر ... وقد مرّت
طرق هذا الحديث بالتفصيل ، كما أن عليا 7 قال : « مثلنا » ليشير إلى الاتحاد المذكور بينه وبين سائر
أهل البيت ، فقد روى السيوطي قائلا : « أخرج ابن أبي
شيبة عن علي ابن أبي طالب قال : إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في
بني إسرائيل » .
فسواء كان لدار
الحكمة باب واحد أو أبواب ، فإن الأمر لا يخرج عن علي وأهل البيت إلى غيرهم ، فبطل
ما توخّاه الطيبي. والحمد لله.
٦ ـ الأئمة الإثنا عشر أبواب
النبي
ومن آيات علوّ
الحق : اعتراف بعض علماء أهل السنة بأنّ الأئمة الاثني عشر هم أبواب النبي 6 ، بل ذكر هذا
المطلب عن رسالة يوحنّا المسيحي ، ضمن البراهين التي أقامها لإثبات نبوة نبيّنا 6 ، وجعله مصداقا لقوله
6 : أنا مدينة
العلم وعلي بابها :
قال العلامة جواد
الساباطي في المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة من كتابه ( البراهين الساباطية )
بعد إيراد البرهان الخامس عن رسالة يوحنا : « وترجمته بالعربية : فأخذتني الروح
إلى جبل عظيم شامخ ، وأرتني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من
عند الله ، وفيها مجد الله ، وضوؤها كالحجر الكريم كحجر اليشم والبلور ، وكان لها
سور عظيم عال ، واثنا عشر بابا ، وعلى الأبواب اثنا عشر ملكا ، وكان قد كتب عليها
أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر.
__________________
أقول : لا تأويل
لهذا النص ، بحيث أن يدل على غير مكة شرّفها الله تعالى ، والمراد بمجد الله بعثته
محمدا صلّى الله عليه وسلّم فيها ، والضوء عبارة عن الحجر الأسود ، وتشبيهه باليشم
والبلور إشارة إلى صحيح الروايات التي وردت في
أنه لمّا نزل كان أبيض ، والمراد بالسور
هو رب الجنود صلّى الله عليه وسلّم.
والأبواب الاثني
عشر : أولاده الأحد عشر وابن عمه علي ، وهم : علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي ،
ومحمد ، وجعفر ، وموسى ، وعلي ، ومحمد ، وعلي ، والحسن ، والقائم المهدي محمد رضي
الله عنهم. وقوله : وعلى الأبواب الاثني عشر اثنا
عشر ملكا. يدل على عظم مرتبته ،
وعلى عموم نبوّته ، وقيام دعوته ، وعلى انقياد جميع الأسباط له ، والأسباط الاثنا
عشر عبارة عن أولاد يعقوب 7 ، وهم : روبيل ، وشمعون ، ولاوي ، ويهودا ، واسخر ،
وزابلون ، وبن يامين ، ودان ، ونفتالي ، وياد ، وعاشر ، ويوسف ، 7. وهذا مصداق لقوله
: لولاك لما خلقت الأفلاك ».
وفي ( البراهين
الساباطية ) أيضا بعد إيراد البرهان السادس عن الرسالة المذكورة : « وترجمته
بالعربية : ولسور المدينة اثنا عشر أساسا ، وعليها أسماء رسل الحمل الاثني عشر.
أقول : هذا تأكيد
صريح لما قبله ، والاثنا عشر الأساس هم : الأئمة الاثنا عشر ، ورسل الحمل الاثنا
عشر الحواريون الاثنا عشر رضي الله عنهم ، وهم : سمعون ، بطرس ، واندرياس ، ويعقوب
، ويوحنا ، وفيلبوس ، وبرتولوماؤس ، وتوما ، ومتى ، ويعقوب ، ولباؤس ، وسمعون
القالي ، وبولوص على رأيي أنا ، لأنّ يهودا الاسخريوطي كان قد خنق نفسه
وهلك ، وأقيم بولوص مقامه. وفيه إشارة إلى انقياد جميع المذاهب العيسوية لشريعة
خير البرية ».
وفي ( البراهين
الساباطية ) أيضا بعد إيراد البرهان السابع عن الرسالة
__________________
المذكورة : «
وترجمته بالعربية : والأبواب الاثنا عشر اثنا عشر لؤلؤة ، كلّ واحد من الأبواب كان
من لؤلؤة واحدة ، وساحة المدينة من الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف.
أقول : هذا بيان
لما قبله ، وصفة الأبواب ، وكون كلّ باب من لؤلؤة واحدة. فيه إشارة إلى ما يدّعيه
الإماميون من عصمة أئمتهم ، لأنّ اللؤلؤة كروية ، ولا شك أن الشكل الكروي لا يمكن
انثلابه ، لأنه لا يباشر الأجسام إلاّ على ملتقى نقطة واحدة كما صرح به أوقليدس ،
والأصل في عصمة الامام ، أمّا عند أهل السنة والجماعة فإنّ العصمة ليست بشرط ، بل
العمدة فيه انعقاد الإجماع ، وأما عند الإمامية فهي واجبة فيه لأنه لطف ، ولأن
النفوس الزكية الفاضلة تأبى عن اتباع النفوس الدنية المفضولة ، وعدم العصمة علة
عدم الفضيلة. ولهما فيها بحث طويل لا يناسب هذا المقام. وقوله : وساحة المدينة من
الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف. يريد بذلك أهل ملته صلّى الله عليه وسلّم ، لأنهم
لا ينحرفون عن اعتقادهم ، ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة. وأما الذين
أغواهم قسوس الانكتاريين فمن الجهال الذين لا معرفة لهم بأصول دينهم. وهذا هو
مصداق قوله صلّى الله عليه وسلّم : أنا مدينة العلم
وعلي بابها ».
فهرس
الكتاب
ملحق سند حديث أنا مدينة العلم
٥ ـ ٩١
رواية داود بن سليمان الغازي وترجمته........................................... ٧
رواية أبي معاوية الضرير وترجمته................................................ ٨
رواية أبي عبيد البغدادي وترجمته................................................ ٩
رواية محمد بن جعفر الفيدي وترجمته........................................... ١٠
رواية ابن خداش الطالقاني وترجمته............................................. ١١
رواية إسحاق الحربي وترجمته.................................................. ١٢
رواية محمد بن إسماعيل الضراري وترجمته....................................... ١٣
رواية أبي العباس المبرد وترجمته................................................. ١٤
رواية القاسم الأنباري وترجمته................................................ ١٥
رواية أبي عبد الله الصائع وترجمته.............................................. ١٦
رواية أحمد بن حفص وترجمته................................................. ١٧
رواية صالح جزرة وترجمته.................................................... ١٨
رواية المعمري وترجمته....................................................... ١٩
رواية ابن زاطيا وترجمته...................................................... ٢٠
رواية الخثعمي الأشناني وترجمته............................................... ٢١
رواية ابن مروان القرشي وترجمته.............................................. ٢٢
رواية أبي الطيب الدقاق وترجمته............................................... ٢٣
رواية عبد الملك الجرجاني وترجمته............................................. ٢٣
رواية مكرم بن أحمد وترجمته.................................................. ٢٤
رواية ابن فاذويه الطحان وترجمته.............................................. ٢٥
رواية النعمان البلدي وترجمته................................................. ٢٦
رواية عبد الرحمن الجرجاني وترجمته............................................ ٢٦
رواية ابن مهرويه وترجمته.................................................... ٢٧
رواية ابن خلاد وترجمته...................................................... ٢٨
رواية فاروق الخطابي وترجمته.................................................. ٢٩
رواية ابن عدي وترجمته...................................................... ٢٩
رواية شمس الدين المقدسي وترجمته............................................ ٣١
رواية ابن شاذان وترجمته..................................................... ٣٢
رواية الدارقطني وترجمته...................................................... ٣٢
رواية الكلابي وترجمته........................................................ ٣٣
رواية أبي الحسن العلوي وترجمته............................................... ٣٤
رواية محمد بن أحمد بن رزق وترجمته.......................................... ٣٥
رواية الصيرفي وترجمته........................................................ ٣٦
رواية البرقاني وترجمته........................................................ ٣٧
رواية النرسي وترجمته........................................................ ٣٨
رواية أبي إسحاق الثعلبي وترجمته.............................................. ٣٨
رواية الدسكري وترجمته..................................................... ٣٩
رواية الصيمري وترجمته...................................................... ٤٠
رواية حمزة السهمي وترجمته.................................................. ٤١
رواية العتيقي وترجمته........................................................ ٤٢
رواية أبي سعيد الفقيه وترجمته................................................. ٤٣
رواية الجوهري وترجمته....................................................... ٤٤
رواية العيار وترجمته......................................................... ٤٤
رواية الحسكاني وترجمته...................................................... ٤٥
رواية ابن مسعدة وترجمته..................................................... ٤٦
رواية أبي الوليد الباجي وترجمته................................................ ٤٧
رواية السمرقندي وترجمته.................................................... ٤٨
رواية الراغب الأصبهاني وترجمته............................................... ٤٩
رواية ابن قبيس وترجمته...................................................... ٥٠
رواية ابن القشيري وترجمته................................................... ٥١
رواية زاهر الشحامي وترجمته................................................. ٥٢
رواية أبي منصور القزاز وترجمته............................................... ٥٣
رواية الزمخشري وترجمته...................................................... ٥٤
رواية الأنماطي وترجمته....................................................... ٥٤
رواية ابن خيرون وترجمته..................................................... ٥٥
رواية فاطمة بنت محمد البغدادي وترجمته....................................... ٥٦
رواية وجيه بن طاهر الشحامي وترجمته......................................... ٥٧
رواية القاضي عياض وترجمته.................................................. ٥٨
رواية الدهلقي وترجمته....................................................... ٥٩
رواية ابن الأنباري وترجمته................................................... ٦٠
رواية الطالقاني وترجمته....................................................... ٦١
رواية أبي اليمن الكندي وترجمته............................................... ٦٢
رواية الرافعي وترجمته........................................................ ٦٣
رواية أبي نصر الدمشقي وترجمته............................................... ٦٤
رواية أبي الرجاء الخوارزمي وترجمته............................................ ٦٥
رواية ابن أبي حمزة المالكي وترجمته............................................. ٦٥
رواية النويري وترجمته........................................................ ٦٦
رواية الذهبي وترجمته......................................................... ٦٧
رواية ابن كثير الدمشقي وترجمته.............................................. ٦٨
رواية الزين العراقي وترجمته................................................... ٦٩
رواية الهيثمي وترجمته........................................................ ٧٠
رواية القلقشندي وترجمته..................................................... ٧١
رواية العيني وترجمته......................................................... ٧٢
رواية الأعور الواسطي وترجمته................................................ ٧٣
رواية ابن الوزير الحنفي وترجمته............................................... ٧٣
رواية ابن الديبع وترجمته..................................................... ٧٤
رواية النجم الغيطي وترجمته.................................................. ٧٥
رواية أحمد بن خليل السبكي وترجمته.......................................... ٧٦
رواية الشمس البابلي وترجمته................................................. ٧٦
رواية المقدسي الحنفي........................................................ ٧٧
رواية عبد القادر الكردي..................................................... ٧٧
رواية عبد الكريم بن ولي الدين................................................ ٧٨
رواية محمد المغربي المالكي وترجمته............................................. ٧٨
رواية العصامي وترجمته....................................................... ٧٩
رواية العجلوني وترجمته...................................................... ٨٠
رواية الزبيدي وترجمته....................................................... ٨١
رواية محمد الكزبري وترجمته.................................................. ٨١
رواية نعمان الآلوسي وترجمته................................................. ٨٢
رواية عبد الرحمن الكزبري وترجمته............................................ ٨٣
رواية زيني دحلان وترجمته.................................................... ٨٣
رواية الأبياري وترجمته....................................................... ٨٤
رواية الولاتي وترجمته........................................................ ٨٥
رواية أحمد البرزنجي وترجمته.................................................. ٨٥
رواية بهجت أفندي.......................................................... ٨٦
رواية يوسف النبهاني وترجمته................................................. ٨٦
رواية محمد مخلوف المالكي وترجمته............................................ ٨٧
رواية الشنقيطي وترجمته...................................................... ٨٨
رواية أحمد عبد الجواد وعباس أحمد صقر........................................ ٨٨
رواية ابن الصديق المغربي وترجمته.............................................. ٨٩
مع الدهلوي في سند حديث أنا مدينة العلم
٩٣ ـ ١٥٦
مقدمة الرد................................................................. ٩٥
الرد على نسبة القدح إلى يحيى بن معين
بوجوه :................................. ٩٩
١ ـ إنه صححه في جواب سؤال الأنباري..................................... ٩٩
٢ ـ إنه أثبته في جواب الدوري............................................. ١٠٠
٣ ـ إنه أثبته في جواب ابن المحرز........................................... ١٠٢
٤ ـ إنه أثبته في جواب صالح جزرة......................................... ١٠٣
الرد على قدح البخاري بوجوه :............................................. ١٠٧
١ ـ البخاري مجروح...................................................... ١٠٧
٢ ـ البخاري منحرف عن أهل البيت........................................ ١٠٨
٣ ـ رواية شيخه عبد الرزاق بن همام........................................ ١٠٨
٤ ـ رواية أحمد بن حنبل.................................................. ١٠٨
٥ ـ رواية ابن معين....................................................... ١٠٩
٦ ـ رواية الطبري وتصحيحه الحديث....................................... ١٠٩
٧ ـ رواية الحاكم وتصحيحه على شرط الشيخين............................. ١٠٩
٨ ـ رواية الترمذي........................................................ ١٠٩
٩ ـ جزم جماعة بصحته................................................... ١١٠
١٠ ـ تحسين جماعة....................................................... ١١٠
١١ ـ كلا الزركشي في رد دعوى بطلانه.................................... ١١٠
١٢ ـ فتوى ابن حجر المكي بحسنه.......................................... ١١١
١٣ ـ إعراض القوم عن قدح البخاري....................................... ١١١
الرد على نسبة القدح إلى الترمذي بوجوه :.................................... ١١٢
( ١ ) نقل جماعة الحديث عن صحيح الترمذي ،
منهم :
١ ـ ابن طلحة الشافعي.................................................... ١١٢
٢ ـ ابن تيمية............................................................ ١١٣
٣ ـ ابن روزبهان......................................................... ١١٣
٤ ـ الميبدي.............................................................. ١١٣
٥ ـ محمد بن يوسف الشامي............................................... ١١٣
٦ ـ ابن حجر المكي...................................................... ١١٤
٧ ـ ميرزا مخدوم.......................................................... ١١٤
٨ ـ العيدروس اليمني...................................................... ١١٤
٩ ـ الشيخاني القادري..................................................... ١١٤
١٠ ـ عبد الحق الدهلوي................................................... ١١٥
١١ ـ الشبراملسي......................................................... ١١٥
١٢ ـ إبراهيم الكردي الكوراني............................................. ١١٥
١٣ ـ الزرقاني المالكي..................................................... ١١٥
١٤ ـ محمد الصبان المصري................................................ ١١٦
( ٢ ) تنصيص بعضهم على تحسين الترمذي
الحديث............................ ١١٦
( ٣ ) اعتراض السيوطي على ابن الجوزي
استنادا إلى رواية الترمذي.............. ١١٧
( ٤ ) رد الشوكاني القدح فيه برواية
الترمذي.................................. ١١٧
الرد على قدح ابن الجوز.................................................... ١١٨
من كلمات العلماء في ابن الجوزي........................................... ١١٨
من كلمات العلماء في كتابه الموضوعات...................................... ١٢١
من كلمات العلماء في الرد على قدحه في هذا
الحديث........................... ١٢٨
الرد على قدح ابن دقيق العيد................................................ ١٣٠
الكلام على رأي النووي والذهبي والجزري في
الحديث........................... ١٣٢
( ١ ) رأي النووي......................................................... ١٣٢
النووي يقدح في حديث : أنا دار الحكمة. لا
في حديث « أنا مدينة العلم »....... ١٣٢
وجوه الرد على القدح في حديث : أنا دار
الحكمة وعلي بابها :.................. ١٣٣
١ ـ رواية أحمد بن حنبل.................................................. ١٣٣
٢ ـ رواية الترمذي وتحسينه................................................ ١٣٣
٣ ـ رواية الطبري وتصحيحه............................................... ١٣٤
٤ ـ رواية الحاكم وتصحيحه............................................... ١٣٤
٥ ـ رواية جماعة آخرين................................................... ١٣٤
الرد على نسبة القدح في الحديث المذكور
إلى الترمذي........................... ١٣٥
تحريف عبارة الترمذي...................................................... ١٣٥
وكم له من نظير!!......................................................... ١٣٦
تصرف النووي في كلام الترمذي............................................. ١٣٨
تحريف آخر لكلام الترمذي.................................................. ١٣٩
توهم النووي.............................................................. ١٣٩
رواة حديث « أنا دار الحكمة » من الصحابة
والتابعين.......................... ١٤٠
نتيجة البحث.............................................................. ١٤١
بطلان قدح النووي من كلام العلماء.......................................... ١٤١
ثبوت حديث « أنا دار الحكمة » في شعر
للنووي.............................. ١٤٢
( ٢ ) رأي شمس الدين الذهبي............................................... ١٤٢
١ ـ انحراف الذهبي وتعصبه................................................ ١٤٢
٢ ـ تحقيق العلائي........................................................ ١٤٢
٣ ـ رد ابن حجر العسقلاني على الذهبي..................................... ١٤٤
٤ ـ رد ابن حجر المكي على الذهبي......................................... ١٤٤
٥ ـ اعراض الجماعة عن قدحه وردهم عليه................................... ١٤٥
٦ ـ من آثار علو الحق رواية الذهبي للحديث
بسند عال........................ ١٤٥
( ٣ ) رأي شمس الدين الجزري.............................................. ١٤٧
الجزري يروي الحديث في كتابه : أسنى
المطالب................................ ١٤٧
استدلال علماء أهل السنة بالحديث في كتبهم.................................. ١٥١
إحتجاج ولي الله الدهلوي به في كتبه......................................... ١٥٤
احتجاج الدهلوي نفسه به في فتوى له........................................ ١٥٤
دلالة حديث
أنا مدينة العلم وعلي بابها
١٥٧ ـ ٢٠٠
١ ـ دلالته على الأعلمية................................................... ١٥٩
اعتراف القوم بدلالته على الأعلمية........................................... ١٦٥
المشابهة بين علي وآدم 8
في العلم......................................... ١٧١
قصة استخلاف آدم 7................................................... ١٧٣
٢ ـ دلالته على العصمة.................................................... ١٧٦
٣ ـ دلالته على أن الامام واسطة العلوم...................................... ١٧٨
٤ ـ دلالته على أن الامام حافظ العلم........................................ ١٨٠
٥ ـ دلالته على وجوب الرجوع إليه......................................... ١٨١
٦ ـ دلالته على أن الامام أول من يقاتل
أهل البغي............................. ١٨٣
٧ ـ سياقه في رواية جابر يدل على أفضلية
الامام من وجوه..................... ١٨٤
٨ ـ الحديث في خطبة للامام الحسن 7.................................... ١٨٧
٩ ـ رجوع جميع الطرق إلى الامام 7...................................... ١٨٨
١٠ ـ دلالته على أنه خاتم الأولياء........................................... ١٨٩
أدلة أخرى على استلزام الأعلمية للأفضلية
فالامامة :............................ ١٩١
١ ـ قصة جالوت......................................................... ١٩١
٢ ـ قصة استخلاف داود سليمان 8.................................... ١٩٢
٣ ـ الحديث : من استعمل عاملا وهو يعلم .................................. ١٩٤
٤ ـ من الأشعار المروية.................................................... ١٩٤
٥ ـ قول عمر : لو أدركت معاذ بن جبل ................................... ١٩٨
دحض المعارضة
بـ « ما صب الله شيئا في صدري
إلا وصببته في صدر أبي بكر »
٢٠١ ـ ٢١٢
١ ـ هذا مختلق............................................................ ٢٠٣
٢ ـ مصادمته للواقع....................................................... ٢٠٤
٣ ـ رأي ابن الجوزي...................................................... ٢٠٤
٤ ـ رأي الطيبي وترجمته................................................... ٢٠٥
٥ ـ رأي ابن القيم وترجمته................................................. ٢٠٦
٦ ـ رأي الفيروزآبادي..................................................... ٢٠٧
٧ ـ رأي محمد طاهر الفتني................................................. ٢٠٨
٨ ـ رأي القاري.......................................................... ٢٠٨
٩ ـ رأي عبد الحق الدهلوي................................................ ٢٠٨
١٠ ـ رأي الإله ابادي وترجمته.............................................. ٢٠٩
١١ ـ رأي الشوكاني...................................................... ٢١١
خلاصة ونقاط............................................................. ٢١١
دحض المعارضة
بـ « لو كان بعدي نبي لكان عمر »
٢١٣ ـ ٢٣٦
١ ـ كفر عمر سابقا...................................................... ٢١٥
٢ ـ عمر غير معصوم...................................................... ٢١٧
٣ ـ استلزامه أفضلية عمر من أبي بكر....................................... ٢١٧
٤ ـ بطلانه ببداهة العقل................................................... ٢١٨
٥ ـ ضعف أسانيده :..................................................... ٢١٩
ضعف مشرح بن هاعان.................................................... ٢١٩
ضعف بكر بن عمرو....................................................... ٢٢٠
ضعف الفضل بن المختار.................................................... ٢٢١
الحديث بلفظ آخر......................................................... ٢٢٣
الغرض من وضع هذا الحديث................................................ ٢٢٣
تقليب الحديث الموضوع.................................................... ٢٢٥
وروده في الموضوعات لابن الجوزي........................................... ٢٢٦
دفاع السيوطي عن الحديث.................................................. ٢٢٧
الرد على السيوطي......................................................... ٢٢٨
وجوه استدلال الشيعة
بروايات أهل السنة
٢٣٦ ـ ٢٤٢
١ ـ إنه لو لم يجز لم للسنة الاستدلال
بروايات الشيعة.......................... ٢٣٦
٢ ـ إنه مثل استدلال المسلمين على غيرهم
بما في كتبهم........................ ٢٣٧
٣ ـ إنه لو لم يجز يلزم غلق باب الالزام....................................... ٢٣٨
٤ ـ دعوة الشيعة أهل السنة بالأخذ بما ورد
في كتبهم في حق أهل البيت.......... ٢٣٨
٥ ـ الأخذ بقاعدة الاقرار.................................................. ٢٣٨
٦ ـ اعتبار إقرار الخصم.................................................... ٢٣٩
٧ ـ كلام الرشيد الدهلوي................................................. ٢٤٠
٨ ـ كلام الدهلوي في مقدمة التحفة........................................ ٢٤٠
٩ ـ كلام والده في كتاب قرة العينين........................................ ٢٤١
١٠ ـ بطلان ما عارض به الدهلوي حديث مدينة
العلم على ضوء كلمات علماء مذهبه ٢٤١
مع العلماء الآخرين
فيما قالوه حول حديث أنا مدينة العلم
ونحوه
٢٤٢ ـ ٢٤٣
( ١ ) مع العاصمي في كلامه حول أنا مدينة
العلم............................. ٢٤٥
دلالة الحديث على مذهب الامامية............................................ ٢٤٦
وجوه الجواب عن تأويل العاصمي الحديث :................................... ٢٥٠
١ ـ إنه دعاوى فارغة..................................................... ٢٥٠
٢ ـ لم يذكر النبي إلا بابا واحدا............................................ ٢٥١
٣ ـ أمر النبي بإتيان باب علي فقط.......................................... ٢٥١
٤ ـ عدم ذكر النبي الثلاثة في غير هذا
الحديث................................ ٢٥٢
٥ ـ اعتراف الثلاثة بالجهل في مواضع كثيرة.................................. ٢٥٢
٦ ـ النقض على العاصمي بكلام نفسه...................................... ٢٥٢
٧ ـ بطلان كلامه بما جاء في ذيله........................................... ٢٥٣
( ٢ ) مع العاصمي أيضا.................................................... ٢٥٤
١ ـ كلماته متناقضة...................................................... ٢٥٦
٢ ـ بطلان دعوى اختصاص علي بالقضاء.................................... ٢٥٦
٣ ـ حديث : أرحم أمتي بأمتي ... موضوع :................................ ٢٥٧
الحديث عن أنس........................................................... ٢٥٧
نظرة في رجاله............................................................. ٢٥٩
إنه لا يخلو عن إرسال....................................................... ٢٦١
المرسل ضعيف............................................................. ٢٦٢
رواية العاصمي واضحة الإرسال............................................. ٢٦٢
رواية قتادة مرسلا.......................................................... ٢٦٣
حصيلة البحث............................................................ ٢٦٣
الحديث عن ابن عمر....................................................... ٢٦٣
نظرة في رجاله............................................................. ٢٦٤
طريق آخر عن ابن عمر..................................................... ٢٦٥
نظرة في رجاله............................................................. ٢٦٥
حصيلة البحث............................................................ ٢٦٦
الحديث عن جابر.......................................................... ٢٦٧
نظرة في رجاله............................................................. ٢٦٨
الحديث عن أبي سعيد الخدري............................................... ٢٦٩
نظرة في رجاله............................................................. ٢٧٠
الحديث عن أبي محجن الثقفي................................................ ٢٧٢
نظرة في رجاله............................................................. ٢٧٢
الحديث عن شداد بن أوس.................................................. ٢٧٣
هو في الموضوعات......................................................... ٢٧٣
الحديث عن ابن عباس...................................................... ٢٧٥
لا سند له................................................................. ٢٧٥
حصيلة البحث............................................................ ٢٧٦
آراء المحققين الآخرين....................................................... ٢٧٦
ترجمة ابن عبد الهادي....................................................... ٢٧٧
٤ ـ بطلان دعوى : إن أبا بكر أول باب لأنه
باب في الرحمة :.................. ٢٧٨
نوادر الأثر في شدة أبي بكر................................................. ٢٧٨
قوله : إن لي شيطانا يعتريني................................................. ٢٨٦
٥ ـ بطلان دعوى : أن عمر باب المدينة بعد
أبي بكر :........................ ٢٨٧
من شواهد محاماة عمر للمنافقين والمخالفين.................................... ٢٨٨
اختلاق آخر............................................................... ٢٩٨
اختصاص حذيقة بعلم المنافقين............................................... ٢٩٩
٦ ـ بطلان دعوى : إن عثمان باب المدينة
بعد عمر........................... ٣٠١
٧ ـ بطلان دعوى : كون أبي من أبواب مدينة
العلم........................... ٣٠١
٨ ـ بطلان دعوى : كون معاذ من أبواب مدينة
العلم......................... ٣٠٢
وجوه بطلان هذه الدعوى................................................... ٣٠٢
من شواهد جهل معاذ بالحلال والحرام......................................... ٣٠٣
حديث مختلق في الذباب عن معاذ............................................ ٣٠٥
الوجوه الدالة على وضعه.................................................... ٣٠٦
اتجار معاذ في مال الله....................................................... ٣٠٩
٩ ـ بطلان دعوى : كون زيد من أبواب مدينة
العلم.......................... ٣١٠
١٠ ـ بطلان دعوى : كون أبي عبيدة من أبواب
مدينة العلم.................... ٣١١
وجوه بطلان هذه الدعوى................................................... ٣١٢
طرق حديث : لكل أمة أمين .. في البخاري................................... ٣١٢
طرقه في صحيح مسلم...................................................... ٣١٤
وجوه الوهن في هذه الطرق.................................................. ٣١٥
حديث أمانة أبي عبيدة بلفظ آخر وقدح
الحفاظ فيه............................. ٣٢٤
بطلان هذه الأحاديث معنى :................................................ ٣٢٥
١ ـ خيانة أبي عبيدة في كتمان خبر عزل
خالد................................ ٣٢٥
إعتذار الطبري لأبي عبيدة ، والرد عليه........................................ ٣٢٥
إعتذار سبط ابن الجوزي ، والرد عليه......................................... ٣٢٦
٢ ـ مخالفة أخرى لأبي عبيدة في القضية...................................... ٣٢٨
٣ ـ تهاونه في إجراء الحد الشرعي خيانة
عظيمة............................... ٣٣٠
٤ ـ رأيه في أهل حمص ينافي الأمانة
والديانة.................................. ٣٣١
٥ ـ ما كان بينه وبين الروم في قصة
التمثال.................................. ٣٣٣
٦ ـ ظن عمر بن الظنون................................................... ٣٣٥
٧ ـ اعترافه بمخالفة النبي وقلقه من ذلك...................................... ٣٣٥
حديث مفتعل في زهده..................................................... ٣٣٦
١١ ـ بطلان دعوى : كون أبي ذر من أبواب
المدينة........................... ٣٣٨
١ ـ عبارة العاصمي حول أبي ذر تختلف عن
عبارته حول من سبقه.............. ٣٣٩
٢ ـ أحاديث شبه أبي ذر بعيسى من متفردات
القوم........................... ٣٤٠
٣ ـ الحديث الذي ذكره العاصمي في زهده شاذ.............................. ٣٤٠
٤ ـ النظر في كلام العاصمي حول صدق لهجة
أبي ذر......................... ٣٤١
٥ ـ تصرف العاصمي في حديث : ما أقلت ................................. ٣٤٢
٦ ـ بطلان دعوى أن الزهد جامع للعلم كله.................................. ٣٤٢
( ٣ )
مع الطيبي في كلامه حول
حديث : أنا دار الحكمة وعلي بابها
٣٤٣ ـ ٣٥١
١ ـ سعة الدار لا تستلزم وجود أكثر من باب................................ ٣٤٣
٢ ـ تعدد أبواب الجنة بحسب أفعال أهلها لا
سعتها............................ ٣٤٤
٣ ـ تمثيل النبي نفسه ب « دار الجنة »........................................ ٣٤٦
٤ ـ لو كان لدار الحكمة أبواب فهم الأئمة
المعصومون........................ ٣٤٧
٥ ـ ظاهر الحديث وحدة الباب............................................. ٣٤٧
٦ ـ الأئمة الاثنا عشر أبواب النبي........................................... ٣٤٩
فهرس الكتاب............................................................. ٣٥٣
|